1
كتابات روحانية ودراسات مسيحية / رد: رياضة روحية لزمن الصوم الكبير عبر النت مع ايليا النبي للأب غدير الكرملي ( 2016)
« في: 10:42 29/03/2016 »زمن الصوم الكبير للعام 2016 – رياضة روحية عبر النت مع النبي إيليا: اللقاء بإله الحياة
6) أحد السعانين .. السير نحو الآلام : أن نفتح قلبنا لحضور الله
»قم وَكُل، فإنَّ الطريقَ بعيدةٌ أمام«
1) نص من حياة إيليا النبي: الحج إلى ينابيع العهد (1 ملوك 19: 1 - 18)
1وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. 2فَأَرْسَلَتْ إِيزَابَلُ رَسُولاً إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ: «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ بي وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا». 3فَخافَ وقامَ ومضى لإنقاذ نفسهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ الَّتِي لِيَهُوذَا وَتَرَكَ غُلاَمَهُ هُنَاكَ. 4ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي». 5وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ». 6فنظر فإذا عند رأسه رغيف مخبوز على الجمر وجرة ماء، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. 7ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ، فإنَّ الطَريقَ بعيدةٌ أمامَك». 8فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ، 9وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمُغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا.
وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» 10فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 11فَقَالَ: «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ». وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ. 12وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتُ نَسيمٍ لَطيف. 13فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ، وَإِذَا بِصَوْتٍ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» 14فَقَالَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 15فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ رَاجِعًا من خلال طَرِيقِ بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، 16وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. 17فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. 18وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ».
2) تأمُّل : نحو اللقاء بالله
أ) رِحلة إيليا إلى حوريب
أمام تهديد إيزابَل له بالموت، يخاف إيليا ويهرب. وبسبب جُبنِه هذا، يقنط إيليا وتفتر همته، وينهار في نهاية يوم من السير! إنه يتمنى الموت. وهنا ينضم الله إليه في وسط يأسه.
يمكن للإكتئاب في الواقع، أن يسمح لنا بأن نسترجع من جديد طاقتنا الحيوية الموجودة في أعماقنا الدفينة. عندها يمكننا أن نعيش العزلة التي وَضَعْنا نفسنا فيها، لكن في هذه المرة ليست العزلة المفروضة علينا بسبب إكتئابنا، لكن العزلة المُختارَة من أجل الله والمعاشة معه وفيه. فالعزلة أو الخلوة المختارة بحد ذاتها هي نعمة، بما أنها تُحيي وتُعَمِّق علاقتنا مع الله. فالحرية تفترض، في الحقيقة، القدرة على تحمل وعيش عزلتنا أو وحدتنا. يجب أن نَعلَم بأن كياننا الأعمق، الحميم، لا يمكنه أن يدخل في علاقة مع إنسان آخر، مهما كان عمق درجة العلاقة التي تربطنا. فالله وحده يعرف سر قلبنا حقاً. فحتى بالنسبة لنا نحن، يبقى كياننا العميق سرً يتجاوزنا، ولن يُكشَف لنا إلاّ عندما نرى الله وجها لوجه. عندها سنعرف أنفسنا ونكتشفها حقاً بكل عمقها بفضل النور الناتج من المحبة، أي من الله الذي يخلقنا باستمرار ودون توقف. ومع ذلك، نحن مدعوون من الآن للإنضمام، في الخلوة، إلى ذلك الذي يدعونا في أعمق نقطة حميمة فينا. وهناك يمكننا أن نسمع كلامه يتدفق وكأنه ينبوع حي.
كان يمكن لهذه القصة أن تنتهي هنا في هذه الخلوة المثمرة في الله، لكنها من جديد، تبدأ بالحركة وبقوة. فعلى إيليا أن يأكل ويشرب، ليس فقط لمجرد تغذية جسده، لكن كي يستطيع السير من جديد في طريق طويل. هكذا يُحَوِّل تدخل الملاك هروبه المُخجِل والمُخزي، إلى حجٍّ نحو جبل العهد، على مثال موسى، لمدة أربعين يوم وأربعين ليلة (خروج 24: 12-18).
ب) اللقاء بالله
يقضي إيليا الليل على جبل الله داخل كهف. ويبدو أنه جاء إلى هنا كي يختبيء من جديد: لأن مجيئه هذا يبدو لنا وكأنه يريد من جديد أن يبتعد عن عيون الآخرين وينطوي على نفسه. لكن كلام الله يأتي ويقتلعه مما قد يبدو لنا كنوع من الخوف والتراجع عند إيليا: "مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ، لماذا أنت هنا.. ماذا تفعل هنا؟ يعكس سؤال الله هذا شيئاً من اللوم أو العتاب. كلمة "هنا" والتي تشير إلى جبل سيناء، تتعارض مع كلمة "هناك" أي مملكة إسرائيل حيث الله دعا إيليا النبي. أي إن الله يعاتب إيليا لعدم وجوده في مكان رسالته النبوية (أي هناك)، أي أنه يلومه لتركه رسالته. ويحاول إيليا من خلال جواب طويل أن يبرر فعلته هذه، موضحاً بأن غَيرته لله هي التي قادته إلى الصحراء لأن بني إسرائيل قد تركوا الرب وتخلوا عن عهده معهم. ويضيف إلى ذلك مسألة تدميرهم لمذابح الرب وقتلهم لأنبيائه. هكذا يبرر إيليا هروبه هذا والوحدة أو العزلة التي يضع نفسه فيها، موضحاً بأنهم يريدون قتله.
بعد أن عَبَّر عن يأسه وغضبه، يرفض إيليا الخروج في حضور الرب. تَحدُث عندها ثلاثة ظهوارت كونية يمكن أن تعكس وتشير إلى أنواع القلق أو المخاوف التي تسكن قلب إيليا، كما يحصل معنا، في ظروفنا الصعبة. أولاً، ريحٌ شديدة، إعصار شديد، يُحَطِّم كل شيء ويزعزع ثوابتنا. فما كان الأكثر قداسة، أي العهد بين الشعب والله، قد أُنتُهِكَ. وفَضَّل إيليا الهرب. إن هذا الإعصار أو الريح الشديدة تجلب الفوضى وتزعزع كل المقاييس وتُربِكنا فلا نَعُد نعرف من بعد إلى أين نذهب. هل يبقى عندها معنى لحياتنا؟ وسط تجربة كهذه، في أي شيء يمكنني أن أضع ثقتي؟
لكن الرب ليس موجود في "سؤال" كهذا!
