ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: شمعون كوسا في 21:50 06/05/2019

العنوان: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: شمعون كوسا في 21:50 06/05/2019
زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
شمعون كوسا
أود ان ابدأ المقال بالتنبيه  :  (قد يطول حديثي ، لذا ادعو من يخونه الصبر أن يباشر المقال من نهايته) .  فلنبدأ اذن :
شوق عارم ألهبني لرؤية شقلاوا ، اشتدّ الحنين وطفح ، تصاعد كدخان كثيف حملته الرياح بكافة الاتجاهات ، الى ان التقطته قوة خفيّة ، توجهت نحوي وامسكتني ولم تتركني .
وضعتني هذه القوة على مسارٍ طويل  ابتدأ بسكة حديد  ، وبعدها تابع لمرتين متتاليتين على سكة جوية. بعد عناء كان يخفّفه دوما شوقنا  العارم، وصلتُ  وزوجتي الى ديارنا الجميلة. بعد كل تبرّم او انزعاج في الطريق ، جرّاء انتظار ، أو تأخر ، أو تفتيش ،   كانت هذه القوة تمنعني من الالتفات الى الوراء ، فتُمسك برأسي وتديره وتدعوني الى النظر قدما . وصلنا هناك في موسم يُفترض أن يكون ربيعا، غير انه، لسوء حظنا، كان قد انقلب شتاء وسط دهشة الجميع. 
في سفرتي هذه كنتُ على موعد مع اثنين من اخوتي ، احدهم قادم من الولايات المتحدة الامريكية ، والثاني من استراليا ، وكان قد وصل في نفس الفترة ، وفد عائلي آخر من السويد يرأسه ابن خالتنا مع اولاد اخي واختي . وعندما اتكلم عن الاخوة والاخوات فاني اشمل البنين والاحفاد. كان قد التأم شملنا ، مع أخَين آخرَين كانا لا زالا مقيمَين هناك ، مع اختين ، وزوجة أخ رحل منذ سنوات .
كان مقامنا في بلدة عينكاوا  لأن الاهل ،  أسوةً باغلبية سكان شقلاوا ، كانوا قد اختاروا عينكاوا ، منذ سنوات طويلة ، موضع اقامة دائمي لهم . أمّا ، لماذا تركوا بلدتهم الجميلة ؟ الجواب السريع الذي يأتي ليثنيك عن الإطالة يقول : دعِ الموضوع جانبا ، لان الحديث ذو شجون.
بعد غياب طال عشر سنوات ، وجدتُ عينكاوا وكأنها عشّ نمل. عدد هائل جدا من السيارات يفوق طاقة الشبكة الداخلية من الطرق. كان السير ، في اغلب الامكنة غير خاضع لأي قانون ، فكنتَ مثلاً تدخل فرعا مأهولاً  بأكوام من الحصى والرمل والحديد ، هناك سيارا ت متوقفة على الاقل من جانب واحد ، تُقابلك  سيارتان تحاولان الخروج من الفرع. كيف كان يخرج السواق من هذه الفوضى او الدوامة. لقد سمعت بان البعض قد اطلقوا على احدى الساحات  إسما يشبه عبارة (على بركة الله). لاحظتُ بان العمران لا زال على قدم وساق ، واحيانا دون تخطيط  مسبق ،  فبعض البناء يتم على هوى صاحب البناية  وعلى هوى مقدرته في المخالفة.  فمثلا دار اخي ،  لم تعد ترى الشمس كما يجب ،  بسبب عمارة سترتفع  دون توقف حتى طابقها الخامس عشر . كنت اضطر للابتعاد كثيرا  أو الانبطاح ، كي اتوصل الى رؤية قمة العمارة. لاحظت بان  البلدة قد توفّر فيها كلّ شيء ، من اسواق تضاهي اسواق دول الغرب وشركات من جميع الاختصاصات . واما اعن الفنادق والمطاعم فيمكنك التحدث عنها دون كلل ، لانك سوف لن تتوقف الا عند انبلاج الفجر. انها في الليل شبيهة ، في بهرجتها وانوارها والوانها،  بمدينة عصرية كبيرة.
لقد ارتفع مستوى المعيشة لدى اغلبية الناس وانقلبت كافة الموازين ، فالشخص الذي لم تكن تكترث له قبل سنوات، اضحى صاحب فندق او عمارة ، او على الاقل يحتكم على دارين وبعض قطع اراضي. كنتُ استغرب لدى ذكر بعض الاشخاص ، كنتُ  أعرفهم متواضعي المستوى الى حدّ الانعدام احيانا ، اصبحوا الان ملاّكين من الوزن الثقيل  . يقال ان  بعض هؤلاء القافزين الجدد ، كانوا يمتهنون مهنة تقديم الشاي .
حتى رجال الدين لم يشذّوا عن القاعدة ، فبعضهم صار يتبارى في استزادة ممتلكاته ، ولكنه يجب ااقرار بانه هناك بينهم قلة زهيدة جدا تحصي على قسم من اصابع اليد الواحدة ، لا زالوا محافظين على بعض  مبادئهم في التجرد . باعتقادي الشخصي أنا ، الجيل الجديد من رجال الدين ، يندفعون للانخراط في هذه السلك لسهولته وللامتيازات المادية التي يوفرها ، لا سيما إذا لاحظنا  تعليمهم  السطحي تماما . يفترض مثلا ن يكون هؤلاء   تابعين للطقس الكلداني، ولكن بعضا منهم يقرأ الكلدانية بأحرف عربية ، ناهيك عن جهلهم المطبق للمعنى !!! اين هذا من زمن كان تدريس الآرامية يستغرق ثماني سنوات ؟
