عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - زكي رضا

صفحات: [1]
1
تصريحات وخطب ذات محتوى هابط


 ميزّات الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت) عديدة وتدخل في مختلف المجالات، فمن خلاله تعقد الأجتماعات عن بعد، وتتم من خلاله الدراسة عن بعد، وجميع الرسائل في العالم تقريبا تحولّت الى رسائل الكترونية وهي من تطبيقات الأنترنت. والأنترنت اليوم هو موقع للتواصل الأجتماعي بين الناس وتبادلهم الأفكار. الأنترنت اليوم  من أسرع وسائل الدعاية، فمن خلال تطبيقاته على الهاتف الجوّال وهو في العمل أو في الشارع  يكون المرء أقرب الى أحداث العالم من جلوسه في البيت لمتابعة نشرات الأخبار، وفي الحقيقة ونتيجة التطور العلمي الهائل في مجال البرمجيات فأن من الخطأ القول من أنّ العالم عبارة عن قرية صغيرة، لأنّ العالم اليوم وبفضل سرعة نقل المعلومات السلبية والإيجابية ومن مختلف الفروع ليس سوى غرفة صغيرة وليس قرية صغيرة.

الشعب العراقي الذي لم يعرف شيء عن الأنترنت والحواسيب حتّى التاسع من نيسان 2003 ، أخذ حقّه في التعرّف على هذا العلم الساحر والواسع  بعد أن أصبح الأنترنت في متناول نسبة كبيرة جدا منه. لكنّ ما غاب عن بال المتصدّين للشأن السياسي هو أنّ الأنترنت فضاء أفتراضي  لا يعرف أو لنقل لا يمانع من تبادل أو نشر مواضيع تمس أخلاق أو أديان أو مذاهب بلدان ما. وكلمّا حاولت دولة من منع تبادل افكار أو افلام أو خطب سياسية أو دينيّة أو كتب ومجلات ومواقع تتقاطع مع سياسات تلك الدولة بل وحتى مواقع إباحية من خلال حجبها، ينجح روّاد هذه المواقع ومن خلال تطبيقات معيّنة من إختراق الحجب والدخول الى تلك المواقع. وفي مثل هذه الحالات تعود الحكومات لطريقتها المفضلّة في معالجة " المشكلة"، أي القمع  والإرهاب الفكري.  ومن هذه الحكومات، الحكومة العراقية التي وبضغط من رجال الدين وزعماء الأحزاب والميليشيات المسلّحة وهم يقتلّون حريّة التعبير التي نصّ عليها الدستور. ومن أجل محاربة حريّة الرأي عادت السلطة الى سن ما يسمى بقانون المحتوى الهابط، الذي هدفه الأساسي تكميم أفواه الصحفيين والأعلاميين والكتّاب ومنتقدي السلطة وفسادها. ولكي تأخذ الدولة مكانها الطبيعي في مواجهة حريّة الرأي وتكميم الأفواه  أعلنت وزارة الداخليّة العراقيّة عن تنظيم مسابقة المحتوى الإيجابي، على أن " يتلخص المحتوى في تجسيد فكرة عامة لصاحب المحتوى على شكل (فيلم) لا يتجاوز الدقيقتين أو أي محتوى آخر يرونه مناسبا لدعم عمل وزارة الداخلية وسعيها لتعزيز الاستقرار الأمني والسلم المجتمعي". وقد إنتخبت الوزارة لشهر شباط الماضي مثلا موضوعة المخدرّات، على أن يحصل الفائزون الثلاثة الأوائل على جوائز تبدأ من واحد الى ثلاثة ملايين.

لقد أعلن القاضي المختص بقضايا النشر والإعلام عامر حسن أنّ "المحتوى المسيء الذي يتضمن موضوع الجرائم المخلة بالأخلاق، ويتضمن أفعالاً مخلة بالحياء العام وقد يتضمن أيضاً موضوع الجرائم التي تدعو إلى الكراهية أو تحرض على العنف أو تدعو إلى التمييز العنصري أو الطائفي فهذه كلها مجرّمة بموجب نصوص في قانون العقوبات"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنها "تختلف عن النصوص التي تعالج الأخلاق العامة، والنصوص التي وردت في الباب الخاص بالجرائم الماسة بالأمن الداخلي للدولة على من يبث الإشاعات ومن يعمل على الأمور العنصرية، فكل هذه الأفعال هي أفعال مجرّمة وبمجرد أن تحرك الشكاوي أمام المحكمة فالمحكمة ستمضي باتخاذ الإجراءات".

هل الإشارات والإيماءات الجنسية، أو إستخدام الفاظ  تفسّر حسب أهواء أو نوايا متلقّيها، أو مقاطع فيديو وأحاديث تنتقد الفساد وسياسيين ورجال دين من خلال تصريحاتهم الغريبة عن العقل والمنطق، تدخل ضمن خانة المحتوى الهابط؟ وكيف سيميّز القانون بين ما ذكرناه اعلاه ليعطي رأيه النهائي فيه؟ لكي نتعرف على المحتوى الهابط الذي تقول به السلطات العراقية دعونا أن نعود للغّة والتي يجب أن تكون متواجدة بتفسيراتها عند إقرار أي قانون، كي لا يكون القانون حمّال أوجه عند تفسيره.

 إسم محتوى في معجم المعاني الجامع، والذي يهمنّا هنا هو تعريفه الأنترنيتي إن جاز التعبير هو: محتوى الويب : أو محتوى الشبكة العنكبوتية ؛ ‏ هو كل محتوى مكتوب أو مرئي أو مسموع على أي موقع إلكتروني على الشبكة العنكبوتية يشمل هذا الصور و الفيديو و النصوص والملفات الصوتية. والمصدر نفسه عرّف الهابط  قائلا: هابِط: (اسم)،  فاعل من هَبَطَ، رَأَيْتُهُ هَابِطاً بِالْمِظَلَّةِ : نَازِلاً، سِعْرُ اللَّحْمِ هَابِطٌ فِي السُّوقِ :  رَخِيصٌ، غَيْرُ مُرْتَفِعٍ، هَابِطُ الأَخْلاَقِ : سَاقِطٌ . وعليه فأنّ معنى محتوى هابط وفق المعجم يجب أن يكون ( محتوى ويب رخيص وساقط) وهو ليس كذلك.  والساقط  هو ما يتعلّق بالأخلاق وهو ما تريد السلطة تطبيقه من خلال قانون، لكن الرخيص حسب اللغة يعني زهيد، أي ذو ثمن غير مرتفع. وليس كلّ رخيص ساقط، وقد جاء في المعجم الوسيط: رخّص الشّخص نفسه: أذلَّها وأهانها ، وقلَّل قيمتها، وفي المثل: " إن أرخصت نَفْسَك أرخصك الناسُ" فهل كل من أرخص نفسه ساقط!؟

قد يتفّق البعض مع قانون المحتوى الهابط إستنادا الى الدين والعرف الإجتماعي على الرغم من مخالفته للدستور كونه يكمّم الأفواه ويقمع حريّة الرأي، لكن السؤال الملّح هو: هل الصور و الفيديو و النصوص والملفات الصوتية، التي تضرب السلم المجتمعي بتعدّيها على رموز طائفة دينية من قبل رادود، يدخل في خانة المحتوى الهابط؟ هل زرع الجهل بين الناس من على المنابر وتناول روايات ما أنزل الله بها من سلطان، كأن يقول شيخ "  قال أمير المؤمنين (ع) في مخطوطة قديمة أسمها الجفر: ( ولا غالب لأمر الله عند قوم لهم نهر عظيم اسمه أمزون يدعون للحق فيها مغاليس ، والظلم يفتن دهراً ، ينشر في أرضهم فقراً ،ولا يعلو لهم اسم الا في اللعبة السارحة، يمرح رجالها خلف مثل أضعاف بيضة نعامة، كرة من جلود ينصبون لأجلها الرايات ويعزفون المعزف ويرقصون رقص الأحباش..... )، أقول هل هذا محتوى هابط أم لا؟ هل حديث معمّم عن عدم جواز السير خلف إمرأة لأنّه سينظر الى عجيزتها بشهوانية محتوى هابط وبذيء أم لا؟  هل علاج عشيرة كاملة بحبة حلوى ( جكليت) كما قال معمّم محتوى هابط أم لا خصوصا وأنّ هذا المعمّم لم يتناولها وهو مريض، بل ذهب للعلاج خارج البلاد!؟

قبل أيّام خرج علينا رجل دين يمتهن السياسة بتصريح أقلّ ما يقال عنه من أنّه هابط وهابط ليقول، من أنّ الموساد الإسرائيلي هو من قتل الإمام علي بن أبي طالب!!! ونفس رجل الدين هذا يتّهم شعب كامل بقلّة الغيرة وقساوة القلب حينما يقول من أنّ نهر الفرات له هاتين الصفتين وأنّ مصر تعتمد عليه في ( الري والسقاية)!!
فهل سيأخذ القانون مجراه مع أمثال هؤلاء وهم ينشرون الفتنة الطائفية داخليا وخارجيا علاوة على اشاعة الجهل والتخلف. أليست الطائفية والجهل والتخلف والعادات العشائرية المتخلفّة محتوى هابط!؟

يقول القاضي عامر حسن "المحتوى الذي يقدمه بعض السياسيين في حال كونه يتعلق بموضوع إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية فهم يقعون تحت طائلة المساءلة القانونية"، مؤكداً أن " لا أحد فوق القانون، والكل يخضع للقانون". فهل يقع من يسبّ ويشتم رموز دينية لطائفة معيّنة تحت طائلة القانون؟ وماذا عمّن يتّهم شعبا عربيا يختلف معه طائفيّا من أنّ لا غيرة لهم، هل هو فوق القانون؟

على المرجعية وإحتراما للمذهب الشيعي، أن تأخذ دورها في منعها أمثال هؤلاء من إطلاق  هكذا تصريحات تسيء للشيعة قبل أن تسيء لغيرهم، وأن تمنع رجال الدين والرواديد الطائفيين الذين يهددون السلم المجتمعي من صعود المنابر الحسينية، لأنّ العالم اليوم غرفة صغيرة وسينتقل أليها ترهّات وطائفية هؤلاء صوت وصورة وبسرعة قياسية، وهذا ما سيجعل بل وجعل الدين والمذهب في مرمى النقد اللاذع. 

زكي رضا
الدنمارك
13/5/2023
 
 


2
العراق بحاجة الى دولة علمانية ديموقراطية وليس دولة مدنية ديموقراطية
(2)


القوى الديموقراطيّة العراقية لم تتبنى لليوم في برامجها السياسية وأنظمتها الداخلية وهي تعمل على أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية ، شعار الدولة العلمانية الديموقراطية، ولازالت ترفع شعار الدولة المدنية الديموقراطية كبديل لنظام المحاصصة، وهذا الشعار أشبه بالدواء الذي يهدئ آلام المريض دون علاجه، كما وأنّ نظام المحاصصة ليس ببعيد عن مفهوم الدولة المدنية من وجهة نظر الإسلاميين وشركائهم في السلطة. فنظام المحاصصة يطرح نفسه على أنّه ليس بنظام ديني بل أقرب الى المدنية، ويمنح القوى التي تصف نفسها بالمدنية هامش "كبير" من الحريّة والتي هي بالحقيقة مقنّنة وتتحرك ضمن أطر وخطوط حمراء لا تستطيع القوى الديموقراطية تجاوزها لتكون مؤثرّة في الحياة الأجتماعية والسياسية للبلاد، لا من خلال الأنتخابات التي لا تستطيع أي القوى الديموقراطية التي تطرح نفسها كقوى مدنية من إختراقها لصياغة السلطة مجموعة قوانين تحول دون حضور فاعل للقوى الديموقراطية في المشهد السياسي العراقي ومنه البرلمان من جهة، ولا من خلال العمل الجماهيري لغياب وحدة هذه القوى وتبنيها برنامج إنقاذ وطني في مواجهة قوى السلطة الفاسدة من جهة ثانية، ولغياب الوعي الأنتخابي وضعف الإنتماء الوطني مقارنة بالإنتماءات الدينية والطائفية والقومية والعشائرية لجماهير واسعة من أبناء العراق من جهة ثالثة. وكمدخل للتمييز بين ما تسمّى بالدولة المدنية والدولة العلمانية نرى أن لا ضير في العودة الى تعريفات اللغة لهما.

المدنيّة كما جاء في معجم المعاني الجامع إسم وهي: الجانب المادّي من الحضارة كالعمران ووسائل الإتصّال والترفيه، يقابلها الجانب الفكري والرّوحي والخلقيّ من الحضارة، وتعني كذلك الحضارة وإتّساع العمران. مدني: (اسم) منسوب إلى مَدينة، خاص بالمواطن أو بمجموع المواطنين، عكس عسكري. وقد تناول المعجم جملة من التعريفات المدنيّة كالقانون المدني، الدفاع المدني، الموت المدني، الطيران المدني، الحقوق المدنية، التربية المدنية، الحريات المدنية، المجتمع المدني، الخدمة المدنية والزواج المدني، ولم تتطرق معاجم اللغة مطلقا الى ما تسمى بالدولة المدنية. فالمدنية والمدني والمتمدّن يقابلها بالأنجليزية كلمة Civil، وهي غير كلمة العلمانية أو اللادينية في المعاجم الأنجليزية أي Secular ، أما Secularism المشتقة من التي قبلها، فأنها تعني نظام دولة لا يلعب فيه الدين أي دور في تنظيم حياة المجتمع ولا دور له في البنية الأساسية في بناء ونهضة المجتمعات والدول الناجحة أي التعليم. كما وأننا لا نجد هذا المصطلح أو تعريفا له في المراكز البحثية الغربية ولا في حقلي العلوم السياسية والفلسفية.

ما تسمّى بالدولة المدنية ليست ضد أن يكون للدين دورا في الدساتير والقوانين التي تنظم حياة الناس الأجتماعية، كما ولا تقف أمام أن يكون للدين دورا في المناهج التعليمية خلال المراحل الدراسية المختلفة وصبغ التعليم بصبغة دينية، أو بصبغة يكون فيها للدين دور واضح وملموس فيها، وهذا ما يدفع الأسلاميون ومنهم أسلاميّو العراق للتواجد في المنطقة الرمادية وهم يتعاملون مع خطاب القوى الديموقراطية الواقعة في فخ ما تسمّيه الدولة المدنية من جهة، ومع منظمات المجتمع المدني ويخترقونها ويشترون ذمم بعض الناشطين فيها كما حدث مع بعض ناشطي أنتفاضة تشرين خدمة لمشروعهم المستقبلي أي أسلمة الدولة، وهذا ما يدفعنا للتساؤل حول إن كانت القوى الديموقراطية تريد بناء دولة متقدمة على أنقاض دولة المحاصصة التي دمرّت البلاد وستقوده للخراب فيما أذا أستمرت في السلطة، أم سترفع شعار تحقيق الدولة العلمانية الديموقراطية وتعمل من أجله بأعتبارها الطريق المفضي لتحرر البلاد من قبضة الفساد والفقر والجهل وسطوة الميليشيات المسلحة؟

الأسلاميون يستطيعون العيش مع ما يُطلق عليه الدولة المدنية، لكنّهم يُحشدّون كل قواهم ضد العلمانية والعلمانيين والدولة العلمانية. وكوسيلة لبدء هجومهم عليها يروّجون على أنّ العلمانية ظهرت في الغرب لمواجهة الكنيسة التي كانت تحتكر الدين وتبيع صكوك الغفران، وأنّ الاسلام لا يمتلك النظام الكهنوتي كما المسيحية، وأنّها ظهرت في الغرب لكسر هيمنة الكنيسة والتحرر من أغلالها. وكأننا في العراق على سبيل المثال وغيره من البلدان العربية ، لسنا مقيّدين بفتاوى المؤسسات الدينية وتدخلاتها في الشؤون السياسية خدمة للمشروع الأسلامي الذي لم يستطع أن يقدّم لليوم نموذجا ناجحا واحدا في أي بلد عربي، علما أنّ جميع المؤسسات الدينية تعمل لصالح النخب السياسية ومصالحها في بلدانها وتمجّد صفوة رجال الدين وتمنحهم صفة القداسة، ومن خلال قداسة هؤلاء ووقفوهم الى جانب السياسيين كما في جميع مراحل التاريخ الأسلامي فأنّها تنشر العبودية في المجتمع وتتّهم بشكل غير مباشر من يناهضهم ويناهض الحكّام على أنّهم كفرة أي علمانيين بالمعنى السياسي للكلمة. وفي هذا الصدد يقول جان بودان في مؤلفه كتب الجمهوريات الستة: "بما أنّه لا يوجد أي أحد أكبر في الأرض بعد الله غير الأمراء السياديين، وإنّ الله أختارهم ضبّاطّا ليقودوا الناس الآخرين، فأنّ الحاجة ضرورية للنظر في مكانتهم من أجل أحترام جلالتهم بكلّ طواعيّة، والأحساس بهم والتحدث عنهم بكلّ شرف، لأن الذي يحتقر أميره صاحب السيادة يحتقر الله الذي هو صورته على الأرض". وإن كانت الكنيسة قد باعت صكوك الغفران لسرقة المؤمنين المسيحيين البسطاء، فأنّ المؤسسات الدينية ومن خلال فتاواها ولسرقة المؤمنين المسلمين البسطاء تحث الناس على طاعتها وبالتالي طاعة الأنظمة التي تعمل هذه المؤسسات لصالحها، فترسم لهم عالم آخروي جميل خال من الظلم والأضطهاد ليعيشوا حياة ملؤها الظلم والأضطهاد والفقر والمرض والجهل والتخلف في حياتهم الدنيا، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال صكوك الغفران. وأذا تركنا التفسير اللغوي لأسم كهنوت وهو وظيفة الكاهن ومصدر الكهانة أي معرفة الأسرار أو أحوال الغيب، فأن رجال الدين الأسلامي اليوم هم أقرب الى الكهنة والكهنوت كما الكهنة والكهنوت في مختلف الأديان.

لقد ظهر مصطلح الدولة المدنية بوضوح وقوّة إثر ثورات الربيع العربي التي لم تنجح في إحداث تغييرات حقيقية في أيّ بلد عربي الّا بشكل جزئي في تونس مهد ثورات الربيع العربي، أمّا في أوربا فأنّ مصطلح المجتمع المدني وليس الدولة المدنية بدأ التداول به في القرن السابع عشر من قبل فلاسفة العقد الأجتماعي مقابل نظرية الحقّ الإلهي كتوماس هوبز وجون لوك وهيغل وماركس وغيرهم وغرامشي في العصر الحديث.

أنّ ما تسمّى بالدولة المدنية مصطلح حديث (عربي) يرجع أساسه لأستنتاجات غير علميّة لنظرية الحكومة المدنية لجون لوك، وإلى توافق غير معلن بين القوى الإسلامية كي لا تتّهم من أنّها تعمل لبناء دولة دينية إسلامية، والقوى الديموقراطية التي تخاف من طرح العلمانية كمبدأ نتيجة تكفير الإسلاميين للعلمانية والعلمانيين وإعتبارهم ملحدين. ولا وجود لها كما قلنا في أي معجم سياسي غربي أو مركز بحثي مهتم بالعلوم السياسية والفلسفية.

والدولة المدنية التي تريدها القوى الديموقراطية العراقيّة كبديل لنظام المحاصصة، لا تعالج أهم نقطة في بناء مجتمع جديد ومن ثم دولة جديدة وهو فصل الدين عن الدولة. أنّ أي تغيير سياسي لا يستحدث آليات سياسية وأجتماعية وأقتصادية وفكرية لنقل المجتمع للأمام وبناء جديد للدولة، هو تغيير فوقي وإستمرار للحالة السياسية التي سبقت التغيير من خلال عدم حلّ المشاكل التي كانت سببا لهذا التغيير ودافعا لحصوله. ومثلما لم تستطع قوى المحاصصة إستحداث الآليات السياسية والأجتماعية والأقتصادية والفكرية لبناء دولة عصريّة، فأنّ القوى الديموقراطية لن تكون قادرة هي الأخرى على إستحداث هذه الآليات من خلال ما يطلق عليه الدولة المدنية التي ترفع شعارها، لأنّها بحاجة الى تحقيق نقطة لا تستطيع "الدولة المدنية" تحقيقها وهي الفصل الكامل للدين عن الدولة كمقدمة لتفكيك أهم حليف للمؤسسة الدينية والقوى الطائفيّة أي المؤسسة العشائرية. وهذه المهمّة التي هي الحل الوحيد لأنقاذ العراق لا تأتي الّا عبر نظام عَلماني ديموقراطي حقيقي، يأخذ على عاتقه بناء مجتمع وفق آليات تختلف عن الآليات التي سبق وأن استخدمتها السلطات العراقية السابقة ومنها سلطة المحاصصة.

أنّ قيام نظام علماني ديموقراطي بالعراق سيقدّم أكبر خدمة للدين، بعد أن جعله الأسلاميّون ومنهم معممّون ومؤسسات دينية في وجه مدافع الإنتقادات، بنشرهم الفساد والفقر والجهل وقمع الحريّات وما ينتج عنها من آفات إجتماعية وخراب أقتصادي وأستعباد الناس، عن طريق منع الدين والمؤسسة الدينية للعب أي دور في مجال التعليم بإعتباره الركيزة الأساسية لبناء دولة متقدمة، لذا نرى إصرار الأحزاب الأسلامية ومعها المؤسسات الدينية على تدمير التعليم بالبلاد، عن طريق إضعاف المدارس والجامعات العراقية التي كانت يوما في مستوى متقدم عن طريق إنتشار المدارس والجامعات الأهليّة التي تمتلكها مؤسسات دينية وشخصيات من هذه الأحزاب، والتي يلعب الدين الطائفي والمفاهيم القوميّة في مناهجها دورا كبيرا. ومن خلال تجربة عراق المحاصصة اليوم نرى ضعف الدولة في مجال التعليم وعدم إمكانيتها في تطبيق نظام تعليمي حقيقي وموحّد بالبلاد، وترك الأمر لأهواء مالكي المدارس والجامعات الأهلية، الذين يبحثون عن الربح مع إستخدامهم المناهج التعليمية وفضاء هذه المدارس والجامعات كحاضنة آيديولوجية.

ويتجاهل الإسلاميون أن العلمانيّة حين تدعو إلى فصل الدين عن الدولة، تكون قد جنّبت سقوط الدين في معتركات المصالح السياسية وتقلباتها، والتي تؤدي إلى تشويه صورة الدين في حال تم استخدامه في ألاعيب السياسة، وعن هذا كتب الفيلسوف الإنجليزي جون لوك قائلا:"من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تُنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحراراً، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة"، وإذا ما أردنا أن نطبّق مقولة لوك هذه بالعراق فنستطيع القول "يجب أن تكون الدولة منفصلة عن المؤسسة الدينيّة، والّا يتدخل أيّ منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر العراقي القادم عصر العقل، ولأوّل مرّة في تاريخ العراق الحديث سيكون الناس أحرارا وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة".

الدولة العلمانية الديموقراطية ليست معادية للدين والتديّن، بل على العكس فأنّها ومن خلال قوانين حريّة الرأي والمعتقد والفكر والضمير تمنح المؤمنين وغير المؤمنين حقوقا على قدم المساواة دينيا، كما تمنح أبناء شعبها من القوميات والأثنيات المختلفة حقوقا متساوية أيضا. ومثلما توفّر الحماية للمؤمنين قانونيا فهي توفّر الحماية للملحدين من خلال مبدأ حريّة الرأي والمعتقد والضمير. أنّ الحروب الدينية الطائفية والحروب القومية معدومة تقريبا في ظل العلمانية الديموقراطية وهذا ما نحتاجه فعلا بالعراق اليوم، كون الطائفتين المسلمتين خاضتا ولأوّل مرة في تاريخ العراق الحديث حربا حقيقية وتتخندقان اليوم مقابل بعضهما البعض، وخلافاتهما الفقهية والتي يستغلّها ساسة الطائفتين مع خطر المواجهة القومية بين العرب والكورد، يهددان بتقسيم البلاد كما حصل في السودان ويوغسلافيا والهند وبعدها إنفصال بنغلاديش عن باكستان. وسيبقى الفصل القانوني وفق الدستور بين الدين والسياسة، والتعليم بفصله التام عن التأثيرات الدينية لأي دين أو طائفة، مهمّة لا ينجح بها الا نظام علماني ديموقراطي، مع الأخذ بنظر الأعتبار من أننا بحاجة الى دستور يكتبه فقهاء قانون وليس فقهاء دين.

العلمانية كنظام للحكم لم تظهر دون مخاض سياسي وأقتصادي وأجتماعي وأخلاقي خاضته البشرية طوال تاريخها، بل تطورت على أنقاض أنظمة الحكم المختلفة منذ العبودية لليوم، ونجح الراهب مارتن لوثر على سبيل المثال في نضاله ضد الكنيسة الكاثوليكية التي سنّت صكوك الغفران كوسيلة لإثراء كهنتها، عندما بيّن للناس أن سلوك الكنيسة كان بعيدا عن تعاليم الكتاب المقدس. فهل هناك مرجع ديني أو مصلح ديني أو سياسي قادر اليوم وللحفاظ على الدين والمذهب ان يبيّن للناس أنّ سلوك رجال الدين والساسة الإسلاميين هو على الضد ممّا جاء في القرآن، وأنّ هيمنتهم على السلطة ما هو الا اثراء لهم وإساءة للدين الذي يؤمن به الفقراء المؤمنون، كما كان الفقراء المسيحيّون المؤمنون وقتها؟

والآن فهل نحن بحاجة الى "دولة مدنية ديموقراطيّة" أم الى دولة علمانيّة ديموقراطية ..؟ سؤال موجّه الى القوى والمنظمّات السياسية التي على عاتقها يقع إنقاذ العراق وشعبه من شرور المحاصصة الطائفيّة القومية.

لا يمكن تحطيم اي شكل من أشكال العبودية إلا بتحطيم كل أشكال العبودية ... (كارل ماركس، نقد فلسفة الحق عند هيغل)

 
زكي رضا
الدنمارك
30/4/2023


3

العراق بحاجة الى دولة علمانية ديموقراطية وليس دولة مدنية ديموقراطية (1)


الجميع في العراق يدعو اليوم لما تسمّى بالدولة المدنية، الشيوعيون، القوميون ، الماركسيون، الليبراليون، منظمات المجتمع المدني، النقابات، التشرينيون، العشائر، بل وحتى البعض من الأسلاميين وميليشياتهم!! فهل نحن بحاجة فعلا بعد مرور عشرات العقود على إنشاء الدولة العراقيّة الحديثة بهشاشة نسيجها الأجتماعي وأحتراب مكونّاتها العرقيّة والطائفيّة، وعقدين على تجربة نظام "ديموقراطي" أثبت فشله على كل الصعد لتضاف تجربته المريرة الى فشل أنظمة الحكم العراقية التي سبقته، اقول ، هل نحن بحاجة فعلا الى دولة مدنية ديموقراطية ؟ هذه التي يدعّي جميع من جئنا على ذكرهم العمل لتحقيقها على الرغم من الفروقات الكبيرة بين القوى التي تتبنى هذا المفهوم لشكل الدولة، أم نحن بحاجة الى دولة علمانية ديموقراطية؟

العراق على الصعيد الأجتماعي يتحكّم فيه عاملا الدين/ الطائفة – القومية / العشيرة، ومن خلال هذين العاملين تأتي عوامل أخرى كتحصيل حاصل لدورهما وولاء الغالبية العظمى من الشعب العراقي لهما، نتيجة دور نفس هذين العاملين في ترسيخ التفرقة والتخلف والجهل عن طريق سرقة ما تبقّى من وعي عند الجماهير، علما من أنّ العراقيون لم يغادروا مربّع هذين العاملين منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم. ومن العوامل التي تساهم في ترسيخ مفهومي الدين/ الطائفة - القومية / العشيرة اليوم، هي أحزاب المحاصصّة الطائفية القوميّة المهيمنة على السلطة منذ الأحتلال حتى هذه اللحظة. ولمّا كانت المؤسستين الدينية/ الطائفية ومعها القومية/ العشائريّة غير قادرتين دستوريّا على تبنّي تعريف محدّد للدولة، فأنّ سلطة المحاصصّة أخذت على عاتقها من خلال هيمنتها على السلطة تعريف شكل الدولة التي تتماشى بالحقيقة مع ما تريده هاتين المؤسستين بما يضمن مصالحهما.

لو نظرنا الى الأحداث التي جرت وتجري في العراق منذ الأحتلال لليوم، لرأينا أنّ كل مناحي الحياة السياسيّة والأجتماعية والأقتصادية مشوّهة بشكل كبير. هذا التشّوه بالحقيقة له جذوره التي سبقت الأحتلال، لكنّ النظام السياسي الجديد لم يعالج كما كان منتظرا منه التشوّهات التي ورثناها من النظام البعثي والأنظمة التي سبقته في بنية الدولة والمجتمع، بل على العكس فأنّ النظام الجديد عمّق تلك التشوّهات خدمة لمصالح نخب سياسيّة وعائلية وعشائريّة على حساب مصالح الجماهير المسحوقة من جهة، ولصالح قوى إقليميّة ودوليّة من جهة ثانية. ولو عدنا الى أسباب أستمرار التشوّهات في ظل السلطة الجديدة سنرى أنّ الدستور العراقي هو الحجر الأساس في هذه التشوّهات، كون هذا الدستور مشوّه ومتناقض في أهمّ فقراته التي تحدد شكل الدولة وهويّتها. فالدستور لم يشر علنا الى أسلاميّة الدولة، الّا أنّه وضع الدولة في إطار أسلامي على المستوى القانوني/ التشريعي، وفي صورة أسلاميّة على المستوى الأجتماعي وحقل التعليم. فالدستور العراقي ينص في مادّته الثانيّة على:

أولّا :-"الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع"
أ‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام
ب‌- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية
ج- لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الاساسية الواردة في هذا الدستور".
ثانيا:- يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والآيزديين والصابئة المندائيين .

هذه المادّة الدستوريّة ليست تشوّها في الجسد الديموقراطي للدولة فقط، بل هي أساس قانوني ودستوري لضبابيّة شكل الدولة ونسفها مستقبلا. ولو عدنا الى اللجنة التي كُلّفت بكتابة الدستور فسنرى أنّ النسبة الأكبر من أعضائها هم سياسيّون ورجال دين من ثلاث مجموعات سكّانيّة (شيعة- سنّة - كورد)، مع عدد من ممثّلي الأثنيات العراقيّة الأخرى وعدد قليل من القانونيين والمختصّين كديكور ليس الّا، كونهم غير مؤثرّين لا في هذه اللجنة ولا غيرها. ولكي نتعرف على شكل الدولة التي رسم الأعضاء الواحد والسبعون (عدد أعضاء اللجنة التي كتبت الدستور) ملامحها، فعلينا أن ننتبه الى وجود ممثّل فيها كان له حقّ الفيتو غير المعلن وأملاء ما يريد وتمرير ما يريد وهو السيّد أحمد الصافي النجفي ممثل السيد السيستاني في تلك اللجنة. ولو عدنا الى الدستور العراقي لسنة 1925 لنقارنه بدستور اليوم فسنراه أكثر تقدميّة في هذه المادّة بالذات، فقد نصّ في مادّته الثالثة عشرة من أنّ: "الإسلام دين الدولة الرسمي، وحرية القيام بشعائره المألوفة في العراق على اختلاف مذاهبه محترمة لا تُمس، وتضمن لجميع ساكني البلاد حرية الاعتقاد التامة، وحرية القيام بشعائر العبادة، وفقاً لعاداتهم ما لم تكن مخلّة بالأمن والنظام، وما لم تناف الآداب العامة". "ولا يوجد في هذا النص ما يشير الى علاقة الدين بتشريع القوانين نفياً او ايجاباً. ومن الناحية العملية ظلت الأحكام القانونية تُستمد من أحكام الشريعة الإسلامية سواء في الأحوال الشخصية أو العلاقات العائلية أو في الحقوق المدنية" (1)

من خلال الأشكالية الدستورية أعلاه، وممارسات التيار الأسلامي والمؤسسات الدينية سلطويّا ومجتمعيا , ومن خلال حقل التعليم، علينا البحث عن أجابة لسؤال محدّد هو: هل العراق دولة دينية أم "دولة مدنية" يهيمن عليها الدين من خلال مؤسساته وأحزابه الذين يريدون فرضه أي الدين كأداة للحكم وفلسفة وقيم لقيادة المجتمع، وإن كنّا بحاجة لهما أو لأحدهما كنموذج للحكم للخروج من أزماتنا التي نعيشها اليوم كمواطنين وكبلد يشغل الدين فيه مساحات واسعة من العقل الجمعي لمواطنيه وقوانينه ويرسم سياساته ويؤثّر بشكل كبير على حياة سكّانه الأجتماعيّة، أمْ أنّ الدولة العلمانيّة الديموقراطية هي السبيل الوحيد لبناء دولة عصريّة على أنقاض الدولة "الدينيّة" أو "المدنيّة" التي نعيش خرائبها اليوم؟

الغالبية العظمى من الدول العربيّة والأسلاميّة ومن خلال دساتيرها هي شكل من أشكال الدولة الدينيّة على الرغم من أنّها مدنية الطابع إجتماعيّا وثقافيّا وفكريّا، ولا يخلو دستور فيها من أربعة نصوص رئيسية حول الأسلام وهي: أن يكون الأسلام دين الدولة الرسمي، والأسلام مصدر أساسي للتشريع، والأسلام مصدر من مصادر التشريع، والدولة راعية للدين. والدستور العراقي فيه هذه النصوص جميعها. وتبقى الجمهورية الأسلاميّة الأيرانيّة على سبيل المثال والتي تنصّ مادتها الدستوريّة الرابعة بأن:-
"يجب أن تكون الموازين الإسلامية أساس جميع القوانين والأنظمة المدنية والجزائية والمالية والاقتصادية والإدارية والثقافية والعسكرية والسياسية وغيرها. ويسري هذا المبدأ على جميع مواد الدستور والقوانين والقرارات الأخرى على الإطلاق والعموم، ويتولى الفقهاء في مجلس صيانة الدستور تشخيص ذلك" هي دولة دينيّة دستوريا .

المادّة الدستوريّة الإيرانية هذه هي ترجمة حرفيّة لمفهوم (الحكم بما أنزل الله) والتي يتمّ تفسيرها سياسيّا كي تكون الشريعة الأسلاميّة هي الأساس في بناء المجتمع والأنسان، وهي التي ترسم من قبل الدولة طبيعة الحياة السياسيّة والأجتماعية والفكريّة والأقتصاديّة للمجتمعات الأسلاميّة، وهي التي تملك الوصاية على حقل التعليم وتوجيهه أسلاميّا، وهنا تحديدا تكمن الخطورة. وقد أرجع المودودي القانون الى الله وحده في معرض تفسيره حول حاكميّة الله القانونيّة فكتب "يقرر القرآن الكريم أنّ الطاعة لا بدّ وأن تكون خالصة لله، وأنّه لا بدّ من إتباع قانونه وحده، وحرام على المرء أن يترك هذا القانون ويتّبع قوانين الآخرين أو شرعة ذاته ونزوات نفسه" (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون – البقرة 229 (2) وقد حذا محمد باقر الصدر حذو المودودي في هذا الجانب ليقول "ما دام الله تعالى مصدر السلطات، وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعيّ المحدّد عن الله تعالى، فمن الطبيعيّ أنْ تحدّد الطريقة الّتي تُمارَس بها هذه السلطات عن طريق الشريعة الإسلاميّة" (3) وقد ذهب الخميني الى "أنّ القرآن الكريم كتاب قانون، يحمل بين دفتيه أصول الحكم وقواعده، ويستبطن مكوّنات دولة في طبيعة تعاليمه" (4) أمّا عن أسباب التشريع الأسلامي فأنّ "ماهية وكيفية القوانين الإسلامية وأحكام الشرع تدلّ على أنّها قد شرِّعت لإنشاء حكومة ولإدارة سياسية واقتصادية وثقافية للمجتمع" (5)

المؤسسات الدينيّة والأحزاب والمنظمّات الدينية والطائفيّة بالعراق، لم تتطرق لليوم الى شكل الدولة بالبلاد عدا بعض التنظيمات التنظيمات الشيعية، والتنظيمات الأسلاميّة المتطرفة ومنها تنظيمي القاعدة والدولة الأسلاميّة (داعش) الأرهابيين، اللذان دعيا لقيام دولة أسلاميّة يكون الحكم فيها لله أي وفق الشريعة. الا أنّ المؤسسات الدينية وغالبية الأحزاب والمنظمات الدينية الأخرى لم تبدِ وجهة نظرها بشكل علني حول شكل الدولة لظروف موضوعية تمر بها البلاد وليس لعوامل ذاتية، لذا نراها تعمل في المنطقة الرمادية لحين قدرتها على تغيير شكل الدولة نحو الدولة الثيوقراطيّة أي الدينية كما إيران وتنظيم الدولة أي داعش، مع التركيز على أنّ شكل الدولة وهي تحت سيطرة الأحزاب والمؤسسات الدينية ومراجعها يلتقي بشكل أو بآخر مع أهداف داعش من حيث العودة للقرآن والشريعة كوسيلة للحكم وبناء الدولة. لكنّه يختلف عنه بالعراق حيث الثقل الشيعي وميل واضح لغالبية التنظيمات السياسية الشيعية نحو الجمهورية الأسلامية الايرانية كنموذج يحتذى به لبناء دولة على غرار الدولة الأيرانية، أي دولة ولي الفقيه. وقد أكّد الخميني أنّ حق الحاكمية بعد الله كانت للنبي ثمّ "أنتقلت مسؤولية القيادة السياسية للمجتمع بعد النبي الى الأئمّة المعصومين" (6). وقد أوكل الله وفق وجهة نظر الخميني حقّ الحاكمية بعد النبي وأئمة أهل البيت بعدهم الى علماء الدين الذين ليس لغيرهم الحقّ في الحكم وهم "المصداق الحقيقي لأولي الأمر" (7)، وفي تشكيل حكومة عصر الغيبة يقول "عرّف الأمام المعصوم (عج) الفقهاء العدول بوصفهم قادة سياسيين للمجتمع والمسؤولين عن تشكيل الحكومة" (8). وقد كان يوسف القرضاوي شديد الوضوح وهو يكتب "فالحق أن الدولة الإسلامية: دولة مدنية، ككل الدول المدنية، لا يميزها عن غيرها إلا أن مرجعيتها الشريعة الإسلامية"!! (9)

هناك من يعتقد ومنهم سياسيّون ومثقفون من أنّ العراق بعيد كل البعد عن دولة ولي الفقيه لأنّ المرجعيّة الدينيّة في النجف لا تؤمن بمبدأ ولاية الفقيه، لكنّ هؤلاء لا يمتلكون الأجابة الدقيقة عن موقف مرجعيّة النجف بعد وفاة السيستاني من هذا الأمر، وبدأ الصراع لأنتخاب مرجع أعلى للشيعة بالعراق ودور إيران في حسم الصراع لصالحها عن طريق تأثيراتها الظاهر منها والباطن، متناسين على ما يبدو من أنّ التفسير الشيعي لمن له الأهليّة في قيادة الدولة إنتظارا لظهور المهدي، ينبع من إيمانها في أنّ الإمامة هي إمتداد للنبوّة، وأنّ المرجعيّة الدينية هي التي عليها قيادة الدولة والمجتمع إنتظارا لظهور المهدي المنتظر، أي أنّ المرجعيّة هي من تحدد شكل الدولة وهيكليتها وهي من تقودها، والتي ستكون بعد وفاة السيستاني أي مرجعيّة النجف إيرانيّة في فتاواها ونهجها بقوّة الأحزاب الشيعيّة تشريعيا وتنفيذيّا وبسطوة ميليشياتها "العراقيّة" المسلحّة التي أخترقت جسد "الدولة" العراقيّة.

الأسلام السياسي ومعه مؤسساته الدينيّة اليوم يعملون على قدم وساق لتشويه العلمانيّة بإعتبارها مناهضة للدين ومصادِرة لحقوق المؤمنين، ويسخّرون في هذا الأتجاه كل طاقاتهم الفكريّة والأعلاميّة ومنها منابرهم الدينيّة لتكفير العلمانيّة كنظام للحكم. فهل نحن بحاجة الى "دولة مدنيّة" كتلك التي يتعايش الإسلاميّون اليوم معها، أم الى دولة علمانيّة ديموقراطيّة لتكن بوابّة لبناء عراق جديد؟
 

الدنمارك
27/4/2023


(1) نظرة مقارنة في دستور (1925) ودستور (2005)، عبد الغني الدلي (وزير سابق) صحيفة المدى
(2) ابو علي المودودي، الخلافة والملك، دار القلم الكويت، تعريب أحمد إدريس، ص 16
(3) نظرية الدولة في الإسلام، سلسلة دروس في فكر الشهيد الصدر ، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
(4) صحيفة النور 17: 252.
(5) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 28.
(6) الإمام الخميني، ولاية الفقيه: 51.
(7) الإمام الخميني، كشف الأسرار: 221 ـ 223.
(8) المصدر نفسه: 223.
(9) يوسف القرضاوي مقالة تحت عنوان " دولة مدنية مرجعيتها الإسلام.. كيف؟

زكي رضا
الدنمارك
27/4/2023
 



4

أخطأنا .. فلنعترف ونصحّح

طبيعي أن يخطأ المرء هنا أو هناك، لكنّ غير الطبيعي هو عدم الإستفادة من أخطائه. وما ينطبق على الفرد ينطبق على الأحزاب والمنظمّات بل وحتّى الشعوب، فأخطاء حزب أو منظمّة أو حتّى شعب ستستمر وتؤدي الى نتائج كارثيّة ما لم يستعيد ذلك الحزب أو تلك المنظمّة أو ذلك الشعب وعيه، ليس بنقد تلك الأخطاء فقط، بل العمل على تشخيصها وبحثه المستمر لتجاوزها في المراحل التالية من نشاطه ونضاله.

لقد كانت أنتفاضة تشرين/ أكتوبر العراقيّة حدثا كبيرا في تاريخ نضالات شعبنا، وعلى الرغم من عدم نجاحها في تغيير شكل اللوحة السياسية بالبلاد، الّا أنّها تبقى خزينا ثوريا علينا تطويره وتغذيته بمزيد من طاقات الجماهير المتضرّرة للإسراع بإنقاذ البلاد من شرور المحاصصة الطائفية القومية، التي تكرّس هيمنتها وتمسك بيد من فولاذ على مقاليد السلطة يوما بعد آخر بل ساعة بعد ساعة.

حينما كانت الإنتفاضة في عزّ عنفوانها، وحينما كانت الآمال معقودة على شابّات وشبّان رسموا خارطة وطنهم عاليا في السماء، وحينما كان "الطرف الثالث" يقتل ويغتال ويجرح ويطارد ويغتصب هؤلاء الشابّات والشبّان، ظهر إستنتاج سياسي لدى العديد من القوى السياسية والكثير من المتابعين لما كان يجري وقتها، على أنّ عراق ما قبل الأنتفاضة هو ليس كما عراق ما بعد الأنتفاضة، فهل تحققت تلك الأمنية!؟

أثناء الإنتفاضة وبعدها رُفعت العديد من الشعارات المركزية، منها تقديم قتلة المتظاهرين للعدالة، تغيير القوانين الأنتخابية لتكون عادلة، مكافحة الفساد، تحقيق العدالة الأجتماعية، نريد وطن وغيرها. فهل تحقّق شعار واحد من تلك الشعارات التي ذهب ضحيتها المئات بين شهيد وجريح ومعاق ومختطف، لنقول من أنّ عراق ما قبل الأنتفاضة هو ليس عراق ما بعد الأنتفاضة!؟

لم يتم لليوم تقديم القتلة وهم ميليشياويين على صلة بعواصم محليّة للقضاء، بل على العكس فقد تمّ تكريم القتلة. أمّا القوانين الأنتخابية التي طالب المنتفضون ومعهم أحزاب ديموقراطية ومنظمات مجتمع مدني بتعديلها لتكون أكثر عدلا، فقد ترجمته القوى التي قمعت الأنتفاضة بقوانين فُصّلت على مقاساتها ومقاس ميليشياتها لتكون لها الأغلبية المريحة جدا في البرلمان، كونها تمتلك الأغلبية أساسا بعد تبادل أدوارها لتكون أغلبية سياسية في برلمان يحتله فاسدون. أمّا محاربة الفساد، فقد ترجمته قوى القمع الى أستمراره ليلْتَهم خزينة البلاد، وما سرقة القرن الّا أحدى دلالات هذه القوى على أستهتارها بدماء شهداء تشرين وشعبنا بشكل عام، والعدالة ألاجتماعية عند أقطاب السلطة تعني توزيع الكعكة بين أحزابها وليس بين المواطنين الذين يعيش ثلثهم تحت مستوى خط الفقر وفق أحصاءات رسمية. ويبقى شعار نريد وطن، هو الشعار العصي على التنفيذ في ظل سلطات لا تعرف كتابة أسم وطن على سبورة في صف مدرسي بمدرسة خربة آيلة للسقوط.

أوضاع ما بعد الأنتفاضة أسوأ من أوضاع ما قبل الأنتفاضة، وهذه حقيقة يعرفها المنتفضون والشارع العراقي الذي يعيش أزمات مختلفة، وقولنا هذا ليس حالة من اليأس على الرغم من أنّ اليأس مبرر لتوفّر كل عناصره في الحياة العراقية على مختلف الصعد. أنّ ضرب وطرد نوّاب منتخبين من قبل ميليشيات السلطة وتحت قبّة البرلمان، كي لا يصوّتوا ضدّ قانون سانت ليغو المعدّل والذي سيعدّل في كل دورة أنتخابية ما يتيح لهيمنة قوى الفساد على السلطة، لا يعني أستهتار وقمع أحزاب السلطة وميليشياتها فقط، ولا ضعف قوى التغيير الديموقراطيّة فقط، ولا صمت جينين بلاسخارت التي يطلق عليها العراقيون تهكما كنية (أم فدك) ومؤسستها الأممية عن تجاوز السلطة على أبسط الحقوق الديموقراطية التي تعتقد المؤسسة الأممية من أنها قائمة بالعراق، بل تعني أستمرار حالة اليأس عند المواطنين وعزوفهم عن نضال عليهم خوضه من أجل تحقيق أهداف أنتفاضة تشرين. على القوى السياسية المؤمنة بالتغيير أن تتقدم هذه الجماهير اليائسة والباحثة عن حياة كريمة في وطن يتسّع للجميع، بأصطفافها ووحدة برامجها وتجاوز خلافاتها ومناكفاتها وأنانيتها. فالوقت ليس بصالح جماهير شعبنا وقوى الفساد ترسّخ مواقعها في السلطة. وهذه القوى أي الديموقراطية عليها دراسة الشارع العراقي دون عقد آمال أكبر حجما من أمكانياتها، فخسارة الأنتخابات هذه المرّة أو الحصول على نسب صغيرة غير مؤثرّة في أتّخاذ القرارات وتغيير ولو بسيط في شكل السلطة، سيرسّخان الأحباط واليأس من أي تغيير عند جماهير هذه الأحزاب وعموم جماهير شعبنا. ويبقى أمام هذه القوى هدف اكبر وهو، تنظيم الصفوف ووحدة الخطاب السياسي والعمل اليومي بين الجماهير، لحشدها وتهيئتها للمعركة الفاصلة، أي إنتفاضة اكثر قوّة وأتّساعا من انتفاضة تشرين، وفي الحقيقة فأنّ الأنتفاضة المنظمّة هي طريق خلاص شعبنا من الحكم الفاسد وليس الأنتخابات، التي وضعت قوانينها لتدوير نفس الطبقة السياسية لتكون مالكة القرار من جديد.

أثناء الثورة الفرنسية رفع أونوريه جابرييل ريكويتي المعروف بميرابو شعار "أشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسّيس"، وأثناء أنتفاضة تشرين ومن وحي هذا الشعار رفع أحد المنتفضين وتحت جدارية جواد سليم في ساحة التحرير لافتة تقول"نتمنى أن يُشنق آخر سياسي فاسد بعمامة آخر رجل دين فاسد". ولأننا نعمل كعراقيين لبناء نظام ديموقراطي حقيقي لا مكان للعنف ومصادرة الحريات فيه، فالقضاء هو الذي عليه محاكمة الفاسدين لا الجماهير المحبطة واليائسة والمتذمرة.

 
زكي رضا
الدنمارك
29/3/2023

 



5
إتّحاد الشعب " فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد"

الشعارات التي ترفعها الأحزاب السياسية المختلفة، غالبا ما تُترجِم سياسات تلك الأحزاب تجاه قضايا آنيّة ملحّة وعلى تماس يومي مع حاجات الناس، وهذه الشعارات تختلف بالتأكيد عن الشعارات التاريخية التي تكون بحاجة الى نضال طويل قد يستمر عقودا أو أكثر لتحقيقها، ومثل هذه الشعارات قد تظهر أهميّتها وحيويتها بعد عقود من رفعها في نفس البلد، نتيجة توافر نفس الظروف الموضوعية أو القريبة منها من تلك التي أدّت حينها لتبنّيها من هذا الحزب أو ذاك، وبالطبع يبقى العامل الذاتي لذلك الحزب وطبيعة السلطة وقتها أمرا يجب أخذه بنظر الأعتبار.

قبل ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بقليل وتحديدا أواخر شهر آيار/ مايس 1957، نشرت صحيفة أتحاد الشعب الناطقة بأسم الحزب الشيوعي العراقي ونتيجة لسوء أوضاع الجماهير وقتها مقالا تحت عنوان "الأعمار في ظلّ الأستعمار"، هاجمت فيه حكومة أحمد مختار بابان متّهمة أياها بالعمل على أفقار الجماهير. وقد رفعت الصحيفة وقتها عدّة شعارات منها "فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد" و "الموت للذین يحكمون على اقتصادنا الوطني بالخراب ویدفعون الجماهير إلى هاوية البؤس والعبودية والحرمان" و "إن دموع الامهات وصراخ الاطفال وانين الجیاع وهمهمات التذمر لابد أن تنطلق صیحة غضب واحدة لإزاحة كابوس الاستعمار عن صدور الشعب" (*)، فهل شعارات الحزب الشيوعي العراقي وقتها لها مكان في عراق المحاصصة اليوم؟

الشعارات الثلاث التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي وقتها في صحيفته المركزيّة، والتي تحقّقت بعد أقلّ من شهرين بنجاح ثورة الرابع عشر من تموز، ليست دلالة على صحّة مواقفه الوطنيّة فقط، وليست بقراءة آنيّة للوضع السياسي الأقتصادي للبلاد وقتها فقط، بل شعارات وجدت لها أرضية وحيوية كاملة ونحن نعيش اليوم عهد محاصصة طائفية قومية تقود البلاد نحو الخراب التام.

"فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد"، هذا الشعار رفعه الحزب وقتها في مواجهة تبذير ونهب وفساد حكومات العهد الملكي، فهل تبذير ونهب وفساد السلطة اليوم يختلف عمّا كان عليه إبّان ذلك العهد؟ الجواب لا قطعا، فالفساد والنهب والتبذير اليوم يفوق ما شهده العراق في كل عهوده بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة، بل ويفوق أمثاله في تاريخ اكثر البلدان فسادا بالعالم.

"الموت للذین يحكمون على اقتصادنا الوطني بالخراب ویدفعون الجماهير إلى هاوية البؤس والعبودية والحرمان"، شعار نحن بحاجة ماسّة إليه اليوم لنبدأ ببناء وطن يتهاوى تحت معاول أحزاب الفساد الحاكمة، وتقديم المسؤولين عن الفساد والخراب للمحاكم. شعبنا اليوم ضحيّة لقوّة السلطة وأذرعها العسكرية الرسميّة منها وغير الرسمية، أقتصادنا وثرواتنا ملك لأحزاب وعوائل وأفراد ورجال دين، الحرمان نراه في فقر الزراعة والصناعة والتعليم والصحة وباقي الخدمات. الهاوية إسم من أسماء جهنّم لا يُدرك قعرها، وفيها قال الشاعر عمرو بن ملقط الطائي:

يا عمرو لو نالتك أرماحنا       كنت كمن تهوي به الهاوية.

وأرى ونحن نعيش عهد الفساد والأستبداد في ظل نظام المحاصصة الطائفية القومية اليوم من أنّ رماح السلطة تهوي بنا الى الهاوية فعلا وقولا.

"إن دموع الامهات وصراخ الاطفال وانين الجیاع وهمهمات التذمر لابد أن تنطلق صیحة غضب واحدة لإزاحة كابوس الاستعمار عن صدور الشعب". العراق اليوم وليتجنب السقوط في الهاوية بحاجة الى تبني هذا الشعار لأزاحة كوابيس الأستعمار. فالعراق اليوم مستعمرة لقوى دولية وإقليميّة عدّة، علاوة على كونه مستعمرة لأحزاب تتعامل مع شعبه وكأنّهم عبيد والعراق كأقطاعيّة. ولأنقاذ ما يُمكن إنقاذه من بقايا البلد الخرب علينا أن نجعل الصيحة قريبة وعالية وهادرة، لتعيد لشعبنا بهاءه وثباته وأنتفاضاته التي كلّلها بإنتفاضة تشرين الباسلة.

شعارات الحزب الشيوعي التي نحتاجها اليوم، هي نفسها التي رفعها الحزب في صحيفته أتحاد الشعب قبل 66 عاما. ورفعها والعمل على تحقيقها من مهمّات الحزب الملحّة اليوم وهو يحتفل بذكرى تأسيسه التاسع والثمانون..

المجد للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه التاسع والثمانين.
المجد لشعبنا في معركته للخلاص من براثن الفساد والجريمة والفقر والجهل والتخلف والأميّة.
لنعمل من أجل عراق علماني ديموقراطي فدرالي موحّد.


(*) بحث حول مـوقــف الـحــزب الـشـيــوعــي الـعــراقـــــي من القضايا الاقتصادية والاجتماعية في العراق 1946 – 1958.
أ. م. د. مؤيـد شاكـر كاظـم جامعة ذي قار كلية الآداب، م. د. رحيم عبد الحسين عباس جامعة كربلاء/ كلية التربية.

 

زكي رضا
الدنمارك
26/3/2023
 


6
عشرون عاما من الإحتلال الأمريكي للعراق.. ما هي المكاسب؟


تمر هذه الأيام الذكرى العشرون لأحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة وإسقاط النظام البعثي، الذي كان نفسه سلاح دمار شامل للعراقيين بقمعه وحروبه الداخلية والخارجية وتفريطه بالسيادة الوطنية وأراض ومياه عراقية، ومسؤوليته برعونته عن حصار ظالم دفع العراقيون ولازالوا ثمنه. وقد هيأت الولايات المتحدة بسلسلة من الأكاذيب الأجواء لبدء حربها على العراق، حين وقف وزير خارجيتها كولن باول في مجلس الأمن الدولي حاملا انبوبة صغيرة على أنّها جزء من برنامج كيمياوي يقوم العراق بتطويره! وما أن أنتهت الحرب وليومنا هذا لم تستطع الولايات المتحدة ومعها حلفائها من تقديم أدلّة على أمتلاك العراق لأسلحة نووية وبايولوجية وكيمياوية!

لو تركنا أسباب الغزو والحرب والأحتلال جانبا، وعدنا الى تصريحات المسؤولين الأمريكان ما بعد حرب تحرير الكويت والحصار الذي تلاه وحرب ما سميّت بحرية العراق، لصدمتنا تصريحاتهم حولها. فوزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت قالت في معرض ردّها على سؤال من الصحافية ايزابيل كومار أواخر نيسان/ ابريل 2016، حول قولها من أنّ " قتل خمسمائة الف طفل عراقي كان أمرا يستحق ذلك"؟ لتجيب قائلة : لقد سبق لي الإعتراف بأن هذا هو أغبى شيء قلته وأعتذرت عن ذلك، ولكن يبدو أن هناك أناسا يريدون دائما العودة إلى هذه المسألة. لقد غاب عن بال السيدة اولبرايت من أننا نتحدث عن جريمة قتل خمسمائة الف طفل وليس عن خمسمائة الف قطعة شوكلاتة أذابتها شمس بغداد الحارقة، قبل أن تصل الى بطون أطفال العراق المحاصرين كهدايا أمريكية لنقبل كعراقيين ناهيك عن الذين يمتلكون ضمائر حيّة أعتذارها!

لقد قُتل الكثير من المدنيين على يد جنود امريكان وبريطانيين وغيرهم من القوات الغازية، كما ووصلت أهانة القوات الأمريكية للعراقيين الى حد الوقاحة والأستخفاف. وبعد مرور سنوات حسب تقرير للبي بي سي نيوز العربية نشرته بمناسبة الذكرى العشرين لبدء الحرب، قالت فيه لقد " أدرك الرأي العام الدولي أن تلك الحرب كانت خطأ جسيما"، ومن هؤلاء السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي كان من أشد المدافعين عن "تحرير العراق" لسنوات، والذي تراجع في مذكراته التي نشرها قبل وفاته العام 2018 عن موقفه فكتب قائلا: " لا يمكن الحكم على تلك الحرب، بتكلفتها العسكرية والانسانية، سوى أنها خطأ... خطأ خطير للغاية، وعليَ أن أتحمل نصيبي من اللوم على ذلك ". أنّه ليس بخطأ أيّها السيّد ماكين لتُلام عليه، بل جريمة تضاف الى سلسلة الجرائم التي أرتكبتموها والغرب بحق شعوب وبلدان عديدة في هذا العالم ويجب محاسبتك وبلادك عليه. وعلى سبيل المثال فأنّ قوات بلادكم ومعها القوات البريطانية أستخدمت ما بين 320 – 800 طن متري من اليورانيوم المنضّب ضد العراقيين في حرب تحرير الكويت فقط، وعليكم أن تكتشفوا بأنفسكم حجم الموت وتشوّهات الأجنة والتربة والمياه التي خلّفتها هذه القذائف في بلادنا وأثارها الواضحة للعيان لليوم!

بعد هذه المقدمة التي لابدّ منها، نعود الى "المكاسب" التي حققتها الحرب وفق السيّد بول بريمر الذي عيّنته واشنطن حاكما مدنيا في العراق، ففي مقابلة متلفزة مع محطة سكاي نيوز بالعربية تناول السيّد بريمر جملة أمور معتبرا أنّها كانت أيجابية وساهمت في تحوّل العراق الى دولة ديموقراطية!! قبل تناول ما حققته الحرب من "مكاسب" للعراق وشعبه، علينا تذكير السيّد بريمر من أن بلاده كتبت في العام 1947 بشخص الجنرال ماكارثر الدستور الياباني إثر هزيمة اليابان في الحرب، ومن خلال بنود هذا الدستور وصلت الحياة السياسية في اليابان الى درجة من النضج الديموقراطي والأستقرار السياسي وهي التي أستقبلت أوّل قنبلتين ذريتين على أراضيها! أمّا في العراق فقد ترك الأمريكان متعمّدين كتابة دستور البلاد الى القوى السياسية الطائفية القومية، وكان أعضاء لجنة كتابة الدستور العراقي تتكون من شخصيات سياسية ودينية، ومنهم السيد أحمد الصافي ممثل السيد السيستاني ومعه عدد من رجالات الدين والسياسة الشيعة وثلاث أو أربع قضاة من قوام 71 عضوا في تلك اللجنة، وعلينا أن نعرف طبيعة الدستور الذي يخرج من هكذا مطبخ! وإن كان الدستور الياباني ضَمَنَ استقرار البلاد وتقدمها، وكان اساسا لتقدم اجتماعي واقتصادي وصناعي اوصل اليابان الى مقدمة دول العالم، فأن دستورنا ومن ديباجته وقبل الدخول في مضمونه وبنوده، ضَمَنَ عدم الأستقرار السياسي بالبلاد، وكان ولا يزال أساسا لتخلّف العراق اجتماعيا وأقتصاديا وصناعيا وزراعيا وتعليميا، ولتكن بلادنا في مقدمة الدول الفاسدة والمتخلفة.

السيّد بريمر قال في لقائه التلفزيوني من أنّ الناتج المحلي للبلاد اليوم يعادل خمسة أضعاف ما كان عليه في العام 2003 ، وأنتاج البترول تضاعف هو الآخر لخمسة أضعاف ما كان عليه في نفس السنة. ولم يتطرق السيد بريمر الى زيادة العشوائيات في المدن، وأزدياد نسبة الفقر والبطالة، وتخلّف الصناعة والزراعة وسوء أدارة الدولة لملفّات المياه والمناخ والتعليم والصحة والكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى التي أزدادت طرديا مع ما ذكره من أرقام، وهذا يعني أنّ الزيادة في الناتج المحلي والذي جاء لتضاعف انتاج النفط وصعود اسعاره، قد التهمه الفساد الحكومي ولم يستفاد منها الشعب العراقي. وهذا يعني أيضا أنّ النظام الحالي هو أستمرار للنظام السابق كون نهج النظامين واحد، بغضّ النظر عن طبيعتيهما السياسيتين.

يستمر بريمر في حديثه ليقول من أن الديموقراطية في العراق لم يشهدها أي بلد عربي آخر، لكنّ ما فات السيد بريمر هو أننا أكثر الدول العربية تقريبا في الفساد والأمية، ومصادرة الحريات حتى تلك التي نصّ عليها الدستور. ويبدو أنّ السيد بريمر وهو يحاول تجميل الوجه القبيح والبشع للأحتلال وطبيعة سلطة المحاصصة، يعمل على القفز على مبدأ دستوري يجب أن يتم تعديله ليحبو العراق نحو الديموقراطية ويمارسها بشكل حقيقي. ولا نظن من أنّ عدم حسم نقطة تحديد الكتلة الأكبر الفائزة بالأنتخابات التي يقع على عاتقها تشكيل الحكومة، وترك الأمر للقضاء المسيّس وسطوة المال والميليشيات لحسمه، تعتبر شيئا من الديموقراطية وهي تقصي من تأتي به صناديق الأقتراع لصالح جهة خسرتها.

لقد تحررنا أيها السيد بريمر من سطوة نظام قمعي وحالة حرب مستمرة لعقود، لنسقط في مستنقع نظام محاصصاتي فاسد وحرب أهلية (طائفية) وفوضى، تحررنا من نظام يملك ميليشيا أجرامية كميليشيا صدام، لنسقط أسارى سلطة تمتلك العشرات من الميليشيات، تحررنا من نظام دموي يخطف المناهضين له من الشوارع ويغيّبهم، لنسقط في فخ نظام" ديموقراطي" يخطف الناشطين الذين يواجهون نهجه من الشوارع ويغيّبهم، تحررنا من نظام كان يهجّر مواطنيه الى خارج الحدود لنقع فريسة نظام يعيش عشرات الآلاف من مواطنيه نازحين في بلدهم، تحررنا من نظام تسرق فيه عائلة صدام حسين وبعض المقربين منها عشرات المليارات من الدولارات ، لنسقط في بحر من اللصوص سرقوا مئات المليارات من الدولارات.

النظام السياسي الذي جاء به المحتل الأمريكي في نهجه، هو أستمرار لنهج نظام البعثي في تعامله مع قضايا شعبنا ووطننا. وما عجز النظام البعثي عن أنجازه خلال ما يقارب الأربعة عقود من حكمه الكارثي، أنجزه النظام الحالي في عقدين من الزمن، والأنجاز هنا هو تدمير البلاد والنسيج الأجتماعي والتخلف الثقافي والفكري والتعليمي والصحّي. أننا بحاجة الى زلزال أقوى من زلزال تشرين ليأخذ على عاتقه مهمة أعادة بناء البلاد على أسس ديموقراطية حقيقية بعيدا عن نهج المحاصصة والفساد، أننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي حقيقي، والّا فأن الأزمات التي نعيشها ستتحول الى أزمات مستدامة لتهدّد وجود الدولة نفسها.
 
زكي رضا
الدنمارك
23/3/2023
 

7
هل هناك رأي عام فاعل بالعراق..؟

عادة ما تتجه المراكز البحثية في البلدان الديموقراطيّة وهي تريد أستقراء الأوضاع السياسيّة أو الأقتصادية وغيرها ومواقف الجماهير منها، الى عيّنات عشوائية من الناس وأستطلاع آرائهم لغرض عرضها على صانعي القرار السياسي لأتخاذ موقف ما من قضيّة ما. لكنّ أستطلاعات الرأي لا تعني مطلقا نجاحها في تقديم صورة حقيقية للقضيّة التي أستطلع الجمهور فيها، فهناك دوما هامش للخطأ بنسب تختلف من مجتمع لآخر إعتمادا على أمور عدّة، منها أنتشار الوعي، جودة التعليم، الديموقراطية، نسبة البطالة، قوّة النقابات والأتّحادات المهنيّة، الثقة بالحكومة، الأعلام المستقل، وغيرها من تلك التي هي على تماس مع مصالح الجمهور اليومية. أنّ أستطلاع الآراء أصبحت اليوم تجارة تقوم بها مؤسسات أستطلاع لأحزاب متنافسة في وصولها للسلطة، أو حتى بين شركات كبرى تتنافس لتسويق بضائعها في الأسواق، وهذا يعني أنّ هذه المؤسسات البحثيّة تعمل على صناعة رأي عام يساعد تلك الأحزاب للوصول الى السلطة، او تلك الشركة لتسويق منتجاتها، وهذا يعني تحديدا أرباحا مالية للأحزاب والشركات المتنافسة.

يُحدّد الكثير من الباحثين في موضوعة الرأي العام وأهمّيته، على أنّ هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت. كما وأنّ هناك رأي عام يُقاد، وآخر يقود. ولأننا نتحدث هنا عن العراق، فأننا سنتحدث عن الرأي العام في العراق ودوره على الخارطة السياسيّة في بلده، وموقفه من الأزمات السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي تمر بها البلاد. لنرى إن كان هناك رأي عام عراقي بالشكل المتعارف عليه في البلدان الأخرى، ومدى أمكانية أن يلعب الرأي العام العراقي دورا مؤثرّا في "العمليّة السياسيّة" التي تقوده وبلاده نحو المجهول؟

من العوامل التي تشكّل الرأي العام وفق آراء الكثير من الباحثين ولا زلنا نأخذ العراق كمثال حصرا هنا هم الزعماء السياسيون ورجال الدين والعشائر وزعماء الميليشيات، وكم المشاكل الأقتصادية والأجتماعية التي يواجهها المجتمع العراقي، ولا نقول السياسية كون الشأن السياسي لا تهتم بها الغالبية العظمى من الجماهير نتيجة غياب ثقتها بمنظومة الحكم بأركانها الثلاثة من جهة، وغياب أو ضعف قوى سياسيّة تطمح وتعمل على التغيير، ويأسها أي الجماهير من حدوث تغيير نحو الأفضل من جهة ثانية، وكونها غير واعية لا بحاجاتها اليومية وتوفيرها للعيش بكرامة ولا بمستقبل وطنها. قد يبدو هذا الأستنتاج قاسيا، لكنّه الأقرب الى الحقيقة بشكل كبير من خلال أستقراء الأوضاع السياسية التي شهدتها البلاد منذ الأحتلال لليوم. أنّ الأنتماء الوطني بالعراق ضعيف مقارنة بالأنتماءات الطائفيّة والقومية والعشائرية بل وحتّى المناطقيّة، والقوى المهيمنة على المشهد السياسي وتشكّل الدولة والدولة العميقة في العراق اليوم تعمل على أنتشار وترسيخ الطائفية والعشارية والمناطقيّة كوسيلة لبقائها في السلطة، بل هي في الحقيقة وإن توخينا الدقّة فأنّها أي الدولة إمتداد طبيعي للنسيج الطائفي القومي المناطقي.

هناك رأي عام ثابت وآخر مؤقّت وفق الباحثين والمراكز البحثية المختلفة، والرأي العام الثابت هو الذي يرتكز على مفاهيم ثقافية ودينية وطائفية محدّدة ومشتركة بين غالبية جمهور مناطق جغرافيّة معيّنة وحتّى من أبناء تلك المناطق الذين يعيشون خارجها، ومزاج هذا الشكل من الرأي العام من الصعب تغييره، أو من الصعب تغيير غالبيته ولو البسيطة في مسائل سياسيّة مهمّة، كأصلاح أو تغيير سلطة. ولأننا لازلنا في المثال العراقي، فأنتفاضة تشرين على سبيل المثال لم تستقطب جماهير البلاد بأكملها، وأقتصرت لحدود بعيدة جدا على أبناء مناطق ذات لون ثقافي وطائفي واحد وهم الشيعة، لأسباب منها ضعف البنى التحتيّة والخدمات في المناطق الشيعية مقارنة بغيرها من المناطق ككوردستان مثلا، وكون السلطة التنفيذية بيد ساسة ورجال دين شيعة لم يقدّموا ما كان منتظرا منهم لأبناء جلدتهم على الأقل، هؤلاء الذي أنتفضوا ضد سلطة البعث في آذار 1991 تحت شعار "ماكو ولي الّا علي ونريد حاكم جعفري" وإذا بالحاكم الجعفري فاسد ولص وأذاقهم الفقر والبطالة والمرض والجهل والأميّة. والرأي العام المتحرك أو المؤقّت فهو مرتبط بوجود مشكلة ما أو مطلب ما، وموقف الرأي العام منها عن طريق تنظيم تظاهرات أو أعتصامات أو أضرابات أو وقفات جماهيرية، والرأي العام هذا سلبي أكثر ممّا هو أيجابي، كونه يبحث عن مصالحه بأنانيّة وغباء، فالسلطة تستطيع أن تقف بوجه أضراب المعلّمين أو الكادر الصحي والخدمي في مدينة أو منطقة ما في حال تنظيمهم تظاهرة أو أضرابا أو وقفة جماهيرية لتحقيق مطالبهم، لكنّ نفس السلطة ستكون عاجزة عن مواجهة أضرابات أو أعتصامات في كامل البلاد إن كانت هناك قوى سياسيّة قادرة على تنظيم هكذا شكل من أشكال النضال الجماهيري.

الرأي العام الثابت بالعراق ومن خلال تجربة ما بعد الأحتلال بل ومنذ تأسيس الدولة العراقيّة لليوم، يرتكز على أسس طائفيّة وقوميّة ومناطقيّة. فالرأي العام (بأغلبيته البسيطة على الأقل) في جنوب العراق مثلا، يتأثر لحدود بعيدة بالمؤسستين الدينيّة والعشائريّة وتتم أدارة موقفه وتوجيهه من قضايا البلاد وفق وجهات نظر رجال الدين والعشائر والأحزاب والميليشيات من تلك القضايا. وهذا ينطبق على المناطق الغربية والكوردية أيضا. وهذا يعني أنّ موقف الرأي العام عند الشيعة مرتبط بطقوس مقدّسة تنتجها وتديرها مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية مرتبطة بهاتين المؤسستين من جهة، وسطوة رجال الدين والعشائر والنخب السياسيّة في ظل غياب الدولة أو ضعفها أو إنحيازها لجهة دون أخرى. وموقف الرأي العام في المناطق السنيّة يتم إدارته وتوجيهه هو الآخر من قبل مؤسسات دينية وعشائرية وثقافية ترتبط بهما، مع وجود نفس الدور لرجال الدين والعشائر والنخب السياسية في توجيه الرأي العام نحو حنين لماض كانت فيه أي الطائفة هي من تمتلك زمام السلطة. أمّا الكورد وهم يحلمون بوطن قومي لهم، فأنّ الرأي العام عندهم يقاد هو الآخر من مؤسسات عشائرية عائلية، مع تأثير واضح كما الآخرين للمؤسسة الدينية.

مثل هكذا رأي عام لا يمكن الأعتماد علية في قياس موقف ما من قضية وطنية بحتة، فالمجموعات الثلاث بغالبيتها البسيطة كي لا نكون قساة في حكمنا عليها لا تعرف معنى الوطنية والأنتماء للوطن، فالوطن عندها طائفة وقبيلة وعشيرة. ومثل هكذا رأي عام يقاد بسهولة الى مواقف من يقودها ويرسم سياساتها. فالمثقفون وهم أقليّة ولا يملكون وسائل أعلام ولا أمكانيات ماديّة كالتي تملكها مؤسسات الدولة التي هي أمتداد للطائفية والعشائرية كما اشرنا قبل قليل، غير قادرة في ان تلعب دور القائد في صراعها مع الطرف الآخر للتأثير في الرأي العام.

أمّا الرأي العام المتحرك أو المؤقّت، فهو رأي عام بائس وغير ميّال للمساهمة في إيجاد حلول أو مراكز ثقل لقوى مناهضة لسلطة الفساد ليمنحها القوّة على الساحة السياسيّة. فتظاهرة لعدم توفّر الكهرباء تنطلق في البصرة مثلا ويُقتل فيها عدد من المتظاهرين لا نرى تظاهرات متزامنة مثلها في مناطق أو مدن أخرى رغم معاناة أبناء تلك المناطق كما معاناة أبناء البصرة من نفس المشكلة، كي تكون ذات تأثير واضح على مزاج الناس من جهة وتحدّيهم للسلطة ودفعها لإيجاد حلول للمشكلة من جهة ثانية!

بشكل عام لا يجب أن يتحرك الرأي العام فقط بأتجاه تحقيق مطالب آنيّة وإن كانت ملحّة، بل عليه التحرّك نحو فضاءات أكبر بكثير من المطالب الآنية، فضاءات تأخذ قضايا سياسية كبيرة كتغيير شكل السلطة وترسيخ مبدأ القانون وبناء دولة مؤسسات حقيقية في ظل نظام علماني ديموقراطي، وهذه الأمور الحسّاسة والمصيرية بحاجة الى قوى سياسية قريبة من الجماهير ومزاجها من جهة، وقادرة على إقناع هذه الجماهير بضرورة مشاركتها الفعلية في ماكنة التغيير، كونها أي الجماهير هي الطاقة التي تحتاجها القوى السياسية الباحثة عن التغيير لتحريك ماكنة التغيير لأنقاذ الوطن من مستقبل تشير الوقائع الى أنّه كارثي بمعنى الكلمة.

 
زكي رضا
الدنمارك
13/3/2023
 



8
آراء إسلاميّة حول حقوق الإنسان بالعراق بين الأمس واليوم


لا يمكن بناء سلطة ديموقراطية بدون إحترام حقوق الأنسان وتحقيقها فعلا من خلال العمل على تطبيق القوانين الدولية بهذا الخصوص، خصوصا تلك التي تتبناها الأمم المتحدة، كون جميع الدول بأنظمتها المختلفة هي أعضاء في هذه المؤسسة الأمميّة. وقد تتعرض للتساؤل في حالة أخلالها بهذه القوانين من خلال عدم أحترام حقوق الأنسان في بلدانها. وبالتأكيد فأنّ للدول الحقّ أيضا في أن تنظر لهذه المسألة من خلال قوانينها الخاصّة والتي يجب أن لا تبتعد عن المفاهيم الأساسية لحقوق الأنسان وحقّه في العيش بكرامة. ولأننا نتحدث عن العلاقة بين الديموقراطية وحقوق الأنسان، فعلينا أن لا ننجر الى مواقع السلطات التي تتبنى من خلال برلماناتها وكونها الأكثرية سواء كانت تلك الأكثرية سياسية أو دينية أو طائفية أو قومية، في قهر الأثنيات والأحزاب السياسية والمجموعات الدينية والحريّات الشخصيّة من خلال مبدأ الأكثرية والأقليّة، فهذا المبدأ يفقد معناه حينما يبدأ بمواجهة تلك المجاميع من خلال مبدأ الديموقراطية.

نتيجة السجل الأسود للنظام البعثي في ملف حقوق الأنسان وضربه لكافّة المواثيق والعهود الدولية بل وحتى الأسلامية عرض الحائط وقمعه لجماهير شعبنا بكل أطيافه، تبنت المعارضة العراقية  وقتها هذا الملف بكثير من الحماس كونها عانت كما بقية أبناء شعبنا من إستبداد سلطة البعث وسجونه وإغتيالاته وإعداماته. وقد عوّل شعبنا على هذه القوى في إقامة نظام سياسي يحترم حقوق الأنسان وحريّاته الشخصية، وينهي مأساة تلك الحقبة السوداء من تاريخه. فهل نجح معارضي البعث وهم على رأس السلطة اليوم  في تقديم رؤية قانونية لحقوق الأنسان العراقي، على أنقاض رؤية البعث لها؟

لقد تاجرت القوى الأسلاميّة كما غيرها وهي في صفوف المعارضة على ملف حقوق الأنسان، وكان من ضمن الشخصيات الأسلامية التي تناولت هذا الملف المهم جدا من وجهة نظر إسلاميّة هو د. أكرم الحكيم القيادي في المجلس الأسلامي الأعلى المعارض وقتها، والشاغل لمناصب عليا في الدولة العراقية بعد الأحتلال الأمريكي للبلاد. ففي مقال له تحت عنوان " وجهة نظر إسلاميّة تجاه مسألة حقوق الأنسان"، والتي نشرتها مجلة الثقافة الجديدة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في عددها رقم 286  والصادرة بتاريخ كانون الثاني – شباط 1999 في صفحاتها 32 – 35  ، تناول السيد الحكيم هذا الملف إستنادا الى الفكر الأسلامي، وحتّى عندما كان يعرج في مقالته عن حقوق الأنسان في العصر الحديث فأنّه كان يربط هذه الحقوق بالدين الأسلامي وتأثيره المعاصر! فهل أوفت القوى الأسلاميّة وهي تتصدر المشهد السياسي اليوم بتعهداتها حول حقوق الأنسان العراقي كما كانت تروّج له وهي في المعارضة؟   

السيّد أكرم الحكيم لم يخرج قط عن عباءة الدين بنظرة طائفية في مقالته وهو يقول " المصادر الأسلامية ( القرآن الكريم ونصوص المعصومين عليهم السلام!!)، هي مصدر الفكر والثقافة والتشريعات والأخلاق الأسلاميّة"، فأكّد وهو يتناول نصوص دينية من التراث الأسلامي الشيعي وآيات قرآنية والتي سنتناول البعض منها لاحقا من أنّ " قيمة هذه النصوص ومثيلاتها تنبع أضافة الى المفاهيم التي تتضمنّها والسياسات التي تؤسسّها، تنبع أيضا من عمرها الزمني الذي يمتد لأكثر من ألف وأربعمائة سنة... بكلمة أخرى يمكن القول وبدون مبالغة بأنّ النصوص الأسلاميّة ساهمت وبدرجة كبيرة في أثراء التجارب البشرية المتراكمة بمرور الزمن حتى وصلت الى صيغتها المتقدمّة المعاصرة المتمثلّة بالأعلان العالمي لحقوق الأنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من كانون الأوّل 1948"، عازيا الدين كعامل مهم في تكوين ما أنتهى اليه الفكر الأنساني، علاوة على " حقوق الأنسان والمواطن" الذي أصدرته الثورة الفرنسيّة ووثيقة " أعلان الأستقلال الأمريكي" في أعلان الصيغة النهائية لقانون حقوق الأنسان، فهل حصل المواطن العراقي على جزء من حقوقه التي نادى بها السيد الحكيم وحزبه والأحزاب الأسلامية الأخرى تمتلك عرش العراق اليوم..؟ 

لقد أجتزء السيد الحكيم بعض الآيات التي ذكرها في مقالته وهو يسوّق مبدأ حقوق الأنسان من خلال معتقداته، والتي برهن التاريخ من أنّها لم تكن الّا وسيلة لذرّ الرماد في العيون، فها هو أسلامه وتشيّعه على رأس السلطة ولم نرى شيئا من حقوق الأنسان في بلدنا الذي أكتوى بنار البعث، وجاء الأسلام السياسي ليكمل ما عجز البعث عن أنجازه في كل حقول السياسة والأقتصاد والأجتماع ومنها حقوق الأنسان وحقوق المرأة وحقوق الأطفال. فالسيّد الحكيم يستشهد بآية (لا إكراه في الدين) سورة البقرةآية 256، لكنّه لا يستمرّ بالآية الى نهايتها والتي تقول (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، كما وأستشهد السيد الحكيم بالآية 29 من سورة الكهف (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ) والتي كما التي قبلها جاءت في غير سياقها كونها لم تستمر حتى نهايتها (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ). في الآيتين السابقتين والتي جاء بهما السيد الحكيم كمثال على مبدأ حقوق الأنسان في القرآن الكريم، فيهما نوع من التهديد والوعيد وهذا بعيد عن مبدأ حقوق الأنسان، فحقوق الأنسان كما الحريّات لا تتجزأ والّا ستكون بعيدة عن أهدافها الحقيقية.

السيّد الحكيم وبعد كم الآيات والأحاديث التي تناولها في مقالته تلك التي كانت بعيدة عن صلب الموضوع أصاب الهدف بدقّة في نهايتها، حينما تساءل عن السبب الذي يجعل البلدان الأسلامية تعيش انتهاكات كبيرة لحقوق الأنسان، مؤكدا من أن أنتهاك حقوق الأنسان ومصادرة حريّاته هي سياسة ثابتة وأستراتيجية للحكومات بمختلف ألوانها. وقد حدّد السيد الحكيم الأمر بنقطتين جوهريتين الأولى هي " إنّ أغلب الحكومات التي تعاقبت  على السلطة في عالمنا الإسلامي ولقرون طويلة من الزمن اختارت من الأطروحة الأسلامية ما يناسبها وأهملت كل ما يتعلّق بحقوق الشعب وكل ما يتعارض مع تسلطها وأستبدادها، حتّى بلغ الحال أن تعتقد ملايين من المسلمين بقداسة تاريخ وشخصيات خلفاء وحكّام كانوا في الواقع ظلمة وطغاة وفاسدين"، والثانية " تخلّف الجماهير في وعيها الديني والسياسي والثقافي شكلّ على الدوام عاملا مساعدا لأستغلال الدين والقيم الدينية لغير أهدافها الأصليّة".

 إذا أخذنا النقطتين أعلاه كمثال لما يجري بالعراق الأسلامي اليوم، سنرى أنّ السلطات تكرّس ما تحتاجه من نصوص اسلامية وغير اسلامية لاستمرار هيمنتها على السلطة، والأسلام السياسي الذي ينتمي اليه السيد الحكيم هو جزء اساسي وفاعل في هذه السلطة اليوم، أمّا عن تخلّف وعي الجماهير فأنّ للسلطة والمرجعيات الدينية والعشائرية الدور الأكبر في تغييب وعي الجماهير وقبره.

غياب حقوق الأنسان والحريّات الأساسية تعني غياب الديموقراطية، وغياب الديموقراطية تعني الأستبداد وأن كانت صناديق الأقتراع فيصلا، كون الديموقراطية في هذه الحالة تكون على قياسات أحزاب السلطة. وما نراه في العراق اليوم من قمع للمتظاهرين وخطف للناشطين والتضييق على الحريات بقرارات تستند على نصوص اسلامية، بعيدة عن كل ما جاء في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان. والقوى الأسلامية اليوم تختار من الأسلام نفسه ما يناسبها، فهي تحرّم أمور كثيرة، لكنّها لا تحرّم السرقة التي وردت آية في القرآن تأمر بقطع يد السارق كما جاء في الآية 38 من سورة المائدة ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، لأننا حينها سنرى مئات من الساسة ورجال الدين مقطوعي الأيدي.

أنّ السرقة حرام، والغشّ حرام، والفساد حرام، والخيانة حرام، وأشاعة الجهل بين الناس لغاية في نفس الأحزاب الأسلامية حرام، وأكل مال اليتامى والأرامل حرام، وأستيراد المخدرات وبيعها على شبابنا حرام ما بعده حرام، أمّا أستمرار سلطة المحاصصة فهي الكفر بعينه. لكي يكون للأنسان العراقي حقوق وفق معايير دولية، فأننا بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي لا ينظر لهذه الحقوق من ناحية دينية، بل من ناحية قانونية ودستورية تمنح المواطنين الحق في التظاهر والتجمع والأضراب وممارسة شعائرهم الدينية وحريّاتهم الشخصية ومنها حريّة التعبير بما لا يتعارض ومفاهيم حقوق الأنسان.

زكي رضا
الدنمارك
/3/2023 11



   



 





9

عجبي يحاربون معاوية وكلّهم معاوية


بما يشبه روايات الخيال العلمي، وجدت نفسي فجأة على متن مركبة آلة الزمن كالتي جاءت في رواية هربرت جورج ويلز، الّا أنّ المركبة هذه وعلى خلاف المنطق العلمي كانت مجهزّة للسفر نحو الماضي. وما أن جلست فيها حتى بادرني الربابنة العاملين عليها بسؤال عن وجهتي، نحو الماضي طبعا. فقلت للعاملين وبهدوء كامل ونحن نعيش صراع شيعي بفيلم شجاعة ابو لؤلؤة، وسنّي بمسلسل معاوية في شهر رمضان القادم وكأننا في مباراة كلاسيكو بين فريقي كرة قدم، من أننّي أريد السفر الى العام 652 للميلاد والى منطقة الربذة شرق المدينة المنورّة تحديدا.

ما أن خرجت من المركبة التي هبطت هناك، حتّى رأيتني أمام رجل وأمرأة ومعهما غلام فعرفت من أنّه ابو ذر وأمرأته وغلامه الذي بانت على وجوهم علامات الخوف والتعجب من شكل المركبة وطريقة هبوطها.

أنا: السلام عليكم يا ابا ذر.
ابا ذر: وعليكم السلام ورحمة من الله وبركاته، هل معك لي سابق معرفة، قالها متعجبا؟
أنا: لا، ولكنك وفي مكانك هذا وسبب وجودك فيه، أصبحت أشهر من نار على علم. فمن ذا الذي لا يعرف ابو ذر، ومن ذا الذي لا يعرف الربذة.
ابا ذر: أنّ قدومك اليّ هنا على ما يبدو هو لأمر جلل، فما هو؟
أنا: أريد أن تسافر معي على هذه المركبة الى النجف حيث قبر صاحبك الأمام عليّ ومنها الى كربلاء حيث قبر أبنه الحسين.
ابا ذر وعيناه غارقتان بالدموع: هل سأشهد موته!
أنا: بل مقتله وأبنه، ولنسافر على نفس المركبة بعدها الى الخضراء.
ابا ذر بعصبية ظاهرة: الخضراء هذه التي بناها سارق أموال الفقراء والأرامل والأيتام معاوية بن أبي سفيان في الشام.
أنا: لا أنها ليست ت......
ابا ذر مقاطعا: أتعرف من أنني منفي هنا لأنني وأنا في الشام وبمواجهة معاوية كنت آخذ بظاهر القرآن وأتلو آية ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وكنت أقفّ على دكّة في سوق دمشق وأقول محرضّا الفقراء على الأغنياء صارخا (يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء، بشّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوٍ من نار تُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك وأوجبوه على الأغنياء، فلما رأى معاوية أن فعلي يصدق قولي كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا..).
أنا: نعم لقد قرأنا في كتب التاريخ عن مواقفك هذه، وهذا ما دفعني للقدوم أليك، كون الحرب لا زالت مستعرة بين سراة شيعة علي وسراة شيعة معاوية.
أبا ذر: الحرب بينهما قائمة لليوم، وماذا عن فقراء الناس عند الطرفين!؟
أنا: نعم الحرب قائمة لليوم، أمّا فقراء الطرفين فهم كما فقراء العالم يعانون من الفقر والجوع والظلم والأضطهاد.
ابا ذر: هلّا تأخذني بمركبتك هذه عند معاوية في قصره الخضراء بالشام، لأحرّض الفقراء عليه من جديد.
أنا: نعم، سآخذك اليه لكنني أودّ أن تأتي معي أولّا الى النجف وكربلاء حيث قبرعلي وأبنه الحسين ومن ثمّ الى الخضراء في بغداد حيث سراة شيعة عليّ.
ابا ذر: أسراة الشيعة يعيشون في الخضراء!؟
أنا: بلى يا أبا ذر، ووالله لخضرائهم أغنى من خضراء معاويّة.

كانت المركبة في طريقها للهبوط في مدينة النجف الأشرف، وإذا بأبا ذرّ يسألني عن قبّة مذهبّة ينعكس نورها نحو السماء، فقلت له وأنا أنظر الى وجهه لأتعرف على ردّة فعله: أّنه قبر إمام الفقراء والأيتام والأرامل والمساكين، أنّه قبر الأمام عليّ بن أبي طالب. فلطم أبا ذرّ وجهه وصاح، يا صاحبي يا أمير المؤمنين أرك تئنّ من ثقل الذهب على قبرك. وما أن نزلنا الى الأرض وسط المدينة حيث الفقر ينشر أجنحته على الأطفال الفقراء والعراة حتّى صرخ بيّ أبا ذر، أن أعدني من حيث أتيت فقد سرق سراة الشيعة ومعمّميهم أمامهم وفقراء وأرامل وأيتام شيعته.

في كربلاء تكرّر نفس المشهد، الّا أن ابا ذر وقف مبهوتا وهو يرى معمّم شيعي يجمّل الفقر في عيون الفقراء، وهو في أبهى حلّة. فنظر اليّ ابا ذر بنظرة فهمت منها أنّ آية (﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، تنطبق على هذا المعمّم وأمثاله وسراة الشيعة الذين أذاقوا الناس الذلّ والفقر.

أنطلقت بنا المركبة من كربلاء الى بغداد المسبيّة، وإذا بالفقر يسير جنبا الى جنب الناس كما الموت، وإذا بسراة شيعة عليّ يستقلّون سيّارات رباعية الدفع مصفحّة ضد الرصاص خوفا من غضب الناس، وهم الذين يتاجرون بالتشيع بقولهم (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما). لم يتحمّل ابا ذر منظر البؤس في بغداد ولا رخاء ورفاهيّة سكّان الخضراء، فطلب منّي أن أطير به الى دمشق ليتحدث الى معاوية في قصره. وما هي الّا لحظات وأذا نحن بقصر الخضراء في دمشق، وما أن رأى الحرس ابا ذر في باحته حتى أمتشقوا سيوفهم صارخين: أنّه أبا ذر وجاء ليقتل الخليفة معاوية بن أبي سفيان. فصرخ بهم ابا ذر صرخة سمعها معاوية قائلا: خذوني أليه فأنا لا أحمل حتى العصا التي اتكأ عليها.

أمر معاوية الحرس بأدخال ابا ذر الى بلاطه وعدم الشدّة في معاملته كونه كان شيخا منهكا ومجردّا من أي سلاح يهدد حياته، ليستقبله سائلا إياه: ماذا اتى بك الى الشام من جديد يا ابا ذر؟

أبا ذر: جئت أليك وأنا أرى فقر شيعة علي الذي سُبّ من على منبرك والحسين الذي قُتل من قبل أبنك يزيد على أياد سراتهم، وغنى شيعتك في الشام وغيرها من الأصقاع لأقول: يا معاوية يا من تركت سنّة النبي والخلفاء وجعلت الحكم وراثة، والغدر سنّة وأنت تغدر بأيتام قتلى صفّين بعد أتفاقك مع الحسن بن علي وتقطع أعطياتهم، أنّك لأشرف وأطهر من ساسة الخضراء وسراة الشيعة في العراق، كونهم يسرقون حتى أموال فقراء شيعتهم ولم ينصفونهم كما أنصفت أنت أهل الشام...

على باب قصر في المنطقة الخضراء وقف أبا ذرّ صارخا: هل ادلكّم على تجارة تربحون بها مالا لا يُعدّ ولا يُحصى، بلى قال القوم: دلّنا يا صاحب أمامنا ابا الحسن.. حينها صرخ ابا ذر أن لا تتوقفوا عن المتاجرة بعليّ
وأبناءه أيها الظَلمة، وحينها نشر سراة الشيعة سيوفهم ليجزّوا بها رؤوس فقراء العراق في ساحة التحرير والمطعم التركي وكراج السنك وساحة العشرين في النجف وساحة الحبوبي في الناصريّة وساحات وشوارع باقي مدن العراق.

يروى أنّ النبي محمّد قال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويُبعث وحده، ويبدو أن شيعة العراق وفقراءه ونتيجة ظلم ساسته ومعمّميه سيكونون كما أبا ذر، يمشون وحدهم ويموتون وحدهم ويُبعثون وحدهم..

 
زكي رضا
الدنمارك
27/2/2023


10
14 شباط بين فالنتاين وفهد ورفاقه


غدا الرابع عشر من شباط، سيبعث العشّاق لحبيباتهم الزهور والهدايا. غدا تتحول شوارع اكثر مدن العالم الى منصّات للفرح والبهجة. غدا سيتعانق العاشقون مقبلّين بعضهم البعض. غدا ستتزيّن الشوارع بالقلوب والزهور الحمراء. غدا ستتشابك الأيادي من أجل عالم مليء بالحبّ والعاطفة. غدا سيقف الراهب فالنتاين في وجه الأمبراطور الروماني كلاديوس الثاني وفرمانه بمنعه زواج جنود الأمبراطورية التي كانت في حالة حرب مستمرة. غدا سيستقبل الراهب العاشق للحياة الجنود العزّاب في كنيسته لتزويجهم من حبيباتهم رغم أنف الأمبراطور وسلطته. هذه الليلة، ليلة الرابع عشر من شباط يكتب الراهب رسالة الى الفتاة جوليا: كوني قريبة من الله، وداعا. غدا يُنفّذْ حكم الأعدام بالراهب فالانتاين بأمر من طاغية روما.
 
غدا الرابع عشر من شباط، سيبعث فهد الى حزبه وصاياه. غدا سيغيب الفرح عن شوارع بغداد التي لم تذق طعم الفرح يوما.  غدا سيتعانق الشيوعيون ليشدّوا من أزر بعضهم البعض وهم يواجهون الموت من أجل حياة أفضل لشعبهم ولحرية وطنهم. غدا ستُزرع المشانق في ساحات ومعتقلات العراق. غدا ستتشابك أيادي الشيوعيات والشيوعيين للمضي قدُما في نضالهم من أجل تحقيق مصالح شعبهم ووطنهم. غدا سيقف فهدا عملاقا  بوجه  أقزام سلطة الأقطاع عملاء التاج البريطاني. غدا سيستقبل في حلمه ويقظته رفيقات ورفاق حزبه ليوصيهم بالحزب والشعب والوطن. هذا الليلة سيكتب فهد وصيته الى رفيقات ورفاق حزبه: كونوا قريبين من الجماهير، وداعا يا رفاق. غدا يُنفّذ حكم الأعدام بفهد في ساحة المُتحف حيث تاريخ العراق منذ القدم بأوامر مباشرة من لندن، وبأنتخابهم هذه الساحة يكونوا قد نفذّوا حكم الأعدام بتاريخ العراق ومستقبله.
 
أيها الرفيق الخالد فهد: لقد نفّذ رفيقات ورفاق حزبك ومنذ ساعة صعودك الى سماء العراق وصاياك، ولم يغيبوا يوما عن العمل في سبيل مصالح شعبهم ووطنهم. والعراق الذي لم ترى أغلى من روحك لتجود بها في سبيل أن تراه حرا، أمتلأ بمقابر الشيوعيات والشيوعيين ومئات الآلاف من أبناء وطننا المبتلى لليوم. ففي قصر النهاية وفي نفس شهر شباط الذي أُعدمت فيه ورفاقك الميامين، أستشهد تحت التعذيب مئات الشيوعيين من قادة الحزب وكوادره ونشطاءه.
 
لقد كان الوطن وشعبه ووفق وصاياك في حدقات عيون الرفيقات والرفاق ومنهم سلام عادل، الذي فقأ الفاشست البعثيين عينيه، لكنّ العراق ظلّ معه ويراه حتى ساعة أستشهاده البطولي تحت التعذيب، كما ظلّ مع العبلّي الذي دُفن حيّا وهو يستنشق تراب العراق كما يُستنشق الهواء ، وظلّ مع رفيقات ورفاق حزبك وهم يحتضنون أهوار وجبال العراق ويسطرّوا الملاحم في الدفاع عن مبادئهم وشعبهم ووطنهم، وظلّ عصيا على النسيان في أقبية الأمن العامّة والشعبة الخامسة وتحت أعواد مشانق سجن أبو غريب ونقرة السلمان الصحراوي وعشرات السجون والمعتقلات في عراقنا الذي يئن اليوم تحت ظلّ سلطة محاصصة طائفية قومية، لا تريد كما اللواتي سبقتها للعراق وشعبه خيرا..
 