بعد ذلك، يحدث زلزال يهز كل ما نقف عليه ونعتبره "ضمانًا" لنا في مسيرتنا، ويهز كذلك علاقاتنا وكل ما يربطنا مع الآخرين. لقد رأى إيليا الشعب يبتعد عن الله، ويرى كذلك كيف أن الملك يأمر بقتل أنبياء الله بتحريض من زوجته الوثنية إيزابَل. هل أنا وحيد حقاً في هذه المُعضلة بينما الأرض نفسها تهتز تحت قدمَيَّ؟ هل هناك تواصل ممكن؟ أليس كل شيء قد انكسر وأصبح حطاماً فيما يخص العلاقات الإنسانية؟
هنا أيضاً لم يكن الرب في هذا "السؤال"!
بعدها، يأتي النار ويهدد الوجود نفسه، كي يدمر ويأكل كل شيء. ألن يصبح كلُّ شيء مجرد رماد؟
لا يمكن للرب أن يكون في هذا "السؤال" الذي يعكس الدمار والإبادة التامة.
وأخيراً، بعد النار، يأتي صَوتُ نَسيمٍ لطيف. فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا، لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ. لا يمكن لإيلي أن يرى شيئاً، ووجهه ملفوف هكذا. فكل شيء متعلقٌ بمستوى إصغائنا.. بطريقة إصغائنا، إصغاء سري كما تعكسه عبارة "صوتُ نسيم لطيف"، التي يمكن أن تُتَرجم أيضاً "صوتُ صَمتٍ لطيف!" والتي تعكس بحد ذتها نوعاً من التناقض أو المفارقة السرية (فهل للصمت صوت؟!).
إن مرور الله هنا يشبه صوتًا لطيفاً وخفيفاً جداً، يناقض ويعارض عنف العوامل الكونية التي سبقته (الإعصار والزلزال والنار). إن هذا النص لا يشبه أو لا يتطابق مع ظهورات الله بالمعنى الواضح التي نعرفها في الكتاب المقدس. إن خبرة إيليا هذه قد حدثت بينما كان لايزال مختبأً في الكهف. إنه لا يرى الله، لكن عليه أن يُمَيِّز شيئاً فشيئاً الحضور الإلهي من خلال سماعه لصوت لطيف وعجيب. هنا الحوار إذن يسود ويطغي على النظر.
أمام اليأس والقلق، لا يجب أن نطرح الأسئلة، أعني لا يجب أن نبحث عن سبب ما يحدث لنا ... أمام اليأس والقلق علينا أن نصغي بصبر إلى صوت الله، الذي لا يمكننا سماعه بسهولة لأنه خفيف جداً، يشبه "صوت الصمت الخفيف"، الذي فيه يَهَب اللهُ نفسه لنا وكأنه "نسيم عليل، خفيف"! وإيليا كان حاضر هناك لاستقبال معجزة الحياة هذه التي تُدهشنا بهشاشتها: الله الذي هو غير منظور حتى في حضوره، إذا أصغينا إليه، يمكننا أن نسمع صوته اللطيف!
وإيليا، بعد أن خرج أخيراً من كهفه، يمكنه أن يسمع بشكل آخر هذا السؤال الحاسم: "مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ... ماذا تفعل هنا؟ فيجيب إيليا بنفس الجواب السابق، الذي يعكس القلق والخوف، لكن في هذه المرة يمكننا أن نشعر بأن "النهوض" أو "القيامة" هي قريبة. لأن الله هنا قد كشف لإيليا (في عمق قلبه) بأنه حاضر معه ولو بطريقة خفية جداً. هذا اليقين جعله يجد من جديد، السلام، والرغبة في العيش، والشجاعة التي ستدفعه من جديد للسير بهدف إتمام الرسالة التي استلمها من الله. إن الله أكبر من كل ما يمكننا تصوره. ولهذا يمكننا التعرف عليه أيضاً في الإيمان، ومن خلال علامات بسيطة متواضعة، تكشف لنا قربه الخفي. لكن علينا من أجل ذلك أن نختلي أو "نختبيء فيه"، كي نستطيع بالتالي أن نكتشف في داخلنا حضور الله الخفي هذا.
ج) خطاب الله
بعد أن سأله الله لمرتين "ماذا تفعل هنا يا إيليا؟" (الآيات 9 ، 13)، يطلب الله منه أن يبدأ السير من جديد ليعود من حيث أتى. فلقاء إيليا بالله سيُرجعه إلى رسالته كنبي في إسرائيل. إن الأمر المعطى من قبل الله إلى إيليا كي يعود من نفس الطريق، يلمح إلى رسالته النبوية التي كان قد هجرها، وسيكتمل هذا الأمر من خلال تسليمه رسالات أخرى عليه القيام بها. فعلى إيليا أن يمسح ملكين ونبياً. إن رسالة إيليا ستتحقق من خلال أحداث مختلفة: دعوة أليشاع (1ملوك 19: 19-21)؛ الرسالة التي أُرسِل إليها عند أخاب بعد قتله لنابوت ومصادرة أرضه (1 ملوك 21: 17-29)؛ التنبؤ بموت الملك أَخَزْيَا (2 ملوك 1: 1-18)؛ ويمكننا أن نشمل أيضاً رفع إيليا في عربة من نار مع تحويل رسالته إلى أليشاع (2ملوك 2: 1-25). إن هذه الرسالات المختلفة ليس لها أية صلة ما مع يسبقها. هكذا إذن يُثَبَّتُ إيليا في رسالته النبوية. هكذا إذن عندما ننفتح إلى كلام الله ونستقبله في الطاعة والثقة، يُقيمنا من جديد .. يجعلنا نقف من جديد ويُذكِّرنا بمسؤولياتنا ويُرسلنا إليها من جديد. إن حضور الله الأكيد، الذي انبثق من هذا الصمت، سمح لإيليا لأن يتغلب على الخوف. فعندما نسمح لكلام الله أن يعمل فينا، سيهبنا نعمة وشجاعة، ويجعلنا نلتزم من جديد بالرسالة، متجاوزين كل الأسئلة التي تقلقنا وكل خيبات الأمل والإحباطات؛ والغريب في كل ذلك، أن هذا كله يحدث مع أن كلام الله الذي نسمعه لا يقدم لنا ضمانًا آخر غير أمانة الله ووفاءه لكلامه ولعهده: "اذْهَبْ رَاجِعًا من خلال طريق البَرِّيَّةِ»، (وأنا سأكون معك، لا تخف)، هذه هي أمانة الله.
