عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - خوشابا سولاقا

صفحات: [1]
1
النادي الثقافي الآثوري وإنتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الرابع والأخير )
                                                                                                     
المهندس : خوشابا سولاقا
القراء الكرام أبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الثالث .....
إستمرت الأمور في النادي الثقافي الآثوري تجرى بهذا الشكل وعلى هذا المنوال في تصاعد مستمر لصالح نمو الوعي القومي بجانب نمو الوعي الوطني والتعايش السلمي مع الآخرين من الشركاء في الوطن من مكونات الشعب العراقي بين جماهير شعبنا داخل النادي وخارجه لغاية عام 1975 .. في إنتخابات الهيئة الأدارية للنادي في ذلك العام فاز مرشحي تيار الشباب القومي التقدمي المستقل فوزاً ساحقاً على مرشحين الطرف الآخر من مؤيدي السلطة وأتباعهم ، وجاءت نتائج الأنتخابات بالسيد رابي إيشو دنخا يقيرا رئيساً والمرحوم رابي روميل كوركيس نائباً للرئيس وخوشابا سولاقا ( كاتب المقالة ) سكرتيراً والمرحوم رابي إيشايا يونان أميناً للصندوق والأغلبية من أعضاء الهيئة الأدارية من الأعضاء العاملين والأحتياط ، فعلى أثر هذا الفوز الكبير جن جنون السلطات الأمنية والبعثيين ومؤيديهم في النادي وخارجه الذي أذهلهم وأثار غضبهم وحنقهم على التيار القومي المستقل لدقة تنظيم العمل الأنتخابي والمحافظة على سرية أسماء المرشحين الى ساعة الصفر .. ومنذ تلك الساعة صّعدتْ السلطة من إجراءاتها القمعية وضغطها والتضييق على النادي بكل الوسائل التي تمتلكها ومن كافة الجوانب بغرض تحجيم وتقزيم دور تيار الشباب القومي التقدمي المستقل ، وإنتهت هذه الأجراءات بفصل رابي إيشو دنخا يقيرا من رئاسة الهيئة الأدارية وعضوية النادي وترقين قيده لآسباب سياسية كونه سجين سياسي قومي سابق من جماعة حزب ( خيث . خيث . ألب . – خوبا وخوياذا دآثور ) وبهذه الطريقة المهزلة تمكنوا من التخلص منه كعضو فعال ونشط في قيادة نشاط الشباب القومي التقدمي المستقل ، وأهم إنجاز حصل في فترة هذه الهيئة في فترة بقاء الأستاذ إيشو دنخا يقيراً رئيساً كان فتح فرع للنادي الثقافي الآثوري في السليمانية ، وحفل الأفتتاح الذي أقامته الهيئة المؤسسة للفرع في فندق السلام ( آشتي ) في السليمانية بحضور رابي إيشو دنخا يقيرا وحضورنا شخصياً بمعيتنا المغنية الآثورية المعروفة أكنس يوخنا وحضره جمهور غفير من طلبتنا في جامعة السليمانية ومن أبرز أعضاء الهيئة المؤسسة للفرع الشهيد الخالد يوسف توما زيباري والطيب الذكر رابي عوديشو آدم ميخائيل رئيس تحرير مجلة المثقف الآثوري وغيرهم لا تحضرني أسمائهم من الشباب القومي التقدمي المستقل ..
بعد فصل رئيس النادي الشرعي رابي إيشو دنخا يقيرا بهذه الطريقة الهمجية ووفقاً للنظام الداخلي تولى الرئاسة نائبه المرحوم رابي روميل كوركيس ، وخلال هذه السنة والتي تلتها حصلت تدخلات وضغوطات كثيرة وكبيرة على النادي من قبل السلطات الأمنية بمساعدة المتعاونين معها من أعضاء النادي بهدف إحتواء نشاطات تيار الشباب القومي التقدمي المستقل وفرض العناصر البعثية والموالين لهم من الأنتهازيين المستقلين ، مما دفع بالكثير من أعضاء النادي الى العزوف من الحضور والتواجد في النادي والمشاركة في فعالياته ونشاطاته كما كان الحال في السابق ومن ثم الأبتعاد عن النادي كلياً ، وقد ساهم  في تعاظم موجة الأبتعاد عن النادي تصاعد موجة الهجرة من أرض الوطن ، وتوسعت إختراقات وتأثير العناصر البعثية والأمنية في النادي أمثال السيد وليم شاؤول بنيامين المعروف بتعاونه المكشوف والعلني مع الأجهزة الأمنية للنظام ودوره في تبعيث الشباب من طلبتنا الجامعيين وكسبهم الى جانبه والأنخراط في تنظيمات قومية مزيفة ومرتبطة من خلال شخصه سراً بحزب البعث .. وقد تمكن السيد وليم شاؤول الذي تم إعتقاله من قبل السلطات الأمريكية في الولايات المتحدة الأميريكية بتهمة كونه من العناصر الأمنية والمخابراتية للنظام السابق بمكره من خداع وتضليل وتوريط بعض العناصر النشطة من خيرة الشباب القومي الناشط في الجامعات والذين كان لهم دور فعال ومشهود وكبير في تحشيد جماهير الشباب القومي التقدمي المستقل في الفوز بأنتخابات عام 1975 ، خدعهم بأستخدام شعارات قومية زائفة والدعوة الى تأسيس أحزاب قومية خاصة بأمتنا ، وإنتهت هذه المحاولات للسيد وليم شاؤول بتأسيس نادي سنحاريب العائلي برآسته ، ومن أبرز أفراد هذه المجموعة المخدوعة بألاعيب السيد وليم شاؤول مع الأسف الشديد هم الأخوة نمرود بيتو يوخنا وبنيامين أبرم الذي كان مثالاً للمثقف المفكر من وجهة نظرنا الشخصية وكوركيس ياقو مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون المسيحيين في زمن المالكي وغيرهم الكثير من نشطاء الشباب البارزين في النادي والجامعات لا تحضرني أسمائهم ، وحسب ما وردنا شخصياً عن هؤلاء الأخوة بأنهم عندما شاركوا السيد وليم شاؤول لم يكُن يعلمون بكونه عنصراً في الأجهزة الأمنية وعضواً في حزب البعث ..
وعلى خلفية الأحداث التي حدثت في النادي وبسبب الأبتعاد والتخلي والهجرة لأغلب العناصر القومية عن النادي تمكنت هذه المجموعة من السيطرة على النادي بفوزهم في إنتخابات الهيئة  الأدارية للنادي الثقافي الآثوري للسنوات ( 1977 – 1979 ) .. وخلال هذه الفترة حصل ما حصل من التراجعات والأخفاقات في نشاطات النادي في كافة المجالات وقد لا تكون أسبابها كلها كامنة في تركيبة الهيئة الأدارية الجديدة لوحدها وإنما الوضع العام بعد تعاظم دور صدام حسين في الهيمنة على السلطة وضربه للحركة الوطنية والثورة الكوردية وما إستجد من بوادر نشوب الحرب العراقية الأيرانية وتصاعد موجة الهجرة لها دور فعال ومؤثر أيضاً ، وإستمرت أوضاع النادي بالتردي الى أن إنتهى الآمر به في النهاية المؤلمة والمحزنة لهذا الصرح الثقافي العملاق بإقامة على أطلاله وأنقاضه بناء هزيل مشوه بعيد كل البعد عن الثقافة ألا وهو ما سمية بالنادي الآثوري العائلي برآسة السيد أفرام منصور ( أبو نادية ) أحد رجالات السلطات الأمنية للنظام السابق .. هكذا إنتهى ومات ودفن هذا العملاق الثقافي ومنهل الفكر القومي التقدمي الوحدوي والوطني ، النادي الثقافي الآثوري وأسدل عليه الستار وتوزعت كوادره المثقفة في المهاجر دون راعٍ يجمعهم .. ولكوننا أحد أعضاء هّذا النادي ونحمل رقم العضوية ( 22 ) وكنا من العناصر النشطة فيه في مجال الفكر القومي التقدمي سوف نحاول أن نكون بقدر المستطاع صادقين ومنصفين بحق الجميع بقدر ما تُيّسر لنا معلوماتنا وذاكرتنا وسنذكر لضرورة الأمانة التاريخية إرضاءً للتاريخ والضمير بأنه لم يكن هناك أي تنظيم سياسي حزبي أو حركة سياسية قومية على هيئة حزب منظم موجودة ومعروفة وعاملة في النادي الثقافي الآثوري ولا حتى خارجه في المجتمع على حد علمنا إلا من كان له إرتباط باجهزة النظام الفاشي لنهاية عام 1976 وهي السنة التي بنهايتها غادرنا النادي بعد أن تيقنا من عدم إمكانية إستمراره على ما كان عليه سابقاً مستقلاً بقراره الى حدٍ كبير ، ومن يدعي العكس فاليأتي ببرهانه المادي ووثائقه ويدحض ما قلناه ويؤكد على العكس من ذلك وسنكون له شاكرين ومعتذرين في نفس الوقت ..
أما ما حصل بعد ذلك وخصوصاً بالنسبة لمجموعة نادي سنحاريب العائلي وإنفصالها وإبتعادها عن السيد وليم شاؤول بنيامين عضو حزب البعث ورجل الأجهزة الأمنية وتأسيسها لما يسمى الآن ( الحزب الوطني الآشوري ) الذي سمعنا به شخصياً بشكل رسمي وعلني لأول مرة بعد سقوط النظام عام 2003 وحضرنا الى إحتفاليته الأولى في نادي الدورة الأجتماعي وقدمنا سكرتيره العام حينها الأخ الكريم والصديق العزيز نمرود بيتو يوخنا الى الحاضرين بصفة نعتز بها ونشكره إليها ولا نريد ذكرها لكي لا يكون ذلك مدحاً للذات ، بالنسبة لنا وللآخرين أيضاً على ما نعتقد تبقى العلاقة بين مجموعة نادي سنحاريب بشخوصها المذكورين والسيد وليم شاؤول بنيامين والحزب الوطني الآشوري تلك الحلقة المفقودة في هذا السفر التي نبحث عنها ولغزها الغامض وتفسيره ... نقول بصراحتنا المعهودة كما يعرفنا الجميع من المقربين ومنهم الأسماء التي ذكرناهم في هذا المقال من هذه المجموعة أن إحدى إعترافات السيد وليم شاؤول أثناء محاكمته في اميريكا كانت أنه أحد المؤسسين الرئيسيين للحزب الوطني الآشوري وأتمنى أن لا يكون السيد وليم شاؤول صادقاً بإعترافه هذا .. !! نحن نستغرب حقاً كيف كانوا كل من الأخوان نمرود بيتو وبنيامين أبرم وكوركيس ياقو وغيرهم من مجموعتهم المعروفين وهم من خيرة الناشطين القوميين التقدميين المستقلين في النادي الثقافي الآثوري والجامعة لا يعرفون حقيقة السيد وليم شاؤول وإرتباطاته بالأجهزة الأمنية والحزبية للنظام السابق والذي كان معروفاً ومكشوفاً للقاصي والداني من المهتمين بالشأن القومي وحتى لأبسط الناس في النادي الثقافي الآثوري وفي المجتمع .. إنه لأمر غريب لا نستسيغه ولا نصدقه حقاً  ... !! ، وعليه ولغرض إزالة هذا الألتباس والغموض والشكوك عن العلاقة بين الحزب الوطني الآشوري والسيد وليم شاؤول مطلوب من الأخوة في قيادة الحزب الوطني الآشوري حالياً وسابقاً توضيح هذا الأمر بجلاء ووضوح لجماهير شعبنا بدلآُ من اللجوء الى السِجالات وتبادل التهم والنعوت غير اللائقة بينهم وبين الأخ الكاتب القومي أبرم داود شبيرا الذي سمعته القومية لا تشوبها شائبة ولا غبار على أمتنايوثه لكل من يعرفه حقاً ومنهم نحن شخصياً عبر وسائل الاعلام ، ونحن شخصياُ لا نشك بأمتنيوثة الطرفين لكونهما من منبع واحد ألا وهو تيار الشباب القومي التقدمي المستقل في النادي الثقافي الآثوري ..
لاحقاً ونتيجة لكل هذا المخاض العسير تكللت جهود البعض من أبناء شعبنا النجباء من الشباب القومي التقدمي المستقل ممن حملوأ مشاعل الحرية بأيديهم وصعدوا على أعواد المشانق بالنجاح في تشكيل مجاميع منظمة سياسية مختلفة في رؤآها وتوجهاتها الفكرية في كل من بغداد ونينوى وكركوك ودخلوا مع بعضهم البعض في حوارات ونقاشات مضنية وطويلة لتوحيد الجهود المبعثرة في تشكيل تنظيم سياسي موحد ، أثمرت هذه الجهود في نهاية المطاف بولادة ما يسمى اليوم ( بالحركة الديمقراطية الآشورية ) ودخلوا معترك الحياة السياسية من هذا الباب بهمة عالية وإيمان راسخ وعزم لا يلين ونكران الذات وواصلوا الطريق الصعب بخطوات ثابتة وبعزم وصبر الرجال المؤمنين بقضية المصير دون أن يردعهم رادع الخوف والتخاذل وحب الحياة وملذاتها من أمثال الشهداء الخالدين يوسف توما زيباري ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو ومنهم من عذبوا عذاباً مريراً في سجون البعث الفاشي وحُكم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة أمثال رعد إيشعيا البازي المكنى ( إسحق إسحق ) وأمير أوراها وسركيس شائيل البازي ورامسن أبرم وريمون إثنيال البازي وفالنتين بنيامين وروميل بنيامين والمرحوم المهندس عمانوئيل بادل ، وللتاريخ أذكر هنا عدم وجود أية وثائق رسمية تدل بصدور أي حكم بالأعدام غيابياً بحق أحداً من أفراد هذا التنظيم من المحكمة المختصة التي حكمت بالأعدام على الشهداء الأبرار الثلاثة المذكرين في أعلاه وبإعتراف جميع السجناء المذكورين كما أشيع كذباً من قبل البعض للمزايدة بالشعارات القومية وتضليل البسطاء من أبناء شعبنا المؤمنين بقضيتنا القومية لتحقيق مكاسب وشهرة شخصية زائفة .. ولكن مع الأسف الشديد تمكنت أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق من خلال بعض ضعاف النفوس وعديمي الضمير في قيادات هذه الحركة وغيرها من التنظيمات الحزبية التي تشكلت بعد إقامة المنطقة الآمنة من قبل القوات الأمريكية في شمال العراق عام 1991 من إختراقها وتجنيدها لخدمة الأجهزة المخابراتية والأمنية للنظام السابق وهناك وثائق رسمية صادرة من الأجهزة المخابراتية للنظام السابق تدين هولاء المتعاونين بالأسماء الصريحة ، وبذلك أفرغت هذه التنظيمات من محتواها ومضمونها النضالي القومي وتحولت الى وسائل للأثراء الشخصي وكسب السحت الحرام وتحقيق الأمجاد الشخصية الزائفة متخذين من المتاجرة بالشعارات القومية ستاراً لتغطية زيفهم وتعاونهم مع الأجهزة المخابراتية للنظام السابق وسُلماً للصعود إلى قِمم المجد الزائف والشهرة التي لا تشرف حامليها متناسين أن لكل صعود زائف نزول مخزي الى حضيض مزبلة التاريخ .. ولكن بالمقابل هناك الكثير من العناصر القومية الشريفة الصابرة والشباب الناهض الذين لا تخلو منهم سوح النضال القومي أبداً تعي وتعرف هذه الحقيقة بكل تفاصيلها وتمتلك من الوثائق ما يثبت ذلك والتي رفضت أن تكون في يوم ما من قرود السيرك تتحرك وفق مشيئة ورغبات وأهواء الآخرين سوف تقتص من هؤلاء وتقول كلمتها بحق من خان الأمة وأهدافها القومية ودماء الشهداء الأبرار التي سالت على درب النضال والذين قدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة على مذبح الحرية ، سوف ترميهم في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم كما تدل على ذلك جميع تجارب الشعوب المتطلعة الى الحرية والأنعتاق ، وللتذكير وأخذ العبر من تجارب الآخرين أقول ليس الربيع العربي ببعيدٍ عن ربيعنا الزاهر القادم ، وإن غدٍ لناظره قريب ...
ملاحظة : إن ما كتبناه يبقى مجرد محاولة شخصية وليس إلا لكتابة تاريخ النادي الثقافي الآثوري وما حصل فيه من أحداث وحراك ثقافي وسياسي مترابط مع محيطه وحسب قرأتنا ورؤيتنا وتحليلاتنا للأحداث من منظار ووجهة نظر شخصية ليس إلا ، وبالتأكيد سيكون فيه نوع من التقصير بحق البعض من رواد النادي ممن لم تحضرني أسمائهم وهم كثر ونعتذر لهم من جهة وبحق التاريخ من جهة أخرى ، ولكن لم يكن ذلك قد حصل عن قصد بغرض الأساءة وتقليل من شأن الآخرين بل يكون قد حصل من باب محدودية المعلومات المتيسرة لدينا وإظهار الحقيقة كما هي بجلاء لأبناء شعبنا وكما تتطلب المرحلة الحالية من نضال شعبنا بهدف تمكينه من التمييز بين الحق والباطل ووضع الفواصل بينهما لوقف التداعيات والتحديات ووضع حد لمن يعبث بمصيره ، ومن حق الآخرين أن تكتب ما تراه صائباً وأن تؤرخ للنادي وللحركة السياسية المعاصرة لشعبنا كما تشاء وبما لديها من معلومات موثقة فاتنا ذكرها وأن تنظر الى الأحداث من الزاوية التي تعطيهم الوضوح الأكبر والشمولية الأوسع لرؤية حقائق الأحداث حسب وجهة نظرهم ومن منظارهم الخاص وذلك حق مشروع لهم ، وهذه سمة من سمات الديمقراطية لتعايش الرأي والراي الآخر على ساحة واحده لترسيخ وتثبيت الأصح على صفحات التاريخ للمستقبل ، وهنا من الضروري أن نقول لتذكير من تتسول له نفسه المريضة من العابثين بمصير ومستقبل أمتنا أن يسعى لأن يصادر هذا الحق بشكل مشوه فهو ليس إلا مجرد أحمق قد فهم فلسفة الحياة ومنطقها وقوانينها وسننها على نحوٍ خاطئ ومعكوس ... تحياتنا وشكرنا وتقديرنا وإعتذارنا للقراء الكرام إن تجاوزنا أو قصرنا في كتابتنا لهذا السِفر الخالد من تاريخنا السياسي القومي المعاصر في النادي الثقافي الآثوري ... نقول بفخر وإعتزاز أن جميع التنظيمات الحزبية القومية التي ظهرت للوجود لاحقاً كان منبعها النادي الثقافي الآثوري الذي على أرضه بُذرت البذور الأولى للأفكار القومية الحديثة وأينعت براعمها وأعطت ثمارها لاحقاً ...

خوشــــابا ســـــولاقا
بغداد في 24 / تموز / 2020 م
 
[/size]

2
النادي الثقافي الآثوري وانتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الثالث )
                                                                                                               
المهندس : خوشابا سولاقا
القراء الكرام أبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الثاني مباشرة ....                                 
كل هذه العوامل مجتمعة كانت تشجع وتدعم توجهات التيار القومي التقدمي للمستقلين في النادي الثقافي الآثوري وخارجه الى الدعوة في تجمعات أنصاره في كل المناسبات الى تأسيس حزب سياسي قومي تقدمي ديمقراطي وطني ، أتذكر كيف كنا نتجمع على شكل حلقات كبيرة في حديقة النادي ونتحدث بحرية بشكل علني عن الضرورة الموضوعية لتأسيس حزب سياسي خاص بنا ليتولى المطالبة بالحقوق القومية والوطنية المشروعة لأمتنا الآشورية من الكلدان والسريان والآشوريين ، وكيف كان المرحوم رابي ولسن ملهم نرسا كونه رئيساً للنادي آنذاك يطلب من الجالسين بعدم النقاش والحديث في مثل هذه المواضيع الحساسة والخطيرة وذلك لما تنطويه من خطر على مصير النادي والمتحدثين بهذا الشأن معاً ، وكنا نمتعض من نصيحته والتي كانت بالتأكيد في محلها وهي عين الصواب ، ولكن ما العمل من طيش وإندفاع روح الشباب المتقد والمتحمس لقضية أمته المهضومة الحقوق في حق الوجود ، كنتُ أنا كاتب هذه المقالة من المتحمسين لهذا الآمر وكان تحمسنا وطيشنا الشبابي لا حدود له وكان المرحوم رابي ولسن ملهم على حق بطلبه .. وكذلك كيف كنا أنا وأصدقائي أبرم داود شبيرا وآدم بثيو ججو ونوئيل داود وشليمون بيت شموئيل والمرحومين روميل كوركيس وإيشايا يونان ودنخا إيشا ويوخنا إسحاق زيا وغيرنا من الشباب نجتمع في داري ودار المغني القومي المبدع شليمون بيت شموئيل ودار المرحوم روميل كوركيس الذي تولى رئاسة النادي لدورتين تقريباً ولساعات طويلة ولمرات عديدة نتناقش بإسهاب وجدية بالغة ونتبادل الأراء والرؤى بشأن كيفية تأسيس حزب سياسي ، وكذلك إجتماعاتنا العديدة في مكتب المرحوم المهندس المعماري المبدع سِهام توما القس من قرية كوماني في الكرادة داخل وبمشاركة الطيب الذكر الدكتور شليمون عبدو دأشيثا ونتباحث لساعة متأخرة من الليل في أمر تأسيس حزب سياسي ليتولى قيادة نضال أمتنا من أجل حقوقه القومية والوطنية المشروعة وكانت الجدية والعزيمة والأيمان تتحكم بمحاولاتنا هذه ، وجرت الكثير من مثل هذه المحاولات والأجتماعات مع شخصيات وأطراف كثيرة منهم المرحوم توما زيباري والد الشهيد يوسف توما والمغني المبدع البيرت أوسكار وبطرس بولص البازي الذين كان لهما تنظيم سياسي متواضع خاص بهما لتحقيق هذا الهدف السامي ، كما أحب التذكير بمحاولة مجموعة أخرى من أصدقائنا بقيادة كل من الخوري حالياً شليمون إيشو دآشيثا وإسحاق أنويا الزاويتي لتأسيس حزب سياسي وتعرضهم الى الأعتقال من قبل الأجهزة الأمنية للنظام وتعرضهم للتعذيب الجسدي وغيرها الكثير من هذه المحاولات ، إلا أننا لم نتمكن من تحقيق حلمنا وطموحنا في بناء تنظيم سياسي لأسباب كثيرة منها ذاتية تتعلق بقلة الخبرة والتجربة والتردد عند البعض من عناصرنا بسبب الخوف من قسوة النظام الفاشي ومخاطر العمل السياسي المنظم ، ومنها موضوعية تتعلق بالوضع العام في البلد وبطش النظام الدموي الذي لا يرحم وتوسع تعاون وإنخراط أبناء أمتنا ولأسباب كثيرة مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية والحزبية للنظام ، وبالأخص تمكّنت الأجهزة الأمنية والحزبية للنظام من إختراق صفوف الشباب القومي التقدمي المستقل في النادي والجامعات ( زيادة عدد الجواسيس المتعاونين من أبناء شعبنا مع أجهزة النظام ) ، مما أضطرّنا ذلك مرغمين على التخلي عن هذا التوجه بعد سنين من الجهد الجهيد والمثابرة الصابرة والصادقة والحثيثة .. وأذكّر القارئ الكريم هنا بأن صديق العمر والكاتب القومي المعروف وأخي أبرم داود شبيرا قد أسهب في شرح وتوضيح دور هؤلاء المتعاونين مع أجهزة النظام في مقالاته العديدة عن تاريخ النادي الثقافي الآثوري والتي نشرت على هذا الموقع الحر ، لذلك لا أجد ضرورة لأعادة تكرارها هنا مرة أخرى لعدم أهميتها الآن وكونها قد أصبحت شئ من الماضي ونال القسم من هؤلاء المتعاونين مع أجهزة النظام السابق جزائهم والبقية ينتظرهم الدور ..
وبغرض دعم وتعزيز عملنا القومي في نشر أفكارنا بين جماهير شعبنا تعاونَ نحن النخبة من الشباب القومي التقدمي المستقل مع بعض العناصر القومية الطيبة المرتبطة بالأحزاب السياسية الأخرى العاملة في النادي للأستفادة من إمكانياتها في نشر أفكارنا من خلال ما متيسر لديها من الأمكانيات والوسائل والتي كنا نفتقر إليها بعد أن أمنا منهم الولاء للأمة ، وكان لنا الشئ الكثير من هذا القبيل ، وأذكر من هذه المحاولات على سبيل المثال لا الحصر تعاوننا مع المرحوم المناضل بولص دنخا البازي أحد الكوادر المتقدمة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد أن تحول فكرياً وعن قناعة راسخة الى ما كنا ندعو إليها من الأفكار والمبادئ القومية ، وقام وبناءاً على طلبنا منه بتقديم طلب الى إدارة جريدة التآخي الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني لتخصيص صفحة خاصة منها وأسبوعية تهتم وتختص بشأن قضايا شعبنا فكان له ذلك فخصصت صفحة ثقافية بإسم ( الثقافة الآشورية ) لكل يوم ثلاثاء من كل أسبوع ، فنشرتُ فيها ( أنا كاتب المقالة ) في حينها مقالة بثلاثة اجزاء تخص الوحدة القومية لمكونات أمتنا بكل طوائفه المذهبية تحت عنوان ( آثوري + كلداني + سُرياني = ... ؟ ) ، من خلال هذه المقالة أثبتُ تاريخياً وواقعياً أن هذه التسميات الثلاث هي تسميات لمسمى قومي واحد أي هي تسمية لقومية واحدة وتربط مكونات أمتنا الثلاث الكلدان والسريان والآشوريين ببعضها البعض الكثير من المشتركات القومية في مقدمتها أهم خصائص ومقومات القومية وهي اللغة المشتركة الواحدة ووحدة التاريخ والجغرافية والتراث الثقافي والعادات والتقاليد والتسميات ..
وعلى خلفية الخلافات التي حصلت بين المجتهدين من فقهاء لغتنا من المتطرفين والمتعصبين للمذهبية الكنسية من مكونات أمتنا حول تسمية اللغة التي تقدم بها برامج إذاعة بغداد لقسم الناطقين بالسريانية حسب قرار السلطة لمنح الحقوق الثقافية والأدارية لأمتنا ، كتبتُ ( أنا كاتب المقالة ) مقالة تم نشرها في هذه الصفحة بجزئين بعنوان ( ماذا تنتظر اللغة الآرامية ... ؟ ) حيث وضحتُ فيها بأن الأسماء العديدة التي تسمى بها هذه اللغة العريقة لغة مار أفرام ومار نرساي ومارعوديشو الصوباوي وبرديصان وخامس الحداد والعشرات غيرهم ممن كتبوا مجلدات كبيرة وكثيرة في مختلف الأختصاصات العلمية والأدبية واللاهوتية بهذه اللغة وتزخر بها مكتبات ومتاحف العالم اليوم هي الآخرى تسميات متعددة للغة واحدة تتكلم بها أمة واحدة وهي بالتالي لغة واحدة لقومية واحدة وستبقى كذلك شاؤوا أم أبوا أعداء الوحدة القومية لأمتنا والتي سوف تتحقق عاجلاً أم آجلاً لا محال لأن ذلك سنة الحياة والتاريخ ومنطقهما الطبيعي ..
وخلال العقد السابع من القرن الماضي توسعت موجة الهجرة لأبناء شعبنا وعن طريق منظمات الهجرة في لبنان الى بلدان المهجر وغدت ظاهرة خطيرة تهدد وجودنا القومي في العراق ، وتصدياً منا لهذا الخطر الداهم كتبتُ ( أنا كاتب المقالة ) مقالة بشأن مخاطر الهجرة من أرض الأباء والأجداد والضياع في المهاجر وتداعياتها المستقبلية وكيف تهدد مصير وجودنا القومي بالإنصهار في المجتمعات الجديدة في بلدان المهجر وبالتالي الأنقراض ، نُشرت هذه المقالة في صفحة " الثقافة الآشورية " أيضاً وكانت هذه الصفحة تنتظرها جماهير شعبنا بفارغ الصبر وبشغف ولهفة كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع .. وكتب الكثير من مثقفي شعبنا في هذه الصفحة وشقيقتيها  مجلتي ( المثقف الآثوري ) و ( قالا سوريايا ) الفصليتين واللتين تصدرهما النادي الثقافي الآثوري والجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية على التوالي مقالات وأشعار وقصص قصيرة وغيرها من فنون الأدب التي تخدم ثقافتنا وأدبنا وكان لهذه الصحف دور كبير وفعل مؤثر ومشهود في نشر الثقافة القومية التقدمية والوطنية ورفع مستوى الوعي القومي وحب أرض الوطن والتمسك بها ..
وكان لشباب التيار القومي التقدمي المستقل في النادي الثقافي الآثوري دور كبير ومتميز نوعياً في تنظيم نشاطات ثقافية كالمحاضرات والندوات والمناظرات والمهرجانات الشعرية والفنية وتجهيز المكتبة بالكتب المتنوعة الرصينة لأعارتها للقراء من أعضاء النادي وتنظيم الحفلات والسفرات الترفيهية لأعضاء النادي وعوائلهم وأصدقائهم وتقديم من خلالها نشاطات وفعاليات تخدم الأهداف المركزية للنادي الثقافي الآثوري ، وإقامة المحاضرات الثقافية المتنوعة وتنظيم مهرجانات للأغنية الآشورية السنوية والتي كان لها الأثر الأكبر في إلهاب الشعور القومي والوطني بين جماهير أبناء أمتنا ، وأن صدى اغنيتي (سُميلي وأكاره ) من أشعار الشاعرين المبدعين المرحوم دنخا إيشا منشايا والطيب الذكرالدكتور عوديشو ملكو دآشيثا على التوالي وغناء المبدع شليمون بيت شموئيل لا يزال يرن في آذان وضمائر ووجدان أبناء أمتنا الى اليوم كما هو عليه الحال مع نغمات النشيد القومي ( روش جونقه ) بالصوت الراقي الشجي للمبدع بنيامين عوديشو البيلاتي والذي كنا ننشده بمشاركة جماعية معه في إفتتاحيات كل حفلاتنا وسفراتنا الأجتماعية والطلابية التي تخلدت ذكرياتها في عقولنا ونفوسنا الى اليوم ، وغيرها العشرات من الأناشيد والأغاني القومية مثل أغنية ( برين آثورايا وميثن آثورايا كو دا أثرا دكاني لا بأثرا نُخرايا ) من تاليف – كاتب المقالة - ، وكذلك الحال مع أغاني المغني الرائع الذي لا تخلو حفلاتنا وسفراتنا من أغانيه الجميلة داود إيشا ، كما شارك في مهرجانات الأغنية الأثورية المطرب الآثوري الأول رائد الأغنية الآثورية الحديثة المرحوم ( بيبا – أدور ) ، في الحقيقة كان للأغنية الدور الفاعل والأكبر في خلق الوعي القومي والتقارب بين مكونات شعبنا وما زال الى اليوم ، وكذلك نشط الشباب القومي التقدمي المستقل في إقامة معارض الفنون التشكيلية لشبابنا القومي المستقل أذكر منهم الأخوين المبدعين التشكيليين آرم وأمير أوراها ، وتنظيم دورات تعليم لغة الأم للأساتذه الكرام كل من أوراهم يلدا وعوديشو آدم وشليمون إيشو وزيا نمرود كانون والمرحوم الشماس منصور روئيل في فصل الصيف ، وكذلك إصدار مجلة المثقف الآثوري الفصلية التي كتب فيها خيرة كُتابنا ومثقفينا أمثال رابي يوآرش هيدو والمرحوم رابي زيا نمرود كانون والشعراء ميخائيل مروكي وبولص شليطا وكوريال شمعون وكتب لها رابي يوسف نمرود كانون وعوديشو آدم وعوديشو ملكو والأديب الكبير المرحوم الشماس منصور روئيل الذي اتحف النادي بالكثير من المحاضرات في اللغة والتاريخ والأدب وكان مثالاً للأمتنايا الحقيقي المخلص باعماله وليس بأقواله فقط حيث قدم الكثير للنادي والأمة من دون أن يأخذ شئ عدا الذكرى الطيبة والأثر الخالد ، والكاتب الصحفي المرحوم جميل روفائيل وكاتب المقالة خوشابا سولاقا وغيرهم من المبدعين في مجال الكتابة والشعر والفن من أبناء أمتنا ، وكذلك تم تقديم مسرحيات هادفة في غاية الروعة للفنانين المبدِعين الرائعين سامي ياقو وأندريه والمبدعة ماريا يوسف وشقيقة الفنان الآثوري المسرحي العراقي الكبير روميو يوسف لا يحضرني إسمها والدكتورة شارليت ريحانه وتيدي نيقاديموس والطيب الذكر يوسيبوس عمانوئيل والمتعاونين معهما من أمثال الناشطة الدكتورة جوآن ريحانة وغيرهم من الفنانين الذين لا تحضرني أسمائهم الآن وأعتذر لهم لهذا التقصير ...   وكانت الأمور تجري في حصر كل هذه النشاطات والفعاليات في الأتجاه الذي يجسد الوحدة القومية للأمة بكل مكوناتها المذهبية ويُبرّز هويتها القومية والوطنية وترسيخ الوعي القومي لدى أبناء شعبنا لتحصينهم من الأنخراط في الأحزاب القومية الأخرى فيما يتم تقديمه في حقل التراث الثقافي والقومي والوطني .. وعمل الجميع دون إستثناء من دون كلل أو ملل وكل في مجاله وإختصاصه وموقعه وقدم ما هو خير لصالح أمتنا ووطننا ، ونتيجة لكل هذه الجهود الخيرة المبذولة نمت في النادي الثقافي الآثوري حركة ثقافية فكرية قومية تقدمية ووطنية هائلة بفعلها ، وحراك سياسي كبير غير منظم حزبياً ليس في النادي فحسب بل وبين صفوف أبناء أمتنا قاطبةً ، وأصبح النادي الثقافي الآثوري بحكم هذا الواقع مناراً للثقافة القومية والوطنية التقدمية وينبوع للفكر القومي التقدمي والوطني شُرب منه كل من أدلى بدلوه في مجرى هذا الينبوع الزَلال الهادر ... ولا يفوتني هنا أن أذكر أول نشاط ثقافي قدمه النادي الثقافي الآثوري بعد تأسيسه ، كانت محاضرة في غاية الروعة في اللغة والشعر والتاريخ للأديب والشاعر ذي الفضل على لغتنا الحديثة ( لشانه خاثه ) المرحوم الشماس كوركيس بنيامين صومو دآشيثا من أصحاب مطبعة كركوك وبحضور متحمس وكبير من محبي النادي ، وللطرفة أذكر هنا ما حصل خلال المحاضرة ، بينما كان المرحوم يلقي بحماس كبير وبإنسيابية إنفعالية صاخبة قصيدة شعرية له حول أهمية اللغة في حياة الأمم وصل الى حيث يقول البعض أن تَعلم اللغة الآثورية - لا توَكل خُبز – فرد عليهم بشكل لا إرادي غاضباً وثائراً ومنزعجاً وباللهجة التيارية الدارجة بعبارة  - خيله جيبي دبستي - والتي تعني ( يا آكل حصى الشواطئ ) كان المشهد في غاية الروعة فضحك البعض بصوت عالٍ وصمت البعض الآخر صمت القبور لا لسبب بل لأنهم لم يفهموا معناها وتصوروا أنها من ضمن القصيدة نفسها ولم تكُن إضافة طارئة ، ولكن صفق الجميع له بقوة ولمدة طويلة .. وكانت هذه المحاضرة  خير إفتتاح وتدشين لنشاط النادي الثقافي الآثوري ..  وكذلك كان الحال مع محاضرة الأستاذ المرحوم لوقا زودو حين ألقى محاضرة عن علاقة الآشورين بالمسيحية والمسيح ، حيث قال في سياق محاضرته بأن أبائنا وأجدادنا تمسكوا بتطرف بالديانة المسيحية بنفس القدر من التطرف في تخليهم عن تراثهم وثقافتهم الآشورية بإعتبارها ثقافة وثنية كما روج لها مسيحانياً ودمروا كل ما ورثوه الأباء والأجداد بإعتباره كفر من رجس الشيطان ، وعندما صعد السيد المسيح الى السماء تمسكوا بعباءته ولكنهم أفلتوها بعد الأقلاع وبقوا هم معلقين بين الأرض والسماء ولم يبق لهم مكان على الأرض لينزلوا عليه لأن الآخرين قد سبقوهم إليها وكذلك لم يتمكنوا من الصعود الى السماء لأن السيد المسيح قد سبقهم إليها أيضاً ..وكانت ايضا من المحاضرات الجيدة التي الهبت المشاعر القومية للحضور الغفير من أبناء أمتنا في ذلك الوقت ...


ملاحظة : تابعونا في الجزء الرابع وشكرا

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 20 / تموز / 2020 م
[/size]

3
النادي الثقافي الآثوري وإنتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الثاني )
المهندس : خوشابا سولاقا
القراء الكرام سأبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الأول ....
التوجهات السياسية في النادي الثقافي الآثوري
في ظل إنتشار وتوسع صراع الأتجاهات السياسية على السلطة في العراق بسبب المستجدات الكبيرة التي طرأت على الساحة السياسية العراقية مثل إتفاقية 11 آذار 1970 وإقرار الحكم الذاتي لكوردستان العراق ، وتأميم النفط ، وإعلان السلطة لبيان العمل الوطني المشترك لمشاركة القوى السياسية الوطنية في إدارة الدولة والذي في حقيقة الأمر لم يكن إيماناً من سلطة البعث بالعمل الوطني المشترك بل كان شعورا منها بالضعف في مواجهة التحديات القائمة آنذاك ، وإنخراط الكثير من أبناء شعبنا في الأحزاب السياسية التي تقود هذا الصراع من جهة ، والصراعات التي كانت تشهدها الساحة القومية لشعبنا بسبب الخلافات المذهبية الكنسية وما حصل في الكنيسة الشرقية القديمة عام 1964 من إنشقاق بسبب التحول الى إعتماد التقويم الغريغوري بدلاً من التقويم اليولياني في تقويم السنة لممارسة طقوس الكنيسة من جهة ثانية ، إنعكست وسادت هذه التوجهات والصراعات في مجتمع النادي الثقافي الآثوري بشكل مباشر وتجلي ذلك من خلال ما موجود من توجهات مماثلة لتلك الموجودة في المحيط الخارجي للنادي داخل النادي ولكن بنمط آخر في الممارسة العملية يتسم بالهدوء واللاعنف والعقلانية ، وكان كل شئ يجري في تلك الفترة التي عاشها النادي الثقافي الآثوري في ظل أنضج تجربة لممارسة الديمقراطية في العراق وبشهادة الجميع ممن كانوا على إطلاع ومعرفة وافية بتجربة النادي الثقافي الآثوري الفريدة من نوعها في بلد يقدس فيه العنف ويجد فيه الحل الساحر والوسيلة المثلى لحل كل مشاكله .. كان في النادي الثقافي الآثوري تيارات سياسية متعددة ومختلفة في فكرها ورؤآها وتوجهاتها ونهجها في التعامل مع خصوصية واقع النادي ، منها تيار القوميين التقدميين المستقلين الذين لا يؤمنون بالتعصب القومي والعنصرية الشوفينية وإنما يؤمنون بالتعايش السلمي الوطني مع الآخرين في ظل التمتع الكامل بالحقوق القومية والوطنية لأبناء شعبنا على المستوى الوطني ، ويؤمنون بالوحدة القومية لأبناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين ، ويرفضون التطرف والتعصب المذهبي والعشائري في الكنيسة والمجتمع على المستوى القومي ، وكان هذا التيار القوي والواسع يكنى بـ ( أُمتنايي ) ، وتيار حزب البعث وتيار الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتيار الحزب الشيوعي العراقي والماركسيين المستقلين .. وكان لتيارالقوميين التقدميين المستقلين الدور الحاسم والغالب في تقرير كل ما يجب أن يكون عليه واقع النادي الثقافي الآثوري في طبيعته ونوعية نشاطاته المختلفة ، وكان هذا التيار يعمل في النادي من خلال لجانه المتخصصة الأربعة وهي اللجنة الثقافية ولجنة التحرير والنشر واللجنة الفنية ولجنة النشاط الأجتماعي كتنظيم سياسي محترف غير معلن رسمياً ، أو هكذا كان يبدو المظهر للأخرين من نتائج عمله وحراكه الدؤوب المستمر ومن دون أن تكون له قيادة مشخصنة بأشخاص معينين أي بمعنى كان الكل قائد والكل قاعدة من موقعة ، بل  كانت القيادة بيد من كان يعمل أكثر من غيره ويواجه الأحزاب السياسية التابعة للسلطة وغيرها والتي كانت تسعى الى فرض إرادتها وأجنداتها وهيمنتها على النادي وسلب إستقلاليته وتشويه هويته القومية وبالأخص حزب البعث والحزب الديمقراطي الكوردستاني من خلال مؤيديهم من المنخرطين في صفوفهما من أبناء شعبنا في النادي بعد إتفاقية 11 آذار 1970 بشكل خاص ، وكان الشيوعيون والماركسيين المستقلين هم الاقرب الى توجهات وتطلعات تيار القوميون التقدميون المستقلين والداعمين له وبهذا الأسلوب تمكن هذا التيار من إستقطاب الغالبية حوله من أعضاء النادي وبالأخص الطلبة الجامعيين والذين يشكلون العمق الأستراتيجي لنشاطه .. وكان هذا الدور القومي البارز لتيار المستقلين " الأمتنايي " يقوى ويتصاعد ويتعاظم ويطغي الى حد كبير على النادي في فترة الأنتخابات لأختيار أعضاء الهيئة الأدارية الجديدة سنوياً والتي كانت عادة تنتهي بفوز من يقرر إنتخابه من قبل هذا التيار ، وكان عادة يَتم الترتيب أيضاً من قبل هذا تيار لأنتخاب عناصر بعينها المعروفة برزانتها وإعتدالها من الأحزاب السياسية وبالأخص من السلطة حزب البعث والبارتي لأحداث نوعاً من التنوع والتوازن في تركيبة الهيئة الأدارية منعاً لتدخل السلطة وفرض إرادتها بالقوة على إدارة النادي وكان ذلك تكتيكاً ناجحاً وبارعاً من قبل تيار القوميين التقدميين المستقلين لسحب البساط من تحت أقدام السلطات الأمنية ، وكان كل ذلك يتم مع ضمان الأحتفاظ بالأكثرية في الهيئة الأدارية وبالمناصب القيادية الرئيسية للنادي حصراً بعناصر تيار المستقلين كمنصب رئيس ونائب الرئيس والسكرتير وأمين الصندوق للنادي والأغلبية من الأعضاء العاملين للهيئة الأدارية خمسة أصليين وإثنان إحتياط لأن القرارات في إجتمعات الهيئة الأدارية كانت تتخذ بالأكثرية ، وكان منصب نائب الرئيس يتم التضحية به عادةً لصالح الأحزاب .. وكانت الأنتخابات تجري بطريقة الترشيح الفردي للمناصب الأربعة رئيس ونائب الرئيس والسكرتير وأمين الصندوق وبطريقة الترشيح الجماعي للأعضاء الأصليين والأحتياط ويتم إختيارهم وفق ترتيب أعلى الأصوات الفائزة في الأنتخابات وبشكل ديمقراطي وبالتصويت السري المباشر ..
ماذا كانت أهم إنجازات تيار القوميين التقدميين المستقلين في النادي الثقافي الآثوري وخارجه .. ؟
لم ينحصر نشاط تيار القوميين التقدميين المستقلين داخل إطار النادي الثقافي الآثوري وحده بل تعداه وامتد عمله خارج إطار النادي ليخدم أهداف النادي الأساسية ومن ثم بالنتيجة أهداف الأمة في نيل حقوقها القومية والوطنية المشروعة أسوة ببقية مكونات الشعب العراقي .. ومن أهم ما سعى إليه تيار القوميين التقدميين المستقلين هو إيجاد إطار للعمل السياسي المنظم ، وعليه سعت نخبة من الأسماء المذكورة في الجزء الأول من هذه المقالة الى تأسيس وبناء تنظيم سياسي ليلبي هذا الطموح بالرغم من صعوبة العمل السياسي المنظم وعدم نضوج الظروف الذاتية والموضوعية وشحة الأمكانيات وقساوة النظام الحاكم للبعث الفاشي في التعامل مع هكذا نشاطات ، إلا أنه وبعد إتفاقية 11 آذار عام 1970 كان هناك شئ من المرونة إن جاز التعبير للعمل السياسي ، وقد أراد النظام ذلك وخصوصاً لأبناء المكونات القومية الصغيرة لغرض سحب البساط من تحت أقدام الآخرين من شركائه في السلطة آنذاك بعد ما قدمه في ساعة ضعفه للحركة الكوردية وأحزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية من تنازلات تكتيكية مُهينه ، وإقراره للحقوق الثقافية والأدارية للتركمان والناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان لمنعهم من مد نفوذهم السياسي بين هذه المكونات وإبقائها حصراً ضمن دائرة نشاطاته ومخططاته لوضع خارطة ديموغرافية جديدة للعراق أي بمعنى تعريب المناطق المختلطة الانتماءات القومية التي لا يشكل فيها العرب الأكثرية .. في هذا السياق جاءت  دعوة النظام لرئيس الكنيسة الشرقية القديمة قداسة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون الحادي والعشرين المقيم في الولايات المتحدة الأميريكية منذ سبعة وثلاثون عاماً بناءاً على طلب من بعض عناصر النظام من أبناء شعبنا لتصب في هذا الأتجاه ، وتولى إدارة عملية تنفيذ الدعوة شخصية مغمورة غير معروفة لجماهير شعبنا من قبل ألا وهو السيد عمانوئيل سكوبيلا وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية للنظام ، وصل قداسة البطريرك بغداد في 24/ 4 / 1970 وتم رد إعتباره وأعيدت إليه شهادة الجنسية العراقية التي كانت قد سحبت منه عام 1933  على أثر مذبحة سُميل وما قبلها وأستقبل إستقبال الأبطال من قبل أبناء شعبنا في مسيرة جماهيرية كبيرة شارك فيها قرابة المائة وخمسين ألف شخص أمتدت من مطار بغداد الدولي والى أروقة القصر الجمهوري العراقي وإستمرت مسيرة الأستقبال من ساعات الصباح الأولى وحتى المساء وإنتهت بإطلالة من قداسته وبجانبه الرئيس العراقي الأسبق المرحوم أحمد حسن البكر من على شرفة القصر الجمهوري في كرادة مريم وحي الجماهير الغفيرة من أبناء شعبنا ملوحاً بيده وكان هذا الحدث العظيم نادراً في تاريخ العراق أذهل النظام ووسائل إعلامه المختلفه .. والمهم في الأمر هنا هو كان لنخبة من الشباب القومي التقدمي المستقل من طلبة الجامعات من المذكورين في الجزء الأول من هذه المقالة بشكل خاص قبل تأسيس النادي وإجازته رسمياً بأشهر قليلة والذي أصبح بعد تأسيسه لاحقاً بمثابة مركز تجمع وقيادة وتوجيه بديلاً للجامعة لنشاطه القومي الدور الرئيسي والأكبر في تحشيد الجماهير الغفيرة لهذه المسيرة وتنظيمها وما أطلق فيها من الهتافات والشعارات والأناشيد والأغاني القومية والتي كانت تعبر في مضمونها عن صلب القضية القومية حسب رؤية القوميين التقدميين المستقلين وكل شئ كان يجري في حينه بدقة منظمة كعمل طوعي وفردي منسق من وراء الكواليس ، وكانت هذه المسيرة إختباراً لقدرات وإيمان الشباب القومي المستقل وكان على رأس الجميع ومحرك المسيرة الناشط القومي المخضرم رابي يوسف نمرود كانون سجين سياسي قومي سابق من جماعة ( خيث . خيث . ألب ) .. وتكررت هذه التجربة الرائدة مرة أخرى في مسيرة التأييد بمناسبة الذكرى الأولى لمنح الحقوق الثقافية والأدارية للناطقين بالسريانية والتي تم تنظيمها بعد تأسيس النادي الثقافي الآثوري .. وبعد أن فشل النظام في مسعاه في الحصول على مبتغاه من قداسة البطريرك الذي تم إغتياله وإستشهاده لاحقاً نتيجة لمؤامرة دنيئة دبرت له كما قيل من قبل الأجهزة الأمنية للنظام السابق لعدم تعاونه مع النظام وتم ذلك بالتعاون مع أطراف آشورية نافذة في الخارج في 6 / 11 / 1975 على يد المدعوا داود ملك ياقو والذي أعلن بدوره بعد إطلاق سراحه من السجن بأنة سوف يكشف عن الحقيقة عندما يحين الوقت لذلك ولكنه قد توفي من دون أن يذكر أو يُنشر له شئ عن عملية إستشهاد البطريرك مار إيشاي شمعون . قام النظام بتوجيه دعوة رسمية الى الشخصية القومية والوطنية الآثورية والتي تعتبر الشخصية المحورية في أحداث سُميل وما قبلها المرحوم ملّك ياقو ملّك إسماعيل من قبيلة تياري العليا الآشورية لزيارة العراق وأستقبل هو الآخر من قبل النظام بحفاوة رسمية كما كان الحال مع الشهيد البطريرك مار إيشاي شمعون ، وأقيمت له حفلة كبيرة في حدائق صدر القناة حضرها مدير الأمن العام في حينها ناظم كزار وعدد كبير من وجهاء شعبنا وكنت والصديق بنيامين عوديشو سخريا من المدعوين الحاضرين وكانت قاعة الجلوس ملغومة بضباط الأمن وعيونهم تتجول في أركان القاعة بين الجالسين يراقبون كل شاردة وواردة من حركات الحاضرين بدقة متناهية ، ولكن بالرغم من كل ذلك ذهبنا وسَلمنا وصافحنا أنا وصديقي على المرحوم ملّك ياقو وعرفناه بشخوصنا وعائلاتنا وعشيرتنا فرحب بنا أشد الترحيب ، وهو الآخر قد قيل في حينها بأنه قد تم تسميمه وبعض من كانوا معه مثل المرحوم أوشانا ميخائيل رشو من قبل أجهزة النظام الأمنية وربما بالتعاون مع  العناصر المتعاونة معها من أبناء شعبنا بمواد كيمياوية بطيئة التأثير في فعلها .. فعل النظام كل ذلك بغرض كسب ود أبناء شعبنا من الأثورين بشكل خاص لتمسكهم بشكل واعي وقوي بوجودهم القومي وهويتهم القومية تجاه النظام ومنعهم من الأنخراط والتمحور حول الحركة الكوردية والحزب الشيوعي العراقي عدو النظام اللدود حسب معاييره القومية الشوفينية ، وكانت النخبة من التيار القومي التقدمي المستقل قد رتبت لها لقاءات خاصة مع كل من قداسة البطريرك الشهيد والمناضل المرحوم ملك ياقو وقت زيارتهما للعراق بشكل منفرد وتم شرح وتوضيح لهما أوضاع الأمة في ظل سلطة البعث وتحذيرهما من نوايا النظام الخبيثة للتعاون معه لتجنيد أبناء شعبنا في محاربة الكورد ، وتم ذلك في ظل مراقبة ومتابعة عملاء النظام ورجال الأمن لمكان إقامتهما خلال زيارتيهما المنفصلتين بمدة للعراق ...

ملاحظة : تابعونا في الجزء الثالث وشكراً

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 16 / تموز / 2020 م



 

4
النادي الثقافي الآثوري وإنتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الأول )
المهندس : خوشابا سولاقا
تأسس النادي الثقافي الآثوري عام 1970 وكان تاسيسه بداية لمرحلة نوعية جديدة من تاريخ شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في مسيرة نضاله القومي ، وكان هذا النادي اللبنة الأولى لنهضته القومية التقدمية في سبيل العيش المشترك في إطارالوحدة الوطنية للوطن الواحد مع كافة أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية ، وكان بحق نادي ثقافي وإجتماعي من طراز جديد بكل ماتعنيه الكلمة من معنى ، بأهدافه وطبيعة نشاطاته المختلفة ، وكان ظهوره على الساحة القومية نتيجة طبيعية لما كان يجري على هذه الساحة من أحداث وصراعات عشائرية ومذهبية على خلفية الأنشقاق الذي حصل في الكنيسة الشرقية القديمة بسبب قرار القائمين عليها في حينه بالتحول الى إعتماد التقويم الغريغوري ( أو ما يسمى بالتقويم الغربي خطأً ) في تقويم السنة لممارسة طقوسها الكنسية بدلاً من التقويم اليولياني ( أو  ما يسمى بالتقويم الشرقي خطأً ) دون أي تغيير في طقوس الكنيسة .. في خضم هذه الخلافات والصراعات والتناقضات الكنسية والتقويمية والتي بالنتيجة إنسحبت من الكنيسة الى المجتمع متخذةً طابعاً قبلياً وعشائرياً في الصراع الدائر بين القائمين على الكنيسة ورؤساء العشائر على تولي قيادة وزعامة الأمة والكنيسة معاً والتي غدت خطرا داهماً يهدد مصير ومستقبل ووجود الأمة بعواقب وخيمة ، وظهور توجهات وطروحات لبعض أطراف الصراع على الخلفية التاريخية لأحداث سُميل وما قبلها والتي لها مساس مباشر بتشويه نضال الأمة لنيل حقوقها القومية بعد أن ناصرت وقاتلت الى جانب الحلفاء في الحرب الكونية الأولى ضد دول المحور والدولة العثمانية التي عانت أمتنا من ظلمها وإضطهادها وشوفينيتها القومية والدينية الشئ الكثير ،  وما جرى من أحداث مؤلمة في التاريخ الحديث لشعبنا منذ مغادرة أبنائه لمواطن سكناه في أقليم هيكاري من تركيا الحديثة وهجرته الطويلة والمريرة المملؤة بالمعاناة والكوارث والمآسي والتضحيات الجسيمة بالغالي والنفيس التي قدمها شعبنا خلال هجرة الآلام من هيكاري مروراً بأورميا الأيرانية الى الوطن التاريخي أرض الأباء والأجداد في بيث نهرين أرض بابل وآشور والتي إنتهت بمذبحة سميل الرهيبة سنة 1933م التي راح بسببها قرابة الخمسة آلاف ضحية بريئة من الأطفال والنساء والشيوخ لا لذنب إرتكبوه وإنما لمجرد كونهم آشوريين مسيحيين والتي سجلت خزيا وعاراً في تاريخ وجبين بريطانيا وحلفائها من حكام العراق الشوفينيين والمتعاونين معهما ، هذه التوجهات والطروحات التي كانت تطرح على الساحة في أحاديث المتحدثين من هذا الجانب أو ذاك من أطراف النزاع عن هذا الصراع وما كان ينشر بشكل مشوه في بعض الصحف العراقية المحلية وبتشجيع من الحكومة العراقية بغرض الأساءة على تضحيات شعبنا من خلال الأساءة على رموزها التاريخيين على حساب التقرب من السلطة الحاكمة وكسب ودها ودعمها وإظهار أن ما جرى في الماضي من أبناء شعبنا هو خيانة وطنية وعمالة للأجنبي المستعمِر وليس نضالاً قومياً لأمة من أجل حقوقها الطبيعية المشروعة ،  أي إظهار الوقائع التاريخية التي حصلت على عكس ما كانت عليه في حقيقتها على أرض الواقع ، وكانت السذاجة وتدني مستوى الوعي السياسي وهيمنة الروحية والعقلية العشائرية والأحقاد الشخصية بين القيادات الكنسية والعشائرية لأبناء شعبنا تتحكم بهذه التوجهات والطروحات التي كانت بمجملها بالضد من المصلحة القومية لأمتنا ، وقد إستثمرت الحكومات العراقية الشوفينية هذه الخلافات والصراعات في تفكيك وتمزيق آواصر الألفة والمحبة والوحدة القومية لشعبنا بإمتياز ، إن مثل هذه الممارسات والظواهر المقززة والخطيرة التي طافت على سطح الأحداث حفزت الشعور القومي ( أمتنيوثة ) لدى الكثير من شباب الأمة المثقفين والذين أدركوا بسرعة فائقة خطورة هذا الأنشقاق وتداعياته المستقبلية على كيان الأمة ووجودها القومي في أرض الوطن ، وكان هذا الصراع إن جاز التعبير أشبه ما يكون عليه بالحرب الأهلية في نتائجه بالنسبة لشعبنا ، لهذه الأسباب وغيرها باشر الشباب القومي التقدمي المستقل  بالعمل من أجل نشر الوعي القومي والسياسي بالأنتماء للأمة ونبذ المذهبية والعشائرية المقيتة بين أبناء شعبنا الواحد الموحد بجميع مذاهبه وكنائسه وعشائره وتخفيف من حدة التطرف والتعصب المذهبي والكنسي والتمحور حول الشعور القومي التقدمي ليس بين المجموعتين المتناحرتين من أتباع الكنيسة الشرقية القديمة ( سفن آب ولحم بعجين ) كما كانتا تكنيان تندراً وإستخفافاً بهما آنذاك في شارع شعبنا فحسب بل وبين طوائف الأمة كلها من الكلدان والسريان والآشوريين ، وقد إنتشر ونمى هذا الشعور بسرعة بين شباب الأمة كالنار في الهشيم وغدت صدور الشباب عامرة بالشعور القومي والروح القومية بدلاً من الشعور المذهبي والعشائري .. وهنا ظهرت الحاجة وبإلحاح شديد الى ضرورة وجود مؤسسة ثقافية تجمع هؤلاء الشباب للعمل المنظم والمبرمج في إطار محدد من أجل خدمة الأمة وقضاياها في هذا الظرف العصيب وتحقيق ما يمكن تحقيقه من أجل نيل حقوقها المشروعة في أرض الوطن ، وطبعاً بُذلت جهوداً كبيرة في هذا المجال وبالأخص في إطار الجامعات من قبل الطلاب والأساتذة الخيرين وبالفعل تكللت هذه الجهود بالنجاح على يد مجموعة خيرة من أبناء شعبنا نقف إجلالاً لهم لعظمة عملهم وتمكنوا من تشكيل هيئة تأسيسية وقدمت طلبا الى وزارة الداخلية العراقية للموافقة على منحهم إجازة رسمية لتأسيس نادي ثقافي بأسم ( النادي الثقافي الآثوري ) وفعلاً حصلت الموافقة على التاسيس بموجب كتاب وزارة الداخلية المرقم م . ج / 1817 والمؤرخ في 29 / 7 /1970 وكانت أسماء الهيئة المؤسسة كالآتي ( السيد سرجون إيشو سابر ، الدكتور بولص يوخنا نادر ، الدكتور جورج يوناثان سركيس ، السيد وليم كوركيس يوخنا ، السيد ولسن ملهم نرسا ، المهندس إسماعيل بطرس جبرائيل ، السيد عوديشو شموئيل يوخنا ، المحامي يوشيا تمرز لولو ، السيد يوسف يونان خمو ، الدكتور يوناثان يوسف يوآش ) وهؤلاء جميعاً من حاملي الشهادات الجامعية .. وكان أهم مادة من مواد النظام الداخلي للنادي هو حصر العضوية بمن يحمل شهادة الأعدادية ( الباكلوريا ) على أقل تقدير او ما يعادلها رسميا وكان النظام الداخلي للنادي يسمح بالأنتماء إليه من جميع الطوائف والمذاهب من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري بدون إستثناء ، ومنع تقديم المشروبات الكحولية في النادي والتركيز في نشاطاته على الجوانب الثقافية والأجتماعية والعلمية والرياضية والفنية والتي لها علاقة بتراث الأمة الثقافي والقومي التقدمي والتراث الوطني ونبذ العنصرية والتعصب بكل أشكاله وإشاعة حب الوطن والوحدة الوطنية والتعايش والتآخي القومي والديني والمذهبي مع كافة مكونات الشعب العراقي . وعمل النادي طيلة سنوات عمره القصير وفق هذه الرؤية الستراتيجية ، وضمن هذا الأطار حقق إنجازات كبيرة على مختلف الأصعدة الثقافية والفنية والأجتماعية وتعليم لغة الأم من خلال إقامة دورات مكثفة صيفية ، وإصدار مجلة ثقافية فصلية بإسم ( المثقف الآثوري ) وباللغتين الآثورية والعربية بالرغم من كل العراقيل والمصاعب التي كانت تخلقها وتضعها السلطة الحاكمة أمام النادي لمنع صدور المجلة بالمستوى المخطط لها ، وكان الجميع وكل من موقعه في الهيئة الأدارية واللجان العاملة في النادي يعملون بهمة ونشاط ونكران الذات من أجل تقديم أفضل ما يمكن تقديمه لخدمة أهداف النادي وبذلك حقق النادي إنتشاراً واسعاً على المستوى القومي والوطني معاً ، وكان النادي محط أنظار وإعجاب المثقفين العراقيين من كل المكونات ممن شاركوا في تقديم المحاضرات الثقافية التي كان النادي يقيمها أسبوعيا ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المرحوم الدكتور علي الوردي حيث إندهش وإنبهر بمنظر الحضور المكثف والمهتم بالثقافة عندما ألقى محاضرة عن " دور المرأة في المجتمع العراقي " والذي على أثره تعهد بأنه سيكون جاهزاً لألقاء محاضرات أخرى متى ما طلب منه ذلك إكراماً وإحتراماً ودعماً للنادي ،  وغيره الكثير من مثقفي العراق من الأكادميين الذين شاركوا في النشاطات الثقافية للنادي كان لهم الأنطباع ذاته ، لذلك ظل النادي هدفاً دائماً يستهدفه النظام الفاشي في ملاحقة وتحجيم كل نشاطاته .. وفي ظل الواقع الأجتماعي المتصارع مذهبيا وعشائريا لشعبنا ، وفي خضم هذه الحركة الثقافية والفكرية الناهضة والنشطة في النادي الثقافي الآثوري الحديث المولد والقليل الخبرة والتجربة وشحة الأمكانيات المالية والتي كان يغذيها ويديمها ويقودها مجموعة من الشباب القومي التقدمي المستقل المثقف ( يقصد هنا بالمستقل غير المرتبط بلأحزاب السياسية العاملة في المجتمع العراقي والمتواجدة في النادي آنذاك ) من وراء الكواليس بهمة ونشاط عاليين وكأي تنظيم سياسي محترف غير معلن رسمياً ، وللأمانة التاريخية وإكراماً لهذه النخبة من الشباب القومي التقدمي المستقل وليس لأي غرضٍ آخر كما قد يتصور البعض ولكن لأظهار الحقيقة كما كانت ، ومن عاش وعاصر الأحداث في تلك الفترة من عمر النادي سوف يتذكر دور وفعل هؤلاء الشباب المتفانين ويؤيدنا فيما ذهبنا إليه في مقالتنا هذه ..  أذكر من هؤلاء أسماء من كانوا يشكلون الخط الأول في المواجهة والتصدي  للأحزاب التي كانت تسعى بشتى الوسائل فرض أجنداتها السياسية وإرادتها وهيمنتها على النادي وهم كل من ( أبرم داود شبيرا ، آدم بثيو ججو ، روميل كوركيس ، إيشايا يونان ، شليمون بيت شموئيل ، نوئيل داوود ، دنخا إيشا ، إيشو دنخا يقيرا ، يوخنا إسحاق زيا ، خوشابا توما كانون ، زيا بطرس ، بنيامين عوديشو سخريا ، جورج متي سوكول ، عوديشو آدم ، بطرس بولص البازي ، كوركيس حنا البازي ، ريمون بنيامين ، سركون ميخائيل رشو ، داود إيشا ، شاول شائيل البازي رعد إيشعيا البازي ، سركيس شائيل البازي ونمرود بيتو يوخنا والمرحوم بنيامين أبرم وأخيراً كاتب المقالة خوشابا سولاقا ) وغيرهم من المتعاونين الذين لا تحضرني أسمائهم  ممن كانوا يشكلون الخط الخلفي من حيث الدور وكل واحد من هؤلاء كان مرتبط بمجموعة من الشباب المستقل من أعضاء النادي ويعمل معهم كتنظيم دون أن يكون هناك تنظيم فعلي ورسمي ولكن حب هؤلاء للأمة وإيمانهم بأهداف النادي كان كافياً لأن يجعلهم يعملون كخلية نحل في النادي ، وكان هناك من يساند توجهات وتطلعات ونشاطات هؤلاء الشباب من عناصر التوجهات السياسية والمثقفين في النادي وعلى سبيل المثال لا الحصر الشيوعيين كافة ورابي يوسف نمرود كانون وشقيقه رابي زيا نمرود ورابي ولسن ملهم ورابي يوسف يونان والسيد إيشا ميشائيل والأستاذ أدورعزيز والدكتور إيشو سنحاريب مرقس والسيد إنطوان سفر والسيد توما مشائيل والمهندس توما روئيل والسيد لنسن إيليا والدكتورة جوأن ريحانه والسيد آشور زكريا وغيرهم الكثير من الشباب المتقد بالروح القومية وإعتذاري الشديد لمن لم نذكر إسمه هنا لأن العمر والأحداث قد نالا من ذاكرتنا الشئ الكثير ، عملوا كل هؤلاء جميعاً في الأتجاهات التالية :
    1 ) بأسلوب مثقف وديمقراطي ووفق للنظام الداخلي للنادي ولكون النادي مؤسسة غير سياسية وفقاً لذلك تم التصدي للأحزاب السياسية التي كانت تسعى الى فرض أجنداتها السياسية وإرادتها وهيمنتها على النادي .
    2 ) العمل من أجل المحافظة على إستقلالية النادي من تدخلات وهيمنة الأحزاب السياسية على قراره والمحافظة على هويته القومية التقدمية الوطنية .
   3 ) العمل على إحياء لغة الأم والثقافة القومية التقدمية والوطنية من خلال نشاطاته وتكريس الوحدة القومية من خلال تصديه للمذهبية الكنسية والتعصب القبلي والعشائري وقد حقق النادي نجاحاً باهراً في هذا المجال حيث ضم في عضويته الكثير من الكلدان والسريان والروم الأرثوذكس ومن كل الطوائف الناطقة بالسريانية وكان النادي الثقافي الآثوري طيلة سنوات عمره القصير ملتقى للجميع دون تمييز وكان هذا أكبر إنجازاً له يفتخر به على مسار تحقيق الوحدة القومية لشعبنا في تلك الفترة العصيبة والتي كانت الصراعات المذهبية والعشائرية في مجتمعنا على أشدها ، وبذلك كانت سنوات عمر النادي الثقافي الآثوري الحافلة بالأنجازات النوعية قد شكلت منعطفاً تاريخياً في مسيرة الحركة السياسية القومية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري المعاصرة .. 

تابعونا في الجزء الثاني وشكراً

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 12 / تموز / 2020 م


5
السياسة بين مفهوم الفضيلة والرذيلة ... العراق انموذجاً
خوشابا سولاقا
كما هو معروف أن السياسة كمهنة ووسيلة وفكر قد رافقت حياة الانسان منذ الأزل ، وكانت دائماً وسيلة للبحث عن المصالح المختلفة التي تخص متطلبات حياته وكيفية حمايتها والدفاع عنها بشتى الوسائل المتيسرة في نضاله مع الآخرين أو مع عوامل الطبيعة من أجل تسخيرها لصالحه لتطوير حياته ، لذلك تنوعت طبيعة السياسة ووسائل تحقيقها بتنوع طبيعة المصالح بين أن تكون السياسة بنتائجها فضيلة وبين أن تكون رذيلة ، علية ظهرت أجتهادات وتفسيرات كثيرة لتبرير نتائجها وانعكاساتها على الحياة ، فهناك من برر طبيعة الوسيلة المعتمدة مهما تكون طبيعة تلك الوسيلة قذرة وغير نبيلة وأخلاقية لتحقيق غاية نبيلة بأنها وسيلة شريفة وأخلاقية مثل مبدأ الميكيافيللي " الغاية تبرر الوسيلة " ، وهناك من وقف بالضد من هذا المبدأ ، حيث أعتبروا أن الغاية النبيلة بالضرورة يجب أن يتم تحقيقها بأعتماد وسيلة شريفة نبيلة وأخلاقية كما تدعي تيارات ذات الأفكار اليسارية الديمقراطية واللبيرالية الحديثة  . نحن شخصياً نتفق مع الأفكار التي تدعي بأن الغاية النبيلة يجب أن تتحقق بأستعمال وسيلة نبيلة وأخلاقية في ممارسة السياسة لكي تكون معطياتها وانعكاساتها بنتائجها النهائية على المجتمع تحمل له الخير والأمن والأمان والأطمئنان والتعايش السلمي وترسخ تربية وثقافة الفضيلة بين أجياله الناشئة ، وإلا ستفقد الانسانية مضمونها ومعناها ، وبالتالي تكون خير وسيلة للقضاء على كل أشكال الجريمة والفساد والتجاوز على المال العام والممتلكات العامة للمجتمع ووضع حد لاستغلال الموقع الوظيفي للانتفاع الشخصي للمسؤول السياسي في مؤسسات الدولة وخيانته للأمانة الوظيفية وحرمة وقدسية المسؤولية . أما باستعمال كل الوسائل الممكنة لتحقيق الغاية المرجوة حتى وإن كانت تلك الغاية نبيلة فإن ذلك يؤدي حتماً الى تكريس تربية وثقافة الرذيلة بكل أشكالها ومن ثم تصبح سياقاً لتبرير الجريمة بكل أنماطها وشيوع الفساد المالي والأداري والاجتماعي في مؤسسات الدولة والمجتمع ، وهذا يؤدي بالنتيجة الى انهيار القيّم والمبادئ السامية والنبيلة والمنظومة الأخلاقية للمجتمع ... إن مهنة السياسة بحد ذاتها كمفهوم وآلية هي مهنة سامية ونبيلة وأخلاقية ولكن ما يجعلها غير ذلك هم السياسيون عندما يجردونها من المبادئ السامية والأخلاق ، فعندها تكون السياسة وسيلة قذرة لا اخلاقية لتحقيق مصالح ومنافع شخصية ، أي بمعنى أن مَن يصنع السياسة القذرة كوسيلة هم السياسيون الأنتهازيون المارقون من الذين يخونوا الأمانة المبدئية في العمل السياسي من اجل المصالح والمنافع الشخصية الأنانية على حساب المصالح الوطنية والقومية .
السياسيون المارقون هم من يضفون على مهنة السياسة  صبغة معينة بين أن تكون فضيلة وبين أن تكون رذيلة بكل أبعادها الفكرية والعملية ، حتى الحروب كوسيلة سياسية تكون أحياناً ذات بعداً أخلاقياً سامياً يحمل طابع الفضيلة عندما تكون حروباً لصد العدوان والدفاع عن النفس والوطن وقد أجمع تاريخياً على تسميتها  بالحروب الوطنية المقدسة وأحياناً أخرى تكون ذات بعداً عدوانياً  يحمل طابع الرذيلة عندما تكون حروب الأعتداء على الآخرين ومصادرة إرادتهم لأغراض التوسع والهيمنة ونهب الثروات وغيرها من الأسباب ، فمثل هذه الحروب أجمع تاريخياً على تسميتها بالحروب العدوانية القذرة .
وعلى  ضوء ما تقدم من شرح وتوضيح لعلاقة السياسة بمفهوم الفضيلة والرذيلة في متن مقالنا هذا نقول ... إن السياسي سوف يسقط في براثن الرذيلة عندما يمارس " سياسة بلا مبادئ أخلاقية " ، وعندما يسعى من وراء ممارسة السياسة الى جني " الثروة بلا عمل شريف وأخلاقي " ، وعندما يبتغي من ممارسة السياسة الى " المتعة بلا ضمير " ، وعندما يمارس السياسة " باستعمال المعرفة بلا قِيّم " ، وعندما يستغل السياسة في ممارسة " مهنة التجارة بلا أخلاق " ، وعندما يستغل في ممارسة السياسة " استعمال العلم بلا إنسانية " ، وعندما يمارس السياسة من أجل البحث عن " المجد بلا تضحيات " ..... ما أكثرهم هؤلاء من أشباه القِردة في هذه الأيام من هذا الزمن الأغبر !!! .
من هنا نشخص بأن للسياسة بنتائجها النهائية المتحققة على أرض الواقع كوسيلة للتغيير الاجتماعي وجهان بإفرازاتها ، وجه يفرز الفضائل وآخر يفرز الرذائل ، وهنا على السياسي أن يختار الأفضل وأن يرتب أولويات سياساته ومناهجه وبرامجه في العمل السياسي على ضوء ذلك بين أن تكون سياساته نبيلة وشريفة وأخلاقية وبين أن تكون على العكس من ذلك ، وتبقى  الانجازات المتحققة على أرض الواقع هي المعيار للتقييم وتحديد طبيعة السياسة بين أن تكون فضيلة وبين أن تكون رذيلة ، وهنا تشكل الخيانة بكل أشكالها وأنماطها في العمل السياسي أشد أنواع الرذيلة قذارة ، ويأتي من بعدها في مستوى القذارة اعتماد أسلوب النفاق والرياء والتملق والمداهنة والتضليل وعدم الشفافية والمصارحة مع الآخرين . وفقاً لذلك نقيم الحالة العراقية بوضع العراق بعد عام 2003 م كانموذج للدراسة .
عندما نتمعن وبتجرد من كل الأعتبارات الأثنية والدينية والمذهبية والسياسية في الوضع العراقي منذ عام 2003 م مستندين على معطيات واقع الحال سوف تذهلنا النتائج وتقودنا كل مؤشرات التقييم الموضوعي بأن السياسات التي أعتمدت واتبعت ومورست من قبل النخب السياسية الحاكمة المتنفذة والمتعاونين معها لأسباب منفعية في العراق خلال فترة ما بعد السقوط كانت سياسات خرقاء وحمقاء وغير أخلاقية بتاتاً لأنها اعتمدت وسائل غير أخلاقية وغير وطنية بامتياز أدت الى اشاعة الفساد بكل أشكاله في أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والعسكرى وبأقصى درجاته وأشاعة المحسوبية والمنسوبية على حساب الكفاءة المهنية والخبرة والنزاهة والتخصص المهني والمعرفة العلمية والولاء للوطن والأخلاص ، وانتشرت الجريمة بكل أنواعها في الدولة والمجتمع على حدٍ سواء فكانت أسوأ نتائج السياسات اللاوطنية المعتمدة هي ضياع الهوية الوطنية للعراق وشيوع الهويات الخصوصية ، وغياب سلطة القانون وانهيار وسقوط هيبة الدولة وغياب التخطيط المركزي الممنهج لأستثمار واردات الدولة بإقتصادها الريعي المعتد على النفط وحده وتغييب المصادر الأخرى للثروة لصالح الفاسدين وهيمنة سلطة وقانون دويلات الميليشيات المنفلتة وشيوع الرذيلة بكل أشكالها بين نخب أفراد الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة بشكل مقرف ومخجل ومخزي وبشكل علني مما قادت العراق الى الأنهيار الأمني والأقتصادي والمالي والعسكري ووصوله الى حافة الهاوية السحيقة .
لا نجد إطلاقاً بين نخب الطبقة السياسية المتنفذة والمتعاونين معها من الذين تولوا حكم العراق بعد عام 2003 م من كان له سياسة تقديم وتفضيل المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية والفئوية والفرعية والحزبية بل كانوا على العكس من ذلك حيث إستثمروا الدين والمذهب وجرائم النظام السابق بحق الأقارب وأتباع المذهب والقومية لتحقيق الأنتفاع والأثراء الشخصي والعائلي من خلال تشريع قوانين خاصة بهذا الأستثمار على حساب مصلحة الشعب والوطن وإفقارهما وخير دليل على ذلك قانون الرفحاء والسجناء السياسيين وإزدواج الرواتب وتزوير أعداد المشمولين بهذه القوانين الى أرقام فلكية لصالح الأقرباء والأتباع كما تشير الى ذلك ما ينشر من أرقام خلال هذه الأيام ، وتشريع قوانين خاصة تخصيص الرواتب الفلكية الأزلية والأمتيازات الخيالية للقيادات ممن هم خارج مؤسسات الدولة وأصحاب الدرجات الخاصة للطبقة الحاكمة في السلطات الثلاثة وحماياتها ، لذا سارت الأمور في العراق من سيء الى أسوأ يوماً بعد آخر الى أن وصلت الدولة الى مرحلة الأفلاس والعجز عن تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين ، وعليه ووفق معيار الوطنية الحقة فإن تصنيف هذه السياسات التي أوصلت العراق الى هذا الدرك من الأنحطاط والتخلف والتراجع مهدد بالأنهيار المالي والأفلاس تدخل ضمن تصنيف سياسات الرذيلة والخيانة الوطنية التي مارستها النخب السياسية الحاكمة منذ سنة 2003 م وليس لها تصنيف آخر يليق بها ويعبر عنها أكثر من هذا الوصف .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 5 / تموز / 2020 م

 


6
قالها فريدريك هيجل ... " القُوة هي القانون "
خوشابا سولاقا
في ظل الواقع الذي يعيشه بلدنا العراق من شيوع وإنتشار الفساد في كل مؤسساته العسكرية والأمنية والمدنية وعدم إحترام سلطة القانون وغياب هيبة الدولة وتجاوز المواطن على حقوق الدولة والممتلكات العامة أجد ضرورة قرأة هذا المقال بتمعن .
جورج فريدريك هيجل ( 1770 م – 1831 م ) هو فيلسوف ومفكر ألماني كبير ، ويعتبر من أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر . يعني عند هيجل مصطلح الفلسفة قبل كل شيء منهجاً لدراسة وفهم التاريخ ، ولذلك يبدو من شبه المستحيل التحدث عن هيجل بمعزل عن التحدث عن تاريخ البشر . انطلق هيجل في دراسته للتاريخ ومن ثم لفهمه له كما ينبغي من منهجه الديالكتيكي ( الجدل ) الذي بني عليه فكره وفلسفته كفيلسوف كبير له مكانته المرموقة بين أقرانه منطلقاً من أن الشيء ذاته ينبثق من التناقضات التي تحدث فيه ، أي بمعنى أن كل شيء يولد ، يولد معه نقيضه ، وأن تطور الحياة الطبيعية والاجتماعية ياتي من خلال صراع الأضداد داخل الأشياء ذاتها ، أي بمعنى صراع المتناقضات داخل الأشياء . كان لهذا الفيلسوف والمفكر الكبير واللامع دوراً تاريخياً كبيراً في تطور حركة الفكر والفلسة في العصر الحديث ، حيث اعتمد كارل ماركس ( 1818 – 1883 ) م كأعظم مفكر واقتصادي وفيلسوف وعالم اجتماع ألماني في القرن العشرين على منهج دايالكتيك هيجل ومادية الفيلسوف الألماني اللاديني لودفينك فيورباخ ( 1804 – 1872 ) م الذي عاصر هيجل في استكماله لأركان النظرية الماركسية الثلاثة في دراسة تطور التاريخ الاجتماعي ودراسة تطور الطبيعة بصياغته لثنائيته الرائعة ألا وهما " المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية " الى جانب الركن الثالث ألا وهو الأقتصاد السياسي . ولغرض التدرج في الوصول الى لب الموضوع المطروح الذي نحن بصدده بعنوان مقالنا هذا ، لا بد لنا من التعرف على فكر هيجل في القانون وعلاقته الجدلية بمؤسسة الدولة كمؤسسة خدمية لكي نتمكن من معرفة العلاقة الجدلية بين القوة والقانون في إدارة الدولة في الحياة الاجتماعية الانسانية حصراً ، وبعكسه سوف يبقى الأمر مجرد الدوران في حلقة مفرغة .
عند هيجل ومنهجه الديالكتيكي يعتبر أن القانون هو أساس الدولة وعقلها الموجه ، وعليه كُثرت الأتهامات الموجه له من خصومه من المفكرين والفلاسفة في عصره وحتى من بعده من الديمقراطيين والليبراليين بأنه فيلسوف مروج للفلسفة التوتاليتارية أو الشمولية على حساب الديمقراطية والليبرالية ، الى درجة جَرتْ محاولات للربط بين فلسفة هيجل وصعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا في النصف الأول من القرن العشرين . ولكن في الحقيقة والواقع وكما أثبتتْ وتثبتْ الأحداث والوقائع التاريخية لحياة المجتمعات الانسانية عبر مختلف الحقبات التاريخية وفي كافة بقاع العالم أن القانون هو التعبير الحقيقي عن إرادة الفرد وحريته وضميره لتحقيق إنسانية الانسان لمنعها من التلوث ، ومن دون القانون لا يمكن للحياة الانسانية أن تستقر وتستمر كما ينبغي أن تكون ، وأنه الحامي الأمين الأول والآخير لتلك الارادة والحرية من عبث العابثين ، ومنعهم من انتهاكها والتجاوز عليها وبالتالي التجاوز على الحقوق الانسانية للمجتمعات ، وذلك بوصف القانون أساساً مادياً وركناً حيوياً محورياً للدولة وسلطتها وسيادتها وهيبتها ، فالقانون ليس آلية خارجاً عن كيان الدولة ذاتها ، بل إن القانون هو الأرادة الحرة الحقيقية للفرد أختارها بكامل إرادته لكي تعبر عنه وتحقق له أكبر قدر من الأستقلالية والحرية الفردية المنضبطة الغير منفلتة .
لقد استخدمت بالفعل فلسفة هيجل ومنهجه الديالكتيكي ( الجدل ) بشكل مشوه ومحرف في تدعيم ومساندة وترسيخ بعض المفاهيم والأفكار الشمولية عن الدولة على يد بعض المفكرين والمنظرين في شؤون صياغة فلسفة الدولة الديكتاتورية الشمولية . حيث ذهب هيجل في وصفه للدولة الى حد إعتبارها أنها إكتمال لمسيرة الأله على الأرض ، أي كما تم تفسير هذا البعد في وصف هيجل وروج له بأن سلطة الحاكم في الأرض مستمدة من سلطة الله في السماء ، والى أن الدولة هي قوة العقل المحقق لذاته ، وأن واجب الفرد الأسمى هنا هو أن يكون عضًواً في الدولة تترتب عليه واجبات تجاهها وله حقوق مستحقة عليها .
بعد هذه المقدمة التاريخية المتواضعة عن فلسفة هيجل ومنهجه الديالكتيكي في نشوء وتطور وتفسير الأحداث التاريخية الاجتماعية نتمكن من الدخول في توضيح العلاقة الجدلية بين " القوة والقانون " في اطار مفهوم فلسفة الدولة في الحكم لحماية أمن المواطن الفرد والمجتمع والممتلكات العامة للدولة من عبث العابثين والمجرمين والمتجاوزين من عصابات الجريمة المنظمة وسُراق المال العام من الذين عاثوا في الأرض فساداً .
القانون هو بمثابة المعيار المحدد اجتماعياً وأخلاقياً مقراً من الجميع تعود إليه الدولة لتقييم أفعال الأفراد في المجتمع الوطني وفق مبدأ " الثواب والعقاب " بين أن تكون أفعال خيّرة تعود بالفائدة للمجتمع يستوجب تكريم فاعليها ، وبين أن تكون أفعال شريرة تعود بالضرر البَيّن للمجتمع يستوجب محاسبة ومعاقبة فاعليها . هذا هو مدلول ومعنى القانون كمعيار للتقييم وللتمييز بين الخير والشر في أفعال أفراد المجتمع لحماية الفرد والمجتمع ومصالحهما للوصول في نهاية المطاف الى حالة شعور الأفراد بالأمن والأمان والأستقرار والهدوء النفسي وأن القانون هو حاميهم وحارسهم الأمين من أي مكروه يصيبهم في حياتهم .
على خلفية هذه الحالة المفترضة والمطلوبة لأن تكون عليها حياة المجتمعات الانسانية المستقرة أمنياً ومعاشياً وثقافياً ، يستوجب حضور القانون في الساحة بقوة لفرض إرادته وسلطته وسطوته واحترامه وهيبته على أفراد المجتمع بكل طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية . من هنا تبرز أهمية وجود القوة الى جانب القانون لفرض سلطته وإرادته وهيبته لكي يتمكن من تحقيق أهدافه الانسانية المرجوة منه ، وعليه ولكل هذه المسوغات يكون وجود وحضور عنصر القوة هنا عنصر خير وأداة نبيلة تسعى الى تحقيق الخير والأمن والأمان للمجتمع كله كغاية نبيلة ، وليس عنصر شر يستهدف منه الى قمع وكبح ومصادرة الأرادات والحريات كما قد يتصور البعض من المبالغين بالحريات الفردية المبتذلة والمنفلتة التي تضر بمصالح وحريات الآخرين من أفراد المجتمع . إنه من غير المحبذ بل من غير المقبول عقلياً بل وليس حتى أخلاقياً أن يأتي توسيع إطلاق الحريات المبتذلة للفرد على حساب تقويض وتقليص والأضرا بالحريات العامة للمجتمع . لذلك يستوجب على الدولة ومؤسساتها القانونية والتربوية أن تعمل على إحداث حالة من التوازن  بين هذا وذاك في المجتمع وفق مبدء " الكل أحرار أمام القانون لنيل وممارسة حقوقهم وحرياتهم الطبيعية ، والكل في ذات الوقت ملزم باحترامه لحماية حقوق وحريات الآخرين " . في حالة سيادة هذه الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع وبين القائمين على تطبيق القانون أي الدولة معاً ، المتآتية من نمو وتطور مستوى الوعي الثقافي بكل أشكاله لدى الفرد ، وشعوره بالمسؤولية تجاه الآخرين وتجاه كيفية التعامل مع القانون بشكل مسؤول ، يكون القانون في هذه الحالة قد تحول الى قوة مجتمعية كبيرة إن صح التعبير ، وعندها تنتفي الحاجة الى وجود سلطة البوليس أو أي شكل آخر لها من أشكال أدوات الدولة .
 القانون لا يمكن أن يصبح واقعاً معاشاً على الأرض وموضع احترام أفراد المجتمع بكل طبقاته من دون وجود قوة تسنده وتدعمه وتفرض سيطرته وسطوته وسلطته واحترامه وهيبته على المجتمع وتتحكم بسلوكيات الأفراد لكي يكون مفيداً ، أي بمعنى أن القانون لا يمكن له أن يعيش إلا بمعية القوة ، وهو والقوة توأمان يرتبطان بعلاقة عضوية جدلية تكاملية لا ينفصمان ولا يمكن لأحدهما أن يعيش وينتج خيراً للمجتمع أو يقلع منه جذور الشر من دون وجود الآخر بمعيته ، لأن القوة بكل أشكالها هي جوهر القانون وأداته لتحقيق العدالة والمساواة والأمن والأمان والأستقرار في المجتمع ومن دونها يولد القانون ميتاً . ومفهوم القوة وطبيعتها على أشكال تختلف من مجتمع الى آخر ومن مكان الى آخر .
فهناك قوة إيجابية بيضاء مسالمة نابعة من نمو وتطور مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي بكل أشكاله لدى الفرد والمجتمع ، ونمو وتطور الشعور بالمسؤولية لدى الفرد تجاه الآخرين وتجاه الممتلكات العامة للدولة باعتبارها ملك عام للمجتمع عليه يكون حمايتها وصيانتها من العبث والجريمة من مسؤولية الجميع ، في ظل هذه الحالة يتحول القانون الى سلطة الفرد بذاته يمارسها على ذاته أولاً قبل غيره بحرص شديد ، وهنا وفي ظل هذا النمط من القوة تنتفي الحاجة الى اللجوء الى استعمال القوة القاهرة بكل أشكالها لتطبيق القانون . هذه الحالة الراقية لتطبيق القانون تمثل نموذجاً للقوة الايجابية البيضاء أي قوة القانون في المجتمعات المتقدمة والمتطورة الراقية في عالم اليوم . أما في حالة غياب هذه القوة الأيجابية البيضاء فليس أمام الدولة وسلطاتها المختصة من خيار آخر لتطبيق القانون وفرض سيادته وسلطته وهيبته كما ينبغي لحماية المواطن الفرد والمجتمع والممتلكات العامة للدولة والتصدي للجريمة بكل أشكالها إلا باللجوء الى إعتماد القوة القاهرة " قانون القوة " بحسب مستويات الأفعال المرتكبة من قبل العابثين والمتجاوزين على القانون بحق المجتمع والممتلكات العامة للدولة لوضع الأمور في نصابها الصحيح ، وهذه الحالة من استعمال للقوة القاهرة في تطبيق القانون تمثل تعامل القانون مع المجتمع في المجتمعات المتخلفة للغاية حتى بطبيعة تجاوزاتها القبيحة والهمجية والمبتذلة مع الممتلكات العامة للدولة حيث لا يعير الفرد فيها أية أهمية للقانون وحقوق الآخرين وحقوق الدولة ، ولا يقيم لها أي وزن واعتبار ولا يوليها أي احترام يذكر كأننا نعيش قي ظل شريعة الغابة على قول المثل " حارة كلمن إيدو ألو " ، والعراق نموذجاً للحالة المزرية هذه حيث المواطن يعبث بكل حق من حقوق الآخرين ، ويسيء على ممتلكات الدولة بوقاحة متناهية لا مثيل لها في أي بلد من بلدان العالم حتى المتخلفة منها التي كنا نتقدم عليها بعقود من الزمن قبل سقوط النظام السابق . بحكم هذه الممارسات الشاذة والمنكرة من التجاوزات على حُرمة القانون العام وهيبته تحولت ارصفة الشوارع ونصف الشوارع نفسها الى بسطات ومطاعم ومحلات لعرض ما لدى الباعة المتجولين واصحاب المحلات التجارية والمطاعم وباعة الخضراوات والفواكه والملابس ومشاوي السمك المسكوف وغيرها من االنشاطات المنافية للذوق العام ، إنها في الحقيقة حالة يرثي لها وتثير الأستغراب والأشمئزاز في النفس تُبكي الأعمى والأطرش وتُضحك الأعداء على ذقون المسؤولين العاجزين عن التصدي لهذه التجاوزات بقوة القانون  . بغداد الجميلة وشوارعها وأزقتها تحولت الى مكبات ومزابل للنفايات ، تصول وتجول فيها الحيونات السائبة مشاركة مع فقراء وبؤساء الشعب بحثاً عن فتات الطعام لتسُد بها رمقها وربما لا يجدوه فيها ، هذه الحالة المزرية والمعيبة يتحمل مسؤوليتها بالكامل المواطن قبل الدولة لأنها من صنعه ونتيجة سلوكه غير المسؤول تجاه نفسه أولاً وتجاه الدولة والوطن ثانياً ، إنه سلوك منحرف للمواظن لا يشعر بالمسؤولية تجاه الاخرين ، وهو سلوك مواطن أناني عبثي ثرثار وناقم من دون أن يعي نتائج أفعاله المشينة التي تخلق هذا الواقع القبيح لمدنه وشوارعها في ظل شبه الغياب التام لمؤسسات الدولة الخدمية وأدواتها ودورها الرقابي للتصدي لهكذا تجاوزات  ومحاسبة القائمين بها . ربما قائل يقول بأن هذا السلوك هو وليد الحاجة والعوز بسبب الظروف التي يمر بها العراق ، ونحن نقول كلا إنه ليس كذلك في أغلبه ، بل هي طبيعة تَطبع بها المواطن العراقي يلتجأ إليها عندما تضعف الدولة وتغيب قوة القانون وسطوته في العقاب الصارم ،  لأن صاحب المطعم والمحلات التجارية الكبيرة المملوءة بالبضائع المنزلية المستوردة المختلفة المناشئ والماركات التجارية ، وتجار المواد الأحتياطية للسيارات والمكائن والمعدات الثقيلة وغيرهم الكثيرين ليسوا تحت تأثير الحاجة والعوز والفقر وفقدان لقمة العيش  ليقوموا بالأستلاء على أرصفة الشوارع ونصف الشوارع أمام محلاتهم لعرض بضائعهم ، بل هي طبيعتهم العبثية وميلهم الفطري الموروث للنزوع الى التجاوز على ما لا يمتلكونه وليس من حقهم إستغلال ذلك في ظل غياب القوة التي تكبح عبثيتهم وهمجيتهم اللامحدودة . لماذا لم يتصرفوا كذلك في زمن النظام السابق ؟؟ نقول إنهم لم يفعلوا ذلك لأن العقاب المقابل من الدولة كان حاضراً وقاسياً وصارماً لذلك تجنبوا هذا السلوك المشين غير المسؤول خوفاً من قوة القانون ، لذلك كانت الأرصفة والشوارع بعيدة عن متناول التجاوزات الشاذة والأستغلال القبيح وكانت دائماً نظيفة من بقايا مخلفات بضائعهم . أما من جانب الدولة فإن الموازنات العامة للعراق ذات الأرقام الفلكية التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات الخضراء تجاوز مجموعها خلال السنوات الماضية من التريليون دولار ( ألف مليار دولار ) كما صرح به نائب رئيس مجلس الوزراء السابق الأستاذ بهاء الأعرجي للفضائية البغدادية في حينها في برنامج ستوديو - 9 الذي كان يقدمه الأعلامي المعروف أنور الحمداني ، ولكن بالمقابل لا نجد أن أمانة بغداد والدوائر البلدية في المحافظات قد قامت بتبليط حتى شارع واحد أو إنجاز أي مشروع حيوي خدمي ، وحالة الكهرباء والتربية والتعليم والصحة والمجاري والأتصالات والنقل وغيرها تسير من السيء الى الأسوء يوم بعد آخر ، والمليارات من الدولارات تذهب أدراج الرياح وتختفي في أرصدة الفاسدين في بنوك العالم !!! والحرب دائرة على مدار الساعة والشهداء من ولد الخايبة بالعشرات يومياً والخطف والقتل على الهوية فحدث ولا حرج ، إنها حالة تعايش وتصارع المتناقضات في بلد العجائب والغرائب ، بلد قصة ألف ليلة وليلة العراق المغتصب !! الذي بات لا نعرف من أين نبدأ وأين ننتهي بذكر مصائبه ومعاناته وأزماته ومشاكله لينام شعبه قرير العينين وليقولوا لحكامه " لقد أدرك شهرزاد الصباح فسكتتْ عن الكلام المباح " . بعد هذا العرض لتصحيح مسارات الحياة الأجتماعية في مختلف المجتمعات نستنتج أن القوة والقانون هما في علاقة عضوية جدلية تكاملية دائمة ، لا يمكن لأحدهُما أن يتواجد ويكون مؤثراً لوضع الأمور في نصابها الصحيح إلا بوجود الآخر معه وتوأماً له ... القانون من دون وجود قوة داعمة له لا جدوى من وجوده ، وعليه نحن نقول للحكومة الحالية التي يقودها الأستاذ مصطفى الكاظمي كان الفيلسوف والمفكر الألماني فريدريك هيجل مصيباً في قوله حين قال أن " القوة هي القانون " .

 خوشــابا ســـولاقا   
بغداد في  28 / حزيران /  2020 م

7
الحوار الأستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية
في ضوء إتفاقية الأطار الأستراتيجي التي تم التوقيع عليها بين البلدين في سنة 2008 م تم الأعلان منذ مدة بأنه سيتم عقد إجتماعات بين البلدين لأجراء حوارات إستراتيجية شاملة في كل مجالات التعاون الوارد ذكرها في هذه الأتفاقية في ضوء ما حصل من مستجدات وتغيرات سياسية وأمنية وعسكرية وإقتصادية وعلمية وغيرها من المجالات الأخرى خلال الفترة المنصرمة وتقييم المخرجات لأعادة وضع خارطة الطريق للعمل في أستكمال ما تم الأتفاق عليه في الأتفاقية المشار إليها أعلاه .
وفي 11 / حزيران / 2020 بدأت الأجتماعات تحت عنوان " الحوار الأستراتيجي " عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة بين وفدي البلدين حيث كان الوفد الأمريكي برآسة نائب وزير الخارجية الأمريكية ومجموعة من المساعدين الأختصاصيين في محاور جدول الأجتماع ورأس الوفد العراقي وكيل وزارة الخارجية هشام عبدالكريم وضم بالتناظر مع الوفد الأمريكي مجموعة من الخبراء المختصين بشؤون محاور جدول الأجتماع المتفق عليه قبل بدأ الحوار ، وكانت هيكلية الوفدين تتضمن لجان تخصصية من الخبراء لكل محور من محاور جدول الاجتماع .
وقد إنتهت الجلسة الأولى من الحوار بإصدار بيان مشترك وكانت نتائج هذه الجلسة المعلنة بموجب البيان المشترك للجانبين إيجابية بحسب تقييم المراقبين والمحللين السياسيين وتقرر إستئناف الجلسة الثانية في شهر تموز يوليو المقبل . ومن خلال إستقرائنا ومتابعاتنا لمجريات هذا الحوار في ضوء الصراع المستفحل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران  وإشكالياته المنعكسة على الواقع العراقي وأثارها السلبية على وحدة الموقف والقرار السياسي العراقي بحكم الولاءآت المتناقضة بين الكتل والقوى السياسية العراقية مما تزيد في موقف الحكومة والوفد العراقي في الحوار ضعفاً وتردداً وتشتتاً بشأن محاور هذا الحوار .
مما ورد ذكره أعلاه يستوجب أن نضع بعض النقاط على الحروف ونسلط بعض الضوء على ما يتطلب توضيحه للشعب العراقي بحسب رؤيتنا المتواضعة بخصوص الظروف الموضوعية والذاتية للعراق وتأثير مخرجات هذا الحوار لتحسين الوضع العراقي المتأزم من جميع النواحي ونوجزها بما يلي : - 
أولاً : ما كان معروفاً للطرفين العراقي والأمريكي منذ البداية هو أن الأجتماعات لهذا الحوار الأستراتيجي المهم سوف لا تنتهي في جلسة واحدة أو جلستين أو في أيامٍ معدودات كما كان يتصور البعض وإنما ستستمر الجلسات الحوارية لأمد أطول لربما تأخذ أشهر من الوقت لأنضاج الرؤية المشتركة بين الطرفين بما يخدم مصلحة البلدين وذلك حتماً يعتمد على مدى شفافية الطرفين وتجاوبهما الأيجابي لأنجاز محاور الحوار ، وأن هذه الحوارات ستكون صعبة وحساسة للغاية للوفدين بسبب ظروف العراق المعقدة لإعادة صياغة علاقة صداقة إستراتيجية منتجة بين البلدين في كل المجالات الواردة أصلاً في إتفاقية الأطار الأستراتيجي .
ثانياً : العراق سيكون حتماً وبحكم واقعه الحالي المتردي حيث يواجه تحديات كبيرة وعديدة وعلى أكثر من صعيد سيكون بلا شك هو الطرف الأضعف في هذا الحوار الأستراتيجي لأنه لا يمتلك أية ورقة ضغط لتقوية موقفه في الحوار بينما والولايات المتحدة الأمريكية ستكون هي الطرف الأقوى والأقدر في الحوار لأنها تمتلك كل أوراق الضغظ والتأثير ، مما يجعل موقف العراق حرج وصعب للغاية لا يُحسد عليه .
ثالثاً : العراق بوضعه الحالي هذا هو بأمس الحاجة إلى كل أشكال المساعدات والدعم الدولي ليتمكن من الخروج من تحت ضغط التحديات التي يواجهها الآن ، وإلا سيكون مصيره الأنهيار التام وما لا يحمد عقباه من تداعيات ، وهذا وضع لا يستطيع أن يتحمل مسؤوليته الوفد العراقي المتحاور ولا حتى الحكومة العراقية الحالية لوحدهما ، وهنا يتطلب الموقف من الجميع ، الحكومة وكل القوى السياسية العراقية الحريصة على مصلحة العراق وشعبه بمختلف إنتماءآتها وولاءآتها إنتهاج نهج العقلانية والواقعية البرغماتية للتوافق على صياغة القرار السياسي العراقي الوطني الموحد أزاء هذا الحوار الأستراتيجي المهم للخروج بموقف منتج لينقذ العراق من محنته العصيبة ، وأن تضع مصلحة العراق فوق كل شئ من الأعتبارات الأخرى ، وأن تتخلى كل القوي السياسية عن سياساتها الندية ومؤآمراتها الكيدية تجاه بعضها البعض على خلفية طائفية وعِرقية وحزبية في مثل هذا الظرف العصيب وأن تعيد النظر بكل القرارات والأحكام الصادرة على أساس ذلك وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية بين مكونات الشعب وإنجاز قانون العفو العام للسجناء وحل كافة الأشكالات المعلقة بين بغداد وأربيل لغرض توحيد ورص وتقوية الصف الوطني ، هذا هو ما يتطلبه الواقع الموضوعي للعراق اليوم من كل القوى الوطنية التي تحسب نفسها على العراق أن تعمل من أجله بإخلاص وإيمان وتفاني لكي يكون العراق قوياً ومقتدراً لخوض هذا الحوار المهم ليخرج منه منتصراً وإلا سيغرق مركب العراق وسيغرق معه الجميع .
رابعاً : ليعلم الجميع ممن يعتبرون أنفسهم سياسيين بأن الجهة الوحيدة في العالم التي بإستطاعتها وبإمكانها من خلال ما تمتلكه من الأمكانيات والقدرات والتأثيرات الدولية لحشد الدعم الدولي لمساعدة العراق لإنتشاله من براثن هذا الواقع المزري أمنياً وإقتصادياً ومالياً وعسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً وغيرها من مستلزمات النهوض هي الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وأصدقائها في العالم والمنطقة وتحديداً دول الخليج العربي .
عليه ومن باب ضمان وحماية مصالح العراق الوطنية ليس أمامه خياراً أفضل ولا بديلاً آخر أقدر وأقل مرارة غير التعاون الايجابي مع الولايات المتحدة الأمريكية بقدر المستطاع عبر هذا الحوار الأستراتيجي على أساس تبادل المصالح المشتركة وإحترام السيادة الوطنية للعثور على مخرج من هذا النفق المظلم .
وهنا يستوجب على كافة القوى السياسية الوطنية العراقية والكتل البرلمانية لكل المكونات من دون إستثناء أي طرف منها أن يُغلبوا مصلحة العراق الوطنية على مقتضيات مصالح الرؤى السياسية المؤدلجة بمفاهيم ضيقة كالطائفية والعِرقية لأنقاذ العراق من الأنهيار ومن المستقبل المجهول التعاون المثمر مع الحكومة ودعمها بأقصى ما يمكن من الجهد لأنقاذ سفينة العراق من الغرق وإيصالها الى بر الأمان في هذا البحر المتلاطم الأمواج ... وإعلموا إن غَرِق العراق ستغرقون جميعاً .

خوشـــــابا ســــولاقا
بغداد في 24 / حزيران/ 2020   

     
                                                                                                                                                                     

8
تحقيق أطماع الجيران أم كسب صداقة الشيطان ؟
خوشـــابا ســـولاقا
من خلال تنشيط ذاكرة المتناسين للعودة الى قرأة التاريخ القديم من جديد بمنظار العقل والمنطق المتجرد عن روابط الدين والمذهب سنراه على صورة أخرى غير التي طبعناها في أذهاننا المريضة وذاكرتنا المذهبية حيث سنرى الجانب الأسود والأبيض فيها وسنرى الجزء الظاهر من جبل جليد الطائفية فوق سطح الماء ونخمن الجزء المغمور منه وسنضع إصبعنا على الجرح وسنضع النقاط على الحروف ، وعندها ستتكون لنا صورة جديدة مختلفة واضحة المعالم والأبعاد عن تلك التي طبعت في أذهاننا منذ قرون طويلة على خلفية مذهبية طائفية ، وتتوضح لنا معالم الحدود الوطنية على أرض الواقع وسندرك حينها بماذا يفكر الآخرين من جيران الشر والعدوان وماذا نريد ونبتغي من صداقة الشيطان في الكفة الثانية من الميزان لنخرج برأي واعي وناضج ومسؤول تجاه ما يهدد سيادة أوطاننا لنتمكن من حماية مستقبل أجيالنا ... لنعود الى التاريخ بإختصار
أولاً : إحتلوا الفرس الأخمينيين العراق لأول مرة بإسقاط عاصمته بابل سنة 539 ق م على يد كورش الأخميني ثم تلته في حكم العراق سلالات فارسية من ساسانية وفرثية وآخرها صفوية وغيرها الى أن تم إسقاط آخر سلالة لهم على يد العرب في زمن الخليفة عمر بن الخطاب في القرن السابع للميلاد وتم قتل قائدهم المشهور رستم على يد القائد العربي المسلم القعقاع وتم أخذ بنات كسرى سبايا الى الحجاز وتم تزويجهن الكبرى لسالم إبن أبو بكر الصديق والوسطى لعبدالله إبن عمر إبن الخطاب والصغرى للحسين بن علي إبن أبي طالب ، وهكذا على أرض الواقع إنتهت سلطة الفرس على أرض العراق إلا أنها بقيت في الأذهان والنفوس تتقد كالجمر تحت الرماد وتتحين الفرص لأستعادة الفرع الى الأصل ، وهذا ما صرحوا به علناً عبر وسائل الأعلام الكثير من قادتهم قبل فترة قصيرة وقالوا أن العراق هي أرض أجدادنا ومن دون تحفظ .
ثانيا : الترك من آل عثمان إحتلوا بغداد في سنة 1534م بقيادة السلطان سليمان القانوني بعد أن طردوا الفرص الصفويين بقيادة الشاه طهماسب ، وفعلوا العثمانيين ما فعلوا بأسم دولة الخلافة الأسلامية بأهل العراق من محاولات تتريك الأرض والسكان لمسح هويته الأصلية الى حين سقوط إمبراطوريتهم المجرمة على يد الحلفاء سنة 1918 م بنهاية الحرب العالمية الأولى وتم تقسيم هذا الجزء ( ما تسمى اليوم بالدول العربية ) بموجب إتفاقيات سايكس بيكو ولوزان الى دول وضعت تحت الأنتداب البريطاني والفرنسي وصار خط الحدود الفاصل بين تركيا الحالية والعراق وسوريا ما سمية بخط بروكسل ، وعندما تم وقف إطلاق النار بين الحلفاء والدولة العثمانية سنة 1918 م كانت ولاية الموصل العثمانية بيد الدولة العثمانية أي أنها من المفروض أن تبقى جزء من تركيا الحالية ، إلا أن الأصدقاء الشياطين ضموها الى العراق سنة 1924 م لغرض في نفس أبو ناجي إلا أن ذلك كان من صالح العراق بالنتيجة وصارت الحدود الدولية بيننا وتركيا بموجب خط بركسل حسب إتفاقية لوزان التي هي بموجبها تم التقسيم وليست إتفاقية سايكس بيكو كما يتوهم البعض ، وإتفاقية لوزان التي كان أمدها 99 سنة قد إنتهت وكان فيها بند ينص على أن هذه المنطقة الحدودية إذا لم تستقر ويستتب فيها الأمن وتشكل خطر أمني على تركيا يكون من حق تركيا التدخل وإستعادتها وهذا ما تقوم به تركيا اليوم بقيادة السلطان أردوغان .
ثالثاً : تناسوا الفرس وآل عثمان أن العراق لم يَكُن في يوم ما أرضهم وأرض أبائهم وأجدادهم كما يدعون ويتخيلون واهمين ، وإنما هي أرض السومريون والأكديون والبابليون والآشوريون والعرب أولاد النعمان إبن المنذر والمثنى بن حارثة الشيباني قبل أن تكون أرضاً لأية أمم أخرى قبلهم ولن سيكون لغيرهم اليوم ولا في المستقبل وأن أثار وشواخص أصحابها الحضارية تملأ أرض بيث نهرين - ميسوبوتيميا وكل متاحف العالم ... حلمكم لن يتحقق لأن العراقيين الشرفاء بكل مكوناتهم القومية والدينية والمذهبية عليكم بالمرصاد ، فعودوا الى أرضكم وكونوا لنا أصدقاء الخير وليس جيران الشر والسوء كما أنتم الآن .

[رابعاً : موقف العرب العراقيين والسوريين حصراً وصمت الآخرين من العرب عامةً المنقسم مذهبياً والموزع ولائياً للفرس والأتراك على أساس مذهبي شيعي وسني وعلى حساب التفريط بالحقوق الوطنية هذا ما يساعد الجيران أهل الأطماع التاريخية في أرض العراق وسوريا على إستغلال ولائكم المذهبي كعنصر فاعل لدعم تنفيذ مخططاتهم العدوانية الشريرة هو الكارثة التي يستوجب التوقف عنده والتفكير به ملياً بتجرد وتقديم المصالح الوطنية لبلدانكم على ولائكم المذهبي الطائفي ، وما التدخل التركي وعدوانه العسكري على الحدود العراقية والسورية والقصف الأيراني المدفعي المكثف بذريعة ملاحقة الكورد المعارضين لهما إلا دليل واضح وساطع على مدى أطماع كلٍ من تركيا وإيران في أرض العراق وسوريا العاجزين عن صد عدوانهما إلا من خلال كسب صداقة الشيطان الأقوى منهما وفق تبادل المصالح وبأقل الخسائر ... فماذا هو الخيار الأفضل والأحسن يا دعاة السيادة الوطنية من المذهبين وهل لديكم خيار آخر ؟ وأين صارت السيادة خط أحمر يا منافقون راوونا عرض أكتافكم لنصدق نفاقكم السياسي ؟ ..... تحياتي
[/b][/color][/size]

9
العلاقة العضوية بين القومية والأرض التاريخية ... كيف يجب أن تُفهم ؟؟
خوشابا سولاقا
عندما نطلع على تاريخ كل أمم العالم منذ فجر الحضارات الانسانية الأولى في التاريخ والى يومنا هذا من زاوية العلاقة بين الانسان والأرض سوف نجد أنه هناك علاقة عضوية جدلية تكاملية قوية وراسخة لا انفصام فيها بين الأرض والقومية التي تعيش عليها بالشكل الذي أما أن تأخذ الأرض كوطن الأسم القومي للأمة أو على العكس من ذلك أن تأخذ الأمة الأسم القومي لها من اسم الأرض ، وبما أن أرض الوطن ثابتة ومستقرة في مكانها جغرافياً لا يمكن ترحيلها من مكان الى آخر فتبقى بذلك حاملةً للأسم التاريخي معها مدى الدهر ، بينما من يرحل من ساكنيها الى أرض أخرى مسماة جغرافياً واجتماعياً ويتخذ منها وطناً بديلاً له كما هو اليوم حال بلدان المهجر سوف يتبنى المُهاجر شاء أم أبى الأسم الجديد للآرض التي اختارها وطناً له عليه واجبات مستحقة نحوها يستوجب أدائها كما هو حال السكان الأصليين ليحق له التمتع بما يتمتع به السكان الأصليين من حقوق وطنية وانسانية ، صحيح أن القادم الجديد يحمل الثقافة واللغة والتقاليد والعادات والطقوس العِرقية التي كان يعتز بها في وطنه الأم ويحاول المحافظة عليها وحمايتها من الأنصهار في بوتقة ثقافة وعادات وتقاليد وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد في بداية الأمر إلا أن تقاليد الحياة الجديدة ومستلزماتها في الوطن الجديد تفرض علية التنازل والتراجع بشكل تدريجي ثم التخلي عنها شيءً فشيءً مع مرور الزمن ، وهكذا وبمرور وتعاقب الأجيال تبقى طبائع وثقافة وتقاليد وعادات وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد هي السائدة وسيدة القرار في مجتمع الأمة المُهاجرة الى أن تنصهر بالكامل بعد جيلين أو ثلاثة على أبعد تقدير وهذا ما بدأت بوادره بالظهور جلياً في الأجيال الشابة من أبناء وبنات أمتنا الآشورية ممن هاجروأ أبائهم وأجدادهم أرضهم التاريخية قبل أربعين أو خمسين سنة وأكثر . 
 أيها القارئ الكريم إن عملية الأنصهار القومي والثقافي والأجتماعي للمُهاجرين من أرضهم التاريخية التي تحمل بصماتهم الحضارية في بوتقة الأمة ذات الأغلبية القومية المعينة في بلدان المهجر تأتي عبر عملية تراكمية تاريخية تأخذ وقتاً من الزمن وخير مثال على ذلك هو هِجرة الأوروبيين من بلدانهم الى العالم الجديد في القارتين الأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلاندا ، حيث نجد أن القومية الغالبة ثقافياً وحضارياً كانت القومية الأنكليزية لذلك انصهروا كل الأوروبيين  المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا الحالية في بوتقة الأمة الأنلكليزية الغالبة والمهيمنةً ثقافةًً ولغةًً وتقاليداً وعاداتاً وطقوساً وتشكلت على أثرها أمم جديدة بمقومات وخصائص اجتماعية وسمات ثقافية جديدة الى حدٍ ما تجمع عرقيات واثنيات وأديان مختلفة على شكل الأمة الأمريكية والأمة الكندية والأمة الأسترالية بجوهر انكليزي ، الجميع يتكلمون اللغة الأنكلزية لكونها اللغة الرسمية ولكن يرفضون أن يكونوا انكليزاً  قومياً ، وهكذا الحال في قارة أميريكا اللاتينية تشكلت أمم عديدة بأسماء سكان البلاد الأصليين وبجوهر اسباني وبرتغالي والجميع يتكلمون الأسبانية أو البرتغالية ولكنهم يرفضون كونهم اسبان أو برتغاليين  قومياً، هكذا وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال وتطور الحياة الاجتماعية في تلك الأمم قد يتحول أسم الأمة في تلك البلدان الى أسم قومي وهوية قومية لسكانها المنحدرين من أعراق وأثنيات مختلفة . 
الهجرة حتماً في نهاية المطاف تنتهي بالمُهاجر شاءَ أم أبى وبناءً على متطلبات الحياة ومواكبة التفاعل والانسجام مع المجتمع الجديد الى التخلي عن لغته وعاداته وتقاليده وطقوسة ومقوماته القومية الآصيلة التي حملها معه من وطن الأم ويتبنى بدلاً منها ما هو سائد في الوطن الجديد للقومية الغالبة فيها ليتمكن من الأستمرار في العيش والأندماج في المجتمع الجديد ، وبعد جيل وجيلين أو ثلاثة أجيال في أحسن الأحوال وبسبب التفاعل والأختلاط الاجتماعي والتزاوج المتبادل سوف يكون المُهاجر المنحدر من أصول عرقية معينة منسلخاً بالتمام والكمال في سلوكه الاجتماعي وثقافته وحتى طبائعه عن تلك الأصول ، وربما سوف لا يتذكرون الأجيال اللاحقة والتي ولدت وتربت في المجتمع الجديد شيئاً عن أصولها العِرقية القديمة المنحدرين منها وبذلك تدخل الأمة قومياً في بلدان المهجر في مرحلة الغيبوبة والأحتضار والاستسلام للأمر الواقع وهذا قدرهم المحتوم لا مفر منه .
ولتوضيح هذه العلاقة العضوية أي علاقة القومية بالأرض التاريخية وكونها علاقة لا انفصام فيها نأخذ أمثلة من واقع الحال ومن مختلف قارات الأرض سوف نجد من خلالها حقيقة وواقع وماهية هذه العلاقة وكما يلي :-
•   أرض الأمة والقومية اليابانية الغالبة .... هي اليابان
•   أرض الأمة والقومية الهندية الغالبة ..... هي هندستان
•   أرض الأمة والقومية الباكستانية الغالبة .... هي باكستان
•   أرض الأمة القومية الأفغانية الغالبة ... هي أفغانستان
•   أرض الأمة والقومية الكازاخية الغالبة ... هي كازاخستان
•   أرض الأمة والقومية الطاجيكية الغالبة ... هي طاجيكستان
•   أرض الأمة والقومية الكوردية الغالبة ... هي كوردستان
•   أرض الأمة والقومية التركمانية والتورك الغالبة .... هي تركمانستان وتركيا الحالية .
•   أرض الأمة والقومية الروسية الغالبة .... هي روسيا
•   أرض الأمة والقومية الفرنسية الغالبة .... هي فرنسا
•   أرض الأمة والقومية الآيرلندية ( الآيرش ) الغالبة ,,, هي ايرلانده 
•   أرض الأمة والقومية الاسكوتلندية ( السكوتش ) الغالبة ... هي اسكوتلانده
•   أرض الأمة والقومية الأنكليزية ... هي اينكلاند England   
•   أرض الأمة والقومية الألمانية الغالبة .... باللغة الألمانية ( دوتش ) ... هي ألمانيا أي دوتشلاند .
•   أرض الأمة والقومية الأسبانية الغالبة .... هي اسبانيا
•   أرض الأمة والقومية الأيطالية الغالبة ..... هي إيطاليا
•   أرض الأمة والقومية البرتغالية الغالبة ..... هي برتغال
•   أرض الأمة والقومية الآشورية الغالبة في وقتها ..... هي آشــــور التاريخية .
•   أرض الأمة والقومية العربية الغالبة .... هي عربستان أي أرض الجزيرة العربية الحالية قبل الأحتلال العربي الأسلامي للبلدان المجاورة . 
هذه النماذج هي مجرد أمثلة بسيطة لأستعراض وتوضيح طبيعة الأرتباطات والأشتقاقات التسموية اللغوية إن جاز التعبير للعلاقة العضوية بين " القومية " الغالبة وأرض الوطن الأم ، حيث لا يمكن أن تكون هناك " قومية " ذات غالبية على غيرها من الأثنيات العِرقية تعيش في أرض ما من دون أن تأخذ هويتها القومية من هوية أرض الوطن .
في الأمم التي تشكلت حديثاً ومصدر سكانها هو الهجرة من البلدان الأخرى كما هو في حالة أميريكا وكندا واستراليا ونيوزيلاد وأمم أميريكا  اللاتينية وغيرها فإنها ما زالت في طور التكوين والتشكيل وتعيش مخاض اجتماعي ثقافي وحضاري في عملية انصهار الأثنيات العِرقية المُهاجرة في بوتقة القومية الغالبة المهيمنة اجتماعياً وثقافياً لولادة أمة جديدة بمقومات خاصة تختلف عن مقومات الأعراق الأصيلة لها .
بناءً على هذه المعطيات لا يمكن للفرد أن يحافظ على هويته القومية التي استمدها من هوية أرضه التاريخية إلا من خلال البقاء في أرض الوطن الأم وبعكس ذلك فإن متطلبات ومقومات الحياة في أوطان المهجر تفرض علية بل تجبره في نهاية المطاف بعد أجيال على تخلى أحفاده عنها واكتسابهم للهويه القومية من هوية الوطن الجديد في المهجر .
إن علاقة الأرض بالقومية كعلاقة الانسان المسيحي بالعماذ في الطقوس المسيحية ، ان كل قومية تُعمذ بعماذ الأرض التي نشأت عليها تاريخياً ، وبذلك لا يمكن لأي إنسان من أية قومية  كان أن يحافظ على هويته القومية التي عُمذ بها إلا في أرض عماذه التاريخية .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 20 / حزيران / 2020



10
العلاقة العضوية بين القومية والأرض التاريخية ... كيف يجب أن تُفهم ؟؟
خوشابا سولاقا
عندما نطلع على تاريخ كل أمم العالم منذ فجر الحضارات الانسانية الأولى في التاريخ والى يومنا هذا من زاوية العلاقة بين الانسان والأرض سوف نجد أنه هناك علاقة عضوية جدلية تكاملية قوية وراسخة لا انفصام فيها بين الأرض والقومية التي تعيش عليها بالشكل الذي أما أن تأخذ الأرض كوطن الأسم القومي للأمة أو على العكس من ذلك أن تأخذ الأمة الأسم القومي لها من اسم الأرض ، وبما أن أرض الوطن ثابتة ومستقرة في مكانها جغرافياً لا يمكن ترحيلها من مكان الى آخر فتبقى بذلك حاملةً للأسم التاريخي معها مدى الدهر ، بينما من يرحل من ساكنيها الى أرض أخرى مسماة جغرافياً واجتماعياً ويتخذ منها وطناً بديلاً له كما هو اليوم حال بلدان المهجر سوف يتبنى المُهاجر شاء أم أبى الأسم الجديد للآرض التي اختارها وطناً له عليه واجبات مستحقة نحوها يستوجب أدائها كما هو حال السكان الأصليين ليحق له التمتع بما يتمتع به السكان الأصليين من حقوق وطنية وانسانية ، صحيح أن القادم الجديد يحمل الثقافة واللغة والتقاليد والعادات والطقوس العِرقية التي كان يعتز بها في وطنه الأم ويحاول المحافظة عليها وحمايتها من الأنصهار في بوتقة ثقافة وعادات وتقاليد وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد في بداية الأمر إلا أن تقاليد الحياة الجديدة ومستلزماتها في الوطن الجديد تفرض علية التنازل والتراجع بشكل تدريجي ثم التخلي عنها شيءً فشيءً مع مرور الزمن ، وهكذا وبمرور وتعاقب الأجيال تبقى طبائع وثقافة وتقاليد وعادات وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد هي السائدة وسيدة القرار في مجتمع الأمة المُهاجرة الى أن تنصهر بالكامل بعد جيلين أو ثلاثة على أبعد تقدير وهذا ما بدأت بوادره بالظهور جلياً في الأجيال الشابة من أبناء وبنات أمتنا الآشورية ممن هاجروأ أبائهم وأجدادهم أرضهم التاريخية قبل أربعين أو خمسين سنة وأكثر . 
 أيها القارئ الكريم إن عملية الأنصهار القومي والثقافي والأجتماعي للمُهاجرين من أرضهم التاريخية التي تحمل بصماتهم الحضارية في بوتقة الأمة ذات الأغلبية القومية المعينة في بلدان المهجر تأتي عبر عملية تراكمية تاريخية تأخذ وقتاً من الزمن وخير مثال على ذلك هو هِجرة الأوروبيين من بلدانهم الى العالم الجديد في القارتين الأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلاندا ، حيث نجد أن القومية الغالبة ثقافياً وحضارياً كانت القومية الأنكليزية لذلك انصهروا كل الأوروبيين  المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا الحالية في بوتقة الأمة الأنلكليزية الغالبة والمهيمنةً ثقافةًً ولغةًً وتقاليداً وعاداتاً وطقوساً وتشكلت على أثرها أمم جديدة بمقومات وخصائص اجتماعية وسمات ثقافية جديدة الى حدٍ ما تجمع عرقيات واثنيات وأديان مختلفة على شكل الأمة الأمريكية والأمة الكندية والأمة الأسترالية بجوهر انكليزي ، الجميع يتكلمون اللغة الأنكلزية لكونها اللغة الرسمية ولكن يرفضون أن يكونوا انكليزاً  قومياً ، وهكذا الحال في قارة أميريكا اللاتينية تشكلت أمم عديدة بأسماء سكان البلاد الأصليين وبجوهر اسباني وبرتغالي والجميع يتكلمون الأسبانية أو البرتغالية ولكنهم يرفضون كونهم اسبان أو برتغاليين  قومياً، هكذا وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال وتطور الحياة الاجتماعية في تلك الأمم قد يتحول أسم الأمة في تلك البلدان الى أسم قومي وهوية قومية لسكانها المنحدرين من أعراق وأثنيات مختلفة . 
الهجرة حتماً في نهاية المطاف تنتهي بالمُهاجر شاءَ أم أبى وبناءً على متطلبات الحياة ومواكبة التفاعل والانسجام مع المجتمع الجديد الى التخلي عن لغته وعاداته وتقاليده وطقوسة ومقوماته القومية الآصيلة التي حملها معه من وطن الأم ويتبنى بدلاً منها ما هو سائد في الوطن الجديد للقومية الغالبة فيها ليتمكن من الأستمرار في العيش والأندماج في المجتمع الجديد ، وبعد جيل وجيلين أو ثلاثة أجيال في أحسن الأحوال وبسبب التفاعل والأختلاط الاجتماعي والتزاوج المتبادل سوف يكون المُهاجر المنحدر من أصول عرقية معينة منسلخاً بالتمام والكمال في سلوكه الاجتماعي وثقافته وحتى طبائعه عن تلك الأصول ، وربما سوف لا يتذكرون الأجيال اللاحقة والتي ولدت وتربت في المجتمع الجديد شيئاً عن أصولها العِرقية القديمة المنحدرين منها وبذلك تدخل الأمة قومياً في بلدان المهجر في مرحلة الغيبوبة والأحتضار والاستسلام للأمر الواقع وهذا قدرهم المحتوم لا مفر منه .
ولتوضيح هذه العلاقة العضوية أي علاقة القومية بالأرض التاريخية وكونها علاقة لا انفصام فيها نأخذ أمثلة من واقع الحال ومن مختلف قارات الأرض سوف نجد من خلالها حقيقة وواقع وماهية هذه العلاقة وكما يلي :-
•   أرض الأمة والقومية اليابانية الغالبة .... هي اليابان
•   أرض الأمة والقومية الهندية الغالبة ..... هي هندستان
•   أرض الأمة والقومية الباكستانية الغالبة .... هي باكستان
•   أرض الأمة القومية الأفغانية الغالبة ... هي أفغانستان
•   أرض الأمة والقومية الكازاخية الغالبة ... هي كازاخستان
•   أرض الأمة والقومية الطاجيكية الغالبة ... هي طاجيكستان
•   أرض الأمة والقومية الكوردية الغالبة ... هي كوردستان
•   أرض الأمة والقومية التركمانية والتورك الغالبة .... هي تركمانستان وتركيا الحالية .
•   أرض الأمة والقومية الروسية الغالبة .... هي روسيا
•   أرض الأمة والقومية الفرنسية الغالبة .... هي فرنسا
•   أرض الأمة والقومية الآيرلندية ( الآيرش ) الغالبة ,,, هي ايرلانده 
•   أرض الأمة والقومية الاسكوتلندية ( السكوتش ) الغالبة ... هي اسكوتلانده
•   أرض الأمة والقومية الأنكليزية ... هي اينكلاند England   
•   أرض الأمة والقومية الألمانية الغالبة .... باللغة الألمانية ( دوتش ) ... هي ألمانيا أي دوتشلاند .
•   أرض الأمة والقومية الأسبانية الغالبة .... هي اسبانيا
•   أرض الأمة والقومية الأيطالية الغالبة ..... هي إيطاليا
•   أرض الأمة والقومية البرتغالية الغالبة ..... هي برتغال
•   أرض الأمة والقومية الآشورية الغالبة في وقتها ..... هي آشــــور التاريخية .
•   أرض الأمة والقومية العربية الغالبة .... هي عربستان أي أرض الجزيرة العربية الحالية قبل الأحتلال العربي الأسلامي للبلدان المجاورة . 
هذه النماذج هي مجرد أمثلة بسيطة لأستعراض وتوضيح طبيعة الأرتباطات والأشتقاقات التسموية اللغوية إن جاز التعبير للعلاقة العضوية بين " القومية " الغالبة وأرض الوطن الأم ، حيث لا يمكن أن تكون هناك " قومية " ذات غالبية على غيرها من الأثنيات العِرقية تعيش في أرض ما من دون أن تأخذ هويتها القومية من هوية أرض الوطن .
في الأمم التي تشكلت حديثاً ومصدر سكانها هو الهجرة من البلدان الأخرى كما هو في حالة أميريكا وكندا واستراليا ونيوزيلاد وأمم أميريكا  اللاتينية وغيرها فإنها ما زالت في طور التكوين والتشكيل وتعيش مخاض اجتماعي ثقافي وحضاري في عملية انصهار الأثنيات العِرقية المُهاجرة في بوتقة القومية الغالبة المهيمنة اجتماعياً وثقافياً لولادة أمة جديدة بمقومات خاصة تختلف عن مقومات الأعراق الأصيلة لها .
بناءً على هذه المعطيات لا يمكن للفرد أن يحافظ على هويته القومية التي استمدها من هوية أرضه التاريخية إلا من خلال البقاء في أرض الوطن الأم وبعكس ذلك فإن متطلبات ومقومات الحياة في أوطان المهجر تفرض علية بل تجبره في نهاية المطاف بعد أجيال على تخلى أحفاده عنها واكتسابهم للهويه القومية من هوية الوطن الجديد في المهجر .
إن علاقة الأرض بالقومية كعلاقة الانسان المسيحي بالعماذ في الطقوس المسيحية ، ان كل قومية تُعمذ بعماذ الأرض التي نشأت عليها تاريخياً ، وبذلك لا يمكن لأي إنسان من أية قومية  كان أن يحافظ على هويته القومية التي عُمذ بها إلا في أرض عماذه التاريخية .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 11 / ت1 / 2019 م



11
في التربية والثقافة السياسية
حول ... ما هي الفلسفة ؟
خوشــابا ســولاقا
في ظل الأوضاع التي تشهدها الساحة السياسية القومية لأمتنا بشكل خاص والساحة الوطنية العراقية بشكل عام من صراعات وحوارات ونقاشات ومناكفات فكرية وثقافية حول مختلف شؤون الحياة ، وبغرض تعريف وتقريب القراء الكرام من مضمون وادوات تلك الصراعات والحوارات والنقاشات وحتى المناكفات ، أصبح من الضروري جداً ويتطلب الأمر منا أن نسلط الضوء على تلك المفاهيم والمصطلحات الفكرية والفلسفية التي يتناولها القارئ والمثقف في حياته اليومية في مختلف مناحي الحياة الإنسانية ليكون لهذه المفاهيم جدواها وفعلها المؤثر على مسيرة الحياة الإنسانية ، وانطلاقاً من هذه الرؤية ولغرض تمكين القارئ بقدر الأمكان من الخوض في هذه التجربة نحاول تسليط الضوء بقدر المستطاع وحسب إمكانياتنا المتواضعة على مفهوم الفلسفة وتطوره عبر مختلف مراحل  التاريخ الانساني في هذا المقال المختصر .
يعني ما يعنيه مفهوم الفلسفة من الناحية الأشتقاقية هو محبة الحكمة ، ويعني بالمعنى العام له النظرة الشاملة التفصيلية الى المجتمع والحياة والوجود ، وبهذا المعنى العام يمكن القول بأن لكل إنسان فلسفته الخاصة به وبالتالي لكل مجتمع فلسفته الخاصة ولكل مرحلة تاريخية من حياة المجتمع الإنساني فلسفتها الخاصة بها . فالفلسفة ليست مجرد نظرة فردية خالصة بل هي خلاصة الخبرة والتجربة الإنسانية في كل مرحلة من مراحل التاريخ الإنساني ، ولهذا نجد أن لكل مرحلة من مراحل التاريخ ولكل مجتمع من المجتمعات البشرية فلسفاتها الخاصة بها ، والتي تلخص معارفها العلمية وتُبلور قيّمها الاجتماعية العامة .
إن الفلسفة لا تتنوع بتنوع مراحل التاريخ الإنساني وتنوع المجتمعات الإنسانية فحسب بل إنها تختلف باختلاف الأوضاع والخصائص الاجتماعية في كل مرحلة تاريخية وفي كل مجتمع من المجتمعات .
إن الفلسفة في الحقيقة تعبر في جوهرها عن الصراع الفكري والأجتماعي الدائر في مختلف المجتمعات وفي مختلف مراحل التاريخ ، ولهذا فإن تاريخ الفلسفة هو التعبير الفكري عن التاريخ الإنساني نفسه بكل ما يمتلئ به هذا التاريخ من تناقضات وإرهاصات وصراعات ، ويكاد ينقسم تاريخ الفلسفة تماماً كانقسام التاريخ الإنساني نفسه بين إتجاهين أساسيين ، إتجاه يعبر عن الأوضاع المتخلفة في المجتمع حيث يلخص خبراتها وتجاربها ومصالحها ويسعى لتثبيتها واستمرارها وإعطائها صفة الشرعية والأستقرار والخلود الأبدي ، وإتجاه آخر يعبر عن الأوضاع النامية والواعدة في المجتمع ويسعى الى التغيير والتقدم والتجديد المتواصل متجاوزاً القديم البالي المتخلف والآيل الى الزوال والأنقراض بحكم التطور التاريخي .
الأتجاه الأول هو ما يسمى وبات يُعرف بالأتجاه " المثالي " في الفلسفة ، والأتجاه الثاني هو ما يسمى وبات يُعرف بالأتجاه " العلمي المادي " في الفلسفة ، حيث يغلب على الأتجاه الأول المثالي المنهج الحَدسي المعادل للعقل ، أما الأتجاه الثاني العلمي فيغلب عليه المنهج العقلي العلمي .
وكما قلنا أن تاريخ الفلسفة في جوهره في الحقيقة هو تاريخ الصراع الفكري عبر التاريخ بين قوى التقدم من جهة وبين قوى التخلف من جهة ثانية في المجتمعات الإنسانية . في البداية كانت الفلسفة تُقدم رؤيتها عن المجتمع والطبيعة لا في صورة معارف متناثرة وإنما في صورة تنظيم نظري لهذه المعارف يجمعها نسق منطقي موحد وكانت الفلسفة بهذا النسق تتضمن مختلف العلوم ، ثم أخذت العلوم لاحقاً تستقل شيئاً فشيئاً عن هذا النسق النظري الفلسفي الموحد ، وتَكّون لها فروع متميزة من حيث المنهج والموضوع وبذلك خرجت العلوم من منهج التأمل الفلسفي النظري الى المنهج التجريبي العلمي وراحت تحدد لها قوانينها الخاصة بها المستخلصة إستخلاصاً علمياً تجريبياً . في القرن التاسع عشر استقلت العلوم جميعها عن الفلسفة ، وكانت فلسفة " فريدريك هيجل " في هذا القرن هي نهاية تلك الأنظمة الفلسفية الشامخة أي نهاية الفلسفة الكلاسيكية ، ولكن ماذا بقية للفلسفة بعد استقلال العلوم عنها .. ؟ لقد بقيت للفلسفة النظرة العامة بغير تخصص محدد ، ولهذا راحت تبحث في القسمات الشاملة والقوانين الأساسية للحركة العامة للوجود الإنساني والطبيعي على السواء .
ولكن هذا لا يعني أن الفلسفة قد إنعزلت عن العلم كلياً وأن العلم قد إنعزل عن الفلسفة بشكل مطلق بل بقيا معاً في حالة من العلاقة الجدلية التكاملية . إن الفلسفة في عصرنا الراهن تتخذ من نتائج النتائج العامة ومن القوانين الأساسية للعلوم كافة مادة أساسية لبلورة رؤيتها الشاملة للمجتمع والحياة والوجود وبهذا أصبحت الفلسفة فلسفة علمية من دون أن تتدخل في تفاصيل المعارف والتجارب العلمية ، ولكنها في الوقت ذاته لا تنعزل عنها ولا تتناقض معها ولا تفرض نفسها عليها ، وهذه الفلسفة العلمية هي التي تعبر في عصرنا الراهن عن حركة التقدم الاجتماعي ، بل تكون هي الأداة الفعالة الدافعة في دفع هذا التقدم نفسه نحو أهدافه المرجوة .
وفي مواجهة هذه الفلسفة العلمية تقوم فلسفة أخرى مناهضة للعلم ، فلسفة مناهضة للتقدم الاجتماعي تتذرع بها القوى الاجتماعية الرجعية المتخلفة لأشاعة روح القنوط والتشاؤم والتخاذل واليأس وبث النظريات الجزئية الجانبية التي تُحرم الإنسان المعاصر من الرؤية العلمية الشاملة للطبيعة وقوانين تطورها ومن التجربة الإنسانية بكل أبعادها التقدمية لأعادة بناء مجتمعات جديدة أكثر تقدماً وتطوراً .. ومن هنا نستطيع القول بأنه ليس هناك نظرية فكرية ثابتة أو نظرية فلسفية ثابتة تصلحان وتلائمان لكل زمان ومكان ولكل المجتمعات البشرية طالما أن الفكر والفلسفة هما جزء من البنية الفوقية المتمثلة بالثقافة لتركيبة النظام الاجتماعي المعين ولمرحلة تاريخية بعينها والتي هي بطبيعة الحال متغيرة بشكل مستمر ودائم ، عليه تكون الفلسفة والفكر متغيران تبعا للتغيرات التي تحصل في بنية المجتمعات السُفلية المتمثلة في شكل النظام الأقتصادي السائد ، وبذلك تسقط نظرية ثبوت وأزلية الفكر والفلسفة مهما كانت طبيعة ذلك الفكر وتلك الفلسفة .
شاهدت وتشاهد التجربة العراقية قبل وبعد سقوط النظام البعثي فشل كل المحاولات الداعية لثبوت نظرية الفكر القومي العروبوي الشوفيني أمام الأفكار الداعية الى التعايش السلمي بين مكونات الوطن الواحد ذات التعدديات القومية المختلفة وبذلك تم إسدال الستار على الفكر القومي العنصري الشوفيني ، وتشاهد التجربة العراقية اليوم نتائج فشل ثبوت وأزلية الفكر الديني السياسي الطائفي في العراق المتعدد الأديان والمذاهب والطوائف بجلاء وقد إنعكس ذلك في الفشل الذريع الذي منيت به أحزاب الأسلام السياسي الطائفي بشقيه الشيعي والسُني إن صح التعبير في بناء دولة المواطنة القوية والهوية الوطنية على حساب دولة المكونات الدينية والعِرقية والطائفية والهويات الفرعية المشوهة والمتهرئة والعاجزة عن تقديم أبسط أشكال الخدمات الاجتماعية وتوفير الأمن والأمان للمجتمع العراقي بسبب الخلافات والتناقضات والصراعات على المصالح والمناصب التي تمثل تلك المكونات المتعددة ، وهكذا تعيش بقية شعوب الشرق الأوسط العربية والأسلامية وبالأخص بعد ثورات ما سميت بثورات الربيع العربي حيث تشاهد صراعات عنيفة بين مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية من خلال أدواتها المتمثلة بأحزاب الأسلام السياسي الطائفي وأحزاب القومية الشوفينية ، حيث أن الضحية الأولى لهذه الصراعات كانت الأقليات العددية القومية والدينية والمذهبية والشرائح المثقفة والعقول العلمية والفكرية المتنورة والكفاءات ، مما أسفر ذلك الى هجرة وتهجير تلك الأقليات والشرائح من الكفاءات لبلدانها التاريخية الأصلية والتشتت في المهاجر والعيش هناك على فتات الغرباء بمذلة بمعاناتهم القاسية من مرض الغربة والأغتراب والحنين الى الوطن الأم ، والمسيحيون بكل تسمياتهم خير مثال حي على ذلك حيث تناقص وجودهم الديموغرافي في بلدانهم الأصلية الى أكثر من 75% من عدد نفوسهم قبل عشرة سنوات خلت في بعض تلك البلدان كالعراق وسوريا . هذه هي النتائج الكارثية للدعوات الداعية الى ثبوت وأزلية الفكر والفلسفة وفرضها قسراً بالقوة على الآخر والتي تحصد نتائجها شعوب هذه البلدان اليوم .
إن التنوع والتعدد في مكونات الأمم ووجود الكفاءات والعقول الخلاقة والمبدعة هو مصدر قوتها وحيويتها وجمالها ودافعها وحافزها الفعال للتطور والتجدد ، وعليه فإن هجرتها وتهجيرها يكون بمثابة قطف الزهور اليانعة والجميلة من بستان البيت وترك الأشواك اليابسة تملئه وتسود أرضه ، هكذا هي الصورة النهائية لمن يعرف قراءة لغة الرموز .   

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 5 / آب / 2019 م   



12
دعوة الى تبني تسمية " الناطقين بالسُريانية " بدلاً من تسمية " المكون المسيحي "
خوشابا سولاقا
منذ سقوط النظام السابق في 2003 م ، وفي خضم الصراعات التسمياتية القومية والمذهبية الكنسية بين مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين على الساحة السياسية في العراق والتي لم ولن ترسينا على بر الأمان ولو بالحد الأدنى من المقبول والمفروض في ظل الظروف المرحلية الراهنة من أجل تثبيت هوية الوجود القومي كموكون له دلالاته القومية على الأرض طالما ليس هناك إجماع وقبول بتسمية من التسميات المتداولة حالياً بعينها ، فأن أبناء أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين يعيشون حالة من الفرقة والتشظي والتمزق بسبب هذه الصراعات والسجالات والمهاترات التي لا يحكمها منطق العقل والمصلحة القومية العامة وأحياناً تكون هذه السجالات والمهاترات مصحوبة بموجات من الأحقاد والكراهية المذهبية السقيمة والعقيمة حول التسميات القومية بين أن نتسمى بالتسمية الكلدانية أو بالتسمية السريانية أو بالتسمية الآشورية والكل لديه من الأسباب الراسخة في الذهن والثقافة والتربية لأن يَصرّ على كون تسميته هي التسمية القومية الموحدة المناسبة لمجموع مكونات أمتنا .
لكن واقعياً وعملياً هناك ما يجمع هذه المكونات الثلاثة لأمتنا وحتى كنسياً من الناحية المنطقية والتاريخية والطوبوغرافية والسايكولوجية ألا وهو وحدة " لغة الأم – السورث " التي لا اختلاف ولا خلاف عليها بين مكونات أمتنا ، وكل تلك السجالات والصراعات والحوارات الحارة المتطرفة منها والمعتدلة منها لن تُفضي  الى التوصل على نتيجة إيجابية لصالح تحقيق الوحدة القومية لأمتنا والأتفاق على تسمية قومية موحدة تُبنى عليها أمال الأمة في الحياة ككيان قومي أصيل في هذا البلد ، بل أن تلك الصراعات والسجالات والمهاترات قد جرتنا الى المزيد من الفرقة والتمزق وتعميق الخلافات والأحقاد والضغينة والأبتعاد عن الهدف المنشود أكثر فأكثر يوماً بعد آخر ، وانتهى الأمر بنا أخيراً الى القبول صاغرين  بالتسمية الدينية ألا وهي تسمية " المكون المسيحي " والتي تعني بمفهومها الشامل كل المسيحيين العراقيين من الكلدان والسريان والآشوريين والعرب والكورد والتركمان والأرمن وحتى الأجانب المسيحيين من قوميات متعددة ممن يحملون شهادة الجنسية العراقية من كل قارات العالم ، وهي تسمية ذي هوية دينية خالصة فضفاضة لا تشير بأي شكل من الأشكال لا من قريب ولا من بعيد الى خصوصية أية هوية قومية أو أية سِمة ذات مدلول قومي معين من الناحية القانونية والواقعية ، وبأعتماد هذه التسمية في الوثائق الرسمية للدولة العراقية فقدنا تسميتنا  القومية وبالتالي نفقد وجودنا القومي في العراق ، وقد تكلل وتجسد ذلك بوضوح في قانون الأنتخابات الأخير الذي بموجبه منحنا كوتا برلمانية باسم " الكوتا المسيحية " ، هذا القانون أعطى الحق لكل عراقي مسيحي أن يرشح نفسه لعضوية البرلمان العراقي من خلال هذه الكوتا ذي الخمسة مقاعد وذي الهوية الدينية المسيحية الخالصة مهما كان انتمائه القومي .
إن ما رافق ذلك أيضاً من خلافات وسجالات متناقضة عبر وسائل الأعلام المختلفة بخصوص تولي المنصب الوزاري في الحكومات المتوالية والمخصص للمسيحيين بموجب نظام المحاصصة السيئ الصيت المعتمد منذ سنة 2003 م قد زاد في الطين بله من طروحات عجيبة غربية لا يقبلها العقل السليم ولا المنطق القويم وصلت هذه المهاترات في بعض جوانبها أحياناً الى درجة تكفير الوزير المعين بسبب أفكاره السياسية وتجريده من مسيحيته التي ورثها عن أبائه وأجداده وأكتسبها عبر شهادة العماذ المسيحي الصادرة من كنيسته كما يكتسب كل مسيحي مسيحيته الرسمية بالهوية .
في ظل هذا الواقع المزري المضحك والمبكي لأمتنا وعَجزنا الواضح وفشلنا الذريع بامتياز في التوافق والأتفاق على التسمي بتسمية قومية موحدة كأن نتسمى كلداناً أو سُرياناً أو آشوريين بسبب عُقدنا النفسية المزمنة والتي ولَّدتها الظروف التاريخية لكنيسة المشرق بعد وصول البعثات التبشيرية الغربية الى مناطق تواجدنا التي عاشها أبناء امتنا في الشرق واقتران ذلك بمذاهبنا الكنسية اللاهوتية التي نختلف حولها بشدة وتطرف وعدم قدرتنا على تجاوزها في ظل الظروف الراهنة نقترح القبول بتبني  التسمية التي تجمعنا ولا نختلف عليها ولو بشكل مؤقت الى أن نهتدي الى طريق الصواب في إختيار التسمية القومية المناسبة لنا من تسمياتنا الثلاث ألا وهي تسمية " الناطقين بالسريانية " والتي لها مدلولات قومية واضحة والتي تشمل حصراً " الكلدان والسريان والآشوريين " بغض النظر عن مذاهبهم الكنسية اللاهوتية ولكون اللغة بحد ذاتها هي من أهم خصائص ومقومات القومية ، وبذلك نتخلص من كل اشكاليات وتداعيات التسمية بالمكون المسيحي . ندعو هنا ممثلينا في البرلمان العراقي الى تبني المقترح بعد التشاور مع كافة مرجعياتنا الكنسية لكل كنائس أمتنا ومرجعياتنا السياسية بكل أحزابها وكافة مؤسساتنا الثقافية والمجتمع المدني ومن ثم عقد مؤتمر عام لكل هذه المرجعيات والمؤسسات لأقرار التسمية ومن ثم رفع توصية الى رئاسة البرلمان لتبني هذه التسمية في كل الوثائق الرسمية للدولة العراقية بدلا من تسمية " المكون المسيحي " لحين توصُلنا الى فهم مشترك والتوافق على تسمية قومية موحدة من تسمياتنا الثلاتة في المستقبل .
خير لنا أن نتجمع ونتمحور حول القبول بتسمية لها مدلول قومي وتاريخي وديموغرافي ولو بأبسط صوره بدلاً من أن نتخالف ونتخاصم  حول ما يزيد من فرقتنا وتمزقنا قومياً كما هو حالنا اليوم ، ونترك للزمن فرصة مناسبة لأن يفعل فعله ويأتي بأفله في إذابة جبال جليد الخلافات والأختلافات والتناقضات المذهبية اللاهوتية الكنسية التي انعكست سلباً على التسمية القومية لأرتباط تلك التسميات القومية بالتسميات المذهبية وأصبحت رديفاً لها مما جعل المشهد القومي أكثر تعقيداً وأشد اضطراباً وأكثر هشاشةً وضعفاً .
نرى في تبني تسمية " الناطقين بالسريانية " رسمياً من قبل مؤسساتنا السياسية والكنسية والسعي الى اعتمادها في مؤسسات ووثائق الدولة رسمياً سوف تشكل خطوة البداية الصحيحة الأولى على طريق تحقيق الوحدة القومية بتسمية موحدة في المستقبل على شرط أن تصفى نوايا الساعين إليها وتوحيد خطاب ممثلينا في البرلمان .

     خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 31 / تموز / 2019 م   


13
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم الثقافة والمثقف

خوشابا سولاقا

إن المفهوم الفلسفي والفكري والأجتماعي للثقافة هي كونها نظرة عامة وشاملة الى الوجود والحياة والأنسان في إطار علاقة جدلية تكاملية ، وقد يتجسد ذلك المفهوم للثقافة في عقيدة فكرية معينة أو في تعبير فني بشكل من الأشكال أو في مذهب اجتماعي أو في مبادئ تشريعية أو في مسلك أخلاقي عملي ، وبالتالي فالثقافة بشكل عام تعني كونها البناء العلوي أو الفوقي لبنية المجتمع الإنساني ويتألف هذا البناء أي الثقافة من الدين بكل أشكال العبادة التي يمارسها الإنسان والفلسفة والفكر والفن والأدب والتشريع والقيم الأخلاقية والعادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية العامة السائدة في أي مجتمع إنساني كان ، والثقافة بالتالي هي نتاج لعملية تطورية تراكمية تاريخية لمختلف نشاطات المجتمع بكل شرائحه  .
يشير المعنى الأشتقاقي لكلمة " الثقافة " الى الأمتحان والتجربة والخبرة والعمل بكل أشكاله في الحياة الاجتماعية للإنسان ، أي أن المعنى الأشتقاقي هذا يربط الثقافة الانسانية بالعمل الانساني والخبرة الحية والتجربة والمعايشة الفعلية لمستجدات الحياة الاجتماعية ، وهذا هو ما يميز الثقافة عن التعليم ويميز المثقف عن المتعلم . فالتعليم هو تلقي معلومات بشكل منهجي ومنظم بطريقة مخططة لصياغة الفكر وتوجيه الوجدان الانساني وتحديد المسلك الأخلاقي على نحو معين ، وبالتالي إعادة تكرار صناعة صياغة سياقات الحياة الاجتماعية السائدة بشكل جديد ولكن بنفس المضمون القديم ، عليه فإن الثقافة هي ثمرة المعايشة الحية المباشرة مع مستجدات الحياة الانسانية والأستجابة التلقائية لمتطلباتها المتجددة في أغلب الأحيان ، وهي أيضاً ثمرة التمرس بالحياة والتفاعل الخلاق مع تجاربها وخبراتها المختلفة ، ويكون التعليم بحد ذاته أحد مصادر الثقافة الأساسية ووسيلة من وسائل بنائها ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل متعلم مثقفاً ، ولكن كل مثقف بالضرورة يجب أن يكون متعلماً ، لأن التعليم هو أداة فعالة لبناء الثقافة . فالثقافة بهذا المعنى العام والشامل هي البناء الفوقي للمجتمع كما أسلفنا وهي بالتالي انعكاساً للبناء التحتي للمجتمع المتمثل في شكل النظام الأقتصادي وعلاقات الأنتاج السائدة في المجتمع ، أي ما بات يعرف اليوم بلغة السياسة والأقتصاد أن شكل النظام الأقتصادي وعلاقات الأنتاج تشكل البناء التحتي في بنية المجتمع والثقافة تشكل البناء الفوقي لبنية المجتمع الإنساني ، ولهذا تختلف الثقافة بطبيعتها باختلاف التجارب والخبرات والمواقف والطبقات الاجتماعية والمصالح الاجتماعية من مجتمع الى آخر ومن أمة الى أخرى ومن مرحلة تاريخية الى أخرى . لهذا فإن للثقافة بالضرورة طابعاً اجتماعياً طبقياً ، حيث أن الثقافة الرسمية السائدة تكون إنعكاساً لثقافة الطبقات الحاكمة المهيمنة والمسيطرة والمتحكمة والمحركة والموجهة للنظام الأقتصادي السائد ..
وعليه فإذا كنا نجد في فلسفة أرسطو إحتقاراً للعمل اليدوي فإن ذلك كان تعبيراً عن واقع حال إنقسام المجتمع الأغريقي القديم الى طبقتين ، طبقة الأحرار يتأملون وطبقة العبيد يعملون ويكدحون في مزارع وحقول النبلاء الأحرار مقابل لقمة العيش بحدها الأدنى ، وكان العبيد في ظل ذلك النظام نظام المجتمع العبودي جزءً من ممتلكات النبلاء الأحرار يتم بيعهم وشرائهم في سوق العبيد كأي حاجة من حاجات المجتمع الأخرى ، وإذا كنا نجد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر دعوات فردية في الأدب والفنون ودعوات نفعية في الأخلاق ودعوات تنافسية في الأقتصاد فإن هذه الدعوات هي إنعكاساً للأوضاع الراسمالية الجديدة الواعدة ، وإذا كنا نجد في المجتمعات الأشتراكية بعد قيام النظام الأشتراكي في بعض بلدان أوروبا الشرقية وآسيا وكوبا سيادة لروح الألتزام الجماعي في الأدب والفن والأخلاق والسياسة جميعاً ، فإن ذلك من دون شك يكون إنعكاساً لعلاقات الأنتاج الجديدة في المجتمع الأشتراكي التي تقوم على أساس الملكية العامة المشتركة لكافة وسائل الأنتاج .
من كل ما تقدم نلاحظ أن الثقافة هي تعبيراً عن الأوضاع الاجتماعية والأقتصادية السائدة في المجتمع ، ولكنها ليست تعبيراً أو إنعكاساً آلياً مباشراً كانعكاس صورة الشيء في المرآة ، إذ يدخل في تشكيل الثقافة عامل الإرادة الإنسانية والخلق والأبداع للإنسان ، إلا أن ذلك لا يتناقض مع كونها تعبيراً عن الواقع الموضوعي السائد وعليه فإن الثقافة ليست بحد ذاتها كما قد يتصور البعض مجرد وسيلة للتعبير عن الواقع بل هي كذلك وسيلة فعالة لتغييره .
الصراع الثقافي في المجتمع هو دائماً صراعاً إجتماعياً فكرياً يعكس التركيب الطبقي للمجتمع ، صراعاً بين أوضاع اجتماعية متناقضة ، صراع الأضداد صراع بين القديم البالي والجديد الواعد يتخذ مظهراً فكرياً أو أدبياً أو فنياً ، والصراع الثقافي هذا هو التمهيد لثورة اجتماعية قادمة تهدف الى تغيير الواقع القائم ، وهو وسيلة لتجديد الحياة الاجتماعية وتطويرها تصاعدياً نحو بناء مجتمع جديد أفضل وأكثر تقدماً وعدلاً ورفاهيةً لحياة الانسان ، وبذلك تكون الثقافة وسيلة للتعبير عن الواقع الاجتماعي القائم ، وفي ذات الوقت تكون اداة لتغييره ، ولهذا فالثقافة هي إلتزام وموقف فالثقافة إذن تشترك في الثورة الاجتماعية عندما يشتد الصراع بين المتناقضات في المجتمع من أجل تحرير الانسان وانعتاقه من قيود المجتمع القديم فإنها في ذات الوقت تشترك في تحرير نفسها فإن الثقافة بتحريرها للمجتمعات البشرية من عوامل التخلف والأستغلال والأستعباد والقهر الطبقي الاجتماعي لا تصبح مجرد متعة لفئات اجتماعية محدودة ومحظوظة من البشر وإنما تصبح غذاء الروح للملايين من الناس بل وتصبح غاية ووسيلة من غايات ووسائل التقدم البشري وهدفاً من أهدافه النبيلة الآصيلة للسمو .
لهذا نجد أن نهضة الأمم نحو التقدم الى الأمام في كافة مجالات الحياة لا يمكن لها أن تحصل إلا إذا سبقتها أولاً نهضة فكرية ثقافية شاملة ، أي بمعنى آخر إن العنصر الفاعل والحاسم في تقدم الأمم يبدأ بثورة فكرية ثقافية تقضي على أسباب التخلف الاجتماعي السائد في المجتمع ، تلك الأسباب التي هي من مخلفات الثقافة القديمة .
عليه نجد أن الأمم الأوروبية قد نهضت من سباتها الذي دام قرون طويلة تحت حكم الكنيسة الرجعي الأستبدادي الثيوقراطي وتقدمت بعد قيام ثورة الأصلاح الديني والتي هي بحد ذاتها شكلت إنطلاقة الثورة الثقافية لتحرير الانسان من قيود ذلك النظام الأبوي المقيت والسيء الصيت الذي كان مسيطراً على كل مقدرات الحياة في بلدان أوربا ونشر فيها التخلف والتأخر بكل أشكاله ، حيث تأخرت وتخلفت العلوم والأداب والفنون والأفكار الحرة والفلسفة وتم إضطهاد وحرق العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء والفنانين بسبب تعارض أفكارهم وتوجهاتهم مع أفكار وتوجهات الكنيسة ، وعليه أطلق على قرون سيطرة الكنيسة على القرار السياسي في أوروبا بالقرون المظلمة لأنها سببت في تأخر وتخلف الحياة ، وأدخلت أوروبا في ظلام دامس من التخلف والتأخر ، ولولا تلك القرون لكان إنسان اليوم يعيش في الوضع الذي سوف يعيشه بعد إثنا عشر قرناً من تاريخ اليوم . لقد مهدت ثورة الأصلاح الديني في أوربا الى بزوغ فجر عصر جديد هو ما أطلق عليه بعصر النهضة الأوروبية الحديثة حيث فيه اطلق العنان للعلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء والشعراء والفنانين للعمل المبدع والخلاق فحصلت ثورة ثقافية هائلة وشاملة في كل مناحي الحياة أدت الى إنحسار مد نفوذ الثقافة القديمة ثقافة القرون المظلمة المغلفة بالرداء الديني من خلال هيمنة سيطرة الكنيسة على قرار الحكم في بلدان أوروبا . وقد مهدت هذه الثورة الثقافية الى إنطلاق الثورة الصناعية والتكنولوجية التي غيرت مسار التاريخ الإنساني ، وتغيرت بذلك ثقافة وحضارة تلك الأمم كماً ونوعاً وقضت على كل مرتكزات وأنماط الحياة الاجتماعية القديمة البالية التي كانت أصلاً تشكل عائقاً أمام نهضتها وتقدمها وتطورها . وهنا لم يبقى لنا إلا أن نقول متى تنهض أمم الشرق من سباتها وتقف على قدميها وتنظر بنظرة ناقدة الى الأمام لترى ألاخرين أين وصلوا وأن تفعل كما فعلوا الأوروبيين قبل خمسائة سنة ؟؟ ، وأن تكف عن السير الى الأمام والنظر الى الوراء بنظرة الحسرة الى ماضيها البالي المتخلف والبكاء على أطلاله المنهارة ليبدأ فيها عصر النهضة الثقافية ؟؟ ، وأن تعيد النظر بما مستحوذ على أفكارها وتطلعاتها ومعتقاداتها الساذجة والمتخلفة لتكتشف بأن سبب تأخرها وتخلفها عن الركب المتقدم للآخرين هو عودتها الى ثقافة الماضي للأجداد والأسلاف وتطبيق شرائعه وقوانينه متناسية أن ألحياة دائماً تسير الى الأمام ولا تتراجع القهقري الى الوراء ؟؟ . يا لمهزلة القدر يا لها من رؤية مشوهة وبائسة ، إنها تعاكس الحقيقة والواقع وتناقض منطق العقل والعلم وقوانين تطور الحياة ، وهنا من حقنا أن نتساءل لماذا لا نستفيد نحن أبناء الشرق من تجارب الآخرين من الأمم التي سبقتنا ؟ ونبدأ من حيث وصلوا وليس من الصفر كما نحاول أن نفعل ؟ لماذا كل هذا الأصرار الأخرق البليد للعودة الى الماضي بكل إيجابياته وسلبياته والأعتقاد بأن أجدادنا وأسلافنا هم أفهم وأدرى منا بمتطلبات حياتنا المعاصرة ؟ لماذا نخالف منطق وسنة قوانين تطور الحياة الإنسانية ونسبح عكس التيار ؟ أليس هذا هو الغباء بعينه ؟ الى متى نبقى أسرى لماضينا ووقوداً لنيران عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا المتخلفة في جوانب كثيرة التي ورثناها من الأجداد التي أكل عليها الدهر وشرب بذريعة إحترام وحماية تلك الموروثات من إرث الأجداد ؟ لماذا لا نركب كغيرنا في مركب الحياة المتجددة الذي سوف يقودنا الى بر الأمان بسلام ؟ . إن العيش بأفكارنا وعقولنا في ماضي أجدادنا العتيد وأجسادنا في أرض الحاضر المتجدد لهو إنتحار والجنون بعينه ، وإن تحررنا من عبودية الماضي ليس رفضاً لكل ما فيه بالكامل بل علينا أن نأخذ من ماضينا كل ما هو إيجابي ويلائم حاضرنا ونطوره وما لا يلائم منه لحياتنا الحاضرة نضعه باحترام في متحف التاريخ في الحفظ والصون ونحترمه ونعتز به كتراث الأجداد ليس إلا .
هكذا يقول منطق العقل والحياة وسنة التاريخ إذا أردنا الحياة الحرة الكريمة اللائقة بنا كمخلوقات بشرية عاقلة واعية لوجودها الإنساني وواعية ومدركة لمسار تطور التاريخ الإنساني من الأدنى الى الأعلى ، وأن نصبح مجرد مخلوقات حية لا نختلف عن غيرنا من المخلوقات تتحكم بنا وبسلوكنا نواميس الطبيعة وتسيّرُنا دوافع الغريزة والعادة الموروثة ، وغياب الوعي الأنساني الذي يتميز وينفرد به الإنسان لوحده دون غيره من الكائنات هو الذي يجعل الإنسان مخيراً وليس مسيراً كما هو حال بقية الكائنات التي تسيرها غرائزها . الإنسان بامتلاكه للوعي يستطيع أن يميز بين ما هو صالح وما هو طالح لحياته ، ويختار ما يراه مفيداً له ، ويرفض كل ما هو ضار له . إن فهم حركة الحياة وقوانين تطورها والتعامل والتفاعل معها وفق منطق العقل والحكمة في علاقة جدلية تكاملية هي الثقافة بعينها التي تنتج في النهاية الحياة الجديدة التي تساير العصر وتليق بالأنسان المعاصر . فكلما كان الوعي الإنساني عالياً كلما كانت مخرجات العملية الثقافية أكثر نضجاً وأوسع شمولاً وأكثر فائدة للإنسان ، وكلما كانت العملية الثقافية أكثر نضجاً وشمولاً كلما كان الوعي الإنساني اكثر كمالاً وإدراكاً ، هكذا هي العلاقة بين الثقافة والوعي الإنساني علاقة جدلية تكاملية . عليه فإن الثقافة تنمي الوعي الإنساني وترصنه وتجعله قادراً على مواكبة تطور الحياة وإستيعاب كل متغيراتها ومستجداتها وعلاقاتها ببعضها بعقلانية ووعي وحكمة وليس بدافع الغريزة كما هو الحال لدى بقية الكائنات الأخرى في الطبيعة . وعلى ضوء ما تقدم فالمثقف هو من يصنع الثقافة ومن يستوعبها في مجمل تفاصيلها وظروفها المتغيرة الزمانية والمكانية في حركتها الدائبة ، ومن يتعامل مع مستجدات الحياة بموجب قوانينها ويواكب حركتها التطورية بكل تفاصيلها وجزئياتها ، ومن ليس كذلك لا يمكن تصنيفه بأي حال من الأحوال مثقفاً . 

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد -23  / تموز / 2019

14
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي
خوشابا سولاقا
إن مفهوم اليمين واليسار يستعمل كثيراً في الحياة السياسية والفكرية والثقافية من قبل العاملين في هذه الحقول ، وكذلك يستعمل ويتم تداوله من قبل السياسيين وأشباههم وأنصاف المثقفين لمدح من يتفق معهم في الرأي والموقف والتوجه السياسي ولذم وتسقيط من يختلف معهم ، وكثيراً ما يأتي إستعمال هذا المفهوم من قبل البعض استعمال عشوائي وغير مسؤول وفي غير موقعه الصحيح ، أي بمعنى بغير ما من المفروض أن يعنيه في أغلب الأحيان ، لذلك وجدنا من الضروري بل من الواجب وحسب معرفتنا المتواضعة لهذا الموضوع ضرورة تسليط الضوء على تاريخ ومضمون ونشأة وتطور هذا المفهوم تاريخياً وسياسياً لتنوير قرائنا الأعزاء بما يعنيه مفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي .
اليمين واليسار تعبيران يرجع نشأتيهما بالأصل تاريخياً الى وضع أو موقع نواب البرلمانات بالنسبة الى موقع رئيس البرلمان ، فالأعضاء الذين كانوا يجلسون الى اليمين من رئيس مجلس النواب تم تسميتهم أو وصفهم " باليمينيين " والأعضاء الذين يجلسون على يساره تم تسميتهم أو وصفهم " باليساريين " ، وعلى هذا الأساس يعتبر تعبير مفهوم اليمين واليسار بالنسبة للنواب تعبيراً موقعياً مؤقتاً وليس له مدلولاً سياسياً أيديولوجياً كما هو عليه الحال اليوم ، ويتعرض للتغيير بتغيير موقع جلوس النواب من رئيس المجلس ، حيث أن من كان في موقع اليسار من النواب بالأمس قد يصبح في موقع اليمين اليوم وبالعكس . هذه كانت البدايات الأولى لنشأة مفهوم اليمين واليسار تاريخياً في برلمان إنكلترا . أما بعد حدوث الثورة الفرنسية تغير مفهوم اليمين واليسار وإتخذا شكلاً وطابعاً ومضموناً سياسياً أكثر عمقاً وشمولاً مما كان عليه مع برلمان إنكلترا . وبسبب مخاضات وتناقضات وتداعيات الثورة الفرنسية والنتائج التي أفرزتها ولّدت الأسباب الموضوعية والذاتية على حد سواء للصراع على السلطة السياسية وتوجهات الدولة الجديدة المستقبلية ، فظهرت على أثر ذلك تيارات فكرية متصارعة داخل رحم الثورة نفسها ، حيث ظهر وتكون أيديولوجياً تيار يساري ليبرالي يؤمن بمبادئ الثورة الآصيلة ويدعو الى المحافظة عليها بعد أن ظهر تيار آخر يريد الأرتداد بالثورة عن هذه المبادئ . ولكن هذا اليسار الليبرالي نفسه بدأ يتجه الى اليمين حيث ظهرت حركة راديكالية ديمقراطية علمانية وقفت على يسار الحركة الليبرالية الداعية للعودة الى مبادئ الثورة الفرنسية الأولى والمساواة بين المواطنين في حق الأنتخاب ، ونجحت هذه الحركة واستمر نفوذها السياسي بالنمو والصعود واستقطابها للجماهير حتى بدأ نجمها بالأفول بعد سقوط باريس بأيدي القوات الألمانية النازية في عام 1940 ، حيث دبت الأنقسامات والانشقاقات في صفوف الراديكاليين الفرنسيين بسبب موقف حكومة الجنرال فيشي من الأحتلال النازي لفرنسا ، وإنهزموا في النهاية هزيمة منكرة في الأنتخابات الوطنية بعد تحرير فرنسا من قبل جيوش الحلفاء سنة 1945 ووصول أنصار المقاومة الوطنية الفرنسية بقيادة الجنرال شارل ديغول الى الحكم في فرنسا عبر الأنتخابات الديمقراطية .
بعد قيام ثورة أكتوبر الأشتراكية في روسيا سنة 1917 م ، ومن ثم ظهور وقيام المعسكر الأشتراكي من الأتحاد السوفييتي ودول أوربا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الأتجاهات الأشتراكية المختلفة تُكّون يساراً جديداً ثالثاً بمضمون سياسي أيديولوجي جديد مختلف عن المضامين المعروفة في السابق ، ويدخل بين هذه الأتجاهات الشيوعيين الذين يؤمنون بمبادئ الماركسية اللينينية كعقيدة سياسية لهم ، حيث يعتبر هذا اليسار الجديد المرحلة الثالثة لتطور مفهوم اليمين واليسار كمفهوم سياسي أيديولوجي طالما يعتبر مفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي تعبيراً مطاطاً لأنه يتغير بتغير المرحلة التاريخية فإن أهداف اليمين واليسار تتغير تبعاً لذلك حتماً ، أي بمعنى آخر يتغير مفهوم اليمين واليسار تبعاً لكل مرحلة تاريخية ، ولذلك فمن الممكن القول بأن اليسار يشكل تيار المعارضة يدعو لتغيير الوضع القائم ثورياً ، بينما يدعو تيار اليمين الى المحافظة على هذا الوضع ، أو يريد الأرتداد بالوضع الى الوراء أي بمعنى أن تيار اليسار يريد التقدم بالوضع من خلال تغييره جذرياً نحو الأمام ويعتبر بذلك تياراً تقدمياً ، بينما تيار اليمين يريد الأرتداد بالوضع والعودة به الى الخلف ويعتبر بذلك تياراً رجعياً ، فهكذا إتخذ تطور مفهوم اليمين واليسار تاريخياً طابعاً أيديولوجياً واصبح مفهوماً مرادفاً لمفهومي التقدم والتخلف أو لمفهومي التقدمي والرجعي .
ويطلق الشيوعيون في الأحزاب الشيوعية والثورية مفهوم اليساري واليميني على الأجنحة المتصارعة في داخل الحركة الشيوعية والحركات الثورية الأخرى أو داخل الأحزاب ذاتها كما كان الحال في الحزب الشيوعي الروسي حيث كان الصراع محتدماً بين جناح ستالين من جهة وبين جناح تروتسكي من جهة ثانية يدور حول مفهوم الثورة الواحدة والثورة العالمية ، فكان ستالين يتهم تروتسكي باليسارية كما كان لينين يتهم كيرنسكي باليمينية ، وكذلك الأتهامات المتبادلة بين الصين ويوغسلافيا تدور حول هذا المعنى أيضاً فكلاهما يَتهم أحدهما الآخر باليمينية أو باليسارية . ويمكن تطبيق هذا المعيار نفسه على الأحزاب الوطنية والقومية في حركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث ، كما هو الحال في حزب المؤتمر الهندي حيث ظهر فيه جناح يساري يطالب بالتوجه الى تبني الأشتراكية الماركسية وجناح آخر يميني يعارض التوجه نحو الأشتراكية . كذلك الحال في حزب البعث العربي الأشتراكي حيث تعرض الى الأنشقاق في صفوفه عام 1963 بعد إنهيار إنقلاب 8 شباط الفاشي في عام 1963 في العراق بسبب مطالبة البعض من قياداته بتبني الأشتراكية العلمية ورفض البعض الآخر للفكرة ، هذا الصراع الأيديولوجي في حزب البعث تمخض عن ظهور جناح يميني كحزب البعث العربي العراقي بقيادة البكر وصدام والموالين لهما من الكوادر القيادية في العراق الذين يؤيدون الزعامة التاريخية للحزب المتمثلة بميشيل عفلق ورفاقه السوريين ، وجناح يساري كحزب البعث العربي السوري بقيادة حافظ الأسد قائد الحركة التصحيحية في سورية ويؤيده الجناح اليساري في حزب البعث العراقي ، وكلا الجناحين من وجهة نظرنا المتواضعة من حيث الممارسات العملية على الأرض هما جناحين يمينيين بامتياز قولاً وفعلاً وتجاربهما العملية في الحكم تؤكد ذلك .
وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك في بلدان العالم الثالث المتحررة حديثاً من الأستعمار في آسيا وأفريقيا وأميريكا اللاتينية ، حيث ظهر في حركاتها وأحزابها التحررية أجنحة مختلفة وصفت بعضها باليمينية واخرى وصفت باليسارية تتصارع فيما بينها حول توجهاتها الفكرية ومنطلقاتها النظرية حول أسس بناء الدولة الحديثة المطلوب إنشائها في بلدانها بعد تحررها من الأستعمار الأجنبي ، وحول شكل إقتصادها الوطني المستقبلي بين أن يكون اقتصاد اشتراكي مركزي موجه ومخطط وبين أن يكون اقتصاد رأسمالي مبني على اقتصاد السوق الحر المفتوح وبين أن يكون أقتصاد مختلط .
هكذا أصبح العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مقسوم بين اليمين واليسار ، عالم ذو قطبين رئيسيين القطب اليساري يمثله الأتحاد السوفييتي وحلفائه في حلف وارسو والقطب اليميني تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف النيتو ، فأصبح يُعرف العالم الأشتراكي الذي تُحكم بلدانه من قبل الأحزاب الشيوعية والعمالية والأشتراكية الثورية بالمعسكر اليساري التقدمي ، والعالم الرأسمالي بكل بلدانه بالمعسكر الرأسمالي اليميني الرجعي بلغة السياسيين والمفكرين الأشتراكيين والشيوعيين والثوريين والوطنيين وغيرهم من الأتباع والأنصار في مختلف بلدان العالم طبعاً ، وعلى اساس هذا التقسيم العالمي لمناطق النفوذ بين القطبين نشبت الحرب الباردة بينهما وأتخذت أشكالاً وأنماطاً مختلفة والتي دامت سنوات طويلة الى أن انتهت بانهيار النظام الشيوعي في المعسكر الأشتراكي ، وكان استمرار هذا الواقع قد جعل العالم يعيش في حالة من الخوف والقلق والرعب من نشوب حرب عالمية ساخنة في أية لحظة بين القطبين بسبب التوترات الكثيرة والمثيرة حول مناطق النفوذ والمصالح الأستراتيجية مثل أزمة خليج الخنازير في كوبا وتستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها والتي تؤدي الى فناء الجنس البشري من على وجه الأرض ، وإن نجا منها القلة القليلة بالصدفة سوف يكون سلاحها في الحرب العالمية الرابعة العصي والحجارة كما تنبأ العالم الفيزيائي العبقري ألبرت اينشتاين تهكما بذلك حينما سؤل عن نوع الأسلحة التي سوف تستخدم في الحرب العالمية الثالثة فكان جوابه لا اعلم ولكن سيكون في الحرب العالمية الرابعة الحجارة والعصي .
بعد إنهيار النظام الشيوعي والأشتراكي في نهاية القرن الماضي في الأتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية وتفكك إتحاداتها وبلدانها واستقلالها من التبعية وضعت الحرب الباردة اوزارها وبذلك إنهار القطب اليساري من التقسيم العالمي ، فشهدت ساحة الصراع الفكري حول مفهوم اليمين واليسار هدوءً كبيراً ، ولكن حل محله الصراع الفكري بين تيار التشدد والتطرف الديني التكفيري ( الأسلام السياسي ) الذي يسعى الى فرض معتقداته وايديولوجته بالقوى والقسر على الاخرين ممن يخالفونه الرؤى والنظرة الى الحياة من جهة وبين تيار قيم الحرية والديمقراطية المحبة للسلام والتعايش السلمي بين البشر من كل المكونات الإنسانية القومية والدينية والأثنية من جهة أخرى على الساحة العالمية . هذا الصراع الدموي الذي أصبح عراقنا ضحية له وساحة نموذجية للقتل والذبح العشوائي على الهوية ، والذي أخذت دائرته تتوسع يوم بعد آخر لتشمل الكثير من دول الجوار وبلدان العالم من دون إستثناء ، وأخذت مخاطره تهدد التحضر والتمدن وقيم الحياة الانسانية ، وتهدد بتقويض أسس الحضارة الإنسانية بالدمار الشامل والعودة الى العصور الحجرية المظلمة ، وعودة الانسان الى عصر شريعة الغابة والقمع والطغيان والبربرية والهمجية التي لا تُقيم للإنسانية أية إعتبار .
كان التناقض الرئيسي في الصراع العالمي ذي القطبين في القرن الماضي بين اليمين واليسار بما يمثل ذلك من مفاهيم وأفكار في الفكر السياسي والفلسفة والأقتصاد . بينما أصبح الآن التناقض الرئيسي في الصراع العالمي ذي القطب الواحد بين الفكر الديني التكفيري المتشدد والمتطرف والذي يقود عمليات الأرهاب ويتخذ منه وسيلة لتحقيق أهدافه في السيطرة على العالم وتهديم حضارة الانسان وبين فكر قيم الحرية والديمقراطية والتعايش السلمي بين البشر دون التمييز القومي والديني والمذهبي والأثني والتساوي في الحقوق والواجبات أمام القانون ، وعلى ما يبدو سوف يسود هذا الصراع هذا القرن .
اليمين واليسار في أحزابنا القومية
بالنسبة الى أحزابنا القومية الكلدانية والسريانية والآشورية الحالية والتي جميعها وحسب رؤيتنا لها لا تمتلك فكر سياسي واضح ونظرية أيديولوجية معينة تعتمد عليها في صياغة منطلقاتها النظرية وأفكارها السياسية ولو بأبسط صور الفكر السياسي الحديث ، وإنما تعتمد على أفكار ورؤى ومزاجات أفراد معينين وعلى العواطف القومية والتعصب القومي العنصري التي تستغل كمادة تحريضية لدفع الشباب المتحمس غير الواعي لأفعاله للأنخراط في صفوفها ومن دون دراسة واقع الحال لأمتنا ، فهي بالتالي عبارة عن أحزاب ذات توجه قومي عنصري كما هو وكان حال الأحزاب القومية العربية والكوردية ، وعليه فهي وفق المعايير العصرية لمفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي فهي بالتالي احزاب يمينية بأمتياز لا وجود لشذرات الفكر اليساري في توجهاتها ومنطلقاتها الفكرية لحد الآن . 
ومن باب التذكير بما قاله السيد نينوس بثيو ( كوركيس بثيو )  السكرتير العام السابق للحركة الديمقراطية الآشورية في آخر مقال له في رده على كيان " أبناء النهرين " الحديث التكوين في الدفاع عن نفسه حول أسباب جوهر خلافه التاريخي مع السيد يونادم كنا السكرتير العام الحالي للحركة الديمقراطية الآشورية ناخذ الوضع في الحركة الديمقراطية الآشورية على سبيل المثال وليس الحصر كأكبر احزابنا القومية حالياً ، حيث وصف السيد نينوس بثيو ذلك الخلاف بكونه خلاف فكري بينه كيساري في توجهاته وبين السيد يونادم كنا كيميني برجوازي في توجهاته ، هذا ما فهمته أنا مما ورد بهذا الشأن على لسان السيد نينوس بثيو فإن صدق هذا الأدعاء فإن ما حصل ويحصل في الحركة الديمقراطية الآشورية هو أيضاً من نتاج الصراع الفكري بين اليمين واليسار وليس لأسباب أخرى لربما قد تجنب السيد نينوس بثيو عن ذكرها لأسباب خاصة به شخصياً . لقد أسهبتُ كثيراً في عرض مثل تلك الأسباب التي تؤدي الى الصراعات الفكرية داخل الأحزاب والحركات السياسية في مقالي السابق الموسوم ( في التربية والثقافة السياسية ... حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية ) ، متمنياً من كل قلبي أن يصدق السيد نينوس بثيو في قوله وأن يكون الخلاف بينهما فكريا وليس خلاف مناصب ومصالح وغيرها كما هو معروف لدى كوادر الحركة . أنا شخصياً أستبعد أن يكون الخلاف بينهما إن وجد أصلاً خلافاً فكرياً حسب وصف السيد نينوس بثيو ، بل أميل الى القبول بان يكون الخلاف بينهما خلاف المصالح ، وإلا كيف استمر التوافق بينهما على قدم وساق كل هذه السنين لإقصاء الآخرين الكوادر القيادية المعارضة لتوجهات وسلوكيات ونهج السيد يونادم كنا !!! ؟ ، وأقتبس هنا من مقال السيد نينوس بثيو المعنون ( رد على إيضاح كيان أبناء النهرين لا أعطي الفتاوى بل أقدم المقترحات ) ما يلي :- "  أن حقيقة الموضوع هو أختلاف بيني (نينوس بثيو) وبين الرفيق (يونادم كنا) منذ بدايات زوعا يتأسس على خلفية فكرية وهي أنني أحمل أفكار يسارية وهو ذو توجه يميني بورجوازي , وأنعكاس هذا الاختلاف كان قائما بيننا في عموم مسيرة زوعا وقراراتها وكان يحصل بيننا نقاش حاد ثنائي وفي أجتماعات القيادة واللجنة المركزية والمكتب السياسي ولسنوات طويلة " . بينما في الحقيقة ومن وجهة نظرنا فإن الخلاف الداخلي في زوعا ليس خلافاً فكرياً بين اليمين واليسار ، وإنما هو خلاف حول أليات العمل وعلى السلوك المنحرف والانفراد بالقرار الذي تسلكه وتمارسه وتنهجه القيادة الحالية لزوعا بقيادة السيد يونادم كنا  ، ولا وجود لتوجهات يسارية في القيادتين الحاليتين لزوعا ، قيادة زوعة يونادم كنا أو قيادة زوعة أبناء النهرين .     
ومن خلال ما استعرضناه نستطيع أن نستنتج أن الحركة الشيوعية العالمية بأحزابها المتنوعة هي التي أعطت لمفهوم اليمين واليسار في الفكر السياسي العالمي الحديث طابعاً سياسياً وأيديولوجياً شاملاً في العمل السياسي وجعلت منه معياراً لتقسيم العالم فكرياً بين اليمين الرجعي واليسار التقدمي والذي سار ويسير الآخرين على هداه الى يومنا هذا

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 17 / تموز / 2019 م

15
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم النقد والنقد الذاتي في العمل السياسي

خوشابا سولاقا
إن أي عمل أو نشاط سياسي لأي كيان منظم مهما كانت طبيعته لا بد أن يخضع في النهاية الى عملية التقييم إيجابا أو سلباً ومن ثم تقويمه ، إن عملية التقييم والتقويم بحد ذاتها تخضع الى أسلوب البحث العلمي الرصين والدقيق بموجب معايير علمية مجربة لتحديد مواضع القوة والضعف والخلل ، وبالتالي يتم اختيار آليات التقييم والتقويم معاً بما يُمكّننا من وضع كل شيء في نصابه وموضَعِه الذي من المفروض أن يكون فيه ضمن العمل السياسي برمته دون أن يتقاطع أو يتعارض مع ما مخطط له في المنهاج السياسي لذلك الكيان . هذه العملية يطلق عليها في العمل السياسي المنظم والمنضبط بالنقد والنقد الذاتي ، وهي بالتالي تشكل عملية إعادة تنشيط حيوية وشباب العمل في الكيان السياسي إن صح التعبير ، وهي في ذات الوقت تعني عملية تطهير الذات من الأخطاء والانحرافات والخروقات وكل أشكال الفساد السياسي وإعادة بناء الذات الجديدة بالشكل الذي ينسجم مع واقع الحياة ومستجداتها في خضم العمل السياسي ، ومن دون عملية ممارسة النقد والنقد الذاتي ومراجعة الذات يتحول العمل السياسي داخل الكيانات السياسية الى عمل رتيب وممل يصيبه الجمود والتحجر ثم الأنهيار ، ويوجد الكثير من الأمثلة في تجارب الكيانات السياسية في مختلف بلدان العالم على ممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي في عملها السياسي . إن عملية ممارسة النقد والنقد الذاتي الحر هو شرط أساسي وضروري من شروط وأسس الديمقراطية السياسية التي من المفروض أن تلازم حياة وتجارب الأحزاب السياسية الرصينة والتي تريد الأستمرار وأن تقوي وتعزز وحدتها الفكرية والتنظيمية  ولأن تجدد بناء ذاتها مع تجدد متطلبات الحياة ، وعليه فإن الكيانات السياسية التي تؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي وقبول الرأي الآخر وأن تتخذ منها منهجاً في حياتها السياسية عليها أن تضع مبدأ ممارسة النقد والنقد الذاتي في مقدمة أولوياتها في حياتها السياسية ، وبعكسه سوف يكون مصيرها الخيبة والفشل المحتم في تحقيق ما تصبو إليه من الأهداف على كافة الأصعدة  القومية والوطنية وحتى الفئوية منها . ونظراً لأهمية هذا الموضوع في العمل السياسي من وجهة نظرنا المتواضعة وددتُ أن أقدم شيء من التفصيل في تعريف مفهومي " النقد " و " النقد الذاتي " الى القارئ الكريم .
مفهوم " النقد " كما قلنا يعني تقييم الأيجابيات والسلبيات في العمل السياسي ومن ثم معالجة السلبيات معالجات جذرية بالقضاء على أسبابها وهذا السلوك يشكل الشرط الأساسي في أسس الديمقراطية السياسية ، كما يعتبر النقد أهم الضمانات لأشاعة ممارسة الحرية بكل أشكالها الايجابية ، والنقد الايجابي معناه أن نُقّوم العمل التطبيقي والأفكار العامة لنتبين شكل حركتها ولكي نكشف ونشخص بالتالي التناقُضات التي تشوبها أو التي نشأت فيها في خضم التطبيقات العملية في الحياة السياسية . النقد كضمان حقيقي لأشاعة حرية الرأي في العمل السياسي يستلزم تقييم وتقويم كل ماهو إيجابي وكل ما هو سلبي في التجربة السياسية القومية والوطنية معاً وعلى جميع مستوياتها لكونهما تجربتان متداخلتان ومرتبطتان إرتباطاً عضوياً تتأثران وتؤثران في بعضهما البعض بشكل متبادل لا إنفصام بينهما ، وكذلك يستلزم في عملية ممارسة النقد لكي يكون نقداً علمياً وبناءً وفعالاً تقديم مقترحات وحلول بديلة لكل ما يتم نقده لتأكيد وتعزيز ودعم الجوانب الايجابية ولتصفية وتطهير الجوانب السلبية في العمل السياسي على حد سواء من دون مجاملات أو رياء أو نفاق سياسي مراعة لمواقع المسؤولين القياديين في الكيانات السياسية على حساب إخفاء الحقيقة وطمسها عن الجماهير الشعبية ، لأن في مثل هذه الممارسات المنحرفة عن السياقات والأخلاق السياسية أضرار بالمصالح الحيوية القومية والوطنية وخيانة للمبادئ والقيم التي يؤمن بها الكيان السياسي . إن ممارسة النقد الحر كما أسلفنا هو أساس ضروري من أسس الديمقراطية السياسية في العمل السياسي ، عليه لا بد من أن تتوفر لهذه الممارسة ضمانات بمعرفة ما يجري بالتفصيل في التجربة السياسية التي يقودها الكيان السياسي المعين في الحقل القومي والوطني وبحسب طبيعة العمل السياسي من أعمال وأفكار ومن معلومات وأراء أخرى ، وهذا يستلزم توفر مستوى معين من التعليم في الكوادر العاملة والذي هو في حده الأدنى معرفة القراءة والكتابة، وتوفر القدرة المالية التي تمكن الكيان السياسي من الأستفادة من وسائل الأعلام لنشر الأخبار والأفكار والأراء للكيان السياسي وإيصالها الى الجماهير الشعبية بغرض إستقطابها للانخراط في العمل  . كما تحتاج عملية ممارسة النقد الايجابي الفعال الى توفر وعي سياسي جماعي يتبلور في وحدات جماهيرية قادرة على إحداث التغيير المطلوب بقدر ما هي قادرة على المطالبة بالتغيير .
هذا كان كل ما يتعلق بجانب ممارسة النقد من موضوعنا ، أما ما يتعلق منه بجانب ممارسة " النقد الذاتي " فهو أن النقد الذاتي يعني تقييم وتقويم للذات سواءً كانت تلك الذات تمثل فرداً بعينه أو تمثل جماعة أو كياناً سياسياً أم مؤسسة مجتمع مدني أم نظاماً سياسياً للدولة أو أي شكل من أشكال التكتلات الجماعية . في الوقت الذي يعتبر النقد تقييماً وتقويماً لأعمال وأفكار وأراء الغير ، فإن النقد الذاتي هو تقييم وتقويم لأعمال وأفكار وأراء وسلوك الذات أو الناقد نفسه مهما كانت طبيعة الناقد ، والنقد الذاتي مع النقد يعتبران أهم الضمانات لتأمين ممارسة الحرية والديمقراطية بشكل إيجابي في العمل السياسي ذات المنهج الديمقراطي ، فإذا كان النقد واجباً على كل مواطن منخرط في العمل السياسي وحقاً من حقوقه الطبيعية لحماية المصلحة القومية والوطنية فإن النقد الذاتي أوجب وأفرض وأحق عليه من ممارسة النقد بحق الآخرين . لكي يَعرف الفرد بنفسه أو لكي تَعرف الجماعة أو الكيان السياسي أو النظام السياسي بأنفسهم قيمة ما تعمله وما تفكر فيه وتعترف بما في عملها هذا وأفكارها تلك من أخطاء وانحرافات ونواقص ، فإن ذلك الأعتراف يشكل قِمة العمل الثوري النضالي ، وذلك هو أرقى أشكال محاسبة الذات على أخطائها وتقصيرها قبل محاسبة الآخرين على أخطائهم ونواقصهم وإنحرافاتهم ، فالتقييم والتقويم والمحاسبة لكي يكون لها مصداقية لدى الآخرين يجب أن تبدأ أولاً من الذات نفسها قبل غيرها .
كما أسلفنا أن النقد يستلزم ويلزم صاحبه بتقديم المقترحات والمعالجات والحلول البديلة لتصليح الأخطاء وتجاوزها وإبقاء المسيرة النضالية في مسارها الصحيح والتغلب على السلبيات ، كذلك يستلزم النقد الذاتي وبنفس القدر من الشفافية والصراحة والصرامة والجدية إن لم يستلزم أكثر من ذلك ، لأن في عملية ممارسة النقد والنقد الذاتي لتقييم وتقويم المسيرة النضالية لتجاوز كل المعوقات تتقدم أهمية وأولوية النقد الذاتي على أهمية وأولوية النقد ، حيث لا يمكن لمن لم يُقّيم ويُقّوم ويُصلّح ذاته أن يُقيّم ويُقُّوم ويُصلّح الآخرين . كما نود هنا أن نوضح بأن فكرة النقد الذاتي قد نشأت في التنظيمات والأحزاب السياسية القائمة على المبادئ والقيم الثورية كما هو الحال في الأحزاب الثورية اليسارية وأحزاب حركات التحرر الوطني التي تقتضي مهامها ذلك ، وأيا كانت تلك المبادئ فالنقد الذاتي هو بمثابة الأعتراف بالخطايا كما هو الحال في ممارسات بعض الكنائس بحسب العقيدة المسيحية ، حيث يعترف المؤمن المسيحي بما أقترفه من خطايا مهما كانت طبيعتها لكاهن الكنيسة وبشكل سري في مكان خاص مخصص لذلك طلباً للمغفرة من رب العالمين وتبرئة ذمته منها ، وإن كانت طبيعة النقد الذاتي الذي يمارس داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية العقائدية ذات المبادئ الرصينة يشكل تعبيراً أرقى وأحدث في محاسبة الذات وجلدها مما عليه في الكنائس بكثير لأنه يأخذ طابعاً عملياً في محاسبة المخطئ والمقصر فوراً دون ترك الأمر لله إن صح التعبير !! ، وفي بعض الأحيان يكون النقد الذاتي كافياً لأعفاء الناقد المخلص الايجابي لنفسه من كل مهامه في تولي المناصب المسؤولة داخل الكيان السياسي بسبب ما اقترفه من الأخطاء وهذا المبدأ يسمى " محاسبة الذات " وهو ارقى شكل لممارسة النقد الذاتي .
وينبغي أن يكون النقد الذاتي نقداً متكاملاً يحدد ما حدث من جانب الناقد من أخطاء عملية أو فكرية ، ويحدد بدقة الأسباب والدوافع التي دفعت بالناقد الى الوقوع في تلك الأخطاء ، وأن يعطي تعهداً صادقاً بعدم الوقوع في نفس الأخطاء مرة أخرى .
هكذا ومن خلال ما استعرضناه من تعريف وشرح لمفهومي " النقد " و " النقد الذاتي " وعلاقتهما ببعضهما البعض في العمل السياسي فإن ممارسة النقد والنقد الذاتي هي عملية تقويمية وأخلاقية بمثابة تطهير الذات للكيان السياسي من الأخطاء وكل الممارسات والانحرافات التي تضر بمصلحته وتسيء الى سمعته ، وهي أيضاً ممكن أن تكون بمثابة العملية الجراحية في الطب لأستيصال كل المظاهر الشاذة لغرض المحافظة على سلامة الكيان السياسي قوياً موحداً معافاً ، وهي بالتالي تجديد لشباب وحيوية الكيان السياسي وإبقائه على خط السير المرسوم له في استراتيجيته العامة لتحقيق الأهداف التي يناضل من أجلها وبأقل تضحيات ممكنة ، حيث أن تقليل التضحيات البشرية والمالية وإختزال الوقت لصالح إنجاز الأهداف الأستراتيجية ياتيان من خلال تقليل واختزال الأخطاء والسلبيات في العمل السياسي اليومي . فكل من لا يمارس ولا يقبل بالنقد والنقد الذاتي بروح نضالية ثورية وبوعي من مبادئ الكيان السياسي الذي ينتمي إليه ليس من اللائق به الاستمرار في العمل السياسي . لأنه كما قالوا فقهاء السياسة من قبل أن السياسة هي فن الممكن ، فإن النقد والنقد الذاتي يشكلان روح ممارسة ذلك الفن النبيل ، وهما السمة التي يجب أن تلازم كل كيان سياسي ناجح ورصين .


خوشــابا ســولاقا
10 / تموز / 2019 
بغداد – العراق     

[/b][/size]

16
الأصلاحات والتغييرات ودور طابور الفاسدين المتباكين على الدستورغير المستور  !!!
خوشابا سولاقا
كما هو معروف لكل المهتمين بالشأن السياسي العراقي من العراقيين الوطنيين المخلصين الشرفاء منذ فجر العهد الجديد الذي دشنه السيد بريمر السيء الصيت بمجلس الحكم الأكثر سوءً . عندما تم تشكيل مجلس الحكم بحسب الرؤية الديمقراطية الأمريكية للواقع الديموغرافي للعراق المبني على أساس نسبة سكان مكونات الشعب العراقي والأتجاهات السياسية فيه حيث بموجب هذا المعيار تم اختيار أعضاء هذا المجلس الموقر جداً !!! والمكون من ( 25 ) عضواً وكان للست " وداد فرنسيس " التي كانت تعمل في مكتب السيد بريمر والتي تلقت الكثير من الهدايا الثمينة من أغلب أعضاء المجلس الموقر للتوسط لصالحهم لدى محبوبها السيد بريمر .
كانت المفاجأة الأولى والغريبة جداً للسيد بريمر الحاكم الأميريكي العام المطلق الصلاحيات في العراق بشكل خاص وللعراقيين بشكل عام ، هي عندما طلب السيد بريمر في أول جلسة من هذا المجلس الكوكتيلي الهزيل اختيار رئيساً له للفترة الأنتقالية من حكمه العتيد ، أختلف أقزام السياسة العراقيين فيما بينهم لأختيار رئيساً لمجلسهم الموقر من شدة إفراطهم في الوطنية والأخلاص لوحد العراق وشعبه ، لقد أخفقوا في ذلك وفق القواعد السياسية والأخلاقية والقانونية المعتادة ، لأن كل واحد منهم كان يطمح  لأن يكون هو الرئيس الأوحد للمجلس والعراق الجديد ، وعندما عجزوا عن اختيار الرئيس وفق القواعد المعتادة كان هناك منهم من طلب اعتماد اسلوب إجراء القرعة لاختيار فارس المجلس أي الرئيس الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من الوسائل الوقحة والمبتذلة ، مما أثارت استغراب ودهشة السيد بريمر على هذه الشهوة الجامحة الجنونية للسلطة لهؤلاء الأقزام !!! ، وأخيراً تم الأتفاق بينهم والسيد بريمر على أن تكون رئاسة المجلس تناوبية دورية شهرية يتم التناوب عليها بحسب الحروف الأبجدية لأسمائهم الذليلة !!! . خسئتم والله يا أقزام السياسة على هذا التواضع السلطوي ، خزيتمونا ونكستم عقال العراق إن صح التعبير ودنستم شموخه وكبريائه الوطني أمام محبوب الست " وداد فرنسيس " ، وكانت المفاجأة الثانية والأكثر خزياً ومذلةً هي عندما اجتمع بهم السيد بريمر في أول اجتماع له بهم بعد اختيارهم لعضوية المجلس لغرض التعرف والوقوف على مقترحاتهم وأفكارهم وأرائهم الوطنية النيرة لوضع برنامج شامل لأعادة بناء العراق الجديد بعد عهد الديكتاتورية الفردية للطاغية صدام حسين ، حيث كان بريمر مرتبكاً وخائفاً للغاية كيف تكون له المقدرة للأجابة على أراء واستفسارات هؤلاء السياسيين العراقيين الوطنيين الأفذاذ بشأن إعادة بناء وإعمار بلدهم المدمر من قبل جحافل بريمر وسيده بوش الأرعن !!! . سألهم بارتباك وخوف والقلق بادي على محياه وفي نظرات عينيه وهو جالسٌ على حافة مقدمة مقعده مرتبكاً يضرب الأخماس بالأسداس ليجد لنفسه طريقاً للخروج من مأزقه بإيجاد الأجوبة المقنعة لأرضاء خواطر هؤلاء الكبار من فطاحل السياسة  !!! ، فوجه لهم سؤآله بارتباك ، ما هو ما يدور في مخيلتكم من تساؤلات واستفسارات تريدون معرفة اجابتنا عليها بشأن اعادة بناء وإعمار بلدكم العراق الجديد ؟؟ ، فاستجمعت واختزلت كل تساؤلاتهم فيما قل ودل وسألوه عن مقدار الرواتب التي سيتقاضونها وهم في موقعهم الجديد هذا ( أعضاء في مجلس الحكم ) ، عندها تنفس السيد بريمر الصعداء وابتسم ابتسامته الصفراء الساخرة المعهودة بانشراح وجلس في مقعده متكئاً ظهره على مسند المقعد ( الكرسي ) مطمئناً مرتاح البال بانفراج أزمة ارتباكه وقال في نفسه أهؤلاء هم من سيحكمون العراق ويعيدون إعماره وبنائه ؟؟ أكيد قال في نفسه " حصلنا منكم يا أقزام ليس لكم ما تقولونه بشأن اعادة إعمار وبناء بلدكم غير مقدار رواتبكم " ، خسئتم يا نفايات التاريخ .
هذه الحماقات والسخافات المخجلة كان يجب أن تكون للعراقيين المؤشرات الأولى على أن هؤلاء لم يأتوا من الخارج خلف الدبابة الأمريكية وهم يلهثون ومُتَربين بغاية خدمة العراق والعراقيين وتعويضهم عما فقدوه وخسروه في زمن النظام الديكتاتوري السابق ، بل جاءوا كسراق ( حرامية ) متدربين مؤهلين ومحترفين في السرقة ليسرقون ماله وممتلكاته وآثاره في وضح النهار دون خجل ووجل هذه كانت بداية عهد الشؤم للعراقيين من وراء عودة الأبناء الضالين عودة الذئاب الجائعة لينهشوا البلاد والعباد بشراحة ووقاحة .
هنا نقول في ضوء ما تقدم لأبناء شعبنا العراقي المساكين والمغلوب على أمرهم ، أن كل من اشتركوا في مؤسسات شبه الدولة في العراق من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية ودوائر وأجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية في بغداد وأربيل والسليمانية منذ عهد مجلس الحكم وما تلاه من عهود مروراً بعهد أياد علاوي والجعفري والمالكي والدكتور حيدر العبادي الى عهد الدكتور عادل عبد المهدي مارسوا الفساد لحد النخاع كلٍ بطرقته الخاصة وفق قاعدة " احميني واسترني أحميك وأسترك والله غفورٌ رحيم وشديد العقاب " باستثناء عدد محدود من الشخصيات الوطنية الشريفة الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين من الذين وصلوا عن طريق الخطأ الى بعض مقاعد الحكم لتجميل وتلميع الصورة الكالحة للنظام ولم تُلطخ أيديهم بالدماء العراقية ولم تلوث جيوبهم بالسحت الحرام من الدولارات الأمريكية الخضراء ، ولكن حتى هؤلاء يعتبرون من المستفادين من الرواتب وامتيازات مواقعهم من مخصصات وسيارات وسكن مجاني في قصور النظام السابق في المنطقة الخضراء والعيشة المترفة التي منحتها لهم القوانين الجائرة التي شرعها البرلمان لصالح مافيات الفساد من مسؤولي مؤسسات الدولة ، ثم أخيراً الرواتب التقاعدية الفلكية التي تفوق رواتب موظفي الدرجة الأولى من أقرانهم في التحصيل العلمي في الدولة بأكثر من خمسة أضعاف على أقل تقدير .
أيها القارئ الكريم كل هؤلاء مستفادين من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت وافرازاته بالحرام أو بالحلال وفق قوانين تُحلل الحرام وتحرم الحلال شرعوها لهذا الغرض.
عليه فإن أي إجراء اصلاحي سياسي يمس هيكلية هذا النظام وقواعده سيمس بالنتيجة الحالة المعيشية المترفة لكل هؤلاء المستفادين من القطط السِمان ويسحب منهم تلك الأمتيازات التي لا يستحقونها شرعاً وقانوناً ، لذلك يكون من الطبيعي جداً رد فعلهم على إجراءات الأصلاح السياسي والتغيير في بُنية النظام القائم معادياً لمصالح الفاسدين ويكون مرفوضاً بهذا الشكل أو ذاك من قبلهم ، وأن يشكلون طابوراً ولوبي نشط في مؤسسات الدولة للدفاع عن مصالحهم من خلال احتواء وعرقلة تنفيذ كل الأصلاحات والتغييرات المقترحة في بنية النظام القائم ما لم يتم مواجهتهم بحزم وصرامة بقوة وبسرعة قبل فوات الأوان ومنذ البداية وهم في جحورهم المظلمة من دون ترك لهم فرصة لأستعادة تجميع قواهم والتقاط أنفاسهم من جديد .
لذلك ندعو هنا السيد رئيس مجلس الوزراء الحالي الدكتور عادل عبد المهدي أو أي يكون مستقبلاً مخلصين وداعمين وساندين له كشعب عراقي إذا كان فعلاً عازماً وجاداً في السير الى الأمام الى نهاية المطاف في تنفيذ حزمة الأصلاحات التي يقتضيها الوضع المزري للبلاد في كل المجالات لوضع العراق على خط السير الصحيح ، أن يرفق هذه الحزمة بحزمة من الضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين الكبار المتجذرين والمتعشعشين في دهاليز مؤسسات الدولة منذ عهد مجلس حكم السيد بريمر الى عهده اليوم وقطع أياديهم من خلال الآتي :
أولاً : قطع رأس الأفعى السامة التي بثت سموم الفساد المالي والاداري في جسد العراق بترسيخ نظام سرقة المال العام والعبث بمقدرات البلاد ألا وهو نظام " المحاصصة الطائفية والأثنية " المقيت ، نظام محاصصة الحرامية ، وذلك من خلال تعديل الدستور من خلال تشكيل لجنة من المختصين من القانونيين المستقلين لهذا الغرض لجعل الدستور دستوراً وطنياً عراقياً خالصاً بتنظيفه من كل أدران الطائفية السياسية والتوجهات القومية والدينية الشوفينية وتكريس الهوية الوطنية للعراقيين ومساواة العراقيين بكل تلاوينهم القومية والدينية والمذهبية وغيرها من الخصوصيات الفرعية أمام القانون .
ثانياً : إصلاح النظام السياسي للبلاد والقضاء على الفساد الذي يتطلب تنفيذه من خلال وجود قضاء مستقل عادل ونزيه غير مسيس ، وعليه تستوجب مرحلة تنفيذ الأصلاحات السياسية المطلوبة في هيكلية النظام السياسي الفاسد القائم على المحاصصة الى وجود هكذا قضاء ، لذلك ولغرض تطبيق الأصلاحات يتطلب الأمر الى اصلاح القضاء بتطهيره من الفساد والفاسدين أولاً وأخيراً ومن دون ذلك سوف لا تجد الأصلاحات السياسية طريقها الى النور .
ثالثاً : تشكيل محكمة الشعب الجنائية من قضاة مختصين ومخلصين ونزيهين مستقلين غير متحزبين ، وتشكيل مكتب المدعي العام بنفس المواصفات لأحالة الفاسدين من سراق المال العام وبأثر رجعي الى هذه المحكمة لمحاسبتهم بحسب استحقاقهم وفقاً لقانون الجنايات العراقي ، والعمل وفق القوانين الدولية لمتابعة وملاحقة الهاربين من الفاسدين والسُراق من خلال الأنتربول بغرض اعادتهم للأمتثال أمام القضاء لمحاكمتهم واستعادة ما سرقوه من أموال العراق المهربة الى خزينة الدولة العراقية .
رابعاً : تنص المادة رقم ( 5 ) من الدستور العراقي على " السيادة للقانون ، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها ، يمارسها بالأقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية . " . وبما أن الشعب هو الذي أعطي الشرعية القانونية للدستور من خلال الأستفتاء العام علية في اقتراع سري بمشاركة أقل من عشرة ملايين عراقي في حينه ، وبما أن عدد المنتفضين في عموم العراق منذ يوم الجمعة 14 من آب / 2015 كان أكثر من هذا العدد وطالبوا جميعاً بهتافاتهم بتعديل الدستور وفوضوا في حينه السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي بإجراء الأصلاحات ، فإن هذا التفويض بحكم القانون يمنح للسيد رئيس مجلس الوزراء الحالي الدكتور عادل عبد المهدي يعني أن سلطة الشعب أعلى وأسمى من سلطة الدستور الذي اتخذ منه ستاراً لتغطية سرقات الفاسدين من المسؤولين وما يؤيد تفسيرنا هذا أن كل القرارات الرسمية تتخذ باسم الشعب واستناداً الى الدستور وليس العكس ، أي بمعني ارادة الشعب أولاً ولها الحاكمية دستورياً وقانونياً والدستور ثانياً وليس العكس .
خامساً : حل هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين التابعين لها في الوزارات ودوائر الدولة بأعتبارها كانت تشكل غطاءً لنشاط مافيات الفساد وسراق المال العام مقابل مشاركتهم في الغنيمة ، وتفعيل دور الرقابة المالية الداخلية والخارجية الذي كان سائداً منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في النظام الرقابي لمتابعة الصرف المالي في وزارات ومؤسسات الدولة . وإلغاء مجالس المحافظات ومجالس البلديات في المحافظات لكونها مصدر من مصادر الفساد وقنوات للسرقات والتجاوزات على أموال وممتلكات الدولة . 
إن تفويض الشعب من خلال التظاهرات المليونية في عموم العراق للحكومة من خلال شخص السيد رئيس مجلس الوزراء المحترم ودعوة المرجعيات الدينية الشيعية والسنية والمسيحية وغيرها من خلال خطب الصلواة أيام الجمعة والأحد في المساجد والجوامع والحسينيات والكنائس والمعابد ومطالبتهم له بالضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين وسراق المال العام تجعله يمتلك صلاحيات مشروعة ومطلقة لتنفيذ الأصلاحات والتغييرات المطلوبة بالكامل من دون تأخير ، وإن تفويض الشعب له بهذا الأجماع هو فوق الدستور في ظل هذه الظروف المأساوية الصعبة ، وبعكس ذلك فإن الطرفين ، الشعب والمرجعيات الدينية كلها ستضطر الى تحميله مسؤولية التقصير والتردي في الوضع العام ومحاسبته على كل التداعيات .
كل العراق معكم يا سيادة رئيس مجلس الوزراء في تنفيذ الأصلاحات الشاملة في كل مفاصل النظام السياسي واجراء التغييرات الجذرية في مؤسسات الدولة للقضاء على الفساد والفاسدين وحماية أموال الشعب التي هي أمانة تاريخية في أعناقكم ودمتم للخير والصلاح لما فيه خدمة البلاد والعباد .
 إن من يتباكون على الألتزام بالدستور ويذرفون عليه دموع التماسيح في هذه الأيام من البرلمانيين وأعضاء الحكومات وسلطات القضاء من المتضررين من الأصلاحات ، هم في الحقيقة طابور الباطل وشركاء الفساد وشهود الزور لنصرة الفاسدين وسُراق المال العام وقوت الشعب ، وهم بالتالي يقومون بدور محامي الدفاع عن الشيطان ، نقول لهؤلاء المتباكين أين كنتم ودستوركم وقضائكم عندما أوصلتم العراق الى ما هو عليه اليوم من فساد وتراجع في نهضته وتخلفه وتأخره في كل المجالات  وتردي الخدمات في ظل صرف أكثر من ( 1300 ) مليار دولار خلال فترة حكمكم  الفاسد البغيض للعراق ؟؟ لماذا لم تنزل دموعكم الكاذبة عليه أيها المنافقون عندما سرقتموه وجعلتم خزينته شبه خاوية من آخر دولار عندما استلم الدكتور حيدر العبادي الحكم ؟؟ ... إن كلامكم هذا وبكائكم على الدستور غير المستور هو " كلام حق تريدون به باطل " . يا سيادة رئيس مجلس الوزراء لا تنصتوا إلى أصوات هؤلاء المنافقين ولا تتعاطفوا مع بُكائهم الكاذب إنهم منافقون ومراؤون ، ولا تأخذكم بهم رحمة ولا شفقة وعاملهم بالمثل كما فعلوا مع الشعب العراقي المسكين وسرقوه أمواله وقوت عيشه وتركوه فريسة سهلة للفقر والعوز والفاقة والمرض والنزوح في العراء بلا مأوى يَتقيهم قيض الصيف وبرد الشتاء ، ولا فراش لهم يفترشوه غير الأرض والسماء ، ولا غذاءً ليأكلوه ولا دواءً ليعالجون به أمراضهم وهم مواطنين لأغنى بلد في العالم بثرواته النفطية الهائلة . لا تترددون في قراراتكم الحازمة والصارمة لصالح الوطن والشعب في تنفيذ الأصلاحات واجراء التغيير الجذري ، وأن لا تأخذكم في الحق لومة لائم في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين ، إنه هو طريق الحق بعينه الذي يجب أن تسلكوه مرفوعي الرأس شامخين وأن لا يستوحشكم سلوكه أبداً . سيروا الى الأمام والشعب معكم للنهاية في كل خطوة تخطونها نحو الأصلاح الشامل والتغيير الجذري في بناء العراق المدني الديمقراطي الجديد .

خوشـــابا ســـولاقا  ............. بغداد – 1 / نيسان / 2019 م


17
جدلية العلاقة بين الدين كفكر وبين السياسة كوسيلة
خوشابا سولاقا
بالنظر لكثرة الكتابات والحوارات والسجالات من قبل كتابنا ومثقفينا الأجلاء في هذا الموقع وغيره من المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي والدعوة فيها الى فصل الدين عن السياسة كردود أفعال لسلوك بعض السياسيين أو رجال الدين بتدخل من طرف في شؤون الطرف الآخر بحسب الأجتهادات الشخصية لمفهوم التدخل واعتبار ذلك التدخل خرقاً للخصويات الأختصاصية والتجاوز عليها من طرف للطرف الآخر ، حيث وجدنا أن بعض تلك الكتابات والحوارات قد تجاوزت في سياقها العام قواعد النقد السياسي والأدبي البناء المقبول وأخلاقيات الكتابة الرصينة المهذبة في احترام الخصوصية المهنية والرأي والرأي الآخر وقواعد الحوار الديمقراطي الشفاف باستعمال في أحيانٍ كثيرة مفردات ومصطلحات غير لائقة وليست في محلها المفترض ، مما اقتضى الأمر بنا ككاتب متواضع لأن نكتب هذا المقال لندلو بدلونا محاولين إلقاء الضوء بحسب وجهة نظرنا المتواضعة لتوضيح جدلية العلاقة بين الدين كفكر روحاني له أتباعه الكُثر وبين السياسة كوسيلة لترجمة أي فكر مهما تكون طبيعته الى تطبيق على أرض الواقع وبالتالي لبيان أن الفكر أي فكر كان والسياسة توأمان يتواجدان ويتفاعلان في علاقة جدلية في بيئة اجتماعية واحدة لا يمكنهما الأنفصال ولا يمكن لأحدهما أن أن يلغي الآخر وكذلك لا يمكن لأحدهما أن يتواجد من دون وجود الآخر ، وأن الدعوات التى يطلقها البعض من الكتاب والمفكرين للفصل بينهما بالشكل الذي يريدونه ويطالبون به ليست دعوات دقيقة بمعناها الفكري والفلسفي والاجتماعي وحتى ليس ذلك الطرح عملياً ، بل على من يدعي ذلك أن يعدل طلبه بمطالبة الفصل بين الواجبات الأختصاصية لرجل الدين وبين الواجبات الأختصاصية لرجل السياسة في المؤسسات الأختصاصية لكل طرف مع ضمان حماية حق كل طرف واحترام حرية الرأي لأفراده  كأعضاء في المجتمع يعنيهم أمر كل ما يعني المجتمع من الأمور والتدخل بالقول والفعل في شأنه دون أن تمنعه الصفة المهنية الأختصاصية التي يحملها كسياسي أو كرجل دين من ممارسة ذلك الحق الطبيعي والمشروع اجتماعياً وإنسانياً .
كانت الحياة منذ أن خُلق الانسان على وجهة الخليقة وما زالت عبارة عن صراع على المصالح المادية والمعنوية وبكل الوسائل المتاحة بما فيها الحروب الدموية التي خاضها الانسان سواءً بسبب مقتضيات السياسة أو بسبب مقتضيات نشر وحماية الدين والتي راح ضحيتها الملايين من أبناء جنسه على امتداد فصول التاريخ وما زال الحبل على الجرار ، وكان من يخلق أسباب ووسيلة هذا الصراع  غير المقدس وغير المشرف بكل المعايير والمقاييس الانسانية باعتبار أن الانسان هو أغلى وأعلى قيمة في الوجود هو الفكر بكل مدارسه كملهم ومحفز لدوافع وغرائز الانسان العدوانية واعتماد فن السياسة كوسيلة لتحريكه لخوض غمار هذا الصراع الأزلي الذي لا تنطفئ شعلته ، ولتوضيح ذلك لا بد من هذه التعاريف المتواضعة لجعل الصورة أكثرُ جلاءً شكلاً ومضموناً .
الفكر ... تختلف الأفكار من حيث طبيعتها في كل المجتمعات البشرية بين أن تكون أفكار مادية علمية منعكسة من أرض الواقع الطبيعي والاجتماعي وقابلة للتطبيق عملياً بغرض تغييره وتطويره من حالة الى حالة أفضل أي بمعنى الأفكار المستندة على العلم الحديث وتطبيقاته العملية ، وبين أن تكون أفكار مثالية طوباوية خيالية لا تمت بصلة بأية علاقة مباشرة بالواقع المادي والاجتماعي ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع ، وأفكار روحانية تتعامل وتتعاطى مع النفس البشرية لتغيير قناعات الناس النفسية والروحية التي يؤمنون بها في إطار التأمل الروحاني الخيالي الماوراء الطبيعة أي الأفكار الميتافيزيقية التي لا تربطها صلة بالواقع المادي والاجتماعي ، وتصنف الأفكار الدينية حصراً ضمن هذا الصنف من الأفكار . 
السياسة ... السياسة كما اتفق وأجمع على تعريفها كل فقهاء ومفكري العلوم السياسية الحديثة هي الوسيلة التي من خلالها يتم ترجمة وتطبيق الأفكار أية أفكار كانت على أرض الواقع الاجتماعي بغرض تغييره وتطويره من حالة الى حالة أفضل أو لربما تأتي الرياح بما لا تشتهي السَفنُ كما يقال في بعض الأحيان بسبب خلل أو انحراف ما في طبيعة الوسيلة ( السياسة ) المعتمدة أثناء التطبيق العملي وهي بالتالي وسيلة للدفاع عن المصالح والمنافع المادية والمعنوية في الصراع الأزلي بين الناس في الحياة ، وهذا ما تؤكده التجارب التاريخية للأمم في كل زمان ومكان .
في ضوء ما تم ذكره عن الفكر والسياسة ليس هناك فكر يكون هدفه وغاية وجوده لأن يعمل في الفضاء أي في الفراغ خارج حدود المجتمع الانساني ،  وعليه يتطلب الأمر ممن يسعون الى ترجمة الفكر لتطبيقه على أرض الواقع أن تكون لهم وسيلة لتحقيق ذلك ، وتلك الوسيلة بلغة التعامل مع الواقع الاجتماعي في أي زمان ومكان تُسمى " السياسة " ، وعليه فان للدين أي دينٍ كان " كفكر " له علاقة جدلية مباشرة تربطه بالسياسة  " كوسيلة " وعند دراستنا لتاريخ سيرة كافة الأديان المصنفة بالسماوية أو بالأبراهيمية وتلك المصنفة بالوضعية وكافة المعتقدات الفكرية والفلسفية التي تم تبنيها قديماً وحديثاً سوف يتأكد لنا وجود تلك العلاقة الجدلية العضوية بين الدين كفكر والسياسة كوسيلة ، وكما هو الحال مع الفكر الديمقراطي فكراً ومنهجاً كوسيلة سياسية لبناء دول ومجتمعات ديمقراطية مبنية على مبدأ تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لمواطنيها ، وعليه نستطيع القول أن الفكر والسياسة توأمان لا يمكن فصلهما ولا يمكن لأحدهما أن يغير المجتمع من دون أن يتواجد التوأم الآخر الآخر بجانبه .
في أي مجتمع من المجتمعات البشرية يوجد مؤسسات متنوعة كل منها مختصة بشأن من الشؤون الخدمية تسعى من خلال العاملين فيها الى تنفيذ واجباتها التخصصية للمجتمع بأكمل وجه ممكن ، وهنا تشكل المؤسسات الدينية جزءاً من مؤسسات المجتمع الخدمية تقوم من خلال بُناها التحتية والقائمين على إدارتها من رجال الدين بكل درجاتهم الدينية بتقديم الخدمات الروحية التي يفرضها الدين المعني لمن يتردد إليها من المؤمنين من الأتباع ، فهنا لا تختلف واجبات رجل الدين عن واجبات الطبيب والمهندس والمدرس والأستاذ الجامعي والعسكري ورجل الأمن وأي موظف آخر في مؤسسات الدولة المدنية في أداء واجباته الأختصاصية بما تمليه علية مؤسسته المختصة للمجتمع .
هنا يكون من غير الجائز ومن غير المقبول منطقياً وقانونياً أن يقوم المهندس بالتدخل في شؤون اختصاص الطبيب وبالعكس وكذلك الحال مع كافة الموظفين الآخرين ، وكذلك لا يجوز لرجل الدين التدخل في شؤون العمل السياسي المختص في المؤسسات السياسية المدنية ( التنظيمات والأحزاب ) وبالعكس أيضاً ، ولكن جميع هؤلاء القائمين على إدارة شؤون هذه المؤسسات الأختصاصية بدون تمييز أفراد متساوون  في الحقوق في المجتمع وليس من حق أي كان أن يحرم ويصادر حق أي فرد من أفراد المجتمع من ممارسة حقه الطبيعي المشروع قانوناً في إبداء رأيه في كل ما يخص ويعني مجتمعه ونقده بكل الوسائل المتاحة قانونياً من دون الأساءة على الآخرين والتجاوز على حقوقهم بإعتباره عضواً فيه .... رجل الدين فرد في المجتمع كالمهندس والطبيب والمدرس والأستاذ الجامعي والعسكري ورجل الشرطة والأمن وكأي موظف في الدولة له اختصاصه الروحاني ليس من حق الآخرين التدخل في شؤونه الروحانية ، وكذلك ليس من حق رجل الدين التدخل في الشؤون الأختصاصية للآخرين ، وعليه نقول أن من يدعو الى فصل الدين عن السياسة فهو مخطئ في فهمه ووصفه لهذه العلاقة وواهم في دعوته ، بل عليه أن يدعو الى الفصل بين الأختصاصات المؤسساتية في المؤسسات الاجتماعية ومساواة الجميع في الحقوق المجتمعية وعدم الربط بين الحق العام للفرد باختصاصة الاجتماعي الروحاني والمهني تجنباً للتجني على حقوق البعض على حساب حقوق البعض الآخرعملاً بالقول الشائع " كلمة حق يراد بها باطل " .
نعم للفصل بين الأختصاصات الروحية لرجل الدين وبين الأختصاصات السياسية لرجل السياسة تجنباً للأشكالات والتقاطعات في التنفييذ ... كلا لدعوات الفصل بين الدين والسياسة  لعدم موضوعيتها ، ولكن ولكون لكل  من الفكر الديني الروحاني  والفكر السياسي الوضعي بكل مدارسه أنصار وأتباع ومؤيدين في المجتمع لذا يتطلب الأمر من الجميع احترام قناعات ومعتقدات الجميع والتجنب عن فرض القناعات على الآخر بالطرق القسرية والعنفية تحت أية يافطة كانت وذلك للحفاظ على وحدة نسيج المجتمع ومنعه من التفكك والتمزق .


خوشــابا ســولاقا
بغداد 9 / آذار  / 2019


18
الارهاب هل هو فكر وثقافة أم هو سلوك يتسم  بالعنف الغريزي .. ؟؟
خوشايا سولاقا
" كل فكر يدعو الى التعصب والتطرف ويبشر بهما يفضي حتماً في النهاية الى ظهور فكر الارهاب الممنهج "
قبل الخوض في موضوع الأرهاب وتعريفه لمعرفة إن كان فكراً وثقافةً أم إن كان سلوكاً عنيفاً غريزياً ، لا بد من ضرورة تعريف مفهوم الأرهاب ، أي بمعنى أخر نقول بصغة سؤال ما هو الأرهاب .. ؟؟
بحسب وجهة نظرنا المتواضعة المستنبطة والمستمدة من نتائج العمل الذي يستوجب وصفه وتعريفه بالأرهاب نقول . أن أي عمل أو فعل او ممارسة  يؤدي بحياة الناس  والإضرار بحقوقهم ومصالحهم وممتلكاتهم ومصادرة إرادتهم وكبت حرياتهم وقمعهم باستعمال القوة القسرية المسلحة بكل أشكالها أو باستعمال القوة الفكرية واجبارهم على التخلي عن معتقداتهم الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية ومنعهم من ممارسة طقوسهم وتقاليدهم التي تجسد خصوصياتهم وانتماءاتهم على كافة المستويات الوطنية والقومية والدينية وحتى الحزبية السياسية والقبلية والعشائرية ، وكذلك أي فعل من شأنه أن يلحق الضرر بالأرث الحضاري التاريخي والثقافي الانساني يعتبر إرهاباً ممنهجاً ،
والديكتاتورية واستبدادية الدولة من خلال سلطة الأحزب الحاكمة والتجاوز على ممتلكات الدولة واستغلالها خلافاً للقانون وسرقة المال العام تدخل بهذا الشكل أو ذاك ضمن الأطار العام لمفهوم الأرهاب لأنها بالتالي تشكل الإضرار بحقوق ومصالح وممتلكات الآخرين وبحياتهم ، وكذلك فإن ممارسات قمع الأراء وكَبتْ الحريات وكم الأفواه ومصادرة الارادات والانفراد بالقرارات والأستبداد بالرأي والتصفيات بكل أشكالها داخل التنظيمات السياسية الحزبية  الشمولية تشكل نمطاً متقدماً من الأرهاب الفكري والجسدي
.
كل هذه الممارسات تشكل نمطاً إرهابياً معيناً تختلف مع بعضها البعض بهذا القدر أو ذاك فقط في وسائل التنفيذ ، ولكنها تلتقي بالنتائج المتحققة بموجب معايير تعريف مفهوم الأرهاب .
إن المختلف في الأمر في تصنيف مفهوم الأرهاب ومعاييره وتحديد المشمول به وتمييزه عن المستثني منه هي تلك القوى الدولية المتحكمة والمسيطرة على تحديد مفهوم الأرهاب وهويته بحسب ما تقتضيه مصالحها الحيوية التي تختلف من مكان الى آخر ، ولذلك نجد إن ما يصنف هنا عملاً إرهابياً بامتياز نجده هو ليس كذلك في مكانٍ آخر ، وإن تعريفنا هذا لا يعني إطلاقاً أن نشاطات التنظيمات المتطرفة والمتشددة للآسلام السياسي بكل مذاهبه ومدارسه من قبيل امثال القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها الكثير ليست تنظيمات إرهابية بل هي كذلك بامتياز من دون أدنى شك ، ولكنها ليست الوحيدة بل هناك الكثير من أنماط وأشكال النشاطات الأرهابية الغير المصنفة وفق المعايير السائدة والمعتمدة حالياً للأسباب التي ذكرناها ... إن إرهاب القاعدة وداعش وأخواتُهّن في الحقيقة هو نتاج للأرهاب السياسي الذي مارسته الدول الديكتاتورية الأستبدادية من خلال سلطات أحزابها القومية الفاشية التي بسياساتها القمعية المناوئة للديمقراطية منعت ولادة أنظمة ديمقراطية حقيقية من جهة ، وتركت الساحة خالية ومهيئة لولادة القاعدة وداعش الارهابيتين واخواتهن من جهة ثانية ، ونحن اليوم مع الأسف الشديد نحصد ما زرعوه هؤلاء الحكام الديكتاتوريين القوميين الفاشيين ، إن " القاعدة + داعش واخواتهن = نتيجة ديكتاتورية سلطة الأحزاب القومية الفاشية " ............
أيها القارئ الكريم هذا هو الأرهاب المتكامل بكل حلقاته وجوانبه المتداخلة الذي يتحتم علينا معرفته وليس فقط حصره في جانب واحد كما يريدونه المستفادين منه أن يكون من دون تسليطنا للضوء على الجوانب الأخرى الباعثة له .   
بعد هذه المقدمة التوضيحية لمفهوم الأرهاب وأشكاله وتنوعه نقول لقد  أثبتت البحوث والدراسات العلمية التي أجريت على سلوك جميع الكائنات الحية في الطبيعة بضمنها الانسان بأن سلوك العنف الغريزي يلتجأ إليه الكائن مضطراً في حالات ثلاثة ، وهي أولاً في حالة غريزة الدفاع عن النفس عندما يشعر الكائن الحي بوجود خطر ما يهدد حياته في محيطه الطبيعي ، وثانياً في حالة تلبية إشباع غريزة الجوع ، وثالثاً في حالة الدفاع عن المصالح ومنطقة النفوذ ، وهذه الحالة تعددت أشكالها وتنوعت أنماطها بتعدد وتنوع المصالح وبتعدد وتنوع الكائنات في البيئة الطبيعية المحيطة ، وبذلك تطورت أشكال وأنماط سلوكيات العنف المستعمل ، وكان الكائن البشري في مقدمة المبدعين والمتفننين في إختراع وصناعة أشكال وسائل العنف التي استعملها في الدفاع عن النفس وفي تلبية غريزة الجوع وفي الدفاع عن المصالح ومناطق النفوذ .
إن الوسائل التي ابتكرها واخترعها وصنعها واستعملها الانسان كانت في حالة تغير وتطور باستمرار باستثناء غيره من الكائنات الأخرى التي احتفظت بوسائلها كما كانت ، لتلبية حاجات صراعه المستمر مع الذات أي مع بني نوعه ومع الكائنات الأخرى ومع الطبيعة لتسخيرها لصالحه  لأشباع حاجاته الغريزية وغيرها من أجل البقاء والتفوق وفرض إرادة الأقوى طيلة تاريخه ، هكذا تشكلت أو تضمنت تلك الوسائل في مجموعتين أساسيتين ألا وهي : -
أولاً : مجموعة الوسائل الفكرية والعقائدية التي شكلت العصب الحيوي والعمود الفقري في بناء البنية الاجتماعية للمجتمع في تحديد شكل النظام الأقتصادي وأنماطه الانتاجية المختلفة لانتاج الخيرات المادية للمجتمع كبنية تحتية من حيث من يمتلك تلك الوسائل ومن يُشغلها ، وهنا انقسم المجتمع الى طبقات ونشأ الصراع الطبقي بينها من اجل التوصل الى نظام أكثر عدلاً وانصافاً في توزيع الخيرات المادية بين أبناء طبقات المجتمع بحسب الجهد المبذول ، ومن ثم إنتاج الحاجات المعنوية المتمثلة بالثقافة بكل أشكالها وتنوعاتها كبنية فوقية للمجتمع ، وإن الحاجة الى انتاج وصناعة الثقافة أدت الى نشوء الشرائح الاجتماعية المثقفة والتي أرتبطت مصالحها الأقتصادية بأحدى طبقات المجتمع المشاركة في عملية انتاج الخيرات المادية ، فبذلك انقسمت الثقافة بكل تنوعاتها  والتيارات الفكرية والتنظيمات السياسية في المجتمع بين مؤيد ومعارض لهذه الطبقة وتلك ، وبحكم هذا الواقع تكونت ثقافات وأفكار وأحزاب طبقية كل منها سعى لتبرير سلوك الطبقة التي يمثلها في الصراع الدائر في المجتمع بين طبقاته .
ثانياً : مجموعة الوسائل العسكرية الحربية ، هذه الوسائل التي تطورت أشكالها وأنماطها بشكل نمطي وبسرعة هائلة جداً مع بداية عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم ، في هذا العصر تطورت حاجة استمرار وديمومة حركة الصناعة الوليدة والمتصاعدة الى المزيد من مصادر المواد الخامة ومصادر الطاقة المحركة لماكنة الصناعة في البلدان الصناعية من جهة ، والى إيجاد أسواق جديدة لتصريف منتوجاتها الصنناعية من جهة ثانية ، لذلك بدأ عصر جديد بالظهور ، ألا وهو عصر الأحتلال والسيطرة على البلدان الأجنبية الأخرى ، أي عصر الأستعمار الكولونيالي  ، وهنا اشتد الصراع بين أقطاب البلدان الرأسمالية الصناعية تمخض الى نشوب حروب كثيرة دولية وأقليمية وعالمية مدمرة ومستهلكة للبشر وفي مقدمتها الحربين العالميتين الأولى والثانية والتي استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها منها السلاح النووي . صحيح إن اكتشاف وصناعة واستعمال سلاح الدمار الشامل والوقوف على نتائجه المدمرة لمستقبل البشرية وتعرضها للفناء الشامل قد وضع حداً للحروب العالمية الشاملة ، إلا أنه تم التعويض عنها بانتشار وتوسع الحروب المحلية  والأقليمية بالأسلحة التقليدية بشكل ملفت للنظر خلال الربع الأخير من القرن الماضي وبداية القرن الحالي حيث الغاية منها استمرار وديمومة صناعة الأسلحة في الدول المصنعة لها من جهة واستنزاف الموارد المالية للدول المنتجة للنفط  من جهة أخرى ، وذلك للمحافظة على التوازن الطبيعي بين دول الشمال الصناعية ودول الجنوب المستهلكة ، ومن جملة تلك الحروب الحرب على الأرهاب الذي صنعته الدول الرأسمالية الصناعية وتمارسة الدول المتخلفة المخدرة بثقافة التخلف النابعة من الموروث الثقافي التاريخي بكل تشكيلاته الاجتماعية والأقتصادية والفكرية والدينية لهذه المجتمعات .
إنطلاقاً من هذه المقدمة الفكرية التاريخية نستنتج أن الأرهاب كسلوك وممارسة ليس سلوك عنيف غريزي في كيان وطبيعة الانسان كما قد يتصور البعض بل هو نتاج فكر وثقافة موروث ينطلق الى ساحة العمل عندما يطلق له العنان ليأخذ دوره بشكله الذي نراه اليوم في ممارسات من باتوا يُعرفون بالتنظيمات الأرهابية المتطرفة اليوم عندما تتهيء وتنضج الظروف الموضوعية  وتتوفر الوسائل وتقتضي مصالح البعض من مصنعي الأرهاب لتسويق العنف الأرهابي البغيض ، وإن الأرهاب كسلوك عنيف غير موجود ولن يتواجد من دون وجود خلفية فكرية عقائدية تغذيه بكل مستلزماته تلك ، وعليه فإن السياسي الذكي والحاذق والمحنك المحصن بالقيم الوطنية والأخلاقية والانسانية يستطيع من خلال قراءته لواقع الحال على الأرض في منطقة الشرق الأوسط اليوم أن يرى بوضوح وجلاء ما هو الأرهاب وما هي خلفياته الفكرية والثقافية التاريخية ، ومن هو صانع الأرهاب الحقيقي ، ومن ينفذه ومن هم ضحاياه وما هو هدفه ومن هو المستفيد النهائي منه ؟؟ ، وعندها سوف يتوصل ببساطة ويُسر دون عناء الى الحلول الناجعة لاستئصال ظاهرة الأرهاب والعنف المجتمعي معاً . إن تشخيص المرض ومعرفة أسبابه يعني أكثر من نصف العلاج المطلوب هكذا يقول العقل السليم والمنطق القويم والنَصح الحكيم  .
إن محاربة ومكافحة الأرهاب سوف لا يأتي إطلاقاً من خلال الأكتفاء باستخدام القوة المسلحة والوسائل العنفية  لوحدهما أي مقابلة الشيء بالشيء ذاته وفق المنطق الأهوج للعسكر ولغتهم الوحيدة ، بل يأتي من خلال مقابلة الأفكار والثقافات المتخلفة بكل تنوعاتها بالأفكار والثقافات البديلة التي تؤمن بقبول الآخر المختلف والتعايش السلمي معه والأنفتاح على التنوعات الفكرية والثقافية في المجتمع الوطني والانساني على أساس الأنتماء للوطن والانسانية دون سواهما  .
  بحسب وجهة نظرنا المتواضعة هذه فإن الأرهاب هو ظاهرة فكرية وثقافية ذات جذور تاريخية اجتماعية ودينية وقومية ممتدة في أعماق المجتمع والتاريخ ، مما يتطلب الأمر من المرجعيات الدينية لكل الأديان والفقهاء وعلماء الدين بكل مذاهبهم ومدارسهم ، ومن النخب الثقافية والفكرية في المجتمع ، والمراكز التعليمية والتربوية والتثقيفية الرسمية وشبه الرسمية التابعة للدولة ، ومؤسسات المجتمع المدني ، والمراكز البحثية دراسة ظاهرة الأرهاب كظاهرة عصرية وليس كسلوك فردي أو جماعي فقط وأسبابها ومنطلقاتها الفكرية وخلفياتها الثقافية والعقائدية ودوافعها لأعادة النظر بثقافة وتربية الأجيال لبناء ثقافة جديدة قائمة على أسس فكرية تدعو الى المحبة والتآخي الوطني والإنساني بما لا يتفق مع ظاهرة الأرهاب كفكر وثقافة وسلوك ، وإلا فان ظاهرة الأرهاب سوف تستفحل وتقوى يوم بعد آخر وفي النهاية سوف يعجز المجتمع من التصدي لها وإيقافها عند حدها .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 18 / شباط / 2019



19
في التربية والثقافة السياسية
حول صلة الحزب بالجماهير
خوشــابا ســولاقا
إن أي حزب سياسي ذي طابع جماهيري بوصفة القوة الطليعية المنظمة الذي يسعى الى قيادة وتوجيه نضال الجماهير الشعبية في المجتمع أنه بحكم هذا الواقع باتَ يضطلع بمسؤولية كبيرة وعالية المستوى أمام جماهير الشعب التي اتخذ منها الساحة الفعلية لعمله النضالي الطبيعي في تحقيق تطلعاتها وطموحاتها التي أقرها في منهاجه السياسي وألزم نفسه بتحقيقها ، لذا يكون من واجب هذا الحزب ومن المفروض عليه أن يُأمن لنفسه قيادة من العناصر الكفوءة والمخلصة والنزيهة والمثقفة من ذوي الخبرة والحنكة السياسية وبمختلف المستويات التنظيمية والتثقيفية لقيادة العمل لكي يَتمكن من تحقيق أهدافه الأستراتيجية بصورة دقيقة وصحيحة بالأستناد على قاعدة موضوعية راسخة لا تتناقض مع مبادئه وتصوراته الفكرية ومنطلقاته النظرية .
من هنا فإن الواجب الملقي على عاتق الحزب بكل منظماته وعلى عاتق كل الكوادر الحزبية بدون إستثناء من القِمة الى أصغر عضو عامل في القاعدة تفرض عليهم جميعاً أن تتقن فن كل أشكال النضال وطرق العمل التنظيمي باستمرار لغرض توسيع وتعزيز وتوثيق الصلات والعلاقات مع الجماهير الشعبية في المجتمع بتواصل ومن دون إنقطاع لأدامة زخم الدعم الجماهير للحزب والتفافها حوله في نضاله ، وهنا تعتبر الصلة الدائمة والمستمرة بالجماهير مصدر أساسي مهم لديمومة قوة الحزب وعنفوانه وتجدده ومناعته في المواجهة والتصدي للتحديات المختلفة التي تواجهه  في مسيرته النضالية ، لذلك تعتبر حجم قوة دعم الجماهير الشعبية له معياراً لفعاليتة وقوته وقدرته على العطاء ، وهي في ذات الوقت أكبر قوة في المجتمع ، فالذي يكسبها الى جانبه يكسب النجاح والاستمرار في تحقيق أهدافه ، والذي يخسرها سيخسر كل أدوات القوة في الصراع والتحدي وبالتالي يخسر كل شيء .
من المبادئ الأساسية في التربية والثقافة الحزبية أن تكون ثقة الحزب ومناضليه بكل مستوياتهم قوية وعميقة وراسخة بقوى جماهير الشعب الخلاقة والمبدعة بكل شرائحه وفئآته وطبقاته الاجتماعية ، أي بمعنى آخر أن تكون للحزب من خلال تنظيماته السياسية والمهنية امتدادات عميقة الجذور وواسعة الشمول والانتشار في المجتمع وذلك من خلال إقامة الصلات والعلاقات القوية والراسخة مع مكونات المجتمع ، ومن خلال هذه الصلات والعلاقات يكون الحزب وثيق الصلة بالجماهير الشعبية وبوجودها يتحول الى قوة نضالية وكفاحية جبارة وفعالة في المجتمع لايمكن زعزعته وقهره أو حتى عرقلة مسيرته النضالية ، وخصوصاً إذا كانت أهداف وتطلعات الحزب متناغمة ومتناسقة مع نفس أهداف وتطلعات الجماهير الشعبية ، وهنا تكمن قوة الحزب في الأستمرار والديمومة والسير بثبات راسخ نحو أهدافه عندما يتمكن من إقناع الجماهير الشعبية بأنه على تواصل معها وقريبٌ منها من خلال إنجازاته العملية على أرض الواقع وأن أهدافه وتطلعاته هي ذاتها أهدافهم وتطلعاتهم من دون خداعهم وتضليلهم إعلامياً ، وعليه يتطلب يتطلب الأمر من الحزب الغوص عميقاً في منابع الأبداع الشعبي المتدفق لجعل من تلك المنابع مصدراً ملهماً له ومدافعاً عنيداً عن أهدافه ومبادئه وحارساً أميناً له في ذات الوقت .
من هنا تأتي أهمية بناء وتوطيد وتوثيق وتعزيز الصلات والعلاقات بين الحزب والجماهير ، ومن هنا تأتي أيضاً أهمية المبدأ الثابت الذي يجب ان يكون دائم الحضور في حياة الحزب السياسي ومناراً يسترشد به قيادييه وكوادره ، ألا وهو الحضور والوجود الدائمين مع الجماهير لتعزيز الروابط والدوافع التي تجذبها وتشدها بقوة إليه والأنخراط للعمل في صفوف منظماته . لذلك على الحزب أن يدعو كوادره القيادية وأعضائه وأنصاره وحتى أصدقائه وأن يطلب منهم بضرورة وحتمية التمسك بحزم وقوة بهذا المبدأ ، لأن القانون الأساس في أي حزب يقتضي بخدمة الجماهير الشعبية والسهر على تحقيق وتأمين الحاجات المادية والمعنوية لها ورفع من مستوى الوعي الحزبي لديهم وتطوير مستوى نشاطهم السياسي ، وكما ينبغي على الحزب أن يوجه كوادره العاملة من خلال سلوكهم وتصرفاتهم التقليدية في تعاطيهم مع الجماهير أن يَكّنوا إحتراماً عميقاً لأفكارهم وأرائهم ورغباتهم المطلبية المتجددة وأن يتمتعوا بسعة الصدر وبطول الصبر والأناة ، وعلى الحزب أن يعرف كيفية الأستفادة من التجربة النضالية التاريخية المتراكمة للجماهير الشعبية ، لأن الحزبي الذي لا يعرف كيف يستفيد من التجربة التاريخية للجماهير لا يساوي شيئاً في العمل الحزبي الجماهيري وفق معايير العمل السياسي المنضبط والرصين ، كما ينبغي ان لا يغيب عن ذاكرة المناضلين الحزبيين الحقيقيين أبداً أن العلاقات الوطيدة والراسخة التي تربط الحزب بالجماهير الشعبية تساعده لأن يُقَيّم بصورة موضوعية أفضل حاجاتها  ومصالحها وتطلعاتها ، وكما نؤكد على أن مناعة الحزب وقوته تكمن في صلاته وعلاقاته  المتينة مع الجماهير الشعبية والقائمة على أساس توفرالثقة المتبادلة بينهما ، وهنا يمكن أن نعطي تحديداً دقيقا وتعريفاً شاملاً لشكل العلاقة العضوية التي ينبغي أن تكون أو أن تؤسس وتنشأ بين الحزب والجماهير وكما يلي :-
" العيش في أعماق الجماهير بصورة دائمة ، محاولة معرفة عقليتهم ، محاولة معرفة كل شيء فيهم يخص حياتهم وطريقة تفكيرهم ، محاولة فهم مزاجهم وتطلعاتهم المستقبلية واهتماماتهم الآنية ، محاولة معرفة أساليب التعاطي والتعامل معهم واحترام خصوصياتهم ومعتقداتهم وتقاليدهم وطقوسهم الدينية والاجتماعية ، السعي الجاد لكسب ثقتهم المطلقة بأفكار ومبادئ وأهداف الحزب وولائهم له لكون الحزب منهم وإليهم " ، ولغرض وضع هذا المبدأ السامي في العمل الحزبي والحياة الحزبية موضع التطبيق العملي اليومي والتعايش معه ميدانياً ، على القادة الحزبيين بمختلف مستوياتهم في الهيكل التنظيمي أن يكونوا هم القدوة التي يقتدى بها ، وأن لا ينفصلوا عن الجماهير التي يقودونها ، وكما ينبغي على الطليعة الحزبية المناضلة ونخبها المتميزة في ضبطها وتضحياتها ونكران الذات أن لا تنفصل عن مجمل جيش العمل في الحياة الحزبية ، فالمطلوب إذن هو العيش في وسط وأعماق الجماهير ومعرفة عقليتها وفهمها ، وبالتالي معرفة كيفية العمل مع الناس والتعاطي معهم لكسب ثقتهم بمبادئ وأفكار وأهداف الحزب ، كما وينبغي أيضاً التعلم من الجماهير الشيء الكثير .. إن هذا النهج في العمل الحزبي المنضبط يجب أن يكون أحد أهم المبادئ الأساسية في سياسة الحزب الجماهيري ، وليس بامكان أحد كائن من يكون ومهما كانت قدراته الذاتية ومكانته القيادية في الحزب أن يقود الجماهير من الخارج ، أي من خارج وسطهم عن طريق إصدار الأوامر الفوقية إليها ، بل يمكنه ذلك عن طريق تقديم المثال النموذجي العملي لهم في الميدان بنشاطه الشخصي وتأثيره المعنوي وبقدرته على الأقناع وبقوة تنظيمه وحسه برصد توجه مزاج الجماهير ، حيث يجب على الحزبي المحترف أن يعطي من شخصه مثالاً حياً وانموذجاً عن القائد الملهم الحقيقي للجماهير من خلال تواجده الدائم في وسطهم ومشاركتهم همومهم وأحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية وإرتباطه العضوي بهم .
هنا نؤكد أن المرتكزات الأساسية التي يجب أن يرتكز عليها الحزب لتحقيق وتعزيز وتقوية صلاته وعلاقاته بالجماهير الشعبية هي المنظمات الجماهيرية والتربوية مثل النقابات المهنية ، إتحادات الشباب والطلبة والنساء ، الجمعيات الفلاحية والخيرية الأنسانية ، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني ، والمؤسسات الثقافية والأعلامية مثل الصحافة والأذاعة والتلفزيون والفضائيات والمواقع الألكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي من خلال شبكات الأنترنيت وغيرها من وسائل التواصل الحديثة التي وفرتها تكنولوجية المعلوماتية ، حيث تعتبر هذه الوسائل مجتمعة أحزمة النقل والتبادل والتواصل بين الحزب والجماهير في كل ما يتعلق بشؤون الحياة ، وعليه يعتبر العمل داخل هذه المنظمات والمؤسسات لأكتسابها الى جانب الحزب هو من أولى أولويات المناضلين الحزبيين ومن اهم واجباتهم ومهامهم النضالية ، وفي هدى هذه الرؤى النضالية في صفوف الجماهير تكتسب قضية أساليب ومبادئ قيادة الحزب للمنظمات المهنية والاجتماعية والثقافية والتربوية والأعلامية أهمية خاصة ذي بعد ثوري نابض بالحياة والحيوية ، لأنها تشكل الطريقة المثلى للتقرب من الجماهير الشعبية والعيش في وسطها عن قرب ومن ثم اكتسابها للانخراط في صفوف الحزب والارتباط المصيري به ، لأن الحزب من المفروض أن يكون قد تولى قيادة هذه المنظمات الجماهيرية وأصبح معلمها وموجهها في نضالها ، فهو الذي يرسم لها الخط السياسي الصحيح ويحدد المهام واتجاه النشاط العملي لها وينسق عملها ويمدها بالقوة عن طريق تزويدها بالملاكات الحزبية المقتدرة والواعية والمستوعبة لمبادئ ومهام وأهداف الحزب وللنظرية الفكرية التي يسترشد بها في عمله الفكري وكونه هو المعبر الحقيقي عن مصالح وطموحات وتطلعات الجماهير الشعبية بأسرها ، ومن حيث كون الحزب يمثل العقل المفكر الجمعي لها فهو بالتالي مؤهل وجدير بأن يوجه عمل كل هذه المنظمات وأن يسخرها ويضعها في خدمة تحقيق أهدافه الأستراتيجية التي يناضل من أجلها ، وأن لا يَدعها أن تتحول الى ما هو أشبه بأن تكون مؤسسات ومكاتب تجارية ذات ملكية خاصة تُسخر من قبل البعض من القياديين المتنفذين في قيادة الحزب لأجل تحقيق مصالح ومنافع شخصية أنانية على حساب مصلحة الحزب والقضية الأساسية التي يناضل من اجلها كما هو الحال مع الأسف الشديد وكما بات معروفاً للقاصي والداني في الأحزاب التي تدعي تمثيل أمتنا وقضيتها القومية اليوم ، بل على الحزب وقيادته ان تضع هذه المؤسسات في خدمة جماهيرها وقضيتها المركزية التي تدعى النضال من اجلها ، ومن المفروض بالقائمين على قيادة تنظيمات الحزب بكل مستوياتهم أن لا يكونوا إلا مجرد موظفين لدى الحزب يؤدون ما عليهم من الواجبات الحزبية وليس إلا .

   خوشــابا ســولاقا
بغداد –  31 / ك2 / 2019       
 

20
صراع الأستراتيجيات في الشرق الأوسط
لمن سوف تقرع الأجراس في النهاية.... ؟؟
خوشابا سولاقا
تشاهد الساحة السياسية لبلدان الشرق الأوسط اليوم صراعات سياسية في شكلها الظاهر واقتصادية وعِرقية - دينية مصيرية في جوهرها المخفي ، تشترك فيها قوى دولية كبرى متحكمة بالقرار الدولي ، ومنظمات ذات ايديولوجيات عنصرية دينية توجه تلك الصراعات وفق خطة مدروسة ومحكمة تهدف من وراء الستار الى تحقيق أهداف بعيدة ذات مضامين روحية تفضي بنتائجها النهائية الى تفكيك الخارطة الجيوسياسية الحالية لهذه المنطقة ، ومن ثم إعادة تركيبها وترتيبها بهكلية جديدة وفق ما ينسجم ويُلائم متطلبات المصلحة الأستراتيجية للقوى المتحكمة بالقرار الدولي بهيئة دويلات متناقضة في أهدافها ورؤآها ومتصارعة مع بعضها البعض للأسباب التي تنطلق من الخلفيات  العِرقية والدينية والمذهبية وغيرها من الخصوصيات الفرعية لهذه الدويلات على المصالح المتناقضة بحسب ما تقتضي تحقيق الأهداف الأستراتيجية البعيدة للقوى والأطراف المخططة لهذه الصراعات .
إن الأستراتيجيات الدولية والأقليمية المتصارعة على ساحة الشرق الأوسط اليوم هي :-
أولاً : إستراتيجية الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية
ثانياً: الإستراتيجية الأسرائلية بقيادة الحركة الصهيونية العالمية والمنظمات اليهودية
ثالثاً : الأستراتيجية الأيرانية الفارسية بقيادة النظام الأيراني الحالي ذات الطابع الديني المذهبي الراديكالي وذات الجوهر المخفي القومي الفارسي المدعومة من روسيا الأتحادية والصين بحكم تلاقي المصالح والمنافع في المنطقة
رابعاً : الأستراتيجية الغائبة عن الحضور في هذا الصراع المرير والمصيري هي إسترتيجية العرب .
                                      الطرف الأول من معادلة صراع الأستراتيجيات
إستراتيجية الدول الرأسمالية العالمية ، هي استراتيجية مصممة ومبنية على أساس ضمان السيطرة على مصادر الطاقة العالمية من النفط والغاز بأرخص الأسعار ولأطول فترة ممكنة ولحين ظهور المصدر البديل للطاقة التي تتحكم بمصير الصناعة والتكنولوجية ومصير الأقتصاد العالمي والموجودة بنسبة أكثر من 65 % منها في هذه المنطقة كأحد عناصر هذه الأستراتيجية وضمان الأمن القومي لدولة اسرائيل كعنصر آخر لها .
وانطلاقاً من هذه الرؤية لهذه الأستراتيجية لتحقيق أهدافها البعيدة والقريبة يتطلب الأمر استمرار بلدان هذه المنطقة في حالة من الفوضى وعدم الأستقرار باختلاق الصراعات والأقتتال العرقي والديني والمذهبي لأبعد مدى ممكن ، لأن في عدم حصول الأستقرار السياسي  واستتباب الأمن فيها يجعلها سهلة الأستغلال والأنقياد وصرف كل ما يأتيها من موارد مالية من بيع النفط والغاز لشراء الأسلحة لديمومة حروبها الداخلية على مستوى الدولة الواحدة أو حروبها الأقليمية فيما بينها على مستوى دول المنطقة لهذا السبب أو ذاك ، وبالتالي تخرج هذه الدول من هذا الصراع صفر اليدين وخزائنها خاوية كمن يخرج من المولد بلا حمص كما يقول المثل الشائع ، وبالتأكيد ولغرض ديمومة هذه الحالة من الفوضى واستمرارها في هذه البلدان لصالح إستراتيجية الدول الرأسمالية العالمية تكون تلك الأستراتيجية بحاجة ماسة الى توفر عنصرين أساسيين وهما الحلفاء والعملاء .
 تكون الحاجة للحلفاء وفق تشابه وتشارك وتلاقي المصالح الحيوية الأستراتيجية ، وهنا بحكم سيطرة الرأسمال اليهودي العالمي على المؤسسات المالية العالمية العملاقة والمؤسسات الأعلامية في العالم بشكل ملفت للنظر يكون الرأسمال اليهودي قد سيطر وفرض هيمنته على مراكز صنع القرار السياسي العالمي ، وبذلك تكون الأستراتيجية الأسرائيلية بقيادة الحركة الصهيونية العالمية ومنظماتها في موقع الحليف الطبيعي المؤهل والأجدر الذي تبحث عنه الأستراتيجية الرأسمالية العالمية للتحالف الأستراتيجي معه بحكم تلاقي المصالح المشتركة القريبة والبعيدة .
أما فيما يخص الحاجة الى تأمين عملاء للاستراتيجية الرأسمالية العالمية لخلق الأرضية المناسبة للأنطلاق منها في صراعها مع الخصم العنيد والمنافس الضعيف لأن تجعل منهم وقوداً لتلك الصراعات ليدفعوا الثمن بالنيابة عنها لأختزال خسائرها وتقليلها الى الحد الأدنى الممكن ، فإنها وجدت ذلك العنصر في تلك البلدان التي لا تمتلك استراتيجية معينة خاصة بها لخوض هذه الصراعات المفروضة عليها من قبل المتصارعين الكبار ، فكانت البلدان العربية المنتجة للنفط والغاز " مصدر الطاقة العالمي " هي من يناسبها هذا الدور باستحقاق وجدارة ، هكذا تَشكل الطرف الأول من معادلة صراع الأستراتيجيات في الشرق الأوسط المتمثل بأستراتيجية الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الأستراتيجية الأسرائلية بقيادة الحركة الصهيونية والمنظمات المنبثقة منها بكل تسمياتها المختلفة عبر العالم .
                             الطرف الثاني من معادلة صراع الأستراتيجيات
أما الطرف الثاني من المعادلة يتمثل في الأستراتيجية الأيرانية ذات الشكل الديني الأسلامي الشيعي الراديكالي ، وذات الجوهر القومي الفارسي التي تبتغي في النهاية الى بعث المشروع القومي الفارسي وإعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية التي بدأت بعهد كورش الكبير الذي أسقط بابل سنة 539 ق م وأمتدت لأكثر من ألفي وخمسمائة عاماً على كامل خارطة ما تعتبره أرضها التاريخية المدعومة من روسيا الأتحادية  والصين ، وهذا ما حدى ببعض كبار المسؤولين في النظام الأيراني قبل مدة من الزمن الى التصريح بأن المجال الحيوي لأمن إيران لا يتوقف عند حدودها الجغرافية القائمة حالياً بل يتعداها الى ما هو أبعد بكثير ، ومن ثم التصريح علانيةً بأن بغداد هي عاصمة الأمبراطورية الفارسية ، هذه التصريحات لم تكُن اعتباطية ولا عفوية ولا هي زلة لسان لأصحابها ، بل هي إشارات وتصريحات منطلقة من الرؤية الأستراتيجية لقراءة إيران لمستقبل المنطقة من جهة ، ولجص نبض ردود أفعال جيرانها العرب من جهة ثانية . الطرفان في معادلة صراع الاستراتيجيات في هذه المنطقة لرسم خارطة سياسية جديدة لمستقبله يلتقيان في قاسم مشترك واحد ألا وهو أدوات تحقيق وانجاز أهداف استراتيجياتهما والذي هو الأعتماد على ذلك الطرف الثالث المغلوب على أمره والذي لا يمتلك استراتيجية معينة خاصة به لأن يتعامل من خلالها مع هذا الصراع المصيري الذي يجري رحاه على أراضي بلدانه بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والديموغرافية بهدف اضعافه واستنزافه واستسلامه في النهاية لقدره بخضوعه في قراره السياسي لإرادة الآخرين من المتصارعين من طرفي معادلة صراع الأستراتيجيات في الشرق الأوسط ، وهذا الطرف هو العرب والأقليات القومية والدينية في المنطق  ، وتكون الضحية الكبرى وكبش الفداء للمنظمات المتطرفة للأكثرية العربية هي الأقليات القومية والدينية في المنطقة لكونها تختلف دينياً وقومياً مع الأكثرية القومية والدينية العربية من من جهة وكونها دينياً قريبة التماثل مع دين المتصارعين
لقد عمل التحالف الأستراتيجي الرأسمالي العالمي والأسرائيلي الصهيوني بكل جد وبكل ما أوتي من القوة بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية على تفكيك وتمزيق أواصر الوحدة والقوة بين شعوب البلدان العربية المنتجة للنفط والغاز وتمزيق نسيجها الاجتماعي ، واشاعة الفرقة والكراهية بين أبناء شعوبها بأوسع حدودها على خلفية الأختلافات المذهبية والقبلية والعشائرية والعِرقية معتمداً في ذلك على البنية الاجتماعية المتخلفة لشعوب البلدان العربية القائمة على هذا الأساس ، سائراً في ذلك وفق المبدأ الأستعماري السيء الصيت " فرق تسد " فحقق هذا التحالف نجاحاً كبيراً منقطع النظير في إعادة زرع الأحقاد والكراهية والضغينة بين شعوب البلدان العربية المنتجة للطاقة ، سواءً كان ذلك على مستوى بين المكونات المتعددة للبلد الواحد منها أو على مستوى بين شعوب البلدان المختلفة ، فخلق وصنع بذلك أدوات محترفة هدامة ومدمرة للحضارة والثقافة والقيم الانسانية المتمثلة في التنظيمات الدينية المذهبية المتطرفة والمتشددة والتي اتخذت من القتل والذبح وسيلة ولغة وحيدة لها للتعامل والتفاهم مع الآخرين من الذين يخالفونهم في الرأي ووجهة النظر من أمثال منظمات القاعدة وداعش والنصرة وأخواتهنَّ بالعشرات المنتشرة من المغرب العربي غرباً الى العراق شرقاً فعاثت في الأرض قتلاً وذبحاً ودماراً وخراباً وفساداً بكل أشكاله لم يشهد لها التاريخ مثيلاً لا في الماضي القريب ولا في الحاضر ، وأوصلت شعوب البلدان العربية المنتجة للطاقة الى أدنى مستوى من القوة الذاتية في مواجهة تحديات تنظيمات الأسلام السياسي الأرهابية التي فرضت سطوتها بقوة السلاح على الواقع بعد ظاهرة ما باتت تعرف بثورات الربيع العربي التي تحولت بالتالي بقدرة التطرف الأرهابي الى صيف شديد الحرارة وغزير الدماء .
هذا الواقع جعل القوى السياسية الوطنية المدنية في طبيعتها الفكرية والثقافية في هذه البلدان لأن تبحث عن من يستطيع مد يد العون لها لأنتشالها من هذا الواقع المزري والمرير لانقاذ ما يمكن إنقاذه ، فاختارت الأرتماء في أحضان الحلف العالمي القوي المدني الذي يدعي الأيمان بقيم الحرية والديمقراطية مقابل الخلاص من طغيان وظلم سرطان القوى الأرهابية المتطرفة ، وما يحصل في مصر وليبيا وسوريا والعراق واليمن اليوم خيرَ نموذج ودليل ومثال على ما نقوله .
                                  دور الأستراتيجية الأيرانية في الصراع
 أما على الطرف الآخر من معادلة صراع الأستراتيجيات في دول الشرق الأوسط ، أي الطرف الأيراني ، عملت إيران وسعت في بناء استراتيجيتها القومية الفارسية البعيدة المدى على عنصر استثمار المذهب الشيعي مستغلة في ذلك شوفينية الأنظمة القومية العربية - الطائفية السنية وظلمها للطائفة الشيعية في جوانب كثيرة في البلدان العربية التي تتواجد فيها الطائفة الشعية مثل السعودية والبحرين وقطر والكويت واليمن والعراق وسوريا ولبنان ، عملت على طول الخط على كسب موالاة وتأييد هذه الطائفة لدعم استراتيجيتها بغطائها المذهبي على حساب اخفائها للجوهر القومي الفارسي لها ، تحت ستار هذه الأستراتيجية ، بدأت ايران تتمدد بنفوذها السياسي في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ودخلت في صراع غير متكافيء على المدى البعيد مع الأستراتيجية الرأسمالية العالمية الأسرائيلية بقيادة أمريكا ، وبدأت تساومهما على ملف آخر أكثر أهمية لأمريكا واسرائيل مقابل غض النظر من قبل أمريكا عن هذا التمدد الأيراني في البلدان المذكورة على الأقل على المدى القريب وعندها سيكون لكل حادث حديث ولكل لعبة قواعدها تطرحها الظروف الموضوعية العالمية والظروف الذاتية لللاعبين الأساسيين الكبار ، وهذا الملف الحساس والمهم هو الملف النووي الذي يشكل تهديداًخطيراً على الأمن الأسرائيلي .
             الملف النووي الأيراني والولايات المتحدة واسرائيل والعرب
لقد سبق وإن قلنا بأن الأستراتيجية الراسمالية الأمريكية تهدف من هذا الصراع تحقيق هدفين أساسيين وهما ضمان السيطرة على مصادر الطاقة في المنطقة وضمان الأمن القومي الأسرائيلي من مخاطر امتلاك النظام الأسلامي الراديكالي في إيران للتكنولوجية النووية تمكنه بالتالي من امتلاك السلاح النووي الذي يشكل خطراً كبيراً على هذين الهدفين .
لقد بات هذا الملف الذي تهول له كل من أمريكا واسرائيل يشكل محوراً للمساومة عليه بين إيران وحلفائها من جهة وبين الولايات المتحدة وحلفائها بالتنسيق مع اسرائيل في مفاوضاتها الماروثونية التي طال أمدها من جهة ثانية ، وباعتقادنا الشخصي قد لعبت ايران دورها بذكاء ودهاء على عامل الزمن والنفس الطويل لكسب الوقت لصالحها ومراوغة الدول الغربية الأوروبية المفاوضة لها لأجبارها على تقديم أكبر قدر من التنازلات المتقابلة ، وحققت في ذلك نجاحاً كبيراً في هذا المجال .
إن تخوف أمريكا من هواجس قيام اسرائيل باقحامها في حرب شاملة مع إيران التي تهدد بها من خلال قيامها بتوجيه ضربة عسكرية وقائية صاعقة على المنشآت النووية الأيرانية إذا لم يتم وضع حد للنشاطات الأيرانية النووية بالطرق السلمية ، وإذا فعلت اسرائيل ذلك عندها حتماً سترد ايران بما تمتلكه من قدرات عسكرية بالستية تقليدية بضرب مصادر الطاقة في الخليج العربي واشعال النار في المنطقة بكاملها من جهة وتقوم بضرب عمق اسرائيل من جهة ثانية ، وهذا الواقع سيضع أمريكا وحلفائها الغربيين مرغمين أمام خيار صعب ووحيد لا بديل له ألا وهو شن الحرب الشاملة ضد ايران وعندها سوف تضع العالم على شفير اندلاع حرب عالمية ثالثة لا تُحمد عقباها .
كل هذه الهواجس ولأحتمالات  دفعت  بأمريكا وحلفائها على قبول التفاوض المباشر ولو على مضض كأفضل خيار مع النظام الأيراني الأسلامي الراديكالي ، وهذا الخيار كان الحل الوسطي الأمثل والممكن الذي من خلاله سعت أمريكا وحلفائها على تأجيل محاولات ومساعي النظام الأيراني لأمتلاك القنبلة الذرية على الأقل الى حين ، ومنع اسرائيل من ارتكاب أية حماقة تضع العالم على شفير الحرب الكونية الثالثة وتهدد مصير البشرية بالفناء الشامل .
بناءً على هذه المعطيات على أرض الواقع خُلقت قناعة مشتركة لدى طرفي معادلة صراع الأستراتيجيات في المنطقة على قبول المساومات وتبادل التنازلات المتقابلة من أجل حسم الحوار بالتوصل الى حل وسطي سلمي يرضي الطرفين على حساب مصالح طرف ثالث والذي هو العرب والأقليات القومية والدينية في المنطقة ، فقبلت أمريكا بالتخلي عن دورها ونفوذها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن لأيران مقابل قبول إيران بضمان أمريكا وحلفائها لأمن مصادر الطاقة في الخليج وضمان الأمن القومي لدولة اسرائيل من خلال  تحجيم نشاطات إيران النووية وإخضاع كافة منشآتها النووية للمراقبة والتفتيش الدوليين وفق برامج متطورة تمنع ايران من التحايل عليها والخروج من سيطرتها .
كان الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم العرب بسنتهم وشيعتهم والأقليات القومية والدينية الأخرى التي تعرضت أبنائها الى أبشع أشكال الجرائم من القتل والذبح والتهجير القسري من مناطق سكناهم وتعرضهم الى عمليات التطهير الديني والعرقي وفقدوا كل ممتلكاتهم كما حصل للمسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين والتركمان والكورد والأيزيديين والصابئة المندائيين والشبك والأرمن في كل من العراق وسوريا على يد داعش الأرهابية وشريكاتها التي هي من صنع وانتاج أمريكا واسرائيل من دون أن يرف للدول الرأسمالية والصهيونية العالمية واسرائيل جفنٌ ومن دون أن تذرف عيونهم دمعة .
إن البلدان العربية في الحقيقة والواقع هي من تمتلك أكبر قوة في العالم لو أحسنت استغلالها ألا وهي القوة الأقتصادية المعتمدة على ثروة النفط والغاز الطبيعي ، إلا أن سياسييها الجهلة لا يجيدون اللعبة السياسية في عملية حسابات الربح والخسارة ، وإنهم لا يجيدون كذلك اللعب في المنطقة الرمادية بين الأبيض والأسود من ساحة اللعب ، وليس لهم خيار وسطي بين اللونين ، ولا يجيدون قواعد السياسة البراغماتية للتراجعات والتنازلات عن المواقف عندما تقتضي الضرورة ذلك ، وعليه نستطيع القول جازمين على ضوء المعطيات المادية الموجودة على أرض الواقع في الشرق الأوسط أن اجراس الفوز قَرعتْ في نهاية المطاف لصالح كل من إيران واسرائيل وأمريكا وأوروبا على حساب العرب والأقليات القومية والدينية في صراع الأستراتيجيات هذا !!!! . هنا من حقنا أن نتساءل هل سيكون رد التحالف العربي الحديث الولادة بعد مخاض طويل وعسير دام عقود من الزمن المتمثل في عمليات " عاصفة الحزم " ضد التدخل الأيراني في شؤون العرب درساً مهذبا لأيران ويكون ذلك بمثابة جرَّة أذن لها لتعرف حدودها أين يجب أن تنتهي ؟؟ ، وهل سيكون قرار العرب في مؤتمر القِمة العربية الآخير في شرم الشيخ المصرية بخصوص  تشكيل " القوة العربية المشتركة " تلك القشة التي سوف تقصم ظهر البعير العربي ؟ وأن ينقض قرار العرب التاريخي في أن العرب قد اتفقوا دائماً على أن لا يتفقوا ؟؟ ويدخلون الى عصر جديد ليعمل العالم لهم ألف حساب باعتبارهم أصحاب القوة الأقتصادية الأعظم في العالم اليوم ؟؟ . . هل سيشكل ذلك بداية لعصر عربي جديد مختلف ؟؟ .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 11 / ك2 / 2019 م



21
مأزق العراق وكيف الخروج منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
ما هي أسباب المأزق ... ؟؟
إن الأحداث الدراماتيكية التي حصلت في العراق في العاشر من حزيران من عام 2014 م وما تلاها من أحداث تكاد لا تصدق من عاقل ومدرك وكانت أحداث بمثابة زلزال هز أركان الدولة العراقية الهشة أصلاً وهدد وجودها في الصميم بعواقب وخيمة أقلها التهديد بالتقسيم الى أقاليم وربما الى دويلات طائفية وأثنية كل بحسب مقاسه وخصوصياته متناسين إنتمائهم الوطني العراقي ، وكانت كالبركان الثائر فجر قلب العراق النابض بالحياة والذي أدماه أقزام السياسة الذين لا يجيدون من فن السياسية غير المشاكسة البليدة الغير المنتجة للخير وتقسيم الغنائم والمناصب بين من لا يستحقوها ، وصار حال العراق كحال ذلك الشهيد اليتيم المجهول الذي لا يوجد من يرثيه ويبكيه ويواري جثمانه الثرى ، كل ذلك حصل في ظل عجز المتمسكين بسلطة الدولة لردع العابثين بأمنها وبأمن المواطن لأن ذلك ليس ضمن برامجهم التي يستقتلون من أجلها ليلاً ونهاراً ، بالتأكيد إن هذا الوضع المستجد في العراق الذي غابت فيه ملامح الهوية الوطنية سوف يلقي بظلاله القاتمة والمحزنة والمؤلمة على حالة الوضع العراقي وتركيبته الأجتماعية بجبال من الأحقاد والكراهية ورفض قبول الآخر بين مكوناته المذهبية والقومية والدينية للتعايش السلمي المشترك معاً بأمان وسلام على أساس الأنتماء الوطني ، ويعمق من حدة النزعات التناحرية وتعلوا الأصوات النشاز المنادية بالدعوة الى الأنفصال وتشكيل كيانات قومية وطائفية مذهبية  والتي لاحت بوادرها في الأفق بدعوة الأخوة الكورد الى إجراء الأستفتاء في 25 أيلول سنة 2017 م لإعلان إنفصال الأقليم وإعلان إستقلال كوردستان عن جسم العراق وقيام الدولة الكوردية المستقلة ، وربما سيلحق ذلك مستقبلاً إذا تطورت الأحداث على وتيرة ما هي عليه الآن الى قيام دولة سنية لعرب السنة ، وأخرى شيعية لعرب الشيعة ، ورابعة قومية للأخوة التركمان ، وربما دولة خامسة لما تبقى في العراق من المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين وهم أحق من غيرهم بأن تكون لهم دولة على أرضهم باعتبارهم سكان العراق الأصليين تاريخياً ، ويكون ذلك حقاً مشروعاً في ظل هذا الواقع ، وربما يطالب الأخوة الأيزديين أيضاً بحق تقرير المصير بشكل ما ويكون ذلك من حقهم الطبيعي في ظل غياب حكومة قادرة على حمايتهم كما هو حال غيرهم من مكونات الشعب العراقي الأصلاء . وبعد هذه الأوضاع الغريبة والعجيبة سوف تعم العراق الفوضى وغياب الأمن والآمان ، وتسود ثقافة القتل على الهوية والثأر والأنتقام المتبادل التي زرعت بذورها سياسات الحكومات القومية الشوفينية في السابق وعمقتها بشكل واسع ومقرف سياسات الحكومات القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية المقيتة التي توالت على حكم العراق بعد سقوط  نظام صدام حسين في عام  2003 م ، وتركت هذه السياسات الحمقاء على أرض الواقع العراقي أثاراً سلبية لا يمكن محوها لعشرات السنين من الزمان .
كل هذا هو ما حصل في العراق فترة خمسة عشر عاماً الأخيرة واصبح واقعاً معاشاً ويعاني منه ومن تداعياته الكارثية المواطن العراقي في كل لحظة من حياته اليومية أشد المعاناة ، ولكن في الحقيقة ليس هذا هو المهم في الأمر ، بل إن ألأهم منه هو هل أن ما حصل كان بفعل عوامل داخلية وطنية بحتة ؟ ، أم كان بفعل عوامل أجندات خارجية لدول الأقليم والدول الكبرى المهيمنة على صنع القرار السياسي الكوني ؟؟ ، أم بفعل العوامل الخارجية ودعم العوامل الداخلية الوطنية ؟ لأن يكون العراق وغيره من البلدان التي لا تمتلك قرارها الوطني المستقل مثل سوريا ولبنان وليبيا واليمن وغيرها من بلدان الربيع العربي الضحية وكبش الفداء لمخططات تلك الأجندات الدخيلة والمشبوهة لأعادة رسم الخارطة السياسية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد ليؤدي بالنتيجة الى تقسيم المُقسم وتجزئة المُجزء الى دويلات أثنية وطائفية تسودها سياسة الثأر والأنتقام والقتل على الهوية القومية والدينية والطائفية يكون فيها  الخاسر الأكبر أبناء الأقليات القومية والدينية بالدرجة الأساس وشعوب المنطقة ، والرابح الأكبر فيها سيكون الأجنبي القوي القابع وراء حدود الأقليم وشركائه الأقليميين والعملاء في حكومات تلك الدول ؟.
بالتأكيد هناك عوامل خارجية والمتمثلة بأجندات سياسية لدول الجوار العراقي والقوى الدولية المهيمنة على القرار الكوني التي تقتضي مصالحها الأستراتيجية الحيوية لأن يحصل ما حصل في العراق وأن يستمر على هذا المنوال الى أبعد مدى ممكن ، إضافة الى وجود عوامل داخلية المتمثلة بتلك الأجندات السياسية الفئوية والشخصية التي إرتبطت مصالحها بمصالح القوي الأجنبية والأقليمية الطامعة بخيرات العراق الوفيرة وإرتضت لنفسها أن تكون أداة طيعة بيد الأجنبي والغرباء الطامعين وأن تكون خادمة لأجنداتها السياسية والأقتصادية وتشاركها في سرقة ونهب أموال العراق على حساب الأمعان في إفقار الشعب العراقي وإذلاله في لقمة عيشه وأن تزيد من بؤسه وشقائه ومعاناته يوم بعد آخر حيث تعددت وتوسعت وشملت كل مناحي الحياة العراقية ، وقد تجلى ذلك بأوضح الصور في حجم الفساد المالي والأداري المستشري في مفاصل كل مؤسسات الدولة والتطاول الفض من قبل كبار مسؤولي الدولة وزبانيتهم من القطط السمان على المال العام وتحويلة الى خارج الوطن بدلاً من أن يستثمر في الداخل في إعادة بناء البنى التحتية للأقتصاد الوطني كما هو حال سراق المال العام في أقليم كوردستان والتي هي نقطة إيجابية تسجل لصالح سراق المال العام في حكومة أقليم كوردستان ، لو كان الأمر كذلك لأصبحت حالة بغداد مثل حالة أربيل وليس لأن تكون مماثلة لحالة أية قرية عراقية في زمن مدحت باشا رحمه الله الوالي العثماني في بغداد . !!!!
كيف الخروخ من المأزق  ... ؟؟
لقد تراكمت سلبيات الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق بعد عام 2003 م بفعل سياسات الأقصاء والتهميش والتمييز القومي والديني والطائفي بشكل خاص والتطبيق الأنتقائي لقانون المساءلة والعدالة بحق البعض دون البعض الآخر ، وسعي الحكومات المتوالية الى تحميل البعض مسؤولية ما قامت بة الحكومة الديكتاتورية السابقة من ممارسات مقيتة بحق الشعب العراقي ، مما عمقت من ثقافة الثأر والأنتقام بين مكونات الشعب العراقي .
هذه السياسات العقيمة والسقيمة الحمقاء هيئة الأرضية المناسبة والظروف الموضوعية الملائمة والأرض الخصبة وانضجت الظروف الذاتية والموضوعية لمن شملتهم هذه السياسات لأن تُعلن تمردها  على هذا الواقع أالمزري ودفعتها بحكم تلاقي الأهداف بمعاداة النظام القائم لأن تتحالف مع قوى الشر والأرهاب المتمثلة بالقاعدة وداعش وغيرها لأن تعلن ثورتها على النظام باعتماد كل السبل المتاحة .
إن ممارسات الحكومات التي توالت على العراق الغير متزنة وغير الحكيمة وغير الرصينة والمبنية على ردود أفعال غير محسوبة النتائج والتي لا تتسم بروح المشاركة الوطنية الحقيقية في صنع القرار الوطني ، واعتماد نهج سياسة الثأر والأنتقام وفقدان الثقة الراسخة بالشركاء في الوطن ، وعدم استجابتها للمطالب المشروعة لسكان المناطق التي لم تكُن تسيطر عليها الحكومة الأتحادية في أقليم كوردستان والمحافظات السنية وحتى بعض المحافظات الشيعية في الفرات الأوسط والجنوب هي التي كانت السبب التي أوصلت الأمور الى ما وصلت إليه اليوم الى هذه الدرجة من السوء والتي غدت تهدد مصير وحدة البلاد الجغرافية ، وهي التي جعلت الحكومات المتعاقبة في وادٍ والآخرين في وادٍ ِ آخر والجميع في حالة من الهيجان من المناكفات والمشاكسات وتبادل التهم في الفراغ تاركة العصابات الأرهابية المسلحة لتلعب لوحدها في الساحة كما تشاء وكما يحلو لها وتَمسُك بزمام المبادرة كما تنقله لنا الأحداث على الأرض وليس كما تنقله وسائل إعلام الطرفين بحيث أصبح عبور الخالص وسامراء وغرب بغداد لا يمكن للمواطن العراقي العادي عبورها نحو الشمال والغرب ، أين أصبحت السيادة الوطنية التي تقنع المواطن بوحدة العراق أرضاً وشعباً ؟؟ .
ليس بمقدور القاعدة وداعش وغيرهما من المنظمات الأرهابية ان تجد لنفسها موطئ قدم وتؤسس لحضور مؤثر وفعال بأبسط أشكاله ، وليس بمقدور الكورد وغيرهم من المكونات ان تجد من الأسباب والمبررات لنفسها لأن تطالب بالأستقلال والأنفصال عن جسم العراق إذا كان هناك في بغداد العاصمة حكومة وطنية تؤمن بالشراكة الوطنية الحقيقية وعادلة مؤمنة بالوطن لا تميز بين مواطنيها على أساس العِرق والدين والمذهب ، وتستند على الدستور والقانون في منح الحقوق وتوزيع الواجبات بين أبناء الوطن الواحد ، وبناء توازن وطني في توزيع المهام بين مكوناته ورفض المحاصصة بكل أشكالها وإعتماد مبدأ الولاء الوطني والهوية الوطنية . عندها سوف تنتهي داعش وتتبخر من أرض العراق في لمحة بصر دون الحاجة الى إراقة دماء الأبرياء (( ولد الخايبة )) وحرق المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وذمم ضعاف النفوس ، داعش وبكل التداعيات التي لحقت بالعراق بعد العاشر من حزيران هي النتيجة الحتمية للسياسات غير المتزنة وغير المدروسة نتائجها وعواقبها الوخيمة التي أدخلت البلاد الى نفق الحرب الأهلية الطائفية التي لم تنتهي لحد الآن ولا نعرف مداها ، وعليه نرى أن معالجة هذه النتيجة وإستئصالها من أرض العراق يأتي حتماً من خلال معالجة واستئصال الأسباب المنتجة لها . يا أيها السادة السياسيين الذين يستقتلون على الكراسي والمناصب الخائبة والخالية ممن يستحقونها من أشخاص يجيدون فن إدارة الدولة وحقن دماء أبناء الوطن وحماية أموال الشعب من النهب والسرقة والبذخ غير المجدي وغير المبرر كما هو عليه الحال اليوم . نقول للجميع محبة بالعراق وبعوائلكم التي من نتائج أفعالكم براء عودوا الى رشدكم وسلموا السفينة الى من تجدونه من بينكم كفوء ومخلص ونزيه يجيد قياتها ويتمكن من إيصالها الى بر الأمان بسلام ، فذلك يكون خير لكم وللعراق وللعراقيين الذين عانوا الكثير من المصائب والمهانة والتشرد في بلدان الغربة ومذلتها تاركين لكم نافذة ولو صغيرة تطل على مسرح التاريخ المُشرف لتذكرون بها بخير من الأجيال التي يورثون أرض العراق من بعدكم ، اتركوا لكم أثر وذكر طيب بعد رحيلكم .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 5 / ك2 / 2019 م

22
الكتابة الرصينة وثقافة الشَتيمة
خوشابا سولاقا
إن القارئ اللبيب والمتتبع الدقيق لما يكتب وينشر في هذا الموقع الكريم عينكاوه كوم وفي غيره من ألمواقع الألكترونية الخاصة بأبناء امتنا من كل مكوناتها بكل تسمياتها الجميلة من كلدان وسُريان وآشوريين من مقالات ومداخلات وتعقيبات وردود وما يدور من خلالها من حوارات وسِجالات إيجابية منها وسلبية ، وبالأخص ما يتعلق منها بتاريخنا وتراثنا وتسمياتنا القومية المتداولة حالياً ومذاهبنا اللاهوتية الكنسية المعتمدة سوف يجد الكثير من ملامح " ثقافة الشتيمة " المهذبة منها وغير المهذبة ، وقد تصل في بعض الأحيان عند البعض من الأخوة الكتاب مع شديد الأسف وبالأخص من يكتبون بأسماء مستعارة الى مستوى الشتيمة البينة والواضحة باستعمال مفردات نابية لا تليق بالكتابة المهذبة والرصينة ، وحتى لا تليق بقدسية القلم وبالكاتب الذي يحترم قلمه وفكره  والذي من المفروض به أن يكون مثقفاً ومهذباً قبل أن يكون كاتباً مرموقاً ومبدعاً ، لأن الأبداع في ظل غياب الرصانة والكياسة الأدبية والأحترام للذات وللغير وللكتابة ذاتها لا يساوي شيئاً بمعايير الأخلاق والثقافة .
هذا الواقع تلمسناهُ ونتلمسهُ شخصياً لمس اليد وعانينا منه في الكثير من الكتابات التي تم نشرها على صفحات هذا الموقع الكريم .
هذا الموقع بحسب وجهة نظرنا الشخصية يُمثل بحق منبراً حراً للحوار الديمقراطي لمثقفينا ومفكرينا وكتابنا لتناول كل قضايانا الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية ، وهو يمثل أيضاً خير تمثيل الحركة الثقافية لأمتنا ووطنا بجدارة من خلال مشاركة الكثيرين من الكُتاب والمثقفين والمفكرين المعروفين والمرموقين واللامعين من كل أبناء مكونات شعبنا العراقي في الداخل الخارج ، هذا التنوع الرائع الذي لا نجد له مثيلاً في غيره من المواقع الألكترونية لهو فخر لنا جميعاً لذلك نقول ومن دون تحفظ يتوجب علينا نحن الكتاب جميعاً أن نلتزم بقواعد وأخلاقيات وأصول الكتابة الرصينة وننبذ نهج وأسلوب " ثقافة الشتيمة " للتعبير عن أفكارنا وأرائنا ورؤآنا ، وبالأخص أصحاب تلك الكتابات المسيئة التي تتسرب في ظلام الليل من هذا الجحر أوذاك من بعض المنقبين والملثمين ومن وعاظ السلاطين من أبواق هذا التنظيم السياسي أو ذاك هنا وهناك بين حين وآخر .
لذلك يتوجب علينا ككتاب ورواد وإدارة الموقع ان نجد طريقة لحجب مثل تلك الكتابات التي تسيء الى ثقافتنا القومية والوطنية والانسانية وخلق ثقافة قبول الآخر والتعايش السلمي معه وإحترام الرأي والرأي الآخر وصيانة نُبل وتسامى الكتابة التي تخدم الثقافة القومية الوطنية للجميع .
هذا هو كل ما دفعنا الى كتابة هذا المقال وتحت هذا العنوان الذي يبدو غريباً نوعاً ما للبعض ، ولكنه من وجهة نظرنا المتواضعة يُعبر عن حقيقة ما يجري فعلاً وبشكل ملفت للنظر في ممارسة مهنة ثقافة الشتيمة والاساءة المبتذلة المباشرة أحياناً وغير المباشرة في أحياناً أخرى .
إن مانتفق عليه جميعاً نحن " الكلدان والسُريان والآشوريين " على الأقل مبدئياً أو شكلياً اليوم هو كوننا جميعاً أبناء أمة واحدة وشعب واحد له من الخصوصية القومية ما لغيره من الشركاء في الوطن ، ودليلنا على ذلك تجمعنا الكثير من المشتركات كما هو حال غيرنا من الشركاء ، بما في ذلك رابطة اللغة الواحدة بأبجدية واحدة ، ورابطة الثقافة القومية المشتركة والتراث التاريخي الموحد امتداداً من تاريخ حضارة سومر وأكد ، أكد سرجون الأكدي مروراً بحضارة بابل العظيمة بابل حمورابي ونبوخذنصر وإنتهاءً بحضارة آشور ونينوى التي أذهلت العالم في العصر الحديث بتراثها الفني والمعماري والحضاري وختاماً بحضارة كنيسة المشرق المسيحية قبل تفكيكها من قبل الغرباء القادمين من وراء البحار والمحيطات من العالم الآخر مبتغين شراً بها وبتراثها العظيم ، ورابطة الجغرافية الواحدة والمصير المشترك وأخيراً رابطة الدين الواحد ، وحتى الى عهد قريب جداً رابطة الكنيسة الواحدة بمذهب واحد ، كنيسة المشرق الجاثاليقية الرسولية الموحدة ، حيث كنا نتزاوج ونتصاهر مع بعضنا البعض من دون أية مشاكل وفوارق تعيق ذلك التمازج والتكامل الثقافي والاجتماعي بين أبناء الأمة الواحدة ، وكذلك هناك في ذات الوقت ما نختلف به عن بعضنا البعض والذي هو من صنع الغرباء مثل المذهب الكنسي اللاهوتي ، وما ظهر بيننا أخيراً من اختلافات حول التسمية القومية الموحدة لكل مكوناتنا بالرغم من ان تلك التسميات التي نتسمى بها اليوم والمطروحة في ساحتنا السياسية حالياً هي تسميات تاريخية عريقة وجميلة منبثقة من صميم تراثنا التاريخي نَعتز ونفتخر بها ، وورد ذكرها منذ آلاف السنين على أرض بيث نهرين المقدسة ، وجميعها تركت بصمات كبيرة على تراثنا التاريخي القديم والحديث والمعاصر .
عليه فإن ما موجود بيننا حالياً من اختلافات في الرؤى والأفكار والقناعات والأراء حول جزئيات تفصيلية معينة من تراثنا وتاريخنا وثقافتنا النهرينية ومسيحيتنا المشرقية فرضتها الظروف القاهرة علينا بعد أن تَدخل الغرباء في شؤوننا الكنسية لغرض تفرقتنا وتشرذمتنا وتمزيقنا بغرض القضاء على إيماننا المسيحي المشرقي هو مجرد إختلاف وليس عداء وتناحر مستديم ، أي بمعنى إن ما موجود بيننا اليوم من أسباب الخصام والتنافر هو إختلافات في الرؤى والفكر والرأي والقناعات وليس عداءً تاريخياً سرمدياً كما قد يتصور البعض من المتعصبين والمتطرفين للمذهب اللاهوتي وللتسمية القومية بعينها من كل مكوناتنا لا حل لها ولا خيار أمامنا للخروج منها بسلام ، لأنه في الحقيقة إن ما نختلف عليه اليوم يجوز أن نتفق عليه غداً إذا صدقت وصفت النوايا ، وإذا قرأنا التاريخ بوعي وعقل مفتوح ومتسامح بعيداً عن التعصب والتطرف طالما لدينا الوعي والشعور بالأنتماء الى أمة واحدة ، وإن ما يجمعنا من المشتركات بلغة العصر هي أكثر مما يجعلنا على اختلاف وخلاف دائم ، ولكن في كل الأحوال يجب أن لا نترك الأمور لأن تسير بنا من سيء الى الأسوأ الى أن تصل الأختلافات بيننا في الرؤى والأفكار والقناعات الى مستوى العداء والتناحر ، حتى بين أكثر العناصر تعصباً وتطرفاً لخصوصياتهم المذهبية اللاهوتية وتسمياتهم القومية ، وهذا ما نرجوه من كل كتابنا ومثقفينا النجباء لكي ننجو من الأنقراض في متاهات المهاجر ونصل الى شواطئ بر الأمان في أرض الأباء والأجداد " بيث نهرين – ميسوبوتيميا " .
 ليس من المهم اليوم ونحن على هذا الحال من التشرذم  والتمزق والخلاف ماذا نسمي أنفسنا قومياً " كلدان ، سُريان ، آشوريين " ، بل الأهم من ذلك كله هو نحن جميعاً نشعر كوننا أبناء أمة واحدة اي كانت تسميتها من تلك التسميات التاريخية الجميلة
، ونتكلم بلغة واحدة ونستعمل نفس الأبجدية في الكتابة بها ، ولنا نفس التراث والثقافة والعادات والتقاليد النهرينية الموروثة لنا من عهود امبراطورياتنا القديمة التي أسست أولى الحضارات الأنسانية في التاريخ ، وتركت بصماتها الكبيرة على التراث الإنساني العالمي تحت أي مُسمٍىً كان " كلداني ، سرياني ، آشوري " هذا قبل المسيحية ، أما بعد المسيحية فتراثنا المشرقي لكنيستنا المشرقية الذي انتشر بلغتنا السورث " الكلدانية ، السريانية ، الآشورية " من بحر الصين شرقاً والى شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً فهو الآخر كان أعظمُ شأناً وتأثيراً في حياة البشرية جمعاء من تراثنا ما قبل المسيحية .
يكفينا اليوم أيها الأخوة المختلفين في رؤآنا وقناعاتنا وأفكارنا وأرائنا كوننا الورثة الشرعيين لذلك التراث العظيم ولذلك التاريخ المجيد مهما اختلفت مذاهبنا اللاهوتية وتسمياتنا القومية الحاضرة إلا أننا جميعاً في النهاية نبقى أبناء وورثة ذلك التراث الحضاري المجيد ، لأن تلك المذاهب والتسميات كلها مهما اختلفت تسمياتها ولدت من رحم ذلك التراث العظيم والتاريخ المجيد لأمتنا .
أما ما يكتب من قبل هذا وذاك من الكتاب عن وعي أو من دون وعي لعمق التاريخ هنا وهناك من أبناء مكونات أمتنا أو من قبل الغرباء بدوافع الحقد والكراهية والتعصب المذهبي والقومي وغيرهما من الخصوصيات مثل الولاءات السياسية للأحزاب التي يتكاثر عددها يوم بعد آخر فإنه في الحقيقة لا يعدو أكثر عن كونه مجرد عملية صب الزيت على النار لتزيده لهيباً وسعيراً ليحرق الجميع من دون إستثناء ، والتي هي في النهاية عملية لا نحصد من ورائها غير المزيد من الفرقة والتمزق والتشرذم وتوسيع هوة الأختلافات في الرؤى والأفكار والقناعات حول الجزئيات الثانوية وبالتالي تحويلها الى خلافات وعداء تاريخي يؤدي الى ضياع هويتنا القومية الآصيلة وفقداننا وخسارتنا لحقوقنا القومية المشروعة والقضاء على الوجود القومي لأمتنا في أرض وطن الأباء والأجداد أرض " بيث نهرين – ميسوبوتيميا  " أرض الحضارات العريقة .
لذلك وبمحبة خالصة ندعو الأخوة الكتاب الأعزاء من كل مكونات أمتنا في الداخل والشتات الذين يكتبون لهذا الموقع الكريم ولغيره من مواقع أمتنا الترفع عن إعتماد ما يصب من أساليب الكتابة في مجرى " ثقافة الشتيمة المهذبة وغير المهذبة " كأسلوب الطعن والتهجم الجارح باستعمال مفردات نابية لا تليق بمهنة الكتابة الرصينة والمهذبة ولا تليق بقدسية رسالة القلم مهما أختلفت وتعددت رؤآكم وأفكاركم وقناعاتكم حول أي موضوع كان ، واللجوء الى إعتماد أسلوب النقد البناء والحوار الأخوي الايجابي الديمقراطي ومقارعة الحجة بالحجة وبالمعلومة الموثقة للوصول الى الحالة المثلى من التقارب والتفاهم المشترك ، وتطابق الرؤى والقناعات حول ما نختلف عليه من المواضيع المتعلقة بتراثنا وتاريخنا ومذاهبنا اللاهوتية الكنسية المحترمة لغرض تقليص مساحة الأختلافات وتوسيع مساحة المشتركات بيننا ، وأن نعمل من أجل تأسيس لثقافة قبول واحترام الآخر بكامل قناعاته وخصوصياته من دون المساس بها بأي سوء ، وأن نتذكر دائماً قبل أن نتكلم وننبس بكلمة واحدة بحق بعضنا البعض أو أن نسطر جملة واحدة عندما نكتب عن تراثنا وثقافتنا وتاريخنا بأننا جميعاً بكل مكوناتنا وبمختلف مذاهبنا الكنسية وبكل تسمياتنا القومية بأننا أبناء أمة واحدة تاريخياً وجغرافياً سابقاً وحاضراً ، وكُنا ولا زلنا أبناء كنيسة واحدة وورثة كنيسة المشرق العظيمة ونتكلم لغة واحدة ونقيم كل طقوسنا الكنسية بها منذ القدم والى اليوم مهما أختلفت تسمياتها المتداولة ، وأن نتذكر دائماً بأن ما يجمعنا من المشتركات القومية والمذهبية هي أكثر وأقوى مما يفرقنا ، وأن نقف دائماً بعيداً جداً بل أن نبتعد أكثر ما يمكن عن خط الشروع لتحويل إختلافاتنا في الرؤى والأفكار والقناعات الى خلافات وعداء قومي ومذهبي مستديم بسبب إعتمادنا لثقافة الشتيمة والإساءة في كتاباتنا وحواراتنا وسجالاتنا وتعقيباتنا ومداخلاتنا وردودنا المقابلة الغير موزونة والتي تفتقر الى الكياسة وأبسط قواعد اللباقة والأحترام للكتابة الرصينة ، لأن ذلك لا يفيد أحداً منا بل يضر الجميع ضرراً بالغاً .