المجد للرفيق الخالد فهد ورفاقه الميامين وهم يبذلون أرواحهم في سبيل حزبهم ونصرة قضايا شعبهم ووطنهم
 
المجد لشهداء الحزب طيلة تاريخه النضالي المشرّف
 
الخزي والعار الأبدي لكل من تلطّخت أياديه القذرة بدماء الشيوعيات والشيوعيين عاشقي شعبنا ووطننا والحياة

 

زكي رضا
الدنمارك
13/2/2023
 



11
الثامن من شباط والتاسع من نيسان  والعاشر من شباط .. أجتياح بغداد

كلاكيت رقم واحد..
فيلم أجتياح بغداد لمخرج مغولي بتاريخ العاشر من شباط 1258 ..

الحرائق تلتهم القصور والبيوت والمدارس والمتاجر والخانات ودور العبادة، النيران تلتهم البشر وتلاحقهم في كل مكان، الآلاف يغرقون في نهر دجلة، الرعب تراه في عيون الأطفال والنسوة، تاريخ وثقافة المدينة يحترق بحرق بيت الحكمة، الموت والدمار يقابله ضحكات الغزاة وقهقهاتهم العالية وهم ينظرون ثملون الى عشرات آلاف الجثث التي تملأ شوارع المدينة، الرماح تخترق صدور رجال العلم والأدب والفلسفة والتاريخ، رؤوس الساسة والرجال الذين قاوموا حراب الرعاع تراها معلّقة على ما تبقّى من جدران المدينة، بين الأنقاض والدمار المنتشر في كل مكان ترى الرعب والخوف يسيران مرعوبَين وخائفَين من هول المشاهد.

كلاكيت رقم أثنين..
فيلم أجتياح بغداد، الجزء الأوّل لمخرج أمريكي بتاريخ الثامن من شباط 1963 ..

طلقات من رشّاش بور سعيد العروبي تنطلق الى صدر جلال الدين الأوقاتي ليكون دمه الذي لوّن أسفلت بغداد في هذا اليوم ساعة صفر الهجوم البربري ومقتل الإله تمّوز، طائرات تقصف مبنى وزارة الدفاع، جماهير تطالب عبد الكريم قاسم بتسليحها، الدبابات البعثية تضرب المنتفضين عند مبنى وزارة الدفاع، مبنى الأذاعة يتحول الى محكمة وساحة أعدام، التتار لم يهدموا قصر الرحاب هذه المرّة بل حولّوه الى مسلخ بشري، لجان الحرس القومي المجرمة تتجول ناشرة الرعب في الشوارع والبيوت، سلام عادل يصدر بيانا يطالب الشيوعيين فيه بالمقاومة،  المقاومة تنتشر في الكاظميّة وعقد الأكراد والثورة والكريمات والشاكرية والشعلة رغم ضعف الأمكانيات، جثث الشيوعيين المقاومين تملأ الشوارع والأنهار، البعثيون على خطى المغول يقتلون المئات من رجال العلم والأدب والفن والتاريخ والأقتصاد، اساليب التعذيب البربرية تنهي حياة آلاف السجناء في الملاعب والمدارس التي حولّها المغول الى معتقلات. من زاوية أخرى للكاميرا صوت مذيع في الأذاعة يقرأ بيان من قوةّ قومية كوردية تأييدا للأنقلاب الفاشي، والقتلة يعلنون بيان رقم 13 لأبادة الشيوعيين مع فرحة غامرة على وجه مرجع ديني يبارك المجزرة.

الرعب والخوف ينتشران ببغداد، البعث يحصي أنفاس الناس، تهجير يطال مئات آلاف العراقيين، الأعدامات تطال آلاف العراقيين المناهضين للسلطة، مئات آلاف الشباب يساقون الى الجبهات حيث الموت في أنتظارهم، الشوارع ممتلئة بمعاقين، حلبجة تختنق بالغاز، الأذاعة تبث تجويدا لسورة الأنفال بصوت بعثي نشاز، طريق المطلاع جحيم تُشوى في الأجساد البشرية، عسكري في ساحة سعد  يرمي صورة هولاكو بالرصاص، مآذن ومراقد تطرّز بالرصاص وتُدنّس بالدبابات والبساطيل العسكريّة، مقابر جماعية تملأ صحارى العراق، الجوع في كل مكان، المرض ينهش الأجساد شبه الآدميّة، مدارس خاوية، معامل معطلّة، مستشفيات بلا أدوية، أرض عطشى، أطفال أشباه عراة يملؤون الطرقات والشوارع، حملات إيمانيّة، الفساد ينهش جسد الدولة والمجتمع.

كلاكيت رقم ثلاثة ..
فيلم أجتياح بغداد، الجزء الثاني لمخرج أمريكي بتاريخ التاسع من نيسان 2003 ..

سندحر العلوج، يا محلى النصر بعون الله، دبّابات على جسر الجمهورية، دبّابات في محيط وزارة النفط، تتار العصر: علي بابا هذا متحفكم وتاريخكم فأنهبوه والرعاع يلبّون النداء، أبو تحسين يلطم وجه الطاغية بنعال،  ساحة الفردوس وتمثال الطاغية يهوى الى الأرض، الرعاع ينهبون البنوك ودوائر الدولة، صدام حسين يُخرج من حفرة قذرة كقذارة تاريخه وحزبه، القاعدة تعلن الحرب، داعش تُعلن دولتها، الطائفيّة تنهش جسد المجتمع، جدران عازلة تقطّع مناطق بغداد، قتلانا في الجنّة وقتلاكم في خلف السدّة، نحر الرجال في خيم العار، تفجير المراقد وبيوت العبادة، الجهل والأميّة ينهشان جسد المجتمع الغارق في المفاهيم الغيبية، الفساد يتعملق على كل المستويات، بنك الزويّة، غرق مليارات الدولارات في خزائن البنك المركزي، بيع مصانع الدولة خردة لدول الجوار، محاصصة طائفيّة قومية، نهب منظّم لثروات البلد، ميليشيات ولائية، مارد تشرين ينهض، طلبة يملئون الشوارع والساحات، نساء ورجال يقدمّون أبهى صور البطولة في مواجهة رصاص الغدر الميليشياوي، نفق التحرير يتزيّن بألوان الفرح والأمل،  كراج السنك، المطعم التركي، ساحة العشرين، شارع الحبوبي، شهداء،  معاقون، مغيّبون، مدن الصفيح في بلد متخم بالنفط، دعارة، مخدرات، تسوّل منظّم، أتاوات، مدارس طينية وأخرى في الهواء الطلق، البؤس في كل مكان، خيانة...

في التاسع من نيسان 2003 ، حصل المخرج الأمريكي على جائزة الأوسكار وهو يعيد أنتاج فيلم الثامن شباط بحلّة جديدة، بعد دعوته لممثلين شيعة وكورد ليشاركوا زملائهم السنّة بطولة فيلم يقود العراق الى الهاوية..

ليكون النهار العراقي مشمسا، فأننا بحاجة الى مخرج وطني عراقي وممثلين عراقيين غيورين على شعبهم ووطنهم، ليضعوا كامراتهم في ساحة التحرير، لينتجوا فيلم خلاص بغداد، بنداء كلاكيت أربعة... 

زكي رضا
الدنمارك
7/2/2023   


   







12
المنبر الحر / الدولار العلقمي
« في: 16:49 06/02/2023  »
الدولار العلقمي

غالبا ما يُتّهم وزير الخليفة العبّاسي المستعصم بالله  أي محمد بن أحمد المعروف بأبن العلقمي بخيانة البلاد لصالح المغول، ومساعدتهم في إحتلال بغداد وأنهيار الدولة العبّاسيّة.  وإستنادا الى ما وَرَدَ في المصادر التاريخيّة حول هذه القضيّة وأختلاف وجهات النظر حولها بين الفريقين المتخاصمين منذ قرون طويلة، فأنّ الخلافات بين الفريقين ستستمر الى ما لا نهاية، إستمرارا للخلافات التي  بينهما منذ سقيفة بني ساعدة ولليوم.

لقد كتب العشرات من رجال الدين والمفكرّين الشيعة أبحاثا ومقالات مطوّلة لتبرئة ابن العلقمي، وقابلهم رجال دين ومفكرّين سنّة ليوصموا ابن العلقمي بالخيانة، علما أنّ هناك الكثير من رجالات الطائفتين وعلى مرّ التاريخ نستطيع أن نضعهم في خانة الخيانة والجريمة. فالسلاطين العثمانيين كانوا مجرمين أذاقوا شعوب مستعمراتهم العذاب وخانوا حتّى القيّم الأسلاميّة التي كانو يدّعون الدفاع عنها، ولم يكن الملوك الصفويون أقل منهم باعا بالخيانة والجريمة، وهم يذيقون الشعوب الإيرانية العذاب ويحاربون العثمانيين بالعراق ليدفع شعبنا ثمن صراعهم السياسي المغلّف بالدين والطائفة.

لليوم يعمل زعماء الشيعة على تبرئة العلقمي، كما يعمل زعماء السنّة على تبرئة شخصيات سنيّة لم تكن أقل من العلقمي في خيانتها. لكنّ الأوضاع المزريّة في العراق اليوم والأحزاب والمؤسسات الشيعية تهيمن على المشهد السياسي والأقتصادي بالبلاد، تدفعنا لأستعارة العلقميّة إن جاز التعبير لنوجه من خلالها، تهم الخيانة لحكومة المحاصصة التي يهيمن عليها ويديرها رجال دين وسياسة وأقتصاد من التنظيمات السياسة والميليشياوية الشيعية.

العلقميّة اليوم ليست بالضرورة فتح أبواب البلاد لجيوش المحتلّين وأستقبالهم كمحرّرين، بل هي نهج في السلطة وطريقة في أدارة الدولة، وخطط أقتصادية وتخطيط مالي. والأحزاب الشيعية اليوم وعلى الرغم من الخلاف التاريخي حول ابن العلقمي، فأنّها أتّخذت من العلقمية ممارسة أستراتيجة لخيانة العراق وشعبه وثرواته. 

صعود أو هبوط سعر صرف الدولار الأمريكي بالعراق كما بقيّة دول العالم يؤثّر على حياة الناس، وخصوصا الموظّفين وذوي الدخل المحدود والفقراء. والعراق الذي دخلت خزائنه ونتيجة أرتفاع اسعار النفط مئات مليارات الدولارت، بدّدت سياسة المحاصصّة نسبة كبيرة منها نتيجة النهب والفساد وسوء الأدارة. ولأننا نعيش حكومة محاصصة وتوزيع الوزارات والمناصب وفق نسب سكّانية، فأنّ الجرائم التي تقع على العلاقمة الشيعة إن جاز التعبير ثانية، هي أكثر ممّا تقع على العلاقمة السنّة والكورد.   

أهدر النظام البعثي وغيره من الأنظمة العربية ثروات شعوبهم ليستجدوا الآن بضع مليارات من الدولارات بفوائد كبيرة وشروط قاسية من مصارف عالمية والبنك الدولي تحت شعار( كل شيء من أجل المعركة)، وخسروا المعركة وهي تحرير فلسطين! والاحزاب الشيعية وعمقها الطائفي أهدرت مئات مليارات الدولارات من أجل شعار توسيع النفوذ الإيراني بالعراق والمنطقة تحت شعار ( كل شيء من أجل إيران والمذهب)، لتزداد أعداد فقراء المذهب بشكل كبير.

الدولار الذي أرتفع سعر صرفه الى مستويات قياسية على عكس تعهدات العلاقمة ببغداد، والذي تحاصر سلطات الأحتلال الأمريكي سوقه وتنقلاته ليس لوقف نزيف الخزينة العراقية، بل من أجل عدم تغذية الخزينة الأيرانية التي تعيش كالطفيليات على أموالنا وأقتصادنا وأسواقنا، وللحد قدر الأمكان من التدخلات الأيرانية في العديد من بلدان المنطقة.

أن يستورد العراق الغاز من أيران ويحرق غازه هو شكل من أشكال العلقميّة، أن يستورد الكهرباء من أيران بأسعار أعلى من أسعار تعرضها بعض دول الجوار هو شكل من أشكال العلقميّة، أن يستورد العراق التمر من إيران بملايين الدولارات هو شكل من أشكال العلقميّة، أن يدفع العراق رواتب الميليشيات الولائية وحزب الله اللبناني والميليشيات التي تقاتل في سوريا وغيرها هو شكل من أشكال العلقميّة. لكن أن تتلاعب الدولة نفسها بأسعار الصرف وتفتح اسواق بيع العملة لشركات وهمية أو شركات مرتبطة بميليشيات مسلحة على علاقات وثيقة بإيران، لتفرغ خزينة البلاد من العملة الصعبة خدمة لأيران ومشروعها الجيوسياسي فأنّها الوجه الأكثر قبحا للعلقميّة..

زكي رضا
الدنمارك
4/2/2023



 







13
رائحة الوقت.. رواية للروائي هاشم مطر

الحبكة، الزمان، المكان، الموهبة، الألهام، الحسّ الأنساني، صدق المشاعر، تجسّدت كلها عند الروائي والناقد هاشم مطر وهو يتناول في روايته رائحة الوقت،  باناروما التيه الفيلي وبانوراما المهجرين. هاشم مطر وهو ينشر روايته هذه، فأنّه يغوص في أعماق نفوس المهجرّين، فيرسم مشاعرهم وأحاسيسهم وآمالهم وآلامهم ودموعهم بريشة فنان مبدع، يعرف كيف يوظّف خياله الواسع في رسم صورة مؤلمة ولكن لا بد منها لتلك الأيام الحالكة السواد. لا بدّ منها، كوننا نحن الكورد الفيليون وبقيّة المهجرّين بحاجة ماسّة لتأرخة المصائب والمصاعب التي عشناها بشكل أدبي، بعيد عن تجّار القضيّة من كل حدب وصوب، وهاشم مطر أرّخ تلك الويلات بدقّة وكأنّه مهجّر معهم عانى ما عاناه أبناء جلدته.

لم يكن هاشم مطر يجلس وسط ( الزيل العسكرية)"1" ولا الى الى جوانبها، ولا حتّى الى جانب ذلك العسكري وهو يوجّه فوهة رشّاشه نحو الأجساد المتكدّسة في العجلة وهي تنهب الأرض نحو المجهول، بل كان يجلس فوق (القمارة) وبيده كاميرا ذات مميزّات خاصّة، فعلاوة على ألتقاطها صور ثلاثية الأبعاد لتلك النفوس التي يثقل كاهلها الخوف والرعب وفوهة الرشاش وأخرى للقلق في ترك أب أو أخ أو زوج أو حبيب، فأنّها كانت تلتقط نفس الصور للشوارع والأبنية والمحال والأسواق والمدارس وصالات السينما التي يعرف المهجرّون جغرافيتّها بشكل دقيق، ولم ينسى هاشم مطر مصابيح الطريق التي تتلاشى بسرعة والشاحنة تتوجه بسرعة نحو الحدود التي على تلك الأجساد عبورها، رغم الألغام والذئاب والأفاعي والريح العاتية والزمهرير والثلج وقساوة الطبيعة و"البشر"، تلك المصابيح التي كان نورها ينعكس لثوان على وجه أمّ تركت أكثر من إبن في قبضة الموت، أو زوجة لاتعرف إن كان في رحمها جنينا من زوجها الذي أعتقل في اليوم الثاني لزواجها، أو أخت ودّعت أخوتها بنظرة شعرت من أنّها الأخيرة،  أو فتاة رأت وهي تصعد الشاحنة تحت تهديد أصحاب الزيتوني حبيبها مكسورا والدموع تملأ عينيه.

هاشم مطر وهو يجلس على أعلى (الزيل)، لم يكن وقتها كاتبا ولا ناقدا ولا مصوّرا فوتوغرافيّا، بل كان شبحا لا يراه أحد، شبح مهمّته توثيق تلك الساعات الرهيبة لتلك الأجساد التي رافقها وهي تعبر الحدود وتعارك الطبيعة والجبال الوعرة، رافقها وهو يوجه كاميرته للأجساد التي هدّها التعب فأستسلمت مرغمة للموت لتتهاوى الى وديان سحيقة، رافقها نحو بيوت الفلاحين والرعاة البسطاء وطيبتهم، رافقها الى ( الأوردگاه)"2" والخيام المبعثرة وصفير الريح وهي تخترقها والأجساد التي فيها، رافقها الى عذابات المدن والعمل المضني بأجور زهيدة، رسم اللاأنسانية في هويّات الفيليين والمبعدين والممنوحة لهم من السلطات الإيرانية ( إين كارت أز نظر قانونى أرزش ندارد) " 3"! لقد رافق هاشم مطر الفيليين في محطّاتهم المختلفة وهم يزحفون نحو الشمال، فرسم باقي اللوحة بألوان حقيقية وكأنّه كان لا يزال يرافقهم.

رائحة الوقت يجب أن تزيّن بيوت الكورد الفيليين وبقيّة المهجّرين، ويجب أن تترجم ليقرأها أبنائهم في المهاجر كي يتعرفوا على الأهوال التي مر بها آبائهم وأمهاتهم.. الرواية تقول: عليكم أيها الفيليون وأيهل المهجّرون ان لا تنسوا تلك الفظاعات ابدا.



شكرا ابا نخيل وأنت تترجم مآسينا وآلامنا وعشقنا للحياة رغم الموت الذي كان رفيقنا الدائم، لقد كنت معي يا ابا نخيل وأنا أعيش تلك الأيام القاسية....

1 – الزيل شاحنة عسكرية كان يستخدمها الجيش العراقي.
2 - ( الأوردگاه)، كلمة فارسيّة تعني معسكر.
3 - ( إين كارت أز نظر قانونى أرزش ندارد)، بطاقة تعريف كانت تعطى للمهجرين معناها ( من الناحية القانونية لا قيمة لهذه البطاقة).

زكي رضا
الدنمارك
16/1/2023

14
هدايا سانتا كلوز الأمريكي للعراق

 تحتفل كل شعوب الأرض بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، بغضّ النظر عن أديانها وقومياتها وثقافاتها وعاداتها الأجتماعية. ولهذه الأحتفالات طقوس متشابهة  تقريبا في جميع أرجاء المعمورة، منها على وجه الخصوص حضور سانتا كلوز أو ما يسمّى ببابا نوئيل بزيّه الفولكلوري الأحمر وهو يوزّع الهدايا على الأطفال عشيّة أعياد الميلاد، أو مهرجانات الألعاب الناريّة وهي تضيء سماوات مدن العالم المختلفة وهي تتهيأ لوداع عام ميلادي بأحزانه وأفراحه، آملة أن يكون العام الذي يليه أكثر سعادة وأستقرارا وأمنا من سابقه.

لم نختلف كعراقيين عن بقيّة شعوب العالم ونحن نحتفل بأعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية في السابق، فكنائسنا كانت عامرة بالمصلّين قبل أن تضيق بهم أرض آبائهم وأجدادهم ليتناثروا كزهور بريّة في أصقاع الأرض المختلفة،  وكان المسلمون  متسامحين وطيّبين وهم يحتفلون مع أخوتهم بالوطن أعيادهم وآمالهم ودعواتهم ومثلهم كان الأيزيديّون والمندائيّون. وكان العراقي بغضّ النظر عن دينه وطائفته وقوميته، ينظر بفرح الى سانتا كلوز وهو يتجول بين الكنائس وبيوت المسيحيين من أبناء بلده ويوزّع الهدايا على أطفالهم ويزرع بينهم الفرح. ممنيّا النفس في أن يرى يوما سانتا كلوز في شوارع ومدن العراق وهو يوزّع هداياه فيهما، ومنتظرا لتتكحل عيناه بغابات من الألعاب الناريّة التي تضيء سماء العراق.

فجأة وعلى غيرعادة العراقيّين حتّى وهم يخاطبون السماء مبتهلين الى الله لتحقيق دعواتهم تحقّق الأمل العراقي، وبدلا من سانتا كلوز واحد أمتلأ العراق بعشرات الآلاف منه، ومعهم صناديق هدايا ليوزّعوها على الأطفال والنساء والرجال. ولم يحضر السانتا كلوزات إن جاز التعبير على عربات تجرّها حيوانات الأيائل الجميلة، بل جاؤوا على متن طائرات الشبح وحاملات الطائرات والسفن الحربية. وكان هناك أكثر من سانتا كلوز يمتطي صاروخ كروز ليوزّع الموت في مدن العراق المتعبة  ليحولّها الى حطام.

صناديق هدايا سانتا كلوز الأمريكي لم تكن صناديق هدايا بالشكل المتعارف عليه، بل كانت أشبه بمجموعة دمى التعشيق الروسيّة  ذات القطع السبع المسمّاة ماتريوشكا، ما أن تفتح واحدة حتى تظهر أخرى. وإن كانت ماتريوشكا بألوانها الزاهية عبارة عن دمى زينة، فأنّ صناديق سانتا كلوز الأمريكية كانت عبارة عن صندوق بندورا كبير، ما أن تفتحه حتى ترى صندوقا غيره وهكذا،  صندوق بندورا خرجت منه كل الشرور والآثام والجرائم.

فمن هذا الصندوق الأمريكي، خرجت لنا دمية بإسم جميل هو الديموقراطيّة، فإذا بها مشوّهة وعرجاء وقبيحة وبشعة، ومنها خرج لنا مارد قدمه في بئر نفط ويده في مصرف، ومنه خرج لنا تنظيم القاعدة ليحوّل كنيسة سيّدة النجاة وهي تحتفل بعيد جميع القدّيسين الى يوم قيامة، ومنه خرج لنا داعش ليسبي نسائنا الأيزيديات الجميلات المسالمات، ومنه خرج مسلّح سنّي ليقتل طفل شيعي بريء، ومنه خرج مسلّح شيعي ليقتل صديق الطفل المقتول!، ومنه خرج أساطين فساد وخيانة، ومنه خرج معمّم نسى الله وهو يقول ( فأمّا اليتيم فأقهر وأمّا السائل فأنهر وأمّا بنعمة طهران فحدّث)، ومنه خرج وحش المحاصصة ذو الرؤوس الثلاث ليلتهم كل ما يقع أمامه، ومنه خرجت فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ومنه خرجت آفات الفساد والجريمة والمخدرات، وخرج منه الفقر الذي قال علي بن أبي طالب يوما من أنّه لو كان رجلا لقتله وهو أي الفقر بحماية مسلّحين شيعة ليتجول في أرجاء العراق، ومنه خرج الموت الذي يكمن للناس في طرقات وطن قتله سانتا كلوز الأمريكي... 

كلّنا أمل ونحن نستقبل عام 2023 ، أن يستعيد سانتا كلوز بالعراق براءته ويحطّم صندوق بندورا سانتا كلوز الأمريكي...

زكي رضا
الدنمارك
30/12/2022


 

15
فريق مهمل ، ثلاثة بلدان، كابوس واحد


إنتهت قبل أيّام بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، التي حققت الأرجنتين بطولتها بعد فوزها على المنتخب الفرنسي. وككل نهائي في بطولة كأس العالم والأولمبياد، وصلت الى العاصمة القطرية الدوحة وفود بلدان مختلفة، ممُثّلين بملوك وأمراء ورؤساء جمهورية أو حكومات أو وزراء أو مسؤولين رفيعي المستوى. ولم يتغيّب العراق عن الحضور في هذا المحفل الرياضي، الا أن حضوره كان مبالغا فيه لدرجة أنّه جعل بلدنا أضحوكة بين بلدان العالم المختلفة.

الرئيس الفرنسي ماكرون ومنتخب بلده طرف في المباراة النهائية وصل الدوحة برفقة رياضيين فرنسيين لتقديم الدعم لمنتخبهم، أمّا وفود الدول الأخرى فتنوع حضورها بين ملك وأمير ورئيس جمهورية ووزير وسفير وممثلي اللجان الاولمبية والاتحادات الرياضية. وكانت كندا مميّزة في الحضور وهي تبعث وزير نقلها السيد عمر الغبرا السوري الأصل ليمثلّها في المناسبة. 

أمّا العراق الغارق في الفساد، فقد جعله مسؤوليه أضحوكة ومسخرة أمام بلدان العالم المختلفة. فسلطة المحاصصة، تحاصصت في الوفود التي وصلت الدوحة. فشياع السوداني لو كان يمثّل العراق لأقتصر الوفد عليه كما زعماء بقية دول العالم، الّا أنّه أبى الّا أن يكون ممثّلا للشيعة كون المنصب من حصّة طائفته وليس العراق وهو يحضر نهائي كأس العالم. ومثله نيجرفان البارزاني الذي يمثّل الكورد في بيت المحاصصة المرعب، ومثلهما وفق موقع شفق الحلبوسي الذي حضر المبارة الختامية مندوبا عن السنّة الذين يمثلّهم  كما الآخرَين في بيت المحاصصة الفاسد، لكن الغريب هو تواجد رئيس مجلس القضاء الأعلى العراقي فائق زيدان وفق وكالة شفق الأخبارية في الدوحة!!  وبهذا الحضور يكون للعراق أربعة وفود لينطبق عليهم المثل البغدادي القائل (علچ المخبل ترس حلگه)، مع جُلّ إعتذاري للمخابيل.

الطائرة التي أقلّت المنتخب الأرجنتيني الى العاصمة بوينس آيريس حيث ملايين الأرجنتينيين في إنتظارها، عبّرت عبر كتابة " فريق واحد، بلد واحد، حلم واحد " على ذيلها،  عن إحترام مسؤولي هذا البلد لشعبهم وبلدهم. أمّا الطائرات العراقية التى أقلّت أصحاب الجلالة من ساسة العراق، أكّدت على إننا بلد ممزّق لا هوية له، وإننا نعيش كابوس طائفي قومي يقود بلدنا نحو الدمار، ولنترك الرياضة وحلم التفوق جانبا كوننا لا نمتلك مقوّمات الحياة ناهيك عن مقوّمات نجاح الرياضة.

 السيد السوداني: الم تشعر بالأسى ولا أقول غيره وأنت ترى من طائرتكم وهي تهبط في مطار الدوحة الأضواء والعمارة في مدينة كانت حتى الأمس القريب مدينة صحرواية خالية من الحياة تقريبا، لتقارنها ببغداد التي أُنشأت قبل ثلاثة عشر قرنا لتكون عاصمة العالم الاسلامي المترامي الاطراف، وهي خربة شبه ميّتة؟

السيّد السوداني: هل رأيت استاد لوسيل الذي جلست في مدرجاته وفخامته، وما هو شعورك و"بلدك" يفتقر الى هكذا ملعب كونكم نهبتم على مدى ما يقارب العقدين حتى أحلام اطفالنا؟ ألا تشعر بالخجل من رياضيي بلدك  الذين ينامون في اروقة المطارات، وانت ترى مدى الدعم الذي تقدمه قطر لرياضييها؟ لا أرى ضرورة في أن تجيب على أسئلتي فالفاسدون وهم يدمرّون بلدا كالعراق ويذلّون شعبه لا حياء لهم.

إنهيار نظام المحاصصة هو السبيل الوحيد الذي يجعلنا أن نشعر بالفخر لنكتب على طائراتنا عبارة "فريق واحد، بلد واحد، حلم واحد".

زكي رضا
الدنمارك
21/12/2022

 

16
المرجعيّة الشيعيّة وأرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق..!!


عُقدَ برعاية الشيخ عبدالمهدي الكربلائي قبل أيّام، ملتقى "علمي" ديني وفق بيان من العتبة الحسينيّة بكربلاء تحت عنوان (أثر القيادة الصالحة في نهضة الأمم وتقدمها السيد السيستاني "دام ظله" إنموذجاً )، أعلنت فيه "أن المرجعية الدينية الرشيدة قررت إرساء معادلة جديدة لبناء نظام الحكم في العراق مغايرة للمعادلة الجائرة السابقة، فيما بينت أن رؤية المرجعية العليا تتلخص ببناء دولة تحتضن الجميع". وهذا يعني أنّها أي المرجعيّة تعلن وبشكل رسمي تدّخلها بالشؤون السياسيّة للبلاد، كما ويعني أنّ نظام الحكم منذ الأحتلال لليوم هو نظام جائر، كما ويعني أيضا أنّ الدولة كانت تميّز بين مواطنيها (ولا زالت) وهذا ما يدفع المرجعيّة لرؤية مغايرّة عن السابق في بناء الدولة. والسؤال هنا هو: أين كانت المرجعيّة طيلة ما يقارب العشرين عاماً الماضيّة والدولة العميقة بكل فسادها وجرائمها هي من تقود العراق، ولماذا لم تطرح هذه الرؤية بعد تشكيل أوّل حكومة محاصصة فاسدة بالبلاد..؟

ما شكل الدولة التي تريدها المرجعية الشيعية وفق ما جاء على لسان الأمين العام للعتبة الحسينية حسن رشيد العبايجي وهو يقول : "المرجعية الدينية هي الامتداد الطبيعي للإمامة كما جاء في حديث الإمام الحجة (عجلّ الله فرجه الشريف)، وأما الأحداث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله" ليبيّن بعدها قائلا من أنّ "عملها يجب أن يكون في ظل ما قام به أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أدوار ومواقف مختلفة"؟ من المؤكّد أنّ السيّد السيستاني ليس من دعاة الدولة العلمانيّة الديموقراطية التي ستحدّ من دور رجال الدين ومؤسساتهم من التدخل بالشؤون السياسيّة حسب مبدأ فصل الدين عن الدولة، كما يفعل اليوم. وكما يؤكّد أنصاره والبيانات الصادرة من مقرّبيه فأنه لا يدعو الى دولة أسلاميّة على غرار دولة الفقيه، فهل يدعو من خلال أرساءه "معادلة جديدة لنظام الحكم في العراق" لبناء دولة أسلاميّة معتدلة تشغل فيه الشريعة وسنّة آل البيت حيّزا كبيرا منها؟

لو عدنا الى الدستور الذي أصرّت المرجعية على كتابته والتصويت عليه بعجالة شديدة رغم المناشدات الكثيرة بالتريّث في كتابته والذي تطالب اليوم بـ "إعداد دستور تشارك في كتابته جميع المكونات يحظى بالقبول من أغلبية الشعب" سنرى أنّه في بعض بنوده الرئيسية والتي تمس صلب الحياة الديموقراطيّة، الغام تنسف المفاهيم الديموقراطيّة كما التي جاءت في:

المادة (٢)
اولاً: الاسـلام دين الدولــة الرسمي، وهـو مصدر أســاس للتشريع :
أ - لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام .
ب - لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ...!!

فهل ستكون هذه التناقضات والتزواج بين أحكام الأسلام والمباديء الديموقراطيّة موجودة في الدستور الجديد، خصوصا وأن مهدي الكربلائي وعدد لا بأس به من رجال الدين كانوا ضمن لجنة كتابة الدستور السابق، وبالتأكيد سيكونون ضمن اللجنة التي تكلّف بكتابة دستور جديد مثلما تطالب المرجعيّة؟ الجواب نعم ستكون وبلا شك موجودة لأنّ المرجعيّة بأعتبارها جهة دينية لا يمكنها شرعاً القفز على هذه المطالب، وهذا يعني أستمرار الخلل في الدستور وليستمر كما هو اليوم حمّال أوجه.

أمّا حول الأنتخابات البرلمانيّة فأنّ المرجعيّة تطالب بـ "اعتماد نظام انتخابي عادل يتم من خلاله انتخاب مجلس النواب والذي يقوم بتشكيل الحكومة المسؤولة عن حفظ النظام وخدمة الشعب وفق منهج العدل والمساواة بين جميع المواطنين، واعتماد مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ليكون الأمر في نهاية المطاف بيد الشعب". المرجعيّة وبلا أدنى شك وهي تتدخل بالشأن السياسي العراقي تعرف جيداً طبيعة القوانين الأنتخابية التي تظهر قبل كل أنتخابات، وكانت تكتفي في خطبها وبياناتها كما اليوم بأن تكون الأنتخابات عادلة، وعلى الرغم من معرفتها بطبيعة الأنتخابات التي جرت ودور الميليشيات (الحشد الشعبي) والمال العام في ترهيب وترغيب الناخبين، الا أنّها أصرّت على أن تكون على مسافة واحدة من الجميع ، فهل يستوي الذين يقتلون وينهبون الناس مع الذين لا يقتلون ولا ينهبون الناس لتقف المرجعية على مسافة واحدة منهما كما صرّحت يوماً!؟ وأين هو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ اللهمّ الا أذا كان الفساد والنهب والقتل والخيانة الذي تمارسه أحزاب المحاصصة معروفاً، أمّا إن كان فساداً فأين حديث النبي محمّد الذي يقول "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه ليس وراء ذلك شئ من الايمان"!! سؤال بريء للمرجعيّة حول الفساد وهو منكر بلا شك، هو إن كانت تعرف شيء عن مشاريع العتبات الدينية الزراعية والصناعية والتعليمية والصحيّة والسياحيّة وغيرها، والمعفيّة من الضرائب ودفع الرشى لأستحصال الموافقات الأصولية نتيجة الفساد وإستغلال المنصب والهالة الدينية، والتي لها الأولويّة كما مشاريع الحشد في أنهاء معاملاتها الرسمية في دوائر الدولة بسرعة الضوء والتي ينتظر فيها غيرها لسنوات وقد لا تنجز، هذه إن كانت مشاريع المرجعية والحشد ومافيات رجال السلطة تحصل على الموافقات الأصولية من دوائر الدولة اساساً.

تطالب المرجعيّة في أن "يكون الشعب هو مفتاح هذه المعادلة الجديدة والمباشرة بالانتخاب وصناعة مؤسسات الحكم ومحاسبتها واستبدالها في حال التقصير عن أداء واجباتها". لقد كانت كل مؤسسات الدولة هذا إن كانت هناك مؤسسات حقيقية ولليوم فاسدة وناهبة للمال العام، ولم تستطع أي أنتخابات من تغيير الخارطة السياسية بالبلاد، والأمل كان معقوداً على أنتفاضة تشرين في بناء دولة جديدة ومحاسبة السراق واللصوص. لكنّ المفارقة هو ليس قمع الأنتفاضة بالحديد والنار بالأمس، بل قمع كل تحرك جماهيري حتى المطلبي منه بقوّة السلاح كما حدث في الناصرّية مؤخرّاً، والملفت للنظر أنّ الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي الذي تشكلّ وفق فتوى الجهاد الكفائي هي المسؤولة عن قتل العراقيين!! إن كان الجهاد كفائياً لمواجهة خطر داعش على حواضر العراق فلم هو باق لليوم ليستغلّه تجار السياسة الأسلاميين، وهل هناك أمل في أن يسحب السيد السيستاني البساط من تحت أقدام الميليشيات المتسلحة بفتواه وإلغائها، كون مثل هذه الفتوى قابلة للتجديد والألغاء وفقاً للظروف التي مهّدت لأطلاقها وأستمرارها وتقييمها من قبل المرجع الذي أطلق الفتوى؟

وبيّن البيان أن "المرجعية العليا أكدت على أبناء العراق الذين يمتلكون الكفاءة والمؤهلات بأن يتصدوا لإدارة البلاد وليس عليهم أن يفعلوا ذلك تحت أي سلطة أجنبية ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي في الشأن العراقي ووجوب نيل العراق لاستقلاله بصورة كاملة وغير منقوصة"!! أيتها المرجعية الرشيدة: أنّ من يتصدى لأدارة الدولة بالعراق اليوم هم جيش من الأميين والسرّاق واللصوص، هذا الجيش يشتري ويبيع الوزارات والمناصب العامّة بالبلاد. جيش من الدمج يقود القوّات المسلّحة والنظاميّة وإدارات الدولة. ولا مكان لذوي الكفاءة والمؤهلات للتصدي لأدارة البلاد والجامعيين ينضمّون بأستمرار الى فيالق العاطلين عن العمل، فالبلاد يقودها اليوم شعيط ومعيط كما يقول المثل البغدادي.

العراق بحاجة الى علماء أقتصاد واجتماع وفلسفة وتربية وطب وفيزياء وكيمياء وهندسة وغيرها من العلوم لينهض ويتقدّم كما بلدان العالم المتحضرة، وليس لعلماء دين مع جلّ إعتزازنا بالمرجعية الشيعية في النجف الأشرف وكل المرجعيات الدينية الأخرى.

الأنتفاضة ضد سلطات القتل والفساد والجريمة وليس الأنتخابات التي تضع قوى الفساد قانونها كما تشتهي، هي الطريق الوحيد لتحرير بلادنا من دنس أحزاب المحاصصة التي عاثت وتعيث بأرض وسماء ومياه وثروات العراق خراباً وتدميراً.. ولتعرف المرجعيّة أنّ قوى المحاصصة لن تستمع لما تقوله المرجعية إن تعارضت تلك المطالب مع مصالحها، لذا ولأحترام تاريخها الفقهي كمرجعية للشيعة في النجف الأشرف عدم التدخل بالشأن السياسي.
 

زكي رضا
الدنمارك
8/12/2022




17
قراءة في الوثيقة السياسية لقوى التغيير الديمقراطية بالعراق


في ظل الأوضاع السياسيّة والأقتصادية والأجتماعية المعقّدة التي تمر به بلادنا، كان من الضروري أن تجتمع القوى الديموقراطية صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير الجذري لشكل نظام الحكم بالبلاد، لصياغة وثيقة سياسية وبرنامج عمل طموح للتحرر من الأزمات السياسية التي تلقي بظلالها على الأوضاع الإقتصادية والأجتماعية المزرية التي تصنعها قوى المحاصصة، للوصول بشعبنا ووطننا الى برّ الأمان، هذا البر الذي يتحوّل الى سراب حقيقي كلمّا طال عُمْرْ نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد والفاشل. فهل طرح المؤتمرون في مؤتمرهم المنعقد ببغداد اواسط تشرين الأوّل 2022 برنامج عمل وفق أمكانياتهم السياسيّة ومقبوليتهم في شارع سياسي مبنى على الأستقطاب الطائفي والقومي؟ وما مدى أمكانية تحقيقهم لبضع نقاط وليس كلّ ما جاء في الوثيقة السياسيّة تحت عنوان "خطى نحو التغيير ومعالجة الازمة"، والتي تتطلب وفق الوثيقة "مرحلتين من الإجراءات اللازمة لمعالجة الأزمات المتراكمة"، وما هي السبل للبدء في النضال لتحقيق التغيير الحقيقي لنهج المحاصصّة ونحو بناء دولة مؤسسات؟

لقد جاء في ديباجة الوثيقة ".. ونرى أن توفر إرادة سياسية فاعلة وثقة شعبية ودعم جماهيري واسع، يشكل ضرورة لتجاوز ما تراكم من مشكلات وأزمات على الصعد المختلفة، فيما يبقى المحك لجدية المشروع هو (الممارسة) والمعيار هو (المنجز)، وأن (المصداقية) تكمن في التطبيق الفعلي والنتائج"، وهذا الأمر يُعتبر تقدّما في نظرة القوى الديموقراطيّة المجتمعة للأنتكاسات والفشل الذي لازم عملها منذ الاحتلال لليوم.

لقد شخصّت الوثيقة الطريق الأوحد للتغيير الديموقراطي المطلوب وهو "تغيير موازين القوى لصالح أصحاب هذا المشروع ومناصريه وداعميه"، وشخصّت أيضا وبوضوح من أنّ هذا التغيير يحتاج الى حشد "طيف واسع من القوى الداعمة، السياسية والمجتمعية، ولبرنامج وخطوات جريئة وارادة كافية لوضع العراق على سكة التغيير الحقيقي". من هي هذه القوى السياسيّة والمجتمعية؟ هل هناك قوى ديموقراطية سياسيّة أو مجتمعية لم تحضر المؤتمر، ولماذا؟ هل تعوّل القوى الديموقراطيّة على قوى سياسيّة فاعلة في السلطة منذ بدء نظام المحاصصة لليوم؟ إن كانت هناك قوى سياسية أو مجتمعية لم تنظم الى مظلّة القوى الديموقراطية في مؤتمرها، فعلى المؤتمرين التحرّك وبسرعة من اجل تحقيق هدفهم في "تجمع القوى والحركات المؤمنة بالتغيير الديمقراطي السلمي"، فالوقت ليس في صالح وطننا ولا شعبنا وقوى المحاصصة الفاسدة تستعد من خلال إقرار الميزانيّة لجولة سرقات ونهب جديدين. أمّا إن كان المؤتمر يعوّل على وجود تجمّعات وطنيّة صغيرة داخل أحزاب سلطة المحاصصّة، فأنّه كمّن يبحث عن إبرة في أكوام من القشّ موزّعة على كل التراب العراقي. إعلان اليأس من قوى المحاصصة في أي تغيير منشود لبناء نظام سياسي مؤسساتي في بيانات القوى الديموقراطيّة بشكل واضح، هي الخطوة الجريئة لوضع العراق على سكّة التغيير الحقيقي كما جاء في ديباجة الوثيقة.

جاء في حقل "مباديء أساسية" للوثيقة، من أنّ القوى الديموقراطية ترى، تتبنى، تؤمن، تتمسّك وتنشد تحقيق جملة من المطالب، والتي بالحقيقة هي مطالب تهم حياة الناس والوطن بشكل مباشر. والمبادئ الاساسيّة التي وردت في هذا الحقل تعتبر كلام أنشائي، إن لم تكن للقوى الديموقراطيّة القدرة على تحويلها من نصوص أنشائيّة الى نصوص قانونيّة ودستوريّة. ولتحقيق هذا الأمر أي التغيير المنشود و"تجاوز الأزمات المتراكمة"، فأن المؤتمرين طرحوا في الوثيقة الختامية خطّة عمل من مرحلتين.

المرحلة الأولى في الوثيقة وهي لا بدّ منها كما جاء فيها، تتكوّن من ثمانية إجراءت تغطّي مساحة واسعة من المطالب والتي هي بالحقيقة أسس قوية للبدء بإصلاحات تعتبر مقدّمة لا بدّ منها نحو التغيير المنشود ديموقراطيّا. وقد بدأت هذه الأجراءات بالمطالبة بـ "اتخاذ إجراءات عاجلة، بما يخفف من معاناة الناس الاقتصادية والمعيشية والخدمية والصحية، فتح ملفات الفساد ومحاكمة المفسدين واسترداد الأموال العامة المنهوبة، احترام مبدأ الفصل بين السلطات، صيانة استقلالية الهيئات المستقلة، محاكمة المجرمين وداعميهم من قتلة المتظاهرين، والكشف عن مصير المغيبين من الناشطين وغيرهم.. وجبر الضرر للضحايا وعوائلهم، التطبيق الفعلي والعملي لقانون الأحزاب السياسية، بما يؤمن حصر السلاح بيد القوات الأمنية الدستورية، حماية سيادة العراق من التدخلات والانتهاكات الخارجية، وضمان استقلالية القرار الوطني العراقي، أنهاء معاناة أبناء شعبنا من النازحين والمهجرين". أن تقوم أحزاب المحاصصة بتنفيذ هذه الأجراءات يعني قبر النظام القائم على الفساد والنهب المُنظّمّين، وهذا الحلم من المُحال وليس من الصعب تحقيقه. فهذه القوى لا تمثّل نفسها فقط لتكون هناك أمكانية ولو لتيّارات صغيرة منها كي تشعر بآلام الناس ومحنة الوطن للبدء بهذه الأجراءات، بل تمثّل قوى أقليمية ودولية لها أجنداتها في بلادنا وهو ما جعلها في مأمن لليوم على الرغم من فسادها وأجرامها ونهبها للمال العام. أنّ تحقيق هذه الأجراءات بحاجة الى جهات سياسيّة تمتلك القرار السياسي، فما هي سبل القوى الديموقراطيّة لتنفيذ هذه الأجراءات وهي لا تمتلك القرار السياسي، بل ولا تستطيع التأثير فيه ..؟

المرحلة الثانية وفق الوثيقة تتألّف من 24 مطلباً يجب تحقيقها ، وهي الأخرى تغطي مساحة واسعة من المطالب الضرورية لبدء التغيير. الا أنها تصطدم هي الأخرى كما سابقتها بعدم أمكانية القوى الديموقراطية لتوفير الأرضية المناسبة لتحقيقها، فهي ليست على رأس السلطة، ولا تمثيل برلماني مؤثّر لها في السلطة التشريعية، ولا تمتلك إعلاماً مؤثراً بين مئات الفضائيات والمنصّات الأعلامية لقوى المحاصصة، وفقيرة ماليا مقارنة بأحزاب حيتان الفساد. وحتى مطالبها بأصلاح النظام الأنتخابي وتعديل الدستور يعتبران ترف سياسي لعدم أمكانية تحقيقهما، كون مفاتيح التغيير هنا بيد نفس القوى الفاسدة التي تسن قوانين أنتخابية على مقاساتها، ولا مصلحة لها في تغيير ولو بعض البنود من الدستور الذي كُتب على عجالة. وفي هذه الحالة فأنّ كل ما طرحته الوثيقة عبارة عن مناشدات ليس الّا، فتبني أية قضيّة دون أمكانية النجاح فيها يعتبر فشلا. ولكي لا يفشل المشروع الديموقراطي للتغيير، فأنّ القوى الديموقراطيّة بحاجة الى تجاوز حالة الأنا فيما بينها، تواجد ميداني في المدارس والمعاهد والجامعات فالطلبة وكما برهنت إنتفاضة تشرين كانوا القاطرة التي ما أن تتحرّك حتى كنا نرى الرعب مرسوما على وجوه المتحاصصين، تواجد شبه مستمر في الأسواق ومناطق تجمّع المواطنين وأنتقاد السلطة في عدم توفير الخدمات للناس من خلال حديث مباشر معهم، عدم الثقة بأي تيار ديني أو شخصية دينية والتعاون معهما وإن على مستوى الشارع، كون أنتفاضة تشرين أثبتت انهما الخطر الأكبر أمام أي تغيير حقيقي لشكل نظام الحكم بالبلاد، عدم الثقة بالقوى القومية في خوضها نضالاً وطنياً من أجل التغيير كونها جزء فاعل من نظام المحاصصة والفساد ونهب ثروات الشعب، تنظيم تظاهرات وأعتصامات عند كل أخفاق سلطوي وما أكثر أخفاقاتها، تشكيل لجنة عليا تأخذ على عاتقها تنسيق العمل بين مختلف أطراف القوى الديموقراطية ودعوة غير المنضوية منها الى الأنظمام للتيّار خدمة لمصالح شعبنا ووطننا، أجراء أتصالات مستمرة مع مكتب الأمم المتحدة ببغداد والأجتماع بها بشكل مستمر لتوضيح وجهة نظر القوى الديموقراطية حول الأوضاع السياسية والأقتصادية والأجتماعية وضرورة تحسين الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية بالبلاد، العمل على إمتلاك وسائل أعلام جماهيرية كفضائية مثلاً لمواجهة الخطاب الأعلامي الديموغاجي للسلطة، عدم حصر المؤتمرات والأجتماعات والندوات في بغداد وحدها، بل عقدها في مختلف المحافظات لبناء أواصر سياسية مع قطاعات جماهيرية مختلفة.


نتيجة الجهل والتخلف وانعدام الروح الوطنية والتمترس الطائفي والقومي، فأن التغيير الحقيقي لا يأتي عبر صناديق الأقتراع في ظل سلطة المحاصصة التي تدير دفّة سفينة البلاد نحو خلجانها. العراق اليوم بحاجة الى نخبة سياسية وطنية تنبع من رحم معاناة شعبنا ووطننا، نخبة على تماس مع حاجات الناس اليومية وترجمتها الى أنتفاضة جديدة، على أن لا تكتفي بأستقالة رئيس وزراء ليأتي غيره من نفس فريقه ولتستمر دورة الفساد والنهب والجريمة.
 

زكي رضا
الدنمارك
3/12/2022


18

هل العراق دولة ضعيفة أم منهارة أم هشّة أم فاشلة ..؟

كل سلطة سياسيّة تقع على عاتقها تحقيق جملة من المسائل التي تنظّم الحياة السياسيّة والإقتصادية والأجتماعية في المجتمع، ويبقى توفير الأمن هو العامل المهم الذي على السلطة العمل على أرساءه. فغياب الأمن لأيّ سبب كان يعني نسف كل ما تستطيع السلطة توفيره أو تكون قد وفّرته بالفعل، وعدم قيام السلطة بواجباتها الأساسيّة في تنظيم الحياة السياسية والإقتصادية والأجتماعية بما يوفر حياة مقبولة لشعبها وفق إمكانياتها الإقتصادية والمعايير الدولية يعني فشل الدولة التي هي على رأسها. والسؤال الذي علينا طرحه في حالة العراق هو: هل العراق دولة ضعيفة لا تمتلك مصادر لتوفير خدمات لشعبها، أم دولة منهارة نتيجة أنهيار مؤسساتها القائمة، أم دولة هشّة فشلت فيها السلطة بتوفير الأمن ومكافحة الفقر والبطالة، أم دولة فاشلة جمعت الكثير من المفاهيم والصفات التي ذكرناها لتتربّع عليها؟

لا يوجد تعريف دقيق لمصطلح الدولة الفاشلة، فروبن دروف Robbin Droff عرّف الدولة الفاشلة "بأنّها الدولة التي تفقد الحكومة بها إمكانيات القيام بوظائفها الأساسيّة، وهي حكومة فاقدة للشرعيّة وتعاني من أنهيار أقتصادها" (1). فيما عرّف روبرت روتبيرج Robert Rotberg الدولة الفاشلة في مقال له تحت عنوان (الدولة الفاشلة في عالم الأرهاب) نُشر عام 2002 "بأنّها دولة فاقدة للشرعيّة، وتعاني من أنهيار الأقتصاد في مواجهة الأرهاب بالأضافة لأنهيار النظم القانونية المحليّة لمواجهة الجريمة والأجرام الذي تمارسه قوات الأمن التابعة للدولة" (2). أمّا مركز أبحاث الأزمات في كلية لندن للدراسات الأقتصادية فقد عرّف الدولة الفاشلة بأنّها "حالة أنهيار الدولة، أو الدولة العاجزة عن أداء وطائف التنمية وحماية أمنها وفرض سيطرتها على أراضيها وحدودها"(3). وهناك دراستان أحداهما لكل من جيرالد هيرمان Gerald B. Herman و ستيفين راتنر Steven Ratner أشارا فيها الى أنّ الدولة الفاشلة هي التي "لا تستطيع أن تلعب دورا ككيان مستقل"، وأخرى لوليام زارتمان William I. Zartman يقول فيها أنّ الدول المنهارة هي "تلك الدول التي لم تعد قادرة على القيام بوظائفها الأساسية". وهناك آراء آخرى لباحثين تقول أنّ الدولة الفاشلة، هي التي تحكمها الميليشيات، أو تلك التي تكون عاجزة عن تحقيق الأستقرار والسلم لشعوبها نتيجة عجزها أمام قوى العنف الموازية لعنف الدولة، أو تلك التي تفقد السيطرة على أراضيها أو جزء منها ما يعني عدم الإيفاء بألتزاماتها تجاه شعوبها وتوزيعها العادل للثروة، أو تلك التي فيها نازحين نتيجة صراعات طائفية أو عرقية أو دينية. ومثلما للزلازل مقياس (ريختر) لقياس شدّتها و(واط) لقياس القدرة الكهربائية، فهناك مقياس لقياس فشل الدول وهو مقياس الدول الفاشلة (Fragile States Index) الذي يصنّف فشل الدول إستنادا لأوضاعها السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأمنية.

ومن المؤسسات التي أهتمت بتعريفات علمية للدول الفاشلة، صندوق السلام (Fund For Pease) وهو مؤسسة أمريكية غير ربحية تأسست في واشنطن سنة 1957 ، وقد حدّد الصندوق أربع خصائص في تعريفه للدولة الفاشلة تمثّلت بـ :

١- فقدان سيطرة الدولة على أراضيها أو جزء منها، أو فقدان إحتكار الإستخدام المشروع للقوة والسلطة داخل أراضيها.

٢- تآكل السلطة الشرعية، لدرجة العجز عن إتخاذ قرارات موحدة.

٣- عدم القدرة على توفير الخدمات العامة.

٤- عدم القدرة على التفاعل مع الدول الأخرى كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي.

ولم يكتفي الصندوق في تعريفه للدول الفاشلة بالخصائص الأربع أعلاه، بل وضع مجموعة معايير وفق آليات علمية ومسح لعشرات الآلاف من المصادر الأخبارية وجمعها وتحليلها وتأطيرها بالنهاية في 12 مؤشر فرعي هي "الضغط الديموغرافي، اللاجئين والنازحين، انتشار الظلم، حق السفر والتنقل، الناتج الإقتصادي المتفاوت، الإنحدار الإقتصادي، شرعية الحكم، الخدمات العامة، جهاز الأمن، الفصائل والطوائف المختلفة، التدخل الخارجي" وخصّصت قيمة من (صفر – 10) لكل مؤشر، وكلّما حازت الدولة على أعلى الدرجات كمعدل لقيم المؤشرات، كلما كانت تحتل مركزا أعلى في جدول الدول الفاشلة.

لو تركنا الإشكاليّة السياسيّة بين المركز والإقليم ودور الجيش العراقي وعدم تواجده على الحدود الدوليّة بين العراق من جهة كوردستان ودولتي إيران وتركيا، بإعتبار قوّات البشمركة جزء من الجيش العراقي. فأنّ وجود قواعد عسكريّة تركية على التراب الوطني العراقي دون أتّفاقيات مبرمة بين الدولتين كالتي تنظّم العلاقة بين امريكا والعراق، وفقدان الدولة والسلطة إحتكارها للقوّة نتيجة وجود قوّات مسلّحة رديفة لها بل ومهددّة لها في أحيان كثيرة كالميليشيات المتعددة، بل وحتى تهديدات قوّات البشمركة بمواجهتها في مناطق معيّنة إثر أزمات سياسيّة كالتي حدثت أثناء الإستفتاء على الإنفصال، نرى أنّ العراق قد حقّق النقطة الأولى من خصائص الصندوق بدرجة قريبة من العشرة، علما أنّ النظام البعثي بعد العام 1991  يشترك مع سلطة اليوم في هذه الخصوصيّة.

لو فرضنا أنّ السلطة شرعية كونها تأتي عبر صناديق الإقتراع، فأنّ السلطة الحاليّة ليست بسلطة شرعيّة كونها لم تحصل على أصوات الناخبين. وسواء كانت السلطة شرعية أم لا، فأنّها عاجزة عن أتّخاذ قرارات موحدّة نتيجة فساد النخب السياسية وولاءاتها لجهات إقليمية ودولية. لذا نرى أنّ صراعاتها فيما بينها وهي في حالة تناسل مستمر لا تخرج عن دائرة مصالحها الحزبية والفئوية ومصالح تلك الجهات. فالسلطة على سبيل المثال عاجزة عن إتّخاذ قرار إنشاء جيش وطني موحّد، لأنّ هذا الجيش سيهدّد حياة الميليشيات المسلّحة وبالتالي يهدد مصالح القوى التي تمتلك هذه الميليشيات للإستفادة منها في مواجهة الدولة.

الفساد في العراق اليوم أمسى ثقافة حتى بين طبقات الشعب المختلفة، والسلطة التي هي أعلى هرم في الفساد وهي تبيع المناصب الأدارية والوزارات لمن يدفع أكثر كرّست الفساد في جميع مفاصل الدولة نتيجة هذه الثقافة البائسة، وعليه فأنّها غير قادرة على تقديم خدماتها لـ "شعبها". فالرشوة والأتاوات والتهديد والأبتزاز وعدم تطبيق القانون، ساهمت وتساهم في منع الأستثمارات الأجنبية عدا تلك المرتبطة ببعض دول الجوار التي تمتلك أذرع مسلّحة بمعرفة الدولة نفسها.

هل العراق يعمل مع محيطه الإقليمي كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي؟ هل الدولة العراقية قادرة على بناء سياسات متوازنة وطبقا لمصالح شعبنا ووطننا مع إيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية مثلا؟ هل للعراق دور في محيطه العربي والخليجي والسلطة تبني علاقاتها وفق مفاهيم طائفية؟ هذه الأسئلة بحاجة الى إجابات لنحدد قيمة (صفر – 10) للدولة وهي تبني علاقاتها مع محيطها وفق مفهوم طائفي متسلّحة بميليشيات تملي على السلطة بقوّة سلاحها شكل هذه العلاقات وعمقها.

العراق اليوم لا يمتلك نظام أقتصادي مؤسساتي ، ولا يمتلك نظام مصرفي حقيقي، ولا يمتلك بنى تحتية ذات كفاءة عالية، ولا يمتلك مؤسسات صحيّة لخدمة مواطنيه، ولا يمتلك نظام تعليمي متقدم، ولا يمتلك طاقة كهربائية كافية لتشغيل ورش أصحاب الحرف ولا نقول المصانع التي تهملها الدولة أو تلك التي باعتها بعد أن أصبحت خردة لدول الجوار، ونسب الفقر والبطالة والاميّة والجهل والجريمة فيه مرتفعة، ولا يمتلك زراعة وثروة حيوانية كافية وعليه فليس عنده أكتفاء غذائي، ويقتل ويقمع ويلاحق من يتظاهر ضد سلطة الفساد والمحاصصّة، وفيه مخيّمات لنازحين من طائفة معيّنة نتيجة حرب طائفية، السلطة بالعراق غيّرت الطبيعة الديموغرافية لبعض المناطق وفق مفهوم طائفي كما مناطق حزام بغداد. في العراق هناك ميليشيات مسلّحة بعلم الدولة، بل أصبحت هي الدولة بعد أن أخترقت المؤسسة السياسية لتتمثل في البرلمان والحكومة والجيش والأمن الداخلي. العراق اليوم نتيجة ضعف الحكومة وصراع الطوائف والقوميات فيما بينها حول النهب المنظّم للثروات، أصبح ونتيجة ولاءات هذه الطوائف والقوميات ساحة للتدخلات الإقليمية والدولية وفاقدا لسيادته.

لو عدنا الى صندوق السلام وتقييم (صفر – 10)، فأنّ العراق اليوم وفي ظل سلطة الفساد والمحاصصة، دولة فاشلة بنسبة عالية. ولتستعيد الدولة عافيتها فإننا بحاجة الى دولة تستعمل عنفها في مواجهة الميليشيات المسلّحة، دولة متحررّة من البعدين الطائفي والقومي، دولة قانون ومؤسسات حقيقية، وهذه الدولة هي الدولة العلمانية الديموقراطية.


(1) عبد السلام البغدادي- مجلة دراسات شرق أوسطية – العدد 65 – ص 35
(2) المصدر أعلاه
(3) المصدر أعلاه

زكي رضا
الدنمارك
1/12/2022




19

الكونفدرالية وقانون النفط والغاز في الصراع بين بغداد وأربيل


الخلافات السياسيّة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة المركزيّة تشتد وتنحسر تبعا لمصالح الطرفين وتحالفاتهما لتشكيل الحكومة ما بعد كل أنتخابات برلمانية. وتشتد الخلافات وتظهر للعلن عند شعور الطرف الكوردي بمحاولة حكومة المركز التنصّل من الأتفاقيات المبرمة بينهما والتي غالبا ما تكون سريّة ولا تعرف الجماهير عنها شيئا، خصوصا تلك المتعلّقة بالنفط والغاز والأراضي المتنازع عليها في ظلّ النظام الفدرالي القائم لليوم. وأحيانا تكون ردّات الفعل السياسيّة كبيرة كتلك التي أدّت الى قيام حكومة الأقليم بأستفتاء شعبي من أجل أنفصال الأقليم عن العراق في الخامس والعشرين من أيلول/ سبتمبر سنة 2017 ، تلك التي عارضتها بغداد ولتصدر المحكمة الأتحادية المركزيّة حينها قرارا ببطلان نتائجه أي الأستفتاء، فيما لم تُصدر السلطات في أربيل أي قرار بإلغاء نتائج الأستفتاء بل أكتفت بتجميده، معتبرة إياه وثيقة رسمية يمكنها العودة اليها في أي وقت.

يبدو اليوم وكالعادة أنّ هناك خلافات بين حكومة أربيل وحكومة بغداد حول جملة من الأمور، منها ملفّ المناطق المتنازع عليها وملفّ النفط والغاز وملفّات أخرى غيرها تأتي بعدهما بالأهميّة. وقد ظهرت بوادر هذه الخلافات للسطح من جديد بعد حلّ أزمة تشكيل الحكومة وأنظمام الحزب الديموقراطي الكوردستاني اليها ، من خلال تحذير من السيّد عرفات كرم، مسؤول شؤون العراق في مقر الحزب الديموقراطي الكوردستاني للأطار التنسيقي الشيعي، إذ قال كرم في تغريدة له على تويتر "إذا فشل الإطار في تصفير المشكلات بين بغداد وأربيل، فالكونفدرالية Confederation هي الحل الأنجع لإنهاء معاناة الشعوب العراقية"، فيما دعا رئيس الجمهورية العراقية عبد اللطيف جمال رشيد الى "ضرورة حل الخلافات والقضايا العالقة بين اربيل وبغداد والعمل على تشريع قانون النفط والغاز بشكل يرضي الطرفين". يبدو من خلال التصريحين أنّ الاطار التنسيقي الشيعي قدّم جملة تنازلات للحزب الديموقراطي الكوردستاني من أجل إنظمامه الى الأطراف التي شكلّت الحكومة العراقيّة بعد إنسداد سياسي على مدار عام كامل، والتي وعلى ما يبدو أيضا أنّ الطرف الشيعي وبعد أن ضمن تشكيل الوزارة عاد ليتنصل من وعوده ما أثار حفيظة الطرف الكوردي.

أنّ إتفاقات أطراف المحاصصة وخلافاتها فيما بينهم لم تكن يوما في صالح الجماهير، والخلاف الحالي وهو ليس الأخير قطعا لا يخرج مطلقا عن تأمين مصالح هذه القوى وأستئثارها بالمال العام. أمّا نكوص طرف عن التفاهمات المبرمة وتهديد طرف آخر بإتخاذ إجراءات مضادّة، فأنها لا تخرج هي الأخرى عن أصول اللعبة التي يلعبانها منذ وصولهما الى السلطة إثر الأحتلال الأمريكي للبلاد ولليوم، فتهديدات الطرفين لبعضهما ليست الّا زوبعة في فنجان خبرها شعبنا بشكل واضح وجلي. لكنّ الذي يهمّنا من تصريحي المسؤولين الكورديين هما، الكونفيدرالية التي يطالب بها الحزب الديموقراطي الكوردستاني على لسان أحد المقربّين جدا من السيد مسعود البارزاني كحلّ لعدم تصفير المشاكل بين المركز والأقليم، وتشريع قانون النفط والغاز الذي يطالب به الرئيس العراقي الجديد.

لنبدأ بتصريح رئيس الجمهوريّة حول تشريع قانون النفط والغاز عن طريق دورهما في رفاهية الشعوب لنتعرّف عن أثر هاتين الثروتين في رفاهية شعبنا، قبل أن يُسّن قانون حولهما والذي سيكون وبلا شك في صالح النهب المنظّم لهذه الثروة لصالح النخب السياسيّة ولا علاقة له (أي القانون) في تغيير الواقع المعاشي لشعبنا الذي يعيش نسبة 22.5 % منه أي ما يعادل ربع سكّانه أي 9 مليون عراقي تحت مستوى خطّ الفقر وفق تصريحات السيّدة ذكرى عبد الرحيم مديرة الرعاية الأجتماعية التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الواحد والثلاثين من شهر آب/ أغسطس العام الجاري، لكنّ الأرقام غير الرسميّة تشير الى نسب أعلى بكثير من الرقم الرسمي للحكومة العراقيّة.

لا ندري إن كان السيّد رئيس الجمهورية يستطيع الربط بين دور واردات النفط وأثره على الإقتصاد وحياة الناس في البلدان الغنيّة به، لكنني هنا أوّد التذكير من أنّ النفط ومعه الغاز لم يكونا سببا في رخاء الشعوب التي تنام على بحيرات منه، عدا بلدان الخليج ذات العلاقات القبليّة والمناطقية و الكثافة السكّانية القليلة والتي تعيش غالبية شعوبها في بحبوحة من العيش مقارنة مع مثيلاتها من البلدان النفطية. فمستوى الفقر في دول مثل فنزويلا وأندونيسيا وإيران والجزائر ونيجيريا وهي من البلدان المصدّرة للنفط لا تختلف كثيرا عن نسبته بالعراق.

ليس من حقّ حكومة تنهب ثروات شعبها كحكومة العراق اليوم أن تسنّ قانونا على درجة عالية من الأهميّة كقانون النفط والغاز، كون سنّ هذا القانون سيكون بلا شك في صالح القوى التي تسنّه وليس في صالح شعبنا مطلقا. فالحكومة المركزيّة كانت تصدّر النفط رسميّا دون أن تضع عدّادات القياس وبما يُعرف بالذرعة، كما كانت الأحزاب والميليشيات الشيعية تسيطر على أرصفة تصدير النفط في الموانيء وتهرّبه بشكل غير شرعي لتجني أرباحا بمليارات الدولارات، ولم تكن سلطات الإقليم بعيدة عن هذا النهج وهي تبيع النفط لتركيا بأسعار بخسة ودون علم الحكومة المركزية وموافقتها، علاوة على تهريب كميّات كبيرة منه الى إيران عبر المنافذ الحدودية في منطقة السليمانية ليأخذ طريقه (أي النفط) الى باكستان وافغانستان والى الخارج عبر الموانيء الإيرانية ! فهل أستفاد شعبنا بعربه وكورده وباقي مكوناته من الريع النفطي للعيش بكرامة طيلة ما يقارب العقدين الماضيين. ولا نظنّ أنّ الوضع اليوم يختلف كثيرا عن سابقه، لذا فأنّ تشريع القانون سيكرّس سرقة ونهب أحزاب المحاصصّة للثروة النفطيّة بشكل "قانوني".

أمّا حول تحذير السيّد عرفات كرم من لجوء الإقليم الى الكونفدرالية عوضا عن الفدرالية في حالة عدم تصفير المشاكل بين المركز والأقليم من قبل الأطار التنسيقي الشيعي وفق قوله، فإننا هنا لا نود الخوض في معنى المصطلحين وتطبيقاتهما وقوانينهما من مصادر أجنبية، بل نعود الى دراسة للدكتور نوري الطالباني تحت عنوان "حول مفهوم النظام الفدرالي" أعدّها في لندن نهاية عام 1974 بعد عودة الأقتتال بين البعث والحركة الكوردية بزعامة الراحل الملا مصطفى البارزاني، بإعتماد الفدرالية كحلّ للمسألة القومية بالعراق بدلا عن الحكم الذاتي، لأنّ الحكم الذاتي "لا يستجيب لأماني وطموحات شعب كوردستان وأنّ من الضروري الأستعانة بنظام دستوري آخر لا يكون بوسع السلطة في المركز تجريد مضمونه من محتواه بمجرد إصدار تشريع آخر مناقض له، فوجدت ذلك في النظام بمفهومه الواسع" (1)

"وُيشترط لوجود النظام الفدرالي وجود إقليم Territorial محدّد، تعيش عليه جماعات بشرية. ويهدف هذا النظام الى ضمان الحريّة الكافية لهذه الجماعات أو الأقوام التي تعيش ضمن دولة واحدة، مع العمل على تجنّب تفكّك هذه الأخيرة" (2) . نتيجة فشل الحكومات العراقية المختلفة منذ تأسيس الدولة العراقية في حل المشاكل القوميّة بالبلاد ، ومن ضمنها حكومة البعث التي إعترفت لأوّل مرّة في تاريخ العراق السياسي بحكم ذاتي لإقليم كوردستان عدا كركوك (لا زالت لليوم مشكلة بحاجة الى جهود كبيرة وتنازلات من مختلف الاطراف لحلّها) والتي إنتهت بإنهيار التجربة واللجوء الى السلاح، ما كلّف الدولة العراقية والحركة التحرّرية الكوردية الكثير من الخسائر. كان خيار الفدرالية خيارا مقبولا عند مختلف الأطراف بعد إنهيار البعث والتغييرات الكبيرة التي طالت المجتمع والدولة، وكذلك دور القوى الدولية في سعيها لبناء شرق أوسط جديد.

لكنّ الذي نلاحظه من تصريحات بعض القياديين الكورد وكردّ فعل على تصرفات حلفائهم من القيادات الشيعية، هو عدم الإلتزام بالدستور الذي شاركوا سويّة في سنّه وإقراره بخصوص المعنى الحقيقي للفدراليّة، التي تنصّ قانونيّا ودستوريا على إحترام التراب الوطني والعمل على وحدة الأراضي ضمن دولة العراق، وتجنّب تفكيك الدولة وفق مفهوم الدكتور نوري الطالباني للفدراليّة.

"لقد حاول الفقهاء تحديد الأسس القانونية للنظام الفدرالي، وظهرت في هذا السبيل نظريات عديدة يطلق عليها عادة إسم النظريات التقليدية الكلاسيكية. ولكي تحدّد هذه النظريّات مفهوم الدولة الفدرالية وتميّزها عن الدول الأخرى، قسّمت الأنظمة القانونية للدول بوجه عام الى ثلاث أنواع: الدولة الكونفدرالية والدولة الفدرالية والدولة المتحدة، وتتكوّن الدولة الكونفدرالية – حسب هذه النظريات – بموجب معاهدة أو ميثاق يبرم بين دولتين أو أكثر تتنازل كلّ منهما عن بعض أختصاصاتها لصالح هيئة عليا مشتركة". (3)

كوردستان العراق ليست دولة مستقلة ليتناول السيّد عرفات كرم مسألة الكونفدرالية في تهديده للتحالف الشيعي لتصفير أو أنهاء الخلافات والمشاكل بين الطرفين، وطرحه في أنّ الكونفدرالية هي الحل الأنجع لأنهاء معاناة الشعوب العراقيّة وفق تصريحه، تعني أنّ من حق سكّان سهل نينوى من الكلدوآشوريين والتركمان في مناطقهم وغيرهما من المكوّنات العراقيّة طلب التحالف مع العراق بشكل كونفدرالي!! علما أنّ التحالف الشيعي الموالي لإيران ومن خلال سياساته المعادية لمصالح شعبنا بعربه وكورده وباقي مكوّناته، يحلم في أتحاد كونفدرالي مع إيران، لرهن العراق وشعبه ومنهم الكورد عند دولة ولي الفقيه.

الكونفدراليّة قانونيّا تتكوّن من أتحاد دولتين مستقلّتين أو أكثر وكوردستان العراق وغيرها من الأقاليم التي قد تظهر وفق الدستور العراقي مستقبلا، لا يحقّ لها تبنّي الكونفدرالية في علاقاتها مع بغداد، لكن من حقّها التمتع دستوريا في حقّها بالفدراليّة، وحقّها في الفدراليّة يعني أنّه لا يجوز "لاحدى الدول الأنسحاب من الدولة الفدرالية لتأسيس دولة مستقلة" (4) .

والفدراليّة والتي نراها في العديد من الدول، هي دولة واحدة تتكوّن من كيانين أو أكثر لها نظامها القانوني وغيره من المؤسسات، الا أنها تخضع لدستور فدرالي وهو الفيصل في حلّ مشاكل الطرفين أو الاطراف المتنازعة، كما ولها دستوريّا وقانونيا رئيس دولة واحد وجيش واحد وعلم واحد وعملة واحدة وتمثيل دبلوماسي واحد، وهذا ما لا نراه في العلاقة بين بغداد وأربيل.

إنّ الصراع على الأمتيازات بين الطرفين لا يمنحهما الحق في التلاعب بمصير البلاد، وحكومة الأقليم كما حكومة المركز لم تقدّم شيئا للمواطن الكوردي الفقير الذي يعاني كما العربي والتركماني والأيزيدي والكلدوآشوري من البطالة والفقر والعوز. النخب الحاكمة بالعراق تتحمل المسؤولية التاريخية عن هذا الانحطاط الذي تعيشه بلادنا، وهي غير مؤهلّة أطلاقا لمثل هذه المسؤولية.


1 – حول مفهوم النظام الفدرالي للدكتور نوري الطالباني ص 5 .
2 – نفس المصدر ص 9 .
3 – نفس المصدر ص 11 .
4 – نفس المصدر ص 13 .

زكي رضا
الدنمارك
20/11/2022



20
عمر الخيّام الى الفضاء وابا نؤاس تُقَطّع أوصاله


مرّت على البشريّة منذ القدم ولليوم حضارات وأمبراطوريات ودول وأقوام أنتهت وتلاشت لتحل غيرها محلّها لأسباب عديدة،  منها هزيمتها عسكريا أو نتيجة عوامل طبيعية كالجفاف والأوبئة وغيرها. لكن وعلى الرغم من مرور آلاف السنين على أنهيار تلك الحضارات والدول، نرى أمرا عصيا على الأنهيار ولا زال يبهرنا نحن أبناء هذا الزمن الرديء، ولا أعني هنا الّا نحن العراقيون الذين أبتلينا بأشباه ساسة وأشباه رجال وهم يقودون بلد نشأت فيه أعظم وأقدم الحضارات الى مستنقع الموت، هذا الأمر هو فنّ وعمارة تلك الحضارات التي لازالت لليوم باقية لتذكرنا من أنّ الفنّ بكل أشكاله ومنه النحت  لن يموت ولن ينهار.   

لقد ورثنا نحن العراقيون الإزميل  من حضاراتنا التي سبقت الهجمة البدوية المتخلّفة القادمة من عمق الصحراء والبداوة، ومعها آلة القتل التي دمرّت ولازالت أرض الرافدين.  فبالإزميل نحت الفنّان العراقي الأسود والثيران المجنّحة للملوك والأمراء، ونحت النصب التذكارية وتفننّ في زخرفة الأبواب العظيمة للقصور.  والفنان أسماعيل فتاح الترك ومن معه من النحّاتين والفنّانين العراقيين ورثة ذلك النحاّت الذي برع  بإزميله وهو ينفخ الروح في حجر الصوان لينحت تماثيل كأنّها الآلهة.  فتمثال الشاعر العبّاسي أبا النوّاس هو نتاج الإزميل العراقي الذي علينا أن نفتخر به اليوم وغدا، فهل ورثة القادمين من عمق الصحراء وعاشقي البداوة لهم الحق في أن يجعلوا من بغداد الأزل أشبه  بمدينة للصرائف بقرية مهملة،  ومن أعطاهم هذا الحق!!؟ 

الفرس أصحاب حضارة موغلة بالتاريخ  وأمتدّت أمبراطوريتهم من بحر إيجة في الغرب إلى حدود الهند في الشرق ومن جنوب مصر إلى البحر الأسود وجبال القوقاز في الشمال. وكما كان للإزميل العراقي دور محوري فيما وصلنا اليوم من تماثيل  ورُقم تملأ متاحف العالم، فللفرس إزميلهم الذي أبدع أيضا في نحت التماثيل والنصب الأثريّة. لكنّهم ولأنهم مدينيون وليسوا قرويين  كما حكّامنا والسواد الأعظم من شعبنا، تراهم يحترمون تماثيل فنّانيهم ويحافظون عليها.  فالفردوسي وهو شاعر  حفظ اللغة الفارسية من الأندثار بعد الغزو العربي لبلاده بكتابته ملحمة الشاهنامة ( كتاب أو ملحمة الملوك)، له تمثال كبير يتوسّط حديقة غنّاء في ساحة تحمل أسمه  بقلب العاصمة طهران، وطالما كان حكّام العراق اليوم يتسكّعون عنده وهم يدخلون ويخرجون من مقرّ المجلس الأسلامي الأعلى قرب الساحة التي تتوسط  شارع  الفردوسي حينما كانوا "يجاهدون" من أجل تقدّم العراق وشعبه مثلما كانوا يشيعون، وإذا بالعراق عهدهم خرائب تنعق فيها غربان  الفساد والقتل والجريمة!!  أمّا الشاعر وعالم الرياضيات الذي اشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه، والذي صار التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم أي عمر الخيّام، فهناك شارع  وسط الحي التجاري في طهران يحمل أسمه، كما وله ضريح آية في العمارة بمدينة نيسابور يزوره الكثير من السياح وأبناء المدينة.

على الرغم من أشعار الخيّام الألحادية و عشقه للخمر، فأنّه يقول في أشعار تُنسب له: 

إبريق مى مرا شكستى ربّى
بر من در عيش را ببستى ربّى
من مى خورم وتو مى كنى بدمستى
خاكم به دهن مگر تو مستى ربّى؟

وترجمتها:

كسرت لي إبريق خمري ربّي
أغلقت عليَ باب رزقي ربّي
أأشرب الخمر أنا فتعربد أنت
يا للوعتي، أراك سكرانا ربّي

الخيّام هذا وعلى الرغم من أشعاره هذه وغيرها وهو يتغنى بالخمر والجواري، نرى أنّ السلطات الدينيّة  الأيرانيّة وبالتعاون مع علماء الفضاء الروس أطلقت قمرا صناعيا بأسمه الى الفضاء تخليدا له!!!




ضريح عمر الخيّام في نيسابور

ساسة اليوم الذين حولّوا العراق الى رُستاق أي قرية بالفارسيّة،  ولأنّهم أعداء لوطننا وتراثنا وتاريخنا تراهم
يجيشّون رعاعهم  لكسر الأزاميل العراقية، عن طريق الهدم والعبث بالتماثيل في بغداد وتشويهها.  فمرّة يهاجمون بمنطق البداوة التي لا يجيدون سواها فيسرقون تمثال السعدون، ومرّة يهاجمون تمثال باني بغداد التي يحقدون عليها أبي جعفر المنصور،  ومرّة يهاجمون تمثال كهرمانة  لمحمد غني حكمت خوفا من أن تؤشر على أبواب قصورهم  ليعرف شعبنا طريقه اليهم،  واليوم يعبثون بتمثال أبي نؤاس لأسماعيل فتاح الترك، وغدا سيعبثون بتمثال الأم لخالد الرحّال ونصب الحرية لجواد سليم وجدارية فائق حسن وغيرها. تماثيل فنّانينا مهدّدة بالهدم،  وتماثيل رجال الدين الشيعة المصنوعة من الشمع والتي كلّفت الدولة ملايين الدولارات تصبح مزارا لأعداء الحضارة والتمدن والمدنية في مُتحفها بالنجف...

يقول المؤرخون أنّ حضارة أناسازي التي نشأت حولي 700 عام قبل الميلاد، أنهارت بسبب الأنقسام الديني الذي قسّم شعوب تلك الحضارة،  فهل أصحاب البداوة اليوم وهم يهاجمون التماثيل لأسباب طائفية سيقودون بلدنا الى هذه النهاية،  وما هي وسائلنا لمواجهتهم ...؟ 

زكي رضا
الدنمارك
9/11/2022


21
ضاع موطني بين الملّايات والماكيرات


لا أعني بكلمة موطني في عنوان المقالة  النشيد الوطني " العراقي"، كون البلدان التي تحترم تاريخها وتراثها وشعرائها قادرة على أن يكون لها نشيد وطني من كلمات أحد شعرائها وتلحين أحد أو مجموعة من ملحنّيها. والأناشيد الوطنية للبلدان المختلفة نرى فيها تراث وتاريخ وجغرافية وأمل وقوّة بمستقبل أفضل لها وشعوبها، والأناشيد الوطنية تلعب دورا في بثّ الحماس بين أبناء الشعب ليتكاتف من أجل بناء بلده، حتّى أنّ بعض البلدان التي تعتمد أكثر من لغة تكتب نشيدها وتلحنّه باللغات الرسمية فيها كما كندا التي تنشد نشيدها الوطني باللغتين الأنجليزية والفرنسية.  والعراق فيه وكان فيه العديد من الشعراء الفحول ذوي القصائد الوطنيّة التي من الممكن لو توفّرت الوطنية عند ساسة اليوم، لكان لنا نشيد وطني عراقي يغوص في تاريخ هذه الأرض وتراثها ويحلّق عاليا فوق نخيله وجباله لينظر من الأعالي لرافديه وهما يبثّان الحياة في الأرض التي يراد لها أن تموت ببطء وعذاب!! 

النشيد الوطني العراقي مرّ بمراحل عدّة، ففي العهد الملكي تمّ تلحين السلام الملكي من قبل الضابط الإنكليزي الميجر جي. آر. موري، وكان لحنا بلا كلمات،  ومع ذلك حاول أحد الشعراء العراقيين كتابة كلمات تتناغم واللحن. وبعد نجاح ثورة الرابع عشر من تمّوز تمّ تلحين السلام الجمهوري من قبل الموسيقار العراقي لويس زنبقة وأسماه نشيد موطني وهو غير نشيد " موطني " اليوم، وكان كما السلام الملكي بلا كلمات. بعد إنقلاب الثامن شباط 1963 ووصول البعث للسلطة أُعتمد نشيد الجمهورية العربية المتحدّة/ المصريّة ( والله زمان يا سلاحي)  وهو من كلمات الشاعر المصري صلاح جاهين والحان الملحن المصري كمال الطويل وغناء أم كلثوم كنشيد وطني للعراق!! وفي العام 1981 أستبدل صدام حسين النشيد الوطني " العراقي" بآخر من كلمات الشاعر السوري شفيق الكمالي والحان اللبناني وليد غلمية.

بعد الأحتلال الأمريكي لم يسعى الذين وصلوا للسلطة ليكون لـ "بلدهم" نشيد وطني من كلمات وألحان أحد شعراء العراق الكبار وجيش من ملحنّيه الذين رفدوا المكتبة الفنية العراقية بمئات الألحان المميزة، بل ذهبوا الى نشيد "موطني" من كلمات الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان والحان محمّد فليفل. هذا النشيد لا يزال هو النشيد الرسمي للدولة العراقية، على الرغم من أنّ هناك قصائد كثيرة تستطيع أن تكون وبفخر نشيدا وطنيا عراقيا، لكن من أين نأتي بعراقيين في السلطة لينجزوا هذه المهمّة!!؟

الأناشيد الوطنية تعزف في مختلف المناسبات، كأستقبال الوفود الأجنبية، وعندما يعتلي أبطال الرياضة منصّات التتويج، وعندما ينشده التلاميذ في المدارس ليتعلمّوا من خلال إداءه حب الوطن والعمل على رفع إسمه عاليا. فهل يُنشد النشيد الوطني " العراقي" في مثل هذه المحافل!؟

عزف  نشيد " موطني" في حضرة الماكيرة سارة حيدر وبحضور ضباط كبار من الجيش العراقي، فضيحة وطنية وأخلاقيّة وسياسيّة لم تحصل في أي بلد يحترم تاريخه وشعبه لليوم. لسنا ضد عمليات التجميل التي تقوم بها المختصّات في هذا المجال مطلقا، ولسنا في وارد نقدهنّ أبدا، الّا أنّ حضورهنّ في الصف الأول الى جانب رتب عسكرية كبيرة جعلت من هذا النشيد وإن كان غير عراقي نشيد مبتذل، كما هو مبتذل أيضا وهو يُنشد عند حضور ملّاية أو رادود في تجمّع جماهيري.

المسألة اليوم ليست محاسبة من أهان النشيد الوطني " العراقي" بعزفه أمام ماكيرة، بل العمل على أعتماد نشيد وطني عراقي حقيقي نابع من تراث هذه الأرض وتاريخها، نشيد كتبه شاعر عراقي يعرف معنى الوطن، وملحنّ عراقي يجيد تلحين أغاني الناس. ليكن هدفنا جميعا هو الضغط على سلطة المحاصصة لتبني مثل هذا النشيد، الذي يجب أن يتغنّى ببلادنا وشعبنا.

وعودة لعنوان المقالة من جديد أقول أنّ الذي ضاع بين الملّايات والماكيرات ليس النشيد الوطني، بل الوطن نفسه وهو يباع في مآتم مرّة، وفي سهرات حمراء مرّة..

زكي رضا
الدنمارك
4/11/2022

   







22

مجاميع الظل الحاكمة بالعراق


الديموقراطية في المجتمعات غير الواعية وبغياب القوانين التي توفّر بيئة مناسبة لأجراء إنتخابات حقيقية، تؤدّي الى هيمنة قوى سياسيّة مافيوية على السلطة. وغالبا ما تكون لهذه القوى عالما مظلما تعمل من خلاله على توطيد دعائمها في الحياة السياسية والأقتصادية في تلك البلدان. والعراق اليوم فيه بيئة أكثر من مناسبة لهيمنة المافيا على جميع مفاصل الحياة بالبلاد، فالأحزاب السياسية التي تتقاسم السلطة منذ الأحتلال لليوم، جعلت من الفساد والأستبداد السياسي شريان حياة أحزابها، ليقابلها موت يومي لوطن يتهاوى بفعل الفساد وشعب يعيش في منطقة اللاوعي بعد أن يأس من إلتفات أحد الى معاناته.

لا توجد دولة بالعالم تشرعن الفساد بصورة علنية من خلال قوانين نافذة، بل على العكس فأنّ الدول عادة ما تسنّ قوانين تحدّ وتحارب الفساد بيد من حديد مثلما يقال. فما هو الطريق إذاً للإثراء على حساب المال العام..؟ أنّه الفساد، وهو بوابّة النهب المنظّم لثروات الناس. في البلدان التي يهيمن الفساد فيها يكون الفاسدون وهم على الأغلب من عصابات جريمة منظمّة بحاجة الى غطاء رسمي لممارسة فسادهم وسرقاتهم وأبتزازهم وتحكمّهم بمفاصل الأقتصاد والمال. لذا ترى زعماء هذه العصابات يدخلون الحقل السياسي من الباب الخلفي بدعمهم لشخصيات سياسيّة "مستقلّة" وحتّى أحزاب سياسيّة ليصلوا الى قبّة برلمانات تلك البلدان ولتكن لهم عندها الحصانة التي تمنحهم حريّة الحركة وعقد الأتفاقات الأقتصادية مع الشركات الوطنية والأجنبية مقابل عمولات ضخمة، أو أن ترسي عقود المشاريع برمتّها لزعماء الأحزاب السياسيّة ورجالاتها الذين يحصلون على هذه الأمتيازات مقابل ولاء أعضاء البرلمان والحكومة الذين وصلوا الى السلطة بمساعدة هؤلاء الساسة، بمعنى آخر فأنّهم كمجاميع ظل يتحكمون بالشأن السياسي والأقتصادي للبلاد.

المافيا اليوم ليست عصابات تهريب مخدرّات وفرض أتاوات والتجارة بالجنس والأعضاء وغيرها من الجرائم فقط، كما وليست قاصرة على عوائل معيّنة كما بدأت في صقليّة بإيطاليا لتتوسع الى بلدان كثيرة بالعالم. أنّما المافيا اليوم نظم سياسيّة لها علاقات دولية ووزارات تحكم من خلالها شعوب عديدة وتنهب كل ما يقع تحت أيديها دون خوف من ملاحقة القضاء، بعد أن يكون القضاة أنفسهم رهن أشارة السلطة التي تعيّنهم. ولو أخذنا العراق كمثال لأحد اكبر الدول الفاسدة في العالم، فسنرى أنفسنا في حالة غريبة ومختلفة عن كل العصابات المافيوية المعروفة وعوائلها!!

المافيا بالعراق ليست بحاجة الى دعم أحزاب سياسية أو ساسة مستقّلين ليصلوا الى البرلمان، ليقوموا بعدها بمساعدة زعماء المافيا في سرقاتهم ونهبهم للمال العام عن طريق التجاوز على القوانين، وإبرام عقود وهمية بملايين الدولارات والحصول على عمولات بأرقام فلكية من خلال عقود بشروط مجحفة بحق ثروات وطننا. عوائل وعصابات المافيا عندنا محصنّون من المساءلة القانونية، والقضاة يجدون لهم دوما مخارج "قانونية" في الأمور السياسية كما في تفسيرهم للكتلة الأكبر بعد كل أنتخابات، أو التجاوز على القانون من خلال عدم محاسبة الرؤوس الكبيرة من الفاسدين. والمشكلة ونقولها للأسف الشديد تكمن في مناحي عدّة منها عدم وجود قاض عراقي جريء يقف بوجه المافيا العائلية والسياسية التي تقود البلاد الى الهاوية، كما القاضيان الإيطاليان "جيوفاني فالكون" و"باولو بورسيلينو"، اللذان تمّ إغتيالهما من قبل المافيا. وإن كان القضاء قد واجه بشرف الفساد في إيطاليا لينتصر أخيرا، فأنّ القضاء العراقي وهو يحمي الفاسدين الذين يدمرّون العراق وشعبه لا شرف له مطلقا.

العراق حالة غريبة وشاذّة، فتجربة مجاميع الظل الحاكمة في البلدان الأخرى لا مكان لها بالعراق، كون "مجاميع الظل" هي من تشكلّ الحكومة من خلال البرلمان الذي تهيمن عليه، وهي من تشتري شرف القضاة والإعلام، وهي من تمتلك الجيش والعصابات المسلحة. مجاميع الظل لا تحكم البلاد من خلال عالم مظلم كما بقية دول العالم، بل أنها تمتاز بجرأة كبيرة لتعلن عن نفسها علنا وتقود الفساد والجريمة بالبلاد. وحكومة السوداني اليوم هي إمتداد لنهج مافيوي مدمّر يتحكم بمصير البلاد من خلال مجاميع ظل علنية...

 
زكي رضا
الدنمارك
30/10/2022


23
سحق العراق بين إلإطارين

لم يلتفت أحد الى إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية اليورانيوم المنضّب في تصنيع الذخائر التي قصفت بها الجنوب العراقي  في الناصرية والسماوة والفلوجة وعلى الأخص مدينة البصرة منذ العام 1991 حتّى العام 2003 ، لا من المنظمات الدولية ولا من قبل الأقطاب الرئيسية للمعارضة العراقية التي كانت ولازالت تسير وفق المخططات الأمريكية، بل على العكس فأنّ بيل كلينتون ومادلين اولبرايت قالا في تعليقهما على قصف العراق بالأسلحة المحرمة دوليا وعلى الرغم من سقوط مئات الالاف من القتلى والتشوهات التي طالت وتطال مئات الالاف من الأطفال من أن الامر أي قصف العراق يستحق ذلك، في الوقت الذي كان فيه من يمتلك القرار السياسي ببغداد يشجع امريكا على هذا الأمر!! وقد تمّ الإلتفات الى خطورة هذه الذخائر في حرب البلقان، بعد تعرض جنود من حلف الناتو لآثار هذه القنابل التي إستخدمتها الولايات المتحدة في تلك الحرب،  والتي علاوة على قتل البشر وتدمير الآليات المصفحّة والدبابات فأنّ هذه المادّة تترك آثارا شديدة الخطورة على التربة والمياه الجوفية ما يؤثر على الإنتاج الحيواني والزراعي في المناطق الملوثّة ولعقود طويلة.

كانت " الامانة العامة في مجلس الوزراء في 2018 شكلت فريقا وطنيا وتم تشخيص وجود 23 موقعا ملوثاً في محافظة البصرة"،  وأنّه وكما قالت  "تم اجراء مسح شعاعي في البصرة وفحص 86 كيلومترا مربعا والعثور على 400 ألف متر مربع ملوثة باليورانيوم والاشعاع النووي وبدأ الفريق بتنظيف هذه الاماكن"!! هذه التصريحات غاية في الخطورة رغم معرفتنا بها دون الأرقام التي ذكرها مجلس الوزراء، الا إننا نقف منبهرين أمام إمكانية العراق بطي صفحة التلوث الإشعاعي كما أعلن جاسم الفلاحي الذي اعلن أواخر كانون أوّل / ديسمبر 2021  " انتهاء صفحة التلوث الإشعاعي في البصرة، واصبحت خالية من التلوث" أقول منبهرين ، كون السلطات الأمريكية كشفت يوم أمس 16/10/2022  عن " تلوث إشعاعي كبير في مدرسة ابتدائية في ضواحي مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية حيث تم إنتاج أسلحة نووية خلال الحرب العالمية الثانية، وفقًا لتقرير جديد صادر عن مستشاري التحقيق البيئي"، و " تقع المدرسة في سهل الفيضي لخور كولد ووتر، التي تلوثت بالنفايات النووية من إنتاج الأسلحة خلال الحرب العالمية الثانية" ، وعلى الرغم من أنّ سلاح المهندسين الأمريكي يقوم بتنظيف الخور منذ أكثر من 20 عاما وبأحدث الأجهزة وتحت أنظار أفضل الخبراء،  الا أن " مستويات النظائر المشعة مثل الرصاص 210 والبولونيوم والراديوم والسموم الأخرى كانت "أكثر بكثير" مما توقعته شركة بوسطن كيمكال". السؤال هو كيف تمكّن العراق بضحالة إمكانياته وفساد قادته وأمّية هيئاته العلمية وضعف تقنياته من تنظيف المنطقة من التلوّث الإشعاعي، ولم تستطع الولايات المتحدة بكل التقنيات التي تمتلكها من الحذو حذو العراق في تنظيف مدرسة من التلوث الإشعاعي بعد 20 عاما من بدأها مشروعها في تنظيف المكان!!؟

الإطار التنسيقي الشيعي ممثلا برئيس وزراءه الجديد السيد السوداني أكّد في لقاء له بالسفيرة الأمريكية ببغداد السيدة ألينا رومانوسكي على " رغبة العراق في ترسيخ علاقة شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة من خلال تعزيز العمل على اتفاقية الإطار الاستراتيجي في جوانبها المختلفة الاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياسية وقضايا مواجهة آثار التغير المناخي، فضلا عن التعاون الأمني في مجال تقديم الدعم والمشورة لتمكين القوات الأمنية العراقية". الجانب التعلمي والثقافي هما جزء من إتفاقية الإطار الإستراتيجي بين أمريكا والإطار الشيعي تحت أي مسمى كان، ولكن هذا لم يمنع من إنهيار التعليم وحقل الثقافة بالعراق الإسلامي. كما لم يكن فاعلا في بناء نظام أقتصادي متطور أو يسير بخطى محسوبة نحو التطور وإن ببطأ، أمّا حول التغير المناخي وضرورة مساهمة العراق غير الصناعي وغير الزراعي فيه، فأنّ ما لا يعرفه الأطاريون والمتحاصصون أو يعرفونه ويغمضون عيونهم عنه  هو أنّ الولايت المتحدة الأمريكية رفضت مشروع الأتفاق المطروح على مؤتمر المناخ في كوبنهاغن سنة 2009 ، كما انسحبت من مؤتمر باريس للمناخ سنة  2015 !!

السفيرة الأمريكية في تغريدة لها لم تشارك السيد السوداني في تصريحاته الا في مسألة المناخ، رغم أنّ بلادها مسؤولة عن التلوث الأشعاعي بالبلاد. وكتبت على حسابها الشخصي في تويتر، أنّ " التقدم في تحقيق المصالح المشتركة بين أمريكا والعراق، مهم للعراقيين". وأشارت في تغريدتها إلى أهمية وجود "عراق يحارب الفساد ويخلق فرص العمل، وعراق مستقر من خلال مؤسسات أمنية حكومية قوية وخالٍ من داعش، وعراق مرن للتعامل مع التغير المناخي"!!

عراق خال من الفساد أيها السفيرة، وبالأمس فقط وكنزر يسير من الفساد الذي جاء على ظهر دباباتكم تمت سرقة 2.5 مليار دولار من قبل حيتان الفساد!! إيجاد فرص عمل،  والبطالة تزداد نسبتها بأستمرار وتطال حتى خريجي الجامعات وتحولهم الى باعة متجولين!! عراق مستقر، والميليشيات تعيث به فسادا والسلاح يباع في اسواق مدينة الثورة علنا وتحت حماية الميليشيات وغياب الدولة!!

العراق اليوم لا سيادة له، حيث المعسكرات التركية تتواجد في أراضيه بشكل علني وتحت مرأى ومسمع السفارة الأمريكية ببغداد والقنصلية الأمريكية في أربيل والتي تطالب بالسيادة من خلال أتفاقية الأطار الأستراتيجي، والقوات الإيرانية كما التركية تقصفان القرى والبلدات والمدن الكردية متى ما أرادوا. فهل اتفاقية الإطار الأستراتيجي قادرة على وقف العدوان التركي الإيراني على الاراضي العراقية!؟

على حكومة الأطار ان تطالب الولايات المتحدة وكبادرة لتحسين ملف المناخ، أن تتحمل مسؤوليتها في تنظيف الجنوب العراقي من آثار اليورانيوم المنضب التي أستخدمتها في حروبها ضد العراق. وحينها فقط تستطيع البدأ بتنفيذ باقي نقاط المشروع، والا فأن بلادنا ستسحق بين أطاري الاطار الشيعي والأطار الأستراتيجي، ونحن بالحقيقة مسحوقون كبلد وشعب.