3. تأمُّل في إنجيل الآلام (لوقا 22: 39 – 46): صلاة في جبل الزيتون
خرج يسوع وذهب على عادته إلى جبل الزيتون، وتبعه تلاميذه. ولما وصل إلى ذلك المكان قال لهم: (( صلوا لئلا تقعوا في التجربة )). ثم ابتعد عنهم مقدار رمية حجر وجثا يصلي فيقول: ((يا أبت، إن شئت فاصرف عني هذه الكأس… ولكن لا مشيئتي، بل مشيئتك!)) وتراءى له ملاك من السماء يشدد عزيمته. وأخذه الجهد فأمعن في الصلاة، وصار عرقه كقطرات دم متخثر تتساقط على الأرض. ثم قام عن الصلاة فرجع إلى تلاميذه، فوجدهم نائمين من الحزن. فقال لهم: (( ما بالكم نائمين ؟ قوموا فصلوا لئلا تقعوا في التجربة )).
ما الذي حدث لنا؟
فقد كنا متحدين تماماً حوله عندما قاسَمَنا الخبز، ومتأثرين جداً عندما مَدَّ لنا يده بالكأس! لقد كنا فرحين سوية حوله في هذه الوليمة عندما طلب منا أن نستقبل جسده ودمه!
ما الذي حدث لنا؟
كان يتحدث عن الملكوت الذي سيأتي، وكنا نشعر بقوة بهذا الملكوت، عندما كنا سوية، معه! كنا نحس بالطبع بثقل كلامه عندما أخبرنا بأنه لن يشرب من هذا الخمر بعد، لكن كل شيء كان بسيطً جداً معه، عندما كنا سوية!
ما الذي حدث لنا؟
كان هناك أولاً هذا الحزن الكبير في البستان، في الليل. لقد غزى الحزنُ قلوبنا بحيث غلبنا النعاس ونمنا كلنا. وحده هو، ظل وحيداً.
لكن لماذا؟ لماذا يا رب؟
كان هناك أيضاً الخوف.. الخوف من مواجهة الآخرين، لم يكن ظاهراً للعيان، لكن كان يجتاح كل شيء.
لكن لماذا؟ لماذا يا رب؟
ثم بعد ذلك أتت الإستجوابات، والإذلال والإهانات، والعنف... كيف وصلت به الأمور إلى هذه الدرجة؟ لم يعد الشخص الذي كنا نعرفه. مَنْ كان يعرف هذا الرجل حقًا؟ هل كنا نحن نعرفه عندها؟!
لكن لماذا؟ لماذا يا رب؟
هناك أسئلة، لا تقودنا إلى أي مكان. كل هذه الأسئلة التي طرحناها ونطرحها أمام الألم والشر .. وعلينا أن نعرف بأن احتفالنا في الأسبوع المقدس ليس من أجل أن نجد أجوبة على هذه الأسئلة.
لكن مع ذلك، نحن هنا!
صحيح، يمكن للحزن اليوم أيضاً، أن يعزل .. أن يترك الآخر في عزلته ووحدته.
صحيح، أن الخوف يمكنه أن يقطع كل الروابط، ويُعمي لدرجة الألم.. لدرجة الظلم.
صحيح، أن الألم يمكنه أن يلتهم الإنسان، ولا يعود إنساناً بعد. فهل يبقى هناك من معنى لحياته؟ فحتى بعد ألفي سنة من آلام وصلب المسيح، لازلنا نواجه الحزن والخوف والألم.. لازلنا نطرح نفس هذه الأسئلة.
إذن لماذا نحن هنا؟ وما معنى حياتنا؟
ربما نحن هنا، ليس لكي نجيب على "لماذا" الألم والخوف والحزن في حياتنا، لأنه في الحياة، هناك أوقات، المهم فيها هو: أن نكون هنا! أن نظل واقفين أمامه .. أن نعيش بحسب إرادة أبينا السماوي.
لكننا لسنا هنا، على مثال النساء القديسات اللواتي بقين حتى النهاية .. ينظرن عن بعد، بصمت، وبحزن وألم. لقد فهمن مع ذلك، بأن حضورهن بهذه الطريقة كان أفضل من لا شيء بالنسبة له!
كما إننا لسنا هنا ، كما كان لص اليمين، الذي بفضل حُب المسيح له، كان نظره متوجه نحو الحياة التي وعده بها يسوع، هو الذي كان في عمق الهاوية وينتظر الموت القريب.
ونحن لسنا كذلك هنا، حتى نضع جسده في القبر مثل يوسف الرامي الشجاع: لقد فهم بأن بإمكانه على الأقل، أن يفعل ذلك من أجل المعلم.
عندما يكون كل شيء قد إنتهى .. عندما يكون قد فات الآوان وحدث ما حدث، هل نتصرف نحن أيضاً هكذا؟
هل نكون هنا "معه"، و"له" ومن "أجله" ؟
ومع ذلك فنحن هنا!
لكننا هنا، ربما مثل قائد المئة هذا الذي كان قادراً على أن يُسَبِّح الله ويمجده أمام الصليب، أمام هذا الصمت المؤلم: لم يكن الخوف هو من يسيطر عليه، كلا؛ لأنه شهد مثل هذه الفضائع كثيراً من قبل! ولم تكن الشفقة ما دفعه إلى ذلك، لكن كان هناك "شيء" من الله، شيء يتجاوز فهمنا فتح لنا أفقاً لا يمكن تصوره. كما لو كانت الوحدة الرهيبة التي اختبرها يسوع على الصليب، أقوى من الموت، لأنها تتكلم وتجمعنا معه وتخلق التواصل معه على الرغم من كل المظاهر.. أو كما لو كان هذا يشبه سلاماً غير معروف لنا، كان قد وُلِد من رجاء أقوى من الخوف.. أو كأن هناك ثقة غير مفهومة أَعطت هذا اليقين الآتي من الله، عند قدم الصليب.
هذه العزلة، وهذا الخوف، وهذا الشر، أخذها يسوع كلها على عاتقه، بحرية، وبحُب، كي يعيد التواصل والوحدة والرجاء والثقة به .. فَبِه وحده، فُتِح طريقٌ لنا في قَلب الليل.
نعم، نحن هنا! أمام الصليب، انفتح أمامنا شيءٌ من سر الله نفسه، شيءٌ لا يمكن فهمه، لكنه كله حُب، على الرغم من كل المظاهر، شيء يعطينا هذه الثقة التي تجعلنا، على الرغم من كل شيء، نستطيع أن نُحِب.