الاحاديث هنا تدور حول الدولار وعدد دفاتره ، وأيضاً حول عدد الاراضي وعمليات بيعها وشرائها ،  وحول مساحة البيوت وعمليات هدمها لإعادة بنائها من جديد بمساحات تتيح تأجيرها او بيعها.  بورصة البناء وتجارة الشراء والبيع ، هي ، وبصورة عامة ،   لولب اغلب الاحاديث . والشخص الغريب عن هذه الاجواء ، يقف حائراً امام ماديّة الناس الذين ، بالرغم من عدم اهمالهم  اي واجب ديني ، تبقى رؤوسهم دائمة الانشغال بهذه الافكار. كنتُ واقفا اسمع الحديث فنظرت الى الاسفل فابصرتُ نملة اعتقدتْ بأني سائلها عن مقتنياتها ، فبادرتني مسرعة قائلة بانها لم تحصل لحد الان على سكن.
لقد جلسنا كثيرا نعاقر الخمر التي ، بالاضافة الى المكسرات العادية ، لم تكن ترضى الا برؤية نفسها وسط مقبلات  واطعمة بقولية موسمية ،  كالكَبلوكة ، والكاردى ، واللكَنى ، والميميصى ، والشوَلتا ، والقطوُطونته . عبثا يحاول القارئ ترجمة بعضها الى العربية ، لانه سوف لن يجد مرادفا لجميعها !! كان الحديث يجد ثغرة أحيانا ، فيُفلت ولو لوهلة ، لإلقاء نكتة ، أوسرد نادرة ، أوقص حكاية كالتي حصلت   لحمار مام فرنسي، حكاية حزينة كانت تنتهي بدمعة ساخنة تتساقط من عين الحمار وتنزل ببطء على وجهه ، فيعقبها دويّ ضحك من السامعين . فكان يصحّ ما قاله الاقدمون  : شرّ البلية ما يضحك ؟، كما كنا ننتهز الفرصة لاعادة بعض ذكريات الصبا والطفولة ، كما كان يعاد مشهد المرأة التي اقفلت عليها  بالسيارة  وايضا موضوع رانية الغامض!!
بحكم قضاء  الكثير من وقتي في الكنيسة اثناء اسبوع الالام  ، سمعتُ اصواتا كنسية   بعيدة جدا عمّا يسمى  بالرخامة ، وبعض منها كان يذهب الى حد الازعاج . بهذا الخصوص ، كان يحلو لي  تشبيه احد هذه الاصوات ،  بـ (مجموعة صفائح فارغة يسحبها طفل بقوة ، على حجر مكسر او حصىً مفروش دون ترتيب) !!!
امضينا ليلة لا تّنسى في شقلاوا  في تذكار عيد الربان بويا ، شفيع شقلاوا . من الصباح الباكر قمتُ لاقف بإعجاب امام جبلنا الشاهق وأتامل قمته التي طالما تخيلتها وتذكرتها .اصغيت الى بلابلنا الوطنية ، واستنشقت بزفير عميق هواء شقلاوا العليل . رفعت انظاري كي تمتد بعيدا باتجاه الجبال البعيدة المغطاة بالثلوج . البلدة لم تشهد تطورا خاصا ، ولكنها قد تغيرت في بعض مناطقها وفي غياب اهلها عنها ،قام بعض الاثرياء بتشييد منازل حديثة على اماكن مرتفعة.     
في طريق  عودتنا من هيران ، اتخذنا الطريق السالك خلف جبل سفين . كان الربيع قد فرش سجادته الخضراء في كل بقعة،  والعمران كان قد عمّ حتى خلف الجبل.  لقد مررت وسط قرى كنت اعرفها سابقا فقط بالاسم ..
وفي ذكرى عيد (مربينا قديشا) ، توجهنا بسيارة جماعية نحو كويسنجق  ومنعطفات جبل هيبة سلطان للانتهاء في منطقة جناروك . حطّينا في حديقة وفّرت لنا اروع منظر من الامام ومن الخلف . من الامام كنّا قبالة جبال بعيدة مكللة بالثلج ، ومن الخلف ايضا كنا متكئين عند سفح جبل صغير.  بفضل الشمس ، والمنظر الجميل ،  وبمؤازرة بعض الكؤؤس ، طابت انفسنا،  فانطلقنا في الغناء ، بالرغم من حنجرة  ارهقتها السنون ، وقلّص البرد من مساحاتها .
الحديث يطول كثيرا ، لان كل لحظاتنا كانت نزهات ، لقاءات مع بعضنا البعض ، ومع اصدقاء تركناهم منذ زمن بعيد ، وكانت أيضا جلسات أبقت على جوّ الفرح الذي لم يبارحنا  طيلة اقامتنا. لقد سررتُ بتنفيذ مشروع كان يراودني منذ زمن بعيد ، مشروع كنا قد الغيناه قبل خمس سنوات بسبب قدوم دولة تنادي بالحب والسلام ،عبر القتل والذبح والتهديد !!
كِدتُ انهي المقال دون التحدث عن لقائي المهم مع استاذي الكبير البير ابونا ، الذي ناهزت مؤلفاته وتراجمه المائة وخمسين كتابا، أو دون ذكر الاوقات التي امضيتها بجانب القس فرنسيس ، شخية اعرفها حق المعرفة واثمّن ما تحملها من ثقافة عالية ومؤهلات كثيرة اخرى .  كنت على وشك ان انسى السهرة  الممتعة التي امضيناها  بصحبة عازف كمان يَعتبر نفسه هاويا ، ولكنه  قد دنا كثيرا من الاحتراف ، لقد أطربنا هوشيار بما طاب من اغاني ام كلثوم وغيرها من مقطوعات حملتنا الى اجواء بعيدة عن واقع دنيانا .
وهل يعقل ان اغادر دون توجيه شكر خاص لكل من ساهم في انجاح سفرتنا من اخوة ، واخوات وأزواجهم وزوجاتهم واولادهم.
 