قالت آشلي بيرنو، رئيسة جمعية الآباء والمعلمين في جانا والتي لديها ابن في المدرسة: "لقد شعرت بالفاجعة... يبدو الأمر مبتذلاً للغاية، لكنه يأخذ أنفاسك منك". فهل سيشعر قادة الإطار وباقي مثلث الفساد بالفاجعة، وهل الأمر مبتذلا حقّا بنظرهم....!؟

زكي رضا
الدنمارك
17/10/2022




24
من حرق المصاحف والمساجد في إيران ..؟

المجتمع الإيراني لا يقلّ تدينّا عن بقية المجتمعات الإسلاميّة، إن لم يكن في مقدمتّها. فالإسلام وعلى  الرغم من فرضه عنوة على الإيرانيين من خلال إحتلال المسلمين لها إثر معركة القادسيّة  وجد له مكانا رحبا فيها، وهذا ما نستدلّ عليه من خلال  العدد الكبير لرجال الدين الإيرانيين السنّة عندما كانت إيران سنيّة المذهب، أو الشيعة بعد تحوّل إيران الى المذهب الشيعي في العام 1501 للميلاد، أي بعد تأسيس الدولة الصفوية. وفي التاريخ  شخصيّات إسلاميّة إيرانيّة أو من أصول إيرانيّة مرموقة من المذهبين،  منهم مؤسسي مذاهب إسلامية  ومراجع دينيّة أثّروا ولا زالوا في الفقه والفكر الإسلامي.

على الرغم من إنهيار الحكم القاجاري بعد خلع شاه أحمد قاجار وهو آخر شاه من العائلة القاجارية على يد الشاه رضا بهلوي أواخر العام 1925  وبدأ بناء إيران الحديثة، بقي الدين الإسلامي  وبالأحرى المذهب الشيعي له حضوره الكبير في المجتمع الإيراني. وكان لرجال الدين إمتيازات إستثنائية في القانون، فمثلا لم تتم محاكمة الخميني وإدانته بعد تظاهرات الخامس من حزيران سنة 1963 والمعروفة إيرانيّا بتظاهرات خرداد التي خرجت في مواجهة البرنامج الإصلاحي الذي دعا اليه الشاه محمد رضا بهلوي والذي عُرف وقتها بالثورة البيضاء الذي واجهته  رفض ملّاك الأراضي وطبقة رجال الدين له،  والتي قاد الخميني تظاهرات ضدّها في بعض المدن الإيرانيّة منها طهران وقم. وكمخرج لإطلاق سراحه من المعتقل خوفا من زيادة وتيرة التظاهرات وسعتها، منحت الحوزة الدينية بشخص عدد من آيات الله فيها، صفة آيت الله للخميني وإعتبرته مرجعا دينيا ما دعا السلطات لإطلاق سراحه. وهذا الأمر إن دلّ على شيء  فأنّه يدل على هيمنة العامل الديني في المجتمع الإيراني وإحترام المؤسسة الدينية فيها، والذي تحسب له السلطات حسابا كبيرا.

لقد ترسّخ المفهوم الديني في إيران بشكل أكبر من أي وقت مضى، منذ تحولّها الى جمهورية اسلامية في العام 1979 لليوم. فقد صبغ الدين الحياة الإجتماعية والقوانين والمناهج التعلمية والإعلام والجيش وجميع مناحي الحياة، بل صبغ حتّى أسماء المواليد فيها، حيث أصبحت أسماء والقاب أئمة الشيعة ونسائهم وبناتهم هي الأسماء الرائجة. فعلى سبيل المثال وعلى الرغم كون الشاه كان علمانيّا الّا أنّه وليتقرّب اكثر الى الشعب الإيراني أسمى ولديه برضا وعلي رضا.

لقد حوّل النظام الإسلامي في إيران منذ وصوله للسلطة لليوم وبشكل ممنهج الدين من إيمان وعبادات وأفكار ومعتقدات وقيم، الى وسيلة لإخضاع المجتمع لسلطته الثيوقراطيّة والتي تسببّت نتيجة فرضها بالقوّة والسيطرة المطلقة للدولة ممثلّة برجال الدين،  بأسلمة المجتمع وعلى الأخّص حقلي الثقافة والتعليم،   بل إنتهجت سبلا في الطقوس الدينية جعلتها تخدم مصالحها المباشرة.  لقد كان القرآن ونهج البلاغة والأدعية الشيعية كدعاء كميل وأدعية الصحيفة السجّادية للإمام علي بن الحسين المعروف بالسجّاد ومناسبات ولادات ووفيات الأئمة الأثني عشر عند الشيعة  والمراقد والمساجد ، من الأمور المحترمة والمبجلّة  ومقدّسات لا يجوز المساس بها أو إهانتها مطلقا، وبقي هذا الأمر قائما بشكل واسع حتّى مقتل الشابّة الإيرانية ذات الأصول الكوردية ژينا أميني والتي يتناقل الإعلام إسمها بمهسا أميني، الذي فجّر تظاهرات في عموم إيران ضد سلطة الدين وإستبداده لأسباب كثيرة تتعلق بالمشاكل القوميّة  والاوضاع الإقتصادية السيئة والتفاوت الطبقي وإزدياد نسبة الفقر والبطالة وإنعدام الحريات وغيرها الكثير، ولم يكن مقتل الشابّة الكورديّة الإيرانيّة الا شرارة أضرمت النار في الشارع الإيراني التوّاق للتحرّر من نير الدين ورجالاته.   

ليس من عادة وليّ الفقيه علي خامنائي التعليق على حادث وفاة أو مقتل متظاهرين ضد سلطته، الّا أنّه خرج هذه المرّة ونتيجة شدّة التظاهرات ليقول  خلال حضوره مراسم تخرّج طلّاب الأكاديميات العسكرية في طهران، وفق موقعه الرسمي  أنّ " حادثة وفاة الشابّة الإيرانيّة كانت مريرة وأحرقت قلبي. لكنّ رد الفعل دون أي تحقيق كان غير طبيعي. الرد لا يكون بأن يزعزع بعضهم الأمن في الشوارع ويحرقوا المصاحف ويخلعوا حجاب السيدات المحجبّات ، ويضرموا النيران في المساجد والمصارف وسيّارات الناس"!! 

لو تركنا الكلام الإنشائي لخامنائي حول قلبه الذي إحترق بمقتل الشابّة  ژينا/ مهسا أميني وكأنّ نظامه ليس بقاتلها وغيرها مئات الآلاف من أبناء الشعوب الإيرانية، ولو قبلنا بحديثه حول عدم حرق المصارف وسيارات الناس ومباني الدولة والذي يجري أثناء الإضطرابات والتظاهرات في مختلف دول العالم،  وكذلك خلع حجاب المحجّبات كونه تعديّا على الحريات، فإننا سنقف أمام سؤال مشروع  وهو: من حرق المصاحف والمساجد ..؟

إنّ حرق المصاحف والمساجد من قبل الجماهير المنتفضة ضد سلطة رجال الدين، هذا إن كانت الجماهير هي فعلا من حرقت المصاحف وليس أجهزة النظام المخابراتية نفسها كما فعلها البعثيون في العراق ستينيات القرن الماضي، هو ردّ فعل طبيعي على الرغم من تديّن المجتمع الإيراني كما ذكرنا قبل قليل، على الحيف والقهر والإستبداد الذي جاء به الدين كأداة قمع وليس كعبادة وقيم وأخلاق كما يجب أن يكون،  عن طريق السلطة الدينية وميليشياتها وأجهزتها النظامية والمخابراتية القمعية  التي تتحكم بالبلاد منذ ما يربو على الأربعة عقود. أنّ وزن كل أمر في إيران بميزان الدين، جعل الدين في مرمى سهام الجماهير الإيرانيّة. فحرق المصاحف والمساجد والسلطة لا زالت بيد رجال الدين، تشير الى ما سيحدث لهما أي المصاحف والمساجد ومعهما مراقد مقدّسة عند الشيعة من أخطار حالما ينهار النظام الإسلامي.  فالدولة الإسلاميّة لا تستطيع مقاومة تطلعات الناس وسعيها  للحياة بشكل أفضل ممّا تعيشه اليوم، كما ولا تستطيع البقاء الى الأبد. فالإمبراطورية الفارسيّة التي حكمت مصر في وقت ما، والإمبراطورية الرومانيّة ومثلها الأمويّة والعبّاسيّة والعثمانيّة  والإتحاد السوفيتي في العصر الحديث، إنهارت لظروف مختلفة،   وسلطة الدين في إيران اليوم ليست إستثناءا بالمرّة الا أنّ إنهيارها سيشعل الحسّ القومي والعلماني للإيرانيين، لكنّ هذا الحس سوف يُترجم خارج سياقاته المنطقية. فالحقد على النظام الإسلامي سوف لا يقتصر على حرق المصاحف والمساجد، بل ستحرق الجماهير وكثأر ممّا تعرضت له من ظلم وإضطهاد على يد السلطة الدينية  أضرحة عديدة وتدمرّها، وعلى رأسها أضرحة قادة دينيين وهذا ما يتناقله مئات الآلاف من الإيرانيين في أحايثهم الخاصّة داخل وخارج إيران.  ومن الجدير بالذكر أنّ السلطات الإيرانية ساهمت أو غضّت النظر عن نبش وتخريب قبور المئات من  المعارضين لها والذين تمّ إعدامهم فترة ثمانينات القرن الماضي، وهذا ما سيدفع الجماهير هي الأخرى على الردّ بالمثل للأسف الشديد.  ومن غير المستبعد ونظرا لطبيعة المجتمع الإيراني وردّة فعله على إستبداد المؤسسة الدينية، أن يكون الإسلام والتشيّع نفسهما تحت طائلة العشرات من الأسئلة المحرجة التي ستهمّش دورهما على الصعيدين الإجتماعي والرسمي.

أنّ من حرق المصاحف والمساجد في إيران هم رجال الدين أنفسهم بسياساتهم القمعية ومصادرتهم للحريّات وعدم حل المشاكل القومية بالبلاد  وإفقار الملايين من أبناء الشعوب الإيرانيّة،  وليس الجماهير التي تطالب بالحرية والحياة الأفضل لأبناءها في بلد يمتلك كل مقوّمات الحياة بكرامة...   

زكي رضا
الدنمارك
9/10/2022

25
إنتخاب رئيس للجمهورية إنتصار للإتحاد الوطني وقوى المحاصصة وليس للشعب العراقي


بعد عام من المدّ والمدّ جاء الجزر السياسي بوصول قاطرة المحاصصة الى الخضراء، هذه القاطرة التي تحمل رئيس جمهورية بقياسات قوى المعسكر الايراني، وبالتالي فأنّ الأوضاع السياسيّة والإقتصادية والإجتماعية وما يتعلّق بها أو يترشّح عنها ستبقى كما هي. فالأزمات التي رافقت ما تسمّى بالعملية الديموقراطية ستبقى ثوابت غير قابلة للإختراق، خصوصا بغياب أي صوت معارض ولو شكليا في ما يسمّى بمجلس الشعب، ومنهم  الصدريون الذي سهلّوا وصول القاطرة الى الخضراء بمنحهم أصوات مئات الآلاف من ناخبيهم الى الأحزاب والميليشيات الولائيّة.

إنتخاب رئيس للجمهورية هو المتر الأخير للوصول الى منصب رئاسة الوزراء، وبإنتخاب عديل الرئيس السابق جلال الطالباني أي السيّد عبد اللطيف رشيد لمنصب رئيس الجمهورية، فأنّ إنتخاب رئيسا للوزراء من قوى الإطار الشيعي الممثّل الشرعي لوليّ الفقيه في بغداد قد حُسم أمره.  فالرئيس الجديد  كلّف السيد محمد شياع السوداني الذي أستقال من حزب الدعوة كمناورة سياسية من الحزب ليكون رئيسا للوزراء ورفضه الشارع العراقي أثناء إنتفاضة تشرين،  لا يستطيع طرح برنامج حكومي دون موافقة القوى التي طرحته كمرشح لرئاسة الوزراء. وهذا يعني عودة الاوضاع السياسيّة والإقتصادية في البلاد الى المربّع صفر، لأنّ ما أعلنه السيّد السوداني في بيانه من أنّه سيعمل من ساعة تكليفه الأولى وفق برنامج حكومي يتبنى إصلاحات سياسية، وتعهدّه بمحاربة الفساد، وسعيه لإجراء إنتخابات في أجواء حرّة ونزيهة في ظل نظام إنتخابي شفّاف مثلما صرّح، والعمل على ملفّات الفقر والخدمات والتضخّم والبطالة وتحسين الواقع الصحي والتعليمي،  هو نفس ما أعلنه جميع الذين سبقوه دون أن يرى شعبنا منه شيئا لليوم.

هل حقّق الشعب العراقي منذ أوّل إنتخابات شارك فيها لليوم، إنتصارا؟ سؤال يطرح نفسه ويجيب عليه الواقع الذي نعيشه كشعب ممزّق الهويّة ووطن بلا سيادة ولا كرامة. فالحرب الطائفيّة التي خضناها بإرادة فولاذيّة كانت هزيمة نكراء أبطالها قوى المحاصصة التي تتحصّن بالخضراء وليست إنتصارا لشعبنا،  بل لم تكن نصرا حتّى للإسلام الذي يرفع ممثليه في الخضراء راياته،  ونقل الصراع الكوردي من صراع بين الكورد والأنظمة المركزية الى صراع بين العرب والكورد على مستوى الشارع، ليس بإنتصار بل هزيمة للمواطنة. وإستمرار نهج المحاصصة الذي وصل أخيرا الى حمل السلاح وقصف كعبة المحاصصة بالصوارخ ليس إنتصارا للديموقراطية، بل هزيمة ساحقة لها. وبالتالي فأنّ أي نصر تحققه قوى المحاصصة، هو بالحقيقة هزيمة لشعبنا ووطننا.

ما أن حسم الخضراويون منصب رئاسة الجمهورية لصالحهم، حتّى خرج علينا السيّد بافل الطالباني وريث الراحل جلال الطالباني في زعامة الإتحاد الوطني الكوردستاني، بتصريح يحمل نصف الحقيقة.  ففي خبر نشرته عدد من وسائل الإعلام، صرّح ولي عهد الإتحاد الوطني الكوردستاني السابق وزعيمه اليوم من أنّ: إنتخاب رشيد رئيسا للجمهورية كان إنتصارا لإرادة الشعب والإتحاد الوطني.

بلا شك فمن خلال الصراع التاريخي بين الإتحاد الوطني والحزب الديموقراطي الكوردستاني، وتقاسم مناطق النفوذ والمراكز السياسية والعسكرية في الإقليم والمركز، والعلاقات الممّيزة بين الإتحاد وطهران، فأنّ إنتخاب السيد رشيد لمنصب رئاسة الجمهورية هو إنتصار للإتحاد الوطني ومعه الإطار الشيعي والسفارة الإيرانية ببغداد. لكنّ أن يكون إنتخاب السيّد عبد اللطيف رشيد نصرا للشعب هذا إن كان السيّد بافل كان يعني الشعب العراقي،  فنتائج الإنتخابات وعدم تشكيل الحكومة بعد تجاوز الفترة الدستورية لتشكيلها ما يعني تجاوزا على الدستور، ليس بنصر أبدا. أمّا إن كان السيّد الطالباني يعني بالشعب في تصريحه على أنّه الشعب الكوردي  فهذا هو الآخر بعيد عن الحقيقة، كون إنتخاب السيّد رشيد هو إنتصار للشعب في السليمانية وليس في كل أرجاء كوردستان.

النصر يبدأ حينما نقبر المحاصصة ونبدأ ببناء نظام علماني ديموقراطي على أنقاضه، فمنذ الإحتلال لليوم لا نعرف أيها السيد بافل كشعب عراقي بكل قومياته وأطيافه الّا الهزائم، وحزبكم كما الأحزاب المتحاصصة المهيمنة  على السلطة تتحمل نسبة من الهزائم بما يعادل نسبته في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبمعنى آخر يعادل ما نهبتموه من ثروات شعبنا ومنهم طبعا شعبنا الكوردي.


زكي رضا
الدنمارك
13/10/2022             


26

الإسلاميّون وعمائمهم علّموني الوطنية والنزاهة والأخلاق..!!


لا أظنّ أنّ العنوان غريب أو بعيد عن الحقيقة مطلقا، على الأقل بالنسبة لي شخصيا. كوني تعلّمت من الإسلاميين وعمائمهم ، الوطنيّة والنزاهة والأخلاق كما لم أتعلمها من غيرهم قبلها بهذا الوضوح قَط، اللهمّ الّا من البعثيين الذين هم كما الإسلاميون أيضا علّموني وجماهير واسعة من العراقيين الكثير من الوطنية والنزاهة والأخلاق، كلا حسب رؤيته لها وهم على رأس السلطة بالعراق لعقود.

كمدخل للمقالة أعود الى الشاعر والمتصوّف الفارسي سعدي الشيرازي أحد أبرز الشعراء الكلاسيكيين في القرون الوسطى، وتحديدا الى ديوانه "گلستان" أي الروضة أو الحديقة والذي هو بالحقيقة مجموعة من الحكم والمواعظ مزج فيها الشاعر الشعر بالنثر بلغة فارسية رقيقة فيها الكثير من العربية. ومن أشهر حكمه في ديوانه هذا والذي تتناقله الأجيال لليوم هو ما نظّمه عن لسان لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن، إذ كتب قائلا: "قيلَ للقمان: ممّن تعلمت الأدب؟ فقال: ممّن لا أدب لهم، فأجتنبت كلّ ما أستهجنته منهم"(1)

اليوم والاسلاميون على رأس السلطة فأنني تعلّمت منهم النزاهة، فأجتنبت الفساد الذي يمارسونه. تعلّمت منهم الأمانة، فأجتنبت السرقة التي يجيدونها ببراعة. تعلّمت منهم حبّ العلم، بعدما رأيت منهم عشق لا مثيل له للجهل والتخلّف. تعلّمت منهم الحكمة، بعد نشرهم الحُمق في المجتمع. تعلّمت منهم حبّ الأطفال، بعدما رأيت الآلاف منهم بلا مستقبل في ظلّ حكمهم الذي هو حكم الله والنبي والأئمّة الأطهار من آل بيته كما يدّعون. تعلّمت منهم أحترام المرأة، بعد أن أصبحت في عهدهم عورة وتباع في سوق نخاسة الدين متعة. تعلّمت منهم عشقي لدجلة وفيضانها، بعد أن أصبحت عهدهم مجرى صغير لا حياة فيه. تعلّمت منهم حبّي للعمران، بعد أن حولّوا البلاد الى خرائب تنعق فيها غربان طائفيتهم اللعينة. تعلّمت منهم عشقي للمزارع والحقول، وأنا أرى الأرض في عهدهم تموت عطشا والفلّاح جوعا. أحببت هدير الآلات وضجيج المكائن في المعامل والمصانع، بعد أن صمتت وبيعت خردة لدول الجوار في عهدهم الكارثي. أحببت الصحّة والناس الأصحّاء، بعد أن حولّوا المستشفيات الى مسالخ بشريّة ذبائحها أجساد الفقراء. الفقر ذُل وباب للرذيلة فكرهته، لشيوعه عهدهم وهم يجملّونه عن طريق الدين كباب واسع للجنّة. علّموني عشق بغداد أكثر من أي وقت مضى، بعدما شاهدت حقدهم الهمجي عليها. في عهدهم كرهت الموت ليس خوفا، بل لأنّهم يقدّسون الموتى وأنا أكره التقديس. كرهت العربات التي يجرّها العتّالون في الأسواق والطرقات، بعد أن أصبح خريجو الجامعات في عهدهم عتّالين . بتّ أعشق كلّ الألوان، الّا لونهم الأسود كما لون قلوبهم وأفكارهم. في عهدهم عشقت العراق أكثر، بعدما رأيت خيانتهم له جهارا نهارا. لهذا فأنا شخصيّا، تعلّمت الأدب والوطنيّة والنزاهة والأخلاق منهم وقبلهم من البعثيين.

يروى أنّ عصابة من اللصوص أغارت على قافلة كان فيها لقمان الحكيم، فنُهِبَت. فقيل له: الا تلقي سيدي كلمات من الحكمة والموعظة على اللصوص عسى أن نستردّ شيء ممّا نُهِب، فقال: ويا حسرة لكلمة حكيمة تُلقى على أمثال هؤلاء. "إنّ الحديد متى أودى به صدأ فليس بالصقل تبدو منه آثار ... لا يدخل الوعظ قلبا مظلما أبدا ولا يغوص بقلب الصخر مسمار" (2)

عصابات المؤمنين بالله اليوم وهي تنهب قافلة العراق لا تفيد معهم كلمات الحكمة ولا التظاهرات والتجمعات الموسمية والمطلبية، فمعدنهم صدأ وقلوبهم كما افكارهم سوداء ومظلمة كظلمة اللحد. ولا حلّ لأنقاذ البلاد والعباد من جرائمهم الّا من خلال إنتفاضة مستمرّة وعصيان مدني يستمر حتى قبرهم غير مأسوف عليهم في أقرب مزبلة للتاريخ.

الإنتفاضة في بلادنا الميتّة سريريا فعل ثوري عليه أن يستمر حتى تحقيق أهدافه بعودة البلاد للحياة ثانية، وليس طقس أو مناسبة نحتفل بها سنويا.. فلنعي ذلك


(1) گلستان سعدي (فارسي) ، ص 133
(2) گلستان سعدي (فارسي) ، ص 111

زكي رضا
الدنمارك
5/10/2022

 


27

لتتعلّم بغداد من ليفربول

تعتبر لعبة كرة القدم في انكلترا هي الأكثر شعبية في البلاد وجمهورها متعصّب جدا لفرقها، بغضّ النظر عن الدوريات التي تلعب بها تلك الفرق سواء كانت في الدوري الممتاز أو غيره،  ومن الأندية التي لها باع طويل في كرة القدم الانكليزية هو ناديي ليفربول الملقّب بالحُمْر، ويتسّع ملعبه المعروف يإسم الأنفيلد لما يقارب الخمسة وخمسون الف متفرّج. وعلى الرغم من أنّ النادي تأسّس أواخر القرن التاسع عشر، الّا أنّه أصبح جزءا مهما من المدينة التي تأسّست بداية القرن الثاني عشر وتاريخها الطويل كميناء مهم غرب البلاد. وليفربول  علاوة على كونها ميناء  تتميز بكونها مدينة صناعية وفيها العديد من الجامعات المرموقة على مستوى العالم، كما وفيها العديد من المراكز الثقافية والمسارح وغيرها من دور الثقافة المهتمّة ببناء الإنسان.

سكّان المدينة هم كما سكّان باقي انكلترا يتمتعون بدراسة مجّانية في مدارسها ومعاهدها، وجامعاتها بمنح من الدولة تسترجعها بعد تخرج  الطالب، كما ويتمتعون برعاية صحيّة مجانيّة ومتطورة،  ونظام رعاية إجتماعية متقدّم يوفّر حماية للأطفال والبالغين وذوي الإحتياجات الخاصّة والمسنّين بمنحهم رواتب الإعانة ودعم إحتياجاتهم المختلفة.  وعلى الرغم من أنّ سكّان المدينة يتمتعون بهذه الإمتيازات، وعلى الرغم أنّ مدينتهم مدينة صناعية ومركز ثقافي وعلمي مهم بالبلاد، الّا أنّهم يبدون تذمرّهم من أوضاعها!! وعادة ما تعبّر المدينة عن تذمرّها في ملعب أنفيلد أثناء مواجهات فريقهم مع الفرق الأخرى، ويكون التذمّر على شكل معارضتهم للعائلة المالكة وعدم إحترامهم للنشيد الوطني للبلاد.

بعد وفاة ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية مؤخرا وعلى غير العادة إحترمت جماهير النادي دقيقة الصمت حدادا على وفاتها أثناء إستضافة الفريق لنادي أجاكس امستردام الهولندي،  وقد كتبت الصحف البريطانية وقتها من أنّه التزام نادر لجماهير النادي.  هذه الجماهير التي تغنّت في نهائي كأس الإتحاد الانكليزي عام 1965  بـ " حفظ الله فريقنا" عوضا عن نشيد " حفظ الله الملكة"، كما وكانت لها صرخات إستهجان أثناء عزف النشيد الوطني عام 2012 وكذلك في شهر آيار/ مايس الماضي أثناء عزفه في نهائي كأس الاتحاد الانكليزي، ما دفع برئيس الوزراء بوريس جونسون وقتها على إدانة تصرفات الجماهير، فيما كانت كلمات المدرب يورغن كلوب عميقة جدا حينما قال  "لن يفعلو ذلك لو لم يكن هناك سبب.. يجب أن نفهم لماذا؟".

سكّان المدينة يعبرّون عن أستيائهم كون مدينتهم عانت من التهميش خلال فترة السبعينات والثمانينات. وفي العام 1981 اندلعت مواجهات في المدينة احتجاجا على الأوضاع الصعبة والتي أستمرّت لمدة تسعة أيّام. هذه الأحداث والتوترات، جعلت سكان ليفربول"  يعتبرون أنفسهم غرباء ومنفصلين عن بقية البلاد" !! وعلى الرغم من كل الأمتيازات التي يتمتع بها البريطانيون، قال جون جيبونز أحد مشجعي النادي لراديو بي بي سي وهو يعبر عن إستيائه من أوضاع المدينة " إنه أمر يشعر به مشجعو ليفربول بشدة،  إنها مدينة تريد أن تتحدث بصوت عالٍ حول كيف يجب أن نعيش في مجتمع أكثر عدلا"!!

إنتهت الذكرى الثالثة لإنتفاضة تشرين ـ أكتوبر بشكل خجول ومأساوي ومؤسف، بعد فشل منطمّوا التظاهرات بحشد جمهور على عدد مقاعد انفيلد ليعبر عن مطالبه ومطالب الملايين الصامتة التي تجتر الدين والمذهب كغذاء يومي وعلى مدار العام، بعد أن حولّت حياتها وحياة أبنائها الى طقس جنائزي بكائي لا يعرف معنى للحياة والفرح. ملايين من البشر يعيشون في مدن محطمّة، حيث لا خدمات ولا رعاية صحيّة ولا تعليم ولا ثقافة، ملايين تسير مئات الكيلومترات لأحياء طقوسها ولا تخرج بتظاهرة للمطالبة في أن تعيش بشكل آدمي. هذه الملايين المسحوقة والمهمشّة والمهشمّة  ستبقى كما هي عاجزة عن تغيير اوضاعها، طالما تفكّر بشكل الحياة بعد الموت عوضا عن شكل الحياة اليوم.

ما قلناه ليس يأسا من الواقع المزري الذي نعيشه في ظل سلطة المحاصصة والإسلام السياسي وسلبية الغالبية من جماهير شعبنا، بل صرخة في أنّ بغداد التي تلفظ انفاسها الأخيرة، عليها أن تصرخ بصوت عال وعال جدا لتطالب في أن يعيش أبنائها وأبناء العراق في مجتمع اكثر عدلا...

لنتعلم من ملعب ليفربول ونحوّل ملاعبنا وفي كل مباراة الى ملاعب نضالية، نهتف فيها ضد اللصوص والقتلة وبيّاعي الوطن، نهتف فيها من أجل أطفالنا وشابّاتنا وشبابنا الذي يضيع في زحمة البطالة والأهمال والنسيان والمخدرّات،  نهتف من اجل غد اجمل لبلادنا وشعبنا.. ما أجمل ان يكون ملعب الشعب كما أنفيلد منصّة للغضب والحقد الشعبي على السلطة وأحزابها وميليشياتها وعصاباتها ومنابرها في كلّ مباراة. ولأنّ الشيء بالشيء يُذكر، فلتكن ملاعبنا كما ملعب الحريّة ( آزادي) في طهران أيضا، حيث حناجر الجماهير تهتف ضد سلطة الدين المتخلفّة وهي تغتال الحياة كما ذيولها وهم يغتالون الحياة ببلادنا.

زكي رضا
الدنمارك
3/10/2022   

   

28
مستقبل العراق وآفاقه الضبابية

لم يكن العراق الحديث منذ تأسيسه إثر مؤتمر القاهرة في آذار/ مارس 1921 ، ورسم حدوده الجغرافية الغربية والجنوبية بواسطة المسطرة والقلم من قبل المس غيرترود بيل والمعروفة بإسم الخاتون محليّا مستقرا بشكل دائم، بل كانت الأنتفاضات والأنقلابات العسكرية والعصيان القبلي تصبغ الحياة السياسية العراقية أثناء العهد الملكي الذي رعته بريطانيا حتّى ساعة أنهياره صبيحة الرابع عشر من تموز. وعلى الرغم من المشاكل الكبيرة التي كانت تواجه النظام السياسي وتأثير ذلك على مجمل فئات الشعب العراقي، الا أنّ المشكلة الأساسية التي كانت تواجه العراق على صعيد التماسك الأجتماعي الهش كانت القضية الكوردية وتعقيداتها الموجودة ليومنا هذا، وهذا لا يعني عدم وجود مشاكل غيرها أثّرت سلبا على النسيج الإجتماعي، فالسلطة لم توفّر الأرضية الصلبة لبناء مجتمع متماسك لأسباب عدّة، منها ما يتعلّق بطبيعة سياساتها التي همّشت فئات إجتماعية عديدة ومنعتها من المشاركة في الحكم، ومنها ما يتعلّق بالأنقسامات القومية والطائفية التي كانت تطل برأسها عند الأزمات، كما ولم توفّر السلطات جهدا في إستخدام العنف المفرط في مواجهة الكورد والآشوريين والقبائل في ريف الفرات الاوسط.

في العهد الجمهوري بقيت القضية الكوردية مشكلة أساسية دون حلول حقيقية لغياب الديموقراطية في ظلّ الأنظمة التي هيمنت على السلطات في بغداد مكلفا جدا على مختلف الصعد، فالنظام البعثي مثلا تنازل عن نصف شط العرب لصالح إيران لقمع الحركة الكوردية عوضا عن حلّ المشكلة داخليا وهو الأسلم لبناء وطن يشعر فيه أبناء شعبه من أنهم مواطنون على قدم المساواة. وأنفرد النظام البعثي الهمجي في قصف مواطنيه من الكورد بالأسلحة الكيمياوية وإبادة 180000 مواطن كوردي بريء في حملات الأنفال سيئة الصيت.

لقد بدأ النسيج الإجتماعي يفقد آخر حصونه بعد الحروب التي خاضها النظام البعثي ضد إيران والكويت. فبعد أن كانت القضية الكوردية كقضية قومية هي الوحيدة تقريبا في تأثيرها على متانة النسيج الإجتماعي للشعب العراقي، توسّع النظام بعد إنتفاضة آذار ليكون العامل الطائفي مكملّا للعامل القومي في تفتيت هذا النسيج الذي أصبح أكثر هشاشة نتيجة القسوة المفرطة للآلة العسكرية البعثية في قمعها للمنتفضين ودكّها المدن الشيعية ومنها المراقد الشيعية المقدّسة بالصواريخ، ونزوح الملايين من العراقيين الكورد والشيعة الى خارج الحدود.

لقد أثّرت سياسات النظام القمعية تجاه الشعب العراقي عموما والكورد والشيعة خصوصا على المعارضة العراقية في الخارج، وقد ألقت الرؤى المتباينة والشعور بالظلم والقهر عند ساسة الكورد والشيعة بظلالها على مؤتمراتها العديدة. ولم يكن هناك في الأفق ما يشير الى نيّة من سيهيمنون على القرار السياسي العراقي بعد رحيل سلطة البعث، في بدأ بناء الأنسان العراقي ليتحرر من مخلّفات النظام السابق ويساهم في بناء بلده على أسس جديدة.

نتيجة دورة العنف والقتل البعثي كان أكثر المتفائلين يتوقع بناء عراق على أسس جديدة خلال عقد الى عقدين بعد رحيل البعث، من خلال توظيف الثروة النفطية في بناء إقتصاد متين وتوظيف الأموال في بناء بنى تحتيّة من خلال سياسة تنمية مستدامة، بعد أن أدّت سياسات البعث الى تخلّف ودمار البنى التحتية وتردّي طبيعة الحياة بالبلاد على مختلف الصعد. فهل تحقّق هذا التفاؤل ونحن على أعتاب العقد الثالث لهيمنة قوى المعارضة السابقة على السلطة ورحيل البعث ..؟

بدلا عن بدء حكومات ما بعد الإحتلال بالشروع في إعادة العافية للإقتصاد العراقي نتيجة القفزات الهائلة بأسعار النفط، والعمل على أستثمار تلك الأموال في بناء بنى تحتية وتوفير خدمات للمواطنين بما يكفل أن يعيش شعبنا حياة آدميّة، نرى اليوم وبعد مرور عقدين على أنهيار النظام البعثي أنّ السلطات جادّة جدا في تدمير ما تبقى من بنى تحتية ناهيك عن بناءها. أمّا عن مستوى الخدمات، فنظرة أوليّة على واقع الكهرباء والصحة والتعليم تؤكّد فساد السلطات ونهبها للمال العام، وبهذا فأنّها لا تختلف قيد أنملة عن البعث وأستهتاره بأموال شعبنا إن لم تكن أسوأ، كون ما دخل الخزينة قبل نهبه من حيتان المحاصصة يفوق بمرّات ما دخل خزائن النظام البعثي خصوصا أثناء الحصار الأمريكي للبلاد.

أما من حيث متانة النسيج الإجتماعي فأنّ السلطات اليوم فاقت البعث في تكريسه لهشاشة التماسك الإجتماعي المتوارث منذ تأسيس الدولة لليوم. فالصراع الطائفي المسلّح الذي كانت أحزاب السلطة ممثلّة بميليشياتها طرفا فاعلا فيه لم يكن له مكان في تاريخ العراق الحديث على الإطلاق، وتعتبر السلطة اليوم وهي تكرّس المحاصصة الطائفيّة القومية كنهج للحكم، هي الوحيدة التي تميّز بين المواطنين على أساس هوياتهم القومية والطائفية وإن بشكل غير رسمي. فتوزيع المناصب السيادية بين الشيعة والسنة والكورد وإن لم تحدّد دستوريا، أصبحت عرفا بعد كل دورة أنتخابية " ديموقراطيّة" وهو رأس حربة الصراعات القومية والطائفية بالبلاد. وبهذا سيبقى النسيج الإجتماعي العراقي هشّا وقابلا للأنفجار في أية لحظة، فالقضية الكوردية وعلى الرغم من الفدرالية وهي أتفاق بين النخب السياسية وليس بين أبناء الشعب العراقي في ظلّ نظام ديموقراطي حقيقي، تخضع لمزاج السياسيين من جميع الأطراف وهي ورقة يلعبها اللاعبون الرئيسيون وهم يتوجهون لتقسيم كعكة السلطة في توزيعهم للحصص المالية بينهم، تلك التي لم يجني شعبنا منها شيئا خلال العشرين عاما المنصرمة. أمّا الصراع الشيعي السنّي فهو الآخر برميل بارود يهدد ليس النسيج الأجتماعي وحده بل ومعه القضية الكوردية وحدة البلاد الجغرافية. وبهذا تكون السلطات اليوم تعمل بوعي أو غباء سياسي على تدمير الهوية الوطنية العراقية التي بالحقيقة لم يمتلكها العراق منذ تأسيسه ولليوم.

من خلال الواقع السياسي الراهن وتأثيره الكبير على تفتيت النسيج الإجتماعي بشقيه القومي والطائفي، فأننا بحاجة الى أجراء عملية جراحية لجسم العراق الواهن من خلال إنتفاضة ناجحة وسريعة لتغيير شكل الحكم، والإسراع في بناء إقتصاد قوي ومتين ومتنوع لجذب قطاعات واسعة ، ومن فئات إجتماعية مختلفة لسوق العمل الذي يحوّل الصراع القومي والطائفي الخطر الى صراع طبقي يتجاوز حالة الإنقسام في المجتمع. أنّ أي تأخير في تغيير شكل السلطة وطبيعتها يعني تأخير عملية إعادة الحياة للنسيج الإجتماعي لعقود قادمة، وهذا يعني في النهاية وضع العراق في ثلاجة الموتى لحين إعلان وفاته رسميا.
 


زكي رضا
الدنمارك
21/9/2022

 



29

غيتو الخضراء ... مفارقات تاريخيّة


يعود تاريخ أوّل غيتو في اوربا الى إيطاليا وتحديدا مدينة البندقية في العام 1516 ، لأجبار اليهود على العيش فيه بمعزل عن بقيّة سكان المدينة. وقد تطوّر مفهوم الغيتو كمعازل بشريّة لاحقا ليمتد الى بلدان أوربيّة عديدة، بأوامر من ساسة وأباطرة ورجال دين. وكانت الغيتوات ومنذ وصول هتلر للحكم وخلال الحرب العالميّة الثانية، الأكثر عزلا وقسوة. وقد طبّقت الأنظمة العنصرية في بعض البلدان مفهوم الغيتو بشكل أو بآخر بحقّ السكان الأصليين، كما الأمريكيون الذين أقاموا غيتوات تحت مسمى مناطق إيواء لحصر الهنود الحمر فيها، وكما كانت الغيتوات الجنوب إفريقية والروديسية "زيمبابوي اليوم"، ومثلها الإسرائيلية التي عزلت الأحياء العربية والمختلطة بالأسلاك الشائكة بعد تأسيس دولتها في العام 1948 !!!!

بالعراق حيث كل شيء بالمقلوب والهرم يقف على رأسه لا على قاعدته، فالغيتو هو الآخر يجب أن يكون مختلفا شكلا ومعنى ومضمونا عن جميع غيتوات العالم السابقة والقادمة. فالغيتو تُنشئه السلطات لعزل مجموعة بشرية لأسباب عرقية أو دينية أو طائفية، عن طريق بناء جدران عالية تحيط بها أو أحاطتها بالأسلاك الشائكة كما ذكرنا قبل قليل، أمّا الغيتو العراقي فسيكون نموذجا جديدا للغيتو المتعارف عليه وسيدخل التاريخ كأوّل غيتو تقيمه سلطة لعزل نفسها عن بقيّة السكّان أي الشعب.

في سابقة غير معروفة لدى أكثر السلطات قمعيّة وهمجيّة وتخلّفا في العالم اليوم، دخلت حكومة المحاصصة الطائفية القومية وهي تهرب من غضب شعبنا ، التاريخ من "أوسع" أبوابه وهي تبني بوابّات حديدية وأسمنتية لتحيط بها المنطقة الخضراء وجسرين يؤديان اليها، ونحن على أعتاب الذكرى الرابعة للمارد التشريني وهو يقضّ مضاجع الطغاة ومن يحميهم من خارج الحدود. وكعادتها وهي المؤمنة بكتاب الله وسنّة نبيّه والأئمة من آل بيته، فقد واجهت أي (السلطات) التذمر الشعبي الواعي"لتميّزه عن القطيع غير الواعي الذي لا يتذمر" بكذبة من أكاذيبها التي تُضحك الثكلى، وهي أنّ أسباب قيامها ببناء الجدران الحديدية والأسمنتية التي خنقت شوارع العاصمة بغداد جاءت لـ "إجراء أعمال صيانة" على جسرين يؤديان الى الغيتو الأخضر!!!

من مفارقات الغيتو العراقي اليوم، هو أنّ ساكني الغيتو يعيشون حياة مرفّهة وليس كما سكنة الغيتو الفقراء كما هو متعارف عليه سابقا، وأنّهم يعملون بالربا الذي كان أحد أسباب عزل اليهود والذي وصل أي الربا العراقي الأسلامي الى برنابيّو حيث دعايات البنك الإسلامي العراقي تملأ جنبات الملعب الأسطوري في مدريد!! ومن المفارقات الأخرى هو أنّ السلطات كانت وهي تنشأ الغيتوات تفرض العمل القسري على سكّانه، فيما يفرض ساكنو غيتو الخضراء البطالة على أبناء شعبنا والتي هي أشبه بالعمل القسري حينما يعمل خريجّو الجامعات عتّالين وباعة على أرصفة الشوارع والطرقات.

أحدى الحقائق ونحن نعيش عصر الغيتو الأخضر، أنّ الغيتو العراقي هو كما بقية الغيتوات يعتبر حيّ للأقليات. فالحكومة العراقيّة وأحزابها وبرلمانييها وميليشياتها ومافياتها وهم يسجنون أنفسهم في غيتو، أقليّة فاسدة بنظر أبناء شعبنا الواعين ولهذا إنتفض شعبنا في تشرين لمواجهتهم. والشيء الوحيد الذي منحته سلطة الغيتو لشعبنا هو قيامهم بالشعائر الدينية على أن يتم تغذيتها بالطائفيّة، لأنّها أي تشرين الوحيدة القادرة على إزالة الجدران الحديدية والأسمنتية من حول غيتو الخضراء بمواجهتها للطائفية ومحاربتها علنا من خلال شعار (نريد وطن)..

كانت السلطات النازيّة تجبر اليهود على إرتداء شارة صفراء فيها نجمة داوود، والسلطات العراقية في الغيتو تضع شارة الطائفية والقومية السوداء على فوّهات بنادق ميليشياتها الموجّهة الى صدور شابّاتنا وشبابنا الثائر وعموم شعبنا، وعلى الجدارن التي تقيمها لحماية سلطتها الفاسدة المجرمة ...

لنعمل جميعا على هدم الغيتو العراقي الأخضر، فبهدمه يتنفس شعبنا هواء الحرية الذي يفضي الى سعادة أبنائه، ولنجعل من تشرين بتحصينه من المندسين، مشعلا نضيء به ظَلمة العراق الأسلامي القومي حالك السواد.

زكي رضا
الدنمارك
13/9/2022



30
خطورة التنازل الطوعي عن الديموقراطيّة بالعراق


على الرغم من أنّ "الديموقراطيّة" فُرِضَت فرضا على العراق، الّا أنّها وعلى الرغم من حاجتنا الماسّة اليها لبناء بلدنا لم تستطع أن تلبّي أبسط شروطها، لخوض عمليّة سياسيّة حقيقيّة طيلة تصديرها لنا منذ الإحتلال الأمريكي للبلاد الى اليوم، هذا إن كان للديموقراطيّة حضور في المجتمع والدولة. كما ومن الضروري جدا عدم إضفاء الديموقراطيّة على شكل النظام السياسي العراقي الحالي كونه يؤمن بصناديق الإقتراع، كون صناديق الإقتراع لوحدها ليست دليلا على ديموقراطيّة نظام ما. فهناك الكثير من الأنظمة وتحت ظروف سياسيّة معيّنة تذهب الى صناديق الإقتراع لتأكيد شرعيّتها، وهذا ما ذهب اليه النظام البعثي وهو يؤسس ما يسمّى بالمجلس الوطني عام 1970، ولم يذهب العراقيّون الى صناديق الإقتراع لإنتخاب "مندوبيهم" الّا في العام 1980 ، أي بعد تولّي الدكتاتور صدام حسين السلطة. ومن أهم قرارات المجلس الذي تغيّر إسمه الى مجلس النوّاب العراقي بعدها هو توصيّة أعضاءه بالإجماع على تولّي الدكتاتور السلطة مدى الحياة ... !!

إذا أعتبرنا ومن خلال التجربة القاسيّة التي مرّ بها وطننا وشعبنا ، والمحن اللذان مرّا بهما خلال العهد الدكتاتوري يعود لإفتقارنا لديموقراطيّة حقيقيّة، وأنّ النظام البعثي هو المسؤول عن جميع الكوارث والأزمات التي مرّ بها العراق نتيجة حروب الدكتاتور العبثية والحصار الظالم على شعبنا، فإننا بالحقيقة ننظر الى النصف الخالي من الكأس فقط. أمّا النصف الآخر من الكأس وهو الأهم والمملوء فهو تجاهلنا من أنّ الدكتاتور ونظامه كان لهما عمقا شعبيّا لدى قطّاعات لا بأس بها من شعبنا، سواء كان هذا العمق عن قناعة أو عن خوف من سطوة السلطة وبشاعة جرائمها. كما لا يجب أن نغفل إصطفاف الكثير من المثقفين العراقيين والعرب، الى جانب السلطة الدكتاتورية وتزيين وجهها القبيح، وعلى الضد من مصالح شعبنا وتطلعاته للعيش بأمان وكرامة.

إذا نظرنا الى العراق اليوم وهو يمرّ بأزمة سياسيّة هي إمتداد لأزماته السياسيّة منذ إعتماد "الديموقراطيّة" التي أنتجت نظام المحاصصة الطائفيّة، وأعتبرناها أي "الديموقراطيّة" مسؤولة عن كل الجرائم السياسيّة والإجتماعية والإقتصاديّة التي حصلت وتحصل لليوم، فأننا بالحقيقة ننظر الى الجزء الخالي من الكأس، أمّا الجزء الآخر من الكأس وهو الأهم والمملوء فهو تجاهلنا للعمق الشعبي لأحزاب المحاصصّة الطائفيّة القومية. هنا قد يقول البعض بخطأ هذا الإستنتاج وقد يكون على حقّ، الّا أنّ من حقنا أن يُثبت لنا هذا البعض سبب حصول نفس القوى السياسيّة المسؤولة عن دمار البلد على أصوات الناخبين العراقيين وهم يذهبون الى صناديق الإقتراع كل مرّة؟ سيقال أنّ القانون الإنتخابي غير عادل، هذا صحيح جدا. وأنّ المفوضيّة المستقلّة للإنتخابات غير مستقلّة وغير نزيهة، هذا صحيح جدا. وأن المال السياسي يستخدم لشراء ذمم الناس، وهذا لا ريب فيه. وأنّ المحكمة الإتحاديّة تتحرك وفق أجندات حزبية، وهذا ما لا شكّ فيه. وأنّ للسلاح والفتاوى الدينية دوراً في توجيه الناخبين، وهذا ما لا يختلف عليه إثنان. كل ما ذكرناه أعلاه تعتبر وسائل أو آليات للديموقراطيّة، أمّا العناصر الأساسيّة للديموقراطيّة والتي نفتقدها بالعراق، فهي غياب حريّة التعبير من خلال غياب أو تقنين الحريات الأساسية، وتغييب أو تقنين المشاركة السياسيّة لأحزاب وحركات من خارج منظومة أحزاب المحاصصة الطائفيّة القومية.

عهد الدكتاتورية كانت السلطة بيد البعث ولم تكن هناك قوى سياسيّة داخليّة قادرة على التغيير، لا من خلال الآليات الديموقراطية لعدم إيمان السلطة بها ولا من خلال إستخدام وسائل العنف، لقوّة السلطة وأجهزتها القمعيّة وأذرعها المسلّحة كالجيش والشرطة وفدائيي صدام والجيش الشعبي. ويبدو اليوم أنّ التاريخ يكرر تجربة النظام البعثي من جديد، فالقوى السياسيّة غير المؤمنة بنظام المحاصصة الطائفية القومية، غير قادرة على التغيير من خلال صناديق الإقتراع، لعدم توفر العناصر الأساسيّة للديموقراطية أي حريّة التعبير وإستخدامها في توسيع قواعدها الجماهيرية، وبالتالي رفض القوى المهيمنة على مقاليد السلطة سنّ قوانين تسمح في أن يكون العراق ديموقراطياً بحق. وهي ليست قادرة على التغيير من خلال إستخدام وسائل العنف لقوّة السلطة وأذرعها المسلّحة كالجيش والشرطة الإتحادية وقوات حفظ النظام والحشد الشعبي والميليشيات المسلّحة والعصابات والمافيات التي تديرها الأحزاب النافذة أيضاً. ولا عجب في ذلك، فالبعث وأحزاب المحاصصة وجميع الأحزاب والحركات السياسية العراقية هي نتاج مجتمعنا الغارق بالصراعات الطائفية والقومية.

الصراع السياسي الأخير بالعراق كان أحد أطرافه التيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر وهو رجل دين، ويقال أنّ السيستاني هو من هدّأ الموقف بطلبه من الصدر بإصدار أوامره لأنصاره بالعودة الى بيوتهم، والسيستاني رجل دين أيضاً. وهناك من يثمّن مواقف الطرفين لنزع فتيل الأزمة وتهدئة الشارع، وهذا يعني أنّ لرجل الدين في العراق دوراً أكبر من المشاركة السياسية لتعزيز الديموقراطية وسيادة دولة القانون. فمجلس النواب العراقي "المنتخب" ورئاسة الوزراء ومعها الجمهوريّة، لا مكان لهم في تهدئة الشارع عند إحتقانه. أنّ تثمين مواقف رجال الدين في مواقف سياسية كما في المشهد السياسي الأخير من قبل أحزاب ومنظمات ومثقفين وإن كان فعلا لنزع فتيل الأزمة وتهدئة الشارع، يعتبر تنازلاً طوعياً من هذه الأحزاب والحركات عن الديموقراطيّة ونتائجه كارثيّة على المدى البعيد، هذا إن كانت هناك ديموقراطية فعلا بالعراق .....

منح رجال الدين الحق في حسم الأمور السياسيّة اليوم، يعني تفرّدهم بجميع القرارات السياسيّة بالبلاد مستقبلا، وهنا تكمن الخطورة التي على الأحزاب والحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني المؤمنة فعلا ببناء نظام ديموقراطي حقيقي الإنتباه لها، خصوصا وأنّ العراق تحت الوصاية الإيرانيّة وتدار شؤونه من طهران....


زكي رضا
الدنمارك
4/9/2022

31
قطار ولاية الفقيه وصل حدود النجف الأشرف

التطور الأجتماعي والإقتصادي والثقافي الذي تشوّه وتوقّف بشكل شبه كامل بالعراق منذ بداية الحرب العراقية الإيرانيّة وأستمرّ بالإنحدار طيلة فترتي الحصار والحروب التي خاضها البعث، لم يستعيد عافيته بعد تغيّر المشهد السياسي نتيجة الأحتلال،  بل أستمر يتوسع أفقيّا وعموديّا  بشكل لا عقلاني لينتج ثقافة غيبية ماضويّة مدمرّة تركت آثارها على مختلف جوانب الحياة بالبلاد وعلى رأسها الإقتصادية والإجتماعيّة.  أنّ التطور ( الإجتماعي- الإقتصادي- الثقافي )  وهو المسؤول عن نقل المجتمع من وضع لآخر بحاجة الى دولة مؤسسات توفر بيئة سياسيّة تفتح مجالات رحبة لتطور الفكر الإنساني من خلال نظم تعليم لا علاقة لها بالدين، أي وبمعنى آخر فصل التعليم بإعتباره اللبنة الأساس في بناء المجتمعات عن الدين كليّا، وبهذا الفصل إنتقلت أوربا الى عالم العقل والفكر بدايات القرن التاسع عشر بعد أن حرّرت مؤسسات إنتاج الفكر من هيمنة الكنيسة، وتحرّرها هذا هو من أوصل بلدانها وشعوبها لما تعيشه اليوم من تطوّر على مختلف الأصعدة، ونحن بحاجة اليوم بالعراق الى تحرير مؤسسات أنتاج الفكر من الهيمنة الدينية كما اوربا قبل اكثر من قرنين.

لقد راهن الكثيرون على تغيير المشهد السياسي من خلال التيّار الصدري، وبشكل أدّق مقتدى الصدر كشخص فرد زعيم. على الرغم من أنّ التغيير بحاجة الى مناخ سياسي يشارك فيه جميع العراقيين بوعي وليس بطاعة، ومن خلال مراقبة الصدر وتيّاره على مدى العقدين الماضيين، نستطيع الإشارة الى فشل المراهنين على الصدر ومشروعه وجماهيره التي تعيش في منطقة اللاوعي ، والذي هو بالحقيقة أي اللاوعي هو السمة الممّيزة لقطّاعات واسعة من الشعب العراقي اليوم وهو يرزح تحت ثقل الدين/ الطائفة.

العراق اليوم بحاجة الى  قوى سياسية  تطرح بدائل واقعيّة لتغيير اللوحة السياسية، وليس الى قوى تنتقد الواقع السياسي برفع شعارات أو بفعل سياسي غير مستمر وغير منظّم. إننا بحاجة اليوم الى مشروع دولة مؤسسات حقيقيّة، دولة علمانيّة ديموقراطية لا تفصل الدين عن الدولة فقط بل تستمر في نفس المشروع لإبعاد المؤسسة الدينيّة عن التدخل بالشأن السياسي بالكامل، لماذا..؟

بعد الأحداث الأخيرة ولعب الصدر على حبال السيرك السياسي العراقي كعادته، وصلت فقرات هذا السيرك الى نهايتها التي كان الكثيرون يُغمضون عيونهم عن مشاهدتها، إمّا  هروبا للأمام، وإمّا سذاجة سياسيّة غريبة فعلا!! لقد أنهى الصدر مشروع الإصلاح الذي كان يتاجر به  وأعتزل السياسة مرّة أخرى، لكنّه هذه المرّة لم يأمر أتباعه بالإنسحاب من مناطق تواجدهم فقط  بل حرّم عليهم حتّى الإعتصامات والتظاهرات المطلبيّة، ونفّذ أتباعه قراره هذا على وجه السرعة!!  لكنّ خطورة الأمر لا تأتي من نزواته هذه المرّة، ولا من إنسحاب أتباعه ومناصريه بأوامر منه ليسقط  مشروعه بإلإصلاح والتغيير في مستقع الفساد الذي أدّعى العمل على ردمه، بل من خطورة المشروع الإيراني الذي بدت ملامحه تتوضح أكثر فأكثر بعد بيان المرجع الشيعي كاظم الحائري من قم بإيران إعتزال العمل المرجعي، والطلب من مقلّديه تقليد ولي الفقيه والزعيم الإيراني علي خامنائي.

لقد تأسّست المرجعية الشيعية بعد وفاة السفراء الأربعة للإمام الغائب وفق المذهب الشيعي في بغداد العبّاسية سنة 1022- 1023  على يد الشيخ المفيد، وإنتقلت من بغداد الى النجف بعد وفاته. وفي سنة 1055-1056 ولإبعاد المراجع الدينية الشيعية عن خطر الفتنة بعد الصراع بين البويهيين الشيعة الزيدية والسلاجقة الشافعيين الأشاعرة، أعاد محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بـ " شيخ الطائفة" تأسيس المرجعيّة الشيعية في مدينة النجف، لتصبح المدينة مركزا دينيا يدرّس الفقه الإمامي، يأتيها طلبة العلوم الدينية من مختلف مناطق تواجد الشيعة ومنهم شيعة إيران لعدم وجود حوزة دينية فيها وقتها.

وأستمرّت النجف في موقعها الريادي دون منافسة لما يقارب 850 عاما، حتى أسّس الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي حوزة دينيّة في مدينة قُم الإيرانيّة. وقد مالت حوزة قُم نحو السياسة أكثر بكثير من حوزة النجف التي إستمرّت بالتدريس والتنوير الديني، مكتفيّة بنصائحها السياسية كلمّا أستدعى الأمر. الّا أنّ ما ميّز حوزة قُم عن حوزة النجف بشكل كبير بدأ مع الثورة الإيرانية في العام 1979 ، وتجذّر أكثر بعد إندلاع الحرب العراقية الإيرانية والقمع المنظّم للشيعة من قبل النظام البعثي، وصمت مراجع الشيعة تقيّة وقتها. كما وأستغلّت الحكومة الإيرانيّة شيعة العراق المهاجرين  والمهجرّين اليها في جرّهم الى مواقعها السياسيّة في خطوة ذكيّة ستجني منها الكثير لاحقا، من خلال تسويق مبدأ ولاية الفقيه بمنظور الخميني وليس بمنظور بعض مراجع الشيعة ومنهم السيستاني، أي بمنظور حوزة قُم وليس حوزة النجف.   

لقد عملت إيران ومنذ الإحتلال الأمريكي للبلاد لليوم، بل وحتى قبله على كسر هيمنة النجف كمركز علمي ديني لصالح قُم، ليس من أجل الدراسات الدينية والحوزية، بل من اجل الهيمنة على مقدرّات العراق وشعبه من خلال الولائيين المؤمنين بولاية الفقيه بنسخة الخميني. وفي هذه الحالة فأنّ إيران بحاجة الى قوى سياسيّة تؤمن بمشروعها السياسي الطائفي، والى مقلدّين شيعة لرجال دين من خارج النجف، أي من قُم تحديدا.

لقد عمل الإيرانيون على هدفهم هذا بهدوء وصبر كبيرين مع مراقبتهم المستمرة للأوضاع السياسية بالعراق كي لا تخرج عن السيطرة،  ما يهدّد وضعهم الجيوسياسي كقادة لشيعة العالم وهم في حالة حصار وصراع مع القوى الغربية والإقليمية. وكانت الأحزاب والمنظمات الشيعية أحدى أدواتها لتصعيد المواقف السياسية كلمّا أحتاجت لذلك، الا أنّ الأمر المهم عندها هو أن تؤمن جماهير الشيعة بمبدأ ولاية الفقيه، خصوصا وأنّ مراجع الشيعة الثلاث في النجف وفي مقدمتهم السيستاني يعيشون الأيام الاخيرة من حياتهم لتقدمّهم في السن.

يعتبر المرجع الشيعي كاظم الحائري الأب الروحي لمقتدى الصدر وتيّاره، وقد أثار في قرار إعتزاله المفاجيء والغريب عن المراجع الشيعية الذين سبقوه، عددا من الأسئلة عن التوقيت والظروف السياسية المحيطة بقراره هذا ومنها  وصاياه لمقلديه وأهمّها تقليدهم لولي الفقيه علي خامنئي ليقول بواجب "إطاعة الولي قائد الثورة الإسلامية علي الخامنئي"، مشيرا إلى أنه "الأجدر والأكفأ على قيادة الامة وإدارة الصراع مع قوى الظلم والاستكبار في هذه الظروف التي تكالبت فيها قوى الكفر والشر ضد الإسلام المحمدي الأصيل"، كما  وأوصى الصدريين قائلا "على أبناء الشهيدين الصدرين (قدّس الله سرّهما) أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين (رضوان الله تعالى عليهما)، أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو - في الحقيقة- ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب"، وكتكريس للميليشيات المسلّحة ودورها في التدخلات الإيرانيّة بالشأن العراقي وقمعها لأي حراك سلمي من القوى المتضررة من سياسات المحاصصة مستقبلا قال " اُوصي جميع المؤمنين بحشدنا المقدّس ولابدّ من دعمه وتأييده كقوّة مستقلّة غير مدمجة في سائر القوى، فأنّه الحصن
 الحصين واليد الضاربة والقوّة القاهرة للمتربّصين بأمن البلاد ومصالح أهلها إلى جانب باقي القوّات المسلّحة العراقيّة، كما بيّنّا ذلك وأكّدناه مراراً"، وهذا يعني علنا منح الحشد بتشكيلاته الميليشياوية  الفتوى لتكون اليد الضاربة لضرب كل من يتظاهر ضد الفساد، بعد أن حرّم مقتدى الصدر التظاهر السلمي على مريده!! وعودة على الأسئلة التي طرحها إعتزال الحائري من التي تناولناها أعلاه، فأنّ الجواب الوحيد هو العمل على تهيئة الرأي العام العراقي على قبول وصاية إيران على العراق من خلال مبدأ ولاية الفقيه، وهذا ما فعله مقتدى الصدر من خلال أباه الروحي، وسينفذه الإطار الشيعي وميليشياته تحت مسمى الحشد الشعبي.

من المصادفات التاريخية هو تأسيس الحوزة الدينية في قُم على يد المرجع عبد الكريم الحائري اليزدي كمنافس لموقع النجف الديني، و نقل الثقل الحوزي بالكامل من النجف الى قُم عن طريق المرجع  كاظم الحائري اليزدي ووصاياه لأتباعه ومنهم الصدر نفسه بقبول مبدأ ولاية الفقية.. وبهذا يكون قطار الولاية وصل النجف، ليصبح الجنوب الشيعي على الأقل ولاية إيرانية.

زكي رضا
الدنمارك
31/8/2022

32

أقليم كوردستان ليس جزءا من الحلّ


قوى عديدة منها داخليّة وأخرى خارجيّة تدعو الى الحوار المباشر بين التيّار الصدري والأطار التنسيقي الشيعي، بدعوتهم الطرفين للجلوس الى طاولة المفاوضات لنزع فتيل الأزمة التي بالحقيقة، هي أمتداد لأزمات البلد السابقة والتي كان الطرفان ومعهما بقية قوى المحاصصة سببا رئيسيا في أستفحالها ووصولها الى ما هي عليه اليوم.

لو تابعنا ما تسمّى بالعمليّة السياسيّة ورعاتها الأقليميين والدوليين منذ الأحتلال الأمريكي الأيراني للبلاد ولليوم، فأننا سنرى ومن خلال كمّ المشاكل الهائلة التي ساهمت وتساهم بتدمير البلد، أنّ جميعهم وبلا أستثناء لم يكونوا يوما جزءا من حلول تعيد العافيّة لوطن أنهكته الحروب والحصار والفساد، بل على العكس فجميعهم وبلا أستثناء لاعبون أساسيون في دمار البلد وشعبه.

لم يتخلّف أقليم كوردستان العراق هو الآخر عن غيره ونحن نعيش صراع القوى الشيعيّة لأنتخاب رئيس للوزراء، عن طرحه مبادرته للقوى المتنافسة للأجتماع في أربيل من أجل تقريب وجهات النظر بينهما لأبعاد شبح الحرب الاهليّة والتعرّض للسلم المجتمعي والأمن والأستقرار وكأنّ العراق واحة للأمن والأستقرار!! وبهذا الصدد صرّح السيّد نيجرفان بارزاني رئيس أقليم كوردستان العراق، وهو يدعو القوى المتصارعة الى الأجتماع في أربيل قائلا: "أنّ أقليم كوردستان سيكون ، جزءا من الحلّ، لذا ندعو الأطراف السياسيّة المعنيّة في العراق الى القدوم الى أربيل، عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل الى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد، فلا توجد هناك مشكلة لا يمكن حلّها بالحوار". دعونا نعود الى أصل المشكلة التي نراها اليوم ومن أين بدأت، علما أنّ مشاكل البلاد تتوزع بالتساوي على كاهل أطراف أحزاب السلطة المتحاصصة.

آليات تشكيل الحكومة بالعراق تمر بمراحل عدّة، أولّها مصادقة المفوضيّة العليا للأنتخابات على نتائج الأنتخابات. ثم يأتي دور رئيس الجمهورية الذي يدعو البرلمان الجديد للأنعقاد خلال فترة خمسة عشر يوما، لأنتخاب رئيسا للبرلمان سنيّا ونائبين له أحدهما كوردي والآخر شيعي وفقا لمحاصصة طائفية قومية "لم يشر الدستور اليها الّا أنّها عرف في السياسة العراقيّة"، وهذا ما نصّت عليه المادة (55) من الدستور العراقي التي تقول "ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر". ثم يأتي دور البرلمان المنتخب لتسمية رئيس جديد للعراق خلال ثلاثون يوما من أنعقاد الجلسة الأولى، وفق للمادة (70) من الدستور العراقي التي تقول: "ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للعراق خلال 30 يوما من أنعقاد الجلسة الأولى بأغلبية ثلثي الأصوات" وجرى العرف أن يكون الرئيس كورديّا.

وتنص المادة (70) من الدستور العراقي على ما يلي: "أولّا، ينتخب مجلس النوّاب من بين المرشّحين رئيسا للجمهوريّة بأغلبية ثلثي أعضاءه". وأخيرا تأتي المادّة الدستوريّة رقم (76) من الدستور العراقي لتضع العجلة الديموقراطية على سكّتها القانونيّة والتي تقول: يكلّف رئيس الجمهوريّة مرشّح الكتلة النيابيّة الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ أنتخاب رئيس الجمهوريّة.

جميع أحزاب السلطة ومثلما أشرنا قبل قليل هي أساس المشاكل التي تعصف بالبلاد وشعبها، وجميعها ضربت وتضرب المصالح العليا للبلد عرض الحائط وهي تفتّش عن مصالح أحزابها وعوائلها وعشائرها، وجميعها مسؤولة عن أفقار شعبنا ونهب ثرواته، وجميعها بلا أستثناء تدافع عن مصالح دول أقليمية ودولية وعلى الضدّ من مصالح شعبنا ووطننا. وبالتالي فأنّ تصريح السيّد نيجرفان البارزاني حول أنّ "الأقليم جزءا من الحلّ" ودعوته الطرفين للجلوس الى طاولة واحدة في أربيل هو بالحقيقة محاولة من سلطات الأقليم لخروج الوضع السياسي من عنق الزجاجة والعودة الى الأسلوب الذي لا يشكل خطرا على نهج المحاصصة، أي الأستمرار في نهج المحاصصة وتوزيع كعكة السلطة كما كانت توزّع سابقا.

لو أعدنا ترتيب آليات تشكيل الحكومة بالعراق من الأسفل للأعلى، فأننا سنرى التحالف الكوردستاني هو سبب المشكلة "علما انّ المشكلة العراقيّة مساحتها أوسع بكثير من مساحة التحالف الكوردستاني". فالصراع بين الحزبين الحاكمين في أربيل والسليمانيّة وأصرارهما على مرشّحيهما لتبوأ منصب رئاسة الجمهوريّة، هو الذي وضع العصا في دواليب عربة الديموقراطيّة البالية، والتي بالحقيقة لا تحتاج الى عصا كي تتوقف، فهي لم تتحرك من مرآبها المكيّف منذ أن وُضعت فيه لليوم، وعدم أنتخاب رئيسا للجمهورية ينسف كل الآليات التي تترتب عليه، فهو حجر الرحى في الدستور المريض الذي يرفض التحالف الكوردستاني كما غيره من قوى المحاصصة تعديل بعض بنوده ، على الرغم من تشكيل لجنة لتعديله بعد أشهر من أقراره!!

ما أحوج الأقليم لجلوس حزبيه الحاكمين الى طاولة مفاوضات حقيقية من أجل حلّ مشاكلهما التي أثّرت وتؤثّر على حياة الناس في الأقليم، كما وأننا نفهم سعي سلطات الأقليم لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في بغداد، فأنهيار نظام المحاصصة في بغداد يعني أنهيار حكم العوائل والعشائر في العراق بأكمله.


زكي رضا
الدنمارك
2/8/2022


33

مبنى البرلمان العراقي لايمثّل سلطة الشعب ولا القانون


دخل الصدريون مبنى  البرلمان، غادر الصدريون مبنى  البرلمان. هرب نوّاب "الشعب" من  المبنى، عاد نوّاب " الشعب" الى المبنى. لعبة سمجة كرّرها مقتدى الصدر وتيّاره دون أن يكون هناك أي تغيير على الساحة السياسيّة  للبلاد الّا نحو الأسوأ. فالصدر  بلعبه المستمر على حبال السياسة كالبهلوان، هو جزء من سيرك سلطة المحاصصة والفساد والجريمة البارعين في اللعب على الحبال مثله، ولا فرق بين عربيّ منهم وأعجمي الّا بسقف فساده وجرائمه، علما أن "براعتهم" لا تنطلي الا على عقول السذّج والذين يصفهم أبناء شعبنا بالذيول .

ما أن دخل الصدريون مبنى البرلمان وهرب " نوّاب" الشعب بمساعدة الحمايات والقوّات الأمنيّة، حتى خرج علينا الكاظمي كلاعب من لاعبي السيرك السياسي العراقي بتصريح يُضحك كل ثكالى العراق حينما قال في بيان صحفي " أدعو المتظاهرين الى الأنسحاب الفوري من مبنى مجلس النوّاب، والذي يمثّل سلطة الشعب والقانون"!!! كيف يمثّل مجلس النوّاب اليوم الشعب العراقي يا سيادة رئيس الوزراء وهم أقليّة حسب نتائج الأنتخابات الأخيرة، وأين هو القانون وهذه الأقليّة تريد تشكيل الحكومة!!؟؟ أنّ هذا المبنى ليس سوى وكر للجريمة والسرقة والخيانة، ولا يوجد مبنى  بحجم جرائمه وسرقاته  في جميع أنحاء هذا العالم. أنّ مجلس الفساد والجريمة هذا لن يتطهر من تهم الجرائم التي أرتكبها بحق الشعب والوطن، ولو كسوتموه بكل كسوات الكعبة التي تحجّون اليها لتعبدوا فيها الله زلفا.

ولأنّ لاعبي السيرك لهم أدوارهم المحدّدة في لعبهم داخله، فأنّ مقتدى الصدر خرج علينا بتغريدة كعادته ليقول " بسمه تعالى
ثورة محرّم الحرام
ثورة أصلاح ورفض للضيم والفساد
وصلت رسالتكم أيها الأحبّة
فقد أرعبتم الفاسدين..
جرّة أذن
صلّوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين.
مقتدى الصدر".

السيّد مقتدى الصدر،  لقد خرج الحسين في محرّم طمعا في السلطة، كونها الطريق الوحيد للأصلاح الذي كان ينادي به، وفي الحقيقة أنّ مشروعه كان لتغيير السلطة الفاسدة والشروع بعدها بمشروعه الأصلاحي، أمّا أنت فلم تتجرأ لليوم على رفع شعار التغيير الحقيقي، والأمر المهم الآخر هو أنّ الحسين خرج من مكّة الى ساحة المعركة مع أصحابه وعدد لا يتعدى أصابع اليدين من شيعته، أمّا أنت فتريد الأصلاح من الحنّانة ولا أظنّ أنّ مكانة الحنّانة كما مكانة مكّة عند المسلمين.

أيّ فاسدين تمّ أرعابهم من مريدك وأتباعك اليوم!؟ ها قد عاد القوم الى مبنى " الشعب" من جديد، ليقرّروا ومعهم قا آني مصير العراق لأربع سنوات عجاف قادمة. وهل جرّة أذن اليوم بخروج مريدك من البرلمان بشكل سلس، هي نفس جرّة أذن ميليشياتك بحقّ متظاهري تشرين حاملي شعار التغيير!!؟  السيّد مقتدى الصدر، أنّكم وتياركم بمسرحية اليوم البائسة، منحتم الاطار الشيعي الشرعيّة بعدما منحتموه كل مقاعدكم البرلمانية سابقا، لتشكيل الحكومة القادمة.

لم يشذّ لاعبوا سيرك الأطار الشيعي ببيانهم عن أحداث اليوم والذي جاء في  أحدى فقراته " بعد أن أكملت قوى الإطار التنسيقي الخطوات العملية للبدء بتشكيل حكومة خدمة وطنية واتفقت بالإجماع على ترشيح شخصية وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة رصدت ومنذ يوم أمس تحركات ودعوات مشبوهة تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي". أنّ الشخصيات الوطنية يحددها الشارع العراقي وهو من يرفع شعار نزاهتها ووطنيتها وكفاءتها، وقد رفض هذا الشارع  في ثورة تشرين كل المشاركين بالعملية السياسية ومنهم شياعكم السوداني هذا، كما وتستطيعون العودة الى تسريبات زعيمكم لتعرفوا من هم الذين يثيرون الفتنة ويهددون بضرب السلم الأهلي!؟

ولم يشذّ محمد صالح العراقي وزير القائد عن غيره فخرج علينا بتغريدتين أحداهما لبنانيّة " كلّن يعني كلّن" والتي تقابلها " شلع قلع" التي لم يستخدمها وهي المفهومة أكثر عراقيّا!! والأخرى وكأنّها كلمة سر حينما غرّد بكلمة واحدة " يا زهراء"!! إن كانت كلمة تغريدتك كلمة سرّ أيّها السيد العراقي، فكانت أكثر وطنية لو أستبدلتها بـ " يا عراق". 

تجدّد أنتفاضة تشرين ونجاحها هي الكفيلة بغلق السيرك السياسي العراقي للأبد.

زكي رضا
الدنمارك
27/7/ 2022



 






34
بين منهاج حزب الدعوة الأسلاميّة وتسريبات المالكي

" منهاجنا" كرّاس صغير لحزب الدعوة الأسلاميّة من خمس صفحات ( A4 ) نشرته المعارضة العراقيّة  في الخارج على نطاق حزبيّ ضيّق بعد أن كانت قد حصلت عليه بشكل أو بآخر أواخر تسعينيات القرن الماضي. وبعد التسريبات الأخيرة للمالكي وطريقة تعامله مع الواقع السياسي المتأزم اليوم، وقبل الدخول في تفاصيل تسريبات المالكي والتي نفاها وحزبه بشدّة.  أعود  لكرّاسة " منهاجنا" والتي تقول في مقدمتّها وفي النقطة الرابعة " في صورة سقوط هذا المنهاج في يد غير منورّة لا بدّ من الأسراع في أنكار إنتسابه لنا"!! وهذا يعني أنّ أنكار أي حدث أو موقف أو تسريبات كالتي نُشرت مؤخرا، فأنّ حزب الدعوة الأسلاميّة يلجأ الى أسلوب النفي المطلق، وإن كانت الأدلّة حولها ثابتة وواضحة. وهذا الأسلوب جاء  في المادة الأولى من  الفصل الثاني وتحت باب " الأسلوب" والتي تقول " الأسلوب عندنا كالمومياء تحوله مقتضيات الحاجة ، وهذا جائز بالطبع بدليل قوله تعالى ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو بمثلها) ".

في هذه التسريبات أعلن المالكي عن عداءه الشديد للصدر وتيّاره، كما تناول فساد هادي العامري زعيم فيلق بدر والصدر من خلال إستلامهم لرواتب منتسبين فضائيين، عدا عن مهاجمته لمسعود البارزاني ومحمّد الحلبوسي . متهمّا الصدر والبارزاني والحلبوسي في إدخال العراق الى الدائرة الحمراء، في حالة نجاحهم بأبعاد الأطار عن تشكيل الحكومة القادمة،  مهددّا بأشعال حرب طاحنة لأفشال مشروع الصدر وحلفاءه. وبالعودة للفصل الأوّل من " منهاجنا" والذي تحت عنوان " الهدف والعمل الحزبي" نرى أنّ تسريباته هذه لا تبتعد كثيرا عمّا جاء في النقطة الثالثة منه والتي تقول " إنّنا نعمل من أجل أن نفتح عيون الأمّة على واقعها الفاسد، ونرسم لهم طريق الخلاص منه، من أجل تجنيد الطاقات الضخمة التي لدى هذه الأمّة العظيمة، وصبّها في بوتقة التنظيم الحزبي الموحّد الذي نسعى للوصول عبره الى الحكم، وكنس كافّة الفئات الأخرى التي تعادينا، أو تنافق معنا، او تمنع شملنا"!!

أنّ حزب الدعوة الأسلامية ما أنفكّ منذ توليه السلطة في العراق على دبّابة أمريكية لليوم، من تشويه سمعة الأحزاب العراقيّة المختلفة ومنها الأحزاب والمنظمات الأسلاميّة الشيعيّة والسنيّة. فالمالكي وحزبه يتّهمون الأحزاب الكورديّة بالعمالة لأمريكا وأسرائيل، والاحزاب السنيّة بالعمالة لتركيا والسعودية وبلدان الخليج، وفي التسريبات الثانيّة أتّهم مقتدى الصدر بالعمالة لإيران قائلا " إيران دعمته لتجعل منه نسخة ثانية من زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله... أنا أعرفهم.. ضربتهم في كربلاء والبصرة ومدينة الصدر". ليضيف وهو "غير" العميل "أردت جعل الحشد الشعبي مشابها للحرس الثوري الإيراني"!!

لو عدنا الى كرّاسة " منهاجنا" في فصلها الرابع وهو تحت عنوان " مع من؟ ضدّ من؟" نرى أنّ المادة الأولى تقول: " نحن مع من يكون معنا، وضدّ من يرفض التعاون معنا مهما كان مركزه، فقانون – من لم يكن معنا فهو ضدنا- صحيح مائة في المائة في مجال القضايا التنظيمية".

المادّة الثالثة من نفس الفصل تقول: " الأعداء الذين يرفضون مباديء الحزب ويقاومونها وهم الذين نطلق عليهم كلمة – مرضى- فلابدّ من أتّباع الطرق التالية ضدّهم:

الاوّل: "خلق جو من الشك والأستفهام حولهم، من أجل عزل الناس عنهم".
الثاني: "وضع مخطط لإطلاق تهم جديدة ضدّهم بين كل آونة واخرى، لأنهاكه بالدعايات".
الثالث: "اتهامهم بالعمالة لجهات أجنبيّة"، وهذا ما فعله المالكي بالضبط في تسريباته.
الرابع: "محاولة أشغالهم بالتوافه"، وهذا ما أشار اليه الصدر قائلا " لا تكترثوا للتسريبات، فنحن لا نقيم له وزنا".
الخامس:"تأليب السلطات المحليّة ضدّهم حتّى تتولى هذه السلطات عمليّة القضاء عليهم، أو على الأقل أشغالهم بأنفسهم من دون أن يعرف أحد، أنّ ذلك يتم بتحريك من منوّرينا". ولأنّ المنهاج نشر أثناء النضال ضد البعث، فمن الممكن جدا ووفق هذه النقطة تحديدا، أن يكون الدعاة قد تعاونوا مع البعث بشكل غير مباشر، عن طريق مدّهم بمعلومات أمنية عن معارضي البعث من مختلف التيّارات السياسيّة لتصفيتهم حينها.

وتبرز خطورة حزب الدعوة الأسلاميّة بشكل كبير جدا في المادّة الرابعة من هذا الفصل حينما تقول " التوسّل بأية طريقة لتصفية المعارضين لنا وهو أمر مشروع.  فليس التوسّل بالسلطات مثلا ركونا للظالمين، وأنمّا هو لأجل أهميّة الهدف، وفي سبيل هذا الهدف فأنّ التحدث عن شرعيّة نوعيّة القضاء على أعدائنا لا يكون واردا. أنّ علينا أن نحقّق أهدافنا في الحياة وكلّ من يقف بوجهنا فأننا سنقضيي عليه، هذه هي السياسة التي لا بدّ من أتّباعها" أي ما ننطيها كما قال المالكي يوما!! في الكرّاسة توجيهات وأرشادات عدّة حول المرجعية وضرورة تحجيمها وأنتخاب مرجعية على قياسات الحزب، كما ان هناك مواقف تجاه الحركات الاسلامية خارج العراق وضروروة التواصل معهم كالأخوان المسلمين في مصر وجيش التحرير في الأردن، والعديد من الوصايا التنظيمية التي لا مجال لتناولها في هذه المقالة القصيرة.

 

الصفحة الأولى من كرّاس " منهجنا" لحزب الدعوة الأسلاميّة


أنّ التسريبات وما جاء فيها تشير الى أن الدعاة والأسلامييّن بشكل عام ليسو برجال دولة مطلقا، وهم مستعدون لتعريض السلم الأهلي للخطر ووضع البلد على كفّ عفريت من أجل مصالحهم الحزبية والفئوية، معتمدين في ذلك على ميليشياتهم وعشائرهم!! وأي حديث من ساسة الشيعة حول مظلومية الطائفة هو مجرد تجارة وكذب ليس الّا، فالطائفة الشيعية ومدنها وقراها وقصباتها  في العراق لا تختلف بشيء عن بقيّة طوائف وقوميات شعبنا ومدنهم وقراهم من حيث بؤسها وفقرها وتخلفّها، هذا إن لم يكن أسوأ. وفساد هؤلاء الساسة لا يختلف بشيء عن فساد ساسة المحاصصة الآخرين هو الآخر بشيء، إن لم يكن اسوأ هو الآخر..

أنّ العراق وليخرج من الجحيم الذي يعيشه وشعبه، بحاجة الى نظام علماني ديموقراطي. وهذا النظام لا يأتي هبة من أحد، بل بنضال القوى السياسيّة التي تهمّها مصلحة شعبنا ووطننا، وتشرين كانت البداية ونقطة الأنطلاق.

زكي رضا
الدنمارك
27/7/2022


35
السيّد الصدر .. من المخجل جدّا جدّا

بهذه الجملة غرّد السيّد مقتدى الصدر مهاجمّا رئيس الجمهورية العراقيّة  السيّد برهم صالح، بعد ساعات من ترشيح الأتّحاد الوطني الكوردستاني له في إجتماع قوى التيّار التنسيقي التي منح الصدر أصوات ناخبيه لأحزابه الشيعيّة من أجل تشكيل الحكومة القادمة. وجاءت تغريدة الصدر في وقت لم يصادق فيه رئيس الجمهوريّة لليوم على قانون "حظر التطبيع وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني" الذي صوّت عليه البرلمان العراقي بالإجماع، خلال فترة الخمسة عشر يوما التي حددّها الدستور للمصادقة على قرارات البرلمان من قبل رئيس الجمهورية، لتكون نافذة بحكم القانون مثلما يقول الصدر الذي ردّ الناطق برئاسة الجمهوريّة عليه في بيان قال فيه أنّ " رئيس الجمهورية برهم صالح كان قد وجّه بالتعامل مع هذا القانون بالصيغة المرسلة من قبل مجلس النواب دون أي ملاحظة، ونشر في جريدة الوقائع العراقية بتاريخ 20 حزيران 2022 ليدخل حيّز التنفيذ".  وبغضّ النظر عن توقيت التغريدة وموقف شعبنا من مسألة التطبيع وإصطفاف غالبية شرائحه الى جانب القضيّة الفلسطينية العادلة، وبغضّ النظر كذلك عن نشر القانون في الجريدة الرسمية من عدمه ، فأنّ أستخدام الصدر لأسلوب عدم الأحترام في مخاطبته لرأس الدولة كقوله " ما يسمّى برئيس جمهورية العراق"، تُحسب ضدّه. فالخطابات الرسميّة بين المسؤولين السياسيين وتصريحاتهم، عليها أن تكون على درجة من اللياّقة وآداب المخاطبة، هذه التي تجاوزها السيّد مقتدى الصدر، وكأنّه يتحدث الى جمهوره الذي يتركه أثناء خطبه فيهم واصفا إيّاهم بـ " جهلة ..جهلة ..جهلة" أو حين يزعل عليهم ليتركهم في حيرة من أمرهم وأمرنا!!

في تغريدته وصف الصدر برهم صالح بغير الوطني، فما هي الوطنيّة بمفهوم الصدر وكيف يعرّفّها؟ علما أن لا السيّد برهم صالح ولا السيّد الصدر ولا جميع ساسة المحاصصّة منذ  بداية الاحتلال لليوم يحملون صفة الوطنيّة، فالوطنيّة تعني الأخلاص للوطن والتضحية من أجله والدفاع والسهر والعمل على أسعاد أبناءه. فهل تتوفر مثل هذه الصفات عند ساسة المحاصصة ورجال دين العراق ومنهم السيّد مقتدى الصدر والسيّد برهم صالح، الذي جعله الصدر في مرمى سهامه؟

هنا أستعير الجملة التي غرّد بها السيّد الصدر لأقول:

من المخجل جدّا جدّا على السيّد مقتدى الصدر بيع أصوات ناخبيه لأركان البيت الشيعي.
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر وهو يعلن محاربته للميليشيات وحلّها، أن تكون سرايا " السلام" أداته الضاربة في قتل المعارضين لسلطة المحاصصّة، كما جرائمها أثناء إنتفاضة تشرين وبعدها وقبلها.
من المخجل جدّا جدّا على الصدر، بل ومن الصبيانيّة وهو يُعلن لأكثر من مرّة لليوم تركه العمليّة السياسيّة ثم العودة إليها وتركها والعودة إليها وهكذا.
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر وجميع المتصدّين للشأن السياسي فقر شعبنا وجوعه، بعد أن دخلت ميزانيّة البلاد أكثر من الف مليار دولار. السيّد مقتدى الصدر، أين ذهب هذا المبلغ الضخم، وألم يكن كافيا لو تمّ إستغلاله من قبل حكومات وطنية من تلك التي كنت جزء منها لرفاه شعبنا وبناء وطننا؟ هل لك أن تعرّف لنا مفهوم الوطنيّة!!؟ وهل تستطيع أن تعدّد لنا أعداد وأسماء أصحاب الملايين من أعضاء تيّارك وغيرهم من أعضاء أحزاب المحاصصة، وما هي مصدر ملياراتهم. أسألك بالله أيّها السيّد الصدر أن لا تقول أنّهم ورثوها عن آبائهم؟
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر أن تكون مدينة الثورة التي باعتها جماهيرها الذين أنصفتهم ثورة تمّوز وآبائهم، لتطلق عليها إسم مدينة الصدر وقبلها مدينة صدّام كونهم ينعقون مع كلّ ناعق، تعيش حياة مزريّة لقلّة الخدمات والصدريون على رأس كل الوزارات الخدميّة دوما. مع رجاء عدم تحميل بؤس المدينة وفقرها وأهمالها وخرابها، لرفض أسرائيل تعميرها وبناءها، لأنّ هذا الكلام يُضحك الثكلى أيّها السيّد الصدر.
من المخجل جدّا جدّا على مقتدى الصدر أن يرى عطش أنهار العراق ولا يقود تيّاره في تظاهرات عارمة أمام سفارتي تركيا وإيران، وأمام البرلمان والحكومة لرفع قضّية المياة الى المحافل الدولية، لحصول بلدنا على حصصه المائيّة وفق القوانين الدوليّة بإعتباره دولة مصب. علما أنّ إيران التي عليها تشكيل الحكومات العراقية بإعتبارها الأب الروحي لشيعة العراق لم تقطع المياه فقط، بل غيّرت مجرى العديد من الأنهار الى داخلها الجغرافي...  فهل تعاقب إيران هنا شعبنا بقتله وأرضه عطشا، متّهمة شيعة العراق وبقيّة ابناءه بقتل الأمام الحسين عطشا في كربلاء!؟

السيّد مقتدى الصدر، هل تعاني من شحّة المياه في بيتك، وهل تعاني من أنقطاع التيّار الكهربائي، وهل تتم معالجتك في مستشفيات فاقدة لكلّ شيء كما مستشفيات فقراء شعبنا، هل يعمل أولادك وأولاد  خاصّتك في جمع القمامة كما أطفال شعبنا ومنهم أطفال مريديك ......؟

السيّد مقتدى الصدر الوطنيّة فعل وليس قول، فكن وطنيّا فعلا وليس قولا. فشعبنا بحاجة الى شخصيّة وطنيّة حقيقيّة قادرة  على محاربة الفساد والجريمة المنظمّة، وبناء نظام جديد على أنقاض نظامكم المحاصصاتي الميليشياوي. ومن خلال سياساتكم وسياسات زملائكم ربابنة سفينة الفساد، أرى أنّ صفة الوطنيّة كبيرة عليكم، ولا حاجة لكم في رمي بيوت زملائكم في السفينة بالأحجار فالسفينة التي تركبونها سويّة مصنوعة من زجاج.   

يقول الإمام علي بن أبي طالب " الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم"، فأين أنتم ودهاقنة الشيعة من فقراء ومساكين وأرامل  وأيتام طائفتكم، ولا أقول فقراء ومساكين وأرامل وأيتام العراقيين جميعا!!

زكي رضا
الدنمارك

29/6/2022 




36
الصدر والمشروع الأيراني  في العراق

قد يبدو للبعض من أنّ المالكي أو العامري هما الورقتان الأيرانيتان الرابحتان في نجاح المشروع الأيراني بالعراق، لكننا لو تابعنا السيد مقتدى الصدر وخطّه السياسي البياني لأكتشفنا من أنّه الجوكر في شدّة الورق الأيرانيّة، وهو من يجعل الهيمنة الأيرانيّة على العراق واقع حال صعب تغييره.

الصدر كما غيره يرفع شعار الأصلاح وليس  الشعار الأهم وهو التغيير، ولو وافقنا الصدر أو غيره شعارهم في تنفيذ هذا المطلب المهم، فما هي السبل لبدء وتنفيذ هذا الأصلاح المزعوم؟  نظريا وعمليا لا يمكن البدء وتنفيذ مشروع الأصلاح من أزقّة الحنّانة بشكل فردي، بل من أروقة السياسة في المنطقة الخضراء ببغداد حيث السلطات الثلاث.  فالأصلاح الذي ينتظره شعبنا يبدأ من البرلمان، الذي يراقب أعضاءه عمل السلطة التنفيذية. والبرلمان نفسه هو من يعيّن رئيس السلطة التنفيذية. أذن فالتواجد البرلماني هو حجر الأساس في البدء بالأصلاحات وأن بشكل تدريجي، أستنادا الى ثقل البرلمانيين ودورهم في البرلمان.

الأحداث السياسية الأخيرة وأنسحاب نوّاب الكتلة الصدريّة من البرلمان، تعني أمرين أثنين. أولّهما هو عدم أمكانيّة الصدر والصدريين من تنفيذ مشروعهم الأصلاحي، كون تنفيذ هذا المشروع بحاجة الى نوّاب يعملون على  تشريع قوانين للحدّ من ظواهر الفساد والجريمة المنظمّة في وزارات وأدارات الدولة التي ينخرها فساد لا مثيل له في العالم كلّه تقريبا. والأمر الثاني بعد أنسحاب الصدريين من البرلمان هو غيابهم عن السلطة التنفيذية، وهذا يعني فسح المجال للقوى التي يدّعي الصدريون مناوئتها لأخذ المبادرة في تشكيل الحكومة، والتي لن تخرج مطلقا عن نهج المحاصصة الطائفية القومية. وهذا يعني عدم أمكانية الصدر وتياره تحقيق مشروعهم الأصلاحي، هذا المشروع الذي صوّت عليه ملايين الصدريين في الأنتخابات الأخيرة  قبل أن يسرق الصدر أصواتهم ويمنحها للبيت الشيعي على طبق من ذهب!! وأذا أفترضنا أنّ الصدر صاحب مشروع تغيير وليس أصلاح، وهذا المشروع بالحقيقة هو الحل الوحيد لأعادة العافية لوطن مدمّر وشعب يعيش في مقبرة كبيرة أسمها العراق. فأنّ   ما ذكرناه أعلاه حول غياب النواب الصدريين عن البرلمان يتكرر هنا في عجز الصدر عن المضي قدما في عملية التغيير، هذا أن كان الصدر من المؤمنين بالتغيير حقّا.

لو أفترضنا أنّ الصدر يعوّل بعد أوامره لنوّاب كتلته بتقديم أستقالاتهم من البرلمان، على قوّته في الشارع  لتحشيد أتباعه في تظاهرات مليونيّة لأسقاط العمليّة السياسيّة وبنائها على أسس وطنيّة من جديد كما يقول دوما، فهل ستشارك جماهير أنتفاضة تشرين وغيرهم الصدريين في سعيهم هذا!؟ الضغط الجماهيري الواسع والمستمر أي غير الموسمي، وممارسة أشكال نضال غير التي أستخدمت لليوم في مواجهة سلطة الفساد،  كالعصيان المدني والأضرابات العمّالية والطلّابية والمهنيّة، تعتبر من أنجع الوسائل للتغيير الحقيقي. لكنّ السؤال المهم هنا هو، من يملك الثقة بالصدر والصدريين ليشاركهم تظاهراتهم وأضراباتهم!؟

الصدر وتياره أصحاب سوابق في أجهاض أي تحرّك جماهيري يهدّد سلطة المحاصصة الطائفية القومية، فالصدر على سبيل المثال تحدّى السلطة في عقر منطقتها الخضراء وأقام خيمته هناك، ودخل أتباعه البرلمان قبل أن يرفع خيمته ويعود أتباعه الى حياة بؤسهم في مدينتهم الأكثر بؤسا منهم!! وتياره كان اليد الأيرانيّة الضاربة في قمع أنتفاضة تشرين الخالدة، بعد أن قتل الصدريون العشرات من المنتفضات والمنتفضين في المطعم التركي وكراج السنك وساحة الصدرين في النجف وغيرها من مدن وبلدات الجنوب الشيعي الثائر.

نجاح المشروع الأيراني بحاجة الى أستمرار نهج المحاصصة وهيمنة البيت الشيعي على القرار السياسي من خلال منصب رئاسة الوزراء، والذي يراد له أن يبقى داخل أسوار هذا البيت. لكنّ مقاطعة الجماهير للأنتخابات والذي يزداد كل دورة أنتخابية عن التي قبلها، وأستمرار فساد السلطة ونهبها للمال العام، وعدم أيجاد حلول لمشاكل الناس ومطالبهم، وأستمرار تخلّف قطّاع الخدمات والكهرباء وبقيّة القطاعات الأخرى التي هي على تماس مباشر مع حاجات الناس اليوميّة أفقدهم ثقتهم بالبيت الشيعي وساسته، كما أفقد ثقتهم ببقيّة قوى المحاصصة الأخرى. ولأنّ أيران بحاجة الى نخب سياسيّة بعينها كما ساسة حزب الدعوة وزعماء فيلق بدر وبقيّة زعماء الميليشيات المرتبطة بطهران لتنفيذ مشروعها بالبلاد، ولعدم شعبيتهم في الشارع العراقي وهذا ما لمسناه من نتائج الأنتخابات الأخيرة والتي عاقبهم الناخبون فيها. فأنّ الأيرانيين يلجأون للصدر في تأهيل هؤلاء الساسة لتشكل الحكومة وأستمرار مسلسل الفساد والنهب، وترسيخ المشروع الأيراني المناهض لتطلعات شعبنا للحياة بكرامة، كيف؟

بدأ الصدر بالتغريد خارج البيت الشيعي رافعا شعاراته حول الأصلاح ومحاربة الفساد والفاسدين وتقديمهم للمحاكمة ويعني بهم عدد من قادة البيت الشيعي لبناء نظام جديد لا نعرف لليوم ماهيّته، وحثّ أتباعه للتصويت بكثافة لصالح كتلته وبرنامجه هو. وما أن أنتهت الأنتخابات وفاز تيّاره بأغلبية مقاعد البرلمان حتى بدأ بتنفيذ المطالب الأيرانيّة الداعية لتشكيل حكومة تكون القوى السياسية الشيعية ذوات الأذرع الميليشياوية على رأسها، عن طريق أنسحاب نوّابه من البرلمان وتعويضهم بنوّاب آخرين غالبيتهم العظمى من كتلة المالكي الذي يدّعي الصدر معاداته، وكتلة فيلق بدر وبقية القوى الميليشياوية. وهنا تكون أيران قد شكلّت الحكومة العراقيّة الجديدة كعادتها، عن طريق ورقة الجوكر التي عندها، أي مقتدى الصدر.

التغيير لا يأتي عن طريق مقتدى الصدر ولا من الحنّانة، بل يأتي من رحم أنتفاضة تشرين وشعارها نريد وطن، وليكن هذا الوطن للجميع. التغيير يأتي من جماهير  بغداد ومدن وبلدات العراق التي دمرتها الحروب والفساد. أنّ السلطة والصدريين بكلّ جرائمهم وقسوتهم لم يقتلوا الأنتفاضة،  بل أجلّوا عن طريق قمعهم وقتلهم للمئات من المنتفضات والمنتفضين مشروعها في التغيير الشامل للسلطة ونهجها الكارثي.

زكي رضا
الدنمارك
25/6/2022






 





37
السيد مقتدى الصدر: أن كان هذا نصرا فلا أهلا ولا سهلا به

أصدر السيد مقتدى الصدر بيانا حول أعانة المظلوم، دعا فيه لعدم زجّ الحشد الشعبي في الخلاقات السياسيّة القائمة بين أركان البيت الشيعي، وكأنّ الحشد لم يكن ولليوم رأس من رؤوس الفساد التي دمرّت البلاد، وهذا ما سنتطرق اليه لاحقا من خلال بيان الصدر نفسه.