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 26 / ك 1 / 2018 م

                                                 
 

23
الأفعال الثورية تقاس بنتائجها النهائية وليس بحسب الأهواء السياسية
خوشابا سولاقا
بدءً ذي بدء نقول لأصحاب الأهواء السياسية الحالمة ما قاله المثل الشعبي الدارج  .
أحياناً " تأتي الرياحُ بما لا تشتهي السَفَنُ " *
كثيراً ما يحصل في حياتنا اليومية حوارات ونقاشات تخص الأحداث الجارية في حياتنا الحاضرة وعن الأسباب المؤدية إليها والممتدة من ماضينا القريب وربما حتى البعيد ، وقد تنتهي هذه الحوارات والنقاشات والسجالات الى خلافات وملاسنات بكلمات لا تليق بمنطق الحوار والنقاش الديمقراطي المثقف ، لأن المواقف السياسية المؤدلجة للمتحاورين تحول الى احتدام الحدّية والعدائية بينهم وبالتالي الى إفساد هذه الحوارات والنقاشات وإخراجها من مسارها التي من المفروض أن تستمر عليه للوصول الى الهدف المخطط له ، ولهذه الأسباب في أغلب الأحيان تنتهي هذه الحوارات والنقاشات من دون نتائج تخدم الموضوع ذاته ، وتعود لتبدأ من جديد في يوم آخر وفي مكان آخر وبنفس الوتيرة وربما بوتيرة أشد عنفاً وتصلباً وتعنتاً في الرأي ، ولكن مهما تكون فهي تبقى أمور طبيعية تحصل في الحياة ، إلا أن ما يؤسف له فيها شديد الأسف هو أنها تكون جهود ضائعة لا تفضي الى نتائج إيجابية تخدم المجتمع وتميز بين الخطأ والصواب في عملية مراجعة وتقييم أحداث التاريخ على طول مساره كما ينبغي تقييمها لكي يتم وضع الأمور في نصابها الصحيح وتأشير الأخطاء لكي يتم تجنب تكرارها في الحاضر والمستقبل ، ولكي تؤشر في ذات الوقت الايجابيات ليتم تعزيزها وتطويرها بما هو أفضل في الحياة الحاضرة والأنطلاق منها الى المستقبل الأكثر زهواً واشراقا .
عندما نستعرض التاريخ العالمي الانساني بشكل عام والتاريخ العراقي بشكل خاص والذي هو صُلب موضوع مقالنا هذا ، سوف نرى أن الكثير من الأحداث التي كانت تبدو في شكلها العام أنها تنطوي على بعض الأيجابيات المؤقتة فهذا أمر طبيعي ولكنها على المدى الأبعد أفضت في النهاية الى نتائج سلبية للغاية أدت الى جلب الكوارث المتسلسلة للأمم والشعوب ، ولكن تم تقييمها من قبل القائمين بها والمستفيدين منها من المقربين والأنصار والمتضررين من الوضع السابق بأنها كانت تغييرات وتحولات ثورية عظيمة تستحق الثناء عليها بإجلال وتعظيم ، ولكنها في حقيقتها وبنتائجها النهائية لم تكُن كذلك لأنها لم تفضي الى تغيير النظام الاجتماعي جذرياً الى ما هو افضل وأكثر عطاءً لصالح  الأغلبية من أفراد المجتمع مما كان عليه في السابق ، فمثل هكذه أفعال لا يجوز وصفها بأفعال ثورية ونعطيها صفة الثورة الاجتماعية .
انطلاقاً من قانون السبب والنتيجة في عملية التطور الطبيعي والاجتماعي في الحياة ، فإن كل فعل هو نتيجة لسبب وكل نتيجة تتحول الى سبب لنتيجة جديدة قادمة وهكذا تستمر سلسلة التطورات على مسار  ذي شكل هلزوني صعوداً ونزولاً من مرحلة الى أخرى ، وعلية فإذا كانت النتائج النهائية للأفعال التي جرت في الماضي القريب إيجابية على الحاضر وتبشر بمستقبل أفضل يكون التقييم لأسبابها إيجابياً واعتبارها أفعال ثورية ، وعندما تكون النتائج النهائية سلبية بدرجة كبيرة وأحياناً كارثية على شعوبها كما حصل ويحصل للعراق اليوم وغيره من دول الربيع العربي يكون التقييم للأسباب التي كانت أفعال تغييرية بالأمس تقييماً سلبياً بأمتياز واعتبارها أفعال ثورية مقلوبة في الأتجاه .
عندما يتم تقييم هكذا أفعال وفق المنطق العقلاني الواقعي والنهج البرغماتي الذي يتيح للقادة الوطنيين الحقيقيين الأعتراف باخطائهم واخفاقاتهم سوف تعثر الشعوب وقادتها معاً على أسباب انتكاساتهم وفشلهم واخفاقاتهم في إنجاز ما هو مطلوب لتَقدُمه وتطورهم ، ولكن عندما يتم تقييم الأفعال وفق المنطق والنهج السياسي الدوغماتي – بمعنى الأصرار على صواب الخطأ مهما كان بائناً للعيان لمقتضيات سياسية أيديولوجية بحتة -  فعندها تستمر الأخطاء بشكل تراكم كمي تؤدي في النهاية الى إنهيارات نوعية كارثية في بنى المجتمع كافة ، وعندها يلتجؤون القادة المسؤولين عن ما آلت إليه الأوضاع الى تحميل الآخرين أسباب فشلهم وإخفاقاتهم وبذلك يخرجون من ازمة ليدخلون الى ازمة جديدة أعمق وأشدُ تأثيراً على تأخر البلاد في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والأقتصادية ، ويصفون أنفسهم وأنظمتهم الفاشلة بكونها ضحية للمؤآمرات الدولية وتدخل الآخرين في شؤون البلاد ، وتجدون مثل هكذا افتراءات جاهزة لديهم يتم ترويجها عبر وسائل اعلامهم المتنوعة المتعفنة عند كل فشل واخفاق لتضليل وخداع الشعوب بحقيقة الأمور . 
هذا المنطق الأهوج والسقيم هو السبب في كل ما حصل ويحصل لنا اليوم في العراق ، وهنا من حقنا أن نتساءل متى يستفيق المسؤولين والشعوب من سُباتهم الأزلي هذا ؟؟  ، ومتى تخرج من شرنقة جهلها السياسي والاجتماعي المزمن وتُفعّل وعيها الفكري والثقافي لأن تعيد تقييم حوادث تاريخها القديم والحديث بشكل علمي وسليم من دون نفاق ورياء سياسي ؟؟ ، ولأن تكتشف الأسباب الحقيقية وراء تراجعاتها في كل ميادين التقدم والتطور ، وتعترف بأخطائها  الكارثية القاتلة ، وأن تُسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة التي تستحقها ؟؟ ، عندها فقط تستقيم حياتها وتستقر على مسارها الطبيعي .
عندما نستعرض تغييرات الوضع العراقي كمثل للقياس عليه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 م سوف نجد بوضوح وجلاء كيف أن ما حصل في العراق من تغييرات وتبدلات في طبيعة السلطة الحاكمة من خلال الانقلابات العسكرية الدموية التي أُريقت فيها الدماء العراقية الزكية بغزارة ومن دون توقف ، وتحول الوضع المعاشي في العراق في النهاية الى موضع التندر للآخرين بوصفه أغنى بلد بثرواته وأفقر شعب ، حيث يعيش اليوم بحدود 20 % وأكثر من أبنائه تحت خط الفقر وتخلف كل منظومات تقديم الخدمات الاجتماعية للشعب في كل المجالات .
على ضوء هذا الواقع نستطيع ان نوصف ما حصل في العراق من تغييرات في شكل النظام السياسي عن طريق الأنقلابات العسكرية منذ تغيير النظام الملكي الى النظام الجمهوري في 14 / تموز / 1958 ، وما ترتب على ذلك  من عدم الأستقرار السياسي بسبب الخلافات الحزبية المراهقة بين الأحزاب السياسية والتدخلات الأجنبية والأقليمية وكيف تم استثمار ذلك من قبل الأستعمار والقوى الدولية لخدمة اجنداتها الخاصة على حساب المصالح الوطنية العراقية ، والتي اوصلت العراق وشعبه الى ما هو عليه اليوم من جميع النواحي ، فيما إذا كانت تلك التغييرات ذات طابع ثوري أم أنها كانت مجرد نزوات البحث عن السلطلة وامتيازاتها المغرية باية وسيلة كانت ؟؟ . كل الدلائل على ارض الواقع تشير وتؤكد وفق كل النظريات الثورية في التاريخ التي تُجمع على تعريف أن الفعل الذي يؤدي الى إحداث تغييرات جذرية في طبيعة وشكل النظام السياسي الأقتصادي الاجتماعي الى ما هو أفضل وأرقى بكل المعايير يعتبر فعلاً ثورياً ، وتعتبر عملية التغيير بهذه المواصفات بأنها ثورة اجتماعية – سياسية ، وهذا ما لم يحصل في العراق إطلاقاً إلا في عقول بعض السياسيين الكلاسيكيين ممن فشلوا  في تحقيق أهدافهم النظرية والذين ليس لهم الأستعداد والشجاعة السياسية المبدئية الكافية للأعتراف بالأخطاء التاريخية التي ارتكبت بحق العراق وأوصلته الى ما هو عليه الحال من دمار وخراب وتخلف وشيوع الفساد في أجهزة الدولة وشيوع الجريمة بكل أشكالها  .
                       منجزات فترة عهد النظام الملكي
كانت حالة العراق في فترة عهد النظام الملكي الدستوري البرلماني بالرغم من شحة موارده المالية وأنتشار الأمية بين أبنائه وشبه الأنعدام التام للبنى التحتية والمرتكزات  الأقتصادية لموارده المالية ، كان عهداً يخلو من الفساد المالي بين طبقات رجال الحكم من المسؤولين وهذا أهم شيء في نظام حكم وطني وصالح ، وكان القضاء قوياً وحازماً وصادقاً وعادلاً ومنصفاً مع الجميع بدءً بالملك وانتهاءً بأبسط مواطن ، وكان هناك احتراماً كبيراً للقانون من قبل رجالات الدولة قبل المواطن ، وكانت صيانة الأمانة الوظيفية وعدم خيانتها في دوائر وأجهزة الدولة مقدسة لدى الجميع لدى الرئيس الأعلى قبل المرؤوس البسيط ، وكان عدم التجاوز على المال العام والأنتفاع من السحت الحرام شبه معدوم لدى رجالات الدولة بكل مستوياتهم ، والذي كان يتجاوز على المال العام وعلى ممتلكات الدولة كان القانون له بالمرصاد ، ولم يكُن المال العام مالاً سائباً لمن هب ودب بل كان محروساً بقوة القضاء والقانون ، ولذلك من النادر أن نعثر في أرشيف الدولة العراقية في تلك الفترة حالة مسجلة ضد مسؤول كبير بمستوى الوزير .
لقد شهد العراق خلال فترة النظام الملكي بالرغم من قصرها إنجاز الكثير من المشاريع الأقتصادية في مجال إنتاج وتصدير وتصنيع النفط وسعت الحكومة مع شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق الى أمتلاك أكبر نسبة من واردات النفط حيث كانت حصة العراق أكثر من 50 % سنة 1958 م ، كما انجز الكثير من شبكات الطرق المبلطة وخطوط السكك الحديدية التي تربط المدن الكبرى ببعضها البعض وربط الأقضية والنواحي بمراكز المحافظات من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ومن شرقه الى غربه ، كما شيدت الكثير من المدارس بكل مراحلها حتى في القرى والأرياف النائية ، وكان الطلاب فيها يستلمون الكسوة الشتوية سنوياً وتوزع لهم التغذية المدرسية يومياً وكنا نحن كاتب هذه السطور أحد التلاميذ في المرحلة الأبتدائية ممن عاصروا هذه الخدمة النبيلة ونحن في قرية نائية في أقصى شمال العراق وتوقفت هذه الخدمة مباشرة بعد 14 / تموز / 1958 م ، وكذلك قامت الدولة بتأسيس جامعة بغداد لتخريج الكوادر العلمية التي كانت الدولة بأمس الحاجة الى خدماتهم لتطوير أدائها في تقديم الخدمات للمواطنين ، وكانت البعثات على نفقة الدولة للطلبة المتفوقين في المرحلة الأعدادية من كل المكونات من دون تمييز للدراسة في أرقى جامعات العالم ، وكذلك قامت الدولة بإنشاء الكثير من المستشفيات العامة والمستوصفات والمراكز الصحية في مراكز المدن والأقضية والنواحي لتقديم الخدمات الصحية المجانية للمواطنين كافة ، وكان التعداد العام للسكان يجري كل عشرة سنوات لغرض الأستفادة منه في تخطيط موارد ومشاريع الدولة ولا زال تعداد عام 1957 م هو المعتمد رسمياً الى اليوم في العراق .
وقامت الدولة بإنجاز الكثير من المشاريع الأقتصادية العملاقة مثل إنشاء مشاريع الري والسدود والبزل ومحطات إنتاج الطاقة الكهربائية وتصفية المياه والصناعات النفطية مثل المصافي وغيره من المشاريع الصناعية والزراعية من خلال خطط مجلس الأعمار الذي كان يرأسه المرحوم نوري باشا السعيد شخصياً ، لقد تم تنفيذ قسم كبير من مشاريع هذا المجلس في العهد الملكي والقسم الآخر في بعض فترات العهد الجمهوري وقسم أخر منها ما زال قيد الأنتظار لتجد طريقها الى النور ، كان للنظام الملكي - مجلس الأعمار مشروع عملاق للأسكان رصد له مبلغ كبير قدره أربعمائة مليون دينار عراقي وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الوقت لبناء سكن مناسب ينفذ من خلال شركات عالمية متخصصة توزع للمواطنين بأسعار مناسبة وبأقساط مريحة على شكل مراحل نفذت المرحلة الأولى منه بأسم اسكان غربي بغداد ، ومن ثم توقف المشروع بسبب اسقاط النظام الملكي قبل المباشرة بالمرحلة الثانية والتي ما زالت قيد الأنتظار الى يومنا هذا !!! . وكل ما ذكرناه كما يقال هو " غيض من فيض " من الأنجازات .
ندرج أدناه معلومات مهمة عن حقوق نواب البرلمان في العهد الملكي عام 1945 م لغرض الأطلاع والمقارنة مع نوابنا اليوم :-
1 - يستلم النائب راتب يعادل ما يستلمه مدير المدرسة الأبتدائية في ذلك الوقت .
2 - يتم قطع الراتب بعد انتهاء الدورة البرلمانية وهو غير مشمول بالتقاعد ويعود لمزاولةعمله السابق بعد انتهاء الدورة البرلمانية .
3 - لا يتمتع النائب بأي حماية وله الحق بحمل السلاح دون أن يمتلكه .
4 - يتم رفع الحصانة عن النائب ومحاكمته خلال أسبوع في حالة ثبوت ولائه لدولة أخرى .
5 - ليس من حق النائب شراء أي عقار أو العمل بالأستثمار طوال فترة عمله بالبرلمان .
6 - يمنع النائب من السفر دون عمل رسمي خلال فترة وجوده في البرلمان .
7 - في حالة غياب النائب بما مجموعه خمس جلسات بدون عذر رسمي يتم فصله من البرلمان

عزيزي القارئ الكريم أين نواب اليوم في هذا الزمن الأغبر من أولائك النواب في ذلك الزمان الذي لم تبقى لنا منه سوى الذكرى والحسرة والغصة في القلب !!! .
                              منجزات فترة عهد النظام الجمهوري
كانت من نتائج إنقلاب 14 / تموز / 1958 م بعد ايام من سقوط النظام الملكي نشوب خلافات تناحرية بين القيادات التي قادت التغيير ، الجناح القومي الموالي لقيادة جمال عبدالناصر مما يسمون بالضباط الأحرار والمدعوم من التيار القومي الناصري وحزب البعث من جهة وبين الزعيم عبدالكريم قاسم والموالين له من الضباط الأحرار في الجيش وبدعم من الحزب الشيوعي العراقي بالرغم من عدم مشاركة الشيوعيين في حكومة عبدالكريم قاسم وبعض الشخصيات الوطنية الديمقراطية المستقلة من جهة ثانية ، وتطورت هذه التناحرات والصراعات السياسية الى أحداث دموية في الموصل في 8 / آذار من عام 1959 م على أثر مؤآمرة العقيد عبدالوهاب الشواف على الحكومة ، وتكررت الأحداث الدموية في كركوك بمناسبة احتفالات الذكرى الأولى لـ 14 / تموز وتوالت من بعدها الأغتيالات السياسية  في الموصل ، وانتهت هذه الأحداث بالمجازر الدموية الأنتقامية في انقلاب  8 / شباط / 1963 م الفاشي الذي خطط له وقاده ونفذه بالتعاون مع المخابرات الأجنبية القوميين الناصريين والبعثيين التي أدت الى تصفية عبدالكريم قاسم ومؤيدية في المقدمة منهم الشيوعيين بطرق وحشية دموية بشعة على يد عصابات الحرس القومي الفاشي .
هذا الأنقلاب الدموي أدخل العراق في نفق مظلم لا بصيص للنور في نهايته ، وكان قد سبق انقلاب 8 / شباط / 1963 م نشوب خلاف سياسي كبير بين قادة الحركة الكوردية بقيادة المرحوم ملا مصطفى البرزاني وبين حكومة المرحوم الزعيم عبدالكريم قاسم حول مطالبة الكورد بالحقوق القومية المتمثلة في الحكم الذاتي ، إلا أن ضيق الأفق السياسي لعبدالكريم قاسم وقلة خبرته وضعف حنكته السياسية في فهم واستيعاب شرعية حقوق الكورد تغلبَ سلوكه وتربيته العسكرية على سلوكه كرجل دولة في قِمة هرم السلطة مما انتهى هذا الخلاف الى نشوب الحركة الكوردية المسلحة في شمال العراق في أيلول من عام 1961 م ، تلك الحركة التي استنزفت امكانيات الدولة الأقتصادية والمالية والعسكرية وادخلت البلاد في حالة من الركود الأقتصادي وتوقفت مشاريع التنمية وبذلك مهدت الأرضية لأنقلاب الثامن من شباط الدموية ، ثم توالى على حكم العراق نظام الأخوين عارف الهزيل والمتهرئ والذي اصبح جسراً لعبور البعثيين مرة ثانية الى السلطة في انقلاب 17 – 30 / تموز / 1968 م ، هذا النظام البعثي الجديد بدأ عهده بتصفية خصومه السياسيين من القوميين الناصريين حلفاء الأمس ، والشيوعيين حلفاء اليوم ، وأحزاب الحركة الكوردية أعداء الأمس واليوم ، وأحزاب الأسلام السياسي لاحقاً الأعداء الجدد بعد الثورة الأسلامية في إيران ، ومن ثم بعض قادة الحركة الديمقراطية الآشورية الوليدة ، بهذه السياسة الشوفينية الرعناء لنظام حزب البعث ادخل العراق في حروب عبثية مع إيران ثم مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على خلفية إحتلاله لدولة الكويت في 2 / آب / 1990 م وما ترتب على ذلك من فرض حصار اقتصادي دولي مدمر على البلاد ، وثم إحتلال العراق في عام 2003 م من قبل أمريكا وحلفائها وإقامة نظام المحاصصة الأثنية والطائفية السياسية الذي نشهد اليوم عروضه المبتذلة على أرض الواقع ، هذا النظام بسبب سياساته الطائفية الأقصائية سهل الأمر لعصابات داعش لأن تحتل أكثر من ثلث مساحة العراق وجعل العراقيين يعيشون في حالة من البؤس والفقر والمرض والقتل على الهوية وفقدان الأمن والأمان واستشراء الفساد المالي في مؤسسات الدولة وشحة الخدمات الاجتماعية في مجال توفير الماء الصالح  للشرب والكهرباء والتربية والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات ، واخيراً معاناة أكثر من ثلاثة ملايين نازح من العراقيين يعيشون في ظروف قاسية للغاية لا تليق بحياة البشر في هذا العصر .
بالتأكيد هذا لا ينفي عدم حصول أو وجود أية انجازات ذات تأثير ايجابي كبير على وضع البلاد في مختلف الميادين في العهد الجمهوري وكان ذلك تحصيل حاصل لا بد أن يحصل بحكم الحاجة الاجتماعية والتطور التلقائي ، ولكن السلبيات كانت أكثر وأكبر وحرقت كل الأيجابيات وذهبت أدراج الرياح ، والحالة شبيهة بحالة ذلك الفلاح الذي يزرع الحقل بالحنطة يحرث الأرض ويبذر البذور ويسقيها ويرعاها وعندما يحل موسم الحصاد يشعل النار فيها ويحرق المحصول ويخرج من الحقل خالي اليدين ويشحذ لقمة عيشه من الآخرين !!! ، هكذا فعلت حكومات العهد الجمهوري من حكومة قاسم الى حكومة حيدر العبادي وربما حكومة الدكتور عادل عبدالمهدي اليوم ، وواقعنا الحالي يشهد على ذلك في كل مجالات حياتنا بالتفصيل الممل 
هكذا تعاقبت وتوالت الأحداث الأليمة والمحزنة على العراق وفق قانون السبب والنتيجة ، بحيث أن كل مرحلة ولّدت المرحلة التي تلتها . عليه فإن تقييمنا لفعل التغييرات التي حصلت في العراق ضمن هذا المسلسل الدرامي والدامي يفرض علينا ولكي نكون منصفين مع الجميع أن نقيّمه من نتائجه النهائية التي حصدها الشعب العراقي وليس بحسب أهواء ورؤى السياسيين من أنصار هذا الطرف أو ذاك وفق معطيات مرحلة بعينها كما تقرأها عقول السياسيين المؤدلجين ، وليس وفق معطيات جميع المراحل وهي في علاقة جدلية تكاملية كما ينبغي أن تقرأ لأستخلاص النتائج التي على ضوئها تقيم الأفعال بين أن تكون أفعال ثورية أو غير ذلك من المسميات . 
*السَفَنُ : تعني ربان السفينة أو قائدها أو القبطان

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 17 / ك1 / 2018 م

24
الموت بكرامة حياة والحياة بمذلة موت
خوشــابا ســولاقا
كثيراً ما حصل من خيانات للمبادئ والأهداف المتفق عليها في العمل السياسي في تاريخ التنظيمات السياسية في الماضي في العراق وفي غيره من البلدان ، ويحصل اليوم أيضاً في الكثير منها ، وسوف يحصل في المستقبل حتماً ، ويحصل حتى في أي عمل ذات طابع جماعي كمنظمات المجتمع المدني والأتحادات العمالية والطلبة والشباب والنساء من قبل البعض من كوادرها ، ويحصل أيضاً الحنث باليمين الذي أقسموا به الشركاء الآخرين لأسباب كثيرة تؤدي بالبعض منهم الى التعاون مع الأعداء ، أحياناً تحت تأثير ما يتعرضون له من ضغوط كالتعذيب الجسدي والنفسي والتهديد بالتصفية الجسدية أو الحرمان من مصدر لقمة العيش من خلال الطرد والفصل من الوظيفة وغيرها من الأساليب اللاأخلاقية ، والذي هو أمر سائد في ظل الأنظمة الديكتاتورية المستبدة والقمعية ، مما يَضطرهم على الأعتراف بما يمليه عليهم الأعداء كذباً أو صدقاً والوشاية ببعض رفاقهم في العمل من أجل إنقاذ أرواحهم من الموت ، وأحياناً أخرى هناك من يتعاون مع الأعداء طواعية من دون التعرض الى التعذيب الجسدي والنفسي والتهديد بالتصفية الجسدية تحت تأثير المغريات المختلة التي تتفنن في استعمالها الأجهزة الأمنية والمخابراتية مع ضُعاف النفوس لأختراق التنظيمات السياسية من أجل إيجاد موطئ قدم لهم وخلق مصادر نوعية للمعلومات داخل تلك التنظيمات التي تُصنفها ضمن قائمة الأعداء الذين يشكلون خطراً على أنظمتها لتزويدهم بكل ما يُطلب من معلومات نوعية عن كل ما يجري داخلها لمراقبة تحركاتها خطوة خطوة ، وكذلك تقوم حتى بالوشاية بالعناصر البارزة والفعالة والنشطة في تلك التنظيمات لغرض إعتقالهم وتصفيتهم أو اغتيالهم ، وبالمقابل تقوم الأجهزة الأمنية والمخابراتية من خلال تلك المصادر العميلة ذاتها بحقن وتسريب معلومات كاذبة ومضللة الى داخل التنظيمات السياسية المستهدفة لتضليلها والتمويه عليها من معرفة حقيقة ردود أفعال السلطات الأمنية عليها .
من خلال دراسة تاريخ تجربة الأحزاب والتنظيمات لحركات التحرر القومي والوطني في العمل السياسي يتم فرز فئات مختلفة من العناصر وفق خصال ومواصفات تربوية وأخلاقية يتمتعون بها فطرياً والتي اكتسبوها من تربيتهم العائلية والبيئة الاجتماعية التي نشأوا وترعرعوا فيها وترسخت وتجذرت في شخصياتهم وتتحكم في سلوكهم بشكل كبير حيث تتغلب في أغلب الأحيان على ما أكتسبوه من تقاليد وطقوس نضالية في حياتهم السياسية عندما تحل عليهم ظروف قاهرة وهي كما يلي :-
أولاً : هناك عناصر تتحمل كل أشكال القهر والتعذيب الجسدي والنفسي وكل المغريات الحياتية ، وقد يصل الأمر بها الى قبول الموت والأستشهاد من دون أن تقبل المذلة والأهانة وأن تستسلم لأرادة الأعداء بقبول التعاون معهم وتزويدهم بما يطلب منهم من المعلومات وأسماء عناصر التنظيم ، وتتقبل الموت بشجاعة وبطولة نادرة وتفضله على الحياة بمذلة ، هؤلاء هم عناصر تقبل الموت بكرامة وعزة نفس لتخلد في حياة الباقين والأجيال القادمة كنجوم لامعة وساطعة في سماء الشهادة والتضحية بالنفس من اجل صيانة وحماية المبادئ التي أقسموا اليمين عليها من أي تشويه وتكون بذلك قدوة للآخرين ليقتدوا بهم ، ومن أجل أن يعيش الآخرين بكرامة وحرية ، أي بمعنى آخر يموتون بكرامة ليحيوا خالدين الى أبد الدهر في قلوب أبناء أمتهم محققين بذلك " الموت بكرامة حياة " .
ثانياً : هناك عناصر تضعف تحت تأثير أساليب القهر والتعذيب الجسدي والنفسي الذي يتعرضون له عند وقوعهم لأي سبب من الأسباب بيد الأجهزة الأمنية والمخابراتية للأعداء وحبهم للحياة تستسلم لإرادة الأعداء لانقاذ حياتهم من الموت وتقبل بالتعاون مع الأعداء وتزودهم بأقل ما يمكن من المعلومات غير المهمة وغير الحساسة والتي لا تؤثر على استمرار بقاء التنظيم قوياً ومتماسكاً ، والوشاية بالبعض من رفاق الدرب ممن هم خارج إمكانية أن تنال منهم الأجهزة الأمنية مقابل تحملهم لقدر من التعذيب الجسدي ، ومثل هذه العناصر يعرفون حدود تعاونهم مع الأجهزة الأمنية للأعداء ، ومثل هكذا سلوك يجب أن يتم تثقيف الكوادر السياسية به " ثقافة تزويد العدو باقل ما يمكن من المعلومات النوعية في الظروف القاهرة " .
مثل هذه العناصر تعيش تحت تأثير تأنيب الضمير ومحاسبة الذات والشعور بالذنب على محدودية قدرتهم على تحمل التعذيب وإخفاء المعلومات وعدم الأفراط بالهذيان بها للأعداء أثناء التحقيق معهم ، وعن عدم استعدادهم للتضحية بالنفس من أجل إنقاذ أو حماية الآخرين من رفاق الدرب .
إن مثل هذه العناصر تقبل الحياة بمذلة على مضض مقابل البقاء على قيد الحياة وترفض الموت بكرامة ، وأمثال هؤلاء  سيترددون في مواجهة رفاقهم الذين وشوا بهم ويتجنبون مواجهتم وقد يضطرون الى هجر المكان والأبتعاد الى مكان بعيد يخلو مِن تواجد مَن يتجنبون  مواجهتهم .
ثالثاً : هناك عناصر تقبل التعاون بإرادتهم مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية للأعداء وتزودهم بكل ما يُطلبُ منهم وحتى بما لا يُطلبُ منهم من معلومات تحت تأثير المغريات المالية والمناصب وامتيازات السلطة والكراسي وغيرها التي تجود بها عادة أيادي أجهزة الأمن والمخابرات للعملاء الذين بالمقابل يجودون بعطائهم من دون استعمال وسائل العنف والتعذيب الجسدي معهم من قبل الأعداء .
هذه العناصر تعتبر بموجب منطق السياسة عملاء مأجورين للأعداء مع سبق الأصرار والترصد مقابل ثمن مدفوع من المال الحرام ، هؤلاء لا يتورعون في تزويد الأعداء بأية معلومات نوعية وحساسة مهما كان تأثيرها كبيراً ومدمراً على التنظيم وعلى حياة الآخرين من رفاقهم ، لأن ثمن هكذا معلومات يكون أغلى بالنسبة لهؤلاء المأجورين .
هؤلاء يقبلون وبإرادتهم الكاملة الحياة بمذلة ولا يعرفون للكرامة وعِزة نفس معناً أخلاقياً ليردعهم عن ممارسة الرذيلة المشينة مع سبق الأصرار والترصد ، وخير من قال قولاً مأثوراً بحق أمثال هؤلاء أولاد الرذيلة الزعيم النازي أودولف هيتلر حين قال " أحتقر مَنْ تعاونوا معي وساعدوني في احتلال بلدانهم " .   إن عمل هؤلاء العملاء يمكن إعتباره خيانة عظمي بحق المبادئ والقيم الأخلاقية يستحقون عليه الموت بمذلة .
وهنا من حقنا أن نتساءل ونوجه بسؤالنا للقارئ الكريم من هم الذين يقبلون بالموت وهم يعرفون أن " الموت بكرامة حياة " ؟؟ ، ومن هم الذين يقبلون بالحياة وهم يعرفون أن " الحياة بمذلة موت " ؟؟ ، ولغرض تسهيل الاجابة على هذه التساؤلات نعود معاً الى قول الأمام علي إبن أبي طالب الذي يقول فيه :-
" اطلب الخير من بطونٍ شَبعت ثم جاعَت لأن الخير فيها باقٍ ، ولا تطلبهُ من بطونٍ جاعَت ثم شَبعت لأن الخير فيها شحيح " .
الفئة الأولى : إن الذين يعرفون أن " الموت بكرامة حياة " هم أصحاب تلك البطون التي شَبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باقٍ لكونها قد إنحدرت في أصولها من بطونٍ مماثلة . 
الفئة الثانية : إن الذين يعرفون أن " الحياة بمذلة موت " هم أصحاب تلك البطون التي جاعَت ثم شَبعَت لأن الخير فيها شحيح لكونها قد إنحدرت في أصولها من بطون مماثلة .
وهكذا فإن الفئة الأولى تكون معطاء ومستعدة للموت والتضحية بنفسها من اجل الحياة الكريمة ، والفئة الثانية تكون أنانية ونرجسية وخسيسة وغدارة تبيع الفئة الأولى بأبخس ثمن وتقبل الحياة الرخيصة بمذلة .
أمنياتنا أن يكون أغلب أبناء أمتنا وأبناء شعبنا العراقي من الفئة الأولى وأن يتكاثر عددهم يوم بعد آخر ، وأن يتقلص عدد من هم من الفئة الثانية يوم بعد آخر الى أن يصبح صفراً مطلقاً ، وينعدم وجودهم والى الأبد ومن غير رجعة .

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 3 / ك1 / 2018  م

                                                     


25
في التربية والثقافة السياسية
حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية
( الجزءالثاني )
خوشابا سولاقا
قُرائنا الأعزاء نبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الأول من مقالنا هذا
ثالثا : أحزاب وحركات سياسية نشأت وتكونت وتعمذت إن جاز التعبير على أساس معتقدات دينية مذهبية وخلفيات سياسية طائفية تاريخية تعمل من أجل تحقيق أجندات سياسية دينية مذهبية طائفية محددة وتحاول فرضها بالقوة على الاخرين بطرق شتى أو على الأقل إجبار الآخرين على الألتزام بطقوسها وتقاليدها وممارساتها في حياتها الاجتماعية ، عادة مثل هكذا أحزاب وحركات تكون متشددة ومتعصبة الى حد التطرف في أفكارها وطروحاتها ورؤآها الفكرية باعتبارها أفكار مستمدة ومنبثقة من روح العقيدة الدينبة ، ولا تقبل التأويل والأجتهاد ، وإن مثل هذه الأحزاب والحركات لا تؤمن مبدئياً بقبول الآخر والتعايش السلمي معه إلا قولاً من باب النفاق والرياء السياسي ، وهي تعمل في الحقيقة والواقع على تسييس الدين وتطييفه إن جاز التعبير بامتياز وفق العقيدة المذهبية التي يسترشدون بها وتجييره لصالحها .
هذه الأحزاب والحركات السياسية تجمع في تكوينها وتركيبتها نفس الشرائح الاجتماعية والمكونات القبلية والعشائرية الموصوفة في الصنف أولاً وثانياً فيما تقدم في الجزء الأول من هذا المقال ولكن وفق منظور مذهبي طائفي سياسي وهي بالتالي تكون أيضاً أحزاب وحركات سياسية ضعيفة في آواصر وحدتها وعناصر القوة فيها وتكون بالتالي تنظيمات هشة البنية معرضة للتمزق والتشرذم والتفكك والانشقاق على المدى المنظور ، وخاصة عندما تحين الفرصة للمنافع والأمتيازات جراء ممارسة السلطة في إدارة شؤون الدولة لأن تفعل فعلها في احتدام الصراع بين القيادات التاريخية لها على الساحة العملية من أجل المصالح والمنافع ، وخير مثال على هذا الصنف من الأحزاب والحركات السياسية هي الأحزاب ذات المعتقدات والتوجهات الدينية المذهبية الشمولية في إطار الطائفية السياسية المؤدلجة كحزب الدعوة الأسلامية والتيار الصدري والمجلس الأعلى الأسلامي العراقي كاحزاب شيعية ، وما حصل ويحصل فيها باستمرار وخصوصاً بعد ممارستها للحكم من تشرذم وتمزق وانشقاق وما إنبثق منها من أحزاب وتنظيمات جديدة تحت تسميات ويافطات مختلفة ذات توجهات وطنية إصلاحية خلال السنوات الخمسة عشر المنصرمة من حكم العراق بعد سقوط نظام حكم صدام حسين هذا في الجانب الشيعي ، وما حصل في الجانب السني في الحزب الأسلامي العراقي حصراً وغيره من التنظيمات المذهبية هو الآخر خير دليل على صحة هذه الرؤية التحليلية لواقع بنية هذا الصنف من الأحزاب الآيلة الى التشرذم والتمزق والتفكك بسبب عجزها عن قرأة الواقع الموضوعي السياسي والاجتماعي للمجتمع العراقي بشكل علمي وموضوعي ، وبالتالي عجزها عن تحقيق طموحات الجماهير المسحوقة من أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية المتعددة لأن هذه الأحزاب في حقيقتها الفكرية تكون مؤدلجة على أحادية الرؤية في تعاملها مع مكونات المجتمع .
إن ما نراه ونتلمسه ونعيش معاناته من شيوع الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة التي تقودها هذه الأحزاب وفق نظام المحاصصة المقيت من جهة ، وغياب الخدمات الاجتماعية المختلفة وانتشار البطالة والجريمة بكل أشكالها والفقر والعوز بين صفوف الجماهير الشعبية من جهة أخرى جعلت هذه الأحزاب ( الأحزاب الطائفية للاسلام السياسي ) في وادٍ والجماهير الشعبية في وادٍ آخر ، من المؤكد وفي ظل هذا التناقض الصارخ أن الشعب سوف يقول كلمته الفصل في نهاية المطاف بحق هذه الأحزاب والحركات السياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد أن قال نصفها في الانتخابات البرلمانية الماضية قبل أشهر قليلة من هذا العام .
وهنا نقول لهذه الأحزاب تذكروا أن الشعوب هي التي تصنع التاريخ والقادة التاريخيين لها وليس الخطباء من على منابر الخطابة في ساحات المزايدات والمهاترات السياسية بكلامهم المعسول ووعودهم الكاذبة وكتابة الشعارات البراقة والخادعة التي تتبخر وتصبح في خبر كان بعد الأنتخابات ، كل ذلك من اجل الكراسي وما تدره لهم من المنافع الشخصية والأمتيازات المادية والمعنوية .
هذا النموذج من الأحزاب والحركات السياسية جسدت بوضوح تام كيفية استغلال المصلحة الوطنية العامة واستثمار الدين والمذهب والطائفة كوسيلة فعالة لتحقيق مصالح ومنافع خاصة حزبية وشخصية ، ولذلك نرى الحكومة تغض النظر عن ملاحقة ومحاربة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين من كبار المسؤولين بكل المستويات من سراق المال العام في أجهزة الدولة ومؤسساتها لكون هؤلاء من نتاج هذه الأحزاب وأدواتها للأستمرار والبقاء في الحكم ، وكأن بقائها واستمرارها في الحكم مرهون ببقاء واستمرار الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة . 
رابعاً
: أحزاب وحركات سياسية عقائدية مؤدلجة فكرياً نشأت وتكونت في ظل ظروف موضوعية تاريخية دولية وظروف ذاتية محلية استجدت بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها وفتحت بذلك الأفاق واسعة أمام الشعوب المقهورة للتطلع الى الحرية والأنعتاق من النير الأستعماري العثماني الشوفيني البغيض بفعل إيمان راسخ لمجموعة من المتنورين من أفراد المجتمع بعقيدة أيديولوجية سياسية وفكر سياسي معين وفلسفة سياسية منهجية معينة وكان للعوامل الخارجية الدور الحاسم في نشوء ونمو وتطور وانتشار هذه الأحزاب والحركات كالنار في الهشيم فتشكلت على خلفيتها حركة التحرر الوطني تحت قيادتها .
مثل هذه الأحزاب والحركات عملت على استقطاب وكسب أوسع الجماهير الشعبية المتضررة في المجتمع من الشرائح والطبقات الاجتماعية المتماثلة في مصالحها بدوافع طبقية وقومية ووطنية وتوعيتها بدورها الثوري التاريخي في إنجاز الثورة الأجتماعية لتغيير النظام الاجتماعي والسياسي القائم بآخر أكثر عدالةً لصالحها وبناء مجتمع جديد تسود فيه العدالة والمساواة الاجتماعية وتكافؤ الفرص وفق معايير المواطنة دون سواها .
وكذلك عملت وناضلت هذه الأحزاب والحركات السياسية على توجيه الجماهير التي لها مصلحة في التغيير الاجتماعي للعمل من خلال مؤسساتها وتنظيماتها المهنية من أجل تغيير شروط معيشتها ودورها في قيادة المجتمع ضمن إطار العمل من أجل المصلحة الوطنية ، ولكن وفق منظور طبقي من خلال إقامة نظام سياسي ديمقراطي جديد يكون فيه للأغلبية الساحقة من محرومي الشعب المتعدد القوميات والأديان والمذاهب الدور الريادي والقيادي في إحداث التغيير الاجتماعي المنشود .
إن أواصر الوحدة العضوية وعناصر القوة في مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية تكون أقوى كمياً وليس نوعياً مما هي في غيرها من أصناف الأحزاب والحركات التي تم ذكرها فيما تقدم من هذا المقال ، ولكن وجود الطموح الشخصي والنزعة الفردية الأنانية وحب الذات عند الانسان للارتقاء والتفوق والغيرة من الآخر بدافع السيطرة والتسلط وشهوة السلطة والحكم وتحقيق منافع وامتيازات شخصية معنوية كانت أم مادية ، معنوية مثل الشهرة والموقع الاجتماعي والوجاهة وغيرها من النوازع الانسانية التي تسيطر على تفكير وخلجان النفس عند البعض من الكوادر القيادية التاريخية لمثل هذه الأحزاب والحركات تؤدي الى ظهور أفكار متعددة ومتضاربة ومتناقضة لبعضها البعض أحياناً عندما تنضج الظروف الذاتية والموضوعية لذلك ، وبالتالي تتفاقم وتحتقن وتتوسع هذه التناقضات والخلافات الفكرية وتأخذ طابعاً تناحرياً عنيفاً يؤدي بالنتيجة الى حصول إنشقاقات في صفوفها ، وقد تتخذ هذه التناحرات والصراعات الانشقاقية من إعتماد أسلوب التصفيات الجسدية السرية بين الكوادر القيادية التاريخية لهذه الأحزاب والحركات وسيلة لتصفية الحسابات السياسية فيما بينها وتتحول رفاق الدرب بالأمس الى أعداء الداء اليوم عندما تلتقي المصالح المعنوية مع المصالح المادية ، وخير مثال على هذا الصنف من الأحزاب والحركات السياسية نراه في الأحزاب الشيوعية والأشتراكية والعمالية والحركات الثورية في حركة التحرر الوطني في مختلف بلدان العالم الثالث ، وتجربة الحزب الشيوعي السوفييتي والحزب الشيوعي الصيني وجميع الأحزاب الشيوعية والعمالية في أوربا الشرقية وغيرها من البلدان مثل اليمن الجنوبي في المنطقة العربية غنية للغاية بمثل هذه الصراعات والتصفيات الدموية المؤلمة وكانت الأسباب الباعثة لذلك في جميعها متماثلة ومتشابهة لحد التطابق الكامل وكأنها تجارب تعيد إنتاج نفسها وتتكرر على نفس المنوال هنا وهناك ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ولكي يكون المثال من الواقع العراقي القريب منا نأخذ ما حصل في الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه في 31 / آذار / 1934 والى اليوم وما حصل في صفوفه من تشرذم وتمزق والانشقاقات العديدة ولكن من دون يحصل أية تصفيات جسدية بين قياداته وكوادره لأن الحزب لم يستلم السلطة لتكون هناك تقاطع وصراع مصالح مادية تقود الصراعات والخلافات الفكرية بين القيادات الى التصفيات الجسدية وبذلك انحصرت الصراعات حول المصالح المعنوية التي تكللت بالأنشقاقات العديدة فقط ، لذا نرى كأن تجربة هذا الحزب كانت تكراراً وإنعكاساً لما حصل ويحصل في الحركة الشيوعية العالمية إضافة الى ما أضافته الخصوصية الوطنية من الأسباب الذاتية لحصول مثل تلك الانشقاقات الكارثية التي أخرت وعرقلة مسيرة الحزب السياسية التي منعته من الوصول الى السلطة في العراق بالرغم من نضوج الظروف الذاتية للحزب من جهة ونضوج الظروف الموضوعية له في العراق لأستلام السلطة من جهة ثانية .
وخلاصة ما نريد قوله من خلال ما تم عرضه في هذه المقدمة المتواضعة لرؤيتنا حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية في العراق بشكل عام وامتنا من الكلدان والسريان والآشوريين بشكل خاص هو أن ما تشهده الساحة السياسية والأقتصادية والاجتماعية من تناقضات وتناحرات وصراعات ومناكفات ومشاكسات مختلفة في المواقف السياسية ليست من أجل المصلحة العامة كما يفهمها عامة الناس مهما تكون طبيعة وتسمية تلك المصلحة العامة ، وطنية كانت أم قومية أم طبقية أو غيرها كما تدعي ممثلي القوى السياسية المتصارعة علناً في خطاباتهم السياسية في وسائل الأعلام المختلفة ، وإنما في حقيقة الأمر هي من أجل المصالح والمنافع الخاصة والشخصية للقيادات الحزبية المتنفذة متخذة من المصلحة العامة مجرد واجهة إعلامية ووسيلة رخيصة للتغطية على حقيقة الأمر وورقة التوت لستر عوراتهم ، كما يقول المثل البكاء ليس على الحسين وإنما على الهريسة  وهنا الأمثال تضرب ولا يقاس بها .
إن المصلحة العامة في هذا الزمان زمان الفساد والفاسدين باتت تردد للترويج الأعلامي كشعار وكلمة حق يراد بها باطل ، الباطل الذي هو المصلحة الخاصة والشخصية للكوادر القيادية المتنفذة للأحزاب والحركات السياسية العاملة في الساحة السياسية لإدارة شؤون الدولة ، هكذا سوف نرى حقيقة الأمر عندما نحلل الأمور تحليلاً موضوعياً علمياً ومنطقياً في ضوء معطيات الواقع القائم ، وما يجري الآن على الساحة العراقية من خروقات وتجاوزات على المصلحة الوطنية العامة ونهب المال العام وإستشراء الفساد المالي والاداري في أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية بشكل مريب وانتشار الجريمة بكل أشكالها وشيوعها في كل مفاصل الدولة والمجتمع وشبه الغياب التام للخدمات العامة وإنتشار الأرهاب وغياب الأمن والآمان وسلطة القانون كلها ظواهر تجسد خير تجسيد لهذه الرؤية ، رؤية صراع المصالح الخاصة والشخصية للقيادات السياسية الحزبية تحت غطاء المصلحة الوطنية العامة .
هذا الصراع الذي تقوده الأحزاب السياسية المتنفذة والمشاركة في الحكم يقود البلاد يوم بعد آخر الى الهاوية السحيقة والى الخراب في كل مجالات الحياة ، واخيراً نقول لكل هؤلاء وبصوت عالٍ ومسموع كفاكم رياءً ونفاقاً وتشدقاً بالمصلحة الوطنية العامة وبكاءً على الهريسة وذرف دموع التماسيح على الوطن كذباً ونفاقاً ، نقول عودوا الى رشدكم وأعلموا بأن العراق هو وطن الجميع وهو بحاجة الى جهود الجميع بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه وهو ليس الحديقة الخلفية لدور أبهاتكم لتلعبون بمقدراته وثرواته كما تشاؤون وكما يحلو لكم ، وأعلموا وكونوا على يقين بأنه هناك من العراقيين الوطنيين الأشراف والأحرار بأن صبرهم محدود وأنهم يراقبون الوضع عن كثب ممن سيقولون لكم حينما تحين الساعة توقفوا عند حدكم وكفاكم عبثاً يا من عثتم في أرض العراق فساداً وخراباً ودماراً لقد دنت ساعتكم واقترب يوم الحساب وأعلموا أنه عندما يُجرح الوطن يكون انتقامه قاسياً ومؤلماً لمن لا يُعتبر وعندها لا يفيدكم الندم .
   

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 24 / ت 2 /2018 م         

26
في التربية والثقافة السياسية
حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية
( الجزء الأول )

خوشابا سولاقا
إن طبيعة الحياة الانسانية في صراع الانسان الأزلي من أجل البقاء تفرض عليه أن لا يعمل إن لم يكن له من وراء هذا العمل هدف معين ومن وراء الهدف غاية ومصلحة معينة ، وهذه الغايات والمصالح بطبيعتها تكون متنوعة في شكلها ومضمونها ، حيث قد يكون شكل المصلحة في العمل مصلحة عامة كأن تكون مصلحة وطنية أو قومية أو إنسانية أو مصلحة شعب معين أو مجتمع بعينه ، هذا قد يكون هو الظاهر للعيان من الوهلة الأولى ، ولكن يبقى الهدف الحقيقي غير ذلك بصورة غير ظاهرة والذي هو تحقيق مصلحة شخصية ، وقد تكون تلك المصلحة مادية أو قد تكون مصلحة معنوية مثل البحث عن الشهرة والسمعة والصيت والموقع الاجتماعي والمجد الشخصي وغيرها ، وفي أغلب الأحيان تكون الأثنين معاً ، ولكن ما لا يمكن أن يكون له وجود على أرض الواقع هو العمل من أجل مصلحة المجموع أو المصلحة العامة المجردة دون أن يكون هناك مصلحة خاصة ، وكذلك الحال لا يمكن أن يكون هناك وجود لعمل من أجل المصلحة الشخصية من دون أن يكون له علاقة معينة وإرتباط وثيق بالمصلحة العامة . وهكذا تبقى العلاقة بين العمل من أجل المصلحة العامة والعمل من أجل المصلحة الشخصية علاقة جدلية علاقة الغاية بالوسيلة ، ولكن عادة يكون الطرف الغالب في هذه العلاقة هو العمل من أجل المصلحة العامة وهنا تكون المصلحة العامة هي الوسيلة وتكون المصلحة الشخصية هي الغاية .
إن الآليات التي عادة تعتمد في تحقيق فعل هذه المعادلة في الحياة العملية في حقل السياسة وإدارة أنظمة الدولة المختلفة هي التنظيمات السياسية والجمعيات الاجتماعية المختلفة الأختصاصات من مؤسسات المجتمع المدني والأتحادات والنقابات العمالية والمنظمات الشبابية والطلابية والنسائية وأي أشكال أخرى من التجمعات المهنية .
حيث نرى عندما نستطلع مشاهد التاريخ الانساني السياسي إن الكوادر القيادية في مثل جميع هذه المؤسسات تعمل وتتصارع فيما بينها وتستقتل وتستميت في سبيل البقاء والاستمرار في مواقعها القيادية ، والكل يعمل وبشتى الوسائل المتيسرة والممكنة الشريفة منها وغير الشريفة وبما فيها التصفيات الجسدية لأقرب المقربين وإعتماد أساليب التشهير والإساءة على السُمعة بكل أنواعها وأشكالها لأزاحة بعضها البعض من هذه المواقع من أجل الأنفراد والاستئثار الكامل بسلطة القرار في تلك المؤسسات ، وهنا يفرض السؤال التالي نفسه ... هل من المعقول والمنطق أن تكون حماية ما يسمى بالمصلحة العامة في كل هذه الصراعات هي السبب في كل ذلك ؟؟  أم أن هناك شيء آخر أهم من المصلحة العامة غير ظاهر للعيان وغير معلن عنه ؟؟ ، والجواب المنطقي هو نعم يوجد هناك ما هو أهم بكثير من المصلحة العامة بالنسبة الى أمثال هؤلاء القادة ألا وهو المصالح والمنافع والأمتيازات الخاصة التي يحصلون عليها من خلال بقائهم في المواقع القيادية التي يقبعون فيها تقودهم الى خوض كل هذه الصراعات المريرة من أجلها . لو كانت المصلحة العامة وحمايتها هي السبب في هذه الصراعات لكان الانسحاب من هذه المواقع من قبل البعض لصالح البعض الآخر ممن هم أكفأ وأجدر بها هو الخيار المرجح وهو الخيار الأسهل والأنسب والأفضل من كل الخيارات الأخرى لحسم الأمور الخلافية بهدوء وسلام من دون شوشرة وسفك الدماء الغزيرة للمقربين على خشبة مسرح السياسة ، ومن دون اللجوء الى أساليب المكر والخديعة والعنف والتصفيات الجسدية وتدبير المكائد والمؤامرات والدسائس ضد بعضها البعض كما يحصل بين القيادات التاريخية التي تقود هذه المؤسسات السياسية المختلفة وغيرها ، والتاريخ مليء بمثل هذه الشواهد المرعبة التي تقشعر لها الأبدان .
إن الشيء الذي يهمنا التطرق إليه هنا على خلفية مقدمة هذا الموضوع الذي تم التعرض له بشيء من الأختصار ، هو إستعراض الطبيعة التكوينية للتنظيمات الحزبية والحركات السياسية التي تزرع العراق عرضاً وطولاً لغرض تسليط الضوء على الخارطة السياسية لواقع العراق الحالي وأفاق تطوره على المدى المنظور . وعليه وبناءً على هذه المنطلقات الفكرية تكون الطبيعة التكوينية لتركيبة هذه الأحزاب والحركات السياسية على النحو التالي :-
أولاً : أحزاب وحركات سياسية تكونت وتشكلت في بداياتها على أساس إلتقاء مجموعة كتل وفصائل سياسية متفقة في توجهاتها  الفكرية ورؤآها  وبالحد الأدنى من المشتركات سواءً كانت هذه المشتركات قومية أو وطنية أو غيرها من الخصوصيات وضمن إطار ما يسمى بالمصلحة الوطنية العامة أو المصلحة القومية العامة في مرحلة النضال التحرري القومي والوطني . لذلك فإن مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية تكون أواصر الوحدة وعناصر القوة فيها ضعيفة وغير مستقرة وغير منسجمة بالمستوى المطلوب وتكون بنيتها هشة ومعرضة الى هزات سياسية في مسيرتها على المدى المنظور ، وتكون ظروفها الذاتية والموضوعية الداخلية مليئة وحُبلى بالأنفجارات الخلافية العميقة تؤدي بالنتيجة الى حصول إنشقاقات في صفوفها وعودة كل فصيل وتكتل فيها الى وضعه المنفرد . طبعاً يكون مصدر تلك الأسباب التي تبعث الى الانفصال والتفكك والانشقاق هي تعارض وتقاطع وتصادم المصالح الأنانية الشخصية أو الخاصة في تقسيم المنافع والأمتيازات المادية والمعنوية بين قيادات تلك الفصائل المكونة لمثل هذه الأحزاب والحركات السياسية ، وتزداد هذه الأسباب وتحتقن وتتوسع قاعدة إنتشارها في حالة مشاركة هذه الأحزاب والحركات السياسية في السلطة وإدارة الدولة بسبب زيادة وتوسع حجم المنافع والأمتيازات التي توفرها وتمنحها لهم إدارة الدولة وممارسة السلطة .
وعندها لا يكون بوسع ما يسمى بالمصلحة العامة مهما كانت طبيعتها من المحافظة على الوحدة الحزبية الفكرية والتنظيمية على حساب ردم هوة الخلافات والأختلافات بين القيادات التاريخية للفصائل المكونة لمثل هذه الأحزاب والحركات السياسية على المصالح والمنافع والأمتيازات الفردية . وخير مثال حي على مثل هذه النماذج من الأحزاب والحركات السياسية في العراق على سبيل المثال وليس الحصر حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني الذي كان يقوده المرحوم مام جلال الطالباني والآن تقوده عائلته زوجته وأولاده ، وعادةً تصنف هذه الأحزاب ضمن نموذج الأحزاب الوطنية الديمقراطية واللبرالية العلمانية التوجه .
ثانياً : أحزاب وحركات سياسية تكونت وتشكلت بُنيتها الفكرية والتنظيمية على أساس الولاءات القبلية والعشائرية لقياداتها من إجل  تحقيق منافع إقتصادية ضمن إطار الأدعاء بالعمل من أجل المصلحة القومية العليا نظرياً ، ولكن عملياً وواقعياً تبقى مصلحة العشيرة والقبيلة والعائلة القائدة لها فوق كل المصالح والأعتبارات الأخرى ، أي تكون مصلحة العائلة القائدة في شخص زعيم القبيلة أوالعشيرة قرينة أو رديفة المصلحة القومية العليا ، أي بمعنى أن المصلحة القومية والوطنية والجماعة هي من مصلحة القبيلة وزعيمها . لذلك فان مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية التي تقودها قادة وزعماء القبائل والعشائر تكون فيها هي الأخرى أواصر الوحدة وعناصر القوة ضعيفة وهزيلة وتكون بنيتها التنظيمية والفكرية هشة معرضة لهزات الخلافات والانشقاقات والتفكك ، وتتغير طبيعة هذه البنية بتغير حجم وطبيعة المصالح المتحققة لصالح القيادات القبلية والعشائرية المتنفذة والمهيمنة بل المسيطرة على القرار السياسي للحزب في قيادات مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية إضافة الى مساعي الزعماء الأقوياء لإعتماد نظام التوريث لتولي قيادة الحزب ، وعليه عند حصول أي خلاف على المصالح والمنافع والأمتيازات بين القيادات القبلية والعشائرية المكونة لمثل هذه الأحزب والحركات السياسية يؤدي الى إعلان الأطراف التي تضررت مصالحها أو عند شعورها بذلك إنسلاخها وخروجها من الحزب وتشكيل حزب جديد خاص بها أو الأنضمام الى حزب مماثل يضمن لها مصالحها الخاصة .
وخير مثال حي وواضح على مثل هذا النموذج من الأحزاب هي الأحزاب ذات التوجه القومي والتي عادة وخصوصاً في بداية تكوينها وتشكيلها تدق على وتر تحفيز عناصر القبيلة والعشيرة والطائفة لغرض استقطاب وجذب وشد الجماهير البسيطة والساذجة حول محور التعصب القومي واستغلالها في صراعها مع الفصائل السياسية الأخرى المختلفة عنها في التوجه الفكري وخير مثال نموذجي على هذا الصنف من الأحزاب والحركات السياسية على الساحة السياسية العراقية الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب البعث العربي الأشتراكي والأحزاب القومية العربية التي تبنت توجهات الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ، وغيرها من الحركات السياسية التي لم تكتمل بعد تشكيل بُنيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية لتتحول الى أحزاب سياسية رصينة للمكونات القومية الصغيرة الأخرى لتكون قادرة على مواجهة التحديات التي تهدد وجودها القومي الطبيعي في أرض الوطن .
إن الصراعات والتصفيات الدموية والأنسلاخات التي رافقت التجارب التاريخية لهذه الأحزاب والحركات السياسية تقدم دليلاً ساطعاً وبرهاناً دامغاً على طبيعتها الفكرية والبنيوية غير المستقرة بسبب تذبذب المصالح الشخصية لقياداتها .

خوشابا سولاقا
بغداد في 22 / ت2 / 2018 م

نلتقيكم في الجزء الثاني وشكراً

27
في الدول المتخلفة ثقافياً وسياسياً واجتماعياً متى تَحِل ثقافة دولة محل ثقافة ثورة في الحُكم ؟
خوشابا سولاقا
الثورة بمفهومها الفلسفي ومنطقها الفكري ووفق كل الأعراف الفكرية والسياسية هي عملية تغيير جذري للواقع القائم الذي تتحكم فية مصالح أقلية مهيمنة ومتسلطة ليزيدها ثراءاً وتسلطاً على حساب بؤس الأكثرية المظلومة والمغلوبة على أمرها الذي يزيدها فقراً وبؤساً وشقاءاً وخضوعاً بغرض تحويله من حالة تنعدم فيها المساواة والعدالة الاجتماعية بين طبقات وشرائح المجتمع الى حالة مغايرة كلياً في معاييرها الانسانية والاجتماعية ، حالة أفضل من الحالة السائدة في تلبية حاجات وتحقيق طموحات وتطلعات الغالبية العظمى من الجماهير الشعبية المتضررة من الواقع القائم في الحياة الحرة الكريمة التي تليق بإنسانية الانسان ، وإذا حصل خلاف ذلك تكون الثورة قد فقدت مضمونها الاجتماعي ومعناها الثوري بالمعنى الصحيح ، أي بالأمكان تسميتها في هذه الحالة " باللاثورة " إن صح التعبير من النواحي الفلسفية والفكرية والسياسية والاجتماعية وحتى اللغوية ، وهذا الذي حصل في أغلب بلدان العالم المعروف بالعالم الثالث التي حكمتها أنظمة عسكرية سلطوية اغتصبت الحكم فيها عن طريق الانقلابات العسكرية الدموية في غفلة من الزمن تحت واجهات ويافطات وشعارات شوفينية قومية أو دينية أو الأثنين معاً أو بدعوات تحررية وطنية زائفة ومنافقة وأقامت من خلال ذلك  لنفسها أنظمة بثقافة دولة استبدادية فردية وديكتاتورية قمعية ظالمة استَعبدتْ عن طريقها شعوبها خير استعباد حيث كان هدفها الأول والآخير هو البقاء والأستمرار لأطول فترة ممكنة على كرسي السلطة للأنتفاع من أمتيازات السلطة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الشخصية والعائلية ، وسعت مثل هكذا دولة لتوريث السلطة بعد رحيل الجيل الأول من الأباء الى الجيل الثاني من الأبناء والأحفاد ، كما حدث في الكثير من الدول العربية والشرق أوسطية والأسلامية لتتحول بذلك من نظام الفرد الأستبدادي الحاكم الى النظام الثيوقراطي - الأبوي القريب جداً مما كان سائداً في النظام الأقطاعي الملكي
 ، وهذا الشيء ذاته أو ما هو قريب منه حدث في بلدان العالم الثاني أو ما كان يُعرف بالعالم الأشتراكي في أوروبا الشرقية والأتحاد السوفييتي وخارجها عندما تحولت قيادات أحزابها الثورية بعد وصولها الى السلطة بعد الثورة البلشفية في روسيا ودول المعسكر الأشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية من قادة ثوريين الى ملوك وقياصرة من غير تتويج رسمي وأسست لنفسها امبراطوريات بأنظمة ثقافة دولة استبدادية وديكتاتورية قمعية مقيتة ساد فيها الفساد المالي والأداري وسرقة المال العام والأثراء الفاحش للنخب السياسية الحزبية الحاكمة على حساب إفقار وبؤس وشقاء واستعباد الطبقات الفقيرة من الشعب مقابل تأمين لها الحياة البسيطة بأبسط شروطها الانسانية ، حيث ظهرت حقيقة هذا الواقع واضحة للعيان بعد الانهيار الدراماتيكي لهذه الأنظمة الفاشلة في وقت قصير في نهايات القرن الماضي ببروز طبقة ثرية رأسمالية ضخمة ولدت من رحم الطبقة الحاكمة في السابق التي تعاطت الفساد ، طبقة فاحشة الثراء تنافس في حجم رأسمالها وتأثيرها أثرى أثرياء العالم وقد وضح حجم وتأثير الفساد الذي كان مستشرياً في النظام السوفييتي السابق ميخائيل غورباشوف آخر رئيس للأتحاد السوفييتي في كتابه الموسوم " البيروسترويكا " كنموذج  صارخ .
هذه الأنظمة  التي أنتجتها القيادات العسكرية الأنقلابية في معظم دول العالم الثالث والقيادات الحزبية الثورية في جميع الدول الأشتراكية في العالم الثاني أنتجت سلطة دولة استبدادية ديكتاتورية قمعية ظالمة وليس دولة المؤسسات الدستورية يحكمها القانون المدني ذي النهج الديمقراطي ، أي أنها أنتجت دولة سلطوية أي بمعني أنتجت دويلات داخل الدولة السلطوية كما باتت تسمى اليوم " بالدولة العميقة " ، المولود الشرعي لظاهرة الفساد لفرض واستمرار سطوة واستبداد وهيمنة الحاكم بأمره باستعمال كل وسائل القوة القسرية المتاحة من خلال الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية لمصادرة إرادة الشعب واخضاعه لأرادته ولحماية واستمرار حكمه السلطوي وبالتالي حماية مصالحه الحزبية والشخصية وليس بناء دولة مؤسسات دستورية يحكمها القانون حيث يكون لكل مؤسسة من مؤسساتها ولكل سلطة من سلطاتها قانونها الخاص بها يحدد مهامها وواجباتها وصلاحياتها وحقوقها تحت سقف الدستور الذي يشكل المرجعية القانونية الوحيدة للفصل بين السلطات كما هو الحال في الدول الديمقراطية الحديثة التي أمّنَتْ وتُؤمن الحياة الحرة الكريمة لشعوبها بأقصى ما يمكن في كل مناحي الحياة بحسب مواردها المالية المتاحة .
هذا يعني أن الثورة أي ثورة حقيقية بعد أن تنجز التغيير المطلوب في طبيعة النظام القائم بالأساليب الثورية ووضع أسس النظام الجديد سياقات عمله ، على قادتها أن تبدأ بالأنسحاب التدريجي من ساحة السلطة بوضع الأسس الكفيلة لبناء دولة المؤسسات الدستورية المدنية الديمقراطية وترسيخها تدريجياً للعبور من مرحلة ثقافة الثورة الى مرحلة ثقافة الدولة وليس العكس أي تحويل ثقافة الثورة الى ثقافة ديكتاتورية الدولة السلطوية من خلال الأجهزة الأمنية والمخابراتية لأستعباد الشعب ومصادرة إرادته وكبح صوته وخنق حرياته .
الدولــــة
بمفهومها الشامل والمتعارف عليه بل والمجمع عليه من قبل فقهاء الفكر والقانون والسياسة وعلم الاجتماع في أرقى أنظمة الحكم في أكثر دول العالم المتحضر تقدماً وديمقراطيةً هي مؤسسة خدمية تسعى الى تقديم أفضل الخدمات المختلفة للشعب وبأقصى قدر ممكن من المساواة لتحقيق العدالة الاجتماعية في المجتمع على أساس الهوية الوطنية من دون التمييز بين مواطني الشعب على أساس الأنتماءآت والخصوصيات الفرعية بكل تنوعاتها ، وعلى أن يتم ذلك في الأطار العام للدستور الوطني للبلاد وفق قوانين تُشرع لتصميم الهيكل التنظيمي لها من حيث توزيع السلطات الرئيسية ، ومن ثم سن أو تشريع قوانين خاصة لتفصيل هيكلية كل سلطة من السلطات الرئيسية التشريعية والتنفيذية والقضائية والهيئات المستقلة وتحديد مهامها وواجباتها وصلاحياتها التنفيذية والقانونية وحقوق منتسبيها لضمان التوازن بين مكونات الشعب بمختلف انتماءآتهم وفق معايير الكفاءة والنزاهة والأخلاص والأمانة الوظيفية والولاء الوطني في مختلف مناحي الحياة بدأً بالتربية والتعليم والضمان الأجتماعي والصحة والخدمات البلدية كافة كالماء الصالح لاستعمالات الانسان والكهرباء ونظام الصرف الصحي وحماية البيئة الوطنية من التلوث ومكافحة الفساد في مؤسساتها بكل أشكاله وملاحقة الجريمة بلا هوادة وتأمين الأمن والأمان للمجتمع وصيانة وحماية سيادة استقلال البلاد من خلال تأسيس أجهزة أمنية وعسكرية مخلصة وحرفية وفائها للوطن فقط وضمان حرية الرأي والنشر والصحافة ووسائل الأعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة وضمان مع تقنين حرية نشاطات مؤسسات المجتمع المدني وفق القانون الذي يحدد مصادر وطبيعة تمويل نشاطاتها وذلك لحماية أمن البلاد من الأختراق من قبل جهات مخابراتية أجنبية تعمل تحت واجهات منظمات خيرية وإنسانية التي تسعى على استغلال تلك المؤسسات في الحصول على ما تبتغيه من معلومات لها مساس بالأمن الوطني .
أي أن الدولة في نهاية المطاف لتكون دولة بكل معنى الكلمة يجب أن تكون قاضي العدل الذي يحكم بالعدل وفق مبدأ الثواب والعِقاب وهذا ما يجعل الدولة مؤسسة ذي كيان وشخصية معنوية راسخة قائمة بذاتها لا تتغير بتغيير الأشخاص القائمين على  إدارتها .
في ضوء ما تم عرضه حول المفهوم الفلسفي والفكري والقانوني لكلٍ من الثورة والدولة ومقاربتهما مع وضع العراق الحالي سوف نجد أن الدولة بمعناها المذكور غائبة عن الوجود بسبب تسييس كل شيء في الحياة السياسية العراقية وفي المقدمة منها تسييس القضاء عملياً بامتياز ، وهذه الظاهرة الخطيرة أفضت بالضرورة الى غياب سلطة القانون وبالتالي غياب الدولة الراشدة صاحبة الصوت الأعلى في العراق وسيادة ثقافة الثورة الذي يعتمد أصلاً على القوة المسلحة التي تمتلكها الأحزاب السياسية المتنفذة والمهيمنة على القرار العراقي المتمثلة في الفصائل المسلحة بعناوينها المختلفة نيابة عن سيادة ثقافة الدولة ، وأن العراق في ظل هذا الواقع بات أسيراً لقواعد وضوابط منطق وثقافة الثورة يتم إدارته وفق هذا المنطق وليس وفق منطق وثقافة الدولة .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 7 / ث2 / 2018 م


28
أسباب سقوط وانهيار الأمم
خوشــابا ســولاقا
أثبتت الدراسات التاريخية التي أجرتها مراكز البحوث والدراسات العالمية المختصة في العالم أن التاريخ الإنساني شاهد ظهور أمم وتصاعدها وبلوغها قِمم المجد والعظمة في كل المجالات الحضارية والعلمية والعسكرية وغيرها ، ومن ثم بدأ نجمها بالأفول ومسيرتها بدأت تتراجع وتتداعى شيئاً فشياً الى أن وصل بها الأمر الى حالة الأنهيار الحضاري والأخلاقي والسياسي ثم السقوط في الهاوية في نهاية الأمر على يد أضعف أعدائها وخصومها من الأمم الأخرى .
هنا لا نريد أن نأتي بأمثلة عينية محددة ، ولكن بامكان القارئ الكريم أن يستعرض تاريخ الحضارات القديمة في العراق منذ عهد سومر والى اليوم ومصر واليونان والهند والصين وحضارات شعب المايا في أميريكا وحضارات أمم في أوروبا وغيرها من الأمم العريقة بتاريخها القديم ومن ثم يتأمل من خلال ذلك ما هي أسباب سقوط تلك الأمم وانهيارها ثم اندثار قسم منها ؟؟ ، وعندها سوف يكتشف وبقناعاته التحليلية أن هناك مشتركات أساسية ذاتها بين الأسباب التي أدت الى سقوط وانهيار واندثار تلك الأمم التي كانت حضاراتها قد وصلت الى قِمة المجد والتطور والرقي في زمانها ، ثم نرى أن بفعل تلك الأسباب المشتركة التي ساهمت في سقوط الأمم وانهيارها واندثارها ووصولها الى الحضيض بالرغم من اختلاف الثقافات والتقاليد القومية والبعد الجغرافي فيما بينها أن هناك علاقة جدلية تؤدي الى ذات النتائج .
وبالمقابل ظهرت وتصاعدت أمم أخرى لم يكن لها شأناً في السابق ، وما زالت سُنة هذه العملية التاريخية التراكمية سائرة في مسارها الطبيعي في صعود أمم الى قِمم المجد والعظمة وسقوط وانهيار واندثار أمم أخرى الى مزبلة التاريخ بالتوالي . 
لقد حصل اجماع الأراء والرؤى أو شبه إجماع على الأقل بين الباحثين والدارسين على أن الأسباب الرئيسية لسقوط وانهيار واندثار الأمم ، والتي هي في حقيقتها وجذورها التاريخية أسباب ذاتية داخلية توارثت من جيل الى جيل وتراكمت وتضخمت الى أن باتت أسباب مدمرة وقاتلة ، وأن مؤشرات وملامح سقوط وانهيار واندثار الأمم يبدأ من خلال بروز الظواهر التالية :-   
أولاً : شيوع فساد القضاء والتربية والتعليم .
ثانياً : شيوع خيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة
ثالثاً : شيوع تعاطي النفاق والتملق والرياء السياسي بين مثقفي الأمم
.
أولاً : بالنسبة الى شيوع فساد القضاء يعني غياب القانون وضعف السلطته الرادعة للجريمة والتجاوزات بكل أشكالها ، وغياب القانون يعني غياب الدولة وموتها ونهايتها كما قال إبن خلدون " فساد القضاء يفضي الى نهاية الدولة " ... إذن في ظل شيوع فساد القضاء يعني انتشار الجريمة بكل أشكالها ، وغياب الأمن والآمان والسلم الاجتماعي ، وسيادة قانون شريعة الغاب الذي في ظله القوي يأكل الضعيف والثري يشتري ذمم الفقراء ويسخرهم لخدمة مصالحه الشخصية ، ويتحول المجتمع الى ساحة لصراع الأرادات الخبيثة والبقاء حتماً سيكون للأقوى والأخبث والأكثر شراً ونفاقاً ورياءً ، هكذا تكون الصورة النهائية المأساوية للمجتمع في ظل شيوع فساد القضاء حيث يسود مبدأ الميكيافيللي الشرير " الغاية تُبرر الوسيلة " .
أما الكارثة الكبرى ستحل بالأمم والشعوب عندما يفسد نظام التربية والتعليم باعتماد معايير متخلفة مبنية على أسس المحسوبية والمنسوبية والخصوصيات الفرعية في القبول في الجامعات والتعيين في الوظائف ومنح الفرص ، هذا الأسلوب ينتج أجيال فاسدة وفاشلة تكون سبباً لشيوع كل أشكال الجريمة الأجتماعية وبالتالي فإن شيوع هذه الظاهرة تؤدي الى انهيار النظام الأخلاقي ونظام القيم الوطنية والأخلاص في العمل وتدني مستوى التعليم والكفاءة في الأداء وهذا ما نشهده اليوم بموجب نظام المحاصصة السيء الصيت في عراقنا .
ثانياً : أما بالنسبة الى شيوع خيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة بكل أشكالها في ظل غياب دولة قوية لها سطوتها التي تستمدها من قوة القانون وتفرض احترامها وهيبتها على الجميع بغض النظر عن الموقع الأجتماعي للفرد ومستوى مسؤوليته في مؤسسات الدولة يعني تفكك آواصر قوة الدولة والقانون وتماسكها مؤسساتياً ومهنياً ، وتعتبر خيانة الأمانة الوظيفية للمسؤول شرخاً كبيراً يؤدي الى خراب وانهيار بُنية الدولة ومن هنا تبدأ بداية النهاية للدولة المؤسساتية التي يستوجب أن يحكمها القانون . 
في تقديري أن أسوء أشكال الفساد هو خيانة الأمانة الوظيفية للموقع المسؤول واستغلاله للمصلحة الشخصية للمسؤول ، وهذا يعني فتح الباب أمام شيوع الفساد وانتشاره في الحلقات الأدنى منه باعتبار أن فساد المسؤول الأعلى يشجع الأدنى لممارسة وتعاطي الفساد وكما يقول المثل العسكرى " الوحدة العسكرية بقائدها " ، إن خيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة يجب أن تردع بأقصى وأقسى المحاسبات القانونية لتصبح درساً بليغاً لمن يُعتبر ويرعوي .
ثالثاً : أما بالنسبة الى شيوع تعاطي النفاق والتملق والرياء السياسي بين مثقفي الأمم من خلال وسائل الأعلام فإن هذا العامل يُعتبر من أكثر العوامل خطراً يؤدي الى سقوط واندثار الأمم في مرحلة ما عندما يستفحل هذا الفعل ويتحول الى مهنة تحترف تحت واجهات مختلفة الألوان ، لأن هؤلاء في الحقيقة هم من يصنعون خائني الأمانة والفاسدين وسراق المال العام من خير وجه حق ، وهم من يفسدون القضاء بأقلامهم وكلامهم ونفاقهم وريائهم النزق غير المسؤول المنطلق من خلفيات المصلحة الشخصية أو من خلفيات عنصرية قومية أو دينية أو مذهبية أو حزبية أو أية خصوصيات اخرى يشترك بها مع المسؤول الفاسد من دون مراعاة للأعتبارات الوطنية والأخلاقية ، لأن الفساد هو فساد لا ترجمة أخرى له ولا دين ولا قومية ولا مذهب له مهما كانت طبيعته وحجمه وشكله وآليات ممارسته في أجهزة الدولة والمؤسسات السياسية والأجتماعية والدينية وفي مقدمتها منظمات المجتمع المدني الممولة مالياً من قبل جهات مجهولة الهوية لربما مخابراتية بواجهات خيرية إنسانية  ... وهنا نستطيع القول أن " ثالثاً " هو من ينتج " ثانياً + أولاً " ، وعليه ولغرض القضاء على أسباب سقوط وانهيار واندثار الأمم علينا بالقضاء على النفاق والتملق والرياء السياسي والمتعاطين معها وذلك بالتصدي لها بنشر الثقافة المناقضة لثقافة النفاق والتملق والرياء السياسي التي تبرر وتبرئ الفاسد والفساد والخائن وخيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة لكي يتم من خلال ذلك حماية وصيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة في مؤسسات الدولة من استغلالها لصالح المسؤول ، وبالتالي حماية وصيانة القضاء من الفساد لأعادة قوة سلطة القانون الى مؤسسات الدولة وفرض هيمنتها واحترامها على أفراد المجتمع من دون النظر الى الموقع والمكانة الاجتماعية والموقع المسؤول للفرد وفقاً لمبدأ ليس هناك من هو فوق القانون وانما الجميع متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات مهما أختلفت مواقهم المسؤولة وموقهم الاجتماعي .
هذه الشريحة الاجتماعية الرثة ، شريحة المنافقين والمتملقين والمرائين والأنتهازيين من وعاظ السلاطين ومحامي الشيطان من المثقفين تحديداً هي من أكثر الشرائح الاجتماعية خطراً على إفساد السلطة وتنشأة الديكتاتوريات السياسية ، حيث تحول الجاهل الساذج بالتطبيل والتزمير لأخطائه الى سلطان جائر متغطرس لا يفلت وطني شريفٍ من جوره وظلمه وشره ... المثقفون المنافقون المتملقون والمراؤون هم صناع الطغاة الديكتاتوريون المجرمون لأنهم هم من يؤسسون لثقافة تمجيد وعبادة الفرد المسؤول وتأليهه ويحولون الأحمق الى جبار متغطرس لا يرى الآخرين أكثر من مجرد حشرات وضيعة وحقيرة تحت أقدامه ليدوس عليها من دون رحمة ورأفة .
مع الأسف الشديد هذا هو ما يجري الآن بحذافيره في العراق ، يجري بخطى حثيثة من قبل الكتاب المثقفين المنافقين والمتملقين والمرائين من وعاظ السلاطين ومحامي الشيطان في عملية اعلامية جبارة لصنع الفاسدين وسراق المال العام ومرتكبي الجريمة المنظمة وغسيل الأموال وتهريبها الى خارج الوطن .
صحيح قد أصبح الفساد هو السِمة الغالبة في مؤسسات شبه الدولة العراقية الحالية ، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال خلو تلك المؤسسات من الشرفاء الوطنيين المخلصين الأحرار من الذين يعملون ويواصلون الليل بالنهار من دون كلل وملل في مواقهم بجد واخلاص لملاحقة وكشف الفاسدين وأساليبهم الشيطانية الذين يحاولون سَتر عورتهم التي باتت مكشوفة بورقة التوت المتهرئة .
الفاسد يكون سارقاً حتماً بالنتيجة ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل سارق فاسداً في نظر القانون ، إن أشنع أنواع الفساد الذي يشكل جريمة جنائية ترتقي الى مستوى جريمة الخيانة العظمى هو خيانة الأمانة الوظيفية المسؤولة واستغلالها لأغراض منفعية شخصية ( استغلال الموقع المسؤول للأنتفاع الشخصي ) لأنه ليس مضطراً عليها ، وهذه هي عِلة المسؤول الكبير في العراق ، بينما السارق الذي يسرق بدافع العوز والجوع والحاجة الملحة من أموال الدولة أو من ممتلكات الآخرين لا تشكل سرقته هذه جريمة جنائية يحاسب عليها القانون بحسب وجهة نظرنا الشخصية لأنه مضطراً عليها على العكس من المسؤول الكبير ... ليعرف الجميع أن الدولة تُمهل ولا تُهمل مهما طال الزمن ، وإن الجرائم الجنائية لا تسقط لا بالتقادم ولا حتى بالوفاة ... إن يوم الحساب لقريبٌ وقادمٌ سوف ياتي لا محال عاجلاً أم آجلاً .
خوشابا  سولاقا
بغداد في 1 / ت2 / 2018
 

29
      الشراكة الإيمانية مع روما وضرورة وحدة كنيسة المشرق
خوشابا سولاقا
في ظل الظروف الصعبة والمأساوية المعقدة والمزدوجة في طبيعتها التي تمر بها أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين من جهة ، وكنيستنا كنيسة المشرق بكل فروعها ومسمياتها الحالية  في كل من العراق وبلاد الشام وفي العالم ، وفي ظل تصريحات قداسة أبينا البطريرك مار لويس ساكو الأول في 23 / حزيران / 2015 م من جهة أخرى ، بات موضوع تحقيق الوحدة الكنسية بين كنائسنا ذات الجذور المشرقية ضرورة موضوعية عقائدية مسيحانية وقومية ووطنية وانسانية ملحة للغاية بغرض تحقيق وتثبيت خصوصية هويتنا ووجودنا القومي والكنسي  العقائدي المسيحاني في أرض أبائنا وأجدادنا التاريخية لا تحتمل التأجيل لأي سبب من الأسباب  لأن تأجيلها تكون نتائجه في أحسن الأحوال هي المساهمة في تسريع وتهيئة الظروف والأسباب لزوال وانقراض وجودنا القومي التاريخي من جهة ، وضياع واختفاء الأرث الحضاري والتراث الروحاني لكنيسة المشرق العظيمة  مهد المسيحية في الشرق وانقراضه في موطن الأباء والأجداد منذ عام 48 م من جهة ثانية ،  وحتى  تشتته على أقل تقدير في المهاجر مع تشتت أبنائها بعد حين ، ثم ينتهي  ويزول من الوجود الى غير رجعة بنهاية الأجيال المهاجرة من أرض الوطن ، لأن مصير الأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد في تلك المهاجر يكون الأندماج والأنصهار الكامل في بوتقة مجتمعات المهاجر الغريبة ، وإن بوادر وملامح وأفاق هذه الظاهرة المؤلمة والمحزنة والخطيرة باتت ظاهرة للعيان وجلية على أرض الواقع ، وكل أب وأم يعيشون في المهاجر صاروا يعايشون هذه الظاهرة بألم مع أبنائهم وأحفادهم اليوم ، عليه فإن إنجاز مشروع الوحدة بين كنائسنا المشرقية الجذور ولو بأبسط صيغها صارت ينظر إليها بمثابة قارب النجاة لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا هذه الأمة المحطمة والمشردة قومياً وهذه الكنيسة الممزقة مذهبياً من الزوال والأنقراض والسقوط في هاوية النهاية من خلال التشبث بكل الوسائل الممكنة للبقاء في أرضنا التاريخية ، وربما ستشكل الوحدة الكنسية حافزاً قوياً لأستمرار هذا البقاء الذي قد يمد جذوره عميقاً في الأرض لينبت وينبعث ليثمر خيراً وبهاءً لهذه الأمة ولهذه الكنيسة من جديد ، وليدوم ظل هذه الشجرة الفردوسية الوارفة في أرض " بيث نهرين " الطاهرة خالداً خلود بابل وآشور ونينوى وأور وكل صروحنا التي تحدت عوارض الزمن لألاف السنين .   
وقبل الخوض في تفاصيل العلاقة بين " الشراكة الإيمانية المسيحانية " ووحدة كنيسة المشرق لا بد من المرور على شريط الذاكرة التاريخية للتذكير ببعض الثوابت العقائدية المسيحانية البديهية لكي لا يتيه القارئ الكريم بين تلافيف البدع التضليلية للأجتهادات اللاهوتية المفتعلة التي لا تمت بصلة الى جوهر العقيدة المسيحية الروحانية من قبل بعض القائمين على إدارة الكنيسة لغرض في نفوسهم المريضة لتحقيق مأربهم الشخصية الأنانية على خلفيات سياسية تاريخية ، كالأجتهادات اللاهوتية حول الأقانيم الثلاثة وعلاقاتها ببعضها البعض ، والأجتهادات حول طبيعة السيد المسيح بين أن يكون له طبيعة واحدة وهي طبيعة إلاهية أي أنه إله كامل وهو الله الأب ، وهنا نتسآءل هل يجوز للمخلوق مريم أن تولد الخالق الله الأب ؟؟ وبين أن يكون له طبيعتان طبيعة إلاهية وطبيعة إنسانية وبالتالي انعكست هذه الخلافات حول طبيعة السيد المسيح الى خلافات حول تسمية أمه العذراء مريم المقدسة بين أن تسمى " مريم أم الله " كما عند الكاثوليك عموماً وبين أن تسمى " مريم أم المسيح " كما عند كنيسة المشرق بشطريها وربما آخرين ، هذه الأجتهادات السقيمة والعقيمة المبتذلة الى حدِ ما وغيرها هي التي أدت الى تمزق وانشقاق كنيسة السيد المسيح له المجد كلها وليس في كنيسة المشرق لوحدها ، والمسيحيون جميعاً وفي جميع أرجاء العالم المعمورة حيثما وجدوا من الصين شرقاً الى سواحل قارتي الأميريكيتين على محيط الباسيفيك ( المحيط الهادئ ) غرباً ، ومن شواطئ السويد والنرويج وفنلنده وروسيا عند القطب الشمالي شمالاً الى رأس الرجاء الصالح في قارة أفريقيا وشيلى في أقصى جنوب أميريكا اللاتينية جنوباً ، كلهم يؤمنون  بالثالوث المقدس " الأب والأبن والروح القدس " وتبدء صلواتهم ودعواتهم بترديده ورسم علامة الصليب على صدورهم ، ويقرأون نفس الأناجيل الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا ويؤمنون بما فيها من كلام الرب يسوع المسيح ويعترفون بنفس التلاميذ الحوارين الأثني عشرة والتلاميذ الأثنين والسبعين الحاملين لروح القدس للتبشير بكلام الرب في كل جهات الأرض ، وقِبلة المصلين من جميع الكنائس تتوجه نحو الشرق والجميع لها نفس الصيغة الأيمانية بوحدانية الله ، وكلهم يؤمنون بوحدانية الأقانيم الثلاثة في وحدة الأب ، ولهم نفس الايمان بحياة الآخرة والجنة والنار ، والجميع يؤمنون ويقرون  بأن الحواري مار بطرس الرسول هو من قال له السيد المسيح " أنت الصخرة التي عليها أبني كنيستي وكل ما تعقده في الأرض معقوداً في السماء ، وكل ما تَحِلهُ في الأرض محلولاً في السماء " وهذا لا يعني اطلاقاً أن الجالس على الكرسي الرسولي لبطرس في روما أن يحكم كما كان يحكم يوليوس قيصر في زمانه !!! بل عليه أن يكون كما كان الرسول مار بطرس نفسه وليس سواه ، وهذا ما لم تفعله الباباوات خلفاء بطرس الرسول الذين توالوا الجلوس على كرسي روما من بعده مع الأسف الشديد لذلك لم يتمكنوا من المحافظة على أمانة الرب يسوع المسيح في المحافظة على وحدة كنيسته التي أسسها مار بطرس الرسول صخرة السيد المسيح له المجد ، كما والجميع يؤمنون بموت المسيح على الصليب وقيامه من بين الأموات في اليوم الثالث ومن ثم صعوده الى السماء في يوم الصعود بعد أربعين يوماً من القيامة ، وهنا أيضاً السؤآل يفرض نفسه فإن كان السيد المسيح هو الله وهو مات على الصليب .... هل يجوز أن يموت الله ؟؟؟ ، اي بمعنى أن جميع الكنائس في العالم تؤمن بالثوابت العقائدية المسيحية مئة في المئة ، فأين هو إذن الأختلاف في الجانب الروحاني الأيماني المسيحاني لكي نضعه شرطاً للشراكة الايمانية مع كنيسة روما لتحقيق الوحدة مع كنيسة المشرق ؟؟ ، إن الشراكة الايمانية متحققة أصلاً بين المؤمنين بالمسيح كافة من لحظة نطقهم بأسم الأب والأبن والروح القدس ورسم علامة الصليب على صدورهم لتلاوة الصلوات وتناول القربان المقدس ، ومنذ قبولهم للعماذ المسيحي . ما المطلوب أكثر من ذلك فعله من قبل أي مؤمن مسيحي لتكتمل شراكته الأيمانية مع أخيه المسيحي في كنيسة روما ؟؟ .
كل الكنائس الرسولية هي كنائس جامعة أي بمعنى كاثوليكية ، هل من الضروري أن يكون المسيحي في المشرق أو غيرها تابعاً ومطيعاً لإرادة وسيطرة وسطوة أسقف كنيسة الفاتيكان في روما مؤسساتياً وادارياً لكي تكتمل شراكته الأيمانية مع اخيه المسيحي الآخر ؟؟ ، إن هذا الفرض والذي هو من وضع وصنع البشر هو شكل من أشكال العبودية والأستعمار والنظام العبودي المناقض لجوهر العقيدة المسيحية السمحاء ، وإن هذا النهج لا يختلف قطعاً عن ما كان معتمداً وسائداً في نظام روما الوثني القديم قبل تحولها الى المسيحية على يد قسطنطين الأكبر سنة 324 م ، المسيحية بكل مضامينها ومفاهيمها تعني تحرير ذات الانسان من كل أشكال الظلم والعبودية والقهر الطبقي والعرقي والجنسي وأي شكل من أشكال التمييز التي تسلب حريته وإرادته وتجرده من انسانيته .
لذلك نجد أن الشراكة الايمانية بين المسيحيين المعمذين باسم الأب والأبن والروح القدس كاملة غير منقوصة لا تحتاج الى أية إضافات بشرية جديدة تكرس مضامين ومفاهيم العبودية الوثنية لروما القديمة بالخضوع لارادة أي طرف كان مهما تكون تسميته ، وإن المسحيين بعد نيل العماذ المسيحي يصبحون أخوان متساوون في الحقوق والواجبات على الأرض ، وفي يوم الدينونة عندما تحين ساعة الحساب عندها يقف المسيحي كائن من يكون بين يدي الرب الديان ، وسوف لا يشفع له ولا يفيده شيئاً غير أعماله بحسناتها وسيئآتها على الأرض في هذه الحياة .
إن تمزق وانشقاق كنيسة السيد المسيح له المجد لم يأتي بسبب اختلاف المسيحيين في عقائدهم الدينية ليختلفون في شراكتهم الايمانية كما يروج لها من قبل من يريدون  الاستمرار في فرض سيطرتهم الدنيوية المطلقة على غيرهم لسلب حريتهم وقمع ارادتهم ومصادرة حقوقهم واستقلالهم الاداري والمؤسساتي لأدارة شؤونهم الكنسية في أوطانهم بشكل مستقل ، بل أن التمزق والأنشقاق كان نتيجة لاختلافاتهم في الشراكة المؤسساتية لأدارة شؤونهم الكنسية بسبب مساعي الكنيسة الرومانية المستميتة لفرض سطوتها وسيطرتها الأستبدادية على الكنائس الوطنية الأخرى في باقي البلدان وإخضاعها المطلق لأرادة الكرسي الرسولي الروماني ، حيث بسبب هذه السياسة التسلطية الهوجاء المعتمدة من قبل روما والتي هي نتاج تفكير واجتهاد البشر من القائمين على هذه الكنيسة لأخضاع الآخرين لأرادة الجنس اللاتيني الروماني منذ القرون الأولى للمسيحية أدت الى تمزق وتشظي كنيسة السيد المسيح  له المجد بدءً بالكنيسة الأورثوذكسية والبروتستانتية وكنيسة المشرق والأنكليكانية الأنكليزية والمورمونية وغيرها من الكنائس وآخرها الكنيسة الأنجيلية  والحبل على الجرار ، وروما ما زالت تستميت في احتكار السلطة المؤسساتية الأدارية في الكنيسة الكاثوليكية وتجريد شركائها في الأيمان منها .
عليه نقول إن العائق الوحيد الذي الذي سوف يقف حائلاً أمام تحقيق الوحدة بين كنائسنا المشرقية بمختلف تسمياتها سوف يكون " الشراكة المؤسساتية الأدارية " التي تسعى كنيسة روما انتزاعها من الكنائس الأخرى تحت ستار " الشراكة الأيمانية " كما فعلت مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الحالية التي في الحقيقة لا تمت بصلة الى الشراكة الأيمانية ، لأن الشراكة الأيمانية شيء والشراكة المؤسساتية شيء آخر مختلف تماماً .
ولغرض أن تتطور الكنائس كل الكنائس ذات الهوية القومية الوطنية المشتركة والتي لها شراكة إيمانية مع روما ، يجب أن يكون لها استقلالية مؤسساتية ادارية قائمة بذاتها لأدارة شؤون كنائسها بشكل مستقل بما يلائم واقعها الاجتماعي الوطني أو القومي ، وهذا لا يتعارض ولا يتقاطع مع وجود شراكة ايمانية مسيحانية أممية تتجاوز حدود الأنتماءات القومية للأمم والحدود الجغرافية للأوطان والبلدان مع روما كمركز لكرسي بطرس الرسول .
نتمنى أن تكون رؤية وتفسير أبينا قداسة البطريرك مار لويس ساكو الأول في مبادرته المؤرخة في 23 / حزيران / 2015 م للفقرة الخاصة " بالشراكة الأيمانية مع روما " على هذا النحو الذي وضحناه في هذا المقال وليس سواهُ لتبقى كل الأبواب مُشَرّعة أمام انجاز مشروع الوحدة بين كنائس المشرق بكل تسمياتها الحالية ، وأن يكون قداسته قد استلم الضوء الأخضر بالموافقة على هذه المبادرة الكريمة من روما لأن من دون ذلك سوف لا تعدو العملية برمتها أكثر من مجرد زوبعة في فنجان وجعجعة بلا طحين والدوران في حلقة مفرغة مثل سابقاتها ويخرج الجميع من المولد بلا حمص .
كما ونتمنى أن تكون كنيسة روما في عهد قداسة البابا فرنسيس الحالي  قد تخلت عن نهجها في  فرض سلطتها المطلقة على من يشاركها في الشراكة الأيمانية من الكنائس الأخرى ، وأن تعتق شركائها في الأيمان من قيود التبعية والخضوع المطلق لسلطتها ، وأن تعيد النظر جملة وتفصيلاً بكل سياساتها الحالية تجاه الآخرين من الكنائس المختلفة معها في الماضي ، وصياغة سياسة جديدة أكثر عقلانية وموضوعية وواقعية تراعي فيها مصلحة واستقلالية الشركاء في الايمان وأن تتماشى مع طبيعة الحياة العصرية القائمة على مبدأ التحرر والأستقلال في تقرير المصير ، وأن تستوعب بروح مسيحية خالصة كل مستجدات ومتغيرات ومستوجبات العصر والتحديات الكبيرة التي تواجة المسيحية والكنيسة في العالم بشكل عام ومستقبلهما في الشرق الأوسط بشكل خاص  .
لأن الأستمرار في هذه السياسة القديمة – الجديدة ذات النهج التسلطي والأحتكاري للسلطة المؤسساتية الأدارية سوف تقود المسيحية والكنيسة الى مصير مجهول لا تُحمد عقباه على مدى الخمسين سنة القادمة .
ولكي تتجسد وحدة الكل في وحدة المسيح كما أرادها الرب ، على كنيسة روما كأكبر الكنائس المسيحية بعدد أتباعها في العالم أن تفعل ذلك لأنها الأقدر من غيرها على فعله ، ومن يسعى هذا المسعى هو من يكون كبير الكل وخادم الكل كما فعل السيد المسيح في حضرة العشاء الرباني لتلاميذه عندما أقدم على غسل أرجلهم وضرب بذلك مثلاً رائعاً في التواضع بين البشر ليكون كبيرهم خادمهم .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 24 / ت1 / 2018

 

30
الديمقراطية وظاهرة عبادة الفرد في العمل
السياسي وأين أحزاب أمتنا منها ... ؟؟
خوشابا سولاقا
إن عملية كيل وإغداق المديح والتبجيل من باب النفاق والرياء لفرد ما على نحو مبالغ فيه ووصفه بصفات تعلو فوق قدرة الأنسان الفرد والاقتراب به من مرتبة التقديس والتأليه المزيف ووصفه بمميزات خارقة ونعته بصفات لا تليق بقدراته وإمكانياته الفعلية ولا تنسجم مع سلوكه الحقيقي في تعاطيه مع الحياة ، إن هذا السلوك المنحرف والمنافق من قبل المحيطين والمقربين من رأس الهرم في العمل السياسي يؤدي بالنتيجة الى نشوء ظاهرة تقديس وعبادة الفرد في العمل السياسي وتشكل نقطة البداية لظهور وسيادة ديكتاتورية الفرد القائد .
هذه الظاهرة تتعارض مع الايديولوجية الديمقراطية كفكر وكمنهج وكممارسة عملية في العمل السياسي ، الديمقراطية التي تنادي بسيادة سلطة المجموع وليس سلطة الفرد وتؤمن بأنه يستحيل على الفرد مهما بلغ من القدرة والفطنة والذكاء الخارق وبعد النظر لن يكون الفرد مهما بلغ من شأن هو لوحده القوة المحركة للتقدم والتطور الأجتماعي ، فتطور التاريخ يكشف بوضوح وجلاء أن الفرد مهما يكون عظيماً وخارق الذكاء والقدرة يعجز عن تحديد مجرى تطور التاريخ والمجتمع ، وإن الشعب وحده بكامل شرائحه وطبقاته هو الذي يحرك ويصنع التاريخ وهذه هي سنة الحياة الطبيعية للتطور والتحول المتسلسل للحياة من الأدنى الى الأعلى في مسار هلزوني ، وهو الذي يرسم أفاق المستقبل ويحدد مسار تطور التاريخ البشري . إن الديمقراطية بطبيعتها تتعارض وتتقاطع فكراً ومنهجاً وسلوكاً وبشكل صارخ مع ظاهرة عبادة الفرد وتأليهه في العمل السياسي ، إلا أن التجارب البشرية عرفت هذه الظاهرة خلال سنوات طويلة من حكم الشعوب قديماً وحديثاً ، وخير مثال عليها في التاريخ الحديث فترة الحكم النازي الهيتلري في ألمانيا وحكم موسوليني الفاشي في إيطاليا والحكم الفاشي الديكتاتوري لفرانكو وسلزار في كل من اسبانيا والبرتغال وحكم ستالين ومن تلوه في الأتحاد السوفييتي السابق وبقية البلدان الشيوعية في أوربا الشرقية وكوبا والصين كانت خير دليل على إنتشار وسيادة ظاهرة عبادة الفرد في العمل السياسي .
هناك نماذج مماثلة في الشرق العربي الإسلامي والعالم الثالث أمثال جمال عبدالناصر في مصر وحافظ الأسد في سوريا والقذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق الذي جسد مثالاً بارزاً لظاهرة عبادة الفرد وتأليهه وتقديسه والأمثلة كثيرة ومتنوعة .
أوجه التشابه بين ستالين وصدام حسين
نتوسع قليلاً في مقارنة أوجه التشابه في تجربة حكم صدام حسين في العراق وتجربة حكم ستالين في الأتحاد السوفييتي السابق لا لسبب معين بل لكونهما قريبة جداً من بعضهما الى حد التطابق وتأثير وجود ظاهرة عبادة الفرد على طبيعة نظام الحكم والكوارث التي توالت على شعوب البلدين جراء استفحال هذه الظاهرة المقيتة وإنسحاب آثارها على من خلفها في إدارة البلاد
.
من خلال المقارنة الموضوعية بين التجربتين سنكتشف أن تجربة صدام حسين في الحكم كأنها كانت امتداد طبيعي لتجربة جوزيف ستالين وتكراراً لها في الحكم في الممارسات الديكتاتورية وتجسيد ظاهرة عبادة الفرد .
في الاتحاد السوفييتي انتشرت هذه الظاهرة إنتشاراً واسعاً بين أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم أنفسهم بما فيهم القيادات العليا ومنظماته المهنية وأجهزته العسكرية والأمنية ، وعلى أرضية هذه الظاهرة أنشأ ستالين نظام ديكتاتوري ذات الضبط الحديدي الصارم وانتقلت الظاهرة نوعاً ما بالإيحاء والتأثر والممارسة الى بعض أفراد وشرائح المجتمع . ويقول الزعماء السوفييت بهذا الشأن أن عبادة الفرد وتقديس شخص ستالين أديا الى التقليل من دور الشعب في قيادة وتوجيه الدولة والمجتمع ، وأديا أيضاً الى انتهاك خطير للقوانين الاشتراكية وقواعد الممارسة الديمقراطية وبالتالي شكلت إنتهاكاً خطيراً لطبيعة النظام الديمقراطي وجرّت تلك الانتهاكات الى عيوب كبيرة في التطبيق في ممارسة الحكم ، وعند المقارنة مع حكم صدام ، نجد أن هذا ما كان يحصل بالضبط  في العراق في المرحلة الصدامية وكأن الأحداث كانت تتكرر على نفس النسق وبنفس المنوال في العراق بالرغم من الفارق الزماني والمكاني بين المرحلة الستالينية والمرحلة الصدامية ، وبالرغم من الأختلاف الكبير بين طبيعة المجتمعين في كافة المجالات الحياتية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها .
حيث أن في المرحلة الستالينية في الأتحاد السوفييتي كان يعزى كل نجاح وكل إنجاز يحرزه الشعب السوفييتي في بناء النظام الاشتراكي وترسيخ الأشتراكية من أكبرها الى أصغرها والذود في الدفاع عن البلاد ضد الأعداء الى شخص ستالين لوحده حتى أصبح ستالين في نظر أنصاره ومؤيديه ومحبيه أنه شخص معصوم من الخطأ ، وإنه فوق مستوى البشر ، وأن في استطاعته أن يقود البلاد بمفرده دون العودة والاستشارة بقيادة الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك في الأتحاد السوفييتي ، ومن دون العودة الى الشعب من خلال مؤسساته الرسمية كمجلس السوفييت الأعلى والمؤسسات النقابية والمهنية ، وخلق بذلك أساليب بيروقراطية في القيادة حالت دون ممارسة النقد والنقد الذاتي والأبتعاد إن لم نقل التخلي الكامل عن نهج وآليات ممارسة الديمقراطية داخل تنظمات الحزب وأجهزة الدولة والتي أدت بالتالي الى سيطرة وهيمنة السلطة الديكتاتورية في الحزب والدولة من خلال إطلاق يد عصابة وزير داخلية ستالين " بيريا " وأجهزة امن الدولة ليفتك بكل صوت وطني حر ممن يعارض بالنقد سياسات ستالين الفردية ، وهذا ما كان يحصل بالضبط في العراق على يد صدام وجلاوزته من أجهزة الأمن والمخابرات بكل أشكالها . لقد ارتكبت عصابات ستالين القمعية مخالفات وجرائم فاضحة ضد القانون وحقوق الانسان وفتكت بعدد كبير من أبناء الشعب السوفييتي وخيرة قادة وأعضاء الحزب من الوطنيين المخلصين والمفكرين والكتاب والمثقفين وقادة الجيش لا لسبب ولا لجرم أرتكبوه بحق الوطن والشعب بل لأنهم قالوا لا لديكتاتورية ستالين وأبوا عن عبادة وتقديس شخصه المجنون المصاب بداء جنون العظمة حيث كان بحق هيتلر الأتحاد السوفييتي بامتياز ، وكما ارتكبت عصابات " بيريا " جرائم بشعة يندى لها الجبين وادت أساليب وممارسات ستالين الأنفرادية الأستبدادية الى الوقوع في أخطاء كبيرة وفادحة بالنسبة لبعض نشاطات قطاع الدولة التي لها مساس مباشر وفعال في مسيرة الأقتصاد الوطني كما حصل مع النشاط الزراعي على وجه الخصوص مما عاق الى حد ما نمو الأقتصاد والمجتمع السوفييتي إبان سنوات حكمه الديكتاتوري الذي دام زهاء الثلاثين عاماً ، ونلاحظ عند مقارنة ما حصل في زمن حكم ستالين نجده يتكرر في زمن صدام حسين في العراق بحذافيره ، وإنه حقاً شيء ملفت للنظر من تقارب تطابق الممارست بالنتائج والوسائل المتبعة من قبل الأثنين وحتى مواقع الأشخاص المنفذة لأرادة الدكتاتور الفرد المعبود ، كما أنه هناك تشابه مطلق بين موقع ودور " بيريا " وموقع ودور " علي حسن المجيد " الملقب علي كيمياوي ، إنه أمر غريب حقاً ما هذا التشابه ؟ هذا يدل على أن كل الديكتاتوريين أينما وجدوا وفي أي زمان ومكان هم متشابهين ومتماثلين في كل شيء فكراً ومنهجاً وسلوكاً وممارسةً .
ويرجح الساسة والمفكرين وعلماء الأجتماع وعلم النفس السوفييت هذه الظاهرة " ظاهرة عبادة الفرد " في بلادهم الى ظروف تاريخية موضوعية وشخصية معاً ، والظروف الموضوعية بعضها دولية مردها أن الأتحاد السوفييتي بصفته أول دولة عرفت النظام الأشتراكي ظل طوال سنوات عديدة موضع حصار البلدان الرأسمالية وهدفاً لتهديداتها المستمرة ، والبعض الآخر مردها داخلي يرجع الى أن الصراع الطبقي الذي استمر مدة طويلة بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا 1917 دون أن تَخفت حِدّتُهُ ، والى ما كان يوجد داخل الحزب الشيوعي نفسه إتجاهات سياسية متضاربة حول مختلف القضايا الملحة لبناء النظام الأشتراكي القائم على مبدأ " من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله " ومن ثم الأنتقال الى بناء النظام الشيوعي القائم على مبدأ " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " ، كل هذه الظروف والخلافات غير المحسومة قد دفعت الى وجوب قيام تنظيم قوي ذي ضبط حديدي وقيادة مركزية قوية واعية ومتمكنة ليتمكن من مواجهة التحديات الداخلية من جهة ومواجهة تحديات العدوان الخارجي من البلدان الرأسمالية من جهة أخرى لتثبيت أسس النظام الاشتراكي الجديد .
إن أغلب أصحاب هذا الرأي كانوا من الموالين لنهج ستالين ومن المؤيدين له ، وبُناءً على ذلك ولتأمين المتطلبات الضرورية لأنجاز هذه المهمة وتجاوز هذه المرحلة العضيبة والعبور بسفينة بناء النظام الأشتراكي الى شاطئ الأمان تولى ستالين تصفية العناصر المعارضة لسياساته الفردية الأستبدادبة ورؤآه الشخصية في الداخل جسدياً داخل أجهزة الحزب والدولة والمجتمع من دون رحمة كما حصل ذلك لأغلب قادة الحزب الشيوعي ومن ضمنهم رفيقه تروتسكي ووزيره الداخلية " بيريا " وغيرهم بالمئات ، وهذا ما قام به صدام حسين أيضاً في انقلابه على رفاقه في حزب البعث سنة 1979 عندما أزاح البكر من الرئاسة وقام بتصفية أكثر من خمسين من قيادة حزب البعث دفعة واحدة وبطريقة بشعة من المعارضين لنهجه الديكتاتوري الأستبدادي ، وكذلك تصدى ستالين بحزم وصرامة وصلابة لمجابهة المؤامرات للبلدان الرأسمالية في الخارج ، فاكتسب بذلك إحترام وثقة وتقدير البسطاء من المواطنين السوفييت الذين يجهلون ما يدور في خلجان نفس ستالين وأقبيته ودهاليز أجهزته القمعية ، وبذلك حصل على نفوذ واسع وشهرة كبيرة أهلته الى تنفيذ مشروعه الشخصي في الحكم على إقامة أكبر ديكتاتورية على وجه الأرض وقتل خلالها أكثر من إثنا عشر مليون إنسان سوفييتي ، كل ذلك فعله ستالين من أجل مجده الشخصي والذي على أثره دخل الى متحف التاريخ من أوسع أبوابها ولكن أية متحف للتاريخ إنه بالتأكيد متحف التاريخ الأسود ، هكذا يجب أن يكرم هؤلاء القتلة المجرمين السفاحين ليكونوا عبرة ودرس لمن يُعتبر ولكل من يسلك طريق الديكتاتورية وعبادة الفرد طريقاً للمجد وللمرور عبر مسالك الحياة السياسية ، والحكيم هنا بالاشارة يَفهمُ .
أما الظروف الشخصية فترجع الى شخص ستالين ذاته وطبيعة شخصيته المعقدة ، ويرى هؤلاء الساسة أنه كان إنساناً يتصف بالصلف والكبرياء والغرور والتعالي وحب الهيمنة والسيطرة وفرض الأرادة الذاتية على محاوريه  وعدم إحتمال النقد ، وهذه هي سِمات مشتركة تلازم كل الديكتاتوريين قديماً وحديثاً في كل بقاع الأرض .
هذه العوامل مجتمعة أدت الى ظهور ونمو ظاهرة العبادة الشخصية لستالين ، وهنا  مرة أخرى نرجع لأجراء مقارنة ومقاربة بين ستالين من حيث الظروف الموضوعية والظروف الشخصية مع صدام حسين لنجد أن هناك تطابقاً كاملاً في كل التفاصيل لنصل من خلالها الى استنتاج أن كل من صدام وستالين كانا شخصان في شخص واحد في كل صفاتهما وخصالهما وعاشا في بيئتين مختلفتين وزمنين مختلفين وكأن التاريخ يعيد نفسه ويعيد إنتاج شخصياته الشريرة على نفس النسق ولو بعد حين .
غير أنه إحقاقاً للحق وإنصافاً للتاريخ ينبغي أن لا يغيب عن البال أن ظاهرة عبادة الفرد وإن كانت في جوهرها تنافي القيَّم والمفاهيم الاشتراكية والديمقراطية والإنسانية والاخلاقية معاً فإنه من الخطأ الجسيم والضرر البالغ الخلط بينها كظاهرة كريهة وبين ظاهرة إحترام وتقدير الزعماء والثقة بهم ممن خدموا شعوبهم والبشرية بافكارهم وعطائهم وتضحياتهم وإنجازاتهم الفريدة وإبداعاتهم العلمية الفذة التي قادة البشرية الى ما هي عليه اليوم من رقي وتقدم ، هؤلاء غير أولائك الأشرار .
فالديمقراطية لا تهدد ولا تحجم الدور الذي يمكن أن يلعبوه ولعبوه هؤلاء القادة والمفكرين والعلماء والمثقفين الأفراد الأفذاذ في بناء المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ ولا تنكر لهم إسهاماتهم الفعالة في التطور والتقدم الأجتماعي في بلدانهم ، ومن واجب الشعوب والأمم تكريم زعمائه وقادتها وشخصياتها ممن كرسوا جهودهم لخدمتها ، وممن يكرسون أنفسهم لخدمة البشرية ولا يدخرون جهداً ولا وقتاً في بذل كل ما باستطاعتهم فعله من أجل قضية الحرية والديمقراطية في العالم ، ويزخر تاريخ البشرية بأمثال هؤلاء الزعماء الأفذاذ العظام الذين فرضوا إحترامهم بأفضالهم وأفعالهم على البشرية جمعاء ، وهنا لا أريد ذكر أسماء البعض دون الآخرين لكي لا يشكل ذلك تنقيصاً بحق من لم نأتي على ذكر أسمائهم . ولكن الخطر من الديمقراطية يأتي عندما تُستغل من قبل ذوي النزعات الفردية من بعض القيادات للتسلق عبر آلية الانتخابات الى قِمة الهرم حيث منها تسعى وتنطلق لتكريس ظاهرة عبادة الفرد وإقامة ديكتاتوريتة الفردية .

ظاهرة عبادة الفرد والواقع العراقي اليوم وأحزاب شعبنا 
إن ما تم ذكره بخصوص نشوء ظاهرة عبادة الفرد والمقارنة بين تجربة نظام ستالين في الأتحاد السوفييتي وتجربة صدام حسين في العراق في تجسيد هذه الظاهرة الكريهة يمكن لنا مقارنتها بما يجري الآن في واقع العراق على مستوى الأحزاب والتنظيمات السياسية من جهة وعلى مستوى الدولة من جهة أخرى ، حيث سنلاحظ بوضوح وجلاء أن ظاهرة عبادة الفرد وتقديسه موجودة على مستوى الأحزاب السياسية ولو بنسب متفاوتة من حزب لأخر ولكنها لا تنعدم في أي حزب من الأحزاب من أقصى اليسار الى أقصى اليمين من أحزاب اليسار وأحزاب اليمين القومي الى أحزاب الأسلام السياسي من كل الطوائف المذهبية من دون إستثناء . حيث نرى في هذه الأحزاب أفراداً في قِمة القيادة لهم سطوتهم وسلطتهم المستبدة على الآخرين من القادة وإنفرادهم في القرار في فرض ما يريدونه ورفض ما لا ينسجم مع تطلعاتهم وقناعاتهم الشخصية ، وكل ما ينقص هؤلاء القادة لتجسيد ديكتاتوريتهم الفردية والتي من خلالها تتجلى وتنجلي ظاهرة عبادة الفرد هو فقط وصولهم بأية طريقة كانت على سدة الحكم وجلوسهم على كرسي السلطة ، كما هي الآن ظاهرة على من يحكم العراق حيث يجري تجميع السلطات الأمنية والعسكرية في يد شخص رئيس مجلس الوزراء وخضوع السلطة القضائية لأرادته لدعمه في شرعنة كل ما يريد فرضه على الآخرين من الخصوم السياسيين والمعارضين .
إن الخارطة السياسية الحالية للعراق توحي وتؤشر بالسير نحو قيام ديكتاتورية من نوع جديد حيث يتجسد فيها يوم بعد آخر ظاهرة عبادة الفرد .
أما فيما يخص واقع أحزابنا الكلدانية السريانية الآشورية بمختلف تسمياتها فالأمر لا يختلف كثيراً عن واقع الأحزاب العراقية من حيث إنفراد بعض قياداتها بسلطة القرار في العقد والحل والتسلط على مراكز القيادة فيها وفق الطرق الديمقراطية التي يفصلونها حسب مقاساتهم والتي تبقيهم في مواقعهم الى أن يأخذ الله أمانته !!! ، فإن ذلك لا يحتاج الى مناقشة وجدال فتلك المواقع كأنها مسجلة بأسمائهم ولهم بها سند طابو إن صح التعبير !!! ، وليس من حق الآخرين أن ينافسوهم عليها ، وحتى أن ينتقدوهم أو يعارضوهم في الراي وإن فعلوا فإن الفصل والطرد والأقصاء وتشويه السمعة سيكون من نصيبهم ومن حظهم العاثر ، ونستطيع القول أن هؤلاء المطرودين من جنة المستبدين في أحزاب شعبنا محظوظين جداً ويحبهم خالقهم لكون الأنفراديين والديكتاتورين المستبدين في أحزابهم لا يمتلكون صلاحيات الحاكم الديكتاتور المستبد كما كانت لستالين وصدام للأعتقال وتوجيه تهمة الخيانة العظمى بحقهم بسبب تجاوزاتهم وأنتقاداتهم لحضرات قادة الضرورة لهذه الأحزاب المقدسة !!! ، ومن ثم تنفيذ حكم الأعدام بهم ، ولو كان لهؤلاء الديكتاتورين مثل هذه الصلاحيات لكان الكثير منا اليوم ينتظر يوم القيامة !!! . تصوروا إن القائد الحزبي لأحد هذه الأحزاب قد أقام دعوى قضائية في المحاكم الرسمية وهو ممثل شعبنا في البرلمان أستمد سلطتة من أصواتنا التي أوصلته الى موقعه هذا الذي يستقوى به على عضو لجنة مركزية ورفيق سابق مقرب منه ويطالبه بتعويض مالي قدره مئة مليون دينار لمجرد أنه إنتقده نقداً لاذعاً في وسائل الأعلام لتجاوزاته وخروقاته لسياقات التنظيم وسلوكه الانفرادي وتحكمه بمقدرات الحزب واستغلالها لمصالحه الشخصية ، أسألوا هذا القائد الفذ أين هو وحزبه من قواعد وأخلاق الديمقراطية التي يوسم بها تنظيمه ؟؟ ، تصوروا فرضاً لو كان لهذا القائد الحزبي سلطة الحاكم الأول في الدولة الديكتاتورية مثل دولة صدام حسين ودولة جوزيف ستالين ودولة الأسد والقذافي . هل كان يتورع ويتأخر لحظة واحدة عن تنفيذ حكم الأعدام برفيقه عضو اللجنة المركزية كما فعل كل من صدام وستالين من قبله بحق الكثيرين  من رفاقهم ؟؟ ، نحن لا نعتقد ذلك ، لأن هؤلاء جميعهم من طينة واحدة لا يطيقون النقد ولا يقبلون بالرأي الآخر ، بل يستميتون ويتشبثون بكل الوسائل للأستمرار في مواقعهم وفي الدفاع عن مصالحهم الشخصية وأمتيازات مناصبهم الرمزية التي يصدّقون بها عليهم الآخرين في السلطة . وخلاصة القول أن ظاهرة عبادة الفرد مهما كان دور وموقع الفرد المعبود في العمل السياسي سواءً كان ذلك داخل حزب سياسي أو في مؤسسة الدولة هي ظاهرة كريهة وسلبية لا بد من أن تتظافر كل الجهود الخيرة لمكافحتها وإستئصال جذورها منذ اللحظة الأولى لظهورها في العمل السياسي للحزب أو للدولة قبل استفحالها وتحولها الى سرطان قاتل يقضي على الحزب السياسي أو على الدولة في حالة ممارسة الحكم . الديكتاتوريون كلهم من ملة واحدة لا يختلفون عن بعضهم البعض باختلاف الزمان والمكان إلا بالصلاحيات  التي تخولهم بها مواقع السلطة التي يتبؤونها كما فصلنا ذلك فيما ذكرناه في هذا المقال . 

خوشــابا ســولاقا
25 / أيلول / 2018 م


31
التناقض الآشــوري بين الفكــر والواقــع
خوشــابا ســولاقا
كما هو معروف أن شكل وطبيعة النظام الأقتصادي والأجتماعي لأي مجتمع بشري يشكل البنى التحتية لواقع ذلك المجتمع ويشكل الفكر والثقافة بكل مكوناتها من آداب وفنون وطقوس وتقاليد وعادات وخصوصيات قومية وعقائدية البنى الفوقية له والتي هي انعكاساً للبنى التحتية  وليس نقيضاً لها كما هو حالنا نحن الآشوريين اليوم ، وبالرغم من حساسية طرح ومناقشة وتحليل هذا الموضوع عند البعض من أبناء أمتنا عند التطرق إليه بالشكل المباشر وكما هو واقع الحال لكونه مؤسف ومؤلم من جهة ولكون ما نتطرق إليه لا ينسجم ولا يتماشى مع رؤية البعض من مثقفينا الآشوريين للموضوع من جهة ثانية ، إلا أنه بالقدر نفسه لهو من الأهمية بمكان لأن نتناوله بالمباشر بموضوعية وواقعية من دون مراعاة لأية اعتبارات أخرى ومزاجات شخصية مهما كان وزنها وموقعها في المجتمع الآشوري لغرض وضع النقاط على الحروف ووضع الأصبع على الجُرح النازف الذي تعاني منه أمتنا الآشورية ، وكما ينبغي تعرية حالة هذا التناقض والأزدواجية التي يعيشونها أبنائُنا الآشوريين لمعرفة الذات كما هي من دون رتوش تجميلية أو بالعكس منها وذلك لفضح ريائنا ونفاقنا وكذبنا ودجلنا القومي كمرجعيات سياسية وكنسية واجتماعية بشكل خاص وكمجتمع بشكل عام بين ما يفكرون به ويتحدثون عنه ليلاً ونهاراً في كل المناسبات صادعين رؤوس سامعيهم بصراخهم وعويلهم وبكائهم على أطلال آثار أبائهم وأجدادهم في آشور ونينوى وبابل ونمرود وبين ما يفعلونه في واقعهم تجاه بعضهم البعض تحت واجهات التسمية القومية والمذهبية اللاهوتية الكنسية لتدمير وهدم ذلك الصرح التاريخي لتراث حضارة أبائهم وأجدادهم القدامى .
 إنه حقاً ووفق كل المعايير والمقاييس الاجتماعية والفكرية والقانونية وحتى الأخلاقية تناقض صارخ ومخجل وإزدواجية مقرفة تُدمي منها القلوب وتُدمع لها العيون فأين دور وفعل الضمير القومي لنا الذي نتشدق به جهاراً ونهاراً بين هذا وذاك يا أبناء أمة آشـــور الآيلة الى الزوال والأنقراض في متاهات المهاجر الغريبة وأنتم نياماً نوم أهل الكهف !!؟؟ ماذا سيكون جوابكم مستقبلاً لأبنائكم وأحفادكم والتاريخ إذا سألوكم عن ما آلت إليه أمتهم ؟؟ ، هذا إن بقى في ذاكرتهم ووعيهم شيءً أسمه الأمة الآشــورية التي صدعتم بها رؤوسهم عندما كانوا أطفالاً صغار ؟؟ .
الجميع رجالاً ونساءً شباباً وشيباً فتياناً واطفالاً في كل أماكن تواجدهم وفي لقاءاتهم في المناسبات العامة والخاصة وكل جلساتهم في المقاهي وحانات الشرب واللهو وحتى وهم على موائد الأفطار والغداء والعشاء وفي كنائسهم وهم يؤدون الصلاة لربهم وربما حتى في أحلامهم وهم نياماً في فراشهم يتحدثون بأعلى صوتهم بحرقة ومرارة مع ترقرق الدموع في حدقات عيونهم عن مجد وعظمة حضارة أبائهم وأجدادهم الآشوريين القدامي وفضل تلك الحضارة العريقة على البشرية جمعاء ، وهذا شيء لا ينكر بأنه شعور جميل وطيب وهو ما يجعل الانسان يلتصق أكثر وبقوة واصرار بجذوره وتاريخه ووطنه وينمي في كيانه استعداده للتضحية من أجل استمرار آصالة الأنتماء الى تلك الأمة وحضارتها في أرضها التاريخية ، أي بمعنى الوطن التاريخي ، هذه الخصال هي ما جعلت أبناء أمتنا الآشورية عندما كانوا مقيمين في أرضهم في قصباتهم وبلداتهم وقراهم الصغيرة والمعزولة في وديان الجبال الشاهقة يتميزون به عن المجتمعات الأخرى التي تشاركهم العيش لأن يحافظوا على وجودهم القومي وتراثهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم وكل خصوصياتهم القومية قبل أن ينتقلوا للعيش في حضائر وحضائن المدن الكبرى التي جعلهم العيش فيها يشعرون بنوع من الغربة وعدم الانسجام مع شركائهم المختلفين عنهم في أمور ومعتقدات كثيرة ، إضافة الى دور الغرباء من المستعمرين الغربيين الذين غذوا ونموا وعززوا فيهم شعور عدم الرضى واستحالة التعايش مع شركائهم المختلفين عنهم قومياً ودينياً لغرض في أنفسهم ، لذلك بدأوا بالبحث عن بديل آخر أكثر قرباً منهم وأكثر انسجاماً  مع معتقداتهم الدينية وبعض خصوصياتهم الانسانية والاجتماعية من دون أن يدركوا بأنهم وضعوا أنفسهم بواقعهم الجديد هذا في تناقض مع ما كانوا وما زالوا يفكرون به من انتمائهم القومي والحضاري والتاريخي ، وبالنتيجة أصبحوا غرباء عن الوطن الأم وحتى عن الأوطان البديلة وحتى غرباء عن حقيقة مشاعرهم الداخلية ويعيشون حالة من الصراع النفسي بين الهروب من ماضيهم العتيد الذي يلاحقهم في كل خطواتهم وبين أرضاء متطلبات واقعهم الجديد في المهجر ، إنها في الحقيقة ازدواجية الحياة الصعبة للموائمة والملائمة بين ما هو راسخ ومتجذر في الذهن والمشاعر والأحاسيس الانسانية في الكيان الانساني للفرد الآشوري وبين ما يُمني نفسه به بكل تناقضاته المفروضة على الحياة على أساس القبول بالأمر الواقع  كما هو كتحصيل حاصل .
عندما نأتي ونطبق ما ورد في أعلاه على واقع حياة الآشوريين في مواطنهم الأصلية نجدهم كما ذكرنا يتكلمون كثيراً عن الوطن التاريخي وعن حضارتهم العريقة وتراثهم الفكري وأثره الكبير في الحضارات الانسانية إلا أنه نجدهم في المقابل قليلي وشحيحي في عملهم من أجل تحقيق وترسيخ ما يتكلمون عنه كثيراً وبلا حدود وفي ذات الوقت نجدهم شديدي الرغبة والأندفاع نحو الهجرة في ظل وجود أسباب وعدمها وترك الوطن لأتفه الأسباب والمبالغة في أكثرها وتهويلها أو اختلاقها في أحيان كثيرة لا نعرف دوافع أغلب الناس من وراء هذا السلوك الذي يفضي في النهاية المحتملة الى إنقراضهم كأمة من الوجود ، ونرى أبنائها اليوم يتوسلون على أبواب السفارات والقنصليات الأجنبة طلباً للهجرة واستعطاف مشاعر الآخرين لقبولهم وإيوائهم في بلدانهم كلاجئين لا مأوى لهم يقيهم برد الشتاء وحر الصيف ، إنه حقاً الخيار الصعب المجهول لمستقبل أمة تدعي بأنها تريد الأنبعاث واستعادة مجدها التاريخي في كيان خاص بها قائم بذاته ، وهي لا تدرك مخاطر وتداعيات خيار الهجرة على مصير الوجود القومي لها في الوطن والمهجر معاً .... هذا هو التناقض بعينه وتلك هي الأزدواجية في السلوك الغير متحضر بين ما تفكر به أبناء أمتنا الآشورية عند الكلام عن التاريخ والآصالة والحضارة والحقوق القومية وغيرها من الأحلام الوردية وبين لهاثهم وتوسلاتهم على أبواب القنصليات والسفارات الأجنبية طلباً للهجرة أينما يكون المكان !!! .
هذه هي ازدواجية وتناقض الموقف في رؤية الفرد الآشوري مع ما يريده ويتمناه  ويحلم به وبين ما يفعله ويقوم به في واقعه على الأرض . هذا التناقض وهذه الأزدواجية بين الفكر وبين السلوك تؤشر على عبثية وعشوائية الانسان الآشوري المعاصر وفقدانه لبوصلة التوجه وغياب الوعي والنضوج الفكري القومي الحقيقي لديه لمعرفة ما يريده وما يناسبه من أهداف على المدى الأستراتيجي للنضال القومي والعمل السياسي والاجتماعي الآشوري .
عندما نُقّيَم الهجرة لا بد لنا أن نُقييمها من خلال النظر إليها من منظارين مختلفين ، فعند النظر اليها بمنظار الفرد أي هجرة الفرد وعائلته لأي سببٍ كان وكل ما يهمه من أمور من دون ربط ذاته بأمة فعندها تكون كل الأسباب والأعذار والمبررات التي تدفع الانسان الفرد لأن يهاجر وطنه التاريخي مقبولة ومبررة ولا عتب عليه ، أما عند النظر الى الهجرة بمنظار الأمة على ضوء بقائها أو انقراضها من الوجود كما هو حال هجرتنا لأرض الوطن فعندها يختلف الأمر كلياً وجذرياً وسوف تكون كل الأعذار والأسباب والمبررات موضع عدم الرضا والقبول من وجهة النظر القومية والقانونية والاخلاقية والانسانية ، لأن في مثل هذا الوضع سوف نكون أمام خيارين لا ثالث لهما وهما رفض الهجرة على حساب بقاء الوجود القومي لأمتنا في أرض الأباء والأجداد التاريخية ، أو قبول الهجرة على حساب انقراض الوجود القومي للأمة في ارضنا التاريخية وانصهار المهاجرين منا قومياً واجتماعياً وسلوكياً في بودقة مجتمعات المهاجر 
إن أغلب الأباء والأمهات المولودين في الوطن والمقيمين حالياً في المهاجر يعانون ويقاسون كثيراً من سلوكيات أبنائهم وأحفادهم المولودين أو المتربين في المهاجر حيث هناك بون GAP  شاسع بينهما في كل شيء ، من هنا تبدأ الخطوة الأولى الى جانب عدم التحدث بلغة الأم نحو الأنصهار القومي والضياع الاجتماعي لكل خصوصياتنا القومية ، لقد صدمتنا صورة مسجلة فيديووياً للدبكة الفلوكلورية الآشورية من الكونفينشن الآشوري ما قبل الآخير المُقام في ولاية أريزونا الأمريكية والمرسلة إلينا من قبل أحد الأصدقاء الطيبين مشكوراً ، بأي زيٍ كانت !!! أكيد لم يكن الزي الآشوري الفلكلوري المعتاد كما قد يتوقع البعض ، هذه المظاهر وغيرها من السلوكيات الغريبة هي مؤشرات واضحة لمستقبل أبناء أمتنا في المهاجر وأين سوف ينتهي بهم الدهر !!! ، كانت الصورة تعبيراً وتجسيداً حقيقياً لنموذج الأنصهار المتوقع في مجتمعات المهجر فكراً ونهجاً وعملاً .
هكذا هو التناقض الذي يعيشه الانسان الآشوري وازدواجيته بين القول والفعل وهو ما يقودنا الى الزوال والأنقراض والأنصهار مستقبلاً ، متى نستفيق من هذه الغفوة ونعود الى رشدنا لنرى طريقنا في الحياة لننقذ ما يمكن إنقاذه من مجد أجدادنا العِظام في أحضان الوطن التاريخي ؟؟؟ .   

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 14 أيلول / 2018 م 

32
في الثقافة ... ماذا يعني الوعي ؟؟
خوشابا سولاقا
إن ما يميز الكائن البشري " الإنسان " عن بقية الكائنات الحية الأخرى في الطبيعة هو امتلاكه لما نسميه " الوعي " والذي هو النتاج الطبيعي لنشاط الدماغ البشري الذي يستلم الأشارات الصادرة من الأفعال وردودها من محيطه الخارجي عن طريق الحواس الخمسة ليحللها ومن ثم بصوغها وفق نسقٍ محدد ليعكسها كسلوك إنساني بوعي عقلي متحكم به ومسيطر عليه وغير خاضع لإرادة فعل الغريزة كما هو عليه الحال لدى غيره من الكائنات الحية الأخرى في الطبيعة .
هذا الوعي الذي من خلاله يستطيع الإنسان أن يفهم ماهية الأشياء ودوافع الأفعال التي تحصل من حوله ، وسلوك من تعيش معه من الكائنات التي تشاركه الحياة في الطبيعة ، ويفهم ما يدور حوله من النشاطات والافعال في الحياة الاجتماعية ويميز فيما بينها دون سواه من الكائنات الأخرى التي تُسيّرها وتُوجهها وتتحكم بأفعالها وردود أفعالها الغرائز المختلفة مثل غريزة إشباع الجوع والعطش والدفاع عن النفس وغيرها ، ومن خلال الوعي يحدد الانسان لنفسه رأياً بكل فعل من الأفعال التي تصدر من حوله مهما كانت مصادرها وطبيعتها ، ويكَّون له موقف تجاهها وتجاه ما يحصل من الظواهر الاجتماعية والطبيعية ، والوعي بالتالي لدى الانسان هو عبارة عن رد فعله كإنسان تجاه كل الأفعال والظواهر في الطبيعة والمجتمع ، وكذلك هو رد فعله تجاه بني جنسه كفرد في الحياة الاجتماعية وكيفية التعامل والتعايش والتآلف مع تلك الأفعال جميعها وتطويعها وتوجيهها والسيطرة عليها وتسخيرها ووضعها في خدمته كإنسان أو كفرد ، وبالنظر للتميز الفريد الذي ينفرد به الانسان ألا وهو إمتلاكه للوعي العقلي دون غيره من الكائنات الحية هو الذي يعطيه السيادة المطلقة والتحكم  بحركة تطور الحياة الاجتماعية ، وهنا نحاول أن نقدم ولو بشكل مبسط ومقتضب تعريف وشرح عن مفهوم الوعي وأشكاله المختلفة .
الوعي الحقيقي : هو ما يتكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم وانطباعات عن الحياة الاجتماعية وعن الطبيعة وظواهرها من حوله في مختلف نواحيها وجوانبها المتنوعة المتآلفة والمتوافقة منها أحياناً والمتصارعة والمتناقضة منها أحياناً أخرى في عملية التطور التاريخي للحياة الاجتماعية والطبيعية على حدٍ سواء تجعله قادراً على فهم كل الأفعال وردود الأفعال الصادرة من محيطه الطبيعي والاجتماعي ، والتمييز فيما بينها وأستيعابها ومن ثم التعامل معها بالشكل الذي تخدم أغراضه وتطلعاته المستقبلية .
الوعي الزائف : يتكون الوعي الزائف عندما تكون أفكار الأنسان ووجهات نظره وانطباعاته ومفاهيمه التي تكونت لديه غير متطابقة وغير مستوفية  لفهم ما يحصل في محيط الواقع المادي الحي للحياة من حوله ، أي عندما تكون الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تكونت لديه جامدة وقاصرة وغير واقعية وموضوعية وفعالة في متابعة حركة تطور هذا الواقع تاريخياً على امتداد مراحل الزمن .
الوعي الجزئي : يتكون الوعي الجزئي عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره وانطباعاته ومفاهيمه مقتصرة على جوانب أو نواحي معينة ومحددة من الحياة دون غيرها من الجوانب الأخرى ، أوغير شاملة لكل الجوانب والنواحي المترابطة بشكل جدلي والتي تؤثر وتتأثر ببعضها البعض في عملية التطور التاريخي للحياة .
الوعي الطبقي : يكون هذا الوعي وعياً طبقياً محدداً عندما يرتبط بمصالح ومنافع طبقية معينة وقتية ، كأن تعي طبقة الأقطاعيين ضرورة استمرار سيطرتها واستغلالها لطبقة فقراء الفلاحين المعدومين في استثمار الأرض وخيراتها من دون أن تأخذ بنظر الإعتبار مصلحة طبقة الفلاحين العاملين في الأرض والمنتجين لخيراتها المادية بأن تكون شريكة لها ( طبقة الأقطاعيين ) بشكل ما وأن تكون لها  حصة فيما تنتجه جهودها من تلك الخيرات ، أي بمعنى أن طبقة الأقطاعيين تؤمن بأن كل ما تنتجه الأرض من خيرات مادية تعود بالتالي الى من يمتلكها وليس الى من يفلحها ويزرعها ويسقيها ويجمعها .
كذلك تعي الطبقة البرجوازية الرأسمالية الصناعية ضرورة استمرار استغلالها واستثمارها لجهود الطبقة العاملة في مصانعها ومعاملها وورشها الصناعية ومشاريعها الانتاجية لتعظيم فائض القيمة لصالحها من دون مراعاتها للحقوق الطبيعية والقانونية وضمان مستقبل تلك الطبقة التي تُشغل تلك المصانع والمعامل والورش والمشاريع وتنتج ما تنتجه من خيرات مادية بأن تكون شريكة لها فيما تنتجه وأن يكون لها حصة منصفة فيها ، بل تسعى من خلال استغلالها الظالم للطبقة العاملة على مضاعفة فائض القيمة لقوة عمل الطبقة العاملة لزيادة أرباحها على حساب إفقار وبؤس هذه الطبقة التي لا تمتلك غير قوة عملها في عملية الأنتاج الرأسمالي الصناعي ، حيث يؤدي ذلك الى زيادة الطبقة البرجوازية الرأسمالية ثراءً وظلماً وزيادة الطبقة العاملة فقراً وبؤساً وشقاءً ، وهذا هو العامل الثوري الفعال الذي يُنَضج الظروف الموضوعية والذاتية للطبقة المستَغَلة لتفجير ثورة إجتماعية شاملة ضد ظالميها لتغيير النظام الأجتماعي القائم وإقامة نظام أجتماعي جديد أكثر عدلاً وإنصافاً ويقلص من هوة الفوارق الاجتماعية بين الطبقتين الاجتماعيتين مالكي وسائل الأنتاج والعاملين على تشغيل تلك الوسائل .
وعي التحرر من الظلم : كذلك هناك وعي تفرضه الضرورة الإنسانية لخلق القدر الأكبر من العدالة الاجتماعية والانصاف والمساواة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في المجتمع الإنساني التي تشترك في عملية الأنتاج للخيرات المادية له ، مثلاً كأن تعي طبقتي الفلاحين والعمال المنتجتين للخيرات المادية للمجتمع ضرورة تحررها من الأستغلال الظالم لطبقتي الأقطاعيين والبرجوازيين الرأسماليين الصناعيين ونيل كامل حقوقهما التي تجعلهما تعيشان بكرامة من دون مذلة وبؤس وشضف العيش مع ضمانهما لحقوق طبقتي الأقطاعيين والبرجوازيين الرأسمالين الصناعيين لتضييق هوة تفاوت مستوى المعيشة وشروط الحياة الحرة الكريمة بينهما وليس المساواة الكاملة في كل شيء كما قد يعتقد البعض ، بل ضمان العيش بكرامة للجميع من دون مصادرة وهدر لإنسانية الإنسان لأي طرف من أطراف عملية الانتاج للخيرات المادية للمجتمع وفق مضمون نظرية العقد الأجتماعي بين الطبقات الاجتماعية المتناقضة مصالحها لخلق نمط من التوازن الاجتماعي المقبول في المجتمع .
الوعي الإنساني الشامل المتقدم : فهو يتضمن تلك الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم والثقافات التي تضع مصلحة الإنسان كإنسان فوق كل الأعتبارات الأخرى ، والتي تتطابق وتتوافق مع شروط الواقع المادي الموضوعي في حركته والتي تتطور باستمرار مع تطوره ، لا يحدها في ذلك أية نوازع من قبيل تعصب منهجي جامد ، ولا أي تعصب أثني قومي عنصري شوفيني ، ولا أي تعصب ديني متشدد ومتطرف ، ولا أي تعصب مذهبي طائفي مغالي في أحقاده وكراهيته للآخر المختلف ، ولا أي تعصب طبقي قصير النظر وضيق الأفق ، ولا أي مصلحة مادية عابرة ، وإنما يجب أن يبقى الشعور الإنساني هو المهيمن والمسيطر على كل أفعال وردود أفعال الإنسان والمتحكم بها من أجل بناء الحياة الحرة الكريمة التي تليق بهذا الكائن العظيم الشأن " الانسان " .
بالرغم من أن الوعي الإنساني ينشأ في النهاية كنتيجة حتمية لتأثير العوامل المادية في الحياة على الإنسان ، إلا أنه من الممكن أيضاً أن ينشأ في أحيان أخرى وبالأخص خلال فترات الانتقالات التاريخية من تاريخ تطور المجتمع البشري نتيجة لأنعكاس أفكار ووجهات النظر ومفاهيم تاريخية على الإنسان ذاته .
كل إنسان عاقل هو على درجة معينة من الوعي ، الحقيقي الكامل أو الزائف أو الجزئي  أو الطبقي أو التحررمن الظلم أو الانساني الشامل  ، إلا أن التعليم يبقى يساهم بنصيب ملموس مؤثر في خلق هذا الوعي بالأضافة الى دور تأثيرات العوامل المادية والتاريخية في تكوين الوعي الإنساني وتطويره وتغييره كماً ونوعاً من مستوى أدنى الى مستوى اعلى .
هكذا نرى في النهاية أن الوعي هو حالة إنسانية فكرية متغيرة تتغير بتغيير الحياة وتتوسع حدودها بتوسع مستجدات ومتغيرات وتطورات الحياة الإنسانية نفسها وتتوسع أيضاً بتوسع ونمو رغبة الإنسان الجامحة وطموحاته اللامحدودة الآفاق للمعرفة والعلم لأكتشاف المزيد من أسرار الحياة والطبيعة والكون ، وإن قوة إرادة الإنسان على التفوق والتطلع الى أبعد آفاق المعرفة هي المصدر الملهم لوعيه الخلاق اللامتناهي ..
 بالتالي في الوعي الإنساني تتجسد قوة إرادة الحياة الإنسانية في مواجهة التحديات الكونية بمختلف أشكالها وأنماطها ، وإن اختراعات واكتشافات الإنسان العلمية في العصر الحديث لهي خير دليل على قوة وفعالية وعظمة وعيه على تحقيق التفوق على ما دونه من الكائنات الأخرى ، وقهره لتحديات الطبيعة في صراعه الأزلي معها على امتداد تاريخه الطويل الى أن وصل الى ما وصل إليه اليوم من تطور علمي إعجازي في كل المجالات والحقول العلمية من دون استثناء ومنها عملية غزو الفضاء الكوني اللامتناهي والتي نحن اليوم نتمتع بفوائد تلك الانجازات الرائعة والتي جعلت من كوكبنا قرية صغيرة نصول ونجول فيها بيُسر من خلال كل وسائط النقل والأتصال والمشاهدات المرئية عبر شبكات التلفزة الفضائية الهائلة وشبكات الأنترنيت الغير محدودة القدرة للتواصل الاجتماعي ، حقيقة نحن نعيش اليوم في عصر المعجزات العلمية الحقيقية التي حققها الإنسان العظيم الغير محدود القدرات والذي اعتبره أرقى كائن في الوجود الكوني ، وخالق كل ما يحتاجه في هذه الحياة من وسائل الراحة والتواصل وللعلماء بمختلف إختصاصاتهم مكانة لا يرتقي إليها غيرهم من جلالة العظمة لمن يدرك بوعي ماذا أنتجت عقولهم وماذا قدمت للإنسانية من منجزات جليلة .
وفي الختام نحب أن نقول للقارئ الكريم ، إن الإنسان موجود بوجود وعيه العقلي ومن دون وعيه العقلي فهو غير موجود والوعي هو نتاج الفكر العقلي ، كما لخص ذلك  الفيلسوف الفرنسي العظيم  رينيه ديكارت في قوله المشهور " أنا أفكر إذن أنا موجود " . حيث أن الفكر كما قلنا يشكل العنصر الأهم في عملية تشكيل وخلق الوعي الإنساني . 


       خوشــابا ســولاقا
 بغداد في  8 / أيلول / 2018             
 


33
الأعتدال هو المنهج القويم لتحقيق التقارب الفكري بين مثقفي مكونات أمتنا لتمهيد الطريق لتحقيق وحدتنا القومية والكنسية المشرقية
خوشابا سولاقا
لقد تعلمنا من التاريخ وتجاربه المُرّة والحلوة الكثير من الدروس والعبر والحكمة ، وعَلّمنا الشيء الكثير من المفيد من تلك التجارب ، علمنا بأن كل الحوارات والنقاشات والمحاولات التي حصلت في الماضي البعيد والقريب بين مكونات أمتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين كانت حوارات ونقاشات قائمة ومبنية على القناعات والأنطباعات والتصورات الشخصية الموروثة أب عن جد ، أو المستقاة بانتقائية مبتذلة ومشوهة من معطيات التاريخ والواقع المُعاش بما ينسجم مع ما مترسخ في أعماق النفس والتربية الشخصية  من قناعات موروثة التي تؤيد وتنسجم وتتفق مع قناعات ورؤى كل مكون من المكونات دون الآخر .
كل هذه المحاولات قد باءت بالفشل الذريع من دون تحقيق أي تقارب يذكر بين مكوناتنا لردم هوة الخلافات المتراكمة تاريخياً فيما بينها على الخلفية المذهبية الكنسية ، لأنه كانت كل تلك القناعات والأنطباعات والتصورات بالنتيجة تزيدهم تطرفاً وتشدداً وتعصباً للخصوصيات الفرعية التسمياتية والمذهبية على حساب اختزال مساحة المشركات التي يبنى عليها آمال وركائز الوحدة القومية والكنسية الفكرية الشاملة لمكونات الأمة .
 كان دور الأحزاب والحركات السياسية التي تأسست قبل وبعد 2003 م دوراً سلبياً فاعلاً في هذا المجال لتكريس الفرقة وثقافة الكراهية للآخر بين مكوناتنا كما لاحظناه في السابق ونلاحظه اليوم من خلال ما دار ويدور من السجالات السياسية السقيمة وتبادل التهم من على صفحات مواقعنا الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل المصالح والمكاسب الشخصية لقياداتها الأنتهازية الذين لا تعنيهم القضية القومية للأمة بشيء كما هو ظاهر بجلاء في سلوكياتهم البرلماني وعملهم الميداني في المجتمع ، لذلك فإنها ( الأحزاب ) مع الأسف الشديد ساهمت بشكل فعال وكبير في بعث خلافاتنا التاريخية المدفونة وتعميق أسباب اختلافاتنا القومية والمذهبية الكنسية ووسعت من هوة الفرقة والتمزق والتشضي بين مكونات أمتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين وتشتيتهم وجعلتهم أعداء ألداء بدلاً من تقربهم من بعضهم البعض وأن توحد كلمتهم وخطابهم السياسي ، وبالأخص في الفترة بعد سقوط النظام السابق عام 2003م بسبب توسع مساحة المصالح والمنافع الشخصية والحزبية  لقيادات تلك الأحزاب والتنظيمات .
انطلاقاً من هذه الأرضية التي باتت معروفة وجلية للقاصي والداني من مثقفينا من الكتاب والمفكرين والأدباء والفنانين وكل المهتمين بالشأن السياسي والقومي والكنسي يتطلب الأمر من الجميع من كافة مكونات أمتنا من دون تمييز ضرورة انتهاج منهج جديد وقويم في التعامل والتعاطي مع بعضنا البعض بما يقودنا الى بر الأمان ، ألا وهو منهج الأعتدال والعقلانية المؤسسة على فهم واستيعاب الواقع الديموغرافي لأمتنا في الحوارات والنقاشات والخطابات السياسية من خلال ما يكتب وينشر في وسائل الأعلام وفي خطابنا السياسي والكنسي في التعاطي مع الآخرين سواءً كانوا الآخرين من مكوناتنا القومية " الكلدان والسُريان والآشوريين " أو من الشركاء في الوطن من المكونات القومية والدينية والمذهبية الأخرى في العراق ، لأن مصيرنا مرتبط إرتباطاً عضوياً معهم يجمعنا الوطن الواحد ونح سكانه الأصليين .
لذلك فإن اعتماد منهج الأعتدال وثقافة الأعتدال في طرح الأراء وعرض وجهات النظر في الحوارات والنقاشات فيما بيننا يتطلب منا جميعاً في التعاطي مع كل ما يحقق التقارب والانسجام الفكري بين مثقفي وكتاب ومفكري أمتنا هو التخلي عن مبدأ التعاطي مع ما تقدمه المعطيات التاريخية ووثائقها المكتوبة لا لكونها جميعا خاطئة بل لكونها غير مقبولة ولا تلاقي الترحيب بها من قبل جميع أبناء مكوناتنا لكونها غير منصفة الى حدٍ كبير ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لربما كتاب تلك الوثائق كانوا في الغالب منحازين لقناعاتهم الشخصية بحكم الأنتماء التسمياتي والمذهبي الكنسي والقبلي والعشائري والمناطقي التي تتلاقى مع قناعات طرف بعينه وتتقاطع مع قناعات الطرف الآخر اليوم ، مما يجعل هذه الوثائق موضع شك وعدم اليقين المطلق لا يُعتدّ بها لأنتاج حوار مثمر يخدم قضيتنا المشتركة .
ولغرض اعتماد منهج الأعتدال في حواراتنا ونقاشاتنا علينا التعاطي مع واقع القناعات والانطباعات الراسخة في وعي وتفكير وثقافة وتقاليد أبناء مكوناتنا القومية والمذهبية اليوم واخضاعها للدراسة وفق منهج التحليل العلمي والعقلاني الرصين لنجعل منها مدخلاً لمناقشة وتحليل الأمور والمواضيع الأكثر تعقيداً ، لأن الأعتدال  هو الطريق الأقصر لخلق انطباعات ورؤى مشتركة لتحصيل مخرجات أكثر دقة وواقعية ومقبولية للوصول الى مبتغانا لبناء قناعات جديدة مؤسسة على وحدة تجاذب المشتركات وليس على أساس تعدد وتنافر الأختلافات والخلافات الموروثة من التراث التاريخي البعيد والقريب كما هو الحال في واقع الحياة ، هذا المنهج يفرض على جميع كتابنا ومفكرينا ومثقفينا من كافة مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشورين إعادة النظر بخلفيتهم الثقافية الموروثة وتبني ثقافة قبول الآخر والأعتراف به كما هو بتسميته القومية ومذهبه اللاهوتي الكنسي وبكل خصوصياته التي يُؤمن ويُعتقد بها ، والتخلي عن مبدأ الألغاء والأقصاء والتهميش والأبعاد القسري في كل خطاباتنا السياسية والاجتماعية والكنسية ونشاطاتنا الثقافية ، ومحاربة كل ما من شأنه يحرض على التطرف والتشدد والتعصب والأساءة على خصوصيات الآخر وعدم احترامها في أي مجال كان .
بالتأكيد أن إعتماد وتبني كتابنا ومفكرينا ومثقفينا لهذا المنهج ، منهج الأعتدال ، في تعاطيهم مع واقع حياتنا السياسية والفكرية والثقافية سوف يفتح الباب واسعاً أمام الجميع من مثقفين ومن عامة الناس لتجاوز الكثير من الخلافات والأختلافات المصطنعة ويهيئ أرضيةً خصبة لزرع ثقافة جديدة بكل مضامينها القومية والمذهبية والانسانية بين بسطاء الناس ، وهذه الحالة تشكل نقطة البداية لأنطلاق نهضتنا الفكرية والثقافية نحو الوحدة الشاملة بين مكونات أمتنا .
إن اعتماد هذا المنهج سوف يحافظ بموجبه كل مكون بخصوصياته غير منقوصة ولا يشعر بالتهميش والأقصاء من قبل أي كان من المكونات الشقيقة الأخرى لأمتنا ، ولكن في نفس الوقت سوف يشعر كل فرد في أي مكون وكل مكون من مكوناتنا بأنه جزء صغير في " كلٍ واحد موحد " أكبر منه ومن مكونه يجسد شخصيته الثقافية وهويته المستقلة بدليل وحدة اللغة والجغرافية والتاريخ ووحدة المصالح المشتركة والمصير المشترك ووحدة التراث والثقافة والأرث التاريخي المجيد والآصالة الوطنية في امتلاك الأرض كحق تاريخي شرعي وقانوني وأن وجوده كمكون مرتبط ترابطاً عضوياً تكاملياً مع المكونات الشقيقه التي تشاركه المصير والمستقبل وذلك هو الأهم في الموضوع كله  .
الحياة علمتنا وما زالت تُعلمنا بأن سُنتها مبنية على قاعدة الأخذ والعطاء ، وأن كل شيء فيها يكون خاضعاً للقبول أو للرفض وفق مبدأ الحوار والنقاش للخروج بما هو أفضل ومشترك للجميع ، وهذا يتطلب من الجميع تقديم بعض التنازل عن بعض القناعات والتصورات مما باتت تسمى بالثوابت القومية والمذهبية الكنسية ، والتخلي عن بعض الأطروحات الفكرية الغير المستوعبة لواقع حياتنا القائم والتحرر من قوقعة الماضي من اجل الوصول الى القاسم المشترك الأكبر لبناء أسس مستقبل مشرق الذي يحقق للمتحاورين جميعاً ما يمكن أن يقبله الجميع ويخدم مصلحة الجميع ، وهذا هو ما يطلق عليه في السياسة والحياة منهج الأعتدال في الحوارات والنقاشات المنتجة للخير العام للأمة .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 1 / أيلول / 2018 م

34
طبيعة العلاقة العضوية بين مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين
خوشابا سولاقا
إن الكلدان والسريان والآشوريين هي ثلاثة مكونات في كيانٍ واحد ترتبط ببعضها البعض بعلاقة عضوية جدلية تكاملية شاءت أم أبتْ قائمة على أساس وحدة المقومات القومية المتمثلة في وحدة اللغة والثقافة والتراث والأرث الحضاري والعادات والتقاليد الاجتماعية والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة والمصير المشترك لا يمكن الفصل بين بعضها البعض ، لأن الكل متجسدة في كيان قومي واحد لا يمكن للغريب ان يفصل فيما بينها ، أو أن يُميّزها  عن بعضها من أي جانب من الجوانب الاجتماعية وغيرها من الأمور الحياتية ، لأن جميعها تشترك الى حد التطابق في المقومات القومية الواحدة بالرغم من تعدد تسمياتها التي كانت وليدة الأختلافات المذهبية اللاهوتية الكنسيية السقيمة والعقيمة .
إن الخصائص القومية التي يتصف بها الكلداني حالياً في أية بقعة من العالم هي ذاتها نفس الخصائص القومية التي يتصف بها السرياني والآشوري بغض النظر عن الأختلافات الجزئية الطفيفة في اللهجات المحكية محلياً ، وفي أمور جانبية أخرى دخيلة ، وهذا أمر طبيعي جداً وموجود ويحصل عند كافة القوميات المجاورة والمتعايشة معنا .
لا يمكن للكلداني أن يكون موجوداً ككيان قومي قائم بذاته خارج الأطار القومي العام الذي يتضمن ويحتوي الوجود القومي السرياني والآشوري ، وكذلك الحال مع الوجود القومي للسرياني وللآشوري ، لأن الثلاثة تشترك في طبيعة واحدة كاملة تعيش في جسد واحد لا انفصام بين الثلاثة إطلاقاً ، وإن انفصام أي مكون منها عن الجسد الواحد يفضي الى موت الجسد كله .
إن أمتنا بحسب رؤيتنا الفكرية هي كلاً واحداً موحداً بثلاثة كينونات تسموية تاريخية منبثقة من تراثنا الحضاري التاريخي الموحد في أرض بيث نهرين ، وبثلاثة مذاهب كنسية ولكنها تشترك بطبيعة عضوية قومية واحدة ، وأن هذه العلاقة قريبة الشبه جداً بعلاقة " الأقانيم الثلاثة " ببعضها البعض في العقيدة المسيحية ، ثلاثة كينونات متساوية بطبيعة واحدة في حالة من الوحدة الكلية لا انفصام بين بعضها البعض .
إن كل المؤشرات والمعطيات التاريخية والديموغرافية والثقافية والتراثية والعادات والتقاليد الاجتماعية تشير وتدل بشكل قاطع لا يقبل الشك والجدل ووفق كل المعايير والمواصفات المعتمدة في جميع أنحاء العالم لتحديد الهوية القومية للمجموعات البشرية نجزم أن مكوناتنا الثلاثة هي من عِرق وجذر قومي واحد ومن أصول قومية واحدة ، وليست ثلاثة قوميات كل منها قومية قائمة بذاتها كما يدعي ويريد البعض من المتعصبين والمتطرفين على خلفية أنتماءآتهم المذهبية الكنسية مع شديد الأحترام لرؤآهم وقناعاتهم الروحية . 
إن المقومات القومية التي يشترك بها الكلدان والسريان والآشوريين عضوياً ووجدانياً وثقافياً واجتماعياً في بلورة وبناء كيانهم القومي الموحد تاريخياً وحضارياً وواقعياً اليوم هي أكثر وأقوى وأمتن من تلك المقومات القومية التي يشترك بها وتجمع وتوحد المكونات العربية والتركية والفارسية والكوردية والأسرائيلية التي تشاركنا العيش في هذه المنطقة الجغرافية لبناء كياناتها القومية الموحدة ، ونتساوى معها إن لم نكُن أقل منها في خلافاتنا المذهبية ، ولكن كل هؤلاء نجدهم اليوم أشد تماسكاً وولاءً لأنتمائهم القومي ، وأكثر تمسكاً وتشبثاً بالأرض والبقاء فيها منا بكثير ...
ما هو السر في تخلفنا عنهم في هذا الجانب ، في الوقت الذي نحن بُناة أرقى وأعظم وأقدم الحضارات في التاريخ في هذه المنطقة ، وفي ذات الوقت نحن في أمس الحاجة أكثر منهم إلى مثل هذا التماسك والولاء للأنتماء القومي  والتمسك بأرضنا كأصحابها الأصلاء والشرعيين  في ظل واقعنا الحالي وظروفنا القاسية التي نمر بها في هذه المرحلة التاريخية من حياة أمتنا ؟؟ ، إن في ذلك الشيء الكثير من المفارقات الغريبة والعجيبة المضحكة والمبكية .
جميع القوميات تبحث عن الوحدة وتتحدث عنها باسهاب وبإيمان راسخ  ويصنع لها من الأسباب ما تزيدها قوةً وتماسكاً وتمتيناً ، بينما نحن نسعى الى العكس من ذلك ، حيث نسعى الى صنع من الأسباب ما تزيدنا ضعفاً وتمزقاً وتشرذما وتفككاً ، أي نحن نبحث عن كل ما يقودنا الى السقوط في هاوية الأنقراض والفناء !!...  هل هذا هو قدرنا المحتوم أم ماذا ؟؟ . 
لكن ما هو مؤسف جداً ونحن نعيش هذه الأوضاع المزرية اليوم ، أن مؤسساتنا السياسية والكنسية والثقافية والاجتماعية سعت منذ سقوط النظام البعثي الشوفيني ، وتسعي بهذا الشكل أو ذاك من حيث تدري أم لا تدري الى زيادة أسباب الفرقة والتمزق وتعميقها في نشر الأحقاد والكراهية بين مكونات أمتنا على خلفيات قومية ومذهبية ، حيث كان مع الأسف الشديد للتنظيمات السياسية دوراً كبيراً وبارزاً بسبب سياساتها الفجة الغير الناضجة فكرياً وغير الموزونة في رؤيتها  القومية للتعامل مع تركيبة واقعنا القومي ، وعدم استيعابها  لدور التركة الثقيلة المتخلفة التي ورثناها من الخلافات المذهبية الكنسية وثقافة الهرطقة عبر التاريخ ، هي من جَرّت مكوناتنا الى ما نحن عليه اليوم من تناقضات وتناحرات وتعقيدات وخلافات ، وبعثت فينا سموم تلك الأحقاد والكراهيات المذهبية من جديد ، بحيث باتت الوحدة القومية والحديث عنها حلماً نرجسياً بعيد المنال حتى على المدى البعيد .
وهنا نقول أن الدين والمذهب اللاهوتي الكنسي هو معتقد فكري يعتنقه عن قناعة في ظروف تاريخية معينة أي فردٍ كان مهما تكون قوميته ويمكن له أن يغير ذلك المعتقد الفكري الديني والمذهبي متى ما تغيرت قناعاته الشخصية بضرورة تغيرهما ، بينما القومية هو شعور وجداني للفرد بالأنتماء الى مجموعة بشرية تماثله في مقومات محددة تحدد هويته القومية لا يمكن له أن يغيرها أو يستبدلها بأخرى كما هو الحال مع المعتقد الفكري الديني والمذهبي . مثلاً يمكن للفرد الكاثوليكي أن يتحول الى المذهب الأرثوذوكسي وبالعكس ويمكن للسُني أن يتحول الى المذهب الشيعي وبالعكس ويمكن للمسيحي أن يتحول الى الأسلام وبالعكس بحسب تغيير قناعات الفرد المتحول ، كما هو الحال في التحول من حزب سياسي ذات أيديولوجية معينة الى حزب آخر ذات أيديولوجية مخنلفة عندما تتغير القناعات الفكرية لدى الفرد المتحول ، بينما لا يمكن للفرد العربي أن يتحول من القومية العربية الى الفارسية أو التركية أو الكوردية أو غيرها لأنه ليس هناك عناصر التماثل بين المقومات القومية التي يتميز بها كل فردٍ منهم بينما التماثل في المقومات القومية بالكامل موجود بين الفرد الكلداني والسرياني والآشوري وهذا يؤكد أنهم أبناء قومية واحدة لهم لغة واحدة وتاريخ واحد وجغرافية واحدة وتراث وثقافة وتقاليد ومصالح وعادات موحدة لحدٍ كبير ومصير واحد مشترك وهو الأهم لأنه على امتداد التاريخ أعداء أمتنا لم يميزوا بيننا على أساس المذهب بل سيوفهم كانت مسلطة على رقاب الجميع دون تمييز وجرائم داعش غير دليل على صحة ما نقول .     

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد 26 / آب / 2018 م

35
خيانة بريطانيا للآشوريين ونكثها لوعودها لهم
( الجزء الثاني والأخير )
خوشابا سولاقا
نبدأ معكم في هذا الجزء من حيث إنتهينا في الجزء الأول . عند التمَعُن بروية وببُعد النظر في الواقع الفعلي المستجد للآشوريين بعد الثورة البلشفية الروسية وانسحاب الجيش الروسي المفاجئ من الحرب رسمياً وبالأخص من جبهة بلاد فارس من جهة وتنامي العداء العثماني الفارسي الكوردي تجاه الآشوريين من جهة أخرى ، وما ورد في إعلان العقيد المخابراتي البريطاني ف . د .غريسي في اجتماع اورميا في أوائل كانون الثاني من عام 1918 باسم حكومة بريطانيا من جهة ثالثة سنستنتج أنه لم يكن هناك أمام الآشوريين من خيار آخر أفضل من القبول بما ورد في إعلان غريسي ووضع كل ثقتهم بأقواله التي سمعوها منه في الاجتماع المذكور وأن يصدقوا كلُ ما قاله وسمعوه منه على رؤوس الأشهاد بشأن مستقبل الشعب الآشوري .
بهذا القبول الآشوري بما ورد في إعلان غريسي يكون غريسي قد حقق هدفه الأول الذي جاء من أجله ، ألا وهو إقناع الآشوريين بالاستمرار في الحرب الى جانب الحلفاء حيث قطع الوعود المعسولة الكاذبة والمخادعة لهم التي تعزز ذلك الاستمرار بعد أن غاب عن باله الأهمية البالغة لما قاله وما وعد به وأقره باسم حكومة بريطانيا بخصوص مستقبل الشعب الآشوري بالعودة الى موطنه الأصلي في حيكاري وإقامة كيانه المستقل في مناطق سكناه ، ولكن يبدو أنه صاغ وعوده بخبث وذكاء ودبلوماسية انكليزية مخادعة منسجماً مع قول المثل " كلام الليل يمحيحه النهار " .
وبناءً على موافقة الآشوريين على الأعلان البريطاني هذا تم تجنيد من الشباب الآشوري ما يقارب الـ ( 5000 ) متطوع ، وبعد تهيئة كل هذا العدد من المتطوعين بدأت تظهر في الأفق بعض المعوقات الفنية بشأن صنف الضباط وحجم ونوعية العُدد والمعدات الحربية التي من المفروض أن توفرها بريطانيا للتشكيلات الآشورية الجديدة والتي كانت قليلة جداً لا تفي بالغرض المطلوب ولا تتناسب مع عدد الجنود ومتطلبات العمليات الحربية وحجم الأخطار المتوقعة والمحدقة بالآشوريين من الأعداء في قادم الأيام .
الفرس من جانبهم نظروا الى هذه التشكيلات الآشورية بعين الشك والريبة والحذر فعَدتها تهديداً للمسلمين ، ودول الحلفاء لم تَقُم بما يجب القيام به من العمل الدبلوماسي اللازم لتهدئة خواطر الفرس وطمأنتهم لتبديد مخاوفهم بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها بشأن وجود هذه التشكيلات الآشورية على أراضيها والتي لا تشكل في النهاية أي خطراً عليهم أي على الفرس .
وقد كان هذا التقصير من قبل دول التحالف ربما مقصوداً ومخططاً له وذلك لوضع الآشوريين في موقف محرج وصعب لدفعهم أكثر الى اللجوء الى الحلفاء طلباً للحماية ومن ثم القبول بما تمليه عليهم بريطانيا وحلفائها من شروط وتقديم المزيد من التنازلات عن ما وعدوهم به في إعلان غريسي .
بعد كل هذه الظروف الصعبة التي خلقها الأنسحاب الروسي من جبهات القتال في بلاد فارس ضربت العزلة أطنابها على أورميا وحواليها ، وتنامت الدعاية المضادة والمغرضة من دول المحور بين أوساط الجماهير الفارسية بشكل مفزع ومضخم ومبالغ به لتصعيد العداء والكره للآشوريين ، فتوالت المشاهد المأساوية ونزلت المصائب على رؤوس السكان المحليين من الآشوريين ، كما انتشرت الأمراض والأوبئة والمجاعة وأنزلت مراسيها في طول البلاد وعرضها ، فاستفحلت أعمال النهب والسلب والقتل والجريمة بكل أشكالها في أورميا وحولها وحصلت الكثير من المجازر الدموية وأعمال القتل والأنتقام والأغتصاب بحق الآشوريين بشكل خاص وبحق المسيحيين بشكل عام أينما وجدوا في بلاد فارس وأصبح قتل المسيحيين مباحاً بسبب غياب السلطة وقدرتها على فرض القانون وهيبتها .
على ضوء هذا الواقع المزري والمفزع للآشوريين والمسيحيين ، تحالفوا الأكراد مع بعضهم البعض من جهة ومع الأتراك والفرس من جهة ثانية للأنتقام من الآشوريين والتنكيل بهم وإبادتهم وإستئصالهم أينما وجدوهم .
هذا الواقع المرير المؤلم فرض على البطريرك الآشوري مار بنيامين شمعون خيارات صعبة للغاية أحلاها مُرّ لغرض إنقاذ شعبه من الأخطار المحدقة به من كل صوب وحدب ، وبغرض تحييد الجيران من الأكراد الشيكاكيين وتأمين جانبهم من خلال عقد اتفاق معهم تقرر السفر لعند المجرم الغدار الكوردي سمكو آغا الشيكاكي لمفاوضته حول عقد الصلح والسلام بين الطرفين . وكان العقيد غريسي قد مَهَدَ ورتب لمثل هذا اللقاء بين الرجلين  بذريعة إنهاء حالة العداء واحلال السلام والوئام بين الجانبين عند قدومه من مدينة وان الى أورميا .
وبناءً على ذلك اقترح غريسي على الآشوريين عقد تحالف مع آغا قبائل الشيكاك الكوردية اسماعيل آغا سمكو وقد أبلغهم بانه عند عودته من وان الى أورميا زار سمكو في مقره وناقش معه الموضوع وأبدى الأخير استعداده ورغبته في عقد مثل هكذا اتفاق .
عليه وبتاريخ 16 / آذار / 1918 ذهب البطريرك مار بنيامين شمعون وبصحبته بعض الضباط الروس وسرية من الحرس الآشوري الشجعان قوامها أربعون مقاتلاً شجاعاً ومعهم أخوه داوود لمقابلة المجرم الغدار سمكو آغا في مقره في مدينة " كوني شهر " القريبة من مدينة " ديلمان " وقد استقبل البطريرك والوفد المرافق له عند وصولهم الى مقر سمكو أغا بحفاوة بالغة واحترام من قبل المجرم سمكوأغا ، وبعد إنتها ء المقابلة رافق سمكو البطريرك حتى الباب الخارجي لمقره فودعه بقبلة على يديه والتي كانت كقبلة يهوذا الأسخريوطي للسيد المسيح له المجد ، وعندما هَمَّ البطريرك بالركوب في عربته رجع المجرم سمكو وتناول بندقيته وأطلق النار على البطريرك من الخلف وأصابه في ظهره وأرداه شهيداً ومن ثم أطلق شقيقه رصاصة أخرى من مسدسه عليه لضمان مصرعه ، وانهمر على الوفد المرافق لقداسته وابل من الرصاص من على أسطح البنايات المحيطة وكان المارشمعون قد سقط قتيلاً على الأرض مضرجاً بدمائه الزكية الطاهرة و، ومن ثم تم قطع أصبعه بغرض نزع وسرقة خاتمه البطريركي المقدس يا لدناءة نفس القتلة الأوغاد وغدرهم .
هكذا وبهذه الخيانة الدنيئة إنتهت حياة حبر جليل عظيم وإبناً باراً لكنيسة المشرق حيث ضحى بحياته في سبيل أمته الآشورية ، وبذلك بات هذا البطريرك رمزاً خالداً في ذاكرة الأمة الآشورية وأحد الرموز الكبيرة في التضحية والذي باستشهاده وإنطفأ ضياء نور عينيه خسر الآشوريين بطلهم القومي المقدام وقائدهم الأمين ، وباستشهاده مَثَلَ وجَسَدَ رمزياً شخصية السيد المسيح له المجد في التضحية بنفسه من أجل خلاص شعبه ، كنت المسيح بذاته يا شهيد الأمة الآشورية الخالد بتضحيتك هذه ، لن ينطفئ نورك الى مدى الدهر وتبقى شعلة أبدية وهاجة ومنيرة في طريق أجيالنا يا مار بنيامين العظيم يا أمير الشهداء الذي قتل بوحشية لا مثيل لها في التاريخ لقد أعطيت باستشهادك مثلاً رائعاً للتضحية من أجل المبادئ والقيم السامية النبيلة ليقتدي بها من يريد أن يخدم أمته .
وبعد هذا الأغتيال الجبان الغادر حصل هرج ومرج في صفوف سرية الحماية فقتل العديد من الجانبين وتمكنوا الفرسان الأبطال الشجعان من قبيلتي تياري وتخوما وعلى رأسهم دانيال إبن ملك اسماعيل من حمل الجثمان الطاهر لمار بنيامين على الأكتاف ونقلوه الى أحدى كنائس الأرمن القريبة الواقعة في المنطقة ، حيث تم دفنه هناك لاحقاً وفق الطقوس والتقاليد المرعية في كنيسة المشرق وحسب استحقاقات درجته الدينية في الأيام التالية لأستشهاده ، طيب الله ثراك يا مار بنيامين يا شهيد الأمة الآشورية المجيدة وكنيسة المشرق العظيمة .
كان استشهاده صدمة عظيمة لشعبه الآشوري وكان ذلك صدمة أكبر لأخته سورما خانم فسببت لها حزناً عميقاً وجرحاً مؤلماً رافقاها كل ايام حياتها الى يوم مماتها .
لقد القت سورما خانم بمسؤولية الأغتيال على عاتق السلطات الفارسية التي خططت لهذه الجريمة البشعة ونفذتها بوحشية وجبن خسيس ، لأن السلطات الفارسية كانت تحاول دوماً وتسعى للتخلص من شخصية البطريرك مار بنيامين شمعون لما كان له من دور رائد وفعال في التصدي لمؤامرات ودسائس الحلفاء الفرس والعثمانيين والكورد ضد الآشوريين ، لقد صرح المجرم سمكو فيما بعد أن دوره في عملية الأغتيال كان فقط التنفيذ أي أنه كان مجرد آلة التنفيذ وليس إلا .
لقد أخطأت السلطات الفارسية في تبنيها لراي التخلص من مار شمعون بنيامين ، لأن البطريرك الشهيد كان دوماً يعمل ليدفع بعيداً كل ما من شأنه أن يُدخل الآشوريين في أزمات مع الفرس أو في مواجهات مباشرة معهم .
ولكن وكما قلنا سابقاً هناك معلومات مؤكدة تؤكد بأن العقيد الملعون غريسي عند لقاءه مع المجرم سمكو أغا في طريقه من وان الى أورميا قد نسق عملية اغتيال مار شمعون بنيامين معه ومع الحكومة الفارسية لغرض إضعاف القيادة الآشورية وتسهيل عملية استغلال الآشوريين لخدمة مخططات بريطانيا لما كان لمار بنيامين من دور فعال ومحوري ومؤثر في المحافظة على وحدة الصف والقرار الآشوري وإن تصفيته  سيجعل الآشوريين في موقف اضعف يدفعهم ذلك للخضوع للأمر الواقع الذي تفرضة عليهم إرادة المصالح الحيوية البريطانية في الحرب ولأستغلالهم بأقصى درجة ممكنة مقابل أقل الحقوق وهذا ما حصل فعلاً فيما بعد .
وبعد استشهاد مار بنيامين شمعون تم في 24 / نيسان / 1918 في مدينة سلامس إنتخاب أخيه مار بولس شمعون بطريركاً للآشوريين وجرت مراسيم التنصيب والجلوس على الكرسي البطريركي في كاتيدرائية مارت مريم في أورميا في 29 / نيسان / 1918 . 
بعد أن انتهت الحرب ووضعت أوزارها وجدوا الآشورين أنفسهم وبأقل من نصف عدد نفوسهم ساعة مغادرتهم لموطنهم في حيكاري في مخيمات بعقوبة في العراق محطمين القدرات وخائبين الآمال تنهش بهم الأمراض والأوبئة وتفتك بهم الحاجة والفاقة والعوز بعد رحلتهم الطويلة رحلة الآلام والأحزان والمآسي الدامية واستقروا في مخيمات بعقوبة التي أعدتها لهم القوات البريطانية من دون قيادة مقتدرة توحدهم ، وتدب في صفوفهم الخلافات العشائرية والقبلية في صراعات من اجل السلطة كما خططت له بريطانيا وشجعته وفق مبدأها السيء الصيت " فرق تسُدْ " من خلال وعودها لزعماء هذه الأطراف لتولي القيادة العسكرية للبعض والزعامة الدنيوية للبعض الاخر في حالة وقوفهم الى جانب فصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية التي يتولاهما البطريرك ، وهذا ما حصل بعد وفاة البطريرك مار بولس شمعون في 27 / نيسان / 1920 ، اشتدت الخلافات حول رسامة البطريرك القادم فاراد المعارضون للبيت البطريركي بزعامة آغا بطرس وملك خوشابا رسامة مار طيماثيوس مطران مليبار – الهند بطريركاً لكنيسة المشرق خلفاً للمرحوم مار بولس شمعون ، وأصرت الجبهة المؤيدة للبيت البطريركي على بقاء الكرسي البطريركي في عائلة مار شمعون ، وآخيراً حسم الموقف لصالح البيت البطريركي وتم رسم الطفل مار إيشاي شمعون ذي الأثني عشر ربيعاً من العمر بطريركاً على كنيسة المشرق وتعيين مار طيماثيوس قييّما ووصياً عليه لحين بلوغه سن الرشد وأصبح البطريرك رقم ( 21 ) في العائلة المارشمعونية الكريمة ، وبذلك أصبح البيت البطريركي خاوياً من السلطة الزمنية القوية الحازمة والحكمة الرشيدة التي كان قد صنعها وأسس لها وامتلكها الشهيد الخالد مار بنيامين شمعون ، وهنا وكتحصيل حاصل لهذا الفراغ في ممارسة السلطات الزمنة للبطريرك وللمؤهلات التي كانت تمتلكها وتتمتع بها سورما خانم وثأثيرها ومكانتها المرموقة لدى العائلة وشعبها والثقة الكبيرة بقدراتها وذكائها الخارق وايجادتها اللغة الانكليزية بطلاقة توسع دورها في ممارسة السلطات الزمنية بالنيابة عن البطريرك الطفل الغائب عن الساحة السياسية الآشورية ، وهذا ما أثار غيظ  وغضب وحنق الجبهة المعارضة أكثر وعمق من خلافاتهم مع البيت البطريركي ، والذي كان في نفس الوقت فرصة ذهبية للانكليز لأستثمار هذا الخلاف لصالح تحقيق مآربهم وغاياتهم الدنيئة لأستغلال الآشوريين بأقصى ما يمكن .
وبأغتيال مار بنيامين وتفكك القيادة الآشورية وتشرذمها الى أشلاء متناحرة تحقق الهدف الثاني للعقيد " غريسي " وهو الوصول بالآشوريين الى بلاد ما بين النهرين كما خطط  له الانكليز للدفاع عن مصالح بريطانيا النفطية في هذه البلاد .
ولأهمية إدانة بريطانيا على خيانتها القذرة اللاأخلاقية للآشوريين ونكثها لوعودها الكاذبة التي قطعتها لهم في إعلان العقيد " ف . د .غريسي " المنوه عنه سابقاً والذي فيما بعد دحض ونفى واقعة انه باسم بريطانيا العظمى وعد الآشوريين بتأسيس الدولة الآشورية المستقلة .
ولغرض دحض اكاذيب غريسي انقل لكم شهادات بعض الحاضرين في اجتماع أورميا الذي انعقد في أوائل كانون الثاني من عام 1918 وهم كل من الدكتور بول كوجول رئيس البعثة الطبية الفرنسية ونائب القنصل الروسي باسيل نيكيتين كما أوردتها الكاتبة الفرنسية كلير ويبل يعقوب في كتابها الموسوم ( سورما خانم ) وهي كما يلي :- 
أولاً : شهادة الدكتور بول كوجول رئيس البعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية في أورميا .
إستناداً الى رسالة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون الموجه الى الدكتور بول كوجول المؤرخة في 18 / كانون الثاني / 1934 يقول الدكتور كوجول في رسالته الجوابية المؤرخة في 19 / كانون الثاني / 1934 ما يلي :
(( جواباً على رسالتك المؤرخة في 18 / ك 2 / 1934 أخبرك بأنني لا زلت أحتفظ في ذاكرتي باحداث الاجتماع الذي أشرت إليه . كما أني أرى نفسي قادراً على أن أثبت دقائق الأحداث بدقة تامة وموثقة بتواريخها .
انعقد الاجتماع في أورميا في شهر كانون الأول عام 1917 أو في اوائل كانون الثاني عام 1918 . دُعيت الى الاجتماع واشتركتُ فيه مع كل من السيد نيكيتين نائب القنصل الروسي في أورميا والعقيد " ف . د . غريسي " الذي كان يعمل باسم الأستخبارات البريطانية وكان قد قَدم الى أورميا من " وان " حيث توجد دائرته الرئيسية ليحث الآشوريين على الموافقة على تنظيم مقاومتهم للقوات التركية والأستمرار في الحرب . إنه قد تَحَمّلَ باسم بريطانيا العظمى مسؤولية التوفير الفوري لكل المبالغ الضرورية لتغطية مرتبات الجنود وضباط الصف ، كما وعد الآشوريين في هذا الاجتماع ايضا باعلان الاستقلال الناجز للشعب الآشوري وتأسيس دولتهم المستقلة ))
.
التوقيع
بول كوجول
الرئيس السابق للبعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية


ثانياً
: شهادة نائب القنصل الروسي باسيل نيكيتين في أورميا فقد كانت إجابته لقداسة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون في 31 / ك 2 / 1934 كما يلي :
(( إني أشهد أن العقيد " ف . د . غريسي " رئيس البعثة العسكرية البريطانية لأرمينيا وكوردستان والمرتبطة بالقيادة العامة للقوات المسلحة الروسية في القوقاز ، قد قَدم من مدينة " وان " في أواخر عام 1917 الى أورميا ودعى لعقد اجتماع عام حول القضية الآشورية ، حضره ممثلون لجهات أجنبية . خلال الاجتماع دعى العقيد " ف . د . غريسي " الآشوريين لحمل السلاح واعداً إياهم بكل صراحة بالمساعدة المالية والسياسية تقدمها لهم حكومته أثناء الحرب ، بعد ذلك تنظم الأمور بعد إستتباب الأمن والسلام بصورة نهائية .
بناءً على دعوة وجهها لي العقيد " غريسي " حضرتُ الاجتماع بصفتي قنصل روسيا ، وحضر الاجتماع أيضاً ممثلون أجانب. خلال الاجتماع صرحتُ أن في حالة حمل الآشوريين للسلاح ضد العدو فيجب عندئذ الأخذ في الحساب قضيتهم من ضمن نتائج ما بعد الحرب أي منحهم الأستقلال التام الذي استحقوه بجدارة ، وقد تحدث العقيد غريسي في هذا الاجتماع وقال أن الآشوريين باستمرارهم في الحرب الى جانب بريطانيا يمكنهم الأطمئنان بالحصول بعد انتهاء الحرب على الدولة المستقلة التي يستحقونها بكل جدارة ))
التوقيع
باسيل نيكيتين

هذه الرسائل كان قد طلبها قداسة المار إيشاي شمعون عام 1934 من هؤلاء بعد أن تم نفيه الى خارج العراق  لغرض متابعة القضية الآشورية لدى عصبة الأمم بعد مذبحة سُميل الرهيبة لغرض تقديمها كوثائق تؤكد على وجود وعود بريطانية للآشوريين بمنحهم الأستقلال الكامل في مناطق سكناهم في حيكاري وأورميا والعراق ، ولكن مع الأسف الشديد وكما ذكرنا في مقالات سابقة كانت الرسائل المزورة للآشوريين الخونة  المتعاونين مع الحكومة العراقية الكيلانية آنذاك قد سبقتها الى عصبة الأمم والتي يرفض فيها مرسليها تمثيل المار شمعون لهم وإتهامه بتزوير تواقيع من يدعي تمثيلهم من رؤساء العشائر الآشورية ، وإنهم يعيشون بأمن وسلام ورفاه في ظل رعاية حكومة دولة العراق ، وكان كل ذلك قد جرى بتدبير من الحكومة العراقية الكيلانية وبدعم وتخطيط الانكليز لأنقاذ بريطانيا نفسها من المسؤولية الأخلاقية والتاريخية التي ترتبت عليها جراء مذبحة سميل الرهيبة بحق الآشوريين .
هكذا أيها القارئ الكريم وضعت القضية الآشورية وإنشاء دولتهم المستقلة فوق الرفوف العليا والمنسية من أرشيف عصبة الأمم يعلوها الغبار بمسعى بريطانيا وتعاون حكومة رشيد عالي الكيلاني وبعض الخونة المتعاونين من أبناء شعبنا الآشوري وأصبحت جزء مهمل من الماضي .
وما يؤسف له أكثر إن نفس السيناريو يتكرر اليوم بين مكونات أمتنا بسبب الخلافات المذهبية بين كنائسنا من جهة وبين قادة تنظيماتنا السياسية من أجل المصالح ومنافع السلطة التي وصلت بهم الى درجة التفريط بالمصلحة القومية من جهة ثانية ، ومن مفارقات الزمن نقول ما أشبه اليوم بالبارحة ، إنه لمن مهازل القدر ان تتكرر الأمور وتتناغم على نفس المنوال ولكن بوجوه جديدة مختلفة !!! .

(( المجد والخلود لشهداء الأمة الآشورية ))

خوشابا سولاقا
15 / آب / 2018 م           


36
خيانة بريطانيا للآشوريين ونكثها لوعودها لهم
( الجزء الأول )
خوشابا سولاقا
ملاحظة : بمناسبة الذكرى 85 لمجزرة سُميل سنة 1933 م ننشر هذا المقال لأهميته التوثيقية  ولكونه يشكل الخلفية التاريخية لهذه المجزرة وكل ما جرى قبلها وبعدها من اجتماعات وحوادث ودوافع الأنكليز الحقيقية عن خيانتهم للآشوريين ونكث وعودهم لهم .
 
قلنا في مقالٍ سابق كان قرار روسيا بعد الثورة البلشفية سنة 1917 م بالانسحاب من الحرب كارثة كبرى حَلتْ بالحلفاء على الجبهة الفارسية بشكل عام ، كانت أيضاً في ذات الوقت كارثة حَلتْ بالشعب الآشوري المغلوب على أمره بشكل خاص على وجه  التحديد ، أدت بالنتائج وباللغة العسكرية والحرب بالنسبة للحلفاء الى فراغ هذه الجبهة الستراتيجية المهمة من أي وجود عسكري معتبر لقوات الحلفاء ، أما بالنسبة للآشوريين فإنقلبت الأمور على عقب أي بمعنى على عكس ما كانت تسير إليه قبل الأنسحاب . لذلك حُضيت التطورات السياسية المستجدة في روسيا باهتمام الانكليز والفرنسيين على حدِ سواء .
لذا ولغرض توكيد اهتمامهما الكبير بالوضع العام والتغيير الطارئ على الوضع الستراتيجي العسكري في جبهة بلاد فارس ، قامتا الدولتان بريطانيا وفرنسا بجهد مشترك لدعم هذه الجبهة التي اصبحت كالخنجر في خاصرتيهما ونقطة ضعفهما بتكليف مندوبيهما الموجودين في تلك الجبهة القيام بمهمة خاصة للتعويض عن النقص الذي خلفته إنسحاب القوات الروسية من هذه الجبهة تتركز في الأساس على تشجيع الآشوريين الحلفاء السابقين للروس ودفعهم لأعادة الحياة والفاعلية لفصائل القوات الآشورية ، أي الأفواج التي شكلت بدعم الروس والتي قاتلت مع قواتهم قبل انسحاب روسيا من الحرب ببسالة وشجاعة نادرة وحققت لها  انتصارات كبيرة على هذه الجبهة ضد القوات العثمانية للاستمرار في مقاتلة ومنازلة عدوهم اللدود الذي يتربص بهم شراً وانتقاماً ألا وهو القوات العثمانية وخوض المعارك ضدها دفاعاً عن النفس ولتحرير موطنهم والعودة إليه .
ولتحقيق هذا الهدف المهم في استراتيجية الحلفاء في كسب الحرب على هذه الجبهة المهمة وصل بلاد فارس في 25 / كانون الأول / 1917 العقيد الفرنسي " كاز فيلد " حاملاً أوامر صريحة من حكومته لتشكيل أفواج آشورية جديدة وكان كله أمل بالظفر بمساعدة الدكتور " بول كوجول " رئيس البعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية التي كانت سابقاً مرتبطة بالقوات الروسية العاملة في مدينة اورميا ، وبالنظر لثقة الحكومة الفرنسية بالدكتور بول كوجول أنيطت به مهمة تشكيل الأفواج الآشورية الجديدة ، وعليه قام الدكتور " كوجول " بنشاط كبير ومنظم ، فنظم حملات عديدة لجذب الآشوريين وترغيبهم للتطوع والانخراط في تلك الأفواج العسكرية الجديدة المزمع تشكيلها والتي ستعمل تحت أعلام الحلفاء وقواتهم العاملة في بلاد فارس . وكما قلنا في مقالنا في مقالٍ سابق الموسوم ( روسيا القيصرية والثورة البلشفية وانعكاساتها السلبية على الوضع الآشوري ) الذي نشرناه في هذا الموقع الكريم ، كان للانكليز المتمركزين في بلاد ما بين النهرين وجنوب بلاد فارس اهتمام خاص بأهمية احياء هذه الجبهة وجعلها نشطة لأنها كانت تهدف الى المحافظة على طريق سالكة وأمينة الى القارة الهندية حيث لها مصالح استراتيجية حيوية هناك لا تريدها أن تتعرض الى اية مخاطر محتملة من تقدم قوات دول المحور نحوها عبر هذه الجبهة التي أصبحت مفتوحة أمامها بعد الأنسحاب الروسي من الحرب . لذا قام الانكليز أيضاً بدورهم بارسال مبعوثهم الخاص في كانون الأول من عام 1917 الى أورميا . كان هذا المبعوث كما ذكرنا في مقالنا المنوه عنه أعلاه ضابط في المخابرات البريطانية ألا وهو العقيد الشهير " ف . د . غريسي " ( gracey  ) .
وصل الملعون غريسي ومعه كما قلنا سابقاً أوامر صريحة تقضي بتشكيل فرق عسكرية آشورية مسلحة وباسرع ما يمكن من الوقت للتعويض عن القوات الروسية المنسحبة . لذلك قام غريسي بتنظيم لقاء مع الآشوريين لأقناعهم على ضرورة الأستمرار في الحرب كحليف الى جانب الحلفاء ضد العثمانيين وتولي مسؤولية الحفاظ على جبهة قتال نشطة وفعالة متحالفة مع الأرمن وبعض الأكراد – هنا إشارة الى التعاون مع عشائر سمكو الشيكاكيين - . من اجل تحقيق هذا الهدف . وقبل وصول العقيد غريسي الى أورميا كان قد قام بلقاء مع سمكو آغا واستشارته بشأن خطته لتفعيل هذه الجبهة المهمة .
وبسبب الظروف المناخية القاسية التي اجتاحت منطقة أورميا والتي أثرت بشكل كبير على أوضاع الآشوريين الصعبة وزادتها صعوبة العيش انتشار الأوبئة والأمراض فانجبرت سورما خانم بسبب ذلك على التقرب من البعثة الأمريكية ، في الوقت الذي كانت الأجراءات تتخذ على قدم وساق من قبل مندوبي بريطانيا وفرنسا لعقد اجتماع مهم جداً مع الآشوريين لمناقشة أمورهم الآنية ومستقبلهم الغامض والمجهول !! .
إن مجمل الأوضاع المستجدة على خلفية انسحاب الروس من الحرب لم تكن إيجابية أي أنها كانت في غير صالح الآشوريين ، وتسارعت التطورات نحو الأسوأ من يوم لآخر بسبب مغادرة القوات الروسية لجبهات القتال في بلاد فارس وشرق الأناضول ، وأصبح وضع الآشوريين في الحضيض وعل أسوأ ما يكون من جميع الجوانب ، وأصبحوأ وحيدين في ميدان القتال في مواجهة أسوأ الأعداء ألا وهم القوات العثمانية الشرسة التي بدأت تهاجم مناطق تواجد الآشوريين إضافة على ذلك عداوة الفرس للآشوريين أخذت تتنامى مع الأيام واصبحت الحياة الآمنة ليوم الغد لهم لم تعد مضمونة .
كانت أمام سورما خانم وشقيقها البطريرك مار بنيامين شمعون أمال كبيرة بنتائج الأجتماع المقبل إنعقاده مع ممثلي الحلفاء بريطانيا وفرنسا لأيجاد مخرج للآشوريين للخروج من هذا المأزق والمحافظة على سلامتهم من إعتداءآت الأعداء التقليديين الكورد والعثمانيين والفرس .
وعلى أثر وصول العقيد غريسي الى أورميا عقد اجتماع موسع في بناية البعثة الأمريكية في أورميا في بداية كانون الثاني من عام 1918 وحضره كل من :-
1 ) ممثل أمريكا الملازم مكدافيل والدكتور شيد وزوجته – رئيس البعثة الطبية الأمريكية كرئيس لجلسة الاجتماع .
2 ) سيادة المطران سونتاك رئيس البعثة اللعازارية .
3 ) السيد باسيل نيكيتين – نائب القنصل الروسي ممثل روسيا .
4 ) الملازم الفرنسي كاز فيلد ممثل فرنسا .
5 ) الدكتور بول كوجول – رئيس البعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية في أورميا .
6 ) البطريرك الآشوري مار بنيامين شمعون ممثل الآشوريين رئيس الوفد الآشوري في الأجتماع .
7 ) سورما خانم شقيقة البطريرك الآشوري عن الجانب الآشوري .
8 ) مبعوث حكومة بريطانياالعقيد ف . د . غريسي ممثل بريطانيا العظمى .
كانت الأجواء المخيمة على المجتمعين أجواء كئيبة للغاية بسبب القلق الذي ينتاب النفوس وبسبب خطورة الموقف على جبهة الحرب مع القوات العثمانية وكان موقف بريطانيا حرج وصعب للغاية وكان على غريسي إنقاذه باختلاق وإيجاد حل للخروج من عنق الزجاجة التي اخذت تضيَّق الخناق على عنق بريطانيا وفرنسا ، المناقشات التي دارت في الاجتماع أشرت بوضوح على الصعوبات والتحديات الكبيرة التي كانت تواجه الحلفاء من قدوم القوات العثمانية نحو أورميا التي تهدد مصير الحرب على هذه الجبهة ، كل هذه الصعوبات والتحديات وضعت المجتمعين أمام خيارات صعبة لتقديم تنازلات متبادلة من أجل إتخاذ القرار الصائب والمناسب والمطلوب لأنقاذ الموقف على جبهة الحرب بالنسبة للجميع بما فيهم الآشوريين .
بقى المطران سونتاك معانداً على الرأي الذي يفترض " حيادية الفرس " بينما كل الوقائع على أرض الواقع أثبتت وتثبت بشكل قطعي ومنذ زمن بعيد أن هذه الفرضية غير واقعية وهي مستندة على ادعاءات شفهية فقط . حيث أن بعضاً من الفرس كانوا يتآمرون ويتعاونون من وراء الستار مع العثمانيين من أجل انتزاع السلطة في المنطقة .
العقيد " غريسي " علق على الموضوع في اجابته للجميع بالقول " إن وزراء الحلفاء أمسكوا بزمام حكومة بلاد فارس في طهران ، وأكد أن لا إعتراض لتلك الحكومة على تدخل الحلفاء في بلاد فارس .
الآخرون ومنهم سورما خانم أخت البطريرك بقوا يؤكدون على النقص الكبير في المال والذخائر والمؤن والسلاح ، وكذلك في أعداد المقاتلين . وعندما تم التطرق الى موضوع الأكراد ودورهم في العملية ، علق البطريرك مار بنيامين شمعون ، أن لا أهمية لوجودهم – يقصد الأكراد – كقوة مقاتلة منضبطة تقبل العمل النظامي المنضبط وإطاعة الأوامر والتعليمات العسكرية بدقة لأنها في الحقيقة على العكس من ذلك  ، وكان في الحقيقة تشخيصاً ذكياً ودقيقاً من قداسته ، وهنا اكد البطريرك وبكل وضوح أنه هناك حاجة ملحة لتدخل قوات الحلفاء بشكل مباشر وبثقل مؤثر وحاسم تعويضاً للنقص الذي خلفته انسحاب القوات الروسية من جبهات القتال في بلاد فارس وعدم الأعتماد فقط على افواج المتطوعين الآشوريين ، وهنا كانت غاية قداسته ضمان استمرار دعم الحلفاء للجبهة بالمستوى المطلوب وعدم التضحية بالأفواج الآشورية عند حالات الضيق .
العقيد غريسي المبعوث البريطاني أكد ذلك ووافق على كل النقاط المطروحة في هذا الاجتماع بما فيها ملاحظات بل مقترحات قداسة البطريرك مار بنيامين شمعون ، حيث صرح غريسي في بداية حديثه بأنه يتكلم باسم البعثة العسكرية البريطانية لدى الجيش الروسي في القوقاز ، ثم تابع حديثه باسم حكومة بريطانيا حيث قال أن بريطانيا تعتبر الآشوريين حلفاء متساوون لها في الصراع ضد المانيا وتركيا وطلب طرد كافة الضباط الروس من الجيش الآشوري وإن بريطانيا سوف تعوض عنهم بضباط انكليز ، وإن بريطانيا سوف تساعد الآشوريين في تأسيس الدولة الآشورية المستقلة بعد إنتهاء الحرب إذا تابعوا الآشوريين الحرب الى جانب الحلفاء .
هكذا قطع العقيد غريسي الوعود باسم الحكومة البريطانية ، وإن الألتزام الأهم الذي قدمه وبصوت متحمس كان " الأهتمام بمستقبل الآشوريين " هنا صرخ قائلاً موجهاً الكلام بصورة مباشرة لممثلي الآشوريين المشاركين في الاجتماع عن قصد قائلاً " ارجو أن لا ينسى الآشوريين أن كفاحهم هو من أجل تحقيق حريتهم ، لذا فمن واجبهم الألتفاف حول زعيمهم الأعظم البطريرك ، طالما ليس هناك آشوري فارسي ولا آشوري جبلي فالجميع آشوريين يكونون شعباً واحداً ، هذا ما أوفدتني حكومتي لأبلغكم به وهذا يعني أيضاً كافة الشعوب الصغيرة الأخرى ، الجميع هنا يحارب من اجل حريتهم ، وهذا ما أبلغته للأرمن من قبلكم أيضاً ، جميع المصاريف سيتحملها ويغطيها الحلفاء . هذا ما تم الأتفاق عليه مع حكومة القوقاز الجديدة ، إنكم ستحصلون على كل السلاح الضروري والذخيرة اللازمة وكذلك المعونة العسكرية عند طلبها . الحرية هدف ثمين لذا فإن الحصول عليها يحتاج الى التضحية ، إنكم سوف لن تحصلوا عليها إلا بقوة إرادتكم وبطولاتكم هذا إن كنتم حقاً تهدفون السيادة على موطنكم الغني بثرواته وخيراته ، إنه موطن العسل واللبن .
إن إعلان غريسي لم يعط الصورة الواضحة للأستقلال المستهدف لموطن الآشوريين فقط بل وعدهم أيضاً بالمال والسلاح والذخيرة والدعم العسكري الفعلي .
لقد كان لهذا الأعلان الوقع الكبير والتأثير القوي على السامعين الجالسين في الاجتماع ، وعليه فور سماع النص كاملاً سرت همهمات الموافقة في أرجاء القاعة رغم أصوات المعارضة التي أبداها بعض القلة . ولكن مع ذلك كان هناك خوف وهلع من هجوم تركي كاسح متوقع الوقوع بين ساعة وأخرى لأعادة احتلالها لمقاطعة أورميا .
البطريرك مار بنيامين شمعون وأخته سورما خانم إشترطا على غريسي مقابل موافقة الآشوريين على الأعلان الذي تلاه أمام الحاضرين وصول المساعدات المالية والدعم العسكري قبل تنفيذ التعاون الذي تطلبه بريطانيا والحلفاء من الآشوريين ، وأخيراً تمت الموافقة على الألتزام بالتعهد المشار إليه في إعلان غريسي نظراً لما احتواه من إمكانيات تسهل العودة الى الديار أرض الأباء والأجداد جبال هيكاري الحبيبة .. وهنا كان الخطأ القاتل الذي إرتكبته القيادة الآشورية المتفاوضة مع الحلفاء وغريسي بالذات في الأجتماع ، كان من المفروض أن يطلب من غريسي والحاضرين تثبيت إعلان غريسي الذي تلاه باسم الحكومة البريطانية في محضر رسمي  مكتوب موقع من الحاضرين كوثيقة ملزمة التنفيذ ، لو كان ذلك قد تم لكان فعله للآشوريين كفعل " وعد بلفور " لليهود ، إلا أنهم مع الأسف الشديد لم يفعلوا ذلك لأنهم تعاملوا مع غريسي الملعون وفق منطق وفلسفة العشيرة وليس وفق منطق السياسة التي كان الانكليز فقهائها وسادتها في حينها .
لذلك كان موقف الآشوريين لاحقاً في مؤتمر الصلح في باريس للسلام ضعيفاً يفتقر الى وجود أية وثيقة رسمية مكتوبة تلزم بريطانيا والحلفاء بتنفيذ ما تعهدت به في إعلان العقيد غريسي في اجتماع أورميا في أوائل كانون الثاني من عام 1918 ..

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 11 آب / 2018 م

نلتقيكم في الجزء الثاني


37
علاقة الجغرافية والتاريخ بمفهوم القومية
خوشابا سولاقا
ان مفهوم القومية مفهوم هُلامي يفقد خاصيته عندما لا يكون مرتبطاً بعلاقة جدلية تكاملية بالجغرافية والتاريخ ، أي بمعنى آخر ارتباطه بالأرض التاريخية ، أي أن القومية تكون موجودة فعلاً ككيان معنوي وهوية عندما تكون مرتبطة بالأرض تاريخياً ولها بصمات حضارية عليها ولها شواخص ومعالم أثارية تؤكد ذلك الوجود المعنوي ، وعندما لا تكون كذلك لا تكون هناك قومية كواقع تاريخي واجتماعي وانساني وحتى قانوني .
القومية من حيث المفهوم الإيديولوجي هي انتماء مجموعة بشرية ذات خصائص ومقومات مشتركة كاللغة الواحدة يتكلمون بها ويرتبطون ببعضهم البعض بمصالح مصيرية مشتركة وينشاؤون فيما بينهم تقاليد وعادات وطقوس اجتماعية مشتركة وتجمعهم رابطة الأرض ، وبالتالي يؤسسون على تلك الأرض تاريخ مشترك يشكل تراثهم القومي وثقافتهم القومية التي تميزهم عن غيرهم من المجموعات البشرية ، فرابطة التاريخ بالأرض هو العنصر الحيوي الأهم في بنية كينونة القومية .
أن التاريخ والتراث الثقافي المرتبطان عضوياً بارض محددة جغرافياً سوف يشكلان الشرعية القانونية التاريخية للوجود القومي لأية مجموعة بشرية وتعطي للهوية القومية لتلك المجموعة البشرية طابعاً ومضموناً قومياً متكاملاً ، أما في حالة فقدان ارتباط التاريخ والتراث بالأرض فإن القومية سوف تفقد مضمونها القومي الحيوي وتصبح عارية من أي غطاء قانوني تاريخي لوجودها ، وبذلك سوف لا تمتلك مبررات وجودها ككيان قومي متكامل المقومات كما هو حال كل الأمم القومية التي تمتلك وطناً ولها بصمات حضارية على أرضه .
في مثل هذا الوضع ، وضع فقدان الأرض سوف لا يكون للمجموعة البشرية حق المطالبة بأية حقوق قومية في أية ارض أخرى من بلدان المهجر لأنهم يعيشون كرعايا في أرض غريبة ليست أرضهم التاريخية ، وعندها في مثل هذه الحالة سوف تنحصر حقوقهم في حقوق الرعايا الاجتماعية والحقوق الإنسانية وبحسب قوانين تلك البلدان والقوانين الدولية ليس أكثر من ذلك .
انطلاقاً من خلفية هذه الرؤية فإن الأرض التي أنشاؤوا عليها أبائنا وأجدادنا من الكلدان والسريان والآشوريين القدامى تراثهم وثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم العريقة وتركوا عليها بصماتهم الحضارية وتركوا عليها شواخصهم ومعالمهم الأثارية منذ أكثر من سبعة آلاف سنة هي أرض " بيث نهرين " وليست أية أرض أخرى على هذا الكوكب ، وبذلك من المفروض والمنطق أن تبقى أرض " بيث نهرين " هي مهدنا كما كانت دائماً ، وأن تبقى هي لحدنا ومثوانا الأخير كما ينبغي أن تكون ، ليكون لنا حقاً الهوية القومية ، ويصبح ارتباطنا بها ارتباطاً مصيرياً لكي نجسد بذلك للأصدقاء من الشركاء في الوطن حقيقتنا القومية المتكاملة المقومات ، وكوننا نحن هم السكان الأصليين لهذه الأرض ، ونثبت  في ذات الوقت للأعداء الغرباء الذين يتربصون بنا شراً منطلقين من خلفياتهم الثأرية والأنتقامية التاريخية بأننا باقون خالدون فيها لا نتخلى عنها الى آخر يوم من حياتنا مهما كلفنا الأمر من تضحيات ، ونكون بذلك نخوض صراعاً وجودياً من أجل البقاء والثبات في الوطن لنخيب آمالهم وأحلامهم المريضة .
هنا نستطيع القول أنه إذا أردنا لأمتنا البقاء والأستمرار علينا قبول التضحيات والتشبث بالبقاء في أرض الوطن وأن نتحمل المعاناة والمصاعب والمصائب التي تواجهنا كما تواجه الآخرين من الشركاء في بقليل من الصبر والأناة وأن لا نستسلم في لحظة اليأس والضعف للقدر العبثي الذي يقودنا الى الأنتحار القومي الجماعي والهلاك في دهاليز المهاجر الغريبة كأمة لها مجدها واعتبارها التريخيين وأن لا نترك مدننا وقصباتنا وقرانا التي تحمل كل ذكرياتنا الجميلة للغرباء ونتوجهه الى المجهول الذي يُفقدنا وجودنا القومي على المدى البعيد ونعيش غرباء ونخسر كل غالٍ ونفيس في حياتنا .
عندما ندرس تاريخنا القريب وليس البعيد ، تاريخنا في القرنين الأخيرين القرن التاسع عشر والعشرين بإمعان سوف تذهلنا تضحيات أبائنا وأجدادنا في مقاومة الأعداء ومواجهة الصعاب في سبيل المحافظة على الأرض التي كانوا مرتبطين بها ارتباطاً مصيرياً ، وكانت هجرتهم المأساوية لمواطن سكناهم في حيكاري بعد اندلاع  الحرب الكونية الأولى صوب أرض بابل ونينوى وآشور وفقدوا على أثرها أكثر من نصف تعدادهم في معركتهم من أجل البقاء والعودة الى أرض الأباء والأجداد سنجدها أنها كانت خير مثال للتضحية من أجل الأرض ، وبذلك تمكنوا أن يؤسسوا لنا موطئ قدم لنستقر ونتطور ، ولكن مع الأسف الشديد كنا غير جديرين بتلك الثقة وتلك التضحيات ونحن اليوم لم نستطع من المحافظة على تلك الأمانة التي وضعوها بين أيدينا وتَرِكنا أرضنا التي سقوها بدمائهم الزكية في سبيل الحياة السهلة والمبتذلة نعيشها في بلدان الغربة معرضين وجودنا القومي الى عملية الأنصهار والأنقراض والزوال متذرعين بأسباب مفتعلة ومبالغ بها وكاذبة في أغلبها لا تشكل في خطرها على حياتنا شيئاً مقارنة بتلك المخاطر التي واجهوها أبائنا وأجدادنا في مسيرة الآلام من حيكاري الى بابل ونينوى وآشور قبل قرن من الزمان ، متناسين أن الحياة الخالية من التضحيات تكون كالطعام من دون ملح ، وهنا يحضرني قول الزعيم الهندي الكبير الخالد الذكر المهاتما غاندي حين قال " إن البذرة التي لا يسحق بذارها لا تنبت " كم هو قول عظيم لمن يحب ويقدس الحياة بكرامة .
نحن الكلدان والسريان والآشوريين والعرب من أكثر شعوب الأرض يتكلمون عن القومية ويبالغون بتعصبهم القومي واعتزازهم بقوميتهم ، ولكننا أقلهم فهماً لمضمونها وجوهرها وأهميتها في حياتنا وأقل من يضحي في سبيلها ، ونحن أكثر من يتهرب من المسؤولية القومية ويخونها من أجل أتفه مغريات الحياة وهنا نريد أن نقول ونحن نشعر بألم شديد يعصر قلبنا وهو راينا الشخصي طبعاً بصدد هذا الموضوع ، أن الهجرة بحد ذاتها من أرض الوطن مهما كانت أسبابها ودوافعها تعتبر خيانة عظمى للأمة بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية والانسانية ، وأنها تشكل خنجراً مسموماً في قلب الوجود القومي لأمتنا ، والبقاء في أرض الوطن هي أعظم وأقدس تضحية للمحافظة على استمرار هذا الوجود للأمة ، فأين نحن من كل هذا أيها الأخوة الأحبة ؟؟.

                                                خوشابا سولاقا
بغداد في 2 / آب / 2018 م

38
مفهوم الأمة ونشوئها وتطورها وإرتقائها
خوشابا سولاقا
لكي نفهم بصورة صحيحة وعلمية ودقيقة طبيعة القضية القومية وتطورها التاريخي وعلاقتها بنشوء الأمة ، ولكي نفهم ونستوعب وسائل وآليات حلها لصالح مجتمع معين ، يجب علينا أولاً معرفة النظرية العلمية لنشوء وتَكَون وإرتقاء الأمم الحديثة بدقة ، تلك النظرية التي تربط عضوياً أصل الأمة بأسباب وطابع الحركات القومية وتطور علاقاتها الثقافية والاجتماعية التي تؤسس لنشوء وتشكيل الأمة ككيان إجتماعي متكامل ذات سِمات متميزة .
لقد سبق نشوء الأمم ظهور الجماعات البشرية الأخرى التي تربط أفرادها ببعضها البعض علاقات إجتماعية وإقتصادية محددة وقوية بدافع المصالح المشتركة والمصير المشترك في عملية الصراع مع غيرها من التجمعات البشرية الأخرى التي تجاورها في مكان السكن والعيش ، وهذه التجمعات تشمل القبيلة والعشيرة وغيرها من المسميات والخصوصيات ، وبالتالي معرفة العلاقة الجدلية التكاملية بين مفهوم القومية كعِرق وبين مفوم الأمة ككيان اجتماعي في إطار وحدة الوطن .
وبما أن الأمة شكل جديد ومتطور لتجمع الجماعات البشرية المختلفة على أساس وحدة المصالح المشتركة والتي ظهرت بمفهومها الحديث مع عصر ظهور الدولة البرجوازية الوطنية التي ولدت من رحم إنهيار النظام الأقطاعي الأبوي الثيوقراطي القائم أصلاً على التشكيلات الاجتماعية القبلية والعشائرية السائدة ما قبل ظهور الأمم وبداية عصر البرجوازية الرأسمالية القائم على أساس تشكيلة الأمة الواحدة في البلدان المتطورة اقتصادياً .
هذا التطور أدى الى ظهور العصر الاستعماري الكولونيالي أي عصر سياسة الأضطهاد والقهر القومي للأمم الضعيفة والمتخلفة التي تمارسها برجوازية الدول الرأسمالية بحق الأمم المستعمِرة من أجل إستغلال ثروات بلدانها وجعلها دول تابعة وسوق مستهلكة لتسويق منتوجاتها .  هذه السياسة الرعناء الظالمة للدول الرأسمالية هي التي كبحت نهضة الأمم المقهورة الأقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية فتأخر بذلك تطورها وإنصهار تشكيلات القبيلة والعشيرة في تشكيلة الأمة في كل البلدان التابعة والمستَعمرة .
تنشأ الأمم وتتطور مع زوال وإنهيار النظام الأقطاعي القائم على أساس الأقطاعيات والأمارات المستقلة أي عندما يبدأ ظهور النظام البرجوازي الرأسمالي على قاعدة التطور الأقتصادي الرأسمالي فتخلق بذلك حياة اقتصادية مشتركة تجمع تشكيلات الأمة المتمثلة في الاقطاعيات والأمارات ككيانات مستقلة لتنصهر وتندمج في كل متجانس فتؤلف بذلك القبائل والعشائر والأقوام المختلفة كيان جديد وهو " الأمة " .
يمكن أن تتكون الأمة من وحدة قبائل وعشائر " لقومية واحدة " أو " لعدة قوميات " وتنصهر في بعضها البعض مشكلة أمة واحدة كبيرة تربطها وتجمعها ببعضها البعض وحدة المصالح الاقتصادية المشتركة والمصير المشترك في تحديها وتنافسها مع الأمم الأخرى التي تنافسها وتنازعها على المصالح كما كان الحال بعد عصر النهضة الأوربية وقيام الثورة الصناعية وكما هو الحال اليوم في عصر الأمبريالية الليبرالية والعولمة .
إن اهم ميزات الأمة الواحدة هي وحدة المصالح الاقتصادية المشتركة لأن ذلك هو ما يجعلها موضع التحدي مع الأخر من أجل الوجود ككيان قوي قادر على البقاء والأستمرار ، وهكذا تكونت الأمم وتبلورت ونمت   وتتطورت مع تطور الرأسمالية وظهور الأسواق والمراكز والتكتلات الاقتصادية القومية والوطنية الضخمة هذه هي الميزة والسمة الغالبة للأمة ، أما الخصائص الأخرى التي تتميز بها الأمة كاللغة المشتركة والأرض المشتركة والسمات القومية الواحدة التي تعبر عنها خصوصيات الحياة الاجتماعية والثقافية بما فيها من عادات وتقاليد وطقوس قومية ودينية التي تنفرد بها كل أمة من الأمم فأنها لا تشكل مصادر للصراعات التاريخية بين الأمم كما هي المصالح الأقتصادية وهذ ما يؤكده التاريخ .
يجب علينا ان لا نخلط  بين مفهوم الأمة وبين مفهوم العِرق ، الأمة قد تتكون من عرق قومي واحد أو من مجموعة اعراق قومية بينما العِرق هو علم أصل الأنواع البشرية ويعود ظهوره الى المراحل البدائية الأولى لظهور وتطور الإنسان والمجتمع البشري ، ويرتبط نشوء وتكون الأعراق البشرية بما تتميز به وتتنوع عن بعضها البعض من فروقات في بنية الجسم من خواص الأنسان الجسدية بالشروط البيئية الجغرافية والمناخية التي عاشها الأنسان ، وقد إنقسم الناس خلال مراحل تطورها عبر آلاف السنين الى جماعات متنوعة معزولة عن بعضها البعض ، وبذلك تكونت السمات الظاهرة الخاصة بكل عرق من الأعراق البشرية التي تميزها ومن ضمن هذه السمات مثل لون الجلد والبشرة وشكل شعر الرأس وشكل الرأس وحجمه ونسبة طوله على عرضه وشكل ولون العينين وشكل الأنف وطول القامة وغيرها من الصفات الأنثروبولوجية وكل هذه الصفات تتأثر بالمحيط الجغرافي والبيئة المناخية وتغيراته النوعية والكمية .
لقد قاد نزوح المجتمعات البشرية بسبب الظروف المعاشية والتقلبات الثورية المناخية في الطبيعة والحروب والغزواة الى تمازج وتداخل وتعايش السلالات البشرية ببعضها البعض وظهور تنوعات من السلالات البشرية الجديدة هجينية بخصائص وصفات مختلفة ، وأستمرت العملية التطورية للجنس البشري بين الضمور والأختفاء لسلالات معينة والصعود والأرتقاء لسلالات أخرى الى أن وصلت الى ما وصلت إليه اليوم ، وبشكل عام يقسم الجنس البشري اليوم من حيث لون البشرة ومعظم الصفات الانثروبولوجية الى ثلاثة أجناس رئيسية وهي :-
1 -  الجنس الزنجي ذات البشرة السوداء .
2 - الجنس الأبيض ذات البشرة البيضاء .
3 - الجنس الأصفر ذات البشرة الصفراء .
لقد أظهرت جميع البحوث والدراسات العلمية التي اجروها العلماء ان التفوق في الذكاء لا يتعلق ولا علاقة له إطلاقاً بأي شكل من الأشكال بنوع الجنس البشري من حيث لون بشرته وجنسه من حيث كون الأنسان ذكراً ام انثى ، ومع ذلك يبشر الكثيرين من الأيديولوجيين الرجعيين بمفاهيم عنصرية تتناقض مع منطق العلم حول وجود سلالات بشرية " متفوقة " وسلالات بشرية " منحطة " ، وبزعمهم هذا أن بعض السلالات المتفوقة قد تتميز بطبيعة السيطرة والذكاء بينما الأخرى المنحطة يتوجب عليها الخضوع والأستسلام والخنوع لإرادة السلالةالمتفوقة وهذا الفهم ينطلق أصلاً من قاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " ، ومثال على ذلك دعوة الدول الأستعمارية في العصر الكولونيالي الى التبشير برسالة الجنس الأبيض ( أي رسالة الرجل الأبيض كما تسميه بعض المصادر )  لتبرير إحتلالها واستعمارها لبلدان الأمم الأخرى ، بينما في الحقيقة تعود أسباب حالة التخلف لبعض الأمم المستعمرة الى أسباب اقتصادية وإجتماعية ترتبط قبل كل شيء بالنير والقهر القومي الذي قاسته تلك الأمم طيلة قرون طويلة حيث أعاق تطورها الأقتصادي والاجتماعي والثقافي مما سبب في تخلفها وتأخرها ، ولا يعود سبب التخلف إطلاقاً الى موروث الخصوصيات العرقية القومية والجنسية والدينية كما يدعي المفكرين والمنظرين البرجوازيين عند تبشيرهم برسالة الجنس الأبيض إلا بقدر ضئيل جداً .
لقد عمل الأيديولوجيون الرجعيون العنصريون القوميون والمتدينون ولا زال يعملون كل ما في وسعهم من شأنه أن يكرس أفكارهم واطروحاتهم ليقدموا قاعدة شرعية قانونية وأخلاقية للنير والقهر القومي الذي تمارسه أحزابهم السياسية ومؤسساتهم الاجتماعية والتربوية والخيرية في التمييز العنصري وإقامة أنظمة الفصل العنصري على أساس التفوق العِرقي لغرض تبرير سياساتهم اللاإنسانية واللاأخلاقية والقائمة على أساس إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان بكل بشاعة خلافاً لكل القوانين والأعراف الانسانية كما حصل في جمهورية جنوب أفريقيا وزيمبابوي ( روديسيا سابقا ً ) ، وذلك من خلال خلط بين ماهية الأمة وماهية الجنس وبين ماهية الأمة وماهية القومية لكي يطابقوا ماهية الجنس مع ماهية الأمة ويستبدلون المحتوى الاجتماعي للأمة بمحتوى بايولوجي لتكريس مبدأ تفوق عِرقِ معين على عِرقٍ آخر ، وبعض هؤلاء العلماء الاجتماعيون والسياسيون الرجعيون العنصريون يحددون مفهوم الأمة " بالوعي والإرادة القومية " بطريقة مبتذلة ومشوهة ومناقضة لمنطق العلم والعقل وبالمعنى المجرد للمصير وليس بموجب مجمل الشروط الموضوعية التاريخية والمادية التي فيها تتكون وتنشأ الأمم .
هؤلاء يُعَرفون الأمة بأنها مجموعة أفراد تجمعهم وحدة الطابع المرتكزة على وحدة المصير المشترك ، وبالتالي اعتبروا الأمة بأنها الوحدة الثقافية لمجموعة أفراد معاصرين دون أية علاقة بالأرض حيث ليس للجنسية من حيث جوهرها أي شيء مشترك مع بقعة الأرض المحددة جغرافياً ، وبالتالي فإن الأمة كما يراها هؤلاء هي " ظاهرة روحية بحتة " ولم يعط علم الاجتماع البرجوازي بسبب إتجاهه الطبقي حتى أيامنا هذه تحديداً صحيحاً واضحاً لمفهوم الأمة .
يجيب البعض من المفكرين البرجوازيين على السؤال " ما هي الأمة ؟ " فيقولون " إنها محددة بالأراء الذاتية للأشخاص المعنيين بها " ومثل هؤلاء يقولون " إن قرار تكوين الأمة يسبق نشوءها "  ويردون بذلك ماهية الأمة الى مفهوم الوعي القومي والإرادة الذاتية في الاتحاد ، ويعتبرون الوعي القومي مجرداً عن أي شيء ، ولا علاقة له بشروط حياة المجتمع التاريخية والمادية .
هذه هي الشروط المادية والظروف الموضوعية التاريخية لنشوء الأمم وتطورها وارتقائها في عملية تراكمية تاريخية نوعية وكمية ، ونجد في النهاية أن الأمة والقومية مفهومان مرتبطان ببعضهما بعلاقة جدلية تكاملية لا يمكن لأي منهما أن يكون موجوداً من دون وجود الآخر لأن أحداهما يكمل شروط تكوين الآخر .
على ضوء هذه الرؤية فإن الكتلة البشرية المتكونة من الكلدان والسريان والآشوريين التي تتماثل مكوناتها في الشروط الموضوعية للأمة تشكل أمة واحدة شئنا أم أبينا مهما اختلفنا على التسمية الموحدة ، وهي في ذات الوقت تشكل قومية واحدة لأن شروط القومية الموحدة الأساسية تتماثل وتتكامل وتتشارك في جميع هذه المكونات ، وما تختلف به هذه المكونات عن بعضها البعض هو اللاهوت الديني المذهبي الكنسي الذي أصبح بؤرة الخلاف والأختلاف بين مكونات أمتنا وقوميتنا منذ قرون قليلة وليس منذ نشوئها التاريخي حيث فرقنا عن بعضنا وجعلنا أعداء ألداء من حيث لا ندري وتلك هي المصيبة في أمة يسودها غياب الوعي القومي وسيادة ثقافة الكراهية المذهبية الكنسية ، ولكن ليس هناك أمام العقل الإنساني وحكمته في صياغة حياته الجديدة ما يعيق أبناء أمتنا الغيارى من إنجاز المستحيل إن توفرت لديهم الإرادة السياسية الحرة والمؤمنة بالتطور وحسن النوايا في فهم الحقيقة التاريخية ومتطلبات الحياة الحاضرة في تقرير المصير والمحافظة على الوجود القومي لأمتنا العظيمة ذات التاريخ المجيد والحضارة التي أخرجت البشرية من الظلمات الى النور وهذا ما تقره متاحف أمم العالم الزاخرة والعامرة بأثارنا الجليلة .

خوشــابا ســولاقا
28 / تموز /2018 م 

39
تظاهرات الشعب العراقي تمهيداً لتطبيق الشرعية الثورية لأجراء التغيير المنتظر
خوشابا سولاقا
الوضع العام في العراق
كان الوضع العام في العراق قبل 2003 م وضعاً بائساً مأساوياً حيث يخرج العراق من حرباً ليدخل حرباً جديدة أكثر دماراً ومأساتاً على شعبه المغلوب على أمره بسبب السياسات الحمقاء والطائشة والعبثية التي كان يعتمدها نظام الحكم الصدامي الديكتاتوري الأستبدادي ، وكانت قوافل الشهداء تتوالى من جبهات القتال باللآف من شبابه ، وبات الموت يدق أبواب العوائل العراقية لحظة بعد لحظة ليأخذ منهم عزيزاً ويترك ورائه الثكالى واليتامي بمئات الالآف واستمرت الحالة هذه لسنوات طويلة منذ تولى صدام حسين وانفراده بالحكم في العراق عام 1979 بعد الأنقلاب على حكومة المرحوم أحمد حسن البكر الذي شاهد العراق في عهده نهضة كبيرة من البناء والعمران والتقدم وانجاز الكثير من المشاريع التنموية والأصلاحات الادارية في بنية الدولة العراقية ، حيث تحول العراق الى ورشة عمل كبيرة من أقصاه الى أقصاه . لكن بعد انقلاب صدام حسين على البكر عام 1979م وانفراده بالحكم بدأ العراق بالتراجع بشكل قفزات والتوجه باتجاه تبني سياسات الحروب العبثية المدمرة مع دول الجوار بالرغم من عدم التيقن من أسباب تلك الحروب وجدواها ومسببيها بدلاً من التوجه الى سياسات التفاوض والحوار الدبلوماسي السلمي لحل كل ما كان موجوداً من الأسباب والمشاكل العالقة بين العراق وتلك البلدان بدلاً من اللجوء الى قوة السلاح وشن حروب عسكرية شاملة تطول لسنوات ، وتستنزف كل طاقات البلاد البشرية والأقتصادية والمالية ، وبالتالي إغرق البلاد في جملة من المشاكل الأجتماعية والأقتصادية والمالية الخانقة ليخرج منها منهكاً وهزيلاً منهار القوام ومديوناً بأكثر من 125 مليار من الدولارات للدول الأجنبية لديمومة واستمرار تلك الحروب العبثية الحمقاء ، والتي التهمت أكثر من نصف مليون من الشهداء من شباب الوطن من خريجي الجامعات بأغلبهم ، وأضعافهم من المعوقين والأرامل والعوانس واليتامي والثكالى .
كل هذه الكوارث وآثارها المدمرة على مستقبل البلد توقفت وانتهت باسقاط النظام الصدامي على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع مجموعة من العملاء وخونة الوطن ليس حباً بالعراق بل بمصالحها في التاسع من نيسان 2003 م واحتلال بغداد وفرض نظام الأحتلال على العراق ، وبالتالي تسليم العراق على طبق من ذهب لدول الجوار وتدخلاتها وفرض إراداتها على قراره .
بانتهاء هذه المرحلة الصدامية تنفس غالبية الشعب العراقي من البؤساء المتضررين من الحروب العبثية للنظام الصدامي الصُعداء ، وتوقعوا أن يحصل انفراج في الوضع العام للبلاد لينتقل العراق الى مرحلة نوعية جديدة تبشر العراقيين بالخير والسلام والأمان ليبدأوا حياة جديدة بعيدة عن الحروب والموت الدائم الذي كان يُداهم بيوتهم ليأخذ منهم عزيزاً غالياً عنوةً  ، وأن تصبح موارد البلاد في خدمتهم لزيادة رفاهيتهم الاجتماعية لتعوضهم عن ما عانوه في الأيام العجاف ، وأن يتولى حكم البلاد من قبل أبنائه الغيارى من الوطنيين الشرفاء من الذين ذاقوا الأمرين في ظل النظام السابق ليبنوا عراقاً جديداً مزدهراً متطوراً ومتقدماً لا مكان فيه للفقر والعوز والمرض والحرمان والبطالة والجريمة والأمية والشحذ في الشوارع .
هكذا كان الحلم الذي يراود العراقيين بكل مكوناته بعد السقوط ، إلا أنه مع الأسف الشديد هذا الحلم لم يطول كثيراً وسرعان ما تلاشى وتبخرت أمالهم وذهبت أدراج الرياح في موجة من الفوضى والعبث بالمقدرات والجريمة بكل أشكالها ، وسرقة المال العام للبلاد من قبل أغلب كبار المسؤولين في الدولة الذين قفزوا الى سُدة الحكم بمساعدة المحتل في ظلام الليل غفوةً ليقيموا نظامهم الجديد نظام المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت الذي جلب للعراق وشعبه الدمار والخراب والموت ، ودب في ظله الفساد بكل أشكاله في كل مفاصل أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية العسكرية والأمنية والمدنية ، وانتشرت الجريمة بكل أشكالها وشاع القتل على الهوية وباتت شوارع المدن العراقية مكبات للنفايات ومقابر لجثث المغدور بهم من أبناء العراق الأبرياء ، وبات توفير الخدمات الاجتماعية مثل الكهرباء والماء الصافي الصالح للشرب والمجاري الصحية لصرف المياه الثقيلة ، والخدمات الصحية والبلدية والخدمات التربوية وبُناها التحتية من المدارس الملائمة شبه معدومة في عموم العراق ، وأخيراً وليس آخراً تكللت سياسة الحكومات الطائفية الأنتقامية المقيتة المتوالية وبالأخص بعد عام 2005 م ، وردود الأفعال عليها من الطرف الآخر الى تسليم أكثر من ( 40 % ) من مساحة البلاد الى العصابات الأرهابية المجرمة – داعش ، ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين من العراقيين لمناطق سكناهم في تلك المحافظات المحتلة من قبل الشراذم الأرهابية الداعشية ، وباتوا مشردين تحت رحمة العوز والمرض والفقر والحرمان من دون معيل ومستجيب لمتطلباتهم الحياتية الآنية بأبسط أشكالها ، وختمت نتائج حكم هذه الحكومات المحاصصية الهزيلة بأقحام البلاد من جديد في حرب شاملة مدمرة لتحرير البلاد والعباد من براثن العصابات الأرهابية والتي تكلف العراق يومياً الملايين من الدولارات والمئات من الشباب على حساب إفقار البلاد وزيادة معاناة ومأساة شعبه بسبب غياب الروح الوطنية المؤمنة والصادقة للحاكمين الجدد !!! .
وباختصار شديد هكذا  بات الوضع العام في العراق والمشاكل والمعاناة والمأسي تطحن بأبنائه المغلوب على امرهم ، والحرب دائرة في كل بقعة من أرجائه من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه من دون توقف ، ومن دون وجود بصيص من الأمل للخروج قريباً من هذا النفق المظلم الذي أدخله فيه الحكام والسياسيين الطائفيين من جميع الأطراف ، وبات كل شيء في العراق له مساس بحياة مواطنية بخصوص توفير الخدمات المختلفة ومستلزمات الحياة بأبسط أشكالها في حالة من التراجع والتداعي المستمرين  من سيء الى أسوء يوم بعد آخر ، وبذلك باتت الظروف الذاتية والموضوعية في العراق مهيئةً وناضجةً للحراك الجماهيري الوطني للخروج الى الشوارع ومطالبة السلطات  بتوفير الخدمات بأبسط مستوياتها طالما كانت الدولة ومؤسساتها المختصة عاجزة عن القيام بما هو مطلوبٌ منها تجاه الشعب ، ثم الأرتقاء بها تدريجياً وصولاً بها الى مستوى الطموح الذي يليق بشعبِ بلداً يمتلك ثروات نفطية هائلة تقدر بمئآت المليارات من الدولارات سنوياً ، تلك الثروات التي باتت تعبث بها سُراق المال العام  من المسؤولين الكبار في إدارة الدولة والأحزاب المتنفذة في تلك الادارة ، لذلك كان المطلب الآخر لجماهير الشعب في تظاهراته العارمة هو محاربة الفساد المستشري الذي ينخر في جسد الدولة والقضاء علية وإحالة الفاسدين الى القضاء لينالوا جزائهم الذي يستحقونه لقاء ما أقترفوه من جرائم سرقة المال العام ، وتطبيق بحقهم قانون " من أين لك هذا ؟؟ " ، لأن تردي الأوضاع في العراق في كل ما تم استعراضه في هذه المقدمة وبات البلد على وشك الأنهيار في كل المجالات هي نتيجة طبيعية لانتشار الفساد بكل أشكاله في كل مفاصل الدولة ، وعليه فإن نقطة البداية على خط الشروع بعملية الأصلاح الشامل لأوضاع البلاد يجب أن تبدأ بمكافحة الفساد والفاسدين والقضاء عليهما قضاءاً مبرماً ونهائياً ، ومن دون ذلك لا يمكن للعراق أن ينهض من كبوته وأن يقف على قدميه من جديد ليخطو الى الأمام لبناء مستقبلاً زاهراً يليق بشعبه  .
الحراك الشعبي والتظاهرات الجماهيرية
تعتبر التظاهرات الشعبية السلمية العفوية التي يشهدها البلاد في هذه الأيام ، والتي تنظمها الجماهير الشعبية الساخطة من مختلف شرائح وطبقات المجتمع العراقي على الأوضاع المزرية الحالية السائدة والتي تعم البلاد ، في بغداد العاصمة ومحافظات الوسط والجنوب لمطالبة السلطات  بتوفير الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة هي حق دستوري مكفول للجماهير الشعبية ، وبذلك تمتلك الشرعية الدستورية ،  وبالتالي تعتبر هذه التظاهرات الشعبية المرحلة الأولى من استعمال الشرعية الثورية للجماهير الشعبية للتفاوض مع سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والضغط عليها لتلبية حقوقها المشروعة دستورياً وإنسانياً .
عليه فإذا كانت سلطات الدولة العراقية مؤمنة وملتزمة حقاً بمواد الدستور الذي أقره الشعب في استفتاء عام وهي منحازة لمصلحة الشعب الذي أوصلها الى مواقعها في سُدة الحكم ، وهي حريصة على مصلحة الوطن ، عليها أن تعتبر هذه التظاهرات الشعبية العارمة بمثابة تنبيه وجرس انذار مبكر لما يعانيه البلاد من ويلات وما مقبل إليه من أحداث جسام لا يُحمد عقباه كما وصفها السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي المحترم في إحدى خطاباته ، ولأن تتعامل معها بجدية وايجابية وعقل متفتح وصدر رحب وحكمة سياسية لرجال دولة لأيجاد الحل المناسب لتجاوز ما يعاني منه البلاد والشعب في هذه المرحلة العصيبة للرسو بسفينة البلاد الى بر الأمان ، وأن تبتعد السلطات عن أسلوب المراوغة والمماطلة والتسويف والوعود الكاذبة المخدرة للمشاعر الناقمة للجماهير واللجوء الى مواجهة المتظاهرين باستعمال القوة والوسائل العنفية والتي حتما ستزيد الطين بله ، لأن اعتماد مثل هذه الأساليب سوف تكون حلول مؤقة وذات عواقب وخيمة ونتائج معكوسة تقود في النهاية الى أنفجار جماهيري شعبي ثوري أقوى وأعنف من التظاهرات السلمية الحالية ، بل سوف تتحول التظاهرات السلمية الى انتفاضات ثورية شعبية التي قد تتسم بشكل أو بآخر بطابع من العنف الثوري تقود الجماهير المنتفضة الى المطالبة بتغيير النظام السياسي القائم على الفساد جذرياً باعتماد وسائل قسرية وفق الشرعية الثورية للشعب التي يمنحها له حق الحياة الحرة الكريمة التي اغتصبها منه حكامه الطغاة الفاسدين والفاشلين الذين يمعنون في إفقاره وحرمانه من حق الحياة الكريمة وقتل أبنائه وإذلاله وظلمه واستغلال ثرواته الهائلة لصالحهم الشخصي من غير وجه حق عندها سوف لا يفيدهم الندم .
لذلك نرى أن من واجب السلطات الرسمية بكافة اختصاصاتها أن تأخذ الأمور بجدية بالغة ، وتتعاطى معها بروية وحكمة وحِنكة سياسية عالية لأنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الأمور الى نصابها الطبيعي ووضع البلاد على مساره الصحيح بدلاً من الأستمرار في غييّها والسير الى سياسة حافة الهاوية ، وعلى السلطات أن تدرك بأن السَيّلُ قد وصل الزُبى وأن الكيلَ قد طفحَ ، وأن غضب ونقمة الجماهير البائسة والغاضبة قد وصل الى حده الأقصى من التحمل ، وإن موجة الغليان الثوري في الأعماق في حالة تصاعد يوم بعد آخر وربما ينفجر البركان الشعبي الهائج في أية لحظة ليحرق الأخضر باليابس في العراق إذا لم يتم تنفيسه بحِكمة وتعقُل وروية من قبل السلطات في الوقت المناسب قبل فوات الآوان ، وأن ذلك الوقت لربما يكون في البداية هو الوقت الأنسب قبل أن تستفحل الأوضاع وتصل الأمور الى حالة الأنفجار الثوري ويحرق كل شيء عن بكرة أبيه .
وأخيراً ندعوا منظمي هذه التظاهرات الى عدم شخصنتها وحصرها في شخص مسؤول بعينه كما هو الحال مع شخص وزير الكهرباء السيد قاسم الفهداوي أو غيره من المسؤولين وأنما تعميمها شمول النظام برمته بكل مؤسساته ، لأن شخصنة التظاهرات ليس من صالحها لأن ذلك يعني أن هذا الوزير هو لوحده فقط المقصر وهذا غير صحيح ، بينما النظام بكل مؤسساته وسلطاته مقصر في أداء مهامه حتى بأدنى المستويات ، نأمل أن تؤخذ ملاحظتنا هذه بنظر الأعتبار من قبل منظمي التظاهرات وسحب كل شعارات الشخصنة من التظاهرات ، كما ندعو الجماهير المنتفضة الى عدم اللجوء الى المساس بممتلكات الدولة بشكل عام لأنها ملكهم والى عدم المساس بالممتكات الخاصة للأفراد لأنها هي ملك الوطن باستثناء منها ما لها رمزية خاصة بتلك الأحزاب التي قادت عمليات الفساد وسرقة المال العام والتي أوصلت البلاد الى ما هو عليه اليوم لتعطي بذلك رسالة مباشرة لهم ولمن يساندهم للكف عن الأمعان في أفقار وإذلال الشعب العراقي ليرعووا ولأن يعيدون النظر بقواعد وسلوك حكمهم الذي بات مرفوضاً من غالبية الشعب العراقي ، كما ندعو المنتفضين الى المطالبة بإلغاء كل القوانين والتشريعات التي تم تشريعها لشرعنة منح الأمتيازات لأعضاء البرلمان والوزراء وكان آخرها القانون الذي تمت المصادقة عليه يوم أمس لمنح النواب أمتيازات تقاعدية خلافاً للدستور والأعراف الدولية .
تذكروا أيها المتظاهرون المنتفضون من أبناء الشعب العراقي الكريم أن مبلغ ألف ومئتي وخمسين مليار دولار التي دخلت خزينة الدولة خلال السنوات الأربعة عشر الماضية يكفي لبناء دولة متقدمة صناعياً وزراعياً وحضرياً وعمرانياً بمستوى أية دولة أوروبية مثل هولانده أو السويد أو فنلنده أو النمسا وحتى إيطاليا وكوريا الجنوبية وتركيا ، لأن كثير من تلك البلدان بُنيت بمبلغ أقل من هذا المبلغ ، أسألوا حكامكم بعد عام 2003م أين ذهببت كل تلك المليارات من الدولارات والعراق يعاني من كل هذه المشاكل في بناه التحتية ويواجه الأنهيار المالي والأقتصادي ؟؟ ، أين صرفت كل هذه المليارات وفي أية حسابات مصرفية تم توديعها ؟؟ وعندها قرروا ما المطلوب القيام به ، لأسترداد كل هذه المبالغ لأعادة بناء عراق جديد مزدهر ومتطور ليتمكن من اللحاق بركب أقرانه من الدول النفطية في المنطقة الأقل مواردها النفطية منه مثل دول الخليج العربي !!! .
نصيحة مخلصة للسلطات الحاكمة في العراق ... أجراس التنبيه والتحذير تقرع بقوة في كل مدن وقصبات العراق وبات صوتها يصل بقوة الى كل دار عراقية لتقول لهم أنهضوا من سباتكم واستفيقوا من نومكم أيها البؤساء لقد حانت الساعة ، ساعة الحسم والخلاص مما أنتم فيه من معاناة التي طالت وأثقلت عليكم بحملها الثقيل .... ماذا تنتظرون يا جياع الشعب ؟؟ ألم يُذكركم انقطاع الكهرباء والماء بما أنتم فيه ؟؟ 
خوشـــابا ســـولاقا
22 / تموز / 2018 م

40
المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي
أين تنظيماتنا القومية والوطنية منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
هناك مبادئ أساسية معروفة لكل العاملين في مجال عمل التنظيمات السياسية بكل تنوعاتها الأيديولوجية يجب أن تعتمد في قيادة هذه التنظيمات الحزبية السياسية ألا وهي ، الديمقراطية والمركزية ، النقد والنقد الذاتي ، خضوع الأقلية للأكثرية ، الألتزام الصارم في تنفيذ القرارات الحزبية الصادرة من هيئات التنظيم القيادية تدرجاً من الأعلى الى الأدنى بدقة ، وغيرها من المبادئ والتقاليد والسياقات التنظيمية التي تُقوي من وحدة التنظيم الداخلية الفكرية والتنظيمية وتزيد من تماسكه وتعزيز دوره وفعاليته في المواجهة والتصدي للتحديات التي تواجهه في ساحة عمله النضالي من أجل إنجاز مهماته الأستراتيجية المحددة وتحقيق أهدافه ، وياتي في مقدمة هذه المبادئ الألتزام الصارم بالقواعد التنظيمية الداخلية المعتمدة في حياة التنظيم السياسي ، ولكن بالرغم من أهمية كل ما تم ذكره من المبادئ والقواعد والسياقات التنظيمية يبقى مبدأ " القيادة الجماعية الديمقراطية " هو المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي ( أي تنظيم كان ) وحيوته وتجدده لتجاوز كل عوامل الضعف والتفكك التي تحصل أثناء العمل في هذا المفصل أو ذاك ، وعليه سنتناول هنا بشيء من التفصيل هذا الموضوع لأهميته الحيوية في بنيان وديمومة الوحدة الفكرية والتنظيمية واستمرار تنامي وتجدد القدرات للتنظيمات السياسية مع تنامي وتجدد متطلبات الحياة الاجتماعية  للمجتمع ومدى التزام تنظيماتنا السياسية القومية ( تنظيمات أمتنا ) بشكل خاص وتنظيماتنا الوطنية العراقية بشكل عام بهذا المبدأ عملياً في حياتها وأين موقعها منه على وجه التحديد .
إن القيادة الجماعية المتجانسة فكرياً في فهمها ورؤيتها وتحليلاتها لمستجدات وتطورات الحياة الاجتماعية ومقتضيات العمل السياسي التنظيمي لمواجهة ما يحصل من المتغيرات هي احدى أهم مبادئ القيادة الحزبية الناجحة ، ولقد بينتْ وأثبتتْ التجارب الطويلة للتنظيمات السياسية في مختلف البلدان وعبر مختلف الظروف التاريخية لحياة الشعوب أنه فقط بالمحافظة على هذا المبدأ المهم وبالارتكاز عليه والتمسك النزيه والحازم والصارم بقيَمِهِ ومنهجه فقط يمكن إطلاق وتوجيه المبادرات الخلاقة لكوادر التنظيم ومنظماته السياسية والمهنية بمرونة وإبداع خلاق وتحليل الوضع القائم بشكل علمي صحيح وتقييم نتائج العمل المنفذ بشكل موضوعي لأستنتاج المطلوب لأستمرار المواجهة مع تحديات الواقع ، وبغير ذلك سيكون الفشل هو المصير المحتم لعمل التنظيم .
إن القرارات المتخذة جماعياً تعطي قوة كبيرة وزخم هائل لقيادة التنظيم وتسمح في ذات الوقت بتوحيد وجمع مواهب وخبرات المنخرطين في تنظيماته السياسية والمهنية بكل مستوياتهم ، وتحمي أيضاً هيآته وقادتها من عوامل الضعف والوهن والخلل والزلل والعمل بعشوائية وانتقائية ومن اللجوء الى أنصاف الحلول التوفيقية والأحادية الجانب عند إتخاذها للقرارات الأستراتيجية الحاسمة .
إن توافق الأراء بحرية وبأسلوب ديمقراطي خيراً من قرارات فردية تتخذ من قبل هذا المستبد الديكتاتوري أو ذاك مهما يكون مستوى ذكائه وفطنته في تحليل الأوضاع وتقييمها وتقديم المعالجات الصائبة السليمة .
إن مبدأ القيادة الجماعية هو شرط أساسي لا غنى عنه للنشاط الطبيعي لأي تنظيم سياسي ينشد الديمومة والاستمرار قوياً بكل منظماته السياسية والمهنية ويسعى الى تربية الملاكات الحزبية المقتدرة المستقبلية بصورة صحيحة وممنهجة للعمل بين صفوف الجماهير بصورة فعالة ومؤثرة لتأطير نشاط أعضاء التنظيم وفعاليتهم الذاتية بصورة دائمة ومستمرة .
إن الأساس الذي يجب أن يستند إليه مبدأ القيادة الجماعية في التنظيم السياسي هو تبني النظرية الفكرية العقائدية التي يسترشد بها وبفكرها ويعتمدها والتي بغيابها  يبقى التنظيم مجرد جسد من دون طاقة محركة التي عليها يرتكز أصلاً الدور الحاسم الذي تلعبه الجماهير الشعبية في العملية التاريخية لأعادة صياغة قواعد ومبادئ الحياة الاجتماعية التي يناضل التنظيم من أجل تجديدها وتغييرها نحو الأفضل .
على الجماهير هنا كصانعة للتاريخ أن تَدرُك دورها التاريخي كشرط حاسم في بناء المجتمع الجديد بقيادة تنظيم سياسي يتمتع بقيادة جماعية ونظرية فكرية عقائدية يسترشد بمنطلقاتها ، وإن كل ذلك لا يتحقق إلا من خلال الأبداع الجماعي الخلاق لها وفي تدفق طاقتها التي لا تَنفذْ وفي تجربتها المليئة بالحكمة والخبرة المستنبطة من معاناة ومخاض الحياة اليومية لها في ظل وجود هكذا تنظيم .
عليه فإن القيادة الجماعية بطبيعة الحال تنبثق من صميم طبيعة التنظيم الجماهيري الذي رشحتهُ الجماهير لأن يكون القائد السياسي لها لينظمها ويربيها على أسس العمل الجماعي المنظم لكي يقودها بنجاح ، ولكي يلعبُ التنظيم دوره القيادي السياسي التاريخي في عملية التغيير ينبغي عليه أن يستند في عمله بكامله على مرتكزات ديمقراطية حقيقية ليتواصل إرتباطه الجدلي مع الجماهير ، أي بمعنى هناك علاقة جدلية تكاملية بين القيادة الجماعية والنظرية الفكرية العقائدية للتنظيم وبين الجماهير ، ومن دون هذه العلاقة يتحول التنظيم الى مجرد جمعية أو نادي إجتماعي ليس إلا  .
القيادة الجماعية الحقيقية هي تلك القيادة التي تؤمن بصورة مطلقة بضرورة وجود الرصانة والشفافية والأمانة في وضع القرارات المتخذة من قبل التنظيم موضع التنفيذ الكامل دون تأخير أو تلكؤ أو تأجيل ، أي بمعني أن كل قرار يجب أن ينفذ في زمانه ومكانه المحدد وفق الآليات المقررة سلفاً ، وأن تؤمن القيادة بمبدأ تطوير التنظيم كأرقى  شكل من أشكال التحول الاجتماعي وكقوة قائدة لأنجاز الثورة الاجتماعية في المجتمع .
من خلال مبادئ العمل الجماعي وسياقاته داخل التنظيم وفي مجرى المعالجات للأحداث المستجدة في مسيرته النضالية  وفي ممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي بحرية وأمانة وشفافية بين أعضاء القيادة من جهة وبين القيادة واجماهير من جهة ثانية تتكون وتتبلور السِمات النضالية الحقيقية للمناضلين السياسيين من الطراز المبدع والخلاق التي يحتاجها التنظيم الثوري الحقيقي لأنجاز الثورة الأجتماعية المنتظرة في المجتمع .
إن مبدأ القيادة الجماعية المتجانسة فكرياً هو لوحده فقط يتجاوب مع متطلبات استمرار وديمومة التنظيم قوياً وديناميكياً موحداً ويصونه ويحافظ على وحدته الفكرية والتنظيمية وبالتالي إبعاده عن الأخطاء والمنزلقات الخطيرة التي تحصل أحياناً في حياة التنظيمات السياسية عند هذا المنعطف أو ذاك خلال المسيرة  النضالية لها .
ومن شروط ومستلزمات تحقيق القيادة الجماعية للتنظيم السياسي ينبغي أن يتوفر في صفوف أعضائه مناخاً مناسباً من الحرية وجواً من الديمقراطية الحقيقية للتبادل الحر في الأفكار والأراء والمناقشات المفتوحة والحوارات الصريحة في كل شأن من الشؤون وبقدر عال من الشفافية والمصارحة والمكاشفة ، وأن لا يحق لأي عضو في القيادة أن يحاول فرض رأيه أو وجهة نظره بالقوة وأساليب المراوغة والخديعة والمكر على الآخرين مهما كان موقعه في القيادة أو أن يضع نفسه فوق الجماعة ، لأن ظهور أو وجود مثل هذه النزعة تقود الى ظهور نزعة قيادة فردية استبدادية ، وبالتالي تظهر ظاهرة تأليه وعبادة الفرد ومن ثم قيام ديكتاتورية فردية مقيتة بدلاً من ترسيخ مبدأ القيادة الجماعية الديمقراطية ، وسيادة الديكتاتورية  ستلغي مبدأ الديمقراطية لحساب ترسيخ المركزية الصارمة في إتخاذ القرارات داخل التنظيم ، وستلغي مبدأ خضوع الأقلية للأكثرية في حياة التنظيم الحزبي وهذا يعتبر أخطر ظاهرة تهدد كيان التنظيم السياسي الحزبي في المحافظة على وحدته الفكرية والتنظيمية وتقوده بالتالي الى التفكك والأنحلال ثم الأنهيار ، وعليه إذا رأت الهيئة القيادية للتنظيم أن وجهة نظر أحد أعضائها القياديين مهما كان موقعه بينهم بما فيهم رأس الهرم التنظيمي غير صائبة وذات توجهات انفرادية عندها يكون من واجب هذه الهيئة معالجة وكبح هذه النزعة بإلزام هذا العضو بالخضوع لإرادة الأكثرية ومنعه بكل الوسائل من القيام بالتبشير بوجهة نظره الشخصية على حساب رأي الأكثرية في القيادة ..
بتأمين هذا الشرط تعكس القرارات المتخذة فعلاً التجربة والخبرة والمعرفة الجماعية المتوفرة لدى الهيئة القيادية للتنظيم الحزبي المستوحات من من إرادة الجماهير الشعبية .
هكذا تعتبر القيادة الجماعية للتنظيم الحزبي والمرتكزة على النظرية العقائدية التي يتبناها هي المبدأ الأساسي في القيادة السياسية التي تتيح الفرصة المؤاتية لتحقيق كافة الأهداف التي حددها التنظيم الحزبي في برنامجه السياسي ، وعليه يكون فرضاً على الجميع في التنظيم الحزبي أن تحرص أشد الحرص على أن تنفذ قرارات التنظيم الحزبي الصادرة من المؤتمرات العامة والأجتماعات الموسعة والكونفرنسات الحزبية بدقة من قبل الجميع كل حسب موقعه وبقدر ما يمليه عليه ذلك الموقع من الواجبات والألتزامات التنظيمية الحزبية ، وعلى أن تعمل كل الهيئات الحزبية وفق مبدأ القيادة الجماعية بصورة طبيعية وعلى أن لا تَحِل الأعتبارات الشخصية وعلاقات المحسوبية والمنسوبية وعلاقات القرابة والولاءآت للخصوصيات الاجتماعية وتأثير المصالح والمنافع الشخصية مَحَلْ قراراتها الحزبية المتخذة جماعياً لصالح قضية عليا مشتركة قومية كانت أم وطنية في عملها التنظيمي .
أما في مجال بناء كوادر حزبية مقتدرة لتولي مهام القيادة الجماعية لهيئات التنظيم الحزبي من أعلى مستوى الى أدناها مستقبلاً ينبغي على التنظيم الحزبي بأسره وقياداته العليا بشكل خاص أن تهيئ بصورة دائبة ومنتظمة ومستمرة أشخاص أكفاء لتولي قيادة هذه الهيئات ، وأن ينظر بإمعان الى نشاطات كل مرشح الى هذا المنصب القيادي العالي ، وأن يُعرف أيضاً سماتهم الشخصية وميزاتهم وأخطائهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم خلال مسيرتهم النضالية في التنظيم الحزبي والمجتمع قبل توليهم لمهام ذلك المنصب .
بهذه الصورة وبها فقط تعطى لجماهير المناضلين من أعضاء التنظيم السياسي وموآزريه وأصدقائه قوة التأثير في التنظيم الحزبي وليس عن طريق الأختيار الكيفي من قبل حلقة ضيقة وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية وعلاقات القرابة وغيرها من الخصوصيات ، وإنما بتأمين الأمكانية الكافية لمعرفة المؤهلين والأكفاء لتولي تلك المواقع القيادية ووضع كل شخص منهم في المكان المناسب له وفق معايير االكفاءة والمقدرة والنزاهة وحسن السلوك ونكران الذات والأستعداد للتضحية وسمو الأخلاق وقوة الشخصية ( الكاريزمة ) .
إن العمل الجاد لجذب واستقطاب أوسع قاعدة من جماهير التنظيم الحزبي للمشاركة في صياغة وصناعة القرارات المهمة واستخلاص رأي الأكثرية منها والأستناد عليها والتعبير عن إرادتها ورأيها هو مبدأ تنظيمي وأساسي لحياة التنظيم الحزبي ، لأن ذلك يضمن الوصول الى قرارات ناضجة وصائبة تعبر عن إرادة الأكثرية ، وأن تهميش وإقصاء وخرق هذا المبدأ في الحياة الحزبية يؤدي لا محال الى إنفصال قيادات التنظيم الحزبي على كافة المستويات في الهيكل التنظيمي  للتنظيم وقادة هيئآته المختلفة عن الجماهير الحزبية وبالتالي يؤدي الى تبني قرارات غير مدروسة وخاطئة تؤدي الى إخفاق التنظيم الحزبي في تحقيق أهدافه المرسومة في منهاجه السياسي .
إن الطريقة العلمية التي يجب إتباعها لمعالجة قضايا القيادة الجماعية في التنظيم السياسي تفترض أيضاً الحل الصائب لمعالجة القضايا المتعلقة بهيبة وشخصية قادة وزعماء التنظيمات المهنية التي تمثل في نشاطها المهني التنظيم السياسي الذي انبثقت منه ، وإن تلك المعالجات سوف لا تهمش الدور الهام الذي تلعبه قيادات هذه التنظيمات في إعادة بناء مجتمع جديد على أسس جديدة وفق رؤية التنظيم السياسي ، بل ستعزز هذا الدور وتدعمه .
إن تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في عمل كل الهيئات الحزبية المنتخبة ديمقراطياً وفق الأصول والسياقات التنظيمية وتأمين عملها المنتظم والمنسجم مع النظرية العقائدية للتنظيم يجب أن يبقى دائماً موضع إهتمام الحزب وأن يعتمد مبدأ القيادة الجماعية كقانون أساسي في حياة الحزب الداخلية وكشرط ضروري لنشاط منظمات التنظيم الطبيعي .
إن فلسفة عبادة الفرد وخرق قواعد الديمقراطية داخل التنظيم الحزبي ينتج عنها ما لا يمكن أن يسمح به في حياة التنظيم الداخلية لأنها تتناقض مع المبادئ والقواعد التنظيمية الداخلية لحياة التنظيم . حيث على التنظيم أن يتمسك بهذه المبادئ بحزم لضمان ديمومة القيادة الجماعية في العمل التنظيمي وأن يتم تثبيت ذلك في النظام الداخلي ويطبق بحذافيره بدءاً بأصغر وحدة تنظيمية في القاعدة وإنتهاءاً بأعلى هيئة قيادية في قِمة الهرم للهيكل التنظيمي للتنظيم بحزم وصرامة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع .
ويقتضي من تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في العمل السياسي المنظم بأن يبادر أعضاء التنظيم على كل المستويات التنظيمية الى توجيه النقد بغرض تقويم وإصلاح هذا القائد أو ذاك في الوقت المناسب عندما تقتضي الضرورة ذلك وفق القواعد والسياقات التنظيمية وأن لا يفسحوا المجال لأن تتحول السلوكيات الشخصية الخاطئة الى أخطاء قاتلة للتنظيم من دون أن يكون هناك أية روادع وإجراءات تعيق هكذا ممارسة في توجيه النقد بغرض تقويم القائد الذي ينحرف عن مبادئ التنظيم .
كما ينبغي على القادة الإصغاء بروح نضالية حزبية الى الملاحظات الأنتقادية التي توجه إليهم وأن يتقبلوا تلك الأنتقادات بصدر رحب وبروح رياضية وأن يتخذوا الأجراءات والتدابير الضرورية لتقويم عيوبهم وسلوكهم ذاتياً وفق مبدأ النقد والنقد الذاتي ، وأن تتخذ المعالجات الصائبة والسريعة لوضع حد للأخطاء التي يرتكبها هذا القائد أو ذاك في الهيئات القيادية وعلى مختلف مستويات المسؤولية في التنظيم الحزبي طابعاً تثقيفياً شاملاً ، وعليه تبقى الثقافة الذاتية التنظيمية  والسياسية والاجتماعية للفرد في التنظيم الحزبي هي المصدر والمنبع لبناء كوادر مقتدرة قادرة على تقبل مبادئ وقواعد وشروط القيادة الجماعية بمفهومها السياسي الواسع من دون مضاعفات سلبية .
وكل ما ذكرناه بشأن القيادة الجماعية وأهميتها الأستراتيجية في العمل التنظيمي السياسي وتَصدر أولويتها على غيرها من الأولويات المبدئية في عمل التنظيم السياسي نراه بجلاء غائباً بشكل مطلق في حياة كل تنظيماتنا السياسية التي تدعي القومية العاملة في ساحة أمتنا بكل مكوناتها ومختلف تسمياتها وتصنيفاتها مع الأسف الشديد ، حيث نرى بالمقابل القيادات لهذه الأحزاب في حالة من التشرذم والتفكك والصراعات والمناكفات وتبادل التهم غير المبررة ونزوعهم الى التفرد بالرأي والقرار في كل شأن من شؤون أمتنا ، كل ذلك من أجل المصالح والمكاسب والمنافع الشخصية الأنانية التي  تُؤمِنُها وتَمنحُها لهم هذه التنظيمات من خلال المشاركة الرمزية المذلة في مؤسسات السلطات الرسمية على حساب المصلحة القومية العليا لأمتنا ، إضافة الى غياب الثقافة السياسية لدى أغلب الكوادر الرئيسية من الخط الأول والثاني في الهيكل التنظيمي لهذه التنظيمات بسبب عدم إهتمام ورغبة تلك القيادات لخلق وبناء كوادر مثقفة ومؤهلة ومقتدرة للمستقبل لكي تَضمُنْ لنفسها استمرارهم وبقائهم الى أطول فترة ممكنة في تصدر قيادات المشهد السياسي لأمتنا والأستفادة القصوى من الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً . وكذلك هو الحال في معظم التنظيمات الوطنية العراقية المتنفذة لكل المكونات الأخرى للشعب العراقي .

خوشــــابا ســـــولاقا
17 / تموز / 2-18 م

41
العلاقة بين الديمقراطية والمركزية في العمل السياسي

خوشــا با ســولاقا

إن مفهومي الديمقراطية والمركزية مفهومين سياسيين وفلسفيين مترابطين بعلاقة جدلية وهما في حالة من المد والجزر وفق الظروف الموضوعية والذاتية لساحة العمل ... إنهما مفوهمان يُعتمدان في أي عمل سياسي منظم سواءً كان ذلك العمل على مستوى التنظيمات والأحزاب السياسية أو على مستوى الإدارة السياسية لشؤون الدولة ، وذلك من خلال إعتماد آليات تجعل فعلهما مترابط ومتكامل لبعضهما البعض ويكونا متداخلين أحياناً ومتعارضين بنسب متفاوتة أحياناً أخرى حسب متطلبات تكتيك تحقيق الأهداف المرحلية والإستراتيجية للعمل السياسي ، ولكن في كل الأحوال وفي كل الظروف أن فعل أحداهما يكون إمتداداً وتكاملاً لفعل الآخر ولا يلغيان بعضهما البعض في أي حال من الأحوال بشكل مطلق ، ولكن يتعايشان في حالة من المد والجزر كما ذكرنا وفقاً للظروف الذاتية والموضوعية المحيطة . 

الديمقراطية : في حالة إعتماد الممارسة الديمقراطية كنهج في العمل السياسي يعني بالضرورة الأنفتاح على أوسع قاعدة ممكنة من الأفراد من ذوي العلاقة من المنخرطين في العمل سواءً كان ذلك في التنظيم السياسي أو في ادارة شؤون الدولة لغرض مشاركة رأي الأكثرية في بلورة وصنع القرار الأستراتيجي الذي يحدد الإطار العام وأهداف وآليات العمل عبر حوار ومناقشات للأراء المتعددة والمختلفة في مضامينها ومن دون تهميش وإقصاء وإلغاء أي رأي من الأراء  من أجل الوصول في النهاية الى الرأي المشترك الجامع والسديد .

في ظل هذه الممارسة ، أي الديمقراطية التي يكاد أن يكون فيها مساحة ممارسة المركزية في صنع القرار قد وصل الى مستواه الأدنى ، ويكاد أن يكون فعلها المؤثر في صنع القرار الأستراتيجي قد تلاشى وإنصهر في بوتقة وحدة الرأي الجامع للأكثرية .   
المركزية : بشكل عام في حالة إعتماد نهج الممارسة المركزية في العمل السياسي يعني تركيز أو حصر الصلاحيات والسلطة أي سلطة القرار بحلقة ضيقة من القيادات العليا من المقربين لرأس الهرم في التنظيم السياسي أو بالرأس الأعلى في إدارة شؤون الدولة ، وقد تحصر الصلاحيات والسلطة والقرار أحياناً بشخص واحد ، وهذا يكون أسوء ما في السلطة والأدارة المركزية لأن هذه الظاهرة المقيتة تنتهي طبيعياً بظهور الديكتاتورية الاستبدادية الفردية التي تلغي كل مظاهر الديمقراطية عملياً ولا يبقى لها أي مظهر من المظاهر في الحياة الحزبية أو في الأدارة السياسية للدولة من حيث الممارسة العملية في سياقات العمل المعتمدة . 
تتعايش ممارسة الديمقراطية والمركزية معاً في الحياة العملية السياسية الحزبية والادارية لشؤون الدولة في حالة من المد والجزر وفقاً لمستوى نضج الوعي الثقافي والقانوني والسياسي للأفراد المنخرطين في العمل والمتواجدين في الساحة المعنية . فعندما يكون مستوى نضج الوعي الثقافي للأفراد عالياً تكون هناك استجابة لمتطلبات تطبيق القانون في الحياة عالية المستوى أيضاً كماً ونوعاً ، وعندها سوف يكون هناك مداً كبيراً لصالح الممارسة الديمقراطية ، بالمقابل يكون هناك جزراً كبيراً يقوض من فعل ممارسة المركزية الصارمة ، وعندما يكون مستوى نضج الوعي الثقافي للأفراد متدنياً يكون مستوى الأستجابة لروح تطبيق القانون في الحياة السياسية متدنياً أيضاً كماً ونوعاً ، وعندها يحصل جزرا كبيراً في فعل الممارسة الديمقراطية على حساب مداً كبيراً في فعل الممارسة المركزية الصارمة في الساحة السياسية من أجل ضبط الأوضاع المنفلتة على أرض الواقع ومحاولة إبقائها في إطارها المحدد والمقبول على الأقل بحدوده الدنيا في حدود القانون .

هكذا يبقى قانون فعل هذان المفهومان في الحياة السياسية الحزبية أو في إدارة شؤون الدولة مرتبط إرتباطاً عضوياً وثيقاً في علاقة جدلية تكاملية بمستوى نضج الوعي الثقافي الجمعي للأفراد المنخرطين في العمل في الساحة المعنية أيضاً في حالة المد والجزر .
هنالك حالات وسطية بين المد الكامل والجزر الكامل لهذان المفهومان ، حيث يكون هناك مَداً مُحدداً في مجالات معينة لتطبيق الممارسة الديمقراطية ويقابله جزراً محدداً في ذات الوقت لتطبيق الممارسة المركزية ، وحالات أخرى على العكس من ذلك تماماً ، وهناك حالات يحصل فيها توازي أو توازن بين الحالتين .

السياسي الناجح والبارع ورجل الدولة الناجح والبارع هو الذي يتمكن من تشخيص دور وقوة الظروف الذاتية والموضوعية وحجم الأمكانيات المتاحة وتحديد الزمان والمكان المناسبان وتحديد إتجاه القوى الفاعلة في الأحداث على أرض الواقع وبالتالي يتمكن من تحديد ورسم الحدود الفاصلة بين ممارسة الديمقراطية والمركزية على خارطة ساحة العمل السياسي لغرض التمكن من التحكم العقلاني الممنهج بتوجيه دفة تسيير العملية السياسية في التنظيم السياسي أو في الأدارة السياسية للدولة بشكل سليم وفق متطلبات تنفيذ القرار الأستراتيجي وتحقيق الأهداف المرسومة ، حيث يتمكن من خلال هذه الرؤية أن يجعل من الديمقراطية كابحاً قوياً للمركزية الصارمة لمنع ظهور الديكتاتورية الأستبدادية للفرد القائد للحزب أو للدولة ، وأن يجعل من المركزية الايجابية كابحاً للديمقراطية العبثية المنفلته لمنع ظهور نظام الفوضى والجريمة للغوغاء . هكذا نرى أن متطلبات تطبيق الديمقراطية الايجابية أو تطبيق المركزية الايجابية كنهج في ساحة العمل السياسي تتغير وفقاً لتغير متطلبات الحياة في الساحة ، ويتبعها أيضاً تَغَير في آليات العمل وسياقاته المعتمدة لأجل إبقاء عملية الأصلاح والتطوير في البنى الاجتماعية والأقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها في المجتمع في مسارها الصحيح والمحدد سلفاً في القرار الأستراتيجي للتنظيم السياسي أو للأدارة العليا للدولة ، وبعكسه سوف يصيب العمل برمته بالفشل المحتم .

عليه فإن تغليب الممارسة الديمقراطية على الممارسة المركزية بشكل مطلق في العمل السياسي أي كان العمل يؤدي الى إشاعة الحرية الفردية المفرطة والمنفلتة وبالتالي غياب سلطة القانون وسيادة نظام الفوضى والتي في ظلها يكون المناخ مهيئاً وخصباً لظهور الجريمة الأجتماعية بكل أشكالها بما فيها الجريمة المنظمة من خلال عصابات المافية والفساد المالي والأداري في أجهزة التنظيم السياسي أو في أجهزة الدولة على حدٍ سواء ، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً يهدد أمن المجتمع واستقراره وخصوصاً في المجتمعات ذات المستوى الثقافي والوعي الأجتماعي الجمعي المتدني أو المتوسط .

وعليه في هذه الحالة يكون لوجود مركزية بمستوى معين ومسيطر عليها ضمن أطر قانونية ضرورة اجتماعية حتمية للمحافظة على التوازن الأمني والسلم الأهلي الاجتماعي في المجتمع ، ففي مثل هذه الحالة وفي ظل هكذا ظروف يكون تعايش الديمقراطية والمركزية على ساحة واحدة أمراً محتماً وضرورياً يفرضه واقع الحال للحياة ..
أما في حالة تغليب الممارسة المركزية الصارمة تحت طائلة أي ظرف من الظروف السياسية والاجتماعية فإن ذلك يؤدي الى تركيز وتمركز السلطة في يد فئة قليلة في قيادة التنظيم السياسي المعين على مستوى الحزب أو في قيادة الدولة إن كان ذلك على مستوى الإدارة السياسية للدولة فإن ذلك يشكل بالتالي تمهيداً لتشكيل سلطة وإدارة ديكتاتورية الفرد الواحد سواءً كان ذلك على مستوى رئيس أو الأمين العام للتنظيم السياسي أو على مستوى رئيس الدولة ، وظهور الديكتاتورية يعني إطلاق رصاصة الرحمة على جسد الديمقراطية وبالتالي القضاء على حرية الفرد وكبت الرأي الحر وكم الأفواه ومصادرة الأرادة الحرة لأفراد المجتمع وإقامة مجتمع الرعب والخوف والأرهاب والملاحقات السياسية والتصفيات الجسدية للخصوم والفقر والعوز والجريمة وإثراء الأقلية القليلة المسلطة من القيادة على حساب إفقار الأغلبية الساحقة من الشعب وزيادة بؤسها وشقائها والأمعان في إذلالها بلقمة عيشها مستغلة لسلطتها في إدارة الدولة لنهب وسرقة المال العام في ظل غياب المؤسسات الدستورية الممثلة لسلطة الشعب في الرقابة والمحاسبة والتي من المفروض أن تلاحق وتحاسب الحكومة في إدارة الدولة على كل خروقاتها وتجاوزاتها للقانون وحقوق الشعب ، ونفس الأمور تحصل داخل التنظيمات والأحزاب السياسية ذات الفكر والتوجهات الشمولية التي تُغلب مبدأ ممارسة المركزية الصارمة على مبدأ ممارسة الديمقراطية في عملها التنظيمي كما كان الحال في حزب البعث العربي الأشتراكي في العراق سابقاً وغيره من الأحزاب في بقية الدول العربية وكما كان عليه الحال أيضاً في الأحزاب الشيوعية والأشتراكية في المعسكر الأشتراكي حيث كانت ظاهرة تأليه وعبادة الفرد سائدة بقوة في قياداتها ، وبالمقابل كانت الممارسة الديمقراطية مغيبة كلياً عن حياة تلك الأحزاب وأنظمتها السياسية في إدارة بلدانها .
 
وخلاصة القول أن ممارسة الديمقراطية المطلقة والمركزية الصارمة مرفوضتان كنظام لتسيير التنظيم السياسي وإدارة شؤون الدولة لأنهما تخلقان مجتمعات لا يتوفر فيها الأمن والآمان والسلم الأهلي والحرية الفردية الايجابية وبالتالي الرخاء الأقتصادي والرفاه الاجتماعي والعيش الرغيد والكريم للمجتمع .

إن المطلوب والمقبول إجتماعياً وأخلاقياً وقانونياً وإنسانياً هو أن تتعايش الديمقراطية والمركزية معاً بشكل متوازن بينهما مد وجزر حسب متطلبات تأمين الحرية الفردية الايجابية للإنسان وغياب الجريمة بكل أشكالها وحماية حقوق الإنسان وحريته في الرأي وتأمين الرخاء الأقتصادي والرفاه الاجتماعي للمجتمع بكل مكوناته وطبقاته وشرائحه المختلفة ، وأن تكون السلطة كل السلطة والسيادة للقانون بمؤسساته الدستورية وحده دون سواه .

إن الأفراط في توسيع مساحة الممارسة الديمقراطية في ظل ضعف نضوج الوعي السياسي المجتمعي للمسؤولية تجاه الآخر وضعف الثقافة الديمقراطية على حساب التضييق على ممارسة المركزية يعتبر تطرف وإنه بالتالي امراً لا يخدم المجتمع والإنسان ، حيث يصبح الإنسان في ظل هذه الحالة كائن عبثي لا يعي نتائج سلوكه وعمله ولا يُقيم للأخلاق والسلوكيات الإنسانية أية إعتبار ولا يعطيها أية قيمة حضارية تمدنية ، حيث يصبح القتل والجريمة أعمال وسلوكيات مشاعة ومباحة وتصبح سمات للمجتمع الذي تسود فيه هكذا شكل من الممارسة الديمقراطية العبثية والسلبية في نتائجها النهائية ، حيث يكون المجتمع مجتمع تحكمه شريعة الغابة ، أي مجتمع كما يقول المثل المتداول " حارة كلمن إيدو الو " .

أما الافراط في ممارسة مركزية السلطة والقرار على حساب ترشيد الألتزام بقواعد ومبادئ الديمقراطية في العمل يعتبر أيضاً تطرف في منح الثقة والسلطة والصلاحيات لمن يسيء إستخدامها بتعسف ، وعندها تكون هذه الممارسة التعسفية للمركزية أمراً مرفوضاً لا يخدم هو الآخر المجتمع والإنسان لأن ذلك يؤدي حتماً الى ظهور الديكتاتورية الأستبدادية التي يتحول في ظلها الإنسان الحر الى عبد مطيع مسلوب الإرادة وفاقداً لإنسانيته ... حيث تتحول الحياة الحرة الكريمة للانسان الى حياة القهر والعبودية والؤس والشقاء يضطر فيها تحت طائلة الحاجة لأن يُتاجر بإنسانيته التي تعتبر أغلى قيمة في الوجود وأثمن رأسمال على الاطلاق .

في ضوء ما تم عرضه من شرح فإن المطلوب المقبول كما قلنا هو المجتمع المتوازن الذي فيه تتعايش الديمقراطية الايجابية المعتدلة والمركزية المعتدلة وفق الآلية التي تخلق التوازن الاجتماعي وتمنع ظهور سلطة الفوضى والغوغاء وسلطة الديكتاتورية الاستبدادية للفرد وتعطي ما هو ايجابي ومفيد لتقدم وتطور المجتمع والإنسان معاً .

خوشــابا ســولاقا
13 / تموز / 2018 م


42
الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات
في ظل سـلطة الأكثريات
خوشــابا ســولاقا
إن أكثر المشاكل تعقيداً التي عادةً تعاني منها البلدان المتعدد ة المكونات القومية والعرقية والدينية ، وتكون تلك المشاكل مصدراً للصراعات بين هذه المكونات وتتسم في غالب الأحيان بطابع العنف المسلح الذي يؤدي الى عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي والأقتصادي فيها ، وبالتالي تؤدي الى تأخر وتخلف تلك البلدان اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً . عليه يبقى حل كل هذه المشاكل مرهون بحل مشكلة الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات ومن دون ذلك لا تستطيع ان تتمتع حتى الأكثريات بحقوقها الطبيعية عند النظر الى تلك المشكلة ( مشكلة الأقليات ) التي تكون عادة مشكلة مزمنة ومعقدة وحساسة في طبيعتها بنظرة وطنية تحليلية شاملة في اطار الرؤية الوطنية المتكاملة .
لغرض ايجاد الحلول الناجعة لحل مشكلة الحقوق القومية والدينية للأقليات لا بد من دراسة الوضع الديموغرافي للبلاد بشكل متكامل ، ودراسة طبيعة الثقافات القومية والدينية للمكونات كافة في المجتمع الوطني من حيث التفاعل الأيجابي وقبول الآخر والتعايش السلمي معه  في اطار الرؤية الوطنية المتكاملة لبناء مجتمع وطني متجانس ومتآخي . بعد إجراء هذه الدراسة يمكن أن يتم فرز تلك الثقافات ومعرفة طبيعتها ، والوقوف على أسباب تناقضاتها وتفاعلاتها ومن ثم تصنيفها على أساس ما هو منها يقبل بالتعايش القومي والديني والمذهبي مع الآخر المختلف في ظل الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية ذات المؤسسات الدستورية يحكمها القانون المدني الذي يتعامل مع المواطن على أساس الهوية الوطنية دون سواها ، وما هو منها رافضاً لذلك التعايش الوطني في أطار الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية الموصوفة .
في مجتمعات البلدان المتعددة المكونات القومية والدينية كانت المهيمنة والمسيطرة والحاكمة هي الثقافات القومية والدينية للأكثريات ، وكانت تلك الثقافات دائماً ثقافات عنصرية وإقصائية وتهميشية واستعبادية وإلغائية لثقافات الأقليات القومية والدينية بأقصى الحدود ، وبالتالي حرمان تلك الأقليات من أبسط حقوقها القومية والدينية والثقافية والسياسية والأقتصادية وحتى الانسانية أحياناً الى درجة الغاء دورها بشكل كامل في المشاركة في ادارة الدولة وصنع قرارها السياسي . وأحياناً كانت اجراءات الأقصاء والألغاء للأقليات أجراءات مزدوجة قومية ودينية معاً وبذلك كانت تلك الأقليات تعاني الأمرين مثل أبناء أمتنا والأيزيديين والصابئة المندائيين ، وكان هذا الوضع يمثل قِمة الظلم والتعسف والاجحاف بحق أبناء الأقليات القومية والدينية ، وبالتالي حرمانها من أبسط الحقوق بما فيها الحقوق الانسانية ، هذا الواقع المذل والمهين للخضوضية القومية والدينية دفع بأبناء الأقليات الى هَجر بلدانهم الى المهاجر الغريبة مرغمين .
إن التجارب الكثيرة  والمتنوعة من حيث طبيعتها في مختلف بلدان العالم بشكل عام والبلدان العربية والاسلامية بشكل خاص تعطي للباحث مؤشراً قوياً حول استحالة امكانية حل المشاكل القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات في ظل هيمنة وسيطرة سلطة الثقافة القومية الشوفينية التي تقودها التيارات القومية المتطرفة التي تؤمن بإقصاء وإلغاء الآخر على أساس قومي وعِرقي ، وهي في ذات الوقت لا تؤمن بأبسط المفاهيم الديمقراطية وحرية الانسان وحقوقه ، ويكون الحال كذلك تماماً بل أسوء منه في ظل هيمنة وسيطرة سلطة الثقافة الدينية الطائفية الشوفينية التي تقودها التيارات الدينية المتطرفة التي لا تؤمن بالتعايش السلمي مع من يخالفها المعتقد الديني بل تعتبره كافراً ، وتعتبر الديمقراطية كفراً وإلحاداً وهي من نتاج الفكر الغربي الكافر . إن ما يجري اليوم من أحداث دامية ومرعبة بهذا الخصوص على أرض الكثير من البلدان العربية والأسلامية لهو خير مثال حي على ما نقول .
إذن لا الفكر القومي العنصري الشوفيني المتطرف ، ولا الفكر الديني الشوفيني والتكفيري - لأي دينٍ كان – صالح ومؤهل لحل مشكلة الحقوق القومية والسياسية والثقافية والدينية للأقليات ، لأن العنصرية الشوفينية مهما كانت طبيعتها سوف تَعمي البصر والبصيرة لكل من يحملها في فكره ويؤمن بها ويتخذ منها وسيلة ومعيار للتعامل والتعاطي مع الآخر المختلف عنه وتُحوله بالنتيجة الى أداة للجريمة البشعة .
في ضوء ما تم ذكره تبقى الديمقراطية الليبرالية الحرة ، والفكر الديمقراطي الليبرالي الحر الذي لا يصنف البشر على أساس الأنتماء القومي والديني والمذهبي والجنس واللون والمستوى الطبقي الاجتماعي ، هو الفكر الوحيد لحد الآن القادر الى تقديم أفضل وأنجع الحلول الانسانية لحل مشكلة الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات والأكثريات القومية والدينية في البلدان والمجتمعات المتعددة المكونات بشكل أكثر إنصافاً وعدلاً . وعليه فإن تركيز النضال الوطني والقومي لأبناء البلدان المتعددة المكونات من أجل إقامة النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي الحر في إطار الدولة الديمقراطية المدنية ذات المؤسسات الدستورية الرصينة يحكمها القانون يجب أن يكون في مقدمة الأولويات لنضالات أبناء الأقليات قبل الأكثريات لكونها المستفيد الأكبر من هكذا نظام الذي سوف يعطيها ما فقدته من الحقوق هذا من جهة ، ومن جهة ثانية لكون النظام الديمقراطي هو الطريق الأقصر للوصول الى ما تصبو إليه الأقليات من الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية والاجتماعية والانسانية  .
أما الحلول الأخرى التي نسمع عنها من هنا وهناك ، وتطرح من قبل هذا المناضل المجاهد أو ذاك !!! المتاجر بالدعوات القومية الطوباوية عبر وسائل الأعلام والمواقع الالكترونية في داخل الوطن وخارجه في المهجر وهو قابع في غرفة مغلقة وراء الحاسوب وهو يطالب بإقامة منطقة الحكم الذاتي أو فيدرالية لأبناء أمتنا في المثلث الآشوري دون معرفته للحقيقة الواقعة على أرض الواقع الموضوعي كما يفعل البعض من الغارقين في أوهام الخيال أو المطالبة باستحداث محافظة خاصة بنا في سهل نينوى كما يريد البعض الآخر في لحظات الضعف واليأس كلما تنزل كارثة ما بأمتنا  المنكوبة ، فإن تلك المطالبات مهما بلغت من التأثير في تهييج مشاعر الجماهير لا تعدو كونها أكثر من مجرد مزايدات وتهريجات اعلامية فارغة وزوبعة في فنجان ، ويروج لها هواة السياسة ليسوقوها في سوق المزايدات الأعلامية من الذين لا يحملون أي مشروع سياسي قومي ووطني عملي متكامل قابل للتحقيق على أرض الواقع ، وبالتالي فان هكذا تهريجات وتخريفات ومزايدات فارغة مع احترامي الشديد لمطلقيها ومروجيها لا تفضي الى حلول منطقية وعقلانية مقبولة قابلة للتحقيق ، بل تشكل نوعاً من الخداع والتضليل لأبناء الأمة وتجعلهم يعيشون حلماً وردياً على أمل تحقيقه مستقبلاً لكي لا تتهمهم بالفشل وتسخير قضية الأمة وجعلها وسيلة رخيصة لتحقيق منافع ومصالح شخصية أنانية .
نحن هنا للمعلومات لسنا من الرافضين لهذه المطالبات لكون أمتنا لا تستحقها ، بل لكونها مطالبات غير واقعية وغير قابلة للتحقيق ولكونها مطالبات في غير زمانها ومكانها ، حيث من المفروض بمن يتعاطى مع السياسة أن يعيش في الحاضر وعلى أرض واقعه الديموغرافي في أرض الوطن وأن لا يعيش في الأحلام الوردية بحسب الطموح وينسج لنفسه في الخيال أوطاناً وهمية كما يحلو له من دون أن يشاهد أمواج المياه الآسنة للهجرة اللعينة وهي تجري من تحت أقدامه ، وسفنه تمخر عُباب البحار والمحيطات شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً لتحط مراسيها على شواطئ برّ الأمان بحثاً عن أوطاناً جديدة بديلة عن أرض الأباء والأجداد لتأوي يتامى أمتنا الضائعة في متاهات المهاجر .
الأرض التي لم ترتوي بدمائنا وليس لنا تراث وتاريخ فيها ولم نترك بصماتٍ على أحجارها لا يمكن أن تصبح وطناً صالحاً لنا ليأوينا وبيتاً أمناً يحمي هويتنا القومية وتراثنا القومي بكل مقوماته القومية وسنبقى فيها غرباء أبد الدهر وسوف ترفض حتى أن تكون قبراً مريحاً لرفاتنا .... ومتى ما أدركنا هذه الحقيقة نبقى مؤهلين لأن يكون لنا وطن وأن نبحث عنه لنعود إليه ليحتضننا ويأوينا آمنين مطمئنين على هويتنا القومية ووجودنا القومي وبغير ذلك يكون مصيرنا الأنصار والزوال والأنقراض . 