 

العنوان: رد: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: خالد توما في 10:35 11/05/2019
مقال رائع وكلمات رائعة يا صديقي الأروع
الرب يسوع المسيح يمنحك الصحة والسعادة والعمر المديد
العنوان: رد: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: شمعون كوسـا في 12:07 11/05/2019
شكرا لاخي خالد توما . انت الاروع وشكرا لذوقك السليم ووفقك الله في ادامة سعادتك عبر صحة جيدة ، لان الصحة هي اساس كل شئ لتذوق حياة خلقها الله لنا جميلة جدا. حفظك الله
العنوان: رد: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: سامي ديشو في 13:59 11/05/2019
الاخ شمعون كوسا المحترم

مقالة شيقة عن شقلاوة الجميلة، مع وصف بديع لها، مع ذكريات الطفولة والصبا المطبوعة في ذاكرتكم. ليس من السهولة، لا بل لا يمكن نسيان تلك الذكريات، وهذا حالنا جميعا.

نتمنى أن لا تكون زيارتكم الاخيرة، لا زلتم شباب.... تقبل تحياتي.

سامي ديشو - استراليا
العنوان: رد: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: شوكت توســـا في 15:39 11/05/2019
الصديق الطيب شمعون كوسا المحترم
تحيه طيبه
 واناأقرأ سردكم القوس قزحي حول زيارتكم لبلدتي الثانيه شقلاوه,أبت نفسي الا ان ترافقكم وجدانيا اثناء جولتكم وطريقة وصفكم للمتغيرات المتعدده( مع الاسف على غلبة المظاهر السلبيه في أنحائها)التي اصابت شقلاوه مثلما باتت تصيب العديد من مساقط رؤوسنا كما تفضل الاخ سام واشار.
أما عنوان مقالكم اخي ابا كميل, فقد إستفزني  بشكل  وآخر ,وما زلت حائرا الى حين معرفة السبب الحقيقي لاختياركم العنوان, هل هو بسبب اشتعال الرأس شيبا,ام بسبب الضجر مما هو سائدفي شقلاوه ؟
تبقى تمنياتي لكم بالصحه والعافيه هي الاهم, اما الامر الاخر , فلا اود الخوض فيه لاني اعرف كم تتحاشاه .
محبتي  واشواقي لكم
العنوان: رد: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: شمعون كوسـا في 10:24 13/05/2019
الاخ سامي

شكرا لاطلالتك. نعم ليس هناك اصدق من ذكريات الطفولة ، وفعلا ذكرياتي كانت مرتبطة بالطفولة لاني تركت شقلاوا في سن الحادية عشرة ، عدت لها من حين لاخر ولكن المنحوت في الذاكرة كانت منذ السنة الثانية من عمري. لحسن الحظ بقي الجبل كما هو ولكن يد البشر قد عبثت بكل المعالم . هذه هي الدنيا. حفظك الله
العنوان: رد: زيارة إلى شقلاوا ، باعتقادي ستكون الاخيرة
أرسل بواسطة: شمعون كوسـا في 10:30 13/05/2019
اخي شوكت
نعم كنت في بلدتك الثانية وانا اعرف كمّ الحب الذي تكنّه لبلدتنا واهلها. نعم كنت احترق شوقا ، حتى اذا كان فقط للوقوف على الاطلال. تبقى شقلاوا جميلة بالرغم من كافة التغييرات التي خضعت لها. اما عنوان المقال فهو صحيح لاني يا اخي لا احب السفر ، والسفر الى ديارنا ليس محطة واحدة ولكنه محطات وعليك الانتقال من قطار الى طائرة ولربما طائرة ثانية . يا شوكت تتقدم بنا الايام. تحيات لافراد العائلة كافة