4. ثلاثة مسارات لتَبَنّي الإنجيل وتطبيقه في حياتنا، والآية للحفظ وللصلاة:
على ضوء فصح يسوع:
* كيف نعيش أوقات الإحباط أو الإكتئاب: هل نعيشها كنعمة للخلوة أو العزلة من أجل إحياء علاقتنا مع الله وتجديدها؟
* أن نجبر أنفسنا هذا الأسبوع، بنعمة الله، أن ندخل في صمت هاديء .. في حضور الله، في ثقة وتسليم، بعيداً عن أي تساؤل يقلقنا في حياتنا.
* كي نتأمل صليب يسوع يوم الجمعة العظيمة، لنُسَبِّح الله مع المسيح متحدين مع أفخارستيته التي أسسها لنا يوم خميس الفصح.
آية تساعدني على البقاء في حضور الله وعلى التعاطف مع الآخرين:
-
- مع الشهيق أردد العبارة التالية كعلامة على الإعتراف: »يَا رَبّ، إنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي...
- مع الزفير أردد العبارة التالية كعلامة على الطاعة : ... قُمْ وَكُلْ، فإنَّ الطَريقَ بعيدةٌ أمامَك!«
5. الصلاة كل يوم من أيام الأسبوع مع إيليا النبي:
الأثنين 21 آذار :
أفَلا تعلمون ما قال الكتاب في إيليا؟ كيف كان يخاطب الله شاكيا إسرائيل فيقول: (( يا رب، إنهم قتلوا أنبياءك وهدموا مذابحك وبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي؟)) فماذا أوحي إليه؟ (( إني استبقيت لي سبعة آلاف رجل لم يجثوا على ركبهم للبعل )). وكذلك في الزمن الحاضر لا تزال بقية (من شعب الله المختار) مختارة بالنعمة. (رومة 11: 1-5)
يا رب، على الرغم من الحروب وكل المآسي التي نحن شهود عليها، لا تتركنا نفقد إيماننا في مستقبل البشرية.
الثلاثاء 22 آذار:
(بعض المؤمنين) هاموا على وجوههم (...) وعاشوا محرومين مضايقين مظلومين، لا يستحقهم العالم، وتاهوا في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. (عبرانيين 11: 37-38)
هل أخاف أن أكون "نبياً": فلربما يُنظَر إلي كـغبي أو مثير للسخرية، أو مزعج، من خلال شهادتي لله بكلامي وحياتي؟
الأربعاء 23 آذار:
((وكان هناك صَوْتُ نَسيمٍ لَطيف. فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ.)) (1 ملوك 19: 12-13)
يا رب، في هذا الأسبوع، حيث نحيي آلامك المُخَلِّصة، أعطِني أن أكتشف حضورك، وسط صخب العالم، وصرخات الألم، ولامبالاة المكتفين بذواتهم.
خميس الفصح 24 آذار:
((قال لهم يسوع: أنا خبز الحياة. من يقبل إلي فلن يجوع، ومن يؤمن بي فلن يعطش أبداً)) (يوحنا 6: 35)
كان خبز الملاك كافياً لإيليا مدة 40 يوماً. فلماذا لا نؤمن بأن جسد ودم الله نفسه سيسندنا لمدة أطول!
الجمعة العظيمة 25 آذار:
((ولما كان الظهر خيم الظلام على الأرض كلها حتى الساعة الثالثة. وفي الساعة الثالثة صرخ يسوع صرخة شديدة، قال: يلي ، إيلي، لما شبقتاني؟ أي: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ فسمع بعض الحاضرين فقالوا: ها إنه يدعو إيليا ! فأسرع بعضهم إلى إسفنجة وبللها بالخل وجعلها على طرف قصبة وسقاه، وهو يقول: دعونا ننظر هل يأتي إيليا فينزله. وصرخ يسوع صرخة شديدة ولفظ الروح. فانشق حجاب المقدس شطرين من الأعلى إلى الأسفل. فلما رأى قائد المائة الواقف تجاهه أنه لفظ الروح هكذا، قال: كان هذا الرجل ابن الله حقا !)) (مرقس 15: 33-39)
لقد أخذ الله على عاتقه كل وضعنا البشري، بما في ذلك ألمي وموتي أنا. فأنا إذن لست وحيداً ومنعزلاً، لكني جزء من تأريخ الله هذا؛ ولدي رسالة أشترك من خلالها في عمله ومخططه.
السبت المقدس 26 آذار :
((ومضى إيليا من هناك فلقي أليشاع بن شافاط، وهو يحرث وأمامه اثنا عشر فدان بقر، وهو مع الثاني عشر. فمر إيليا نحوه ورمى اليه بردائه. فترك البقر وركض وراء إيليا وقال له: دعني اقبل أبي وامي، ثم أسير وراءك. فقال له إيليا: اذهب راجعا، ماذا صنعت بك؟ فرجع من خلفه وأخذ زوجين من البقر وذبحهما وطبخ لحمهما على أداة البقر وقدم للشعب فأكل. ثم قام ومضى مع إيليا، وكان يخدمه)). (1 ملوك 19: 18-21)
"في هذا اليوم، عندما استراح الله من أعماله، أَنتظرُ أنا في صمت، عارفاً، بأنه على الرغم من الشعور بالإحباط، فأنا لست وحيداً. لأنه دعاني، مع آخرين، للسير خلفه".
مع محبة الأب غديلر الكرملي
قيامة مجيدة للجميع
6) أحد السعانين .. السير نحو الآلام : أن نفتح قلبنا لحضور الله
»قم وَكُل، فإنَّ الطريقَ بعيدةٌ أمام«
1) نص من حياة إيليا النبي: الحج إلى ينابيع العهد (1 ملوك 19: 1 - 18)
1وَأَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابَلَ بِكُلِّ مَا عَمِلَ إِيلِيَّا، وَكَيْفَ أَنَّهُ قَتَلَ جَمِيعَ الأَنْبِيَاءِ بِالسَّيْفِ. 2فَأَرْسَلَتْ إِيزَابَلُ رَسُولاً إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ: «هكَذَا تَفْعَلُ الآلِهَةُ بي وَهكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ هذَا الْوَقْتِ غَدًا». 3فَخافَ وقامَ ومضى لإنقاذ نفسهِ، وَأَتَى إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ الَّتِي لِيَهُوذَا وَتَرَكَ غُلاَمَهُ هُنَاكَ. 4ثُمَّ سَارَ فِي الْبَرِّيَّةِ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، حَتَّى أَتَى وَجَلَسَ تَحْتَ رَتَمَةٍ وَطَلَبَ الْمَوْتَ لِنَفْسِهِ، وَقَالَ: «قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي». 5وَاضْطَجَعَ وَنَامَ تَحْتَ الرَّتَمَةِ. وَإِذَا بِمَلاَكٍ قَدْ مَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ». 6فنظر فإذا عند رأسه رغيف مخبوز على الجمر وجرة ماء، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَاضْطَجَعَ. 7ثُمَّ عَادَ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ، فإنَّ الطَريقَ بعيدةٌ أمامَك». 8فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ تِلْكَ الأَكْلَةِ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ، 9وَدَخَلَ هُنَاكَ الْمُغَارَةَ وَبَاتَ فِيهَا.
وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» 10فَقَالَ: «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 11فَقَالَ: «اخْرُجْ وَقِفْ عَلَى الْجَبَلِ أَمَامَ الرَّبِّ». وَإِذَا بِالرَّبِّ عَابِرٌ وَرِيحٌ عَظِيمَةٌ وَشَدِيدَةٌ قَدْ شَقَّتِ الْجِبَالَ وَكَسَّرَتِ الصُّخُورَ أَمَامَ الرَّبِّ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الرِّيحِ. وَبَعْدَ الرِّيحِ زَلْزَلَةٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي الزَّلْزَلَةِ. 12وَبَعْدَ الزَّلْزَلَةِ نَارٌ، وَلَمْ يَكُنِ الرَّبُّ فِي النَّارِ. وَبَعْدَ النَّارِ صَوْتُ نَسيمٍ لَطيف. 13فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ، وَإِذَا بِصَوْتٍ إِلَيْهِ يَقُولُ: «مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» 14فَقَالَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلهِ الْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». 15فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ رَاجِعًا من خلال طَرِيقِ بَرِّيَّةِ دِمِشْقَ، وَادْخُلْ وَامْسَحْ حَزَائِيلَ مَلِكًا عَلَى أَرَامَ، 16وَامْسَحْ يَاهُوَ بْنَ نِمْشِي مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَامْسَحْ أَلِيشَعَ بْنَ شَافَاطَ مِنْ آبَلَ مَحُولَةَ نَبِيًّا عِوَضًا عَنْكَ. 17فَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ حَزَائِيلَ يَقْتُلُهُ يَاهُو، وَالَّذِي يَنْجُو مِنْ سَيْفِ يَاهُو يَقْتُلُهُ أَلِيشَعُ. 18وَقَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلاَفٍ، كُلَّ الرُّكَبِ الَّتِي لَمْ تَجْثُ لِلْبَعْلِ وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ».
2) تأمُّل : نحو اللقاء بالله
أ) رِحلة إيليا إلى حوريب
أمام تهديد إيزابَل له بالموت، يخاف إيليا ويهرب. وبسبب جُبنِه هذا، يقنط إيليا وتفتر همته، وينهار في نهاية يوم من السير! إنه يتمنى الموت. وهنا ينضم الله إليه في وسط يأسه.
يمكن للإكتئاب في الواقع، أن يسمح لنا بأن نسترجع من جديد طاقتنا الحيوية الموجودة في أعماقنا الدفينة. عندها يمكننا أن نعيش العزلة التي وَضَعْنا نفسنا فيها، لكن في هذه المرة ليست العزلة المفروضة علينا بسبب إكتئابنا، لكن العزلة المُختارَة من أجل الله والمعاشة معه وفيه. فالعزلة أو الخلوة المختارة بحد ذاتها هي نعمة، بما أنها تُحيي وتُعَمِّق علاقتنا مع الله. فالحرية تفترض، في الحقيقة، القدرة على تحمل وعيش عزلتنا أو وحدتنا. يجب أن نَعلَم بأن كياننا الأعمق، الحميم، لا يمكنه أن يدخل في علاقة مع إنسان آخر، مهما كان عمق درجة العلاقة التي تربطنا. فالله وحده يعرف سر قلبنا حقاً. فحتى بالنسبة لنا نحن، يبقى كياننا العميق سرً يتجاوزنا، ولن يُكشَف لنا إلاّ عندما نرى الله وجها لوجه. عندها سنعرف أنفسنا ونكتشفها حقاً بكل عمقها بفضل النور الناتج من المحبة، أي من الله الذي يخلقنا باستمرار ودون توقف. ومع ذلك، نحن مدعوون من الآن للإنضمام، في الخلوة، إلى ذلك الذي يدعونا في أعمق نقطة حميمة فينا. وهناك يمكننا أن نسمع كلامه يتدفق وكأنه ينبوع حي.
كان يمكن لهذه القصة أن تنتهي هنا في هذه الخلوة المثمرة في الله، لكنها من جديد، تبدأ بالحركة وبقوة. فعلى إيليا أن يأكل ويشرب، ليس فقط لمجرد تغذية جسده، لكن كي يستطيع السير من جديد في طريق طويل. هكذا يُحَوِّل تدخل الملاك هروبه المُخجِل والمُخزي، إلى حجٍّ نحو جبل العهد، على مثال موسى، لمدة أربعين يوم وأربعين ليلة (خروج 24: 12-18).
ب) اللقاء بالله
يقضي إيليا الليل على جبل الله داخل كهف. ويبدو أنه جاء إلى هنا كي يختبيء من جديد: لأن مجيئه هذا يبدو لنا وكأنه يريد من جديد أن يبتعد عن عيون الآخرين وينطوي على نفسه. لكن كلام الله يأتي ويقتلعه مما قد يبدو لنا كنوع من الخوف والتراجع عند إيليا: "مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ، لماذا أنت هنا.. ماذا تفعل هنا؟ يعكس سؤال الله هذا شيئاً من اللوم أو العتاب. كلمة "هنا" والتي تشير إلى جبل سيناء، تتعارض مع كلمة "هناك" أي مملكة إسرائيل حيث الله دعا إيليا النبي. أي إن الله يعاتب إيليا لعدم وجوده في مكان رسالته النبوية (أي هناك)، أي أنه يلومه لتركه رسالته. ويحاول إيليا من خلال جواب طويل أن يبرر فعلته هذه، موضحاً بأن غَيرته لله هي التي قادته إلى الصحراء لأن بني إسرائيل قد تركوا الرب وتخلوا عن عهده معهم. ويضيف إلى ذلك مسألة تدميرهم لمذابح الرب وقتلهم لأنبيائه. هكذا يبرر إيليا هروبه هذا والوحدة أو العزلة التي يضع نفسه فيها، موضحاً بأنهم يريدون قتله.