لقد قال الصدر في بيانه " الحمد لله الذي نصر العراق وأهله وأذلّ الإرهاب وأهله فأنت يا ربّي ناصر المستضعفين والمجاهدين أولا وآخرا"!! والنصر لغويا اسم علم مذكر ومؤنث من أصل عربي، ومعناه هو الفوز والانتصار، ومن معانيه أيضا أعانة المظلوم، ومن معانيه أيضا المطر!!! فهل نصرنا الله فعلا نحن العراقيين على أعدائنا كما يقول الصدر في بيانه!!؟؟؟

على من فزنا وأنتصرنا منذ أن جئتم الى السلطة كأسلاميين وبقية قوى المحاصصة على الدبابات الأمريكية، وما هو مفهومكم للنصر؟  أنّ النصر والفوز والظفر أيها السيد مقتدى  ليست كلمات عابرة نقولها في بيانات وتصريحات وندوات وصلوات جمعة لتكون حقيقة واقعة. بل هي نتاجات نريدها مترجمة على أرض الواقع، نتاجات نريد أن نعيشها ونلمسها في حياتنا اليومية كبشر نستحق الحياة، نريدها واضحة وظاهرة  ليس على المواطن المهزوم فقط، بل وعلى الوطن المأزوم نتيجة سياستكم الكارثية كأسلاميين وبقية قوى المحاصصة بشكل عام. 

السيد الصدر، هل أنتصرنا منذ عشرين عاما ولليوم على الأميّة التي تنهش جسد المجتمع؟ هل شاهدنا بيارق النصر ترفرف عاليّا في محطات الكهرباء التي صرفتم كسلطة محاصصة عليها عشرات مليارات الدولارات؟ هل أنتصرنا في زراعة أرضنا وتأهيل مصانعنا التي بعتموها  خردة لدول الجوار؟ هل ترى النصر في وجوه المرضى بالمستشفيات العراقية البائسة والفاقدة للأدوية والرعاية، وهنا والعياذ بالله لا أعني مطلقا مستشفيات الكفيل والعتبات المقدسّة،  أو تلك التي يمتلكها رجال الدين والميليشيات والعصابات التي يتوفر فيها كل شيء، لكن ليس للفقير البائس. ودعني أن  أستعير لغتكم لأقول ليس للمستضعف الذي تتباكون عليه في خطبكم، وهل هناك أكثر بؤسا وفقرا وجوعا وجهلا وتخلفا من اتباعكم!؟

هل أنتصرنا على المخدرات وهي تأتينا من أيران الأسلامية، عن طريق نقاط الحدود التي هي تحت سيطرة الحشد الشعبي والتي تطلق عليها اسم فصائل؟ والم تكن هذه الفصائل ولليوم هي من قوام الحشد الشعبي الذي كان يجب حلّه بعد أن " أنتصرنا" على الأرهاب بفضل فتوى السيد السيستاني على أعتبار أن فتوى الجهاد كان فتوى كفائية!؟؟ هل أنتصرنا على تهريب النفط وسرقته وحرق الغاز، لنشتري الغاز والكهرباء والمشتقات النفطية من كعبتكم المكرمّة، أي طهران ولي الفقيه ليعيش شعبها على حساب شعبنا لأنّ بلادهم في حالة حصارّ؟

السيد مقتدى الصدر، أن أحد معاني النصر في اللغة العربية كما قلت قبل قليل هو ( المطر)، فأين هو نصرنا وقد حبس الله علينا المطر والجود. ولأنّ الأحتباس الحراري هو السبب الأساس في التقلبات المناخية وليس الملائكة المسؤولين عن المطر، فأننا نريد معرفة النصر الذي حققتموه على زعيمي العالمين الأسلامي الشيعي والسنّي ( أيران وتركيا) وهما يقتلان العراقيين وأرضهم عطشا، من خلال بنائكم السدود أو الشكوى للأمم المتحدة وتدويل قضية المياه وفق قوانين دول المصب؟

النصر يعني أعانة المظلوم والأخذ بيده ضد ظالميه، فمن ظلم شهداء تشرين وقتلهم في المطعم التركي وكراج السنك، ومن قتل المنتفضين في النجف وكربلاء والكوت وبقية المدن والبلدات الشيعية، ومن هي الميليشيا التي كان شعارها " قتلانا في الجنّة وقتلاكم في خلف السدّة" وهل أمّ مهنّد وأمثالها الكثيرات من المظلومات بنظركم!!؟؟ هل أنتصرنا على العادات العشائرية وأسلحة العشائر وهي تغتال الدولة في مناطقها!؟ هل أنتصرنا على الفساد وأنت ترفع يوما راية أصلاح وآخر راية تغيير، وأتباعكم يدخلون البرلمان ويخرجون منه بأشارة من أصبعكم!!؟

أنّ مجرد قولكم " إلزام الجميع بتنظيم الحشد وقياداته والالتزام بالمركزية وفصلهم عن ما يسمى بالفصائل وتصفيته من المسيئين..." يعني أعترافكم بفساد الحشد وفصائله وأساءاته لشعبنا ووطننا، خدمة لمصالح ولي الفقيه.

السيد مقتدى الصدر، أن كان ما نراه ونلمسه ونعيشه في عراقنا المبتلى بالاسلام السياسي نصرا، فلا أهلا ولا سهلا بهكذا نصر.. وعلينا رفع أيادينا بالدعاء الى الله أن يخذلنا ويبعد نصره هذا عنّا، عسى أن ننجح في خذلانه لنا بعد أن خذلتمونا وكذّبتم على بسطاء شعبنا  بقولكم وباقي رجال الدين من أنّه ناصرنا.

أنّ نصرنا الحقيقي يبدأ وترفرف راياته عالية في سماء الوطن،  ساعة قبر نظام المحاصصة الفاسد والمجرم.

زكي رضا
الدنمارك
13/6/2022










 


38
رحل من كان يمسح الله عن قدميه الطين .. رحل مظفر النوّاب


النوّاب يخاطب الله "إشهد إني من بعض شيوعية هذه الأرض"

الأنك "ما عدت تطيق تعاليم المخصيّين" وهم يحكمون بلادك آثرت الرحيل؟ إن كان كذلك فلنرحل جميعا يا مظفّر، فالعهد اليوم عهدهم بعد أن جاء بهم الزناة ليديروا لهم المنطقة الخضراء والموائد الخضراء وليلعبوا ومعهم من جاء بهم، ببلادنا وشعبنا "السيه ورق" *.

لا أدري إن كان اللهُ لا يزال معك ليشهد من أنّك "بعض من شيوعية هذه الأرض"، وإن كان لا يزال "يمسح عن قدميك الطين"؟ لأنني وللأسف الشديد أراه في مكان آخر ولا وقت لديه ليرى إكتشافك "إيّاه والنخلة والفلاح"، بعد أن خطفه رجال الميليشيات الإسلامية، وإحتكره أصحاب العمائم، وكبّله زعماء الأحزاب من ذوي الجباه المكويّة الذين خطفوه وسرقوا النخلة وقتلوا الفلّاح!!

خجلت أن تقول لأولئك الجلادين في طهران وأنت تحت رحمة سياطهم، من أنّك عندهم كونك "قاومت الإستعمار فشرّدك وطنك".

خجلك ذاك وأنت تتحمل أشّد أشكال التنكيل والتعذيب على يدي السافاك الإيراني، هو من جعل "أبا ذر وعلي ولومومبا والأحوازي وجيفارا وماركس" يبثّون فيك روح المقاومة. وأمّك، وبيدها قصيدة البراءة ماسكة من تحت عباءتها ثديها الذي أرضعتك منه، كانت هناك حتما وهي تشدّ من أزرك قائلة:

"وخلي ايدك على شيبي وحلف بطاهر حليبي
گطرة گطرة
وبنظر عيني العميته
گلي ما أهدم حزب بايدي بنيته"

ولأنك لا تعرف الّا أن تكون أبنا بارّا لهذا الشعب، فأختك كانت هناك في ذلك القبو الموحش أيضا وهي تفتخر بك وأنت تقاوم الجلادين الإيرانيين في سجن إيفين الرهيب وتبصق في وجوههم، لتهمس الى أمها قائلة "هذا مظفر ما لف ضميره والكرامة بوصلة جريدة، هذا مظفر ما تبرّه من حزبه ومن شعبه.. هلهلي يمّه و گولي للوادم هذا مظفر أبنّه" ليمتلئ القبو بالزغاريد التي أذهلت الجلّادين. هناك وأنت تبصق على الجلّاد من "أنفه حتّى قدميه"، صمدت صمود الثوري، كون بلدك عندك أمانة.. أمّا اليوم فذلك الجلاد (الإيفيني) هو من يحكم بلدك، وأتباعه من حملة جنسيته وهم يحكموننا يا مظفّر لا يجيدون الا فعل الخيانة.

إيه مظفّر، ولأننا نعيش عصر العمائم فأنّ العمالة لطهران وغيرها من العواصم هي اليوم محطّ فخر وشرف من لا فخر ولا شرف لهم من هؤلاء المخصيين الذين حولّوا بلدك الى ضيعة إيرانيّة. إفتخر يا مظفّر من أنّك قاومت الإستعمار وأزلامه على الرغم من عودة الأزلام الخونة والجبناء على نفس القطار بجبّة بدل الزيتوني للسلطة من جديد!!

الى أين الرحيل، وفي أي "فارگون" من القطار جالس أنت اليوم، وهل هناك قطار أصلا يا مظفر!؟ أُنْبِئُكَ يا مظفّر أنّ المضايف التي كانت رائحة الهيل فيها تلاعب الفناجين، بعد أن تخرج القهوة ثملة من هاون الدگ ليشمّها ويتذوقها زوّار المضايف، قد رحلت دون رجعة. فالمضايف اليوم لا يخرج منها الثوار ولا الرجال ليدمروا ريل الحكومة الفاسدة، بل يخرج منها المهوال الذليل الذي يدعو بأمر الشيخ والمعمم بمد الريل أمام الميليشيات الإسلاميّة إيرانية الهوى والإنتماء الى حيث صرائف الفقراء الجوعى لسحقهم.

أنبأ عليّا يا مظفّر وهو يستقبلك كما يستقبل كل الثوار والأحرار، من أننا بالعراق اليوم نتوضأ بالذلّ وبالعار، ونقبّل مداس السيد ونهديه رضيعاتنا ليفاخذهنْ، أنبأ عليّا بأنّ العمائم اليوم كما أبا سفيان بالأمس يؤلبّون الميليشيات على قتل الأحرار، أنبأ عليا من أنّ العمائم حذفت من كتاب الله "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" كونهم هم السرّاق، أنبأ عليا بأنّ النجف نست لغة القرآن وتتحدث اليوم الفارسيّة، حذّر عليّا يا مظفر في أن يطلب من الله عدم الإستجابة لدعائنا ليبعثه العراق، كون هناك الف إبن ملجم سيفلق هامته ويقول للقطيع المتخلف: أهذا عليّكم، ها قد قتلناه كونه شيوعيّا!!

شخصيا "أغفر لك وحزنك وخمرك وغضبك.. وكلماتك القاسية.. ولا أقول لك كما البعض، بذيء"، لأنني مثلك أقول "أروني موقف أكثر بذاءة مما نحن فيه"، وهل هناك بذاءة أكثر من أن يحكمنا المخصّيون الذين لا تتحرك كرامتهم تجاه "شعبهم ووطنهم" لو تحرّكت كل دكّات غسل الموتى بالعالم؟ وهل هناك بذاءة أكبر من إننّا اليوم نخصي أنفسنا بأنفسنا، لنرقص كالشواذ في حضرة العمامة بعد أن دجّنتنا وفقدنا بتدجينها لنا رجولتنا وكرامتنا وشرفنا وأعراضنا وناموسنا وأخلاقنا وعزّتنا وقيمنا و ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وثرواتنا ووطننا؟

العراق حطام سفينة تمزّقت أشرعتها وتغوص في بحر غير ذي قرار .. من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول.. يا مظفر
الموت يعشعش في كل ركن من أركانه .. من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول .. يا مظفّر
الأيتام العرايا والجوعى يملؤون شوارعه وساحاته .. من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول .. يا مظفّر
الأرامل يبيعنّ أجسادهنّ متعة في المكاتب والمقرّات الإسلاميّة، من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول يا مظفّر
الفقراء يزدادون فقرا لأن هناك من يقول أنّ الله يرزق من يشاء ، من المسؤول؟ فعل مبني للمعلوم وليس للمجهول .. يا مظفّر

أنا أعرف الفاعل يا مظفر، أعرفه بالإسم والصوت والصورة. أعرفه من رائحته، كونها كريهة كرائحة المستنقع الآسن وعفنة كعفونة البيض الفاسد، أعرفه من بسملته ومسبحته وسجّادة صلاته، أعرفه من جبّته وعمامته وصلواته.

هذا عراق أم مبغى؟ نعم يا مظفّر فعراقك الذي ناضلت من أجله حتّى الرمق الأخير، وحلمت بأن تراه عزيزا وجميلا كجمال الأهوار، وشامخا كشموخ جبال كوردستان، حولّه العمائم الى مبغى، ودار أيتام بحجم وجع النخلة مقطوعة الرأس كما رأس الحسين، ومقبرة للأحياء لا تعرف الا أن تلد مقابرا للأموات كما وادي السلام، في بلد إستوطن الموت فيه وضاع بين عمائمه السلام.

أيها المسكون بحب رائحة أرض العراق ها انت تغمض عينيك بعيدا عن الارض التي عشقت . أيّها المسكون بحبّ الناس، ها هم الناس يبكوك، ويبكون من خلالك حالهم. أيها المسكون بحب الوطن، هل أزفّ الوقت الذي نقول فيه وداعا يا وطن؟ أم علينا أن ننتظر عسى أن ينهض ماردا من تحت ركام الخوف والموت والدمار، مارد تشريني بصورة جائع حامل سيفه بيد، وبالأخرى راية "بإسم الدين باگونه الموامنة" لترفرف على خرائب العراق.


المادة من وحي قصائد الشاعر الراحل
 

* السيه ورق تعني لعبة الثلاث ورقات بالعراق، والتسمية فارسية

زكي رضا
الدنمارك
20/5/2022
 





39
الشعوب الأوربية تغامر بمنجزاتها التاريخية


"إنه الاقتصاد يا غبي"، جملة صاغها الكاتب والخبير الأستراتيجي جيمس كارفيل لحملة بيل كلينتون عام 1992، وقالها الرئيس الأمريكي الأسبق وهو يخوض وقتها غمار حملته الأنتخابية التي أوصلته الى البيت الأبيض بعد فشل جورج بوش الأب في معالجة المشاكل الأقتصادية في امريكا، لأنّ الأقتصاد القوي في الدول الديموقراطية يعني في وجهه الآخر علاوة على أمور كثيرة تحقيق نظام عدالة أجتماعية متين وقوي. هذه الجملة كافية في أن تعي الشعوب الأوربية خطر زوال أو أنحسار ما حققته خلال عقود من نضالاتها في سبيل تحقيق ما حققته لليوم من مستوى معاشي لائق ونظام عدالة أجتماعية عادل لحدود كبيرة خصوصا في البلدان الأسكندنافية، هذه البلدان التي حققت بالفعل مجتمعات الرفاهية لشعوبها.

لقد عانت اوربا في العام 2009 من أزمة أقتصادية القت بظلالها على النمو الأقتصادي لبلدان القارّة، وأحتاجت لفترة غير قصيرة للعودة الى معدلات نمو ما قبل الأزمة، وكانت اكبر التحديات التي تواجه معدلات نمو الأقتصاد الأوربي ومنه الأقتصادات الكبرى فيها، هي توفير الطاقة الرخيصة والمستدامة التي تعمل على كبح جماح التضخم وارتفاع الاسعار والبطالة، والتي تساهم مساهمة فاعلة في استمرار انظمة الرعاية الأجتماعية وتطورّها وديمومتها كنتيجة لها. وما أن تعافى الأقتصاد العالمي ومنه الأوربي، حتى ظهرت جائحة كورونا لتوجّه لطمة قويّة للأقتصاد العالمي الذي بدأ يلتقط قليلا من أنفاسه حينها.

جاء في تقرير لصندوق النقد الدولي تحت عنوان (إصابات متزايدة بالفيروس وتعاف معطَّل وتضخم مرتفع) نُشر في كانون ثاني 2022، أي قبل أندلاع الحرب في أوكرانيا بشهرين تقريبا. في أنّ "الأقتصاد العالمي يستهل عام 2022 ، وهو في وضع أضعف مما ورد في التوقعات السابقة. فمع انتشار سلالة "أوميكرون" الجديدة المتحورة من فيروس كوفيد-19، عادت البلدان إلى فرض قيود على الحركة. وأدى تصاعد أسعار الطاقة والانقطاعات في سلاسل الإمداد إلى ارتفاع التضخم واتساع نطاقه عن المستويات المنتظرة، ولا سيما في الولايات المتحدة وكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وباتت آفاق النمو محدودة أيضا في الصين من جراء الانكماش الجاري في قطاع العقارات وبطء تعافي الاستهلاك الخاص مقارنة بالتوقعات". ويستمر التقرير في نظرته التشاؤمية ليقول "ومن المتوقع أن يستمر التضخم المرتفع لفترة أطول من المتصور في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، مع استمرار الانقطاعات في سلاسل الإمداد وكذلك أسعار الطاقة المرتفعة في عام 2022". "وبافتراض بقاء توقعات التضخم على مستوى جيد من الثبات حول الركيزة المستهدفة، فمن المتوقع أن ينخفض معدله تدريجيا مع انحسار الاختلالات بين العرض والطلب في عام 2022 واستجابة السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى". ويضيف التقرير من أنّ "انقطاعات سلاسل الإمداد، وتقلب أسعار الطاقة، وتركز ضغوط الأجور في أماكن معينة، كلها يعني ارتفاع عدم اليقين بشأن التضخم ومسارات السياسات"، وقد أشار التقرير كذلك أنّ رفع أسعار الفائدة في الأقتصادات المتقدمة كأمريكا ستسبب مخاطر على الأستقرار المالي في الأقتصادات النامية والعملات. وقد تتحقق "مخاطر عالمية أخرى في ظل استمرار التوترات الجغرافية - السياسية على ارتفاعها، كما أن الطوارئ المناخية الراهنة تعني أن احتمالات حدوث الكوارث الطبيعية الكبرى لا تزال مرتفعة"!!

كيف سيكون شكل تقرير صندوق النقد الدولي القادم، ومتحورّات كورونا مستمرة في جنوب أفريقيا والتي وصلت الى العديد من البلدان الأوربية، مع أستمرار غلق المدن في الصين نتيجة فشلها في تصفير الأصابات؟ وما هي نسب المخاطر على الأقتصاد العالمي وأمريكا ترفع نسبة الفائدة نصف نقطة لليوم، وما هي المخاطر الحقيقية في أنهيار الأستقرار المالي للبلدان النامية والفقيرة، في ظل أستمرار الحرب الروسية الأوكرانيّة وتأثيراتها الكبيرة على سوق الطاقة والغذاء والسلم العالمي، وأستمرار الجفاف ككارثة طبيعية محتملة وتأثيرها على الزراعة في ظل شحّة المياة؟

أندلعت الحرب العالميّة الأولى في أوربا لأسباب عدّة منها التنافس بين الدول الأستعمارية على اسواق جديدة لتصريف بضائعها، والبحث عن مواد خام رخيصة لأستمرار عجلة صناعاتها، وهذا يعني أنّ الأقتصاد هو المحرّك الرئيسي لأندلاع الحرب والتي راح ضحيتها ما يقارب الـ 17 مليون قتيل وملايين الجرحى وخراب كبير طال المدن الأوربية وبناها التحتية. وأندلعت الحرب العالمية الثانية هي الأخرى لأسباب عديدة ومنها الكساد والأزمة الأقتصادية العالمية، والتي راح ضحيتها ما يقارب السبعين مليون أنسان ودمار فاق دمار الحرب الأولى لتطور الأسلحة المستخدمة خلالها، وهذا يعني من جديد، أنّ الأقتصاد هو محرّك آلة الحرب العالمية الثانيّة.

الدولة الكبرى الوحيدة التي خرجت منتصرة وذات أقتصاد قوي مع محافظتها على بناها التحتية، هي أمريكا. أمّا أوربا التي كانت مسرحا مباشرا للحربين، فقد خسرت الكثير فيهما وأحتاجت لعقود كي تعيد تنظيم أقتصاداتها التي أنهارت أثناء الحربين. وهنا تكون مقولة كلينتون "إنه الاقتصاد يا غبي" سابقة لساعة قولها ولازالت، لأنّ البلدان الأوربية وهي تجرّب حربا غير معروفة العواقب على أرضها من أجل توسيع حلف الناتو خدمة للمصالح الأمريكية لم تعي معنى هذه الجملة وتداعياتها على ما يبدو. فالشعوب الأوربية وهي تعيش لحظات تاريخية دقيقة للغاية، بدأت تخسر الكثير من أمنها ورفاهها اللذان ناضلت من أجلهما طيلة سبعة عقود على الأقل أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لليوم. ومستقبل الأستقرار السياسي والأقتصادي والأجتماعي معرّض لخطر كبير في حالة أستمرار الحرب، وعدم الوصول الى وقف القتال عن طريق الديبلوماسية مع أخذ مصالح جميع الدول بما فيها اوكرانيا وروسيا بنظر الأعتبار.

في الأوّل من آيار الجاري، تناولت رئيسة  وزراء الدنمارك السيدة ميتا فريذريكسون في كلمتها بمناسبة الأول من آيار في مقر حزبها وبحضور جمهور من أعضاء حزبها - الحزب الأشتراكي الديموقراطي ، الحرب الروسية الأوكرانية وآثارها وقالت: أنّ الدنمارك حققت خلال العام 2021 أقل نسبة بطالة خلال 27 عاما، وأدنى نسبة دين عام،. لكنّ الحرب في أوربا لها ثمن غال، علينا أن ننتظر وللأسف الشديد أزدياد نسبة الفائدة وأرتفاع نسبة البطالة. وأعطت بعض الوعود والتطمينات للفئات الأجتماعية الأكثر عرضة لتقلبات الأوضاع الأقتصادية كالمتقاعدين وذوي الدخل المحدود والطلبة والعاطلين عن العمل في مساعدتهم عبر حزمات مالية، على أن تكون مؤقتة وضمن أطر معينة. لو كان مجتمع الرفاهية الدنماركي مهدد بالشكل الذي أشارت اليه السيدة ميتا فريذريكسون بهذه السوداوية، فكيف سيكون حال المجتمعات الأوربية الفقيرة مقارنة بالدنمارك الغنية، كالبرتغال واسبانيا واليونان وبلدان اوربا الشرقية، وكيف ستكون حياة الناس في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية الأكثر فقرا.

في هذه الحرب ستخرج أمريكا وهي بعيدة عن مسرحها كما كانت دوما "منتصرة" وهي تبيع أسلحتها الفتاكة للشعوب الأوربية التي زادت من أنفاقها العسكري، ولتحتكر أمدادت الطاقة لأوربا بنسب مؤثرة. وبدلا من محاولات الدول الأوربية كي لا تخرج خاسرة من هذه الحرب كما اللواتي سبقتها، من خلال أيجاد حلول لأصل المشكلة التي تهدد أمن قارّتهم بشكل مباشر، وأولّها ألتزامها بوعودها في عدم توسع الناتو شرقا أكثر ممّا هو عليه الآن، وضمان عدم قبول اوكرانيا في حلف الناتو كبداية لأنهاء الحرب والأزمة. نراها تتحرك تبعا لسياسات الولايات المتحدة وبريطانيا في توسيع رقعة الحرب التي تهدد كل ما حققته شعوبها خلال عقود من خلال زيادة الأنفاق العسكري وأرتفاع نسب البطالة وقضم تدريجي لما حققّته من أنجازات على صعيد العدالة الأجتماعية ومجتمعات الرفاهيّة، هذه الحرب التي لا تهدد أوربا وحدها بل تمتد لتهدد السلم العالمي والجنس البشري بشكل عام.

الملفت للنظر هو غياب اليسار ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام الجماهيري الأوربي عن دورهم في التظاهر والتجمّع للضغط من أجل وقف الحرب التي تجري في عقر دارهم، هذا اليسار الذي لعب دورا بارزا في دعمه للسلام العالمي ومناهضة الحروب في كل أرجاء المعمورة. فهل وصل الشحن الأعلامي لأستمرار الحرب تحت أية حجج كانت الى تغييب القوى الخيّرة والمحبّة للسلام ونبذ الحروب كوسيلة لفضّ النزاعات عن ساحتها!؟

"لا بوصة واحدة شرقا" جيمس بيكر مخاطبا غورباتشوف حول عدم توسع الناتو شرقا.


زكي رضا
الدنمارك
7/5/2022




40
من أوراق أنتفاضة تشرين الخالدة.....
أنتُنَّ اللواتي لَكُنّ كامل الحقَّ في هذا الوطن


متى ما فهم الأسلام السياسي أنّ الفقر هو السبب الرئيسي للدعارة، وأنّ محاربة الفقر وتوفير فرص عمل كريمة للنساء سوف يقلل نسبتها في المجتمع، ومتى ما ترك رجل الدين هذيانه وهو يخطب من فوق منبره بأنّ الفقر ليس بعيب على الرغم من أنّه بذلك يشجّع على الدعارة والسرقة وكل أشكال الأنحرافات، ومتى ما سنّت الدولة قوانين تحمي المرأة من الأضطهاد والعسف والعنف والجور، ومتى ما وقفت الدولة بمواجهة العادات العشائرية بحزم وهي تبيع المرأة كبضاعة لحلّ الخلافات العشائرية، أو قتلها بتهم جرائم "الشرف"، يكون من "حقّهم" الحديث عن الشرف والعفّة وكرامة النساء. لكن أن يكون جميع من يمتهن المرأة وكرامتها قاضيا ليحاكمها دون أن يوفّر لها ما تدافع فيه عن نفسها، فهذه جريمة بشعة بحق المرأة. لكنّ الجريمة تكون أكثر بشاعة حينما يطالب الاسلام السياسي بعدم مشاركة المرأة بغضّ النظر عن وضعها الأجتماعي ويهينها، كي لا تدافع عن وطنها وتتضامن مع شعبها وهو ينتفض ضد سلطة الفساد والقتل والخيانة. والوطن هو الشرف الرفيع الذي يفتقده الأسلام السياسي وعصاباته، والعهر الحقيقي هو التجارة بالوطن وليس بالجسد الذي دفعه الجوع والفقر ليقع بين براثن قوّاد يتاجر به، والقوّاد الأكثر لؤما ونذالة وخسّة من قوّاد الجسد هو قوّاد الوطن والشعب اللذان أوقعتهما أمريكا وأيران بين براثن الأسلام السياسي بأحزابه وميليشياته وعصاباته.

أربع فتيات ليل توجّهنَ صباح يوم من صباحات أنتفاضة تشرين الخالدة من منطقة البتّاويين وسط بغداد نحو كعبة الأحرار (ساحة التحرير)، ليشاركنّ بنات وأبناء وطنهنّ وشعبهنّ في إنتفاضتهم التي هزّت أركان الفساد والجريمة في الخضراء ومن يوجههم من طهران. توجّهنَ بخطى ثابتة وهنّ يبحثنَ من خلال الأنتفاضة عن وطن يوفر لهنّ الأمان والكرامة والأمل في حياة مستقرة بعيدة عن سوق المتعة وذلّه، التي دفعتهنّ الأقداروجرائم نظامي البعث والمحاصصة الأسلامية الطائفية القومية لدخوله. أربع فتيات يحملنَ في روحهنّ شرف لا يحمله ولن يحمله الكثير من الأسلاميات والأسلاميين، فهنّ لم يشاركنَ في نهب ثروات الناس، ولم يساهمنَ في قتل نفس واحدة، ولم يتقاسمنَ العمولات (الكوميشنات) كما لبوات الشيعة والسنّة، ولم يمتلكنّ قصورا برعاية وحماية السيد، ولم يكونوا يوما عضوات في أتحاد نساء منال الآلوسي سيء الصيت والسمعة ليكونوا بعدها عضوات منظمة نساء الدعوة الأسلاميّة، ولم يطالبنَ بقتل سبعة من السنّة مقابل سبعة من الشيعة، ولم يسرقنَ مصرفا كما مصرف الزويّة، ولم يصدرنّ النفط في أنابيب دون عدّادات، ولا يمتلكن الملاهي والبارات وأندية القمار ودور الدعارة التي يعملنَ فيها لحساب ميليشياوي مؤمن بالله ورسوله وآل بيته، ولا يأخذنّ الرشى من المواطنين البسطاء، ولا يعرفنّ عدد المنافذ الحدودية ووارداتها، ولا يفقهنّ معنى الخُمس وأين تذهب جبايته.


الفتيات الأربع وصلنَ في ذلك الصباح التشريني المفعم بالأمل الى نقطة تفتيش مليشياوية تابعة لميليشيا الدولة العميقة التي تتحكم بأقدار الوطن والشعب، نقطة التفتيش هذه كانت الأخيرة التي تفضي الى كعبة الأحرار وفيها ميليشياويين متسلحّين بأسلحة مختلفة، فبالأضافة الى الرشّاشات والمسدسات والعصي والهراوات والأسلحة الباردة وأجهزة الأتصال المختلفة، كانوا متسلحين بالبذاءة الأخلاقيّة النابعة من مستنقعهم الميليشياوي ومن تربيتهم الحزبية والميليشياوية الفاسدة. ودار بينهم الحوار التالي:

الأسلاميين: وين رايحات (ألى أينَ أنتنّ ذاهبات)

هنّ: الى ساحة التحرير

 الأسلاميين: ليش شتردن! (ماذا تريدنّ)

هنّ: نريد مشاركة الشعب أنتفاضته

 الأسلاميين: بصوت واحد وضحكات داعرة "هسّه أنتن ..... شعليچن من السياسة والمظاهرات" (أنكنّ عاهرات مالكنّ والسياسة والمظاهرات).

هنّ: "أحنا ....... أي لكن عدنا حگ بهذا الوطن" .. نعم نحن عاهرات لكن لدينا حقّ في هذا الوطن.

من غيركنّ له الحقّ في هذا الوطن، أن لم تكوننّ صاحبات هذا الحقّ؟ أنتنّ يا بنات بلدي أشرف من كل التافهين والبذيئين والملوّثين الذين يتحكمون بمصيركنّ ومصير بنات وأبناء شعبنا، أنتنّ أكثر طهرا من كل تجار الوطن والدين، أنتنّ من يوصمن جباه سياسيي وميليشياويي وعمائم الأسلام السياسي وهم يخونون بلدكنّ بالعار. من أجل شرفكنّ المهدور، ومن أجل غد أجمل للمرأة والطفولة، ومن أجل غد أجمل للوطن والناس قامت الأنتفاضة، وستعود أكثر ألقا وعزما، فالهدوء اليوم ليس سوى أستراحة محارب.

حيث يُفْتَقَدْ القانون ينبغي أن ينوب الشرف منابه  (Hvor loven mangler, bør ære tage dens plads)، مثل دنماركي

ماذا نفعل في بلد،  القانون فيه جريمة، والشرف فيه هو القتل والسرقة والفساد والخيانة؟

زكي رضا
الدنمارك
27/4/2022

41
أولويات الأسلام السياسي في العراق من وجهة نظر ميليشياوية

ما هي الأولويات في معالجة أوضاع سياسية وأقتصادية وأجتماعية في بلد كالعراق اليوم، هل هي في إيجاد حلول أو السعي لإيجاد حلول للمشاكل التي يمر به البلد، أم الهروب للأمام في توجيه الرأي العام لمشاكل هي بالأساس نتائج مباشرة لسوء الأوضاع السياسية والأقتصادية والأجتماعية؟ أزمة تشكيل الحكومة هي نتاج مباشر لنظام المحاصصة الطائفية القومية وفشله في حل مشاكل البلاد على مختلف الصعد، وعوضا عن المضي قدما لتوفير مناخ سياسي صحّي يأخذ على عاتقه الأسراع في تشكيل الحكومة والخروج بسرعة من أزمة الفراغ السياسي والشد والجذب بين نفس القوى التي تقاسمت أمتيازات السلطة منذ الأحتلال لليوم، خرج علينا قيادي في الأطار الشيعي وبمناسة ذكرى تأسيس ميليشياته في إيران، ليعلن في كلمة له من أنّ التحديات الكبيرة التي تواجه العراق هي "ظاهرة الألحاد والمثلية والتخلي عن القيم الأصيلة وأنتشار الأفكار المنحرفة والوهّابيّة والمساس بالمقدسّات وآفة المخدرات والأخطر من ذلك فقدان الأمل لدى الشعب"!!

من الصعب إن لم يكن من المستحيل ربط الألحاد (ليس ظاهرة كما يقول هادي العامري) بتبني الملحدين بالعراق لفلسفة معيّنة أو آيديولوجية ما، بل وحتى تأثرّا بالعلم الذي يستند أساسا على التشكيك بالظواهر الطبيعية والميتافيزيقية، كون الملحد العراقي وهو يعيش في مجتمع بلغ عدد الأمييّن فيه وفق أحصاءات وزارة التربية 12 مليون مواطنة ومواطن من مختلف الأعمار لا يملك هذا الترف الفكري بغالبيته العظمى. بل على العكس فأنّ هؤلاء الـ 12 مليون أمّي ومعهم ما يقابلهم من جمهور في اسوأ الحالات متأثر بالعادات والافكار الدينية، والذي هو تحت رحمة برامج دينية طائفيّة مكثفة. فالقوى الدينية ومعها المؤسسات الدينية تصول وتجول في عقول الناس البسطاء والأميين من خلال الأعلام المرئي والمسموع والمقروء لحدود (لأنتشار الأميّة) والمنابر، لتزرع في هذه العقول كل شيء الّا التفكير بحاضرهم وحياتهم، فهي تربطهم دوما بحياة آخروية مليئة وغنيّة بما يفتقدونه في الحياة الدنيا. هذا الجمهور بالحقيقة هو أوسع من الأرقام التي ذكرناها، فلو أضفنا لهم عوائلهم والعاطلين عن العمل وجيش الفقراء المتنامي بأضطراد وأنصاف المتعلمين والمثقفين والذين باعوا ضمائرهم للسلطة الدينية من "مثقفين وأعلاميين"، سنرى أنّهم جيش من مواطنين مؤمنين بما تصدرّه لهم المنابر. وهؤلاء المؤمنون بعيدون عن الألحاد أو هكذا يجب أن يكونوا، فلماذا أذن تزداد نسبة الالحاد في المجتمع كما يقول العامري وقبله الكثير ومنهم ممثل السيد السيستاني في خطبة له بكربلاء، هذا أذا وافقنا العامري وأمثاله بما أعلنوه! أنّ زيادة نسبة الملحدين لا يعود الى الفضاء الديموقراطي والحرية والتحصيل العلمي وتأثيره على عقلية المواطن كما في الغرب، بل يعود أساسا كردّ فعل لجرائم الأسلام السياسي بحق الناس منذ الأحتلال لليوم. وقد لعب الفضاء الافتراضي دورا كبيرا في أظهار الوجه القبيح لبعض رجال الدين وهم يأتون بالترهات من بطون كتب صفراء، من على منابرهم التي تتقيء التجهيل والدجل والكذب. وأصبح رجال الدين هؤلاء هزءا أمام أنظار الملايين، وهذا ما جعل الدين أو المذهب نفسه هزءا للأسف الشديد. وهذا الأمر لا يتحمله الملحد مطلقا، بل المؤسسة الدينية التي لا تريد عقلنة الخطاب الديني وأنسنته، فترى هذا الخطاب اليوم وفي عصر الفضاء يغوص في غيبيات لا يقبلها العقل البشري مطلقا. هذه كانت النقطة الأولى في كلمة السيد هادي العامري، بمناسبة تأسيس ميليشاته من قبل السلطات الإيرانية أثناء الحرب الصدامية - الخمينية.

النقطة الثانية التي اثارها السيد العامري هي المثلية الجنسية، وهي اساسا نتاج عوامل وراثية أو بايولوجية أو أجتماعية أو بيئية، ولو تركنا العاملين الأولين لأنهما فوق المستوى الفكري والعلمي للكثير من ساسة المحاصصة ورجال الدين، فأننا بحاجة لمعرفة الطبيعة الأجتماعية والبيئة الأجتماعية للشعب العراقي، المتّهم اليوم من قبل العامري وغيره من الاسلاميين بشيوع المثلية فيه! العامري وغيره من قادة الاسلام السياسي ومعهم المؤسسة الدينية يملأون الدنيا صراخا أثناء الزيارات المليونية للمراقد الشيعية، ويعتبرون هذه التجمعات مبايعة من قبل هذه الجماهير للخط العلوي الحسيني الذي يدّعون تمثيله طبعا، وبالتالي فأنّها أي هذه الزيارات وبهذه الأعداد الكبيرة صك مبايعة لهم!! فهل هؤلاء الزوّار الحسينيون العلويون المبايعون للعامري والاسلام السياسي مثليون!!؟؟ ومن المسؤول عن شيوع المثلية إن وجدت كظاهرة كما يقول العامري، هل هو النظام السياسي الفاسد والفاشل في تلبية حاجات الناس أم الطبيعة والبيئة الأجتماعية، ولماذا لم تكن المثلية ظاهرة في الأنظمة التي سبقت الاحتلال كما يدّعي السيد العامري؟ تعتبر المجتمعات المنغلقة بيئة خصبة للمثلية الجنسية، إذا ما أهملنا العوامل الوراثية والبايولوجية. ولا توجد أحزاب ومؤسسات تعمل على ترسيخ مثل هذه البيئة، وأتهام أي علاقة بين شاب وشابّة في الجامعة على سبيل المثال بالفجور كما الأحزاب والمؤسسات الدينية.

النقطة الثالثة التي أثارها السيد العامري كانت التخلي (اي تخلّي المجتمع) عن القيم الأصيلة ، ولغويا فأنّ "قيمة الشئ في اللغة هي قدره ، وقيمة المتاع ثمنه . يقال : قيمة المرء ما يحسنه ، وما لفلان قيمة ، أي ما له ثبات ودوام على الأمر"، من خلال هذا التعريف نريد أن نعرف ما يعنيه السيد العامري تحديدا، وما هو تعريفه للقيم والقيم الأصيلة؟ فعلى سبيل المثال ما هي قيمة وثمن تشكيل الوزارة العراقية اذا ما تمّت بأوامر من خارج الحدود؟ وأين هي قيمتها وهي تقوم على أساس نهب ثروات البلد من خلال المحاصصة الطائفية القومية؟ "قيمة المتاع ثمنه" فما هو ثمن الفقر الذي ينهش جسد المجتمع، وما هو ثمنه وهو يباع من قبل أطفال صغار في تقاطعات المرور!؟ لقد دمّرت حروب الدكتاتورية الكثير من القيم الأصيلة في مجتمعنا، وجاء الأسلام السياسي ليعلن مقتل هذه القيم، بعد أن أصبح العراق مرتعا للجريمة المنظمة والميليشيات والفساد والعادات والتقاليد العشائرية البالية. ولمّا كانت قيمة المرء ما يُحسنه، فلنسأل السيد العامري عن محاسنهم وهم على رأس السلطة، والبلد يسير نحو المجهول؟

النقطة الرابعة في كلمة السيد العامري كانت حول "أنتشار الأفكار المنحرفة"، وهنا نكون أمام سؤال كبير ومهم وبحاجة الى تعريف وتوضيح كي يكون مفهوما للجماهير المغلوبة على أمرها، نتيجة فساد وجرائم السلطة وأركانها. ما هي الأفكار المنحرفة التي تعصف بالمجتمع العراقي اليوم، والتي جعلت فرائص الأسلاميين ترتجف من وقعتها!؟ هل هي الأفكار التي تقف على الضفّة الأخرى من افكار السيد العامري، أم توظيف المؤسسة الدينية لخدمة الأسلام السياسي وميليشياته من خلال أصدار فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان لزرع وتعزيز الأفكار المنحرفة في هذه التنظيمات، والتي هي سببا اساسيا في الأرهاب والقمع؟
حصر السلاح بيد الدولة يعني عدم أحقيّة أي جهة سياسية في أن يكون لها ذراع عسكري، ويعني أيضا وصف كل فصيل مسلح من أنّه ميليشيا خارجة عن القانون. لذا فأنّ المؤسسة الدينية ولغرض منح الأسلام السياسي وميليشياته وسيلة السيطرة على الشارع وتهديد السلم المجتمعي، قامت بأصدار فتوى الجهاد الكفائي والذي لم تعلّق المؤسسة الدينية العمل به بعد أن انتهى مفعول الفتوى. وأستمرار العمل به من قبل الأسلام السياسي وميليشياته، هو تفسير حقيقي لوجود أفكار منحرفة تريد أن تقود البلاد الى المجهول. أنّ الفكر الديني الطائفي والأفكار العشائرية، هي من صلب الأفكار المنحرفة وإن إستمدّت "شرعيتها" من "الدولة ومؤسساتها".

النقطة الخامسة في كلمة السيد العامري كان تناوله للوهّابية، وهو يعني بالضبط دورها كفكر منحرف وهدّام في تغذية المنظمات الأرهابية، كما يغمز من خلالها للدور السعودي بالعراق من خلال دعمها وبقية دول الخليج وتركيا وقوى أقليمية ودولية لتنظيم القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الأرهابية التي دمّرت بلادنا وهو على حقّ في ذلك. الّا أنّه يتجاوز في حديثه الخمينيّة كفكر ونهج هو الآخر، ودورها في تأسيس ودعم ميليشيات ساهمت في الإقتتال الطائفي لتصدير ثورته الأسلامية، علاوة على دورها المشبوه كما الوهّابية في تدمير سوريا واليمن ولبنان. أمّا عن العراق ودورها في نهبه وتخلفه وضعفه عن طريق ميليشياتها وعلى رأسها ميليشيا بدر بزعامة العامري، فالتاريخ شاهد على قبحه قبل جرائمه.

النقطة السادسة في كلمة العامري كانت حول المساس بالمقدسّات!! هنا نكون أمام سؤال بحاجة الى أجابة من قبل السيد العامري وهو أن كانت بيوت الله من مساجد وحسينيات من المقدسّات أم لا، وإن كان القرآن مقدّس أم لا؟ ولا أظن من أنّ الأنسان العاقل وهو يرى هدم المساجد والجوامع وتفجير المآذن وحرق مئات أن لم يكن الآلاف من نسخ القرآن، بحاجة ليكتشف من الذي يدنّس المقدسات التي يتباكى عليها العامري، ومن الذي يفجرّها؟ أجزم من أنّ العامري وغيره من دهاقنة الأسلام السياسي لن يستطيعوا ولو بعد مئة عام أن يلصقوا التهمة بأحزاب ومنظمات ذات آيديولوجيات غير أسلاميّة، لكننا وبكل أريحية نقول أنّ الأحزاب والميليشيات الأسلامية هي المسؤولة وصاحبة المصلحة الحقيقية بالمساس بالمقدسات الاسلامية، بل وبأهانة المقدسّات الاسلامية. وأحداث الأيام الاخيرة من الصراع الشيعي الشيعي، وحرق وتدمير بيوت الله وحرق كتب القرآن فيه، شاهد حقيقي على ما نقول.

النقطة السابعة التي تناولها العامري في كلمته كانت عن انتشار المخدرات بالبلاد، ولا يسعنا هنا الا ان نشاطر العامري خوفه على شباب العراق من هذه الآفة الخطيرة والقاتلة. لكن هل يعرف العامري من أنّ تعاطي المخدرّات كان شبه معدوما ومحكوما بقوانين قاسيّة جدا للحيلولة دون أنتشاره في الأنظمة العراقية السابقة ومنها النظام البعثي، وحتّى في ظل النظام البعثي بعد حروبه الكارثية كان العراق ممرا للمخدرات القادمة من ايران وليس سوقا مستهلكة له بشكل يشكل خطرا على النسيج الأجتماعي كما اليوم عهد الأسلاميين!

السيد العامري وانت قد عشت سنوات طويلة في ايران وشاهدت بأمّ عينيك قوافل المدمنين وهم يفترشون الأزقّة الفقيرة وسط طهران، والشباب الأيراني الضائع وهو يدمن على المخدرات بأصنافها المختلفة، تعرف جيدا منشأ هذه السموم ونقاط عبورها وتجارها المحميين من السلطة.
السيد العامري صدقني من أنّ الأرجنتين لا حدود لها مع بلادنا لتحملّوها نشر المخدرات ببلادنا، وصدقني من أنّ ايران ومعها الأحزاب الأسلامية لها المصلحة الحقيقية في أدمان الشابات والشباب العراقي على المخدرات، فهؤلاء يضافون الى جيش من الشباب الضائع الذي يضاف الى جيش العاطلين عن العمل.

وفي ختام كلمته تحدث العامري عن فقدان شعبنا لأمله في حياة حرة وكريمة!! ما هو السبب الذي جعل شعبنا يصل الى هذا اليأس القاتل بنظركم ايها السيد العامري، وهو يعيش في ظل حاكم جعفري وليس سنّي كما كانت الدولة العراقية سابقا كما تقولون. للأجابة على هذا السؤال علينا قراءة تاريخ الأسلاميين وهم على رأس السلطة، من خلال الكم الهائل من الجرائم المرتكبة بحق شعبنا ووطننا، فاليأس وفقدان الأمل بحياة كريمة ووطن معافى لن يتحقق بوجودكم في السلطة مطلقا ولو بقيتم في السلطة حتى ظهور المهدي الذي تنتظرون. الحل الوحيد ايها السيد العامري لأعادة الأمل لشعبنا هو بناء نظام ديموقراطي علماني يحترم عقائد الناس ومنها الأديان المختلفة، على أن تحترم المؤسسات الدينية السلطة السياسية والقانونية وتبتعد عن المشاركة والتأثير فيها وفق قوانين دستورية وضعية. دولة علمانية ديموقراطية تبدأ ببناء وطن ومجتمع جديدين على أنقاض وطن ومجتمع دمرته الحروب والحصار والفساد والارهاب والميليشيات، دولة تستند وتعتمد على القانون في محاسبة كل من يتخابر مع دولة أجنبية على حساب "وطنه وشعبه"..

أذا كانت تجربة الأسلام السياسي والمؤسسات الدينية التي نشرت وتنشر الفساد والجهل والتخلف والأميّة، ودمرّت وتدمّر القطاعات الزراعية والصناعية والصحية والتعلمية والخدمية وغيرها مما يشكل خطرا على مستقبل شعبنا ووطننا أيمانا، كونكم على رأس السلطة ومؤمنون بالله ونبييه وآل بيته. فأني أيها السيد العامري أعلن أمامكم عن رفضي لأيمانكم هذا معلنا كفري وألحادي بكل ما تؤمنون به ..

زكي رضا
الدنمارك
21/4/2022

 





42
وقاحة السفير الأيراني في بغداد وخيانة شيعية للعراق

من المفروض أنتخاب عنوان غير العنوان اعلاه للمقالة هذه، أو على الأقل أستبدال كلمة شيعية بكلمة أخرى. كأن نقول أحزاب أو منظمات أو مؤسسات دينية أو مراجع دينية أو حشد، لكننا بالنهاية سنضع كلمة شيعي خلفها ، وهذه حقيقة لا نستطيع نكرانها مطلقا. سيقول البعض أنّ ( خيانة شيعية) تعني بالأضافة الى ما ذكرناه أعلاه الجمهور الشيعي!! وهنا يكون هذا البعض قد أرتكب خطأ فادح،  فالجمهور الشيعي بغالبيته وليس بأجمعه طبعا هو كما باقي جماهير شعبنا، يعاني من الجوع والفقر وأنعدام الخدمات والأمان والفساد وغيرها، الّا أنّه لا يعرف طريق الخيانة. فهذا الجمهور بعيد عن مراكز أتخاذ القرار، وقد خرج في أنتفاضته يريد أستعادة وطن أصبح وليمة لجهات عدّة. والجمهور الشيعي وهذه حقيقة معروفة للجميع، رفع رايات التغيير في أنتفاضته التشرينية المجيدة لوحده، بعد أن كان الصمت يخيّم وقتها على الجماهير الأخرى التي تدفع كما الجمهور الشيعي أثمان باهضة نتيجة نظام المحاصصة الطائفية القومية. قد يبدو هذا الحكم قاسيا كثيرا، لكنّه حقيقي وأقرب الى الواقع، ليس لأنّ الجماهير غير الشيعية لم تساهم في الأنتفاضة، بل كون هذه الجماهير تعرف جيدا أنّ الساسة الشيعة وهم من يخونون العراق علنا كما ساسة المحاصصة الآخرون، كانوا سيجّيرون ومن ورائهم أيران مشاركة المحافظات الغربية والشمالية على أنّها مشاركة بعثية. وبالحقيقة فأنّ الساسة الشيعة لم يكونوا بحاجة الى هذا الأمر ليقوموا بقتل المئات من المنتفضات والمنتفضين، وهذا ما لمسناه من خلال تعامل ميليشياتهم التي كانت تدار من غرفة عمليات أيرانية مع الأنتفاضة والقسوة المفرطة في قمعها.

بعد فشل جميع الحكومات التوافقية في بناء نظام سياسي عقلاني يأخذ مصالح شعبنا ووطننا كهدف يجب الوصول اليه لأنقاذ ما يمكن أنقاذه، فأنّ تشكيل حكومة أغلبية سياسية هو الضمان الوحيد لفرملة بعض الجرائم التي أرتكبها نظام المحاصصة بجميع أقطابه، نقول بعض جرائمه كون جرائم نظام المحاصصة وأحزابه لا يمكن حصرها ولا حلّها حتى بحكومة أغلبية سياسية من القوى التي كانت جزء من نظام فاسد وقاتل، لكنّها بالتأكيد تعتبر خطوة أولى لهدم نظام المحاصصة الطائفية القومية، أن صدقت نوايا من يتصدى لهذا الأمر. 

ككل مسعى لتشكيل حكومة بالعراق وبعد كل أنتخابات، يصطدم تشكيل هذه الحكومات باللاءات الحزبية والفئوية. وهذه اللاءات لا تأخذ مصالح شعبنا ولا حتى ناخبي تلك الأحزاب بنظر الأعتبار. فالناخب العراقي ومنذ أوّل أنتخابات، تعامل ويتعامل معها بسذاجة غريبة. فعلى الرغم من عدم وفاء أي حزب سياسي من أحزاب السلطة لشعارته وبرامجه هذا أن كان لديها برامج أصلا،  نرى الناخبين يصوّتون لأحزابهم الطائفية والقومية، ليكتشفوا بعدها وكما كلّ مرّة من  أنّ هذه الأحزاب مستمرة في سرقتهم وحرمانهم من حياة تليق بالبشر. هذا الأمر أي تشكيل الحكومة بهذه الصورة والأصرار عليها من قبل حيتان الفساد، لا تُفسّر الا كونها وقاحة ما بعدها وقاحة، كون تشكيل الحكومة وفق السياقات القانونية وسقوفها الزمنية وموادّها الدستورية، هي ملزمة للمتصدين للشأن السياسي، هذا أذا أعتبرنا أركان المحاصصة أحزاب سياسية وليس عصابات مافيوية، وأجزم من خلال تجربة ما بعد الأحتلال السياسية لليوم من أنهم أقرب الى المافيات من أي وصف آخر.

الحقيقة المرّة التي علينا التعاطي معها في بلادنا اليوم هي أنّ  السفير الأيراني بالعراق السيد أيرج مسجدي،  هو بمثابة المندوب السامي البريطاني  الذي حكم العراق بدايات تشكيل الدولة العراقية أي السيد بيرسي كوكس، وموظفّي سفارة بلاده هم المستشارين للوزراء والحكومة العراقية. فهذا السفير يتدخل وأمام مرأى ومسمع جماهير شعبنا والعالم، في تشكيل حكومة العراق الذي يبدو أن لا سيادة له بنظره، وأعتقد من أنّه محق في هذا الأمر لحدود بعيدة. كونه يعرف جيدا مع أي شكل من أشكال الساسة يتعامل، ويعرف جيدا أنّ ما يقوله هو أمر سيأخذ به ساسة العراق عاجلا أم آجلا، ليس لوقاحته وهو يهين نظام سياسي يقول الدستور من أنّه نظام ديموقراطي حين يقول أنّ " الدعوات للأغلبية الوطنية محل تقدير لكنّها لن تكون ناجحة الا في البلدان المؤسساتية والديموقراطية، لا اقول لا توجد ديموقراطية في العراق الا أنّ الوقت لم يحن بعد لحكومة الأغلبية في العراق، لذا أرى أنّ التوافق هو الحل"، ليضيف قائلا أنّ " التجارب من عام 2003 حتى الآن تقول أنّ التوافق هو المسهّل للوصول الى التعاون ، لأن الجميع يشعرون بالمشاركة ونحن نرى أنّ التوافق هو الأنسب وما أقوله أقتراح وليس تدخلا"!! نقول ليس لوقاحته وهو يصرّح بهكذا تصريحات، بل لخيانة الساسة العراقيين وأنبطاحهم أمامه وأمام بلاده، وفي مقدمة هؤلاء الساسة هم الساسة الشيعة وزعماء العصابات الشيعية المهيئة دوما لأغراق الشوارع بالدماء بأشارة واحد من السيد السفير أو أي معمّم أو سياسي أيراني في أيران، حتى وأن كان مدير ناحية في منطقة نائية فيها. كون الخيانة والذل والشعور بالنقص هي السمة الحقيقية للقيادات الشيعية العراقية أمام الأيرانيين.

أنّ عدم ردّ " ساسة" العراق على تصريحات السفير الأيراني وتدخله بالشؤون الداخلية لـ "بلادهم"، وعدم دعوته الى وزارة الخارجية لتسليمه بيان أستنكار على ما جاء في تصريحاته، لا تفسّر الى بخيانة هؤلاء " الساسة" للعراق أرضا وشعبا..

 السيدات والسادة المتحاصصون: لافرق بين خيانة الضمير وخيانة الوطن، وأنتم بارعون في الحالتين.

زكي رضا
الدنمارك
15/4/20200

43

قضية الكورد الفيليين الموسميّة بين الإرادة والضمير


أيّة قضيّة ودون الخوض في مضمونها وأحداثها ونتائجها وتبعاتها تحمل وجهين متناقضين أولهما الحقّ والثاني هو الباطل، وهذا ما يبتّ فيه القضاة في المحاكم ويصدرون فيها الأحكام التي تتناسب وقوّة الجريمة حسب القوانين المعمول بها. والقضيّة الفيلية بأبعادها المختلفة ونتائجها وما تمخضّ عنها من مأساة لا زالت آثارها موجودة، لا حاجة لقضاة ولا محاكم ليبتّوا في أحقيتها أو بطلانها. فنحن لسنا أمام جريمة جرت أحداثها في مكان منعزل ودون ترك أية آثار لكي تقيّد ضد مجهول، بل أمام جريمة متكاملة جرت في وضح النهار وأمام الملأ، ونُشرت "قوانين" في الصحف الرسمية تعطي الجريمة صفة العدل لتبرّرها!!

على الرغم من أنّ جريمة تهجير الكورد الفيليين وتغييب الآلاف من شبابهم وشابّاتهم وهم في عداد الشهداء اليوم، فأنّها وللأسف الشديد تعتبر قضيّة موسمية على الرغم من أحقيّتها. فهي موسمية عند طرفين، أولّهما أحزاب السلطة دون أستثناء، والمنظمّات الكوردية الفيلية والمتصدّين للشأن الفيلي وكثير من التجّار والدلّالين. وهنا لا أكون قد تجاوزت على أحد منهم، كونهم لا يتذكرون الفيليون وقضيتهم العادلة الّا في شهر نيسان حيث جرت المأساة. وهي موسميّة وللأسف الشديد أيضا عند أصحاب القضيّة الأصليين، أي المهجرّين وعوائل الشهداء والجمهور الفيلي بشكل عام!!

لو أعتبرنا القضية الفيلية عبارة عن جريمة جنائية وهي ليست كذلك بالمرّة، فأننا بحاجة وكي ننجح في كسبها الى محامين أكفّاء ومستقلين ليدافعوا عن ضحاياها. أمّا أن يكون المحامون غير مستقلين ومن أحزاب السلطة، فأنّ كسب القضيّة شبه مستحيل وإن كان المحامون أكفّاء، كونهم يبنون دفاعهم عنها أستنادا الى حيثيات يقدمها لهم من أشترى ضمائرهم. ولأنّ قضية الكورد الفيليين ليست قضيّة جنائية، بل جريمة تطهير عرقي أي جينوسايد وفق قوانين الدولة العراقية التي صدرت في هذا الخصوص، فأننا لسنا بحاجة الى محامين ليقدموا حيثيات الجريمة الى هيئة قضاة في المحاكم العراقية، ليبتّوا في عدلها أو بطلانها. بل بحاجة الى ضمير حكومي و روح القانون وإرادة فيلية مجتمعية بعيدة عن تأثير النخب السياسية ومنها النخب الفيلية نفسها، تلك المرتبطة بالنخب السياسية الحاكمة بحبل سرّي، أي حبل المصالح الشخصية.

بعد أنهيار النظام البعثي المجرم، بدأ الفيليون بأحياء طقوس الشهيد الفيلي وذكرى الجينوسايد والتيه الفيلي، نقول طقوس لأنّ قضية الشهداء الأبرياء هؤلاء أصبحت بالحقيقة طقسا نمارسه في الرابع من نيسان، فهل شهداؤنا وعوائلهم وجميع عوائل المهجرين والقضيّة نفسها هي عبادة وأحتفالات دينية نقوم بها سنويا، وفي أيّام محدّدة من كل عام!!؟

على الكورد الفيليين وهنا أعني الجمهور الفيلي تحديدا وليس نخبه أن يبحثوا أولا عن كرامتهم، لأنّها مفتاح حقوقهم الذي سيفتحون بها الأبواب المغلقة أمامهم، عليهم أن يكونوا مشاكسين بمعنى أن يضايقوا السلطات الحكومية بتظاهرات وأعتصامات على غرار ما يقوم بها الخريجون والمعلمون والمهندسون وغيرهم، ليس أيام العبادة فقط، أي بشكل موسمي بل بشكل منظّم ودوري. فالأعتصام أمام مديرية الجنسية لتكون المواطنة عادلة ومتساوية شكل من أشكال البحث عن الكرامة، والأعتصام أمام وزارة الخارجية ومطالبتها بالعمل على أعادة المهجرين الفيليين من أيران وتوفير حياة كريمة لهم، هو شكل من أشكال البحث عن الكرامة، والأعتصام في شارع الكفاح مثلا ومطالبة السلطات بإيلاء أهتمام بهذه المنطقة وتأهيلها، هو شكل من أشكال البحث الكرامة. كثيرة هي الفعاليات التي تستطيع القاعدة الجماهيرية أن تنظمّها للضغط على سلطة المحاصصة، والتي تحتاج الى إرادة وعزم وثقة بالنفس.

قبل أن انهي المقالة، أودّ ان اشير الى مطالب أقلام كثيرة في البحث عن رفات الشهداء لأقول: أيها السادة لقد اكتشفت السلطات مقبرة لشهداء الكورد الفيليين في بادية السماوة وأغلقتها، لأنها لا تمتلك المال الكافي لتحديد اسماء الشهداء طبقا لتحاليل الحامض النووي ... فهل تمتلك سلطة المحاصصة وهي سلطة لصوصية أساسا كرامة ومصداقية لنصدقها!!؟

الثقة بسلطات المحاصصة والنخب الفيلية التي تلهث وراء مصالحها سراب، فهل أرتوينا من مائهم بعد مرور تسعة عشر عاما على أنهيار البعث!!؟؟

زكي رضا
في الذكرى الثانية والأربعين لعملية تهجير الكورد الفيليين
الرابع من نيسان 2022
الدنمارك


44
بيت الشيوعيين .. بيت الشعب


أن يعقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمرا صحفيا لا تحضره وسائل أعلام الأحزاب الفاسدة ووسائل أعلام السلطة، هو شرف ما بعده شرف لعميد الأحزاب السياسية العراقية. وأن تخرج قيادة الحزب ببيان تناشد فيه علاوة على رفيقاته ورفاقه وأصدقائه ومؤازريه، جماهير شعبنا المكتوية بالفقر في أن تساهم ببناء بيت للحزب هو كما يقول المتنبي "إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ .... فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ" فهل هناك شرف أكبر من أن يناشد الحزب الجماهير الفقيرة لبناء بيتها بنفسها، وهل هناك نجوم أعلى وأكثر لمعانا من نزاهة الحزب، وهو والنزاهة والوطنية توائم لا تجدها في تاريخ أي حزب بالعراق.

بيت الشيوعيين هو تاريخ هذا البلد، وهو الكوخ الذي تبدو كل مقرات أحزاب السلطة وهيلمانها فقيرة أمامه. ففي زاوية من غرفة فيه ترى فهد مكبّلا بالحديد ويقود انتفاضة من داخل سجنه، وفيه ترى حازم وصارم وهما يسيران بثبات نحو الخلود في سبيل بيت الشعب. في تلك الزاوية ترى سلام عادل بكامل أناقته يسير مع الموت الذي طأطأ رأسه خجلا من شجاعته، وليس ببعيد عنه يبصق العبلّي وهو في لحده بوجه قتلته. وفي الزاوية المقابلة تسمع همسا لا تفهم منه الّا أن "أصمدوا أيتها الرفيقات والرفاق فهذا القصر أي قصر النهاية سينهار وسيرحل ومن يديروه إلى مزبلة التاريخ، وسيكون كوخكم هو قصر الشعب الذي تضحون بحياتكم من أجله اليوم، فيلبّي لطيف الحاج وجمال الحيدري وحمزة سلمان وجورج تلو وحسن عوينة ومحمد حسين ابو العيس والمئات من الشيوعيين ذلك النداء ليذوبوا في بيت الشعب، وهناك تسمع صوت قاطرة محمّلة بأبناء بيت الشعب وهي تنهب الأرض نهبا لأنقاذهم من براثن الموت، ولتتوزع عرباته بين نگرة السلمان وسجون العراق المختلفة. وفي الزاوية المقابلة ترى خالد أحمد زكي يصنع السلال من قصب البردي للفقراء ويلونها بدمه ودم رفاقه. وفي مكان آخر من تلك الغرفة ترى عباءة عايدة ياسين معلّقة على الجدار وبجانبها قميصا صباح الدرّة وصفاء الحافظ، ولن تبتعد عيناك بعيدا حتى ترى دماء ستار خضير ومحمد الخضري طرية على جدار الكوخ، وتستمع هناك إلى ضحكات ابو كريّم وأصرار توما توماس وفدائية حسين حجي كنجي - ابو عمشه وبقية النصيرات والأنصار الشيوعيين وهم يرصّعون جبال وسهول كوردستان بأرواحهم من أجل أن يكون بيت الشعب عامرا بالناس.

في الغرفة الثانية من كوخ الشعب يقف الجواهري ينشد "سلام على مثقل بالحديد... ويشمخ كالقائد الظافر"، وأمامه يقف النوّاب مظفّر ليمرّ وهو في قطاره على حمد وليتغنى بالقهوة ورائحة الهيل التي في كوخ الشعب، بعد أن ينعى بيرغ الشرجية، الفلاح صويحب الذي يداعي المنجل بدمه لليوم، وإلى جانبهما يقف عبد الله گوران وهو ينشد "14 تموز/ إنه عرس الجمهورية/ فيا أيها الجسد الراقد في الزنزانة/ أيتها السلاسل..... اصمتي / صمت السكون في الأذن / وأنت أيتها الريح المرتبطة بزنزانتي / اغفي كما يغفو الطفل الرضيع"

أمّا ابو سرحان/ ذياب گزار فتراه بجسمه النحيل يتنبأ بأنتصار الفقراء الخارجين من كوخ الشعب وهو ينشد "بيت الحزب نياشين.. وبيت الحزب بساتين / بي گمر وبي شمس/ بي نهر وبي عرس/ وبي مدرسة وفلاحين"، وقريبا منه يؤمن زاهد محمد زهدي بأنتصار كوخ الشعب ليقول "جم حجّاج مر بينه على مر الزمان وراح مجذوذه نواصيه"، وليس ببعيد عن زاهد محمد يقف عريان السيد خلف ليعلن حبّه وحب أصحاب الكوخ وخوفهم على أطفال الوطن ليقول: الحيطان منخل والدروب حفور/ ووجوه الزغار الحاضنه الشباج / من يهتز قفل حسبالهم شاجور/ مرعوبة جنح وبلا وعي أدّور. وقبل أن نغادر الغرفة/ الوطن تعالوا نصلّي في رحاب نخلة غائب طعمة فرمان ونتوضأ بنبيذ تمرها الأطهر والأشهى من شربت الأنگليز.

في مكان مرتفع قليلا عن الأرض وسط الكوخ يقف يوسف العاني ليقول "بالفتنة والغش والدس كثيرا سمعنا كلمة يس (بلى)/ ثخنتوها كافي عاد نو نو لهناو بس (است)، في قراءة واقعية للعراق الخرابة وفتنة المحاصصة وغش وفساد أحزاب السلطة. وعلى نفس المكان المرتفع (خشبة المسرح) تقف سليمة الخبّازة/ زينب وبجانبها مصطفى الدلال/ خليل شوقي لكن لتوزع الخبز مجانا على الفقراء المعدمين في بلد متخم بالنفط، ولتقول خيرية/ زكية خليفة بتهكم وهي ترى البطالة والفساد والفقر "الحكومة الله يسلمها". وقريبا منهم يجلس ابو گاطع وخلف الدوّاح في صريفة عند باب الكوخ ليقصّا على الفقراء سبب فقرهم وجوعهم قائلين لهم "بويه چا أنتو موش غشمه، وتعرفون يا هو اللي ينهب مال الوادم ويبيع عراگكم بقمري"

قريبا من المسرح يقف فؤاد سالم وشوقية وهما يغنيان "گاعنا فضة وذهب وأحنا شذرها"، وكوكب حمزة يقرّب الگنطرة ليعبرها العاشقون للوطن، أمّا كمال السيّد فلا زال يريد أن "يشيل السلف على راسه" ليحيا أهل السلف بأمان، فيما يبحث طالب غالي وهو ينظر إلى شطّ العرب عن دجلة الخير ليلحنّها ويزيّنها كعروس فائقة الجمال. ووسط هؤلاء تقف فرقة الطريق لتغني للكوخ والناس والوطن، ولتوزع المگبعة المناشير في الدرابين الفقيرة.

 في غرفة من غرف الكوخ التي تحوّلت إلى مدرسة، يقف جعفر الجواهري وشمران علوان وقيس الآلوسي في مقدمة المتضاهرين في وثبة كانون، وليخطوا من حينها أسماء طلبة العراق ونضالاتهم بأحرف من نور، وعلى مقاعد ذلك الصف المدرسي يجلس علي حسن علي وزهور اللامي ورمزية جدّاع يوسف وتماضر يوسف متي وخالد يوسف متي ومعتصم عبد الكريم وهو يرسم على جذوع الأشجار صورة زاهية لأطفال قه زلر.. من هذا الكوخ/ المدرسة، تخرجّ آلاف المناضلات والمناضلين الواهبين حياتهم من أجل بناء وطن لا مكان فيه للأكواخ والصرائف والجوع والبطالة.

في فسحة ترابية أمام الكوخ يقف بشار رشيد وكاظم خلف ورزاق أحمد وكاظم عبود وعبد الواحد عزيز ورسن بنيان وجبار رشك والعشرات من الرياضيين الشيوعيين، ليقولوا للجمهور: نحن من أبناء هذا الكوخ ومنه تعلمنا مباديء حبنا لكم والوطن.

هذا الكوخ الذي يطلب الحزب الشيوعي من الناس مساعدته في بنائه، هو بيت الشهداء والشعراء والفنانين والرياضيين والمسرحيين والكتاب والمثقفين والرسّامين والنحّاتين والأكاديميين، أنه بيت العمال والفلاحين والكسبة. في هذا البيت لا مكان للطائفية والقومية، وأبناء هذا البيت يتنفسون الوطن ويرتوون من مائه ويتظللون بسماءه..

زكي رضا
الدنمارك
19/3/2022



45
الأطار التنسيقي  الشيعي وقصف أربيل  ... بيان منحاز لأيران


لا نريد في هذه المقالة تناول موقف الأطار الشيعي من العملية السياسية،  والتي كان أحد أهم أقطابها وهو حزب الدعوة الأسلامية ودولة ما تسمّى بالقانون يشكلّان العمود الفقري للدولة العراقية وهم على رأسها لثلاث دورات متتالية بشكل مباشر، ويؤثران على قراراتها " الوطنية" بشكل غير مباشر من خلال تواجدهم في البيت الشيعي، كون العملية السياسية والبلاد بشكل عام وصلت في عهدهم الفاسد ولليوم الى الحضيض.  الا اننا سنتناول موقف الأطار بكل أطيافه السياسية والميليشياوية من القصف الأيراني الأخير لمدينة أربيل، من خلال البيان الذي أصدره الأطار. على أن نأخذ التفسير اللغوي لبعض المصطلحات التي وردت في البيان، خصوصا وأنّ هناك نسبة كبيرة من المعمّمين ضمن تشكيلات هذا الأطار، وهم يجيدون اللغة العربية بشكل أفضل من غيرهم كونهم يدرسون أصول اللغة والنحو في المراحل الأولى لدراساتهم الحوزوية.

لقد جاء في البيان الذي أصدره الأطار الشيعي تعرّض " مدينة أربيل الى قصف صاروخي أستهدف احد الأماكن التي تضاربت الروايات حول حقيقتها" مضيفا " خلص المجتمعون الى ضرورة تقديم الأيضاحات على وجه السرعة من قبل المسؤولين المعنيين وتشكيل لجان تحقيقية برلمانية وحكومية لبيان الحقيقة و(لمنع) استخدام الأرض العراقية للأعتداء على دول الجوار و(عدم السماح) لأي طرف بخرق السيادة العراقية من خلال رفع الذرائع وغلق جميع منافذ التدخلات الخارجية بالشأن الداخلي العراقي ".

المنع وعدم السماح لهما تقريبا نفس المعنى لغويا، الّا أنّ المنع هو الأشّد في حالة التحريم أو عدم السماح أو حتى النهي، لذا نرى أن الله منع الخمر من خلال تحريمه، إذ قال في سورة البقرة "( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ ). وهذا يعني أنّ التحريم وهو المنع هنا جاء بصيغة الأمر، والّا لكان يستطيع القول بعدم السماح بدل التحريم وهو المنع ايضا. وهنا يكون البيان  بصياغته اللغوية علاوة على السياسية يكيل بأكثر من مكيال وهو يدين قصف مدينة أربيل. فالبيان يضع منع أستخدام الأراضي العراقية للأعتداء على دول الجوار، وهو يعني أيران تحديدا وليس غيرها في مقدمته، ويضع قصف أربيل وهي مدينة عراقية في مؤخرة البيان!! مع العلم أنّ الوية ( الوعد الحق) وهي ميليشيا شيعية قد أستهدفت سابقا منشآت حيوية في ابو ظبي بدولة الأمارات العربية المتحدة بطائرات مسيّرة، دون أن يكون للأطار الشيعي موقفا كما موقفها اليوم من القصف الأيراني على أربيل، فهل السماح بأستخدام الأجواء العراقية على عكس الأراضي العراقية لمهاجمة دول أقليمية مسموح به وفق البيان!!؟   

ولم يبتعد البيان كما عادة الاحزاب الشيعية للتنديد بأعدام العشرات في العربية السعودية، لكنّه كأطار طائفي لفت في بيانه الى أنّ " المجتمعين استنكروا جريمة أعدام أكثر من أربعين مواطنا من شيعة القطيف في السعودية مؤكدين أدانتهم هذه الجريمة المخالفة لمباديء الديانات والقوانين والمواثيق الدولية لحقوق الأنسان"!! وهنا من حقّنا أن نسأل قادة الأطار ونحن ندين الأعدامات ليس في السعودية وحدها بل في أيران وغيرها من البلدان، أن كان قتل المئات من المتظاهرين التشرينيين وجرح الآلاف منهم هو من صلب المباديء الدينية والقوانين والمواثيق الدولية!؟ وهل الأغتيالات المنظمة للناشطين العراقيين المطالبين بأصلاح العملية السياسية الفاسدة التي تقودها البيوتات المتحاصصة، وهي أغتيالات تقوم بها ميليشيات شيعية تحديدا، لها علاقة بالدين والقوانين!!؟ 

وتابع البيان " أننا في الوقت الذي ندعو فيه المنظمات الحقوقية الدولية الى اخذ دورها الحقيقي وألتزام جانب الحياد وعدم الإنجرار خلف سياسات المصالح الضيقة وتوجيهات الأنظمة الحاكمة، نؤكد ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة وضمان عدم تكرارها". ومن خلال علاقة القوى الشيعية بأيران، وأصطفاف أربيل الى جانب الصدر والحلبوسي لتشكيل حكومة أغلبية سياسية مثلما يقال، وموقف أيران والأطار الشيعي من هكذا مشروع الذي  يشكل خطرا على مصالحهما، فأنّ البيان هو رسالة مبطنة لحكومة كوردستان، واتهامها بالمسؤولية عن قصف أيران لمدينة أربيل..!!

زكي رضا
الدنمارك
14/3/2014
   


46

الطاقة هي محرّك الأزمة الروسية الأمريكية وليس أوكرانيا

   
العالم اليوم على صفيح ساخن، فالتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا والعلاقات المتأزمّة جدا بين روسيا وأمريكا والناتو وحلفائهما من جهة ثانية، يُنذر بمستقبل محفوف بالمخاطر على كامل السلام العالمي، خصوصا وأنّ القوى المتصارعة وعلى رأسيهما الولايات المتحدة وروسيا يمتلكان خزينا من الأسلحة النووية قادرة على تدمير الكوكب عدّة مرات، على الرغم من أنّ تدميره لمرة واحدة كافية لأبادة الجنس البشري. فهل أوكرانيا هي محور الخلاف بين روسيا والناتو والى أي مدى..!؟

لا نستطيع ترك الصراع الروسي الأوكراني حول جمهوريتي دونيتسك ولوغانس اليوم وقبلها الصراع حول القرم والذي حدث سنة 2014 ، والصراع الروسي الجورجي سنة 2008 حول أوسيتيا وأبخازيا. عن نيّة الناتو محاصرة روسيا وخنقها بالتواجد على حدودها، وهيمنتها على البحر الأسود حيث أكبر القواعد البحرية الروسية في سيفاستوبول وشلّها. خصوصا وأنّ الناتو ضرب عرض الحائط ألتزاماته وتنصّل عن وعوده بعدم التوسّع شرقا، بعد أن ضمّ الى صفوفه بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي جميع بلدان حلف وارشو تقريبا. وهذا ما دعا موسكو وقبل هجومها على اوكرانيا، مطالبة اوربا وامريكا بضمانات أمنية بعدم توسع الناتو ابعد ممّا هي عليه الآن كونه يمثل خطرا وجوديا على أمنها القومي. وكان الصحفي والكاتب الأمريكي توماس فريدمان قد كتب بعد أحداث القرم حول هذا التمدد قائلا " أن نكون جادين بخصوص ما يجري في روسيا، يعني أن نكون جادين في التعلم من أخطائنا الكبيرة التي ارتكبت بعد سقوط جدار برلين. كان من الخطأ أن نفكر بأنه يمكننا توسيع حلف شمال الأطلسي إلى ما لا نهاية، عندما كانت روسيا في أضعف حالاتها وعندما تكون روسيا الأكثر ديمقراطية وأن الروس لن يهتموا لذلك. كان من الخطأ أن نفكر بأنه يمكننا معاملة روسيا الديمقراطية كعدو، كما لو كانت الحرب الباردة لا تزال مستمرة، وأن نتوقع من روسيا التعاون معنا كما لو أن حقبة الحرب الباردة انتهت، وأن هذا لن يؤدي إلا لأن نواجه برد فعل عنيف مناهض للغرب مثل البوتينية".

أنّ الولايات المتحدّة والناتو دفعا روسيا دفعا لغزو أوكرانيا من أجل عزلها اوربيا ودوليا، وحصارها عن طريق عقوبات لم تشهدها أية دولة في التاريخ الحديث لليوم، من أجل الهروب من "هيمنة" موسكو على سوق الطاقة العالمي ومغذية الغاز الرئيسية لأوربا. ومحاولات أمريكا للحد من النفوذ الروسي في أسواق الطاقة العالمية وما يعنيه من تعزيز أقتصادها يمتد الى ابعد من ذلك، وهو محاولاتها المستمرة في تهديد البلدان التي تشتري أو تنوي شراء أسلحة روسية متطورة بأسعار أرخص بكثير من نظيراتها الأمريكية بعقوبات مختلفة أو التهديد بها، كما حدث مع تركيا بعد شرائها منظومة أس 400 ومصر التي تتناقل الأخبار اليوم نيتها ألغاء صفقتها لشراء طائرات سوخوي 35 تحت الصغط الأمريكي، على الرغم من أنّ هذه الطائرات قادرة على خلق حالة من التوازن في منطقة تريد أمريكا أن تكون القوة النوعية فيها لأسرائيل دوما.

بعد أنسحاب أمريكا من أفغانستان وأنحسار نشاط القاعدة وداعش وتأثيرات جائحة كورونا على الأقتصاد العالمي، قلّت شهية العديد من البلدان لشراء الأسلحة الأمريكية، وهذا ما دفع ويدفع أمريكا من خلال المؤسسة العسكرية التي يمثل بايدن مصالحها الى أحياء الحرب الباردة من جديد، وفتح أسواق العالم أمام تدفق الأسلحة الأمريكية، ومن أول بوادر هذه الحرب كانت بزيادة المانيا لـ 2% من ناتجها القومي لتعزيز ترسانتها العسكرية، وهذا ما ستفعله بقية البلدان الأوربية من أعضاء الناتو والتي رحبت به واشنطن بحرارة.

أنّ واشنطن تنتظر من حزمة العقوبات التي فرضتها ومعها أوربا على روسيا وهي تخوض حربها في أوكرانيا، على توسيع الخلاف الأوربي الروسي بشكل أكبر، لتستطيع التفرّد بمساعدة لندن في التحكّم بالقرارات الأوربية وتوجيه سياساتها اكثر نحو ضفة الأطلسي الغربية والحد أو الغاء أعتماد اوربا على الغاز الروسي كوسيلة رخيصة للطاقة. وفي هذا الصدد ومن خلال دعمها اللامحدود لأوكرانيا لأستمرار الحرب وشيطنة روسيا وأنهاء طموحاتها الجيوسياسية في بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وأضعاف أقتصادها من خلال أخراجها من نظام سويفت وعزلها عن العالم. وللوصول الى هدفها هذا فأنها تراهن على تحرك شعبي نتيجة ضغط العقوبات على القيادة الروسية، أو انقلاب داخل الكرملين بعزل بوتين من قبل بعض القيادات فيه.

أنّ سلاح روسيا في مواجهة أمريكا والغرب، ليس بوضع قوات الردع النووية على أهبة الاستعداد للرد في حالة تأزم موقفها وهي تواجه حلفا عسكريا ضخما فقط، على الرغم من صعوبة وعدم واقعية اللجوء الى الخيار النووي كسلاح في هذه المعركة. انما يكمن سلاحها بأغراق اوربا بملايين الاوكرانيين كلاجئين اليها وما يعنيه هذا الأمر من أعباء أجتماعية وسياسية وأقتصادية في ظل عدم تعافي العديد من بلدان أوربا لليوم من أضرار ما خلّفته جائحة كورونا على أقتصادياتها. ونيتها في أحتلال أوكرانيا والذي يعني وضع يدها على ما يتجاوز الثمانية عشر مليون طن من القمح سنويا، والذي سيؤدي الى أرتفاع غير مسبوق لأسعار قوت شعوب كاملة، وما ستترتب عنه من أضطرابات على مختلف الأصعدة.

من خلال السيناريو اليوم وتشبث كل القوى المتناحرة بمواقعها المتشددة، يبدو أنّ العالم يتوجه الى ما يشبه الكارثة. لأنّ الرد الروسي على أنهاء دورها العالمي بل وحتى الأقليمي من خلال أملاء سياسات دول صغيرة كانت حتى الأمس تسير في فلكها، سيكون غير محسوب العواقب عند القيادة الروسية في حالة فشل الرهان الأمريكي على تغيير داخلي في روسيا.

فرنسا والمانيا تستطيعان لعب دور الحكماء في هذه الأزمة، على أن يفضلا مصالح الشعوب الأوربية على مصالح غيرها. فأوربا وليست غيرها على الخط الأمامي للحرب، وأوربا وليست غيرها هي من عانت من أهوال الحربين العالميتين، وعليها الآن أن تعمل جاهدة لأيجاد حلول وسط مقبولة من جميع أطراف الصراع خدمة للسلام والأمن الاروربي والعالمي.

زكي رضا
الدنمارك
1/3/2022

47
حتّى لا يطير الدخّان*

قبل الدخول في تفاصيل المقالة، أودّ أن أشكر واضعي الدستور العراقي رغم علّاته على جعل منصب رئيس الجمهورية بروتوكوليا على الرغم من بعض الصلاحيات التي منحت له، بجعلهم نظام الحكم بالعراق نظام برلماني وليس برئاسي.  كما وأنّ انتخاب رئيس الجمهورية العراقية بموافقة ثلثي أعضاء البرلمان يعني أنّ الموافقة عليه لا تتم الا عبر صفقات سياسية، وهذا يعني أنّ الرئيس يكون تحت رحمة القوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي غير المستقر اصلا في العراق، وبالتالي فهو ينفّذ ومن أجل أستمراره بمنصبه أهداف وسياسات هذه القوى، ويقدّم لها ما تريد من خلال إستغلال الصلاحيات الممنوحة له دستوريا.

تنص المادة 27 أولا من قانون المخدّرات والمؤثّرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 على أنّ " يعاقب بالأعدام أو بالسجن المؤبّد كل من أستورد أو جلب أو صدّر مواد مخدرّة أو مؤثرات عقلية أو سلائف كيميائية بقصد المتاجرة بها في غير الأحوال التي أجازها القانون". ولأنني مواطن عراقي كوردي كما السيد رئيس الجمهورية برهم صالح، فأنني توجهت الى بعض المختصّين باللغة العربية لأسألهم عن تفسير هذه المادة كون العربية ليست لغتي الأم. فكان جوابهم من أنّ المادة لا تحتاج الى تفسير أو تأويل،  فهي ليست قرآن كريم ليختلف الفقهاء تبعا لطوائفهم في شرحها وتأويلها، وهي واضحة كما الشمس في رابعة النهار!!

أنّ منصب رئاسة الجمهورية اليوم هو محل شدّ وجذب بين معسكرين سياسيين، كل منهما يعتبر نفسه الفئة الناجية التي سَيُدْخل العراق بها الجنّة الموعودة، كون الدستور منح رئيس الجمهورية صلاحية تكليف ممثل الكتلة الأكبر لتشكيل مجلس الوزراء، وفق المادّة 76 أولا والتي تنصّ على " يكلّف رئيس الجمهورية مرشّح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ أنتخاب رئيس الجمهورية".

أنّ  الصراع على منصب رئاسة الجمهورية بين الحزبين الكورديين،  يعود أساسا الى وقوفهما في خندقين متقابلين. فالأتحاد الوطني الكوردستاني اليوم هو في معسكر المالكي وما يسمّى بدولة القانون والأطار الشيعي، فيما يقف الحزب الديموقراطي الكوردستاني في معسكر الصدر والحلبوسي. ولازال الصراع بين الفريقين قائما حول تسمية الكتلة الأكبر في البرلمان.  وتبعا لهذا الصراع فأنّ كلا الفريقين يريدان أن يكون منصب رئاسة الجمهورية  والمتعارف عليه أنّه من حصّة الكورد، من نصيب الطرف الكوردي المتحالف معه. والأمر للآن طبيعي، كونه صراع مصالح حزبية وفئوية ومافيوية، لأن الصراع من أجل مصالح الناس ورفاهيتهم ليس في سلّم أولويات قوى المحاصصة هذه.

هل علينا كمواطنين أن نحترم القانون؟ لا أظنّ أنّ السؤال بحاجة الى صعوبة للأجابة عليه، فالقانون ليس تلك الآلة الموسيقية التي يُعزف عليها، بل هو أساس لبناء الدولة، وعليه فأنّ تطبيقه والعمل به يكون ملزما لجميع أبناء الشعب بغضّ النظر عن الجنس واللغة والدين والعرق والمهنة  والمستوى التعليمي والأختلاف الفكري والآيديولوجي، وعندما نقول الجميع فأننا لا نستثني الطبقة السياسية الحاكمة والتي عليها أن تكون قدوة في تطبيق القانون وروح القانون. فهل السيد رئيس الجمهورية برهم صالح، طبّق القانون وأعاره الأحترام الذي يليق به أي القانون، وهو يرشي دولة القانون لأبقاءه في منصبه؟

لقد نقلت أخبار بغداد غير السارّة كعادتها منذ عقود، خبرا أن صحّ فسيكون كارثيا بمعنى الكلمة، على الرغم من أننا نعيش الكارثة بكلّ تجلياتها وتفاصيلها، فقد تناولت وسائل التواصل الاجتماعي مرسوما جمهوريا موقّعا من قبل السيد رئيس الجمهورية يعفو فيها أستنادا الى أحكام البند (أولا) من المادّة (73) من الدستور والفقرة (1) من المادة (154) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969، وبناء على توصية رئيس مجلس الوزراء. رسم بما هو آت:

أولا يُعفى المحكوم ( جواد لؤي جواد) عمّا تبقّى من مدّة محكوميته في الحكم الصادرعن محكمة جنايات الكرخ في الدعوى المرقمّة (283/ج/2018).
ثانيا: على وزير العدل تنفيذ هذا المرسوم.
ثالثا: يُنَفّذ هذا المرسوم من تارخ صدوره.
كتب ببغداد في اليوم السابع من شهر جمادى الآخرة لسنة 1443 هجرية
الموافق لليوم العاشر من شهر كانون الثاني لسنة 2022 ميلادية
التوقيع برهم صالح رئيس الجمهورية..
 

صور للمجرم بثيابه العسكرية صادرة من مكتب رئاسة الجمهورية

السيد رئيس الجمهورية، أن مرسوكم هذا يعني انكم وكونكم حامي الدستور والقانون، فأنكم تجاوزتم على القانون بشكل واضح وسافر من أجل مصالح شخصية، وهذا ما لا يليق برجل دولة مثلكم. وأنّه يعتبر وكما ذكرت قبل قليل من أنّ مرسومكم بأطلاق سراح المجرم وتاجر المخدرات  جواد الياسري أبن محافظ النجف السابق وعضو حزب الدعوة الاسلامية ودولة القانون وليس المحكوم كما جاء في المرسوم الرئاسي،  ليس سوى رشوة سياسية  لضمان تصويت الأطار الشيعي لكم لتوليكم منصب الرئاسة لدورة ثانية، وتكليفكم الكتلة الأكبر "التي تعملون على ان تكون للمالكي وحلفاءه" التي لم تحسم لليوم لتعيين رئيسا للوزراء.
 

نسخة من المرسوم بتوقيع رئيس الجمهورية برهم صالح

السيد رئيس الجمهورية، أنكم بمرسومكم هذا لم تضربوا القانون العراقي النافذ في مثل هذه الحالات عرض الحائط فقط، بل أنّكم تساهمون بأغراق البلاد بالمخدّرات، وهذا  يعني من أنّكم شركاء في هذه الجريمة  التي تجعل العراق "غرزه" كما يقول أخواننا المصريون، غرزه مغلقة لا يطير منها الدخان بل يبقى جاثما على أرواح وأجساد شباب العراق لتدميرهم وعوائلهم، وتدمير الوطن.

حتّى لا يطير الدخّان* عنوان فلم مصري

زكي رضا
الدنمارك
28/2/2022














 
















48
مستقبل أغلبية الصدر السياسية


أنسداد سياسي، أستعصاء سياسي، مأزق سياسي، "بن بست سياسي" * وغيرها من التوصيفات التي تعبّر عن "عمق" الخلافات البنيوية لسلطة المحاصصة، ليست سوى ترجمة للأزمات التي تتناسل بشكل مستمر منذ الإحتلال لليوم. وبالحقيقة فأنّ أقطاب سلطة المحاصصة اليوم هي نفسها التي بنت وهي في المعارضة صورة وردية عن عراق ما بعد البعث، بقسوته وجوعه وفقره وأهداره للمال العام، والنتيجة بعد ترحيل البعث عن السلطة وأستقدامهم أي المعارضة للسلطة تبيّنّ أنّهم كانو يبنون لنا عراق كما قرى بوتمكين **. فالقسوة أستمرّت لتكون مجتمعية بأدارة هذه الأحزاب، والجوع بقى هو الآخر يحتل مكانته في المجتمع، والفقر زادت مساحته، أمّا هدر المال العام فحدّث ولا حرج، كل هذا وموارد الدولة زادت عمّا كان عهد البعث بمئات المرّات نتيجة أرتفاع اسعار البترول في السوق العالمية وزيادة أنتاجه وتصديره.

لقد برزت أنتفاضة تشرين كثورة ضد سلطة المحاصصة وقبرها، لبناء عراق حلم به أولئك الشابات والشباب. وقد أرعبت تلك الأنتفاضة اركان سلطة الفساد ووراءها دول اقليمية تريد أن يبقى الوضع السياسي هشّا وضعيفا، فعراق ضعيف يعني أستمرار هيمنة هذه الدول على مقدراته، وأستمراره كسوقا مفتوحة لبضائعهم. وقد نبّهت تلك الأنتفاضة قيادات هذه الأحزاب الى نقطة غاية بالأهميّة، وهي أنّ خلافاتهم مهما كانت كبيرة فأنّ أتفاقاتهم من تحت الطاولة أو من فوقها هو الأهم لديمومة سيطرتهم على الأوضاع السياسية بالبلاد، وبالتالي أستمرار عملية نهب ثروات البلد وبناء امبراطوريات مالية وأقتصادية على حساب مصالح الناس ومستقبلهم. وهذا يعني أنّ سلطة المحاصصة تريد كما الدول الأخرى عراق ضعيف وميّت سريريا، دون الأعلان الرسمي عن وفاته و خسارتها سرقاتها ونهبها للمال العام. فهل هذه القيادات فقدت رشدها، أو اصابها الجنون لتخسر مواقعها من أعلان وفاته وأصدار شهادة الوفاة تلك، لأنّ اعلان وفاة العراق يعني خسارة هذه الأحزاب لسلطتها، وبالتالي خسارتها للثروات التي تجنيها من خلال الفساد والرشاوى والأتاوات ..!؟

يريد البعض من المتابعين للشأن السياسي العراقي توصيف الوضع السياسي العراقي اليوم وبعد نتائج الأنتخابات الأخيرة، من أنّه دلالة على تفتت التحالفات القديمة، الشيعية – الشيعية، السنيّة – السنيّة، الكوردية – الكوردية، فهل الوضع هو كما وصف هؤلاء السادة، ونحن نعيش أزمة عدم تشكيل حكومة، وصراع على منصب غير ذي أهميّة كما منصب رئاسة الجمهورية؟ الحقيقة هي أننا نستطيع أن نرى على السطح شكل من أشكال هذه الخلافات، فهل هي جديّة، وهل نستطيع أن نراها في العمق؟ هنا علينا التوقف مليا مبتعدين عن الضجيج الأعلامي حول الخلافات بين البيوتات الحاكمة، لننظر الى الاسباب التي تعطّل تشكيل الحكومة، وهل هي اسباب نتجت وتنتج عن خلافات جوهرية على شكل الدولة ونظرتها للمجتمع وأدارتها للأقتصاد وتوفير حاجات الناس ليعيشوا بكرامة، أم أنّ الخلافات هي خلافات شخصية  للهيمنة على المناصب الحكومية التي تدرّ أرباحا اكثر، كوننا نعيش بازار بمعنى الكلمة؟

يتحدث التيار الصدري اليوم عن حكومة أغلبية سياسية، فماذا تعني الأغلبية السياسية بنظره؟ علينا بداية التأكيد على أنّ الأغلبية السياسية التي يدعو اليها الصدر ليست أغلبية مطلقة، بل أغلبية نسبية أو بسيطة، وهذه قد تكون مفتاحا للبدأ بفتح أبواب مغلقة عديدة لو كانت هناك أرادة سياسية حقّة وقادرة على حسم الموقف بشكل جدي وصارم خدمة لمصالح شعبنا ووطننا. ودعوة الصدر لحكومة أغلبية سياسية تضم جزء من الكورد وهم جزء من نظام المحاصصة الطائفية القومية، وجزء من السنّة وهم أيضا جزء من نظام المحاصصة الطائفية القومية، وجزء من الأطار الشيعي وبالأحرى كل البيت الشيعي عدا المالكي وهم اساس نظام المحاصصة الطائفية القومية، هي ترجمة بلغة بسيطة لأنتاج نظام محاصصة طائفية قومية جديد، هذا أن كنا قد غادرنا هذا النظام اصلا.

الصدر وتياره اليوم أمام خيارين، أولهما هو رفض انضمام الأطار الشيعي باكمله في الحكومة القادمة، وهنا يكون قد أثبت للرأي العام العراقي قبل انصاره عدم أنصياعه لأوامر طهران، وهذا ما يمنحه مجالا اوسع للحركة والمناورة لتنفيذ ما طرحه أمام ناخبيه من شعارات، وأهمها حصر السلاح بيد الدولة ومحاربة الفساد وتقديم رؤوس عليها القيمة منهم الى القضاء لمحاكمتهم وأسترداد ما نهبوه، لكنّ ما هو موقف بقية حلفاءه في حالة أتخاذه لقراره هذا وبينهم اعداد كبيرة من الفاسدين الكبار؟

الخيار الثاني هو أن تكون كتلته وهي اكبر كتلة برلمانية ومعه المستقلين معارضة أيجابية حقيقية، أي تثمين أي قانون يساهم في أستقرار البلاد على مختلف الصعد، والعمل على سنّ قوانين تؤمّن مصالح الناس وتحافظ على ثروات البلاد. وبموازاة ذلك، تعمل على مراقبة أداء الحكومة مراقبة دقيقة ومحاربة الفساد وكشف ملفّات الفساد السابقة وملاحقة المتورطين فيه.

يبدو من خلال الصراعات الظاهرية التي تلقي بظلالها الخجولة على المسرح السياسي البائس اليوم، من أن السلطات في العراق ماضية في أنتاج الأزمات، وأنّ من يقودون البلاد ليسوا رجال دولة، والحكومة التي يعمل الصدر على تشكيلها ستضع أزمات البلاد في برّاد، لتعود تلك الأزمات من جديد بعد تشكيل الحكومة مباشرة وتقسيم الوزارات بين المنتصرين، نقول بين المنتصرين لأن المهزوم الوحيد في هذه المهزلة هو شعبنا المكتوي بأستهتار طبقة سياسية طفيلية وفاسدة بمقدارته ووطنه ....

الدروس المستوحاة من الأنتفاضة وسعتها المستقبلية هي من سترسم العراق الجديد، وليس صراع البيوتات الحاكمة.



* مصطلح فارسي، ويعني الطريق المسدود.
** قرى بوتمكين " قرى زائفة أنشأها غريغوري بوتمكين على ضفاف نهر الدنيبر لخداع الإمبراطورة يكاترينا الثانية أثناء رحلتها للقرم.

زكي رضا
الدنمارك
14/4/2022



49
المنبر الحر / عاش الشَعـــــــ ..
« في: 20:57 08/02/2022  »
عاش الشَعـــــــ ..