خوشـــابا ســــولاقا
6 / تموز / 2018   

43
دولة العراق الجديد وثقافة " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب "
خوشابا سولاقا
مقدمة تعريفية
إن معيار مدى نجاح الدولة المؤسساتية الحديثة وسيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة فيها يَكمنْ في ضَمان " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " .
في جميع العصور عبر التاريخ الانساني سعَ علماء وفقهاء الفكر السياسي والاداري والأقتصادي الى بناء هياكل مؤسسة الدولة بالشكل الذي تكون ذات فعالية ديناميكية كفوءة لأنتاج مؤسسة دولة الخدمات الناجحة في تقديم الأفضل للمواطنين من جهة ، ولترسيخ في ذات الوقت اركان النظام السياسي للسلطة التي تديرها مهما كانت طبيعة ذلك النظام السياسي أيديولوجياً وبأية نظرية فكرية يسترشد في توجُهاته ومنطلقاته في إدارة شؤون الدولة والسلطة ، بين أن يكون ذلك النظام ، نظاماً ديمقراطياً ليبرالياً أو أن يكون نظاماً ديكتاتورياً فردياً واستبدادياً ، وبين أن يكون نظاماً برجوازياً رأسمالياً ، أو نظاماً اشتراكياً ديمقراطياً ، او نظاماً اشتراكياً شيوعياً شمولياً ، أو أن يكون نظاماً عنصرياً شوفينياً وشمولياً قومياً أو دينياً او طائفياً من جهة أخرى  .
 لقد استند هؤلاء الفقهاء والمفكرين في سعيهم الحثيث لتحقيق الهدف النبيل " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " لبناء دولة المواطنة والخدمات الكفوءة في ادائها والنزيهة بعناصرها التي من خلالها تُدير شؤونها وتؤسس لدولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون والعدالة والمساواة بين مكونات الشعب المختلفة وحصر السلاح فيها بيدها دون سواها ، وليس التأسيس لدولة المكونات القومية والطائفية والميليشيات الحزبية المسلحة التي تنشر الفوضى والعبث في طول البلاد وعرضه .
إن تطبيق هذا المبدأ يتطلب توفر في الشخص المسؤول المناسب ، عنصر الولاء الحقيقي للوطن ، عنصر الأخلاص في العمل ، عنصر النزاهة في الأداء ، وعنصر الحرص والأمانة على المال العام ، وعنصر الكفاءة والخبرة ، وعنصر التحصيل العلمي الأختصاصي  في المهام التي يتطلبها  الموقع المسؤول ، وعنصر حسن التعامل والأخذ والعطاء مع الرؤساء والمرؤوسين في العمل أي بمعنى حُسن العلاقات العامة مع العاملين والعملاء ، ومن الضروري جداً أخذ بنظر الأعتبار عنصر العمر في هذا الجانب ، لأن العمر له دور في النضوج الفكري وتكامل البناء النفسي لكارزما الشخص المسؤول وتراكم الخبرة المهنية . نعتقد أن توفر هذه المواصفات تشكل الأرضية الصلبة المناسبة لأختيار الشخص المناسب للمكان المناسب في بناء الهياكل الكفوءة والفعالة في أدائها لبناء مؤسسات دولة المواطنة والخدمات الكفوءة في ادائها ، ومن غير ذلك لا يمكن أن تكون هناك ما تسمى بدولة الخدمات بكل أشكالها وأنواعها .
بحسب ما قرأنا عن الحرب الباردة بين القطبين العالميين ، القطب الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها والقطب الأشتراكي الشيوعي الشرقي بقيادة الأتحاد السوفييتي السابق وحليفاته الذي ظهر للوجود بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها. قيل أن أحد المبادئ الأساسية الذي اعتمدوه المخططين الأستراتيجيين في صياغة استراتيجية المعسكر الرأسمالي الغربي لتدمير وتفكيك البنى التحتية للمعسكر الأشتراكي الشيوعي ، كان السعي الى نشر الفساد المالي والاداري في المؤسسات الرسمية لدول هذا المعسكر من خلال العمل على وضع مبدأ " وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب " موضع التطبيق ، مستغلين في ذلك هشاشة البنى التحتية لهذا المعسكر ( المعسكر الأشتراكي ) من خلال استثمارهم لتدني مستوى المعيشة لشعوب بلدانه بسبب تدني مستوى رواتب العاملين فيه ، وعجز مؤسسات دوله في توفير الحاجات المادية والمعنوية والخدمية الأساسية ولو بمستوى الحد الأدنى لشعوبها . وعند الأطلاع على ما ورد في كتاب الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غورباتشيف " البيريسترويكا " سوف نلاحظ هذا الأمر بوضوح وجلاء وكيف كان الفساد بكل أشكاله ينخر في جسد دول المعسكر الأشتراكي بسرعة مطردة من سنة لأخرى من جهة ، وتضخم ديون الدول الرأسمالية بذمة دوله وانهيار قيمة العُملات المحلية أمام العُملات الغربية فيها  بسبب غياب " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " من جهة أخرى ، ستلاحظون كيف أسهم ذلك بشكل كبير وفعال في النهاية في انهيار المعسكر الأشتراكي  وبالتالي في إنهيار النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية بسرعة هائلة ، وأحسن ما في هذا الأنهيار أنه حصل من دون إراقة للدماء ، وذلك بسبب قناعة قادة الأنظمة الشمولية الحاكمة والشعوب في تلك البلدان بعدم جدوى من استمرار هذا النظام المتفسخ والمتهرئ لأنه عجز عن تقديم ما وعد به الشعوب .
هكذا قدمت البشرية من خلال أسباب سقوط وانهيار النظام الأشتراكي في الأتحاد السوفييتي ودول شرق أوروبا بعد تجربة دامت أكثر من سبعين عاماً من العمل الدؤوب خير نموذج لسوء عدم العمل بضرورة تطبيق مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " ، وكيف أن عدم تطبيق هذا المبدأ يجعل المجال مفتوحاً أمام الفاشلين والفاسدين من المتنفذين في أحزاب السلطة للقفز على مواقع المسؤولية في مؤسسات الدولة الرسمية وينشرون فيها الفساد المالي مستغلين مناصبهم الرسمية في سرقة المال العام والعبث بممتلكات الدولة واستثمارها في خدمة مصالحهم الشخصية ومصالح اقربائهم والمقربين منهم من الأنتهازيين ومن ضعاف النفوس من الشرائح الاجتماعية الرثة في المجتمع التي لا تمتلك الوعي الوطني الناضج .

                                            قراءةً في واقع العراق تاريخياً

في ضوء ما تقدم بخصوص ثقافة تطبيق مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " في التجربة العراقية ، لو درسنا واقع العراق من حيث مدى تطبيق هذا المبدأ لوجدناه بشكل عام ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 م ولحد هذا اليوم واقع بعيد كل البعد عن ما يقتضيه تطبيق هذا المبدأ في توزيع المهام والمسؤوليات الوظيفية في مؤسسات الدولة العراقية الفتية ، ولذلك لم نلاحظ صورة للدولة المؤسساتية المدنية الديمقراطية القوية التي يسود فيها القانون إلا بشكل نسبي يختلف مستواه من مرحلة الى اخرى وكما يلي .
أولاً :- في ظل مرحلة التكوين مرحلة النظام الملكي الدستوري من عام 1921 م الى عام 1958 م كان السعي لتطبيق هذا المبدأ أفضل بكثير مما صار عليه في المراحل اللاحقة ، حيث كان يتم اختيار الكوادر القيادية العليا في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية وفق معايير ومواصفات الشخص المناسب للمكان المناسب التي ذكرناه في متن المقدمة التعريفية أعلاه ، أو بالأحرى فإن الأجراءات بهذا الشأن كانت تجري على وفق ما معتمد في انكلترا من المعايير والمواصفات بهذا الخصوص ، لذلك كانت استجابة مؤسسات الدولة في أدائها لمتطلبات مهامها في تقديم خدماتها للمواطن في كافة المجالات كانت أقرب الى المطلوب وشبه مقبولة من لدن المواطن العراقي ، وكان الفساد المالي وسرقة المال العام الذي نادراً ما سمعنا أو قرأنا عن حصوله في تلك المرحلة ، وكان شبه معدوم بالرغم من ضئآلة امكانيات الدولة المالية مقارنة بالمراحل التي تلتها ، وكانت ثقافة التطبيق لهذا المبدأ هي السائدة على غيرها من الثقافات في هذه المرحلة من حياة الدولة العراقية الحديثة بحسب وجهة نظرنا الشخصية بالرغم من كونها دون مستوى الطموح  .
ثانياً :- ثقافة التطبيق في ظل مرحلة النظام الجمهوري منذ 14 / تموز / 1958 م ولغاية 9 / نيسان / 2003 م ، حيث بدأ العد العكسي لتداعي وتراجع ثقافة تطبيق هذا المبدأ في عهد النظام الجمهوري عما كان عليه في عهد النظام الملكي الدستوري في كافة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ، حيث بدأت مرحلة عمليات حشر المقربين الحزبيين من أحزاب ورجالات السلطة الحاكمة وبحسب مبدأ المحسوبية والمنسوبية والأنتماء القبلي والعشائري أي بحسب مبدأ " الأقربون منهم أولى بالمعروف " في أجهزة الدولة ، ولكن بالرغم من سيادة وشيوع هذه الظاهرة في معظم أجهزة مؤسسات الدولة بشكل ملفت للنظر وبالأخص في المؤسسات العسكرية والأمنية ، إلا أن التعيين في كثير من المواقع المهمة والحساسة التي يتطلب توليها كفاءات اختصاصية مقتدرة لضمان نجاحها واستمرارها بقيت مثل هكذا تعيينات خاضعة الى معايير الكفاءة والأختصاص العلمي والخبرة والأقتدار والنزاهة والأخلاص ، وكان ذلك جلياً وواضحاً للعيان في عهد عبدالكريم قاسم وعهد الأخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف وحتى في عهد حكومة البعث بالرغم من أن النظام البعثي كان يعطي الأولوية في التعيين للعناصر البعثية في الحالات التنافسية عند تكافوء المواصفات المعيارية الأخرى ، إلا أنه بقيت الكفاءة والخبرة والأختصاص والنزاهة هي ما يعول عليها الى حدٍ كبير في توزيع المهام والمسؤوليات وتولي المناصب الأدارية المهمة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية أي بمعنى كان تطبيق هذا المبدأ محدوداً نسبياً محصوراً في مجالات معينة دون أخرى وكان بمستوى أدني مما كان عليه في العهد الملكي الدستوري .
ثالثاً :- ثقافة التطبيق في ظل المرحلة الحالية ، أي منذ سقوط النظام السابق في التاسع من نيسان من عام 2003 م ولغاية اليوم ، أي مرحلة نظام المحاصصة الطائفية والأثنية السياسية التي بات الكذب والرياء السياسي فيها سِمةٌ تلازم سيرة وسلوك أغلب السياسيين والمسؤولين في مؤسسات الدولة المختلفة منهجاً وسياق عمل لهم . حيث تميزت هذه المرحلة من تاريخ العراق الحديث في شؤون إدارة الدولة بسقوط الدولة ذاتها بمفهومها القانوني والاجتماعي والعِرفي المتعارف عليه ، وغياب القانون والضوابط والتعليمات الادارية التي تتحكم بسلوك المسؤولين والمواطنين معاً للسيطرة عليهم والحد من انحرافاتهم عن الصيغ القانونية التقليدية المعتمدة وتجاوزهم عليها بشكل سافر ، وحلت محل دولة المواطنة والقانون دويلات المكونات الطائفية والأثنية والقبائل والعشائر ، وحل محل القانون الفوضى وسيادة قانون صاحب السلاح الأقوى في الشارع ، وتحولت وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية ودوائرها الى أشبه ما تكون بالأمارات والأقطاعيات في زمن نظام المجتمع الأقطاعي ، إمارات لأشخاص بعينهم أو لأحزاب سياسية بعينها يتم التصرف بمقدراتها بحسب ما تقتضيه المصالح الشخصية أو الحزبية للشخص المسؤول ، حيث يتم التعيين في مختلف مواقع المسؤولية في تلك الوزارات – الأمارات الأقطاعيات - بحسب مزاجات وقناعات القائمين عليها في رأس الهرم خلافاً للضوابط والتعليمات والسياقات والمعايير الوظيفية المهنية التي كانت معتمدة ولو بأدنى مستوياتها في المراحل السابقة من تاريخ الدولة العراقية . هكذا أصبح كل سياق عمل معتمد اليوم يشكل سياقاً خارج إطار القانون والضوابط الأدارية والمالية والقانونية الصحيحة للدولة المدنية الديمقراطية العصرية الحديثة ، وبمعنى أكثر شمولاً أصبح حتى السلوك الأجتماعي للمواطن سلوكاً منفلتاً أنانياً غير مسؤولاً وغير متحضراً اتجاه الممتلكات العامة للدولة بشكل خاص واتجاه قيم وتقاليد وطقوس المجتمع بشكل عام بسبب غياب قوة الدولة وهيبتها من خلال تطبيق القانون بعدالة . كذلك غابت المواصفات الفنية الرصينة في تعاملات مؤسسات الدولة في استيراد المعدات والأجهزة والمواد الغذائية والدوائية وغيرها من الأحتياجات الأخرى التي يتم استيرادها من خارخ العراق وفي تنفيذ أعمال المشاريع العامة في خضم سيادة الفساد المالي والرشاوي التي يتقاضاها المسؤولين من الشركات المجهزة للمواد والمنفذة للأعمال مقابل قبولهم للبضائع الفاسدة المجهزة لمؤسسات الدولة واستلامهم للأعمال المنفذة المخالفة للمواصفات الفنية المطلوبة في ظل الغياب التام للرقابة النوعية الوطنية على المستوردات والأعمال المنفذة ، وهنا لهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين في وزارات ومؤسسات الدولة دوراً كبيراً في التستر على حيتان الفساد المالي المستشري في أجهزة الدولة ، هذه الأجهزة الرقابية باتت بدلاً من ان تكون أجهزة رقابية تتابع وتلاحق الفاسدين والمفسدين من منتسبي الدولة بكافة درجاتهم الوظيفية في مؤسسات الدولة وتحيلهم إلى القضاء لينالوا جزائهم تقوم بغالبية كوادرها بدور الحماة للفاسدين والمفسدين والتستر عليهم ويساومونهم مقابل ما تجود به أياديهم القذرة من السحت الحرام المقسوم .
 هكذا أصبحت في ظل غياب تطبيق مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " الأجهزة الرقابية شريكاً وحامياً للفاسدين وسُراق المال العام . 
في ظل هذا الواقع المزري الذي فيه الفساد المالي والأداري سيده المطلق وبات سرقة المال العام سمته وهدف المسؤولين ، فَقدَ الأختصاص والشهادة والخبرة والأخلاص والنزاهة والكفاءة والأقتدار والأستقامة والأمانة الوظيفية والولاء الوطني قيمتها ومكانتها ودورها في اختيار الأفضل والأحسن والأنسب لوضعه في المكان المناسب . لذلك نلاحظ أن اغلب المسؤولين القياديين والكوادر القيادية في مؤسسات دولة العراق الجديد أن اختصاصاتهم بموجب شهاداتهم لا علاقة لها بمهام وطبيعة عمل واختصاص مناصبهم ، وأن خبرتهم العملية لا تؤهلهم لتولي تلك المناصب الكبيرة بالمسؤولية بموجب مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " ، ولكن عبثية وهمجية وتخلف فلسفة نظام المحاصصة أو فلسفة الديمقراطية التوافقية العرجاء التي أنتجت غياب المعارضة الوطنية الأيجابية في النظام البرلماني العراقي كما يحلو لهم تسميتها لغرض تلميع وتجميل وجه نظام المحاصصة الطائفية والأثنية القبيح الذي يبيح ويبرر لهم كل شيء ، كأن يتم تعيين على سبيل المثال وليس الحصر مهندس في منصب وزيرالداخلية ، وأن يتم تعيين طبيب في منصب وزير الخارجية ، وأن يتم تعيين طبيب في منصب وزير المالية وهكذا دواليك مع بقية الوزارات من دون مراعاة لتوافق الأختصاص الأكاديمي للمسؤول مع طبيعة ومهام واختصاص المنصب ، لأن فلسفة ومنطق نظام المحاصصة المتخلف يقتضي اعتماد هذا السياق الأهوج لخلق ما يسمى بالتوازن بين المكونات العراقية حتى وإن كان ذلك يتعارض مع منطق العلم والعقل للادارة الرشيدة لدولة الخدمات ، بينما الضرورة من أجل ضمان الأداء الأفضل للموقع تقتضي تحقيق توافق مهني بين اختصاص المسؤول وطبيعة مهام المنصب ، إضافة على ذلك أن وجود هذا التوافق يساعد المسؤول على اكتشاف بؤر الفساد المالي والفاسدين ويحجم من دورهم . وليكُنْ الله في عون الشعب العراقي للخروج من هذه المحنة .

    خوشـــابا ســــولاقا
 16  / أيار / 2018 م

44
ضرورة الأصلاح والتغيير في فكر ونهج الأحزاب السياسية في العراق
خوشابا سولاقا
بعد السنوات الطويلة التي عاشها شعبنا العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية وهو سجين القمع والظلم والقهر والديكتاتورية المقيتة وعانى ما عاناه من مظالم واضطهاد قومي وديني ومذهبي وكم الأفواه وكبت الحريات وإسكات الأصوات الحرة ومنع الناس من الكلام عن ما كان يجري لهم في بلدهم إلا ما كان منه يمجد ويمتدح شخص الديكتاتور المتغطرس والحزب القائد والتفاخر بهزائم الحروب العبثية القذرة التي إفتعلها وشنها الديكتاتور ونظامه خلال فترة حكمه الأسود على إنها انتصارات باهرة وناجزة على القوى الظلامية التي تهدد وجود العراق من الشرق والغرب والشمال والجنوب ، ومن كل صوب وحدب وكذلك من أجل إرجاع الأجزاء السليبة من الأرض العراقية التاريخية ،  ومن أجل محاربة القوى الأمبريالية العالمية الشريرة الطامعة بخيرات وثروات العراق ، ومحاربة الأعداء التارخيين للعرب والعروبة من الصهاينة والفرس المجوس كما كان يدعي النظام ، وكذلك أراد النظام أن يصور تلك الحروب التي شنها ظلماً وعدواناً على الآخرين والتي لا يمتلك فيها الشعب العراقي لا ناقة ولا جمل على إنها حروب وطنية مقدسة وحروب بين الخير المتمثل بالنظام والشر المتمثل بالأعداء المفترضين من غير القوى الموالية للنظام والقوى المتحالفة معه والساندة والداعمة له ، وعلى أنها حروب بين القوى المؤيدة للحق العربي المغتصب في فلسطين وبين الصهيونية العالمية والقوى الأمبريالية العالمية الداعمة لها ولمشاريعها التوسعية على حساب العرب والأمة العربية لأقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد حدودها من نهر النيل الى نهر الفرات تحقيقاً للحلم التوراتي لقادة الصهيونية العالمية ، وكذلك على إنها حروب بين جبهة الحق وجبهة الباطل ، جبهة الأيمان كله ضد جبهة الكفر كله ، مما يقتضي من الشعب العراقي والعرب الحقيقيين والشرفاء في العالم المشاركة والمساهمة بما يمليه عليهم ضميرهم وبقيادة النظام الصدامي قائد جيش السبعة ملايين باسم " جيش القدس " لتحرير بيت المقدس من براثن إسرائيل والصهيونية ليدخل صلاح الدين العصر على صهوة جواده الأبيض على رأس جيش المنتصرين حاملاً راية العروبة والأسلام الى القدس من جديد ، ولقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً من دماء أبنائه جراء هذا الحلم القيصري الأخرق . كل هذه الأحلام الفارغة والخاوية قادت النظام وأزلامه الى إرتكاب حماقات وجرائم بحق العراق والعراقيين يندى لها الجبين وجلبت لهما الويلات والكوارث والنكسات والمأسي المريرة ، حيث لا تخلو عائلة عراقية من ضحية وفقدت عزيز لها من أب أو إبن او زوج أو اخ أو غير هؤلاء من الأعزاء المقربين والأصدقاء ، وتركت الملايين من الثكالى والأرامل واليتامى تجوب الشوارع والأزقة بحثاً وراء لقمة العيش ، إضافة الى ما عانته كل عائلة عراقية من شضف العيش والحرمان والبؤس والشقاء في كل قطاعات الحياة وعانت الأمرين من سياسات النظام الحمقاء والغبية والعقيمة ، سياسات الويلات والنكسات والكوارث والمأسي ، وخرجت البلاد من تلك الحروب العبثية عشية القرن الواحد والعشرين مدمرة الأقتصاد والبنى التحتية والخدماتية وهي غارقة بالديون الثقيلة والتي تزيد عن مائة وخمسون مليار من الدولارات ترهق كاحلها ، ومرهونة الثروات وفاقدة للسيادة الوطنية ، والشعب المثخن بالجراح يلعق جراحه ويئن تحت وطأة الحصار الأقتصادي الجائر المفروض على العراق بموجب القرارات الدولية على أثر إحتلال جيش النظام لدولة الكويت في الثاني من آب 1990 .
أما قطاع الخدمات الاجتماعية المختلفة فتلك قصة أخرى لا تحكى لما فيها من الغرائب والعجائب حيث لا يرى من خلالها المُشاهد الغريب العراق إلا ذلك البلد المدمر المحطم الخرب كأنه بلد في بداية عهد الأحتلال العثماني ، إنها حقيقة مهزلة تدمع لها العيون وتُدمى لها القلوب المجروحة . أما في مجال الفساد المالي والإداري الذي كانت تمارسه أجهزة وشخصيات النظام السابق كانت تضرب أطنابه كل أجهزة ومرافق الدولة ومؤسساتها الرسمية المختلفة ، وسرقة المال العام كان مباحاً لرجالات النظام دون أن يكون شاملاً لكل موظفي الدولة ، والرشوة كانت فريضة يدفعها المواطن لقاء إنجاز أية معاملة رسمية له لدى دوائر الدولة الصدامية التي وفرت الحماية لسراق المال العام ووفرت الأمن للمواطن دون أن تعطيه الأمان في العيش الرغيد والمريح .
كل هذا حصل للعراق والعراقيين عشية دخول القوات الأمريكية المحتلة الى عاصمة الرشيد بغداد وهي تجوب شوارعها بآلياتها العسكرية الثقيلة وطائراتها تملأ الأجواء بأزيزها المرعب بحرية وأمان دون أن يعترضها أحداً من أزلام النظام الذين كانوا أقوياء قساة على أبناء شعبهم الذين أذلوهم وأهانوهم ، ولكن من دون أن يقولوا لجيش الأحتلال وهو يجوب شوارع عاصمتهم على عينك حاجب يا المحتل الغاصب الغريب ، وبعد أن أحتلت هذه القوات مطار بغداد الدولي وتقدمت صوب مركز بغداد والقصر الجمهوري لأسقاط الصنم في ساحة الفردوس كانت أبواق النظام من خلال وزير إعلامها المدعو محمد سعيد الصحاف يتحدث بلغة سمجة وهابطة عن الانتصارات الصدامية على قوات الأحتلال من العلوج على طريق المطار وفي ساحة جامع ام الطبول ويوعد الشعب المغلوب على أمره بالنصر المؤزر على يد قائد الضرورة عبدالله المؤمن قريباً ، يا للهول ويا للمهزلة الأعلامية السخيفة والرعناء التي كان الصحاف يحاول من خلالها تحقيق ما قاله وزير الأعلام الهتلري غوبلز  " اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرين " إلا أنه ولسوء حظه التعيس والعاثر لم يصدقه أحداً من العراقيين . خرج العراق والعراقيين من خضم هذا الصراع المرير مع النظام بعد سقوطه على يد القوات الأمريكية في التاسع من نيسان عام 2003 فرحين متأملين بزوغ فجر عصر جديد خالِ من الديكتاتورية والقمع والاضطهاد والمعتقلات والملاحقات الأمنية والكوارث والفقر والمرض والعوز وخالِ من كل مظاهر القهر والتخلف التي تركتها السنين العجاف على الواقع العراقي ، وكَبُر حلمهم مع الأيام بتأسيس دولة القانون والمؤسسات الدستورية وتناوب السلطة سلمياً من خلال الأنتخابات الديمقراطية الحرة النزيهة على أنقاض الدولة الصدامية الأستبدادية المنهارة ، إلا أن ذلك الحلم الجميل سرعان ما تلاشى وتبخر وغاب وراء الأفق البعيد واصبح مجرد حلم ينتظر التحقيق وتحويله الى واقع معاش . توالت الأيام وتوالت الحكومات في العصر الجديد بدءً بحكومة مجلس الحكم والسيد بريمر الى حكومة علاوي مروراً بحكومة الجعفري وانتهاءً بحكومة المالكي الأولى والثانية الى الحكومة الحالية برآسة الدكتور حيد العبادي أي عصر ما بعد الصدامية التي أذاقت العراقيين المُرّ الزعاف ، ويلاحظ المواطن العراقي المثقف والسياسي والبسيط أن كل شيء باقِ على حاله دون أن تَطالهُ يد التغيير والأصلاح بل اصبح أسوء مما كان عليه في زمن النظام السابق في الكثير من المجالات التي لها المساس المباشر بحياة المواطن وعم الفساد المالي والأداري كافة أجهزة الدولة العراقية  وصار سلوك وثقافة المسؤولين الكبار ، حيث إنتهى عهد أسود وظالم وأعدم صدام وسقط نظام حكمه الأستبدادي البغيض ، ولكن لم تنتهِ ولم تسقط ولم تعدم الصدامية في الحياة العراقية كنظام سياسي في إدارة شؤون الدولة العراقية لغاية اليوم ، بل هي باقية وتعمل بقوة بكل سماتها المعروفة للقاصي والداني كالفساد المالي والاداري والرشوة في أجهزة الدولة والصراع على السلطة وتصفية الخصوم السياسيين بالوسائل العنيفة والتصفية الجسدية من خلال الميليشيات المسلحة غير الشرعية التي تمتلكها أغلب الأحزاب السياسية الحاكمة تحت مسمياة مختلفة ، وشيوع المحسوبية والمنسوبية وغيرها من الخصوصيات في منح الأمتيازات والمناصب والوظائف بأقصى مستوياتها وبصورة مبتذلة ، وسيادة سياسات الأقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والتمييز بين المواطنين على أساس نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والهويات الخصوصية الفرعية وغياب مفهوم دولة المواطنة والهوية الوطنية ، وغيرها الكثير من هذه المظاهر المتخلفة والمرفوضة أخلاقياً ووطنياً وإنسانياً ، فكل الأحزاب والقوى السياسية التي قفزت على كراسي الحكم بعد سقوط النظام الصدامي باسناد ودعم المحتل لا تختلف عن بعضها البعض في شمولية أفكارها وأسلوب حكمها عن شمولية وأسلوب حزب النظام السابق ، حيث لم تتمكن هذه الأحزاب من خلال حكوماتها المتعاقبة أن تقدم شيئاً جديداً ومتميزاً للشعب والوطن أفضل مما قدمه النظام السابق ، بل إن كل ماحصل هو تكرار لصورة الماضي البشعة بألوان جديدة من القهر والبؤس والشقاء والحرمان . حيث فقد الشعب الأمن والأمان وشاع القتل على الهوية وضرب الأرهاب بكل أشكاله ومسمياته بأطنابه كل مناحي الحياة العراقية ، وتوسع الفساد المالي والاداري بشكل أوسع وأشمل مما كان عليه في زمن النظام السابق ، وشاعت الرشوة وارتفع مستواها وأساليبها لتشمل كل مستويات الدرجات الوظيفية بشكل غريب ومريب من دون أن يردعها رادع قانوني ولا وازع أخلاقي ، وتوسع الصراع على السلطة والكراسي وامتيازاتها بين القوى السياسية الحاكمة وإتخذ أوسع مدياته ، وأعتمد مختلف الأساليب بما فيها فبركة التهم بكل أنواعها ضد بعضها البعض والأغتيالات السياسية ، وبالمقابل زاد الشعب فقراً ومرضاً وعوزاً وبؤساً وشقاءً وقهراً وحرماناً ، وتفشت البطالة بين شرائح المجتمع المختلفة وبالأخص شبابه المتعلم وغير المتعلم وأصبح الكل يبحث عن لقمة العيش بكل السبل المتاحة ، مما جعله صيداً سهلاً لقوى الأرهاب والجريمة المنظمة ليقتنصه ويستخدمه في تنفيذ جرائمه وعملياته الأرهابية التي عمت في طول البلاد وعرضها ، بحيث أصبحت قطاعات واسعة من شرائح المجتمع العراقي مع الأسف الشديد تترحم علناً على النظام المقبور الذي أذاقهم السُم الزعاف ، يا للمفارقة الغريبة والعجيبة !!! إنه حقاً لأمر مضحك ومبكي في ذات الوقت !! . على خلفية هذا الواقع المأساوي الذي كان يعاني منه العراقيين نلاحظ نمو ظاهرة إشتداد التنافر والرفض بين الجماهير الشعبية من مختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة وبين الأحزاب السياسية المستحوذة على السلطة والمتعاونين معهم ، حيث وصل رد الفعل الرافض للجماهير الشعبية لهذه الأحزاب الى حد المطالبة بابعادها وإقصائها عن إدارة الدولة وحكم البلاد لكونها أحزاب شمولية لا تختلف عن سابقاتها بنهجها وبأساليب عملها المخالفة للقانون والدستور وإستغلالها لثروات البلاد لصالحها وإثرائها على حساب سرقة المال العام في الوقت الذي عجزت من أن تقدم شيئاً ملموساً لجماهير الشعب المتضررة من سياسات النظام المقبور وأن تعطي لهم صورة مغايرة لتلك الصورة التي كان قد طبعها النظام السابق في مخيلتهم وأذهانهم والتي تعيش ظروف معاشية وخدمية مزرية ، أي بعبارة أخرى نستطيع القول أن هناك تناقض بين تطلعات وهموم وأحلام الجماهير العراقية التي تعيش حوالي 20 % منها حسب الأحصائيات الدولية تحت خط الفقر وبين ممارسات الأحزاب السياسية القابضة على دفة السلطة والموارد المالية للبلد والتي هي عاجزة من أن تقدم ما يلبي تلك التطلعات المستقبلية الشرعية للطبقات الفقيرة والكادحة من المجتمع العراقي حتى بأدنى مستوياتها والتي ولدتها الحروب العبثية للمرحلة الصدامية . هكذا تتوسع هوة التناقض والخلاف بين الطرفين يوماً بعد آخر مع مرور الزمن وإستمرار الوضع المزري من سيء الى أسوء ، بحيث بدأت بوادر الدعوات والمطالبات القوية والعلنية الملحة من داخل صفوف هذه الأحزاب لأجراء الأصلاح والتغيير في هيكلية وفكر ونهج وأسلوب وآليات عملها ، وأخذت هذه الدعوات والمطالبات تتوسع وتشتد وأصبحت تهدد بقاءها على ما هي عليه الآن إن لم تطالها يد التغيير والأصلاح الجذري لتصبح أحزاب قادرة ومؤهلة للعمل بين الجماهير وتستجيب لمطالبها المشروعة .
لذلك شاهدت الساحة العراقية ومنذ سقوط النظام السابق الكثير من حركات الانشقاق والتمزق والتفكك طالت معظم الأحزاب السياسية وظهرت على أثرها أحزاب وتيارات سياسية إصلاحية جديدة لها خطاب سياسي مستقل ومختلف عن ذلك الخطاب التقليدي الذي نشأت وتربت عليه ، واتخذ خطاب هذه الأحزاب والتيارات الجديدة طابعاً إصلاحياً وطنياً ديمقراطياً ومدنياً وحتى علمانياً الى حد ما بعد أن كان في السابق طابع الخطاب السياسي لها طابعاً قومياً عنصرياً أو دينياً مذهبياً طائفياً متعصباً راديكالياً
. وإرتفعت الدعوات والأصوات في الشارع العراقي الى المطالبة بفصل الدين عن السياسة حماية لمقدسات ونقاء وسمعة الدين من أي تلوث وتشويه وإساءة من أفعال السياسة الشنيعة من جهة ، وأن تكون الدولة مجرد مؤسسة خدمات توفر الحماية للوطن والشعب من أي عدوان خارجي على حدوده وسيادته وتقدم الخدمات المختلفة للمجتمع وتوفر فرص العمل والعيش الكريم لأبنائه لكي يعيشوا بعز وكرامة من جهة أخرى . وكذلك إرتفعت الأصوات المنادية بضرورة إعادة تشكيل الهوية الوطنية العراقية وترسيخها والتعامل مع المواطن في منح الحقوق وتوزيع الواجبات لأقامة العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد على أساسها بدلاً من تمجيد وتكريس الهويات الخصوصية الفرعية الأخرى ، وكذلك دعت هذه الأصوات الوطنية الشريفة إلى أن تكون الدولة العراقية الجديدة دولة المواطنة ودولة القانون والمؤسسات الدستورية بدلاً من أن تكون دولة المكونات والجماعات والأحزاب والأشخاص أي دولة الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية الطائفية ، وكذلك إرتفعت الأصوات وأطلقت الدعوات الى تأسيس حياة وثقافة الشراكة الوطنية الحقيقية في الوطن الواحد تتساوى فيه جميع أبناء مكونات الشعب العراقي في الحقوق والواجبات ويكون الحاكم الفيصل بينهم القانون والدستور على أساس المواطنة وليس على أي أساس آخر كالمحاصصة الطائفية السياسية والأثنية الشوفينية .
وظهرت هناك الشيء الكثير من مثل هذه المؤشرات في الحياة السياسية العراقية التي تدل على ضرورة وحتمية إجراء الأصلاح الجذري والتغيير الشامل في برامج وأفكار وأيديولوجيات ونهج وأهداف واساليب وآليات العمل والبنى التركيبية لهيكلية أحزاب المؤسسة السياسية العراقية وتحررها من قيود الجمود العقائدي وظاهرة تأليه وعبادة الفرد وتراكمات الماضي الذي تغير اليوم وتحول الى حاضر . لذا فإن هذه الأحزاب كل الأحزاب الكلاسيكية المشبعة بالفكر الشمولي الأقصائي الأستئثاري عليها أن تتغير لتتمكن أن تعيش في هذا الحاضر الجديد وتتحرر من قمقم الماضي المتخلف ، وإلا فإن مصيرها بشكلها وتكوينها الحالي سيكون التفكك والضمور والزوال ودخول متحف التاريخ ، أو أن تتحول الى دكاكين تجارية للقيادات المتنفذة وحاشيتهم من الأقارب والمقربين المنتفعين من المصفقين والمداهنين لهم ، أو أن تتحول إلى مجرد مقاهي اللهو يتجمع فيها المسنين من كوادرها ليستذكرون في جلساتهم ذكريات الماضي التي ذهبت أدراج الرياح ولن تعود لهم حتى في أحلام اليقضة
إن المثقفين من الكوادر الحزبية لهذه الأحزاب الكلاسيكية من ذوي النزعات الحرة ومن المتطلعين الى المستقبل المشرق والحريصين على مصالح الشعب والوطن بإمكانهم إذا نظروا بنظرة حيادية فاحصة لمجريات الأمور في العراق بشكل عام ، والى ما يجري داخل أحزابهم من تفكك وتشرذم وتمزق وتناقض بين القول والفعل وصراع الأفكار والرؤى بسبب تقاطع المصالح والصراع على المناصب وكراسي الحكم بين القيادات سوف يجدون أن المستقبل الذي سيؤول إليه مصير أحزابهم المتهاوية والآيلة الى الأنهيار والسقوط لا يبشر بالخير وإنما ينذر بالشؤم وبما لا يحمد عقباه من تداعيات وإنهيارات غير متوقعة وتجربة الأحزاب الأشتراكية والشيوعية في أوروبا الشرقية خير مثال حي على ذلك الأنهيار ، ومن هنا سيجدون أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية تجاه شعبهم ووطنهم ، وإن الواجب تجاه جماهيرهم يلزمهم للقيام بعمل ما لأنقاذ ما يمكن إنقاذه حفظاً لماء وجوههم أمام مواجهة الجماهير وحكم التاريخ الذي لا يرحم المقصرين والمتخاذلين والمغفلين وخونة الأمة والوطن والشعب . وعليه فإن الأصلاح والتغيير الجذري سيكون خيارهم الوحيد والأوحد لأنهما قادمان لا محال شاءوا ذلك أم أبوا وليس أمامهم من خيار أو بديل أفضل ..
إن نظرة فاحصة الى واقع الشعارات والعناوين المطروحة والمرفوعة على الساحة السياسية العراقية عشية الأنتخابات البرلمانية القادمة بعد أيام  والتحضيرات التي تمهد لها القوى السياسية العراقية تجري المساعي لها من قبل القوى المنتفعة من الحكم اليوم بذرائع شتى ، ومقارنتها بما كانت عليه في الأنتخابات البرلمانية السابقة سوف نجد بوضوح وجلاء أن هناك في المركز وفي الأقليم أن هناك فروقات كمية ونوعية في طبيعة البرامج والأفكار والشعارات والأطروحات السياسية والخطاب السياسي للقوى والكتل السياسية المتنافسة وحتى في رمزية تسميات الكتل والقوائم الأنتخابية قد حصلت بشكل ملحوظ المعالم  وأن الفرز في الاتجاهات العامة لسياسات هذه القوى هو الآخر قد تجلت معالمه للعيان  ، ومؤشرات أفاق التطورات في المستقبل نحو الأصلاح والتغيير الجذري للنظام السياسي في العراق تكون هي السمة الغالبة لها وهي الأخرى واضحة وجلية . كل ذلك حصل بفعل استيعاب المثقفين الواعين من قيادات والكوادر المتقدمة للكتل والأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة للعناصر الفاعلة والمؤثرة والحاكمة في معادلة التناقض بين تطلعات الجماهير الشعبية وطموحاتها في مستقبل أفضل والعيش الكريم من جهة وبين أفكار ونهج وأساليب عمل أحزابها التي أصبحت بالية ومتخلفة وعاجزة عن مواكبة مستجدات ومتطلبات الحياة الجديدة وضرورة التفاعل معها بشكل إيجابي وعقلاني من أجل تلبية متطلبات الحياة الجديدة التي زادت سوءً بعد سقوط النظام الديكتاتوري من جهة ثانية .
كل هذه المؤشرات والأسباب والتطورات التاريخية الدراماتيكية التي حصلت في حياة العراق السياسية بعد سقوط النظام الصدامي وتحرير العراق من طغيان وهمجية داعش تضع الأحزاب السياسية أمام واقعها المزري بعد أن أثبتت التجربة العملية في إدارة الدولة أنها قد فقدت صلاحيتها للبقاء والأستمرار . عليه إذا أرادت فعلاً لنفسها البقاء والأستمرار في العمل في الساحة السياسية أن تجري إصلاحات وتغييرات جذرية في أفكارها ومنطلقاتها الفكرية والنظرية وأيديولوجياتها ونهجها السياسي وأساليب وآليات عملها وهياكلها التنظيمية بالشكل الذي يقربها أكثر من عمق الجماهير الشعبية وتطلعاتها وطموحاتها المستقبلية في الحياة الحرة الكريمة الخالية من الفقر والعوز والبطالة والقهر ، وأن تجعل من قياداتها أن تكون فعلاً قيادات جماعية وجماهيرية أكثر من أن تكون قيادات فردية إستبدادية ديكتاتورية تؤمن بنظرية تأليه وتقديس الفرد وتكريس نهج إختزال كيان الحزب السياسي في شخص الفرد القيادي الذي يقبع على رأس الهرم التنظيمي كما هو عليه الحال في الأحزاب الشمولية الحالية . 
جدلاً إن أنتجت الأصلاحات والتغييرات السياسية الشاملة في الأحزاب قيادات جماعية وجماهيرية تكون تلك القيادات وبالتالي أحزابها موضع ثقة واحترام وترحيب الجماهير الشعبية تثق بها وتعيد إختيارها عن قناعة وإيمان راسخين قادة ورواد لقيادة نضالهم السياسي من أجل إنجاز وبناء مجتمع العدل والمساواة وتكافوء الفرص والرخاء الاجتماعي والرفاه الأقتصادي ، عندها فقط تتحول الأحزاب الى أدوات ثورية فعالة للأصلاح والتغيير الاجتماعي لبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية ، دولة القانون والمؤسسات الدستورية المدنية ، وبالتالي كل ذلك يفضي الى بناء المجتمع الديمقراطي المدني المنشود في العراق عراق كل العراقيين من دون تمييز
.


خوشـــابا ســـولاقا
8 / آيار / 2018 م           

45
الفكر وحركة تطور الحياة الإنسانية
خوشابا سولاقا
لغرض مناقشة هذا الموضوع الذي يعتبر في غاية الأهمية بالقدر الذي هو في غاية التعقيد والصعوبة بكل جوانبه المتعلقة بالحياة الإنسانية ، من اجل الوصول الى معرفة العلاقة الجدلية بين الفكر كنتيجة إنعكاسية لحركة تطور واقع الحياة الإنسانية وبين تطور الحياة الطبيعية ذاتها، لابد لنا من الوقوف عند ما قالوه بعض المفكرين والفلاسفة وعلماء الأجتماع المرموقين الكبار ممن لهم مساحة معتبرة على جغرافية الفكر الإنساني إن جاز التعبير ولهم دور كبير ومشهود له في مسيرة الحركة الفكرية الإنسانية العالمية ، ونحن هنا نتجنب ذكر الأسماء لهؤلاء العظماء الخالدون لإعتبارات خاصة تخدم موضوع المقال من جهة ولكي نستطيع من خلال ذلك أيضاً المحافظة على حياديتنا في الطرح دون أن نتهم بالانحياز الى مدرسة فكرية بعينها دون سواها من جهة ثانية ، وعليه نكتفي بذكر المقولات لهؤلاء دون ذكر أسماء قائليها ، لأن هذه المقولات ليست هي المادة الأساسية والجوهرية في موضوعنا المطروح للنقاش ، ولكنها تشكل مؤشراً قوياً للآستدلال من خلالها الى بيت القصيد من موضوعنا .
قال أحد المفكرين والفلاسفة الكبار الأنكليزي الجنسية الذي له سمعة وصيت عالميتين يعرفه كل مثقف ومهتم بشؤون الفكر والفلسفة والسياسة ما يلي :-
" في كل الأحوال من المفيد بين الحين والآخر أن نضع علامات إستفهام على الأشياء التي كانت ثوابت على المدى الطويل " .
وقال مفكر وفيلسوف واقتصادي الماني كبير دوخت أفكاره ونظرياته الفكرية والأقتصادية العالم الى يومنا هذا ويحتل مساحة كبيرة جداً على ساحة الفكر وعمت شهرته كل بقاع المعمورة منذ أكثر من قرنين من الزمان حيث قال وفي نفس السياق ما يلي : " ليس كل ما هو صحيح يكون واقعاً ، وليس كل ما هو واقع يكون صحيحاً دائماً " عند قراءتنا لهاتين المقولتين بدقة وعمق وبعد نظر وبحيادية فكرية نجدهما أنهما مقولة واحدة تعبران عن ذات المضمون ، أي بمعنى آخر مقولتين بمضمون واحد وبمفردات مختلفة بالرغم من كون القائلين لهما ينتميان الى مدرستين فكريتين مختلفتين وبينهما فارق زمني كبير ، لأن المقولتين تقصدان الموضوع ذاته من حيث المضمون الفكري ، وهذا يعني أنه ليس هناك شيء في الحياة سواءً كان ذلك في الحياة الأجتماعية او في الحياة الطبيعية ثابت لا يتغير ، وليس هناك ما هو صحيحاً أو واقعاً على طول الخط بالمطلق ، وإنما مفهومي الصحيح والواقع هما نسبيان وذلك مرتبط إرتباطاً عضةياً بحركة تطور الحياة نفسها ، لذلك تؤشر المقولة الأولى على ضرورة وضع علامات إستفهام على الأشياء التي كانت ثوابت لمدى طويل من الزمن بحسب معايير ذلك الزمن والمكان ، لأنها ستتغير حتماً في المستقبل وتصبح على غير ما هي عليه الآن . وتؤشر المقولة الثانية على كون ما هو صحيح اليوم ليس بالضرورة أن يكون واقعاً على الأرض في نفس الوقت ، وما هو واقع على الأرض ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً وفق المعايير السائدة في واقع اليوم ، كل شيء معرض للتغيير والتبدل الدائم .
بالتالي يعني الأمر أن الأشياء في حالة تغير مستمر لا ثبات لها وهي في حالة حركة دائبة ودائمة لا تتوقف ، وذلك التغير مرتبط بحركة تطور الحياة الإنسانية بكل مكوناتها ..
في كل النظم الاجتماعية التي سادت المجتمعات البشرية عبر التاريخ تشكل الثقافة والفكر والأدب والفن والفلسفة والقيم والتقاليد والأخلاق الاجتماعية البنية الفوقية للنظام الاجتماعي الأقتصادي السياسي السائد ، وبطبيعة الحال تكون هذه البنية أي البنية الفوقية عبارة عن إنعكاساً لواقع التفاعلات والتجاذبات والصراعات والتناقضات للبنية التحتية لذلك النظام والمتمثلة في شكل وطبيعة النظام الأقتصادي السائد ، والذي بالتالي يحدد علاقة وسائل الانتاج للخيرات المادية والمعنوية للممجتمع بالقوى العاملة المفعلة لوسائل الانتاج ، وإن  شكل وطبيعة النظام الأقتصادي يعتبر الأساس المادي لحركة تطور المجتمع وبالتالي هو الأساس لحركة تطور الحياة الإنسانية بكل مكنوناتها ، وعليه فإن البنية الفوقية تشكل تلك الوسائل التي تستعمل لتبرير شرعية نظام الأنتاج السائد واستمراره وحمايته والدفاع عنه . هكذا تتشكل العلاقة الجدلية التكاملية بين البنية الفوقية والبنية التحتية للنظام الاجتماعي ، وعند العودة الى دراسة تاريخ تطور وتحول النظم الاجتماعية التي مرَّ بها تاريخ المجتمع البشري سوف نجد أن هذه العلاقة تعبر عن نفسها بوضوح وجلاء في البنية الفوقية للنظام الاجتماعي لكل مرحلة من مراحل تطور التاريخ ، لذلك يكون أي تغير تطوري يحصل في أي مفصل من مفاصل البنية التحتية للنظام الأجتماعي ينعكس بالضرورة حتماً على شكل وطبيعة البنية الفوقية له ، وبذلك لا يمكن أن يكون هناك من ثابت مطلق في أي مفصل من مفاصل البنية الفوقية للنظام الاجتماعي ، فكل شيء في حالة تغير مستمر دائم بما في ذلك حركة الفكر كون الفكر جزء من مكونات البنية الفوقية للنظام الاجتماعي . إن الأحداث التي تحصل في الطبيعة وفي الحياة الاجتماعية بحكم صراع الأضداد والمتناقضات بسبب تصارع وتناقض المصالح تفضي بالضرورة الى تغير وتبدل وإختفاء أشياء وظهور أشياء أخرى جديدة بشكلها وطبيعتها التي تقتضيها متطلبات الحياة الجديدة . هذه الحركة تجعل الإنسان الذي من المفروض به أن يتصدى لها ويستوعبها ومن ثم يتوائم معها ويطاوعها لمتطلبات حاجاته الحياتية الجديدة ، عليه أن يفكر وأن يعيد صياغة أفكاره بأنماط ونسق جديدة تلائم الوضع المستجد ، وهذا المنطق في البحث وراء حقيقة تبدل وتغير الأشياء هو الذي مكن الإنسان من إنجاز أعظم الأختراعات العلمية في كل مجالات العلم في الطبيعة والمجتمع ومكنته من إكتشاف الكثير الكثير من أسرار الكون وقوانين الطبيعة وأفعالها ، ومكنته من صياغة نظريات فكرية وفلسفية عديدة ومختلفة وكل نظرية تعبر عن ما تضمنته النظرية التي سبقتها وأضافت إليها ما أستجد في الحياة ، أي بمعنى إن التطور يسير على شكل متسلسل بحلقات متوالية إحداها تكمل التي سبقتها وتصبح أمتداداً للتي تليها ، هكذا يستمر تطور الحياة الطبيعية والاجتماعية على هذا النسق ، نسق التبدل والتغير الدائم والتحول الكمي والنوعي في حركة تصاعدية على مسار هلزوني من الأدنى الى الأعلى نحو الأمام ، وتجعل الأشياء في حالة من الصراع والتناقض فيها كل قديم يولد نقيضه الجديد الأفضل وبالتالي فإن هذا الصراع التطوري والحراك الاجتماعي يفضي بالضرورة الى بقاء الأقوى والأصلح ويزول الضعيف القديم البالي ويتراجع وينزوي الى متحف التاريخ . هذه هي سنة الحياة ومنطقها العلمي في التطور التصاعدي ، كل قديم الى الزوال سائراً والجديد لا بد أن يولد من رحمه .
بإلقاء نظرة عامة على مسيرة التاريخ سوف نلاحظ بوضوح وجلاء تام صحة هذه النظرية ، ولكن قرأة  هذه المسيرة تختلف من شخص لآخر حسب مستوى تطور وعيه الأنساني للوجود بحد ذاته وقناعاته وإيمانه بما هو سائد من الأفكار والطقوس والتقاليد والأعراف في المجتمع الذي يعيش فيه ومتطبع بطبائعه وقيمه وأخلاقه .
خلاصة القول إن ما نريد قوله هنا هو أنه ليس هناك من فكر أو فلسفة تمتلك وتجسد الحقيقة المطلقة بكاملها كما يفكر بعض السذج من الناس والمخدرين بافيون الفكر المثالي الذي يقدس ثبات الأشياء ، وإنما مهما بلغت درجة الرقي والكمال والمعرفة فهي بالتالي لا تعبر إلا عن جزء من الحقيقة ، أي بمعنى آخر ليس هناك فكر متكامل يصلح لحل مشاكل الإنسان في كل مكان وزمان مهما كانت كينونة وطبيعة ذلك الفكر ، ولا يستطيع فكر يدعي الثبات والكمال أن يعيش ويتعامل ويستمر بالبقاء مع واقع متغير لأن ذلك مخالف لمنطق العقل والتاريخ وسنن الحياة ، ولكن بإمكان القائمين على هكذا أفكار والدعاة لها والمبشرين بها أن يطاوعوا تلك الأفكار مع واقع الحياة المتجددة وليس العكس ، أي مطاوعة الحياة لمتطلبات ثبات تلك الأفكار ، لأن ذلك لا يعني بلغة العلم والمنطق إلا شكل من أشكال العبث الأحمق غير الواعي بقيم الحياة ومنطق العلم والعقل وحرية الإنسان كما يفعل البعض ممن يقرأون التاريخ بصورة معكوسة ومشوهة .
إن الحياة هي الرحم الحاضن لمصدر الأفكار وتفاعلاتها وهي المنبع التي منها تولد الأفكار ولتأكيد هذه الحقيقة سوف نجد عند قراءتنا للتاريخ الإنساني أن جميع النظريات الفكرية والفلسفية والأقتصادية والاجتماعية وحتى المعتقدات الدينية ولدت في خضم الصراعات والتناقضات التي حدثت في المجتمع الإنساني بسبب تعارض وتصارع وتقاطع المصالح الأقتصادية للطبقات والشرائح الاجتماعية في كل زمان ومكان ، وبالتالي سوف نجد أن الأفكار كانت دائماً على امتداد التاريخ عبارة عن أدوات ووسائل للأستحواذ على أكبر قدر ممكن من المنافع الأقتصادية والمصالح الحيوية والسيطرة على مصادر الثروة والهيمنة على العالم تحت واجهات براقة مختلفة والدفاع عن تلك المصالح والمنافع وحمايتها من سطوة الآخرين ، بمعنى آخر أستعملت الأفكار والمعتقدات كأدوات نبيلة في الصراع لتحقيق غايات غير نبيلة من أمثال المنافع والمصالح والسيطرة على العالم تحت واجهات ذات شكل خيري وإنساني وذات مضمون نفعي إستغلالي غير أخلاقي يتنافى مع قيم الحضارة والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الأنسان والديمقراطية . هكذا كان الحال مع الأفكار التي سادت التاريخ الإنساني وأصبحت أيديولوجيات ظالمة لحكام طغاة عبر مختلف فصول التاريخ في جميع بقاع الأرض دون إستثناء ، والذين لا يقنعهم هذا الطرح عليهم العودة الى قرأة التاريخ من جديد ليجدوا أن ما تم ذكره لا يشكل إلا القليل من الحقيقة الكاملة التي من المفروض أن تقال هنا .

ملاحظة : هذا المقال هو تمهيد لمقالنا القادم المعنون " ضرورة الأصلاح والتغيير في فكر ونهج الأحزاب السياسية في العراق " ..

خوشـــابا ســـولاقا
7 / آيار / 2018 م
 


46
أثر المدلولات التاريخية في إثبات الانتماء القومي للمجموعات البشرية ... الآشوريون نموذجاً

خوشابا سولاقا

في جميع المجتمعات البشرية ونحن الآشوريون منهم ، هناك في حياتهم الاجتماعية تقاليد وطقوس فلكلورية كثيرة عميقة في تأثيرها في تكوين وبناء شخصيتهم القومية تمارس بشكل فطري موروث لهم أب عن جد كتقاليد شعبية لا يدركون مضامينها ومدلولاتها وامتداداتها التاريخية والسوسيولوجية ، ولكن ترى البعض في أحيان كثيرة تتمسك بقوة وبتقديس وبمبالغة شديدة بتلك الممارسات والطقوس الفلكلورية بأعتبارها موروث وإرث الأباء والأجداد القدامى ، مما يتطلب من الأجيال التمسك بها وحمايتها للمحافظة على هويتهم وثقافتهم القومية وإرثهم التاريخي وفي ذات الوقت  يوصمون بالعار من لا يتمسك بها ويتجاوزها بأعتبارها باتت تقاليد قديمة بالية لا تتماشى مع تقاليد وطقوس الحياة العصرية وتغيراتها المستمرة التي يتطلب مواكبتها . ونرى كثيراً أن طبيعة المفهوم المعتقدي يتغير بتغير معتقدات العبادة كما حصل معنا نحن الآشوريين عندما تحولنا  من العبادات الآشورية الأصيلة القديمة الى اعتناقنا للديانة المسيحية ، فباتت الكثير من تلك التقاليد الفلكورية الموروثة التي كانوا الناس يعتزون بها لرمزيتها القومية التاريخية التي كانت تمارس وفق مفهوم معتقدي معين في السابق استمرت تمارس لاحقاً وفق مفهوم ومضمون الديانة المسيحية الجديدة ، أي باتت تمارس كتقاليد وطقوس مسيحية لتكون مقبولة في المجتمع الآشوري المسيحي الجديد . هذا الشيء حصل أيضاً مع الآخرين من الأمم والشعوب ومن الديانات والعبادات الأخرى التي شاركتنا العيش في هذه المنطقة الجغرافية عبر آلاف السنين عندما غيرت معتقداتها العبادية ، لأنها وبحسب وجهة نظرنا المتواضعة وقناعتنا الشخصية ظاهرة سوسيولوجية طبيعية ترافق حياة البشر في بناء حياتهم ومجتمعاتهم في رفض ولفظ كل شيء يعتقدونه بالياً ومتخلفاً وقبول كل ما هو ضروري ومفيد وله مدلولاته التاريخية والسايكولوجية القيمة التي تربط حاضرهم بماضيهم ويمُد جسوره للعبور الى المستقبل لتستمر وتتواصل السلسلة العرقية من دون أن تنقطع . هذا هو المفروض على كل الأعراق والأثنيات الأصيلة ليستمر وجودهم من جيل الى جيل . هذا ما حصل بالكمال والتمام معنا نحن الآشوريون عبر التاريخ ، ولكي نثبت ذلك نعود الى عمق مجتمعنا ونتابع نماذج معينة من تلك التقاليد والعادات والطقوس الفلكلورية لنأخذ منها نماذج على سبيل المثال لا الحصر لأثبات ترابطنا التاريخي غير المنقطع مع أجدادنا الآشوريون القدامى بالرغم مما مورس علينا من قبل الأعداء من المحاولات والضغوطات والظلم بعد دخولنا في المسيحية لمحو وإزالة أثار كل ما كان يربطنا بماضينا الآشوري ما قبل المسيحية بإعتباره وثني الطابع يتنافى مع المضمون المسيحي ، إلا أنه بَقتْ لنا شذرات طيبة من ذلك الأرث والتراث الحضاري العملاق لأجدادنا العظام لتذكرنا دائماً من نحن ومن نكون ومن كنا والى أين نحن سائرون اليوم ؟؟ . لغرض الخوض في هذا الحوار الذي هو حوار المنطق والعقل ، حوار المقارنة بين الذي كان في الماضي وبين ما هو موجود ومعاش في الحاضر للأستدلال من خلال نتائجه الى أقرب ما يكون للحقيقة الموضوعية بكل أبعادها بخصوص انتمائنا القومي ، قبل أن يكون حوارنا هذا سجالاً وحواراً تاريخياً عقيماً غير مبني على منطق العقل والمنطق والتحليل العلمي التاريخي حول أحداث ووقائع التاريخ المدونة من قبل المؤرخين بشكل مزاجي أحياناً ومتأثرين بهذا العامل الاجتماعي أو ذاك أو بانحياز الى هذا الجانب أو ذاك لأسباب كثيرة لغرض في نفس الكاتب أحياناً أخرى .
نبدأ بعرض وتحليل هذه المدلولات التاريخية لوضع التسميات على مسمياتها القريبة  من الحقيقة . متمنين أن نتوفق في هذه المهمة وأن تنال محاولتنا هذه قبول ورضا المثقفين من أبناء أمتنا الأعزاء من كل مكوناتها ، وإن كل ما نقدمه بهذا الخصوص يمثل وجهة نظرنا ورؤيتنا الشخصية للأمور ليس إلا .
              أولاً : " باعوثه دنينواي " - مطلب أهل نينوى من الأله
لقد أثبتت البحوث والدراسات الأركولوجية التاريخية الحديثة التي أجريت على بلاد النهرين أن فيضاناً كبيراً غمر بلاد النهرين القديمة ، مما يؤكد أن ما ورد في الكتب الدينية عن ما يسمى بقصة الطوفان كغضب الاهي على البشر كان فيضاناً طبيعياً للأنهار الهائجة والجامحة بسبب غزارة الأمطار المنهمرة والثلوج المتساقطة والرياح العاتية كأحدى ظواهر الطبيعة التي تحصل مثلها اليوم بالعشرات في جميع بقاع الأرض ، وإن قصة الطوافان بحسب سفر التكوين من التوراة مأخوذة بحذافيرها من أدب الأساطير السومرية والبابلية والآشورية القديمة التي كانت تمتاز بوصفها للظواهر الطبيعية عن وصف قصة سفر التكوين التي أمتازت في تصويرها لقصة " الطوفان – الفيضان " في إطار الفكرة الألهية ، وإن ما لا يمكن نكرانه أن الكتابات القديمة لا يمكن أن تكون مستمدة من التوراة لأنها أقدم منها بأثني عشر قرناً . كما أثبتت هذه الدراسات أن ما تسمى اليوم بشبه الجزيرة العربية مرت بعصور مطيرة تسببت في فيضانات غامرة إجتاحت بقوة بلاد النهرين وهددت مدنها العامرة منها مدينة نينوى العظيمة عاصمة الآشوريين بالغرق والزوال من على وجهة الأرض بسبب ارتفاع مناسيب نهر دجلة ، مما دفع الخوف من الغرق بأهلها شيباً وشباباً رجالاً ونساءً الى الصوم من الأكل والشرب والصلاة في معابدهم ( ليست كنائسهم أو مساجدهم ) راكعين على ركبهم على مدار الأيام يتضرعون الى إلاههم آشور لمساعدتهم في إنقاذ مدينتهم العزيزة على قلوبهم من الغرق والدمار ، وبعد ثلاثة أيام من الصوم المستمر والصلاة توقفت الأمطار وانخفض منسوب مياه نهر دجلة وهدأت الحالة المناخية وتجاوز الخطر الذي كان يهدد العاصمة نينوى بالغرق ومرت الأمور بسلام وآمان ليس استجابة لصومهم وصلواتهم بل إنها دورة الطبيعة . وعلى خلفية هذه الحادثة ترسخ في عقل الشعب الآشوري في كل أنحاء الأمبراطورية أن الأله استجاب لمطلبهم ، مما يتطلب منهم تكريم هذه الذكرى على مر الأجيال ، فبات بذلك تقليد صوم " باعوثة نينوى " تقليداً وطقساً قومياً يمارسه الآشوريون على مدار السنين الى يومنا هذا .
بعد سقوط الأمبراطورية الآشورية وعاصمتها نينوى سياسياً عام 612 ق . م ومن ثم اعتناق الآشوريين لاحقاً للمسيحية ظَلَ هذا التقليد يمارس من قبل الآشوريين أينما حلوا ولكن بطابع ديني مسيحي . من كل هذا التقليد نستدل أن طقس باعوثة نينوى هو طقس آشوري أصلاً وليس طقس مسيحي كما قد يعتقد البعض اليوم ، ولكنه طبع بالطابع المسيحي للمحافظة على بقائه واستمراره ، وخير مثالاً على صحة ذلك إن طقوس باعوثة نينوى لا يمارس من قبل المسيحيين من غير الآشوريين بكل مذاهبهم في العالم والمنطقة .
في النهاية ماذا نستدل من ممارسة هذا الطقس على مر التاريخ بدءً من الآشورية ما قبل المسيحية الى الآشورية المسيحية المشرقية اليوم ؟ نستدل منه أن كل من يصوم اليوم كمسيحي هذا الصوم مهما كان مذهبه الكنسي فهو من عِرق قومي آشوري مهما تكون تسميته الحالية .
               ثانياً : تقليد تكريم الطبيب الآشوري "ّ برّصرفيون "
كان الطبيب " برصرفيون " طبيب آشوري قديم يمارس الطب الشعبي لمعالجة المرضى وجرحى الحروب باستعمال الأعشاب الطبيعية الطبية التي كان يجمعها من الطبيعة ، وكانت شهرته وصيته قد ذاعتا بين الآشوريين تسبقه أينما يذهب ويحل ، رحيلهُ ، وتأتيه المرضى والجرحى من شتى أنحاء الأمبراطورية طالبين  مساعدته لمعالجة مرضاهم ، وبذلك بات برصرفيون شخصاً مشهوراً ومرموقاً ومعروفاً ومحترماً ومحباً من قبل الناس وباتت شهرته أشهر من نار على علم ، ولذلك عندما وَفتّهُ المنية حزن الجميع عليه كثيراً وقرروا تخليد ذكراه تكريما لأفضاله عليهم ، وتولى أقاربه المقربين رعاية إحياء تخليد هذه الذكرى العزيزة على نفوس وقلوب الآشوريين الذين عاصروا الطبيب الكبير " برصرفيون " وسمعوا عنه كطبيب ناجح أعطى لشعبه أكثر مما أخذ منه . المهم في هذا التقليد أن إحياء هذه الذكرى استمر مع الأيام قبل وبعد المسيحية الى يومنا هذا . حيث كان هناك عائلة آشورية من قبيلة " تياري السفلى – عشيرة بني كبه " كان جدها الأكبر الذي يحمل بيده صليب " برصرفيون " بعد أن صُبغ التقليد بطابع ديني مسيحي والذي أتذكره وأنا طفل صغير في القرية يتجول في قرانا ويجمع ما يتبرع به الناس لتخليد ذكرى " برصرفيون " اسمه  " بثيــو دبرصرفيون " له الرحمة والراحة الأبدية والذكر الطيب ومن بعده تولى أداء المهمه أبنه " هرمز بثيو دبرصرفيون " وكان يسكن منطقة كراج الأمانة في بغداد وحالياً سافر الى خارج العراق لا أعرف أين يَقيم اليوم .
ماذا نستدل من استمرار ممارسة هذا التقليد بين عشائر قبيلة تياري السفلى التي هي من أكبر وأقوى القبائل الآشورية ؟؟ أليس أن أقل ما يستدل عليه ممارسة هذا التقليد هو أن هؤلاء البقايا اليوم هم استمرار لنسل أولائك الأجداد بالأمس ؟؟ . بالطبع إن الجواب هو نعم هم كذلك . 
                    ثالثاً : استمرار الزي الشعبي التقليدي
عندما نمعن النظر بدقة في التماثيل والمنحوتات المكتشفة في العواصم الآشورية سوف نلاحظ التشابه والتماثل الكبيرين  في زي النساء والرجال الظاهرة في تلك التماثيل مع الزي الذي كان وما يزال يرتديه المسنين رجالاً ونساءً من سكان قصبات وقرى سهل نينوى وشمال العراق حيثما يتواجد أبناء أمتنا . حيث نرى أن قبعات الرأس ( كوسيثه ) الظاهرة في التماثيل الآشورية للملوك والرجال تحديداً تشبه الى حد كبير والى درجة التطابق التام مع تلك القبعات التي كانوا أجدادنا نحن أبناء عشائر التيارية بشكل خاص يضعونها على رؤوسهم وذات الشكل المخروطي مقطوع الرأس قليلاً والبيضاء اللون المصنوعة من صوف الغنم الناعم الملمس ( بالذات من صوف الطلي الصغير الذي لا يتجاوز عمره السنة أي القصة الأولى لصوفه الناعم ) وإن النموذج الحالي ذات اللون الأسود الذي يستعملونه التياريين وغيرهم من القبائل الآشورية في المناسبات فهو نموذج مطور لما كان يستعملونه بشكل دائم في تياري خاصةً وهيكاري عامةً . وعند المقارنة في زي النساء سوف نجد التشابه والتماثل ذاته كما عند الرجال حيث تظهر بجلاء في تماثيل النساء الآشوريات قديماً " الميزاره " الذي يعلق على صدور النساء ويمتد الى ما فوق الركبتين على أقل تقدير هو " الميزاره " ذاته الذي كانت ترتديه نساء قرى وقصبات سهل نينوى وقرانا في الشمال ومازلنْ المسنات مِنهُنَّ يرتدينهُ مع بوشي الرأس الشبيه بالعمامة ( كونكْثه ) بشكله الحالي الجميل .
على ماذا نستدل من هذا التشابه والتماثل الكبير في الزي الشعبي التقليدي بين الماضي العريق البعيد والقريب والحاضر ؟؟ أليس ذلك رمزاً لأثبات النسل والعِرق بين ذاك وهذا ؟؟ لماذا لم يظهر هذا التشابه والتماثل في الزي الشعبي التقليدي في الزي الشعبي للآخرين من الشركاء  في السكن على هذه الأرض الطيبة ؟؟ ، أليس إنفراد أبناء أمتنا وتشبثهم بالتمسك بهذا الرمز شكل من أشكال الصراع من أجل البقاء والأستمرار ؟؟ .
                       رابعاً : كتاب حِكمْ أخيقار الحكيم
اخيقار الحكيم هو فيلسوف صاحب حِكم ومنطق أخذ من حِكمه وأفكاره الكثيرين من المشهورين بضمنهم الأمام علي بن أبي طالب ( ر ) ، وكان أخيقار حكيم الملك الآشوري سنحاريب الذي كانت فترة حكمه ( 704 – 682 ) ق . م ، هذا الكتاب بحكَمِه ظل مصدراً للحكمة والأمثال عند أبناء أمتنا بكل مكوناتهم وتسمياتهم تتناوله الأجيال من جيلٍ الى آخر منذ ذلك الوقت والى اليوم ، ويتذكرونه بفخر واعتزاز كإرث ثقافي وحضاري من صميم تاريخ أبائهم وأجدادهم العتيد والمجيد . لماذا ظلْ هذا الكتاب وبهذا المستوى من التقدير والأحترام متداولاً بين أبناء أمتنا كل هذه السنين إن لم يَكُنْ رمزاً قيّماً ومهماً من رموزنا التاريخية ويجسد إرثنا الثقافي وهويتنا القومية الآشورية ؟؟ .
الى ماذا يستدل بقاء واستمرار هذا الكتاب متداولاً ومتنقلاً بهذه القوة بين الأجيال منذ ما يقارب الثلاثة آلاف سنة كما قلنا ؟؟ أليس لكونه وثيقة تاريخية تثبت هويتنا القومية وانتماءُنا القومي ، والى أي عِرق تاريخي أصيل نعود نحن الذين أحتفظنا به في مكاتبنا البيتية كل هذه المدة ؟؟ . 
                       خامساً رأس السنة الآشورية البابلية 6768
المعروف تاريخياً إن أجدانا الآشوريين والبابليين كانوا يحتفلون ولمدة أسبوعين متتاليين من بداية الربيع في الأول من نيسان بحسب تقويمهم إحتفاءً بحلول الربيع متأملين أن يأتيهم من خيرات الأرض الشيء الوفير من الحبوب والأثمار والماشية ومنتوجاتها ، لذلك كانوا يقيمون مهرجانات واحتفالات للفرح ويذبحون الذبائح ويقدمونها نذوراً لأرضاء الأله لأن يجعل الأرض معطاءة في عطائها من الخيرات . كانت احتفالات أجدادنا بعيد الربيع " اكيتو" تجري على هذا النمط عندما كانت السلطة بأيديهم ، ولكن عندما فقدوها أنحسرت هذه الأحتفالات بشكل تدريجي لأن المحتلين الأجانب كانوا يمنعونهم من القيام بأي نشاط أو احتفال يرمز الى إعتزازهم بمجد أبائهم وأجدادهم وتاريخهم الآشوري ، وعليه باتت الناس تحتفل بهذه المناسبة كل بطريقته الخاصة ، وآخر ما وصلنا شخصياً من هذا التقليد من أجدادنا عندما كنا أطفالاً صغاراً في القرية ، كان جدنا له الرحمة والراحة الأبدية والذكر الطيب يخرج منذُ الصباح الباكر الى أقرب حقل للقمح او للشعير ويقلع رزمةً أو قبضة من الحنطة أو من الشعير من جذورها وياتي بها ليعلقها فوق عتبة الباب الخارجي لمدخل البيت ، وكان يقول لنا إن هذه الرزمة ثمثل ذقن ( لحية ) نيسان نعلقها فوق الباب ليأتينا هذا الربيع بالخير الوفير من الحقول الخضراء ، وهذا اليوم هو يوم رأس السنة القديمة لأجدادنا ما قبل المسيح ولم يكُن يعرف بأنها رأس السنة القومية الآشورية ، لأن الثقافة المسيحانية التي لقنوها لهم بموجب تعاليم وتخريفات العهد القديم ( التوراة اليهودي ) مسحوا من ذاكرتهم التاريخية القومية الآشورية كل ما يرمز ويوحي لهم بارتباطهم بأجداهم الآشوريين القدامى بإعتباره ذلك ارثاً وثنياً  " عبدة الأصنام – سَخذاني دصنمي " كما كنا نسمع منهم وعندما كنا نستفسر منهم ماذا تعني " صنمي " كانوا يردون علينا بمعنى أنها تماثيل لكائنات خرافية منحوتة من الحجر كانوا يعبدونها أجدادنا بدلاً من عبادة الله الذي نعبده نحن اليوم . وبعد مجيء البعثيين عام 1968 م الى الحكم في العراق ، قاموا باحياء هذه الأحتفالات بأسم أعياد الربيع في مدينة الموصل تحديداً لغرض العودة بحاضرهم وربطه بتاريخ الماضي العريق في محاولة منهم لأعادة كتابة تاريخ العراق من جديد وتعريبه من أوله الى آخره ، وبذلوا جهوداً وأموالاً كبيرة في هذا السبيل ، وسخروا خيرة العلماء الآثاريين والمؤرخين العراقيين لتنفيذ هذا المشروع التعريبي لتاريخ العراق الآشوري ، ولكن هيهات لهم هؤلاء العابثين وأحفادهم من الدواعش الأرهابين من الحمقى والمشعوذين المجانين من طلاب الشهرة والمجد والسلطة . من أن ينالوا من هذا التاريخ العظيم للآشوريين .
الى ماذا تستدل رمزية بقاء الشذرات البسيطة لهذا التقليد القومي الأصيل ، من مهرجانات كبيرة تدوم لأسبوعين متتاليين الى الأكتفاء برزمة من القمح أو من الشعير تُعلق فوق عتبة الباب الخارجي للبيوت في قرانا النائية كما كان يفعل جدنا رحمه الله تأملاً منهم أن ترزقهم الأرض بالخيرات الوفيرة من عطاء الحقول الخضراء ؟؟ إنها من المؤكد تَدلنا الى معرفة حقيقة من نحن ومن هم أجدادنا وأسلافنا القدامى ؟؟ ومن نكون ؟؟ ومن كنا في الماضي ؟؟ والى أي عِرق قومي ننتمي ؟؟ . 

سادساً : تقليد إحاطة فِراش المرأة بعد الولادة بالحبل الأسود ووضع الخنجر تحت رأس مولودها
كان لأجدادنا الآشوريين القدماء تقليداً بحسب المصادر التاريخية من حوليات ملوك الأشوريين ، يقومون  بأحاطة فراش المرأة الحديثة الولادة بحبل أسود مصنوع من شعر المعز ومتيناً نوعاً ما قريب الشبه بالتنين في الظلمة لمدة أربعين يوماً من وضعها للمولود لحمايتها من الأرواح الشريرة ، حيث كانوا يعتقدون ويروجون بوجود كائن بشري أنثوي خرافي مشعر وذي أنياب وأظفار طويلة سوف يأتي ويؤذي الأم ويسرق منها مولودها  الصغير ، كان في زمانناً ونحن أطفال يسمى ذلك الكائن الخرافي الأنثوي " ليليثا" . كان بإعتقادهم أن الحبل المحيط بالأم الحديثة الولادة يمثل تنين يحرس الأم ومولودها من شر ليليثا لأنها تخاف من التنين ويرعبها مظهره ، وبذلك تتجنب التقرب من مكان الأم والمولود الصغير  . أما بالنسبة الى رمزية وضع الخنجر أو السكين تحت رأس المولود الصغير تعني لكي يكون عند بلوغه شخصاً مقاتلاً شجاعاً . هذا التقليد كان يمارس من قبل عشائر قبيلة التياري السفلى الى يوم مغادرتنا لقرانا عام 1961 م بعد اندلاع الحركة الكوردية والأستقرار في المدن الكبرى .
الى ماذا يَستدل بقاء واستمرار هذا الثقليد لدينا ربما لا تنحصر ممارسته بالتياريين فقط ، وقد تمارسه قبائل آشورية أخرى لم نعايشها شخصياً ، وربما يمارس هذا التقليد ذاته في قرى وقصبات سهل نينوى بشكل آخر وله نفس الجوهر . إنه رمز يستدل منه بحكم ممارسته عبر الأجيال الى شيء واحد ألا وهو الأنتماء الى نفس العرق القومي .
           سابعاً : تردد وتوارد الأسماء والمفرات اللغوية
كما هو معروف لدينا أن أبناء أمتنا عندما أعتنقوا الديانة المسيحية في النصف الأول من القرن الأول الميلادي وهم كشعب يعيش تحت وطأة ظلم سلطة الأجنبي الوثني الغريب المحتل ، والذي يحمل في أعماقه حقداً تاريخياً عليهم ويبتغي الأنتقام والثأر منهم ، وجدوا في المسيحية فكراً ونهجاً طريق الخلاص من هذا الواقع الظالم والأليم الذي بات يهدد وجودهم بالأنقراض ، ولذلك حاولوا في حياتهم المسيحية الجديدة قطع كل صلة لهم تربطهم بماضيهم الآشوري الوثني كما بات يُعرف ظلماً بعد المسيحية ، فتخلوا عن الكثير من العادات والتقاليد والطقوس التي تعتبر وثنية بطبيعتها ، والتجأوا الى التعويض عنها بالبدائل الجديدة من أرث وثقافة الديانة المسيحية والتوراتية فكانت في مقدمة تلك التوجهات هو التخلص من الأسماء الآشورية القديمة باعتبارها أسماء وثنية والتسمي بالأسماء المسيحية الوارد ذكرها في العهد القديم ( التوراة اليهودي ) مما يسمى  بالكتاب المقدس اي التسميات اليهودية كما هو واضح وظاهر في تسميات أبناء أمتنا في القرون ما قبل طغيان الثقافة العربية الأسلامية على المنطقة  وبلاد ما بين النهرين  ، حيث أجبروا الناس على الخيار ما بين اعتناق الأسلام وبين دفع الجزية وبين حد السيف ، لذلك فإن غالبية الفقراء منهم كان خيارهم الوحيد هو اعتناق الأسلام ، أما الآخرين من المتمكنين مالياً فقبلوا بدفع الجزية مقابل الحفاظ على دينهم الأصلي وحياتهم . إلا أن هذه الحالة والخوف والتوجس مما هو أسوء من الجزية بدأت عملية التحول نحو التعريب من خلال التحول الى إعتماد اللغة العربية في حياتهم وطقوسهم الدينية ، وتغيير أسمائهم القومية والمسحية الى اسماء عربية لأزالة الشبهة المسيحية عنهم في أماكن عملهم ومسكنهم وهذا الشيء ليس بخافياً على الجميع من المطلعين على التاريخ وخفاياه الأليمة .
إلا أنه بالرغم من كل هذه المصاعب والمعاناة والأضطهادات والمظالم ظلت بعض العوائل الآشورية المسيحية تتداول الأسماء القومية وتسمي أبنائها بها في الفترات ما قبل اكتشاف الآثار الآشورية في نينوى ونمرود وآشور وغيرها من المدن الآشورية القديمة من قبل المكتشفين الأوروبيين وفي مقدمتهم السير هنري لايارد الأنكليزي الجنسية ، ونورد نماذج من هذه التسميات على سبيل المثال لا الحصر ، مثلاً المرحوم " نمرود دبيث مارشمعون " عم البطريرك الشهيد مار بنيامين وعمته سورما خانم رحمهما الله وهو من مواليد النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وهناك الكثير من الأسماء الآشورية تداولت قبل عصر اكتشافات السير هنري لايارد . أما من حيث المفردات اللغوية سوف يجد الباحث الكثير من مفردات اللغة الآشورية - الأكادية  التي كانت تكتب بالخط المسماري موجودة في اللهجات الآشورية المحكية اليوم ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نورد بعض تسميات أعضاء جسم الانسان ، مثلاً ( نخيرا – الأنف - بوقا بالسرياني ) و ( ناثا – الأذن - اذنه بالسرياني ) و ( أقلا – الرجل - رغلا بالسرياني ) و غيرها بالمئات من المفردات والمختصين باللغات أدرى منا بذلك  .
استمرار التسمي بأسماء الآشوريين القدامى وتداول مفردات كثيرة من لغتهم ماذا يعني الآن ؟؟ أليس مؤشراً يستدل منه أن هؤلاء هم أحفاد وسليلي أولئك الأجداد القدامى وورثتهم الشرعيين في هذا العصر ؟؟ ، إنهم كذلك بلا شك  .
إن هذه المدلولات التاريخية الراسخة في أعماق ثقافة وتقاليد وممارسات وطقوس مجتمعنا الآشوري اليوم يستدل منها وجود ذلك الترابط العضوي بين الماضي الآشوري وحاضره ، وهذا الترابط يكفي لنا نحن من ندعي الآشورية اليوم لتبرير شعورنا بانتمائنا القومي الآشوري ، ولكل من يشعر كذلك من أخوتنا ممن ينتمون الى مذاهب كنسية غير مذهبنا ، ومن لا يشعر من أخوتنا بما نشعر به نحن شخصياً في كل الأحوال سوف نحترم شديد الأحترام شعورهم بأي انتماء قومي يختارونه لأنفسهم من غير الأنتماء القومي الآشوري لأنهم أحرار في تقرير اختيار ما يرونه مناسباً وملائماً لهم من تسمية قومية ، لأننا جميعاً بحسب وجهة نظرنا الشخصية مهما اختلفت تسمياتنا الحالية نشترك بالشعور بالأنتماء الى وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة والمصير المشترك ، والأهم من كل ذلك أن سكاكين ذباحي البشر بأسم الله من الداعشيين الأرهابيين لا تفرق بين رقابنا بحسب تسمياتنا القومية والمذهبية الكنسية فهي تقطع الرقاب من الوريد للوريد بلا رحمة ولا شفقة ودون خوفاً من خالقهم . ليعلموا المتطرفين من كل مكونات أمتنا هذه الحقيقة . إن توافقنا على مقومات أختيارنا للتسمية القومية الموحدة التي تناسبنا وتضعنا في قلب التاريخ الحقيقي الغير مزيف مذهبياً وقومياً سوف يوحد ويقوي خطابنا السياسي في تعاملنا مع الشركاء في الوطن لبناء مستقبلاً زاهراً لأجيالنا القادمة جميعاً .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 26 / نيسان / 2018 م


47
الخارطة الانتخابية في العراق وفرصة التغيير المنتظر الى أين ... ؟
خوشابا سولاقا
بعد مرور خمسة عشر عاماً على تغيير النظام الديكتاتوري في العراق على يد القوات الأجنبية ، ودخول أكثر من تريليون وربع من الدولارات الأمريكية الى الخزينة المركزية العراقية خلال هذه الفترة الزمنية ذاتها ، إلا ان ما حصل بالمقابل من تغيير على أرض الواقع العراقي عن ما كان عليه قبل التغيير في كافة المجالات كان تغييراً نحو الأسوء بكل المقاييس والمعايير المعتمدة في التقييم وذلك بشهادة الجميع من أهل الأختصاص وغيرهم . حيث زاد الفقر والعوز والبطالة بمستويات قياسية بحسب احصاءات مراكز عالمية فوصلت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في العراق اليوم الى أكثر من ( 25 % ) ، وعدد العاطلين عن العمل بالملايين من خريجي الجامعات وغيرهم ، وعدد الذين هاجروا البلاد لأسباب أمنية ومعيشية وغيرها أيضاً بالملايين ، وأما بخصوص تفشي الفساد المالي والأداري وسرقة المال العام في أجهزة الدولة فحدث ولا حرج ، وانتشار الجريمة بكل أشكالها والتي تقودها في معظمها مع الأسف الشديد النخب السياسية المتنفذة في عملية صراعها المستميت على كراسي السلطة وسيل دولارات النفط التي تدخل جيوب قادتها التي لا قعر لها أصبحت معروفة ومكشوفة للقاصي والداني لا تحتاج الى برهان ولا دليل . كل هذا الكم من المساوئ والفشل والتراجعات والتداعيات في كل مجالات التنمية الوطنية المستدامة ، وتردي مستوى الخدمات الاجتماعية المختلفة المعروفة للجميع ، وتصاعد وتائر الأرهاب بكل أشكاله ةتنوع أنماطه والذي أصبح يضرب بأطنابه كل أنهاء البلاد في أي مكان وزمان بضربات نوعية تدل على مدى ضعف وهشاشة سلطة الدولة وشبه غياب لدور القوى الأمنية وانتقال المبادرة بيد قوى الأرهاب للعصابات المسلحة المنفلتة من محاسبة القانون . كل هذه المؤشرات السلبية جعلت الشعب العراقي يعيش في حالة من التذمر والضجر والرفض لكل أنظمة الحكم التي توالت على حكم العراق خلال الخمسة عشرة من السنوات الماضية  ، لأن جميعها عجزت من أن تقدم ما هو أكثر وافضل مما قدمته الأنظمة السابقة ، لذلك تغيرت إنطباعات الناس التي تكونت لديهم في بداية تغيير النظام الديكتاتوري وخابت أمالهم وتبددت أحلامهم الوردية بنهاية عصر الديكتاتورية والمظالم والتمييز الطائفي والقومي ، عصر الفقر والمجاعة والطحين الممزوج بالتراب وأعلاف الحيوانات والحروب العبثية مع الجيران ، والتحول والأنتقال الى عصر جديد من الرخاء والرفاهية والتقدم الأقتصادي والخدمات الاجتماعية المتطورة والأستقرار بعد أن عانت ما عانته الكثير في ظل النظام السابق . ولكن مع الأسف الشديد بعد خمسة عشرة سنة كل هذه الآمال والأحلام ذهبت أدراج الرياح وطواها النسيان بين أكوام الهموم والمآسي والمعاناة وأصبحت الناس تترحم على النظام السابق وتتذكره بخير ما قدمه لهم بالرغم من كل ما قام به من مظالم وجرائم بحقهم بعد ان شاهدت ما شاهدته من إنهيار البنى التحتية للبلاد في كافة المجالات الأقتصادية والصناعية والزراعية والتربية والتعليم والصحة بالرغم من الأرقام الفلكية للموازنات السنوية العامة والتي تجاوزت بمجموعها الترليون وربع الترليون دولار كما ذكرنا ، والأعتماد الكلي على الأستيراد لكل ما يحتاجه البلاد من الخارج من مأكل وملبس ومشرب حتى في أبسط المنتجات الزراعية التي كان العراق في السابق مُصدراً لها للدول التي نستوردها منها اليوم ، وأصبح اقتصادها إقتصاد مشوه ريعي أحادي الجانب يعتمد على صادرات النفط الخام بحيث صارت واردات النفط خلال هذه الفترة تشكل أكثر من ( 96 %  ) من مصادر تمويل الموازنة العامة السنوية للدولة العراقية . وبسبب السياسات الفاشلة والحمقاء التي اعتمدتها الحكومات المتتالية بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق القائمة على مبدأ الثأر والانتقام والأقصاء والتهميش للآخر والتي فرضها على الحياة السياسية العراقية نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والحزبية والقبلية والعشائرية المقيتة ، هذا النظام الذي أدخل البلاد في نفق الأزمات المتتالية الذي فيه كل أزمة تولد أزمة أكبر منها والذي بالنتيجة خلق المقدمات وهيئت الممهدات لدخول البلاد في أزمة وطنية لا تحمد عقباه ، ونقل البلاد الى موقع الخيارات الصعبة لتقرير مستقبله بين الدخول في حرب أهلية طائفية وبين تقسيم البلاد الى دويلات المكونات الطائفية والأثنية على حساب دولة المواطنة الموحدة أرضاً وشعباً وماءً وثروةً ومصيراً . حيث وصلت الأمور اليوم في العراق الى حد من السوء والخلاف لا يمكن فيه الأتفاق والتوافق على أبسط الأمور المتعلقة بحياة الشعب ومصير التنمية الوطنية الأقتصادية في البلاد مثل المصادقة على قانون الموازنة العامة التي يتوقف عليها مشاريع خطة التنمية القومية ومعيشة المواطنين . الى أية درجة من الأستهتار والعبث بحياة الناس وصلت مهاترات ومناكفات النخب السياسية الرثة المتحكمة بقرار البلاد ؟ ، والتي يمكن تصنيفها وفق كل المعايير الأخلاقية من حيث الأثار السلبية بأنها لا تقل عن كونها مؤآمرة وعملية مبرمجة مقصودة لتدمير البلاد من خلال مؤسسات الدولة الرسمية التي يتولون إدارتها وقيادتها .
في الحقيقة إن الانتخابات الديمقراطية والنزيهة هي ظاهرة حضارية وأخلاقية يتم من خلالها وبشكل حر اختيار ممثلي الشعب في أعلى سلطة في البلاد ألا وهي مجلس النواب ( نواب الشعب ) لتمثيله في الدفاع عن مصالحه وسيادته واستقلاله وحقوقه الوطنية المشروعة .
سوف تكون الانتخابات كذلك وسيلة للتغيير والأصلاح السياسي الجذري عندما يكون اختيار الناخب لممثليه في مجلس النواب قائم على أساس الكفاءة والمهنية والنزاهة والأخلاص والوفاء للوطن والشعب من دون تفضيل إنتماءاته الخصوصية الفرعية على إنتمائه الوطني والهوية الوطنية ، لأن العودة في الانتخابات في اختيار ممثلي الشعب الى معايير الخصوصيات الفرعية تجعل الانتخابات بلا معنى ولا جدوى تفقد غرضها الوطني والانساني وحتى الأخلاقي بكل المعايير والمقاييس ، وتجعل من الديمقراطية وسيلة لعبور الفاشلين والفاسدين والمنافقين المرائين الى سُدة الحكم ، وعندها تؤدي الانتخابات في الحقيقة الى تكريس الفساد وتبرير الفشل واستمراره وتكراره دورة بعد أخرى ، وتؤدي كذلك الى تكريس الواقع المتجزء على أساس الخصوصيات الفرعية وتعززه وتجعله أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه بالرغم من أضراره البليغة بالمصلحة الوطنية وليس الى توحيده على أساس الأنتماء والولاء الوطني كما ينبغي ويفترض أن يكون ، ومحاسبة الفاشلين والعابثين بالمال العام لنهبه واستغلاله لتحقيق مصالح شخصية أنانية كما هو عليه الحال اليوم في عراقنا الجريح حيث تنهش به ضباع العابثين من كل صوب وحدب دون خجل أو وجل وخوف من ردع القانون لهم ، وسوقهم الى حيث يجب سوقهم لينالوا جزائهم العادل

على ضوء المعطيات التي تم ذكرها عن واقع الحال السياسي في العراق نستطيع رسم الملامح الأساسية للخارطة الانتخابية للعراق في الانتخابات التي جرت خلال السنوات الخمسة عشرة المنصرمة سواءً كان ذلك على مستوى مجلس النواب العراقي عموماً أو على مستوى مجالس المحافظات ، حيث كانت الخارطة الانتخابية بامتياز ومن دون تحفظ خارطة طائفية وأثنية مولودة من رحم نظام المحاصصة المقيت ، ولم تكُن خارطة وطنية لمكونات الشعب العراقي مولودة من رحم الهوية الوطنية والولاء للوطن ، كانت انتخابات الولاءات للخصوصيات الفرعية كالقومية والدين والطائفة والقبيلة والعشيرة ، ولم تكن انتخابات للبرامج السياسية الوطنية والهوية الوطنية للكتل المتنافسة على مقاعد البرلمان . وعليه أقل ما يمكن أن توصف به نتائج تلك الانتخابات على ضوء واقع الحال القائم اليوم في العراق هي ولادة مجلس نواب هش وضعيف منقسم على ذاته غير قادر على النهوض والقيام بمهامه الأساسية كمؤسسة تشريعية لتشريع القوانين التي يتطلبها إعادة بناء دولة عصرية حديثة على أسس المؤسسات القانونية والدستورية كما ينبغي وعاجزٌ عن مراقبة ومتابعة نشاط الفساد والفاسدين والعابثين بمقدرات العراق حيث تحول البرلمان كوسيلة لحماية الفاسدين بدلاً عن محاسبتهم ، وبذلك فشل في متابعة ومراقبة أداء الحكومة لمعالجة كل الأنحرافات وكل التجاوزات والخروقات على الدستور التي تحصل هنا وهناك من هذا الطرف أو ذاك في أجهزة الدولة ومحاسبة المقصرين منهم وفقاً للقانون دون محاباة ، لأن ذلك دائماً وكما لاحظنا في جلسات مجلس النواب يصطدم ويتناقض مع متطلبات نظام المحاصصة الطائفية والأثنية لخلق التوازن المحاصصي ، وبالنتيجة كان مجلساً مشلولاً وعاجزاً وفاشلاً لا يمتلك إرادة سياسية وطنية في إتخاذ القرار المفيد ، ومثل هكذا برلمان أدى الى ولادة حكومة توافقية ضعيفة هزيلة غير متكاملة القوام ، وغير منسجمة ومنتجة للأزمات وعاجزة عن إتخاذ قرارات تخدم المصلحة الوطنية كمحاربة ومكافحة الفساد والفاسدين في سبيل المثل وليس الحصر .
لذلك لم  يتمكن أيٌ من مجلس النواب والحكومة من أن يحصد أية نتائج إيجابية لصالح الوطن والشعب تستحق الذكر غير خلق الأزمات المتوالية وخلق المناخات الملائمة لاستشراء الفساد المالي والاداري في أجهزة ومؤسسات الدولة ، والتجاوز على المال العام  وأنتشار الجريمة بكل أشكالها ، وتواصل الأرهاب وتصاعد وتائره كماً ونوعاً بصيغ جديدة بالرغم من الأنتصار العسكري عليه الذي أدى الى تحرير المحافظات المحتلة من داعش الأرهابي ، كل هذه الأحداث أدت الى دخول البلاد في نفق مظلم لا أمل للخروج منه على المدى المنظور إلا بتظافر جهود الجميع وتحقيق المصالة الوطنية الحقيقية على أرض الواقع نأمل أن تكون انتخابات 2018 هي نقطة البداية لتدشين هذه المسيرة الطويلة وأن لا تكون عكس ذلك أي تكرار لما مضى .
هذه الصورة القاتمة لواقع البلاد بعد خمسة عشر سنة من العبث والتلاعب العشوائي ربما المقصود بمقدرات البلاد جعلت الشعب العراقي بكل مكوناته وطبقاته الاجتماعية لأن يعيش حالة من الغليان والغضب والتمرد والرفض والدعوة الى ضرورة إجراء تغيير شامل في بنية نظام الحكم القائم على المحاصصة ، وإقامة نظام وطني مدني ديمقراطي يرعى شؤون ومصالح أبناء مكونات الشعب العراقي جميعها من دون تمييز ، ويقوم بوضع نظام عادل ومنصف لتوزيع واستثمار الموارد المالية للبلاد في كافة مناطقه ومحافظاته تحكمه ضوابط التنمية الاقتصادية والأجتماعية والثقافية للنهوض بالبلاد لأنتشاله من الواقع المرير والبائس والتعيس الذي خلقه نظام المحاصصة والذي يعيشه أبنائه منذ خمسة عشر سنة .
إن التغيير لا يمكن له أن يحصل من خلال ما يرفع من الشعارات الرنانة والطنانة المنادية بحب الوطن والشعب وإدانة القائمين على إدارة البلاد والتباكي على أطلال الماضي ومن خلال تغيير تسميات الأحزاب والكتل والأئتلافات من التسميات الأسلاموية والطائفية الى تسميات مدنية واصلاحية ووطنية كما تؤشره خارطة الانتخابات الحالية ، بل على أبناء شعبنا العراقي بكل مكوناته أن يعرف حق المعرفة ما هو الدافع والغاية من كل هذه التغييرات في طبيعة التسميات وأن يدركوا بوعي وعمق إن الذين أوصلوا البلاد الى ما هو عليه اليوم تم إيصالهم الى سدة الحكم بأصواتهم عندما قاموا بانتخابهم على أساس الولاء للخصوصيات الفرعية كالقومية والدين والطائفة والقبيلة والعشيرة وليس على أساس البرامج الأنتخابية والولاء للوطن والهوية الوطنية في انتخاب الكفوء والنزيه والمخلص والشريف كما تفرضه الارادة الوطنية الحرة ومحبة الشعب والوطن من كل مواطن شريف يتحلى بالأخلاق الوطنية السامية .
عليه فان التغيير لا يأتي من خلال تغير التسميات بل يأتي من خلال تغيير العقول والأفكار وذلك يأتي من خلال تغيير الوجوه الفاشلة العفنة من سراق المال العام والعابثين بمقدرات وأموال البلاد في البرلمان والحكومة الأتحادية وحكومة الأقليم والحكومات المحلية المتمثلة بمجالس المحافظات وكل المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية والأمنية ، وتطهير أجهزة الدولة بكل مستوياتها من الفاسدين والمفسدين ، ومن ثم تطبيق المبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " وهذا يشمل كل مكونات الشعب العراقي بأكثرياته وأقلياته من دون استثناء . كل هذا سوف لا يحصل تلقائياً بل إنه سيحصل من خلال صوت الناخب المواطن الشريف حيث ندعوه الى ما يلي في الأنتخابات المقبلة والتي نحن على أعتابها في الثاني عشر من شهر آيار القادم ، والى ذلك اليوم الموعود يا أيها العراقيُ الشهم الغيور لكي نطهر البلاد من الفاشلين والفاسدين وسراق المال العام والمجيء بمن تثق بهم وهم مخلصين وكفوئين ونزيهين لتولي مقاليد حكم البلاد بالشكل الذي يخدم الوطن والشعب ، وليس مصالحهم الشخصية كما فعل الحكام الحاليين والسابقين في ظل ديمقراطية القطط السمان :-
أولاً : ندعوكم الى المشاركة بكثافة في الانتخابات والتصويت لمرشحي البرامج الوطنية ، وللكفوء والنزيه والوطني المخلص الشريف ، ولمن يحمل الهوية الوطنية ممن تعرفونه عن تجربة وعن قرب وليس للفاشلين المخضرمين السابقين أي المجرب لا يجرب .
ثانياً : تغيير معاييركم لاختيار المرشحين من معايير الولاء للخصوصيات الفرعية التي هي سبب البلاء لكل ما نحن فيه اليوم بمعايير الولاء للوطن والهوية الوطنية  لاختيار المرشح المناسب الذي لا يميز بين العراقيين على أساس الهويات الخصوصية الفرعية .
فاليعلم الجميع من أبناء شعبنا العراقي الكريم أن التغيير آتٍ لا محال ، وإن الليل الطويل لا بد أن ينجلي وإن القيد الثقيل لا بد ان ينكسر إذا أردتم الحياة الحرة الكريمة ، كل ذلك سيأتي بيسرٍ من دون عناء بأصواتكم الذهبية إذا أحسنتم الأختيار في يوم الأنتخابات في الثاني عشر من آيار القادم ودمتم بخير ليوم الحسم العراقي .

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد – 13 / نيسان  / 2018 م 


       


48
الأمة المظلومة لا يمكن لها أن تصبح أمة ظالمة
خوشابا سولاقا
إنها مقولة رائعة جداً ومؤثرة للغاية في نفس وتفكير كل انسان ثوري حقيقي  يرفض الظلم ويبحث عن الحرية والتحرر والأنعتاق لأمته وللانسانية جمعاء ، مقولة أطلقها انسان ثوري عظيم كان له دور كبير في تثوير الفكر الانساني لرفض الظلم والطغيان وتغيير مسار التاريخ في العصر الحديث . نتعمد هنا عدم ذكر اسمُهُ لكي لا تقرأ هذه المقولة انطلاقاً من خلفية أيديولوجية سياسية ضيقة ، بل لكي تقرأ بشكل مجرد من أية خلفيات فكرية وسياسية للمحافظة على مضمونها الذي قيلت من أجله . بالتأكيد إن المقصود بهذه المقولة هنا هم الأخوة الكورد في أقليم كوردستان العراق كأمة بشكل عام وقادة الأحزاب الكوردية كنخب سياسية تقود حكومة الأقليم منذ أكثر من سبعة وعشرين عاماً وهم أصحاب القرار السياسي فيه بشكل خاص .
يتكون شعب أقليم كوردستان حالياً من مكونات قومية ودينية ومذهبية عديدة مثل الكورد والتركمان والعرب والآشورين والكلدان والسريان والأيزيديين والأرمن والصابئة المندائيين والشبك والكاكائيين ، هذه هي التركيبة الديموغرافية الاجتماعية لما يسمى بأقليم كوردستان العراق وعاشوا متجاورين ومتشاركين في السراء والضراء منذ سنوات طويلة ، ومنذ أن انطلقت الثورة الكوردستانية في أيلول عام 1961 شارك أبناء جميع هذه المكونات القومية والدينية الى جانب الأخوة الكورد في الكفاح المسلح الذي قاده الخالد الذكر مصطفى البرزاني وتحملوا مع الكورد كل ما أصابهم من مأسي ومعاناة وتهجير قسري جراء الحرب الدائرة لسنوات طويلة مع السلطة المركزية ، وكان للآشوريين والكلدان بشكل خاص مشاركة فعالة في هذه الثورة منذ البداية من خلال مشاركتهم في العمليات العسكرية ضد قوات الأنظمة القومية الفاشية في بغداد لغاية سقوط النظام البعثي الصدامي في التاسع من نيسان من عام 2003م  على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وقدموا خلال مسيرة الثورة الكوردستانية النضالية المئات من الشهداء الى جانب شهداء قوات البيشمركة الكوردية على مذبح الحرية .
إن القيادات الحزبية الكوردية الحالية التي تدير الحكومة في الأقليم تعرف ذلك جيداً وتعرف كذلك كم هو عدد شهداء أمتنا الذين انخرطوا في صفوف الحركة الكوردستانية أو المنخرطين منهم في صفوف أحزاب وتنظيمات الحركة الوطنية العراقية التي قاتلت الحكومات الفاشية في العراق الى جانب قوات البيشمركة الكوردستانية في جبال كوردستان دفاعاً عن حقوق شعب كوردستان بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام ، إضافة الى من شارك منهم في الثورة الكوردية من خلال تنظيماتنا القومية في السنوات الأخيرة من الثورة والمنضوية في " جوقد " .
هذا الأستعراض المختصر أردنا منه توضيح دور المكونات القومية والدينية القاطنة فيما يسمى حالياً بأقليم كوردستان العراق في الثورة الكوردستانية لنيل حقوق شعب كوردستان العراق بكل مكوناته القومية والدينية ، وقد أدى الجميع ما كان مطلوباً منهم على أكمل وجه ودفعت الثمن غالياً وسالت دمائهم الزكية على أرض كوردستان ، وقدموا التضحيات الكبيرة في خسارتهم وفقدانهم لأموالهم وحلالهم وأرضهم وأولادهم وهاجروا قراهم وقصباتهم حالهم حال أخوانهم الكورد وعلي سبيل المثال وليس الحصر أن قرى عشيرة كاتب هذه الأسطر شردشت وهلوه نصارى في ناحية برواري بالا قضاء العمادية محافظة دهوك قدمت ستة وعشرون شهيداً بسبب الثورة الكوردستانية عام 1961 ، وليس حال القرى الأخرى لأبناء أمتنا في عموم الأقليم بأفضل من حال قرانا المنكوب . بعد سقوط نظام البعث الصدامي حصدت الثورة الكوردستانية حصادها الوفير ونال الأخوة الكورد استحقاقهم في كل شيء وصار لهم حكومة فيدرالية في أقليم كوردستان العراق بالكمال والتمام من دون نقيصة .
ألم يكُن من الأنصاف أن ينال الآخرين الذين شاركوا الكورد في الحصاد أن يشاركوهم أيضاً في نيل ما يستحقون من الحقوق في المشاركة الحقيقية في مؤسسات حكومة الأقليم كما هو حال مشاركة الكورد في حكومة العراق الأتحادية اليوم ؟؟ وليس الأكتفاء فقط بمشاركة التمثيل الرمزي الأنتقائي من خلال تعيين بعض التوابع من أبناء أمتنا في مؤسسات حكومة الأقليم كما كان يفعل نظام البعث الصدامي مع الكورد أيام زمان . أيها السادة الأحبة حكام أقليم كوردستان الحاليين لماذا تريدون لغيركم من الشركاء من أبناء القوميات الأخرى والآصيلة من أصحاب الأرض الحقيقيين تاريخياً في الأقليم ما رفضتموه من غيركم في الحكومة الأتحادية حالياً أو من الحكومات العراقية السابقة ؟؟ ، ما هذه الأزدواجية في سياستكم في حكم الأقليم والكيل بمكيالين ؟؟ وهنا أليس من حقنا أن نتساءل ما هو الفرق بينكم وبين من كان يفعل الشيء ذاته معكم كنظام حزب البعث الصدامي ومن سبقوه ؟؟ عندما كانوا يُنصبون توابعهم من عملائهم منكم ممثلين لكم في حكوماتهم رغماً عنكم  لتأتون اليوم بمن هو تابع وعميل لأحزابكم السلطوية من أبناء أمتنا وتنصبونهم ممثلين لنا في مؤسساتكم الحكومية في أقليم كوردستان في ظل وجود ممثلين شرعيين منتخبين ديمقراطياً من قبل أبناء أمتنا في برلمان الأقليم دون أن يؤخذ رأيهم في ترشيح من يمثل أمتنا في أية مؤسسة لحكومة الأقليم وكما حصل في تمثيلنا في المفوضية العليا للأنتخابات كمثال لذلك ليس إلا . أليست هذه المقولة الحكيمة والعظيمة " الأمة المظلومة لا يمكن لها أن تصبح أمة ظالمة " صائبة وفق النهج والفكر الديمقراطي الذي تنادي به أحزابكم الحاكمة لأكثر من نصف قرنٍ من الزمان ؟؟ أم أنها مقولة تغضون النظر عنها لأنها اليوم لا تتماشى مع أجنداتكم السياسية الشوفينية الأقصائية ؟؟ ، حيث أنكم تشاركون الآخرين فقط في صيد الفريسة وتقصونهم من المشاركة في الوليمة !!!  . حقيقة أن التجارب الكثيرة تاريخياً في مختلف البلدان أثبتت بشكل قاطع أن الأحزاب القومية والدينية ذات الطبيعة الشمولية الشوفينية لا يمكن لها أن تتحول وتصبح أحزاب ديمقراطية حقيقية عندما تصل الى سُدة الحكم في بلدانها وهذا ما تؤكده تجربتكم في حكم الأقليم باقصائكم لشركاء العيش اليوم وشركائكم في الثورة والنضال بالأمس القريب .
بهذه المناسبة نوجه نداءُنا الى فخامة السيد رئيس حكومة الأقليم الأستاذ نيجيرفان البرزاني المحترم وكافة قيادات الأحزاب الكوردية المشاركة في برلمان وحكومة الأقليم المحترمين وندعوهم بمحبة الآن ومستقبلاً الى إعادة النظر في سياستهم في حكم الأقليم في تسمية ممثلينا في مؤسسات حكومة الأقليم على أن تتم تسميتهم من قبل ممثلينا في برلمان الأقليم ودمتم سالمين للنضال من أجل خدمة شعب أقليم كوردستان بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية دون تمييز ، أملنا كبير بقادة ألأمة الكوردية التي عاشت مظلومة طيلة تاريخها لا يمكن لها أن تصبح أمة ظالمة لغيرها ممن شاركوها مظالمها ومآسيها طيلة تاريخها المعاصر لتعيشون بسلام وأمان حبوا لغيركم ما تحبونه لنفسكم .

                                                 خوشـــابا ســـولاقا
29 / آذار / 2018 م – بغداد

49
التطرف والتعصب ظاهرة تدمير الأمم وحضاراتها
خوشابا سولاقا
إن التطرف والتعصب ظاهرة اجتماعية وهي نتيجة طبيعية لأمور أخرى  وتكون في الغالب ردَ فعلٍ لأسباب عِرقية ودينية ومذهبية وجنسية ولون البشرة واقتصادية وثقافية تدعو لها وتبشر بها فلسفات ونظريات فكرية وايديولوجيات شوفينية متطرفة ، وتأتي أحياناً هذه الظاهرة نتيجة لقصر النظر والفهم الساذج والسطحي للمعتقدات التي يدعو إليها من يمارسون التطرف والتعصب بكل أشكاله وألوانه .
ظاهرة التطرف والتعصب تُولدها الظروف الموضوعية المحيطة وتُنضِجُها الظروف الذاتية والسايكولوجية  للشرائح الاجتماعية والأفراد الذين يروجون لظاهرة التطرف والتعصب ويمارسونها على أرض الواقع باعتبار ذلك معياراً للأعتزاز بالأنتماء للخصوصية المعنية قومية كانت أو دينية أو مذهبية ، والذين هم أيضاً نتاج التحولات والتغيرات التي تحصل في المجتمع التي تؤدي الى رفض وعدم قبول الآخر والتعايش معه بسلام متساوين في الحقوق والواجبات على أساس الأنتماء الإنساني والتماثل في الخلق .
          أين يظهر التطرف والتعصب ؟
يظهر التطرف والتعصب بكل أشكاله ويكون على أشده في المجتمعات المتخلفة التي تعيش في مرحلة مخاضات التحولات والتغيرات الكمية والنوعية في شكل وطبيعة الأنظمة السياسية والاجتماعية للأنتقال من نظام سياسي معين الى نظام سياسي جديد بسمات جديدة ، أي في مرحلة ما باتت تُعرف بالمرحلة الأنتقالية ، لأن في تلك المرحلة المفصلية المهمة والحساسة والحاسمة من حياة الأمم والمجتمعات تضعف قوة سلطة الدولة الرادعة للظواهر السلبية بكل أشكالها التي تخالف القانون العام للحياة المنظمة والمنضبطة ويضعف مستوى الولاء للهوية الوطنية  وتُنَضجْ في ذات الوقت الظروف الموضوعية والذاتية لأن ينطلق مارد التطرف والتعصب المصحوب بالعنف من عقاله بقوة وشدة ويسود في المجتمع ويتحكم به كبديلاً لسلطة القانون والدولة ، وأن دور الدولة في مثل هذه المرحلة يصبح دوراً مهمشاً ومقصياً ويكون الصوت الأعلى فيها للتطرف والتعصب للخصوصيات الفرعية في المجتمع الوطني ، وعلى خلفية هذه السيادة شبه المطلقة للتطرف والتعصب ينتشر الخوف والرعب وتنطلق الجريمة بكل أشكالها ، ويَشيع القتل الكيفي على الهوية بدوافع التعصب العِرقي والديني والمذهبي والثأر والانتقام وغيرها من الأسباب ، وتنشط الجريمة المنظمة لحماية وتعزيز المصالح الشخصية تحت ستار تلك الدوافع في المجتمع ، لأن الدولة الرادعة للعنف والتطرف والتعصب تكون في ظل هذه الظروف ضعيفة للغاية إن لم تكون مهمشة ومقصية وغائبة كلياً عن الساحة في المجتمع ، وبذلك تتصاعد وتتنوع وتائر التطرف والتعصب وممارسة العنف المنظم وتسود لغة السلاح وثقافة القتل العشوائي على الهويات الخصوصية الفرعية التي تبرر للتطرف والتعصب والعنف والجريمة بكل أشكالها في المجتمع ، وتختفي لغة الحوار والتسامح والأعتدال على أساس الهوية الوطنية والولاء للوطن وحده ، وعلى أثر هذا الوضع الجديد يسود نظام الفوضى وينتشر الفساد بكل أشكاله في مؤسسات واجهزة الدولة الرسمية بسبب غياب العنف القانوني لسلطة الدولة إن صح التعبير من خلال تطبيق القانون بحزم وصرامة لردع المسيئين الفاسدين المروجين والممارسين للتطرف والتعصب والعنف بكل أشكالها التي تسعى الى إلغاء مؤسسة الدولة كمرجعية أعلى لتطبيق القانون وسيادته .
      من تكون ضحية التطرف والتعصب ؟
تكون الأمم والمجتمعات ذات التعدديات القومية والعرقية والدينية والمذهبية والمتخلفة ثقافياً واجتماعياً والتي ينتشر بين أبنائها السلاح غير المرخص كتقليد قبلي وعشائري وكرمز للرجولة والشجاعة بالدرجة الأساس هي ضحايا التطرف والتعصب المصحوب بالعنف الجسدي .
كذلك ينتشر العنف والتصفيات الجسدية في الأمم والمجتمعات المتخلفة التي يوجد فيها تعدديات عرقية ودينية ومذهبية بين التنظيمات السياسية ذات الأيديولوجيات والتوجهات الشمولية العنصرية التي تتخذ من العنف والتصفيات الجسدية وسيلة واللغة الوحيدة للحوار للتخلص من خصومها السياسيين بسبب تطرفها وتعصبها الأيديولوجي ، وهذا النمط من التطرف والتعصب يعتبر بحسب وجهة نظرنا المتواضعة من أخطر أشكال وأنماط التطرف والتعصب ، لأنه يكون موجه ومغطى بغطاء فكري وفلسفي أو ديني ومذهبي يبرر له بشعارات قومية أو وطنية أو دينية مذهبية أو بجميعها معاً في أغلب الأحيان بالرغم من زيفها وبطلانها الواضح في الممارسة العملية على أرض الواقع ، وتجربة العراق التاريخية منذ تأسيسه والى اليوم خير مثال حي على ذلك .
    ظاهرة التطرف والتعصب ظاهرة مقيتة ومرفوضة
في كل الأحوال أن ظاهرة التطرف والتعصب بكل أشكالها وألوانها ، ومهما كانت الأسباب والمبررات التي يسوقها المروجين لها هي ظاهرة مقيتة ومرفوضة وغير مبررة وفق كل المقاييس والمعايير الدولية الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية ، لأنها لا تجلب للأمم وللمروجين لها وللآخرين غير الخراب والدمار والكوارث والمآسي .
إن ما هو مؤكد وما هو معروف والذي لا يحتاج الى برهان ودليل تكون أولى ضحايا هذه الظاهرة شعوب ومكونات الأمم التي ينتشر فيها وباء التطرف والتعصب بشكل عام ، وتنال بالدرجة الأساس المكونات القومية والدينية والمذهبية الصغيرة حصة الأسد من الظلم والأضطهاد والتضحيات بشكل خاص ، والتجارب القريبة والبعيدة في التاريخ عبر القرون كثيرة  وهي خير شاهد على ما نقول . كانت أمتنا من الآشوريين والكلدان والسريان عبر تاريخها القديم والحديث من أكبر ضحايا ظاهرة التطرف والتعصب القومي والديني والمذهبي منذ سقوط نينوى عام 612 ق . م وسقوط بابل عام 539 ق . م والى يومنا هذا .
هنا نستطيع القول بما أن المبادر بممارسة التطرف والتعصب القومي والديني والمذهبي بغرض تهميش وإقصاء الآخر من المكونات في الأمة الواحدة عادة يكون الأكثريات الحاكمة ضد الأقليات المستضعفة في ظل الأنظمة السياسية الشمولية القومية والدينية والمذهبية الطائفية ، عليه تنقسم المجتمعات على نفسها الى ظالمين ومظلومين ، أي هناك من يمارس الظلم تحت ستار الأعتزاز بالقومية والدين والمذهب ، ومن يتلقى الظلم ويعاني منه بسبب اختلافه عن من يمارس االظلم بالأنتماء القومي والديني والمذهبي ، وهنا من المفروض والمنطق العقلاني نقول إذا سنحت الفرصة للأقليات المظلومة ووصلت الى موقع ممارسة الحكم والسلطة أن لا تكون ظالمة وتمارس بحق ظالميها والآخرين ما كانت تمارسه الأكثريات بحقها من مظالم ، وأن لا تقابل كل شيء بالمثل ، وإلا بماذا تختلف عن ظالميها ؟؟ لأنها إن فعلت ذلك تكون قد بررت وشرعنة أفعال ظالميها بحقها ، بل عليها أن تكون على العكس منهم ، أي أن تقابل الظلم بالأحسان والتطرف والتعصب بالتسامح والمحبة ، كما قال أحدهم من رواد الفكر الحديث لا أحبذ ذكر اسمه لأسباب تتعلق بمضمون المقال " لا يمكن لأمة مظلومة أن تكون ظالمة " . أي كما قال السيد المسيح له المجد " أفعل في الناس ما تريده أن يفعلوه فيك " ، حيث أن هذين القولين أحدهما يعبر عن الآخر ويجسده بالتمام والكمال . إنهما أقوال عظيمة وحكيمة بعظمة وحكمة قائليها .
          الملاحظات والأستنتاجات
عندما نقرأ واقعنا على المستوى الوطني العراقي نجد بوضوح أن هناك الكثير من مظاهر التطرف والتعصب القومي والعِرقي والديني والمذهبي الطائفي تمارس هنا وهناك من قبل الكثير من الأحزاب ذات الفكر الشمولي من الأحزاب القومية من كافة مكونات الشعب العراقي من دون أستثناء عملياً او تبشيرياً فكرياً بحسب حجمها ودورها وتأثيرها في الساحة السياسية في صياغة وصنع القرار السياسي ، وكذلك من قبل الأحزاب الأسلاموية الطائفية ( الأسلام السياسي ) من كل الطوائف في العراق الأتحادي وأقليم كوردستان ، وكان مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري خير مثال يجسد الفكر المتطرف والمتعصب والأقصائي الذي يجتاح عقول ونفوس من يعيش في دهاليز الماضي المظلم ممن هم يمسكون بقرار العراق التعددي في مكوناته القومية والدينية والمذهبية اليوم .
أما على المستوى القومي لأمتنا فإن ملامح ووتائر التطرف والتعصب للخصوصيات الفرعية القومية المزاجية والمذهبية اللاهوتية الكنسية ووالقبلية والعشائرية منذ سقوط النظام في عام 2003 فهي في حالة تصاعد مستمر وتكاد أن تصل الى مستوى التناحر ، وذلك ظاهر للعيان بجلاء في الحوارات والكتابات التي تكتب وتنشر في المواقع الألكترونية التي تخص أمتنا من قبل كتابنا ومثقفينا الأجلاء ، وكان للصراعات السياسية من أجل المصالح الشخصية الآنية بين القيادات المتنفذة للتنظيمات السياسية لأمتنا دوراً أساسياً في تعميق أسباب التطرف والتعصب بكل أشكاله وإذكاء نار الحقد والكراهية والفرقة بين مكونات أمتنا من جهة ، واستضعافنا أكثر من قبل الأحزاب الشمولية للشركاء في الوطن بعد إكتشافهم لظاهرة استعداد قادة أحزابنا السياسية للمساومة والمتاجرة بحقوقنا القومية مقابل ضمان مصالحهم الشخصية والبقاء في كراسيهم الوثيرة من جهة ثانية . هذا ما دفع بأصحاب القرار السياسي العراقي من ذوات الفكر الشمولي المتطرف والمتعصب الى الأمعان في إقصائنا وتهميشنا أكثر فاكثر الى حد الأذلال .
التطرف والتعصب والمغالاة بهما ، والغرق في أحلام اليقضة والتأمل المثالي لا يجديان لأمتنا نفعاً في ظل ظروفها الحالية ، بل إن ما يجدي نفعاً هو نبذ ورفض ومحاربة كل أشكال التطرف والتعصب على المستوى القومي والوطني ، والدعوة الى إشاعة ثقافة التسامح القومي والديني والمذهبي بين مكونات امتنا بشكل خاص ومكونات الشعب العراقي بشكل عام ، والعمل على إقامة نظام سياسي ديمقراطي مدني حقيقي يعمل من أجل تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين مكونات الأمة العراقية من خلال بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على أساس المؤسسات الدستورية والقانونية يكون فيها المعيار الوحيد للتعامل مع المواطن في منح الحقوق وتوزيع الواجبات الولاء الوطني والهوية الوطنية وليس غيرهما ، ويتم فيها تناوب السلطة بالطرق السلمية عبر صناديق الأنتخابات الديمقراطية النزيهة التي تسد كل الطرق والأحتمالات الممكنة أمام عودة الديكتاتورية الأستبدادية مرة اخرى ، دولة يشعر في ظلها الجميع بأمن وأمان ويعمل الجميع من أجل إعادة البناء والأعمار لما هدمه الأشرار وسراق المال العام . ندعو جميع أبناء العراق من جميع مكوناته القومية والدينية والمذهبية أن يفهموا ويدركوا جيداً ، إن ما يضر ويفيد العراق يضر ويفيد الجميع ، وإن ما يضعف ويقوي العراق يضعف ويقوي الجميع ، وعليه على الجميع أن يعمل من اجل الجميع ، وإن التطرف والتعصب نار يحرق الجميع لا ينجو من لهيبة وسعيره أحداً وبذلك فهو لا يفيد احداً بل هو يضر الجميع فاقلعوا عنه وقدرنا نحن العراقيين بكل خصوصياتنا أن نعيش سوية في عراق واحد موحد عراق الجميع للجميع .

خوشــابا ســولاقا
بغداد – 22 / آذار /  2018 م 


50
العراق ... يحتاج أحزاب دولة لا دولة أحزاب
خوشابا سولاقا
الدولة ، أية دولة حديثة تدعي الديمقراطية من المفروض بها أن تكون مؤسسة خدمية رصينة تقدم خدمات لمواطنيها على أساس المواطنة فقط بأفضل صورة وتعمل على حمايتهم من أي عدوان خارجي أو تآمر داخلي يستهدف أمنهم وزحزحة استقرارهم وسيادتهم الوطنية ووحدة أراضيهم ، وحماية ممتلكاتهم وأموالهم وأرضهم وعِرضهم من عبث العابثين وسراق المال العام والفاسدين والمتجاوزين بقوة القانون وأحكام الدستور .
فالدولة هنا كمؤسسة هي خادمة الوطن والمواطن وحاميتهما ، لذلك فأن بناء دولة فاعلة بكل مؤسساتها بهذه المواصفات تصبح هي الغاية بحد ذاتها ، ولبناء هكذا دولة لا بد من وجود آليات تفضي الى هذا البناء الرصين القوي المقتدر للدولة التي تفرض احترامها على المجتمع بقوة القانون ويهابها الجميع كحكام وكشعب في آنٍ واحد من دون استثناء لكي يرى فيها الجميع بأنها الحامي والحارس الأمين على ممتلكاتهم ومصالحهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة ، ومن تلك الآليات التي تساهم في بناء هكذا دولة هي ضرورة تأسيس لثقافة سياسية وطنية وخلق وعي الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر والحرص على أموال وممتلكات الدولة وتقديم المصلحة الوطنية العامة على المصالح الفرعية والخاصة لدى الحاكم والمواطن لأن وجود هكذا ثقافة مجتمعية وهكذا وعي وهكذا شعور بالمسؤولية لدى المواطن والمسؤول يضمن بناء دولة الخدمات بأرقى مستوياتها .

من الذي يؤسس وينشر هكذا ثقافة سياسية وطنية ؟؟
إن الذين من المفروض بهم أن يؤسسون وينشأون وينشرون هكذا ثقافة هي المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية والمهنية الرسمية وغير الرسمية مثل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بكل تنوعاتها والنقابات والأتحادات والجمعيات .
من هنا وانطلاقاً من هذا الفهم الشامل لمفهوم الوطنية الحقة يكون من واجب الجميع أن تسعى الى وضع الأسس الرصينة وتهيئة الأرض الخصبة لنمو وانتشار هكذا ثقافة سياسية وطنية وشعور وطني بالمسؤولية في المجتمع الوطني لضمان حقوق الوطن والمواطن من المصادرة والتطاول عليها .
في جميع بلدان العالم ذات الأنظمة الديمقراطية الرصينة تأتي عناصر مؤسسات الدولة التشريعية المتمثلة بالبرلمانات والتي منها تنبثق السلطتان التنفيذية المتمثلة بالحكومة بكل مؤسساتها والقضائية بكل تفرعاتها وتخصصاتها من خلال انتخابات شعبية حرة نزيهة لتمثل الشعب كمصدر للسلطات .
هكذا يصبح الشعب مصدر وصاحب السلطة الحقيقي وما البرلمان والحكومة والقضاء إلا موظفين لديه يعملون بموجب الدستور ويطبقون القانون بحرفية ومهنية عالية بالتساوي على الجميع بحسب مبدأ الثواب والعقاب . هذه هي التراتُبية التي يجب أن يسير عليها بناء دولة الخدمات وفق النهج الديمقراطي والفلسفة الديمقراطية في الحكم . اما الأنتخابات فهي مجرد آلية أو وسيلة لاختيار ممثلي الشعب في المؤسسة التشريعية باختيار الشخص المناسب للمكان المناسب في السلطات الثلاثة بحسب معايير الكفاءة والنزاهة والأخلاص في العمل والتحصيل الدراسي والولاء الوطني .
لكن من يقرر نتائج هذه الآلية ؟؟ ، إنهم بالتأكيد الفائزون من المتنافسون في الانتخابات الوطنية العامة من أحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي يتوزع دعمها وتأييدها لهذه الأحزاب ذات الأيديولوجيات المختلفة التي تختلف حتماً حول صياغة آليات بناء دولة الخدمات ولكنها من المفروض بها أن تكون متفقة على وحدة الهدف الوطني ألا وهو خدمة الوطن والشعب ، وأن لا يكون الهدف لأي حزب أو تنظيم سياسي من الفوز في الانتخابات والوصول الى السلطة هو استغلال وتسخير مؤسسات الدولة ومواقع المسؤولية لصالحها كأحزاب ولصالح قياداتها تحديداً .
إن أحزاب الصنف الأول هي من نسميها " أحزاب دولة " لأنها تهدف من خلال وصولها عن طريق الانتخابات الديمقراطية الحرة الى السلطة الى بناء دولة الخدمات المبنية على المؤسسات الدستورية والقانونية لخدمة الوطن والشعب ، وأما أحزاب الصنف الثاني التي تصل الى السلطة عن طريق الانتخابات بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة التي تهدف الى استغلال الدولة بكل مؤسساتها ونهب أموالها والعبث بمقدراتها خلافاً للقانون وتحويلها من دولة الخدمات الى " دولة أحزاب " ، يحكمون ويتصرفون بشؤون الدولة كأن الدولة ملكاً صرفاً لهم وكأنها كعكة يتقاسمونها فيما بينهم ولا يعنيهم أمر الشعب لا من قريب ولا من بعيد بشيء .
هكذا هي طبيعة العلاقة الجدلية التكاملية بين " أحزاب دولة " و " دولة أحزاب " في هذه المعادلة المعقدة . لقد سبق وإن بينا أن بناء دولة فاعلة بكل مؤسساتها لخدمة الوطن والمواطن وحمايتهما هي " الغاية بحد ذاتها " ، فإن وجود الأحزاب السياسية المتنافسة في الأنتخابات والمدعومة من مؤسسات المجتمع المدني للفوز بالسلطة هي " الوسيلة " التي تبني تلك الدولة ، فالأهم هنا في هذه العملية هو الباني أي " الوسيلة " وليس البِناء أي " الغاية " ، فإذا كانت الوسيلة الخالقة نبيلة وشريفة وصالحة تكون الغاية الوليدة نبيلة وشريفة وصالحة والعكس صحيح أيضاً .

ما الذي ينطبق على وضع العراق الحالي ؟؟
عندما نفرش وضع العراق القائم بعد 2003 م على هذه الخارطة بحسب الوصف الذي ذكرناه ونقارن خطوط التشابه والتلاقي والتقاطع بين الحالتين سوف نجد تطابقاً كاملاً  مع حالة " دولة أحزاب " وليس مع حالة " أحزاب دولة " ، حيث نجد أن في العراق اليوم أحزاب تتصرف بمزاجية وعبثية المراهقين السياسيين بعيدين كل البعد عن المنهج السياسي الوطني الناضج والقويم في إدارة شؤون الحكم والدولة ونراها هي في وادٍ والشعب في وادٍ آخر ، كان وضعاً في مختلف حلقاته وضع لا يتسم باحترام المسؤولية الوطنية  والألتزام بقواعدها حيث لا فيه احتراماً للقانون ولا لحقوق الشعب ولا للسيادة الوطنية ولا لأستقلالية القرار الوطني وضع هيمن عليه قانون القوي على الضعيف الذي أفضى بنتائجة النهائية الى انتشار واستشراء الفساد المالي والأداري في كافة مؤسسات وأجهزة الدولة وانتشرت الجريمة في المجتمع بكل أشكالها الجنائية والأخلاقية والمالية وغياب سلطة الدولة وموت القانون .
حكمت هذه الأحزاب وتحكم بسياسة عشوائية وبمنهج الثأر والأنتقام وقادت البلاد من ورائها الى الخراب والدمار والهلاك ، وبات مصير ومستقبل العراق مجهولاً كالريشة في مهب الرياح العاتية ، وهي لا تبالي بما يحصل من حولها من كوارث وحروب وقتل وسفك للدماء البريئة لشبابه ، بل أن  كل همها مُنصب  للأستحواذ على أكبر قدر ممكن من السحت الحرام على حساب تعاسة وبؤس الشعب العراقي  المبتلي بشرهم اللعين .
إن الأحزاب المتنفذة للأسلام السياسي الشيعية والسنية والأحزاب القومية الشوفينية لكافة القوميات الكبيرة والصغيرة المشاركة في العملية السياسية العرجاء التي تحكم العراق اليوم ، وتتحكم بقراره السياسي ومقدراته وأمواله هي جميعها من دون استثناء ليست " أحزاب دولة " ، أي أنها ليست أحزاب مؤهلة فكرياً وقادرة على بناء دولة خدمات ديمقراطية متطورة حديثة تخدم الوطن والمواطن على أساس الولاء الوطني وحده ، وتحميهما وتصون كرامتهما وسيادتهما الحرة المستقلة ، بل هي أحزاب حولت العراق الى ملك خاص بهم تتصرف به كما تشاء وحسب ما تقتضي مصالحها الحزبية ومصالح قياداتها الشخصية ، أي باتت دولة العراق " دولة أحزاب " كسوق تجاري يخضع لقانون العرض والطلب والربح والخسارة ، وعليه نعتبر الأحزاب المتنفذة الحاكمة في الدولة الأتحادية وفي الأقليم بأنها كانت نقمة على العراق وليست نعمة كما ينبغي أن تكون ، ولذلك تداعت أوضاع العراق الأمنية والسياسية والأقتصادية بشكل مريع وتراجع نحو الخلف سنوات طويلة بالرغم من تعاظم موارده المالية من مبيعات النفط للسنوات الماضية ، وبات شعبه يعيش في فقر مدقع كأفقر شعب في أغنى بلد في العالم ، وبات العراق وشعبه موضع تندر الآخرين في هذا المجال !!! ، وهو اليوم مهدد بالأنهيار والأفلاس المالي كما تنبأت بذلك بعض التقارير المالية الدولية والأممية وكما تشير كل المؤشرات على أرض الواقع ، إنها حقاً الكارثة بعينها التي ستحل بالعراق جراء هذه السياسات الحمقاء والقصيرة النظر .
في ظل هذا الواقع المزري والخطر المحدق بالعراق من حقنا أن نتساءل كما يتساءل كل مواطن عراقي حريص على وطنه ... ما هو الحل الأمثل ومن هو المنقذ والمُخلّص ؟؟ ، نحن نرى ونقول إن الحل الأمثل والأفضل والذي لا بديل له هو :-
أولاً : اصلاح وتغيير النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية إصلاحاً جذرياً الى نظام الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية  الحرة والمستقلة في قرارها الوطني . واصلاح وتطهير القضاء والمحافظة على استقلاليته ، واجتثاث الفساد والفاسدين في مؤسسات الدولة ، وحصر السلاح بيد القوات المسلحة الرسمية التابعة لأجهزة الدولة دون سواها لكي لا تكون هناك دويلات عصابات الجريمة المنظمة داخل الدولة .
ثانياً : فصل السياسة عن الدين كلياً وعدم تسييس الدين واستغلال رموزه لأغراض سياسية وذلك للمحافظة على نقاء الدين  ولكي لا يلوثه ويَسيء إليه السياسيين بحسب أهوائهم الدنيوية ، وذلك بغرض  تغيير النظام نفسه الى النظام الذي يخدم العراق وشعبه ويحمي الدين في نفس الوقت بشكل حضاري متمدن .
ثالثاً : تعديل الدستور الحالي من خلال تشكيل لجنة مختصة من القانونيين المستقلين عن الأحزاب السياسية الحاكمة لهذا الغرض وكتابة دستور وطني جديد مبني على مبدأ ورؤية تحقيق العدالة والمساواة والانصاف بين مكونات العراق القومية والدينية والمذهبية من دون تمييز وفق الخصوصيات الفرعية مهما تكون طبيعتها وكينونتها .
رابعاً : حل كل المشاكل والخلافات السياسية والأقتصادية والأدارية العالقة من خلال الحوار الوطني الصادق بين سلطات الأقليم والدولة الأتحادية تحت سقف الدستور وحصر كل الصلاحيات السيادية بيد الحكومة الأتحادية لترسيخ سيادة الدولة على كل ما له علاقة بالهوية الوطنية العراقية مع ضمان الحقوق القومية والدينية والثقافية للأقليات القومية والدينية والمذهبية الأصيلة في الدولة الأتحادية والأقليم وفق مبدأ تحقيق العداله والمساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين كافة على أساس الهوية الوطنية العراقية وحدها وليس على أساس أية هوية فرعية أخرى .   
في ظل هذا الواقع في العراق يكون المنقذ المُخلّص الوحيد هو الشعب نفسه وذلك من خلال استمراره في تظاهراته الثورية المليونية بقوة وبعنفوان للضغط على قيادات النظام القائم باتجاه تعميق وتعزيز وترسيخ الأصلاحات الجذرية الحقيقية بأفعال وأعمال على الأرض وليس فقط بأقوال ووعود حتى وإن جاء ذلك على مراحل متوالية بحسب متطلبات الظروف الذاتية والموضوعية للعراق وما يعانيه من التحديات الكبيرة ، وليبدأ ذلك بالأنتخابات القادمة بانتخاب أهل الكفاءآت والمشهود لهم بالنزاهة والأخلاص في العمل والمعروفين بولائهم الوطني ومن غير الملوثين بالفساد وسرقات المال العام ومن غير الملطخة أياديهم بدماء العراقيين .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 14 / آذار  / 2018

 

51
التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟
خوشـــابا ســـولاقا
توطئة : في كتابة مقالاتي التاريخية السابقة والتي نشرتها خلال السنوات القليلة الماضية ، عانيت الكثير في كتابتها ، من جملة تلك المعاناة إنتقاء الكلمات والمفردات والعبارات والجمل الرصينة التي تعبر بأكبر قدر ممكن من المصداقية والواقعية والموضوعية التي تجعل مهمة القارئ سهلة وسلسة في فهم ومتابعة الأحداث التاريخية واستيعابها وفق تسلسُلها الزماني والمكاني هذا من جهة ، ومن جهة ثانية كنت حريصاً جداً أن لا يمس ما أكتبه بأي شكل من الأشكال وبأي قدر كان مشاعر القراء الكرام ممن قد لا يتفق  ما أكتبه مع قناعاتهم حول الأحداث التاريخية المعنية لكونها تخص بشكل أو بآخر بصورة مباشرة أو بشكل مبطن بالتلميح والإيحاء أو بالاشارة كيفما يقتضيه سرد الأحداث أناس في إنتماءاتهم الفرعية الذين كان لهم دور في صناعة تلك الأحداث وما آلت إليه أوضاع الأمة من تداعيات وإنتكاسات خطيرة لاحقاً .
في ذات الوقت كنتُ حريصاً كل الحرص على نقل مضمون ما حصل في تلك المراحل من تاريخ أمتنا بأمانة من دون إنحياز لباطل طرف على حساب حق الطرف الآخر . كل تلك المعاناة عانيتها وأردتُ أن أكون حيادياً وناقلاً لأقرب ما هو للحقيقة التاريخية للحدث التاريخي المعني . إلا أنه مع ذلك نلتُ إنتقادات لاذعة ولاسعة أحياناً وبكلمات نابية وجارحة في بعض الأحيان بالرغم من قلتها والتي لا تليق أولاً بقائليها وبأدب وأخلاقيات الكتابة الرصينة وحرية الرأي وإحترام الرأي الآخر مهما كان الأمر حتى في حالة عدم توافق رأي الكاتب مع رأي هذا البعض ثانياً ، ومع ذلك أعتبر كل هؤلاء أخوة لي وأحبائي وإن اختلفنا في الرأي مهما كانت وسائل ولغة التعبير بيننا قاسية فإنها في النهاية سوف لا تفقد بيننا في الود قضية . وبناءً على ذلك قررت كتابة هذا المقال وتحت هذا العنوان الذي يعني الكثير لمن يتعصب في رأيه إن أحسنَ قراءته ، متمنياً أن أوفق في إيصال المطلوب فيه الى أذهان المعنيين به وأن ينال رضا وقبول القراء والكتاب من الباحثين عن الحقيقة التاريخية . وهنا لا أريد أن تفوتني الفرصة لكي أقدم الشكر والتقدير والعرفان بالجميل الى كل من ساهموا في إغناء ما كتبته من المقالات التاريخية من خلال مداخلاتهم وتعقيباتهم الثرة بما لديهم من مزيد المعلومات التاريخية القيّمة التي كنت اجهلها ، والى كل من كتبوا لي كتابات مشجعة ومحفزة لتقديم المزيد من العطاء . وإن دلَ ذلك التشجيع وتلك المشاركات الايجابية على شيء إنما يدل على نبل أخلاقهم وسمو مشاعرهم ومحبتهم لأمتهم ولمن يضحي ويبذل الجهود مهما كانت متواضعة لخدمة قضية الأمة ، وكما أقدم الشكر الجزيل للقراء الكرام الذين شاركونا في قرأتهم لما كتبته ، لمن يوافقنا الرأي أو لمن يخالفنا الرأي على حدٍ سواء . 
إن التاريخ دائماً ومنذ اقدم العصور قد كُتب من قبل ثلاثة شرائح من الكتاب والمؤرخين من الناس في المجتمع في أغلب الأحيان ، إلا ما ندر في حالات إستثنائية قليلة دخلت شريحة رابعة على خط تدوين وكتابة التاريخ ولكن هؤلاء قليلون جداً ولم يأخذوا قسطهم من الشهرة والأنتشار لكونهم يتقاطعون ويتعارضون بمنهجهم في تدوينهم للتاريخ مع االشرائح الثلاثة الأخرى لأنهم يضرون بمصالحهم المادية والمعنوية ، ولذلك عملتْ تلك الشرائح الثلاثة على عزلهم ومنعهم من الأنتشار والشهرة وتهميشهم بل وحتى إقصائهم من المجتمع ولذلك كان دورهم في إبراز الحقيقة التاريخية وترسيخها في أذهان المجتمع محدوداً ومحصوراً وغير مؤثراً أو يكاد يكون منسياً لا يذكر وبالتالي بقيت كتاباتهم حبيسة حدود العائلة كمذكرات شخصية من دون ان تنشر .
فالشريحة الأولى
من الكتاب والمؤرخين ممن كتبوا ودونوا التاريخ هم أولائك المؤرخين الذين إنطلقوا في كتاباتهم من ولاءاتهم وانتماءاتهم للخصوصيات الفرعية إبتداءً بالوطن والقومية والدين والمذهب والقبيلة والعشيرة وغيرها من الخصوصيات في البناء الهيكلي للمجتمعات الأنسانية ، والتي تظهر للقارئ أن للتاريخ تأثيراته الواضحة والكبيرة على نهج وأسلوب ورؤية الكاتب والمؤرخ في كتابة وتدوين التاريخ وذلك من خلال انحيازه الواضح للخصوصيات الفرعية على حساب الأمانة التاريخية والحيادية ، وتلك هي أولى الأمراض في كتابة التاريخ الحقيقي للأحداث التاريخية وتشويه وتزييف حقيقتها . وسيلاحظ قارئ التاريخ هذا الأنحياز للخصوصيات الفرعية للكُتاب والمؤرخين واضحاً وجلياً في كل كتاباتهم ، وهذا الأنحياز ليس فقط لدى كتابنا ومؤرخينا فقط بل وهو لدى كتاب ومؤرخين كل الشعوب والأمم وليس حصراً بالبعض منهم دون الأخرين وفي كل العصور والأزمنة ، حيث أن هذه الشريحة من الكتاب والمؤرخين يبالغون بإفراط في إبراز الأيجابيات للطرف الذي هم جزء منه بالأنتماء  الفرعي وينحازون إليه دون أن يذكرون شيئاً عن سلبياته بل بالعكس يسعون الى تحويل السلبيات إلى إنجازات تاريخية عظيمة تستحق الثناء عليها حتى وإن كانت تضر بالمصلحة القومية لأمتهم، ويبالغون في ذات الوقت في إبراز السلبيات للطرف الآخر بمبالغة وبإفراط أيضاً دون أن يذكرون شيئاً عن إيجابياته حتى وإن كانت إنجازات حقيقية وعظيمة لصالح الأمة عندما يكتبون أو يؤرخون لنفس الحدث التاريخي ، لذلك يكون القارئ لتاريخ ذلك الحدث مشوشاً وحائراً في أمره كباحث في التاريخ للوصول الى الحقيقة التاريخية لذات الحدث والوقوف عليها كما يقتضي البحث.
هكذا فتلك النوازع والنواميس الأنسانية الراسخة في كينونة وطبيعة الأنسان وثقافته المجتمعية تجعل الأنحيازات للفرعيات عند هؤلاء تتناقل من جيل الى آخر ، وهذا الشيء أعتبره غريزي عند الانسان ، وطبيعي ان يتطبع به سلوكه في الحياة ويكون ذلك مقبولاً الى حد ما عندما يكون في حدود معينة وفي قضايا محدودة وعندما لا يتجاوز حدود الأضرار بالمصلحة العامة للحلقات الأوسع والأعلى في أولويات بنية هيكل المجتمع ، وكذلك عندما لا يتجاوز حدود الأمانة التاريخية في كتابة التاريخ ، لأنه عندها يتحول الأنحياز من حق ومماسة إنسانية للفرد الى جريمة شنيعة وخيانة عظمى بحق المجتمع والأمانة التاريخية في كتابة وتدوين التاريخ للحدث التاريخي المعني .
والشريحة الثانية من كتاب التاريخ والمؤرخين هم شريحة  وعاظ السلاطين ومحاميي الشيطان ، هؤلاء كتبوا أحداث التاريخ بحسب وجهة نظر السلطان ورؤيته لأحداث التاريخ مقابل ثمن مدفوع ، أي أنهم كتبوا التاريخ كما أراده الحاكم أن يُكتب وليس كما هو في الحقيقة ، وهؤلاء هم الغالبون وأخذت كتاباتهم القسط الأوفر حظاً من الدعم والشهرة والأنتشار في تدوين أحداث التاريخ مثل أصحاب الموسوعات التاريخية ، ولكون هذه الموسوعات ذات طابع رسمي أو شبه رسمي نالت دعماً مالياً ومعنوياً كبيرأ من لدن الدولة ، لذلك دونت أحداث التاريخ كما يخدم ذلك سمعة ومصالح السلطان الحاكم أي النظام السياسي الحاكم ، وإلقاء المزيد من الظلال المعتمة على الجوانب السلبية والمُخزية من تاريخ السلطان لتضليل الآخرين ومنعهم من الأطلاع على الحقيقة التاريخية وهذا النمط من المؤرخين كانوا هم أهل المصادر التاريخية السائدة والمرجحة لقراء التاريخ .
أما الشريحة  الثالثة من الكُتاب والمؤرخين والتي عدد أعضائها يكون عادة قليل جداً في المجتمع فهم يمثلون أصحاب العقائد والمبادئ الفكرية المستقلة عن تأثيرات السلطان ومن المنسلخين من تأثير الولاءات الفرعية ، فهؤلاء يكتبون عن الحدث التاريخي بحسب مبادئهم ومعتقداتهم الأيديولوجية ورؤآهم الفكرية المستقلة ، وهؤلاء أيضاً لهم إنحيازهم الخاص تحت تأثير تلك المعتقدات والأيديولوجيات التي يحملونها  ويؤمنون بها بمبالغة وديماغوجية مفرطة ، ولكنهم يكونون في كتابتهم وتدوينهم للحدث التاريخي أقرب الى مكمن الحقيقة من الشريحتين الآخرتين . وعليه فإن التاريخ الذي نقرأه يحمل أوجه عديدة متعارضة ومتقاطعة وأحياناً متناقضة وإجتهادات عديدة وتفسيرات كثيرة لا يمكننا من قرأته من خلال الأعتماد على أي كتاب تاريخي معين كمصدر للرسو الى الحقيقة التاريخية للحدث التاريخي المعني والتي يمكن لنا أن نستند عليه ونعتبره نقطة البداية للمسيرة البحثية الحيادية التي نسير بها الى الهدف المنشود من قرأة التاريخ لبناء حاضر مزدهر وبناء جسور متينة الأسس وقوية البنية للعبور من خلالها الى المستقبل بأكبر النتائج الإيجابية وبأقل الخسائر من دون إعادة وتكرار أخطاء الماضي في حاضرنا ومن ثم ترحيلها الى مستقبلنا في عملية إعادة إنتاج التاريخ وتكرار حوادثه المأساوية والأليمة .
لذلك أقول لكتابنا ومؤرخينا والقراء الكرام عندما يقرأؤون التاريخ من مصادر متعددة عليهم الأنتباه الى هذه المؤثرات التي كتبوا السابقين التاريخ تحت تأثيرها وإنعكاساتها السلبية على مدى مصداقية المصادر التاريخية لكي لا يقعون في ذات الأخطاء ويعيدون نفس الكوارث والمأسي في حاضرهم ومستقبلهم ، بل عليهم أن يقرأوا التاريخ بمنهجية الجمع بين المشتركات من مختلف المصادر التاريخية التي تتعارض وتتقاطع مع بعضها البعض في جوانب كثيرة وتلتقي وتتفق في جوانب أخرى عندما كتبوا وأرخوا لنفس الحدث التاريخي للخروج بنتيجة أقرب الى الحقيقة التاريخية . على القارئ والباحث والمحلل للتاريخ أن لا يهمل أي مصدر تاريخي بل علية دراسته ، ومن ثم القيام بالأعتماد على مبدأ المقارنة والأستنباط والأستنتاج الموضوعي والعقلاني والتحرر الكامل من قوقع الخصوصية الفرعية لأعادة صياغة ما كتب من أجل التقرب من قلب الحقيقة التاريخية للحدث التاريخي . هذا هو المنطق العلمي السليم في قرأة التاريخ بحسب رأي المتواضع . وبغير هذا المنطق تكون عملية المحاولة للوصول الى الهدف مجرد عملية عبثية وتضليل للذات وإغراقها في متاهات الأوهام يصنعها الكُتاب لأنفسهم لكي يرون التاريخ بمنظارهم الشخصي وكما يعجبهم وكما يحلمون  به أن يكون وليس كما ينبغي أن يكون أو بالأحرى كما هو عليه واقع الحال للحدث التاريخي .
ولغرض تبسيط ما أردتُ قوله تحت هذا العنوان (( التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟ )) نحاول قراءة تاريخنا المعاصر وما حصلت فيه من أحداث دراماتيكية مأساوية وكارثية أليمة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من واقع مزري ومهبط للآمال بأي مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة يجسد وجودنا القومي المستهدف من قبل الآخرين في أرض الأباء والأجداد بيث نهرين في كيان سياسي معين يجسد هويتنا القومية والوطنية . المحاولات التي تجري على الساحة العراقية في ظل الهجرة اللعينة لتهميشنا وإقصائنا وخلع جذورنا من أرضنا التاريخية وحصرنا في كيان ديني تابع لهذا الطرف أو ذاك في عملية الصراع الجارية بين تلك الأطراف من أجل الأرض ، كل ذلك يجري بسبب إصرارنا على قراءة التاريخ وإعادة إنتاجه وصناعة أحداثة بإعتمادنا لنفس المنهج الذي اعتمدوه أبائنا وأجدادنا المؤسس والمستنبط من الولاء للخصوصيات الفرعية على حساب الولاء للخصوصية القومية العامة في سلوكنا غير المتحضر ، ومازال الفعل الحاسم الذي يحركنا للعمل هو فعل وعقل القبيلة والعشيرة والمذهب الكنسي وليس الفعل والعقل القومي المتزن والرصين . وهنا أحاول أن أدرج بأكبر قدر ممكن من البساطة بعض الأمثلة القريبة من تاريخنا المعاصر عن التاثير السلبي على المصلحة القومية من وراء الولاءات للآنتماءات الخصوصية الفرعية .
إن مشاكلنا ومصائبنا كانت ولا تزال كامنة في سلوك من يُتاجرون بأسم الأمة والشعارات القومية الرنانة وهذا السلوك المنحرف ضيع علينا كما يقال شعبياً " رأس الشليلة " إن صح التعبير ، يظهرون بمظهر الخراف الوديعة ولكنهم في حقيقتهم من الداخل تراهم ذئاب مفترسة وجائعة لا يشبعون ، وينهشون من دون رحمة بجسد الأمة وتكون الضحية الناس الأبرياء من ذوي النوايا الطيبة والصافية النقية الذين ينخدعون بشعاراتهم القومية البراقة ووعودهم الكاذبة تحت تاثير عواطف الولاء للخصوصيات الفرعية ، وهذا ما حصل في الماضي ويحصل اليوم وكل الذي تغير في الأمر بالرغم من الفارق الزمني الكبير بين الماضي والحاضر وربما المستقبل هو تغير الواجهات الأمامية لشخوص الصورة وآليات عملها وتبقى الضحية ثابتة وهي الشعب المؤمن بقضيته القومية ، والذي من شدة حبه لقوميته وتمسكه بها ينخدع ويخضع بسهولة إنقيادية لأبتزاز واستغلال هؤلاء المرابين المنافقين المتاجرين بالقضية القومية في سوق المزاد العلني لبيع الوعود الكاذبة ، وهكذا تتكرر الأحداث على نفس النسق وبنفس الوتيرة والآليات مع الأسف الشديد .
منذ أن بدأنا في بداية سبعينيات القرن الماضي نحن مجموعة من الشباب المتحمسين لقوميتنا في بغداد على خلفية الأنشقاق الذي حصل في كنيستنا الشرقية  وما كان ينشر في الصحف العراقية آنذاك من كتابات مسيئة لقادة الأنتفاضة الآشورية في سُميل سنة 1933 من بعض بقايا أنصار الكيلاني وما كانوا يوصمون بها قادة الأنتفاضة من نعوت الخيانة للوطن العراقي والعمالة للانكليز كُنا نحترق غيضاً وغضبا على هذا السلوك المارق المشين ونتناقش ونتحاور بعمق وإيمان راسخ هذا الأمر مع بعضنا ونتوصل بعد حين من النقاش الحامي والمكثف الى نفس النتيجة والتي هي من يكون صادق ومخلص ومؤمن بقضيته القومية يكون الضحية وهذا أمر طبيعي في التقاليد النضالية من أجل حرية الأمة وانعتاقها ، ويكون المتاجرين بالشعارات القومية بواجهات قبلية وعشائرية ومذهبية هم الفائزون بثقة العموم من الناس ، وهم الحائزون على حصة الأسد من ولاء الناس لهم تحت تأثير العواطف للانتماءات القبلية والعشائرية والمناطقية والمذهبية الكنسية على حساب الولاء للأنتماء القومي الهش . وما حصل في سُميل عام 1933 وما قبلها وضيَّعنا بسببه فرصتنا الذهبية الآخيرة التي كانت في متناول أيدينا في تأسيس كيان قومي لأمتنا في إقامة منطقة حكم ذاتي ضمن وحدة العراق الجغرافية كان بسبب أن إرادة الولاء للأنتماء إلى القبيلة والعشيرة والمذهب من أجل مجدٍ شخصي لقادة العشائر قد حالت دون تحقيق ذلك لأنها تغلبت على إرادة الولاء للأنتماء القومي . وتكرر الحدث مرة أخرى في عام 1964 مع كنيستنا الشرقية  حيث تشظت وانقسمت الى كنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة على خلفية ٌقرار أكليروس الكنيسة بالأغلبية الساحقة بإعتماد التقويم الغريغوري في طقوس الكنيسة  بدلا من التقويم اليولياني القديم الذي كان معتمداً في طقوسها  ، إلا أن في الحقيقة كانت أسبابها إمتداداً لأسباب مذبحة سُميل عام 1933 حيث على أثرها إنقسم المقسوم وتجزأ المجزء فانقسمت القبيلة والعشيرة والعائلة بين موالي ومعارض لهذه الكنيسة وتلك وإنتشرت على أثر الأنقسام الكراهية والأحقاد بين أبناء القبيلة الواحدة والعشيرة الواحدة والعائلة الواحدة . كان التغيير الوحيد على الصورة العامة للحدث بين 1933 وعام 1964 فقط في شخوص الواجهة الأمامية للصورة ، وكانت الضحية مرة أخرى هي هي أي كان الشعب .
وإن ما يجري اليوم على الساحة القومية ومنذ سقوط النظام البعثي في عام 2003 هو أيضاً تكرار آلي للماضي بنفس الواجهات السابقة ( القبيلة ، العشيرة ، المذهب الكنسي ) وبإضافة واجهات جديدة ألا وهي ( الأحزاب والحركات السياسية الشمولية الأقصائية ذات القيادات الفردية الأستبدادية وذات التوجهات للولاءات الخصوصية الفرعية ضمناً وممارسةً وللقومية شكلاً ) والنية في السلوك الحقيقي والمتجسد على الأرض اليوم متجهة نحو إعادة إنتاج الماضي بكل تناقضاته وسيئاته وترحيله للمستقبل وكأن الأمر أصبح سُنة حياتية يجب أن تتكرر وفق قانون طبيعي وما علينا إلا قبوله كأمر واقع وحتمي وليس أمامنا من خيار بديل آخر .
هذه هي مصيبتنا يا أعزائي القراء الكرام . لكي نتقدم ونتطور ونحقق أهدافنا القومية علينا أن نكون أقوياء وأن نتحرر من أسر تأثيرات التاريخ وأن نعيش في الحاضر وأن نتفاعل بما نحن عليه ، ولكي نكون أقوياء علينا أن نتغير بتغيير ثقافتنا ونظرتنا للحياة وعلاقاتنا ببعضنا البعض ، ولكي نتمكن من تحقيق ذلك كله علينا أن نغير ولاءاتنا للأنتماء للخصوصيات الفرعية الى ولاءات للأنتماء القومي الموحد ، عندها يتغير كل شيء من حولنا ونجد أن وحدتنا القومية قد تحققت بيُسر دون معوقات التي تطحن إرادتنا القومية وتجعلنا نتقوقع في قوقع خصوصياتنا الفرعية . وأن نتصدى للهجرة العبثية اللعينة التي تزتنزف وجودنا القومي في أرضنا التاريخية أرض الأباء والأجداد " بيث نهرين " أم الحضارة والأمجاد .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 5 / آذار / 2018 م



52
التمازج والتداخل الثقافي والعِرقي والاجتماعي بين الموجات البشرية في بلاد " بيث نهرين "
خوشـــابا ســـولاقا
إن هذا المقال ليس مقالاً تاريخياً كما قد يتصور البعض بل هو مقالاً فكرياً وتحليلياً واستنتاجياً وفق المنطق العلمي التاريخي لأحداث التاريخ في بلاد "  بيث نهرين " قديماً قبل المسيحية وبعد المسيحية بحسب معطيات التاريخ ذاته ، وهو يعبر عن وجهة نظرنا الشخصية ليس إلا ، وذلك لغرض الأسترشاد والأهتداء الى الحقيقة الأقرب الى المعقول والقبول فيما يخص الأصول العِرقية لسكان ما يسمى العراق حالياً . ووجهة نظرنا هذه لا نسعى الى فرضها على الآخرين بأي شكل من الأشكال ، بل قد تكون نوع من السعي للانفتاح على الآخر بروح ديمقراطية وباسلوب يتسم بالهدوء والواقعية ومواجهة الحقائق التاريخية كما هي من دون تعصب واستعلاء ، ومن دون تهميش أو اقصاء لأحد في التعامل مع أحداث التاريخ بهدف الوصول الى هدف نبيل بوسائل نبيلة وليس العكس . وقد تشكل هذه المحاولة وسيلة ناجعة تساعدنا على تجاوز عُقدنا النفسية في تعاملنا مع التسميات التي بسببها بتنا أسرى لأوهام وافتراضات الماضي المصطنع الذي نقرأه من خلال نَظّارات سوداء والذي لا نرى فيه إلا السيء منه ونهمل الايجابي فيه من دون قصد ، ونأمل أن تكون محاولتنا هذه موضع اهتمام مثقفينا الأجلاء .
كما هو معروف لدى جميع المطلعين على التاريخ بشكل عام وتاريخ بلاد بيث نهرين بشكل خاص ، أن هذه البقعة من الكرة الأرضية التي تعرف اليوم بالعراق لربما تكون الموطن الأول لنشوء البشرية في التاريخ قبل غيرها من بقاع الأرض ، وهذا الموضوع بحد ذاته موضعْ البحث والنقاش والجدل من قبل الباحثين وعلماء التاريخ والأنثروبولوجيا ، ولكن مهما كان الأمر فان حضارة بيث نهرين تعتبر من أقدم وأعرق الحضارات الانسانية في التاريخ بإجماع جميع المؤرخين ، وهذا إن دل على شيء وانما يدل على مدى أصالة وعراقة وعظمة هذه الحضارة ، وكذلك يدل على تعدد الموجات البشرية من مختلف الأعراق والأجناس التي اجتاحت هذه البقعة من الأرض وعاشت فيها وشاركت الحياة مع مَن كانوا قبلها فيها على مر التاريخ ، وبذلك نستطيع القول بأن مجتمعات هذه البلاد قد عانت من مخاض التمازج والتداخل والأندماج الثقافي والعرقي والاجتماعي بين ما كان سائداً وبين الدخيل الذي قَدِمَ إليها لأنتاج مجتمع جديد بسمات مركبة جديدة ليس فيها سمات عِرقية معينة غالبة على سمات بقية الأعراق .
أولى التجمعات البشرية التي أنشأت حضارة عريقة موغلة في القدم في بلاد  بيث نهرين في جنوب العراق الحالي كانوا السومريون وأقاموا في أور أشهر وأقدم مدن العراق الصروح الحضارية مثل " الزقورة " وغيرها والتي ما تزال قائمة ، ومن ثم الأكديون الذين أقاموا أول امبراطورية كبيرة في زمن ملكها العظيم" سرجون الأكدي " ، ومن ثم تلتهما امبراطورية سُلالة بابل الأولى من الآموريون وكان من أشهر ملوكهم العظماء " حمورابي الآموري " الذي سن أول قانون في التاريخ الذي عرف " بمسلة حمورابي " . ثم تلتها الأمبراطورية الآشورية في المنطقة الشمالية من بلاد بيث نهرين وأقاموا هناك امبراطوريتهم القوية عسكرياً وبنوا مدنهم الكبيرة مثل آشور ونمرود وخورسباد ونينوى العظيمة وتركوا للبشرية الرموز والشواخص التاريخية العملاقة التي ترمز للقوة والذكاء والسرعة كالثيران المجنحة ( لاماسو ) وغيرها من الصروح ، وسقطت السلطة السياسية للأمبراطورية الآشورية سنة 612 ق. م . ثم تلتها امبراطورية سُلالة بابل الثانية والتي كان من أشهر ملوكها " نبوخذنصر " والتي سقطت سلطتها السياسية على يد ملك الفرس قورش سنة 539 ق . م . خلال هذه الفترة من التاريخ ، أي منذ العهد السومري والى سقوط بابل. مَرّتْ هذه المجتمعات ، السومرية والأكدية والبابلية والآشورية بصراعات مريرة دموية فيما بينها على السلطة السياسية والمصالح الأقتصادية ، وكانت نتيجة تلك الصراعات سقوط امبراطورية وظهور أخرى جديدة على أطلالها ، واختفاء بعض  القيم الحضارية وسيادة أخرى جديدة محلها . خلال هذه الفترة التاريخية أيضاً اجتاحت بلاد بيث نهرين موجات وغزوات بشرية كثيرة من أعراق وأجناس متنوعة ومختلفة في ثقافاتها وتقاليدها وعباداتها وطقوسها ، مثل الكيشيين والآموريين والحثيين والفرس الساسانيين والميديين وغيرهم اضافة الى ما جيء بهم من أسرى وسبايا بعشرات الآلاف من اليهود والآراميون ، وعاشوا بين ظهران السكان القدماء الأصليين تأثروا وأثروا بهذا القدر أو ذاك ببعضهم البعض ثقافياً ولغويا وعِرقياً واجتماعياً وتزاوجوا فيما بينهم مما نتج جراء ذلك مجتمعات مزيجة ثقافياً واجتماعياً وعرقياً ، وما ساعد كثيراً على حصول مثل هذا التمازج والتداخل لحد الأندماج هو غياب الوعي والأحساس القومي بالشكل الذي نشعر ونحس به ونفهمه نحن اليوم ، أي غياب المفهوم القومي المعاصر بمضامينه الفكرية وأطره الحديثة ، حيث كان الجانب المعنوي الذي يتحكم بمشاعر وأحاسيس الناس في ذلك الزمان هو الولاء للآله الذي يعبدونه وليس الأنتماء العِرقي، وكان المنتصر في الحرب يحاول أن يفرض عبادة الهته على الخاسر . لذلك وبحسب استنتاجنا من معطيات التاريخ أن التسمية التي كانت تطلق على أرض الوطن أي الأرض التي كانوا يعيشون عليها وعلى الأمبراطورية التي تمثل كيانهم السياسي كانت تسمية تمت الى الآله في الغالب ولم تكن تمت الى العرق القومي للسكان بصلة بأي شكل من الأشكال لكون المفهوم القومي الحديث غير معروف وغير متداول بينهم آنذاك كما أسلفنا .
هذا كان واقع الحال قبل المسيحية ، وبعد ظهور المسيحية وانتشارها في الشرق في بلاد بيث نهرين تحديداً ، وفرضها من قبل الأمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر على رعايا الأمبراطورية الرومانية بالقوة والقضاء على المعتقدات القديمة تعمقت ولاءات الناس للدين الجديد وبتطرف ومبالغة مغالِ بها اكثر من أي ولاءات أخرى الى درجة قاموا أتباع الدين الجديد في بلاد بيث نهرين بتدمير وحرق كل ما يمت بصلة الى معتقدات أبائهم واجدادهم القدامى وحتى تنكروا لتسمياتهم الأصيلة باعتبارها تسميات وثنية لا تليق بمسيحيتهم كما تروي لنا أحداث التاريخ ، هذا ما حدث فعلاً في الشرق حيث عملوا على تطويع تاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم وأسمائهم التاريخية باعتبارها وثنية لمتطلبات مفاهيم وقيم الدين الجديد ،  وبذلك تم طمس معالم حضارتنا وثقافتنا ما قبل المسيحية واعتمدوا في معرفة تاريخ أجدادهم القدامى حصراً على تشويهات التوراة اليهودي لذلك التاريخ الحضاري العظيم الذي أفاق الغرب والشرق من نومهما السرمدي على أصداء تلك الحضارة العظيمة وبقاياها بعد تنقيبات الأثاري البريطاني السير هنري لايارد في مدن الآشوريين نينوى ونمرود وآشور واكتشافاته المذهلة لأقدم وأعرق حضارة في العالم . اما ما حصل في الغرب بخصوص التعاطي مع المسيحية فكان على العكس مما حصل في الشرق ، حيث قام الغربيون بعد اعتناق المسيحية بتطويع مفاهيم الدين الجديد لمتطلبات حماية التراث الوثني لأبائهم واجدادهم والمحافظة عليه من التدمير والحرق .
بعد انتشار المسيحية في بلاد ما بين النهرين واعتناق الغالبية من سكانه للدين الجديد تبنوا ثقافة التسامح والتعايش السلمي الأخوي مع الاخرين من الأخوة في الدين مهما كان عِرقهم وجنسهم ولون بشرتهم ، وبذلك أصبحت الديانة المسيحية ماء الحياة الجديدة التي غسلتْ وطَهرتْ مشاعرهم وأحاسيسهم وقناعاتهم من كل دنس وأدران الماضي الوثني بالتخلص من أي شكل من أشكال الأنتماء الى أي شيء آخر غير المسيحية التي بحسب قناعاتهم الجديدة هي طريق الخلاص من براثن خطايا الوثنية ، وطريقهم الوحيد الى ملكوت الرب . بهذا الفهم الساذج للمسيحية تعاطوا أجدادنا مع تاريخ أبائهم واجدادهم الوثني . في هذه الفترة من التاريخ التي دامت زهاء الخمسمائة سنة كانت الثقافة الوحيدة السائدة التي يقبلها المجتمع البيث نهريني بتطرف مبالغ به وعن قناعة وايمان خالص ، هي الثقافة المسيحية ويرفض بقوة كل ما عداها وخاصة ما يربطه بتاريخ وتراث أبائه وأجداده الوثنيين . استمرتْ الحالة هكذا الى تاريخ انعقاد مجمع أفسس المسكوني سنة 431 م حيث دبت الخلافات اللاهوتية في مجلس الكرادلة لكنيسة روما وتحديداً حول طبيعة السيد المسيح له المجد وتسمية السيدة العذراء بين أن تسمى ام الله أم تسمى أم المسيح ، ثم انتقل هذا المرض الى كنيسة بيث نهرين ، كنيسة المشرق ، ودبت الخلافات فيها هي الأخرى أيضاً ، وعلى أثر ذلك انشطرت كنيسة المشرق سنة 1552م بشكل رسمي ونشأت المذاهب بتسميات مختلفة ومتنوعة تم ربطها من قبل الغرباء بالأسماء التاريخية في بلاد بيث نهرين بشكل عشوائي للتمييز بينها شكلاً  ولغاية في نفس يعقوب ضمناً ، ونشبت على أثرها صراعات تناحرية بين فروع كنيسة المشرق استعملت فيها كل الوسائل بغرض الأساءة المتبادلة على الآخر وتشويه سمعته وتاريخه ، وبسبب هذه الأختلافات والولاءات المذهبية تمزقت القبائل والعشائر والعوائل وحتى الأسرة الواحدة في انتماءات أبنائها المذهبية بين هذا المذهب وذاك وانتهت الى ما نحن عليه اليوم .
بعد ظهور الدعوة المحمدية الى الدين الاسلامي في نهاية القرن السادس الميلادي وبدء ما سُميت بالفتوحات الأسلامية لبلاد الشام وبلاد بيث نهرين وفرض الأسلام على سكان هذه البلدان بقوة السيف اضطر الكثيرين ممن لم يتمكنوا من دفع الجزية الى اعتناق الأسلام مرغمين ، ومن ثم تلى الغزو العربي الأسلامي الغزو المغولي الهمجي الذي سعى الى إبادة المسيحيين ، ومن ثم تلاه الغزو العثماني المعروف بقساوته وعنصريته الدينية والقومية . أي بمعنى أنه توالت الموجات البشرية على أرض بيث نهرين من كل حدب وصوب بلا توقف ، وحصل جراء ذلك تمازج وتداخل واندماج ثقافي ولغوي وعِرقي واجتماعي بين تلك المجموعات البشرية عبر هذه الحقب التاريخية الطويلة التي تزيد عن ستة آلاف سنة بالشكل الذي لم يَكُنْ في استطاعة أي عرق قومي من المحافظة على نقائه واصالته كما قد يتصور البعض من المتطرفين القوميين المغالين بتطرفهم القومي حالياً . حيث من الممكن أن يكون العِرق القومي لهؤلاء المتطرفين المغالين بقوميتهم حالياً من اصل قومي آخر ، وربما قد يكون عِرقهم الحقيقي من تلك الأعراق التي يحتقرونها ويذمونها اليوم !!! ، والعكس صحيح أيضاً . في هذه المعمعة التاريخية التي يتجاوز عمرها أكثر من ستة آلاف سنة لا نمتلك أي دليل علمي يثبت تطابق أعراقنا القومية التي ندعي الأنتساب إليها اليوم مع تلك الأعراق القومية القديمة مثلاً  كتطابق الحمض النووي dna ، وإذا أجرينا مثل هكذا فحوصات قد تُصدمنا النتائج وتقلب الأمور على عقب وتجعل كل حساباتنا معكوسة لا تُطابق حسابات البيدر كما يقول المثل . أما ما ورد في كتب ومصادرالتاريخ التي تُصفحها أناملنا فهي استنتاجات المؤرخين الشخصية الى حد كبير ، وليس بالضرورة أن تكون تحمل في طياتها الحقيقة التاريخية التي يحلم بها كل واحد منا اليوم ، والا لماذا تختلف وصف ذات الأحداث التاريخية من مصدر الى آخر ؟؟ . أكيد لأن كتاب التاريخ بحسب وجهة نظرنا يصفون التاريخ ويكتبونه بحسب قناعاتهم التي تتطابق وتتماشى مع مصالح أممهم ، وبذلك يتم تسييس التاريخ بحسب مقتضيات تلك المصالح كما فعلوا اليهود في توراتهم وسيّرْ أنبيائهم ، ولذلك نحن أيضاً عندما نكتب عن أحداث التاريخ نتعمد أن ننتقي من المصادر التاريخية تلك المصادر التي تدعم وتسند قناعاتنا الفكرية ووجهات نظرنا الشخصية التي تخدم وتتماشي مع مصالحنا وأهدافنا ونغض النظر عن تلك المصادر التي لا توافقنا الرأي ، وهذه طبيعة البشر
بهذ الشكل المتسلسل توالت احداث التاريخ على أرض بلاد بيث نهرين منذ عهد سومر وأور وأكد وبابل وآشور والفرس والمغول والعرب المسلمين والمغول والعثمانيين الى ان حلت الكارثة بتقسيم أبناء أمتنا وكنيستنا المشرقية الى مذاهب لاهوتية في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وتركت لنا أكوام من المعطيات والمعلومات التاريخية التي يتطلب منا أن نحللها ونعيد ترتيبها بأسلوب علمي رصين لنهتدي من خلالها الى اكتشاف ما يفيدنا منها في حياتنا الحاضرة وليس العكس  .
في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الأولى . كانوا أبناء امتنا من سهل نينوى جنوباً والى جبال هيكاري شمالاً ومن اورميا وسهولها شرقاً والى شواطئ البحر المتوسط غرباً لا يعرفون شيئاً عن المفهوم القومي بمضمونه الحالي ، ولم يكُن له حضوراً في حياتهم اليومية وتربيتهم وثقافتهم الاجتماعية ، بل كان ولائهم بالمطلق للدين والمذهب وكل تسمية متداولة بينهم كانت حصراً ذي منظور ومفهوم ديني ومذهبي وليس سواهما ، وعندما كان يُسأل اي واحداً منهم ابتداءً من فلاح بسيط الى أكبر رجل دين من اي مذهب كان ، من أنت ؟؟ ومن تكون ؟؟ يجيب بسرعة البرق ووبساطة متناهية من دون تفكير ، أنا ( سورايا ) بمعناها الديني الروحي ( أنا مسيحي) ليس إلا ، ولا تعني سورايا عنده شيئاً قومياً غير المسيحي ، وكانت عندهم ( سورايا = مسيحي ) . وبعد وصول مفهوم القومية والدولة الوطنية الى سكان الأمبراطورية العثمانية من غير الترك عن طريق البعثات الغربية بغرض تهيئة الأرضية المناسبة لتفكيك الأمبراطورية العثمانية من خلال تحريض الأقليات القومية والدينية فيها  الى الثورة ضد السلطة العثمانية المقيتة . بدأ مضمون المفهوم القومي ينتشر كالنار في الهشيم بين أبناء أمتنا ، وانطلقت الدعوات من القيادات الدينية والعشائرية للعودة الى أرض الأجداد وجمع الشتات المجزأة مذهبياً واقامة كيان قومي لهم في أرضهم التاريخية إلا ان تلك الدعوات اصطدمت من جديد بالصخرة المذهبية الصماء من جهة وبجدار الغدر والخيانة البريطانية لهم من جهة ثانية . وهكذا انتهى الحلم الوردي لأبناء أمتنا بسبب دسائس ومؤآمرات الانكليز وتعاون بعض قياداتهم الميدانية مع الحكومة الكيلانية الفاشية المستعربة بمأسات كارثة مذبحة سميل سنة 1933 م ، وأسدل الستار بعد ذلك التاريخ المشؤوم على قضيتنا القومية وكياننا القومي المستقل وذهبت تضحياتنا الجسام أدراج الرياح .
في ضوء هذه المقدمة التاريخية نستنتج الآتي :-
أولاً : لا يمكن لأي قوم من الأقوام التي اجتاحت بلاد بيث نهرين ( العراق ) واستقرت فيه ولو لفترة منذ فجر التاريخ ودخلت في هذه المعمعة التاريخية الهائلة من التمازج والتداخل والأندماج الثقافي والعِرقي واللغوي والاجتماعي من أن يحافظ على نقاء عِرقه القومي وتراثه الثقافي والاجتماعي كما يتمنى البعض من السكان الحاليين للعراق ، وكل ما عداه هو هراء الحمقى .
ثانياً : لا نمتلك أي دليل أو اثبات علمي بتطابق انتماءاتنا القومية التي ندعي الأنتماء إليها حالياً مع تلك الأعراق القومية التاريخية القديمة مثل تطابق الحمض النووي dna  لكي يبرر لنا تعصبنا وتطرفنا للانتماء القومي المعين من دون غيره ، وغياب هذا الدليل يجعلنا عاجزين أمام التاريخ لأثبات ذاتنا وهويتنا القومية ، ولكن نمتلك كل الأدلة لأثبات وجودنا الوطني العراقي وهويتنا الوطنية وعلينا العمل ضمن هذا  الاطار بما نحن عليه الآن خير من الدوران في حلقة مفرغة التي لا تختلف بشيء عن فلسفة " البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة " لنقل أيها الأخوة أن البيضة من الدجاجة ونسى الدجاجة من أين !!! فذلك أفضل لنا وأفيد .
ثالثاً : في ضوء هذا الواقع لا نجد ضيراً في القبول بأية تسمية قومية من تسمياتنا الجميلة الحالية لأن في ذلك لا يوجد خاسر بيننا بل الجميع رابح والخاسر الوحيد سوف يكون من لا يريد مصلحتنا القومية في البقاء في أرضنا ارض وطن الأباء والأجداد أرض بيث نهرين الطيبة ، أرض العراق مهد  البشرية.

خوشـــابا ســـولاقا
25 / شباط /  2018 م   
       

53
الآراميون واللغة الآرامية القديمة وعلاقتها باللغة الحديثة المحكية بين الكلدان والسريان والآشوريين
خوشــابا  ســـولاقا 
بدءً ذي بدء نود أن نُذكّرْ القُراء الكرام والمختصين الأجلاء باللغة الآرامية القديمة واللغة الحديثة المحكية المتداولة بين أبناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين حالياً ، والمختصين بالتاريخ القديم والحديث لسكان بلاد ما بين النهرين وسوريا والشام بأننا شخصياً لسنا مختصين وضليعين باللغة الأرامية القديمة واللغة الحديثة المحكية ، وكذلك لسنا من المختصين بالتاريخ إلا بالقدر الذي يهمنا الأطلاع عليه كمثقفين وسياسيين مستقلين لأغناء معلوماتنا بالمستوى الذي نستطيع من خلالها خدمة وحدة قضيتنا القومية في ضوء الأشكالات القائمة حولها اليوم لكي نجعل من أنفسنا القاضي المنصف والعادل للحكم بين ما هو الأصل وما هو الفرع قومياً ولغوياً من التسميات المطروحة في الساحة القومية والتي يدور حولها الجدل البيزنطي اليوم بين مثقفينا عبر وسائل الأعلام المتنوعة .
في حقيقة الأمر نحن شخصياً انسان عادي وسياسي مستقل ولنا وجهة نظر فيما يدور من حولنا ومولعين بقراءة تاريخ هذه المنطقة وعلى وجه التحديد تاريخنا القومي وعلاقته بالآخرين من المحيطين بنا والمرافقين لمسيرتنا تاريخياً وتحليل أحداثه من جميع الجوانب لغرض اكتشاف المشتركات في تلك الأحداث بين الأقوام التي صنعوه بما هو عليه بين أيادينا اليوم لكي نتمكن أن نطرح ما يتبلور لدينا من تساؤلات الى المختصين من أبناء أمتنا المهتمين بالتاريخ واللغة لوضع حداً لما يجري بيننا من خلافات وسجالات سقيمة وعقيمة التي تزيدنا تشرذماً وتمزقاً يوم بعد آخر ولكي نتمكن بالتالي من إعادة ترتيب وتركيب أحداثه بالشكل الذي تعطينا صورة أوضح لما وصَلَنا منها بهدف الوصول الى الحقيقة الأكثر واقعية ومقبولية بشأن الجذور الأصلية لهذه الأقوام وعلاقتها ببعضعا البعض قومياً ولغوياً وحضارياً وأين موقعنا منهم وهذا أعتبره من حقنا الطبيعي وكما هو لغيرنا .
على ضوء ما تم ذكره أطرح هذا الموضوع مشروعاً للبحث والدراسة والحوار والمناقشة أمام المختصين والمثقفين من أبناء أمتنا ، ونشترط  على من يرغب أن يشترك في المساهمة اعتماد الأسلوب الرصين والحيادي واعتماد نهج الأعتدال وعدم الأنحياز المسيس في طرح الأراء ووجهات النظر في تسويق الأدلة والقناعات التاريخية بشأن الموضوع ، لكي تكون الحوارات والمناقشات هادئة ومنتجة تقودنا الى بناء فهم مشترك لأعتماده في الخروج بالتالي من مأزق التسمية الذي نحن بصدد تجاوزها والرسو الى بر الأمان .
نبدأ موضوعنا هذا باقتباس مضمون الكلام وليس الكلام بكل تفاصيله كما أورده الكاتب والمؤرخ السوري الأستاذ محمود حمود أستاذ الدراسات الفلسفية والأجتماعية وتاريخ الشرق القديم في جامعة دمشق والعامل في مجال التنقيب عن الأثار فقط لغرض إثبات الوجود الآرامي في سوريا القديمة وذلك تجنباً لحشك كلام لا علاقة له بما يتطلبه موضوعنا في رسالته لنيل درجة الماجستير الموسومة (( الحياة الأقتصادية والأجتماعية في الممالك الآرامية السورية من القرن التاسع وحتى القرن السابع قبل الميلاد )) عن الآراميين ودورهم في التاريخ . حيث يقول المؤلف في مضمون كتابه أعلاه يرجع الآراميون في أصولهم الى قبائل بدوية عاشت وتنقلت في البادية السورية قبل أن تستقر على أرض الرافدين وبلاد الشام ، وظهروا على مسرح التاريخ في الشرق القديم منذ الألف الثاني وربما منذ أواخر الألف الثالث ق . م ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يؤسسوا لهم دوراً سياسياً ودولياً في المنطقة إلا في الألف الأول ق . م ، إذ كانت لهم دويلات وامارات في سورية ولكن دورهم السياسي لم يطل أمده أكثر من أربعة أو خمسة قرون على أبعد حدْ ، ولم يتمكنوا خلال هذا الأمدْ القصير نسبياً من إنشاء لهم امبراطورية ذات ركائز قوية رغم محاولاتهم الحثيثة والمتكررة بسبب ضعف وتخلف وهشاشة الأسلوب المعتمد في تنظيم السلطة ومنهجيتها ، وقد زال نفوذهم وانهار سلطانهم منذ ظهور الأمبراطورية الآشورية القوية عسكرياً والتي شكلت بظهورها خطراً داهما وكبيراً عليهم ولوجود ممالكهم وعلى جيرانهم من القبائل الأخرى من غير الآراميين .
لقد أدى الآراميون دوراً مهماً في تاريخ سوريا القديم خلال الألف الأول ق . م إذ قاموا بعد استقرارهم في المناطق السورية المختلفة بتأسيس لهم إمارات وممالك حاكمة مثل مملكة بيث بخياني  ومملكة بيث عديني  ومملكة بيث زماني ومملكة أغوشي وآرام حماة وآرام دمشق وغيرها من الممالك والأمارات القبلية . وشكلوا هذه الممالك والأمارات الصغيرة في منتصف القرن التاسع ق . م تحالفاً عسكرياً للوقوف في وجه الآشوريين الذين عقدوا العزم على بسط سيطرتهم على سوريا وقد تمكن التحالف الآرامي من اعاقة الآشورين من بسط  سيطرتهم لفترة من الزمن ، ولكن فيما بعد تمكنوا الآشوريين من القضاء على مقاومة بقايا تحالف الممالك الآرامية . إلا أن بقايا تلك الممالك تابعت تطورها كممالك خاضعة للآشوريين وحققت إنجازات على الصعيدين الأقتصادي والأجتماعي مستفيدة من الأرث الحضاري للسكان المستقرين الذين قابلوهم في نفس الأماكن . غير أنهم احتفظوا بمظهر من حضارتهم وهو " اللغة " التي قدر لها أن تأخذ دوراً بالغ الأهمية في حياة غرب آسيا فيما بعد وهذا هو الجانب المهم في موضوع مقالنا هذا . 
ويمضي المؤلف بقوله في مضمون سياق كتابه ، واصل الآراميون بالتدريج بالسيطرة وبسط نفوذهم على المناطق الواقعة غربي الفرات ومناطق الجزيرة الواقعة بين الخابور والفرات المسماة " آرام نهرين " ونجحوا في شق طريقهم في اتجاهات متعددة نحو أرض بابل ونحو شمال سورية وجنوبها ، وباتت هذه المحاولات الآرامية تقض مضاجع الأمبراطورية الآشورية القوية عسكرياً يوم بعد آخر مما حدا بها الى تنظيم حملات عسكرية كبيرة وبشكل متواصل للقضاء على كل محاولات الآراميين لتوسيع نفوذهم شرقاً . وكانت تلك الحملات الآشورية قد توالت في زمن كل من الملوك اريك دين إيلو ( 1325 – 1311 ) ق . م ، والملك الآشوري تيغلات بلاصر ( 1112 – 1074 ) ق . م وفي زمن الملك أدد نيراري ( 1074 – 1035 ) ق . م ، وهكذ استمرت الحملات العسكرية الآشورية على الممالك والأمارات الآرامية بدون انقطاع الى أن تمكنوا من القضاء على سلطة ونفوذ الممالك الآرامية قضاءً مبرماً ، وعلى أثر هذه الحملات الآشورية أتوا بعشرات الألاف من الآراميين أسرى وسبايا الى نينوى وغيرها من المدن الآشورية ، وتم استغلالهم واستخدامهم بكثافة في أعمال الزراعة والحرف الفنية المختلفة لما يتمتعون به الآراميون من المهارات المختلفة . وعلى خلفية هذا الواقع الأجتماعي المستجد حصل هناك تمازج وتزاوج وتداخل بل واندماج ثقافي واجتماعي بين المجتمع الآشوري والآراميون الذين أتوا بهم الى بلاد آشور ونتج جراء هذا التمازج والأندماج والتداخل الثقافي والاجتماعي مجتمع جديد إن صح التعبير ( آشوري – آرامي ) يحمل الكثير من سمات المجتمعين وبالأخص اللغة فدخلت الكثير من مفردات اللغة الآشورية التي كانت تكتب بالخط المسماري الى اللغة الآرامية وحصل العكس أيضاً . ومن جملة التطورات النوعية التي حصلت جراء هذا التمازج والتداخل الثقافي والاجتماعي هو قيام الآشوريون في زمن الملك الآشوري سنحاريب منتصف القرن الثامن ق . م بتبني أبجدية اللغة الآرامية وليس اللغة الآرامية كما قد يتصور البعض بدلاً من الخط المسماري في الكتابة لبساطة هذه الأبجدية وأفضليتها على الكتابة المسمارية التي كانت معتمدة لديهم . وبحكم هذا الواقع الثقافي والاجتماعي الجديد دخلت الكثير من المفردات الآشورية الى اللغة الآرامية وبالعكس كما أسلفنا وهذا أمر طبيعي حصل في الماضي ويحصل اليوم في المجتمعات المختلطة كما حصل مع اللغة العربية ولغات الأمم الآخري التي اعتنقت الدين الاسلامي ، وكما حصل مع اللغة التركية في زمن سيطرة الدولة العثمانية على الأمم الأخرى ، وكما حصل مع لغات الدول الأستعمارية بعد عصر النهضة الأوربية في عصرالغزو الأستعماري للبلدن الأجنبية في مختلف قارات العالم وكما حصل مع اللغات الفرنسية والانكليزية والأسبانية والبرتغالية وغيرها . إن تبني الآشوريين للأبجدية الآرامية لا يعني أبداً في أي حال من الأحوال تبني اللغة الآرامية بالكامل والتخلي عن لغتهم القومية الآشورية ، بل إن الكتابة في الدواوين الرسمية أصبحت تكتب بالمفردات الآشورية وبأبجدية الخط الآرامي .
من خلال هذه المقدمة المبسطة نستنتج التالي :-
أولاً : أن الأراميين الذين ظهروا كممالك وامارات صغيرة في سوريا والشام وبلاد ما بين النهرين منذ أواخر الألف الثالث ق . م كما أسلفنا لم ينقرضوا كما يدعي البعض من ذوات الدوافع الأقصائية الخاصة من دون دراية ودراسة لأحداث التاريخ بشكل ممنهج ، بل لا زال هناك بقايا للعِرق القومي الآرامي في كل من سوريا والعراق وفلسطين ولبنان بالرغم من كل ماحصل من المحاولات للقضاء عليهم ، لأن مبدأ الأنقراض الشامل للأعراق والأمم كما يدعي البعض من المغالين في شوفينيتهم القومية والمذهبية كما نلاحظها في بعض الكتابات المتطرفة في طرحها يخالف منطق التاريخ والحياة .
لا يحق لأحد كائن من يكون أن ينفي أو يلغي هذا الوجود ، ومِن حق مَن يشعر بالأنتماء الى ذلك العِرق أن يعتز ويفتخر به ويدافع عنه ، وعلى الآخرين أن يحترموا ذلك الانتماء . كما وليس من حق كائن من يكون من المكونات التي تشارك الآراميين بأبجدية اللغة أن يلغي أو يقصي الآراميين ، وعلى الآراميين بالمقابل أن يحترموا خيارات وانتماءات الآخرين القومية واللغوية . وخير دليل على وجود وبقاء العرق الآرامي القومي هو قيام دولة اسرائيل مؤخراً بالأعتراف بالقومية الآرامية مهما كانت نوايا ودوافع اسرائيل السياسية والتاريخية في محاولاتها لالغاء ومحو تاريخ من لا يروقها بقائهم من الأقوام في هذه المنطقة بدوافع انتقامية تاريخية على خلفية السبي الآشوري والبابلي لليهود كالآشوريين والبابليين .
ثانياً : إن اللغة الآرامية القديمة ( لشانه عتيقة ) التي تكلموا بها الآراميين القدماء في ممالكهم واللغة الحديثة ( لشانه سوادايا ) بكل لهجاتها الكلدانية والآشورية في جميع أنحاء العالم والسريانية المحكية في مدن وقصبات سهل نينوى وبعض مناطق سوريا ولبنان تشترك مع اللغة الآرامية القديمة بنفس الأبجدية من حيث التسمية وتختلف في رسم بعض الحروف بحكم التطور الزمني في رسم الحرف لأسباب موضوعية وتقنية كثيرة ، ولكن هناك اختلافاً كبيراً جداً بين المفردات المتداولة في اللغة الآرامية القديمة ( لشانا عتيقا ) اللغة التي كتبت بها بعض الكتب الدينية المسيحية وبين اللغة الحديثة ( لشانا سوادايا – بمعنى اللغة العامية ) التي يتكلم بها الكلدان والآشوريين وبعض السريان كما أسلفنا يصل الى نسبة ( 50 % ) تجعلهما في نظر المتلقي لهما كأنهما لغتان مختلفتان جملةً وتفصيلاً . وقد يكون الأختلاف الوحيد بين هذه اللغات المحكية هو في لفظ بعض الحروف مثل حرف ( الحاء ) يلفظ ( خاء ) عند البعض وحرف ( الألب ) يلفظ ( واو ) عند البعض الآخر ..  من هنا نستطيع أن نستنج أن الذين يتكلمون اللغة الآرامية القديمة ( لشانا عتيقا ) أينما وجدوا اليوم هم عرقياً آراميون ومن أصول الاراميين القدامى ونقول لهم مبروك لهم اكتشافهم لذاتهم القومية بعد قرون طويلة . ومن لا يتكلم باللغة الآرامية القديمة ويتكلم بأحدى لهجات اللغة الحديثة ( لشانا سوادايا ) هم من عِرق قومي غير أرامي أي بمعنى لهم عِرق قومي آخر نتفق عليه أو سنكتشفه لاحقاً في المستقبل اذا سعينا إليه بروية وتعقل من دون تطرف وتعصب على خلفية المذهب اللاهوتي . فهؤلاء لا صلة لهم بالعرق القومي الآرامي لا من قريب ولا من بعيد . ولغرض تعزيز هذه الفكرة نورد بعض المفردات لبيان الأختلافات الجوهرية بينها بحسب اللغة الآرامية القديمة واللغة الحديثة كأمثلة بسيطة وليس الحصر وهي تسميات لأعضاء الجسم لتكون قريبة من الذهن . 
1 ) الأذنْ ... بالأرامية القديمة – أذنه ... بالحديثة – ناثه
2 ) الأنفْ ... بالآرامية القديمة – أنفه ... بالحديثة – نخيرا ... أو بوقا
3 ) الرجلْ ... بالآرامية القديمة – رَغله ... بالحديثة – آقله

وهناك الآلاف من المفردات من اصول اللغات الأكادية والبابلية والآشورية الموجودة في اللغة الحديثة ( لشانا خاثا - سوادايا ) وليس لها وجود في اللغة الآرامية القديمة ( لشانا عتيقا ) التي يطلق عليها لغة السيد المسيح له المجد . وعليه فإن الآراميين قوم ٌقائم بذاته والكلدان والآشوريين وبعض السريان ممن لا يتكلمون الآرامية القديمة قومٌ آخر لا يربطهم بالآراميين رابط عِرقي قومي غير رابط أبجدية اللغة . اي بلغة المعادلات الرياضية :
{ الكلدان = السريان = الآشوريين } قومياً ... وهذا لا يساوي الآراميين
ايها الأخوة الأعزاء القراء الكرام إن ما كتبناه هنا هو وجهة نظرنا الشخصية على ضوء تحليلنا لأحداث تاريخنا ليس إلا ، والموضوع مطروح للمناقشة والحوار وبيان الرأي بحرية وبروح ديمقراطية رياضية وكل شيء فيه قابل للحوار والنقض وطرح البديل والبقاء للأصلح والأصح هكذا يقول المنطق العقلاني .

خوشـــابا ســـولاقا
20 / شباط / 2018 م


54
الأقليات والحقوق القومية والدينية والوطنية في العراق

خوشـابا سـولاقا

بدءً ذي بدء نادراً ما موجود على وجه الأرض في أي بلد من البلدان امة من الأمم تعيش على أرض محددة مكونة من قومية واحدة خالصة نقية الدم كما يدعي القوميين المتعصبين المغالين في عنصريتهم القومية وتعصبهم وتطرفهم القومي الأهوج وتعتنق عقيدة دينية واحدة ومنتمية لطائفة مذهبية واحدة كما يريدها المتشددين المتطرفين من المتدينين الغارقين في الجهل والتخلف والحقد والكراهية المتأصلة في كيانهم على غيرهم ممن لا يوافقونهم في رؤآهم ومعتقداتهم الدينية والمذهبية ، لأن مثل هذا الوضع النموذجي الاستثنائي كما يريده البعض يعتبر وضعاً مثالياً فريداً شاذاً لواقع الحياة الإنسانية الطبيعية ، ولا أعتقد له وجود على أرض الواقع ، بينما على العكس من ذلك هو الوضع الطبيعي في كل البلدان . وعليه فإن جميع أمم الأرض فيها تعدد وتنوع قومي وديني وعِرقي ومذهبي وقبلي وغيرها من الخصوصيات تجعل مصالحها ومعتقداتها المختلفة تتقاطع وتتعارض لهذا السبب أو ذاك مع بعضها البعض أحياناً وتلتقي وتتشارك وتتحد أحياناً أخرى ، وهكذا يحصل توازن طبيعي ويتعايش هذا الخليط الإنساني المتنوع المتعدد المكونات بانسجام وتفاهم ويشترك الجميع في المصير الواحد أمام تحديات العدو المشترك متناسين خلافاتهم بحكم الخصوصيات جانباً . هذا هو واقع الحال لجميع أمم الأرض حالياً في مختلف البلدان التي تؤمن شعوبها بمبادئ التعايش السلمي المشترك على أرض الوطن الواحد . لقد مرَّ التاريخ البشري بعصور من الاضطهاد والقهر القومي والديني والمذهبي ومات الملايين من البشر وسالت دماء غزيرة في حروب عبثية لأسباب ودوافع قومية ودينية ومذهبية بحكم استئثار إحدى القوميات أو أحدى المكونات  الدينية  أو المذهبية  بالسلطة السياسية في هذا البلد أو ذاك ، وبحكم هذا الواقع عاشت الأقليات القومية والدينية والمذهبية في ظل سلطة المكون القابض على الحكم حياة القهر والاضطهاد والعبودية محرومة من كل الحقوق القومية والدينية والمذهبية وحتى من الحقوق الإنسانية الى حدٍ بعيد ، واُرتكبت بحقها المذابح والمجازر الجماعية وحصل لها الكثير من الأنتهاكات المريعة لا لسبب مبرر ولا لذنب أو لجرم إرتكبته بحق غيرها وإنما لمجرد كونها أقلية مغلوبة على أمرها ، والتاريخ مليء بمثل هذه الشواهد الصارخة والمؤلمة والكوارث الإنسانية المرعبة والبشعة ، ولا يخلو تاريخ أي أمة من أمم الأرض من مثل هذه المظالم التي يندى لها الجبين ويخجل منها التاريخ الإنساني ، وما ما ارتكب منها بحق أمتنا والأرمن في عهد الدولة العثمانية على يد المجرمين بدر خان ونورالله وسمكو وغيرهم من عتاة القتلة المجرمين من الترك والفرس والكورد بتحريض ودعم الحكومات العثمانية والفارسية المغالية في حقدها وعنصريتها القومية والدينية تجاه الآخرين من مواطنيها وسكوت حكومات الدول الأوربية المسيحية بحكم ترابط المصالح خير مثال صارخ على إضطهاد وقهر الأقليات القومية والدينية ، وكانت حصة أمتنا والأخوة الأرمن حصة الأسد من رصيد مذابح ومجازر الأبادة الجماعية بدوافع دينية ممنهجة ( الجينوسايد ) والمنظمة برعاية الدولتان العثمانية والفارسية المجرمتان عبر قرون طويلة ، ولذلك يتطلب الأمر من الذين يدعون تمثيلنا من الأحزاب والمؤسسات الحقوقية في الداخل والمهجر التحرك لدى المؤسسات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة لتثبيت ذلك في سجلات الجرائم الجنائية في محكمة لاهاي المعنية بجرائم الحروب والأبادة الجماعية طالما لدينا الكثير من الوثائق التي تثبت هذه الجرائم ومطالبة الدول المعنية بها اليوم ( الدول الوريثة ) بتعويض المتضررين من أبناء أمتنا كما يفعل أخوتنا الأرمن .
كانت تلك المرحلة مرحلة نظام الأمبراطوريات والدول القومية والوطنية التي كانت ثقافة التعصب القومي والديني هي الثقافة السائدة فيها والتي كانت سمة تلك المرحلة وفلسفة الحكم حينذاك ، ولذلك كانت الضحية الأولى لسيادة هذا النمط من أنظمة الحكم هي أبناء الأقليلت القومية والدينية والمذهبية ، وكان الشرق مثالاً حياً لمثل هذه الممارسات العنصرية الفاشية الشاذة والبغيضة لأضطهاد الأقليات القومية والدينية في كنف الأمبراطوريتين الفاشيتين الفارسية والعثمانية وما زالت لغاية اليوم . بالتأكيد أن كُثرة الأضطهادات القومية والدينية والمذهبية قادت المفكرين والعلماء والفلاسفة والسياسيين الى البحث عن إيجاد أنظمة حكم أكثر عقلانية وأخلاقية وإنسانية لتخليص البشرية من واقع القهر والأضطهاد القومي والديني والمذهبي وبالتالي تحرير الإنسان من ظلم وقهر واستغلال أخيه الإنسان وإنعتاقه من العبودية ونشر أفكار الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وإقامة السلم الأهلي والتعايش السلمي بين الأمم ومنح الأقليات حقوقها القومية والدينية والوطنية والإنسانية المشروعة .
فكانت النتيجة ظهور ملامح النظام الديمقراطي العالمي وإنبثاق عصبة الأمم ومن ثم صدور مثاق الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المنبثقة منها ، وظهرت مؤسسات حقوق الإنسان وصدور الأعلان العالمي لحقوق الإنسان وبدأ العالم الجديد بالتَشكُل وفق أسس ومعايير جديدة أكثر عدالة وإنسانيةً والذي فيه تعتبر إنسانية الإنسان هي أعلى قيمة كمعيار لتقييم الحياة الإنسانية ، واخيراً صدور إعلان حماية حقوق القوميات الأصيلة عام 2007 من الأمم المتحدة والذي من المؤكد سيكون لتطبيقة أثراً كبيراً لأمتنا لكوننا قومية أصيلة في بلاد النهرين لو تحركت مؤسساتنا السياسية والكنسية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني لأمتنا التحرك الجاد والفاعل لتشكيل لوبي للتأثير على مؤسسات صنع القرار في الدول الكبرى والأمم المتحدة لوضع هذا الأعلان موضع التنفيذ الفعلي بدلاً من المناكفات والمشاجرات على التسميات ومقاعد " الكوتة " المهينة التي صَدَّقوا بها الأقوياء للضعفاء اليتامى من أبناء أمتنا الأًصيلة لتلهيتهم في صراعاتهم الجانبية والأبتعاد عن حقوقهم الجوهرية . ولذلك ندعو هنا من يدعي تمثيلنا في مجلس النواب الى المطالبة بتعديل الدستور الحالي وتضمينه بمواد إضافية تقر وتعترف بشكل صريح بوجودنا القومي كقومية أصيلة حسب إعلان الأمم المتحدة المشار إليه أعلاه وضمان كامل حقوقنا القومية والدينية والسياسية والثقافية وتشريع ذلك بقانون كما فعل المجلس مع الأخوة التوركمان .. إلا أن الشرق بالرغم من كل هذا التغيير النوعي في النظام الحقوقي الدولي مصر أن يبقي شرقاً متخلفاً لا يقبل أن تهب عليه رياح التغيير الإنساني والاجتماعي ، بل إنه يريد أن يبقى على ما هو عليه متقوقعاً ومتشرنقاً داخل صومعة التخلف ويقاوم رياح التغيير للنظام الدولي الجديد بإصرار وعناد لكون النظام الجديد حسب رؤية ومنهج فقهاء الرجعية والتخلف والعنصرية نظام قائم على رؤى وفكر وثقافة غربية غريبة ودخيلة على ثقافتنا وتقاليدنا القومية والدينية الشرقية وبالتالي أن ذلك سيؤدي حتماً الى تدمير منظومتنا الأخلاقية والقيمية الأصيلة ومحو ثقافتنا واستبدالها بالمستورد الغربي منها . هكذا وتحت هذه الشعارات الرجعية المتخلفة تصدرت المؤسسات القومية والدينية للتصدي للنظام الديمقراطي العالمي الجديد التَشَكُل وثقافتِهِ التقدمية وسَعت بالمقابل الى إعادة إنتاج وترسيخ مفاهيم وأفكار أسس وثقافة النظام الرجعي القديم القائم على أساس القهر والأضطهاد والقمع القومي والديني والمذهبي والتمييز الطبقي وإشاعة العنصرية بكل تلاوينها وأنماطها في مجتمعاتنا الشرقية وتكريس التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة وإبقاء المرأة حبيسة البيت حالها حال أية حاجة من حاجات الرجل المنزلية . وبذلك أصبحت الأقليات القومية والدينية والمذهبية مرة أخرى مسلوبة ومهضومة الحقوق بكل أشكالها ومضطهدة ومقموعة ومصادرة الارادة  ومحرومة حتى من الكثير من حقوقها الإنسانية . كان العراق خير مثالاً ساطعاً لأمة لها تعددية قومية ودينية ومذهبية نموذوجية وكيف عاشت هذه المكونات المتنوعة دون مستوى المكون القابض على السلطة من حيث الحقوق في البلد عبر عقود من الزمن تحت الأضطهاد والقهر القومي والديني والمذهبي الطائفي . وبالتأكيد كيف أن المؤسسات السياسية والتربوية من أحزاب وجمعيات التي نشأت في ظل سيادة وهيمنة ثقافة القهر والصهر القومي تأثرت أكثرها في صياغة أفكارها وخطابها وبرامجها السياسية ومناهجها التربوية في المدارس والجامعات الى هذا الحد أو ذاك بتأثيرات تلك الثقافة التي كانت سائدة في المجتمع والتي لم تتحرر من تبعات وتقاليد ثقافة القهر والصهر والأضطهاد القومي والديني والطائفي . فولدت من رحم هذه الثقافة أحزاب ذات أيديولوجيات عنصرية قومية متعصبة وشوفينية وأخرى ذات أيديولوجيات دينية ذات توجهات مذهبية طائفية حاقدة تعادي الأديان والطوائف المذهبية الأخرى . وقد سادت بل طغت ثقافة تلك الأحزاب بعد قيام الدولة العراقية الحديثة منذ بداية القرن الماضي في عام 1921 على مؤسسات الدولة الرسمية ، وكانت الحكومات التي أستلمت السلطة بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 هي الأخرى مشبعة لحد النخاع بالفكر القومي الشوفيني القائم على قاعدة إلغاء وإقصاء الآخر وهضم كل حقوقه القومية وحتى نكران لوجوده القومي في العراق كمكون أصيل منذ آلاف السنين ، وكانت أنظمة حكم أحزاب القوميين العرب وحزب البعث العربي الأشتراكي خير تجسيد حي ومثالي لهذا النموذج القهري من الفكر الأقصائي بحق الأقليات القومية الاصيلة في العراق . وبعد سقوط نظام البعث الصدامي كنظام سياسي عروبي فاشي على يد القوات الدولية عام 2003 لم تسقط معه الثقافة الصدامية الشوفينية الشمولية الأقصائية المعادية للأقليات القومية والدينية والمذهبية الطائفية كفلسفة ومنهج للحكم بل بقيت تمارس  بنفس الآليات من قبل من استلم السلطة بعد صدام ولكن بواجهات أخرى سواءً على مستوى الحكومة المركزية في بغداد أو على مستوى حكومة أقليم كوردستان في أربيل . حيث الأقصاء والتهميش وصناعة البدائل الهيكلية المزيفة والمشوهة لتمثيل أبناء الأقليات القومية والدينية والطائفية في مؤسسات الدولة والأقليم الدستورية من مجلس النواب العراقي والمجلس الوطني لأقليم كوردستان وفي السلطة القضائية  والسلطة التنفيذية ( الوزارة )  مستمرة على قدم وساق ، وحيث الغياب التام للمشاركة الفعلية الحقيقية لأبناء تلك الأقليات بالشكل الذي يمثل مشاركتهم الفعلية كما ينبغي أن تكون والتي تعكس وتجسد وجودهم القومي التاريخي والديني ، وحيث نرى أن من يمثلهم اليوم في مؤسسات الدولة المركزية والأقليم لا يَهمهُم من تلك المشاركة الرمزية غير مصالحهم الشخصية والانتفاع من امتيازات ذلك التمثيل المشوه الهزيل والمهين على حساب إهمالهم للمصالح القومية الحقيقية لمن يدعون تمثيلهم ، وبالنسبة لممثلي أمتنا أصبحوا رسمياً ممثلي المكون المسيحي ولا يمثلون مكون قومي له هويته القومية المتميزة وهذا يعني عملياً إلغاء أي إعتراف بوجدنا القومي كقومية أصيلة !!! .
 كما لا نجد للديمقراطية على مستوى التطبيق الفعلي والمارسة العملية على أرض الواقع أي أثر يذكر غير كونها مجرد شعارات سياسية إعلامية تضليلية مرحلية لخداع النفس لرافعيها أولاً ولخداع الآخرين من أبناء الأقليات والرأي العام العراقي  والعالمي بديمقراطية النظام القائم ثانياً . لذا نرى في حقيقة الأمر أن العراق وشعبه يتخبطان في حالة من نظام الفوضى العارمة في ظل تفشي الجريمة بكل أشكالها  والفساد المالي وسرقة المال العام في وضح النهار لا أول لها ولا آخر . ولأجل حل مشاكل عراقنا العزيز وتخليص شعبنا مما يعانيه من المعاناة الرهيبة والمشاكل الجمة المستعصية التي تضرب بأطنابها كل مفاصل الحياة العراقية اليومية لا بد لنا من أن نتعلم ونستفاد من تجارب الآخرين ممن سبقونا في هذا المضمار ، وان نختار ما يلائمنا ويناسبنا منها من نظام سياسي لأدارة الدولة ويحل مشاكلنا ويستجيب لمتطلبات حياتنا ، وإن ذلك إن فعلناه ليس عيباً نعاب عليه ولا يقلل من عظمة حضارتنا وتراثنا التاريخي ولا يحط من قدرنا وشأننا عند الآخرين بل على العكس من ذلك طالما فية مصلحتنا الوطنية ، ولكن ما هو معيب لنا هو بقائنا على ما نحن عليه نتخبط في مشاكلنا ومعاناتنا وندور في حلقة مفرغة الى ما لا نهاية واستمرار هذا الواقع المأساوي ، هذا هو ما يجب أن نخجل منه وأن لا نقبل به على أنفسنا وعراقنا منبع أول حضارة إنسانية أنجبت العجلة الآشورية وأنجبت أول مسلة قانون على الأرض وهي مسلة حمورابي في بابل وأنجبت أول ألة موسيقى على الأرض وهي القيثارة السومرية عند مواجهتنا للآخرين من الشعوب ، لأن الأخذ والعطاء هو سنة الحياة وهو القانون الأساسي لصيرورتها وتطورها والسير الى الأمام بخطوات ثابتة . إن العمل على تأسيس وبناء النظام الديمقراطي التعددي العِلماني الحقيقي  (( نظام لا قومي ولا ديني مسيس  ولا مذهبي طائفي )) القائم على أساس المساواة والعدالة بكل أشكالها وإلغاء نهج الأقصاء والتهميش للآخر وبناء دولة المؤسسات الدستورية ، دولة تكون فيها السيادة لسلطة القانون وحده ، دولة المواطنة وليس دولة المكونات والميليشيات المسلحة ، دولة يكون فيها السلاح بيد سلطة القانون فقط ، دولة تضمن وتحمي حرية المواطن في التعبير عن رايه عبر الوسائل السلمية بالكلام والكتابة والتظاهر ، دولة تتساوى بين مواطنيها في الحقوق والواجبات وفق القانون والدستور والهوية الوطنية ، ووفق المعيار الوطني بالانتماء الى العراق قبل أي إنتماء فرعي آخر ، هذا النظام لوحده هو الذي يجعل من العراق وطن الجميع وللجميع من شماله الى جنوبه من شرقه الى غربه بعربه وكورده وتركمانه وآشورييه وكلدانه وسريانه وإيزيدييه وصابئته وشبكه وطن زاهر خالي من الظلم والقهر والتمييز القومي والديني والطائفي والطبقي والجنسي وخالي من الأرهاب والأرهابيين والقتل على الهوية وخالي من الفقر والجهل والأمية والمرض والعوز والبؤس .
في ظل هكذا نظام والثروات الطبيعية والبشرية الهائلة التي يمتلكها وينعم بها وطننا العراق " بيث نهرين – بلاد النهرين  " عندها فقط نستطيع إسقاط الشعار الذي قيل بحقنا من قبل الآخرين  من الأصدقاء والأعداء (( العراق أغنى بلد وأفقر شعب )) وعندها فقط نغسل العار من على جبين العراق وشعبه بكل مكوناته يا أيها الأعزاء المغالين والمتطرفين في تعصبهم القومي والديني والمذهبي الطائفي .. النظام الديمقراطي والثقافة الديمقراطية هما الضامنان للتآخي القومي والديني والمذهبي وإحترام حرية الرأي وقبول الآخر والتعايش السلمي معه في الوطن الواحد ، وهو الذي يحمي الخصوصيات مهما كانت تلك الخصوصيات وتزدهر في ظله ، وفي ظله وحده فقط يصبح العراق وطن حر وشعبه ينعم بالحرية والسعادة والعيش الرغيد ... النظام الديمقراطي هو النظام الوحيد الذي يقر ويحقق الحقوق القومية للأقليات وللأكثريات القومية على حد سواء وهو طريق الأمم المتعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية للخلاص من القهر القومي والعبودية والظلم والتمييز العنصري والحروب ، فليكن هذا الخيار هو خيارنا نحن العراقيين الوطنيين الشرفاء من كل المكونات لننعم بالحياة الحرة الكريمة الخالية من إراقة الدماء البريئة والموت المجاني اليومي بعد معاناة دامة قرابة المئة عام من الحروب والأقتتال والقتل على الهوية الفرعية ، لنحمل فقط الهوية الوطنية العراقية في جيوبنا وقلوبنا ونفوسنا وثقافتنا عندما نتجول في ربوع وطننا العراق ، عندها فقط سوف نحل ونتخلص من كل مشاكلنا القومية والدينية والمذهبية الطائفية وتصبح جزء من الماضي في خبر كانَ . 

خوشـابا سـولاقا
14 / شباط / 2018 م

55
أحزابنا السياسية هل هي النموذج المطلوب أم هي إنعكاساً لصورة الواقع الاجتماعي المرفوض .. ؟؟
خوشـــابا ســـولاقا
إن واقع الحياة الاجتماعية للأمم وما يحتويه من صراعات وتناقضات قومية ودينية ومذهبية وقبلية وعشائرية واجتماعية وسياسية واقتصادية هي في الحقيقة صراعات من اجل المصالح بين المكونات المختلفة للمجتمع . هذا الوضع الاجتماعي الغير المستقر وغير المتوازن والهش يخلق ظروفاً ذاتية وموضوعية ملائمة لظهور الحاجة الملحة الى ضرورة البحث عن وسائل مناسبة وفعالة لتغيير الواقع الاجتماعي القائم والمتخلف باتجاه تجاوز تلك الصراعات والتناقضات للعبور الى واقع جديد له سمات يستجيب لمتطلبات الحياة الجديدة بشكل أفضل وأكثر إنصافاً وتوازناً لتحقيق العدالة بين مكوناته ، سواءً كان واقع المجتمع مكون من قومية واحدة  ومن دين ومذهب واحد أو مكون من قوميات واثنيات متعددة وأديان ومذاهب عديدة . إن المجتمعات المتعددة المكونات تعيش حالة التصارع والتناقض والتفكك والتشرذم اكثر بكثير من المجتمعات الأحادية المكون ولذلك تكون المجتمعات المتعددة المكونات أكثر خصوبة لنمو وإنتشار الصراعات المصلحية المتعددة الجوانب منها الصراعات القومية والدينية والأجتماعية والثقافية إضافة الى المصالح الاقتصادية  فيما بينها وقد تصل هذه الصراعات الى حد التناحر والحروب الأهلية مما هو عليه الحال في المجتمعات الأحادية المكون حيث تنحصر صراعاتها في الجوانب المذهبية والاقتصادي الطبقية وبعض الجوانب الثقافية والاجتماعية ولكنها قد لا تصل الى مستوى التناحر إلا ما ندر وذلك يكون مرتبطاً بمستوى الوعي الثقافي والسياسي في المجتمع . هذه الصراعات والتناقضات تحصل في المجتمعات في الحالتين بسبب تصادم المصالح بين المكونات الاجتماعية للمجتمع ، حيث تشكل وسائل إنتاج الخيرات المادية لأفراد المجتمع أي شكل وطبيعة النظام الأقتصادي السائد الذي يحدد طبيعة العلاقة بين مالكي وسائل الأنتاج وبين مشغلي ومحركي تلك الوسائل البنية التحتية للمجتمع ، بينما تشكل الثقافة والفكر والفنون والسلوكيات السائدة والقوانين المختلفة التي تنظم العلاقات بين افراد المجتمع كافة البنية الفوقية للمجتمع والتي تكون بالضرورة إنعكاساً للبنية التحتية له ، وهذه العلاقة بطبيعة الحال  هي علاقة جدلية بين البنيتين ، أي بمعنى عندما تتغير البنية التحتية للمجتمع يتغير شكل النظام الاقتصادي من خلال عمليات ثورية إجتماعية بسبب صراع المصالح كما قلنا تتغير بالضرورة البنية الفوقية للمجتمع تبعاً لذلك لتستجيب الى متطلبات تنظيم العلاقات الجديدة التي تنشأ بعد ثورة التغيير الاجتماعي . في ضوء هذه الوقائع كانت الإستجابة الطبيعية لأكتشاف مثل تلك الوسائل الفعالة لأجراء التغيير الثوري المطلوب في البنية التحتية للمجتمع ، هي ظهور التنظيمات والحركات السياسية العقائدية التي بدورها تعكس فكر وتطلعات ومصالح الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية التي لها المصلحة الكبرى في تغيير شكل العلاقة الاجتماعية القائمة بين الطبقات المالكة لوسائل الأنتاج والمتحكمة بمقدراته وبين الطبقات المحركة لأدوات إنتاج الخيرات المادية للمجتمع ، أي بمعنى آخر تغيير شكل البنية التحتية للنظام الأقتصادي وهذا التغيير بدوره يؤدي الى تغيير شكل البنية الفوقية للنظام الأجتماعي القديم وولادة نظام إجتماعي جديد ببنى تحتية وفوقية جديدة تختلف عن ما كانت عليه في النظام الأقتصادي السابق . وهكذا تغيرت أشكال النظام الاقتصادي لأنتاج الخيرات المادية للمجتع عبر التاريخ من نظام المشاعية البدائية الى نظام العبودية والأقنان الى النظام الاقطاعي الأبوي الى النظام الراسمالي البرجوازي الى النظام الأشتراكي الشيوعي الى النظام الراسمالي الأمبريالي الليبرالي الحر نحو نظام العولمة نظام نهاية التاريخ كما يدعي فوكوياما الياباني الأصل والأميريكي الجنسية .
بعد هذه المقدمة التاريخية لتطور الأنظمة الأقتصادية والاجتماعية عبر التاريخ والتي كانت تناقضاتها وصراعاتها تشكل الأسباب الموضوعية لولادة وظهور التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية التي قادت التغيرات الثورية والاجتماعية الكبرى في التاريخ ، نستطيع على ضوئها تقييم طبيعة وبنية التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية لأمتنا هل هي ( الأحزاب والحركات السياسية ) مجتمعات مصغرة تمثل النموذج المطلوب الذي نطمح إليه والتي من المفروض بها أن تعكس علاقات وقيم وسلوكيات من طراز جديد مغايرة لما كانت سائدة وقائمة على أساس متطلبات الولاء للخصوصيات الفرعية أم على العكس من ذلك  ؟؟ . أن تلك المجتمعات المصغرة النموذوجية المتمثلة بالتنظيمات والأحزاب والحركات السياسية قد طُليت بطلاء التقاليد والعادات والثقافات السائدة في مجتمعنا المتخلف قومياً والمتعصب دينياً ومذهبياً وقبلياً وعشائرياً . بما أن مجتمعنا في أغلبيته الى نهاية السبعينيات من القرن الماضي كان مجتمعاً فلاحياً قروياً يعيش في القرى والأرياف ويعتمد إقتصاده المتخلف الى الزراعة وتربية المواشي بالأعتماد على الوسائل البدائية في زراعة الأرض واستثمارها ، وبحكم هذا الواقع كان مجتمعاً تسود فيه وتتحكم بسلوك افراده العلاقات القبلية والعشائرية والمذهبية المتسمة بطابع التعصب والتشدد للخصوصيات الفرعية  وبطابع الحقد والكراهية وعدم قبول الاخر مهما كانت قومية ودين هذا الآخر ويكاد يكون الولاء للقومية فيه شبه معدوم في الممارسات اليومية وفي الثقافة المجتمعية . كانت ولاءآت أفراد مجتمعنا القروي للخصوصيات الفرعية هي المعيار لتقييم الشهامة والشجاعة والرجولة والأعتزاز بالنفس وغيرها من هذه القيم البالية ، وكانت الكراهية المذهبية والتمييز القبلي والعشائري سمات شبه مقدسة لدى أفراد المجتمع وكان تجاوز تلك الولاءآت خطوط حمراء لا يمكن لأي كان المساس بها وإلا يتم وصم المتجاوز بالعار ويعتبر منبوذاً في مجتمعه الفرعي ، مثل التجاوز في حالات الزواج المتبادل بين المكونات من اصغرها الى أكبرها في بنية هيكل المجتمع القومي الكبير . وكان الولاء للخصوصيات المختلفة قد جعل من تشضي وتشرذم وتفكك المجتمع القومي لأمتنا وفقاً لذلك امراً واقعاً ومعاشاً ومحاطاً بهالة من القدسية الكريهة بالرغم من حصول حالات شاذة استثنائية هنا وهناك لدى بعض العوائل المثقفة نسبياً والأسر السياسية التي لا تعير قدراً كبيراً من الأهمية للتزمت والتمسك بتقاليد الخصوصيات الفرعية حيث أنها قد تجاوزت هذه البنية الاجتماعية التحتية المؤسسة على الولاء للخصوصيات الفرعية . ولكن كانت القاعدة في مجتمعنا الفلاحي القروي هي التشرذم على أساس الولاء للخصوصيات الفرعية والتوجه نحو الوحدة القومية والوحدة الدينية هي السمة الشاذة والأستثنائية . هكذا كانت البنية الفوقية ( الثقافة والتربية ) لأمتنا تعكس ثقافة وتربية وقيم التشرذم والتفكك والتمزق القومي لحساب تثبيت وترسيخ ثقافة وتربية وقيم وأخلاق الخصوصيات الفرعية في عقول ونفوس الأجيال الناشئة من أبنائنا على حساب ثقافة وقيم الوحدة القومية .       
على خلفية إندلاع الحركة الكوردية في عام 1961 ونزوح أغلب ابناء أمتنا من قراهم الى المدن الكبرى والأختلاط  بمجتمعات المدن وتأثرها بها وتوسع إنتشار التعليم بكل مستوياته بين الشباب من أبناء أمتنا ، وعلى أثر الانشقاق الذي حصل في كنيسة المشرق الآشورية في عام 1964 م على خلفية التحول على اعتماد التقويم الغرغوري الحديث في ممارسة طقوس الكنيسة بدلاً من الأستمرار على اعتماد التقويم اليولياني القديم وما كان ينشر في الصحف المحلية العراقية من مقالات مسيئة الى إنتفاضة الآشوريين عام 1933 وقادتها وما حصل من شحن المشاعر والعواطف والتعصب القبلي والعشائري ومعاداة بعضها للبعض الآخر حتى بين أعضاء الآسرة الواحدة خلق وضعا إجتماعياً متفجراً ومحتقنا بالأحقاد والضغائن والكراهية المتبادلة بين أنصار الطرفين ، ومن ثم جاء تاسيس النادي الثقافي الاثوري الذي كانت لنشاطاته الثقافية والأجتماعية والفنية المختلفة  دوراً رائداً وبارزاً في تأسيس ونشر الثقافة القومية والوعي القومي بين الشباب الجامعي بشكل خاص وشبابنا الآشوري والمجتمع بشكل عام ، وما تركته عودة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون من منفاه لزيارة العراق ومن بعده عودة المرحوم ملك ياقو ملك اسماعيل بناءً على دعوة من قبل الحكومة العراقية آنذاك من أثر بالغ لنمو وانضاج الوعي القومي بين شبابنا المثقف ، ثم جاء قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين باللغة السريانية من الكلدان والسريان والآشوريين كنوع من التعزيز المباشر لما كانت جذوره قد امتدت في أعماق مشاعر شبابنا  وتجذرت في كيانهم ، كل هذه الأحداث المتوالية والمتزامنة مع النهضة القومية المعاصرة لأمتنا أثرت بشكل مطرد في نمو الوعي القومي وتبلوره بين أبناء أمتنا ، عندها بدأت الحاجة بحكم الضرورة التي فرضها هذا الواقع المتشرذم مذهبياً وقبلياً وعشائرياً الى ظهور المبادرات الأولى بالدعوة إلى تأسيس التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية لتقود نضال الأمة لنيل حقوقها القومية والتي دعت أبناء الأمة الى الأنخراط في صفوفها للنضال من إجل نيل تلك الحقوق والأعتراف بوجودنا القومي في العراق ، وكانت كل تلك الدعوات مبنية على أساس الولاء المطلق للثقافة والوحدة القومية بهدف العبور من فوق ثقافة الولاء للخصوصيات الفرعية بكل أشكالها الى خصوصية الولاء القومي للأمة . لهذا السبب كانت استجابة الجماهير الشبابية المثقفة منها عن وعي وإرادة قومية لهذه الدعوات كبيرة وقوية ، وكانت استجابة الجماهير البسيطة منها عن الشعور بالتعاطف القومي الغريزي لدعوات هذه الأحزاب والحركات السياسية بحماس وإيمان من دون خوف بالرغم من قساوة النظام في العراق . وبعد إنشاء المنطقة الآمنة شمال خط العرض 35 وتشكيل حكومة كوردستانية مستقلة في هذه المنطقة تحت حماية التحالف الدولي ومشاركة أحزابنا السياسية التي كانت موجودة آنذاك بشكل رمزي في تلك الحكومة وظهور المنافع من وراء المناصب جراء هذه المشاركة الهزيلة في ظل غياب الوعي القومي الحقيقي والفكر والنهج السياسي السليم للعمل المنظم والممنهج لدى هذه الأحزاب والحركات سارت الأمور على غير مسارها الطبيعي أي سارت بالأتجاه المعاكس للمطلوب ، فتشكلت أحزاب كثيرة ذات تسميات رنانة ودخلت قياداتها في صراعات ومناكفات ومنافسات من أجل المناصب والمنافع ، وتوسعت وانتشرت هذه الظاهرة ظاهرة توالد وتعدد الأحزاب والحركات السياسية ذات الهويات المذهبية بشكل سافر بين مكونات أمتنا ، واتخذت الخلافات والصراعات فيما بينها طابعاً تناحرياً حاداً وطافت على السطح مشكلة التسمية القومية والتي وصل فيها الخلاف الى نقطة اللاعودة الى الوحدة القومية بتسمية قومية موحدة وانتهى الأمر بالتوافق على القبول بالتسمية القطارية " الكلداني السرياني الآشوري " التي لا تحمل سمة وهوية قومية تاريخية محددة لا شكلاً ولا مضموناً . كل ذلك في الحقيقة جرى ويجري بين المتنفذين من قيادات هذه الأحزاب والحركات  تحت يافطات وشعارات قومية براقة من أجل المناصب والمنافع الشخصية . هكذا فبدلاً من تنتقل الثقافة القومية والسلوك القومي المتجرد من الولاء للمذهبية والقبلية والعشائرية وغيرها من الممارسات المرفوضة من تلك المجتمعات النموذوجية المتمثلة بالتنظيمات والأحزاب والحركات السياسية الى المجتمع العام لتطبعه بثقافتها وتقاليدها القومية كما ينبغي أصبحت تلك الأحزاب والحركات السياسية حاضنات حامية للثقافات والسلوكيات الخصوصية الفرعية السائدة في المجتمع وتطبعت هي بها لحد النخاع ، وتحولت بذلك تلك الأحزاب والحركات الى أدوات ووسائل للفرقة والتشرذم في المجتمع وأصبحت فريسة لثقافة المجتمع بدلاً من أن تكون أدوات وأسباب لبناء الثقافة والوحدة القومية في المجتمع بسبب طموح وتطلع وسعي بعض القيادات الأنتهازية فيها الى التفرد بالقرار لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية على حساب المصالح القومية للأمة ، فاتخذت التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية بتسمياتها المختلفة شكلاً معبراً للخصوصيات الفرعية بدلاً من أن تكون نموذجاً معبراً للوحدة القومية الشاملة  فأصبح كل حزب يمثل بالاسم وبالعمل والسلوك خصوصية مذهبية معينة ويتخندق مع هذه الطائفة المذهبية ويتحلى بعاداتها وتقاليدها وأخلاقها بالضد من الطائفة المذهبية الأخرى ، وهذه الصورة للأحزاب ترسخت في عقول ونفوس وتفكير وشخصية أبناء أمتنا ، وبالنتيجة أصبحت القومية والثقافة القومية الحقيقية مجرد شعارات  تذكر وترفع في المناسبات وفي الصراعات والمناكفات والمهاترات للمتاجرة بها بين بعض القيادات على المناصب والمصالح والمنافع ، واصبحت بذلك القومية خارج إطار النهج والفكر والسلوك القومي السياسي لتلك الأحزاب والحركات إلا بالقدر الذي يخدم أجنداتها المصلحية الشخصية ، وبالتالي أصبحت هذه الأحزاب والحركات السياسية تحمل هوية الخصوصية الفرعية هوية المذهب بعينه سياسياً وعملياً وبحسب ما تقتضي المصالح الشخصية للمتنفذين من القائمين على قياداتها بدلاً من أن تحمل الهوية القومية للمجتمع القومي المنشود ، كما هو حالها اليوم التي أصبحت تجسد الولاء للخصوصيات الفرعية على حساب الولاء القومي ، وكرست حالة التمزق والتشرذم والتفكك وأعادت إنتاج الكراهيات والأحقاد القديمة التي كانت سائرة الى الأنقراض والزوال بحكم تطور ضرورات الحياة العصرية ونمو الوعي القومي قبل دخول الأمة الى عصر الأحزاب والحركات السياسية التجارية التي تتاجر بعض قياداتها بالمصالح القومية من دون أن تحقق شيئاً ملموساً على أرض الواقع لصالح الأمة وانتهى الأمر بهذه الأحزاب والحركات الى الركون والقبول بتسميتنا بالمكون المسيحي في مؤسسات الدولة الرسمية والحبل على الجرار كما يقال .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 7 / شباط / 2018 م
     

56
الأنتخابات والتحالفات بين الأحزاب العراقية ... هل هي تحالفات وطنية أم أنها تحالفات مصلحية ؟
خوشابا سولاقا
لغرض الخوض في تحليل ومناقشة هذا الموضوع كظاهرة سياسية مستهجنة بموضوعية وحيادية وبلغة بسيطة قريبة من ذهن من يعنيهم الأمر من الناس بشكل خاص ومباشر أي بمعنى فقراء جماهير الشعب ننطلق من هذا المثل العراقي الشعبي الذي يقول " السفينة التي تكثُر ملاحيها تغرق " ولكي لا نتجني على البعض ونظلم أحداً بجريرة غيره ، ولكي نفرز بين الغث والسمين وبين الرث والجيد الأصيل وبين السيء والأسوء وبين المرفوض والمقبول لا بد أن نكون منصفين وفي غاية الموضوعية في الطرح والتحليل والأستنتاج واستخلاص النتائج التي تلتقي مع الهدف العام ألا هو إنتاج برلمان وطني عراقي منتج لصالح الشعب والوطن وليس لصالح الشخص المنتخب لعضوية البرلمان .
بعد صدور قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية من مجلس النواب العراقي تم تسجيل أكثر من 205 حزب سياسي وتم إجازتها من قبل وزارة العدل العراقية للعمل بشكل علني ، ومن ثم تم تسجيلها لدى المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات لتصرح لها بالمشاركة في عملية الأنتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات والأقليم .
هذا التوسع الأفقي في عدد الأحزاب عندما ننظر إليه من الزاوية الديمقراطية وحرية الرأي وحقها في تمثيل الشعب نجده مبرراً ومقبولاً ويعكس قِمة الديمقراطية في التعبير عن الرأي وممارسة الحريات الشخصية ، ولكن عندما ننظر إليه من زاوية المصلحة الوطنية والمنطق العقلاني نجده على صورة أخرى مختلفة في الشكل والمضمون عن ما قلناه ولا يمكن تفسيره بغير أن يكون هذا التوسع في النهاية لا يعني غير كونه شكل من أشكال الفوضى السياسية العشوائية التي لا تمت بصلة الى الديمقراطية ولا الى المصالح الوطنية ، وبالتالي فإن كل ما نتمكن استنتاجه من هذا التوسع الأفقي هو أن قادة أغلب هذه الأحزاب مع احتراماتي للجميع يجدون في تنظيماتهم هذه وسيلة شرعية وقانونية لتحقيق مصالح ومكاسب شخصية ضيقة حتى وإن تحققت على حساب المصالح الوطنية العليا ، وبالتالي تَجُر هذه الأحزاب العملية الأنتخابية الى لعبة سياسية قذرة للمتاجرة بالمصلحة الوطنية من أجل مكاسب شخصية لقادة تلك الحزيبات المغمورة التي ظهرت فجأة بين ليلة وضحاها وملئت الدنيا بصخبها وهرجها وضجيجها وثرثرتها الفارغة . على أية حال فإن ظاهرة التوسع والتضخم في تعدد وكترة الأحزاب السياسية باسمائها الوطنية الرنانة كان الأمر غريباً وعجيباً ومضحكاً  وملفتاً للنظر حتى لعابر السبيل من بسطاء الناس الذي لا يمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد الى لعبة السياسة والأنتخابات ، وبذلك بقي هذا التوسع موضَعْ استهجان واستخفاف وازدراء وتندر المواطنين من جهة ورفض وشجب القوى السياسية الرصينة والمعتبرة ذات التاريخ النضالي الوطني الطويل من جهة ثانية ، وتحديداً بسبب كون هذا التوسع العشوائي من صنع الأحزاب الدينية التي فشلت في إدارة الدولة فشلاً ذريعاً وأساءت التصرف بأموال الشعب بشكل فساد منظم ولذلك وبغرض الهروب من تحملها للمسؤولية لما حصل للعراق سعت الى تدوير نفاياتها لأعادة إنتاج حزيبات بعباءة جديدة تحمل نفس المضمون ولكنها بتسميات أخرى وطنية ومدنية وإصلاحية وليبرالية وديمقراطية !!! ... هذه هي اللعبة من وراء كل هذا التوسع الأفقي العشوائي والتضخم في عدد الحزيبات ، أي إعادة إنتاج القديم الرث والفاسد والفاشل بنفس المضمون ولكن بتسميات نمطية جديدة تتماشى مع ما يطرحه الشارع من شعارات في تطلعاته الوطنية المستقبلية حول الأصلاح السياسي الذي بات مطلباً وطنياً ضاغطاً وملحاً .     
منذ سقوط النظام البعثي الصدامي على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة سنة 2003 م وسقوط العراق في براثن الأحتلال الأجنبي كانت الأحزاب المهيمنة على السلطة لإدارة الدولة والبلد هي أحزاب الأسلام السياسي بمذهبيه وهي أحزاب ذات طبيعة وتوجهات طائفية مؤسسة على اعتماد سياسة الثأر والأنتقام كمنهجاً لها في الحكم بالنسبة للأحزاب العربية الشيعية والسنية ، وذات طبيعة وتوجهات قومية ودينية بالنسبة لأحزاب بقية المكونات العراقية من الكورد والتركمان والآشوريين وغيرهم ، وهذه الحالة المزرية التي قادت البلد الى ما هو عليه اليوم هو ما عكسه واقعها السياسي في الممارسة خلال السنوات المنصرمة ما بعد سقوط النظام السابق ، ومن أسوأ نتائج هذه السنوات العجاف التي فيها ذاق العراقيين الأمرين هي ولادة وليد العار " داعش " الأرهابي الذي سيطر على أكثر من 40 % من أرض العراق وشرد أكثر من خمسة ملايين إنسان من مناطق سكناهم وجعلهم يشحذون أبسط حاجاتهم الحياتية اليومية من دول الجوار ودول العالم الأخرى أي جعل شعب العراق لهذه المناطق يعيش المعاناة والمأساة الرهيبة .
بعد تحرير الأرض والانسان عسكرياً من طغيان داعش الأرهابي وقرب حلول موعد الأنتخابات البرلمانية والمحلية في بداية شهر أيار المقبل من هذا العام 2018 م وشعور أحزاب الأسلام السياسي في بغداد بفشلها وكونها تتحمل مسؤولية ما جرى للعراق بسبب سياستها الطائفية وأحساس الأحزاب القومية والأسلامية للأقليم بالفشل في السير بسفينة الأقليم الى بر الأمان وعلى خلفية الضغط الشعبي في الشارع ونمو وتوسع المطالبات بمكافحة الفساد وإجراء الأصلاح السياسي في بنية النظام السياسي القائم انفجرت الرغبة بالتغيير في بنية النظام السياسي القائم من جهة ، وفرضت الحاجة لغرض حماية مصالح ومكاسب تلك الأحزاب الفاشلة وقياداتها في بغداد وأربيل الى إعادة إنتاج ذاتها بواجهات جديدة مقبولة لدى جماهير الشعب المطالبة بالأصلاح الشامل ومكافحة الفساد والفاسدين من جهة أخرى ، فكانت النتيجة ولادة 80 % من هذه الأحزاب " القديمة – الجديدة " وتشكلت في تكتلات وتحالفات انتخابية عجيبة غريبة وبتسميات براقة في الديمقراطية والوطنية بعيدة بشعاراتها عن الطائفية السياسية والشوفينية القومية والدينية ، وهنا بدأت لعبة التحالفات لهذه الأحزاب كلٍ بحسب قواعد وقوانين لعبته على أساس ما تقتضيه المصالح الشخصية لقيادات تلك الأحزاب مع من تلتقي ومع من تتقاطع وليس على أساس مشتركات المصلحة الوطنية كما ينبغي أن تكون وكما هو الحال في كل بلدان العالم المتحضر التي تتخذ من النهج الديمقراطي سبيلاً لها للعمل الوطني المشترك .
                                            لماذا التحالفات ؟
كما هو معروف على مستوى القوى السياسية من أحزاب وحركات وتنظيمات سياسية بكل أشكالها وتسمياتها وعلى مستوى الشارع جماهيرياً أنه ليس هناك تنظيم أو حزب سياسي قادر لوحده من الفوز بالأغلبية من مقاعد البرلمان لكي يتمكن من تشكيل الحكومة لوحده دون تحالفه ومشاركته مع الآخرين لضمان الأغلبية العددية المطلوبة لتمرير مشاريع القوانين التي يقوم بطرحها لتنفيذ برنامجه الأنتخابي للتصويت عليها في جلسات البرلمان أو اسقاط أي مشروع قانون يطرح من قبل الآخرين لا يريده أن يمر لذلك باتت الحاجة الى التحالفات ملحة ومفروضة لا بد منها ، وهذا أمر مشروع تقتضية المصلحة الوطنية والواجب الوطني لا غبار عليه على الأطلاق ، ولكن التحالف مع من يكون ؟ بين من ومن ؟ وعلى أي أساس يتم ؟ ، هنا هو الهدف والمأزق في آنٍ واحد .
من المفروض أن يكون لجميع الأحزاب ثوابت مبدئية وطنية وقومية وطبقية ولها نظرية فكرية تهتدي وتسترشد بها لتصوغ برنامجها وخطابها السياسي واستراتيجيتها وتكتيكها على هدى ذلك لتحقيق ما تصبو إليه من أهداف على مختلف الأصعدة .
على ضوء هذا الطرح يجب أن تكون التحالفات لكي تكون مثمرة ومنتجة لصالح البرنامج الوطني المشترك والمجمع عليه ضمناً بين الأحزاب التي تتماثل وتتشابه في البرامج السياسية المطروحة وتتقارب في استراتيجياتها وفي رؤآها الفكرية لكي تختزل احتمالات التقاطع في تكتيكات وأساليب وادوات العمل الوطني المشترك مستقبلاً ، وليس أن تكون بين أحزاب متخالفة ومتعارضة في برامجها السياسية وطروحاتها الفكرية الى حد التعارض والتقاطع .
أما ما جرى من تحالفات بين القوى والأحزاب السياسية في العراق فهي في أغلبها ليست من ذلك القبيل من التحالفات التي تؤمن التماثل الفكري والتوافق في المشتركات الوطنية وفق الأسس المذكورة بل جرت وفق أنتماءآت مذهبية ومناطقية ومصالح شخصية لقياداتها الأنتهازية التي تحلم بعضوية البرلمان لجني مكاسب وامتيازات شخصية حتى وإن كانت على حساب المصلحة الوطنية .
هذا النمط من التحالفات الأنتهازية الذي اعتمدته أغلب الأحزاب السياسية لكل مكونات الشعب بغض النظر عن حجمها السكاني هو الذي قاد العراق بذريعة بناء الديمقراطية التوافقية المقيتة في إطار نظام المحاصصة الطائفية السياسية والأثنية الشوفينة المفرق والمفكك لتماسك الوحدة الوطنية الى ما هو عليه من خراب ودمار وتفكك نسيجه الاجتماعي ومصادرة استقلالية قراره السياسي وتبعيته بشكل أو بآخر الى الإرادات الأقليمية والدولية وزرع في جسده سرطان الفساد لينخر به نخراً ... وعليه ولغرض تجاوز هذا الواقع اللاوطني المزري بكل مساوئه وأمراضه يتطلب الأمر الى إعادة النظر بأسس التحالفات الأنتخابية بين الكيانات السياسية لأن تكون وفق البرامج السياسية لأطرافها وليس وفق مقتضيات مصالح قادتها بغرض انتاج برلمان صحي قادر لتقييم وتقويم وتصحيح مسارات العملية السياسية الجارية برمتها من ألفها الى يائها لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والخروج في النهاية من هذا المأزق ، وإلا فإن مسيرة العراق ستجري باتجاه من السيء الى الأسوأ في كل مفاصلها .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 26 / ك2 / 2018 م   
         



57
لكي لا ننسى...
المسألة القومية وحركات التحرر القومي
خوشابا سولاقا
لكي نعرف ما هي المسالة القومية ، نشأتها وإتجاهاتها العامة وطابعها التحرري وما هي السبل الناجعة للتصدي لها وحلها بالتالي حلاً جذرياً دائمياً شاملاً ، لا بد لنا أن نعرف وبوضوح تام ما قد سبق ظهور الحركات التحررية القومية ، وما هي ميزاتها السياسية واتجاهاتها الرئيسية وطابعها ، وقد انطلق الفكر الثوري التقدمي في تحليل جوهر وطابع وميزات واتجاهات الحركات القومية التحررية من واقع الظروف الذاتية والموضوعية التاريخية الملموسة لها ، والتي تكونت ونشأت فيها هذه الحركات بطابعها ومحتواها الطبقي . يتجلى طابع هذه الحركات بطرق متنوعة في مراحل شتى من تطور المجتمع التاريخي ، وبذلك نشأت الحركات القومية التحررية في العصر الذي بدأت فيه المرحلة الأقطاعية بالضمور والزوال ، وبزوغ عصر الرأسمالية البرجوازية بالنشوء أي مرحلة تكوين الأمم الموحدة في دولة واحدة ، وتدفع عملية تصفية إرث التجزأة الاقطائية للنظام الاجتماعي الاقطاعي المبني على مجموعة إقطاعيات الشبه مستقلة الى تطور الانتاج الرأسمالي البرجوازي ثم الى نشوء الدول القومية الوطنية الموحدة المستقلة على أنقاض وحطام الدويلات أو الأمارات الاقطاعية المنهارة . في هذه المرحلة من تطور التاريخ البشري بالذات وتحت وطأة هذه الظروف الذاتية والموضوعية الناضجة تلعب الحركات القومية للشعوب المتطلعة الى الحرية والتحرر والانعتاق القومي دوراً تقدمياً رائداً في تطور المجتمع وتوحيد أفراده في أمة واحدة ، سواءً كانت هذه الأمة احادية القومية أو متعددة القوميات والاثنيات .. في هذه المرحلة التاريخية من حياة الأمم تدعو العوامل الأقتصادية الأساسية بالحاح الى مثل هذا النشوء للدول القومية الوطنية المستقلة . لهذا السبب وغيره من الأسباب فإن نشوء الدولة القومية الوطنية هي ظاهرة عادية وطبيعية أقتضتها ضرورة مرحلة نشوء وتصاعد البرجوازية الوطنية الرأسمالية ، أي بمعنى أن ظهور الدولة القومية الوطنية رافق ظهور وسيادة النظام الرأسمالي البرجوازي وإنهيار النظام الاقطاعي ، أي أن الدولة القومية الوطنية ولدت من رحم النظام الرأسمالي البرجوازي . في أوربا ظهرت الدول القومية الوطنية البرجوازية المستقلة مثل إنكلترة وفرنسا والمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول . وقد شهد التاريخ أيضاً نشوء وولادة أمم في إطار الدول المتعددة القوميات والأثنيات في الجانب الشرقي من أوربا مثل روسيا القيصرية والدولة العثمانية . وباشرت فيما بعد مجموعة من الشعوب المحكومة بتأسيس أمم خاصة بها في قلب الدولة المتعددة القوميات ، وتوجهت الأمم التي هي في طور التكوين الى السعي لأنشاء دول قومية مستقلة خاصة بها ، ولكنها إصطدمت في محاولاتها وتطلعاتها المشروعة هذه بمقاومة الطبقات الحاكمة في الأمة " السيدة " التي تسيطر على أرض البلاد بمجملها . وتشكل المسألة القومية في الأمم المتعددة القوميات والاثنيات في مرحلة الرأسمالية البرجوازية " مسألة داخلية " ، ولكن بعد تطور الرأسمالية البرجوازية وإنتقالها الى مرحلة الأمبريالية تحولت الدول القومية البرجوازية الى أمم متعددة القوميات بعد أن سيطرت على أراضي أجنبية لأمم أخرى وجعلتها جزء من دولها ، وبذلك تحولت الرأسمالية من محررة للأمم المظلومة في نضالها ضد النظام الأقطاعي الى أشرس مضطهَد للأمم المستضعفة في مرحلة الأمبريالية . بسبب هذا التطور النوعي والكمي في شكل وطبيعة النظام الرأسمالي الأمبريالي وقعت بلدان عديدة ضحية للاستعمار ، وحتى قارات بكاملها وقعت تحت نير الاستعمار الأجنبي ومثالاً على ذلك كما قيل عن بريطانيا بأنها الأمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس بسبب توسع رقعتها الجغرافية عبر القارات وما وراء البحار ، وعندئذ أصبحت المسألة القومية " مسألة حقوق ومصير " ليس فقط للأقليات القومية فحسب بل لأكثرية البشرية التي إستعبدتها الأمبراطوريات الاستعمارية الكبرى بالقوة الغاشمة بكل أشكالها العسكرية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية والحيلة والهيمنة الكاملة على كل مقدراتها ومصادرة إرادتها وحريتها وقرارها المستقل . في هذه المرحلة من تطور الرأسمالية تعني " الأمبريالية " التي هي أعلى مراحل الرأسمالية أن الرأسمال قد تخطى حدود الدولة القومية الوطنية وأصبح الأضطهاد والقهر القومي يتفاقم ويتعاظم وفق قاعدة تاريخية جديدة ألا وهي " الرأسمال المالي " وأصبح ذلك السمة المميزة والمرافقة لهذه المرحلة التاريخية ، مرحلة الأمبريالية من تطور النظام البرجوازي الرأسمالي ، وقد اصبح نظام تقسيم الأمم بين أمم " مضطهِدة " وأخرى " مضطهَدة " هو جوهر الأمبريالية بحد ذاتها ، وقد تميز العصر الأمبريالي باستعباد استعماري مالي مارسته أقلية ضئيلة من الدول الأمبريالية المتطورة بحق الأكثرية الساحقة من شعوب الأرض مخالفة في ذلك كل معايير حقوق الإنسان .
بسبب الأضطهاد والقهر القومي أتخذ النضال القومي لحركات التحرر القومية للشعوب المضطهدة والمقهورة في البلدان المستعمَرة والتابعة طابعاً ثورياً وأهمية عالمية في عصر الأمبريالية ولم تعد " المسألة القومية " بعد " مشكلة داخلية " بحتة كما كانت توصف في مرحلة  الرأسمالية البرجوازية بالنسبة للدول المتعددة القوميات . هكذا يتحول نضال حركات التحرر القومي والوطني الى نضال ضد الأمبريالية يخوضه الشعب بكامله بكل قومياته وتنوعاته الاثنية والدينية والمذهبية .
إن الأضطهاد والقهر القومي المزمن الذي تمارسه القوى الأمبريالية العالمية بحق القوميات المستضعفة والمتخلفة لا يثير في قلب جماهيرها الشعبية الكادحة إلا المزيد من الحقد الثوري ضدها وعدم الثقة بالأمم المضطهِدة ويشتد الحقد الثوري وعدم الثقة والريبة بين الجماهير المقهورة ضد مضطهديها الأمبرياليين عندما تخون شرائح الأشتراكية الديمقراطية الوطنية مصالح الطبقات الكادحة من شعوبها وتظهر نفسها بمظهر الخادم الأمين لبرجوازيتها الأمبريالية الوطنية بتأييدها حق هذه الدول – الدول الأمبريالية الأجنبية – في اضطهاد شعوب المستعمَرات والبلدان التابعة .
من خلال دراسة المسألة القومية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية وتحليل طابع الحركات القومية الوطنية نجد أن لطابع هذه الحركات قانون الاتجاهين المتضادين ، في مرحلة الراسمالية يبيح معرفة هذا القانون الموضوعي معرفة المسألة القومية في مختلف مراحل تطورها ، حيث يعبر عن الأتجاه الأول في هذا القانون من خلال وعي الحركات القومية وإندفاعها ومن ثم النضال ضد الأضطهاد والقهر القومي في سبيل خلق الدولة القومية المستقلة ، ويتميز الاتجاه الثاني من القانون بتطور العلاقات الاقتصادية وغيرها بين الأمم وبرفع الحواجز فيما بينها . ويشكل هذان الاتجاهان قانون الراسمالية العالمي فيسود الأول في بداية تطور الرأسمالية والثاني في مرحلة الأمبريالية ، والأثنان تقدميان بمعناهما التاريخي في العصر الذي تتكون فيه وسائل الأنتاج الرأسمالية حيث يبدأ النضال ضد الأقطاعية ، فتكوين الأمم والدول القومية ووعي حركات التحرر القومي والوطني تعبر كلها موضوعياً عن حاجة عملية للتطور الاجتماعي ، ولا يزول الاتجاه الأول في ظروف الرأسمالية الاحتكارية بل يظهر بقوة جديدة في توق شعوب البلدان المسعمَرة والتابعة الى التخلص من نير الأمبريالية لكي تكوَّن دولها القومية المستقلة الخاصة بها ، ويتركز الاتجاه الثاني بتوحيد مختلف الأمم والشعوب ضمن علاقات التقسيم العالمي للعمل وبعلاقات التبادل المتكافئ في كل الميادين .
الطابع العلمي للمسألة القومية   
نعني ما نعنيه بموضوع المسألة القومية بمفهومها العلمي تصفية الاضطهاد والقهر القومي ، أي مسالة تحرر الشعوب من النير والظلم الأمبريالي أو اي شكل من اشكال إستغلال الأنسان لأخيه الأنسان وإقامة مجتمع الكفاية والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات دون ربط ذلك بالجنس والعرق واللون وأن يسود المجتمع التعاون الأخوي والانساني بين القوميات والشعوب ، وقد عالجوا مفكري الماركسية نظرياً (( لا أقول عملياً كما كان الحال في دول حلف وارشو )) هذا الموضوع أي المسألة القومية بدقة علمية ووضعوا فيها النقاط على الحروف أكثر من غيرهم من المفكرين من الأتجاهات والمدارس الفكرية الأخرى في عصر ظهور الدول القومية الوطنية وعصر إنبعاث القوميات وإنعتاقها من تحت أنقاض وركام المظالم في عصرالاقطاعية  ، وقد عالجوا مفكري الماركسية مسألة النضال القومي للشعوب من وجهة نظر تاريخية ، فأبرزوا العلاقة التي لا تنفصم ما بين المسائل القومية والاجتماعية وبرهنوا على أن الأضطهاد والقمع والأعتداءات القومية أنتجتها التناقضات الاجتماعية الموجودة في صلب النظام الراسمالي وسيادة الطبقة البرجوازية ، أو أي شكل آخر لنظام سياسي قائم ويؤمن بنظرية التفوق العِرقي والاستعلاء القومي ذات التوجه العنصري الشوفيني كما هو الحال في بلدان الشرق العربي  والأسلامي ، حيث عانت الأقليات القومية والدينية فيها أشد أنواع الأضطهاد والقهر والتمييز القومي والديني وما زالت تعاني الى يومنا هذا والعراق اليوم خير مثال على ما نقول .
وقد أشاروا مؤسسوا الماركسية الى حقيقة ألا وهي ان المسألة الرئيسية في حل المسألة القومية للقوميات ليست تلك التي تتعلق بالأمة التي يشكلون جزء منها بل هي تلك التي تتعلق بمجتمعهم القومي ، أي بمسألة التحول الاجتماعي الثوري للمجتمع وتأسيس نظام سياسي لا يظلم فيه إنسان إنسان آخر بسبب العِرق واللون والجنس ، ويخلو بالتالي من كل أشكال الأضطهاد والقهر والأجحاف والتمييز القومي كما ورد ذلك في البيان الشيوعي وغيره من وثائق الماركسية التي تقول " اقضوا على إستثمار الإنسان للإنسان تقضون على إستثمار أمة لأمة أخرى "  " ويوم يزول تناحر الطبقات الاجتماعية داخل الأمة تزول معه العداواة بين الأمم " وقد عبروا مفكري الماركسية أيضاً عن العلاقة الجدلية بين ما هو قومي وما هو وطني وبين ما هو أممي من خلال هذه المقولة التاريخية الرصينة والتي لا غبار عليها وتدل على مدى عمق الفهم الإنساني لجوهر المسألة القومية متى ما  وأينما وكيفما كانت " إن شعباً يضطهَد شعوباً أخرى لا يمكن له أن يكون شعباً حراً ، وإن الأمة المظلومة لا يمكن لها ان تكون أمة ظالمة " . ولتحقيق كل هذا ووضعه موضع التطبيق العملي على ارض الواقع يتطلب من الشعوب التي تنشد الحرية نضالاً دؤوباً مستمراً وبشتى الوسائل المتاحة واستثمار كل الطاقات وعلى كافة المستويات ضد كل أشكال استثمار واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وشعب لشعب وضد كل أشكال الانكماش والانزواء التقوقع  القومي ، وكذلك ضد امتيازات أمة على حساب أمة أخرى لكي يحصل التحرر القومي الناجز ويتساوى أبناء البشرية في هذا الكوكب وبعكسه تكون الحروب بكل أطرها الوطنية والأقليمية والقارية والعالمية بسبب تصارع المصالح الاقتصادية هي المصير المحتم للأمم وشعوب الأرض وقد تكون نتائجها وخيمة تقود البشرية الى الفناء إذا ما استخدمت أسلحة الدمار الشامل وعندها سوف تتحقق مقولة العالم الفيزيائي العبقري الكبير ألبرت أينشتاين حينما سؤل ماذا ستكون بتقديركم الأسلحة التي سوف تستخدم خلال الحرب العالمية الثالثة فأجاب لا اعرف ماذا ستكون تلك الأسلحة بل سأجيبكم عن الأسلحة التي سوف تستعمل في الحرب العالمية الرابعة ستكون " العصي والحجارة " . فالحالة التي تشمل بلدنا العراق المتعدد القوميات والأديان والمذاهب لحل المسألة القومية فيه ضمن إطار الدولة الوطنية الموحدة هي توجيه النضال القومي والوطني وتكثيف الجهود لكل المكونات من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية دولة القانون والمؤسسات الدستورية تكون فيها السيادة للقانون وحده ويتم تناوب السلطة سلمياً من خلال صناديق الأقتراع ويتساوى فيها الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات وأن يكون فيها ولاء المواطن للهوية الوطنية وليس للهوية الخصوصية الفرعية


خوشــابا سـتولاقا
15 / ت 1 / 2013


58
          لكي لا ننسى .... 
العلاقة بين الديمقراطية والمركزية في العمل السياسي

خوشــا با ســولاقا

إن مفهومي الديمقراطية والمركزية مفهومين سياسيين وفلسفيين يُعتمدان في أي عمل سياسي منظم سواءً كان ذلك العمل على مستوى التنظيمات والأحزاب السياسية أو على مستوى الإدارة السياسية لشؤون الدولة ، وذلك من خلال إعتماد آليات تجعل فعلهما مترابط ومتكامل لبعضهما البعض ويكونا متداخلين أحياناً ومتعارضين بنسب متفاوتة أحياناً أخرى حسب متطلبات تكتيك تحقيق الأهداف المرحلية الإستراتيجية للعمل السياسي ، ولكن في كل الأحوال وفي كل الظروف أن فعل أحداهما يكون إمتداداً وتكاملاً لفعل الآخر ولا يلغيان بعضهما البعض في أي حال من الأحوال بشكل مطلق ، ولكن يتعايشان في حالة من المد والجزر وفقاً للظروف الذاتية والموضوعية المحيطة . 
الديمقراطية : في حالة إعتماد الممارسة الديمقراطية كنهج في العمل السياسي يعني بالضرورة الأنفتاح على أوسع قاعدة ممكنة من الأفراد من ذوي العلاقة من المنخرطين في العمل سواءً كان ذلك في التنظيم السياسي أو في ادارة شؤون الدولة لغرض مشاركة رأي الأكثرية في بلورة وصنع القرار الأستراتيجي الذي يحدد الإطار العام وأهداف وآليات العمل عبر حوار ومناقشات للأراء المتعددة والمختلفة في مضامينها ومن دون تهميش وإقصاء وإلغاء أي رأي من الأراء  من أجل الوصول في النهاية الى الرأي المشترك الجامع والسديد . في ظل هذه الممارسة التي يكاد أن تكون فيها ممارسة المركزية في صنع القرار قد وصلت الى مستواها الأدنى ، ويكاد أن يكون فعلها المؤثر في صنع القرار الأستراتيجي قد تلاشى وإنصهر في بوتقة وحدة الرأي الجامع للأكثرية .   

المركزية : بشكل عام في حالة إعتماد الممارسة المركزية كنهج في العمل السياسي يعني تركيز أو حصر الصلاحيات والسلطة أي سلطة القرار بحلقة ضيقة من القيادات من المقربين لقِمة الهرم في التنظيم السياسي أو بالرأس الأعلى في إدارة شؤون الدولة ، وقد تحصر الصلاحيات والسلطة والقرار أحياناً بشخص واحد ، وهذا يكون أسوء ما في السلطة والأدارة المركزية لأن هذه الظاهرة المقيتة تنتهي طبيعياً بظهور الديكتاتورية الاستبدادية التي تلغي الديمقراطية عملياً ولا يبقى لها أي مظهر من المظاهر في الحياة الحزبية أو في الأدارة السياسية للدولة من حيث الممارسة العملية في سياقات العمل المعتمدة . 
تتعايش ممارسة الديمقراطية والمركزية معاً في الحياة السياسية العملية الحزبية والادارية في حالة من المد والجزر وفقاً لمستوى نضج الوعي الثقافي والقانوني والسياسي للأفراد المنخرطين في العمل والمتواجدين في الساحة المعنية . فعندما يكون مستوى نضج الوعي الثقافي للأفراد عالياً تكون هناك استجابة لروح متطلبات تطبيق القانون في الحياة عالية المستوى أيضاً كماً ونوعاً ، وعندها سوف يكون هناك مداً كبيراً لصالح الممارسة الديمقراطية ، ويكون هناك بالمقابل جزراً كبيراً يقوض من فعل ممارسة المركزية الصارمة ، وعندما يكون مستوى نضج الوعي الثقافي للأفراد متدنياً يكون مستوى الأستجابة لروح تطبيق القانون في الحياة السياسية متدنياً أيضاً كماً ونوعاً ، وعندها يحصل جزرا كبيراً في فعل الممارسة الديمقراطية على حساب مداً كبيراً في فعل الممارسة المركزية الصارمة في الساحة السياسية من أجل ضبط الأوضاع المنفلتة على أرض الواقع ومحاولة إبقائها في إطارها المحدد والمقبول على الأقل بحدوده الدنيا في حدود القانون . وهكذا يبقى قانون فعل هذان المفهومان في الحياة السياسية الحزبية أو في إدارة شؤون الدولة مرتبط إرتباطاً عضوياً وثيقاً في علاقة جدلية تكاملية بمستوى نضج الوعي الثقافي الجمعي للأفراد المنخرطين في العمل في الساحة المعنية أيضاً في حالة المد والجزر . هنالك حالات وسطية بين المد الكامل والجزر الكامل لهذان المفهومان ، حيث يكون هناك مَداً مُحدداً في مجالات معينة لتطبيق الممارسة الديمقراطية ويقابله جزراً محدداً في ذات الوقت لتطبيق الممارسة المركزية ، وحالات أخرى على العكس من ذلك تماماً ، وهناك حالات يحصل فيها توازي أو توازن بين الحالتين . السياسي الناجح والبارع ورجل الدولة الناجح والبارع هو الذي يتمكن من تشخيص دور وقوة الظروف الذاتية والموضوعية وحجم الأمكانيات المتاحة وتحديد الزمان والمكان المناسبان وتحديد إتجاه القوى الفاعلة في الأحداث على أرض الواقع ، وبالتالي يتمكن من تحديد ورسم الحدود الفاصلة بين ممارسة الديمقراطية والمركزية على خارطة ساحة العمل السياسي لغرض التمكن من التحكم العقلاني بتوجيه دفة تسيير العملية السياسية في التنظيم السياسي أو في الأدارة السياسية للدولة بشكل سليم وفق متطلبات تنفيذ القرار الأستراتيجي وتحقيق الأهداف المرسومة ، حيث يتمكن من خلال هذه الرؤية أن يجعل من الديمقراطية كابحاً قوياً للمركزية الصارمة لمنع ظهور الديكتاتورية الأستبدادية للفرد القائد للحزب أو للدولة ، وأن يجعل من المركزية الايجابية كابحاً للديمقراطية العبثية المنفلته لمنع ظهور نظام الفوضى والجريمة للغوغاء . هكذا نرى أن متطلبات تطبيق الديمقراطية الايجابية أو تطبيق المركزية الايجابية كنهج في ساحة العمل تتغير وفقاً لتغير متطلبات الحياة في الساحة ، ويتبعها أيضاً تَغَير في آليات العمل وسياقاته المعتمدة لأجل إبقاء عملية الأصلاح والتطوير في البنى الاجتماعية والأقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها في المجتمع في مسارها الصحيح والمحدد سلفاً في القرار الأستراتيجي للتنظيم السياسي أو لأدارة الدولة ، وبعكسه سوف يصيب العمل برمته بالفشل المحتم . عليه فإن تغليب الممارسة الديمقراطية على ممارسة المركزية بشكل مطلق في العمل السياسي أي كان العمل يؤدي الى إشاعة الحرية الفردية المفرطة والمنفلتة والتي في ظلها يكون المناخ مهيئاً وخصباً لظهور الجريمة الأجتماعية بكل أشكالها بما فيها الجريمة المنظمة من خلال عصابات المافية والفساد المالي والأداري في أجهزة التنظيم السياسي أو في أجهزة الدولة ، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً يهدد أمن المجتمع واستقراره وخصوصاً في المجتمعات ذات المستوى الثقافي والوعي الأجتماعي الجمعي المتدني أو المتوسط . وعليه في هذه الحالة يكون لوجود مركزية بمستوى معين ومسيطر عليه ضرورة اجتماعية حتمية للمحافظة على التوازن الأمني والسلم الأهلي الاجتماعي في المجتمع ، ففي مثل هذه الحالة وفي ظل هكذا ظروف يكون تعايش الديمقراطية والمركزية على ساحة واحدة أمراً محتماً وضرورياً يفرضه واقع الحال للحياة .. أما في حالة تغليب الممارسة المركزية الصارمة تحت طائلة أي ظرف من الظروف السياسية والاجتماعية فإن ذلك يؤدي الى تركيز وتمركز السلطة في يد فئة قليلة في قيادة التنظيم السياسي المعين على مستوى الحزب أو في قيادة الدولة إن كان ذلك على مستوى الإدارةالسياسية للدولة ، وبالتالي يشكل ذلك تمهيداً لتشكيل سلطة وإدارة ديكتاتورية الفرد الواحد سواءً كان ذلك على مستوى رئيس أو الأمين العام للتنظيم السياسي ، أو على مستوى رئيس الدولة ، وظهور الديكتاتورية يعني إطلاق رصاصة الرحمة على جسد الديمقراطية وبالتالي القضاء على حرية الفرد وكبت الرأي الحر وكم الأفواه ومصادرة الأرادة الحرة لأفراد المجتمع وإقامة مجتمع الرعب والخوف والأرهاب والملاحقات السياسية والتصفيات الجسدية للخصوم والفقر والعوز والجريمة وإثراء الأقلية القليلة المسلطة من القيادة على حساب إفقار الأغلبية الساحقة من الشعب وزيادة بؤسها والأمعان في إذلالها بلقمة عيشها مستغلة لسلطتها في إدارة الدولة لنهب وسرقة المال العام في ظل غياب المؤسسات الدستورية الممثلة لسلطة الشعب في الرقابة والمحاسبة والتي من المفروض أن تلاحق وتحاسب الحكومة في إدارة الدولة على كل خروقاتها وتجاوزاتها للقانون وحقوق الشعب ، ونفس الأمور تحصل داخل التنظيمات والأحزاب السياسية ذات الفكر والتوجهات الشمولية التي تُغلب مبدأ ممارسة المركزية الصارمة على مبدأ ممارسة الديمقراطية في عملها التنظيمي كما كان الحال في حزب البعث العربي الأشتراكي في العراق سابقاً وغيره من الأحزاب في بقية الدول العربية وكما كان الحال أيضاً في الأحزاب الشيوعية والأشتراكية في المعسكر الأشتراكي حيث كانت ظاهرة عبادة الفرد سائدة بقوة في قياداتها ، وبالمقابل كانت الممارسة الديمقراطية مغيبة كلياً عن حياة تلك الأحزاب وأنظمتها السياسية في إدارة بلدانها .
وخلاصة القول أن ممارسة الديمقراطية المطلقة والمركزية الصارمة مرفوضتان كنظام لتسيير التنظيم السياسي وإدارة الدولة لأنهما تخلقان مجتمعات لا يتوفر فيها الأمن والآمان والسلم الأهلي والحرية الفردية الايجابية وبالتالي الرخاء الأقتصادي والرفاه الاجتماعي والعيش الرغيد للمحتمع . إن المطلوب والمقبول إجتماعياً وإنسانياً هو أن تتعايش الديمقراطية والمركزية معاً بشكل متوازن بينهما مد وجزر حسب متطلبات تأمين الحرية الفردية الايجابية للإنسان وغياب الجريمة بكل أشكالها وحماية حقوق الإنسان وتأمين الرخاء الأقتصادي والرفاه الاجتماعي للمجتمع بكل مكوناته وطبقاته وشرائحه المختلفة ، وأن تكون السلطة كل السلطة والسيادة للقانون بمؤسساته الدستورية وحده دون سواه . إن الأفراط في توسيع مساحة الممارسة الديمقراطية في ظل ضعف نضوج الوعي السياسي المجتمعي للمسؤولية تجاه الآخر ، وضعف الثقافة الديمقراطية على حساب التضييق على ممارسة المركزية يعتبر تطرف وإنه امر لا يخدم المجتمع والإنسان ، حيث يصبح الإنسان في ظل هذه الحالة كائن عبثي لا يعي نتائج سلوكه وعمله ولا يُقيم للأخلاق والسلوكيات الإنسانية أية غعتبار ولا يعطيها أية قيمة حضارية تمدنية ، حيث يصبح القتل والجريمة أعمال وسلوكيات مشاعة ومباحة وتصبح سمات للمجتمع الذي تسود فيه هكذا شكل من الممارسة الديمقراطية العبثية والسلبية في نتائجها النهائية ، حيث يكون المجتمع مجتمع تحكمه شريعة الغابة ، أي مجتمع كما يقول المثل المتداول " حارة كلمن إيدو الو " .
وإن الافراط في ممارسة مركزية السلطة والقرار على حساب الأسترشاد والألتزام بقواعد ومبادئ الديمقراطية في العمل يعتبر تطرف أيضاً في منح الثقة والسلطة والصلاحيات لمن يسيء إستخدامها بتعسف ، وعندها تكون هذه الممارسة التعسفية للمركزية أمر مرفوض لا يخدم هو الآخر المجتمع والإنسان لأن ذلك يؤدي حتماً الى ظهور الديكتاتورية الأستبدادية التي يتحول في ظلها الإنسان الحر الى عبد مطيع مسلوب الإرادة وفاقداً لإنسانيته ، والحياة الحرة الكريمة تتحول الى حياة القهر والعبودية يضطر فيها الإنسان تحت طائلة الحاجة لأن يتاجر بإنسانيته التي تعتبر أغلى قيمة في الوجود وأثمن رأسمال على الاطلاق . على ضوء ما تم عرضه إن المطلوب المقبول كما قلنا هو المجتمع المتوازن الذي فيه تتعايش الديمقراطية الايجابية المعتدلة والمركزية المعتدلة وفق الآلية التي تخلق التوازن الاجتماعي وتمنع ظهور سلطة الفوضى والغوغاء وسلطة الديكتاتورية الاستبدادية للفرد وتعطي ما هو ايجابي ومفيد لتقدم وتطور المجتمع والإنسان معاً .

خوشــابا ســولاقا
13 / ت 2 / 2013


59
ظاهرة الفساد في دولة العراق
خوشابا سولاقا
الفساد المالي والأداري كظاهرة اجتماعية مرفوضة قانونياً وأخلاقياً كانت وما زالت موجودة منذ الأزل عبر التاريخ في كل بلدان ومجتمعات العالم منذ أن نشأت مؤسسة الدولة بأبسط أشكالها كمؤسسة خدمية والى ما هو علية اليوم إلا أنها تختلف بحجمها  وشكلها من بلد الى آخر بحسب قوة سلطة الدولة والقانون في مكافحة هذه الظاهرة واستئصالها ، فكلما ضَعَفتْ قوة الدولة وسلطتها القانونية توسعت واستفحلت هذه الظاهرة وكلما قَوَتْ سلطة الدولة والقانون وزادَ عزمها انحصرت وتقلصت ظاهرة الفساد ، والفساد شكل من أشكال الأرهاب وهما صنوان ووجهان لعملة واحدة لا انفصام بينهما .
فإذا كانت هذه الظاهرة تنحصر في فساد فرد مسؤول في أي موقع كان من مستويات المسؤولية في الدولة أو موظف صغير في اجهزتها  ممن يرتضى لنفسه أن يخون الأمانة والمسؤولية الوظيفية لأسبابه الشخصية الخاصة أو في مجموعة أشخاص فعندها تُعتبر ظاهرة الفساد ظاهرة فردية وهي بالتالي لا تشكل خطراً كبيراً على مصلحة الدولة والشعب والوطن ، ولكن عندما تكون هذه الظاهرة ظاهرة فساد البنى التحتية للنظام السياسي الحاكم في البلاد فعندها تكون بطبيعتها وفعلها كطبيعة وفعل المرض العُضال الذي يفتك بجسد الانسان حيث أنها تفتك وتنخر بجسد الدولة والمجتمع يصعب معالجتها بالطرق التقليدية إلا من خلال استئصالها بعملية جراحية ، ويأخذ الفساد في مثل هذه الحالة شكلان على أرض الواقع وكما يلي :-
أولاً : الفساد المشرعن
الذي يمارس عبر القوانين والتعليمات التي تُشرعها وتُصدرها الطبقة السياسية الحاكمة الفاسدة من خلال تحديد سقف عالي غير منطقي وغير عقلاني للرواتب والأمتيازات والمنح التي تُمنح للمسؤولين من الدرجات الخاصة في مؤسسات الدولة وللبطانة من الذين يتم حشرهم في مكاتب هذه الدرجات بعناوين مختلفة خلافاً للقانون من المقربين والموالين بأعداد كبيرة دون حاجة العمل الفعلية الى خدماتهم حيث تتجاوز رواتب هؤلاء أضعاف مضاعفة على ما يمنح لموظفي الدرجة الأولى بأعلى المستويات في سلم الرواتب ، هذا النوع من الفساد يرهق كاحل ميزانية الدولة من دون مقابل ، وهذا النوع من الفساد نراه شائعاً في البلدان ذات الأنظمة الشمولية الديكتاتورية والبلدان غير المستقرة سياسياً وأمنياً وإدارياً والعراق من بين تلك البلدان حيث يعم فيه هذا النوع من الفساد بشكل واسع وملفت للنظر .
ثانياً : فساد سرقات أموال الدولة واستغلال ممتلكاتها بطرق شتى من خلال توجيه ورعاية المفسدين من كبار المسؤولين في سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وذلك من خلال استغلال المفسدين للفاسدين من الخط الثاني في إدارات مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية ممن يرتضي لنفسه أن يكون أداة طيعة بيد المفسدين مقابل فتات موائدهم ، وهؤلاء ينفذون ما يقرره ويخططه المفسدين الكبار على  رأس هرم المؤسسات ( الرئيس الأعلى ) مقابل عُمولات بنسب عالية عبر إعلان المناقصات لتنفيذ المشاريع الأستثمارية والخدمية والأحالات التجارية لأستيراد مستلزمات السوق المحلي من معدادات وأسلحة وأجهزة وكماليات ومواد غذائية وغيرها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى من خلال سرقة المواطنين بفرض الرشاوي عليهم تدفع لموظفي الدولة مقابل ترويج وإنجاز معاملاتهم الرسمية ... هذا النوع من الفساد عندما يعم مؤسسات الدولة تصبح الدولة بأموالها وممتلكاتها أسيرة ورهينة لحيتان الفساد وتصبح عملية محاربة الفساد والقضاء عليه عملية صعبة للغاية إن لم نقُل شبه مستحيلة لأن طبيعة القوانين والتعليمات النافذة والمتحكم بها من قبل المفسدين الكبار تصبح هي العائق المعرقل تُحجم أي إجراء قانوني بحق المفسدين والفاسدين بحكم الضغوطات والتهديدات بالتصفية الجسدية التي تمارس على الأجهزة الرقابية والأدارية والأدعاء العام والقضاء باستغلال المال السياسي من قبل المفسدين فيتم وأد الأجراءات وهي في المهد ، وإن وقع الفاسد بيد القضاء تجعل عملية تقديم الأدلة الدامغة بالأدانة ضده صعبة أو مستحيلة وبذلك يتم إطلاق صراح الفاسد بقرار قضائي لعدم كفاية الأدلة التي يستوجبها القانون الجنائي .... وبتبرئة الفاسد لعدم كفاية الأدلة القانونية يبفى المفسد الحرامي الحقيقي رائد الفساد الأول في مأمن من مساءلة القانون وحر طليق لأنه ليس هو السارق المباشر بالجرم المشهود وليس هناك ما يثبت عليه جريمة السرقة بشكل مباشر وبالدليل الملموس ، وهنا يبقى الدليل الوحيد لأدانته محصور ومرهون باعترافات الفاسدين أمام القضاء أو من خلال تشريع قانون " من أين لك هذا " وتفعيله من خلال قضاء وطني نزيه وعادل بعد تطهيره من الفاسدين والمرتشين حيث يجر المشكوك في أمرهم الى المساءلة القانونية أمام القضاء  .
في ضوء ما تقدم فإن الفساد الذي يضرب بأطنابه في طول وعرض البلاد في أجهزة ومفاصل الدولة العراقية هو ليس من نوع فساد الأفراد بل هو من نوع فساد البنى التحتية لمكونات النظام السياسي الحاكم في العراق حيث تمارسه غالبية الكبار من مسؤولي الدولة من الطبقة السياسية الحاكمة بأحزابها المتنفذة الى الغالبية من صغار موظفيها من الأنتهازيين الموالين للطبقة السياسية الحاكمة كلٍ بطريقته الخاصة كلما سنحت له الفرصة الى ذلك من دون خوف ولا خجل من محاسبة القانون ، وذلك بسبب ضعف سلطة الدولة أمام سلطة نفوذ المفسدين والفاسدين  في ملاحقة  ومحاسبة حيتان الفساد الكبار وطفيلياتهم .
ولمحاربة الفساد والمفسدين والفاسدين بشكل حازم وصارم من هذا النوع في العراق ولتأمين وتوفير مستوجبات تطبيق القانون وتعزيز سلطته ودعم القضاء  يتطلب الأمر ما يلي :-
-   تشريع قانون " من أين لك هذا " مع وضع الآليات والضوابط التي تسهل تطبيقه بفعالية وحرفية من قبل مجلس النواب .
-   تنظيم قوائم بأسماء المشكوك بذمتهم في تعاطيهم بالفساد وسرقة المال العام والأنتفاع من ممتلكات الدولة وعقاراتها بحكم مواقعهم ونفوذهم السياسي في المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية والأمنية .
-   منع السفر لكل من هو في دائرة الشك من المسؤولين الكبار في أجهزة الدولة وسحب جوازاتهم الدبلوماسية وتجميد أرصدتهم وأرصدة عوائلهم المالية داخل العراق ووضع اليد على أموالهم المنقولة وغير المنقولة لحين الأنتهاء من التحقيق معهم وتبرئتهم من قبل المحكمة بقرار قضائي .
-   التنسيق مع الدول الصديقة والمؤسسات المالية والقانونية الدولية والأمم المتحدة والأنتربول وفق مقتضيات القانون الدولي لملاحقة المجرمين الهاربين وتجميد أرصدتهم المالية في البنوك العالمية ووضع اليد عليها بغرض إعادتها الى خزينة الدولة العراقية بعد صدور قرار الحكم القضائي بحق أصحابها .

خوشـــابا ســـولاقا
7 / ك2 / 2018 م   

60
القيادة الجماعية هي المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي... أين تنظيماتنا منه ؟؟
خوشابا سولاقا
هناك مبادئ أساسية معروفة يجب أن تعتمد في قيادة التنظيمات الحزبية السياسية ألا وهي ، الديمقراطية والمركزية والنقد والنقد الذاتي وخضوع الأقلية للأكثرية والألتزام الصارم في تنفيذ القرارات الحزبية الصادرة من هيئات الحزب القيادية تدرجاً من الأعلى الى الأدنى بدقة وغيرها الكثير من المبادئ والتقاليد والسياقات الحزبية التي تقوي من وحدة الحزب الداخلية الفكرية والتنظيمية وتزيد من تماسكه وتعزيز دوره وفعاليته في المواجهة والتصدي للتحديات التي تواجه الحزب في عمله النضالي من أجل إنجاز مُهماته الأستراتيجية وتحقيق أهدافه ، وياتي في مقدمة هذه المبادئ الألتزام الصارم بالقواعد التنظيمية الداخلية المعتمدة في حياة الحزب السياسي ، ولكن بالرغم من أهمية كل ما تم ذكره من المبادئ والقواعد والسياقات الحزبية يبقى مبدأ " القيادة الجماعية الديمقراطية " للحزب السياسي هو المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي أي تنظيم كان ، وعليه سنتناول بشيء من التفصيل هذا الموضوع لأهميته الحيوية في بنيان وديمومة الوحدة الفكرية والتنظيمية للتنظيمات السياسية ومدى التزام تنظيماتنا السياسية (نقصد تنظيمات أمتنا ) به عملياً وأين موقعها منه على وجه التحديد .
إن القيادة الجماعية ذات النهج الديمقراطي هي احدى أهم مبادئ القيادة الحزبية الناجحة ، ولقد بينت وأثبتت التجارب الطويلة للأحزاب السياسية في مختلف البلدان وعبر مختلف الظروف التاريخية لحياة الشعوب أنه فقط بالمحافظة على هذا المبدأ المهم وبالارتكاز عليه والتمسك النزيه والحازم والصارم بقيمه فقط يمكن إطلاق وتوجيه المبادرات الخلاقة لكوادر الحزب ومنظماته السياسية والمهنية بمرونة وإبداع ، وتحليل الوضع بشكل علمي صحيح وتقييم نتائج العمل المنفذ بشكل موضوعي . إن القرارات المتخذة جماعياً تعطي قوة كبيرة وزخم هائل لقيادة الحزب وتسمح في ذات الوقت بتوحيد وجمع مواهب وخبرات المنخرطين في تنظيمات الحزب السياسية والمهنية بكل مستوياتهم ، وتحمي أيضاً هيئات الحزب وقادتها من عوامل الضعف والخلل والزلل والصدفة والعمل بعشوائية وانتقائية ومن اللجوء الى أنصاف الحلول والأحادية الجانب عند إتخاذها للقرارات الحزبية . إن الأراء المتوافقة بحرية وبأسلوب ديمقراطي خير من قرارات فردية تتخذ من هذا المستبد الديكتاتوري أو ذاك مهما كان ذكائه وفطنته ومقدرته في تحليل الأوضاع .
إن القيادة الجماعية هي شرط أساسي ومركزي لا غنى عنه للنشاط الطبيعي لأي حزب سياسي ينشد الديمومة والاستمرار قوياً وكذلك الحال لكل منظماته السياسية والمهنية ، ويسعى لتربية الملاكات الحزبية المقتدرة بصورة صحيحة للعمل بين صفوف الجماهير بصورة فعالة ومؤثرة ، ولتأطير نشاط أعضائه وفعاليتهم الذاتية بصورة دائمة ومستمرة .
إن الأساس النظري والفكري الذي يستند عليه مبدأ القيادة الجماعية في الحزب السياسي هي النظرية العقائدية التي يسترشد بها وبفكرها ويعتمدها الحزب السياسي والتي من دونها يمكن إعتبار الحزب مجرد هيكل من دون روح ، والتي عليها يرتكز أصلاً الدور الحاسم الذي تلعبه الجماهير الشعبية في العملية التاريخية لأعادة صياغة قواعد ومبادئ الحياة الاجتماعية التي يناضل الحزب من أجل تجديدها وتغييرها . وعلى الجماهير هنا كصانع للتاريخ أن تدرك دورها كشرط حاسم في بناء المجتمع الجديد بقيادة حزب يتمتع بقيادة جماعية ونظرية عقائدية ، وإن ذلك يكمن في الأبداع الجماعي الخلاق لها وفي تدفق طاقتها التي لا تنفذ وفي تجربتها المليئة بالحكمة المستنبطة من معاناة ومخاض الحياة اليومية لها في ظل وجود هكذا حزب .. وعليه إن القيادة الجماعية تنبثق من صميم طبيعة الحزب الجماهيري الذي رشحتهُ الجماهير كحزب لأن يكون القائد السياسي لها لينظمها ويربيها على أسس العمل الجماعي المنظم ، ولكي يقودها بنجاح وليلعب دوره القيادي السياسي ينبغي عليه أن يسند عمله بكامله على مرتكزات ديمقراطية حقيقية ليتواصل إرتباطه الجدلي مع الجماهير ، أي بمعنى هناك علاقة جدلية تكاملية بين القيادة الجماعية والنظرية العقائدية للحزب وبين الجماهير ومن دونها يتحول الحزب الى مجرد جمعية أو نادي إجتماعي وليس إلا  . القيادة الجماعية الحقيقية يجب أن تؤمن بصورة مطلقة بضرورة وجود قيادة سياسية وتنظيمية رصينة توضع القرارات المتخذة من قبل مؤتمرات الحزب الدورية موضع التنفيذ الكامل دون تأخير أو تلكوء أو تأجيل ، أي بمعني أن كل قرار يجب أن ينفذ في زمانه ومكانه المحدد بدقة ومهنية ، وأن تؤمن بمبدأ تطوير الحزب كأرقى  شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي السياسي وكقوة قائدة لأنجاز الثورة الاجتماعية في المجتمع . من خلال العمل الجماعي داخل الحزب وفي مجرى المعالجات للأحداث المستجدة في مسيرة الحزب النضالية ، وفي ممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي بحرية لتقييم وتقويم المسيرة تتكون وتتبلور السمات النضالية الحقيقية للمناضلين السياسيين من الطراز المبدع والخلاق التي يحتاجها الحزب الثوري الحقيقي لأنجاز الثورة الأجتماعية المنتظرة في المجتمع . إن مبدأ القيادة الجماعية لوحده فقط يتجاوب مع متطلبات استمرار وديمومة الحزب قوياً وموحداً وتصونه وتحافظ على وحدته الفكرية والتنظيمية وبالتالي إبعاده عن الأخطاء والمنزلقات الخطيرة التي تحصل أحياناً في حياة الأحزاب السياسية عند هذا المنعطف أو ذاك خلال المسيرة  النضالية له . ومن شروط ومستلزمات تحقيق القيادة الجماعية للتنظيم السياسي ينبغي أن يتوفر في صفوف أعضائها مناخاً مناسباً من الحرية وجواً من الديمقراطية الحقيقية للتبادل الحر في الأفكار والأراء والمناقشات المفتوحة والحوارات الصريحة في كل شأن من الشؤون وبقدر عال من الشفافية والمصارحة والمكاشفة ، وأن لا يحق لأي عضو في القيادة أن يحاول فرض رأيه أو وجهة نظره بالقوة على الآخرين مهما كان موقعه في القيادة أو أن يضع نفسه فوق الجماعة ، لأن ظهور أو وجود مثل هذه النزعة تقود الى ظهور نزعة قيادة فردية استبدادية ، وبالتالي تظهر ظاهرة تأليه وعبادة الفرد ومن ثم قيام ديكتاتورية فردية بدلاً من ترسخ القيادة الجماعية ، ومن ثم تلغي مبدأ الديمقراطية لحساب ترسيخ المركزية الصارمة في إتخاذ القرارات داخل التنظيم ، وكذلك تلغي مبدأ خضوع الأقلية للأكثرية في حياة التنظيم الحزبي وهذا يعتبر أخطر ظاهرة تهدد كيان التنظيم السياسي الحزبي في المحافظة على وحدته الفكرية والتنظيمية وتقوده بالتالي الى التفكك والأنحلال . عليه إذا رأت الجماعة أن وجهة نظر أحد أعضائها القياديين مهما كان موقعه بينهم غير صائبة عندها يكون هذا العضو ملزماً بالخضوع لإرادة الأكثرية وعدم القيام بالتبشير بوجهة نظره الشخصية على حساب رأي الأكثرية في القيادة .. وبتأمين هذا الشرط تعكس القرارات المتخذة فعلاً التجربة والخبرة والمعرفة الجماعية المتوفرة لدى الهيئة القيادية للتنظيم الحزبي . وهكذا تعتبر القيادة الجماعية للتنظيم الحزبي والمرتكزة على النظرية العقائدية التي يتبناها التنظيم الحزبي هي المبدأ الأساسي في القيادة السياسية التي تتيح الفرصة المؤاتية لتحقيق كافة الأهداف التي حددها التنظيم الحزبي في برنامجه السياسي ، وعليه يكون فرض على الجميع في التنظيم الحزبي أن تحرص أشد الحرص على أن تنفذ قرارات التنظيم الحزبي الصادرة من المؤتمرات العامة والأجتماعات الموسعة والكونفرنسات الحزبية بدقة ومن قبل الجميع كل حسب موقعه وبقدر ما يمليه عليه ذلك الموقع من الواجبات والألتزامات التنظيمية الحزبية ، وعلى أن تعمل الهيئات الحزبية الجماعية بصورة طبيعية وعلى أن لا تحل الأعتبارات الشخصية وعلاقات المحسوبية والمنسوبية والقرابة محل قراراتها الحزبية المتخذة جماعياً في عملها التنظيمي .
أما من ناحية بناء كوادر حزبية مقتدرة لتولي مهام القيادة الجماعية لهيئات التنظيم الحزبي ينبغي على التنظيم الحزبي بأسره وقياداته العليا بشكل خاص أن تهيئ بصورة دائبة ومنتظمة ومستمرة أشخاص أكفاء لهذه الهيئات ، وأن ينظر بإمعان الى نشاطات كل مرشح الى هذا المنصب القيادي العالي ، وأن يُعرف أيضاً سماتهم الشخصية وميزاتهم وأخطائهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم خلال مسيرتهم النضالية في التنظيم الحزبي والمجتمع قبل توليهم له ، بهذه الصورة وبها فقط نعطي لجماهير المناضلين من أعضاء التنظيم السياسي وموآزريه وأصدقائه قوة التأثير في التنظيم الحزبي - وليس عن طريق الأختيار الكيفي من قبل حلقة ضيقة أو تجمع محدد وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية وعلاقة القرابة – والأمكانية الكافية لمعرفة قادتهم المؤهلين والأكفاء ووضع كل شخص منهم في المكان المناسب له وفق معايير االكفاءة والمقدرة والنزاهة وحسن السلوك ونكران الذات والأستعداد للتضحية وسمو الأخلاق وقوة الشخصية ( الكاريزمة ) .
إن العمل لجذب واستقطاب حلقة واسعة من جماهير التنظيم الحزبي للمشاركة في صياغة القرارات المهمة واستخلاص رأي الأكثرية منها والأستناد عليها والتعبير عن إرادتها ورأيها هو مبدأ تنظيمي وأساسي لحياة التنظيم الحزبي الداخلي ، لأن ذلك يضمن الوصول الى قرارات ناضجة وصائبة تعبر عن إرادة الأكثرية ، وإن تهميش وإقصاء وخرق هذا المبدأ في الحياة الحزبية يؤدي لا محالة الى إنفصال قيادات التنظيم الحزبي على كافة المستويات في الهيكل التنظيمي  للحزب وقادة هيئاته المختلفة عن الجماهير الحزبية وبالتالي يؤدي الى تبني قرارات غير مدروسة وخاطئة تؤدي الى إخفاق التنظيم الحزبي في تحقيق أهدافه المرسومة في منهاجه السياسي .
إن الطريقة العلمية التي يجب إتباعها لمعالجة قضايا القيادة الجماعية في التنظيم السياسي تفرض أيضاً الحل الصائب لمعالجة القضايا المتعلقة بهيبة وشخصية قادة وزعماء التنظيمات المهنية التي تمثل في نشاطها المهني التنظيم السياسي المنبثقة منه ، وإن تلك المعالجات سوف لا تهمش الدور الهام الذي تلعبه قيادات هذه التنظيمات في إعادة بناء مجتمع جديد على أسس جديدة وفق رؤية التنظيم السياسي ، بل ستعزز هذا الدور وتدعمه . إن تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في عمل كل الهيئات الحزبية المنتخبة ديمقراطياً وفق الأصول والسياقات التنظيمية وتأمين عملها المنتظم والمنسجم مع النظرية العقائدية للتنظيم يجب أن يبقى دائماً موضع إهتمام الحزب وأن يعتمد مبدأ القيادة الجماعية كقانون أساسي في حياة الحزب الداخلية وكشرط ضروري لنشاط منظمات الحزب الطبيعي . وإن فلسفة عبادة الفرد وخرق قواعد الديمقراطية داخل التنظيم الحزبي ينتج عنها ما لا يمكن أن يسمح به في حياة الحزب الداخلية لأنها تتناقض مع المبادئ والقواعد التنظيمية الداخلية لحياة الحزب . حيث على الحزب أن يتمسك بهذه المبادئ بحزم لضمان ديمومة القيادة الجماعية في العمل التنظيمي وأن يتم تثبيت ذلك في النظام الداخلي للتنظيم الحزبي وتطبق بحذافيرها بدءً بأصغر وحدة تنظيمية في القاعدة وإنتهاءً بأعلى هيئة قيادية في قِمة الهرم للهيكل التنظيمي للحزب بحزم وصرامة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع . ويقتضي من تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في العمل السياسي المنظم بأن يبادر أعضاء الحزب على كل المستويات التنظيمية الى توجيه النقد بغرض تقويم وإصلاح هذا القائد أو ذاك في الوقت المناسب عندما تقتضي الضرورة ذلك وفق القواعد والسياقات التنظيمية وأن لا يفسحوا المجال لأن تتحول السلوكيات الشخصية الخاطئة الى أخطاء قاتلة للتنظيم الحزبي من دون أن يكون هناك أية روادع وإجراءات تعيق هكذا ممارسة في توجيه النقد بغرض تقويم القائد . كما ينبغي على القادة الأصغاء بروح نضالية حزبية الى الملاحظات الأنتقادية التي توجه إليهم وأن يتقبلوا تلك الأنتقادات بصدر رحب وبروح رياضية وأن يتخذوا الأجراءات والتدابير الضرورية لتقويم عيوبهم وسلوكهم ذاتياً وفق مبدأ النقد والنقد الذاتي ، وأن تتخذ المعالجة الواسعة والصريحة للنواقص والأخطاء التي يرتكبها هذا القائد أو ذاك في الهيئات القيادية وعلى مختلف مستويات المسؤولية في التنظيم الحزبي طابعاً تثقيفياً شاملاً ، وعليه تبقى الثقافة الذاتية التنظيمية  والسياسية والاجتماعية للفرد في التنظيم الحزبي هي المصدر والمنبع لبناء كوادر مقتدرة بالدرجة الأساسية قادرة على تقبل مبادئ وقواعد وشروط القيادة الجماعية بمفهومها السياسي الواسع من دون مضاعفات سلبية .
وكل ما ذكرناه بشأن القيادة الجماعية وأهميتها الأستراتيجية وتصدر أولويتها على غيرها من الأولويات المبدئية في عمل التنظيم السياسي نراه بجلاء غائباً بشكل مطلق في حياة كل أحزابنا السياسية العاملة في ساحة أمتنا مع الأسف الشديد ، حيث نرى بالمقابل القيادات لهذه الأحزاب في حالة من الصراعات والمناكفات وتبادل التهم غير المبررة ونزوعهم الى التفرد بالرأي والقرار في كل شأن من شؤون أمتنا ، كل ذلك من أجل المصالح والمكاسب الشخصية الأنانية التي  تؤمنها وتمنحها لهم هذه الاحزاب من خلال المشاركة الرمزية المذلة في مؤسسات السلطات الرسمية على حساب المصلحة القومية لأمتنا ، إضافة الى غياب الثقافة السياسية بشكل خاص والثقافة العامة بشكل عام لدى أغلب الكوادر الرئيسية من الخط الأول والثاني في الهيكل التنظيمي لهذه الأحزاب بسبب عدم إهتمام ورغبة القيادات الحالية لهذه الأحزاب لخلق وبناء كوادر مثقفة ومؤهلة ومقتدرة للمستقبل لكي تضمن استمرارهم وبقائهم الى أطول فترة ممكنة في تصدر قيادات هذه الأحزاب والأستفادة القصوى من الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً .

خوشــابا ســولاقا
3 / ك2 / 2018 م

61
الأستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي
خوشابا سولاقا
إن اي عمل سياسي منظم يهدف الى إجراء تغيير ثوري في الواقع الاجتماعي القائم للمجتمع وإعادة بنائه وفق علاقات جديدة لا بد أن تكون له " إستراتيجية " واضحة متكاملة لتحقيق إهدافه البعيدة المدى وعلى أن تغطي هذه الأستراتيجية مرحلة تاريخية كاملة ، وأن يكون لهذا العمل تكتيك لتحقيق تلك الأستراتيجية على شكل مراحل جزئية وبعكسه سوف لا يكتب لذلك العمل السياسي النجاح في إنجاز أهدافه ومهامه ، ولغرض توضيح هذا الأمر لا بد لنا من تقديم تعريف ولو مبسط لمفهومي الأستراتيجية والتكتيك وعلاقتهما الجدلية ببعضهما البعض قبل الخوض في التفاصيل .
الأستراتيجية : يعني مفهوم الأستراتيجية تحديد الأهداف ، وتحديد القوة الضاربة والفعالة في عملية التغيير الأجتماعي ، وتحديد الأتجاه الرئيسي لحركة عملية التغيير ، وتختلف الأستراتيجية السياسية باختلاف المراحل التاريخية لعملية التغيير الأجتماعي .
لا تختلف الأستراتيجية في العمل السياسي عن الأستراتيجية في العمل العسكري من حيث آليات العمل ولكنها تختلف عنها من حيث الأهداف وأدواتها . فالأستراتيجية السياسية في العمل السياسي تتعلق عادة بمرحلة تاريخية كاملة ومحددة ، ولهذا تختلف الأستراتيجيات باختلاف المراحل التاريخية لكل ثورة إجتماعية من الثورات ، فاستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية مثلاً تهدف الى تحرير الوطن من الأستعمار الأجنبي وحليفه الطبيعي الأقطاع المحلي وإشاعة الديمقراطية في المجتمع تختلف عن إستراتيجية الثورة الأشتراكية التي تهدف الى القضاء على الأستغلال الرأسمالي للبرجوازية الرأسمالية الوطنية وبقايا الأقطاع بتأميم وسائل الأنتاج الرئيسية ونزع ملكيتها من الرأسماليين وجعلها ملك للشعب ، وكذلك تختلف إستراتيجية كل ثورة إجتماعية من هذه الثورات باختلاف الظروف الذاتية والموضوعية الخاصة بكل بلد من البلدان .
إلا أنه ما هو ضروري في كل إستراتيجية سياسية هو أن تحدد الأهداف العامة لها ، مثل القضاء على الأستعمار الأجنبي والأقطاع المحلي كما في حالة استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية أو القضاء على الأحتكار والأستغلال الرأسمالي للبرجوازية الرأسمالية الوطنية والأجنبية المستثمرة في البلاد إن وجدت بصورة شاملة كما في حالة إستراتيجية الثورة الأشتراكية مثلاً . أما العنصر الثاني في هيكل الأستراتيجية بعد تحديد الهدف هو تحديد القوى الأجتماعية الضاربة والفعالة والتي لها المصلحة الكبرى في تحقيق الأهداف التي تبتغيها استراتيجية الثورة الأجتماعية ، وكذلك ترتيب هذه القوى بحسب مدى فعاليتها وثوريتها وكفاءتها وقدرتها على الحركة في إحداث التغيير المطلوب . مثلاً في حالة استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية يمكن تحريك قوى اجتماعية عديدة طالما تلك القوى جميعاً تلتقي في معاداتها للأستعمار الأجنبي وإستغلال الاقطاع المحلي ، ولكن في نفس الوقت من الضروري جداً التمييز بين القوى الأساسية والقوى الأحتياطية والقوى الطليعية القائدة للثورة الاجتماعية والقوى المتحالفة معها والقوى المترددة في مواقفها من التغيير الاجتماعي فضلاً عن تحديد القوى المعادية للثورة بمراتبها المختلفة كقوى معادية أساساً وقوى تابعة للنظام القائم ، وأخرى قوى يمكن تحييدها أو شلها عن الحركة في تصديها للثورة . وسوف تختلف طبيعة هذه القوى الثورية منها والمعادية للثورة باختلاف إهداف الثورة وباختلاف طبيعة المرحلة التاريخية لكل ثورة إجتماعية .
فمثلاً هناك فئات من الرأسماليين يشتركون في الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية المعادية للأستعمار الأجنبي والاقطاع المحلي في حدود معينة لأن هذه الثورة سوف تحرر لهم السوق المحلي من سيطرة الرأسمال الأجنبي وإستغلال الأقطاع المحلي ، ولكن نفس الفئات نراها ترفض الأشتراك في الثورة الأشتراكية في مرحلة تاريخيةلاحقة  بل تقوم بمعاداتها بضراوة معاداة صريحة لأن الثورة الأشتراكية بحد ذاتها تسعى الى القضاء على الإستغلال الرأسمالي البرجوازي الوطني للبرجوازية الوطنية وتجعل ملكية وسائل الأنتاج الأساسية ملكية عامة للشعب ، ولهذا السبب يقفون بالضد من الثورة الأشتراكية لأن الثورة الأشتراكية تقضي على مصالح هذه الفئات من الرأسماليين على عكس الثورة الوطنية الديمقراطية حيث تَضمَن لهم مصالحهم . وكذلك ما يُثار في موضوع الأستراتيجية السياسية موضوع العنصر الثالث ، والذي هو إتجاه الضربة الرئيسية لقوى التغيير ، وهي بحد ذاتها قضية خلافية بين واضعي الأستراتيجيات فهناك رأي يؤكد بأن إتجاه الضربة الرئيسية هو جوهر كل إستراتيجية سياسية لمن يفرق بين إتجاه الضربة الرئيسية وبين أهداف المرحلة الأستراتيجية . فمثلاً إذا كان هدف الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية هو القضاء على الأستعمار الأجنبي وحليفه الطبيعي الأقطاع المحلي فإن إتجاه الضربة الرئيسية يكون شل تردد الرأسمالية الوطنية وتخليص جماهير الشعب من قيادتها الفكرية والسياسية والتنظيمية على حد سواء . وهناك رأي آخر على النقيض من الرأي الأول ، حيث يؤكد هذا الرأي على أن يكون إتجاه الضربة الرئيسية أساساً لتحقيق الأهداف الأستراتيجية وأن لا تنحرف الى أية قوة إجتماعية أخرى ، أي بمعنى آخر إذا كانت أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية القضاء على الأستعمار الأجنبي وتصفية الأقطاع المحلي ، فيكون إتجاه الضربة الرئيسية لهذه الثورة هو الأستعمار الأجنبي والأقطاع المحلي وليس الرأسمالية الوطنية حيث يمكن تحقيق تحالف مع الرأسمالية الوطنية خلال مرحلة التحرر الوطني . المهم إن الأستراتيجية هي خطة ثورية لتحقيق أهداف معينة تؤدي الى تغيير إصطفاف التركيب الطبقي للمجتمع وتغيير مواقع القوى السياسية فيه في مرحلة تاريخية كاملة ، وبالتالي فإن الأستراتيجية تتألف بالضرورة من تحديد للأهداف وتحديد القوى الاجتماعية الضاربة مع التمييز بينها من حيث الكفاءة والقدرة والثورية ثم تحديد خطة الحركة العامة للثورة الأجتماعية لأنجاز التغيير المطلوب .   
التكتيك :
هو أسلوب وأشكال ومناهج النضال لأي تنظيم سياسي لتحقيق مهام معينة في لحظة محددة .. فالتكتيك السياسي لا يختلف عن التكتيك العسكري ، حاله حال الأستراتيجية ، حيث أن التكتيك بحد ذاته جزء مهم وحيوي من الأستراتيجية وهو مرحلة من مراحلها وأنه ينبع منها ويهدف الى تحقيق عملياتها الجزئية في خدمة الهدف الأستراتيجي العام لحركة الثورة الأجتماعية لأنجاز التغيير الأجتماعي المطلوب . فإذن التكتيك يتعلق أساساً بأساليب النضال وأشكاله ومناهجه ووسائله المختلفة ، ولهذا فان شكل الحركة وطبيعتها وتوقيتها عناصر أساسية في كل تكتيك ولهذا نجد في التكتيك مصطلحات ومفاهيم مثل المبادرة والمباغتة وإمكانية التكيف مع الظروف المحيطة وكيفية التحكم والتصرف بالأمكانيات المحدودة لتحقيق أفضل النتائج ، كما نجد هناك نظريات متعددة للأشتباك وأشكالاً متنوعة للهجوم والأنسحاب ، وأساليب مختلفة لأستعمال الأسلحة . فحرب العصابات مثلاً هي شكلاً تكتيكياً من اشكال النضال السياسي لتحقيق أهداف الخطة الأستراتيجية السياسية في حروب حركات وثورات التحرر الوطني من الأستعمار الأجنبي ، وقد تكون حرب العصابات مرحلة داخل حرب ثورية شاملة للتحرر الوطني ، وقد تكون طابعاً شاملاً لهذه الحرب .
ولعل أخطر مسألتين في التكتيك هي حلقتين ، حلقة تحديد موقع العملية المراد القيام بها ، أي موقع الهدف ، وحلقة تحديد الوقت المناسب للقيام بالعملية ، فإن أمكن السيطرة على ذلك الموقع وفي الوقت المحدد لسهلت السيطرة على بقية العمليات والمواقع ، أي أن يكون النجاح في هذه العملية بمثابة مفتاح الحل للعمليات التالية بأقل الخسائر وبأقصر وقت . وكأن تكون هذه الحلقة تعني في التكتيك العسكري في سبيل المثال لا الحصر السيطرة على ممر بري أو مائي أو غيرها من المواقع ذات الأهمية الأستراتيجية في حسم المعركة العسكرية المعينة أو في حسم الحرب ، حيث يشكل السيطرة عليها فتح الطريق الى نصر حاسم على العدو في المواقع الأخرى . في العمل السياسي قد تكون الحلقة الرئيسية في التكتيك مثلاً السيطرة على التجارة الخاجية أو السيطرة على هذه الحلقة من الأقتصاد أو تلك تؤدي بالنتيجة الى السيطرة وتوجيه الأقتصاد الوطني وحمايته . أما ما يخص المسألة الثانية من عناصر التكتيك ألا وهي التوقيت المناسب لأختيار اللحظة المناسبة للقيام بالمهمة المراد القيام بها ، حيث أن أي تقديم أو تأخير في لحظة التنفيذ قد يشكل ذلك سبباً لفشل العملية برمتها مهما توافرت لها الظروف المادية والنفسية ، ولهذا فالتوقيت السليم يشكل عاملاً حاسماً وسراً أساسياً في نجاح أي تكتيك مرحلي ، وبالتالي يصبح القاعدة المادية الرصينة لأنطلاق نجاح الأستراتيجية المخطط لها لأنجاز الأهداف الأساسية للعمل السياسي في إنجاز الثورة الأجتماعية لتغيير المجتمع وإعادة بنائه من جديد وعلى أسس جديدة .
وعلية فالتكتيك هو جزء من اجزاء الأستراتيجية والذي يحقق مرحلة من مراحلها ويخضع لأهدافها ولا يتناقض مع مسارها وإطارها العام . هكذا نجد أن العلاقة بين الأستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي مهما كانت طبيعة هذا العمل هي علاقة جدلية تكاملية لا إنفصام بينهِما وإن إحداهِما تكمل الأخرى .
تساؤل مشروع :

بعد هذا الأستعراض والشرح المبسط لمفهومي الأستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي أي بمعنى في عمل الأحزاب والحركات السياسية ، وكوننا أحد أبناء أمتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين أن أتساءل السؤال التالي ، أين أحزابنا الكلدانية والسريانية والآشورية بكل تسمياتها البراقة من هذين المفهومين الذين يشكلان العمود الفقري لأي حزب سياسي رصين ، والحزب الذي لا يمتلك هذه المقومات الى جانب إمتلاكه للنظرية الفكرية المستوحاة من واقع من يدعي تمثيلهم والتي يصوغ مبادئه ومنهاجه السياسي على ضوئها لا يمكن إعتباره في أي حال من الأحوال حزب سياسي عقائدي ، بل يبقى مجرد تجمع غير منسجم ومتجانس فكرياً . حزب تسيره وتتحكم به توجيهات مزاجية فردية متغيرة حسب ما تقتضي المصالح الشخصية للفرد المعني ومنفلتة من إطار المحاسبات التنظيمية المبدئية ، في الحقيقة إن كل أحزابنا عند دراسة واقع حالها من جميع الجوانب سنجدها بأنها أحزاب فاقدة للأيديولوجية والنظرية الفكرية التي من المفروض أن تسترشد بها في صياغة فكرها السياسي واستراتيجيتها وتكتيكها في العمل . من جانب آخر لا نجد كتاباً واحداً وحتى كراساً صغيراً واحداً لأحد قادة أو مؤسسي تلك الأحزاب يتحدث فيه عن الفكر السياسي لتنظيمه ، عدا تلك الوثائق الأنشائية المقتبسة من هنا وهناك التي تصدر من مؤتمراتها العامة والكونفرنسات والاجتماعات والتي عادة تكون مكررة لما سبق ، فهي في الحقيقة لا تختلف في عملها عن الأندية الأجتماعية إن لم تكن دون مستواها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر كان النادي الثقافي الآثوري في سبعينيات القرن الماضي أفضل بما لا يقاس من جميع احزاب اليوم قاطبة ، وكان هذا النادي أكثر قرباً وأكثر تأثيراً على أبناء امتنا من جميع النواحي ، وإن بعض الأحزاب الآشورية اليوم ولدت من رحم الثقافة القومية والوعي القومي الذي ولدته نشاطات هذا النادي والذي لم يظهر نموذجاً مماثلاً له في تاريخ امتنا بشكل خاص وفي العراق بشكل عام ، وكما وصفه عالم الأجتماع العراقي الكبير المرحوم الدكتور علي الوردي عندما ألقى فيه في أحد الأيام محاضرة عن دور المرأة في المجتمع العراقي حيث كان الحضور من المثقفين كثيفاً قد تجاوز الألف شخص ، حيث أدهش هذا الحضور والنقاشات التي جرت بشأن الموضوع  المحاضر الدكتور الوردي وكان سعيداً جداً بحضوره وإلقائه لهذه المحاضرة . أي من احزابنا الآشورية له مثل هذا التأثير الأيجابي في مجتمعنا الآشوري أو غيره ، حيث كان نظام النادي والثقافة السائدة فيه لا تهمش ولا تقصي احداً من أبناء أمتنا من كل المذاهب والمسميات بل كان بيتاً آمنا للجميع . وبسبب هذه السياسة وهذا التوجه أصبح هدفاً للنظام البعثي الفاشي وتمكن منه بسبب تعاون بعض المرتزقة الخونة من أبناء أمتنا معه والتعويض عنه ببديل مبتذل . كنا دائماً ضحية لخيانات البعض من أبناء أمتنا سابقاً وما زلنا كذلك .. لقد تحولنا في زمن وجود لنا ممثلين في البرلمان الأتحادي وبرلمان أقليم كوردستان من كيان قومي أصيل في الوطن الى مكون مسيحي طارئ على أرض الأباء والأجداد وضيف ثقيل على المعدة كما يقال . ونحن نستقتل مع بعضنا البعض وبكل الوسائل الذميمة على مناصب الذل والهوان التي يُفضل بها علينا الآخرين مشكورين ، يا ممثلينا الأشاوس نحن أهل الدار بالأمس صرنا اليوم على الدار غرباء غير مرغوب بهم لا يأوينا ولا يقينا من حر الصيف ولا من برد الشتاء . أليست هذه مهزلة وإهانة لأمتنا أم ماذا نسميها ؟ .

خوشــابا ســـولاقا
29 / ك1 / 2017 م         

62
العراق ما بعد داعش ... ما هي التحديات وما هي المعالجات
خوشابا سولاقا
كما هو معلوم ومعروف لدى كل المعنيين والمطلعين على الوضع السياسي المحاصصي في العراق القائم على الطائفية السياسية والأثنية الشوفينية بعد سقوط النظام البعثي الصدامي سنة 2003 م على يد القوات الأمريكية وحلفائها الغربيين وأصدقائهما من العرب حصلت خلافات وصراعات حادة بين حلفاء الأمس على توزيع الغنائم والتي أنتهت بانتهاج سياسة طائفية ممنهجة بأمتياز في المحافظات السنية ربما بتوجيه جهات أجنبية وأقليمية لغاية في نفوسهم وبذلك أصبحت الساحة السياسية العراقية مهيئة لظهور داعش كظاهرة ذات توجه متطرف في الأرهاب وتمكنت داعش في حزيران من عام 2014 من السيطرة الكاملة على ما مساحته 40 % من مساحة العراق ذات الأغلبية السُنية من دون مقاومة تذكر من لدن الدولة الأتحادية بقيادة السيد نوري كامل المالكي وأعلنت دولتها المزعومة في العراق والشام ، وبذلك باتت داعش على أسوار بغداد تدق أبوابها وكانت الحكومة الأتحادية على وشك السقوط والأنهيار التام مما دعت المرجعية الشيعية في النجف الأشرف لأنقاذ الموقف على لسان المرجع الأعلى السيد على السيستاني الى إعلان فتوة الجهاد الكفائي للتطوع في صفوف القوات الأمنية من الجيش والشرطة لمواجهة الأرهاب الداعشي وإيقاف تقدمه الى عمق بغداد فتشكل على أثر هذه الفتوة فصائل ما سميت " بالحشد الشعبي " .
بعد انتهاء الولاية الثانية للسيد نوري المالكي وتولي الدكتور حيدر العبادي رئاسة مجلس الوزراء بدأت حرب التحرير لتحرير العراق من دنس داعش الأرهابي وتوالت الأنتصارات الباهرة للقوات الأمنية العراقية وتوالت بذلك تحرير مدينة إثر مدينة بدءاً بمدينة آمرلي وانتهاءاً بمدينة راوه مروراً بالفلوجة والرمادي وتكريت والموصل والحويجة وفي الثامن من كانون الأول من سنة 2017 م تم إعلان النصر العسكري من قبل رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي على داعش وتحرير الأرض العراقية بالكامل وكان هذا النصر الكبير قد سجل دعماً وتأييداً سياسياً وشعبياً للدكتور حيدر العبادي إلا أن ذلك بالرغم من كل شيء وضع العبادي أمام مرحلة جديدة فيها الكثير من التحديات الكبيرة والخطيرة يتطلب منه مواجهتها بحزم وقوة وصبر لأستكمال النصر العسكري الذي تحقق على إرهاب داعش وتعزيزه بنصر سياسي ايديولوجي لأستئصال الداعشية كفكر وكمنهج صار لهما جذور في المجتمع العراقي وهذه التحديات تشمل الملفات التالية :-
أولاً : ملف مكافحة الفساد المالي والأداري المستشري في كافة أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية والذي قادته قيادات وعناصر الأحزاب الحاكمة المتنفذه والتي جعلت من الفساد ظاهرة اجتماعية سائدة لكونه ليس فساد أفراد بل كونه فساد البنى التحتية لتركيبة النظام السياسي المحاصصي ، هذا الملف الذي من خلاله سرقت أكثر من 500 مليار دولار من أموال الشعب العراقي التي يستوجب إعادتها الى خزينة الدولة من قبل من يقود حملة مكافحة الفساد ، هذا العمل يتطلب تعاون ومشاركة كل القوى الوطنية العراقية الشريفة بكل توجهاتها وانتماءآتها الفكرية والسياسية من كل المكونات وبذل قصارى جهدها لفرز وكشف وحصر الفاسدين وتقديمهم الى القضاء لينالوا جزائهم العادل وفقاً للقانون .
المعالجات المهمة وذات الأولوية هي إتخاذ الأجراءآت العاجلة من قبل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد بإعداد قوائم بأسماء المشكوك بهم من الفاسدين ومنعهم من السفر وتفعيل مبدأ " من أين لك هذا ؟ " وتشريع قانون بذلك والتعاون والتنسيق مع الأمم المتحدة والدول الكبرى الأعضاء الدائميين في مجلس الأمن الدولي والدول ذات العلاقة بأرصدة الفاسدين لتجميد أرصدة المشكوك بأمرهم من المسؤولين منذ سنة 2003 وبضمنهم المسؤولين في الأقليم والقبض عليهم وجلبهم الى العراق بالتعاون مع الأنتربول لمساءلتهم والتحقيق معهم .
   
ثانياً : ملف نزع سلاح الميليشيات الغير مرخصة قانوناً وحصر السلاح بيد الدولة وحدها دون سواها وانهاء مظاهر التسلح في الشارع وهو ملف لا يقل خطورة على مصلحة العراق واستقراره وأمن شعبه عن ملف داعش الأرهابي بكل المقاييس .
ولمعالجة هذا الملف بحزم وبشكل جذري ونهائي تقوم الحكومة بإعطاء مُحلة محددة لقادة تلك الفصائل لحلها وتسليم أسلحتهم الى الدولة وبعكسه تتولى القوات المسلحة مهمة نزع سلاحهم وفق القانون النافذ .
 
ثالثاً : معالجة ملف ملاحقة الخلايا النائمة لداعش وبقاياها والمتعاونين معها يتم من قبل القوات الأمنية بالتعاون مع شيوخ العشائر في المناطق المعنية مع أخذ تعهدات من المشمولين بالتحقيق وبضمان شيوخ عشائرهم وفقاً للقانون وذلك لمنعها من المعاودة مرة أخرى لممارسة الأرهاب والتعاون مع التنظيمات المتطرفة بأي شكل كان. لأن الأنتصار العسكري على داعش لا يعني أبداً الأنتصار على الأفكار والأيديولوجية الداعشية لأستتباب الأمن والأستقرار المجتمعي والسلم الأهلي في البلاد

رابعاً : ملف حل الخلافات بين بغداد وأربيل الخلافات التي طافت على سطح الأحداث بعد الأستفتاء في 25 / أيلول / 2017 م على فصل الأقليم عن جسد العراق لأعلان الدولة الكوردية المستقلة .
معالجة هذه الخلافات يجب أن تتم في إطار الدولة العراقية الفيدرالية الموحدة عبر الحوار الوطني الصريح والمباشر تحت سقف الدستور وبالصورة التي يتم من خلالها ضمان الحقوق القومية والثقافية والدينية لكل الأقليات القومية والدينية الأصيلة في الدولة الأتحادية والأقليم لأن ذلك يشكل الضمان الحقيقي لحماية وحدة العراق أرضاً وشعباً لأن الديمقراطية تعني ضمان حقوق الأقليات وليست فقط تحقيق سلطة وحكم الأكثريات مع إقصاء وتهميش الأقليات كما هو الحال حالياً ومن دون ذلك لا يمكن للأكثريات أن تتمتع بالأمن والأمان والأستقرار .
خامساً : ملف تحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية الحقيقية بين مكونات الشعب العراقي وذلك من خلال الحوار والأنفتاح الديمقراطي المباشر مع الفصائل السياسية المتخاصمة وليس من خلال الفصائل المشاركة في العملية السياسية الجارية حالياً ، وهذا يتطلب إعادة النظر في أسس وفلسفة ومنهج بناء العملية السياسية المنتجة للمصالحة الوطنية الراسخة وتصحيح مساراتها لأن هذا هو ما يؤدي الى وقف الأقتتال في الحرب الأهلية الغير معلنة رسمياً منذ أربعة عشر عاماً في العراق ومن دون تحقيق المصالحة الوطنية المجتمعية الحقيقية لا يمكن للعراق أن يستقر وينعم بالسلام والأمن والأمان الدائم .
 
سادساً : ملف عودة النازحين الى ديارهم وتعويضهم ما خسروه وإعادة اعمار مدنهم وقصباتهم وتوفير لهم العيش الآمن والمناسب ولو بالحد الأدنى في الظروف الراهنة ، وبالتالي إعادة إعمار البنى التحتية المدمرة في تلك المناطق لأعادة الحياة الى طبيعتها كما كانت قبل النزوح منها .
كل هذه الملفات الخطيرة في ظل الوضع المالي والأقتصادي المتردي للعراق وفي ظل الصراعات والمناكفات السياسية بين القوى الممثلة للمكونات العراقية التي كل منها تسعى للحصول على حصة الأسد من الكعكة ، وفي ظل التدخلات الدولية والأقليمية في رسم الخارطة السياسية لمستقبل العراق السياسي تضع الدكتور حيدر العبادي في موقف محرج وصعب للغاية وعاجزاً للتعامل معها بفعالية وحزم وصولاً الى الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق الذي وصل إليه العراق من دون أولاً إلغاء نظام المحاصصة الطائفية والأثنية وبناء دولة المواطنة المدنية بدلاً من دولة المكونات ، وثانياً دعم وإسناد وتعاون المجتمع الدولي من دول الأقليم والولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف الدولي والدول الصديقة حصراً في كل المجالات المالية والأقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية والخبرة الفنية لتمكين العراق من التصدي لهذه الملفات التي تهدد كيانه . كما كانت الحرب على داعش مُهِمة دولية تعاون الجميع في دعم العراق للأنتصار عسكرياً على داعش وحارب نيابة عن الجميع يجب أن تكون مهمة إعادة إعماره  والتصدي للتحديات التي تواجهه أيضاً مهمة الجميع .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 14 / ك1 / 2017 م 

63
هل أن الحرب تصنع السلام الدائم أم أن السلام يمنع الحرب ؟
خوشابا سولاقا
منذ عام 1961 م الحرب قد أندلعت في العراق بين الحركة الكوردية بقيادة المرحوم ملا مصطفى البرزاني ومؤيديه من أنصار الحزب الديمقراطي الكوردستاني من كل القوميات القاطنة في شمال العراق من جهة والحكومة العراقية من جهة أخرى واستخدم فيها كل أنواع الأسلحة التي كانت بحوزة الطرفين وماتوا على أثرها الكثيرين من الشباب العراقيين باسم تحقيق الحقوق القومية للكورد كما كانت تدعي الحركة الكوردية في الوقت الذي كان المندسين من القتلة واللصوص وشذاذ الأفاق من الكورد يقتلون سكان القرى الآمنة في شمال العراق من الرجال المسنين والنساء المسالمين بدمٍ بارد بذرائع شتى ممن لا يلبون رغباتهم الهمجية كلصوص محترفين وكانت قريتينا على سبيل المثال وليس الحصر نحن عشيرة البيلاتي الآشورية المسيحية سردشت وهلوه التابعتان لناحية برواري بالا قضاء العمادية محافظة دهوك الحالية أنموذجاً حيث تعرضتا لمثل هذه الجرائم البشعة التي يندى لها الجبين والتي أُرتكبت من قبل المدعين بأنهم مقاتلين البيشمركة للحركة الكوردية وقد قتل ( 23 ) رجلاً من قريتينا بينهم قسيس قرية هلوة ، وعلى خلفية هذه المجزرة كنا نحن شخصياً وعشرة آخرين بأعمار دون الأربعة عشر ربيعاً من العمر من أبناء قرية سردشت واحداً من الذين هربوا ونجوا بأعجوبة وبقدرة قادر من القتل في ليل هالك وقارص البرودة وقريتينا تعبث بهما اللصوص وشراذم القتلة من الكورد ووصلنا بعد هروبنا الى مدينة العمادية بعد يومين ونحن شبه حفاة الأقدام من أي حذاء وبملابس رثة ولم نحمل معنا درهماً واحداً ونحن نتضرع جوعاً وقد أوونا بعض الكرماء من المعارف الكورد من مدينة العمادية ، ونحن هنا لسنا بصدد سرد الأحداث المؤلمة بقدر ما نحن بصدده مما ارتكبت من البشائع من قبل شذاذ الآفاق باسم الحركة الكوردية هذا من جانب ومن الجانب الآخر كيف كانت القرى الفقيرة الآمنة في الشمال تتعرض للقصف من الجو والبر من قبل قوات الحكومة باسم الدفاع عن العراق ووحدة الوطن ، ولكن في النهاية كان المواطن الفقير في الحالتين يعيش بين نارين وهو الضحية والوقود الذي تلتهمه نيران هذه الحرب العبثية التي يفتقر عقول صانعيها ومشعليها الى منطق العقل والحوار والتفاوض  بروح وطنية صادقة يكون الهدف منها ضمان مصلحة وحياة المواطن العراقي وحقن دمائه بغض النظر عن ما يكون انتمائه القومي والديني والمذهبي ...
هناك من يقول أن الحروب هي من تصنع السلام بينما في الحقيقة أن السلام هو من يمنع الحروب بعد أن تذوق الشعوب مُرّ ويلاتها ودمارها وكوارثها ومآسيها الأجتماعية ، حيث أن كل حرب حتماً تنتهي بانتشار الجريمة وشيوعها بكل أشكالها والفساد الأخلاقي والاجتماعي وغيرها من الأمراض الاجتماعية في المجتمع بحكم ظروف العيش وبسبب ما تُخلفه الحروب من اختلالات في التوازن الديموغرفي والاجتماعي والمستوى المعاشي للمجتمع في مواجهة التحديات الحياتية بمختلف أشكالها ، وهذا ما حصل في مجتمع شمال العراق للفترة ( 1961 – 1991 ) م .
كل ما جرى من أحداث حربية في شمال العراق بعد عام 1961 م والتي آخرها كان استخدام السلاح الكيمياوي في حلبجة والأنفال في نهاية الثمانينات من القرن الماضي من قبل النظام البعثي الصدامي ، والذي على أثره انهارت الحركة الكوردية ولاذوا أتباعها وقادتها بالفرار والهروب مذعورين الى دول الجوار لأنقاذ حياتهم والسكن في المخيمات في ظروف مزرية وماتوا عشرات الآلاف من الفقراء وتهجير مئآت الآلاف منهم من سكان القرى الى جنوب ووسط العراق وصحاريه ممن لا خيار لهم في إشعال أو إيقاف تلك الحروب التي ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل غير كونهم مجرد سكنة ساحات تلك الحروب العبثية المجنونة .
وهنا نسأل ما الذي كسبوه فقراء العراق ( الشعب العراقي ) من جنوبه الى شماله ومن شرقه الى غربه من كل مكوناته القومية والدينية من هذه الحروب غير الأحتلال الأميريكي لبلدهم والتحكم بمقدراتهم ومصادرة حريتهم وقرارهم باسم الحرية والديمقراطية ؟؟ وما الذي كسبوه قاداتهم السياسيين غير المناصب المذلة والمهينة والمرتهنة إرادتهم الوطنية لأرادة الأجنبي المحتل ؟ ، بينما لو كانوا القادة السياسيين قد اعتمدوا منطق العقل والحوار الوطني لحل ما كان بينهم من خلافات واختلافات حول الحقوق القومية والمصالح الوطنية بدلاً من اختيار لغة السلاح والحرب لكانت النتائج أفضل للجميع من دون كل هذه التضحيات التي خلَّفت كل هذا الخراب والدمار بحق الوطن والشعب وهدر أمواله على حساب فقر وبؤس الملايين من أبناء الشعب وترك الملايين من اليتامى من دون تعليم وجيوش من الأرامل والثكالى .... عادة وكما يخبرنا التاريخ هكذا هي نتائج الحروب حيث ليس فيها منتصر ورابح لأن المنتصر فيها عسكرياً يكون خاسراً في جوانب أخرى .
الحرب لا تصنع السلام الدائم بل أن كل حرب حتماً تنتهي بسلام مؤقت والمهزوم في فترة السلام هذه يعيش لينتهز الفرصة المناسبة ليتربص بخصمه ليعلن علية الحرب لينتقم لهزيمته ، والمنتصر يعيش في حالة من القلق والخوف والترقب من شر انتقام المهزوم ، أي بمعنى أن السلام المؤقت الذي تحققه الحرب هو مجرد استراحة مقاتل والحربين العالميتين بنتائجهما الكارثية خير دليل على ما نقول حيث تم تبادل مواقع المنتصر والمهزوم بمقتل الملايين من فقراء الشعوب المختلفة ، وأخيراً وجدوا القادة السياسيين والمفكرين العقلاء للأمم التي خاضت الحربين العالميتين أن السلام الدائم الذي يبعدها من شرور الحروب وكوارثها يأتي من خلال الحوار العقلاني وتوازن المصالح وتوزيع الأدوار واستثمار المقدرات المالية والعلمية والثقافية والحضارية للجميع من أجل مصلحة الجميع هو الخيار الأمثل الذي يجعلهم يعيشون في أمن ورفاه وسلام بعد أن اكتشفوا أخيراً أن ما يمتلكونه من وسائل القوة العسكرية المدمرة سوف لا يخرج منتصر من أية حرب لو اندلعت لأي سبب كان .   
لو كانوا القادة السياسيين العراقيين من كل المكونات قد استفادوا من تجارب الأخرين في الحرب والسلام منذ سنة 1958 م لما مرَّ العراق وشعبه بكل ما مرَّ به من الحروب العبثية وويلاتها ومصائبها ولما وصل العراق الى ما هو علية اليوم .... متى سيعقُل السياسيين العراقيين ويقدمون مصالح شعبهم على مصالحهم الشخصية لبناء وطن بدلاً من بناء مجدٌ شخصي لهم ؟ .

خوشــابا ســولاقا
بغداد 8 / ك1 / 2017 م       


64
هل سياسة العبادي التي تتسم بالهدوء هي حكمة أم هي ضعف ؟؟
خوشابا سولاقا
عندما نستقرأ الوضع السياسي العراقي والعوامل الداخلية والأقليمية والدولية المؤثرة في  رسم الخارطته الجيوسياسية للعراق على ضوء تنوع طبيعة الديموغرافيتة العِرقية والدينية والمذهبية وتناقضاتها وتعدد مكوناته سنصطدم بصعوبة استنتاج وانتقاء الخط والمنهج السياسي الفترض والذي على الأقل يلبي متطلبات هذه العوامل بنسبة مقبولة وينال رضى وقبول الأغلبية السياسية والاجتماعية ، وعليه يكون تقييم النهج السياسي الذي ينتهجه السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حير العبادي في ظل هذا الواقع غير المتجانس من جميع النواحي صعباً للغاية ، ولكن لمن يريد أن يكون منصفاً في تقييمه كمراقب سياسي يلتزم الحيادية في قول الأقرب للحقيقة الموضوعية فإن صورة الواقع ملامحها جلية للعيان للتوصل الى الأستنتاج المسؤول .
واقع الحال في الساحة السياسية العراقية يتسم بالصراعات العميقة عرقياً ومذهبيا وسياسياً على المصالح والمناصب بين الأحزاب السياسية ذاتها وبين العرب والكورد والأقليات القومية والدينية مما تمخضَ عدم التجانس هذا الى انتاج فساد سرطاني في كافة أجهزة الدولة الذي يقودها الى الهلاك هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أنتج هذا الواقع بشكل عرضي ظهور النشاط الأرهابي المسلح بقيادة ما يسمى بالدولة الأسلامية في العراق والشام ( داعش ) الذي هو الوجه الآخر المسلح والدموي لإرهاب الفساد ومكملاً له والذي سيطر على ما يزيد عن ( 40 %  ) من مساحة العراق خلال أيام معدودات من دون مقاومة من جانب الحكومة في بغداد وهذا ما تفاجأ به الجميع وأصطدموا بواقع صعب ومرير يصعب التصدي له بالأمكانيات الذاتية المحدودة وباتت بغداد العاصمة قاب قوسين أو أدني من السقوط في قبضة الأرهاب الداعشي ، مما فتح الباب على مصراعيه للتدخل الأقليمي والدولي في الشأن العراقي بذريعة مساعدة العراق في التصدي لخطر داعش ، وبذلك صار العراق ساحة حرب على المصالح بين القوى الأجنبية والأقليمية .
في ظل هذا الواقع وبضغط من القوى الدولية والمرجعية الدينية في النجف تم إزاحة من كان السبب في خلق وانتاج هذا الواقع المرير بكل تداعياته عن سُدة الحكم والأتيان بالبديل الوسط الأكثر إعتدالاً وقبولاً من القوى الدولية والأقليمية والعراقية والمرجعية الدينية الشيعية رغماً عن إرادة الطرف المزاح عن السلطة . فكانت النتيجة ترشيح الدكتور حيدر العبادي الذي تتسم شخصيته بطابع الهدوء والأعتدال في التعامل والتعاطي مع ذوي الشأن بالأمر من القوى السياسية العراقية والأقليمية والدولية فحصل شيء من الأجماع على القبول به كرئيس لمجلس الوزراء العراقي وحصل على وعود من القوى الدولية بدعمه عسكرياً وفي كل المجالات الأخرى بقوة لمحاربة الأرهاب الداعشي ، وعلى خلفية ذلك قبلت القوى الأقليمية والموالين لها من الداخل على مضض وليس برضاها بالوقوف الى جانبه بشكل ما لمواجهة الواقع المزري الذي كانت هي السبب في خلقة .
ومن هنا شرع الدكتور العبادي في التحرك السياسي الدبلوماسي الهادئ والعمل المطلوب الذي يتناسب وحجم التحديات العاملة على أرض الواقع لسحب البساط من تحت أقدام خصومه وأعدائه فتحرك وانفتح بهدوء وحكمة وتأني لم نكُن نتوقعها منه على القوى السياسية العراقية لكل مكونات الشعب العراقي المذهبية والقومية واضعاً المصلحة الوطنية فوق كل الأعتبارات الأخرى وواضعاً في أطروحاته في محاورة الآخرين على أن كل العراقيين في مركب واحد تلاطمه أمواج بحر الأرهاب الداعشي قائلاً لهم بصراحة وصدق أنه إذا تركنا هذا القارب يغرق سوف يغرق الجميع وإذا نجى سوف ينجو الجميع ، هكذا صارت الصورة واضحة للجميع وما عليهم إلا الأختيار بين الغرق والنجاة ، فأختار الأغلبية النجاة لأنه خير من الغرق ووضعوا ثقتهم بقيادة الدكتور العبادي والذي تمكن بعد كسب ثقة الغالبية من العراقيين من بناء الجيش والقوى الأمنية بكل أصنافها ومسمياتها على أساس وطني وتم بمساعدة الدول الصديقة من تسليحه وتدريبه والأيصال به الى مرحلة متقدمة من القوة الضاربة بالرغم من شُحة الموارد المالية بسبب انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية الذي يعتبر المصدر الوحيد لموارد العراق المالية . وكما تحرك الدكتور العبادي في سياسته العربية والعالمية بحنكة وذكاء لتوضيح سياسة العراق الخارجية القائمة على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلة والأحترام المتبادل وعدم التجاوز على السيادة الوطنية للدول بأي شكل من الأشكال وطلب منهم الدعم والأسناد لمحاربة الأرهاب الذي لا هوية دينية ولا قومية له وإن محاربته واستئصاله من واجب الجميع فتمكن من كسب تأييد الدول لنهجه الى حدٍ كبير وبذلك صارت قدرات العراق بالمستوى القادر على شن الحرب ضد الأرهاب لتحرير الأرض والانسان العراقي من براثن إرهاب داعش .
بعد كل هذا الجهد السياسي العقلاني والأعتدال في المنهج والسلوك والأسلوب الدبلوماسي في العمل مع الجميع نجح الدكتور العبادي بحنكته الواقعية في بناء قدرة عسكرية قادرة على المواجة والمنازلة التي هزت أركان الدولة الأسلاموية الأجرامية البغيضة ، والتي أرعبت داعش وقادتها المجرمين المتعطشين لسفك دماء الأبرياء ، وبذلك أنطلق الدكتور العبادي الى إطلاق العمليات الحربية لمحاربة داعش بلا هوادة وبلا ملل ولا كلل وبدماء الوطنيين الشرفاء من العراقيين المخلصين من الذين ولاءهم للعراق وليس لغيره من الخصوصيات الفرعية لتنفيذ وعده للعراقيين بأن هدفه هو تحرير الانسان قبل الأرض فكان له ذلك حيث توالت عمليات انهيار قلاعي داعش واحدة بعد الأخرى وتحرير المدن والبلدات المغتصبة بالتوالي بشكل ملفت للنظر على طول وعرض العراق من شرقه الى غربه ، وها هي اليوم جحافل الجيش العراقي الباسل بكل أصنافه على أبواب مدينتي الحويجة قرب كركوك وعنه في شمال غربي الأنبار .
ونحن كمراقبين على ثقة بأن الدكتور العبادي بحنكته وعقلانيته وهدوئه السياسي الموزون المتسم بالأعتدال سوف يتمكن من تجاوز الأزمة التي افتعلتها بعض القيادات الكوردية لغاية في نفوسهم بشأن الأستفتاء لفصل الأقليم عن جسد العراق وإعلان قيام الدولة الكوردية المستقلة التي بحسب تقديرنا في ظل الظروف المحيطة ورفض دول الجوار وأمريكا والأتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية سوف لا يكون الأستفتاء ونتائجه لصالح الكورد قبل غيرهم من العراقيين ، متناسين الأخوة في القيادة الكوردية أن العراق لا يقبل القسمة إلا على وأحد ولكنه يقبل الجمع لأكثر من واحد ، وهذا ما يدعونا الى الطلب من القيادات الكوردية المندفعة بمشاعرها القومية أن تتسم سياساتها بشيء من العقلانية والحكمة وتقديم مصلحة الشعب الكوردي على طموحاتهم ومصالحهم الشخصية كسياسيين باحثين عن المجد الشخصي إعادة النظر بنهجهم . من خلال كل ما تم استعراضه نقول بثقة وقناعة بأن السياسة التي انتهجها الدكتور حيدر العبادي المتسمة بالهدوء والأعتدال والعقلانية والتروي بالمنطق المسؤول خلال فترة توليه الحكم وفي خضم هذه التحديات الكبيرة وما تحقق في فترة توليه للمسؤولية من انتصارات عظيمة على الأرهاب الداعشي كانت حكمة وحنكة سياسية متقنة وليس ضعف كما يتصور بعض المطترفين والمتطايرين في اطلاق تصريحاتهم لتقييم موقف العبادي ... نحن على يقين أن بعد الخلاص من إرهاب داعش سيأتي الدور لمحاربة واستئصال إرهاب الفساد في البلاد وقادته لأعادة الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن كل ما حصل بحق العراق والعراقيين لأن انتصاره على إرهاب داعش سيمنحه الدعم والقوة الكافيين على مواجهة الفاسدين والحرامية والخونة الذين سلموا العراق لداعش ، وبإعتقادنا الشخصي فأن ما أفتعلته القيادات الكوردية المتطرفة وبالتنسيق من وراء الستار مع بعض القيادات السياسية من المسؤولين عن تدمير العراق من العرب الشيعة والسُنة هو أمر متفق عليه لعرقلة وإجهاض ووأد الحرب المقبلة التي سيشتها الدكتور العبادي لمكافحة ارهاب الفساد والفاسدين ومحاسبتهم على ما أقترفته أيديهم بحق الوطن بعد الأنتصار على داعش ، وهذه الحرب ضد إرهاب الفساد والفاسدين ستظهر ملامحها بجلاء في الأنتخابات المقبلة .... لننتظر ولا نتسرع لنرى ماذا يخفيه المستقبل من مفاجئآت تبشر العراق والعراقيين بخير وأمان .

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 21 / أيلول / 2017 م   

65
ما المطلوب من المهاجرين لحماية الهوية القومية والوطنية التاريخية ؟؟
خوشــابا ســولاقا
من المسلمات البديهية التي باتت أمراً واقعاً على أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين هو الهجرة والأقامة في المهاجر الغريبة التي صار عددها أكثر من عدد نفوسنا وتوزعوا أفراد الأسرة الواحدة في أكثر من ثلاثة بلدان على أقل تقدير وعلى خلفية هذا الواقع المزري المضحك المبكي بات مستقبل وجودنا القومي لغةً وثقافةً وتقاليداً وطقوساً شيئنا أم أبينا على كفة عفريت كما يقول المثل !!! ويقترب يوم بعد آخر من الزوال والأنقراض ، وبعد أن عجزنا ونلنا الكثير من انتقادات وملامة وربما شتائم ونعوت لاذعة وقاذعة من قبل البعض من أخوتنا المهاجرين المتحمسين للرحيل عن أرض الوطن التاريخية بسبب كتاباتنا عن موضوع الهجرة العشوائية اللعينة المدمرة لوجودنا القومي وتراثنا وثقافتنا وطقوسنا ولغتنا وكل ما يربطنا بماضينا في أرضنا التاريخية وانتمائنا له ونزولاً عند رغبات البعض ممن روجوا وسوقوا الكثير من الأسباب والمبررات المهولة والمضخمة والمفتعلة والملفقة في أغلبها أحياناً كثيرة كما تؤشر الى ذلك سجلات مكاتب الهجرة في بلدان محطات الهجرة نقلاً عن شهود عيان موثوق بهم من أبناء أمتنا ، ولقناعتنا المطلقة بأن من هاجروا طوعاً مهما كانت أسباب هجرتهم لن يعودون يوماً الى وطنهم حتى لو صار الوطن جنة على الأرض بالرغم من إدعاءات البعض من كبار السن من الأباء والأجداد ممن ما زال حب الوطن التاريخي وشعورهم بالندم يلعب بمشاعرهم وأحاسيسهم يحدوهم الى العودة إلا أنهم سوف لا يفعلون ذلك لأن أبنائهم وأحفادهم الذين ولدوا وتربوا في المهاجر لا يتقبلون فكرة العودة ولا يستسيغونها لأنهم يشعرون بالأنتماء الى تلك المجتمعات ، عليه قد قررنا شخصياً أن نتعامل ونتعاطي مع هذه الكارثة اللعينة بطريقة أخرى بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقوماتنا القومية وديمومتها واستمرارها التي تجسد هويتنا القومية والوطنية التاريخية لأطول فترة ممكنة من الزمن القادم ، وحمايتها من تأثير موجات الأنصهار في بودقة الغالبية من مجتمعات المهاجر ، لربما قد تحصل معجزة من خلال حدوث تغيرات كمية ونوعية كبيرة في السياسة الدولية لأعادة رسم خارطة الجيوسياسية للعالم ومنطقتنا قد توفر لنا فرصة لأن نستفاد منها للعودة الى الوطن لو نفذنا ما نقترحه الآن بنجاح في خلق أجيال قومية وطنية في المهجر مسلحين بالثقافة والتربية القومية والوطنية يحدوهم حنينهم بالأنتماء الى أرض وتاريخ أبائهم وأجدادهم بالعودة إليها وهذا الأمر غير مستبعد الحدوث لأن كل شيء في حالة من التغير والتطور المستمر ، وعليه من واجبنا نحن اليوم في الوطن والمهجر تهيئة أجيالنا القادمة الى مثل هذه الأحتمالات وهو أضعف الأيمان ، لذا نقترح الآتي :-
عقد مؤتمر عام للمهاجرين يحضرة رؤساء الكنائس الكلدانية والسريانية والآشورية بكل تسمياتها وممثلي الأحزاب السياسية كافة والوجهاء من الكتاب والمفكرين والمثقفين رجالاً ونساءً يتم فيه التباحث وبتجرد من الأنتماءات المذهبية والتسموية والسياسية ليتباحثوا بصدق وإخلاص بشأن إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مقوماتنا القومية في المهجر لمنع الأنصهار الكامل في مجتمعات المهجر . وهنا لا نقصد من التأثير والتأثر المتبادل لأنه غير ممكن وهو ظاهرة صحية مفيدة ، وعلى أن يقرر المؤتمر
أولاً : نسيان كل خلافات الماضي السياسية والمذهبية اللاهوتية الكنسية ووضعها على الرف في خزائن خلف الأبواب الحديدية المغلقة وعدم العودة إليها لأي سبب من الأسباب .
ثانياً : التنسيق بين رؤساء الكنائس وقادة الأحزاب السياسية  والمثقفين لجمع تبرعات شهرية من أبناء جالياتنا في المهجر وتأسيس صندوق خاص بذلك وطلب مساعدة حكومات المهجر مالياً لدعم هذا الصندوق ومن ثم استثمار تلك الأموال لبناء مدارس ومؤسسات وجمعيات ثقافية ورياضية يدرس فيها لغتنا القومية والتربية القومية والوطنية لبناء أجيال تشعر بالأنتماء القومي والثقافي الى أمة واحدة بغض النظر عن التسمية وغرس في أذهانهم ان تسمياتنا الحالية هي تسميات متعددة لقومية واحدة بدلالة وحدة اللغة وكل المقومات القومية الأخرى من ثقافية وتاريخية وجغرافية .
ثالثاً : إقامة مهرجانات ثقافية للأدب والشعر والفنون المختلفة بلغتنا تهدف الى بناء ثقافة قومية وطنية راسخة ورصينة مبنية على أسس سامية ونبيلة بعيدة عن كل أشكال التعصب القومي والديني والمذهبى والقبلي والعشائري وكره الآخر المختلف قومياً أو دينياً ، وذلك لديمومة الشعور بالأنتماء الى الوطن التاريخي بيث نهرين والعيش المشترك مع الآخر كما هو الحال في بلدان المهجر المقيمين فيها كنموذج لقبول التعايش السلمي مع الآخر المختلف .
رابعاً : دعوة الناس من أبناء جالياتنا في المهجر الى عدم تشجيع الأقارب والأصدقاء في داخل الوطن للهجرة وبالأخص عنصر الشباب منهم ، بل تشجيعهم على البقاء وإكمال الدراسة والحصول على أعلى الشهادات الجامعية في مختلف الأختصاصات العلمية والأدبية والقانونية وغيرها .
خامساً : تربية الشباب في تلك المؤسسات الثقافية من مدارس وأندية وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني القومية وفي العائلة والكنائس الأبتعاد عن كل الممارسات التي تقودهم الى إرتكاب الجريمة بكل أشكالها وتحديداً تعاطي المخدرات والرذيلة وكازينوهات القمار ومكاتب المراهنات وتشجيعهم على الدراسة والتعلم لنيل أعلى الشهادات وتشجيعهم على الأبتعاد عن تقليد الآخرين في الأبتذال بقيم الحياة الانسانية ، بل الأقتداء بهم فيما يفيدهم في تنمية قابلياتهم الذهنية والفكرية والثقافية والرياضية والفنية  .
سادساً : هذه النقطة مهمة للغاية وتعتبر بعد اللغة العنصر الثاني في حماية الهوية القومية ألا وهي التسمي " بالأسماء القومية التاريخية  " وهنا يأتي دور قسان كنائسنا في رفض أي أسم أجنبي غير قومي أثناء إجراء طقوس العماد المقدس وإقناعهم بتسمي أطفالهم بالتسميات القومية التراثية والتاريخية ، لأن الأسم القومي يشير للغريب الى الهوية القومية لحاملة ، وعدم التعاطي بالأسماء الأجنبية البديلة لأسمائنا عند التعاطي مع بعضنا البعض وهنا نذكر نماذج في سبيل المثل وليس الحصر ( كيوركيس – جورج ) و ( يعقوب أو ياقو _ جاكوب ) و ( داوود – ديفيد ) و ( يونادم – جوناثان ) و ( شموئيل – صاموئيل ) و ( يوسف – جوزيف ) و ( عمانوئيل – إيمانوئيل ) و ( أندريوس – أندي ) و ( بنيامين – بينجامين ) و ( شمعون أو شليمون – سايمون ) وهكذا المئات من الأسماء تتغير بمجرد خروج البعض من حدود الوطن ... في الحقيقة هذه العملية تشكل أول خطوة للتنكر للهوية القومية الأصيلة لأن مثل هذه الترهاتات لا تجعلكم أمريكان أو بريطانيين أو غيرهم وتقربكم منهم وتُكبركم في نظرهم أو تزيد من احترامهم لكم بل تَحطْ من قدركم ومكانتكم عندهم لأنهم تربوا على احترام الذات واحترم الآخر كما هو ممن يحترم أصله وتراثه وتاريخه ويعتز بها .
سابعاً : من الضروري جداً تشحيع الشباب من الجنسين على الزواج من بعضهم البعض بغض النظر عن المذهب اللاهوتي الكنسي وعدم الزاوج بالغرباء من الأجانب بقدر الأمكان .
إذا تم تنفيذ هذه النقاط يكون مستقبل أولادكم وأحفادكم القومي في المهاجر مصان وفي حفظ وأمان وبعكسه يكون الأنقراض هو البديل .

خوشـــابا ســـولاقا
4 / آب / 2017 م 



66
الأقليات القومية والدينية في العراق بعد داعش ... الأفاق والمستقبل
خوشــابا ســولاقا
بدءً ذي بدأ العراق يشكل فُسيفساء متنوع القوميات ولأديان والمذاهب من الناحية الديموغرافية ومتنوع من الناحية القبلية والعشائرية وغيرها من الخصوصيات على مستوى العراق الواحد وحتى على مستوى القومية الواحدة والدين الواحد مما يشكل تركيبة اجتماعية معقدة العلاقات الاجتماعية ومتناقضة ومتنافرة مع بعضها اجتماعياً بدرجة كبيرة في جوانب عديدة مما جعل التعايش فيما بينها تعايش هش قابل للأختراق من قبل الأعداء الطامعين في ظل هيمنة أنظمة سياسية تتسم بطابع الشوفينية القومية والدينية والمذهبية التي سادت في العراق خلال تاريخه الحديث ، وهذا ما جعل من المجتمع العراقي فريسة سهلة للفتك به في وقت ضعف سلطة الدولة المركزية المنبوذة من قبل القوميات المضطهدة وضعف سيادة القانون المنحاز للسلطة مقابل ارتفاع سقف العروض المغرية المقدمة من قبل الأغراب الأجانب ومن قبل دول الأقليم مقابل التعاون معها لسلب ثروات البلاد والتآمر عليه ومنعه من التقدم والتطور بذرائع تأمين الحماية تحت يافطات القومية والدين والمذهب من قبل هذا وذاك من الطامعين ، وهذه السياسة القائمة على مبدأ فرّق تَسُد شجعت وعمقت أسباب الخلافات والصراعات والحروب القومية والدينية والمذهبية بين مكونات الشعب العراقي وما حصل منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 1921 الى اليوم خير دليل على ما نقول وكان ما حصل بعد سقوط النظام الدكتاتوري الشوفيني في عام 2003 النموذج الأبرز لتجليات تلك السياسة الحمقاء التي ظهرت بأبشع صورها في ممارسات دولة الخرافة الداعشية بحق المختلفين مع توجهاتها الأرهابية الأجرامية من كافة المكونات العراقية القومية والدينية والمذهبية من دون تمييز في المحافظات التي وقعت تحت سلطتها كانت نتيجة طبيعية وردة فعل طبيعية للسياسة الطائفية التي مارستها الحكومة الأتحادية بحق مكون معين ، ولكن كانت الضحية الكبرى بالنتيجة لكل ما جرى هي أبناء الأقليات القومية والدينية في تلك المناطق وتحديداً في محافظة نينوى مما سبب في نزوح وهروب وتشرد جماعي بالملايين في داخل أقليم كوردستان والمحافظات العراقية التي وفرت لهم الأمان وظروف معيشية بأدنى حدودها ، والقسم الأكبر منهم هاجر الى خارج العراق ، هذا كان واقع الحال في زمن سيطرة الأرهاب الداعشي .
محافظة نينوى حصراً تمثل النموذج المصغر للعراق من حيث التركيبة الديموغرافية قوميا ودينياً ومذهبياً من كل المكونات وحتى عشائرياً وقبلياً ، وهي في ذات الوقت تمثل الأرض التاريحية لسكان العراق الأصليين من الأقليات القومية والدينية كافة ، وقد عانت تلك الأقليات في الماضي والحاضر من الشيء الكثير من المظالم والاَضطهاد والتمييز القومي والديني والمذهبي ومن التفرقة في جميع مناحي الحياة على يد سلطات الأكثريات من العرب والكورد الشوفينية وتكللت هذه الممارسات في زمن داعش بالأبادة الجماعية " الجينوسايد " بأبشع صورها تقشعر لها الأبدان ويندى لها جبين الانسانية ، مما جعل أبناء تلك الأقليات القومية والدينية حساسة للغاية في مشاعرها للتعايش مع الآخرين من الشركاء في الوطن من الأكثريات من دون وجود ضمانات دولية توفر لهم الأمان للعيش والبقاء في مناطقهم التاريخية في محافظة نينوى المحررة حديثاً من طغيان داعش الأرهابي .
بعد تحرير مدينة الموصل وبعد أن يستكمل تحرير المحافظة بالكامل ظهرت وتظهر بجلاء في الأفق بوادر تشير الى احتمارت خطيرة تهدد بنشوب صراع سياسي حاد على الأرض قد يتخذ طابعاً دموياً وبالذات في المناطق التي تسكنها الأقليات القومية والدينية الأصيلة بين العرب والكورد لضم تلك المناطق الى مناطق نفوذهم السياسي ، وهنا سوف تكون الأقليات القومية والدينية بيضة القبان لحسم هذا الصراع لصالح طرف على حساب الطرف الآخر ، حيث  تبنى على موقفها المراهنات السياسية وبالتأكيد فإن أبناء الأقليات سوف تنحاز بحكم واقع ماضيها المرير وحاضرها الجريح الى من يضمن لهم حق تقرير المصير في إدارات ذاتية لممارسة كل حقوقهم القومية والثقافية والسياسية والدينة في ظل سلطة المواطنة الدستورية المدنية تتعاطى مع مواطنيها على أساس هوية المواطنة وليس على أساس هوية المكونات الخصوصية . لذلك نرى اليوم وعلى خلفية ما حصل للأقليات في زمن داعش وضعف الثقة بالشركاء في الوطن أن أبناء الأقليات تطالب بإدارات ذاتية لأدارة شؤونها في مناطقها تحت الحماية الأممية والدولية ضمن وحدة العراق جغرافياً وديموغرافياً ولا تحبذ أي شكل من أشكال الأستقلال أو الأنفصال عن جسد العراق الواحد . فمن سيفوز بولاء أبناء الأقليات ويكسب ثقتهم به ليعطوه كلمة المرور الى المستقبل العراقي ، العرب أم الكورد ؟؟ أم سيفرض الآخر الأجنبي الغريب إرادته على الجميع بإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمحافظة نبنوى كما يشاء بحسب أجنداته ؟؟ .
بعد تحرير محافظة نينوى وعلى ضوء المعطيات التي ذكرناه في أعلاه يتطلب الأمر من الحكومة العراقية الأتحادية في بغداد وحكومة الأقليم في أربيل العودة الى رشدهم الوطني والجلوس على طاولة الحوار الأخوي الديمقراطي لحل المشاكل العالقة لمنع نشوب أي صراع دموي في محافظة نينوى على الأرض لأن في هذا الصراع سيكون الجميع خاسرين ، ويكون ذلك فرصة ذهبية للطامعين في أرض العراق من دول الجوار للتدخل في الشأن العراقي بذرائع شتى ، مما يتطلب إجراء الآتي لوضع البلد على مساره الصحيح :- 
أولاً : تعديل الدستور بتطهيره من كل أدران الأثنية والدينية والطائفية والمحاصصة المقيته وجعلة دستوراً وطنياً مدنياً علمانياً بهوية وطنية عراقية خالٍ من الهويات الخصوصية يحترم الخصوصيات بعيدة عن السياسة ، وأن يتعامل مع المواطن العراقي على أساس المواطنة دون سواها .
ثانياً : أن يتضمن الدستور مواداً صريحة وواضحة لا لبس فيها بأن دولة العراق دولة مدنية لا دين ولا قومية ولا مذهب لها وهي حامية الجميع ، يعيشون فيها متساوين في الحقوق والواجبات والقانون فيها يكون الفيصل والمعيار في كل شيء .
ثالثاً : أن يتضمن الدستور مواد صريحة وواضحة يضمن لكل مكونات الشعب حقوقها القومية والدينية والمذهبية والسياسة والثقافية بالشكل الذي يحافظ على هويتها الخصوصية بما يتناسب مع وضعها وتواجدها الديموغرافي والجغرافي .
رابعاً : ان يتضمن الدستور مواد واضحة وصريحة في منح الفرص لتولي المواقع المسؤولة في دوائر وأجهزة الدولة بحسب المؤهلات العلمية والكفاءة المهنية والنزاهة والأخلاص في العمل والولاء الوطني ، على أساس المواطنة وليس على أساس الخصوصيات والمحسوبيات والمنسوبيات مع مراعاة مشاركة الجميع من دون تهميش أو أقصاء بقدر الأمكان بما في ذلك تولي رئاسة الجمهورية والبرلمان ورئاسة مجلس الوزراء ( أي بمعنى إلغاء المحاصصة ) وأن تكون نتائخ الأنتخابات هي الحاكم الفيصل وما يُعتد بها في تقرير ذلك .
خامساً : تغيير قانون الأنتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات على أن تكون أعضاء المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات من القضاة المهنيين المستقلين المعروفين بنزاهتم وولائهم الوطني يتم تعيينهم من قبل مجلس القضاء الأعلى بعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية وفق معايير يتم وضعها من قبل خبراء قانونيين مختصين ويصادق عليها البرلمان .
سادساً : أن يتولى القضاء الأشراف بشكل مباشر على عملية الأنتخابات في التصويت وفرز النتائج وإعلانها من خلال وسائل الأعلام الرسمية بحضور ممثلي الأمم المتحدة لمنع حصول أي تلاعب أو تزوير في النتائج النهائية لاحقاً .
إن تنفيذ هذه المتطلبات سوف تؤمن شروط قيام دولة القانون والمؤسسات الدستورية وسوف تؤمن كل مستلزمات القضاء على الفساد الذي ينخر بجسد الدولة ، وسوف تؤمن الشروط الموضوعية للتعايش المجتمعي السلمي بين مكونات الشعب وبذلك سوف يقضي على كل أسباب الفرقة والتمييز والأقتتال بكل أشكاله ، وسوف تؤمن وحدة الوعي الوطني بالولاء للعراق ورص الصف الوطني في التصدي لكل التحديات والمؤآمرات على الوطن والشعب وتسد المنافذ بوجه كل متدخل أجني شرير ... هذا هو طريق الخلاص الوحيد للعراق والعراقيين لكي يعيشون موحدين بأمنٍ وأمان وسلام سويةً .

خوشـــابا ســـولاقا
25 / تموز / 2017 م       


67
لكي لا ننسى ما قلناه في 19 / تموز / 2014 م .... بخصوص سقوط الموصل بيد الأرهاب الداعشي في 10 / حزيران / 2014 م عن اسباب هذا المأزق وكيفية الخروج منه ، وها اليوم 10 / تموز / 2017 م أي بعد ثلاثة سنوات وأربعين يوما بالتمام والكمال تحررت الموصل من قبضة الأرهاب الداعشي بدماء الآلاف من أبناء الوطن ممن رووا هذه الأرض بدمائهم الزكية الطاهرة من أجل تحرير الانسان والأرض ليبعثوا فيها الحياة من جديد لتزهر زهورها وتستمر الحياة .... وبالنظر لأهمية ما ذكرناه في مقالنا أدناه نعيد نشره ليطلع على ما ورد فيه من استنتاجات وتوقعات وما قد يحصل بعد داعش من صراعات قومية ومذهبية محتملة وكم كانت توقعاتنا واستنتاجاتنا سليمة لقرأة الواقع ... يرجى التركيز.... تحياتنا
   
مأزق العراق وكيف الخروج منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
ما هي أسباب المأزق ... ؟؟
إن الأحداث الدراماتيكية التي حصلت في العراق في العاشر من حزيران الماضي وما بعده أحداث تكاد لا تصدق من عاقل ومدرك وكانت أحداث بمثابة زلزال هز أركان الدولة العراقية الهشة أصلاً وهدد وجودها في الصميم بعواقب وخيمة أقلها التهديد بالتقسيم الى أقاليم وربما دويلات طائفية وأثنية كل بحسب مقاسه وخصوصيته متناسين إنتمائهم الوطني العراقي ، وكانت كالبركان الثائر فجر قلب العراق النابض بالحياة والذي أدماه أقزام السياسة الذين لا يجيدون من فن السياسية غير المشاكسة البليدة الغير المنتجة للخير ، وصار حال العراق كذلك الشهيد اليتيم المجهول الذي لا يوجد من يرثيه ويبكيه ويواري جثمانه الثرى ، كل ذلك حصل في ظل عجز المتمسكين بسلطة الدولة لردع العابثين بأمنها وبأمن المواطن لأن ذلك ليس ضمن برامجهم التي يستقتلون من أجلها ليلاً ونهاراً . بالتأكيد إن هذا الوضع المستجد في العراق سوف يلقي بظلاله المعتمة والمحزنة على حالة الوضع العراقي وتركيبته الأجتماعية بجبال من الأحقاد والكراهية ورفض قبول الآخر بين مكوناته المذهبية والقومية والدينية والتعايش السلمي بأمان ، ويعمق من حدة النزعات التناحرية ، وتعلوا الأصوات المنادية بالدعوة الى الأنفصال وتشكيل كيانات قومية وطائفية ، والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق بدعوة الأخوة الكورد الى إنفصال الأقليم وإعلان إستقلال كوردستان عن جسم العراق وقيام الدولة الكوردية ، وربما يلحق ذلك مستقبلاً إذا تطورت الأحداث على وتيرة ما هي عليه الآن الى قيام دولة سنية لعرب السنة ، وأخرى شيعية لعرب الشيعة ، ورابعة دولة قومية للأخوة التركمان ، وربما دولة خامسة لما تبقى في العراق من المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين باعتبارهم سكان العراق الأصليين ويكون ذلك حقاً مشروعاً في ظل هذا الواقع ، وربما يطالب الأخوة الأيزديين أيضاً بحق تقرير المصير بشكل ما ويكون ذلك من حقهم الطبيعي حالهم حال غيرهم من المكونات في ظل غياب دولة وطنية قوية قادرة على حماية مواطنيها من العدوان سواءً كان ذلك العدوان من داعش أو من غيرها من التنظيمات المتشددة كما هو الحال في العراق اليوم . وبعد هذه الأوضاع الغريبة والعجيبة سوف تعم العراق الفوضى وغياب الأمن والآمان ، وتسود ثقافة القتل على الهوية والثأر والأنتقام المتبادل التي زرعت بذورها سياسات الحكومات القومية الشوفينية في السابق وعمقتها بشكل واسع ومقرف سياسات الحكومات القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية المقيتة التي توالت على حكم العراق بعد سقوط  نظام صدام حسين في عام 2003 ، وتركت هذه السياسات على أرض الواقع العراقي أثاراً لا يمكن محوها لعشرات السنين من الزمان . كل هذا ما حصل واصبح واقعاً معاشاً ويعاني منه المواطن العراقي في كل لحظة من حياته اليومية . في الحقيقة ليس هذا هو المهم في الأمر ، بل إن ألأهم منه هو هل أن ما حصل كان بفعل عوامل داخلية وطنية بحتة ، أم كان بفعل عوامل أجندات خارجية لدول الأقليم والدول الكبرى المهيمنة على القرار السياسي الكوني ؟؟ ، أم بفعل العوامل الخارجية ودعم العوامل الداخلية الوطنية ؟ لأن يكون العراق وغيرة من البلدان التي لا تمتلك قرارها الوطني المستقل مثل سوريا ولبنان وليبيا وغيرها من بلدان الربيع العربي الضحية وكبش الفداء لمخططات تلك الأجندات الدخيلة والمشبوهة لأعادة رسم الخارطة السياسية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد يؤدي الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزء الى دويلات أثنية وطائفية تسودها سياسة الثأر والأنتقام والقتل على الهوية القومية والدينية والطائفية يكون الخاسر الأكبر فيها أبناء الأقليات القومية والدينية بالدرجة الأساس وشعوب المنطقة ، والرابح الأكبر فيها يكون الأجنبي القوي القابع وراء حدود الأقليم وشركائه الأقليميين والعملاء في حكومات تلك الدول . بالتأكيد هناك عوامل خارجية والمتمثلة بأجندات سياسية لدول الجوار العراقي والقوى الدولية المهيمنة على القرار الكوني التي تقتضي مصالحها الحيوية أن يحصل ما حصل في العراق وأن يستمر على هذا المنوال الى أبعد مدى ممكن ، إضافة الى وجود عوامل داخلية المتمثلة بتلك الأجندات السياسية الفئوية والشخصية التي إرتبطت مصالحها بمصالح القوي الأجنبية والأقليمية الطامعة بخيرات العراق الوفيرة وإرتضت لنفسها أن تكون أداة طيعة بيد الأجنبي والغرباء الطامعين وأن تكون خادمة لأجنداتها السياسية والأقتصادية وتشاركها في سرقة ونهب أموال العراق على حساب الأمعان في إفقار الشعب العراقي وإذلاله في لقمة عيشه وأن تزيد من بؤسه وشقائه ومعاناته يوم بعد آخر تعددت وتوسعت وشملت كل مناحي الحياة العراقية ، وقد تجلى ذلك بأوضح الصور في حجم الفساد المالي والأداري المستشري في كل مؤسسات الدولة والتطاول الفض من قبل كبار مسؤولي الدولة وزبانيتهم من القطط السمان على المال العام وتحويلة الى خارج الوطن بدلاً من أن يستثمر في الداخل في إعادة بناء البنى التحتية للأقتصاد الوطني كما هو حال سراق المال العام في أقليم كوردستان والتي هي نقطة إيجابية تسجل لصالح سراق المال العام في حكومة أقليم كوردستان ، لو كان الأمر كذلك لأصبحت حالة بغداد مثل حالة أربيل وليس لأن تكون مماثلة لحالة أية قرية عراقية في زمن مدحت باشا رحمه الله الوالي العثماني في بغداد . !!!!
كيف الخروج من المأزق  ... ؟؟
لقد تراكمت سلبيات الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق بعد عام 2003 بفعل سياسات الأقصاء والتهميش والتمييز القومي والديني والطائفي بشكل خاص والتطبيق الأنتقائي لقانون المساءلة والعدالة بحق البعض دون البعض الآخر ، وسعي الحكومات المتوالية الى تحميل البعض مسؤولية ما قامت بة الحكومة الديكتاتورية السابقة من ممارسات مقيتة بحق الشعب العراقي ، مما عمقت من ثقافة الثأر والأنتقام بين مكونات الشعب العراقي . هذه السياسات هيئة الأرضية المناسبة والظروف الموضوعية الملائمة وانضجت الظروف الذاتية لمن شملتهم هذه السياسات لأن تعلن تمردها  على هذا الواقع أالمزري ودفعتها بحكم تلاقي الأهداف بمعاداة النظام لأن تتحالف مع قوى الشر والأرهاب المتمثلة بالقاعدة وداعش وغيرها لأن تعلن ثورتها على النظام . إن ممارسات الحكومة غير المتزنة وغير الحكيمة وغير الرصينة والمبنية على ردود أفعال غير محسوبة النتائج والتي لا تتسم بروح المشاركة الوطنية الحقيقية في صنع القرار الوطني ، وفقدان الثقة الراسخة بالشركاء في الوطن ، وعدم استجابتها للمطالب المشروعة لسكان المناطق التي لا تسيطر عليها اليوم الحكومة الأتحادية في أقليم كوردستان والمحافظات السنية وحتى بعض المحافظات الشيعية في الفرات الأوسط والجنوب هي التي كانت السبب التي أوصلت الأمور الى ما وصلت إليه اليوم الى هذه الدرجة من السوء والتي غدت تهدد مصير وحدة البلاد الجغرافية ، وهي التي جعلت الحكومة التي يرأسها السيد دولة رئيس الوزراء نوري المالكي في واد والآخرين في واد ِ آخر والجميع في حالة من الهيجان من المناكفات والمشاكسات وتبادل التهم في الفراغ تاركة داعش تلعب لوحدها في الساحة كما تشاء وكما يحلو لها وتمسك بزمام المبادرة كما تنقله لنا الأحداث على الأرض وليس كما تنقله وسائل إعلام الطرفين وأصبح شمال الخالص وسامراء وغرب بغداد لا يمكن للمواطن العراقي العادي عبورها نحو الشمال والغرب ، أين أصبحت السيادة الوطنية التي تقنع المواطن بوحدة العراق أرضاً وشعباً . ليس بمقدور القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الأرهابية ان تجد لنفسها موطئ قدم وتؤسس لحضور مؤثر وفعال بأبسط أشكاله ، وليس بمقدور الكورد وغيرهم من المكونات ان تجد من الأسباب والمبررات لنفسها لأن تطالب بالأستقلال والأنفصال عن جسم العراق إذا كان هناك في بغداد العاصمة حكومة وطنية تؤمن بالشراكة الوطنية الحقيقية وعادلة مؤمنة بالوطن لا تميز بين مواطنيها على أساس العِرق والدين والمذهب ، وتستند على الدستور والقانون في منح الحقوق وتوزيع الواجبات بين أبناء الوطن الواحد ، وبناء توازن وطني في توزيع المهام بين مكوناته ورفض المحاصصة بكل أشكالها وإعتماد مبدأ الولاء الوطني والهوية الوطنية . عندها سوف تنتهي داعش وتتبخر من أرض العراق في لمحة بصر دون الحاجة الى إراقة دماء الأبرياء (( ولد الخايبة )) وحرق المليارات من الدولارات لشراء الأسلحة وذمم ضعاف النفوس ، داعش وبكل التداعيات التي لحقت بالعراق بعد العاشر من حزيران هي النتيجة الحتمية للسياسات غير المتزنة وغير المدروسة نتائجها وعواقبها الوخيمة التي أدخلت البلاد الى نفق الحرب الأهلية الطائفية التي لا نعرف مداها ، وعليه نرى أن معالجة هذه النتيجة وإستئصالها من أرض العراق يأتي حتماً من خلال معالجة واستئصال الأسباب المؤدية لها .
يا أيها السادة السياسيين الذين يستقتلون على الكراسي والمناصب الخاوية والخالية ممن يستحقونها من رجال  يجيدون فن إدارة الدولة وحقن دماء أبناء الوطن وحماية أموالهم من النهب والسرقة والبذخ غير المجدي وغير المبرر كما هو عليه الحال اليوم . نقول للجميع محبة بالعراق وبعوائلكم التي من نتائج أفعالكم براء عودوا الى رشدكم وسلموا السفينة الى من تجدونه من بينكم كفوء ومخلص ونزيه يجيد قياتها ويتمكن من إيصالها الى بر الأمان بسلام ، فذلك يكون خير لكم وللعراق وللعراقيين الذين عانوا الكثير من المصائب والمهانة والتشرد في بلدان الغربة ومذلتها تاركين لكم نافذة ولو صغيرة تطل على مسرح التاريخ المشرف تذكرون بها بخير من الأجيال التي يورثون أرض العراق من بعدكم ، اتركوا لكم أثراً وذكراً طيباً بعد رحيلكم .


 خوشــابا ســولاقا
19  / تموز /2014 – بغداد
 
 

68
مرة أخرى كالعادة اتفقَ الفقهاء على أن لا يتفقوا !!!
خوشابا سولاقا
بدءً ذي بدء الموضوع يخص ما سمي بمؤتمر بروكسل الذي أنعقد في 28 – 29 / 6 / 2017 م في مدينة بروكسيل عاصمة بلجيكا  لبحث موضوع ما سمي بكيفية حماية المسيحيين وغيرهم من الأقليات العرقية والدينية في سهل نينوى ودعي للحضور والمشاركة في جلساته ما يقارب من ستين شخصية دينية وسياسية من المسيحيين بكل انتماءاتهم الكنسية من الكلدان والسريان والآشوريين ومن الأيزيديين والشبك والكاكائيين والكورد حتماً وربما من العرب أيضاً وربما غيرهم لتكون هوية المؤتمر أكثر شمولية من حيث تمثيل مكونات الشعب العراقي .
كان الأعلام الموجه من وراء الكواليس الذي تحركه أصابع المنظمين للمؤتر يشير وكأن المؤتمر هو مؤتمر تقرير مصير سكان سهل نينوى في إدارة مستقلة خاصة بهم لأدارة شؤونهم الداخلية بأنفسهم وبدعم الأتحاد الأوروبي وحماية دولية لمنع تكرار ما حصل لهم على يد داعش ومن سبقها من الحكومات الشمولية الشوفينية ، هذا ما كان يوحي للمتابع والمراقب السياسي ، إلا أن التغيرات والتبدلات التي رافقت انعقاد المؤتمر في أوراق عمله تَوضح من خلالها للمراقبين أنه هناك أجندات خفية تحرك الرياح كما تشتهي سفنهم ليحصدوا في النهاية ثمار المؤآمرة لأهل هذه الأجندات وخيانة الأدوات المتعاونة معها من أبناء الأقليات في سهل نينوى وليَخرجوا المساكين الشرفاء المخلصين من أبناء الأقليات من المولد بلا حمص كما يقال .
هنا نود أن نشير الى أمور كثيرة في غاية الأهمية متعلقة بشأن العراق وما حصل ويحصل وما سوف يحصل مستقبلاً على المدى البعيد بعد غياب دولة الخرافة المصطنعة ، وهنا نسأل من هو صاحب القرار الأول والآخير من القوى الدولية في هذا الشأن ؟؟ هل هو الأتحاد الأوروبي من دون بريطانيا أم الولايات المتحدة مع بريطانيا ؟؟ ، ثم هل أن هذا المؤتمر انعقد تحت رعاية وراية ودعم الأتحاد الأوروبي بشكل رسمي ومعلن أم أنه انعقد برعاية أعضاء أو عضو معين في البرلمان الأوروبي ؟؟ ، ثم هل أن الولايات المتحدة والحكومة العراقية الأتحادية وافقوا على انعقاد هذا المؤتمر لتكون قراراته الثورية العظيمة ملزمة التنفيذ من قبل الحكومة الأتحادية بمباركة أمريكا ؟؟ ، ثم ما هي الأجندات الكوردية التي تبتغي تنفيذها من وراء هذا المؤتمر ؟؟ ثم هل أن المؤيدين للمشاركة في هذا المؤتمر من أبناء سهل نينوى لديهم أية ضمانات دولية أو كوردية تضمن لهم تنفيذ ما يقرر لصالحهم في المؤتمر ؟؟ أم أن الذين خططوا ورتبوا لهذا المؤتمر ومن وافقوا على المشاركة  فيه من المتعاونين مع الأجندات الكوردية المخفية – المكشوفة !! بأن سهل نينوى هو ملك سائب ليعبث به من يشاء كيفما يشاء ؟؟ لا أيها الأخوة الأمر ليس بهذه السهولة وسوف تلاقون مصاعب جمة وكبيرة .... لا سهل نينوى ولا  غيره من المناطق التي تسمى بالمناطق المتنازع عليها هي سهلة المنال لأن أهل العراق بكل مكوناتهم سوف يرفضون مؤآمرة تقسيمه الى كانتونات عرقية ومذهبية لأن تجربتهم مع الحكومات القومية والأسلام السياسي الشوفينية السابقة واللاحقة قد علمتهم بأن العيش في العراق بأمن وسلام لا يأتي إلا من خلال وحدته أرضاً وشعباً في ظل دولة ديمقراطية مدنية يحكمها الدستور المدني وليس الدستور الطائفي والعِرقي والقوانين التي تُؤمن للجميع العدالة والمساواة على أساس المواطنة والهوية الوطنية العراقية وليس سواهما .
الأتحاد الأوروبي بكل دوله بغياب بريطانيا وليس بعضو معين أو بعدد من أعضائه قادر على عمل شيء ولو قيد أنملة باتجاه تقرير الخارطة الجيوسياسية للعراق ومكوناته من دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانية ، وما جرى في بروكسيل ليس أكثر من مهزلة ومؤآمرة لتحقيق أجندات كوردية مكشوفة للتمدد الى ما وراء حدود أقليمهم الحالي مستغلين المتعاونين معهم من المخدوعين بوعودهم التي تتحول بعد وصولهم الى غاياتهم الى مجرد كلام الليل يمحيه النهار وعندها سوف لا يفيد الندم ولا عض الأصابع .
الكورد وكأي قومية في العالم من حقهم تقرير مصيرهم في دولة مستقلة مستغلين في ذلك الظروف والتغيرات التي تستجد على مستوى مناطق تواجدهم في العراق والأقليم والعالم ولكنهم في ذات الوقت يدركون أن حق تقرير المصير في دولة مستقلة على أرض ليست أرضهم التاريخية بموجب القوانين والشرائع الدولية غير ممكن ولذلك يسعون إلى توفير وتأمين ما ممكن من وثائق وسندات تؤيد هذا الحق وتشرعنه على الأرض من خلال موافقة السكان الآصليين للأرض وهذا كان الهدف من وراء مؤتمر بروكسيل يا ممثلي الأقليات المشاركين وغير المشاركين فيه إلا أنه مع الأسف الشديد مواقفكم وانقسامكم على بعضكم خيبت آمال من تدعون تمثيلهم وهذا مخجل يبعث الى القرف في النفس يا سادة القوم .
المشكلة هي أن بعد أن تَوضَح الأمر من خلال الكتابات والنشريات في الأعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للشخصيات المدعوة للحضور والمشاركة في المؤتمر من السياسيين والدينيين من الأقليات الآصيلة من أبناء سهل نينوى أرتبك الأمر عليهم وتقاطعت آرائهم ومصالحهم بحكم إرتباط المصالح الشخصية لغالبيتهم بأجندات سياسية للقوى السياسية المهيمنة في بغداد وأربيل ، وعلى أرضية وخلفية هذه المصالح الشخصية لبعض القيادات السياسية والدينية انقسم القرار بين موافق ورافض للمشاركة في المؤتمر وكانت الضحية هي أبناء الأقليات وبعض السياسيين المخلصين الشرفاء الذين تحركهم مصالح أمتهم وليس مصالحهم الشخصية وكذلك البعض ممن شاركوا الرقص في الدبكة ولكنهم لا يعرفون من هم العروسين مضيعين صول جعابهم كما يقول المثل !!! .
صاحب المصلحة الكبرى من انعقاد المؤتمر بغض النظر إن نجح أو فشل هم الكورد ، وكل ما يريدونه الأخوة الكورد من المؤتمر هو صدور وثيقة أو أي بروتوكول معين تحت أي عنوانٍ كان كبيان ختامي للمؤتمر موقع من قبل المشاركين من ممثلي الأقليات يؤيد ويؤكد بأن مصير الأقليات العِرقية والدينية في سهل نينوى يكون في شمول السهل بالأستفتاء المزمع إجرائه في 25 / أيلول القادم وقبول ممثلي السهل المشاركين في ضم السهل الى أقليم كوردستان الحالي باعتباره الحل الأمثل لمعاناة الأقليات في محافظة نينوى تمهيداً لأعتبار السهل جزء من دولة كوردستان مستقبلاً ، وهذه الوثيقة مهما تكون تسميتها تعطي الحق للكورد بتقرير مصيرهم على أرض غيرهم بحسب رؤية الكورد لتأمين المتطلبات التاريخية والقانونية لتطبيق ذلك الحق .
المشكلة العويصة في موضوع مقالنا هذا هي ... لماذا لم يتفقوا فقهائنا الفطاحل جميعاً على رفض المشاركة أو قبولها في المؤتمر الذي يعتبر المرحلة المفصلية في تقرير مصيرنا في أرضنا التاريخية على الأقل لتثبيت وحدة قرارهم وكلمتهم على القضايا المصيرية لدى الغير ؟؟ .
هنا نقول لو كانت فعلاً بحق وايمان ولاءآتهم وانتماءآتهم للأمة والمصلحة القومية والوطنية العليا لكانوا قد وافقوا جميعاً على المشاركة إن وجدوا أن الغاية المرجوة من المؤتمر تلتقي مع مصلحتنا القومية والوطنية ، أو لكانوا قد رفضوا جميعاً لو وجدوا أن غاية المؤتر بالضد من مصلحتنا القومية والوطنية كأقليات أصيلة ، ولكن ذلك لم يحصل ليس لأنهم لم يدركوا تلك الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في كبد السماء بل لأن المصالح الشخصية للمشاركين مع الأجندات التي سعت لعقد المؤتمر في أربيل اقتضت منهم المشاركة حصراً لغاية في نفس كاكه مسعود ، أما أغلب الرافضين للمشاركة في المؤتر فإن مصالح قياداتهم الشخصية المرتبطة بأصحاب القرار الفاعل في بغداد وقرب الأنتخابات البرلمانية وضرورة استمراهم وسعيهم للبقاء في مواقعهم أقتضت منهم حصراً رفض المشاركة لغاية في نفوسهم المريضة ، ليخرجوا القلة القليلة من الرافضين ممن ليس لهم مصلحة شخصية لا مع أربيل ولا مع بغداد من المولد بلا حمص كما أشرنا في متن المقال .... هذه هي أوليات وأولويات ومخرجات مهزلة مؤتمر بروكسيل .... ننتظر لنرى الفلم بكامه على الأرض في المستقبل القريب ..

خوشـــابا ســـولاقا
الأول من تموز / 2017 م   
 


69
هل أن الأستفتاء على استقلال الأقليم مستوفٍ لمتطلباته التاريخية والقانونية ؟؟
خوشابا سولاقا
من حق الأمم والقوميات أن تقرر مصيرها بأعلان استقلالها على أرضها التاريخية ، تلك الأرض التي ورثوها أب عن جد وأقاموا عليها حضارة يشهد لها التاريخ بما تركوه عليها من بصمات أثارية وشواخص حضارية تحتضنها متاحف العالم اليوم كشهادة ولادة تحملها وتثبت من خلالها أن لتلك الأرض الهوية القومية لتلك القومية كما هو حال كل الأمم والقوميات المعروفة بحضاراتها العريقة وتاريخها المجيد ... مع الأسف أن الأخوة الكورد لا يمتلكون مثل هذه الأرض التاريخية بهوية قومية كوردية ، حيث لا يمكن لأي زائر لمتحاف العالم الشهيرة أن يجد ما يوثق ويؤكد بالدليل والبرهان بأن الأرض المتواجدين عليها اليوم الأخوة الكورد هي أرضهم التاريخية ولهم عليها بصمات لا يمكن محوها ، وكذلك لا يمكن لأي منقب وباحث عن الأثار فيما تسمى اليوم بكوردستان أن يجد أي رقيم من الطين أو من الحجر وأن يشاهد أية شواخص تاريخية تحمل الهوية القومية الكوردية الحضارية يستدل منها بأن هذه الأرض هي أرض كوردية الهوية كما هو حال الآشوريين والفينيقيين والأقباط المصريين والفرس والأغريق والرومان وغيرهم من الأمم في المنطقة والعالم أجمع ... لذلك نقول وفق منطق التاريخ قد انتفت الحاجة الى الأستفتاء على فصل الأقليم وإعلان دولة كوردستان ( أرض الكورد ) على أرض ليست أرضهم التاريخية وأن تواجدهم عليها هو تواجد محتل لأرض غيره ليس إلا !!! ، القوانين والشرائع الدولية كافة لا تعطي للمحتل والمغتصب للأرض الحق في إعلان دولته كحق تقرير المصير على أرض غيره تاريخياً هذا وفق منطق التاريخ والقوانين الدولية .
 أما وفق منطق الجغرافية والأمر الواقع وما حصل من تغييرات ديموغرافية في هذه المنطقة لأسباب كثيرة وقاهرة أدت الى هجرة اصحاب الأرض الأصليين عن أرضهم رغماً عن إرادتهم الحرة وتناقص وجودهم العددي القومي فيها وأحلال المحتل محلهم وتشكيله للأغالبية العددية عبر سنوات طويلة فذلك يمكن أن يعطي الحق لأعلان دولة باسم يحافظ على الهوية القومية لأصحاب الأرض الأصليين مع ضمان حق الأكثرية المتواجدين على تلك الأرض كمحتلين بالمحافظة على هويتهم القومية في دولة شراكة حقيقية وليس في دولة التابع والمتبوع كأن تسمى تلك الدولة " دولة شمال العراق " كما حصل في السودان لأن مثل هكذا تسمية لا تُصادر حق أصحاب الأرض الأصليين في المحافظة على هويتهم القومية ووجودهم التاريخي وفي ذات الوقت يحافظ على حق المحتل في تواجده كأكثرية سكانية والتمتع بكامل حقوقه كأكثرية والتعايش مع الآخرين بسلام وأمان وأخوة وشراكة وطنية حقيقية لا كمغتصب ومحتل لأرض غيره .
كل ما ذكرناه في أعلاه هو وفق منطق التاريخ والجغرافية والأمر الواقع لديموغرافية الأرض لتقرير وضمان الحقوق القومية التاريخية للجميع وفق عقد اجتماعي ينصف الجميع على ضوء واقع الحال القائم على الأرض .

وفيما يلي نناقش الأمر من وجهة النظر الدستورية والقانونية للعراق بعد عام 2003 م :- 
أولاً : تنص المادة ( 1 ) من الباب الأول / المبادئ الأساسية من الدستور العراقي والذي أقره الشعب العراقي بكل مكوناته بضمنهم الأخوة الكورد في الأستفتاءالعام  في 15 / 10 / 2005 م على ما يلي :-
( جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة ، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي " برلماني " ديمقراطي ، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق ) .
وتؤكد المادة ( 14 ) من الباب الثاني / الحقوق والحريات الفصل الأول / الحقوق من الدستور على ما يلي :-
( العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العِرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الأقتصادي والاجتماعي ) .
هذه المواد صريحة وواضحة لا تحتاج الى الأجتهادات والتفسيرات الكيفية . بموجب هذه المواد تم تقرير مصير الكورد كأقليم في دولة فيدرالية موحدة ( اتحادية ) ولا يحق لهم الأنفصال وإعلان دولتهم المستقلة عن العراق طالما أن الدستور ما زال نافذاً ومعمول به ، لأن هذا الأمر بحد ذاته يشكل  خرقاً فاضحاً للدستور الذي أقروا الكورد الألتزام بمواده بحذافيرها ، وليس هناك مادة دستورية تعطي الحق للكورد أو لغيرهم من مكونات الشعب العراقي باجراء استفتاء لأعلان دولتهم المستقلة والأنفصال الكامل عن العراق لأي سبب من الأسباب ، والدستور بكل مواده قد فتح الباب على مصراعيه للحوار والتفاهم المشترك بروح وطنية صادقة حول كل ما يحصل من خلل في عدم الألتزام بتنفيذه وفقاً للقانون من قبل أي مكون .
ثانياً : أن قرار الأستفتاء صادر من رئاسة الأقليم كسلطة تنفيذية بينما من المفروض ووفقاً لدستور الأقليم أن يصدر من المجلس الوطني الكوردستاني ( البرلمان الكوردستاني ) المجمد منذ مدة وهذا أيضاً يشكل خرقاً للدستور الأتحادي ودستور الأقليم معاً ، وعليه يعتبر الأستفتاء المزمع إجرائه باطلاً وغير مستوفٍ لمتطلبات الدستور الأتحادي ودستور الأقليم الكوردي .
أما على المستوى الوطني العراقي والأقليمي والدولي فإن قرار الأستفتاء الكوردي غير مرحب به إطلاقاً ولن يكون كذلك حتى على المدى المتوسط لأن الظروف الموضوعية للعراق والكورد ودول الأقليم ودول صاحبة صنع القرار الدولي مثل أمريكا ودول الأتحاد الأوروبي والمصالح الاستراتيجية لها في المنطقة غير مهيئة للقبول بهذا القرار ، وأن مصالح أمريكا ودول الأتحاد الأوروبي الأستراتيجية مع دول الجوار الكوردي أكبر بكثير من مصالحها مع الكورد وهذه الحقيقة يجب على الكورد أن يعوها ويفهموها جيداً قبل غيرهم لأنهم هم من سيدفع الثمن إن هبت الرياح بغير ما تشتهي سفينة استقلالهم وإعلان دولتهم الكوردية على أرض غيرهم !!! ... من مصلحة الكورد البقاء مع دول تواجدهم فيها وفق حق تقرير المصير على شكل أقاليم فيدرالية بعد حل مشاكلهم المزمنة والمفتعلة مع الشعوب التي يعيشون معها من العرب والتورك والفرس وذلك هو الحل النموذجي الأفضل لتقرير مصيرهم من دون إراقة دماء أبنائهم إرضاءً للعنجحية القومية الشوفينية لبعض قادتهم الذين فشلوا في إدارة الأقليم خلال السنوات المنصرمة منذ سنة 1991 م ، ثم ما يجب أن لا يتم نسيانه من قبل الأخوة الكورد إن منطقة تواجدهم مغلقة عن البحر ومحيطة بسياج شائك من الأعداء الألداء التاريخيين وهذا ما يجعل شعبهم أكثر بؤساً في حالة الأنفصال مما هو عليه اليوم على الأقل في العراق ، نتمنى من قادة الكورد المعتدلين أن يعيدوا النظر بقرارهم على ضوء المعطيات التي تم استعراضها في أعلاه ، هذا من جهة ومن جهة ثانية أن يتخلون عن سياسة تَطَبُعْ الضحية بطبيعة الجلاد والأقتداء به في التعاطي والتعامل مع الأقليات القومية أصحاب الأرض الأصليين ضمن حدود فيدراليتهم فذلك هو الضمان للعيش المشترك بسلام وأمان . علماً بأن الأنفصال سيترتب عليه بحكم الواقع الجديد إجراءات قانونية تضر بمصالح المنظمين الى الدولة الجديدة من الكورد والأقليات وسوف تكون أثارها وخيمة لا تقدر عقباه .

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 19 / حزيران / 2017 م
 


70
الهوية القومية وهوية الأرض التاريخية للأمم
خوشابا سولاقا
قبل مدة قصيرة كتبنا مقالاً مماثلاً بعنوان " العلاقة العضوية بين القومية والأرض التاريخية ... كيف يجب أن تفهم ؟؟ " وأدناه الرابط ... وبالنظر لتجدد الأحداث وما يدور من حديث حول ماذا بعد داعش وتحرير محافظة نينوى من طغيانها الهمجي ، وما يطرح في هذا المحفل السياسي أو ذاك من مشاريع لمستقبل المحافظة وإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لها لضمان حماية وجود الأقليات الأصيلة إرتأينا كتابة هذا المقال حيث تناولنا فيه كل الأحتمالات بخصوص مستقبل وجودنا القومي في أرضنا التاريخية وفي شتات المهجر والغربة ، حاولنا في هذا المقال ألقاء الضوء على علاقة الهوية القومية لأمتنا بهوية الأرض التاريخية وانعكاساتها على مستقبل وجودها القومي . 
في مثل الظروف الطوبوغرافية والجغرافية المأساوية التي تعيشها أمتنا بكل مسمياتها المتداولة حالياً بين بقاياها في أرضها التاريخية والمهجر لا بد من توضيح الخلفية الفلسفية والفكرية للعلاقة العضوية بين الهوية القومية للأمة وهوية الأرض التاريخية وكيف أن الهويتين لا تتحققان إلا عندما تتسجدان في كل واحد موحد ، ومتى ما تغيرت هوية الأرض تتغير معها الهوية القومية تلقائياً ولو بعد حين شاءوا من شاءوا وأبوا من أبوا لأن هذا هو القانون الطبيعي لتصنيف الهوية القومية للأمة من هوية الأرض التي نشأت وترعرعت عليها وبَصّمتها بحضارتها التاريخية في المجتمعات البشرية على وجه الأرض . ومن إفرازات تغيير هوية الأرض لتمهيد تغيير الهوية القومية هو ما يحصل من تخلخل في أسس وأركان المقومات القومية الأصيلة ، كاللغة القومية والعادات والتقاليد والطبائع والثقافة القومية وأحلال محلها بشكل تدريجي المقابل منها للمجتمع الجديد في المهاجر ذات الأكثرية القومية المختلفة وذلك بناءاً على متطلبات الحياة الجديدة للأنخراط والأنسجام مع مجتمعات المهاجر ، وهذه العملية تقود جيل بعد جيل من الأبناء والأحفاد وبرحيل اجيال الأباء والأجداد الى الأندماج والأنصهار في بودقة تلك المجتمعات وبالتالي يأتي الأنقراض وزوال الهوية القومية الأصيلة للأمة في المهجر .
إذا نظرنا الى حالة كل الأمم الأخرى في كل بلدان هذا الكوكب ودرسنا علاقة الهوية القومية بهوية الأرض التاريخية سوف نكتشف أن هوية الأرض الوطنية في حالة ترابط جدلي وعضوي مع الهوية القومية لسكانها الأصليين ، وسوف نجد أنفسنا في حيرة من أمرنا للتمييز بين أن تكون تسمية أرض الوطن مشتقة من التسمية القومية لسكانها الأصليين الذين بَصموها بحضارتهم أم أن التسمية القومية للسكان اشتقت من اسم الأرض ؟؟؟ ، وللأجابة على هذا السؤآل البسيط نخضع الأمر لمنطق العلم والعقل ونقول فرضاً لو كانت التسمية القومية لأية أمة مشتقة من اسم الأرض لكان سكان الأرض كلهم بتسمية قومية واحدة ولكان أسم هذا الكوكب بأسم قومية بعينها !!! ، ولكن الأمر ليس كذلك وأن الانسان هو المحرك لكل شيء وهو القادر على كل شيء ، وعليه يكون تقسيم الكوكب الى أوطان متعددة وامم مختلفة في مقوماتها القومية من لغة وعادات وتقاليد وثقافات وحضارات يكون منطقياً أن هوية الأرض الوطن قد اشتقت من التسمية القومية للأمة التي بصمت تلك الأرض ببصماتها الحضارية التاريخية وليس العكس كما قد يتصور البعض بما في ذلك الأراضي المكتشفة حديثاً في القارات الجديدة الى حدٍ كبير حيث فيها الغالبية القومية هي من فرضت هويتها على الأرض بشكل مباشر أو من خلال رموزها التاريخية من الأوائل المكتشفين لتلك الأراضي ...
عندما ينطبع الأسم القومي على أرض معينة من خلال بصمات تاريخية حضارية تبقى تلك الأرض تحمل تلك الهوية لا تتغير حتى وإن رحلوا سكانها الأصليين عنها والعراق ومصر والكريس ( اليونان ) باللغة الأغريقية خير مثال جلي على ذلك حيث تنطق حجارة الأثار بهذه الحقيقة ، وهكذا الحال مع كل بلدان أوروبا وكل البلدان الأسيوية هوية تسمياتها  الوطنية مرتبطة بعلاقة عضوية  مع هوية سكانها الأوائل ، ولكن عندما يرتحل وتهاجر سكانها عنها الى بلد آخر سوف يفقدون هويتهم القومية لا محال بعد أجيال كما ذكرنا في متن هذا المقال ويتطبعون بهوية القومية الغالبة في الأوطان الجديدة ولو بعد حين لأن متطلبات استمرار حياتهم تملي عليهم ذلك رغماً عنهم .
في ضوء ما تقدم وما يجري اليوم من أحداث سياسية وتحولات نوعية في طبيعة تلك الأحداث تشير الى احتمال حصول  تغيرات طوبوغرافية نوعية في إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة كما تشير التسريبات الأعلامية والتصريحات الرسمية لدول صاحبة القرار في حماية الأقليات الأصيلة ومنع تكرار ما حصل لها من مظالم واضطهادات وإبادات جماعية على أيدي التنظيمات الأسلامية المتطرفة والتي نعتبرها بحسب وجهة نظرنا الشخصية المتواضعة الفرصة الذهبية الآخيرة لأن يكون لنا دور ومساهمة بأعتبارنا سكان العراق الأصليين في أعادة رسم تلك الخارطة بالشكل التي من خلالها يكون لنا كيان سياسي – إداري معين وفقاً للدستور في إطار وحدة العراق أرضاً وشعباً نحافظ من خلاله على وجودنا القومي وهويتنا القومية في أرضنا التاريخية " بيث نهرين " ؟؟ ووضع حد لنزيف الهجرة .
 هنا نوجه مجرد سؤآل لمن يدعي تمثيل أمتنا من المرجعيات السياسية والكنسية بكل تلاوينها وبمختلف تسمياتها ، هل لها تنسيق مشترك فيما بينها ومع من تعلو أصواتهم في منابر المهجر عبر وسائل الأعلام والمواقع الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لتوحيد الخطاب السياسي وتفعيله بتقديمهم مصلحة الأمة القومية على مصالحهم الشخصية والحزبية والمذهبية الكنسية وتقديم مشروع الخلاص القومي لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايانا في أرضنا التاريخية ؟؟؟ أم أنهم باقين على قرارهم التاريخي الذي لا يقبل النقاش في أنهم اتفقوا على أن لا يتفقوا على وحدة خطابهم السياسي القومي والكنسي وبقائهم على حالهم من التشتت والتمزق والفرقة والأستقتال على ما يرمى لهم من فتات موائد المتنفذين الكبار من العرب بشيعتهم وسُنتهم والكورد السليمانيين والأربيليين إن جاز التعبير !!! ؟؟ ، أم أنهم لهم ما سوف يبشرون به الأمة في الوقت المناسب ؟؟ ..

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=830601.0

خوشـــابا ســــولاقا
بغداد في 28 / أيار / 2017 م   


71
ما هو المعيار الصحيح لتقييم الأفكار أهو النص أم التطبيق ؟؟
خوشابا سولاقا
للخوض في مناقشة وتحليل هذا الموضوع بصراحة وبوضوح لا بد لنا أن ننطلق من قواعد ثابتة لا نقاش حولها ولا اختلاف ولا خلاف عليها ، لكي نجعل الموضوع بسيط وسهل الفهم وأقرب الى الذهن حتى بالنسبة للقارئ المحدود الثقافة ، ليس هناك اختلاف بين اثنين حول ما هو فكر مثالي قائم على التصورات والأفتراضات غير المدعومة بأسانيد وبراهين علمية وما هو فكر مادي وعلمي واقعي وموضوعي مدعوم ومسنود بالبراهين العلمية ولكل منهما مواصفاته ودلالاته تجعل الانسان قادراً على التمييز بينهما بسهولة ويُسرٍ ومن ثم الأختيار والأنحياز الى أي منهما ليتخذ منه منهجاً لتفسير الحياة وتحليل معطياتها وقوانينها الطبيعية ومن ثم التعاطي معها بما يخص متطلباته الحياتية .
في إطار هذا التصور يكون الانسان أمام خيارين لا ثالث لهما لأختيار الفكر الذي يسترشد به لصياغة منهجه الفكري للتعاطي من خلاله مع الحياة ومتغيراتها الدائمة والمستمرة ، بين أن يختار الفكر المثالي وبين أن يختار الفكر المادي العلمي ...  بالتأكيد أن الفكر المثالي تاريخياً ومنذ نشوء التجمعات البشرية الأولى بشكلها البدائي الأولي البسيط على وجه الأرض كان عبارة عن تصورات وتفسيرات واجتهادات افتراضية مختلفة ومتناقضة كردود أفعال لعجز الانسان عن تفسير الظواهر الطبيعية التي كانت تحصل في محيطه الطبيعي فقسم من هذه الظواهر كانت تجلب له الخير ومنها تجلب له الشرور وتلحق به الضرر والأذى مما اضطرته الى التصور والأعتقاد بوجود قوة كونية خارقة غير قابلة للأدراك بحواس الانسان وراء تلك الظواهر والتحكم بها وإنه أضعف من أن يتمكن من ردع قوى الشر منها والوقوف في وجهها ومنعها من المعاودة ، ولذلك وبسبب هذا العجز المستديم في قدرة تفسير طبيعة ومصدر تلك الظواهر قرر الأستسلام لأرادتها وتصورها بأنها هي قدره المحتوم يتطلب منه الخضوع لارادتها والقبول بالأمر الواقع ، فاتخذ من مبدأ العبادة منهجاً للتعاطي مع تلك القوة الكونية الكامنة في تلك الظواهر بغرض مراضاتها ، فظهرت الى الوجود فكرة العبادات وتجسيد تلك القوة الكونية بهيئة آلهات متعددة الأختصاصات وبتسميات مختلفة بين التجمعات البشرية على الأرض باختلاف مناطقها ، وتعددت أساليب أداء ممارسة طقوس العبادة باختلاف العادات والتقاليد الاجتماعية للتجمعات البشرية ، وهكذا تطورت وتعددت العبادات لتلك القوة الكونية بتطور وتعدد الجماعات البشرية من مكان لآخر ومن زمان لآخر وطُليتْ تلك الأفكار العبادية بطلاء التقديس وتحريم المساس بها باعتبارها أفكار إلاهية لا تخضع للأجتهاد والتفسير بغير ما هو موسومة به كما أرادها مبتكريها من كهنة تلك العبادات ... بما أن الحياة الطبيعية والاجتماعية في حالة من التغير والتطور المستمر فإن تلك الأفكار تطورت وفقاً لذلك أيضاً من الأدني الى الأعلى بما تقتضيه متطلبات قواعد صراعها مع تطور العلم والفكر المادي العلمي الذي بدأ بسحب البطانة من تحت أقدام دعاة الأفكار المثالية من كهنة المعابد في هذا الصراع الأزلي ، فظهر عصر التحول النوعي في تطور طبيعة الأفكار العبادية بطابعها الوضعي السائد الى عصر العبادات المسماة بالسماوية تلك العبادات التي وسمت بالأفكار التوحيدية ووصمت كل العبادات السابقة لها بالعبادات الوثنية ودعت الى إبادتها والقضاء عليها بشتى الوسائل العنفية وسميت تلك القوة الكونية بما أتفق عليه الجميع وهو " الله " ولو أن تفسير مضمون مفهوم " الله " قد اختلف من دين سماوي الى آخر الى حدٍ كبير ، وبات كل دين من الأديان السماوية يحارب الآخر بشتى الطرق والوسائل وبكل ما أوتي من القوة والبطش بشكل سافر ومفرط وعلناً وأحياناً من تحت الطاولة من أجل السيادة لوحده على العالم ، ولكن بالرغم من كل ما حصل وتغير في الحياة صنفت أفكار تلك الأديان ضمن الأفكار المثالية ، واستمر الصراع وسيستمر الى أبد الدهر بين الفكر المثالي بكل تنوعاته وتسمياته ونظرياته السماوية والوضعية مع الفكر المادي العلمي الى يومنا هذا متخذاً أشكالاً وأنماطاً مختلفة .
ما هو معيار التقييم الصحيح ؟؟
الحياة بكل جوانبها هي عبارة عن صراع على المصالح الأقتصادية والمعنوية ، والأفكار وصياغاتها السياسة هي وسائل تحقيق وحماية تلك المصالح ، وعليه وطالما المصالح في حالة من الصراع تكون الأفكار هي الأخرى في حالة الصراع ويكون البقاء والسيادة للأصلح ، والأصلح هنا من الأفكار هو ما يرى منها تطبيقاً على أرض الواقع وما لم يكُن منها كذلك تبقى مجرد نصوص جرداء وجميلة ومقبولة بشكلها في بطون الكتب تستعمل للأستهلاك الأعلامي والثرثرة الفارغة من قبل الحالمين المنتظرين ليوم الآخرة لتتحقق المعجزة المنتظرة !!! ، ولكنها تكون عملياً غير قابلة للتطبيق على أرضية الحياة الاجتماعية لأنها تتقاطع مع مصالح  الناس الأقتصادية والمالية والمعنوية ... وهنا نتساءل سؤال بسيط وواضح للغاية هل نصدق ما تسمعه آذاننا مما يردده الببغاوات من نصوص مقتبسة من كتبهم العقائدية النظرية أثناء حواراتهم ونقاشاتهم دفاعاً عن أفكارهم الطوباوية أم نصدق ما تراه عيوننا من ممارسات وقحة وقبيحة وشاذة على أرض الواقع التي تتقاطع وتتعارض بشكل سافر مع ما يرددونه في نقاشاتهم ومواعظهم من نصوص وأقوال في مخاطبة الآخرين في المناسبات الخاصة والعامة ؟؟ في ضوء الإجابة على هذا السؤال أكيد نصدق ما تراه عيوننا في ممارساتهم الحياتية وإلا فنحن نكون مصابين بعمى البصر والبصيرة !!! وعليه نستنتج أن التقييم الصحيح للأفكار هو في التطبيق العملي لها في الحياة وليس في مضمون النصوص في بطون الكتب النظرية كما يروج له الحالمين الطوباويين من الناس ، ووفقاً لهذا المنظور فإن كل الأفكار التي لا يمكن تطبيقها في الحياة الانسانية لتقويمها وتصحيح مساراتها من أجل بناء حياة أفضل تليق بانسانية الانسان تصنف ضمن الأفكار المثالية البحتة التي يتطلب الأمر من أبناء هذا العصر الذي يهتدي بالعلم التجريبي وضعها على رفوف متحف التاريخ ويدير لها ظهره ليرى طريقه القويم الى المستقبل الزاهر ، لو أجريت هذه العملية لخرجت الانسانية من عصر الظُلمات الى النور ، ولحل السلام على العالم ، ولزالت كل أسباب الحروب المدمرة للحضارة الانسانية ، ولعاشت البشرية بأمنٍ وأمان وسلام وتآخي ، لأن هذه الأفكار المثالية المغلفة بالتقديس هي من زرعت وعمقت الكراهية والأحقاد ورفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف وجعلت من العنف هو الوسيلة المثلى لفض المشاكل والأختلافات والنزاعات بين الناس ، وما يشهده العالم اليوم بشكل عام والمنطقة العربية والأسلامية بشكل خاص خير مثالاً وخير شاهداً على ما نقول  . الى متى يستمر الحالمين في حلمهم ؟؟ ومتى يستفيقون منه ليروا الشمس مشرقة تنير دربهم الى الخلاص من واقعهم لبناء عالم جديد تسوده المحبة والأمن والأمان والسلام ؟؟ ... نتمنى أن يتحقق ذلك قريباً .

خوشـــابا ســـولاقا
26 / آذار / 2017 م 


72
الى مَنْ يَهُمهُ الأمر مِن الأحبة الأعزاء
خوشــابا ســولاقا
لدينا مخاوف مرعبة وهواجس أكثر رعباً على مستقبل وجودنا القومي الآشوري في ضوء قرأتنا لمعطيات واقعنا الحالي ، لأن هذا الوجود كما نراه آيل الى الزوال والأنقراض بحسب قوانين الطبيعة في اختفاء وزوال أمم ونهوضها وانبعاثها كما علمنا التاريخ القريب والبعيد ، وجدنا في مقدمة تلك المعطيات التي تؤشر بزوالنا كامة بكل مقومات وجودها القومي التاريخي ألا وهي الهجرة العشوائية اللعينة التي تشتتنا في الأرجاء المعمورة من دون ضوابط ومقومات لإعادة  بناء هذا الوجود في مكانٍ آخر غير أرضنا التاريخية لو سَلمنا جدلاً بمبررات تلك الهجرة كما يسوق لها البعض من أسباب ومبررات مختلفة ، ولذلك وبقدر تعلق الأمر بنا شخصياً والذي وجدناه واجباً قومياً ووطنياً علينا وفق منظورنا القومي ورؤيتنا القومية الآشورية حاولنا أن نؤشر الى ذلك الخطر المحدق من وراء هذه الهجرة في كل كتاباتنا ومداخلاتنا على كتابات الآخرين المنشورة في هذا الموقع أو في صفحتنا في الفيسبوك حيث بينا فيها أن الهجرة بهذا الشكل العشوائي الغير محدد الهدف والأتجاه تشكل التحدي الأكبر والأخطر الذي يواجه وجودنا القومي في المهجر بالأنصهار والذوبان في بودقة الأمم الآخرى ، والأنقراض في أرضنا التاريخية ، وفي هذه الأيام تحديداً نشرنا منشورات وتعقيبات على مداخلات الأخوة المتداخلين بهذا الخصوص ، وتلمسنا في مداخلات وتعقيبات البعض منهم سوء فهم لجوهر ما قصدناه من الموضوع ، أي موضوع التعاطي مع الهجرة كظاهرة اجتماعية قومية آشورية تهدد الوجود القومي لأمتنا في أرضها التاريخية باستمرارها على هذا النمط المثير للشفقة والأستهجان وليس التعاطي معها كخيارات فردية شخصية لها ما لها من الأسباب والمبررات كما يروق للبعض مع الأسف الترويج لها ، مما دفعهم سوء الفهم الى اسقاط الموضوع برمته على تجاربهم الشخصية وكان كل واحد منهم هو المعني كفرد بالأسم بما تطرقنا إليه في كتاباتنا عن الهجرة وتداعياتها المستقبلية وتحميلهم مسؤولية ذلك ، وعليه وبناءاً على هذا الفهم الخاطئ والقاصر التجأوا الى تبرير وتهويل أسباب الهجرة بسرد الأحداث التاريخية المؤلمة وبمبالغة سافرة وكأننا نجهل تلك الأسباب وخلفياتها ولم نقرأ التاريخ ولم نطلع على أحداثه المؤلمة وخلفياته من جهة وعلى الأحداث البطولية الشجاعة لأبناء أمتنا في الدفاع عن الوجود القومي لها من جهة ثانية .... نقول لهؤلاء الأخوة الأعزاء بكل احترام وأعتزاز بهم بأننا قرأنا التاريخ الحديث وتحديداً للقرنين المنصرمين والى حد هذا اليوم قرأة تفصيلية متأنية وبحيادية مطلقة وربطنا من خلال تلك القرأة الأحداث ومسبباتها بجذورها الأصلية وخرجنا باستنتاجات منطقية بما هي أقرب الى الحقيقة التاريخية ، ونقلنا ذلك للقراء في كل كتاباتنا بما هو لنا وما هو علينا من دون محاباة لأحد ولا مجاملات لأقرب الخصوصيات وذلك إرضاءاً للضمير وانصافاً للحقيقة التاريخية الآشورية معتمدين في ذلك على مصادر تاريخية موثوقة مختلفة ومتنوعة من حيث انتماءات كتابها الذين وجدناهم في سردهم وتحليلاتهم لأحداث التاريخ الآشوري متسمين بالحيادية المقبولة في أقصى حدودها ، ووجدناهم بعيدين كل البعد عن الأنحياز للأنتماءات والولاءات للخصوصيات القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية لحساب طرف بعينه على حساب الطرف الآخر ... قرأنا تاريخ أجدادنا بهذه الصورة وخرجنا على ضوئها بنتائج ومعطيات لا بد من قولها ليطلع عليها القاصي والداني من أبناء أمتنا وأصدقائنا وأعدائنا المفترضين مع أخذ بنظر الأعتبار طبيعة الظروف الاجتماعية السائدة في الزمان والمكان لكي لا تتشوه الحقيقة التاريخية بتشويهات المتربصين بابراز الجوانب السلبية والمظلمة من التاريخ فقط وإخفاء الجوانب الأيجابية فيه التي من الممكن أن نأخذ منها وتجاربها قواعد لبناء أسس التعايش الاجتماعي  السلمي مع الشركاء الآخرين في الوطن في عصرنا الحاضر ... نقول لهؤلاء الأخوة ... صحيح حصلت في التاريخ تجاوزات خطيرة ومذابح لا تحصى ولا تُعد من قبل البعض على البعض الآخر وبالمقابل ما حصل من ردود أفعال مماثلة وعاشت المجتمعات والأمم في ظل قانون الغابة ومنطق الثأر والأنتقام وفق قانون القوة والبقاء للأقوى كما يروج له كل الشوفينيين في عصرنا الحاضر عصر تكنولوجية الفضاء والمعلوماتية لأختراق حدود الكون ، ومنهم بعض أبناء أمتنا مع الأسف الشديد وكأن قانون العين بالعين والسن بالسن ما زال حتى في هذا العصر هو الخيار الأفضل لحل النزاعات بين بني البشر وفرض السلام عليهم وليس قانون البقاء والسيادة للأصلح ...
 نقول لهؤلاء الأخوة نحن كنا فعلاً ضحية سيادة تلك القوانين لأننا كنا الأقلية المستضعفة بحكم الواقع الديموغرافي !!! ، فكيف لنا أن ندعو إليها اليوم ؟؟؟ هل تعرفون معنى ذلك من الناحية القانونية ؟؟؟ ، فإن كنتم لا تعرفون فإنه يعني تبرير قانونية ما ارتكب بحقنا من مجازر ومذابح وقتل واغتصاب وتشريد وتهجير وفق تلك القوانين وتُزكون بدعواتكم تلكْ أفعال ذباحينا وقاتلينا  !!! .
نقول لهؤلاء الأحبة ، أن عصور قانون الغابة ، وقانون البقاء للأقوى ، وقانون العين بالعين والسن بالسن قد ولت وانتهت من غير رجعة ، وليس أمام بني البشر غير أن تتصالح وتتعايش سلميا مع بعضها وفق قانون تبادل المصالح المشتركة وقانون البقاء للأصلح وقانون احترام الخصوصيات الأثنية والدينية وغيرها وقانون حقوق الانسان ، لأن انسانية الانسان فوق كل الأعتبارات الخصوصية ، وذلك لأننا نعيش في عصر " الكُلْ بحاجة الى الكُلْ " ، ومن خلال فهمنا الواعي لهذه الحقيقة ، علينا أن ننطلق من روح هذا القانون الموضوعي لأعادة بناء الذات الجديدة التي تتماشى مع روح العصر وننشر ثقافة التعايش السلمي المشترك وعدم الأنجرار في المغالاة لنبش مقابر نفايات الماضي السحيق والقريب لبعث ثقافة الأحقاد والكراهية من جديد التي تصبح مصدراً لأنتشار الحروب المبيدة للبشرية ، وحتماً يكون الخاسر الأكبر والضحية في عودة هذه الحروب هو الأقليات القومية والدينية وداعش وأخواتها خير مثالاً لا اختلاف عليه .
بعد هذا السرد نقول لكل الأخوة والأحبة ... نحن نحترم كل الأراء والأفكار التي تعارض أفكارنا التي طرحناها في هذا المجال بقدر تلك التي تتفق معنا إيماناً منا بأن الحوار الديمقراطي هو من يقودنا الى التوصل والأتفاق على الخيار الأفضل لخدمة أمتنا وقضاياها القومية ، وأن ثقافة الثأر والأنتقام هي من تنقلنا من ويلات الى ويلات أكبر  ومن كارثة الى أخرى أشد ألماً ..... نحن أمة صغيرة إذا ما لم نفلح في إيجاد وسائل ذكية لانقاذ وجودنا سوف يتمكن من يتربص بنا شراً النيل منا في لمحة بصر !!! .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 14 / آذار / 2017 م   

73
طبيعة التركيبة الاجتماعية للمجتمع الآشـــوري وتأثيرها السلبي على العمل القومي الموحد

خوشابا سولاقا
لغرض تقييم العمل القومي الآشوري السليم بشكل دقيق وتحديد مساراته واتجاهاتها للوصول بالتالي الى التقييم الموضوعي المنشود لا بد أن يتم دراسة طبيعة التركيبة الاجتماعية للمجتمع الآشوري وتحليلها بعلمية وعقلانية من دون مجاملات ولا محاباة لأي تشكيل أو تنظيم سياسي أو أفراد مهما يكون عنوانهم الاجتماعي ، وذلك بهدف معرفة ما موجود من تأثيرات سلبية أو إيجابية لتلك التركيبة التي تعيق وتعرقل العمل القومي الموحد أو التي تدعمه وتسانده وتزيده صلابةً وتماسكاً ومن ثم كيفية التعاطي مع تلك التأثيرات والتصدي للسلبيىة منها بحزم ودعم ما هو ايجابي منها بقوة للمحافظة على بقاء العمل القومي في مساره الصحيح ، وهذا ما لم يحصل لحد الآن ، ولذلك توالت نكسات ومآسي الأمة قومياً وكنسياً من السيء الى الأسوء طيلة تاريخنا الحديث ، وبذلك ضاعت كل فرصنا في بناء أي كيان خاص بنا وبقينا كأمة ، أمة ممزقة الى أشلاء تتآكل من الداخل يوم بعد آخر ووصلنا الى ما نحن فيه من وضع مزري مشتتين موزعين في الأرجاء المعمورة لا يجمعنا جامع قومي ومقسمين الى قبائل وعشائر وكنائس متناحرة تسود فينا ثقافة الحقد والكراهية القبلية والعشائرية والمذهبية .
كان مجتمعنا الآشوري منذ قرون خلت وبالأخص بعد دخوله في المسيحية وتخليه عن طقوس وتقاليد الأجداد بشكل سافر باعتبارها وثنية الطابع والمضمون بموجب التفسير المسيحي لها ، لذلك سعوا أجدادنا في ظل الدين الجديد بقوة وحزم الى التخلص بكل الوسائل الممكنة من كل ما يربطهم بماضيهم الوثني لأرضاء الرب عنهم ليمنحهم تأشيرة الدخول الى ملكوت السماء بحسب اعتقادهم المسيحي !!! ، وبذلك قُطع التواصل القومي بين حاضرهم المسيحي وبين ماضيهم الآشوري الوثني وتغيرت التقاليد والعادات والطقوس الآشورية واستبدلت بأخرى تتماشى مع ما يوصي به العهد القديم من الكتاب المقدس وكذلك تغيرت الأسماء الآشورية بمرور الزمن وحلت محلها الأسماء العبرية الوارد ذكرها في الكتاب المقدس من عهده القديم ، وهكذا بات يعتبر ذكر أي شيء له علاقة وارتباط بالماضي الآشوري ما قبل المسيحية كفراً وجريمة لا يغفر الرب عليها أحداً ، وبذلك تم دق الأسفين بين الماضي الآشوري الوثني بكل بناه الاجتماعية والثقافية وبين حاضره المسيحي وكأن عملية التخلص من كل مخلفات الماضي باتت كأنها غسلاً للعار التي ألحقته بهم أبائهم وأجدادهم من آلاف السنين وكانت كل سلوكياتهم الاجتماعية في سباق مع الزمن لتغيير كل قديم منكر واستبداله بآخر جديد ينسجم ويتماشى مع تقاليد وطقوس الدين الجديد . هذه العملية التي كانت طبيعتها تتسم بالتطرف والتعصب المفرط المغالٍ به وبالأيمان الأعمي غير الواعي لرفض الماضي الوثني الآشوري والأنتقال الى الحاضر المسيحي لبناء مستقبل جديد وفق قيم ومبادئ وأخلاق جديدة لا تمت الى الماضي بصلة وَلّدتْ مجتمع جديد بتركيبة اجتماعية وثقافية ذات طبيعة مناقضة للطبيعة الاجتماعية والثقافية التي كانت قائمة على الولاء القومي الآشوري والتنكر لها بشكل سافر ، حيث كنا نسمع من أجدادنا الى عهد قريب يقولون لنا ونحن أطفال بأن أجدادنا الآشوريين " آثورايي " القدامي كانوا " خَمْبي " أي بمعنى وثنيين ونحن اليوم مسيحيين " سورايي " ، هذه الثقافة المتخلفة وهذه الفلسة الرعناء القائمة على كراهية ونبذ الماضي باعتباره وثني غيرت طبيعة التركيبة الاجتماعية للمجتمع الآشوري من مجتمع قومي شامل الى مجتمع مجزء قائم على مفهوم نظام القبائل والعشائر والأفخاذ والعوائل وغيرها من الخصوصيات ، وبعد ظهور المذاهب اللاهوتية في المسيحية انقسم مجتمعنا كنائسياً أيضاً الى  كنائس مختلفة متقاتلة حاقدة على بعضها البعض بافراط منقطع النظير وهذا ما زاد في الطين بَلّة ، وهكذا انقسم المقسم وتجزء المجزء  وزاد وضعنا القومي هشاشة وهزالاً .
بعد هذا المخاض العسير والطويل من الأرهاصات والمعاناة الاجتماعية التي مرّ بها المجتمع الآشوري سواءاً في سنجق حيكاري في تركيا الحالية أو في أورميا في إيران أو في شمال بيث نهرين قوميا وكنسياً والذي تم التطرق إليه في متن هذا المقال تَشكَلَ مُجتمع جديد على شكل قبائل وعشائر قومياً ولكل قبيلة وعشيرة استقلاليتها الخاصة ويرأسها رئيس يسمى " ملَّك " كما كان التقليد المتبع  في ممالك الآثوريين في سنجق حيكاري أو رئيس للعشيرة كما كان الحال في المقاطعات الآخرى التي يقطنها الآشوريين في أرجاء الأمبراطوريتين العثمانية والفارسية .
 المهم في الأمر بما يعني هذا المقال أن كل قبيلة وكل عشيرة كان لها تقاليدها وعاداتها وطقوسها الاجتماعية وزيها الشعبي التقليدي تعتز وتتفاخر بما لها باستعلاء وكل منها تعتبر نفسها أفضل وأرقى من غيرها وتعطي لنفسها الأولوية على غيرها في كل شيء هذه التركيبة القائمة على هذه الأسس أدت الى ولادة ثقافة الكراهية والكبرياء بين القبائل والعشائر وعدم الثقة ببعضها البعض هذه الثقافة التي وضعت القبائل والعشائر الآشورية في حالة من التقاطع والتعارض الاجتماعي الدائم على كل شيء له علاقة بالمصالح الأقتصادية كمصادر المياه والمراعي والمصايف والأراضي الزراعية جعلت المجتمع الآشوري هش مفكك وغير منسجم قومياً وبقيت ولاءآته للخصوصيات القبلية والعشائرية أقوى وأكثر تأثيراً في صنع وصياغة قراره السياسي من ولائه القومي الآشوري ، وكان تأثير هذا الولاء السلبي للخصوصيات القبلية والعشائرية جلياً على القضية القومية الآشورية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى حيث مكنت الأنكليز من التسلل بخُبثٍ ودهاء ومكر الى صفوف الأمة من خلال تقاطع وتعارض الولاءات للخصوصيات القبلية والعشائرية والمذهبية لتنفيذ سياستها القائمة على مبدء " فرق تسد " السيء الصيت لتمزيق وحدة الأمة الآشورية والتي انتهت بمجزرة سُميل الرهيبة سنة 1933 م ووضعت بعدها القضية القومية الآشورية على الرف في أدراج عصبة الأمم يعلوها الغبار الى يومنا هذا ، وبذلك ضاعت فرصتنا الذهبية الأخيرة في تقرير مصيرنا القومي  باقامة كيان مستقل خاص بنا في أرضنا التاريخية على ضوء مقررات اجتماع أورميا في السادس من كانون الثاني سنة 1918 م بحضور أمير الشُهداء مار بنيامين شمعون وملكاني والقادة العسكريين للأمة الآشورية والكابتن غريسي مسؤول المخابرات البريطانية في شرق وجنوب شرق الأناضول ممثلاً لحكومة بريطانيا العظمى وبحضور القنصل الروسي والقنصل الفرنسي ورئيس البعثة الطبية الأمريكية في أورميا ، حيث أعلن الملعون الكابتن غريسي في ذلك الاجتماع باسم حكومة بريطانيا العظمي بأن قبول الآشوريين بدخولهم الحرب الى جانب الحلفاء ضد دول المحور يكون دخولهم كحلفاء وليس باي صفة أخرى وبعد الأنتصار في الحرب سوف يتم انشاء كيان قومي سياسي خاص بالآشوريين في مناطق سُكناهم التاريخية تحت الحماية البريطانية ، ولكن للأسف الشديد تغلب مكر ودهاء وخبث الأنكليز على حُسن النية وطيبة الآشوريين وقلة خبرتهم بالشأن السياسي بختم الاجتماع من دون تنظيم محضر مكتوب موقع من قبل الأطراف المشاركة ليكون وثيقة رسمية بيد الآشورين مستقبلاً تمنع بريطانيا من التنكر لما وعد به ممثلها الكابتن غريسي باسمها .
مما تقدم نستنتج أن طبيعة تركيبة مجتمعنا الآشوري منذ قرون خلت هي تركيبة قبلية وعشائرية ومذهبية تتحكم في صياغة قراراتها القومية بشكل مباشر وغير مباشر تأثيرات الثقافة القبلية والعشائرية والمذهبية التي هي بطبيعة الحال  ثقافة قائمة على المنافسة والكراهية المتبادلة بين الخصوصيات الاجتماعية مما باتت وحدة قراراتها صعبة التحقيق للغاية أو شبه مستحيلة ، وبذلك تصبح القيادات القبلية والعشائرية والكنسية على خلاف وعدم التوافق حتى على أتفه الأمور المتعلقة بالشأن القومي وكل واحدٍ منهم يتصرف على هواه بغرض النكاية بالآخرين ، وهذا ما حصل خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها وهو ما يحصل اليوم أيضاً بين القيادات السياسية والكنسية حيث يقولون شيء ويفعلون العكس ... هذه التركيبة الاجتماعية المبنية على ولاء الفرد الآشوري فيها للخصوصيات القبلية والعشائرية والكنسية بدلاً من الولاء الصميمي للقومية الآشورية هي من أوصلت أمتنا الآشورية الى ما هي عليه اليوم من تمزق وتشرذم وتشتت وضياع ، وللخلاص من هذه المحنة التي تعانيها أمتنا علينا التخلص من الولاء للخصوصيات ونبذ ثقافتها والتمحور حول الولاء للقومية والثقافة القومية النابذة والرافضة للشوفينية والتعصب القومي للتمكن من التعايش السلمي مع الشركاء في الوطن في إطار الواقع الموضوع وعدم القفز من فوقه الى عالم الأحلام كما تفعل البعض من المتعصبين والمتطرفين من المدعين بالقومية ، أي أن يكون تعاملنا مع معطيات واقع الحال وليس مع معطيات التاريخ البعيد لكي نتمكن أن ننقذ ما يمكن إنقاذه من وجودنا القومي ولكي لا نُضيع الماضي والحاضر والمستقبل معاً .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 22 / شباط / 2017 م 

74
العلاقة العضوية بين القومية والأرض التاريخية ... كيف يجب أن تُفهم ؟؟
خوشابا سولاقا
عندما نطلع على تاريخ كل أمم العالم منذ فجر الحضارات الانسانية الأولى في التاريخ والى يومنا هذا من زاوية العلاقة بين الانسان والأرض سوف نجد أنه هناك علاقة عضوية جدلية تكاملية قوية وراسخة لا انفصام فيها بين الأرض والقومية التي تعيش عليها بالشكل الذي أما أن تأخذ الأرض كوطن الأسم القومي للأمة أو على العكس من ذلك أن تأخذ الأمة الأسم القومي لها من اسم الأرض ، وبما أن أرض الوطن ثابتة ومستقرة في مكانها جغرافياً لا يمكن ترحيلها من مكان الى آخر فتبقى بذلك حاملةً للأسم التاريخي معها مدى الدهر ، بينما من يرحل من ساكنيها الى أرض أخرى مسماة جغرافياً واجتماعياً ويتخذ منها وطناً بديلاً له كما هو اليوم حال بلدان المهجر سوف يتبنى المُهاجر شاء أم أبى الأسم الجديد للآرض التي اختارها وطناً له عليه واجبات مستحقة نحوها يستوجب أدائها كما هو حال السكان الأصليين ليحق له التمتع بما يتمتع به السكان الأصليين من حقوق وطنية وانسانية ، صحيح أن القادم الجديد يحمل الثقافة واللغة والتقاليد والعادات والطقوس العِرقية التي كان يعتز بها في وطنه الأم ويحاول المحافظة عليها وحمايتها من الأنصهار في بودقة ثقافة وعادات وتقاليد وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد في بداية الأمر إلا أن تقاليد الحياة الجديدة ومستلزماتها في الوطن الجديد تفرض علية التنازل والتراجع ثم التخلي عنها شيءً فشيءً بالتدريج مع مرور الزمن ، وهكذا وبمرور وتعاقب الأجيال تبقى طبائع وثقافة وتقاليد وعادات وطقوس القومية الغالبة في الوطن الجديد هي السائدة وسيدة القرار في مجتمع الأمة المُهاجرة الى أن تنصهر بالكامل بعد جيلين أو ثلاثة على أبعد تقدير وهذا ما بدأت بوادره بالظهور جلياً في الأجيال الشابة من أبناء وبنات أمتنا الآشورية ممن هاجروأ أبائهم وأجدادهم أرضهم التاريخية قبل أربعين أو خمسين سنة وأكثر . 
 أيها القارئ الكريم إن عملية الأنصهار القومي والثقافي والأجتماعي للمُهاجرين من أرضهم التاريخية التي تحمل بصماتهم الحضارية في بودقة الأمة ذات الأغلبية القومية المعينة في بلدان المهجر تأتي عبر عملية تراكمية تاريخية تأخذ وقتاً من الزمن وخير مثال على ذلك هو هِجرة الأوروبيين من بلدانهم الى العالم الجديد في القارتين الأمريكيتين وأستراليا ونيوزيلاندا ، حيث نجد أن القومية الغالبة ثقافياً وحضارياً كانت القومية الأنكليزية لذلك انصهروا كل الأوروبيين  المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا الحالية في بودقة الأمة الأنلكليزية الغالبة والمهيمنةً ثقافةً ولغةً وتقاليداً وعاداةً وطقوساً وتشكلت على أثرها أمم جديدة بمقومات وخصائص اجتماعية وسمات ثقافية جديدة الى حدٍ ما تجمع عرقيات واثنيات وأديان مختلفة على شكل الأمة الأمريكية والأمة الكندية والأمة الأسترالية بجوهر انكليزي ، الجميع يتكلمون اللغة الأنكلزية لكونها اللغة الرسمية ولكن يرفضون أن يكونون انكليزاً  قومياً ، وهكذا الحال في قارة أميريكا اللاتينية تشكلت أمم عديدة بأسماء سكان البلاد الأصليين وبجوهر اسباني وبرتغالي والجميع يتكلمون الأسبانية أو البرتغالية ولكنهم يرفضون كونهم اسبان أو برتغاليين  قومياً، هكذا وبمرور الزمن وتعاقب الأجيال وتطور الحياة الاجتماعية في تلك الأمم قد يتحول أسم الأمة في تلك البلدان الى أسم قومي وهوية قومية لسكانها المنحدرين من أعراق وأثنيات مختلفة . 
الهجرة حتماً في نهاية المطاف تنتهي بالمُهاجر إن شاءَ أم أبى وبناءً على متطلبات الحياة ومواكبة التفاعل والانسجام مع المجتمع الجديد الى التخلي عن لغته وعاداته وتقاليده وطقوسة ومقوماته القومية الآصيلة التي حملها معه من وطن الأم ويتبنى بدلاً منها ما هو سائد في الوطن الجديد للقومية الغالبة فيها ليتمكن من الأستمرار في العيش والأندماج في المجتمع الجديد ، وبعد جيل وجيلين أو ثلاثة أجيال في أحسن الأحوال سوف يكون المُهاجر المنحدر من أصول عرقية معينة منسلخاً بالتمام والكمال في سلوكه الاجتماعي وثقافته وحتى طبائعه عن تلك الأصول ، وربما سوف لا يتذكرون تلك الأجيال المتأخرة والتي ولدت وتربت في المجتمع الجديد شيئاً عن أصولها العِرقية القديمة المنحدرين منها وبذلك تدخل الأمة قومياً في بلدان المهجر في مرحلة الغيبوبة والأحتضار والاستسلام للأمر الواقع وهذا قدرهم المحتوم لا مفر منه .
ولتوضيح هذه العلاقة العضوية أي علاقة القومية بالأرض التاريخية وكونها علاقة لا انفصام فيها نأخذ أمثلة من واقع الحال ومن مختلف قارات الأرض سوف نجد من خلالها حقيقة وواقع وماهية هذه العلاقة وكما يلي :-
•   أرض الأمة والقومية اليابانية الغالبة .... هي اليابان
•   أرض الأمة والقومية الهندية الغالبة ..... هي هندستان
•   أرض الأمة والقومية الباكستانية الغالبة .... هي باكستان
•   أرض الأمة القومية الأفغانية الغالبة ... هي أفغانستان
•   أرض الأمة والقومية الكازاخية الغالبة ... هي كازاخستان
•   أرض الأمة والقومية الطاجيكية الغالبة ... هي طاجيكستان
•   أرض الأمة والقومية الكوردية الغالبة ... هي كوردستان
•   أرض الأمة والقومية التركمانية والتورك الغالبة .... هي تركمانستان وتركيا الحالية .
•   أرض الأمة والقومية الروسية الغالبة .... هي روسيا
•   أرض الأمة والقومية الفرنسية الغالبة .... هي فرنسا
•   أرض الأمة والقومية الآيرلندية ( الآيرش ) الغالبة ,,, هي ايرلانده 
•   أرض الأمة والقومية الاسكوتلندية ( السكوتش ) الغالبة ... هي اسكوتلانده
•   أرض الأمة والقومية الأنكليزية ... هي اينكلاند England   
•   أرض الأمة والقومية الألمانية الغالبة .... باللغة الألمانية ( دوتش ) ... هي ألمانيا أي دوتشلاند .
•   أرض الأمة والقومية الأسبانية الغالبة .... هي اسبانيا
•   أرض الأمة والقومية الأيطالية الغالبة ..... هي إيطاليا
•   أرض الأمة والقومية البرتغالية الغالبة ..... هي برتغال
•   أرض الأمة والقومية الآشورية الغالبة في وقتها ..... هي آشــــور التاريخية .
•   أرض الأمة والقومية العربية الغالبة .... هي عربستان أي أرض الجزيرة العربية الحالية قبل الأحتلال العربي الأسلامي للبلدان المجاورة . 
هذه النماذج هي مجرد أمثلة بسيطة لأستعراض وتوضيح طبيعة الأرتباطات والأشتقاقات التسموية اللغوية إن جاز التعبير للعلاقة العضوية بين " القومية " الغالبة وأرض الوطن الأم ، حيث لا يمكن أن تكون هناك " قومية " ذات غالبية على غيرها من الأثنيات العِرقية تعيش في أرض ما من دون أن تأخذ هويتها القومية من هوية أرض الوطن .
في الأمم التي تشكلت حديثاً ومصدر سكانها هو الهجرة من البلدان الأخرى كما هو في حالة أميريكا وكندا واستراليا ونيوزيلاد وأمم أميريكا  اللاتينية وغيرها فإنها ما زالت في طور التكوين والتشكيل وتعيش مخاض اجتماعي ثقافي وحضاري في عملية انصهار الأثنيات العِرقية المُهاجرة في بودقة القومية الغالبة المهيمنة اجتماعياً وثقافياً لولادة أمة جديدة بمقومات خاصة تختلف عن مقومات الأعراق الأصيلة لها .
بناءً على هذه المعطيات لا يمكن للفرد أن يحافظ على هويته القومية التي استمدها من هوية أرضه التاريخية إلا من خلال البقاء في أرض الوطن الأم وبعكس ذلك فإن متطلبات ومقومات الحياة في أوطان المهجر تفرض علية بل تجبره في نهاية المطاف بعد أجيال على تخلى أحفاده عنها واكتسابهم للهويه القومية من هوية الوطن الجديد في المهجر .
إن علاقة الأرض بالقومية كعلاقة الانسان المسيحي بالعماذ في الطقوس المسيحية ، ان كل قومية تُعمذ بعماذ الأرض التي نشأت عليها تاريخياً ، وبذلك لا يمكن لأي إنسان من أية قومية  كان أن يحافظ على هويته القومية التي عُمذ بها إلا في أرض عماذه التاريخية .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 20 / ك2 / 2017 م
   

75
الواجب الوطني ... بين ما هو من واجب الدولة وما هو ليس من حق المواطن
خوشابا سولاقا
بالنظر لما نشاهده من الظواهر والممارسات غير المرضية أخلاقياً وحضارياً في الشارع العراقي في هذه الأيام يتطلب الأمر منا كمواطن عراقي يعنينا ما يعني العراق من الظواهر والممارسات الإيجابية منها والسلبية التي تعكس بالتالي مدى تقدم العراق وتخلفه حضارياً كمجتمع ودولة ومواطن كل بحسب ما عليه من حقوق وواجبات تجاه بعضها البعض في سبيل الوصول بالبلد الى ذلك المستوى من الرقي السلوكي الاجتماعي الوطني الذي يليق به بين أمم العالم المتحضر والخروج به من الحالة المنفلتة غير المسؤولة سلوكياً التي يتسم بها المواطن والدولة بشكل خاص والمجتمع بشكل عام ، هنا يتطلب الأمر بل يستوجب وضع معايير وطنية وأخلاقية لتقييم دور ومسؤولية كل طرف من هذه الأطراف في هذه المعادلة الوطنية المعقدة ، وبيان ما هو حلال مقبول ومسموح به وما هو حرام مرفوض وممنوع لكل طرف من الأطراف المعنية .
للدخول في هذه المقاربات وباعتبار الدولة مؤسسة خدمية لتقديم الخدمات للمواطن والمجتمع ، نأخذ نماذج حية من الواقع العراقي ونطرحها للتحليل والتمحيص بغرض تقييمها وفق معايير الأخلاق والوطنية والتحضر الاجتماعي ومن ثم نترك إصدار الحكم للقارئ اللبيب لأدانة ومحاسبة المقصر وتكريم من يستحق التكريم من تلك الأطراف :-
-   كما قلنا أن من واجب الدولة تقديم كافة الخدمات الصحية والتعليمية وكل الخدمات البلدية والاجتماعية والأمنية للمواطن ولكن ليس من حق المواطن العبث بالبنى التحتية لمؤسسات الخدمة للدولة من دون الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر والدولة والمجتمع .
-   من واجب الدولة وضع نظاماً متطوراً لتنظيم المرور في الشوارع ومحاسبة المخالفين له بصرامة خدمة للمواطن ، ولكن ليس من حق المواطن مخالفة قواعد ذلك النظام والأخلال بها والتجاوز على حقوق الآخرين وقيادة مركباتهم بشكل غير مسؤول وبعكس السير كما يفعل بعض سواق السيارات الحكومية وسواق أرتال حمايات المسؤولين وسواق سيارات الأجرة . هنا من واجب شرطة المرور محاسبة هؤلاء المخالفين ومنع من لا يمتلك رخصة القيادة العمومية قيادة سيارات الأجرة بكل أنواعها .
-   من واجب الدولة أن توفر الطاقة الكهربائية للمستهلكين بالمستوى المطلوب على مدار الساعة عبر شبكات كهربائية تتوفر فيها قواعد ومستلزمات الأمانة لحماية المواطن وممتلكاته من أضرارها المتوقعة وفق أحدث المواصفات الفنية العالمية ، ولكن ليس من حق المواطن التجاوز على الشبكة الكهربائية بغرض سرقة الكهرباء خلافاً للقانون المرعي والأسراف المفرط في استهلاك الطاقة الكهربائية بطريقة غير مسؤولة وعدم الترشيد في الأستهلاك وتسديد الأجور في موعدها المحدد لأن ذلك يشكل خسارة مالية للمستهلك أولاً والأقتصاد الوطني ثانياً وتجاوز على حصة الآخرين من الطاقة ثالثاً .
-   من واجب الدولة أن تقوم مؤسساتها البلدية بجمع النفايات من الأماكن المخصصة لها في الشوارع والمحلات ونقلها خارج المدن والى أماكن إعادة التعامل معها إن وجدت للمحافظة على نظافة المدن والبيئة وصحة المواطن ، ولكن ليس من حق المواطن رمي النفايات في الشوارع كيفما يشاء لأن ذلك سلوك مشين وغير أخلاقي وغير متحضر لا يليق بالانسان المتحضر ونشير هنا تحديداً الى ما يفعله البعض عند قيادتهم لمركباتهم في الشوارع حيث يقومون برمي نفايات ما يستهلكونه من المشروبات والمأكولات وبقايا السكائر من نوافذ سياراتهم من دون مراعاة ما يترتب على ذلك من أضرار على غيرهم ونظافة الشوارع والبيئة .
- من واجب الدولة أن تقوم بانشاء الطرق والشوارع وتبليطها ورصف أرصفتها بما يجعلها جميلة المنظر وأنيقة لخدمة المواطن ولكن ليس من حق المواطن أن يستغل الرصيف أمام محل عمله كمعرض لعرض منتجاته وبضائعه أو استغلاله كمطعم في الهواء الطلق كما يفعل بعض أهل المطاعم الشعبية ، ثم تجاوز البعض على جزء من عرض الشارع المخصص لسير السيارات باستعمال عوارض مختلفة بذريعة حماية واجهات محلاتهم من أية تفجيرات محتملة !!! ، وهنا كأنه تعتمد قاعدة السيئة الصيت الغاية تبرر الوسيلة لتبرير المخالفات المشينة في التجاوز على الحق العام .
-   من واجب الدولة أن تقوم بتوفير منتزهات مشجرة ومناطق خضراء في المدن وفيها كل مستلزمات الخدمة من مرافق صحية وكازينوهات ومطاعم تقديم الوجبات السريعة وتوفير مقاعد الجلوس في ساحاتها وغيرها من الأمور الضرورية ولكن ليس من حق المواطن العبث بها وعدم المحافظة على نظافتها بعدم رمي نفاياته في الأماكن المخصصة لها في تلك المنتزهات .
-   من واجب الدولة بناء هياكل إدارية خدمية نزيهة وكفوءة في مؤسساتها وأجهزتها لتقديم الخدمات للمواطنين في انجاز كل معاملاتهم في كافة المجالات من دون أن تبتزهم مالياً ( أي أخذ الرشوة من المواطن ) ، ولكن ليس من حق المواطن أن يبادر الى عرض الرشوة للموظف بغية الأسراع بانجاز معاملاته ، لأن ذلك يشكل تشجيعاً للفساد وافساد ذمة موظف الخدمة وتعطيلاً لأنجاز معاملات من ليس بمقدورهم دفع الرشوة أي المقسوم .
-   من واجب الدولة توفير الأمن والأمان للمواطن والمجتمع من خلال أجهزتها الأمنية ولكن ليس من حق المواطن إخفاء أية معلومات أمنية عن العابثين بأمن الوطن والمواطن والمجتمع بحكم الولاءات والأنتماءات للخصوصيات كالقومية والدين والطائفة والعشيرة والقبيلة عن أجهزة الدولة الرسمية لأن الولاء للوطن له الأولوية على غيره من الولاءات بموجب المعايير الوطنية والأخلاقية .
-   من واجب الدولة توفير فرص العمل لكافة مواطنيها بالتساوي ومن دون التمييز فيما بينهم بحسب الأنتماءات الخصوصية بل أن يتم ذلك وفق معايير الكفاءة والتحصيل العلمي والأختصاص والنزاهة في أجهزتها المدنية والأمنية بما فيها القوات المسلحة ولكن ليس من حق المواطن اللجوء الى التوسط من خلال الأقرباء والمعارف المتنفذين في السلطة لنيل ما لا يستحقة من الحقوق والأمتيازات على حساب الآخرين لأن ذلك شكل من أشكال الفساد والخيانة للوطن والمجتمع وبالتالي هو سرقة من المال العام يحاسب عليه القانون .
-   من واجب الدولة أن تعمل جاهدة لتطوير البنى التحتية للمؤسسات الخدمية كمشاريع الماء والكهرباء ومجاري الصرف الصحي  وخطوط النقل البرية والبحرية والجوية والمؤسسات التعليمية بكل مستوياتها والصحية والأقتصادية والصناعية والزراعية لتقديم أفضل الخدمات للمواطن والمجتمع ولكن ليس من حق المواطن المستفيد من هذه المؤسسات العبث بها بكيفية لا تتسم بالشعور بالمسؤولية تجاه الآخر والمجتمع والوطن .
-   من واجب الدولة أن تفرض سيادة سلطة القانون على الجميع من دون محاباة ومجاملات لأي كان ولكن ليس من حق المواطن عدم احترام سلطة القانون وقواعده في سلوكه الاجتماعي .
-   من واجب الدولة أن تنظم انتخابات ديمقراطية نزيهة لأختيار ممثلي الشعب في مجلس النواب ومجالس المحافظات وفق أحدث النظم الديمقراطية في العالم ، ولكن ليس من حق المواطن أن ينتخب الفاشلين والفاسدين وأشباه الأميين وفق الولاءات والأنتماءات الخصوصية القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية وغيرها بل أن يتم ذلك وفق المعايير الوطنية كالكفاءة والنزاهة والأخلاص والمؤهلات العلمية .   
 هذه الحالات هي غيث من فيض وهي بالتالي نماذج من الصور المرفوضة في المجتمع العراقي وبات مشاهدتها في كل بقعة من أرض العراق أمراً مألوفاً للقاصي والداني ، حيث نرى أن الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها المتخصصة مقصرة تجاه المواطن في أداء مهامها لتقديم أفضل الخدمات له ، ومن ثم هي مقصرة مرة أخرى في عدم متابعتها لتجاوزات المخالفين ومحاسبتهم مما يشجع المواطنين التمادي في تجاوزاتهم ، ولكن هذا لا يعفي المواطن كفرد من مسؤوليته تجاه الدولة ولا يجيز له التصرف بشكل مخالف للقوانين المرعية في البلاد كما أشرنا إليها في النماذج المذكورة في متن المقال لأن الفرد المواطن هو الأساس في بناء المجتمع الصالح والدولة الرائدة في تقديم الخدمات فإن كان الفرد المواطن فاسداً وغير متحضراً في سلوكه الاجتماعي تكون المجتمع والدولة فاسدتين وفاشلتين ومتخلفتين .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 13 / ك2 / 2017 م 


76
الحل الأمثل للمشكلة الديموغرافية في محافظة نينوى بعد " داعش "
منذ بدء معركة تحرير الموصل بشكل خاص ومحافظة نينوى بشكل عام وما قبلها بالأحرى ، يدور الحديث بشيء من القوة في الأوساط السياسية العراقية عامة والأوساط الأعلامية الأقليمية والعالمية للدول المعنية المشاركة في التحالف الدولي للقضاء على التنظيم الأرهابي " داعش " عن تداعيات المرحلة ما بعد داعش وما يستوجب من حلول للمشكلة الديموغرافية في محافظة نينوى بالشكل الذي تساعد على وضع نهاية لأعادة انتاج ما هو أسوء من داعش مستقبلاً وذلك بسبب تعارض وتقاطع مصالح المكونات الديموغرافية القاطنة في محافظة نينوى الحالية والصراع على الأرض بين أقليم كوردستان والدولة الأتحادية بخصوص إشكاليات تفسير تنفيذ المادة ( 140 ) من الدستور العراقي الأتحادي حول ما تسمى بالمناطق المتنازع عليها ، لقد طُرحت بهذا الشأن أفكار كثيرة وقدمت مشاريع عديدة نال القسم منها قبول وتأييد بعض الأطراف السياسية ورفضت من قبل البعض الآخر لأسباب سياسية عديدة ، وكانت في مقدمة ما تم الأختلاف عليه هو كيفية إيجاد صيغة سياسية وقانونية لحل مشكلة الأقليات القومية والدينية القاطنة كسكان أصلاء تاريخياً في محافظة نينوى بالشكل الذي يجسد المحافظة على الهوية القومية والدينية لتلك الأقليات ، حيث هناك مساعي كوردية واضحة وجلية لضم الكثير من مناطق شرق دجلة من سهل نينوى الى أقليم كوردستان وتواجه هذه المساعي بالرفض من قبل أغلب سكانها من غير الكورد لذلك من المتوقع أن تصبح مناطق سكن الأقليات ساحة لعمليات العنف المسلح بعد تحرير محافظة نينوى من رجس وطغيان الأرهابيين وربما ستغدو ساحة لعمليات عسكرية شاملة بين قوات البيشمركة التابعة للأقليم وبين القوات العسكرية والأمنية التابعة للدولة الأتحادية وتكون بذلك الأقليات هي الضحية والخاسر الأكبر في العملية برمتها .
علية ولغرض تجاوز حالة وصول الأمور الى هذه المرحلة لا بد من إيجاد صيغة حل مثلى لأحتواء الوضع المتوقع تضمن حقوق جميع الأطراف المعنية بالأمر من دون اللجوء الى السلاح باستعمال سلاح الحوار الديمقراطي والتفاهم المتبادل بين كل الأطراف بقبول التعاطي مع الواقع الديموغرافي كما هو في محافظة نينوى من دون المساس بخصوصيات المكونات القومية والدينية بالشكل الذي يؤدي الى تهميشها أو إقصائها أو إلغائها من الخارطة السياسية العراقية وسيكون ذلك هو الحل الأمثل للمشكلة الديموغرافية في محافظة نينوى بعد داعش وهذا الحل يأتي من خلال ما يلي :-
أولاً : استحداث أقليم بأسم " أقليم نينوى " ضمن الدولة العراقية الموحدة وفقاً للدستور كما هو حال أقليم كوردستان العراق .
ثانياً : استحداث محافظات جديدة وفق التوزيع الديموغرافي لسكان أقليم نينوى من العرب والكورد والتركمان و " الكلدان السريان الآشوريين " والأيزيديين والشبك وكما يلي
1 – محافظة " الموصل " مركزها مدينة الموصول تضم المناطق ذي الغالبية العربية السنية .
2 – محافظة " تلعفر" مركزها مدينة تلعفر تضم المناطق ذي الغالبية التركمانية من السنة والشيعة .
3 – محافظة " سنجار " مركزها مدينة سنجار تضم المناطق ذي الغالبية الأيزيدية .
4 – محافظة " آشـــور أو نمرود بدلاً من سهل نينوى " مركزها مدينة بغديده – الحمدانية تضم المناطق ذي الغالبية من الكلدان السريان الآشوريين والشبك .
5 – المناطق ذات الأغلبية الكوردية بين حدود أقليم نينوى الشرقية وأقليم كوردستان يتم استفتاء سكانها بين أن تختار البقاء في أقليم نينوى بمحافظاته المستحدثة وبين أن تنظم الى أقليم كوردستان الحالي .
ثالثاً : يتم وضع خارطة جغرافية جديدة لمحافظات أقليم نينوى وفقاً لذلك .
رابعاً : يتم تطبيق نظام الأدارات المحلية في كل محافظة من محافظات الأقليم بحسب التوزيع الديموغرافي لسكان مدن وقصبات تلك المحافظات بأفضل صورة ممكنة تجسد الحقوق والهوية القومية والدينية لتلك الأقليات لادارة شؤونها .
خامساً : من حق كل مواطن عراقي في الأقليم الجديد أن يعيش في أية محافظة من محافظاته يختارها ليستقر فيها وفقاً لعمله ومصدر معيشته على أساس المواطنة .
سادساً : من حق الأقليم أن يكون له علم خاص الى جانب العلم العراقي الموحد وأن يكون له حرس وطني خاص به تتمثل فية أبناء المحافظات بنسب متوازنة مع عدد سكانها من كافة الأقليات
سابعاً : بعد إقرار هذا المشروع يتم تضمينه من قبل الأمم المتحدة ومنظمات دولية وعربية أخرى وضمانة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة . 
بحسب إعتقادنا ورأينا الشخصي المتواضع أن هذه الصيغة تمثل الحل الأمثل للمشكلة الديموغرافية للأقليات القومية والدينية في محافظة نينوى بعد القضاء على تنظيم داعش الأرهابي لو أعتمد سوف يَحّل السلام والتعايش السلمي بين مكونات أقليم نينوى .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 12 / ك1 / 2016 م

77
الشرق العربي والاسلامي كيف هو وكيف يجب أن يكون لتستقر أوضاعه السياسية   وعلاقة ذلك بوضع الأقليات الأخرى ... ؟؟

خوشابا سولاقا
بالنظر لأهمية هذا الموضوع بكل أبعاده الفكرية في ضوء الواقع الديموغرافي الموضوعي لهذه المنطقة بالشكل الذي يفضي الى حل أسباب صراعاتها ونزاعاتها وتناقضاتها الملتهبة بالمشاكل والحروب وبالتالي الى استقرارها سياسياً لا بد لنا أن نتناولها من الناحية الديموغرافية لتركيبة سكانها أي بمعني من الناحية التعددية العرقية والدينية والمذهبية وغيرها من الخصوصيات وعلاقة ذلك بأسباب الصراعات والنزاعات المختلفة التي تعاني منها المنطقة والتي اتخذت شكلاً وطابعاً تناحريا ودمويا وأوصلتها الى نقطة حرجة يصعب العودة منها الى البداية المفروضة لوضعها على المسار الصحيح لتجاوز واقعها القائم المتناحر وبناء واقع جديد قائم على التآخي والتصالح مع الذات ومع الآخر المختلف ومن ثم التعايش السلمي الاجتماعي في إطار الدول الوطنية المدنية الديمقراطية القائمة على أساس المواطنة والعدالة والمساواة بين مواطنيها وسيادة حكم القانون على الجميع .

الشرق العربي والاسلامي الحالي كيف هو اليوم ..؟؟
إن الشرق العربي والاسلامي الحالي أي اليوم ، هو وريث ووليد شرعي ونتيجة طبيعية لدول وامبراطوريات إسلامية استبدادية وديكتاتورية منذ ظهور الاسلام قبل أربعة عشر قرناً من الزمن الى يوم سقوط آخر تلك الدول وهي الدولة العثمانية المعروفة بأيديولوجيتها العنصرية القومية والدينية والمذهبية على حدٍ سواء في تعاملها مع الآخرين المختلفين عنها من رعاياها قومياً ودينيا ومذهبياً ، وهكذا كان الحال مع الأمبراطورية الفارسية وقبلها في الدولة العباسية والدولة الأموية العربية الهوية وآخرها الدول العربية والاسلامية التي ظهرت في هذه المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وانتشار الفكر القومي والديني الشوفيني بين صفوف الشباب بدعم وتشجيع من الأجهزة المخابراتية للدول الرأسمالية الغربية المنتصرة في الحرب ، وذلك للتصدي لمد خطر الأفكار الشيوعية بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا القيصرية ، وكانت من نتاجات هذه السياسة المخابراتية للدول الرأسمالية ظهور أحزاب وحركات قومية ودينية مغالية في تطرفها القومي مثل حزب البعث العربي الأشتراكي وغيره ، وأخرى مغالية في تطرفها الديني المذهبي مثل جماعة الأخوان المسلمين المتبنية للفكر السلفي التكفيري للوهابية المستمدة من أفكار " ابن تيمية " ، وكانت آخر نتاجات سيادة الثقافة الشوفينية الدينية المتطرفة ولادة منظمات التطرف والتشدد الأسلاموية مثل القاعدة وداعش وإفرازاتها من المنظمات التكفيرية الأرهابية الأخرى . إن سيطرت داعش على أكثر من 40 % من مساحة العراق وسوريا واعلانها لدولة الخلافة الأسلامية المزعومة أعطت درساً بليغاً من السوء والقسوة والطغيان المعادية للآخلاق والقيم الانسانية لمن وضعوا أمالهم في حكم مثل هكذا تنظيمات إرهابية لأن يعيدوا النظر في طبيعة ثقافاتهم اليوم التي ورثوها من أسلافهم الشوفينيين الرافضين للآخر المختلف عنهم والبحث عن البديل الأصلح للحياة معه في دولة العدل والمساواة والحرية والكرامة الانسانية والقانون .

الشرق العربي والاسلامي كيف يجب أن يكون غداً .. ؟؟
في ظل هذا الواقع التاريخي المؤدلج قومياً ودينياً ومذهبياً الذي كانت تسود فيه الثقافة الشوفينية والتمييز العنصري القومية والدينية والمذهبية ترسخت مفاهيم العنصرية وقيم التعصب والتشدد والتطرف ورفض الآخر المختلف بكل أشكالها في نفوس  وطبائع أبناء الأكثريات الحاكمة رسمياً واجتماعياً ضد الأقليات التي تعيش في كنفها سيادة هذه الثقافة الشوفينية هي من جعلت هذه الأقليات تشعر وتعاني الكثير من الظلم والأضطهاد والتمييز العنصري القومي والديني ومصادرة الارادة الحرة بغرض إلغاء هوياتها الخصوصية وصهرها في بودقة الأكثريات الحاكمة لها وعانت أيضاً من النظرة الدونية التي تنتقص وتحُط من قيم خصوصياتها ومعتقداتها وتقاليدها لقرون طويلة ، هذه الممارسات مجتمعة رسخت بالمقابل لدى الأقليات ردود أفعال سلبية تجاه استمرار التعايش وفق هذه المعادلة الظالمة الغير منصفة مما ولدت لديها قناعات التطلع والرغبة القوية بالأنفصال والأستقلال والانعتاق من ظلم وطغيان الأكثريات القومية والدينية والمذهبية أي الخروج من الظلام الى النور ، هذا الأختلال في التوازن في توزيع الحقوق والواجبات بين الأكثريات والأقليات جعلت هذه البلدان تدخل في حالة من الغليان الدائم من عدم الأستقرار السياسي والاجتماعي والأمني وبالتالي وصلت الى الحالة التي هي عليها اليوم من تفكك وتشرذم وتفسخ وعداء .   
عندما ننظر الى الدول العربية والاسلامية في هذه المنطقة بمنظار الرؤية المتوازنة للأمور ونحلل واقع تركيبتها الديموغرافية سوف لا نجد دولة منها تخلو من التعددية العرقية – القومية والدينية والمذهبية وغيرها من الخصوصيات إطلاقا ً، وعليه وبغرض إمكانية خروج شعوب هذه البلدان من واقع صراعاتها ونزاعاتها المريرة وحروبها الدامية لا بد من العودة الى أسباب ومسببات تلك الصراعات والنزاعات التي تسودها اليوم ، أي بمعني أن كل مشكلة وكل أزمة يمكن حلها بشكل عقلاني باستئصال جذور أسبابها الحقيقية ، وفي ضوء هذه الرؤية الواقعية والموضوعية لأصل المشكلة وأسبابها ليس أمام الأكثريات الحاكمة  قومياً ودينياً ومذهبياً في هذه البلدان إلا الأختيار بين خيارين لا ثالث لهما وإلا سوف يستمر الوضع القائم على حاله .
أولهما : القبول بواقع فكرة التقسيم ، أي بمعنى تقسيم هذه البلدان الى دويلات مستقلة على أساس قومي وديني ومذهبي كما تطالب بعض الأقليات لكي يتمتع في ظل ذلك الواقع الجميع الأكثريات منها والأقليات بكامل حقوقها في الحياة الحرة الكريمة الآمنة من دون صراعات ونزاعات وحروب دموية مستمرة .
ثانهما : القبول بالنظام الفيدرالي مع تغيير جذري في طبيعة الثقافات والأفكار والتشريعات المنهجية الشوفينية ومنع كل ما يدعو الى التمييز من خطب وفتاوى دينية ومذهبية السائدة حالياً في مؤسساتها الرسمية والتي ترسخت في نفوس وطبيعة أبناء الأكثريات الحاكمة والقائمة على أساس سيادة سلطة الأكثريات من دون احترام وحماية حقوق وهويات وخصوصيات الأقليات بثقافات أخرى أكثر إنسانية وديمقراطية تفضي الى خلق ثقافات التآخي والتعايش السلمي المشترك بنشر العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون بين المواطنين على أساس إقامة دول المواطنة وليس على أساس دول الخصوصيات وفق مبدأ سيادة سلطة الأكثريات على حساب إلغاء وتهميش وإقصاء وصهر الأقليات في بودقتها .
عندما نتصفح تاريخ الأمم الأخرى نجد أن أمم أوروبا وأميريكا قد مرت هي الأخرى بتجارب مريرة ومماثلة لما تمر به اليوم البلدان العربية والأسلامية ودخلت في حروب قومية مدمرة بسبب صراعاتها ونزاعاتها على المصالح الأقتصادية ومناطق النفوذ ودخلت في حروب داخلية دامية بين الأكثريات والأقليات العرقية والمذهبية سنوات طويلة راحت ضحيتها الملايين من البشر ولكنها في النهاية اكتشفت أن الحل البديل والأمثل للحروب والنزاعات هو التعايش السلمي بأمان من دون إراقة الدماء فقررت التخلص من أسباب نزاعاتها وحروبها المستمرة وتغيير نمط العلاقات فيما بينها من نمط سيادة سلطة الأكثريات على حساب إلغاء وجود الأقليات بنمط آخر وهو سيادة المنهج الديمقراطي الذي يحترم ويحمي كيان وثقافات وخصوصيات الأقليات كما هو للأكثريات والتعايش معها سلمياً بأمان ، فنشأت على أثر ذلك دول ذات تعدديات قومية ومذهبية في إطار الدولة الفيدرالية الواحدة كما هو حال معظم الدول الغربية الديمقراطية كأمريكا وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا ذلك على مستوي الوطن الفيدرالي الموحد ، وكما هو حال دولة الأتحاد الأوروبي لعدة بلدان في دولة كونفيدرالية موحدة في التعامل الدولي مع غيرها .
كانت النتيجة التي يجب أن تفتخر بها هذه البلدان وأممها هي سيادة الأستقرار والأمن والآمان والرفاه الأقتصادي والاجتماعي في هذه البلدان لمدة أكثر من سبعة عقودٍ من الزمن لأوروبا وما يقارب الثلاثة قرون للولايات المتحدة الأمريكية ... ما الضرر لو تقتدي الدول العربية والأسلامية بهذه التجارب وأن تتخلص من ثقافاتها ومعتقداتها البالية المتخلفة التي هي مصدر بلائها وحروبها العبثية وتأخرها وصرف أموالها الهائلة في تدمير ذاتها واستنزاف قواها البشرية في التدمير والتخريب ؟؟؟ ... وعليه نقول خيراً للأكثريات العربية والأسلامية ومن مصلحتها القومية والوطنية أن تسعى لأن تتعايش بأمان وسلام وأخوة مع الأقليات في بلدانها متساوون معها في الحقوق والواجبات بدلاَ من السعي الى تهميشها وإلغائها وإقصائها وظلمها واضطهادها ومصادرة حقوقها الطبيعية وخاصة أن أغلب تلك الأقليات هم الأصحاب الشرعيين والأصليين لتلك البلدان كما هو حال الأقباط في مصر والفينيقيين والأمازيخ في شواطئ البحر الأبيض المتوسط والآشوريين والكلديين والأراميين والعبرانيين وغيرهم في العراق والشام وفلسطين ...
كل من يريد أن يعيش بحرية وسلام وأمان ، عليه أن يتخلى عن الشوفينية القومية والدينية والمذهبية ضد الآخر كمنهج في الحياة لكي لا يصنع لنفسه أعداء ألداء دائميين .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 13 / ت 2 / 2016 م

 

78
معركة تحرير الموصل بين أن تكون أو لا تكون !!!
خوشابا سولاقا
أيها الأحبة القراء الكرام .... اطلعوا على تصورنا لما جرى منذ منتصف سنة 2014 م  والى هذه اللحظة التي نعيش حصراتها الأليمة وفكروا بما نقوله وتأكدوا أن كل خيوط اللعب هي بيد أمريكا وبقية اللاعبين مهما كانت هوياتهم وعناوينهم ليسوا أكثر من مجرد بيادق على رقعة الشطرنج لا يحركون ساكنا من دون إشارة من أميريكا .
مدينة موصل تحديداً ومحافظة نينوى بكاملها قد احتلت من قبل تنظيم دولة الخلافة الأسلامية " داعش " بقرار من جهة ما وبالتنسيق مع أطراف محلية عراقية من دون قتال ومن دون إطلاق رصاصة واحدة بوجه داعش الأرهابية وبحسب إعتقادنا الشخصي المتواضع سوف تتحرر بقرار من نفس الجهة من دون قتال أيضاً ولكن بأطلاق رصاصات كثيرة لتضليل السذج من الناس ، إن من صنع القاعدة وداعش وأخواتهما هو من سلم محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وأجزاء كبيرة من محافظتي كركوك وديالى الى داعش خلال ثلاثة أيام من دون أن تطلق رصاصة واحدة من قبل مئات الآلاف من القوات الأمنية العراقية في وجه داعش وأصبحت داعش رعباً مزلزلاً على أبواب بغداد وأربيل معاً ... إن هذا الأحتلال السريع والواسع لحوالي ( 40 % ) من مساحة العراق من قبل داعش مع سيطرتها على كميات كبيرة من مختلف الأسلحة والذخيرة كان أمراً  غريباً حقاً للغاية لا يقبله ولا يقره أي منطق عسكري عقلاني ولا مدني سياسي !!! ، وكل التحليلات العسكرية والسياسية أوحت بوجود خيانة مخطط لها من جهة متحكمة بمفاتيح السياسة في العراق وبالتنسيق مع أطراف عراقية ، هذا ما ذهبت إليه نتائج التحقيقات العسكرية والبرلمانية ولذلك تم طمطمة ملف سقوط الموصل ....
إن ولادة داعش المفاجئ بعملية قيصرية على أثر السياسة الطائفية التي اعتمدت في المحافظات التي فيها الغالبية السنية في زمن السيد نوري المالكي هي من خلقت الظروف المناسبة لولادة تنظيم داعش الأرهابية التي أولدتها أميريكا وأتخذت منها وسيلة فعالة لتأديب الطرف العربي السُني المتطرف والمتشدد ولأثبات ضعف الأسلام السياسي لأحزاب العرب الشيعة الماسكة للسلطة في بغداد من جهة وضعف التيار القومي الشوفيني الكوردي الماسك للسلطة في أربيل من جهة أخرى في مواجهة هذا الخطر الداهم الذي بات يهدد العروش العاجية بالسقوط المدوي في كل من بغداد وأربيل .
فعلى أثر هذه الخطة الأمريكية المحكمة تادبوا العرب السُنة المتطرفين في المناطق المغتصبة بسبب سلوكيات تنظيم الدولة داعش المنحرفة التي أذاقتهم المُرّ وطعنتهم في كل مقدساتهم ومحرماتهم وباتوا يطلبون الخلاص من طغيان داعش حتى من الشيطان وليس فقط من أميريكا وحلفائها الغربيين الكفار كما يدعون !!! ... في ذات الوقت أكتشفوا المتطرفين من العرب الشيعة والقوميين الشوفينيين الكورد بأنهم أضعف من أن يتمكنوا من التصدي للخطر الداعشي الداهم الذي بات يقض مضاجعهم لوحدهم من دون الأعتماد على مساعدة أميريكا وحلفائها الغربيين ، فتعلموا بذلك كل الأطراف العراقية المتطرفة الدرس جيداً وعرفوا قدر أنفسهم بأنهم لا شيء أمام إرادة أميريكا السياسية وما تخطط له من مشاريع في رسم مستقبلهم كأشخاص أو كأحزاب سياسية كارتونية فاشلة لا تجيد إدارة الدولة باستثناء نشر وممارسة الفساد والأثراء من أموال الشعب .... 
اليوم هناك تصريحات أمريكية وتركية متبادلة نسمعها من هنا وهناك وكل طرف منهما يدعي بأن الطرف الآخر طلب منه التنسيق حول فتح مَمَر آمن لهروب داعش أو بالأحرى خروج داعش من الموصل بشكل آمن من دون قتال الى سوريا " الى مدينة الرقة تحديداً " لأكمال الفصل الآخير من المسرحية التأديبية لتأديب النظام السوري وحلفائه الروس وايران وكافة الميليشيات المشاركة في الدفاع عن النظام السوري من الدول الأخرى التي حشرت حشراً في الحرب تحت شعارات طائفية ، بعد أن تم تسوية الحسابات مع حكام العراق وفق المشروع الأمريكي وبذلك انتفت الحاجة الى وجود داعش كوسيلة تأديبية لفرض الأجندات الأمريكية المخطط لها مسبقاً في العراق ... 
أما بخصوص ساعة انطلاق معركة تحرير الموصل المفترضة وكل محافظة نينوى سوف تعلن من قبل الدكتور حيدر العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة العراقية رسمياً ولكن وبحسب ما يجري من تحركات وتنسيقات أمريكية – أوروبية – تركية - عراقية – إيرانية – سعودية – اسرائيلية حتما المعلنة والمخفية بعد الأيعاز إليه من اميريكا عندما تتأكد من خروج داعش من الموصل من دون مواجهة عسكرية شاملة مع القوات الأمنية العراقية باستثناء إجراء بعض الألاعيب البهلوانية باطلاق النار المتبادل والقصف الجوي للتحالف الدولي لذر الرماد في عيون الشعب العراقي المسكين ولتفتح بذلك أبواب وسائل الأعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي أمام المزايدين من أبطال الكارتون في الفصائل المسلحة المشاركة في مسرحية التحرير ليعلن كل واحدٍ منهم بأنه هو الأب الشرعي للنصر العظيم في تحرير الموصل وأهلها من الأرهاب الداعشي دون غيره !!! ، وبذلك سوف ينتهي دور داعش ووجودها في العراق ليسدل عليه الستار ، لتبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة نسميها " ماعش" على غرار " داعش " وهي مرحلة الصراعات بين الفصائل المسلحة العراقية لفرض الأمر الواقع على العراق والعراقيين حسب طلب أمريكا لإعادة رسم خارطة جديدة للعراق الفيدرالي وقد يكون هذا الأمر هو الأمَرّ بالنسبة للعراقيين الوطنيين الشرفاء من كل مكوناته القومية والدينية ، ومن بعد هذه المرحلة " مرحلة ماعش " ربما ستتهيء الظروف الموضوعية والذاتية أمام العراقيين لبناء نظام مدني ديمقراطي في اطار الدولة العراقية الفيدرالية وفق المشروع الأمريكي المعلن منذ زمنٍ طويل على لسان نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن المسؤول الأول عن الملف العراقي في عهد الرئيس باراك أوباما ..... انتظروا أيها الأخوة لتشاهدوا الفصل الآخير من هذه المسرحية الهزيلة المضحكة المبكية التي جعلت العراق يضحي بمئات الآلاف من شبابة بسبب السياسات الحمقاء للمتطرفين الشوفينيين الطائفيين والقوميين  من كل مكوناته منذ سقوط النظام السابق في سنة 2003 م والى اليوم .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 14 / ت1 / 2016 م


79
من يزرعَ الشوك يَحصُدْ محصولهِ !!!
خوشابا سولاقا
لقد قيل منذ قديم الزمان قِدم الانسان في الأمثال هذا المثل والذي يلائم كل زمان ومكان " من يزرع الشوك يَحصُدَ محصولهِ " ، أي بمعنى من يزرع بذوراً معينة سيحصد محصولها وليس محصول غيرها ، أي من يزرع الحنطة يحصد محصول الحنطة وليس محصول الزؤآن ومن يزرع الزؤآن يحصد محصول الزؤآن وليس محصول الحنطة وهنا الحليم بالاشارة يفهمُ !!! .
كذلك معروف لدى الجميع بأن جميع الأفعال بين كافة الكائنات في الطبيعة بما فيها الكائن البشري هي عبارة عن ردود أفعال لأفعال أخرى تصدر من الاخر تساويها في المقدار وتعاكسها في الأتجاه في معركة الصراع الطبيعي المستمر من أجل البقاء والمحافظة على التوازن الطبيعي للحياة ، وبالتالي هذه الأفعال ورود الأفعال المعاكسة تشكل القانون الآخر للتطور وهو قانون السبب والنتيجة ، حيث كل سبب يؤدي الى نتيجة وكل نتيجة بحد ذاتها تصبح سبباً لنتيجة جديدة وهكذا تتطور الحياة من الأدنى الى الأعلى بين صعود ونزول على مسار حلزوني .
وفق هذه القوانين الطبيعية للتطور الأجتماعي للحياة الانسانية من المفروض بالانسان الذي يختار لنفسه العمل كقائد في المجال الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي بكل تنوعاتها وغيرها من النشاطات الانسانية التي تخص وتمس الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية وغيرها من الخصوصيات التي تشكل النسيج الاجتماعي للمجتمع والتي لها عمق في ثقافات الآخرين لمكونات المجتمع الذي يعمل فيه ، عليه أن ينتقي مفردات وجمل خطاباته وأحاديثه بعناية فائقة وبدقة متناهية بحيث يجنب نفسه من مخاطر الوقوع في أخطاءٍ كبيرة وكارثية تكلفه الشيء الكثير من سمعته وتاريخه ويبرر في ذات الوقت للآخرين حق الرد بالمثل ، أي بمعنى من لا يريد أن يُرمى بيته الزجاجي بالحجارة عليه أن لا يسبق الآخرين في رمي بيوتهم بالحجارة !!  لكي يقي بيته ونفسه وعائلته من شَرّ حجارة الآخرين هكذا تقول الحكمة والعقل االرشيد وإلا عليه أن يقبل ويرضي بما يأتيه من سوء الكلام والقيل والقال من الآخرين صاغراً !!! .
إلا أن مرض جنون العظمة والسعي الى بناء مجداً شخصياً مزيفاً الذي يصيب أغلب السياسيين الديكتاتوريين المستبدين بأرائهم وأفكارهم في هذه البلدان ويطلقون كلامهم على عواهنه تجعلهم عميان البصر والبصيرة لا يرون حقائق الحياة على الأرض كما هي ، بل يرونها كما يحلو لهم أن تكون وتراود أحلامهم وأوهامهم المريضة وتبقى هذه الرؤية سمة تلازم حياتهم تنتهي بهم في النهاية الى مزبلة التاريخ من دون ذكر وفي التاريخ شواهد كثيرة من هكذا نماذج رثة لا تحصى ولا تُعد ،  ولذلك يكون نتاج حصاد محصولهم مما زرعوه بأيديهم محصولاً مُراً  مُرَّ الحنضل والعلقم ، وهنا ليس بوسع الناصحين لهم إلا أن يقولوا قول المثل " على نفسها جَنَتْ براقش " ونارهم يحرق حطبهم غير مأسوفٍ عليهم .
منذ ثلاثة عشر عاماً وسياسي العراق بشكل عام وسياسي أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين بشكل خاص يزرعون الشوك في أرضهم ويسقونه بدماء الآلاف من أبناء شعبهم من أجل حماية واستمرار مصالحهم الشخصية على حساب بؤس وتعاسة وإفقار أتباعهم وتعميق الخلافات القومية والدينية والمذهبية بينهم وعودة السلطة القبلية والعشائرية بكل قيمها الهمجية المتخلفة البالية الى واجهة الأحداث لتحكم بين الناس وفق منطقها المتخلف الأجوف على حساب سيادة سلطة القانون حامي العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين في المجتمع العراقي بشكل عام ومجتمعنا الكلداني والسرياني والآشوري تحديداً ... في ظل هذا الواقع المزري أخذ السياسيين بكل انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية يقلدون بعضهم البعض في تعسفهم وظلمهم ونشر الفساد وحماية الفاسدين والأمعان في إذلال من يتصورونهم  من الأتباع بأنهم مجرد عبيد لديهم يبيعون ويشترون بهم في سوق النخاسة السياسية كما يحلو لهم وبحسب ما تقتضي مصالحهم الشخصية والأساءة على خصوصياتهم ومقدساتهم ويتمعنون في ذلك أكثر كلما يحسون بنقمة الناس على تعسفهم وظلمهم ورفض تمثيلهم لهم في مؤسسات الدولة الرسمية .
إن ما حصل في الآونة الأخيرة بين أبناء مكونات أمتنا من لغط وجدل وتبادل النعوت الوقحة والقبيحة وتبادل الكلمات النابية الغير اللائقة عبر شاشات الفضائيات بكل وقاحة والتي وصلت الى حد استعمال السلاح النووي العراقي الفعال والمعروف بسلاح رمي السياسيين بالأحذية في وجوههم نقول إنه حقاً لشيءٌ  مؤسف ومخجل للغاية !!! ، ومن ثم ما توالت من الكتابات والتعقيبات والردود المتبادلة المكثفة في المواقع الألكترونية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المُطعمة بالقيم المسيحية في نقد ومعاتبة بعضهم البعض التي لا يخلو تاريخها الكنسي منذ سنة 324 م تاريخ فرض المسيحية كعقيدة دينية على الأمبراطورية الرومانية من قبل الأمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر بموجب مرسوم ميلانو الى يوم استشهاد البطريرك مار إيشاي شمعون بطريرك كنيسة المشرق الآشورية ، هذا التاريخ المليء بعمليات الغدر والخيانة والقتل والمجازر بحق المسيحيين بأيادي مسيحية لا يمكن اعتمادها والأستناد عليها كقيم ومبادئ لمنع حصول استعمال سلاح رمي الحذاء بوجه من يدعون تمثيل أمتهم عندما لا يجيدون تمثيلها والتعامل مع أبنائها باحترام خصوصياتهم بل يمكن منع حصول ذلك من خلال توجيه السياسيين والقادة الاجتماعيين ورجال الدين الى تعلم لغة الحوار الرصينة والرزينة ومن لا يتقن هذه اللغة وأدب الحوار لا يصلح لأن يقف وراء منصة الخطابة .
هنا نقول من المفروض أن لا يكتفي كتابنا ومثقفينا في التعامل مع النتيجة فقط لحدث ما مهما تكون طبيعتها بل عليهم أن يتعاملوا بالقدر ذاته مع الأسباب والدوافع التي أنتجت تلك النتيجة بتلك الطبيعة ، لأنه لولا وجود تلك الأسباب والدوافع لما حصلت تلك النتيجة التي أصبحت موضع انتقادات وتنديدات الآخرين ، ولكي نمنع حصول مثل هكذا نتائج  علينا بالقضاء على الأسباب والدوافع المنتجة لها أولاً .... ولغرض الوصول الى هذا المستوى من الحوار الديمقراطي الراقي علينا التخلص من إزدواجية الرأي وطريقة التفكير المنحاز لباطل الأنتماء للخصوصيات على حساب غبن وظلم الآخرين عملاً بقول المثل " أنا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب " ، بل علينا أن نتعامل بطريقة حضارية وذات سمات أخلاقية تحمي حقوق الآخرين كما تحمي حقوقنا .... أخيراً نقول وبدون تردد " من يزرع الشوك يحصد محصوله المُرّ بجدارة واستحقاق " .

خوشــــابا ســـولاقا
بغداد في 3 / ت1 / 2016 م

80
نحن ... وفلسفة البيضة من الدجاجة أم
الدجاجة من البيضة ... ؟؟
خوشابا سولاقا
لا نعتقد بوجود مثقف واحد على وجه الأرض ولم يسمع بهذه المقولة والتي عرفت بفلسفة اللامنطق وبالتالي هي واضحة أن البيضة تبيضها الدجاجة والدجاجة تخرج من البيضة ولكن أيتهما تسبق الأُخرى في الوجود ، وهذه كانت عِلة الفلاسفة الذين ضيعوا ردهاً من الزمن بل ربما قرون من دون أن يصلوا في النهاية الى الجواب المطلوب وعليه ترك النقاش وصارت هذه المقولة مضرباً للأمثال لحالات النقاش الذي لا نتيجة من ورائه ، وعليه فإن أي خلاف يحصل بين الناس حول موضوع ما ولم يصلوا بشأنه الى اتفاق يجمع عليه الطرفان يضربون عليه هذا المثل الذي ينطوي على جانب كبير من السخرية والأستهزاء بالعقول التي تأخذ من الثرثرة الفارغة وسيلة لأطالة النقاش واستمراره والذي لا يفضي الى نتائج مفيدة ويؤدي الى تعميق الخلاف والأختلاف بين الأطراف المتحاورة الى أن ينتهي بهم الأمر الى القطيعة واللاعودة الى المشترك في الرأي .
في ضوء هذه الفلسفة سوف نحاول أن نتناول الخلافات والأختلافات العقيمة والسقيمة  بين مكونات أمتنا من " الكلدان والسريان والآشورين " بشأن التسمية القومية الموحدة على خلفية إهمالنا كل المعطيات التاريخية والجغرافية ووحدة اللغة والثقافة والأرث الحضاري والمصالح المشتركة والمصير المشترك وما يجمعنا من المشتركات القومية لندرس الحالة ونختار الحل الأفضل والمقبول للمحافظة على ما يمكن المحافظة علية من تلك المشتركات ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا وجودنا القومي في أرضنا التاريخية أرض الأباء والأجداد أرض " بيث نهرين " الحبيبة على قلوبنا إن كنا صادقين فيما ندعي به ليلاً ونهاراً ونضدع له رؤوس الآخرين .
أولاً : جغرافياً ... الكلدان والسريان والآشوريين الحاليين وبعد المسيحية الى حدٍ ما هم ضمن جغرافية ما كانت تعرف بآشور قبل وبعد ظهور المسيحية وليسوا في جغرافية أخرى .
ثانيا : لغوياً ... الكلدان والسريان والآشوريين في مناطق سكناهم الحالية يتكلمون بلغة واحدة وبلهجات تختلف بعضها عن البعض قليلاً في لفظ بعض مفرداتها وهذا أمر طبيعي في كل لغات العالم وهذه اللغة التي باتت تُعرف بعد المسيحية هي " سورث " وسموا انفسهم كل المتكلمين بها من الكلدان والسريان والآشوريين " سورايي " والى اليوم وكانوا يعرفون نفسهم ولغتهم للآخرين بهاتين التسميتين من دون تحفظ ، والمفردتان " السريانية والسريان " هما مفردتان عربيتان " للسورث والسورايي "  ليس إلا .
ثالثاً : تاريخياً ... الكلدان والسريان والآشوريين تاريخياً اشتركوا ومشتركين في الكثير من مقومات الأرث الثقافي والحضاري والعادات والتقاليد والطقوس والزي القومي الحالي وتماثُلِهِ الى حدٍ كبير مع الزي القومي الآشوري الظاهر في التماثيل والمنحوتات الآشورية في نينوى وآشور ونمرود وبابل بما فيها النجمة الآشورية – البابلية الرباعية الأركان المستعملة في أعلامنا  المعتمدة اليوم . التاريخ بكل معطياته المكتشفة لحد الآن يُستدلْ منه ويَدُلنا على أننا كلنا ننتمي الى عرق قومي واحد بغض النظر عن الأسم .
رابعاً : دينياً ... الكلدان والسريان والاشوريين السابقين والحاليين هم يتدينون بالمسيحة وكانت كنيستهم واحدة بتقاليدها ولغة طقوسها وتقاليده وليتروجيتها واحدة أسمها كنيسة المشرق أو كانت تسمى أحياناً بكنيسة بيث نهرين وأحياناً أخرى بكنيسة فارس لكون منطقة شرق الفرات تحت نفوذ السيطرة السياسية الفارسية ، إلا انها بقية كنيسة موحدة في كل شيء وأهم تلك الأشياء لغتها " السورث " اللغة التي تعتبر أهم مقومات القومية لكل أمم الأرض ، وهذ يكفي من الأدلة الدامغة والقاطعة بكوننا جميعاً نحن الكلدان والسريان والآشوريين الحاليين أبناء قومية واحدة .
خامساً : مذهبياً ... بعد المجمع المسكوني في مدينة أفسس سنة 431 م الذي لم يحضرة وفد كنيسة المشرق المكون من 57 شخصاً لأسباب الصراع ات السياسية بين الأمبراطورية الرومانية والفارسية في ذلك صدرت من هذا المجمع حُرمات بتحريم مار نسطوريوس بطريرك القسطنطينية التابع لكنيسة روما بسبب الخلاف اللاهوتي حول تسمية العذراء بأم الله أم بأم المسيح بينه وبين بطريرك الأسكندرية مار كيرلس وتم أثر هذه الحُرمات طرد نسطوريوس من كنيسة روما ونفييه الى صحراء ليبيا فمات هناك مهموماً ، وعندما وصلت تلك الأخبار الى كنيسة المشرق قالوا أن لاهوت نسطوريوس بشأن تسمية العذراء هو ما معتمد في كنيستنا ، ورداً من كنيسة روما وانتقاماً منها من كنيسة المشرق نعتوها سخرية واستهزاءً بها بالكنيسة النسطورية !!! ... بعد قدوم الأرساليات التبشرية في القرون الوسطى من مختلف دول أوروبا وقسماً منها تبشر بالكثلكة بين أتباع كنيسة المشرق تكثلك  قسماً منهم وأطلق عليهم في زمن البابا أوجين الرابع سنة 1554 م اسم الكدان لتمييزهم عن أخوانهم الأشوريين من أتباع كنيسة المشرق ولاحقا تم تسمية بطريركهم ببطريرك بابل على الكلدان ، وهكذا ولا نريد أن ندخل في التفاصيل لعدم ضرورتها فيما يخص مقالنا هذا وبسبب اختلاف المذاهب اللاهوتية الكنسية  بين أبناء الأمة الواحدة وكنيسة المشرق الواحدة انقسمت الأمة والكنيسة الى ثلاثة أقسام رئيسية بثلاثة تسميات وثلاثة كنائس وهي :-
1 -- الكلدان الكاثوليك وكنيستهم الكاثوليكية الكلدانية
2 – السريان الأورثودكس والسر يان الكاثوليك وكنيستهم السريانية 
3 – الآشوريين وكنيسة المشرق الآشورية والشرقية القديمة

هذا هو واقع الحال الذي خلقه التقسيم المذهبي لأمتنا خلال القرون التي توالت بعد التمزق والانشقاق وتكونت ثقافة قائمة على الكراهية والأحقاد المتبادلة بسبب المذهبية اللاهوتية بين المكونات الثلاثة والتي غذتها الكنيسة بالمزيد والمزيد دون هوادة وماتوا الكثيرين منهم بسبب سيادة هذه الثقافة التي كانت تحض ونحرض الأتباع في كل كنيسة الى محاربة المختلف عنهم مذهبياً في الكنائس الشقيقة الأخرى بشتى الوسائل بما فيها القوة العنيفة والتاريخ يشهد بذلك بتجارب كثيرة ، وهكذا وصلنا الى ما نحن فيه اليوم ممزقين مشحونين بالأحقاد المذهبية لبعضنا البعض .
كل ما ذكرناه في أعلاه من المعطيات التاريخية والجغرافية واللغوية والثقافية والحضارية تؤكد ومن دون شك أن الكلدان والسريان والآشوريين الحاليين ينتمون الى عرق قومي واحد ولكن بسبب الأنتماءات والولاءات المذهبية صرنا أخوان أعداء ألداء ولسنا متفقين  على اسمنا القومي الموحد المناسب فلنترك ذلك للزمن ليرشدنا أليه مستقبلاً .
بعد سقوط النظام البعثي سنة 2003 م وبداية عصر المصالح والمنافع الشخصية والمناصب المذلة والمهينة لكرامتنا وعزتنا القومية ظهرت ترافقاً مع تلك المصالح والمنافع والمناصب الكثير من الأحزاب المدعية بالقومية الكلدانية والسريانية والآشورية لأستغلالها كوسائل لتحقيق مصالح ومنافع شخصية لقياداتها المتنفذه ولبناء مجدٌ شخصي لأنفسهم على حساب المصلحة القومية العليا . هذه الأحزاب قادت حملة الأختلافات والخلافات والسجالات على التسمية القومية الموحدة وبذلك نبشث قبور الكراهية والأحقاد المذهبية التي كانت مدفونة تحت ركام التاريخ وبعثتها الى الوجود من جديد بروحية  أكثر حقداً وكراهية مما كانت عليه في الماضي ، وما ساعد في انتشارها وتوسعها وتصاعدها وجود وسائل الأعلام الحديثة من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الألكترونية وغيرها ، فتواصلت الحوارات المنطلقة من تلك الخلفيات المذهبية الممزوجة بالروح القومية المتطرفة مما جعلت في النهاية الهوة كبيرة وعميقة وواسعة بين مكوناتنا بحيث لا يمكن للخيرين والمؤمنين الحقيقين بالوحدة القومية والكنسية المشرقية ردمها وتحقيق ما تنتظرة أبناء الأمة أصحاب المصلحة العليا في تحقيق الوحدة .
الكلداني المتطرف في معاداته للآشورية والسريانية لا يحب قوميته الكلدانية بقدر ما يسيء إليها بتطرفه ، وألاشوري المتطرف بمحاولة فرضه للآشورية قسراً على أخوته من الكلدان والسريان  لا يحب قوميته الآشورية بقدر ما يسيء على الآشورية بخلقة المزيد من الأعداء لها وهو بالتالي يصبح عدواً للآشورية ، وكذلك الحال بالنسبة للمتطرف السرياني لقوميته السريانيته ، هذه حقائق موجودة الآن على أرض الواقع المحسوس .
خلال السنوات الثلاثة عشر التي تلت السقوط للنظام السابق دارت نقاشات وحوارات كثيرة لا تعد ولا تُحصى وعلى كافة المستويات السياسية والكنسية والثقافية والفكرية حول الأتفاق على تسمية قومية موحدة على أساس معطيات التاريخ والجغرافية إلا أنها باءت بالفشل الذريع ، والسبب في ذلك كانت ولاءات المتحاورين والمتناقشين للمذهبية وللمصالح والمنافع الشخصية أقوى من ولاءاتهم للمصلحة القومية العليا لأمتنا ، فكان الكلداني منطلقاً في حواراته ونقاشاته من خصوصياته وقناعاته مصراً على أن تكون التسميةالموحدة " كلدانية " والسرياني يصر منطلقاً من خصوصياته وقناعاته أن تكون التسمية الموحدة " السريانية " وليس غيرها ، والآشوري يصر على فرض التسمية الآشورية على الآخرين منطلقاً أيضاً من خصوصياته بأنها هي التسمية الأنسب تاريخياً وجغرافياً وحضارياً . كل الأجتماعات كانت تنتهي بهذه النتيجة وهي في الحقيقة والواقع لا تختلف بجوهرها بشيء عن فلسفة البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة ، أي بمعنى أن الآشورية والسريانية هما من الكلدانية ، أو أن الكلدانية والآشورية هما من السريانية ، أم أن الكلدانية والسريانية هما من الآشورية .... المعادلة صعبة والجواب كان دائماً العودة بالحوارات في كل مرة الى نقطة البداية خالين الوفاض وصفر اليدين ...!!! .
بما أننا وصلنا وبقناعة الى حالة اليأس من الأتفاق على التسمية القومية الموحدة والمناسبة للجميع في ظل الأصرار القائم على التمسك كلٍ بتسميته ... نقترح ترك كل طرف أي كل مكون أن يعمل منفرداً لوحده وحسب ما يراه مناسباً لنفسه من تسمية قومية على شرط عدم الأساءة على الآخر وترك الحرية الكاملة لكل فرد من كل مكون اختيار انتمائه القومي بإرادته وحريته من دون قَسرهِ واجبارهِ وإكراهه على اختيار تسمية قومية بعينها ، لأن مثل هكذا عمل قد يكشف لنا قنوات جديدة تقودنا الى التقرب من بعضنا البعض أكثر فأكثر وتوسع من مساحة المشتركات القومية الموجودة أصلاً وتعزيزها وتختزل من مساحات الخلاف والأختلاف بيننا على المدى المتوسط والبعيد ، وقد يقودنا العمل المنفرد الى بناء قناعات جديدة بان العمل المنفرد يتوقف عند نقطة ما ولا يستمر إلا من خلال التعاون والتنسيق مع الآخر وعندها نكون قد اكتشفنا نقطة البداية لأنطلاق وحدتنا القومية الحقيقية المبنية على أسس وركائز رصينة وثابتة وقوية . هذا هو رأينا الشخصي طالما أتفقنا على أن لا نتفق حالياً على التسمية القومية الموحدة ، ونترك التاريخ والزمن لأن يلعبان دورهما  ويفعلان فعلهما .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 16 / أيلول / 2016 م 

81
التناقض الآشــوري بين الفكــر والواقــع
خوشــابا ســولاقا
كما هو معروف أن شكل وطبيعة النظام الأقتصادي والأجتماعي لأي مجتمع بشري تشكل البنىة التحتية لواقع ذلك المجتمع ويشكل الفكر والثقافة بكل مكوناتها من آداب وفنون وطقوس وتقاليد وعادات وخصوصيات قومية وعقائدية البنىة الفوقية له وهي وانعكاساً له وليس نقيضاً كما هو حالنا نحن الآشوريين اليوم . بالرغم من حساسية هذا الموضوع عند البعض من أبناء أمتنا عند التطرق إليه بشكل مباشر وكما هو واقع الحال لكونه مؤلم من جهة ولكون ما نتطرق إليه لا ينسجم ولا يتماشى مع رؤية البعض من مثقفينا الآشوريين للموضوع من جهة ثانية ، إلا أنه بالقدر نفسه لهو من الأهمية بمكان لأن نتناوله بالمباشر بموضوعية وواقعية من دون مراعاة لأية اعتبارات أخرى لغرض وضع النقاط على الحروف ووضع الأصبع على الجُرح النازف الذي تعاني منه أمتنا الآشورية كما ينبغي لتعريةحالة هذا التناقض والأزدواجية التي يعيشونها أبنائُنا الآشوريين ، وفضح ريائنا ونفاقنا وكذبنا ودجلنا القومي كمرجعيات سياسية وكنسية واجتماعية بشكل خاص وكمجتمع بشكل عام بين ما يفكرون به ويتحدثون عنه ليلاً ونهاراً في كل المناسبات صادعين رؤوس سامعيهم بصراخهم وعويلهم وبكائهم على أطلال آثار أبائهم وأجدادهم في آشور ونينوى وبابل ونمرود وبين ما يفعلونه في واقعهم لتدمير وهدم ذلك الصرح التاريخي لتراث حضارة أبائهم وأجدادهم القدامى ، إنه حقاً ووفق كل المعايير والمقاييس الاجتماعية والفكرية والقانونية وحتى الأخلاقية تناقض صارخ ومخجل وإزدواجية مقرفة تُدمي منها القلوب وتُدمع لها العيون فأين دور وفعل الضمير القومي لنا بين هذا وذاك يا أبناء أمة آشـــور الآيلة الى الزوال وأنتم نياماً نوم أهل الكهف !!؟؟ ماذا سيكون جوابكم مستقبلاً لأبنائكم وأحفادكم والتاريخ إذا سألوكم عن ما آلت إليه أمتهم هذا إن بقى في ذاكرتهم ووعيهم شيءً أسمه الأمة الآشــورية التي صدعتم بها رؤزسهم عندما كانوا أطفالاً ؟؟ .
الجميع رجالاً ونساءً شباباً وشيباً فتياناً واطفالاً في كل أماكن تواجدهم وفي لقاءاتهم في المناسبات العامة والخاصة وكل جلساتهم في المقاهي وحانات الشرب وحتى وهم على موائد الأفطار والغداء والعشاء وربما حتى في أحلامهم وهم نياماً في فراشهم يتحدثون بأعلى صوتهم بحرقة ومرارة مع ترقرق الدموع في حدقات عيونهم عن مجد وعظمة حضارة أبائهم وأجدادهم الآشوريين القدامي وفضل تلك الحضارة العريقة على البشرية جمعاء ، وهذا شيء لا ينكر بأنه شعور جميل وطيب وهو ما يجعل الانسان يلتصق أكثر وبقوة واصرار بجذوره وتاريخه ووطنه وينمي في كيانه استعداده للتضحية من أجل استمرار آصالة الأنتماء الى تلك الأمة وحضارتها في أرضها التاريخية ، أي بمعنى الوطن التاريخي ، هذه الخصال هي ما جعلت أبناء أمتنا الآشورية عندما كانوا مقيمين في أرضهم في قصباتهم وبلداتهم وقراهم الصغيرة والمعزولة في وديان الجبال الشاهقة عن المجتمعات الأخرى لأن يحافظوا على وجودهم القومي وتراثهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم ولغتهم وكل خصوصياتهم القومية قبل أن ينتقلوا للعيش في حضائر وحضائن المدن الكبرى التي جعلهم العيش فيها يشعرون بنوع من الغربة وعدم الانسجام مع شركائهم المختلفين عنهم في أمور ومعتقدات كثيرة ، إضافة الى دور الغرباء من المستعمرين الغربيين الذين غذوا ونموا وعززوا فيهم شعور عدم الرضى واستحالة التعايش مع شركائهم المختلفين عنهم قومياً ودينياً لغرض في أنفسهم ، لذلك بدأوا بالبحث عن بديل آخر أكثر قرباً منهم وأكثر انسجاماً  مع معتقداتهم الدينية وبعض خصوصياتهم الانسانية والاجتماعية من دون أن يدركوا بأنهم وضعوا أنفسهم بواقعهم الجديد هذا في تناقض مع ما كانوا وما زالوا يفكرون به من انتمائهم القومي والحضاري والتاريخي ، وبالنتيجة أصبحوا غرباء عن الوطن الأم والأوطان البديلة وحتى غرباء عن حقيقة مشاعرهم الداخلية ويعيشون حالة من الصراع النفسي بين الهروب من ماضيهم العتيد الذي يلاحقهم في كل خطواتهم وبين أرضاء متطلبات واقعهم الجديد في المهجر ، إنها في الحقيقة ازدواجية الحياة الصعبة للموائمة والملائمة بين ما هو راسخ ومتجذر في الذهن والمشاعر والأحاسيس الانسانية في الكيان الانساني للفرد الآشوري وبين ما يملي نفسه بكل تناقضاته المفروضة على الحياة على أساس القبول بالأمر الواقع  كما هو كتحصيل حاصل .
عندما نأتي ونطبق ما ورد في أعلاه على واقع حياة الآشوريين في مواطنهم الأصلية نجدهم كما ذكرنا يتكلمون كثيراً عن الوطن التاريخي وعن حضارتهم العريقة وتراثهم الفكري وأثره الكبير في الحضارات الانسانية إلا أنه نجدهم في المقابل قليلي وشحيحي في عملهم من أجل تحقيق وترسيخ ما يتكلمون عنه كثيراً وبلا حدود وفي ذات الوقت نجدهم شديدي الرغبة والأندفاع نحو الهجرة في ظل وجود أسباب وعدمها وترك الوطن لأتفه الأسباب والمبالغة في أكثرها وتهويلها أو اختلاقها في أحيان كثيرة لا نعرف دوافع أغلب الناس من وراء هذا السلوك الذي يفضي في النهاية المحتملة الى إنقراضهم كأمة من الوجود ، ونرى أبنائها اليوم يتوسلون على أبواب السفارات والقنصليات الأجنبة طلباً للهجرة واستعطاف مشاعر الآخرين لقبولهم وإيوائهم في بلدانهم كلاجئين لا مأوى لهم يقيهم برد الشتاء وحر الصيف ، إنه حقاً الخيار الصعب المجهول لمستقبل أمة تدعي بأنها تريد الأنبعاث واستعادة مجدها التاريخي في كيان خاص بها قائم بذاته ، وهي لا تدرك مخاطر وتداعيات خيار الهجرة على مصير الوجود القومي لها في الوطن والمهجر معاً .... هذا هو التناقض بعينه بين ما تفكر به أبناء أمتنا الآشورية عند الكلام عن التاريخ والآصالة والحضارة والحقوق القومية وغيرها من الأحلام الوردية وبين لهاثهم على أبواب القنصليات والسفارات الأجنبية طلباً للهجرة أينما يكون المكان !!! .
هذه هي ازدواجية وتناقض الموقف في رؤية الفرد الآشوري مع ما يريده ويتمناه ويحلم به وبين ما يفعله ويقوم به في واقعه على الأرض . هذا التناقض وهذه الأزدواجية بين الفكر وبين السلوك تؤشر على عبثية وعشوائية الانسان الآشوري المعاصر وفقدانه لبوصلة التوجه وغياب الوعي والنضوج الفكري القومي الحقيقي لديه لمعرفة ما يريده وما يناسبه من أهداف على المدى الأستراتيجي للنضال القومي والعمل السياسي والاجتماعي الآشوري .
عندما نقيم الهجرة لا بد لنا أن نقييمها من خلال النظر إليها من منظارين مختلفين ، فعند النظر اليها بمنظار الفرد أي هجرة الفرد وعائلته وما يهمه من أمور فعندها تكون كل الأسباب والأعذار والمبررات التي تدفع الانسان الفرد لأن يهاجر وطنه التاريخي مقبولة ومبررة ولا عتب عليه ، أما عند النظر الى الهجرة بمنظار الأمة على ضوء بقائها أوانقراضها من الوجود كما هو حال هجرتنا لأرض الوطن فعندها يختلف الأمر كلياً وجذرياً وسوف تكون كل الأعذار والأسباب والمبررات موضع عدم الرضا والقبول من وجهة النظر القومية والقانونية والاخلاقية ، لأن في مثل هذا الوضع سوف نكون أمام خيارين لا ثالث لهما وهما رفض الهجرة على حساب بقاء الوجود القومي لأمتنا في أرض الأباء والأجداد التاريخية ، أو قبول الهجرة على حساب انقراض الوجود القومي للأمة في ارضنا التاريخية وانصهار المهاجرين منا قومياً واجتماعياً وسلوكياً في بودقة مجتمعات المهاجر ... إن أغلب الأباء والأمهات المولودين في الوطن والمقيمين حالياً في المهاجر يعانون ويقاسون كثيراً من سلوكيات أبنائهم وأحفادهم المولودين أو المتربين في المهاجر حيث هناك بون GAP  شاسع بينهما في كل شيء ، من هنا تبدأ الخطوة الأولى الى جانب عدم التحدث بلغة الأم نحو الأنصهار القومي والضياع الاجتماعي لكل خصوصياتنا القومية ، لقد صدمتنا صورة مسجلة فيديووياً للدبكة الفلوكلورية الآشورية من الكونفينشن الآشوري الآخير المُقام في ولاية أريزونا الأمريكية والمرسلة إلينا من قبل أحد الأصدقاء الطيبين مشكوراً ، بأي زيٍ كانت !!! أكيد لم يكن الزي الآشوري الفلكلوري المعتاد كما قد يتوقع البعض ، هذه المظاهر وغيرها من السلوكيات الغريبة هي مؤشرات لمستقبل أبناء أمتنا في المهاجر وأين سوف ينتهي بهم الدهر !!! ، كانت الصورة تعبيراً وتجسيداً حقيقياً لنموذج الأنصهار المتوقع في مجتمعات المهجر فكراً ونهجاً وعملاً .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 7 / أيلول / 2016 م

82
كُــتابْ ذِئــابْ .... بجـلدْ الخِـرافْ الوديعة ...!!!


خوشــابا ســولاقا

من أهم الخِصال النبيلة والصفات الحميدة في الكاتب الرزين والرصين الذي يحترم ذاته ويعتز بقلمه ويريد أن يوَصّل ما عنده من أفكار ورؤى بأمانة الى قلوب وعقول القراء عليه أن يكون مترفعاً وصادقاً مع نفسه أولاً ومن ثم مع القراء ثانياً ، وأن يكون واضحاً  وشفافاً بطرحه في مدح أو ذم الآخرين بما يستحقونه باسم النقد البناء مهما تكون درجة الأختلاف والخلاف قرباً أو بعداً منهم ، وعلى الكاتب الموضوعي أن لا يصور الآخرين على صورته الشخصية كما يفعل البعض من الكتاب ممن يجعلون من أنفسهم أوصياء وناصحين أبرياء من فعل الخطأ والخطيئة وهم في حقيقتهم أكثر من يحتاجون الى تلك النصائح لتهذيب الذات من الخطأ والخطيئة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، وعلى قول المثل أنهم " يَرّونْ القشةَ في عيونَ غيرهم ولايَرّون الخشبة  التي في عيونهم " ، وبذلك يخولون أنفسهم صلاحية نَعتْ الآخرين بنُعوتْ وأوصاف لاذعة وجارحة فيها ما أنزل الله به من سلطان ، يتحدثون ويخاطبون وينتقدون الآخرين بلغة ومفردات لغوية لاذعة وقادحة كأنهم هم لوحدهم يمتلكون الحقيقةِ الناصعة كاملةً دون سواهم من البشر . إن من يعتمد هذا الأسلوب المخادع والمضلل في الكتابة يعتمده حتماً بسبب شعوره بنقص ما في تاريخه وتربيه يجعله ضعيف الأرادة والشجاعة الأدبية فيلتجأ الى هذا الأسلوب بذريعة تأمين الرصانة الكتابية في اختيار المفردات المنمقة والجميلة التي تبهر القراء بشكلها ولكن تحمل السُم الزعاف في خفايا جوهرها . صحيح أن الرصانة والرزانة وانتقاء المفردات المنمقة الجميلة والمهذبة غير الجارحة والنابية كلها خِصال وصفات مطلوبة في الكتابة الرصينة ، ولكن أن تكون بشفافية راقية ووضوح تام بعيدة كل البعد عن أسلوب الطعن من تحت الحزام من أجل إظهار الذات بصفاء النية وصدق القول والبراءة كبراءة الخراف الوديعة وهم في حقيقتهم ينهشون بالآخرين بأسلوب خديعة ومكر الذئاب العاوية !!! ... عندما نقرأ بين حين وآخر نماذج من مثل هكذا كتابات من بعض الأخوة الكتاب والتي غالباً تأتي من بعض الملثمين الناكرين للذات يصيبنا الذهول والعجب !!! ، كتابات تبهر القارئ البسيط بجمال كلماتها المنتقاة بعناية أدبية فائقة وببلاغة لغتها الراقية ، جاذبة للعقول والقلوب الى التعاطف مع الكاتب من دون أن يدرك القارئ حقيقته المخفية بجلد الخراف  البريئة ، ولكن هذا الأسلوب الذي يتسم بطابع الرياء والنفاق الأدبي في الكتابة لا ينخدع به الكل ولا يستطيع أن يضلل القارئ الذكي والفطن بسهولة ويُسر كما القارئ البسيط .

عادةً تكثر وتتوارد للموع الكريم هذا مثل هذه الكتابات في أوقات مد التجاذبات السياسية بين الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية المختلفة عندما يستجد أمر ما له علاقة بالشأن القومي أو الوطني أو في وقت قرب مواسم الانتخابات النيابية أو عند توزيع مغانم السلطة التنفيذية فتنبري هنا الأقلام الصفراء المأجورة لوعاظ السلاطين ومحاميي الشيطان والمطبلين والمزمرين من الملثمين والمنقبين والمتسترين وراء أكثر من اسم مستعار ليلمعون الوجوه الكالحة لأولياء نعمتهم في التنظيمات السياسية المُدينة لها بولاءاتهم ليحللون لقمة عيشهم في مدح وتبجيل وتعظيم السلاطين الخائبين الفاشلين وذم منتقديهم من الشرفاء والوطنيين المخلصين لقضايا أمتهم بذريعة ممارسة النقد البناء ضدهم وفق قواعد الحوار الديمقراطي في احترام الرأي والرأي الآخر وبذريعة مراعاة للظروف السياسية والموضوعية المحيطة التي تعيق أولياء نعمتهم من تقديم المزيد والأكثر مما قدموه من انجازات خرافية وهمية ، وتوصيف  ما تطالب به جماهير الأمة من مطاليب بأنها غير واقعية وغير شرعية وغير قابلة للتنفيذ في ظل ظروف الواقع القائم ويتهمون الآخرين ممن يقفون مع الجماهير بالضد من أكاذيب أولياء نعمتهم بالفوضويين الغير واقعيين ومحرضين للفوضى لأحراج أولياء نعمتهم وتسقيطهم سياسياً !!! . هذا الأسلوب الغوغائي من قبل هؤلاء المطبلين والمزمرين هو بعينه الداعي الأكبر للفوضى والتسقيط السياسي وتمجيد الباطل على حساب الحق والحقيقة .

نحن هنا حقيقةً لا نطالب هؤلاء المطبلين والمزمرين لأنجازات أولياء نعمتهم الوهمية سواءً في الأحزاب السياسية أو في الكنائس أو في أية مؤسسات أخرى بوالتوقف عن التطبيل والتزمير لأن ذلك شأنهم وحدهم وهو حتماً مدفوع الثمن لا علاقة لنا بذلك ، بل نطالبهم أن لا يرمون الآخرين بسهامهم المسمومة عن بعد دفاعاً عن حق وباطل من إستأجر أقلامهم الصفراء بثمنٍ بخس وهم قابعون في جحورهم المظلمة عندما ننتقد أخطاء وانحرافات وخيانات أولياء نعمتهم في التعاطي مع قضيتنا القومية أو الوطنية في الوطن أو في المهجر ...

نقول لهؤلاء ... أهل الطبول الجوفاء ، وأهل المزامير النشاز ، وأهل النِقاب السود ، أن للقلم كرامة وقُدسية وقيمة حضارية وانسانية كبيرة ، يستوجب من حامله أن يُحترمْه ويصونه من أي سوء ، وأن لا يسيء استعماله في إنزال الظلم بالآخرين ، وأن لا يتم تأجيره كأداة جرمية لوأد الحقيقة وقتلها دفاعاً عن أصحاب ومروجيْ الباطل ومقترفي الخيانة القومية والوطنية من أجل بناء مجداً شخصياً لأنفسهم المريضة والمصابة بداء جنون العظمة ، هذا الداء الوبيل الذي أصاب به أغلب قادتنا على أمتداد تاريخنا القديم والحديث وأوصلونا بسببه الى ما نحن فيه اليوم من وضع مزري ومضحك ومبكي ووجودنا القومي على كفة عفريت مُعرض للأنقراض في أرضنا التاريخية والى الأنصهار والضياع في مجتمعات المهاجر الغريبة !!! .

نقول للطبالين والمزمرين والمُنقبين لماذا تفضلون العيش في العِتمة والظلام ولا تخرجون الى النور وتكشفون عن وجوهكم الكالحة للقراء الكرام بنشر صوركم الملونة الجميلة مع كتاباتكم ليروها على حقيقتها كما يفعل الآخرون من زملائكم الكُتاب في هذا الموقع الكريم ..؟؟ علماً بأن سمات الصدق في القول من عدمه تنعكس على الوجوه وفي نظرات العيون كما يقول علم النفس الحديث ، لماذا كل هذا الخوف واللجوء الى التستر بالأقنعة غير المبرر أيها الأحبة إن كنتم حقاً صادقون وواثقون فيما تكتبونه بحق أولياء نعمتكم من مديح أو فيما تكيلون من تهم وذم بحق من تسيؤون إليهم من خصومكم المفترضين ... أخرجوا للنور من جحوركم يا خفافيش الظلام لنراكم من أنتم أيها الأخوة ألأحبة ؟؟ .

ملاحظة مهمة : بهذه المناسبة وما يعانيه الكثيرين من كتاب ورواد هذا الموقع الكريم المتزنين والملتزمين بقواعد الكتابة الرصينة والمهذبة والحوار الديمقراطي من اساءات وتجاوزات على سمعتهم وكرامتهم من قبل بعض المنقبين والملثمين وأصحاب الأسماء المستعارة وما يعكس ذلك من اساءة على سمعة الموقع ندعو إدارة الموقع الموقرة باتخاذ الأجراءات اللازمة لمنع وقوع مثل هذه الأساءات والتجاوزات ، نقترح عليهم إيقاف نشر مقالات ومداخلات وتعقيبات هؤلاء وغلق اشتراكاتهم ما لم تكون الكتابة والنشر والأشتراكات بالأسماء الصريحة مع الصور الشخصية لهم أسوة بالآخرين ، مع جزيل شكرنا وفائق تقديرنا وموفور امتناننا لأدارة الموقع الموقرة ، آملين منها أخذ طلبنا هذا بنظر الأعتبار وإلائه جدية اهتمامها .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 28 / آب / 2016 م

83
أحزابنا المدعية بالقومية هي مجرد بيادق على رقعة   الشطرنج " لا بها نَفعْ ولا دَفَعْ "
خوشـــابا ســـولاقا

كما هو معروف لكل العاملين في مجال السياسة أن الأحزاب السياسية بكل تنوعاتها الفكرية وتشكيلاتها التنظيمية في أية بقعة من الأرض على وجه الخليقة ولأي أمة من الأمم المتحضرة منها والمتخلفة ، وفي أي زمانٍ ومكان كانت وستبفى مجرد وسائل وأدوات يستعملها السياسيين  لتحقيق أهداف سياسية محددة لإحداث تغيير واصلاح جذري في بنية المجتمع  بواقعه القائم لأعادة بنائه من جديد على صورة  ما هو أفضل منه أولاً ، وهي كذلك تعتبر وسائل وأدوات فعالة لقيادة نضال الأمم والشعوب المقهورة من أجل انجاز تحررها وانعتاقها من ظلم وجور واستعباد وقهر المستعمرين المحتلين الغرباء الأجانب ثانياً، وكذلك يتخذ من الأحزاب السياسية وسائل وأدواة لحماية الحقوق والمصالح الوطنية والقومية والدينية والطبقية للشعوب المظلومة والمضطهِدة من قبل حُكامها الديكتاتوريين المستبدين الظالمين ونشر العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين أبنائها على أساس معايير المواطنة وليس غيرها من المعايير ثالثاً ، وكذلك يتخذ من الأحزاب السياسية وسائل وأدوات للنضال من أجل نيل الحقوق القومية والدينية المشروعة للأقليات المظلومة والمقموعة التي تعيش تحت سلطة الأكثرية القومية والدينية الشوفينية الظالمة رابعاً ، وفي غير هذه الأهداف الوطنية والقومية والأنسانية والطبقية لا تمتلك هذه الأحزاب الشرعية القانونية والأخلاقية لبقائها ، ولا تمتلك مبررات وجودها واستمرارها ولا نرى سبباً آخر لتبرير استمرار وجودها على الساحة السياسية غير سببٍ واحد ألا وهو استغلالها واستثمارها كوسائل وأدوات من قبل قياداتها لتحقيق المآرب والمصالح والمنافع الشخصية للمتنفذين منهم ، وأن تستغل في الوقت ذاته كوسائل وواجهات لتضليل وتخدير عقول الجماهير الشعبية المغلوبة على أمرها بوعودها المعسولة وشعاراتها القومية الغوغائية البراقة المزيفة والكاذبة لضمان استمرار المنافع والمصالح الشخصية للقادة المتنفذين فيها خامساً وأخيراً .
وعند دراستنا لواقع أحزابنا المدعية بالقومية " الكلدانية والسريانية والآشورية " الحالية والمهيمنة على الساحة السياسية القومية لأمتنا في إطار الساحة السياسية الوطنية العراقية ومقارنة المنجزات الوهمية التي تدعي بها هذه الأحزاب على أرض الواقع خلال الثلاثة عشر عاماً أو أكثر والتي تتشدق بها قياداتها الكارتونية الهزيلة في خطاباتهم وندواتهم في الداخل والخارج ليلاً ونهاراً عبر كل وسائل الأعلام لجمع التبرعات المالية باسم القومية لدعم تلك الانجازات الخرافية الجيوبية إن صح التعبير !!! ، ومن ثم مقاربتها بحالات الأحزاب الموصوفة التي أشرنا إليها في متن المقال لغرض الوقوف على الحالة التي تنطبق على واقع حال هذه الأحزاب الكارتونية قلباً وقالباً نجد أن  الحالة الأخيرة أي خامساً هي الحالة الأقرب إليهم عملياً ، أي أنها عبارة عن وسائل رخيصة استُغلتْ واستٌثمِرتْ من قبل قادتها المتنفذين للأستجداء بمذلة ومهانة وإهانة من الآخرين لمنحهم هذا المنصب الهزيل أو ذاك في هذه الوزارة أو تلك لتحقيق مصالح ومنافع شخصية واستغلال تلك المناصب لتعيين المقربين من الأقرباء ومن وعاظ السلاطين والمطبلين والمزمرين لهم في كل الأوقات والمناسبات ممجدين بحقهم وباطلهم على حدٍ سواء والأساءة على كل شريف ينتقد فشلهم واخفاقاتهم وانحرافاتهم في تحقيق أي مكسب ملموس ولو بقدر بسيط من الفائدة لصالح المصلحة القومية العليا لأمتنا لا على المدى القريب ولا البعيد ، هذا من جهة ومن جهة ثانية نرى قادة هذه الأحزاب الكارتونية الهزيلة تلهث وتتراكض على أبواب مكاتب الكبار من أهل القرار السياسي وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أحزاب الأخرين من العرب والكورد يستعطفون منهم عطفهم لمنحهم أي منصب وزاري ولو هزيل ومخزي ليتشدقوا به كإنجاز قومي كبير يسجل باسم من استجداه ليضيفه على سجل إنجازاته الوهمية بما حققه من أمجاد شخصية أو حزبية مزيفة !!! ، إن هؤلاء لا يبحثون إلا على بناء مجد شخصي على حساب المصلحة القومية .
في مسيرة نضال هذه الحزيبات القومجية الكارتونية خلال السنوات الثلاثة عشرة الماضية نجد هذه الحزيبات أو على الأقل قادة البعض منها تدخل في صراعات مريره تتبادل وتتقاذف من خلالها الأتهامات واطلاق النعوت اللاذعة التي تحمل ما أنزل به الله فيها من سلطان بغيض مقرف أحياناً ضد بعضها البعض من أجل الفوز بما يرمى لهم من فتات موائد الكبار !!! ، وما سمعناه وعرفناه ولمسناه لمس اليد من هذا اللغط والهرج والمرج خلال فترة توزير كل من الأستاذ الزميل المهندس فارس يوسف ججو وقبله تغيير رئيس الوقف المسيحي والديانات الأخرى من رعد عمانوئيل الى رعد الكاججي والتصادم مع البطريركية الكلدانية وما حصل من أخذ ورد بين مؤيدي ومعارضي الطرفين مما زاد من سعة شق الخلافات والأختلافات بين الكلدان والآشوريين في وسائل الأعلام على مستوى الساحة القومية ووصولها الى حد القطيعة ، وأخيراً وقد لا يكون الأخير من هذه الحماقات القومجية البهلوانية في هذه المسرحية الهزلية هو ما حصل مع توزير الأستاذه الدكتورة الزميلة المهندسة الموقرة آن نافع أوسي بلبول مؤخراً ، وما يحصل اليوم بين برلمانيينا في البرلمان من محاولات خبيثة لا تتصف بأخلاقية نائب برلماني لأقصاء النائب جوزيف صليوه كنائب مسيحي من أداء دوره البرلماني ضمن الكوتة المسيحية  ، كل هذه السلوكيات غير الرزينة لهي خير دليل على مدى  تدني مستوى الشعور بالمسؤولية القومية والوطنية لدى تلك الحزيبات وقادتها الميامين !!!  .
بناءاً على ما ورد نقول لقد آن الأوان لهذه الحزيبات التجارية أن تكف عن هذه المهاترات والمناكفات الصبيانية التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع أن تعيد النظر بأسلوبها وسلوكها السياسي غير الموزون الذي أوصل أمتنا الى هذا المستوى من الأنحدار والأنحطاط  السياسي لأن تتعامل مع معطيات الواقع القومي لتركيبة أمتنا كما هو ومع الواقع الوطني المتعدد القوميات والأديان بواقعية وموضوعية وعقلانية وشفافية ورصانة دبلوماسية من دون مغالطات وتهورات حمقاء لصالح مصالحها الحزبية والشخصية لقادتها على حساب المصالح القومية لأمتنا وعلى حساب المصالح الوطنية كما هم عليه بحالهم الحاضرة وأمواج الهجرة العشوائية اللعينة تتلاطم بسفينة أمتنا وتقذف بها وبمصير وجودنا القومي في الوطن التاريخي للأباء والأجداد الى الهاوية السحيقة والى الأنقراض المُحتم في المهاجر الغريبة .
هذه الحزيبات بواقعها الحالي المتهرئ وبقياداتها الأنتهازية الهزيلة لا يمكن لها أن تنتج خيراً لصالح أمتنا وقضيتنا القومية في أي مجالٍ من المجالات باستثناء إعادة اعمار وبناء بعض القرى المدمرة بجهود الأستاذ سركيس آغاجان مشكوراً ، لأن ولائها لمصالحها الحزبية ومصالح ومنافع قادتها المتنفذين وليس للمصالح القومية العليا للأمة ، وأن أي انتظار للخير من هؤلاء هو كمن ينتظر شروق الشمس من الغرب ، وأن إدعاءاتهم القومية هي مجرد جعجعة بلا طحين وتخرج الأمة على أثرها من تحت سقفهم كمن يخرج من المولد بلا حمص .... وعليه لا بد من حل جذري لتجاوز هذا الواقع المرير والأليم ، وذلك الحل هو عدم انتخاب ممثلي هذه الحزيبات في الانتخابات القادمة سنة 2018 م ، وهنا نطلب بشكل خاص من أبناء أمتنا في المهجر بعدم التصويت لهم لأن سكان المهجر فقط يسمعون صوت الجعجعة ولا يلمسون بأياديهم الطحين ولا يميزون بين الغث والسمين في هذه الحزيبات الكارتونية .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 24 / آب / 2016 م




84
ماذا ينتظر المصير القومي لأمتنا بكل تسمياتها في ضوء استمرار الهجرة العشوائية اللعينة ... ؟؟
خوشابا سولاقا
لآ نعتقد بأن التاريخ شهد ويشهد تجربة مريرة ومأساوية كتلك التي تمر بها أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين اليوم ومنذ مدة ما تقارب من خمسين سنة خلت من هجرة عشوائية وعفوية غير منظمة التوجه ومحددة الهدف باتجاه الأستقرار في بلد معين لتتمكن من إعادة بناء كيانها القومي والمحافظة على عاداتها وتقاليدها ولغتها وثقافتها وطقوس كنائسها للمحافظة بالتالي على خصوصيتها وهويتها القومية لمنعها من الأنصهار في بودقة الأمم الأخرى التي تجاورها وتتعايش معها في بلدان المهجر . نحن هنا لا نناقش مبررات وأسباب الهجرة التي يروج لها البعض بشكل مبالغ فيه لتبرير اصرارهم على الهجرة لدوافع شخصية ، بل نحن نناقش شيء آخر مختلف تماماً ألا وهو عشوائية الهجرة الى مهاجر متعددة وعليه نسترعي انتباه القراء الكرام الى هذا الجانب لكي لا تلتبس لديهم الأمور ، أي لكي لا يختلط عندهم الحابل بالنابل ... عندما بدأت الهجرات الكبرى قبل قرون عديدة من بلدان أوروبا وآسيا الى العالم الجديد في القارتين الأمريكيتين الشمالية واللاتينية واستراليا وبعض الجزر النائية المكتشفة حديثاً من قبل الرحال المكتشفين ، كانت هجرات منظمة ومحدد الهدف منها ، حيث استقروا المهاجرين الذين تركوا بلدانهم الأصلية في العالم الجديد وبنوا لهم بلدان جديدة على غرار بلدانهم الأصلية من دون أن تنصهر القوميات المهاجرة في البودقة القومية للسكان الأصليين في العالم الجديد ، بل حصل العكس من ذلك تماماً ، حيث سعوا المهاجرين الى فرض ثقافتهم وتقاليهم وعاداتهم ودينهم على السكان الأصليين باستعمال كل وسائل الترغيب والترهيب بما فيها استعمال القوة القسرية ، وبالتالي تمكنوا من فرض حضارتهم وثقافاتهم عليهم وأقاموا في العالم الجديد بلدان ذي طابع حضاري وخصوصية قومية عرقية وثقافة قومية ووطنية مماثلة لما موجود في بلدانهم الأصلية ، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا واستراليا ونيوزيلندة عبارة عن بلدان وأمم مماثلة لأنكلترة من كافة الجوانب وكأن الحالة عبارة عن امتداد انكليزي عبر المحيطات ثقافةً وحضارةً ولغةً بكل التفاصيل ، وكذلك الحال في أمريكا اللاتينية نجدها أمتداداً اسبانياً وبرتغالياً ...
مع الأسف الشديد إن الذي حصل ويحصل مع أمتنا ليس الأمر كذلك بل إنها حالة مغايرة كلياً على عكس ما حصل في العالم الجديد ، لأن انتشار أقلية قومية بين أمم كبيرة وراسخة الجذور والوجود ككيان سياسي قوي لا يمكن لهذه الأقلية أن تحافظ على هويتها وخصوصيتها القومية والحالة هذه قريبة الشبه بحالة رمي قطعة صغيرة من الثلج في مستنقع حار من الماء المغلي حيث قطعة الثلج لا تستطيع أن تصمد ثوانٍ معدودات من دون أن تنصهر وتصبح أثر بعد عين وجزء لا يذكر ولا قيمة له في ذلك المستنقع الحار !!! .
لنفترض جدلاً وتماشياً مع رؤى ورغبات البعض ممن يسعون الى تبرير الهجرة بكل الوسائل بما يسوقونه من المبررات ، أن أسباب ودوافع الهجرة لأبناء أمتنا هو وجود ما يتعرضون له من ظلم وتمييز واضطهاد قومي وديني ممنهج وفق سياسات الدولة في منح فرص العمل والدراسة والتوظيف وتولي المناصب في مؤسسات الدولة المختلفة على أساس قومي وديني يُحرم بموجبه أبناء أمتنا من التمتع بحقوقهم تلك ومن ثم اجبارهم على الهجرة من أرض الوطن ومصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة كما حصل مع اليهود في الأربعينيات من القرن الماضي كما خططت له الحركة الصهيونية بدهاء وذكاء لخلع جذور اليهود من العراق وباقي البلدان العربية التي تواجدوا فيها قبل أنشاء دولة اسرائيل سنة 1948  م ودفعهم للهجرة الى أرض الميعاد في فلسطين بحسب التوراة اليهودي !!! ، هل من المفروض بأبناء أمتنا على افتراض وجود هكذا واقع أن يهاجروا بهذه الطريقة العشوائية ويتوزعون في شتى بلدان العالم بحيث أن كل أسرة من أسرنا صارت موزعة في أكثر من ثلاثة بلدان تفصلها المحيطات وآلاف الكيلومترات من دون أن يفكروا بمستقبلهم ووجودهم القومي البديل ؟؟؟ ، حتى الطيور والكائنات الآخرى عندما تهاجر في رحلاتها الموسمية الكبرى بين الشمال والجنوب تهاجر بشكل جماعي منظم بقيادة كائناً واحداً منها تخضع له الجميع يقودها الى حيث تريد الوصول إليه ومن ثم تعود الى حيث موطنها التي هجرت منه ... لماذ نحن الكلدان والسريان والآشوريين لا نُخضع هجرتنا من أرضنا التاريخية الى القواعد التقليدية للهجرات الجماعية التي أعتمدتها الأمم الأخرى في هجراتها الى العالم الجديد ؟؟ ، فإذا كنا عاجزين عن الأقتداء بأقراننا من البشر لماذا لا نقتدي على الأقل بقواعد هجرات الطيور والكائنات الأخرى ؟؟؟ لماذا ننفرد بهذه الهجرة العشوائية التي تقودنا الى الهلاك كوجود قومي والأنصهار في بودقة أمم لا تمتلك من الحضارة التي نمتلكها نحن قيد شعرة ، إنه لمن المعيب علينا نحن أجيال هذا العصر عصر العلم والتكنولوجيا والتطور النوعي لم نتمكن من المحافظة على الأمانة التاريخية التي ورثوها لنا أبائنا وأجدادنا بتضحياتهم ودمائهم الطاهرة عبر سبعة آلاف سنة من التحديات .
نحن أمة أقولها بمرارة وألم لم نفكر إلا بما يُشبع بطوننا ورغباتنا وغرائزنا الأنانية مع الأسف الشديد نفكر بعواطفنا هاملين عقولنا موضوعة فوق الرف نتكلم كثيراً ونعمل قليلاً  !!! ، ولا نفكر إلا بيومنا ولا نهتم بغدِنا وغدِ أبنائنا وأحفادنا من بعدنا وخير دليل على صواب قولنا هو وإلا لماذا لم نفكر بالهجرة الى بلد واحد بعينه بدلاً من هذا الانتشار العشوائي في الأرجاء المعمورة بعد أن يئسنا وخابت أمالنا وتبخرت أحلامنا من العيش والبقاء والأستمرار في بلداننا التاريخة بسبب المظالم والأضطهاد القومي والديني والتمييز بكل أشكاله البغيضة التي يدعي بها البعض كذباً ونفاقاً لتبرير هجرتهم الى العالم الآخر والتجمع فيه في مكانٍ معين منه لنشكل فية أكثرية لنتمكن من المحافظة على خصوصيتنا وهويتنا القومية وخصوصاً أن كل البلدان التي نقيم فيها اليوم باستثناء العراق وسوريا ولبنان هي بلدان مسيحية شقيقة وديمقراطية تحكمها قوانين ودساتير تحمي حقوق الانسان وتؤمن بحق الأمم في تقرير مصيرها وممارسة حقوقها القومية والدينية ضمن إطار القانون كما تصوروا المهاجرين !!!! . لماذ اليوم دوائر ومكاتب الهجرة التابعة للأمم المتحدة تتعمد في توزيع أفراد العائلة الواحدة في عدة بلدان بعد انتظار طويل لسنوات على أبوابها ولا تهتم بحق جمع الشمل في بلد واحد ولدينا أمثلة بالميئات على هذه الحالة الشاذة ؟؟؟ متى نعود الى رُشدنا ونفهم هذه اللُعبة القذرة ونكفْ عن الضحك على ذقوننا ؟؟؟ ، والى متى تبقى صامتة صمت القبور  من دون أن تحرك ساكناً مرجعياتنا السياسية القومجية التي تدعى النضال من أجل قضيتنا القومية ، ومرجعياتنا الكنسية المشرقية أزاء هذه الهجرة العشوائية اللعينة التي باتت تهدد مصير وجودنا القومي بالأنقراض في أرض الأباء والأجداد التاريخية ؟؟؟؟ ، هل نقول كما يقول المثل " مُتْ يا حمار الى أن يأتيكَ الربيع " أم ماذا يا أعزائنا القراء ؟؟؟ نحن نعيش في قلب الحدث ونرى ما يحصل من جنون الهجرة لذلك نضطر الى الكتابة بهذه اللغة التي قد يكون فيها نوع من المعارضة للرغبات والخيارات والحريات الشخصية ، ولكن بحسب وجهة نظرنا الشخصية المتواضعة لا شيء فوق وقبل وجودنا القومي في أرضنا التاريخية يستحق الأحترام . أحبتنا الأعزاء كما يقول المثل " إن من يترك داره يقل مقداره " ولا يحترمه أحداً .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – في 18 / آب / 2916 م

85
               الى متى تستمر مهزلة الضحك على الذقون ...؟؟

خوشــابا ســولاقا
بعد قراءتنا لبيان زوعا فرع نينوى بخصوص توزيع المقاعد الشاغرة في مجلس محافظة نينوى بين الكوردستاني والمتحدون وعدم انصاف المكون المسيحي !!!، لاحظنا أن قناعة قيادة زوعا بهذه التسمية الدينية التي لا تمتُ بصلة الى الهوية القومية لأمتنا هي قناعة باتت ثابتة وراسخة في منهج زوعا السياسي في التعاطي مع الآخرين ، لذلك وللتنبيه إرتأينا كتابة هذه الأسطر القليلة لتوضيح الدعوات القومية المزيفة لزوعا أو لغيره من التنظيمات السياسية المدعية بالقومية التي قبلت بهذه التسمية المشوهة والهزيلة التي لا تحمل أي سند تاريخي وقانوني له علاقة بأرضنا التاريخية ، وهي تسمية كانت غاية المشرع منها منذ البداية هي سعي الآخرين الى إلغاء هويتنا القومية الأصيلة في أرض بيث نهرين – العراق مستغلين غيبوبة ممثلينا في لجنة كتابة الدستور العراقي وغيره من القوانين التي كرست عملياً تسمية المكون المسيحي المشوهة التي توصم وجودنا القومي بطائفة دينية ليس إلا .
نسمع ونجد ليلاً ونهاراً وفي كل المناسبات والخطابات الأعلامية التي تطلقها الحركة الديمقراطية الآشورية ( زوعا ) عبر كل الوسائل تصدع رؤوس أبناء شعبنا من " الكلدان والسريان والآشوريين " بدعواتها وخطاباتها السياسية والمُتسمة بالنزعة القومية منذ تأسيسها في عام 1979 م ولغاية اليوم مرة بأسم " القومية الآشورية " ومرة ثانية باسم قومية " الكلدوآشوري " ومرة أخرى باسم التسمية القومية القطارية " الكلدان السريان الآشوريين " العجيبة الغريبة واليوم نسمعها تتباكى وتذرف دموع التماسيح بأسم " المكون المسيحي " ، أي باتت أمتنا القومية العراقية الأصيلة ومنذ سبعة آلاف سنة مجرد طائفة دينية مستوطنة في العراق حالها حال أية جالية دينية أو طائفة في أي بلد من بلدان العالم وليست قومية أصيلة صاحبة الحضارة العراقية العظيمة والصاحب الشرعي لأرض بيث نهرين – العراق !!! . إن تقلبات مواقف قيادة زوعا المستمرة في تبني التسميات بين حينٍ وآخر بين القومية والدينية بحسب متطلبات المصالح الشخصية لقيادته الأزلية !!! لربما يقود هذا النهج مستقبلاً الى قبول ما هو أسوء من التسميات تجعل أمتنا على هامش الحياة السياسية في وطنها وتفقدها خصوصيتها  وحتى صلتها بالأنسانية كما فقدت لحد الآن صلتها بالهوية القومية لأن المصالح الشخصية هي من تتحكم بقرارات وقناعات قيادة زوعا وغيره من التنظيمات وليست المصلحة القومية العليا للأمة . هنا  لربما قائل يقول أنه ليس بمقدور زوعا وقيادته وغيره من التنظيمات القومية فرض ما يناسب أمتنا من التسمية القومية لتجسد من خلالها الهوية القومية التاريخية كأمة أصيلة على الآخرين من العرب والكورد المتنفذين من خلال أحزابها القومية والدينية الطائفية الشوفينية وذات التوجه الشمولي بطبيعتها الأقصائية والمهيمنة على صنع القرار السياسي العراقي ، نعم من الممكن أن يكون ذلك صائباً جداً وسبباً وجيهاً ، ولكن عندما يكون ذلك معذوراً على زوعا وغيره ليس من المفروض بهم القبول بتسميات تناقض قناعاتنا وإرادتنا وتُفقدنا هويتنا القومية وشرعيتنا كأمة أصيلة في العراق لأن ذلك يشكل بشكل أو بآخر خيانة لحقوق أمتنا القومية ، وعليه فان تبني وقبول زوعا وغيره من التنظيمات السياسية لتسمية " المكون المسيحي " يمكن أن يعتبر خيانة للقضية القومية والتنصل عن حقوقها المشروعة ...
بالتأكيد أن شعبنا من " الكلدان والسريان والآشورين " سوف يرفض أية هبات تحت يافطات الحقوق القومية والدينية وغيرها من الآخرين ينتفع منها أشخاص معينين كأفراد فقط ولا تجسد حقوقه القومية الكاملة في الهوية والأرض ، وهنا من حقنا أن نتساءل  بماذا أبناء أمتنا أقل شأناً وقدرة عن الأخوة الكورد والتركمان الذين يستميتون في كل مطاليبهم وخطاباتهم في التمسك بهويتهم القومية وليس الأكتفاء بهويتهم الدينية الأسلامية للتعايش مع أخوانهم العرب المسلمون بسلام وأمان ؟؟ لماذا لا نتعلم منهم ونقتدي بهم ؟؟ علماً بأنهم والعرب مع تقديرنا واحترامنا للجميع مستوطنين ودخلاء الى أرض " بيث نهرين – العراق " بالرغم من كونهم اليوم شركاء معنا في أرضنا التاريخية . أكيد أن سبب استماتتهم واصرارهم بالتمسك بهويتهم القومية على حساب هويتهم الدينية هو أن قادة أحزابهم القومية لا يفكرون بعقلية قادة أحزابنا القومية .
هنا من خلال هذا الموقع الكريم ندعو مخلصين كافة أحزابنا القومية الكلدانية والسريانية والآشورية ومرجعيات كنائسنا المشرقية كافة الى التخلي عن تداول واعتماد مصطلح " المكون " والترويج له في كل كتاباتهم ومراسلاتهم مع مؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات الدولية والأممية ومؤسساتهم القومية والكنسية والاجتماعية لأنه مصطلح مبهم وغامض وليس له أي مدلول ومضمون قانوني واضح في كافة القوانين والصكوك والوثائق والشرائع الدولية والأممية واعتماد مصطلح "  الأقلية والأقليات والأغلبية والأكثرية، بدلاً عنه ، وبذلك نضمن بموجب القانون الدولي وقرار الأمم المتحدة بحماية الأقليات الأصيلة حقوقنا القومية والدينية من دون تشويه ، لأن تلك القوانيين تتعاطى وتتعامل مع مصطلح " الأقليات والأكثريات القومية والدينية " وليس مع غيره ، من المصطلحات وبذلك يبقى مصطلح " المكون المسيحي " فاقداً للصلاحية وخارج إطار تداولنا وتعاطينا السياسي مع الآخرين من الشركاء في الوطن في صياغة دساتيرنا وقوانيننا في الدولة الأتحادية والأقليم الكوردستاني التي هي الآن قيد اعادة النظر فيها لتعديلها حتى وإن نفقد على أثرها ما تمنح لنا من الهبات الشخصية الرخيصة من المناصب وامتيازاتها المغرية التي يسيل لها لعاب الطامعين من ضعاف النفوس إن كُنا حقاً صادقين في دعواتنا القومية ، وإلا فالسكوت عن تلك الدعوات خيرٌ لنا من الاستمرار في مهزلة الضحك على الذقون .
         " إنها كلمة حق يُراد بها الحق ... حقاً وليس غير الحق "

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 1 / آب / 2016 م
 

86
جدلية العلاقة بين الدين كفكر وبين السياسة كوسيلة
خوشابا سولاقا
بالنظر لكثرة الكتابات والحوارات من قبل كتابنا ومثقفينا الأجلاء في الآونة الأخيرة في هذا الموقع والدعوة فيها الى فصل الدين عن السياسة كردود أفعال لسلوك بعض السياسيين أو رجال الدين للتدخل من طرف في شؤون الطرف الآخر بحسب الأجتهادات الشخصية لمفهوم التدخل واعتبار ذلك التدخل خرقاً للخصويات الأختصاصية  من طرف للطرف الآخر ، حيث وجدنا أن بعض تلك الكتابات قد تجاوزت قواعد النقد البناء والكتابة الرصينة في احترام الرأي والرأي الآخر وقواعد الحوار الديمقراطي في استعمال مفردات ومصطلحات ليست في محلها المفترض ، مما اقتضى الأمر بنا لأن نكتب هذا المقال محاولاً إلقاء الضوء بحسب وجهة نظرنا المتواضعة لتوضيح جدلية العلاقة بين الدين كفكر روحاني وبين السياسة كوسيلة لترجمة أي فكر الى تطبيق على أرض الواقع وبالتالي لبيان أن الفكر أي فكر كان والسياسة توأمان لا يمكن لأحدهما أن يتواجد من دون وجود الآخر ، وأن الدعوات التى يطلقها البعض من الكتاب والمفكرين للفصل بينهما بالشكل الذي يريدونه  ليست دعوات دقيقة بمعناها الفكري والفلسفي بل على من يدعي ذلك أن يطالب بالفصل بين الواجبات الأختصاصية لرجل الدين وبين الواجبات الأختصاصية لرجل السياسة في المؤسسات الأختصاصية لكل طرف مع ضمان حماية حق كل طرف واحترام حرية الرأي لأفراده  كأعضاء في المجتمع يعنيهم أمر كل ما يعني المجتمع من الأمور والتدخل بالقول والفعل في شأنه دون أن تمنعه الصفة المهنية الأختصاصية التي يحملها كسياسي أو كرجل دين من ممارسة ذلك الحق الطبيعي والمشروع اجتماعياً .
كانت الحياة منذ أن خُلق الانسان على وجهة الخليقة وما زالت عبارة عن صراع على المصالح المادية والمعنوية وبكل الوسائل المتاحة بما فيها الحروب الدموية التي خاضها الانسان والتي راح ضحيتها الملايين من أبناء جنسه على امتداد فصول التاريخ وما زال الحبل على الجرار ، وكان من يخلق أسباب ووسيلة هذا الصراع  غير المقدس وغير المشرف بكل المعايير والمقاييس الانسانية باعتبار أن الانسان هو أغلى وأعلى قيمة في الوجود هو الفكر بكل مدارسه كملهم ومحفز لدوافع وغرائز الانسان العدوانية واعتماد فن السياسة كوسيلة لتحريكة لخوض غمار هذا الصراع الأزلي الذي لا تنطفئ شعلته ، ولتوضيح ذلك لا بد من هذه التعاريف المتواضعة لتوضيح الصورة بجلاء أكبر .
الفكر ... تختلف الأفكار من حيث طبيعتها في كل المجتمعات البشرية بين أن تكون أفكار مادية منعكسة من أرض الواقع الاجتماعي وقابلة للتطبيق عملياً بغرض تغييره وتطويره من حالة الى حالة أفضل ، وبين أن تكون أفكار مثالية طوباوية خيالية لا تمت بأية علاقة مباشرة بالواقع الاجتماعي ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع ، وبين أن تكون أفكار روحانية تتعامل وتتعاطى مع النفس البشرية لتغيير قناعات الناس النفسية والروحية التي يؤمنون بها والتحول الى ما تبشر به من أفكار ، وتصنف الأفكار الدينية ضمن هذا الصنف من الأفكار . 
السياسة ... السياسة كما اتفق على تعريفها فقهاء العلوم السياسية  هي الوسيلة التي من خلالها يتم ترجمة وتطبيق الأفكار أية أفكار كانت على أرض الواقع الاجتماعي لتغييره وتطويره من حالة الى حالة أفضل أو لربما تأتي الرياح بما لا تشتهي السَفنُ كما يقال في بعض الأحيان بسبب خلل أو انحراف ما في طبيعة الوسيلة ( السياسة ) المعتمدة أثناء التطبيق العملي وهي بالتالي وسيلة للدفاع عن المصالح والمنافع المادية والمعنوية في الصراع الأزلي بين الناس في الحياة ، وهذا ما تؤكده التجارب التاريخية للأمم في كل زمان ومكان .
في ضوء ما تم ذكره عن الفكر والسياسة ليس هناك فكر هدفه وغاية وجوده لأن يعمل في الفضاء خارج المجتمع الانساني ،  وعليه يتطلب الأمر ممن يسعون الى تطبيقه أن تكون لهم وسيلة لتحقيق ذلك ، وتلك الوسيلة بلغة التعامل مع الواقع الاجتماعي في أي زمان ومكان تُسمى " السياسة " ، وعليه فان للدين أي دينٍ كان " كفكر " علاقة جدلية مباشرة بالسياسة  " كوسيلة " وعند دراستنا لتاريخ سيرة كافة الأديان المصنفة بالسماوية والمصنفة بالوضعية وكافة المعتقدات الفكرية والفلسفية التي تم تبنيها قديماً وحديثاً سوف يتأكد لنا وجود تلك العلاقة الجدلية الحميمة بين الدين كفكر والسياسة كوسيلة ، وكما هو الحال مع الفكر الديمقراطي فكراً ومنهجاً كوسيلة سياسية لبناء دول ومجتمعات ديمقراطية مبنية على مبدأ تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لمواطنيها . وعليه نستطيع القول أن الفكر والسياسة توأمان لا يمكن فصلهما ولا يمكن لأحدهما أن يغير المجتمع من دون أن يتواجد التوأم الآخر الآخر بجانبه .
في أي مجتمع من المجتمعات البشرية يوجد مؤسسات متنوعة كل منها مختصة بشأن من الشؤون الخدمية تسعى من خلال العاملين فيها الى تنفيذ واجباتها التخصصية للمجتمع بأكمل وجه ممكن ، وهنا تشكل المؤسسات الدينية جزءاً من مؤسسات المجتمع الخدمية تقوم من خلال بناها التحتية والقائمين على إدارتها من رجال الدين بكل درجاتهم الدينية بتقديم الخدمات الروحية التي يفرضها الدين المعني لمن يتردد إليها من المؤمنين من الأتباع ، فهنا لا تختلف واجبات رجل الدين عن واجبات الطبيب والمهندس والمدرس والأستاذ الجامعي والعسكري ورجل الأمن وأي موظف آخر في مؤسسات الدولة في أداء واجباته الأختصاصية بما تمليه علية مؤسسته المختصة للمجتمع .
هنا يكون من غير الجائز ومن غير المقبول منطقياً وقانونياً أن يقوم المهندس بالتدخل في شؤون اختصاص الطبيب وبالعكس وكذلك الحال مع كافة الموظفين الآخرين ، وكذلك لا يجوز لرجل الدين التدخل في شؤون العمل السياسي المختص في المؤسسات السياسية ( التنظيمات والأحزاب ) وبالعكس أيضاً ، ولكن جميع هؤلاء القائمين على إدارة شؤون هذه المؤسسات الأختصاصية بدون تمييز أفراد متساوون  في الحقوق في المجتمع وليس من حق أي كان أن يحرم ويصادر حق أي فرد من أفراد المجتمع من ممارسة حقه الطبيعي المشروع قانوناً في إبداء رأيه في كل بما يخص ويعني مجتمعه ونقده بكل الوسائل المتاحة قانونياً من دون الأساءة على الآخرين والتجاوز على حقوقهم .... رجل الدين فرد في المجتمع كالمهندس والطبيب والمدرس والأستاذ الجامعي والعسكري ورجل الشرطة والأمن وكأي موظف في الدولة له اختصاصه الروحاني ليس من حق الآخرين التدخل في شؤونه الروحانية ، وكذلك ليس من حق رجل الدين التدخل في الشؤون الأختصاصية للآخرين ، وعليه نقول إن من يدعو الى فصل الدين عن السياسة فهو مخطئ في فهمه ووصفه لهذه العلاقة وواهم في دعوته ، بل عليه أن يدعو الى الفصل بين الأختصاصات في المؤسسات الاجتماعية ومساواة الجميع في الحقوق المجتمعية وعدم الربط بين الحق العام للفرد باختصاصة الاجتماعي الروحاني والمهني تجنباً للتجني على حقوق البعض على حساب حقوق البعض الآخرعملاً بالقول الشائع " كلمة حق يراد بها باطل " .
نعم للفصل بين الأختصاصات الروحية لرجل الدين عن الأختصاصات السياسية لرجل السياسة تجنباً للأشكالات والتقاطعات في التنفييذ ... كلا لدعوات الفصل بين الدين والسياسة  لعدم موضوعيتها ، ولكن ولكون لكل  من الفكر الديني الروحاني  والفكر السياسي الوضعي بكل مدارسه أنصار وأتباع ومؤيدين في المجتمع لذا يتطلب الأمر من الجميع احترام الجميع للحفاظ على وحدة نسيج المجتمع ومنعه من التفكك والتمزق .

خوشــابا ســولاقا
بغداد 10 / تموز / 2016

87
رسالة محبة ودعوة الى من يهمه الأمر من كتابنا ومثقفينا الأعزاء
خوشــابا  ســولاقا
نتييجة للسجالات والنقاشات التي تجري وتنشر باستمرار في مواقعنا الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها بخصوص مواضيع تخص التسميات القومية شبه المقدسة لأمتنا والتي باتت عند البعض بمثابة مقتنيات تراثية لا يمكن المساس بها والتخلي عنها وتبني غيرها بديلاً لها في أي حال من الأحوال ، وكذلك الحال في مواضيع الخلافات وألأختلافات في الرؤى ووجهات النظر بين رجال الأكليروس هنا وهناك في هذه الكنيسة أو تلك من كنائسنا المشرقية داخل الكنيسة الواحدة أو فيما بينها في القضايا المذهبية اللاهوتية أو حول الشؤون الأدارية للكنائس حيث باتت الكتابة عنها من قبل المثقفين العِلمانيين من كتابنا بمثابة صب الزيت على النار وأثبتت تجاربنا السابقة صحة هذا التصور ، لذلك إرتأينا كتابة ونشر هذه الرسالة بهذا الشأن كمقترح شخصي للتوقف عنده ودراسته من باب المصلحة العامة ليس إلا ، وما حفزنا ودفعنا أكثر الى كتابته هو ما حصل من سجالات وحوارات وتعقيبات ومداخلات اتخذت طابعاً حاداً في بعض جوانبها من قبل بعض كتابنا الذين نجلهم ونحترم أقلامهم جل احترام حيث تناولوا وتعرضوا فيها على تصريحات غبطة المطران مار سعد سيروب حنا  الجزيل الأحترام لأذاعة صوت الكلدان في ميشيغان ونشر كتاباته في مواقعنا الألكترونية . حيث كانت هذه السجالات والحوارات شبيهة بتلك التي حصلت بشأن التسميات القومية الثلاثة لأمتنا طيلة السنوات الماضية من دون أن نتوصل في النهاية الى نتيجة إيجابية ترضي جميع مكونات أمتنا بشأن التسمية القومية الموحدة .
نشكر اهتمام الجميع بكل شاردة وواردة فيما تخص قضايا أمتنا القومية والكنسية وهذا نابع أكيد من حرصكم الشديد بما يفيدنا أحياناً وبما يضرنا أحياناً أخرى ، ولكن تركيز الأهتمام بما باتت مشاكل مستعصية ومزمنة في بعض قضايانا القومية والكنسية ونبشها والاستمرار والاصرار بالكتابة عنها وفق منطق الفعل ورد الفعل الذي يستفز الآخر يكون بمثابة صب الزيت على النار الملتهبة لتزيده سعيراً ولهيباً مثل السجالات والجدالات السقيمة حول تسمياتنا القومية التي صارت أمراً واقعاً تاريخياً معاشاً اجتماعياً ولُبستْ لباساً مذهبياً أي بمعنى صارت تسميات مزدوجة المعنى قومياً وكنسياً وكأن كل تسمية منها تعني عند كل طرف من الأطراف الثلاثة من مكونات أمتنا تشير الى التسمية القومية تشير في الوقت ذاته الى التسمية المذهبية التي شبَ وشابَ عليها منذ قرون ، وعليه فإن قبولها كتسمية قومية وفق ما يقوله منطق التاريخ والجغرافية تعني قبول التسمية المذهبية المرادفة لها والمتداولة خلافاً للحقيقة التاريخية ، ولذلك ترفض قبول التسمية القومية مهما برهنت المعطيات التاريخية والجغرافية صوابها وصحتها وعلميتها ، لأن التعصب الثقافي الموروث اجتماعياً والولاء المزمن المتراكم للمذهب اللاهوتي الكنسي أقوى فعلاً وتأثيراً بكثير من التعصب والولاء القومي للقومية لدى الناس وبذلك يبقى كل مكون متشبثاً ومتمسكاً بقوة بما شب وشاب عليه بكل إرثه الثقافي الكنسي طيلة قرون عديدة ... 
كذلك هو الحال فيما يخص الخلافات الأدارية واللاهوتية داخل الكنائس ذاتها أو فيما بينها باعتبارها شؤون دينية كنسية خاصة بها ، وعليه يكون السجال والنقاش حول هكذا أمراض مزمنة مجرد صب الزيت على النار هذا أولاً ... أما الموضوع الثاني الذي لا نجد من الضروري الأهتمام به والتركيز عليه هو ما يخص شؤون إدارة الكنيسة ( كل الكنائس أو بالأحرى كل المؤسسات الدينية لكل الأديان ) لأن الطبيعة التكوينية والهيكلية الأدارية والتنظيمية لهذه المؤسسات ( المؤسسات الدينية ) قائمة ومبنية تراسخت على منطق فلسفة النظام " الثيوقراطي -الأبوي " الديكتاتوري الفردي المستبد والمؤسس على مبدأ الخضوع المطلق من الأدنى بالدرجة للأعلى منه في الدرجة الكهنوتية الدينية والأتباع وفق منطق وفلسفة هذا النظام ليسوا أكثر من قطيع ما عليهم إلا السمع والطاعة صاغرين !!! ، وعليه فإن الديمقراطية ومنهجها في التحاور والحكم والتعاطي بشأن الحياة كما يريده البعض من المثقفين العِلمانيين كما هو الحال جاري في المؤسسات السياسية المدنية يعتبر في المؤسسات الدينية كفراً والحاداً وخروجاً عن القانون الكنسي وبالتالي فهو محرماً على المؤمنين من الأتباع ( القطيع ) إبتداءاً من أدنى مؤمن عِلماني الى أعلى رتبة كهنوتية دون رأس الهرم الأعلى في النظام فهو الوحيد الذي له صلاحيات مطلقة لأنه يمثل ويجسد الله على الأرض ، وعليه أيها الأخوة من المثقفين العَلمانيين لا غرابة في تصرفات وسلوكيات رؤساء كنائسنا كائن من يكون مار لويس ساكو أو غيره من رجال الدين بأية درجة كانوا في كافة كنائسنا المشرقية وكافة الكنائس في العالم ...
ولغرض سد الطريق أمام رجال الدين من التدخل في الشأن السياسي ورجال السياسة في الشؤون الدينية والكنسية لتديين السياسة وتسييس الدين علينا العمل بجد لفصل السياسة عن الدين من خلال تأسيس أحزاب سياسية لا تقوم قياداتها الأنتهازية التستر بلباس رجال الدين والتقرب منهم لتغطية عوراتهم واستثمار المؤسسات والمناسبات الدينية لصالحهم من أجل منافع شخصية كما يفعلون اليوم ، وكما كان يفعل أحدهم عندما كان يبرز للناس من زواره ورقة عليها هامش مكتوب باللون الأحمر لمثلث الرحمات مار عمانوئيل الثالث دلي يزكي شخصه ( حامل الورقة ) ممثلاً للمسيحيين !!! ، ولمنع رجال الدين من طرح أنفسهم بدلاء للسياسيين في تمثيلنا في مؤسسات الدولة المدنية ومحافلها الرسمية وأن يكون ذلك بمثابة عقد اجتماعي بين السياسيين ورجال الدين ... النظام الثيوقراطي - الأبوي المعتمد في الكنيسة نظام راسخ الجذور في كافة المؤسسات الدينية وفي كل الأديان لا يمكن المساس به وإلغائه أو حتى تغييره على المدى المتوسط  إلا بتغيير المبادئ الأساسية لفلسفة الأديان ذاتها في تعاملها وتعاطيها مع الأتباع وتغيير علاقتها معها من علاقة " الراعي بالقطيع " الى علاقة " الخادم( الكنيسة كمؤسسة خدمية )  بالمخدوم ( الأتباع ) " وهذا أمرٌ مستبعد جداً حالياً بسبب تذبذب قناعات الطرفين بالحاكمية لمن تكون ؟؟..
أما عزل الأحزاب السياسية وقياداتها المستقوية برجال الدين ومنعها من التدخل في الشؤون الدينية الكنسية فذلك أمرٌ أسهل وممكن التطبيق بوسائل شتى كعدم تكرار انتخابهم وعندها تستقيم الأمور وتسير وفق منطقها الطبيعي كما صار الحال عليه في الدول المتقدمة ديمقراطياً في الشرق والغرب ، حيث بات كل طرف يعمل في مجال اختصاصه بشكل مستقل من دون أن يتدخل في شؤون اختصاصات الطرف الآخر .
إن رسالتنا ودعوتنا هذه الى الأخوة الكتاب والمثقفين العِلمانيين هي التوقف عن الكتابة والدخول في سجالات عقيمة في موضوع " التسميات القومية " وموضوع الخلافات بين رجال الدين في كنائسنا المشرقية وترك الأمر لادارات الكنائس لحل كل ما يحصل من خلافات وإشكاليات وفق القانون السُنهادوسي للكنيسة المعنية لمنع تعاظم التداعيات المحتملة التي تؤدي بالتالي الى تمزيق الكنيسة كما حصل لكنيسة المشرق العظيمة قديماً وكما حصل لكنيسة المشرق الآشورية سنة 1964 م .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 5 / تموز / 2016 م

88
نعم لتشكيل فصائل عسكرية نظامية كلا لمليشيات مسيحية خاصة

خوشابا سولاقا
الى كافة الأخوة من كتابنا الموقرين ممن كتبوا وأدلوا بدلوهم بخصوص تصريحات الكونكرس الأمريكي الأخيرة بشأن تمويل وتسليح المسيحيين لقتال داعش وتحرير أرضهم وردة فعل قداسة البطريرك مار لويس ساكو عليها وما حصل من لغط وسجال ونقد متسم بنوع من الحدة بين مؤيد ورافض لردة فعل البطريرك على تصريحات الكونكرس الأمريكي بشأن الموضوع ... أين هو الحق من الباطل ؟؟ هنا يتطلب الأمر منا دراسة الموضوع من كافة الجوانب لكي نكون منصفين مع أنفسنا أولاً ومع قداسة البطريرك ثانياً ومن السياسة الأمريكية المتسمة بالبرغماتية ثالثاً لكي لا نتحول الى كبش الفداء من غير أن نعي اللعبة بكل أبعادها السياسية والقومية والوطنية  .
لقد كتبنا مداخلات ثلاثة على مقالات كل من الأخ الكاتب الأستاذ جاك يوسف الهوزي والأخ الأستاذ الدكتور ليون برخو والأخ الصحفي ماجد إيليا وأبدينا رأينا بالموضوع بواقعية وحيادية ومن دون مجاملة لأي طرف بل كتبنا بانحياز مطلق لمصلحة أمتنا ومستقبل وجودنا القومي في أرض وطن الأجداد ، ولأهمية الموضوع أرتأينا نشر مداخلتنا على مقال الأخ الصحفي الأستاذ ماجد إيليا مع بعض التعديلات والأضافات والذي هو جامع لمداخلاتنا الثلاثة الآنفة الذكر في مقال واحد مستقل ليطلع عليه قراء هذا الموقع الكريم .
مقالاتكم ومداخلاتكم أيها الأخوة كلها رائعة وموضع احترامنا وتقديرنا من حيث المقارنة بين فهم المسيحية كعقيدة دينية سماوية ونبذها للعنف بكل أشكاله في الحياة المسيحية وبين شرعنته كحق طبيعي للدفاع عن النفس والحقوق الشرعية والانسانية ، ولكن من المؤكد أن المسيحية لن تُحرمْ حق الدفاع عن النفس لأتباعها أزاء الأعداء ممن يريدون بهم الأذى والشر ، حيث هناك قول في الأنجيل لا يحضرني نصه ولكنه يقول بما معناه " إذا عرفتَم أن عدوكِم يريد قتلكم فأقتلوه قبل أن يقتلكم " لا أعتقد وجود عقيدة دينية سماوية أو عقيدة وضعية تمنع حق الدفاع عن النفس والمُلكْ والعِرض والأرض لأتباعها ... المشكلة في القضية موضوع النقاش هنا هي الآتي من التساؤلات المشروعة :-   
أولاً : هل أن الأمريكان جادين فعلاً في تسليح المسيحين وتمويلهم لغرض تحرير أرضهم والدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وعن تلك الأرض ضد الأرهابيين الدواعش واستعادة ما خسروه .؟؟ إن كانوا كذلك لماذا الآن وليس من قبل هذا الوقت أي منذ عام 2003 م حيث كان سهل نينوى يَعجُ بالمسيحيين ؟؟ .
ثانياً : هل أن التزام أمريكا تجاهنا سيبقى إلتزام استراتيجي لأمد طويل كما هو الحال مع اسرائيل ؟؟ أم أنه سيكون التزام اعلامي مرحلي لغاية في نفسها ولغرض المناورة والمساومة مع الآخرين من العرب والكورد وغيرهم لتحقيق غايتها المخطط لها ؟؟ ، فعندما تتحقق غايتها تتركنا فريسة سهلة للضواري من الجيران الطامعين بكل مانمتلكه من مال وحلال وأرض ؟؟ . عندها ماذا سيكون مصيرنا ؟؟ ، وكل شيء بحسب قناعتنا وخبرتنا من أمريكا متوقع في لعبة الصراع من أجل المصالح والمنافع !!!.
ثالثاً : هل تريد أمريكا تشكيل ميليشيا مسيحية مستقلة خاصة لا علاقة لها بتشكيلات القوات المسلحة الأمنية والعسكرية العراقية في المركز أو الأقليم ؟؟ أم أنها تريد تشكيل فصيل عسكري نظامي تقوم بتدريبه وتمويله وتسليحه وبقيادة مسيحية عسكرية مهنية مستقلة ليس لها أية علاقة بالأحزاب السياسية المسيحية الموجودة وعلى ان يقاتل هذا الفصيل كجزء من القوات المسلحة العراقية تحت قيادة العمليات العسكرية المشتركة وأن يكون قائد ذلك الفصيل عضواً ممثلاً في قيادة العمليات المشتركة لكي نظهر بمظهر الهوية الوطنية العراقية وليس بمظهر الهوية الميليشياوية المسيحية تثير حقد وكراهية الآخرين المختلفين عنا في القومية والدين .
رابعاً : نقولها بصراحة منطلقين من خبرتنا في السياسة وتجربتنا السابقة كأمة مع بريطانيا نحن مع تشكيل فصيل عسكري مسيحي بقيادة مسيحية يقاتل ضمن صفوف الجيش العراقي النظامي ونرفض أي شكل من أشكال الميليشيات المسيحية لأنها ستصبح مستقبلاً وبالاً علينا كما حصل معنا في السابق مع الأنكليز في تشكيلات " جيش الليفي " وبالتالي خرجنا من المولد من دون حمص خالي اليدين .... هنا نرجع ونقول ونؤكد بان أمريكا غير جادة فيما تدعي به وما تقوله هو مناورة رخيصة لدوافع وغايات قذرة خاصة بها وهي عبارة عن بالون الأختبار لأختبار نوايانا العاطفية لأثارة وتفعيل أحقاد المتطرفين من الشركاء في الأرض والوطن علينا لقلع آخر جذورنا من أرضنا .... أيها الأخوة المتحاورون أفهموها صح لا تتسرعوا ولا تذهبوا بعيداً في تحليلاتكم واستنتاجاتكم السياسية بما تمنون أنفسكم به من أحلام وردية !!! أمريكا ليست موضع ثقة إنها دولة تعتمد السياسة البرغماتية في صياغة سياساتها وتكتيكاتها حيث تتغير بين ليلة وضحاها بحسب مقتضيات مصالحها الآنية والأستراتيجية وتُغير حسب ذلك أصدقائها وأعدائها ، هؤلاء الملاعين لا يريدون لنا غير الشر المبيت . كل واحد منكم أيها الأخوة هو حر فيما يريد أن يقول ، ولكن نقول للأنصاف ليس إلا ، لا تربطوا بين موقف قداسة البطريرك مار ساكوا الجزيل الأحترام حول هذا الموضوع وهو كمواطن عراقي مسيحي ورئيس لأكبر كنيسة مسيحية في العراق من حقه أن يقول رأيه بالموضوع بما لديكم من مواقف شخصية سابقة معه في أمور أخرى تخص مشاكل إدارة كنيستكم الكلدانية الكاثوليكية الموقرة في عهده ، علماً بأننا شخصياً لا نتبع كنيسة البطريرك ما لويس ساكو ولسنا بصدد الدفاع عنه لأننا لا تربطنا به أية صلة ولم نلتقيه إطلاقاً في أية مناسبة ونختلف معه في الكثير من طروحاته الأخرى ولكننا نكن له كل الأحترام لدرجته الكهنوتية .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 31 / أيار / 2016

89
من هم المندسين الحقيقيين .... ؟؟؟
خوشابا سولاقا
من المفارقات العجيبة والغريبة التي شاهدناها في الماضي في كل زمان ومكان ونشهدها ونتعايش معها في بلدنا العراق اليوم هو تسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقية المتعارف عليها ، ألا وهو التشابه والتماثل في صنع الخصوم والأعداء الوهميين المفترضين من قبل الحكام الديكتاتورين الفاشلين والظالمين المستبدين والمُضطهِدين لشعوبهم ، حيث كلما تقوم السلطة الظالمة والفاشلة بجريمة وقحة تنافي القانون والأخلاق السياسية الرصينة مفضوحة للقاصي والداني يلتجأون الى تنسيب تلك الجريمة وهم يذرفون دموع التماسيح الحارة على ضحاياهم بأن تلك الجريمة كانت من فعل المندسين والمتسللين الى صفوف المتظاهرين بغرض الأعتداء على المتظاهرين والقوات الأمنية لخلق الفتنة والأساءة على سمعة الحكومة من قبل خصومهم وأعدائهم المفترضين الوهميين ، وكإن  المتظاهرين الذين انتفضوا وثاروا ضد ظلمهم وفسادهم وسرقاتهم للمال العام وإثرائهم على حساب تعاستهم ومطالبتهم بالأصلاح الشامل لأنقاذ البلاد من الأنهيار لا يعنيهم أمرهم ومطالبهم . بالرغم من أن الفعل الشنيع مفضوح للقاصي والداني بأنه فعل المندسين فعلاً ولكن أي مندسين ؟ إنهم مندسين تابعين للمتضررين من الأصلاح ومكافحة الفساد وسرقة المال العام من القابضين على السلطة في البلاد من حيتان الفساد ، والعراق هنا ليس استثناءاً عن هذه القاعدة المجربة .
نرجع الى سؤآلنا ... من هم المندسين الحقيقيين؟؟ هل أن مفهوم المندسين ينطبق على أهل البيت الآمنين ؟ أم على من يتسللون كلصوص في ظلام الليل الدامس الى البيت خلسة وأهل البيت نياماً ويسرقون  ما في البيت من مال وحلال كما فعلوا من حكموا العراق منذ سقوط النظام السابق في عام 2003 م ؟ ؟ ، هل المندسين هم من الجماهير الشعبية الثائرة من أهل العراق الذين عانوا الأمرّين من الذين ضحوا بمئات الآلاف من أبنائهم في الحروب العبثية التي صنعوها حكامهم الفاسدين ضد خصوم وأعداء مفترضين منذ عام 1961م مروراً بحرب العراقية الايرانية الدامية وحرب الكويت وحرب الأحتلال الأميريكي للعراق ومجيئكم  للحكم على ظهر دبابة المحتل الغازي لبلدكم عام 2003 م وما عقب ذلك من الحرب الطائفية والقتل على الهوية بين الأخوة من الشيعة والسنة بسبب سياساتكم الطائفية وما تلاها من الغزو الداعشي لأكثر من 40 % من مساحة العراق وتشريد أكثر من أربعة ملايين من أبنائه من كل مكوناته بسبب مهاتراتكم الحمقاء واستقتالكم من أجل المغانم التي هي ليست من ممتلكاتكم ؟؟ ، ألستُم أنتم هم بحق المندسين الحقيقيين الى البيت العراقي الآمن المسالم خلسةً وسرقتم كل ما في خزائنه ورهنتم مصادر ثرواته النفطية مقابل عمولات ؟؟ ، أليس خروج الملايين من العراقيين الى شوارع المدن العراقية في الوسط والفرات الأوسط والجنوب مطالبين بالأصلاح وتوفير الخدمات الشبه المعدومة بسبب فشلكم في إدارة البلاد وفسادكم وسرقاتكم للمال العام التي باتت تزكم الأنوف ؟؟ أليس مستوى المعيشة المتدني للطبقات الفقيرة والتي بغالبيتها تعيش تحت خط الفقر وتفشي الأمراض والأوبئة بينهم وقلة الخدمات وانتشار البطالة والجريمة بكل أشكالها سبباً كافياً لأن تتظاهر وتطالبكم بالأصلاح وتوفير لقمة العيش والخدمات الاجتماعية لهم ولو بالحد الأدنى أليس الأمر كذلك أيها القطط السمان ؟؟ ... تتكلمون وتتباكون على هيبة الدولة لا نعرف عن أية دولة تتحدثون ؟؟ كل المؤشرات والوقائع والدلائل المادية في العراق الحالي لا توحي ولا تدل لا من قريب ولا من بعيد بالدليل الملموس على وجود دولة بأبسط أشكالها حتى في منطقتكم الخضراء يا كرام !!! ، لو كان هناك دولة قوية قادرة على فرض سلطتها واحترامها وهيبتها على مجموعة من الناس ( الشعب ) في رقعة جغرافية محدودة من الأرض ( الوطن - العراق  ) بقوة وعنف القانون ووفرت للشعب الأمن والآمان وكل الخدمات ولو بحدها الأدنى وهو أبسط تعريف لمفهوم الدولة الحديثة بحسب تعريف فقهاء العلوم السياسية لما حصل كل ما يحصل اليوم في العراق ولقلنا نعم هناك دولة تستحق الحديث عن احترام هيبتها يا أيها المتباكين على هيبة وسيادة الدولة المتمثلة بالقنفة والأثاث !!! ، بل إن الموجود الحالي هو عبارة عن أقطاعيات حزبية ( أشباه دويلات ) تحكمها ميليشياتها وتفرض سلطتها بقانونها الخاص قوة السلاح تسرح وتمرح وتفعل ما تشاء من دون أن يقول لها أحداً على عيونكم حاجب بسبب غياب الدولة المركزية القوية الحقيقية المشار إليها أعلاه ، أليس هذا واقع الحال أيها الكرام المتباكون على هيبة الدولة التي صدعتم رؤوسنا بالحديث عن هيبة وسيادة الدولة ؟؟ ، وأن ما تدعون به من سيادة وهيبة للدولة هو عملياً مجرد ضحك على ذقون الساذجين من عامة الناس ليس إلا !!!... أنتم بتشدقكم أيها السادة بسيادة وهيبة الدولة لتبرير فشلكم في بناء دولة المؤسسات الدستورية الخدمية التي تقدم الخدمات للشعب ولجوئكم الى قمع حركة المتظاهرين السلميين باستعمال السلاح الناري المباشر واتهامهم بتخريب ممتلكات الدولة واقتحام مؤسساتها السيادية واتهامكم للمندسين المفترضين بما يقوم به مندسيكم من العملاء المأجورين الذين حشرتموهم حشراً بين صفوف المتظاهرين للقيام بالأعتداء على القوات الأمنية لتلطيخ سمعة المتظاهرين بالسوء ومخالفة القانون والدستور ، هذه اللعبة الغبية الوقحة باتت لعبة مكشوفة ومقرفة ، حتى وإن وجد فرضاً مندسين مجرمين كما تدعون فالمتظاهرين السلميين الأبرياء ليسوا مسؤولين عنهم لتعطون الحق لأنفسكم بأطلاق الرصاص الحي على الأبرياء من المتظاهرين أليس هذا هو المفروض ؟؟ ، هذه الممارسات تاريخياً مورست من قبل جميع الحكام الديكتاتوريين في كل زمان ومكان من العالم وباتت مفضوحة ومكشوفة للقاصي والداني لا تنطلى على المتابع والمراقب السياسي الفطن والذكي في هذا العصر الذي تتحكم به الكاميرات الحرارية الذكية والفائقة السرعة والدقة وشبكات الأنترنيت حيث لا مجال للكذب والتضليل بالمرور والتأثير على قناعات المتلقي ، إنه عصر لا مجال فيه للسر ولا للكذب بل كل شيء مكشوف وتحت المجهر ، لذلك ننصح إعلامييكم الأذكياء جداً !!! بالتخلي عن هذا الأسلوب المسخ بتنسيب الحوادث المشينة الى المندسين الوهميين المفترضين لأنها لعبة شيطانية لا جدوى من ورائها لأصحابها .... بل عليكم التعامل بصدق وشفافية مع المتظاهرين وتعرَّفوا على مطالبهم من خلال الحوار المباشر والصادق معهم واستجيبوا لها بالقدر المستطاع وليس باللجوء الى أسلوب الألتفاف عليها من خلال وعود كاذبة ومناورات سخيفة لتسويفها وتمييعا واحتوائها من دون تحقيق منجز ملموس لهم ، وفي حالة عدم قدرتكم على الأستجابة لمطالبهم قدِموا استقالاتكم وتخلوا عن الحكم لصالح من هم أقدر وأكفأ منكم في ادارة شؤون الدولة ، هذا هو التعامل المنطقي والعقلاني لأهل الدولة الحقيقيين وليس المناورة والتحايل والكذب والتضليل والتسويف لكسب الوقت على حساب تعقيد الأمور من السيء الى الأسوء كما فعلتم منذ 2003 م وتفعلون اليوم لأن هذ الأسلوب في الحكم سوف يأتي بما لا يرضيكم ولا يعجبكم في نهاية المطاف وتخسرون عندها كل شيء في الدنيا والآخرة !!! ، لأن الشعوب التي تُظلم في حياتها من قبل حُكامها سوف لا تَرحمُهم عندما تثور عليهم وتحين ساعة الحساب ...
وأعلموا أيها القراء الكرام أن المندسين الحقيقيين هم الفاسدين وسراق المال العام للشعب وهم مدمري الأوطان وحارقيها وصنائعهم من العملاء المأجورين من بائعي الضمير والشرف الوطني بحفنة من مال السحت الحرام وليسوا الجماهير الثائرة على الظلم والفساد والمطالبين بالأصلاح وإقامة دولة المواطنة والمؤسسات الدستورية والقانونية من أجل اشاعة العدل والمساوة وتكافؤ الفرص بين مواطنيها .... على ضوء هذا الفهم القانوني نتساءل من هم المندسين الحقيقيين أيها القارئ الكريم ؟؟؟ .