بعد أن عَبَّر عن يأسه وغضبه، يرفض إيليا الخروج في حضور الرب. تَحدُث عندها ثلاثة ظهوارت كونية يمكن أن تعكس وتشير إلى أنواع القلق أو المخاوف التي تسكن قلب إيليا، كما يحصل معنا، في ظروفنا الصعبة. أولاً، ريحٌ شديدة، إعصار شديد، يُحَطِّم كل شيء ويزعزع ثوابتنا. فما كان الأكثر قداسة، أي العهد بين الشعب والله، قد أُنتُهِكَ. وفَضَّل إيليا الهرب. إن هذا الإعصار أو الريح الشديدة تجلب الفوضى وتزعزع كل المقاييس وتُربِكنا فلا نَعُد نعرف من بعد إلى أين نذهب. هل يبقى عندها معنى لحياتنا؟ وسط تجربة كهذه، في أي شيء يمكنني أن أضع ثقتي؟
لكن الرب ليس موجود في "سؤال" كهذا!
بعد ذلك، يحدث زلزال يهز كل ما نقف عليه ونعتبره "ضمانًا" لنا في مسيرتنا، ويهز كذلك علاقاتنا وكل ما يربطنا مع الآخرين. لقد رأى إيليا الشعب يبتعد عن الله، ويرى كذلك كيف أن الملك يأمر بقتل أنبياء الله بتحريض من زوجته الوثنية إيزابَل. هل أنا وحيد حقاً في هذه المُعضلة بينما الأرض نفسها تهتز تحت قدمَيَّ؟ هل هناك تواصل ممكن؟ أليس كل شيء قد انكسر وأصبح حطاماً فيما يخص العلاقات الإنسانية؟
هنا أيضاً لم يكن الرب في هذا "السؤال"!
بعدها، يأتي النار ويهدد الوجود نفسه، كي يدمر ويأكل كل شيء. ألن يصبح كلُّ شيء مجرد رماد؟
لا يمكن للرب أن يكون في هذا "السؤال" الذي يعكس الدمار والإبادة التامة.
وأخيراً، بعد النار، يأتي صَوتُ نَسيمٍ لطيف. فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا، لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ. لا يمكن لإيلي أن يرى شيئاً، ووجهه ملفوف هكذا. فكل شيء متعلقٌ بمستوى إصغائنا.. بطريقة إصغائنا، إصغاء سري كما تعكسه عبارة "صوتُ نسيم لطيف"، التي يمكن أن تُتَرجم أيضاً "صوتُ صَمتٍ لطيف!" والتي تعكس بحد ذتها نوعاً من التناقض أو المفارقة السرية (فهل للصمت صوت؟!).
إن مرور الله هنا يشبه صوتًا لطيفاً وخفيفاً جداً، يناقض ويعارض عنف العوامل الكونية التي سبقته (الإعصار والزلزال والنار). إن هذا النص لا يشبه أو لا يتطابق مع ظهورات الله بالمعنى الواضح التي نعرفها في الكتاب المقدس. إن خبرة إيليا هذه قد حدثت بينما كان لايزال مختبأً في الكهف. إنه لا يرى الله، لكن عليه أن يُمَيِّز شيئاً فشيئاً الحضور الإلهي من خلال سماعه لصوت لطيف وعجيب. هنا الحوار إذن يسود ويطغي على النظر.
أمام اليأس والقلق، لا يجب أن نطرح الأسئلة، أعني لا يجب أن نبحث عن سبب ما يحدث لنا ... أمام اليأس والقلق علينا أن نصغي بصبر إلى صوت الله، الذي لا يمكننا سماعه بسهولة لأنه خفيف جداً، يشبه "صوت الصمت الخفيف"، الذي فيه يَهَب اللهُ نفسه لنا وكأنه "نسيم عليل، خفيف"! وإيليا كان حاضر هناك لاستقبال معجزة الحياة هذه التي تُدهشنا بهشاشتها: الله الذي هو غير منظور حتى في حضوره، إذا أصغينا إليه، يمكننا أن نسمع صوته اللطيف!
وإيليا، بعد أن خرج أخيراً من كهفه، يمكنه أن يسمع بشكل آخر هذا السؤال الحاسم: "مَا لَكَ ههُنَا يَا إِيلِيَّا؟» ... ماذا تفعل هنا؟ فيجيب إيليا بنفس الجواب السابق، الذي يعكس القلق والخوف، لكن في هذه المرة يمكننا أن نشعر بأن "النهوض" أو "القيامة" هي قريبة. لأن الله هنا قد كشف لإيليا (في عمق قلبه) بأنه حاضر معه ولو بطريقة خفية جداً. هذا اليقين جعله يجد من جديد، السلام، والرغبة في العيش، والشجاعة التي ستدفعه من جديد للسير بهدف إتمام الرسالة التي استلمها من الله. إن الله أكبر من كل ما يمكننا تصوره. ولهذا يمكننا التعرف عليه أيضاً في الإيمان، ومن خلال علامات بسيطة متواضعة، تكشف لنا قربه الخفي. لكن علينا من أجل ذلك أن نختلي أو "نختبيء فيه"، كي نستطيع بالتالي أن نكتشف في داخلنا حضور الله الخفي هذا.
ج) خطاب الله
بعد أن سأله الله لمرتين "ماذا تفعل هنا يا إيليا؟" (الآيات 9 ، 13)، يطلب الله منه أن يبدأ السير من جديد ليعود من حيث أتى. فلقاء إيليا بالله سيُرجعه إلى رسالته كنبي في إسرائيل. إن الأمر المعطى من قبل الله إلى إيليا كي يعود من نفس الطريق، يلمح إلى رسالته النبوية التي كان قد هجرها، وسيكتمل هذا الأمر من خلال تسليمه رسالات أخرى عليه القيام بها. فعلى إيليا أن يمسح ملكين ونبياً. إن رسالة إيليا ستتحقق من خلال أحداث مختلفة: دعوة أليشاع (1ملوك 19: 19-21)؛ الرسالة التي أُرسِل إليها عند أخاب بعد قتله لنابوت ومصادرة أرضه (1 ملوك 21: 17-29)؛ التنبؤ بموت الملك أَخَزْيَا (2 ملوك 1: 1-18)؛ ويمكننا أن نشمل أيضاً رفع إيليا في عربة من نار مع تحويل رسالته إلى أليشاع (2ملوك 2: 1-25). إن هذه الرسالات المختلفة ليس لها أية صلة ما مع يسبقها. هكذا إذن يُثَبَّتُ إيليا في رسالته النبوية. هكذا إذن عندما ننفتح إلى كلام الله ونستقبله في الطاعة والثقة، يُقيمنا من جديد .. يجعلنا نقف من جديد ويُذكِّرنا بمسؤولياتنا ويُرسلنا إليها من جديد. إن حضور الله الأكيد، الذي انبثق من هذا الصمت، سمح لإيليا لأن يتغلب على الخوف. فعندما نسمح لكلام الله أن يعمل فينا، سيهبنا نعمة وشجاعة، ويجعلنا نلتزم من جديد بالرسالة، متجاوزين كل الأسئلة التي تقلقنا وكل خيبات الأمل والإحباطات؛ والغريب في كل ذلك، أن هذا كله يحدث مع أن كلام الله الذي نسمعه لا يقدم لنا ضمانًا آخر غير أمانة الله ووفاءه لكلامه ولعهده: "اذْهَبْ رَاجِعًا من خلال طريق البَرِّيَّةِ»، (وأنا سأكون معك، لا تخف)، هذه هي أمانة الله.