في كل ثامن من شباط ومنذ ذلك الفجر الدموي الذي كان بوّابة الجحيم العراقي المستمرّ لليوم، يُكتب الكثير عن تلك الحفلات الهمجية التي مارسها الحرس القومي بحق أبناء شعبنا وفي مقدمتهم قيادة وأعضاء الحزب الشيوعي العراقي. كما وتعتبر تلك الرِدّة السوداء مساحة لكتابة العلاقة بين البعثيين وحلفائهم الذين شاركوهم ذلك الأنقلاب، أن لم يكن بالتخطيط لها، فبالأعتراف بها منذ لحظاتها الأولى كما القيادة الكوردية وبأمر من الملّا مصطفى البارزاني التي أبرقت الى ما يسمّى بمجلس قيادة الثورة برقيّة موقّعة من قبل صالح اليوسفي وفؤاد عارف كان نصّها " أنّ ضربات الشعب الكوردي تلاحمت بالثورة المجيدة على العدو اللدود للقوميتين الشقيقتين العربية والكوردية وبقية الشعب العراقي على الجلّاد الأوحد لشعبنا الكوردي المسلم وعلى اوكار الخيانة الملطّخة بعار دماء شهداء الشعب وقوّاته المسلّحة وكوارثهم وويلاتهم "(1)، وكان فؤاد عارف ومعه جلال الطالباني ضمن الوفد العراقي للتهنئة بعيد تأسيس الجمهورية العربية المتحدة في 23 شباط 1963، قبل أن ينتهي شهر العسل بأندلاع المعارك بين الطرفين الكوردي والبعثي بأشهر قليلة وتحديدا في العاشر من حزيران، أو من الذين باركوها ووقفوا الى جانبها بكل قوّة كما المرجع الشيعي وقتها السيد محسن الحكيم، قبل أن ينتهي شهر عسله والمرجعية الشيعية بالبعث هو الآخر. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه قطعان الحرس القومي تبحث عن الشيوعيين وأنصارهم والعديد من الديموقراطيين والوطنيين للتنكيل بهم " وجرى أعدام كل شيوعي – حقيقي أو مفترض-لإبدائه أقل مقاومة أو لمجرد الاشتباه بنيته في المقاومة. وأرهق عدد الذين أعتقلوا بهذه الطريقة السجون الموجودة فتمّ تحويل النوادي الرياضية ودور السينما والمساكن الخاصّة وقصر النهاية، وحتّى جزء من شارع الكفاح في الأيّام الأولى الى معسكرات اعتقال. وكانت الاعتقالات تنفّذ بموجب قوائم موضوعة سابقا"(2). وسيبقى بيان رقم 13 وصمة عار في جبين البعث وحلفائه الذين صمتوا عنه، ويقول القيادي البعثي محسن الشيخ راضي حول هذا البيان سيء الصيت والسمعة " ففي هذا الشأن لا أملك المعلومة الدقيقة، ولست مطلعا على من كتب هذا البيان من قادة حركة 8 شباط، أو من قام بصياغة عباراته الدموية الصريحة الداعية الى أبادة الشيوعيين في العراق" (3)

لقد كانت محنة الثامن من شباط بالنسبة للحزب وقاعدته الجماهيرية اكثر قسوة من محنة الحزب في العام 1949 وأعدام قيادته وعلى رأسها الرفيق الخالد فهد، والثامن من شباط لم يكن بالحقيقة ضربة موجعة للحزب الشيوعي العراقي، قدر ما كان ضربة موجعة وقاسية لشعبنا ووطننا. فهذا الانقلاب كان بوابّة لفتح كل ابواب العراق للريح الصفراء التي دمّرت بلدنا وأوصلته الى ما هو عليه اليوم، هذه الريح التي صنعتها المخابرات المركزية عن طريق حزب البعث، وهذا ما أكّده الملك حسين بعد أشهر من الانقلاب في لقاء له مع محمد حسنين هيكل في فندق " كريون" في باريس إذ قال له " تقول لي إنّ الاستخبارات الأميركية كانت وراء الأحداث التي جرت في الأردن عام 1957 . أسمح لي أن أقول لك إنّ ما جرى في العراق في 8 شباط ( فبراير) قد حظي بدعم الأستخبارات الأميركية. ولا يعرف بعض الذين يحكمون بغداد اليوم هذا الأمر ولكني أعرف الحقيقة. لقد عُقدت اجتماعات عديدة بين حزب البعث والاستخبارات الاميركية، وعُقد أهمّها في الكويت" (4) . ولم يقتصر الأمر على الملك حسين في تناوله علاقة البعث بالمخابرات الأمريكية، فها هو عضو في قيادة البعث رفض ذكر اسمه يقول في حديث له مع بطاطو " أنّ السفارة اليوغسلافية في بيروت حذّرت بعض القادة البعثيين من أنّ بعض البعثيين العراقيين يقيمون اتصالات خفيّة مع ممثلين للسلطة الامريكية" (5).

في التاسع من شباط قتل البعثيون شعبنا بأكمله في مبنى الأذاعة، ليس لأنهم أعدموا قاسم ورفاقه، وليس لأنهم حولوا العراق الى مسلخ بشري، بل لأنّهم كانوا مرعوبين من كلمة الشعب التي هتف بها المهداوي وهو يستقبل رصاصاتهم الغادرة بشجاعة الوطني الغيور على شعبه ووطنه، وهذا أكّده طالب شبيب إذ قال " خرجنا جميعا من القاعة وبقي الرماة، وتمّ الرمي وحينها علمت من الرماة فور خروجهم، أنّ قاسم هتف بشيء لم يميزوه لكن الوحيد الذي ميزوا ما قاله هو المهداوي الذي هتف بصوت عال: " عاش الشَعـــــ .." ولم يُكملها (6)

مَن نصّبنا – يا ترى – أوصياء للدفاع عن الله ضد عدوّه " يقصد عبد الكريم قاسم"؟!! وهل الله بحاجة الى من يدافع عنه!!. كنّا عفلقيين أكثر من عفلق نفسه (7)

من نصّبكم أيّها الميليشياويون – يا ترى – أوصياء للدفاع عن الله ضد فقراء شعبنا!!؟ وهل الله بحاجة الى من يدافع عنه!! أنّكم خمينيون اكثر من الخميني نفسه



1- "عراق 8 شباط 1963 .. من حوار المفاهيم الى حوار الدم .. مراجعات في ذاكرة طالب شبيب" د. علي كريم سعيد ص 250
2- "العراق .. الكتاب الثالث، الشيوعيون والبعثيون والضباط الاحرار" حنا بطاطو ص 300
3- " كنت بعثيا . مذكرات محسن الشيخ راضي" الجزء الاول ص 152
4- "العراق .. الكتاب الثالث، الشيوعيون والبعثون والضباط الاحرار" حنا بطاطو ص 300
5- المصدر اعلاه، نفس الصفحة
6- "عراق 8 شباط 1963 .. من حوار المفاهيم الى حوار الدم .. مراجعات في ذاكرة طالب شبيب" د. علي كريم سعيد ص 104 – 105
7- " كنت بعثيا . مذكرات محسن الشيخ راضي" الجزء الاول ص 148

زكي رضا
الدنمارك
7/2/2022



50
الإستعمار الإيراني للعراق أخطر اشكال الإستعمار


بعيدا عن العاطفة مع التحلّي بشيء من المنطق والنظرة الحيادية للعراق اليوم، نستطيع أن نقول ولحدود بعيدة من أنه أي العراق يرزح تحت حكم إستعماري شرس. وإستعمار العراق اليوم  ليس إستعمار بالشكل المتعارف عليه من حيث إستعمار دولة لأخرى لنهب ثرواتها، أي ليس كما الإستعمار القديم الذي كان يعمل على الإستيطان في البلد المحتل ونهب ثرواته، على الرغم من أنّ هذا الأمر قابل للنقاش في العراق اليوم. أمّا كون الإستعمار بالعراق اليوم هو إستعمار حديث، كما كان الإستعمار الأوربي لبلدان العالم المختلفة في آسيا وأفريقيا خصوصا بعد الثورة الصناعية، لإيجاد أسواق لتصريف منتجاتها والبحث المستمر عن الخامات الرخيصة، فالأمر لا يخلو هو الآخر من اسئلة قابلة هي الأخرى للنقاش في حالة بلدنا.

ولم تُستعمر دولة على مدى التاريخ، الّا وكانت تنظّم مقاومة مسلّحة بشكل أو بآخر ضد المحتلين الغزاة، ولم يتخلف الشعب العراقي في مواجهة الإحتلالين البريطاني أثناء ثورة العشرين، ومقاومة المحتلين الأمريكان بعد الإحتلال الأمريكي سنة  2003 عن هذه الشعوب في نضالها الوطني. ولو راجعنا تاريخ مقاومة الشعوب للمحتلين، فسنرى إنها حققت وعلى رغم قوافل الضحايا نصرا عليها في آخر المطاف. وفي الحقيقة فأنّ مقاومة المحتلين عسكريا وعلى الرغم من كثرة الضحايا والخسائر في هذا الطريق، هو أسهل أشكال النضال. فالشعوب التي قدمّت عشرات أو مئات الآلاف من القتلى في سبيل نيل حريتها ودُمّرت مدنها كما فيتنام مثلا، لم تخسر أهم معاركها وهما المعركتين الفكرية والثقافية. وعدم خسارتها هاتين المعركتين، فتح الطريق أمامها للإستقلال الحقيقي والسير قدما في بناء بلدها.

هل العراق اليوم دولة مستقلّة؟ أو دعونا طرح السؤال بصيغة أخرى، هل العراق دولة محتلة؟

نظريّا وبعد ترتيبات خروج القوّات الأمريكية المحتلّة من البلاد، يعتبر العراق دولة مستقلة. كما وأنّ عضويته في منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، وكذلك عضويته في المنظمات الإقليمية والدولية المختلفة تشير الى ذلك دون أدنى شك. لكنّ هل العراق عمليّا هو دولة مستقلّة، أو أنّه لا زال يرزح تحت حكم إستعماري غير الإستعمار الأمريكي؟

من خلال الواقع السياسي غير المستقر بالبلاد، وضعف الإقتصاد العراقي وإنهيار البنى التحتية وتخلّف القطّاعات الإنتاجية أو إنهيارها بالأحرى، فأنّ البلاد هي تحت رحمة إستعمار يتّخذ العراق سوقا لتصريف منتجاته بتواطئ محلّي. وهذا الشكل من الإستعمار هو شكل من أشكال الإستعمار الحديث والذي بدأ بعد الثورة الصناعية في أوربا مثلما قلنا قبل قليل، ومن الممكن مواجهة هذا الشكل من الإستعمار في حالة وجود إرادة سياسيّة متحررّة من عقد الماضي، وقيادات تحترم شعبها ووطنها وتعمل على رفعتهما.

الّا أنّ المشكلة الكبرى تكون في مواجهة الشعوب لإحتلال غير عسكري، أو لنقل إحتلال غير مباشر. خصوصا إن كان المحتلّون يمتلكون أدوات تشكيل منظومة فكرية ثقافية إجتماعية في جزء من البلاد وفرضها على كامل البلاد لوجود حاضنة إجتماعية لهذه المنظومة. وهذا الشكل من الإحتلال هو ما يواجهه شعبنا اليوم، إضافة الى العامل الديني المذهبي والقومي والتغييرات الديموغرافية التي تضرب البلاد.

لقد إستثمرت إيران وجود المعارضة الإسلامية فيها أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعلاقاتها مع القيادات الكوردية وتطلعاتها القومية بشكل كبير جدا. وإستطاعت أن تبني لها في قيادات هذه الأحزاب وجماهيرها لحدود معيّنة، شبكات إستخبارية تعمل لصالحها وتأتمر بأوامرها خصوصا عند القوى الشيعية. وما أن رحل النظام البعثي بعد الإحتلال الأمريكي عن السلطة، حتى ملأت إيران بوكلائها الفراغ السياسي، في ظل جهل وتخلّف أمريكي بطبيعة العلاقات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والدينية، وخصوصا عند شيعة العراق مع إيران. وقد وافقت القوى الكوردية على المشروع الإيراني في إدارة العراق من خلال قبولها بنظام المحاصصة الطائفية القومية، وأبتلع سنّة العراق الطعم أيضا ليصبح العراق اليوم مستعمرة إيرانيّة، من حيث القرار السياسي والتبعية الإقتصادية بفتح أسواقه للبضائع الإيرانية وغيرها من البلدان الإقليمية.  لكن هل هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجهه بلدنا وشعبنا؟

أنّ الخطر الأكبر للإحتلال الإيراني للعراق ليس إحتكارها للقرار السياسي اليوم على الرغم من خطورته، وليس من تعداد ميليشياتها الولائية وغير الولائية التي لاتستطيع الخروج عن الإجماع الشيعي برعاية إيران،  وليس كون العراق سوقا لبضائعها وبقية بلدان الجوار، بل يكمن الخطر بإستعمار شعبنا فكريا وثقافيا ومذهبيا. فإيران اليوم تفرض ثقافتها الدينية الطائفية على العراق من خلال مراكزها الثقافية والدينية ومدارسها المنتشرة في محافظات الجنوب حيث المدن الشيعية وخصوصا مدينة البصرة الحدودية، كما تقوم وعن طريق أذرعها العسكرية بالتغييرات الديموغرافية في بلدات محيط بغداد ومحافظتي ديالى وصلاح الدين، بل أنها قامت بغزو فكري ثقافي لبلدات مسيحية في سهل نينوى!!  كما قامت وتقوم وعن طريق التسهيلات المقدّمة لها من قبل السلطات العراقية بتجنيس عشرات الآلاف إن لم يكن أكثر من الإيرانيين بالجنسية العراقية لسببين، أولهما هو التغيير الديموغرافي بالبلاد، والآخر هو أنّ المتجنسين هؤلاء لهم ثقل إنتخابي وميليشياوي وتجسّسي وتخريبي.

من خلال الغزو الفكري والثقافي والمذهبي الإيراني للعراق، فأنّ الإستعمار الإيراني للبلاد يعتبر إستعمارا طويل الأمد وذو آثار تفوق ضرر كل أشكال الإستعمار الحديث منه والقديم. ولنخرج من هول كارثة هذا الإستعمار، فإننا بحاجة لنهضة فكرية ثقافية في ظل حكم سياسي رشيد، وقد يمتد تعافينا من آثار هذا الغزو لعقود، خصوصا وأنّ نسبة الوعي إنحسرت كثيرا أمام شيوع مفاهيم الجهل والتخلف وخصوصا الدينية منها، والتي تغذّيها إيران عن طريق وكلاؤها بشكل منظّم ومدروس  .....

زكي رضا
الدنمارك
11/1/2022


 


51
أنا أبحث عن الله في .....


بعد حفلة الفنان محمد رمضان التي أقيمت في جزيرة السندباد ببغداد، إنطلقت القوى والشخصيات الدينية  في خطاب ديماغوجي تبحث فيه عن الأخلاق والقيم الإسلاميّة التي أُهدرت وتُهدر من خلال حفلات الفجور التي تُبعد الشابات والشباب عن الله،  وتتجاوز وتستهتر بالمنظومة القيمية والأخلاقية للشعب العراقي كما جاء في بيان حزب الدعوة الإسلامية!!  وكأنّ الفنانة مادلين طبر التي أقامت حفلا فنيا برعاية زعيم حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي ببغداد بمناسبة يوم الصحافة العراقية في شهر آب/ أغسطس سنة 2016  لم تغنّي في ذلك الحفل، بل كانت تتلو آيات من الذكر الحكيم، أو تقرأ دعاء كميل في حضرة الدعاة ورجال الدين!! أم لأنها أنثى وجميلة وتتلوى كالأفعى في حضرة الحُواة الإسلاميين، الذين لم ينظروا إليها كبقرة وهم يلتهمونها بعيونهم  وأحاسيسهم، تاركين الله الذي يدعون عبادته في دُرج مهمل !!   

ككل مزايدة بين الإسلاميين في مثل هذه الحالات خرج علينا مقتدى الصدر يبحث عن طاعة الله والأخلاق والأفكار والعقيدة الإسلامية، التي تُبعد شباب العراق عن الله والقيم الإسلامية والمجتمعية كما يدّعي. وكحل لهذه المشكلة الكبيرة، يقول الصدر من أنّه صار لزاما علينا تفعيل مشروع " ديني – عقائدي – أخلاقي" و " إرجاع المجتمع الى الله" !!! وأن الخطوات الأولى في هذا السبيل ولازال الحديث لمقتدى الصدر هو " تفعيل المساجد والحسينيات لتكون دارا للطاعة والخدمة والرجوع لله".

الرجوع لله ....!!  أين يوجد الله عند حزب الدعوة ومقتدى وشيوخ الإسلام..؟ وكيف السبيل للعودة إليه،  هذا إن كان المؤمنون البسطاء قد تركوه أصلا..؟ إنّ الله وفق ما تعلّمناه من الدين قبل أن يتاجر به الدعاة ومقتدى وبقية الإسلاميين،  ليس ربُّ يُعبد دون قيم وأخلاق، وليس بعبعا لتخويف الناس وإرهابهم.. فالله أو أي إسم آخر له وفي أي دين، هو رحمة ومغفرة وحب وصدق وأمانة. الله، يجب أن يكون طريقا للبناء لا الهدم. الله،  هو طريق لزيادة معارف الإنسان لا نشر الجهل بين البشر، وعليه يجب تفعيل المدارس والجامعات لنشر النور وهو العلم بينهم. الله، عافية وليس مرض ويجب هنا تفعيل عمل المستشفيات لإنتاج إنسان معافى. الله، رشيد يرشد الناس للخير، وليس فاسد ينهب الناس. الله، رحمة وليس بمستبد...

المالكي والصدر وبقية إسلاميي العراق يبحثون عن الله في المساجد والحسينيات، وأنا أبحث عنه في المدارس الآيلة للسقوط. هم يبحثون عنه بين أفخاذ الرضيعات بتفخيذهن، وأنا أبحث عنه في براءة طفولتهن ودموع أمّهاتهن. هم يبحثون عنه لإحتكاره، وأنا أبحث عنه ليكون مشاعا لجميع الناس بغضّ النظر عن أديانهم وطوائفهم. هم يبحثون عنه كأداة للقمع، وأنا أبحث عنه كطريق للحريّة. هم يبحثون عنه ليقتلوا الناس بإسمه، وأنا أبحث عنه للرحمة بالناس. هم يبحثون عنه من خلال منابرهم، وأنا أبحث عنه في مساطر العمّال الفقراء. هم يبحثون عنه بجكساراتهم وجيوش حماياتهم، وأنا أبحث عنه حافي القدمين. هم يبحثون عنه من خلال ولائمهم الفاخرة، وأنا أبحث عنه في المزابل حيث الجوع يفتك بالفقراء. هم يبحثون عنه في ثروات وطننا، وأنا أبحث عنه في جيوب المحرومين. هم يحولونه لسوط بيد ابو درع والولائيين، و أنا أريده يد حانية على رؤوس الارامل والأيتام.

من أقرب الى الله، انا الذي ابكي طفل عراقي يتيم وجائع أم الذي سرق أموال هذا الطفل؟  من أقرب الى الله، أنا الذي أغضّ البصر باكيا عن إمرأة جائعة في بلادي، أم الذي يريد أن يضاجعها متعة لحاجتها؟ من أقرب الى الله، أنا الحريص على ثروات بلدي أم الذي ينهب تلك الثروات؟ من أقرب الى الله، أنا الذي أردد قول محمّد " إياكم والرشوة فإنها محض الكفر ولا يشم صاحب الرشوة ريح الجنة"، أم الذي جعل الرشوة ثقافة في مجتمعنا!؟

إنني أرى الجواهري ينظر الى  حال العراق الإسلامي وحال النجف اليوم وهو ينشد:

يُلَمُّ فتاتُ الخُبزِ في التربِ ضائعاً  هُناك، وأحياناً تُمَصُّ نواة
بيوتٌ على أبوابها البؤسُ طافحٌ  وداخِلَهُنَّ الأنسُ والشَّهَوات
تحكَّمَ باسمِ الدّينِ كلُّ مذَمَّمٍ  ومُرتكِبٍ حفَّتْ به الشُبُهات
وما الدينُ إلا آلةٌ يَشهَرونها  إلى غرضٍ يقضُونه ، وأداة
وخلفَهُمُ الأسباطُ تترى ، ومِنهُمُ  لُصوصٌ ، ومنهمْ لاطةٌ وزُناة

زكي رضا
الدنمارك
20/12/2021

   

52
الديموقراطية التوافقية
المحاصصة الطائفية القومية وخطرها على الدولة العراقية

الديموقراطية كلمة لاتينية من مقطعين، الأوّل Demos وتعني الشعب، والثاني Kratos وتعني الحكم أو السلطة، وبالتالي فأنّ مفهوم الديموقراطية كمصطلح هو حكم الشعب. والديموقراطية على الرغم من تعريفها الواضح الا أنّها تتمايز في أشكالها من بلد لآخر تبعا لتطور مجتمعات تلك البلدان أو تخلفها ثقافيا، وكذلك على مبدأ العدالة الإجتماعية والإستقرار السياسي اللتان ترسّخان مبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال آليات ديموقراطية تتطور بإستمرار.

التشريعات التي فتحت الطريق للتطور الديموقراطي في بريطانيا وحاجتنا لها

أنّ الديموقراطية البريطانية العريقة على سبيل المثال شهدت في العام 1868 تشريع وإصدار جملة قوانين لإصلاح المشاكل الإجتماعية والإدارية من قبل البرلمان، وهذه القوانين فتحت الباب واسعا لتطور العملية الديموقراطية بالبلاد. ولم يطل الأمر كثيرا للبدأ بإصلاحات جذرية تهم قطاعات واسعة من الجماهير من قبل البرلمان وقتها، ففي العام 1870 أي بعد سنتين فقط سنّ البرلمان البريطاني قانون الخدمة المدنية الذي فتح الابواب مشرعة ليتولى الكفوءين المناصب الإدارية بالبلاد، بعدما كانت هذه المناصب من حصة علية القوم او من الذين يستطيعون شرائها! ويبقى قانون التعليم الذي سُنّ في نفس العام ليحد من سطوة المدارس الكنسية وليشيع نظام تعليمي جديد من خلال مدارس تدعمها الحكومة، قفزة هائلة في تحديث التعليم الذي خطا خطوات جبّارة للأمام من خلال تعليم أطفال الطبقات الفقيرة، والذي ساهم في تغيير اللوحة الإجتماعية بالبلاد.

طرحنا سن قانون الخدمة المدنية وقانون التعليم، ليس لمقارنة الديموقراطية البريطانية العريقة والتي تتطورت خلال قرنين من الزمن لتصل الى ما هي عليه اليوم بـ " الديموقراطية" العراقية، بل إشارة لقصر الفترة الزمنية لسن وتشريع قانونين غيّرا شكل المجتمع البريطاني، مقابل تراجع شكل النظام " الديموقراطي" العراقي بإستمرار منذ أن جاء به المحتل الأمريكي لحل مشاكل الدولة العراقية، والتي تتعمّق وتزداد تعقيدا كلمّا مضينا قدما بهذا الشكل من أشكال الديموقراطية المعتمدة على المحاصصة الطائفية القومية في توزيع مراكز القوى والمناصب، أي الديموقراطية التوافقية. وقبل الدخول في ماهية الديموقراطية التوافقية وتطبيقها الذي سيقودنا الى كوارث على صعيد المجتمع والإقتصاد والتعليم والبيئة وغيرها إن لم يقدنا لليوم، ومقارنتها بأقرب تجربة ديموقراطية توافقية قريبة لنا جغرافيا وما آلت إليه كلبنان، سأتناول بشيء من التبسيط تقريرا تحت عنوان (إستراتيجيات لدعم الديموقراطية في العراق) (1) أعدّه أريك ديفيس أستاذ العلوم السياسية ومدير سابق في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة راتجرز لصالح معهد السلام الأمريكي UNITED STATES INSTITUTE OF PEACE في العام 2005 ، وإيريك ديفيس هو نفسه مؤلف كتاب (ذكريات دولة: السياســة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث). وهذا المعهد وعلى الرغم من كونه "مؤسسة فدرالية غير حزبية" كما يُعرِّف نفسه، الا أن الكونغرس الامريكي هو من انشأه ويموله، والرئيس الامريكي هو من يعيّن مجلس إدارته ويصادق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي!

إستراتيجيات دعم الديموقراطيّة بالعراق من وجهة نظر معهد السلام الامريكي

في مقدمة التقرير يشير الكاتب الى أنّ بدأ العملية " الديموقراطية" بالعراق تعني أن لا عودة للوراء، وعملية التحول الديموقراطي الجدّي والتي بدأت حسب وصفه بحاجة الى أن يعمل العراقيون على " إضفاء الطابع المؤسسي على نظامهم السياسي الديمقراطي الوليد"، ويستفيض الكاتب بشرح مفصّل عن هذا الأمر من خلال تناوله التاريخ الديموقراطي للعراق منذ عهد السومريين الى يومنا هذا ليصل الى " أن الديمقراطية ليســت جديدة على العراق، والواقع أن العكس هو الصحيح تماما".

لقد تناول التقرير المُعَد بإستفاضة وأرقام وأحداث وشخوص وهيئات وأحزاب مساحة واسعة من العملية السياسية بالعراق بعد الإحتلال لحين تاريخ إعداده، كما تناول إقتراحات كاتبه ونظرته لشكل العملية الديموقراطية بالبلاد وآفاقها المستقبلية. ومثلما بدأت الديموقراطية البريطانية بإيلاء إهتمام كبير للتعليم، يقترح الكاتب جملة توصيات من أجل تطوير التعليم والمناهج الدراسية لتكون بوابّة لفهم اكبر للعملية الديموقراطية من خلال " إدخال مواد للتدريس ذات توجه مدني". لقد تناول التقرير بعد المقدمة الشروط اللازمة للديموقراطية والتي حددها بأربع نقاط ، والخصها من وحي التقرير بـ  :

1- "بناء مؤسسات قوية تحمي المواطنين من الممارسات التعسفية للسلطة السياسية".
2- "أنّ المواطنين يجب أن يصلوا ليس الى صحافة مستقلة ونظام للإتصال الجماهيري، بل ايضا الى نظام تعليمي يدعم الفهم المدني والقيم المدنية".
3- "يجب أن تعمل الحكومة على أن يتمتع جميع المواطنين بالعدالة الإجتماعية. أنّ مجتمعا تنتشر فيه البطالة ولا يرى الشباب فيه أملا في المستقبل لا يستطيع أن يبني ديموقراطية قوية".
4- "يجب أن تتسم جميع المجتمعات الديموقراطية بالإتفاق بين المواطنين على المثل العليا الأساسية التي تجمع بينهم".

ويصل كاتب التقرير الى حقيقة معروفة وهي أنّ الديموقراطية تفشل عندما لا يتمتع المجتمع بمستوى معيشي لائق، وشيوع البطالة والأمية، والركود الإقتصادي، وتراجع منظمات المجتمع المدني وغياب العدالة الاجتماعية. لكنّ العدالة الإجتماعية وهي أساس قوي في بناء النظم الديموقراطية، قد نراها في بلدان غير ديموقرطية كالإمارات وقطر على سبيل المثال، فالفائض المالي الكبير في ظل الإقتصاد الريعي وتعداد السكّان والعلاقات القبلية المتداخلة والإدارة الصحيحة لموارد البلد لحدود معيّنة ساهمت في تبني الدولة مبدأ العدالة الإجتماعية دون تحقيق الشروط اللازمة لتحقيقها بشكلها السياسي والإجتماعي والإقتصادي المطلوب، وعلى الرغم من هذا تبقى هذه الحالة إستثناء وليس قاعدة. فقيام العدالة الإجتماعية في مجتمع ما بحاجة الى عمليات تنمية سياسية وإقتصادية وإجتماعية تبدأ ببناء دولة مؤسسات تأخذ على عاتقها الشروع بعمليات تنمية إقتصادية تتكفل بتوفير حاجات الناس، ويعتبر الضمان الإجتماعي من الأسس المهمة لتحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية، وهذا يعني تحمل الدولة مسؤوليتها في تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء من خلال تقديم مساعدات مالية للسكان الأكثر إحتياجا مع ضرورة توفير رعاية صحية وتعليم جيد لجميع الفئات الإجتماعية في المجتمع، ويبقى الطريق للعدالة الإجتماعية معدوما في حالة غياب الأمن والسلام والحريات الفردية وعدم إحترام حقوق الإنسان ومنها حقوق الطفل والمرأة بل وحتى حقوق الحيوانات. وإذا أخذنا بلادنا كمثال فسنرى من إننا بعيدون جدا عن تحقيق مبدأ العدالة الإجتماعية، فالفساد وسوء الإدارة يلتهمان الجزء الأكبر من مداخيل البلد، علاوة على إنعدام الأمن والسلام فيه. كما وأنّ العدالة الإجتماعية في بلد بتعداد العراق السكّاني والذي تتزايد أعداده بوتائر سريعة، لا يستطيع الإقتصاد الريعي مواكبته ولو بحدوده الدنيا. لذا وليتحقق الشكل الأمثل للعدالة الإجتماعية في ظل نظام ديموقراطي حقيقي، فإننا بحاجة الى موارد ضخمة لا تعتمد على الإقتصاد الريعي وتقلبّات أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، بل الى إدارة كفوءة وبنى تحتية وتنوّع إقتصادي لتجنب المخاطر التي تهدد إقتصاد البلاد. أي وبمعنى آخر فإننا بحاجة الى سياسة إقتصادية علمية وعقلانيّة تعمل على تطور ونمو الإقتصاد وتنوعّه من خلال تعزيز القطاع العام وفسح المجال امام القطاع الخاص الوطني للمساهمة في الإستقرار الإقتصادي المنشود والذي يقود الى تحقيق العدالة الإجتماعية، من خلال إرساء نظام ديموقراطي. وعودة للتقرير فأنّه لم يتنبأ وهو صادر عن معهد ابحاث تابع لدولة كانت تحتل العراق وقتها ولليوم الى أمر يقوّض العملية " الديموقراطية" التي لازالت في تراجع على الرغم من تجاوزها الثمانية عشر عاما من ولادتها القيصرية برمتّها، وهو تناسل الميليشيات التي كانت تقاتل النظام البعثي الى العشرات، وكأنها تتكاثر في مزرعة لزراعة اشكال مختلفة من الفطر السام والقاتل، كما وأنّه لم يتناول مصطلح الديموقراطية التوافقية مطلقا كنموذج في التجربة " الديموقراطية" العراقية!!

هل النظام السياسي بالعراق ديموقراطي، وإن كان ديموقراطيا فأي نموذج ديموقراطي هو ..؟

يُعرّف كلا من الفيلسوف التجريبي والمفكر السياسي الإنجليزي جون لوك والفيلسوف الفرنسي مونتسكيو الديموقراطية من أنها" الحكم بالرضى (عبر الإنتخابات)، وحكم الأكثرية أو الأغلبية (الفائز بأكبر عدد من الأصوات)، وتقسيم السلطات". وهناك ملاحق أخرى حسب رأيهما لهذا النظام منها " حقوق الإنسان، الحقوق المدنية للفرد، حقوق المرأة، القانون الدولي.. الخ". ويعتقد البعض من أنّ هذا النموذج من الديموقراطية يعتبر ناجحا في البلدان المتجانسة. اما في حالة البلدان غير المتجانسة فأنّ مبدأ الأغلبية والأقلية حسب رأي عالم الإجتماع الإسباني خوان لينز تتحول الى أغلبية قومية أو دينية أو طائفية والذي ينتج عنه وفق رأيه إستبداد الأكثرية، وهذا ما دفع الباحث الإسرائيلي إرون يفتختال الى قول من أنّ لا ديموقراطية في إسرائيل، بل هناك إستبداد الإثنية الكبرى! ولحل هذه المعضلة أي صعوبة وليس إستحالة قيام نظام ديموقراطي وفق الأغلبية في مجتمع غير متجانس، فأنّ البديل كان مفهوم آخر للديموقراطية وهو مفهوم الديموقراطية التوافقية، والتي تتميز بأربع عناصر أساسية حسب رأي إرنت ليبهارد في كتابه (الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد) وهي :

1- " حكومة إئتلاف أو تحالف واسع يشمل حزب الأغلبية أو سواه.
2- مبدأ التمثيل النسبي في الوزارة، الإدارة ، المؤسسات، والإنتخابات أساسا.
3- حق الفيتو المتبادل للأكثريات والأقليات لمنع إحتكار القرار.
4- الإدارة الذاتية للشؤون الخاصة لكل جماعة".

وقد شاع كما جاء في مقدمة الكتاب أعلاه مصطلح التوافقية في العراق شيوعا كبيرا، وأُهملت إسرائيل وهي مجتمع غير متجانس أيضا، وهي متداولة أي مصطلح التوافقية في لبنان على نطاق نخبوي!

سأحاول هنا وبشيء من التبسيط والتكثيف تناول تجربة الديموقراطية التوافقية في العراق ونتائجها، وإن كانت صالحة لبناء دولة في ظل وعي شعبي متدن، نسبة أمّية عالية، بطالة، فقر، غياب كامل للعدالة الإجتماعية، فساد على كل المستويات، تأثير المؤسستين الدينية والعشائرية على جمهور واسع من المواطنين، تعدد مراكز القوى، شيوع ثقافة السلاح، إستقطاب طائفي/ ديني – قومي، إتفاق النخب السياسية على كل شيء الا ما يتعلق منها بخدمة المواطن والوطن. علما من أنّ الديموقراطية التوافقية لم ترد في دستور البلاد بالإسم، ولم يتم تبنّيها علنا من قبل الأحزاب الطائفية – القومية والتي تعمل بالحقيقة من خلالها في قيادة البلد.

أولى ما يُمكن تسميتها بالديموقراطية التوافقية بالبلدان العربية ظهرت في لبنان بعد الإحتلال الفرنسي له، بإعتمادها أي الديموقراطية التوافقية على مبدأ المحاصصة الطائفية كنموذج للحكم فيه. ولو درسنا التجربة اللبنانية وما آل إليه لبنان من تطبيقاتها الكارثية، لأكتشفنا وبسهولة ما يحدث في العراق من فوضى خلّاقة بسبب نظام المحاصصة الطائفية/ القومية، والذي هو في الواقع ترجمة حقيقية للديموقراطية التوافقية التي يراد لها أن تكون الشكل الأوحد للديموقراطية. وقد توصّل المفكّر اللبناني مهدي عامل والذي عاش الحرب الأهلية هناك الى أنّ الديموقراطية إذا أرادت أن تكون ممكنة في لبنان، فيجب أن تكون ديموقراطية ثورية أي حكم وطني ديموقراطي، وفي هذا يقول " كانت الديمقراطية ممكنة ما دامت ديمقراطية طائفية، والديمقراطية الطائفية في اساسها هي هذا النظام الذي يحول دون التكون السياسي المستقل للطبقة الثورية النقيضة، وبالتالي ما ان ظهرت ضرورة تحول الديمقراطية الطائفية الى ديمقراطية سياسية، حتى بمعناها البرجوازي، ما أن ظهرت هذه الضرورة حتى إختارت البرجوازية الخيار الفاشي ودخلت في مرحلة الحرب الأهلية. إذن لم تعد الديموقراطية ممكنة في لبنان إلّا كديموقراطية ثورية أي كحكم وطني ديموقراطي (2) ومن خلال تجربتنا التي لا تقل سوءا

عن التجربة اللبنانية، فعلى القوى اليسارية والديموقراطية تثقيف جماهير شعبنا من أنّ الديموقراطية غير ممكنة في العراق الذي عاش حرب طائفية ويعاني من تغوّل الطوائف وأذرعها العسكرية وفساد النخب السياسية وهيمنة المؤسستين الدينية والعشائرية، الا بشكل ديموقراطية ثورية، أي حكم وطني ديموقراطي. ومفهوم الثورية هنا هو ليس حمل السلاح ضد السلطات الحاكمة أو بشكلها الكلاسيكي المعروف، بل التعبير عن رفض الجماهير للفساد والبطالة والمحاصصة من خلال تظاهرات وإعتصامات وإضرابات تقودها قوى لها المصلحة الحقيقية في تغيير الأوضاع نحو الأفضل. وهذه من مهام القوى اليسارية والديموقراطية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والحركة الطلابية التي لعبت دورا بارزا في إنتفاضة تشرين، هذه الإنتفاضة التي غيرت الكثير من المفاهيم السياسية والإجتماعية في البلاد، وتعتبر نقطة مضيئة من نضالات شعبنا للخروج من محنته بعد أن زرعت الوعي في بين صفوف جماهير كسرت حاجز الخوف ورسمت طريقا لا يُمكن الرجوع عنه وهي تبحث عن خلاصها ووطنها من سلطة الفساد والميليشيات.

أنّ خطورة الديموقراطية التوافقية في بلد كالعراق، تأتي أساسا من تقسيم المجتمع بشكل عمودي، أي بشكل ديني/ طائفي - قومي، وهذا يؤدّي في ظل غياب العدالة الإجتماعية والحريّات وإنتشار الفساد، وصراع النخب السياسية التي تدّعي تمثيلها للدين/ الطائفة- القومية وهو صراع من أجل مصالحها وليس من أجل مصالح من تدّعي تمثيلهم، الى تعميق التمايز بما يخدم مصالح النخب السياسية ويساهم في إضعاف الدولة والمجتمع. في حين أنّ الديموقراطية يكون فيه تقسيم المجتمع أفقيا، وهذا ما عليه أن يتبناه اليسار والقوى الديموقراطية الأخرى . فالصراع يجب أن يكون صراعا إجتماعيا كون اصل الصراع الإجتماعي ذو جذور إقتصادية، وصراعا طبقيا، وهذا الشكل من الصراع هو المحرّك للتاريخ كما يقول ماركس. وإن كانت هناك شهادة جودة للديموقراطية، فأنّ "الديموقراطيات" العربية وفي مقدمتها العراقية هي من اسوأ التجارب والأشكال الديموقراطية التي عرفتها البشرية، وهذا يعود أساسا الى قلّة وعي المواطن العربي وجهله وأمّيته وبحثه المستمر للهويات الفرعية والإحتماء بها نتيجة ضعف الدولة وفسادها، أو إنحيازها لقومية أو دين أو طائفة على حساب الشعب ككتلة بشرية تتمتع بالحرية والعيش الكريم.

إنّ قبولنا بالديموقراطية التوافقية، يعني قبولنا بنظام المحاصصة الطائفية وشرورها، ورفضنا لها يعني العمل على تحشيد كل الفئات الإجتماعية المتضررة من سلطة المحاصصة لتغيير ميزان القوى سياسيا بما يشكل ضغطا شعبيا واسعا لإنهاء هذه الديموقراطية المسخ، والتعبير عن رفضنا هذا من خلال ربط الديموقراطية بتطور مجتمعنا وفصلها كليا عمّا تسمى بالديموقراطية التوافقية. أن الديموقراطية لتكن حقيقية وفعالة فهي أمام مهمة إرساء إستقرار سياسي وإجتماعي، من خلال مواجهة قوى الفساد وتحويل الصراع الإجتماعي من صراع عمودي الى صراع افقي، وهذه من مهمات القوى اليسارية والديموقراطية الأصيلة لمواجهة خطر تقسيم البلاد.

هل الديموقراطية التوافقية هي البوابّة لتقسيم العراق ..؟

في باب الإنفصال والتقسيم ومن خلال ردّه على آراء وأفكار إريك أ. نوردلينغر يقول إرنت ليبهارد " إنّه ينبغي أن لا يُعد الإنفصال نتيجة غير مرغوب فيها للتوترات داخل مجتمع تعددي في كافة الظروف. ثمة ثلاثة حلول لمعالجة المشاكل السياسية في مجتمع تعددي مع الحفاظ على طبيعته الديموقراطية. أولّها إزالة الطابع التعددي للمجتمع أو تقليصه بصورة جوهرية عبر الإستيعاب – وهي طريقة ذات إحتمالات ضئيلة في النجاح، على المدى القصير خصوصا. ثانيهما، الحل التوافقي الذي يقبل بالإنقسامات التعددية بإعتبارها لبنات البناء الأساسية لنظام ديموقراطي مستقر. فإذا كان الحل الثاني بعيد المنال، أو إذا ما جُرّب وأخفق، فأنّ الحل المنطقي الوحيد الباقي هو تقليص التعدد عبر تقسيم الدولة الى دولتين منفصلتين متجانستين أو أكثر". وقد أثبتت تجربة قبرص ذات النظام الديموقراطي التوافقي صحّة إراء ليبهارد وهي تنقسم الى دولتين لقوميتين مختلفتين، الا أنّ التجانس بينهما غبر موجود مثلما توقّع ليبهارد.

لو أهملنا الحلّ الأوّل لضآلته كما يقول ليبهارد، نرى إننا في تجربتنا العراقية قد فشلنا لليوم في الحلّ الثاني أي الحل التوافقي/ المحاصصة الطائفية القومية في تقسيم المجتمع العراقي بعد تجربة عمرها ثمانية عشر عاما، ولم نستطع لليوم ان نتقدم ولو خطوة واحدة في بناء نظام ديموقراطي، ناهيك عن بناء نظام ديموقراطي مستقر. ماذا تبقى من الحلول الثلاثة إذا..؟ لم يبقى الّا الحل الأخير حسب رأيي ليبهارد أي تقسيم الدولة الى دولتين مثلما يقول، وفي الحقيقة أن التقسيم في تجربتنا الكارثية مع الديموقراطية التوافقية، سيقسّم البلاد الى ثلاث أو أكثر من الدول غير المنسجمة إطلاقا وليس دولتين.

إنّ الديموقراطية التوافقية غير قادرة على بناء نظام حكم وطني مستقر، وغير قادرة على تجاوز الحالة الطائفية القومية بالبلاد، وستبقى عاجزة عن حلّ مشاكل شعبنا وبلادنا. وإستمرارها يعني إننا نسير بالبلاد الى جحيم من المشاكل التي لا تنتهي، والتي قد تؤدي الى تقسيم البلاد. ويبقى الحل هو بناء نظام ديموقراطي حقيقي، بمعنى آخر حكم وطني ديموقراطي كما يقول مهدي عامل. وهذا المهمة الصعبة وغير المستحيلة تبدأ بإرساء ثقافة تسامح وطنية من أجل تعزيز الوحدة الوطنية من خلال كتابة دستور جديد، وتجريم إستخدام مصطلحات طائفية وعرقية كوسيلة للتمييز بين العراقيين لمصالح حزبية وفئوية ضيّقة، خصوصا في الدستور ووزارت ومؤسسات الدولة. فديباجة الدستور العراقي الحالي، ترسّخ مبدأ المحاصصة من خلال ترسيخها لمبدأ الولاءات الدينية والطائفية والقومية، وهذا بحد ذاته يُضعف مفهوم المواطنة إن لم يُنسفها.

لكنّ السؤال الكبير هو، من سيأخذ على عاتقه تحقيق هذه الإنعطافة في الحياة السياسية لإنقاذ شعبنا ووطننا؟ إنّ النخب السياسية المهيمنة على الوضع السياسي، لا مصلحة لها في التغيير مطلقا، لأن التغيير يعني إنتحار سياسي لها. لكن القوى اليسارية والديموقراطية وقوى شعبنا الحيّة هي صاحبة المصلحة الحقيقية في هذا التغيير، وعليها أن تتفق على أصغر القواسم المشتركة نابذة خلافاتها جانبا، فالمعركة اليوم هي معركة وطن يراد له أن يُقسّم أو أن يبقى مريضا كما هو عليه الآن، وهذه القوى مدعوة قبل غيرها لتحمل أعباء هذه المرحلة الدقيقة والمفصلية من حياة وطننا. أنّ الثقة بالنخب السياسية والدينية والعشائرية في تغيير أوضاع البلاد ولو بنسبة ثانية واحدة لسنة ضوئية ليست سوى سذاجة، كون هذه القوى المتحاصصة وهي تنفّذ أجندات دولية وإقليمية تعتبر أساس المشكلة إن لم تكن المشكلة نفسها.

الكارثة في الفوضى السياسية العراقية هي ليست النموذج "الديموقراطي" بغضّ النظر عن مسمياته، بل الكارثة تكمن في إننا لازلنا في نفس المربع الديموقراطي الروماني قبل الميلاد، عندما كان المرشّح للإنتخابات " يحرص على كسب ودّ أكبر عدد من القبائل"(3)، ولكي نعود فعلا لتلك الحقبة من الصور السلبية في العملية الإنتخابية "نرى أنّ الرشوة تأتي في مقدمتها، أي توزيع النقود على القبائل"(4) وهذا يعني إننا بحاجة وفق النموذج " الديموقراطي " العراقي الحالي، لأكثر من الفي عام لنصل الى ما وصلت اليه روما وقتها حيث الغلبة للقبائل ولمن يستطيع تقديم رشى أكبر ليفوز بالإنتخابات.. !!
 

(1)  https://www.usip.org/sites/default/files/resources/sr153_arabic.pdf
(2) هذا النص جزء من مداخلة القاها المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل عام 1986 ضمن "الندوة اللبنانية العربية العالمية" التي دعا اليها وقتها الحزب الشيوعي اللبناني ضمن التحضير لمؤتمره الخامس.
(3) مجلة النهج العدد 8 ص 100
(4) نفس المصدر ص 101

لقد إعتمدت المادة على كتاب ( الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد) للباحث إرنت ليبهارد

زكي رضا
الدنمارك
13/12/2021


53

طلبة العراق .. ماكنة الثورة التي عليها أن لا تهدأ


الحراك الإجتماعي ليس ردّ فعل "عفوي" على سوء أوضاع إقتصادية وسياسية وإجتماعية في مجتمع ما فقط، بل هو بداية لمحاولة إعادة إصطفاف للقوى الإجتماعية المتضررة لتنظيم نفسها وتطوير أساليب نضالها من أجل مجتمع أكثر عدلا وحريّة. وما يُعرف بالحركات الإجتماعية الجديدة إنطلقت في فرنسا عام 1968 بما يُعرف بأحداث مايو/ آيار التي أجبرت شارل ديغول على الهروب من البلاد وقتها، وقد رافق تلك الإحتجاجات نشاطات شبابية عديدة كأنتشار الأغاني الثورية ومعارض الرسوم في الهواء الطلق وتنظيم شعارات تتواءم والوضع السياسي الإجتماعي وقتها، وما لبثت أن إنتقلت تلك الإحتجاجات الى مختلف بلدان العالم. ومن الجدير بالذكر أنّ أحداث مايو/ آيار تلك بدأت بمظاهرات طلابية قمعتها الشرطة الفرنسية بإستخدام القوّة المفرطة، ما دفع نقابات العمّال الى التظاهر مع الطلبة لتستمر التظاهرات بقوّة أشّد. وبغضّ النظر عن المآل التي آلت اليه تلك الحركة، الا أنّها كانت البداية لتغييرات إجتماعية جوهرية وقيام مفاهيم اكثر ثورية لمبادئ العدالة الإجتماعية في فرنسا على الرغم من فشلها في التغيير السياسي المنشود.

لقد لعب الطلبة دورا بارزا في حياة شعوبهم وأوطانهم في المنعطفات السياسية وأثناء الأزمات الإقتصادية والإجتماعية من خلال مشاركتهم الإحتجاجات الشعبية ضد الظلم والإضطهاد والفقر والتمييز، ومن أجل حلول منطقية ومقبولة لتلك الأزمات. فإقرار قانون الحقوق المدنية في امريكا مثلا، بدأها أربعة طلاب سود رفضوا مغادرة طاولة الغذاء الذي كان يُحرّم جلوس السود الى البيض في مطعم كليّة وولوورث في ولاية كارولينا الشمالية المعروفة بتاريخها العنصري تجاه السود والملونين، وقد شكّل هؤلاء الطلبة والذين أطلق عليهم لاحقا (شباب غرينسبورو الأربع) لجنة تحت إسم (لجنة تنسيق الطلاب السلمية)، والتي كانت سببا رئيسيا بنضالها الدؤوب في إنهاء الفصل العنصري بالولايات المتحدة الأمريكية.

لقد قاد الطلبة في جنوب افريقيا منذ العام 1970 – 1980 إنتفاضات وإعتصامات وتظاهرات طلابيّة جوبهت بالعنف الشديد الّا أنّها أفضت في النهاية الى وضع حد لنظام الفصل العنصري هناك أيضا، وتبقى ما يطلق عليها (الثورة المخملية) في براغ والتي قادها الطلبة بشكل سلمي كامل حتى بعد مواجهة قوات مكافحة الشغب لهم، من اكثر التجارب الطلّابية نجاحا في تغيير نظام سياسي ناهيك عن التغييرات إلاجتماعية التي رافقت ذلك التغيير، وفي ربيع الطلبة الچيكي يقول الكاتب البريطاني تيموثي جاردن إنها "لم تكن ثورة عادية، كانت سريعة وغير عنيفة تماماً، وسعيدة، ومرحة، وواحدة من الثورات مكتملة النجاح التي قادتها حركة طلابية في التاريخ الحديث".

لم يختلف طلبة العراق عن غيرهم في العالم وهم يتقدمون صفوف قوى التغيير في مجتمعهم، بل يُمكن القول وبثقة من أنّهم تصدّروا نضالات شعبنا حتى أثناء الفترة العثمانية، عندما إنطلقت نشاطاتهم الطلابية عهد الوالي داوود باشا إثر إفتتاح مدرسة الصنائع عام 1896 . ومع بداية تأسيس الدولة العراقية كان للطلبة دورا كبيرا في الحياة السياسية العراقية وإن بشكل غير منظّم، فكان إضراب طلاب الإعدادية المركزية ببغداد عام 1926 باكورة إضرابات وتظاهرات وتنظيمات وإنتفاضات ووثبات طلابية، كان لها الأثر البليغ في تعزيز مواقع الطلبة في الحراك السياسي الإجتماعي العراقي حتّى العام 1967 . ففي شباط من العام 1928 ساهم طلبة بغداد بفعالية كبيرة في تظاهرات وإحتجاجات ضد زيارة الصهيوني البريطاني الفريد موند التي نظمّها نادي التضامن، والذي كان قد قاد تظاهرة كبيرة في العام الذي قبله من أجل حريّة الصحافة. وإستمرّت التظاهرات والإضرابات الطلّابية في ثلاثينيات القرن الماضي تأييدا لمطالب الحركة الوطنية العراقية التي بدأت ملامحها تتضّح من خلال تأسيس أحزاب سياسية. وفي العام 1948 ساهم الطلبة في وثبة كانون وقدّموا عددا من الشهداء في سبيلها وسبيل تطلعّات شعبنا، ما أجبر السلطات حينها على الغاء معاهدة بورتسموث.

وأستمر النشاط الطلّابي بشكل مضطرد وأكثر تنظيميا بعد تأسيس أوّل تنظيم طلّابي وهو الإتحاد العام لطلبة العراق في العام 1948 إثر إنعقاد مؤتمره الأوّل في ساحة السباع ببغداد، وكان قد سبقه في خريف العام 1945 تشكيل التنظيم الطلّابي لطلبة دار المعلمين العالية. وفي العام 1952 تفجّرت إنتفاضة شعبنا بشرارة إضراب كليّة الصيدلة والتي ما لبث طلاب بقية الكليات والثانويات بالإنضمام اليها، ليسطرّوا وقتها ملحمة ثورية هزّت أركان السلطة الرجعية ما أجبرها على إنزال الجيش للشوارع لمواجهة الأقلام العراقية الشابّة المؤمنة بقضية شعبها ووطنها. وفي العام 1956 وبعد العدوان الثلاثي على مصر ساهم طلبة العراق مساهمة فعّالة في إنتفاضة عام 1956 . ويُعتبر عام 1967 آخر نشاط طلّابي ثوري منظّم بعد أن فازت قائمة إتحاد الطلبة العام بنسبة ثمانين بالمئة من أصوات الطلبة في الإنتخابات الطلابية، ما زرع الرعب في صفوف السلطة القمعية ودفعها لإلغاء الإنتخابات وملاحقة الطلبة الناشطين. أمّا في عهد البعث فأنّ الحركة الطلابية شهدت تراجعا كبيرا بسبب رفض البعث أي نشاط طلابي وحصره بإتحاده الطلابي المسخ.

إستمر غياب ذوي الياقات البيض عن الساحة السياسية الإجتماعية بعد غيابهم الإجباري حتى تشرين عام 2019 ، حينما كانت إنتفاضة شعبنا البطلة تسطّر المآثر وهي تواجه القنابل الدخّانية ورصاص قناصّي ولي الفقيه وعملاءه بصدور عارية ولتقدم في سبيل تطلعات شعبنا وخلاصه من سلطة المحاصصة الطائفية القومية مئات الشهداء والجرحى والمعاقين. حينها خرج سيل الطلبة الهادر لإعطاء زخم أكبر لإنتفاضة تشرين ومتذكرا الأجيال التي سبقته وهم يخوضون سوح النضال الوطني بلا هوادة، وكانت أيّام خروجهم عرسا وطنيا وأملا في غد أجمل لعراقنا وشعبنا، وبنفس الوقت كانوا كابوسا يجثم على صدور السلطة وميليشياتها.

لفترات طويلة كان هناك تنسيق بين إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية وإتحاد طلبة كوردستان في مواجهة إتحاد السلطة البعثية الطلابي، واليوم وعلى الرغم من عدم مشاركة الطلبة الكورد بشكل فاعل في تظاهرات زملائهم الطلبة أثناء إنتفاضة تشرين الباسلة، فأنّ الوقوف الى جانب طلبة كوردستان العراق وهم يواجهون قمع السلطة العائلية الطالبانية هو جزء من نضال الطلبة العراقيين، خصوصا وأنّ الطلبة وجماهير شعبنا الكوردي يعانون كما يعاني الطلبة وجماهير شعبنا في كل ارجاء العراق من فساد وقمع وفقر وبطالة. على طلبة العراق وكردستان العراق أن يعملوا اليوم على تشكيل لجان تنسيق سلمية تمتد الى كل مدن وأقضية العراق وكوردستان العراق للتشاور المستمر، من أجل توحيد الخطاب المطلبي وتحويله الى مطالب سياسية تبدأ وتنتهي بقبر نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد والمجرم.

أنّ التغيير المنشود للأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية أكبر بكثير ممّا تتحمله الحركة الإحتجاجية الطلابية لوحدها، لذا فعليهم علاوة على التنسيق فيما بينهم على مستوى البلاد بأكملها، فتح قنوات إتصال مع القوى الديموقراطية الوطنية والكوردستانية صاحبة المصلحة الحقيقية والبرامج السياسية القادرة على إنقاذ البلاد من وحش سلطات الفساد في الإقليم والعراق بشكل عام. أنّ مهمّة إنقاذ وطننا وشعبنا هي من مهام الفئات الإجتماعية الأكثر وعيا في المجتمع، والطلبة هم رأس حربة هذه الفئات كونها أكثرها وعيا، بعد إنحسار دور العمال والفلاحين نتيجة إنهيار منظماتهم النقابية، وهيمنة حكم الطوائف والعوائل على القرار السياسي العراقي والكوردستاني، ومصادرة الوعي من قبل المؤسسات والأحزاب الدينية.

"الديمقراطية ليست استفتاءً بالأغلبية.. لو استفتى الأمريكيون لظل السود عبيدًا" . مارتين لوثر كينغ


زكي رضا
الدنمارك
25/11/2021


54
تحويل أموال العراق المنهوبة من جيب البعث الى جيوب قوى المحاصصة


إنطلق صباح أول من  امس الأربعاء المصادف للخامس عشر من أيلول – سبتمبر ببغداد مؤتمر "إسترداد الأموال العراقية المنهوبة"، بحضور رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، والأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وبمشاركة وفود عربية ودولية، في مسعى منهم لإسترداد الأموال العراقية التي تركها النظام البعثي في مصارف دول مختلفة قبل " إنهياره".

لا شك أنّ مساعدة أية دولة على إسترداد أموالها من البنوك الأجنبية والتي تمّ إيداعها فيها من قبل أشخاص أو منظمات أو حكومات نهبت تلك الثروات وإعادتها للبلد الذي نُهبت من هذه الأموال، سيساهم في إنعاش إقتصاد البلد المعني، علاوة على فضح التاريخ الإجرامي لتلك الحكومات والمنظمات والأفراد. والنظام البعثي وممّا لا شكّ فيه وضع أرصدة مالية كبيرة في بنوك العالم المختلفة، علاوة على مشاريع إقتصادية كان يديرها في الخارج لحساب رأس النظام وعائلته وبطانته. وإسترداد هذه الأموال والعراق يمر اليوم باسوأ حالاته على صعد مختلفة ضروري لصرفها في إنعاش إقتصاده الذي نخره الفساد. لكنّ السؤال الذي على المجتمعين ببغداد الإجابة عليه هو: هل الحكومة العراقية أمينة في تصرّفها بهذه الأموال في حال إعادتها للبنوك الوطنية ..!؟

نتيجة الغزو البعثي للكويت صدر قرار الأمم المتحدة الرقم 661 في 16/8/1990 والذي نصّ على إقرار حزمة من العقوبات الخانقة على شعبنا، الذي عانى الويلات حتى رفعه بعد الإحتلال الأمريكي للبلاد. وفي تلك الفترة لم يستطع النظام تصدير النفط الا بالكميات التي توافق عليها لجان الأمم المتحدة ذات العلاقة (عدا تلك التي كان يتم تهريبها)، على أن تتصرف لجان أخرى بكيفية صرف الواردات المالية الناتجة عن عمليات التصدير المقننة تلك لتزويد العراق بمواد البطاقة التموينية وشراء الأدوية وبعض السلع التي لم تكن محظورة وفق حيثيات القرار وما تلاه من قرارات، في برنامج عرف بأسم النفط مقابل الغذاء.

لقد بدّد النظام البعثي ثروات شعبنا في حروب داخلية وخارجية، ودمرّ برعونته البنى التحتية للبلاد ليعود العراق بعد حرب تحرير الكويت الى ما قبل عصر الصناعة. ولم يكن رأس النظام يهمّه مصالح شعبنا، فكان وأثناء الحصار يبني عشرات القصور في الوقت الذي كان فيه ابناء شعبنا يبيعون حتى ابواب بيوتهم وشبابيكها. لكنّ هل النظام الحالي قدّم شيئ لشعبنا بعد ان قاربت ميزانيات البلاد معدل 90 مليار دولار سنويا منذ الإحتلال لليوم!؟

أنّ هدر أكثر من ترليون دولار امريكي من قبل الحكومات الفاسدة خلال السنوات الثمانية عشر الماضية، والتي نرى آثارها بإستمرار دمار البنى التحتية وسوء القطاعات الإنتاجية والزراعية وتآكلها، والوضع المزري للقطاعين الصحي والتعليمي، وكارثة الكهرباء والماء الصالح للشرب والجفاف والبطالة وغيرها الكثير، تدل دلالة قاطعة على أنّ السلطة " الديموقراطية" الفاسدة في بغداد لا يهمّها الإنسان العراقي ولا وطنه. وهذا الأمر أي فساد القوى الحاكمة ليس وليد اللحظة، فمنظمة الشفافية الدولية لمكافحة الفساد وصفت في تقرير لها صدر بالعام 2005 الفساد بالعراق قالت فيه : "أن العراق ربما يشهد أكبر فضيحة فساد مالي في التاريخ. ويشكل هذا التقرير اختبارا حقيقيا لجدية القيادة العراقية الحالية في التعامل مع قضايا الفساد والرشاوى"، واليوم تحولت تلك (الربّما) الى حقيقة عارية حتى من ورقة التوت.

أنّ وضع الحكومات العراقية منذ الإحتلال ومن ضمنها حكومة السيد الكاظمي لا تختلف قيد أنملة عن بعضها، فكلّها فاسدة وسارقة لأموال وثروات شعبنا، ومقارنة مع مداخيل العراق النفطية في العهدين البعثي والإسلامي القومي اليوم تشير ولكميات النفط المصدرّة واسعارها في السوق العالمية أمس واليوم من أنّ سرقات حكومات المحاصصة تجاوزت سرقات البعثيين بكثير. وعليه فأنّ إعادة الأموال التي سرقها البعث للبنوك العراقية تعني إعادة تحويلها لنفس تلك البنوك من قبل سلطة المحاصصة واحزابها وميليشياتها من جديد. ولا أدري إن كان العاملين في هذه اللجان سيحصلون على نسبة من اموالنا هذه، كما حصلت لجان التفتيش عن الأسلحة على الملايين من اموال النفط مقابل الغذاء كرواتب!!

لو كان المجتمعون ببغداد تهمّهم مصلحة شعبنا، فعليهم عدم مساعدة الحكومة العراقية لإسترداد هذه الأمول الآن، بل تركها لحين قيام نظام سياسي جديد وغير فاسد. أيها السادة ان مساعدتكم للفاسدين واللصوص يجعلكم امام مسائلة تاريخية من قبل شعبنا مستقبلا، والذي يسألكم اليوم عن مصير الأموال التي سرقها المتحاصصون ولا يزالون، وإن كنتم ستنظمون مؤتمرا آخرا لإعادتها لخزينة البلاد، أم انكم ستتجرأون لبحثها مع سلطات بغداد.

السيد الكاظمي إن كنت وطنيا وجادّا فعلا في إعادة اموال شعبنا المنهوبة، فأبدأ من الخضراء حيث تقيم واللصوص والفاسدين..

زكي رضا
الدنمارك
17/9/2021
 





55
الديموقراطية في العراق .. وهم ليس الّا

من الصعب جدا وصف نظام المحاصصة الطائفية القومية بالعراق بالنظام الديموقراطي، فوجود أو السماح 
بقيام أحزاب ومنظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني، وإجراء إنتخابات دورية لتشكيل سلطة تشريعية / برلمان لا تعني تحقيق الديموقراطية. كما وأنّ التحولات الديموقراطية لا يمكن تحقيقها في فترات زمنية قصيرة، بل تأتي عبر فترات زمنية طويلة نوعا ما وتراكم كمّي ونوعي لسلسلة من الصراعات السلمية في المجتمع. والديموقراطية في حال تحقيقها تأخذ على عاتقها تنظيم العلاقة بين المجتمع والدولة، من خلال قوانين ونظم علاقات إجتماعية وإقتصادية وسياسية بين الطبقات الإجتماعية المختلفة، وهذه العلاقة بين الدولة والمجمتع تصل بالمجمع في نهاية المطاف الى أن الصراع السلمي  بين الطبقات الإجتماعية هو من يحدد شكل النظام السياسي / الديموقراطي، من خلال التداول السلمي للسلطة طبعا.

من غير المنطقي الحديث عن الديموقراطية في العراق اليوم دون توفر شروط قيامها والتي تتمثل بجملة أمور لم تتحقق، وإن تحقّقت فأنّ تجاوزها والإلتفاف عليها هما السمتان الأساسيتان في التعامل معها من قبل السلطة. فدولة القانون وسيادته يُصدمان بوجود عدد كبير من الميليشيات المسلّحة، والتي نتيجة لضعف الدولة وفتاوى المؤسسة الدينية باتت تحمل الصفة القانونية وممثّلة في السلطتين التشريعية والتنفيذية ولها إمتدادات غيرها نتيجة نفوذها المسلّح وتأثيرها في السلطة القضائية والسلطة الرابعة.  والحريّات العامّة وهي ركن أساسي في بنية النظم الديموقراطيّة تغيب هي الأخرى لقمعها في مهدها، كما جرى التعامل مع إنتفاضة تشرين/ أكتوبر وقتل المئات من المتظاهرين الذين يبيح لهم القانون والدستور حرية التظاهر والتجمع، علاوة على تجاوز الدستور ونصوصه المتعلقة بحرية الفرد وحقوق الإنسان وتوفير الحياة الكريمة لأبناء المجتمع، ما ترتب ويترتب عنه وجود فجوة كبيرة بين المجتمع والدولة التي لاتتذكر هذا المجتمع الا مواسم الإنتخابات!

" الدولة" العراقية تعترف بالتعددية السياسية في البلاد، والتعددية السياسية بالحقيقة تعتبر ركن من اركان الديموقراطية، كون الصراع السياسي السلمي بين الأحزاب و ما تقدمّه من برامج سياسية للناخبين يرسمان شكل السلطة التشريعية / البرلمان من خلال إنتخابات نزيهة وشفافة وسلسلة من القوانين الضامنة لصراع ديموقراطي حقيقي، فهل الإنتخابات العراقية منذ الإحتلال الأمريكي للبلاد توفّرت فيها ما يشير الى نزاهتها وشفافيتها؟ وهل تغيّر شكل اللوحة السياسية وحصص الأحزاب الطائفية القومية في السلطة؟   

أنّ الفساد وسوء توزيع الثروة والبطالة والفقر والأميّة وغياب المشهد الثقافي الواعي وعدم إيجاد حلول للمشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي يواجهها شعبنا وغيرها الكثير من قبل سلطة المحاصصة، تلعب جميعها دورا كبيرا في عدم تطور الديموقراطية في بلادنا وبقاءها حبيسة المنطقة الخضراء والبيوتات الدينية والعشائرية والقبلية، وهذا ما يعلق عليه المفكر المصري سمير أمين قائلا من أنها تعبر عن أزمة النظام الإستبدادي العام.   

أنّ أصحاب المصلحة الحقيقية في بناء النظام الديموقراطي وإنتشال العراق من الهوّة السحيقة التي وصل إليها بسبب نظام المحاصصة الطائفية القومية، ليست الأحزاب والمنظمات السياسية التي تحمل برامج ورؤى مختلفة عن برامج ورؤى القوى المهيمنة فقط، بل القوى الإجتماعية المختلفة في المجتمع والتي تضررت نتيجة حروب النظام البعثي والحصار القاسي على شعبنا، وصولا الى ضياع ميزانياته الفلكية نتيجة الفساد والإرهاب ومنها إرهاب الدولة بميليشاتها أيضا. وهذا يتطلب منها ومن منظمات المجتمع المدني ترجمة جملة من المسائل جاءت في الدستور الذي تتبناه السلطة نفسها الى واقع عن طريق تنظيم التظاهرات والإعتصامات والإضرابات، والتي لن تنجح الا بقيام جبهة سياسية واسعة لمواجهة طغيان السلطة وفسادها.  ومن هذه المساءل حرية التعبير والتظاهر والتجمع، وإحترام الحقوق المدنية والإجتماعية والسياسية، وإشاعة الثقافة الديموقراطية. وفي ظل التفاوت الكبير في موازين القوى بين أحزاب السلطة وتلك التي خارجها، يبقى وجود إعلام مرئي حر وديموقراطي وشجاع وموجّه لأوسع الفئات الإجتماعية ضررا، سلاحا قويّا في مواجهة ثقافة الجهل والتخلف والديموغوجيا التي ينتهجها إعلام السلطة وأحزابها.

  أنّ ما يجري اليوم بالعراق هو شكل من أشكال الإستبداد الديني الطائفي بقناع ديموقراطي مشوّه، وعليه فأنّ أي عملية سياسية مرتبطة بهذا الإستبداد أو ناتجة عنه ومنها الإنتخابات التشريعية القادمة لا تمثل النظام الديموقراطي، ولا تعرف من الديموقراطية الا اسمها. كما وأنّ القوى المتنفذة والمهيمنة على مقدرات البلاد ليست مؤهلة لبناء نظام ديموقراطي حقيقي بالبلاد، ناهيك عن بناء الإنسان العراقي ووطنه.

مقاطعة الإنتخابات وتثقيف الجماهير على مقاطعتها لا يسحب من السلطة الفاسدة شرعيتها فقط، بل تعتبر ميدانا للقوى الديموقراطية وجماهير شعبنا لخوض نضالا سلميا واسعا لتغيير ميزان القوى مستقبلا بما يتلائم وتطلعات شعبنا ليحيا بكرامة وأمان...

زكي رضا
الدنمارك
12/9/2021 



56
المنبر الحر / ما بعد پشتاشان
« في: 16:53 26/08/2021  »
ما بعد پشتاشان


لقد طغت أحداث مجزرة پشتاشان في الآونة الأخيرة على السطح مرّة أخرى وليس من جديد، لأنّ الحدث بتداعياته لم يبتعد يوما عن ذاكرة الضحايا والجلّادين. فقيادي في الإتحاد الوطني يتم تجميده بعد نشره كتابا تحت عنوان " بدلا من المذكرات" يذكر فيه إمتناعه عن قتل الأسرى الشيوعيين، محمّلا قيادي آخر قرار اعدام الشيوعيين ليقول " "امتنعت عن قتل أسرى الشيوعيين في أحداث (بشتاشان)، ورفضت أن أنفذ أوامر القيادة حين طلب مني"، وليضيف قائلا " "نوشيروان مصطفى وهو نائب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، قال لي حرفيا أنا سحقت رؤوس الشيوعيون وعليك أن تقطع أوصالهم"!! وقيادي في الحزب الشيوعي يتناول أحداث جريمة پشتاشان بشيء من الليونة في برنامج تلفزيوني، ما دعاه للإعتذار بعد عاصفة من الإنتقادات من قبل رفيقاته ورفاقه.

أنّ أي صراع بين القوى الوطنية أثناء نضالهم ضد النظام البعثي الفاشي، كان يصبّ في مصلحة النظام وعلى الضد من مصالح شعبنا. ولم يألوا النظام وقتها جهدا في شق صفوف الحركة الوطنية العراقية وصولا الى الإقتتال فيما بينهم، فهل نجح النظام في ذلك؟ أعتقد جازما ومعي الكثيرين من أنّ النظام البعثي نجح نجاحا كبيرا في شراء قوى سياسية وإستخدامها لضرب قوى سياسية أخرى، كما وأنّ الصراع بين القوى نفسها ولأسباب مختلفة كان يصب هو الآخر في مصلحة النظام. فهل مجزرة پشتاشان كانت ضمن هذه الصراعات التي غذّاها النظام ونفذّها طرف من المعارضة قبل أن يتحول الى جانب السلطة ضد طرف آخر؟

لو دخلنا في أسباب اندلاع أحداث پشتاشان وعلى عاتق من تقع مسؤولية بدأ الأحداث، لرأينا أنفسنا وسط امواج من الإتهامات والأتهامات المضادة، فكل طرف يحمّل الآخر سبب بدأ الأحداث وما آلت اليه من مجازر ستبقى مدار بحث وإدانة لسنوات طويلة. وإن كان التاريخ يكتبه الأقوياء، فإننا نستطيع اليوم القاء اللوم على الشيوعيين في بدأ المعارك، لكن هل التاريخ سيبقى أسيرا بيد من يمتلك القوّة والإعلام والمال!!؟

لا أود في هذه المقالة أن ابحث في احداث مهدّت للمجزرة، ولا للأحداث التي رافقت المجزرة، ولا الى الأحداث التي حصلت بعد المجزرة في كوردستان العراق. كما ولا يهمني هنا ان اصطف الى جانب قيادي في الاتحاد الوطني أو آخر في الحزب الشيوعي عبّرا عن رأيهما حول تلك الجريمة، ولا الى موقف الحزبين اليوم من بعضهما البعض وهما يشاركان بقية القوى السياسية فيما تسمى بالعملية السياسية بالعراق. بل أود العودة الى الحدث في مكان جغرافي بعيد جدا عن مكان حدوث الجريمة، ساعود الى طهران التي كنت مهجرا اليها، لأرى وانا اعيش بين عراقيين مهجرين يعانون من شظف العيش وعدم إمكانية زيارة العراق تحت طائلة الإعدام، نتائج الجريمة من هناك.

كانت احد نتائج جريمة پشتاشان ونحن في إيران هي زيارة عناصر الإتحاد الوطني المقيمين في طهران الى العراق وعودتهم منه بسلام بعد فترة من الزمن، هذه الزيارات فتحت ابواب التساؤل مشرعة عن الثمن الذي قدمه الإتحاد الوطني للسلطة البعثية كي تسمح لعراقيين " معارضين لسلطتها" يقيمون في بلد هم في حالة حرب معه (إيران) لزيارة بلدهم أي العراق ومن ثم عودتهم الى إيران من جديد دون أن تمسّ منهم شعرة واحدة!!؟ والسؤال الآخر كان في اسباب تساهل السلطات الإيرانية مع هؤلاء وهم يذهبون الى بغداد ويعودون منها الى طهران وكأنهم في سفرة داخلية بين مدينتين إيرانيتين!!؟ وقتها حمّل العراقيون المهجرون الى إيران تنظيم الإتحاد الوطني الكوردستاني مسؤولية إرتكاب الجريمة، معتبرين جريمة پشتاشان عربون منهم للسلطة البعثية في إقامة علاقات معهم، وهذا ما فتح بابا لأعضائهم في زيارة العراق... لكن السؤال الذي لازال عصيا عن الجواب هو: لماذا التزمت المخابرات الإيرانية الصمت تجاههم، وكيف أقام فؤاد معصوم بعد رقصته المشهورة وقيادة حزبه مع الجلادّين عزة الدوري وعلي كيمياوي في فندق بطهران كان بمثابة مقر للإتحاد الوطني الكوردستاني، وهل تلك العلاقات المخابراتية بين قيادة الإتحاد الوطني وجهاز إطلاعات الإيراني قائمة لليوم، ونحن نرى إمارة السليمانية الطالبانية حديقة خلفية لإيران...!؟

من خلال قراءتي وقربي من الأحداث من طهران وليس من غيرها، أستطيع القول وبثقة من أن مسؤولية جريمة پشتاشان تقع على عاتق الإتحاد الوطني الكوردستاني. هذه الجريمة التي ستظل تلاحق مرتكبيها أحياء كانو أم أموات لتكللهم بالعار وتوصمهم بالعمالة للبعث والإطلاعات الإيرانية.

المجد للشهداء وهم يطرزون جبال كوردستان بقبورهم
العار للقتلة وهم يطرزون جبال كوردستان برصاصاتهم الحاقدة وبنادقهم المأجورة


زكي رضا
الدنمارك
24/8/2021
 



57
نعم لمقاطعة الإنتخابات ونعم لحث الجماهير على مقاطعتها


لقد دخل الحزب الشيوعي العراقي العملية السياسية على علّاتها من بابها الواسع إثر الإحتلال الامريكي الإيراني للبلاد، منطلقا من إمكانية تطوير الديموقراطية كوسيلة للتداول السلمي للسلطة، من خلال تطوّرها كنهج وأسلوب وممارسة في تقدّم عمليّة سياسية  لبناء وطن أنهكته الدكتاتورية والحروب. وسواء أصاب الحزب أو أخطأ  فأنّه مارس حقّه الطبيعي في العمل السياسي، وأي عمل سياسي فيه أوجه الصواب والخطأ. لكنّ المهم هو تعزيز الصواب والسير قدما لتطويره، وتجاوز الأخطاء والمضي قدما أيضا لإحتوائها من خلال النقد المستمر لها.

لا شكّ أن الحزب وهو يمارس حقّه في النضال والعمل السياسي، أخطأ هنا وهناك. ومن هذه الأخطاء هي تحالفاته الإنتخابية غير المدروسة بعناية والتي أثّرت كثيرا على مواقعه بين صفوف شعبنا الذي يعرف الحزب كحزب وطني ناضل من أجل مصالح العراق وشعبه منذ تأسيسه ولايزال.  وقد إنتقد الحزب هذه التحالفات لينسحب منها بعد أن تخلّى حلفائه عن أهداف وبرامج هذه التحالفات الإنتخابية. 

لم تكن العملية الإنتخابية منذ إنطلاقتها في العام 2005 ولليوم، تستند الى قوانين وآليات تسمح في أن تكون رافعة للديموقراطية وتقدمها ونموها بتقدم الوقت، بل على العكس فإنها في تراجع مستمر من حيث القوانين والآليات وظروف تنظيمها والتي لم تستطع تغيير شكل اللوحة السياسية بالبلاد، هذه اللوحة التي لا تعرف الا ثلاث قوى طائفية قومية. ومع ذلك بقي الحزب الشيوعي العراقي يعمل من خلال الإنتخابات محاولا تغيير الواقع السياسي وفق إمكانياته، رغم معرفته بإستحالة إختراقه لجدار المحاصصة، وإستحالة تنازل مثلث الفساد عن الإمتيازات التي حققوها على حساب بؤس ملايين العراقيين. وقد كانت مشاركة الحزب في الإنتخابات والعملية السياسية برمتها موضع نقد من قبل شرائح واسعة من الجماهير، ومن قبل نسبة لا بأس بها من أعضاءه، ولم يكن هذا الامر ببعيد عن مناقشات قيادة الحزب لها، والتي إنتهت مؤخرا بإستفتاء داخلي كانت نتائجه هي رفض القاعدة الحزبية مشاركة الحزب في الإنتخابات المقبلة والتصويت لمقاطعتها.

أمور عديدة كانت سببا في أن يعلّق الحزب في البداية إشتراكه بالإنتخابات، منها ما يتعلق بقوانين وآليات إجراء الإنتخابات، ومنها ما يتعلّق بمطالب إنتفاضة تشرين/ أكتوبر، ومنها ما يتعلق بكشف السلطات لقتلة الهاشمي وغيره من الناشطين في الحراك الجماهيري. لكنّه كان سبّاقا في إعلان تعليق مشاركته بالإنتخابات، الا أنّه تأخر قليلا للأسف الشديد وهو يعلن مقاطعته لها، ما دفع بعض القوى السياسية لربط موقفه بموقف الصدر. وبالحقيقة فأنّ هذا الربط فيه كثير من التجني على الحزب لأمرين، أولهما هو ما ذكرناه حول موقف الحزب من تعليق مشاركته لحين تحقيق المطالب التي طالب بها كطريق لمشاركته الإنتخابات والتي سبقت تصريح الصدر بمقاطعتها، والآخر هو أنّ التيار الصدري غالبا ما يغيّر مواقفه تجاه العديد من القضايا كونه لا يمتلك القرار في إتخاذ مواقف سياسية الا بموافقة مقتدى الصدر. والصدر وكما هو معروف للشارع العراقي والمتابعين للأوضاع السياسية بالعراق،  من أنه رجل غير ذي ثقة ويغيّر مواقفه بإستمرار، ويبدو أنّ تغيير مواقفه يتم عن طريق إملاءات إقليمية، وتبقى إمكانية تراجع الصدر عن قراره بعدم المشاركة بالإنتخابات قائمة حتّى اللحظات الأخيرة.

لقد شخّص الحزب السلطة في البلاد من أنها سلطة محاصصة ومسؤولة عن الفساد الذي دمّر بلادنا ومزّق النسيج الإجتماعي فيها، ومن هنا فقط عليه بناء مواقفه بعدم المشاركة بالإنتخابات المقبلة أو أية انتخابات غيرها. فتغيير شكل النظام السياسي يجب ان يكون الهدف، اما الشروط الأخرى التي وضعها الحزب كمحاربة الفساد وحصر السلاح بيد الدولة وكفّ ايدي الميليشيات عن التدخل بالشأن السياسي وكشف قتلة المتظاهرين وتوفير الخدمات الضرورية للناس وغيرها الكثير، تبقى جزئيات كونها لا تتحقق الا بالتغيير الكامل والشامل لمنظومة الحكم الفاسدة.

أنّ مقاطعة الإنتخابات يجب ترجمتها كمقاطعة لسلطة الفساد والجريمة المنظمة ومنظومة الحكم بأكملها وليس للعملية الإنتخابية فقط، وعلى الحزب ومنظماته العمل بين الجماهير لتعميق ازمة الثقة بينها وبين سلطة الفساد والتي تعمّقت اليوم اكثر من اي وقت مضى. فخطاب الحزب اليوم ووطننا يمر بأوضاع صعبة ودقيقة وجماهير شعبنا تعيش هي الأخرى أوضاع إقتصادية وإجتماعية مزرية، يجب ان يكون في حثّ اكبر عدد من الجماهير لمقاطعة الإنتخابات لسحب الشرعية من سلطة طائفية قومية موغلة بالجريمة المنظمة والفساد والنهب المنظم لثروات البلاد.  فعدم مشاركة الحزب والعديد من القوى السياسية التي حذت حذو الحزب في مقاطعتها لها، تعني اساسا رفضها للعملية السياسية التي ستفرزها الإنتخابات القادمة والتي بالحقيقة ستكون تدوير نفس الطبقة الفاسدة من جديد..

من اجل إعادة الحياة لوطننا والكرامة لشعبنا، علينا ان نرفع صوتنا عاليا مطالبين الجماهير بمقاطعة الإنتخابات. وهذا اسلوب نضالي سلمي لا يتعارض مع الدستور الذي يستند عليه الفاسدين في تدوير انفسهم كل اربع سنوات.

زكي رضا
الدنمارك
8/8/2021

       

58
هكذا يبايعون عليّا عند غدير العراق

"الله الله في جيرانكم..."
"الله الله في الفقراء والمساكين فأشركوهم في معايشكم .."
"إن صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"

الجمل الثلاث جاءت في وصيّة الإمام علي لولديه الحسن والحسين وهو على فراش الموت إثر ضربة بن ملجم،  فهل رجال الدين الشيعة وزعماء أحزابهم وميليشياتهم وعصاباتهم التي عاثت بأرض العراق فسادا ونهبا وقتلا يعرفون فحوى وصيّته ومعانيها وهم يطالبون الناس بمبايعته في عيد الغدير، هذا العيد الذي يراد منه أن يكون خنجر آخر يضاف الى الخناجر الطائفية التي مزّقت وتمزّق بلادنا!!؟

الإمام علي اليوم كما الحسين  تجارة مربحة للمؤسسات الشيعية، بعد أن تحوّل حتى الله الى تجارة عند رجال دين الطائفتين. فعلي اليوم يعيش في القصور الفارهة، وجيرانه يعيشون في بيوت يلفّها البؤس والجوع والمرض، الإمام عليّ اليوم عدو للفقراء والمساكين ولا يشاركهم معاشه، والإمام علي اليوم لا يريد صلاح ذات البين بين أبناء العراق!! على هذا يبايعه سراة الشيعة والأشرار من عصاباتهم، الذين لا يقدرّوا أنفسهم بالعامّة مثلما أوصاهم، وهو القائل: شرّ الناس إمام جائر ضَلَّ وضُلَّ به.

هل يعرف رجال الدين الشيعة وسراتهم عليّا وهم يمتلكون ما يمتلكون من أموال وطائرات خاصّة وقصور ودور فخمة داخل العراق وخارجه، هل يعرفونه وهم يمتلكون حسابات مصرفية في شتّى البلدان ومراكز تجارية ومزارع ومستشفيات ومدارس وجامعات خاصّة كالكفيل وغيرها!؟ وأي عليِّ يعرفون، عليِّ الذي يتاجرون به كبضاعة في دكاكين المذهب أم ذاك الذي بنى رجل من عمّاله بناء فخما، فقال: أطلعتِ الوَرِقُ ( الفضّة) رؤوسها، إنّ البناء يصف لك الغنى!؟  تعال يا علي لنريك مبايعيك وهم يمتلكون أبنية وقصور من ذهب وليس من فضّة، تعال الينا لنريك بيوت من صفيح يتكدّس فيها أطفال شبه عراة من شيعتك. الكارثة يا عليّ هو انّ اللصوص يبايعونك وهم يسرقون الفقراء في العراق، والأطفال العراة يبايعونك أيضا وآبائهم هذا إن لم يكونوا أيتاما!! فأي البيعتين هي الأصح، بيعة التجار أم بيعة الفقراء..؟  عذرا علي فإننا نرى بيعة التجار هي الأصح كونهم يعيشون في بحبوحة من العيش، والفقراء والأرامل والمساكين الذي اوصيت بهم يعيشون الفاقة والذل، وأتمنى أن لا تقول لي كما يقول رجال الدين الشيعة، من أنّ الفقراء سيجازيهم الله بقصور من ياقوت وزمرّد في الحياة الأخرى!! أنهم يسرقوننا ويضحكون علينا يا علي، أنهم يقتلوننا جوعا وعطشا، لقد مسخو آدميتنا ياعلي، ولا أخالك مثلهم مطلقا لتطالبنا كما هم بالصمت لنحصل على حقوقنا بعد الموت والعياذ بالله!!

سراة شيعتك ورجال الدين منهم يا علي هم اهل غدر غدرو بالعراق وشعبه، والكارثة أنّ هناك مِن شيعتك مَن يواليهم وانت القائل " الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله"، فهل هؤلاء مسلمون وشيعة كما يدعون وهم يغدرون بالله،   ماذا تقول ........ ؟  نعم، وانا مثلك يا ابا الحسن اقول من انهم دجالون وكذّابون، بل وكفرة ولا يعرفون الله الا كإسم. أنّنا نراهم يا علي يصلّون بكرة وعشيّا، وتنقل الفضائيات صلواتهم وبكائهم وهم يدعون الله بأمور لا نعرفها ، ولكنهم لا يعرفون الإخلاص "لوطنهم" فيخوننه، ولا الإخلاص "لشعبهم" فينهبونه ويقتلونه. فهل صلاتهم مقبولة وانت القائل " ليست الصلاة قيامك وقعودك إنمّا الصلاة إخلاصك"؟

انهم يتهموننا ونحن نتظاهر من اجل نيل حقوقنا وحقوق اطفالنا بالكفر والخروج عن الملّة والعمالة للسفارات الأجنبية،  ليشرعنوا قتلنا يا علي رافعين شعار الخوارج " لا حكم الا لله"، وهذا الشعار كما قلت أنت يوما " كلمة حق يراد بها باطل". ووالله وسراة شيعتك يبايعونك اليوم كذبا، فأنهم دفعونا نكفر لنقول من انها كلمة باطل يراد بها باطل... 

تعالوا يا شيعة علي نبايعه عند غدير العراق بيعة وطنية لنقول: أنّ الإشتراك بالإنتخابات والذهاب للتصويت هي كما ضربة بن ملجم التي فلقت رأسه، تعالوا لنقول أنّ الخنوع للعصابات الشيعية هي كما قتل الحسين في كربلاء.. 

يقول الإمام علي "اذا غضب الله على امة غلت اسعارُها وغَلَبَها اشرارُها " صدقت يا ابا الحسن، فها هم اشرار العراق يتحكمون بقوت الناس، وغلت الاسعار، فهل الله غاضب على اهل العراق ..؟

زكي رضا
الدنمارك
30/7/2021   

 



59
على أي نظام من نظامي الحكم الملكي يتباكى اليوم مناصروه ..؟


الذكرى الثالثة والستين لثورة الرابع عشر من تموز على الأبواب، وكعادة هذه المناسبة وعند حلول ذكراها تبدأ الأقلام بالكتابة عنها سلبا وإيجابا، وكلا من نظرته ومصلحته لما انجزته الثورة من منجزات أضرّت بجزء من المجتمع ومنحت الحياة لجزء آخر منه. ولم تشذّ الثورة في هذا السياق عن بقية الثورات والتغييرات الكبرى في البلدان المختلفة بالعالم، ففي أي تغيير كالذي حدث عشية الرابع عشر من تموز 1958 علينا أن نضع ذلك التغيير في سياقه التاريخي وليس كحدث آني. وما حدث فجر الرابع عشر من تموز 1958 ، لم يكن تغييرا فوقيا للسلطة ولا إنقلابا عسكريا لمجموعة ضباط مغامرين كتلك التي حدثت قبله أو بعده بالعراق أو غيره من البلدان، بل أن الثورة كانت زلزالا غيّر نظام سياسي إجتماعي الى آخر جديد ومختلف عنه بشكل كبير. والواقع "أنّ إلقاء نظرة سريعة على الآثار اللاحقة يكفي لجعلنا نعرف إننا امام ثورة أصيلة" (1) . وتغيّر نتيجة الثورة كذلك "نمط حياة الفلاحين نتيجة لإنتقال الملكية من ناحية ولإلغاء أنظمة النزاعات القبلية وإدخال الريف في صلب القانون الوطني من ناحية أخرى" (2)

الصراع بين المدينة والريف هو صراع بين مباديء حياة وأفكار ورؤى، وهذا الصراع كان موجودا بالعراق قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة. فبعد إنهيار الدولة العباسية تراجع دور المدن نتيجة الخراب الذي أصابها بغياب دولة مركزية قوية ونظام سياسي قادر على تجاوز الأزمات، وهذا التراجع يصاحبه دوما نمو وقوة العشيرة وأفكارها ورؤاها وطبيعة وشكل الحياة التي تسعى إليه. وقد إستمرت هيمنة المؤسسة العشائرية خلال العهد الملكي، وكان مشايخ العشائر هم الحكام الفعليون لجزء كبير من الريف كما يقول بطاطو. وممّا يؤكد وجهة نظره هو وجود حوالي "أكثر من 100 الف بندقية بينما كانت الحكومة لا تملك غير 15 الفا منها" (3)

بعد الإحتلال البريطاني للعراق عمل المحتلون على تجنب التكاليف الباهضة لبقاء قواتهم في البلاد، ورأوا كما يقول بطاطو أنّ "موازنة العشائر ضد أهل المدن ضمانا اكيدا لإستمرار سلطتهم. وهكذا فإنهم لم يحاولوا فقط وقف العملية المبتدئة للإنحلال العشائري أو صون سلطة رؤساء العشائر أو المحافظة على الحد الأدنى فحسب من التفاعل بين أهل المدن والعشائر، بل أنهم عملوا ايضا على تدعيم الإنشقاق القائم بتقوية العادات العشائرية والإعتراف بها رسميا"(4) . وقد أصبحت العادات العشائرية وانظمة النزاعات العشائرية والتي اصدرها المحتلون بصيغة بلاغات في السابع والعشرين من تموز / يوليو 1918 لها قوة القانون، كما يقول بطاطو، وتحولت بعد إصرار الانكليز قانونا نافذا للبلاد في العهد الملكي بموجب المادتين 113 و 114 من الدستور العراقي للعام 1925 ، بعد ان إستثنت الريف من سريان القانون الوطني عليه.

وهكذا "فقد بقي العراق من الناحية القانونية، وحتى ثورة تموز 1958، يخضع لنظامين، واحد خاص بالمدن، وآخر خاص بالريف العشائري" (5) . والغاء قانون العشائر من قبل حكومة الثورة، والبدء ببناء مجتمع جديد مركزه المدن وتحت سلطة القانون والدستور، والذي أدّى الى افول دور المشايخ ورجال الدين، هو من جعل المؤسستين العشائرية والدينية أن تتحالفا مع البعث والقوى الرجعية والإمبريالية وشركات النفط، لقتل ثورة تموز وقادتها.

أن نظام المحاصصة الطائفية اليوم، والعراق يعيش ضعف مدنه وخرابها وهيمنة العشائر وعاداتها وقوانينها من جهة، وهيمنة المؤسسة الدينية وإفرازاتها من جهة ثانية، تجعل من بلدنا يعيش نفس حالته إبّان العهد الملكي إن لم يكن أسوأ. فالعشائر اليوم تمتلك الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وأبناءها هم العمود الفقري للجيش والميليشيات المسلحة، وولائهم للعشيرة والطائفة وليس للوطن. والعشائر اليوم وبدعم حكومي ريّفت المدن وعلى رأسها العاصمة بغداد، التي ما هي اليوم الا منطقة ريفية تهيمن عليها الأعراف العشائرية وقوانينها، بعد أن فقدت الدولة هيبتها وهي في تراجع مستمر أمام غول العشائرية الذي يقود البلاد نحو الهاوية حضاريا.

أن يقف الإسلاميين ضد ثورة الرابع عشر من تموز، أمر لا غبار عليه بالمطلق. فالإسلاميين والشيعة منهم على الخصوص، كانوا من الد أعداء الثورة على الرغم من انها قدمت لبسطاء الشيعة الكثير. فالثورة اعادت للفلاحين وغالبيتهم من الشيعة كرامتهم التي صادرها منهم الإقطاعيون إبّان العهد الملكي، ووزعت عليهم الاراضي الزراعية من خلال قانون الإصلاح الزراعي. وبنت لهم مدينة كاملة هي مدينة الثورة، بعد أن كانوا يعيشون في ظل ظروف إنسانية بالغة القسوة والمهانة قبلها. لكن الأمر الغريب هو وقوف من عاصر الثورة وشاهد إنجازاتها في عمرها القصير مقارنة بعهدة العراق السياسية المختلفة، ضدها.

اليوم من حقنّا أن نتساءل والأقلام المأجورة وهي تنهش جسد ثورة الرابع عشر من تموز وإنجازاتها التي لم تحققها أية سلطة جاءت بعدها، و خصوصا السلطة الكارثية التي تقود البلاد اليوم وهم يتباكون على النظام الملكي، ويصبّون جام غضبهم على ثورة تموز محملين إياها وزر جرائم البعث ونظام المحاصصة اللذين دمرا البلاد، أن أيتها السيدات والسادة: على أي من نظامي الحكم الملكي تتباكون، نظام المدن أم نظام الريف العشائري كالذي تعيشون نسخته القبيحة اليوم!؟


(1) (2) حنا بطاطو ، العراق الكتاب الثالث ص 116
(3) نفس المصدر، الكتاب الاول ص 44
(4)  المصدر اعلاه ص 43
(5)  المصدر اعلاه ص 43

 
زكي رضا
الدنمارك
13/7/2021

 



60
المنبر الحر / علي وياك علي
« في: 16:28 05/07/2021  »
علي وياك علي

تعرِّف معاجم اللغة الغوغاء من أنّهم: السِّفْلة و الرِّعاع من النَّاس؛ لكثرة لغَطهم وصياحهم،  والغوغاء كإسم هو صوت الجراد القادر على الطيران، ويبدو أنّ اللغة العربية في وصفها الغوغاء بالجراد كأنّها إنبعثت من العراق وليس من شبه الجزيرة العربية، فغوغاء العراق اليوم كالجراد في هتافاتهم خلف كل فاسد زنيم، وهم من سيحوّلون العراق الى صحراء بلقع.

ولأنّ الغوغاء هم خليط من السِّفْلة و الرِّعاع من النَّاس، فأنّهم في تصرفاتهم يمتازون بالذلّ والضعف والمهانة، وهم بعيدون عن المعرفة والعلم والفهم وأقرب الى الباطل والضلالة والكذب،  وإنتمائهم ليس لبلادهم ولا حتّى للدين بل للعشيرة والمذهب.  لذا تراهم ينعقون خلف كل ناعق، ويهرولون بذلّ خلف أي لص وفاسد طمعا بالفتات من كل شيء، وهم قادرون لو تصرّفوا كالأحرار في أن ينالوا كل شيء! والغوغاء غير مرحّب بهم عند ذوي العقول النيّرة كونهم لا يجتمعون الّا لضرر، فها هو الإمام علي يقول وقد جاؤوا إليه بجانٍ ومعه غوغاء: لا مرحبا بوجوه لا تُرى إلّا عند كل سوأة. وهو القائل بحقّهم " هم قوم إذا تجمّعوا ضرّوا وإذا تفرقّوا نفعوا".

لم يجرؤ الغوغاء في العهد البعثي الأسود من الهتاف لغير الطاغية صدّام حسين، فكان هتاف ( بالروح بالدم نفديك يا صدام) هو هتافهم الذليل وهو يخطب بهم، وهتافهم الأذّل وهم يستمعون الى خطاب أي قيادي بعثي آخر غيره!! أمّا اليوم فنفس الغوغاء الذين كانوا يهتفون بحياة المجرم صدام حسين خوفا وذلّا، تراهم يهتفون خلف كل صدام جديد وهم كثر ذلّا وذلّا، كونهم يستطيعون وقد تغيّرت الظروف في أن يضعوا الخوف جانبا لو أرادوا، لكنّه الإذلال الذي يصبغ نفوسهم وأرواحهم ويمنعهم من أن يكونوا أحرارا قادرين على كسر النير الذي يطوّق رقابهم والذي صنعوه بأنفسهم!!  ولأنّهم عبيد للعشيرة والمذهب فأنّ شعارهم نابع من عادات العشيرة وما يبيعه لهم المعممّون من ذل وتخلف وفقر وجهل من دكّانة المذهب، وكأنّ الدين لا يمتلك الا أمثال هذه البضائع الرديئة والفاسدة لتُعرض في هذه الدكاكين الموبوءة؟  ولأنّهم لا يجرؤون حتّى على شراء هذه البضائع الفاسدة بأنفسهم، فأنّ رجالات الأحزاب والعصابات الإسلامية يعملون كدلّالين في سوق الهرج هذا ليبعونهم إيّاها، شرط أن يكون معها هتاف فيه ضياعهم وضياع مستقبلهم وأطفالهم ووطنهم!

 " علي وياك علي" هو الهتاف الأثير على قلوب الغوغاء وهم يهرولون كالجراد خلف كل فاسد ولص وقاتل. " علي وياك علي" دلالة قاطعة على أنّ الغوغاء يعشقون العبودية، لأن ما من حر يرضى أن يُسرق ويُقتل ويُذَل، ثم يهرول خلف الذي سرقه وقتله وأذلّه هاتفا " علي وياك علي". الغوغاء وعبوديتهم هم بالأساس جزء من منظومة إجتماعية  بائسة نعيشها اليوم، فالغوغاء هم عبيد لزعيم العشيرة وعادات العشيرة، وهم عبيد لرجل الدين وما يبيعه إياهم من وهم وترّهات لا تغنيهم ولا تسمنهم من جوع ، وهم عبيد لسياسيّ يتذكرهم مواسم الإنتخابات فيرمي لهم ما خفّ حمله وخفّ ثمنه، وهم عبيد لرجال الميليشيات والعصابات كون الجبن هي صفة من صفات الغوغاء هؤلاء، وبالتالي نرى الغوغاء هؤلاء يبكون وهم يبجلّون ويقدسّون من يستعبدهم ويذلّهم هاتفين من خلفه ومن أمامه ومن بين يديه " علي وياك علي"!