خوشـــــأبأ ســـــولاقا
بغداد في 22 / أيار / 2016     

90
مرة أخرى غدروا حلفاء الأمس بشركائهم  ولم يَصدقوا بوعودهم وفازوا الطائفيون والسراق وخسر الوطن والوطنيين الشرفاء الأحرار ... !!!
خوشــابا ســولاقا
دَمَعَتْ عيون الملايين من الوطنيين العراقيين المخلصين الأحرار من " ولده الخايبة " من الذين انتظروا طويلاً قدوم الفرج ويوم الخلاص لانتشالهم من بين براثن الفاسدين وسراق المال العام المتشبثين والمتمسكين بكراسي  السلطة التي تدرُ لهم ذهباً وفيراً من السحت الحرام على حساب فقر وتعاسة شعبهم المبتلي بهم ، وأدّمَتْ قلوبهم دماً وخابت آمالهم على ما جرى يوم الثلاثاء المصادف 26 / نيسان / 2016 من مواقف إنقلاب حلفاء الأمس على شركائهم المعتصمين من النواب في إقالة هيئة رئاسة البرلمان في جلسة دستورية قانونية أقرت المحكمة الأتحادية دستوريتها وقانونيتها وشرعيتها بطريقة مخزية لا صفة تليق بها غير وصمها بوصمة الخيانة الوطنية ، وانسحبوا من صف الوطن واصطفوا الى جانب سراقه من الفاسدين وأعادوا الطائفيين والفاسدين الذين سببوا في دمار وخراب الوطن مرة أخرى الى هيئة رئاسة البرلمان من جديد بطريقة مقرفة في جلسة برلمانية بائسة ربما غير دستورية لعدم اكتمال النصاب القانوني المطلوب . بهذا الدور الذي لعِبه الأنتهازيون المنقلبون من بعض الكتل والذين ضللوا الشعب وخدعوه بوعودهم الكاذبة والمعسلة من خلال هتافاتهم وشعاراتهم وطروحاتهم بالأصلاح والتغيير الجذري والشامل في كل مرافق ومؤسسات الدولة ومحاربة الفساد والفاسدين وسراق المال العام ومحاسبتهم على ما اقترفته أياديهم الملطخة بدماء العراقيين والملوثة بسرقات المال العام وإعادة الأموال المسروقة الى خزينة الشعب والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والحزبية المقيت واكتفوا بقبولهم بشكل مذل في إقالة واستبدال ستة وزراء ثانويين بآخرين من الدمى التي تحركها أصابع قادة الأحزاب المتنفذة ذاتها تحت يافطة تشكيل وزارة من " التكنوقراط " مع الأبقاء على كبار الفاسدين من الوزراء في مناصبهم . إنها بحق مسرحية هزلية سخيفة ومهزلة ما بعدها مهزلة لا نعرف ماذا نقول عنها وبأي صفة نصفها وبأي معيار وطني نقييمها في ظل اللغط والدجل والهرج الذي دارَ بشأنها خلال الأسابيع الأخيرة من الأزمة السياسية التي عصفت بالبرلمان والحكومة معاً ، إنه لأمر محيّر ومضحك ومخجل ومثير للسخرية لِمَنْ أخرجوا هذه المسرحية الهزلية السخيفة التي أذهلت المراقبين السياسيين المحليين والأجانب بوضاعتها ، وفقد الشعب الذي كان ينتظر الأصلاح صوابه من هولها لأنه اكتشف أن كل الذي جرى كان مجرد عمل مسرحي مخطط له للضحك على الذقون " ذقون ولد الخايبة " وحماية الفاسدين من المحاسبة القانونية !!! . لا نعرف هل أن الجماهير المليونية الفقيرة من الذين نزلوا الى الشارع من أنصار وأتباع السيد مقتدى الصدر بعد هذه المسرحية الهزلية التي ينطبق عليها المثل " تمخض الجبل فولدَ فأرة " كيف سيكون تقييمهم لما حصل بانسحاب ممثليهم من النواب من الصف الوطني وانضمامهم الى صف الحيتان وسراق أموالهم ؟؟ ، وهل ستتعلم الدرس وتكشف الصادقين في وعودهم عن غيرهم لتعطيهم ولائهم مرة أخرى مستقبلاً أم سيكون لها موقف آخر منهم ؟؟ ، أم ستظل هكذا مخدرين ومضللين بمخدر الولاء للخصوصيات الثانوية على حساب الولاء للوطن والهوية الوطنية التي سرقوها منهم الطائفيون الشوفينيون وجعلوا من أخوان الأمس منهم أعداء ألداء اليوم يذبحون بعضهم البعض على الهويات الخصوصية باسم الجهاد في سبيل الله والدفاع عن المذهب والعقيدة وغير ذلك من المفاهيم التي تروج لها من قبل الطائفيين من هذا الطرف أو ذاك هنا وهناك كما خططوا لها الطامعين بخيرات العراق وأرضه من وراء الحدود من دول الجوار ؟؟ .
على ضوء ما جرى للعراق منذ عام 2003 م والى اليوم من خراب ودمار وتشريد ونزوح واحتلال لأرض الوطن وانتشار الأرهاب الذي يفتك بأبناء العراق في كل لحظة من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه واستشراء الفساد بكل أشكاله وتدني مستوى الخدمات الاجتماعية في كافة القطعات الخدمية وهجرة العقول العلمية والشباب لأرض الوطن الى المهاجر الغريبة ، وفقدان الأمن والأمان في كل بقعة من أرض العراق هل كان كل ذلك بسبب هؤلاء الوزراء الستة الثانويين الذين تم إقالتهم واستبدالهم بآخرين في مسرحية تعديل وزاري تكنوقراطي ؟؟ .
هل نسيتم أيها الساسة الكرام الذين صنعكم الأحتلال وأجندات دول الجوار أن الشعب العراقي كما قيل عنه إنه " مفَتَحْ باللبن " ويقرأ الممحي وما بين الأسطر بوضوح في ظلام الليل ولا تنطلي علية الألاعيب الغبية والمسرحيات الهزلية الحمقاء يا سادة يا حكماء العصر العراقي الديمقراطي المطلي بالفساد ؟؟ .
نقول لكم بصريح العبارة ومن دون خوف منكم لا تغالطوا أنفسكم بشيء وأنتم تعرفونه حق المعرفة أكثر من غيركم ، وهو إن مشكلة العراق ليست في مهنية الوزراء كما تسعون الترويج لها وأختزالها في تعديل وزاري محدد إن كان ذلك من " التكنوقراط " أو من " التكنوخراط " كما تسخر منها البسطاء من عامة الشعب بل إن مشكلة العراق تكمن في طبيعة نظامه السياسي المحاصصي المقيت الفاقد للهوية الوطنية الأصيلة والولاء للوطن المؤسس على المحاصصة الطائفية والأثنية والحزبية من قبل المحتل ومنتج للحكومة " التكنوحرامية " والأدارة " التكنوفاسدين " من الأقارب والمعارف والحزبيين الفاشلين من عديمي الخبرة والمؤهلات والأختصاصات خلافاً لمبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في إدارة شؤون الدولة  لبناء دولة المؤسسات الدستورية والقانونية  وليس دويلات المكونات الطائفية والأثنية والحزبية كما هو عليه الحال اليوم في العراق ... هنا هي المشكلة أيها الساده وهنا هو بيت القصيد من ضرورة الأصلاح والتغيير الشامل في بنية النظام السياسي القائم وإعادة هيكلته وفق أسس وطنية ، هنا هو مكمن مرض السرطان الذي لا يمكن معالجتهه بالكَي وبالشعوذة التكنوقراطية التي أبدعتموها واختزلتم فيها حل كل مشاكل ومعاناة العراق والعراقيين بل إن المعالجة تأتي باستئصال مسببات المرض من جذوره بعملية جراحية محكمة بخلع الفاسدين وتطهير مؤسسات الدولة بدءاً بالرئاسات الثلاثة وبقية أجهزة الدولة من الفاسدين ومِن مَن يوالهم من الموظفين الذين حشرتموهم فيها حشراً من دون الحاجة إليهم وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية ويثقلون كاحل الميزانية بأموال طائلة من دون مقابل تلك الأموال التي تكفي لتمويل الحرب للقضاء على الأرهاب الداعشي ومن هم على شاكلته من الأرهابيين . وجود هؤلاء الفضائيين في مؤسسات الدولة ظلماً يشكل إرهاباً لا يقل خطراً على مصير وحدة الوطن والشعب عن إرهاب داعش وإرهاب المليشيات التي تحمل السلاح خارج مؤسسات الدولة الرسمية ... فإذا كنتم فعلاً صادقين فيما تدعون به من إصلاح عليكم البدأ بإصلاح انفسكم في ترشيق رواتبكم وامتيازاتكم  وحماياتكم وسياراتكم وطبيعة سكنكم بما يتناسب مع ما تقدمونه من خدمات وانجازات للبلد . إن ميزانية  نفقاتكم  توازي تكلفه ميزانة الدولة برمتها ، ولذلك نقول أنتم غير مؤهلين بإجراء الأصلاحات التي تنادون بها لأنكم لا تريدون أن تخسرون ما لديكم من المصالح وتستميتون في المحافظة عليها ببقائكم في مواقعكم لأطول فترة ممكنة ، لذلك تحالفتم في حلف غير مقدس لإجهاض ثورة المعتصمين من الجماهير الشعبية ومَنْ صَحَتْ ضمائرهم من زملائكم من النواب الوطنيين الشرفاء الأحرار من الذين اصطفوا الى جانب مطالب الشعب بكل الوسائل لأنكم شعرتم بأنكم جميعاً راكبين في قارب واحد فإن غرق القارب غرقتم جميعاً معاً من ركابه الفاسدين وسُراق المال العام .
إن ما جرى في جلسة البرلمان يوم الثلاثاء 26 / نيسان / 2016 كانت خيانة بحق الوطن والشعب لصالح طبقة الفساد والفاسدين وسراق المال العام من الطبقة السياسية الحاكمة بكل ألوانها من شيعة وسنة وكورد السلطة والسائرين في رِكابهم من ممثلي المكونات القومية والدينية الأخرى ممن سببوا في خراب ودمار العراق وكل ما عداه مما يسوق ويروج له من قبل الفاسدين والمتعاونين معهم من الطفيليين الأنتهازيين المتباكين بخشيتهم على فشل وانهيار العملية السياسية العرجاء والميتة سريرياً منذ ولادتها الكسيحة هو مجرد كلام وهُراء فارغ ورياء ونفاق سياسي إعلامي مقرف لتبرير خيانتهم للمصلحة الوطنية العليا من اجل مصالحهم الشخصية غير المشروعة لكي لا يطال رقابهم سيف المحاسبة والمساءلة القانونية جراء ما أقترفوه بحق الوطن والشعب ، وفي نفس الوقت يسجل هذا الحدث الأليم موقفاً وطنياً مشرفاً للنواب الوطنيون المعتصمين الأحرار الذين انحازوا للوطن والشعب وتصدوا بقوة وببطولة عراقية نادرة لموقف الأنقلابيون الفاسدون والمنتفعون وسراق المال العام سيسجله لهم التاريخ بحروف من ذهب تذكره الأجيال بفخر واعتزاز وزهو وشموخ .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 27 / نيسان / 2016     


91
إنها ثورة عراقية برلمانية لا بد لها أن تأخذ مداها على مسارها الصحيح
خوشــابا ســولاقا
إن الأوضاع التي مرَّ بها العراق خلال السنوات الثلاثة عشر المنصرمة من عهده الجديد بعد سقوط الديكتاتورية ، وتوالى شراذم سياسيو الصدفة من الذين صنعهم الأحتلال على الصورة التي تلائم تحقيق مصالحه ببراعة متناهية مجردين من كل ولاء وطني عراقي حقيقي ، وحكموا البلاد بعبثية وعشوائية لا نظير لها في التاريخ بالرغم مما دخل خزائن العراق من أموال طائلة من واردات النفط  ، إلا أن هؤلاء الحكام أختاروا أن لا يسُخروا ويستثمروا تلك الأموال الطائلة لخير العراق وشعبه لأعادة بناء واعمار ما دمرته وخربته الحروب العبثية التي شنها النظام السابق والأحتلال بل اختاروا أن يتصرفوا كما تصرف هولاكو وغيره من الغزاة الأجانب عندما احتلوا العراق في العهود الغابرة ، حيث ضيعوا وسرقوا وهدروا ما يقارب الترليون دولار أميريكي من أموال العراق ، وكانت النتيجة النهائية هي وصول العراق الى ما وصل إليه من أوضاع اقتصادية ومالية وسياسية وخدمية واجتماعية وأمنية مزرية ، وبات البلد على حافة الهاوية بعد تدني أسعار النفط في السوق العالمية من جهة وبسبب سرقة أمواله من قبل حُكامه ممن خانوا الأمانة الوطنية من الطبقة السياسية المتنفذة الرثة من أحزاب الأسلام السياسي المتاجرين زوراً وبهتاناً ليلاً ونهاراً عبر وسائل الأعلام بمظلومية الشيعة والسنة في بغداد وكذلك فعلوا أحزاب القومجية الكوردية ومن لف لفهم من أحزاب المكونات القومية والدينية الصغيرة للمكونات الأخرى في أربيل من جهة ثانية ، حيث أن الحاكمين في كل من بغداد وأربيل حكموا بطريقة أسوأ مما حكم بها النظام السابق بكل النتائج عند إجراء المقارنة الموضوعية بينهما وهذا مع الأسف الشديد جعل الكثيرين من أبناء الشعب العراقي المغلوب على أمره والمبتلي بهؤلاء الحرامية الذين لا حدود لشَبّعِهم ونهمهم على السحت الحرام ، حيث تضخمت أرصدتهم المالية لحد التخمة المفرطة يسترحمون على النظام السابق بحرقة قلب !!! ... في ظل هذه الأوضاع الوطنية المزرية والمؤلمة واحتلال الأرهاب الداعشي المجرم البغيض لأكثر من (40 % ) من مساحة العراق وتشريد ونزوح ما يقارب الخمسة ملايين من أبنائه  في الداخل والمهجر في دول الجوار والعيش في المخيمات تحت طائلة أسوأ ظروف المعيشة التي لا تليق بكرامة حياة الانسان المعاصر ، نجد أن الحيتان من سراق المال العام يستقتلون ويتصارعون فيما بينهم ويطلقون الشعارات الكاذبة ويروجون لبرامج اصلاحية وهمية مخادعة لا وجود لها على أرض الواقع ، وتعليقهم للأصلاح على شماعة تعديل وزاري بتغير بعض شخصيات الوزارة  تحت شعار تشكيل حكومة ما يسمى بالتكنوقراط وكأن مشكلة ما وصل إليه العراق هو تنصيب الحاج عليوي محل الحاج علي !!َ! ، إنها حقاً لمهزلة تضحك عليها الأمم ومحاولة بائسة  للضحك على الذقون تحت شمس النهار الساطعة وكأنهم يتعاملون مع قطعان من البهائم وليس مع شعب كريم واعٍ ( مفتح باللبن كما يقال ) يعرف كل شيء من صغيره الى كبيره عن خيستهم الجائفة التي تزكم منها الأنوف وسرقاتهم وخياناتهم للوطن التي يندى لها الجبين التي بسببها  ضيعوا الهوية الوطنية بحماقاتهم وعبثيتهم في حفلات المجون والعربدة في ملاهي ومقاهي دول الجوار ، خَسِئْتُم يا أقزام السياسة على ما فعلتموه بحق العراق وشعبه النبيل والمعطاء ، أنتم أثبتم خلال هذه السنوات من حكم العراق بأنكم غير مؤهلين لأن تديروا قطيع من الغنم وليس شعب مثل شعب العراق !!! ، إنها حقاً إرادة القدر العبثية لأن يُحكم العراق من قبل أمثالكم من الجهلة في فن الحكم والإدارة السياسية الرشيدة ، وكأن كل ما حصل للعراق والعراقيين هو قدرهم المحتوم وإرادة إلاهية عليهما القبول به صاغرين شاكرين ربهم !!! . هنا نحب أن نُذكر هؤلاء الذين يسعون الى تضليل الشعب العراقي وتسويف حقوقه بامتلاكهم لعصا موسى لأخراج العراق من نفقه المظلم الذي أدخلوه فيه من خلال دعواتهم المملة لتشكيل ما يسمى بحكومة التكنوقراط واختزال إنجاز الأصلاح والتغيير السياسي والأقتصادي الشامل التي علقوا عليها آمال الشعب الثائر في تشكيل تلك الحكومة التي طال انتظارها بما قاله الشاعر التونسي الخالد أبو القاسم الشابي والذي تردده الجماهير العراقية المنتفضة الثائرة  في كل ساحات التحرير في مدن العراق وقصباته  " إذا الشعب يوماً أرادَ الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ..... ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيدَ أن ينكسر " ، فشعب العراق قد اختار الحياة الحرة والعيش بكرامة من دون وجود للفساد والفاسدين وسراق أمواله والقضاء على نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والحزبية والشعب اليوم بات على أبواب الغبراء واقتحم البعض منه ودخل قلبها ليعتصم فيها متحدياً ، فحذارِ من قادم الأيام بأفعالها الثورية أيها العابثون ، ونقول كفاكم الضحك على ذقونكم وذقون الآخرين من الشرفاء الوطنيين الاحرار إنها بحق ثورة وطنية عراقية حقيقية بدأت تطرق أبواب دوركم التي سرقتموها في المنطقة الغبراء وأطرافها ظلماً وعدواناً ، ونقول لكم استفيقوا من أحلامكم الوردية ونومكم الطويل لقد جرى الماء من تحت أقدامكم وبات ملاك الشعب الذي لا يرحم من سرق أمواله ودمر بلاده جاثماً على صدوركم الورقية التي لا تتحمل ضغطه !!!.
في ضوء ما عرضناه في متن المقال يمكن تصنيف الطبقة السياسية الحاكمة في العراق والمتمثلة في تركيبة البرلمان كما يلي :-
أولاً : فئة الحيتان الكبيرة من الفاسدين وسراق المال العام نُصنفهم بالفئة ( أ ) وهذه الفئة هي من تتحمل بشكل مباشر المسؤولية كاملة عن كل ما حصل للعراق وأوصله الى ما هو عليه اليوم .
ثانياً : الفئة التي استفادت من امتيازات المنصب وعاشت الى حدٍ ما كفئة طفيلية على فُتات موائد الفئة ( أ ) وهي أصغر الفئات ويمكن تصنيفها بالفئة الأنتهازية ( ب ) وهي فئة عادة يعتريها التردد والتقلب في مواقفها مع الأحداث بحسب ما يقدم لها من منافع ووعود من الفئة الفاسدة ( أ ) وتكون هذه الفئة بمثابة بيضة القبان في المتاجرات السياسية كما يقال .
ثالثاً : الفئة التي استفادت من أمتيازات المنصب فقط من دون التعاطي بالفساد يمكن أن نُصنفها بالفئة ( ج ) وهذه الفئة هي الأقرب الى التطلعات والتوجهات الوطنية العابرة للطائفية والأثنية والحزبية وهي الفئة الأكبر والأكثر ثورية لتنفيذ الأصلاح والتغيير الشامل الذي يطالب بة الشعب الثائر في عموم مدن الوسط والجنوب من العراق .
 
                                              ماذا نسمي ما حدث في البرلمان ؟؟

إن الذي حصل في البرلمان يوم الخميس المصادف السابع من نيسان حقيقة كان زلزالاً هزَّ " كروش والرؤوس الخاوية " للفاسدين  وسراق المال العام وخونة الأمانة الوطنية للعراق ، وكان بحق بمثابة ضربة مطرقة الشعب الهائلة على الرؤوس الفاسدة بشكل غير متوقع  أفقدتهم صوابهم . في الحقيقة أن الواقع المزري الذي يعيشه العراق وتصاعد وتيرة التظاهرات الجماهيرية من خلال دخول الملايين من أنصار السيد مقتدى الصدر الى ساحات التحرير في مدن العراق  واقتحامها للمنطقة الغبراء في بغداد والأعتصام على أبوابها وفيها إنعكس سريعاً على مواقف البرلمانيين وتحت قبته .
عندما وجدوا أعضاء الفئة ( ج ) الوطنية وبعض أعضاء الفئة ( ب ) من البرلمانيين أنفسهم أن سكوتهم ووقوفهم على التل متفرجين على عمليات المماطلة والتسويف التي تمارسها الفئة ( أ ) الفاسدة للألتفاف على مطالب الشعب في الأصلاح والتغيير والقضاء على الفساد المستشري أنهم باتوا على المحك الوطني أمام مسؤولية تاريخية وطنية جراء ما أقترفته وتقترفة هذه الفئة الباغية من البرلمانيين من سرقات وخيانة للأمانة الوطنية وهم ليسوا طرفاً مباشراً وليس لهم ناقة ولا جمل فيها ، لذلك قرروا القيام بعمل وطني ما لينقذوا ما يمكن إنقاذه من بقايا وطن اسمه العراق ، فكانت النتيجة إقالة هيئة رئاسة البرلمان في جلسة قانونية دستورية بالأغلبية ومهدوا بذلك الطريق لعقد جلسة برلمانية لانتخاب هيئة رئاسة برلمان جديدة ، وهنا جن جنون الفاسدين ودق عندهم جرس الأنذار بأن القادم سوف يطال الحكومة ورئاسة الجمهورية  تحركت طوابير الفئة ( أ ) الفاسدة بكل قواها في الرئاسات الثلاثة من المتباكين على الدستور الكسيح ويذرفون عليه دموع التماسيح بغزارة لم تشهدها منهم أحداث العراق الدامية والمؤلة في سابق الأيام لانقاذ نفسها مما يطالها حتماً من المساءلة والمحاسبة واعادة ما سرقوه من الأموال الى خزينة الدولة ، إن كل المحاولات التي يقودها المعصوم والعبادي والجبوري باسم الشرعية والدستور تدخل في باب التسويف والمماطلة لاحتواء حركة النواب المعتصمين الشرفاء تحت يافطة الشرعية الدستورية ومواجهة الأرهاب الداعشي المجرم لأجهاض ثورة الشعب ومصادرة مطالبه المشروعة في الأصلاح السياسي والأقتصادي والاجتماعي والنهوض بالعراق من كبوته ، متناسين أنهم المسؤول الأول والأخير عن كل ما حصل ويحصل للعراق وشعبه جراء سياساتهم الطائفية والأثنية الحمقاء وإن الشعب على علم ويقين بذلك .
إن كل نائب من نواب البرلمان ممن لم يَدعم حركة النواب المعتصمين الوطنيين الأحرار سوف يعتبر بموجب المعايير الوطنية الحقيقية موالياً وداعماً لفئة ( أ ) الفاسدة وهؤلاء عادة هم من الفئة الأنتهازية ( ب )  . إن المرحلة الحالية بكل تجلياتها ومظاهرها هي مرحلة اختبار للمواقف الوطنية الصادقة والولاء الوطني الحقيقي عملياً وليست مرحلة اختبار للنوايا المخفية والمترددة ، فمن كان مع العراق كوطن وكشعب عليه الأصطفاف الى جانب الوطن والشعب والثورة السلمية بأهدافها الوطنية الشاملة قولاً وفعلاً ، ومن ليس كذلك فمستقره الأخير سوف يكون حتماً في مزبلة التاريخ مع ما يستحقه من قصاص الشعب .
بهذه المناسبة نرى أن من واجب النواب المسيحيين في البرلمان هذه المرة الأنحياز الى الوطن بالوقوف مع تيار المعتصمين من النواب المنتفضين ضد الفساد والفاسدين ونظام المحاصصة الطائفية والأثنية والحزبية الذي كنا أولى ضحاياه وليس الأنحياز الى مصالحهم الشخصية الأنانية كما فعلوا دائماً في السابق ، وإن وقوفهم على التل متفرجين وقلوبهم مع الحيتان الفاسدين من الفئة ( أ ) لأن اللقمة من فتات موائدهم أدسم لا يشرف أمتنا وإن التأخير في الأنضمام الى الصف الوطني ليس في صالح قضايانا القومية مستقبلاً ، إن شعبنا يريدكم أن تكونوا وطنيين صادقين لتكونوا ممثلين شرعيين لتمثيله بشرف ونبل وإلا سوف يكون حكمه وحكم التاريخ عليكم قاسياً .  

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 20 / نيسان / 2016 م 


92
رسالة تعزية من القلب ... الى الأخ والصديق العزيز الكاتب القومي المفكر الأستاذ هنري سركيس المحترم
تقبلوا محبتنا الأخوية الصادقة مع خالص تحياتنا
تليقينا نبأ وفاة المرحوم شقيقكم ببالغ من الحزن الأسى الشديدين ، وبهذه المناسبة الأليمة على قلوبنا ونفوسنا نقدم لشخصكم العزيز علينا  وكافة أفراد العائلة الكريمة أحرّ تعازينا القلبية وندعو له الراحة الأبدية مع الصديقين والشهداء وأن يسكنه الرب فسيح جناته ولكم أهله وذويه وأقاربه وأصدقائه الصبر الجميل والسلوان وطول العمر كما ندعو الرب أن يجعل من رحيله الأليم من بين صفوفكم خاتمة الأحزان وأن يبعدكم عن أي مكروه .... دمتم بخير وسلام .

محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا – بغداد

93
هل سيَصدقوا المنجمون هذه المرة ... ؟؟
خوشابا سولاقا
بسبب ما مرَّ به العراق بعد سقوط النظام السابق عام 2003 م من استشراء الفساد بكل أشكاله وأنواعه في مؤسسات وأجهزة الدولة بهذا الحجم الواسع الذي لم يشهد العراق وحتى أكثر دول العالم تخلفاً مثله ، يتعاطى معه كبار المسؤولين في الدولة وعدم وجود سلطة القانون لتكبح جماح الفاسدين لغياب الدولة وسلطتها القانونية على الأرض هذا من جهة ، ومن جهة ثانية إنهيار الوضع الأمني بشكل واضح للقاصي والداني حيث الأرهاب يضربُ بأطنابه في طول وعرض العراق منذ أيام مجلس الحكم والى اليوم وراحت مئات الآلاف من الضحايا البريئة نتيجة لذلك ، وأخيراً تكلل هذا النشاط الأرهابي المتنامي مع الوقت مع استمرار هشاشة سلطة الدولة الغائبة بأحتلال ما يقارب الأربعين في المئة من مساحة العراق واحتلال مدن وقصبات كثيرة من قبل ما تسمى تنظيم الدولة الأسلامية المزعومة – داعش وأقامت عليه نظامها الأرهابي ، ونزوح ما يقاب من ثلاثة ملايين من النازحين من مختلف مكونات الشعب العراقي من مناطقهم والتشرد في العراء والسكن في مخيمات لا تتوفر فيها أبسط شروط الحياة داخل وخارج العراق تحت رحمة حر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارص وتعاني الأمرين وتعيش في ظروف صعبة للغاية ، وأقل ما يقال عنها إنها سيئة وغير لائقة بعيش الانسان ، حيث تفتك بهم الأمراض والأوبئة والدولة عاجزة وفعلها شبه غائب في تقديم لهم أبسط المستلزمات الحياتية والخدمات !!! ، ومن جهة ثالثة كان لتدني مستوى أسعار النفط في الأسواق العالمية خلال السنوات الآخيرة حصراً من 115 دولار للبرميل الى ما يقارب 30 دولار للبرميل حيث كان له أثراً كبيراً في تردي الوضع المالي والأقتصادي العراقي وبات العراق على حافة الأفلاس ، وربما قد يؤدي استمرار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية الى المزيد من تدهور الوضع المالي الذي قد يصل في النهاية الى عجز الدولة عن تسديد رواتب الموظفين والمتقاعدين وليس الأكتفاء باستقطاع نسبة محددة منها كما هو عليه الحال الآن ، ورابعاً وكرد فعل طبيعي للجماهير المتضررة من الشعب انطلقت تظاهرات سلمية مليونية شعبية في بغداد العاصمة وكافة محافظات العراق الغير محتلة من قبل الأرهاب الداعشي تطالب الحكومة بالأصلاحات الجذرية وتغيير نظام المحاصصة الطائفية والأثنية بإقامة دولة مدنية ديمقراطية وتشكيل حكومة التكنوقراط من الكفاءات المتخصصة والمستقلة والنزيهة يكون ولائها للوطن وليس للأحزاب والكتل السياسية التي تنتمي إليها وزرائها لأنقاذ البلاد من السقوط في الهاوية السحيقة وإخراجه من أزماته المستفحلة والمستعصية الأمنية والمالية والسياسية .... في ضوء هذه المعطيات المستجدة والمتعاظمة مع الوقت واستمرارها تَرشَحَتْ الى الساحة السياسية والأعلامية العراقية مؤشرات وسيناريوهات عديدة جعلت السلطات في حيرة من امرها بين المضي قدماً في الأصلاحات الجذرية الحقيقية التي يفرضها واقع الحال تلبية لمطاليب الجماهير الشعبية المتظاهرة وبين اختيارها لأساليب المراوغة والتسويف والمماطلة لتضليل الشعب لكسب الوقت واستمرار الوضع على حاله لترضية حيتان الفساد وانتظارها لقدرها المحتوم !!! . ندرج أدناه تلك المؤشرات والسيناريوهات بحسب تعاقبها الزمني على المسرح السياسي العراقي :-
أولاً : انطلاق التظاهرات السلمية الشعبية المليونية بشكل مستمر في كل يوم الجمعة منذ ما يقارب الثمانية أشهر في كافة ساحات التحرير في بغداد العاصمة ومدن مراكز المحافظات الوسطى والفرات الأوسط والجنوبية وأقضيتها ونواحيها  وكلها تهتف وتطالب الدولة بإجراء الأصلاحات والتغييرات الجذرية ، ومكافحة الفساد والفاسدين وإحالتهم  وسراق المال العام الى القضاء لينالوا جزائهم الذي يستحقونه جراء ما أقترفوه من جرائم وفساد وبأثر رجعي وفقاً للقانون ، ودعوا المتظاهرين أيضاًَالى استقالة الحكومة بسبب فشلها في التصدي للفساد والفاسدين ومحاسبتهم وتقديم الخدمات المطلوبة للشعب بالمستوى المطلوب وتشكيل حكومة تكنوقراط من الأختصاصيين المستقلين العابرين للطائفية والأثنية والحزبية لأعادة بناء البلاد وإيصاله الى برَّ الأمان واستعادة الأموال المسروقة من قبل الفاسدين الى خزينة الدولة لأعادة أعمار العراق وتخليصه من أزمته المالية الخانقة .
ثانياً : تسربت في الآونة الآخيرة الى وسائل الأعلام من مصادر ذات صلة بدوائر صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية بأن أمريكا تمارس ضغطاً كبيراً على حكومة العبادي لأجراء اصلاحات جذرية في الطبيعة الديموغرافية لحكومته ومشاركة كافة المكونات بشكل أكثر توازناً وفعالية في صنع القرار العراقي والأبتعاد عن هيمنة إيران من خلال تقليم أظافر الميليشيات التابعة لها والمنخرطة في تنظيمات الحشد الشعبي ، واتخاذ الأجراءات الرادعة لمكافحة الفساد المالي ومحاسبة المتعاطين معه واستعادة الأموال المسروقة من قبل الفاسدين الى خزينة الدولة ، وفي حالة عدم الأستجابة ستضطر الولايات المتحدة الى فرض حكومة هي تختارها للعراق بطريقتها الخاصة لتقوم بما يعجز العبادي القيام به  ، إن كل ما ذكرناه كما قلنا هو مجرد تسريبات ليس إلا ولكن كما يقول المثل الشائع " ليس هناك دخان من غير نار " . تم تناول هذه التسريبات بالتحليل والنقد من قبل وسائل الأعلام كافة ووسائل التواصل الاجتماعي باسهاب وكثرت فيها الاجتهادات والتوقعات والاحتمالات ووسائل تحقيقها عملياً ، وفعلاً حصلت أموراً من جانب الولايات المتحدة عسكرياً وسياسياً من خلال اجتماعات وزيارات لكبار مسؤوليها في البينتاغون والخارجية الى بغداد بشكل مكثف تشير الى احتمالات متوقعة من هذا القبيل في ظل استمرار لامبالات الحكومة العراقية وسلوكها العشوائي في تعاطيها مع الأحداث الجارية ... هنا نقول أن كل شيء في العراق بات معقولاً ومقبولاً بغض النظر عن طبيعة الظروف المحيطة ، وإن استقرار الوضع في العراق  يهم المصالح الأمريكية الأستراتيجية حاضراً ومستقبلاً ، لذلك عليها أن تفعل شيءً لأنقاذ ما يمكن أنقاذه إذا تطلب الأمر ذلك في الوقت المناسب دفاعاً عن مصالحها وليس عن سواد عيون العابثين بمقدرات العراق من أبنائه وسوف لا تترك الحبل على الغارب كما تريده الحكومة العراقية وكما تخطط له أصحاب الأجندات الأقليمية من دول الجوار ... أمريكا حتماً سوف تتصرف في وقت ما بطريقتا الخاصة لحماية مصالحها الأستراتيجية في العراق والمنطقة ولا تنتظر من الآخرين ذلك .
ثالثاً
: دخول سماحة السيد مقتدى الصدر في الأسابيع الأخيرة من عمر التظاهرات الشعبية السلمية على الخط الحار للتظاهرات الشعبية بتظاهرات جماهيره المليونية واعلانه على الملأ بعظمة لسانه شخصياً في خطابه الآخير من ساحة التحرير في بغداد بوقوفه الى جانب مطاليب الشعب التي طالبت بها قوى الحراك المدني ومطالبته الصريحة والواضحة للحكومة القائمة بعد أن فشلت في أداء مهامها الوطنية لحماية العراق ومصالح شعبه الى تقديم الأستقالة والتنحي عن الحكم وفسح المجال لتشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين المختصين المخلصين النزيهين من الذين ولائهم الأول والآخير للعراق وشعبه ومحاسبة الفاسدين بما فيهم المقربين منه والمحسوبين على تياره .... هذا طرح سياسي وطني في غاية النضح لأخراج العراق من تحت هيمنة وسيطرة طغمة من الفاسدين والفاشلين من الحزبيين العابثين بمقدراته ، وإن كل ما يحتاجه الأمر لوضع ما ورد في هذا الخطاب التاريخي لسماحة السيد مقتدى الصدر موضع التطبيق على أرض الواقع هو أن يبقى الألتزام به قائماً والعمل الجدي من أجل تطبيقه ليرى النور في القريب العاجل ... أما لماذا تبنى سماحة السيد مقتدى الصدر هذه الأستراتيجية ( استراتيجية مواجهة شركائه في التحالف الوطني الحاكم ) المثيرة للتساؤل بالتصدي للوضع العراقي المزري الآن وليس قبله ؟؟ نقول كل الأحتمالات بشأنه قائمة وكل الاجتهادات بخصوصه ممكنة ، منها لربما قائل يقول كان السبب هو لقطع الطريق أمام التدخل الأمريكي وفرض حلوله وإعادة احتلاله للعراق بطريقة جديدة كما توحي بذلك التسريبات التي أشرنا إليها في ثانياً أعلاه هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ربما قائل آخر  أن احتمال إدراك السيد مقتدى العميق وقناعته الراسخة بأن الحكومة بطواقمها الحالية للتحالف الوطني الشيعي عاجزة وغير قادرة من أن تقوم بأية اصلاحات جذرية لتقويم مسار مسيرة العملية السياسية المتعثرة ، وذلك بسبب كثرة الخلافات وعمق التناقضات وحدة الصراعات على المناصب ومغانمها بين فصائل التحالف الوطني الشيعي والتي تركت إرثاً مسيءً على طائفته الشيعية وما ينعكس من كل ذلك كتحصيل حاصل على سمعة عائلته ( عائلة الصدر ) لكونه شريكاً فاعلاً في التحالف الوطني وحكومته الفاشلة . كل هذه الأمور دفعت بسماحته لأن يعيد النظر بدور تياره في التحالف الوطني والحكومة وتقييمه ومن ثم تقويمه لهذا الدور وجد نفسه أنه من الواجب الوطني عليه أن يفعل شيءً قبل فوات الآوان لأنقاذ ما يمكن إنقاذه لصالح العراق وشعبه بأسم سماحته وبأسم عائلة الصدر معتمداً في ذلك على تأييد الملايين القوي من مؤيديه الشيعة أولاً ، ومن الوطنيين الأحرار من باقي المكونات العراقية الأخرى التي سئمت الوضع ثانياً ، وأخيراً اعتماده على إرث وتراث عائلة الصدر في خدمة العراق والعراقيين ثالثاً ، فوجد في كل هذه الأسباب  مجتمعة الفرصة الذهبية لفرض إرادته السياسية على بقية شركائه في التحالف الوطني الشيعي الهش وتمرير مشروعه السياسي للأصلاح الوطني الذي ينتظره العراقيين كافة بفارغ الصبر ، وربما هناك احتمال آخر كما تدعي بعض الأطراف السياسية بأن مشروع السيد مقتدى الصدر يراد من خلاله الألتفاف على الحراك الشعبي المدعوم أقليمياً وأوروبياً وأمريكياً لسحب البساط من تحت أقدامهم للمحافظة على استمرار السلطة بيد قوى التحالف الوطني الشيعي .... لكن ما نتمناه هو أن يكون موقف سماحة السيد مقتدى الصدر من بين ما ذكر هو الوقوف الراسخ مع الحراك المدني الشعبي لأنقاذ العراق من الدمار الشامل والخراب ، ونحن على يقين من أن مثل هذا الموقف من رجل بحجم وتأثير سماحة السيد مقتدى الصدر سوف ياتي بافله لصالح العراق وشعبه .
على أية حال أن كل ما ذكرناه في مقالنا هذا كما قلنا هو مجرد تسريبات من مصادر سياسية واعلامية أجنبية وأقليمية وعراقية وتصريحات لأشخاص لهم دورهم وشأنهم المؤثر في الأحداث الجارية في العراق ، وهو أيضاً استنتاجات وتوقعات وتحليلات لخبراء ومحللين سياسيين على ضوء ما ترشح من المعطيات والمعلومات ، فربما تخطئ وربما تصيب !!! ، ولكن كل ما نتمناه من أعماق قلبنا هو أن يتحقق ما هو خيراً وبركة في صالح العراق وشعبه بكل مكوناته الطائفية والقومية والدينية وأن يجعل العراق وشعبه في أمنٍ وأمان وسلام دائم بجهود الخيّرين من أبنائه الوطنيين الأحرار ... وأخيراً نقول لا نستبق الأحداث ونطلق أحكامنا جزافاً ، لننتظر لنرى ما تحمله لنا الأيام المقبلات من نتائج فيما منها سوف يَصدقوا المنجمون هذه المرة ؟؟؟ .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 5 / آذار / 2016     

94
تعقيب على مقال الأخ الأستاذ أبرم شبيرا المحترم ....صرخة غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو ... سمعتُ فأستجبتُ  "
[
أدناه رابط مقال الأستاذ أبرم شبيرا
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,804268.0.html
خوشابا سولاقا
تقبلوا محبتنا الأخوية مع أطيب تحياتنا المعطرة
في البدء نرجوا أن تكونوا والعائلة الكريمة بصحة جيدة
كما نعرفكم عن قرب وتجربة معايشة منذ سبعينيات القرن الماضي لا نشك قيد أنملة بصدق نواياكم الطيبة تجاه خدمة القضايا القومية وحتى الكنسية لأمتنا بكل مكوناتها بغياب تسميتها الموحدة التي هي اليوم موضع الأخذ الرد من دون نتيجة مثمرة بسبب تزمت وتطرف المتطرفين ، ولقد عملنا سوية من أجل ذلك منذ ذلك الوقت الجميل في الجامعة والنادي الثقافي الآثوري وكان حصادنا الشوك اللاسع لأنه كنا ننخدع بشعارات ودعوات الذين كان يعلو صراخهم الى عنان السماء وأنين بُكائهم على مصير ومستقبل الأمة وكنيستها تحبس الأنفاس في صدورنا وتصم أذاننا وتعتم على عيوننا من رؤية حقيقتهم ، وهذه الصورة لم تفارقنا ولم تتغير لغاية اليوم إلا في شكل أشخاصها ، وقد لا تتغير في المستقبل القريب في ظل هذا التشتت والضياع في ظروف هذه الهجرة العشوائية اللعينة ... يا صديقنا العزيز لا أريد هنا الأفاضة في سرد وقائع الماضي والتاريخ القريب بغرض تحديد أدوار اللاعبين الجدد في ملعب أمتنا لأن أهداف اللاعبين الجدد لا تختلف عن أهداف الذين سبقوهم بالأمس القريب ، وهي المصالح الشخصية لهم التي لا تفصح عنها في العلن لأبناء الأمة وما يعلن عنه منها تحت يافطات تحقيق الوحدة القومية والكنسية للأمة هنا وهناك في هذه المناسبة أو تلك ليس إلا خداع وتضليل للبؤساء من أبناء أمتنا .
صديقنا العزيز الأستاذ أبرم شبيرا ... مقالكم رائع طرحاً وفكراً وتحليلاً سياسياً وصدقاً وفصاحة الكلام في النوايا لأنه يعبر عن وجهة نظركم ورؤآكم ونواياكم الشخصية بشأن الموضوع والذي هو هدف كل الخيرين والمخلصين من أبناء الأمة ولا يختلف عليه إثنان منهم أو ما تمنيتموه من خير لأمتنا قومياً وكنسياً ، ولكنه مع الأسف الشديد نقول أن هذه التصورات لا تقترب في حقيقة الأمر من النوايا الشخصية الحقيقية للأطراف التي ذكرتموها في معرض مقالكم مع تمنياتنا لتلك الأطراف  المعنية أن يتبنوا وجهة نظركم وما طرحتموه في مقالكم هذا .
صديقنا العزيز .... أن قداسة البطريرك مار لويس ساكو الأول مع جُلَ احترامنا لقداسته أثبت عملياً للجميع في كل المناسبات أنه يميل دائماً الى العمل منفرداً من دون مشاركة أو حتى استشارة بقية رؤساء الكنائس المسيحية الأخرى وكانه يسعى الى إقصائهم وتهميشهم وإلغاء دورهم بقصد أو من دون قصد لغايةً في نفسه ، وهذا ما كان واضحاً وجلياً للعيان في كل نشاطاته ولقاءاته السياسية والدينية والكنسية منذ توليه السُدة البطريركية للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ، وعندما دعى الى وحدة الكنائس المشرقية المشروطة بالتبعية لروما كانت بمثابة قفزة الى الخلف وتدميراً لأي آمالٍ بالوحدة الكنسية لكنائسنا المشرقية . أما دعوته لتأسيس مرجعية مسيحية لأمتنا بعد أن فشلت الأحزاب السياسية في أداء مهامها القومية من دون توضيح الألية المطلوبة لتشكيل هكذا مرجعية فالهدف منها كان واضحاً وضوح الشمس في النهار  ، والذي هو طموحه الشخصي لأن يكون هو المرجع الأعلى للمسيحيين على غرار مرجعية السيد السيستاني في النجف الأشرف !!! ، لذلك سعى ويسعى الى الأنفراد بكل نشاطاته واتصالاته مع الأطراف الرسمية الدينية والسياسية في العراق والعالم بينما من المفروض أن يتم ذلك من خلال وفد مشترك من كافة الكنائس إلا أن ذلك لم يحصل أبداً ، وهذا الطموح من المؤكد سوف يصطدم حتماً برفض رؤساء الكنائس الأخرى في العراق ... أما تأييد ودعم الحركة الديمقراطية الآشورية لدعوة قداسة البطريرك لايجاد مرجعية مسيحية كما صرح بذلك النائب عماد يوخنا الغاية من ذلك واضحة لكون مثل هذا  التأييد والدعم انفرادي من قبل " زوعا " دون موافقة واستشارة بقية الأحزاب المنضوية فيما يسمى بتجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية  الذي انسحب منه قبل أيام معدودة كل من حزبي بيث نهرين الديمقراطي واتحاد بيث نهرين الوطني لربما كان ذلك أحد الأسباب لهذا الأنسحاب أي انفراد زوعا بتأييد هذا المشروع ، وأما عن دوافع زوعا لمساندة ودعم هذا المشروع هي دوافع سياسية فردية ليتعكز بذلك على نفوذ قداسة البطريرك مار لويس ساكو لكسب الأصوات في الانتخابات المقبلة لأن هذه المراوغات كانت وستبقى نهج قيادة زوعا في لُعَبهِ ومناوراته السياسية مع حلفائه .
صديقنا العزيز .... خلال الأيام الماضية طُرحتْ مبادرة من قبل مجموعة من الشخصيات الخيرة المنضوية في بعض الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لأمتنا وشخصيات ثقافية معتبرة من كل مكونات أمتنا بغرض تشكيل فريق عمل من رؤساء الكنائس والأحزاب وأعضاء البرلمان وممثلي الأقليات الدينية غير المسلمة لعقد اجتماع مشترك وموسع لغرض توحيد القرار بشأن التصدي لتعديل المادة 26 / ثانياً من قانون البطاقة الوطنية وتحركوا الى عقد لقاءات مع رؤساء الكنائس كافة وتباحثوا معهم بشأن الموضوع وجميعهم رحبوا بالفكرة ووافقوهم الرأي ، إلا أن قداسة البطريرك مار لويس ساكو رفض استقبالهم والنقاش معهم بشأن الموضوع ، أي بمعنى أنه رفض المبادرة من أساسها وأطلق على أثر ذلك مبادرته موضوع البحث أي صرخته منفرداً !!! . كانت في الحقيقة استجابة رؤساء الكنائس الأخرى ايجابية للغاية ولكن عندما علموا بموقف قداسة البطريرك مار لويس ساكو الجزيل الأحترام السلبي حيال المبادرة المطروحة تراجعوا عن موافقاتهم ووعودهم بالحضور والمشاركة في الاجتماع الموسع المقترح لهذا الغرض الذي من المفروض أن يحضره رؤساء الكنائس كافة وقادة الأحزاب السياسية وممثلي أمتنا من أعضاء البرلمان وممثلي  المكونات غير المسلمة ووجوه وشخصيات اجتماعية من مثقفي أمتنا ومن مثقفي العراق من كافة المكونات ، كنا شخصياً من بين من دعوا الى هذه المبادرة مع نخبة من خيرة مثقفينا وبمشاركة النائب جوزيف صليوا من قائمة الوركاء الديمقراطية ، حيث كانت مبادرتنا بمجملها تدعو الى توحيد الرأي بشأن صيغة تعديل الفقرة ثانياً من المادة 26 من قانون البطاقة الوطنية للذهاب برأي موحد ناضج قانونياً الى مناقشة البرلمان بشأنه ، وليس من ورائها أي غرض أو غاية أخرى لا سياسية ولا انتخابية كما ادعوا البعض بغرض إفشال المبادرة لغاية في نفوسهم المريضة !!! . إلا أنه مع الأسف الشديد يا صديقنا العزيز أن أبينا قداسة البطريرك ساكو والداعمين له من السياسيين سعوا الى إجحاض هذه المبادرة ووأدها قبل ولادتها !!! . عليه فعن أية صرخة تتحدث يا صديق العمر ؟؟ ، إنها صرخة من فريسة ضعيفة في غابة موحشة مليئة بالكواسر المفترسة لا يسمعها أحداً ما لم تتوحد الجهود الصادقة غير المؤدلجة سياسياً ومذهبياً لغرض تحقيق أمجاد شخصية على حساب المصالح القومية والكنسية لأمتنا .... إلا أنه نحن أهل تلك المبادرة استمرت جهودنا وعقدنا اجتماع موسع وشامل  في المركز الثقافي النفطي يوم السبت المصادف 13 / شباط / 2016 بحضور عدد كبير من شخصيات عراقية قانونية مرموقة ومعتبرة والتي لها حضور قوي ومؤثر في سلك القضاء العراقي الرسمي ، وبحضور ممثلي المكونات الدينية غير المسلمة من المثقفين العِلمانيين حصراً من " المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين " وبغياب من رفضوا الحضور والمشاركة من المرجعيات الكنسية والسياسية ، وتمخض الأجتماع  باصدار مذكرة موجهة الى رئاسات البرلمان والجمهورية والوزراء في العراق وصورة منها الى مكتب الأمم المتحدة وسفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والفاتيكان والأتحاد الأوربي لتوضيح النتائج السلبية وتداعياتها التي سوف تترتب على مستقبل وجود المكونات الدينية الأصيلة في العراق في حالة عدم تعديل هذه المادة التي تنم عن انتهاج سياسة التطهير العرقي والديني ، وتتنافي في ذات الوقت مع العهد الدولي لحماية المكونات الأصيلة والصغيرة القومية والدينية وحقوق الانسان ، وسوف يتم نشر هذه المذكرة في وسائل الأعلام لاحقاً ،  وتم تشكيل لجنة للمتابعة لجمع التواقيع النوعية لمثقفي العراق من كل القوميات والأديان لدعم مشروع تعديل هذه المادة المجحفة بحق المكونات الدينية غير المسلمة .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 22 / شباط / 2016     

95
هل أن المخاض الذي يمر به العراق سيفضي الى ولادة جيل جديد من السياسيين الشباب .. ؟؟
خوشابا سولاقا
إن الوضع المزري والمعقد للغاية الذي يعيشه الشعب العراقي بكل طبقاته وشرائحه الاجتماعية في كافة مجالات الحياة اليومية يؤشر بشكل جلي الى تفاقم أزماته الأقتصادية والمالية والأمنية والاجتماعية التي تخص تركيبته القومية والدينية والمذهبية ، هذا الوضع يزيد من الخناق على رقاب أبناء الشعب بكل شرائحه باستثناء الفاسدين وسراق المال العام من كبار المسؤولين في مؤسسات الدولة من الذين أثروا على حساب بؤس وفقر الشعب من خلال تعاطيهم للفساد والسحت الحرام الى درجة بات فيه الوضع يهدد موظفي الدولة والمتقاعدين بلقمة عيشهم من خلال عجز الدولة عن دفع مستحقاتهم من الرواتب . إن وصول الوضع الى هذا الحد من التداعي والتردي يشكل كارثة اجتماعية ووطنية يهدد العراق بالأفلاس المالي خلال أشهر قليلة إذا ما استمرت أسعار النفط بالأنخفاض في الأسواق العالمية على هذا المنوال وعجز الدولة عن تأمين الموارد المالية البديلة لمواجهة التحديات القائمة على الأرض من خلال سعها الى استعادة أموال العراق المسروقة خلال السنوات الماضية من خزائن الفاسدين من الحيتان الكبيرة الذين يصولون ويجولون أحراراً في طول وعرض العراق ويتحكمون بقراره عن قرب أحياناً وعن بعد أحياناً أخرى وفق متطلبات وإملاءات أجندات الآخرين من دول الجوار والقوى العالمية المتنفذة .
إن هذا الوضع يؤشر وبشكل واضح كما ذكرنا على فشل وتخلف النخب السياسية المتنفذة والحاكمة في بغداد وأربيل معاً في إدارة شؤون الحكم بشكل كفوء ونزيه وأنها قد خانت الأمانة في حماية أموال الشعب من النهب والسرقة من قبل من مثلها في إدارة الدولة بكل مؤسساتها  وأوصلوا البلاد الى ما هو عليه اليوم من وضع مزري ومريض يعاني من مشاكل مستعصية وأزمات عميقة تعصف بكيانه البنيوي وتهدده بالأنهيار والتفكك والسقوط في هاوية العجز المالي السحيقة . من خلال النظر الى هذه الصورة القاتمة والمبكية المضحكة !!! نستطيع القول إن هذه النخب السياسية قد نَفَذَتْ صلاحيتها وأصبحت عاجزة وغير قادرة على استيعاب المستجدات والتطورات الحاصلة على الأرض والأستجابة لها بالكفاءة المطلوبة بما تستحقه من المتطلبات المتجددة ، وعليه قد حان لها الوقت لأن تغادر الساحة السياسية طواعية بعد أن تدفع فواتير ما بذمتها لقاء ما ارتكبته من حماقات وسرقات لأموال الشعب أمام القضاء من دون رجعة ليحل محلها جيل جديد من السياسيين الشباب ( لا نقصد هنا بالشباب من حيث العمر فقط بل نقصد من حيث الأفكار النيّرة والمتفتحة أيضاً ) ليتولوا إدارة شؤون الدولة بكفاءة ونزاهة وأمانة واخلاص وبأخلاق وطنية وانسانية ليتمكنوا من انهاض العراق من كبوته واستعادة هويته الوطنية المفقودة واستقلالية إرادته الحرة المسلوبة والمرهونه من قبل الآخرين ووضعه على مساره الصحيح لأستغلال موارده بشكل علمي مخطط لخدمة مصالح شعبه .
إن القانون الطبيعي للتغيير الأجتماعي لغرض الأنتقال من حالة نظام سياسي بالي معين الى حالة نظام سياسي أكثر تطوراً ورقياً واستجابةً لمستجدات الحياة الاجتماعية  ، قائم أساساً على صراع التناقضات الاجتماعية داخل المجتمع ، أي بمعنى " صراع الأضداد " بين القديم البالي العاجز عن مواكبة متطلبات المستجدات في الحياة الاجتماعية السائر الى الزوال المحتوم وبين الجديد الواعد القادر على الأستجابة على متطلبات المستجدات في الحياة الاجتماعية بشكل أفضل وأكفأ ، وهذا الصراع حتماً سوف ينتهي لصالح فرض وسيادة الجديد الواعد وازاحة القديم البالي من الحياة الاجتماعية .
بالتأكيد أن هذا التغيير ياتي من خلال عملية تواصلية تراكمية تمتد بين الماضي والحاضر امتداداً للمستقبل المنشود ، أي بمعنى أن الجيل الجديد من السياسيين الشباب الذي سوف يقود التغيير للأنتقال من الوضع القائم الى الوضع الجديد حتماً سوف يولد من رحم تنظيمات النخب السياسية السائدة ( نقصد هنا  الأحزاب والتنظيمات السياسية العاملة  في الساحة السياسية ) تحديداً من العناصر الثورية الرافضة والناقمة على خيانات قادتها الحاكمة المتنفذة لأمانة خدمة الوطن والشعب والولاء لهما وتجاوزاتها على المال العام واستغلالها لممتلكات الدولة لصالحها الشخصي على حساب المصالح القومية والوطنية العليا .
إن الهيجان والغليان والحراك السياسي الشعبي المتصاعد مع تصاعد الأزمات التي تشهدها الساحة السياسية العراقية والتي تحركها النخب من فئة الشباب اليوم باعتبارها  الفئة المهمة من الشعب والتي بيدها سوف يتم قيادة البلد مستقبلاً هي الشريحة المهددة بمستقبلها أكثر من غيرها من الشرائح الاجتماعية ، عليه تكون هي الفئة المعنية الأولى وصاحبة المصلحة الكبرى في قيادة التغيير المنشود في شكل النظام السياسي القائم في البلاد دفاعاً عن مصالحها ومستقبلها أكثر من غيرها أيضاً .
هناك من قد يتصور بأن الجيل الجديد من السياسيين الشباب يجب أن يولد من خارج رحم تنظيمات النخب السياسية العاملة في الساحة السياسية حالياً وذلك باعتبارها تنظيمات نخب فاسدة وخانت الأمانة الوطنية وبالتالي لا تولد إلا فاسدين محسنين فهو مخطئ الى حد كبير لأنه لا يجوز التعميم المطلق لأن ذلك يخالف قوانين التطور الاجتماعي ، ولكن ليس ذلك مستحيلاً من الناحية النظرية البحتة ، أي بمعنى ليس مستحيلاً ولادة الجيل الجديد من خارج رحم تنظيمات النخب السياسية العاملة الملطخة بالفساد المالي والفشل الأداري . إلا أن عملية تأسيس وبناء هياكل تنظيمية سياسية شبابية عمراً وفكراً ونهجاً تحتاج الى خبرة عملية ميدانية كما هي بحاجة الى أفكار ورغبة وإرادة سياسية حرة مستقلة للعمل وهذه المتطلبات لا يمكن توفيرها وتأمينها من خارج التنظيمات السياسية بيُسر وسهولة ووقت قياسي .
إن تصادم العناصر الشبابية الواعية سياسياً والمنخرطة في التنظيمات السائدة بتجاوزات وخيانات قياداتها للمصالح القومية والوطنية العليا هي من تفرز القيادات السياسية الشبابية الجديدة الواعدة والمؤمنة بضرورة إجراء التغيير السياسي المنشود في بنية النظام السياسي لانتشال الوطن من هذا الحضيض وتصبح رأس الرمح النافذ الى صدور الخونة الفاسدين وسراق أموال الشعب .
في ضوء ما تقدم من المعطيات تؤشر أن وضع النظام السياسي العراقي حالياً حُبلىً  بكل عناصر التغيير وولادة وظهور جيل جديد من السياسيين الشباب من رحم هذا الواقع لقيادة المرحلة القادمة من حياة العراق الجديد ، وبوادر ولادة هذا الجيل بدأت تلوح في الأفق بقوة ، وبالمقابل فإن تراجع قوة ونفوذ وتأثير الجيل القديم من السياسيين الفاشلين الفاسدين من القوميين بكل تنوعاتهم من كافة مكونات العراق القومية ومن تيارات الأسلام السياسي بكلا مذهبيه المبتلين والمشبعين  بالخيانات القومية والوطنية والفساد والسرقات المالية واستغلال ممتلكات الدولة لحد النخاع ، ورفض جماهير الشعب لها في بغداد وأربيل بعد أن يئست منها بات واقعاً ملموساً ومعاشاً لا يطاق ولا يُحتمل . إن  كل هذه المعطيات والمؤشرات تعزز بقوة وتبشر بولادة الجيل الجديد المنتظر من السياسيين الشباب المنقذ للعراق من السقوط في براثن التخلف والجريمة ... نقول ارحلوا عن العراق أيها الفاسدين الفاسقين الفاجرين بعد أن أثخنتم جراحه قبل أن تُرحلوا عنه بطريقة لا تُسرُ حتى أبغض أعدائكم وإن زمن العهر والفسق والفجور قد ولى وينتهي برحيلكم غير المأسوف عليه عن العراق الشهيد ، وأخيراً ليس بوسعنا إلا أن نقول انتظروا ... إن غداً لناظره قريبُ . 

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 2 / شباط / 2016 م


96
هل حَلَّ زمن العَهَـرْ والفُسـق والفُجــور في العمل الســـياسي ... ؟؟
خوشــابا ســولاقا
تاريخياً أطلقت تسميات " العهر والفسق والفجور " ظلماً وعدواناً ومن دون إنصاف إنساني وأخلاقي بحق بائعات الهوى من من النساء مع جُل احترامي وتقديسي للمرأة أينما تكون ، وبالرغم من أن مَنْ تُمارس هذه المهنة وتسلُك هذا السبيل لتوفير لقمة العيش لنفسها وربما لأطفالها القُصر اليتامى لا تضر بالآخرين بشيء ولا تسيء عليهم قيد أنملة وكذلك لا تضر بمصالح المجتمع والوطن ، إلا أن المجتمع بنظمه الأخلاقية الذكورية المنشأ كان ظالماً وقاسياً ومجحفاً بحقهُنَ للغاية . مهنة بائعات الهوى هي مهنة تمارسها من تمارسها من خلال بيع ما هو ملك لها وحلالها وهو جسدها ، ربما اختارت هذا السبيل للأرتزاق من خلاله بقناعتها وارادتها الحرة لكون ذلك الخيار الوحيد أمامها للعيش ليس إلا ، وربما وهذا هو المرجح ظروف حياتية قاهرة تحت ضغط الحاجة الى لقمة العيش دفعتها  مرغمة وأجبرتها قسراً على اختيار وسلوك هذا السبيل المهين لكرامتها وانسانيتها اجتماعياً ، وهذه الظاهرة عادة تظهر وتنتشر على نطاق واسع بعد الحروب التي تشعل نيرانها القادة المجانين من الرجال وتبتلي بنتائجها النساء المساكين ، ولكن في كلا الحالتين لا تشكل مهنة بائعات الهوى بأي شكل من الأشكال ضرراً للآخرين ولا تلحق بهم أيُ أَذىً يستحق الذكر ، فبائعة الهوى تمارس هذه المهنة وتتحمل نتائجها وما يلصق بها من تشنيع وتحقير وإذلال وإهانة وانتقاص مشين من شخصيتها ووجودها وإنسانيتها ورفضها اجتماعياً  . على أية حال نحن هنا لسنا بصدد الأستفاضة والأسهاب في شرح تبعات مهنة " العهر والفسق والفجور " بالنسبة لبائعات الهوى ودوافعهُنَّ ، ولا حتى بصدد التبرير والدفاع عن هذه الظاهرة الأجتماعية الكريهة التي لها أسبابها الموضوعية والاجتماعية ، ومن تمارسُنها لأي سبب من الأسباب قد تجاوزن كل الخطوط الحمراء المقررة اجتماعياً لذلك لسنَّ بحاجة الى من يدافع عنهُنَّ إطلاقاً ، بل نحن هنا في مقالنا هذا بصدد الوقوف على موقف المجتمع المزدوج والمتناقض واللاأخلاقي واللاإنساني من تقييم الأفعال والممارسات والسلوكيات المنحرفة بكل أشكالها لأفراده ، ولماذا يكيل بمكيالين في تقييم ممارسات الناس اجتماعياً وأخلاقياً ؟؟؟ يظلم هذا ويقتص منه بأشد القصاص قسوة وتحقيراً ويبرئ ذاك ويكافئه على سيئاته وشنائعه وعهره وفسقه وفجوره الأكثر ضرراً وإساءةً بالمجتمع وقيمه الأخلاقية والانسانية من عهر وفسق وفجور بائعات الهوى ، هنا هي المفارقة الغريبة التي تثير التساءل الكبير أمام المجتمع .
لنأخذ ما يقوم به بعض السياسيين من المسؤولين الكبار رجالاً ونساءً عن إدارة شؤون مؤسسات الدولة الفاسدة من أفعال شنيعة وقذرة وقبيحة مثالاً للمقارنة من حيث الفعل والنتائج المترتبة عليه على مصالح الوطن والمجتمع مع أفعال " بائعات الهوى " لنرى كم هو عَهرِهم وفُسقهم وفُجورهم شنيعاً ومضراً بمصالح شعوبهم وأوطانهم !! ، ولكن نرى أن القوانين الوضعية الأخلاقية والاجتماعية والسماوية لا تلاحقهم ولا تحاسبهم ولا توصمهم بالخزي والعار والشنار على أفعالهم وممارساتهم ، بينما تلاحق بائعات الهوى بشتى الوسائل القبيحة وتنزل بهُن أشد القصاص قسوةً قتلاً وقطع رؤوسهن ورجمهن بالحجارة امام الملأ من دون رحمة وتوصمُهُنَّ بالعهر والفسق والفجور ، وكأن معيار تقييم أخلاق المجتمع مرتبط فقط بما تفعله المرأة وتقوم به من استغلال مفاتن جسدها ، وأن منظومة الأخلاق سوف تنهار من وراء ما تمارسه بائعات الهوى ، ولا علاقة له بذلك ما تقترفه الأيادي الآثمة والقذرة للسياسيين من رجالات الدولة الكبار من سرقة المال العام والأنتفاع الشخصي من خلال استغلال موقع المسؤولية وممتلكات الدولة وخيانته للأمانة الوظيفية التي منحتها له أصوات الناخبين ، واعتمادهم اسلوب الكذب والخداع والتضليل والضحك على الذقون في إدارة شؤون الحكم لتمرير مشاريعهم الوهمية لسرقة أموال الدولة وتهريبها الى خارج بلدانهم وما يترتب على ذلك من تداعيات وانهيارات لمؤسسات الدولة في كافة المجالات كما تشهد بعض البلدان في المنطقة اليوم ، واعتمادهم سياسة القتل وتصفية الخصوم والمعارضين جسدياً باستعمال أدوات الدولة تحت ستار الشرعية الرسمية لها ، وغيرها الكثير من الممارسات الشنيعة والوقحة التي لا تُحصى ولا تُعد وتتحدث عنها وسائل الأعلام علانية وباتت تزكم الأنوف ، بما في ذلك ممارسة هؤلاء المسؤولين الوقحين ذاتهم للبغاء في حفلات السمر والليالي الحمراء في ملاهي وفنادق وحانات القمار والعربدة في الدول الأخرى بأموال الدولة التي سرقوها من دون خجل والتي تنشر صورها الفاضحة الكثير من وسائل الأعلام ، وبالمقابل تلزم السلطات المسؤولة عن مراقبة هذه النشاطات الوقحة والقذرة والمنافية لقيم الأخلاق الحميدة الصمت المطبق أزائها وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد !!! ... ألا تمثل الأفعال الشنيعة هذه لهؤلاء السياسيين الطفيليين الذين يمتصون دماء وأموال فقراء الشعب في وضح النهار رذيلة اجتماعية وأخلاقية بأبشع صورها وتضر المجتمع بأكبر قدر من الأضرار ليستحق فاعليها من " شُراء الهوى الرخيص " أن ينالوا اللقب الرفيع " عاهر وفاسق وفاجر " كما استحقته بائعات الهوى المظلومات ربما ؟؟ !!! ... يا أيها المدعين بقيم الأخلاق الاجتماعية والسماوية نفاقاً ورياءاَ على المنابر السياسية نقول لكم بالفم المليان لكي تتحقق المساواة والعدالة الاجتماعية المنشودة بين مكونات وطبقات وشرائح المجتمع ؟؟!!! علينا أن نسمي الأفعال بمسمياتها من دون تمييز ومجاملة لفاعليها !!! . إن هذه الصورة القبيحة التي طبعت واقعنا اليوم يُستدل منها بأن زمن العهر والفسق والفجور قد حل فعلاً في العمل السياسي في البلدان التي تشهد شيوع هذه الظاهرة في هذه الأيام ، وصار العمل السياسي ومهنة السياسة عملياً " عهراً وفسقاً وفجوراً " بامتياز لا غباراً عليه  . بينما من المفروض أن تكون مهنة السياسة وسيلة نظيفة وشريفة وعادلة لتحقيق وحماية مصالح الشعب والوطن من عبث العابثين وليس وسيلة للانتفاع الشخصي للسياسي المسؤول ، ولكن عندما تكون السياسة على غير هذه الصورة أو على العكس مما ينبغي أن تكون ، عندها تكون السياسة قد تحولت من فعل " الفضيلة " الى فعل " الرذيلة " فعندها يكون من حقنا أن نوصمها بوصمة " العهر والفسق والفجور " ، ومساواة مهنة " بائعات الهوى " في الملاهي والحانات وبيوت الدعارة من حيث فعل الرذيلة بفعل السارق والقاتل والارهابي وخائن الأمانة الوظيفية ومن يمارس الفساد بكل أشكاله في مواقع المسؤولية في مؤسسات وأجهزة الدولة ولا يحترم القانون والنظام العام ، وبذلك ينطبق عليهم وعلى بائعات الهوى القول التالي " كلهم في الهوى سوى " ...
نحن هنا نرى من الضروري جداً إلصاق وصمة " العاهر والفاسق والفاجر " بكل سارق للمال العام ومن يتعاطى الفساد بكل أشكاله في مؤسسات الدولة خلافاً للقانون الوظيفي وعلى المطبلين والمزمرين لهم لتبرير سرقاتهم من وعاظ السلاطين من الأعلاميين والكتاب المأجورين والمرتزقين على فتات موائدهم القذرة ، في العشيرة والقبيلة والمجتمع كما ألصقت هذه الوصمة المخزية بمن يتعاطينَ البغاء من بائعات الهوى خلافاً للقانون الأجتماعي المتعارف عليه في المجتمع لكي يكون ذلك خير وسيلة فعالة لقطع دابر الفساد وسرقة المال العام ووضع حداً له أي بمعني " سارق المال العام والفاسد وملحقاتهم من وعاظ السلاطين = بائعات الهوى وملجقاتهنَّ من السماسرة اجتماعياً " .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 11 / ك2 / 2016

97
السياسة بين مفهوم الفضيلة والرذيلة ... العراق انموذجاً
خوشابا سولاقا
كما هو معروفاً أن السياسة كمهنة رافقت حياة الانسان منذ الأزل ، وكانت دائماً وسيلة للبحث عن المصالح المختلفة التي تعني متطلبات حياته وكيفية حمايتها والدفاع عنها بشتى الوسائل المتيسرة في نضاله مع الآخرين أو مع عوامل الطبيعة من أجل تسخيرها لصالحه لتطوير حياته ، لذلك تنوعت طبيعة السياسة ووسائل تحقيقها بتنوع طبيعة المصالح بين أن تكون السياسة بنتائجها فضيلة وبين أن تكون رذيلة ، علية ظهرت أجتهادات وتفسيرات كثيرة لتبرير نتائجها وانعكاساتها على الحياة ، فهناك من برر طبيعة الوسيلة المعتمدة مهما تكون طبيعة تلك الوسيلة قذرة وغير نبيلة وأخلاقية لتحقيق غاية نبيلة بأنها وسيلة شريفة وأخلاقية مثل مبدأ الميكيافيللي " الغاية تبرر الوسيلة " ، وهناك من وقف بالضد من هذا المبدأ ، حيث أعتبروا أن الغاية النبيلة بالضرورة يجب أن يتم تحقيقها بأعتماد وسيلة شريفة نبيلة وأخلاقية كما تدعي تيارات الأفكار اليسارية الديمقراطية واللبيرالية الحديثة  . نحن شخصياً نتفق مع الأفكار التي تدعي بأن الغاية النبيلة يجب أن تتحقق بأستعمال وسيلة نبيلة وأخلاقية في ممارسة السياسة لكي تكون معطياتها وانعكاساتها بنتائجها النهائية على المجتمع تحمل له الخير والأمن والأمان والأطمئنان والتعايش السلمي وترسخ تربية وثقافة الفضيلة بين أجياله الناشئة ، وبالتالي تكون خير وسيلة للقضاء على كل أشكال الجريمة والفساد والتجاوز على المال العام والممتلكات العامة للمجتمع ووضع حد لاستغلال الموقع الوظيفي للانتفاع الشخصي للمسؤول السياسي في مؤسسات الدولة . أما باستعمال كل الوسائل الممكنة لتحقيق الغاية المرجوة حتى وإن كانت تلك الغاية نبيلة فإن ذلك يؤدي حتماً الى تكريس تربية وثقافة الرذيلة بكل أشكالها ومن ثم تصبح سياقاً لتبرير الجريمة بكل أنماطها وشيوع الفساد المالي والأداري والاجتماعي في مؤسسات الدولة والمجتمع ، وهذا يؤدي بالنتيجة الى انهيار القيّم والمبادئ السامية والنبيلة والمنظومة الأخلاقية للمجتمع ... إن مهنة السياسة بحد ذاتها كمفهوم وآلية هي مهنة سامية ونبيلة وأخلاقية ولكن ما يجعلها غير ذلك هم السياسيون عندما يجردونها من المبادئ السامية والأخلاق ، فعندها تكون السياسة وسيلة قذرة لا اخلاقية ، أي بمعنى أن مَن يصنع السياسة القذرة هم السياسيون الأنتهازيون المارقون من الذين يخونون الأمانة المبدئية في العمل السياسي من اجل المصالح والمنافع الشخصية الأنانية على حساب المصالح الوطنية والقومية .
السياسيون المارقون هم من يَضّفون على مهنة السياسة  صبغة معينة بين أن تكون فضيلة وأن تكون رذيلة بكل أبعادها الفكرية والعملية ، حتى الحروب كوسيلة سياسية تكون أحياناً ذات بعداً أخلاقياً سامياً يحمل طابع الفضيلة عندما تكون حروباً لصد العدوان والدفاع عن النفس والوطن وقد أجمع تاريخياً على تسميتها  بالحروب الوطنية المقدسة وأحياناً أخرى تكون ذات بعداً عدوانياً  يحمل طابع الرذيلة عندما تكون حروب الأعتداء على الآخرين ومصادرة إرادتهم لأغراض التوسع والهيمنة ونهب الثروات وغيرها من الأسباب ، فمثل هذه الحروب أجمع تاريخياً على تسميتها بالحروب العدوانية القذرة .
وعلى  ضوء ما تقدم من شرح وتوضيح علاقة السياسة بمفهوم الفضيلة والرذيلة في متن مقالنا نقول ... إن السياسي سوف يسقط في براثن الرذيلة عندما يمارس " سياسة بلا مبادئ أخلاقية " ، وعندما يسعى من وراء ممارسة السياسة الى جني " الثروة بلا عمل شريف وأخلاقي " ، وعندما يبتغي من ممارسة السياسة الى " المتعة بلا ضمير " ، وعندما يمارس السياسة " باستعمال المعرفة بلا قيّم " ، وعندما يستغل السياسة في ممارسة " مهنة التجارة بلا أخلاق " ، وعندما يستغل في ممارسة السياسة " استعمال العلم بلا إنسانية " ، وعندما يمارس السياسة من أجل البحث عن " المجد بلا تضحيات " ..... ما أكثر هؤلاء القِردة في هذه الأيام من هذا الزمن الأغبر !!! .
من هنا نشخص بأن للسياسة بنتائجها كوسيلة للتغيير الاجتماعي وجهان بإفرازاتها ، وجه يفرز الفضائل وآخر يفرز الرذائل وعلى السياسي أن يختار الأفضل وأن يرتب أولويات سياساته ومناهجه وبرامجه في العمل السياسي على ضوء ذلك ، بين أن تكون سياساته نبيلة وشريفة وأخلاقية وبين أن تكون على العكس من ذلك ، وتبقى  الانجازات المتحققة على أرض الواقع هي المعيار للتقييم وتحديد طبيعة السياسة بين أن تكون فضيلة وبين أن تكون رذيلة ، وهنا تشكل الخيانة بكل أشكالها وأنماطها في العمل السياسي أشد أنواع الرذيلة قذارة ، ويأتي من بعدها في مستوى القذارة اعتماد أسلوب الكذب والنفاق والرياء والتملق والمداهنة والتضليل وعدم الشفافية والمصارحة مع الآخرين . وفقاً لذلك نقيم الحالة العراقية بوضع العراق بعد عام 2003 م كانموذج للدراسة .
عندما نتمعن وبتجرد من كل الأعتبارات الأثنية والدينية والمذهبية والسياسية في الوضع العراقي منذ عام 2003 م مستندين على معطيات واقع الحال سوف تذهلنا النتائج وتقودنا كل مؤشرات التقييم الموضوعي بأن السياسات التي أعتمدت واتبعت ومورست من قبل النخب السياسية الحاكمة المتنفذة والمتعاونين معها لأسباب منفعية في العراق خلال فترة ما بعد السقوط كانت سياسات خرقاء وحمقاء وغير أخلاقية بتاتاً لأنها اعتمدت وسائل غير أخلاقية وغير وطنية بامتياز أدت الى اشاعة الفساد بكل أشكاله في أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والعسكرى وبأقصى درجاته واشاعة المحسوبية والمنسوبية على حساب الكفاءة المهنية والخبرة العملية والنزاهة والتخصص المهني والمعرفة العلمية والولاء للوطن ، وانتشرت الجريمة بكل أنواعها في الدولة والمجتمع على حدٍ سواء فكانت نتائج السياسات اللاوطنية المعتمدة ضياع الهوية الوطنية وغياب سلطة القانون وانهيار وسقوط هيبة الدولة وهيمنة سلطة وقانون دويلات الميليشيات المنفلتة وشيوع الرذيلة بكل أشكالها بين نخب أفراد الطبقة السياسية الحاكمة بشكل مقرف ومخجل ومخزي وبشكل علني مما قادت العراق الى الأنهيار الأمني والأقتصادي والمالي والعسكري ووصوله الى حافة الهاوية السحيقة .
لا نجد إطلاقاً بين نخب الطبقة السياسية المتنفذة والمتعاونين معها من الذين تولوا حكم العراق بعد عام 2003 م من كان له سياسة تقديم وتفضيل المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية والفئوية والفرعية بل كانوا على العكس من ذلك ، لذا سارت الأمور في العراق من سيء الى أسوأ يوماً بعد آخر ، وعليه ووفق معيار الوطنية الحقة فإن تصنيف هذه السياسات التي أوصلت العراق الى هذا الدرك الأسفل من الأنحطاط والتخلف والتراجع مهدد بالأنهيار المالي والأفلاس تدخل ضمن تصنيف سياسات الرذيلة والخيانة الوطنية التي مارستها النخب السياسية وليس لها تصنيف آخر يليق بها ويعبر عنها أكثر من هذا الوصف .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 5 / ك2 / 2016 م


98
الأعتدال هو المنهج القويم لتحقيق التقارب الفكري بين مثقفي مكونات أمتنا لتمهيد الطريق لتحقيق وحدتنا القومية والكنسية المشرقية 
خوشابا سولاقا
لقد تعلمنا من التاريخ وعلمنا الشيء الكثير ، بأن كل الحوارات والنقاشات والمحاولات التي حصلت في الماضي البعيد والقريب بين مكونات أمتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين كانت حوارات ونقاشات قائمة ومبنية على القناعات والأنطباعات الشخصية الموروثة أو المستقاة بانتقائية مبتذلة من معطيات التاريخ التي تؤيد وتنسجم وتتفق مع قناعات ورؤى كل طرف من الأطراف قد باءت بالفشل الذريع من دون تحقيق أي تقارب يذكر بين مكوناتنا وردم هوة الخلافات فيما بينها ، لأنه كانت كل تلك القناعات والأنطباعات بالنتيجة  تزيدهم تطرفاً وتشدداً وتعصباً للخصوصيات الفرعية التسمياتية والمذهبية على حساب اختزال مساحة المشركات التي يبنى عليها آمال وركائز الوحدة القومية والكنسية الفكرية الشاملة لمكونات الأمة ، وكان دور الأحزاب والحركات السياسية التي تأسست قبل وبعد 2003 م دوراً سلبياً فاعلاً في هذا المجال كما لاحظناه في السابق ونلاحظه اليوم من خلال ما دار ويدور من السجالات السياسية السقيمة وتبادل التهم من على صفحات مواقعنا الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي من أجل المصالح والمكاسب الشخصية لقياداتها الأنتهازية الذين لا تعنيهم القضية القومية للأمة بشيء كما هو ظاهر بجلاء في سلوكياتهم وعملهم الميداني ، لذلك فإنها ( الأحزاب ) مع الأسف الشديد ساهمت بشكل فعال وكبير في بعث خلافاتنا التاريخية وتعميق أسباب اختلافاتنا القومية والمذهبية الكنسية ووسعت من هوة الفرقة والتمزق والتشضي بين مكونات أمتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين وتشتيتهم وجعلتهم أعداء ألداء بدلاً من أن توحد كلمتهم وخطابهم السياسي ، وبالأخص في الفترة بعد سقوط النظام السابق عام 2003م بسبب توسع مساحة المصالح الشخصية والحزبية  لقيادات تلك الأحزاب والتنظيمات .
انطلاقاً من هذه الأرضية التي باتت معروفة وجلية للقاصي والداني من مثقفينا من الكتاب والمفكرين والأدباء والفنانين وكل المهتمين بالشأن السياسي يتطلب الأمر من الجميع من كافة مكونات أمتنا ضرورة انتهاج منهج جديد وقويم يقودنا الى بر الأمان ، ألا وهو منهج الأعتدال في الحوارات والنقاشات والخطابات السياسية من خلال ما يكتب وينشر في وسائل الأعلام وفي خطابنا السياسي والكنسي في التعاطي مع الآخرين سواءً كانوا الآخرين من مكوناتنا القومية " الكلدان والسُريان والآشوريين " أو من الشركاء في الوطن من المكونات القومية والدينية والمذهبية الأخرى في العراق .
لذلك فإن اعتماد منهج الأعتدال وثقافة الأعتدال في طرح الأراء وعرض وجهات النظر في الحوارات والنقاشات يتطلب منا جميعاً في التعاطي مع ما يحقق التقارب والانسجام الفكري بين مثقفي وكتاب ومفكري أمتنا هو التخلي عن مبدأ التعاطي مع ما تقدمه المعطيات التاريخية ووثائقها المكتوبة لا لكونها جميعا خاطئة بل لكونها غير مقبولة ولا تلاقي الترحيب بها من قبل جميع أبناء مكوناتنا لكونها غير منصفة الى حدٍ كبير ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لربما كتاب تلك الوثائق كانوا في الغالب منحازين لقناعاتهم الشخصية بحكم الأنتماء التسمياتي والمذهبي التي تتلاقى مع قناعات طرف بعينه وتتقاطع مع قناعات الطرف الآخر اليوم مما يجعل هذه الوثائق موضع شك لا يُعتدّ بها . ولغرض اعتماد منهج الأعتدال في حواراتنا ونقاشاتنا علينا التعاطي مع واقع القناعات والانطباعات الراسخة في وعي وتفكير وثقافة وتقاليد أبناء مكوناتنا القومية والمذهبية اليوم واخضاعها للدراسة وفق منهج التحليل العلمي والعقلاني الرصين لنجعل منها مدخلاً لمناقشة وتحليل الأمور والمواضيع الأكثر تعقيداً ، لأنه هو الطريق الأقصر لخلق انطباعات ورؤى مشتركة لتحصيل مخرجات أكثر دقة وواقعية ومقبولية للوصول الى مبتغانا لبناء قناعات جديدة مؤسسة على وحدة تجاذب المشتركات وليس على أساس تعدد وتنافر الأختلافات والخلافات الموروثة من التراث التاريخي البعيد والقريب كما هو الحال في واقع الحياة ... هذا المنهج يفرض على جميع كتابنا ومفكرينا ومثقفينا من كافة مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشورين إعادة النظر بخلفيتهم الثقافية الموروثة وتبني ثقافة قبول الآخر والأعتراف به كما هو بتسميته القومية ومذهبه اللاهوتي الكنسي وبكل خصوصياته التي يؤمن ويُعتقد بها ، والتخلي عن مبدأ الألغاء والأقصاء والتهميش والأبعاد القسري في كل خطاباتنا السياسية والاجتماعية والكنسية ونشاطاتنا الثقافية ، ومحاربة كل ما من شأنه يحرض على التطرف والتشدد والتعصب والأساءة على خصوصيات الآخر وعدم احترامها في أي مجال كان .
بالتأكيد أن إعتماد وتبني كتابنا ومفكرينا ومثقفينا لهذا المنهج ، منهج الأعتدال ، في تعاطيهم مع واقع حياتنا السياسية والفكرية والثقافية سوف يفتح الباب واسعاً أمام الجميع من مثقفين ومن عامة الناس لتجاوز الكثير من الخلافات والأختلافات المصطنعة ويهيئ أرضاً خصبة لزرع ثقافة جديدة بكل مضامينها القومية والمذهبية والانسانية بين بسطاء الناس ، وهذه الحالة تشكل نقطة البداية لأنطلاق نهضتنا الفكرية والثقافية نحو الوحدة الشاملة بين مكونات أمتنا . إن اعتماد هذا المنهج سوف يحتفظ بموجبه كل مكون بخصوصياته غير منقوصة ولا يشعر بالتهميش والأقصاء من قبل أي كان من المكونات الشقيقة لأمتنا ، ولكن في نفس الوقت سوف يشعر كل فرد في أي مكون وكل مكون من مكوناتنا بأنه جزء في " كلٍ " أكبر منه ومن مكونه يجسد شخصيته الثقافية وهويته المستقلة بدليل وحدة اللغة والجغرافية والتاريخ ووحدة المصالح المشتركة والمصير المشترك ووحدة التراث والثقافة والأرث التاريخي المجيد والآصالة الوطنية في امتلاك الأرض كحق تاريخي شرعي وقانوني .
الحياة علمتنا وما زالت تُعلمنا بأن سُنتها مبنية على قاعدة الأخذ والعطاء ، وأن كل شيء فيها يكون خاضعاً للقبول أو للرفض وفق مبدأ الحوار والنقاش للخروج بما هو أفضل للجميع ، وهذا يتطلب من الجميع تقديم بعض التنازل عن بعض ما باتت تسمى بالثوابت والتخلي عن بعض القناعات والطروحات من اجل الوصول الى القاسم المشترك الأكبر الذي يحقق للمتحاورين جميعاً ما يمكن أن يقبله الجميع ويخدم مصلحة الجميع ، وهذا هو ما يطلق عليه في السياسة والحياة منهج الأعتدال في الحوارات والنقاشات المنتجة للخير العام للجميع .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 12 / ك1 / 2015   


99
أسباب سقوط وانهيار واندثار الأمم
خوشــابا ســولاقا
أثبتت الدراسات التاريخية التي أجرتها مراكز البحوث والدراسات العالمية المختصة في العالم أن التاريخ الإنساني شاهد ظهور أمم وتصاعدها وبلوغها قِمم المجد في كل المجالات ، ومن ثم بدأت مسيرتها تتراجع وتتداعى شيئاً فشياً الى أن وصل بها الأمر الى حالة الأنهيار الحضاري والأخلاقي والسياسي ثم السقوط في الهاوية في نهاية الأمر على يد أضعف أعدائها وخصومها من الأمم الأخرى . هنا لا نريد أن نأتي بأمثلة عينية محددة ، ولكن بامكان القارئ الكريم أن يستعرض تاريخ الحضارات القديمة في العراق منذ عهد سومر والى اليوم ومصر واليونان والهند والصين وحضارات شعب المايا في أميريكا وفي أوروبا وغيرها من الأمم العريقة بتاريخها القديم وأن يتأمل من خلال ذلك ما هي أسباب سقوط تلك الأمم وانهيارها ثم اندثار قسم منها ؟؟ ، وعندها سوف يكتشف وبقناعاته التحليلية أن هناك مشتركات أساسية ذاتها بين الأسباب التي أدت الى سقوط وانهيار واندثار  تلك الأمم التي كانت حضاراتها قد وصلت الى قِمة المجد والتطور والرقي في زمانها ، ثم بفعل تلك الأسباب التي نراها مشتركة بين الأمم في سقوطها وانهيارها واندثارها بالرغم من اختلاف الثقافات والتقاليد القومية والبعد الجغرافي فيما بينها قد تراجعت ووصلت الى الحضيض ، وظهرت وتصاعدت أمم أخرى لم يكن لها شأناً في السابق ، وما زالت سُنة هذه العملية التاريخية التراكمية سائرة في مسارها الطبيعي في صعود أمم الى قِمم المجد وسقوط وانهيار واندثار أمم أخرى الى مزبلة التاريخ بالتوالي . 
لقد حصل اجماع الأراء والرؤى أو شبه إجماع على الأقل بين الباحثين والدارسين على أن الأسباب الرئيسية لسقوط وانهيار واندثار الأمم ، والتي هي في حقيقتها وجذورها التاريخية أسباب ذاتية داخلية توارثت من جيل الى جيل وتراكمت وتضخمت الى أن باتت أسباب مدمرة وقاتلة ، وأن مؤشرات وملامح سقوط وانهيار واندثار الأمم يبدأ من خلال بروز الظواهر التالية كأسباب رئيسية. 
أولاً : شيوع فساد القضاء .
ثانياً : شيوع خيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة
ثالثاً : شيوع تعاطي النفاق والرياء السياسي بين مثقفي الأمم .
أولاً
: بالنسبة الى شيوع فساد القضاء يعني غياب القانون وضعف سلطته الرادعة للجريمة والتجاوزات بكل أشكالها ، وغياب القانون يعني غياب الدولة وموتها ونهايتها كما قال إبن خلدون " فساد القضاء يفضي الى نهاية الدولة " ... إذن في ظل شيوع فساد القضاء يعني انتشار الجريمة بكل أشكالها ، وغياب الأمن والآمان والسلم الاجتماعي ، وسيادة قانون شريعة الغابة الذي في ظله القوي يأكل الضعيف والثري يشتري ذمم الفقراء ويسخرهم لخدمة مصالحه الشخصية ، ويتحول المجتمع الى ساحة لصراع الأرادات الخبيثة والبقاء حتماً سيكون للأقوى والأخبث والأكثر شراً ونفاقاً ورياءً ، هكذا تكون الصورة النهائية المأساوية للمجتمع ، وفي ظل فساد القضاء يسود مبدأ الميكيافيللي الشرير أن " الغاية تُبرر الوسيلة " .
ثانياً : أما بالنسبة الى شيوع خيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة بكل أشكالها في ظل وجود دولة قوية لها سطوتها التي تستمدها من قوة القانون وتفرض احترامها وهيبتها على الجميع بغض النظر عن الموقع الأجتماعي للفرد ومستوى مسؤوليته في مؤسسات الدولة يعني تفكك آواصر قوة الدولة والقانون وتماسكها مؤسساتياً ، وتعتبر خيانة الأمانة شرخاً كبيراً يؤدي الى خراب وانهيار بُنية الدولة ومن هنا تبدأ بداية النهاية للدولة المؤسساتية .  إن من أسوء أشكال الفساد هو خيانة الأمانة الوظيفية للموقع المسؤول واستغلاله للمصلحة  الشخصية للمسؤول ، وهذا يعني فتح الباب أمام شيوع الفساد وانتشاره في الحلقات الأدنى منه باعتبار أن فساد المسؤول الأعلى يشجع الأدنى لممارسة وتعاطي الفساد . إن خيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة يجب أن تردع بأقصى وأقسى المحاسبات القانونية لتصبح درساً لمن يُعتبر ويرعوي .
ثالثاً : أما بالنسبة الى شيوع تعاطي النفاق والرياء السياسي بين مثقفي الأمم من خلال وسائل الأعلام يعتبر هذا العامل من أكثر الأسباب خطراً يؤدي الى سقوط واندثار الأمم في مرحلة ما عندما يستفحل هذا الفعل ويتحول الى مهنة تحترف تحت واجهات مختلفة الألوان ، لأن هؤلاء في الحقيقة هم من يصنعون خائني الأمانة والفاسدين وسراق المال العام من خير وجه حق ، وهم من يفسدون القضاء بأقلامهم وكلامهم ونفاقهم وريائهم النزق غير المسؤول المنطلق من خلفيات المصلحة الشخصية أو من خلفيات عنصرية قومية أو دينية أو مذهبية أو حزبية أو أية خصوصيات اخرى يشترك بها مع المسؤول الفاسد من دون مراعاة للأعتبارات الوطنية والأخلاقية ، لأن الفساد هو فساد مهما كانت طبيعته وحجمه وشكله ، لا دين ولا قومية ولا مذهب له ... وهنا نستطيع القول أن " ثالثاً " هو من ينتج " ثانياً + أولاً " ، وعليه ولغرض القضاء على أسباب سقوط وانهيار واندثار الأمم علينا بالقضاء على النفاق والرياء السياسي والمتعاطين معهما وذلك بالتصدي لهم بنشر الثقافة المناقضة لثقافة النفاق والرياء السياسي التي تبرر وتبرئ الفساد وخيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة ليتم من خلال ذلك حماية وصيانة الأمانة الوظيفية الوطنية المسؤولة في مؤسسات الدولة من استغلالها ، وبالتالي حماية وصيانة القضاء من الفساد لأعادة قوة سلطة القانون الى مؤسسات الدولة وفرض هيمنتها واحترامها على أفراد المجتمع من دون النظر الى الموقع والمكانة الاجتماعية والموقع المسؤول للفرد وفقاً لمبدأ ليس هناك من هو فوق القانون وانما الجميع متساوين في الحقوق والواجبات . هذه الشريحة الرثة ، شريحة المنافقين والمرائين ومن المثقفين منهم تحديداً هي من أكثر الشرائح الاجتماعية خطراً على إفساد السلطة وتنشأة الديكتاتوريات السياسية ، حيث تحول الجاهل الساذج بالتطبيل والتزمير لأخطائه الى سلطان جائر متغطرس لا يفلت وطني شريفٍ من جوره وظلمه وشره ... المثقفون المنافقون المراؤون هم صناع الطغاة الديكتاتوريون المجرمون لأنهم هم من يؤسسون لثقافة تمجيد وعبادة الفرد المسؤول وتأليهه ويحولون الأحمق الى جبار متغطرس لا يرى الآخرين أكثر من مجرد حشرات وضيعة وحقيرة تحت أقدامه ليدوس عليها من دون رحمة ورأفة .
مع الأسف الشديد هذا هو ما يجري الآن في العراق ، يجري بخطى حثيثة من قبل الكتاب المثقفين المنافقين والمرائين من وعاظ السلاطين ومحامي الشيطان عملية اعلامية جبارة لصنع الفاسدين وسراق المال العام ومرتكبي الجريمة المنظمة وغسيل الأموال وتهريبها الى خارج الوطن . صحيح قد أصبح الفساد هو السِمة الغالبة في مؤسسات شبه الدولة العراقية الحالية ، إلا أن ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال خلو تلك المؤسسات من الشرفاء الوطنيين المخلصين الأحرار من الذين يعملون ويواصلون الليل بالنهار من دون كلل وملل في مواقهم بجد واخلاص لملاحقة وكشف الفاسدين وأساليبهم الشيطانية الذين يحاولون سَتر عورتهم التي باتت مكشوفة بورقة التوت المتهرئة . الفاسد يكون سارقاً حتماً بالنتيجة ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل سارق فاسداً في نظر القانون ، إن أشنع أنواع الفساد الذي يشكل جريمة جنائية ترتقي الى مستوى جريمة الخيانة العظمى هو خيانة الأمانة الوظيفية المسؤولة واستغلالها لأغراض منفعية شخصية ( استغلال الموقع المسؤول للأنتفاع الشخصي ) لأنه ليس مضطراً عليها ، وهذه هي عِلة المسؤول الكبير في العراق ، بينما السارق الذي يسرق بدافع العوز والجوع والحاجة الملحة من أموال الدولة أو من ممتلكات الآخرين لا تشكل سرقته هذه جريمة جنائية يحاسب عليها القانون بحسب وجهة نظرنا الشخصية لأنه مضطراً عليها على العكس من المسؤول الكبير ... ليعرف الجميع أن الدولة تُمهل ولا تُهمل مهما طال الزمن ، وإن الجرائم الجنائية لا تسقط لا بالتقادم ولا حتى بالوفاة ... إن يوم الحساب قادم سوف ياتي لا محال عاجلاً أم آجلاً .

خوشابا  سولاقا
بغداد في 14 / ت2 / 2015


100
رسالة شخصية خاصة للغاية
خوشــابا ســولاقا
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ عادل دنو المحترم
الى الأخ والصديق العزيز الأعلامي الأستاذ ولسن يونان المحترم

تقبلوا محبتنا مع أرق وأطيب تحياتنا
بعد قراءتنا للعرض الموجز للأستاذ عادل دنو وسماعنا للمحاضرة من خلال شريط الفيديو بخصوص محاضرة الأستاذ الأعلامي القدير ولسن يونان بعنوان " هل الديمقراطية ممكنة في الشرق الأوسط ؟ " ، نود ايضاح الآتي :
أولاً : كما هو معروف أن كل الأنظمة السياسية الدينية المستوحاة فلسفتها في الحكم من الفكر الديني " ( نقصد كافة الأديان ) هي أنظمة أبوية " ثيوقراطية " ديكتاتورية مستبدة يخضع في ظلها الأدنى للأعلى خضوعاً مطلقاً وهي أنظمة لا تمتُ بصلة الى الديمقراطية كفكر ونهج ونظام لأدارة الدول والمجتمعات لا من قريب ولا من بعيد بأي شكل من الأشكال ، ولذلك انتشر الظلم والجريمة بكل أشكالها والتخلف والهمجية والفقر والمرض والأمية في ظلها في كل أنحاء العالم منذ أكثر من ألفي سنة ، وهذا الشيء غير مخفي وإنما معروف لدى كافة المطلعين على التاريخ ولو بالحد الأدنى من المعرفة .
ثانياً : الديمقراطية تعني باللاتينية " حكم الشعب " أي سلطة الشعب تمارس بشكل عادل لخلق المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص في المجتمع من دون تمييز طبقي بين طبقات المجتمع الواحد وبين المكونات الدينية والقومية والمذهبية ، ويتم أختيار من يحكمون من قبل الشعب عبر انتخابات حرة نزيهة . الديمقراطية القريبة من الحالة المثلى تتجسد عبر نمو الوعي الانساني لدى الفرد الذي يجعله يشعر بالانتماء الى الآخر ممن يشاركونه العيش في الوطن منطلقاً من مبدأ أن ما يعني الآخر يعنيه هو شخصياً ، وإن ما يضر أو ينفع الآخر يضره وينفعه شخصياً ، فعندما يكون الانسان الفرد يتصف بهذه الصفة ويحمل لهذه الثقافة والنظام التربوي الأخلاقي يكون مهيئاً لممارسة الديمقراطية فكراً ومنهجاً وثقافةً كفرد او كحاكم يحكم الدولة والمجتمع شعوراً منه بالولاء للوطن والشعب وخدمتهما وبدافع ذاتي وليس خوفاً من طائلة القانون ، عندما تتوفر هذه الحالة اجتماعياً ، عندها فقط نستطيع القول بأن الديمقراطية متحققة وموجودة وفي غير ذلك لا توجد ما تسمى بالديمقراطية التي ننشدها ونحلم بها . في ظل هكذا ديمقراطية صحيح تكون السلطة بيد الأكثرية السياسية ولكنها تكون حامية لحقوق الأقلية السياسية ولحقوق المكونات الصغيرة بغض النظر عن عدد نفوسها
الأنتخابات ليست هي الديمقراطية بعينها كما قد يتصور البعض حتى وإن كانت نزيهة مئة في المئة ، بل أن الأنتخابات هي وسيلة لأختيار ممثلي الشعب الذين يقومون ببناء مؤسسات الدولة الدستورية لسيادة حكم القانون بحسب الهوية الوطنية وليس بحسب الهويات الفرعية الخصوصية . وهذا الشيء لا يمكن له أن يأتي الى الوجود طالما ليس هناك شعب مثقف يشعر الفرد فيه كل من موقعه بالمسؤولية تجاه الآخر وممتلكات الدولة .
كانت حالة أوروبا التي سادتها الهمجية وديكتاتورية الكنيسة والتي ارتكب في ظلها أبشع الجرائم وأقذرها تحت غطاء الثقافة الدينية بحسب اجتهادات وترويج الأكليروس الكنسي وليس بحسب العقيدة المسيحية منذ إعلان المسيحية كدين للدولة الرومانية في زمن قسطنطين الأكبر سنة  324 م الى سنة 1654 م عندما انطلقت ثورة الأصلاح الديني بقيادة القسيس الألماني مارتن لوثر وجون كيلفن وغيرهما من الأحرار ممن سأموا وذاقوا ذرعاً من ممارسات النظام الكنسي الظالم بأسم المسيحية وهي منه براء ، حيث عم الأصلاح في انظمة الحكم في بلدان أوروبا باتجاه بناء نظم سياسية جديدة مستوحاة أفكارها ومنهجها وفلسفتها في الحكم من الفكر الديمقراطي ، فحصل مداً لهذه الأنظمة وبالمقابل حصل جزراً للسطلة الأبوية للكنيسة الى أن انحصرت في دولة الفاتيكان الحالية ، واطلق العنان لنهوض وانبعاث الأنظمة العلمانية المنية بمختلف أشكالها وتوجهاتها الفكرية الى أن وصلت الحالة الديمقراطية في بلدان أوروبا الى ما هي عليه الآن ، وهي في تقديرنا لم تصل بعد الى الحالة المثلى للنظام الديمقراطي الذي وصفناه لحد الآن ، أي بعد ما يقارب الأربعة قرون من انطلاق ثورة الأصلاح الديني وعصر النهضة الأوروبية في البناء الديمقراطي بعد سيادة النظام الأبوي الديني الديكتاتوري المستبد لمدة ما يقارب الأربعة عشر قرناً من الزمان . أي بمعني أن العملية الديمقراطية ما زالت في حالة تطور تصاعدي للوصول الى الحالة المثلى . 
إن بناء الأنظمة  الديمقراطية  هي عملية تاريخية تطورية تراكمية تنتقل خلالها المجتمعات البشرية من الحالة الأدنى الى الحالة الأعلى وعلى مسار هلزوني صعوداً ونزولاً الى أن تصل في النهاية الى غايتها المنشودة .
أما بالنسبة الى موضوع المحاضرة فكان الطرح من خلالها مُشوب بنوع من عدم الدقة والأنصاف والتجني في وصف استحالة إمكانية انتقال الشعوب العربية والأسلامية الى ممارسة الديمقراطية كفكر وكمنهج ونظام لأدارة الدولة والمجتمع معتمدين في ذلك على أفكار وطروحات بعض المتطرفين والعنصريين المغالين في تطرفهم وعنصريتهم مــن الكتــــاب
والمفكرين الغربيين ، إن هذا الحكم نحسبه على الأستاذ المحاضر نقل آلي لما قرأه وليس بحسب آليات وسياقات تطور الفكر والفلسة وبالتالي فهو يشكل انتقاصاً من قدرات هذه الأمم على التطور والتحضر . ليس مقبولاً أن نعتمد على ما يقوله البعض وناخذه على علاته أساساً ومعياراً لأطلاق أحكاماً غير منصفة على الآخرين .
إن ما تمر به الحركة الفكرية النهضوية في معظم البلدان العربية اليوم هي تكرار لما حصل في القرن السابع عشر في أوروبا ولكن بوتائر أقوى وأكثر فعالية وتنوعاً في رفض ونبذ النظام الثيوقراطي الأبوي للأسلام السياسي حيث الجماهير المليونية في بغداد وكافة مدن العراق تطالب " بالدولة المدنية والعدالة الأجتماعية والحرية  الفردية " وباتت الشعارات والمطالبات بالديمقراطية ومكافحة الفساد واصلاح القضاء بشكل واعي على لسان كل عراقي ، وهناك شعاراً أطلقه المتظاهرين الثوريين في كل مدن العراق هزَّ كيان المؤسسة الدينية الأسلامية وهو " بأسم الدين باكونة الحرامية " مما جعل المرجعية الشيعية في النجف الأشرف أن تقف بقوة الى جانب الجماهير المتظاهرة ومطالبتها للحكومة بتلبية مطالب الشعب الثائر والغاء نظام المحاصصة الطائفية والأثنية ... هذا يعني بالضبط أن هناك حراك سياسي شعبي جامح بل ثورة شعبية عارمة نحو تغيير التوجهات الثقافية المؤسسة على الأفكار الدينية النابعة من الأجتهادات الفردية لبعض المجتهدين المنتفعين من الدين .
ايها الأخوة الأعزاء  إن ما يجري اليوم في العراق وغيره من البلدان العربية من حراك فكري مدني ديمقراطي هو ثورة شعبية عارمة على مخلفات الفكر الأبوي الثيوقراطي ولا بد أن تحصد نتائجه في المستقبل القريب ، وإن الأمكانيات الفكرية والمادية - المالية وقوة الأرادة والتطلع الى الحرية لإقامة العدل ونشر المساواة التي تمتلكها هذه الشعوب ( العربية ) هي أكبر وأقوى بكثير مما كانت تمتلكه الشعوب الأوروبية والمهاجرين منهم الى قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية واستراليا في القرون الوسطى قبل الأنتقال من النظاماليوقراطي الى النظم المدنية الحديثة ، وإن ما شاهدته المجتمعات التي تشكلت في بلدان هذه القارات من مخاض وصراعات وثورات وحركات سياسية واجتماعية من أجل الوصول الى ما وصلت إليه لهو خير دليل على أن الشعوب لا تستكين وتستسلم للأمر الواقع بل هي دائماً في حالة من الحركة والتغير والتحول الى ما هو أفضل . إن الشعوب العربية والأسلامية هي كغيرها وليست استثناءً عن هذه القاعده لتستكين وتستسلم لواقعها المفروض عليها ، لذلك سوف تثور حتماً على واقعها وسوف يكون انتقالها من الوضع الحالي الى الديمقراطية أسرع وفي زمن قياسي مقارنة بالآخرين ممن سبقوهم.
اسمحوا لنا أن نقول لكم بأننا نحن الذين نعيش في هذا الواقع أعرف منكم بما يحصل تحت الرماد ، ولا تستقوا معلوماتكم من وسائل الأعلام الغربية المغرضة والتي تسعى دائماً الى صب الزيت على النار ، ومما ينقلوه لكم المهاجرين الهاربين من أبناء أمتنا من الذين يفبركون وبمبالغة ومغالات كبيرة مبررات هجرهم لأرض الوطن . إن الواقع ليس كما تتصوروه ، بل هناك ثورة الأصلاح الديني على غرار ثورة مارتن لوثر وجون كيلفن تحصل هنا ، ولا بد أن تتمخض الى نتائج مماثلة لثورة لوثر وكلفن ولكن ذلك يحتاج الى بعض الوقت ... ننتظر لنرى النتائج وعندها نطلق الأحكام ، لأنه لا يمكن لنا أن نحصد من دون أن نحرث الأرض ونزرع .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 6 / ت2 / 2015


101
رأي مقدم لأبائنا الأجلاء  في كل كنائسنا  للتعاطي مع قانون الأحوال الشخصية رقم 65 وتبعاته اللاحقة


خوشابا سولاقا
بعد أن قرأنا المقالات الرائعة بشأن قانون البطاقة الوطنية لكل من الأساتذة المقتدرين اللامعين الكبار الذين نجلهم ونحترم قلمهم الدكتور عبدالله رابي وأبرم شبيرا وانطوان الصنا بدقة وامعان ووجدناها جميعها مع احتراماتي الكبيرة لكتابها الأعزاء قد تركزت على طبيعة النظام والأحزاب الأسلامية الحاكمة في العراق التي لا تؤمن ولا تقر بالحقوق القومية والدينية للمختلف عنهم قومياً ودينياً كائن من يكون وهذا استنتاج منطقي وصائب مئة في المئة أثبتته تجربة الأثنتي عشرة سنة من الديمقراطية المزيفة ، لا اختلاف لنا معه إطلاقاً قيد أنملة وهو أمر معروف للقاصي والداني من أبناء أمتنا بكل مكوناتها ، وحتى من قبل كل أصحاب الأفكار المتنورة من أبناء شعبنا العراقي بخصوص ما يتعلق الأمر بالمادة ( 26/ ثانياً ) من قانون البطاقة الوطنية التي تنص على إتباع القاصرين لدين من يعتنق من الوالدين الدين الأسلامي ، وهذا الأمر ليس بجديد علينا وظهر للتو مع تشريع قانون البطاقة الوطنية مؤخراً ... أعزائي القراء الكرام إن هذه المادة لا يمكن الغائها أو تعديلها في هذا القانون تحديداً كما طالبوا ممثلينا في البرلمان ، لأن ذلك يتنافي مع الأساس القانوني لها والمستوحي من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم ( 65 ) المعدل لسنة 1972م ( م 21 ف 3 )   والتي تنص أقتبسها كما هي واردة في القانون أعلاه " 3 - يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الاسلامي من الابوين." ... عليه أيها الأعزاء القراء أن المشكلة يجب أن يتم تناولها وحلها من أساسها الأصلي وليس من تبعات نتائجها اللاحقة  .
لذلك نقول على ممثلينا في البرلمان العراقي ، قيامهم بمطالبة البرلمان الذي لا يمثل إلا أعضائه إلغاء ( ف 3 ) من ( م 21 ) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم ( 65 ) المعدل لسنة 1972 م وعندها سوف تنتفي الحاجة الى المطالبة بتعديل أو إلغاء الفقرة ثانياً من المادة ( 26 ) من قانون البطاقة الوطنية ..... هنا نتساءل أين كانوا نائمين ممثلينا الأشاوس السابقين في البرلمان من سنة 2003 م ولغاية تاريخ تشريع قانون البطاقة الوطنية والقانون الجعفري الذي له علاقة بهذا الموضوع  وصادقوا عليه حتماً من هذه المادة الغاية في الرجعية والتخلف والظلم المجحف بحق أبناء أمتنا كل هذه السنين ؟؟؟ . إن الحل لهذه المشكلة له جانبان :-
أولهما ياتي كما أقترح الكثيرين من الأخوة الكتاب في كتاباتهم ومداخلاتهم وتعقيباتهم من خلال قيام ممثلينا الحاليين في البرلمان والحكومة ومرجعياتنا الدينية لكل كنائسنا بتحريك دعاوى قضائية لدى الجهات الحقوقية والأنسانية الدولية المعنية  بما فيها الهيئات والمنظمات الحقوقية في الأمم المتحدة وحاضرة الفاتيكان الموقرة للضغط على حكومة العراق وإجبارها على إلغاء الفقرة ( 3 ) من المادة ( 21 ) من قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم ( 65 ) لسنة 1972 م وكل ما له علاقة من إجراءات تئدي الى إجبار الناس من غير المسلمين على ترك دينهم واعتناق الدين الأسلامي من القوانين والتشريعات القانونية العراقية  لكونها تنافي وتتقاطع مع شرعة قانون حقوق الانسان وكل التشريعات الدولية ، هذا من الناحية القانونية الرسمية المتعلق بتعاطينا مع الدولة ....
ثانهما ياتي من الناحية الدينية المسيحية وتعاطينا مع متطلبات الحياة المتغيرة فلا بد من تغيير تلك الصيغ التي نتعامل بها في طقوسنا الكنسية بالشكل الذي نحافظ على الجوهر المسيحاني فيها على حساب تغيير الشكل بما يتماشى مع متغيرات ومستجدات ومفترضات ومتطلبات الحياة بغرض تجاوز ما يعتري مجتمعنا المسيحي في هذه البلدان من معوقات ومشاكل مستعصية ترجعه قهقرياً الى الوراء ...
لذلك هنا ندعو بإجلالٍ واحترام وبمحبة خالصة كافة أبائنا الأجلاء من أصحاب القداسة والغبطة والنيافة من كافة كنائسنا دراسة الأسباب المؤدية الى إعتناق أحد الوالدين للقاصرين للدين الأسلامي ، وعلى ضوء الأسباب تلك يتم البحث عن الحل المناسب لبتر جذور المشكلة من أساسها وقطع الطريق أمام اخضاع القاصرين من الأطفال الى دين أي من الوالدين المطلقين المعتنق للأسلام . هنا نرى من الضروري جداً يجب أن يكون للكنيسة بكل مرجعياتها المحترمة دور مهم وحاسم جداً في هذه القضية لمنعها من الأستمرار والأستفحال الى ما هو أسوء بنتائجه السلبية مستقبلاً ، علما ونحن نعيش في مجتمع مختلط ومفتوح امام كل أشكال العلاقات الأنسانية الغريزية ولذلك يتطلب التعامل مع هذه الظاهرة بشيء من العقلانية والشجاعة والتضحية بالقليل من أجل حماية وانقاذ الكثير .
إن المشكلة أصلاً تبدأ من عدم حصول الانسجام بين الوالدين ( نقصد الزوجين ) في حياتهم الزوجية لأسبابهم الكثيرة التي نجهلها لخصوصية الموضوع ، ولما يواجه المجتمع من إرهاصات كثيرة تعمق من عدم حصول الأنسجام بين الزوجين ، وبسبب كل هذه العوامل يصبح استمرارهم في العيش معاً كزوجين أمراً مستحيلاً ، مما يضطرهم الى الأنفصال أو الطلاق ، ، وبالنظر لعدم وجود شرعية الطلاق لدينا نحن المسبحيين بكل مذاهبنا ، ولأن الكنيسة ما زالت ملتزمة بمضمون القول " إن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " ، هذا الامر يكون طبيعي وموضع احترام وتقدير وفهم الجميع وليس له تبعات تظلم الآخرين وتصادر حقهم في اختيار معتقدهم الديني في حالة اعتناق أحد الزوجين للدين الأسلامي ليتخذ منه وسيلة للخلاص من شقاء وبؤس الحالة الزوجية واستحالة استمرارها في حالة عدم وجود قاصرين بالعمر القانوني أو عدم وجودهم أصلاً ... أما في حالة وجود أطفال قاصرين فيكون الأمر مختلف كلياً وذات بعد انساني واجتماعي يتطلب الوقوف عنده ، ويكون هؤلاء الأبناء القاصرين ضحية ظلم قاسي ومجحف ليس لهم ذنب فيه ... هنا على المرجعيات الدينية الكنسية العودة الى دراسة وتفسير وتطبيق ما قاله الرب يسوع المسيح له المجد لبطرس الرسول " أنتَ الصخرة التي عليها أبني كنيستي ، وكل ما تَعقدهُ في الأرض معقوداً في السماء وكل ما تَحلهُ في الأرض محلولاً في السماء " ، هنا وبكل احترام واجلال وتقدير نسأل أبائنا الأجلاء ... ماذا يعني تفسير هذا التخويل المقدس من الرب يسوع المسيح لبطرس الرسول ؟؟ أليس تخويلاً من الرب لخلفاء بطرس الرسول من بعده في الأرض من " البطاركة - رؤساء الكنائس " أيضاً ؟؟ أم أن الرب ( حاشاه ) كان يمازح بطرس الرسول بقوله هذا ؟؟!! ، أليس من الضروري تفسيره بشكل ايجابي وإنساني وتفعيله وتطبيقه وجعله مفتاحاً لحل مشاكل الرعية عندما يواجه المسيحيين تبعات ظالمة بحقهم كما حصل في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم ( 65 م 21 - ف 3 ) ؟؟ . أيها الأباء الأجلاء ندعوكم بحب المسيح أن تبتعدوا عن النصية في التفسير وان تجتهدوا بما يخدم المجتمع ، لأن المسيحية بحسب فهمنا المتواضع لها هي قانون لخدمة البشر واسعادهم ومساعدتهم في حل مشاكلهم ومعاناتهم وليست سوراً حديدياً لأسرهم وسجنهم ووسيلة لظلمهم أيها الأباء المحترمين . !!! ... المقصود هنا يا أبائنا الأجلاء هو تشريع قانون كنسي يسمح بالطلاق عندما تقتضي الضرورة ذلك وبقرار من راس الكنيسة الأعلى بعد طلب رسمي من الطالبين للطلاق ، لأن في حالة وجود الطلاق لدينا سوف لا يلتجئ المضطرين الى اعتناق الأسلام للخلاص من الحياة الزوجية التعيسة بل سوف يلتجؤون للكنيسة ، وبذلك سوف يُحمى حقوق القاصرين من الأطفال ، هنا هي أهمية الطلاق لقبر " ف3 م21 ق65 " من دون تبعات .... المعذرة من الأطالة والأسهاب في العرض ولكن للضرورة أحياناً أحكام تفرض الأطالة لزيادة التوضيح وإعطاء الموضوع حقه .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 29 / ت1 / 2015
[/b]

102
لعبة الشطرنج بين واشنطن وموسكو على رقعة سوريا والعراق
خوشابا سولاقا
منذ أن قررت روسيا الأتحادية اقحام نفسها في الحرب السورية باستخدام قواتها الجوية وبشكل فعال ومكثف بحسب وسائل الأعلام ، والتي تدور رحاها بين القوات الموالية لنظام بشار الأسد والداعمين له من الحرس الثوري الايراني وميليشيا حزب الله اللبناني وبعض الكتائب من الميليشيات الشيعية في العراق من جهة ، وبين فصائل المعارضة المسلحة السورية بكل توجهاتها الفكرية والمدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية ، وبقيت جبهة النصرة وتنظيم الدولة - داعش تحارب الطرفين شكلياً بينما هي تركز جهودها العملياتية العسكرية في محاربة فصائل المعارضة المعتدلة من دون أن توجه نشاطها العسكري ضد قوات النظام وحلفائه ، وبذلك باتتا داعش والنصرة ظهيراً قوياً داعماً وسانداً لجبهة النظام الأسدي ، هذه هي صورة الصراع بين أطراف الحرب الأهلية في سوريا . أما في العراق فالصورة مختلفة كلياً حيث لا يوجود هناك معارضة مسلحة معلنة عن نفسها رسمياً من خارج إطار تنظيم الدولة – داعش تحارب النظام السياسي القائم في العراق ، ولذلك انحصرت الحرب بين مسلحي تنظيم الدولة – داعش والمتعاونين معها من بقايا النظام السابق من جهة ، وبين القوات الأمنية العراقية بكل مكوناتها من قوات الجيش النظامي وقوات الشرطة الأتحادية وقوات مكافحة الأرهاب وقوات الحشد الشعبي وقوات العشائر وقوات البيشمركة الكوردية وربما ستشارك لاحقاً فصائل مسلحة من التنظيمات السياسية للكدان والسريان والآشوريين في معركة تحرير مدينة الموصل وبلدات سهل نينوى متمنين أن يكون لها دوراً فعالاً في معركة تحرير محافظة نينوى وأيضاً متطوعين من الأيزيديين من جهة ثانية .
على ضوء دخول روسيا في الحرب انقسم الرأي العام بين القوى السياسية في العراق بين مؤيد لتدخل روسيا في الحرب وانضمام العراق للتحالف الروسي الأيراني السوري وبين معارضاً له بحسب أجنداتها السياسية الموالية للدول الأقليمية من دون أخذ المصلحة الوطنية العراقية  بنظر الأعتبار في حساباتها السياسية وتُغني لما يُعزفه الآخرين لها ، وهذا التناقض في الرأي والموقف بين القوى السياسية العراقية وضع الحكومة العراقية في موقف محرج لا تحسد عليه بين قبول الأنضمام الى التحالف الجديد بقيادة موسكو وايران وبين بقائها محايدة ارضاءً لواشنطن والتحالف الدولي ، أي أن الحكومة أصبحت بين مطرقة الفصائل المنضوية في تشكيلات الحشد الشعبي التي تأتمر بأوامر إيران وبين سندان واشنطن . هذا الوضع ليس في صالح العراق على ضوء الموازنات السياسية الدولية بين واشنطن وموسكو والتي فيها رجحان كفة الميزان لصالح واشنطن في المنطقة والعالم ، عليه من مصلحة العراق الوطنية أن يبقى خارج لعبة المحاور ويحرك سياساته في اطار اتفاقية الدفاع الأستراتيجي مع الولايات المتحدة لأن واشطن ما زالت هي صاحبة القرار العالمي . أما النظر الى روسيا الأتحادية وسياساتها اليوم من خلال المنظار الذي كانت الشعوب المتطلعة للحرية والتحرر تنظر من خلاله الى الأتحاد السوفييتي السابق فإنه الخطأ الفادح بعينه ، لأن كل من روسيا الأتحادية والولايات المتحدة تنطلقان في تعاملهما وتعاطيهما مع الأحداث من مصالحهما الوطنية وتكون الغلبة للأقوى والأقدر ، هذه نقطة مهمة يجب مراعاتها من قبل القيادة العراقية في تعاطيها مع هذا الواقع الجديد . 
بحسب المعلومات المستقاة من التقارير الأخبارية الحربية والمعارضة السورية والمصادر الغربية وبالأخص الأمريكية والبريطانيا فإن الغارات الروسية المكثفة تستهدف في جُلها مواقع الجيش السوري الحر وقوات المعارضة لنظام بشار الأسد بنسبة تزيد عن ( 80 % ) منها أكثر من استهدافها لقوات تنظيم الدولة – داعش وقوات جبهة النصرة المتطرفة ، لأن هدف التدخل الروسي في الحرب السورية هو حماية نظام بشار الأسد من السقوط  والأنهيار الحارس الأمين والآخير للمصالح الروسية في المنطقة ، ولذلك سوف ينصب تركيز ضرباتها الجوية على قوات الطرف الذي يشكل الخطر الأكبر على بقاء واستمرار النظام ورأسه وهذا أمر طبيعي بالنسبة لروسيا ، والتحالف الدولي هو الآخر يركز ضرباته الجوية في سوريا بالرغم من قلتها على مراكز تجمع وتواجد فصائل داعش والنصرة الداعمة والساندة لنظام الأسد .
أما في العراق فإن الضربات الجوية النوعية لقوات التحالف الدولي وخاصة بعد التدخل الروسي في سوريا فهي مركزة بدقة على مواقع تواجد داعش وهي مكثفة وتتصاعد نوعياً وكمياً يوماً بعد آخر مع قرب حسم المعركة ضد تواجد داعش وتحرير مدن العراق المحتلة بالكامل ... هكذا هي الصورة لحد الآن في كل من سوريا والعراق ، ولعبة الشطرنج بين واشنطن وموسكو على هذه الرقعة الجغرافية ما زالت مستمرة ، والتنسيق حول قواعد اللعبة ما زال قائماً على قدم وساق بين الطرفين في السر والعلن في بعض جوانبه ، والنتيجة غير معروفة لحد اللحظة ، ولكن قبل هذا وذاك من الأمور نتساءل لماذا دخلت روسيا الحرب وأوضاعها الأقتصادية غير مشجعة لخوض مثل هذه المغامرة لربما المجنونة !!! ، هل تم جرّها الى هذا المستنقع الآسن من الرمال المتحركة من قبل الآخرين ؟؟ لغاية في نفس يعقوب ، أم تَدخّلت لأنقاذ ما يمكن انقاذه من موطئ قدم ومصالح لها في المنطقة ؟؟ .

لماذا دخلت روسيا الحرب في سوريا  ؟؟
قبل القرار الروسي بالتدخل في الحرب كانت كل الدلائل والمؤشرات على الساحة العسكرية في سوريا تدلل وتشير أن النظام كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط والأنهيار بعد أن فتحت الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة أبواب مخازنها للأسلحة أمام قوات المعارضة السورية المعتدلة وتزويدها بكل أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة ومنها تلك المضادة لسلاح الجوي السوري وبذلك رَجَحتْ كفة الميزان لصالح المعارضة مع تصاعد وتعاظم الضربات الجوية لقوات التحالف الدولي على مواقع داعش والنصرة ، فبات سقوط النظام مجرد مسألة وقت ، لذلك انتابت الأنظمة في دمشق وطهران المخاوف من السقوط المريع الذي بات ينتظره النظام في دمشق وسيطرة قوات المعارضة السورية على زمام الأمور في سوريا                          وبذلك تنتقل سوريا الى منطقة النفوذ للولايات المتحدة ، وبذلك تفقد موسكو آخر موطئ قدم باقي لها في الدول العربية ، وتخسر كل من إيران وحزب الله وحلفائهما كل شيء ، عليه وكما نتوقع شخصياً طلبت كلٍ من دمشق وطهران من موسكو التدخل الفوري لأنقاذ الوضع المتهالك في دمشق ، وبسرعة البرق تسرعت موسكو بالأستجابة لطلب حلفائها في كل من دمشق وطهران وتدخلت وجيشت قواتها البحرية والجوية والبرية وأقامت لنفسها قاعدة بحرية وجوية كبيرة في اللاذقية السورية وانطلقت منها غاراتها الجوية لقصف مواقع المعارضة التي تهدد النظام بقوة ، وبهذا الأجراء الذي لا بد منه وضعت روسيا الولايات المتحدة في موقف محرج للغاية ، ولم تترك لها من خيارات أخرى غير الأختيار بين الأثنين أحلاهما مر عليها ، فإما أن تدخل الحرب ضد روسيا وهذا الجنون بعينه ، وأما أن تدخل في تفاوضٍ معها للوصول الى خيار وسط مقبول للطرفين فكان الخيار الأفضل هو التفاوض على أساس مشتركات تلبي مصالح الطرفين .
روسيا الأتحادية تريد أن تحافظ لنفسها على موطئ قدم في سوريا وأن تستمر مصالحها هناك ، وهي في تفاوضها تصر على الحل السياسي الذي يكون بقاء بشار الأسد في الحكم غير قابل للنقاش ، وهذا الطلب هو بمثابة بيدق اللعب الرئيسي بيد روسيا في لعبة الشطرنج بين واشنطن وموسكو ، ولذلك استخدمته موسكو بقوة ودهاء سياسي ماكر لتقول من خلاله لواشنطن كش ملك .
أما الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة تريد حلاً سياسياً أيضاً لمشكلة سوريا من دون أن يكون لبشار الأسد شخصياً موقعاً فيه ، ومن ثم التعاون على تطهير سوريا والعراق من تواجد ارهابيي داعش والنصرة والذي هو مطلب مشترك يجمع الطرفين لا خلاف عليه .
إن ما ترشح من  معلومات على خلفية الأتصالات والمفاضات من وراء الستار بين واشنطن وموسكو بعد استدعاء بشار الأسد الى موسكو مؤخراً في وسائل الأعلام وتصريحات مسؤولي الطرفين وآخرها تصريحات السيد سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا الذي صرح فيه بأن روسيا ليست مهتمة بضرورة بقاء بشار الأسد ، كلها تدلل أنه هناك شيء ما تم طبخه في المطابخ السرية الخلفية للطرفين . بحسب توقعاتنا واستنتاجنا أن تلك الطبخة سوف تفضي في النهاية الى حل وسط يرضي الطرفين عملاً بالمبدأ الأستعماري الذي صاغه ونستن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الأسبق " ليس هناك أصدقاء دائميين ولا أعداء دائميين بل هناك مصالح دائمة " وكما يلي :-
أولاً : من خلال التحركات السياسية الجارية بين الطرفين من وراء الستار يبدو أن الطرفان سيتفقان في النهاية على رحيل بشار الأسد والمحيطين به بشكل آمن الى مكانٍ ما ، ومن ثم تشكيل حكومة انتقالية من بقايا عناصر النظام ممن لم تلطخ أياديهم بدماء السوريين وبمشاركة فصائل المعارضة السورية المعتدلة التي يدعمها ويساندها التحالف الدولي بقيادة واشنطن .
ثانياً : ضمان مقابل ما ورد في أولاً أعلاه بقاء وحماية المصالح الروسية بما فيها العسكرية في سوريا وتسليح الجيش السوري في المستقبل   .
ثالثاً : التعاون المشترك بين الطرفين للقضاء على داعش وجبهة النصرة ومثيلاتهما من التنظيمات المتطرفة والمتشددة واستئصال شأفتها وجذورها من أرض العراق وسوريا نهائياً باعتبار الأرهاب خطراً على البشرية جمعاء ، وعودة كافة المسلحين من غير السوريين الى بلدانهم .
رابعاً : كل المؤشرات العملياتية العسكرية والسياسية في الميدان تؤشر أن داعش تواجه الأنهيار في العراق بعد الأنتصارات التي تُحققها القوات الأمنية العراقية البطلة بدعم من التحالف الدولي ، وإن ساعة نهاية داعش قد دنت وباتت قريبة جداً مما يتطلب الأمر جيوسياسياً الى وضع خارطة سياسية جديدة لكل من العراق وسوريا وربما المنطقة بكاملها يؤدي الى استقرارهما سياسياً في اطار إقامة دولة فيدرالية في كل منهما تراعي وتضمن من خلالها مصالح وحقوق كافة المكونات الأثنية والدينية والمذهبية فيهما . 
خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 25 / ت1 / 2015   

103
هل أن الوحدة القومية هي الهدف أم انها حُلماً وطُموحاً بعيدا المنال؟
خوشــابا ســولاقا
إن الوحدة القومية لأية امة ممزقة الأشلاء ومجزأة في أكثر من اتجاه مثل أمتنا من الممكن أن تكون " كهدف مركزي " في أي عمل سياسي تحدده المعطيات الموضوعية الموجودة على أرض الواقع للتعاطي معها سياسياً وليس الطموح والأحلام الوردية ؟؟ ، وأن هذه  المعطيات هي التي تتحكم بمسارات أي تحرك سياسي نحو تحقيقه سواءً كان ذلك التحرك على شكل مراحل متتابعة تكمل بعضها البعض ، أو أن يتحقق ذلك بفعل عوامل خارجية طارئة وغير متوقعة كالحروب تشترك فيها أو تفتعلها القوى الكبرى لأغراض استراتيجية بعيدة المدى التي تؤدي بالتالي الى إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للعالم أو لأية منطقة منه كما حصل بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية حيث تم تقرير مصير الكثير من الأمم وصارت لها كيانات خاصة بها ، وإن ما يحصل اليوم من حرب عالمية على الأرهاب في الشرق الأوسط بشكل عام وفي العراق وسوريا بشكل خاص هو فعل مماثل للحرب العالمية الأولى وقد تكون إحدى نتائجه إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة لتظهر معطيات جديدة تؤدي الى تشكيل دول جديدة وفق الواقع القومي والطائفي في المنطقة وسوف يكون في ذلك فرصة ذهبية تاريخية للأقليات القومية والطائفية لتقرير مصيرها إن أحسنت استثمار هذا الفعل المستجد . ومن هنا تبرز أهمية الوحدة القومية لأمتنا ، ولكن الواقع لا يلبي الحلم والطموح !!! .
أما عندما تكون مسارات المعطيات على أرض الواقع تتجه باتجاه تعميق الخلافات وترسيخها ونبش الماضي بمساوئه وسلبياته واشعال نيران الحقد والكراهية لتقسيم المقسم وتفكيك المفكك وتجزأة المجزء بين الأجزاء كما هو حالنا اليوم فإن مجرد الحديث عن الوحدة القومية الأندماجية الشاملة لجمع الأجزاء في " كل واحد " بين هكذا أجزاء ، وليس العمل الفعلي على تحقيق الوحدة الأندماجية فيما بينها سوف يصبح شيء من العبث والجنون والكلام الفارغ ويدخل في باب يمكن أن نسميه في أحسن الأحوال " بحلم الطموح " ويصبح تحقيق الوحدة في ظل هكذا واقع موضوعي " أمل في المشمش " كما يقال في الأمثال المزاحية ، أي بمعنى كلام هراء لا يقدم ولا يؤخر في القضية شيء يستحق الأهتمام أي جعجعة بلا طحين !!! .
عندما نقرأ الخارطة الديموغرافية لواقع أمتنا المسماة بالأمة " الكلدانية السريانية الآشورية – الترضائية " إن جاز التعبير على ضوء هذه الرؤية سوف نرى إن تحقيق الوحدة القومية بين مكوناتها الثلاثة " الكلدان والسريان والآشوريين " تحت أي تسمية قومية موحدة من الأسماء المتداولة هي ضرب من الخيال وشكل من أشكال الوهم الذي يدغدغ المشاعر ويبعث الأمال النرجسية في النفوس العطشى للوحدة القومية ، لأنه ليس هناك لدى أي مكون منها استعداداً لأن يتخلى عن خصوصياته التي تَعَمذَ بها وترسخت في ذهن وثقافة وطقوس وتقاليد وسايكولوجية أبنائه عبر مئات السنين وصار ذلك جزءً أساسياً من شخصيتهم ، بالرغم من التشابه الكبير فيما بينها وأن يتنازل لشقيقيه الآخرين ويندمج في الآخر ويتقبل تسميته من أجل الوحدة القومية أو الكنسية التي ينشدها الجميع في كل أحاديثهم العامة مع بعضهم البعض ، لأن في ظل هذا الواقع السايكولوجي – الاجتماعي ، يكون القول شيء والفعل شيء آخر مناقض ، لا يلتقيان وهذا ما يجعلنا نعيش حالة من التناقض والأزدواجية الفكرية في تعاطينا مع مشروع الوحدة أية وحدة كانت القومية أو الكنسية .
إن الواقع الحالي لكل مكون من مكوناتنا بشكل خاص ولأمتنا بمجموع مكوناتها بشكل عام هو نتاج عملية تراكمية تاريخية طويلة تخللها إرهاصات ومعاناة من الأحقاد والكراهية وثقافة نبذ الآخر واحتقاره وعدم قبوله وحتى تحريمه في بعض الممارسات كالزواج المتبادل الى حدٍ قريب ، هذه الثقافة ورثت ورائها جبالاً من جليد الأحقاد والكراهية بين مكوناتنا قومياً ومذهبياً تجعل من تحقيق مشروع الوحدة الأندماجية أمراً يصعب على المثقفين والمتنورين الحاليين من أبناء أمتنا الغيارى من دعاة الوحدة وعودة اللحمة بين مكوناتها صعباً للغاية لزهزهتها وإذابتها بين ليلة وضحاها بل أن ذلك يحتاج الى وقتاً طويلاً نسبياً لتهيئة المناخ المناسب لأنجاز تلك المرحلة ، وبات التعامل والتعاطي مع هذا المشروع أمراً حساساً لأنه يثير مكامن المشاعر ويفتح قبور الماضي ليخرج منها الروائح النتنة لتزكم الأنوف وتخنق النفوس وتجعل الناس تَنفُر من قبول هذا المشروع وترفضه رفضاً قاطعاً ، وكانت فعلاً تجربة الأثنتي عشر سنة الماضية بعد سقوط النظام البعثي خير مثالاً مختبراً على ذلك ...
لذلك يتطلب الأمر من الجميع ، نقول من الجميع وليس مكوناً بعينه دون الآخرين إعادة النظر بمشرع الوحدة القومية أو الكنسية الأندماجية ووضعها على الرف في متحف التاريخ في هذه المرحلة من تاريخ أمتنا ، لأن الظروف الذاتية والموضوعية للسير بمشروع الوحدة القومية والكنسية الى الأمام لم تنضج بعد لأن أبناء أمتنا ما زالوا يعيشون في الماضي الرث ، ونفكر بالبديل الذي يخلق ثقافة التقارب والتعاطي بين مكوناتنا على أساس المشتركات القومية والكنسية التي لا يختلف عليها إثنان من مكونات الأمة كلها ، وأن تتخلي كافة التنظيمات السياسية والمرجعيات الكنسية في كل ممارساتها عن ثقافة الأقصاء والألغاء ورفض واحتقار الآخر وعدم قبوله وفرض الارادة قسراً عليه ، والتعاطي معه بروح المحبة الأخوية واحترام ارادته وقراره واختياراته المستقلة في أن يكون كما يشاء أن يكون بأية تسمية قومية وبأي مذهب كنسي كان . إن باعتمادنا هذا المنهج بجدية ومصداقية وايمان سوف يجعلنا نكتشف خلال المسيرة الكثير من المشتركات القومية والمذهبية التي تجمعنا وهي أكثر بكثير مما يُفرقنا من الأسباب ، وهذا المنهج سوف يضع اللبنة الأولى في بنيان الوحدة القومية الحقيقية من دون اندماج واحداً في الآخر بل سيفتح الباب على الأندماج في العمل القومي المشترك من أجل الهدف الواحد وهنا تكمن الوحدة القومية الحقيقية الشاملة أن " نعمل سويةً " كل بطريقته وارادته المستقلة ، وسوف يكون السير بهذا المنهج بثبات وايمان بمثابة وضع الخطوة الأولى الموفقة على خارطة طريق الألف ميل نحو الوحدة القومية الشاملة لأمتنا مستقبلاً .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 16 / ت1 / 2015



104
من مفارقات الزمان ... أمم كيف تتهاوى وتنقرض وأخرى كيف تنهض من بين رُكام التاريخ
خوشــابا ســولاقا
الأمة التي لا تمتلك أرضاً تسكنها تحمل هويتها القومية كوطن ، ولها عليها بصمات تاريخية حضارية عميقة وإرث ثقافي يشهد لها متاحف العالم فإنها أمة غير موجودة ، ومن كانت لها وطن بهذه المقومات ورحلت عنه لأية أسباب فإنها أمة قد فقدت ذاتها وسارت نحو هاوية التهاوى والأنقراض ، كما هو حال أمتنا بكل مكوناتها الحالية من الكلدان والسُريان والآشوريين .
والأمة التي لم تكن لها أرض كوطن في يوم ما من التاريخ القديم والحديث وليس لها عليها بصمات تاريخية حضارية وارث ثقافي يشهد لها متاحف العالم  ولكنها تسعى الى التشبث بأرض غيرها لتطبع عليها بصماتها بقوة فإنها أمة في حالة من المخاض والنهوض من بين ركام التاريخ لولادة أمة جديدة جديرة بالحياة وهذا يحصل اليوم أيضاً في العراق الجديد .
إن ما دفعنا الى كتابة هذا المقال هو حضورنا ومشاركتنا في مناسبتين متشابهتين بطبيعتهما الرمزية القومية والكنسية ولكنهما كانتا في زمنين مختلفين تفصل بينهما خمسة وأربعون سنة من الزمن تلك المدة التي غيرت معالم وجودنا القومي بنسبة كبيرة تؤشر لنا بأن ساعة تهاوى وانقراض أمتنا في أرض الأباء والأجداد قد دنت وأقتربت من النهاية المؤلمة . فعندما عُدنا بخيالنا الى ما قبل خمسة وأربعون سنة وقارنا بين الموجود من بقايانا وبين ما كان موجوداً في ذلك الوقت شعرنا بطعنة خنجر مسموم تغرس في قلبنا ، وترقرقت الدموع في عيوننا وغارت قوانا العقلية من هول الكارثة التي باتت قاب قوسين وأدني لتحل بأمتنا ونحن صاغرين لا حول ولا قوة لنا لمنع وقوعها وسقوط أمتنا في هاوية الأنقراض والزوال من غير رجعة .
هكذا تبدو لنا الحالة الواقعية لأمتنا ، وإن كل مؤشرات التهاوى والأنقراض والزوال قائمة ... أمام هذا الشعور الذي انتابنا في لحظته وهذا المشهد الذي ارتسم أمامنا ونحن نشهد منظر حدوث الكارثة اجتاحنا حزناً وألماً كبيرين وقررنا أن نسطر لأبناء أمتنا الأخيار من المتشبثين بالبقاء في وطن الأباء والأجداد من أحفاد سنحاريب وآشور بانيبال ونبوخذنصر وسرجون الأكدي أن يستمروا ويقووا تشبثهم بالبقاء في أرض الوطن ذخراً للأجيال لأن في ذلك هي المحاولة الأخيرة لأنقاذ ما يمكن انقاذه من بقايا وجودنا القومي في أرضنا التاريخية ، وأعلموا أيها النجباء من أبناء أمتنا أنكم في المهاجر لستم أكثر من يتامى  ماتن أمهاتهم ..
بتاريخ الرابع من تشرين الأول الجاري حضرنا قُداس قَدّسَ له قداسة البطريرك الجديد لكنيسة المشرق الآشورية مار كوركيس الثالث صليوا الجزيل الأحترام في كنيسة مارت مريم في النعيرية والكيارة وكان الحضور متواضعاً للغاية مقارنة بحجم المناسبة الجليلة ، وكان لا يتجاوز عدد الحضور بالكثير عن ( 500 – 700 ) شخص من الآشوريين ومن شطري كنيسة المشرق الآشورية والقديمة ، وهذا الحضور بتقديرنا يشكل نسبة (60 – 70 ) % من العدد الأجمالي للآشوريين المقيمين في العاصمة بغداد في الوقت الحاضر ، وبعد اكمال القُداس تم تبليغ الحضور بأن تقديم التهاني لقداسته بمناسبة جلوسه على الكرسي الرسولي المقدس " لساليق – قطيسفون " سيتم في قاعة نادي الأنوار في حي الغدير حيث تم تحضير مركبات لنقل من يرغب بتقديم التهاني ، فتم نقل الحاضرين بعد تناول القربان المُقدس من يد قداسته الكريمة الى القاعة المشار إليها ، وهناك سادت الفوضى والأرتباك كالعادة ، وفجأة وبعد فترة قصيرة غادر قداسته القاعة برفقة النائب كنا الذي كان مرافقاً لقداسته طيلة الفترة كظل له لغرض لقاء رئيس مجلس النواب الدكتور سليم الحبوري ورئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي بحسب ما أشيع بين الحاضرين دون أن تعطى الفرصة للحاضرين بتهنئة قداسته ومباركة جلوسة على الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية ، وهكذا غادر الجميع القاعة بخيبة أمل في نيل بركات قداسته ، كان ذلك تصرفاً غير مقبولاً من المنظمين والمخططين لهذه المناسة ، حيث كان بالأمكان ترتيب اللقاء بالمسؤولين ليوم آخر لأنه في تقديرنا الشخصي أن لقاء الرعية له الأولوية على غيره من الأمور !!! .
ضمن هذه الفوضي عادت بنا الذاكرة الى ما قبل خمسة واربعون عاماً الى الوراء الى ذكرى القُداس الذي قَدّسَ له قداسة البطريرك مثلث الرحمات الشهيد مار إيشاي شمعون سنة 1970 م في كاتدرائية ما زيا في كرادة مريم في بغداد بمناسبة عودته الى أرض الوطن من منفاه الذي حصل على أثر أحداث سُميل سنة 1933 م والذي دام سبعة وثلاثون عاماً . حيث كان الحضور الى هذا القُداس ومن أتباع ومؤيدي قداسته فقط من أتباع التقويم الغريغوري الجديد من دون أتباع التقويم اليولياني القديم وغير الآشوريين كان بالألاف ، حيث استمر تناول القربان المقدس الى ساعة متأخرة من بعد الظهر ، فكنا نحن شخصياً وبعض الأصدقاء الطيبي الذكر منهم الكاتب القومي الكبير الأستاذ أبرم شبيرا على سبيل المثل لا الحصر من الحاضرين وكنا صائمين كما هي العادة والتقليد المتبع في كنيستنا فتأخرنا عن تناول القربان لكثرة الحضور وتجاوزت الساعة عن الثانية عشرة ظهراً ونال منا الشعور بالجوع قسطه ، فقلنا شخصياً لبقية أصدقائنا لنذهب الى أقرب مطعم لنأكل شيءً وقلنا مزاحاً إن قداسته سوف يغفر لنا  ويعفينا من الذنب لأننا حضرنا لتناول القربان من يده الطاهرة فذهبنا فعلاً الى مطعم للكباب العراقي وتناولنا وجبتنا ورجعنا الى الكنيسة وتناولنا القربان دون أن يكتسفنا قداسته للعلم !!! . إن مربط الفرس وبيت القصيد من كل هذا الحديث هو أين اختفت تلك الألاف من أبناء أمتنا ؟ الفرق شاسع بين ( 500 – 700 ) شخص وبين أكثر من عشرون ألف شخص ممن حضروا القُداسين . بالرغم من تشابه المناسبتين من حيث الرمزية القومية والكنسية والمضمون ، فالمناسبة الأولى كانت مناسبة عودة البطريرك المغترب المنفي كزعيم قومي وكنسي مشرقي الى أرض الوطن شامخاً مزهواً ، والثانية كانت مناسبة عودة الكرسي الرسولي المقدس لكنيسة المشرق الآشورية الى أرض الوطن الأم بعد ثلاثة وسبعون عاماً وجلوس الجاثاليق - البطريرك الجديد على هذا الكرسي الرسولي المقدس ... إنها لمفارقة غريبة حقاً بين زمنين تفصل بينهما أحداث مؤلمة كثيرة حصلت لأمتنا .
في الزمن الأول سنة 1970 م كان في استقبال مثلث الرحمات قداسة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون أكثر من مائة وخمسون ألف من الآشوريين لوحدهم ومن أتباع قداسته دون غيرهم واستمر الأستقبال الى ما بعد الساعة التاسعة مساءً ودخول المستقبلين الى ساحات القصر الجمهوري العراقي واستقبلهم وأطل عليهم رئيس الجمهورية في حينه المرحوم أحمد حسن البكر الى جانب قداسة المارشمعون من على شُرفة القصر الجمهوري وحيوا المستقبلين ملوحين بأيديهم . كان لأول مرة في تاريخ العراق الحديث يحصل ذلك وكان فعلاً حدثاً جللاً متميزاً ذي مغزى قومي ووطني ، وكانت المسيرة الأستقبالية من قبل الآشوريين قد أذهلت السلطات العراقية وسكان بغداد المتجاورين لخط سير المسيرة من مطار بغداد الدولي الى مدخل القصر الجمهوري ، وكانوا يقولون ويتساءلون من المشاركين في المسيرة من يكون هذا الشخص بهذه المكانة والأهمية الذي نال كل هذا الأستقبال المهيب ؟؟ .
أيها القارئ الكريم قِسْ على هذا الرقم الذي خرج في الأستقبال كم كان عدد نفوس الآشوريين لشطري كنيسة المشرق في بغداد العاصمة لوحدها ؟ ، وكم كان عدد نفوس الكلدان وكذلك السُريان الذي يفوق عدد الآشوريين أضعاف المرات ؟؟ ، كان العدد الأجمالي لأبناء أمتنا بكل مكوناتها في بغداد لا يقل عن ثلاثة أرباع المليون نسمة هذا سنة 1970 م ، وكم كان سيكون اليوم لو لم يهاجروا ؟؟ ، بأعتقادنا الشخصي كان لا يقل عن مليون وربع المليون نسمة على أقل تقدير ، ولكن مع الأسف إن العدد الحالي لأبناء أمتنا في بغداد العاصمة لا يتجاوز عشرات الألاف نسمة ، لأنه كما تناقص عدد الآشوريين تناقص بنفس النسبة عدد الكلدان والسريان ... نحن نتناقص بشكل مطرد ومريب ونترك أرضنا وأملاكنا ونرحل الى المجهول !!! ، والآخرين يستوطنون في أراضينا  ويستغلون قرانا وقصباتنا وبلداتنا وفق مبدأ الأرض لمن يرعاها ويسكنها ويزرعها ويعمرها ويسعون الى التمسك بها بأظفارهم وأسنانهم . هذه هي الصورة لأمة تحتضر تتهاوى وتسير نحو الانقراض والزوال في غياهب المهاجر الغريبة تاركة إرثها الحضاري وتاريخها ورائها للآخرين ، وأخرى تسعي للنهوض من تحت  رُكام التاريخ لأستقبال الحياة ، هذه هي سنة الحياة ومنطقها شاء من شاء وأبى من أبى .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 6 / ت1 / 2015

105
سياسة المحاور العسكرية بين أعداء الأمس ... هل هي ضرورة فرضتها الأخطار المشتركة وهي بالتالي سيناريو لهدف مشترك ؟؟
[/b][/color]
خوشابا سولاقا
كما هو معروفاً للجميع أن كل التنظيمات المتطرفة القومية منها والدينية كانت تاريخياً ومنذ نشوء المعسكر الأشتراكي وتمدد الفكر الماركسي الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية الى مناطق مصادر الثروة النفطية في الشرق الأوسط ومحيطه الجغرافي هي من صنع الأجهزة المخابراتية الرأسمالية الغربية ، حيث بادر المعسكر الرأسمالي في ظل هذا الواقع الى البحث عن الأدوات المناسبة للتصدي لهذا التمدد الذي بات يشكل خطراً على مناطق النفوذ بين المعسكرين وإيقافه عند حده ، فوجد المعسكر الرأسمالي في تعصب وتطرف وولاء الشعوب العربية والأسلامية للفكر القومي الشوفيني والفكر الديني الرافض للآخر المختلف خير وسيلة لمواجهة الخطر الشيوعي المتنامي والتصدي له ومنعه من استلام السلطة في هذه البلدان . وعليه انطلقت الأحزاب القومية الشوفينية ذات الفكر الأقصائي والشمولي بدعم ومساندة ومساعدة الأجهزة المخابراتية الغربية بعد الحرب العالمية الثانية فقفزت بعض هذه الأحزاب الى سدة الحكم في أغلب هذه البلدان الى جانب الأنظمة الملكية المؤسسة على الثيوقراطية والقبلية والعشائرية المغطاة بالفكر الديني في البعض الآخر منها ، فكانت النتيجة أن جميع تلك الأنظمة باتت تتحكم بقرارها ومصير ثرواتها وشعوبها الأجهزة المخابراتية الغربية وفي مقدمتها الـ CIA وكالة المخابرات المركزية الأمريكية من وراء الستار .
بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان تعاظم الخطر الشيوعي على المصالح الحيوية النفطية للمعسكر الرأسمالي في منطقة الخليج العربي ، وبات من المستحيل في ظل هذه المستجدات الأعتماد فقط على الحكومات التي تقودها التنظيمات القومية الشوفينية في هذه البلدان لوحدها في مواجهة الخطر المستجد الذي بات يدق الأبواب الأمامية للمناطق الساخنة ، فبادرت الأجهزة المخابراتية الغربية الى زج التنظيمات الدينية السلفية المتطرفة والمتشددة والمعروفة بحقدها وكراهيتها للشيوعية في الساحة الأفغانية ، فكانت النتيجة ظهور منظمة القاعدة الأسلاموية المتطرفة وأخواتها حيث تم تدريبها وتسليحها بأحدث أنواع الأسلحة والمعدات الحربية الأمريكية التي تفوق أحياناً نوعياً على ما بذمة الجيش السوفييتي بما فيها صواريخ " ستينكر " المحمولة على الكتف للتصدي للطائرات المروحية المقاتلة من قبل أمريكا وحلفائها كل بما يقدر عليه من الدعم لدحر الوجود السوفييتي هنال ، وكما تدفق إليها المتطوعين المتطرفين الأسلامويين من كل صوبٍ وحدب ومن كافة البلدان ، حيث كانت أمريكا تقاتل الجيش السوفييتي بأسلحتها على الأرض الأفغانية وبجيش جرار من المتطوعين المتطرفين الأسلامويين الذين يقودهم أسامة بن لادن وشركائه ، فكانت النتيجة لهذه الحرب غير المعلنة " الحرب بالنيابة " بين الأتحاد السوفييتي والولايات المتحدة سقوط النظام الشيوعي في أفغانيستان وسيطرة " عصابة الطالبان الأفغانية " على الحكم في أفغانيستان وخروج السوفييت مهزمين خائبين يجرون ذيول الخيبة والهزيمة المنكرة ورائهم وكان ذلك بالنتيجة في المقابل نصراً مبيناً وباهراً للأمريكان وحلفائهم في هذه الحرب التي كانت فيها الضحية الشعب الأفغاني المغلوب على أمره .
لحد هذه المرحلة كان التناقض الرئيسي العالمي وتحدياته قائماً بين النظام الشيوعي العالمي بقيادة الأتحاد السوفييتي والنظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . ولكن تزامن مع هذه المرحلة ما لم يكُن في الحسبان ألا وهو بدأ انهيار الأنظمة الشيوعية في بلدان شرق أوروبا بالتتابع بلد بعد آخر ، ثم أعقب ذلك انهيار وسقوط النظام السوفييتي بشكل دراماتيكي غير متوقع ، وعلى أثر هذه التحولات النوعية في المشهد السياسي العالمي تسيّدتْ الولايات المتحدة لوحدها على القرار العالمي باعتبارها باتت هي القوة الأعظم والوحيدة في العالم ، وانحسار النفوذ الروسي من التأثير في السياسة العالمية الى أقصى الحدود ، وحصل بالمقابل مداً كبيراً وهائلاً لتأثير النفوذ الأمريكي والغربي ، فأخذت الولايات المتحدة تتصرف لوحدها بحرية وكأنها شرطي العالم تتدخل في كل صغيرة وكبيرة من الشؤون لمختلف البلدان ، إلا أن تركيزها ظل مركزاً على بلدان مصادر الثروة النفطية تحديداً ، متناسية أن الدوافع التي دفعت بشعوب هذه البلدان لمحاربة المد الشيوعي فكرياً وعقائدياً باقية كما كانت تجاه الشيوعية ستبقى تجاه الغرب الغريب عنها ، لم ولن تتغير على ما نعتقد الى أمدٍ طويل .
بعد انحسار وانسحاب المعسكر الشيوعي في نهايات القرن الماضي بسبب الظروف الأقتصادية التي تراكمت على مؤسساته المالية والأقتصادية وحتى العسكرية وألأزمات المعاشية الكثيرة التي كانت تعاني منها شعوب هذا المعسكر المنهار ورجهان كفة الميزان لصالح الولايات المتحدة الأمريكية وتفوقه النوعي في سباق التسلح بعد اطلاق الرئيس الأمريكي رونالد ريغن لمبادرة الدفاع الأستراتيجي . بذلك تحولت التنظيمات الأسلاموية المتطرفة والمتشددة الصديقة للولايات المتحدة وشريكاتها الغربيات في أوروبا  بالأمس القريب الى عدوٍ لدود لها اليوم تحارب وجودها في بلدانها وحتى في عقر دارالدول الرأسمالية الغربية ذاتها  ، وبذلك تحول التناقض الرئيسي العالمي بعد انهيار المعسكر الشيوعي بين النظام الرأسمالي بقيادة واشنطن من جهة وبين الأسلام السياسي المتطرف والمتشدد بكل تنظيماته من القاعدة وداعش والنصرة وأخواتهُنّ التي لا تحصى ولا تُعَد السنية والشيعية من جهة ثانية .
بعد احتلال تنظيم داعش لأكثر من 30 % من مساحة العراق وسوريا في عام 2014 م واعلانها  " دولة الخلافة الأسلاموية " في هذه المناطق وفرض ارادتها وطقوسها ومفاهيمها الفكرية المتطرفة والمتخلفة على المتبقين من سكان هذه المناطق بالقوة القسرية وعاثت في الأرض قتلاً واجراماً واغتصاباً وباتت قواتها الهمجية على أبواب أسوار كل من بغداد ودمشق وبات خطرها يهدد دول الجوار ويقض مضاجع حكامها ومصالح دول الكبار البعيدة والقريبة في الصميم ، فأيقض ذلك الحدث النيام من السبات الطويل لأن النار باتت قريبةً منهم وتحرق أرجلهم ، فدق جرس الأنذار لديهم بالخطر المحدق بهم . فكانت النتيجة إعلان الضرورة  بتشكيل المحاور العسكرية العالمية الجديدة لمواجهة ومحاربة خطر الأرهاب لتنظيم داعش وشركائه .
هنا تساورنا الشكوك القوية حول مدى مصداقية وشفافية وجدية هذه المحاور ، محور " واشنطن - أنقرة – دول الخليج العربي – اوروبا  ( التحالف الدولي المعلن سابقاً بقيادة واشنطن ) " عبر بغداد ، ومحور " موسكو – طهران – دمشق " عبر بغداد أيضاً ، فصارت بغداد حلقة الربط المشترك المركزية بين المحورين . هنا هو بيت القصيد في الأمر  بين أن يكون تشكيل هذه المحاور ضرورة فرضتها الأخطار المشتركة وأن تكون سيناريو لاستدراج التنظيمات المتطرفة والمتطرفين الى فخ نصب لها في العراق وسوريا لسحقها وإبادتها عن بكرة أبيها ، وبين أن تكون مسرحية هزلية معدة لها سلفاً بين روسيا والولايات المتحدة وإيران لأبتزاز الدول النفطية في المنطقة لنهب ثرواتها من خلال تمويلها  للحرب المقبلة عبر هذين المحورين ؟؟ ... نأمل أن يكون الأحتمال الأول هو الدافع المرجح ، ولربما أن يكون إعلان تشكيل مثل هذه المحاور حافزاً وتشجيعاً للمتطرفين الأسلامويين في كافة الدول للتطوع والقدوم الى أرض دولة الخلافة في العراق وسوريا للدفاع عنها ليتم تجميعهم ثم شن عليهم حرب إبادة شاملة بكل ما لديهم من الوسائل الحربية لإلحاق الهزيمة المنكرة بهم وابادتهم عن بكرة أبيهم والقضاء عليهم عن آخرهم ، لربما يكون هذا هو السيناريو المخطط له لأن الأرهاب بات خطراً يدق أبواب الجميع ، ويهدد وجود ومصالح الجميع ، وعليه تكون عملية مواجهة الخطر المشترك وتدميره والقضاء عليه مهمة الجميع مهما كانت الخلافات بينهم بالأمس ، ويصبح في مثل هذه الحالة تحالف أعداء الأمس ضرورة موضوعية وملزمة اليوم عندما يلوح في الأفق خطراً مشتركاً يهدد مصالح الجميع ، وذلك عملاً بقول وينستون تشرشل رئيس وزراء بريطانية الأسبق خلال الحرب العالمية الثانية الذي صنع النصر لبريطانيا  العظمى حين قال " لا أصدقاء دائميون ولا أعداء دائميون وإنما مصالح دائمة " .
 إن ما ليس مستطاعاً فهمه واستعابه لحد الآن هو كيف تحول أعداء الأمس الى حلفاء بين ليلة وضحاها وبهذه السرعة ؟؟ ، ثم ماذا يعني هذا الأنقلاب الثوري والفوري في المواقف ؟؟ ، إنه يعني واحد من الأحتمالين عند قراءة الموقف من وجهة نظر سياسية تحليلية خالصة ، أما أن خلافاتهم بالأمس كانت خلافات مسرحية مصطنعة لتضليل الفرائس في المنطقة ، أو أن خطر الأرهاب كبيراً للغاية بحيث يتطلب تجميد الخلافات والعداوات المصلحية الثانوية ووضعها جانباً من أجل مواجهة ما يهدد المصير والوجود والقضاء عليه ؟؟ ، ثم هل من المعقول أن الذي صنع داعش كورقة لعب لأبتزاز دول المنطقة لم يدرك مخاطرها في حينها عندما يقوى عودها ليضع لطموحها حدوداً ويرسم لها خطوطاً حمراء لا يجوز لها تجاوزها ؟؟ . إن ظهور محوري الحرب المرتقبة التي بدأت مقدماتها الأولى منذ أمدٍ ليس بقصير في كل من العراق وسوريا وماتوا مئآت الألاف من أبناء الشعبين جرائها بشكل فجائي ودراماتيكي وغير قابل للتصديق ، هل معقول أن اميركا وحلفائها في العالم والمنطقة سوف يقاتلون الى جانب أعدائهم التقليديين روسيا وايران وحليفهما المدلل الرئيس السوري بشار الأسد في محاربة عدوٍ مفترض ومشترك المسمى " داعش " وشركائها في العالم ؟؟ ، هل من المعقول أن خطر إرهاب داعش قد وصل الى هذا الحد من التحدي الذي يتطلب هذا التحالف العالمي للقوى العظمى  لمواجهته ومحاربته ؟؟ ، فإن كان الأمر كذلك فهذا يعني إن العالم بات على عتبة الأنتقال الى مرحلة جديدة من التعايش السلمي الخالية من عدوان الفكر المتطرف بكل أشكاله في صناعة الحروب المدمرة ، وأن الأمبريالية العالمية قد أدركت خطأ سلوكها في خلق الحروب وتصديرها للآخرين بات سلوكاً لا يخدم مصالحها الحيوية في العالم وأن البديل الأفضل هو التعاون النزيه والشريف وتبادل المصالح المشتركة مع الشعوب الأخرى هو السلوك الأنجع لضمان استمرار مصالحها والمحافظة عليها !!! ، فإن صح هذا التوقع فانه سوف يجعل البشرية تعيش بسلام وأمنٍ وأمان ، وهذا هو حلمها الأزلي للعيش بحرية وكرامة ، ولكننا نشك في مصداقية هذا التوقع المتفائل ونميل الى افتراض وجود غرض آخر مخفي ربما يظهر لاحقاً تكشفه لنا نتائج الحرب المقبلة .
وبحسب ما تسرب الى وسائل الأعلام من معلومات عسكرية مثيرة للغاية في تحشيد الأمكانيات العسكرية في المنطقة لأنطلاق الحرب ضد الأرهاب والتي وصلت إلينا بطريقة ما ندرج لكم منها الآتي لزيادة المعلومات لغرض مساعدتكم في تقييم حجم المخاطر المتوقعة على كل من العراق وسوريا .
-   قوات روسيا ومعدات عسكرية ضخمة وصلت الى مدينة اللاذقية السورية حيث وصلت ثلاثة آلاف جندي من المشاة من أصل 90 ألف سيصلون تباعاً على شكل وجبات متعاقبة في الأيام والأسابيع القادمة .
-   تعزيزات بشرية ومعدات عسكرية وصلت الى المناطق الكوردية لتعزيز خطوط الدفاع .
-   قوات من كوريا الشمالية وصلت وانتشرت في نواحي درعا السورية .
-   سماء سوريا باتت ممتلئة بأنواع الطائرات المقاتلة ومن مختلف الجنسيات من الحلفاء والأعداء .
-   أمريكا تزيد أعداد طائراتها الحربية بكل أنواعها وترسانتها العسكرية في العراق والأردن وتركيا واسرائيل استعداداً للحرب .
-   قوات إضافية من الحرس الثوري الأيراني تصل الى سوريا وتنتشر ناحية القنيطرة السورية .
-   اسرائيل تستنفر وحداتها العسكرية وتتحرك دبلوماسياً وتتحضر عسكرياً لأي طارئ محتمل يهدد أمنها .
-    قوات النخبة التابعة لحزب الله اللبناني تعيد انتشارها وتموضعها بحسب متطلبات الوضع المستجد .
-   قيادة الأركان السورية تُبلغ القادة العسكريين بالتحضير للمرحلة القادمة .
-   قوات خاصة من الحشد الشعبي العراقي تصل سوريا وتنتشر في مواقع مختلفة .
-   الأردن يحشد قواته في المناطق الحدودية مع سوريا والعراق ، وطائرات خليجية اضافية تهبط في الزرقاء وعمّان .
-   تركيا تُكمل حفر الخنادق واقامة السواتر الترابية ، وقوات اضافية تصل الى مناطق الحدود مع سوريا .
-    أطراف المعارضة السورية تتلقى أوامر من مموليها باتخاذ تدابير وقائية تحسباً لأي غارات وهجمات متوقعة .
-   داعش تحفر الخنادق وتعلن النفير العام بين قواتها استعداداً للمواجهة المرتقبة .
-   البرلمان الياباني يُفوض القوات العسكرية للقتال خارج حدود البلاد
-   بوارج وسُفن حربية ومدمرات صينية تعبر قناة السويس متوجهةً الى سواحل البحر المتوسط وبلاد الشام .
في الحقيقة وعلى ضوء هذه الأستعدادات العسكرية الضخمة نحن أمام مشهد مخيف ومرعب ولكنه في ذات الوقت مشهد واقعي في ظل هذه المستجدات على الأرض ... هل ستكون هناك حرب دولية ضد إرهاب داعش ؟؟ ، ومن ثم تليها تسوية سياسية لوضع حد للأزمة السورية التي هي مفتاح الحل بحسب تحليلات الخبراء والمراقبين السياسيين في العالم ؟؟ ، أم أنها ستكون ارهاصات وبدايات الحرب الكونبة المنتظرة ؟؟ ، نأمل أن لا يكون الأمر كذلك وأن تتوقف الحرب عند حدود القضاء على إرهاب داعش وأمثالها من التنظيمات الأرهبية المتطرفة الدينية والقومية ، وأخيراً نقول " هل ستجري الرياح كما تشتَهي السَفَن ؟ " ..... نتمني ذلك .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 30 / أيلول / 2015    
[/color][/b]

106
العراق ... يحتاج أحزاب دولة لا دولة أحزاب
خوشابا سولاقا
الدولة أية دولة حديثة تدعي الديمقراطية من المفروض بها أن تكون مؤسسة خدمية رصينة تقدم خدمات لمواطنيها بأفضل صورة وتعمل على حمايتهم من أي عدوان خارجي أو تآمر داخلي يستهدف أمنهم وزحزحة استقرارهم وسيادتهم الوطنية ووحدة أراضيهم ، وحماية ممتلكاتهم وأموالهم وأرضهم وعِرضهم من عبث العابثين وسراق المال العام والفاسدين والمتجاوزين بقوة القانون وأحكام الدستور ، فالدولة هنا كمؤسسة هي خادمة الوطن والمواطن وحاميتهما ، لذلك فأن بناء دولة فاعلة بكل مؤسساتها لخدمة الوطن والمواطن وحمايتهما هي الغاية بذاتها ، ولبناء هكذا دولة لا بد من وجود آليات تفضي الى هذا البناء الرصين الذي يفرض احترامه ويهابهُ الجميع كحكام وكشعب من دون استثناء ، لأن الجميع سوف يرون فيه الحامي والحارس الأمين على ممتلكاتهم ومصالحهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة . من تلك الآليات التي تساهم في بناء هكذا دولة هي ضرورة تأسيس لثقافة سياسية وطنية وخلق وعي الشعور بالمسؤولية تجاه الآخر لدى الحاكم والمواطن ، والحرص على أموال وممتلكات الدولة وتقديم المصلحة الوطنية العامة على المصالح الفرعية والخاصة لكل مسؤول ولكل مواطن ، وإن وجود هكذا ثقافة يضمن بناء دولة الخدمات بأرقى مستوياتها .

من الذي يؤسس وينشر هكذا ثقافة سياسية وطنية ؟؟

إن الذين من المفروض بهم أن يؤسسون وينشأون وينشرون  هكذا ثقافة هي المؤسسات الثقافية والتربوية والتعليمية والمهنية الرسمية وغير الرسمية مثل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني بكل تنوعاتها والنقابات والأتحادات والجمعيات ، يسعى الجميع الى وضع الأسس الرصينة وتهيئة الأرض الخصبة لنمو وانتشار هكذا ثقافة سياسية وطنية في المجتمع الوطني لضمان حقوق الوطن والمواطن من المصادرة والتطاول عليها .
في جميع بلدان العالم ذات الأنظمة الديمقراطية الرصينة تأتي عناصر مؤسسات الدولة التشريعية المتمثلة بالبرلمانات والتي منها تنبثق السلطتان التنفيذية المتمثلة بالحكومة بكل مؤسساتها والقضائية بكل تفرعاتها وتخصصاتها من خلال انتخابات شعبية حرة لتمثل الشعب كمصدر للسلطات . هكذا يصبح الشعب مصدر وصاحب السلطة الحقيقي والبرلمان والحكومة والقضاء موظفين لديه يعملون بموجب الدستور ويطبقون القانون بحرفية ومهنية عالية بالتساوي على الجميع بحسب مبدأ الثواب والعقاب . هذه هي التراتُبية التي يسير عليها بناء دولة الخدمات وفق النهج الديمقراطي والفلسفة الديمقراطية في الحكم . الأنتخابات هي مجرد آلية لاختيار الشخص المناسب للمكان المناسب في السطات الثلاثة بحسب معايير الكفاءة والنزاهة والولاء الوطني .
لكن من يقرر نتائج هذه الآلية ؟؟ ، إنه بالتأكيد هم الفائزون من المتنافسون في الانتخابات الوطنية العامة من أحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي يتوزع دعمها وتأييدها لهذه الأحزاب ذات الأيديولوجيات المختلفة حول آليات بناء الدولة ولكنها متفقة على وحدة الهدف الوطني ألا وهو خدمة الوطن والشعب ، وليس الهدف من الفوز في الانتخابات والوصول الى السلطة هو استغلال وتسخير مؤسسات الدولة ومواقع المسؤولية لصالحها وقياداتها تحديداً . إن أحزاب الصنف الأول هي من نسميها " أحزاب دولة " لأنها تهدف من خلال وصولها عن طريق الانتخابات الديمقراطية الحرة الى السلطة بناء دولة المؤسسات الدستورية والقانونية لخدمة الوطن والشعب ، وأما أحزاب الصنف الثاني التي تصل الى السلطة عن طريق الانتخابات بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة تهدف الى استغلال الدولة بكل مؤسساتها ونهب أموالها وتحويلها الى " دولة أحزاب " ، يحكمون ويتصرفون بشؤون الدولة كأن الدولة كعكة يتقاسمونها فيما بينهم ولا يعنيهم أمر الشعب لا من قريب ولا من بعيد بشيء . هكذا هي طبيعة العلاقة الجدلية التكاملية بين " أحزاب دولة " و " دولة أحزاب " في هذه المعادلة المعقدة . لقد سبق وإن بينا أن بناء دولة فاعلة بكل مؤسساتها لخدمة الوطن والمواطن وحمايتهما هي " الغاية بذاتها " ، فإن وجود الأحزاب السياسية المتنافسة في الأنتخابات والمدعومة من مؤسسات المجتمع المدني للفوز بالسلطة هي " الوسيلة " التي تبني تلك الدولة ، فالأهم هنا في هذه العملية هو الباني أي " الوسيلة " وليس البِناء أي " الغاية " ، فإذا كانت الوسيلة الخالقة نبيلة وشريفة وصالحة تكون الغاية الوليدة نبيلة وشريفة وصالحة والعكس صحيح أيضاً .

ما الذي ينطبق على وضع العراق الحالي ؟؟

عندما نفرش وضع العراق القائم بعد 2003 م على هذه الخارطة بحسب الوصف الذي ذكرناه ونقارن خطوط التشابه والتلاقي والتقاطع بين الحالتين سوف نجد تطابقاً كاملاً  مع حالة " دولة أحزاب " وليس مع حالة " أحزاب دولة " ، حيث نجد أن في العراق اليوم أحزاب تتصرف بمزاجية وعبثية المراهقين السياسيين بعدين كل البعد عن المنهج السياسي الناضج والقويم في إدارة شؤون الحكم والدولة ، ونراها هي في وادٍ والشعب في وادٍ آخر ، حكمت هذه الأحزاب وتحكم  بسياسة عشوائية حمقاء وغبية قادت البلاد من ورائها الى الخراب والدمار والهلاك ، وبات مصير ومستقبل العراق مجهولاً كالريشة في مهب الرياح العاتية ، وهي لا تبالي بما يحصل حولها في البلاد من كوارث وحروب وقتل وسفك للدماء البريئة لشبابه ، بل أن  كل همها مُنصب  للأستحواذ على أكبر قدر ممكن من السحت الحرام على حساب تعاسة وبؤس الشعب العراقي  المبتلي بشرهم اللعين .
إن الأحزاب المتنفذة للأسلام السياسي الشيعية والسنية والأحزاب القومية لكافة القوميات الكبيرة والصغيرة المشاركة في العملية السياسية العرجاء التي تحكم العراق اليوم ، وتتحكم بقراره السياسي ومقدراته وأمواله هي جميعها من دون استثناء ليست " أحزاب دولة " ، أي أنها ليست أحزاب مؤهلة فكرياً وقادرة على بناء دولة خدمات ديمقراطية متطورة حديثة تخدم الوطن والمواطن على أساس الولاء الوطني وحده ، وتحميهما وتصون كرامتهما وسيادتهما الحرة المستقلة ، بل هي أحزاب حولت العراق الى ملك خاص بهم تتصرف به كما تشاء وحسب ما تقتضي مصالحها الحزبية ومصالح قياداتها الشخصية ، أي باتت دولة العراق " دولة أحزاب " كسوق تجاري يخضع لقانون العرض والطلب ، وعليه نعتبر الأحزاب المتنفذة الحاكمة في الدولة الأتحادية وفي الأقليم بأنها كانت نقمة على العراق وليست نعمة كما ينبغي أن تكون ، ولذلك تداعت أوضاع العراق الأمنية والسياسية والأقتصادية بشكل مريع وتراجع نحو الخلف سنوات طويلة بالرغم من تعاظم موارده المالية من مبيعات النفط للسنوات العشرة الماضية ، وبات شعبه يعيش في فقر مدقع كأفقر شعب في أغنى بلد في العالم ، وبات العراق وشعبه موضع تندر الآخرين في هذا المجال !!! ، وهو اليوم مهدد بالأنهيار والأفلاس المالي كما تنبأت بذلك بعض التقارير المالية الدولية والأممية ، إنها حقاً الكارثة بعينها التي ستحل بالعراق  جراء هذه السياسات الحمقاء والقصيرة النظر . في ظل هذا الواقع الخطر المحدق بالعراق من حقنا أن نتساءل كما يتساءل كل مواطن عراقي حريص على وطنه ... ما هو الحل الأمثل ومن هو المنقذ والمُخلّص ؟؟ ، نحن نرى ونقول إن الحل الأمثل والأفضل والذي لا بديل له هو :-
أولاً : اصلاح وتغيير النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والأثنية الى نظام الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية  الحرة والمستقلة في قرارها الوطني . واصلاح وتطهير القضاء والمحافظة على استقلاليته ، واجتثاث الفساد والفاسدين في مؤسسات الدولة ، وحصر السلاح بيد القوات المسلحة الرسمية التابعة لأجهزة الدولة دون سواها لكي لا تكون هناك دويلات داخل دولة .
ثانياً :
فصل السياسة عن الدين كلياً للمحافظة على نقاء الدين  ولكي لا تلوثه وتسيء إليه وتسييسه بحسب أهوائها الدنيوية بغرض  تغيير النظام نفسه الى النظام الذي يخدم العراق وشعبه ويحمي الدين في نفس الوقت بشكل حضاري متمدن .
ثالثاً : تعديل الدستور الحالي من خلال تشكيل لجنة مختصة من القانونيين المستقلين عن الأحزاب السياسية الحاكمة لهذا الغرض وكتابة دستور وطني جديد مبني على مبدأ ورؤية تحقيق العدالة والمساواة والانصاف بين مكونات العراق القومية والدينية والمذهبية من دون تمييز وفق الخصوصيات الفرعية مهما تكون طبيعتها وكينونتها القومية والدينية والمذهبية .

 والمنقذ المُخلّص الوحيد هو الشعب من خلال استمراره في تظاهراته الثورية المليونية بقوة وبعنفوان للضغط على قيادات النظام القائم باتجاه تعميق وتعزيز وترسيخ الأصلاحات الجذرية الحقيقية حتى وإن جاء ذلك على مراحل متوالية بحسب متطلبات الظروف الموضوعية للعراق وما يعانيه من التحديات الكبيرة .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 23 / أيلول / 2015



[/b][/b][/b]

107
تسييس القضاء وأجهزة الرِقابة يفضي الى شيوع الفساد في مؤسسات الدولة
خوشــابا ســولاقا
لغرض تسليط الضوء على علاقة تسييس القضاء وأجهزة الرقابة بكل تشكيلاتها بشيوع الفساد بكل أشكاله في مؤسسات الدولة نعود الى مبدأ أو بالأحرى قانون " السبب والنتيجة " . لتحليل هذه العلاقة بشكل علمي دقيق .
لا يمكن للفساد أن يظهر وينتشر ويتحول بالتالي الى ظاهرة اجتماعية تسود كل مفاصل مؤسسات الدولة وأجهزتها والتطاول على المال العام والعبث بكل ممتلكاتها في ظل وجود أجهزة رقابية نزيهة ونظيفة وكفوءة ومقتدرة رصينة تراقب وتتابع عن كثب كل ما يحصل هنا وهناك في أجهزة الدولة من فساد وتجاوز وخرق للقوانين والتعليمات والضوابط من قبل الفاسدين والسراق والعابثين دون أن يتم ملاحظته والتصدي له ، وأن تأخذ هذه الأجهزة الرقابية بحكم اختصاصها دورها كعيون ساهرة على أموال وممتلكات الدولة لحمايتها من عبث العابثين وبالتعاون مع أجهزة السلطة القضائية العادلة والمستقلة والحازمة والصارمة في الأقتصاص من الفاسدين وسراق المال العام والعابثين بممتلكات ومقدرات الدولة في استثمارها لمنافع شخصية .
من هنا نجد أن العلاقة بين السلطات القضائية بكل اختصاصاتها والسلطات الرقابية المتمثلة بهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين ودوائر الرقابة المالية الداخلية منها وهيئة الرقابة المالية هي علاقة عضوية تكاملية لا انفصام بينها لأداء الغرض المطلوب في حماية أموال وممتلكات الدولة من أي عبث وتلاعب وتجاوز وسرقات ، إلا في حالة وجود خلل في هذه العلاقة ، عندها فقط سوف تتوفر الفرص أمام شيوع الفساد المالي والاداري في مفاصل مؤسسات الدولة .

متى تختل هذه العلاقة ؟؟
تختل هذه العلاقة بين السلطات القضائية والسلطات الرقابية من جهة وبين شيوع الفساد في مؤسسات الدولة من جهة ثانية ، عندما تخرج هاتين السلطتين  ( القضائية والرقابية ) عن حياديتهما واسقلاليتهما في قرارهما ويتم تسييسهما من قبل السلطات التنفيذية وأحزابها المتنفذة  وتسخيرهما لصالحها لتنفيذ مآربها غير المشروعة على حساب المصلحة الوطنية العليا ، عندها تتحول هاتين السلطتين الى أداة رخيصة مبتذلة بيد السياسيين لتنفيذ ما يطلب منها لصالح هذا الطرف أو ذاك ضد الطرف الآخر والمصلحة العامة ، حيث يتحول في ظلها في هذه الحالة الأسود الى أبيض وبالعكس ويصبح الباطل حقاً مبيناً والحق يتحول الى باطل يستحق الادانة . في ظل هذا الواقع سوف يفقد القانون احترامه وسلطته في نشر العدالة والمساواة ، وسوف تفقد الدولة كمؤسسة خدمية هيبتها وهيمنتها على المجتمع وتعجز عن توفير الأمن والأمان للشعب ، وتسود محلها هيبة وسلطة مافيات الفساد والجريمة المنظمة التي تحميها المتنفذين في السلطة التنفيذية ، أي بمعنى أن تسييس القضاء وأجهزة الرقابة يفضي الى فقدان سلطة القانون وهيبة الدولة ونهايتها كمؤسسة ، وشيوع الفساد بكل أشكاله ، أي أن تسييس القضاء والأجهزة الرقابية للدولة من قبل السياسيين المتنفذين في الحكومة هو السبب في شيوع الفساد وتحوله الى ظاهرة اجتماعية ومهنية وظيفية تُحترف وتُمارس بحرية من قبل كبار المسؤولين في أجهزة الدولة بشكل شبه علني تحت حماية القانون المسيس من دون وجود من يردعهم ويضع حداً لهم كما هو ذلك جلياً في حالة العراق اليوم حيث الفساد ينخر في جسد الدولة وحولها الى مرتعاً آمناً للفاسدين وسراق المال العام والمجرمين من دون أن تطالهم يد القانون لتحاسبهم . [/b]
 
كيف يتم محاربة الفساد واستئصاله من أجهزة الدولة ؟؟
إن معالجة أية مشكلة أو أزمة مهما كانت طبيعتها أو أية ظاهرة اجتماعية أو ظاهرة سياسية يتم من خلال معالجة واستئصال أسبابها الحقيقية ، هكذا يقول العقل السليم والمنطق القويم ، وبما أن كون شيوع الفساد في مؤسسات الدولة هو النتيجة الطبيعية بسبب تسييس القضاء والأجهزة الرقابية ، وبالتالي إخضاعهما لارادة المتنفذين في السلطة التنفيذية ، ويعني التسييس هنا بمفهومه العلمي الأفساد الممنهج بعينه . لذلك فإن المحافظة على استقلالية القضاء بكل اختصاصاته والأجهزة الرقابية بكل تشكيلاتها بعيدة عن تأثيرات وتدخلات السياسة والسياسيين في شؤونهما وقرارهما أمر في غاية الأهمية لمنع شيوع الفساد المالي والاداري واستفحاله في مؤسسات الدولة كافة . عليه فإن نقطة البداية في مسيرة مكافحة واستئصال الفساد من مؤسسات وأجهزة الدولة تبدأ بتطهير القضاء والأجهزة الرقابية من الفساد ، وهنا نقصد بكلامنا بالتطهير منع تسييس القضاء والأجهزة الرقابية ، ومن دون ذلك لا يمكن أن يكون هناك مكافحة للفساد وتداعياته ونتائجه المدمرة لكيان الدولة وهيبة القانون وسلطانه . ولغرض مراقبة ومتابعة استقلالية القضاء والأجهزة الرقابية المالية والادارية والتجارية يتطلب الأمر تشكيل هيئة باسم " هيئة الرقابة الوطنية العليا " من ذوي الأختصاصات الكفوءة والنزيهة ترتبط بمجلس النواب وتحت إشراف رئيس الجمهورية المباشرة تقوم بمراقبة وتقييم أداء السلطة القضائية والأجهزة الرقابية في كل ما يخص القرارات الأستراتيجية المعنية باستثمار أموال الدولة ، أو من خلال إيجاد أية آلية أخرى مناسبة لحماية استقلالية القضاء والأجهزة الرقابية ومنع الحكومة من تسييسهما وفرض إرادتها عليهما وجعلهما جزءً منها عملياً كما كانت الحالة في عهد السيد نوري المالكي رئيس مجلس الوزراء السابق .
لذلك نقول متيقنين ومتأكدين أن الأصلاح العام لوضع البلاد لا بد أن يبدأ من خلال إصلاح القضاء بكل تشكيلاته واختصاصاته والأجهزة الرقابية المتمثلة بهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين وأجهزة الرقابة المالية كافة . كما نرى يكون من الأفضل حل هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين لأنها تحولت الى وسائل لأبتزاز الفاسدين ومشاركتهم في الغنائم مقابل التغطية عليهم وحمايتهم من سلطة القانون بدلاً من أن تكون أجهزة فعالة لردعهم وملاحقتهم واحالتهم الى القضاء لينالوا جزائهم العادل ، والبديل هو تفعيل دور وسلطة أجهزة الرقابة المالية وتوسيع صلاحياتها في ملاحقة ومحاسبة الفاسدين وسراق المال العام والمتجاوزين على حقوق الدولة والعابثين بممتلكاتها ومقدراتها واحالتهم الى القضاء بحسب القانون الجنائي وإعتبار ممارسة الفساد وسرقة المال العام خيانة وطنية عظمى  يعاقب عليه القانون بما يقتضي . 
إن التجربة العملية مع هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين قد أثبتت بالبرهان والدليل القاطع أن وجودها في مؤسسات الدولة بات شريكاً للفاسدين وسراق المال العام وحامياً لهم وليس رادعاً كما يجب أن تكون . لذلك فإن إلغائها باتت ضرورة وطنية ملحة يخدم حملة مكافحة الفساد وتعظيم الموارد المالية وتقليص الصرفيات للدولة ، وقد أشار الى هذا الجانب بوضوح السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي في إحدى خطاباته حين قال أن الأجهزة الرقابية لا ضرورة لوجودها عندما تكون جباياتها أقل من صرفياتها ،  إضافة الى كون اجراءات هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين في دوائر الدولة لا تعدو أكثر من كونها إجراءات شكلية غير منتجة ، وهي بالتالي مجرد محاولات التشبث بغرض ابتزاز العاملين في تنفيذ المشاريع ، وكيف تؤدي هذه الأجراءات في نهاية المطاف الى تأخر تنفيذ هذه المشاريع . وهذه الحالة هي ظاهرة مستشرية يعاني منها الفرق الفنية التنفيذية في تنفيذ مشاريع الدولة ، أي بمعنى أن هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين التابعين لها أصبحت نقمة على الدولة بدلاً من أن تكون نعمة لها .
في النهاية نقول لمن يريد القضاء على الفساد الذي بات ينخر في جسد الدولة العراقية عليه أن يبعد القضاء والأجهزة الرقابية بعيدة عن التسييس وتأثير الأحزاب السياسية ، ويحافظ على إبقائها أجهزة مستقلة بكل ما تعنيه الكلمة من معني ، وإلا سوف لا يكتب لمكافحة الفساد واستئصال جذوره النجاح . الا أن تنفيذ مثل هذه المهمة يحتاج الى رجل دولة حكيم وحازم وصارم وذي كارزمة قوية تجعله يتمتع بالقدر الكافي من الشجاعة والحنكة والمهارة السياسية ليتخذ هكذا قرارات حاسمة وجريئة لوضع الأمور في نصابها الصحيح . مثل هكذا رجال شجعان اصحاب القرارات الشجاعة يخرجون كما قيل قديما ً من قبل أجدادنا من تحت العباءة فجأة ، فهل سيكون الدكتور حيدر العبادي واحداً من أولائك الرجال الشجعان ، ويخرج من تحت عباءة حزبه وتحالفة الوطني ويتخذ القرارات الشجاعة التي تعيد الأمور الى مجاريها في العراق ليثبت للعراقيين بأنه هو الرجل المنتظر الذي يحقق أمالهم وأحلامهم ؟؟ . على ما يبدو لنا شخصياً لحد هذه الساعة أن الدكتور العبادي ليس كذلك ، ونتمنى أن نكون مخطئين في استنتاجنا .

خوشـــابا ســـولاقا
16 / أيلول /  2015


[/b]

108
ثورة الأصلاحات الشاملة في العراق الى أين ؟؟
خوشـــابا ســـولاقا
كما هو معروف للجميع ، ولا يخفي على أحد من العراقيين المهتمين بالشأن السياسي أنه عندما تولى الدكتور حيدر العبادي مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء بعد إزاحة نوري المالكي مرغماً ، كان أمام تحديات كبيرة وصعبة تواجه العراق دولةً وحكومةً وشعباً وكما يلي : -
أولاً : تحدي محاربة الأرهاب الداعشي الذي يحتل ويسيطر على أكثر من 40 % من مساحة العراق لتحرير الأرض والانسان واعادة النازحين الى سُكناهم .
ثانياً : تحدي الأزمة المالية والنقدية التي تعصف بالبلاد بسبب الأنخفاض الكبير في أسعار النفط في السوق العالمية من 114 دولار للبرميل الى حدود 40 دولار للبرميل الواحد وهذا ما خلق عجز في الموازنة بحدود 50 % لهذا العام 2015 م .
ثالثاً : تحدي الترهل الكبير في هيكلية الدولة بكل اجهزتها الادارية والأمنية والعسكرية كنتيجة طبيعية فرضتها متلطلبات نظام المحاصصة الطائفية والأثنية وهذا ما يساهم في استنزاف موارد البلاد من دون مقابل .
رابعاً : تحدي انتشار الفساد المالي والاداري الذي يضرب بأطنابه في كل مفاصل الدولة المدنية والأمنية والعسكرية ، مما أدى الى استنزاف موارد البلد المالية  وتأخر أنجاز مشاريع التنمية الأقتصادية .
خامسًا : تحدي وجود طابور خامس من القطط السمان من القيادات الفاسدة المنتفعة والمرتبطة بالنظام السابق ( نظام نوري المالكي ) الذي يسعى بكل امكانياته لأفشال حكومة الدكتور العبادي والعودة بنوري المالكي الى الحكم من جديد وهذا أخطر التحديات الذي يَشل الحكومة من القيام يتنفيذ مهامها .
سادساً : تحدي اشتداد الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة لأسباب معروفة من جهة ، واشتداد الصراع القومي بين الدولة الأتحادية وحكومة الأقليم الكوردستاني والذي ألقى بظلاله السلبية على الواردات النفطية للعراق من جهة ثانية .
كل هذه التحديات الكبيرة وطبيعة النظام السياسي المحاصصي المتهريء الفاشل جعلت من أهمية اطلاق ثورة الأصلاحات الشاملة في بنية النظام السياسي والدولة ضرورة موضوعية ملحة لا بد منها لانتشال العراق من واقعه المأساوي هذا . إلا أن ذلك كان يحتاج الى شرعية قانونية وشعبية لأنطلاق  ثورةالأصلاحات الشاملة ، فكانت البداية من البصرة حيث انطلقت التظاهرات على أثر تردي وضع خدمات الكهرباء ومن ثم عمت التظاهرات المليونية كل مدن وقصبات محافظات الوسط والفرات الأوسط والجنوب والعاصمة بغداد بشكل شامل وبأساليب سلمية متحضرة وانتشرت بقوة كالنار في الهشيم وأصبحت تقليداً أسبوعياً في كل يوم جمعة تطالب بالأصلاحات الشاملة في بنية النظام السياسي وتعديل الدستور واصلاح القضاء ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين واحالتهم الى القضاء واستعادة الأموال المسروقة الى خزينة الدولة ، وجاءت فتاوي ومطالبة المرجعية الدينية في النجف الأشرف متناغمة ومنسجمة وداعمة ومساندة لمطالب الشعب المطروحة عبر التظاهرات الشعبية المليونية ، وعلية جاءت هذه الفتاوي التي طالبت الحكومة بالأسراع والأستجابة لمطالب الشعب ورقة ضغط هائلة الى جانب ضغط التظاهرات الشعبية المليونية كقرار الحسم بضرورة إجراء ثورة من الأصلاحات لأخراج العراق من أزماته المستعصية والمزمنة بتخليصه من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت وتشكيل حكومة التكنوقراط من المختصين المستقلين ، وبذلك تغيرت المعادلة السياسية في الشارع العراقي ومالت كفة الميزان لصالح الشعب ، فأرغمت الدكتور العبادي على أطلاق حزمته الأولى من الأصلاحات ، ثم توالت الحزم الأخرى تباعاً جمعة بعد جمعة ، وفي المقابل اكتسبت التظاهرات المليونية عنفواناً وزادت من ضغطها ورفعت من سقف مطالبها الأصلاحية ، وزادت المرجعيةهي الأخرى من جانبها ضغطها على الحكومة من خلال خطبة أيام الجمعة وتحذير الحكومة من محاولة تسويف  تنفيذ الأصلاحات التي أعلنتها والألتفاف عليها بإجراءت ادارية ترقيعية ، وبذلك أصبح الدكتور العبادي بين حجري الرحى حجر التظاهرات وحجر المرجعية ، وعليه أن يختار بين البقاء في قوقعه الحزبي والتحالف الوطني وبين التحول الى حزب الشعب والولاء للمرجعية ليلتزم بتنفيذ حُزم إصلاحاته . إنه أمام خيار صعب حقاً، فإذا اختار العبادي البقاء في القوقع الحزبي والولاء له فإن ذلك سيكون بمثابة انتحاره سياسياً على المستوى الوطني والحزبي لأن شركائه في الحزب سوف يذموه بأقذع النعوت ، وقد يتهمونه حتى بالخيانة الحزبية ، بينما إذا اختار الأنتقال والوقوف مع الشعب والمرجعية ويستمر في اصلاحاته المعلنة فسوف يدخل تاريخ العراق الحديث من أوسع أبوابه وسوف يكتب تاريخة واسمه بحروف من ذهب  .
إلا أن الدكتور العبادي لحد الآن لم يحسم أمره ويتخذ قراره المفروض أن لا يتأخر في إتخاذه ، لأن تأخيره ليس في صالحه الشخصي ولا في صالح العراق وشعبه ... إن الشعب والمرجعية قد أعطت الوقت الكافي للعبادي لحسم موقفه النهائي واتخاذ قراره المنتظر بشأن هذا الموضوع ... فأما أن يكون مع الشعب وأما أن يكون مع حزبه والخيار يعود له وحده ، وعندها سوف يكون للشعب والمرجعية كلام آخر قد لا يعجب العبادي لأن ما قرره الشعب وما أعلنته المرجعية من دعم لقرار الشعب لا تراجع عنهما ولا يمكن المساومة عليهما اطلاقاً .
إن ما أقدم عليه الدكتور العبادي لحد الآن من الأصلاحات ليست أكثر من اجراءات تقشفية وادارية شكلية طالت الحلقات البعيدة عن مركز نفوذ الفاسدين ومصدر الفساد ، وهي من ضمن صلاحياته الأدارية لا تحتاج الى تفويض من الشعب والمرجعية وحتى من البرلمان . لذلك فإن الشعب والمرجعية تنظران بعين الشك والريبة على جدية الحكومة في السير بعملية الأصلاح الجذري الحقيقي ومكافحة الفساد بكل أشكاله والضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين والمفسدين وسراق المال العام ، ولذلك كانت المرجعية صريحة وواضحة كل الوضوح حين طالبت الحكومة بضرب الرؤوس الكبيرة للفاسدين في الدولة ، أي أنها كانت هنا تقصد بقولها الدائرة المحيطة والمتحكمة في التحالف الوطني بشكل عام ودولة القانون  خصوصاً  وحزب الدعوة تحديداً . لا نفهم لماذا كل هذا الخوف والتوجس والتردد من لدن الدكتور العبادي في اتخاذ قرارات حازمة وحاسمة وصارمة وسريعة تجاه أسباب وجذور رأس الفساد ؟؟ ، هل لأنه لدى الخصوم في تحالفه ملفات فساد خاصه به تدينه ؟؟ ، أم لأنه لا يمتلك وسائل القوة الأمنية والعسكرية لتنفيذ قراراته بضرب رؤوس الفساد والفاسدين والمفسدين من خصومه  في التحالف الوطني وشركائه في الحكومة ؟؟ . ثم هل أنه نسى أم تناسى بأنه هو أقوى رجل الآن في العراق لأنه مفوض من الشعب الذي هو مصدر السلطات دستورياً ومن المرجعية الشريفة في االنجف الأشرف شرعياً ومدعوم من أميريكا والأتحاد الأوروبي سياسياً ، إن من يدعمه الشعب هو الأقوى دائماً وها عبدالفتاح السيسي في مصر خير نموذج على ما نقول ... نقول للدكتور العبادي تغدوا بالطابور الذي يحفر تحت قدميكم قبل أن يتعشى بكم في ليل شديد العِتمة ويغدر بكم بطعنة خنجراً مسموماً في ظهركم وعندها سوف لا يفيدكم الندم . الشعب كله معكم والمرجعية معكم وتدعمكم بقوة ، فلماذا الخوف والتردد أضربوهم بقوة وبيد من حديد وستجدون الشعب خلفكم بالملايين يحميكم بدمائه من غدرهم وخيانتهم ، إن الفاسدين وسراق المال العام يشعرون بالخوف ويعيشون في قلق دائم ومرعوبين لأنهم يعرفون أنفسهم بأنهم مجرمين وسراق للمال العام ولقوت الشعب وفاسدين وخانوا الأمانه والدين والمذهب وكفروا بقيمه وأخلاق أهل البيت الأطهار ، نظفوا الوطن والدين والمذهب من رجسهم وخياناتهم بدون رحمة ولا خوف ولا تردد لأن ذلك واجب وطني وديني في رقبتكم .
الشعب الثائر الذي يطوف شوارع مدن وقصبات العراق يقدر عالياً مدى عظمة وجسامة التحديات التي تواجه حكومتكم ولا يطالبكم بتنفيذ الأصلاحات في ليلة وضحاها ، ويستوعبون جيداً أن تنفيذها يحتاجها وقت طويل وجهد كبير ومشاركة واسعة من الشعب نفسه ومساندة الخيرين من أبنائه ، ولكن هذا لا يعني اللجوء الى إجراءات ترقيعية وقتية وتغيير مواقع الفاسدين أو احالتهم الى التقاعد وترك منافذ الحدود مفتوحة للهروب بجمالهم بما تحمله من أموال السحت الحرام والمقتنيات الثمينة ، بل يستوجب طردهم وإلقاء القبض عليهم وإيداعهم المعتقلات واحالتهم الى القضاء والمحاكم المختصة لمحاسبتهم لينالوا جزائهم العادل لقاء ما أقترفوه من جرائم ، هكذا يجب أن تكون اجراءاتكم الأولية بحق الفاسدين ومن خانوا الأمانة والوطن .
سيدنا الكريم الدكتور حيدر العبادي خطر ببالنا الذي لا يتوقف من الأنشغال بكيفية تجاوز مشكلتنا المالية والنقدية التي تعصف بالبلاد وتهدده بالأنهيار فكرة إلقاء القبض على كل رؤوس الفساد الكبار وسراق المال العام ( الحرامية ) واصدار بحقهم أحكام بأقصى درجاتها وفقاً للقانون الجنائي العراقي ولحد حكم الاعدام ، ومن ثم مساومتهم مقابل إيقاف  تنفيذ الأحكام بحقهم إعادة كل ما سرقوه لحد الدولار الواحد بطرق غير مشروعة الى خزينة دولة العراق ، وعندها سوف تجدون كيف تنساب مليارات الدولارات الخضراء المسروقة الى خزائن العراق  بسهولة وتنحل كل مشاكل العراق المالية والنقدية والأقتصادية ، ولكن هذا القرار يا دكتورنا العزيز يحتاج الى رجال شجعان وأحرار وأصحاب إرادة وطنية حرة ، نريدكم يا دكتور أن تكونوا رجالاً من طراز أولائك الرجال الأفذاذ لتدخلون  تاريخ العراق  المشرف من  أوسع أبوابه  .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 12 / أيلول / 2014 م


109
الأصلاحات والتغييرات ودور طابور الفاسدين المتباكين على الدستورغير المستور  !!!
خوشابا سولاقا
كما هو معروف لكل المهتمين بالشأن السياسي العراقي من العراقيين الوطنيين المخلصين الشرفاء منذ فجر العهد الجديد الذي دشنه السيد بريمر السيء الصيت بمجلس الحكم الأكثر سوءً . عندما تم تشكيل مجلس الحكم بحسب الرؤية الأمريكية الديمقراطية للواقع الديموغرافي للعراق على أساس نسبة سكان مكونات الشعب العراقي والأتجاهات السياسية  فيه تم اختيار أعضاء هذا المجلس الموقر جداً والمكون من ( 25 ) عضواً وكان للست " وداد فرنسيس " التي كانت تعمل في مكتب السيد بريمر والتي تلقت الكثير من الهدايا الثمينة من أغلب أعضاء المجلس الموقر للتوسط لهم لدى محبوبها السيد بريمر .
كانت المفاجأة الأولى والغريبة جداً للسيد بريمر الحاكم الأميريكي العام المطلق الصلاحيات في العراق بشكل خاص وللعراقيين بشكل عام ، هي عندما طلب السيد بريمر من المجلس اختيار رئيساً له للفترة الأنتقالية لحكم المجلس ، أختلف أقزام السياسة العراقيين فيما بينهم لأختيار رئيساً لهم ، لقد أخفقوا في ذلك وفق القواعد السياسية والأخلاقية والقانونية المعتادة ، لأن كل واحد منهم كان يطمح  أن يكون هو الرئيس الأوحد للعراق الجديد ، وعندما عجزوا عن اختيار الرئيس وفق القواعد المعتادة ، هناك منهم من طلب اعتماد اسلوب إجراء القرعة لاختيار الرئيس وغيرها من الوسائل الوقحة والمبتذلة ، مما أثارت استغراب السيد بريمر على هذه الشهوة الجامحة المجنونة للسلطة لهؤلاء الأقزام !!! ، وأخيراً تم الأتفاق بينهم والسيد بريمر على أن تكون رئاسة المجلس دورية شهرية يتم التناوب عليها بحسب الحروف الأبجدية لأسمائهم الذليلة !!! . خسئتم والله يا أقزام السياسة ، خزيتمونا ونكستم عقال العراق إن صح التعبير ودنستم شموخه وكبريائه الوطني أمام محبوب الست " وداد فرنسيس " . كانت المفاجأة الثانية عندما اجتمع بهم السيد بريمر في أول اجتماع له بهم بعد اختيارهم لعضوية المجلس لغرض الأطلاع على مقترحاتهم وأفكارهم وأرائهم لوضع برنامج شامل لأعادة بناء العراق ، حيث كان بريمر مرتبكاً وخائفاً كيف تكون له المقدرة للأجابة على أراء واستفسارات هؤلاء السياسيين العراقيين الوطنيين الأفذاذ بشأن إعادة بناء وإعمار بلدهم المدمر !!! . سألهم بارتباك وخوف والقلق على محياه وهو جالسٌ على حافة مقدمة مقعده مرتبكاً يضرب الأخماس بالأسداس ليجد لنفسه طريقاً للخروج من مأزقه أمام هؤلاء الكبار من فطاحل السياسة  !!! ، فوجه لهم سؤآله بارتباك ، ما هو ما يدور في مخيلاتكم من تساؤلات واستفسارات تريدون معرفة اجابتنا عليها بشأن اعادة بناء وإعمار العراق الجديد ؟؟ ، فاستجمعت واختزلت كل تساؤلاتهم فيما قل ودل وسألوه عن مقدار الرواتب التي سوف يتقاضونها وهم في موقعهم هذا ( أعضاء مجلس الحكم ) ، عندها تنفس السيد بريمر الصعداء وابتسم ابتسامته الصفراء وجلس في كرسييه مطمئناً وقال في نفسه أهؤلاء هم من سوف يحكمون العراق ويعيدون إعماره وبنائه ؟؟ أكيد قال في نفسه " حصلنا منكم يا أقزام ليس لكم ما تقولونه بشأن اعادة إعمار وبناء بلدكم غير مقدار رواتبكم " ، خسئتم يا نفايات التاريخ . هذه الحماقات والسخافات المخجلة كان يجب أن تكون المؤشرات الأولى للعراقيين على أن هؤلاء لم يأتوا من الخارج خلف الدبابة الأمريكية وهم يلهثون ومُتَربين بغاية خدمة العراق والعراقيين وتعويضهم عما فقدوه وخسروه في زمن النظام الديكتاتوري السابق ، بل جاءوا كسراق ( حرامية ) متدربين مؤهلين ومحترفين في السرقة ليسرقون ماله وممتلكاته وآثاره في وضح النهار دون خجل ووجل هذه كانت بداية عهد الشؤم للعراقيين من وراء عودة الأبناء الضالين عودة الذئاب الجائعة لينهشوا البلاد والعباد بوقاحة .
هنا نقول لأبناء شعبنا العراقي المساكين والمغلوب على أمرهم ، أن كل من اشتركوا في مؤسسات شبه الدولة في العراق من المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية منذ عهد مجلس الحكم وما تلاه من عهود الى عهد الدكتور حيدر العبادي مارسوا  الفساد لحد النخاع كلٍ بطرقته الخاصة وفق قاعدة " احميني واسترني أحميك وأسترك " باستثناء عدد محدود من الشخصيات الوطنية الشريفة الذين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين من الذين وصلوا عن طريق الخطأ الى بعض كراسي الحكم لتجميل المنظر ولم تُلطخ أيديهم بالدماء العراقية ، ولم تلوث جيوبهم بالسحت الحرام ، ولكن حتى هؤلاء يعتبرون من المستفادين من الرواتب وامتيازات مواقعهم من مخصصات وسيارات وسكن مجاني في قصور النظام السابق في المنطقة الخضراء والعيشة المترفة التي منحتها لهم القوانين الجائرة التي شرعها البرلمان لصالح مافيات الفساد من مسؤولي مؤسسات الدولة ، ثم أخيراً الرواتب التقاعدية الفلكية التي تفوق رواتب موظفي الدرجة الأولى من أقرانهم في التحصيل العلمي في الدولة بأكثر من خمسة أضعاف على أقل تقدير .
أيها القارئ الكريم كل هؤلاء مستفادين من نظام المحاصصة الطائفية والأثنية وافرازاته بالحرام أو بالحلال وفق قوانين تُحلل الحرام شرعوها لهذا الغرض . عليه فإن أي إجراء اصلاحي يمس هذا النظام وقواعده سوف يمس بالنتيجة الحالة المعيشية المترفة لكل هؤلاء المستفيدين ويسحب منهم تلك الأمتيازات التي لا يستحقونها شرعاً وقانوناً ، لذلك يكون من الطبيعي جداً رد فعلهم على إجراءات الأصلاح والتغيير معادياً ورافضاً بهذا الشكل أو ذاك ، وأن يشكلون طابوراً ولوبي نشط في مؤسسات الدولة للدفاع عن مصالحهم من خلال احتواء وعرقلة تنفيذ هذه الأصلاحات والتغييرات في بنية النظام القائم ما لم يتم مواجهتهم بحزم وصرامة بقوة وبسرعة قبل فوات الأوان ومنذ البداية وهم في جحورهم من دون ترك لهم فرصة لأستعادة تجميع قواهم والتقاط أنفاسهم من جديد .
لذلك ندعو هنا السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي مخلصين وداعمين وساندين له كشعب عراقي إذا كان فعلاً عازماً وجاداً في السير الى الأمام الى نهاية المطاف في تنفيذ حزمة الأصلاحات الأولى التي قدمها وصادق عليها البرلمان والتي ستلحقها رزمة ثانية قريباً ، أن يرفق هذه الحزمة بحزمة من الضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين الكبار  المتجذرين في مؤسسات الدولة منذ عهد مجلس حكم السيد بريمر الى عهده اليوم وقطع أياديهم من خلال الآتي :
أولاً : قطع رأس الأفعى السامة التي بثت سموم الفساد المالي والاداري في جسد العراق بترسيخ نظام سرقة المال العام والعبث بمقدرات البلاد نظام " المحاصصة الطائفية والأثنية "  نظام محاصصة الحرامية ، وذلك من خلال تعديل الدستور من قبل لجنة من المختصين من القانونيين المستقلين تشكل لهذا الغرض لجعل الدستور دستوراً وطنياً عراقياً خالصاً بتنظيفه من كل أدران الطائفية السياسية والتوجهات القومية والدينية الشوفينية وتكريس الهوية الوطنية للعراقيين ومساواة العراقيين بكل تلاوينهم القومية والدينية والمذهبية وغيرها من الخصوصيات الفرعية أمام القانون .
ثانياً : إصلاح النظام السياسي للبلاد والقضاء على الفساد يتم تنفيذه من قبل القضاء المستقل العادل والنزيه ، وعليه تستوجب مرحلة تنفيذ الأصلاحات المقترحة وجود قضاء مستقل غير مسيس وغير منحاز ونزيه ومطهر من الفساد بكل اشكاله ، لذلك ولغرض تطبيق الأصلاحات يتطلب الأمر تطهير القضاء العراقي من الفساد والفاسدين أولاً وأخيراً ومن دون ذلك سوف لا تجد الأصلاحات طريقها الى النور .
ثالثاً : تشكيل محكمة الشعب الجنائية من قضاة مختصين ومخلصين ونزيهين ، وتشكيل مكتب المدعي العام لأحالة الفاسدين من سراق المال العام وبأثر رجعي الى هذه المحكمة لمحاسبتهم بحسب استحقاقهم وفقاً لقانون الجنايات العراقي والعمل وفق القوانين الدولية لملاحقة الفارين من الفاسدين والسُراق واعادتهم للأمتثال أمام القضاء لمحاكمتهم واستعادة ما سرقوه من أموال العراق والمهربة الى الخارج الى خزينة الدولة .
رابعاً : تنص المادة رقم ( 5 ) من الدستور العراقي على " السيادة للقانون ، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها ، يمارسها بالأقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية . " . وبما أن الشعب هو الذي أعطي الشرعية القانونية للدستور من خلال الأستفتاء العام علية في اقتراع سري بمشاركة أقل من عشرة ملايين عراقي في حينه ، وبما أن عدد المنتفضين في عموم العراق يوم الجمعة 14 من آب / 2015 كان أكثر من هذا العدد وطالبوا جميعاً بهتافاتهم بتعديل الدستور وفوضوا الدكتور العبادي بإجراء الأصلاحات ، فإن هذا التفويض يعني أن سلطة الشعب أقوى وأسمى من سلطة الدستور الذي اتخذ منه ستاراً لتغطية سرقات الفاسدين من المسؤولين . وما يؤيد تفسيرنا هذا أن كل القرارات الرسمية تتخذ باسم الشعب واستناداً الى الدستور وليس العكس ، أي بمعني ارادة الشعب أولاً والدستور ثانياً وليس العكس .
خامساً : حل هيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين في الوزارات ودوائر الدولة التابعة لها بأعتبارها كانت تشكل غطاءً لنشاط مافيات الفساد وسراق المال العام مقابل مشاركتهم في الغنيمة ، وتفعيل دور الرقابة المالية الداخلية والخارجية في وزارات ومؤسسات الدولة . وإلغاء مجالس المحافظات ومجالس البلديات في المحافظات لكونها مصدر من مصادر الفساد والسرقات والتجاوزات على أموال وممتلكات الدولة . 
إن تفويض الشعب من خلال التظاهرات المليونية في عموم العراق ودعوة المرجعيات الدينية الشيعية والسنية والمسيحية وغيرها من خلال خطب صلواة أيام الجمعة والأحد في المساجد والجوامع والحسينيات والكنائس والمعابد للدكتور حيدر العبادي ومطالبتهم له بالضرب بيد من حديد على رؤوس الفاسدين وسراق المال العام تجعله يمتلك صلاحيات مشروعة ومطلقة لتنفيذ الأصلاحات والتغييرات المطلوبة بالكامل من دون تأخير ، وإن تفويض الشعب له بهذا الأجماع هو فوق الدستور في ظل هذه الظروف المأساوية الصعبة ، وبعكس ذلك فإن الطرفين ، الشعب والمرجعيات الدينية كلها سوف تضطر الى تحميله مسؤولية التقصير ومحاسبته . كل العراق معكم يا دكتور حيدر العبادي في تنفيذ الأصلاحات واجراء التغييرات في بنية النظام السياسي للبلاد .
 إن من يتباكون على الألتزام بالدستور ويظرفون عليه دموع التماسيح في هذه الأيام من البرلمانيين وأعضاء الحكومات وسلطات القضاء من التضررين من الأصلاحات ، هم في الحقيقة طابور الباطل وشركاء الفساد وشهود الزور لنصرة الفاسدين وسُراق المال العام وقوت الشعب ، وهم بالتالي يقومون بدور محامي الدفاع للشيطان ، نقول لهم أين كنتم ودستوركم وقضائكم عندما أوصلتم العراق الى ما هو عليه اليوم من فساد وتراجع في نهضته وتخلفه وتأخره في كل المجالات ، وتردي الخدمات في ظل صرف " تريليون دولار - ألف مليار دولار " خلال فترة حكمكم  الأسود البغيض للعراق ؟؟ لماذا لم تنزل دموعكم الكاذبة عليه أيها المنافقون عندما سرقتموه وجعلتم خزينته خاوية من آخر دولار ؟؟ ... إن كلامكم هذا وبكائكم على الدستور غير المستور هو " كلام حق تريدون به باطل " . يا عزيزنا دكتور حيدر العبادي لا تنصتوا إليهم ولا تتعاطفوا مع بكائهم الكاذب إنهم منافقون ومراؤون ، ولا تأخذكم بهم رحمة ولا شفقة وعاملهم بالمثل كما فعلوا مع الشعب العراقي المسكين وسرقوه أمواله وقوت عيشه وتركوه فريسة سهلة للفقر والعوز والفاقة والمرض والنزوح في العراء بلا مأوى يَتقيهم قيض الصيف وبرد الشتاء ، ولا فراش لهم يفترشوه غير الأرض والسماء ، ولا غذاءً ليأكلوه ولا دواءً ليداوون به أمراضهم وهم مواطنين لأغنى بلد في العالم بثرواته النفطية الهائلة . لا تترددون يا دكتور في قراراتكم الحازمة والصارمة لصالح الوطن والشعب في تنفيذ الأصلاحات واجراء التغيير الجذري ، وأن لا تأخذكم في الحق لومة لائم في مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين ، إنه هو طريق الحق بعينه الذي يجب أن تسلكوه مرفوعي الرأس ، وأن لا يستوحشكم سلوكه أبداً . سيروا الى الأمام والشعب معكم للنهاية في كل خطوة تخطونها نحو الأصلاح الشامل والتغيير الجذري في بناء العراق المدني الديمقراطي الجديد .

خوشـــابا ســـولاقا 
بغداد – 17 / آب / 2015 م

110
14 من آب -2015 ... يوم الحرية والثورة على ظلم الفساد والفاسدين
خوشابا سولاقا
في هذا اليوم الأغر سوف تنطلق تظاهرات عارمة مليونية لملايين من جموع الشعب العراقي من الوطنيين الشرفاء الأحرار من جميع مكوناته القومية والدينية والمذهبية ، ومن جميع طبقاته وشرائحه الاجتماعية والعمرية شيباً وشباباً رجالاً ونساءً وأطفالاً ، من الموظفين والعمال والكسبة والفلاحين ورجال العلم والثقافة والفن والأدب ، من المهندسين والأطباء والمدرسين والمعلمين ، سوف يتجمعون في تظاهرات مليونية حاشدة في ساحة التحرير في وسط بغداد العاصمة الحبيبة ، وفي ساحات مدن العراق الثائرة كبيرها وصغيرها  لتصدح حناجرها بهتافات ثورية سلمية تندد بالفقر والعوز والظلم والجور والأرهاب وقلة الخدمات وسرقة المال العام وتنادي باسقاط سلطة الفساد والفاسدين والقضاء عليهما واستئصال جذورهما الممتدة في مؤسسات الدولة العراقية المدنية والعسكرية والأمنية ، وتطالب بتطهير القضاء  من آفة الفساد والفاسدين والمنافقين وتغيير وجوه رموزه الكالحة التي بسببها عاث الخراب والفساد والدمار في ربوع الوطن والأتيان بمن هم صالحين كفوئين وطنيين مخلصين عراقيين أباة ونجباء ولائهم للعراق وليس للأحزاب وسلاطين السلطة والفساد من الأشخاص مقابل حفنة من السحت الحرام من المال العام المنهوب .
اليوم هو يوم العراق الأشم...  يوم يستعيد فيه العراق شبابة المقتدر للنهوض من كبوته التي طالت كثيراً والسير نحو الشمس شامخاً مرفوع الرأس عالياً مزهواً واستعادته لعافيته من جديد ، إنه يوم يستفيق فيه الشعب العراقي من سباته الذي دام سنين طويلة ليقول كلمته بملء ارادته وبالفم المليان لظالميه وسراقه إن ساعتكم قد دنت ونهاركم قد غاب شمسه وليلنا نحن الشعب قد انجلى وقيدنا قد انكسر وحلت ساعة الحساب لنقول لكم ارحلوا عن حياتنا وعن العراق الى الجحيم يا أيها الفاسدين الفجرة ، ولكن ليس قبل محاسبتكم واستعادة ما سرقتموه من الأموال الى حيث يجب أن تكون شرعاً وقانوناً ، الى خزينة دولة العراق التي باتت خاوية بسببكم أيها الأراذل ، نقول كفاكم عبثاً بمقدراتنا وأموالنا أيها الُسُراق ، لقد عِثتم في أرض الوطن فساداً وقتلاً ودماراً وخراباً بأسم الدين والدين منكم براء ، ماذا تريدون من العراق وشعبه بعد ؟؟ ، لقد مزقتم نسيجنا الاجتماعي بسياساتكم الطائفية والأثنية المقيتة ، وبعتُم أكثر من ثلث أرض الوطن الى عصابات الأرهاب الدولي المجرم في سوق النخاسة بابخس الأثمان ، لقد أشعلتم نيران الحرب الأهلية الطائفية التي لا تبقي ولا تذر في ربوع الوطن لتحرق فيه كل شيء جميل ، وجعلتم دماء أبناء العراق رخيصة برخص التراب ، وبات الأرهاب الداعشي يضرب بأطنابه بقوة في كل بقعة من أرض العراق وفي كل لحظة  لتسيل الدماء بغزارة أنهاراً لا تتوقف باستمرار ... وا آسفاه يا وطن أن يحكموك أرذال أشباه البشر !!! . قولوا لنا يا حرامية ماذا قدمتم للعراق والعراقيين ليعطيكم العراق بالمقابل حق وشرعية البقاء فيه كوطن ؟؟ غير انتشار الجريمة بكل أشكالها والقتل على الهوية وانعدام الأمن والأمان وسرقة المال العام وانعدام الخدمات الاجتماعية كافة ، جعلتم الوطن مكب لنفاياتكم التي تزكم الأنوف وتقشعر لها الأبدان ... نقول لكم إن العراق ليس وطنكم أيها الفاسدين ، إن الوطن يكون وطناً لمن يكون أميناً وحريصاً عليه وليس لسراقه ، ارحلوا عنه ودعونا نحن نعيش فيه بسلام وأمان وراحة البال أحراراً نملك قرارنا بأيدينا ، لا تجعلونا نعاملكم بأسلوب آخر لا يرضيكم ، ارحلوا عنا أيها الأوغاد الى الجحيم فهو وطنكم ومكانكم الطبيعي ومستقركم الأخير .
في هذا اليوم الجديد " نوروز العراق " كله بكل مكوناته ... سوف تنادي الملايين بأعلى صوت في مدن العراق من أقصاه الى أدناه ومن شرقه الى غربه مطالبين بتعديل الدستور الحالي جذرياً ، لأنه هو الجُحر الذي يكمنُ فيه شيطان الخراب الذي حل بالعراق من خلال تكريسه لنظام المحاصصة الطائفية والأثنية وجعله دستوراً وطنياً عراقياً خالصاً .
في هذا اليوم التاريخي العظيم ... سوف تنادي جموع الملايين بقوة بإحالة الفاسدين الى القضاء المُطهر والمنظف من براثن الفساد والفاسدين ، لأن القضاء الفاسد لا يمكن له أن يكون أداة صالحة ليكافح الفساد ويحاسب الفاسدين ويحاربهم ويستأصل جذورهم ، إذن تطهير القضاء أولاً ... في سلم أولويات مكافحة ظاهرة الفساد في العراق .
في هذا اليوم المشرق من تاريخ العراق ... يوم الحسم والحزم سوف تطالب الملايين من المتظاهرين بإقالة وزارة  المحاصصة وتشكيل وزارة بناء واعمار الوطن مختزلة بـ ( 10 – 15 ) وزيراً من التكنوقراط المستقلين المخلصين والنزيهين عسى أن يكون جميعهم من مكون عراقي واحد ، المهم أن يعيدوا بناء العراق من جديد .
في هذا اليوم الأشم يوم النضال والثورة ... سوف يرتفع سقف مطاليب الثوار ويعلو صوتهم في ساحات التظاهر وتدعوا الدكتور العبادي الى قطع الطريق أمام الساعين من الفاسدين من الخط المائل للسلف الفاسد لاجهاض ورقة الأصلاحات التي قدمها لصالح تشبثهم بالبقاء في سُدة الحكم ، ليطالبوه بالضرب بيد من حديد على رؤوس هؤلاء الشراذم العفنة لقطع دابرهم واستأصال شأفهم وعدم اعطائهم فرصة للعودة من الشباك مرة أخرى بعد أن طردوا من الباب ... سوف يهتفون بضرب الفساد والمفسدين بيد من حديد وليس بيد من ريش النعامة .
في هذا اليوم الأغر من حياة العراق الجديد ... سوف تنادي الملايين من الثوار في ساحات التظاهر بتأمين الأموال اللازمة لأعادة اعمار وبناء البلد وذلك من خلال تقليص ملاك البرلمان ( عدد النواب ) وملاك مجالس المحافظات وتقليل عدد الحمايات والمستشارين العاملين في مكاتب الرئاسات الثلاثة وإلغاء مخصصاتهم الأستثنائية ونفقات صيانة مركبات ( سيارات ) المسؤولين التي تتجاوز المليار دولار سنوياً بحسب المعلومات المتسربة من مصادر حكومية موثوقة ، وتعديل رواتب المسؤولين باصدار جدول سلم الرواتب موحد لموظفي الدولة كافة يشمل الجميع من رئيس الجمهورية الى أدني وظيفة في الدولة ، وإلغاء تقاعد أعضاء مجلس النواب ومجالس المحافظات والدرجات الخاصة كافة كما هو جاري حالياً بموجب قوانين استثنائية ، وتطبيق قانون التقاعد الموحد لموظفي الدولة على الجميع بحسب الأستحقاق القانوني .
في هذا اليوم الرائع يوم الأمل المنتظر ... سوف تحصل أمور كثيرة وغير متوقعة تثلج صدور العراقيين من الذين نَفذْ صبرهم على ظلم الفاسدين وسُراق المال العام ، سوف تصدح حناجر الثوار في مدن العراق مطالبةً بإحالة الفاسدين الى القضاء لمحاكمتهم لينالوا جزائهم واستعادة ما سرقوه من الأموال الى خزينة الدولة لدعم الحرب ضد الأرهاب الداعشي المجرم لتحرير الأرض من رجسهم ، واعادة بناء ما تم تخريبه وتدميره بسبب الأرهاب والفساد ، باعتبار أن الأرهاب والفساد هما وجهان لعملة واحدة لا انفصام بينهما أبداً .
وأخيراً نقول لمن يسمع ويرى ... إن ثورة العراق البيضاء على الفساد والمفسدين وسراق المال العام والأرهاب الداعشي منتصرة بإرادة وتضحيات أبناء العراق الوطنيين المخلصين النجباء عاجلاً أم آجلاً لا محال ، وكل ماهو قائم اليوم سوف يبقى شيء من التاريخ كوصمة عار وشنار في جبين مسببيه ونَسَلُهم من بعدهم الى أبد الآبدين وسوف تقرأ الأجيال عنه في مناهج كتب التاريخ في مدارس العراق .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 14 / آب / 2015

111
ثورة الشعب العراقي على الفساد قادمة لا محال
خوشابا سولاقا
إن الوضع المزري المتداعي الذي وصل إليه العراق بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 م في كافة المجالات الأقتصاديقة والمالية والأمنية والخدماتية في ظل الحكومات التي توالت على حكمه ، وانتشار الجريمة بكل أشكالها ، واستشراء الفساد المالي والاداري في كل مفاصل الدولة ، وشيوع ظاهرة سرقة المال العام من قبل كبار المسؤولين وتهريبه الى خارج البلاد ، وانتشار البطالة وشحة الخدمات الاجتماعية ، وتفشي الأمراض وتدني الخدمات الصحية بشكل جلي ، وارتفاع مستوى الفقر حيث بلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر من العراقيين أكثر من سبعة ملايين إنسان أي بنسبة ( 22 % ) ، واحتلال حوالي ( 40 % ) من مساحة العراق من قبل العصابات الأرهابية الداعشية ، ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين إنسان من سكان المحافظات المحتلة والعيش في مخيمات تفتقر الى أبسط الشروط الصحية والانسانية للحياة ، ودخول البلاد في حرب التحرير الشاملة ضد العصابا ت الأرهابية وسقوط العشرات من أبنائه يومياً شهداء في ساحات المعارك والتفجيرات الأرهابية ، وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية مما أثر ذلك في ظهور عجز مالي كبير في الموازنات العامة للبلاد وبالأخص للسنوات 2014 م و 2015 م .
كل هذه العوامل الموضوعية مجتمعةً الى جانب نتائج السياسات الطائفية الأقصائية الحمقاء والعبثية التي لا تختلف من حيث النتائج والتأثيرات السلبية على المصلحة الوطنية بشيء عن سياسات صدام الهدامة في حروبه العبثية التي أعتمدتها الحكومة في بغداد خلال السنوات الثمانية الماضية في عهد رئيس مجلس الوزراء السابق نوري كامل المالكي التي أدت الى تداعيات كبيرة وخطيرة في أوضاع البلاد ، حيث أوشكت الأوضاع في البلاد على أثرها الى الأنهيار التام ، وهي مستمرة بهذه الوتيرة تسير نحو الهاوية السحيقة ما لم يتم تدارك الوضع بشكل حازم وحاسم من قبل الحكومة الحالية التي يرأسها الدكتور حيدر العبادي الذي بدوره ورث تركة ثقيلة من المشاكل العويصة والسلبيات المتراكمة من سوء الادارة والتحديات الكبيرة من الحكومات السابقة لسلفه ، وفي مقدمتها الحرب ضد العصابات الأرهبية الداعشية ، وأزمة الخدمات الاجتماعية المستفحلة للمواطنين ، وشيوع الفساد المالي والاداري وسرقة المال العام ، وهو في ذات الوقت مكبل ومقيد بقيود والتزامات سياسية وطائفية تجاه منظومة نظام حكم المحاصصة الطائفية  والأثنية يصعب عليه مغادرتها والتخلص منها لكي يطلق ليديه الحرية للعمل في إصلاح الوضع المتداعي وتغييره الى ما هو أفضل للعراق وشعبه .
لذلك بات العراق في ظل هذا الواقع المتداعي أمام مفترق الطرق لا خيار له للخروج من هذا المأزق الخانق إلا باللجوء الى استعمال الشرعية الثورية لأجراء التغيير المطلوب لأخراج البلاد من مأزقه ووضعه على السكة الصحيحة في مسيرته المستقبلية .
 فكانت أنطلاقة الشعب في تظاهراته المليونية في العاصمة بغداد ومحافظات منطقة الفرات الأوسط والجنوبية لتطالب الحكومة بتوفير الخدمات الاجتماعية بالمستوى المطلوب واللائق بالعراقيين أصحاب الثروة النفطية الهائلة ، ومحاربة الفساد المالي والاداري وسرقة المال العام ومحاسبة الفاسدين باحالتهم الى القضاء لينالوا جزائهم العادل ، واصلاح القضاء ذاته وتطهيره من آفة الفساد . هذه التظاهرات أشعرت الحكومة بالخطر الداهم الذي يحدق بها في عقرِ دارها ( المحافظات الشيعية ) وبات يهددها بقوة إن لم يتم  تداركه قبل فوات الأوان ، وأخذ سقف مطاليب المتظاهرين يرتفع جمعة بعد اخرى مع صمت وسكوت الحكومة واعطائها الأذن الطرشى  ، لذلك تزايد الخطر بسرعة هائلة أشبه بحالة كرة الثلج المتدحرجة على الثلج قبل وصولها الى حافة الأنهيار الثلجي المدمر .
 فكان إدراك وقراءة المرجعية الدينية الشيعية في النجف الأشرف للخطر القادم أسرع وأكثر نضجاً وحكمةً مما هو عند الحكومة لخطورة الموقف وتداعياته على الوضع العراقي بشكل عام من جهة ، وانعكاساته السيئة على سمعة الطائفة الشيعية في الحكم من جهة أخرى ، لذلك ولأنقاذ ما يمكن إنقاذه اسرعت المرجعية في رد فعلها القوى وبحكمتها المعهودة بالأستجابة الفورية على مطاليب الحراك الشعبي العارم للشعب العراقي الثائر ، فأشعلت الضوء الأخضر للحكومة في خطبة صلاة يوم الجمعة 7 / 8 / 2015 م في كربلاء على لسان معتمد المرجع الأعلى السيد علي السيستاني دام ظله سماحة الشيخ السيد أحمد الصافي النجفي ، وطالبت الحكومة بالأستجابة الفورية لتنفيذ مطاليب المتظاهرين المشروعة من دون مماطلة ، والضرب بيدٍ من حديد على الفاسدين والمفسدين والأعتماد على معايير الكفاءة والنزاهة في أختيار المسؤولين لتولي المناصب الحكومية والتخلى عن نظام المحاصصة . كانت هذه الخطبة بمثابة فتوة  للتغيير الشامل ، فكانت الأستجابة فورية في صباح يوم السبت 8 / 8 / 2015 م من لدن السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي باصداره الاعلان الأصلاحي المكون من سبعة بنود والمصادقة عليه بالاجماع من قبل مجلس الوزراء ، فكانت التظاهرات الشعبية العارمة التي عمت المدن العراقية يوم الأحد 9 / 8 / 2015 م تأييداً وتفويضاً للدكتور العبادي بهذا الأنجاز الكبير واطلاق حريته في العمل وفق توجيهات المرجعية الرشيدة ، ولكن كانت التظاهرات في شعاراتها في ذات الوقت تحذر الحكومة بقوة وجدية من أساليب التسويف والمماطلة في التنفيذ ، ومحاولة الألتفاف لأحتواء الغضب الشعبي وامتصاص لنقمة المتظاهرين بهذا الأعلان الأصلاحي ، لأن ذلك سوف يقود الشعب الى ما هو أقوى وأخطر على مصير الذين دمروا العراق وعبثوا بمقدراته وأشاعوا فيه الخراب والدمار وسرقوا أمواله وقوته وحرموه من لقمة العيش الكريم ، ألا وهو اللجوء الى استعمال الشرعية الثورية للشعب في تغيير النظام السياسي . كانت كل المؤشرات والتنبيهات واضحة وصريحة وجلية للجميع في هذه التظاهرات ، وهي أن التظاهرات ستستمر الى أن يتم وضع حدٍ لما هو جارٍ في العراق وانقاذه من براثن الفساد والفاسدين وايصال سفينته الى بر الأمان واستعادة أمواله المنهوبة منذ عام 2003 م لغاية اليوم .
الآن وبعد أن تتم المصادقة على الأعلان الحكومي الأصلاحي من قبل مجلس النواب يوم الثلاثاء المقبل 11 / 8 / 2015 م والذي لم يَكُنْ بحاجة الى تلك المصادقة أصلاً بموجب المادة ( 78 ) من الدستور باستثناء الفقرة المتعلقة بإلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية  ونواب رئيس مجلس الوزراء ، يكون للدكتور العبادي صلاحيات مطلقة لتنفيذ فقرات إعلانه الأصلاحي بمساندة الشعب صاحب السلطات العليا  في البلاد وبمباركة المرجعية الدينية ، أي سوف لا يكون بعد للدكتور العبادي أي عُذرٍ ومبرر مشروع يعيقه عن تنفيذ بنود اعلانه وبرنامجه الحكومي بحذافيرهما . وهنا نود القول أن رأس الحربة في تنفيذ هذا الأعلان ونشر العدل والمساواة وتطبيق القانون ومكافحة الفساد وسرقة المال العام هو وجود قضاء مستقل وعادل ونزيه وغير مسيس وغير منحاز لأي طرف سياسي وأن يكون انحيازه الوحيد للعراق فقط . لذلك فإن الخطوة الأولى في عملية الأصلاح الشامل يجب أن تبدأ من إصلاح القضاء وتطهيره من العناصر الفاسدة ومن كل أشكال الفساد لأن " فساد القضاء يفضي الى نهاية الدولة " كما قال إبن خلدون في مقدمته ، ومن دون ذلك لا يمكن اصلاح النظام العام للبلاد وتطهير أجهزته من الفساد المستشري فيها بعمق من أكبر مسؤول الى أصغرهم .
يوم الجمعة القادم 14 / 8 / 2014 م سيكون يوماً جديداً ويوماً فاصلاً في تاريخ العراق بين الماضي المظلم وبين المستقبل المشرق .
أملنا بالدكتور العبادي كرجل دولة نزيه ومزكى وبعيد عن كل شُبهات الفساد أن يكون شجاعاً وحازماً وحاسماً وصارماً في قراراته لأن يَفي بتنفيذ بنود إعلانه الثوري ، وأن يحولهُ فعلاً الى بيان رقم ( 1 ) للثورة العراقية الحقيقية الجديدة لينتشل به العراق من واقعه المزري والمرير هذا ، وينقله الى واقعاً نوعياً جديداً بكل معانيه وأبعاده التاريخية ، وأن يكون قائده ورمزه التاريخي ليُخلّد اسمه في تاريخ العراق تذكرهُ الأجيال بفخرٍ واعتزازٍ واجلالٍ مدى الدهر ، وبالعكس من ذلك سوف يتحمل مسؤولية تاريخية كبيرة لا تنساها له الأجيال القادمة مدى الدهر أيضاً ، فعليكم يا سيادة الدكتور حيدر العبادي الموقر الأختيار بحكمة واقتدار بين الثرى والثرية لتدخل تاريخ العراق من أوسع أبوابه كمنقذ ويسطر اسمكَ في سِفره بحروفٍ من ذهب .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 10 / آب / 2015 م

112
تظاهرات الشعب العراقي تمهيداً لتطبيق الشرعية الثورية لأجراء التغيير المنتظر
 
خوشابا سولاقا
الوضع العام في العراق

كان الوضع العام في العراق قبل 2003 م وضعاً بائساً مأساوياً حيث يخرج العراق من حرباً ليدخل حرباً جديدة أكثر دماراً ومأساتاً على شعبه المغلوب على أمره بسبب السياسات الحمقاء والطائشة والعبثية التي كان يعتمدها نظام الحكم الصدامي الديكتاتوري الأستبدادي ، وكانت قوافل الشهداء تتوالى من جبهات القتال باللآف من شبابه ، وبات الموت يدق أبواب العوائل العراقية لحظة بعد لحظة ليأخذ منهم عزيزاً ويترك ورائه الثكالى واليتامي بمئات الالآف واستمرت الحالة هذه لسنوات طويلة منذ تولى صدام حسين وانفراده بالحكم في العراق عام 1979 بعد الأنقلاب على حكومة المرحوم أحمد حسن البكر الذي شاهد العراق في عهده نهضة كبيرة من البناء والعمران والتقدم وانجاز الكثير من المشاريع التنموية والأصلاحات الادارية في بنية الدولة العراقية ، حيث تحول العراق الى ورشة عمل كبيرة من أقصاه الى أقصاه . لكن بعد عام 1979م وانفراد صدام حسين بالحكم بدأ العراق بالتراجع بشكل قفزات والتوجه باتجاه تبني سياسات الحروب العبثية المدمرة مع دول الجوار بالرغم من عدم التيقن من أسباب تلك الحروب وجدواها ومسببيها بدلاً من التوجه الى سياسات التفاوض والحوار الدبلوماسي السلمي لحل كل ما كان موجوداً من الأسباب والمشاكل العالقة بين العراق وتلك البلدان بدلاً من اللجوء الى قوة السلاح وشن حروب عسكرية شاملة وتطول سنوات ، وتستنزف كل طاقات البلاد البشرية والأقتصادية والمالية ، وبالتالي إغرق البلاد في جملة من المشاكل الأجتماعية والأقتصادية والمالية الخانقة ليخرج منها منهكاً وهزيلاً منهار القوام ومديوناً بأكثر من 125 مليار من الدولارات للدول الأجنبية لديمومة تلك الحروب العبثية ، وبأكثر من نصف مليون من الشهداء من شباب الوطن من خريجي الجامعات بأغلبهم ، وأضعافهم من المعوقين والأرامل والعوانس واليتامي والثكالى . كل هذه الكوارث وآثارها المدمرة توقفت وانتهت باسقاط النظام الصدامي على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية  في التاسع من نيسان 2003 م واحتلال بغداد وفرض نظام الأحتلال على العراق . بانتهاء هذه المرحلة الصدامية تنفس غالبية الشعب العراقي من البؤساء المتضررين من الحروب العبثية للنظام الصدامي الصعداء ، وتوقعوا أن يحصل انفراج في الوضع العام للبلاد لينتقل العراق الى مرحلة نوعية جديدة تبشر العراقيين بالخير والسلام والأمان ليبدأوا حياة جديدة بعيدة عن الحروب والموت الدائم الذي كان يداهم بيوتهم ليأخذ منهم عزيزاً غالياً عنوةً  ، وأن تصبح موارد البلاد في خدمتهم لزيادة رفاهيتهم الاجتماعية لتعوضهم عن ما عانوه في الأيام العجاف ، وأن يتولى حكم البلاد من قبل أبنائه الغيارى الشرفاء من الذين ذاقوا الأمرين في ظل النظام السابق ليبنوا عراقاً جديداً مزدهراً متطوراً ومتقدماً لا مكان فيه للفقر والعوز والمرض والحرمان والبطالة والجريمة والأمية والشحذ في الشوارع  ، هكذا كان الحلم الذي يراود العراقيين بعد السقوط ، إلا أن مع الأسف الشديد هذا الحلم لم يطول كثيراً وسرعان ما تلاشى وتبخر في موجة من الفوضى والجريمة بكل أشكالها ، وسرقة المال العام للبلاد من قبل أغلب كبار المسؤولين في الدولة الذين قفزوا الى سُدة الحكم بمساعدة المحتل في ظلام الليل غفوةً ليقيموا نظامهم الجديد نظام المحاصصة الطائفية والأثنية المقيت الذي جلب للعراق وشعبه الدمار والخراب ، ودب في ظله الفساد بكل أشكاله في كل مفاصل أجهزة مؤسسات الدولة الرسمية العسكرية والأمنية والمدنية ، وانتشر القتل على الهوية وباتت شوارع المدن العراقية ومكبات النفايات مقابر لجثث المغدور بهم من أبناء العراق ، وبات توفير الخدمات الاجتماعية مثل الكهرباء والماء الصافي الصالح للشرب والمجاري الصحية لصرف المياه الثقيلة ، والخدمات الصحية والبلدية والخدمات التربوية وبُناها التحتية من المدارس الملائمة شبه معدومة في عموم العراق ، وأخيراً وليس آخراً تكللت سياسة الحكومات الطائفية الأنتقامية المقيتة المتوالية وبالأخص بعد عام 2005 م ، وردود الأفعال عليها من الطرف الآخر الى تسليم أكثر من ( 40 % ) من مساحة البلاد الى العصابات الأرهابية المجرمة – داعش ، ونزوح أكثر من ثلاثة ملايين من العراقيين لمناطق سكناهم في تلك المحافظات المحتلة من قبل الشراذم الأرهابية الداعشية ، وباتوا مشردين تحت رحمة العوز والمرض والفقر والحرمان من دون معيل ومستجيب لمتطلباتهم الحياتية الآنية بأبسط أشكالها ، وختمت نتائج حكم هذه الحكومات المحاصصية الهزيلة بأقحام البلاد من جديد في حرب شاملة مدمرة لتحرير البلاد والعباد من براثن العصابات الأرهابية وتكلف العراق يومياً الملايين من الدولارات والمئات من الشباب على حساب إفقار البلاد وزيادة معاناة ومأساة شعبه بسبب غياب الروح الوطنية المؤمنة والصادقة للحاكمين الجدد !!! . وباختصار شديد هكذا  بات الوضع العام في العراق والمشاكل والمعاناة والمأسي تطحن بأبنائه المغلوب على امرهم ، والحرب دائرة في كل بقعة من أرجائه من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه من دون توقف ، ومن دون وجود بصيص من الأمل للخروج قريباً من هذا النفق المظلم الذي أدخله فيه الحكام والسياسيين الطائفيين من جميع الأطراف ، وبات كل شيء في العراق له مساس بحياة مواطنية بخصوص توفير الخدمات المختلفة ومستلزمات الحياة بأبسط أشكالها في حالة من التراجع والتداعي المستمرين  من سيء الى أسوء يوم بعد آخر ، وبذلك باتت الظروف الذاتية والموضوعية في العراق مهيئةً وناضجةً للحراك الجماهيري الوطني للخروج الى الشوارع ومطالبة السلطات  بتوفير الخدمات بأبسط مستوياتها طالما كانت الدولة ومؤسساتها المختصة عاجزة عن القيام بما هو مطلوبٌ منها تجاه الشعب ، ثم الأرتقاء بها تدريجياً وصولاً بها الى مستوى الطموح الذي يليق بشعبِ بلداً يمتلك ثروات نفطية هائلة تقدر بمئآت المليارات من الدولارات سنوياً ، تلك الثروات التي باتت تعبث بها سُراق المال العام  من المسؤولين الكبار في إدارة الدولة والأحزاب المتنفذة في تلك الادارة ، لذلك كان المطلب الآخر لجماهير الشعب في تظاهراته العارمة هو محاربة الفساد المستشري الذي ينخر في جسد الدولة والقضاء علية وإحالة الفاسدين الى القضاء لينالوا جزائهم الذي يستحقونه لقاء ما أقترفوه من جرائم سرقة المال العام ، وتطبيق بحقهم قانون " من أين لك هذا ؟؟ " ، لأن تردي الأوضاع في العراق في كل ما تم استعراضة في هذه المقدمة وبات البلد على وشك الأنهيار في كل المجالات هي نتيجة لانتشار الفساد بكل أشكاله في كل مفاصل الدولة ، وعليه فإن نقطة البداية على خط الشروع بعملية الأصلاح الشامل لأوضاع البلاد يجب أن تبدأ بمكافحة الفساد ووالفاسدين والقضاء عليهما ، ومن دون ذلك لا يمكن للعراق أن ينهض من كبوته وأن يقف على قدميه من جديد ليخطو الى الأمام .

الحراك الشعبي والتظاهرات الجماهيرية
تعتبر التظاهرات الشعبية السلمية العفوية التي يشهدها البلاد في هذه الأيام ، والتي تنظمها الجماهير الشعبية الساخطة من مختلف شرائح وطبقات المجتمع العراقي على الأوضاع المزرية الحالية السائدة والتي تعم البلاد ، في بغداد العاصمة والمحافظات كافة لمطالبة السلطات  بتوفير الخدمات الاجتماعية ومكافحة الفساد المستشري في مفاصل الدولة هي حق دستوري مكفول للجماهير الشعبية ، وبذلك تمتلك الشرعية الدستورية ، فهي بالتالي تعتبر التظاهرات الشعبية المرحلة الأولى من استعمال الشرعية الثورية للجماهير الشعبية للتفاوض مع سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والضغط عليها لتلبية حقوقها المشروعة دستورياً . عليه فإذا كانت سلطات الدولة العراقية مؤمنة وملتزمة حقاً بمواد الدستور الذي أقره الشعب في استفتاء عام وهي منحازة لمصلحة الشعب الذي أوصلها الى مواقعها في سُدة الحكم ، وهي حريصة على مصلحة الوطن ، عليها أن تعتبر هذه التظاهرات الشعبية العارمة بمثابة تنبيه وجرس انذار مبكر لما يعانيه البلاد من ويلات وما مقبل إليه من أحداث جسام لا يُحمد عقباه ، وكما وصفها السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي المحترم ، ولأن تتعامل معها بجدية وايجابية وعقل مفتوح وصدر رحب وحكمة سياسية لرجال دولة لأيجاد الحل المناسب لتجاوز ما يعاني منه البلاد والشعب في هذه المرحلة العصيبة للرسو بسفينة البلاد الى بر الأمان ، وأن تبتعد السلطات عن أسلوب المراوغة والمماطلة والتسويف والوعود الكاذبة المخدرة للمشاعر الناقمة للجماهير واللجوء الى مواجهة المتظاهرين باستعمال القوة والوسائل العنفية ، لأن اعتماد مثل هذه الأساليب سوف تكون حلول مؤقة وذات عواقب وخيمة ونتائج معكوسة تقود في النهاية الى أنفجار جماهيري شعبي ثوري أقوى وأعنف من التظاهرات السلمية الحالية ، بل سوف تتحول التظاهرات السلمية الى انتفاضات ثورية شعبية التي قد تتسم بشكل أو بآخر بطابع من العنف الثوري تقود الى تغيير النظام القائم على الفساد جذرياً باعتماد وسائل قسرية وفق الشرعية الثورية للشعب التي يمنحها له حق الحياة الحرة الكريمة التي اغتصبها منه حكامه الطغاة الفاسدين والفاشلين الذين يمعنون في إفقاره وحرمانه من حق الحياة الكريمة وقتل أبنائه وإذلاله وظلمه واستغلال ثرواته الهائلة لصالحهم الشخصي من غير وجه حق ، عندها سوف لا يفيدهم الندم . لذلك نرى أن من واجب السلطات الرسمية بكافة اختصاصاتها أن تأخذ الأمور بجدية بالغة ، وتتعاطى معها بروية وحكمة وحِنكة سياسية عالية لأنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الأمور الى نصابها الطبيعي ووضع البلاد على مساره الصحيح بدلاً من الأستمرار في غييّها والسير الى سياسة حافة الهاوية ، وعلى السلطات أن تدرك بأن السَيّلُ قد وصل الزُبى وأن الكيلَ قد طفحَ ، وأن غضب ونقمة الجماهير البائسة والغاضبة قد وصل الى حده الأقصى من التحمل ، وإن موجة الغليان الثوري في الأعماق في حالة تصاعد يوم بعد آخر وربما ينفجر البركان الشعبي الهائج في أية لحظة ليحرق الأخضر باليابس في العراق إذا لم يتم تنفيسه بحِكمة وتعقُل وروية من قبل السلطات في الوقت المناسب قبل فوات الآوان ، وأن ذلك الوقت لربما يكون في البداية هو الوقت الأنسب قبل أن تستفحل الأوضاع وتصل الى حالة الأنفجار الثوري ويحرق كل شيء عن بكرة أبيه .
وأخيراً ندعوا منظمي التظاهرات هذه عدم شخصنتها وحصرها في شخص مسؤول بعينه كما هو الحال مع شخص وزير الكهرباء قاسم كيزر الفهداوي ، لأن شخصنة التظاهرات ليس من صالحها لأن ذلك يعني أن هذا الوزير او ذاك هو فقط المقصر الوحيد ، بينما أن الغالبية العظمى من الوزراء هم فاشلين ومقصرين في أداء مهامهم حتى بأدنى المستويات  ، نأمل أن تؤخذ ملاحظتنا هذه بنظر الأعتبار من قبل منظمي التظاهرات وسحب كل شعارات الشخصنة . 
تذكروا أيها المتظاهرون من أبناء الشعب العراقي أن ألف مليار دولار لا يكلف بناء دولة متقدمة صناعياً وزراعياً وحضرياً وعمرانياً بمستوى أية دولة أوروبية مثل هولانده أو السويد أو فنلنده أو النمسا وحتى إيطاليا وكوريا وتركيا كثير من تلك البلدان بُنيت بمبلغ أقل من ألف مليار دولار ، أسألوا حكامكم بعد عام 2003م أين ذهب الألف مليار دولار خلال الأثني عشر عاماً والعراق يعاني من كل هذه المشاكل في بناه التحتية ويواجه الأنهيار المالي والأقتصادي ؟؟ ، أين صرفت كل هذه المليارات وفي أية حسابات مصرفية أودعت هذه المليارات وعندها قرروا ما المطلوب القيام به ، لأسترداد كل هذه المبالغ لأعادة بناء عراق جديد مزدهر ومتطور ليتمكن من اللحاق بركب أقرانه من الدول النفيطية الأقل مواردها النفطية منه مثل دول الخليج العربي !!! .
خوشـــابا ســـولاقا
4 / آب / 2015

113
طبيعة العلاقة العضوية بين مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين
خوشابا سولاقا
إن الكلدان والسريان والآشوريين هي ثلاثة مكونات في كيانٍ واحد ترتبط ببعضها بعلاقة عضوية جدلية تكاملية قائمة على أساس وحدة المقومات القومية المتمثلة في وحدة اللغة والثقافة والتراث والأرث الحضاري والعادات والتقاليد الاجتماعية والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة والمصير المشترك ، لا يمكن الفصل بين بعضها البعض ، لأن الكل متجسدة في كيان قومي واحد لا يمكن للغريب ان يفصل فيما بينها ، أو أن يُميّزها  عن بعضها من أي جانب من الجوانب الاجتماعية وغيرها من الأمور الحياتية ، لأن جميعها تشترك الى حد التطابق في المقومات القومية الواحدة بالرغم من تعدد تسمياتها التي كانت وليدة الأختلافات المذهبية اللاهوتية الكنسية السقيمة .
إن الخصائص القومية التي يتصف بها الكلداني حالياً في أية بقعة من العالم هي ذاتها نفس الخصائص القومية التي يتصف بها السرياني والآشوري بغض النظر عن الأختلافات الجزئية الطفيفة في اللهجات المحكية محلياً ، وفي أمور جانبية أخرى دخيلة ، وهذا أمر طبيعي جداً وموجود يحصل عند كافة القوميات المجاورة والمتعايشة معنا .
لا يمكن للكلداني أن يكون موجوداً ككيان قومي قائم بذاته خارج الأطار القومي العام الذي يتضمن ويحتوي الوجود القومي السرياني والآشوري ، وكذلك الحال مع الوجود القومي للسرياني وللآشوري ، لأن الثلاثة تشترك في طبيعة واحدة كاملة تعيش في جسد واحد لا انفصام بين الثلاثة إطلاقاً ، وإن انفصام أي مكون منها عن الجسد الواحد يفضي الى موت الجسد كله .
إن أمتنا بحسب رؤيتنا الفكرية هي كلاً واحداً موحداً بثلاثة كينونات تسموية تاريخية منبثقة من تراثنا الحضاري التاريخي الموحد في أرض بيث نهرين ، وبثلاثة مذاهب كنسية ولكنها تشترك بطبيعة عضوية قومية واحدة ، وأن هذه العلاقة قريبة الشبه جداً بعلاقة " الأقانيم الثلاثة " ببعضها البعض في العقيدة المسيحية ، ثلاثة كينونات متساوية بطبيعة واحدة في حالة من الوحدة الكلية لا انفصام بين بعضها البعض .
إن كل المؤشرات والمعطيات التاريخية والديموغرافية والثقافية والتراثية والعادات والتقاليد الاجتماعية تشير وتدل بشكل قاطع لا يقبل الشك والجدل ووفق كل المعايير والمواصفات المعتمدة في جميع أنحاء العالم لتحديد الهوية القومية للمجموعات البشرية نجزم أن مكوناتنا الثلاثة هي من عِرق وجذر قومي واحد ومن أصول قومية واحدة ، وليست ثلاثة قوميات كل منها قومية قائمة بذاتها كما يدعي ويريد البعض من المتعصبين والمتطرفين في أنتمائهم المذهبية مع شديد الأحترام لرؤآهم .
إن المقومات القومية التي يشترك بها الكلدان والسريان والآشوريين عضوياً ووجدانياً وثقافياً واجتماعياً في بلورة وبناء كيانهم القومي الموحد تاريخياً وحضارياً وواقعياً اليوم ، هي أكثر وأقوى وأمتن من تلك المقومات القومية التي يشترك بها وتجمع وتوحد المكونات العربية والتركية والفارسية والكوردية والأسرائيلية التي تشاركنا العيش في هذه المنطقة الجغرافية لبناء كياناتها القومية الموحدة ، ونتساوى معها إن لم نكُن أقل منها في خلافاتنا المذهبية ، ولكن كل هؤلاء نجدهم اليوم أشد تماسكاً وولاءً لأنتمائهم القومي ، وأكثر تمسكاً وتشبثاً بالأرض والبقاء فيها منا بكثير ...
ما هو السر في تخلفنا عنهم في هذا الجانب ، في الوقت الذي نحن بُناة أرقى وأعظم وأقدم الحضارات في التاريخ في هذه المنطقة ، وفي ذات الوقت نحن في أمس الحاجة أكثر منهم إلى مثل هذا التماسك والولاء للأنتماء القومي  والتمسك بأرضنا كأصحابها الأصلاء والشرعيين  في ظل واقعنا الحالي وظروفنا القاسية التي نمر بها في هذه المرحلة التاريخية من حياة أمتنا ؟؟ ، إن في ذلك لمن المفارقات الغريبة الشيء الكثير المضحكة والمبكية ، الجميع  يبحث عن الوحدة ويصنع لها من الأسباب ما تزيدها قوةً وتماسكاً وتمتيناً ، بينما نحن نسعى الى العكس من ذلك ، حيث نسعى الى صنع من الأسباب ما تزيدنا ضعفاً وتمزقاً وتشرذما وتفككاً ، أي البحث عن كل ما يقودنا الى السقوط في هاوية الأنقراض ، هل هذا هو قدرنا المحتوم أم ماذا ؟؟ . 
لكن ما هو مؤسف جداً ونحن نعيش هذه الأوضاع المزرية اليوم ، أن مؤسساتنا السياسية والكنسية والثقافية والاجتماعية سعت منذ سقوط النظام البعثي الشوفيني ، وتسعي بهذا الشكل أو ذاك من حيث تدري أم لا تدري الى زيادة أسباب الفرقة والتمزق وتعميقها في نشر الأحقاد والكراهية بين مكونات أمتنا على خلفيات قومية ومذهبية ، حيث كان مع الأسف الشديد للتنظيمات السياسية دوراً كبيراً وبارزاً بسبب سياساتها الفجة الغير الناضجة فكرياً وغير الموزونة في رؤيتها  القومية للتعامل مع تركيبة واقعنا القومي ، وعدم استيعابها  لدور التركة الثقيلة المتخلفة التي ورثناها من الخلافات المذهبية الكنسية وثقافة الهرطقة عبر التاريخ ، هي من جَرّت مكوناتنا الى ما نحن عليه اليوم من تناقضات وتناحرات وتعقيدات وخلافات ، وبعثت فينا سموم تلك الأحقاد والكراهيات المذهبية من جديد ، بحيث باتت الوحدة القومية والحديث عنها حلماً نرجسياً بعيد المنال حتى على المدى البعيد .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 23 / تموز / 2015

114
لكي لا ننسى ما قلناه ........
ثورات الربيع العربي هي مرحلة إنتقالية بين
الديكتاتورية والديمقراطية الليبرالية
                                                                                            خوشابا سولاقا
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى نشأت كيانات الدول العربية وفق الخارطة السياسية التي رسمتها الدول الكبرى المنتصرة في الحرب ، بريطانيا وفرنسا وحلفائهما حسب إتفاقية ساكس – بيكو ، والتي بموجبها تم توزيع هذه الدول فيما بينها ، فالدول التي أصبحت من حصة بريطانيا أُنشأت فيها أنظمة حكم ملكية من أبناء الطبقات الأقطاعية والبرجوازية الصاعدة من الموالين لها أنظمة على غرار ما هو موجود في بريطانيا. أما التي أصبحت من حصة فرنسا أنشأت فيها أنظمة حكم غير ملكية من نفس الطبقات المذكورة سابقا ومن الموالين لها  ، أنظمة على غرار ما هو موجود في فرنسا . إلا أن هذه الحكومات لا تملك قرارها السياسي المستقل ، بل هي فاقدة لسيادتها وإستقلالها الوطني وخاضعة لأرادة المحتل في كل شئ .
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بإنتصار الحلفاء على دول المحور والقضاء على خطر النازية الألمانية والفاشية الأيطالية والعسكرتارية اليابانية في أوربا والعالم وظهورالمعسكرالأشتراكي في الأتحاد السوفييتي السابق وشرق أوربا ، ونمو وتصاعد نضال حركات التحرر الوطني في العالم الثالث بشكل عام والدول العربية بشكل خاص من أجل التحرر والأستقلال الوطني ، والتي كان الدور الرئيسي فيها لقوى اليسار الديمقراطي المؤيد للمعسكر الأشتراكي والمعادي للأستعمار الغربي بكل أشكاله السياسية والثقافية والأقتصادية والعسكرية من جهة ، وتعاظم أهمية دور الدول العربية بحكم كونها مصدر لحوالي ( 60 % ) من إنتاج النفط العالمي الذي يعتبر المصدر الرئيسي للطاقة والمحرك لماكنة لأقتصاد العالمي ، وقفز الولايات المتحدة الأميركية الى مركز الصدارة لقيادة النظام الرأسمالي العالمي ، وإمتلاكها لأكبر إقتصاد في العالم ، وتقسيم العالم الى معسكرين متناقضين بقطبين اللذين دشنا عصر الحرب الباردة من جهة ثانية .
في ضوء هذا الواقع المستجد والصراع المحتدم بين المعسكرين على مناطق النفوذ والمصالح الحيوية لهما ظهرت الأهمية والضرورة الى إقامة أنظمة حكم سياسية وطنية عسكرية ديكتاتورية في هذه البلدان تقودها أحزاب مؤدلجة بالأفكار القومية الشوفينية والدينية المتشددة المعادية للفكر الأشتراكي الشيوعي المعادي للنظام الرأسمالي بغرض التصدي لنفوذ المد الشيوعي في هذه البلدان ، وذلك من خلال قمع حركات التحرر الوطني الحقيقية التي تناضل من أجل إقامة أنظمة ديمقراطية فيها وتحرير الأرادة الوطنية من الخضوع للهيمنة الأستعمارية ، بذريعة حماية الأوطان والشعوب والدين من السقوط في براثن الشيوعية الملحدة ، فظهرت على أثر هذا الواقع مثل هكذا أنظمة في أهم البلدان العربية كمصر وسوريا والعراق ولبنان وتونس وليبيا والجزائر واليمن من خلال إنقلابات عسكرية قادها صغار الضباط في الجيش بدعم من القوى الدولية ، وبقيت الدول العربية الآخرى كدول الخليج العربي والمغرب والأردن أنظمة ملكية أو شبه ذلك ، لأن حركات التحرر الوطني فيها كانت أصلا ضعيفة ولا تشكل أية خطورة على إستراتيجيات والمصالح الحيوية للدول الأستعمارية الغربية من جهة ، وكون هذه الأنظمة تابعة للأرادة الدولية من جهة ثانية .. ولكن جميع هذه الأنظمة كانت تلتقي عند نقطة واحدة هي كونها أنظمة ديكتاتورية شمولية عسكرتارية معادية لمصالح أوطانها وشعوبها وتنفق الجزء الأكبر من وارداتها النفطية لشراء أحدث الأسلحة من الشرق والغرب على حد سواء ، كل ذلك وحسب إدعاءات الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة من اجل تحرير أرض فلسطين السليبة من قبل دولة الكيان الصهيوني - إسرائيل ،  قضية العرب الكبرى التي تقض مضاجعهم ولا تترك أن يغمض لهم جفن بسببها .. !! ، وبسبب هذه الأفكار والشعارات الأعلامية الغوغائية المتطرفة أدخلت هذه الأنظمة شعوبها رغما عنها في حروب خاسرة ومخجلة ومخزية بنتائجها النهائية مع دولة إسرائيل والتي إنتهت بإنتصار إسرائيل في جميعها وإحتلال أراضي عربية جديدة وضمها الى دولة إسرائيل . هذا الواقع الجديد أجبر هذه الأنظمة على الأستسلام لأرادة إسرائيل وحلفائها الرأسماليين والدخول معها في مفاوضات السلام تحت شعار " الأرض مقابل السلام " والتي تكللت في النهاية بعقد إتفاقيات الصلح بين الطرفين في كامب ديفيد وأوسلو وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ومعظم هذه الدول منها علناً وعلى مستوى تبادل السفارات وأخرى في السر على مستوى التبادل التجاري والثقافي وتبادل الزيارات الودية كما هو معروف للجميع .
هذه السياسة التي إتبعتها هذه الأنظمة الديتاتورية القومية ، أي سياسة التسليح الكمي والنوعي لجيوشها الجرارة أدت الى التمعن في إفقار شعوبها أكثر فأكثر جيل بعد جيل وزادها تخلفا في كل المجالات الصناعية والتكنولوجية الحديثة والعلمية بالرغم من ضخامة واردات ثرواتها النفطية ووصلت في تخلفها الى ما هي عليه اليوم ، أغنى دول العالم وأفقر شعوب الأرض !!! إنها لحالة مخجلة ومخزية حقاً ..
بعد إنهيار المعسكر الأشتراكي - الشيوعي في الأتحاد السوفييتي وشرق أوربا في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي على أثر عدم قدرة إقتصاد هذا المعسكر في مجاراة قدرة إقتصاد المعسكر الرأسمالي الغربي في المنافسة على كافة الأصعدة ، ونشوء في هذه البلدان لاحقاً أنظمة سياسية موالية للغرب الرأسمالي ، وتبنيها لأقتصاد السوق ، وتحول النظام العالمي ذي القطبين الى نظام ذو القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة الأميريكية ، وقيام الثورة الأسلامية ونظامها الأسلامي الراديكالي ، نظام ولاية الفقيه في إيران وإحتمالات تصدير هذه الثورة ونظامها الى دول الجوار العربي من خلال تحريضها للطائفة الشيعية من الدول النفطية المجاورة وخطورته على المصالح الحيوية للدول الرأسمالية وأمن دولة إسرائيل .
على خلفية هذه المستجدات على الخارطة السياسية للعالم والمنطقة تحول الصراع السياسي العالمي بين النظام الرأسمالي بكل مكوناته ومؤيديه من جهة ، والأسلام السياسي بكل تنوعاته وتشعباته وتناقضاته وصراعاته الداخلية ، أي الأسلام السياسي التكفيري الذي تقوده منظمة القاعدة ، والأسلام السياسي المتشدد الذي تقوده إيران واللذين مركز إنطلاقهما وإنبعاثهما الفكري والمالي هو هذه البلدان تحديدا من جهة أخرى ..
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 التي تمخضت عن تفجير برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن بنيويورك ومبنى البنتاكون في واشنطن في الولايات المتحدة الأميريكية أُعلنت الحرب العالمية وبلا هوادة وبكل الوسائل المتاحة على الأرهاب رسميا من قبل الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها على مستوى العالم ، وفي خضم هذا الصراع الصعب والطويل وجدت الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين وأصدقائهما في العالم ضعف الأنظمة السياسية الديكتاتورية القائمة في دول ساحة الصراع وتحديدا في الدول العربية والأسلامية في مجاراة متطلبات الحرب ضد الأرهاب بالتصدي لقوى الأسلام السياسي المتشدد المتمثل في منظمة القاعدة  وفي دور إيران المتنامي في المنطقة والداعم لتنظيم القاعدة عالميا تيقنوا بأن الوقت قد حان لتغيير هذه الأنظمة المتهرئة التي شاخت وأصبحت عاجزة وغير قادرة على القيام بما يستوجب القيام به في هذه المرحلة ، مرحلة الحرب العالمية على الأرهاب والتي بدأت بإسقاط نظام الطالِبان في أفغانستان وتوجيه ضربة قاصمة لمنظمة القاعدة بتدمير وتفكيك قواعدها وتفكيك خلاياها وتصفية وأسر أغلب قياداتها العسكرية البارزة هناك وملاحقتها في جميع أنحاء العالم ، ومن ثم تلاه إسقاط النظام الصدامي الديكتاتوري في العراق بالتدخل العسكري المباشر واحتلال العراق عسكرياً ، ثم توالت الأجراءات والترتيبات المطلوبة لأستكمال إجراء تلك التغييرات والتي تكللت لاحقا بإنطلاق ثورات شعبية عارمة للأطاحة بما تبقى من هذه الأنظمة وإزالتها من الوجود نهائيا من غير رجعة ، وكان للقوى الدولية اليد الطولَ في الأمر حيث كان  ذلك جلياً في وسائل إعلام تلك القوى للمتابع والمراقب السياسي الذكي .. بدأت هذه الثورات بثورة تونس فمصر واليمن والبحرين وليبيا وقد لا تنتهي بثورة سوريا المتصاعدة وتائرها والتي هزت أركان النظام البعثي المخضرم بقمعه وديكتاتوريته المقيتة ، وقد يشمل التغيير أيضاً الأنظمة الملكية في كل من الأردن والمغرب والسعودية ومشايخ الخليج العربي حيث يلوح في الأفق ما يشير الى ذلك إذا اقتضت الضرورة .  حيث أدت هذه الثورات التي باتت تعرف بثورات الربيع العربي الى الأطاحة بالأنظمة الديكتاتورية العسكرية الشمولية وحل محلها أنظمة الفوضى الخلاقة كما سموها صانعيها وإنعدام الأمن والأستقرار وإنتشار الجريمة في تلك البلدان وتدني مستوى المعيشة والخدمات المختلفة وإنتشار الفقر والبطالة بين شبابها وتفشي الفساد المالي والأداري في أجهزة الدولة ونهب المال العام من قبل القائمين على أجهزة الدولة ،  والعراق خير مثال صارخ على ذلك . ومن خلال الأنتخابات التي شابها التزوير والتي خطط لها مسبقا من قبل القوى الدولية المحركة لهذه الثورات قفزت قوى الأسلام السياسي التي تدعي الأعتدال جزافا ونفاقاً الى السلطة بإرادة القوى الدولية المخططة لذلك ، لكونها أكثر القوى تهيئا وتنظيما لأستلام السلطة في ظل شبه الغياب الكامل لدور قوى التيار الديمقراطي المدني عن الساحة السياسية العربية ، وكما حصل في العراق وتونس ومصر وليبيا ، ولأن أغلب قوى الأسلام السياسي لم يطالها قمع الأنظمة الديكتاتورية السابقة بالمستوى ذاته الذي طال غيرها من قوى التيار اليساري والديمقراطي الليبرالي ، ومن المتوقع أن يكون الأمر كذلك في كل من اليمن وسوريا كما تدل كل المؤشرات الموجودة على الأرض .. بالتأكيد إن قلة خبرة قوى الأسلام السياسي المشبعة بالثقافة الثيوقراطية في إدارة شؤون الدولة الحديثة وفي ظل ظروف المرحلة الأنتقالية من النظام الديكتاتوري الشمولي الى النظام الديمقراطي والتي تشهد فيها هذه البلدان والمجتمعات مخاض تغييرات وتحولات كمية ونوعية هائلة وسريعة غير مسيطر عليها في بناها التحتية والفوقية  ، وتزمت قوى الأسلام السياسي وبنوع من التطرف والتشدد بخطها الأيديولوجي الديني الذي لا تقبل التعاون والتحاور والتعايش مع الآخر سوف تجعلها تخفق وتفشل في تحقيق أية إنجازات ومكاسب نوعية ملموسة لصالح شعوبها وهذا الفشل والأخفاق سوف يجعل الجماهير التي صوتت لها في الأنتخابات لأسباب دينية أو مذهبية أو عشائرية أو مناطقية تتخلى عنها وتبحث عن البديل الذي يكون قادرا على تلبية متطلبات حياتها ويوفر لها الخبز والخدمات الاجتماعية الأخرى ، وهذا الأمر ظهر جليا واضحا في كل من تجربة إيران وأفغانستان وآخيرا العراق ومصر .. وفي خضم قيادة قوى الأسلام السياسي الفاشلة لبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات الدستورية سوف يتم التأسيس لظهور وإنبعاث تيار القوى السياسية الديمقراطية الليبرالية وتعمل على توعية الجماهير الرافضة لأي شكل من أشكال الدولة الدينية – الثيوقراطية الديكتاتورية التي أثبتت عمليا عجزها وفشلها في تحقيق ما تطمح إليه الشعوب من مرتكزات الحياة الكريمة وتعبئتها بإتجاه بناء الدولة المدنية دولة الخدمات التي تحقق العدالة والمساواة لجميع مكونات الشعب على أساس الأنتماء الوطني وليس على أي أساس آخر ، ومثل هذه القوى سوف تلتقي في رؤآها مع القوى الدولية التي تقود الحرب العالمية على الأرهاب وفق معادلات توازن القوى حول العلاقات الدولية المتوازنة بين الدول لضمان مصالح الجميع بأكبر قدر من العدالة والأنصاف ، أي بمعنى آخر هناك منطقة رمادية بين الأبيض والأسود في لعبة السياسة الدولية في دول هذه القوى التي تجري عليها لعبة المصالح الوطنية المتوازنة على العكس من قوي الأسلام السياسي التي لا تعترف بوجود مثل هذه المنطقة في علاقاتها الدولية مع الآخرين .
عليه فإن المرحلة التي تمر بها دول المنطقة بعد ثورات الربيع العربي هي مرحلة إنتقالية تاريخية وحتمية وقد تأخذ بعض الوقت وذلك يعتمد على مدى نمو ونضج مستوى الوعي الثقافي والسياسي للجماهير الشعبية للأنتقال من مرحلة الدولة الدينية ذي النظام الثيوقراطي الى المرحلة الديمقراطية الليبرالية . إن هذه المرحلة مهمة للغاية من وجهة نظر القوى الدولية التي تخطط لرسم خارطة سياسية جديدة للعالم بشكل عام وللمنطقة بإسم مشروع الشرق الأوسط الكبير بشكل خاص ، ولكن قبل وضع هذا المشروع موضع التنفيذ كانت هناك بعض المعوقات تعيق تحقيقه والتي ترتبط إرتباطاً عضوياً بوجدان وثقافة وتربية وتقاليد وتراث شعوب هذه المنطقة يجب تجاوزها ، ويأتي في مقدمة هذه المعوقات وجود أحزاب وتنظيمات دينية عديدة ومختلفة الرؤى والتوجهات الفكرية والسياسية تتبنى منهج الأسلام السياسي كغطاء لنشاطاتها المختلفة ، وبالمقابل هناك ولاء جماهيري وشعبي قوي وكبير للأسلام كدين في هذه البلدان يقابله رفض غاضب وجامح لأي وجود أجنبي غريب عن بيئتهم الأجتماعية مهما كانت طبيعته لأن يتحكم بإرادة بلدانهم وينتقص من سيادتها الوطنية ، عليه في ظل هذه الظروف المعقدة والمترابطة جدليا ببعضها البعض تكون إستجابة الجماهير الشعبية لطروحات أحزاب الأسلام السياسي أمر طبيعي جدا ومستجاب بعد خروجها وتخلصها للتو من تحت ظلم وطغيان وديكتاتورية الأحزاب القومية الشمولية التي كانت تحكمهم وتضطهدهم بأسم القومية والوطنية زورا وبهتانا لعقود عديدة .. لذلك ولأجل إختبار  أحزاب الأسلام السياسي المشبعة بثقافة التمييز الديني والطائفي والمذهبي على أرض الواقع تكون عملية إصالهم الى سدة الحكم  في هذه المرحلة وتسليمهم إدارة البلاد لتحكم وتدير الدولة وفق فلسفتها الدينية التي إستنبطتها من العقيدة الدينية بشكل انتقائي التي تؤمن وتسترشد بها كمنهج لعملها والتي من المؤكد سوف لا تصلح لأدارة دولة حديثة متعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية والسياسية هي عملية لا بد منها لغرض إفشال تجربة الأحزاب الدينية ، ويكون بالنتيجة حصاد هذه الأحزاب الفشل والأخفاق في تلبية مطاليب شعوبها على أرض الواقع ، وعندها تكون قد تم دق الأسفين بين هذه الأحزاب والجماهير الشعبية المضللة بها التي أعطتها ولائها في الأنتخابات  وتبحث عن البديل المناسب الذي يحقق لها الحياة الحرة الكريمة ، وعندها يكون الطريق ممهداً ومفتوحاً أمام القوى الديمقراطية الليبرالية الوطنية للوصول الى سُدة الحكم في هذه البلدان من خلال صناديق الأقتراع بإنتخابات ديمقراطية حرة ، وهذه العملية حتمية يفرضها تطور التاريخ الأجتماعي للشعوب والأمم ، وما يجري اليوم وما هو عليه واقع الحال في التجربة العراقية الجارية منذ ما يقارب الأثنتي عشرة سنة وما جرى في مصر وتونس خير أمثلةً  جليةً على ما تم عرضه في هذا المقال المقتضب ..
وأخيرا فليسمع من لا يريد أن يسمع وأن يرى من لا يريد أن يرى الحقيقة على أرض الواقع .. إن النصر أخيراً معقوداً للشعوب مهما طال الزمن ومهما غلت التضحيات ، إن من يزرعَ سوف يحصدَ ومن يصبرَ سوف يظفر ، هذه هي إرادة الحياة وسنتها .
 
خوشـــابا ســـولاقا
13 / تموز / 2015 م     


115
السفهاء ... على صفحات وسائل التواصل الأجتماعي
خوشابا سولاقا
إن العلماء الذين أفنوا حياتهم عبر التاريخ في البحث والدراسة والتطوير من أجل التوصل الى أختراع ما يُيَسّر من الوسائل والأدوات والمعدات العلمية ليضعوها في متناول يد البشر من الذين أحسنوا أبائهم وأمهاتهم وعوائلهم تربيتهم بأحسن الأخلاق ، وغذوهُم  بأرفع القيم الانسانية والحرية والدينية وأقدسها وفي مقدمتها احترام الذات لأن يعرفوا بالتالي كيف سوف يصونوا إنسانيتهم  وكراماتهم من الهدر والأنحطاط ، ولأن يستخدموا من حرية الرأي التي تمنحها لهم  هذه المخترعات التي يبتدعها الانسان في تجسيد قيم الأخلاق الانسانية وسموها ونبلها على غيرها من من القيم والسلوكيات الشاذه التي تصبها  في كيانهم ثقافة المسخ والرذيلة والسقوط الأخلاقي في التعاطي مع الحياة بمجمل جوانبها ، وليعرفون كيف يكونوا افراداً صالحين منتجين لخدمة المجتمعات الانسانية ، وليس لأن تكون تلك المخترعات والأكتشافات العلمية الهائلة وسائل لتدمير ذات الانسان وقيمه الأخلاقية ، ولأن تُستغل من قبل البعض من الذين تجري الأحقاد والكراهية والضغينة وحب الأنتقام في دمائهم ونفوسهم من الذين جبلتهم الطبيعة لفعل الشر والعدوان ، أو الذين يشعرون بالنقص ووخز الضمير مما ورثوه من أبائهم وأجدادهم من الشناعات والقبائح التي يخجلون منها في حياتهم الحاضرة كلما مر على ذكرها الآخرين فيلتجؤون الى استغلال هذه الوسائل لنشر سفاهاتهم وبذاءات ألسنتهم في ذم وشتم الآخرين بأقذع المفردات النابية الغير أخلاقية واشنعها بدافع الحقد والكراهية والأنتقام . أعزاءنا القراء الكرام لقد تكللت جهود وتضحيات وابداعات العلم والعلماء والمهندسين وغيرهم قبل عقود قصيرة من الزمن في مجال علم الأتصالات والألكترونيات والفضاء الى اختراع الشبكة العنكبوتية – الأنترنيت بكل تنوعات معداتها من الحواسيب واللابتوبات والهواتف النقالة بكل اشكالها المتطورة للغاية ، وعبر الترابط مع الأقمار الأصطناعية المزروعة في الفضاء الخارجي بالمئات إن لم تكن بالآلاف لأن يجعلوا من كوكبنا الجميل هذا عبارة عن قرية صغيرة نلاحظ ونشاهد ونتابع كل ما يجرى على سطحه من النشاطات الانسانية بيُسرٍ وسُهولة متناهية ، وبدقة لا حدود لها ، وعليه ليس امام البشر ممن يتعاطون مع هذه الوسائل الكريمة بعطائها !!! إلا أن يشكروا من منح لهم كل هذه النعمة الأتصالاتية التواصلية بأن يُحَسّنوا من اخلاقهم في التعامل مع بعضهم البعض عبر هذه الوسائل ، نقصد هنا تحديداً " وسائل التواصل الأجتماعي " بكل تنوعاتها لرفع من قيمة وسمو مما تربوا عليه في بيئة عوائلهم ومجتمعاتهم البشرية وتجاوزها الى ما هو أرفع وأسمى في استغلال هذه الوسائل ، لا لأن يستغلوها باستخدامها للأساءة على بعضهم البعض بأخلاقية متدنية لا تليق بمن يعتبر نفسه مثقفاً وإبن هذا العصر ونتاج هذه الحضارة كما يفعل البعض من القلة مع الأسف الشديد . صحيح أن من حق الجميع الطبيعي أن يستغلون هذه الوسائل للتعبير عن رأيهم ويدافعون  من خلالها عن حقوقهم ومقدساتهم وكل ما يخصهم بالشكل الذي يضمن لهم ما يريدونه ، ولكن أن يجري كل ذلك بلغة عالية وسامية الأخلاق  وبمفردات مهذبة وليس بلغة الشتيمة الجارحة واللاأخلاقية ، لغة مَسبات وشتائم أولاد الشوارع  الأفاقين الشواذ  كما يقال ، إن اللجوء الى التخاطب مع الآخر بهذه اللغة ومفرداتها النابية لا تليق بقدسية القلم للكاتب الرصين الذي يحترم ذاته وقلمه وتراث عائلته وكل الحلقات الأخرى التي تلي العائلة ، والوسيلة التي ينشر من خلالها ، وذوق القارئ في النهاية .
نقول لهؤلاء القلة بأسف شديد لا مكان لكم بيننا في هذا العصر أيها السفهاء ، ولكي لا تتهمونا بالدعوة لمصادرة حريتكم وحقوقكم في التعبير ، نقول بأمكانكم أن تستخدمون قلمكم بلغة مهذبة بدلاً من لغة الشتيمة والرذيلة لتُحترمون من قبل قراءكم ومعارفكم وأقاربكم وعوائلكم أولاً ، وأخيراً حتى من قبل من تفترضونهم وتُنصبونهم خصوماً وأعداءً لكم .
وليس بوسعنا أخيراً إلا أن نقول ...... احترموا نعمة هذه الوسائل وصونوها من بذاءة اللسان لكي تتطور وتتحسن وتقدم لكم خدمة أكبر وأسرع كماً ونوعاً في المستقبل ، هذا الكلام موجه لمن يسيؤون على الآخر باستغلال هذه الوسائل ليرعووا !!! ، ونرفع قبعاتنا عالياً بإجلال وإكرام لمن يستغلها لأحترام القلم والأدب والثقافة لخدمة الآخرين من بني جنسه ، وعسى أن تنفع النصيحة .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 8 / تموز / 2015   

[/color]

116
أيةِ تسميةٍ هي  الأصحْ " مَريَمْ أمَ اللهْ " أمْ " مَريَمْ أمَ المَسيحْ "... ؟؟
خوشابا سولاقا
قبل الخوض في المناقشة والأجابة على سؤالنا الكبير في  عنوان الموضوع ، والذي هو في غاية من الأهمية والحساسية في ذات الوقت ، لأن في الأجابة عليه قد يتصور البعض بأننا  قد نمس مقدسات ومحرمات الناس المؤمنين ، ولكن في الحقيقة والواقع إن الموضوع مختلف وليس كذلك اطلاقاً ، إلا بقدر ما يتعلق منه بالأسباب التي أضرت بتلك المقدسات والمحرمات ذاتها لقرون طويلة من حياة المسيحية وما أصابت كنيستها ، وسببت في انقسام وانشطار جسد كنيسة  السيد المسيح التي أرادها الرب أن تكون واحدة موحدة كما هي وحدة " الأب والأبن والروح القدس " ، وحولتها بالنتيجة الى أشلاء متناحرة ومتناقضة ومتصارعة ومتحاربة وناكرة لبعضها البعض منذ القرون الأولى للميلاد ، وكل قسم منها يتهم الآخر بالهرطقة  والخروج عن جوهر مبادئ العقيدة المسيحية السمحاء .
نود هنا أن نوضح للقارئ الكريم بأننا شخصياً علمانيين فكراً ومنهجاً وتوجهاً بأمتياز ، لا نفرق بين انسانٍ وآخر لا بالدين ولا بالمذهب ولا بالعِرق ولا بالجنس ولا باللون إلا بقدر ما يؤديه ويقدمه للبشرية جمعاء من أعمال خيّرة ومن أفعال شريرة وشنيعة . نحن  مسيحانياً لا نفرق بين مذاهبنا المسيحية قيد شعرة ، ولا نفضل ونقدم مذهب على آخر إلا بالعمل الصالح والفعل الخيّر ، ولا نُصَوّبْ أو نخطئ اجتهاداً أو تفسيراً أو رأياً على حساب الآخر مجاملة أو تملقاً بهذا الطرف أو ذاك ، إلا بالقدر الذي يضر أو يفيد مصلحة أمتنا بكل مكوناتها وتسمياتها ، وبالقدر الذي نؤشر من خلاله على الحقائق غير المعروفة وغير الواضحة للآخرين من التي لها علاقة بما أوصلنا الى ما نحن عليه في حاضرنا من الأسباب ، وموضوعنا هذا هو واحداً من تلك الأسباب . إنطلاقاً من هذه الخلفية الثقافية وهذا الفهم لواقعنا التاريخي وتطوراته عبر أكثر من عشرينَ قرناً من الزمن ، ومن خلال هذه الرؤية الحيادية في النظر الى الأمور سوف نتناول مناقشة الموضوع والأجابة على كل ما يراودنا من تساؤلات مشروعة لها علاقة بصلب الموضوع لتوضيح الصورة للقراء الكرام بقدر استطاعتنا ومعرفتنا المتواضعة في هذا المجال بشكل منطقي وعقلاني مستندين على الأستنتاج الذي تدعمه الوقائع التاريخية ، وسوف نسعى بكل همة وجدية لازالة كل التشويهات والتضليلات والتحريفات التي روج لها في الماضي تحت ستار الدين والكنيسة والدفاع عنهما وحمايتهما ، والتي باتت جزءً من تراث وثقافة كنائسنا وأتباعها ، ووضعت الناس المؤمنين البسطاء في موقف غير سليم لبناء قناعاتهم الشخصية بمصداقية هذا الموضوع أو ذاك ، وبالتالي موقفهم  من الآخر المختلف في المجتمع الانساني المسيحي  وغير المسيحي من دون مراعاة للظروف الموضوعية على ارض الواقع وانعكاساتها السلبية وتأثيرها على علاقات بناء التعايش السلمي المشترك مع الآخر المختلف مذهبياً أو دينياً . ما نبتغيه من الاجابة على هذا السؤال هو أن التسميتان تعنيان ذات المعنى بالمنطق العقلاني والعلمي وفق ثوابت لاهوت العقيدة المسيحية ، وبالتالي هما تسميتان صحيحتان لمسمى واحد عند النظر إليهما من منظور إيماني مسيحاني صادق ، ويعنيان شيئان مختلفان ومتناقضان عند النظر إليهما من منظور الأختلاف والخلاف لأسباب غريزية بشرية نابعة من الأنانية والحقد والحسد والغيرة والكراهية والتي جميعها تناقض وتخالف جوهر ومبادئ العقيدة المسيحية السمحاء .
في مقدمة الموضوع لا بد لنا من العودة الى جوهر وأركان العقيدة المسيحية الرئيسة والتي تشكل المنطلق النظري والفكري للدخول في مناقشة موضوعنا هذا وفق منظور فلسفي – لاهوتي عقلاني . إن جوهر المسيحية يكمن في الأيمان الصادق بالثالوث المقدس ، الأقانيم الثلاثة بحسب تسلسلها التراتُبي من حيث الأولوية والأسبقية . وكلمة الأقنوم تعني لاهوتيا ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة .
الأقنوم الأول هو " الأب – الله " من حيث الجوهر ، وهو الأصل من حيث الأقنوم ، والأقنوم الثاني هو " الأبن – المسيح " وهو الله من حيث الجوهر ، وهو المولود من حيث الأقنوم  ، والأقنوم الثالث هو " الروح القدس " ، وهو الله من حيث الجوهر ، وهو المنبثق من حيث الأقنوم . هذه الأقانيم الثلاثة تعيش في كينونة واحدة في حالة وحدة كلية لا انفصام فيها بموجب المفهوم اللاهوتي المسيحاني  ، ولكن في الحقيقة بحسب وجهة نظرنا وبحسب المعطيات هناك أختلاف في التراتُبية والطبيعة بين الأول والثاني والثالث ، فالأقنوم الأول – الأب وهو الله الكل الكامل خالق الكون وخالق كل شيْ  وهو الأصل منبع الكل ، وألأقنوم الثاني – الأبن وهو المسيح المولود بكلمة الله بروح القدس من بطن مريم الأنسانة الطبيعية ككل النساء اختارها الله لتحمل الأبن في أحشائها لمدة تسعة أشهر ثم تولد الأبن – يسوع المسيح ولادة طبيعية كما تولد كل النساء وهذا الذي حصل بالكمال والتمام بإرادة الأب – الله الأصل . كان الأبن في كل أحاديثه خلال مسيرته ينادي الله بأبي وهذا يعني أولوية الأب على الأبن في تراتُبية الأقانيم ، أي أن الأب يتجسد فيه كل من الأبن والروح القدس بالكامل ، والعكس غير صحيح حيث لا يتجسد الأب بالكامل في الأبن ولا في الروح القدس ، حيث أن كل ذكر في أحاديث السيد المسيح " للأب - لله " توحي بشكل واضح وجلي لهذه الحقيقة . هنا من حقنا أن نتساءل ماذا كانت حكمة الخالق " الأب – الله " الأصل من خلق " الأبن – المسيح " المولود عبر الجسد البشري للعذراء مريم بنت يواقيم خطيبة يوسف النجار ؟؟ ، بالتأكيد كانت حكمته جلا جلاله لتجسيد ناسوت الأبن – المسيح بطبيعة انسانية ليعيش ويتعاطى بها مع البشر كإنسان ، يأكل ويشرب ويتكلم ويتألم ويفعل كل ما يفعله الناس ثم يموت مصلوباً على الصليب ليفدي الأب بأبنه الوحيد لخلاص البشر من آثامهم وخطاياهم ، أي أن العذراء مريم كانت الوسيلة التي أختارها الأب لتُجسد الطبيعة الأنسانية للمسيح - الناسوت . هذا يعني بشكل جلي لا يقبل الشك والجدل أن للأبن طبيعتان ، طبيعة إلهية كطبيعة الأب وبمرتبة أدنى منه ، لأنه مولود بكلمة من الأب بقوة روح القدس في بطن مريم الانسانة ، وطبيعة إنسانية لأن مريم حملته تسعة أشهر في أحشائها ككل النساء ثم ولدته كما تولد كل النساء وعاش بين البشر ككل الناس ، ثم مات على الصليب ودفن كما تموت وتدفن كل الأموات ، ثم يقوم في اليوم الثالث من بين الأموات ، فقط بهذه القيامة والصعود الى السماء ليجلس الى يمين الأب ممسوح من الخطيئة يختلف المسيح له المجد عن بقية الموتى من البشر التي تبقى رفاتهم راقدة في لحدهم بانتظار يوم القيامة عندما تحين الساعة ويأتي المسيح من جديد ، هذا بحسب العقيدة المسيحية ، وكانت حكمة الأب بولادة الأبن من مريم العذراء أيضاً ترمي الى إستكمال كل ما ورد في نبوءآت أنبياء اليهود حول مجيء السيد المسيح المنتظر الذي سيفدي بنفسه من أجل خلاص البشرية من الآثم والخطيئة . فكان كل شيء متعلق بحياة المسيح من ولادته وموته مصلوباً متكاملاً ومطابقاً  مع ما ورد في نبوءآت أنبياء اليهود بالتمام والكمال ، وهذا يعني أن السيد المسيح الذي مات مصلوباً على الصليب والذي نعرفه هو المسيح بعينه الذي نهتدي ببشارته الآن ، وليس كما يدعي اليهود بأن المسيح المنتظر بحسب أنبيائهم لم يأتي بعد ، وهم ما زالوا ينتظرون مجيئه .
الآن وبعد هذه المقدمة نأتي الى البيت القصيد من الموضوع حيث مربط الفرس ، ونقول لو كان للمسيح فقط طبيعة إلهية ، وبالتالي إنه إله كامل كمال الأب – الله ، أي بمعنى أنه هو الله -الأب ، كما تؤمن بعض المذاهب المسيحية اليوم ، فإذا كان الأمرُ كذلك كيف يجوز أن يموت الله مصلوباً على الصليب ؟؟ إن الله حيٌ لا يموت !!! ، وطعنة الرمح على جنبه تحت ثديه وعدم خروج الدم منها علامة تدلل على اكتمال الموت البشري الطبيعي للمسيح المصلوب بحسب العلم . هذا دليل على أن الذي مات على الصليب هو " الأبن – المسيح " بطبيعته الانسانية أي بناسوته الذي ولدتّهُ بها العذراء مريم ، وهذا دليلٌ قاطعْ على أن للسيد المسيح له المجد طبيعتان ، طبيعة إنسانية مات بها على الصليب مصلوباً ، وطبيعة  إلهية قام بها من بين الأموات وصعد الى السماء بعد أن حلت روح القدس في تلاميذه ليبشروا بكلامه كما هو في الكتاب المقدس " الأنجيل " . هنا تكمن الأشكالية الأولى حول الأختلافات بين المجتهدين اللاهوتيين في القرون الأولى للميلاد الذين زرعوا الفرقة والفتنة والأحقاد والكراهية بين المؤمنين المسيحيين وقسموا ومزقوا كنيسة المسيح له المجد الى أشلاء متنازعة متنكرة ومهرطقة لبعضها البعض نهاراً جهاراً ، ومن هذه الأشكالية الأولى التي هي كينونة طبيعة المسيح نتجت على خلفيتها الاشكالية الثانية بينهم ألا  وهي اشكالية تسمية " مريم العذراء " ، فانقسموا المجتهدون الذين في الحقيقة والواقع قد خانوا أمانة الرب باستمرار وحدة كنيسته والمحافظة عليها موحدة وقوية الى يوم قيام الساعة ، فقسم من اللاهوتيين المجتهدين الذين أصروا على  وحدانية طبيعة المسيح " بكونه ذو طبيعة واحدة إلهية " ، أصروا على تسمية العذراء " بمريم أم الله " ، والقسم الآخر منهم ممن أصروا على أن للمسيح طبيعتان طبيعة إلهية وأخرى إنسانية ، أصروا على تسمية العذراء " بمريم أم المسيح "  . إن هذه النقاشات وهذه الحوارات وهذه الأختلافات السقيمة التي جَرتْ على خلفية هاتين الأشكاليتين  ، وبحسب الثوابت المسيحية ذاتها ، تشكل الهرطقة بعينها من كلا الطرفين ، لا نبرء أي طرف منهما من جناية الهرطقة بحق المسيحية ووحدة كنيسة المسيح له المجد التي نعيش اليوم مأساتها وتداعياتها الأليمة .
لا تختلف المذاهب المسيحية اليوم على آلوهية " الأبن - المسيح " اطلاقاً وعليه فإن تسمية مريم العذراء " بأم الله " يعني بالضرورة أم المسيح بطبيعته الألهية ، كما هي أمه بطبيعته الأنسانية ، لذلك فإن التسميتان هي تسمية واحدة لمسمى واحد ، إذا أرادوها المجتهدون أن تكون عنصر ترسيخ واستمرار وحدة كنيسة المسيح ، واما إذا أرادوها أن تكون عنصر الفُرقة والتمزق والتشرذم والحقد والكراهية فلتكن كما أرادوها في السابق أن تكون .
نحن من جانبنا لا نرى وجود أي اختلاف جوهري عقائدي يستوجب استمرار هذا الاختلاف المفتعل في التفسير والأجتهاد الذي مرت عليه قرون طويلة حول هاتين الاشكاليتين واللتين تشكلان حجر الزاوية في كل الأختلافات المذهبية الموجودة بين كنائسنا المختلفة حالياً ، وهذا ما سوف يقف حائلاً أمام تحقيق وحدة كنيسة المسيح عالمياً . في الحقيقة أن هذا الأختلاف بين أن تسمى العذراء في طقوسنا الكنسية " مريم أم الله " أم أن تسمى " مريم أم المسيح " لا يختلف بشيء من حيث الجوهر عن ذلك النقاش والحوار الذي جرى بين الفلاسفة القدماء حول موضوع " هل البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة " ، لأنه في كل الحالات يعني أن البيضة هي من الدجاجة ، وأن الدجاجة هي من البيضة ، كذلك الحال فإن " مريم أم الله " هي " مريم أم المسيح بطبيعته الألهية " ، وإن المسيح مات على الصليب مصلوباً والله حيٌ لا يجوز أن يموت لأنه هو الكمال والخلود الأبدي !!! ، وإذا أسلمنا بأن المسيح هو الله كامل ذاته ، عندها يكون ما ورد في القرآن الكريم بأن الذي مات على الصليب لم يكن المسيح بذاته بل شُبه به ، وعندها تكون أيضاً مصداقية المسيحية الكامنة في موت المسيح وقيامه في اليوم الثالث موضع شك الآخرين ، ونكون عندها قد حطمنا بأيدينا حجر الزاوية في البناء المسيحاني للعقيدة المسيحية .
لذلك ولغرض تقويم هذه التناقضات الفلسفية التي أورثوها لنا اللاهوتين المجتهدون في الماضي يفرض على الكنيسة ومرجعياتها إعادة النظر في هذه التسمية لتكون منسجمة ومتناغمة مع ما ورد في نبوءآت أنبياء اليهود بشأن مجيء المسيح وولادته وموته وقيامه من جهة  ، ومع منطق العلم الحديث والعقل المنفتح  لجعل المسيحية بعيدة عن طعن وتشكيك الآخرين بمصداقيتها ورسالتها .