3. تأمُّل في إنجيل الآلام (لوقا 22: 39 – 46): صلاة في جبل الزيتون
خرج يسوع وذهب على عادته إلى جبل الزيتون، وتبعه تلاميذه. ولما وصل إلى ذلك المكان قال لهم: (( صلوا لئلا تقعوا في التجربة )). ثم ابتعد عنهم مقدار رمية حجر وجثا يصلي فيقول: ((يا أبت، إن شئت فاصرف عني هذه الكأس… ولكن لا مشيئتي، بل مشيئتك!)) وتراءى له ملاك من السماء يشدد عزيمته. وأخذه الجهد فأمعن في الصلاة، وصار عرقه كقطرات دم متخثر تتساقط على الأرض. ثم قام عن الصلاة فرجع إلى تلاميذه، فوجدهم نائمين من الحزن. فقال لهم: (( ما بالكم نائمين ؟ قوموا فصلوا لئلا تقعوا في التجربة )).
ما الذي حدث لنا؟
فقد كنا متحدين تماماً حوله عندما قاسَمَنا الخبز، ومتأثرين جداً عندما مَدَّ لنا يده بالكأس! لقد كنا فرحين سوية حوله في هذه الوليمة عندما طلب منا أن نستقبل جسده ودمه!
ما الذي حدث لنا؟
كان يتحدث عن الملكوت الذي سيأتي، وكنا نشعر بقوة بهذا الملكوت، عندما كنا سوية، معه! كنا نحس بالطبع بثقل كلامه عندما أخبرنا بأنه لن يشرب من هذا الخمر بعد، لكن كل شيء كان بسيطً جداً معه، عندما كنا سوية!
ما الذي حدث لنا؟
كان هناك أولاً هذا الحزن الكبير في البستان، في الليل. لقد غزى الحزنُ قلوبنا بحيث غلبنا النعاس ونمنا كلنا. وحده هو، ظل وحيداً.
لكن لماذا؟ لماذا يا رب؟
كان هناك أيضاً الخوف.. الخوف من مواجهة الآخرين، لم يكن ظاهراً للعيان، لكن كان يجتاح كل شيء.
لكن لماذا؟ لماذا يا رب؟
ثم بعد ذلك أتت الإستجوابات، والإذلال والإهانات، والعنف... كيف وصلت به الأمور إلى هذه الدرجة؟ لم يعد الشخص الذي كنا نعرفه. مَنْ كان يعرف هذا الرجل حقًا؟ هل كنا نحن نعرفه عندها؟!
لكن لماذا؟ لماذا يا رب؟
هناك أسئلة، لا تقودنا إلى أي مكان. كل هذه الأسئلة التي طرحناها ونطرحها أمام الألم والشر .. وعلينا أن نعرف بأن احتفالنا في الأسبوع المقدس ليس من أجل أن نجد أجوبة على هذه الأسئلة.
لكن مع ذلك، نحن هنا!
صحيح، يمكن للحزن اليوم أيضاً، أن يعزل .. أن يترك الآخر في عزلته ووحدته.
صحيح، أن الخوف يمكنه أن يقطع كل الروابط، ويُعمي لدرجة الألم.. لدرجة الظلم.
صحيح، أن الألم يمكنه أن يلتهم الإنسان، ولا يعود إنساناً بعد. فهل يبقى هناك من معنى لحياته؟ فحتى بعد ألفي سنة من آلام وصلب المسيح، لازلنا نواجه الحزن والخوف والألم.. لازلنا نطرح نفس هذه الأسئلة.
إذن لماذا نحن هنا؟ وما معنى حياتنا؟
ربما نحن هنا، ليس لكي نجيب على "لماذا" الألم والخوف والحزن في حياتنا، لأنه في الحياة، هناك أوقات، المهم فيها هو: أن نكون هنا! أن نظل واقفين أمامه .. أن نعيش بحسب إرادة أبينا السماوي.
لكننا لسنا هنا، على مثال النساء القديسات اللواتي بقين حتى النهاية .. ينظرن عن بعد، بصمت، وبحزن وألم. لقد فهمن مع ذلك، بأن حضورهن بهذه الطريقة كان أفضل من لا شيء بالنسبة له!
كما إننا لسنا هنا ، كما كان لص اليمين، الذي بفضل حُب المسيح له، كان نظره متوجه نحو الحياة التي وعده بها يسوع، هو الذي كان في عمق الهاوية وينتظر الموت القريب.
ونحن لسنا كذلك هنا، حتى نضع جسده في القبر مثل يوسف الرامي الشجاع: لقد فهم بأن بإمكانه على الأقل، أن يفعل ذلك من أجل المعلم.
عندما يكون كل شيء قد إنتهى .. عندما يكون قد فات الآوان وحدث ما حدث، هل نتصرف نحن أيضاً هكذا؟
هل نكون هنا "معه"، و"له" ومن "أجله" ؟
ومع ذلك فنحن هنا!
لكننا هنا، ربما مثل قائد المئة هذا الذي كان قادراً على أن يُسَبِّح الله ويمجده أمام الصليب، أمام هذا الصمت المؤلم: لم يكن الخوف هو من يسيطر عليه، كلا؛ لأنه شهد مثل هذه الفضائع كثيراً من قبل! ولم تكن الشفقة ما دفعه إلى ذلك، لكن كان هناك "شيء" من الله، شيء يتجاوز فهمنا فتح لنا أفقاً لا يمكن تصوره. كما لو كانت الوحدة الرهيبة التي اختبرها يسوع على الصليب، أقوى من الموت، لأنها تتكلم وتجمعنا معه وتخلق التواصل معه على الرغم من كل المظاهر.. أو كما لو كان هذا يشبه سلاماً غير معروف لنا، كان قد وُلِد من رجاء أقوى من الخوف.. أو كأن هناك ثقة غير مفهومة أَعطت هذا اليقين الآتي من الله، عند قدم الصليب.