إنّ الخطر الذي يشكلّه الغوغاء على وطننا ومستقبله اليوم هو في الحقيقة أكبر بكثير من خطورة الدور الذي يلعبه رجال الدين وزعماء العشائر وقادة الأحزاب والميليشيات والعصابات الإسلامية، كون هؤلاء لا يستمدون قوتهم وحضورهم وديمومتهم الا من خلال الغوغاء هؤلاء.  أنّ العلاقة بين سلطة اليوم والغوغاء هي علاقة طردية، فكلمّا زاد عدد الغوغاء وكثر صياحهم وذلّهم وجوعهم وفقرهم وبؤسهم كلما كانت السلطة في مأمن من غضب الجماهير الحرّة، كما وأن السلطة تستخدم جيش الغوغاء هؤلاء في قمع أي تحرّك جماهيري يشكل خطرا على سلطتها، بعد أن صادر المذهب عقولهم الخاوية.

إنّ شعبنا العراقي لن يتخلّص من سلطة الفساد والمحاصصة عبر الإنتخابات مطلقا، بل على العكس فأنّ الإنتخابات هي تكريس لسلطة الفساد والفاسدين. وعليه فعلى شعبنا أن يختار بين أن يحيا حياة الأحرار فيثور ضد الجوع والفقر والجهل والتخلف وإنعدام الخدمات وغيرها الكثير، كالعديد من الشعوب الحرة بالعالم. أو يحيا حياة العبيد  وهنا عليه أن يثور أيضا ضد سلطة اباطرة الإسلام السياسي لنيل حريته، والتاريخ الإنساني مليء بإنتفاضات وثورات العبيد كثورة الزنج ضد اباطرة بنو العباس وثورة العبيد بقيادة سبارتاكوس ضد اباطرة روما.

عندما يتحول الإمام علي الى شعار يحمي الفاسدين، فأنّ التشيّع كمذهب في طريقه الى الفساد والجريمة. والمشاريع التجارية والصناعية والجامعات التي تمتلكها وتديرها العتبات الشيعية، وتلك التي تمتلكها الأحزاب والميليشيات والمؤسسات الشيعية أو تلك التي يمتلكها رجال الدين،  فاسدة كما جميع المؤسسات في الدولة. وهنا علينا أن نسأل من حوّلوا عليا الى بضاعة: هل كان الإمام علي فاسدا ليكون سورا يحمي الفاسدين!!؟

العبيد يثورون لأنهم يمتلكون الكرامة التي صودرت منهم ويعرفون الشجاعة، والغوغاء لايعرفون الثورة بل ويقفون ضدها ويعملون على إنهائها كونهم جبناء ولا كرامة لهم.

زكي رضا
الدنمارك
3/7/2021 



   














61
لو لم يكن للعباسيين الا هذه لكانوا أعلى منكم مكانة وسؤددا


كتب ياقوت الحموي وهو يصف بغداد، بأنّها جنّة الأرض، ومدينة السلام، وقُبّة الإسلام، ومجمع الرافدين، وغرّة البلاد، وعين العراق، ودار الخلافة، ومجمع المحاسن والطيبات، ومعدن الطرائف واللطائف، وبها أرباب الغايات في كلّ فن، وآحاد الدهر من كل نوع (1).

دار الخلافة وعاصمة الدنيا هذه تعتبر من أعظم المدن التي بنيت ومُصِّرت بالعراق بعد واسط الحجّاج وبصرة عتبة بن غزوان وكوفة سعد بن أبي وقّاص وسُرّ من رأى المعتصم العبّاسي، دار الخلافة هذه هي بغداد المنصور " فحل بني العبّاس هيبة وشجاعة ورأيا وحزما ودهاء وجبروتا" (2). لقد بناها المنصور لتكون عاصمة ملكه وحاضرة العالم، ودامت كعاصمة للدنيا وحاضرة للعالم لما يزيد عن خمسة قرون، ولرخاء العيش فيها وإعتزاز اهلها بها " قد تصوّر كل منهم في معتقده وخلده، أنّ الوجود كلّه يصغر بالإضافة لبلده، فهم لا يستكرمون في معمور البسيطة مثوى غير مثواهم، كأنّهم لا يعتقدون أنّ لله بلادا أو عبادا سواهم" (3). ولو راجعنا الرسالة البغدادية ووصف ابو حيّان لها والذي ينسب لبغداد لعيشه فيها طويلا، فسنرى أنفسنا في رحلة عبر التاريخ لمدينة فيها أصحاب مذاهب دينية وشعراء ماجنون ومدارس وحلقات علم وصناعات كصناعة الورق والزجاج والصابون وغيرها، مدينة ترجمت فيها كتب العلم والطب والفلسفة، مدينة لاتنام حيث السميريات والقوارب تجوب دجلة ليل نهار، مدينة الاساطير والف ليلة وليلة، مدينة المآذن، مدينة الجواري والغناء، مدينة المناظرات العلمية والمطاردات الشعرية، بغداد السحر.

مدينة كهذه علينا نحن أبنائها أن نفتخر بها ونعمل جاهدين على كتابة تاريخها من جديد، علينا العمل على بناءها لتستعيد جزء من هيبتها ورونقها الذي فقدته منذ أن سقطت بيد المغول، علينا أن ندرس حياة من بناها لنتعرّف عن اسباب إنتخابه لها عاصمة لملكه دون مناطق أخرى من العراق. ابا جعفر المنصور لم يبني مدينة كما المدن الأخرى، بل بنى مدينة اصبحت عاصمة لأمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، مدينة أصبحت كعبة للتجار والصنّاع والحرفيين ورجال العلم والأدب والطب والصيدلة والكيمياء. لم يستطع أحد بعد العباسيين أن يمنح بغداد عظمتها كما هم مطلقا، منذ السيطرة والهيمنة المغولية حتى السيطرة والهيمنة الطائفية اليوم. ولم يجرؤ أحد على النيل من باني بغداد الأزل لليوم، الّا مجاميع من الرعاع الجهلة الذين تدفعهم جهات سياسية وميليشياوية من أجل إحياء صراعا طائفي جديد، وكأن شعبنا وبلدنا لم يتذوقا مرارة الصراع الطائفي الذي لازالت جراحاته طرية.

أيها الرعاع المتخلفون ومن يقودنكم أنّ هارون الرشيد المهمل شارعه اليوم وحفيد ابي جعفر المنصور العباسي الذي تريدون تحطيم تمثاله، قال وهو يخاطب غمامة "إمطري حيث شئت فأنّ خراجك عائد إلينا"، وهذه الجملة لوحدها كافية في أن نجعل له ولابي جعفر المنصور تمثال في كل مدينة، وهي كافية لأن يكون ابي جعفر المنصور وأحفاده أعلى منكم مكانة وعزّة وكرامة وسؤددا. فمن تلك الغيمة كانت تجبى الاموال لبغداد السلام، وتلك الغيمة كانت عنوان لقوة الدولة وعظمتها، وتلك الغيمة كانت بوصلة تهدي طلاب العلم الى مدارس بغداد، وتلك الغيمة كانت عمارة وسدود وقناطر ومجاري أنهار.

في عهد من يدفعونكم من الطائفيين اليوم لهدم تمثال باني بغداد، فأنّهم يخاطبون من خلالكم غيوم العراق باللغة الفارسية طالبين منها أن تمطر في طهران الفقيه لتزداد خيرا، وليشتروا منهم ما يقيمون به أودكم، وما تصدّره لكم تلك الغيوم من مواد مخدرة وذل وإمتهان للكرامة..

يقول أحد الشعراء وكأنّه يرى الرعاع اليوم وهم يريدون هدم تمثال المنصور وخراب بغداد:

سقيا لبغداد ورعيا لها      ولا سقى صوب الحيا أهلها
يا عجبا من سفل مثلهم     كيف أبيحوا جنّة مثلها (4)


ويبدو أنّ المقدسي كان يرى بغداد اليوم من خلال البلّورة المسحورة وهو يقول عنها "وهي في كل يوم الى ورا، واخشى ان تعود كسامرا، مع كثرة الفساد، والجهل والفسق، وجور السلطان" (5)

ووصفها في العصر الحديث الشاعر معروف الرصافي قائلا :


أفي المروءة أن يعتزّ جاهلها            وأن اكون بها في قبضة الهون
وأن يعيش بها العضروط ذا شمم       وأن أسام بعيشي جدع عرنيني


نعم أيها الرصافي فبغداد اليوم تعيش عهد العضاريط، ويا ويل بغداد من عهدهم.


(1) معجم البلدان 1/ 685 لياقوت الحموي
(2) فوات الوفيات 1/ 279 لأبن شاكر و تاريخ الخلفاء ص 259 للسيوطي
(3) رحلة ابن جبير ص 174
(4) معجم البلدان 1/ 692 لياقوت الحموي
(5) احسن التقاسيم ص 120 للمقدسي


زكي رضا
الدنمارك 15/6/2021


62

حينما باع التجّار سيف ذو الفقار


في الفجر كنت ارى جدّتي وانا صغير تتوضأ وصوت المؤذنّ ينادي (الله اكبر)، فكنت اراقبها وهي في رحاب الله تبسمل وتحوقل وتسجد له خاشعة باكية، علما انني لم اراها يوما تعصي ربّها طرفة عين، فعشقت الله معها وهمت في حبّه. واليوم انا فرح لرحيلها قبل ان ترى حزبه وهو يقتل وينهب ويخون، وأصبحت أخاف رصاصات من مسدسات كاتمة أن تغتالني غيلة لتنتقم منّي، لماذا؟ لأنّ الله منتقم كما يقول أعضاء حزبه .. يا إلهي الم تجد غيري وانا الباحث عن وطن أعيش فيه بكرامة  لتنتقم منه!! 

كانت جدّتي وانا صغير دائمة الصلاة على محمّد وآله، ومن خلالها أحببت محمّدا وكنت  أقسم به  صدقا وأتوسّل إليه أن يعينني ويساعدني، وعندما كبرت ورحلت جدتي حسدتها على رحيلها كونها لم ترى كما رأيت وأرى جيشه اليوم يسلب اموال الفقراء ويقتل على الهويّة ويسبي خيرة نساء بلدي.

كنت أذهب مع جدّتي مواسم الأعياد لزيارة القبور في مقبرة وادي السلام بالنجف الأشرف، وكانت قبل زيارة المقبرة تصطحبني الى ضريح ومقام الإمام علي للتبرك والدعاء، فكنت الهو بفرح طفولي على بلاط الحضرة الأملس وأحببت عليا معها، وأحببته اكثر وانا استمع الى سجاياه واخلاقه وبطولاته من خطيب معمّم. وحينما كبرت ورحلت جدتي أصبحت أخاف كتائبه وهي توجه فوّهات بنادقها لصدور ابناء شعبي، وأهرب مذعورا كلمّا أصادف معمّما في مكان ما.

كانت جدّتي تقصّ عليّ بفخر وحب كبيرين بطولات علي والحمزة في معركة بدر الكبرى، فكنت أتخيّل نفسي في تلك الفلوات حيث الرمال الحارقة والإيمان بطلا من ابطال تلك المعركة. وحينما كبرت أصبحت أتحاشى حتّى البدر ليلة تمامه كونه يذكّرني بمنظمة سليلة للخيانة وباعت العراق للأجنبي.

كنت أحلم دوما بسيف ذو الفقار المعلّقة صورته في غرفة جدّتي وهو بيد علي في معاركه المختلفة، حالما أن يكون مثله في يدي يوما لأدافع به عن حقوق الفقراء. وحينما كبرت أصبحت ابتعد عن تلك الصورة بعد أن رأيت ذو الفقار مُهدى للمحتلين من قبل التجّار والمرابين مرّة، و من معمّم لقوّاد ثانية،  ورمزا لقتل العراقيين تحت مسمى لواء ثالثة.

كانت جدّتي دائمة البكاء على فاطمة الزهراء وتصيح بها اثناء الشدائد بلهجتها البغداديّة المحببّة " دخيلچ  يا أم الحسن والحسين"، فكنت انتظر الفرج الذي لا بدّ أن يأتي سريعا لثقتي بجدتي وحرارة دموعها وصدق دعواتها وهي تناجي إبنة محمّد. وحينما كبرت أصبحت أرثي لجدتي حالها بعد أن جاءت لنا سرايا الزهراء بالمصائب والنوائب والشدائد ولتنهمر الدموع أنهارا من عيون ثكالى العراق اللواتي قتلت السرايا ابنائهن.

في عاشوراء كانت تتشّح جدّتي بالسواد وتجلس في ركن تقرأ فيه القرآن بصوت شجي، و كنت أراها ليلة العاشر من محرّم باكية حتّى مطلع الفجر جزعا وحزنا على الحسين وهو مجندلا في صحراء كربلاء، وكانت تحدثّني عن الظلم الذي وقع على سيّد شباب اهل الجنّة وآله وعياله وصحبه، وكنت ابكي لبكائها وأخرج لاطما صدري حزنا عليه في المجالس التي تقام بتلك المناسبة. وأصبحت اليوم أهرب من تلك المجالس، بعد أن حوّلت كتائب سيّد الشهداء بلدي الى مسلخ بشري.

كنت أرى جدّتي ترتجف في اليوم السابع من  شهر محرّم وهي لا تجرأ على لفظ إسم كفيل زينب وساقي عطاشى كربلاء ابا الفضل العبّاس، لما للعباس بن علي من وقع في المخيّلة الشعبية عند عوام الشيعة. لكنني اليوم اريد العودة اليها لأخبرها من أنّ لواءه ولواء كفيل زينب مساهمان في موت العراقيين عطشا، كونهما يتكلمان لغة دولة قتلت ارض الرافدين عطشا.

كانت جدّتي تقول لي أنّ علي مع الحق والحقّ مع عليّ ويدور معه أينما كان، وأنّ اتباع علي هم أهل الحقّ، فصدّقتها إيمانا منّي بصدقها ولكثرة ما سمعته عن عدله، وأصبحت اليوم أخاف أهل الحقّ وعصائبهم التي تفتك بشابّات وشبّان العراق وتنهب وطنهم وتبيع ما تقدر عليه لإيران الفقيه.

كانت جدّتي تصطحبني أحيانا لسامرّاء حيث مقام الإمام المهدي، وكانت تنتظر موعد ظهوره المنتظر ليملأ الأرض قسطا وعدلا، فكنت أحلم على الأقل بعراق يسوده القسط والعدل وفيه كل هذه المراقد وليست الأرض بأكملها، فأصبحت وأنا أشعر بالرعب حالما أسمع بجيشه وهو يصرخ أن ( قتلانا في الجنّة وقتلاكم في خلف السدّة)، أصبحت اليوم أشعر بالخوف من جيشه وهو يقتحم ساحات التظاهر فيقتل الشابات والشباب بدم بارد، أصبحت اليوم أرتعب من حفيده ساكن الحنّانة لجرائمه بحق العراق والعراقيين.

كانت جدّتي تحدّثني وهي مليئة بالأسى والحزن عن الشورى التي لم تنصف الإمام عليّا وسرقت منه الخلافة، وكنت أشاركها حزنها وأساها لعدالة عليّ وطيبته، وأصبحت اليوم وانا أرى شورى العمائم تسرق بلدا بأكمله وتذلّ شعبا بأكمله حزينا لحزنها وحزني وقتها. 

أنبئك جدتي أنّ لله اليوم ربع ومعهم ثار بإسمه ولا يعرفون الا قتل الابرياء، زوري أمّهات الشهيدات والشهداء في أحلامهن ليقصّوا عليك كيف قتلت سرايا السلام في عراقنا المبتلى بفتاوى الشياطين الأمن والسلام في ربوعه. وأنت في ملكوت الله تقدّمي اليه وأمّهاتنا الطيبات وأطلبن منه أن يكفّ أيادي حزبه وربعه وثاره عنّا، فقد بلغ السيل بنا الزبى فخربت بهم بلادنا وأصبح الموت يحيطنا من كل جانب...

لقد إستبدل قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية وعمائمهم سيف ذو الفقار بسيف عبد الرحمن بن ملجم، وها هم يضربون به قرن رأس العراق وشعبه لقتلهما، كما ضرب إبن ملجم قرن رأس الإمام علي في الكوفة وأرداه قتيلا.


زكي رضا
الدنمارك
4/6/2021







63

المفوضيّة غير المستقلة للإنتخابات تكذب كعادتها
   
 
مفوضيّة الإنتخابات التي عليها تقع مسؤولية إجراء إنتخابات حرّة ونزيهة وشفّافّة، من خلال الإعلان عن موعد الإنتخابات وتنظيمها بدءا من تسجيل الناخبين وتحديث سجلّاتهم ومرورا بالإشراف على مراكز الإنتخابات وجمع وحفظ صناديق الإقتراع وعمليّة العدّ والفرز وإنتهاءا بإعلان النتائج النهائية هي "هيئة مهنية حكومية مستقلة ومحايدة تتمتع بالشخصية المعنوية وتخضع لرقابة مجلس النواب" وفق ما جاء في الفصل الثاني، المادة الثانية من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. ومجرّد تقسيم مهامها على اساس المحاصصة من خلال تعيين مفوضّين من مثلث الفساد الطائفي القومي، فأنّ المفوضيّة تكون قد فقدت إستقلاليتها لتكون تحت رحمة سياسات هذا المثلث ومصالحه وتحديد نسبة ممثليه في البرلمان المركزي بما يتوافق وإستمرار نهج المحاصصة المدمّر.

لقد دأبت المفوضيّة على إطلاق تصريحات ما أنزل الله بها من سلطان، كلما حدثت جريمة أثناء سير الإنتخابات أو قبلها وبعدها حتّى. فسرقة صناديق الإقتراع وإعادتها بعد فترة ليست بالقصيرة، أو حرق مخازن صناديق الإقتراع، وقضية المال السياسي والإستفادة من عجلات الدولة وبنايات الوزارات الحكومية للدعاية الانتخابية، والتأخير في إعلان النتائج النهائية للإنتخابات من أجل إرضاء القوى المتنفذة وفسح المجال امامها لتزوير النتائج بما يتناسب وأعداد المقاعد البرلمانية لكل منها، وجدت له المفوضيّة ومعها السلطة التنفيذية حلا سحريا وهو تشكيل لجان تحقيق وضرب المتهمّين بيد من حديد كما تصرّح دوما ومعها الحكومة، ولترجع هذه اللجان ومعها تلك اليد الى من نظّمها راضية مرضية لتدخل جنّة البنوك وإمتلاك العقارات داخل وخارج الوطن!! ولأنّنا نعيش موسم الإنتخابات التي لم تنضج ثمارها لليوم، فأنّ المفوضيّة غير المستقلة للإنتخابات خرجت علينا وهي تتهيأ لتزوير إرادة الناخبين الراغبين رغم معرفتهم بنتائج الإنتخابات بتصريح غريب جدا.

فقد تناقلت وسائل الإعلام في 17/05/2021 اخباراً عن فقدان ملايين البطاقات الإنتخابية، وعوضا عن تقديم المفوضيّة تفسيرا منطقيا لفقدان هذا العدد الهائل من البطاقات والتي سيكون تأثيرها كبيرا على نتائج الإنتخابات القادمة، خرجت علينا المتحدثة بإسمها السيدة جمانة الغلاي بتصريح "غريب" جدا. إذ قالت أنّ : "مفوضية الانتخابات قامت بتوزيع بطاقات قصيرة الأمد في 2014 و 2018 وتم اعتمادها وجرى توزيع ما يقرب من 5 ملايين بطاقة قصيرة الأمد على الناخبين" ولتضيف قائلة: " أن "المجلس الجديد والمفوضية الجديدة، وجدا أن هذه البطاقات موجودة في مراكز التسجيل منذ 2014 و 2018 ولم يراجع عليها أصحابها، وقد يكون ذلك بسبب حالات الوفاة والهجرة"، مشيرة إلى أن "هذه البطاقات سُحبت من قبل المكتب الوطني في المفوضية مع حجب بيانات الناخبين وفتح مرحلة تحديث سجل الناخبين مجدداً ونحن بانتظار مراجعتهم لأقرب مركز تسجيل لتحديث بياناتهم وبالتالي ستطبع لهم بطاقات جديدة طويلة الأمد"!!!

في العام 2018 أطلقت الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة العراقية خطة الاستجابة الإنسانية لدعم النازحين لذلك العام، وقدّرت السلطات العراقية حينها عدد النازحين داخليا بنحو 2.5 مليون عراقي، ووقتها أعلن المنسق الأممي للشؤون الإنسانية في العراق راماناثان بالاكريشنان ووزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف عن خطّة للإستجابة الإنسانية لدعم النازحين. لكن الذي يهمّنا هنا هو تصريح السيد الجاف الذي ناشد فيه "القوى السياسية عدم استغلال ملف النازحين مع قرب موعد الانتخابات النيابية المقررة في أيار/مايو المقبل". والآن دعونا نعود لتصريحات السيدة الغلاي الغريبة.

تقول السيدة الغلاي أن عدد البطاقات التي وُجدت في مراكز التسجيل من قبل المفوضية هي خمسة ملايين بطاقة، وأنها تعود لناخبين مهجّرين أو موتى، ولمّا كان عدد المهجرين وفق بيانات وزارة الهجرة والمهجرين لنفس الفترة هي 2.5 مليون نازح، فأنّ عدد المتوفين وفق تصريحات السيدة الغلاي هو 2.5 مليون عراقي!! وهذه لوحدها جريمة كبرى ووصمة عار في جبين سلطة المحاصصة التي تنتمي اليها السيدة الغلاي. والأنكى هو أنّ السيدة الغلاي تنتظر مراجعة هؤلاء الناخبين لأقرب مراكز التسجيل " لتحديث بياناتهم وبالتالي ستطبع لهم بطاقات جديدة طويلة الأمد". ولو آمنّا بسياسة الحكومة العراقية في معالجة ملفات النازحين وعودتهم الى حياتهم الطبيعية، ومن ثم تحديث بياناتهم للمشاركة في إنتخابات محسومة النتائج سلفا، فهل سيعود الموتى وعددهم 2.5 مليون لتحديث بياناتهم ايتها السيدة جمانة!!؟؟

السيدة جمانة، هذه البطاقات ستقسّم من قبل المفوضيّة على أحزاب السلطة لتعزيز مواقعها السياسية في إدارة البلاد التي هي على شفير الهاوية، ودعاية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي على زيادة اعداد المشاركين بالإنتخابات.
السيدة جمانة، لدينا مثل شعبي يقول: الچذب المسفّط أحسن من الصدگ المخربط، ويبدو من أنك ومفوضيتك وحكومتك لا تجيدون لا الچذب المسفّط ولا الصدگ المخربط.

الإنتخابات لن تغيّر شيئا من اللوحة السياسية القاتمة، ومقاطعتها وعدم منح الشرعية لقوى الفساد واجب وطني وأخلاقي.


زكي رضا
الدنمارك
18/5/2021

64

لتخرس طهران الفقيه وميليشياتها
   
في الأوّل من أيلول/ سبتامبر 1939 هاجمت المانيا النازيّة بولندا، ولو لم تتدخل كلا من فرنسا والمملكة المتحدّة وإعلانهما الحرب ضدّها واللتان جرتا بقية البلدان الاوربية بعدها للمواجهة، لكانت المانيا هاجمت بقية الدول الاوربية واحدة تلو الاخرى وإحتلتها. لكنّ الأمر المهم هنا أنّ الردّ الفرنسي البريطاني لم يكن عبر بيانات أو تضامن مع بولندا، بل عبر مواجهة عسكرية انتهت بإحتلال فرنسا ودمار واسع لحق بالمملكة المتحدّة هذه المواجهة إنتهت بعد سنوات مريرة بإنتهاء الحرب وإنهيار النازية.

قبل أيّام بدأ الإسرائيليون وعلى خلفية أحداث القدس بإعتدءات واسعة على الشعب الفلسطيني، والتي وصلت الى حد جرائم ضد الإنسانيّة بنظر الكثير من المنظمات الدوليّة المتابعة للأحداث هناك. وعلى عكس بداية الحرب العالمية الثانية فأنّ الحرب الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين لم تكن مفاجئة، كونها تتكرر بإستمرار من أجل قضم أكبر مساحة ممكنة من الأرض وحصر الفلسطينيين بشريط ضيّق. كما وأنّ الموقف العربي من هذا الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على الشعب الفلسطيني ليس بالموقف المفاجئ أيضا، فعلاقات التطبيع مع إسرائيل بدأتها دول عربية عديدة سابقا، ولحقتها دول أخرى اليوم والبقية في طريقها أيضا. وهذا يعني أنّ هذه الدول ليس في نيّتها ولا حساباتها أن تحرر فلسطين من الإحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل العام 1967، كما وأنّ العديد منها لم تتاجر بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية في سياساتها المعلنة وغير المعلنة حتّى. فهل الموقف الإيراني وميليشياته الشيعية من الصراع الدائر الآن وعدم نصرة الشعب الفلسطيني عسكريا هو موقف مفاجئ!؟

منذ نجاح الثورة الإيرانية وكهدف استراتيجي للنظام فيها من أجل بسط نفوذه في البلدان العربية للهيمنة عليها عن طريق ميليشيات موالية لها، كان شعار تحرير فلسطين شعارا اساسيا ترفعه السلطات الإيرانية وشكّلت من أجله فيلقا تحت مسمى فيلق القدس الذي يبدو انه متواجد في مناطق عديدة الا القدس. فهل كان هذا الشعار حقيقيا أم كما شعار كل شيء من اجل المعركة " معركة تحرير فلسطين" التي رفعتها الأنظمة العروبية لعقود دون أن تحقّق أهدافها!؟ وهل نجحت إيران الإسلامية التي خصصت الجمعة الاخيرة من شهر رمضان كيوم للقدس في تحقيق ما فشل القوميون العرب في تحقيقه؟

منذ نجاح الثورة الإيرانية ولليوم كان الإيرانيون يستعرضون قواهم امام البلدان العربية وشعوبها على أنّهم سيكونون الجنود الذين يحررون الأقصى من دنس الصهاينة لو كان لهم شبر واحد من الحدود معها! ولم تمر الا سنوات الّا وإيران وعن طريق ميليشيا حزب الله الشيعية الموالية لها، تمتلك ما يقارب 120 كيلومترا وليس شبرا واحدا من الحدود مع إسرائيل. وما أن بدأت الأزمة السورية في آذار / مارس 2011 حتى كانت لإيران حدودا من الجبهة السورية لا تقل طولا عن حدودها مع إسرائيل على الجانب اللبناني، وهذه المرّة ليس عن طريق ميليشياتها التي لها مواقع ومعسكرات تدريب عديدة في سوريا فقط بل وعن طريق الدولة السورية نفسها والتي فسحت المجال واسعا امام التدخل والنفوذ الايراني بعد أن تخلت عنها الانظمة العربية.

اليوم والفلسطينيون يتعرضون للبطش الوحشي الاسرائيلي وإستشهاد وجرح عشرات الابرياء منهم، وانهيار العديد من المباني والبنى التحتيّة وتعطّل الحياة وهم يعيشون حصارا عنصريا مجرما، وبعد أن انتقلت إنتفاضتهم ومقاومتهم لداخل الخط الأخضر، ارى من حقّنا أن نسأل ولي الفقيه وميليشياته عن اسباب عدم مهاجمتهم لإسرائيل لفتح جبهات عسكرية جديدة تخفّف من وطأة المعاناة عند الفلسطينيين!؟

إن الموت هو المنتصر الوحيد في الحروب، الا أنّ المنتصر في هذه الحرب علاوة على الموت هو الضحك على قادة إيران وجيش قدسهم وميليشياتهم الشيعية التي لم ترمي حجرا ولا أقول رصاصة بإتجاه إسرائيل منذ بدأ أحداث الاقصى لليوم. لكن أن يكون هناك منتصرا آخرا يفوق الضحك إنتصارا، هو دخول المراهق مقتدى الصدر وميليشياته وبقيّة الميليشيات الشيعية معركة فلسطين من خلال إعلان جاهزية عصاباتهم لتحرير القدس، هذه الميلشيات التي من أعظم مآثرها لليوم هي إشتراكها في الحرب الطائفية تحت شعار ( قتلانا في الجنّة وقتلاهم في خلف السدّة)، وإغتيال وقتل المئات من المتظاهرين والناشطين من أجل حرية العراق وشعبه..

لا يختلف إثنان عن ماهيّة السلطات الإسرائيلية الدموية والعنصريّة، كما لا يختلف إثنان عن حقّ الشعب الفلسطيني في النضال من أجل حريّته وحقّه في إقامة دولته المستقلّة وفق قرارات الأمم المتحدّة ذات الصلة. لكننا ونحن نحترم هذا الحق وندعو إليه، نتساءل عن القوى التي تدّعي تمثيل الشعب الفلسطيني ويخوضون به حرب بالوكالة وخاسرة من أجل أنظمة قومية عروبية في السابق، ومن أجل مصالح دولة وليّ الفقيه اليوم. ومثلما كانت القضية الفلسطينية العادلة تجارة مربحة في بازار القوميين العرب، فأنّها اليوم تجارة مربحة في بازار القوى الإسلامية وراعيتها إيران.

ختاما يجب التأكيد على عدم الدعوة لحرب واسعة ومدمرّة، لكننا ونحن نرى ازدواجية وضبابية ودجل حكام طهران الا قول ( إخرسي طهران وميليشياتك المجرمة).


زكي رضا
الدنمارك
13/5/2021

65
السيد روحاني.. بلادكم اكبر ثقب أسود إبتلع العراق

تعرّف وكالة ناسا الفضائيّة الثقوب السوداء على أنّها " جسم فلكي، يتواجد في المجرات منذ مليارات السنين، وهي أكبر قوة جذب كونية معروفة ولا يمكن لأي شيء ولا حتى الضوء أن يفلت منها، ولو اقترب منها نجم أو أي جسم آخر ستجذبه وتبتلعه"، ووفق الوكالة الفضائية ناسا فأنّ " هذه الأجسام الفلكية ليست ثقوبا بالمعنى الحقيقي، ولكن أي شيء يقترب منها يختفي، حيث تسقط المادة والإشعاع معا ولا تظهرا أبدا"، كما وأنّ الإنسان لا يستطيع أن يرى هذه الثقوب بالعين المجرّدة، كما يؤكّد العلماء.

المقدمّة العلمية التي تناولناها أعلاه تخصّ الفضاء المترامي والشاسع والبعيد عنّا بمليارات السنوات الضوئية، حيث يتشكل الزمكان وفق رصد العلماء لتحركات الثقوب السوداء هذه. أمّا مقالتنا هذه فأنّها تتناول ثقب أسود يُرى بالعين المجرّدة ويمكننا السفر إليه مشيا على الأقدام. ثقب جار لبلدنا يبتلع منذ وصول الطائفيين للسلطة، نفطنا وماءنا وأسواقنا ودولارات مزاد عملتنا، ثقب حقيقي وليس كبقية الثقوب السوداء، ثقب لو إستمرّت تحركاته بنفس الطريقة ودون إنفكاك بلادنا من مجالها المغناطيسي الطائفي، فأن بلادنا وبلا أدنى شك ستسقط فيه ولا تظهر ابدا.

ما يميّز ساسة إيران (الثقب الأسود) عن ساستنا، هو أنهم وطنيون يعملون على رفعة شأن وطنهم وتقدّمه، لذا نراهم يتعاملون مع الدول المختلفة وفق مصلحة بلادهم و نظرتهم لساسة تلك الدول وشعوبها وحكوماتها. ولأنّهم واثقون من عدم وطنية الساسة العراقيين وخيانتهم لبلدهم، علاوة على تربية زعمائهم "ساسة العراق اليوم" في مدارسهم السياسية والمخابراتية في طهران حينما كانوا يشّكلون المعارضة للنظام البعثي الفاشي، فأنّهم يتعاملون مع شعبنا ووطننا بإستخفاف يصل الى حدّ الإستهتار في أحيان كثيرة. فرجال مخابراتهم وزعماء عصاباتهم كسليماني قبل مقتله وقا آني وغيرهما، يدخلون العراق متى ما يشاؤون وأين ما يريدون.  فإيران كما يقول إمام جمعة مشهد الإيرانية علم الهدى ونقلا عن وكالة انباء الطلبة الإيرانية ( إيسنا) هي اليوم اكبر من مساحتها الجغرافية، وأنّ "إيران اليوم ليست فقط إيران ولا تحد بحدودها الجغرافية. الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وأنصار الله (الحوثيون) في اليمن وقوات الدفاع الوطني في سوريا والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين، هذه كلها إيران". ولمّا كانت عصابات الحشد الشعبي هي من تتحكم بالقرار السياسي العراقي وتهيمن على مفاصل الإقتصاد الوطني والمنافذ الحدودية وتتحصل على الأتاوات وترتبط بحبل سرّة قوي ومتين داخل رحم وليّ الفقيه ونظامه، فأنّ العراق اليوم يتحرك بسرعة قياسية نحو مركز الثقب الإيراني الأسود.

بعد تفشّي  الموجة الرابعة لجائحة كورونا في إيران والتي حصلت نتيجة إحتفال الشعوب الإيرانية برأس السنة الفارسيّة والتنقّل بين المحافظات والمدن والبلدات المختلفة، قال السيد إيرج حريري معاون وزير الصحّة الإيراني من أنّ الوزارة كانت مع عدم فسح المجال للسفر داخل إيران، الّا أن الجهات العليا ولأغراض إقتصادية كانت على الضد من رأي الوزارة. وقد ردّ السيد روحاني على هذا التصريح قائلا " إهتمامنا بالكامل كان ينصبّ على مراقبة المطار، الا انّ الثقب جاء من مكان آخر، وانّ جميع فايروسات كوفيد 19 الإنجليزية جاءت من العراق!!"، ليضيف قائلا وبلهجة الواثق " لو لم تكن الفايروسات قد دخلت البلاد من حدود محافظتي خوزستان وإيلام، لم تكن هذه المشكلة موجوة اليوم!!". وكان وزير الصحة الإيراني  السيد سعيد نمكي قد صرّح قبلها قائلا " من أن الفايروسات لا تحتاج الى جواز سفر لتنتقل من بلد الى آخر!!

قبل إتّهام العراق بشيوع الموجة الرابعة للجائحة في إيران من قبل روحاني، طلب وزير الصحة الإيراني من وزير الداخلية رحماني فضلي بوقف السفر البري والجوي لتركيا بعد تفشي الفايروس الإنجليزي هناك، والذي تم رفضه من قبل الوزير والرئيس وفق وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري!! وكان الوزير قد أخبر قبلها رؤساء الجامعات الطبيّة من انّ سبب تفشي المرض بشكل كبير في ايران هو إزدحام الأسواق والطوابير الطويلة والسفرات الداخلية بمناسبة اعياد نوروز.

لأننا نعيش تحت سطوة الميليشيات الإيرانية ولا نمتلك قرارنا السياسي، فأنّ الحلم بردّ ولو خجول لتصريحات روحاني ومن اجل رفع العتب فقط لن يتحقق. بل على العكس فقد يخرج لنا إمام جمعة أو زعيم حزب أو عصابة غدا ليعلن غلق الحدود مع الثقب الأسود حفاظا على صحّة الشعوب الإيرانيّة، على أن تبقى مرور البضائع والمخدّرات الى الأسواق العراقية قائمة، وكذلك مرور الأسلحة من خلال بلادنا الى العصابات الإيرانية في سوريا.

زكي رضا
الدنمارك
12/4/2021


 

 















66
هل العراق بحاجة الى ليلة سكاكين طويلة ..؟


أحيانا تدفعنا اوضاع العراق وهو يعيش تحت سطوة الميليشيات الإسلامية، الى البحث عن تجارب تاريخية من تلك التي ممكن مقارنتها مع تجربتنا الكارثية تحت ظل سلطة الاسلام السياسي، لإستخلاص بعض النتائج التي لو طُبّقت على واقعنا المزري وعلى الرغم من رفضنا الفكري والآيديولوجي بل والإنساني لها، فأنّ من الممكن لتقارب التجربتين أن نصل الى بعض النتائج التي بوسعها أن تغيّر بعضا من هذا الواقع المعاش. وهذا لا يعني مطلقا انّ التجربة التي سنتناولها في هذا المقالة ورفضنا لمن قاموا بها وظروفها ونتائجها، تعني قبولنا بتجربة الاسلام السياسي ونتائج سياساته الكارثية، كون التجربتين قريبتين من بعضهما في عدائهما لكل ما هو ديموقراطي وانساني ووطني، والتجربتين وعلى الرغم الفارق الزمني الذي يقدّر بتسعة عقود متطابقتان في امور عدّة، أهمّها هي الإحتكام الى السلاح في تهديد الدولة ومناوئيهم السياسيين. ومختلفتين في نقطة مهمّة وهي أنّ الميليشيات الشيعية ليست سوى بنادق للإيجار، والثانية التي سنتناولها بعد قليل لم تكن كذلك.

لعبت كتيبة العاصفة النازيّة منذ أن تأسست بدايات عشرينيات القرن الماضي، دورا هاما في تدعيم النازيّة الالمانية وترسيخ أقدام زعيمها أدولف هتلر على المسرح السياسي الالماني، وكانت من أهم مهامّها في الفترة ما بين 1926 – 1933 تعزيز شعبية الحزب النازي بتنظيمها التجمعات الدعائية للنازيين ومهاجمة التظاهرات الجماهيرية المناوئة لهم، وإشتراكها الفعّال في مهاجمة ممتلكات اليهود الالمان ونهبها كشكل من اشكال الاضطهاد الديني والسياسي. الّا انها وبعد إستلام النازيين للسلطة وتبوأ هتلر منصب مستشار المانيا بداية سنة 1933 وبدلا من أن تتوقف عن اعمال العنف التي مارستها قبل استلام النازيين للسلطة، فأنها استمرت في نفس نهجها السابق ما ادى الى احراج النازيين وعلى رأسهم هتلر الذي لم يستطع ان يوقف هذه الميليشيا عند حدّها. وقد اثار طلب أرنست روم قائد هذه الميليشيا بضم مليوني ميليشياوي وهم تعداد عصابة العاصفة وقتها الى الجيش الالماني، حفيظة وغضب كبار الجنرالات الالمان الذين عبرّوا بشكل علني عن رفضهم الكامل لطلب روم هذا إحتراما لتاريخ الجيش الالماني من جهة، وللحيولة دون انتقال العنف الذي تمتاز به هذه العصابة الى المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، ولإحترام المهنية في الجيش وعدم إختراقه من جهة ثالثة ، فيما كان رد الرئيس الالماني باول فون هيندنبورغ المعادي لهتلر اكثر تشددا وهو يهدد باستخدام الجيش في حرب شوارع للقضاء على عصابة العاصفة بل وعلى النازيين باكملهم.

نتيجة استمرار قادة ميليشيا العاصفة في مواقفهم التي اثارت العديد في المشهد السياسي الالماني، لم يكن امام هتلر الا القضاء على هذه العصابة التي وقفت الى جانبة لاكثر من عقد. فقام بمساعدة قوات الأس أس وهو على رأسهم بمهاجمة مقر هذه الميليشيا في منطقة (باد فيسه) وبداخله كبار الميليشياويين ومنهم أرنست روم الذي وجّه هتلر مسدسه نحو وجهه، وليعُتقل ومعه عدد كبير من زعماء ميليشيا العاصفة. عُرِفت هذا الليلة والتي أدت خلال ثلاث ايام تلتها بليلة السكاكين الطويلة والتي انتهت بحلّ هذه الميليشيا وقتل ما يقارب المئتين من قادتها وعلى رأسهم زعيمها أرنست روم.

بغضّ النظر عن الظروف الموضوعية والذاتية التي كانت في المانيا وقتها ومقارنتها بالتي عندنا بالعراق اليوم، وعلى الرغم من موقفنا الواضح من هتلر والحزب النازي وجرائمهما بحق الشعب الألماني وشعوب العالم أجمع. الا اننا ونحن نرى عصابات عاصفة وليس عصابة عاصفة واحدة بالعراق وهي تنظّم التجمعات المؤيدة لأحزاب الفساد، وتهاجم التظاهرات الجماهيرية لكسرها، وتشكيلها لجيش عقائدي موازي للجيش الوطني، وهيمنتها على إقتصاد البلاد عن طريق مكاتبها الاقتصادية وفرض اتاواتها، وإستعراض قوّتها وهي مدججّة بالأسلحة المختلفة لتُرعب الشارع العراقي، ناهيك عن مشاركة غالبيتها في الصراع الطائفي بالبلاد والذي خلّف مئات الآلاف من الضحايا والمعاقين والمفقودين، أرى اننا بحاجة لقراءة التجربة الالمانية بإمعان.

علينا ان نميّز ونحن نتناول ميليشيا الحشد الشعبي بين جيش المتطوعين الذين هبّوا للقتال ضد تنظيم داعش الإرهابي بعد فتوى الجهاد الكفائي التي اطلقها السيد السيستاني، وبين الميليشيات الشيعية التي كانت موجودة فعلا قبل تلك الفتوى، كميليشيات بدر وجيش المهدي وحزب الله والعصائب و جيش المختار والعشرات غيرها التي وُلِدت من رحمها بنطفة إيرانية لاحقا كثار الله وربع الله وأخرى غيرهما. كما وعلينا ان نميّز بين الميليشيات نفسها فمنها ما هو ولائي يأتمر بأوامر ولي الفقيه في طهران، وبين ميليشيات تعلن ولائها للسيد السيستاني والتي إنسحبت موخرّا من تشكيلات الحشد. لكننا وعلى الرغم من تمييزنا هذا علينا تعريف أي تشكيل عسكري تابع لحزب أو منظمة سياسية ويحمل السلاح خارج المؤسسة العسكرية للدولة، من أنّها ميليشيا. كما وأنّ أي ميليشيا تُعلن ولائها لمرجعيات دينية أو سياسية غير وطنية وتدافع علنا عن دولة أجنبية وتنفّذ أجندتها، من أنها إمتداد لجيش تلك الدولة. ولما كانت الميليشيات الولائية تعترف علنا بولائها لنظام ولي الفقيه، فأنّ إستمرارها بلعب ادوار سياسية يشكل اكبر المخاطر على البلاد ووحدتها وهيبتها، علاوة على كونها إمتداد عسكري إيراني في البلاد.

هل ميليشيا العصائب وكتائب حزب الله وجيش المهدي تحت اي مسمى كان وبقية الميليشيات التي هاجمت المتظاهرين في ساحة التحرير وكراج السنك والخلّاني وميادين التظاهرات في النجف وكربلاء والناصرية والبصرة والديوانية والكوت وميسان وغيرها من المدن والبلدات، والتي إغتالت وتغتال وتخطف عشرات الناشطات والناشطين، والتي قامت وتقوم وهي ممثّلة بالبرلمان بقصف السفارات والمنطقة الخضراء تنفيذا لأجندات إيرانية وتحرج الحكومة العراقية دبلوماسيّا هي جزء من الحشد الشعبي..؟ الإجابة عن هذا السؤال ونحن نبحث عن سلم وإستقرار بلدنا غاية بالأهميّة، لأن الإجابة بنعم تعني أن الحشد الشعبي هو الذي يقوم بقتل وإختطاف وتعذيب الناشطين والمتظاهرين ويقوم أيضا بقصف السفارات والمنطقة الخضراء، هو أشبه بعصابة العاصفة النازية. وإن كان الجواب بلا، فهذا يعني أنّ هذه الميليشيات المتورطة بجرائم خطف وإغتيال المتظاهرين والناشطين ليست سوى عصابات وهي الاخرى أشبه بعصابة العاصفة النازيّة أيضا.

قد يبدو الامر نوع من الفنطازيا عند البعض ونحن نقارن بين ميليشيا العاصفة النازية في المانيا وبين الميليشيات الإسلامية بالعراق، وإن كانت مطالبة إرنست روم هناك بدمج ميليشيا العاصفة في الجيش الالماني وحلّ تلك العصابة وتصفية قادتها وهو على رأسهم ومطالبة قادة الميليشيات الشيعية بدمج ميليشياتهم في الجيش العراقي، تعني اننا بحاجة فعلا الى ليلة سكاكين عراقية طويلة ..؟ أعتقد أن الأمر بحاجة الى مثل هذه الليلة، لكن السؤال هو: من الذي يستطيع ان يهيأ الظروف المناسبة لهذه الليلة المجيدة والتي ستعيد لبلدنا كرامته وأمنه وأستقراره ..؟

منظومة الفساد بالعراق لن تتفكك الّا بتفكك وانهيار شكل النظام السياسي القائم اليوم أي تفكيك نظام المحاصصة، وهذا النظام لن يتفكك الا بتفكيك وتدمير جميع الميليشيات المسلّحة أي وبمعنى آخر تدمير الدولة العميقة. قد يبدو أن هذا الحلّ سيتسبب بما يشبه الحرب الأهلية، كون العصابات والميليشيات المسلحة والمدعومة إقليميا لن تتنازل عن مواقعها بالسهولة التي نتوقعها. وهنا نكون امام خيارين، فأمّا إستمرار اوضاع البلد بالشكل الذي عليه اليوم وإستمرار تردّي الأحوال السياسية والإجتماعية والإقتصادية والمعيشية لملايين الفقراء، وإمّا بدأ المعركة مع هذه الميليشيات والتي هي بالأساس معركة مؤجلة كونها قادمة حتما في المستقبل، خصوصا وأنّ إرهابيا وقاتلا كعبد العزيز المحمدواي وهو من ابرز قياديي كتائب حزب الله الإرهابي العراقي، أصبح على رأس هيئة اركان عصابات الحشد الشعبي بدعم إيراني غير محدود، وإرهابيا كقيس الخزعلي يهدد الحكومة الشرعية بإستعراض عضلات إرهابيي العصائب في بغداد وتلاه على نفس النهج قادة ربع الله وميليشياتهم، وميليشياويا وقاتل المنتفضات والمنتفضين السلميين كمقتدى الصدر وهو يريد لعب دور الوطني في عرضه حماية المنطقة الخضراء من قبل عصابات سرايا السلام، علاوة على طرح نفسه من خلال دعاية إنتخابية مبكّرة مدافعا عن حقوق مسيحيي العراق الذين لم يفكّر لسبعة عشر عاما تذكّر ما سلبته عصاباته وعصابات البيت الشيعي من أملاكهم!!

لو كنت مكان الكاظمي لفضّلت أذني العراق على أذني وخططت لهذه المعركة بهدوء قبل إنهيار البلد بيد ميليشيات خامنائي.

زكي رضا
الدنمارك
2/4/2021

67

فشلت وستفشل محاولات مكافحة الشيوعية بالعراق


لم تأتي ولادة الحزب الشيوعي العراقي في آذار 1934 كحدث آني وقتها، كون أسباب تأسيس الحزب كضرورة أملتها الحياة السياسية بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كانت قد إختمرت من خلال نضالات شعبنا التي بدأها في تظاهرات جماهيرية عفوية ضد المعاهدة الأنگلو- عراقية والتي حلّت محل الإنتداب في تشرين الأوّل عام 1922، والتي إستطاعت أي التظاهرات إجبار الملك فيصل الأوّل وحكومته على عدم المصادقة عليها. في تلك الفترة كانت تأثيرات الحركات الراديكالية في العراق تتبلور بشكل واضح، من خلال نشاطات حسين الرحال ورفاقه الذين أسسّوا نادي التضامن في العام 1926 ، والذي اصبح العديد من اعضاءه كـ (زكي خيري وجميل توما وعزيز شريف..) وغيرهم قادة يساريين وشيوعيين لاحقا.

لقد شعر البريطانيون والحكومة العراقية بخطورة تأثيرات الأفكار والتجمعّات الماركسية والراديكالية التي بدأت تنتشر بهدوء في المجتمع العراقي، والتي ترجمها نادي التضامن بمظاهرة من اجل حرية الصحافة في العام 1927 وعاد ثانية لتنظيم أخرى في شباط 1928 شارك فيها أكثر من 20 الف متظاهر إحتجاجا على زيارة الصهيوني البريطاني الفريد موند للعراق. ومن اجل الوقوف بوجه هذه التوجهات والسخط الشعبي تجاه الحكومة التي فشلت في تلبية حاجات الناس وعدم إحترام القرار الوطني الذي ترسمه لندن، إنظمت الحكومة الى" اتفاق إقليمي برعاية بريطانية لمكافحة الشيوعية".(1) وكانت بريطانيا تعوّل كثيرا على العامل الديني وإتّخاذه كرأس حربة في مواجهتها للنشاطات الشيوعية، ليس في العراق - حيث للدين مركزا مهمّا في حياة الناس - فقط بل وفي مختلف البلدان الإسلاميّة التي تأثّرت شعوبها بنجاح ثورة اكتوبر في روسيا. وقد تمكّن ضابط الإستخبارات البريطاني بيمان من الحصول في آب / أغسطس 1919 على فتوى من المفتي الأكبر للأزهر الشيخ محمّد بخيت "تدين الشيوعية"

لقد إستمرّت الأفكار الإشتراكية والمفاهيم الشيوعية والراديكالية بالنمو وتعددت المنابر والجماعات الشيوعية، لتصل في نهاية المطاف الى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي في الواحد والثلاثين من آذار/ مارس 1934 . وقد شعرت السلطة الملكية ومعها البريطانيون بخطورة الحزب على مشاريعهم، ما جعلهم يوجهون ضربات قاسية للحزب وهو في طور بداياته الاولى وطراوة تنظيمه. حتى وصل الأمر برئيس الشرطة السياسية بهجت العطية وهو يحطّم منظمات الحزب ليعلن بلهجة الواثق والتي لم تكن في محلّها كما يقول بطاطو من أنّ الحزب في "أيّامه الأخيرة"، وكان سلفه والحديث لا زال لبطاطو قد توصّل الى نفس الإستنتاج سنة 1935 ، وسقط البعث في نفس الخطأ مرّتين. الا أنّ "الشيوعية كانت بعيدة عن الموت، وأصبحت في الخمسينات هوى أكثر قوّة، وصارت افكارها تثير مشاعر قريبة من حدود الإيمان .." (2) وكان الميل الى الشيوعية "راسخا لا يمكن إجتثاثه على ما يبدو. وكان لا ينتزع من مكان إلّا وينبت في مكان آخر" (3)

بعد نجاح الحزب الشيوعي العراقي بقيادة وثبة كانون العام 1948 وإنتفاضة 1952 أوصى ضابط الإستخبارات البريطاني پ. ب. راي بما أسماه "المعالجة الدينية" لمواجهة المد الشيوعي، وعلى خطاه سار السفير البريطاني ببغداد السير جون تروبتيك الذي إجتمع بالمجتهد الشيعي الأكبر، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بمدرسته في النجف في السادس من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1953 وناقش معه وفق ما جاء به بطاطو مسألة العدو المشترك، أي الحزب الشيوعي العراقي!!

في شباط 1963 إستغلّ الجلّادون البعثييون فتوى المرجع الشيعي محسن الحكيم ضد الشيوعية والصادرة العام 1959 ، ليقوموا من خلالها بجرائم يندى لها جبين البشرية. و "الغريب" عدم صدور فتوى من قبله بتحريم الإنتماء للبعث الفاشي. وعاد البعث من جديد نهاية السبعينات ليشنّ حملة تصفيات جسدية ضد أعضاء الحزب، حالماً كما اسلافه بقبر الحزب الشيوعي. ليُقبر وحزبه في التاسع من نيسان 2003 بعد أن مهّد برعونته البلد لإحتلال أمريكي تبعه إيراني، دمّرا بلدنا وشعبنا. والسؤال اليوم ونحن نعيش "ديموقراطية" جاء بها المحتل الأمريكي بوصفة جاهزة هو إن كان النظام السياسي القائم اليوم قد نجح فيما فشل فيه غيره في مكافحة الحزب الشيوعي أم لا ..؟

القوى الدينية التي تهيمن على المشهد السياسي وهي متأثرّة بدولة ولي الفقيه المعادية للديموقراطية الحقيقية والأفكار الماركسية، تعمل كما الأنظمة التي سبقتها على مكافحة الحزب الشيوعي وتقليل دوره في الحياة السياسية العراقية بشكل "ديموقراطي" لليوم. وذلك بسن قوانين إنتخابية تُصّعب من فرص الحزب الشيوعي والقوى الديموقراطية العلمانية لدخول البرلمان العراقي بشكل مؤثّر، لشعورها بمخاطر القوى الديموقراطية العلمانية ومنها الحزب الشيوعي على مشروعها السياسي الذي لم يجلب لبلادنا الا الخراب والدمار.

ومثلما فشلت الحكومات السابقة في مكافحة الشيوعية بالعراق، فأن الفشل سيكون من نصيب القوى الفاسدة التي تقود بلادنا نحو المجهول. ولا زال لسان الشيوعيين ولليوم وهم يحتفلون بالذكرى السابعة والثمانين لتأسيس حزبهم يقول بلهجة الإنتصار التي جاءت في إفتتاحية جريدة "الصحافة" التي عاد لإصدارها جماعة الرحّال في العام 1927 بعد إغلاقها لفترة: "عدنا! ولم نلفظ نفسنا الأخير كما تصوّروا!" (4) . وستظل "الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق".

المجد للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى ميلاده الأغّر
المجد لشهداء الحزب على مرّ تاريخه النضالي
تحية لرفيقات ورفاق الحزب وهم يحتفلون بهذا العيد المجيد
تحية لشعبنا وثائرات وثوّار تشرين وهم يبحثون عن غد أجمل من خلال إنتفاضتهم الباسلة


(1) عبد الرزاق الحسني (تاريخ الوزارات العراقية) ج 2 ص 59
(2) حنا بطاطو ( العراق) الكتاب الثاني – الحزب الشيوعي ص 36
(3) نفس المصدر ص 120
(4) نفس المصدر ص 101

زكي رضا
الدنمارك
30/3/2021

68
ليتعلّم المؤمنون بالعراق محاربة الفساد من فرنسا


ما أن تجلس إلى إسلاميّ شيعي في مجلس حتّى تراه متقمّصا شخصية الزاهد وكأنّه الإمام عليّ، وما أن تجلس في مسجد ومعممّ منهم على منبره حتى تتخيّله الإمام عليّ بنفسه وهو يعظ الناس لسلوك طريق الخير ، وما أن تجلس إلى سياسيّ منهم حتى ترى ملامح الإمام عليّ على سيمائه وهو ينظر الى الحق فلا يحيد عنه قيد أنملة!!

الأساس الذي يقوم عليه الدين كما يقول المؤمنون به من رجال دين وساسة إسلاميين وهم يريدون بناء دولة المهدي بالعراق "هو حُكم الله ورسوله"، وهم بذلك يقفون في الجهة المقابلة للعلمانية الديموقراطيّة ويحاربونها كونها كفر وإلحاد! لكنّ السؤال هو أنّ كان الفساد الذي هو أساس بلاء شعبنا ووطننا جزء من حكم الله ورسوله!؟

الفساد لا يقتصر على بلد دون غيره، لذا نراه منتشرا في مختلف البلدان بغضّ النظر عن غناها وفقرها. لكنّ الأمر المهم حينما يكون مستشريا وإن على نطاق ضيّق، هو محاربته وتقليل آثاره المدمّرة. لذا نرى البلدان العلمانيّة الديموقراطيّة "الكافرة" تسنّ القوانين التي تحارب هذه الظاهرة بشدّة، وتعمل على أن يكون القانون نافذا بحقّ الفاسدين دون النظر الى مواقعهم السياسية والإجتماعية. لذا نرى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ومعها السلطة الرابعة لا يداهنون بدينهم الذي هو قوانين وضعوها بأنفسهم في محاربة الفساد وتقديم الفاسدين الى محاكم شرعية لنيل عقابهم، مهما كان مركز الفاسد السياسي والإجتماعي.

فرنسا العلمانية "الكافرة" أثبتت لنا اليوم عظمة القوانين الوضعية العلمانية الديموقراطية وتطبيقها، مقابل ضآلة "حكم الله ورسوله" الذي صدّع به رجال الدين وساسته وميليشياته رؤوسنا منذ الإحتلال الأمريكي – الإيراني لليوم على الأقل. الحكومة الفرنسية وهي حكومة تفرزها إنتخابات ديموقراطية لا تعرف المال السياسي ولا الإرهاب الديني والسياسي والميليشياوي كوسيلة لجعل الناخب التصويت لجهات معيّنة بذاتها وهي تعمل بقوّة في إستمرار وتقدّم بناء دولة تحترم مواطنيها، ضربت اليوم مثلا وضعت فيه سلطة المحاصصة بالعراق والانظمة الفاشلة الأخرى أمام مرآة شعوبهم عراة حتى من ورقة التوت.

لقد أصدر القضاء الفرنسي اليوم حكمه على الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي بالسجن 3 سنوات منها سنة واحدة نافذة، بتهمة الفساد واستغلال النفوذ فيما تسمى بقضية "التنصت"! ولم تأتِ إدانة ساراكوزي لعدم وضع عدّادات على انابيب نقل البترول الى السفن الراسية في مياه فرنسا الإقليمية، ولا بسبب المدارس الهيكلية التي بنتها إيران في الريف الفرنسي، ولا سرقة مصرف سوسيتيه جنرال في باريس وقتل حرّاسه، ولا بسبب صفقات الكهرباء وأجهزة المتفجرات والأسلحة وغيرها الكثير، بل بسببٍ لو حدث في العراق لحصل الفاسد على وسام الرافدين من الدرجة الأولى لنزاهته مقابل حيتان الفساد الآخرين. لقد حوكم ساراكوزي كونه وعد "بمساعدة قاض سابق في الحصول على وظيفة في موناكو مقابل الحصول على معلومات سرية حول تحقيق استهدفه، بمساعدة خط هاتفي مسجل باسم بول بيسموث"!!

نظام الله خير في ذاته ، لأنه من شرع الله ، ولن يكون شرع العبيد يوما كشرع الله ... سيّد قطب

لقد أثبتت المؤسسات والأحزاب الإسلامية دون إستثناء، وهي تتاجر بالله وفي كل العالم خطأ ما جئت به يا سيّد قطب. فنظام الله لم نرى منه الا الفساد والفقر والجوع والمرض للأسف الشديد، وشرع العبيد كما ترى تجاوز شرع الله في العدالة. وأتباع نظام الله يرسمون للفقراء جنّة في السماوات بعد أن ينهبوا أموالهم، في الوقت الذي يبحث فيه غيرهم عن جنّة لهم في الأرض.


زكي رضا
الدنمارك
1/3/2021




69

العراق .. سمفونية الموت!!


إلى أرواح شهداء ساحة الطيران
إلى تلك البسطات الفقيرة التي كانت بالكاد تُطعم أصحابها
الى أرامل وأيتام العراق
الى ما تبقّى من ضمائر تشعر بهول الكارثة

من ساحة الطيران، طارت الى الله يوم أمس أجساد ممزّقة تشتكي إليه ما حلّ بها. أجساد نحيلة هدّها الدين جوعاً لفساد أئمته، وفقراً للصوصية قادته، وخوفاً ورعباً لسطوة أحزابه وميليشياته وعصاباته، وموتاً لإجتماع سقيفة و"كسر" ضلع!

ستقف هذه الأجساد كما التي سبقتها لتشكو لله ظلم العمائم، وهي تفتي بالقتل وتصمت عن سرقة أموال اليتامى والأرامل وتُخَمِّس السرقات مع السرّاق.

ستجلس هذه الأجساد بعيدا عن الأنبياء والرسل، الجالسين على أرائك من إستبرق لتفترش التراب في جنّة لا تراب فيها الّا للفقراء.

ستنظر هذه الأجساد الممزّقة الى النبي محمّد وهو جالس بين بقيّة الأنبياء يطوف فيهم غلمان "يسقونهم كؤوسا مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً" لتسأله: هل نحن خير أمَّةٍ أخرجت للنَّاس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر!؟

هناك حيث "تقوم الروح والملائكة صفّاً لا يتكلمون الّا من أَذِنَ له الرحمن وقال صوابا"، تتحدث تلك الأجساد دون إذن وهي تشعر بالقهر والحيف وفاجعة عراقهم المبتلى لتسأل الأنبياء والرسل وهم صامتون كأنّ على رؤوسهم الطيرعن "الحقّ الذي عليهم إتّخاذه الى الله مآبا"، ليسألوا الله أن : يا إلهنا "أنّك أنذرت الكافرين عذاباً قريبا ليقولوا يا ليتنا كنّا ترابا"، فهل أهل العراق كافرون!؟ فتجيب تلك الأجساد: نعم، يبدو إننا من الكافرين و يا ليتنا كنّا ترابا كي لا تحتار ملائكة الله بجمع قطع أجسادنا المتناثرة في سماوات وطننا، وعظامنا التي لم تلحق في أن تتحول الى رميم، بعد أن دفعنا المؤمنين به وهم ينهبوننا الى بيع سقط المتاع في أسواق اللنگة لنعيش عيش الكفاف وما دون منه، وجاء مؤمنون غيرهم لينحروننا بإسمه كما النعاج.

حينها صرخ الأنبياء والرسل ومعهم الملائكة وهم ينظرون صوب العرش (الله أكبر)، وإذا بتلك الأجساد الهزيلة تهرب هنا وهناك خوفاً من هذا التكبير، وكيف لا تخافه وقد سُرِقَتْ به وقُتِلَتْ به وذُلَّتْ به، بل أنّ أحدهم إنتهك معمّم به عِرضه بعد أن تمتّع بأخته مقابل وجبة طعام لأيتامها الجوعى.

من مكان ما ظهر جواد سليم رافعاً إزميله ليذوب وسط تلك الأجساد الشاكية أمرها لله، ومعه فائق حسن وهو يئنّ من ثقل جداريته التي حملها من ساحة الطيران للجنة على ظهره الذي إنحنى وهو يحمل على كاهليه أجساد العمّال المياومين الباحثين عن رغيف مغمّس بالكرامة، وهم يستظلّون بتلك الجداريّة التي لوّنها الدم النازف من أجسادهم التي أنهكها الجوع والمرض باللون القرمزي.

ليسير الجمع في تظاهرة يتقدمّها الزهاوي، طالباً من المتظاهرين أن يعلنوا ثورتهم ضد حكم اللصوص والقتلة من الجنّة هذه المرّة، ليطردوا منها كل رجال الدين على مرّ التاريخ.

وصل أمر التظاهرة لله وهو مستو على عرشه، وأبلغته الملائكة المقرّبين بأحوال الأجساد التي فتك بها الصراع الطائفي الديني ومطالبتهم بطرد جميع رجال الدين من الجنّة.

قرر الله لحزنه على شهداء سوق اللنگة أن يُسرِع بإعلان يوم القيامة، فحملت ثمانية من الملائكة عرشه وهي تسير في موكب جنائزي نحو المتظاهرين ليُعلن تضامنه معهم.

وفجأة توقّفت قافلة الملائكة والعرش فوق رؤوسها لتعود من حيث جاءت!! لأن جميع المتظاهرين قتلوا بكواتم للصوت لا يعرف أحداً كيف دخلت جنّة الله.

في منظر مرعب وجثث المتظاهرين تملأ المكان مثقوبة الرأس، عزفت الفرقة السمفونية لرجال الدين وهي تنظر للأجساد الطاهرة بشماتة وحقد دفين، سمفونية موت العراق وشعبه..

وما أن إنتهى العزف ورجال الدين في فرح وحبور وسرور لإغتيالهم العراق، حتّى تفاجأوا بفرقة سمفونية عراقية، تتقدمها دجلة وهي تتلاعب كأجمل الصبايا بقيثارة سومر لتعزف نشيد الأمل والحريّة تحت نصب الحريّة وسط كعبة التحرير، وبجانبها الفرات بعنفوانه وهو ينفخ ببوق فجر السلالات فتنتفض الناصريّة وتتحول ساحة الحبوبي الى منصّة للحريّة والإباء والكرامة، وليحاكم قتلة العراق في الساحتين وساحات العراق الثائر الأخرى.


- ما بين الأقواس مأخوذ من القرآن الكريم
- سوق اللنگة تعني سوق البالة باللهجة العراقية المحكية

 
زكي رضا
الدنمارك
22/1/2021

70

الإنتخابات ثقافة لا يمتلكها الشارع العراقي

سيتجّه الناخبون العراقيون هذا العام لصناديق الإقتراع للمرّة الخامسة منذ الإحتلال لليوم، للمشاركة في إنتخابات عامّة مبكّرة فرضها القسم الأكثر وعيا ووطنية وشجاعة في الشارع العراقي إثر إنتفاضة تشرين/أكتوبر العام الماضي. لكنّ هذا القسم الأكثر وعيا ووطنية وشجاعة وقع في مطبّ عدم وعيه بآليات الإنتخابات وقوانينها وطرق حسمها لصالحه، وإنعدام هذا الوعي ليس حصرا على الشارع العراقي وحده، بل يمتد بالحقيقة الى القوى السياسية العراقية التي تشارك في الإنتخابات دون دراسة حقيقية للبيئة الإنتخابية وتاريخها ونتائجها في الدورات السابقة.

على الرغم من فشل المحاصصة كنموذج للحكم في العراق، الا أنّ الناخب العراقي "الأكثريّة" لازال يميل الى الأحزاب والشخصيات التي تهيمن على الحكم ويمنحها صوته في كل إنتخابات ويصدّق غالبية إن لم يكن كل ما تطرحه من شعارات وبرامج لم يُنفذ منها شيء لليوم، ويبحث لهذه الأحزاب والشخصيات عن مبررات فشلها في تنفيذ برامجها وشعاراتها ويدافع عنها بقوّة. ويستند الناخب في دفاعه وتبريره هذا كونه ينتمي الى نفس دين أو طائفة أو قومية المرشّح أو الحزب أو القائمة الإنتخابية التي منحها صوته، آملا أن تتحقق أحلامه وهي في الحقيقة أوهام خلال الفترة ما بين عمليتين إنتخابيتين. لكنّ الكارثة أنّ هذا الناخب وعلى الرغم من تلمسّه الفشل وتأثيره السلبي على حياته منذ الإحتلال لليوم يعيد نفس الكرّة ولأسباب مختلفة من جديد في أوّل إنتخابات تُنظّم بعد ذلك، وهذا ما لمسناه من الناخبين خلال أربع دورات إنتخابية سابقة تراجع خلالها البلد للأسف الشديد في جميع مناحي الحياة وأوّلها هي الديموقراطية التي تتأخر في جميع تطبيقاتها يوما بعد آخر!

دائما ما تضع الأحزاب السياسية وهي تتهيأ للإنتخابات خطة عمل، والتي لا يجب أن تعتمد على معرفتها الكاملة بقواها الحزبية وجماهيريتها وطبيعة برامجها وشعاراتها فقط بل أن تكون اكثر استراتيجية، وذلك في أن تذهب الى دراسة علمية ودقيقة وشاملة للمشاركين الآخرين في الإنتخابات أي المنافسين. فمعرفة نقاط قوة وضعف الخصوم السياسيين في أية إنتخابات، وكذلك البيئة الإجتماعية للناخبين في الرقعة الجغرافية للدائرة الإنتخابية التي ستكون محط منافسة بين أحزاب مختلفة، ونتائج الإنتخابات السابقة، وطبيعة القوانين الإنتخابية، والثقل السياسي لهذا الحزب أو ذاك ضمن هذه الدائرة، ودور الإعلام وطرق تلقّي الناخب لشعارات وبرامج الأحزاب المختلفة وغيرها مثل توظيف المال العام والإعلام الحكومي وإرهاب الناخبين وسطوة العلاقات العشائرية والمناطقية والمذهبية وغيرها، هي أبواب مهمّة للنجاح أو الفشل في أيّة إنتخابات. كما وتعتبر هذه الدراسات إن وجدت، خارطة طريق لخوض الإنتخابات والنجاح فيها، أو عدم خوضها كون الفشل سيكون نصيبها. وفي حالة عدم خوض حزب أو أحزاب سياسيّة إنتخابات معيّنة في أي بلد يمرّ بحالة من عدم الإستقرار والفساد وضياع الهويّة الوطنية كما العراق اليوم، فعلى هذه الأحزاب العمل على دفع الناخبين لمقاطعة هذه الإنتخابات بسحب الشرعية من السلطة وأحزابها المتنفذّة بحجج منطقية ومقبولة من الشارع، وذلك بتحميلهم منافسيهم جميع المشاكل التي يعاني منها البلد، وتذكير الناخبين بعدم تنفيذ تلك الأحزاب للشعارات والبرامج التي رفعتها في الإنتخابات السابقة. وعادة ما تتمّ مخاطبة الناخبين ودفعهم لعدم إنتخاب منافسيهم في الأنظمة الديموقراطية (هنا لا نعني العراق بالمرّة)، من خلال مناظرات تلفزيونية قبل يوم الصمت الإنتخابي. ومن خلال تجمعات ولقاءات جماهيرية.

الإنتخابات باتت اليوم بضاعة مهمّة تدرّ أرباحا كبرى وتديرها شركات تسويق لها خبرائها الذين يدرسون أصغر التفاصيل حولها، ليقدّموا بعدها خلاصة دراساتهم للمرشح أو الحزب أو القائمة التي طلبت خدماتهم في البلد المعني. بعد أن يجمعوا جميع المعطيات التي تهم دراستهم وتبويبها علميا، إبتداءا من إستطلاع آراء فئات إجتماعية وعمرية مختلفة من الذكور والإناث، والمتعلمين وغير المتعلمين، وساكني مناطق ريفية وحضرية وأخرى مختلطة أو اولئك الذي يعيشون على تخوم المدن والعشوائيات، والعمّال والفلاحين والكسبة .. الخ، مرورا بكل ما يتعلّق بالعملية الإنتخابية وأهمّها القوانين الإنتخابية وما يرافقها من طرق العدّ والفرز وطرق الشكوى وفاعلية الشكوى وحيادية القضاء، وإنتهاءا بتأثير وسطوة السلاح والمال والفتاوى الدينية والإعلام في بلدان لا زالت تتهجى كلمة (ديموقراطية) ولم تنجح في نطقها على الرغم من تكرارها يوميا منذ ما يقارب الثمانية عشر عاما كالعراق!!

دعونا هنا أن نستعين بشركة من شركات التسويق والدعاية الإنتخابيتين، للقيام بدراسة جدوى للقوى الديموقراطية العراقية ونسب نجاحها وهي تتهيأ لخوض الإنتخابات البرلمانيّة المبكّرة في الثلث الأخير من العام الجاري، ومدى تقييم هذه الشركات المتخصصة للعملية الإنتخابية بصفتها رافعة اساسية ومهمّة للبناء الديموقراطي، وكسر الجمود السياسي الطائفي القومي الذي يكبّل ما تسمّى بـ "العمليّة السياسية"، ونقدّم لها ما تحتاجه من معطيات ومعلومات لتخرج بعد دراستها لها، بنصائحها التي قد تساعد القوى العلمانية الديموقراطية في تحقيق إختراق حتّى وإن ميكروسكوبيا لجدار المحاصصة الفولاذي عن طريق الإنتخابات.

بداية سنساعد المختصّين والخبراء في هذه الشركة على إجراء إستطلاع حر لآراء الناخبين، ولنأخذ مدينة كمدينة الثورة والتي يعادل نفوسها ثلث نفوس العاصمة بغداد كمثال لهذا الإستطلاع. فماذا ستكون نتيجة الإستطلاع التي سيخرج بها هؤلاء الخبراء والمختصون، وكواتم الصوت تبرز من تحت معاطف الميليشياويين مهددّة الأشخاص الذين يتم إستطلاع آرائهم؟ وما هي نسب نجاح القوى العلمانية الديموقراطية في تحقيق نتائج مشجّعة وهي لم تحصد الا مقاعد لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة أو حتّى أقل من ذلك خلال اربع دورات إنتخابية!؟ وما هي نسب حصول مرشّح علماني ديموقراطي وفق دراسات هؤلاء الخبراء لنيل مقعد برلماني وبغداد مقسّمة الى 17 دائرة إنتخابية، علما أنّ أعلى أصوات حصل عليها مرشّح علماني ديموقراطي في آخر إنتخابات برلمانية عن هذه المحافظة وهي دائرة واحدة كانت ما يقارب العشرين الف صوت إنتخابي!؟

نقدّم بعدها لهؤلاء الخبراء قانون الإنتخابات الذي يتغيّر كل دورة إنتخابية ليضمن فوز القوى التي تسنّه وتمرره من خلال البرلمان الذي تمتلكه أصلا، لنرى وجهة نظرهم العلمية في نسبة العلمانيين الديموقراطيين القادرين على منافسة أضعف مرشّح من كتلة أو حزب طائفي في إنتخابات تقسّم البلاد الى 83 دائرة إنتخابية موزّعة على أساس جغرافي. ولا شك في أن هؤلاء الخبراء سيضعون نصب أعينهم قوّة وسائل الإعلام للقوى السياسية المتنافسة ودور العامل الديني والمال السياسي وقوّة السلاح في مدينة الثورة وهي المدينة التي ستجري فيها إستطلاعات الرأي. ولا أدري كيف ستكون خلاصة تقييمهم وإستنتاجاتهم المبنية على أسس علمية، وهم يرون فقر القوى العلمانية الديموقراطية ماليا وإعلاميا وميليشياويا فيها!؟

بنظري فأنّ تقرير هؤلاء الخبراء وتوصياتهم بعد دراسة العوامل المؤثّرة في الإنتخابات العراقية ونتائجها المحتملة (معروفة مسبقا حتى دون جهود خبراء)، ستكون على شكل توصية الى الأحزاب العلمانية الديموقراطية في أن تنسى الصراع الإنتخابي كوسيلة للتغيير. وعليها أن تعمل منذ اللحظة على إعلان مقاطعتها لهذه الإنتخابات وتثقيف الجماهير على مقاطعتها لسحب الشرعية من السلطة، وهنا سيثار سؤال مهم من هذه القوى وهو: إننا لو قاطعنا هذه الإنتخابات، فما هي الحلول التي تملكونها!؟ سؤال كهذا يجعلنا أن نسألهم أيضا: أيها السادة ما هي حظوظكم في هذه الإنتخابات وهل أنتم قادرون على تحقيق إختراق للتيار الصدري في مدينة الثورة، أو للعصائب في الشعلة، أو للحكيم في عشائر الجنوب .. الخ.

الصحفية زاريا غورفيت كتبت مقالة في موقع البي بي سي العربية تحت عنوان "العوامل الخفية التي تؤثر علينا في عملية التصويت" تقول فيه: من المعروف أن القرارات التي نحكم بها ضمائرنا تتأثر بعمليات التفكير التي تدور في عقلنا الباطن، وبالعواطف والانحيازات المسبقة. لتضيف قائلة أنّ: جون كروسنيك، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، والذي خصص حياته لدراسة هذه الظاهرة يقول : "ما نعرفه اليوم من علم النفس أن الدماغ ينقسم إلى قسمين، لكن عملية اتخاذ القرار تتم في غياب الوعي العقلي". وضربت الصحفيّة مثالا قالت فيه أنّ كروسنيك وفريق من الباحثين العاملين معه وجدوا أنّه "في انتخابات الرئاسة الأميريكية عام 2008، تأثر عدد من الناخبين بالانتماء العرقي للمرشحين باراك اوباما وجون مكين، وذلك أكثر مما توقع كلاهما. وكان من غير المرجح أن يصوت الناخبون الذين يحملون عنصرية واضحة في منطقة اللاوعي لديهم لصالح أوباما".

فهل سيصوّت أبناء مدينة الثورة وجلّهم من الصدريين الذين قمعوا إنتفاضة شعبنا لصالح القوى الدينية ام لصالح القوى العلمانيّة الديموقراطيّة وهم يحملون في منطقة اللاوعي أجهزة إستقبال طائفية شيعية يحركّها مقتدى الصدر بجهاز سيطرة عن بعدّ كيفما يشاء !؟ إنّ الإنتخابات ثقافة لا يمتلكها الشارع العراقي ولا حتى قواه السياسية للأسف الشديد. وعلى العلمانيين الديموقراطيين والمنتفضين تثقيف الجماهير لمقاطعة الإنتخابات المهزلة القادمة تحت شعار

(جرّدوا السلطة من شرعيتها بمقاطعة الإنتخابات)
 

زكي رضا
الدنمارك
21/1/2021

 


71
مقتدى الصدر يحرّض الغوغاء على القتل العلني


نتيجة عجز حكومة الكاظمي عن توفير الحياة الكريمة للمواطنين، وفشلها في تحقيق أي مطلب من مطالب المنتفضين الذين أسقطوا حكومة عادل عبد المهدي وهو ما تعهدّت به أمام "شعبها"، كمحاكمة القتلة وحصر السلاح بيد الدولة ولإستمرار الإنتفاضة خصوصا في الناصريّة. بعث مقتدى الصدر بعد قيام ميليشياته كعادتهم بقتل المتظاهرين ومهاجمتهم لساحة الحبوبي وعجز السلطات المتواطئة معهم أصلا عن حماية المتظاهرين ومداهمة بيوت الناشطين وإرعاب عوائلهم، ومن خلال تغريدة له يوم الأربعاء المصادف 2/12/2020 عدّة رسائل الى جهات مختلفة.

أوّل الرسائل كانت الى الأحزاب والمنظمات والميليشيات الشيعية، يدعو فيها لإعادة ترميم البيت الشيعي والذي هو مطلب إيراني عملت عليه إيران ورعته منذ الإحتلال لليوم، وذلك من خلال التوقيع على ميثاق "شرف" عقائدي كما جاء في تغريدته. وقد سبق ميثاق "الشرف" العقائدي الذي دعا إليه مقتدى دعوته لميثاق "الشرف" السياسي، وهذا يعني مطالبة مقتدى بالعودة الى مستنقع الطائفية من جديد على الرغم من عدم مغادرتنا إياه، وكان هادي العامري زعيم ميليشيا بدر أوّل من أعلن موافقته للعودة للمستنقع الطائفي من جديد ليلحقه اليوم القيادي في دولة القانون ابو الحسن البصري بإعلانه عن امكانية تحالف الطرفين، منوهّا الى أنّ التيّار الصدري كان الأقرب لحزب الدعوة بداية "العملية السياسية". وطلبه هذا اليوم يعني، نسف كلّ ما دعا إليه سابقا حول ضرورة إنهاء نظام المحاصصة الذي بإعترافه كان السبب الأول لدمار الوطن.

والرسالة الثانية موجّهة للقوى الكوردية والسنيّة تدعوهم للإسراع بالتوقيع على ميثاقي "شرف" بين أحزابهم ومنظماتهم وترميم بيوتهم الطائفية القومية وهم يتهيأون لخوض الإنتخابات القادمة. وهذا يعني أنّ خمس دورات إنتخابية لم تُعزّز ما يسمّى بالنظام الديموقراطي ولم تتمكن أية قوى من إختراق ولو طفيف لنظام المحاصصة، بل على العكس فأنّ ما تسمّى بالعملية السياسية ستعود بعد الإنتخابات الى مربّعها الأول، هذا إن كنّا قد غادرنا هذا المربّع أصلا.

أمّا أهم وأخطر الرسائل التي وجهها مقتدى الصدر، فهي دعوته قطيعه لقتل المنتفضين بدم بارد ودون خوف من محاكمة، بتهمة التعدّي على الذات الإلهيّة والدين الإسلامي والنبي والأولياء "الأئمة المعصومين". وهو بهذا التصريح يمنح تنفيذ العقوبة وفق هوى الشخص الصدري، ما يفتح الباب واسعا لعمليات قتل على الشبهة أو نتيجة عداوات مسبقة!! ولم يحدد لنا الصدر ولا الشرع كيفية التأكّد من سب الذات الإلهية أو النبي أو أئمة الشيعة، فترك الأمر لأي شخص ليحدد هو بنفسه تنفيذ العقوبة، إن أكّد بعد تنفيذه الجريمة من أنّ القتيل قد سبّ الله أو النبي أو أحدا من أئمة الشيعة وسمعه بنفسه!! ... ما هذا الهراء؟

رويَ عن الصادق أنّ سُإلَ عن عقوبة من شتم النبي محمّد فقال: يقتله الأدنى فالأدنى قبل أن يرفعه الى الإمام!!

أمّا المرجع الشيعي الخوئي فقد أجاب على سؤال عن "رجل تطاول على لفظ الجلالة أو المعصومين في حالة غضب.. فما حكمه ؟.. وهل يلزمه التلفظ بالشهادتين من جديد ، علما بأنه يواصل الصلاة بعد ذلك ؟..
وما حكمه لو كان صدور ذلك منه بغير غضب (اختيارا)؟ ليفتي الخوئي قائلا: صدور ذلك منه وإن كان معصية، لكنه لا يجعله مرتدا، بل يجب قتله على سامعه إن كان سابا له تعالى، أو لأحد المعصومين، وكان جادا في ذلك، وكان السامع مأمونا من الضرر، والله العالم.

أمّا السيد السيستاني فكان واضحا جدا وهو يجيب عن سؤال حكم من سبّ الله وسبّ الرسول والأئمة الأطهار فأجاب : القتل بإقامة الحدّ عليه!! السؤال هو من يقيم الحدّ؟ هل الدولة، فإن كان الجواب نعم، فهل دستورنا على علّاته يسمح بهذا الأمر؟ وهل نحن نعيش في دولة دينية طالبانية أو خمينية ليُحدّ الناس فيها وفق فتاوى دينية بعيدة عن القوانين المرعيّة؟

الصدر بتغريدته هذه فتح الأبواب مشرعة في ظل غياب الدولة والقانون وفساد القضاء، أمام عصاباته والعصابات الإسلامية الأخرى لقتل الناس دون وازع من ضمير أو خوفا من قانون، بهدف قمع التظاهرات وإنهاء الإنتفاضة التي تؤرق سلطة العصابة.

إنّ العراق في ظل هيمنة القوى الدينية في طريقه لنظام طالبان شيعي، وإستمرار الإنتفاضة بمشاركة أوسع من الجماهير المتضررة وفي كل أرجاء البلاد هو الطريق الوحيد للخلاص من الكابوس الإسلامي الذي دمّر بلادنا وأفقر شعبنا.

"إنّ الوطن لا يُمكن أن يعيش في الإستبداد" و "ولا وطن مع الظلم" .. جان دي لابرويير




 


زكي رضا
الدنمارك
4/12/2020


72
الصدريّون .. طاعة عبودية ذُلْ

الكاتب الفرنسي إتيان دو لا بويَسي يتساءل  مستغربا في كتابه (العبودية المختارة)  عن سبب ذُل القطيع لفرد واحد وطاعتهم العمياء له،  ليعود ويقول ليس لأمر الّا كون "نطفته في صلب أب منتمي لعائلة ملكية". هذا الإستنتاج الذي هو بالأساس جزء من  أدبيات علم النفس السياسي كاف ليوضّح لنا لوحده السبب الرئيسي لذُل جماهير عراقية واسعة وعبوديتهم وطاعتهم لشخصية كمقتدى الصدر، الذي لا يملك أية مواهب سياسية أو أدبية أو فلسفية أو أخلاقيّة لا بل وحتّى دينية، الّا كون نطفته في صلب أب ينتمي الى سلالة السادة الذي يقولون من أنّ نسبهم يرجع الى الإمام علي !

لقد كتب الكاتب كتابه بفرنسا أواسط القرن الخامس عشر حينما كانت فرنسا وقتها تمرّ بظروف هي أشبه ما نمرّ به في بلدنا اليوم، فوقتها كان الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت على أشدّه، وكانت هناك إنتفاضات في مناطق مختلفة والتي قمعتها السلطات بشدّة.  وتطرّق المؤلّف  في كتابه الى أنّ  ثنائية "الطاعة – السيطرة" هي التي تنظم العلاقة بين السلطة وبين المستعبَدين. فهل علاقة الصدر بقطيعه تنبع من هذه الثنائية فقط؟

يقول المؤلّف الذي سنعتمد على  آرائه لنعكسها على واقعنا العراقي بما معناه:  من أنّ العبوديّة المختارة (وهو ما يتميز به الصدريون تجاه زعيمهم) تأتي  جرّاء العادة، فالإنسان الذي يتلذذ بعبوديته كأي مازوخي يشعر باللذة والراحة النفسية جرّاء معاناته. ومن ثم يقول المؤلّف وكأنه يعيش بيننا اليوم من أنّ "الدين والخرافة هما  من عوامل"  خضوع القطيع الجاهل لسيّد وإن كان أحمقا وغبيّا.

 على أمثال هؤلاء ينفجر المؤلف قائلا: "لكن يا إلهي! ما هذا؟ كيف نسمّي هذا؟ أي بؤس هو؟ أيّة رذيلة – أو بالأحرى أية رذيلة بائسة: أن ترى عددا لا يُحصى من الناس لا يطيعون فحسب بل يخدمون، ولا يُحكَمون بل يُضطهدون، لا يملكون شيئا، لا أهل لهم، ولا نساء، ولا أطفال، بل أنّ حياتهم نفسها ليست لهم، وهم عُرضة لأعمال السلب والنهب، والفجور ، والقسوة، لا من قبل جيش، لا من معسكر أجنبي غاشم يجب عليهم أن يبذلوا دماءهم وحياتهم في مقاومته، بل أنّهم يقاسون كل ذلك من واحد، لا هو هِرقل، ولا هو شمشون، وإنّما هو رُجيل غالبا ما يكون أجبن الأمّة وأخنثها"!

عجيب أمر القطيع الصدري الذي يعبد قيوده ويعادي وطنه،  ويختار ان يكون عبدا لجاهل وغير أمين حتى على ما يقوله اليوم ليعلن منه براءته في الغد، عجيب أمر هؤلاء الذين إن خُيّروا بين الحرية والعبودية، تراهم يركضون نحو العبودية بسرعة الضوء كون مقتدى جاء من نطفة سيّد وليس لأمر آخر!!

أنّ مشاكل بلدنا تبقى دون حلول حقيقية ومنطقية طالما بقي الصدر مستقويا بجيش من المتخلفين الجهلة، جيش ينفّذ أوامره دون أي تفكير بمستقبله وأولاده ووطنه.  فعندما يدعو الصدر قطيعه للصلاة في ساحة التحرير، ترى الآلاف من ذوي السوابق والشقاة والقتلة والفاسدين والمشبوهين والمنحرفين والعبيد والذي هم عمود التيّار الصدري يحتلّون الساحة رافعين هاشتاغ  "طاعة
# عد_ عيناك
" ليصلّوا فيها!!

الصدر الذي شارك تيّاره بكل الحكومات الفاسدة لليوم، وساهم في ترسيخ ثقافة الفساد والنهب والمحاصصة، وشارك مسلّحيه بجرائم الحرب الطائفيّة وجرائم قتل المتظاهرين  وآخرها متظاهري الناصريّة اليوم، يطمح بل يريد في الحقيقة  أن تؤدي الإنتخابات القادمة وبغضّ النظر عن الوسائل المستخدمة فيها الى تبوأ تياره مركز رئاسة الوزراء،  وحينها سينهب ودائرة ضيّقة تحيط به وحلفاءه ما تبقى من ثروات البلاد التي نهبوا ما إستطاعوا إليها سبيلا،  وليحولّوا العراق بأكمله وليست بغداد وحدها الى قرية متخلفّة ومهملة.




سيبقى زج الدين بالسياسة ، علاوة على صراع أتباعه فيما بينهم ،هو السبب الرئيسي لتخلّف شعبنا ودمار وطننا،  فالدين أصبح اليوم وسيلة للسرقة والفساد والجريمة.
أيها الإسلاميون إحترموا ما تبقّى من الدين بعدم تسويقه كسلعة لإذلال الناس وتجهيلهم ونهب ثروات الوطن، وأعملوا على أنسنته ليستعيد صفاءه الروحي الذي كان عليه قبل أن تستلموا مقاليد الحكم.  كما ولا حلّ لوقف جرائم الصدريين والإسلاميين والمتحاصصين الّا بهدم المعبد على رؤوسهم عن طريق العصيان الجماهيري والتمرّد على سلطة الفساد والجريمة ومن يمثلّها من سلطة العصابة.

زكي رضا
الدنمارك
28/11/2020


   

   









73
المنبر الحر / ما العمل ..؟
« في: 21:11 24/11/2020  »

ما العمل ..؟


في هذه المقالة لا أود التطرق الى ما جاء في كتاب (ما العمل) الذي الفّه الزعيم البلشفي لينين والصادر في العام 1902، على الرغم من إنني سأعود بعد قليل الى بعض ما ورد فيه. كما وأنّ المقالة لا تعني إشاعة اليأس من أي تغيير ديموقراطي في بلدنا، بل ستتناول في الواقع إستحالة تحقيق حلم التغيير الديموقراطي من خلال صناديق الإقتراع في ظل سلطة الإستبداد الديني القومي التي تهيمن على مقدّرات البلد منذ الإحتلال الأمريكي لليوم. وإذا أخذنا النزعة التشاؤمية في دراسة الواقع العراقي من الناحية الفلسفية والتي تقول أحدى مذاهبها من " إنّ الشرَّ في العالم أكثر من الخير، وأنّ الحياة الإنسانيّة هي سلسلة من الآلام الدائمة"، وترجمناها لتتلائم وواقعنا العراقي فأننا نستطيع القول ونحن مطمئنون من أنّ (الشرَّ في العراق أكثر من الخير، وأنّ حياة شعبنا العراقي هي سلسلة من الآلام الدائمة). قد يختلف الكثير مع هذا الرأي لأسباب عاطفية، لكننا نستطيع سؤالهم ببساطة في أن يثبتوا لنا العكس في حقل واحد من حقول الحياة في بلد يسير بثبات عجيب نحو الخراب والدمار.

لنعد الآن الى لينين وهو يتساءل في كتابه هذا " حول كيفية سيطرة الأفكار البرجوازية على المجتمع، وقد رد على ذلك قائلاً: لسببٍ بسيط؛ أن الأفكار البرجوازية أقدم بكثير في الأصل من الأفكار الاشتراكية، ولذلك فهي أكثر تطوراً، ولديها تحت تصرفها أدوات للدعاية بدرجة لا تقاس". لو قمنا بتعريق مقولة لينين هذه وتساءلنا حول كيفية سيطرة الأفكار الدينية على المجتمع العراقي وتغييبها للعقل سنقول وببساطة: لسبب بسيط، أنّ الأفكار الدينية أقدم بكثير من الافكار البرجوازية والأشتراكية، لكنّها متخلفّة جدا جدا، وتحت تصرّفها للأسف الشديد أدوات دعاية بدرجة لاتقاس وهنا تكمن الخطورة. والخطورة هي إننا نعيش تحت سيطرة الأفكار الدينية العدمية على المجتمع من جهة، وماكنة إعلامية ضخمة لغسل الأدمغة تبدأ من دور العبادة التي إنتشرت كالنار في الهشيم بعد تحولّها الى مراكز إستفزاز طائفية، مرورا بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وإنتهاءا بعشرات الفضائيات والصحف والمجلات والمدارس الدينية وفي المناهج الدراسية التي ترسّخ اللاوعي في العقل الجمعي. كما ويعني ودون اللجوء الى المثاليات ونحن نعيش ما نعيشه اليوم من أنّ شعبنا العراقي شعب متخلّف بسواده الأعظم، وعندما نصف غالبية شعبنا بالتخلّف فأنّه ليس بسبّة قدر ما هو واقع أثبتته على الأقّل تجارب السبعة عشر سنة الماضية للأسف الشديد. فتخلّف أي شعب ينبع من تخلّف نظامه السياسي والعكس صحيح، والعراق اليوم هو مثال واضح لتخلف السلطة الدينية القومية وتخلّف الجماهير التي خدّرها الدين ومسخ آدميتها.

لو قارنّا تجربة عراق ما بعد الإحتلال بتجربتي أفغانستان والصومال سنرى من أنها ليست بأفضل حالا من تجربتيهما الكارثيتين، فالعراق عانى ويعاني بسبب طريقة كتابة دستوره من اللبننة وأثناء الحرب الطائفية عانى من الأفغنة، وإذا إستمرّت الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية بالبلاد على نفس الوتيرة التي عليها اليوم فإننا أمام صوملة ستهدد كيان الدولة وتفككّها. فمثل هذه البلدان ومنها العراق بلدان غير متطورة أو متخلفّة بالأحرى إقتصاديا وإجتماعيا وبالتالي سياسيا، ما يفسح المجال لقوى إقليمية ودولية للتدخل بشؤونها الداخلية، وهذا التدخل ولتستمر الهيمنة على هذه البلدان يعمل على تفجير الصراعات الدينية والطائفية والقومية، والذي يؤدي الى ضعف الدولة وهيمنة الميليشيات المسلّحة على القرار السياسي وملأ الفراغ الذي تركته الدولة، وهذا بالضبط ما حصل ويحصل بالبلدان الثلاثة.

دعونا ان نعود لعراق اليوم لنرى إن كان فيه صراعا طبقيا أو إجتماعيا بالمعنى المتعارف عليه علميا، ومدى تأثير هذا الصراع على شكل اللوحة السياسية بالبلاد من خلال دور الطبقات الإجتماعية في هذا الصراع. يقول كارل ماركس ومثله فريدريك أنجلس في البيان الشيوعي " أنّ تاريخ أي مجتمع لحد الآن، ليس سوى تاريخ صراعات طبقية. حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي كل مرّة إمّا بتحول ثوري للمجتمع كلّه، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين". وهنا دعونا نتساءل إن كان هناك تعارض وفقا لهذه النظرة الماركسية لشكل الصراع الإجتماعي بالعراق اليوم، بين الأحرار والنبلاء والبارونات والمعلمين والظالمين والذين يمثّلهم رجال الدين وزعماء الأحزاب والقبائل والميليشيات من جهة، وبين العبيد والعوام والأقنان والصنّاع والمظلومين وهم شعبنا العراقي من جهة أخرى؟ هل هناك صراعا حقيقيا أو مستترا بين الطبقتين وما هو شكل هذا الصراع؟

في الحقيقة ليس هناك صراعا إجتماعيا واضح المعالم بين الطبقتين في العراق الّا في حدود ضيقة، كون الطبقة الثانية بغالبيتها ولتخلفها ترفع مظلاتها عاليا حينما تمطر السماء حريّة وكرامة، وهذه الطبقة أثبتت خلال السبعة عشر سنة الماضية من أنها لا تريد كسر أنيارها، لذا نراها تنسى وطنها وقضيتها وقوت أطفالها ومستقبل أجيالها حالما يصعد معمّم على منبر أو يتسلّح ميليشياوي بسلاح وفتوى بالقتل أو يتقوّى زعيم حزب بعشيرته! وهذا يعني أنّ من سيربح هذا الصراع إن وُجد كما يقول عالم الإجتماع راندل كولنز هو من يمتلك المصادر المادية للعنف، وهذه ليست دعوة لإستخدام الطبقة الثانية العنف كوسيلة للتغيير مطلقا بل إستنتاج ليس الا، وهو أنّ القوى المهيمنة على السلطة وهي تتسلح بالمال والسلاح والنفوذ والفتاوى الدينية قد حسمت الجزء الأكبر من المعركة مبّكرا، وهنا أتمنى بجد أن يكون إستنتاجي هذا خاطئا لأنني لازلت أحلم بحرية بلدي وسعادة شعبه.