تنبيه مهم : بعد الأعتذار من القراء الكرام ، وعلى ضوء بعض الملاحظات التي وردتنا في مداخلات  بعض الأخوة الكرام مشكورين اقتضى الأمر منا إضافة هذا التوضيح .
لقد سبق لنا وإن وضحنا في متن هذا المقال بأن غايتنا من كتابته لم تكن التنظير اللاهوتي للمفاهيم التي أوردناه فيه لكوننا لسنا مختصين في علم اللاهوت ، وإنما كانت غايتنا من المقال هي التوضيح للقراء كيف أن الأجتهادات والتنظيرات اللاهوتية بين المجتهدين اللاهوتيين من البشر قادت الى تمزيق وتشضي جسد كنيسة المسيح ، وظهور المذاهب التي ابتلينا بها نحن اليوم ... وشكراً للقراء الأعزاء 
                                                                                                                                         
                      خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 1 / تموز /  2015


117
الشراكة الإيمانية مع روما وضرورة وحدة كنيسة المشرق

خوشابا سولاقا
في ظل الظروف الصعبة والمأساوية المعقدة والمزدوجة في طبيعتها التي تمر بها أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين من جهة ، وكنيستنا كنيسة المشرق بكل فروعها ومسمياتها الحالية  في كل من العراق وبلاد الشام ، وفي ظل تصريحات قداسة أبينا البطريرك مار لويس ساكو الأول في 23 / حزيران / 2015 م من جهة أخرى ، بات موضوع تحقيق الوحدة الكنسية بين كنائسنا ذات الجذور المشرقية ضرورة موضوعية عقائدية مسيحانية وقومية ووطنية وانسانية ملحة للغاية بغرض تحقيق وتثبيت خصوصية هويتنا ووجودنا القومي والكنسي  العقائدي المسيحاني في أرض أبائنا وأجدادنا التاريخية لا تحتمل التأجيل لأي سبب من الأسباب . لأن تأجيلها تكون نتائجه في أحسن الأحوال هي المساهمة في تسريع وتهيئة الظروف والأسباب لزوال وانقراض وجودنا القومي التاريخي من جهة ، وضياع واختفاء الأرث الحضاري والتراث الروحاني لكنيسة المشرق العظيمة  مهد المسيحية في الشرق وانقراضه في موطن الأباء والأجداد منذ عام 48 م من جهة ثانية ،  وحتى  تشتته على أقل تقدير في المهاجر مع تشتت أبنائها الى حين ، ثم ينتهي  ويزول من الوجود الى غير رجعة بنهاية الأجيال المهاجرة من أرض الوطن ، لأن مصير الأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد في تلك المهاجر يكون الأندماج والأنصهار والذوبان الكامل في مجتمعات المهاجر ، وإن بوادر وملامح وأفاق هذه الظاهرة المؤلمة والمحزنة والخطيرة باتت ظاهرة للعيان وجلية على أرض الواقع ، وكل أب وأم يعيشون في المهاجر صاروا يعايشون هذه الظاهرة بألم مع أبنائهم وأحفادهم اليوم . عليه فإن إنجاز مشروع الوحدة بين كنائسنا المشرقية الجذور صارت ينظر إليها بمثابة قارب النجاة لأنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا هذه الأمة المحطمة والمشردة قومياً وهذه الكنيسة الممزقة مذهبياً من الزوال والأنقراض والسقوط في هاوية النهاية من خلال التشبث بكل الوسائل الممكنة للبقاء في أرضنا التاريخية ، وربما تشكل الوحدة الكنسية حافزاً قوياً لأستمرار هذا البقاء الذي قد يمد جذوره عميقاً في الأرض لينبت وينبعث ليثمر خيراً وبهاءً لهذه الأمة ولهذه الكنيسة من جديد ، وليدوم ظل هذه الشجرة الفردوسية الوارفة في أرض بيث النهرين الطاهرة خالداً خلود بابل وآشور ونينوى وأور وكل صروحنا التي تحدت عوارض الزمن لألاف السنين .   
وقبل الخوض في تفاصيل العلاقة بين " الشراكة الإيمانية المسيحانية " ووحدة كنيسة المشرق لا بد من المرور على شريط الذاكرة التاريخية للتذكير ببعض الثوابت العقائدية المسيحانية البديهية  لكي لا يتيه القارئ بين تلافيف البدع التضليلية للأجتهادات اللاهوتية المفتعلة التي لا تمت بصلة الى جوهر المسيحية من قبل البعض القائمين على إدارة الكنيسة لغرض في نفوسهم المريضة لتحقيق مأربهم الشخصية الأنانية على خلفيات سياسية تاريخية ، كالأجتهادات اللاهوتية حول الأقانيم الثلاثة وعلاقاتها ببعضها البعض ، والأجتهادات حول طبيعة السيد المسيح بين أن يكون له طبيعة واحدة وهي طبيعة إلاهية وبين أن يكون له طبيعتان طبيعة إلاهية وطبيعة إنسانية وبالتالي انعكس هذا الخلاف حول طبيعة السيد المسيح الى خلاف حول تسمية أم العذراء مريم المقدسة بين أن تسمى " مريم أم الله " كما عند الكاثوليك عموماً وبين أن تسمى " مريم أم المسيح " كما عند كنيسة المشرق بشطريها وربما آخرين . هذه الأجتهادات وغيرها هي التي أدت الى تمزق وانشقاق كنيسة السيد المسيح له المجد كلها وليس في كنيسة المشرق وحدها .
المسيحيون جميعاً ، وفي جميع أرجاء العالم المعمورة حيثما وجدوا من الصين شرقاً الى سواحل قارتي الأميريكيتين على محيط الباسيفيك ( المحيط الهادئ ) غرباً ، ومن شواطئ السويد والنرويج وفنلنده وروسيا عند القطب الشمالي شمالاً الى رأس الرجاء الصالح في قارة أفريقيا وشيلى في أقصى جنوب أميريكا اللاتينية جنوباً ، كلهم يؤمنون  بالثالوث المقدس " الأب والأبن والروح القدس " وتبدء صلواتهم ودعواتهم بترديده ورسم علامة الصليب على صدورهم ، ويقرأون نفس الأناجيل الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا ويؤمنون بما فيها من كلام الرب يسوع المسيح ويعترفون بنفس التلاميذ الحوارين الأثني عشرة والتلاميذ الأثنين والسبعين الحاملين لروح القدس للتبشير بكلام الرب في كل جهات الأرض ، وقِبلة المصلين من جميع الكنائس تتوجه نحو الشرق والجميع لها نفس الصيغة الأيمانية بوحدانية الله ، وكلهم يؤمنون بوحدانية الأقانيم الثلاثة في وحدة الأب ، ولهم نفس الايمان بحياة الآخرة والجنة والنار ، والجميع يؤمنون ويقرون  بأن الحواري مار بطرس الرسول هو من قال له السيد المسيح " أنت الصخرة التي عليها أبني كنيستي وكل ما تعقده في الأرض معقوداً في السماء ، وكل ما تَحِلهُ في الأرض محلولاً في السماء " وهذا لا يعني اطلاقاً أن الجالس على الكرسي الرسولي لبطرس في روما أن يحكم كما كان يحكم يوليوس قيصر !!! بل عليه أن يكون كما كان الرسول مار بطرس نفسه وليس سواه ، وهذا ما لم يفعله الباباوات خلفاء بطرس الرسول على كرسي روما من بعده مع الأسف الشديد لذلك لم يتمكنوا من المحافظة على أمانة الرب في المحافظة على وحدة كنيسته التي أسسها مار بطرس الرسول صخرة السيد المسيح له المجد والجميع يؤمنون بموت المسيح على الصليب وقيامه من بين الأموات في اليوم الثالث ومن ثم صعوده الى السماء في يوم الصعود بعد أربعين يوماً من القيامة ، اي بمعنى أن جميع الكنائس في العالم تؤمن بالثوابت العقائدية المسيحية مئة في المئة ، فأين إذن الأختلاف في الجانب الروحياني الأيماني المسيحاني لكي نضعه شرطاً للشراكة الايمانية مع كنيسة روما لتحقيق الوحدة مع كنيسة المشرق ؟؟ ، إن الشراكة الايمانية متحققة أصلاً بين المؤمنين بالمسيح كافة من لحظة نطقهم بأسم الأب والأبن والروح القدس ورسم علامة الصليب على صدورهم لتلاوة الصلوات وتناول القربان المقدس ، ومنذ قبولهم للعماذ المسيحي . ما المطلوب أكثر من ذلك فعله من قبل أي مؤمن مسيحي لتكتمل شراكته الأيمانية مع أخيه المسيحي في كنيسة روما ؟؟ . كل الكنائس الرسولية هي كنائس جامعة أي بمعنى كاثوليكية ، هل من الضروري أن يكون المسيحي في المشرق أو غيرها تابعاً ومطيعاً لإرادة وسيطرة أسقف كنيسة الفاتيكان في روما مؤسساتياً وادارياً لكي تكتمل شراكته الأيمانية مع اخيه المسيحي الآخر ؟؟ ، إن هذا الفرض والذي هو من وضع وصنع البشر هو شكل من أشكال العبودية والنظام العبودي المناقض لجوهر العقيدة المسيحية السمحاء ، وإن هذا النهج لا يختلف عن ما كان معتمداً وسائداً في نظام روما الوثني القديم قبل تحولها الى المسيحية ، المسيحية بكل مضامينها ومفاهيمها تعني تحرير ذات الانسان من كل أشكال الظلم والعبودية والقهر الطبقي والعرقي وأي شكل من أشكال التمييز التي تسلب حريته وتجرده من انسانيته . لذلك نجد أن الشراكة الايمانية بين المسيحين المعمذين باسم الأب والأبن والروح القدس كاملة غير منقوصة لا تحتاج الى أية إضافات بشرية جديدة تكرس مضامين ومفاهيم العبودية الوثنية  لروما القديمة بالخضوع لارادة أي طرف كان مهما تكون تسميته ، وإن المسحيين بعد نيل العماذ المسيحي يصبحون أخوان متساوون في الحقوق والواجبات على الأرض ، وفي يوم الدينونة عندما تحين ساعة الحساب عندها يقف المسيحي كائن من يكون بين يدي الرب الديان ، وسوف لا يشفع له ولا يفيده شيئاً غير أعماله بحسناتها وسيئاتها على الأرض في هذه الحياة .
إن تمزق وانشقاق كنيسة السيد المسيح له المجد لم يأتي بسبب اختلاف المسيحيين في عقائدهم الدينية ليختلفون في شراكتهم الايمانية كما يروج لها من قبل من يريدون  الاستمرار في فرض سيطرتهم المطلقة على غيرهم لسلب حريتهم وقمع ارادتهم ومصادرة استقلالهم الاداري والمؤسساتي لأدارة شؤونهم الكنسية في أوطانهم بشكل مستقل ، بل أن التمزق والأنشقاق كان نتيجة اختلافاتهم في الشراكة المؤسساتية لأدارة شؤونهم الكنسية بسبب مساعي الكنيسة الرومانية المستميتة لفرض سطوتها وسيطرتها الأستبدادية على الكنائس الوطنية الأخرى في باقي البلدان وإخضاعها المطلق لأرادة الكرسي الرسولي الروماني ، حيث بسبب هذه السياسة التسلطية الهوجاء المعتمدة من قبل روما والتي هي نتاج تفكير واجتهاد البشر من القائمين على هذه الكنيسة لأخضاع الآخرين لأرادة الجنس اللاتيني الروماني منذ القرون الأولى للمسيحية أدت الى تمزق وتشظي كنيسة السيد المسيح  له المجد بدءً بالكنيسة الأورثوذكسية والبروتستانتية وكنيسة المشرق والأنكليكانية والمورمونية وغيرها من الكنائس وآخرها الكنيسة الأنجيلية " والحبل على الجرار " وروما ما زالت تستميت في احتكار السلطة المؤسساتية الأدارية في الكنيسة الكاثوليكية وتجريد شركائها في الأيمان منها .
عليه نقول إن العائق الوحيد الذي الذي سوف يقف حائلاً أمام تحقيق الوحدة بين كنائسنا المشرقية سوف يكون " الشراكة المؤسساتية الأدارية " التي تسعى كنيسة روما انتزاعها من الكنائس الأخرى تحت ستار " الشراكة الأيمانية " كما فعلت مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الحالية التي في الحقيقة لا تمت بصلة الى الشراكة المؤسساتية الأدارية ، لأن الشراكة الأيمانية شيء والشراكة المؤسساتية شيء آخر مختلف تماماً . ولغرض أن تتطور الكنائس كل الكنائس ذات الهوية القومية الوطنية المشتركة والتي لها شراكة إيمانية مع روما ، يجب أن يكون لها استقلالية مؤسساتية ادارية قائمة بذاتها لأدارة شؤون كنائسها بشكل مستقل بما يلائم واقعها الاجتماعي الوطني أو القومي ، وهذا لا يتعارض ويتقاطع مع وجود شراكة ايمانية مسيحانية أممية تتجاوز حدود الأنتماءات القومية للأمم ، والحدود الجغرافية للأوطان والبلدان مع روما كمركز لكرسي بطرس الرسول . نتمنى أن تكون رؤية وتفسير أبينا قداسة البطريرك مار لويس ساكو الأول في مبادرته المؤرخة في 23 / حزيران / 2015 م للفقرة الخاصة " بالشراكة الأيمانية مع روما " على هذا النحو الذي وضحناه في هذا المقال وليس سواهُ لتبقى كل الأبواب مُشَرّعة أمام انجاز مشروع الوحدة بين كنائس المشرق بكل تسمياتها الحالية ، وأن يكون قداسته قد استلم الضوء الأخضر بالموافقة على هذه المبادرة الكريمة من روما لأن من دون ذلك سوف لا تعدو العملية برمتها أكثر من مجرد زوبعة في فنجان وجعجعة بلا طحين والدوران في حلقة مفرغة مثل سابقاتها ويخرج الجميع من المولد بلا حمص . كما ونتمنى أن تكون كنيسة روما في عهد قداسة البابا فرنسيس الحالي  قد تخلت عن نهجها في  فرض سلطتها المطلقة على من يشاركها في الشراكة الأيمانية من الكنائس الأخرى ، وأن تعتق شركائها في الأيمان من قيود التبعية والخضوع المطلق لسلطتها ، وأن تعيد النظر جملة وتفصيلاً بكل سياساتها الحالية تجاه الآخرين من الكنائس المختلفة معها في الماضي ، وصياغة سياسة جديدة أكثر عقلانية وموضوعية وواقعية تراعي فيها مصلحة واستقلالية الشركاء في الايمان ، وأن تستوعب بروح مسيحية خالصة كل مستجدات ومتغيرات ومستوجبات العصر والتحديات الكبيرة التي تواجة المسيحية والكنيسة في العالم بشكل عام ومستقبلهما في الشرق الأوسط بشكل خاص  . لأن الأستمرار في هذه السياسة القديمة – الجديدة سوف تقود المسيحية والكنيسة الى مصير مجهول لا تُحمد عقباه على مدى الخمسين سنة القادمة . ولكي تتجسد وحدة الكل في وحدة المسيح كما أرادها الرب ، على كنيسة روما كأكبر الكنائس المسيحية في العالم أن تفعل ذلك لأنها الأقدر على فعله ، ومن يسعى هذا المسعى هو من يكون كبير الكل وخادم الكل كما فعل السيد المسيح في حضرة العشاء الرباني لتلاميذه عندما أقدم على غسل أرجلهم وضرب بذلك مثلاً رائعاً في التواضع بين البشر ليكون كبيرهم خادمهم .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 28 / حزيران / 2015





118
هل أن تحقيق الوحدة الأندماجية بين كنائسنا المشرقية في ظل واقعها الحالي ممكناً ... ؟؟
خوشابا سولاقا
إن التمزق القائم بين مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين قومياً ومذهبياً كنسياً هو نتيجة لسبب ما ، ونسطيع القول بأنه تحصيل حاصل لصراعات وتناقضات ظرفية تاريخية متعددة ومتشابكة ومعقدة ومتداخلة للغاية في مسيرة كنيسة المشرق الى أن وصل الأمر في النهاية الى ما هو عليه اليوم خلال عملية تراكمية تاريخية طويلة دامت أكثر من خمسمائة سنة من الزمن ، وعليه فإن عملية تجاوز هذا الواقع المزري بأمان ونجاح لا تأتي إلا من خلال عملية تجاوز أسبابه الفعلية . هذه المرحلة التاريخية أنتجت تراث وثقافة وتقاليد وطقوس كنسية متضاربة ومتقاطعة في الكثير من التفاصيل والجزئيات وترسخت في نفوس وعقول ومعتقدات الناس من أتباع هذه الكنائس ، وأحياناً أتخذت هذه التقاطعات والتعارضات في الممارسة العملية طابعاً تناحرياً في بعض مراحل التاريخ ، وعليه ظلتْ الهواجس الرافضة للآخر للناس فاعلة بدفع من خطاب المرجعيات الكنيسية المختلفة ، وعدم التعاطي معه في كل مجالات الحياة الاجتماعية ، حتى في مجال الزواج المتبادل بين الأتباع الى عهد قريب حيث تم تجاوزه بتحفظ من قبل بعض الأسر والشرائح العلمانية المثقفة ، والى يومنا هذا يرفض الجميع من أتباع أية كنيسة من كنائسنا تناول القربان المقدس في القداديس المقامة في الكنائس الشقيقة الأخرى ، لأن في معتقدات وقناعات وثقافة كل  فرد من أية كنيسة كان يعتبر عدم شرعية قداس كنيسة الطرف الآخر ، هكذا تم تثبيت وترسيخ هذه المعتقدات البالية المتخلفة المافوق المسيحية الخالصة بحسب الأنجيل المقدس كلام الرب يسوع المسيح له المجد ، والمافوق الأنتماء القومي للأمة في عقول ونفوس وتربية وطبيعة الأتباع من قبل اكليروس كل كنيسة لرفض بل وحتى نبذ شقيقه الآخر في الدين والقومية من الكنائس الأخرى ، وما زالت أرضية هذه التربية والثقافة المريضة والرثة واللامسيحية واللاانسانية على أرض الواقع الحالي خصبة وفعالة ومنتجة لمزيد من أسباب الفرقة والضغينة وقابلة لأنتاج ما هو أسوء والتمدد الى مسافات أبعد في حقل نشر الأحقاد والكراهية المذهبية . في ظل هذا الواقع التاريخي بات لكل كنيسة من كنائسنا المشرقية تراثاً وثقافةً وتقاليداً وطقوساً وليترولوجيةً كنسية مستقلة راسخة في نفوس وعقول وتربية أتباعها ، تجعل من الصعوبة بل من المستحيل لأي منها التخلي عن ثراثها التاريخي هذا لتتبنى تراث أي من شقيقاتها الآخريات ، إلا إذا كانوا القائمين عليها  من رجال الأكليروس على صورة السيد المسيح له المجد لأن يتجسد الكل في الواحد بحسب ما أراده الرب ، وهذا غير ممكن لأن كل المؤشرات على أرض الواقع الموضوعي تشير الى عدم امكانية التوصل الى حالة من التوافق ولو بابسط  شروطه لأنجاز الوحدة الأندماجية بين الكنائس المشرقية الجذور ، وخير مثالاً نسوقه هنا على استحالة تحقيق الوحدة الأندماجية بين كنائسنا المشرقية هي تصريحات أبينا قداسة البطريرك مار لويس ساكو الأول بتاريخ 23 / حزيران الجاري / 2015 م حين ربط تحقيق الوحدة مع كنيسة المشرق الآشورية بشقيها بقبول المشرق بتبعيتها لمرجعية روما ، وهذا شرط يستحيل قبوله من كنيسة المشرق الآشورية لأنه يصيبها بسهم قاتل في قلبها ، فقداسته يريد الوحدة حقاً ولكن أية وحدة ؟؟ إنه يريد تلك الوحدة التي تكون وفق مقاساته أو بالأحرى وفق مقاسات روما ، وهكذا الحال مع مرجعيات كنيسة المشرق حتما تريد الوحدة ، ولكن هي الأخرى تريد الوحدة التي بحسب مقاساتها ومعاييرها ، وهكذا الحال مع الكنيسة السريانية بشقيها الأورثدوكسي  والكاثوليكي  تريد الوحدة وفق مقاساتها . الكل حقاً يريد الوحدة ، ولكن أن تكون لكلٍ منهم وفق مقاساته الخاصة ، أي بمعنى أصبحت الوحده الكنسية الأندماجية بين كنائسنا المشرقية الجذور مستحيلة وباتت في خبر كان َ .
 لذلك وكنائسنا على هذا الحال من التناقض والتقاطع وعدم التوافق حتى على الحد الأدني من شروط الوحدة الأندماجية ، مما يتطلب الأمر من المعنيين من رجال الأكليروس بكل درجاتهم الكهنوتية ورجال السياسة بكل تنوعاتهم وتوجهاتهم ومنطلقاتهم الفكرية ورجال الثقافة بكل تخصصاتهم الثقافية التخلي عن بذل الجهود وإضاعة الوقت في البحث والنقاش لتحقيق الوحدة الكنسية الأندماجية الغير ممكنة عملياً ، بل من الأفضل لهم من أجل ادخار الوقت والجهد التوجه الى دراسة الأسباب المؤدية الى هذا الواقع المتمزق كنسياً وقومياً والبحث عن البديل الأكثر عملياً لبرمجة وتنسيق العمل الوحدوي كنسياً وقومياً على شكل مراحل بحسب الأولويات من حيث توفر الأمكانيات لتحقيق العمل المخطط  لكل مرحلة تاريخية بعينها ثم الانتقال الى المرحلة التي تليها ، أي بمعنى تحقيق الوحدة على شكل مراحل متتالية ومتناغمة . كما هو معروف أن تحقيق أي تقارب أو تحالف أو تشارك أو توحد أو اندماج بين طرفين أو أكثر لأنجاز مشروعٍ ما يتطلب الأمر من المعنيين به إن كانوا صادقين في نواياهم ومؤمنين بضرورة إنجاح العمل في إنجاز ذلك المشروع ، عليهم تقديم تنازلات متبادلة عن قناعة راسخة في جانب ما لتحقق مكاسب في الجانب الآخر ، وقد تكون تلك التنازلات أحياناً تنازلات مبدئية واستراتيجية إذا كان العمل المطلوب لإنجاز ذلك المشروع أكثر أهمية وسمواً في نتائجه النهائية كتحقيق الوحدة الكنسية الأندماجبة والوحدة القومية كما هو في حالنا ، ومن دون تقديم تنازلات متبادلة من جميع الأطراف المنخرطة في هذا المشروع المشترك ، سوف تتراوح الحوارات والمفاوضات في محلها من دون نتائج تذكر ، ويكون الحوار أشبه بحوار الطرشان ، والأنتقال من مربع الى آخر على رقعة الشطرنج  ثم العودة الى المربع الأول من جديد  ويغدو بالنتيجة حواراً عقيماً وسقيماً .
عند الرجوع الى واقعنا الكنسي الحالي بحسب هذه الرؤية نجد أن تحقيق الوحدة الأندماجية بين كنائسنا المشرقية أمر غير ممكن لعدم نضوج الظروف الذاتية والموضوعية لتحقيق هذه الوحدة بسلاسة ، ولربما يؤدي الأندفاع العاطفي بهذا الأتجاه تحت ضغط الظروف الآنية سوف يأتينا  بنتائج سلبية معكوسة استراتيجياً على المدى المتوسط  والبعيد على مصير قضيتنا المركزية في تحقيق الوحدة الكنسية والقومية ، وتبقى الحالة في النهاية بوضع أسوء . لذلك أمام المعنيين خياراً أخر قابلاً للتحقيق  وبتضحيات وتنازلات بسيطة من دون أن يكون فيه خاسراً بل سيكون الكل رابحاً ، ألا وهو خيار المصالحة الكنسية الشاملة بين كنائسنا وفق المبادئ التي عرضناها في مقالنا المعنون " رسالة مفتوحة ودعوة رجاء الى أبائنا الأجلاء من أصحاب القداسة والغبطة والنيافة المحترمون " للأطلاع ندرج الرابط أدناه :-
 http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,784286.0.html
حيث أن تحقيق هذه المصالحة الكنسية بين كنائسنا المشرقية الجذور وفق الأسس المذكورة تؤدي بشكل تلقائي الى زوال معظم أسباب التمزق والخلاف والأختلاف المتراكمة توارثياً أباً عن جد جيل بعد جيل ، وتمهد الطريق أمام تحقيق الوحدة الأندماجية بين كنائسنا المشرقية في النهاية ، لأن الجميع بواقعهم الكنسي الحالي متفقون ومتوافقون في العناصر الجوهرية العقائدية الروحانية المسيحانية المتعلقة بوحدانية العقيدة المسيحية المتجسدة في الأب والأبن والروح القدس ، ومختلفون فقط في الجوانب الثانوية التي هي من أفعال البشر التي كانت متجاوبة مع متطلبات حياتهم وظروفهم في زمانهم ، ولكن باتت ليس كذلك في زماننا الحالي ، مما يكون من حقنا وواجبنا في هذه الحالة تغييرها وتبديلها بما يتجاوب مع متطلبات حياتنا الحاضرة ، وإن ذلك لا يشكل مساساً ولا خرقاً ولا تجاوزاً على جوهر العقيدة المسيحية وفق كل مذاهبها . إن تحقيق المصالحة الكنسية الشاملة بين كنائسنا المشرقية تقودنا الى الوحدة الكنسية الأندماجية ، وهذه بدورها سوف تُسقط  كل أسباب انقسامنا وتمزقنا وتفككنا قومياً ، وبذلك تصبح الوحدة القومية ضرورة موضوعية مفروضة علينا ومطلوبة من جميع مكونات أمتنا تحت أية تسمية قومية موحدة من تسمياتنا الجميلة المتداولة في واقع حالنا ، لأن العملية الوحدوية التراكمية على شكل مراحل بحسب الأسبقيات واولويات أسباب تحقيقها بين كنائسنا المشرقية سوف تختزل كل أسباب استمرار التمزق والتشضي القومي بين مكوناتنا قبل بلوغ مرحلة الوثوب الى الوحدة القومية الشاملة بين مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 25  حزيران / 2015

119
رسالة مفتوحة ودعوة رجاء الى أبائنا الأجلاء من أصحاب القداسة والغبطة والنيافة المحترمون
خوشابا سولاقا
بعد أن وصلنا وبعد قرون طويلة من المحاولات الى مرحلة العجز واليأس من إعادة اللحمة والوحدة الأندماجية بين فروع كنيستنا بكل تسمياتها المتداولة كنيسة المشرق العظيمة  واستسلمنا في نهاية المطاف للأمر الواقع بالقبول بهذا التمزق والتشضي والتفكك بين  مكونات امتنا قومياً وكنسياً ، وبعد أن باءت كل حواراتنا ونقاشاتنا خلال هذه الفترة من بعد سقوط النظام السابق في عام 2003 م لكثرة التناقضات والخلافات المزدوجة في طبيعتها القومية والمذهبية للخروج باتفاق حول التسمية القومية الموحدة من أجل الذهاب بخطاب سياسي موحد للتعاطي مع الدولة بالفشل الذريع ، وبعد كل ما حصل لأبناء أمتنا من تجاوزات على ممتلكاتهم ومقدساتهم وأرضهم وعِرضهم والتنكيل بهم قتلاً وذبحاً واغتصاباً على يد العصابات التكفيرية الأسلاموية المتطرفة والمغالية في تشددها ، ودفعهم الى ترك الدار وهجر الديار ونزوح عشرات الآلاف منهم من قراهم وقصباتهم ومدنهم والسكن في مخيمات النزوح في ظروف قاسية ومهينة لا تتوفر فيها أبسط شروط الحياة التي تليق بالانسان المعاصر بحثاً عن الأمن والأمان الذي بات صعب المنال في داخل البلاد ، مما اضطر الكثيرين منهم الى الهجرة التي تصاعدة وتيرتها في السنوات الأخيرة بحكم هذا الواقع المأساوي الى بلدان المهجر طلباً للعيش بأمنٍ وأمان . هذه الهجرة القسرية أدت بنتائجها الى تقلص وتدني عدد نفوسنا الى حدٍ كبير قد لا يزيد الآن عن بضعة مئات الآلاف من النفوس بعد أن كان قبل السقوط بحدود المليون ونصف المليون نسمة ، وبات وجودنا في أرض الأباء والأجداد مهدداً بالزوال والانقراض كما تشير لأحداث وكل المؤشرات على الأرض ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية  فإن فشل المؤسسة السياسية المتمثلة في الأحزاب والتنظيمات السياسية القومية لمكوناتنا في القيام بأي شيء ملموس للتصدى لهذه التحديات الكبيرة التي تواجه أمتنا ، بل إنها فعلت ما أضاف الى أسباب الفرقة والتمزق بين مكونات أمتنا الشيء الكثير بسبب ممارساتها العبثية غير المسؤولة في صراعاتها من أجل المصالح والمنافع الشخصية ، فإن كل هذه الأسباب مجتمعة أوصلت الأمة قومياً وكنسياً الى أسوء مستوياتها من التراجع والأنكفاء الى ما هي علية الحالة المزرية للأمة .
كل هذه الأسباب تجعلنا في موقف يتطلب منا القيام بعمل ما يعيد اللحمة الى أمتنا بشكل من الأشكال ولو بأبسط صورها وبقدر ما يتيسر لنا من المستلزمات العملية لتكون في موضع أكثر قدرة وحيوية للتصدي للتتحديات القائمة التي تهدد مصير وجودها القومي في أرضنا التاريخية " بيث نهرين " من أجل إنقاذ ما يمكن انقاذه . ذلك العمل المطلوب والذي لا نعتقد يختلف عليه طرفان من مكوناتنا ، ألا وهو " المصالحة الكنسية بين كنائسنا المشرقية الجذور " ، وفق المسودة المقترحة في أدناه التي ندعو من خلالها قداسة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو الجزيل الأحترام بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كأكبر كنائسنا المشرقية الى المبادرة شخصياً ولكونه أكثر اقتداراً وخبرةً من غيره بحكم تجربته العملية الكبيرة الى التشاور والتفاهم والتنسيق مع أقرانه رؤساء الفروع الآخرى من كنائسنا ً لدراسة المسودة المقترحة من قبل كل كنيسة  والتوصل الى توصيات نهائية بشأن بنودها ، ومن ثم يُصار الى تشكيل لجنة تحضيرية  يمثل فيها جميع كنائسنا للتهيئة لانعقاد مؤتمر عام واستلام التوصيات من الكنائس وعرضها  للمناقشة في المؤتمر العام ينعقد في غضون الستة أشهر القادمة من هذه السنة 2015 م ، أي على الأقل بعد رسامة وتنصيب قداسة البطريرك الجديد لكنيسة المشرق الآشورية . على أن يدعى للحضور للمؤتمر كافة الأباء الأجلاء المحترمين من أصحاب القداسة والغبطة والنيافة لكافة فروع كنائسنا ذات الجذور والأصول المشرقية تاريخياً ، وكافة قادة الأحزاب والمنظمات السياسية لمكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين والشخصيات العلمانية من المثقفين والكتاب والمفكرين والوجهاء الاجتماعية لأعطاء المؤتمر طابعاً شعبياً شاملاً يجسد أكبر تمثيل شرعي وقانوني للأمة ليكون كل ما يتم تقريره قي المؤتمر قرار الأمة وليس قرار أفراد محددين من الأكليروس ، وتقوم اللجنة التحضيرية بنشر المسودة المقترحة في كافة وسائل الأعلام المرئية والمقرية والمسموعة الخاصة بأمتنا ، وعبر وسائل التواصل الآجتماعي والمواقع الألكترونية للأطلاع عليها وإغنائها بالملاحظات من قبل أكبر عدد من أبناء أمتنا قبل انعقاد المؤتمر بمدة مناسبة ، ومن ثم تقوم اللجنة التحضيرية بجمع الملاحظات المفيدة وتلخيصها في ورقة عمل تقدم مع المسودة المقترحة في المؤتمر لمناقشتها لأقرار ما يتم إقراره كوثيقة تاريخية نهائية لمخرجات المؤتمر العام التي تصبح ملزمة ويعمل بموجبها الجميع . 

                                                    بنود المسودة المقترحة
ندرج أدناه بنود المسودة المقترحة " للمصالحة الكنسية الشاملة " وبحسب ما ورد في مضمون مقالنا الذي نشرناه في هذا الموقع عينكاوه كوم تحت عنوان " تعقيب على مقال الأخ الأستاذ أبرم شبيرا الموسوم ... نظرة من ثقب الباب على المجمع المقدس لأساقفة كنيسة المشرق الآشورية " ذي الرابط التالي
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,783758.0.html  .
حيث نال مقالنا هذا استحسان وقبول كل المعقبين عليه بالأجماع وهذا دليل على قبول المقترح من قبل مثقفي أبناء الأمة طالما ليس هناك من تعقيب أو مداخلة معارضة . عليه ندعو الى إقرار الآتي :-
أولاً : إقرار التسميات التالية التي تعود بكل كنيسة من كنائسنا الحالية الى جذورها التاريخية المشرقية الأصيلة وكما يلي : -
1 – كنيسة المشرق الكلدانية الكاثوليكية .
2 – كنيسة المشرق الآشورية .
3 – كنيسة المشرق السريانية الأورثوذوكسية .
4 – كنيسة المشرق السريانية الكاثوليكية .
5 – كنيسة المشرق الآشورية القديمة – التقويم اليولياني .
6 – كافة الكنائس الأخرى ذات الصلة بتراث وطقوس وثقافة وليتروجية كنيسة المشرق  .
ثانياً : إقرار الأعتراف المتبادل والصريح قومياً ومذهبياً بشرعية جميع الكنائس والمذكورة في أولاً أعلاه بما هي عليه من تسميات قومية ومذهبية حالياً .
ثالثاً : إقرار اسقاط وبطلان كل الحُرمات والهرطقات الصادرة في السابق ومنذ عام 1551 م بحق بعضنا البعض بخصوص الايمان المذهبي ، مع اسقاط وحذف كل ما يسيء من طقوس وممارسات ودعوات على الآخر من طقوس وتقاليد كنسية معتمدة من قبل كافة كنائسنا ، وتحفيز وتعزيز كل ما من شأنه يقوي ويرسخ من أواصر الأخوة والمحبة المسيحية بيننا ، ولكل كنيسة كامل الحق بالمحافظة على طقوسها وتقاليدها وتراثها باستثناء ما يسيء منها على الآخر .   
رابعاً : إقرار أن تكون كل كنائسنا مفتوحة أبوابها أمام الجميع من دون أية تحفظات لحضور القداديس وتناول القربان المقدس .
خامساً : التخلي عن كل الدعوات السياسية الأقصائية التي تدعو الى تهميش وإقصاء وإلغاء التسميات القومية والمذهبية ، وأن يكون اختيار التسمية القومية والمذهبية للأفراد حقاً حصرياً اختيارياً طوعياً بارادة ذاتية حرة للفرد دون قسر أو إجبار من قبل أية جهة كنسية أو سياسية .
سادساً : إقرار السعي الى اعتماد لغتنا بكل تسمياتها المتداولة حالياً كلغة رسمية رئيسية في ممارسة طقوسنا الكنسية بقدر الأمكان الى جانب اللغات الأخرى باعتبارها تشكل الهوية القومية الموحدة لأمتنا وكنيستنا .

ملاحظة : نرجو من إدارة موقع عينكاوه كوم تعاونه معنا ومساعدتنا بارسال نسخة من هذه الرسالة الي أصحاب القداسة شخصياً أو القائمين من هم بدرجة كهنوتية أدنى من البطريرك من خلال المواقع الألكترونية  لكافة كنائسنا المذكورة في البند أولاً من المسودة المقترحة ونكون لكم شاكرين وممتنين ، ونحسبها مساهمة من الموقع الكريم في تحقيق هذه المصالحة التاريخية . 

المهندس خوشابا سولاقا
بغداد – 20 / حزيران / 2015
[/b]

120
تعقيب على مقال الأخ الأستاذ أبرم شبيرا المعنون
 "نظرة من ثقب الباب على المجمع المقدس لأساقفة كنيسة المشرق الآشورية "
وهذا رابط مقال الأستاذ أبرم شبيرا للأطلاع " " http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,783707.0.html "
خوشابا سولاقا
بعد الأعتذار من الأخ العزيز وصديق العمر الكاتب الكبير الأستاذ أبرم شبيرا المحترم ، كنا في طريقنا الى كتابة مداخلة مقتضبة على مقاله أعلاه ، وبعد تعمقنا وتأملنا في الموضوع وجدنا أن المداخلة المقتضبة لا تفي بالغرض المطلوب في توضيح وتسجيل بعض الملاحظات وطرح بعض الأفكار والرؤى التي نراها مهمة بشأن ما ورد في مقاله القيم لتسليط المزيد من الضوء على بعض الجوانب التي ربما لم تحضره اهميتها التاريخية القومية والكنسية والتي هي غير واضحة للقراء بخصوص الموضوع ، لذلك إرتأينا كتابة هذا التعقيب بشكل مقال منفصل بدلاً من مداخلة مقتضبة على مقاله ، وعلى ضوء ذلك ندون أدناه ملاحظاتنا على شكل نقاط عسى أن تكون مُرضية ومقبولة ومكملة لما أورده الأستاذ أبرم شبيرا في مقاله وأن نتوفق بذلك وننال رضاه الكامل .
أولاً : نحيي الأستاذ أبرم على هذا المقال الثرّ والغني بمعلوماته وتفاصيله الذي لم يضع فيه النقاط على الحروف وأبقى نفسه شخصياً بعيداً عن كل ما كان يريد قوله بشأن بعض المواضيع الحساسة التي طرحها ونأى بنفسه عن ذكرها لربما لأسبابه الشخصية وترك الأفق مفتوحاً أمام القارئ لأن يستنتج ما كان يريد قوله ، وعليه نحن شخصياً سوف نقول ما كان يجب قوله من قبل أخي وصديقي أبرم شبيرا ، في هذا المجال نؤيد ما ذهبوا إليه الأخوين رابي أخيقر يوخنا ورابي   Mediator  المحترمين في مداخلتهما .على المقال موضوع البحث ، ولا نتفق مع العنوان أي النظر من ثقب الباب لأننا نقرأ عقول المجتمعين عن بُعدْ من خلال أفعالهم على الأرض . 
ثانياً : نود أن نبين بان طبيعة نظام إدارة شؤون الكنيسة ( كل الكنائس ) هو نظام أبوي " ثيوقراطي " تتخذ القرارات بموجبه ضمن إطار ضيق من الأكليروس الكنسي الخاص بكل كنيسة  من دون أن يكون للأتباع ( الرعية كما يحبذها رجال الكنيسة  !! ) من غير السلك الكهنوتي بدرجاته العليا حصراً أي رأي بشأن أي موضوع يخص الكنيسة والأتباع مهما علا شأنه وتعاظمة أهميته بالنسبة لمسيرة ومستقبل الكنيسة كمؤسسة اجتماعية تربوية وأخلاقية ، وبذلك فهو بالتالي نظام استبدادي ديكتاتوري أسوء بالنتائج النهائية على مسيرة الكنيسة من نظام " التوريث " الذي كانت بالضرورة الكنيسة بكل أكليروسها والعائلة المعنية بناظر الكرسي الكهنوتي المعني تعتني بتربية وتهذيب وتثقيف وتهيئة وتأهيل الوريث لتولي الدرجة الكهنوتية التي ينتظرها بعد رحيل سلفه . أن عملية اختيار الشخص لأي منصب كهنوتي وفق النظام الأبوي الذي يعتمده الأكليروس يكون ضمن دائرة ضيقة ومحدودة ولذلك يخضع الأختيار حتماً الى مساومات واعتبارات كثيرة ، ومنها الأعتبارات القبلية والعشائرية وحتى الى إعتبارات محل إقامة المرشحين الذي لا يتماشى مع مقر الكرسي الرسولي الموصي به اليوم من قبل مثلث الرحمات مار دنخا الرابع رحمه الله وطيب ثراه لأن يكون في العراق وغيرها من الأمور التي سوف تضغط بقوة على عملية الأختيار وتحديد الشخص المرشح كما هو حال كنيستنا اليوم ، ولذلك من المحتمل جداً سوف ينتهي الأمر باختيار شخصية ضعيفة غير مناسبة للموقع المناسب لقلة من تتوفر فيهم شروط التوصية ، وهذا ما نتوقعه شخصياً على الأٌقل أن يكون في النهاية .
عليه ولغرض تجاوز هذا الواقع لاختيار البطريرك أو أي شخص لأية درجة كهنوتية أخرى وطريقة أختياره من بين أعضاء حلقة الأكليروس الضيقة ، أو من المقربين لأصحاب القرار والأنتقال الى طريقة مشاركة الأتباع من العلمانيين في عملية اختيار الشخص المناسب  ، يتطلب الأمر الى تغيير النظام الأبوي الثيوقراطي الى نظام ديمقراطي أكثر انفتاحاً الى الأتباع العلمانيين ليكون الأختيار عن طريق الأنتخاب لتمثيل رأيهم ، وبالتالي توسيع وتعزيز وتقوية وترسيخ قاعدة قيادة الكنيسة بين الأتباع ،  وهذا سوف لا يحصل إلا من خلال ثورة إصلاح في الكنائس كافة ، حيث باتت مشاركة الأتباع العِلمانيين في اختيار قيادات الكنيسة ضرورة موضوعية ملحة للغاية تحتاجها الكنيسة وقيادتها المسيحانية قبل غيرها ، لكي تتحول الكنيسة من مؤسسة اجتماعية مشلولة عاجزة عن معالجة مشاكل المجتمع والتصدي لها بفعالية الى مؤسسة حية فاعلة وناشطة وقريبة من الناس ومعاناتهم ومشاكلهم ، وإلا ما الفائدة من وجود الكنيسة وهي عاجزة  ومشلولة عن حل مشاكل الناس  الاجتماعية والدينية ؟؟؟ ، سؤال مطروح للقائمين على إدارة شؤون الكنائس للأجابة عليه بانصاف وبروح مسيحية حقة وصادقة ؟؟؟ . الكنيسة بنظامها الأبوي وكل المؤسسات المنبثقة منها التي تقتدي بها ، وكذلك الحال مع المؤسسات الدينية للأديان الآخرى التي هي تعتمد نظام أبوي مماثل لما هو في كنيسة السيد المسيح له المجد ، هي من في أمسّْ الحاجة الى ثورة إصلاحية عارمة وشاملة لتغيير الطقوس والتقاليد والثقافة الكلاسيكية الدينية السائدة والراسخة في سلوكها وممارساتها في الحياة على ارض الواقع  بما هي أكثر استجابةً لمتطلبات الحياة العصرية ، وأكثر انسجاماً معها للوصول في النهاية الى حالة من التعايش السلمي بين المذاهب على مستوى الدين الواحد ، أو على مستوى الأديان المختلفة في الوطن الواحد . لأن كل ما تشاهده مجتمعاتنا الشرقية اليوم من تخلف وقتل وصراعات دموية بسبب الأختلاف الديني والمذهبي والقومي هي من موروثات النظام الأبوي القائم على رفض الآخر المختلف وانعكاساته السلبية على الجوانب الاجتماعية الأخرى . 
ثالثاً : نحن لا نتفق مع الأستاذ أبرم شبيرا ومع كل من يدعو الى وحدة كنيسة المشرق الآشورية مع الكنيسة الشرقية القديمة أو مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية أو مع الكنيسة السريانية بشقيها الأورثوذوكسي والكاثوليكي أو غيرها من الكنائس التي هي من أصول مشرقية ، لأن ذلك لا نجده ممكناً في إطار الواقع التاريخي القائم حالياً بكل تناقضاته على الأرض عندما نعود الى دراسة الأسباب التاريخية التي أدت الى ولادة هذه الكنائس . حيث نجد أن حقيقة تلك الأسباب ليست دينية بحتة ، ولا مذهبية بحتة لأن للجميع نفس الأنجيل " مرقس ومتي ولوقا ويوخنا " وذات المسيح له المجد وذات الإيمان المسيحاني وتقريباً نفس الطقوس الرئيسية ، ولكن ليس للجميع ( نقصد القائمين على الكنائس ) نفس المصالح الدنيوية ولذلك عندما تختلف وتتقاطع وتتعارض المصالح الدنيوية على الأرض سوف تتعدد وتختلف وتتقاطع وتتعارض الأفكار والرؤى والأجتهادات والتفسيرات في آلوهية السيد المسيح وناسوته وطبيعة وتسمية أمه العذراء ، وبذلك تتعدد المذاهب ، وعلى ضوئها تتعدد الكنائس ، وهذا ما حصل فعلاً في تاريخ الكنيسة وكانت النتيجة إنتاج  كنائس متعددة ومتخالفة لا يجمعها جامع في سلوكها وطقوسها وصلواتها عملياً على أرض الواقع ، فكيف وهي على هذا الحال نطالبها بالتوحد والوحدة ؟؟  ، الوحدة التي ننادي بها ونتمناها تكون ممكنة التحقيق في ظل وحدة المصالح الدنيوية للقائمين على الكنائس وليس في ظل وحدة ملكوت السماء !!! .
رابعاً : أما بشان الوحدة بين فرعي كنيسة المشرق ، المشرق الآشورية الحالية والشرقية القديمة فذلك بحسب رأينا وعلى هدى المعطيات الفكرية والثقافة السائدة والراسخة في عقول الأتباع على أرض الواقع سوف تتحقق تلك الوحدة الأفتراضية بعد تحقيق الوحدة العربية والوحدة بين الشيعة والسنة !!! لأن أسبابها متشابه ومتماثلة بدرجة كبيرة وهي أسباب قبلية وعشائرية مزمنة لا يحلها حَلّال ، وهذه الثقافة المتخلفة هي التي جعلت أمتنا تُضيّع كل الفرص التي أتاحت لها لنيل حقوقها القومية والدينية والكنسية وحتى الانسانية عبر التاريخ منذ عام 1551 م . لذلك يكون من المنطق والعقل والموضوعية في ظل هذا الواقع المزري أن نطالب وندعو الى إحداث المصالحة بين كنائسنا من خلال اسقاط  كل الدعوات في طقوس وتقاليد وثقافة وليتروجية كنائسنا التي توسع من تمزقنا وتشرذمنا وخلافاتنا المذهبية وتبعدنا عن بعضنا ، والعمل في ذات الوقت الى تعزيز وترسيخ كل ما يوسع منها من مساحة المشتركات بيننا وتقربنا من بعضنا البعض بدلا من الدعوات غير المجدية لتحقيق وحدة الكنائس الاندماجية الغير الممكنة عملياً في زمن تصارع المصالح الدنيوية للقائمين على قرار الكنائس ، إن كانت تلك الوحدة بين كنيسة المشرق الآشورية والكنيسة الشرقية القديمة أو بينهما معاً والكنيستين الكلدانية والسريانية .
خامساً : أما بشأن تسميات كنيسة المشرق ، نحن مع تسمية " كنيسة المشرق الآشورية " وتسمية " كنيسة المشرق الكلدانية الكاثوليكية " وتسمية " كنيسة المشرق السريانية الأورثوذوكسية " وتسمية " كنيسة المشرق السريانية الكاثوليكية " وتسمية " كنيسة المشرق الآشورية - التقويم اليولياني "  " وهكذا للكنائس الأخرى المنبثقة من كنيسة المشرق في أصولها التاريخية ، مجموعة كنائس مختلفة المذاهب منبثقة من ذات الأصل المشرقي وهو " كنيسة المشرق " الجذر التاريخي الأصلي للجميع والمتجذر تراثياً وثقافياً وتاريخياً في تُربة أرض بيث نهرين – العراق الخالدة  .
أما فيما يخص الشأن القومي والوحدة القومية ، فسوف يكون تحقيق المصالحة القومية معلق على كف عفريت تحقيق المصالحة الكنسية ( نقول مصالحة قومية وليس وحدة قومية ) ويكون ذلك تحصيل حاصل تلقائي بين مكونات امتنا ، وسوف تصبح عملية تحقيق المصالحة القومية سهلة المنال في ظل تحقيق المصالحة الكنسية لأن الكثير من الأسباب المؤدية الى هذا التمزق والتشضي القومي سوف تزول تلقائياً بتحقيق المصالحة الكنسية لأن التمزق القومي حصل على خلفية الأختلاف المذهبي والتمزق في كنيسة المشرق بفعل الغرباء القادمين من وراء البحار والمحيطات في الماضي كما هو معروف للقاصي والداني من المطلعين على التاريخ .

ملاحظة مهمة : يعتبر تعقيبنا أدناه على مداخلة الأخ رابي أخيقر يوخنا جزءً مكملاً لمقالنا " كمشروع مقترح للمصالحة الكنسية " وشكراً .
من رأينا أن تبادر مرجعية كنسية عالية المستوى مثل قداسة البطريرك مار لويس ساكو الأول وتدعو الى عقد مؤتمر عام لكل كنائسنا ذات الجذر المشرقي يحضره البطاركة كافة والمطارنة والأساقفة كافة لكل كنائسنا والقيادات الحزبية لكل أحزاب وتنظيمات مكوناتنا ، مع النخب المثقفة من الكتاب والمفكرين والوجوه الأجتماعية الخيّرة من رؤساء القبائل والعشائر لمكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين ويتم إقرار الآتي في هذا المؤتمر التاريخي " مؤتمر المصالحة الكنسية والقومية " :-
أولاً : أن يجري اعترافاً متبادلاً قومياً ومذهبياً بشرعية الجميع بما هم عليه من تسميات قومية ومذهبية  .
ثانياً : اسقاط كل الحرمات والهرطقات الصادرة بحق بعضنا البعض بخصوص الأيمان المذهبي في السابق ، واسقاط وحذف كل ما يسيء على الآخر من الطقوس الكنسية المعتمدة لكافة كنائسنا ، ولكل كنيسة الحق بالمحافظة على طقوسها ومعتقداتها باستثاء ما يسيء منها على الآخر .
ثالثاً : جميع الكنائس تكون مفتوحة للجميع من دون أية تحفظات لحضور القداديس وتناول القربان المقدس .
رابعاً : التخلي عن كل الدعوات السياسية الأقصائية التي تدعوا الى إلغاء التسميات القومية والمذهبية المتداولة ، وأن تكون اختيار التسمية القومية والمذهبية للأفراد قضية اختيارية طوعية بإرادة ذاتية حرة للفرد دون قسر أو اجبار من قبل أي جهة كنسية أو سياسية .

خوشــــابا ســــولاقا
بغداد في 15 / حزيران / 2015

121
الأفعال الثورية تقاس بنتائجها النهائية وليس بحسب الأهواء السياسية


خوشابا سولاقا

بدءً ذي بدء نقول لأصحاب الأهواء السياسية الحالمة ما قاله المثل الشعبي الدارج .
أحياناً " تأتي الرياحُ بما لا تشتهي السَفَنُ " *
كثيراً ما يحصل في حياتنا حوارات ونقاشات تخص الأحداث الجارية في حياتنا الحاضرة والأسباب المؤدية إليها الممتدة من ماضينا القريب وربما حتى البعيد ، وقد تنتهي هذه الحوارات والنقاشات والسجالات الى خلافات وملاسنات بكلمات لا تليق بمنطق الحوار والنقاش الديمقراطي المثقف ، لأن المواقف السياسية للمتحاورين تحول الى احتدام الحدّية والعدائية وبالتالي الى إفساد هذه الحوارات والنقاشات وإخراجها من مسارها التي من المفروض أن تستمر عليه للوصول الى الهدف المخطط له ، ولهذه الأسباب في أغلب الأحيان تنتهي هذه الحوارات والنقاشات من دون نتائج تخدم الموضوع ذاته ، وتعود لتبدأ من جديد في يوم آخر وفي مكان آخر وبنفس الوتيرة وربما بوتيرة أشد عنفاً وتصلباً وتعنتاً في الرأي ، ولكن مهما تكون فهي تبقى أمور طبيعية تحصل في الحياة ، ولكن ما يؤسف له فيها هو أنها تكون جهود لا تفضي الى نتائج إيجابية تخدم المجتمع وتميز بين الخطأ والصواب في عملية مراجعة وتقييم أحداث التاريخ على طول مساره كما ينبغي تقييمها لكي يتم وضع الأمور في نصابها الصحيح ، لتؤشر الأخطاء لكي يتم تجنب تكرارها في الحاضر والمستقبل ، ولكي تؤشر الايجابيات ليتم تعزيزها وتطويرها بما هو أفضل في الحياة الحاضرة والأنطلاق منها الى المستقبل الأكثر زهواً واشراقا .
عندما نستعرض التاريخ العالمي الانساني بشكل عام والتاريخ العراقي بشكل خاص والذي هو موضوع مقالنا هذا ، سوف نرى أن الكثير من الأحداث التي كانت في شكلها تنطوي على بعض الأيجابيات المؤقتة وهذا أمر طبيعي ولكنها على المدى الأبعد أفضت في النهاية الى نتائج سلبية للغاية أدت الى جلب الكوارث المتسلسلة للأمم والشعوب ، ولكن تم تقييمها من قبل القائمين بها والمستفيدين منها من المقربين والأنصار والمتضررين من الوضع السابق بأنها كانت تغييرات وتحولات ثورية ، ولكنها في حقيقتها وبنتائجها النهائية لم تكُن كذلك لأنها لم تفضي الى تغيير النظام الاجتماعي جذرياً الى ما هو افضل وأكثر عطاءً لصالح  الأغلبية من أفراد المجتمع مما كان في السابق ، فمثل هكذه أفعال لا يجوز وصفها بأفعال ثورية ونعطيها صفة الثورة الاجتماعية .
انطلاقاً من قانون السبب والنتيجة في عملية التطور الطبيعي والاجتماعي في الحياة ، فإن كل فعل هو نتيجة لسبب وكل نتيجة تتحول الى سبب لنتيجة جديدة قادمة وهكذا تستمر سلسلة التطورات على مسار  ذي شكل هلزوني صعوداً ونزولاً من مرحلة الى أخرى ، وعلية فإذا كانت النتائج النهائية للأفعال التي جرت في الماضي القريب إيجابية على الحاضر وتبشر بمستقبل أفضل يكون التقييم لأسبابها إيجابياً واعتبارها أفعال ثورية ، وعندما تكون النتائج النهائية سلبية بدرجة كبيرة وأحياناً كارثية على شعوبها كما حصل ويحصل للعراق اليوم وغيره من دول الربيع العربي يكون التقييم للأسباب التي كانت أفعال تغييرية بالأمس تقييماً سلبياً بأمتياز واعتبارها أفعال ثورية مقلوبة في الأتجاه .
عندما يتم تقييم هكذا أفعال وفق المنطق العقلاني الواقعي والنهج البرغماتي الذي يتيح للقادة الوطنيين الحقيقيين الأعتراف باخطائهم واخفاقاتهم سوف تعثر الشعوب وقادتها معاً على أسباب انتكاساتهما وفشلهما واخفاقاتهما في إنجاز ما هو مطلوب لتَقدُمها وتطورها ، ولكن عندما يتم تقييم الأفعال وفق المنطق والنهج السياسي الدوغماتي – بمعنى الأصرار على صواب الخطأ مهما كان بائناً للعيان لمقتضيات سياسية أيديولوجية بحتة -  فعندها تستمر الأخطاء بشكل تراكمي تؤدي في النهاية الى إنهيارات كارثية في بنى المجتمع كافة ، وعندها يلتجؤون القادة المسؤولين عن ذلك الى تحميل الآخرين أسباب فشلهم وإخفاقاتهم وبذلك يخرجون من ازمة ليدخلون الى ازمة جديدة أعمق وأشدُ تأثيراً على تأخر البلاد في جميع المجالات ، السياسية والاجتماعية والأقتصادية ، ويصفون أنفسهم وأنظمتهم الفاشلة بكونها ضحية للمؤآمرات الدولية وتدخل الآخرين في شؤون البلاد ، وتجدون مثل هكذا افتراءات جاهزة لديهم يتم ترويجها عبر وسائل اعلامهم المتنوعة عند كل فشل واخفاق لتضليل وخداع الشعوب بحقيقة الأمور .  هذا المنطق الأهوج والسقيم هو السبب في كل ما حصل ويحصل لنا اليوم في العراق . وهنا نتساءل متى يستفيق المسؤولين والشعوب من سُباتهم الأزلي هذا ؟؟  ، ومتى تخرج من شرنقة جهلها الاجتماعي المزمن وتُفعّل وعيها السياسي والثقافي لأن تعيد تقييم حوادث تاريخها القديم والحديث بشكل علمي وسليم من دون نفاق ورياء سياسي ؟؟ ، ولأن تكتشف الأسباب الحقيقية وراء تراجعاتها في كل ميادين التقدم والتطور ، وتعترف بأخطائها  القاتلة ، وأن تُسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة التي تستحقها ؟؟ ، عندها فقط تستقيم حياتها وتستقر على مسارها الطبيعي .
عندما نستعرض تغييرات الوضع العراقي كمثل للقياس عليه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 م سوف نجد بوضوح وجلاء كيف أن ما حصل في العراق من تغييرات وتبدلات في طبيعة السلطة الحاكمة من خلال الانقلابات العسكرية الدموية التي أُريقت فيها الدماء العراقية الزكية بغزارة ومن دون توقف ، وتحول الوضع المعاشي في العراق في النهاية الى موضع التندر للآخرين بوصفه أغنى بلد بثرواته وأفقر شعب ، حيث يعيش اليوم بحدود 20 % من أبنائه تحت خط الفقر . على ضوء هذا الواقع نستطيع ان نوصف ما حصل في العراق من تغييرات في شكل النظام السياسي عن طريق الأنقلابات العسكرية منذ تغيير النظام الملكي الى النظام الجمهوري في 14 / تموز / 1958 ، وما ترتب على ذلك  من عدم الأستقرار السياسي بسبب الخلافات الحزبية المراهقة بين الأحزاب السياسية والتدخلات الأجنبية والأقليمية وكيف تم استثمار ذلك من قبل الأستعمار والقوى الدولية لخدمة اجنداتها الخاصة على حساب المصالح الوطنية العراقية ، والتي اوصلت العراق وشعبه الى ما هو عليه اليوم من جميع النواحي ، فيما إذا كانت تلك التغييرات ذات طابع ثوري أم أنها كانت نزوات البحث عن السلطلة وامتيازاتها المغرية باية وسيلة كانت ؟؟ . كل الدلائل على ارض الواقع تشير وتؤكد وفق كل النظريات الثورية في التاريخ التي تُجمع على تعريف أن الفعل الذي يؤدي الى إحداث تغييرات جذرية في طبيعة وشكل النظام السياسي الأقتصادي الاجتماعي الى ما هو أفضل وأرقى بكل المعايير يعتبر فعلاً ثورياً ، وتعتبر عملية التغيير بهذه المواصفات بأنها ثورة اجتماعية – سياسية ، وهذا ما لم يحصل في العراق إطلاقاً إلا في عقول بعض السياسيين الكلاسيكيين ممن فشلوا  في تحقيق أهدافهم النظرية والذين ليس لهم الأستعداد والشجاعة السياسية المبدئية الكافية للأعتراف بالأخطاء التاريخية التي ارتكبت بحق العراق .
                                             منجزات فترة عهد النظام الملكي
كانت حالة العراق في فترة عهد النظام الملكي الدستوري البرلماني بالرغم من شحة موارده المالية وأنتشار الأمية بين أبنائه وشبه الأنعدام التام للبنى التحتية والمرتكزات  الأقتصادية لموارده المالية ، كان عهداً يخلو من الفساد المالي بين طبقات رجال الحكم من المسؤولين ، وكان القضاء قوياً وحازماً وصادقاً وعادلاً ومنصفاً مع الجميع بدءً بالملك وانتهاءً بأبسط مواطن ، وكان هناك احتراماً كبيراً للقانون من قبل رجالات الدولة قبل المواطن ، وكانت صيانة الأمانة الوظيفية وعدم خيانتها في دوائر وأجهزة الدولة مقدسة لدى الجميع ، وكان عدم التجاوز على المال العام والأنتفاع من السحت الحرام شبه معدوم لدى رجالات الدولة بكل مستوياتهم ، والذي كان يتجاوز على المال العام وعلى ممتلكات الدولة كان القانون له بالمرصاد ، ولم يكُن المال العام مالاً سائباً لمن هب ودب بل كان محروساً بقوة القضاء والقانون ، ولذلك من النادر أن نعثر في أرشيف الدولة في تلك الفترة حالة مسجلة ضد مسؤول كبير بمستوى الوزير .
لقد شهد العراق خلال فترة النظام الملكي بالرغم من قصرها إنجاز الكثير من المشاريع الأقتصادية في مجال إنتاج وتصدير وتصنيع النفط وسعت الحكومة مع شركات النفط الأجنبية العاملة في العراق الى أمتلاك أكبر نسبة من واردات النفط حيث كانت حصة العراق أكثر من 50 % . كما انجز الكثير من شبكات الطرق المبلطة وخطوط السكك الحديدية التي تربط المدن الكبرى ببعضها البعض وربط الأقضية والنواحي بمراكز المحافظات من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ومن شرقه الى غربه . كما شيدت الكثير من المدارس بكل مراحلها حتى في القرى والأرياف النائية ، وكان الطلاب فيها يستلمون الكسوة الشتوية سنوياً وتوزع لهم التغذية المدرسية يومياً وكنا نحن كاتب هذه السطور أحد التلاميذ في المرحلة الأبتدائية ممن عاصروا هذه الخدمة النبيلة ونحن في قرية نائية في أقصى شمال العراق وتوقفت هذه الخدمة مباشرة بعد 14 / تموز / 1958 م . وكذلك قامت الدولة بتأسيس جامعة بغداد لتخريج الكوادر العلمية التي كانت الدولة بأمس الحاجة الى خدماتهم لتطوير أدائها في تقديم الخدمات للمواطنين ، وكانت البعثات على نفقة الدولة للطلبة المتفوقين في المرحلة الأعدادية من كل المكونات من دون تمييز للدراسة في أرقى جامعات العالم . وكذلك قامت الدولة بإنشاء الكثير من المستشفيات العامة والمستوصفات والمراكز الصحية في مراكز المدن والأقضية والنواحي لتقديم الخدمات الصحية المجانية للمواطنين كافة . وكان التعداد العام للسكان يجري كل عشرة سنوات لغرض الأستفادة منه في تخطيط موارد ومشاريع الدولة ولا زال تعداد عام 1957 م هو المعتمد رسمياً الى اليوم في العراق .
وقامت الدولة بإنجاز الكثير من المشاريع الأقتصادية العملاقة مثل إنشاء مشاريع الري والسدود والبزل ومحطات إنتاج الطاقة الكهربائية وتصفية المياه والصناعات النفطية مثل المصافي وغيره من المشاريع الصناعية والزراعية من خلال خطط مجلس الأعمار الذي كان يرأسه المرحوم نوري باشا السعيد شخصياً والقطاع الخاص . لقد تم تنفيذ قسم كبير من مشاريع هذا المجلس في العهد الملكي ، والقسم الآخر في بعض فترات العهد الجمهوري وقسم أخر منها ما زال قيد الأنتظار لتجد طريقها الى النور . كان للنظام الملكي / مجلس الأعمار مشروع عملاق للأسكان رصد له مبلغ كبير قدره أربعمائة مليون دينار عراقي وهو مبلغ كبير جداً في ذلك الوقت لبناء سكن مناسب ينفذ من خلال شركات عالمية متخصصة توزع للمواطنين بأسعار مناسبة وبأقساط مريحة على شكل مراحل نفذت المرحلة الأولى منه بأسم اسكان غربي بغداد . ومن ثم توقف المشروع بسبب اسقاط النظام الملكي قبل المباشرة بالمرحلة الثانية والتي ما زالت قيد الأنتظار الى يومنا هذا !!! . وكل ما ذكرناه كما يقال هو " غيض من فيض " من الأنجازات .
ندرج أدناه معلومات مهمة عن حقوق نواب البرلمان في العهد الملكي عام 1945 م لغرض الأطلاع والمقارنة مع نوابنا اليوم :-
1 – يستلم النائب راتب يعادل ما يستلمه مدير المدرسة في ذلك الوقت .
2 – يتم قطع الراتب بعد انتهاء الدورة البرلمانية وهو غير مشمول بالتقاعد ويعود لمزاولةعمله السابق بعد انتهاء الدورة البرلمانية .
3 – لا يتمتع النائب بأي حماية وله الحق بحمل السلاح دون أن يمتلكه .
4 – يتم رفع الحصانة عن النائب ومحاكمته خلال أسبوع في حالة ثبوت ولائه لدولة أخرى .
5 – ليس من حق النائب شراء أي عقار أو العمل بالأستثمار طوال فترة عمله بالبرلمان .
6 – يمنع النائب من السفر دون عمل رسمي خلال فترة وجوده في البرلمان .
7 – في حالة غياب النائب بما مجموعه خمس جلسات بدون عذر رسمي يتم فصله من البرلمان . 

عزيزي القارئ الكريم أين نواب اليوم في هذا الزمن الأغبر من أولائك النواب في ذلك الزمان الذي لم تبقى لنا منه سوى الذكرى والحسرة والغصة في القلب !!! .
                                              منجزات فترة عهد النظام الجمهوري
كانت من نتائج 14 / تموز / 1958 م بعد ايام من سقوط النظام الملكي نشوب خلافات تناحرية بين القيادات التي قادت التغيير ، الجناح القومي الموالي لقيادة جمال عبدالناصر من الضباط الأحرار والمدعوم من التيار القومي الناصري وحزب البعث من جهة وبين الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم والموالين له من الضباط الأحرار في الجيش وبدعم من الحزب الشيوعي العراقي بالرغم من عدم مشاركة الشيوعيين في حكومة عبدالكريم قاسم ، وبعض الشخصيات الوطنية الديمقراطية المستقلة من جهة ثانية ، وتطورت هذه التناحرات والصراعات السياسية الى أحداث دموية في الموصل في 8 / آذار من عام 1959 م على أثر مؤآمرة العقيد عبدالوهاب الشواف على الحكومة ، وتكررت الأحداث الدموية في كركوك بمناسبة احتفالات الذكرى الأولى لـ 14 / تموز وتوالت من بعدها الأغتيالات السياسية  في الموصل ، وانتهت هذه الأحداث بالمجازر الدموية الأنتقامية في انقلاب  8 / شباط / 1963 م الفاشي الذي خطط له وقاده ونفذه بالتعاون مع المخابرات الأجنبية القوميين الناصريين والبعثيين التي أدت الى تصفية عبدالكريم قاسم ومؤيدية في المقدمة منهم الشيوعيين بطرق وحشية دموية بشعة على يد عصابات الحرس القومي الفاشي . هذا الأنقلاب الدموي أدخل العراق في نفق مظلم لا بصيص للنور في نهايته . وكان قد سبق انقلاب 8 / شباط / 1963 م نشوب خلاف سياسي كبير بين قادة الحركة الكوردية بقيادة المرحوم ملا مصطفى البرزاني وبين حكومة الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم حول مطالبة الكورد بالحقوق القومية المتمثلة في الحكم الذاتي ، إلا أن ضيق الأفق السياسي لعبدالكريم قاسم وقلة خبرته وضعف حنكته السياسية في فهم واستيعاب شرعية حقوق الكورد تغلبا سلوكه وتربيته العسكرية على سلوكه كرجل دولة في قِمة هرم السلطة مما انتهى هذا الخلاف الى نشوب الحركة الكوردية المسلحة في شمال العراق في أيلول من عام 1961 م ، تلك الحركة التي استنزفت امكانيات الدولة الأقتصادية والمالية والعسكرية وادخلت البلاد في حالة من الركود الأقتصادي وتوقفت مشاريع التنمية وبذلك مهدت الأرضية لأنقلاب الثامن من شباط الدموية . ثم توالى على حكم العراق نظام الأخوين عارف الهزيل والمتهرئ والذي اصبح جسراً لعبور البعثيين مرة ثانية الى السلطة في انقلاب 17 – 30 / تموز / 1968 م ، هذا النظام البعثي الجديد بدأ عهده بتصفية خصومه السياسيين من القوميين الناصريين حلفاء الأمس ، والشيوعيين حلفاء اليوم ، وأحزاب الحركة الكوردية أعداء الأمس واليوم ، وأحزاب الأسلام السياسي لاحقاً الأعداء الجدد بعد الثورة الأسلامية في إيران ، ومن ثم بعض قادة الحركة الديمقراطية الآشورية الوليدة . بهذه السياسة الشوفينية لنظام حزب البعث ادخل العراق في حروب عبثية مع إيران ثم مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على خلفية إحتلاله لدولة الكويت في 2 / آب / 1990 م وما ترتب على ذلك من فرض حصار اقتصادي دولي مدمر على البلاد ، وثم إحتلال العراق في عام 2003 م من قبل أمريكا وحلفائها وإقامة نظام المحاصصة الأثنية والطائفية السياسية الذي نشهد اليوم عروضه المبتذلة على أرض الواقع ، هذا النظام بسبب سياساته الطائفية الأقصائية سهل الأمر لعصابات داعش لأن تحتل أكثر من ثلث مساحة العراق وجعل العراقيين يعيشون حالة من البؤس والفقر والمرض والقتل على الهوية وفقدان الأمن والأمان واستشراء الفساد المالي في مؤسسات الدولة وشحة الخدمات الاجتماعية في مجال توفير الماء الصالح  للشرب والكهرباء والتربية والتعليم والصحة وغيرها من الخدمات ، واخيراً معاناة أكثر من ثلاثة ملايين نازح من العراقيين يعيشون في ظروف قاسية للغاية لا تليق بحياة البشر في هذا العصر .
بالتأكيد هذا لا ينفي عدم حصول أو وجود أية انجازات ذات تأثير ايجابي كبير على وضع البلاد في مختلف الميادين في العهد الجمهوري وكان ذلك تحصيل حاصل لا بد أن يحصل بحكم الحاجة الاجتماعية والتطور التلقائي ، ولكن السلبيات كانت أكثر وأكبر وحرقت كل الأيجابيات وذهبت أدراج الرياح ، ويمكن تشبيه الحالة بحالة ذلك الفلاح الذي يزرع الحقل بالحنطة يحرث الأرض ويبذر البذور ويسقيها ويرعاها وحين يحل وقت الحصاد يشعل فيها النار ويحرق المحصول ويخرج من الحقل خالي اليدين ليشحذ لقمة عيشة من الآخرين !!! هكذا فعلت حكومات العهد الجمهوري منذ حكومة قاسم الى حكومة حيدر العبادي اليوم ، وواقعنا الحالي يشهد على ذلك في كل مجالات حياتنا بالتفصيل الممل .
هكذا تعاقبت وتوالت الأحداث الأليمة والمحزنة على العراق وفق قانون السبب والنتيجة ، بحيث أن كل مرحلة ولّدت المرحلة التي تلتها . عليه فإن تقييمنا لفعل التغييرات التي حصلت في العراق ضمن هذا المسلسل الدرامي يفرض علينا ولكي نكون منصفين مع الجميع أن نقيّمه من نتائجه النهائية التي حصدها الشعب العراقي وليس بحسب أهواء ورؤى السياسيين من أنصار هذا الطرف أو ذاك وفق معطيات مرحلة بعينها كما تقرأها عقول السياسيين المؤدلجين ، وليس وفق معطيات جميع المراحل وهي في علاقة جدلية تكاملية كما ينبغي أن تقرأ لأستخلاص النتائج التي على ضوئها تقيم الأفعال بين أن تكون أفعال ثورية أو غير ذلك من المسميات . 
*السَفَنُ : تعني ربان السفينة أو قائدها أو القبطان

خوشــابا ســولاقا
بغداد 11 / حزيران / 2015





122
المصالحة الوطنية أم المصالحة السياسية ، أيتهما تنتج الأخرى في العراق ... ؟؟
خوشابا سولاقا
إن المصالحة الوطنية والمصالحة السياسية تتعايشان في حالة من العلاقة الجدلية التكاملية ، إحداهما تتأثر وتؤثر في الأخرى بشكل إيجابي أو بشكل سلبي يساعد في ذلك التأثر والتأثير المتبادل طبيعة السلطة السياسية الحاكمة في المجتمع وسياساتها وإجراءاتها في إدارة شؤون الدولة في توزيع الواجبات ومنح الحقوق الوطنية بالعدل والمساواة بين كافة المكونات ، وكذلك يؤثر في ذلك أيضاً طبيعة البنية الاجتماعية للمجتمع ، وطبيعة الانتماءات العِرقية والدينية والطائفية والقبلية والعشائرية وعلاقاتها السياسية بالسلطة الحاكمة ، وكيف يكون تعاطي السلطة مع هذه البنية ، ووفق أية معايير ؟؟ هل يكون هذا التعاطي وفق مبدأ تغليب المعايير الوطنية على المعايير الفرعية الخصوصية الأخرى أم يكون على العكس من ذلك ؟؟ . إن التعاطي مع هذه العناصر مجتمعة تشكل جوهر بناء أسس المصالحة الوطنية الرصينة والحقيقية على قاعدة صَلبة ومتينة غير قابلة للأنهيار عند أول منعطف يصادف مسيرة المصالحة الوطنية . ولهذا يستوجب على الدارسين والباحثين في شؤون تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية في العراق البحث بعمق في مجال إكتشاف أيتهما تنتج الأخرى ؟؟ ، هل أن المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة تنتج المصالحة السياسية بين التنظيمات السياسية لمكونات المجتمع ؟؟ ، أم أن المصالحة السياسية بين الأحزاب والتنظيمات السياسية لمكونات المجتمع هي من تنتج المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة في البلاد المتعدد المكونات المختلفة عرقياً ودينياً وطائفياً وقبلياً وعشائرياً ؟؟ باعتبار أن السياسيين هم من يعزفون على أوتار دغدغة المشاعر وتأجيج الخلافات القومية والدينية والطائفية في المجتمع بدوافع مصلحية شخصية على حساب المصالح الوطنية العليا . هنا هو مربط الفرس في هذه المسألة المعقدة .
كما هو معروفاً لدى المهتمين بشؤون الفكر والفلسفة والسياسة وعلمي الاجتماع والنفس ، أنه بطبيعة الحال في المجتمعات المتعددة المكونات عرقياً ودينياً وطائفياً وقبلياً وعشائرياً وغيرها من الانتماءات الفرعية ذات المعتقدات المختلفة والمتعارضة شكلاً ومضموناً ، توجد فيما بينها من الأسباب الموضوعية والذاتية ما تجعل التعايش السلمي مع بعضها البعض من دون خلافات واختلافات مسألة شبه مستحيلة ، أي بمعنى أن الخلافات والأختلافات هي سمة طبيعية حياتية في هكذا مجتمعات متعددة المكونات ، ولكن هذه الأختلافات عادة في ظل الظروف الطبيعية للحياة الاجتماعية والسلطة العادلة للدولة الحاكمة لا ترتقي الى مستوى الخلافات ذات الطبيعة التناحرية لتشكل خطراً على وحدة المجتمع ومعايير المصالحة الوطنية والتعايش الوطني ، ولكن في ظل سلطة الدولة الشوفينية الغير العادلة فإن الأمر يختلف كلياً حيث أن قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية للمكونات المجتمعية سوف تستثمر هذا الوضع سياسياً من أجل مصالحها الشخصية الضيقة ، في أغلب الأحيان هي التي تتخذ من خلال شعاراتها المكوناتية الفوضوية الجوفاء تحت ستار الدفاع عن المصالح الفرعية للمكون المعين مواقف وسياسات مغاليةً بها على حساب المصالح الوطنية العليا ، وهي من تقوم بتسيس هذه الخلافات والاختلافات وتصّعَدْ من حجمها ودرجتها وتلبسها لباس العِرقية أو الدينية أو الطائفية أو غيرها لترتقي بها الى مستوى التناقضات التناحرية وربما الدموية بين المكونات الاجتماعية ، ثم قد تصل بها الى مستوى نشوب الحروب الأهلية المدمرة التي لا تبقي ولا تُذّْرّ بين مكونات المجتمع الواحد من وشائج المحبة وآواصر الأخوة والوطنية وبذلك تمحي الهوية الوطنية على حساب الهوية الفرعية . هذه الظاهرة تكون قابلة للظهور والأنفجار بقوة هائلة في المجتمعات التي تُدار سلطة الدولة المركزية فيها من قبل أحزاب وتنظيمات شوفينية ذات توجهات شمولية عرقية ( قومية ) أو دينية أو طائفية ، وذات نزعات قبلية وعشائرية وتتعاطى مع الأخرين وفق المعايير الخصوصية وليس وفق المعايير الوطنية والولاء الوطني . هذا النهج الشوفيني والشمولي لسلطة الدولة هو من يهيء الأرضية الخصبة لظهور ونمو الدعوات الأنعزالية التقسيمية للأحزاب القومية والدينية والطائفية  للمكونات الأخرى التي تحرض الى مقاومة الظلم والأضطهاد والتمييز الذي تمارسه دولة المكون الحاكم أو المهيمن على السلطة ، وبذلك تكون المقاومة بكل أشكالها مبررة ومشروعة وفق كل المعايير الانسانية والقوانين الدولية . في ظل هذا الواقع المتناقض والمتحارب يصبح تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة أمراً مستحيلاً بل ويبقى ضرباً من ضُروبْ الخيال قبل تحقيق المصالحة السياسية بين الأحزاب والتنظيمات السياسية لمكونات المجتمع الواحد .
في الحقيقة أن كل مكونات الشعب العراقي ترفض رفضاً قاطعاً فكرة تقسيم العراق الى دويلات مستقلة كوردية وعربية سُنية وعربية شيعية وربما غيرها أيضاً من خلال خطابها السياسي الوطني المعلن ، ولكن هذا الرفض النابع من الحس الوطني للنخب الوطنية المثقفة سوف لا يلغي ما تكتنفه دواخل النفوس والمشاعر والرغبات المدفونة في أعماق العامة من الناس في حالة استمرار السياسات الشوفينية الأقصائية التي انتهجتها الحكومات السابقة منذ سقوط النظام السابق التي تؤدي الى احتقان تأجيج الأحقاد التاريخية والضغائن وتلهب تلك الرغبات والمشاعر الرافضة لتلك السياسات الشوفينية الأقصائية التي تنتهجها دولة المكون المسيطر والمهيمن على السلطة في البلاد ، وعليه فإن مفتاح الحل لتجاوز هذا الواقع الهش هو بيد من يحكم البلاد أولاً وليس بيد غيره .
في ضوء ما تقدم تكون الخطوة الأولى على الطريق الصحيح نحو تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة في العراق ، هي تشكيل حكومة وطنية يشارك فيها جميع المكونات العراقية بفعالية في صنع القرار السياسي للعراق ، وتنهج نهجاً ديمقراطياً تسامُحياً حقيقياً وصادقاً بعيداً عن سياسات الأقصاء والتهميش والألغاء للآخر لتحقيق البيئة الملائمة لتحقيق المصالحة السياسية بين الأحزاب والتنظيمات والتشكيلات السياسية المتحاربة للمكونات الوطنية من دون شروط مسبقة أولاً ، وليس الأكتفاء بجذب بعض العناصر الأنتهازية والنفعية الهزيلة من المكونات المختلفة التي ليس لها أي رصيد ولا تأييد من لدن جماهير المكون المعين ، وهذا هو خيارنا الأول والأفضل . عندما يُدار البلاد من قبل دولة وطنية حقيقية شاملة لكل مكونات الشعب من صغيرها الى كبيرها ، وعندها يكون قد تم وضع الخطوة الأولى على بداية الطريق الصحيح المؤدي الى المصالحة السياسية الوطنية والتي تشكل بدورها الخطوة بل القفزة النوعية على مسار تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة من دون إراقة الدماء البريئة . وبعكس هذا الخيار سوف لا يكون أمام البلاد للنهوض من كبوته خير الذهاب الى الخيار الثاني وهو خيار التقسيم ، الخيار المُرّ كحل آخير بدلاً من الخيار الأمَرّ منه وهو الخيار الثالث ألا وهو الحرب الأهليه التي لا تبقي ولا تذر كما قُلنا بين المكونات التي بسببها سوف تسيل الدماء البريئة كالأنهار ، نعتقد أن الخيار الأفضل لنا نحن العراقيين في ضوء واقعنا الحالي الذي نعيشه اليوم ، ولحقن الدماء البريئة لأبناء شعبنا هو خيار التعايش السلمي والسعي المشترك من قبل كل الكتل البرلمانية بصفاء وصدق النوايا وتبادل الثقة بين المكونات ونخبها السياسية ، والنضال من أجل إقامة نظام حكم وطني مدني ديمقراطي في العراق يتعاطى مع جميع المكونات وفق المعايير الوطنية الخالصة والولاء الوطني ونبذ سياسات الأقصاء والتهميش وكل أشكال التمييز الشوفيني القومي والديني والطائفي .
وخلاصة القول وعلى ضوء ما تقدم ومعطيات الواقع العراقي الحالي فإن الأولوية بحسب وجهة نظرنا المتواضعة تعطى للمصالحة السياسية بين الأحزاب والتنظيمات والتشكيلات السياسية للمكونات العراقية ، أي بمعنى أن المصالحة السياسية هي التي تنتج المصالحة الوطنية الشاملة في العراق وليس العكس .

المهندس : خوشابا سولاقا
بغداد في  4 / حزيران / 2015


123
أثر المدلولات التاريخية في إثبات الانتماء القومي للمجموعات البشرية ... الآشوريون نموذجاً

خوشابا سولاقا
في جميع المجتمعات البشرية ونحن الآشوريون منهم ، هناك في حياتهم الاجتماعية تقاليد وطقوس فلكلورية كثيرة عميقة في تأثيرها في تكوين وبناء شخصيتهم القومية تمارس بشكل فطري موروث لهم أب عن جد كتقاليد شعبية لا يدركون مضامينها ومدلولاتها وامتداداتها التاريخية والسوسيولوجية ، ولكن ترى البعض في أحيان كثيرة تتمسك بقوة وبتقديس بتلك الممارسات الفلكلورية بأعتبارها موروث وإرث الأباء والأجداد القدامى ، مما يتطلب من الأجيال التمسك بها وحمايتها للمحافظة على هويتهم القومية أو أية هوية خصوصية يطبعونها عليها ، ويوصمون بالعار من لا يتمسك بها ويتجاوزها بأعتبارها باتت تقاليد قديمة بالية لا تتماشى مع تقاليد وطقوس الحياة العصرية وتغيراتها المستمرة التي يتطلب مواكبتها . ونرى كثيراً أن طبيعة المفهوم المعتقدي يتغير بتغير معتقدات العبادة كما حصل معنا نحن الآشوريين عندما تحولنا  من العبادات القديمة الى اعتناقنا للديانة المسيحية ، فباتت الكثير من تلك التقاليد الفلكورية الموروثة التي كانوا الناس يعتزون بها لرمزيتها التاريخية التي كانت تمارس  وفق مضمون معتقدي معين في السابق استمرت تمارس وفق مضمون الديانة المسيحية الجديدة ، أي باتت تمارس كتقاليد وطقوس مسيحية لتكون مقبولة في المجتمع الآشوري المسيحي الجديد . هذا الشيء حصل أيضاً مع الآخرين من الأمم والشعوب ومن الديانات والعبادات الأخرى التي شاركتنا العيش في هذه المنطقة الجغرافية عبر آلاف السنين عندما غيرت معتقداتها العبادية ، لأنها وبحسب وجهة نظرنا المتواضعة وقناعتنا الشخصية ظاهرة سوسيولوجية طبيعية ترافق حياة البشر في بناء حياتهم ومجتمعاتهم في رفض ولفظ كل شيء يعتقدونه بالياً ومتخلفاً وقبول كل ما هو ضروري ومفيد وله مدلولاته التاريخية والسايكولوجية القيمة التي تربط حاضرهم بماضيهم ويمد جسوره للعبور الى المستقبل لتستمر وتتواصل السلسلة العرقية من دون أن تنقطع . هذا هو المفروض على كل الأعراق والأثنيات الأصيلة ليستمر وجودها من جيل الى جيل . هذا ما حصل بالكمال والتمام معنا نحن الآشوريون عبر التاريخ ، ولكي نثبت ذلك نعود الى عمق مجتمعنا ونتابع نماذج معينة من تلك التقاليد والعادات والطقوس الفلكلورية لنأخذ منها نماذج على سبيل المثال لا الحصر لأثبات ترابطنا التاريخي غير المنقطع مع أجدادنا الآشوريون القدامى بالرغم مما مورس علينا من قبل الأعداء من المحاولات والضغوطات والظلم بعد دخولنا في المسيحية لمحو وإزالة أثار كل ما كان يربطنا بماضينا الآشوري الوثني ، إلا أنه بقيت لنا شذرات طيبة من ذلك الأرث والتراث الحضاري العملاق لأجدادنا العظام لتذكرنا دائماً من نحن ومن نكون ومن كنا والى أين نحن سائرون ؟؟ . لغرض الخوض في هذا الحوار الذي هو حوار المنطق والعقل ، حوار المقارنة بين الذي كان في الماضي وبين ما هو موجود ومعاش في الحاضر للأستدلال من خلال نتائجه الى أقرب ما يكون للحقيقة الموضوعية بكل أبعادها بخصوص انتمائنا القومي ، قبل أن يكون حوارنا هذا سجالاً وحواراً تاريخياً عقيماً حول أحداث ووقائع التاريخ المدونة من قبل المؤرخين بشكل مزاجي أحياناً ومتأثرين بهذا العامل الاجتماعي أو ذاك ، أو بانحياز الى هذا الجانب أو ذاك لأسباب كثيرة لغرض في نفس الكاتب أحياناً أخرى .
نبدأ بعرض وتحليل هذه المدلولات التاريخية لوضع التسميات على مسمياتها القريبة  من الحقيقة . متمنين أن نتوفق في هذه المهمة وأن تنال محاولتنا هذه قبول ورضا المثقفين من أبناء أمتنا الأعزاء من كل مكوناتهم ، وإن كل ما نقدمه بهذا الخصوص يمثل وجهة نظرنا ورؤيتنا الشخصية للأمور ليس إلا .
                                           أولاً : " باعوثه دنينواي " - مطلب أهل نينوى من إلآله
لقد أثبتت البحوث والدراسات الأركولوجية التاريخية الحديثة التي أجريت على بلاد النهرين أن فيضاناً كبيراً غمر بلاد النهرين القديمة ، مما يؤكد أن ما ورد في الكتب الدينية عن ما يسمى بقصة الطوفان كغضب الاهي على البشر كان فيضاناً طبيعياً للأنهار الهائجة والجامحة بسبب غزارة الأمطار المنهمرة والثلوج المتساقطة والرياح العاتية كأحدى ظواهر الطبيعة التي تحصل مثلها اليوم بالعشرات في جميع بقاع الأرض ، وإن قصة الطوافان بحسب سفر التكوين من التوراة مأخوذة بحذافيرها من أدب الأساطير السومرية والبابلية والآشورية القديمة التي كانت تمتاز بوصفها للظواهر الطبيعية عن وصف قصة سفر التكوين التي أمتازت في تصويرها لقصة الطوفان – الفيضان في إطار الفكرة الألهية ، وإن ما لا يمكن نكرانه أن الكتابات القديمة لا يمكن أن تكون مستمدة من التوراة لأنها أقدم منها بأثني عشر قرناً . كما أثبتت هذه الدراسات أن ما تسمى اليوم بشبه الجزيرة العربية مرت بعصور مطيرة تسببت في فيضانات غامرة إجتاحت بقوة بلاد النهرين وهددت مدنها العامرة منها مدينة نينوى العظيمة عاصمة الآشوريين بالغرق والزوال من على وجهة الأرض بسبب ارتفاع مناسيب نهر دجلة ، مما دفع الخوف من الغرق بأهلها شيباً وشباباً رجالاً ونساءً الى الصوم من الأكل والشرب والصلاة في معابدهم راكعين على ركبهم على مدار الأيام يتضرعون الى إلاههم لمساعدتهم في إنقاذ مدينتهم العزيزة على قلوبهم من الغرق والدمار ، وبعد ثلاثة أيام من الصوم المستمر والصلاة توقفت الأمطار وانخفض منسوب مياه نهر دجلة وهدئت الحالة المناخية وتجاوز الخطر الذي كان يهدد نينوى بالغرق ومرت الأمور بسلام وآمان . وعلى خلفية هذه الحادثة ترسخ في عقل الشعب الآشوري في كل أنحاء الأمبراطورية أن الأله استجاب لمطلبهم ، مما يتطلب منهم تكريم هذه الذكرى على مر الأجيال ، فبات بذلك تقليد صوم " باعوثة نينوى " تقليداً وطقساً يمارسه الآشوريون على مدار السنين الى يومنا هذا . بعد سقوط الأمبراطورية الآشورية وعاصمتها نينوى سياسياً عام 612 ق . م ومن ثم اعتناق الآشوريين لاحقاً للمسيحية ظَلَ هذا التقليد يمارس من قبل الآشوريين أينما حلوا ولكن بطابع ديني مسيحي . من كل هذا التقليد نستدل أن طقس باعوثة نينوى هو طقس آشوري أصلاً وليس طقس مسيحي كما قد يعتقد البعض اليوم ، ولكنه طبع بالطابع المسيحي للمحافظة على بقائه واستمراره ، وخير مثالاً على صحة ذلك إنه لا يمارس من قبل المسيحيين من غير الآشوريين بكل مذاهبهم في العالم والمنطقة .
في النهاية ماذا نستدل من ممارسة هذا الطقس على مر التاريخ بدءً من الوثنية الآشورية الى المسيحية المشرقية اليوم ؟ نستدل منه أن كل من يصوم اليوم كمسيحي هذا الصوم مهما كان مذهبه الكنسي فهو من عرق قومي آشوري مهما تكون تسميته الحالية .
                                              ثانياً : تقليد تكريم الطبيب الآشوري "ّ برّصرفيون "
كان الطبيب " برصرفيون " طبيب آشوري قديم يمارس الطب الشعبي لمعالجة المرضى وجرحى الحروب باستعمال الأعشاب الطبيعية الطبية التي كان يجمعها من الطبيعة ، وكانت شهرته وصيته قد ذاعتا بين الآشوريين تسبقه أينما يذهب ويحل في رحيلهُ ، وتأتيه المرضى والجرحى من شتى أنحاء الأمبراطورية طالبين  مساعدته لمعالجة مرضاهم ، وبذلك بات برصرفيون شخصاً مشهوراً ومرموقاً ومعروفاً ومحترماً ومحباً من قبل الناس وباتت شهرته أشهر من نار على علم ، ولذلك عندما وَفتّهُ المنية حزن الجميع عليه كثيراً وقرروا تخليد ذكراه تكريما لأفضاله عليهم ، وتولى أقاربه المقربين رعاية إحياء تخليد هذه الذكرى العزيزة على نفوس وقلوب الآشوريين الذين عاصروا الطبيب الكبير " برصرفيون " وسمعوا عنه كطبيب ناجح أعطى لشعبه أكثر مما أخذ منهم . المهم في هذا التقليد أن إحياء هذه الذكرى استمر مع الأيام قبل وبعد المسيحية الى يومنا هذا . حيث كان هناك عائلة آشورية من قبيلة " تياري السفلى – عشيرة بني كبه " كان جدها الأكبر الذي يحمل بيده صليب " برصرفيون " بعد أن صُبغ التقليد بطابع ديني مسيحي والذي أتذكره وأنا طفل صغير في القرية يتجول في قرانا ويجمع ما يتبرع به الناس لتخليد ذكرى " برصرفيون " اسمه  " بثيــو دبرصرفيون " رحمه الله ومن بعده تولى أداء المهمه أبنه " هرمز بثيو دبرصرفيون " وكان يسكن منطقة كراج الأمانة في بغداد وحالياً سافر الى خارج العراق لا أعرف أين يَقيم اليوم .
ماذا نستدل من استمرار ممارسة هذا التقليد بين عشائر قبيلة تياري السفلى التي هي من أكبر وأقوى القبائل الآشورية ؟؟ أليس أن أقل ما يستدل عليه ممارسة هذا التقليد أن هؤلاء البقايا اليوم هم استمرار لنسل أولائك الأجداد بالأمس ؟؟ . بالطبع إن الجواب هو نعم هم كذلك . 
                                                  ثالثاً : استمرار الزي الشعبي التقليدي
عندما نمعن النظر بدقة في التماثيل والمنحوتات المكتشفة في العواصم الآشورية سوف نلاحظ التشابه والتماثل الكبيرين  في زي النساء والرجال الظاهرة في تلك التماثيل مع الزي الذي كان وما يزال يرتديه المسنين رجالاً ونساءً من سكان قصبات وقرى سهل نينوى وشمال العراق حيثما يتواجد أبناء أمتنا . حيث نرى أن قبعات الرأس ( كوسيثه ) الظاهرة في التماثيل الآشورية للملوك والرجال تحديداً تشبه الى حد كبير والى درجة التطابق التام مع تلك القبعات التي كانوا أجدادنا نحن أبناء عشائر التيارية بشكل خاص يضعونها على رؤوسهم وذات الشكل المخروطي مقطوع الرأس قليلاً والبيضاء اللون المصنوعة من صوف الغنم الناعم الملمس ( بالذات من صوف الطلي الصغير الذي لا يتجاوز عمره السنة أي القصة الأولى لصوفه الناعم ) وإن النموذج الحالي ذات اللون الأسود الذي يستعملونه التياريين في المناسبات فهو نموذج مطور لما كان كان يستعملونه بشكل دائم في تياري وهيكاري . وعند المقارنة في زي النساء سوف نجد التشابه والتماثل ذاته كما عند الرجال حيث تظهر بجلاء في تماثيل النساء الآشوريات قديماً " الميزاره " الذي يعلق على صدور النساء ويمتد الى ما فوق الركبتين على أقل تقدير هو " الميزاره " ذاته الذي كانت ترتديه نساء قرى وقصبات سهل نينوى وقرانا في الشمال ومازالنْ المسنات مِنهُنَّ يرتديهُنه مع بوشي الرأس الشبيه بالعمامة ( كونكْثه ) بشكله الحالي الجميل .
على ماذا نستدل من هذا التشابه والتماثل الكبير في الزي الشعبي التقليدي بين الماضي العريق البعيد والقريب والحاضر ؟؟ أليس ذلك رمزاً لأثبات النسل والعِرق بين ذاك وهذا ؟؟ لماذا لم يظهر هذا التشابه والتماثل في الزي الشعبي التقليدي في الزي الشعبي للآخرين من الشركاء  في السكن على هذه الأرض الطيبة ؟؟ ، أليس إنفراد أبناء أمتنا وتشبثهم بالتمسك بهذا الرمز شكل من أشكال الصراع من أجل البقاء والأستمرار ؟؟ .
                                                            رابعاً : كتاب حِكمْ أخيقار الحكيم
اخيقار الحكيم هو فيلسوف صاحب حِكم ومنطق أخذ من حِكمه وأفكاره الكثيرين من المشهورين بضمنهم علي بن أبي طالب ( ر ) ، وكان أخيقار حكيم الملك الآشوري سنحاريب الذي كانت فترة حكمه ( 704 – 682 ) ق . م ، هذا الكتاب بحكمه ظل مصدراً للحكمة والأمثال عند أبناء أمتنا بكل مكوناتهم وتسمياتهم تتناوله الأجيال من جيلٍ الى آخر منذ ذلك الوقت والى اليوم ، ويتذكرونه بفخر واعتزاز كإرث ثقافي وحضاري من صميم تاريخ أبائهم وأجدادهم العتيد والمجيد . لماذا ظلْ هذا الكتاب وبهذا المستوى من التقدير والأحترام متداولاً بين أبناء أمتنا كل هذه السنين إن لم يَكُنْ رمزاً قيّماً ومهماً من رموزنا التاريخية ويجسد هويتنا القومية ؟؟ .
الى ماذا يستدل بقاء واستمرار هذا الكتاب متداولاً ومتنقلاً بهذه القوة بين الأجيال منذ ما يقارب الثلاثة آلاف سنة كما قلنا ؟؟ أليس لكونه وثيقة تاريخية تثبت هويتنا القومية وانتماءُنا القومي ، والى أي عِرق تاريخي أصيل نعود نحن الذين أحتفظنا به في مكاتبنا البيتية كل هذه المدة ؟؟ . 
                                                       خامساً رأس السنة الآشورية " أكيتو " 6765
المعروف تاريخياً إن أجدانا الآشوريين والبابليين كانوا يحتفلون ولمدة أسبوعين متتاليين من بداية الربيع في الأول من نيسان بحسب تقويمهم إحتفاءً بحلول الربيع متأملين أن يأتيهم من خيرات الأرض الشيء الوفير من الحبوب والأثمار والماشية ومنتوجاتها ، لذلك كانوا يقيمون مهرجانات واحتفالات للفرح ويذبحون الذبائح ويقدمونها نذوراً لأرضاء الأله لأن يجعل الأرض معطاءة في عطائها من الخيرات . كانت احتفالات أجدادنا بعيد الربيع " اكيتو" تجري على هذا النمط عندما كانت السلطة بأيديهم ، ولكن عندما فقدوها أنحسرت هذه الأحتفالات بشكل تدريجي لأن المحتلين الأجانب كانوا يمنعونهم من القيام بأي نشاط أو احتفال يرمز الى إعتزازهم بمجد أبائهم وأجدادهم وتاريخهم ، وعليه باتت الناس تحتفل بهذه المناسبة كل بطريقته الخاصة ، وآخر ما وصلنا شخصياً من هذا التقليد من أجدادنا عندما كنا أطفالاً صغاراً في القرية ، كان جدنا رحمه الله يخرج منذُ الصباح الباكر الى أقرب حقل للقمح او للشعير ويقلح رزمةً من الحنطة أو من الشعير من جذورها وياتي بها ليعلقها فوق الباب الخارجي لمدخل البيت ، وكان يقول لنا إن هذه الرزمة ثمثل ذقن ( لحية ) نيسان نعلقها فوق الباب ليأتينا هذا الربيع بالخير الوفير من الحقول الخضراء ، وهذا اليوم هو يوم رأس السنة القديمة لأجدادنا ما قبل المسيح ولم يكُن يعرف بأنها رأس السنة القومية الآشورية ، لأن الثقافة المسيحانية التي لقنوها لهم مسحت من ذاكرتهم التاريخية ذكر القومية الآشورية وكل ما يرمز ويوحي لهم بارتباطهم بأجدادهم الوثنيين " عبدة الأصنام – سَخذاني دصنمي " كما كنا نسمع منهم وعندما كنا نستفسر منهم ماذا تعني " صنمي " كانوا يردون علينا بمعنى أنها تماثيل لكائنات خرافية منحوتة من الحجر كانوا يعبدونها أجدادنا بدلاً من عبادة الله الذي نعبده نحن اليوم . وبعد مجيء البعثيين عام 1968 م الى الحكم في العراق ، قاموا باحياء هذه الأحتفالات بأسم أعياد الربيع في مدينة الموصل تحديداً لغرض العودة بحاضرهم وربطه بتاريخ الماضي العريق في محاولة منهم لأعادة كتابة تاريخ العراق من جديد وتعريبه من أوله الى آخره ، وبذلوا جهوداً وأموالاً كبيرة في هذا السبيل ، وسخروا خيرة العلماء الآثاريين والمؤرخين العراقيين لتنفيذ هذا المشروع ، ولكن هيهات لهم من أن ينالوا من هذا التاريخ العظيم هؤلاء العابثين وأحفادهم من الدواعش ، ونقول لهم إن التاريخ لا يمكن تغييره بجرة قلم أو بضربة معول من الحمقى والمشعوذين المجانين من طلاب الشهرة والمجد والسلطة .
الى ماذا تستدل رمزية بقاء الشذرات البسيطة لهذا التقليد القومي الأصيل ، من مهرجانات كبيرة تدوم لأسبوعين متتاليين الى الأكتفاء برزمة من القمح أو من الشعير في قرية نائية كما كان يفعل جدنا رحمه الله تعلق فوق الباب الخارجي للبيت تأملاً منهم أن ترزقهم الأرض بالخيرات الوفيرة من عطاء الحقول الخضراء ؟؟ إنها من المؤكد تدلنا الى معرفة حقيقة من نحن ؟؟ ومن نكون ؟؟ ومن كنا في الماضي ؟؟ والى أي عِرق قومي ننتمي ؟؟ . 

                                    سادساً : تقليد إحاطة فِراش المرأة بعد الولادة بالحبل الأسود ووضع الخنجر تحت رأس مولودها 
كان لأجدادنا الآشوريين القدماء تقليداً بحسب المصادر التاريخية من حوليات ملوك الأشوريين ، يقومون  بأحاطة فراش المرأة الحديثة الولادة بحبل أسود مصنوع من شعر المعز ومتيناً نوعاً ما قريب الشبه بالتنين في الظلمة لمدة أربعين يوماً من وضعها للمولود لحمايتها من الأرواح الشريرة ، حيث كانوا يعتقدون ويروجون بوجود كائن بشري أنثوي خرافي مشعر وذي أنياب وأظفار طويلة سوف يأتي ويؤذي الأم ويسرق منها مولودها  الصغير ، كان في زمانناً ونحن أطفال يسمى ذلك الكائن الخرافي الأنثوي " ليليثا" . كان بإعتقادهم أن الحبل المحيط بالأم الحديثة الولادة يمثل تنين يحرس الأم ومولودها من شر ليليثا لأنها تخاف من التنين ويرعبها مظهره ، وبذلك تتجنب التقرب من مكان الأم والمولود الصغير  . أما بالنسبة الى رمزية وضع الخنجر أو السكين تحت رأس المولود الصغير تعني لكي يكون عند بلوغه رجلاً مقاتلاً شجاعاً . هذا التقليد كان يمارس من قبل عشائر قبيلة التياري السفلى الى يوم مغادرتنا لقرانا عام 1961 م بعد اندلاع الحركة الكوردية والأستقرار في المدن الكبرى .
الى ماذا يَستدل بقاء واستمرار هذا الثقليد لدينا ربما لا تنحصر ممارسته بالتياريين فقط ، وقد تمارسه قبائل آشورية أخرى لم نعايشها شخصياً ، وربما يمارس هذا التقليد ذاته في قرى وقصبات سهل نينوى بشكل آخر وله نفس الجوهر . إنه رمز يستدل منه بحكم ممارسته عبر الأجيال الى شيء واحد ألا وهو الأنتماء الى نفس العرق القومي .
                                                   سابعاً : تردد وتوارد الأسماء والمفرات اللغوية
كما هو معروف لدينا أن أبناء أمتنا عندما أعتنقوا الديانة المسيحية في النصف الأول من القرن الأول الميلادي وهم كشعب يعيش تحت وطأة ظلم سلطة الأجنبي الوثني الغريب المحتل ، والذي يحمل في أعماقه حقداً تاريخياً عليهم ويبتغي الأنتقام والثأر منهم ، وجدوا في المسيحية فكراً ونهجاً طريق الخلاص من هذا الواقع الظالم والأليم الذي بات يهدد وجودهم بالأنقراض ، ولذلك حاولوا في حياتهم المسيحية الجديدة قطع كل صلة لهم تربطهم بماضيهم الآشوري الوثني ، فتخلوا عن الكثير من العادات والتقاليد والطقوس التي تعتبر وثنية بطبيعتها ، والتجأوا الى التعويض عنها بالبدائل الجديدة من أرث وثقافة الديانة المسيحية فكانت في مقدمة تلك التوجهات هو التخلص من الأسماء الآشورية القديمة باعتبارها أسماء وثنية والتسمي بالأسماء المسيحية الوارد ذكرها في العهد القديم ( التوراة ) من الكتاب المقدس اي التسميات اليهودية كما هو واضح وظاهر في تسميات أبناء أمتنا في القرون ما قبل طغيان الثقافة العربية الأسلامية على المنطقة  وبلاد ما بين النهرين  ، حيث أجبروا الناس على الخيار ما بين اعتناق الأسلام وبين دفع الجزية وبين حد السيف ، لذلك فإن غالبية الفقراء منهم كان خيارهم الوحيد هو اعتناق الأسلام ، أما الآخرين من المتمكنين مالياً فقبلوا بدفع الجزية مقابل الحفاظ على دينهم الأصلي وحياتهم . إلا أن هذه الحالة والخوف والتوجس مما هو أسوء من الجزية بدأت عملية التحول نحو التعريب من خلال التحول الى إعتماد اللغة العربية في حياتهم وطقوسهم الدينية ، وتغيير أسمائهم القومية – المسحية الى اسماء عربية لأزالة الشبهة المسيحية عنهم في أماكن عملهم ومسكنهم وهذا الشيء ليس بخافياً على الجميع من المطلعين على التاريخ وخفاياه الأليمة .
إلا أنه بالرغم من كل هذه المصاعب والمعانات والأضطهادات والمظالم ظلت بعض العوائل الآشورية المسيحية تتداول الأسماء القومية وتسمي أبنائها بها في الفترات ما قبل اكتشاف الآثار الآشورية في نينوى ونمرود وآشور وغيرها من المدن الآشورية القديمة من قبل المكتشفين الأوروبيين وفي مقدمتهم السير هنري لايارد الأنكليزي الجنسية ، ونورد نماذج من هذه التسميات على سبيل المثال لا الحصر ، مثلاً المرحوم " نمرود دبيث مارشمعون " عم البطريرك الشهيد مار بنيامين وعمته سورما خانم رحمهما الله وهو من مواليد النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وهناك الكثير من الأسماء الآشورية تداولت قبل عصر اكتشافات السير هنري لايارد . أما من حيث المفردات اللغوية سوف يجد الباحث الكثير من مفردات اللغة الآشورية - الأكادية  التي كانت تكتب بالخط المسماري موجودة في اللهجات الآشورية المحكية اليوم ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نورد بعض تسميات أعضاء جسم الانسان ، مثلاً ( نخيرا – الأنف _ بوقا بالسرياني ) و ( ناثا – الأذن - اذنه بالسرياني ) و ( أقلا – الرجل - رغلا بالسرياني ) و غيرها بالمئات من المفردات والمختصين باللغات أدرى منا بذلك  .
استمرار التسمي بأسماء الآشوريين القدامى وتداول مفردات كثيرة من لغتهم ماذا يعني الآن ؟؟ أليس مؤشراً يستدل منه أن هؤلاء هم أحفاد وسليلي أولئك الأجداد القدامى وورثتهم الشرعيين في هذا العصر ؟؟ ، إنهم كذلك بلا شك  .
إن هذه المدلولات التاريخية الراسخة في أعماق ثقافة وتقاليد وممارسات وطقوس مجتمعنا الآشوري اليوم يستدل منها وجود ذلك الترابط العضوي بين الماضي الآشوري وحاضره ، وهذا الترابط يكفي لنا من ندعي الآشورية اليوم لتبرير شعورنا بانتمائنا القومي الآشوري ، ولكل من يشعر كذلك من أخوتنا ممن ينتمون الى مذاهب كنسية غير مذهبنا ، ومن لا يشعر من أخوتنا بما نشعر به نحن شخصياً في كل الأحوال سوف نحترم شديد الأحترام شعورهم بأي انتماء قومي يختارونه لأنفسهم من غير الأنتماء القومي الآشوري لأنهم أحرار في تقرير اختيار ما يرونه مناسباً وملائماً لهم من تسمية قومية ، لأننا جميعاً بحسب وجهة نظرنا الشخصية مهما اختلفت تسمياتنا الحالية نشترك بالشعور بالأنتماء الى وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافية والمصالح المشتركة والمصير المشترك ، والأهم من كل ذلك أن سكاكين ذباحي البشر بأسم الله من الداعشيين الأرهابيين لا تفرق بين رقابنا بحسب تسمياتنا القومية والمذهبية الكنسية فهي تقطع الرقاب من الوريد للوريد بلا رحمة ولا شفقة ودون خوفاً من خالقهم . ليعلموا المتطرفين من كل مكونات أمتنا هذه الحقيقة . إن توافقنا على مقومات أختيارنا للتسمية القومية الموحدة التي تناسبنا وتضعنا في قلب التاريخ الحقيقي الغير مزيف مذهبياً وقومياً سوف يوحد ويقوي خطابنا السياسي في تعاملنا مع الشركاء في الوطن لبناء مستقبلاً زاهراً لأجيالنا القادمة جميعاً .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 17 / أيار / 2015



124
قالها فريدريك هيجل ... " القُوة هي القانون "
خوشابا سولاقا
جورج فريدريك هيجل ( 1770 م – 1831 م ) هو فيلسوف ومفكر ألماني كبير ، ويعتبر من أهم مؤسسي حركة الفلسفة المثالية الألمانية في أوائل القرن التاسع عشر . يعني عند هيجل مصطلح الفلسفة قبل كل شيء ، منهجاً لدراسة وفهم التاريخ ، ولذلك يبدو من شبه المستحيل التحدث عن هيجل بمعزل عن التحدث عن تاريخ البشر . انطلق هيجل في دراسته للتاريخ ومن ثم لفهمه له كما ينبغي من منهجه الديالكتيكي ( الجدل )   الذي بني عليه فكره وفلسفته كفيلسوف كبير له مكانته المرموقة بين أقرانه ، منطلقاً من أن الشيء ذاته ينبثق من التناقضات التي تحدث فيه ، أي بمعنى أن كل شيء يولد ، يولد معه نقيضه ، وأن تطور الحياة الطبيعية والاجتماعية ياتي من خلال صراع الأضداد داخل الأشياء ذاتها ، أي بمعنى صراع المتناقضات داخل الأشياء . كان لهذا الفيلسوف والمفكر اللامع دوراً تاريخياً كبيراً في تطور حركة الفكر والفلسة في العصر الحديث ، حيث اعتمد كارل ماركس ( 1818 – 1883 ) م كأعظم مفكر واقتصادي وفيلسوف وعالم اجتماع ألماني في القرن العشرين على منهج دايالكتيك هيجل ومادية الفيلسوف الألماني الملحد لودفينك فيورباخ ( 1804 – 1872 ) م الذي عاصر هيجل في استكماله لأركان النظرية الماركسية الثلاثة في دراسة تطور التاريخ الاجتماعي ودراسة تطور الطبيعة بصياغته لثنائيته الرائعة ألا وهما " المادية التاريخية والمادية الديالكتيكية " الى جانب الركن الثالث ألا وهو الأقتصاد السياسي . ولغرض التدرج في الوصول الى لب الموضوع المطروح الذي نحن بصدده بعنوان مقالنا هذا ، لا بد لنا من التعرف على فكر هيجل في القانون وعلاقته الجدلية بمؤسسة الدولة لكي نتمكن من معرفة العلاقة الجدلية بين القوة والقانون في إدارة الدولة في الحياة الاجتماعية الانسانية حصراً ، وبعكسه سوف يبقى الأمر مجرد الدوران في حلقة مفرغة .
عند هيجل ومنهجه الديالكتيكي يعتبر أن القانون هو أساس الدولة وعقلها الموجه ، وعليه كُثرت الأتهامات الموجه له من خصومه من المفكرين والفلاسفة في عصره وحتى من بعده من الديمقراطيين والليبراليين بأنه فيلسوف مروج للفلسفة التوتاليتارية أو الشمولية على حساب الديمقراطية والليبرالية ، الى درجة جَرتْ محاولات للربط بين فلسفة هيجل وصعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا في النصف الأول من القرن العشرين . ولكن في الحقيقة والواقع وكما أثبتتْ وتثبتْ الأحداث والوقائع التاريخية لحياة المجتمعات الانسانية عبر مختلف الحقبات التاريخية وفي كافة بقاء العالم أن القانون هو التعبير الحقيقي عن إرادة الفرد وحريته وضميره لتحقيق إنسانية الانسان لمنعها من التلوث ، ومن دون القانون لا يمكن للحياة الانسانية أن تستقر وتستمر كما ينبغي أن تكون ، وأنه الحامي الأمين الأول والآخير لتلك الارادة والحرية من عبث العابثين ، ومنعهم من انتهاكها والتجاوز عليها وبالتالي التجاوز على الحقوق الانسانية للمجتمعات ، وذلك بوصف القانون أساساً مادياً وركناً حيوياً محورياً للدولة وسلطتها وسيادتها وهيبتها ، فالقانون ليس آلية خارجاً عن كيان الدولة ذاتها ، بل إن القانون هو الأرادة الحرة الحقيقية للفرد أختارها بكامل إرادته لكي تعبر عنه وتحقق له أكبر قدر من الأستقلالية والحرية الفردية المنضبطة الغير منفلتة .
لقد استخدمت بالفعل فلسفة هيجل ومنهجه الديالكتيكي ( الجدل ) بشكل مشوه ومحرف في تدعيم ومساندة وترسيخ بعض المفاهيم والأفكار الشمولية عن الدولة على يد بعض المفكرين والمنظرين في شؤون صياغة فلسفة الدولة الديكتاتورية الشمولية . حيث ذهب هيجل في وصفه للدولة الى حد إعتبارها أنها إكتمال لمسيرة الأله على الأرض ، أي كما تم تفسير هذا البعد في وصف هيجل وروج له بأن سلطة الحاكم في الأرض مستمدة من سلطة الله في السماء ، والى أن الدولة هي قوة العقل المحقق لذاته ، وأن واجب الفرد الأسمى هنا هو أن يكون عضًواً في الدولة ، تترتب عليه واجبات تجاهها ، وله حقوق مستحقة عليها .
بعد هذه المقدمة التاريخية المتواضعة عن فلسفة هيجل ومنهجه الديالكتيكي في نشوء وتطور وتفسير الأحداث التاريخية الاجتماعية نتمكن من الدخول في توضيح العلاقة الجدلية بين " القوة والقانون " في اطار مفهوم فلسفة الدولة في الحكم لحماية أمن المواطن الفرد والمجتمع والممتلكات العامة للدولة من عبث العابثين والمجرمين والمتجاوزين من عصابات الجريمة المنظمة وسُراق المال العام من الذين عاثوا في الأرض فساداً .
القانون هو بمثابة المعيار المحدد اجتماعياً وأخلاقياً مقراً من الجميع تعود إليه الدولة لتقييم أفعال الأفراد في المجتمع الوطني بين أن تكون أفعال خيّرة تعود بالفائدة للمجتمع يستوجب تكريم فاعليها ، وبين أن تكون أفعال شريرة تعود بالضرر البَيّن للمجتمع يستوجب معاقبة فاعليها . هذا هو مدلول ومعنى القانون كمعيار للتقييم وللتمييز بين الخير والشر في أفعال أفراد المجتمع لحماية الفرد والمجتمع ومصالحهما ، للوصول في نهاية المطاف الى حالة شعور الأفراد بالأمن والأمان والأستقرار والهدوء النفسي وأن القانون هو حاميهم وحارسهم الأمين من أي مكروه يصيبهم في حياتهم .
على خلفية هذه الحالة المفترضة والمطلوبة لأن تكون عليها حياة المجتمعات الانسانية المستقرة أمنياً ومعاشياً وثقافياً ، يستوجب حضور القانون في الساحة بقوة لفرض إرادته وسلطته وسطوته واحترامه على أفراد المجتمع بكل طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية . من هنا تبرز أهمية وجود القوة الى جانب القانون لفرض سلطته وإرادته لكي يتمكن من تحقيق أهدافه الانسانية المرجوة منه ، وعليه ولكل هذه المسوغات يكون عنصر القوة هنا عنصر خير وأداة نبيلة تسعى الى تحقيق الخير والأمن والأمان للمجتمع كله كغاية نبيلة ، وليس عنصر شر يستهدف منه الى قمع وكبح ومصادرة الأرادات والحريات كما قد يتصور البعض من المبالغين بالحريات الفردية المبتذلة والمنفلتة التي تضر بمصالح وحريات الآخرين من أفراد المجتمع . إنه من غير المحبذ بل من غير المقبول عقلياً بل وليس حتى أخلاقياً أن يأتي توسيع إطلاق الحريات المبتذلة للفرد على حساب تقليص والأضرا بالحريات العامة للمجتمع . لذلك يستوجب على الدولة ومؤسساتها القانونية والتربوية أن تعمل على إحداث حالة من التوازن  بين هذا وذاك في المجتمع وفق مبدء " الكل أحرار أمام القانون لنيل وممارسة حقوقهم وحرياتهم الطبيعية ، والكل في ذات الوقت ملزم باحترامه لحماية حقوق وحريات الآخرين " . في حالة سيادة هذه الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع وبين القائمين على تطبيق القانون معاً ، المتآتية من نمو وتطور مستوى الوعي الثقافي بكل أشكاله لدى الفرد ، وشعوره بالمسؤولية تجاه الآخرين وتجاه كيفية التعامل مع القانون بشكل مسؤول ، يكون القانون في هذه الحالة قد تحول الى قوة مجتمعية كبيرة إن صح التعبير ، وعندها تنتفي الحاجة الى وجود سلطة البوليس أو أي شكل آخر لها من أشكال أدوات الدولة .
 القانون لا يمكن أن يصبح واقعاً معاشاً على الأرض وموضع احترام أفراد المجتمع بكل طبقاته من دون وجود قوة تسنده وتدعمه وتفرض سيطرته وسطوته وسلطته واحترامه على المجتمع وتتحكم بسلوكيات الأفراد لكي يكون مفيداً ، أي بمعنى أن القانون لا يمكن له أن يعيش إلا بمعية القوة ، وهو والقوة توأمان يرتبطان بعلاقة عضوية جدلية تكاملية لا ينفصمان ولا يمكن لأحدهما أن يعيش وينتج خيراً للمجتمع أو يقلع منه جذور الشر من دون وجود الآخر بمعيته ، لأن القوة بكل أشكالها هي جوهر القانون وأداته لتحقيق العدالة والمساواة والأمن والأمان والأستقرار في المجتمع ومن دونها يولد القانون ميتاً
. ومفهوم القوة وطبيعتها على أشكال تختلف من مجتمع الى آخر ومن مكان الى آخر ، فهناك قوة إيجابية بيضاء مسالمة نابعة من نمو وتطور مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي بكل أشكاله لدى الفرد والمجتمع ، ونمو وتطور الشعور بالمسؤولية لدى الفرد تجاه الآخرين وتجاه الممتلكات العامة للدولة باعتبارها ملك عام حمايتها وصيانتها من العبث والجريمة من مسؤولية الجميع ، في ظل هذه الحالة يتحول القانون الى سلطة الفرد بذاته يمارسها على ذاته أولاً قبل غيره بحرص شديد ، وهنا وفي ظل هذا النمط من القوة تنتفي الحاجة الى اللجوء الى استعمال القوة القاهرة بكل أشكالها لتطبيق القانون . هذه الحالة الراقية لتطبيق القانون تمثل نموذج للقوة الايجابية البيضاء في المجتمعات المتقدمة والمتطورة الراقية في عالم اليوم . أما في حالة غياب هذه القوة الأيجابية البيضاء فليس أمام الدولة وسلطاتها المختصة من خيار آخر لتطبيق القانون كما ينبغي لحماية المواطن الفرد والمجتمع والممتلكات العامة للدولة والتصدي للجريمة بكل أشكالها إلا باللجوء الى القوة القاهرة بحسب مستويات الأفعال المرتكبة من قبل العابثين والمتجاوزين على القانون بحق المجتمع والممتلكات العامة للدولة لوضع الأمور في نصابها الصحيح ، وهذه الحالة من استعمال للقوة القاهرة في تطبيق القانون تمثل تعامل القانون مع المجتمع في المجتمعات المتخلفة للغاية حتى بطبيعة تجاوزاتها القبيحة الهمجية والمبتذلة مع الممتلكات العامة للدولة حيث لا يعير الفرد فيهاأية أهمية للقانون وحقوق الآخرين وحقوق الدولة ، ولا يقيم لها أي وزن واعتبار ولا يوليها أي احترام يذكر كأننا نعيش قي ظل شريعة الغابة " حارة كلمن إيدو ألو " ، والعراق نموذجاً للحالة المزرية هذه حيث المواطن يعبث بكل حق من حقوق الآخرين ، ويسيء على ممتلكات الدولة بوقاحة متناهية لا مثيل لها في أي بلد من بلدان العالم حتى المتخلفة منها التي كنا نتقدم عليها بعقود من الزمن قبل سقوط النظام السابق . بحكم هذه الممارسات الشاذة والمنكرة من التجاوزات على حُرمة القانون العام وهيبته تحولت ارصفة الشوارع ونصف الشوارع نفسها الى بسطات ومطاعم ومحلات لعرض ما لدى الباعة المتجولين واصحاب المحلات التجارية والمطاعم وباعة الخضراوات والفواكه والملابس ومشاوي السمك المسكوف وغيرها من االنشاطات المنافية للذوق العام ، إنها في الحقيقة حالة يرثي لها وتثير الأستغراب والأشمئزاز في النفس تُبكي الأعمى والأطرش وتُضحك الأعداء على ذقون المسؤولين العاجزين عن التصدي لهذه التجاوزات  . بغداد الجميلة وشوارعها وأزقتها تحولت الى مكبات ومزابل للنفايات تصول وتجول فيها الحيونات السائبة مشاركة مع فقراء وبؤساء الشعب بحثاً عن فتات الطعام لتسُد بها رمقها وربما لا يجدوه فيها ، هذه الحالة المزرية والمعيبة يتحمل مسؤوليتها بالكامل المواطن قبل الدولة لأنها من صنعه ونتيجة سلوكه غير المسؤول تجاه نفسه أولاً وتجاه الدولة والوطن ثانياً ، إنه سلوك منحرف للمواظن لا يشعر بالمسؤولية تجاه الاخرين ، وهو سلوك مواطن أناني عبثي ثرثار وناقم من دون أن يعي نتائج أفعاله المشينة التي تخلق هذا الواقع القبيح لمدنه وشوارعها في ظل شبه الغياب التام لمؤسسات الدولة الخدمية ودورها الرقابي للتصدي لهكذا تجاوزات  ومحاسبة القائمين بها . ربما قائل يقول بأن هذا السلوك هو وليد الحاجة والعوز بسبب الظروف التي يمر بها العراق ، ونحن نقول كلا إنه ليس كذلك في أغلبه ، بل هي طبيعة تَطبع بها المواطن العراقي يلتجأ إليها عندما تضعف الدولة وتغيب قوة القانون وسطوته في العقاب الصارم ،  لأن صاحب المطعم والمحلات التجارية الكبيرة المملوءة بالبضائع المنزلية المستوردة المختلفة المناشئ والماركات التجارية ، وتجار المواد الأحتياطية للسيارات والمكائن والمعدات الثقيلة وغيرهم الكثيرين ليسوا تحت تأثير الحاجة والعوز والفقر وفقدان لقمة العيش  ليقوموا بالأستلاء على أرصفة الشوارع ونصف الشوارع أمام محلاتهم لعرض بضائعم ، بل هي طبيعتهم العبثية وميلهم الفطري الموروث للنزوع الى التجاوز على ما لا يمتلكونه وليس من حقهم في ظل غياب القوة التي تكبح عبثيتهم وهمجيتهم اللامحدودة . لماذا لم يتصرفوا كذلك في زمن النظام السابق ؟؟ نقول إنهم لم يفعلوا ذلك لأن العقاب المقابل من الدولة كان حاضراً وقاسياً وصارماً لذلك تجنبوا هذا السلوك المشين غير المسؤول خوفاً من قوة القانون ، لذلك كانت الأرصفة والشوارع بعيدة عن متناول التجاوزات الشاذة وكانت دائماً نظيفة من بقايا مخلفات بضائعهم . أما من جانب الدولة فإن الموازنات العامة للعراق ذات الأرقام الفلكية التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات الخضراء تجاوز مجموعها خلال السنوات الماضية التريليون دولار ( ألف مليار دولار ) كما صرح به نائب رئيس مجلس الوزراء الحالي الأستاذ بهاء الأعرجي للفضائية البغدادية في برنامج ستوديو - 9 الذي يقدمه الأستاذ أنور الحمداني ، ولكن بالمقابل لا نجد أن أمانة بغداد والدوائر البلدية في المحافظات قد قامت بتبليط حتى شارع واحد أو إنجاز أي مشروع حيوي خدمي ، وحالة الكهرباء والتربية والتعليم والصحة والمجاري والأتصالات والنقل وغيرها تسير من السيء الى الأسوء يوم بعد آخر ، والمليارات من الدولارات تذهب أدراج الرياح !!! والحرب دائرة على مدار الساعة والشهداء من ولد الخايبة بالعشرات يومياً والخطف والقتل على الهوية فحدث ولا حرج ، إنها حالة تعايش وتصارع المتناقضات في بلد العجائب والغرائب ، بلد قصة ألف ليلة وليلة العراق المغتصب !! الذي بات لا نعرف من أين نبدأ وأين ننتهي بذكر مصائبه ومعاناته وأزماته لينام شعبه قرير العينين وليقولوا حكامه البلهاء " لقد أدرك شهرزاد الصباح فسكتتْ عن الكلام المباح " . بعد هذا العرض لتصحيح مسارات الحياة الأجتماعية في مختلف المجتمعات نستنتج أن القوة والقانون هما في علاقة عضوية جدلية تكاملية دائمة ، لا يمكن لأحدهُما أن يتواجد ويكون مؤثراً لوضع الأمور في نصابها الصحيح إلا بوجود الآخر معه وتوئماً له ... القانون من دون وجود قوة داعمة له لا جدوى من وجوده ، وعليه نحن نقول كان الفيلسوف والمفكر الألماني فريدريك هيجل مصيباً في قوله حين قال أن " القوة هي القانون " .

 خوشــابا ســـولاقا   
بغداد – 13 / أيار / 2015

125
ما هو  خيار السياسيين العراقيين الأفضل بعد قرار الكونكريس ... تقسيم العراق أم تغيير السياسات ؟؟
خوشابا سولاقا
بعد إثنتي عشر عاماً من الآلام والمعاناة والكوارث والأزمات المفتعلة من سقوط  نظام  البعث الصدامي والعراقيين في حالة حرب أهلية غير معلنة مع بعضهم البعض ، وقدموا خلالها مئات الآلاف من الضحايا الأبرياء من فلذات أكبادهم على مذبح الطائفية السياسية والعرقية الشوفينية المقيتة من دون أن يذوقوا يوماً طعماً للراحة والأمن والأمان والحرية وراحة البال والنوم بهدوء النفس والقلب ، وكل مواطن قد دفن له عزيزاً أو قريباً وعج العراق بمئات الثكالى من الأمهات ومثلهُن من الزوجات الأرامل وأضعافهُن من العوانس من الشقيقات وملايين اليتامى من الأطفال من دون معيل يعيلهم ، والنشامى من السياسيين الطائفيين والقوميين الشوفينيين وأفراد أسرهم وأقربائهم حتى الدرجة العاشرة !!! يسرحون ويمرحون متنقلين بين العراق ودول العالم يبذخون ويسرفون بلا حساب ومن دون وجع قلب ومن دون خجل ولا وجل ومن دون خوف من مساءلة القانون لأنهم ولدهم الله ليعيشوا فوق القانون على ملذاتهم وشهواتهم الحيوانية من السحت الحرام الذي نهبوه وسرقوه في وضح النهار وليس في عِتمة الليل كما قد يعتقد بعض السُذج من الناس من أموال الشعب المغلوب على أمره  ، والذي سَلَّم أمره لله مرغماً بانتظار الفرج الذي قد يأتيه من السماء بعد أن سئم من أبناء جلدته على الأرض !!! . كل ذلك كان وما زال يجري تحت يافطة الدفاع عن المذهب والطائفة والقومية من شر أخواتها من الطوائف والقوميات الأخرى ومن شَرّ العدو الأجنبي الكافر الطامع بخيراتنا وثرواتنا النفطية الى آخره من سلسلة هذه الشعوذات والتخرسات القبيحة والمنفاقة والرياء السياسي المفضوح الذي يتاجرون به في سوق النخاسة . 
هؤلاء النخب من السياسيين الذين ولَدتّهُم الصدفة وأبتلى بهم العراق أرضاً وشعباً ، قد حولوا العراق بعد الأحتلال الأجنبي لأرضه الطاهرة الى غابة موحشة يسكنها الوحوش الكاسرة الذين لا يحكمهم قانون ولا شريعة إلا شريعة غريزة الأفتراس ، وكأنهم خلقوا ليفترسوا بعضهم البعض ، كل نوع منهم يفترس النوع الأضعف منه من دون رحمة ولا شفقة ، هكذا سادت شريعة الغابة وقانونها الطبيعي في العراق بعد 2003 ، حيث القوي فيه يفترس الضعيف من أجل البقاء ، وأن يعيش هو من دون سواه .
بعد سقوط النظام السابق واحتلال أمريكا وحلفائها الغربيين والشرقيين والعراقيين للعراق سقطت الدولة العراقية ومؤسساتها الشكلية وانهارت انهياراً مريباً ، وأبيدت عن بكرة أبيها ، وحُلتْ مؤسساتها العسكرية والأمنية عن آخرها وحل محلها سلطة الميليشيات الحزبية الطائفية في وسط وجنوب العراق ، وبذلك سادت الفوضى والقتل والنحر البشري على الهوية فيها وتصاعدت وتائر موجات الهجرة والتهجير القسري والنزوح الجماعي من هذه المناطق الى أقليم كوردستان ودول الجوار بحثاً عن الأمن والأمان ولقمة العيش وملجأ يأويهم ويقيهم من حرارة الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارص ، والحكومات التي توالت على سُدة الحكم عاجزة عن القيام بأي فعل يردع هؤلاء الأرهابيين المجرمين والعابثين  بمقدرات وأمن العراق لأنها كانت في حقيقتها حكومات الفشل والفساد بأمتياز ، وحامية للجريمة بكل أشكالها . هكذا عاشت هذه المحافظات من العراق في الحقيقة من دون دولة قادرة على فرض إرادتها وسلطة القانون على سلطة الميليشيات الطائفية والتنظيمات الأرهابية التكفيرية العابثة بالوطن والشعب .
أما في أقليم كوردستان بقية سلطة حكومة الأحزاب القومية الكوردية ومشاركيها من المكونات القومية الأخرى التي تأسست في ظل حماية التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مهيمنة ومسيطرة على الوضع ، مما مكنها من المحافظة على الأمن والأمان والأستقرار لمواطني الأقليم والنازحين إليه ، وأصبح الأقليم في منأى من نشاطات المنظمات الأرهابية التكفيرية باستثناء حالات فردية حصلت هنا وهناك بين حينٍ وآخر ، ولذلك بات ارض الأقليم موطناً آمناً لرجال الأعمال والكفاءات العلمية وللنازحين والمهجرين العراقيين من المحافظات العراقية الأخرى التي طالتها نشاطات التنظيمات الأرهابية بكل تلاوينها المذهبية الطائفية ، وعمليات تنظيمات الجريمة المنظة التي تعشعشت في العراق في ظل شبه الغياب التام لسلطة دولة القانون القوية ، وتفشي الفساد المالي في الأجهزة الأمنية والبوليسية والعسكرية الهشة والهزيلة ، حيث أصبح استخدام المال في خرق هذه الأجهزة شائعاً لأنقاذ رقاب المجرمين من حبل المشنقة ، هكذا أسدل الستار على آخر فصول مسرحية وجود دولة القانون القوية الرادعة للجريمة بكل أشكالها في العراق .
في زمن حكومتي السيد نوري المالكي عهد تصنيع الأزمات الكارثية ، أي حكومات  أزمة تولد أزمة أكبر منها ، أشبه ما تكون بسلسلة الأنفجارات المتوالية التي يمر بها الأنفجار النووي قبل الأنفجار النهائي الذي تحل  بانفجاره الكارثة الجهنمية ، حيث كان الانفجار  الكارثي النهائي لسنوات حكم السيد نوري كامل المالكي الطائفي إحتلال " تنظيم دولة الخلافة الأسلاموية – داعش " لأكثر من ثلث مساحة العراق في ستة محافظات خلال أيام معدودة ، وباتت  جحافل  داعش الأرهابية على أبواب أسوار بغداد العاصمة الأتحادية وعلى أبوب أسوار أربيل عاصمة أقليم كوردستان ، وكانت الكارثة الكبرى على وشك الوقوع رؤوس العراقيين لولا تدخل طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والتدخل الايراني المباشر الذي منع سقوط العاصمتين بغداد وأربيل بيد داعش الأرهابية .
حيث باحتلال داعش لهذه المساحات من أرض العراق دخل العراق مرحلة جديدة من حياته ودخل شعبه مرحلة معاناة أليمة ومحزنة وتشرد أكثر من ثلاثة ملايين من مواطنيه في الداخل والخارج يفتك بهم المرض والعوز والفاقة ، وفوق هذا وذاك المسببون لكل هذه المصائب والكوارث أحرار طلقاء  يعيشون حياتهم الطبيعية بعيدين عن أية محاسبة قانونية بسبب غياب الدولة وسلطة القانون ، وكأن الأمر لا يعنيهم بشيء لا من قريب ولا من بعيد .
هذا كان حصاد حكومات الفشل والهزيمة النكراء للسيد نوري المالكي والمتعاونين معه خلال السنوات الثمانية الأخيرة الذي أعتمد سياسة الفصل الطائفي بين الشيعة والسنة من جهة ، وسياسة تصعيد التعصب القومي الشوفيني مع حكومة الأقليم لنشر الحقد والكراهية والبغضاء بين العرب والكورد والمكونات القومية الأخرى المتعايشين  في العراق منذ زمنٍ طويل لدق إسفين الفرقة القومية بينهم من جهة ثانية .
كانت النتيجة الطبيعية لهكذا سياسات مؤسسة على الفصل العنصري قومياً ودينياً وطائفياً ، واعتماد مبدأ فرق تَسُدْ في التعامل مع الآخرين كانت بداية تقسيم الشعب والمجتمع العراقي الى مكونات طائفية وقومية وعرقية غير متآخية ومتعايشة عملياً الى درجة بات يصعب على العراقيين التنقل بين مناطق ومحافظات العراق الديموغرافية بسهولة وبحرية إلا بعد إجراءات معينة مماثلة لتلك التي تتبع في التنقل بين الدول المتجاورة ، وبات من غير الممكن لها في ظل هذه التركة الثقيلة من التراكمات الممزقة لوحدة الصف الوطني والنسيج الاجتماعي من أن تثق ببعضها البعض لتعيش معاً بسلام وأمان ، والكل كما يقال " خنجره بحزامه " وجاهز لساعة الصفر لانطلاق الجهاد المذهبي والقومي والديني المقدس ضد بعضها البعض لتصفية حسابات وخلافات تاريخية مزمنة أكل عليها الهر وشَرِبْ !!! . في ظل هذا الواقع المريض وطنياً بات من شبه المستحيل أن تعود المكونات العراقية للتعايش مع بعضها بهدوء وسلام وأمان تحكمهم وحدة الوطن وروابط الأخوة الوطنية مرة أخرى كما كانوا في الماضي القريب . 
إن السياسات الطائفية والعرقية التي اتبعت خلال السنوات الثمانية الماضية تحديداً من قبل الحكومة ، وردود الأفعال المقابلة من الأطراف الأخرى كرست عملياً التقسيم الديموغرافي للمجتمع العراقي بقوة وأصبح واقعاً ملموساً على أرض الواقع لا مناص منه من دون أن يتم الأعلان عنه رسمياً ، وجاءت الحرب ضد إرهاب داعش لتحرير الأرض المغتصبة ، واختلاف وتباين سياقات وإجراءات تسليح الفصائل المتطوعة المختلفة بين محافظة وأخرى لمقاتلة داعش خير دليلاً وبرهاناً قاطعاً على هذا التكريس ، وكذلك جاء عدم إيفاء حكومة الدكتور حيدر العبادي لحد الآن بتنفيذ ما ورد في بنود البيان الرسمي لتشكيل الحكومة ، مثل التسويف في تأخير ومماطلة تشريع قانون تشكيل الحرس الوطني وقانون العفو العام عن المعتقلين الأبرياء ، وإعادة النظر بقانون المساءلة والعدالة وتحويل هذا الملف الى القضاء وغيرها من القوانين المهمة التي لها مساس ببناء دولة المؤسسات الدستورية بسبب الخلافات السياسية المفتعلة بين الكتل البرلمانية ، وهشاشة وضعف القوات العسكرية والأمنية في الحرب ضد الأرهاب الداعشي وعدم قدرتها على مسك الأرض التي يتم تحريرها ، وهيمنة قيادة ما يسمى بالحشد الشعبي على القرار العسكري والأمني والتداعيات التي ترتبت على ذلك في اتخاذ القرارات الحربية ، والدور الأيراني وتدخله السافر والمباشر في الشأن العراقي ، ومواقف بعض الفصائل المسلحة الشيعية الموالية لأيران والمنادية علناً بمقاومة سياسات الولايات المتحدة في العراق بشكل عام ومواقفها من الحرب ضد داعش ، والدعوات لوضع الفصائل الميليشياوية تحت أمرة القيادة العامة للقوات المسلة وغيرها من الأمور الكثيرة المتعلقة باشأن العسكري والسياسي ، كل هذه المعطيات غيرت من قناعات الولايات المتحدة الأمريكية وتوجهاتها ومواقفها اتجاه دعم الحكومة العراقية في تدريب وتسليح قواته العسكرية والأمنية في ظل هذا الواقع الذي لا يلائم استراتيجيتها في محاربة داعش . علية تحركت الولايات المتحدة الأمريكية على محور آخر مهم للغاية  والذي التحرك عليه يقض مضاجع بعض قيادات المكون الشيعي وإيران ، ألا وهو محور تسليح البيشمركة الكوردية والحرس الوطني للعرب السُنة الذي يتم التهيئة لتشكيله في المحافظات السُنية لغرض رفع مستوى الأداء القتالي لهذه التشكيلات لجعلها رأس الرمح في حرب التحرير القادمة ضد تنظيم الدولة – داعش ، وكما يعرف الجميع أن الولايات المتحدة قد خصصت لهذا المشروع مبلغاً كبيراً مقداره 715 مليون دولار ، واشترطت على حكومة الدكتور حيدر العبادي تغيير الكثير من السياسات التي كانت سائدة في زمن سلفه والتي أدت الى نفور الكورد والمكون العربي السني واتخذت على ضوء ذلك مواقف تتسم بالتتشدد تجاه حكومة المالكي ، ورفعت من سقف مطاليبها في المفاوضات مع الحكومة ، وأخذت الولايات المتحدة تضغط على الحكومة الحالية من خلال هذه الورقة ، ورقة تزويد القوات الكوردية والسُنية بالسلاح النوعي بشكل مباشر من دون المرور بالحكومة الاتحادية في بغداد إذا لم تنفذ شروطها الآنفة الذكر ، وبذلك وضعت الولايات المتحدة الحكومة العراقية في موقف صعب لا تحسد عليه وحصرتها في زاوية حرجة لأن تختار بين ما هو مُرْ وما هو أمرْ ، أي بين ما يشكل بداية الشروع بتقسيم العراق طوبوغرافياً وديموغرافياً وتفككه الى دويلات هشة هزيلة وضعيفة كخيار لا يحمد عقباه ، وبين أن تختار إعادة النظر بسياساتها الطائفية وتقييمها وفق معيار وطني عراقي يراعي التوازن المكوناتي في صنع القرار العراقي وتغييرها من الأساس بالغاء نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والأنتقال الى نظام الدولة المدنية الديمقراطية دولة المؤسسات الدستورية والقانونية لبناء دولة المساواة والعدالة وتكافوء الفرص بين مكونات المجتمع العراقي بالتوازن مقابل المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً . نحن شخصياً كمواطن عراقي نؤيد وندعم الخيار الثاني بقوة لأنه يقود العراق الى برّ الأمان في بناء مجتمع العدل والمساواة وتكافوء الفرص بين المواطنين ، ويفوت الفرصة أمام الولايات المتحدة الأمريكية لتمرير مشروع تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات على أساس عِرقي وطائفي ، وبذلك يكون هذا الخيار هو الخيار الأفضل للعراقيين وطنياً ، بينما الخيار الأول أي التقسيم سوف يقود العراق الى جحيم الحرب الأهلية المدمرة التي لا نعرف مداها وستروي ترابه بدماء الملايين من أبنائه النجباء ، وعليه ندعو حكومة الدكتور حيدر العبادي وكل العقلاء من أصحاب الرأي السديد والحكمة ممن لهم دور في صنع القرار السياسي العراقي الى تبني الخيار الثاني ورفض الخيار الأول ، لأن في الخيار الثاني خيراً للعراق وشعبه بكل مكوناته القومية والطائفية والدينية ويكون الجميع رابحون ، بينما في الذهاب الى الخيار الأول يأتي بالشر للعراق وشعبه ويكون الجميع خاسرين لا يفيدهم الندم بعد فوات الآوان .

خوشــابا ســولاقا
بغداد في 8 / أيار / 2015 

126
قراءات تحليلية في الخارطة السياسية العراقية
خوشابا سولاقا
إن المرحلة التي يمر بها العراق اليوم لهي مرحلة في غاية من التعقيد والصعوبة وتعاني الكثير من التحديات المصيرية  داخلياً وخارجياً ، حيث فيها فقدت القيادة العراقية بسلطاتها الثلاثة بوصلة توجيه الأمور في الأتجاه الصحيح بسبب التناقضات والصراعات والولاءات لأجندات خارجية مفروضة عليها فرضاً على حساب الأجندات الوطنية ، ومع الأسف الشديد أن الرؤية الوطنية للنخب السياسية لواقع حال العراق شبه غائبة بالشكل الذي من المفروض أن تكون عليه بحسب ما تعكسه الأحداث والنتائج على أرض الواقع .
لغرض تحليل هذا الواقع وتحديد الأصطفافات السياسية الظاهرة على الخارطة السياسية العراقية اليوم والتي أفرزتها نتائج سياسة المحاصصة الطائفية السياسية والعرقية خلال السنوات الماضية من بعد سقوط نظام صدام حسين الشمولي الديكتاتوري ، وعمق الأحتلال الداعشي لأكثر من ثلث مساحة العراق من تلك التناقضات والصراعات والولاءات لأجندات خارجية وأقليمة بين المكونات الطائفية والقومية العراقية ، بحيث وصلت الأمور الى درجة من التعقيد والصعوبة لا يجد بعض المعنيين بالشأن السياسي العراقي من بعدها أية إمكانية للعودة الى إبقاء العراق موحداً أرضاً وشعباً ، وبات الوضع الديموغرافي يهدد بتقسيم العراق الى ثلاثة دويلات ، دويلة كوردستانية في شمال العراق كما يريدها ساسة الكورد جغرافياً ، ودويلة سنية كما يريدونها العرب السُنة جغرافياً في غرب وشمال غرب وشرق ووسط العراق ، ودويلة ثالثة شيعية كما يريدونها العرب الشيعة جغرافياً في وسط وجنوب وشرق العراق . هذا المشروع يدعو الجميع نفاقاً ورياءً الى رفضه ولكن الجميع يؤيدونه ويسعون إليه كما تبرهن أعمالهم على أرض الواقع والأختلاف الوحيد بينهم هو على المناطق الجغرافية التي يطمح بها كل طرف من الأطراف الثلاثة ،  إلا أن المتحكم الحقيقي  بالأمور والقرار النهائي هي الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعد تنسيق المواقف حول ضمان مصالح  كل منهما في العراق وعلى رأسها المصالح النفطية .
إن كل هذه االأحداث الغير المستقرة في العراق والغير المتبلورة في سياسات الكتل السياسية المكوناتية المهيمنة على مؤسسات الحكم في العراق جعلت تلك الكتل نفسها تعاني الكثير من الصراعات الداخلية على مستوى الكتلة الواحدة وعلى مستوى الكتل فيما بينها ، مما خلق جواً سياسياً ضبابياً غير واضح المعالم وأعطى فسحة أكبر للتدخل الأجنبي في الشؤون العراقية ودفع الأمور في الأتجاه الذي تخدم مصالح تلك الدول . نأتي على واقع كل كتلة ونحلله بدقة لكي نتعرف على ما فيه من أوراق اللعب والمراهنات على مستوى الكتلة الواحدة من جهة وعلى المستوى الوطني من جهة ثانية وكما يلي :-
أولاً : كتلة التحالف الكوردستاني بكل مكوناتها وفصائلها السياسية المختلفة في أفكارها وأيديولوجياتها ، إن أول ما نلاحظه من الملامح على هذه الكتلة هو عدم الأنسجام والتوافق على طريقة الحكم في الأقليم وتوزيع السلطات بين مكوناته في الأقليم ، مما يهدد بصراعات وانفجارات سياسية حامية تعود بهذه الفصائل الى عصر الأقتتال " كوردي – كوردي " على مستوى الأقليم ، وهذه الملامح باتت واضحة وجلية للعيان من يوم الى آخر كلما أقترب موعد انتخاب رئيس الأقليم الجديد . وهناك شيء من الوحدة والانسجام والتوافق بين هذه الفصائل بشأن سقف المطالب القومية الكوردية على حساب المصالح الوطنية العراقية في حواراتها ومفاوضاتها مع الحكومة الأتحادية . أما بشأن التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية فإن الأخوة الكورد على اتفاق ووفاق كامل مع كل ما تريده وتقترحه الولايات المتحدة الأمريكية بشأن العراق وبشأنهم لا أعتراض لديها عليه ، لأن مصالحها القومية التي تأخذ موقع الأولوية في سياساتها الأقليمية والوطنية والدولية تقتضي ذلك ، وكذلك تفعل الشيء ذاته في سياساتها مع الجارتين تركيا وايران حيث أن حجم التبادل التجاري بينها بالمليارات من الدولارات سنوياً ، والولايات المتحدة بدورها تزكي سياسة أقليم كوردستان تجاه الدولتين الجارتين طالما لا يضر ذلك بمصالحها الأستراتيجية الحيوية في المنطقة ، لأن الولايات المتحدة الأمريكية تجد في كتلة التحالف الكوردستاني هي الفصيل السياسي الأكثر نضجاً وتأهيلاً وتعقلاً وتفهماً لسياساتها في العراق والمنطقة من الكتل العراقية الأخرى التي تقضمها وتسحقها الخلافات الطائفية المقيتة .
ثانياً : كتلة مكون العرب السنة المتمثلة بكتلة اتحاد القوى العراقية والوطنية ، وهذه الكتلة البرلمانية تضم تحت جناحيها كل الفصائل السنية المعتدلة والمؤمنة بالمشاركة في العملية السياسية الجارية في العراق منذ سقوط نظام البعث ، والمتحالفة مع الكتلة الوطنية بزعامة الدكتور أياد علاوي التي لا تتسم بأي توجهات طائفية ، بل هي كتلة ذات توجهات وطنية علمانية ديمقراطية وتؤمن بإقامة دولة مدنية ديمقراطية مؤسساتية  يكون فيها الولاء للوطن دون سواه والسلطة للقانون . إن الكتلة التي تدعي تمثيل المكون السني غير قادرة على استقطاب العرب السنة بكل فصائلهم السياسية حولها بسبب ضعف الأنسجام الداخلي بين فصائلها مما عزف الكثير من العرب السنة عن الأصطفاف حولها ودفع بالبعض منهم الى التحالف مع قوى داعش الأرهابية ، وبقي القسم الأكبر من عرب السنة على الحياد بين هذه الكتلة وداعش ، وكان من نتائج سياسة حكومة السيد نوري المالكي الطائفية المدمرة للعراق خلال السنوات الثمانية الماضية تهميش وإقصاء العرب السنة من المشاركة الحقيقية الفعلية في صنع القرار السياسي للعراق ، هذه السياسة الغير الوطنية لحكومة السيد المالكي دفعتهم الى التعاون ثم الأرتماء في أحضان داعش الأرهابية على قاعدة " عدو عدوي صديقي " ، وكانت نتائج هذه السياسة غير الموزونة قد هيئة الظروف وساعدت داعش الأرهابية على السيطرة واحتلال المناطق ذات الأغلبية  السنية في سبعة محافظات متجاورة من العراق بسهولة فائقة وفي غضون أيام وساعات وقد رافق ذلك انهيار القوات الأمنية والعسكرية للدولة في تلك المناطق بالكامل من دون قتال ، وبذلك حققت داعش مكاسب جيوسياسية كبيرة في بسط سلطتها على تلك المناطق وأمنت بذلك مصادر لموارد مالية كبيرة لتمويل عدوانها .
العرب السُنة ينقسمون الى ثلاثة مجموعات ، مجموعة معتدلة تشارك مع المكونات العراقية الأخرى في العملية السياسية الجارية في العراق ، ومجموعة أخرى من بقايا حزب البعث ومؤسساته العسكرية والأمنية ومن التيارات الأسلامية السنة المتطرفة متحالفة مع بقايا القاعدة مشكلة تنظيم الدولة الأسلامية " داعش " وهي التي تقاتل ضد الدولة العراقية ، ومجموعة ثالثة التي تشكل الأكثرية في المناطق السنية المتمثلة بقوى عشائرية وقبلية ، وبضمنها أيضاً فصائل بعثية ومن تنظيمات قومية عربية واسلامية معتدلة قاومت الأحتلال الأمريكي وهي لا تثق بالمجموعتين المذكورتين ولا تثق كذلك بالحكومة الأتحادية وتتمركز أغلب قياداتها في الأردن ودول الخليج العربي وتركيا وأقليم كوردستان . هذه المجموعة يتطلب من المجموعة الأولى والحكومة الأتحادية كسبها لجانبهماوجلبها للمشاركة في العملية السياسية من خلال تفعيل دور المصالحة الوطنية في بناء وتعزيز جسور الثقة المتبادلة بين الجانبين من خلال أعمال ملموسة على أرض الواقع وعدم الأكتفاء برفع الشعارات واطلاق المبادرات الأعلامية أي بمعنى جعجعة فارغة من دون طحين ، ومن دون كسب هذه المجموعة وجلبها الى الصف الوطني من خلال تنفيذ البرنامج السياسي الحكومي الذي أعلنه الدكتور حيدر العبادي واعتماده كقاعدة لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية لا يمكن تحرير وتطهير المناطق السنية من دنس داعش الأرهابية وطغيانها ، لأن العكس من ذلك سوف يدفع بهذه المجموعة دفعاً للتعاون مع المجموعة الثانية " تنظيم الدولة – داعش " ، وهذا ما ليس من مصلحة أي طرف من الأطراف العراقية ودول الجوار العراقي والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في العالم . أن المرحلة القادمة لعدوان داعش في ظل تعاون وتحالف هذه المجموعة معها سوف تكون مصالح وأراضي دول هذه الأطراف كلها هدفها القادم ، لذلك تقتضي مصالح الجميع العمل بكل الوسائل السياسية والعسكرية الممكنة لكسب هذه المجموعة من عرب السنة الى جانب الحكومة العراقية للمشاركة في محاربة تنظيم الدولة – داعش قبل فوات الآوان وهذا ما نتمناه .
ثالثاً : كتلة مكون العرب الشيعة المتمثلة في كتلة التحالف الوطني العراقي الذي يضم تحت جناحيه كل الفصائل العربية الشيعية وهذه الكتلة تشكل الكتلة الأكبر عدداً في البرلمان العراقي الأتحادي والذي يترأس الحكومة الحالية مشاركةً مع الكتلتين الرئيسيتين التحالف الكوردستاني واتحاد القوى العراقية والوطنية وبمشارركة رمزية لكتل المكونات القومية الأخرى . هذه الكتلة تعاني الكثير من المشاكل والخلافات والصراعات الداخلية الحادة حول تقسيم المصالح والمناصب والمنافع والأمتيازات فيما بينها ، وتعاني من عدم الأنسجام والتوافق السياسي والفكري في الرؤى حول الكثير من سياسات الدولة تجاه الشركاء في العملية السياسية وتجاه سياسات دول الجوار العربي والخليجي تحديداً وتجاه التعاون مع الجارتين تركيا وإيران وتجاه أمريكا وحليفاتها ، وهناك بعض الفصائل في هذه الكتلة تأتمر بأوامر إيران بشكل مفرط مما تضع مواقف هذه الفصائل شركائها في الكتلة ( ت . و . ع )  في موقف محرج أمام أمريكا وحلفائها العرب من دول الجوار العراقي ، إن كل هذه المعطيات باتت تشكل خطراً يهدد مصير وحدة وبقاء التحالف الوطني العراقي الشيعي الكتلة البرلمانية الأكبر في البرلمان العراقي . إن احتمال تفكك التحالف الشيعي يؤدي الى نشوء تحالفات وطنية جديدة بين الأطراف المنبثقة من تمزق الكتل الحالية مثل كتلة " شيعية – كوردية – سنية " أو كتلة " شيعية – كوردية " وأخرى " كوردية – سُنية " وأخرى " شيعية – سُنية " ، من هنا باعتقادنا تبدأ عملية تفكك وزوال نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ويحل محله النظام المتسم أكثر بالسمات الوطنية العراقية  . هذه الكتلة بالرغم من أنها تمتلك حصة الأسد في مؤسسات الدولة إلا أنها تعاني في ذات الوقت من صعوبة بسط سيطرتها وسلطة القانون على المجتمع العراقي بكل مكوناته وحماية الوطن من المخاطر الخارجية بسبب وجود تعدد لمراكز السلطة في الدولة أي بمعنى هناك دول داخل دولة ، حيث يوجد الى جانب سلطة الدولة الرسمية المركزية سلطات أقوى منها تعيقها بل تمنعها من تطبيق القانون بعدالة وانصاف على الجميع بالتساوي من دون تمييز ألا وهي سلطة الميليشيات المسلحة التي تنشر بين المواطنين الخوف والرعب والقلق  ، وإن تعدد هذه السلطات تُظهرْ الدولة بمظهر الضعف والعجز وفقدان الهيبة في نظر المواطن ، وعدم الثقة بقدرتها على تأمين المستلزمات الحياتية للمجتمع ، وإن فقدان الأمن والأمان للمواطن يفضي الى زوال الدولة وسلطة القانون عملياً ، ومن ثم تحل سيادة نظام الفوضى محلها .
عليه فإن ما تعاني منه اليوم التحالفات الرئيسية الطائفية والعِرقية في العراق من تفكك وتشضي وتمزق وخلافات واختلافات وتناقضات منهجية داخلية يبشر بقرب حلول مرحلة جديدة من العملية السياسية الجارية في العراق ، حيث ينتقل العراق بعدها من نظام المحاصصة الطائفية والعِرقية الى النظام الوطني المدني الديمقراطي ، وسوف تحل تلك المرحلة بعد الانتخابات البرلمانية القادمة أو التي تليها على أبعد تقدير  بعد القضاء على الأرهاب الداعشي الذي يسيطر الآن على مساحة كبيرة من مناطق عرب السنة .
الأستخلاصات والأستنتاجات 
على ضوء القراءات المتأنية والحاذقة على الخارطة السياسية للكتل البرلمانية للمكونات الرئيسية والتي تهيمن على قرار البلد ومقدراته ، وفي ضوء علاقات هذه الكتل بدول الجوار والقوى العالمية الكبرى التي لها حضور في صنع القرار العراقي نستخلص الأتي من الأستنتاجات : -
أولاً : من مصلحة الجميع أن يستقر الوضع السياسي في العراق من خلال القضاء على الأرهاب الداعشي بمشاركة الجميع ، وذلك لضمان حماية مصالحها الأقتصادية ، ولكن هناك اختلافات في الآليات بحسب متطلبات المصالح الأستراتيجية المستقبلية لكل الأطراف المعنية حيث كل طرف يسعى الى صياغة هذه الآليات بالشكل الذي يحصل على أكبر قطعة من الكعكة ، ولكن مع ذلك هناك توافق بحسب الأولويات على ضرورة محاربة الأرهاب بكل تلاوينه الطائفية ومنعه من التمدد الى دول الجوار .
ثانياً : هناك اختلاف بين الأطراف المعنية حول تصنيف الأعمال الأرهابية وتحديد هوية الأرهابيين مذهبياً ، ومن ثم تحديد الأولوية للفصائل المشمولة بالأرهاب للتخلص منها أولاً قبل غيرها ، حيث أن أمريكا وأوروبا والدول العربية ذات الغالبية السُنية والعرب السنة العراقيين والكورد يساوون بين إرهاب داعش وارهاب الميليشيات الشيعية الغير مسيطر عليها من قبل الدولة العراقية ، وارهاب ميليشيات النظام السوري " الشبيحة " وميليشيات حزب الله اللبناني والتي جميعها تدعمها إيران لوجستيكياً بالمال والسلاح وحتى بالأفراد من الحرس الثوري الأيراني في مواقع كثيرة في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن مستندة في تبرير دعمها على الخلفية المذهبية لهذه الميليشيات ، وهذا ما يثير حفيضة أمريكا وحلفائها والعرب السنة والكورد كذلك ، حيث أن جميع هذه الأطراف تعتبر داعش والميليشيات الطائفية المسلحة من خارج سيطرة الدولة وجهان لعملة واحدة . أما العرب الشيعة وإيران والنظام السوري فإنها تسعى على حصر الأرهاب بداعش وبالتيارات السنية المتطرفة وتغض النظر عن نشاطات الميليشيات الشيعية المسلحة من خارج إطار قانون الدولة التي تصنفها وتشرعن نشاطاتها على أنها  فصائل مقاومة وطنية ضد ارهاب القاعدة وداعش وأخواتهّنَ . في ضوء هذه الأختلافات يتعثر الدعم الأميريكي العسكري للقوات الأمنية العراقية بكل أشكاله لأن أمريكا متحفظة على دور الميليشيات من خلال ما يسمى بقوات الحشد الشعبي وعلى الدور الأيراني في العراق الذي تجاوز الخطوط الحمراء المحدد له بسبب ممارساتها التي تنم عن الطائفية .
ثالثاً : كان قرار الكونكريس الأميريكي الأخير بتخصيص 715 مليون دولار لدعم الجيش العراق وقوات البيشمركة الكوردستانية والمسلحين السُنة وفق الآليات والشروط التي حددها القرار الذي يفرض بموجبها على الحكومة العراقية تشكيل حكومة وطنية شاملة وقيامها بتلبية مطاليب الكورد والعرب السنة بالشكل الذي يشعرهم بأنهم مواطنين عراقيين متساوين في الحقوق والواجبات مع أخوانهم العرب الشيعة ، وبعكس ذلك سوف ترصد تلك المبالغ بما مجموعها ( 25% + 60 % من الـ 75 % ) المتبقي من أصل المبلغ لتسليح البيشمركة وقوات عرب السنة . هذا القرار الأميريكي يوحي بعدم الثقة بالحكومة في الايفاء بالتزامها بتنفيذ البيان السياسي الذي أعلنه الدكتور حيدر العبادي ووافقت عليه الكتل البرلمانية الأخرى والذي على أساسه تم تشكيل حكومة السيد حيدر العبادي .
إن ما يفترض أن يعرفه الجميع من كل الأطراف المعنية عراقياً وجواريا  إن صح التعبير وعربياً ودولياً إن ما ترفضه الولايات المتحدة لأغراض استراتيجية وليس لأهداف تكتيكية مرحلية سوف لا تتراجع عن رفضها قيد أنملة مهما بلغ بها الأمر ، صحيح إن الجيش الأميريكي غادر رسميا العراق منذا 2011 إلا أن أختبوط السياسة الأمريكية باقية ومتجذرة في العراق وستبقى كذلك الى أجل غير محدد ، وعليه فإن أي تصرف من قبل الحكومة العراقية أو من أي طرف عراقي كان لا يرضيها ويتقاطع مع استراتيجيتها في العراق والمنطقة سوف يكون موضع رفضها الحتمي ، هذا ما يجب أن يستوعبه الجميع بتعقل ويتعامل معه وفقاً لذلك وليس بتطرف واندفاع عاطفي ، والمراقب الذكي لأوضاع العراق منذ سقوط نظام حزب البعث حتماً  قد لاحظ أنه كلما مر العراق بأزمة أو مشكلة سياسية طائفية أو قومية أو عسكرية ميليشياوية كان الحضور الأميريكي في الساحة قوياً وحازماً ، ويفرض على جميع الأطراف اللمعنية الحلول التي كان يراها مناسبة . عليه يجب التوقف عند هذه النقطة ملياً وأن نحسب لأمريكا ألف حساب لأنها صعبة المراس في تعاملها مع الآخر لانتزاع أية مطالب من بين مغالبها القوية . إن الوطنية لا تقاس بمعايير العواطف واطلاق العنان لها لقول ما لا يجب أن يقال ، وما لا يجلب للوطن غير الخراب والدمار والمآسي والكوارث والموت الرخيص لأبنائه ، بل إن الوطنية تقاس بالأعمال والأقوال العقلانية والسلوك الموزون وبالأفعال التي تجلب الخير للبلاد والحياة الحرة الكريمة لأبنائه ولو بحدودها  الدُنيا ، وفيما يبعد الوطن عن شرور الكوارث والحروب العبثية المدمرة والتصادم مع من لا نقوى على فرض إرادتنا عليه بالصراخ والعويل والتهديد والوعيد التي لا نقوى على الأيفاء بها كما تفعل بعض الفصائل من هواة السياسة ، ونحصد بالتالي من وراء هذا الطيش الصبياني السياسي  الندم والخُسران .
رابعاً : إن وجود كتل الأقليات القومية والدينة في البرلمان الأتحادي والأقليم وجود رمزي غير معتبر وليس له أي تأثير يذكر في صنع القرار العراقي السياسي والعسكري والأقتصادي والمالي وكل ما له علاقة بالسيادة الوطنية ، لأن الكتل الرئيسية الثلاثة تتكون بنيتها من أحزاب دينية وقومية ذات توجهات شمولية لا تؤمن فكرياً ولا تعترف بوجود هذه الأقليات ككيانات وطنية لها خصوصيتها ولها من الحقوق ما عليها من الواجبات كمواطنين حالهم حال الآخرين أولاً ، وثانياً لأن تمثيلها العددي رمزي لا يتناسب مع حجمها السكاني الحقيقي فإنها بالتالي لا تمتلك قدرة تأثير في تمرير أو اسقاط أي مشروع قانون يعرض في البرلمان للتصويت عليه إن كان لصالحها أو بالضد من مصالحها ، ولذلك يبقى هذا التمثيل لا يشكل ورقة لعب ليراهن الآخرين عليها ، وإنما يُستغل من قبل الكتل الكبيرة لأغراض دعائية وإعلامية لتضليل االعالم المتمدن والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحقوقية بأن النظام القائم هو نظام ديمقراطي يكفل حقوق الجميع ، ولذلك بقيت كل مواد الدستور التي تخص تنفيذ الحقوق السياسية القومية والثقافية والدينية لهذه الأقليات الى اليوم حبراً على الورق ليس إلا . عليه وبسبب هذا الأهمال شبه المتعمد من قبل الكتل الكبيرة المهيمنة على حكم البلاد والأقليم للأقليات من جهة وما حصل لها من مذابح وتهجير قسري من مدنهم وقراهم في مناطق سُكناهم على يد عصابات داعش الأرهابية وعصابات الجريمة المنظمة من جهة ثانية ، تم استنزاف وجودها القومي والديني في أرض الوطن ، وما زال النزيف يتدفق بقوة ، إنها في الحقيقة عملية قيصرية لقلع جذورها وخلع وجودها القومي والديني والوطني الأصيل من أرض الأباء والأجداد ، والكل صامت صمت القبور على هذا الضيم الذي من وراءه الأقليات وحدها تخسر الوطن والوجود معاً . 

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 2 / أيار / 2015   

127
الارهاب هل هو فكر وثقافة أم هو سلوك يتسم بالعنف الغريزي .. ؟؟
خوشايا سولاقا
" كل فكر يدعو الى التعصب والتطرف ويبشر بهما يؤدي حتماً في النهاية  الى ظهور فكر الأرهاب  الممنهج "
قبل الخوض في موضوع الأرهاب وتعريفه لمعرفة إن كان فكراً وثقافةً أم إن كان سلوكاً عنيفاً غريزياً ، لا بد من ضرورة تعريف مفهوم الأرهاب ، أي بمعنى أخر نقول بصغة سؤال ما هو الأرهاب .. ؟؟
بحسب وجهة نظرنا المتواضعة المستنبطة والمستمدة من نتائج العمل الذي يستوجب وصفه وتعريفه بالأرهاب نقول . أن أي عمل أو فعل او ممارسة  يؤدي بحياة الناس  والإضرار بحقوقهم ومصالحهم وممتلكاتهم ومصادرة إرادتهم وكبت حرياتهم وقمعهم باستعمال القوة القسرية المسلحة بكل أشكالها أو باستعمال القوة الفكرية واجبارهم على التخلي عن معتقداتهم الفكرية والسياسية والدينية والمذهبية ومنعهم من ممارسة طقوسهم وتقاليدهم التي تجسد خصوصياتهم وانتماءاتهم على كافة المستويات الوطنية والقومية والدينية وحتى الحزبية السياسية والقبلية والعشائرية ، وهو كذلك أي فعل من شأنه أن يلحق الضرر بالأرث الحضاري التاريخي والثقافي الانساني . إن دكتاتورية واستبدادية الدولة من خلال سلطة الأحزاب الحاكمة والتجاوز على ممتلكات الدولة واستغلالها خلافاً للقانون وسرقة المال العام تدخل بهذا الشكل أو ذاك ضمن الأطار العام لمفهوم الأرهاب لأنها بالتالي تشكل الإضرار بحقوق ومصالح وممتلكات الآخرين وبحياتهم ، وكذلك فإن ممارسات قمع الأراء وكَبتْ الحريات وكم الأفواه ومصادرة الارادات والانفراد بالقرارات والأستبداد بالرأي والتصفيات بكل أشكالها داخل التنظيمات السياسية الحزبية الشمولية تشكل نمطاً متقدماً من الأرهاب الفكري والجسدي . كل هذه الممارسات تشكل نمطاً إرهابياً معيناً تختلف مع بعضها البعض بهذا القدر أو ذاك فقط في وسائل التنفيذ ، ولكنها تلتقي بالنتائج المتحققة بموجب معايير تعريف مفهوم الأرهاب . إن المختلف في الأمر في عملية تصنيف مفهوم الأرهاب ومعاييره وتحديد المشمول به وتمييزه عن المستثني منه هي تلك القوى الدولية المتحكمة والمسيطرة على تحديد مفهوم الأرهاب وهويته بحسب ما تقتضيه مصالحها الحيوية التي تختلف من مكان الى آخر ، ولذلك نجد إن ما يصنف هنا عملاً إرهابياً بامتياز نجده هو ليس كذلك في مكانٍ آخر . إن تعريفنا هذا لا يعني أن نشاطات التنظيمات المتطرفة والمتشددة للآسلام السياسي بكل مذاهبه ومدارسه من قبيل امثال القاعدة وداعش والنصرة وغيرها الكثير ليست تنظيمات إرهابية بل هي كذلك بامتياز من دون أدنى شك ، ولكنها ليست الوحيدة بل هناك الكثير من أوجه النشاطات الأرهابية الغير المصنفة للأسباب التي ذكرناها ... إن إرهاب القاعدة وداعش وأخواتهن في الحقيقة هو نتاج للأرهاب السياسي الذي مارسته الدول الديكتاتورية الأستبدادية وسلطات أحزابها القومية الفاشية التي بسياساتها القمعية المناوئة للديمقراطية منعت ولادة أنظمة ديمقراطية حقيقية من جهة ، وتركت الساحة خالية ومهيئة لولادة القاعدة وداعش الارهابيتين واخواتهن من جهة ثانية ، ونحن اليوم مع الأسف الشديد نحصد ما زرعوه هؤلاء الحكام الديكتاتوريين القوميين الفاشيين ، إن " القاعدة + داعش واخواتهن = نتيجة ديكتاتورية سلطة الأحزاب القومية الفاشية " ... أيها القارئ الكريم هذا هو الأرهاب المتكامل بكل حلقاته وجوانبه المتداخلة الذي يتحتم علينا معرفته وليس فقط حصره في جانب واحد كما يريدونه المستفادين منه أن يكون من دون تسليطنا للضوء على الجوانب الأخرى الباعثة له .   
بعد هذه المقدمة التوضيحية لمفهوم الأرهاب وأشكاله وتنوعه نقول لقد  أثبتت البحوث والدراسات العلمية التي أجريت على سلوك جميع الكائنات الحية في الطبيعة بضمنها الانسان بأن سلوك العنف الغريزي يلتجأ إليه الكائن مضطراً في حالات ثلاثة ، وهي أولاً في حالة غريزة الدفاع عن النفس عندما يشعر الكائن الحي بوجود خطر ما يهدد حياته في محيطه الطبيعي ، وثانياً في حالة تلبية إشباع غريزة الجوع ، وثالثاً في حالة الدفاع عن المصالح ومنطقة النفوذ ، وهذه الحالة تعددت أشكالها وتنوعت أنماطها بتعدد وتنوع المصالح وبتعدد وتنوع الكائنات في البيئة الطبيعية المحيطة ، وبذلك تطورت أشكال وأنماط سلوكيات العنف المستعمل ، وكان الكائن البشري في مقدمة المبدعين والمتفننين في إختراع وصناعة أشكال وسائل العنف التي استعملها في الدفاع عن النفس وفي تلبية إشباع غريزة الجوع وفي الدفاع عن المصالح ومناطق النفوذ .
إن الوسائل التي ابتكرها واخترعها وصنعها واستعملها الانسان كانت مدار التغير والتطور بشكل مستمر باستثناء غيره من الكائنات الأخرى التي احتفظت بوسائلها كما كانت ، لتلبية حاجات صراعه المستمر مع الذات أي مع بني نوعه  ، ومع الكائنات الأخرى ومع الطبيعة لتسخيرها لصالحه لأشباع حاجاته الغريزية وغيرها من أجل البقاء والتفوق ، وفرض إرادة الأقوى طيلة تاريخه . تشكلت أو تضمنت هذه الوسائل في مجموعتين أساسيتين  ألا وهي : -
أولاً : مجموعة الوسائل الفكرية والعقائدية التي شكلت العصب الحيوي والعمود الفقري في بناء البنية الاجتماعية للمجتمع في تحديد شكل النظام الأقتصادي وأنماطه الانتاجية المختلفة لانتاج الخيرات المادية للمجتمع كبنية تحتية من حيث من يمتلك تلك الوسائل ومن يشغلها ، وهنا انقسم المجتمع الى طبقات ونشأ الصراع الطبقي بينها من اجل التوصل الى نظام أكثر عدلاً وانصافاً في توزيع الخيرات المادية بين أبناء طبقات المجتمع بحسب الجهد المبذول ، ومن ثم إنتاج الحاجات المعنوية المتمثلة بالثقافة بكل أشكالها وتنوعاتها كبنية فوقية للمجتمع ، وإن الحاجة الى انتاج وصناعة الثقافة أدت الى نشوء الشرائح الاجتماعية المثقفة والتي أرتبطت مصالحها الأقتصادية بأحدى طبقات المجتمع المشاركة في عملية انتاج الخيرات المادية ، فبذلك انقسمت الثقافة بكل تنوعاتها  والتيارات الفكرية والتنظيمات السياسية في المجتمع بين مؤيد ومعارض لهذه الطبقة وتلك ، وبحكم هذا الواقع تكونت ثقافات وأفكار وأحزاب طبقية كل منها سعى لتبرير سلوك الطبقة التي يمثلها في الصراع الدائر في المجتمع بين طبقاته .
ثانياً : مجموعة الوسائل العسكرية الحربية ، هذه الوسائل التي تطورت أشكالها وأنماطها بشكل نمطي وبسرعة هائلة جداً مع بداية عصر النهضة والثورة الصناعية في العالم ، في هذا العصر تطورت حاجة استمرار وديمومة حركة الصناعة الوليدة والمتصاعدة الى المزيد من مصادر المواد الخامة ومصادر الطاقة المحركة لماكنة الصناعة في البلدان الصناعية من جهة ، والى إيجاد أسواق جديدة لتصريف منتوجاتها الصنناعية من جهة ثانية ، لذلك بدأ عصر جديد بالظهور ، ألا وهو عصر الأحتلال والسيطرة على البلدان الأجنبية الأخرى ، أي عصر الأستعمار الكولونيالي  ، وهنا اشتد الصراع بين أقطاب البلدان الرأسمالية الصناعية تمخض الى نشوب حروب كثيرة دولية وأقليمية وعالمية مدمرة ومستهلكة للبشر وفي مقدمتها الحربين العالميتين الأولى والثانية والتي استخدمت فيها شتى أنواع الأسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعها منها السلاح النووي . صحيح إن اكتشاف وصناعة واستعمال سلاح الدمار الشامل والوقوف على نتائجه المدمرة لمستقبل البشرية وتعرضها للفناء الشامل قد وضع حداً للحروب العالمية الشاملة ، إلا أنه تم التعويض عنها بانتشار وتوسع الحروب المحلية  والأقليمية بالأسلحة التقليدية بشكل ملفت للنظر خلال الربع الأخير من القرن الماضي وبداية القرن الحالي حيث الغاية منها استمرار وديمومة صناعة الأسلحة في الدول المصنعة لها من جهة واستنزاف الموارد المالية للدول المنتجة للنفط  من جهة أخرى ، وذلك للمحافظة على التوازن الطبيعي بين دول الشمال الصناعية ودول الجنوب المستهلكة ، ومن جملة تلك الحروب الحرب على الأرهاب الذي صنعته الدول الرأسمالية الصناعية وتمارسة الدول المتخلفة المخدرة بثقافة التخلف النابعة من الموروث الثقافي التاريخي بكل تشكيلاته الاجتماعية والأقتصادية والفكرية والدينية لهذه المجتمعات .
إنطلاقاً من هذه المقدمة الفكرية التاريخية نستنتج أن الأرهاب كسلوك وممارسة ليس سلوك عنيف غريزي في كيان وطبيعة الانسان كما قد يتصور البعض بل هو نتاج فكر وثقافة موروث ينطلق الى ساحة العمل عندما يطلق له العنان ليأخذ دوره بشكله الذي نراه اليوم في ممارسات من باتوا يُعرفون بالتنظيمات الأرهابية المتطرفة اليوم عندما تتهيء وتنضج الظروف الموضوعية  وتتوفر الوسائل وتقتضي مصالح البعض من مصنعي الأرهاب لتسويق العنف الأرهابي البغيض ، وإن الأرهاب كسلوك عنيف غير موجود ولن يتواجد من دون وجود خلفية فكرية عقائدية تغذيه بكل مستلزماته تلك ، وعليه فإن السياسي الذكي والحاذق والمحنك المحصن بالقيم الوطنية والأخلاقية يستطيع من خلال قراءته لواقع الحال على الأرض في منطقة الشرق الأوسط اليوم أن يرى بوضوح وجلاء ما هو الأرهاب وما هي خلفياته الفكرية والثقافية التاريخية ، ومن هو صانع الأرهاب الحقيقي ، ومن ينفذه ومن هم ضحاياه وما هو هدفه ومن هو المستفيد النهائي منه ؟؟ ، وعندها سوف يتوصل ببساطة ويسر دون عناء الى الحلول الناجعة لاستئصال ظاهرة الأرهاب والعنف المجتمعي معاً . إن تشخيص المرض ومعرفة أسبابه يعني أكثر من نصف العلاج المطلوب هكذا يقول العقل السليم والمنطق القويم والنَصح الحكيم  .
إن محاربة ومكافحة الأرهاب سوف لا يأتي إطلاقاً من خلال الأكتفاء باستخدام القوة المسلحة والوسائل العنفية  لوحدهما أي مقابلة الشيء بالشيء ذاته وفق المنطق الأهوج للعسكر ولغتهم الوحيدة ، بل يأتي من خلال مقابلة الأفكار والثقافات المتخلفة بكل تنوعاتها بالأفكار والثقافات البديلة التي تؤمن بقبول الآخر المختلف والتعايش السلمي معه والأنفتاح على التنوعات الفكرية والثقافية في المجتمع الوطني على أساس الأنتماء للوطن دون سواه .
  بحسب وجهة نظرنا هذه فإن الأرهاب هو ظاهرة فكرية وثقافية ذات جذور تاريخية اجتماعية ودينية وقومية ممتدة في أعماق المجتمع والتاريخ ، مما يتطلب الأمر من المرجعيات الدينية لكل الأديان والفقهاء وعلماء الدين بكل مذاهبهم ومدارسهم ، ومن النخب الثقافية والفكرية في المجتمع ، والمراكز التعليمية والتربوية والتثقيفية الرسمية وشبه الرسمية التابعة للدولة ، ومؤسسات المجتمع المدني ، والمراكز البحثية دراسة ظاهرة الأرهاب كظاهرة عصرية وليس كسلوك فردي أو جماعي فقط وأسبابها ومنطلقاتها الفكرية وخلفياتها الثقافية والعقائدية ودوافعها لأعادة النظر بثقافة وتربية الأجيال لبناء ثقافة جديدة قائمة على أسس فكرية تدعو الى المحبة والتآخي الوطني والإنساني بما لا يتفق مع ظاهرة الأرهاب كفكر وثقافة وسلوك ، وإلا فان ظاهرة الأرهاب سوف تستفحل وتقوى يوم بعد آخر وفي النهاية سوف يعجز المجتمع من التصدي لها وإيقافها عند حدها .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 24 / نيسان / 2015 


128
صراع الأستراتيجيات في الشرق الأوسط ......
                  لمن سوف تقرع الأجراس في النهاية.... ؟؟ 

خوشابا سولاقا
تشاهد الساحة السياسية لبلدان الشرق الأوسط اليوم صراعات سياسية في شكلها الظاهر واقتصادية وعِرقية - دينية مصيرية في جوهرها المخفي ، تشترك فيها قوى دولية كبرى متحكمة بالقرار الدولي ، ومنظمات ذات ايديولوجيات عنصرية دينية توجه تلك الصراعات وفق جطة مدروسة ومحكمة تهدف من وراء الستار الى تحقيق أهداف بعيدة ذات مضامين روحية ترمى بنتائجها النهائية الى تفكيك الخارطة الجيوسياسية الحالية لهذه المنطقة ، ومن ثم إعادة تركيبها وترتيبها بشكل دويلات متناقضة في أهدافها ورؤآها ومتصارعة مع بعضها البعض للأسباب التي تنطلق من الخلفيات  العرقية والدينية والمذهبية وغيرها من الخصوصيات الفرعية على المصالح المتناقضة بحسب ما تقتضي تحقيق الأهداف الأستراتيجية البعيدة للقوى والأطراف المخططة لهذه الصراعات .
إن الأستراتيجيات الدولية والأقليمية المتصارعة على ساحة الشرق الأوسط هي ، الأستراتيجية للدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، والأستراتيجية الأسرائلية بقيادة الحركة الصهيونية العالمية والمنظمات المرتبطة بها ، والأستراتيجية الأيرانية الفارسية بقيادة النظام الأيراني الحالي ذات الشكل الديني المذهبي وذات الجوهر القومي الفارسي المدعومة من روسيا الأتحادية والصين بحكم تلاقي المصالح ، والأستراتيجية الغائبة عن الحضور في هذا الصراع للعرب .
الطرف الأول من معادلة صراع الأستراتيجيات
الأستراتيجية للدول الرأسمالية العالمية مصممة ومبنية على أساس ضمان السيطرة على مصادر الطاقة العالمية من النفط والغاز التي تتحكم بمصير الصناعة والتكنولوجية ومصير الأقتصاد العالمي الموجودة بنسبة أكثر من 65 % منها في هذه المنطقة كأحد عناصر هذه الأستراتيجية ، وضمان الأمن القومي لدولة اسرائيل كعنصر آخر لها . انطلاقاً من هذه الرؤية لهذه الأستراتيجية يتطلب الأمر لتحقيق أهدافها البعيدة والقريبة على استمرار بلدان هذه المنطقة في حالة من الصراعات والأقتتال العرقي والديني والمذهبي لأبعد مدى ممكن ، وعدم حصول الأستقرار السياسي  واستتباب الأمن فيها مما يجعلها سهلة الأستغلال والأنقياد وصرف كل ما يأتيها من موارد مالية من بيع النفط والغاز لشراء الأسلحة لديمومة حروبها الداخلية على مستوى الدولة الواحدة أو حروبها الأقليمية فيما بينها على مستوى دول المنطقة لهذا السبب أو ذاك ، وبالتالي تخرج هذه الدول من هذا الصراع صفر اليدين وخزائنها خاوية كمن يخرج من المولد بلا حمص كما يقول المثل الشائع ، وبالتأكيد ولغرض ديمومة هذه الحالة من الفوضى واستمرارها في هذه البلدان لصالح الأستراتيجية للدول الرأسمالية العالمية تكون تلك الأستراتيجية بحاجة ماسة الى توفر عنصرين أساسيين وهما الحلفاء والعملاء ، تحتاج الى الحلفاء وفق تشابه وتشارك وتلاقي المصالح الحيوية الأستراتيجية ، وهنا بحكم سيطرة الرأسمال اليهودي العالمي على المؤسسات المالية العالمية العملاقة والمؤسسات الأعلامية في العالم  يكون قد سيطر وفرض هيمنته على مراكز صنع القرار السياسي العالمي ، وبذلك تكون الأستراتيجية الأسرائيلية بقيادة الحركة الصهيونية العالمية ومنظماتها في موقع الحليف الطبيعي المؤهل والأجدر الذي تبحث عنه الأستراتيجية الرأسمالية العالمية للتحالف الأستراتيجي معها بحكم تلاقي المصالح المشتركة القريبة والبعيدة .
أما فيما يخص الحاجة الى تأمين عملاء للآستراتيجية الرأسمالية العالمية لخلق الأرضية المناسبة للأنطلاق منها في صراعها مع الخصم العنيد والمنافس الضعيف ، ولأن تجعل منهم وقوداً لتلك الصراعات ليدفعوا الثمن بالنيابة عنها لأختزال خسائرها وتقليلها الى الحد الأدنى الممكن ، فإنها وجدت ذلك العنصر في تلك البلدان التي لا تمتلك استراتيجية معينة خاصة بها لخوض هذه الصراعات المفروضة عليها من قبل المتصارعين الكبار ، فكانت البلدان العربية المنتجة للنفط والغاز " مصدر الطاقة العالمي " هي من يناسبها هذا الدور باستحقاق وجدارة ، هكذا تشكل الطرف الأول من معادلة صراع الأستراتيجيات في الشرق الأوسط المتمثل بأستراتيجية الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الأستراتيجية الأسرائلية بقيادة الحركة الصهيونية والمنظمات المنبثقة منها بكل تسمياتها المختلفة عبر العالم .
الطرف الثاني من معادلة صراع الأستراتيجيات
أما الطرف الثاني من المعادلة يتمثل في الأستراتيجية الأيرانية ذات الشكل الديني الأسلامي الشيعي ، وذات الجوهر القومي الفارسي التي تبتغي في النهاية الى بعث المشروع القومي الفارسي وإعادة أمجاد الأمبراطورية الساسانية الفارسية التي بدأت بعهد كورش الكبير وأمتدت لأكثر من ألفي عام على كامل خارطة ما تعتبره أرضها التاريخية المدعومة من روسيا الأتحادية  والصين ، وهذا ما حدى ببعض كبار المسؤولين في النظام الأيراني قبل أسابيع قليلة الى التصريح بأن المجال الحيوي لأمن إيران لا يتوقف عند حدودها الجغرافية القائمة حالياً بل يتعداها الى هو أبعد من ذلك بكثير ، ومن ثم التصريح علانية بأن بغداد هي عاصمة الأمبراطورية الفارسية ، هذه التصريحات لم تكن إعتباطية ولا عفوية ولا زلة لسان لأصحابها ، بل هي إشارات وتصريحات منطلقة من الرؤية الاستراتيجية لقراءة إيران لمستقبل المنطقة من جهة ، ولجص نبض ردود أفعال جيرانها العرب منها من جهة ثانية . الطرفان في هذه المعادلة يلتقيان في قاسم مشترك واحد ألا وهو أدوات تحقيق وانجاز أهداف استراتيجياتهما والذي هو الأعتماد على ذلك الطرف الثالث المغلوب على أمره والذي لا يمتلك استراتيجية معينة خاصة به لأن يتعامل من خلالها مع هذا الصراع الذي يجري على أراضي بلدانه بكل جوانبه السياسية والاقتصادية والديموغرافية بهدف اضعافه واستنزافه واستسلامه في النهاية لقدره بخضوعه في قراره السياسي لإرادة الآخرين من المتصارعين من طرفي معادلة صراع الأستراتيجيات في الشرق الأوسط ، وهذا الطرف هو العرب والأقليات القومية والدينية في المنطقة .
لقد عمل التحالف الأستراتيجي الرأسمالي العالمي والأسرائيلي الصهيوني بكل جد وبكل ما أوتي من القوة بكل أشكالها السياسية والاقتصادية والعسكرية على تفكيك وتمزيق أواصر الوحدة والقوة بين شعوب البلدان العربية المنتجة للنفط والغاز وتمزيق نسيجها الاجتماعي ، واشاعة الفرقة والكراهية بين أبناء شعوبها بأوسع حدودها على خلفية الأختلافات المذهبية والقبلية والعشائرية والعِرقية معتمداً في ذلك على البنية الاجتماعية المتخلفة لشعوب البلدان العربية القائمة على هذا الأساس ، سائراً في ذلك وفق المبدأ الأستعماري السيء الصيت " فرق تسد " فحقق هذا التحالف نجاحاً كبيراً منقطع النظير في إعادة زرع الأحقاد والكراهية والضغينة بين شعوب البلدان العربية المنتجة للطاقة ، سواءً كان ذلك على مستوى بين المكونات المتعددة للبلد الواحد منها أو على مستوى بين شعوب البلدان المختلفة ، فخلق وصنع بذلك أدوات محترفة هدامة ومدمرة للحضارة والثقافة والقيم الانسانية المتمثلة في التنظيمات الدينية المذهبية المتطرفة والمتشددة والتي اتخذت من القتل والذبح وسيلة ولغة وحيدة لها للتعامل والتفاهم مع الآخرين من الذين يخالفونهم في الرأي ووجهة النظر من أمثال منظمات القاعدة وداعش والنصرة وأخواتهنَّ بالعشرات المنتشرة من المغرب العربي غرباً الى العراق شرقاً فعاثت في الأرض قتلاً وذبحاً ودماراً وخراباً وفساداً بكل أشكاله لم يشهد لها التاريخ مثيلاً لا في الماضي القريب ولا في الحاضر أوصلت شعوب البلدان العربية المنتجة للطاقة الى أدنى مستوى من القوة الذاتية في مواجهة تحديات تنظيمات الأسلام السياسي الأرهابية التي فرضت سطوتها بقوة السلاح على الواقع بعد ظاهرة ما باتت تعرف بثورات الربيع العربي التي تحولت بالتالي بقدرة التطرف الأرهابي الى صيف شديد الحرارة وغزير الدماء . هذا الواقع جعل القوى السياسية الوطنية المدنية في طبيعتها الفكرية والثقافية في هذه البلدان لأن تبحث عن من يستطيع مد يد العون لها لأنتشالها من هذا الواقع المزري والمرير لانقاذ ما يمكن إنقاذه ، فاختارت الأرتماء في أحضان الحلف العالمي القوي المدني الذي يدعي الأيمان بقيم الحرية والديمقراطية مقابل الخلاص من طغيان وظلم سرطان القوى الأرهابية المتطرفة ، وما يحصل في مصر وليبيا وسوريا والعراق اليوم غير نموذج ودليل ومثال على ما نقوله .
دور الأستراتيجية الأيرانية في الصراع
 أما على الطرف الآخر من معادلة صراع الأستراتيجيات في دول الشرق الأوسط ، أي الطرف الأيراني ، عملت إيران وسعت في بناء استراتيجيتها القومية الفارسية البعيدة المدى على عنصر استثمار المذهب الشيعي مستغلة في ذلك شوفينية الأنظمة القومية العربية - الطائفية السنية وظلمها للطائفة الشيعية في جوانب كثيرة في البلدان العربية التي تتواجد فيها الطائفة الشعية مثل السعودية والبحرين وقطر والكويت واليمن والعراق وسوريا ولبنان ، عملت على طول الخط على كسب موالاة وتأييد هذه الطائفة لدعم استراتيجيتها بشكلها المذهبي على حساب اخفائها للجوهر القومي الفارسي لها ، تحت ستار هذه الأستراتيجية ، بدأت ايران تتمدد بنفوذها السياسي في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ودخلت في صراع غير متكافيء على المدى البعيد مع الأستراتيجية الرأسمالية العالمية الأسرائيلية بقيادة أمريكا ، وبدأت تساومهما على ملف آخر أكثر أهمية لأمريكا واسرائيل مقابل غض النظر من قبل أمريكا عن هذا التمدد الأيراني في البلدان المذكورة على الأقل على المدى القريب وعندها سيكون لكل حادث حديث ولكل لعبة قواعدها تطرحها الظروف الموضوعية العالمية والظروف الذاتية لللاعبين الأساسيين الكبار ، وهذا الملف الحساس والمهم هو الملف النووي الذي يشكل تهديداًخطيراً على الأمن الأسرائيلي .
الملف النووي الأيراني والولايات المتحدة واسرائيل والعرب 
لقد سبق وإن قلنا بأن الأستراتيجية الراسمالية الأمريكية تهدف من هذا الصراع تحقيق هدفين أساسيين وهما ضمان السيطرة على مصادر الطاقة في المنطقة وضمان الأمن القومي الأسرائيلي من مخاطر امتلاك النظام الأسلامي الراديكالي في إيران للتكنولوجية النووية تمكنه بالتالي من امتلاك السلاح النووي الذي يشكل خطراً كبيراً على هذين الهدفين . لقد بات هذا الملف الذي تهول له كل من أمريكا واسرائيل يشكل محوراً للمساومة عليه بين إيران وحلفائها من جهة وبين الولايات المتحدة وحلفائها بالتنسيق مع اسرائيل في مفاوضاتها الماروثونية التي طال أمدها من جهة ثانية ، وباعتقادنا قد لعبت ايران بذكاء ودهاء على عامل الزمن والنفس الطويل لكسب الوقت لصالحها ، ومراوغة الدول الغربية المفاوضة لها لأجبارها على تقديم أكبر قدر من التنازلات المتقابلة ، وحققت نجاحاً كبيراً في هذا المجال . إن تخوف أمريكا من هواجس قيام اسرائيل باقحامها في حرب شاملة مع إيران التي تهدد بها من خلال قيامها بتوجيه ضربة عسكرية وقائية صاعقة على المنشآت النووية الأيرانية إذا لم يتم وضع حد للنشاطات الأيرانية النووية بالطرق السلمية ، وإذا فعلت اسرائيل ذلك عندها حتماً سترد ايران بما تمتلكه من قدرات عسكرية بالستية بضرب مصادر الطاقة في الخليج العربي واشعال النار في المنطقة بكاملها من جهة وتقوم بضرب عمق اسرائيل من جهة ثانية ، وهذا الواقع سيضع أمريكا وحلفائها الغربيين مرغمين أمام خيار صعب ووحيد لا بديل له ،ألا وهو شن الحرب الشاملة ضد ايران وعندها سوف تضع العالم على شفير اندلاع حرب عالمية ثالثة لا تُحمد عقباها . كل هذه الهواجس ولأحتمالات  دفعت  بأمريكا وحلفائها على قبول التفاوض المباشر ولو على مضض كأفضل خيار مع النظام الأيراني الأسلامي الراديكالي ، وهذا الخيار كان الحل الوسطي الأمثل والممكن الذي من خلاله سعت أمريكا وحلفائها على تأجيل محاولات ومساعي النظام الأيراني لأمتلاك القنبلة الذرية على الأقل الى حين ، ومنع اسرائيل من ارتكاب أية حماقة تضع العالم على شفير الحرب الكونية الثالثة ، وبناءً على هذه المعطيات على أرض الواقع خُلقت قناعة مشتركة لدى طرفي معادلة صراع الأستراتيجيات في المنطقة على قبول المساومات وتبادل التنازلات المتقابلة من أجل حسم الحوار بالتوصل الى حل وسطي سلمي يرضي الطرفين على حساب مصالح طرف ثالث والذي هو العرب والأقليات القومية والدينية في المنطقة ، فقبلت أمريكا بالتخلي عن دورها ونفوذها في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن لأيران مقابل قبول إيران بضمان أمريكا وحلفائها لأمن مصادر الطاقة في الخليج وضمان الأمن القومي لدولة اسرائيل من خلال  تحجيم نشاطات إيران النووية وإخضاع كافة منشآتها النووية للمراقبة والتفتيش الدوليين وفق برامج متطورة تمنع ايران من التحايل عليها والخروج من سيطرتها . كان الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم العرب بسنتهم وشيعتهم والأقليات القومية والدينية الأخرى التي تعرضت أبنائها الى أبشع أشكال الجرائم من القتل والذبح والتهجير القسري من مناطق سكناهم وتعرضهم الى عمليات التطهير الديني والعرقي وفقدوا كل ممتلكاتهم كما حصل للمسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين والتركمان والكورد والأيزيديين والصابئة المندائيين والشبك والأرمن في كل من العراق وسوريا على يد داعش الأرهابية وشريكاتها التي هي من صنع وانتاج أمريكا واسرائيل من دون أن يرف للدول الرأسمالية والصهيونية العالمية واسرائيل جفنٌ ومن دون أن تذرف عيونهم دمعة . إن البلدان العربية في الحقيقة والواقع هي من تمتلك أكبر قوة في العالم لو أحسنت استغلالها ألا وهي القوة الأقتصادية المعتمدة على ثروة النفط والغاز الطبيعي ، إلا أن سياسييها الجهلة لا يجيدون اللعبة السياسية في عملية حسابات الربح والخسارة ، وإنهم لا يجيدون كذلك اللعب في المنطقة الرمادية بين الأبيض والأسود من ساحة اللعب ، وليس لهم خيار وسطي بين اللونين ، ولا يجيدون قواعد السياسة البراغماتية للتراجعات والتنازلات عن المواقف عندما تقتضي الضرورة ذلك . عليه نستطيع القول جازمين على ضوء المعطيات المادية الموجودة على أرض الواقع في الشرق الأوسط أن اجراس الفوز قَرعتْ في نهاية المطاف لصالح كل من إيران واسرائيل وأمريكا وأوروبا على حساب العرب والأقليات القومية والدينية في صراع الأستراتيجيات هذا !!!! . هنا من حقنا أن نتساءل هل سيكون رد التحالف العربي الحديث الولادة بعد مخاض طويل وعسير دام عقود من الزمن المتمثل في عمليات " عاصفة الحزم " ضد التدخل الأيراني في شؤون العرب درساً مهذبا لأيران ويكون جرت أذن لها لتعرف حدودها أين تنتهي ؟؟ ، وهل سيكون قرار العرب في مؤتمر القمة العربية الآخير في شرم الشيخ المصرية بخصوص  تشكيل " القوة العربية المشتركة " تلك القشة التي سوف تقصم ظهر البعير العربي ، وأن ينقض قرار العرب التاريخي في أن العرب قد اتفقوا دائماً على أن لا يتفقوا ؟؟ ويدخلون الى عصر جديد يعمل العالم لهم ألف حساب باعتبارهم أصحاب القوة الأقتصادية الأعظم في العالم اليوم ؟؟ . . هل سيشكل ذلك بداية لعصر عربي جديد مختلف ؟؟ .
 
 ملاحظة : نعتذر من القراء الكرام لأننا أجرينا بعض التغيرات والأضافات على المقال بعد نشرة لضرورات موضوعية .

خوشــــابا ســــولاقا
5 / نيسان / 2015 م   

129
الجاثاليق البطريرك مار دنخا الرابع في ذمة الخلود مع القديسين

الى أبناء أمتنا الآشورية وكنيستنا المقدسة كنيسة المشرق الآشورية المحترمين
تقبلوا خالص تحياتنا ومحبتنا الصادقة وتعازينا الحارة بمناسبة هذا المصاب الجلل الذي أصابنا وترك فينا حزناً وألماً كبيرين ، مناسبة رحيل الأبن البار لأمتنا الآشورية والنجم الساطع الذي لم ولن يفُل نوره لكنيسة المشرق الآشورية الجاثاليق البطريرك مثلث الرحمات مار دنخا الرابع .
لقد كان حقاً زعيماً قومياً آشورياً لامعاً وحكيماً كنسياً واجتماعياً عظيماً وأبا روحياً متواضعاً تواقاً لأحتضان أبنائه وبناته وأخذهم بين ذراعيه بحنية أبوية صادقة ، وكان مفتوح القلب والروح والنفس لكل من يقصد مقامه ومضيفه طلباً للزيارة أو للنصيحة أو لأي خدمة تساعد على تجاوز محنة طالبها بقدر ما كان يتيسر لقداسته من امكانية التعاطي معها ، وكان فعلاً لطيفاً وطيب المعشر ودمث الأخلاق ، كان صديقاً محباً لنا شخصياً حيث كنا نزوره في كل سفراتنا الى الولايات المتحدة ونأخذ معه صوراً تذكارية وكان لنا احتراماً كبيراً لدى قداسته رحمه الله هكذا كان يُشعرنا في لقائه ، ونحن بدورنا كنا نبادله الاحترام والمشاعر ذاتها بإجلال واحترام وتقديس لا لكونه بطريركاً لكنيستنا فقط بل لكونه انساناً رائعاً صديقاً صادقاً فيما يقوله ودمث الأخلاق ، ولأننا كنا نحس ونتلمس في شخصه الكريم أنه كان يحمل في قلبه ونفسه وروحه الفياضة حباً كبيراً لأمته الآشورية وكنيسته المشرقية العظيمة ، وكانت زياراتنا لقداسته تدوم دائماً بين ساعة و ساعتين كنا نقضيها في نقاشات مفتوحه لا تقيدها أية قيود وتبادل الأراء المختلفة والمستجدة حول قضيتنا القومية في الوطن والمهجر وأثار الهجرة المدمرة على مستقبل وجودنا القومي في أرض الأباء والأجداد ، وكنا نراه شغوفاً مولعاً ومهتماً بما كان يسمعه منا بهذا الخصوص وكان آخر طلب لنا من قداسته هو دعوته لأعادة الكرسي البطريركي المقدس لكنيسة المشرق الآشورية الى أرض الوطن وكان إيجابياً للغاية في تقبوله لطلبنا عندما تتحسن الظروف الأمنية في العراق وتكتمل بناية البطريركية في أربيل .  كانت الأبتسامة المشرقة التي تستدل منها مدى محبته وتقديره واحترامه لمن يناقشه ويحاوره لا تفارق محياه المتواضع أبداً أثناء الحوار والنقاش . حقيقة نقول للأمانة وللتاريخ إن رحيله من دنيانا الى الأخدار السماوية ليرقد هناك مع القديسين والصَدّيقين يشكل خسارة كبيرة لأمتنا بكل مكوناتها  وكنائسها من دون تمييز لا تعوض بسهولة إنه كان الشخص المناسب في المكان المناسب . لقد رحل عنا بجسده الطاهر إلا أنه يبقى خالداً ويعيش في ذاكرتنا وفي ذاكرة التاريخ لأمتنا الآشورية ووطننا العراق بأفكاره ومبادئه السامية وقيمه الأخلاقية الراقية وروحه السمحاء المحبة للخير والسلام للبشر التي عاش بها معنا . صدق قول من قال ممن عرفوه إنه كان زعيماً وقائداً كبيراً وحكيماً ورمزاً تاريخياً قومياً آشورياً كلدانياً سريانياً توحيدياً قبل أن يكون جاثاليقاً وبطريركاً خاصاً لكنيسة المشرق الآشورية لوحدها . 
وفي الختام ليس بوسعنا إلا أن نقول نُم قرير العينين وارقد خالداً أبداً مع القديسين والصديقين يا من أعزنا ونعزه باجلال واكرام مدى الدهر يا بطريركنا الجليل " مار دنخا الرابع " ، وان نقدم تعازينا الحارة لكل أبناء أمتنا الآشورية الكلدانية السريانية وكنيستنا المشرقية بكل فروعها ، ولذوي الفقيد الخالد الذكر من أفراد العائلة الكريمة وأكليروس كنيسة المشرق الآشورية الأجلاء تحديداً وكافة الأقارب والأصدقاء والمعارف والأتباع والمحبين لقداسته ونقول رحمه الله وأسكنه فسيح جناته مع القديسين على يمين ربنا يسوع المسيح له المجد ، وأن يلهم أهله وذويه وأصدقائه ومحبيه وأبناء كنيسته وأتباعه الصبر الجميل والسلوان ودوام الصحة والعافية والسلامة الدائمة .

              محبكم من القلب المهندس : خوشــابا ســـولا قا – بغداد
[/color]

130
لقد آن الأوان لأن نعيد النظر في كل مكونات ثقافاتنا الكلاسيكية
خوشابا سولاقا
إن ماهية الثقافة بطبيعتها لأي جانب من جوانب الحياة الأنسانية هي عبارة عن عملية تراكمية تاريخية لما يستجد من الأحداث والتغيرات والتحولات النوعية في الحياة ، وما تفرزه تلك الأحداث والتغيرات والتحولات من معطيات تؤدي الى إنقراض قيم وتقاليد وولادة أخرى جديدة ، هذه العملية المستمرة على مدار التاريخ تورث قِيّم وتقاليد وعادات في المجتمعات ، بالتأكيد إن ما يحصل خلال هذه العملية التراكمية التاريخية لبناء الثقافة مهما كانت طبيعة تلك الثقافة وأي جانب من الحياة الانسانية تخص هي عملية لفظ لبعضاً من مكونات الثقافة السائدة التي باتت لا تتماشي ولا تنسجم مع متطلبات الحياة الجديدة خارج الحياة ، وطرح وإضافة بالمقابل مكونات ثقافية أخرى جديدة ، وهكذا تتوالى دورات تطور وتجدد مكونات الثقافة الانسانية ، حيث تموت مكونات شائخة عاجزة عن الأستمرار وتولد مكونات شابة قادرة على مواكبة متطلبات الحياة . عليه فإن بناء الثقافات للأمم والشعوب والتي تختلف في جوهرها عن بعضها البعض بحكم اختلاف الخصائص الاجتماعية والخصوصيات القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية وغيرها ، هي عملية تطورية تراكمية تاريخية مستمرة تبعاً لعملية تطور الأنظمة الأقتصادية لإنتاج الخيرات المادية والمعنوية للمجتمع باعتبار أن تلك الأنظمة الأقتصادية تشكل البنى التحتية للنظام الأجتماعي ، وأن الثقافات بمجمل مكوناتها بالضرورة تكون إنعكاساً للبنى التحتية  للنظام الأجتماعي السائد تشكل البنى الفوقية له ، أي بمعنى آخر أن الثقافات التي تمثل الخيرات المعنوية للمجتمعات يجب أن تتغير وفقاً لتغير نظام إنتاج الخيرات المادية لها ، لتكون بذلك العلاقة بين تطور وتغير نظام انتاج الخيرات المادية والمعنوية وبين مكونات الثقافة للمجتمع علاقة جدلية تكاملية ، وهذا يعني تماماً أن ما يحصل هنا في هذا الجانب من تغييرات وتحولات وتبدلات نوعية يجب أن ينعكس بالضرورة وبأي شكل من الأشكال هناك في الجانب الآخر من معادلة هذه العلاقة لتكتمل دورة الحياة التطورية للمجتمعات الانسانية بشكل طبيعي وسلس .
لقد شابت ورافقت عملية بناء الثقافات الانسانية عبر مختلف مراحل التاريخ بعض التجاوزات الشاذة بحكم الصراعات الاجتماعية الدائرة من اجل المحافظة على المصالح الطبقية التي أدت بالنتيجة الى الأخلال بتوازن سير عملية تطور بناء الثقافات وانحرافها عن مسارها الطبيعي في لفظ بعض مكونات الثقافة السائدة التي تعطي امتيازات مادية ومعنوية للبعض من المتسلطين والمتنفذين من الطبقات والشرائح الأجتماعية ، مما أدى ذلك الى بقاء وتعزيز وترسيخ بعض القيم القبلية والعشائرية التي تعزز من سلطة النظام الأبوي للقبيلة والعشيرة من الأسياد الأحرار والأقطاعيين ورب العمل من مالكي وسائل الانتاج وحواشيهم المتنفذين من المقربين والمحيطين بهم لتمكينهم من التحكم بمصير العاملين لديهم بشكل مطلق وباستعمال وسائل القوة القسرية القاهرة بكل أشكالها لأخضائهم وسلب ارادتهم . هكذا بقيت بعض القيم والتقاليد والعادات والطقوس التي تحكم العلاقة بين الأسياد الأحرار والأقطاعي من مالكي الأرض ومالكي وسائل الأنتاج الصناعي والزراعي من أرباب العمل ذوي المشاريع الخاصة من جهة ، وبين الأتباع من العاملين لديهم بعيدة عن متناول الشمول بالتغيير المفروض والمطلوب ، وتحولت بذلك تلك القيم والتقاليد والعادات الى مكونات ثقافية مقدسة لا يجوز المساس بها بأي قدر كان ولا أن يَطالها التغيير بأي حال من الأحوال ، كما كان الحال عليه في ظل الأنظمة العبودية والأقطاعية والبرجوازية الرأسمالية الصناعية ، حيث كان فيها رأس الهرم مالك الأرض ووسائل الأنتاج صاحب الأمر والنهي في تقرير ما يجب أن يبقى على حاله وما يجب أن يتغير أو يزول مما يشكل بنية الثقافات التي تسود .
كان لظهور الأديان السماوية الذي تزامن مع مراحل الأنظمة العبودية والأقطاعية قد أضافت الى مكونات الثقافة الانسانية مكون الثقافات الدينية التي تزكي نفسها بحسب مجتهديها وعلمائها والمبشرين بها بأنها ثقافات متكاملة التكوين وراسخة الأركان وصالحة لكل زمان ومكان ، وأية محاولات للمساس بها لتغييرها وتطويرها لجعلها تساير وتتماشى وتلائم مستجدات الحياة تُعد هرطقةً وكفراً والحاداً ، وكان في مقدمة المروجين والمهلهلين لهذا النهج الثقافي الديني الثابت القيم والمدافعين عنه ضد دعاة أفكار التنوير والتحرر والأنعتاق والتغيير ونشر المساواة والعدالة الاجتماعية كانوا الأسياد الأحرار والأقطاعيين والبرجوازيين الرأسماليين ورجال الدين ( كل الأديان ) بحكم متطلبات صراعهم الطبقي من اجل بقاء واستمرار وحماية مصالحهم الطبقية وضمان رفاهيتهم على حساب تعاسة وبؤس الغالبية العظمى من أفراد الشعب . بسبب اقحام مكونات الثقافة الدينية ودمجها مع المكونات الثقافية الأخرى التي كانت سائدة قبل عصر ظهور الأديان السماوية اتخذت مكونات ثقافاتنا شكلاً ذي غطاءً دينياً مقدساً الذي بوجوده لا يجوز المساس بها إطلاقاً ، وبذلك باتتْ عملية اختراق تحصينات المكونات الثقافية ذات الجوهر والمضمون الطبقي المصلحي  ، والشكل الديني التي تعبر عن مصالح الأقليات الحاكمة من الأسياد الأحرار والأقطاعيين والراسماليين البرجوازيين عملية صعبة ومعقدة للغاية وبعيدة كل البعد عن متناول ما يطالها من التغيير الجوهري الشامل بسبب حصانة هالة " التقديس " التي احيطت بها تلك الثقافات المؤسسة على الحقد والكراهية ورفض الآخر المختلف والتمييز بكل أشكاله .
إن ما تشهده الحياة اليوم في الأرجاء المعمورة من صراعات دموية وعنف وقتل وعمليات ارهابية شنيعة لا تليق بالانسان السوي على خلفيات مختلفة هي إفرازات ونتائج طبيعية مباشرة لتلك المكونات الثقافية التي زرعت في نفوس الناس من جيل الى جيل وبشكل تراكمي ثقافة الحقد والكراهية وعدم قبول الآخر والتعايش السلمي مع المختلف عنه ولو في أحدى تلك المكونات الثقافية الموروثة من الماضي والراسخة في أعماق النفس على أقل تقدير . إن هذه الثقافات المؤسسة على الحقد والكراهية ورفض الآخر هي من أنتجت وصنعت الأحزاب القومية الشوفينية والفاشية التي لعبت دوراً قذراً واجرامياً في التاريخ ، وهي من صنعت الأحزاب الدينية الطائفية والجماعات الدينية السلفية التكفيرية التي تزهق الأرواح البريئة بوسائل في غاية من الهمجية والبربرية ، وهي من صنعت القاعدة وداعش وأخواتهما التي تسعى الى فرض معتقداتها المتخلفة ورؤآها وأفكارها الظلامية على الأخرين باستخدام العنف المفرط والقتل وقطع الرؤوس ونشر الأرهاب والرعب بين الناس التي تحب الحياة بحرية وكرامة وعزة نفس . عليه فإن عملية مكافحة الأرهاب والقضاء عليه تبدأ من مكافحة أسبابه الكامنة في طبيعة الثقافات الكلاسيكية الموروثة بكل مكوناتها القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية وغيرها التي تغذي العقول وتهيئها لأرتكاب هكذا جرائم همجية بشعة .
إن هذا الواقع المزري والمؤلم لحالة ثقافاتنا الكلاسيكية الموروثة السائدة اليوم ، القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية والجنسية والطبقية وغيرها من ثقافات الخصوصيات الأخرى التي حولتنا الى مجتمع قطيع الذئاب المفترسة أحدنا يكره الآخر ويحقد عليه ونقتل بعضنا البعض على الهوية يضعنا جميعاً نحن المثقفين والمفكرين والفلاسفة ورجال الدين من كل الأديان بكل مذاهبها والهيئات الدولية والمؤسسات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات حقوق الأنسان وفي المقدمة منها الأمم المتحدة أمام مسؤولية تاريخية كبيرة لبناء مجتمعات إنسانية جديدة يتعايش فيها الجميع بأمنٍ وأمان وسلام تسودها ثقافة المحبة الأنسانية والسلام والتعايش السلمي بدلاً من ثقافة الحقد والكراهية ورفض الآخر المختلف والأرهاب والقتل المؤسسة على الخلفية الدينية والمذهبية والقومية الشوفينية ، لنقُل جميعاً إن العالم وطنٌ للجميع تحترم فيه الخصوصيات والحقوق الطبيعية المشروعة للجميع ، ولنقُل جميعاً وبصوت عالٍ واحد  بعد كل هذه المعاناة والمأساة  التي نعيشها وندفع يومياً ثمناً باهضاً لها من دماء أبنائنا " لقد آن الآوان لأن نعيد النظر في كل مكونات ثقافاتنا الكلاسيكية " لتطهيرها من كل أدران التخلف والهمجية والحقد والكراهية والعنصرية والتمييز بكل أشكاله ، ونقول نعم نعم لثقافة المحبة والسلام والأخوة الأنسانية والتعايش السلمي وقيم الحرية والديمقراطية ، وترليون كَلّا لثقافة الحقد والكراهية والتمييز بكل أشكاله القومي والديني والمذهبي والجنسي لنعيش أحراراً سعداء بأمان .

خوشـــابا ســـولاقا
21 / آذار / 2015 – بغداد   


131
أين يكمن ضعف الأحزاب السياسية العقائدية الذي يحولهم بالتالي الى أحزاب ديكتاتورية وشمولية ؟؟
خوشــابا ســولاقا
لتأسيس حزب سياسي عقائدي ديمقراطي يتطلب ضرورة توفر العناصر الأساسية التالية :-
-   وجود نظرية فكرية متكاملة الجوانب يسترشد بها الحزب في صياغة منطلقـاتــه النظريــة والفكريــة وتوجهاتــه العملية ومنهــاجـه السياسي وتحديد أهدافــه واستراتيجياتــه وتكتيكاتــه في العمل على المــدى المنظور والبعيد .
-   وجود النظام الداخلي الذي يحدد طبيعة العمل والعلاقات التنظيمية بين الوحدات التنظيمية العاملة داخل هيكل الحزب من المستوى الأدنى صعوداً الى قِمة الهرم في الهيكل التنظيمي ، وتحديد الواجبات والحقوق الحزبية لأعضاء الحزب بكل مستوياتهم التنظيمية ، نظام داخلي يرمي في رؤآه الى تطبيق مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، واعتماد مبدأ الثواب والعقاب بحق العاملين في الحزب بكل مستوياتهم عند تقييم أدائهم الحزبي .
-   وجود أعضاء عاملين منخرطين بهمة عالية في عمل الحزب ممن لهم الأستعداد التام والأيمان المبدئي المطلق بعقيدة الحزب والتضحية في سبيل أهداف الحزب طواعية ، وفي ظل غياب أو هشاشة هذا الركن المركزي المهم لا يمكن ان يكون هناك حزب سياسي عقائدي حقيقي وفاعل على الأرض .
عندما يتشكل الحزب ويكتمل هيكله التنظيمي من أعلى القيادات الى أدناها وتتوزع الكوادر العاملة فيه تبدأ المرحلة الأهم في عملية بناء حزب سياسي عقائدي رصين تتحقق فيه شروط الوحدة الفكرية والتنظيمية والقيادة الجماعية الديمقراطية للعمل كخلية نحل لأنجاز المهام الحزبية بدقة وكما مخطط لها في المنهاج السياسي للحزب ، ويشترط أن تلازم هذه الشروط الثلاثة مسيرة الحزب النضالية وحياة المناضلين فيه على الدوام ، وهذه المرحلة المهمة في بناء الحزب السياسي العقائدي الرصين هي مرحلة بناء العلاقات الديمقراطية بين الكوادر القيادية ذاتها من جهة ، وبينها وبين العاملين في الحلقات الأدنى مستوى منها في الهيكل التنظيمي من جهة ثانية . هذه العلاقات يجب أن تتسم دائماً بالتواضع والتسامح المبدئي وعدم الأستعلاء وترسيخ الثقة المتبادلة على كافة المستويات وتعميق المصداقية والشفافية في التعامل بين كوادر الحزب إبتداءً من قِمة الهرم التنظيمي والكادر القيادي في الخط الأول نزولاً الى أصغر كادر في أدنى خلايا الحزب ، هذه العلاقات يجب أن تؤسس على مبدأ إطلاق كامل الحرية للنقد والنقد الذاتي بين الكوادر الحزبية كافة بكل مستوياتهم من دون وضع اية كوابح تقمع وتكبت الحريات في طرح الأراء المخالفة أو المعارضة لما يسمى برأي الحزب وسياساته ، والتخلي عن سياسة كَمْ الأفواه وكتم الأصوات ومصادرة الأرادة الحرة للأعضاء لمنعها من أن تأخذ مداها المطلوب في التصدي للانحرافات الفكرية العبثية التي تضعف الوحدة الفكرية والتنظيمية ومبدأ القيادة الجماعية في عمل الحزب ، وفي مواجهة الخروقات للسياقات التنظيمية الصحيحة من قبل البعض بغرض فرض أجنداتها الشخصية لتحقيق طموحاتها الفردية على حساب المبادئ . من هنا نستطيع أن نستنتج أن قوة وحيوية الأحزاب السياسية العقائدية الديمقراطية وديمومتها وتجديد حياتها للسير الى الأمام بخطوات ثابتة ، وقدرتها على الأستجابة بمرونة عالية لمتطلبات ومستجدات الحياة ومواكبتها تكمن في مدى وجود حرية الراي الحر في النقد والمعارضة في العلاقات التنظيمية بين القيادات الحزبية أولاً ، وبينها وبين الكوادر والأعضاء  بكل مستوياتهم ثانياً من جهة ، وبين الحزب بكل كوادره العاملة وبين الجماهير الشعبية من جهة أخرى ، فإذا كان الحزب السياسي العقائدي من هذا الطراز ، فعندها يكون حزب حيوي وفعال قادر على البقاء والأستمرار لتحقيق أهدافه المرسومة بنجاح . أما إذا كان الرأي الحر الناقد والمعارض في العلاقات الحزبية بين القيادات العليا ذاتها وبينها وبين الكوادر والأعضاء غائباً فعندها سوف يفقد الحزب حيويته وفعاليته وسر تجدده وسبب بقائه واستمراره في الحياة ، وهنا بحسب وجهة نظرنا يكمن ضعف هذه الأحزاب ، وإن حرية الراي هو ما يُرعب الديكتاتوريين في قيادات الأحزاب الشمولية ويهز أركان عروشهم المتهرئة والمهددة بالأنهيار والآيلة الى السقوط في أية لحظة . إن غياب أو تغييب حرية الرأي الحر الناقد والمعارض في عمل الحزب يقود الى فتح الأبواب على مصراعيها أمام الرأي الفرد للظهور والبروز والهيمنة بقوة ولأن يتصدر المشهد السياسي في حياة الحزب ، وبالتالي تسود الديكتاتورية الفردية لرأس الهرم التنظيمي ويغيب معها مبدأ القيادة الجماعية الديمقراطية في عمل الحزب ، وفي ذات الوقت تطغي وتسود ظاهرة عبادة الفرد وتقديسه في العلاقات الحزبية بين الأدنى والأعلى من المواقع  ، وبغياب الراي الحر وقمعه وإرهابه في عمل الحزب بوسائل شتى يتم أيضاً تغييب العقول المفكرة والمنظرة والكفوءة والنزيهة وأصحاب الراي من صفوف الحزب ، ويمكن وصف ظاهرة تغييب الفكر والمفكرين وهجرة العقول داخل الحزب بالأرهاب الفكري ، وبذلك يتحول الحزب الى مرتع للعناصر الفاشلة والهزيلة والضعيفة من الأنتهازيين والنفعيين من الذين يجيدون فن ومهنة التمسح والطبطبة على اكتاف اللاهثين الى الشهرة والمجد الشخصي من عناصر القيادات العليا التي تتسم بالأنتهازية والتي لا تؤمن أصلاً بحرية الراي وقواعد ممارسة الديمقراطية ومبدأ القيادة الجماعية في العمل الحزبي وفق السياقات السليمة والصحيحة . هكذا يصبح الحزب السياسي العقائدي في ظل هذا الواقع الهش الغير مبدئي مُكّونْ من قيادة ديكتاتورية فردية مستبدة تلهث وراء الشهرة والمجد الشخصي من جهة ، ومن قاعدة رثة هزيلة انتهازية ونفعية طفيلية تلهث وراء اللقمة الدسمة وهي بطبيعتها الأنتهازية مستعدة لأن تبيع ولائها لمن يحقق لها منافع ومكاسب شخصية أكبر . وبطبيعة الحال ولغرض المحافظة على هذه المكاسب الأنانية لكل من القيادة الفردية الديكتاتورية والقاعدة الأنتهازية الطفيلية الرثة ، تتحول العلاقة بينهما الى علاقة تبادل المنافع والمصالح ، وعندها تقتضي ضرورة استمرارها على هذا المنوال أن يتحول الحزب السياسي العقائدي الديمقراطي الجماهيري الى حزب ديكتاتوري شمولي وإرهابي في علاقاته الداخلية ، حيث تسود فية ظاهرة الخصومة والتنافس غير الديمقراطي والتشهير والاسقاط السياسي بين القيادات المتنافسة والتي تنتهي بالتالي الى تصفية الحسابات جسدياً بين رفاق الأمس ، والتجارب كثيرة لا تحصى ولا تُعدْ في التاريخ الانساني لهذا النمط من الأحزاب ، وفي المقدمة منها الأحزاب الشيوعية والعمالية وأحزاب اليسار الأشتراكي بكل تسمياتها وتنوعاتها ، والأحزاب القومية والدينية الطائفية التي عادة تتسم بالعنصرية والشوفينية . بينما كل ما ذكرناه من ممارسات مخالفة لحقوق الانسان ومنافية للأخلاق السياسية الرصينة ومبادئ الديمقراطية التي من المفروض أن لا تسود في الحياة السياسية السليمة لا نجده في الأحزاب الأشتراكية الديمقراطية ، وفي الأحزاب الديمقراطية الليبرالية الحرة التي تحكم في الدول ذات النهج الرأسمالي التي تتنافس فيما بينها وتتبادل السلطة سلمياً من خلال صناديق الأقتراع في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة . وما نشاهده اليوم في العراق وكافة بلدان الربيع العربي ومعظم بلدان العالم الثالث هو عبارة عن تركة تراكمية تاريخية ثقيلة ومؤلمة لديكتاتورية وشمولية تلك الأحزاب التي جعلت شعوبها تدفع الثمن غالياً في الأرواح البريئة وفي الأموال الطائلة . كان من الممكن تحقيق ما وعد به البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك انجلس الطبقة العاملة والفلاحين وكل الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمُعدِمة والمظلومين باعتماد سلوك آخر غير السلوك الذي سلكته الأحزاب الشيوعية بكل تسمياتها في شرق أوروبا وجمهوريات الأتحاد السوفييتي السابق . وهنا من حقنا أن نتساءل ، أليس ما أنجزته تجارب أحزاب الأشتراكية الديمقراطية والأحزاب الديمقراطية الليبرالية الحرة في الدول ذات التوجه الرأسمالي في الشرق والغرب أقرب الى ما وعد به البيان الشيوعي لكارل ماركس وفريدريك انجلس مما أنجزوه الأحزاب الشيوعية والعمالية اليسارية الديكتاتورية والشمولية ؟؟ . كذلك كان بامكان الأحزاب القومية والأحزاب الدينية الطائفية الشوفينية في بلداننا أن تحقق ما تصبو إليه من أهداف لتحافظ على تقاليدها وطقوسها وخصوصياتها ومقدساتها من دون إراقة الدماء الزكية لأبناء شعوبها وتقديم تضحيات بشرية جسيمة في حروب عبثية دموية ، وحرق مئات المليارات من الدولارات من أموال وثروات شعوبها التي تعاني من الفقر والمرض والجوع من خلال تخليها عن شوفينيتها القومية والدينية والطائفية وقبولها بالتعايش السلمي مع الآخر الذي يختلف معها في القومية والدين والمذهب الطائفي واللون والجنس والطبقة الاجتماعية ؟؟ . ودعونا هنا نتساءل أيضاً أليس هذا هو الطريق الأنجع والأفضل والأقصر لحقن الدماء البريئة ، وادخار الأموال الطائلة ، والقضاء على الفقر والعوز والجهل والأمية والمرض ، ورفع مستوى الخدمات الاجتماعية ، وبناء المجتمعات الحرة السعيدة الخالية من الظلم والأضطهاد والعبودية والتمييز بكل أشكاله ، وتسود فيها العدالة والمساواة وتكافوء الفرص وحكم القانون وراحة البال والضمير ؟؟ .

خوشـــابا ســـولاقا
1 / آذار / 2015 – بغداد

132
ما الذي يلائم الأمم ليستقيم سلوك شعوبها " قوة القانون " أم " قانون القوة " ؟؟
خوشابا سولاقا
هناك فرق جوهري كبير بموجب مفهوم الفكر السياسي والقانوني والأخلاقي بين قوة القانون وبين قانون القوة ، فالقانون عندما يحترم ويلتزم به إنطلاقاً من إرتفاع مستوى الوعي الثقافي والوطني والانساني والشعور بالمسؤولية لدى المواطن تجاه الاخر وتجاه المجتمع والممتلكات العامة للدولة طواعيةً من قبل القائمين على تطبيق القانون ( نقصد هنا مؤسسات الدولة ) أولاً ، ومن قبل المواطن ثانياً احتراماً للقانون ذاته وليس خوفاً منه ، عندئذ يكون للقانون قوة وسطوة كبيرة على سلوك أفراد المجتمع بكل شرائحه وبكافة مستوياته من حيث المسؤوليات الوظيفية إبتداءً من رئيس الدولة الى عامل الخدمة في الشارع مع احترامنا الكبير لكل الوظائف . هنا يستمد القانون مستوى قوته من مستوى قوة التزام المسؤول أولاً والمواطنين ثانياً بتطبيق القانون واحترامهم له وليس خوفاً من العقاب الذي يفرضه عليهم قسراً .  أما " قانون القوة " تظهر الحاجة الأجتماعية إليه بإلحاح شديد من أجل المحافظة على النظام القيَمي والأخلاقي وتأمين الأمن الاجتماعي للمجتمع عندما تصبح مهددة بخطر عبث العابثين والسلوكيات المنحرفة لهم في ظل غياب أو ضُعف سلطة وهيبة قوة القانون بسبب تدني مستوى الوعي الثقافي والوطني والانساني والشعور بالمسؤولية لدى المسؤول والمواطن تجاه الآخر وتجاه المجتمع والممتلكات العامة للدولة . هنا يصبح سيادة " قانون القوة " لوضع الأمور في نصابها الصحيح لحماية المجتمع ضرورة اجتماعية وأخلاقية وقانونية وحتى إنسانية لكي تستقيم الحياة لتسير في مسارها الطبيعي ، وقانون القوة هنا من المفروض أن لا يقتصر على استعمال الدولة للقوة القسرية من خلال مؤسساتها واجهزتها المختصة لأجبار المواطنين من الذين لا يحترمون قدسية القانون على الألتزام بما يجب الألتزام به في أداء الواجبات والألتزامات المترتبة عليهم تجاه الدولة والمجتمع كما ينبغي ، وحماية الأمن الاجتماعي والممتلكات العامة للدولة من عبث العابثين ومن تجاوزاتهم غير المسؤولة ، بل على أن يجري ذلك بالتوازي مع نشر الوعي الثقافي والوطني من خلال قنوات مؤسسات الدولة التربوية والأعلامية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني بكل مستوياتها وتنوعاتها من أجل التأسيس لبناء قاعدة رصينة راسخة لسيادة " قوة القانون " بشكل تدريجي على المدى البعيد بدلاً من الاستمرار في الأعتماد على سيادة قانون القوة .
                                        التاريخ والنماذج
عندما نُسقط ونعكس هذين المفهومين ، مفهوم " قوة القانون " ومفهوم  " قانون القوة " على واقع الحال للدول العربية والأسلامية بشكل خاص ودول العالم الثالث بشكل عام تاريخياً ، ونأخذ منها العراق انموذجاً حياً ، سوف نجد أن السائد في هذه الدول ومجتمعاتها كانت السيادة دوماً لمفهوم " قانون القوة " لأسباب كثيرة ، منها ترجع الى عوامل داخلية ثقافية واجتماعية وتربوية موروثة من جيل الى جيل ، ومنها ترجع الى عوامل خارجية كالاستعمار ومحاولاته المستميتة لأبقاء هذه الشعوب قابعة تحت سلطان الجهل والتخلف الثقافي والاجتماعي والأمية بذريعة المحافظة على الموروث الاجتماعي المقدس وثراث وثقافة الأجداد والقيم الدينية والثشبث في التمسك بها والعودة الى تطبيق الشريعة الدينية بدلاً من الأنتقال الى تطبيق القانون المدني المتحضر باعتباره أنه تراث الغرب الكافر المعادي للدين وتراث االأباء ولأجداد . هذه العوامل مجتمعة إضافة الى متطلبات الصراع من أجل المصالح الأقتصادية في مرحلة التحول من النظام الأقطاعي الزراعي الشبه الأبوي الى النظام البرجوازي الرأسمالي الصناعي الدائر بين الدول الأستعمارية والطبقات الاجتماعية الحاكمة في هذه البلدان التي تتطابق مصالحها مع مصالح المستعمر  من جهة ، وبين القوى الشعبية المناهضة للأستعمار وعملائه المحليين في هذه البلدان من جهة ثانية ، ساهمت بشكل كبير ومباشر على سيادة وترسيخ مفهوم " قانون القوة " في هذه البلدان والمجتمعات بدلاً من سيادة مفهوم " قوة القانون " ، وما زاد في الطين بلة عندما سعت الطبقات الحاكمة في هذه البلدان وبدعم واسناد أسيادهم من المستَعمَرين وبمباركة بعض المرجعيات الدينية ( من كل الديانات ) الى إعطاء الحكام صبغة وشرعية دينية مستندين في ذلك على بعض النصوص الدينية المجتزأة من مفهوم سياق الآطار العام للنص الديني الأصيل ، من قبيل المثل " إن سلطة الحاكم في الأرض مستمدة من سلطة الله في السماء " كما تدعو إليه المسيحية " وإن الاسلام دينٌ ودولة " كما يدعو إليه الأسلام ، وهناك الكثير الكثير من النصوص الدينية التي تبارك وتدعو الى شرعنة وتقديس سلطة الحاكم المطلق المستبد والحاكم في الأرض بأمر الله ، والتجارب والنماذج في التاريخ الانساني لهكذا سلطات مستبدة حكمت البشرية بموجب شريعة مفهوم " قانون القوة " لا تحصى ولا تعد .
                                                نموذج العراق
يمكن قراءة خارطة العراق القانونية على هدى هذين المفهومين ، " قوة القانون وقانون القوة " منذ تأسيسه في عام 1921 م ولغاية اليوم على نحو ثلاثة مراحل كما يلي :-
أولاً : مرحلة النظام الملكي البرلماني الشبه الدستوري الذي كان في وقته المجتمع العراقي بغالبيته العظمى أمياً وكان هناك نخبة سياسية متعلمة ومثقفة حاكمة منبثقة من خلفية طبقية اقطاعة مارست العمل السياسي مع النظام الأستعماري الأبوي العثماني ثم مع المستعمر البريطاني اكتسبت خبرة سياسية وقانونية لا باس بها وحاولت أن تقلد الأنكليز في كل ممارساتهم وتقاليدهم وطقوسهم في الحكم بما في ذلك تقليد احترام سيادة القانون ، وعليه كان السائد في صفوف الطبقة الحاكمة مفهوم " قوة القانون " الى حد كبير ، الكل كان يحترم القانون حباً به وليس خوفاً منه ومن تبعات تطبيقه ، اما في المجتمع الذي كان بأغلبية  أفراده اميين وله ولاء شبه مطلق للمفاهيم الدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية فكان يسود فيه مفهوم " قانون القوة " لسلطة الدولة بمؤسساتها وسلطة الدين والمذهب وسلطة قانون القبيلة  والعشيرة وغيرها ، وبشكل عام كان السائد في المجتمع العراقي مفهوم " قانون القوة " ولكنه لم يكن " قانون القوة للفرد الديكتاتور " ، وإنما كان قانون القوة لمؤسسات معينة مثل الدولة والدين والمذهب والقبيلة والعشيرة كما ذكرنا .
ثانياً : مرحلة النظام الجمهوري من عام 1958 م الى عام 2003 م كانت طبيعة الأنظمة السياسية الحاكمة في تلك المرحلة طبيعة حكم فردي ديكتاتوري عسكري كل شيء فيه كان يسير وفق الأرادة الشخصية لرأس هرم السلطة الحاكمة وهو صاحب الأمر والنهي ، وبذلك كان السائد بين أفراد الطبقة الحاكمة في السلطة الذين أغلبهم منخرطين في حزب سياسي عقائدي ذي نهج يؤمن بعقيدة عبادة الفرد وتأليهه وتقديسه كحزب شمولي ، أو يأتون من خلال مبدأ المحسوبية والمنسوبية وقربهم من رأس السلطة هو مفهوم " قانون القوة للفرد الديكتاتور " وليس للمؤسسات الرسمية منها والاجتماعية كما كانت الحالة في مرحلة النظام الملكي الدستوري ، وكان نظام حزب البعث خير مثالاً نموذجياً بامتياز على ذلك ، وقد تجسدت بجلاء تطبيقات " قانون القوة للفرد الديكتاتور " بأقصى درجاتها القمعية في كافة المجالات العسكرية والأمنية والمدنية في المجتمع العراقي في عهد الرئيس العراقي الراحل الديكتاتور صدام حسين ، وكانت هذه المرحلة خاليةً خلواً تاماً حتى من شذرات بسيطة في أدنى مفاصل الدولة والمجتمع من سيادة مفهوم " قوة القانون " إلا على مستوى أفراد من ذوى الثقافة العالية حيث كانوا يحترمون القانون حباً به لذاته وليس خوفاً منه . في هذه المرحلة تدنت مستويات الجريمة بكل أشكالها في مؤسسات الدولة والمجتمع للعامة من العاملين فيها باستثناء البعض من المحيطين برأس الهرم في السلطة الديكتاتورية بما في ذلك على وجه الخصوص لا الحصر شيوع الفساد المالي والاداري وسرقة المال العام والتجاوز على ممتلكات الدولة أو العبث بها . في مرحلة حكم البعث الصدامي في العراق كانت السيادة المطلقة بلا منافس لقوة قانون الفرد الديكتاتور ولم تكن " لقانون القوة " للمؤسسات الرسمية والاجتماعية ، حيث كان الديكتاتور الفرد مستحوذ على سلطة القانون في كل شيء .
ثالثاً : المرحلة الحالية ، مرحلة ما بعد سقوط النظام البعثي الصدامي في التاسع من نيسان عام 2003 م ، اتسمت هذه المرحلة بالغياب التام لسيادة " قوة القانون " أو من سيادة " قانون القوة " وبشيوع الفوضى العارمة في كل مفاصل الدولة والمجتمع على حدٍ سواء ، وانتشرت وعمت العبثية الغوغائية في أجهزة الدولة وفي السلوك الاجتماعي للأفراد تجاه بعضهم البعض وتجاه ممتلكات الدولة ، وغاب في تصرفات وأفعال المسؤولين الرسميين والمواطنين في أماكن العمل والشارع والأماكن العامة فعل الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه الأخر وتجاه الوطن ، وضعُفً الولاء الوطني للوطن والشعب أمام الولاءات الفرعية للخصوصيات القومية والدينية والمذهبية والقبلية والعشائرية وحتى المناطقية في فكر وتوجهات المواطن العراقي بشكل غير مسبوق ، وحلت خيانة الأمانة الوظيفية محل الوفاء لها وتقديسها . في ظل هذه المرحلة من تاريخ العراق الحديث غابت كلياً سيادة مفهوم " قوة القانون " وكذلك غابت سيادة مفهوم " قانون القوة " وسادت سيادة " قانون السلاح " المطلق الحرية للعمل في أرجاء العراق من دون وجود ما يردعه ويقول له كفا إن زمانك قد انتهى ، وإن ساعة مسك الختام قد دنت ليسدل عليك الستار ولينجلي ليلك ، وحان الوقت لتشرقَ الشمس ساطعةً لتودع ليلك الهالك ، وليسود قانون  حب الحياة بحرية وسلام وأمان ، وفي ضوء ما تقدم نقول :
إن ما يلائم ويناسب الوضع العراقي الحالي هو سيادة " قانون القوة " لمؤسسات الدولة وليس " قانون القوة " للدولة الديكتاتورية أو " قانون القوة للدكتاتور الفرد " طالما هناك غياب أو تدني لمستوى الوعي الثقافي والوعي الوطني والولاء للوطن والشعور بالمسؤولية تجاه الاخر وتجاه الممتلكات العامة للدولة لدى الغالبية من أفراد الشعب العراقي والوفاء والأخلاص للأمانة الوظيفية وتقديسها على ما يبدو لنا من خلال رصدنا للسلوك العام للمسؤولين والمواطنين العراقيين في مؤسسات الدولة الرسمية وفي الشارع والمجتمع ، وعلى أن يجري بالمقابل قيام مؤسسات الدولة وبالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والمراكز الثقافية بتهيئة وتأهيل وتنشئة الأجيال القادمة على أسس وطنية سليمة وصحيحة للأنتقال التدريجي بشكل سلس من مجتمع يسود فيه " قانون القوة " الى مجتمع تسود فيه " قوة القانون " كما هو الحال في المجتمعات المتحضرة والمتقدمة .   
" أن الشعوب الحرة المتحضرة والمتمدنة هي تلك الشعوب التي يسود فيها " قوة القانون " لتنظيم وتسيير شؤونها العامة ، وأن الشعوب المتخلفة المُستعبِّدة هي تلك الشعوب التي يسود فيها " قانون القوة " لتنظيم وتسيير شؤونها .

خوشـــابا ســـولاقا
25 / شباط / 2015 – بغداد   
 

133
دولة العراق الجديد وثقافة " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب "
خوشابا سولاقا
مقدمة تعريفية
إن معيار مدى نجاح الدولة المؤسساتية الحديثة وسيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة فيها يَكمنْ في ضَمان " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " .
في جميع العصور عبر التاريخ الانساني سعَ علماء وفقهاء الفكر السياسي والاداري والأقتصادي الى بناء هياكل مؤسسة الدولة بالشكل الذي تكون ذات فعالية ديناميكية كفوءة لأنتاج مؤسسة دولة الخدمات الناجحة في تقديم الأفضل منها للمواطنين من جهة ، ولترسيخ في ذات الوقت اركان النظام السياسي للسلطة التي تديرها مهما كانت طبيعة ذلك النظام السياسي أيديولوجياً ، وبأية نظرية فكرية يسترشد في توجُهاته ومنطلقاته في إدارة شؤون الدولة والسلطة ، بين أن يكون ذلك النظام ، نظاماً ديمقراطياً ليبرالياً أو أن يكون نظاماً ديكتاتورياً فردياً واستبدادياً ، وبين أن يكون نظاماً برجوازياً رأسمالياً ، أو نظاماً اشتراكياً ديمقراطياً ، او نظاماً اشتراكياً شيوعياً شمولياً ، أو أن يكون نظاماً عنصرياً شوفينياً وشمولياً من جهة أخرى  .  لقد استند هؤلاء في سعيهم الحثيث لتحقيق هذا الهدف النبيل في بناء دولة المواطنة والخدمات الكفوءة في ادائها والنزيهة بعناصرها التي تدير شؤونها ، والتي تؤسس لدولة المؤسسات الدستورية وسيادة القانون والعدالة والمساواة بين مكونات الشعب المختلفة وحصر السلاح فيها بيدها دون سواها ، وليس التأسيس لدولة المكونات القومية والطائفية والميليشيات الحزبية المسلحة التي تنشر الفوضى والعبث في طول البلاد وعرضه الى مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " . إن تطبيق هذا المبدأ يتطلب توفر في الشخص المسؤول المناسب ، عنصر الولاء الحقيقي للوطن ، عنصر الأخلاص في العمل ، عنصر النزاهة في الأداء ، وعنصر الحرص والأمانة على المال العام ، وعنصر الكفاءة والخبرة ، وعنصر التحصيل العلمي الأختصاصي  في المهام التي يتطلبها  الموقع المسؤول ، وعنصر حسن التعامل والأخذ والعطاء مع الرؤساء والمرؤوسين في العمل أي بمعنى حسن العلاقات العامة مع العاملين والعملاء ، ومن الضروري جداً أخذ بنظر الأعتبار عنصر العمر في هذا الجانب ، لأن العمر له دور في النضوج الفكري وتكامل البناء النفسي لكارزما الشخص المسؤول . نعتقد أن توفر هذه المواصفات تشكل الأرضية الصلبة المناسبة لأختيار الشخص المناسب للمكان المناسب في بناء الهياكل الكفوءة والفعالة في أدائها لبناء مؤسسات دولة المواطنة والخدمات الكفوءة في ادائها ، ومن غير ذلك لا يمكن أن تكون هناك ما تسمى بدولة الخدمات بكل أشكالها وأنواعها .
بحسب ما قرأنا عن الحرب الباردة بين القطبين العالميين ، القطب الرأسمالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها والقطب الأشتراكي الشيوعي الشرقي بقيادة الأتحاد السوفييتي وحليفاته اللذين ظهرا للوجود بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية اوزارها وظهور المعسكر الأشتراكي . قيل أن أحد المبادئ الأساسية الذي اعتمدوه المخططين الأستراتيجيين في صياغة استراتيجية المعسكر الرأسمالي الغربي لتدمير وتفكيك البنى التحتية للمعسكر الأشتراكي الشيوعي ، كان السعي الى نشر الفساد المالي والاداري في المؤسسات الرسمية لدول هذا المعسكر من خلال العمل على وضع مبدأ " وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب " موضع التطبيق ، مستغلين في ذلك هشاشة البنى التحتية لهذا المعسكر ( المعسكر الأشتراكي ) من خلال استثمارهم لتدني مستوى المعيشة لشعوب بلدانه بسبب تدني مستوى رواتب العاملين فيه ، وعجز مؤسسات دوله في توفير الحاجات المادية والمعنوية والخدمية الأساسية ولو بمستوى الحد الأدنى لشعوبها . وعند اطلاعنا على كتاب الرئيس الروسي الأسبق ميخائيل غورباتشيف " البيريسترويكا " سوف نلاحظ هذا الأمر بوضوح وجلاء وكيف كان الفساد بكل أشكاله ينخر في جسد دول المعسكر الأشتراكي بسرعة مطردة من سنة لأخرى من جهة ، وتضخم ديون الدول الرأسمالية بذمة دوله وانهيار قيمة العُملات المحلية أمام العُملات الغربية فيها  بسبب غياب " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " من جهة أخرى ، كيف أسهم ذلك بشكل كبير وفعال في النهاية في أنهيار المعسكر الأشتراكي  وبالتالي في إنهيار النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية بسرعة هائلة ، وأحسن ما في هذا الأنهيار أنه حصل من دون إراقة للدماء ، وذلك بسبب قناعة قادة الأنظمة الشمولية الحاكمة والشعوب في تلك البلدان بعدم جدوى من استمرار هذا النظام المتفسخ لأنه عجز عن تقديم ما وعد به الشعوب . هكذا قدمت البشرية من خلال أسباب سقوط وانهيار النظام الأشتراكي في الأتحاد السوفييتي ودول شرق أوروبا بعد تجربة دامت أكثر من سبعين عاماً من العمل الدؤوب خير نموذج لسوء عدم العمل بضرورة تطبيق مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " ، وكيف أن عدم تطبيق هذا المبدأ يجعل المجال مفتوحاً أمام الفاشلين والفاسدين من المتنفذين في أحزاب السلطة للقفز على مواقع المسؤولية في مؤسسات الدولة الرسمية وينشرون فيها الفساد المالي مستغلين مناصبهم الرسمية في سرقة المال العام والعبث بممتلكات الدولة واستثمارها في خدمة مصالحهم الشخصية ومصالح اقربائهم والمقربين منهم من الأنتهازيين ومن ضعاف النفوس من الشرائح الاجتماعية الرثة التي لا تمتلك الوعي الوطني الناضج .

قراءةً في واقع العراق
في ضوء ما تقدم بخصوص ثقافة تطبيق مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " في التجربة العراقية ، لو درسنا واقع العراق من حيث مدى تطبيق هذا المبدأ لوجدناه بشكل عام ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في سنة 1921 م ولحد هذا اليوم واقع بعيد كل البعد عن ما يقتضيه تطبيق هذا المبدأ في توزيع المهام والمسؤوليات الوظيفية في مؤسسات الدولة العراقية الفتية ، ولذلك لم نلاحظ صورة للدولة المؤسساتية المدنية الديمقراطية القوية التي يسود فيها القانون إلا بشكل نسبي يختلف مستواه من مرحلة الى اخرى .
أولاً :- في ظل مرحلة التكوين مرحلة النظام الملكي الدستوري من عام 1921 م الى عام 1958 م كان السعي لتطبيق هذا المبدأ أفضل بكثير مما صار عليه في المراحل اللاحقة ، حيث كان يتم اختيار الكوادر القيادية العليا في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية وفق معايير ومواصفات الشخص المناسب للمكان المناسب التي ذكرناه في متن المقدمة التعريفية أعلاه ، أو بالأحرى فإن الأجراءات بهذا الشأن كانت تجري على وفق ما معتمد في انكلترا من المعايير والمواصفات بهذا الخصوص ، لذلك كانت استجابة مؤسسات الدولة في أدائها لمتطلبات مهامها في تقديم خدماتها للمواطن في كافة المجالات كانت أقرب الى المطلوب وشبه مقبولة من لدن المواطن العراقي ، وكان الفساد المالي وسرقة المال العام الذي نادراً ما سمعنا أو قرأنا عن حصوله في تلك المرحلة ، وكان شبه معدوم بالرغم من ضئالة امكانيات الدولة المالية مقارنة بالمراحل التي تلتها ، وكانت ثقافة التطبيق لهذا المبدأ هي السائدة على غيرها من الثقافات في هذه المرحلة من حياة الدولة العراقية الحديثة بحسب وجهة نظرنا بالرغم من كونها دون مستوى الطموح  .
ثانياً :- ثقافة التطبيق في ظل مرحلة النظام الجمهوري منذ 14 / تموز / 1958 م ولغاية 9 / نيسان / 2003 م ، حيث بدأ العد العكسي لتداعي وتراجع ثقافة تطبيق هذا المبدأ في عهد النظام الجمهوري عما كان عليه في عهد النظام الملكي الدستوري في كافة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية ، حيث بدأت مرحلة عمليات حشر المقربين الحزبيين من أحزاب ورجالات السلطة الحاكمة وبحسب مبدأ المحسوبية والمنسوبية والأنتماء القبلي والعشائري أي بحسب مبدأ " الأقربون منهم أولى بالمعروف " في أجهزة الدولة ، ولكن بالرغم من سيادة وشيوع هذه الظاهرة في معظم أجهزة مؤسسات الدولة بشكل ملفت للنظر وبالأخص في المؤسسات العسكرية والأمنية ، إلا أن التعيين في كثير من المواقع المهمة والحساسة التي يتطلب توليها كفاءات اختصاصية مقتدرة لضمان نجاحها واستمرارها بقيت مثل هكذا تعيينات خاضعة الى معايير الكفاءة والأختصاص العلمي والخبرة والأقتدار والنزاهة والأخلاص ، وكان ذلك جلياً وواضحاً للعيان في عهد عبدالكريم قاسم وعهد الأخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف وحتى في عهد حكومة البعث بالرغم من أن النظام البعثي كان يعطي الأولوية في التعيين للعناصر البعثية في الحالات التنافسية عند تكافوء المواصفات المعيارية الأخرى ، إلا أنه بقيت الكفاءة والخبرة والأختصاص والنزاهة هي ما يعول عليها الى حدٍ كبير في توزيع المهام والمسؤوليات وتولي المناصب الأدارية المهمة في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية والأمنية .
ثالثاً :- ثقافة التطبيق في ظل المرحلة الحالية ، أي منذ سقوط النظام السابق في التاسع من نيسان من عام 2003 م ولغاية اليوم ، أي مرحلة نظام المحاصصة الطائفية والأثنية السياسية التي بات الكذب والرياء السياسي فيها سِمةٌ تلازم سيرة وسلوك أغلب السياسيين والمسؤولين في مؤسسات الدولة المختلفة كسياق عمل لهم . حيث تميزت هذه المرحلة من تاريخ العراق الحديث في شؤون إدارة الدولة بسقوط الدولة ذاتها بمفهومها القانوني والاجتماعي المتعارف عليه ، وغياب القانون والضوابط والتعليمات الادارية التي تتحكم بسلوك المواطنين والسيطرة عليهم ، وحلت محل دولة المواطنة والقانون دويلات المكونات الطائفية والأثنية والقبائل والعشائر ، وحل محل القانون الفوضى وسيادة قانون صاحب السلاح الأقوى في الشارع ، وتحولت وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية ودوائرها الى أشبه ما تكون بالأمارات والأقطاعيات في زمن نظام المجتمع الأقطاعي ، امارات لأشخاص بعينهم أو لأحزاب سياسية بعينها يتم التصرف بمقدراتها بحسب ما تقتضيه المصالح الشخصية أو الحزبية للشخص المسؤول ، حيث يتم التعيين في مختلف مواقع المسؤولية في تلك الوزارات – الأمارات – الأقطاعيات بحسب مزاجات وقناعات القائمين عليها في رأس الهرم خلافاً للضوابط والتعليمات والسياقات والمعايير الوظيفية المهنية التي كانت معتمدة ولو بأدنى مستوياتها في المراحل السابقة من تاريخ الدولة العراقية . هكذا أصبح كل سياق عمل معتمد اليوم يشكل سياقاً خارج إطار القانون والضوابط الأدارية والمالية والقانونية الصحيحة للدولة المدنية الديمقراطية العصرية الحديثة ، وبمعنى أكثر شمولاً أصبح حتى السلوك الأجتماعي للمواطن سلوكاً منفلتاً أنانياً غير مسؤولاً وغير متحضراً اتجاه الممتلكات العامة للدولة بشكل خاص واتجاه قيم وتقاليد وطقوس المجتمع بشكل عام بسبب غياب قوة الدولة وهيبتها من خلال تطبيق القانون بعدالة . كذلك غابت المواصفات الفنية الرصينة في تعاملات مؤسسات الدولة في استيراد المعدات والأجهزة والمواد الغذائية والدوائية وغيرها من الأحتياجات الأخرى التي يتم استيرادها من خارخ العراق وفي تنفيذ أعمال المشاريع العامة في خضم سيادة الفساد المالي والرشاوي التي يتقاضاها المسؤولين من الشركات المجهزة للمواد والمنفذة للأعمال مقابل قبولهم للبضائع الفاسدة المجهزة لمؤسسات الدولة واستلامهم للأعمال المنفذة المخالفة للمواصفات الفنية المطلوبة في ظل الغياب التام للرقابة النوعية الوطنية على المستوردات والأعمال المنفذة ، وهنا لهيئة النزاهة ومكاتب المفتشين العموميين في وزارات ومؤسسات الدولة دوراً كبيراً في التستر على حيتان الفساد المالي المستشري في أجهزة الدولة ، هذه الأجهزة الرقابية باتت بدلاً من ان تكون أجهزة رقابية تتابع وتلاحق الفاسدين والمفسدين من منتسبي الدولة بكافة درجاتهم الوظيفية في مؤسسات الدولة وتحيلهم إلى القضاء لينالوا جزائهم تقوم بغالبية كوادرها بدور الحماة للفاسدين والمفسدين والتستر عليهم ويساومونهم مقابل ما تجود به أياديهم من المقسوم .
في ظل هذا الواقع المزري الذي الفساد المالي سيده ، وسرقة المال العام سمته وهدف المسؤولين فيه ، فَقدَ الأختصاص والشهادة والخبرة والأخلاص والنزاهة والكفاءة والأقتدار والأستقامة والأمانة الوظيفية والولاء الوطني قيمتها ومكانتها ودورها في اختيار الأفضل والأحسن والأنسب لوضعه في المكان المناسب . لذلك نلاحظ أن اغلب المسؤولين القياديين والكوادر القيادية في مؤسسات دولة العراق الجديد أن اختصاصاتهم بموجب شهاداتهم لا علاقة لها بمهام وطبيعة عمل واختصاص مناصبهم ، وأن خبرتهم العملية لا تؤهلهم لتولي تلك المناصب الكبيرة بالمسؤولية بموجب مبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " ، ولكن عبثية فلسفة نظام المحاصصة أو فلسفة الديمقراطية التوافقية كما يحلو لهم تسميتها لغرض تلميع وتجميل وجه المحاصصة الطائفية والأثنية القبيح يبيح ويبرر لهم كل شيء ، كأن يتم تعيين على  سبيل المثال وليس الحصر مهندس في منصب وزيرالداخلية ، وأن يتم تعيين طبيب في منصب وزير الخارجية ، وأن يتم تعيين طبيب في منصب وزير المالية وهكذا دواليك مع بقية الوزارات من دون مراعاة لتوافق الأختصاص الأكاديمي للمسؤول مع طبيعة ومهام واختصاص المنصب ، لأن فلسفة ومنطق نظام المحاصصة يقتضي اعتماد هذا السياق الأهوج لخلق ما يسمى بالتوازن بين المكونات العراقية حتى وإن كان ذلك يتعارض مع منطق العلم والعقل للادارة الرشيدة لدولة الخدمات ، بينما الضرورة من أجل ضمان الأداء الأفضل للموقع تقتضي تحقيق توافق مهني بين اختصاص المسؤول وطبيعة مهام المنصب ، إضافة على ذلك أن وجود هذا التوافق يحصن  المسؤول بالخبرة والفطنة على اكتشاف بؤر الفساد المالي والفاسدين ويُحَجّم من دورهم في تمرير ما يريدون الفاسدين تمريره عليه مستغلين نقاط ضعفة في انعدام المعلومات الأختصاصية وقلة الخبرة العملية . وليكُنْ الله في عون الشعب العراقي للخروج من هذه المحنة .

    خوشـــابا ســــولاقا
20 / شباط / 2015 – بغداد


134
هل باتَ الكذبُ مهنةً تُشرفْ السياسيين ؟؟ أم أن السياسةَ باتتْ كذباً مباحاً لهم ... ؟؟
خوشابا سولاقا
ننطلق في هذا المقال من مقولة وزير الأعلام والدعاية النازي " جوزيف غوبلز " التي من خلالها دخل تاريخ الدعاية والأعلام كأحد الكبار من مبدعي الكذب السياسي الذي من خلاله سعى الى تحريف وقلب الحقائق وتزييفها وتزويقها بالشكل الذي تخدم تطلعات نظامه النازي المقيت حين قال " أكذبْ ثم أكذبْ الى أن يُصدقكَ الآخرين " وسار على هذا النهج المنحرف والمضلل للحقائق ، والذي كان من خلاله يحول هزائم النازية في الحرب العالمية الثانية الى انتصارات باهرة ويحول خطابات وأقوال سيده وعراب الفكر النازي " أودلف هِتلر " الى آيات سماوية مقدسة تمطر بالخير وبالرحمة وبالسعادة والرفاهية للألمان وللإنسانية ويستوجب على كل المؤمنين برسالة الرايخ الثالث التي بشرت بها العقيدة النازية الشعب الألماني ذو الدم الآري تقديسها ، الرايخ الثالث الذي وعد هِتلر الأمة الألمانية  بأنه سوف  يحكم العالم كله ويدوم لألف عام . هكذا بشر هذا الدجال النازي المتعجرف الشعب الألماني من شيب وشباب رجالاً ونساءً بأفكار عرابه المجنون المصاب بمرض جنون العظمة ، وضللهم بغوغائيته الديماغوجية العنصرية وقادهم في النهاية الى أتون حرب عبثية مجنونة مدمرة راح ضحيتها أكثر من خمسين مليون إنسان ، وكانت ألمانيا والشعب الألماني فيها هما الخاسران الأكبر ، وبقي الشعب الألماني بعد الحرب ذليلاً خانعاً ينفذ ما يقرر له ويملي عليه من قبل الآخرين من المنتصرين في الحرب ، ويدفع ضربة جنون النازيين أمثال هتلر وربيبه غوبلز الثمن غالياً لليهود وغيرهم من ضحايا النازية الى اليوم . كان الوزير النازي المتغطرس جوزيف غوبلز من خلال أحاديثه واعلامه يسعى جاهداً لأن يبرر لجرائم النازية بحق الآخرين من المعارضين الألمان وبحق أبناء الأمم الأخرى التي وقعت تحت السيطرة النازية وأن يعكسها على غير صورتها الحقيقية وما هي عليه ، ويصور من خلالها بأن الآخرين هم اعداء ألمانيا ويريدون لها الشر وإن ألمانيا هي ضحية غدرهم وخياناتهم ، لقد نجح غوبلز في مسعاه الى حدٍ ما والى حين ولكنه في النهاية إنتهى به الأمر الى الأنتحار شخصياً وزوجته وأطفاله بعد تيقنه من هزيمة ألمانيا النازية في الحرب وانهيار الرايخ الثالث الى مزبلة التاريخ من غير رجعة . لكن ما يمكن أن يسجله التاريخ لغوبلز هو شجاعته في إقدامه على الأنتحار بهذه الطريقة المأساوية مع عائلته بعد شعوره بعار الهزيمة في الحرب وعار أفكاره المعادية للإنسانية وغلوه في عنصريته وتعصبه ففضل الموت إنتحاراً على العيش ذليلاً بين الاخرين إنه بحق كان بطلاً بانتحاره . هل سيقتدي به الكذابون من سياسيينا بعد كل هذا الفشل في حياتهم السياسية وخياناتهم للوطن والشعب والرفقة ؟؟!! . سؤال مطروح للاجابة عليه من قبل كل مَنْ يَعنيهِ الأمر من سياسيينا في العراق الجديد  .... 
لقد ولِدَ الكذب منذ أن ولد الانسان وساد على وجه الأرض ، وأصبح الكذب وسيلة من وسائله التي استخدمها للدفاع عن مصالحه وحماية نفسه من شر الآخرين من ابناء جنسه في أحيانٍ كثيرة ولكن ليس في كل الأحيان كما هو الحال مع سياسيينا اليوم في العراق الجديد ، وفي ذات الوقت ولدت السياسة أيضاً مع ولادة الانسان على وجه الأرض وتعايش معها وكيّفها مع متطلبات الضرورة لديمومة الحياة في الأخذ والعطاء وتبادل المصالح المشتركة وفق منطق العقل الموزون في تعامله مع الآخرين من أبناء جنسه لتحقيق مصالحه الشخصية والعامة في كافة مناحي الحياة ، هكذا باتتْ السياسة تاريخياً وسيلة أخلاقية مشروعة لتحقيق المصالح النبيلة والدفاع عنها مهما كانت طبيعة تلك المصالح بين أن تكون مصالح عامة تعود بالنفع الى صالح الأمم والشعوب أو القبائل والعشائر او غيرها من الوحدات الاجتماعية المتعارف عليها في التاريخ الانساني نزولاً الى المصالح الشخصية للفرد الشخص في الوحدة الاجتماعية التي يعيش فيها .  سع المتعاملين مع السياسة طيلة عصور ومراحل التاريخ الى الأبتعاد قدر الإمكان عن ممارسة الكذب وإقحامه في لعبة السياسة في الزمان والمكان المحددين تاريخياً ، وبقيت السياسة تمارس في إطار ممارسة النشاط الفكري للانسان من حيث الذكاء والدهاء والفطنه والمهارة والكفاءة والحنكة والمشاطرة والحرفية والمهنية في التعامل بين الأقطاب المتنافسة على المصالح وبعيدة كل البعد بقدر المستطاع عن اللجوء الى ممارسة الكذب كوسيلة غير نبيلة لتحقيق الغايات النبيلة ، وذلك للمحافظة على مصداقية النهج السياسي المعتمد من كل طرف من الأطراف المتنافسة . هكذا كانت وما زالت مهنة السياسة تمارس من قبل السياسيين المحترفين من الذين يؤمنون بضرورة أن تبقى السياسة وسيلة أخلاقية شريفة وقانونية تستخدم في إطار المنافسة بين المتنافسين باعتماد النشاط الفكري كالذكاء والدهاء والكفاءة والحنكة والرحمة الانسانية لتحقيق المصالح النبيلة وحمايتها في المجتمعات الراقية المتطورة اجتماعياً وأخلاقياً ، وتبقى عملية استخدام الكذب وإقحامه بطريقة عبثية وقحة في مهنة السياسة وسيلة غير أخلاقية منبوذة ومرفوضة ومقرفة وغير قانونية وغير شريفة توصم مروجيها وأصحابها بالخزي والعار . إن السياسي الذي يختار من الكذب وسيلة لتسويق أجنداته السياسية والترويج لأفكاره هو سياسي فاجر بكل ما للكلمة من معنى . لقد سعى علماء وفقهاء الفكر السياسي قديماً وحديثاً وفلاسفة فلسفة السياسة في إدارة شؤون الدولة والحكم على امتداد عصور التاريخ على أن تبقى مهنة السياسة وممارسة الكذب وسيلتين متناقضتين تسيران على خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيان أبداً ، لأن السياسة شيء والكذب شيء آخر مناقض لا يمكن الجمع بينهما ، ولكل طرف منهما في هذه المعادلة مضمونه الفكري والفلسفي والأخلاقي والقانوني والاجتماعي الخاص به يختلف مع ما عليه الطرف الآخر من المواصفات كلياً .
هذه المقدمة التعريفية البسيطة عن مهنة السياسة وقواعد لعبتها وعن مهنة الكذب ومجال ممارستهما في الحياة السياسية والاجتماعية ، كانت الغاية منها إجراء المقاربة والمقارنة بين ما يحصل ويجري في واقعنا القومي  الكلداني والسرياني والآشوري والوطني العراقي في الأقليم وفي الدولة الأتحادية على كل المستويات السياسية الحزبية والسياسية الرسمية من جهة ، وبين ما من المفروض أن يكون عليه من جهة أخرى . لكي نضع كل حالة من الحالات على " طاولة التشريح " إن جاز التعبير والتشبيه لتشريح الواقع كما هو عليه اليوم للمعنيين من الشعب العراقي بكل مكوناته السياسية ، كأحزاب وكقوميات وكأديان وكمذاهب ، كبيرة كانت في حجمها أم صغيرة ، لتكون على بينة مما كان من المفروض أن يكون عليه ، وما هو عليه بالمقابل في واقع الحال ، ليقول عندها ما يجب قوله كل فردٍ منا مهما يكون انتمائه القومي أو الديني أو المذهبي ، ومهما كان ولاءه السياسي الحزبي وغيرها من الخصوصيات الفرعية بحق سياسي الصدفة من الذين خلقتهم الظروف الآنية الشاذة التي خلقها الأحتلال الأجنبي وجاءت بهم الى الصف الأول من واجهة الأحداث الجارية في ليلة ظلماء وفي غفوة من الشعب ونصّبتهُمْ أولياء وأوصياء غير شرعيين على الشعب ، وليسوا ممن هم من المفروض أن تخلقهم الضرورة الموضوعية الطبيعية بإرادة الشعب الحرة من خلال الأنتخابات الديمقراطية النزيهة استجابة لمتطلبات الواقع الموضوعي للمجتمع العراقي بكل مكوناته . هكذا تم رسم صورة الخارطة السياسية المشوهة للعراق الجديد بعد سقوط النظام السابق وفيها الكثير من الضبابية والغموض وعدم وضوح الرؤية وآفاق المستقبل الوطني المستقل في قراره . 
إن ما نلاحظه في هذه الصورة بل ونشاهده بعيوننا وما نسمعه بأذاننا ونقرأ عنه في وسائل الأعلام المختلفة وما نتحسسه بحواسنا على أرض الواقع في أية لحظة من حياتنا اليومية في تعاملنا المباشر وغير المباشر مع سياسيينا عبر جلساتهم واجتماعاتهم الرسمية البرلمانية والوزارية وندواتهم التليفزيونية ولقاءاتهم النادرة مع المواطنين في الحالات الأستثنائية في الأماكن العامة وفي زيارات البعض منهم لمؤسسات الدولة أحياناً ، وفي غيرها من المناسبات الرسمية ، وفي جولات المناكفات والمشاكسات الغوغائية التي يختلقونها عن عمد بغرض وضع العراقيل أمام أية مبادرة قد تصدر من البعض منهم للعمل من أجل إصلاح وضع البلاد الشاذ لمنعهم من القيام بذلك خوفاً من أن يشكلون بعملهم هذا خطراً يهدد مصالحهم ومنافعهم الشخصية ، ونتابعهم في تصريحاتهم المزاجية العنترية الهوجاء للقنوات الفضائية الوطنية والأقليمية والعالمية ، نلاحظ ونشاهد أن الجميع باستثناء قلة قليلة نادرة منهم لا يتحدثون ولا يتعاملون معنا كمواطنين إلا من خلال ما يُسوقونه لنا من كلام كاذب غير موزون وغير صادق وغير شفاف وغير ملتزم وغير دقيق وبعيداً كل البعد عن الفكر السياسي الرصين الذي ينم عن الحرص الوطني الصادق ، يتكلمون الكلام الذي لا يغني من فُقر ولا يُشبع من جوع  من قبيل تبادلهم للنعوت الشنيعة وتُهم السرقات للمال العام التي يندى لها الجبين ، كلام ينافي أبسط القواعد الأخلاقية في العلوم السياسية ، ولجوئهم الى إغراقنا ليلاً ونهاراً في بحار من الكذب وإطلاق الوعود الكاذبة والترويج لها حول كل ما قد يحلم به كل مواطن عراقي بسيط في عراق مئات المليارات من الدولارات الخضراء التي تجاوزت مجموع وارداته من بيع النفط " الترليون " دولار خلال السنوات ما بعد عام 2003 م لغاية 2015 م . هنا من حقنا أن نسأل السياسيين الذين يتولون إدارة شؤون البلاد أين ذهبت هذه المليارات من الولارات الخضراء يا سكنة المنطقة الخضراء ... ؟؟ !!!!
هكذا هو الحال في عراقنا الجديد أيها الأخ القارئ الكريم ، حال تعامل قادة أحزابنا وحركاتنا السياسية القومية الكلدانية والسريانية والآشورية بكل مسمياتها مع كوادرها داخلياً ، ومع جماهيرها شعبياً ، ومع بعضها البعض سياسياً ، ومع الأحزاب الوطنية عراقياً ، ونحن هنا لا نستغرب سيادة هذا النمط من التعامل من هذه الحركات والأحزاب لكون هذا النمط السلوكي للتعامل مع الآخر مهما كان الآخر هي " سِمة " طبيعية لازمتْ وتلازم كل التنظيمات الديكتاتورية الشمولية الأستبدادية في عملها السياسي التي تقودها في النهاية الى سيادة ثقافة ظاهرة عبادة الفرد وتأليهه وتقديسه لينتهي بها الأمر الى التشبيه بالأنظمة الثيوقراطية الأبوية المعتمدة في امبراطوريات الفكر الديني ( أي دينٍ كان )  حيث يكون فيها قرار الأمر والنهي فقط للمراجع الدينية العليا ويوجهون بما يشاؤون وما على االمستمعين عليهم في الحلقات الأدنى من هذه الأنظمة الأبوية إلا أن يقولوا سمعاً وطاعة ً، وينفذون الأوامر من دون ان يناقشوها . هذا من جهة حركاتنا وأحزابنا السياسية القومية . أما من جهة الأحزاب الوطنية العراقية بمختلف أيديولوجياتها من أحزاب الأسلام السياسي الطائفي والأحزاب ذات التوجه العِلماني التي تدعي الديمقراطية في خطابها السياسي من المهيمنين على إدارة شؤون الدولة وصنع قرارها السياسي والمُشارِكة في السلطة من خلال مؤسساتها الدستورية الشكلية الثلاثة ، فإن التعامل مع بعضها البعض ومع المواطن فهي الأخرى نجدها على نفس الصورة التي وجدنا عليها أحزابنا وحركاتنا السياسية القومية من حيث المزاوجة بين مهنة السياسة وبين استخدام الكذب كوسيلة لتحقيق أجنداتها في عملها السياسي في كل مفاصله وبصورة أكثر بشاعةً . هذا النمط من الحياة السياسية هو ما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم من واقع هش متناقض ومزري ومخجل وممزق ومتشضي قومياً ومذهبياً على مستوى أمتنا ، وهو السبب ذاته ما اوصل واقع العراق الى ماهو عليه اليوم من واقع الحرب الأهلية الطائفية والقتل على الهوية على المستوى الوطني ، واقع مريض متسرطن إن جاز التعبير حيث بات فيه الكذب بامتياز مهنة مشروعة وأخلاقية وشريفة للسياسيين في هذه الأوقات في عراقنا ، وباتت السياسة كذباً مباحاً ومُشرفاً لهم دائماً ليس إلا ... وهنا من حقنا أن نقول أن صورة ما هو سائد  في عراقنا بشكل عام وما هو سائد في أحزاب أمتنا بشكل خاص هي من صنع السياسيين من الذين تصدوا للمرحلة ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق في 2003 م ، وهي صورة في حقيقتها مشوهة ومتناقضة لما من المفروض أن تكون عليه بموجب أبسط معايير وقواعد مهنة السياسة الرصينة بحسب فقه وقواعد العلوم السياسية في العالم أجمع ، وبين ما تكون عليه في حالة استخدام الكذب كوسيلة غير أخلاقية منبوذه ومرفوضة وذميمة في مهنة السياسة . ومن حقنا هنا أن نتساءل الى متى تستمر الحالة الشاذه هذه مع سياسيينا العراقيين ؟؟ !! ومتى يستفيقوا من نومهم وينتبهوا الى انفسهم بأنهم باتوا يسبحون عكس التيار ، وإن استمرارهم في عملية إقحام الكذب في مهنة السياسة لهي لعبة خطيرة ومقرفة سوف تقودهم بالتالي الى الأنتحار السياسي المشين ، وإن عليهم أن يقوموا بتقييم أخطائهم وأن يصححوا مسارهم وأن يسبحوا مع التيار ؟؟!! نأمل أن يكون ذلك قريباً جداً لنتمكن من إيصال سُفننا الخاصة وسفينة العراق الى بر الأمان بسلام . 


خوشــابا ســـولاقا
15 / شباط / 2015 – بغداد   


135
الواجبات والحقوق المتبادلة بين الدولة والمواطن
خوشابا سولاقا
" إن قوة الدولة وهيبتها تقاس من قوة تطبيقها للقانون بعدالة ، وقوة المواطن وهيبته تقاس بمدى احترامه للقانون والنظام " ..
من المعروف لدى الباحثين في حقول علم الأجتماع والعلوم السياسية والقانونية وعلم الأقتصاد السياسي أن ما ينظم العلاقات المتبادلة والمتوازنة حول الحقوق والواجبات بين طرفين معينين تتداخل مصالحهما تداخلاً جدلياً ، لا يمكن لأي طرف من الطرفين أن يكون كما يريد ان يكون من  دون وجود الطرف الآخر ، هو ما اتفق على تسميته " بالعقد الاجتماعي " الذي بموجبه تترتب واجبات والتزامات يستوجب الأيفاء بأدائها مقابل حقوق مستحقهة لكلا الطرفين بشكل متوازن ، سواءً كان هذا العقد بين الأفراد أو بين مجموعات بشرية أو بين مجتمعات أو بين الدول والأمم أو بين المواطن والدولة ، وهو موضوع  مقالنا هذا حصراً لما له من اهمية كبيرة في حياة الأمم والشعوب والبلدان للوصول الى بناء مجتمعات العدل والمساواة . الدولة بكل مؤسساتها الدستورية والقانونية التي تتشكل بقرار من الشعب عبر صناديق الانتخابات في اقتراع سري ديمقراطي حُرْ لأنتخاب ممثليه في البرلمان كسلطة تشريعية ، تقوم مؤسسات الدولة الثلاثة بأقتراح وتشريع  منظومة القوانين والتشريعات ومجموعة التعليمات والضوابط لتنظيم العلاقة بين الدولة والمواطن والتي بموجبها تترتب على كلا الطرفين مجموعة من الألتزامات من حيث أداء ما عليهما من الواجبات ليحقق لكل منهما ما يستحق من الحقوق . حيث أن العلاقة بين الواجبات والحقوق في ظل سلطة الدولة الديمقراطية العادلة تفرض أن يكون أداء الواجبات بإتقان وكفاءة واخلاص هي ما تُولّد الحقوق المستحقة لصالح المواطن ، أي أن الأولوية الأولى والأسبقية في هذه العلاقة بين المواطن والدولة هي لأداء المواطن لواجباته تجاه الدولة أولاً ومن ثم تأتي الحقوق المستحقة للمواطن ثانياً أي بمعنى لا حقوق كاملة من دون أداء وتنفيذ الواجبات كاملةً .

                                      التطبيقات والمحاسبة
وفقاً لمبدأ " العقاب والثواب " في الحياة وبموجب القوانين والأنظمة والضوابط الأدارية والقانونية والمالية والأمنية التي وضعتها الدولة من خلال مؤسساتها الثلاثة وألزمت المواطنين بتنفيذها في كل جزئيات حياتهم الشخصية والعامة ، في علاقاتهم الشخصية ببعضهم ممن يشاركون العيش في الوطن من جهة وبمؤسسات الدولة من جهة أخرى ، تجعل المواطن أي كان موقعه الأجتماعي والرسمي معرضاً للمساءلة القانونية والمحاسبة القاسية الرادعة إذا ما أخفق في أداء ما عليه من الواجبات وقد تصل تلك المحاسبة بعقوباتها الى درجة سَجنه لسنوات وسنوات بحسب مستوى الأخفاق وقد تصل تلك المحاسبة الى مستوى يفقد بسببها المواطن حياته في بعض الحالات الخاصة التي يرتكب فيها جريمة جنائية كالقتل العمد مع سبق الأصرار بحق الأفراد أو سرقة المال العام أو ارتكابه جريمة الخيانة العظمى بحق الدولة والوطن . كل أشكال التقصير في أداء الواجبات الذي يترتب على المواطن يعطي للدولة بموجب العقد الاجتماعي الحق القانوني شرعاً في أن تحاسبه على تقصيره بموجب القانون المختص ، وهذا أمر مشروع لا اعتراض ولا غبارٌ عليه عملاً بمبدأ " من يُقصر في أداء واجباته  والايفاء بما عليه من الألتزامات بموجب العقد الاجتماعي بينه وبين الدولة يستحق أن ينال جزائه العادل من العقاب الذي يفرضه عليه القانون تحقيقاً للعدالة والمساواة " . الدولة تجمع الضرائب والرسوم وأجور الماء والكهرباء والخدمات الصحية والبلدية وكل ما يتعلق بالأستحقاقات المالية لها في تمشية معاملات المواطن في دوائرها مقابل ما تقدمه من خدمات عامة له ، ومن لا يفي بتلك الأستحقاقات المالية للدولة مقابل تلك الخدمات تقوم الدولة بحجب تلك الخدمات عنه وملاحقته قانونياً في المحاكم المختصة ، ولكن أحياناً يحصل أن نجد مؤسسات الدولة المعنية تقصر عن عمد محاسبة  من يسيء من المواطنين من خلال تجاوزهم على ممتلكاتها وعلى الحق العام ، مقابل رشوة مالية تدفع من قبل المتجاوز للمسؤول لغض النظر عن تجاوزه ، وهذا يمكن حسابه فساداً على مؤسسات الدولة يُوجّبْ معاقبة المسؤول المرتشي لردع الفساد والفاسدين .
من واجبات المواطن أي كان موقعه الرسمي ودرجته الوظيفية في أجهزة الدولة أو موقعه في المجتمع احترام القوانين والأنظمة المرعية في أي مكان يتواجد فيه في العمل ، في المدرسة ، في الجامعة ، في القوات المسلحة ، في الشارع ، في الأماكن العامة ، ما متعلقاً منها بحقوق المواطنين كأفراد أو ما متعلقاً منها بالحق العام والمحافظة على البيئة الوطنية من أي تلويث جراء نشاطاته العبثية وسلوكه غير المسؤول . هذه الواجبات مفروضة على المواطن بحكم مجرد انتمائه للوطن بالأضافة الى الواجبات والألتزامات المطلوبة منه كحق عليه مدفوع الأجر من قبل الدولة أو من قبل رب العمل بموجب العقد الاجتماعي . إن  أداء كل هذه الواجبات تجعل المواطن في موقع يُمكّنه أن يطالب الطرف الآخر بالحقوق المستحقة له مقابل أدائه لواجباته .
أما واجبات الدولة التي تمثلها سلطاتها الثلاثة ، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ( الحكومة ) والسلطة القضائية فهي ، حماية الوطن من أية عدوان خارجي ومن كل ما يهدد سيادته وأمنه الوطني من المخاطر ، تأمين العيش الكريم لكل مواطنيها وذلك باستثمار الثروات الوطنية في المشاريع الأنتاجية لخلق فرص العمل لمواطنيها ، توفير الخدمات الاجتماعية والتربوية والصحية والبلدية من خلال توفير البنى التحتية لها مثل الماء والكهرباء ومجاري الصرف الصحي والمدارس والجامعات والمستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية والأمنية وتأمين توفر كل احتياجات المواطن من مواد غذائية ودوائية وكمالية في الأسواق المحلية مع تأمين السيطرة على نوعية البضائع المنتجة محلياً أو المستوردة من الأسواق العالمية والسيطرة على أسعارها بالشكل الذي تتناسب مع مستويات مداخيل المواطنين ، وحماية أموال الشعب من عبث العابثين من سراق المال العام من خلال شبكات الفساد المالي والأداري في أجهزتها المختلفة ومحاسبتهم بموجب القانون ، وهناك الكثير من الجزئيات التي تدخل ضمن إطار واجبات الدولة بمؤسساتها ان تقدمها لمواطنيها من ضمنها محاسبة المواطن الذي يعبث بوسائل الخدمات العامة ومنتجعات الخدمات الترفيهية ومعاقبته بشدة . إذا قصرتْ الدولة في أداء واجباتها في تقديم الخدمات المتكاملة لمواطنيها كما يجب يكون من حق المواطن محاسبة الدولة بمحاسبة المسؤولين المقصرين القائمين على إدارة مؤسساتها ، وذلك بمطالبتهم من خلال تنظيم التظاهرات الشعبية ومن خلال وسائل الأعلام المختلفة بإقالة وإحالة المقصرين والفاسدين والمستغلين لأموال وممتلكات وامكانيات الدولة ومناصبهم المسؤولة لغرض الأثراء والأنتفاع الشخصي . وفي حالة عجز السلطات المسؤولة في مؤسسات الدولة من محاسبة المقصرين والفاشلين والفاسدين والعابثين بمقدرات الدولة وسراق المال العام على المواطنين إجبار الحكومة على الأستقالة وتعليق البرلمان والدعوة لأجراء انتخابات برلمانية جديدة بالطرق السلمية والقانونية بحسب الدستور ، هذا ما تفرضه مبادئ الديمقراطية وقواعد وسياقات النظام البرلماني الديمقراطي .
إن النجاح في تطبيق هذه العلاقة في عملية الربط بين أداء الواجبات ونيل الحقوق المستحقة المتبادلة بين المواطن والدولة كعلاقة جدلية بينهما أو كمعادلة بين طرفين يعتمد على مستوى نضج الوعي الوطني والثقافي والشعور بالمسؤولية تجاه بعضهما البعض . فإن كان مستوى النضج للوعي الوطني والثقافي والشعور بالمسؤولية عالياً لديهما عندها سوف يكون مستوى أداء الواجبات للطرفين عالياً والتجاوب يكون سريعاً وايجابياً . أما إذا كان الأمر معكوساً فعندئذٍ ليس أمام أي طرف منهما لأجبار الطرف الآخر للأيفاء  بالتزاماته وتنفيذها من خيار غير اللجوء الى استعمال وسائل القوة القاهرة . لقد قال الفيلسوف الألماني الكبير فريدريك هيجل قبل قرون عديدة " القوة هي القانون " لأن أي قانون يبقى من دون جدوى وميتاً إذا لم يكون مدعوماً ومسنوداً بقوة تفرضة على واقع الحياة ، وتلك القوة تمثل أولاً ارتفاع مستوى نضج الوعي الثقافي والوطني والشعور بالمسؤولية لدى الطرفين من العقد الاجتماعي كما ذكرنا ذلك في الحالة الأولى ، وثانياً تكون تلك القوة هي القوة القاهرة المسلحة تستخدمها  سلطة الدولة لأجبار المواطن في حالة تقصيره في تنفيذ ما عليه من الواجبات والألتزامات ، وفي حالة تقصير الدولة في تنفيذ ما عليها من واجبات والتزامات فعندئذ ليس امام المواطنين ( الشعب ) غير إستعمال العصيان المدني والثورة الشعبية كقوة قاهرة على سلطة الدولة الفاشلة والفاسدة لتغيير نظامها السياسي وتبديله بأخر قادر على الإيفاء بالتزاماته تجاه المواطن بموجب العقد الاجتماعي .
                                            نموذج العراق
عند محاولة تطبيق ما تم ذكرة بخصوص علاقة الواجبات والحقوق المتبادلة بين المواطن والدولة في العراق يتطلب الأمر أن نفرز بين حالة ووضع العراق بين ما كان عليه قبل عام 2003 م وما صار عليه من بعده لكي نتمكن من وضع الأمور في نصابها الصحيح . قبل عام 2003 م ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 م كانت العلاقة بين الدولة والمواطن مستقرة وشبه متوازنة من حيث الأداء للواجبات ونيل الحقوق ومحاسبة المقصر من الطرفين لغاية عام 1958 م حيث تغير النظام السياسي من نظام ملكي برلماني دستوري على غرار ما موجود في بريطانيا الى نظام عسكري جمهوري ، ولكن بعد هذا التغيير ولغاية عام 2003 م تاريخ سقوط النظام البعثي الصدامي أختلت هذه العلاقة بدرجة كبيرة بين الطرفين حيث توالت حكومات الأنقلابات العسكرية العبثية على سلطة الحكم في العراق وحكمت البلاد بيد من حديد وقمعت الحريات وألغت دور المواطن من المساهمة في صنع القرار السياسي للبلاد وأصبح المواطن خاضعاً خضوعاً تاماً لأرادة الدولة العسكرية الديكتاتورية المستبدة وصارت الدولة صاحبة الأمر والنهي في كل شأن من شؤون البلاد ، في هذه المرحلة من تاريخ العراق كانت الدولة تقوم بتقديم الخدمات في مختلف المجالات الأساسية والثانوية بالمستوى المقبول للمواطن العراقي ، ولكنها لم تكن بمستوى الطموح الذي يتناسب مع امكانيات البلاد المالية ، وكانت الدولة تحاسب المواطن بقسوة وبقوة عند عدم الأيفاء بالتزاماته تجاه الدولة أو بسبب العبث غير المسؤول بممتلكاتها العامة أو عند تجاوزه على الحق العام وحرية وممتلكات الآخرين من دون أن يتمكن المواطن من محاسبة الدولة عندما تقصر في أداء واجباتها والإيفاء بالتزاماتها تجاهه .  هكذا كانت علاقة المواطن بالدولة حول الواجبات والحقوق المتبادلة بينهما وتبقى كذلك في ظل كل الدول الديكتاتورية المستبدة ذات الأنظمة الشمولية حيث يكون فيها الصوت الأعلى والأقوى والوحيد للدولة يقابله الخضوع والخنوع والأستكانة من قبل المواطن المغلوب على أمره ، كما كانت حالة العراق منذ عام 1958 م لغاية عام 2003 م ، تاريخ سقوط نظام البعث الصدامي . وبعد عام 2003 م ولغاية اليوم سقطت الدولة بكل معانيها وأشكالها ورموزها وأصبحت هباءً منثوراً وغابت عن الوجود كلياً وحل محلها دويلات المكونات الطائفية والمافيات والميليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة وأخذت تعبث بمقدرات البلاد المالية بعبثية عشوائية حمقاء ومدمرة ، انتشر على أثر ذلك الجريمة بكل أشكالها وألوانها وعم الفساد المالي والاداري البلاد من أدناها الى أقصاها ومن شمالها الى جنوبها ومن شرقها الى غربها من دون ان يردعه رادع أو سلطة القانون الذي غاب عن الساحة هو الآخر تحت جعجعة سلاح الميليشيات والعصابات . هكذا اصبح العراق بلداً مدمراً وكسيحاً بلا دولة تحكمه وبلا قانون يحمي مواطنيه وأمواله من عبث العابثين تنهش به كالذئاب العاوية وتمزقه إرباً إرباً ، وعم البلاد أيضاً القتل على الهوية الطائفية والدينية والأثنية مما ساعد بشكل كبير وملفت للنظر على رحيل وهجرة العقول والكوادر العلمية والعسكرية المقتدرة وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة الى خارج البلاد ، وأخيراً تكللت عبثية شبه الدولة المحاصصية الرثة التي تشكلت ما بعد 2003 م بإرادة المحتل . بعد رحيل قوات الأحتلال من العراق في 31 / ك1 / 2011 تداعتْ مؤسسات الدولة بشكل أكبر وبوتائر متصاعدة في ترسيخ سياسة تطييف مؤسسات الدولة وخلق الأزمات السياسية المتعاقبة بين مكونات الشعب والتي إنتهت في 10 / حزيران / 2014 بكارثة احتلال أكثر من ثلث مساحة البلاد وفي غضون أيام معدودة من قبل العصابات الأرهابية لما يسمى بتنظيم الدولة – داعش وانهيار القوات الأمنية والعسكرية بسبب خيانات القيادات بكل مستوياتها . في ظل هكذا واقع للعراق أصبحت الدولة عاجزت من أن تقوم بتنفيذ واجباتها والايفاء بالتزاماتها القانونية تجاه المواطن من جهة وعاجزة عن حماية حقوقها المستحقة على المواطن من جهة أخرى ، وأصبح المواطن حراً طليقاً بعيداً عن المساءلة القانونية لسلطة الدولة الغائبة لعدم تنفيذه ما عليه من الواجبات والألتزامات تجاه الدولة أو لسوء سلوكه العبثي الغير المسؤول في أماكن تواجده تجاه ممتلكات الدولة في العمل والشارع والأماكن العامة وبذلك أصبح الوضع أشبه ما يكون بــ ( حارة كلمن إيدو الو ) ، أي أصبحت الدولة في وادٍ والمواطن في وادٍ آخر .
                                صورة دولة العراق بعد عام 2003 م
في واقع العراق بعد عام 2003 م نلاحظ في الطرف الأول من المعادلة غياب الدولة المؤسساتية بمعناها القانوني بالكامل ، ونلاحظ بالمقابل دويلات المكونات والميليشيات المسلحة ، وادارة سُراق المال العام لمؤسساتها الصورية بغالبية أعضائها  ، ونلاحظ في الطرف المقابل من المعادلة مواطنين في غالبيتهم العظمي خانعين وخاضعين ومسلوبي الارادة وميالين  للثرثرة الفارغة ومطلبيين وعبثيين في سلوكهم العام ،  الكثيرين منهم لاأباليين لا يشعرون بأية مسؤولية تجاه الممتلكات العامة للدولة ، وسلوكهم في الشارع والأماكن العامة أصبح لا ينم عن كونه سلوك متحضر ومسؤول ويغلب عليه طابع الأنانية الفردية ، والكثير منهم  يميلون الى النفاق والرياء السياسي ومداهنة الظالمين وهذه كانت سجيتهم وطبيعتهم خلال فترات  حكومات الأنقلابات العسكرية والأنظمة الديكتاتورية السابقة ، وغالبيتهم بطبيعتم يميلون الى حَلْ مشاكلهم مع الآخر باللجوء الى القوة واستعمال الوسائل العنيفة بدلاً من اعتمادهم على التفكير العقلاني والوسائل السلمية الحضارية ، وبطبيعتهم يقدوسون الماضي وتقاليد الأسلاف ويحاولون الأقتداء بها في حاضرهم وميالين لرفض كل جديد يتقاطع ويتعارض مع موروثهم الثقافي  من دون إدراك ، لذلك نجد الشعب العراقي بغالبيته يتراوح في مكانه ولذلك كان يَنقاد بسهولة من قبل حكامه الظالمين  طيلة تاريخه الحديث . بالمقابل يوجد هناك في الشعب العراقي كوادر مقتدرة ومفكرة وناضجة كثيرة ومتفوقة في قدراتها الفكرية والعلمية الأختصاصية الأبداعية  في كافة الحقول العلمية وتشهد لهم انجازاتهم العلمية الأبداعية المتعددة في مراكز البحوث العلمية والجامعات العالمية الراقية ، ولكن لا جدوى منهم في بلدهم لكونهم مبعثرين ومشتتين ومغيبين عن مركز صنع قرار البلاد السياسي من قبل الغالبية القليلي الخبرة والتجربة والشبه متخلفة التي توالت على حكم البلاد منذ سقوط النظام الصدامي ولحين تولي الدكتور حيدر العبادي لمقاليد الحكم بأساليب الشعوذة بأسم الله والدين والمذهب والله والدين والمذهب منهم براء . بجهود الخيرين والمخلصين الأوفياء للوطن من ابناء الشعب العراقي من كل مكوناته القومية والدينية والمذهبية سوف يخرج العراق من محنته ويستعيد عافيته ويعيد بناء كيانه كدولة وطنية مدنية ديمقراطية قويه يحكمها القانون تسود فيها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص للجميع من دون تمييز قومي وديني ومذهبي وجنسي ويكون الولاء الوطني والاخلاص في أداء الواجبات والنزاهة والكفاءة في العمل هو المعيار الوحيد الذي يحكم منح الحقوق وتحديد الواجبات بين الدولة والمواطن . 