هذه العزلة، وهذا الخوف، وهذا الشر، أخذها يسوع كلها على عاتقه، بحرية، وبحُب، كي يعيد التواصل والوحدة والرجاء والثقة به .. فَبِه وحده، فُتِح طريقٌ لنا في قَلب الليل.
نعم، نحن هنا! أمام الصليب، انفتح أمامنا شيءٌ من سر الله نفسه، شيءٌ لا يمكن فهمه، لكنه كله حُب، على الرغم من كل المظاهر، شيء يعطينا هذه الثقة التي تجعلنا، على الرغم من كل شيء، نستطيع أن نُحِب.
4. ثلاثة مسارات لتَبَنّي الإنجيل وتطبيقه في حياتنا، والآية للحفظ وللصلاة:
على ضوء فصح يسوع:
* كيف نعيش أوقات الإحباط أو الإكتئاب: هل نعيشها كنعمة للخلوة أو العزلة من أجل إحياء علاقتنا مع الله وتجديدها؟
* أن نجبر أنفسنا هذا الأسبوع، بنعمة الله، أن ندخل في صمت هاديء .. في حضور الله، في ثقة وتسليم، بعيداً عن أي تساؤل يقلقنا في حياتنا.
* كي نتأمل صليب يسوع يوم الجمعة العظيمة، لنُسَبِّح الله مع المسيح متحدين مع أفخارستيته التي أسسها لنا يوم خميس الفصح.
آية تساعدني على البقاء في حضور الله وعلى التعاطف مع الآخرين:
-
- مع الشهيق أردد العبارة التالية كعلامة على الإعتراف: »يَا رَبّ، إنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي...
- مع الزفير أردد العبارة التالية كعلامة على الطاعة : ... قُمْ وَكُلْ، فإنَّ الطَريقَ بعيدةٌ أمامَك!«
5. الصلاة كل يوم من أيام الأسبوع مع إيليا النبي:
الأثنين 21 آذار :
أفَلا تعلمون ما قال الكتاب في إيليا؟ كيف كان يخاطب الله شاكيا إسرائيل فيقول: (( يا رب، إنهم قتلوا أنبياءك وهدموا مذابحك وبقيت أنا وحدي، وهم يطلبون نفسي؟)) فماذا أوحي إليه؟ (( إني استبقيت لي سبعة آلاف رجل لم يجثوا على ركبهم للبعل )). وكذلك في الزمن الحاضر لا تزال بقية (من شعب الله المختار) مختارة بالنعمة. (رومة 11: 1-5)
يا رب، على الرغم من الحروب وكل المآسي التي نحن شهود عليها، لا تتركنا نفقد إيماننا في مستقبل البشرية.
الثلاثاء 22 آذار:
(بعض المؤمنين) هاموا على وجوههم (...) وعاشوا محرومين مضايقين مظلومين، لا يستحقهم العالم، وتاهوا في البراري والجبال والمغاور وكهوف الأرض. (عبرانيين 11: 37-38)
هل أخاف أن أكون "نبياً": فلربما يُنظَر إلي كـغبي أو مثير للسخرية، أو مزعج، من خلال شهادتي لله بكلامي وحياتي؟
الأربعاء 23 آذار:
((وكان هناك صَوْتُ نَسيمٍ لَطيف. فَلَمَّا سَمِعَ إِيلِيَّا لَفَّ وَجْهَهُ بِرِدَائِهِ وَخَرَجَ وَوَقَفَ فِي بَابِ الْمُغَارَةِ.)) (1 ملوك 19: 12-13)
يا رب، في هذا الأسبوع، حيث نحيي آلامك المُخَلِّصة، أعطِني أن أكتشف حضورك، وسط صخب العالم، وصرخات الألم، ولامبالاة المكتفين بذواتهم.
خميس الفصح 24 آذار:
((قال لهم يسوع: أنا خبز الحياة. من يقبل إلي فلن يجوع، ومن يؤمن بي فلن يعطش أبداً)) (يوحنا 6: 35)
كان خبز الملاك كافياً لإيليا مدة 40 يوماً. فلماذا لا نؤمن بأن جسد ودم الله نفسه سيسندنا لمدة أطول!
الجمعة العظيمة 25 آذار:
((ولما كان الظهر خيم الظلام على الأرض كلها حتى الساعة الثالثة. وفي الساعة الثالثة صرخ يسوع صرخة شديدة، قال: يلي ، إيلي، لما شبقتاني؟ أي: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ فسمع بعض الحاضرين فقالوا: ها إنه يدعو إيليا ! فأسرع بعضهم إلى إسفنجة وبللها بالخل وجعلها على طرف قصبة وسقاه، وهو يقول: دعونا ننظر هل يأتي إيليا فينزله. وصرخ يسوع صرخة شديدة ولفظ الروح. فانشق حجاب المقدس شطرين من الأعلى إلى الأسفل. فلما رأى قائد المائة الواقف تجاهه أنه لفظ الروح هكذا، قال: كان هذا الرجل ابن الله حقا !)) (مرقس 15: 33-39)
لقد أخذ الله على عاتقه كل وضعنا البشري، بما في ذلك ألمي وموتي أنا. فأنا إذن لست وحيداً ومنعزلاً، لكني جزء من تأريخ الله هذا؛ ولدي رسالة أشترك من خلالها في عمله ومخططه.
السبت المقدس 26 آذار :
((ومضى إيليا من هناك فلقي أليشاع بن شافاط، وهو يحرث وأمامه اثنا عشر فدان بقر، وهو مع الثاني عشر. فمر إيليا نحوه ورمى اليه بردائه. فترك البقر وركض وراء إيليا وقال له: دعني اقبل أبي وامي، ثم أسير وراءك. فقال له إيليا: اذهب راجعا، ماذا صنعت بك؟ فرجع من خلفه وأخذ زوجين من البقر وذبحهما وطبخ لحمهما على أداة البقر وقدم للشعب فأكل. ثم قام ومضى مع إيليا، وكان يخدمه)). (1 ملوك 19: 18-21)
"في هذا اليوم، عندما استراح الله من أعماله، أَنتظرُ أنا في صمت، عارفاً، بأنه على الرغم من الشعور بالإحباط، فأنا لست وحيداً. لأنه دعاني، مع آخرين، للسير خلفه".
مع محبة الأب غديلر الكرملي
قيامة مجيدة للجميع