من الصعب اليوم في بلد كالعراق التعويل كثيرا على نظريات ودراسات سياسية كوسيلة لتفسير الظواهر السياسية والإجتماعية فيه، وهذا لا يعود الى قصور في هذه النظريات أو الدراسات السياسية العلمية بالمرّة، كون هذه النظريات والدراسات تستطيع أن تقدّم نظرة متطابقة مع الواقع السياسي الإجتماعي في الكثير من البلدان الديموقراطية التي تحتكم الى صناديق الإقتراع ووعي الناخبين الى درجة كبيرة جدا، بل وحتى في العديد من البلدان ذات الأنظمة الشمولية. لكنّ هذه النظريات والدراسات تصطدم بمعوّقات تجعلها غير قادرة على تقديم إجابات مقنعة لبعض الأحداث الهامّة التي مرّت بالبلاد. وقد حاول البعض على سبيل المثال الإستفادة من مفهوم الكتلة التاريخية لغرامشي في تشكيل جبهة سياسية ذات قاعدة إجتماعية واسعة أملا في التغيير المنشود، فكانت النتيجة قاسية ومدمّرة إذ خرجت الكتلة التاريخية (التي عوّلوا عليها كأداة للتغيير) نفسها لتقمع نفسها بنفسها وتغتال إنتفاضة جماهيرية عفوية هزّت أركان السلطة، في موقف إحتار فيه حتّى من آمن بهذا الشكل من الجبهات السياسية وروّج لها ودافع عنها! فهل الخطأ يكمن في مفهوم الكتلة التاريخية نفسها والتي قدّمت نماذج نجحت في بعض البلدان، أم أنّه يكمن بطبيعة المجتمع العراقي والمشاكل التي مرّ ويمرّ بها من جهة وبطبيعة السلطة وقواها السياسية وأدواتها من جهة ثانية؟ كما وتكمن الصعوبة في تفسير الظاهرة الإجتماعية طبقا لنظريات ودراسات سياسية وإجتماعية الى ضعف القوى السياسية " المعارضة"، والهروب من تمييز نفسها بإعتبارها قوى علمانية حداثوية تؤمن بالديموقراطية وإشاعة الحريات، عن قوى دينية رجعية ومتخلفة ومعادية للعلمانية والحداثوية وتقمع الحريّات بالفتاوى والسلاح والإعلام، ومنها حرية المرأة وسنّ قوانين تهمّش دورها بالمجتمع ومنع إصدار قوانين تؤمّن لها كرامتها كقانون العنف الأسري مثلا!

من الصعب بل من المستحيل على أحزاب ومنظمات سياسية لا تمارس الديموقراطية في حياتها الداخلية، أن تقوم ببناء نظام سياسي ديموقراطي. ولو راقبنا الحياة الداخلية لأحزاب السلطة، العلمانية منها والدينية سنرى غياب الديموقراطية عنها شكلا ومضمونا. فالقوى الكوردية وعلى الرغم من علمانيتها ذات زعامات عشائرية وعائلية تتوارث القيادة في ما بينها، أمّا القوى الإسلامية فأن قبولها بالشكل "الديموقراطي" للسلطة اليوم ينبع من إضطرارها لذلك وليس من إيمانها بالديموقراطية كوسيلة للحكم وتبادل السلطة من خلالها. فالديموقراطية تتناقض مع الدين كليّا، وأي حديث من قوى علمانية أو مدنية أو دينية عن قبول قوى إسلامية بالديموقراطية كممارسة ونهج ليس سوى قصر نظر سياسي وفشل كبير. فالقوى الدينية ومثلها القومية غير قادرتان في أن تتحولا الى قوى ديموقراطية، لكنهما قادرتان في أن يتحولا الى قوى فاشية في البلدان المتخلفة كما العراق حال إمتلاكهما لميليشيات وتنظيمات مسلحة خارج نطاق الدولة من جهة، وإمتلاك زعيم يتمتع بهالة عائلية أو عشائرية أو دينية تضفي عليه صفة القداسة والطاعة من الجهة الثانية.

الوضع في العراق اليوم شديد التعقيد سياسيّا، نتيجة صراع الأقطاب الحاكمة الثلاثة فيما بينها بسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد إثر إنخفاض أسعار النفط وعدم تنوّع مصادر بديلة للدخل وجائحة كورونا وما ينتج عن هذا الصراع من خطر كبير على تفتيت النسيج الإجتماعي للمجتمع بشكل أكبر ممّا هو عليه اليوم، وكذلك الفساد الذي يخيّم كشبح على البلاد ويهدد بإفلاسها. وعلى الرغم من كل الصعوبات المعيشية والخدمية التي يعاني منها المواطن، فأنّ القوى المتصارعة وميليشياتها ومراجعها الدينية والعشائرية تتعامل مع البلد كإقطاعية وترى نفسها في مأمن من غضب جماهيري عارم. ولا تخاف هذه القوى إنهيار نظام المحاصصة جماهيريا، بعد فشل الإنتفاضة في جرّ الملايين المسحوقة الى المشاركة فيها للإسراع برحيل سلطة المحاصصة الفاسدة والتي قمعتها السلطة وعصاباتها بشدّة، كما لا ترى هذه القوى ما يهدد مواقعها من خلال صناديق الإقتراع في الإنتخابات المبّكرة المزمع إجراءها في النصف الأوّل من العام القادم مثلما لم يهدّد مواقعها في أي إنتخابات سابقة. فهذه القوى تقوم في مواسم الإنتخابات بتغيير أو تعديل القانون الإنتخابي بما يضمن فوزها وتقاسمها للسلطة وفق توافقات لا تتغير كثيرا، كما وأنّها لا تخاف معاقبة الجماهير لها في حالة فشلها في تنفيذ وعودها الإنتخابية التي تتعهد بتنفيذها في وعودها أمام ناخبيها، لأنّ التخلّف وغياب الوعي والتمترس الطائفي والقومي هي السمة الأبرز للناخبين العراقين.

لو أخذنا مدينة كمدينة الثورة ببغداد مثالا لتصويت الناخبين فيها، فإننا سنقف مذهولين من تصويت غالبية أبناء هذه المدينة التي تفتقر الى أبسط مقوّمات الحياة ويعاني سكانها بملايينهم الثلاثة شظف العيش والإهمال الحكومي ، لقوى إسلاميّة لم تقدّم لهم خلال أربع دورات إنتخابية أي شيء بالمرّة ولن تقدّم لهم شيئا في المرّة القادمة، وأنّ حالها سينتقل من سيء الى أسوء. هذه المدينة التي عليها الإنتفاض على ذاتها، قام تيار كبير وواسع فيها بقمع إنتفاضة شعبنا وساهم بقتل العشرات إن لم يكن المئات من شابّات وشبّان خرجوا ليعيدوا إليها وللوطن كرامتهم وكرامته التي تاجر بها الدين من على المنابر. أنّ ما جرى ويجري في هذه المدينة وهي التي عليها أن تتقدم الصفوف في تظاهرات وإعتصامات مليونية حتّى تغيير النظام الفاسد وغير الشرعي الحاكم، يعطينا صورة واضحة عن نتائج الإنتخابات القادمة وعن القوى التي ستشكل اللوحة السياسية الفاسدة من جديد. والمدينة وهي تقف كما غيرها الى جانب القوى التي تسرق قوت أبناءها، دلالة على أن سلطة المحاصصة والفساد غير معزولة جماهيريا، وهذا يعني إنها تمتلك ما يمنحها البقاء حتّى عودة الوعي للمجتمع.

والآن لنعد الى عنوان المقالة لنسأل .. ما العمل؟

الإنتخابات القادمة حُسِمت قبل أن تبدأ، وهذا الأمر يعرفه حتّى المواطن الذي لا وعي له. ومن هذا المنطلق علينا أن نبحث عن إجابة على سؤالنا، حول نسب نجاح مشاركة القوى العلمانية الديموقراطية فيها وهي تعرف المساحة التي ستتحرك فيها وإمكانياتها البسيطة، مع الأخذ بنظر الإعتبار القانون الإنتخابي الجديد والذي في الحقيقة هو أسوأ من قانون سانت ليغو الذي عدّله برلمان المحاصصة عدّة مرّات، والذي لم تستطع القوى العلمانية الديموقراطية بسببه من إختراق منظومة المحاصصة. فهل القوى العلمانية الديموقراطية مصرّة على خوض مستنقع الفشل من جديد!؟ في الحقيقة هناك مؤّشرات حول نية هذه القوى في خوض السباق الإنتخابي والسقوط في أمتاره الأولى مرّة أخرى، وهذا يعني أنّ هذه القوى تؤكّد كما الجماهير التي لا وعي لها من أنّ قوى المحاصصة والميليشيات غير معزولة جماهيريا.

القوى العلمانية الديموقراطية عليها الإتّفاق على أصغر القواسم المشتركة التي بينها وهي كثيرة أساسا من خلال إنتقادها لنفسها لإنخراطها في عملية سياسية دمّرت البلاد، لتشكيل تحالف سياسي يجمعها تحت مظلّة وطنية عابرة للطائفية والقومية، تحالف سياسي يكون قريبا لنبض الشارع العراقي الذي يمثلّه عشرات الآلاف من المنتفضين من طلبة وكسبة وعاطلين ومسحوقين ومهمّشين ومثقّفين الذين خرجوا متحدّين سلطة الفساد والجريمة بشكل عفوي. تحالف سياسي يكون شعاره "جرّدوا السلطة من شرعيتها بمقاطعة الإنتخابات"، فعشرات الآلاف من المتظاهرين الواعين لقضية شعبهم قادرين من خلال خطاب سياسي جديد وقيادات ميدانية نشطة وفاعلة ومخلصة من جرّ آلاف المتضرّرين الى ساحات التظاهر، خصوصا وأنّ السلطة الفاسدة بعصاباتها غير قادرة حتّى على توفير رواتب موظّفيها الا من خلال الإقتراض الداخلي والخارجي. على مثل هذا التحالف توفير معطيات للناس من خلال إعلامه على فقره وتواجده وسط الطلبة في مدارسهم وجامعاتهم، والكسبة في ألأسواق ومساطر العمّال من أنّ مستقبل البلاد ومستقبلهم مظلم، فالبلاد ونتيجة سياسة النهب المنظّم تسير نحو الإفلاس التام.

تبقى المشاركة بالإنتخابات جريمة بحقّ شعبنا ووطننا، ومقاطعتها وتثقيف الجماهير بمقاطعتها واجب وطني ملّح. فهل ستكون القوى العلمانية الديموقراطية أهلا لتحمّل هذه المهمة الوطنية، أم أنّها ستخيّب ظن قواعدها وجماهيرها والشرفاء من أبناء هذا الوطن بها وهي تخوضها لتخرج منها بخفّي حنين كما المرّات السابقة مانحة الشرعية لنظام دمّر البلاد!؟ سؤال ستظهر إجابته بعد حين، على الرغم من معرفة الكثيرين إجابته!

"الجنون هو أن تفعل ذات الشيء مرةً بعد أخرى وتتوقع نتيجةً مختلفةً" ...  البرت آينشتاين

 
زكي رضا
الدنمارك
23/11/2020
 




74
سائرون تبدأ تجارة الإنتخابات من النبي محمّد


لم يشكّل الدين مشكلة كبرى في حياة الشعوب، الّا حينما كان رجال الدين يستغلّوه للجمع بين السلطتين المدنية والدينية. كما وأنّ أي سلطة دينية تنحاز بالضرورة لأتباع دينها على حساب أتباع الديانات الأخرى، ولم يشهد التاريخ الإنساني سلطة دينية تتعامل مع بقية الأديان في أوطانها على قدم المساواة، بل لم يشهد التاريخ كذلك سلطة دينية تعاملت مع اتباع مذهب ديني من نفس الدين على قدم المساواة أيضا. فالكاثوليك والبروتستانت كانوا على صراع دائم ودموي تكلل بحرب الثلاثين عاما، التي بدأت مسيحية مسيحية قبل أن تتحول الى حرب سياسية هدفها إحتلال البلدان الأخرى. والشيعة والسنّة كانوا "لا يزالون" في صراع دموي بدأ إسلاميّا إسلاميّا بحروب بين الصفويين والعثمانيين كان العراق في أغلب الاحيان مسرحا لها، قبل أن ينتهي الصراع بإتفاقات سياسية لتقسيم مناطق النفوذ دون المساس بجوهر الصراع الطائفي القائم لليوم!

إن كان الصراع الديني هو سبب ويلات الشعوب الأوربية والعربية والإسلامية، فلماذا إستطاعت أوربا تجاوز محنها كمحاكم التفتيش وغيرها من الصراعات الفكرية وغير الفكرية فيما لا تزال الشعوب العربية والإسلامية غير قادرة على الخروج من أزماتها، إن لم تتعمّق هذه الأزمات أكثر، وهل السبب يعود الى طبيعة الدينين المسيحي والإسلامي ومفاهيم التسامح فيهما أم الى طبيعة السلطة فيهما؟

جميع الأديان وحتّى الوضعية منها تنادي بالعدل والتسامح، لكنّ اوربا وعلى عكس العالمين العربي والإسلامي أنهت سطوة المسيحية على القرار السياسي وبدأت ببناء دول تحترم الإنسان فيها من خلال تجريد الكنيسة من أهم عنصر قوّة لديها، وهو جمعها بين السلطتين الدينية والمدنية، على الرغم من عدم إعلانها قطيعتها مع الدين مطلقا فالكنائس عامرة ومحترمة، وحتّى دور عبادة الأديان الأخرى محترمة وتحصل على مساعدات مالية من السلطات فيها. فيما لازالت بلداننا تعاني من سطوة الدين على القرار السياسي وما له من تأثير على حياة الناس كونه مقدّس ولا يجوز نقده!

يعتبر الحديث عن القطيعة مع الدين ترف فكري وحلم طوباوي، كون الوعي الإنساني هو من يحدّد هذه القطيعة وطرق الوصول اليها. فالدين لليوم ولآماد مستقبلية غير معروفة يبقى حاجة روحية للكثير من البشر. لكنّ المهم ونحن نعيش عصر التكنولوجيا وغزو الفضاء وكل هذا التقدم العلمي الذي حققّته البشرية في مختلف مجالات الحياة، هو أنسنة الدين من خلال خطاب ديني عقلاني من جهة وفصله بالكامل عن منظومة الحكم، ولن يتم هذا الأمر الّا من خلال نظام علماني ديموقراطي يعزز من هيبة الدين وإحترامه بإبعاده عن السياسة كلّيا.

"السياسة لا أخلاق لها" مقولة يحاول الإسلاميّون القفز عليها من خلال بعض الآيات القرآنية والأحاديث المنسوبة للنبي محمّد، خصوصا إن كانوا على رأس السلطة أو منشغلين بالعمل السياسي. الّا أنّ حججهم ما تلبث أن تكون تحت مطرقة الكثير من الأسئلة التي تفرزها حياة الناس، حالما تُوَجَّه الأسئلة الملّحة عن إدائهم السياسي وفشلهم في تحقيق البرامج السياسية التي وعدوا شعوبهم بها. وما أن يشعر الإسلامي بعدم قدرته على مواجهة الناس حتّى يبدأ كالسياسي بالكذب والمراوغة لتبرير فشله، وهنا يكون قد لصق الكذب والمرواغة والسرقة والفساد بالدين. وعند هذه النقطة تحديدا يكون قد اساء للدين وليس للسياسة، كون السياسة تعني صراع من اجل المصالح والدين هو صراع الإنسان مع نفسه لغرض ارضاء الله. ولو عدنا الى التاريخ الإسلامي وليس غيره، لوجدنا الصراع بين التيارات والأنظمة الإسلامية وحروبها فيما بينها كانت من أجل السلطة وليس لأمر آخر. لنعد الآن الى المثال العراقي لنرى إن كانت الأحزاب الدينية التي على رأس السلطة ومعها المؤسسة الدينية المنشغلة بالشأن السياسي هي الأخرى، لديها أخلاق مستمدّة من الدين الإسلامي الذي تتاجر به من أجل مصالح دنيوية وليس آخروية. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، هاتين الآيتين تكونان تجارة مربحة إن كانت بضاعة لنجاة العراقيين من عذاب الفساد والفقر والجوع والبطالة والإرهاب الذي يعاني منها شعبنا وهو يعيش عهد الإسلام السياسي، أمّا إن كانت غير ذلك وهي اليوم غير ذلك فعلا فأنّها تجارة خاسرة لنا كشعب ومربحة للمتاجرين بها وبالدين كلّه، ومن اكبر المتاجرين بهذه البضاعة اليوم هو مقتدى الصدر ومن يحرّكه ليتخذ المواقف المناهضة لشعبنا ووطننا.

لا شك في أنّ للحريّة حدود علينا التوقف عندها، كي لا يكون تجاوزها تحت أي ظرف سبباً في إشاعة الفوضى والخراب. والرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها مجلة شارلي إبدو الفرنسية حول نبي المسلمين وتناولها في مادة دراسية عنوانها حريّة التعبير، بدت غريبة عند المسلمين الذين لا يعرفون حرية التعبير في بلدانهم، لكنها في النهاية أساءت لرجل يقدّسه مئات الملايين من البشر. وكان رد الفعل الإسلامي ضدّها محليا "فرنسيا" لا يتوافق مع قوانين الدولة الفرنسية، ولا مع قوانين التمدن والحوار الحضاري. أمّا إسلاميا وعربيا، فقد جاءت الرسوم هبة من السماء لأنظمة لا تعترف بحقوق الإنسان ولا بالحريات العامة ناهيك عن حرية التعبير والرأي.

عادة ما يكون الحسين وآل البيت هم البضاعة التي يتاجر بها الساسة والمعممّين الشيعة، وهم يتحكمون برقاب الناس وحياتهم وثرواتهم. وغالبا ما تتفتق العقلية الدينية الشيعية وعند مواسم الإنتخابات عن مواقف ومحطّات دينية طائفية لكسب ثقة الناخبين الشيعة، وقد نجحوا لليوم في مسعاهم هذا بشكل كبير. ولم يكن النبي محمد يوماً جزءً من هذه اللوحة، فالنبي بالحقيقة يأتي في مراتب متأخرة في الفقه والأدب والتراث الشيعي مقارنة مع الإمام علي والحسين وجعفر الصادق والمهدي بل وحتى إبنته فاطمة. الا أن مجلة شارلي إبدو قدّمت لرجل دين كمقتدى الصدر حملة إعلامية مجانية ضخمة وهو في طريقه لخوض الإنتخابات البرلمانية من خلال تحالف سائرون، على الرغم من عدم حاجته لها كون القوانين الإنتخابية فُصِّلت على مقاسات أحزاب السلطة ومنها تحالف الصدر هذا.

لقد قدّم الصدر من خلال تحالف سائرون وهو يتهيأ لخوض الإنتخابات الرلمانية المبكرة، مقترح قانون لمعاقبة المسيئين للنبي محمد موقّع من 100 نائب برلماني الى لجنة الأوقاف والشؤون الدينية بالبرلمان لمناقشته وعرضه للتصويت. وهذا الأمر من الممكن قبوله لو كان المقترح متعلق بالعراقيين، لكنّ تحالف سائرون "الصدر" تجاوز الأعراف الدبلوماسية المتعارف والمتعامل بها، حينما ضمّن مشروع قانونه "البعثات الدبلوماسية المتواجدة في العراق في حال صدور الإساءة من أحد أفرادها مهما كان منصبه، ولا تعتبر الحصانة الدبلوماسية مانعة من المحاكمة"!! كما تضمّن مقترح القانون بـإنزال "عقوبات بالسجن تتراوح بين 10 إلى 15 سنة، في حال صدرت الإساءة بشكل علني، أما إذا لم تكن علنية فالعقوبة تكون الحبس من 3 إلى 5 سنوات، ويستوي في ذلك العراقي وغير العراقي"، وهنا يكون المشّرع الصدري قد وضعنا في حيص بيص كما يقال، إذ كيف سيتعرف القاضي على الشخص المسيء إن كانت إساءته غير علنية! وهل سيتعرف القاضي مثلاً على شخص أساء للرسول وهو وحيد داخل غرفة نومه، أو شخص رسم رسماً كاريكاتيرياً للنبي ومزّقه دون أن يراه أحد!؟

إنّ الصدر يتعامل مع الدولة العراقية والشعب العراقي كحاكم مطلق، فهو من يقترح القوانين وهو من ينفذّها وهو من يرسم سياسة الدولة وهو من يتحكم بنبض الشارع. وهذه الحالة المرضية خطرة جداً ليس على المشهد السياسي العراقي المعقّد والضبابي، بل خطر على مستقبل البلد ككل. فالصدر يتحرك كونه رجل دين وسياسي، وله جيش من الاتباع يمتازون بقلّة الوعي والقسوة في تعاملهم مع من يخالف قائدهم وإن أخطأ، خصوصاً في غياب الدولة القادرة على كبح جماحه والميليشيات التابعة له.

وهذا الإمام علي وكأنّه يصف أهل العراق اليوم يقول "إذا غضب الله على أمّة غلت أسعارها وغلبها أشرارها".

زكي رضا
الدنمارك
11/11/2020



75
مقتدى الصدر .. انا الدولة!!

السياسة في بلد كالعراق اليوم لا تحتاج الى احزاب وطنية وقوى تؤمن بالديموقراطية وسيادة دولة القانون، كونها أمست ترف فكري نتيجة الفساد والقهر اللذان يأخذان مديات أوسع يوما بعد آخر ويستهلكان آخر ما تبقّى من كرامة للوطن والناس ، وكون الأحزاب الوطنية لا زالت بعيدة عن آمال وتطلّعات الجماهير المسحوقة التي باتت دون ظهير سياسي وقيادات قادرة على مواجهة قوى الفساد التي تتغوّل بشكل مستمر. علاوة على عاملين مهمّين جدا وهما غياب الوعي عند نسبة كبيرة من جماهير شعبنا، والإحتلالان اللذان يديران دفّة سفينتنا المتهاوية الامريكي بقواعده العسكرية، والإيراني الذي لا يصدّر لنا الّا الجهل والتخلف والميليشيات والمخدّرات.
السياسة في بلد كبلدنا تتمترس فيه الطوائف والقوميات حول هوياتها الضيّقة تحتاج الى عصابات تحت يافطات احزاب ومنظمات طائفية وقومية لممارستها، وهذا لا يعني مطلقا أنّ في العهود السابقة كانت السياسة على مستوى تحديات البلد ومستقبله،  لكنّ الواقع - وهذا ما اثبتته احداث بلدنا منذ الإحتلال لليوم - يؤكّد لنا أنّ تجربة السلطة اليوم هي من التجارب السيئة التي عاشها شعبنا على مرّ تاريخه المعاصر إن لم تكن الاسوأ.

لم يصرّح سياسي عراقي ممّن كانوا على رأس السلطة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم من أنّه فوق القانون واجهزة الدولة مجتمعة،  الّا دكتاتور نرجسي ومهووس بالسلطة كصدّام حسين والذي كان فعلا فوق اجهزة الدولة والقانون،  لكنّه  لم يُعلن عن هذا الأمر من خلال الإعلام صراحة. ليس لأنه كان يهاب ذلك وهو دكتاتور دموي ولا كونه كان يخجل من أحد، بل كونه تعلّم من السلطة التي كان فيها وعلى رأسها لعقود من أنّ السياسة لا تعني حصر القوّة والنفوذ بل توزيعها على مراكز عدّة، وإن كان لذرّ الرماد في العيون. فحاكم مستبدّ كصدام حسين وإن كان يختصر العراق بنفسه، الّا أنّه ترك الأمر للإعلام و "المثقفين" لترويج سياسته هذه.


ما أن تتحرك الجماهير لتعلن رفضها لنظام المحاصصة والخراب عن طريق التظاهر والإعتصام،  حتّى تتحرك الأحزاب الشيعية وميليشياتها لتواجهها بمختلف الأساليب القذرة والوحشية. وعادة ما توكّل هذه العصابات الأمر لمقتدى الصدر. كونه الوحيد بينها الذي ينتقل من موقف الى آخر بشكل مستمر ودائم ، معتمدا على تبعية اعداد من الأمييّن وانصاف المثقفين من حملة السلاح والسكاكين والسيوف والهراوات، يحرّكهم كيفما يشاء ومتى ما يشاء!

في أربعينية الإمام الحسين هذا العام والتي صادفت الذكرى الأولى لإنتفاضة تشرين/ اكتوبر ، هتفت الجماهير الغاضبة متظاهرة عند مرقده ضد سلطة الفساد والقتل ورموزها من خلال هتافات ضد الإحتلالين الامريكي والإيراني وذيولهما. هذه الهتافات ضد الظلم والإضطهاد هي جزء من الثقافة الشيعية مثلما ترّوج المؤسسة والأحزاب والمنظمات الشيعية، كما انها كانت على مرّ التاريخ الشيعي وهو يواجه السلطات الجائرة والظالمة المختلفة وفي مختلف البلدان ذات الغالبية الشيعية السلاح الأمضى للتغيير والوصول الى نيل الحقوق عن طريق الثورة، فالحسين في الأدب الشيعي رمز للثورة وليس للذل والطاعة العمياء مثلما يريده رجال الدين والعصابات والمافيات الشيعية اليوم.

والصدر بتغريدته الاخيرة يضع شرطين بصيغة الآمر الناهي ،  اولهما ان تحمي القوات الأمنية المراقد المقدّسة وهو هنا يشيطن الجماهير ويتّهمها زورا بمحاولة مهاجمة المراقد من جهة ، ويهين الدولة من جهة اخرى، ويطالب في الثانية حينما يقسّم المنفتضين الى صالحين وطالحين، في ان يقوم "الصالحين" بالتبرؤ من بقية المنتفضين وهذا من اجل شق صفوف المتظاهرين ويهدد في حالة عدم تنفيذ الشرطين بتدخله الشخصي والعلني لتحقيقهما!!

المرجعية والقوى الشيعية ومنهم مقتدى ترفض دخول المتظاهرين ومعهم صور شهداء الإنتفاضة الى المرقد لقدسيته بحجج مضحكة كعدم إتّباعهم لنظام الدخول وفق ترتيبات مسبقة، او عدم إنتظامهم في مواكب قدّمت مسبقا معلومات عنهم لتقمعهم القوى الأمنيّة بشدّة في منطقة بين الحرمين، ولكنها لا تنبس ببنت شفة والعصابات الشيعية وهي تحمل اعلام حزب الله وبقية العصابات تهتف في منطقة بين الحرمين نفسها (سيدي يا ابن الحسينِ، نحن ابناء الخميني، وهتفنا بالولاء،  لعلي الخامنائي)!! ولو عدنا الى إنتفاضة آذار 1991  نرى المنتفضين يعتصمون وهم مدجّجون بأسلحتهم داخل المرقد مستجرين بالحسين كرمز للثورة ضد الهجوم البعثي على المدينة والمرقد. وهنا من حقّنا والحسين رمز للثورة والعدل في الادب الشيعي، أن نسأل عن الذي يمنع المتظاهرين من فعل نفس الأمر؟  فهل الامام الحسين ثائر وطالب عدل وإصلاح يوما وغير ذلك في يوم آخر، وهل المرقد مقدّس في يوم وغير ذلك في اخر!!؟




ولهذا التهديد معنى واحد وصريح هو (انا الدولة)، انا السلطة التنفيذية التي ستقوم بمعاقبة المنتفضين والقوى الأمنية، انا السلطة التشريعية التي تسنّ القوانين والتشريعات، انا السلطة القضائية التي تحاكم وتحرق وتعدم وتسجن.  فأين الكاظمي من هذا التهديد العلني والمهين للدولة وله شخصيا ؟

عدم نجاح الكاظمي في حل أي ملف من الملفات التي تشكل صداعا مستمرا لما تسمّى بالعملية السياسية بالعراق ولجماهير شعبنا، كحصر السلاح بيد الدولة وتقديم كبار الفاسدين للمحاكمة العلنية وهما مفتاحا أية نجاحات مستقبلية،  تشير الى أنّ الكاظمي أضعف من أن يواجه أية عصابة من العصابات الإسلامية ولا حتّى رجل عشيرة قوي . وعليه فأنّ الرهان على الكاظمي في حل مشكلات البلاد، هو كالرهان على حصان أعرج في مضمار سباق الخيول.


لقد كشّرت الميليشيات من خلال تغريدة الصدر عن أنيابها وعن مواقفها تجاه إنتفاضة شعبنا ، وهو يهدّد المنتفضين وتصفية الإنتفاضة قائلا " ولعلّ (التشرينيين) لا يستطيعون التظاهر مستقبلا إذا لم يتبرأوا رسميا من تلك الجريمة الوقحة فالكل سيتبرأ منهم". وهنا تكون مهمّة  الجماهير هي التظاهر المستمر واليومي وبأعداد تتزايد بإستمرار . فإنتفاضة تشرين/ اكتوبر درس نضالي على شعبنا وقواه الحيّة ان تطوره ليصل الى ثورة تكنس الإسلام السياسي الى حيث عليه ان يكون.   

الذكر الطيب والعطر دوما للشاعر الشعبي عبود الكرخي وهو يقول:

طبيعة بيك شينة، يا ردي الهندام ..... ذاتك عقربيّة، تأذّي خاص وعام

زكي رضا
الدنمارك
9/10/2020 

76
هل نجحت إنتفاضة اكتوبر في تحقيق أهدافها ..؟


لقد اختلفت وجهات النظر حول نجاح انتفاضة اكتوبر العراقية  او نجاحها الجزئي من عدمها، بعد ان خفّت شدّة التظاهرات والإعتصامات ولأسباب مختلفة،  منها الملل الذي اصاب الجماهير وشعورها بالإحباط لطول تواجدها في ساحات الإعتصام، ومنها شيطنة المنتفضين من قبل السلطة الحاكمة وادواتها الإعلامية ومنابرها السياسية والدينية، ومنها استخدام إرهاب الدولة ضد الناشطين وخطفهم وقتلهم، ومنها جائحة كورونا اضافة الى اسباب اخرى كالموقف الإقليمي والدولي من الإنتفاضة. إحدى وجهات النظر تنظر الى الحدث الأهم منذ الإحتلال لليوم من الناحية العاطفية والتمنّي في حدوث تغيير حقيقي في المشهد السياسي على الرغم من عدم توفّر العديد من آليات تحقيق هذه الأمنيات، والثانية والتي علينا ان ننظر اليها بامعان ودقّة هي النظرة النقدية للإنتفاضة من خلال مقارنتها بإنتفاضات وحركات سلمية في بلدان مختلفة، نجحت بعضها فيما فشلت أخرى والبحث عن اسباب نجاح وفشل تلك الإنتفاضات، وعلينا ونحن نستشهد بهذه الحركات السلمية والانتفاضات ان نشير بإعتزاز الى تجربة شعبنا وانتفاضاته ووثباته خلال القرن الماضي.

في دراسة حول نجاح الإحتجاجات السلمية الشعبية في تغيير الانظمة الحاكمة اجرتها كلا من إيريكا شينوويث الباحثة في العلوم السياسية بجامعة هارفارد، وماريّا ستيفن الباحثة في المركز الدولي للنزاع السلمي والتي غطّت الفترة  بين عامي 1900 و2006،  حول نسبة نجاح وفشل الحركات السلمية والمسلّحة في تغيير الانظمة الحاكمة ، وتمّ نشرها في كتاب تحت عنوان " لماذا تنجح المقاومة الشعبية: الأسباب الاستراتيجية وراء نجاح النزاعات السلمية " توصلتا الى أنّ الحراك السلمي قاد الى " التغيير السياسي في 53 في المئة من الحالات، في مقابل 26 في المئة فقط للإحتجات العنيفة"، وقد تناولت الدراسة " 25 حركة احتجاجية شعبية من أكبر الاحتجاجات الشعبية في العالم، حقق 14 منها نجاحا بجميع المقاييس".

قبل الخوض في بعض التجارب التي تناولتها الدراسة واسباب نجاح الإنتفاضات وفشلها وفق وجهة نظر الباحثتين، دعونا نعود الى انتفاضات العراق والحدث الأهم بالمنطقة اي الثورة الايرانية. لأنّ تجربتنا والتجربة الايرانية ستعطينا ووفق آراء الباحثتين " سنتاولها لاحقا" الأجوبة التي نبحث عنها في عدم نجاح إنتفاضة اكتوبر بتحقيق التغيير الذي إندلعت من أجله. في التجربة الإيرانية نجحت الحركة السلمية للشعب الإيراني والتي تطورت خلال اشهر الى ثورة عارمة في تغيير شكل النظام السياسي بالكامل، وقد نجحت وثبة عام 1948 السلمية بتحقيق هدفها وهو إلغاء معاهدة بورتسموث، فيما نجحت ثورة العشرين وهي حركة مسلّحة في تحقيق بعض اهدافها، الا أنّ الهدف الأهم  لها وهو اخراج المحتل البريطاني من العراق لم يتحقق الا بعد ثورة 14 تموز 1958 .

ركّزت الباحثتان في بحثهما على تجارب حققّت نجاحت مذهلة على الصعيد السياسي، نجاحات غيّرت شكل الأنظمة بالكامل. ومن هذه التجارب تجربة الثورة الفلبينية ومشاركة الملايين من السكان فيها والتي أسقطت نظام ماركوس الدكتاتوري خلال اربعة ايام فقط! وكذلك ثورة الورود في جورجيا ضد الرئيس شيفارد نادزه والذي قدّم إستقالته بعد دخول المتظاهرين السلميين البرلمان بباقات الورود وثورة الغناء في استونيا، كما مرّ البحث على تجارب السودان والجزائر، كما " وارتكزت أبحاث شينوويث على الأفكار الفلسفية للكثير من الشخصيات المؤثرة على مدار التاريخ، والتي برهنت بالأدلة القاطعة على قوة تأثير الاحتجاجات السلمية، مثل الناشطة الأفريقية الأمريكية سوجورنر تروث، التي حاربت لإلغاء العبودية، وسوزان بونويل أنتوني، التي نادت بإعطاء المرأة حق التصويت في الانتخابات، والناشط الهندي المستقل، ماهاتما غاندي، والناشط مارتن لوثر كينغ الذي ناضل من أجل الحقوق المدنية في الولايات المتحدة".

بعض النقاط التي تعتبر غاية بالأهمية  بنظر الباحثيتين لنجاح الحراك السلمي في التغيير هي

1-   الإضرابات العامّة والتي هي اقوى وأهم اشكال المقاومة ضد الحكومات المستبدّة.
2-   تعطيل المرافق العمومية " عدا المؤسسات الصحية والخدمية"  وإصابة الحياة اليومية والاجتماعية بالشلل.
3-   التحشيد الجماهيري، ففرص زيادة نجاح اي حراك جماهيري سلمي يعود الى قدرة منظميه من حشد اكبر عدد ممكن من الجماهير لخوضه، فكلمّا كانت اعداد الجماهير اكبر كلمّا كان التهديد الحقيقي للسلطات اكبر.
4-   نجاح الثورة او الإنتفاضة السلمية يتحقق لا محالة ما أن يصل عدد المشاركين فيه نسبة 3.5 من مجموع السكّان. وبينما تمثل نسبة 3.5 في المئة قلة من الشعب، إلا أن هذا المستوى من المشاركة الفعالة يدل على أن شرائح أكبر من الشعب تؤيد أهدافها ضمنيا وفق إيزابيل برامسين من جامعة كوبنهاغن.
5-   وحدة المحتجين وإنسجامهم وتنظيمهم تعتبر من المعايير العالية لنجاح او فشل الحركة السلمية، فالفشل يصيب الحركة من دونها، كما حدث في البحرين كما تقول إيزابيل برامسين، التي تدرس النزاع الدولي في جامعة كوبنهاغن.

لنعود الآن الى إنتفاضة اكتوبر لنرى إن كانت قد نجحت في تحقيق ما ينتظره شعبنا منه أم لا؟

لم ينجح منظمّو الإحتجاجات في قيادة إضرابات عامّة على مستوى البلاد، عدا الإضرابات الطلّابية وإضرابات بعض النقابات.  فيما لم يُنظّم أي إضراب واسع في الأسواق كما حدث البازار في إيران اثناء الثورة، ولا في  قطّاع النفط الحيوي ولا في أجهزة الدولى الإدارية.  كما كان الفشل نصيبهم في تعطيل المرافق العمومية ليصيبوا من خلالها الحياة الإجتماعية واليومية بالشلل مما يرعب السلطة. ونتيجة لأسبوعية التظاهر !! فأن إمكانية حشد اكبر عدد ممكن من الجماهير بقي صعبا على منظمي الحراك رغم النداءات المتكررة لحثّهم وتواجدهم في الشارع.  وبقي عدم وجود قيادة ميدانية أو جسم تنظيمي أو شخصية محورية ذات كاريزما كما الخميني اثناء الثورة الايرانية او غاندي في الهند، من اهم المشكلات التي واجهت الإنتفاضة وابعدتها كليا عن تحقيق نتائج ونجاحات تليق بما قدمته من مئات الشهداء وآلاف الجرحى في سبيل تحقيق التغيير الذي لم يحدث لليوم!

3.5 في المئة ليس رقما سحريا لكنه الحد الأدنى وفق الدراسة العلمية لنجاح الإنتفاضات، فهل شاركت هذه النسبة في إنتفاضة شعبنا؟  يقدّر نفوس العراق بحوالي 40 مليون نسمة، ووفق النسبة الآنفة الذكر فأن نجاح الإنتفاضة بحاجة الى مشاركة فعّالة من حوالي مليون وأربعمائة الف متظاهر عراقي. ولو تركنا هذا الرقم لعدم مشاركة المحافظات الغربية والكوردية في التظاهرات على الرغم من معاناتهم كما محافظات الوسط والجنوب!! ورجعنا الى العاصمة بغداد حيث النسبة السكانية الاكثر كثافة بالبلاد علاوة على كونها مركز الحكم، فأنّ نفوسها يقدّر بحوالي تسعة ملايين  نسمة. ومن أجل نجاح الإنتفاضة نظريا فإننا بحاجة الى 315 ألف متظاهر، فهل وصلت اعداد المتظاهرين في احسن الحالات الى نصف هذا العدد!؟

"خلصت الدراسة الى أنّ "معيار نجاح حركة التغيير هو قدرتها على تحقيق جميع أهدافها".

 كثيرة هي الشعارات التي رفعها المتظاهرون، وأهمّها كانت شعارات محاربة الفساد والمفسدين، تقديم قتلة المتظاهرين للقضاء، توفير فرص العمل للعاطلين، حل الميليشيات المسلحة، اجراء إنتخابات عادلة ونزيهة وفق قانون انتخابي عادل، والشعار الذي أصبح رمزا أي " نريد وطن". فهل حققت الإنتفاضة أي من هذه الشعارات، لكي نؤمن بنجاحها..؟

ونحن نعيش اليوم الذكرى الأولى لإنطلاق إنتفاضة اكتوبر، علينا أن نستفيد من أخطائنا ونجاحاتنا " كسر حاجز الخوف وتجاوز الطائفية" من خلال مراجعة شاملة للحدث، كما وعلينا الإعتراف بعدم تحقيق الإنتفاضة أي مطلب من مطالبها، سوى نجاحها في تغيير رئيس وزراء بآخر من نفس المؤسسة، والذي يفي بأي عهد قطعه على نفسه لليوم. فلم نرى فاسد من العيار الثقيل امام المحاكم العراقية، ولم يحصر السلاح بالدولة، ولم يجد حلّا للنزيف الإقتصادي والمالي العراقي، حيث البلاد تقترض داخليا وخارجيا من أجل تأمين رواتب جيش الموظفين ومنهم عشرات إن لم يكن مئات الآلاف من الفضائيين، وغيرها الكثير.


على القوى العلمانية الديموقراطية وفي الذكرى الاولى لإنتفاضة اكتوبر أن تكثّف جهودها ليس لغرض المشاركة بالأنتخابات التي لن تغير شيئا من المشهد السياسي الذي نعيشه منذ الاحتلال لليوم، بل جر اكبر عدد ممكن من   الجماهير ليس للتظاهر الاسبوعي أو الشهري أو في المناسبات كما حصل ويحل اليوم، بل جرها للتظاهر اليومي وباعداد كبيرة والتمهيد باسرع وقت للعصيان المدني. على القوى العلمانية الديموقراطية والإتحادت الطلابية والمهنية والنقابات  والشخصيات الإجتماعية المؤثرة التواجد في قلب ساحات التحرير وبشكل مستمر، كون التغيير بحاجة لتنظيمات فعّالة قادرة على توجيه الحراك السلمي للجماهير. فالتجربة السابقة لقادة ساحاة التحرير زنتيجة الخلافات الكبيرة بينهم، أثبتت أنّ التغيير لا يأتي الا من خلال احزاب وتنظيمات ونقابات واتحادات لها المصلحى الحقيقية في بناء وطن.
" نريد وطن" شعار بحاجة الى تضحية ونكران ذات كبيرين، فلنكن بمستوى هذا الشعار من اجل غد افضل لشعبنا ووطننا وأجيالنا القادمة.

زكي رضا
الدنمارك 30/9/2020     



 




 







77
الفاشيّة الدينية المشوّهة .. العراق مثالا


لقد برزت الفاشية في اوربا نتيجة عوامل عدّة، منها الأزمات الإقتصادية والإجتماعية التي كانت تمرّ بها البلدان الرأسمالية في القارة، ومنها ضعف قوى اليسار والحركات الثورية وإنقساماتها فيها. ولم تنتهي الفاشية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، كونها تستطيع إعادة إنتاج وبناء وتطوير نفسها تحت ظروف معينة، فالأنظمة الفاشية والأنظمة الدكتاتورية الفاشية تظهران وفق شروط تاريخية وإقتصادية وإجتماعية ترتبط بالخصائص المحلية لكل دولة. لذا نرى الفاشية الالمانية برزت في المانيا بطابع عنصري يمجّد العرق الالماني، ولو أخذنا الفاشية الإسلامية القومية بالعراق اليوم نراها تعتمد على تمجيد الطائفة والقومية والتي هي شكل من اشكال العنصرية. وإذا كانت الاولى أي الفاشية عنصرية الهوية ترفض الحياة الديموقراطية والتعددية السياسية والتي كان البعث يسير على نهجها بالأمس، فأنّ الثانية أي النموذج العراقي "الديموقراطي" اليوم وهو يكرر العملية الانتخابية بنفس الآليات التي تجعل منه في قمّة الهرم دائما، يكون له نفس خصائص الفاشية العنصرية بمزيج من الطائفية والعنصرية.

عادة ما يشير البعض الى بروز الفاشية في البلدان ذات الإقتصاديات الرأسمالية، فأنه يشير الى تلك التي برزت في كل من اليابان والمانيا وإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، الا أنّ الفاشية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية برزت في بلدان نامية لا تعرف معنى الإقتصاد الرأسمالي، لكنّ بروزها جاء نتيجة عوامل سياسية بحتة الا انها غير بعيدة عن صراع الدول الرأسمالية الكبرى في تأسيس وإنشاء أنظمة دكتاتورية تعمل على تلبية مصالحها. فالإنقلابات العسكرية والأحداث السياسية في إيران والعراق واندونيسيا وتشيلي سنوات 1953 – 1958 – 1965 – 1973 على سبيل المثال والتي نفّذتها أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، ساهمت في إنشاء أنظمة دكتاتورية فاشية جديدة معادية للديموقراطية وتطلعات شعوبها في البلدان الأربعة، علاوة على تأسيس أنظمة دكتاتورية فاشية في بلدان عديدة في العالم ومنها جمهوريات الموز في امريكا اللاتينية. فالفاشية "والفاشية الجديدة والتابعة تبرز في العديد من البلدان النامية، حيث لا يوجد اساس إقتصادي رأسمالي شبيه بما كان الوضع عليه في المانيا وإيطاليا واليابان، وهي تبرز في هذه الحالة كنتاج مباشر للعامل السياسي اولا حيث تستخدم من قبل الإمبريالية ركائزها المحلية كثورة مضادة للثورة الشعبية التي تهدد سيطرتها" (*) وهذا ما نعيشه اليوم في بلادنا.

أنّ تجربة البلدان الأربعة التي أشرنا إليها قبل قليل تعتبر من التجارب التي علينا تناولها كأمثلة على إستغلال أنظمة دكتاتورية فاشية الطابع ثروات بلدانها الطبيعية، لتحديث البنى التحتية فيها وإستغلال هذا التحديث في بلورة علاقات إقتصادية إجتماعية جديدة تخدم قمّة الهرم السياسي في السلطة ومن يمثّلها. ككبار العسكريين وملّاك الأراضي والشيوخ والأمراء ورجال الدين والقبائل والأقطاع ورجال الإقتصاد والمال، وهؤلاء في الحقيقة هم القاعدة الإجتماعية التي تعتمد عليها الأنظمة الدكتاتورية الفاشية في مواجهة الجماهير.

لقد نجحت الولايات المتحدة في شباط 1963 بإنشاء نظام دكتاتوري فاشي قمعي معاد لمصالح شعبنا ووطننا وقواه الوطنية، وكرّس النظام الجديد والأنظمة التي تعاقبت على السلطة بعده نفس النهج الكارثي والذي إنتهى بإحتلال البلاد من قبل الولايات المتحدة بعد أربعة عقود من ذلك الإنقلاب. لكنّ الأنظمة الدكتاتورية فاشية الطابع والنهج والممارسة التي تعاقبت على السلطة، إستغلّت ثروات البلاد وإن بشكل غير كامل ولا عقلاني في إستمرارها ببناء البنى التحتية للبلاد وتطوير قطاعات عديدة أهمّها التعليم والصحّة وعدد من المشاريع الصناعية التي كانت تسدّ جزء من حاجات البلاد، والتي بدأت تتلاشى منذ مغامرة النظام البعثي الفاشي في حروبه الخارجية والداخلية واثر الحصار الإقتصادي، حتى إنتهى الأمر في أن يكون العراق بقايا اطلال حين حزم البعثيون حقائبهم.

مثلما قامت الولايات المتحدة الامريكية بإنشاء نظام دكتاتوري فاشي في العام 1963 ، فأنها قامت بعد إحتلالها للبلاد سنة 2003 بإنشاء نظام محاصصة طائفي قومي، يحمل - على الرغم من تسويقه كنظام ديموقراطي لا يعرف من الديموقراطية الا صناديق الإقتراع والتي بدورها تدور حولها شبهات الفساد والتزوير - سمات فاشية واضحة المعالم. ومن هذه السمات سلب وعي الجماهير وإعادة صياغته بشكل ديني طائفي - قومي، للإستفادة منه في تأجيج المشاعر الطائفية والقومية، والتي بدورها تعتبر الضامن الاساسي لإستمرار القوى الفاشية على رأس السلطة.

ما يميّز فاشيي اليوم عن فاشيي الأمس، هو أن فاشيي اليوم لم يستغلوا ثروات البلاد لإعادة بناء البنى التحتية كما الذين سبقوهم في العراق وفي البلدان الأخرى، بل عملوا وبجد لنهب كل دينار يدخل خزينة البلاد دون أن يلتفتوا لا لحاجات الناس اليومية ولا لمستقبل البلاد. وإن كانت الحكومات الدكتاتورية الفاشية تعتمد في مواجهتها للجماهير والقوى الثورية على فصيل مسلّح كسند للجيش النظامي في قمعها لهم، فأن الفاشيون الجدد يمتلكون عشرات الفصائل المسلّحة التي لا تعير الجيش أي إهتمام وهي تواجه الجماهير العزلاء، لضعف الجيش من جهة ولإختراق قياداته العليا ومراكز اتخاذ القرار فيه من جهة ثانية. والمشكلة هي أن لهذه الميليشيات الفاشية غطاء قانوني وهي تدخل العملية السياسية من خلال اوسع ابوابها اي البرلمان، كما وانها تتمتع بغطاء ديني منحها صفة القدسية على الرغم من جرائمها الكبيرة!! لكنّ الكارثة الكبرى هي أنّها تعلن وبوضوح من أنّها تنفّذ السياسة الإيرانية بالعراق، وتعلن جهوزيتها للتدخل في اي بلد تتعرض فيه المصالح الإيرانية للخطر، بل وتهدّد بتحويل شوارع الوطن الى ساحات قتال دفاعا عن إيران وسياساتها ومصالحها!!

انّ مصادرة الحريات وقمع الحركات الإحتجاجية والمطلبية والعداء لكل ما هو إنساني في حقول الثقافة والفن والادب، وممارسة إرهاب الدولة وعصاباتها هي من صلب ممارسات الأنظمة الفاشية. وكل هذه الممارسات نجدها اليوم في العراق حيث حكم الأحزاب الدينية والقومية فاشية الطابع والمحتوى.

لقد وقفت الولايات المتحدة ومعها البلدان الغربية جميعها ضد النظام الحاكم في بيلوروسيا وهو يقمع الجماهير التي تظاهرت لتشكيكها بنتائج الإنتخابات، وقد هدّدت السلطات بإتخاذ إجراءات عقابية ضدها من خلال عقوبات على السلطة والمؤسسات والأشخاص الموالين لها، لأنّ السلطة هناك إستخدمت العنف ضد المتظاهرين ما تسبّب بمقتل ثلاثة منهم! لكنّها ومعها كل الغرب لم يفرضوا أية عقوبات لا على السلطة ولا على أية مؤسسة عراقية أو سياسي عراقي ساهم بقتل المئات من المتظاهرين وجرح الآلاف وإختطاف العشرات منهم، لأنّ السلطة التي فرضوها على شعبنا نتيجة إحتلالهم لبلدنا هي سلطة دينية فاشية مشوهّة تخدم مصالحهم على المدى البعيد. والمفارقة هي أن الفاشيّة الدينية بالعراق ونتيجة لعمالة أحزابها للأجنبي، هي ليست كما الفاشية القومية الإيرانية عهد الشاه ولا الفاشية الشيعية كما في عهد الخميني، ففي العهدين الفاشيين بإيران لا تزال الدولة تعمل على جعل إيران رقما صعبا بالمنطقة، بل فاشيّة تابعة جعلت العراق رقما مهملا من جميع النواحي.

لقد ربطت الفاشية الدينية الإيرانية مصير إيران بتاريخها العريق وحضارتها بالتشيّع حتى بات إسم إيران والتشيّع متلازمين، وهذا ما يعمل عليه الفاشيون الشيعة وهم يعملون على ربط جنوب العراق بالتشيّع كمرحلة أولى وبإيران كمرحلة قادمة مستقبلا، وهم يعملون مع باقي أطراف المحاصصة على تهيئة الاجواء لتقسيم البلاد على المدى البعيد، خصوصا وأنّ بايدن وهو الاب الشرعي لتقسيم العراق وبناء شرق اوسط جديد خدمة لمصالح بلاده وإسرائيل مرّشح لقيادة امريكا بعد الإنتخابات الامريكية القادمة.

تعتبر الديموقراطية الحقيقية هي القاعدة المتينة لمحاربة الفاشية الدينية القومية بالعراق اليوم، وهذه الديموقراطية لا تاتي كهبة من السماء أو مكرمة من الاحزاب المهيمنة على المشهد السياسي، بل بنضال طويل ومرير بدأته الجماهير دون ظهير سياسي او نقابات عمالية واتحادات مهنية، لذا نراها تخطأ وهي لا زالت في الامتار الاولى من ماراثون نضالها لانقاذ بلدها من الفساد والمفسدين والميليشياويين والتقسيم ، وهي تطالب بإنتخابات على اساس الدوائر المتعددة والتي هي مطلب القوى الفاشية وطريقها للبقاء في السلطة!!



(*) الفاشية الفكرة والممارسة لزهير الجزائري ص 6

زكي رضا
الدنمارك
9/9/2020

78

السلطة كانت هدف الإمام الحسين ولتكن هدف دعاة الإصلاح

السؤال الكبير الذي يواجه الكثير كل عاشوراء هو: هل خرج الإمام الحسين من أجل السلطة ..؟ هذا السؤال سبّب ويسبّب ولليوم إشكالية كبيرة بين من يرفض هذا الأمر بالمطلق، كونه ينطلق من إيمانه بالمقدّس ومقولة الإمام الحسين " إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي"، وبين قائل من أنّه خرج طمعا بالسلطة التي يرى نفسه أحقّ منها من يزيد بن معاوية. وبين هذين الرأيين نسى الفريقان الطريق الأمثل للإصلاح، وهو الطريق الذي سلكه الإمام الحسين.

لو كان الإمام الحسين مصلحا فقط وزاهدا في السلطة كما تقول شيعته اليوم، كان يستطيع البقاء حيث يقيم في الحجاز وينتقد السلطة في دمشق مطالبا منها إصلاح أمر الرعية، التي وصلت مظالمها عهد الأمويين وهم يتاورثون الحكم الى مديات كبيرة، وخصوصا اهل الذمّة منهم وابناء البلدان التي إحتلّها المسلمون وشيعة ابيه علي بن أبي طالب. ووقتها كان يستطيع وهو في منعة من السلطة أن يفلسف الظلم بين أهل الحجاز والحجيج القادمين الى مكّة كل عام، في أن يطالب السلطة الأموية بالكف عن فسادها وجورها وظلمها بحقّ الرعية، عن طريق مطالبتها بإصلاح منظومة الحكم!! أي مطالبة الفاسد والقاتل والمجرم بإصلاح السلطة لتكفّ يده عن الفساد والقتل والإجرام، وهذا أمر دونه خرط القتاد كما تقول العرب!!

ولمّا لم يكن الحسين طارئا على المشهد السياسي وقتها وهو إبن خليفة وحفيد نبي وشقيق خليفة تنازل عن الحكم، فأنّه كان يعرف جيّدا من انّ إصلاح الأمور في البلاد الإسلاميّة مترامية الأطراف وإنهاء ظلم السلطة للرعيّة وفسادها ونهب ثرواتها، لا تأتي عبر دعوته للإصلاح فقط لأنّ الطريق الوحيد للإصلاح بنظره وهذه هي الحقيقة، كانت وصوله الى سدّة الحكم ليبدأ إثرها مشروعه الإصلاحي.

في العراق اليوم إنتفاضة بدأت بمطالب إصلاحيّة، ولكي تمتص السلطة زخمها باشرت الى رفع شعارات الإصلاح، بل وزايدت في أوقات عدّة المنتفضين في رفعها سقف مطالب الإصلاح هذه!! ولمّا كانت جماهير المنتفضين في غالبيتها شيعيّة وهذا ما نأسف لقوله (لكنّها الحقيقة المرّة)، فعلى هذه الجماهير أن تنظّم صفوفها وهي تتعرّض للقتل والتخوين، في أن تعمل على توحيد خطابها السياسي لمواجهة السلطة الفاسدة المفسدة، وعليها أن تعرف جيدا من ان الإصلاح لا يأتي الا بوصول ممثلين حقيقيين لها الى سدّة السلطة.

لقد قُتِل الحسين وفقدت الشعوب العربية والإسلامية من وقتها ولليوم كل أثر للإصلاح، فهي في تراجع مستمر على مختلف الصعد إن لم تكن جميعها. أنّ الجماهير في مفترق طرق، فأمّا الإستمرار بالتظاهرات هنا وهناك مطالبين بالإصلاح وهذا ما لن يحصلوا عليه مطلقا، وأمّا الثورة على السلطة لهدم أسس الفساد وبناء نظام جديد يأخذ على عاتقه إصلاح أوضاع البلاد. إن اردتم ان تتعلمّوا من الحسين أمرا، فتعلّموا منه انّ الوصول للسلطة هو مفتاحكم للإصلاح والتغيير.

فلتذكروني عند هذا كله ولتنهضوا باسم الحياة
كي ترفعوا علم الحقيقة والعدالة
فلتذكروا ثأري العظيم لتأخذوه من الطغاة
وبذاك تنتصر الحياة
فاذا سكتّم بعد ذاك على الخديعة وأرتضى الانسان ذُلّه
فأنا سأُذبح من جديد                                         
                                                                   
                                   "من مسرحية الحسين شهيدا لعبد الرحمن الشرقاوي"



زكي رضا
الدنمارك
30/8/2020
 




79
الكاظمي وتراث بهجت العطية

يعتبر رئيس الوزراء " العراقي" مصطفى الكاظمي إبنا شرعيا لنظام المحاصصة التي إجتازت ببلادنا جميع الموانع وهي تتجه بها نحو الهاوية، ولم يتبوأ منصبه الّا بتوافقات سياسية منها ما هو علني ومنها ما هو "سرّي". الا أنّه بالمحصّلة النهائية يعتبر رجل إيران بالعراق، وحتّى لو حاول أن يُظهر عكس ذلك فأنّ حصوله على الضوء الأخضر من الميليشيات الشيعية لتبوأ مركزه تعني أنّ ولاءه ليس للعراق، فالميليشيات الشيعية ومعها الأحزاب الشيعية  لم تخجل يوما من  إعلان ولاءها لدولة وليّ الفقيه، كما وأنّ الحكومات التي تقودها الأحزاب الشيعية لم تخرج منذ الإحتلال لليوم عن فلك إيران ومصالحها.

الكاظمي ليس سياسيّا عاديا، وليس من الأسماء التي كانت معروفة لجماهير شعبنا كما ساسة آخرون. فالرجل رئيس جهاز مخابرات دولة، وهو بحكم منصبه هذا يتحكم بملفّات أمنية وغير أمنيّة.  وهو يعرف جيدا تحركات الميليشيات والإرهابيين وأوكارهم وتسليحهم والدول التي تدعمهم، وهو على دراية كبيرة بملفّات الفساد وزعمائها، والّا لكان اسوأ رئيس جهاز مخابرات على مرّ التاريخ الإنساني وليس العراقي فقط. لكنّ الأمر المثير "للإستغراب" من أنّ الرجل لم يقدّم فاسدا واحدا من الرؤوس الكبيرة التي يعرفها أبناء شعبنا للمحاكمة ليومنا هذا، ولم يفتح ملفات عقود الكهرباء والطائرات والنفط والموانيء والمعابر الحدودية والمدارس الهيكلية وعقود وزارة الصحة والتربية وغيرها المئات إن لم تكن الآلاف، ولم يتقرب مطلقا من ملفات سبايكر وإحتلال الموصل ولم يتحرك للحد من سطوة الميليشيات، بل ما أن حاول إعتقال مجموعة منهم وبالجرم المشهود حتى رأيناهم ليس مطلقي السراح فقط  بل يحرقون صوره وداسوا عليها بأحذيتهم إمعانا في إهانته وتحذيره في أن يعرف حدوده المرسومة اليه من قبلهم وراعيهم الإيراني بدقّة.

رجل المخابرات هذا لم يكن خيار الجماهير المنتفضة لليوم، على الرغم من طرحه شعارات برّاقة لم ينفّذ منها لليوم أي شيء. فالرجل تراجع عن كل ما جاء به في خطابه وهو يتسنم منصبه بمباركة إيرانية أمريكية، فلا ملف للفساد قد فُتح مثلما ذكرنا قبل قليل ولا مسؤول عن قتل مئات المتظاهرين قد قدّم للمحاكمة ومنهم من صدرت بحقه مذكرة إعتقال من قبل القضاء العراقي كجميل الشمّري، وليس هناك في الأفق ما يشير الى تنفيذ تعهده بإجراء إنتخابات مبكّرة وفق مطالب المتظاهرين وليس وفق تدوير نفس النفايات التي رشّحته لمنصبه من جديد.

الأمر الوحيد الذي لم يحدث في عهد الكاظمي القصير هذا، هو عدم وجود قتلى في صفوف المتظاهرين كما سلفه، ولا حرق لخيام المتظاهرين كما سلفه، ولا إختطاف ناشطين كما سلفه، ولا إغتيال كما سلفه، كل هذا كان لفترة قصيرة جدا. أمّا اليوم فهناك قتلى وجرحى بين المنتفضين، وهناك حرق لخيام المعتصمين، وهناك حالات إغتيال وإختطاف، حتّى أنّ هناك حالة إختطاف لمواطنة المانية تمّ إطلاق سراحها لاحقا دون أن تُعلن حكومة الكاظمي الجهة التي نفّذت الإختطاف!

الكاظمي وهو يتنصل عن وعوده وأجهزته القمعية تلاحق الناشطين،  والميليشيات تغتال وتخطف تحت مرأى ومسمع الشعب العراقي، يستلهم تراثه من أسلافه ومنهم بهجت العطيّة رئيس التحقيقات الجنائية ( الأمن العامّة) في العهد الملكي والذي كان يلاحق الشيوعيين والوطنيين والمناوئين للعهد الملكي، والمسؤول عن إعدام قادة الحزب الشيوعي العراقي بعد نجاح وثبة كانون في إسقاط معاهدة بورتسموث كونهم قادوا وثبة شعبهم وهم داخل سجن الكوت. لكن يبقى هناك فرق جوهري بين الأثنين، فالعطيّة لم يقل من أنّه في طريقه لمحاربة فساد رجالات العهد الملكي وتقديمهم للمحاكمة ولا لمحاربة الإقطاع وإضطهادهم للفلاحين البسطاء، ولا منح الشعب حقّ التظاهر، ولا محاسبة المسؤولين عن قتل المتظاهرين في وثبة كانون وغيرها من الإنتفاضات والتظاهرات والاعتصامات، ولم يعمل على حصر السلاح بيد الدولة،  ولم يحدد سقفا زمنيا لإنتخابات ديموقراطية عادلة، كون العطيّة كان صادقا مع نفسه وهو يمارس " حقه" في قتل السياسين وملاحقتهم كونه كان إبنا شرعيا لذلك النظام. أمّا الكاظمي فهو صادق أيضا مع نفسه ومع من أوصله للسلطة، كونه ينّفذ الأوامر " السريّة" للقوى التي توافقت فيما بينها على ترشيحه والتصويت لصالحه وحكومته، كونه إبن شرعي لنظام فاسد ومجرم.

الفرق الوحيد بين الأثنين هو أنّ العطيّة لم يكذب.

زكي رضا
الدنمارك
29/7/2020



 






80
سترون يد إيران القويّة ... أين!؟

لم يتخلف نظام الملالي في إيران عن بقية الأنظمة القومية العربية في متاجرته بالقضية الفلسطينية، ومثلما لم تحقّق الأنظمة القومية العربية أي نجاحات تذكر للفلسطينيين منذ أكثر من سبعة عقود، فإنّ نظام ولي الفقيه لم يستطع هو الآخر من تقديم أي شيء يذكر للفلسطينيين وقضيتهم العادلة منذ اكثر من أربعة عقود. ويبقى الفرق الكبير بين إيران والدول العربية وهم يتاجرون بقضية الشعب الفلسطيني، هو أنّ الانظمة العربية القومية كمصر وسوريا لم يطالبوا كما إيران بمنحهم بضع كيلومترات من خطوط التماس من إسرائيل لمحوها!

لقد صرّح العديد من رجال الدين الإيرانيين وضباط من الحرس الثوري الإيراني "باسداران" وقادة كبار في الجيش الإيراني مرّات عديدة وفي محافل مختلفة، من أنّه لو كان لإيران حدود مع الدولة العبرية لأزالت إيران هذه الدولة من الوجود! فهل ما تقوله إيران فيه شيء من الحقيقة أم أنّه متاجرة بهذه القضية التي أمست اليوم ونتيجة فشل المشروع القومي العروبي وطريقة تعاطيه مع الصراع العربي الإسرائيلي، قضية وطن على شريط ضيّق طوله 41 كم وعرضه يتراوح بين 5 – 15 كم، إضافة الى أجزاء من الضفّة الغربية المحتلّة والتي بدأت إسرائيل بقضم أجزاء منها معتمدة على واشنطن في تحدّيها للرأي العام العربي والإسلامي غير المهم بنظرها، إضافة للرأي العام الدولي والأوربي.   

منذ بداية ثمانينات القرن الماضي كانت لإيران حدود مشتركة مع إسرائيل عن طريق وكيلها في الجنوب اللبناني أي حزب الله، وإن كانت إيران لا تستطيع تحرير فلسطين من خلال الجنوب اللبناني  ليصلّي ولي فقيهها في القدس بمعيّة الإمام المهدي كونها لا تسيطر على كامل كامل القرار السياسي اللبناني. فأنّها تستطيع تحرير فلسطين من خلال مرتفعات الجولان السوريّة، وهي تمتلك كامل القرار السياسي السوري.   

قبل ايّام حذّر الناطق بإسم القوّات المسلّحة الإيرانية الجنرال ابو الفضل شكارچي ردّا على كذب إسرائيل في قصفها لمواقع معسكرات يتواجد فيه مستشارون إيرانيّون في سوريا مثلما قال، من أنّ إسرائيل وفي حالة إستمرارها في ترويجها لمثل هكذا أكاذيب، فأنها سترى اليد الإيرانية القوية كردّ على أكاذيبها! في حين  " إن القوات الإيرانية والجماعات المسلحة التي تديرها في سوريا قد ابتعدت عن الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل مسافة 85 كيلومترا في الفاتح من شهر اغسطس/آب الحالي سنة 2018  (دمشق تبعد عن خط الفصل بين اسرائيل وسوريا أقل من 40 كم)"، فهل من يريد أن يحرر فلسطين يسحب قواته لهذه المسافة البعيدة، أم أنّه يريد تحريرها بالأدعية والصلوات!! كما اكّد مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف في نفس الفترة "إن مقاتلي حزب الله والمليشيات الشيعية التي تدعمها إيران قد انسحبوا جميعا من هناك"، ليضيف قائلا " أن الإيرانيين الذي يعملون بصفة مستشارين عسكريين مع قوات الحكومية السورية لا يشملهم هذا الإجراء ويمكنهم أن يظلوا مع القوات السورية في مواقع انتشارها قرب الحدود بين سوريا وإسرائيل"، فهل ولي الفقيه يريد تحرير فلسطين بمستشارين عسكريين!!

لا شك أنّ يد إيران قويّة وطويلة، لكن أين؟ أنّها طويلة وقويّة في العراق حيث عصاباتها وميليشياتها المنفلتة تتحكم بالقرار السياسي العراقي، وحيث زعماء الأحزاب الشيعية المؤتمرين بأمرها حوّلوا البلاد الى ضيعة لولي الفقيه. أنّ يد إيران ليست قويّة فقط بل أقوى من "الدولة" العراقية وميليشياتها تسيطر على المنافذ الحدودية منذ الإحتلال لليوم، ولا يعرف الا الله والراسخون بالعلم وولي الفقيه ونظامه المتخلّف مدى الضرر الذي لحق بشعبنا ووطننا جرّاء هذه السيطرة. نعم، أنّ يد إيران قويّة على طول حدودها مع العراق وليس إسرائيل، فجيشنا وقواتنا المسلحة لا يستطيعان إعتقال إرهابي واحد ناهيك عن خوض أية مواجهة عسكرية مع أي دولة غازية كما تركيا، وقد شاهدنا كيف أطلقت الحكومة العراقية سراح إرهابيي حزب الله "العراقي" بعد ساعات من إعتقالهم، وكيف أنّ جيشنا والميليشيات الشيعية "الحشد الشعبي" وقوات البيشمركة لم ولن تحرّك ساكنا لمواجهة عدوان السلطان العثماني على أراضينا!

لكن إيران تبقى الأقوى وهي تمتلك خطوط تماس مع الشعب الإيراني، فنراها تقمع هذا الشعب إن خرج مطالبا بحقوقه وتعدم شابّاته وشبّانه، هي الأقوى في قمع تطلعات القوميات المطالبة بحقوقها، هي الاقوى في نهب ثروات الشعب الايراني، هي الاقوى في انتشار التخلف الديني بين شعوب إيران، هي الأقوى في زيادة نسبة الفقر والجوع والمرض بين صفوف ابناء شعبها. وتبقى سلطات إيران غير قادرة على توفير إجابات مقنعة لشعبها حول سلسلة الحرائق والإنفجارات التي سببت صداعا لنظامها الثيوقراطي المتخلف. 

الجنرال ابو الفضل شكارچي، لتكن يد نظامكم قويّة فى توفير حياة كريمة للشعب الإيراني من خلال عدم التدخل بشؤون البلدان الأخرى وتبديد أمواله.  الجنرال ابو الفضل شكارچي، لوكنتم قد أستخدمتم نفس القوّة التي واجهتم وتواجهون به الشعب الإيراني والعراقي الباحثين عن حياة كريمة  مقابل بضعة جنود إسرائيليين، لصدّقناك ومعك ولي فقهيك من أنكم ستصلّون غدا في القدس.

زكي رضا
الدنمارك
17/7/2020   


 








81
المنبر الحر / ثرثرة فوق دجلة
« في: 17:00 06/07/2020  »
ثرثرة  فوق  دجلة

رجل دين يبيع المواعظ للمؤمنين علانية، لكنه  منحرف ومتهتّك ومخادع سرّا! رجل دين يلبس وأطفاله السندس والأستبرق، والأيتام عراة أو بملابس رثّة وهم يعيشون على ما تجود به المزابل! رجل دين يضاجع الغانيات على أسرّة مذهبّة في محرابه ليلا، ويَعِظَ  الناس بمكارم الأخلاق نهارا! رجل دين يعيش كما الأباطرة متمتعا بأكل الحلوى السويسرية، وحلوى أطفال الفقراء بقايا تمر مُتْرب ومغمسّ بذلّ الفقر! رجل دين يذكر زهد علي في كل خطبة من خطبه، ويكتنز الذهب والفضّة! رجل دين يتحدث عن شجاعة الحسين وإباءه لاطما رأسه،  الّا أنّه يحتمي بمئات من الحرس المدجّجين بالأسلحة!

 " إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ " ورجل ديننا معجون بالخيانة! " إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ " ورجل ديننا مُفسِد من قمّة عمامته حتّى "أخمص" نعله الإيطالي! " إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " ورجل ديننا يعتدي على الوطن فيبيعه وعلى الفقراء فيسرقهم وعلى الأعراض فينتهكها! " وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ" ورجل ديننا يظلم ويظلم ويظلم بإسم الله،  بعد أن سَجًنَ الله في جيب من جيوب جبّته التي حيكت من قماش إنجليزي فاخر! " وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ورجل ديننا يجلس على منبره ليُفتي بالإعتداء على الناس الذين يطالبون بحقوقهم التي سرقها وأعوانه! " وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ "، ورجل ديننا يعالَج في مستشفيات لندن ولا دواء للفقراء! " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ "، ورجل ديننا المؤمن بالله غَنَمَ العراق وإستأثر بالخمس كله وترك الفقراء والأرامل والأيتام ملومون محسورون منهوبون! " الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ "، ورجل ديننا الذي خُلِقَ قبل الشيطان بدهر يشجّع الفقر ويجمّله، والفقر طريق للفحشاء والرذيلة! " هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَـزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَـزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ " ليس هناك أفّاك أثيم لعين ليكون أنيسا للشياطين كما تجّار الدين عندنا ورجاله! رجل ديننا لا يعرف سماحة الدين، لكنّه خبير بشرور الطائفية!

"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ"، أمّا في مدينتنا فهناك الآلاف يُفسدون في العراق ولا يُصْلِحُون، ورجال الدين يباركونهم ويشاركونهم فسادهم ونهبهم وخرابهم! لم تنتهي الثرثرة  الّا حينما خرج الفقراء للصلاة فجرا، وآوى رجال الدين مخمورون الى مضاجعهم بالعوّامة الخضراء على شاطيء دجلة ومعهم خليلاتهم بعد قضائهم  ليلة حمراء ماجنة! ماذا عن الفجر مولاي " إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا"، إصمت أنّها بضاعتنا التي نبيعها للناس! ولكنه كتاب الله مولاي،  صه أنّها ثرثرة!!

ما بين القويسات آيات من القرآن الكريم

زكي رضا
الدنمارك
4/7/2020






   




82
لا خوف على التومان الإيراني ..!

منذ اسابيع والعملة الإيرانية (التومان) تشهد تراجعا كبيرا امام الدولار الامريكي وبقية العملات في السوق الموازية، وقد بلغ التراجع خلال الأيام الاخيرة مستويات قياسية وبسرعة كبيرة. فسعر صرف الدولار في السوق الإيرانية تجاوز حاجز الثمانية عشر الف وخمسمائة تومان مهددا مدخرّات الناس، دون أن يؤثّر على أصحاب رؤوس الاموال. فإنهيار سعر صرف التومان مقابل الدولار الامريكي يؤدي الى انخفاض القوّة الشرائية للمواطنين الايرانيين، ما يؤثّر بشكل كبير على حياة محدودي الدخل والموظفين ذوو المداخيل الثابتة والمتقاعدين، الذين ستزداد معاناتهم نتيجة إرتفاع اسعار السلع متأثرة بالتضخم الناتج من انخفاض المداخيل النقدية الحقيقية.

هل سعر الدولار الامريكي يتأثر بالأوضاع السياسية التي تعيشها ايران أم بوضعها الاقتصادي وتداعياته، هذا السؤال يجيب عليه مرتضى عزّتي أستاذ الإقتصاد بجامعة " تربيت مدرّس" قائلا " إن سعر العملة الأميركية في إيران يخضع للحسابات السياسية أكثر من المؤشرات الاقتصادية، مما يجعل التكهن بالمستقبل عملية عصيبة "، الا أنّ الباحث الإقتصادي مرتضى ميري وقبل بدأ السنة الفارسية الجديدة (  21 آذار/ مارس 2020 ) قال: " أن ظروفا عصيبة تنتظر العملة الإيرانية خلال العام الإيراني الذي سيبدأ في 21 من الشهر الجاري، وتوقع أن تتراجع أكثر من ألف ريال مقابل الدولار الذي سيبلغ سعره 170 ألف ريال في العام الإيراني الجديد – سعر الدولار اليوم 187200 ريال".

الحصار المفروض على إيران وفساد السلطة فيها والمضي قدما في برنامجها النووي وتحديثها المستمر لترسانتها العسكرية محليا، والأهم تدخلها المباشر في شؤون الدول الأخرى كسوريا ولبنان واليمن، تعتبر من الأسباب الرئيسية لتراجع الاقتصاد الايراني، والذي أصبح اكثر قتامة وفق وجهة نظر الباحث مرتضى ميري الذي قال: "نظرا للتطورات الأخيرة ووقف الصادرات خلال العام المقبل (العام الإيراني)، فإننا سنواجه عجزا في احتياطي البلاد من العملة الصعبة، لا سيما علی ضوء إغلاق الحدود وتوقف تصدير البضائع غير النفطية إلی الخارج". 

إذن فالعامل السياسي هو الذي يؤثّر في أوضاع إيران الاقتصادية، كونها تستطيع أن تتجاوز الكثير من ازماتها فيما لو إنتهجت سياسة مغايرة لما تنتهجه اليوم. خصوصا وأنّ تدخلاتها في لبنان وسورية واليمن واللواتي إنهارت عملاتها أسوة بالتومان قد أنهكت الأقتصاد الإيراني بشكل كبير، ما أثّر بشكل اكبر على أوضاعها الداخلية. فتظاهرات الشعوب الإيرانية نهاية العام الماضي إندلعت بسبب رفع اسعار البنزين من قبل السلطات، وكدليل على إستهتار السلطة هناك بحياة الناس ومشاعرهم نراها تقوم اليوم بإرسال البنزين الى فنزويلا لتخفيف نقصه الحاد هناك، وقد فعلت نفس الأمر مع سوريا العام الماضي.

سلطة العصابة في العراق تفعل المستحيل لضخ الروح في الإقتصاد الإيراني، فالبدء بفتح المعابر الحدودية معها لتسهيل دخول البضائع الإيرانية للبلاد ومنافستها للمحلية منها ليست وليدة اليوم، بل هي إستمرار لنهج سياسي مدمّر لإقتصاد العراق. وسلطة المحاصصة ذات الطابع الشيعي لا تكتفي بإستيراد ما تنتجه السوق الإيرانية وإن كان فضلات بشرية!! بل تعمد وبإصرار غريب على حرق المحاصيل الزراعية وقتل الأسماك وإغراق السوق المحلية بكل البضائع الفاسدة. والسلطة نفسها تضخ المليارات سنويا في الإقتصاد الايراني عن طريق مزاد العملة والذي يعتبر من أشهر اوجه الفساد بالبلاد.

 لو كنا قد دفعنا لايران مبلغ  100 مليار دولار كتعويضات لحرب شنّها صدّام ورفض الخميني إنهائها قبل ان يتجرع السم اخيرا مثلما طلب عبد العزيز الحكيم  وقتها مقابل ان يكون لدينا موقف وطني،  لكنّا قد وفرنا مئات مليارات الدولارات التي نهبتها ايران عن طريق وكلائها من زعماء الاحزاب والميليشيات والعصابات والمافيات الشيعية. على السلطات الإيرانية ان لاتخاف مطلقا على وضع التومان الإيراني ولا على وضعها الإقتصادي، فاسواقنا ونتيجة خيانة ساستنا لبلدنا وعمالتهم لها ستستمر مفتوحة امام بضائعهم، وعملتنا الصعبة ستّهرّب اليهم بإستمرار، واموالنا المنهوبة ستستثمر في بلادهم.

لكي تكتمل اوجه الكارثة في العراق فأنّ اللقاء الذي جرى بين رئيسي البنكين المركزي الايراني عبد الناصر همّتي والعراقي علي العلّاق مؤخرّا، تكمن في اتفاق ايران مع الجانب العراقي بإستخدام  مواردها المالية الكبيرة بالعراق!! لشراء إحتياجاتها من السلع التي لا تستطيع شراءها من السوق العالمية نتيجة الحصار المفروض عليها عن طريق البنوك العراقية، اي تحويل التومان الايراني و الدينار العراقي الذي تحصل عليه من خلال عمليات اختلاس الاموال التي يقوم بها الحرس الثوري الايراني عن طريق مؤسسة " لجنة إعادة إعمار العتبات المقدّسة" في العراق " ستاد باز سازي عتبات عاليات" والمسؤولة عن أذرع أخطبوطية تنهب المال العراقي العام بمعرفة غالبية الساسة الشيعة وبمساعدتهم، وكذلك الاموال التي يحصل عليها الحرس الثوري من خلال عمليات التهريب وغسيل الاموال من خلال شركات وهمية او شركات بادارة عراقية شيعية تعمل لصالحها، الى العملة الصعبة وتهريبها للداخل الإيراني أو إستخدامها في المعاملات المالية عن طريق البنوك العراقية. 

 ومن هنا نقول "آقايان"،  ايها السادة الإيرانيون، عليكم ان تقلقواعلى اقتصادكم وتومانكم متى ماكانت لدينا حكومة وطنية تهمّها مصلحة شعبها، لكن والأمر هو كما اليوم فعليكم ان تضعوا " في بطونكم بطيخة صيفي" كما يقول المثل.

زكي رضا
الدنمارك
18/6/2020

   
 

83

سائرون تتمسك بقانون إنتخابي على مستوى الدرابين


عندما تمّ الترويج لتحالف سائرون وضرورته كتحالف ذو برامج عابرة للطائفية ويسعى " بشكل اساسي للخلاص من نظام المحاصصة الطائفية والسياسية، وتعزيز الطابع المدني للدولة". خرجت أصوات عديدة تبارك هذا التحالف التاريخي، مطالبة بالوقوف الى جانبه وتعزيز دوره كونه " سفينة نجاة " العراق والقادر على بناء دولة المؤسسات وتأمين العدالة الإجتماعية!! كل هذا بالحقيقة غيض من فيض برنامج طموح لم ينفّذ منه كلمة واحدة، بل على العكس فأنّ تحالف سائرون الذي كان يقوده ولا يزال مقتدى الصدر تنصَل عن جميع ما ورد في برنامجه. فـ "حريّة التظاهر والإعتصام " ترجمه التحالف الى قتل المتظاهرين وإختطافهم، و"  ضمان حقوق النساء وتوسيع مشاركتهن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية " ترجمها التحالف الى ملاحقة الناشطات وتهديدهنّ علنا وعلى رؤوس الأشهاد، أمّا " تشريع قانون الكسب غير المشروع " فترجمه التحالف الى إستمرار اللجان الإقتصادية للأحزاب المتنفذة في نهبها وسرقاتها للمال العام.

لمّا كان قانون الإنتخابات هو المفتاح الرئيسي لحل مشاكل البلاد كونه سيغيّر شكل اللوحة السياسية فيها، فإنّ الآمال عقدت على التحالف في " إصلاح المنظومة الانتخابية لضمان إجراء انتخابات دورية منتظمة نزيهة وحرة، وتشريع قانون انتخابي عادل يتيح المشاركة الواسعة ودون أي تمييز بين المواطنين". الّا انّ التحالف سقط في أوّل إمتحان جدّي لتحقيق هذا المطلب المهم جدا حينما صوّت النواب الصدريون والذين يشّكلون 96.4% من أعضاء التحالف على قانون سانت ليغو 1.9 ، ليرسّخوا نهج المحاصصة الطائفية والسياسية وعلى الضد من حلفائهم في التحالف!!

بعد إندلاع إنتفاضة أكتوبر وضغط الشارع من أجل إجراء إنتخابات مبكّرة تسبقها تعديل قانون الإنتخابات، و تشكيل مفوضّية إنتخابات جديدة تمتاز بالنزاهة والمهنية لتحقيق ولو الحد الأدنى من نزاهة الإنتخابات، خرج علينا تحالف سائرون بما هو أكثر بؤسا من قانون سانت ليغو 1.9 الذي صوّت عليه سابقا  وكأنه يقول لحلفاءه قبل أصدقاءه، من أن الصدريين وميليشياتهم لن يسمحوا لأية جهة سياسية علمانية أو ديموقراطية من الوصول للبرلمان العراقي بأعداد قد تشكل لوحة سياسية جديدة بالبلد. ليعلن هذا التحالف الكارثي الذي يقوده مقتدى الصدر موقفه الرسمي من تعديل قانون الإنتخابات النيابية مؤكدا " تمسكه  باختيار نظام الدوائر الانتخابية المتعددة والبالغ عددها "240" دائرة".

هذا العدد من الدوائر الإنتخابية وفي ظل قانون إنتخابي لا زال لصوصيا، ومفوضّية إنتخابات قوامها المحاصصة، وإستخدام الميليشيات التابعة للأحزاب السياسية ومنها تحالف سائرون الصدري لتهديد الناخبين، وعدم "معرفة" مصادر تمويل الحملات الإنتخابية لحيتان الفساد، وشراء ذمم الناس بالمال وأكياس البطاطا، وتوزيع الأراضي بسندات وهمية لا تفضي الا الى إعادة تدوير نفس النفايات التي هيمنت على السلطة التشريعية خلال السنوات السابقة.

أن يكون العراق 240 دائرة إنتخابية وليس دائرة واحدة، يعني عدم إمكانية منافسة القوى الديموقراطية لقوى الفساد في الإنتخابات التشريعية القادمة. فمئتين وأربعين دائرة إنتخابية تعني أنّ الصدريين يريدون الإنتخابات أن تجري على مستوى الدرابين ليضمنوا فيها فوزا مريحا، من خلال ترشيحهم لرجال الدين والوجهاء ورجال العشائر الموالين لهم.
أقترح على تحالف سائرون الصدري أن يتمسّكوا بقانون إنتخابي على مستوى " بن بست"، الذي سيضمن لهم وحلفائهم برلمانا لا صوت معارض فيه على الإطلاق.

الدرابين مفردها دربونة تعني الأزقّة بالمحكية العراقية.

بن بست، فارسية تعني الزقاق الذي له منفذ واحد.

زكي رضا
الدنمارك
9/5/2020


 





84
أثر غياب القوى الديموقراطية على انتفاضة شعبنا


لم تستطع القوى الديموقراطيّة العراقية على إختلاف مدارسها الفكرية من ترجمة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي هيمنت على البلاد منذ الاحتلال لليوم،  تلك التي عانى ويعاني منها قطاع واسع جدا من جماهير شعبنا، الى فعل جماهيري منظّم ليواجه آلة الفساد والخراب السلطويتين. وفشل هذه القوى في بلورة مواقف موحدّة وإن بالحد الأدنى منها بعض الأحيان، دفع القوى المهيمنة على السلطة نحو المضيّ اكثر في استهتارها بمقدرّات شعبنا ووطننا، هذا الاستهتار الذي دفع شعبنا ليعلن اولى جولات نضاله ضدها في شباط 2011 ، ليبدأ من حينها وبهدوء الربيع العراقي الذي لم تكتمل ملامحه لليوم رغم تجاوزه بعض الصعاب التي لم يكن من الممكن تجاوزها سابقا، نتيجة تجذّر العامل الطائفي من جهة وإرتفاع اسعار النفط الذي ساهمت امواله في تحييد الملايين من الموظفين ونحن نعيش الدولة الريعية بكامل اوصافها وابعدتهم عن المشاركة في الحياة السياسية بشكل ايجابي.

لقد إنطلقت إنتفاضة شعبنا بعد تجربة مؤلمة وطويلة مع قوى طائفية فاسدة أوصلت البلاد الى حافة الهاوية، لتتخلى الجماهير المنتفضة عن النضالات المطلبية نحو نضال أوسع وأكثر مساحة، أي النضال من أجل تغيير كامل وشامل لشكل اللوحة السياسية في البلاد. وهنا كان على اليسار والقوى والمنظمات المهنية  والديموقراطية وهي تعيش إستعادة الجماهير لوعيها أن تنسّق خطابها السياسي وأن تعمل معا متجاوزة إنقساماتها من أجل إعادة إكتشاف شعبنا وهو يسطّر إحدى أكبر مآثره في تاريخه الحديث، والمساهمة الفاعلة في هذا الحراك الجماهيري لتأخذ هذه المأثرة قوّة أكبر ومساحة أوسع. كما كان عليها (لايزال) أن تستوعب الظروف والأحداث والتغيّرات التي رافقت وترافق هذه الإنتفاضة بإعتبارها مشروعا للتغيير، وأن تعمل دون كلل على تعميق الهوّة بين الجماهير المسحوقة والسلطة الفاسدة، لا أن تضع قدما مع الجماهير وأخرى مع السلطة أو إحدى أركانها خصوصا وإن كانت السلطة أو ميليشياتها إرتكبت وترتكب جرائم القتل والإختطاف وإرهاب الناشطين.

الأولوية الآن هو تحويل الحراك الجماهيري من شكله الحالي الى حراك أغلبية جماهيرية  أي العمل على دفع فئات أوسع من المجتمع للمشاركة والمساهمة بالإنتفاضة، وهذه المهمّة هي مَهمّة اليسار والقوى الديموقراطيّة تحديدا وليس غيرها. فهل اليسار ومعه القوى الديموقراطية قادرون على تحقيق هذه المَهمّة، وهل سلوك اليسار والقوى الديموقراطية وسياساتهم وتعاطيهم مع القوى السياسية المناوئة للإنتفاضة مقبول جماهيريا؟

المساهمة في إنتفاضة شعبنا تتطلب إصطفاف كامل مع الجماهير التي قدّمت لليوم المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى والمعاقين والعشرات من المخطوفين والمغيّبين، والإجابة عن عشرات الأسئلة التي يطرحونها وهم يبحثون عن سبل جديدة لديمومة الإنتفاضة وإستمرارها حتى تحقيق مطالبها. لا أن يكون خطاب هذه القوى منسجما مع مطالب الجماهير من جهة وناعما مع القوى التي تساهم بقتل نفس هذه الجماهير من جهة ثانية، من خلال إستمرار عملها مع هذه القوى التي تعرفها الجماهير كقوى مجرمة ساهمت في قتل عشرات المنتفضين وتعمل بشكل فاعل على وأد الإنتفاضة.

ستبقى الجماهير وهي تواجه آلة القمع السلطوية الميليشياوية  تتعرّض لأبشع أشكال التنكيل دون ظهير سياسي تستند اليه، واليسار والقوى الديموقراطية لم يحسموا أمرهم بإنحيازهم الكامل الى جانبهم لليوم، وستكون الإنتفاضة معرّضة لإنتكاسات  كبيرة قبل أن تتكلّل بالنصر القادم حتما.  الّا أنّ الجماهير وهي في غمرة نضالها هذا تردّد بشكل غير مباشر كلمات لينين بلغة عراقيّة أصيلة ونابعة من رحم المعاناة التي تعيشها " قدّموا لنا تنظيما من الثوريين، وسنقلب العراق رأسا على عقب". وإن كان وعي الجماهير اليوم ليس كما الأمس، فوعي اليسار والقوى الديموقراطية وهي تعيش حالة إستعادة هذا الوعي أن تكون كما وعي الجماهير  اليوم وليس كما وعيها بالأمس.

من غير الممكن جمع " صيف وشته بفرد سطح " ، فهل يعي اليسار ومعه القوى الديموقراطية هذا المثل.   


زكي رضا
الدنمارك
7/6/2020





   



85
النقد ودوره في بناء عراق جديد


الصراع السياسي في العراق لا علاقة له بالصراعات الفكرية بين أحزاب لها برامج ورؤى مختلفة حول بناء الدولة وشكل النظام السياسي فيه، كون جميع الأحزاب التي تتفق على أنّ ما يجري بالعراق هو عملية سياسية ستتطور حتما في ظل نفس الظروف التي يعيشها البلد منذ الإحتلال الأمريكي لليوم، هي شريكة بشكل أو بآخر في خلق الفوضى التي نعيشها على مختلف الصعد، لأن "العملية السياسية" منذ أن بدأت ولليوم هي في تراجع مستمر لصالح قوى الفساد والميليشيات. وتبقى الحقيقة في أنّ الصراع السياسي في البلد له علاقة مباشرة بصراعات حزبية وتأمين مصالح ساسة ورجال دين ومافيات إقتصادية تحت واجهات وتعريفات مختلفة، وهذا ما يعرفه ويلمسه المواطن المحروم من حياة آدمية لائقة بشكل يومي، ناهيك عن المهتمين بالشأن السياسي من أفراد وأحزاب وتنظيمات.

الصراع بين القوى المهيمنة على السلطة في العراق ليس خصومة فيما بينها أو أداة ووسيلة للنهوض بواقع البلد المتخلف، بل أداة للتنافس على نهب قوت الفقراء بكل السبل المتاحة. ومثل هذا "الصراع" لا يؤدي الى تطور وتقدم العملية السياسية وبالتالي بناء الدولة على أسس متينة وصحيحة، كونه لا يجري بين قوى متناقضة من حيث نظرتها للبلد والشعب ومصالحهما. فجميع القوى التي "تتصارع" علنا فيما بينها نراها تتوصل في "الغرف السرية" الى تفاهمات حول إستمرار "العملية السياسية" كما هي ولتستمر في نفس النهج الكارثي الذي حول البلد الى حطام وحياة الناس الى جحيم.

انّ الذي يؤدي الى تطور العملية السياسية وبالتالي بناء الدولة والمجتمع على أسس صحيحة هو الصراع بين نقيضين، ولمّا كانت قوى المحاصصة غير متناقضة في أهدافها ولا في شكل بناء الدولة والمجتمع كما أشرنا قبل قليل، فأن الحديث عن تطور ما تسمّى بالعملية السياسية في ظلّ هيمنة قوى المحاصصة وأذرعها المسلحّة على المشهد السياسي هو بالحقيقة أضغاث أحلام. إذن ولتتطور العملية السياسية وتتقدم خدمة لمصالح البلد والمجتمع يفترض وجود نقيض سياسي في مواجهة أحزاب السلطة، نقيض يمتلك برامج ورؤى سياسية إقتصادية إجتماعية مغايرة كمّا ونوعا لما تحمله غريمتها في مناح كثيرة، نقيض غير نخبوي يدخل في صراع حقيقي من أجل مصالح الناس والوطن، نقيض يكون سلاحه الفعّال النقد العلني والبنّاء لكل ما تواجهه البلاد والجماهير من خراب على مختلف الصعد. وهذا النقيض عليه أن لا يؤجّل نقد الظواهر السلبية لحين توفر ظروف طرحها، متعللا بعدم نضوج الظرف الموضوعي لمواجهة غرماءه به. وإن كانت الظروف التي يمر بها العراق اليوم غير ملائمة لطرح السلبيات علانية وبجرأة فمتى يكون وقتها إذن؟ هل حينما ينهار المعبد على رؤوسنا ووطننا؟

النقد ليس إثارة للفتنة كما يروّج المتحاصصون اليه في محاربتهم إياه وإظهاره أمام جمهورهم وكأنه وسيلة لسلب طائفتهم أو قوميتهم حقوقها، على الرغم من أنهم اوائل من يغمط حقوق أبناء طوائفهم وقومياتهم، بل وسيلة لتقويم الأوضاع السياسية الشاذّة في البلد والذي يعملون على إستمرارها. ونقدنا يجب أن يكون جريئا وبصوت عال بل وبعال جدا ونحن نواجه هذا الكم الهائل من الخراب والدمار، قبل أن يستفحلا وينتقلا من حالة الى ظاهرة "هي ظاهرة بالفعل اليوم". كما وأنّ النقد ليس أداة للهدم قدر ما هو أداة للبناء علينا التثقيف به وتشجيعه من خلال سلوكياتنا كأفراد وكأحزاب ومنظمات لتقويم ما هو معوج، والا لبقى الأعوجاج على حاله ليسوء أكثر مستقبلا. وحول ضرورة النقد والعمل به يقول لينين "أنّ ماركس برز ثوريّا ينادي بإنتقاد لا هواده فيه لكل ما هو كائن" *

لن يقف العراق على قدميه الا بهدم نظام المحاصصة الطائفية القومية الذي أوقف العراق على رأسه وهو مهمّة الشبيبة الاكتوبرية اليوم، بتحويلهم الأنتفاضة الى شبح يجول أرجاء العراق ليزرع الرعب في صفوف قوى المحاصصة وليهدم أوكار الفساد والخيانة فيه، أنّه وطنكم فلا تبخلوا عليه بشيء وأنتم تخوضون من أجله ومن أجل مستقبل أجيالكم معركة كرامة ووجود.



* ماركس انجلز ، منتخبات المجلد الاول ص 28

زكي رضا
الدنمارك
4/5/2020


86
پيشمرگة، أي پيشمرگة .. حشد، أي حشد..؟


الأمراض التي يعاني منها إقليم كوردستان العراق، هي في الحقيقة  نفس الأمراض التي يعاني منها بقية أرجاء البلد، مع إختلاف بسيط وغير محسوس وهوما يتعلّق بشدّة هذه الأعراض وطريقة تناولها، والتي لا معنى لها "طبيّا" طالما تؤدي الى نفس النتيجة. ومن أشدّ هذه الأعراض تأثيرا هي المحاصصّة الحزبية والطائفيّة، بإعتبارهما الأب الشرعي لجميع الأمراض الأخرى التي دمّرت البلاد.  وبلغة أخرى فأنّ غياب المحاصصة يعني أن لا وجود لأمراض عدّة على رأسها وجود "جيوش" عدّة، وإرادات سياسيّة قادرة على جعل هذه "الجيوش" في مواجهة بعضها البعض حالما شعرت بتعرض مصالحها للخطر، دون الأخذ بنظر الإعتبار مدى الضررالناتج عن هذه المواجهات وإن لم تتطور الى مواجهات عسكرية حقيقية لليوم، كون التراشق الكلامي الذي يستند الى  ظهير مسلّح في بلد مثل العراق يرتبط أساسا بإظهار مبدأ القوّة في فضّ النزاعات، والذي يؤدي بالنهاية الى فرض الأمر الواقع بلغة السلاح.  ولعدم وجود تعريف واضح ومحدّد للجيش العراقي ومهامّه وطريقة إنتشاره على الرغم من تثبيته في المادّة التاسعة من الدستور الذي لم يطبّق لليوم. ، فأنّ الجيوش الرديفة  ونتيجة هيمنتها على القرار السياسي وضربها للدستور حمّال الأوجه متى ما أرادت ، وهي بالحقيقة صاحبة اليد الطولى بالبلد. ستشكّل خطرا كبيرا على السلم المجتمعي إن إصطدمت مع بعضها البعض لأي سبب كان، ومن أهم هذه الأسباب هو تقاطع المصالح بين الدول الراعية لهذه "الجيوش"، ومصالح قادتها وفسادهم وسرقاتهم للمال العام .

لقد إشتعل في الأيام القليلة الماضية خلاف كبير بين الحزبين الحاكمين في إقليم كوردستان العراق حول منطقة ( زيني ورتي)، على خلفية دخول قوات الپيشمرگة الى المنطقة التي يعتبرها حزب الإتحاد الوطني الكوردستاني من المناطق الخاضعة لحزبه. ما دعا قيادة الإتحاد لإصدار بلاغ  يتهم فيه الحزب الديموقراطي الكوردستاني بمهاجمة القيادة الجديدة للإتحاد الوطني " وفقا لبرنامج مدروس وهذه الهجمات تكرّرت عدّة مرّات ..". كما دعا البلاغ رئيس اقليم كوردستان باعتباره القائد الاعلى لقوات بيشمركة كوردستان "الى اصدار قرار فوري بسحب القوات المستقدمة الى منطقة (زيني ورتي) بناء على المطالب المشروعة لابناء المنطقة وتسليم الاوضاع الامنية الى قوات الامن الداخلي"!! فيما ردّ رئيس الإقليم السيد مسرور البارزاني في بيان  أكد فيه " أن أية قوة لم يتم تثبيتها في المنطقة، عدا قوات البيشمركة"!