خوشــابا ســـولاقا 
5 / شباط / 2015 – بغداد 


136
طبيعة الفساد المالي والإداري في الدولة العراقية الجديدة
خوشــابا ســولاقا
من المعروف إن الفساد المالي بحد ذاته في الدولة أية دولة كانت في الشرق أم في الغرب في الشمال أم في الجنوب في الدولة الديمقراطية أم في الدولة الديكتاتورية الأستبدادية يعني سرقة المال العام واستغلال موقع المسؤولية في أجهزة الدولة للأنتفاع  والأثراء الشخصي على حساب الدولة والشعب ، وإن أول ما يعنيه الفساد بالنسبة للموظف أو المسؤول بكل درجاتهم ومناصبهم في هيكلية الدولة هو خيانة الأمانة الوظيفية وعدم الوفاء بقسم اليمين ونكوث عهد الاخلاص للوطن والشعب ، وهكذا نمط من الفساد يكون مصدره أفراد فاسدين تَسولتْ لهم أنفسهم ودنت نفسيتهم على السحت الحرام بطرق غير مشروعة ، واتخذوا من سرقة المال العام وسيلة للأثراء والأنتفاع الشخصي بكل ما يتيح لهم من وسائل السرقة للتجاوز على المال العام متى ما سنحت لهم الفرص المناسبة لممارسة هذه النزوة الدنيئة . إن هؤلاء الشواذ من الأفراد عادة ليسوا إلا مَنْ سقطوا أخلاقياً واجتماعياً وتخلوا عن كل قيم الشرفْ والنُبلْ السامية التي من المفروض أن يتمتع بها كل موظف في دوائر الدولة من أصغرهم درجة الى  أكبرهم درجة . إن مثل هكذا نمط من الفساد لا تخلو منه مختلف دول العالم ، حيث يظهر أفراداً شواذ هنا وهناك ولأسباب عديدة تتعلق بظروفهم الاجتماعية الذاتية قد تكون تلك الأسباب مبررة بالنسبة لهم وتدفعهم لممارسة الفساد بالتجاوز على المال العام ، ولكن ليس الأمر كذلك وفق المعايير الأخلاقية والقانونية للوظيفة حيث يعتبر سرقة المال العام جريمة جنائية يحاسب عليها القانون وينال المتجاوز جزاءه العادل وفقاً للقانون . إن وجود هكذا نمط من الفساد في مؤسسات الدولة يتم محاربته والقضاء عليه بإحالة الفاسدين والمفسدين والراشي والمرتشي من قبل الجهات المختصة وفقاً للقانون الى القضاء لمحاسبتهم ، ومكافحة هكذا نمط من الفساد لا يشكل أمراً يصعب تنفيذه من قبل السلطات الأدارية والقضائية المختصة ويجعلها عاجزة من ملاحقة الفاسدين من رجال الدولة مهما كانت درجاتهم الوظيفية واحالتهم الى القضاء لينالوا جزائهم العادل لقاء ما اقترفوه من جرائم جنائية بحق الوطن والشعب ، ومثل هكذا نمط من الفساد وطريقة مكافحته بكفاءة قانونية عالية عايشهُ الشعب العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 م ولغاية عام 2003 م ، ويشهد على ذلك تاريخ أرشيف القضاء العراقي ، ولذلك بقي الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة العراقية محدوداً وبالمستوى المنطقي والمقبول وكان محصوراً بنسبة كبيرة في الرشاوي التي كانت تدفعها المواطنين لتمشية معاملاتهم الى ذوي النفوس الضعيفة من صغار الموظفين في الدولة هنا وهناك وفي دوائر معينة معروفة لا نريد ذكرها إلا أن العراقيين يعرفونها ، ونادراً ما نعثر في أرشيف القضاء العراقي الذي يشهد له بالبنان بعدالته ملفاً للفساد المالي يخص كبار موظي الدولة ، وقد لا نجد ملفاً واحداً يخص وزيراً  معيناً سابقاً في الدولة العراقية كما هو حال كبار موظفي الدولة العراقية الجديدة ووزرائها منذ عام 2003 ، يا لمفارقات هذا الزمن " الأكشر اللعين " قصر الله من عمره إن جاز التعبير !!! .
أما النوع الآخر من الفساد المالي ولإداري والذي نعتبره هو الأخطر فهو ذلك الفساد الذي يكمن في كون منظمومة الدولة نفسها بكل مؤسساتها الرسمية منظومة فاسدة تمارس الفساد المالي والأداري وتقود عمليات سرقة المال العام من خزينتها من خلال كبار مسؤوليها وموظفيها من الدرجات العليا والخاصة وقيادات الأحزاب والكتل البرلمانية المتنفذة ، هنا يكون للفساد الذي تقوده حيتان جائعة من كبار رجال الدولة ( حاميها حراميها ) وجهٌ آخر ومضمون جديد يتطلب من المراقب التوقف عنده ملياً وتفحصة بإمعان ليتمكن من تحديد مدى خطورة هكذا نمط من الفساد عندما يستشري في جسم مؤسسات الدولة كالسرطان الخبيث وصعوبة محاربته ومكافحته لكون الجهات التي ترعاه وتحميه وتجعل من سلطة الدولة الرسمية وقوتها وهيبتها غائبة وعاجزة عن القيام بدورها في مواجهة ومحاربة هكذا نمط من الفساد المالي والأداري ، لأن الفاسدين والمفسدين محميين من قبل جهات متنفذة في مؤسسات الدولة الرسمية كأحزابهم السياسية وكتلهم البرلمانية ومليشياتهم المسلحة التي أشبه ما تكون بالمافيات وعصابات الجريمة المنظمة تعمل خارج إطار القانون ، وتقوم بتصفية من يعترض طريقها ولا سلطان للدولة يعلو على سطوتها في الشارع ، لذلك يمكن القول للفاسدين في هكذا نمط من الفساد المالي والإداري " صِيروا حرامية  ولا تخافوا من السلطان طالما هناك من هو فوق القانون يحميكم " بدلاً من القول الدارج الذي يقال بحق النزيهين من العاملين في الوظائف الرسمية في مؤسسات الدولة " حرامي لا تصير ومن السلطان لا تخاف " . إن ما مستشري اليوم من الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة العراقية الحالية العسكرية والأمنية والمدنية منذ ما يقارب من إثنا عشر عاماً وشيوع سرقة المال العام وغسيل الأموال وتهريبها الى خارج البلاد بطرق مختلفة غير مشروعة من قبل كبار رجالات الدولة في وضح النهار دون رادع يردعهم هو مثل هكذا نمط من الفساد البشع ، اي فساد منظومة الدولة بكاملها وليس فساد أفراد معينين في مؤسسات وأجهزة الدولة كما اسلفنا والذين يتم محاسبتهم ومحاربتهم ومكافحتهم من خلال القانون ، بينما لا يمكن محاسبة ومحاربة ومكافحة الأفراد الفاسدين في حالة فساد منظومة الدولة بكاملها لكون أدوات ومنظومات حمايتهم من طائلة القانون أقوى من سلطة الدولة القائمة على مؤسسات فاسدة ، لذلك فإن إقدام أية حكومة جادة في محاربة الفساد في مثل هذه الحالة تكون مهمتها صعبة للغاية إن لم تكون مستحيلة ، عليه يتطلب الأمر من هكذا حكومة أن تُؤمن لنفسها قوة مسلحة خاصة ومؤهلة من الجيش والقوات المسلحة الأخرى أكبر وأقوى من القوة التي تحمي الفاسدين وسراق المال العام ، وباستخدام هذه القوة الوطنية المخلصة يتم عزل الرؤوس الفاسدة الكبيرة المتنفذة وإبعادهم عن مواقع المسؤولية في أجهزة الدولة وسحب جوازات السفر منهم لمنعهم من الهروب الى خارج العراق ووضع الحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة ووضعهم تحت الأقامة الجبرية في منازلهم والتحري بالتعاون مع المؤسسات الدولية المختصة عن أرصدتهم في البنوك في البلدان الأخرى وتجميدها تمهيداً لأعتقالهم واحالتهم الى القضاء وفقاً للقانون ليقول القضاء قوله بحقهم ومن ثم إعادة أموال الدولة المسروقة الى العراق .
إن حكومة العراق الحالية برآسة الدكتور حيدر العبادي قد ورثتْ بِلا شك تركة ثقيلة جداً من الفساد المالي والإداري المستشري في كافة مؤسسات الدولة من الباب للمحراب وهو فساد من نمط " فساد منظومة الدولة " وأصبح فساداً مزمناً تعاني منه ميزانية الدولة بشدة . إن المبالغ التي تم صرفها بحسب تخصيصات الموازنات السنوية العامة في مشاريع وهمية وصل عددها الى أكثر من ستة آلاف مشروع كما تؤكد على ذلك المصادر العراقية الرسمية والأجنبية وتناولته وسائل الأعلام المختلفة قد بلغت بحدود ترليون دولار ( أي ألف مليار ) خلال العشرة سنوات الماضية كما أكده السيد نائب رئيس مجلس الوزراء الحالي الأستاذ بهاء الأعرجي في احدى لقاءاته مع احدى القنوات الفضائية ، إنه في الحقيقة رقم فلكي كبير بالنسبة لبلد مثل العراق ، وفي مقابل ذلك لا نجد شيئاً يستحق الذكر من الأنجازات الاستراتيجية المهمة على أرض الواقع في كل القطاعات الأستثمارية والخدمية واعادة تأهيل البنى التحتية المدمرة للأقتصاد الوطني . هذا كان واقع العراق عندما استلم الدكتور حيدر العبادي لمهامه كرئيس لمجلس الوزراء ، ولكن بالمقابل نلمس من الدكتور العبادي خلال هذه الفترة القصيرة من حكمه الجدية والصدق والرغبة الجامحة في العمل لاصلاح ما خربه سلفه بسياساته الفاشلة والخرقاء في وضع العراق الآيل الى الأنهيار المالي والأقتصادي بعد الأنهيار الأمني والسقوط في الهاوية في ظل استمرار احتلال وسيطرة الأرهاب الداعشي على أكثر من ثلث مساحة العراق ونزوح ما يُقارب من المليونين نازح من منازلهم في مناطق سكناهم وتشردهم في المحافظات الأخرى طلباً للأمن والآمان لحياتهم والعيش في مخيمات مزرية تفتقر الى أبسط مستلزمات السكن التي تليق بالانسان في ظل هذه الظروف المناخية القاسية والصعبة ، وتفاقم الأزمات والصراعات الطائفية والأثنية التي صنعتها سياسات الحكومتان الفاشلتان السابقتان . لذلك وفي ظل هذا الواقع المزري نقول يتطلب الأمر من كل القوى الوطنية العراقية المخلصة بذل وتحشيد كل الجهود والطاقات وتجاوز كل الخلافات الثانوية والجانبية والأبتعاد عن المشاكسات السياسية السقيمة والأتفاق على المشتركات الأساسية وتعزيزها لدعم حكومة الدكتور حيدر العبادي لتمكينها من مواجهة التحديات الكبيرة والكثيرة بكل ما تمتلك من القوة لأنقاذ سفينة العراق من الغرق والسقوط في الهاوية وإيصالها الى شاطئ الأمان . إن كل وطنيٌ عراقٌ غيور يدرك تماماً بأنه ليس هناك توازن وتكافؤ بين حجم التحديات الموجودة على الأرض التي تواجه حكومة الدكتور العبادي وبين الأمكانيات المتاحة بيد حكومته ليحقق النصر النهائي على أعداء العراق والعراقيين من الأرهابيين الداعشيين بمختلف تسمياتهم وتشابه أفعالهم الشنيعة بحق العراقيين ، ومن الأرهابيين الفاسدين من سراق المال العام القابعين في مؤسسات الدولة الرسمية ، ولكن هناك موجود لدى الدكتور العبادي ومؤيديه ما هو أهم من القوة المسلحة في مواجهة التحديات ألا وهو وجود الأرادة الحرة والجدية الصادقة والدعم الشعبي والدولي والسعي الحثيث للقضاء على الفساد المالي والأرهاب الداعشي البغيض واللذان يشكلان وجهان لعملة واحدة عاجلاً أم آجلاً ، فليسمع من له آذان صاغية ، وفليرى من له عيون ثاقبة ، وفليحس من له إحساس بألم الوطن وجروحه التي تنزف دماً عراقياً زكياً منذ إثني عشر عاماً من دون توقف ، أن التغيير قادم لا محال ، والحرامي والفاسد والخائن لا مكان له في العراق وسوف يقتص منه القانون مهما طال به الزمن لا محال لأن تلك هي سنة الحياة ومنطق التاريخ .


    خوشـــابا ســـولاقا
20 / ك2 / 2015 – بغداد 


137
ما كتب من قبل البشر في تطبيق العقيدة المسيحية كطقوس وتقاليد ليس مقدساً بل يمكن تغييره
خوشابا سولاقا
يعتبر الكتاب المقدس / العهد الجديد بحسب وجهة نظرنا هو دستور العقيدة المسيحية أي الدين المسيحي وهو مرجعها الفكري الأيديولوجي الوحيد ، وما ورد فيه هو كل ما جاء وبشر به السيد المسيح له المجد وتلامذته من بعده ، وهو ما يجب إعتباره كتاباً مقدساً لا يجوز المساس به وتغييره اطلاقاً لأنه هو ما قاله الأب والأبن والروح القدس ، وهو الكتاب الذي لا تختلف عليه كل المذاهب المسيحية الرئيسية والثانوية والجميع مجمعين عليه ويعتمد حرفياً نصاً وروحاً في طقوس كنائسها هذا من جهة ومن جهة ثانية لم نقرأ في التاريخ يوماً ولم نسمع في وقتٍ من الأوقات خلال أكثر من ألفين عاماً من عمر المسيحية أن الكتاب المقدس / العهد الجديد ( الأنجيل ) كان موضوع الخلاف والأختلاف بين المذاهب المسيحية الحالية وهذا يعني أن العقيدة المسيحية التي وصلتنا على لسان السيد المسيح له المجد وتلاميذته من بعده كانت عقيدة واحدة موحدة في الشكل والمضمون لا تقبل التجزئة والتأويل والأجتهاد لكي يُتخذ منها من قبل البشر ( المجتهدون ) لاحقاً وسيلة لتقسيم الناس الى جماعات وشيع مسيحية متناحرة ولأن تصبح وسيلة لنشر التفرقة والكراهية والأحقاد بين معتنقيها ، بل إن ذلك كان وما يزال من صنع البشر من الذين أطلقوا العنان لأنفسهم ولأفكارهم لأن يجتهدوا في تفسيراتهم لأقوال السيد المسيح له المجد وأيات الأنجيل المقدس وقدموا لأبناء الكنيسة الواحدة طقوس  وممارسات وتقاليد مختلفة في مضامينها الى درجة التعارض والتقاطع مع روح العقيدة المسيحية السمحاء ونتيجة لذلك ظهرت المذاهب الكنسية . من هنا نجد وبجلاء ووضوح أن المذاهب المعتمدة في الكنائس المسيحية كافة تختلف مع بعضها البعض الى درجة الهرطقة ( التكفير ) ليس على ما ورد في الكتاب المقدس بعهده الجديد ( الأنجيل المقدس ) بل اختلفت على أجتهادات المجتهدين من البشر حول طبيعة السيد المسيح له المجد بين أن يكون له طبيعة واحدة أم طبيعتين ومن ثم ما ترتب على ذلك تسمية العذراء مريم المقدسة بين أن تسمى بأم الله أم بأم المسيح .
 بسبب هذه الأجتهادات المبتذلة التي قادوها بعض المتسيدين في مؤسسة الكنيسة والذين اختاروا الأبتعاد عن جوهر العقيدة المسيحية لغاية في نفوسهم أم لمجرد سفسطة فلسفية لا طائل من ورائها لا تختلف بشيء عن فلسفة البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة في اجتهاداتهم الميتافيزيقية وعلى خلفية الصراع السياسي بين الشرق المتمثل بالأمبراطورية الفارسية والغرب المتمثل بالأمبراطورية الرومانية والنزاعات الفردية بدوافع الحقد الشخصي والمصالح الشخصية بين المجتهدين في الكنيسة  وتوزيع ولاءاتهم بين الشرق والغرب ، وبحكم هذا الواقع توسعت وتعددت الأسباب المؤدية الى تسييس الأجتهادات العقائدية في الكنيسة وانتهت بالتالي الى ظهور المذاهب المتناحرة وتعددت الكنائس المسيحية وأصبحت على ما هو عليه اليوم ، وما تزال دوافع الأنشطارات في الكنيسة بسبب الأجتهادات البشرية قائمة وفاعلة بقوة على خلفية المصالح الشخصية  للمجتهدين تهدد بتقسيم المقسم وتجزئة المجزء .
في ضوء ما تقدم وما هو معروف لدى الجميع من أكليروس الكنائس والمثقفين العلمانيين وكل المطلعين على تاريخ الكنيسة المسيحية أن واقع الحال المقسم والمجزء لكنيسة المسيح هو نتاج الأجتهادات البشرية من اللاهوتيين والمفكرين والفلاسفة في الكنيسة ، وبالتأكيد ربما كانت تلك الأجتهادات كلها أو على الأقل بعضها تلبي متطلبات التغيرات الحاصلة في الحياة الانسانية في ظروف زمانية ومكانية محددة آنذاك ولكن طالما كانت الحياة الاجتماعية في حالة تغير مستمر دائم فإن تلك الأجتهادات في صياغة طقوس الكنيسة لا بد أن تكون هي الأخرى في حالة تغير وفقاً لذلك لكي تتمكن الكنيسة كمؤسسة اجتماعية تبشيرية بمفاهيم الخير والمحبة والمساواة والحرية والسلام ونبذ الشر والحقد والكراهية والضغينة بين البشرأن تواكب الحياة الأنسانية بكل تفاصيلها الاجتماعية والا سوف تتخلف من أداء ما عليها من الواجبات الانسانية كما أرادها لها السيد المسيح له المجد ، عليه فإن التعليمات الطقوسية المعتمدة في الكنائس بحسب المذاهب هي من صنع البشر وهي بالتالي ليست مقدسة لا يمكن المساس بها وإعادة النظر فيها إذا أقتضت الضرورة وتغييرها أو تبديلها بأخرى أكثر انسجاماً وتجاوباً مع المستجدات الحياتية أو اصلاحها بحسب متغيرات الحياة الاجتماعية بل من حق أبناء الكنائس والقائمين عليها اليوم تغييرها أو تبديلها بحسب ما يتناسب مع متطلبات حياتهم الحاضرة . من هنا ندعو مرجعيات كنائسنا المشرقية ولاهوتيينا ومفكرينا ومثقفينا العلمانيين الى إعادة النظر بكل ما معتمد من الطقوس والتقاليد وألأدعية والصلوات في كنائسنا التي تكرس واقع التقسيم والتجزئة والعداء المذهبي القائم وتزيده عمقاً يوم بعد آخر ، وقرائتها قراءة نقدية علمية وتحليلية موضوعية ومقارنتها بما تتطلبه المستجدات والتغييرات في حياتنا العصرية لأن تلك الطقوس والتقاليد والأدعية والصلوات قد كتبت من قبل بشر أناس مثلنا وليسوا بملائكة معصومين من الخطأ وليسوا بأفضل منا علماً ومعرفةً ولا أكثر ثقافة منا بما تحتاجه حياتنا في عصرنا الحاضر ، هؤلاء الذين وضعوا أسس تلك الطقوس والتقاليد التي نقدسها اليوم من دون وعي ونمارسها في كنائسنا هم رجال دين بمختلف درجاتهم الدينية ولم يكن لأي واحد منهم قبل مئات السنين شهادات جامعية أكاديمية علمية عالية كالدكتوراه ومتخصصين في العلوم الدينية واللاهوت والفلسفة وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم الانسانية كما هو حال مرجعياتنا الدينية الحاليين اليوم . لماذا نقبل بما كتبوه هؤلاء مع جل احترامنا لهم ونقدسه ولا نقبل بما يكتبه مرجعياتنا الحالية بخصوص ما تحتاجه حياتنا الحاضرة في تنظيم شؤوننا الأسرية والاجتماعية ؟؟ ، أليست مرجعياتنا الدينية الحالية أقرب في فهمها الى واقعنا الحاضر من أوليائنا الأجلاء القدماء ؟؟ ، إن ترك الأمور على هذا المنوال يشكل تجنياً كبيراً على مرجعياتنا الدينية الحالية وإلغاءً لدورهم التاريخي في تطوير أداء الكنيسة في ردم الهوة القائمة بينها كمؤسسة اجتماعية اصلاحية وبين متطلبات الرعية المستجدة باستمرار .
 إن هذه الدعوة لا تعني الألغاء الكامل كما قد يفهمها البعض من المغالين في تزمتهم في المحافظة على تراث الأولياء لما كتبوه أولائك الأولياء من الأباء الكنسيين الأجلاء من ألفه الى يائه في أي حال من الأحوال ، بل إنها تعني تحديداً إعادة النظر به وإعادة قراءته قراءة نقدية واقعية وتشذيب كل ما أصبح منه بالياً ومتخلفاً لا يتماشى  مع متطلباتنا الحاضرة ، والأبقاء على كل ما يزال منه مفيداً ومستجيباً لمستجدات حياتنا العصرية ، وتجاوز وإلغاء كل ما يكرس منه واقع التقسيم والتجزئة المذهبية المقيتة ، وإضافة إليه كل ما يعزز من أسباب تقاربنا وتطهيرنا من إرث ثقافة الماضي المذهبية وردم حجم هوة الخلافات بيننا ويدعم تحقيق وحدتنا الكنسية والقومية .

 خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 10 / ك2 / 2015 


138
حوارات كيف تفضي الى إحداثْ تغييرات وإصلاحات تاريخية جذرية
خوشابا سولاقا
منذ مدة ونحن نتابع باهتمام بالغ وبحرص شديد ما يكتب وينشر في هذا الموقع الكريم من مقالات وردود وتعقيبات متبادلة للأخوة الكتاب من الذين ينتسبون الى المكون الكلداني ، والذين نجلهم جميعاً ونحترم أقلامهم الراقية جلى احترام ، ونكن لهم المحبة وخالص التقدير ، حول ما حصل من خلاف أو سوء فهم بين مرجعية كاتدرائية ساندييغو الكلدانية الكاثوليكية في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة بغبطة المطران الجليل مار سرهد جمو ومن يواليه ويؤيد طروحاته ومواقفه وبين السُدة البطريركية للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والشرق الأوسط والعالم المتمثلة في قداسة البطريرك الجليل دامت بركاته مار لويس روفائيل الأول ساكو لأسباب تشوبها نوع من الغموض والضبابية لأغلب الناس العاديين  وعلى ما يبدو لنا حتى للجزء الأكبر من المثقفين المهتمين بهذا الأمر ، لذلك جاءت كتابات معظمهم ضمن إطار الوصف الظاهري للحدث وتأثيراته السلبية على مسيرة الكنيسة الكلدانية بشكل خاص والكنائس المشرقية الشقيقة بشكل عام ، والايحاء بإلقاء المسؤولية بشكل غير مباشر على هذا الطرف أو ذاك بحسب قناعاتهم ورؤآهم الشخصية المنبثقة اساساً من خلفيات سياسية مختلفة دون الدخول في الأسباب الجوهرية التي تكمن في طبيعة النظام الأبوي الأستبدادي المعتمد في كل الكنائس منذ ظهور أول كنيسة مسيحية كمؤسسة دينية واجتماعية والى يومنا هذا  . هذا النظام الذي يفرض الخضوع المذل والطاعة العمياء من الأدنى للأعلى من دون مناقشة في أي حلقة من حلقات هيكل هذا النظام الجامد المتخلف الذي لا يؤمن ولا يقبل بأي تغيير مهما كانت طبيعته يؤدي الى تغيير شكل العلاقة بين الأدنى والأعلى في إدارة الكنيسة كمؤسسة اصلاحية اجتماعية التي من المفروض بها أن تتغير وفق مستجدات وتطورات الحياة الانسانية ، هذا النظام الشمولي يحصر اختيار الأشخاص لتولي المناصب في مختلف حلقات هيكله التنظيمي بين الدرجات العليا من الأكليروس من دون مشاركة صغار الدرجات والعلمانيين من الرعية ( الأتباع ) ، وهذا يعني إلغاء ارادة أكثر من ( 99.99 % ) من أبناء الكنيسة ، وهنا من حقنا أن نتسأل اليست هذه هي الديكتاتورية الفردية الأستبدادية بعينها في جميع كنائس السيد المسيح له المجد ؟؟ ، ألم يَحنْ الوقت للتغيير والأصلاح في هذا النظام لمنع حصول ما حصل في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية اليوم وما حصل بالأمس القريب من انشقاق في عام 1964 في الكنيسة الشرقية القديمة للآثوريين ؟؟؟ . هذا النظام هو نظام شمولي استبدادي ديكتاتوري تنعدم فيه أبسط اشكال الممارسات الديمقراطية ، ويَكُمْ الأفواه ويكبتْ حرية الرأي ويمنع رفض ما يمليه الأعلى في الدرجات الدينية على الأدنى بكل مستوياتهم ، ويلغي كلياً دور الرعية ويصادر إرادتها في صنع قرارها . لقد جرت العادة في الفكر المسيحاني في كل الكرّزات الدينية بتشبيه الرعية أي الأتباع بقطيع الغنم والكاهن الأعلى في أية حلقة بالراعي الصالح الذي يرعى قطيعه . لماذا لا نمعن النظر بعمق في هذه العلاقة التي من المؤكد تصبح مصدراً طبيعياً لمثل هكذا خلافات واختلافات ونحن نعيش في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ؟؟؟ .   
عندما قرأنا مقال للأخ الأستاذ ناصرعجمايا كتعقيب على مقال الأخ الأستاذ انطوان الصنا الموسوم " كيف أنتقل الفساد المالي والأداري من الفاتيكان الى الكنيسة الكلدانية ؟ " وجدنا أن الحوار بينهما بعيداً جداً عن المتوخي منه ليكون حواراً منتجاً يخدم قضية معينة مع احترامنا الشديد للأستاذين ناصر وانطوان اللذين أكنُ لهما احتراماً كبيراً  وكما وجدنا ذلك دائماً مع الكتاب الآخرين الذين كتبوا قبلهما عن هذا الموضوع  ذاته ، حيث يلفون ويدورون حول الموضوع دون المساس بجوهره الذي هو كامن في طبيعة النظام الأبوي الشمولي الأستبدادي السائد في جميع كنائس السيد المسيح له المجد ، وهنا نستثني من هذا الوصف كتابات الأستاذ الفاضل الدكتور ليون برخو الذي يتناول فيها بموضوعية وعلمية أكاديمية الجوانب الجوهرية في كل ما تعاني منها كنائسنا المشرقية جميعها من اشكاليات لاهوتية وتاريخية والتي في ذات الوقت ينال بسببها الدكتور ليون برخو حصة الأسد من الأنتقادات اللاذعة والجارحة من بعض الأخوة المتشددين في أفكارهم المنطلقة من خلفيات مذهبية ضيقة مع الأسف الشديد .
حيث ينتقد الأستاذ ناصر عجمايا في مقاله الأستاذ انطوان الصنا على استعماله في مقاله المنوه عنه لهذه العبارة "  تحدي وتمرد المطران سرهد جمو على البطريركية الكلدانية " وهنا من حقنا أن نسأل الأستاذ عجمايا  إذا لم تكُن الحالة كذلك فاية تسمية تليق بما جرى يا أستاذ ناصر ؟؟ ، ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن الأستاذ انطوان الصنا بل نبتغي التجنب عن الحوار الغير المنتج الذي تكتنفه المجاملات والمساجلات والدوران في حلقة مفرغة من دون جدوى . بحسب وجهة نظرنا المتواضعة لكي تكون الحوارات منتجة يجب أن تسمى الأشياء بمسمياتها الصحيحة دون لف ودوران . نحن نرى في هذه الكتابات المتنوعة في أبعادها الفكرية والتاريخية والاجتماعية التي غزتْ صفحات هذا الموقع وغيره من مواقع أبناء أمتنا منذ مدة بعد ظهور هذا الخلاف بين كاتيدرائية ساندييغو والسُدة البطريركية في بغداد خطراً داهماً على مستقبل الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ، لأن الأكثار منها سوف توسع من مساحة الأجتهادات المتناقضة والمتضاربة والتي لا تؤدي الى حل المشكلة من جذورها بل ستزيدها تعقيداً وغموضاً وتعمق من أسبابها ، وقد تؤدي بالنتيجة لا سمح الله الى عواقب وخيمة لا تُحمد عُقباه تنتهي بانشطار الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كما حصل مع الكنيسة الشرقية القديمة للآثوريين عام 1964 . عليه نستطيع القول أن الأستزادة من هذه الكتابات مع جل احترامي للكتاب بكل تنوعاتهم ومشاربهم سوف لا يعدو ذلك أكثر من أن يكون الأمر أشبه بصب الزيت على النار المشتعلة ويزيدها سعيراً ولهيباً  لا يمكن لمن أشعلها أن يطفيها بالنفخ عليها . ننصح أخوتنا المثقفين الكلدان أن يستفيدون من تجربتنا نحن الآشوريين كيف بتصرفنا الأحمق غير الناضج وغير الواعي في العقد السابع من القرن الماضي أشعلنا النار في بيتنا وكنيستنا وانتهى بنا الأمر الى التمزق الكنسي والاجتماعي وحتى التمزق الأسري بسبب الخلافات السياسية والعشائرية التاريخية بين بعض القيادات العشائرية وبين السُدة البطريركية في الكنيسة الشرقية القديمة . هنا نقولها وبدافع الحرص والمحبة للأخوة الكلدان دعكم من النفخ في النار لأننا لا نريد أن تتكرر تجربتنا المشؤومة في كنيستكم المباركة ، يجب عليكم قراءة التاريخ جيداً وأن تدركوا بأن الولاء المذهبي اللاهوتي الكنائسي بعد عام 1551 م كان السبب الوحيد في تمزقنا قومياً وكنسياً ، وكان تسييس الولاء للمرجعية الكنسية والقيادات العشائرية سبباً رئيسياً في تمزيق كنيستنا الشرقية القديمة ، لا نريد أن يكون خلافكم اليوم سبباً لتمزيق كنيستكم ومجتمعكم .
في الختام نريد أن نقول طالما أن النظام الأبوي الأستبدادي المتخلف القائم على أساس الولاء المطلق والخضوع التام للأعلى في الدرجة الكنسية معتمداً في كنائسنا مع غياب الديمقراطية فان احتمال ظهور الرفض والمعارضة لأوامر الأعلى سوف يكون قائماً على الدوام ، بل سيكون أكثر خطورةً يوم بعد آخر إذا لم يتم تداركه بسرعة من قبل القائمين على حكم الكنيسة ، وإن كل الحلول التي تطرح هنا وهناك من قبل هذا الكاتب أو ذاك عبر وسائل الأعلام المختلفة لأحتواء المشكلة سوف لا تشكل حلول جذرية لأستئصال جذورها بشكل نهائي ، بل سوف تكون حلول ترقيعية  مؤقتة وتعاود المشكلة للظهور مرة أخرى كلما سنحت لها الفرصة للظهور من جديد .
عليه فإن الحل الجذري والأمثل لتجاوز كل الأحتمالات بتكرار هذه الظواهر في الكنيسة يكمن في تغير النظام الأبوي الشمولي الأستبدادي المعتمد الى نظام ديمقراطي في اختيار قيادات الكنائس بكل درجاتها الدينية واطلاق حرية الرأي والرأي الآخر ومشاركة الأتباع من العِلمانيين في اختيار القيادات الكنسية بكل درجاتهم عبر الانتخابات الديمقراطية الحرة المباشرة والغاء حصرها باكليروس الكنيسة كما جرت العادة . لذا ندعو كتابنا الى تبني هذا المشروع " مشروع التغيير والأصلاح في النظام الأبوي للكنيسة " في كتاباتهم لخلق وعي جماهيري من أجل تأسيس لثقافة جديدة تؤمن بهذا التوجه لدى رجال الدين ولدى العلمانيين على حدِ سواء . إن انجاز هذا المشروع هو الكفيل باجراء نقلة نوعية في تطوير الكنيسة وردم الهوة بينها وبين جماهيرها من  الأتباع . لو لم تحصل ثورة الأصلاح الديني في الكنيسة في أوربا في القرن الخامس عشر بزعامة الراهب والقسيس الألماني " مارتن لوثر " لكانت الكنيسة قد تمادت أكثر فأكثر في تسييس الدين المسيحي وسلطة الكنيسة الروحية في إذلال وظلم الناس وتهيئة الظروف لأحداث ثورة عارمة للخلاص من حكم الكنيسة الظالم ولكان مستقبل العقيدة المسيحية الكاثوليكية في خبر كان اليوم بسبب بشاعة ممارسات سلطات الكنيسة من خلال محاكم التفتيش الجائرة المتناقضة مع جوهر وروح العقيدة المسحية السمحاء .
كانت ثورة " مارتن لوثر " وترجمة الأنجيل من اللغة اللاتينية الى اللغات الوطنية ثورة الأصلاح الأولى نحو الأممية ، وكان قرار الفاتيكان بكسر احتكار الكرسي البابوي حصراً بالطليان قبل أكثر من أربعة عقود الثورة الثانية نحو الأممية ، وسوف يكون تحرر الكنيسة – كل الكنائس -- من النظام الأبوي الأستبدادي الى نظام ديمقراطي الثورة الثالثة نحو الأممية التي بدأها الحبر الأعظم قداسة البابا فرنيس الحالي من خلال تصريحاته الأخيرة التي أثارت ضجة إعلامية كبيرة في أوساط الكنائس العالمية كلها ، حيث دعى فيها الى إكتساب فهماً جديداً لبعض العقائد المسيحية والتي أكد فيها بشكل واضح وجلي بأن الله ليس قاضياً ولكنه صديق ومحب للإنسانية وإنه لا يسعى الى الادانة وإنما فقط الى الأحتضان ، هذه التصريحات تعني دعوة الإنسان المؤمن الى تحرير ذاته من الخوف والتوجه نحو تغيير واصلاح شروط حياته بما هي أكثر انسجاماً وتجاوباً مع تطورات شروط الحياة وجعلها أكثر صدقاً ويسراً ورأفةً . كما هو معروف للجميع لقد أصرت الكاثوليكية على مدى قرون طويلة رغم التطورات النوعية الكبيرة الحاصلة في العالم وفي علوم الدين على رفض ومحاربة أي تجديد وتغيير أو تعديل في نظرتها وطقوسها الكنسية وعقائدها الدينية وبقيت متشددة في رؤآها للحياة مقارنة بغيرها من المذاهب المسيحية مثل البروتستانتية التي خطت الكثير من الخطوات الأصلاحية في ممارساتها الكنسية . لذلك نجد في تصريحات الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس دعوة صريحة ومباشرة الى ضرورة أجراء التغيير والأصلاح الديني في الكنيسة واكتساب فهماً جديداً لبعض العقائد المسيحية التي تقود الأنسان الى التحرر من الخوف والأنطلاق الى العمل لخدمة البشرية بشكل أفضل . 

خوشــابا ســولاقا
3 / ك2 / 2015 – بغداد



139
الأمة المظلومة لا يمكن لها أن تصبح أمة ظالمة

خوشابا سولاقا
إنها مقولة رائعة جداً ومؤثرة للغاية في نفس وتفكير كل انسان ثوري حقيقي  يرفض الظلم ويبحث عن التحرر والأنعتاق لأمته ولانسانية جمعاء ، مقولة أطلقها انسان ثوري عظيم كان له دور كبير في تثوير الفكر الانساني لرفض الظلم والطغيان وتغيير مسار التاريخ في العصر الحديث . نتعمد هنا عدم ذكر اسمُهُ لكي لا تقرأ هذه المقولة انطلاقاً من خلفية أيديولوجية سياسية ضيقة ، بل لكي تقرأ بشكل مجرد من أية خلفيات فكرية وسياسية لكي تحافظ على مضمونها الذي قيلت من أجله . بالتأكيد إن المقصود بهذه المقولة هنا هم الأخوة الكورد في أقليم كوردستان العراق كأمة بشكل عام وقادة الأحزاب الكوردية كنخب سياسية تقود حكومة الأقليم منذ أكثر من عشرين عاماً وأصحاب القرار السياسي في أقليم كوردستان بشكل خاص .
يتكون شعب أقليم كوردستان حالياً من مكونات قومية ودينية ومذهبية عديدة مثل الكورد والتركمان والعرب والآشورين والكلدان والسريان والأيزيديين والأرمن والصابئة المندائيين والشبك والكاكائيين ، هذه هي التركيبة الديموغرافية لأقليم كوردستان العراق وعاشوا متجاورين ومتشاركين في السراء والضراء منذ سنوات طويلة ، ومنذ أن انطلقت الثورة الكوردستانية في أيلول عام 1961 شارك أبناء جميع هذه المكونات القومية والدينية الى جانب الأخوة الكورد في الكفاح المسلح الذي قاده الخالد الذكر مصطفى البرزاني وتحملوا مع الكورد كل ما أصابهم من مأسي ومعاناة وتهجير قسري جراء الحرب الدائرة لسنوات طويلة مع السلطة المركزية ، وكان للآشوريين والكلدان بشكل خاص مشاركة فعالة منذ البداية من خلال مشاركتهم في العمليات العسكرية ضد قوات الأنظمة القومية الفاشية في بغداد لغاية سقوط النظام البعث الصدامي في التاسع من نيسان من عام 2003 على يد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، وقدموا خلال مسيرة الثورة الكوردستانية النضالية المئات من الشهداء الى جانب شهداء قوات البيشمركة الكوردية على مذبح الحرية . إن القيادات الحزبية الكوردية الحالية التي تدير الحكومة في الأقليم تعرف ذلك جيداً وتعرف كذلك كم هو عدد شهداء أمتنا الذين انخرطوا في صفوف الحركة الكوردستانية أو المنخرطين منهم في صفوف أحزاب وتنظيمات الحركة الوطنية العراقية التي قاتلت الحكومات الفاشية في العراق الى جانب قوات البيشمركة الكوردستانية في جبال كوردستان دفاعاً عن حقوق شعب كوردستان ، إضافة الى من شارك منهم في الثورة الكوردية من خلال تنظيماتنا القومية في السنوات الأخيرة من الثورة والمنضوية في " جوقد " .
هذا الأستعراض المختصر أردنا منه توضيح دور المكونات القومية والدينية القاطنة فيما يسمى حالياً بأقليم كوردستان العراق في الثورة الكوردستانية لنيل حقوق شعب كوردستان العراق بكل مكوناته القومية والدينية ، وقد أدى الجميع ما كان مطلوباً منهم على أكمل وجه في الضراء ، ودفعت الثمن غالياً وسالت دمائهم الزكية على أرض كوردستان ، وقدموا التضحيات الكبيرة في فقدانهم لأموالهم وحلالهم وأولادهم وهجروا قراهم وقصباتهم حالهم حال أخوانهم الكورد ، وفي سبيل المثال وليس الحصر على ذلك أن قرى عشيرة كاتب هذه الأسطر شردشت وهلوه نصارى في ناحية برواري بالا قضاء العمادية محافظة دهوك قدمت ستة وعشرون شهيداً بسبب الثورة الكوردستانية عام 1961 ، وليس حال القرى الأخرى لأبناء أمتنا في عموم الأقليم بأفضل من حال قرانا المنكوبة .  بعد سقوط نظام البعث الصدامي حصدت الثورة الكوردستانية حصادها الوفير ونال الأخوة الكورد استحقاقهم في كل شيء وصار لهم حكومة فيدرالية في أقليم كوردستان العراق بالكمال والتمام من دون نقيصة .
ألم يكُن من الأنصاف أن ينال الآخرين الذين شاركوا الكورد في الحصاد أن يشاركوهم أيضاً في نيل ما يستحقون من الحقوق في المشاركة الحقيقية في مؤسسات حكومة الأقليم كما هو حال مشاركة الكورد في حكومة العراق الأتحادية اليوم ؟؟ وليس الأكتفاء فقط بمشاركة التمثيل الرمزي الأنتقائي من خلال تعيين بعض التوابع من أبناء أمتنا في مؤسسات حكومة الأقليم كما كان يفعل نظام البعث الصدامي مع الكورد أيام زمان . أيها السادة الأحبة حكام أقليم كوردستان الحاليين لماذا تريدون لغيركم من الشركاء في الأقليم ما رفضتموه من غيركم في الحكومة الأتحادية حالياً أو من الحكومات العراقية السابقة ؟؟ ، ما هذه الأزدواجية في سياستكم في حكم الأقليم والكيل بمكيالين ؟؟ ، وإلا من حقنا أن نتساءل ما هو الفرق بينكم وبين من كان يفعل الشيء ذاته معكم كنظام حزب البعث الصدامي ومن سبقوه ؟؟ عندما كانوا ينصبون توابعهم ممثلين لكم في حكوماتهم رغماً عنكم  لتأتون اليوم بمن هو تابع لأحزابكم من أبناء أمتنا وتنصبونهم ممثلين لنا في مفوضية الانتخابات في أقليم كوردستان في ظل وجود ممثلين شرعيين لنا ومنتخبين ديمقراطياً من أبناء أمتنا في برلمان الأقليم دون أن يؤخذ رأيهم في ترشيح من يمثل أمتنا في مفوضية الأنتخابات . أليست هذه المقولة الحكيمة " الأمة المظلومة لا يمكن لها أن تصبح أمة ظالمة " صائبة وفق النهج والفكر الديمقراطي الذي تنادي به أحزابكم الحاكمة ؟؟ أم أنها لا تتماشى مع أجنداكم السياسية الأقصائية ؟؟ ، حيث تشاركون الآخرين فقط في صيد الغنيمة وتقصوهم من المشاركة في الوليمة ؟؟ . حقيقة أن التجارب الكثيرة تاريخياً قي مختلف البلدان أثبتت بشكل قاطع أن الأحزاب القومية والدينية ذات الطبيعة الشمولية لا يمكن لها أن تتحول وتصبح أحزاب ديمقراطية عندما تصل الى سُدة الحكم في بلدانها وهذا ما تؤكده تجربتكم في حكم الأقليم باقصائكم لشركاء العيش اليوم وشركائكم في الثورة بالأمس القريب .
بهذه المناسبة نوجه ندائنا الى فخامة رئيس الأقليم كاكه مسعود البرزاني المحترم وكافة قيادات الأحزاب الكوردية المشاركة في برلمان وحكومة الأقليم المحترمين إعادة النظر في تسمية ممثلينا في المفوضية العليا لأنتخابات الأقليم على أن تتم تسميتهم من قبل ممثلينا في برلمان الأقليم ودمتم سالمين للنضال من أجل خدمة شعب أقليم كوردستان بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية دون تمييز ، أملنا كبير بألأمة الكوردية التي عاشت مظلومة طيلة تاريخها لا يمكن لها أن تصبح أمة ظالمة لغيرها ممن شاركوها مظالمها ومآسيها طيلة تاريخها المعاصر .
 خوشـــابا ســـولاقا
14 / ك1 / 2014 – بغداد

140
" دويخ نوشي " والواجب القومي لتنظيمات أمتنا لتحرير الأرض والإنسان

خوشابا سولاقا
إن حسن النوايا وصدق المقاصد ونبلها ، وسمو الأهداف التي يطلق العنان لها من قبل قادة تنظيماتنا القومية بكل توجهاتها الفكرية ومنطلقاتها النظرية من أقصى اليسار الشيوعي الى أقصى اليمين القومي المتطرف ، ومن جميع مكونات أمتنا في الدعوات التي تُبثْ وتُنشرْ عبر مختلف وسائل الأعلام المرئية والمقرية والمسموعة القومية والوطنية يتطلب الأمر اختبار مدى مصداقية وجدية تلك النوايا والمقاصد على الأرض لمن يَصّدَقون فيما يَقولون ويَدّعون به ليلاً ونهاراً ، ولمن يكذبون ويتاجرون في دعواتهم بالشعارات القومية الزائفة من أجل ضمان مصالحهم الشخصية والحزبية ، إن هذا الأختبار يدخل حيز التنفيذ الفعلي من خلال مدى وقوف وتعاون ودعم واسناد هذه التنظيمات ودمج كل فصائلها العسكرية المسلحة إن وجدت على الأرض فعلاً مع والحدات العسكرية لــ " دويخ نوشي " وتكثيف دعوات التطوع بين أنصارها لتشكيل قوة عسكرية لها اعتبارها ووزنها على الأرض لتقوم بعمليات عسكرية نوعية لتحرير أرضنا وقصباتنا ومدننا في سهل نينوى والتي هي موطئ القدم الأخيرة لوجدنا القومي في وطن الأباء والأجداد وتحريرها من العدو الداعشي المجرم هي فرصتنا الأخيرة لأثبات هذا الوجود على هذه البقعة من أرضنا ، ومن ثم تشكل مشاركتنا  الفعالة مع القوات الوطنية العراقية بكل تشكيلاتها وتنوعاتها في عملية تحرير مدينة " الموصل " نفسها دليل اثبات لانتمائنا للوطن ولولاءنا الوطني ، بهذه الطريقة فقط تستطيع تنظيماتنا القومية السياسية أن تثبت للأمة وللوطن صدق نواياها ومقاصدها فيما تدعيه وما تطالب به من استحقاقات من حقوق سياسية قومية ووطنية ، وبعكس ذلك تصبح موضع عدم ثقة الأمة بهم . لتحقيق هكذا مشروع يتطلب من كافة تنظيمات أمتنا السياسية ومن مرجعياتها الكنسية من كافة مكوناتها لحماية وجودها القومي وتحرير أرضها المقدسة من دنس تنظيم الدولة الاسلامية – داعش الأرهابية أن تدعم وتسند النواة المركزية العسكرية لقوات التحرير المتمثلة في الوحدة الفدائية " دويخ نوشي " بكل ما يتيسر من وسائل الدعم والأسناد المادي والمعنوي من مال ورجال وسلاح ووسائل الأعلام لتحويل تلك النواة المباركة الى كتلة عسكرية مقاتلة فعالة وجبارة تسحق الغزاة الدواعش سحقاً لتتحرر الأرض والأنسان ، وعلى أن لآ يبقى أحداً منها من الواقفين على التل متفرجاً على المسرح ، لأن هذا المسرح الفريد من نوعه لا يحتاج الى متفرجين ، بل يحتاج أن يكون الجميع فيه ممثلين فعالين وأساسيين ، لأن المتفرج على المشهد من فوق التل وجوده مرفوض ومنبوذ تلفظه الأمة الى مزبلة التاريخ ولا ترحم ذريته . وهنا لدينا ملاحظات جوهرية لا بد لنا من خلالها أن نضع النقاط على الحروف وأن نسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة لكي لا تدفعنا الأحداث المستجدة في نهاية المطاف الى مواقف محرجة لا نستطيع تجاوزها والتصدي لها كما ينبغي والتي نعتبرها في غاية الأهمية لكي تكون قوة " دويخ نوشي " في موقعها الطبيعي الذي يجب أن تكون فيه ، ولا بد لنا من البوح بها لكي تكون الرسالة واضحة وهذه الملاحظات هي :
أولاً : أن لا تحمل تلك القوة العسكرية مهما تكون تسميتها التي يتم الأتفاق عليها ( فوج ، لواء ، فرقة .... الخ ) هوية حزبية سياسية لكيان سياسي بعينه أو هوية مذهبية لمذهب معين لأي مكون ، بل أن تكون هويتها قومية خالصة لكي لا يعطى بذلك  مبرراً بيد من يحاول التهرب من مسؤولية المشاركة تحت يافطات تلك الخصوصيات ، ولكي يكون كل طرف على محك الأختبار القومي لأثبات صدق مقاصده ونواياه القومية . نحن هنا نرى أن تكون هيكلية الهيئة السياسية للمُنْظمينْ الى هكذا تحالف مصيري لفصائل متعددة ومختلفة التوجهات الفكرية والمنطلقات النظرية هيكلية مماثلة الى هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية (( فتح )) ، أي تعدد الفصائل ذات التوجهات المختلفة فيها تحت قيادة جماعية سياسية وعسكرية يجمعها الهدف المشترك وهو تحرير الأرض والأنسان من احتلال العدو المشترك .
ثانياً : تشكيل قيادة سياسية موحدة للأطراف المؤتلفة المشاركة في هذه القوة العسكرية الفدائية تكون مهامها تأمين التمويل المالي والتمويل اللوجستيكي لجمع التبرعات من أبناء ومؤسسات أمتنا في الداخل والخارج لشراء السلاح من مصادر داخلية وخارجية والسعي للحصول عليه من الحكومتين الأتحادية وحكومة الأقليم كاستحقاق وطني للمساهمة في عملية تحرير أرض الوطن باعتبار أرضنا جزء من أرض الوطن ، وتشكيل قيادة عسكرية من المختصين لتدريب وتأهيل المتطوعين على السلاح والقتال ، وأن يكون التركيز في هذا الجانب على النوع وليس على الكم لكي تكون قدرة الفوج على العطاء الميداني في القتال أكثر فعالية بأقل الخسائر في الأرواح ، أي بمعنى أن العدد ليس هو المهم بل الأهم منه هو نوعية المقاتلين وكفائتهم القتالية والايمانية بالقضية القومية وهذا يعني التركيز أيضاً على جوانب التوعية والتثقيف القومي والوطني معاً .
ثالثاً
: السعي الى طلب المساعدة الدولية من خلال القنوات الرسمية للحكومة الأتحادية وحكومة الأقليم لتدريب وتسليح واسناد لهذه القوة الفدائية باعتبارها جزء من منظومة الدفاع الوطني العراقي ، وتشكيل لجان لجمع التبرعات من أبناء جالياتنا في المهاجر وتفعيل التنسيق مع الكنائس في هذا المجال الى أقصى درجاته لكون الولاء للمؤسسة الدينية ما يزال أكبر وأقوى منه للمؤسسة السياسية ( الأحزاب ) . أن مساعي تعظيم الموارد المالية واستمرارها لهذه القوة الفدائية " دويخ نوشي " يؤدي الى تعظيم قدرتها وفعاليتها القتالية على الأرض ، نقول ألف مرة نعم لدعم أية مبادرة طيبة مخلصة وصادقة تصدر من أي طرف سياسي تخدم قضيتنا القومية من دون استثمارها لمصالح شخصية أو حزبية . من واجب كل مناضل قومي تقدمي حقيقي غيور أن يجعل من كل ما يقع في يديه من الأمكانيات المادية والمعنوية وسيلة في خدمة القضية القومية كغاية شريفة ونبيلة ، وليس أن يتخذ من القضية القومية وسيلة لتحقيق غاياته الشخصية الأنانية ، ويجعل منها سلماً للقفزعلى مواقع المنفعة الشخصية .
 خوشـــابا ســـولاقا
1 / ك1 / 2014 – بغداد


141
لتحقيق وحدتنا القومية من أين نبدأ ؟ هل نبدأ من واقع الحال كنتيجة ؟ أم نبدأ من أسبابها ... ؟
خوشابا سولاقا
إن الشيء الذي لا يختلف عليه إثنان من أبناء أمتنا هو أن واقع الحال الذي نحن عليه الآن من تمزق وتشرذم هو نتيجة لأسباب موضوعية وذاتية داخلية وخارجية جوهرية مرت به أمتنا في مراحل تطورها وتحولها التاريخي من حال الى آخر لم يَكن بمقدورها تجاوزها في وقتها لمنع حصول ما حصل لها من تمزق وتشرذم قومياً ومذهبياً .
من المعروف أن الطريق الأمثل لحل أية مشكلة مهما كانت طبيعتها سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم غيرها من المشاكل ، يجب أن يبدأ من خلال معرفة الأسباب التي أنتجتها ودراستها بعقل متفتح لواقع الحاضر ، أي بعبارة أخرى من خلال معرفة أسبابها ، وبعكس ذلك تكون كل المحاولات الأخرى لا تعدو عن كونها أكثر من مجرد عمل عبثي والدوران في حلقة مفرغة لا تنتج أية حلول مفيدة لصالح حل المشكلة . بلغة السياسة والمنطق العقلي والعلمي يعتبر دراسة ماهية المشكلة ذاتها وطبيعتها ومعرفة أسبابها الجوهرية هو خط الشروع لحلها، أي بعبارة اخرى أن معرفة أسباب المشكلة تشكل نقطة البداية للأنطلاق منها لحلها . هنا نستطيع أن نضع جدلية العلاقة بين المشكلة وأسبابها وحلها بشكل معادلة رياضية واضحة ، " حل المشكلة يساوي معرفة أسبابها الجوهرية " .
بالعودة الى عنوان موضوعنا لمعرفة كيف السبيل الى تحقيق وحدتنا القومية لا بد لنا من القاء الضوء على مفهوم القومية الحديث الذي انطلق بعد عصر النهضة في أوربا ، وفي خضم انطلاق عصر الأستعمار الكولونيالي الغربي واحتلال البلدان الأجنبية من أجل تأمين مصادر الطاقة والمواد الخامة الرخيصة لأستدامة حركة الثورة الصناعية في الدول الصناعية من جهة ، وايجاد الأسواق لتصريف منتجاتها الصناعية ، في خضم هذا التحول النوعي في أسلوب الأنتاج للخيرات المادية انتقلت الأفكار القومية الحديثة النشأة في أوروبا الى بلداننا في الشرق ، وبدأت الدعوات الى انطلاق الثورات القومية والوطنية لتحرير البلدان المحتلة وانعتاق شعوبها من نير وظلم المستعمر الأجنبي وتشكيل كيانات قومية وطنية مستقلة من الهيمنة والسيطرة الكولونيالية ، وكانت تلك الأفكار القومية تتسم بطابع التعصب والعنصرية القومية . من هنا انطلقت الأفكار القومية الحديثة ذات الطابع العنصري كرد فعل طبيعي لما شاهدته شعوب المناطق التي كانت تحت الأحتلال العثماني المقيت من حملات إبادة جماعية للأقليات القومية – الدينية تحت واجهات وبراقع دينية شوفينية كما حصل مع أمتنا والأرمن من مذابح ومجازر وكان ذلك خير مثال على عنصرية وشوفينية الفكر القومي العنصري ، وتوالت مثل هكذا مجازر ومذابح بحق الكثير من القوميات الصغيرة عبر مختلف بلدان العالم تحت واجهات التفوق القومي لعِرق معين على الأعِراق الأخر الى نهاية القرن الماضي ، ونلاحظ من خلال هذه المسيرة المشؤومة للفكر القومي العنصري الشوفيني كيف كان مفكري الفكر القومي الحديث يزاوجون بعلاقة غير مقدسة بين الفكر الديني الشوفيني والفكر القومي العنصري وتسخر واستخدم الدين بشكل سيء للغاية لتحقيق غايات الفكر القومي العنصري ، وخير مثال على هذا التزاوج الغير الشرعي بين الفكرين ما جاء به مؤسس حزب البعث العربي الأشتراكي العروبوي شكلاً ومضموناً " مشيل عفلق " حين قال " البعث طينهُ عربٌ وروحهُ الأسلام " وكذلك حين قال أيضاً " إن الأخوة المسيحيين الذين يدعون العروبة سوف يجدون أن عروبتهم لن تكتمل اذا لم يتخذوا من الأسلام ديناً لهم " ، وكانت سياسة نشر رسالة الجنس الأبيض تحت واجهة الدين المسيحي بمذاهبه المختلفة بين شعوب البلدان المحتلة في العصر الكولونيالي نموذج آخر لأستخدام واستغلال الدين المسيحي في خدمة الفكر القومي العنصري  للجنس الأوروبي الأبيض . إن كل ما ذكر هنا هو مجرد نموذج وليس إلا غيث من فيض . هكذا كانت دائماً العلاقة بين الفكر القومي العنصري والفكر الديني عبر التاريخ الانساني في مختلف بقاع الأرض .
في ضوء هذه المقدمة نعود الى تاريخ أمتنا قديماً وحديثاً ودراسته لكي نعرف أسباب فرقتنا وتشرذمنا وتمزقنا شذر مذر موزعين في أرجاء هذا الكوكب الفسيح . قبل القرن التاسع عشر وبحسب ما يقوله التاريخ لم يَكُن المفهوم القومي بأبعاده الفكرية والفلسفية والسياسية الحالية معروفاً لدى أبناء امتنا ، بل ما يشير إليه التاريخ بكل أحداثه وصراعاته هو أن ولاءات شعبنا كانت منذ القدم والى حدٍ قريب ولاءات دينية بحتة (نقصد بالدين هنا الآله التي كانوا يعبدونها قبل ظهور الأديان السماوية ) وكانت الأوطان في الغالب في حينها تسمى بأسم الأله ، وكان التزاوج والأختلاطات الأجتماعية في كافة المجالات واسعة الانتشار بين الشعوب الغازية والشعوب المغزية إن جاز التعبير من دون أهمية النظر الى الأنتماء العرقي لها ، ونتيجة لذلك وغياب مفهوم الانتماء العِرقي كان يحصل اندماج وتمازج اجتماعي بين شعوب من أعراق مختلفة في اللغة والعادات والتقاليد والثقافة وتنتج مجتمعاً جديداً بمقومات جديدة جامعة وله ولاء لألهة المكون المنتصر ، وعندما ندرس تاريخ العراق القديم سوف نجد بوضوح تَكونْ هكذا نماذج من التجمعات البشرية منذ العصر السومري القديم الى سقوط الدولة العثمانية عام 1917 ، ونلاحظ كذلك كيف كان التزاوج إن جاز التعبير بين الفكر القومي العنصري والفكر الديني الأقصائي قائماً بقوة بعد ظهور الأديان السماوية في العصر الحديث ، وكيف استُغل واستُخدم الفكر الديني بشكل بشع لخدمة أهداف الأفكار القومية العنصرية الأجرامية في إقامة المجازر والمذابح بحق المكونات القومية والدينية الصغيرة التي كانت ترزح تحت ظلم سلطة الأكثريات القومية والدينية الشوفينية وتاريخ البشرية زاخر بمثل هكذا تجارب وممارسات لا إنسانية ولا أخلاقية .
بعد ظهور المسيحية قبل ألفي سنة وأكثر من اليوم وجد أبناء أمتنا في افكار الدين الجديد التي تدعو الى المحبة والسلام والمساواة بين البشر دون تمييز منقذاً لهم من الظلم والقهر والأضطهاد ، تقبلوا أفكار الدين الجديد وأعتنقوها بايمان قوي وترسخت في أعماق نفوسهم وأصبحت الأفكار المسيحية تشكل ثقافتهم في الحياة وقدموا الكثير من التضحيات في سبيلها ، ومن يقرأ كتاب سيَرْ الشهداء لأتباع كنيسة المشرق سوف تذهله ، وسوف ينذهش من هول جسامتها وعظمتها الخارقة ، وسوف يقف على حقيقة مدى ولاء أبائنا وأجدادنا للفكر الديني بايمان وبتعصب مغالً به ، وكان كل شيء يرخص عندهم عندما يطالبهم الأنتماء الديني بذلك . استمرت الحالة على هذا المنوال عند أبناء أمتنا بكل شرائحهم ، أي لا ولاء لغير الدين المسيحي ، ولا يعلوا على ذلك شأناً آخر ، ثم يلي ذلك في المرتبة الثانية الولاء للقبيلة والعشيرة وغيرها من الخصوصيات الفرعية ، ولم يكن هناك شيءٌ عند العامة من الناس في صميم ثقافتهم اسمه ولاء للقومية بمفهومها الحديث الى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى ، بدأت الأفكار القومية الحديثة تتبلور عند النخب من رجال الدين ورؤساء القبائل والعشائر والمتعلمين من العامة ولكن مع ذلك كان الفكر الديني هو المتصدر والمُتسيد على القرار السياسي للأمة .
بعد أن بدأت الأرساليات التبشيرية المختلفة بالقدوم من أوربا واميريكا الى بلدان المشرق ، واستهدافهم لكنيسة المشرق بنشاطاتهم الرامية الى تفكيك هذه الكنيسة العريقة والعظيمة في إرثها وتراثها المسيحي باستخدام كل وسائل الترهيب والترغيب لغرض إقناع أو بالأحرى إجبار أتباعها للتحول من عقيدتهم المشرقية الى اعتناق عقيدة مذاهب تلك البعثات ، لقد تمكنت أخيراً تلك البعثات من اختراق صفوف أتباع كنيسة المشرق بنجاح أفضى الى حصول انشقاقات في كيانها وظهور مذاهب  متقاتلة بشراسة عدوانية ضد بعضها البعض منذ عام 1551 م . منذ ذلك الحين وما يقارب الخمسمائة عام ومذاهبنا التي صنعتها لنا أيادي الغرباء بتخطيط  مبرمج ومبيت تعيش حالة حرب العداء العقائدي المذهبي المستميت بكل الوسائل المباحة من تشهير وافتراء والصاق التهم الشنيعة واصدار الحُرمات وصنع ما لا يتقبله المنطق والعقل من النعوت الكريهة الى درجة التكفير والهرطقة بحق بعضها البعض ، وذهب جراء ذلك مئات الآلاف من أبناء أمتنا ضحايا للصراعات المذهبية الجديدة ، من دون أن تظهر أية بادرة خيرة وطيبة وصادقة خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة من أي طرف من الأطراف تدعو لتجاوز تلك الخلافات والصراعات المذهبية المصطنعة التي صنعتها تلك الأيادي الغريبة الخبيثة لأصلاح ذات البين واعادة اللحمة الى كنيسة المشرق العظيمة ، ووضع الأمور في نصابها . فكانت النتيجة النهائية التي ورثناها من أبائنا وأجدادنا على خلفية هذه الصراعات هي الحالة المزرية المتشضية قومياً ومذهبياً التي نحن عليها الآن . نلاحظ من خلال كل ما ذكر في هذا الأستعراض المختصر لتاريخ أمتنا أن الولاء كان دائماً  للدين والمذهب والقبيلة والعشيرة مئة في المئة تقريباً الى بداية القرن الماضي ولم يكن ولاءً للقومية بأي مسمى من تسمياتها المتداولة اليوم وكل تلك التسميات القومية التي ظهرت بجلاء بعد سقوط النظام البعثي في عام 2003 كانت قبل ذلك التاريخ تحمل طابعاً ومضموناً  مذهبياً  لدى عموم أتباع كل مذهب تجاه المذهب الآخر من مذاهب امتنا ، وبذلك إن خلافاتنا اليوم هي في حقيقتها خلافات مؤسسة على خلفيات مذهبية كنسية ، وليست خلافات قومية كما قد نتصور ويدعي البعض ، لأن الخلافات القومية التي ندعي بها اليوم في حقيقة الأمر هي نتيجة لخلافاتنا المذهبية الكنسية ، ولذلك لا يمكن للحلول السياسية أن تنطلق نحو الفضاء القومي الأوسع في إنجاز الوحدة القومية دون استئصال أسباب التشرذم والتمزق والتشضي القائم بارادة قومية ملتزمة وصادقة ونابعة من الايمان الراسخ بوحدة المصالح القومية والمصير القومي المشترك والأرض والتاريخ والثقافة واللغة المشتركة لأمتنا . وهنا نكرر القول الذي قلناها دائماً ، بما أن التمزق والتشرذم والتشضي في صفوف أمتنا خرج من باب الكنيسة بسبب المذهبية اللاهوتية ، عليه فإن إعادة بناء وحدتها القومية يجب أن تنطلق من باب الكنيسة ، أي بمعنى معالجة الخلافات المذهبية اللاهوتية أولاً من قبل مرجعياتنا الكنسية لكافة فروع كنيسة المشرق ، عندها فقط يمهد الطريق وتتهيء الأرضية لأنطلاق مشروع الوحدة القومية الشاملة والتي تكون من مسؤولية المرجعيات السياسية المؤمنة والصادقة والنزيهة لمكونات أمتنا كافة ثانياً .
  المذهبية اللاهوتية هي السبب وتمزق الأمة قومياً هي النتيجة  
خوشــابا ســولاقا
24 / ت2 / 2014 – بغداد

142
الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات
في ظل سـلطة الأكثريات
خوشــابا ســولاقا
إن أكثر المشاكل تعقيداً التي عادةً تعاني منها البلدان المتعدد ة المكونات القومية والعرقية والدينية ، وتكون تلك المشاكل مصدراً للصراعات بين هذه المكونات وتتسم في غالب الأحيان بطابع العنف المسلح الذي يؤدي الى عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي والأقتصادي فيها ، وبالتالي تؤدي الى تأخر وتخلف تلك البلدان اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً . عليه يبقى حل كل هذه المشاكل مرهون بحل مشكلة الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات ومن دون ذلك لا تستطيع ان تتمتع حتى الأكثريات بحقوقها الطبيعية عند النظر الى تلك المشاكل التي تكون عادة مشاكل مزمنة بنظرة وطنية تحليلية شاملة في اطار الرؤية الوطنية المتكاملة .
لغرض ايجاد الحلول الناجعة لحل مشكلة الحقوق القومية والدينية للأقليات لا بد من دراسة الوضع الديموغرافي للبلاد بشكل متكامل ، ودراسة طبيعة الثقافات القومية والدينية للمكونات كافة في المجتمع الوطني من حيث التفاعل الأيجابي وقبول الآخر والتعايش معه ورفضه في اطار الرؤية الوطنية المتكاملة . بعد إجراء هذه الدراسة يمكن أن يتم فرز تلك الثقافات ومعرفة طبيعتها ، والوقوف على أسباب تناقضاتها وتفاعلاتها ومن ثم تصنيفها على أساس ما هو منها يقبل بالتعايش القومي والديني والمذهبي مع الآخر المختلف في ظل الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية ذات المؤسسات الدستورية يحكمها القانون المدني الذي يتعامل مع المواطن على أساس الهوية الوطنية دون سواها ، وما هو منها رافضاً لذلك التعايش الوطني في أطار الدولة الوطنية الديمقراطية المدنية الموصوفة .
في مجتمعات البلدان المتعددة المكونات القومية والدينية كانت المهيمنة والمسيطرة والحاكمة هي الثقافات القومية أو الثقافات الدينية للأكثريات ، وكانت تلك الثقافات دائماً ثقافات عنصرية وإقصائية وتهميشية لثقافات الأقليات القومية والدينية بأقصى الحدود ، وبالتالي حرمان تلك الأقليات من أبسط حقوقها القومية والدينية والثقافية والسياسية والأقتصادية الى درجة الغاء دورها بشكل كامل في المشاركة في ادارة الدولة وصنع قرارها السياسي . وأحياناً كانت اجراءات الأقصاء والألغاء للأقليات أجراءات مزدوجة قومية ودينية معاً وبذلك كانت تلك الأقليات تعاني الأمرين مثل أبناء أمتنا والأيزيديين والصابئة المندائيين ، وهذا الوضع كان يمثل قِمة الظلم والتعسف والاجحاف بحق أبناء الأقليات القومية والدينية ، وبالتالي حرمانها من أبسط الحقوق بما فيها الحقوق الانسانية ، هذا الواقع المذل دفع بأبناء الأقليات الى هَجر بلدانهم الى المهاجر الغريبة .
إن التجارب الكثيرة  والمتنوعة من حيث طبيعتها في مختلف بلدان العالم بشكل عام والبلدان العربية والاسلامية بشكل خاص تعطي للباحث مؤشراً قوياً حول استحالة امكانية حل المشاكل القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات في ظل هيمنة وسيطرة سلطة الثقافة القومية الشوفينية التي تقودها التيارات القومية المتطرفة التي تؤمن بإقصاء وإلغاء الآخر على أساس قومي وعِرقي ، وهي في ذات الوقت لا تؤمن بأبسط المفاهيم الديمقراطية ، ويكون الحال كذلك تماماً بل أسوء منه في ظل هيمنة وسيطرة سلطة الثقافة الدينية الطائفية الشوفينية التي تقودها التيارات الدينية المتطرفة التي لا تؤمن بالتعايش السلمي مع من يخالفها المعتقد الديني ، وتعتبر الديمقراطية كفراً وإلحاداً وهي من نتاج الفكر الغربي الكافر . إن ما يجري اليوم من أحداث دامية ومرعبة بهذا الخصوص على أرض الكثير من البلدان العربية والأسلامية لهو خير مثال حي على ما نقول . إذن لا الفكر القومي العنصري الشوفيني ، ولا الفكر الديني الشوفيني والتكفيري - لأي دينٍ كان – صالح ومؤهل لحل مشكلة الحقوق القومية والسياسية والثقافية والدينية للأقليات ، لأن العنصرية الشوفينية مهما كانت طبيعتها سوف تعمي البصر والبصيرة لكل من يحملها في فكره ويؤمن بها ويتخذ منها وسيلة ومعيار للتعامل مع الآخر المختلف عنه وتحوله بالنتيجة الى أداة للجريمة البشعة .
تبقى الديمقراطية الليبرالية الحرة ، والفكر الديمقراطي الليبرالي الحر الذي لا يصنف البشر على أساس الأنتماء القومي والديني والمذهبي والجنس واللون والمستوى الطبقي الاجتماعي ، هو الفكر الوحيد لحد الآن القادر الى تقديم أفضل وأنجع الحلول الانسانية لحل مشكلة الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية للأقليات والأكثريات القومية والدينية في البلدان والمجتمعات المتعددة المكونات بشكل أكثر إنصافاً وعدلاً . وعليه فإن تركيز النضال الوطني والقومي لأبناء البلدان المتعددة المكونات من أجل إقامة النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي الحر في إطار الدولة الديمقراطية المدنية ذات المؤسسات الدستورية الرصينة يحكمها القانون يجب أن يكون في مقدمة الأولويات لأبناء الأقليات قبل الأكثريات لكونها المستفيد الأكبر من هكذا نظام الذي سوف يعطيها ما فقدته من الحقوق هذا من جهة ومن جهة ثانية لكون النظام الديمقراطي هو الطريق الأقصر للوصول الى ما تصبو إليه الأقليات من الحقوق القومية والثقافية والسياسية والدينية .
أما الحلول الأخرى التي نسمع عنها من هنا وهناك ، وتطرح من قبل هذا المناضل المجاهد أو ذاك !!! المتاجر بالدعوات القومية الطوباوية عبر وسائل الأعلام والمواقع الالكترونية في داخل الوطن وخارجه في المهجر كما يطالبة البعض بإقامة منطقة الحكم الذاتي لأبناء أمتنا في المثلث الآشوري ، أو المطالبة باستحداث محافظة خاصة بنا في سهل نينوى كما يريد البعض الآخر في لحظات الضعف واليأس كلما تنزل كارثة ما بأمتنا  المنكوبة ، فإن تلك المطالبات مهما بلغت من التأثير في تهييج الجماهير لا تعدو كونها أكثر من مجرد مزايدات وتهريجات اعلامية فارغة وزوبعة في فنجان ، ويروج لها هواة السياسة ليسويقوها في سوق المزايدات الأعلامية من الذين لا يحملون أي مشروع سياسي عملي متكامل قابل للتحقيق على أرض الواقع ، وبالتالي فان هكذا تهريجات ومزايدات مع احترامي الشديد لمطلقيها لا تفضي الى حلول منطقية وعقلانية مقبولة قابلة للتحقيق ، بل تشكل نوعاً من الخداع والتضليل لأبناء الأمة وتجعلهم يعيشون حلماً وردياً على أمل تحقيقه مستقبلاً ، لكي لا تتهمهم بالفشل وتسخير قضية الأمة وجعلها وسيلة رخيصة لتحقيق منافع ومصالح شخصية أنانية . نحن هنا للمعلومات لسنا من الرافضين لهذه المطالبات لكون أمتنا لا تستحقها ، بل لكونها مطالبات غير واقعية وغير قابلة للتحقيق ولكونها مطالبات في غير زمانها ومكانها . من المفروض بمن يتعاطى مع السياسة أن يعيش في الحاضر وعلى أرض واقعه الديموغرافي في أرض الوطن ، وأن لا يعيش في الأحلام الوردية بحسب الطموح وينسج لنفسه في الخيال أوطاناً وهمية كما يحلو له ، من دون أن يشاهد أمواج المياه الآسنة للهجرة اللعينة وهي تجري من تحت أقدامه ، وسفنه تمخر عُباب البحار والمحيطات شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً لتحط مراسيها على شواطئ برّ الأمان بحثاً عن أوطاناً جديدة بديلة عن أرض الأباء والأجداد لتأوي يتامى أمتنا الضائعة في متاهات المهاجر . الأرض التي لم ترتوي  بدمائنا ، وليس لنا تراث وتاريخ فيها ، ولم نترك بصماتٍ على أحجارها لا تصبح وطناً صالحاً لنا ليأوينا ، وسوف ترفض أن تكون قبراً مريحاً لرفاتنا .
خوشــابا ســولاقا
20 / ت2 / 2014 – بغداد       
   

143
علاقة الجغرافية والتاريخ بمفهوم القومية
خوشابا سولاقا
ان مفهوم القومية مفهوم هُلامي يفقد خاصيته عندما لا يكون مرتبطاً بعلاقته جدلية تكاملية بالجغرافية أي بمعنى ارتباطه بالأرض ، أي تكون هناك قومية موجودة فعلاً عندما تكون مرتبطة بالأرض تاريخياً ولها بصمات حضارية عليها ، وعندما لا تكون كذلك ليس هناك قومية كواقع تاريخي واجتماعي وانساني . القومية من حيث المفهوم الإيديولوجي هي انتماء مجموعة بشرية ذات لغة واحدة يتكلمون بها ويرتبطون ببعضهم البعض بمصالح مشتركة وينشاؤون تقاليد وعادات وطقوس اجتماعية مشتركة وتجمعهم رابطة الأرض ، وبالتالي يبنون على تلك الأرض تاريخ مشترك يشكل تراثهم القومي وثقافتهم القومية التي تميزهم عن الآخرين من المجموعات البشرية ، فرابطة التاريخ بالأرض هو العنصر الحيوي الأهم في بنية كينونة القومية . لأنه اذا كان هذا التاريخ والتراث مرتبطان بارض محددة جغرافياً سوف تشكلان الشرعية القانونية التاريخية للوجود القومي لأية أمة وتعطي للهوية القومية لتلك المجموعة البشرية مضموناً قومياً متكاملاً ، أما في حالة فقدان ارتباط التاريخ والتراث بالأرض فإن القومية سوف تفقد مضمونها القومي الحيوي وتصبح عارية من أي غطاء قانوني تاريخي لوجودها ، وبذلك سوف لا تمتلك مبررات وجودها ككيان قومي متكامل المقومات كما هو حال كل الأمم القومية التي تمتلك وطن ولها بصمات حضارية عليه . في مثل هذا الوضع وضع فقدان الأرض سوف لا يكون للمجموعة البشرية حق المطالبة بأية حقوق قومية في أية ارض أخرى من بلدان المهجر لأنهم يعيشون في أرض غير أرضهم التاريخية ، وسوف تنحصر حقوقهم في مثل هذه الحالة في حقوق الرعايا والحقوق الإنسانية ليس إلا بحسب قوانين تلك البلدان والقوانين الدولية .
انطلاقاً من هذه الرؤية فإن الأرض التي أنشاؤوا عليها أبائنا وأجدادنا من الكلدان والسريان والآشوريين تراثهم وثقافتهم وتاريخهم وحضارتهم العريقة وتركوا عليها بصماتهم منذ أكثر من سبعة آلاف سنة هي أرض " بيث نهرين " وليست أية أرض أخرى في هذا الكوكب ، وبذلك من المفروض والمنطق أن تبقى أرض " بيث نهرين " هي مهدنا كما كانت دائماً ، وأن تبقى هي لحدنا ومثوانا الأخير كما ينبغي أن تكون ، ويصبح ارتباطنا بها ارتباطاً مصيرياً لكي نجسد بذلك للأصدقاء من الشركاء في الوطن حقيقتنا القومية المتكاملة المقومات ، وكوننا نحن هم السكان الأصليين لها ، ونثبت  في ذات الوقت للأعداء الغرباء الذين يتربصون بنا شراً منطلقين من خلفياتهم الثأرية والأنتقامية التاريخية بأننا باقون خالدون فيها لا نتخلى عنها الى آخر يوم من حياتنا مهما كلفنا الأمر من تضحيات ، لأننا في ذلك نخوض صراع من أجل البقاء . لذلك نستطيع القول أنه إذا أردنا لأمتنا البقاء والأستمرار ، علينا بقبول التضحيات والتشبث بالبقاء في أرض الوطن وأن نتحمل المعاناة والمصاعب التي تواجهنا كما تواجه الآخرين من الشركاء في الوطن بقليل من الصبر والأناة وأن لا نستسلم في لحظة اليأس والضعف للقدر العبثي الذي يقودنا الى الأنتحار القومي الجماعي كأمة ، ونترك مدننا وقصباتنا وقرانا التي تحمل كل ذكرياتنا الجميلة ونتوجهه الى المجهول الذي يُفقدنا وجودنا القومي على المدى البعيد ونخسر كل غالٍ ونفيس في حياتنا . عندما ندرس تاريخنا القريب وليس البعيد ، تاريخنا في القرنين الأخيرين القرن التاسع عشر والعشرين سوف تذهلنا تضحيات أبائنا وأجدادنا في مقاومة الأعداء ومواجهة الصعاب في سبيل المحافظة على الأرض التي كانوا مرتبطين بها ارتباطاً مصيرياً ، وكانت هجرتهم المأساوية لمواطن سكناهم في هيكاري بعد اندلاع  الحرب الكونية الأولى صوب أرض بابل ونينوى وآشور وفقدوا على أثرها أكثر من نصف نفوسهم خير مثال للتضحية من أجل الأرض ، وبذلك تمكنوا أن يؤسسوا لنا موطئ قدم لنا لنستقر ونتطور ، ولكن مع الأسف الشديد كنا غير جديرين بالثقة ونحن اليوم لم نستطع من المحافظة على تلك الأمانة التي وضعوها بين أيدينا وتركنا أرضنا التي سقوها بدمائهم الزكية في سبيل الحياة السهلة والمبتذلة في بلدان الغربة معرضين وجودنا القومي الى عملية الأنقراض والزوال متذرعين بأسباب لا تشكل في خطرها على حياتنا شيئاً مقارنة بتلك المخاطر التي واجهوها أبائنا وأجدادنا قبل قرن ونصف القرن من الزمان ، متناسين أن الحياة الخالية من التضحيات تكون كالطعام من دون ملح ، وهنا يحضرني قول الزعيم الهندي الكبير الخالد الذكر المهاتما غاندي حين قال " إن البذرة التي لا يسحق بذارها لا تنبت " كم هو قول عظيم لمن يحب ويقدس الحياة بكرامة .
نحن الكلدان والسريان والآشوريين والعرب من أكثر شعوب الأرض يتكلمون عن القومية ويبالغون بتعصبهم القومي واعتزازهم بقوميتهم ، ولكننا أقلهم فهماً لمضمونها وجوهرها وأهميتها في حياتنا ، ونحن أكثر من يتهرب من المسؤولية القومية ويخونها من أجل أتفه مغريات الحياة وهنا نريد أن نقول ونحن نشعر بألم شديد يعصر قلبنا وهو راينا الشخصي ، أن الهجرة بحد ذاتها من أرض الوطن تعتبر خيانة عظمى للأمة بكل المقاييس ، وأنها تشكل خنجراً مسموماً في قلب الوجود القومي ، والبقاء في أرض الوطن هي أعظم وأقدس تضحية للمحافظة على استمرار الوجود القومي للأمة .
 خوشابا سولاقا
بغداد في 9 / ت2 / 2014

144
التمازج والتداخل الثقافي والعِرقي والاجتماعي بين الموجات البشرية في بلاد " بيث نهرين "
خوشابا سولاقا
إن هذا المقال ليس مقالاً تاريخياً كما قد يتصور البعض بل هو مقالاً فكرياً وتحليلياً واستنتاجياً وفق المنطق العلمي التاريخي لأحداث التاريخ في بلاد "  بيث نهرين " قديماً قبل المسيحية وبعد المسيحية بحسب معطيات التاريخ ذاته ، وهو يعبر عن وجهة نظرنا الشخصية ليس إلا ، وذلك لغرض الأسترشاد والأهتداء الى الحقيقة الأقرب الى المعقول والقبول فيما يخص الأصول العِرقية لسكان ما يسمى العراق حالياً . ووجهة نظرنا هذه لا نسعى الى فرضها على الآخرين بأي شكل من الأشكال ، بل قد تكون نوع من السعي للانفتاح على الآخر بروح ديمقراطية وباسلوب يتسم بالهدوء والواقعية ومواجه الحقائق التاريخية كما هي من دون تعصب واستعلاء ، ومن دون تهميش أو اقصاء لأحد في التعامل مع أحداث التاريخ بهدف الوصول الى هدف نبيل بوسائل نبيلة وليس العكس . وقد تشكل هذه المحاولة وسيلة ناجعة تساعدنا على تجاوز عُقدنا النفسية في تعاملنا مع التسميات التي بسببها بتنا أسرى لأوهام وافتراضات الماضي المصطنع الذي نقرأه من خلال نَظّارات سوداء والذي لا نرى فيه إلا السيء منه ونهمل الايجابي فيه من دون قصد ، ونأمل أن تكون محاولتنا هذه موضع اهتمام مثقفينا الأجلاء .
كما هو معروف لدى جميع المطلعين على التاريخ بشكل عام وتاريخ بلاد بيث نهرين بشكل خاص ، أن هذه البقعة من الكرة الأرضية التي تعرف اليوم بالعراق لربما تكون الموطن الأول لنشوء البشرية في التاريخ قبل غيرها من بقاع الأرض ، وهذا الموضوع بحد ذاته موضعْ البحث والنقاش والجدل من قبل الباحثين وعلماء التاريخ والأنثروبولوجيا ، ولكن مهما كان الأمر فان حضارة بيث نهرين تعتبر من أقدم وأعرق الحضارات الانسانية في التاريخ بإجماع جميع المؤرخين ، وهذا إن دل على شيء وانما يدل على مدى أصالة وعراقة وعظمة هذه الحضارة ، وكذلك يدل على تعدد الموجات البشرية من مختلف الأعراق والأجناس التي اجتاحت هذه البلاد وعاشت فيها وشاركت الحياة مع مَن كانوا قبلها فيها على مر التاريخ ، وبذلك نستطيع القول بأن مجتمعات هذه البلاد قد عانت من مخاض التمازج والتداخل والأندماج الثقافي والعرقي والاجتماعي بين ما كان سائداً وبين الدخيل الذي قَدِمَ إليها لأنتاج مجتمع جديد بسمات مركبة جديدة ليس فيها سمات عِرقية معينة غالبة على سمات بقية الأعراق .
أولى التجمعات البشرية التي أنشأت حضارة عريقة موغلة في القدم في بلاد  بيث نهرين في جنوب العراق الحالي كانوا السومريون وأقاموا في أور أشهر وأقدم مدن العراق الصروح الحضارية مثل " الزقورة " وغيرها والتي ما تزال قائمة ، ومن ثم الأكديون الذين أقاموا أول امبراطورية كبيرة في زمن ملكها العظيم" سرجون الأكدي " ، ومن ثم تلتهما امبراطورية سُلالة بابل الأولى من الآموريون وكان من أشهر ملوكهم العظماء " حمورابي الآموري " الذي سن أول قانون في التاريخ الذي عرف " بمسلة حمورابي " . ثم تلتها الأمبراطورية الآشورية في المنطقة الشمالية من بلاد بيث نهرين وأقاموا هناك امبراطوريتهم القوية عسكرياً وبنوا مدنهم الكبيرة مثل آشور ونمرود وخورسباد ونينوى العظيمة وتركوا للبشرية الرموز التاريخية العملاقة التي ترمز للقوة والذكاء والسرعة كالثيران المجنحة وغيرها من الصروح ، وسقطت السلطة السياسية للأمبراطورية الآشورية سنة 612 ق. م . ثم تلتها امبراطورية سُلالة بابل الثانية والتي كان من أشهر ملوكها " نبوخذنصر " والتي سقطت سلطتها السياسية على يد ملك الفرس قورش سنة 539 ق . م . خلال هذه الفترة من التاريخ ، أي منذ العهد السومري والى سقوط بابل. مَرّتْ هذه المجتمعات ، السومرية والأكدية والبابلية والآشورية بصراعات مريرة دموية فيما بينها على السلطة السياسية والمصالح الأقتصادية ، وكانت نتيجة تلك الصراعات سقوط امبراطورية وظهور أخرى جديدة على أطلالها ، واختفاء بعض  القيم الحضارية وسيادة أخرى جديدة محلها . خلال هذه الفترة التاريخية أيضاً اجتاحت بلاد بيث نهرين موجات وغزوات بشرية كثيرة من أعراق وأجناس متنوعة ومختلفة في ثقافاتها وتقاليدها وعباداتها ، مثل الكيشيين والآموريين والحيثيين والفرس الساسانيين والميديين وغيرهم اضافة الى ما جيء بهم من أسرى وسبايا بعشرات الآلاف من اليهود والآراميون ، وعاشوا بين ظهران السكان القدماء الأصليين تأثروا وأثروا بهذا القدر أو ذاك ببعضهم البعض ثقافياً ولغويا وعِرقياً واجتماعياً وتزاوجوا فيما بينهم مما نتج جراء ذلك مجتمعات مزيجة ثقافياً واجتماعياً وعرقياً ، وما ساعد كثيراً حصول مثل هذا التمازج والتداخل لحد الأندماج هو غياب الوعي والأحساس القومي بالشكل الذي نشعر ونحس به ونفهمه نحن اليوم ، أي المفهوم القومي المعاصر بمضامينه الفكرية وأطره الحديثة ، حيث كان الجانب المعنوي الذي يتحكم بمشاعر وأحاسيس الناس في ذلك الزمان هو الولاء للآله الذي يعبدونه وكان المنتصر في الحرب يحاول أن يفرض عبادة الهته على الخاسر . لذلك وبحسب استنتاجنا من معطيات التاريخ أن التسمية التي كانت تطلق على أرض الوطن أي الأرض التي كانوا يعيشون عليها وعلى الأمبراطورية التي تمثل كيانهم السياسي كانت تسمية تمت الى الآله في الغالب ولم تكن تمت الى العرق القومي للسكان بصلة بأي شكل من الأشكال لكون المفهوم القومي الحديث غير معروف وغير متداول بينهم آنذاك كما أسلفنا . هذا كان واقع الحال قبل المسيحية ، وبعد ظهور المسيحية وانتشارها في الشرق في بلاد بيث نهرين تحديداً ، وفرضها من قبل الأمبراطور الروماني قسطنطين الأكبر على رعايا الأمبراطورية الرومانية بالقوة والقضاء على عبادة الأوثان تعمقت ولاءات الناس للدين الجديد وبتطرف ومبالغة مغالِ بها اكثر من أي ولاءات أخرى الى درجة قاموا أتباع الدين الجديد في بلاد بيث نهرين بتدمير وحرق كل ما يمت بصلة الى وثنية أبائهم واجدادهم وحتى تنكروا لتسمياتهم الأصيلة باعتبارها تسميات وثنية لا تليق بمسيحيتهم كما تروي لنا أحداث التاريخ ، هذا ما حدث فعلاً في الشرق حيث عملوا على تطويع تاريخهم وثقافتهم وتقاليدهم وأسمائهم الوثنية لمتطلبات مفاهيم وقيم الدين الجديد ،  وبذلك تم طمس معالم حضارتنا ما قبل المسيحية واعتمدوا في معرفة تاريخ أجدادهم القدامى حصراً على تشويهات التوراة اليهودي لذلك التاريخ الحضاري العظيم الذي أفاق الغرب والشرق من نومهما السرمدي على أصداء تلك الحضارة العظيمة وبقاياها بعد تنقيبات الأثاري البريطاني السير هنري لايارد في مدن الآشوريين نينوى ونمرود وآشور واكتشافاته المذهلة لأقدم وأعرق حضارة في العالم . اما ما حصل في الغرب بخصوص التعاطي مع المسيحية فكان على العكس مما حصل في الشرق ، حيث قام الغربيون بعد اعتناق المسيحية بتطويع مفاهيم الدين الجديد لمتطلبات حماية التراث الوثني لأبائهم واجدادهم والمحافظة عليه من التدمير والحرق .
بعد انتشار المسيحية في بلاد ما بين النهرين واعتناق الغالبية من سكانه للدين الجديد تبنوا ثقافة التسامح والتعايش السلمي الأخوي مع الاخرين من الأخوة في الدين مهما كان عِرقهم وجنسهم ولون بشرتهم ، وبذلك أصبحت الديانة المسيحية ماء الحياة الجديدة التي غسلتْ وطَهرتْ مشاعرهم وأحاسيسهم وقناعاتهم من كل دنس وأدران الماضي الوثني بالتخلص من أي شكل من أشكال الأنتماء الى أي شيء آخر غير المسيحية التي بحسب قناعاتهم الجديدة هي طريق الخلاص من براثن خطايا الوثنية ، وطريقهم الوحيد الى ملكوت الرب . بهذا الفهم الساذج للمسيحية تعاطوا أجدادنا مع تاريخ أبائهم واجدادهم الوثني . في هذه الفترة من التاريخ التي دامت زهاء الخمسمائة سنة كانت الثقافة الوحيدة السائدة التي يقبلها المجتمع البيث نهريني بتطرف مبالغ به وعن قناعة وايمان خالص ، هي الثقافة المسيحية ويرفض بقوة كل ما عداها وخاصة ما يربطه بتاريخ وتراث أبائه وأجداده الوثنيين . استمرتْ الحالة هكذا الى تاريخ انعقاد مجمع أفسس المسكوني سنة 431 م حيث دبت الخلافات اللاهوتية في مجلس الكرادلة لكنيسة روما وتحديداً حول طبيعة السيد المسيح له المجد وتسمية السيدة العذراء بين أن تسمى ام الله أم تسمى أم المسيح ، ثم انتقل هذا المرض الى كنيسة بيث نهرين ، كنيسة المشرق ، ودبت الخلافات فيها هي الأخرى أيضاً ، وعلى أثر ذلك انشطرت كنيسة المشرق سنة 1552م بشكل رسمي ونشأت المذاهب بتسميات مختلفة ومتنوعة تم ربطها من قبل الغرباء بالأسماء التاريخية في بلاد بيث نهرين بشكل عشوائي للتمييز بينها شكلاً  ولغاية في نفس يعقوب ضمناً ، ونشبت على أثرها صراعات تناحرية بين فروع كنيسة المشرق استعملت فيها كل الوسائل بغرض الأساءة المتبادلة على الآخر وتشويه سمعته وتاريخه ، وبسبب هذه الأختلافات والولاءات المذهبية تمزقت القبائل والعشائر والعوائل وحتى الأسرة الواحدة في انتماءات أبنائها المذهبية بين هذا المذهب وذاك وانتهت الى ما نحن عليه اليوم .
بعد ظهور الدعوة المحمدية الى الدين الاسلامي في نهاية القرن السادس الميلادي وبدء ما سُميت بالفتوحات الأسلامية لبلاد الشام وبلاد بيث نهرين وفرض الأسلام على سكان هذه البلدان بقوة السيف اضطر الكثيرين ممن لم يتمكنوا من دفع الجزية الى اعتناق الأسلام مرغمين ، ومن ثم تلى الغزو العربي الأسلامي الغزو المغولي الهمجي الذي سعى الى إبادة المسيحيين ، ومن ثم تلاه الغزو العثماني المعروف بقساوته وعنصريته الدينية والقومية . أي بمعنى أنه توالت الموجات البشرية على أرض بيث نهرين من كل حدب وصوب بلا توقف ، وحصل جراء ذلك تمازج وتداخل واندماج ثقافي ولغوي وعِرقي واجتماعي بين تلك المجموعات البشرية عبر هذه الحقب التاريخية الطويلة التي تزيد عن ستة آلاف سنة بالشكل الذي لم يَكُنْ في استطاعة أي عرق قومي من المحافظة على نقائه واصالته كما قد يتصور البعض من المتطرفين القوميين المغالين بتطرفهم القومي حالياً . حيث من الممكن أن يكون العِرق القومي لهؤلاء المتطرفين المغالين بقوميتهم حالياً من اصل قومي آخر ، وربما قد يكون عِرقهم الحقيقي من تلك الأعراق التي يحتقرونها ويذمونها اليوم !!! ، والعكس صحيح أيضاً . في هذه المعمعة التاريخية التي يتجاوز عمرها أكثر من ستة آلاف سنة لا نمتلك أي دليل علمي يثبت تطابق أعراقنا القومية التي ندعي الأنتساب إليها اليوم مع تلك الأعراق القومية القديمة مثلاً  كتطابق الحمض النووي dna ، وإذا أجرينا مثل هكذا فحوصات قد تُصدمنا النتائج وتقلب الأمور الى عقب وتجعل كل حساباتنا معكوسة لا تُطابق حسابات البيدر كما يقول المثل . أما ما ورد في كتب ومصادرالتاريخ التي تُصفحها أناملنا فهي استنتاجات المؤرخين الشخصية الى حد كبير ، وليس بالضرورة أن تكون تحمل في طياتها الحقيقة التاريخية التي يحلم بها كل واحد منا اليوم ، والا لماذا تختلف وصف ذات الأحداث التاريخية من مصدر الى آخر ؟؟ . أكيد لأن كتاب التاريخ بحسب وجهة نظرنا يصفون التاريخ ويكتبونه بحسب قناعاتهم التي تتطابق وتتماشى مع مصالح أممهم ، وبذلك يتم تسييس التاريخ بحسب مقتضيات تلك المصالح كما فعلوا اليهود في توراتهم وسيّرْ أنبيائهم ، ولذلك نحن أيضاً عندما نكتب عن أحداث التاريخ نتعمد أن ننتقي من المصادر التاريخية تلك المصادر التي تدعم وتسند قناعاتنا الفكرية ووجهات نظرنا الشخصية التي تخدم وتتماشي مع مصالحنا وأهدافنا ونغض النظر عن تلك المصادر التي لا توافقنا الرأي ، وهذه طبيعة البشر . 
بهذ الشكل المتسلسل توالت احداث التاريخ على أرض بلاد بيث نهرين منذ عهد سومر وأور وأكد وبابل وآشور والفرس والمغول والعرب المسلمين والمغول والعثمانيين الى ان حلت الكارثة بتقسيم أبناء أمتنا وكنيستنا المشرقية الى مذاهب لاهوتية في منتصف القرن السادس عشر الميلادي وتركت لنا أكوام من المعطيات والمعلومات التاريخية التي يتطلب منا أن نحللها ونعيد ترتيبها بأسلوب علمي رصين لنهتدي من خلالها الى اكتشاف ما يفيدنا منها في حياتنا الحاضرة وليس العكس  .
في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وقبل الحرب العالمية الأولى . كانوا أبناء امتنا من سهل نينوى جنوباً والى جبال هيكاري شمالاً ومن اورميا وسهولها شرقاً والى شواطئ البحر المتوسط غرباً لا يعرفون شيئاً عن المفهوم القومي بمضمونه الحالي ، ولم يكُن له حضوراً في حياتهم اليومية وتربيتهم وثقافتهم الاجتماعية ، بل كان ولائهم بالمطلق للدين والمذهب وكل تسمية متداولة بينهم كانت حصراً ذي منظور ومفهوم ديني ومذهبي وليس سواهما ، وعندما كان يُسأل اي واحداً منهم ابتداءً من فلاح بسيط الى أكبر رجل دين من اي مذهب كان ، من أنت ؟؟ ومن تكون ؟؟ يجيب بسرعة البرق ووبساطة متناهية من دون تفكير ، أنا ( سورايا ) بمعناها الديني الروحي ( أنا مسيحي) ليس إلا ، ولا تعني سورايا عنده شيئاً قومياً غير المسيحي ، وكانت عندهم ( سورايا = مسيحي ) . وبعد وصول مفهوم القومية والدولة الوطنية الى سكان الأمبراطورية العثمانية من غير الترك عن طريق البعثات الغربية بغرض تهيئة الأرضية المناسبة لتفكيك الأمبراطورية العثمانية من خلال تحريض الأقليات القومية والدينية فيها  الى الثورة ضد السلطة العثمانية المقيتة . بدأ مضمون المفهوم القومي ينتشر كالنار في الهشيم بين أبناء أمتنا ، وانطلقت الدعوات من القيادات الدينية والعشائرية للعودة الى أرض الأجداد وجمع الشتات المجزأة مذهبياً واقامة كيان قومي لهم في أرضهم التاريخية إلا ان تلك الدعوات اصطدمت من جديد بالصخرة المذهبية الصماء من جهة وبجدار الغدر والخيانة البريطانية لهم من جهة ثانية . وهكذا انتهى الحلم الوردي لأبناء أمتنا بسبب دساءس ومؤآمرات الانكليز وتعاون بعض قياداتهم الميدانية مع الحكومة الكيلانية الفاشية المستعربة بمأسات كارثة مذبحة سميل سنة 1933 م ، وأسدل الستار بعد ذلك التاريخ المشؤوم على قضيتنا القومية وكياننا القومي المستقل وذهبت تضحياتنا الجسام أدراج الرياح .
في ضوء هذه المقدمة التاريخية نستنتج الآتي :-
أولاً : لا يمكن لأي قوم من الأقوام التي اجتاحت بلاد بيث نهرين ( العراق ) واستقرت فيه ولو لفترة منذ فجر التاريخ ودخلت في هذه المعمعة التاريخية الهائلة من التمازج والتداخل والأندماج الثقافي والعِرقي واللغوي والاجتماعي من أن يحافظ على نقاء عِرقه القومي وتراثه الثقافي والاجتماعي كما يتمنى البعض من السكان الحاليين للعراق ، وكل ما عداه هو هراء الحمقى .
ثانياً : لا نمتلك أي دليل أو اثبات علمي بتطابق انتماءاتنا القومية التي ندعي الأنتماء إليها حالياً مع تلك الأعراق القومية التاريخية القديمة مثل تطابق الحمض النووي dna  لكي يبرر لنا تعصبنا وتطرفنا للانتماء القومي المعين من دون غيره ، وغياب هذا الدليل يجعلنا عاجزين أمام التاريخ لأثبات ذاتنا وهويتنا القومية ، ولكن نمتلك كل الأدلة لأثبات وجودنا الوطني العراقي وهويتنا الوطنية وعلينا العمل ضمن هذا  الاطار بما نحن عليه الآن خير من الدوران في حلقة مفرغة التي لا تختلف بشيء عن فلسفة " البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة " لنقل أيها الأخوة أن البيضة من الدجاجة وونسى الدجاجة من أين !!! فذلك أفضل لنا وأفيد .
ثالثاً : في ضوء هذا الواقع لا نجد ضيراً في القبول بأية تسمية قومية من تسمياتنا الجميلة الحالية لأن في ذلك لا يوجد خاسر بيننا بل الجميع رابح والخاسر الوحيد سوف يكون من لا يريد مصلحتنا القومية في البقاء في أرضنا ارض وطن الأباء والأجداد أرض بيث نهرين الطيبة ، أرض العراق مهد  البشرية.
خوشـــابا ســـولاقا
8 / ت1 / 2014 – بغداد
       

145
الآراميون واللغة الآرامية القديمة وعلاقتها باللغة الحديثة المحكية بين الكلدان والسريان والآشوريين
خوشابا سولاقا
بدءً ذي بدء نود أن نُذكّرْ القُراء الكرام والمختصين الأجلاء باللغة الآرامية القديمة واللغة الحديثة المحكية المتداولة بين أبناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين حالياً ، والمختصين بالتاريخ القديم والحديث لسكان بلاد ما بين النهرين وسوريا والشام بأننا شخصياً لسنا مختصين وضليعين باللغة الأرامية القديمة واللغة الحديثة المحكية ، وكذلك لسنا من المختصين بالتاريخ إلا بالقدر الذي يهمنا الأطلاع عليه كمثقفين وسياسيين مستقلين لأغناء معلوماتنا بالمستوى الذي نستطيع من خلالها خدمة وحدة قضيتنا القومية في ضوء الأشكالات القائمة حولها اليوم ، لكي نجعل من أنفسنا القاضي المنصف والعادل للحكم بين ما هو الأصل وما هو الفرع قومياً ولغوياً من التسميات المطروحة في الساحة القومية والتي يدور حولها الجدل البيزنطي اليوم بين مثقفينا عبر وسائل الأعلام المتنوعة . لكن نحن شخصياً انسان عادي وسياسي مستقل ولنا وجهة نظر فيما يدور من حولنا ، ومولعين بقراءة تاريخ هذه المنطقة وعلى وجه التحديد تاريخنا القومي وعلاقته بالآخرين من المحيطين بنا والمرافقين لمسيرتنا تاريخياً ، وتحليل أحداثه من جميع الجوانب لغرض اكتشاف المشركات في تلك الأحداث بين الأقوام التي صنعوه بما هو عليه بين أيدينا اليوم لكي نتمكن أن نطرح ما يتبلور لدينا من تساؤلات الى المختصين من أبناء أمتنا المهتمين بالتاريخ واللغة لوضع حداً لما يجري بيننا من خلافات وسجالات سقيمة وعقيمة التي تزيدنا تشرذماً وتمزقاً يوم بعد آخر ، ولكي نتمكن بالتالي من إعادة ترتيب وتركيب أحداثه بالشكل الذي تعطينا صورة أوضح لما وصَلَنا منها بهدف الوصول الى الحقيقة الأكثر واقعية ومقبولية بشأن الجذور الأصلية لهذه الأقوام وعلاقتها ببعضعا البعض قومياً ولغوياً وحضارياً وأين موقعنا منهم . وعليه أطرح هذا الموضوع مشروعاً للبحث والدراسة والحوار والمناقشة أمام المختصين والمثقفين من أبناء أمتنا ، ونشترط  على من يرغب أن يشترك اعتماد الأسلوب الرصين والحيادي ، واعتماد نهج الأعتدال وعدم الأنحياز المسيس في طرح الأراء ووجهات النظر في تسويق الأدلة والقناعات التاريخية بشأن الموضوع ، لكي تكون الحوارات والمناقشات هادئة ومنتجة تقودنا الى بناء فهم مشترك لأعتماده في الخروج بالتالي من مأزق التسمية الذي نحن بصدد تجاوزها والرسو الى بر الأمان .
نبدأ موضوعنا هذا باقتباس مضمون الكلام وليس الكلام بكل تفاصيله كما أورده الكاتب والمؤرخ السوري الأستاذ محمود حمود أستاذ الدراسات الفلسفية والأجتماعية وتاريخ الشرق القديم في جامعة دمشق والعامل في مجال التنقيب عن الأثار فقط لغرض إثبات الوجود الآرامي في سوريا القديمة وذلك تجنباً لحشك كلام لا علاقة له بما يتطلبه موضوعنا في رسالته لنيل درجة الماجستير الموسومة (( الحياة الأقتصادية والأجتماعية في الممالك الآرامية السورية من القرن التاسع وحتى القرن السابع قبل الميلاد )) عن الآراميين ودورهم في التاريخ . حيث يقول المؤلف في مضمون كتابه أعلاه يرجع الآراميون في أصولهم الى قبائل بدوية عاشت وتنقلت في البادية السورية قبل أن تستقر على أرض الرافدين وبلاد الشام ، وظهروا على مسرح التاريخ في الشرق القديم منذ الألف الثاني وربما منذ أواخر الألف الثالث ق . م ، ولكنهم لم يستطيعوا أن يؤسسوا لهم دوراً سياسياً ودولياً في المنطقة إلا في الألف الأول ق . م ، إذ كانت لهم دويلات وامارات في سورية ولكن دورهم السياسي لم يطل أمده أكثر من أربعة أو خمسة قرون على أبعد حدْ ، ولم يتمكنوا خلال هذا الأمدْ القصير نسبياً من إنشاء لهم امبراطورية ذات ركائز قوية رغم محاولاتهم الحثيثة والمتكررة بسبب ضعف وتخلف وهشاشة الأسلوب المعتمد في تنظيم السلطة ومنهجيتها ، وقد زال نفوذهم وانهار سلطانهم منذ ظهور الأمبراطورية الآشورية القوية عسكرياً والتي شكلت بظهورها خطراً داهما وكبيراً عليهم ولوجود ممالكهم وعلى جيرانهم من القبائل الأخرى من غير الآراميين .
لقد أدى الآراميون دوراً مهماً في تاريخ سوريا القديم خلال الألف الأول ق . م إذ قاموا بعد استقرارهم في المناطق السورية المختلفة بتأسيس لهم إمارات وممالك حاكمة مثل مملكة بيث بخياني  ومملكة بيث عديني  ومملكة بيث زماني ومملكة أغوشي وآرام حماة وآرام دمشق وغيرها من الممالك والأمارات القبلية . وشكلوا هذه الممالك والأمارات الصغيرة في منتصف القرن التاسع ق . م تحالفاً عسكرياً للوقوف في وجه الآشوريين الذين عقدوا العزم على بسط سيطرتهم على سوريا وقد تمكن التحالف الآرامي من اعاقة الآشورين من بسط  سيطرتهم لفترة من الزمن ، ولكن فيما بعد تمكنوا الآشوريين من القضاء على مقاومة بقايا تحالف الممالك الآرامية . إلا أن بقايا تلك الممالك تابعت تطورها كممالك خاضعة للآشوريين وحققت إنجازات على الصعدين الأقتصادي والأجتماعي مستفيدة من الأرث الحضاري للسكان المستقرين الذين قابلوهم في نفس الأماكن . غير أنهم احتفظوا بمظهر من حضارتهم وهو " اللغة " التي قدر لها أن تأخذ دوراً بالغ الأهمية في حياة غرب آسيا فيما بعد وهذا هو الجانب المهم في موضوع مقالنا هذا . 
ويمضي المؤلف بقوله في مضمون سياق كتابه ، واصل الآراميون بالتدريج بالسيطرة وبسط نفوذهم على المناطق الواقعة غربي الفرات ومناطق الجزيرة الواقعة بين الخابور والفرات المسماة " آرام نهرين " ونجحوا في شق طريقهم في اتجاهات متعددة نحو أرض بابل ونحو شمال سورية وجنوبها ، وباتت هذه المحاولات الآرامية تقض مضاجع الأمبراطورية الآشورية القوية عسكرياً يوم بعد آخر مما حدا بها الى تنظيم حملات عسكرية كبيرة وبشكل متواصل للقضاء على كل محاولات الآراميين لتوسيع نفوذهم شرقاً . وكانت تلك الحملات الآشورية قد توالت في زمن كل من الملوك اريك دين إيلو ( 1325 – 1311 ) ق . م ، والملك الآشوري تيغلات بلاصر ( 1112 – 1074 ) ق . م وفي زمن الملك أدد نيراري ( 1074 – 1035 ) ق . م ، وهكذ استمرت الحملات العسكرية الآشورية على الممالك والأمارات الآرامية بدون انقطاع الى أن تمكنوا من القضاء على سلطة ونفوذ الممالك الآرامية قضاءً مبرماً ، وعلى أثر هذه الحملات الآشورية أتوا بعشرات الألاف من الآراميين أسرى وسبايا الى نينوى وغيرها من المدن الآشورية ، وتم استغلالهم واستخدامهم بكثافة في أعمال الزراعة والحرف الفنية المختلفة لما يتمتعون به الآراميون من المهارات المختلفة . وعلى خلفية هذا الواقع الأجتماعي المستجد حصل هناك تمازج وتزاوج وتداخل بل واندماج ثقافي واجتماعي بين المجتمع الآشوري والآراميون الذين أتوا بهم الى بلاد آشور ونتج جراء هذا التمازج والأندماج والتداخل الثقافي والاجتماعي مجتمع جديد إن صح التعبير ( آشوري – آرامي ) يحمل الكثير من سمات المجتمعين وبالأخص اللغة فدخلت الكثير من مفردات اللغة الآشورية التي كانت تكتب بالخط المسماري الى اللغة الآرامية وحصل العكس أيضاً . ومن جملة التطورات النوعية التي حصلت جراء هذا التمازج والتداخل الثقافي والاجتماعي هو قيام الآشوريون في زمن الملك الآشوري سنحاريب منتصف القرن الثامن ق . م بتبني أبجدية اللغة الآرامية وليس اللغة الآرامية كما قد يتصور البعض بدلاً من الخط المسماري في الكتابة لبساطة هذه الأبجدية وأفضليتها على الكتابة المسمارية التي كانت معتمدة لديهم . وبحكم هذا الواقع الثقافي والاجتماعي الجديد دخلت الكثير من المفردات الآشورية الى اللغة الآرامية وبالعكس كما أسلفنا وهذا أمر طبيعي حصل في الماضي ويحصل اليوم في المجتمعات المختلطة كما حصل مع اللغة العربية ولغات الأمم الآخري التي اعتنقت الدين الاسلامي ، وكما حصل مع اللغة التركية في زمن سيطرة الدولة العثمانية على الأمم الأخرى ، وكما حصل مع لغات الدول الأستعمارية بعد عصر النهضة الأوربية في عصرالغزو الأستعماري للبلدن الأجنبية في مختلف قارات العالم كما حصل مع اللغات الفرنسية والانكليزية والأسبانية وابرتغالية وغيرها . إن تبني الآشوريين للأبجدية الآرامية لا يعني أبداً في أي حال من الأحوال تبني اللغة الآرامية بالكامل والتخلي عن اللغة الآشورية ، بل إن الكتابة في الدواوين الرسمية أصبحت تكتب بالمفردات الآشورية وبأبجدية الخط الآرامي .
من خلال هذه المقدمة المبسطة نستنتج التالي :-
أولاً : أن الأراميين الذين ظهروا كممالك وامارات صغيرة في سوريا والشام وبلاد ما بين النهرين منذ أواخر الألف الثالث ق . م كما أسلفنا لم ينقرضوا كما يدعي البعض من ذوات الدوافع الأقصائية الخاصة من دون دراية ودراسة لأحداث التاريخ بشكل ممنهج ، بل لا زال هناك بقايا للعرق القومي الآرامي في كل من سوريا والعراق وفلسطين ولبنان بالرغم من كل ماحصل من المحاولات للقضاء عليهم ، لأن مبدأ الأنقراض الشامل للأعراق والأمم كما يدعي البعض من المغالين في شوفينيتهم القومية والمذهبية كما نلاحظها في بعض الكتابات المتطرفة في طرحها يخالف منطق التاريخ والحياة . لا يحق لأحد أن ينفي أو يلغي هذا الوجود ، ومِن حق مَن يشعر بالأنتماء الى ذلك العِرق أن يعتز ويفتخر به ويدافع عنه ، وعلى الآخرين أن يحترموا ذلك الانتماء . كما وليس من حق كائن من يكون من المكونات التي تشارك الآراميين بأبجدية اللغة أن يلغي أو يقصي الآراميين ، وعلى الآراميين بالمقابل أن يحترموا خيارات وانتماءات الآخرين القومية واللغوية . وخير دليل على وجود وبقاء العرق الآرامي القومي هو قيام دولة اسرائيل مؤخراً بالأعتراف بالقومية الآرامية مهما كانت نوايا ودوافع اسرائيل السياسية والتاريخية في محاولاتها لالغاء ومحو تاريخ من لا يروقها بقائهم من الأقوام في هذه المنطقة بدوافع انتقامية تاريخية على خلفية السبي الآشوري والبابلي لليهود كالآشوريين والبابليين .
ثانياً : إن اللغة الآرامية القديمة ( لشانه عتيقة ) التي تكلموا بها الآراميين القدماء في ممالكهم واللغة الحديثة ( لشانه سوادايا ) بكل لهجاتها الكلدانية والآشورية في جميع أنحاء العالم والسريانية المحكية في مدن وقصبات سهل نينوى وبعض مناطق سوريا ولبنان تشترك مع اللغة الآرامية القديمة بنفس الأبجدية من حيث التسمية وتختلف في رسم بعض الحروف بحكم التطور الزمني في رسم الحرف لأسباب موضوعية وتقنية كثيرة . ولكن هناك اختلافاً كبيراً جداً بين المفردات المتداولة في اللغة الآرامية القديمة ( لشانا عتيقا ) اللغة التي كتبت بها بعض الكتب الدينية المسيحية وبين اللغة الحديثة ( لشانا سوادايا – بمعنى اللغة العامية ) التي يتكلم بها الكلدان والآشوريين وبعض السريان كما أسلفنا يصل الى نسبة ( 50 % ) تجعلهما في نظر المتلقي لهما كأنهما لغتان مختلفتان جملةً وتفصيلاً . وقد يكون الأختلاف الوحيد بين هذه اللغات المحكية هو في لفظ بعض الحروف مثل حرف ( الحاء ) يلفظ ( خاء ) عند البعض وحرف ( الألب ) يلفظ ( واو ) عند البعض الآخر ..  من هنا نستطيع أن نستنج أن الذين يتكلمون اللغة الآرامية القديمة ( لشانا عتيقا ) أينما وجدوا اليوم هم عرقياً آراميون ومن أصول الاراميين القدامى ونقول لهم مبروك لهم اكتشافهم لذاتهم القومية بعد قرون طويلة . ومن لا يتكلم باللغة الآرامية القديمة ويتكلم بأحدى لهجات اللغة الحديثة ( لشانا سوادايا ) هم من عِرق قومي غير أرامي أي بمعنى لهم عِرق قومي آخر نتفق عليه أو سنكتشفه لاحقاً في المستقبل اذا سعينا إليع بروية وتعقل من دون تطرف . فهؤلاء لا صلة لهم بالعرق القومي الآرامي لا من قريب ولا من بعيد . ولغرض تعزيز هذه الفكرة نورد بعض المفردات لبيان الأختلافات الجوهرية بينها بحسب اللغة الآرامية القديمة واللغة الحديثة كأمثلة بسيطة وليس الحصر وهي تسميات لأعضاء الجسم لتكون قريبة من الذهن . 
1 ) الأذنْ ... بالأرامية القديمة – أذنه ... بالحديثة – ناثه
2 ) الأنفْ ... بالآرامية القديمة – أنفه ... بالحديثة – نخيرا ... أو بوقا
3 ) الرجلْ ... بالآرامية القديمة – رَغله ... بالحديثة – آقله

وهناك الآلاف من المفردات من اصول اللغات الأكادية والبابلية والآشورية الموجودة في اللغة الحديثة ( لشانا خاثا - سوادايا ) وليس لها وجود في اللغة الآرامية القديمة ( لشانا عتيقا ) التي يطلق عليها لغة السيد المسيح له المجد . وعليه فإن الآراميين قوم ٌقائم بذاته والكلدان والآشوريين وبعض السريان ممن لا يتكلمون الآرامية القديمة قومٌ آخر لا يربطهم بالآراميين رابط عرقي قومي غير رابط أبجدية اللغة . اي بلغة المعادلات الرياضية :
{ الكلدان = السريان = الآشوريين } قومياً ... وهذا لا يساوي الآراميين
ايها الأخوة الأعزاء القراء الكرام إن ما كتبناه هنا هو وجهة نظرنا الشخصية على ضوء تحليلنا لأحداث تاريخنا ليس إلا والموضوع مطروح للمناقشة والحوار وبيان الرأي بحرية وبروح ديمقراطية رياضية وكل شيء فيه قابل للحوار والنقض وطرح البديل والبقاء للأصلح والأصح هكذا يقول المنطق العقلاني .

خوشــابا ســولاقا
5 / ت1 / 2014 – بغداد

146
حكومة الدكتور العبادي والتحديات الكبيرة وكيفية إخراج العراق من مأزقه
خوشابا سولاقا
كما هو معلوم لدى كل المتتبعين والمراقبين السياسيين للوضع السياسي العراقي المعقد للغاية منذ ثمانية سنوات في ظل حكومة السيد نوري المالكي حكومة الأزمات المفتعلة جراء عدم الأيفاء بوعوده لحلفائه في العملية السياسية وسعيه المتواصل للأنفراد بالسلطة واتباعه سياسات طائفية وسياسات إقصاء الخصوم السياسيين من الشركاء في العملية السياسية من عرب السنة والكورد والحلفاء في التحالف الوطني العراقي الشيعي ، وسياساته في حماية الفاسدين والمفسدين من المقربين له ، وتشكيله خلافاً للدستور تشكيلات هيكلية أمنية ترتبط به شخصياً مثل مكتب القائد العام للقوات المسلحة ، وتشكيلات القيادات العسكرية المناطقية تمتلك كل السلطات الأمنية والتي من خلالها تم تجريد سلطات الحكومات المحلية من محافظين ومجالس المحافظات ، وأسناد قيادات تلك التشكيلات الى عناصر موالية لشخصه ، وهذه السياسات أدت بالنتيجة الى تركيز كل السلطات الأمنية والعسكرية في يده ، إضافة الى لجوئه الى سياسة ترتيب ملفات أمنية يتهم خصومه ومعارضيه من السياسيين من خلالها بالتعاون مع جهات إرهبية وغيرها من التهم المفتعلة يهددعم بها عند الضرورة . إن وجود مثل هكذا تشكيلات أمنية وعسكرية بمسميات مختلفة شكلت الأساس المادي لظهور الديكتاتورية من جديد ، وكانت النتيجة الطبيعية لمثل هكذا سياسات فردية غير الدستورية وغير القانونية هي وصول البلاد الى ما وصل إليه اليوم ، بلد ثلث مساحته خارج سلطة الدولة تقع تحت سيطرة العصابات الأرهابية ، بلد منقوص السيادة . كانت سياسات السيد نوري المالكي هذه السبب في تحويل شركاء  وحلفاء الأمس في العملية السياسية الى معارضين بل الى أعداء ألداء لحكومته ، وأدخلت ما يسمى بالعملية السياسية الى نفق مظلم لا مخرج منه وأخذ كل طرف من أطراف العملية السياسية يكيل التهم والنعوت المختلفة لشريكه وحليفه من دون حساب ومن دون ترك خط الرجعة لنفسه .
على ضوء هذا الواقع المثقل بتركة ثقيلة من المشاكل والأزمات وانطلاقة بوادر الحرب الأهلية الطائفية ، وسيطرة تنظيم الدولة الأسلامية الأرهابي على مدن وبلدات وقرى كثيرة وفرض سلطته على أكثر من ثلث مساحة البلاد ، وأنبعاث الدخان الأسود من براكين الصراعات داخل قيادات كتل المكونات التي تقود السلطة في البلاد ( التحالف الوطني الشيعي ) أزاء سياسات المالكي التي أوصلت البلاد الى حالة حافة الهاوية السحيقة ، هذه الحالة التي لا يحسد عليها العراق وَلدتْ حكومة الدكتور حيدر العبادي بعد مخاض عسير بعملية قيصرية معقدة للغاية بضغط وتدخل خارجي وأقليمي في مقدمتها الولايات المتحدة التي اصرت على تغيير المالكي وتشكيل حكومة عراقية شاملة لكل مكونات العراق من دون أقصاء أحد ، انتهت هذه الضغوط الى خلع المالكي بعملية قيصرية أيضاً أشبه ما تكون باستعمال معدات القلم والمطرقة لقلع جذوره من على كرسيُ الحكم رغماً عنه متنازلاً لصالح الدكتور العبادي أحد القياديين البارزين في حزب الدعوة الأسلامية وإئتلاف دولة القانون ، لذلك نرى من وجهة نظرنا المتواضعة أن حكومة الدكتور العبادي تواجه تحديات كبيرة وقوية وخطيرة ، ويتربص بها كل من تضررت أو قد تتضرر مصالحهم ، وكل من خرج ويخرج من المولد من دون حمص جراء محاولات الدكتور العبادي الأصلاحية لأصلاح الوضع والنظام السياسي الذي أنشأه المالكي وتطهير أجهزة الدولة من الفساد والفاسدين وسُراق المال العام وخاصة في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي وصل فيها الفساد الى قِمة الرأس من خلال تبوأهم المناصب الرفيعة في تلك الأجهزة . لذلك دخلت تلك العناصر التي كانت منتفعة من مواقعها في حكومة المالكي بعد إزاحته في سباق مع الزمن لأفشال حكومة الدكتور العبادي للعودة الى مواقعها في الحكومة من الشباك بعد أن أخرجت من الباب ، وهنا على الدكتور العبادي أن يكون حذراً جداً من هؤلاء وحازماً جداً معهم لأبعاد شرورهم وأن يفعل كما يقول المثل " أن يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به " لأنهم في الحقيقة يشكلون التحدي الأكبر له والخطر الأعظم الذي يعيق مساعيه في الأصلاح ومكافحة الفساد المالي والأداري في مؤسسات الدولة كافة .
ضمن هذا الواقع الذي وصفناه وهذه التركيبة المتناقضة للقوى السياسية العراقية التي خَلّفها المالكي على المستوى الوطني وعلى مستوى التحالف الشيعي وفقدان الثقة فيما بينها ، أي بين القوى السنية والكوردية من جهة وبين القوى الشيعية من جهة ثانية ، والدور الأيراني المتحكم بقرار التحالف الوطني الشيعي في ترتيب أوراق القرار العراقي بحسب مصالحها ، والدور الأمريكي الحاسم والحازم في فرض ارادتها على القرار العراقي لتحجيم الدور الأيراني ، جعلت موقف الدكتور العبادي في مواجهة كل هذه العواصف الهوجاء موقف لا يحسد عليه ، وهو أشبه ما يكون بقارب صغير في وسط أمواج البحر الهائجة تتقاذفه يميناً وشمالاً يحتاج الى من يرمي له حبل النجاة لأنقاذه من الغرق المحتم ، وقد جاءه هذا الحبل من لدن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والدول الغربية الأوربية ( حلف الناتو ) بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2178 ، لأن دول التحالف الدولي قد ادركوا مؤخراً بعد أن سيطر تنظيم الدولة الأسلامية الأرهابية ( داعش ) على ثلث مساحة العراق إن غرق قارب حكومة الدكتور العبادي يعني الأضرار بمصالحهم الحيوية في العراق والمنطقة . لذلك وجدتْ الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو والمنطقة العربية وايران أيضاً أن من واجبها دعم حكومة العبادي بكل الوسائل بما فيها العسكرية لأنقاذ مصالحها الحيوية الاستراتيجية ، ووجد الدكتور العبادي هو الأخر في هذا الدعم المتعدد الجوانب سنداً لأنقاذ وطنه من الأنهيار والدمار على يد قوى الأرهاب المتمثل في تنظيم الدولة الأسلامية ( داعش ) . هكذا تلاقت المصالح بين حكومة الدكتور العبادي والعراق من جهة وبين مصالح دول التحالف الدولي وتحت الشرعية الدولية في التعاون للقضاء على خطر تنظيم الدولة الأسلامية من جهة أخرى .
ولغرض استقرار الوضع في العراق ووقوف العراق على قدميه من جديد والنهوض من كبوته باعادة بناء مرتكزاته الأقصادية وبناه التحتية المدمرة بسبب حروب صدام حسين العبثية في السابق وحكومة المالكي بسياساته التي اتسمت بالطائفية التي أوصلت البلاد على أبوب الحرب الأهلية الطائفية التي يعيشها شعبنا اليوم يتطلب من حكومة الدكتور العبادي القيام بما يلي وحسب الأولويات التالية :-
أولاً : تطهير الأجهزة الأمنية والعسكرية من القيادات الموالية لشخص المالكي ومن العناصر الفاسدة وحل كافة التشكيلات الأمنية غير الدستورية وغير القانونية ومحاسبة القادة ممن تسببوا بما حصل للعراق بعد العاشر من حزيران الماضي ، وتعيين الوزراء الأمنيين بتنصيب أشخاص مهنيين من ذوي الأختصاص وكفوئين مستقلين يتميزون بولائهم للوطن وحده كخطوة أولى لأعادة ثقة الشعب بالحكومة وقيادته .
ثانياً : اعادة هيكلة تشكيل القوات المسلحة ( الجيش ) على أساس مهني له عقيدة عسكرية ، وأن تتولى قياداته عناصر عسكرية مهنية مستقلة وأن يكون ولاءهم للوطن وتطهير صفوف الجيش من العناصر الميليشياوية . وكذلك الحال مع القوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية .
ثالثاً : حل كافة التشكيلات المسلحة بكافة تسمياتها التابعة للأحزاب والصحوات والعشائرغير الخاضعة لمؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وحصر السلاح بيد الدولة دون سواها ، وأن تنفيذ هذا الأجراء يساهم الى حد كبير في استقرار الوضع الامني في البلاد ويحد من الجريمة المنظمة بكافة أشكالها .
رابعاً : حل كل الأشكالات القائمة مع الأخوة الكُرد في إطار الدستور ووفقاً للمصالح الوطنية التي تضمن صيانة الوحدة الوطنية أرضاً وشعباً مع حل مشاكل المكونات القومية والدينية على مستوى الأقليم والدولة الأتحادية  بما يضمن تحقيق حقوقهم القومية والثقافية والدينية .
خامساً : فتح حوار للمصالحة الوطنية الشاملة مع كافة المعارضين بما فيهم الفصائل المسلحة في المحافظات المنتفضة باستثناء داعش ، والنظر بمطاليبهم الوطنية المشروعة في إطار الدستور واعتماد المبدأ القائل ( عفا الله عما سلف ) لأن المصلحة الوطنية والقضاء على الأرهاب يقتضيان ذلك ووضع اليد على الجروح لوقف نزيف الدم العراق في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العراق .
سادساً : يقتضيان المصلحة الوطنية ووقف نزيف الدم العراقي التخلي عن استمرار سياسات الثأر والأنتقام التي اتبعت بعد سقوط النظام البعثي ، وإلغاء قانون المساءلة والعدالة واحالة هذا الملف بالكامل الى القضاء ، وأعادة النظر بقانون مكافحة الأرهاب مع رد الأعتبار وتعويض المتضررين من جراء تطبيقات هذين القانونين ظلماً من غير وجه حق ، مع أعادة من يستحق من المشمولين بتطبقات هذين القانونين الى وظيفته في أجهزة الدولة أو احالتهم على التقاعد لضمان لهم ولعوائلهم العيش الكريم كمواطنين عراقيين ، واصدار قانون العفو العام عن السجناء والمعتقلين ممن لم تلطخت أيديهم بدماء العراقيين باستثاء من ثبتْ انتمائمهم أو ارتباطهم بالتنظيمات الأرهابية كداعش والقاعدة وغيرهما . إن الأقتداء بتجربة جمهورية جنوب افريقيا بعد تحررها من نظام الفصل العنصري تساعد العراق على الخروج من مأزقه الحالي الى بر الأمان والأستقرار .

خوشــابا ســـولاقا
27 / أيلول / 2014 – بغداد     
 
 


147
دعوة الى تبني تسمية " الناطقين بالسُريانية " بدلاً من تسمية " المكون المسيحي "
خوشابا سولاقا
منذ سقوط النظام السابق ، وفي خضم الصراعات القومية والمذهبية على الساحة السياسية في العراق بين مكوناته الأثنية والدينية والمذهبية من أجل تثبيت الوجود على الأرض فأن أبناء أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين يعيشون حالة من الفرقة والتشظي بسبب الصراعات والسجالات والمهاترات أحياناً مصحوبة بموجات من الأحقاد والكراهية المذهبية السقيمة والعقيمة حول التسميات القومية بين أن نتسمى بالتسمية الكلدانية أو بالتسمية السريانية أو بالتسمية الآشورية والكل لديه من الأسباب والأدلة لأن يصر على كون تسميته هي التسمية القومية الموحدة المناسبة لمجموع مكونات أمتنا . هناك ما يجمع هذه المكونات الثلاث لأمتنا من الناحية المنطقية والتاريخية والطوبوغرافية والسايكولوجية ألا وهو وحدة اللغة التي لا اختلاف ولا خلاف عليها ، وكل تلك السجالات والصراعات والحوارات الحارة المتطرفة منها والمعتدلة منها لن تُفضي  الى التوصل على نتيجة إيجابية لصالح تحقيق الوحدة القومية لأمتنا والأتفاق على تسمية قومية موحدة تبنى عليها أمال الأمة في الحياة ككيان قومي أصيل في هذا البلد ، بل سحبتنا تلك الصراعات والسجالات والمهاترات الى المزيد من الفرقة والتمزق وتعميق الخلافات والأحقاد والضغينة والأبتعاد عن الهدف المنشود أكثر فأكثر ، وانتهى الأمر بنا أخيراً الى القبول بالتسمية الدينية ألا وهي تسمية " المكون المسيحي " والتي تعني بمفهومها الشامل كل المسيحيين العراقيين من الكلدان والسريان والآشوريين والعرب والكورد والتركمان والأرمن وحتى الأجانب المسيحيين من قوميات متعددة ممن يحملون شهادة الجنسية العراقية من كل قارات العالم ، وهي تسمية ذي هوية دينية خالصة لا تشير لا من قريب ولا من بعيد الى أية هوية قومية أو أية سمة ذي مدلول قومي معين من الناحية القانونية والواقعية ، وبأعتماد هذه التسمية في الوثائق الرسمية للدولة العراقية فقدنا تسميتنا  القومية وبالتالي وجودنا القومي في العراق ، وقد تكلل وتجسد ذلك بوضوح في قانون الأنتخابات الأخير الذي بموجبه منحنا كوتا برلمانية باسم " الكوتا المسيحية " ، هذا القانون أعطى الحق لكل عراقي مسيحي أن يرشح نفسه لعضوية البرلمان العراقي من خلال هذه الكوتا مهما كان انتمائه القومي . إن ما رافق ذلك من خلافات وسجالات متناقضة عبر وسائل الأعلام المختلفة بخصوص تولي المنصب الوزاري في الحكومة الجديدة المخصص للمسيحيين قد زاد في الطين بله من طروحات عجيبة غربية لا يقبلها العقل والمنطق وصلت في بعض جوانبها الى درجة تكفير الوزير الجديد بسبب أفكاره السياسية وتجريده من مسيحيته التي ورثها عن أبائه وأجداده وأكتسبها عبر شهادة العماذ المسيحي الصادرة من كنيسته كما يكتسب كل مسيحي مسيحيته الرسمية . في ظل هذا الواقع المزري المضحك والمبكي لأمتنا وعجزنا الواضح وفشلنا بامتياز في التوافق والأتفاق على التسمي بتسمية قومية موحدة كأن نتسمى كلدان أو سُريان أو آشوريين بسبب عُقدنا النفسية المزمنة والتي ولدتها الظروف التاريخية التي عاشها أبناء امتنا في الشرق واقتران ذلك بمذاهبنا الكنسية اللاهوتية التي نختلف حولها بشدة وتطرف وعدم قدرتنا على تجاوزها في ظل الظروف الراهنة نقترح القبول بتبني  التسمية التي تجمعنا ولا نختلف عليها ولو بشكل مؤقت الى أن نهتدي الى طريق الصواب في إختيار التسمية القومية المناسبة لنا من تسمياتنا الثلاثة ألا وهي تسمية " الناطقين بالسريانية " والتي لها مدلولات قومية واضحة والتي تشمل حصراً الكلدان والسريان والآشوريين بغض النظر عن مذاهبهم الكنسية اللاهوتية ولكون اللغة بحد ذاتها هي من أهم خصائص ومقومات القومية ، وبذلك نتخلص من كل اشكاليات التسمية بالمكون المسيحي . ندعو هنا ممثلينا في البرلمان العراقي الى تبني المقترح بعد التشاور مع كافة مرجعياتنا الدينية لكل كنائس أمتنا ومرجعياتنا السياسية وكافة مؤسساتنا الثقافية والمجتمع المدني ومن ثم عقد مؤتمر عام لكل هذه المرجعيات والمؤسسات لأقرار التسمية ومن ثم رفع توصية الى رئاسة البرلمان لتبني هذه التسمية في كل الوثائق الرسمية للدولة العراقية بدلا من تسمية " المكون المسيحي " لحين توصلنا الى فهم مشترك والتوافق على تسمية قومية موحدة في المستقبل . خير لنا أن نتجمع ونتمحور حول القبول بتسمية لها مدلول قومي ولو بأبسط صوره بدلاً من أن نتخالف ونتخاصم  حول ما يزيد من فرقتنا وتمزقنا قومياً كما هو حالنا اليوم ، ونترك للزمن فرصة مناسبة لأن يفعل فعله ويأتي بأفله في إذابة جبال جليد الخلافات والأختلافات والتناقضات المذهبية اللاهوتية الكنسية التي انعكست سلباً على التسمية القومية لأرتباط تلك التسميات القومية بالتسميات المذهبية وأصبحت رديفاً لها مما جعل المشهد القومي أكثر تعقيداً وأشد اضطراباً وأكثر هشاشةً وضعفاً . 
 نرى في تبني تسمية " الناطقين بالسريانية " رسمياً من قبل مؤسساتنا السياسية والكنسية والسعي الى اعتمادها في مؤسسات ووثائق الدولة رسمياً سوف تشكل خطوة البداية الصحيحة الأولى على طريق تحقيق الوحدة القومية بتسمية موحدة في المستقبل على شرط أن تصفى نوايا الساعين إليها وتوحيد خطاب ممثلينا في البرلمان . 

 خوشـــابا ســـولاقا 
18 / أيلول / 2014 – بغداد     

148
ما المطلوب بعد رحيل المالكي مرغماً ... ؟
خوشابا سولاقا
كانت عملية خلع وترحيل المالكي من موقعه في رئاسة مجلس الوزراء العراقي مرغماً بعد تشبثه المستميت وبكل الوسائل للبقاء في منصبه الذي طاب له لولاية ثالثة إنجازاً تاريخياً وطنياً كبيراً لصالح المسيرة الوطنية الديمقراطية في تكريس تقليد تناوب السلطة سلمياً وديمقراطياً للأجيال القادمة من السياسيين . وكذلك أعطت هذه العملية درساً قاسياً لمن تسول له نفسه في التشبث بالبقاء على كرسي الحكم لطول العمر كما كان يسعى المالكي ومن ثم احتمال توريثه من بعده لأولاده كما جرت العادة عند زعماء العرب والمسلمين . وكذلك كانت عملية ترحيل السيد المالكي وترشيح البديل الدكتور المهندس حيدر العبادي تعني في ذات الوقت سد الطريق أمام عودة الديكتاتورية وحكم الفرد والزعيم الأوحد وسيادة سلطته وتأليهه وتقديسه كما كانت الحالة مع السلف الطالح . في الحقيقة كانت عملية خلع السيد المالكي بطريقة ديمقراطية وفق ضرورة الأستحقاقات الوطنية وليس وفق الأستحقاقات الأنتخابية الدستورية التي كان يتشبث بها السيد المالكي للأستمرار في منصبة لولاية ثالثة متناسياً ما قام به عام 2010 عندما كانت القائمة العراقية هي القائمة الفائزة في الأنتخابات وصاحبة العدد الأكبر من المقاعد البرلمانية كانت درساً بليغاً لمن يعتبر .  إن تكريس هذا التقليد في تناوب السلطة سلمياً يعتبر الخطوة الأولى في طريق الألف ميل في تكريس النهج الديمقراطي في الحكم لبناء دولة المؤسسات الدستورية الوطنية المدنية الديمقراطية وإقصاء المحاصصة الطائفية السياسية والأثنية من قاموس العراق السياسي والعودة الى المشاركة الوطنية الحقيقية في إدارة الدولة الحديثة التي تتعامل مع مواطنيها في منح الحقوق وتوزيع الواجبات على أساس الهوية الوطنية والولاء الوطني والكفاءة المهنية ومعايير النزاهة والأخلاص للوطن واستئصال ظاهرة المحسوبية والمنسوبية من معاييرها . وتسعى الى وضع حد لظاهرة الفساد المالي والأداري وسرقة المال العام وبالتالي بناء دولة يحكمها حكم القانون والمؤسسات الستورية . هذا هو الحلم الوردي الذي يحلم به كل مواطن عراقي حُر وشريف . نحن هنا لا نطالب بالتجاوز والقفز من فوق الدستور كما قد يتصور البعض في قول كلمة حق يريد بها باطل بل ندعو الى تقديم استحقاقات المصلحة الوطنية العليا على أية استحقاقات أخرى دستورية كانت أو غيرها من الأستحقاقات الأخرى . إن ما جرى ويجري في العراق منذ سقوط النظام السابق من احداث مؤلمة ومحزنة  والفشل الذي نالته حكومة السيد المالكي في كل المجالات من دون أستثناء خلال سنوات رئاسته لمجلس الوزراء كافٍ لأن كانت تجعل السيد المالكي أن يتخلى عن الحكم طواعية من دون مراوغة والتشبث بالبقاء في منصبه لولاية ثالثة وتسليم الحكم الى غيره من رفاق الدرب في حزب الدعوة أو في إئتلاف دولة القانون أو في التحالف الوطني العراقي ربما ينجح في إخراج العراق من أزماته التي خلقتها سياسات السيد المالكي غير المتوازنة والمعتمدة على القوة المسلحة . هذا هو الخطأ الذي يتطلب تصحيحه واستئصال جذوره بالعودة الى الحوار السياسي الايجابي المنتج بين مكونات الشعب العراقي وأن تحل لغة العقل والسلام محل لغة السلاح والحرب .
لكن المهم في الأمر كله ما هو المطلوب من القادم الجديد بعد رحيل المالكي مرغماً ؟ هل سيكون إعادة إنتاج بديل المالكي صورة منسوخة للمالكي كما كان المالكي في كل ممارساته صورة منسوخة لمن كان قبله ، شخصية لا تنتج للعراق إلا الأزمات المستعصية والمشاكل المستمرة وأستمرار نزيف الدم العراقي ؟؟ ، أم سيكون بديلاً مختلفاً كلياً عن المالكي نهجاً وسلوكاً ورؤيةً ؟؟ هل سيكون بديلاً معبراً بحق عن طموح وتطلعات كل العراقيين من كل المكونات دون تمييز ويعتبر كل العراقيين أهله وأبنائه وناسه وهو أباً حنوناً لهم ؟؟ أم سيكون أباً يميز بين أبنائه كما كان يفعل السيد المالكي عملياً وليس كما كان يدعي في خطاباته السياسية الأعلامية الأسبوعية ؟ . في حقيقة جوهر هذا التعامل تكمن نقطة البداية للأنطلاق لبناء عراق جديد مختلف ويضمن البديل الناجح لأخراجه من مأزقه الذي قاده إليه السيد المالكي بعد ثمانية سنوات من الحكم الذي كانت تغلب عليه سمة التمييز والتفرقة بين العراقيين في كل شيء ، هذا ما يجب أن يدركه ويفقهه بشكل واضح القادم الجديد الدكتور المهندس حيدر العبادي . 
في ضوء ما تقدم يتطلب في عملية تشكيل الحكومة الجديدة مراعاة تقديم استحقاقات المصلحة الوطنية العليا والمحافظة على وحدة تراب الوطن على الأستحقاقات الأنتخابية وعدم الأتخاذ من تلك الأستحقاقات مبررات لأستمرار الخلافات بين النخب السياسية وتعميقها من أجل الأسراع بالوصول الى تشكيل حكومة وحدة وطنية ، حكومة الأنقاذ الوطني لأنتشال الوطن وإنقاذه من الأنهيار والسقوط في الهاوية السحيقة ، ومن دون ذلك لا يمكن مواجهة وتجاوز تحديات المرحلة الراهنة التي يمر بها البلاد بعد أن فقد السيادة على أكثر من ثلث مساحته ، في الوقت الذي يشاهد على أرض الواقع إشتداد وتصاعد وتائر الحرب الأهلية الطائفية والأرهاب يوسع من دائرة سيطرته على المزيد من المساحات يوم بعد آخر ، أي بمعنى أن تكون طبيعة الحكومة القادمة حكومة وحدة وطنية مبنية على أسس الشراكة الوطنية الحقيقية لكافة مكونات الشعب العراقي دون إقصاء وتهميش أحداً ، وعلى أن لا تأتمر وزرائها بأوامر أحزابهم بل تأتمر بأوامر السيد رئيس مجلس الوزراء وتنفذ البرنامج الحكومي الذي يصادق عليه مجلس النواب ، وأن يكون رئيس مجلس الوزراء ممثلاً للشعب كله وليس ممثلاً لحزبه وطائفته وقوميته لينال رضا ودعم ومساندة كافة مكونات الشعب العراقي . ولغرض اجتياز هذه المرحلة الصعبة والمعقدة والتصدي للتحديات القائمة والمتمثلة في إرهاب " دولة الخلافة الداعشية " من جهة " والحرب الأهلية الطائفية " التي باتت تدق ابواب العراقيين من جهة أخرى يتطلب تشريع القوانين التالية :-
أولاً : تشريع قانون العفو العام وإطلاق سراح السجناء والمعتقلين ممن لم تثبت إدانتهم بأعمال ونشاطات إرهابية وجرائم جنائية بعد إعادة النظر بملفات التحقيق معهم في الدوائر الأمنية للتأكد من سلامة وقانونية تلك التحقيقات وذلك لما يشوبها من الشكوك في نزاهتها ، على أن يستثنى من أحكام هذا القانون كل من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين من الأرهابيين والقتلة على الهوية ومجرمي الجرائم الجنائية وسراق المال العام ومروجي الفساد المالي والأداري في أجهزة الدولة بكافة مستوياتهم الوظيفية .
 ثانيا : إلغاء قانون المساءلة والعدالة وإحالة هذا الملف برمته الى القضاء ، وإعادة المفصولين والمبعدين على خلفية هذا القانون ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين الى وظائفهم في أجهزة الدولة أو إحالتهم على التقاعد لضمان لهم ولعوائلهم العيش الكريم كمواطنين عراقيين وطوي هذه الصفحة من تاريخ العراق .
ثالثاً : تشريع قانون بحل الميليشيات كافة مهما كانت طبيعتها وحصر السلاح بيد الدولة وحدها دون سواها.
رابعاً : إتخاذ الأجراءات السريعة بإعادة النازحين والمهجرين والمهاجرين من ديارهم بسبب النشاطات الأرهابية والميليشياوية والقتل على الهوية الطائفية الى مناطق سكناهم وتعويضهم عن كل ما فقدوه جراء ذلك وبشكل مجزي ليتسنى لهم العودة الى ممارسة حياتهم الطبيعية .
خامساً : إعادة هيكلة تركيبة القوات المسلحة بكافة أصنافها من الجيش والشرطة وقوى الأمن الداخلي والمخابرات بكل مسمياتها وتطهيرها من العناصر المسيئة والفاشلة وغير المهنية التي عاثت في تلك الأجهزة فساداً وظلماً ، وحل بعض التشكيلات الخاصة التي كان إرتباطها بمكتب رئيس مجلس الوزراء حصراً أو دمجها بأحدى الوزارتين الداخلية والدفاع وذلك لتجريد السيد رئيس مجلس الوزراء من كل وسائل العودة الى الديكتاتورية الفردية ، والعمل على إبقاء القوات المسلحة حيادية بعيدة عن المحاصصة الطائفية والأثنية والسياسية ، وتنشئتها على أسس الولاء للوطن والشعب وليس للحاكم بأمره كما هو حال القوات المسلحة في الدول الديمقراطية المتحضرة والمتقدمة .
سادساً : تشكيل لجنة موسعة شاملة لكل مكونات الشعب من ذوي الأختصاص من القانونيين وغيرهم ، من البرلمانيين ومن خارج البرلمان من فقهاء القانون الدستوري ومن أساتذة الجامعات لتعديل الدستور الحالي وجعله خالياً من الألغام التي تنفجر بين حينٍ وآخر كلما حصل إختلاف في الرأي حول موضوع ما في البرلمان بين الكتل البرلمانية وعلى أن ينجز ذلك ضمن سقف زمني محدد لا يتجاوز ثلاثة أشهر . على أن يعالج موضوع منصب القائد العام للقوات المسلحة بالشكل الذي لا يعطي الفرصة ويوفر السند القانوني لمن يتولاه لإستغلاله لبسط نفوذه وسيطرته على قرار البلاد ويمهد له لإقامة الديكتاتورية من جديد على أن يكون هذا المنصب بروتوكولياً يشرعن القرار العسكري الذي تصدره هيئة الأركان للقوات المسلحة المختصة بالشؤون العسكرية كما هو الحال في الدول الديمقراطية المتقدمة وليس كما هو عليه الحال الآن .
سابعاً : الأسراع بتشريع كل القوانين المعطلة مثل قانون الموازنة العامة السنوية للبلاد وقانون الأحزاب السياسية وقانون النفط والغاز وقانون التعداد السكاني العام للبلاد ليتسنى للدولة تقسيم وتوزيع الثروة بين الأقاليم والمحافظات بموجبه بشكل أكثر عدلاً وإنصافاً .
ثامناً : الأسراع بحل الأشكالات المستعصية بين الحكومة الأتحادية وحكومة الأقليم بشأن ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها وبالذات مصير محافظة كركوك التي هي بؤرة الخلاف بين الحكومتين ، وكذلك الحال بشأن تحديد الحدود الجغرافية للمحافظات بعد إقرار استحداث محافظات جديدة ووضع خارطة جغرافية نهائية على ضوء الواقع الجديد للعراق .
تاسعاً : رفع وإزالة كافة السيطرات والخرسانات الكونكريتية من شوارع المدن لما لها من أثار سلبية على المواطنين وتاخيرهم عن أعمالهم وخلق الأختناقات المرورية الرهيبة وما تتركه من أثار نفسية سلبية على نفسية المواطنين ، في الوقت الذي ليس لها أي دور إيجابي فاعل للحد من ظاهرة عمليات التفجيرات الأرهابية ، حيث من المفروض أن يكون وجود هذه السيطرات خاضع للتقييم والأستعاضة عنها بتكثيف الدوريات المتحركة وفتح الشوارع كافة أمام المواطنين . 


  خوشــابا ســولاقا   
16 / آب / 2014 – بغداد   
   

149
هل ستكون عملية تهجير المسيحيين من الموصل بمثابة دق المسمار الأخير في نعش الوجود القومي لأمتنا في أرض وطن الأجداد ... ؟؟
خوشابا سولاقا
من الظاهر لعيان المتتبع لأوضاع أمتنا في العراق طيلة الفترة التاريخية الممتدة من نهاية الحرب العالمية الأولى  ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 والى اليوم مروراً بمجزرة سميل الرهيبة في آب من عام 1933 والتي راح ضحيتها قرابة الخمسة آلاف بريء من أبناء أمتنا ، وما تلى ذلك من هجرة أبناء امتنا لقراهم في شمال العراق على أثر انطلاق الحركة الكردية التحررية في أيلول عام 1961 وترك كل ما كانوا يمتلكونه من مال وحلال وأرض ، وأستقر بهم المطاف في مراكز المدن الكبيرة ، وعانوا ما عانوه من معاناة كبيرة وشضف العيش وتشرد وقتل وفقر ومرض وعوز في ظل أسوء الظروف المعاشية دون أن يرحم بحالهم أحداً . وقد تمكنوا أبناء أمتنا بعد سنوات من العمل الكفاحي والتضحيات من أجل تأمين لقمة العيش الحلال والكريم أن يتجاوزوا الحالة المزرية التي وصلوا إليها بعد النزوح من قراهم الى مراكز المدن ، حيث عمل رجالنا ونسائنا وأطفالنا في شتى الأعمال الشريفة بما فيها الخدمة في البيوت كأعمال التنظيف دون ملل أو كلل لأنه كان الأمر بالنسبة لهم النضال المرير من أجل البقاء واستمرار حياتهم الكريمة ضد التشرد في الشوارع والأزقة بحثاً عن لقمة العيش تحت طائلة الحاجة الى استمرار الحياة لأبنائهم وبناتهم ، ورويداً رويداً تكللت جهودهم وتضحياتهم تلك بالنجاح مكنتهم من تجاوز محنتهم ، وبدأ شبابنا نضاله من أجل المستقبل المشرق بالأقبال على التعلم والألتحاق بالمدارس بمختلف مستوياتها بشكل مكثف بحيث لم يكن هناك عائلة من دون أن يكون لها أبناء وبنات طلاب علم في الجامعات ، وتخرجت أعداداً كبيرة منهم بالآلاف في مختلف الأختصاصات العلمية والأدبية والأقتصادية والأدارية ، وكانت سنوات السبعينات والثمانينات مثالاً رائعاً لهذا النضال المثابر لأبناء أمتنا المكافحة التي تقدس الحياة الحرة الكريمة ، وأثمرت كل هذه الجهود والنضالات والمثابرات المتواصلة الى تغيير وضعنا الأجتماعي في المجتمع العراقي حيث الكثير من أبنائنا صاروا أطباء ومهندسين ومدرسين مبدعين ، وتوظف الكثير منهم في مختلف مؤسسات الدولة العراقية الرسمية ويشهد لهم الآخرين بالبنان والتفوق في الأداء المهني في كل الأختصاصات وعلى حرصهم الوطني وإخلاصهم للوطن ، حيث لم يسبق وإن سجل تاريخ العراق ما يشير بالسوء والخيانة للوطن في أي مجال طيلة عمر الدولة العراقية بل كانوا دائماً السباقين للأنخراط في صفوف الحركة الوطنية وقدموا الكثير من الشهداء على درب النضال الوطني وكما كان لأبناء أمتنا دوراً رائداً في الحركة الرياضية وبرز منهم نجوماً أصبحوا رموزاً وطنية للعراق يكفي أن نذكر منهم رمز كرة القدم العراقية الخالد الذكر المرحوم " عمو بابا " وغيره الكثيرين ، وهذا فخراً سجله تاريخ العراق لأبناء أمتنا بكل مكوناته من الكلدان والسريان والآشوريين على مدى قرن من الزمان . كما أصبح الكثير من أبناء أمتنا أصحاب المحلات التجارية والأسواق والورش الفنية المختلفة ، وأصحاب الفنادق والمطاعم الممتازة وكان لهم التفوق المشهود له من قبل القاصي والداني من الآخرين من الشركاء في الوطن من أبناء القوميات والديانات الأخرى ، تَقَوت وتطورت علاقاتنا الأجتماعية بالشركاء في الوطن بحكم حسن سلوك وتصرف أبناء أمتنا في العيش والتجاور في السكن وأماكن العمل معهم وأصبح وضعنا الأجتماعي متميز للغاية ، كما وأصبح أبناء أمتنا بحكم ذكائهم وحسن سلوكهم المتسم بالأخلاص والأمانة والوفاء تجاه الآخر وإتقانهم لمهن العمل وإخلاصهم للوطن والعمل ، واحترام القيم الأجتماعية للشركاء في الوطن موضع إحترام وتقدير الآخرين .
كان تعداد نفوس أبناء امتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين في مختلف مناطق العراق التي شملهم التعداد السكاني لعام 1977 بحدود مليون ونصف المليون نسمة ، وكان لأمتنا بحكم هذا الواقع والثقل السكاني من جهة وبحكم نشاطه المهني النوعي المؤثر والمتميز تأثيراً كبيرأ على الواقع العراقي من جهة أخرى كان لها مكانتها الخاصة والمتميزة بين المكونات العراقية وهذا الأمر يتذكره ويقره كل العراقيين . وكان في ذات الوقت لأمتنا موقعها المتميز بحكم كونها أمة أصيلة في هذا الوطن وكون أبنائها أحفاد الآشوريين والكلدانيين عرقياً وسليلي ثقافة اللغة السريانية العريقة التي تملء دواوينها مكاتب ومتاحف العالم ثقافياً وحضارياً منذ سبعة آلاف سنة .
في نهاية عقد الستينات من القرن الماضي بدأ وباء طاعون الهجرة الأسود بالأنتشار بين صفوف أبناء أمتنا لضعف الوعي القومي لديهم وضعف تمسكهم بأرض وطن الأجداد ، وبالتالي تسلل هذا العدو الخبيث الى بيوتنا وسلب عقول شبابنا وبدأ فعل هذا المرض بالأنتشار والأستفحال بالدرجة الأساس في صفوف المتأثرين بثقافة ونمط الحياة في الغرب من العاملين في شركات النفط العاملة في العراق والساكنين في الحبانية لظروف نفسية خاصة بهم تكونت على خلفية دينية بحتة ومتخذين من بعض التجاوزات والتصرفات والسلوكيات الفردية التي كانت تحصل هنا وهناك من بعض المتخلفين السذج المغالين بتطرفهم القومي والديني من بعض الشركاء في الوطن وتحديداً وبوجه الخصوص في الموصل وكركوك مبرراً ودافعاً للهجرة . وبحكم ما استجدت من ممارسات شاذة تتسم بطابع التعنصر القومي في ظل النظام البعثي الشوفيني الذي كان عادلاً في توزيع ظلمه على كل مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والطائفية وسعيه على تعريب الشعب العراقي قسراً وفرض الأسماء العربية على الولادات الحديثة في المستشفيات على أبناء أمتنا ، ساهمت كل هذه الممارسات الشوفينية المقيتة الى تصاعد وتيرة الهجرة بين أبناء أمتنا بشكل ملفت للنظر من دون أن يتصدى لها أحداً بما فيها الكنيسة ، بحيث أصبحت موجات الهجرة المتصاعدة موضع اهتمام وحديث الناشطين القوميين من أبناء أمتنا .
بعد إندلاع الحرب العراقية – الأيرانية العبثية والتي دامت قرابة الثمان سنوات وإرتفاع عدد الضحايا من الشهداء من أبناء أمتنا أدت الى سد كل المنافذ وقضت على كل أسباب التصدي للهجرة والوقوف بوجهها أمام الناشطين القوميين لأقناع الشباب ومنعهم من الهجرة لأرض وطن الأجداد ، وبذلك تصاعدت وتضاعفت أسبابها ووتائرها ، وبعد حرب الكويت وهزيمة النظام فيها وفرض على النظام رفع الحذر عن السفر الى خارج العراق ، وعندها تحولت الهجرة من هجرة أفراد الى هجرة عوائل وجماعات لكافة مكونات أمتنا وأخذ عددنا في الوطن يتناقص بأطراد سنة بعد أخرى ، بحيث أصبحت كل عائلة نصفها الذي يمثل كبار السن يعيش في أرض الوطن والنصف الثاني من شباب العائلة يعيش في المهجر . بعد سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الدولية في حرب الخليج الثانية عام 2003 تنفسنا الصعداء نحن القوميين المؤمنين بضرورة البقاء في أرض وطن الأجداد لحماية وجودنا القومي وقلنا حينها ها قد انفرجت وإنتهت أسباب الهجرة والضياع في مهاجر الغربة من دون أن ندرك بأن الأبواب للتو قد إنفتحت على مصراعيها وشرعت أمام الهجرة وغابت امالنا وتبخرت أحلامنا الوردية في التشبث بالبقاء في وطن الأجداد ، ومن سوء حظ أمتنا انطلقت قوافل الهجرة للمتبقين من أبنائها بالرحيل الى المجهول لتحط رحيلها في أرض الغربة في المهاجر تاركة ورائها وطن الأباء والأجداد . وأعقب سقوط النظام الصدامي ما لم يكن في الحسبان من عنف وعمليات القتل والخطف والسطو بحق أبناء أمتنا في أماكن تواجدهم من قبل عصابات الجريمة المنظمة والمنظمات الأسلامية المتشددة في منطقة الدورة من بغداد وفي الموصل والبصرة وكركوك ، ومن ثم اندلعت عمليات القتل على الهوية بين الشيعة والسنة ، ومن ثم حدثت مجزرة كنيسة سيدة النجاة التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير ، كل هذه الأحداث وفرت وهيئت الأسباب الموضوعية لمن تبقى من أبناء امتنا لاطلاق العنان لأنفسهم للهجرة بغرض الخلاص من القتل والخطف وغيرها من الممارسات الأجرامية التي مورست بحقهم من قبل التنظيمات الأسلامية المتطرفة السنية والشيعية على حد سواء ، والتي أيضاً طالت أصحاب محلات بيع المشروبات الكحولية في ظل صمت وسكوت وعجز الجهات الأمنية للدولة من ردع تلك الميليشيات المتطرفة . كل هذه الأسباب تجمعت وتضخمت وتمخضت عن خلق دافعاً قوياً لأن يهاجر الغالبية ممن تبقى من أبناء أمتنا في أرض الوطن ، وبسبب استمرار نزيف الهجرة تناقص عددنا بحكم هذه الأوضاع الشاذة الى حدٍ كبير بحث أصبح العدد الأجمالي لنفوس أبناء أمتنا في أرض الوطن لغاية العاشر من حزيران الماضي وهو تاريخ سيطرة تنظيم الدولة الأسلامية " داعش " على مدينة الموصل بحسب تقديرات  كل الجهات المعنية لا يتجاو في أحسن الأحوال عن ( 250 – 300 ) الف نسمة وذلك يشكل نسبة ( 20 % ) من تعداد نفوسنا بحسب تعداد عام / 1977 وهذا الواقع يعتبر كارثة كبيرة حلت بأمتنا وبحق وجودنا القومي في أرض الأجداد ، إضافة الى ما يشكله من خطراً كبيراً على الوجود المسيحي في العراق ، مهد كنيسة المشرق الرسولية الجاثاليقية بكل تفرعاتها الحالية .
إن آخر ما حصل في مسلسل الجرائم المشينة بحق أبناء أمتنا في مدينة الموصل على يد شراذم وعصابات داعش المتخلفة بطرد المسيحيين ومصادرة كل ما كانوا يمتلكونه منعقارات وأموال نقدية ومجوهرات وغادروا مدينهم مسقط رأسهم بما كانوا يلبسونه من ملابس وتركوا ورائهم كل الذكريات الجميلة فيها بيد هؤلاء الأوباش . هل سوف يكون هذا الفعل الشنيع المبرر الكافي والدافع القوي لأن يدفع ما تبقى من أبناء أمتنا المسيحيين الى الرحيل النهائي من أرض وطن الأجداد تاركين كل ذلك الأرث التاريخي الحضاري ورائهم لشياطين داعش وغيرها من الدواعش المنقبة !!! ، ويبحثون لهم عن وطن في غربة المهاجر البعيدة ؟؟ ، وهل سوف يكون طرد داعش لأبناء أمتنا المسيحيين من مدينة الموصل بمثابة دق المسمار الأخير في نعش وجودنا القومي في أرض وطن الأباء والأجداد وخلع جذور المسيحية من أرض كنيسة المشرق كنيسة بيث نهرين العظيمة ؟؟ أم سوف يكون رد فعل أبناء امتنا على هذا الفعل الأجرامي المقيت هو التشبث والأصرار بالبقاء في أرض الوطن والتمسك به وأن تتحمل كل المصائب وتتجاوز كل الصعاب من أجل الأرض التي ولدوا فيها وصنعوا لها حضارة عظيمة عمرها أكثر من سبعة آلاف سنة اعطت للبشرية الكثير الكثير ما لم يعطيه غيرها من الأمم ، وعلمتها الحرف والقراءة والكتابة والقانون والفنون واختراع العجلة وغيرها ؟؟ رغم أنف كل من حاول في الماضي ومن يحاول اليوم قلع شجرة أمتنا الوارفة وخلع جذورها من تربة هذه الأرض الطيبة أرض بيث نهرين المقدسة ، والتي كل حجر فيها اليوم يصرخ ويقول أبقوا وموتوا هنا بكرامة بدلا من أن تموتوا بمذلة في أرض غريبة لأن قبورها قد ترفض استضافتكم بكرامة تليق بكم وقبول جثمانكم الغريبة عنها ليطويها ثراها ، أستيقضوا من نومكم يا أبناء كلدو وآشور وكونوا أحفاد صالحين لأولائك الأجداد العظام ، وحافظوا على الأمانة التي تركوها وورثوها لكم بدمائهم الزكية  ، لأن من لا يصون أمانة الأجداد ويحافظ عليها لا يستحق الحياة ، وأعلموا أن الموت في الوطن كرامة والموت في الغربة مذلة .


 خوشـــابا ســـولاقا
25 / تموز / 2014 – بغداد


150
مأزق العراق وكيف الخروج منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
ما هي أسباب المأزق ... ؟؟
إن الأحداث الدراماتيكية التي حصلت في العراق في العاشر من حزيران الماضي وما بعده أحداث تكاد لا تصدق من عاقل ومدرك وكانت أحداث بمثابة زلزال هز أركان الدولة العراقية الهشة أصلاً وهدد وجودها في الصميم بعواقب وخيمة أقلها التهديد بالتقسيم الى أقاليم وربما دويلات طائفية وأثنية كل بحسب مقاسه وخصوصيته متناسين إنتمائهم الوطني العراقي ، وكانت كالبركان الثائر فجر قلب العراق النابض بالحياة والذي أدماه أقزام السياسة الذين لا يجيدون من فن السياسية غير المشاكسة البليدة الغير المنتجة للخير ، وصار حال العراق كذلك الشهيد اليتيم المجهول الذي لا يوجد من يرثيه ويبكيه ويواري جثمانه الثرى ، كل ذلك حصل في ظل عجز المتمسكين بسلطة الدولة لردع العابثين بأمنها وبأمن المواطن لأن ذلك ليس ضمن برامجهم التي يستقتلون من أجلها ليلاً ونهاراً . بالتأكيد إن هذا الوضع المستجد في العراق سوف يلقي بظلاله المعتمة والمحزنة على حالة الوضع العراقي وتركيبته الأجتماعية بجبال من الأحقاد والكراهية ورفض قبول الآخر بين مكوناته المذهبية والقومية والدينية والتعايش السلمي بأمان ، ويعمق من حدة النزعات التناحرية ، وتعلوا الأصوات المنادية بالدعوة الى الأنفصال وتشكيل كيانات قومية وطائفية ، والتي بدأت بوادرها تلوح في الأفق بدعوة الأخوة الكورد الى إنفصال الأقليم وإعلان إستقلال كوردستان عن جسم العراق وقيام الدولة الكوردية ، وربما يلحق ذلك مستقبلاً إذا تطورت الأحداث على وتيرة ما هي عليه الآن الى قيام دولة سنية لعرب السنة ، وأخرى شيعية لعرب الشيعة ، ورابعة قومية للأخوة التركمان ، وربما دولة خامسة لما تبقى في العراق من المسيحيين من الكلدان والسريان والآشوريين باعتبارهم سكان العراق الأصليين ويكون ذلك حقاً مشروعاً في ظل هذا الواقع ، وربما يطالب الأخوة الأيزديين أيضاً بحق تقرير المصير بشكل ما ويكون ذلك من حقهم الطبيعي في ظل غياب حكومة قادرة على حمايتهم كما هو حال غيرهم من مكونات الشعب العراقي . وبعد هذه الأوضاع الغريبة والعجيبة سوف تعم العراق الفوضى وغياب الأمن والآمان ، وتسود ثقافة القتل على الهوية والثأر والأنتقام المتبادل التي زرعت بذورها سياسات الحكومات القومية الشوفينية في السابق وعمقتها بشكل واسع ومقرف سياسات الحكومات القائمة على المحاصصة الطائفية والأثنية المقيتة التي توالت على حكم العراق بعد سقوط  نظام صدام حسين في عام 2003 ، وتركت هذه السياسات على أرض الواقع العراقي أثاراً سلبية خطيرة لا يمكن محوها لعشرات السنين من الزمن . كل هذا الذي حصل اصبح واقعاً معاشاً ويعاني منه المواطن العراقي في كل لحظة من حياته اليومية . ولكن في الحقيقة ليس هذا هو المهم في الأمر ، بل إن ألأهم منه هو هل أن ما حصل كان بفعل عوامل داخلية وطنية بحتة ، أم كان بفعل عوامل أجندات خارجية لدول الأقليم والدول الكبرى المهيمنة على القرار السياسي الكوني ؟؟ ، أم بفعل العوامل الخارجية ودعم العوامل الداخلية الوطنية لها ؟ لكي يكون العراق وغيرة من البلدان التي لا تمتلك قرارها الوطني المستقل مثل سوريا ولبنان وليبيا وغيرها من بلدان الربيع العربي الضحية وكبش الفداء لمخططات تلك الأجندات الدخيلة والمشبوهة لأعادة رسم الخارطة السياسية الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط الجديد يؤدي الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزء بموجب إتفاقية سايكس - بيكو الى دويلات أثنية وطائفية تسودها سياسة الثأر والأنتقام والقتل على الهوية القومية والدينية والطائفية يكون الخاسر الأكبر فيها أبناء الأقليات القومية والدينية بالدرجة الأساس وشعوب المنطقة بشكل عام ، والرابح الأكبر فيها يكون الأجنبي القوي القابع وراء حدود الأقليم وشركائه الأقليميين والعملاء في حكومات تلك الدول . بالتأكيد هناك عوامل خارجية فعالة المتمثلة بأجندات سياسية لدول الجوار العراقي بدون أستثناء والقوى الدولية المهيمنة على القرار الكوني التي تقتضي مصالحها الحيوية في المنطقة أن يحصل ما حصل في العراق وسوريا وغيرهما وأن يستمر على هذا المنوال الى أبعد مدى ممكن ، إضافة الى وجود عوامل داخلية المتمثلة بتلك الأجندات السياسية الفئوية والحزبية والطائفية والشخصية التي إرتبطت مصالحها بمصالح القوي الأجنبية والأقليمية الطامعة بخيرات العراق الوفيرة وإرتضت لنفسها أن تكون أداة طيعة بيد الأجنبي والغرباء الطامعين وأن تكون خادمة لأجنداتها السياسية والأقتصادية وتشاركها في سرقة ونهب خيرات وأموال العراق على حساب الأمعان في إفقار الشعب العراقي وإذلاله في لقمة عيشه وكرامته ، وأن تزيد من بؤسه وشقائه ومعاناته يوم بعد آخر والتي توسعت وشملت كل مناحي الحياة العراقية ، وقد تجلى ذلك بأوضح صوره في حجم الفساد المالي والأداري المستشري في كل مؤسسات الدولة ، والتطاول الفض من قبل كبار مسؤولي الدولة وزبانيتهم من القطط السمان على المال العام وتحويلة الى خارج الوطن بدلاً من أن يستثمر في الداخل في إعادة بناء البنى التحتية للأقتصاد الوطني كما يفعل سراق المال العام في أقليم كوردستان والتي هي نقطة إيجابية تسجل لصالحهم في حكومة أقليم كوردستان ، لو كان الأمر كذلك لأصبحت حالة بغداد مثل حالة أربيل وليس لأن تكون مماثلة لحالة أية قرية عراقية في زمن مدحت باشا رحمه الله الوالي العثماني في بغداد . !!!! 
كيف الخروخ من المأزق  ... ؟؟
لقد تراكمت سلبيات الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في العراق بعد عام 2003 بفعل سياسات الأقصاء والتهميش والتمييز القومي والديني والطائفي بشكل خاص والتطبيق الأنتقائي لقانون المساءلة والعدالة بحق البعض دون البعض الآخر ، وسعت الحكومات المتوالية الى تحميل البعض مسؤولية ما قامت به الحكومة الديكتاتورية السابقة من ممارسات مقيتة بحق الشعب العراقي ، مما عمقت من ثقافة الثأر والأنتقام بين مكونات الشعب العراقي . هذه السياسات هيئت الأرضية المناسبة والظروف الموضوعية الملائمة وانضجت الظروف الذاتية لمن شملتهم هذه السياسات لأن تعلن تمردها  على هذا الواقع أالمزري ودفعتها بحكم تلاقي الأهداف بمعاداة النظام لأن تتحالف مع قوى الشر والأرهاب المتمثلة بالقاعدة وداعش وغيرها لأن تعلن ثورتها على النظام . إن ممارسات الحكومات الأتحادية غير المتزنة وغير الحكيمة وغير الرصينة والمبنية على ردود أفعال غير محسوبة النتائج والتي لا تتسم بروح المشاركة الوطنية الحقيقية في صنع القرار الوطني ، وعدم قدرتها على بناء الثقة الراسخة بالشركاء في الوطن ، وعدم استجابتها للمطالب المشروعة لسكان المناطق التي لا تسيطر عليها اليوم الحكومة الأتحادية في أقليم كوردستان والمحافظات السنية وحتى بعض المحافظات الشيعية في الفرات الأوسط والجنوب هي التي كانت السبب التي أوصلت الأمور الى ما وصلت إليه اليوم الى هذه الدرجة من السوء والتي غدت تهدد مصير وحدة البلاد الجغرافية ، وهي التي جعلت الحكومة التي يرأسها السيد دولة رئيس الوزراء نوري المالكي اليوم في وادٍ والآخرين في وادٍ آخر ، والجميع في حالة من الهيجان والتوتر القومي والطائفي ، وتصاعد المناكفات والمشاكسات وتبادل التهم التي تضعف من آواصر الوحدة الوطنية تاركين داعش تلعب لوحدها في الساحة كما تشاء وكما يحلو لها وتمسك بزمام المبادرة كما تنقله لنا الأحداث على الأرض وليس كما تنقله وسائل إعلام ، وأصبح شمال الخالص وسامراء وغرب بغداد مناطق محرمة لا يمكن للمواطن العراقي العادي عبورها نحو الشمال والغرب . أين أصبحت السيادة الوطنية التي تقنع المواطن بوحدة العراق أرضاً وشعباً ؟؟ . ليس بمقدور القاعدة وداعش وغيرها من المنظمات الأرهابية ان تجد لنفسها موطئ قدم ، وتؤسس لحضور مؤثر وفعال بأبسط أشكاله ، وليس بمقدور الكورد وغيرهم من المكونات ان تجد من الأسباب والمبررات لنفسها لأن تطالب بالأستقلال والأنفصال عن جسم العراق إذا كان هناك في بغداد العاصمة حكومة وطنية تؤمن بالشراكة الوطنية الحقيقية وعادلة مؤمنة بالوطن لا تميز بين مواطنيها على أساس العِرق والدين والمذهب ، وتستند على الدستور والقانون في منح الحقوق وتوزيع الواجبات بين أبناء الوطن الواحد ، وبناء توازن وطني في توزيع المهام بين مكوناته ورفض المحاصصة المقيتة بكل أشكالها وإعتماد مبدأ الولاء الوطني والهوية الوطنية بديلاً للمحاصصة . عندها سوف تنتهي داعش والقاعدة وتتبخر من أرض العراق في لمحة بصر دون الحاجة الى إراقة دماء الأبرياء (( ولد الخايبة )) وحرق المليارات من الدولارات الخضراء لشراء الأسلحة وذمم ضعاف النفوس ، داعش وبكل التداعيات التي ألحقتها بالعراق بعد العاشر من حزيران هي النتيجة الحتمية للسياسات غير المتزنة وغير المدروسة نتائجها وعواقبها الوخيمة التي أدخلت البلاد في نفق الحرب الأهلية الطائفية التي لا نعرف مداها ،  وعليه نرى أن معالجة هذه النتيجة وإستئصالها من أرض العراق يأتي حتماً من خلال معالجة واستئصال الأسباب المؤدية لها .. يا أيها السادة السياسيين الكرام الذين يستقتلون على الكراسي والمناصب الخاوية والخالية ممن يستحقونها من رجال  يجيدون فن إدارة الدولة وحقن دماء أبناء الوطن وحماية أموالهم من النهب والسرقة والبذخ غير المجدي وغير المبرر كما هو عليه الحال اليوم  . نقول للجميع محبة بالعراق وبعوائلكم التي من نتائج أفعالكم براء عودوا الى رشدكم وكونوا صادقين مع ضمائركم كوطنيين عراقيين وسلموا السفينة الى من تجدونه من بينكم كفوء ومخلص ونزيه وعادل يجيد قياتها بكفاءة ويتمكن من إيصالها الى بر الأمان بسلام ، فذلك يكون خير لكم وللعراق وللعراقيين الذين عانوا الكثير من المصائب والمصاعب والمهانة والتشرد في بلدان الغربة ومذلتها تاركين لكم نافذة ولو صغيرة تطل على مسرح التاريخ المشرف تُذكرون بها بخير من الأجيال التي سوف تورث أرض العراق من بعدكم ، اتركوا لكم أثر وذكر طيب بعد رحيلكم . 


 خوشــابا ســولاقا
19  / تموز /2014 – بغداد
 


151
ما هي مهام مؤسسات الدولة الدستورية
هل هي إدارة دولة الخدمات أم هي قهر الشعب ؟؟
خوشابا سولاقا
كما هو معروفاً للجميع من المهتمين بشؤون السياسة وإدارة الدولة أن الانتخابات تعني بموجب أبسط المفاهيم السياسية والقانونية وحتى الاجتماعية أنها عبارة أن آلية ديمقراطية تعتمدها الشعوب لأختيار ممثليها في أعلى مؤسسة تشريعية للدولة ألا وهو البرلمان ليقوم الأخير بتشريع القوانين التي تخدم مصالح الشعب والوطن وحمايتها من عبث العابثين والمتجاوزين والمنتفعين من ذوي النفوس الضعيفة . وكذلك يقوم البرلمان بموجب الدستور الذي أقره الشعب باختيار من يكلف بتشكيل مؤسسات السلطات التنفيذية ، وتكليف من يتولى إدارة السلطة القضائية وتكليف من يتولى إدارة المؤسسات المستقلة الغير مرتبطة بالسلطة التنفيذية . وبعد تشكيل السلطة التنفيذية ( الحكومة ) يقوم البرلمان بالمصادقة عليها وعلى برنامجها الأقتصادي والاجتماعي والثقافي والخدماتي بكل تفرعاته المختلفة والذي من المفروض أن يجسد متطلبات الحياة الاجتماعية والمعيشية التي يعاني منها كل طبقات المجتمع وفي مقدمتها الشرائح المتعففة وطموحات الشعب وتطلعاته المستقبلية في العيش الرغيد والحياة الحرة الكريمة الخالية من البؤس والشقاء والقهر الاجتماعي ، وإعادة اعمار البنى التحتية للدولة ، وكذلك يقوم البرلمان بمراقبة ومتابعة السلطة التنفيذية حول مدى التزامها بتنفيذ البرنامج الحكومي الذي أقره وصادق عليه بغرض تقويم أية انحرافات قد تحصل هنا وهناك ومحاسبة المسببين لها من رموز الحكومة مهما كانت مستوياتهم الوظيفية ، وكذلك يقوم البرلمان كأعلى سلطة في البلد باعتباره ممثل الشعب بمراقبة ومتابعة السلطة القضائية حول مدى قيامها والتزامها بتطبيق القانون لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع ، لأن معيار قياس قوة الدولة العادلة دولة القانون والمؤسسات الدستورية دولة المواطنة تكمن في قوة عدالة القضاء ونزاهته وشفافيته وعليه فان مراقبة البرلمان للقضاء ضروري للغاية وتكون تلك المراقبة له بمثابة الفلتر الذي يحمي القضاء من تسرب الفساد الى كيانه الذي من المفروض أن يبقى نقياً من ملوثات الفساد ليبقى كيان الدولة معافاً قوياً ، لأن فساد القضاء يفضي الى إنهيار لهيبة وسلطة الدولة ، وبالتالي الى نهايتها .
لذلك فان عملية انتخاب الشعب للبرلمانيين كممثلين له يعني توكيل الشعب لهم لتشكيل مؤسسات دولة الخدمات وليس دولة السلطة والتسلط على الشعب ليحكمه بالأساليب القسرية والقمعية والبوليسية بالحق والباطل . فالسلطة التنفيذية من المفروض بها أن تقوم بانجاز ما يخدم الشعب ويلبي متطلباته وبالتالي فهي مؤسسة خدمية وليست سلطة وتسلط باعتماد أساليب القسر والأكراه والقهر وإهانة وذل المواطن في تعاملها معه أثناء أدائها لمهامها في تقديم الخدمات ، وفي حالة الفشل والتقصير يكون من واجب البرلمان أن يقوم بمحاسبة المقصرين من أعضاء الحكومة وفقاً للدستور واحالتهم للقضاء لنيل جزائهم العادل إذا ثبت عليهم أي تجاوز على المال العام أو استغلال لمناصبهم للأنتفاع الشخصي . هنا فان السلطة القضائية ليست هي الأخرى في مهامها النهائية في هيكل الدولة مؤسسة حكم سلطوية بل هي مؤسسة خدمية تحمي حقوق الوطن والمواطنين من تجاوز المتجاوزين وعبث العابثين وجرائم المجرمين وتحاسب وفقاً للقانون كل من يستحق المحاسبة بكل أشكالهم . من المفروض بالدولة الديمقراطية أن تكون مؤسساتها وسلطاتها الثلاث مؤسسات وسلطات تخدم الشعب وتحمي أمواله وممتلكاته من تجاوز المتجاوزين وعبث العابثين وليس أن تتحول تلك السلطات من خلال تسلل ضُعاف النفوس الى صفوفها الى حضائن لتأمين الحماية القانونية لهؤلاء الفاسدين والتستر على جرائمهم كما يحصل في مؤسسات الدولة في عراقنا الجريح وهذا ما يلاحظه القاصي والداني اليوم .
لذلك نستطيع القول إن مؤسسات الدولة أي بمعنى سلطات الدولة الثلاث ليست سلطات لتحكم الشعب بالقسر والأكراه بشكل مزاجي كما يحلو للبعض من القائمين عليها وكيفما يشاء صاحب السلطة والقرار السلطوي الذي يصدر من الذين يتربعون على تلك المؤسسات الدستورية ليستغلوا تلك الصلاحيات السلطوية التي خولهم بها الشعب وفق آليات الديمقراطية من خلال الانتخابات لأذلال الشعب ومحاسبة الخصوم السياسيين وتصفية الحسابات السياسية معهم كما هو الحال في بلداننا المتخلفة سياسياً وثقافياً ، بل إن تلك السلطات من المفروض أن تستعمل في البلدان التي تدعي اعتماد الديمقراطية نهجاً لها في الحكم لملاحقة ومحاسبة المجرمين والمتجاوزين والعابثين بأمن المجتمع وأمواله وممتلكاته ، وبذلك تكون مؤسسات السلطة هي مؤسسات خدمية لعموم الشعب في الدولة الديمقراطية ، وتكون سلطات حازمة ورادعة تضرب بيد من حديد العابثين بأمن المجتمع والوطن وسراق المال العام وكل من يستغل موقعه وممتلكات الدولة لغرض الأنتفاع الشخصي ، لأن السلطة الحازمة مع من يستحق ذلك هي شكل من أشكال الخدمة لعموم الشعب لحمايته من إجرام المجرمين وعبث العابثين بمقدراته .
إن واجبات ومهام مؤسسات السلطة التنفيذية والقضائية الأمنية والبوليسية والقانونية هي حماية الأمن الداخلي للمجتمع وملاحقة الجريمة بكل أشكالها ، والعسكرية حماية امن البلاد من أي عدوان خارجي ، وليس مهام هذه المؤسسات حماية الحاكم بأمرة كما جرت العادة تاريخياً في العراق في عهود الحكومات القومية الديكتاتورية السابقة التي وصلت الى سُدة الحكم في البلاد عن طريق الأنقلابات العسكرية وليس عن طريق الشرعية الشعبية عبر صناديق الأقتراع من خلال الانتخابات الديمقراطية كما هو عليه الحال اليوم ، وعليه من الضروري جداً على المؤسسات الأمنية والعسكرية أن تعيد النظر بفلسفتها وعلاقتها بالحاكم ورأس السلطة التنفيذية من جهة وبالتعامل مع المواطن من جهة أخرى التي كانت سائدة وراسخة في ثقافاتها وتربيتها لتصبح مؤسسات حامية للشعب والوطن من خلال مؤسسات الدولة الدستورية وليس حماة للحاكم ورأس السلطة التنفيذية . حيث كانت المؤسسات الأمنية والعسكرية تستغل من قبل حكومات الأنقلابات العسكرية لقمع الأرادة الوطنية الحرة لجماهير الشعب وفرض سلطتها وسطوتها عليهم بالقوة القسرية القاهرة وبالتالي اخضاعها لسلطتها الديكتاتورية ، لذلك بقية الجماهير الشعبية تنظر بعين من الشك والريبة وعدم الثقة الى المؤسسات الأمنية والعسكرية وعدم الولاء لها بل أصبحت تنظر إليها نظرة الكراهية والعداء كما هي النظرة الى الحاكم لأن تلك المؤسسات أصبحت أدوات بيد الأنظمة لقمع الشعب . عليه مطلوب من المؤسسات الأمنية القيام بما يؤدي الى تغيير نظرة الشعب إليها من خلال وضع حد فاصل بينها وبين الحاكم لمنعه من إستخدامها لقمع إرادة الشعب لصالح ترسيخ سلطة الحاكم الفرد بالشكل الذي يمهد لنشوء السلطة الديكتاتورية ، لأن الديكتاتورية في الحقيقة تولد من رحم تركيز قوة المؤسسات الأمنية والعسكرية في يد الديكتاتور الفرد ، وعليه ولمنع ظهور الديكتاتورية وسد الطريق أمامها يتطلب الأمر حصر مهام المؤسسات الأمنية والعسكرية بحماية أمن الشعب والوطن من خلال الأطر الدستورية وليس حماية الحاكم بأمره . حيث الكثير من الحكام قد أقحموا جيوش بلدانهم في حروب عبثية إرضاءً لرغباتهم ونزواتهم السادية وجلبوا الكوارث لبلدانهم تحت شعارات قومية ووطنية كاذبة كما حصل في الحرب العراقية الايرانية والحرب العراقية الكويتية الأمريكية الأولى والثانية وحرب الحصار الأقتصادي المدمرة والحرب في كوردستان العراق لسنوات طويلة وقدمت المؤسسات الأمنية والعسكرية مئات الألاف من الضحايا من الشباب وخلفت ورائها أضعاف مضاعفة من الأرامل والثكالى والأيتام بلا معيل ، وما يحص اليوم في الأنبار ونينوى وديالى وكركوك وصلاح الدين وشمال بابل من حرب ضد الأرهاب ما هو إلا امتداد لأستمرار سياسة بقاء أمر المؤسسة العسكرية بيد الحاكم بأمره . لقد آن الآوان لأبعاد المؤسسة العسكرية عن سلطة الحاكم بأمره لمنع استعمال المؤسسة العسكرية في غير مهامها التي يحددها الدستور ولمنع استعمالها لتكريس وترسيخ السلطة الديكتاتورية وحصر قرار استخدام الجيش بالبرلمان وتنفيذه بهيئة الأركان  . 
خوشــابا ســولاقا
بغداد – 25 / أيار / 2014

152
كيف يفضي فساد القضاء الى نهاية الدولة العادلة... ؟؟ 

خوشابا سولاقا
عندما وقع نظرنا على مقولة " فساد القضاء يفضي الى نهاية الدولة " ، وبينما كنا نتابع برامج احدى الفضائيات بخصوص ما ينشر وما يقال حول ظاهرة الفساد المستشري في مؤسسات وأجهزة الدولة اخترناه عنواناً لمقالنا هذا ولكن بصغة سؤال لكي لا يعطي انطباع للبعض بأننا نعني به قضاء بعينه ، وإنما أردنا أن نجعل منه موضوعاً عاماً يبحث في علاقة فساد القضاء بكيان وقوة الدولة العادلة . أبهرنا هذا القول الرائع والمعبر بجلاء ووضوح عن واقع الحال في البلدان النامية بشكل عام ، والبلدان ذات الأنظمة الشمولية الديكتاتورية الفاسدة بشكل خاص ، وأثار فينا الرغبة الجامحة للكتابة عنه لشدة قربه عن ما كان يدور في خلدنا وما يتماشى مع خلجان النفس ، وبعد المتابعة الدقيقة والمركزة حول هذا القول الرائع اتضح لنا بأن قائله هو الفيلسوف العربي الكبير الخالد الذكر " ابن خلدون " هذه المعلومة زادتنا رغبة وحماسة للكتابة في هذا الموضوع الحساس والمهم لما يُستدل منه الى الأمتداد التاريخي لظاهرة الفساد وعلاقته بالقضاء وقوة الدولة في بلدان الشرق العربي والأسلامي ، والمتعلق بأهم ركن من أركان الدولة القوية العادلة ، وبذلك تجمعت لدينا كل الأسباب الموجبة التي تدفعنا الى الكتابة لكون الموضوع جدير بذلك .
من المعروف لكل المهتمين بالتنظير لمفهوم وفلسفة مؤسسة الدولة العصرية الحديثة وهيكليتها ، ومن المهتمين بالشأن السياسي والقانوني وحتى الثقافي في كل بلدان العالم ، أن الدولة العصرية الحديثة أي بمعنى دولة المؤسسات الدستورية والقانونية ، دولة المواطنة الحقة التي تسعى الى تحقيق العدالة والمساواة والأنصاف والتكافل الاجتماعي بين مواطنيها في المجتمع الوطني ، تقوم وترتكز أركانها على الأسس التي تفضي الى توزيع الواجبات وتحديد الصلاحيات للسلطات الثلاثة للدولة والفصل بينها من حيث الأختصاص المهني والصلاحيات النوعية . تتداخل وتتشابك هذه السلطات فيما بينها من حيث الأداء الأفضل لصالح تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين بحسب معيار المواطنة والهوية الوطنية وليس وفق أي معيار آخر ، ويكون ذلك التداخل والتشابك في آليات الأداء بالشكل الذي يعزز ويقوي من هيبة الدولة وسيادة القانون في الأداء الأفضل لمؤسسات الدولة كوحدة متكاملة ، وليس ذلك التداخل والتشابك الذي يؤدي الى إضعاف هيبة الدولة وسيادة القانون بمصادرة قرار سلطة بعينها من السلطات لصالح تحقيق أجندات سياسية ومصلحية شخصية للمهيمنين من الشخصيات السياسية أو أحزاب على سلطة معينة وبالذات السلطة التنفيذية ( الحكومة ) وشخصياتها المتنفذة ، وإلغاء دورها أو تحجيمه وتغييبه وجعلها سلطة تابعة مسلوبة القرار والأرادة والأستقلالية .
وتلك السلطات للدولة العصرية الحديثة هي :-
أولاً : السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس نواب الشعب ( البرلمان ) والتي واجباتها تتجسد في تشريع القوانين التي تخدم المصلحة الوطنية والمصادقة على مشاريع القوانين التي تقدمها السلطة التنفيذية والمصادقة على المعاهدات والأتفاقيات الدولية وكل ما له مساس بالسيادة الوطنية وإعلان حالة الحرب وحالة الطوارئ وغير ذلك من الشؤون السيادية للدولة ، وتقوم هذه السلطة أيضاً بمتابعة السلطة التنفيذية في تنفيذ القوانين وخطط التنمية القومية ومساءلتها عن كل الأنحرافات والاخفاقات والخروقات في تنفيذ المطلوب منها ، ومحاسبة المقصرين والمتجاوزين على المال العام لغرض الأثراء الشخصي على حساب المال العام بصرامة .
ثانياً : السلطة التنفيذية المتمثلة  بالحكومة والحكومات المحلية في الأقاليم والمحافظات بكل حلقاتها والتي واجباتها تنفيذ القوانين التي تشرعها السلطة التشريعية وتنفيذ خطط التنمية القومية لبناء وتطوير مؤسسات الدولة الاقتصادية والتربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والخدماتية وإيصالها الى المستوى الذي يؤهلها لأن تقدم أفضل الخدمات الى المواطن ، مع عدم الأسراف والبذخ في صرف أموال الشعب في مشاريع استهلاكية غير منتجة وقضايا كمالية ، أي أن تقوم هذه الحكومات بوضع خطط التنمية القومية على مستوى الدولة والأقاليم والمحافظات بحسب الأولويات التي تعظم من إمكانيات الأقتصاد الوطني بخلق البدائل الأخرى كمصادر للثروة ، وتحسين من أداء كل مؤسسات الدولة الأخرى للأرتقاء والانتقال بالبلد من الحالة الادنى الى الأفضل في عملية إعادة بناء هكلية الدولة وبناها التحتية .
ثالثاً: السلطة القضائية والمتمثلة بمؤسسات القضاء بكل إختصاصاتها الدستورية والقانونية وتكون واجباتها الأساسية هي تفسير مواد الدستور وتطبيق القوانين والتشريعات التي تشرعها السلطة التشريعية بدقة لتحقيق العدالة والمساواة بين مواطنيها من دون تمييز بسبب الهويات الفرعية لهم ، ومحاسبة المقصرين والمتجاوزين على الدستور والقانون والمال العام ، أي يجب أن تكون السلطة القضائية صمام الأمان لحماية الدولة وهيبتها وسطوتها وأن تكون أداة لمحاسبة المتجاوزين وسُراق المال العام والمقصرين ، وأن لا تتحول الى غطاء للتستر على المتجاوزين والعابثين بمقدرات الدولة والمال العام وحمايتهم من محاسبة القانون بسبب مؤثرات الفساد والرشاوي من خلال بعض القائمين على بعض حلقات مؤسسات السلطة القضائية بحيث يصبح القرار القضائي أخيراً رهينة بيد تجار الفساد المالي من الرشاة والمرتشين ، لأن تسرب الفساد الى جسد القضاء يشكل أكبر خطر على مصير القضاء الذي يهدد بالتالي مصير مؤسسة الدولة ذاتها بكل سلطاتها ومؤسساتها الدستورية ، وعليه فان صيانة وتحصين وحماية القضاء من تأثيرات الفساد هو حماية لهيبة وقوة الدولة العادلة ، وهنا نستطيع القول أنه عندما يفسد القضاء تضعف الدولة وتهون سلطتها وسطوتها وتكتب بذلك نهايتها .
رابعاً : السلطة الرابعة ، إن السلطة التي باتت تعرف بهذه التسمية في العمل السياسي والقانوني هي سلطة الصحافة والأعلام الحر بكل أشكالها  ومؤسسات المجتمع المدني ، والتي يمكن تشبيهها أو تعريفها بمثابة العيون الساهرة للشعب في كل مكان وزاوية من أركان الدولة تراقب أداء السلطات الأخرى لتشخيص كل ما يحصل من إيجابيات وسلبيات وأخطاء وتجاوزات وانحرافات وخروقات في كل مؤسسات الدولة وتأشير نقاط الخلل والزلل في أدائها ، وتسليط الضوء عليها واقتراح المعالجات المناسبة واشعار المعنيين من المسؤولين فيها بالأمر لأتخاذ اللازم لمعالجة الحالة وفقاً للقانون .
نحن بحسب رأينا المتواضع نعتبر علاقة السلطة الرابعة " سلطة الصحافة والأعلام الحر ومؤسسات المجتمع المدني " بالسلطات الأخرى للدولة بشكل عام وبالسلطة القضائية تحديداً لمعاونتها ودعمها لتفعيل دورها في الكشف عن مصادر الفساد والتجاوز على المال العام والعبث بمقدرات الشعب لوضع حدِاً لها واحالة المتجاوزين بكل تصنيفاتهم ودرجاتهم الوظيفية الى القضاء لنيل جزائهم العادل علاقة جدلية تكاملية لتسهيل أداء مهمة القضاء في تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع وإعادة هيبة القانون والدولة في نظر المواطن . كذلك فان السلطة الرابعة سوف تقوم بتفَعيل دور الشعب الرقابي في متابعة ومراقبة الحكومة والبرلمان عن كثب وتشخيص الأنحرافات والمتتجاوزين من سُراق المال العام والعابثين بمقدرات البلد وتحجيم دورهم ومحاسبتهم وفقاً للقانون .
من خلال ما تم عرضه بشأن سلطات مؤسسة الدولة العصرية الحديثة ومهام وواجبات كل سلطة وعلاقاتها العضوية ببعضها البعض وكيف يجب أن تكون لكي يكون أدائها إيجابي يصب في مجرى الأتجاه الذي يفضي الى تجسيد سلطة الدولة القوية العادلة والقادرة على وضع الأمور في نصابها الصحيح الذي يحقق العدالة والمساواة في المجتمع كما ينبغي أن تكون . نجد أن قوة الدولة العصرية الحديثة تأتي من قوة القضاء بدرجة أساسية ومن طهارة ونظافة سلطاتها الأخرى من تأثيرات الفساد ، ومن خلال وحدتها في العمل كوحدة متكاملة تنسق أعمالها ونشاطاتها مع بعضها البعض ضمن هيكلية وأطر مؤسسة الدولة ، وأن تكون كل سلطة من السلطات مستقلة في قرارها تعمل للوصول الى الحالة المثلى في الأداء التكاملي النهائي لتحقيق العدالة والمساواة في المجتمع . لذا  فان مركز قوة الدولة العصرية الحديثة تكمن في طهارة ونظافة ونزاهة السلطة القضائية فيها وخلوها من شوائب الفساد وفي استقلالية قرارها من تأثيرات تدخل وهيمنة وسيطرة السلطات الأخرى وتحديداً من سيطرة وهيمنة السلطة التنفيذية ( الحكومة ) عليها ، وتكمن قوة السلطة القضائية بالذات في مدى تطبيقها للقوانين بحرفية ومهنية عالية وفرض سيادة القانون وسطوته في عمل مؤسسات الدولة كافة من دون استثناء ، ومن هنا نجد أن ضعف وانحطاط هيبة القانون في التطبيق تأتي من خلال تسرب الفساد باستعمال الرشاوي المالية التي تدفع للبعض وليس الجميع من القائمين على السلطة القضائية  من الشخصيات القانونية الموكلين بتطبيق القانون من خلال الموظفين والوسطاء المحيطين بهم في دوائر القضاء ، وهذا بدوره يفضي الى ضعف وانحطاط سلطة القانون والقضاء وهيبتهما في نظر المواطن الذي يتعامل مع دوائر القضاء . هذا الضعف المتسرب بهذه الطريقة الى جسد القضاء بسبب تعاطي الفساد المالي ودفع الرشاوي المالية الى هؤلاء البعض من الشخصيات القانونية  والمحيطين بهم من الموظفين والوسطاء في دوائر مؤسسات القضاء يؤدي الى ضعف جميع مؤسسات الدولة الأخرى أيضاً ، والتي هي الأخرى أصلاً قد لا تخلو من الفساد حتماً . هذه الظاهرة ، ظاهرة التعاطي بالفساد إن وجدت في سلك القضاء سوف تفضي حتماً بالنتيجة الى نهاية الدولة كمؤسسة لأدارة شؤون المجتمع ، وبذلك يتحول المجتمع في ظل تلوث سلطة القضاء والقانون بمخلفات الفساد بكل أشكاله ، وغياب الدولة القوية العادلة ، وشيوع  الفساد المالي الى حضينة تسود فيه الجريمة بكل أشكالها ، وعدم توفر الأمن والأمان والأستقرار المجتمعي وفقدان السلم الأهلي وشبه غياب الخدمات المختلفة والتفكك الأسري بسبب تفاقم الوضع المعيشي وصعوبة تأمين لقمة العيش الكريم لنسبة كبيرة من فقراء الشعب ، وهذا هو واقع الحال في معظم البلدان النامية في العالم الثالث اليوم ، حيث الفساد يضرب بأطنابه كل مؤسسات سلطات الدولة بما فيها السلطة القضائية الى درجة أصبح بإمكان المجرم والارهابي الخطير في هذه البلدان أن يشتري قرار برائته من جرائمه في هذه البلدان ببساطة مع الأسف الشديد ، حيث يصح ما يُقال من باب التندر " من يملك المال يستطيع أن ينقذ رقبته من حبل المشنقة ، أي تكون العدالة من نصيب من يدفع أكثر  ، وهكذا  يتحول الجلاد المجرم والذباح الأرهابي الثري الى ضحية تستحق الرحمة والشفقة ، وتتحول الضحية البريئة الفقيرة الحال الى جلاد يستحق الموت الزؤام " . من هنا فالذين ينشدون التغيير والأصلاح الجذري لتحويل المجتمع من حاله المتداعي الى ما هو أفضل ويناء مجتمع جديد متطور ، عليه أن يبدأ من مصدر قوة الدولة العادلة ، ألا وهي تطهير وتنظيف مؤسسات القضاء من رجس الفساد ، تطهيره من العناصر التي تتعاطى الفساد إن ثبت وجودهم  بحزم وصرامة ، ومن دون ذلك لا يمكن أن يتحقق التغيير والأصلاح المنشود ، الفساد إذا استشري في مؤسسات الدولة وبالأخص في رئتها المتمثلة بالقضاء  يكون بمثابة سرطان الرئة القاتل في جسم الانسان . يكون قاتلاً لروح الدولة ولعدالة وسلطة القانون . إن قوة الدولة العادلة تكمن في قوة القضاء بعدالته ، وقوة عدالة القضاء تكمن في نظافته وطهارته ونزاهته من أدران الفساد وشوائبه بكل أشكالها ، فإذا فُسد القضاء ضَعِف القانون وضعف العدال وحلت نهاية الدولة ، وبذلك يتحقق القول " فساد القضاء يفضي الى نهاية الدولة العادلة " ، وهذا ما لا نتمناه ولا نريده لقضائنا العراقي المشهود له بعدالته ونزاهته وطهارته ورصانته ومهنيته تاريخياً منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ، وأن يبقى دائماً راسخاً وأميناً على نهجه ومبادئه في تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع العراقي .   


خوشــابا ســولاقا
بغداد – 12 / أيار / 2014         


153
هل هي أغلبية سياسية أم هي إعادة إنتاج محاصصة من نوع جديد ... ؟؟
خوشابا سولاقا
على ضوء المؤشرات والتسريبات المتداولة في الشارع العراقي بين النخب السياسية المتنافسة والمهتمين بالشأن الانتخابي ، وما تنشره من توقعات حول النتائج بعض مراكز استطلاع الرأي ومراكز مراقبة الانتخابات وتصريحات قادة الكتل المتنافسة وما يستنتجه على ضوئها المحللون والخبراء السياسيون بالرغم من توقعنا بحصول تزوير واسع لصالح بعض الكتل . كل هذه المعطيات تشير بشكل قاطع لا تقبل الشك والتأويل على عدم إمكانية أية كتلة لوحدها أو ائتلاف لوحده الفوز بأغلبية الثلثين من مجموع مقاعد البرلمان ، أو حتي بأغلبية ( 50 % +1 ) لتتمكن من تشكيل حكومة الأغلبية السياسية كما يريدها البعض ، وفي مقدمتهم السيد نوري المالكي لكي تستطيع في ذات الوقت من تمرير ما تحتاجه من مشاريع القوانين في البرلمان والهيمنة عليه ، وحتى لا يمكن تحقيق هذا الوجود البرلماني بهكذا نسب من خلال تحالف ثلاثة كتل برلمانية كبيرة ، وعليه نستطيع القول بأن الحلم الذي يراود البعض بتشكيل حكومة الأغلبية السياسية بمفهومها الحقيقي أصبح في حكم المستحيل ، أي بمعنى آخر أصبح مشروع حكومة الأغلبية السياسية في خبر كان على ضوء معطيات الواقع التي تفرزها نتائج الأنتخابات كما يبدو لنا ذلك من المؤشرات التي تم التطرق إليها . هذه النسب ( الثلثين و50 % +1 ) يمكن تحقيقها فقط من خلال تحالف يشمل أكثر من ثلاثة كتل انتخابية كبيرة ، وبذلك تكون عملية تشكيل الحكومة القادمة قد اتخذت نفس سياقات تشكيل الحكومات السابقة ، أي بمعنى حكومات التوافق الوطني وحكومة الشراكة الوطنية وفق الديمقراطية التوافقية الفاشلة ، والتي لم يحصد العراق وشعبه من ورائها إلا الخيبة والخذلان . أي بمعنى حكومات المحاصصة الطائفية والعرقية التي زرعت في طول وعرض البلاد الجريمة والفساد المالي وسرقة المال العام في وضح النهار وتحويل وزارات الدولة الى إمارات طائفية وحزبية وعشائرية خاصة بالوزير المعني وتحول الدولة الى دولة المكونات بدلاً من أن تكون دولة المواطنة ، وعلى خلفية هذا الواقع المزري تدني مستوى الخدمات الاجتماعية وزيادة نسبة البطالة وارتفاع نسبة من يعيشون من العراقيين تحت خط الفقر بالرغم من زيادة تخصيصات الموازنة العامة للبلاد سنوياً ووصولها الى أرقام فلكية . أي بامكان القول تم العودة من جديد الى عملية إنتاج حكومة محاصصة من نوع جديد لا تختلف عن سابقاتها لا بالمضمون ولا بالشكل قيد أنملة في حالة التجديد لبقاء السيد المالكي لولاية ثالثة في رئاسة مجلس الوزراء . هنا من جديد سوف تدخل الكتل المتحالفة والمُشكلة للأكثرية في البرلمان من خلال هكذا تحالف كبير في صراعات ومناكفات مستديمة من أجل تقسيم الغنائم في السلطة التنفيذية ، حيث كل كتلة تسعى الى الأستئثار بأكبر قدر ممكن من تلك الغنائم . هذه الصراعات تنشب كما نشبت في السابق بين أطراف المحاصصة الطائفية والعرقية الجديدة التي تنتجها الانتخابات حول الرئاسات الثلاثة والوزارات السيادية وغير السيادية من ذوي الميزانيات والصرفيات الضخمة بالأضافة الى النزاعات التي تنشب في ذات الوقت بين أعضاء الكتلة الواحدة داخل تحالف الأكثرية حول توزيع الكعكة وحصة كل شريك منهم فيها ، وهذا يعني العودة بالبلاد من جديد الى نفس المربع الذي بدأت به الحكومات التي أنتجتها الانتخابات السابقة في ( 2005 ) و (2010 ) ، ومن ثم دخول البلاد في نفق الأزمات المفتعلة المظلم التي مصدرها هشاشة الدستور وكثرة ألغامه الموقوتة من جهة ، وفقدان الثقة المتبادلة بين قيادات النخب السياسية في الكتل المتحالفة ، وعدم حرصها على المصلحة الوطنية وعدم إيمانها بالقضية الوطنية وتقديم مصلحة البلاد على غيرها من المصالح الفرعية من جهة ثانية . هذه الحقائق هي التي تعقد الأمور وتشوه الصورة وتزيدها ضبابيةً وغموضاً ، وتجعل من أبسط الخلافات والأختلافات والمشاكل فيما بينها مشكلة عويصة وكبيرة ومعقدة غير قابلة للحل .
في حالة تحالف الكتل ذات الصبغة الشيعية الخالصة جميعها ضمن إطار التحالف الوطني السابق كما تطالب كل تياراته وفصائله المعروفة فانها سوف لا تشكل الأغلبية السياسية ( 50 % + 1 ) لتتمكن من تشكيل حكومة الأغلبية السياسية كما يريد السيد نوري المالكي من دون مشاركة الكورد والسنة لأنها في هذه الحالة سوف تكنى بالحكومة الشيعية وهذا ما يتم رفضه من قبل كل المثقفين الشيعة أولاً قبل غيرهم من الكورد والسنة وأبناء المكونات الأخرى ، وهذا ما يزيد الوضع السياسي العراقي تعقيداً وغموضاً وانفجاراً . في نفس الوقت هناك شبه إجماع على عدم قبول تولي السيد نوري المالكي لولاية ثالثة تحت كل الظروف ، وهذا يعني أنه لا بد للتحالف الوطني الشيعي الجديد والغير منسجم في الرؤى لتجاوز الواقع السياسي العراقي الغير المستقر أصلاً لمواجهة مشاكل وأزمات البلاد الكثيرة التي ورثتها له حكومة السيد نوري المالكي ، والتصدي للتحديات التي يواجهها البلاد مما سيكون مضطراً للتحالف مع الكتل الكوردية أو مع الكتل السنية أو مع الكتل الوطنية الصغيرة ، وكل من يقبل التحالف من هذه الكتل مع التحالف الوطني الشيعي سوف تكون له شروطه ومطاليبه الخاصة . ما هو معلن لحد الآن من معظم قادة الكتل هو رفضها المطلق لتولي السيد نوري المالكي لولاية ثالثة لرئاسة مجلس الوزراء لعدم ثقتهم بمصداقيته ، لأن تجاربها السابقة معه بدءً باتفاقية أربيل وما تلاها كانت مريرة معه ومخيبة للآمال حيث برهن لهم عملياً بأنه ليس الشخص الذي يوفي بوعوده لحلفائه ، وإنه شخص متقلب المزاج ومراوغ غير جدير بالثقة ، وقسم من زعماء هذه الكتل اعتبرت مجرد التفاوض معه خط أحمر مثل السيد أسامة النجيفي وصالح المطلك والآخرين من زعماء الكتل السنية الجديدة وحتى الكوردية وحتى الدكتور أياد علاوي يرفض التجديد لولاية ثالثة للسيد المالكي ، ولذلك أصبح السيد نوري المالكي وحلفائه في موقف لا يحسد عليه لتولي الولاية الثالثة ، وعليه فان جميع احتمالات التحالف لتشكيل إئتلاف كبير يضمن أغلبية الثلثين في البرلمان لتمرير القرارات الاستراتيجية المهمة متعلق ومرهون بقبول كتلة إئتلاف دولة القانون التي يتزعمها السيد نوري المالكي بعدم ترشيحه لتولي الولاية الثالثة ، أي بمعنى آخر على التحالف الوطني الشيعي ترشيح شخص آخر بديلاً للسيد نوري المالكي من بين فصائله تقبل به جميع الأطراف الأخرى من داخل التحالف الوطني الشيعي ومن خارجه ، وهذه هي رغبة المرجعية الشيعية العليا في النجف الأشرف أيضاً ، ودعت المرجعية بشكل علني على ذلك قبل أيام ، وهذا هو المخرج الوحيد للخروج من المأزق الذي فيه العراق اليوم  على ضوء المؤشرات عن نتائج الأنتخابات الأخيرة . ولكن ما هو ليس معروفاً وغير واضح لحد هذه اللحظة هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بشأن استبدال السيد نوري المالكي بشخص آخر من التحالف الوطني الشيعي ، وباعتقادنا إن موقف الدولتين سيكون له دوراً  كبيراً ومؤثراً إن لم يكون الدور الحاسم للأمر بشكل نهائي .
 ستكون نقطة الضعف في الحوارات التي ستجرى بعد إعلان نتائج الانتخابات بين السيد نوري المالكي وخصومه من المعارضين لتوليه لولاية ثالثة في رئاسة مجلس الوزراء هو موقف الكورد حيث إن الكورد في النهاية سوف يتحالفون مع من يعطي لهم الأكثر مما يطالبون به من مطالب تخصهم كأكراد وليس كعراقيين ، وهذا يجعل منهم بيضة القُبان في الصراع الدائر حول تولي منصب رئيس مجلس الوزراء ، وبالأخص في ظل وجود بعض الكتل السنية التي يمكن استمالتها بدوافع مصلحية الى جانب السيد المالكي كما حصل في تشكيل الحكومة الحالية . كل هذا مجرد تحليلات سياسية واستنتاجات على ضوء المؤشرات والتسريبات الأولية حول نتائج الانتخابات ، وعند الأعلان عن النتائج بشكلها النهائي وتكون مغايرة لهذه المؤشرات عند ذلك كل شيء سوف يتغير وفقاً لذلك
في كلا الحالتين بقاء السيد نوري المالكي في رئاسة مجلس الوزراء لولاية ثالثة أو استبداله بغيره فان مصدر ومنبع مشاكل الحكم في العراق سوف لا تنتهي بل سوف تستمر وتتعمق ببقاء نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي هو أصل المشكلة ، والذي لا ينتج إلا حكومات طائفية وعرقية مشوهة وهشة كسيحة وعاجزة لا تقوى على مواجهة التحديات التي تواجه الدولة العراقية الهزيلة والغائرة القوى والنهوض بالبلاد من كبوته الحالية ، والسبب في كل ذلك هو الشعب الذي قرر التصويت بغالبيته الكبيرة للقبيلة والعشيرة والطائفة والقومية وبالتالي للفاشلين وسُراق المال العام من المتعشعشين في مؤسسات الدولة وليس للوطن والهوية الوطنية والكفاءة والنزاهة ، وعليه وبحسب رأينا الشخصي المتواضع نحمل الشعب العراقي بهذه الغالبية الكبيرة كامل المسؤولية لكل ما جرى ويجري في العراق وما يحصل له من مآسي ونكبات وكبوات وتراجعات منذ عام 2003 ، لأن الوعي السياسي والانتخابي والثقافي لهذه الأغلبية ( مع احترامي الشديد لها ) متخلف ومتدني وغير ناضج . لذلك نستطيع القول أن الديمقراطية لا تصلح لشعب بغالبيته متخلف ثقافياً وسياسياً واجتماعياً ، لأن الديمقراطية بآلية الانتخابات لأختيار ممثلي الشعب سوف تأتي بالجهلة والمتخلفين الى سدة الحكم في البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة كافة وتُؤمن مقدراتها لدى من لا يستحق أن يُؤتمن ، وتقصي في ذات الوقت الكفاءات وأهل الخبرة والعلم والمعرفة ، أي أن الديمقراطية ومن خلال الانتخابات سوف تضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب له ، وهذه هي الطامة الكبرى في العراق . ولغرض وضع نهاية لما هو عليه حالة العراق اليوم من تخلف وتراجع وهدر موارده القيام بما يلي :-
أولاً : تعديل الدستور الحالي الذي يتسم بالطائفية والعرقية السياسية ، وعدم المساواة بالشكل الذي يحترم التراث الحضاري والثقافي لكافة مكوناته بالتساوي ، واستبداله بدستور مدني ديمقراطي عابر للطائفية والعرقية السياسية .
ثانيا : السعي بكل الوسائل الممكنة للتخلص من نظام المحاصصة الطائفية والعرقية والعمل على إزالة أثاره السياسية والثقافية والتربوية والاجتماعية في مؤسسات الدولة الرسمية واستئصالها من المجتمع ونشر الثقافة الوطنية الديمقراطية .
ثالثاً : السعي الى بناء دولة مدنية ديمقراطية وعدم تسييس الدين واقحامه قسراً في الشؤون السياسية ، وعدم إقحام السياسة في الشؤون الدينية أي الفصل بين الدين والسياسة باعتبارهما ثقافتين متناقضتين .
رابعاً : السعي الى فرض سلطة القانون المدني في إدارة شؤون المجتمع وكبح سلطة العشيرة والقبيلة وعدم السماح لها بمزاحمة ومنافسة سلطة القانون المدني ، أي بمعنى لا سلطان فوق سلطة القانون .
أملنا أن يكون من يصل تحت قبة البرلمان من النواب الجدد بمستوى الثقة التي منحها له ناخبيه وأن لا يخيب آمالهم وظنونهم به ، وأن على تواصل معهم لما هو خير لهم وللعراق الوطن ، وأن يتحرروا من ضغوطات وإملاءات رؤساء كتلهم ، وأن لا يكون وجودهم في البرلمان كالحجارة على رقعة الشطرنج تحركهم توجيهات وأصابع رؤسائهم لغرض التصويت " بنعم " أو " بلا " كما كانوا الغالبية من أسلافهم البرلمانيين السابقين لأن حكم الشعب عليكم سيكون قاسياً ويجعلكم تعضوا أصابع الندم على يوم دخولكم تحت قبة البرلمان إتعضوا من تجارب أسلافكم الذين غادروا القاعة التي دخلتموها خائري القوى ولابسين ثوب الخذلان لأنهم لم يقدموا شيئاً للشعب والوطن مقابل ما قبضوه من مُرتبات خيالية ، أي بمعنى إنهم لم يحللوا خبزتهم كما يقول المثل .
 خوشابا سولاقا
بغداد 5 / ايار / 2014   

154
دور المثقفين والمرأة في انتخابات – 2014
خوشابا سولاقا
إن ما لا يختلف عليه إثنان من المثقفين والمحللين السياسيين اليوم هو إن الأنتخابات الحالية / 2014 تختلف نوعياً عن الانتخابات لعامي 2005 و2010 بالرغم من تكرار ترشح بعض الوجوه الكالحة التي لا تعرف قدر نفسها القديمة وبالذات منها رؤساء الكتل المخضرمة والفعالة صاحبة القرار في رسم السياسات العامة للعراق وصنع قراره السياسي ، تلك الوجوه التي قادت العراق خلال الدورتين الماضية والحالية الى الفشل الذي أوصلهُ الى الحالة المزرية التي يعيشها شعبه اليوم ، والتي فعلاً يستوجب تغييرها واستبدالها بوجوه وطنية حقة ومخلصة للوطن والشعب لم تتلوث أيديهم بالسحت الحرام من أموال المال العام للشعب ، وهذا ما نلاحظه بوضوح وجلاء في برامج معظم الكتل والأئتلافات المتنافسة على مقاعد البرلمان القادم ، الجديدة منها والقديمة المعاد إنتاجها  بتسميات وطنية منمقة وتخلو برامجها وخطبها الأنتخابية مما يشير بشكل مباشر كما كانن في السابق الى الطائفية السياسية المقيتة التي تعتبر السبب الرئيسي مع غيرها من الأسباب الأخرى الى وصول العراق الى ما وصل إليه من التخلف والتراجع في كل المجالات السياسية والأقتصادية والخدماتية والصحية والتربوية والأمنية والاجتماعية والثقافية خلال السنوات الثمانية الماضية ( 2005 – 2013 ) بالرغم من تضخم الواردات النفطية الهائلة كما تشير الى ذلك مبالغ الموازنات العامة للسنوات الثمانية الماضية والتي قد تجاوزت السبعمائة مليار من الدولارات والتي لا أثر يذكر لها على أرض الواقع غير الخراب والدمار للبنى الحتية وركائز الأقتصاد الصناعية والزراعية .
لقد سبق لنا وإن أشرنا الى بعض المؤشرات الايجابية التي أفرزتها وأشرتها الخطب الأعلامية في الحملات الانتخابية الجارية الآن في مقالنا المعنون " المؤشرات الايجابية والدعوة الى التغيير في الحملات الأعلامية الانتخابية – 2014 " والذي نشر في هذا الموقع الكريم ( الرابط – 1 ) أدناه سلطنا فيه الضوء على جوانب مهمة من الحملة والدعوة الى ضرورة التغيير النوعي الذي أظهرته الحملات في مختلف جوانب الحياة العراقية باتجاه تغيير التوجه العام للناخب العراقي لأجراء التغيير في انتخاب من يمثله مستقبلاً ويستلم دفة إدارة شؤون الدولة من أجل بناء دولة المواطنة الصحيحة بدلاً من دولة المكونات الطائفية والعرقية ، دولة المؤسسات الدستورية التي تكون فيها السيادة للقانون وحده وليس للسلطان الديكتاتوري والميليشيات الطائفية المسلحة التي تعمل في الخفاء كما هو عليه الحال اليوم .
إن ما يلاحظ إضافةً الى كل ما ذكرناه من المؤشرات الايجابية في مقالنا المشار إليه أعلاه هو حجم مشاركة المثقفين من مختلف الأختصاصات الذين ترشحوا ضمن اللقوائم الجديدة التي تشكلت في هذه الانتخابات والقديمة من الكتاب والفنانين والصحفيين والأكاديميين من أساتذة الجامعات وحاملي الشهادات العليا نلاحظ أن عددهم كبير جداً كماً ونوعاً قياساً بما كان عليه في الانتخابات السابقة ، وهذا بحد ذاته مؤشر يدل على مدى نمو وعي هؤلاء النخب من المثقفين الكرام بالشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه الوطن والشعب والسعي لأنتشالهما من الواقع المزري الذي هما فيه والسير بهما نحو الأفضل . كما يلاحظ بين هذه النخب من المثقفين الكثير من النساء الكريمات من غير المحجبات ومن حاملات الشهادات العالية وحتى ترأس إحدُهن قائمة الوركاء الديمقراطية رقم 299 من قوائم الكوتا المسيحية ، وتشير المعلومات المتيسرة لدينا إن نسبة مشاركة المرأة في الترشيح قد تجاوزت نسبة الـ ( 25 % ) المقررة بكثير ، وهذا أيضاً مؤشراً إيجابياً آخر على التحول النوعي في هذه الانتخابات ، ويدل هذا المؤشر كذلك على مدى نمو أفكار التيار المدني الديمقراطي بكل فصائله وجزر وتراجع أفكار تيار الأسلام السياسي ( الأسلامويين ) على الساحة السياسية العراقية . لكن هناك ربما سائل يسأل وذلك من حقه بعد مخاض السنين الماضية من الفشل والأخفاق في إعادة بناء البلد من بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق ، أن هناك الكثير من هؤلاء المثقفين والمثقفات الديمقراطيين والمعروفين بأفكارهم الليبرالية واليسارية كما عرفناهم من خلال نشاطاتهم الثقافية عبر وسائل الأعلام المختلفة قد ترشحوا اليوم ضمن قوائم ذات صبغة طائفية خالصة بالرغم من عدم إعتراف تلك القوائم بهويتها الطائفية رسمياً ، ولكنها عملياً هي كذلك حسب تقييم المواطن العراقي لها من خلال تجربته مع إفرازات نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي قسم المجتمع طائفياً وعرقياً ، يتساءل كيف يمكن أن نفسر هذا التناقض وهذه الأزدواجية في الرؤى والفكر والسلوك والموقف لهؤلاء المثقفين ؟؟ . الجواب كما هو معروف أن المجتمع العراقي بعد سقوط النظام السابق وقيام نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي أنتجه الأحتلال تطبع بالثقافة الطائفية والعرقية وأصبح الناس ينحازون في سلوكهم وبنوع من التطرف والتشدد الى إنتماءاتهم الطائفية والعرقية على حساب انتمائهم الوطني والهوية الوطنية العراقية وكل ما يتعارض ويتقاطع ويتناقض من الثقافات والأفكار وارؤى مع هذه الثقافة تنعت وتتهم بالألحاد والكفر ويوضع ذلك في خانة أعداء الشعب والوطن والدين والمذهب . هكذا أصبحت الثقافة الديمقراطية والليبرالية واليسارية والتوجهات العِلمانية لبناء دولة مدنية ديمقراطية شكل من أشكال الألحاد يستوجب محاربته وإستئصاله بكل الوسائل الممكنة من المجتمع كأفكار ومنهج للحياة الأجتماعية في العراق . هذا ما حصل فعلاً في الانتخابات السابقة حيث تم تضليل الناس وخداعهم وتوجيههم الى رفض التصويت لمروجي تلك الثقافات ، فكانت النتيجة  عدم تمكن التيارات الديمقراطية والليبرالية واليسارية المدنية من أن تحصل حتى على مقعد واحد يتيم يتحدث باسمهم في البرلمان ، إلا من تسلل منهم من الأنتهازيين الأتباع والنفعيين والذيليين من خلال القوائم الطائفية والعرقية المتنفذة من تحت الطاولة إن صح التعبير وبالأخص في الانتخابات الأخيرة في عام 2010 ، وبذلك تم تكريس النظام السياسي الطائفي والعرقي في مؤسسات الدولة من رئيس الجمهورية الى أصغر عامل تنظيف ، وتم تكريس الثقافة الطائفية والعرقية السياسية في المجتمع العراقي ، وقسم بالتالي العراق جغرافياً واجتماعياً تقسيماً طائفياً وعرقياً الى شمال كوردي الهوية ووسط وغرب العراق عربي سُني الهوية وجنوب والفرات الأوسط من العراق عربي شيعي الهوية ، وبقيت المكونات القومية والدينية الآخرى ضائعة بين هذا وذاك لا تعرف كيف الخلاص من الأضطهاد وإغتصاب حقوقها القومية ومصادرة أراضيها التاريخية ، ولا تجد لنفسها منفذا للخروج من هذا المأزق غير اللجوء الى هجرة أرض الوطن كآخر خيار لها للخلاص وهذا ما حصل . إن الفشل الذريع الذي حصدته خلال السنوات الماضية أحزاب الأسلام السياسي في إدارة شؤون الدولة والحكم في البلاد ، واستشراء الفساد المالي والأداري والجريمة بكثافة وتوالي الأزمات السياسية التي دفعت بالبلاد الى حافة الهاوية على أيديهم ، ظهرت داخل صفوت هذه التيارات بكافة توجهاتها المتعارضة والمتناقضة التي تمتلك بتلابيب السلطة مصلحة مشتركة في ضرورة تجاوز الواقع من أجل تمكنهم من البقاء والأستمرار في السطة التي تغذي خزائنهم الخاصة الحزبية والشخصية بأموال الشعب ، قررت الكتل الطائفية الخالصة تطعيم مرشحيها في إنتخابات عام 2014 بعناصر مثقفة من التيارات الليبرالية من الرجال والنساء الغير محجبات  والمعروفة على مستوى الشارع العراقي بغرض الظهور بمظهر الداعين الى ضرورة إجراء التغيير في شكل نظام الحكم القائم على المحاصصة الطائفية والعرقية ، وعليه فتحت هذه الكتل أبوابها مشرعة أمام العناصر الليبرالية من التيار المدني الديمقراطي من المستقلين غير المنتظمين في أحزاب سياسية معروفة للأشتراك والترشح في قوائمها الانتخابية . كان هذا من جانب تيارات الأسلام السياسي . أما من جانب الطرف الآخر من بعض الليبراليين المستقلين وجدوا الكثير منهم في هذا العرض المغري فرصة ذهبية لهم للتسلل والوصول من خلال تلك القوائم الى تحت قبة البرلمان ليتمكنوا من إيصال صوتهم الى حيث يجب أن يصل ومن غير الوصول الى تحت قبة البرلمان يبقى صوتهم خافتاً وضعيفا وغير مسموعاً ولا يصل الى حيث يجب أن يصل بدلاً من الأنزواء جانباً تاركين الساحة الفعلية التي منها يجب أن ينطلق التغيير المنشود لهؤلاء الفاسدين وسُراق المال العام والعابثين بمقدرات البلاد ، وذلك بعد أن تيقنوا بأن وصولهم بحجم مؤثر تحت قبة البرلمان من خلال قوائمهم الخاصة المستقلة في واقع الثقافة الطائفية والعرقية المسيطرة على عقلية وتفكير المجتمع العراقي أمراً صعباً وبعيد المنال إن لم يكن مستحيلاً ، وإنهم أصبحوا على قناعة تامة بأن التغيير في دولة يعتمد فيها إختيار ممثلي الشعب دستورياً من خلال انتخابات حرة ديمقراطية شفافة ونزيهة حتى وإن كان ذلك نسبياً لا يمكن أن يحصل من خارج البرلمان بل سوف يتم من خلال العمل من داخل البرلمان ، لذلك صاغوا هؤلاء المثقفين المستقلين فلسفتهم في تحقيق التغيير المنشود في السعي بالوصل الى تحت قبة البرلمان بأية طريقة ممكنة لا تتعارض مع الدستور شكلاً ومضموناً حتى وإن اتهموا من قبل الآخرين بالأنتهازية النفعية في سلوكهم هذا عملاً بقاعدة نيقولو ميكيافللي " الغاية تبرر الوسيلة " . إن العملية هي عملية الصراع من أجل البقاء والسيادة ويكون فيها البقاء للأصلح الأقوى وليس للأقوى الفاسد ، وهذا ما يتمناه كل مواطن عراقي من نتائج هذه الانتخابات في الثلاثين من نيسان الجاري للخروج بالعراق من مأزقه المستعصي .

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,735983.0.html


 خوشــابا ســولاقا
بغداد – 28 / نيسان / 2014     


155
المؤشرات الإيجابية والدعوة الى التغيير في الحملات الأعلامية الانتخابية / 2014  
خوشابا سولاقا
ما هو مؤكد وواضح للعيان ، أن جميع المتتبعين والمهتمين من المثقفين والسياسيين والكتاب والمحللين من خلال مختلف وسائل الأعلام من العراقيين من مختلف المكونات للحملة الأعلامية الانتخابية الجارية حالياً في العراق سوف يجدون الكثير من المؤشرات الايجابية في الخطاب السياسي الأعلامي المعلن للكتل والأئتلافات المتنافسة على مقاعد مجلس النواب العراقي القادم عند المقارنة مع ما كان في الحملات الأعلامية لأنتخابات عامي 2005 و2010 ، حيث هناك تغيير جوهري قد حصل في طبيعة الخطاب السياسي الأعلامي للكتل والأئتلافات الانتخابية من جهة ، والتغيير النوعي والكمي في الوعي الانتخابي لأبناء الشعب العراقي ، والتحول النوعي في مزاجها بدرجة كبيرة نحو ضرورة التغيير الشامل والتخلص من نظام المحاصصة في طريقة إدارة الحكم لأنقاذ البلاد من تداعيات الأزمات المتتالية بعد الفشل الكبير الذي حصدوه الفائزون في عضوية مجلس النواب والحكومة والقضاء خلال الدورتين البرلمانيتين السابقتين في كل المجالات ، ووصول مستوى نمو هذا الوعي لدى الجماهير الشعبية الى درجة بات يهدد بالأنفجار الثوري لتغيير الواقع القائم بطريقة غير محمودة العواقب من جهة أخرى .
على ضوء هذه المستجدات والتطورات النوعية التي طرأت على الساحة السياسية بين الانتخابات السابقة والأنتخابات المقبلة ندرج أدناه بعض ملاحظاتنا عن المؤشرات الإيجابية التالية :-
أولاً : أن جميع الكتل والأئتلافات الانتخابية المتنافسة حالياً في هذه الانتخابات بما فيها كتل الكوتا المسيحية لا تحمل في تسمياتها المعلنة ما يؤشر الى وجود أي توجه ديني أو مذهبي طائفي أو توجه قومي شوفيني إلا ما هو الغير مباشر منه في بعض القلة القليلة منها ولكن ذلك بمستوى لا يؤثر قيد أنملة على التوجه الوطني العام ، وأصبح التوجه الوطني العراقي هو السمة الغالبة في تسميات الكتل والأئتلافات الانتخابية المتنافسة ، والذي يدعو ويشدد الى ضرورة المحافظة على وحدة العراق أرضاً وشعباً وثروة ًوهويته الوطنية ، وهذا التوجه الجديد إن دل على شيء وإنما يدل على مدى نمو ونضج الوعي الوطني الانتخابي العابر للخصوصيات والهويات الفرعية للمواطن العراقي وهذا يشكل ظاهرة إيجابية للغاية لصالح المواطن العراقي ، حيث تمكن من خلالها إجبار النخب السياسية على الخضوع والاستجابة لأرادة المواطن الذي هو المستفيد والخاسر الأكبر من العملية برمتها في حالة النجاح أوالفشل في تحقيق التغيير المنشود في شكل النظام السياسي الذي يدير البلاد مستقبلاً . حتى إن البعض من الكتل والأئتلافات التي كانوا أعضائها في الانتخابات السابقة يضعون الوشاح ذات اللون المعين على رقابهم وأكتافهم والذي يرمز الى الأنتماء المذهبي المعين أصبحوا اليوم يتوشحون بالعلم الوطني العراقي بدلاً من الوشاح السابق ، ونحن بدورنا نحييهم على هذا التحول وعلى هذه الممارسة الوطنية الرائدة ، وهذا التقليد الجديد يؤشر على تغير القناعات والتصورات المذهبية الطائفية القديمة والتحول نحو القناعات الوطنية كبديلاً لتلك القناعات التي غدت سبباً يهدد بتمزيق وحدة الوطن والشعب . كما نجد في الخطاب الأعلامي للحملة الأنتخابية أن هناك اصرار على ضرورة إجراء التغيير بعد التيقُن من فشل كل التوجهات المذهبية الطائفية والقومية الشوفينية على مستوى العراق والأقليم الكوردستاني التي فرضتها ظروف معينة على الواقع السياسي العراقي خلال السنوات العشرة المنصرمة بعد سقوط النظام الديكتاتوري على خلفيات تاريخية كرستها السياسات الشوفينية القومية والدينية والمذهبية الطائفية للأنظمة السياسية السابقة . وبذلك نستطيع القول بأن النخب السياسية المحسوبة على تيار الأسلام السياسي وعلى التيار القومي العروبي والكوردي وغيرهما قد أدركت بأن الوقت قد حان لأن يتم تجاوز خطوط الخصوصيات الفرعية التي كانت خطوط حمراء في حساباتها السابقة وأن تستقر على حدود الخطوط الوطنية البيضاء إن صح التعبير ، وأن العراق المتعدد المكونات القومية والدينية والمذهبية الطائفية لا يمكن أن يُحكم من قبل مكون واحد على حساب تهميش وإقصاء الآخرين واغتصاب حقوقهم القومية والدينية والمذهبية ، ومصادرة حرياتهم في التمتع بممارسة طقوسهم وتقاليدهه الخاصة تحت أية ذريعة .
ثانياً : كانت خطابات وتوجيهات المرجعيات الدينية العليا في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية من على منابر المساجد في صلوات الجماعة أيام الجمعة خطابات واضحة وصريحة وفصيحة وباللغة العربية الفصحى لا تحتاج الى اجتهاد أو تفسير ، كانت خطابات تدعو الى التغيير الشامل وعدم التصويت للفاشلين وسراق المال العام ( أموال الشعب ) والمصوتين على قانون التقاعد الموحد الجديد من أعضاء مجلس النواب الحالي ، والدعوة الى انتخاب من هو كفوء ونزيه ومخلص للعراق والعراقيين دون النظر الى إنتمائه القومي والديني والمذهبي ، وكما قال في هذا السياق قبل أيام من الكاظمية آية الله الفقيه حسين الصدر أطال الله في عمره المديد حيث وجه الناس الى " انتخاب الكفوء والنزيه والمخلص للعراق من دون النظر الى خلفيته الدينية والقومية والمذهبية " كانت دعوته هذه تعني ما تعنيه هي انتخاب الأفضل والشريف والوطني المخلص من المرشحين ، والقادر على خدمة العراق الوطن وشعبه من أي دينً ومن أي مذهب ومن أية قومية كان المرشح . هذه الدعوة كانت بحق سابقة نوعية نابعة من الشعور العالي بالمسئولية الوطنية من أجل إنضاج الوعي الوطني الحقيقي لدى عامة الناس من المخدوعين والمضللين بالولاءات المذهبية الطائفية ، وكانت دعوة صريحة للفصل بين ما هو ديني ومذهبي وقومي من الولاءات وبين ماهو وطني عراقي ، وهي سابقة تستحق التقدير والثناء عليها ودعمها بقوة من قبل كافة المرجعيات الدينية والعشائرية والاجتماعية والسياسية من الوطنيين العراقيين الحقيقيين .
من منطلق الواجب الوطني يفترض بكل المرجعيات الدينية لكافة الأديان ومن كل المذاهب بمختلف تنوعاتها مع إحترامي الشديد لهم أن تقتدي بما أقدمت عليه المرحعيات العليا في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية المقدستين وتبادر في الأفتاء لتوجيه رعاياها الى المشاركة الواسعة والفعالة في الانتخابات لأجراء التغيير الجذري المطلوب سلمياً من خلال صناديق الأقتراع في إقصاء الفاشلين وسراق المال العام من أعضاء مجلس النواب والحكومة الحاليين والسابقين الذين يسعون بقوة للبقاء والأستمرار في مواقعهم الوثيرة ، وأستبدالهم بآخرين من الكفاءات الأختصاصية ممن يتسم بالكفاءة والنزاهة والاخلاص والولاء للوطن والذين تزخر بهم معظم الكتل والأئتلافات الوطنية الجديدة لوضع  البلاد على مسارها الصحيح والنهوض بها من كبوتها الحالية ، وأن لا تنزوي جانباً والنأي بنفسها عن تحمل مسؤولياتها الشرعية والدينية والوطنية والانسانية في حماية المجتمع والمال العام من السراق والمتجاوزين تحت ستار عدم الرغبة في إقحام الدين في السياسة ، نقول لهؤلاء الأفاضل الكرام لا يا سادتنا الموقرين الأجلاء ، ليس الأمر كذلك لأن ما ندعو إليه كافة المرجعيات لجميع الأديان ومن كافة المذاهب هو العمل من أجل خدمة المجتمع وحماية حقوقه من ظلم الظالمين ومن تجاوزات سُراق المال العام .
ثالثاً : إن شعارات وخطابات جميع الكتل والأئتلافات المتنافسة على مقاعد مجلس النواب في دورته الثالثة تجمع على ما يلي من الأطروحات
1)    ضرورة إجراء تغيير في شكل وطبيعة النظام السياسي للحكومة حيث تدعو الى حكومة الأغلبية السياسية ، حكومة الكفاءات وليس حكومة الولاءات ( حكومة التكنوقراط ) لعدد من الكتل المتقاربة والمنسجمة في برامجها ومناهجها وبقاء الأقلية السياسية للكتل الأخرى في المعارضة مع مراعاة مشاركة كتل الكوتا للمكونات القومية الصغيرة في الحكومة وفق معايير معينة تضمن حقوقهم القومية والدينية بحسب الدستور بعد أن فشلت حكومات التوافقات والشراكة الوطنية بامتياز وهذا يعتبر أهم درس للقادمين الى البرلمان .
2)    ضرورة محاربة الأرهاب بكل أشكاله ، والميليشيات المسلحة التي تعمل خارج إطار القانون والقوات المسلحة الوطنية بكل أصنافها . من وجهة نظرنا المتواضعة يعتبر الفساد المالي والاداري المستشري في أجهزة الدولة بشكل عام وفي أجهزة القوات المسلحة ومؤسسات السلطة القضائية بشكل خاص من اخطر اشكال الأرهاب الذي يهدد مصير الدولة العراقية وهيبتها وأمن المواطن العراقي ، حيث أن قرارات قضاة المحاكم وبالأخص ما يخص منها بالأمن الوطني ومصير عتاة المجرمين تصنعها في الغالب الرشاوي التي تدفع للقضاة والمحققين العدليين بهذه الطريقة أو بأخرى ومن خلال هذه القناة أو تلك عبر الوسطاء الشرعيين وغيرهم وتَدخُل رجالات الحكومة وفرض إرادتها السياسية على القضاء ، وليس صوت ضمير القانون والعدالة والأنصاف في عقل ونفس وضمير القضاة هو من يصنع القرار النهائي لصالح المظلومين وتحقيق العدالة كما ينبغي أن يكون عليه الحال لضمان سير العدالة على قدم وساق ، وبذلك يتحول ببساطة ويُسر الحق المبين الى باطل والباطل الى حق مبين في جلسات المحاكم ، ويتحول المجرم الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد يستحق الموت . الى هذا الدرك من الأنحطاط مع الأسف الشديد ومع احترامي الكبير للأنظاف من القضاة المحترمين وصل القضاء العراقي اليوم ، وأصبح القانون من خلال هؤلاء الفاسدين من القضاة وسيلة لحماية المجرمين والأرهابيين وسُراق المال العام بدلاً من أن يكون أداة لمحاسبتهم لنيل جزائهم العادل ، وعليه فإن خط الشروع للتغيير يجب أن يبدأ بتطهير سلك القضاء من الفساد والفاسدين .
3)    ضمان حرية الرأي والرأي الآخر واستقلالية الأعلام كسلطة رابعة لتكريس المفاهيم الديمقراطية وحماية النظام الديمقراطي في العراق وتداول السلطة سلمياً من خلال صناديق الأقتراع عبر الانتخابات الحرة النزيهة والشفافة ، وغلق كافة المنافذ أمام عودة الديكتاتورية من جديد الى الحكم في العراق الجديد من خلال ترسيخ التقاليد الديمقراطية في إدارة الحكم في البلاد وبناء ثقافة وطنية خالصة لا تميز بين عراقي وآخر إلا من حيث الكفاءة والنزاهة والأخلاص في العمل الوطني .
4)    العمل على الفصل بين السلطات الثلاثة ، والمحافظة على إستقلالية القضاء وتطهيره من الفاسدين والمفسدين وعدم التدخل في شؤونه من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية لأي سبب من الأسباب لضمان سير العدالة .
5)    العمل على محاربة الفساد المالي والاداري المستشري في كافة مؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية ووضع حد للتجاوز على المال العام من قبل المسؤولين الكبار في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والقضاء على المحسوبية والمنسوبية والرشاوي .    
إن ما ذكرناه من مؤشرات إيجابية في الحملة الأعلامية الانتخابية الحالية ليس بالضرورة أن تكون مؤشرات نابعة عن قناعات فكرية راسخة لدى قيادات النخب السياسية المحسوبة على تيار الأسلام السياسي أو تلك المحسوبة على التيارات القومية الشمولية ذات التوجهات القومية الشوفينية ، وأن يتحول كل شيء في العراق بين ليلة وضحاها الى جنة للديمقراطية ، وان يتحقق في العراق حلم أفلاطون في إقامة جمهوريته الفاضلة ، بل إنها مؤشرات يمكن لها أن تتطور وتقود الى ما هو أفضل مما هو عليه اليوم الخارطة السياسية في العراق لو أستمر الضغط الشعبي على حاله ، ويمكن إعتبار هذه المؤشرات الى جانب ما يحصل من الأنشقاقات والتحولات داخل تلك التنظيمات الدينية والقومية بشكل مستمر ، وظهور ونمو التوجهات الوطنية الليبرالية بين المثقفين وجيل الشباب الخطوة الأولى على خارطة الطريق للأنتقال الى مرحلة تبني الأفكار الليبرالية الديمقراطية كمنهج لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ، دولة المؤسسات القانونية والدستورية ، دولة المواطنة تستوعب كل العراقيين ، وليست دولة المكونات العرقية والدينية والمذهبية الطائفية ، دولة لا مكان فيها للفساد والفاسدين وسراق المال العام وللأرهاب والأرهابيين ، دولة قادرة على حل المشاكل الأقتصادية التي يعاني منها البلاد ، وقادرة على إعادة بناء البنى التحتية مستغلة في ذلك الواردات النفطية الهائلة وإعادة استثمارها لأنشاء مصادر بديلة للأقتصاد من خلال التنمية الصناعية والزراعية بضمنها الصناعات النفطية والبتروكيميائية ، واستثمار حقول الغاز الطبيعي والغاز المصاحب للنفط الخام في تطوير صناعة إنتاج الطاقة الكهربية وتحويلة الى مصدر حيوي آخر للأقتصاد الوطني . صحيح قد يتصور البعض من المتشائمين إن هذه الأفكار هي مجرد أحلام اليقضة ، ولكنها في نفس الوقت أحلام قابلة للتحقيق وسيجد ذلك من يكون منا على قيد الحياة خلال العشرة سنوات القادمة ، ونقول هنا تفائلوا بالخير تجدوه .

خوشــابا ســولاقا
بغداد – 19 / نيسان / 2014  

156
التطرف والتعصب ظاهرة تدمر الأمم وحضاراتها
خوشابا سولاقا
إن التطرف والتعصب ظاهرة اجتماعية ونتيجة طبيعية وتكون في الغالب رد فعل لأسباب عرقية ودينية ومذهبية وجنسية ولون البشرة  واقتصادية وثقافية أخرى تدعو لها وتبشر بها فلسفات ونظريات فكرية وايديولوجيات متطرفة ، وتأتي أحياناً هذه الظاهرة نتيجة لقصر النظر وللفهم الساذج والسطحي للمعتقدات التي يدعو إليها من يمارسون التطرف والتعصب بكل أشكاله . ظاهرة التطرف والتعصب تولدها الظروف الموضوعية المحيطة وتُنضجها الظروف الذاتية والسايكولوجية  للشرائح الاجتماعية والأفراد الذين يروجون لظاهرة التطرف والتعصب ويمارسونها على أرض الواقع ، والذين هم أيضاً من نتاج التحولات والتغيرات التي تحصل في المجتمع التي تؤدي الى رفض وعدم قبول الآخر والتعايش معه بسلام متساوين في الحقوق والواجبات على أساس الأنتماء الإنساني والتماثل في الخلق .
أين يظهر التطرف والتعصب ؟
يظهر التطرف والتعصب بكل أشكاله ويكون على أشده في المجتمعات المتخلفة في مرحلة مخاضات التحولات والتغيرات الكمية والنوعية في شكل وطبيعة الأنظمة السياسية والاجتماعية للأنتقال من نظام سياسي معين الى نظام سياسي جديد ، أي في مرحلة ما باتت تعرف بالمرحلة  الأنتقالية ، لأن في تلك المرحلة المفصلية المهمة والحساسة والحاسمة من حياة الأمم والمجتمعات تضعف قوة سلطة الدولة والقانون الرادعة للظواهر السلبية بكل أشكالها التي تخالف القانون العام للحياة المنظمة ، وتنضج في ذات الوقت الظروف الموضوعية والذاتية لأن ينطلق مارد التطرف والتعصب المصحوب بالعنف من عقاله بقوة وشدة ويسود في المجتمع ويتحكم به كبديلاً لسلطة القانون والدولة ، وأن دور الدولة في مثل هذه المرحلة يصبح دوراً مهمشاً ومقصياً ويكون الصوت الأعلى للتطرف والتعصب في المجتمع ، وعلى خلفية هذه السيادة شبه المطلقة للتطرف والتعصب ينتشر الخوف والرعب وتنطلق الجريمة بكل أشالها ، ويشيع القتل الكيفي على الهوية بدوافع التعصب العرقي والديني والمذهبي والثأر والانتقام وغيرها من الأسباب ، وتنشط الجريمة المنظمة لحماية وتعزيز المصالح الشخصية تحت ستار تلك الدوافع في المجتمع ، لأن الدولة الرادعة للعنف والتطرف والتعصب تكون في ظل هذه الظروف ضعيفة للغاية إن لم تكون مهمشة ومقصية وغائبة كلياً عن الساحة في المجتمع ، وبذلك تتصاعد وتتنوع وتائر التطرف والتعصب وممارسة العنف المنظم وتسود لغة السلاح وثقافة القتل العشوائي على الهويات الخصوصية الفرعية التي تبرر للتطرف والتعصب والعنف والجريمة بكل أشكالها في المجتمع ، وتختفي لغة الحوار والتسامح والأعتدال على أساس الهوية الوطنية والولاء للوطن وحده ، وعلى أثر هذا الوضع الجديد يسود نظام الفوضى وينتشر الفساد بكل أشكاله في مؤسسات واجهزة الدولة الرسمية بسبب غياب العنف القانوني لسلطة الدولة إن صح التعبير من خلال تطبيق القانون بحزم وصرامة لردع المسيئين من المروجين والممارسين للتطرف والتعصب والعنف بكل أشكالها التي تسعى الى إلغاء مؤسسة الدولة كمرجعية أعلى لتطبيق القانون .
من تكون ضحية التطرف والتعصب ؟
تكون الأمم والمجتمعات ذات التعدديات القومية والعرقية والدينية والمذهبية والمتخلفة ثقافياً واجتماعياً ، والتي ينتشر بين أبنائها السلاح غير المرخص كتقليد قبلي وعشائري وكرمز للرجولة والشجاعة بالدرجة الأساس هي ضحايا التطرف والتعصب المصحوب بالعنف الجسدي .
كذلك ينتشر العنف والتصفيات الجسدية في الأمم والمجتمعات المتخلفة التي يوجد فيها تعدديات عرقية ودينية ومذهبية بين التنظيمات السياسية ذات الأيديولوجيات والتوجهات الشمولية العنصرية التي تتخذ من العنف والتصفيات الجسدية وسيلة للحوار للتخلص من خصومها السياسيين بسبب تطرفها وتعصبها الأيديولوجي ، وهذا النمط من التطرف والتعصب يعتبر بحسب وجهة نظرنا المتواضعة من أخطر أشكال وأنماط التطرف والتعصب ، لأنه يكون موجه ومغطى بغطاء فكري وفلسفي أو ديني ومذهبي يبرر له بشعارات قومية أو وطنية أو دينية مذهبية أو بجميعها معاً في أغلب الأحيان بالرغم من زيفها وبطلانها الواضح في الممارسة العملية على أرض الواقع ، وتجربة العراق التاريخية منذ تأسيسه والى اليوم خير مثال حي على ذلك .
التطرف والتعصب ظاهرة مقيتة ومرفوضة
في كل الأحوال أن ظاهرة التطرف والتعصب بكل أشكالها ، ومهما كانت الأسباب والمبررات التي يسوقها المروجين لها هي ظاهرة مقيتة ومرفوضة وغير مبررة وفق كل المقاييس والمعايير الدولية الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية ، لأنها لا تجلب للأمم وللمروجين لها وللآخرين غير الخراب والدمار والكوارث والمأسي . ما هو مؤكد والذي لا يحتاج الى برهان ودليل تكون أولى ضحايا هذه الظاهرة شعوب ومكونات الأمم التي ينتشر فيها وباء التطرف والتعصب بشكل عام ، وتنال بالدرجة الأساس المكونات القومية والدينية والمذهبية الصغيرة حصة الأسد من الظلم والأضطهاد والتضحيات بشكل خاص ، والتجارب القريبة والبعيدة في التاريخ عبر القرون كثيرة  وهي خير شاهد على ما نقول . كانت أمتنا من الآشوريين والكلدان والسريان عبر تاريخها من ضحايا ظاهرة التطرف والتعصب القومي والديني والمذهبي والمعتقد منذ سقوط نينوى عام 612 ق . م وسقوط بابل عام 539 ق . م .
هنا نستطيع القول بما أن المبادر بممارسة التطرف والتعصب القومي والديني والمذهبي بغرض تهميش وإقصاء الآخر من المكونات في الأمة الواحدة عادة يكون الأكثريات الحاكمة ضد الأقليات المستضعفة في ظل الأنظمة السياسية الشمولية القومية والدينية والمذهبية الطائفية ، عليه تنقسم المجتمعات على نفسها الى ظالمين ومظلومين ، أي هناك من يمارس الظلم تحت ستار الأعتزاز بالقومية والدين والمذهب ، ومن يتلقى الظلم ويعاني منه بسبب اختلافه عن من يمارس االظلم بالأنتماء القومي والديني والمذهبي ، وهنا من المفروض والمنطق العقلاني نقول إذا سنحت الفرصة للأقليات المظلومة ووصلت الى موقع ممارسة الحكم والسلطة أن لا تكون ظالمة وتمارس بحق ظالميها والآخرين ما كانت تمارسه الأكثريات بحقها من مظالم ، وأن لا تقابل كل شيء بالمثل ، وإلا بماذا تختلف عن ظالميها ؟؟ لأنها إن فعلت ذلك تكون قد بررت وشرعنة أفعال ظالميها بحقها ، بل عليها أن تكون على العكس منهم ، أي أن تقابل الظلم بالأحسان والتطرف والتعصب بالتسامح والمحبة ، كما قال أحدهم من رواد الفكر الحديث لا أحبذ ذكر اسمه لأسباب تتعلق بمضمون المقال " لا يمكن لأمة مظلومة أن تكون ظالمة " . أي كما قال السيد المسيح له المجد " أفعل في الناس ما تريده أن يفعلوه فيك " ، حيث أن هذين القولين أحدهما يعبر عن الآخر ويجسده بالتمام والكمال . إنهما أقوال عظيمة وحكيمة بعظمة وحكمة قائليها .
الملاحظات والأستنتاجات
عندما نقرأ واقعنا على المستوى الوطني العراقي نجد بوضوح أن هناك الكثير من مظاهر التطرف والتعصب القومي والعرقي والديني والمذهبي الطائفي تمارس هنا وهناك من قبل الكثير من الأحزاب ذات الفكر الشمولي من الأحزاب القومية من كافة مكونات الشعب العراقي القومية من دون أستثناء عملياً او تبشيرياً فكرياً بحسب حجمها ودورها وتأثيرها في الساحة السياسية في صياغة وصنع القرار السياسي ، وكذلك من قبل الأحزاب الأسلاموية الطائفية - الأسلام السياسي – من كل الطوائف في العراق الأتحادي وأقليم كوردستان ، وكان مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري خير مثال يجسد الفكر المتطرف والمتعصب والأقصائي الذي يجتاح عقول ونفوس من يعيش في الماضي ممن هم يمسكون بقرار العراق التعددي في مكوناته القومية والدينية والمذهبية اليوم .
أما على المستوى القومي لأمتنا فإن ملامح ووتائر التطرف والتعصب للخصوصيات الفرعية القومية المزاجية والمذهبية اللاهوتية الكنسية ومنذ سقوط النظام في عام 2003 فهي في حالة تصاعد مستمر وتكاد أن تصل الى مستوى التناحر ، وذلك ظاهر للعيان بجلاء في الحوارات والكتابات التي تكتب وتنشر في المواقع الألكترونية التي تخص أمتنا من قبل كتابنا ومثقفينا الأجلاء ، وكان للصراعات السياسية من أجل المصالح الشخصية الآنية بين القيادات المتنفذة للتنظيمات السياسية لأمتنا قد لعبت وتلعب دوراً أساسياً في تعميق أسباب التطرف والتعصب بكل أشكاله وإذكاء نار الحقد والكراهية والفرقة بين مكونات أمتنا من جهة ، واستضعافنا أكثر من قبل الأحزاب الشمولية للشركاء في الوطن بعد إكتشافهم لظاهرة استعداد قادة أحزابنا السياسية للمساومة والمتاجرة بحقوقنا القومية مقابل ضمان مصالحهم الشخصية والبقاء في كراسيهم الوثيرة من جهة ثانية . هذا ما دفع بأصحاب القرار السياسي العراقي من ذوات الفكر الشمولي المتطرف والمتعصب الى الأمعان في إقصائنا وتهميشنا أكثر فاكثر الى حد الأذلال .
التطرف والتعصب والمغالاة بهما ، والغرق في أحلام اليقضة والتأمل المثالي لا يجديان لأمتنا نفعاً في ظل ظروفها الحالية ، بل إن ما يجدي نفعاً هو نبذ ورفض ومحاربة كل أشكال التطرف والتعصب على المستوى الوطني والقومي ، والدعوة الى إشاعة ثقافة التسامح القومي والديني والمذهبي بين مكونات امتنا بشكل خاص ومكونات أمتنا العراقية بشكل عام ، والعمل على إقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يعمل من أجل تحقيق العدالة والمساواة وتكافئ الفرص بين مكونات الأمة العراقية ،من خلال بناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على أسس المؤسسات الدستورية والقانونية يكون فيها المعيار للتعامل مع المواطن في منح الحقوق وتوزيع الواجبات الولاء الوطني والهوية الوطنية وليس غيرهما ، ويتم فيها تناوب السلطة بالطرق السلمية عبر صناديق الأنتخابات الديمقراطية النزيهة التي تسد كل الطرق والأحتمالات الممكنة أمام عودة الديكتاتورية الأستبدادية مرة اخرى ، دولة يشعر في ظلها الجميع بأمن وأمان ويعمل الجميع من أجل إعادة البناء والأعمار لما هدمه الأشرار وسراق المال العام . ندعو جميع أبناء العراق من جميع مكوناته القومية والدينية والمذهبية أن يفهموا ويدركوا جيداً ، إن ما يضر ويفيد العراق يضر ويفيد الجميع ، وإن ما يضعف ويقوي العراق يضعف ويقوي الجميع ، وعليه على الجميع أن يعمل من اجل الجميع ، وإن التطرف والتعصب نار يحرق الجميع لا ينجو من لهيبة وسعيره أحداً وبذلك فهو لا يفيد احداً بل هو يضر الجميع فاقلعوا عنه .

خوشــابا ســولاقا
بغداد – 29 / آذار / 2014 


157
الكتابة الرصينة وثقافة الشَتيمة
خوشابا سولاقا
إن القارئ اللبيب والمتتبع الدقيق لما يكتب وينشر في هذا الموقع الكريم ، وفي غيره من ألمواقع الألكترونية الخاصة بأبناء امتنا من كل مكوناتها بكل تسمياتها الجميلة من كلدان وسُريان وآشوريين من مقالات ومداخلات وتعقيبات وردود ، وما يدور فيها من حوارات وسجالات إيجابية وسلبية ، وبالأخص ما يتعلق منها بتاريخنا وتراثنا وتسمياتنا القومية ومذاهبنا اللاهوتية الكنسية سوف يجد الكثير من ملامح " ثقافة الشتيمة " المهذبة منها وغير المهذبة ، وقد تصل في بعض الأحيان عند البعض من الأخوة الكتاب مع شديد الأسف وبالأخص من يكتبون بأسماء مستعارة الى مستوى الشتيمة البينة والواضحة باستعمال مفردات نابية لا تليق بالكتابة المهذبة والرصينة ، وحتى لا تليق بقدسية القلم وبالكاتب الذي يحترم قلمه وفكره  والذي من المفروض به أن يكون مثقفاً ومهذباً قبل أن يكون كاتباً مرموقاً ومبدعاً ، لأن الأبداع في ظل غياب الرصانة والأحترام للذات وللغير لا يساوي شيئاً بمعايير الأخلاق . هذا الواقع تلمستهُ  شخصياً لمس اليد وعانيتُ منه في الكثير من الكتابات التي تم نشرها على صفحات هذا الموقع الكريم . موقع يمثل بحق خير تمثيل أمتنا ووطنا بجدارة من خلال مشاركة الكثير من الكتاب والمثقفين والمفكرين المعروفين والمرموقين واللامعين من أبناء مكونات شعبنا العراقي في الداخل الخارج ، هذا التنوع الرائع الذي لا نجد له مثيلاً في غيره من المواقع الألكترونية ، وهذا فخر لنا جميعاً لذلك نقول ومن دون تحفظ يتوجب علينا نحن الكتاب جميعاً أن نلتزم بقواعد وأخلاقيات وأصول الكتابة الرصينة وننبذ نهج وأسلوب " ثقافة الشتيمة " للتعبير عن أفكارنا وأرائنا ورؤآنا ، وبالأخص أصحاب تلك الكتابات المسيئة التي تتسرب في ظلام الليل من بعض المنقبين والملثمين ومن وعاظ السلاطين من أبوق هذا التنظيم السياسي وذاك هنا وهناك بين حين وآخر ، وان نجد طريق لحجب مثل تلك الكتابات التي تسيء الى ثقافتنا القومية والوطنية والانسانية وثقافة قبول الآخر والتعايش السلمي معه وإحترام الرأي الآخر وصيانة نبل وتسامى الكتابة التي تخدم الثقافة القومية الوطنية للجميع . هذا كل ما دفعني الى كتابة هذا المقال وتحت هذا العنوان الذي يبدو غريباً نوعاً ما للبعض ، ولكنه من وجهة نظرنا المتواضعة يعبر عن حقيقة ما يجري فعلاً وبشكل ملفت للنظر لممارسة مهنة ثقافة الشتيمة والاساءة المبتذلة .
إن مانتفق عليه جميعاً نحن " الكلدان والسُريان والآشوريين " على الأقل مبدئياً أو شكلياً اليوم هو كوننا جميعاً أبناء أمة واحدة وشعب واحد له من الخصوصية القومية ما لغيره من الشركاء في الوطن ، ودليلنا على ذلك تجمعنا الكثير من المشتركات كما هو حال غيرنا من الشركاء ، بما في ذلك رابطة اللغة الواحدة بأبجدية واحدة ، ورابطة الثقافة القومية المشتركة والتراث التاريخي الموحد امتداداً من تاريخ حضارة سومر وأكد ، أكد سرجون الأكدي مروراً بحضارة بابل العظيمة بابل حمورابي ونبوخذنصر وإنتهاءً بحضارة آشور ونينوى التي أذهلت العالم في العصر الحديث بتراثها الفني والمعماري والحضاري وختاماً بحضارة كنيسة المشرق المسيحية قبل تفكيكها من قبل الغرباء القادمين من وراء البحار والمحيطات من العالم الآخر ، ورابطة الجغرافية الواحدة والمصير المشترك وأخيراً رابطة الدين الواحد ، وحتى الى عهد قريب جداً رابطة الكنيسة الواحدة بمذهب واحد ، كنيسة المشرق الجاثاليقية الرسولية الموحدة ، حيث نتزاوج ونتصاهر مع بعضنا البعض من دون أية مشاكل وفوارق تعيق ذلك التمازج والتكامل بين أبناء الأمة الواحدة ، وكذلك هناك في ذات الوقت ما نختلف به عن بعضنا البعض والذي هو من صنع الغرباء مثل المذهب الكنسي اللاهوتي ، وما ظهر بيننا أخيراً من اختلافات حول التسمية القومية الموحدة لكل مكوناتنا بالرغم من ان تلك التسميات التي نتسمى بها اليوم والمطروحة في ساحتنا السياسية حالياً هي تسميات تاريخية عريقة وجميلة ونعتز ونفتخر بها ، وورد ذكرها في تراثنا التاريخي منذ آلاف السنين على أرض بيث نهرين المقدسة ، وجميعها تركت بصمات كبيرة على تراثنا التاريخي القديم والحديث والمعاصر .
عليه فإن ما موجود بيننا من اختلافات في الرؤى والأفكار والقناعات والأراء حول جزئيات تفصيلية معينة من تراثنا وتاريخنا وثقافتنا النهرينية ومسيحيتنا المشرقية فرضتها الظروف القاهرة علينا بعد أن تَدخل الغرباء في شؤوننا الكنسية لغرض تفرقتنا وتشرذمتنا وتمزيقنا بغرض القضاء على إيماننا المسيحي المشرقي هو مجرد إختلاف وليس عداء وتناحر مستديم ، أي بمعنى إن ما موجود بيننا اليوم من أسباب الخصام والتنافر هو إختلافات في الرؤى والفكر والرأي والقناعات وليس عداءً تاريخياً سرمدياً كما قد يتصور البعض من المتعصبين والمتطرفين للمذهب اللاهوتي وللتسمية القومية بعينها من كل مكوناتنا لآ حل لها ولا خيار أمامنا للخروج منها بسلام ، لأنه في الحقيقة إن ما نختلف عليه اليوم يجوز أن نتفق عليه غداً إذا صدقت وصفت النوايا ، وإذا قرأنا التاريخ بوعي وعقل مفتوح ومتسامح بعيداً عن التعصب والتطرف طالما لدينا الوعي والشعور بالأنتماء الى أمة واحدة ، وإن ما يجمعنا من المشتركات بلغة العصر هي أكثر مما يجعلنا على اختلاف وخلاف دائم ، ولكن في كل الأحوال يجب أن لا نترك الأمور لأن تسير بنا الى أن تصل الأختلافات بيننا في الرؤى والأفكار والقناعات الى مستوى العداء والتناحر ، حتى بين أكثر العناصر تعصباً وتطرفاً لخصوصياتهم المذهبية اللاهوتية وتسمياتهم القومية ، وهذا ما نرجوه من كل كتابنا ومثقفينا النجباء لكي ننجو من الأنقراض في متاهات المهاجر ونصل الى شواطئ بر الأمان في أرض الأباء والأجداد " بيث نهرين " . ليس من المهم اليوم ونحن على هذا الحال من التشرذم  ماذا نسمي أنفسنا قومياً " كلدان ، سُريان ، آشوريين " ، بل الأهم من ذلك هو نحن جميعاً نشعر كوننا أبناء أمة واحدة اي كانت تسميتها من تلك التسميات التاريخية الجميلة ، ونتكلم بلغة واحدة ونستعمل نفس الأبجدية في الكتابة بها ، ولنا نفس التراث والثقافة والعادات والتقاليد النهرينية الموروثة لنا من عهود امبراطورياتنا القديمة التي أسست أولى الحضارات الأنسانية في التاريخ ، وتركت بصماتها الكبيرة على التراث الإنساني العالمي تحت أي مُسمٍىً كان " كلداني ، سرياني ، آشوري " هذا قبل المسيحية ، أما بعد المسيحية فتراثنا المشرقي لكنيستنا المشرقية الذي انتشر بلغتنا السورث " الكلدانية ، السريانية ، الآشورية " من بحر الصين شرقاً والى شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً فهو الآخر كان أعظمُ شأناً وتأثيراً في حياة البشرية جمعاء من تراثنا ما قبل المسيحية .
يكفينا اليوم أيها الأخوة المختلفين في رؤآنا وقناعاتنا وأفكارنا وأرائنا كوننا الورثة الشرعيين لذلك التراث العظيم ولذلك التاريخ المجيد مهما اختلفت مذاهبنا اللاهوتية وتسمياتنا القومية ، لأن تلك المذاهب والتسميات ولدت من رحم ذلك التراث العظيم والتاريخ المجيد لأمتنا .
أما ما يكتب من قبل هذا وذاك من الكتاب هنا وهناك من أبناء مكونات أمتنا أو من قبل الغرباء بدوافع الحقد والكراهية والتعصب المذهبي والقومي وغيرهما من الخصوصيات مثل الولاءات السياسية للأحزاب التي يتكاثر عددها يوم بعد آخر فإنه في الحقيقة لا يعدو أكثر عن كونه مجرد عملية صب الزيت على النار لتزيده لهيباً وسعيراً ليحرق الجميع من دون إستثناء ، والتي هي عملية لا نحصد من ورائها غير المزيد من الفرقة والتمزق والتشرذم وتوسيع هوة الأختلافات في الرؤى والأفكار والقناعات حول الجزئيات الثانوية وبالتالي تحويلها الى خلافات وعداء تاريخي يؤدي الى فقداننا وخسارتنا لحقوقنا القومية المشروعة والقضاء على الوجود القومي لأمتنا في أرض وطن الأباء والأجداد أرض " بيث نهرين " أرض الحضارات العريقة .
لذلك وبمحبة خالصة ندعو الأخوة الكتاب الأعزاء من كل مكونات أمتنا في الداخل والشتات الذين يكتبون لهذا الموقع الكريم ولغيره من مواقع أمتنا الترفع عن إعتماد ما يصب في النهاية من أساليب الكتابة في مجرى " ثقافة الشتيمة المهذبة وغير المهذبة " كأسلوب الطعن والتهجم الجارح باستعمال مفردات نابية لا تليق بمهنة الكتابة الرصينة والمهذبة ولا تليق بقدسية رسالة القلم مهما أختلفت وتعددت رؤآكم وأفكاركم وقناعاتكم حول أي موضوع كان ، واللجوء الى إعتماد أسلوب النقد البناء والحوار الأخوي الايجابي ومقارعة الحجة بالحجة وبالمعلومة الموثقة للوصول الى الحالة المثلى من التقارب والتفاهم المشترك ، وتطابق الرؤى والقناعات حول ما نختلف عليه من المواضيع المتعلقة بتراثنا وتاريخنا ومذاهبنا اللاهوتية الكنسية المحترمة لغرض تقليص مساحة الأختلافات وتوسيع مساحة المشتركات بيننا ، وأن نعمل من أجل تأسيس لثقافة قبول واحترام الآخر بكامل قناعاته وخصوصياته من دون المساس بها بأي سوء ، وأن نتذكر دائماً قبل أن نتكلم وننبس بكلمة واحدة بحق بعضنا البعض ، أو أن نسطر جملة واحدة عندما نكتب عن تراثنا وثقافتنا وتاريخنا بأننا جميعاً بكل مكوناتنا وبمختلف مذاهبنا الكنسية وبكل تسمياتنا القومية ، إننا أبناء أمة واحدة تاريخياً وجغرافياً سابقاً وحاضراً ، وكُنا ولا زلنا أبناء كنيسة واحدة وورثة كنيسة المشرق العظيمة ونتكلم لغة واحدة ونقيم كل طقوسنا الكنسية بها منذ القدم والى اليوم مهما أختلفت تسمياتها اليوم ، وأن نتذكر دائماً إن ما يجمعنا من المشتركات القومية والدينية أكثر مما يفرقنا ، وأن نقف دائماً بعيداً جداً بل أن نبتعد أكثر ما يمكن عن خط الشروع لتحويل إختلافاتنا في الرؤى والأفكار والقناعات الى عداء قومي ومذهبي مستديم بسبب إعتمادنا لثقافة الشتيمة والإساءة في كتاباتنا وحواراتنا وسجالاتنا وتعقيباتنا ومداخلاتنا وردودنا المقابلة الغير موزونة والتي تفتقر الى أبسط قواعد اللباقة والأحترام للكتابة الرصينة ، لأن ذلك لا يفيد أحداً منا بل يضر الجميع ضرراً بالغاً .

خوشــابا ســولاقا
بغداد – 21 / آذار / 2014 

158
الخارطة الانتخابية في العراق وفرصة التغيير المنتظر الى أين ... ؟

خوشابا سولاقا
بعد مرور أكثر من عشرة سنوات على تغيير النظام الديكتاتوري في العراق على يد القوات الأجنبية في التاسع من نيسان من عام 2003 ، ودخول أكثر من تريليون دولار أميريكي الى الخزينة المركزية العراقية خلال هذه الفترة الزمنية ذاتها ، إلا ان ما حصل بالمقابل من تغييرات ملموسة على أرض الواقع العراقي نحو الأفضل عن ما كان عليه قبل التغيير في كافة المجالات كان تغييراً نحو الأسوء بكل المقاييس والمعايير بشهادة الجميع من أهل الأختصاص وغيرهم . حيث زاد الفقر والعوز والبطالة بمستويات قياسية عن ما كان في السابق بحسب احصاءات مراكز عالمية فوصلت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في العراق اليوم الى ( 23 % ) ، وعدد العاطلين عن العمل بالملايين من خريجي الجامعات والمدارس المهنية وغيرهم ، وعدد الذين هاجروا البلاد لأسباب أمنية ومعيشية وغيرها أيضاً بالملايين ، وتفشي الفساد المالي والأداري وسرقة المال العام في أجهزة الدولة فحدث ولا حرج ، وانتشار الجريمة بكل أشكالها والتي يقودها في معظمها مع الأسف الشديد النخب السياسية المتنفذة في عملية صراعاتها المستميتة على كراسي السلطة وسيل دولارات النفط التي تدخل جيوب قادتها التي لا قعر لها أصبحت معروفة ومكشوفة للقاصي والداني . كل هذا الكم من المساوئ والفشل والتراجعات والتداعيات في كل مجالات التنمية الوطنية المستدامة ، وتردي مستوى الخدمات الاجتماعية المختلفة المعروفة للجميع ، وتصاعد وتائر الأرهاب الذي أصبح يضرب بأطنابه كل أنهاء البلاد في أي مكان وزمان بضربات نوعية تدل على مدى ضعف وهشاشة سلطة الدولة وشبه غياب لدور القوى الأمنية وانتقال المبادرة بيد قوى الأرهاب . كل هذه المؤشرات السلبية المتراكمة جعلت الشعب العراقي يعيش في حالة من التذمر والضجر والقنوط والرفض لكل أنظمة الحكم التي توالت على حكم العراق خلال العشرة سنوات هذه ، لأن جميعها عجزت من أن تقدم شيئاً جديداً ما هو أكثر وافضل مما قدمته الأنظمة السابقة ، لذلك تغيرت إنطباعات الناس التي تكونت لديهم في بداية تغيير النظام الديكتاتوري وغابت أمالهم وتبددت أحلامهم الوردية بنهاية عصر الديكتاتورية والمظالم والتمييز بكل اشكاله كالطائفي والقومي وغيرهما ، عصر الفقر والمجاعة عصر الرز المتعفن والطحين الممزوج بالتراب وأعلاف الحيوانات وعصر الحروب العبثية مع دول الجوار  ، والتحول والأنتقال الى عصر جديد من الرخاء والرفاهية والتقدم الأقتصادي والخدمات الاجتماعية المتطورة والأستقرار بعد أن عانت ما عانته الكثير في ظل النظام السابق . ولكن مع الأسف الشديد بعد عشرة سنوات ونيف من الزمن الديمقراطي الجديد كل هذه الآمال والأحلام ذهبت أدراج الرياح ، وأصبحت الناس تترحم على النظام السابق وتتذكره بخير ما قدمه لهم بالرغم من كل ما قام به من مظالم وجرائم بحقهم طيلة ثلاثة عقود ونيف من الزمن الأغبر بعد ان شاهدت ما شاهدته من إنهيار البنى التحتية للبلاد في كافة المجالات الأقتصادية والصناعية والزراعية والتربية والتعليم والصحة بالرغم من الأرقام الفلكية للموازنات السنوية العامة والتي تجاوزت بمجموعها الترليون دولار كما ذكرنا ، والأعتماد الكلي على الأستيراد لكل ما يحتاجه البلاد من الخارج من مأكل وملبس ومشرب حتى في أبسط المنتجات الزراعية التي كان العراق في السابق مُصدراً لها للدول التي يستوردها منها اليوم ، وأصبح اقتصادها إقتصاد مشوه أحادي الجانب يعتمد على صادرات النفط الخام بحيث صارت واردات النفط خلال هذه الفترة تشكل أكثر من ( 96 %  ) من مصادر تمويل الموازنة العامة السنوية للدولة العراقية . كل ذلك جرى ويجري في العراق بسبب السياسات الفاشلة والحمقاء التي اعتمدتها الحكومات المتتالية بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق القائمة على مبدأ الثأر والانتقام والأقصاء والتهميش للآخر والتي فرضها على الحياة السياسية العراقية نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والحزبية والقبلية والعشائرية المقيتة ، هذا النظام الذي أدخل البلاد في نفق الأزمات المتتالية الذي فيه كل أزمة تولد أزمة أكبر منها والذي بالنتيجة خلق المقدمات وهيء الممهدات لدخول البلاد في أزمة وطنية لا تحمد عقباه ، ونقل البلاد الى موقع الخيارات الصعبة لتقرير مستقبله بين الدخول في حرب أهلية طائفية وبين تقسيم البلاد الى دويلات المكونات الطائفية والأثنية على حساب دولة المواطنة الموحدة أرضاً وشعباً وماءً وثروةً ومصيراً . حيث وصلت الأمور اليوم في العراق الى حد من السوء والخلاف لا يمكن فيه الأتفاق والتوافق على أبسط الأمور المتعلقة بحياة الشعب ومصير التنمية الوطنية الأقتصادية في البلاد مثل المصادقة على قانون الموازنة العامة التي يتوقف عليها مشاريع خطة التنمية القومية ومعيشة المواطنين . الى أية درجة من الأستهتار والعبث بحياة الناس وصلت مهاترات ومناكفات النخب السياسية المتحكمة بقرار البلاد ؟ ، والتي يمكن تصنيفها وفق كل المعايير الوطنية والأخلاقية من حيث ما تتركه من الأثار السلبية على مصلحة البلاد بأنها لا تقل عن كونها مؤآمرة وعملية مبرمجة مقصودة لتدمير البلاد من خلال مؤسسات الدولة الرسمية التي يتولون إدارتها وقيادتها .
في الحقيقة إن الانتخابات الديمقراطية النزيهة هي في جوهرها ظاهرة حضارية وأخلاقية يتم من خلالها وبشكل حر اختيار ممثلي الشعب في أعلى سلطة في البلاد ، ألا وهي مجلس النواب ( نواب الشعب ) لتمثيله في الدفاع عن مصالحه وحقوقه الوطنية المشروعة ، وسوف تكون الانتخابات كذلك عندما يكون اختيار الناخب لممثليه في مجلس النواب قائم على أساس الكفاءة والمهنية والنزاهة والأخلاص والوفاء للوطن والشعب من دون تفضيل وتقديم ما تمليه عليه إنتماءاته الخصوصية الفرعية على إنتمائه الوطني والهوية الوطنية ، لأن العودة في الانتخابات الى معايير الخصوصيات الفرعية تجعل الانتخابات تفقد غرضها الوطني والانساني وحتى الأخلاقي بكل المعايير والمقاييس ، وتجعل من الديمقراطية عملية عبثية ووسيلة لعبور الفاشلين والفاسدين والمنافقين الى سُدة الحكم ظلماً وعدواناً ، وعندها تؤدي مثل هذه الانتخابات في الحقيقة الى تكريس الفساد وتبرير الفشل واستمراره وإعادة إنتاجه دورة بعد أخرى ، وتؤدي كذلك الى تكريس الواقع المتجزء على أساس الخصوصيات الفرعية وفق نظام المحاصصة وتعزيزه وجعله أمر واقع لا يمكن تجاوزه بالرغم من أضراره البليغة بالمصلحة الوطنية ، وليس الى توحيده على أساس الأنتماء والولاء الوطني كما ينبغي ويفترض أن يكون ، ومحاسبة الفاشلين والعابثين بالمال العام لنهبه واستغلاله لتحقيق مصالح شخصية أنانية كما هو عليه الحال اليوم في عراقنا الجريح ، حيث تنهش به العابثين من كل حدب وصوب دون خجل أو وجل وخوف من ردع القانون لهم ، وسوقهم الى حيث يجب سوقهم لينالوا جزائهم العادل . 
على ضوء المعطيات التي تم ذكرها عن واقع الحال السياسي في العراق نستطيع رسم الملامح الأساسية للخارطة الانتخابية للعراق في الانتخابات التي جرت خلال السنوات العشرة المنصرمة سواءً كان ذلك على مستوى مجلس النواب العراقي الأتحادي أو على مستوى مجالس المحافظات ، حيث كانت بامتياز ومن دون تحفظ خارطة طائفية وأثنية مولودة من رحم نظام المحاصصة المقيت ، ولم تكن خارطة وطنية لمكونات الشعب العراقي مولودة من رحم الهوية الوطنية والولاء للوطن ، كانت انتخابات الولاءات للخصوصيات الفرعية كالقومية والدين والطائفة والقبيلة والعشيرة ، ولم تكن انتخابات للبرامج السياسية الوطنية والهوية الوطنية للكتل المتنافسة على مقاعد البرلمان . وعليه أقل ما يمكن أن توصف به نتائج تلك الانتخابات على ضوء واقع الحال القائم اليوم في العراق هي ولادة مجلس نواب هش وضعيف غير قادر على النهوض والقيام بمهامه الأساسية كمؤسسة تشريعية لتشريع القوانين التي يتطلبها إعادة بناء دولة عصرية حديثة على أسس المؤسسات القانونية والدستورية كما ينبغي ، ومتابعة ومراقبة أداء الحكومة لمعالجة كل  الأنحرافات وكل التجاوزات والخروقات على الدستور التي تحصل هنا وهناك من هذا الطرف أو ذاك في أجهزة الدولة الرسمية ومحاسبة المقصرين منهم وفقاً للقانون دون محاباة ، لأن ذلك دائماً وكما لاحظنا في جلسات مجلس النواب يصطدم ويتناقض مع متطلبات نظام المحاصصة الطائفية والأثنية لخلق التوازن المحاصصي ، وبالنتيجة كان مجلساً مشلولاً وعاجزاً وفاشلاً لا يمتلك إرادة سياسية وطنية في إتخاذ القرار المفيد ، وكذلك ولادة حكومة توافقية ضعيفة هزيلة غير متكاملة القوام ، وغير منسجمة ، ومنتجة للأزمات وعاجزة عن إتخاذ قرارات تخدم المصلحة الوطنية . لذلك لم  يتمكن أن يحصد أي من مجلس النواب والحكومة أية نتائج إيجابية تستحق الذكر غير خلق الأزمات المتوالية وخلق المناخات الملائمة لاستشراء الفساد المالي والاداري في أجهزة ومؤسسات الدولة ، والتجاوز على المال العام  وأنتشار الجريمة بكل أشكالها ، وتواصل الأرهاب وتصاعد وتائره كماً ونوعاً ، ودخول البلاد في نفق مظلم لا أمل للخروج منه على المدى المنظور . هذه الصورة القاتمة لواقع البلاد بعد عشرة سنوات من العبث والتلاعب العشوائي المقصود بمقدرات البلاد بسبب غياب الخبرة في توجيه وإدارة الدولة الحديثة ، جعلت الشعب العراقي بكل مكوناته وطبقاته الاجتماعية لأن يعيش حالة من الغليان والغضب والتمرد والرفض والثورة والدعوة الى ضرورة إجراء تغيير شامل في بنية نظام الحكم القائم على المحاصصة ، وإقامة نظام وطني مدني ديمقراطي يرعى شؤون ومصالح أبناء مكونات الشعب العراقي جميعها من دون تمييز ، ويقوم بوضع نظام عادل ومنصف لتوزيع واستثمار الموارد المالية للبلاد في كافة مناطقه ومحافظاته تحكمه ضوابط التنمية الاقتصادية والأجتماعية والثقافية للنهوض بالبلاد لأنتشاله من الواقع المرير والبائس والتعيس الذي خلقه نظام المحاصصة والذي يعيشه أبنائه منذ عشرة سنوات خلت .
إن التغيير لا يمكن له أن يحصل من خلال ما يرفع من الشعارات الرنانة والطنانة المنادية بحب الوطن والشعب وإدانة القائمين على إدارة البلاد والتباكي على أطلال الماضي ، بل على أبناء شعبنا العراقي بكل مكوناته أن يعرف حق المعرفة ، وأن يدرك بوعي وعمق إن الذين أوصلوا البلاد الى ما هو عليه اليوم تم إيصالهم الى سدة الحكم بأصواتهم عندما قاموا بانتخابهم للفاشلين على أساس الولاء للخصوصيات الفرعية كالقومية والدين والطائفة والقبيلة والعشيرة وليس على أساس الولاء للوطن والهوية الوطنية في انتخاب الكفوء والنزيه والمخلص والشريف كما دعت إليه المرجعية الدينية الشريفة ، وكما تفرضها الارادة الوطنية الحرة ومحبة الشعب والوطن من كل مواطن شريف يتحلى بالأخلاق الوطنية .
عليه فان التغيير يأتي من خلال تغيير الوجوه الفاشلة من سراق المال العام والعابثين بمقدرات وأموال البلاد في البرلمان والحكومة الأتحادية وأقليم وحكومة كوردستان ومحافظ ومجالس المحافظات وكل المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية والأمنية ، وتطهير أجهزة الدولة بكل مستوياتها من الفاسدين والمفسدين ، ومن ثم تطبيق المبدأ " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " . كل هذا سوف لا يحصل تلقائياً بل إنه سوف يحصل من خلال صوت الناخب المواطن الشريف حيث ندعوه الى ما يلي في الأنتخابات المقبلة والتي نحن على أعتابها في الثلاثين من شهر نيسان القادم ، والى ذلك اليوم الموعود يا أيها العراقيُ الشهم الغيور لنطهر البلاد من الفاشلين والفاسدين وسراق المال العام والمجيء بمن تثق بهم وهم مخلصين وكفوئين ونزهين لتولي مقاليد حكم البلاد بالشكل الذي يخدم الوطن والشعب ، وليس مصالحهم الشخصية كما فعل الحكام الحاليين والسابقين في ظل ديمقراطية القطط السمان التي تنادي أنا أولاً والشعب والوطن ثانياً :-
أولاً : ندعوكم الى المشاركة بكثافة في الانتخابات القادمة ، والتصويت لمرشحي البرامج الوطنية ، وللكفوء والنزيه والوطني المخلص الشريف ، ولمن يحمل الهوية الوطنية ممن تعرفونه عن تجربة وعن قرب ومعايشة وليس للفاشلين والفاسدين من سُراق المال العام .
ثانياً : تغيير معاييركم لاختيار المرشحين من معايير الولاء للخصوصيات الفرعية التي هي سبب البلاء لكل ما نحن فيه اليوم بمعايير الولاء للوطن والهوية الوطنية  لاختيار المرشح المناسب الذي لا يميز بين العراقيين على أساس الهويات الخصوصية الفرعية .
فاليعلم الجميع من أبناء شعبنا العراقي الكريم إن التغيير آتٍ لا محال ، وإن الليل الطويل لا بد أن ينجلي ، وإن القيد الثقيل لا بد ان ينكسر ، إذا أردتم الحياة الحرة الكريمة ، كل ذلك سيأتي بيسرٍ من دون عناء بأصواتكم الذهبية إذا أحسنتم الأختيار في يوم الأنتخابات في الثلاثين من نيسان القادم ودمتم بخير ليوم الحسم العراقي .

خوشــابا ســولاقا
بغداد – 14 / آذار / 2014 


       


159
في الثقافة ... ماذا يعني الوعي ؟؟

خوشابا سولاقا
إن ما يميز الكائن البشري " الإنسان " عن بقية الكائنات الحية الأخرى في الطبيعة هو امتلاكه لما نسميه " الوعي " والذي هو النتاج الطبيعي لنشاط الدماغ البشري الذي يستلم الأشارات الصادرة من الأفعال وردودها من محيطه الخارجي عن طريق الحواس الخمسة الحواس الخمسة ويحللها ومن ثم يعكسها كسلوك إنساني بوعي عقلي متحكم به ومسيطر عليه وغير خاضع لإرادة فعل الغريزة كما هو عليه الحال لدى غيره من الكائنات الحية الأخرى . هذا الوعي الذي من خلاله يستطيع الإنسان أن يفهم ماهية الأشياء ودوافع الأفعال التي تحصل من حوله ، وسلوك من تعيش معه من الكائنات التي تشاركه الحياة في الطبيعة ، ويفهم ما يدور حوله من النشاطات في الطبيعة والحياة الاجتماعية ، ويميز فيما بينها دون سواه من الكائنات الأخرى التي تسيرها وتوجهها وتتحكم بأفعالها وردود أفعالها الغرائز المختلفة مثل غريزة إشباع الجوع والعطش والدفاع عن النفس وغيرها ، ومن خلال الوعي يحدد الانسان لنفسه رأياً بكل فعل من الأفعال التي تصدر من حوله مهما كانت مصادرها وطبيعتها ، ويكَّون له موقف إتجاهها وإتجاه ما يحصل من الظواهر الاجتماعية والطبيعية ، والوعي بالتالي لدى الانسان هو عبارة عن رد فعله كإنسان إتجاه كل الأفعال والظواهر في الطبيعة ، ورد فعله إتجاه بني جنسه كفرد في الحياة الاجتماعية ، وكيفية التعامل والتعايش والتآلف مع تلك الأفعال جميعها وتطويعها وتوجيهها والسيطرة عليها وتسخيرها ووضعها في خدمته كإنسان أو كفرد . وبالنظر للتميز الفريد الذي ينفرد به الانسان ألا وهو إمتلاكه للوعي العقلي دون غيره من الكائنات الحية ، والذي يعطيه السيادة المطلقة عليها ، نحاول أن نقدم ولو بشكل مبسط ومقتضب تعريف وشرح عن مفهوم الوعي وأشكاله المختلفة .
الوعي الحقيقي هو ما يتكون لدى الإنسان من أفكار ووجهات نظر ومفاهيم وانطباعات عن الحياة الاجتماعية وعن الطبيعة وظواهرها من حوله في مختلف نواحيها وجوانبها المتنوعة المتآلفة والمتوافقة أحياناً والمتصارعة والمتناقضة أحياناً أخرى في عملية التطور التاريخي للحياة الاجتماعية والطبيعية على حدٍ سواء تجعله قادراً على فهم كل الأفعال وردود الأفعال الصادرة من محيطه الطبيعي والاجتماعي ، والتمييز بينها وأستيعابها ومن ثم التعامل معها بالشكل الذي تخدمه .
وقد يكون الوعي وعياً زائفاً عندما تكون أفكار الأنسان ووجهات نظره وانطباعاته ومفاهيمه التي تكونت لديه غير متطابقة وغير مستوفية  لفهم ما يحصل في محيط الواقع المادي الحي للحياة من حوله ، أي عندما تكون الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم التي تكونت لديه جامدة وغير واقعية وموضوعية وفعالة في متابعة حركة تطور هذا الواقع تاريخياً على امتداد مراحل الزمن .
وقد يكون الوعي أيضاً وعياً جزئياً ، وذلك عندما تكون أفكار الإنسان ووجهات نظره وانطباعاته ومفاهيمه مقتصرة على جوانب أو نواحي معينة من الحياة دون غيرها من الجوانب الأخرى ، أوغير شاملة لكل الجوانب والنواحي المترابطة بشكل جدلي والتي تؤثر وتتأثر ببعضها البعض في عملية التطور التاريخي للحياة .
وقد يكون الوعي أيضاً في حالات أخرى وعياً طبقياً محدداً بمصالح ومنافع طبقية معينة وقتية ، كأن تعي طبقة الأقطاعيين ضرورة استمرار سيطرتها واستغلالها لطبقة فقراء الفلاحين المعدومين في استثمار الأرض وخيراتها من دون أن تأخذ بنظر الإعتبار مصلحة طبقة الفلاحين العاملين في الأرض والمنتجين لخيراتها المادية بأن تكون شريكة لها بشكل ما وأن تكون لها  حصة فيما تنتجه جهودها من تلك الخيرات ، أي أن طبقة الأقطاعيين تؤمن بأن كل ما تنتجه الأرض من خيرات مادية تعود بالتالي الى من يمتلكها وليس الى من يفلحها ويزرعها ويسقيها ويجمعها . كذلك تعي الطبقة البرجوازية الرأسمالية ضرورة استمرار استغلالها واستثمارها لجهود الطبقة العاملة في مصانعها ومعاملها وورشها الصناعية ومشاريعها الانتاجية لتعظيم فائض القيمة لصالحها من دون مراعاتها للحقوق الطبيعية والقانونية وضمان مستقبل تلك الطبقة التي تُشغل تلك المصانع والمعامل والورش والمشاريع وتنتج ما تنتجه من خيرات مادية بأن تكون شريكة لها فيما تنتجه وأن يكون لها حصة منصفة فيها . بل تسعى من خلال استغلالها الظالم للطبقة العاملة على مضاعفة فائض القيمة لقوة عملها لزيادة أرباحها على حساب إفقار الطبقة العاملة ، حيث يؤدي ذلك الى زيادة الطبقة البرجوازية الرأسمالية ثراءً وظلماً وزيادة الطبقة العاملة فقراً وبؤساً ، وهذا هو العامل الذي يُنَضج الظروف الموضوعية والذاتية لانفجار ثورة إجتماعية شاملة لتغيير النظام الأجتماعي القائم وإقامة نظام أجتماعي جديد أكثر عدلاً وإنصافاً ، ويقلص من هوة الفوارق الاجتماعية بين الطبقتين الاجتماعيتين .
كذلك هناك وعي تفرضه الضرورة الإنسانية لخلق القدر الأكبر من العدالة الاجتماعية والانصاف والمساواة في المجتمع الإنساني ، مثلاً كأن تعي  طبقتي الفلاحين والعمال المنتجتين للخيرات المادية للمجتمع ضرورة تحررها من الأستغلال الظالم لطبقتي الأقطاعيين والبرجوازيين الرأسماليين ونيل كامل حقوقها التي تجعلها تعيش بكرامة من دون مذلة وبؤس شضف العيش مع ضمانها لحقوق طبقتي الأقطاعيين والبرجوازيين الرأسمالين لتضييق هوة تفاوت مستوى المعيشة بينهما وليس المساواة الكاملة في كل شيء كما قد يعتقد البعض ، بل ضمان العيش بكرامة للجميع من دون هدر لإنسانية الإنسان لأي طرف من أطراف عملية الانتاج للخيرات المادية للمجتمع وفق مضمون نظرية العقد الأجتماعي بين الطبقات المتناقضة .
أما الوعي الإنساني الشامل المتقدم ، فهو يتضمن تلك الأفكار ووجهات النظر والمفاهيم والثقافات التي تضع مصلحة الإنسان كإنسان فوق كل الأعتبارات الأخرى ، والتي تتطابق وتتوافق مع شروط الواقع المادي الموضوعي في حركته وتتطور باستمرار مع تطوره ، لا يحدها في ذلك أية نوازع من قبيل تعصب منهجي جامد ، ولا أي تعصب أثني قومي عنصري شوفيني ، ولا أي تعصب ديني متشدد ومتطرف ، ولا أي تعصب مذهبي طائفي مغالي في أحقاده وكراهيته للآخر المختلف ، ولا أي تعصب طبقي قصير النظر وضيق الأفق ، ولا أي مصلحة مادية عابرة ، وإنما يجب أن يبقى الشعور الإنساني هو المهيمن والمسيطر على كل أفعال وردود أفعال الإنسان من أجل بناء الحياة الحرة الكريمة التي تليق بهذا الكائن العظيم الشأن . بالرغم من أن الوعي الإنساني ينشأ في النهاية كنتيجة حتمية لتأثير العوامل المادية في الحياة على الإنسان ، إلا أنه من الممكن أيضاً أن ينشأ أحياناً وبالأخص خلال فترات الانتقال التاريخية من تاريخ تطور المجتمع البشري نتيجة لأنعكاس أفكار ووجهات النظر ومفاهيم تاريخية على الإنسان ذاته .
كل إنسان عاقل هو على درجة معينة من الوعي ، الزائف أو الحقيقي ، الكامل أو الجزئي ، والطبقي إلا أن التعليم يساهم بنصيب ملموس مؤثر في خلق هذا الوعي بالأضافة الى دور تأثيرات العوامل المادية والتاريخية في تكوين الوعي الإنساني وتطويره وتغييره كماً ونوعاً من مستوى أدنى الى مستوى اعلى . هكذا نرى في النهاية أن الوعي هو حالة فكرية متغيرة تتغير بتغيير الحياة وتتوسع حدودها بتوسع مستجدات ومتغيرات وتطورات الحياة الإنسانية ، وتتوسع بتوسع ونمو رغبة الإنسان وطموحاته الغير محدودة الآفاق للمعرفة والعلم لأكتشاف المزيد من أسرار الحياة والطبيعة والكون . إن قوة إرادة الإنسان على التفوق والتطلع الى أبعد آفاق المعرفة هي المصدر الملهم لوعيه الخلاق اللامتناهي ..
 بالتالي في الوعي الإنساني تتجسد قوة إرادة الحياة الإنسانية في مواجهة التحديات الكونية بمختلف أشكالها وأنماطها ، وإن اختراعات واكتشافات الإنسان العلمية في العصر الحديث لهي خير دليل على قوة وفعالية وعظمة وعيه على تحقيق التفوق على ما دونه من الكائنات الأخرى ، وقهره لتحديات الطبيعة في صراعه الأزلي معها على امتداد تاريخه الطويل الى أن وصل الى ما وصل إليه اليوم من تطور علمي إعجازي في كل المجالات والحقول العلمية من دون استثناء والتي نحن اليوم نتمتع بفوائد تلك الانجازات الرائعة والتي جعلت من كوكبنا قرية صغيرة نصول ونجول فيها بيسر من خلال كل وسائط النقل والأتصال والمشاهدات المرئية عبر شبكات التلفزة الفضائية الهائلة وشبكات الأنترنيت الغير محدودة القدرة للتواصل الاجتماعي ، حقيقة نحن نعيش اليوم في عصر المعجزات العلمية الحقيقية التي حققها الإنسان العظيم الغير محدود القدرات والذي اعتبره أرقى كائن في الوجود الكوني ، وخالق كل ما يحتاجه في هذه الحياة من وسائل الراحة والتواصل وللعلماء بمختلف إختصاصاتهم مكانة لا يرتقي إليها غيرهم من جلالة العظمة لمن يدرك بوعي ماذا أنتجت عقولهم وماذا قدمت للإنسانية من منجزات جليلة .
وفي الختام نحب أن نقول للقارئ الكريم ، إن الإنسان موجود بوجود وعيه العقلي ومن دون وعيه العقلي فهو غير موجود ، كما قال في ذلك  الفيلسوف الفرنسي العظيم  رينيه ديكارت  " أنا أفكر إذن أنا موجود " . حيث أن الفكر كما قلنا يشكل العنصر الأهم في عملية تشكيل وخلق الوعي الإنساني . 