السؤال الذي يشغل بال المواطن الكوردي كما يشغل بال المتابع لأوضاع الإقليم والصراعات بين الحزبين الحاكمين التي لم تنته لليوم ولا زالت تهدّد حياة الناس،  يدورحول معنى وتفسير قوات الپيشمرگة المنضوين ضمن تشكيلات وزارة الپيشمرگة، وهل قادة وحدات هذه القوات ومنتسبيها ينفذّون أوامر قياداتهم في الوزارة والقائد العام للقوات المسلّحة بالإقليم دون الرجوع الى قياداتهم الحزبية؟


إنّ رفض الإتحاد الوطني الكوردستاني لتواجد قوّات الپيشمرگة التابعين لوزارة الپيشمرگة في منطقة كوردية تقع ضمن الحدود الإداريّة لإقليم كوردستان العراق، وتأكيد البارزاني من أنّ القوات هناك هي من الوزارة ولا وجود لأية قوّة حزبية فيها. دلالة على إنعدام الثقة بين الطرفين من جهة، وأنّ الپيشمرگة في تلك المنطقة هم پيشمرگة الحزب الديموقراطي الكوردستاني. وهذا يعني أنّ أهم وزارة كوردية والتي تقع على عاتقها الدفاع عن منجزات الشعب الكوردي لا زالت لليوم تحت رحمة المحاصصة كما حال بقية الوزارات هناك علاوة على إنقسامها،  ما يجعل الأوامر الصادرة منها تفسّر حسب المرجعية الحزبية وليس حسب المصلحة العليا للكورد، وهذا يعني أيضا أنّ المواطن الكوردي عليه علاوة على تحملّه الفساد الإداري والبطالة والفقر، أن يسأل السيد البارزاني وقادة الإتحاد الوطني وهم يتحدثون عن وزارة الپيشمرگة أن: أي الپيشمرگة تعنون أيها السادة!؟ وهل الصراع الأخير وليس الآخر بعيد عن تقاسم الثروات بين الحزبين، والتي هي بالأساس تجاوز على حقوق المواطن الكوردي.

الأمر في بلد كالعراق تتحكم فيه العصابات المسلّحة في غياب واضح للدولة وشرعيتها وهيبتها، يدفعنا كعراقيين أن نتساءل حول دور القوّات المسلّحة ووزارة الدفاع العراقية ومدى فاعليتها في كبح جماح الميليشيات المنفلتة. وهذا السؤال يدفعنا الى البحث عن طبيعة القوّات المسلّحة وإستقلاليتها  بعد أن فُرِضَت الميليشيات الشيعية عليها كجزء من تشكيلات مسلّحة مستقلة "تأتمر" بإمرة القائد العام للقوات المسلّحة أي رئيس الوزراء  تحت مسمى الحشد الشعبي " المقدّس". وعندما نقول الحشد فأي حشد نعني، هل قوات المتطوعين إثر فتوى السيستاني والتي تتطورت هي الأخرى الى ميليشيات، أم تلك الميليشيات والعصابات التي كانت تعمل قبل تلك الفتوى وأستغلت الفتوى  لتضفي على نفسها الشرعية وتدخل عالم السياسة وصولا للبرلمان في دورته الأخيرة!؟ وهل القائد العام للقوات المسلحة ولا نقول وزير الدفاع قادر على لجم ميليشيا كالعصائب وحزب الله وغيرهما، وهما يهددان السلم الأهلي بأعمال عسكرية هي على الضد من سياسة البلد العلنية على أقل تقدير؟



تعدد مراكز القوى بالمركز والإقليم حالة مرضية لا يتم الشفاء منها الّا بإستمرار الإنتفاضة الجماهيرية وبناء عراق جديد، على أنقاض طبقة سياسية أشاعت كل أشكال الجريمة منذ أن هيمنت على مقدّرات البلد ولليوم.

زكي رضا
الدنمارك
18/4/2020





87


حكومة مصطفى الكاظمي ميْتة قبل أن تولد


أخيرا تمخّض جبل التحالف الطائفي الشيعي ومعه قطبي المحاصصة الكوردي السنّي وبعد مخاض عسير ومخالف للدستور عن إسم مرشّح لرئاسة الوزراء، إثر إستقالة السيد عادل عبد المهدي تحت الصغط الجماهيري الذي تراجع بشكل مؤقت لشيوع جائحة كورونا، وبعد رفض هذا التحالف لشخصيتين شيعيتين لإختلاف وجهات النظر الإيرانيّة حول مدى كفاءتهما في تحقيق أهدافها بالعراق والمنطقة من خلال أذرعها العسكرية، وليس من خلال برنامجهما الحكوميين ومدى قربها من مصالح الناس وتحقيقها. لقد جاء المخاض بعد أشهر من الإحتقان السياسي بشخصية جدلية هي رئيس جهاز المخابرات العراقي السيد مصطفى الكاظمي، الذي رُفض قبل فترة من ميليشيا حزب الله "العراقي" المدعوم من قبل حزب الله اللبناني وفيلق القدس الإيراني، بعد توجيه أصابع الإتهام إليه في دور ما بإغتيال سليماني والمهندس من قبل المسؤول الأمني في هذه الميليشيا المدعو أبو علي العسكري!!

عملية تمرير ملف الكاظمي لم تنجح الا بعد زيارة قاآني للعراق، وهذا يُثبت من أنّ الجبل لم يتمخّض الا عن شخصية ضعيفة أمام إرادة ولي الفقيه وميليشياته التي تتحكم بمسرح الأراجوزات السياسي بالعراق كما هي العادة، كما وأنّ موافقة إيران عليه تعني تحرّكه أو بالأحرى تحريكه بما يتناغم ومصلحة طهران وليس "العمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها" مثلما غرّد بعد تكليفه في التاسع من نيسان الجاري. علاوة على ذلك فأنّه وعلى الرغم من عدم سعة برنامجه الحكومي من حيث التفاصيل، الا أنّه فتح على نفسه أبواب جهنّم وهو يحدد ثلاث أهداف لن يستطيع إنجاز حتّى نسب بسيطة منها، ما سيجعله أمام تساؤلات لا إجابات لها مستقبلا.

السيد الكاظمي يقول من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها"، الا أنّه لم يتطرق الى تطلّعات المتظاهرين في إنتخابات مبكّرة والتي أوصلته الى ما هو عليه اليوم، متحججّا بالوضع الصحي بالبلاد وإنهيار أسعار النفط. فماذا لو إستمرت اسعار النفط بالهبوط أو بقيت على ما عليها اليوم، فهل سيلغي الكاظمي مبدأ الإنتخابات بالكامل لأنها تكلّف الدولة مليار دولار كما يقول، خصوصا وأن العراق بلد ريعي ولا يمتلك موارد غير بيع النفط!؟ هنا يكون الكاظمي قد فشل في أولى نقاطه الثلاث.

يعود الكاظمي ليقول من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تصون سيادة الوطن وتحفظ الحقوق"، فهل الحكومة التي تشكلها وتفرضها طهران التي قبلت به رئيسا للوزراء، فيها شيء من السيادة العراقية ولا نقول الكرامة!؟ كيف ستحفظ حقوق شعبنا ووطننا وهي لا تمتلك القرار السياسي والعسكري، وهل بإمكانه مواجهة زعماء الميليشيات وتدخلات رجال الدين في الشأن السياسي، وهل يستطيع مواجهة قاآني أو أي مسؤول من حزب الله اللبناني ولو عبر الهاتف ليقول لا لما يطلباه!؟

 أخيرا يقول السيد الكاظمي من أنّه يعمل على تشكيل حكومة "تعمل على حل الأزمات، وتدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام"!! هل يعرف السيد رئيس الوزراء المكلّف عمق الأزمات في بلدنا، هل يستطيع جمع السلاح من الميليشيات وحلّها؟ هل يعرف حجم الفساد بالبلد، وهل هو قادر على محاسبة كبار الفاسدين وعدم الإكتفاء بصغارهم، هل بإستطاعته إلغاء المكاتب الإقتصادية للأحزاب السياسية المتنفذّة، هل يستطيع إسترداد الأموال المنهوبة من قبل حيتان الفساد والتي يعرفها جيدا بحكم موقعه؟

 السيد الكاظمي لو إستطعت أن توقف تفريخ الأزمات وليس علاج ما موجود منها اليوم، ستكون حينها قدّمت لشعبنا الكثير. كما وأنّ حكومتك ميْتة قبل ولادتها القيصرية في مشفى طهران.

العمليّة السياسية بالعراق ستظلّ رهن صراعات حزبيّة داخليّا، وصراعات إقليمية ودولية خارجيا. وفي كلتا الحالتين فأنها ستظل في نفس المستنقع الذي تعيش فيه. فلعبة تنصيب رئيس وزراء بالعراق لا علاقة مباشرة لها بالإنتخابات مطلقا، فسواء جرت إنتخابات أم لا وإن كانت الإنتخابات نزيهة أم لا. فأن ما يترشّح عنها لا يختلف بالمرّة عن التي سبقتها أو التي تليها، لأنّ نظام الدولة السياسي مبنى على أساس إستمرار تحكّم الميليشيات والفساد ونهب ثروات البلد.

زكي رضا
الدنمارك
12/4/ 2020
 







88
هل جُنَّ مقتدى الصدر ..!؟


لو أعتبرنا جميع الأفعال والخطب والمواقف المتناقضة لمقتدى الصدر منذ أن أبتليَ به العراق وشعبه، فيها شيء من العقل والمنطق والسياسة بل وحتّى الدين. فأنّ تغريدته الأخيرة والتي يطالب فيها الناس في العالم بأكمله ولمواجهة فايروس كورونا، من السجود لمدّة ثلاثين دقيقة بعد صلاة الجمعة القادمة، تدلّ على أنّ هذا الرجل مريض نفسي.

ففي تغريدته اليوم 7/4/2020، لا يخاطب مقتدى شيعة العراق ولا حتى الشيعة بكل العالم ولا حتى المسلمين، بل يتوهم من أنّه رجل على مستوى عال من الأهميّة على سطح هذا الكوكب، فتراه يخاطب البشر في كل أرجاء الأرض، وبشكل يؤكّد مرضه النفسي حينما يقول " أنا مُلزم أن أبلغكم بأمر لابد من تحقيقه لرفع البلاء"، وكأنّ الله قد أصطفاه من بين الناس أجمعين، ليبلّغهم رسالة تطالبهم بالسجود والتوسّل له والتباكي أثناء الدعاء، لينقذهم "الله" من جائحة كورونا. والكارثة أنّه يريد من الناس أن تضحك على الله، فهو لا يطالبها بالتضرّع لله والبكاء والتوسّل إليه وهو دلالة على اليأس من عجز الأنسان في مواجهة الجائحة وترك الأمر للسماء والله، بل يطالبهم بالتباكي أثناء السجود، متوهّما على ما يبدو من أنّ الله لا يميّز بين البكاء والتباكي كما هو "الصدر"!!. ويبدو أنّ الصدر والذي قضى سنوات طويلة لليوم في الدراسة الحوزية لا يعرف لليوم من أنّ الشخص المتباكي باللغة تعني "تكلّف البكاء ، وتظاهر به" ، فهل يريد مقتدى من الله أن يلبّي دعوات من (يقشمروه) أي يضحكون عليه والعياذ بالله!!

في جانب آخر من تغريدته يعاهد أنصاره وباقي المصلّين في كل أرجاء العالم من أنّه سيسجد مثلهم، وهو يصلّي في مكان سرّي بالنجف الأشرف مع بعض المؤمنين ونيابة عن المؤمنين، وهنا من حقنا أن نتساءل إن كان بين المؤمنين الذين سيصلّون معه، عناصر من جيش المهدي التي قتلت الناس على الهويّة، أو من كتلة الأحرار التي سرقت ما سرقت ، ما دفعه "الصدر" لحرق المراكز التجارية للفاسدين واللصوص منهم، وسجنهم في معتقلات الحنّانة، بإعتباره أكبر من الدولة التي لا تتشكل الا بموافقته!! وهل بينهم من هم في سرايا السلام، الذين قتلوا وأختطفوا وأغتالوا المتظاهرات والمتظاهرين، وآخرهنّ شهيدة ساحة الحبوبي "الملّاية أم عبّاس"؟

إنّ إقامة صلاة الجمعة التي دعا إليها مقتدى الصدر في مكان سري وبصحبة عدد صغير من المصلّين، يتناقض وتغريدته التي أطلقها لزيارة الإمام موسى الكاظم بمناسبة ذكرى وفاته في العشرين من الشهر الماضي، والتي طلب من الناس فيها إتمام الزيارة، والتي ساهمت "الزيارة" بإنتشار الفايروس بشكل أكبر بين الناس.

أنّ العالم اليوم وهو يخوض حربا ضد فايروس كورونا، ليس بحاجة الى "علماء" ورجال دين بل الى عالمات وعلماء في مختبرات الطب ومعامل صناعة الأدوية، العالم اليوم بحاجة الى نصائح من ذوي الأختصاص لتقليل حجم الإصابات على مستوى الكوكب، وليس لنصائح من ملّا أو قس أو حبر أو أي رجل دين آخر. هل يعرف الصدر من أنّ جميع المستشفيات ومراكز الأبحاث الطبية في كل أرجاء المعمورة تعمل كخلية نحل، لمعالجة المصابين بالفيروس والعمل على أنتاج دواء ولقاح له لأنقاذ البشر؟ وهل يعرف من أنّ جميع المساجد ودور العبادة والمراقد في كل أرجاء العالم، بل وحتى بيت الله والقدس والفاتيكان والمسجد النبوي قد تمّ إغلاقها..

الشرف بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب (الإمام علي)

زكي رضا
الدنمارك
7/4/2020

89
أربعة عقود على جريمة تهجير الكورد الفيليين



قبل أربعة عقود وفي مثل هذا اليوم الرابع من نيسان 1980 ، بدأ النظام البعثي العنصري الفاشي واحدة من أكبر عمليات التهجير وأقساها في تاريخ العراق والمنطقة بحقّ مكوّن عراقي أصيل ساهم الى جانب باقي مكوّنات شعبنا العراقي، في نضاله من أجل بناء عراق متقدّم تُحتَرمُ في حقوق الإنسان وتُقدّس فيه المواطنة. وقدّم أبناء هذا المكوّن وهم ينخرطون في العمل السياسي من خلال أحزاب وطنية يسارية وقومية كوردية وإسلاميّة، الآلاف من السجناء والمبعدين والمئات من الشهداء بنكران ذات قلّ نظيره. وقد كان لدور الكورد الفيليين في إنتفاضات ووثبات شعبنا العراقي، ومقاومتهم البطولية وهم يقاومون الضباع البعثية دفاعا عن ثورة الرابع عشر من تموز في شباط عام 1963 ، ولموقفهم الرافض للبعث وهو يعود للسلطة من جديد في تموز 1968 . سببا كافيّا ليقوم البعث الفاشي بأوّل عمليات تهجيره في العام 1970 ، والتي لم تكن بوحشيّة هذا الحزب وهو يعود من جديد لتنفيذ المرحلة الثانية من عمليات التهجير التي بدأت عام 1980 وإستمرّت لأكثر من عقد من الزمان. إذ تفتّقت عقول البعثيين الإجراميّة هذه المرّة عن خطط جديدة للإبادة الجماعية، فقام النظام الفاشي علاوة على عمليات التهجير التي طالت الآلاف من العوائل من الكورد الفيليين والعرب الشيعة، ومصادرة ما تمتلكه هذه العوائل من أموال منقولة وغير منقولة ووثائق ثبوتية وشهادات دراسية. بجريمة لازالت العوائل المهجّرة تنتظر إجابات حولها، الا وهي تغييب الآلاف من الشابّات والشبان الكورد الفيليين.

لقد كان الرأي العام الكوردي الفيلي وحتّى إنهيار النظام البعثي، لديه بصيص أمل في أن يكون أبناءه على قيد الحياة في سجون ومعتقلات الفاشيّة، أو على الأقّل كان يُقنع نفسه في أن يكونوا على قيد الحياة. لكن وما أن أنهار النظام الدموي في نيسان 2003 ، حتّى بدأت الآمال تتلاشى ليحل محلّها اليأس الذي لفّ حياتهم ولليوم. لكن الأقسى كان في الطريق وسلطة المحاصصة تبدأ بكشف مقابر جماعية للشيعة والكورد في مختلف مناطق العراق الصحراويّة، كان الوضع ولا يزال مأساويا وقاسيّا لأن السلطة التي نجحت في كشف المقابر الجماعية التي تخصّ أبناءها، فشلت في العثور على قبر واحد وليس مقبرة جماعية للكورد الفيليين!

قبل أسابيع من اليوم، كشفت سلطة المحاصصة والفساد عن طريق مؤسسة الشهداء من أنّه تمّ العثور على مقبرة جماعية لشهداء الكورد الفيليين، هذا الإكتشاف الذي جاء متأخرا جدا منح مع ذلك شيء من الأمل للعوائل الكوردية الفيلية في أن تدفن عظام شهدائها بشكل لائق. الا أنّ أملها هذا إصطدم بتصريح رئيس هذه المنظمة الفاسدة كما فساد السلطة، والذي صرّح من أنّه سيتم فتح المقبرة "حال توفر التخصيصات المالية اللازمة لذلك"!!

السلطة التي نهبت مئات المليارات من قوت شعبنا خلال سنوات حكمها العجاف، لا تمتلك أموالا لفتح مقبرة جماعية لمكون إنتظر 40 عاما ليسمع بهذا الخبر ويشهد هذا الحدث، مؤسسة الشهداء الغارقة في فسادها وموظفيها الفضائيين لا تمتلك هي الأخرى التخصيصات المالية الكافية لفتح هذه المقبرة، الأحزاب الشيعية التي كان الفيليون يتقاسمون معها رغيف الخبز في المنافي القسرية لا يمتلكون الأموال التي من الممكن تخصيصها لفتح هذه المقبرة، المرجعية الدينية التي كان التجار الكورد الفيليون يمدونها بخمسهم وزكاتهم وتبرعاتهم قبل أن تهيمن على خزائن العراق بوصول الشيعة للسلطة لا تمتلك هي الأخرى المال الكافي لمساعدة الكورد الفيليين في فتح السلطات لمقبرة يتيمة تمّ إكتشافها!! فهل كل هؤلاء لا يملكون أموالا بالفعل، أم أنّه نكران متعمّد لدور هذا المكون كونه كوردي، على الرغم من شيعيّته.

أن لا يمتلك كل من ذكرناهم أعلاه أموالا تُخصّص لفتح هذه المقبرة، أو التهرّب من تخصيص هذه الأموال وهو الأقرب الى الحقيقة. فأنّ تجاوز سلطة إقليم كوردستان لهذا الأمر وصمتها حول تصريح رئيس مؤسسة الشهداء، وعدم تكفّلها ماليا وتقنيا في فتح هذه المقبرة. يضع حكومة الإقليم أمام الف سؤال وسؤال، أوّلها هل نحن كورد؟ وهل ناضل المئات من شبابنا في تنظيماتكم وقدّموا حياتهم وزهرة شبابهم في الجبال؟ هل ساهم التجار الكورد الفيليون في مدّ الثورة الكوردية بالمال والرجال؟ وآخرها هل حقيقة لا تمتلكون أنتم كما الشيعة اموالا لفتح المقبرة!؟

المجد لشهداء الكورد الفيليين وشهداء المقابر الجماعية
الذكر الطيب للأمهات والآباء الذين رحلوا دون أن يجلسوا الى قبور أبناءهم
المجد لشهداء الوطن
الخزي والعار لبعثيي الأمس واليوم من أحزاب سلطة المحاصصة الفاسدة
زكي رضا
الدنمارك
4 / 4 / 2020








90
"ليست الحريّة مائدة تهبط من السماء على طالبيها"

يحتفل الحزب الشيوعي العراقي هذا العام بالذكرى السادسة والثمانون لتأسيسه، فيما العراق كما بلدان العالم المختلفة يمرّ باوضاع بالغة الدقّة، لكنّ السؤال الذي علينا طرحه على أنفسنا اليوم هو: متى كان العراق لا يمرّ بأوضاع بالغة الدقّة؟ وما هو السبيل لتحرير العراق من آثار الأنظمة الدموية والفاشية التي مرّت على حكمه ولازالت؟

منذ تأسيسه في الواحد والثلاثين من آذار 1934 ، ظلّ الحزب يعيش ظروفاً معقّدة، هي في الحقيقة إنعكاس لظروف البلد والمنطقة والعالم. وكانت المشاكل التنظيمية للحزب هي الاخرى في مدّ وجزر، ويبدو أنّها كانت بإنتظار شيوعي قادر، على قيادة مركب الحزب ليعبر به أمواج الأوضاع السياسية والتنظيمية المعقّدة، ولم يكن هذا الرفيق سوى فهد.

لم يتبنّى الحزب شعار "وطن حرّ وشعب سعيد" وهو شعار الحزب الشيوعي السوري الّا بعد إنتهاء أعمال الكونفرنس الحزبي الأوّل عام 1944، ويبدو أنّ الحريّة والتي هي مفتاح سعادة الشعوب في كل الأزمنة، كانت تشغل بال الرفيق فهد وهو يرى أوضاع الجماهير والفلاحين البائسة وهي تعيش ظلم الحكومات والإقطاع، وقد جعل فهد هذا الهدف من صلب عمل الحزب ورفاقه.

يبدو أنّ أحداث العراق السياسية منذ ذلك الحين ولليوم أثبتت صحّة ربط فهد مفهوم الحريّة عند شعبنا بالشيوعيين العراقيين ونضالهم الواعي والمستمر وليس غيرهم، فالآخرون وهذا ليس إنتقاصا من القوى السياسية القومية والدينية التي قادت وتقود البلاد اليوم، لا يستطيعون الإستمرار بالسلطة والهيمنة وشعبنا يعرف معنى الحريّة، فالحريّة عند الشيوعيين هدف يتقدمون الجماهير لتحقيقه، والحريّة عند القوى السياسية الأخرى بداية لمشاكل لا نهاية لها لهم، لذا نراهم يعملون على وأدها بمختلف السبل، وقمع إنتفاضة أكتوبر وشيطنة المنتفضين، ليست سوى بابا واسعا لإستمرار العبودية الدينية والطائفية والقومية، وبالنهاية مصادرة الحريّة كليّا.

لكنّ الرفيق فهد وهو يربط النضال من أجل الحريّة بالشيوعيين، فأنّه حدّد صفات الشيوعي التي عليه التحلّي بها، وهو يتحمل هذا المهمّة كواجب وطني نذر نفسه من أجلها. ففي مقالة له تحت عنوان "ليست الحريّة مائدة تهبط من السماء على طالبيها" نُشِرت في العدد السادس من جريدة القاعدة في تموز 1943 ، كتب يقول: "أنّ كلا من إسم شيوعي، تقدمي، ديموقراطي، وطني، ليس لقبا يمنحه الشخص لنفسه، أو تطلقه جماعة من الناس على نفسها، بل أنّ هذه الأسماء صفات لأشخاص ذوي جرأة وتفكير سليم، يناضلون ويضحّون في سبيل ما يؤمنون به".

أنّ حزبنا الذي يحتفل اليوم بذكرى تأسيسه وإنتفاضة شعبنا تشّكل علامة بارزة في طريق الحريّة التي نادى بها الرفيق فهد، عليه العودة الى تراث فهد الثر وهو يقول "علينا أن نقدّر تقديرا صحيحا القوى التي تحاربنا"، كما وعلينا ونحن وشعبنا نواجه آلة الموت والفساد السلطوية التي دمّرت شعبنا ووطننا، أن نقدّر تقديرا صحيحا موقفنا من القوى التي لبست لبوس الوطنية، لتنقلب على الجماهير كالذئاب الكاسرة قتلا وإغتيالا وخطفا ، ونعلن موقفنا منها بشكل علني. لأن من أولى واجباتنا والتي كانت واجبات الحزب حينما كتب الرفيق فهد قائلا "توحيد صفوف جميع المواطنين العاملين الذين يريدون أن يعملوا على إسعاد وطنهم، النضال من أجل الحريات الديموقراطية ومن أجل خبز الناس ورفاههم"، هو دعم الجماهير ومساندتها والعمل معها لإنقاذ شعبنا ووطننا من شرور نظام العصابات المتحاصصة التي تشّكل أكبر الأخطار على مستقبليهما.

أخيرا لنعود الى الرفيق الخالد فهد وهو يقول"نحن نكافح - في سبيل من وضد من نكافح"

المجد للحزب الشيوعي العراقي وهو يجدد شبابه في ذكرى تأسيسه
المجد لقوافل شهداءه وهم يبذلون إغلى ما يملكون في سبيل تحقيق آمالهم في عراق حر وشعب سعيد
كل التحايا لرفيقات ورفاق الحزب في تنظيماته المختلفة
كل التحايا لرفيقات الحزب ورفاقه من الذين هم خارج صفوف الحزب

زكي رضا
الدنمارك
28/3/2020


91
تبرعات سخيّة للشعب العراقي

والعالم يعيش أسوأ وضع صحي له منذ ما يقارب القرن، ونتيجة لعدم قدرة القطّاع الصحي العراقي المتخلف من أستيعاب الأعداد الكبيرة للمرضى حينما يصل الوباء الى أعلى مستواياته عالميا وعراقيا  خلال الأسابيع القادمة وفق توقعات منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحّة العراقية، ولضعف الإقتصاد العراقي الذي يعتمد على تصدير النفط الذي فقد الكثير من أسعاره في الأسواق العالمية،  من تلبية حاجات المجتمع وعلى الأخص الفقراء والعاطلين عن العمل.  فأنّ الأنظار تتجه ولفشل الدولة في إمكانية تجاوز هذه المرحلة نتيجة خواء الميزانية الى حملة التبرعات التي نظّمتها بعض المؤسسات الخيرية وبالتعاون مع بعض منظمات المجتمع المدني واللجان الإقتصادية  للأحزاب  السياسية  والوقفين الشيعي والسنّي ومؤسسات الكفيل التابعة للعتبة العباسية، وإدارات المراقد المقدسة  الشيعية والسنّية ، وتبرعات المرجعيات الدينية في النجف الأشرف، علاوة على الشخصيات السياسية  والبرلمانية وكبار رجال الأعمال والتجّار الذين أبدوا إستعداد لا مثيل له للمساهمة في هذه الحملة الوطنية.

ففي مؤتمر صحفي بُثَّ على الهواء بشّر منظمي هذه الحملة جماهير شعبنا، بتوفير نسبة كبيرة جدا من إحتياجاته في هذه الفترة الحرجة التي نعيشها ومعنا العالم بأكمله. وهذا يؤكّد الروح الوطنية العالية التي يتحلّى بها كل المتبرعين وهم يعملون على توفير ما يمكن توفيره للفقراء والعاطلين من أبناء هذا البلد المعطاء.

فقد أعلنت اللجنة المنظمة لهذه الحملة، عن  تخصيص رواتب ثابتة للأشهر الثلاثة القادمة للعوائل المتعففة ودفع بدلات إيجار دورهم وإعفائهم من تسديد قسائم الماء والكهرباء، وتعويض العاطلين عن العمل لنفس الفترة. كما قررت اللجنة دفع بدلات إيجار أصحاب المحال والورش الصغيرة والمتوسطة التي تضرّرت وستتضرر نتيجة إغلاق أبوابها لحين عودة الحياة الطبيعية للبلاد. كما ستقوم اللجنة وبإشراف مباشر منها بإستيراد أجهزة طبية ومنها أجهزة التنفس وأجهزة الكشف عن فايروس الكورونا، في المستشفيات القائمة وتلك التي ستبنيها على وجه السرعة  حتى نهاية الاسبوع القادم. كما قدّمت اللجنة المنظمّة شكرها وتقديرها العميقين لمؤسسات الكفيل التابعة للعتبة العباسية المطهرّة لوضعها جميع إمكانياتها ومنها مستشفيات الكفيل تحت إدارتها لخدمة المرضى مجانا.



في جانب آخر من المؤتمر الصحفي وعلى الرغم من رفض المتبرعين إعلان ما تبرعوا به تيمنّا بالآية القرآنية الكريمة "( وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُم )، الا أنّ منظمي الحملة ولغرض دفع آخرين للإنظمام الى حملة التبرع هذه قامت بتوضيح بعض الأمور دون التطرق الى الأرقام، مكتفية بالرقم النهائي والذي تجاوز التسعين مليار دولار. وممّا قامت اللجنة بتوضيحه  وإعلانه كان: تبرع اللجان الإقتصادية للأحزاب السياسية بنسبتها من عمولاتها في مشاريع ست وزارات للأعوام الخمسة الماضية والتي تقدّر بعشرة في المئة من كل مشروع تنفّذه الوزارة أو تمنحه لجهة ما لإستثماره. أمّا الوقفين الشيعي والسنّي فقد تعهدا بدفع كل ما دخل خزنتيهما من الأموال التي خصصتها لهما الدولة خلال السنوات السبع الماضية، مضافا إليها بدلات الإيجار والإستثمار لعقاراتهما لنفس الفترة، مع وعد بتحويل المساجد والجوامع والحسينيات الى مستشفيات ميدانية وتحت إدارة المؤسسات الصحية العراقية. فيما تعهدت مؤسسات الكفيل بتوفير وجبات طعام للفقراء والمرضى والكوادر الطبية العاملة في مختلف المستشفيات بعموم البلاد، وفتح مستشفياتها أمام المرضى بشكل مجاني وتحويل فنادقها الى مستشفيات مؤقتة ووضعها تحت تصرف المؤسسة الصحية أيضا. فيما تعهدت إدارات المراقد الشيعية والسنّية على تحويل الأموال التي جنتها من المواطنين على شكل نذور وتبرعات وللسنين العشر الأخيرة الى الدولة العراقية للتصرف بها بما يخدم الصالح العام. وكان موقف المرجعية هو الأكبر والأكثر شعورا بما يمر به شعبنا ووطننا في ظل هذه الظروف العصيبة، فقد أعلنت المرجعية وعن طريق الشيخ مهدي الكربلائي، عن وضع كل أموال الخمس والزكاة تحت تصرف حكومة تصريف الأعمال  برئاسة  السيد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي،   بما يساهم بالتخفيف من أعبائها وهي تواجه هذا الموقف العصيب..   

فجأة أيقظتني إبنتي الصغيرة من النوم لأخرج معها في نزهة صباحية كونها حبيسة المنزل لتعطيل المدارس  للحد من إنتشار فايروس الكورونا، فطالبتها بمنحي عشر دقائق فقط لأغيّر ملابسي. وفي هذه الدقائق راجعت نشرات الأخبار للتعرف أكثر على هذه الحملة الوطنية الكبيرة، الا إنني تفاجئت بعدم ذكرها في أي خبر وعرفت من أنّ الأمر لم يكن سوى حلما.  وعلى الرغم من أن الأمر لم يكن سوى حلما الا أنني شعرت به وكأنه كابوس، خصوصا وأنّ الأموال التي كانت ستكون تحت يد عادل عبد المهدي وفريقه الحكومي سيكون مصيرها كما مصير مصرف الزوية.
زكي رضا
الدنمارك
20/3/2020
 





92
خيانة العراق في زمن الكورونا


سيظل التاريخ عاجزا عن تكرار تجربة خيانة بلد ما من قبل "أبناءه" كما خيانة الأحزاب والمنظمات الإسلامية للعراق، وإن كرّر التاريخ من خلال صدفة ما نفس التجربة في بلد غير العراق، فأنّ تلك التجربة بشخوصها وأحداثها سوف تنحني أمام تجربة الإسلاميّين الشيعة وتفتتح المعاهد الأكاديمية لتتعلم منهم فنّ الخيانة والذلّ.

فايروس الكورونا هو القشّة التي قصمت ظهر البعير، المكسور أصلا قبل أن يزورنا هذا الضيف القاتل. هذا الضيف الذي تمنع جميع الدول التي تحترم نفسها ، من دخوله أراضيها بمختلف السبل المتاحة، وأوّلها غلق حدودها أمام حركة النقل والمسافرين، كما وأنّها تسخّر كل إمكانياتها المالية والبشرية للحدّ من إنتشاره بين شعوبها.

سلطة العار والخيانة في بغداد لا تبدو عاجزة فقط عن الوقوف بوجه هذا الوباء ولو بالحدّ الأدنى، بل أنّها تصرّ على أن يكون موقفها منه من نوع التراجيديا المضحكة المبكية. فالعصابات الحاكمة بإسم الدولة والتي هي أساسا الدولة العميقة المسؤولة عن كل الخراب الذي حلّ ويحلّ بالوطن منذ أن وصلت للسلطة على ظهر الدبابة الأمريكية، ليست سوى عصابات تأتمر بإمرة ولي الفقيه في طهران. لذا نرى أنّها وعلى الرغم من تفشّي الفايروس بشكل مخيف في بلدها الأصلي (إيران)، فأنّها ولعداءها الغريب للشعب العراقي وكأنّ لها معه ثأر قديم، ترفض غلق الحدود معها. فالرحلات الجوية بين البلدين لازالت مستمرة، ومنها على ما يبدو تلك الرحلات المشبوهة التي تقوم بنقل الأسلحة والمعدات العسكرية للعصابات التي قصفت مؤخرّا معسكر التاجي في يوم ميلاد قاسم سليماني، فهل شعبنا وبلدنا مسؤولان عن تقديم هدايا عيد الميلاد لسليماني!؟

أكثر من ترليون دولار دخلت الخزينة العراقية منذ الإحتلال لليوم، ووزير الصحة العراقي يقول أنّه طلب من سلطة العصابة خمسة ملايين دولار لمواجهة الفايروس، إلا أن الحكومة أعطته (الأذن الطرشة) كونها لا تمتلك هذه المبلغ البسيط على ما يبدو، أو أنّها لازالت تبحث عن مخارج قانونية لتحويل المبلغ! السيد الوزير هو اليوم بوقا للكذب كمّن أستوزره ، بغضّ النظر عمّن أستوزره إن كان "عراقيا" أم إيرانيا. فالسيد جعفر علّاوي فاشل في تسويق كذبة نصدقها وفق المثل البغدادي الذي يقول (الكذب المصفّط أحسن من الصدگ المخربط)، فتراه يقول : بعدم وجود إمكانية (لدى العراق) لمواجهة فيروس كورونا في حال إنتشاره (بالعراق)، ليعود بعدها مباشرة ليقول: إننا نعالج المصابين بحبوب أثبتت نجاحها!! لكنه وعلى الرغم من بؤس منطقه وحججّه نراه كما رجال الدين يبيع لشعبنا الآمال فتراه يقول مؤكدّا: أنّ الفايروس لا يعيش في درجات الحرارة العالية!! ولكي يزداد طيننا بلّة نراه يذهب لرجل دين يستنجده في إقناع السلطة بمنحه الخمسة ملايين دولار التي طلبها!! في الوقت الذي ترصد فيه الأردن الفقيرة قياسا بالعراق 705 مليون دولار لمواجهة آثار الفيروس القاتل، فيما رصدت مصر ذات المئة مليون نسمة والفقيرة بمواردها 6.38 مليار دولار لمواجهة تداعيات الكارثة، فماذا في جعبة لصوص الخضراء لمواجهة هذا الفيروس القاتل!؟

كل الدلائل تشير الى عجز سلطة العصابة في مواجهة هذه الكارثة، فهذه السلطة المشغولة بإنتخاب رئيس وزراء وفق مقاسات إيرانيّة كما إنشغالها بكيفية تجاوز إيران للمصاعب التي تواجهها، لا تملك أحتياطيا ماليا لمواجهة هذه الكارثة الإنسانية، خصوصا وأنّ أسعار النفط قد خسرت لليوم ثلث قيمتها والقادم سيكون اسوأ بالتأكيد في حال إستمرار الوباء على المستوى العالمي لأشهر قادمة وهو ما يتوقعه العلماء. كما وأنّ العراق في عهد هذه العصابات يفتقر الى مستشفيات ومراكز صحية وبنى تحتية قادرة على مواجهة الفايروس إذا ما أنتشر ببلدنا كما هو الحال في إيران مثلا.

علينا أن ننتظر أياما حالكة خصوصا وأنّ رجال الدين لازالوا يؤمنون بأن الدعوات وزيارات الأضرحة المقدسة هي العلاج الشافي في مواجهة الفايروس، على الرغم من أن بيت الله نفسه قد تم إغلاقه، فهل أئمة الشيعة أكثر قدسية من الله!! على السلطة إن كان فيها رشيد لليوم، أن تقوم بالحجر على كل رجال الدين الذين يروجون لمثل هذه الترهات ومنعهم من إقامة الصلوات والإجتماعات، وملاحقتهم قانونيا في حالة تحريض الناس على إقامة أي نشاط ديني في ظل هذه الظروف العصيبة.


زكي رضا
الدنمارك

17/3/2020


93
شيعة العراق بين بذاءات البعث ومعمّمي الطائفة


لم يألوا زعماء الأحزاب والميليشيات الشيعية وجيوشهم الألكترونية جهدا، في سبيل شيطنة إنتفاضة شعبنا منذ إنطلاقتها في الأوّل من أكتوبر العام الماضي ولليوم من أجل إنهاء هذه الإنتفاضة أو أحتوائها. فعلاوة على إستخدامهم مختلف أساليب القمع التي أدّت الى إستشهاد المئات وجرح الآلاف وخطف وتغييب العشرات من المتظاهرات والمتظاهرين السلميين والناشطات والناشطين، نراها تعمل جاهدة على إلصاق تهم غير أخلاقيّة بحق هؤلاء الشباب وتجمعاتهم في سوح الإعتصام من أجل كسر شوكتهم وتأليب جماهيرهم غير الواعية بحراك شعبنا ضدّهم. ولفشلهم في مساعيهم الدنيئة هذه، إنظمّت إليهم شخصيّات من فئة أخرى لا تقلّ عنهم وحشية وقسوة ودناءة على الرغم من موقعهم الديني الذي يحتّم إنتخاب الموعظة في مخاطبتهم للجمهور وليس التهم غير الأخلاقيّة التي لا يقبلها عقل ولا ضمير، وهنا نعني فئة المعمّمين. هذه الفئة التي دخلت على خطّ معاداة شعبنا بتبنّيها تهم الساسة والميليشياويين غير الأخلاقيّة بحق المنتفضين وتسويقها من على منابرهم أو عبر تغريداتهم بحجّة الدفاع عن القيم والأخلاق. وكأنّ الإختلاط بين الجنسين في التظاهرات من أجل غد أجمل لعراقنا المبتلى هو خروج على قيم شعبنا وأخلاقه ودينه، والإختلاط بين الجنسين في المزابل نتيجة فساد السلطة وحماتها من بعض رجال الدين هو الدين والأخلاق والقيم بعينها!!

لقد تجاوز بعض رجال الدين في معرض دفاعهم عن السلطة الفاسدة كفسادهم ،على المتظاهرين بشكل وقح وغير أخلاقي، فنرى بعضهم يحلف بأغلظ الإيمان منّ أنّ للسلطة تسجيلات وأفلام عن ظواهر اللواط والدعارة وتعاطي المخدّرات، لكنّه ومعه السلطة بكل ما تملك من قوى لليوم فشلت في تسجيل حالات تحرّش داخل ساحات التحرير في عموم البلد. وهناك من لم يجد أي أثر للخمر والمخدّرات والدعارة واللواط، عندما كان أنصاره يعيشون مع المنتفضين في خيام الثورة، الّا أنّه وجدها ما أن ترك أتباعه الثورة لينتقلوا الى الخندق المعادي لها مباشرة!!

هؤلاء جميعا ولمّا كانت الإنتفاضة خرجت من رحم معاناة الأغلبية الشيعية في الوسط والجنوب كجزء من معاناة شعبنا بأكمله، فأنّهم يوجهون سهام إتهاماتهم وحقدهم على هذه الأغلبية الشيعية. وهنا تحديدا يركبون مع البعث الفاشي نفس المركب الذي يمتاز بكل ما هو غير أخلاقي وفاسد ومجرم. هؤلاء المعمّمين ومعهم زعماء الأحزاب والميليشيات الشيعية، يعيدون الى أذهاننا تلك البذاءات التي جاء بها أولاد الأزقّة الخلفية وهم يوجهون تهم تليق بهم وحدهم للشيعة كطائفة، بعد إنهيار إنتفاضة آذار المجيدة سنة 1991 ، مستخدمين عبارات لا يليق بنا طرحها هنا، على عكس المعمّمين الشيعة وهم يطرحونها من على منبر الإسلام!!

في سلسلة مقالات لجريدة الثورة البعثية بعد إنهيار الإنتفاضة الآذارية، خرجت علينا تلك الصحيفة بمقالة تحت عنوان "التعصب الشيعي فساد أخلاق أهل الهور"، والتي جاء فيها "إن هذا الصنف من الناس بوجه عام، كان مركز إيواء ونقيضة غير شريفة لعناصر الشغب والخيانة التي اجتاحت جنوبي العراق ومن الفرات الأوسط في الأحداث الأخيرة، وإذا ما عرفنا كل هذا وغيره كثير، وعرفنا أن بعض هذا الصنف من الناس في أهوار العراق هم من أصول جاءت مع الجاموس الذي استورده القائد العربي محمد القاسم من الهند. وعرفنا أن من أبرز عاداتهم سرقة ممتلكات الخصم عندما يتخاصمون، وحرق دار القصب التابعة لمن يتقاضون منه أو يتنازعون معه، سهل علينا تفسير الكثير من ظواهر النهب والتدمير والحرق والقتل وانتهاك الأعراض التي أقدم عليها المجرمون المأجورون" (*).

لو عدنا الى التهم التي يوجهها زعماء الأحزاب والميليشيات وبعض المعمّمين للمنتفضين اليوم وغالبيتهم العظمى هم من الشيعة، لرأينا أنّها نفس التهم التي كان البعث يوجهها للمنتفضين في الجنوب وقتها وغالبيتهم من الشيعة أيضا. الا أنّ الإسلاميين وفي الحقيقة تجاوزوا البعثيين في أخلاقهم الرثّة، في أنهم أضافوا تهم أخرى كالمخدرات اليها، والتي يبدو ان البعثيين كانوا سيكيلونها هم ايضا للمنتفضين وقتها لو كانت اي المخدرات متوفرة كما اليوم في عهد العراق الإسلامي.


(*) جريدة الثورة، العدد الصادر يوم 5 نيسان 1991.


زكي رضا
الدنمارك
17/2/2020
 


94
فهد في سؤال وطنّي عراقّي

لم يكن الحزب الشيوعي العراقي يوما بخيلا في تقديمه الشهداء من أجل قضية وطنه وشعبه، بل قدّم في سبيلهما قوافل من الشهداء، وقوافل من السجناء الذين حوّلوا السجون الى مدارس للوطنية والنضال. بل ذهب الحزب وهو يستلهم تراثه من إرث وطني مفعم بنكران الذات من قادته الأماجد وعلى رأسهم الرفيق الخالد يوسف سلمان يوسف ( فهد)، الى أبعد كثيرا من قدسية المبادئ التي يؤمنون بها حينما قال مؤسسه الخالد فهد وهو يواجه جلّادي شعبنا "  لقد كنت وطنيا قبل ان اكون شيوعيا، وعندما صرت شيوعيا صرت اشـعر بمسـؤولية اكبر تجاه وطني".

الموقف الوطني هذا ترجمه الرفيق الخالد فهد قبل توجهه الى ساحة المتحف، وكأن التاريخ يريد تخليده والعراق من خلال المتحف العراقي الذي يعني خلود العراق، ليقول لحارس السجن وهو يقيّد قدميه بالحديد  قبل إعدامه: إن كانت أية مظاهرات قد خرجت الى الشوارع ذلك اليوم أو اليوم الذي سبقه"، ليجيبه الحداد "لا"!!. فهل كانت تلك اللا التي خرجت من فم الحارس في ذلك الفجر الشباطي البارد هي نافية جازمة، وهل كانت نهاية أحلام وآمال فهد الحالم بوطن حرّ وشعب سعيد .. ؟

سبعة عقود وعام واحد مرّت في تاريخ العراق، وهي تحمل وزر السلطات والحكومات التي أذاقت شعبنا ووطنا الذل والجوع والتبعية، سبعة عقود وعام واحد مرّت والعراق أشبه بسفينة  لا قرار لها وهي تمخر عباب بحار الموت والظلام.  سبعة عقود وعام واحد وهو يخرج من  شباط  دام ليدخل شباط دام ليعيش شباط دام، والفرق بين شباط وشباط هو الفارق الزمني فقط، بعد أن عاش العراق شباط ملكي، وشباط بعثي، وشباط إسلامي، شباط اللعين الذي قاسمه المشترك هو الموت الذي يزرعه الجلّادون في أرض العراق، الموت الذي يحصد أرواح  عاشقي الوطن والمضّحين في سبيله.

أيّها الرفيق الخالد فهد، اليوم أجابت نساء العراق وتلاميذه وشبابه على سؤالكم، اليوم غيّرت الجماهير صفة شباط، من شهر للموت الى شهر للحياة وإن مارس الإسلاميّون هواية القتل كما البعثّيون والملكيون. اليوم خرجت نساء العراق ليكذّبوا ذلك الحداد الذي قيّد قدميك وأنت تتوجه بخطى ثابتة الى أرجوحة الأبطال. اليوم وقبله وقبله ومنذ الأوّل من أكتوبر العام الماضي  خرجت الجماهير أيّها القائد الظافر في تظاهرات صاخبة، لترسم خارطة جديدة للوطن. اليوم تعيد إنتفاضة شعبنا  لك ولرفاقك وهم يعتلون المشانق حلمهم ببناء عراق معافى، اليوم حوّلت الجماهير وهي تقاوم آلة الموت الإسلاميّة، حلمكم الى حقيقة.

العراق اليوم أيّها الخالد فهد، هو ليس عراق الأمس. عراق اليوم، عراق تبنيه سواعد شابّات وشبّان يشعرون بمسؤولية كبرى تجاه وطنهم، وطنهم الذي يقامر به الإسلاميّون في بورصة طهران.. 

سبعة عقود وعام وأنت تسأل سؤالك الذي أجابت الجماهير عليه اليوم، ليست بالفترة الطويلة في حياة شعبك، لكنّها كلّفتنا الكثير..

إرقد بسلام حيث أنت أيها المعلّم الأوّل، فشعبنا بدأ خطواته المتسارعة لبناء وطن كنت تحلم بأن تراه حرّا، وشعب كنت تحلم بسعادته.

المجد لشهداء الحزب الشيوعي الأماجد
المجد لشهداء إنتفاضة أكتوبر المجيدة
العار كل العار لقتلة الأمس واليوم

زكي رضا
14/2/2020



95
البعثيون والصدريون وجهان لشباط أسود واحد


في كتابه الثامن عشر من برومير يقول كارل ماركس "إنّ التأريخ يعيد نفسه مرّتين مرّة على شكل مأساة ومرّة على شكل مهزلة"، وكان يردّ وقتها على مقولة هيغل التي تقول "أن جميع الأحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر، إذا جاز القول". ووفق قراءة ماركس هذه فأنّ غياب الوعي إجتماعيا هو من يكرر الأحداث الكارثيّة، وبالتالي ينتج أحداث تاريخية متكررة مرّة كمأساة ومرّة كمهزلة وهكذا. وغياب الوعي العلمي يفسّره العالم البرت آينشتاين في قوله "الغباء هو فعل نفس الشيء مرّتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة". ولمّا كانت الماركسيّة علما يعتمد على المنهج الجدلي والبحث، فأنّ تكرار أي حدث تاريخي في بلد ما مرّتين، هوعبارة عن مأساة ومهزلة. وعلميّا فأن الوصول الى نفس النتائج في بحث علمي بالإستفادة من نفس الأدوات ، يعتبرغباءا إذا كان الهدف الحصول على نتائج مختلفة وهو ما أشار إليه آنشتاين.

لو أخذنا كارثتي الثامن من شباط البعثية سنة 1963 وكارثة الأوّل من شباط الصدرية سنة 2020 كمثال فأنّ التاريخ بالفعل يعيد نفسه وفقا لقراءة كارل ماركس مرّتين، لكن على شكل مأساة في الحدثين. ففي الثامن من شباط 1963 أدخل الحرس القومي البلاد في نفق مظلم، وليبدأ حينها العدّ التنازلي لدمار الدولة والمجتمع. وفي الأوّل من شباط 2020 وضع الحرس الصدري البلاد على كفّ عفريت، ما ينذر بحرب أهلية قد تنهي ما تبقّى من بلد أصبح بفعل الشباطيون السابقون والجدد مجرّد أطلال. وفي الحالتين لم يكن خطاب الشباطيون وطنيا بالمرّة وإن تشّدقوا بها، فالبعثيون رهنوا كل شيء في "وطنهم" من أجل معركة العروبة وفلسطين، والصدريّون رهنوا كل شيء في "وطنهم" من أجل مصلحة إيران، وليكن العراق وشعبه كبش الفداء لسياساتهم الكارثيّة.

أدوات الشباطيون السابقون كانت المؤسسة الدينية والقوى القومية الكوردية والرجعية العربية وبقايا الإقطاع الممثّلين بالمؤسسة العشائرية وإيران الشاه ومخابرات دول إقليمية ودولية، وأدوات الشباطيون الجدد هي نفس الأدوات السابقة دون أيّ تغيير سوى تخلّي الزيتوني عن لباسه لصالح العمامة. فهل هناك أمل بالحصول على نتائج مختلفة قد تساهم ببناء البلد!؟

إنّ الصدام الذي سيحصل بين المنتفضين وقوى الرِدّة الإسلاميّة التي يقودها الصدر وتياره، هو ليس صداما بين طبقات إجتماعية مختلفة ولا صراعا إقتصاديا بين طبقات متصارعة ومتناحرة. بل هو صدام بين أبناء طبقة واحدة تقريبا، طبقة لا تمتلك من ثروات وطنها شيئا وتعيش على هامش الحياة فيه، طبقة ترى وطنها يضيع منها كلمّا إستمرّ الشباطيون بالسلطة، وهذا ما دفعها للخروج ضد واقعها المزري بحثا عن حياة أفضل لها ووطنها. فالصدام اليوم ونحن نرى الشباطيّون "طالبي" الإصلاح يهاجمون بأسلحتهم المختلفة المنتفضين العزّل كما شباطيّوا غدّارة البورسعيد، هو صراع بين وعي غائب عند الصدريين، ووعي متقدم عند المنتفضين. والوعي المتقدّم للمنتفضين سيمنع بالضرورة تكرار تاريخ شباط مرّتين، فهل يعي الصدر حجم جريمته وهو يضع بيض "بلده" بأكمله في السلّة الإيرانيّة؟

إنّ العراق هو الورقة الأقوى إيرانيّا في حالة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فبقاء العراق ضمن الهيمنة الإيرانية لحين حلّ مشاكلها مع أمريكا يعتبر خيارا ستراتيجيا لها. ومقتدى الصدر هو الرجل الأقوى شيعيا من حيث ثقل جماهيره غير الواعية وإنصياعها له، والذي يعتبر البيدق الأقوى في مواجهة الإنتفاضة التي تؤرق عمائم قُمْ. لذا فأنّ هجوم الحرس الصدري على ساحة التحرير، وتهديدات مقتدى للمنتفضين والإنتفاضة، هو صراع إيران من أجل البقاء ليس الّا. فرحيل الطغمة السياسية الفاسدة، وتشكيل حكومة وطنية وفق مواصفات الشارع العراقي اليوم، تعني بداية النهاية للنظام الإيراني القمعي.

 
زكي رضا
الدنمارك
2/2/2020






96
ساحة التحرير عروس الساحات


ساحة التحرير،  مفخرة العراق ونقطة إنطلاق كتابة تأريخه الحديث، تأريخ يُكتب بالدماء ليفتح صفحة مشرقة في كتاب شعب يقوده شابّات وشبّان الى حيث الإنعتاق من الذلّ والجوع والتبعية.  ساحة سنستعيد من خلال خيامها وهتافات ثوّارها كرامة شعب صادرها البعثيون والإسلاميّون القتلة، ساحة التحرير قدس أقداس العراق ومكّتها المكرّمة. ساحة التحرير ساحة ليست ككل الساحات، ساحة تبدو الساحات أمامها فقيرة، ساحة ملئت وستملأ اخبارها الدنيا وتشغل الناس، ساحة سيكون نصب حريّتها مزارا للثوار، مزارا للأحرار، مزارا للباحثين عن أوطان.

من مثلك يا عروسة بغداد، ساحة الكونكورد الباريسية وهي تحتضن مسلّة فرعونية أُهديت لها من مصر؟ وهل تصل الكونكورد الى شموخك وأنت تحتضنين نصب جواد سليم بكلّ رمزيته؟  نصب عراقي خالص يلتحف به ثائرات وثوّار بيدهم " مفاتيح مستقبل زاهر"(1)، و ثائرات وثوّار تسلّقوا السماء في مواجهتهم للحقد الإسلاميّ الأسود وهم ينظرون صوب شمس الحريّة التي تصنعها أكفّهم  وهي تُقبر عصر الفجيعة الإسلاميّة،  لهؤلاء تنشد ساحة التحرير وهي تحتضن الثورة  "سلامٌ على جاعلين الحُتوف... جسراً إلى الموكبِ العابرِ"(2).  لا، الكونكورد ليست مثلك الّا في جزئية إعدام لويس الرابع عشر، والذي ستستعيضين عنه في أن تُنصب فيك أقفاص القتلة والخونة والمأجورين والفاسدين لمحاكمتهم.

من مثل نصب حريتك، تمثال الحرية في مانهاتن؟ إن كانت فرنسا قد أهدت تمثال الحريّة لأمريكا، فأنّ شابّات العراق وشبّانه يهدون كلّ يوم شعبهم تماثيل للحريّة، وسينصب أبناء شعبنا وهم يكنسون السلطة الفاسدة الى حيث عليها أن تكون، تماثيل للحريّة تزيّن فضائك وجسور الشهداء والأحرار والجمهورية ومحمّد القاسم، وساحات السنك والوثبة والخلّاني والطيران وحديقة الأمّة. تماثيل بعدد  شهيدات وشهداء الإنتفاضة وهم يحملون مشاعل النور، التي نقوم بإيقادها متنقلين اليها بالتك تك المقدّس.

من مثلك أيتها الرشيقة، بلازا مايور المدريدية..؟ هناك كانت مصارعة الثيران، وفيها كان المصارعون يمتّعون المشاهدين وهم يقتلون الثيران فيها. أمّا في حرمك المطهّر فأنّ العصابات تقتل أبناء العراق، لتثبت لرعاتها ولائها وتبعيتها وحقدها على أبناء شعبنا. وكما ألغى الإسبان تلك المصارعة غير الإنسانية الى الأبد، فثوار ساحتك سيلغون حكم العصابات الإسلاميّة والى الأبد.

إنّك يا قلب العراق اليوم لست كما (تيان آن مِن) في بكّين، فهناك خرج ذوي الياقات البيض ليغيّروا تأريخ بلدهم ففشلوا بعد أن إستخدمت ضدهم السلطة كل أشكال القمع. أمّا أنت فذوي الياقات البيض يزيّنونك كما تُزيّن العروس، ويخرجون في زفّة عرسك وهم يواجهون رصاص القتلة وقنابلهم. وإن كان طلبة بكين قدّ هُزموا فأنّ طلبة العراق مصمّمين على النصر الذي بات قاب قوسين أو أدنى، فهؤلاء الطلبة ومعهم كل متظاهري العراق قد عرجوا الى السماء ولا عودة منها الّا ومعهم رايات النصر التي ستزيّن نصبك وحرمك وتزيّن الوطن. وكما وقف الزعيم الصيني ( ماو تسي تونغ) في الأوّل من أكتوبر عام 1949 على منصّة هذا الميدان وهو يُعلن قيام جمهورية الصين حتى اصبح (تيان آن مِن) رمزا للصين الحديثة، فأنّ الأوّل من أكتوبر عام 2019  كان موعد الجماهير لإعلان الإنتفاضة على سلطة اللصوص وهم يعلنون رفضهم لسلطة العصابة بعد أن خرجوا من نفق التحرير الى ضوء النهار ليعلنوا ولادة عراق جديد ولتكوني رمزا جديدا قديما لوطن حر معافى، فهل الأول من أكتوبر في بكين وبغداد مصادفة تأريخية .. ؟

في الساحة الحمراء بموسكو وأثناء الحرب العالمية الثانية، كانت الدبابات تعبر الساحة وهي تتجه الى جبهات القتال ضد النازيين. واليوم في ساحة التحرير فأنّ الثوار يخرجون منها عراة الصدور الا من يد تحمل علما، وهتافا يهزّ الفضاء وهم متجّهون لمواجهة النازيين الإسلاميين. ومثلما كانت الغلبة لدبابات موسكو وهي تدك الرايخشتاغ في برلين، فأنّ الغلبة ستكون لثائرات وثوار بغداد والعراق وهم يدكّون معاقل القتلة وأوكار الخونة..

أيها الجواهري يا عاشق دجلة والفرات أبلغ جواد سليم من أنّ نصبه اليوم أصبح مزارا وساحة التحرير كعبة للثوار والأحرار، وأبلغ أحبّة شعبك بأن شعبنا أذّن اذان الثورة، وقام ينفخ في الصور ليعلن القيامة على الطغاة ورثة الطغاة.

سلاماً، أحبة شعب نيامى، إلى يوم يؤذن شعب قياما... (3)
سلاما ساحة التحرير وساحات العراق المنتفض
سلاما ثائرات وثوار التحرير وثائرات وثوار العراق المنتفض
مجدا شهيدات وشهداء ساحة التحرير ومجدا شهيدات وشهداء العراق المنتفض

(1 و 2 و3) أبيات من قصيدة (سلاما والى أطياف الشهداء الخالدين) للجواهري الكبير.

زكي رضا
الدنمارك
1/2/2020


 







97
لنشيّع تحالف سائرون الى مثواه الأخير


لقد تفاوتت المواقف من قيام تحالف سائرون أثناء التحضير لتشكيله أو حتى بعد تشكيله، بين من  إعتبر التحالف ضرورة وطنية يُعقد عليه آمال تجاوز ما يمر به وطننا من ظروف صعبة ودقيقة، وبين من إعتبره تحالف محكوم بالفشل للتناقض الكبير بين من يمثّلون عموده الفقري. وبغضّ النظر عن موقف الفريق الثاني ووجهة نظره، دعونا نشير الى خطأ وجهة نظرهم منها ولنتمسّك بوجهة نظر الفريق الأوّل. لكن التسليم بهذا الواقع يدفعنا الى دراسة مواقف هذا التحالف من أمرين كانا حجرا أساس في برنامجه ذو البعد الوطني، وهما
"إصلاح المنظومة الانتخابية لضمان إجراء انتخابات دورية منتظمة نزيهة وحرة، وتشريع قانون انتخابي عادل يتيح المشاركة الواسعة ودون أي تمييز بين المواطنين"، "ومكافحة الفساد". وقد طعن حزب الإستقامة وهو وريث تيار الأحرار الصدري المتحالفين معه بعد أن صوّت لصالح قانون سانت ليغو المعدّل 1.9 ، وبذلك فشل هذا التحالف في أوّل إمتحان يمرّ به. أما محاربة الفساد ففشل هو الآخر كتحصيل حاصل لعدم إمكانية وصول قوى سياسية يهمّها التغيير ومحاربة الفساد نتيجة الفشل الذي سيواجهها في أية إنتخابات تحت ظل هذا القانون.

جاء في مقدمّة برنامج سائرون أنّ هذا التحالف " انبثق من قلب المجتمع ومن حركة الاحتجاج الشعبي"، وهذا ليس بعيد عن الحقيقة لحدود. الا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم ونحن نعيش أكبر عملية إحتجاج شعبي جماهيري طيلة تأريخ العراق الحديث هو: أن لماذا إتّخذ هذا التحالف موقفا معاديا لهذه الحركة الإحتجاجية وطعنها بالعلن!! أمّا السؤال الاهّم فهو موقف القوى المنضوية في هذا التحالف (غير الصدريين) من هذا الموقف المعادي للحراك الجماهيري..؟

إنّ التعويل على تنظيم طائفي مذهبي  كما التيّار الصدري وغيره من التنظيمات الإسلامية السنّية والشيعية، في إتّخاذ مواقف سياسيّة وطنية  بعيدة عن الحاضنة الطائفية والمرتبطة بحواضن إقليمية ليس سوى سذاجة سياسية. وهذا ما يجب متابعته بعناية من قبل المهتمين بالهمّ الوطني، ومنهم وعلى الخصوص المنضوين في هذا التحالف من غير الصدريين. وقد أثبت رعاة هذا التحالف عدم إمكانية إبتعادهم عن بيتهم الطائفي من خلال إجتماع قم الأخير، بعد أن جلسوا الى " أعدائهم" والتخطيط لقتل الإنتفاضة أي إنهاء الحراك الجماهيري الذي إنبثق تحالف سائرون من رحمه.

لقد ترجم المجتمعون في قُم مذهبيتهم وطائفيتهم وتمسّكهم بالسلطة على رغم فشلهم ورفضهم جماهيريا، ومن خلال تفانيهم من أجل مصالح دولة إقليمية على حساب مصالح " وطنهم" بمسيرة كبيرة وفّروا لها كل وسائل الراحة وأطلقوا عليها صفة تظاهرة، مسيرة تذّكرنا بمسيرات البعث والعديد من النظم الديكتاتورية والشمولية ومنها نظام آيات الله في طهران. وبمسيرتهم هذه عملوا على شق المجتمع العراقي والشيعي تحديدا سياسيا، وهنا تكمن الخطورة مستقبلا والتي قد تؤدي الى مصادمات بين الطرفين.  وما أن أنتهت مسيرتهم المنّظمة بعناية حتّى ترك العديد ممن كانوا يتواجدون في ساحات الإعتصام تلك الساحات بأوامر من قادتهم، بهدف إنهاء الحراك الجماهيري الذي كان كادحي وفقراء شعبنا من المنسحبين جزء أساسي منه. لكن المدهش هو محاولة كتلة سائرون ومن دون بقية القوى الميليشياوية التي إتّفقت معها في قم على ضرب الحراك الجماهيري هو أن تحالف سائرون طالب السلطة بحماية المسيرة التي دعا اليها زعيم التيار الصدري!! 

على القوى المدنية العلمانية المنضوية لليوم في هذا التحالف مراجعة مواقفها بشكل جدي، وإعلان موقفها النهائي للخروج من هذا التحالف بشكل علني وأمام الجماهير كونها دخلت هذا التحالف بشكل علني أيضا. فهذا التحالف اليوم يتحدث بلغة بعيدة جدا عمّا جاء من أجله، علاوة على لغته غير العربية. ولتعرف هذه القوى ومنها من لازال يؤمن بهذا التحالف من أنّ إكرام الميْت دفنه.

زكي رضا
الدنمارك
26/1/2020





98


حاولت سلطة المحاصصة بالعراق بشياطينها الثلاث ولا زالت، وهي تواجه أكبر رفض جماهيري لها منذ وصولها للسلطة بعد الإحتلال لليوم من شيطنة إنتفاضة اكتوبر عن طريق إلصاق مختلف التهم بها وبالمنتفضين. مستخدمة في هذا السبيل مختلف الأساليب ومنها أساليب غير أخلاقية لا تليق الا بها وبجمهورها، فربطت الإنتفاضة بدوائر إقليمية ودولية بإعتبارها هي من حرّكت الجماهير لخوضها. لتتجاوز وهي تقمع وتقتل وتغتال وتخطف المتظاهرين والناشطين حقيقة فشل نظامها في بناء الدولة، وتتجاوز بعناد أيضا عشرات الإحتجاجات والوقفات الجماهيرية المطلبية في جميع أنحاء العراق وتظاهرات عامي 2011 و2015 الواسعتين ضد الفساد وتوفير الخدمات والبطالة وإزدياد مساحة الفقر بالمجتمع، والتي أدّت بالنهاية الى إنفجار الغضب الجماهيري العفوي. لكن هل الإنتفاضة بدأت من العدم، أي ألم تكن هناك أصابع رمت أول حجر في مستنقع السلطة الفاسد؟

حادثة منفردة لكنها ذات مغزى عميق قد تبسّط لنا كيفية إنطلاق هذه الإنتفاضة، ففي شتاء العام الماضي وجدت الشرطة شاب ظنّته متشرّدا ينام ملتحفا بالعلم العراقي تحت نصب الحرية في ساحة التحرير ببغداد، وبعد سؤاله عن سبب نومه في ذلك الجو البارد أجاب من أنّه دعا عدد من الشباب للإعتصام في الساحة الا أنّ أحدا لم يلبّي دعوته، ما دعاه لأن يعتصم وحيدا. فما كان من رجال الشرطة الا ضربه وطرده من الساحة كما أوضح بنفسه لاحقا. هذا الشاب هو الشهيد (صفاء السراي) أحد أهم منظمي هذه الإنتفاضة وأبرز رموزها والذي أستشهد بعد أن اصابته قذيفة قنبلة دخانية في رأسه. بالتاكيد أن فكرة الإعتصام لم تكن فكرة منفردة، بل هي فكرة مجموعة واعية وجريئة من الشباب ضاقت بهم سبل الحياة بغياب أحزاب معارضة حقيقية قوية في وطن ينخره الفساد وتحكمه عصابات منظمة إحتكرت كل شيء فيه، مجموعة يبدو أنها نسّقت مواقفها خلال عام كامل أو أكثر مستفيدة من مواقع التواصل الإجتماعي لتحشّد من خلاله أكبر عدد ممكن من المتذمرين من الأوضاع المعيشية السيئة التي يعيشونها وشعبهم ووطنهم، كالفساد والفقر والبطالة وإنعدام الخدمات وغيرها الكثير. فهل إمكانية مثل هذا السيناريو ممكن أم لا؟ هنا لا نريد التحدث عن إنعدام الوعي في المجتمع، بل عن وجود الوعي عند نخبة من الشباب قادرة على إجراء تغيير في الحياة السياسية بتحشيدها أكبر عدد ممكن من الجماهير المتضررة ودفعها للتظاهر من أجل مصالحها ومصالح أبنائها، هذه الجماهير التي خرجت اليوم بمئات الآلاف من أجل تحقيق هذه الأهداف؟

قبل شهر تقريبا دعا أربعة أشخاص فقط في مدينة بولونيا الإيطالية من خلال مواقع التواصل الإجتماعي الى تظاهرة من أجل إدانة خطاب الكراهية والشقاق الذي يثيره هناك زعيم حزب الرابطة اليميني القومي الفاشي، ليتفاجأ الرجال الأربعة بحضور 15 ألف شخص لتلك التظاهرة! ومن وقتها ولليوم وصل عدد المتظاهرين في خمس مدن إيطالية هي (ميلانو وتورينو وفلورنسا ونابولي وباليرمو) الى 300 ألف شخص، فيما تظاهر يوم السبت 15/12/2019 في روما وحدها 40 ألف شخص. أنّ قيادة أربعة أشخاص قد لا يعرفون بعضهم البعض الا من خلال مواقع التواصل الإجتماعي لتظاهرات بهذا الحجم في إيطاليا، تعني أنّ للإنترنت دور كبير في تحشيد الجماهير المتضررة من قضية ما والتظاهر في سبيل تحقيق مطالبها " قطع نظامي طهران وبغداد الدينيين الإنترنت للحد من إستخدامه في التحشيد الجماهيري للتظاهرات". وقال أحد منظمي هذه الحركة التي تقود التظاهرات المسّماة حركة السردين تيمنا بهذا النوع من السمك الذي يتحرك بمجموعات كبيرة لمواجهة أعدائه من السمك الكبير، "المهم ورغم عفوية الحركة هو أن ينزل اكبر عدد من الناس للشارع ليقولوا أنهم سئموا خطاب الكراهية". لماذا لم تتهم السلطات الإيطالية ومنها حزب الرابطة اليميني القومي الفاشي المتظاهرين من أنهم ينفذّون أجندات أجنبية، ولماذا لم يقف مثقفوا إيطاليا وأحزابها ضد هذه الحركة الناشئة كما يقف البعض او يشكّك بإنتفاضة شعبنا، كون وقوف جماهير هذه الأحزاب والعصابات وجيوشهم الألكترونية ضد إنتفاضة شعبنا أمر مفروغ منه .

هل من حقّ شعبنا أن ينتفض ضد سلطة غارقة في الفساد؟ هل من حق شعبنا أن ينتفض لإعادة بناء وطنه؟ هل من حقّ شعبنا أن ينتفض ليعيش بكرامة؟ هل من حقّ شعبنا أن ينتفض ضد العصابات والمافيات والميليشيات التي تقتل وتخطف وتسرق؟ ليدلّنا من يقف ضد هذه الإنتفاضة أو من يشكّك بها عن الطريق الذي علينا سلوكه لإنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية الفاسد، وهل علينا الإنتظار عقد أو عقدين آخرين من الزمن حتّى يغيّر الفاسدون أنفسهم بأنفسهم وهل هناك أمل ولو ضئيل في ذلك، ومتى سيتغير ميزان القوى لصالح جماهير شعبنا إن لم يتظاهر أو ينتفض!؟

" جئت - للتظاهرات - لكي أكون شاهدا وإلا لكنت خجلت بكوني إيطالي " المتقاعد روبيرتو ريبرينو

أنا أقف الى جانب شعبنا وأساهم في إنتفاضته كطريق للتغيير والحريّة والا فأنا خجل من كوني عراقي.

 
زكي رضا
الدنمارك
17/12/2019

99
المنبر الحر / بسم الله! يا عراق
« في: 22:01 01/12/2019  »

بسم الله! يا عراق



نظام ولي الفقيه المتخلف في طهران يعرف جيدا ماذا يعني إنتصار شعبنا على أراذله وأوباشه الذين أصبحت مساحة تحركهم اليوم داخل الخضراء وخلف جدران عازلة، بعد أن ضاق بهم الوطن على سعته نتيجة جرائمهم وفسادهم وعمالتهم له، والذي سيضيق بهم أكثر وأكثر حتى نراهم في أقفاص الإتهام أو هاربين إلى بلدان العالم المختلفة ومنها كعبتهم إيران. فالعراق اليوم هو الجدار الدفاعي الأخير لنظام ولي الفقيه الذي بدأ يترنح من أثر ثورة شعبنا وهو يواجه بعنفوان قلّ نظيره آلة القتل الإسلامية، التي بطشت وتبطش بقسوة قلّ نظيرها هي الأخرى بشعب يريد أن يحيا بكرامة محطمّا قيود الذل والجهل والتخلف الذي جاء به أسوأ إحتلال على مرّ التأريخ عن طريق أراذل وأوباش، وهو الإحتلال الإيراني كونه إحتلال فكري ثقافي لا زال يريدنا أن نعيش عهد الكتاتيب والملالي، ونحيا حياة أشبه بالموت إن لم يكن الموت نفسه.

لأن النظام الدموي القروسطي في طهران يعي الخطر القادم إليه من بغداد، وهو يرى أول قطع الدومينو التي تبدأ ببغداد وتنتهي بعاصمته تسقط بإستقالة عادل عبد المهدي الملطخة يديه بدماء شابات وشبان العراق، والتي سوف تستمر بالتساقط حتى سقوط آخر قطعة دومينو في طهران، بعد أن تفقد هذه العاصمة عمقها الإستراتيجي وتمويلها المالي وتخسر فائضها التجاري وهي تعاني من آثار الحصار، حال إعلان شعبنا نصره المؤزر على نظام المحاصصة. فأنّ هذا النظام وهو يعيش حالة من الهستيريا يحاول وبكل السبل المتاحة القضاء على ثورة شعبنا والبطش بهم من خلال عملاءه وميليشياته "العراقية".

في دلالة عن حالة الهستيريا التي يمر بها نظام ولي الفقيه الفاشي، كتب حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية الصادرة يوم السبت 30/11/2018 مقالا تحريضيا يحمل بين طياته علاوة على مطالبته والتي هي مطالبة نظامه بقمع وإقتلاع جذور المنتفضين بعد إتهامهم بأنهم إستمرار لعصابات داعش الإرهابية!!، كذبا لا حدود له في محاولة لجلب تعاطف الشارع الشيعي المنتفض من خلال فرية حرق مرقد عثمان بن سعيد أوّل سفراء الإمام المهدي في النجف الأشرف من قبل المنتفضين، هذه الفرية التي كذبّتها الأمانة العامّة للمزارات الشريفة في بيان لها جاء فيه "تود الأمانة العامة للمزارات الشيعية الشّريفة، أن تُطمئن جمهورها ومحبي آل البيت (عليهم السَّلام) أين ما كانوا والشعب العراقي عامةً بأن ما أُشيع في صفحات التواصل الإجتماعي، عن إحراق المرقد المُطهر للسفير الأول للإمام الحجة (عجل الله تعالىٰ فرجهُ الشّريف) الشيخ عثمان بن سعيد العمريّ (رضي الله عنهُ) بأنها أنباء عارية عن الصحة تماماً، وأن المرقد لم يمسسه سوءً أبداً، وأن الحريق الذي أُشيع إنما هو في المحال التجارية المجاورة له، وحركة الزوار في المرقد شبه طبيعية".

لقد إستغلّ شريعتمداري في مقالته حادثة حرق القنصلية الإيرانية بالنجف الأشرف والذي هو أمر مرفوض تماما وفعل لا مبرر له، ليحرّك من خلالها أوباش وأراذل نظامه من أحزاب وميليشيات إسلامية عميلة لقمع ثورة شعبنا بأكثر الوسائل عنفا. فهو يطلب من الحشد الشعبي الدخول على خط المواجهة مع شعبنا منوها الى أنّ قمع الإنتفاضة وإقتلاع جذور المنتفضين الدواعش وفق رأيه سهل جدا على أبناء الحشد الحاملين أرواحهم على الأكف! وليعطي شريعتمداري هالة دينية وطائفية لما يريده ونظامه في قمع أبناء شعبنا فأنّه كتب مقالته تحت عنوان (بسم الله! يا حسين أخرى - بسم‌الله! یک ‌یا حسین دیگر). فهل عنوان المقالة رمز لبدء معركة مفتوحة من الميليشيات المجرمة وهي تواجه شعبنا الأعزل؟ وإن كان مهاجمة السفارات والقنصليات أمر مرفوض وفق الإتفاقيات الديبلوماسية ومنها إتفاقية فيينا للعام 1963 ، فكيف يفسّر لنا السيد شريعتمداري إحتلال السفارة الأمريكية في طهران أثناء الثورة بغضّ النظر عن موقفنا من الولايات المتحدة، وما هو تفسيره لمهاجمة سفارة العربية السعودية وقنصليتها من قبل الإيرانيين في كلٍ من طهران ومشهد عام 2016 ؟

السيد شريعتمداري، إنّك تعنون مقالتك التي تحرّض على قتل أبناء شعبنا ولطائفية مقيتة بإسم الحسين، والإمام الحسين ليس ملككم ولا ملكنا بل هو ملك للمسلمين عامّة. أمّا نحن اليوم إذ ندافع عن شرفنا وعزّة بلادنا وكرامتنا ونثور ضد أسوأ نظام فاسد عرفته بلادنا والمنطقة بل والعالم عبر التأريخ، فإننا نقسم بالعراق من إننا سنستمر في ثورتنا حتى تحقيق النصرالأكيد. فالعراق ملكنا وليس ملككم ولن يكون ملككم ولا ملك أوباشكم وأراذلكم من أحزاب وميليشيات لا تعرف الا الإنحناء وتقبيل أياديكم وسرقة ونهب ثرواتنا، وكما إنتصر الدم على السلاح عبر التأريخ، فأن دماء شهدائنا ستنتصر على رصاصاتكم وقنابلكم الدخانية والمسيلة للدموع وحينها ستكون نهاية نظامكم المتخلف. وإنني هنا إذ أعتذر لإستخدامي كلمات غير لائقة كأوباش وأراذل، يبقى عزائي هو أنها كلماتكم التي إستخدمتموها في مقالتكم وأنتم تصفون بها ثائرات شعبنا وثواره، والتي إن دلّت على شيء فأنّها تدلّ على ضحالة أخلاقكم وقيمكم وثقافتكم.

والعراق سننتصر.


(*) رابط مقالة شريعتمداري في صحيفة كيهان باللغة الفارسية
http://kayhan.ir/fa/news/175950
 
زكي رضا
الدنمارك
30/11/2019



100
لو كنت مكان السيد علي السيستاني لفعلتها

المرجعية صمّام أمان العراق، هذه المقولة هي السلاح الفعال للقوى الدينية في إستمرار هيمنتها على السلطة. وهي المقولة التي تتاجر بها هذه القوى، متّخذين من المرجعية راية يبررون فيها فسادهم ونهبهم للمال العام. والمرجعية سُلّم الأحزاب الإسلامية الشيعية وميليشياتها لتحويل العراق الى ساحة خلفية لإيران، وإن إتّخذت المرجعية موقفا مناهضا لذلك، والمرجعية هي الغطاء الذي تتستر به الأحزاب والميليشيات الشيعية وهي ترتكب جرائمها البشعة بحق شعبنا ووطننا.

شعبنا لم يخرج "أشرا ولا بطرا"،  بل خرج بداية الأمر لإصلاح حال وطنه الذي دمرّه نظام المحاصصة. خرج أول الأمر ليطالب بحياة كريمة بحدها الأدنى، فكانت شعاراته تدور حول توفير خدمات وفرص عمل ومحاربة الفساد وإصلاح النظام السياسي الطائفي الأثني. لكن والنظام يستمر بفساده وإستهتاره ونهبه للمال العام وإزدياد نسبة البطالة بين الشباب وزيادة رقعة الفقر ورفضه حتى للإصلاح الجزئي للعملية السياسية وآلياتها، تطور شعارهم  (المتظاهرين)  من الإصلاح الى التغيير الشامل، بعد أن تحولت التظاهرات الى إنتفاضة والتي هي في طريقها لأن تكون ثورة.  ثورة ستغيّر واقع العراق والمنطقة بالكامل، على الرغم من الصمت العربي والإقليمي والدولي المريب والمشبوه للجرائم التي يرتكبها حكام الخضراء بحق أبناء شعبنا.


نتيجة لعدم جدية السلطة في إيجاد مخارج واقعية للأزمة المستفحلة بالبلاد، وإعتمادها على عاملي الوقت والبطش في القضاء على إنتفاضة شعبنا السلمية. فأنّ ردة فعل الجماهير أو بالأحرى مجموعات قليلة منها أخذت منحى غير "التظاهر السلمي" والذي لا يعبر عن الوجه الحقيقي للإنتفاضة. وحتى هذا التظاهر الجزئي المحدود وغير "السلمي"، لم يُتَرجَمْ كفعل عنفي ضد قوات السلطة المختلفة ولا حتّى ضد العناصر الميليشياوية، على الرغم من أن الجماهير وفي كل مدينة تعرف الميليشياويين بأسمائهم وعناوينهم. كما ولم يهاجم المنتفضون ولليوم دوائر الدولة والمصارف ومصالح الناس لنهبها وحرقها، بل على العكس فأنهم تعاونوا مع قوات مكافحة الشغب التي حضرت لقتلهم وقمعهم بإعتقال عصابة حاولت سرقة البنك المركزي،  وهذا ما أكّدته قيادة عمليات بغداد في بيان مقتضب لها قالت فيه " القوات الامنية التابعة لقيادة عمليات بغداد تمكنت وبالتعاون مع المتظاهرين من اعتقال عصابة حاولت سرقة البنك المركزي العراقي!!

نتيجة التدخلات الإيرانية المباشرة والعلنية بالشأن الداخلي للبلاد، وإعتراف زعماء أحزاب ومنظمات وميليشيات شيعية علنا بولائها لولي الفقيه، ونتيجة للدور الإجرامي لقائد فيلق القدس الإيراني ( قاسم سليماني) في توجيهه لقوى السلطة العسكرية وشبه العسكرية  لقمع تظاهرات شعبنا، ونتيجة لشعور وطني عارم ضد كل ما هو إيراني خصوصا بعد تسريب وثائق إستخباراتية تؤكد على تدخلات إيرانية واسعة بشؤون العراق الداخلية من خلال تجنيدها لعدد كبير من الساسة للعمل لصالحها، وبغضّ النظر عن توقيت نشرها هذه الأيام.  فأنّ خطّة مبيتة سلفا وبدقة عالية بدأت لإجهاض الإنتفاضة من خلال حرق القنصلية الإيرانية بالنجف الأشرف، هذه الخطة هي على غرار نفس الخطة الشيطانية التي إستهدفت القنصلية الإيرانية بالبصرة العام الماضي، والتي أطلقت يد السلطة في الهجوم الوحشي على المتظاهرين وإنهاء التظاهرات المطلبية وقتها، والتي عزّزها النظام بإطلاق يد القادة العسكريين بإستخدام العنف المفرط بعد تعيينهم كمحافظين، بعودة غير ميمونة لسلفهم المجرم صدام حسين إبّان قمعه لإنتفاضة آذار المجيدة.

حرق مبنى القنصلية الإيرانية المخطط له بعناية من قبل السلطة  بالنجف الأشرف،  والذي جاء نتيجة رعبها من شدّة الإنتفاضة ونجاحها الذي سيكون قبرها، وبداية لإنهيار النظام الثيوقراطي الإيراني إذا ما أضفنا حراك الشعب اللبناني إليها. دفع بعض الميليشياويين والبرلمانيين وكجزء من الخطّة نفسها  بزجّ  إسم المرجعية الدينية في الأحداث،  كورقة من الممكن اللعب بها والإستفادة منها في قمع الإنتفاضة بحجّة الدفاع عن المرجعية من المنتفضين!! متناسين أنّ جماهير النجف لها تأريخ طويل وعريق في الحفاظ على هيبة المرجعية وحماية الأماكن المقدسة بالمدينة، وهم ليسوا بحاجة الى قتلة وفاسدين كي يهبّوا للدفاع عنها.

تغريدتان بائستان لكل من الميليشياوي قيس الخزعلي زعيم عصابات أهل الباطل وأخرى لرئيس كتلة السند في البرلمان النائب أحمد الأسدي، يدخلان في باب محاولات الإسلام السياسي الشيعي وتحت حجّة حماية المرجعية وشخص السيد السيستاني لشق صفوف المنتفضين وقمعهم.  وهي محاولات يائسة أخرى تضاف الى محاولاتهم السابقة والتي ستتكرر لاحقا ماداموا على رأس السلطة، كون الوعي الوطني عند جماهيرنا وهي تعرف ماذا تريد بالضبط  قد وصل الى نقطة لا تستطيع مثل هذه التغريدات أن تقف أمامها.

يقول قيس الخزعلي في تغريدته " واهم من يعتقد إنه يمكن أن يمسّ شيء من السيد السيستاني"، كما يقول أحمد الأسدي "  نعلن ان أرواحنا وأجسادنا فداء لمرجعيتنا الدينية". لو كنت مكان السيد السيستاني وأنا أقرأ هاتين التغريدتين وأمتلك هذه الهالة من القدسية وأسكن الى جوار إمام عادل، لخرجت في خطبة الغد ( 29/11/2019)  ومن صحن إمام الشهداء معلنا رفضي لما غرّد به هذان الأفّاقان قائلا لهما: لستما بأحرص من أهالي النجف الكرام وبقية شيعة العراق وشعب العراق على أمني وحياتي، فأنا أقيم بينهم ومعي المراجع الآخرين دون حمايات مثلما أنتم، وثقتي بأبناء العراق ووعيهم للتحرر من سلطة الفساد وبناء وطن معافى لا حدود لها. وإطمئنوا من لا أحد سيمسّني وباقي المراجع بسوء، إن لم تمسّوني أنتم بسوء وأنتم والله بفسادكم وجرائمكم فاعلون. وإننا كمرجعية نرى أن أجسادنا وأرواحنا هي فداء لهذا الشعب وهذا هو ديدن الإمام العادل وولي الأمر الحق، لذا وإن كنتم صادقون وأنّى لكم ذلك فكفّوا عن قتل أرواحنا وأجسادنا من خلال قتلكم لأرواح وأجساد المنتفضين العزّل الأبرياء المطالبين بحياة كريمة ووطن عزيز.. اللهم إنّي بلّغت اللهم فأشهد .

إفعلها أيها السيد السيستاني، فأنك والله  ستحقن دماء الناس وتعيد الحق المهضوم الى نصابه. السيد السيستاني لا تأخذك في الحق لومة لائم وأنت تجاور إمام الفقراء واليتامى، إمام عدل إستشهد وهو يزأر أن" فزت وربّ الكعبة. إثبت للعالم أجمع من أن ساسة الخضراء ظالمون ومن حق شعبنا أن ينتفض ليحيا بكرامة  وفز بها وأنت حيّ ترزق،  وقل لهم كما قال من تسكن جواره ..

"اللهم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك"

زكي رضا
الدنمارك
28/11/2019








101
مقتدى الصدر حصان طروادة إيراني بالعراق


نشرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخرا ونقلا عن موقع ذي إنترسبت الأمريكي،  نسخة من وثائق إستخباراتية إيرانية تكشف مساعي إيران لتجنيد مخبرين (جواسيس) لها بالعراق بعد " الإنسحاب" الأمريكي من البلاد عام 2011. وقد وردت في هذه الوثائق تفاصيل كثيرة عن التغلغل الإيراني بالعراق وعلى أعلى المستويات، ولم يقتصر تغلغل الإستخبارات الإيرانية بالعراق على جهة سياسية دون غيرها من تلك التي تتحكم بمفاصل الدولة. فعلاوة على تجنيد ساسة شيعة من الطراز الأوّل والذين بالحقيقة لا يحتاجون الى تجنيد، كونهم موالين لسلطة ولي الفقيه منذ أن كانو في إيران قبل الإحتلال الأمريكي وتمّ تجنيدهم العديد منهم هناك. فأن المخابرات الإيرانية نجحت في تجنيد ساسة سنّة أيضا وعلى مستويات مختلفة، وكذلك ساسة  كورد رفيعي المستوى. وبغضّ النظر عن الأسماء وبالعودة الى المناصب التي يحتلها هؤلاء الساسة، فإننا نستطيع أن نلمس حجم الخراب الهائل الذي يشكله أمثال هؤلاء الساسة على البلاد وأمنها.

عدّة أسئلة علينا طرحها ونحن نتابع ما نشرته الصحيفة الأمريكية، وهل معظم الأسماء التي وردت في هذه الوثائق عملت لصالح الإستخبارات الإيرانية بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق العام 2011 أم قبله؟ هل هناك قيادات دينية سياسية وميليشياوية وقبلية تجاوزتها الوثائق أو الصحيفة، ولماذا؟ هل هناك وثائق من جهات أخرى توضّح طبيعة العلاقة بين ساسة عراقيين وأجهزة إستخبارات دول جارة (عدا إيران) أو إقليمية أو دولية ومنها الولايات المتحدة الامريكية نفسها لم يحن وقت نشرها الآن؟

في الحقيقة فأنّ الوثائق المنشورة  لم تأتي بأمر جديد الا في التفاصيل، فعلاقة من ورد ذكرهم في الوثائق مع السلطات الإيرانية ليست وليدة اليوم، بل تعود الى فترات سابقة وبالتحديد الى تلك الفترة التي كانت فيها المعارضة الإسلامية والكوردية، تتخذان من إيران قاعدة لهما في صراعهما مع النظام البعثي. ومن الطبيعي أنّ إيران حالها حال أية دولة أخرى لم تكن تقدم الدعم  والمساعدات اللوجيستية لهما دون مقابل، كما ومن الغباء  التصور من أنّ إيران لم تجنّد العشرات إن لم نقل المئات ممّن كانت تتوسم فيهم القدرة على تبوأ مناصب قيادية مستقبلا منهم وإن داخل تنظيماتهم السياسية حينما كانوا يعيشون فيها. وبالتالي فأنّ الوثائق المنشورة تشير الى أمرين، أولّهما وجود أسماء أخرى عديدة لم تنشرها الصحيفة خصوصا وأن تعداد الوثائق بلغ ما يقارب السبعمائة صفحة، والثاني هو "إعتقادها"  أنّ من ذكرت أسمائهم أو العديد منهم على الأقل قد إرتبطت مع الإستخبارات الإيرانية بعد الإنسحاب الأمريكي من العراق!!

من خلال صراع القوى الإقليمية والدولية في العراق، فأنّ وجود مخبرين (جواسيس) من الطبقة السياسية يعملون لصالح دول أخرى غير إيران هو أمر بديهي، وهذا ما يعرفه الشارع العراقي حتّى دون وجود وثائق على أهميتها، بل أنّ هناك ساسة إعترفوا علنا من أنّهم يعملون لأكثر من جهاز إستخباراتي.  والحرب الطائفية ونهج المحاصصة الذي دمّر البلد وهو ينفّذ أجندة دول إقليمية، فرض وللأسف الشديد واقعا لم يمرّ به بلد في المنطقة قبل العراق. فالقوميات والطوائف وهي تبتعد في ظل غياب الثقة بينها عن الفضاء الوطني كما خُطُّطَ لها ، أفرزت مجاميع من السياسيين كانت تحج الى العواصم الإقليمية ولازالت لطلب الدعم المالي والسياسي والإعلامي لأحزابها بحجّة دعم قومياتها وطوائفها، فهل هذه العواصم كانت تقدم خدماتها لهم بالمجّان؟ أم أنها حذت حذو إيران في تجنيد ساسة هذه القوميات والطوائف كمخبرين (جواسيس)؟

بغضّ النظر عن تجنيد الإستخبارات الإيرانية للشخصيّات السياسية المرموقة وذات التأثير الكبير على الساحة السياسية، وما قدّمته هذه الشخصيات لها من خدمات طيلة سنوات ما بعد الإحتلال لليوم. الا أنّ دولة كإيران بثقلها الإقليمي  وعلاقاتها الواسعة مع العراق وخصوصا مع الأحزاب الشيعية ذات الثقل الأكبر في رسم سياسة البلد، ونظرتها المستقبلية للمنطقة والعراق كونه بوابته للتمدد من جهة، وحبله السرّي إقتصاديا وماليا وهي تعيش حالة مواجهة مستمرة مع أمريكا وتنوء من أثر الحصار الأمريكي عليها من جهة أخرى، يهمّها جدا إستقرار شكل الحكم الذي تتحكم هي فيه أي نظام المحاصصة الطائفية الأثنية.

أية تظاهرات واسعة كالتي يشهدها العراق اليوم  تشكل ناقوس خطر كبير على نظام طهران، خصوصا وأنّ ما يجري بالعراق والمنطقة سيؤثر حتما على الأوضاع الداخلية فيها. وهذا ما لمسناه بعد تظاهرات الشعبين العراقي واللبناني ضد نظامي بلديهما الفاسدين واللذان يحضيان برعاية ودعم حكام طهران، والذي ترجمه الشارع الإيراني بمظاهرات صاخبة في الكثير من المدن الإيرانية بعد زيادة أسعار الوقود والتي قد تتحول الى نهضة شعبية ضد النظام فيها. وممّا لا شك فيه  فأنّ دولة مثل إيران لثقلها ومصالحها كما ذكرنا قبل قليل تفكر في مواجهة مثل هذه الأحداث قبل وقوعها، أو العمل على أحتوائها وإنهائها من الداخل إن حدثت فجأة. ولكي تصل إيران لتنفيذ أهدافها ورغباتها هذه ونحن نتحدث عن تظاهرات شعبنا منذ العام 2011 والتي تُوجّت في الأول من تشرين/ أكتوبر الى إنتفاضة جماهيرية واسعة تنشد تغييرا حقيقيا بالبلاد وإخراجه من أزماته المستفحلة والتي تهدد المصالح الإيرانية من خلال تهديها للسلطة نفسها في الوقت نفسه،  فأنها بحاجة الى عملاء من طراز غير طراز الساسة في المناصب السيادية او المرموقة والحساسة في أجهزة الجيش والشرطة والإستخبارات، عملاء لهم سطوة في الشارع العراقي وقادرين على تحريك جماهيرهم مثلما يشاؤون أي مثلما تشاء طهران. فهل نجحت طهران في تجنيد مثل هذه الشخصية والتي لم تشير إليها وثائق النيويورك تايمز، وما الدليل المنطقي لذلك؟

منذ إندلاع أول تظاهرات مطلبية شعبية بالعراق في شباط 2011، شعرت الحكومة الإيرانية بخطر مثل هذه التظاهرات وتطورها النوعي والكمي خصوصا وهي تعرف جيدا حجم الفساد الذي ينخر الدولة العراقية، وما سينتج عنه من غضب جماهيري قد ينفجر فجأة ويخرج عن نطاق السيطرة. لذا كان عليها تجنيد شخصية لها ثقلها في الشارع، شخصية تستطيع التغلغل داخل التظاهرات وحرف مساراتها للغلبة العددية له أو للتيار الذي يمثّله، شخصية تقترب من المقدّس عند بسطاء الناس التي تتحرك بإشارة منه وتعود الى بيوتها بإشارة منه أيضا. فمن هي هذه الشخصية؟

لقد دخل التيار الصدري فجأة ودون سابق إنذار الى تظاهرات ساحة التحرير والمدن الأخرى في شباط 2011، وقدّم نفسه كمناهض للفساد وقتها، على الرغم من أن هذا التيار كان يهيمن على الوزارات الخدمية والتي إشتهرت كوزارات فاسدة كما غيرها، ما دعا الجماهير للتظاهر ضده أي الفساد.  وطالب قائد هذا التيار أي مقتدى الصدر من المتظاهرين أن يعطوا الحكومة مهلة ستة أشهر لتنفيذ مطالبهم، لينسحب تياره من التظاهرات تاركا القوى المدنية والديموقراطية والنقابية والمهنية ومنظمات المجتمع المدني وحدها، بعد أن سرق منها شعاراتها وأفرغ تظاهراتها من زخمها التي كانت عليه قبل دخوله اليها أساسا. وإستمرّ الصدر في لعبة المشاركة في التظاهرات والإنسحاب منها حتى إنتفاضة شعبنا اليوم. وكان يترك الساحة العراقية الملتهبة ليحل ضيفا على حسن نصر الله في لبنان أو قاسم سليماني في طهران، وليتابع التظاهرات من على شاشات التلفزة!!

لقد رفع المنتفضون في ساحة التحرير وبقية سوح التحرير بالعراق شعار التغيير وليس شعار الإصلاح الذي يريد الصدر برفعه إستمرار مؤسسات الفساد بالبلد خصوصا وأنّ تياره وبغض النظر عن أسماءه (أحرار – سائرون) هم جزء من آلة الفساد المدمّرة والتي ينتفض شعبنا ضدها هذه الأيام، هذا الشعار أي التغيير الذي يقض مضاجع طهران ويهدد مصالحها. كما وأعلن المنتفضون في ساحة التحرير وغيرها من سوح التظاهر بمختلف المدن والبلدات العراقية رفضهم للأحزاب والتيارات السياسية، وقد هتفت الجماهير ضد التيار الصدري والصدر شخصيا في كل المدن المنتفضة.

الا أن الصدر المقيم اليوم في قم، وهو يرى حالة الغليان الشعبي ضد السلطة الإيرانية نتيجة تدخلاتها المباشرة بالشأن العراقي وآثارها الكارثية على الدولة والمجتمع، وفقدان إيران لمراكز قوتها جاخل المجتمع الشيعي خصوصا وأنّ الانتفاضة بدأت شيعية وتتركز في الوسط الشيعي. عاد وبأوامر من الإستخبارات الإيرانية ليحرّك ما تبقى له من جماهير وبأوامر مباشرة من قاسم سليماني الحاكم الفعلي للعراق، للدخول الى ساحات التحرير من أجل إنهاء إنتفاضة شعبنا. أنّ خطر مقتدى الصدر على إستمرار إنتفاضة شعبنا كبير جدا، وعلى المنتفضين إبعاد أو إحتواء أنصاره من خلال التركيز على علاقته بالسلطات الإيرانية وإقامته فيها رغم حالة الهيجان الشعبي المعادي للوجود الإيراني في بلادنا. إذ من غير المعقول أن يكون مقتدى الصدر مع التغيير الذي تنشده جماهير شعبنا وهو يعمل على تحريك أتباعه من طهران التي تستخدم كل السبل لإجهاض هذه الإنتفاضة التي شكّلت منعطفا هاما في حياة شعبنا ووطننا.  كما وعلى المنتفضين الإصرار على خلو ساحات التظاهر والإعتصام من صور أية شخصيات دينية وسياسية، وليكن العلم العراقي والأناشيد الوطنية التي تمجد العراق وإن