خوشــابا ســولاقا
7 / آذار / 2014 – بغداد     
       
 


160
" الموت بكرامة حياة والحياة بمذلة موت "
خوشــابا ســولاقا
كثيراً ما حصل في تاريخ التنظيمات السياسية في الماضي في العراق وفي غيره من البلدان ، ويحصل اليوم في الكثير منها ، وسوف يحصل في المستقبل حتماً في العمل السياسي وحتى الغير السياسي في أي عمل ذات طابع جماعي كمنظمات المجتمع المدني والأتحادات العمالية والطلبة والشباب والنساء خيانات من قبل البعض من كوادرها للمبادئ والأهداف المتفق عليها ، ويحصل أيضاً الحنث باليمين الذي أقسموا به الشركاء الآخرين لأسباب كثيرة تؤدي بالبعض منهم الى التعاون مع الأعداء ، أحياناً تحت تأثير ما يتعرضون له من ضغوط كالتعذيب الجسدي والنفسي والتهديد بالتصفية الجسدية أو الحرمان من مصدر لقمة العيش من خلال الطرد والفصل من الوظيفة وغيرها من الأساليب اللاأخلاقية ، والذي هو أمر سائد في ظل الأنظمة الديكتاتورية المستبدة والقمعية ، مما يضطرهم على الأعتراف بما يمليه عليهم الأعداء كذباً أو صدقاً ، والوشاية ببعض رفاقهم في العمل من أجل إنقاذ أرواحهم من الموت ، وأحياناً أخرى هناك من يتعاون مع الأعداء طواعية من دون التعرض الى التعذيب الجسدي والنفسي والتهديد بالتصفية الجسدية تحت تأثير المغريات المختلة التي تتفنن في استعمالها الأجهزة الأمنية والمخابراتية مع ضعاف النفوس لأختراق التنظيمات السياسية من أجل إيجاد موطئ قدم لهم وخلق مصادر نوعية للمعلومات داخل تلك التنظيمات التي تصنفها ضمن قائمة الأعداء الذين يشكلون خطراً على أنظمتها لتزويدهم بكل ما يطلب من معلومات نوعية عن كل ما يجري داخلها لمراقبة تحركاتها خطوة خطوة ، وكذلك تقوم حتى بالوشاية بالعناصر البارزة والفعالة والنشطة في تلك التنظيمات لغرض إعتقالهم وتصفيتهم ، وبالمقابل تقوم الأجهزة الأمنية والمخابراتية من خلال تلك المصادر العميلة ذاتها بحقن وتسريب معلومات كاذبة ومضللة الى داخل التنظيمات السياسية المستهدفة لتضليلها والتمويه عليها من معرفة حقيقة ردود أفعال السلطات الأمنية عليها . من خلال دراسة تاريخ هذه التجربة النضالية للأحزاب وحركات التحرر القومي والوطني في العمل السياسي يتم فرز فئات مختلفة من العناصر وفق خصال ومواصفات تربوية وأخلاقية يتمتعون بها فطرياً ، والتي قد اكتسبوها من تربيتهم العائلية والبيئة الاجتماعية التي نشأوا وترعرعوا فيها وترسخت وتجذرت في شخصياتهم ، وتتحكم في سلوكهم بشكل كبير ، حيث تتغلب في أغلب الأحيان على ما أكتسبوه من تقاليد وطقوس نضالية في حياتهم السياسية عندما تحل عليهم ظروف قاهرة وهي كما يلي :-
أولاً : هناك عناصر تتحمل كل أشكال القهر والتعذيب الجسدي والنفسي وكل المغريات الحياتية ، وقد يصل الأمر بها الى قبول الموت والأستشهاد من دون أن تقبل المذلة والأهانة وأن تستسلم لأرادة الأعداء بقبول التعاون معهم وتزويدهم بما يطلب منها من المعلومات وأسماء عناصر التنظيم ، وتتقبل الموت بشجاعة وبطولة نادرة وتفضله على الحياة بمذلة ، هؤلاء هم عناصر تقبل الموت بكرامة وعزة نفس لتخلد في حياة الباقين والأجيال القادمة كنجوم لامعة وساطعة في سماء الشهادة والتضحية بالنفس من اجل صيانة وحماية المبادئ التي أقسموا اليمين عليها من أي تشويه ، ومن أجل أن يعيش الآخرين بكرامة وحرية ، أي بمعنى آخر تموت بكرامة لتحيا خالدةً الى أبد الدهر في قلوب أبناء الأمة محققة بذلك " الموت بكرامة حياة " .
ثانياً : هناك عناصر تحت تأثير أساليب القهر والتعذيب الجسدي والنفسي الذي تتعرض له عند وقوعها لأي سبب من الأسباب بيد الأجهزة الأمنية والمخابراتية للأعداء وحبها للحياة تستسلم لإرادة الأعداء لانقاذ حياتها من الموت فقط وتقبل بالتعاون معها وتزودهم بأقل ما يمكن من المعلومات غير المهمة وغير الحساسة والتي لا تؤثر على استمرار بقاء التنظيم قوياً ومتماسكاً ، والوشاية بالبعض من رفاق الدرب ممن هم خارج إمكانية أن تنال منهم الأجهزة الأمنية مقابل تحملهم لقدر من التعذيب الجسدي ، ومثل هذه العناصر يعرفون حدود تعاونهم مع الأجهزة الأمنية للأعداء ، ومثل هكذا سلوك يجب أن يتم تثقيف الكوادر السياسية به " ثقافة تزويد العدو باقل ما يمكن من المعلومات النوعية في الظروف القاهرة " . مثل هذه العناصر تعيش تحت تأثير تأنيب الضمير ومحاسبة الذات والشعور بالذنب على محدودية قدرتهم على تحمل التعذيب وإخفاء المعلومات وعدم الأفراط بهذيان بها للأعداء أثناء التحقيق معهم ، وعن عدم استعدادهم للتضحية بالنفس من أجل الآخرين من رفاق الدرب . هذه العناصر تقبل الحياة بمذلة على مضض مقابل البقاء على قيد الحياة وترفض الموت بكرامة ، وتتردد في مواجهة رفاقهم الذين وشوا بهم ويتجنبون مواجهتم وقد يضطرون الى هجر المكان والأبتعاد الى مكان بعيد يخلو مِن تواجد مَن يتجنبون  مواجهتهم .
ثالثاً : هناك عناصر تقبل التعاون مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية للأعداء وتزودهم بكل ما يطلب منها وحتى ما لا يطلب منها  من معلومات تحت تأثير المغريات المالية والمناصب وامتيازات السلطة والكراسي وغيرها التي تجود بها عادة أيادي أجهزة الأمن والمخابرات للعملاء الذين بالمقابل يجودون بعطائهم من دون استعمال وسائل العنف والتعذيب الجسدي معهم من قبل الأعداء . هذه العناصر تعتبر بموجب منطق السياسة عملاء مأجورين للأعداء مع سبق الأصرار والترصد مقابل ثمن مدفوع من المال الحرام ، هؤلاء لا يتورعون في تزويد الأعداء بأية معلومات نوعية وحساسة مهما كان تأثيرها مدمراً على التنظيم وعلى الآخرين ، لأن ثمن هكذا معلومات يكون أغلى . هؤلاء يقبلون وبارادتهم الكاملة الحياة بمذلة ولا يعرفون للكرامة وعِزة نفس معناً أخلاقياً ليردعهم عن ممارسة الرذيلة المشينة . إن عمل هؤلاء العملاء يمكن إعتباره خيانة عظمي بحق المبادئ والقيم الأخلاقية يستحقون عليه الموت بمذلة .
وهنا من حقنا أن نتساءل ونوجه بسؤالنا للقارئ الكريم من هم الذين يقبلون بالموت وهم يعرفون أن " الموت بكرامة حياة " ؟؟ ، ومن هم الذين يقبلون بالحياة وهم يعرفون أن " الحياة بمذلة موت " ؟؟ ، ولغرض تسهيل الاجابة على هذه التساؤلات نعود معاً الى قول الأمام علي إبن أبي طالب ( ع ) الذي يقول فيه :-
" اطلب الخير من بطونٍ شَبعت ثم جاعَت لأن الخير فيها باقٍ ، ولا تطلبهُ من بطونٍ جاعَت ثم شَبعت لأن الخير فيها شحيح " .
الفئة الأولى : إن الذين يعرفون أن " الموت بكرامة حياة " هم أصحاب تلك البطون التي شَبعت ثم جاعت لأن الخير فيها باقٍ ، ولكونها قد إنحدرت في أصولها من بطونٍ مماثلة . 
الفئة الثانية : إن الذين يعرفون أن " الحياة بمذلة موت " هم أصحاب تلك البطون التي جاعَت ثم شَبعَت لأن الخير فيها شحيح ، ولكونها قد إنحدرت في أصولها من بطون مماثلة .
وهكذا فإن الفئة الأولى تكون معطاء ومستعدة للموت والتضحية بنفسها من اجل الحياة الكريمة ، والفئة الثانية تكون أنانية ونرجسية وغدارة تبيع الفئة الأولى بأبخس ثمن وتقبل الحياة الرخيصة بمذلة .
أمنياتنا أن يكون أغلب أبناء أمتنا وأبناء شعبنا العراقي من الفئة الأولى وأن يتكاثر عددهم يوم بعد آخر ، وأن يتقلص عدد من هم من الفئة الثانية يوم بعد آخر الى أن يصبح صفراً مطلقاً ، وينعدم وجودهم والى الأبد ومن غير رجعة .
خوشــابا ســولاقا
28 / شباط / 2014 – بغداد

161
منطق وفلسفة الرأي والرأي الآخر في الحياة الفكرية والثقافية والسياسية والحكم
خوشــابا ســولاقا
إن منطق وفلسفة الرأي والرأي الآخر في الحياة بكل حقولها المتنوعة لا تختلف بشيء عن فلسفة الشيء ونقيضه ، وفلسفة ومنطق السبب والنتيجة ، ومنطق وفلسفة صراع الأضداد أو المتناقضات في عملية التطور والتكوين لكُنية وطبيعة الأشياء المادية . لأن وجود أي طرف من أطراف المعادلة المكونة لهذه الفلسفات مرتبط ارتباطاً عضوياً وجدلياً وثيقاً بوجود الطرف الآخر منها ، وبغياب أي طرف من الطرفين يعني غياب وزوال الطرف الآخر لأنتفاء أسباب كينونته ووجوده ، أي بمعنى أن كل طرف يولد الطرف الآخر . إن وجود الطرفين معاً يجسدان الوجود الكلي المادي والروحي لفعل هذه الفلسفات ومنطقها في الحياة الإنسانية في أي زمانٍ ومكان من الوجود الكوني . لذلك يكون الأمر جداً طبيعي في العمل الفكري والثقافي والسياسي أن تظهر أراء وأفكار متعددة متعارضة ومختلفة ومتناقضة الى حد كبير أحياناً . تتداخل أطرافها وامتداداتها الفكرية والسياسية نظرياً ً وعملياً وتطبيقياً  في جوانب ومجالات متعددة من عملية تقدم وتطور الحياة الإنسانية أحياناً ، وتتقاطع وتتعارض في جوانب ونواحي كثيرة أحياناً أخرى . إلا ان أي طرف من أطراف الأختلاف مهما كان مستوى الأختلاف بينهما لا يلغي ولا يقصي الآخر بل على العكس من ذلك يعززه ويقويه ، وهكذا تستمر عملية التطور والتقدم للحياة في مسارها الطبيعي .
إن فلسفة الرأي والرأي الآخر ومنطقها العلمي ، هي فلسفة جدلية كل رأي يولد الرأي الآخر الذي يختلف عنه أو حتى يناقضه في الشكل والمضمون والأتجاه . هكذا تدخل الرأيان في صراع التحاور والأخذ والرد من أجل تهذيب واختزال الفروقات وتضييق هوة الأختلافات بينهما ومن ثم صياغة الرأي الجامع المشترك لمضمون وشكل الرأيين الذي يكتب له البقاء والأستمرار عملياً على ساحة الحياة الفكرية والسياسية والثقافية من أجل تحقيق الهدف المشترك . هكذا هي هي طبيعة وسُنة الحياة الصحيحة والسليمة ، حيث لا بد أن تكون هناك تحاور وتناقض ، تجاذب وتنافر ، تعارض وتطابق ، بين الأراء والأفكار المختلفة ، إلا أنها من الضروري أن تكون قادرة على التعايش والتفاعل مع بعضها البعض من خلال ما موجود بينها في ذات الوقت من المشتركات الكثيرة على ساحة الحياة الإنسانية في مختلف الحقول الفكرية والفلسفية والسياسية والاجتماعية إنطلاقاً من فكرة نسبية الحقيقة وكون الحقيقة المطلقة وهم من صنع مخيلة الانسان نفسه ، أي بمعنى أن كل فكرة أو رأي يمتلك جزءً من الحقيقة وليس الحقيقة كلها كما يتصور أتباع الفكر المثالي . عليه فإن الجمع بين أجزاء الحقيقة من خلال الحوار والنقاش العلمي والتوافق القائم على أساس المنطق العقلاني العلمي لما يتواجد من أجزاء الحقيقة النسبية في الأفكار والأراء المتعددة المتخالفة سوف يتم من خلاله التوصل الى أكبر نسبة من الحقيقة المطلقة التي اختلفت وتعددت حولها الأراء في الموضوع المعني ، وبالتالي سوف لا يسود ويبقى إلا ما يتفاعل ويتجاوب مع متطلبات ومستجدات واقع الحياة بشكل عملي وإيجابي ، وينسجم مع تطلعات وطموحات الإنسان . بالتأكيد أن مثل هذا الرأي سوف يكتب له البقاء لأنه يمتلك كل عناصر القوة والقدرة على التنافس والأستمرار ، أي بعبارة أخرى يكون البقاء والأستمرار والغلبة للأصلح والأقوى . لذلك فإن على الشخص السياسي المثقف أن يؤمن بالصراع الفكري والحوار الديمقراطي الشريف بين الأراء والأفكار المختلفة والمتعددة في الحياة السياسية والاجتماعية سواءً كان ذلك على مستوى الحزب الواحد أو على مستوى الأحزاب المتعددة في المجتمع من أجل الوصول الى ما هو أصلح للوطن والشعب ، أي أن يقبل بالتعددية الفكرية والسياسية طالما أن ساحة العمل هي ساحة مشتركة ومفتوحة للجميع . إن ذلك لا يمكن أن يحصل عملياً لا من فرد ولا من حزب سياسي إذا لا يمتلك ذلك الفرد أو الحزب الأيمان بحرية الرأي والرأي الآخر في عملية الصراع الفكري والسياسي والثقافي على السلطة في عملية بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة المؤسسة على التعددية الفكرية السياسية والمؤسسات الدستورية ، وهنا لا نقصد ضرورة مشاركة جميع الأطراف المتصارعة في السلطة ، لأن ذلك سوف ينتج دولة هشة هزيلة المقومات وضعيفة البنية كما هو عليه الحال في العراق اليوم ، بل نقصد وجود طرف يشكل الأكثرية السياسية في  الحكم وطرف آخر يشكل الأقلية في المعارضة يراقب ويتابع ويعارض من يحكم ضمن إطار القانون والدستور لبناء تقاليد تناوب السلطة سلمياً كما هو عليه الحال في الدول الديمقراطية العريقة . على أن يصبح ذلك معتقداً وتقليداً أيديولوجياً تلتزم به الجميع في ممارساتهم العملية وليس مجرد شعاراً إعلامياً موقتاً لتحقيق أهداف سياسية مرحلية حزبية ضيقة وأحياناً شخصية على حساب المصالح القومية والوطنية العليا كما هو عليه الحال لدى معظم النخب السياسية في العراق منذ سقوط النظام الديكتاتوري السابق . حيث لا نجد من النخب السياسية المتصارعة على المناصب وكراسي الحكم الوثيرة إلا خيبة أمل كبيرة ، وسيادة الفوضى ، وإنعدام الأمن والآمان في البلاد ، وتدني مستوى الخدمات التي تمس حياة المواطنين ، وتوسع قاعدة طبقة تجار السحت الحرام من القطط السِمان من خلال نهب وسرقة المال العام في وضح النهار من دون أن يرف لهم جفن ، وانتشار الفساد المالي والأداري والرشوة والمحسوبية والمنسوبية في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية كافة ، وافتعال الأزمات السياسية الداخلية والخارجية الغير قابلة للحل بغرض التغطية على عجزها وفشلها في الحكم ، والتي بالنتيجة أدت وتؤدي الى تفاقم وتعاظم وتأزم معاناة ومأسي ومشاكل المواطن العراقي من دون ان تجد لها طريقاً للحل والخروج منها بسلام . كل هذا يحصل في العراق اليوم بسبب عدم إيمان النخب السياسية المتنفذة والمتمسكة بصولجان السلطة بقبول نهج فلسفة ومنطق الرأي والرأي الآخر والتعايش السلمي في الحكم على حساب الأستئثار والتفرد بالسلطة والتشبث بها بكل الوسائل القبيحة التي تقود البلاد للعودة الى الديكتاتورية المقيتة من جديد .
إن الأختلاف في الرأي لا يعني أبداً وفي أي حال من الأحوال الوصول الى القطيعة مع الآخر ، وكذلك لا يعني تهميش أو إقصاء أوإلغاء رأي على حساب الرأي الآخر ، وتطابق الأراء أيضاً لا يعني بالضرورة إتحادها أو اندماجها في كيان مضمون الرأي الواحد منها ، بل الحالتين تعنيان إمكانية التعايش السلمي والتفاعل النسبي بين الأراء المختلفة في إطار ما يوجد بينها من المشتركات الفاعلة والتي يمليها عليها الهدف المشترك . الهدف في حالة صفاء النوايا بين الأراء المختلفة أو المتخالفة والمتعارضة يجب أن يكون السعي الى تقليص هوة الخلافات والأختلافات وتوسيع قاعدة المشتركات الأيجابية الفاعلة بين أصحاب تلك الأراء  بقدر الأمكان والوصول بها الى حدها الأقصى ، على أن يكون الحوار الفكري الصريح والصادق والشفاف هي الوسيلة الشريفة والنبيلة ، ومحاولة بناء قناعة مشتركة جامعة للقناعات المتعارضة والمتخالفة المتعددة هي الغاية الشريفة والنبيلة المطلوب تحقيقها .
إن الحياة الديمقراطية ، والممارسات الديمقراطية بين أعضاء القاعدة وقيادات التنظيمات الحزبية والكيانات والنخب السياسية والمهنية والثقافية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني هي التي تضمن بقاء واستمرار تلك التنظيمات والكيانات والنخب ونموها وتطورها تصاعدياً من الحسن الى الأحسن الى الأفضل . الديمقراطية هنا تعني تعدد الأراء والأفكار ودخولها في صراع فكري من خلال الحوارات من أجل الوصول الى صيغة من القناعة المشتركة تؤهلها على التعايش والتفاعل الأيجابي مع الآخر ، والديمقراطية سوف تغيب ولا يظهر لها وجود على ساحة الحياة السياسية ، وسوف لا يكون لها أي وجود عملي فاعل في ظل غياب تعدد الأفكار والأراء عن الساحة ، أي بعبارة أدق وأعم غياب الصراع الفكري من خلال تحاور الأراء المتعددة والمختلفة عن الساحة السياسية يعني غياب الديمقراطية ذاتها .
هذا التقليد الديمقراطي سائد في حياة كل الأحزاب والكيانات السياسية التي تؤمن بالديمقراطية كفكر وكنهج للعمل ، وتؤمن بتعدد وحوار الأراء المختلفة مهما كان مستوى الأختلاف أو التعارض بينها ، لأن الجميع لها نفس الهدف ، ألا وهو خدمة الوطن والشعب مهما أختلفوا في الوسائل ، أي بمعنى متفقة في الأهداف ومختلفة في المناهج والوسائل وهذه هي المزايا الأيجابية للديمقراطية الحقيقية ، وبالتالي يؤدي هذا التقليد الى بناء وترسيخ نظام سياسي ديمقراطي يقود بناء دولة ديمقراطية مدنية عصرية يكون في فلسفتها في الحكم قيمة كبيرة لحرية الفرد وحقوق الإنسان ، والتي في النهاية تشكل معياراً لمستوى الممارسة الديمقراطية للنظام السياسي والدولة بكل مؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية كما هو الحال في البلدان المتقدمة ديمقراطياً في العالم ، بينما غياب أو ضعف هذا التقليد يقود الى ظهور أنظمة سياسية ديكتاتورية واستبدادية وقمعية تتخذ من العنف وسيلة للتصدي على كل ما تعانيه من المصاعب والمشاكل والأزمات الداخلية كقمع المعارضين للحكومة ، والخارجية كافتعال حروب عبثية مع الدول الأخرى بغرض التغطية على فشلها في الحكم في تلبية متطلبات شعوبها ، وبالتالي قيام سلطة الدولة الديكتاتورية يكون فيها القرار للفرد الديكتاتور ولا يكون فيها لحرية الفرد والرأي وحقوق الإنسان أي وجود على أرض الواقع ، وكما هو الحال في جميع بلدان العالم الثالث والرابع حسب تصنيفات نظام العولمة الجديد للبلدان .
إن حرية الرأي لأفراد المجتمع من خلال تعدد الأراء وقبولها لبعضها البعض على الساحة السياسية والاجتماعية ، والتعايش السلمي فيما بينها من دون اللجوء الى وسائل العنف والتصفيات الجسدية لتسوية الحسابات السياسية بين بعضها البعض ، هي وحدها الكفيلة ببناء عالم جديد حر قائم على أساس حرية الفرد في المجتمع ، وحقوق الإنسان ،  واحترام إنسانية الإنسان وأن تكون هي القيمة الأسمى في نضال البشرية من اجل البقاء الأفضل واللائق بالكائن البشري الذي لا يسمو عليه أي كائن آخر في هذا الوجود الكوني اللامتناهي . يجب أن يكون الإنسان هو الغاية والوسيلة معاً في تحقيق حياة إنسانية أفضل يعمها الحب والخير والرفاهية والرخاء والتقدم العلمي والأمن والسلام الدائم .
والسؤال الكبير الذي يراودنا هنا هو أين أحزاب أمتنا بشكل خاص وأحزاب شعبنا العراقي التي تمتلك بصولجان السلطة والقرار بشكل عام من منطق وفلسفة الرأي والراي الآخر في الحياة الفكرية والثقافية والسياسية والحكم ؟؟؟ .

 خوشــابا ســولاقا
بغداد – 21 / شباط / 2014             

162
ثقافة الاستقالة
والترشيحات لعضوية مجلس النواب في الانتخابات البرلمانية المقبلة
خوشــابا ســولاقا
كما هو معروف لدى كل المعنيين بشؤون الثقافة والسياسة وإدارة شؤون الدولة والمجتمع والأقتصاد ، إن المسؤولية هي تكليف وليست تشريف كما قد يتصور البعض خطأ من ذوي الثقافة المحدودة ، وقصيري النظر في مثل هذه الشؤون ، ويتصرفون على هدى هذا التصور القاصر من مواقعهم المسؤولة في أجهزة ومؤسسات الدولة . حيث يقوم البعض من هؤلاء المسؤولين والذين لهم حضور كبير ومؤثر في أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية المدنية منها والعسكرية وقوى الأمن الداخلي على حدٍ سواء ، باستغلال مواقعهم هذه لغرض الأنتفاع والأثراء الشخصي من المال العام على حساب المصلحة الوطنية العامة ، بإدراك منهم أو من دونه ، دون خوف من رادع قانوني أو وازع أخلاقي ، ومن دون خجل أو وجل ، ومن دون خوف من قوة وردع الأجهزة الرقابية للدولة التي من المفروض أن تردعهم من إرتكاب خروقات وتجاوزات بحق المصلحة الوطنية العليا ، ويتصرف هؤلاء البعض كأن كل ما يقع ضمن حدود صلاحياتهم التي يخولهم بها المنصب جزء من ممتلكاتهم الشخصية الموروثة لهم أب عن جد ، يتصرفون بها كيفما يحلو لهم ، ويتشبثون بكل الوسائل القانونية وغير القانونية ، الشريفة وغير الشريفة ، للبقاء في مواقعهم لأطول فترة ممكنة ، ويصبح البقاء والاستمرار في الموقع المسؤول هو الهدف بحد ذاته ، وكأن ذلك هي الغاية المرجوة منهم بغض النظر عن مستوى كفاءة أدائهم في مواقعهم في إنجاز المهام والمسؤوليات الموكلة إليهم والتي تفرضها المواقع على من تشغلها . من المفروض أن يكون المسؤول الناجح والمخلص لأمانة المسؤولية  في حالة مراجعة دائمة للذات وتقييمها باستمرار ، ليتمكن من تشخيص واكتشاف مواقع الخلل والضعف في أدائه للمسؤولية ، وتشخيص ما يحصل من الأنحرافات والخروقات والتجاوزات في سلوكه أثناء ممارسته للمسؤولية عن قصد أو من دون قصد ، وبالتالي التصدي لها ومعالجتها وتجاوزها مستقبلاً ومنعها من أن تتكرر مرة أخرى ، أي بمعنى آخر وبلغة السياسة ممارسة " النقد الذاتي " . هذه الممارسة التقييمية والتقويمية للذات تساعد المسؤول على إكتشاف ذاته وقدراته وقابلياته على تحمل المسؤولية المناطة به ، وتمكينه من اتخاذ القرار الصائب والسليم في الوقت المناسب في توجيه دفة الأمور بثقة ونجاح من دون أن تكون له تداعيات وإنعكاسات سلبية على المسؤول نفسه بشكل خاص ، وعلى الموقع المسؤول والجهة التي يمثلها بشكل عام . في حالة إكتشاف المسؤول في نفسه أنه غير مؤهل لهذه المسؤولية وغير قادر على النهوض بمهام منصب الموقع الملقاة على عاتقه ، وغير قادر على التصدي لمسؤليات التي يفرضها عليه هذا الموقع ، عليه أن يُقدم استقالته من المسؤولية ويتنحى  جانباً عن منصبه طوعياً ، وفاسحاً بذلك المجال لغيره ممن لهم الكفاءة والمقدرة على تحمل المسؤولية بجدارة وكفاءة أكثر منه ، من دون اللجوء الى سَوق المبررات غير المنطقية لتبرير فشله الناجز على أرض الواقع ، وتشبثه بالبقاء والأستمرار في موقعه لغرض الانتفاع الشخصي ، إن هكذا ثقافة ، ثقافة الأعتراف بالفشل ومحاسبة الذات طوعياً التي من المفروض أن يتمتع بها المسؤول المخلص والوفي في عمله والشريف هي ما يمكن تصنيفها وتوصيفها وتسميتها " بثقافة الاستقالة " .
إن المسؤول الذي يقدم استقالته من منصبه في موقع المسؤولية مهما كان مستوى تلك المسؤولية ، عند قناعته وشعوره واحساسه بالفشل ، هو ذلك المسؤول الذي يمتلك ثقافة سياسية وطنية ومبدئية عالية ، وله التربية الأخلاقية العائلية الرفيعة والمجتمعية السامية ، وصاحب قيم ومبادئ راقية ، هي التي تدفعه في قراره لأن يُغلب المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الشخصية . هكذا مسؤول هو من يمتلك ثقافة الشجاعة الأدبية والأخلاقية الراقية التي تدفعه الى اتخاذ " قرار الاستقالة من المنصب " عندما تكون المصلحة الوطنية هي المحك والمعيار لأتخاذ قرار يتسم بالشجاعة . أما المسؤول الذي لا يستطيع أن يُقيَّم أدائه في موقع المسؤولية بأمانة ، وكذلك لا يستطيع أن يميز بين النجاح والفشل في أدائه للمسؤولية ، ويكون هاجسة الوحيد من وراء المنصب المنفعة الشخصية ، فهو مسؤول يفتقر الى عنصر الثقافة الأخلاقية والأدبية أولاً ، والى الوعي الاجتماعي والأحساس بالمسؤولية تجاه الوطن والمجتمع ثانياً ، وبالتالي يفتقر الى الشجاعة الأخلاقية والأدبية لمحاسبة الذات على الفشل والتقصير في أداء المطلوب منه في منصبه التي تدعوه الى تقديم الاستقالة من منصبه في موقع المسؤولية على أساس تقديم وتغليب المصلحة الوطنية العامة على المصالح الشخصية الأنانية الضيقة . لأن مثل هؤلاء النماذج من المسؤولين يُقيّمون الأمور بمعيار مقدار ما يدخل جيوبهم وخزائنهم من مال السحت الحرام بأية وسيلة كانت ، وهذه هي الحالة السائدة مع الأسف الشديد اليوم في عراقنا الديمقراطي الجديد وأغلب البلدان العربية والعالم الثالث !!!.
إن مجموعة الدوافع الأدبية والأخلاقية والتربوية والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والمصلحة الوطنية التي تجعل الفرد يتسلح بشجاعة اتخاذ القرار الشجاع لأصلاح الخلل الذي يحصل في أداء المسؤولية تجاه الآخر كان من يكون الآخر ، الوطن ، المجتمع ، موقع العمل ، بالشكل المفروض أن يكون عليه الأداء وتقييمه وفق معايير المصلحة الوطنية العامة ، هي ما باتت تعرف اليوم في عالم الادارة العامة " بثقافة الاستقالة " في فن إدارة شؤون الحكم والدولة ومؤسساتها المختلفة . وانطلاقاً من هذا المفهوم لثقافة الاستقالة ، فان الفرق بين المجتمعات المتقدمة حضارياً وثقافياً واجتماعياً ووطنياً وإدارياً والمجتمعات المتخلفة مثل مجتمعاتنا في العالم الثالث ، يكمن في امتلاك المسؤولين فيها لهذه الثقافة من عدمه ، حيث نجد أن المسؤول في المجتمعات المتقدمة مهما كان مستوى مسؤوليتة من الأهمية والحساسية عندما يرتكب خطأً ما في عمله أو يتجاوز على القانون والصلاحيات المخول بها ، حتى وإن كان ذلك بشكل غير مقصود ، او إذا استغل المسؤول موقعه وصلاحياته للآنتفاع الشخصي ، أو إذا كتبت الصحافة بشيء من هذا القبيل عن المسؤول ، أو إذا تحدثت عنه وسائل الأعلام الأخرى نقداً لسوء أدائه أو عن أية تجاوزات له مهما كانت طبيعتها ، فان رد فعل المسؤول على ذلك يكون إقدامه على الفور بتقديم استقالته من منصبه دون أن يطلب منه ذلك من قبل مسؤوله الأعلى مستوىً . بينما نادراً ما يحصل من مثل هذا القبيل في بلداننا ، بل نجد على العكس منه ، حيث نجد مسؤولينا حتى وفي حالة القبض عليهم وهم متلبسين بالجرم المشهود يسعون ويتشبثون بكل الوسائل المتيسرة الشريفة وغير الشريفة ، بضمنها رشوة وسائل الأعلام والعاملين معهم ضمن دائرة المقربين منهم في محيطهم الوظيفي لجعلهم شهود زور يقدمون شهاداتهم الملفقة لتبرئة المسؤولين أمام لجان التحقيق القانونية والأدارية لحمايتهم من سلطان القانون والعدالة لنيل جزائهم العادل وحماية حقوق الدولة . ويحاول المسؤولين لدينا وبمساندة من أعوانهم المقربين وشركائهم من المرتزقة من مختلف المستويات الى عكس وقلب الحقائق وجعل الحق باطلاً والباطل حقاً ، من أجل إبعاد المسؤولين عن دائرة المحاسبة القانونية ، وعندنا ينظر المسؤول الى موقع المسؤولية كأنه حق من حقوقه الموروثة شرعاً أباً عن جد ولا يجوز أن يفرط به حتى وإن كان ذلك على جثته وأشلاء جسده كما يقول المثل .
إن افتقار المسؤولين لدينا الى ثقافة الاستقالة ، هي من الأسباب الجوهرية في ضعف وهشاشة أداء أجهزة مؤسسات الدولة المختلفة ، التشريعية والتنفيذية والقضائية وانتشار الفساد المالي والاداري فيها   وإنتشار جريمة الأغتيالات للمسؤولين في أجهزة الدولة من الذين يتسمون بالنزاهة والأخلاق الحسنة والغيرة الوطنية والكفاءة في العمل والاخلاص للوطن والشعب ، وكل ذلك يجري لجعل الساحة مفتوحة وخالية من المعوقات والروادع القانونية أمام الفاسدين والمرتشين والمجرمين من المسؤولين الفاشلين ليصولون ويجولون بكامل حريتهم دون وجود ما يردعهم ، ومن يقول لهم على عينكم حاجب يا سادة يا كرام ،  والذين جعلوا من توليهم لمواقع المسؤولية في أجهزة الدولة بكل مستوياتها وسيلة للأثراء والانتفاع الشخصي والأرتزاق من المال العام ، وبالتالي تتشكل من هؤلاء المنتفعين تجار وسُراق المال العام في المجتمع طبقة من القطط السِمان ، هؤلاء الذين لا يهمهم من توليهم لمواقع المسؤولية غير المكاسب الشخصية بمختلف أشكالها ، وما ينزل من أموال السحت الحرام في خزائنهم الكثيرة ، والمنتشرة في الداخل والخارج ، وباعتماد كل وسائل الجريمة بمختلف أشكالها ، والتي باتت معروفة اليوم للقاصي والداني من أبناء الشعب . هذا ما حصل ويحصل اليوم في العراق ، حيث بسببه توسعت قاعدة " طبقة القطط السِمان " على حساب تقلص قاعدة " طبقة الكلاب الوفية " - معذرة للقارئ الكريم على استعمال هذا التشبيه المجازي ولكن أحياناً للضرورة أحكام لتوضيح وتقريب المشهد للأذهان ، لأنه كما هو معروف على مر التاريخ كان الكلب أوفى صديق للأنسان وإن القطة كانت دائماً تتسم بطابع الغدر والخيانة لصاحبها - .
لقد أسهبنا ما فيه الكفاية من الشرح والتوضيح عن مفهوم ثقافة الاستقالة ومضامينها الأخلاقية والوطنية والتربوية ، وبهذه المناسبة مناسبة كتابتنا عن " ثقافة الاستقالة " التي من المفرض أن يتصف بها كل مسؤول في أي موقع كان في العصر الحديث عصر الديمقراطية والشفافية والمكاشفة والمصارحة بين الحاكم والمحكوم ، أن يحترم المسؤول هذه الثقافة وأن يصون أمانة مسؤولية المنصب . وبمناسبة قرب موعد الانتخابات البرلمانية القادمة لمجلس النواب العراقي بشكل عام ، وانتخاب ممثلي أمتنا من خلال حصته في الكوتا المخصصة للمسيحيين ( كافة المسيحيين العراقيين من كل القوميات ) بشكل خاص ، وبمناسبة فشل البرلمانيين ولدورتين متتاليتين بإنجاز شيء يستحق الذكر مما وعدوا به الشعب العراقي في حملاتهم الأعلامية الانتخابية بأمتياز مُربع بشكل عام ، وفشل ممثلي الكوتا المسيحية في البرلمان بامتياز مُكَّعب في تحقيق أي منجز يستحق الذكر لصالح المسيحيين بشكل خاص ، فإن الحرص القومي والوطني والأخلاقي يفرض على أولائك النواب السابقين والحاليين من دون استثناء أحداً منهم إذا كانوا يمتلكون ولو ذرة واحدة من الغيرة الوطنية والقومية والدينية أن يتنحوا جانباً ويقدموا إعتذارهم عن فشلهم المبين على أرض الواقع للشعب العراقي كل حسب موقع تمثيله للشعب ، وأن يعزفون عن الترشح في الانتخابات البرلمانية المقبلة إعترافاً منهم بالفشل ، على الأقل للمحافظة على كرامتهم وماء وجوههم أمام زوجاتهم أو أزواجهنَّ وأولادهم وبناتهم وأهلهم وأقربائهم المقربين وزملائهم وأصدقائهم عملا بالمقولة الشهيرة المتداولة شعبيا في العراق " الأعتراف بالخطأ فضيلة " . بهذه الطريقة فقط يستطيعون هؤلاء النواب المحترمون أن ينقذون ما يمكن إنقاذه مما تبقى لهم من كرامتهم الانسانية على الأقل ، بعد أن فقدوا كل كرامتهم المهنية كنواب للشعب في آخر إنجازاتهم المخزية ، ألا وهو تمريرهم وإقرارهم لقانون التقاعد الموحد بمادتيه ( 37 ، 38 ) والذي من خلاله داسوا باحذيتهم على وعودهم لجماهير الشعب ونكثوا لعهودهم معها وداسوا كذلك على قرار المحكمة الأتحادية العليا القاضي بحرمان أعضاء مجلس النواب والرئاسات الثلاث والوزراء وغيرهم من الرواتب التقاعدية الضخمة ذات الأرقام الفلكية التي لا مثيل لها في التاريخ والعالم أجمع . عسى أن تجدي النصيحة معهم نفعاً . أما إصرار البعض من النواب السابقين والحاليين على الترشح من جديد لعضوية مجلس النواب وبهذه الصلافة والرعونة بالرغم من كل هذا الفشل دون أن يعيروا لمشاعر ومطالب الجماهير الشعبية أية قيمة أو إعتبار ، فان ذلك لا يعدو اكثر من كونه وقاحة بعينها لا يفعلها إلا من فقد الكرامة الوطنية والإنسانية ، ولم يبقى له ما يخجل منه وما يخاف عليه ، عندها ينطبق على أمثال هؤلاء النواب المثل القائل " إذا لم تستحي فأفعل ما تشاء " والخيار يعود إليهم وحدهم دون سواهم بين هذا وذاك بين الجنة والنار ... وتماشياً مع إرادة جماهير الشعب الذين تظاهروا في كافة مدن العراق بتاريخ 15 / شباط / 2014 ، وتلبية ًلدعوات المرجعيات الدينية المحترمة والوجوه الثقافية والاجتماعية والقانونية الموقرين لأعادة الحق الى نصابه الشرعي والقانوني . أدعو أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته بشكل عام وأبناء شعبنا المسيحي بشكل خاص بمحاسبة ومعاقبة هؤلاء النواب الفاشلين الذين نكثوا العهود التي تعهدوا بها ، ونقضوا الوعود التي وعدوا بها الشعب العراقي ، وداسوا بأقدامهم على قرار المحكمة الأتحادية القاضي بعدم شرعية وقانونية ودستورية قانون منح الرواتب التقاعدية الخيالية الضخمة لأنفسهم على حساب فقراء الشعب من خلال عدم التصويت لهم في الانتخابات التي نحن على اعتابها في نهاية نيسان القادم في حالة ترشحهم ، وبذلك سوف يتم تلقينهم درساً بليغاً حول قوة إرادة الشعوب في الدفاع عن حقوقها عندما تريد ذلك ، ولكي يكونوا هؤلاء في ذات الوقت عبرة لمن يُعتبر من أمثالهم في المسقبل . 

 خوشابا سولاقا
14 / شباط / 2014 – بغداد

163
الى من تعلو أصواتهم النشاز حول قوائم " الكوتا " المسيحية
خوشابا سولاقا
كثيرين هم من تعلو أصواتهم هذه الأيام هنا وهناك بمناسبة ومن دون مناسبة ومن دون وعي وفهم وإدراك معنى ما يصرحون به لوسائل الأعلام من كلام خالٍ من المنطق والموضوعية ، وإن ذلك إن دل على شيء فإنه يدل على سذاجة وجهل المصرحين بتلك التصريحات الجوفاء التي تخالف قانون الانتخابات والدستور والمنطق العقلاني ، وتشكل في ذات الوقت مصادرة لحقوق وإرادة الآخرين في الترشيح والتصويت . إن مطالبات البعض من فرسان السباق الأنتخابي لمنع غير المسيحيين التصويت لمرشحي الكوتا المسيحية تشكل سابقة خطيرة ومخالفة صريحة للمادة رقم ( 7 – أولاً   ) من الدستور حيث تعتبر مثل هذه المطالبات نوع من التحريض على العنصرية القومية والدينية ويتقاطع مع مضمون التعددية السياسية التي تنص عليها المادة ذاتها . إن من حق هؤلاء الأخوة في القوائم التسعة للكوتا أن يطالبوا بمنع الترشح لمقاعد الكوتا المسيحية لغير المسيحين لكون تلك الكوتا استحقاق دستوري ووطني للمسيحيين ( الكلدان ، السريان ، الآشوريين والأرمن ) وليس التصويت ، ومن حق العراقيين كافة أن يصوتوا لمرشحي الكوتا المسيحية لكون ذلك إستحقاق وطني وحق قانوني ، لأنه ولأسباب كثيرة قد يجد المواطن العراقي العربي والكوردي والتركماني المسلم من الشيعة والسنة ومن غيرهم من الأنتماءات القومية والدينية الأخرى في المرشح المسيحي المُعَين في أية كتلة من كتل الكوتا  خير ممثل له يمثل تطلعاته وطموحاته كعراقي ، كما هو من حق العراقي المسيحي أن يصوت لأي مرشح من أية كتلة عراقية عربية كانت في هويتها أو كوردية او غيرها كاستحقاق وطني غير مخالف لا للقانون الانتخابات ولا للدستور ، وليس من حق احد ان يلزم المواطن العراقي عربيا كان أم كورديا أم تركمانيا مسلماً أو مسيحياً أو مهما كان إنتمائه القومي والديني والمذهبي لأن يصوت لمرشحي قائمة بعينها على أساس خصوصية الأنتماء مهما كانت طبيعة ذلك الأنتماء . وفي ضوء هذه المقدمة نوضح الآتي لمن تعلو اصواتهم هذه الأيام بالباطل المبين ليكفوا عن هذا التهريج الفارغ وأن يحترموا حرية وإرادة واختيارات الآخرين من أبناء امتنا لكي يُحتَرمون بالمقابل .  
أولاً : إن الكوتا حسب القانون الأنتخابي الذي تم إقراره من قبل مجلس النواب العراقي هي كوتا دينية مسيحية في هويتها الرسمية وليست كوتا قومية " كلدانية سريانية آشورية " في هويتها أو غيرها من التسميات التي يروج لها الكثير من أبناء أمتنا حالياً ، وعليه وكما قلنا أن من حق كل مسيحي عراقي من أية قومية كان أن يترشح لأي مقعد وأن يصوت لمن يشاء وليس من حق أحد كائن من يكون أن يصنف الناس كما يحلو له أن يجتهد ويفتي بما يشاء  . إن الذين يتحملون مسؤولية هذا الخطأ التاريخي وتبعاته بحق أمتنا من حيث هويتها هم من شاركوا في وضع قانون الانتخابات الأخير من كتلتي المجلس الشعبي والرافدين  الذين قبلوا ورضوا بكامل إرادتهم بتسميتنا بالمكون المسيحي بدلاً من المكون القومي لنشترك وفقاً لذلك في الانتخابات بهوية قومية بدلاً من المشاركة بهوية دينية مسيحية كما هو عليه الحال الآن .
ثانياً : قانون الأنتخابات  لا يمنع غير المسيحيين من العراقيين من أية قومية كانوا من التصويت لصالح المرشحين من قوائم كوتا المسيحيين ، كما لا يمنع في ذات الوقت المسيحيين العراقيين من التصويت للقوائم الوطنية العراقية الاخرى على اساس اعتبار هذا الحق ( حق التصويت ) استحقاق وطني ودستوري وحق من حقوق المواطن ليختار بإرادته الحرة من هو المرشح المؤهل لتمثيله في البرلمان ، وعليه ليس من حق أي فرد أو كتلة من كتل الكوتا المسيحية  أن يصف تصويت غير المسيحيين لقوائم ومرشحي الكوتا بصفة " سطو وسرقة " لمقاعد الكوتا المسيحية لصالح الغير ، لأن ذلك هراء في هراء باطل
يخلو من المنطق والموضوعية والرصانة الأدبية والأنصاف ، ولكن القانون بالمقابل يضمن حق المكون المسيحي من التمثيل في البرلمان من خلال منحه خمسة مقاعد حصراً بأبنائه ومنعَ غير المسيحيين من حق الترشح لهذه المقاعد ضمن قوائم الكوتا ، وعليه يكون من حق المسيحيين الأعتراض والرفض في حالة الترشح لغير المسيحيين ، لأن ذلك في حالة حصوله سوف يشكل خرقاً للقانون والدستور وتجاوزاً فضاً على حقوقهم القانونية والدستورية والوطنية .  
ثالثاً : إذا كانت الكوتا فرضاً " كوتا ذي هوية قومية " فإن ذلك لا يعني أبداً ترجمتها بأنها كوتة الأحزاب القومية أو الأحزاب التي تدعي القومية حصراً ، والنظر الى مقاعد الكوتا كأنها مسجلة طابو بأسم البعض ممن يتاجرون بالشعارات القومية زيفاً فقط ، ولا يحق لغيرهم من حملة الأفكار السياسية الأخرى منافستهم عليها ، لآن تلك الأحزاب في الحقيقة لا تمثل كل أبناء مكونات أمتنا بل إنها  تمثل المنخرطين في صفوفها فقط وهؤلاء لا يشكلون إلا نسبة صغيرة . هذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة للجميع ومعروفة لديهم ، لأن امتنا ككل أمم العالم من حقها أن تكون لها تعدديات فكرية سياسية مختلفة تمتد من أقصى اليمين ( القومي المتطرف ) الى أقصى اليسار ( الشيوعي المتطرف ) ، وان التنافس الانتخابي لتمثيل أية أمة في البرلمانات يجب أن يكون محصوراً بين التعدديات الفكرية السياسية وليس بين النخب ذات التوجه القومي المتطرف الأستحواذي ، لذلك يكون من الحق القانوني والدستوري لليسار واليمين الكلداني السرياني الآشوري الأرمني أن يشترك في المنافسة الانتخابية لنيل مقاعد الكوتا المسيحية كما هو ذلك من حق الأحزاب ذات التوجه القومي المتشدد ، وامتنا في هذا الجانب ليست استثناءَ عن الامم الاخرى  ، وليس من حق أي كان فرداً أم حزباً أو كتلةً تحت أية ذريعة أن يلغي أو يقصي تلك التعددية مزاجياً لأن هذا السلوك يمكن تصنيفه ضمن إعتبارات التسقيط السياسي للمنافس ويحاسب عليه القانون ، ومن حق مرشحي تلك التعدديات الفكرية أن يتنافسوا فيما بينهم على مقاعد الكوتا بحرية ونبل وسمو الأخلاق وبوسائل شريفة شفافة وفق قواعد اللعبة الديمقراطية ، وبالتالي القرار يعود أولاً وأخيراً الى الأكثرية من الناخبين من خلال صناديق الاقتراع  في الثلاثين من نيسان القادم وإن غدٍ لناظره قريب .  

 خوشابا سولاقا      
بغداد – 11 / شباط / 2014

164
في التربية والثقافة السياسية
حول صلة الحزب بالجماهير
خوشــابا ســولاقا
إن أي حزب جماهيري كان ، وبوصفة القوة المنظمة الطليعية الذي يقود ويوجه نضال الجماهير في المجتمع يضطلع بمسؤولية كبيرة وعالية المستوى أمام جماهير الشعب التي هي الساحة الفعلية لعمله النضالي الطبيعي في تحقيق تطلعاتها وطموحاتها التي أقرها في منهاجه السياسي وألزم نفسه بتحقيقها . لذا يكون من واجب الحزب ومن المفروض عليه أن يؤمن قيادة من العناصر الكفوءة المخلصة والنزيهة وعلى مختلف المستويات التنظيمية لقيادة العمل لكي يتمكن من تحقيق أهدافه الأستراتيجية بصورة دقيقة وصحيحة بالأستناد على قاعدة موضوعية راسخة لا تتناقض مع مبادئه وتصوراته الفكرية ومنطلقاته النظرية . من هنا فإن الواجب الملقي على عاتق كل منظمات الحزب وعلى عاتق كل الكوادر الحزبية بدون إستثناء تفرض عليهم جميعاً أن تتقن كل أشكال النضال وطرق العمل التنظيمي باستمرار لغرض توسيع وتعزيز وتوثيق الصلات والعلاقات مع الجماهير الشعبية في المجتمع بتواصل ومن دون إنقطاع لأدامة زخم الدعم الجماهير للحزب والتفافها حوله في نضاله . تعتبر الصلة الدائمة والمستمرة بالجماهير مصدر أساسي مهم لديمومة قوة الحزب وعنفوانه وتجدده ومناعته في المواجهة والتصدي للتحديات المختلفة التي تواجه الحزب في مسيرته النضالية .  لذلك تعتبر حجم قوة دعم الجماهير الشعبية للحزب معياراً لفعاليتة وقوته وقدرته على العطاء ، وهي في ذات الوقت أكبر قوة في المجتمع ، فالذي يكسبها لجانبه يكسب النجاح والاستمرار في تحقيق أهدافه ، والذي يخسرها سوف يخسر كل أدوات القوة في الصراع والتحدي وبالتالي يخسر كل شيء . من المبادئ الأساسية في التربية والثقافة الحزبية أن تكون ثقة الحزب ومناضليه بكل مستوياتهم قوية وعميقة وراسخة بقوى الشعب الخلاقة والمبدعة بكل شرائحه وفئاته وطبقاته الاجتماعية ، أي بمعنى آخر أن تكون للحزب من خلال تنظيماته السياسية والمهنية امتدادات عميقة الجذور وواسعة الشمول والانتشار من خلال إقامة الصلات والعلاقات القوية والراسخة مع مكونات المجتمع . ومن خلال هذه الصلات والعلاقات يكون الحزب وثيق الصلة بالجماهير الشعبية وبوجودها يتحول الى قوة نضالية وكفاحية جبارة وفعالة في المجتمع لايمكن زعزعته وقهره أو حتى عرقلة مسيرته النضالية ، وخصوصاً إذا كانت أهداف وتطلعات الحزب متناغمة ومتناسقة مع نفس أهداف وتطلعات الجماهير الشعبية ، هنا تكمن قوة الحزب في الأستمرار والديمومة والسير بثبات راسخ نحو أهدافه عندما يتمكن من إقناع الجماهير الشعبية من خلال إنجازاته العملية على أرض الواقع من دون خداعهم وتضليلهم إعلامياً بأن أهدافه وتطلعاته هي نفسها أهدافهم وتطلعاتهم ، وعليه يتطلب من الحزب الغوص عميقاً في منابع الأبداع الشعبي المتدفق لجعل من تلك المنابع مصدراً ملهماً للحزب ومدافعاً عنيداً عن أهدافه ومبادئه وحارساً أميناً له في ذات الوقت . من هنا تأتي أهمية بناء وتوثيق وتعزيز الصلات والعلاقات بين الحزب والجماهير ، ومن هنا تأتي أيضاً أهمية المبدأ الثابت الذي يجب ان يكون دائم الحضور في حياة الحزب السياسي ومناراً يسترشد به قيادييه وكوادره ، ألا وهو الحضور والوجود الدائمين مع الجماهير لتعزيز الروابط والدوافع التي تجذبها وتشدها بقوة إليه والأنخراط للعمل في صفوف منظماته . لذلك على الحزب أن يدعو أعضائه وأنصاره وحتى أصدقائه وأن يطلب منهم أن يتمسكوا بحزم وقوة بهذا المبدأ ، لأن القانون الأساس في أي حزب يقتضي بخدمة الجماهير الشعبية والسهر على تحقيق وتأمين الحاجات المادية والمعنوية لها ورفع من مستوى الوعي الحزبي لديهم وتطوير مستوى نشاطهم السياسي . كما ينبغي على الحزب أن يوجه كوادره العاملة من خلال سلوكهم وتصرفاتهم التقليدية في تعاطيهم مع الجماهير أن يَكّنوا إحتراماً عميقاً لأفكارهم وأرائهم ورغباتهم المطلبية المتجددة وأن يتمتعوا بسعة الصدر وبطول الصبر والأناة ، وعلى الحزب أن يعرف كيفية الأستفادة من التجربة النضالية التاريخية المتراكمة للجماهير الشعبية ، لأن الحزبي الذي لا يعرف أن يستفيد من التجربة التاريخية للجماهير لا يساوي شيئاً في العمل الحزبي الجماهيري وفق معايير العمل السياسي المنضبط والرصين . كما ينبغي ان لا يغيب عن ذاكرة المناضلين الحزبيين الحقيقيين أبداً أن العلاقات الوطيدة والراسخة التي تربط الحزب بالجماهير الشعبية تساعده على أن يُقَيّم بصورة موضوعية أفضل حاجاتها  ومصالحها وتطلعاتها . كما ونؤكذ على أن مناعة الحزب وقوته تكمن في صلاته وعلاقاته  المتينة مع الجماهير الشعبية والقائمة على أساس توفر الثقة المتبادلة معها ، وهنا يمكن أن نعطي تحديداً دقيقا وتعريفاً شاملاً لشكل العلاقة العضوية التي ينبغي أن تكون أو أن تؤسس وتنشأ بين الحزب والجماهير وكما يلي :-
" العيش في أعماق الجماهير بصورة دائمة ، محاولة معرفة عقليتهم ، محاولة معرفة كل شيء فيهم يخص حياتهم وطريقة تفكيرهم ، محاولة فهم مزاجهم وتطلعاتهم المستقبلية واهتماماتهم الآنية ، محاولة معرفة أساليب التعاطي والتعامل معهم واحترام خصوصياتهم ومعتقداتهم وتقاليدهم وطقوسهم الدينية والاجتماعية ، السعي الجاد لكسب ثقتهم المطلقة بأفكار ومبادئ وأهداف الحزب وولائهم له لكون الحزب منهم وإليهم " . ولغرض وضع هذا المبدأ السامي في العمل الحزبي والحياة الحزبية موضع التطبيق العملي اليومي والتعايش معه ميدانياً ، على القادة الحزبيين بمختلف مستوياتهم في الهيكل التنظيمي أن يكونوا هم القدوة التي يقتدى بها ، وأن لا ينفصلوا عن الجماهير التي يقودونها ، وكما ينبغي على الطليعة الحزبية المناضلة ونخبها المتميزة في ضبطها وتضحياتها ونكران الذات أن لا تنفصل عن مجمل جيش العمل في الحياة الحزبية . فالمطلوب إذن هو العيش في وسط وأعماق الجماهير ومعرفة عقليتها وفهمها ، وبالتالي معرفة كيفية العمل مع الناس والتعاطي معهم لكسب ثقتهم بمبادئ وأفكار وأهداف الحزب ، كما وينبغي أيضاً التعلم من الجماهير الشيء الكثير .. إن هذا النهج في العمل الحزبي المنضبط يجب أن يكون أحد أهم المبادئ الأساسية في سياسة الحزب الجماهيري ، وليس بامكان أحد كائن من يكون ومهما كانت قدراته الذاتية ومكانته القيادية في الحزب أن يقود الجماهير من الخارج ، أي من خارج وسطهم عن طريق إصدار الأوامر الفوقية إليها ، بل يمكنه ذلك عن طريق تقديم المثال النموذجي العملي لهم في الميدان بنشاطه الشخصي وتأثيره المعنوي وبقدرته على الأقناع وبقوة تنظيمه وحسه برصد توجه مزاج الجماهير . حيث يجب على الحزبي المحترف أن يعطي من شخصه مثالاً حياً عن القائد الملهم الحقيقي للجماهير من خلال تواجده الدائم في وسطهم ومشاركتهم همومهم وأحلامهم وتطلعاتهم المستقبلية وإرتباطه العضوي بهم . إن القوى الأساسية التي يجب أن يرتكز عليها الحزب لتحقيق وتعزيز وتقوية صلاته وعلاقاته بالجماهير الشعبية هي المنظمات الجماهيرية مثل النقابات المهنية ، إتحادات الشباب والطلبة والنساء ، الجمعيات الخيرية الأنسانية ، وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني ، والمؤسسات الثقافية والأعلامية مثل الصحافة والأذاعة والتلفزيون والفضائيات والمواقع الألكترونية والأنترنيت وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي وفرتها تكنولوجية المعلوماتية ، حيث تعتبر هذه الوسائل مجتمعة أحزمة النقل والتبادل والتواصل بين الحزب والجماهير في كل ما يتعلق بشؤون الحياة . وعليه يعتبر العمل داخل هذه المنظمات والمؤسسات لأكتسابها الى جانب الحزب هو من أولى أولويات المناضلين الحزبيين ومن اهم واجباتهم ومهامهم النضالية ، وفي هدى هذه الرؤى النضالية في صفوف الجماهير تكتسب قضية أساليب ومبادئ قيادة الحزب للمنظمات المهنية والاجتماعية والثقافية والأعلامية أهمية خاصة ذي بعد ثوري نابض بالحياة والحيوية ، لأنها تشكل الطريقة المثلى للتقرب من الجماهير الشعبية والعيش في وسطها عن قرب ومن ثم اكتسابها للانخراط في صفوف الحزب والارتباط المصيري به ، لأن الحزب من المفروض أن يكون قد تولى قيادة هذه المنظمات الجماهيرية وأصبح معلمها وموجهها في نضالها ، فهو الذي يرسم لها الخط السياسي الصحيح ويحدد المهام واتجاه النشاط العملي لها وينسق عملها ويمدها بالقوة عن طريق تزويدها بالملاكات الحزبية المقتدرة والواعية والمستوعبة لمبادئ ومهام وأهداف الحزب . والحزب من حيث كونه هو المعبر الحقيقي عن مصالح وطموحات وتطلعات الجماهير الشعبية بأسرها ، ومن حيث أنه يمثل العقل المفكر الجمعي لها فهو بالتالي مؤهل وجدير بأن يوجه عمل كل هذه المنظمات وأن يسخرها ويضعها في خدمة تحقيق أهدافه الأستراتيجية التي يناضل من أجلها ، وأن لا يَدعها أن تتحول الى ما هو أشبه بأن تكون مؤسسات ومكاتب تجارية ذات ملكية خاصة تسخر من قبل البعض من القياديين المتنفذين في قيادة الحزب لأجل تحقيق مصالح ومنافع شخصية أنانية على حساب مصلحة الحزب والقضية الأساسية التي يناضل من اجلها كما هو الحال مع الأسف الشديد وكما بات معروفاً للقاصي والداني في الأحزاب التي تدعي تمثيل أمتنا اليوم . بل على الحزب وقيادته ان تضع هذه المؤسسات في خدمة جماهيرها وقضيتها المركزية التي تدعى النضال من اجلها ، ومن المفروض بالقائمين على قيادة تنظيمات الحزب بكل مستوياتها أن لا يكونوا إلا مجرد موظفين لدى الحزب يؤدون ما عليهم من الواجبات الحزبية وليس إلا .

 خوشــابا ســولاقا
بغداد – 6 / شباط / 2014       
 

165
في التربية والثقافة السياسية
حول أهمية اختيار وبناء الملاكات الحزبية في الأحزاب السياسية

خوشــابا ســولاقا
من الطبيعي جداً أن تلعب الملاكات الحزبية القائدة لهيئات وتنظيمات الحزب المختلفة بدءً بأصغر خلية وإنتهاءً بأعلى هيئة حزبية دوراً مهماً وكبيراً في تحقيق وإنجاز مهام بناء الحزب وإستقراره فكرياً وعقائدياً وتنظيمياً من أجل المحافظة على وحدة الحزب الفكرية والتنظيمية وديمومتها وإستمراها وتطويرها تصاعدياً من الأدنى الى الأعلى بالشكل وبالمستوى اللذان يلائمان ويتكيفان مع مستجدات الحياة الحزبية والتي هي بالضرورة تتأثر وتؤثر بواقع الحياة الاجتماعية  وما يحصل فيه من تحولات وتطورات كمية وكيفية ، لأن الحزب السياسي يجب أن يعيش في حالة تفاعل وتبادل دائميين مع المجتمع لكي يتمكن من الاستجابة للمتطلبات المستجدة للمرحلة التاريخية التي يعيشها الحزب والمجتمع معاً ، وبالتالي لكي يتحول  الحزب الى أداة لتغييرالمجتمع جذرياً نحو ما هو أفضل وأسمى . هكذا سوف تفعل قوانين الديالكتيك كقانون تطور وتحول الأشياء فعلها وتؤدي دورها الحتمي في تطور العملية التاريخية التي يعيشها الحزب ، وهذا يدلل على أن نجاح كل عمل مهما كانت طبيعته يتعلق بالنتيجة بنوعية الأشخاص الذين توكل إليهم تنفيذ ذلك العمل . من هنا فإن قضية اختيار وبناء وتأهيل وتطوير الملاكات الحزبية بمختلف مستوياتها القيادية في الهيكل التنظيمي للحزب يجب أن تحتل دائماً وأبداً موقعاً هاماً وأساسياً ومكانة متميزة ضمن الأولويات والأستراتيجيات في عمل الحزب السياسي الرصين . لقد أكدت وتؤكد تجارب الأحزاب السياسية في جميع بلدان العالم بأن أي حزب سياسي سوف لن يتمكن من تحقيق سياساته إن لم يقوم بعمل منسق ومخطط له بشكل علمي باختيار وبناء وتأهيل وتثقيف كوادره القيادية وتوزيع الملاكات الحزبية القيادية على مختلف مستويات التنظيمات الحزبية في الحزب اعتباراً من أصغر خلية في قاعدة الحزب الى أعلى هيئة قيادية في قِمة هرم الحزب وفق معايير الكفاءة والنزاهة ونكران الذات والتضحية والأخلاص للحزب والتجرد من الولاءات الفرعية والخصوصيات الشخصية وعدم السعي بأي شكل من الأشكال وتحت أية ذريعة من الذرائع في كل الظروف لأستغلال الحزب وتحويلة الى وسيلة لتحقيق منافع ومصالح شخصية ليكون بذلك القائد الحزبي في موقعه نموذج للسيرة الحسنة وسمو الأخلاق ليقتدى به الآخرين في العمل .
إن عملية إتخاذ القرار الصائب في الحزب الرصين وصاحب المبادئ وعلى مستوى أية هيئة حزبية كانت إنه لأمر في غاية الأهمية في عمل وحياة الحزب والقيادة ، إلا أن ذلك لا يشكل سوى خط الشروع ونقطة البداية للعمل الحزبي المنظم وفق قواعد تنظيمية وأخلاقية معاً ، ولكي لا يبقى القرار الحزبي للقيادة في أية هيئة حزبية حبراً على الورق ينبغي نقله الى وعي الجماهير الشعبية للحزب لغرض توعيتهم وتثقيفهم بمضمونه وتهيئتهم لمرحلة الألتزام بالتنفيذ وترجمته الى واقع ملموس ، كما ينبغي تنظيم الجماهير وتعبئتهم لتضع القرار موضع التطبيق العملي طوعياً وبارادتها الذاتية حالما يطلب منها ذلك من قيل رموز الحزب العاملة مع الجماهير ، وهذا يتطلب عملاً وجهداً كبيراً على الصعيدين الفكري السياسي والتنظيمي في الحزب . كما هو معلوم ومعروف لدى المشتغلين في السياسة بأن السياسة تمارس في الحياة من خلال الناس أنفسهم كوسيلة لحماية مصالحهم كغاية ، عليه فان جوهر المسألة يكمن في الأختيار الصحيح والدقيق للملاكات الحزبية القيادية في الحزب التي تتولى تنفيذ القرارات الحزبية ومن ثم مراقبة ومتابعة تنفيذها بصورة صحيحة وفق الضوابط والقواعد التنظيمية المقرة والمعتمدة في حياة الحزب والمثبتة في القانون الأساس للحزب المتمثل بنظامه الداخلي ومنهاجه السياسي المقران من قبل أعلى سلطة حزبية ألا وهي المؤتمر العام للحزب الذي ينعقد دورياً .
من هنا تنبع الأهمية القصوى لاختيار الملاكات الحزبية النوعية من قيادات وكوادر الحزب القادرة لوحدها فقط على النهوض بمهام الحزب وفق المبادئ الديمقراطية ، لأن الملاكات الحزبية على هذه الصورة تشكل القوة الفاعلة والمحركة في قيادة الحزب ، وهذا ينطبق أيضاً في عملية قيادة وإدارة دفة شؤون مؤسسات الدولة العصرية الحديثة . لذا فان اختيار الملاكات الحزبية وبنائها على أسس عقائدية ومبدئية رصينة وتأهيلها وتثقيفها بشكل مستمر يشكل الأساس المادي لعمل الحزب الفكري والتنظيمي . عليه فانه من واجب الحزب – قيادة الحزب – أن يولي إهتماماً كبيراً ومتميزاً لهذا الجانب من نشاطه لأختيار وبناء واستخدام الملاكات الحزبية المقتدرة بصورة صحيحة عملاً بمضمون المقولة الدارجة " وضع الشخص المناسب في المكان المناسب " فيما إذا كانت الغاية المنشودة بناء حزب سياسي  قوي متماسك منسجم مع ذاته وموحد فكرياً وتنظيمياً . إن الطريق المؤدي الى مثل هكذا حزب يأتي من خلال توفير وخلق مثل هكذا ملاكات مقتدرة ومثقفة ومبدئية ومؤمنة وبعكسه سوف لا يعكس الحزب إلا صورة  لجمعية أو نادي اجتماعي غير متجانس كل عضوٍ فيه يعمل بانتقائية ومزاجية فردية ذات محتوي ديكتاتوري وتوجه استبدادي فردي وينهج نهج الأستئثار بالقرار على أوسع نطاق وتحويل الحزب بالتالي الى مؤسسة او شركة تجارية لصالح القلة من القيادات المتنفذة كما هو الحال في معظم أحزاب وحركات أمتنا اليوم مع الأسف الشديد ، وهذا الواقع يؤدي الى توفر الأسباب للخلافات والصراعات بين الأحزاب من أجل المصالح الشخصية على حساب إضعاف وتهميش قرار الأمة أمام مساعي الأقصاء من قبل الأخرين من الشركاء في الوطن لنيل أبسط حقوقها القومية والوطنية . لذلك فإن أي حزب سياسي يختار لنفسه غير هذا الطريق في اختيار وبناء الملاكات الحزبية سوف يكون بالتالي حزباً عاجزاً عن تحقيق أهدافه المرسومة ، وسوف ينتهي الأمر به الى الجمود العقائدي والشيخوخة المبكرة إن جاز التعبير إن لم يتمكن من إدراك وتجاوز أسباب الجمود العقائدي وتلك الشيخوخة المبكرة كما حصل لجميع الأحزاب الشمولية الديكتاتورية التي كان فيها القرار للديكتاتور الفرد القابع على رأس الهرم التنظيمي وليس للقيادة الجماعية الديمقراطية . ونستخلص من هذا كله أنه من دون قادة وكوادر متمرسين فكرياً وتنظيمياً واجتازوا دورات في التربية التنظيمية التي تُقيم فيما بينهم صلات ووفاق وانسجام فكري لا يستطيع أي حزب سياسي في المجتمعات الحديثة أن يخوض غمار النضال السياسي من أجل إنجاز التغيير الاجتماعي والحرية والانعتاق وبناء النظام الديمقراطي في إطار الدولة المدنية الديمقراطية دولة القانون والمؤسسات الدستورية التي تنشدها الشعوب المضطهدة والمقهورة . لذا فإن الحزب الذي ليس له مثل هذا المسعى لاختيار وبناء الملاكات المثقفة والواعية المقتدرة يكون مَثَلهُ مثل من يبني عمارة متعددة الطوابق على رمال الشاطئ من دون أساسات خرسانية ، من المؤكد أن مثل هكذا بناء سوف يكون مصيره الأنهيار المحتوم بعد حين وقبل الوصول به الى طوابقه العليا .


خوشــابا ســولاقا
بغداد – 1 / شباط / 2014
     

 

166
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم الديالكتيك
خوشابا سولاقا
إن الإنسان دائماً وأبداً يجد نفسة بحاجة لأن يعرف ويفهم ما يجري من حوله في محيطه الطبيعي والاجتماعي وما يحصل من التغيرات والتحولات الكيفية والكمية في الطبيعة والحياة الاجتماعية وفي حركة الفكر لكي يتمكن من أن يكون له فكر ورأي وموقف من كل ما يحصل من حوله من الأحداث ، لأن تلك هي سنة الحياة وقانون تطور المعرفة الإنسانية المتصاعدة ، ولكن كل ذلك لا يمكن أن يحصل من تلقاء نفسه إذا لم يكون هناك للإنسان منطق محدد وأداة تنسجم معه لتحليل بموجبه كل ما يحصل ، وهذا المنطق هو الذي يقود الانسان الى المعرفة العلمية والى أكتشاف القوانين الأساسية للحركة والتغير والتطور والتحول الكيفي والكمي . إن معرفة هذه القوانين هي وحدها التي تمكن الإنسان من التصدي لأفعال الطبيعة بما يحصل من التغيرات والتحولات الكيفية والكمية والتي بدورها تنعكس سلباً أو إيجابا على حياته الاجتماعية ومن ثم تمكنه من تحدي قوى الطبيعة وتطويعها وتسخيرها بالتالي لما هو لصالح تطوير حياته في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية . وليس ما حصل من الأكتشافات والاختراعات العلمية إلا نتيجة لابداعات عقل الانسان بعد إكتشافه ومعرفته لقوانين التغير والتطور ، وليس ما حصل من التطور والتقدم التكنولوجي في مجال الطيران والفضاء على سبيل المثال لا الحصر إلا نتيجة لاستغلال الانسان لقانون " الفعل ورد الفعل " الذي إكتشفه وصاغ معادلاته الرياضية العالم الفيزيائي الانكليزي الكبير " اسحق نيوتن " . وهناك الكثير الكثير من هذه الأمثلة التي أغنت الحضارة الإنسانية بالانجازات الكبيرة والتي جعلت من كوكبنا يبدو لمن يسكنه كقرية صغيرة ، وذلك لسهولة وسعة وسائل ووسائط النقل والأتصال بين أبناء البشرية في جميع أجزائه .. كل هذه المقدمة سُقتها لغرض تعريف القارئ الكريم بأهمية معرفة قوانين التغير والتحول والتطور وفعل آليات عملها في الطبيعة والمجتمع والفكر من أجل تحديد الكيفية التي من خلالها يتم التعامل معها وبالتالي تسخيرها ووضعها في خدمة الإنسان ، وموضوعنا هذا هو حول أحد وأهم مفاهيم المنطق العلمي لأكتشاف هذه القوانين التي نحن بصدد معرفتها .
الديالكتيك أو الجدل هو منطق جديد يستكمل ويواجه منطق أرسطو القديم ويقوم على أساس الحركة بدلاً من الثبات كما في منطق أرسطو ، وترجع بدايته الى الفيلسوف الأغريقي " هيراقليدس " ، ويقوم هذا المنطق على قوانين التداخل والحركة بين الأشياء في الطبيعة والمجتمع وعلى التحول من الكم الى الكيف والتناقض أي صراع المتناقضات أي صراع الأضداد هذه هي فلسفة منطق الديالكتيك .
الديالكتيك أو الجدل كان في البداية تعبير عن الحوار الذي يقوم بين المتنازعين حول رأي من الأراء كما كان بعض الفلاسفة القدماء يستخدمونه للتعبير عن المراحل المتدرجة للمعرفة ، إلا أن الديالكتيك أصبح فيما بعد تعبيراً عن منطق جديد في مواجهة منطق أرسطو القديم حيث كان منطق أرسطو يقوم أساساً على دراسة أشكال الفكر وقواعد استخلاص النتائج من المقدمات ، بينما منطق الديالكتيك هو دراسة محتوى الفكر نفسه لا شكله وهو كذلك دراسة القوانين الأساسية للتغير والحركة والتداخل في الطبيعة والمجتمع على السواء ، فاذا كان منطق أرسطو يقوم على الثبات فإن منطق الديالكتيك يقوم على الحركة ، وإذا كان منطق أرسطو يقول بأن كل شيء هو نفسه ولا يمكن أن يكون نقيضه في الوقت نفسه ، فإن منطق الديالكتيك يقول بالتناقض أساساً في نسيج الأشياء نفسها حيث أن كل شيء يحمل في نفسه نقيضه ، أي عندما يولد الشيء يولد معه نقيضه ، وبذلك تكون الأشياء في حالة تحول وتغير دائمين. نجد البداية لهذا التفكير الديالكتيكي في الفلسفة الأغريقية القديمة عند الفيلسوف " هيراقليدس " كما نوهنا الى ذلك ، كما نجد جوانب منه في الفلسفة الأوربية الحديثة عند " ديكارت " الفرنسي و" سبينوزا " الدينماركي وكذلك عند الفيلسوف الألماني الكبير " إيمانوئيل كانط " وخاصة في نظريته الخاصة بنشأة المجموعة الشمسية وتطورها . إلا ان المنطق الديالكتيكي الحديث بدء عند الفيلسوف الألماني الكبير " فريدريك هيجل " فكان بذلك المنطق الديالكتيكي الهيجلي هو أول منهج فلسفي لدراسة الظواهر الطبيعية والإنسانية دراسة ديناميكية متطورة ، وكان الديالكتيك الهيجلي جزءً من فلسفته المثالية القائمة على أساس أن الروح المطلقة الكلية هي جوهر الوجود ، هكذا أصبح الديالكتيك الهيجلي ديالكتيكاً مثالياً في جوهره . ومن بعد هيجل تسلح كل من " كارل ماركس " و " فريدريك إنجلس " بالديالكتيك الهيجلي ومادية الفيلسوف الألماني " فيورباخ " وطوراه وأقاماه على أساس مادي وبذلك نشأت " المادية الديالكتيكية " أي المادية الجدلية التي هي علم القوانين العامة الأساسية للتطور في الطبيعة والمجتمع والفكر الإنساني الخلاق . وهكذا أصبحت " المادية اليالكتيكية " أحد الأسس الثلاثة التي تقوم عليها النظرية الماركسية والأشتراكية العلمية والشيوعية الى جانب " المادية التاريخية " التي تبحث في قوانين تطور المجتمع الإنساني و " الأقتصاد السياسي " الذي يبحث في شؤون تطور الأقتصاد وقوانينه كالعرض والطلب وفائض القيمة في عملية الأنتاج .
على ضوء ما تقدم نستطيع أن نلخص المبادئ العامة لمنطق الديالكتيك في النقاط الآتية :-
أولاً : أن كل شيء متداخل ومتشابك مؤثر ومتأثر بكل شيء آخر ، وذلك على خلاف المنطق الشكلي والفلسفة الميتافيزيقية أي فلسفة ما وراء الطبيعة أو الفلسفة المثالية اللذين يعزلان الأشياء عن بعضها البعض .
ثانياً : إن كل شيء في حالة تغير وحركة وصيرورة ، وهذا على خلاف النظرة السكونية الثبوتية التي تتبناها الفلسفات الشكلية والميتافيزيقية المثالية .
ثالثاً : أن التغيرات الكيفية هي نتيجة حتمية لتغيرات كمية ، كما أنها تؤدي كذلك الى إحداث تغييرات كمية ، والتغييرات الكيفية تتم على شكل طفرة ، إلا أن هذه الطفرة لا تحسب بالزمن ، فقد تتم في دقائق وقد تستغرق سنوات .
رابعاً : إن التناقض وصراع الأضداد هو نسيج وطبيعة الأشياء فكل شيء يحمل في داخله جانباً إيجابياً وآخر سلبياً ، وهناك في كل شيء جانب ينمو وآخر يموت ، وهذا المبدأ هو جوهر الحركة الديالكتيكية كلها في الحياة الطبيعية و في الحياة الاجتماعية في مسيرة تطورهما المستمر .
خامساً : إن المبدأ الأخير في المنطق الديالكتيكي هو مبدأ نفي النفي الذي يحدد مسار العملية الديالكتيكية في تطور وتغير وتحول الأشياء ، فهناك الموضوع ثم هناك نقيض هذا الموضوع أو نفيه أو بعبارة أخرى ما ينفيه ، ثم هناك نقيض هذا النقيض أو نفي النفي ، فكل شيء نتيجة لسبب ما وتلك النتيجة تتحول وتصبح سبباً لنتيجة جديدة وهكذا تتوالي الدورة التحولية التطورية وهي سنة من سنن الطبيعة .
ونوضح ذلك بأمثلة من واقع الحياة الاجتماعية للمجتمعات البشرية عبر عملية تطورها وتحولها من الأدنى الى الأعلى طيلة مراحل التاريخ ، مثلاً كان نظام المجتمع العبودي نفياً لنظام المجتمع المشاعي الذي سبقه وكان نظام المجتمع الأقطاعي نفياً لنظام المجتمع العبودي الذي سبقه وكان نظام المجتمع البرجوازي الرأسمالي نفياً لنظام المجتمع الأقطاعي ، وكان سيكون نظام المجتمع الأشتراكي الحقيقي نفياً لنظام المجتمع الرأسمالي ونظام المجتمع الرأسمالي الليبرالي الحر نفياً لنظام المجتمع الأشتراكي والنظام الرأسمالي البرجوازي معاً . في هذه الدورة دورة تطور وتحول الانظمة الاجتماعية في عملية تطور المجتمع البشري عبر مراحله التاريخية كان كل نظام منها نفي للنظام الذي قبله ونفي النفي للنظام الذي سبق ما قبله . وكل نظام كان نتيجة للتناقضات الموجودة في النظام الذي قبله ، وفي نفس الوقت يصبح هذا النظام المولود حديثاً سبباً لولادة النظام الذي يليه بعد حين وهكذا دواليك .
إن النفي في هذا المبدأ لا يعني الألغاء التام في أي حال من الأحوال وإنما يعني التجاوز والتخطي أي الأنتقال من مستوى أدنى في سلم التطور والتقدم الى مستوى أرقى " كماً " و " نوعاً " مع الأحتفاظ بكل ما هو متقدم وإيجابي وقابل للتطور والتحول الى ما هو أرقى مستواىً مما هو عليه . لقد سبق لي وإن كتبتُ مقالاً بعنوان ( في التربية والثقافة السياسية حول مفهوم الدولة وأشكالها ) وتم نشره في هذا الموقع الكريم قبل ايام قليلة بينتُ فيه بأنه ليس هناك في التاريخ أي شكل للدولة الحيادية غير المنحازة لصالح جهة ضد جهة أخرى بسبب وجود صراع على المصالح بين شرائح وطبقات المجتمع وبالتالي فان مؤسسة الدولة أزلية لا تنفي الحاجة الى وجودها كقوة مسيطرة وحامية ومنظمة لنشاطات المجتمع تحت شرعية القانون والدستور . وكذلك معروف لدى المعنيين بالشأن السياسي بأن السياسة هي وسيلة للدفاع عن المصالح حيث كانت كذلك على طول التاريخ البشري في كل مراحله المختلفة .
وهذا ما يشير ويؤكد بجلاء على وجود علاقة جدلية بين السياسة كوسيلة والدولة كغاية وعليه فإنه طالما أن المصالح كغاية متغيرة بشكل مستمر فإن السياسة كوسيلة لحماية تلك المصالح هي الأخرى يجب أن تكون متغيرة بالضرورة ، وهنا هو بيت القصيد من هذا المقال ، أنه على الذين يتعاطون مع العمل السياسي المنظم لتحقيق أهداف استراتيجية على أي مستوى كان ، عليهم أن يفهموا وأن يستوعبوا بعمق وإدراك المنطق الديالكتيكي شكلاً ومضموناً ، وان يكون معيارهم يهتدون إليه لتقييم وتحليل الأحداث المستجدة على ساحة العمل السياسي والتعامل معها بعلمية ، وأن يدركوا جيداً بأنه ليس هناك شيء ثابت في السياسة كالتكتيك اليومي والمرحلي لتحقيق الأهداف الاستراتيجية ، وأن لا تكون السياسة عبارة عن ممارسات عشوائية منفلتة غير منضبطة وردود أفعال على أحداث آنية تحصل هنا وهناك بين حين وآخر والتي ربما تكون أحداث مفتعلة من قبل الطرف الآخر لجرنا الى إرتكاب حماقات غير محسوبة النتائج والعواقب تؤثر سلباً على مسيرتنا النضالية ، بل يجب أن تكون ردود أفعال وممارسات السياسي المحنك مدروسة وموزونة ومحكمة التنفيذ وفق المنطق الديالكتيكي لكي تكون نتائجها إيجابية ومثمرة ومفيدة لصالح تحقيق الأهداف الأستراتيجية المخطط لها .

خوشــابا ٍســولاقا
25 / ك2 / 2014       

167
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم الدولة وأشكالها
خوشابا سولاقا
قبل الخوض في تعريف مفهوم الدولة سياسياً وقانونياً وأشكالها تاريخياً لابد من إعطاء صورة مبسطة ذهنياً لمضمون وجوهر الدولة ، لكي يكون قريبة من الذهن للانسان العادي ولكي يأتي  بالتالي الخوض بعمق في مضمون مفهوم الدولة وفلسفتها وأشكالها ذي جدوى يضيف الى ثقافة الانسان العادي المحدود الثقافة ما يساعده على فهم واستيعاب آلية عمل الدولة في تنظيم وإدارة المجتمع وواجباتها القانونية تجاه أفرادها ، وكيفية التعاطي معها من أجل إعادة بناء مجتمع جديد يتوازى فيه الأداء في الواجبات بين الفرد والدولة تجاه بعضهما البعض ، مجتمع ودولة تكون فيهما الفرصة متاحة لتحقيق العدالة والمساواة وتكافوء الفرص بين أفراد المجتمع الواحد وتوفير الأمن والأمان والسلم الاجتماعي على أساس المواطنة وحدها دون سواها وليس على أساس الخصوصيات الفرعية . " فالدولة هي تلك القوة الاجتماعية المنظمة التي تمتلك سلطة قوية تعلو قانوناً فوق سلطة أية جماعة داخل المجتمع ، وعلى أي فرد من أفراده مهما علا شأنه ومهما كَبرت مكانته الآجتماعية " . ويميز الدولة عن بقية الجماعات الأخرى في المجتمع ذلك الأعتراف لها بحق القسر وطلب الطاعة من المواطنين ويعطيها هذا الحق الأولوية على كل الجماعات الأخرى التي تحاول أن تطرح نفسها بديلاً للدولة بمؤسساتها الدستورية والقانونية مهما كانت طبيعة تلك الجماعات في المجتمع مثل الأحزاب والتنظيمات السياسية والجماعات الدينية بكل أشكالها والجماعات الأقتصادية والنقابات والأتحادات المهنية المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني . في هذا الجانب يجب أن نفريق بدقة بين الدولة كمفهوم وغاية وبين الحكومة كوسيلة وأداة تنفيذ ، لأن الدولة هي جهاز مؤسساتي والحكومة هي الأشخاص الذين يحكمون بأسم الدولة من خلال الدستور والقانون ، والدولة على هذا الأساس هي تصور نظري وليس إلا ، وأما الحكومة كأشخاص فهم يتغيرون ولا تختلط وتتداخل الصورتان بأي شكل من الأشكال إلا في المجتمعات البدائية المتخلفة القائمة على أساس القيم والتقاليد والأعراف القبلية والعشائرية وغيرها من الخصوصيات الفرعية والمطلية أحياناً في بعض الجوانب بطلاء ديني لأعطاء لذلك الشكل من الدولة شرعية إلاهية وأن سلطتها بالقائمين عليها مستمدة من السماء ، أو في ظل الدولة الأستبدادية الديكتاتورية ، حيث فيها يدعي الحاكم المطلق بأنه الحاكم باسم الله وأنه هو الحكومة والدولة وأحياناً أنه هو الشعب كما قال لويس السادس عشر ملك فرنسا " أنا الشعب " . 
هناك نظريات عديدة في الفكر السياسي لتفسير مفهوم الدولة ، أهمها تاريخياً النظريات المثالية وأخطرها حالياً النظريات المادية . يرى المفكرون السياسيون أن تاريخ الفكر السياسي مليء بالتفسيرات المثالية لمفهوم الدولة ، فمثلاً قال الفيلسوف الأغريقي الشهير أرسطوطاليس منذ القدم " أن الدولة توجد لتوفير حياة طيبة للمواطنين " وأرطوطاليس هنا ينظر إلى ما يجب أن تكون عليه الدولة ، وسار على نهجه الكثيرين من المفكرين المثاليين في الفكر السياسي في تعريف وتحديد مفهوم الدولة الى عصرنا الحاضر . كذلك هناك من يقول " لن تكون هناك حضارة ما لم تعطي هذه الحضارة ضمانات تنبع من سلطانها على الحياة والموت " ، والمعني بالسُلطان هنا هو الدولة ، وكذلك هناك من قال " لابد من أن يقام جهاز عام للحكم حتى نتمتع بحقوق الحياة والحرية والموت " . ويقول الفيلسوف الألماني الكبير فريدريك هيجل في هذا الخصوص " إن الدولة هي الفكرة الألهية كما توجد على الأرض وكل قيمة للانسان مشتقة من انغماسه في مشاكلها " . على ضوء هذه الرؤى والتعاريف لمفهوم الدولة نلاحظ أن هناك إعترافاً إجماعياً بين الفلاسفة والفلسفات والمفكرين السياسيين عدا الفلسفة الفوضوية والفوضويين منها بضرورة وجود جهاز عام في المجتمع ينظم ويحدد شروط الحياة وحدود القواعد المنظمة لها المسموح بها لكي لا تصبح الحياة مجرد فوضى تسودها الجريمة بكل أشكالها كما نلاحظ ذلك في المجتمعات التي تكون فيها سلطة الدولة هشة وضعيفة وشبه غائبة كما هو عليه الحال في عراقنا الجريح اليوم . ولكن بالرغم من هذا الأعتراف الأجماعي على ما خلعه المثاليون على الدولة من أنها تمثل المصلحة العليا والصالح العام للمجتمع ، إلا أن النظريات المادية بدأت تكشف على ان هذه الصيغة المثالية لتعريف وتحديد مفهوم الدولة تختلف عن حقيقة الواقع القائم في كل العصور من تاريخ المجتمع الانساني ، حيث هناك فرق كبير بين ما تعنيه الدولة أو تدعيه لنفسها وبين ما يتحقق فعلاً على أرض الواقع للحياة الاجتماعية . كما أن المواطنين لا يعنيهم في النهاية ما تدعيه الدولة من أهداف مرسومة وما ترفعه من الشعارات النظرية الأعلامية لغرض الأستهلاك لتحقيق أجندات سياسية محددة مرحلياً ، أو ما تعلنه من مشاريع مؤجلة عملياً لسبب أو من دون سبب ، ولكن الذي يعنيهم من الأمر هو ما يتحقق فعلاً على أرض الواقع ويصبح واقعاً ملموساً معاشاً وفاعلاً في حياتهم . كما لاحظت النظريات المادية أن الدولة رغم ما تدعيه من تمثيلها للصالح العام ، إلا أن هذا الصالح العام في التطبيق العملي غير ذلك تماماً حيث يتحدد ويتحيز لصالح جهة ضد جهة ، وبالتالي يكشف المنهج المادي أن الدولة متحيزة بطبيعتها ، وكانت كذلك على امتداد التاريخ . ففي أثينا القديمة مثلاً كانت الدولة العبودية تتحيز ضد طبقة العبيد لصالح طبقة الأحرار ولا كانت تمثل الصالح العام إطلاقاً وإنما كانت تمثل الصالح العام في حدود طبقة الأحرار من الأثينيين . وفي ظل الدولة الأقطاعية كانت الدولة تتحيز لصالح طبقة الأقطاعيين ضد طبقة الفلاحين ، وفي ظل الدولة البرجوازية الرأسمالية كانت الدولة تتحيز لصالح طبقة البرجوازيين الرأسماليين ضد طبقة العمال والعاملين معهم من الشرائح الاجتماعية الأخرى ، وفي ظل الدولة الأشتراكية كانت الدولة تتحيز لصالح طبقة العمال البروليتاريين والفلاحين والحزبيين المنخرطين والمنضويين في صفوف الأحزاب الثورية ذات الفكر الشمولي التي تقود السلطة في الدولة الأشتراكية ضد بقايا الطبقات البرجوازية الرأسمالية والأقطاعية وحتى البرجوازية الصغيرة للطبقات المتوسطة . وهذا الحال أي تحيز الدولة لصالح طبقة معينة ضد طبقة أخرى كان هو القاسم المشترك الأكبر في كل أشكال الدولة التي قادتها قوى التغييرات الثورية ذات الأفكار والتوجهات الشمولية الراديكالية للتحول من نظام الى آخر كالأحزاب القومية التي تدعو الى بناء دولة قومية عنصرية مغالية في تعصبها القومي ، أو الأحزاب الدينية التي تدعو الى إقامة دولة دينية متعصبة أو دولة دينية على أساس مذهب معين . يبقى طابع التحيز للدولة هي السمة المشتركة التي طبعت ولازمت كل أشكال الدولة عبر التاريخ ، ولذلك كان دائماً هناك ظالمين في طرف وهناك مظلومين في الطرف الآخر من كيان الدولة . والأمثلة على ذلك كثيرة على إمتداد التاريخ الانساني عبر مختلف المراحل التاريخية لتطور المجتمعات البشرية ، ومن هنا لابد لنا عند تحليل مفهوم الدولة من الهبوط من عالم المثاليات والتصور التجريدي والنظر الى المجتمع وتطوره نظرة واقعية لنتمكن من أختيار وصياغة ما هو أنسب من أشكال الدولة لتنظيم وإدارة المجتمع بنجاح . وتقتضي هذه النظرة الجديدة تقدير هذا الصراع الديناميكي بين الذين تتحيز لهم الدولة والذين تتحيز ضدهم ، وهذه الطبيعة المتحيزة للدولة عبر مراحل تطورها التاريخي تكشف لنا أن الدولة تضع سلطتها القسرية أي سلطة الأرغام لتخدم بالتالي مصلحة العلاقات الطبيقية السائدة في المجتمع وليس الصالح العام كما تدعي ، وبالتالي فإن عبارة حماية النظام والقانون والأمن إنما تعني القانون والنظام والأمن التي تتضمنها تلك العلاقات الطبقية المعنية وليس الجميع
على الرغم من أن النظريات القانونية المثالية والتجريدية التي تعتبر الصالح العام شيئاً جامداً ثابتاً لا يتغير إلا أنه في الحقيقة يتغير وتتغير معه الأيديولوجية التي تبشر به وتدافع عنه بتغير النظام الاجتماعي ، وكذلك من الملاحظ ان للدولة صفة اخرى هي الوحدة  ولكن وحدة الدولة ليست ثابتة وجامدة وأزلية هي الأخرى ، لأن الخلافات والنزاعات والصراعات الاجتماعية التي تحصل في المجتمع لهذا السبب أو ذاك قد تصل الى حد تهديد وحدة الدولة وإضطراب السلام في المجتمع ووقف قوة القانون الآمرة . فإذا ما حدث ذلك كان لابد من إعادة بناء وحدة الدولة من جديد ، ومن هنا كان الفرق في تغير الحكومة وتغير الدولة ، فإذا كانت الخلافات والمنازعات والصراعات في المجتمع ضعيفة وغير عميقة الأثر على بنية المجتمع فإن وحدة الدولة تبقى لا تتأثر بذلك  ولكن قد تتغير الحكومة ، ولكن إذا كانت المنازعات والصراعات قوية وعميقة الأثر على بنية المجتمع كالثورات فإن ذلك يؤدي الى تغيير الحكومة والدولة معاً لأنها تؤدي بالنتيجة الى تغيير العلاقات الاجتماعية . وغير مثال على ذلك في التاريخ ما حصل في فرنسا على خلفية الثورة الفرنسية التي استخدمت سلطة الدولة الثورية الجديدة في إلغاء امتيازات الطبقة الأرستقراطية الحاكمة والسائدة في فرنسا قبل الثورة ، وكذلك الحال مع تجربة الثورة البلشفية في روسيا القيصرية حيث استخدمت سلطة الدولة الثورية الجديدة في إلغاء امتيازات الراسماليين والأقطاعيين وإلغاء الملكية الفردية لوسائل الأنتاج وإقامة دولة العمال والفلاحين المتحيزة لصالح العمال والفلاحين ضد الرأسماليين والأقطاعيين . هكذا برهن واقع الحياة تاريخياً وعملياً بطلان صحة مفهوم " حيادية الدولة " أي إدعائها تمثيل المصلحة العامة دون تحيز وسعيها لتحقيق صالح المجتمع بأكمله دون محاباة . وهكذا نلاحظ بقاء الدولة الراسمالية عند مقارنتها بغيرها من أشكال الدولة حائزة على رضا أوسع قطاع من المواطنين من مختلف شرائح وطبقات المجتمع طالما استطاعت تاريخياً في مرحلة توسعها من توسيع مساحة الخدمات المقدمة للمواطنين وتوسيع القدرة الأنتاجية للنظام الأقتصادي الرأسمالي . ولكن عندما يعجز النظام الرأسمالي من التوسع وينكمش في توزيع خدماته للمواطنين لأي سبب كان وتلك هي طبيعة تكوينه حتى نجده يواجه أزمة هائلة وتناقضاً أساسياً بين الأسس الديمقراطية الليبرالية حتى يضطر الرأسماليين الى القضاء على الأسس الديمقراطية للدولة وإعلان قيام الدولة الديكتاتورية كما حدث ذلك في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية وإسبانيا الفرانكووية وغيرها الكثير من الأمثلة في بلدان عديدة حيث تدعم الدولة القوة القسرية لها بالقوة المسلحة ، وهذا هو السبب الذي يبرر الدعوات التي تدعو الى ضرورة أن تبقى القوات المسلحة بكل أصنافها مسؤولة أمام الحكومة فقط . ولهذا السبب ذاته تعتمد كل الثورات الشعبية الحديثة التي تبتغي وتسعى الى إجراء تغيير ثوري وشامل في بنية مجتمعاتها في نجاحها على موقف القوات المسلحة بكل فصائلها وفي مقدمتها الجيش النظامي من تلك الثورات ، وللسبب نفسه أيضاً يملء الرأسماليين في الدول الرأسمالية مراكز القوى في القوات المسلحة بأفراد ينتمون الى الطبقة الراسمالية أو ممن يشتركون معهم في نظرتهم الأيديولوجية في الولاء للنظام الرأسمالي ، وكل نظام لا يهتم بدور وفعل القوات المسلحة إنما يغفل حقيقة هامة في تكوين الدولة الحديثة وسلطتها القسرية التي تميز الدولة عن بقية الجماعات الأخرى التي تطرح نفسها بديلاً للدولة خلافاً للقانون والدستور . وهذا ما حصل في جميع بلدان العالم الثالث ومنها الدول العربية بعد وصول قوى التغيير التي قادتها العسكر الى السلطة عن طريق الأنقلابات العسكرية والتي انتهت بعد فشلها في تقديم إنجازات إيجابية لصالح شعوبها الى إقامة دولة ديكتاتورية قمعية بوليسية أريقة فيها دماء غزيرة للقوى الوطنية المخلصة والحريصة على مصلحة الشعب والوطن والعراق واحد من تلك البلدان المنكوبة بأنظمة الدولة الديكتاتورية المقيتة وما زال .
وخلاصة القول ومن خلال هذا الأستعراض لمفهوم الدولة واشكالها وآليات عملها لتنظيم وإدارة المجتمع نجد أنه ليس هناك دولة حيادية غير متحيزة لجهة ضد جهة اخرى ، وبالتالي ليس هناك دولة عادلة بشكل مطلق وإنما عدالتها نسبية ، وإن أكثر اشكال الدولة عدالة وإنصافاً هي الدولة الراسمالية الليبرالية الحرة التي نشأت اصلاً على خلفية " العقد الاجتماعي " الذي بموجبه تم الأتفاق بين أرباب العمل من مالكي وسائل الأنتاج والعاملين لديهم من طبقتي العمال والفلاحين والكفاءات العلمية من الشرائح الاجتماعية الأخرى على التعايش السلمي مع ضمان الحقوق القانونية للطرفين ، وبذلك تحول وعلى خلفية هذا العقد نضال العمال والفلاحين من السعي الى إسقاط النظام الرأسمالي من خلال الثورة البروليتارية وبالوسائل العنيفة وإقامة دولة الديكتاتورية البروليتارية كما تنبأ بها كارل ماركس بحكم التناقضات العميقة الموجودة في عملية الأنتاج الرأسمالي بين مالكي وسائل الأنتاج والعامليين في تشغيل تلك الوسائل الى نضال سلمي من أجل تحسين مستوى الوضع المعاشي وشروط العمل والضمان الاجتماعي لهم مستقبلاً وكما هو حاصل اليوم في الدول الرأسمالية . هذا النظام أي نظام الدولة الرأسمالية الليبرالية الحرة أعتبره المفكر الأميريكي " فرانسيس فوكوياما " بانه نهاية التاريخ . وعليه فإنه في حالة الوصول الى دولة غير متحيزة يكون قد وصلنا الى حالة إنتفاء الحاجة الى وجود الدولة أصلاً ، وهذا يعني بدوره الوصول الى مجتمع غير طبقي أي مجتمع خالي من الطبقات الاجتماعية التي تتعارض مصالحها ، وبالتالي مجتمع خالي من الصراع الطبقي على المصالح ، وهذا الشكل من المجتمع هو المجتمع الشيوعي كما يراه المنظرين الماركسيين والشيوعيين والذي فيه الكل يعطي للمجتمع حسب مقدرته ويأخذ منه بحسب حاجته ، ولكن يبقى هذا الطراز من المجتمع مجرد تصور خيالي وحلم طوباوي بعيد المنال يراود أفكار بعض المبالغين في تأملاتهم المستقبلية ، ويبقى مجرد فكرة نظرية بحتة وضرب من ضروب الخيال والتأمل المجرد لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع ، لأن الانسان بطبيعته أناني وطموح ومتغير المزاج والرؤى بشكل دائم ولا يمكن في يوم ما من التاريخ خلق مجتمع من أفراد متماثلين في طبائعهم وعلى نمط ونسق واحد من التفكير والتطلع في كل شيء ، أي لو صح التعبير مجتمع مكون من أفراد في هيئة فرد واحد لكي لا يكون هناك إختلاف بين فرد وآخر حول المصالح وبالتالي الوصول الى مجتمع خالي من الطبقات الاجتماعية والصراع الطبقي على المصالح ومن ثم إنتفاء الحاجة الى وجود دولة . إن وجود الطبقات الاجتماعية حقيقة موضوعية وأزلية لازمت المجتمعات منذ أن تم تقسيم العمل عبر التاريخ لا يمكن نفييها أبداً وعليه يكون الصراع الطبقي على المصالح نتيجة حتمية للبناء الطبقي للمجتمع وبالتالي فإن وجود دولة متحيزة لجهة طبقية بعينها ضد جهة طبقية أخرى ضرورة حياتية واجتماعية وسبباً حاسماً تجعل التطور البشري يستمر تصاعدياً وفق قانون صراع الأضداد وقانون السبب والنتيجة . ولذلك نرى أن قول السيد فرانسيس فوكوياما في كون النظام الرأسمالي الليبرالي الحر هو نهاية التاريخ فيه جانب من الصواب وهو نهاية التاريخ غير المنصف القائم على استغلال الانسان لأخيه الانسان وبداية التاريخ المنصف للتعاون والتعايش السلمي بين مالكي وسائل الأنتاج والعاملين معهم على أساس " العقد الاجتماعي " بين الطبقات الذي يضمن ويحمي مصالح جميع الأطراف في عملية الصراع الطبقي بين الطبقات الاجتماعية . وطالما أن الانسان موجود وهو في حالة تغير مستمر ودائم فالتاريخ الذي يصنعه بفعله المبدع الخلاق يكون هو الآخر في حالة تغير مستمر تبعاً لذلك . وبذلك لا يكون هناك ما يسمى بنهاية التاريخ كما يحلم السيد فوكوياما أبداً بل ستكون هناك دائماً بدايات جديدة لتاريخ جديد أكثر عدلاً وإنصافاً وإشراقاً للإنسان ، لأن بقاء وجود الأنسان يعيد إنتاج التاريخ بشكل متوالي تصاعدي من الأدنى الى الأعلى ، وهذه هي سنة الحياة والتاريخ في تطورهما .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 17 / ك2 / 2014         

168
في التربية والثقافة السياسية
حول النشأة التاريخية لظهور وتطور الفكر الليبرالي

خوشابا سولاقا
بالنظر لكثر الحديث في هذه الأيام حول الفكر الليبرالي والليبرالية وعلى كافة الصُعد الفكرية والسياسية والاقتصادية وعبر مختلف وسائل الأعلام المرئية والمقروئة والمسموعة ، وتناول هذا الموضوع من قبل مختلف طبقات المجتمع ومن قبل مختلف المستويات من الناس من المتعلمين والمثقفين والسياسيين وكل المهتمين بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وذلك لما لهذا الفكر من مساحة واسعة على ساحة الحياة الإنسانية بكل جوانبها . وبالنظر لما لمستُهُ في حياتي وفي تجربتي الثقافية وما ألمَسهُ يومياً في تفاصيل الأحداث الجارية في حياتنا المتغيرة من فقر المعرفة العلمية والدراية بهذا الفكر الثوري الإنساني النبيل وما أداه ويؤديه من دور رائد وكبير وتاريخي في مجال إثراء وإغناء الفكر السياسي الإنساني وتجربته ، وما قدمه من خدمة جليلة وفائدة كبيرة كنظرية سياسية وفكرية وفلسفية وإقتصادية إعتَمدتهُ الكثير من الأحزاب والأنظمة السياسية قديماً وحديثاً وما زال يُعتمد ، وما رافق تطبيقه من تطور مع تطور مستجدات الحياة . وجدتُ من الضروري جداً أن أقوم بتوضيح وإلقاء الضوء وحسب معلوماتي المتواضعة على النشأة التاريخية لظهور وتطور الفكر الليبرالي والحركة الليبرالية ومدارسها وما حصل فيها من الصراعات والتناقضات بين أجنحتها المختلفة من اليمين واليسار الى القراء الكرام بغرض التنوير بهذا الفكر الذي أعتبره أحد الأعمدة والمصادر الفكرية الأساسية الذي تسترشد به كل المنخرطين في التنظيمات السياسية التي تؤمن بمبادئ الحرية وقيم الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر ومبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان .
كلمة " الليبرالية " مشتقة من أصل الكلمة اللاتينية " liberalist " أو من الكلمة الانكليزية " liberalism " أنها تعني في معناها الظاهري والضمني ما يتفق مع طبيعة الإنسان الحر صاحب الارادة الحرة ويتوافق مع الحرية الفردية بكل أشكالها التي لا تؤدي إلى الأضرار بحرية وحقوق الآخرين ،  وعلى الأغلب ما أجمع عليه أغلب الكتاب والمفكرين حول نشأة الليبرالية أنها ظهرت في بداية القرن التاسع عشر ، عصر نمو وتوسع الاستعمار الأمبريالي وتقدم وتطور الصناعة الثقيلة وظهور النفط كمصدر أساسي للطاقة المحرك لعجلة الصناعة بكل أنواعها . فقد وصف بها الكثير من المفكرين والمنظرين ورجال السياسة واستخدمها البعض الآخر منهم في كتاباتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية وبذلك اتخذت الليبرالية أشكالاً ومضامين مختلفة في الحقول الفكرية والسياسية والفلسفية والاقتصادية الى أن أصبحت فلسفة ونظرية ونهجاً لبعض الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلدان أوربا التي سمت نفسها بالأحزاب الليبرالية .
وكذلك يطلق مصطلح الليبرالية على المهن الحرة أي تلك المهن والنشاطات الاقتصادية الفردية التي لا تخضع لسلطة الدولة ، وتلك المهن التي لا تخضع لسلطة بين العميل أو الموكل والوكيل كمهنة المحاماة والطب والمحاسبة وغيرها من المهن المماثلة . وقد أطلقت كلمة الليبرالية بمعنى التحررية على الكاثوليكيين الليبراليين الذين يتميزون بنزعة التحرر من إستبدادية السلطة العليا للكنيسة أمثال قادة ثورة الأصلاح الديني في أوربا ، وكذلك أطلقت على امبراطورية فرنسا الثانية في عهد نابليون بونابورت بقصد تمييزها عن الأمبراطورية الفرنسية الأولى التي تميزت بالاستبدادية في عهد ملوكها قبل الثورة الفرنسية الكبرى . وكذلك أطلق وصف الليبرالية على الحزب الليبرالي البريطاني ( حزب الأحرار ) الذي ظهر الى الوجود وتأسس كحزب سياسي بعد الأصلاح الديمقراطي الكبير في إنكلترا في بداية الربع الثاني من القرن التاسع عشر . وكانت من المبادئ الأساسية للحزب الليبرالي البريطاني الأيمان بفكرة حرية الفرد وبفكرة الحرية الاقتصادية له أي ترك الأفراد أن يعملون بحرية ويربحون كما يريدون ، حيث ينطلقون في ذلك كون كل ما هو في الصالح الخاص للفرد يصب بالنتيجة في تحقيق الصالح العام للمجتمع الذي هو جزء منه .
وعندما ظهر حزب الأحرار أو الحزب الليبرالي دخلته وانخرطت في صفوفه عناصر كثيرة من توجهات فكرية مختلفة وبالأخص ممن يعارضون الحزب الثوري المحافظ أي ما يسمى حالياً " حزب المحافظين " ، كما دخلته أيضاً عناصر كثيرة من " الراديكاليين " الذين كانوا يطالبون أصلاً بإجراء إصلاحات جذرية في الانتخابات وإعطاء حق الانتخاب لمن لا يملكون أسوة بأولائك الذين يملكون . وبسبب هذا الأستقطاب الكبير للحزب الليبرالي تولت قيادات منه الحكم في إنكلترا وقامت بإجراء إصلاحات ديمقراطية كبيرة وهامة في النظام السياسي الذي كان سائداً أنذاك في إنكلترا . ولكن بعد النجاحات الكبيرة التي حققها الحزب الليبرالي على مستوى الأصلاحات الديمقراطية في طبيعة النظام السياسي إنقسم الحزب على نفسه بعد ظهور عصر الأستعمار الأمبريالي ، حيث ظهر جناح يميني في الحزب يؤيد السير في سياسة الأستعمار والتوسع الأستعماري لأحتلال البلدان الأخرى من أجل تأمين مصادر جديدة وكبيرة للمواد الخامة والطاقة لتمويل الحركة الصناعية الهائلة من جهة وتأمين في ذات الوقت الأسواق الجديدة لصرف منتجاتها لزيادة أرباحها من جهة ثانية ، وجناح يساري معارض لتوجهات وتطلعات الجناح اليميني .
وقد عاد الحزب الليبرالي من جديد ومن خلال جناحه اليميني الى قوته أيام زعيمه " لويد جورج " وظل يحكم بريطانيا ويصارع حزب المحافظين على السلطة الى أن ظهر للوجود " حزب العمال البريطاني " ببرنامجه الجديد الأشتراكي الديمقراطي ، حيث تمكن هذا الحزب من جذب طبقة العمال الى صفوفه والذين كانوا يؤيدون سابقاً الحزب الليبرالي ، ومنذ ذلك الوقت بدأ الحزب الليبرالي بالأنحدار والأنحسار في تاثير نفوذه الجماهيري وبالتالي تقليص دوره في رسم السياسة البريطانية في الداخل والخارج وصياغة قراره السياسي أمام المد الهائل المتصاعد لنفوذ حزب العمال البريطاني حتى أصبح لم يعد له نفوذ إنتخابي هام في الوقت الحاضر ، وبذلك شبه ما تضائل دوره في الحياة السياسية في بريطانيا .
كذلك أطلقت التسمية الليبرالية على ذلك التيار الفكري الذي يؤمن مؤيدوه بالحرية الفردية ، وكانت هذه التيارات البدايات الفكرية الأولى كمقدمات لظهور الفكر الليبرالي في القرن السادس عشر ، ثم امتد وزحف هذا التيار الفكري الجديد الى القرن السابع عشر . وحين بدأت الثورة الصناعية استقرت وتوطدت الأفكار والمبادئ التحررية وعمت دول أوربا حتى أصبحت نظرية الرأسمالية الصاعدة والباحثة عن التوسع والربح الوفير والأستثمار الكبير والمواد الخامة ومصادر الطاقة الرخيصة والأسواق لصرف منتوجاتها الصناعية ، أي بمعنى آخر أن الليبرالية صاحبت نمو نفوذ أصحاب الأعمال الحرة ورجال الصناعة . وبنشأة الليبرالية الأوربية ظهرت طبقة جديدة لتهدم في أثناء ارتقائها تلك الحواجز التي كانت تجعل الأمتيازات مترتبة على المركز الاجتماعي في كل مجالات الحياة ، وكانت ترتبط فكرة الحقوق بحيازة الأرض ، وأحدثت هذه الطبقة الجديدة الوسطى تغييراً جذرياً وأساسياً في شكل العلاقات القانونية السائدة ، فحلت محلها فكرة التعاقد أي " العقد الاجتماعي " محل " المركز الأجتماعي " ، وحلت محل " العقيدة الدينية " معتقدات متعددة وجد فيها مبدأ الشك حقه في التعبير ، وأفسحت إمبراطورية " الحق المقدس والحق الطبيعي " المبهمة لعامة الناس وحتى للمؤمنين بها والتي سادت في القرون الوسطى الطريق للسيادة القومية . وبعد أن كانت الطبقة الأرستقراطية التي تقوم سلطتها القانونية على حق حيازة الأرض هي التي تتحكم في السياسة ، ويشاركها من يستمدون نفوذهم من رأس المال ، لذلك أخذ رجال من أصحاب المصارف والمصانع والتجارة يحلون محل مالكي الأرض من الأرستقراطيين ورجال الدين المتحالفين معهم ، وحلت نتيجة لذلك كتحصيل حاصل المدينة المتلهفة للتغيير محل الريف الذي يكره ويرفض التجديد ، وحل العلم كعامل متحكم في تشكيل أفكار الناس محل الدين والأفكار الدينية المعرقلة للتجديد والتطور . وباختصار تولت علاقات اجتماعية جديدة منبثقة من ظروف مادية جديدة وتكونت على أساسها فلسفة جديدة لتهيئ تبريراً عقلياً للعالم الجديد الوليد الذي يقوده العلم ويسترشد بالأفكار العلمية في تطوره وتقدمه وتحوله نحو الأفضل والأحسن . هكذا ظهرت الليبرالية مع ظهور الطبقة الصناعية الجديدة في عصر النهضة بعد قيام الثورة الصناعية في كل من إنكلترا وفرنسا الدولتين المتقدمتين صناعياً في أوربا والعالم آنذاك . وقد ساهمت ثورة الأصلاح الديني التي قادها مارتن لوثر في المانيا ، وحركة الأصلاح الديني في إنكلترا التي ألغت السلطة القانونية للبابا ونقلت قدراً كبيراً من ثروة الكنيسة في إنكلترا من أيدي القساوسة الى أيدي الشعب ، كما ألغت مجموعة ثقيلة من الضرائب الكنسية من على كاهل الفقراء والمعدومين التي كانت ترهقهم بدورهما في خدمة الحركة الليبرالية كثيراً حين أضعفت السلطة القانونية للبابا والكنيسة . لا يقل خطر هذا التيار الأصلاحي الديني الليبرالي إن صح التعبير عن خطر التيار الفكري الذي مثله في حينها نيقولو مكيافللي الذي ظهر في القرن السادس عشر الذي يعتمد على مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " الذي شكل نموذجاً رائعاً ومروعاً للقوة الدنيوية ، وهكذا أسقط الأنتباه من السماء الى الأرض ومهدت هذه الأفكار لموجة الليبرالية النفعية والمادية .
بهزيمة اللاهوت الذي كان مسيطراً في القرون الوسطى المظلمة وجب البحث عن تفسير جديد للعالم ، ولم يكن هذا الصراع بين اللاهوت والفكر الليبرالي الواعد والصاعد إلا تمهيد لنقل السلطة من الكنيسة الى الدولة القومية الوطنية ، وحسم هذا الصراع في النهاية الى رضاء الكنيسة صاغرة بأن تخدم الدولة بدلاً من أن تكون الدولة في خدمتها كما حدث طوال القرون الوسطى المظلمة بعد أن تيقنت بأنها اصبحت أمام خيارين أحلاهما مُرّ ، الخيار بين الأنهيار الكامل لها بسبب السخط الشعبي والرفض الجماهيري لممارسات الكنيسة من خلال ما تقوم به محاكم التفتيش السيئة الصيت والتي لا تمت لروح العقيدة المسيحية السمحاء بشيء وبين القبول بأن تخدم الدولة المدنية الوطنية التي إختارتها الشعوب ، فاختارت الانسحاب من السياسة والتخلي عن السلطة الدنيوية والبقاء بعيدة عنها والأنزواء جانباً والتفرغ للشؤون الدينية وكان قرارها هذا عين العقل والصواب وبذلك أسدل الستار على سلطة الكنيسة السياسية في أوربا وأنطلق عصر النهضة الأوربية الحديثة ليخرج الشعوب الأوربية من عصر التخلف والظُلمات الى عصر النور والتقدم ، ووصلت البشرية الى ما وصلت إليه من إنجازات علمية نوعية هائلة في كل الحقول الى أن وصلت الى ما نحن علية اليوم عصر تكنولوجية المعلومات والرحلات الفضائية لأكتشاف الكون اللامحدود .   
هكذا نريد لعراقنا العزيز حالياً أن تكون المؤسسات الدينية بكل أشكالها وتنوعاتها مؤسسات في خدمة الدولة المدنية الديمقراطية الوطنية وليس العكس كما هو عليه واقع الحال الآن ، حيث أن التجربة الأوربية في هذا المجال ، مجال الفصل بين سلطة الدولة والدين كانت تجربة ثرة وغنية تستحق التأمل فيها ودراستها بعناية والأستفادة منها في تجربتنا العراقية في بناء دولة الخدمات ودولة المؤسسات الدستورية والقانونية القوية وليس دولة المكونات الهشة والضعيفة . لا يمكن لنا أن نتصور إنتعاش الليبرالية إلا بتصور التقدم العلمي الهائل الذي حصل في مختلف الحقول العلمية والأخترعات التكنولوجية الحديثة في ظل فصل الدين عن السلطة السياسية ، حيث أن العلماء والمفكرين كانوا كالعازفين في فرقة واحدة مهدت لثورة عقلية وعلمية عظيمة أدت إلى إنتصار الحكومات الدستورية في السياسة التطبيقية وبناء المؤسسات الدستورية الرصينة وسيادة سلطة القانون والأخذ بفكرة " العقد الاجتماعي " ، أي رضاء المحكومين بالحكام وجعل الدولة خادمة لأغراض التجارة وتأمين الخدمات المختلفة والمستلزمات الحياتية لجماهير الشعب وليس جعل الدولة وسيلة لسرقة المال العام والأنتفاع الشخصي كما هو عليه الحال في عراقنا اليوم ، وكذلك وضع الحاكم والمسؤول مهما علا شأنه ومهما كان إنتمائه تحت سلطة القانون وليس فوقها كما يحلو للحكام الديكتاتوريين ، ووضع الثروة الوطنية في خدمة عامة الشعب وليس في خدمة الأقلية من المتحكمين بالسلطة والقرار السياسي في البلد . 
ويمكن القول بأن نمو الليبرالية والفكر الليبرالي قد وصلا الى القِمة في القرن السابع عشر الذي يعتبر قرن العبقرية لضخامة حجم التطور والتقدم العلمي والحضاري الذي حصل خلال هذا القرن  . بعد كل هذه التمهيدات الفكرية والعلمية والثقافية في عالم الفكر والعلم والفلسفة والأقتصاد والثقافة والأختراعات العلمية الجبارة قد تبلور المثل الليبرالي الأعلى في الأيمان بالعقل والفردية والبحث عن القوة والربح . وقد تبلور الفكر الليبرالي في عالم الأقتصاد عند الأقتصاديين الرأسماليين الكلاسيكيين الذين يؤمنون بما يلي من المبادئ والمعتقدات :-
أولاً : أن الفرد هو العنصر الأساسي في الأقتصاد ولابد لذلك من توافر أقصى حد من الحرية الفردية له .
ثانياً : ليس للدولة كأرقى تنظيم اجتماعي الحق في التدخل للحد من حرية الفرد ، أي على الدولة أن لا تتدخل مطلقاً في الأقتصاد أي أن يكون الأقتصاد قائم على إقتصاد السوق الحرة .
ثالثاً : الأيمان بضرورة التنافس الحر بين الرأسماليين للوصول الى ما يسمى بالتوازن الطبيعي في النظام الأقتصادي .
وكل ما تقدم هو خلاصة مقتضبة بشدة بالغة للنشأة التاريخية لظهور وتطور الفكر الليبرالي والحركة الليبرالية في مختلف ميادين الحياة الإنسانية
.

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 10 / ك2 / 2014
 


169
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم الأيديولوجية


خوشابا سولاقا

إن الإنسان كفرد عندما يتأمل ويفكر بشكل مجرد فيما يواجهه في حياته الفردية كإنسان ، وفيما يدور في حياته الشخصية ومحيطه الاجتماعي كفرد في المجتع البشري ، أو عندما يتأمل الأشياء والظواهر في محيطه الإنساني على مستوى الفرد أو في محيطه الأجتماعي على مستوى المجتمع الذي يعيش فيه ضمن علاقات اجتماعية أو إنسانية معينة ، أو في محيطه المادي الطبيعي ، فإنه في مسعاه هذا يسعي ويبتغي تكوين نسق فكري عام يفسر من خلاله وجود الأشياء والظواهر وعلاقتها ببعضها والقوى المحركة لها والقوانين التي تتحكم بطبيعة هذه الأشياء والظواهر سواءً كانت تلك الظواهر اجتماعية أو إنسانية أم ظواهر طبيعية في محيطه الاجتماعي أو في محيطه الطبيعي وبالتالي رسم صورة محددة المعالم العامة لهذا الوجود الكوني وعلاقته بالإنسان ودوره في تغييره . هذه العملية الفكرية المجردة الخالصة والتأمل في طبيعة الأشياء والظواهر في المحيط الأجتماعي الإنساني والمحيط الطبيعي المادي تشكل اللَبنة الأولى في بناء مفهوم " الأيديولوجية " بمعناها الواسع والشامل . ولألقاء المزيد من الضوء لغرض توضيح مفهوم " الأيديولوجية " لابد من تقديم تعريف وتوضيح لكلمة الأيديولوجية ، فهي في الحقيقة كلمة غير عربية وإنما هي كلمة مشتقة من كلمة " ideal  " ومعناها بالعربية " المثال " وجمعها " المُثل " ونسبتها " المثالية " . فالأيديولوجية بمعناها الشامل هي ناتج عملية تكوين نسق فكري عام يفسر الطبيعة والمجتمع والفرد . وهذه العملية يقوم بها من يسمي نفسه باسم " المفكر " بوعي ، ولكنه يصبح في النهاية وعياً زائفاً ، لأن المفكر قد يستخدم خلال هذه العملية منهجاً للبحث والتحليل والتركيب غير علمي فيساهم في زيف الناتج ، وقد يستخدم في ذلك منهجاً علمياً فيكون الناتج حقيقياً بصفة معينة وغير حقيقي بصفة مطلقة . المنهج العلمي يمكن أن يظل مجدداً أو مثمراً وخصباً لفترة تاريخية طويلة إذا ظل قابلاً للتطور مع تطور أدوات ومقاييس الأستقصاء والبحث العلمي الرصين والدقيق ، بل ويمكن أن يكون وبتوفير هذا الشرط منهجاً دائماً .  ولكن عملية تنسيق النتائج في نظام ثابت مجرد ومطلق سرعان ما يجعل من هذا النظام أي من هذه الأيديولوجية عقيدة جامدة ومتحجرة متباعدة في مجراها عن مجرى التطور الطبيعي للحياة الطبيعية ، ومكونة في ذات الوقت لترسبات نفسية واجتماعية كبيرة وعميقة في المجتمع تَحول الى دون رؤية الجديد الدائم المتطور الواعد في الحياة الواقعية ، ومن هنا فإن الأيديولوجية بمعنى النظام الفكري المجرد المطلق يمكن أن تتحول وهي تتحول بالفعل عمليا الى عقبة رجعية في سبيل التقدم الثوري للانسان كفرد بشكل خاص وللمجتمع والحياة بشكل عام .
إن المفكر الفرد في أثناء قيامه بالعملية الفكرية المجردة وبالعملية  التأملية للأشياء والظواهر في محيطه الاجتماعي والمادي أي بمعنى بقيامه بالعملية الأيديولوجية قد يجهل قوى متحركة ومحركة للطبيعة والمجتمع والفرد ، ومن ثم فانه يسد مثل هذا النقص ، بل يتخيل أو يفترض قوى متحركة ومحركة مظهرية أو زائفة ، ولكون العملية الأيديولوجية عملية فكرية فإن المفكر يستمد مضمونها ومحتواها من التفكير المجرد سواءَ كان هذا التفكير تفكيره هو كفرد أم كان تفكير من سبقوه من المفكرين . من هنا تصبح الأيديولوجية عملية سلفية تعالج أفكاراً مجردة لا تتفق مع الواقع المتغير للحياة الاجتماعية في إطار تطورها التاريخي ، أوهي موروثة من زمان غير الزمان وعن مكان تاريخي غير المكان الذي يعيشه المفكر في واقعه الحالي وصادرة عن قياس قديم لقدرات تم تعديلها وتجاوزها عبر عملية التطور التاريخي الى أن وصلت الى ماهي عليه . إن المفكر صانع الأيديولوجية يعمل بمادة فكرية بحتة وهي مادة قد يقبلها بدون فحص أو نقد على إعتبار أنها إنتاج فكري للفرد متجاهلاً بذلك أن كل فكرة هي في الحقيقة إنعكاس للواقع المادي الذي يعيش فيه المفكر أو هي نتاج للتطور الواقعي في الحياة والتطبيق ، أو يجب أن تكون كذلك ، أو هو قد لا يحققها الى أبعد مصدر لها مستقل عن الفكر المجرد والتأمل . ومن ثم يبدو له الأمر عادياً لأنه ما دام كل عمل يقتضي في رأيه تأملاً فكرياً فان كل أمر يبدو له في النهاية قائماً على أساس الفكر . والأيديولجي التاريخي وإن جاز التعبير " الأيديولوجست "  ( والمقصود بوصف " التاريخي " هنا هو كل ما يتعلق بالمجتمع وليس بالطبيعة فقط ، أي كل المجالات السياسية والتشريعية والفلسفية والفقهية ... الخ ) يصوغ في كل مجال ، مادة فكرية كأنها كونت نفسها خارج واقع الأجيال السابقة ثم مضت في مجرى تطورها المستقل ، خارج واقع الأجيال الحالية . ومن هنا فإن جميع الثوريين ليست لهم أيديولوجية ، إنهم بلا نسق فكري مجرد . وإنما لهم دائماً منهج متطور ومعين ومحدد . والمقصود بالثوريين هنا كل من يسعى ويعمل ويناضل لأن يحقق تغيرات في الطبيعة والمجتمع والفرد وفي العلاقات المتبادلة بينها تسير بالحياة قدماً الى الأمام نحو تحقيق المزيد المطرد من الكفاية والسعادة للناس . ولكن على الرغم من هذا التحديد الفكري لمعنى " الأيديولوجية " وخطرها ، فإن هناك أيديولوجيات أي نظماً فكرية منسقة يمكن لها أن تلعب في الواقع وفي فترة تاريخية معينة وبتوفر ظروف موضوعية معينة دوراً ثورياً ، ويدعم وجودها النضال من أجل كفاية الإنسان وسعادته ورفع مستوى حياته الإنسانية ، ولكن حتى مثل هذه الأيديولوجيات محكوم عليها في النهاية بأن تصفي وتنتهي لتحل محلها أيديولوجية جديدة تبدأ في شكل شك فتسأل فنقد فدحض الأيديولوجية السابقة ، ثم تتسق في نظام فكري جديد أكثر عصرية وأكثر إستجابة لمتطلبات وشروط الحياة الجديدة ، مستنداً الى أساس منهج علمي دائم التطور مع تطور قوى الأنتاج ووسائل المعرفة التكنيكية والعلمية ، وتزايد ونمو وتطور قدرة الإنسان باستمرار على أن يوسع معرفته ويعمقها لأكتشاف قوانين الحياة الاجتماعية والطبيعية وبالتالي تطويعها وتسخيرها لمصلحته وتطوير حياته بكل أشكالها المادية والروحية وجعلها أكثر يسراً وعطاءً . هذا هو معنى ومستقبل مفهوم الأيديولوجية .


خوشـــابا ســـولاقا
3 / ك2 / 2014 – بغداد


170
في التربية والثقافة السياسية
حول ما هي الفلسفة ... ؟
خوشــابا ســولاقا
في ظل الأوضاع التي تشهدها الساحة السياسية القومية لأمتنا بشكل خاص والساحة الوطنية العراقية بشكل عام من صراعات وحوارات ونقاشات فكرية وثقافية حول مختلف شؤون الحياة ، ولغرض تعريف وتقريب القراء الكرام من مضمون وادوات تلك الصراعات والحوارات والنقاشات ، أصبح من الضروري جداً ويتطلب الأمر منا أن نسلط الضوء على تلك المفاهيم والمصطلحات الفكرية والفلسفية التي يتناولها القارئ والمثقف في حياته اليومية في مختلف مناحي الحياة الإنسانية ليكون لهذه المفاهيم جدواها وفعلها المؤثر على مسيرة الحياة الإنسانية ، وانطلاقاً من هذه الرؤية ولغرض تمكين القارئ من الخوض في هذه التجربة نحاول تسليط الضوء بقدر المستطاع وحسب إمكانياتنا المتواضعة على مفهوم الفلسفة وتطوره عبر مختلف مراحل  التاريخ البشري في هذا المقال المختصر .
تعني ما تعنيه الفلسفة من الناحية الأشتقاقية محبة الحكمة ، وتعني بالمعنى العام لها النظرة الشاملة الى المجتمع والحياة والوجود ، وبهذا المعنى العام يمكن القول بأن لكل إنسان فلسفته الخاصة به وبالتالي لكل مجتمع فلسفته الخاصة ولكل مرحلة تاريخية من حياة المجتمع البشري فلسفتها الخاصة بها . فالفلسفة ليست مجرد نظرة فردية خالصة بل هي خلاصة للخبرة والتجربة الإنسانية في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري ، ولهذا نجد أن لكل مرحلة من مراحل التاريخ ولكل مجتمع من المجتمعات البشرية فلسفاتها الخاصة بها ، والتي تلخص معارفها العلمية وتبلور قيّمها الاجتماعية العامة . إن الفلسفة لا تتنوع بتنوع مراحل التاريخ البشري وتنوع المجتمعات البشرية فحسب بل إنها تختلف باختلاف الأوضاع والخصائص الاجتماعية في كل مرحلة تاريخية وفي كل مجتمع من المجتمعات . إن الفلسفة في الحقيقة تعبر في جوهرها عن الصراع الفكري والأجتماعي الدائر في مختلف المجتمعات وفي مختلف مراحل التاريخ ، ولهذا فإن تاريخ الفلسفة هو التعبير الفكري عن التاريخ البشري نفسه بكل ما يمتلئ به هذا التاريخ من تناقضات وإرهاصات وصراعات ، ويكاد ينقسم تاريخ الفلسفة تماماً كانقسام التاريخ البشري نفسه بين إتجاهين أساسيين ، إتجاه يعبر عن الأوضاع المتخلفة في المجتمع يلخص خبراتها وتجاربها ومصالحها ويسعى لتثبيتها واستمرارها وإعطائها صفة الشرعية والأستقرار والخلود الأبدي ، وإتجاه آخر يعبر عن الأوضاع النامية والواعدة في المجتمع ويسعى الى التغيير والتقدم والتجديد المتواصل متجاوزاً القديم المتخلف البالي والآيل الى الزوال والأنقراض بحكم التطور التاريخي . الأتجاه الأول هو ما يسمى وبات يعرف بالأتجاه " المثالي " في الفلسفة ، والأتجاه الثاني هو ما يسمى وبات يعرف بالأتجاه " العلمي المادي " في الفلسفة .، حيث يغلب على الأتجاه الأول المثالي المنهج الحدسي المعادل للعقل ، أما الأتجاه الثاني العلمي فيغلب عليه المنهج العقلي العلمي .
وكما قلنا إن تاريخ الفلسفة في جوهره في الحقيقة هو تاريخ الصراع الفكري عبر التاريخ بين قوى التقدم من جهة وبين قوى التخلف من جهة ثانية في المجتمعات البشرية . في البداية كانت الفلسفة تقدم رؤيتها عن المجتمع والطبيعة لا في صورة معارف متناثرة وإنما في صورة تنظيم نظري لهذه المعارف يجمعها نسق منطقي موحد وكانت الفلسفة بهذا تتضمن مختلف العلوم ، ثم أخذت العلوم لاحقاً تستقل شيئاً فشيئاً عن هذا النسق النظري الفلسفي الموحد ، وتَكّون لها فروع متميزة من حيث المنهج والموضوع وبذلك خرجت العلوم من منهج التأمل الفلسفي النظري الى منهج التجريب العلمي وراحت تحدد لها قوانينها الخاصة بها المستخلصة إستخلاصاً علمياً تجريبياً . في القرن التاسع عشر استقلت العلوم جميعها عن الفلسفة ، وكانت فلسفة " فريدريك هيجل " في هذا القرن هي نهاية تلك الأنظمة الفلسفية الشامخة أي نهاية الفلسفة الكلاسيكية ، ولكن ماذا بقي للفلسفة بعد استقلال العلوم عنها .. ؟ لقد بقيت للفلسفة النظرة العامة بغير تخصص محدد ، ولهذا راحت تبحث في القسمات الشاملة والقوانين الأساسية للحركة العامة للوجود الإنساني والطبيعي على السواء . هذا لا يعني أن الفلسفة قد إنعزلت عن العلم كلياً وأن العلم قد إنعزل عن الفلسفة بشكل مطلق بل بقيا في حالة من العلاقة الجدلية التكاملية . إن الفلسفة في عصرنا الراهن تتخذ من نتائج النتائج العامة ومن القوانين الأساسية للعلوم كافة مادة أساسية لبلورة رؤيتها الشاملة للمجتمع والحياة والوجود وبهذا أصبحت الفلسفة فلسفة علمية من دون أن تتدخل في تفاصيل المعارف والتجارب العلمية ، ولكنها في الوقت نفسه لا تنعزل عنها ولا تتناقض معها ولا تفرض نفسها عليها ، وهذه الفلسفة العلمية هي التي تعبر في عصرنا الراهن عن حركة التقدم الاجتماعي ، بل تكون هي الأداة الفعالة في دفع هذا التقدم نفسه نحو أهدافه المرجوة .
وفي مواجهة هذه الفلسفة العلمية تقوم فلسفة أخرى مناهضة للعلم ، فلسفة مناهضة للتقدم الاجتماعي تتذرع بها القوى الاجتماعية الرجعية المتخلفة لأشاعة روح القنوط والتشاؤم والتخاذل واليأس وبث النظريات الجزئية الجانبية التي تحرم الإنسان المعاصر من الرؤية العلمية الشاملة للطبيعة وقوانين تطورها وللتجربة الإنسانية بكل أبعادها التقدمية لأعادة بناء مجتمعات جديدة أكثر تقدماً وتطوراً .. ومن هنا نستطيع القول بأنه ليس هناك نظرية فكرية ثابتة أو نظرية فلسفية ثابتة تصلحان وتلائمان لكل زمان ومكان لكل المجتمعات البشرية طالما أن الفكر والفلسفة هما جزء من البنية الفوقية المتمثلة بالثقافة لتركيبة النظام الاجتماعي المعين ولمرحلة تاريخية بعينها والتي هي بطبيعة الحال متغيرة بشكل مستمر ودائم ، عليه تكون الفلسفة والفكر متغيران تبعا للتغيرات التي تحصل في بنية المجتمعات السُفلية المتمثلة في شكل النظام الأقتصادي السائد ، وبذلك تسقط نظرية ثبوت الفكر والفلسفة مهما كانت طبيعة ذلك الفكر وتلك الفلسفة . وشاهدت وتشاهد التجربة العراقية قبل وبعد سقوط النظام البعثي فشل كل المحاولات الداعية لثبوت نظرية الفكر القومي الشوفيني أمام الأفكار الداعية الى التعايش السلمي بين مكونات الوطن الواحد ذات التعدديات القومية المختلفة وبذلك تم إسدال الستار على الفكر القومي العنصري الشوفيني ، وتشاهد التجربة العراقية اليوم نتائج فشل ثبوت الفكر الديني السياسي الطائفي في العراق المتعدد الأديان والمذاهب والطوائف بجلاء وقد إنعكس ذلك في الفشل الذريع الذي منيت به أحزاب الأسلام السياسي الطائفي إن صح التعبير في بناء دولة المواطنة القوية والهوية الوطنية على حساب دولة المكونات الدينية والعرقية والطائفية والهويات الفرعية المشوهة والمتهرئة والعاجزة عن تقديم أبسط أشكال الخدمات الاجتماعية وتوفير الأمن والأمان للمجتمع العراقي بسبب الخلافات والتناقضات والصراعات على المصالح والمناصب التي تمثل تلك المكونات المتعددة ، وهكذا تعيش بقية شعوب الشرق الأوسط العربية والأسلامية وبالأخص بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي حيث تشاهد صراعات عنيفة بين مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية من خلال أدواتها المتمثلة بأحزاب الأسلام السياسي الطائفي وأحزاب القومية الشوفينية ، حيث أن الضحية الأولى لهذه الصراعات هي الأقليات العددية القومية والدينية والمذهبية والشرائح المثقفة والعقول العلمية والكفاءات والتي أدت الى هجرة وتهجير تلك الأقليات والشرائح من الكفاءات لبلدانها التاريخية الأصلية والتشتت في المهاجر والعيش هناك على فتات الغرباء بمذلة ومعاناتهم القاسية من مرض الغربة والأغتراب والحنين الى الوطن الأم ، والمسيحيين خير مثال حي على ذلك حيث تناقص وجودهم في بلدانهم الأصلية الى أكثر من 65% من عدد نفوسهم قبل عشرة سنوات خلت . هذه هي النتائج الكارثية للدعوات الداعية الى ثبوت الفكر والفلسفة وفرضها قسراً وبالقوة على الآخر والتي تحصد نتائجها شعوب هذه البلدان اليوم . إن التنوع والتعدد في مكونات الأمم ووجود الكفاءات والعقول الخلاقة والمبدعة هو مصدر قوتها وحيويتها وجمالها ودافعها للتطور والتجدد ، وعليه فإن هجرتها وتهجيرها يكون بمثابة قطف الزهور اليانعة والجميلة من بستان البيت وترك الأشواك اليابسة تملئه ، هكذا هي الصورة النهائية لمن يعرف قراءة لغة الرموز .   

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد – 26 / ك1 / 2013   


171
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم الثقافة والمثقف
خوشابا سولاقا
إن المفهوم الفلسفي والفكري والأجتماعي للثقافة هي كونها نظرة عامة وشاملة الى الوجود والحياة والأنسان في علاقة جدلية تكاملية ، وقد يتجسد ذلك المفهوم للثقافة في عقيدة فكرية معينة أو في تعبير فني بشكل من الأشكال أو في مذهب اجتماعي أو في مبادئ تشريعية أو في مسلك أخلاقي عملي ، وبالتالي فالثقافة بشكل عام تعني كونها البناء العلوي أو الفوقي لبنية المجتمع الإنساني ويتألف هذا البناء أي الثقافة من الدين بكل أشكال العبادة التي يمارسها الإنسان والفلسفة والفكر والفن والأدب والتشريع والقيم الأخلاقية والعادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية العامة والسائدة في المجتمع . والثقافة هي نتاج عملية تطورية تراكمية تاريخية لمختلف نشاطات المجتمع بكل شرائحه  .
يشير المعنى الأشتقاقي لكلمة " الثقافة " الى الأمتحان والتجربة والخبرة والعمل بكل أشكاله في الحياة الاجتماعية للإنسان ، أي أن المعنى الأشتقاقي هذا يربط الثقافة الانسانية بالعمل الانساني والخبرة الحية والتجربة والمعايشة الفعلية لمستجدات الحياة الاجتماعية ، وهذا هو ما يميز الثقافة عن التعليم ويميز المثقف عن المتعلم . فالتعليم هو تلقي معلومات بشكل منهجي ومنظم بطريقة مخططة لصياغة الفكر وتوجيه الوجدان الانساني وتحديد المسلك الأخلاقي على نحو معين ، وبالتالي إعادة تكرار صناعة صياغة سياقات الحياة الاجتماعية السائدة بشكل جديد ولكن بنفس المضمون القديم . عليه فإن الثقافة هي ثمرة المعايشة الحية التلقائية والأستجابة التلقائية لمتطلبات الحياة المتجددة في أغلب الأحيان ، وهي أيضاً ثمرة التمرس بالحياة والتفاعل الخلاق مع تجاربها وخبراتها المختلفة ، ويكون التعليم بحد ذاته أحد مصادر الثقافة الأساسية ، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل متعلم مثقفاً ، ولكن كل مثقف بالضرورة يجب أن يكون متعلماً ، لأن التعليم هو أداة فعالة لبناء الثقافة . فالثقافة بهذا المعنى العام والشامل هي البناء الفوقي للمجتمع كما أسلفنا وهي بالتالي انعكاساً للبناء التحتي للمجتمع المتمثل في شكل النظام الأقتصادي وعلاقات الأنتاج السائدة في المجتمع ، أي ما بات يعرف اليوم بلغة السياسة والأقتصاد أن شكل النظام الأقتصادي وعلاقات الأنتاج تشكل البناء التحتي في بنية المجتمع والثقافة تشكل البناء الفوقي لبنية المجتمع الإنساني ، ولهذا تختلف الثقافة بطبيعتها باختلاف التجارب والخبرات والمواقف والطبقات الاجتماعية والمصالح الاجتماعية من مجتمع الى آخر ومن أمة الى أخرى ومن مرحلة تاريخية الى أخرى . لهذا فإن للثقافة بالضرورة طابعاً اجتماعياً طبقياً ، حيث أن الثقافة الرسمية السائدة تكون إنعكاساً لثقافة الطبقات الحاكمة المهيمنة والمسيطرة والمتحكمة والمحركة والموجهة للنظام الأقتصادي السائد ..
وعليه فإذا كنا نجد في فلسفة أرسطو إحتقاراً للعمل اليدوي فإن ذلك كان تعبيراً عن واقع حال إنقسام المجتمع اليوناني القديم الى طبقتين ، طبقة الأحرار يتأملون وطبقة العبيد يعملون ويكدحون في مزارع وحقول النبلاء الأحرار مقابل لقمة العيش بحدها الأدنى ، وكان العبيد في ظل ذلك النظام نظام المجتمع العبودي جزءً من ممتلكات النبلاء الأحرار يتم بيعهم وشرائهم في سوق العبيد كأي حاجة من حاجات المجتمع الأخرى ، وإذا كنا نجد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر دعوات فردية في الأدب والفنون ودعوات نفعية في الأخلاق ودعوات تنافسية في الأقتصاد فإن هذه الدعوات هي إنعكاساً للأوضاع الراسمالية الجديدة الواعدة ، وإذا كنا نجد في المجتمعات الأشتراكية بعد قيام النظام الأشتراكي في بعض بلدان أوربا الشرقية وآسيا وكوبا سيادة لروح الألتزام الجماعي في الأدب والفن والأخلاق والسياسة جميعاً ، فإن ذلك من دون شك يكون إنعكاساً لعلاقات الأنتاج الجديدة في المجتمع الأشتراكي التي تقوم على أساس الملكية العامة المشتركة لكافة وسائل الأنتاج .
من كل ما تقدم نلاحظ أن الثقافة هي تعبيراً عن الأوضاع الاجتماعية والأقتصادية السائدة في المجتمع ، ولكنها ليست تعبيراً أوإنعكاساً آلياً مباشراً كانعكاس صورة الشيء في المرآة ، إذ يدخل في تشكيل الثقافة عامل الإرادة الإنسانية والخلق والأبداع للإنسان ، إلا أن ذلك لا يتناقض مع كونها تعبيراً عن الواقع الموضوعي السائد ، والثقافة ليست مجرد تعبيراً عن هذا الواقع بل هي كذلك وسيلة فعالة لتغييره . الصراع الثقافي في المجتمع هو دائماً صراعاً إجتماعياً ، صراعاً بين أوضاع اجتماعية متناقضة ، صراع الأضداد صراع بين القديم البالي والجديد الواعد يتخذ مظهراً فكرياً أو أدبياً أو فنياً ، والصراع الثقافي هذا هو التمهيد لثورة اجتماعية ، وهو وسيلة لتجديد الحياة الاجتماعية وتطويرها تصاعدياً نحو بناء مجتمع أفضل وأكثر تقدماً وعدلاً ورفاهيةً لحياة الانسان ، وبذلك تكون الثقافة وسيلة للتعبير عن الواقع الاجتماعي القائم ، وفي ذات الوقت تكون اداة لتغييره ، ولهذا فالثقافة هي إلتزام وموقف ، فالثقافة إذ تشترك في الثورة الاجتماعية عندما يشتد الصراع بين المتناقضات في المجتمع من أجل تحرير الانسان وانعتاقه من قيود المجتمع القديم فإنها في ذات الوقت تشترك في تحرير نفسها . إن الثقافة بتحريرها للمجتمعات البشرية من عوامل التخلف والأستغلال والأستعباد والقهر الاجتماعي لا تصبح مجرد متعة لفئات اجتماعية محدودة ومحظوظة من البشر وإنما تصبح غذاء الروح للملايين من الناس بل وتصبح غاية ووسيلة من غايات ووسائل التقدم البشري وهدفاً من أهدافه النبيلة الآصيلة .
لهذا نجد أن نهضة الأمم نحو التقدم الى الأمام في كافة مجالات الحياة لا يمكن لها أن تحصل إلا إذا سبقتها أولاً نهضة ثقافية شاملة ، أي بمعنى آخر إن العنصر الفاعل والحاسم في تقدم الأمم يبدأ بثورة ثقافية تقضي على أسباب التخلف الاجتماعي السائد في المجتمع ، تلك الأسباب التي هي من مخلفات الثقافة القديمة .
عليه نجد أن الأمم الأوربية قد نهضت من سباتها الذي دام قرون طويلة تحت حكم الكنيسة وتقدمت بعد قيام ثورة الأصلاح الديني والتي هي بحد ذاتها تشكل إنطلاقة الثورة الثقافية لتحرير الانسان من قيود ذلك حكم المقيت الذي كان مسيطراً على كل مقدرات الحياة في بلدان أوربا ، حيث تأخرت وتخلفت العلوم والأداب والفنون والأفكار الحرة والفلسفة وتم إضطهاد وحرق العلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء والفنانين بسبب تعارض أفكارهم وتوجهاتهم مع أفكار وتوجهات الكنيسة ، وعليه أطلق على قرون سيطرة الكنيسة على القرار في أوربا بالقرون المظلمة لأنها سببت في تأخر وتخلف الحياة ، وأدخلت أوربا في ظلام دامس من التخلف والتأخر ، ولولا تلك القرون لكان إنسان اليوم يعيش في الوضع الذي سوف يعيشه بعد خمسة قرون من اليوم . لقد مهدت ثورة الأصلاح الديني في أوربا الى بزوغ فجر عصر جديد هو ما أطلق عليه بعصر النهضة الأوربية الحديثة حيث فيه اطلق العنان للعلماء والمفكرين والفلاسفة والأدباء والشعراء والفنانين للعمل المبدع والخلاق فحصلت ثورة ثقافية هائلة وشاملة لكل مناحي الحياة أدت الى إنحسار مد نفوذ الثقافة القديمة ثقافة القرون المظلمة المخلفة بالرداء الديني من خلال هيمنة سيطرة الكنيسة على قرار الحكم في بلدان أوربا . وقد مهدت هذه الثورة الثقافية الى إنطلاق الثورة الصناعية والتكنولوجية التي غيرت مسار التاريخ الإنساني ، وتغيرت بذلك ثقافة وحضارة تلك الأمم كماً ونوعاً وقضت على كل مرتكزات وأنماط الحياة الاجتماعية القديمة البالية التي كانت أصلاً تشكل عائقاً أمام نهضتها وتقدمها . وهنا لم يبقى لنا إلا أن نقول متى ينهض أبناء الشرق من سباتهم وأن يقفوا على قدميهم وينظرون  بنظرة ناقدة الى الأمام ليروا  ألاخرين أين وصلوا وأن يفعلوا  كما فعلوا الأوربيين قبل خمسائة سنة ؟؟ ، وأن يكفوا عن السير الى الأمام والنظر الى الوراء بنظرة الحسرة الى ماضيهم البالي المتخلف والبكاء على أطلاله المنهارة ويظهر فيه عصر النهضة الثقافية ؟؟ ، وأن يعيدوا النظر بما مستحوذ على أفكارهم وتطلعاتهم وإعتقاداتهم الساذجة والمتخلفة بأن سبب تأخرهم وتخلفهم عن الركب المتقدم للآخرين هو عدم عودتهم الى ثقافة الماضي للأجداد والأسلاف وتطبيق شرائعه وقوانينه متناسين أن ألحياة تسير الى الأمام ولا تتراجع القهقري الى الوراء ؟؟ . يا لمهزلة القدر يا لها من رؤية مشوهة وبائسة ، إنها تعاكس الحقيقة والواقع وتناقض منطق العقل والعلم وقوانين تطور الحياة ، وهنا من حقنا أن نتساءل لماذا لا نستفيد نحن أبناء الشرق من تجارب الآخرين من الأمم التي سبقتنا ؟ ونبدأ من حيث وصلوا وليس من الصفر كما نحاول أن نفعل ؟ لماذا كل هذا الأصرار الأخرق للعودة الى الماضي بكل إيجابياته وسلبياته والأعتقاد بأن أجدادنا وأسلافنا هم أفهم وأدرى منا بمتطلبات حياتنا المعاصرة ؟ لماذا نخالف منطق وسنة قوانين تطور الحياة الإنسانية ونسبح عكس التيار ؟ أليس هذا الغباء بعينه ؟ الى متى نبقى أسرى لماضينا ووقوداً لنيران عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا التي ورثناها من الأجداد والتي أكل عليها الدهر وشرب بذريعة إحترام وحماية تلك الموروثات من إرث الأجداد ؟ لماذا لا نركب كغيرنا في مركب الحياة المتجددة الذي سوف يقودنا الى بر الأمان بسلام ؟ . إن العيش بأفكارنا وعقولنا في ماضي أجدادنا العتيد وأجسادنا في أرض الحاضر المتجدد لهو إنتحار والجنون بعينه ، وإن تحررنا من عبودية الماضي ليس رفضاً لكل ما فيه بالكامل بل علينا أن نأخذ من ماضينا كل ما هو إيجابي ويلائم حاضرنا ونطوره وما لا يلائم منه حياتنا الحاضرة نضعه باحترام في متحف التاريخ في الحفظ والصون ونحترمه ونعتز به كتراث الأجداد وليس إلا . هكذا يقول منطق العقل والحياة وسنة التاريخ إذا أردنا الحياة الحرة الكريمة اللائقة بنا كمخلوقات بشرية عاقلة واعية لوجودها الإنساني وواعية ومدركة لمسار تطور التاريخ الإنساني من الأدنى الى الأعلى ، وأن نصبح مجرد مخلوقات حية لا نختلف عن غيرنا من المخلوقات تتحكم بنا وبسلوكنا نواميس الطبيعة وتسيرنا دوافع الغريزة والعادة الموروثة وغياب الوعي الأنساني الذي يتميز وينفرد به الإنسان لوحده دون غيره من الكائنات ، الوعي الذي يجعل الإنسان مخيراً وليس مسيراً كما هو حال بقية الكائنات التي تسيرها غرائزها . الإنسان بامتلاكه للوعي يستطيع أن يميز بين ما هو صالح وما هو طالح ، ويختار ما يراه مفيداً له ، ويرفض كل ما هو ضار له . إن فهم حركة الحياة وقوانين تطورها والتعامل والتفاعل معها وفق منطق العقل والحكمة في علاقة جدلية تكاملية هي الثقافة بعينها التي تنتج في النهاية الحياة الجديدة التي تساير العصر وتليق بالأنسان المعاصر . فكلما كان الوعي الإنساني عالياً كلما كانت مخرجات العملية الثقافية أكثر نضجاً وأوسع شمولاً وأكثر فائدة للإنسان ، وكلما كانت العملية الثقافية أكثر نضجاً وشمولاً كلما كان الوعي الإنساني اكثر كمالاً وإدراكاً ، هكذا هي العلاقة بين الثقافة والوعي الإنساني علاقة جدلية تكاملية . عليه فإن الثقافة تنمي الوعي الإنساني وترصنه وتجعله قادراً على مواكبة تطور الحياة وإستيعاب كل متغيراتها ومستجداتها وعلاقاتها ببعضها بعقلانية ووعي وحكمة وليس بدافع الغريزة كما هو الحال لدى بقية الكائنات الأخرى في الطبيعة . وعلى ضوء ما تقدم فالمثقف هو من يصنع الثقافة أومن يستوعبها في حركتها الدائبة ، ومن يتعامل مع مستجدات الحياة بموجب قوانينها ويواكب حركتها التطورية بكل تفاصيلها وجزئياتها ، ومن ليس كذلك لا يمكن تصنيفه بأي حال من الأحوال مثقفاً . 

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد -20 / ك1 / 2013
 

172
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم النقد والنقد الذاتي في العمل السياسي

خوشابا سولاقا
إن أي عمل أو نشاط سياسي لأي كيان منظم مهما كانت طبيعته لا بد أن يخضع في النهاية الى عملية التقييم إيجابا أو سلباً ومن ثم تقويمه ، إن عملية التقييم والتقويم بحد ذاتها تخضع الى أسلوب البحث العلمي الرصين والدقيق بموجب معايير علمية مجربة لتحديد مواضع القوة والضعف والخلل ، وبالتالي يتم اختيار آليات التقييم والتقويم معاً بما يُمكّننا من وضع كل شيء في نصابه وموضَعِه الذي من المفروض أن يكون فيه ضمن العمل السياسي برمته دون أن يتقاطع أو يتعارض مع ما مخطط له في المنهاج السياسي لذلك الكيان . هذه العملية يطلق عليها في العمل السياسي المنظم والمنضبط بالنقد والنقد الذاتي ، وهي بالتالي تشكل عملية إعادة تنشيط حيوية وشباب العمل في الكيان السياسي إن صح التعبير ، وهي في ذات الوقت تعني عملية تطهير الذات من الأخطاء والانحرافات والخروقات وكل أشكال الفساد السياسي وإعادة بناء الذات الجديدة بالشكل الذي ينسجم مع واقع الحياة ومستجداتها في خضم العمل السياسي ، ومن دون عملية ممارسة النقد والنقد الذاتي ومراجعة الذات يتحول العمل السياسي داخل الكيانات السياسية الى عمل رتيب وممل يصيبه الجمود والتحجر ثم الأنهيار ، ويوجد الكثير من الأمثلة في تجارب الكيانات السياسية في مختلف بلدان العالم على ممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي في عملها السياسي . إن عملية ممارسة النقد والنقد الذاتي الحر هو شرط أساسي وضروري من شروط وأسس الديمقراطية السياسية التي من المفروض أن تلازم حياة وتجارب الأحزاب السياسية الرصينة والتي تريد الأستمرار وأن تقوي وتعزز وحدتها الفكرية والتنظيمية  ولأن تجدد بناء ذاتها مع تجدد متطلبات الحياة ، وعليه فإن الكيانات السياسية التي تؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي وقبول الرأي الآخر وأن تتخذ منها منهجاً في حياتها السياسية عليها أن تضع مبدأ ممارسة النقد والنقد الذاتي في مقدمة أولوياتها في حياتها السياسية ، وبعكسه سوف يكون مصيرها الخيبة والفشل المحتم في تحقيق ما تصبو إليه من الأهداف على كافة الأصعدة  القومية والوطنية وحتى الفئوية منها . ونظراً لأهمية هذا الموضوع في العمل السياسي من وجهة نظرنا المتواضعة وددتُ أن أقدم شيء من التفصيل في تعريف مفهومي " النقد " و " النقد الذاتي " الى القارئ الكريم .
مفهوم " النقد " كما قلنا يعني تقييم الأيجابيات والسلبيات في العمل السياسي ومن ثم معالجة السلبيات معالجات جذرية بالقضاء على أسبابها وهذا السلوك يشكل الشرط الأساسي في أسس الديمقراطية السياسية ، كما يعتبر النقد أهم الضمانات لأشاعة ممارسة الحرية بكل أشكالها الايجابية ، والنقد الايجابي معناه أن نُقّوم العمل التطبيقي والأفكار العامة لنتبين شكل حركتها ولكي نكشف ونشخص بالتالي التناقُضات التي تشوبها أو التي نشأت فيها في خضم التطبيقات العملية في الحياة السياسية . النقد كضمان حقيقي لأشاعة حرية الرأي في العمل السياسي يستلزم تقييم وتقويم كل ماهو إيجابي وكل ما هو سلبي في التجربة السياسية القومية والوطنية معاً وعلى جميع مستوياتها لكونهما تجربتان متداخلتان ومرتبطتان إرتباطاً عضوياً تتأثران وتؤثران في بعضهما البعض بشكل متبادل لا إنفصام بينهما ، وكذلك يسلزم في عملية ممارسة النقد لكي يكون نقداً علمياً وبناءً وفعالاً تقديم مقترحات وحلول بديلة لكل ما يتم نقده لتأكيد وتعزيز ودعم الجوانب الايجابية ولتصفية وتطهير الجوانب السلبية في العمل السياسي على حد سواء من دون مجاملات أو رياء أو نفاق سياسي مراعة لمواقع المسؤولين القياديين في الكيانات السياسية على حساب إخفاء الحقيقة وطمسها عن الجماهير الشعبية ، لأن في مثل هذه الممارسات المنحرفة عن السياقات والأخلاق السياسية أضرار بالمصالح الحيوية القومية والوطنية وخيانة للمبادئ والقيم التي يؤمن بها الكيان السياسي . إن ممارسة النقد الحر كما أسلفنا هو أساس ضروري من أسس الديمقراطية السياسية في العمل السياسي ، عليه لا بد من أن تتوفر لهذه الممارسة ضمانات بمعرفة ما يجري بالتفصيل في التجربة السياسية التي يقودها الكيان السياسي المعين في الحقل القومي والوطني وبحسب طبيعة العمل السياسي من أعمال وأفكار ومن معلومات وأراء أخرى ، وهذا يستلزم توفر مستوى معين من التعليم في الكوادر العاملة والذي هو في حده الأدنى معرفة القراءة والكتابة، وتوفر القدرة المالية التي تمكن الكيان السياسي من الأستفادة من وسائل الأعلام لنشر الأخبار والأفكار والأراء للكيان السياسي وإيصالها الى الجماهير الشعبية بغرض إستقطابها للانخراط في العمل  . كما تحتاج عملية ممارسة النقد الايجابي الفعال الى توفر وعي سياسي جماعي يتبلور في وحدات جماهيرية قادرة على إحداث التغيير المطلوب بقدر ما هي قادرة على المطالبة بالتغيير .
هذا كان كل ما يتعلق بجانب ممارسة النقد من موضوعنا ، أما ما يتعلق منه بجانب ممارسة " النقد الذاتي " فهو أن النقد الذاتي يعني تقييم وتقويم للذات سواءً كانت تلك الذات تمثل فرداً بعينه أو تمثل جماعة أو كياناً سياسياً أم مؤسسة مجتمع مدني أم نظاماً سياسياً للدولة أو أي شكل من أشكال التكتلات الجماعية . في الوقت الذي يعتبر النقد تقييماً وتقويماً لأعمال وأفكار وأراء الغير ، فإن النقد الذاتي هو تقييم وتقويم لأعمال وأفكار وأراء وسلوك الذات أو الناقد نفسه مهما كانت طبيعة الناقد ، والنقد الذاتي مع النقد يعتبران أهم الضمانات لتأمين ممارسة الحرية بشكل إيجابي في العمل السياسي ، فإذا كان النقد واجباً على كل مواطن منخرط في العمل السياسي وحقاً من حقوقه الطبيعية لحماية المصلحة القومية والوطنية فإن النقد الذاتي أوجب وأفرض وأحق عليه من ممارسة النقد بحق الآخرين . لكي يَعرف الفرد بنفسه أو لكي تَعرف الجماعة أو الكيان السياسي أو النظام السياسي بأنفسهم قيمة ما تعمله وما تفكر فيه وتعترف بما في عملها هذا وأفكارها تلك من أخطاء وانحرافات ونواقص ، فإن ذلك الأعتراف يشكل قِمة العمل الثوري النضالي ، وذلك هو أرقى أشكال محاسبة الذات على أخطائها وتقصيرها قبل محاسبة الآخرين على أخطائهم ونواقصهم وإنحرافاتهم ، فالتقييم والتقويم والمحاسبة ولكي يكون لها مصداقية لدى الآخرين يجب أن تبدأ أولاً من الذات نفسها قبل غيرها .
كما أسلفنا أن النقد يستلزم ويلزم صاحبه بتقديم المقترحات والمعالجات والحلول البديلة لتصليح الأخطاء وتجاوزها وإبقاء المسيرة النضالية في مسارها الصحيح والتغلب على السلبيات ، كذلك يستلزم النقد الذاتي وبنفس القدر من الشفافية والصراحة والصرامة والجدية إن لم يستلزم أكثر من ذلك ، لأن في عملية ممارسة النقد والنقد الذاتي لتقييم وتقويم المسيرة النضالية لتجاوز كل المعوقات تتقدم أهمية وأولوية النقد الذاتي على أهمية وأولوية النقد ، حيث لا يمكن لمن لم يُقّيم ويُقّوم ويُصلّح ذاته أن يُقيّم ويُقُّوم ويُصلّح الآخرين . كما نود هنا أن نوضح بأن فكرة النقد الذاتي قد نشأت في التنظيمات والأحزاب السياسية القائمة على المبادئ والقيم الثورية كما هو الحال في الأحزاب الثورية اليسارية وأحزاب حركات التحرر الوطني التي تقتضي مهامها ذلك ، وأيا كانت تلك المبادئ فالنقد الذاتي هو بمثابة الأعتراف بالخطايا كما هو الحال في ممارسات بعض الكنائس بحسب العقيدة المسيحية ، حيث يعترف المؤمن المسيحي بما أقترفه من خطايا مهما كانت طبيعتها لكاهن الكنيسة وبشكل سري في مكان خاص مخصص لذلك طلباً للمغفرة من رب العالمين وتبرئة ذمته منها ، وإن كانت طبيعة النقد الذاتي الذي يمارس داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية العقائدية ذات المبادئ الرصينة يشكل تعبيراً أرقى وأحدث في محاسبة الذات وجلدها مما عليه في الكنائس بكثير لأنه يأخذ طابعاً عملياً في محاسبة المخطئ والمقصر فوراً دون ترك الأمر لله إن صح التعبير !! ، وفي بعض الأحيان يكون النقد الذاتي كافياً لأعفاء الناقد المخلص الايجابي لنفسه من كل مهامه في تولي المناصب المسؤولة داخل الكيان السياسي بسبب ما اقترفه من الأخطاء وهذا المبدأ يسمى " محاسبة الذات " وهو ارقى شكل لممارسة النقد الذاتي .
وينبغي أن يكون النقد الذاتي نقداً متكاملاً يحدد ما حدث من جانب الناقد من أخطاء عملية أو فكرية ، ويحدد بدقة الأسباب والدوافع التي دفعت بالناقد الى الوقوع في تلك الأخطاء ، وأن يعطي تعهداً صادقاً بعدم الوقوع في نفس الأخطاء مرة أخرى .
هكذا ومن خلال ما استعرضناه من تعريف وشرح لمفهومي " النقد " و " النقد الذاتي " وعلاقتهما ببعضهما البعض في العمل السياسي فإن ممارسة النقد والنقد الذاتي هي عملية تقويمية وأخلاقية بمثابة تطهير الذات للكيان السياسي من الأخطاء وكل الممارسات والانحرافات التي تضر بمصلحته وتسيء الى سمعته ، وهي أيضاً ممكن أن تكون بمثابة العملية الجراحية في الطب لأستيصال كل المظاهر الشاذة لغرض المحافظة على سلامة الكيان السياسي قوياً موحداً معافاً ، وهي بالتالي تجديد لشباب وحيوية الكيان السياسي وإبقائه على خط السير المرسوم له في استراتيجيته العامة لتحقيق الأهداف التي يناضل من أجلها وبأقل تضحيات ممكنة ، حيث أن تقليل التضحيات البشرية والمالية وإختزال الوقت لصالح إنجاز الأهداف الأستراتيجية ياتيان من خلال تقليل واختزال الأخطاء والسلبيات في العمل السياسي اليومي . فكل من لا يمارس ولا يقبل بالنقد والنقد الذاتي بروح نضالية ثورية وبوعي من مبادئ الكيان السياسي الذي ينتمي إليه ليس من اللائق به الاستمرار في العمل السياسي . لأنه كما قالوا فقهاء السياسة من قبل أن السياسة هي فن الممكن ، فإن النقد والنقد الذاتي يشكلان روح ممارسة ذلك الفن النبيل ، وهما السمة التي يجب أن تلازم كل كيان سياسي ناجح ورصين .


خوشــابا ســولاقا
12 / ك1 / 2013
بغداد – العراق     


173
في التربية والثقافة السياسية
حول مفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي
خوشابا سولاقا
إن مفهوم اليمين واليسار يستعمل كثيراً في الحياة السياسية والفكرية والثقافية من قبل العاملين في هذه الحقول ، وكذلك يستعمل ويتم تداوله من قبل السياسيين وأنصاف المثقفين لمدح من يتفق معهم في الرأي والموقف والتوجه السياسي ولذم من يختلف معهم ، وكثيراً ما يأتي إستعمال هذا المفهوم من قبل البعض استعمال عشوائي وغير مسؤول وفي غير موقعه الصحيح ، أي بمعنى بغير ما من المفروض أن يعنيه في أغلب الأحيان ، لذلك وجدنا من الضروري بل من الواجب وحسب معرفتنا المتواضعة في هذا الموضوع تسليط الضوء على تاريخ ومضمون ونشأة وتطور هذا المفهوم تاريخياً وسياسياً لتنوير قرائنا الأعزاء بما يعنيه مفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي .
اليمين واليسار تعبيران يرجع نشأتهما بالأصل تاريخياً الى وضع أو موقع نواب البرلمانات بالنسبة الى موقع رئيس البرلمان ، فالأعضاء الذين كانوا يجلسون الى اليمين من رئيس مجلس النواب تم تسميتهم أو وصفهم " باليمينيين " والأعضاء الذين يجلسون على يساره تم تسميتهم أو وصفهم " باليساريين " ، وعلى هذا الأساس يعتبر تعبير مفهوم اليمين واليسار بالنسبة للنواب تعبيراً موقعياً مؤقتاً وليس له مدلولاً سياسياً ، ويتعرض للتغيير بتغيير موقع جلوس النواب من رئيس المجلس ، حيث أن من كان في موقع الييسار بالأمس قد يصبح في موقع اليمين اليوم وبالعكس . هذه كانت البدايات الأولى لنشأة مفهوم اليمين واليسار تاريخياً في برلمان إنكلترا . أما بعد حدوث الثورة الفرنسية تغير مفهوم اليمين واليسار وإتخذا شكلاً وطابعاً ومضموناً سياسياً أكثر عمقاً وشمولاً مما كان عليه مع برلمان إنكلترا . وبسبب مخاضات وتناقضات وتداعيات الثورة الفرنسية والنتائج التي أفرزتها ولّدت الأسباب الموضوعية والذاتية على حد سواء للصراع على السلطة السياسية وتوجهات الدولة الجديدة المستقبلية ، فظهرت على أثر ذلك تيارات فكرية متصارعة داخل رحم الثورة نفسها ، حيث ظهر وتكون تيار يساري ليبرالي يؤمن بمبادئ الثورة الآصيلة ويدعو الى المحافظة عليها بعد أن ظهر تيار آخر يريد الأرتداد بالثورة عن هذه المبادئ . ولكن هذا اليسار الليبرالي نفسه بدأ يتجه الى اليمين حيث ظهرت حركة راديكالية ديمقراطية علمانية وقفت على يسار الحركة الليبرالية الداعية للعودة الى مبادئ الثورة الفرنسية الأولى والمساواة بين المواطنين في حق الأنتخاب ، ونجحت هذه الحركة واستمر نفوذها السياسي بالنمو والصعود واستقطابها للجماهير حتى بدأ نجمها بالأفول بعد سقوط باريس بأيدي القوات الألمانية النازية في عام 1940 ، حيث دبت الأنقسامات والانشقاقات في صفوف الراديكاليين الفرنسيين بسبب موقف حكومة الجنرال فيشي من الأحتلال النازي لفرنسا ، وإنهزموا في النهاية هزيمة منكرة في الأنتخابات الوطنية بعد تحرير فرنسا من قبل جيوش الحلفاء سنة 1945 ووصول أنصار المقاومة الوطنية الفرنسية بقيادة الجنرال شارل ديغول الى الحكم في فرنسا عبر الأنتخابات الديمقراطية .
بعد قيام ثورة أكتوبر الأشتراكية في روسيا ، ومن ثم ظهور وقيام المعسكر الأشتراكي من الأتحاد السوفييتي ودول أوربا الشرقية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الأتجاهات الأشتراكية المختلفة تُكّون يساراً جديداً ثالثاً بمضمون سياسي جديد مختلف عن المضامين المعروفة في السابق ، ويدخل بين هذه الأتجاهات الشيوعيين الذين يؤمنون بمبادئ الماركسية اللينينية كعقيدة سياسية لهم ، حيث يعتبر هذا اليسار الجديد المرحلة الثالثة لتطور مفهوم اليمين واليسار كمفهوم سياسي أيديولوجي . طالما يعتبر مفهوم اليمين واليسار في العمل السياسي تعبيراً مطاطاً لأنه يتغير بتغير المرحلة التاريخية فإن أهداف اليمين واليسار تتغير تبعاً لذلك حتماً ، أي بمعنى آخر يتغير مفهوم اليمين واليسار تبعاً لكل مرحلة تاريخية ، ولذلك فمن الممكن القول بأن اليسار يشكل تيار المعارضة يدعو لتغيير الوضع القائم ، بينما يدعو تيار اليمين الى المحافظة على هذا الوضع ، أو يريد الأرتداد بالوضع الى الوراء . أي بمعنى أن تيار اليسار يريد التقدم بالوضع من خلال تغييره جذرياً نحو الأمام ويعتبر بذلك تياراً تقدمياً ، بينما تيار اليمين يريد الأرتداد بالوضع والعودة به الى الخلف ويعتبر بذلك تياراً رجعياً . فهكذا إتخذ مفهوم اليمين واليسار طابعاً أيديولوجياً واصبح مفهوماً مرادفاً لمفهومي التقدم والتخلف أي لمفهومي التقدمي والرجعي .
ويطلق الشيوعيون في الأحزاب الشيوعية والثورية مفهوم اليساري واليميني على الأجنحة المتصارعة في الحركة الشيوعية والحركات الثورية الأخرى أو داخل الأحزاب ذاتها كما كان الحال في الحزب الشيوعي الروسي حيث كان الصراع محتدماً بين جناح ستالين من جهة وبين جناح تروتسكي من جهة ثانية يدور حول مفهوم الثورة الواحدة والثورة العالمية ، فكان ستالين يتهم تروتسكي باليسارية كما كان لينين يتهم كيرنسكي باليمينية ، وكذلك الأتهامات المتبادلة بين الصين ويوغسلافيا تدور حول هذا المعنى أيضاً فكلاهما يتهم أحدهما الآخر باليمينية أو باليسارية . ويمكن تطبيق هذا المعيار نفسه على الأحزاب الوطنية والقومية في حركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث ، كما هو الحال في حزب المؤتمر الهندي حيث ظهر فيه جناح يساري يطالب بالتوجه الى تبني الأشتراكية وجناح آخر يميني يعارض التوجه نحو الأشتراكية . كذلك الحال في حزب البعث العربي الأشتراكي حيث تعرض الى الأنشقاق في صفوفه عام 1963 بعد إنهيار إنقلاب 8 شباط الفاشي في عام 1963 بسبب مطالبة البعض من قياداته بتبني الأشتراكية العلمية ورفض البعض الآخر للفكرة ، هذا الصراع الأيديولوجي في حزب البعث تمخض عن ظهور جناح يميني كحزب البعث العراقي بقيادة البكر وصدام والموالين لهما من الكوادر القيادية في العراق الذين يؤيدون الزعامة التاريخية للحزب المتمثلة بميشيل عفلق ورفاقه السوريين ، وجناح يساري كحزب البعث السوري بقيادة حافظ الأسد قائد الحركة التصحيحية في سورية ويؤيده الجناح اليساري في حزب البعث العراقي ، وكلا الجناحين من وجهة نظرنا المتواضعة من حيث الممارسات العملية على الأرض هما جناحين يمينيين بامتياز قولاً وفعلاً وتجاربهما العملية في الحكم تؤكد ذلك .
وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك في بلدان العالم الثالث المتحررة حديثاً من الأستعمار في آسيا وأفريقيا وأميريكا اللاتينية ، حيث ظهر في حركاتها وأحزابها التحررية أجنحة مختلفة وصفت بعضها باليمينية واخرى وصفت باليسارية تتصارع فيما بينها حول توجهاتها الفكرية ومنطلقاتها النظرية حول أسس بناء الدولة الحديثة المطلوب إنشائها في بلدانها بعد تحررها من الأستعمار الأجنبي ، وحول شكل إقتصادها الوطني المستقبلي بين أن يكون اقتصاد اشتراكي مركزي موجه ومخطط وبين أن يكون اقتصاد رأسمالي مبني على اقتصاد السوق الحر المفتوح وبين أن يكون أقتصاد مختلط .
هكذا أصبح العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مقسوم بين اليمين واليسار ، عالم ذو قطبين رئيسيين القطب اليساري يمثله الأتحاد السوفييتي وحلفائه في حلف وارسو والقطب اليميني تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف النيتو ، فأصبح يُعرف العالم الأشتراكي الذي تُحكم بلدانه من قبل الأحزاب الشيوعية والعمالية والأشتراكية الثورية بالمعسكر اليساري التقدمي ، والعالم الرأسمالي بكل بلدانه بالمعسكر الرأسمالي اليميني الرجعي بلغة السياسيين والمفكرين الأشتراكيين والشيوعيين والثوريين والوطنيين وغيرهم من الأتباع والأنصار في مختلف بلدان العالم ، وعلى اساس هذا التقسيم العالمي لمناطق النفوذ بين القطبين نشبت الحرب الباردة بينهما والتي دامت سنوات طويلة الى أن انتهت بانهيار النظام الشيوعي في المعسكر الأشتراكي وجعلت العالم يعيش في حالة من القلق والرعب من نشوب حرب عالمية ساخنة في أية لحظة بين القطبين بسبب التوترات الكثيرة والمثيرة حول مناطق النفوذ والمصالح الأستراتيجية مثل أزمة خليج الخنازير في كوبا وتستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل التي تؤدي الى فناء الجنس البشري من على وجه الأرض ، وإن نجا منها القلة القليلة بالصدفة سوف يكون سلاحها في الحرب العالمية الرابعة العصي والحجارة كما تنبأ العالم الفيزيائي العبقري ألبرت اينشتاين تهكما بذلك حينما  سؤل عن نوع الأسلحة التي سوف تستخدم في الحرب العالمية الثالثة فكان جوابه لا اعلم ولكن سيكون في الحرب العالمية الرابعة الحجارة والعصي .
بعد إنهيار النظام الشيوعي والأشتراكي في نهاية القرن الماضي في الأتحاد السوفييتي وأوربا الشرقية وتفكك إتحاداتها وبلدانها واستقلالها من التبعية وضعت الحرب الباردة اوزارها وبذلك إنهار القطب اليساري من التقسيم العالمي ، فشهدت ساحة الصراع الفكري حول مفهوم اليمين واليسار هدوءً كبيراً ، ولكن حل محله الصراع الفكري بين تيار التشدد والتطرف الديني التكفيري ( الأسلام السياسي ) الذي يسعى الى فرض معتقداته وايديولوجته بالقوى والقسر على الاخرين ممن يخالفونه الرؤى والنظرة الى الحياة من جهة وبين تيار قيم الحرية والديمقراطية المحبة للسلام والتعايش السلمي بين البشر من كل المكونات الإنسانية القومية والدينية والأثنية من جهة أخرى على الساحة العالمية . هذا الصراع الدموي الذي أصبح عراقنا ضحية له وساحة نموذجية للقتل والذبح العشوائي على الهوية ، والذي أخذت دائرته تتوسع يوم بعد آخر لتشمل الكثير من دول الجوار وبلدان العالم من دون إستثناء ، وأخذت مخاطره تهدد التحضر والتمدن ، وتهدد بتقويض أسس الحضارة الإنسانية وبالدمار الشامل والعودة الى العصور الحجرية المظلمة ، وعودة الانسان الى عصر شريعة الغابة والقمع والطغيان والبربرية التي لا تقيم للإنسانية أية إعتبار .
كان التناقض الرئيسي في الصراع العالمي ذي القطبين في القرن الماضي بين اليمين واليسار بما يمثل ذلك من مفاهيم وأفكار في الفكر السياسي والفلسفة والأقتصاد . بينما أصبح الآن التناقض الرئيسي في الصراع العالمي ذي القطب الواحد بين الفكر الديني التكفيري المتشدد والمتطرف والذي يقود عمليات الأرهاب ويتخذ منه وسيلة لتحقيق أهدافه في السيطرة على العالم وتهديم حضارة الانسان وبين فكر قيم الحرية والديمقراطية والتعايش السلمي بين البشر دون التمييز القومي والديني والمذهبي والأثني والتساوي في الحقوق والواجبات أمام القانون ، وعلى ما يبدو سوف يسود هذا الصراع هذا القرن .
اليمين واليسار في أحزابنا القومية
بالنسبة الى أحزابنا القومية الكلدانية والسريانية والآشورية الحالية والتي جميعها وحسب رؤيتنا لها لا تمتلك فكر سياسي واضح ونظرية أيديولوجية معينة تعتمد عليها في صياغة منطلقاتها النظرية وأفكارها السياسية ، وإنما تعتمد على أفكار ورؤى ومزاج أفراد معينين وعلى العواطف القومية والتعصب القومي العنصري التي تستغل كمادة تحريضية لدفع الشباب المتحمس للأنخراط في صفوفها ومن دون دراسة واقع الحال لأمتنا ، فهي بالتالي عبارة عن أحزاب ذات توجه قومي عنصري كما هو وكان حال الأحزاب القومية العربية والكوردية ، وعليه فهي وفق المعايير العصرية لمفهوم اليمين واليسار فهي احزاب يمينية بأمتياز لا وجود لشذرات الفكر اليساري في توجهاتها ومنطلقاتها الفكرية لحد الآن . 
ومن باب التذكير بما قاله السيد نينوس بتيو السكرتير العام السابق للحركة الديمقراطية الآشورية في آخر مقال له في رده على كيان " أبناء النهرين " الحديث التكوين في الدفاع عن نفسه حول أسباب جوهر خلافه التاريخي مع السيد يونادم كنا السكرتير العام الحالي للحركة الديمقراطية الآشورية ناخذ الوضع في الحركة الديمقراطية الآشورية على سبيل المثال وليس الحصر كأكبر احزابنا القومية حالياً ، حيث وصف السيد نينوس بتيو ذلك الخلاف بكونه خلاف فكري بينه كيساري في توجهاته وبين السيد يونادم كنا كيميني برجوازي في توجهاته ، هذا ما فهمته أنا مما ورد بهذا الشأن على لسان السيد نينوس بتيو فإن صدق هذا الأدعاء فإن ما حصل ويحصل في الحركة الديمقراطية الآشورية هو أيضاً من نتاج الصراع الفكري بين اليمين واليسار وليس لأسباب أخرى تجنب السيد نينوس بتيو عن ذكرها لأسباب خاصة به . لقد أسهبتُ كثيراً في عرض مثل تلك الأسباب التي تؤدي الى الصراعات الفكرية داخل الأحزاب والحركات السياسية في مقالي السابق الموسوم ( في التربية والثقافة السياسية ... حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية ) ، متمنياً من كل قلبي أن يصدق السيد نينوس بتيو في قوله وأن يكون الخلاف بينهما فكريا وليس خلاف مناصب ومصالح وغيرها كما هو معروف لدى كوادر الحركة . أنا شخصياً أستبعد أن يكون الخلاف بينهما إن وجد أصلاً خلافاً فكرياً حسب وصف السيد نينوس بتيو ، بل أميل الى القبول بان يكون الخلاف بينهما خلاف المصالح ، وإلا كيف استمر التوافق بينهما على قدم وساق كل هذه السنين لإقصاء الآخرين الكوادر القيادي المعارضة لتوجهات وسلوكيات يونادم كنا !!! ؟ ، وأقتبس هنا من مقال السيد نينوس بتيو المعنون ( رد على إيضاح كيان أبناء النهرين لا أعطي الفتاوى بل أقدم المقترحات ) ما يلي :- "  أن حقيقة الموضوع هو أختلاف بيني (نينوس بتيو) وبين الرفيق (يونادم كنا) منذ بدايات زوعا يتأسس على خلفية فكرية وهي أنني أحمل أفكار يسارية وهو ذو توجه يميني بورجوازي , وأنعكاس هذا الاختلاف كان قائما بيننا في عموم مسيرة زوعا وقراراتها وكان يحصل بيننا نقاش حاد ثنائي وفي أجتماعات القيادة واللجنة المركزية والمكتب السياسي ولسنوات طويلة " . إن الخلاف الداخلي في زوعا ليس خلافاً فكرياً بين اليمين واليسار ، وإنما هو خلاف حول أليات العمل وعلى السلوك المنحرف والانفراد بالقرار الذي تسلكه وتمارسه القيادة الحالية بقيادة السيد يونادم كنا  ، ولا وجود لتوجهات يسارية في القيادتين الحاليتين لزوعا ، قيادة زوعة يونادم كنا أو قيادة زوعة أبناء النهرين .     
ومن خلال ما استعرضناه نستطيع أن نستنتج أن الحركة الشيوعية العالمية بأحزابها المتنوعة هي التي أعطت لمفهوم اليمين واليسار في الفكر السياسي العالمي الحديث طابعاً سياسياً وأيديولوجياً شاملاً في العمل السياسي وجعلت منه معياراً لتقسيم العالم فكرياً بين اليمين الرجعي واليسار التقدمي والذي سار ويسير الآخرين على هداه الى يومنا هذا


خوشابا سولاقا
5 / ك2 / 2013
بغداد


174
في التربية والثقافة السياسية
حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية
( الجزءالثاني )
خوشابا سولاقا
نبدء معكم قرائنا الأعزاء من حيث إنتهى الجزء الأول من هذا المقال وأدناه الرابط رقم ( 1 ) لذلك الجزء لمن يرغب بالاطلاع عليه .
ثالثا : أحزاب وحركات سياسية نشأت وتكونت وتعمدت إن جاز التعبير على أساس معتقدات دينية مذهبية وخلفيات طائفية تعمل من أجل تحقيق أجندات سياسية دينية مذهبية طائفية وتحاول فرضها بالقوة على الاخرين بطرق شتى أو على الأقل إجبار الآخرين على الألتزام بطقوسها وممارساتها في حياتها الاجتماعية ، عادة مثل هكذا أحزاب وحركات تكون متشددة ومتعصبة الى حد التطرف في أفكارها وطروحاتها ورؤآها باعتبارها أفكار مستمدة ومنبثقة من روح العقيدة الدينبة ، ولا تقبل التأويل والأجتهاد ، وإن مثل هذه الأحزاب والحركات لا تؤمن مبدئياً بقبول الآخر والتعايش معه ، وهي تعمل في الحقيقة على تسييس الدين وفق العقيدة المذهبية بامتياز وتجييره لصالحها . وهذه الأحزاب والحركات السياسية تجمع في تكوينها وتركيبتها نفس الشرائح الاجتماعية والمكونات القبلية والعشائرية الموصوفة في الصنف أولاً وثانياً فيما تقدم في الجزء الأول من هذا المقال ولكن وفق منظور مذهبي طائفي . وهي بالتالي تكون أيضاً أحزاب وحركات سياسية ضعيفة في آواصر وحدتها وعناصر القوة فيها وتكون تنظيمات هشة البنية معرضة للتمزق والتشرذم والتفكك والانشقاق على المدى المنظور ، وخاصة عندما تحين الفرصة للمنافع والأمتيازات جراء ممارسة السلطة في إدارة شؤون الدولة لأن تفعل فعلها في الصراع بين القيادات التاريخية لها على الساحة العملية . وخير مثال على مثل هذا الصنف من الأحزاب والحركات السياسية هي الأحزاب ذات المعتقدات والتوجهات الدينية المذهبية في إطار الطائفية المؤدلجة ، وما حصل ويحصل فيها باستمرار وخصوصاً بعد ممارستها للحكم من التشرذم والتمزق والأنشقاق ، كما حصل في حزب الدعوة الأسلامية والتيار الصدري والمجلس الأعلى الأسلامي العراقي كاحزاب شيعية وما إنبثق منها من أحزاب وتنظيمات جديدة تحت تسميات ويافطات مختلفة ذات توجهات وطنية إصلاحية خلال السنوات العشرة المنصرمة من حكم العراق بعد سقوط نظام حكم صدام حسين هذا في الجانب الشيعي ، وما حصل في الحزب الأسلامي العراقي وغيره من التنظيمات المذهبية على الجانب السني هو الآخر خير دليل على صحة هذه الرؤية لواقع بنية هذا الصنف من هذه الأحزاب الآيلة الى التشرذم والتمزق والتفكك بسبب عجزها من قرأة الواقع السياسي والاجتماعي للمجتمع العراقي ، وبالتالي عجزها عن تحقيق طموحات الجماهير المسحوقة من أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية . إن ما نراه ونتلمسه ونعيش معاناته من شيوع الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة التي تقودها هذه الأحزاب من جهة وغياب الخدمات الاجتماعية المختلفة وانتشار البطالة والجريمة بكل أشكالها والفقر والعوز بين صفوف الجماهير الشعبية من جهة أخرى جعلت هذه الأحزاب ( الأحزاب الطائفية للاسلام السياسي ) في واد والجماهير الشعبية في واد آخر ، من المؤكد وفي ظل هذا التناقض أن الشعب سوف يقول كلمته الفصل بحق هذه الأحزاب والحركات السياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد أن قال نصفها في إنتخابات مجالس المحافظات قبل أشهر قليلة . تذكروا أن الشعوب هي التي تصنع التاريخ والقادة التاريخيين وليس الخطباء في ساحات المزايدات والمهاترات السياسية بكلامهم المعسول ووعودهم الكاذبة وكتابة الشعارات البراقة والخادعة التي تتبخر وتصبح في خبر كان بعد الأنتخابات ، كل ذلك من اجل الكراسي وما تدره تلك الكراسي من المنافع الشخصية والأمتيازات المادية والمعنوية . هذا النموذج من الأحزاب والحركات السياسية تجسد بوضوح جعل من المصلحة الوطنية العامة ومن الدين والمذهب والطائفة وسيلة ناجعة لتحقيق مصالح خاصة حزبية وشخصية ، ولذلك نرى  الحكومة تغض النظر عن ملاحقة ومحاربة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين من كبار المسؤولين بكل المستويات من سراق المال العام في أجهزة الدولة ومؤسساتها ، وكأن بقائها واستمرارها في الحكم مرهون ببقاء واستمرار الفساد المالي في مؤسسات الدولة .
رابعاً : أحزاب وحركات سياسية عقائدية نشأت وتكونت هذه الأحزاب والحركات بفعل إيمان راسخ لمجموعة من أفراد المجتمع بعقيدة أيديولوجية سياسية وفكر سياسي معين وفلسفة سياسية معينة ، مثل هذه الأحزاب والحركات تعمل على استقطاب وكسب أوسع الجماهير الشعبية المتضررة في المجتمع من الشرائح والطبقات الاجتماعية المتماثلة في مصالحها بدوافع طبقية وقومية ووطنية حولها وتوعيتها بدورها الثوري التاريخي في إنجاز الثورة الأجتماعية وتغيير النظام الاجتماعي والسياسي السائد لصالحها وبناء مجتمع جديد تسود فيه العدالة والمساواة الاجتماعية وفق معايير المواطنة . وكذلك تعمل مثل هذه الأحزاب والحركات على توجيه الجماهير للعمل من خلال مؤسساتها وتنظيماتها المهنية من أجل تغيير شروط معيشتها ودورها في قيادة المجتمع ضمن إطار العمل من أجل المصلحة الوطنية ، ولكن وفق منظور طبقي من خلال إقامة نظام سياسي ديمقراطي جديد يكون فيه للأغلبية الساحقة من محرومي الشعب الدور الريادي والقيادي .
إن أواصر الوحدة العضوية وعناصر القوة في مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية تكون أقوى كمياً وليس نوعياً مما هي في غيرها من أصناف الأحزاب والحركات التي تم ذكرها فيما تقدم من هذا المقال ، ولكن وجود الطموح الشخصي والنزعة الفردية وحب الذات عند الانسان للارتقاء والتفوق والغيرة الأنانية من الآخر بدافع السيطرة والتسلط وشهوة السلطة والحكم وتحقيق منافع وامتيازات شخصية معنوية كانت أم مادية ، معنوية مثل الشهرة والموقع الاجتماعي والوجاهة وغيرها من النوازع الانسانية التي تسيطر على تفكير وخلجان النفس عند البعض من الكوادر القيادية التاريخية لمثل هذه الأحزاب والحركات تؤدي الى ظهور أفكار متعددة ومتضاربة ومتناقضة أحياناً لبعضها البعض عندما تنضج الظروف الذاتية والموضوعية لذلك ، وبالتالي تتفاقم وتحتقن وتتوسع هذه التناقضات والخلافات الفكرية وتأخذ طابعاً تناحرياً عنيفاً يؤدي بالنتيجة الى حصول إنشقاقات في صفوفها ، وقد تتخذ هذه التناحرات والصراعات الانشقاقية من إعتماد أسلوب التصفيات الجسدية السرية بين الكوادر القيادية التاريخية لهذه الأحزاب والحركات وسيلة لتصفية الحسابات السياسية بينها وتتحول رفاق الدرب بالأمس الى أعداء الداء اليوم . وخير مثال على مثل هذا الصنف من الأحزاب والحركات السياسية نراه في الأحزاب الشيوعية والأشتراكية والعمالية والحركات الثورية في حركة التحرر الوطني في مختلف بلدان العالم الثالث . وتجربة الحزب الشيوعي السوفييتي والحزب الشيوعي الصيني وجميع الأحزاب الشيوعية والعمالية في أوربا الشرقية وغيرها من البلدان مثل اليمن الجنوبي في المنطقة العربية غنية للغاية بمثل هذه الصراعات والتصفيات وكانت الأسباب الباعثة لذلك في جميعها متماثلة ومتشابهة لحد التطابق الكامل وكأنها تجارب تعاد إنتاج نفسها  وتتكرر على نفس المنوال هنا وهناك . وعلى سبيل المثال لا الحصر ولكي يكون المثل من الواقع العراقي القريب منا نأخذ ما حصل في الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه في 31 / آذار / 1934 والى اليوم من التشرذم والتمزق والانشقاقات نراه كأنه كان تكراراً وإنعكاساً لما حصل ويحصل في الحركة الشيوعية العالمية إضافة الى ما أضافته الخصوصية الوطنية من الأسباب الذاتية لحصول مثل تلك الانشقاقات الكارثية التي أخرت وعرقلة مسيرة الحزب السياسية والتي منعته من الوصول الى السلطة في العراق بالرغم من نضوج الظروف الموضوعية العراقية لذلك .
وخلاصة ما نريد قوله من خلال ما تم عرضه في هذه المقدمة المتواضعة لرؤيتنا حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية في بلدنا بشكل عام وامتنا بشكل خاص هو أن ما تشهده ساحة الحياة السياسية والأقتصادية والاجتماعية العراقية بشكل عام وساحة أمتنا بشكل خاص من صراعات ومناكفات ومشاكسات مختلفة ليست من أجل المصلحة العامة مهما كانت طبيعة وتسمية تلك المصلحة العامة ، وطنية كانت أم قومية أم طبقية أو غيرها كما تدعي ممثلي القوى السياسية المتصارعة في خطاباتها السياسية في وسائل الأعلام ، وإنما هي في حقيقة الأمر من أجل المصالح والمنافع الخاصة والشخصية متخذة من المصلحة العامة واجهة إعلامية ووسيلة رخيصة للتغطية على حقيقة الأمر ، أو كما يقول المثل إن المصلحة العامة هي كلمة حق يراد بها باطل الذي هو المصلحة الخاصة والشخصية للكوادر القيادية المتنفذة للأحزاب والحركات السياسية العاملة في الساحة السياسية وإدارة الدولة . هكذا سوف نرى حقيقة الأمر عندما نحلل الأمور تحليلاً علمياً ومنطقياً ، وما يجري الآن على الساحة العراقية من خروقات وتجاوزات على المصلحة الوطنية العامة ونهب المال العام وإستشراء الفساد المالي والاداري في أجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية بشكل مريب وانتشار الجريمة بكل أشكالها وشبه الغياب التام للخدمات العامة وإنتشار الأرهاب وغياب الأمن والآمان كلها ظواهر تجسد خير تجسيد لهذه الرؤية رؤية صراع المصالح الخاصة والشخصية تحت غطاء المصلحة العامة . هذا الصراع الذي تقوده الأحزاب السياسية المتنفذة والمشاركة في الحكم يقود البلاد يوم بعد آخر الى الهاوية السحيقة والى الخراب في كل مجالات الحياة . واخيراً نقول لكل هؤلاء وبصوت عالٍ ومسموع كفاكم رياءً ونفاقاً وتشدقاً بالمصلحة الوطنية العامة وعودوا الى رشدكم وأعلموا بأن العراق هو وطن الجميع وهو بحاجة الى جهود الجميع بكل مكوناته القومية والدينية من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، وهو ليس الحديقة الخلفية لدوركم لتلعبون بمقدراته وثرواته كما تشاؤون وكما يحلو لكم ، وأعلموا وكونوا على يقين بأنه هناك من العراقيين الوطنيين الأشراف والأحرار ممن يقول لكم حينما تحين الساعة توقفوا عند حدكم يا من عثتم في أرض العراق الوطن فساداً وخراباً لقد دنت ساعتكم واقترب يوم الحساب . عندما يُجرح الوطن يكون انتقامه قاسياً ومؤلماً لمن لا يُعتبر .
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=712495.0
   

خوشــابا ســولاقا
28 / ت 2 / 2013         

175
في التربية والثقافة السياسية
حول الطبيعة التكوينية للأحزاب والحركات السياسية
( الجزء الأول )
خوشابا سولاقا
إن طبيعة الحياة تفرض على الانسان أن لا يعمل إن لم يكن له من وراء هذا العمل هدف معين ومن وراء الهدف غاية ومصلحة معينة ، وهذه الغايات والمصالح متنوعة في شكلها ومضمونها ، حيث قد يكون شكل المصلحة في العمل مصلحة عامة كأن تكون مصلحة وطنية أو قومية أو إنسانية أو مصلحة شعب معين أو مجتمع بعينه ، هذا قد يكون هو الظاهر للعيان من الوهلة الأولى ، ولكن يبقى الهدف الحقيقي غير ذلك بصورة غير ظاهرة والذي هو تحقيق مصلحة شخصية ، وقد تكون تلك المصلحة مادية أو قد تكون مصلحة معنوية مثل البحث عن الشهرة والسمعة والصيت والموقع الاجتماعي وغيرها ، وفي أغلب الأحيان الأثنين معاً . ولكن ما لا يمكن أن يكون له وجود على أرض الواقع هو العمل من أجل مصلحة المجموع أو المصلحة العامة المجردة دون أن يكون هناك مصلحة خاصة ، وكذلك الحال لا يمكن أن يكون هناك وجود لعمل من أجل المصلحة الشخصية دون أن يكون له علاقة معينة وإرتباط وثيق بالمصلحة العامة . وهكذا تبقى العلاقة بين العمل من أجل المصلحة العامة والعمل من أجل المصلحة الشخصية علاقة الغاية بالوسيلة ، ولكن عادة يكون الطرف الغالب في هذه العلاقة هو العمل من أجل المصلحة العامة وتكون هنا المصلحة العامة هي الوسيلة وتكون المصلحة الشخصية هي الغاية . إن الآليات التي تعتمد في تحقيق فعل هذه المعادلة في الحياة العملية في حقل السياسة وإدارة أنظمة الدولة المختلفة هي التنظيمات السياسية والجمعيات الاجتماعية المختلفة الأختصاصات من مؤسسات المجتمع المدني والأتحادات والنقابات العمالية والمنظمات الشبابية والطلابية والنسائية وأي أشكال أخرى من التجمعات المهنية . حيث نرى عندما نستطلع مشاهد التاريخ إن الكوادر القيادية في مثل جميع هذه المؤسسات تعمل وتتصارع فيما بينها وتستقتل وتستميت في سبيل البقاء والاستمرار في مواقعها القيادية ، والكل يعمل وبشتى الوسائل المتيسرة والممكنة الشريفة منها وغير الشريفة وبما فيها التصفيات الجسدية لأقرب المقربين وإعتماد أساليب التشهير والإساءة على السُمعة بكل أنواعها وأشكالها لأزاحة بعضها البعض من هذه المواقع من أجل الأنفراد والاستئثار الكامل بسلطة القرار في تلك المؤسسات . وهنا يفرض السؤال التالي نفسه ... هل من المعقول والمنطق أن تكون حماية ما يسمى بالمصلحة العامة في كل هذه الصراعات هي السبب في كل ذلك ؟؟  أم أن هناك شيء آخر أهم من المصلحة العامة غير ظاهر للعيان وغير معلن عنه ؟؟ ، والجواب المنطقي هو نعم يوجد هناك ما هو أهم بكثير من المصلحة العامة بالنسبة الى أمثال هؤلاء القادة ألا وهو المصالح والمنافع والأمتيازات الخاصة التي يحصلون عليها من خلال بقائهم في المواقع القيادية التي يقبعون فيها تقود هؤلاء الى خوض كل هذه الصراعات المريرة من أجلها . لو كانت المصلحة العامة وحمايتها هي السبب في هذه الصراعات لكان الانسحاب من هذه المواقع من قبل البعض لصالح البعض الآخر ممن هم أكفأ وأجدر بها هو الخيار المرجح وهو الخيار الأسهل والأنسب والأفضل من كل الخيارات الأخرى لحسم الأمور الخلافية بهدوء وسلام من دون شوشرة وسفك الدماء الغزيرة للمقربين على خشبة مسرح السياسة ، ومن دون اللجوء الى أساليب المكر والخديعة والعنف والتصفيات الجسدية وتدبير المكائد والمؤامرات والدسائس ضد بعضها البعض كما يحصل بين القيادات التاريخية التي تقود هذه المؤسسات السياسية المختلفة وغيرها ، والتاريخ مليء بمثل هذه الشواهد المرعبة التي تقشعر لها الأبدان . إن الشيء الذي يهمنا التطرق إليه هنا على خلفية مقدمة هذا الموضوع الذي تم التعرض له بشيء من الأختصار ، هو إستعراض الطبيعة التكوينية للتنظيمات الحزبية والحركات السياسية التي تزرع العراق عرضاً وطولاً لغرض تسليط الضوء على الخارطة السياسية لواقع العراق الحالي وأفاق تطوره على المدى المنظور . وعليه وبناءً على هذه المنطلقات الفكرية تكون الطبيعة التكوينية لتركيبة هذه الأحزاب والحركات السياسية على النحو التالي :-
أولاً : أحزاب وحركات سياسية تكونت وتشكلت في بداياتها على أساس إلتقاء مجموعة كتل وفصائل سياسية متفقة في توجهاتها  الفكرية ورؤآها  وبالحد الأدنى من المشتركات سواءً كانت هذه المشتركات قومية أو وطنية أو غيرها من الخصوصيات وضمن إطار ما يسمى بالمصلحة الوطنية العامة أو المصلحة القومية العامة في مرحلة النضال التحرري القومي والوطني . لذلك فإن مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية تكون أواصر الوحدة وعناصر القوة فيها ضعيفة وغير مستقرة وتكون بنيتها هشة ومعرضة الى هزات سياسية في مسيرتها على المدى المنظور ، وتكون ظروفها الذاتية والموضوعية الداخلية مليئة وحُبلى بالأنفجارات الخلافية العميقة تؤدي بالنتيجة الى حصول إنشقاقات في صفوفها وعودة كل فصيل وتكتل فيها الى وضعه المنفرد . طبعاً يكون مصدر تلك الأسباب التي تبعث الى الانفصال والتفكك والانشقاق هي تعارض وتقاطع وتصادم المصالح الأنانية الشخصية أو الخاصة في تقسيم المنافع والأمتيازات المادية والمعنوية بين قيادات تلك الفصائل المكونة لمثل هذه الأحزاب والحركات السياسية ، وتزداد هذه الأسباب وتحتقن وتتوسع قاعدة إنتشارها في حالة مشاركة هذه الأحزاب والحركات السياسية في السلطة وإدارة الدولة بسبب زيادة وتوسع حجم المنافع والأمتيازات التي توفرها وتمنحها لهم إدارة الدولة وممارسة السلطة . وعندها لا يكون بوسع ما يسمى بالمصلحة العامة مهما كانت طبيعتها من المحافظة على الوحدة الحزبية الفكرية والتنظيمية على حساب ردم هوة الخلافات والأختلافات بين القيادات التاريخية للفصائل المكونة لمثل هذه الأحزاب والحركات السياسية على المصالح والمنافع والأمتيازات الفردية . وخير مثال حي على مثل هذه النماذج من الأحزاب والحركات السياسية في العراق على سبيل المثال وليس الحصر حزب الأتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة مام جلال الطالباني ، وعادةً تصنف هذه الأحزاب ضمن نموذج الأحزاب الوطنية الديمقراطية واللبرالية العلمانية التوجه .
ثانياً : أحزاب وحركات سياسية تكونت وتشكلت بنيتها الفكرية والتنظيمية على أساس الولاءات القبلية والعشائرية لقياداتها من إجل  تحقيق منافع إقتصادية ضمن إطار الأدعاء بالعمل من أجل المصلحة القومية العليا نظرياً ، ولكن عملياً وواقعياً تبقى مصلحة العشيرة والقبيلة والعائلة القائدة لها فوق كل المصالح والأعتبارات الأخرى ، أي تكون مصلحة العائلة القائدة في شخص زعيم القبيلة أوالعشيرة قرينة أو رديفة المصلحة القومية العليا ، أي بمعنى أن المصلحة القومية والوطنية والجماعة هي من مصلحة القبيلة وزعيمها . لذلك فان مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية التي تقودها قادة وزعماء القبائل والعشائر تكون فيها هي الأخرى أواصر الوحدة وعناصر القوة ضعيفة وهزيلة وتكون بنيتها التنظيمية والفكرية هشة معرضة لهزات الخلافات والانشقاقات والتفكك ، وتتغير طبيعة هذه البنية بتغير حجم وطبيعة المصالح المتحققة لصالح القيادات القبلية والعشائرية المتنفذة والمهيمنة بل المسيطرة على القرار السياسي للحزب في قيادات مثل هذه الأحزاب والحركات السياسية . إضافة الى مساعي الزعماء الأقوياء لإعتماد نظام التوريث لتولي قيادة الحزب . وعليه عند حصول أي خلاف على المصالح والمنافع والأمتيازات بين القيادات القبلية والعشائرية المكونة لمثل هذه الأحزب والحركات السياسية يؤدي الى إعلان الأطراف التي تضررت مصالحها أو عند شعورها بذلك إنسلاخها وخروجها من الحزب وتشكيل حزب جديد خاص بها أو الأنضمام الى حزب مماثل يضمن لها مصالحها الخاصة . وخير مثال حي وواضح على مثل هذا النموذج من الأحزاب هي الأحزاب ذات التوجه القومي والتي عادة وخصوصاً في بداية تكوينها وتشكيلها تدق على وتر تحفيز عناصر القبيلة والعشيرة والطائفة لغرض استقطاب وجذب وشد الجماهير البسيطة والساذجة حول محور التعصب القومي واستغلالها في صراعها مع الفصائل السياسية الأخرى المختلفة عنها في التوجه الفكري . وخير مثال نموذجي على هذا الصنف من الأحزاب والحركات السياسية على الساحة السياسية العراقية الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب البعث العربي الأشتراكي والأحزاب القومية العربية التي تبنت توجهات الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر ، وغيرها من الحركات السياسية التي لم تكتمل بعد تشكيل بنيتها الفكرية والسياسية والتنظيمية لتتحول الى أحزاب سياسية رصينة للمكونات القومية الصغيرة الأخرى لتكون قادرة على مواجهة التحديات التي تهدد وجودها القومي الطبيعي في أرض الوطن . إن الصراعات والتصفيات الدموية والأنسلاخات التي رافقت التجارب التاريخية لهذه الأحزاب والحركات السياسية تقدم دليلاً ساطعاً وبرهاناً دامغاً على طبيعتها الفكرية والبنيوية غير المستقرة بسبب تذبذب المصالح الشخصية لقياداتها .

نلتقيكم في الجزء الثاني وشكراً

176
العلاقة بين الديمقراطية والمركزية في العمل السياسي

خوشــا با ســولاقا
إن مفهومي الديمقراطية والمركزية مفهومين سياسيين وفلسفيين يُعتمدان في أي عمل سياسي منظم سواءً كان ذلك العمل على مستوى التنظيمات والأحزاب السياسية أو على مستوى الإدارة السياسية لشؤون الدولة ، وذلك من خلال إعتماد آليات تجعل فعلهما مترابط ومتكامل لبعضهما البعض ويكونا متداخلين أحياناً ومتعارضين بنسب متفاوتة أحياناً أخرى حسب متطلبات تكتيك تحقيق الأهداف المرحلية الإستراتيجية للعمل السياسي ، ولكن في كل الأحوال وفي كل الظروف أن فعل أحداهما يكون إمتداداً وتكاملاً لفعل الآخر ولا يلغيان بعضهما البعض في أي حال من الأحوال بشكل مطلق ، ولكن يتعايشان في حالة من المد والجزر وفقاً للظروف الذاتية والموضوعية المحيطة . 
الديمقراطية : في حالة إعتماد الممارسة الديمقراطية كنهج في العمل السياسي يعني بالضرورة الأنفتاح على أوسع قاعدة ممكنة من الأفراد من ذوي العلاقة من المنخرطين في العمل سواءً كان ذلك في التنظيم السياسي أو في ادارة شؤون الدولة لغرض مشاركة رأي الأكثرية في بلورة وصنع القرار الأستراتيجي الذي يحدد الإطار العام وأهداف وآليات العمل عبر حوار ومناقشات للأراء المتعددة والمختلفة في مضامينها ومن دون تهميش وإقصاء وإلغاء أي رأي من الأراء  من أجل الوصول في النهاية الى الرأي المشترك الجامع والسديد . في ظل هذه الممارسة التي يكاد أن تكون فيها ممارسة المركزية في صنع القرار قد وصلت الى مستواها الأدنى ، ويكاد أن يكون فعلها المؤثر في صنع القرار الأستراتيجي قد تلاشى وإنصهر في بوتقة وحدة الرأي الجامع للأكثرية .   
المركزية : بشكل عام في حالة إعتماد الممارسة المركزية كنهج في العمل السياسي يعني تركيز أو حصر الصلاحيات والسلطة أي سلطة القرار بحلقة ضيقة من القيادات من المقربين لقِمة الهرم في التنظيم السياسي أو بالرأس الأعلى في إدارة شؤون الدولة ، وقد تحصر الصلاحيات والسلطة والقرار أحياناً بشخص واحد ، وهذا يكون أسوء ما في السلطة والأدارة المركزية لأن هذه الظاهرة المقيتة تنتهي طبيعياً بظهور الديكتاتورية الاستبدادية التي تلغي الديمقراطية عملياً ولا يبقى لها أي مظهر من المظاهر في الحياة الحزبية أو في الأدارة السياسية للدولة من حيث الممارسة العملية في سياقات العمل المعتمدة . 
تتعايش ممارسة الديمقراطية والمركزية معاً في الحياة السياسية العملية الحزبية والادارية في حالة من المد والجزر وفقاً لمستوى نضج الوعي الثقافي والقانوني والسياسي للأفراد المنخرطين في العمل والمتواجدين في الساحة المعنية . فعندما يكون مستوى نضج الوعي الثقافي للأفراد عالياً تكون هناك استجابة لروح متطلبات تطبيق القانون في الحياة عالية المستوى أيضاً كماً ونوعاً ، وعندها سوف يكون هناك مداً كبيراً لصالح الممارسة الديمقراطية ، ويكون هناك بالمقابل جزراً كبيراً يقوض من فعل ممارسة المركزية الصارمة ، وعندما يكون مستوى نضج الوعي الثقافي للأفراد متدنياً يكون مستوى الأستجابة لروح تطبيق القانون في الحياة السياسية متدنياً أيضاً كماً ونوعاً ، وعندها يحصل جزرا كبيراً في فعل الممارسة الديمقراطية على حساب مداً كبيراً في فعل الممارسة المركزية الصارمة في الساحة السياسية من أجل ضبط الأوضاع المنفلتة على أرض الواقع ومحاولة إبقائها في إطارها المحدد والمقبول على الأقل بحدوده الدنيا في حدود القانون . وهكذا يبقى قانون فعل هذان المفهومان في الحياة السياسية الحزبية أو في إدارة شؤون الدولة مرتبط إرتباطاً عضوياً وثيقاً في علاقة جدلية تكاملية بمستوى نضج الوعي الثقافي الجمعي للأفراد المنخرطين في العمل في الساحة المعنية أيضاً في حالة المد والجزر . هنالك حالات وسطية بين المد الكامل والجزر الكامل لهذان المفهومان ، حيث يكون هناك مَداً مُحدداً في مجالات معينة لتطبيق الممارسة الديمقراطية ويقابله جزراً محدداً في ذات الوقت لتطبيق الممارسة المركزية ، وحالات أخرى على العكس من ذلك تماماً ، وهناك حالات يحصل فيها توازي أو توازن بين الحالتين . السياسي الناجح والبارع ورجل الدولة الناجح والبارع هو الذي يتمكن من تشخيص دور وقوة الظروف الذاتية والموضوعية وحجم الأمكانيات المتاحة وتحديد الزمان والمكان المناسبان وتحديد إتجاه القوى الفاعلة في الأحداث على أرض الواقع ، وبالتالي يتمكن من تحديد ورسم الحدود الفاصلة بين ممارسة الديمقراطية والمركزية على خارطة ساحة العمل السياسي لغرض التمكن من التحكم العقلاني بتوجيه دفة تسيير العملية السياسية في التنظيم السياسي أو في الأدارة السياسية للدولة بشكل سليم وفق متطلبات تنفيذ القرار الأستراتيجي وتحقيق الأهداف المرسومة ، حيث يتمكن من خلال هذه الرؤية أن يجعل من الديمقراطية كابحاً قوياً للمركزية الصارمة لمنع ظهور الديكتاتورية الأستبدادية للفرد القائد للحزب أو للدولة ، وأن يجعل من المركزية الايجابية كابحاً للديمقراطية العبثية المنفلته لمنع ظهور نظام الفوضى والجريمة للغوغاء . هكذا نرى أن متطلبات تطبيق الديمقراطية الايجابية أو تطبيق المركزية الايجابية كنهج في ساحة العمل تتغير وفقاً لتغير متطلبات الحياة في الساحة ، ويتبعها أيضاً تَغَير في آليات العمل وسياقاته المعتمدة لأجل إبقاء عملية الأصلاح والتطوير في البنى الاجتماعية والأقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها في المجتمع في مسارها الصحيح والمحدد سلفاً في القرار الأستراتيجي للتنظيم السياسي أو لأدارة الدولة ، وبعكسه سوف يصيب العمل برمته بالفشل المحتم . عليه فإن تغليب الممارسة الديمقراطية على ممارسة المركزية بشكل مطلق في العمل السياسي أي كان العمل يؤدي الى إشاعة الحرية الفردية المفرطة والمنفلتة والتي في ظلها يكون المناخ مهيئاً وخصباً لظهور الجريمة الأجتماعية بكل أشكالها بما فيها الجريمة المنظمة من خلال عصابات المافية والفساد المالي والأداري في أجهزة التنظيم السياسي أو في أجهزة الدولة ، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً يهدد أمن المجتمع واستقراره وخصوصاً في المجتمعات ذات المستوى الثقافي والوعي الأجتماعي الجمعي المتدني أو المتوسط . وعليه في هذه الحالة يكون لوجود مركزية بمستوى معين ومسيطر عليه ضرورة اجتماعية حتمية للمحافظة على التوازن الأمني والسلم الأهلي الاجتماعي في المجتمع ، ففي مثل هذه الحالة وفي ظل هكذا ظروف يكون تعايش الديمقراطية والمركزية على ساحة واحدة أمراً محتماً وضرورياً يفرضه واقع الحال للحياة .. أما في حالة تغليب الممارسة المركزية الصارمة تحت طائلة أي ظرف من الظروف السياسية والاجتماعية فإن ذلك يؤدي الى تركيز وتمركز السلطة في يد فئة قليلة في قيادة التنظيم السياسي المعين على مستوى الحزب أو في قيادة الدولة إن كان ذلك على مستوى الإدارةالسياسية للدولة ، وبالتالي يشكل ذلك تمهيداً لتشكيل سلطة وإدارة ديكتاتورية الفرد الواحد سواءً كان ذلك على مستوى رئيس أو الأمين العام للتنظيم السياسي ، أو على مستوى رئيس الدولة ، وظهور الديكتاتورية يعني إطلاق رصاصة الرحمة على جسد الديمقراطية وبالتالي القضاء على حرية الفرد وكبت الرأي الحر وكم الأفواه ومصادرة الأرادة الحرة لأفراد المجتمع وإقامة مجتمع الرعب والخوف والأرهاب والملاحقات السياسية والتصفيات الجسدية للخصوم والفقر والعوز والجريمة وإثراء الأقلية القليلة المسلطة من القيادة على حساب إفقار الأغلبية الساحقة من الشعب وزيادة بؤسها والأمعان في إذلالها بلقمة عيشها مستغلة لسلطتها في إدارة الدولة لنهب وسرقة المال العام في ظل غياب المؤسسات الدستورية الممثلة لسلطة الشعب في الرقابة والمحاسبة والتي من المفروض أن تلاحق وتحاسب الحكومة في إدارة الدولة على كل خروقاتها وتجاوزاتها للقانون وحقوق الشعب ، ونفس الأمور تحصل داخل التنظيمات والأحزاب السياسية ذات الفكر والتوجهات الشمولية التي تُغلب مبدأ ممارسة المركزية الصارمة على مبدأ ممارسة الديمقراطية في عملها التنظيمي كما كان الحال في حزب البعث العربي الأشتراكي في العراق سابقاً وغيره من الأحزاب في بقية الدول العربية وكما كان الحال أيضاً في الأحزاب الشيوعية والأشتراكية في المعسكر الأشتراكي حيث كانت ظاهرة عبادة الفرد سائدة بقوة في قياداتها ، وبالمقابل كانت الممارسة الديمقراطية مغيبة كلياً عن حياة تلك الأحزاب وأنظمتها السياسية في إدارة بلدانها .
وخلاصة القول أن ممارسة الديمقراطية المطلقة والمركزية الصارمة مرفوضتان كنظام لتسيير التنظيم السياسي وإدارة الدولة لأنهما تخلقان مجتمعات لا يتوفر فيها الأمن والآمان والسلم الأهلي والحرية الفردية الايجابية وبالتالي الرخاء الأقتصادي والرفاه الاجتماعي والعيش الرغيد للمحتمع . إن المطلوب والمقبول إجتماعياً وإنسانياً هو أن تتعايش الديمقراطية والمركزية معاً بشكل متوازن بينهما مد وجزر حسب متطلبات تأمين الحرية الفردية الايجابية للإنسان وغياب الجريمة بكل أشكالها وحماية حقوق الإنسان وتأمين الرخاء الأقتصادي والرفاه الاجتماعي للمجتمع بكل مكوناته وطبقاته وشرائحه المختلفة ، وأن تكون السلطة كل السلطة والسيادة للقانون بمؤسساته الدستورية وحده دون سواه . إن الأفراط في توسيع مساحة الممارسة الديمقراطية في ظل ضعف نضوج الوعي السياسي المجتمعي للمسؤولية تجاه الآخر ، وضعف الثقافة الديمقراطية على حساب التضييق على ممارسة المركزية يعتبر تطرف وإنه امر لا يخدم المجتمع والإنسان ، حيث يصبح الإنسان في ظل هذه الحالة كائن عبثي لا يعي نتائج سلوكه وعمله ولا يُقيم للأخلاق والسلوكيات الإنسانية أية غعتبار ولا يعطيها أية قيمة حضارية تمدنية ، حيث يصبح القتل والجريمة أعمال وسلوكيات مشاعة ومباحة وتصبح سمات للمجتمع الذي تسود فيه هكذا شكل من الممارسة الديمقراطية العبثية والسلبية في نتائجها النهائية ، حيث يكون المجتمع مجتمع تحكمه شريعة الغابة ، أي مجتمع كما يقول المثل المتداول " حارة كلمن إيدو الو " .
وإن الافراط في ممارسة مركزية السلطة والقرار
على حساب الأسترشاد والألتزام بقواعد ومبادئ الديمقراطية في العمل يعتبر تطرف أيضاً في منح الثقة والسلطة والصلاحيات لمن يسيء إستخدامها بتعسف ، وعندها تكون هذه الممارسة التعسفية للمركزية أمر مرفوض لا يخدم هو الآخر المجتمع والإنسان لأن ذلك يؤدي حتماً الى ظهور الديكتاتورية الأستبدادية التي يتحول في ظلها الإنسان الحر الى عبد مطيع مسلوب الإرادة وفاقداً لإنسانيته ، والحياة الحرة الكريمة تتحول الى حياة القهر والعبودية يضطر فيها الإنسان تحت طائلة الحاجة لأن يتاجر بإنسانيته التي تعتبر أغلى قيمة في الوجود وأثمن رأسمال على الاطلاق . على ضوء ما تم عرضه إن المطلوب المقبول كما قلنا هو المجتمع المتوازن الذي فيه تتعايش الديمقراطية الايجابية المعتدلة والمركزية المعتدلة وفق الآلية التي تخلق التوازن الاجتماعي وتمنع ظهور سلطة الفوضى والغوغاء وسلطة الديكتاتورية الاستبدادية للفرد وتعطي ما هو ايجابي ومفيد لتقدم وتطور المجتمع والإنسان معاً .

خوشــابا ســولاقا
13 / ت 2 / 2013


177
الأستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي

خوشابا سولاقا
إن اي عمل سياسي منظم يهدف الى إجراء تغيير ثوري في الواقع الاجتماعي القائم للمجتمع وإعادة بنائه وفق علاقات جديدة لا بد أن تكون له " إستراتيجية " واضحة متكاملة لتحقيق إهدافه البعيدة المدى وعلى أن تغطي هذه الأستراتيجية مرحلة تاريخية كاملة ، وأن يكون لهذا العمل تكتيك لتحقيق تلك الأستراتيجية على شكل مراحل جزئية وبعكسه سوف لا يكتب لذلك العمل السياسي النجاح في إنجاز أهدافه ومهامه ، ولغرض توضيح هذا الأمر لا بد لنا من تقديم تعريف ولو مبسط لمفهومي الأستراتيجية والتكتيك وعلاقتهما الجدلية ببعضهما البعض قبل الخوض في التفاصيل .
الأستراتيجية : يعني مفهوم الأستراتيجية تحديد الأهداف ، وتحديد القوة الضاربة والفعالة في عملية التغيير الأجتماعي ، وتحديد الأتجاه الرئيسي لحركة عملية التغيير ، وتختلف الأستراتيجية السياسية باختلاف المراحل التاريخية لعملية التغيير الأجتماعي .
لا تختلف الأستراتيجية في العمل السياسي عن الأستراتيجية في العمل العسكري من حيث آليات العمل ولكنها تختلف عنها من حيث الأهداف وأدواتها . فالأستراتيجية السياسية في العمل السياسي تتعلق عادة بمرحلة تاريخية كاملة ومحددة ، ولهذا تختلف الأستراتيجيات باختلاف المراحل التاريخية لكل ثورة إجتماعية من الثورات ، فاستراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية مثلاً تهدف الى تحرير الوطن من الأستعمار الأجنبي وحليفه الطبيعي الأقطاع المحلي وإشاعة الديمقراطية في المجتمع تختلف عن إستراتيجية الثورة الأشتراكية التي تهدف الى القضاء على الأستغلال الرأسمالي للبرجوازية الرأسمالية الوطنية وبقايا الأقطاع بتأميم وسائل الأنتاج الرئيسية ونزع ملكيتها من الرأسماليين وجعلها ملك للشعب ، وكذلك تختلف إستراتيجية كل ثورة إجتماعية من هذه الثورات باختلاف الظروف الذاتية والموضوعية الخاصة بكل بلد من البلدان .
إلا أنه ما هو ضروري في كل إستراتيجية سياسية هو أن تحدد الأهداف العامة لها ، مثل القضاء على الأستعمار الأجنبي والأقطاع المحلي كما في حالة استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية أو القضاء على الأحتكار والأستغلال الرأسمالي للبرجوازية الرأسمالية الوطنية والأجنبية المستثمرة في البلاد إن وجدت بصورة شاملة كما في حالة إستراتيجية الثورة الأشتراكية مثلاً . أما العنصر الثاني في هيكل الأستراتيجية بعد تحديد الهدف هو تحديد القوى الأجتماعية الضاربة والفعالة والتي لها المصلحة الكبرى في تحقيق الأهداف التي تبتغيها استراتيجية الثورة الأجتماعية ، وكذلك ترتيب هذه القوى بحسب مدى فعاليتها وثوريتها وكفاءتها وقدرتها على الحركة في إحداث التغيير المطلوب . مثلاً في حالة استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية يمكن تحريك قوى اجتماعية عديدة طالما تلك القوى جميعاً تلتقي في معاداتها للأستعمار الأجنبي وإستغلال الاقطاع المحلي ، ولكن في نفس الوقت من الضروري جداً التمييز بين القوى الأساسية والقوى الأحتياطية والقوى الطليعية القائدة للثورة الاجتماعية والقوى المتحالفة معها والقوى المترددة في مواقفها من التغيير الاجتماعي فضلاً عن تحديد القوى المعادية للثورة بمراتبها المختلفة كقوى معادية أساساً وقوى تابعة للنظام القائم ، وأخرى قوى يمكن تحييدها أو شلها عن الحركة في تصديها للثورة . وسوف تختلف طبيعة هذه القوى الثورية منها والمعادية للثورة باختلاف إهداف الثورة وباختلاف طبيعة المرحلة التاريخية لكل ثورة إجتماعية .
فمثلاً هناك فئات من الرأسماليين يشتركون في الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية المعادية للأستعمار الأجنبي والاقطاع المحلي في حدود معينة لأن هذه الثورة سوف تحرر لهم السوق المحلي من سيطرة الرأسمال الأجنبي وإستغلال الأقطاع المحلي ، ولكن نفس الفئات نراها ترفض الأشتراك في الثورة الأشتراكية في مرحلة تاريخيةلاحقة  بل تقوم بمعاداتها بضراوة معاداة صريحة لأن الثورة الأشتراكية بحد ذاتها تسعى الى القضاء على الإستغلال الرأسمالي البرجوازي الوطني للبرجوازية الوطنية وتجعل ملكية وسائل الأنتاج الأساسية ملكية عامة للشعب ، ولهذا السبب يقفون بالضد من الثورة الأشتراكية لأن الثورة الأشتراكية تقضي على مصالح هذه الفئات من الرأسماليين على عكس الثورة الوطنية الديمقراطية حيث تَضمَن لهم مصالحهم . وكذلك ما يُثار في موضوع الأستراتيجية السياسية موضوع العنصر الثالث ، والذي هو إتجاه الضربة الرئيسية لقوى التغيير ، وهي بحد ذاتها قضية خلافية بين واضعي الأستراتيجيات فهناك رأي يؤكد بأن إتجاه الضربة الرئيسية هو جوهر كل إستراتيجية سياسية لمن يفرق بين إتجاه الضربة الرئيسية وبين أهداف المرحلة الأستراتيجية . فمثلاً إذا كان هدف الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية هو القضاء على الأستعمار الأجنبي وحليفه الطبيعي الأقطاع المحلي فإن إتجاه الضربة الرئيسية يكون شل تردد الرأسمالية الوطنية وتخليص جماهير الشعب من قيادتها الفكرية والسياسية والتنظيمية على حد سواء . وهناك رأي آخر على النقيض من الرأي الأول ، حيث يؤكد هذا الرأي على أن يكون إتجاه الضربة الرئيسية أساساً لتحقيق الأهداف الأستراتيجية وأن لا تنحرف الى أية قوة إجتماعية أخرى ، أي بمعنى آخر إذا كانت أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية التحررية القضاء على الأستعمار الأجنبي وتصفية الأقطاع المحلي ، فيكون إتجاه الضربة الرئيسية لهذه الثورة هو الأستعمار الأجنبي والأقطاع المحلي وليس الرأسمالية الوطنية حيث يمكن تحقيق تحالف مع الرأسمالية الوطنية خلال مرحلة التحرر الوطني . المهم إن الأستراتيجية هي خطة ثورية لتحقيق أهداف معينة تؤدي الى تغيير إصطفاف التركيب الطبقي للمجتمع وتغيير مواقع القوى السياسية فيه في مرحلة تاريخية كاملة ، وبالتالي فإن الأستراتيجية تتألف بالضرورة من تحديد للأهداف وتحديد القوى الاجتماعية الضاربة مع التمييز بينها من حيث الكفاءة والقدرة والثورية ثم تحديد خطة الحركة العامة للثورة الأجتماعية لأنجاز التغيير المطلوب .   
التكتيك : هو أسلوب وأشكال ومناهج النضال لأي تنظيم سياسي لتحقيق مهام معينة في لحظة محددة .. فالتكتيك السياسي لا يختلف عن التكتيك العسكري ، حاله حال الأستراتيجية ، حيث أن التكتيك بحد ذاته جزء مهم وحيوي من الأستراتيجية وهو مرحلة من مراحلها وأنه ينبع منها ويهدف الى تحقيق عملياتها الجزئية في خدمة الهدف الأستراتيجي العام لحركة الثورة الأجتماعية لأنجاز التغيير الأجتماعي المطلوب . فإذن التكتيك يتعلق أساساً بأساليب النضال وأشكاله ومناهجه ووسائله المختلفة ، ولهذا فان شكل الحركة وطبيعتها وتوقيتها عناصر أساسية في كل تكتيك ولهذا نجد في التكتيك مصطلحات ومفاهيم مثل المبادرة والمباغتة وإمكانية التكيف مع الظروف المحيطة وكيفية التحكم والتصرف بالأمكانيات المحدودة لتحقيق أفضل النتائج ، كما نجد هناك نظريات متعددة للأشتباك وأشكالاً متنوعة للهجوم والأنسحاب ، وأساليب مختلفة لأستعمال الأسلحة . فحرب العصابات مثلاً هي شكلاً تكتيكياً من اشكال النضال السياسي لتحقيق أهداف الخطة الأستراتيجية السياسية في حروب حركات وثورات التحرر الوطني من الأستعمار الأجنبي ، وقد تكون حرب العصابات مرحلة داخل حرب ثورية شاملة للتحرر الوطني ، وقد تكون طابعاً شاملاً لهذه الحرب .
ولعل أخطر مسألتين في التكتيك هي حلقتين ، حلقة تحديد موقع العملية المراد القيام بها أي موقع الهدف ، وحلقة تحديد الوقت المناسب للقيام بالعملية ، فإن أمكن السيطرة على ذلك الموقع وفي الوقت المحدد لسهلت السيطرة على بقية العمليات والمواقع ، أي أن يكون النجاح في هذه العملية بمثابة مفتاح الحل للعمليات التالية بأقل الخسائر وبأقصر وقت . وكأن تكون هذه الحلقة تعني في التكتيك العسكري في سبيل المثال لا الحصر السيطرة على ممر بري أو مائي أو غيرها من المواقع ذات الأهمية الأستراتيجية في حسم المعركة العسكرية المعينة أو في حسم الحرب ، حيث يشكل السيطرة عليها فتح الطريق الى نصر حاسم على العدو في المواقع الأخرى . في العمل السياسي قد تكون الحلقة الرئيسية في التكتيك مثلاً السيطرة على التجارة الخاجية أو السيطرة على هذه الحلقة من الأقتصاد أو تلك تؤدي بالنتيجة الى السيطرة وتوجيه الأقتصاد الوطني وحمايته . أما ما يخص المسألة الثانية من عناصر التكتيك ألا وهي التوقيت المناسب لأختيار اللحظة المناسبة للقيام بالمهمة المراد القيام بها ، حيث أن أي تقديم أو تأخير في لحظة التنفيذ قد يشكل ذلك سبباً لفشل العملية برمتها مهما توافرت لها الظروف المادية والنفسية ، ولهذا فالتوقيت السليم يشكل عاملاً حاسماً وسراً أساسياً في نجاح أي تكتيك مرحلي ، وبالتالي يصبح القاعدة المادية الرصينة لأنطلاق نجاح الأستراتيجية المخطط لها لأنجاز الأهداف الأساسية للعمل السياسي في إنجاز الثورة الأجتماعية لتغيير المجتمع وإعادة بنائه من جديد وعلى أسس جديدة .
وعلية فالتكتيك هو جزء من اجزاء الأستراتيجية والذي يحقق مرحلة من مراحلها ويخضع لأهدافها ولا يتناقض مع مسارها وإطارها العام . هكذا نجد أن العلاقة بين الأستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي مهما كانت طبيعة هذا العمل هي علاقة جدلية تكاملية لا إنفصام بينهِما وإن إحداهِما تكمل الأخرى .
تساؤل مشروع :
بعد هذا الأستعراض والشرح المبسط لمفهومي الأستراتيجية والتكتيك في العمل السياسي أي بمعنى في عمل الأحزاب والحركات السياسية ، وكوننا أحد أبناء أمتنا من الكلدان والسُريان والآشوريين أن أتساءل السؤال التالي ، أين أحزابنا الكلدانية والسريانية والآشورية بكل تسمياتها البراقة من هذين المفهومين الذين يشكلان العمود الفقري لأي حزب سياسي رصين ، والحزب الذي لا يمتلك هذه المقومات الى جانب إمتلاكه للنظرية الفكرية المستوحاة من واقع من يدعي تمثيلهم والتي يصوغ مبادئه ومنهاجه السياسي على ضوئها لا يمكن إعتباره في أي حال من الأحوال حزب سياسي عقائدي ، بل يبقى مجرد تجمع غير منسجم ومتجانس فكرياً . حزب تسيره وتتحكم به توجيهات مزاجية فردية متغيرة حسب ما تقتضي المصالح الشخصية للفرد المعني ومنفلتة من إطار المحاسبات التنظيمية المبدئية ، في الحقيقة إن كل أحزابنا عند دراسة واقع حالها من جميع الجوانب سنجدها بأنها أحزاب فاقدة للأيديولوجية والنظرية الفكرية التي من المفروض أن تسترشد بها في صياغة فكرها السياسي واستراتيجيتها وتكتيكها في العمل . ولكننا لا نجد كتاباً واحداً وحتى كراساً واحداً لأحد قادة أو مؤسسي تلك الأحزاب يتحدث فيه عن الفكر السياسي لتنظيمه ، عدا تلك الوثائق الأنشائية المقتبسة من هنا وهناك التي تصدر من مؤتمراتها العامة والكونفرنسات والاجتماعات والتي عادة تكون مكررة لما سبق ، فهي في الحقيقة لا تختلف في عملها عن الأندية الأجتماعية إن لم تكن دون مستواها ، وعلى سبيل المثال لا الحصر كان النادي الثقافي الآثوري في سبعينيات القرن الماضي أفضل بما لا يقاس من جميع احزاب اليوم قاطبة ، وكان هذا النادي أكثر قرباً وأكثر تأثيراً على أبناء امتنا من جميع النواحي ، وإن بعض الأحزاب الآشورية اليوم ولدت من رحم الثقافة القومية والوعي القومي الذي ولدته نشاطات هذا النادي والذي لم يظهر نموذجاً مماثلاً له في تاريخ امتنا بشكل خاص وفي العراق بشكل عام ، وكما وصفه عالم الأجتماع العراقي الكبير المرحوم الدكتور علي الوردي عندما ألقى فيه في أحد الأيام محاضرة عن دور المرأة في المجتمع العراقي حيث كان الحضور من المثقفين كثيفاً قد تجاوز الألف شخص ، حيث أدهش هذا الحضور والنقاشات التي جرت بشأن الموضوع  المحاضر الدكتور الوردي وكان سعيداً جداً بحضوره وإلقائه لهذه المحاضرة . أي من احزابنا الآشورية له مثل هذا التأثير الأيجابي في مجتمعنا الآشوري أو غيره ، حيث كان نظام النادي والثقافة السائدة فيه لا تهمش ولا تقصي احداً من أبناء أمتنا من كل المذاهب والمسميات بل كان بيتاً آمنا للجميع . وبسبب هذه السياسة وهذا التوجه أصبح هدفاً للنظام البعثي الفاشي وتمكن منه بسبب تعاون بعض المرتزقة الخونة من أبناء أمتنا معه والتعويض عنه ببديل مبتذل . كنا دائماً ضحية لخيانات البعض من أبناء أمتنا سابقاً وما زلنا كذلك .. لقد تحولنا في زمن وجود لنا ممثلين في البرلمان الأتحادي وبرلمان أقليم كوردستان من كيان قومي أصيل في الوطن الى مكون مسيحي طارئ على أرض الأباء والأجداد وضيف ثقيل على المعدة كما يقال . ونحن نستقتل مع بعضنا البعض وبكل الوسائل الذميمة على مناصب الذل والهوان التي يُفضل بها علينا الآخرين مشكورين ، يا ممثلينا الأشاوس نحن أهل الدار بالأمس صرنا اليوم على الدار غرباء غير مرغوب بهم لا يأوينا من حر الصيف ولا من برد الشتاء . أليست هذه مهزلة وإهانة لأمتنا أم ماذا نسميها ؟ لماذا أنتم قابلون وباقون   كرموز للذل والأهانه لماذا لا تستقيلون من مناصبكم تلك وتغادرون كراسيكم المكسورة لأصحابها لتدخلون تاريخ أمتكم من باب الفخر والأعتزاز وتضعون على رؤوسكم أكليل الغار بدلا من أكليل الذل والمهانة .       

خوشــابا ســولاقا
8 / ت 2 / 2013       

178
الديمقراطية وظاهرة عبادة الفرد في العمل
السياسي وأين أحزاب أمتنا منها ... ؟؟
خوشابا سولاقا
إن عملية كيل وإغداق المديح والتبجيل من باب النفاق والرياء لفرد ما على نحو مبالغ فيه ووصفه بصفات تعلو فوق قدرة الأنسان الفرد والاقتراب به من مرتبة التقديس والتأليه المزيف ووصفه بمميزات خارقة ونعته بصفات لا تليق بقدراته ولا تنسجم مع سلوكه الحقيقي ، إن هذا السلوك من المحيطين والمقربين من رأس الهرم في العمل السياسي يؤدي بالنتيجة الى نشوء ظاهرة تقديس وعبادة الفرد في العمل السياسي وتشكل نقطة البداية لظهور وسيادة ديكتاتورية الفرد القائد .
هذه الظاهرة تتعارض مع الايديولوجية الديمقراطية كفكر وكمنهج وكممارسة عملية في العمل السياسي ، الديمقراطية التي تنادي بسيادة سلطة المجموع وليس سلطة الفرد ، وتؤمن بأنه يستحيل على الفرد مهما بلغ من القدرة والفطنة والذكاء الخارق وبعد النظر أن يكون هو لوحده القوة المحركة للتقدم والتطور الأجتماعي ، فتطور التاريخ يكشف بوضوح وجلاء أن الفرد مهما يكون عظيماً وخارق الذكاء والقدرة يعجز عن تحديد مجرى تطور التاريخ والمجتمع ، وإن الشعب وحده بكامل شرائحه وطبقاته هو الذي يحرك ويصنع التاريخ وهذه هي سنة الحياة الطبيعية للتطور والتحول المتسلسل للحياة من الأدنى الى الأعلى في مسار هلزوني ، وهو الذي يرسم أفاق المستقبل ويحدد مسار تطور التاريخ وتقدمه . إن الديمقراطية بطبيعتها تتعارض فكراً ونهجاً وبشكل صارخ مع ظاهرة عبادة الفرد في العمل السياسي ، إلا أن التجارب البشرية عرفت هذه الظاهرة خلال سنوات طويلة من حكم الشعوب قديماً وحديثاً ، وخير مثال عليها في التاريخ الحديث فترة الحكم النازي الهيتلري في ألمانيا وحكم موسوليني الفاشي في إيطاليا والحكم الفاشي الديكتاتوري لفرانكو وسلزار في كل من اسبانيا والبرتغال وحكم ستالين ومن تلوه في الأتحاد السوفييتي السابق وبقية البلدان الشيوعية في أوربا الشرقية وكوبا والصين كانت خير دليل على إنتشار وسيادة ظاهرة عبادة الفرد في العمل السياسي . هناك نماذج مماثلة في الشرق العربي الإسلامي والعالم الثالث أمثال جمال عبدالناصر في مصر وحافظ الأسد في سوريا والقذافي في ليبيا وصدام حسين في العراق الذي جسد مثالاً بارزاً لظاهرة عبادة الفرد وتأليهه وتقديسه والأمثلة كثيرة ومتنوعة .
أوجه التشابه بين ستالين وصدام حسين
نتوسع قليلاً في مقارنة أوجه التشابه في تجربة حكم صدام حسين في العراق وتجربة حكم ستالين في الأتحاد السوفييتي السابق لا لسبب معين بل لكونهما قريبة جداً من بعضهما الى حد التطابق وتأثير وجود ظاهرة عبادة الفرد على طبيعة نظام الحكم والكوارث التي توالت على شعوب البلدين جراء استفحال هذه الظاهرة المقيتة وإنسحاب آثارها على من خلفها في إدارة البلاد
. من خلال المقارنة الموضوعية بين التجربتين سنكتشف أن تجربة صدام حسين في الحكم كأنها كانت امتداد طبيعي لتجربة جوزيف ستالين وتكراراً لها في الحكم في الممارسات الديكتاتورية وتجسيد ظاهرة عبادة الفرد . في الاتحاد السوفييتي انتشرت هذه الظاهرة إنتشاراً واسعاً بين أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم أنفسهم بما فيهم القيادات العليا ومنظماته المهنية وأجهزته العسكرية والأمنية ، وعلى أرضية هذه الظاهرة أنشأ ستالين نظام ديكتاتوري ذات الضبط الحديدي الصارم وانتقلت الظاهرة نوعاً ما بالإيحاء والتأثر والمارسة الى بعض أفراد وشرائح المجتمع . ويقول الزعماء السوفييت بهذا الشأن أن عبادة الفرد وتقديس شخص ستالين أديا الى التقليل من دور الشعب في قيادة وتوجيه الدولة والمجتمع ، وأديا أيضاً الى انتهاك خطير للقوانين الاشتراكية وقواعد الممارسة الديمقراطية وبالتالي شكلت إنتهاكاً خطيراً لطبيعة النظام الديمقراطي وجرّت تلك الانتهاكات الى عيوب كبيرة في التطبيق في ممارسة الحكم ، وعند المقارنة مع حكم صدام ، نجد أن هذا ما كان يحصل بالضبط  في العراق في المرحلة الصدامية وكأن الأحداث كانت تتكرر على نفس النسق وبنفس المنوال في العراق بالرغم من الفارق الزماني والمكاني بين المرحلة الستالينية والمرحلة الصدامية ، وبالرغم من الأختلاف الكبير بين طبيعة المجتمعين في كافة المجالات الحياتية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها . حيث أن في المرحلة الستالينية في الأتحاد السوفييتي كان يعزى كل نجاح وكل إنجاز يحرزه الشعب السوفييتي في بناء النظام الاشتراكي وترسيخ الأشتراكية من أكبرها الى أصغرها والذود في الدفاع عن البلاد ضد الأعداء الى شخص ستالين لوحده حتى أصبح ستالين في نظر أنصاره ومؤيديه ومحبيه أنه شخص معصوم من الخطأ ، وإنه فوق مستوى البشر ، وأن في استطاعته أن يقود البلاد بمفرده دون العودة والاستشارة بقيادة الحزب الشيوعي الحاكم آنذاك في الأتحاد السوفييتي ، ومن دون العودة الى الشعب من خلال مؤسساته الرسمية كمجلس السوفييت الأعلى والمؤسسات النقابية والمهنية ، وخلق بذلك أساليب بيروقراطية في القيادة حالت دون ممارسة النقد والنقد الذاتي والأبتعاد إن لم نقل التخلي الكامل عن نهج وآليات ممارسة الديمقراطية داخل تنظمات الحزب وأجهزة الدولة والتي أدت بالتالي الى سيطرة وهيمنة السلطة الديكتاتورية في الحزب والدولة من خلال إطلاق يد عصابة وزير داخلية ستالين " بيريا" وأجهزة امن الدولة ليفتك بكل صوت وطني حر ممن يعارض بالنقد سياسات ستالين الفردية ، وهذا ما كان يحصل بالضبط في العراق على يد صدام وجلاوزته من أجهزة المن والمخابرات بكل أشكالها . لقد ارتكبت عصابات ستالين القمعية مخالفات وجرائم فاضحة ضد القانون وحقوق الانسان وفتكت بعدد كبير من أبناء الشعب السوفييتي وخيرة قادة وأعضاء الحزب من الوطنيين المخلصين والمفكرين والكتاب والمثقفين وقادة الجيش لا لسبب ولا لجرم أرتكبوه بحق الوطن والشعب بل لأنهم قالوا لا لديكتاتورية ستالين لا وأبوا عن عبادة وتقديس شخصه المجنون المصاب بداء جنون العظمة حيث كان بحق هيتلر الأتحاد السوفييتي بامتياز ، وكما ارتكبت عصابات " بيريا " جرائم بشعة يندى لها الجبين وادت أساليب وممارسات ستالين الأنفرادية الأستبدادية الى الوقوع في أخطاء كبيرة وفادحة بالنسبة لبعض نشاطات قطاع الدولة التي لها مساس مباشر وفعال في مسيرة الأقتصاد الوطني كما حصل مع النشاط الزراعي على وجه الخصوص مما عاق الى حد ما نمو الأقتصاد والمجتمع السوفييتي إبان سنوات حكمه الديكتاتوري الذي دام زهاء الثلاثين عاماً . ونلاحظ عند مقارنة ما حصل في زمن حكم ستالين نجده يتكرر في زمن صدام حسين في العراق بحذافيره ، وإنه حقاً شيء ملفت للنظر من تقارب تطابق الممارست بالنتائج والوسائل المتبعة من قبل الأثنين وحتى مواقع الأشخاص المنفذة لأرادة الدكتاتور الفرد المعبود ، كما أنه هناك تشابه مطلق بين موقع ودور " بيريا " وموقع ودور " علي حسن المجيد " الملقب علي كيمياوي ، إنه أمر غريب حقاً ما هذا التشابه ؟ هذا يدل على أن كل الديكتاتوريين أينما كانوا وفي أي زمان ومكان فهم متشابهين ومتماثلين في كل شيء فكراً ونهجاً وسلوكاً وممارسةً .
ويرجح الساسة والمفكرين وعلماء الأجتماع وعلم النفس السوفييت هذه الظاهرة " ظاهرة عبادة الفرد " في بلادهم الى ظروف تاريخية موضوعية وشخصية معاً ، والظروف الموضوعية بعضها دولية مردها أن الأتحاد السوفييتي بصفته أول دولة عرفت النظام الأشتراكي ظل طوال سنوات عديدة موضع حصار البلدان الرأسمالية ومحلاً لتهديداتها المستمرة ، والبعض الآخر مردها داخلي يرجع الى أن الصراع الطبقي الذي استمر مدة طويلة بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا 1917 دون أن تَخفت حِدّتُهُ والى أنهُ كان يوجد داخل الحزب الشيوعي نفسه إتجاهات سياسية متضاربة حول مختلف القضايا الملحة لبناء النظام الأشتراكي القائم على مبدأ " من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله " ومن ثم الأنتقال الى بناء النظام الشيوعي القائم على مبدأ " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " ، كل هذه الظروف والخلافات غير المحسومة قد دفعت الى وجوب قيام تنظيم قوي ذي ضبط حديدي وقيادة مركزية وواعية ومتمكنة ليتمكن من مواجهة التحديات الداخلية من جهة ومواجه تحديات العدوان الخارجي من البلدان الرأسمالية من جهة أخرى لتثبيت أسس النظام الاشتراكي الجديد ، وإن أغلب أصحاب هذا الرأي كانوا من الموالين لنهج ستالين ومن المؤيدين له ، وبُناءً على ذلك ولتأمين المتطلبات الضرورية لأنجاز هذه المهمة وتجاوز هذه المرحلة والعبور الى جانب الأمان في بناء النظام الاشتراكي تولى ستالين تصفية العناصر المعارضة لسياساته الفردية الأستبدادبة ورؤآه الشخصية في الداخل جسدياً داخل أجهزة الحزب والدولة والمجتمع من دون رحمة كما حصل ذلك لأغلب قادة الحزب الشيوعي ومن ضمنهم رفيقه تروتسكي ووزيره الداخلية " بيريا " وغيرهم بالمئات ، وهذا ما قام به صدام حسين أيضاً في انقلابه على رفاقه في حزب البعث سنة 1979 عندما أزاح البكر من الرئاسة وقام بتصفية أكثر من خمسين من قيادة حزب البعث دفعة واحدة وبطريقة بشعة من المعارضين لنهجه الديكتاتوري الأستبدادي ، وكذلك تصدى ستالين بحزم وصرامة وصلابة لمجابهة المؤامرات للبلدان الرأسمالية في الخارج ، فاكتسب بذلك إحترام وثقة وتقدير البسطاء من المواطنين السوفييت الذين يجهلون ما يدور في خلجان نفس ستالين وبذلك حصل على نفوذ واسع وشهرة كبيرة أهلته الى تنفيذ مشروعه الشخصي في الحكم على إقامة أكبر ديكتاتورية على وجه الأرض وقتل خلالها أكثر من إثنا عشر مليون إنسان ، كل ذلك فعله ستالين من أجل مجده الشخصي والذي على أثره دخل الى متحف التاريخ من أوسع أبوابها ولكن أية متحف للتاريخ إنه بالتأكيد متحف التاريخ الأسود . هكذا يجب أن يكرم هؤلاء القتلة المجرمين ليكونوا عبرة ودرس لمن يُعتبر ولكل من يسلك طريق الديكتاتورية وعبادة الفرد طريقاً للمجد وللمرور عبر مسالك الحياة السياسية ، والحكيم هنا بالاشارة يَفهمُ . أما الظروف الشخصية فترجع الى شخص ستالين ذاته وطبيعة شخصيته المعقدة ، ويرى هؤلاء الساسة أنه كان إنساناً يتصف بالصلف والكبرياء والغرور والتعالي وحب الهيمنة والسيطرة وفرض الأرادة الذاتية على محاوريه  وعدم إحتمال النقد ، وهذه هي سِمة مشتركة تلازم كل الديكتاتوريين قديماً وحديثاً في كل بقاع الأرض .
هذه العوامل مجتمعة أدت الى ظهور ونمو ظاهرة العبادة الشخصية لستالين ، وهنا  مرة أخرى نرجع لأجراء مقارنة ومقاربة بين ستالين من حيث الظروف الموضوعية والظروف الشخصية مع صدام حسين لنجد أن هناك تطابقاً كاملاً في كل التفاصيل لنصل من خلالها الى استنتاج أن كل من صدام وستالين كانا شخصان في شخص واحد في كل صفاتهما وخصالهما وعاشا في بيئتين مختلفتين وزمنين مختلفين وكأن التاريخ يعيد نفسه ويعيد إنتاج شخصياته الشريرة على نفس النسق ولو بعد حين .
غير أنه إحقاقاً للحق وإنصافاً للتاريخ ينبغي أن لا يغيب عن البال أن ظاهرة عبادة الفرد وإن هي تنافي القيم والمفاهيم الاشتراكية والديمقراطية والإنسانية والاخلاقية معاً فإنه من الخطأ الجسيم والضرر البالغ الخلط بينها كظاهرة كريهة وبين إحترام الزعماء والثقة بهم ممن خدموا شعوبهم والبشرية بافكارهم وعطائهم وتضحياتهم وإنجازاتهم الفريدة وإبداعاتهم العلمية الفذة التي قادة البشرية الى ما هي عليه اليوم من رقي وتقدم ، هؤلاء غير أولائك الأشرار . فالديمقراطية لا تهدد ولا تحجم الدور الذي يمكن أن يلعبوه ولعبوه هؤلاء القادة والمفكرين والعلماء والمثقفين الأفراد الأفذاذ في بناء المجتمعات الإنسانية عبر التاريخ ولا تنكر لهم إسهاماتهم الفعالة في التطور والتقدم الأجتماعي في بلدانهم ، ومن واجب الشعوب والأمم تكريم زعمائهم وقادتهم وشخوصهم ممن كرسوا جهودهم لخدمتها ، وممن يكرسون أنفسهم لخدمة البشرية ولا يدخرون وسعاً في بذل جهودهم وتجاربهم وثقافتهم من أجل قضية الحرية والديمقراطية في العالم ، ويزخر تاريخ البشرية بأمثال هؤلاء الزعماء الأفذاذ العظام الذين فرضوا إحترامهم بأفضالهم على البشرية جمعاء ، وهنا لا أريد ذكر أسماء البعض دون الآخرين لكي لا يشكل ذلك تنقيصاً بحق من لم نأتي على ذكر أسمائهم . ولكن الخطر من الديمقراطية يأتي عندما تُستغل من قبل ذوي النزعات الفردي من بعض القيادات للتسلق عبر آلية الانتخابات الى قِمة الهرم حيث منها تسعى وتنطلق لتكريس ظاهرة عبادة الفرد وإقامة ديكتاتوريتة الفردية .

ظاهرة عبادة الفرد والواقع العراقي اليوم وأحزاب شعبنا   
إن ما تم ذكره بخصوص نشوء ظاهرة عبادة الفرد والمقارنة بين تجربة نظام ستالين في الأتحاد السوفييتي وتجربة صدام حسين في العراق في تجسيد هذه الظاهرة الكريه يمكن لنا مقارنتها بما يجري الآن في واقع العراق على مستوى الأحزاب والتنظيمات السياسية من جهة وعلى مستوى الدولة من جهة أخرى ، حيث سنلاحظ بوضوح وجلاء أن ظاهرة عبادة الفرد وتقديسه موجودة على مستوى الأحزاب السياسية ولو بنسب متفاوتة من حزب لأخر ولكنها لا تنعدم في أي حزب من الأحزاب من أقصى اليسار الى أقصى اليمين من أحزاب اليسار وأحزاب اليمين القومي الى أحزاب الأسلام السياسي من كل الطوائف المذهبية من دون إستثناء . حيث نرى في هذه الأحزاب أفراد في قِمة القيادة لهم سطوتهم وسلطتهم المستبدة على الآخرين من القادة وإنفرادهم في القرار في فرض ما يريدونه ورفض ما لا ينسجم مع تطلعاتهم وقناعاتهم الشخصية ، وفقط ينقص هؤلاء القادة لتجسيد ديكتاتوريتهم الفردية والتي من خلالها تنجلي ظاهرة عبادة الفرد وصولهم بأية طريقة كانت على سدة الحكم وجلوسهم على كرسي السلطة ، كما هي الآن ظاهرة على من يحكم العراق حيث يجري تجميع السلطات الأمنية والعسكرية في يد شخص رئيس مجلس الوزراء وخضوع السلطة القضائية لأرادته لدعمه في شرعنة كل ما يريد فرضه على الآخرين من الخصوم السياسيين والمعارضين . إن الخارطة السياسية الحالية للعراق توحي وتؤشر بالسير نحو قيام ديكتاتورية من نوع جديد حيث يتجسد فيها يوم بعد آخر ظاهرة عبادة الفرد .
أما فيما يخص واقع أحزابنا الكلدانية السريانية الآشورية بمختلف تسمياتها فالأمر لا يختلف كثيراً عن واقع الأحزاب العراقية من حيث إنفراد بعض قياداتها بسلطة القرار في العقد والحل والتسلط على مراكز القيادة فيها وفق الطرق الديمقراطية التي يفصلونها حسب مقاساتهم والتي تبقيهم في مواقعهم الى أن يأخذ الله أمانته ، فإن ذلك لا تحتاج الى مناقشة وجدال فتلك المواقع كأنها مسجلة بأسمائهم ولهم بها سند طابو ، وليس من حق الآخرين أن ينافسوهم عليها ، وحتى أن ينتقدوهم أو يعارضوهم في الراي وإن فعلوا فإن الفصل والطرد والأقصاء وتشويه السمعة سيكون من نصيبهم ، ونستطيع القول أن هؤلاء المطرودين من جنة المستبدين في أحزاب شعبنا محظوظين جداً ويحبهم خالقهم لكون الأنفراديين والديكتاتورين المستبدين في أحزابهم لا يمتلكون صلاحيات الحاكم للأعتقال وتوجيه تهمة الخيانة العظمى بحقهم بسبب تجاوزاتهم وأنتقاداتهم لقادة الضرورة لهذه الأحزاب ، ومن ثم تنفيذ حكم الأعدام بهم ، ولو كان لهؤلاء الديكتاتورين مثل هذه الصلاحيات لكان الكثير منا اليوم ينتظر يوم القيامة . تصوروا إن القائد الحزبي لأحد هذه الأحزاب قد أقام دعوى قضائية في المحاكم الرسمية وهو ممثل شعبنا في البرلمان أستمد سلطتة من أصواتنا التي أوصلته الى موقعه هذا الذي يستقوى به على عضو لجنة مركزية ورفيق سابق مقرب منه ويطالبه بتعويض مالي قدره مئة مليون دينار لمجرد أنه إنتقده نقداً لاذعاً في وسائل الأعلام لتجاوزاته وخروقاته لسياقات التنظيم وسلوكه الانفرادي وتحكمه بمقدرات الحزب واستغلالها لمصالحه الشخصية ، أسألوا هذا القائد الفذ أين هو وحزبه من قواعد وأخلاق الديمقراطية التي يوسم بها تنظيمه ؟؟ ، تصوروا فرضاً لو كان لهذا القائد الحزبي سلطة الحاكم الأول في الدولة الديكتاتورية مثل دولة صدام حسين ودولة جوزيف ستالين ودولة الأس والقذافي هل كان يتورع ويتأخر لحظة واحدة عن تنفيذ حكم الأعدام برفيقه عضو اللجنة المركزية كما فعل كل من صدام وستالين من قبله بحق الكثيرين  من رفاقهم ؟؟ ، أنا لا اعتقد ذلك ، لأن هؤلاء جميعهم من طينة واحدة لا يطيقون النقد ولا يقبلون بالرأي الآخر ، بل يستميتون ويتشبثون بكل الوسائل للأستمرار في مواقعهم وفي الدفاع عن مصالحهم الشخصية وأمتيازات مناصبهم الرمزية التي يصدّقون بها عليهم الآخرين في السلطة . وخلاصة القول أن ظاهرة عبادة الفرد مهما كان دور وموقع الفرد المعبود في العمل السياسي سواءً كان ذلك داخل حزب سياسي أو في مؤسسة إدارة الدولة هي ظاهرة كريهة وسلبية لا بد من أن تتظافر كل الجهود الخيرة لمكافحتها وإستئصال جذورها منذ اللحظة الأولى لظهورها في العمل السياسي للحزب أو للدولة قبل استفحالها وتحولها الى سرطان قاتل يقضي على الحزب السياسي أو على الدولة في حالة ممارسة الحكم . الديكتاتوريون كلهم من ملة واحدة لا يختلفون عن بعضهم البعض إلا بالصلاحيات  التي تخولهم بها مواقع السلطة التي يتبؤونها كما فصلنا ذلك فيما ذكرناه في هذا المقال . 

خوشــابا ســولاقا
2 / ت 2 / 2013


179
الأقليات والحقوق القومية والدينية والوطنية
في العراق
خوشـابا سـولاقا
بدءً ذي بدء نادراً ما موجود على وجه الأرض في أي بلد من البلدان امة من الأمم تعيش على أرض محددة مكونة من قومية واحدة خالصة نقية الدم كما يدعي القوميين المتعصبين المغالين في عنصريتهم القومية وتعصبهم وتطرفهم القومي الأهوج وتعتنق عقيدة دينية واحدة ومنتمية لطائفة مذهبية واحدة كما يريدها المتشددين المتطرفين من المتدينين الغارقين في الجهل والتخلف والحقد والكراهية المتأصلة في كيانهم على غيرهم ممن لا يوافقونهم في رؤآهم ومعتقداتهم الدينية والمذهبية ، لأن مثل هذا الوضع النموذجي الاستثنائي كما يريده البعض يعتبر وضعاً مثالياً فريداً شاذاً لواقع الحياة الإنسانية الطبيعية ، ولا أعتقد له وجود على أرض الواقع ، بينما على العكس من ذلك هو الوضع الطبيعي في كل البلدان . وعليه فإن جميع أمم الأرض فيها تعدد وتنوع قومي وديني وعِرقي ومذهبي وقبلي وغيرها من الخصوصيات تجعل مصالحها ومعتقداتها المختلفة تتقاطع وتتعارض لهذا السبب أو ذاك مع بعضها البعض أحياناً وتلتقي وتتشارك وتتحد أحياناً أخرى ، وهكذا يحصل توازن طبيعي ويتعايش هذا الخليط الإنساني المتنوع المتعدد المكونات بانسجام وتفاهم ويشترك الجميع في المصير الواحد أمام تحديات العدو المشترك متناسين خلافاتهم بحكم الخصوصيات جانباً . هذا هو واقع الحال لجميع أمم الأرض حالياً في مختلف البلدان التي تؤمن شعوبها بمبادئ التعايش السلمي المشترك على أرض الوطن الواحد . لقد مرَّ التاريخ البشري بعصور من الاضطهاد والقهر القومي والديني والمذهبي ومات الملايين من البشر وسالت دماء غزيرة في حروب عبثية لأسباب ودوافع قومية ودينية ومذهبية بحكم استئثار إحدى القوميات أو أحدى المكونات  الدينية  أو المذهبية  بالسلطة السياسية في هذا البلد أو ذاك ، وبحكم هذا الواقع عاشت الأقليات القومية والدينية والمذهبية في ظل سلطة المكون القابض على الحكم حياة القهر والاضطهاد والعبودية محرومة من كل الحقوق القومية والدينية والمذهبية وحتى الحقوق الإنسانية الى حدٍ بعيد ، واُرتكبت بحقها المذابح والمجازر الجماعية وحصل لها الكثير من الأنتهاكات المريعة لا لسبب مبرر ولا لذنب أو لجرم إرتكبته بحق غيرها وإنما لمجرد كونها أقلية مغلوبة على أمرها ، والتاريخ مليء بمثل هذه الشواهد الصارخة والمؤلمة والكوارث الإنسانية المرعبة والبشعة ، ولا يخلو تاريخ أي أمة من أمم الأرض من مثل هذه المظالم التي يندى لها الجبين ويخجل منها التاريخ الإنساني ، وما ما ارتكب منها بحق أمتنا والأرمن في عهد الدولة العثمانية على يد المجرمين بدر خان ونورالله وسمكو وغيرهم من عتاة القتلة المجرمين من الترك والفرس والكورد بتحريض ودعم الحكومات العثمانية والفارسية المغالية في حقدها وعنصريتها القومية والدينية تجاه الآخرين من مواطنيها وسكوت حكومات الدول الأوربية المسيحية خير مثال صارخ على إضطهاد وقهر الأقليات القومية والدينية ، وكانت حصة أمتنا والأخوة الأرمن حصة الأسد من رصيد مذابح ومجازر الأبادة الجماعية بدوافع دينية الممنهجة ( الجينوسايد ) والمنظمة برعاية الدولتان العثمانية والفارسية المجرمتان عبر قرون طويلة ، ولذلك يتطلب الأمر من الذين يدعون تمثيلنا من الأحزاب والمؤسسات الحقوقية في الداخل والمهجر التحرك لدى المؤسسات الحقوقية الدولية والأمم المتحدة لتثبيت ذلك في سجلات الجرائم الجنائية في محكمة لاهاي المعنية بجرائم الحروب والأبادة الجماعية طالما لدينا الكثير من الوثائق التي تثبت هذه الجرائم ومطالبة الدول المعنية بها اليوم ( الدول الوريثة ) بتعويض المتضررين من أبناء أمتنا كما يفعل أخوتنا الأرمن . كانت تلك المرحلة مرحلة نظام الأمبراطوريات والدول القومية والوطنية التي كانت ثقافة التعصب القومي والديني هي الثقافة السائدة فيها وكانت سمة تلك المرحلة ، وفلسفة الحكم حينذاك ، ولذلك كانت الضحية الأولى لسيادة هذا النمط من أنظامة الحكم هي أبناء الأقليلت القومية والدينية والمذهبية ، وكان الشرق مثالاً حياً لمثل هذه الممارسات العنصرية الفاشية الشاذة والبغيضة لأضطهاد الأقليات القومية والدينية في كنف الأمبراطوريتين الفاشيتين الفارسية والعثمانية وما زالت لغاية اليوم . بالتأكيد أن كُثرة الأضطهادات القومية والدينية والمذهبية قادت المفكرين والعلماء والفلاسفة والسياسيين الى البحث عن إيجاد أنظمة حكم أكثر عقلانية وأخلاقية وإنسانية لتخليص البشرية من واقع القهر والأضطهاد القومي والديني والمذهبي وبالتالي تحرير الإنسان من ظلم وقهر واستغلال أخيه الإنسان وإنعتاقه من العبودية ونشر أفكار الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وإقامة السلم الأهلي والتعايش السلمي بين الأمم ومنح الأقليات حقوقها القومية والدينية والوطنية والإنسانية المشروعة . فكانت النتيجة ظهور ملامح النظام الديمقراطي العالمي وإنبثاق عصبة الأمم ومن ثم صدور مثاق الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المنبثقة منها ، وظهرت مؤسسات حقوق الإنسان وصدور الأعلان العالمي لحقوق الإنسان وبدأ العالم الجديد بالتَشكُل وفق أسس ومعايير جديدة أكثر عدالة وإنسانيةً والذي فيه تعتبر إنسانية الإنسان هي أعلى قيمة كمعيار لتقييم الحياة الإنسانية ، واخيراً صدور إعلان حماية حقوق القوميات الأصيلة عام 2007 من الأمم المتحدة والذي من المؤكد سيكون لتطبيقة أثراً كبيراً لأمتنا لكوننا قومية أصيلة في بلاد النهرين لو تحركت مؤسساتنا السياسية والكنسية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني لأمتنا التحرك الجاد والفاعل لتشكيل لوبي للتأثير على مؤسسات صنع القرار في الدول الكبرى والأمم المتحدة لوضع هذا الأعلان موضع التنفيذ الفعلي بدلاً من المناكفات والمشاجرات على التسميات ومقاعد " الكوتة " المهينة التي صَدَّقوا بها الأقوياء للضعفاء اليتامى من أبناء أمتنا الأًصيلة لتلهيتهم في صراعاتهم الجانبية والأبتعاد عن حقوقهم الجوهرية . ولذلك ندعو هنا من يدعي تمثيلنا في مجلس النواب الى المطالبة بتعديل الدستور الحالي وتضمينه بمواد إضافية تقر بوجودنا القومي وكقومية أصيلة حسب إعلان الأمم المتحدة المشار إليه أعلاه وبشكل صريح وضمان كامل حقوقنا القومية والدينية والسياسية والثقافية وتشريع ذلك بقانون كما فعل المجلس مع الأخوة التوركمان .. إلا أن الشرق بالرغم من كل هذا التغيير النوعي في النظام الحقوقي الدولي مصر أن يبقي شرقاً متخلفاً لا يقبل أن تهب عليه رياح التغيير الإنساني والاجتماعي ، بل إنه يريد أن يبقى على ما هو عليه متقوقعاً ومتشرنقاً داخل صومعة التخلف ويقاوم رياح التغيير للنظام الدولي الجديد بإصرار وعناد لكون النظام الجديد حسب رؤية ومنهج فقهاء الرجعية والتخلف نظام قائم على رؤى وفكر وثقافة غربية غريبة ودخيلة على ثقافتنا وتقاليدنا القومية والدينية الشرقية وبالتالي أن ذلك سيؤدي حتماً الى تدمير منظومتنا الأخلاقية والقيمية الأصيلة ومحو ثقافتنا واستبدالها بالمستورد الغربي منها . هكذا وتحت هذه الشعارات الرجعية المتخلفة تصدرت المؤسسات القومية والدينية للتصدي للنظام الديمقراطي العالمي الجديد التَشَكُل وثقافتِهِ التقدمية وسَعت بالمقابل الى إعادة إنتاج وترسيخ مفاهيم وأفكار أسس وثقافة النظام الرجعي القديم القائم على أساس القهر والأضطهاد والقمع القومي والديني والمذهبي والتمييز الطبقي في مجتمعاتنا الشرقية وتكريس التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة وإبقاء المرأة حبيسة البيت حالها حال أية حاجة من حاجات الرجل المنزلية . وبذلك أصبحت الأقليات القومية والدينية والمذهبية مرة أخرى مسلوبة ومهضومة الحقوق بكل أشكالها ومضطهدة ومقموعة ومصادرة الارادة  ومحرومة حتى من الكثير من حقوقها الإنسانية . كان العراق خير مثالاً ساطعاً لأمة لها تعددية قومية ودينية ومذهبية نموذوجية وكيف عاشت هذه المكونات المتنوعة دون مستوى المكون القابض على السلطة من حيث الحقوق في البلد عبر عقود من الزمن تحت الأضطهاد والقهر القومي والديني والمذهبي الطائفي . وبالتأكيد كيف أن المؤسسات السياسية والتربوية من أحزاب وجمعيات التي نشأت في ظل سيادة وهيمنة ثقافة القهر والصهر القومي تأثرت أكثرها في صياغة أفكارها وخطابها وبرامجها السياسية ومناهجها التربوية في المدارس والجامعات الى هذا الحد أو ذاك بتأثيرات تلك الثقافة التي كانت سائدة في المجتمع والتي لم تتحرر من تبعات وتقاليد ثقافة القهر والصهر والأضطهاد القومي والديني والطائفي . فولدت من رحم هذه الثقافة أحزاب ذات أيديولوجيات عنصرية قومية متعصبة وشوفينية وأخرى ذات أيديولوجيات دينية ذات توجهات مذهبية طائفية حاقدة تعادي الأديان والطوائف المذهبية الأخرى . وقد سادت بل طغت ثقافة تلك الأحزاب بعد قيام الدولة العراقية الحديثة منذ بداية القرن الماضي في عام 1921 على مؤسسات الدولة الرسمية ، وكانت الحكومات التي أستلمت السلطة بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 هي الأخرى مشبعة لحد النخاع بالفكر القومي الشوفيني القائم على قاعدة إلغاء وإقصاء الآخر وهضم كل حقوقه القومية وحتى نكران لوجوده القومي في العراق كمكون أصيل منذ آلاف السنين ، وكانت أنظمة حكم أحزاب القوميين العرب وحزب البعث العربي الأشتراكي خير تجسيد حي ومثالي لهذا النموذج القهري من الفكر الأقصائي بحق الأقليات القومية الاصيلة في العراق . وبعد سقوط نظام البعث الصدامي كنظام سياسي عروبي فاشي على يد القوات الدولية عام 2003 لم تسقط معه الثقافة الصدامية الشوفينية الشمولية الأقصائية المعادية للأقليات القومية والدينية والمذهبية الطائفية كفلسفة ومنهج للحكم بل بقيت تمارس  بنفس الآليات من قبل من استلم السلطة بعد صدام ولكن بواجهات أخرى سواءً على مستوى الحكومة المركزية في بغداد أو على مستوى حكومة أقليم كوردستان في أربيل . حيث الأقصاء والتهميش وصناعة البدائل الهيكلية المزيفة والمشوهة لتمثيل أبناء الأقليات القومية والدينية والطائفية في مؤسسات الدولة والأقليم الدستورية من مجلس النواب العراقي والمجلس الوطني لأقليم كوردستان وفي السلطة القضائية  والسلطة التنفيذية ( الوزارة )  مستمرة على قدم وساق ، وحيث الغياب التام للمشاركة الفعلية الحقيقية لأبناء تلك الأقليات بالشكل الذي يمثل مشاركتهم الفعلية كما ينبغي أن تكون والتي تعكس وتجسد وجودهم القومي التاريخي والديني ، وحيث نرى أن من يمثلهم اليوم في مؤسسات الدولة المركزية والأقليم لا يَهمهُم من تلك المشاركة الرمزية غير مصالحهم الشخصية والانتفاع من امتيازات ذلك التمثيل المشوه الهزيل والمهين على حساب إهمالهم للمصالح القومية الحقيقية لمن يدعون تمثيلهم ، وبالنسبة لممثلي أمتنا أصبحوا رسمياً ممثلي المكون المسيحي ولا يمثلون مكون قومي له هويته القومية المتميزة وهذا يعني عملياً إلغاء أي إعتراف بوجدنا القومي وكقومية أصيلة !!! ، وكما لا نجد للديمقراطية على مستوى التطبيق الفعلي والمارسة العملية أي على أوسع نطاق ظل على أرض الواقع غير مجرد شعارات سياسية إعلامية مرحلية لخداع النفس لرافعيها أولاً ولخداع الآخرين من أبناء الأقليات والرأي العام العراقي  والعالمي بديمقراطية النظام القائم ثانياً . لذا نرى في حقيقة الأمر أن العراق وشعبه يتخبطان في حالة من نظام الفوضى العارمة في ظل تفشي الجريمة بكل أشكالها ، والفساد المالي وسرقة المال العام في وضح النهار لا أول لها ولا آخر . ولأجل حل مشاكل عراقنا العزيز وتخليص شعبنا مما يعانيه من المعاناة الرهيبة والمشاكل الجمة المستعصية التي تضرب بأطنابها كل مفاصل الحياة العراقية اليومية لا بد لنا من أن نتعلم ونستفاد من تجارب الآخرين ممن سبقونا في هذا المضمار ، وان نختار ما يلائمنا ويناسبنا منها من نظام سياسي لأدارة الدولة ويحل مشاكلنا ويستجيب لمتطلبات حياتنا ، وإن ذلك إن فعلناه ليس عيباً نعاب عليه ولا يقلل من عظمة حضارتنا وتراثنا التاريخي ولا يحط من قدرنا وشأننا عند الآخرين بل على العكس من ذلك طالما فية مصلحتنا الوطنية ولكن ما هو معيب لنا هو بقائنا على ما نحن عليه نتخبط في مشاكلنا ومعاناتنا وندور في حلقة مفرغة الى ما لا نهاية ، واستمرار هذا الواقع المأساوي ، هذا هو ما يجب أن نخجل منه وأن لا نقبل به على أنفسنا وعراقنا منبع أول حضارة إنسانية أنجبت العجلة الآشورية وأنجبت أول مسلة قانون على الأرض وهي مسلة حمورابي في بابل وأنجبت أول ألة موسيقى على الأرض وهي القيثارة السومرية عند مواجهتنا للآخرين من الشعوب ، لأن الأخذ والعطاء هو سنة الحياة وهو القانون الأساسي لصيرورتها وتطورها والسير الى الأمام بخطوات ثابتة . إن العمل على تأسيس وبناء النظام الديمقراطي التعددي العِلماني الحقيقي  (( نظام لا قومي ولا ديني مسيس  ولا مذهبي طائفي )) القائم على أساس المساواة والعدالة بكل أشكالها وإلغاء نهج الأقصاء والتهميش للآخر وبناء دولة المؤسسات الدستورية ، دولة تكون فيها السيادة لسلطة القانون وحده ، دولة المواطنة وليس دولة المكونات والميليشيات المسلحة ، دولة يكون فيها السلاح بيد سلطة القانون فقط ، دولة تضمن وتحمي حرية المواطن في التعبير عن رايه عبر الوسائل السلمية بالكلام والكتابة والتظاهر ، دولة تتساوى بين مواطنيها في الحقوق والواجبات وفق القانون والدستور والهوية الوطنية ، ووفق المعيار الوطني بالانتماء الى العراق قبل أي إنتماء فرعي آخر ، هذا النظام لوحده هو الذي يجعل من العراق وطن الجميع وللجميع من شماله الى جنوبه من شرقه الى غربه بعربه وكورده وتركمانه وآشورييه وكلدانه وسريانه وإيزيدييه وصابئته وشبكه وطن زاهر خالي من الظلم والقهر والتمييز القومي والديني والطائفي والطبقي والجنسي وخالي من الأرهاب والأرهابيين والقتل على الهوية وخالي من الفقر والجهل والأمية والمرض والعوز والبؤس . في ظل هكذا نظام والثروات الطبيعية والبشرية الهائلة التي يمتلكها وينعم بها وطننا العراق " بيث نهرين – بلاد النهرين  " عندها فقط نستطيع إسقاط الشعار الذي قيل بحقنا من قبل الآخرين  من الأصدقاء والأعداء (( العراق أغنى بلد وأفقر شعب )) وعندها فقط نغسل العار من على جبين العراق وشعبه بكل مكوناته يا أيها الأعزاء المغالين والمتطرفين في تعصبهم القومي والديني والمذهبي الطائفي .. النظام الديمقراطي والثقافة الديمقراطية هما الضامنان للتآخي القومي والديني والمذهبي وإحترام حرية الرأي وقبول الآخر والتعايش السلمي معه في الوطن الواحد ، وهو الذي يحمي الخصوصيات مهما كانت تلك الخصوصيات وتزدهر في ظله ، وفي ظله وحده فقط يصبح العراق وطن حر وشعبه ينعم بالحرية والسعادة والعيش الرغيد ... النظام الديمقراطي هو النظام الوحيد الذي يقر ويحقق الحقوق القومية للأقليات وللأكثريات القومية على حد سواء وهو طريق الأمم المتعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية للخلاص من القهر القومي والعبودية والظلم والتمييز العنصري والحروب ، فليكن هذا الخيار هو خيارنا نحن العراقيين الوطنيين الشرفاء من كل المكونات لننعم بالحياة الحرة الكريمة الخالية من الدماء والموت المجاني اليومي بعد معاناة دامة قرابة المئة عام من الحروب والأقتتال والقتل على الهوية الفرعية ، لنحمل فقط الهوية الوطنية العراقية في جيوبنا وقلوبنا ونفوسنا وثقافتنا عندما نتجول في ربوع وطننا العراق ، عندها فقط سوف نحل ونتخلص من كل مشاكلنا القومية والدينية والمذهبية الطائفية وتصبح جزء من الماضي في خبر كانَ . 

خوشـابا سـولاقا
28 / ت 1 / 2013   

180
المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي
أين تنظيماتنا منه ... ؟؟
خوشابا سولاقا
هناك مبادئ أساسية معروفة يجب أن تعتمد في قيادة التنظيمات الحزبية السياسية ألا وهي ، الديمقراطية والمركزية والنقد والنقد الذاتي وخضوع الأقلية للأكثرية والألتزام الصارم في تنفيذ القرارات الحزبية الصادرة من هيئات الحزب القيادية تدرجاً من الأعلى الى الأدنى بدقة وغيرها الكثير من المبادئ والتقاليد والسياقات الحزبية التي تقوي من وحدة الحزب الداخلية الفكرية والتنظيمية وتزيد من تماسكه وتعزيز دوره وفعاليته في المواجهة والتصدي للتحديات التي تواجه الحزب في عمله النضالي من أجل إنجاز مهماته الأستراتيجية وتحقيق أهدافه ، وياتي في مقدمة هذه المبادئ الألتزام الصارم بالقواعد التنظيمية الداخلية المعتمدة في حياة الحزب السياسي ، ولكن بالرغم من أهمية كل ما تم ذكره من المبادئ والقواعد والسياقات الحزبية يبقى مبدأ " القيادة الجماعية الديمقراطية " للحزب السياسي هو المبدأ الأساسي في قيادة التنظيم السياسي أي تنظيم كان ، وعليه سنتناول بشيء من التفصيل هذا الموضوع لأهميته الحيوية في بنيان وديمومة الوحدة الفكرية والتنظيمية للتنظيمات السياسية ومدى التزام تنظيماتنا السياسية – تنظيمات أمتنا - به عملياً وأين موقعها منه على وجه التحديد .
إن القيادة الجماعية هي احدى أهم مبادئ القيادة الحزبية الناجحة ، ولقد بينت وأثبتت التجارب الطويلة للأحزاب السياسية في مختلف البلدان وعبر مختلف الظروف التاريخية لحياة الشعوب أنه فقط بالمحافظة على هذا المبدأ المهم وبالارتكاز عليه والتمسك النزيه والحازم والصارم بقيمه فقط يمكن إطلاق وتوجيه المبادرات الخلاقة لكوادر الحزب ومنظماته السياسية والمهنية بمرونة وإبداع ، وتحليل الوضع بشكل علمي صحيح وتقييم نتائج العمل المنفذ بشكل موضوعي . إن القرارات المتخذة جماعياً تعطي قوة كبيرة وزخم هائل لقيادة الحزب وتسمح في ذات الوقت بتوحيد وجمع مواهب وخبرات المنخرطين في تنظيمات الحزب السياسية والمهنية بكل مستوياتهم ، وتحمي أيضاً هيئات الحزب وقادتها من عوامل الضعف والخلل والزلل والصدفة والعمل بعشوائية وانتقائية ومن اللجوء الى أنصاف الحلول والأحادية الجانب عند إتخاذها للقرارات الحزبية . إن الأراء المتوافقة بحرية وبأسلوب ديمقراطي خير من قرارات فردية تتخذ من هذا المستبد الديكتاتوري أو ذاك مهما كان ذكائه وفطنته في تحليل الأوضاع .
إن القيادة الجماعية هي شرط لا غنى عنه للنشاط الطبيعي لأي حزب سياسي ينشد الديمومة والاستمرار قوياً ولكل منظماته السياسية والمهنية ، ويسعى لتربية الملاكات الحزبية المقتدرة بصورة صحيحة للعمل بين صفوف الجماهير بصورة فعالة ومؤثرة ، ولتأطير نشاط أعضائه وفعاليتهم الذاتية بصورة دائمة ومستمرة .
إن الأساس النظري الذي يستند عليه مبدأ القيادة الجماعية في الحزب السياسي هي النظرية العقائدية التي يسترشد بها وبفكرها ويعتمدها الحزب السياسي والتي من دونها يمكن إعتبار الحزب مجرد هيكل من دون روح ، والتي عليها يرتكز أصلاً الدور الحاسم الذي تلعبه الجماهير الشعبية في العملية التاريخية لأعادة صياغة قواعد ومبادئ الحياة الاجتماعية التي يناضل الحزب من أجل تجديدها وتغييرها . وعلى الجماهير هنا كصانع للتاريخ أن تدرك دورها كشرط حاسم في بناء المجتمع الجديد بقيادة حزب يتمتع بقيادة جماعية ونظرية عقائدية ، وإن ذلك يكمن في الأبداع الجماعي الخلاق لها وفي تدفق طاقتها التي لا تنفذ وفي تجربتها المليئة بالحكمة المستنبطة من معاناة ومخاض الحياة اليومية لها في ظل وجود هكذا حزب .. وعليه إن القيادة الجماعية تنبثق من صميم طبيعة الحزب الجماهيري الذي رشحتهُ الجماهير كحزب لأن يكون القائد السياسي لها لينظمها ويربيها على أسس العمل الجماعي المنظم ، ولكي يقودها بنجاح وليلعب دوره القيادي السياسي ينبغي عليه أن يسند عمله بكامله على مرتكزات ديمقراطية حقيقية ليتواصل إرتباطه الجدلي مع الجماهير ، أي بمعنى هناك علاقة جدلية تكاملية بين القيادة الجماعية والنظرية العقائدية للحزب وبين الجماهير ومن دونها يتحول الحزب الى مجرد جمعية أو نادي إجتماعي وليس إلا  . القيادة الجماعية الحقيقية يجب أن تؤمن بصورة مطلقة بضرورة وجود قيادة سياسية وتنظيمية رصينة توضع القرارات المتخذة من قبل الحزب موضع التنفيذ الكامل دون تأخير أو تلكؤ أو تأجيل ، أي بمعني أن كل قرار يجب أن ينفذ في زمانه ومكانه المحدد ، وأن تؤمن بمبدأ تطوير الحزب كأرقى  شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي السياسي وكقوة قائدة لأنجاز الثورة الاجتماعية في المجتمع . من خلال العمل الجماعي داخل الحزب وفي مجرى المعالجات للأحداث المستجدة في مسيرة الحزب النضالية ، وفي ممارسة مبدأ النقد والنقد الذاتي بحرية تتكون وتتبلور السمات النضالية الحقيقية للمناضلين السياسيين من الطراز المبدع والخلاق التي يحتاجها الحزب الثوري الحقيقي لأنجاز الثورة الأجتماعية المنتظرة في المجتمع . إن مبدأ القيادة الجماعية لوحده فقط يتجاوب مع متطلبات استمرار وديمومة الحزب قوياً وموحداً وتصونه وتحافظ على وحدته الفكرية والتنظيمية وبالتالي إبعاده عن الأخطاء والمنزلقات الخطيرة التي تحصل أحياناً في حياة الأحزاب السياسية عند هذا المنعطف أو ذاك خلال المسيرة  النضالية له . ومن شروط ومستلزمات تحقيق القيادة الجماعية للتنظيم السياسي ينبغي أن يتوفر في صفوف أعضائها مناخاً مناسباً من الحرية وجواً من الديمقراطية الحقيقية للتبادل الحر في الأفكار والأراء والمناقشات المفتوحة والحوارات الصريحة في كل شأن من الشؤون وبقدر عال من الشفافية والمصارحة والمكاشفة ، وأن لا يحق لأي عضو في القيادة أن يحاول فرض رأيه أو وجهة نظره بالقوة على الآخرين مهما كان موقعه في القيادة أو أن يضع نفسه فوق الجماعة ، لأن ظهور أو وجود مثل هذه النزعة تقود الى ظهور نزعة قيادة فردية استبدادية ، وبالتالي تظهر ظاهرة تأليه وعبادة الفرد ومن ثم قيام ديكتاتورية فردية بدلاً من ترسخ القيادة الجماعية ، ومن ثم تلغي مبدأ الديمقراطية لحساب ترسيخ المركزية الصارمة في إتخاذ القرارات داخل التنظيم ، وكذلك تلغي مبدأ خضوع الأقلية للأكثرية في حياة التنظيم الحزبي وهذا يعتبر أخطر ظاهرة تهدد كيان التنظيم السياسي الحزبي في المحافظة على وحدته الفكرية والتنظيمية وتقوده بالتالي الى التفكك والأنحلال . عليه إذا رأت الجماعة أن وجهة نظر أحد أعضائها القياديين مهما كان موقعه بينهم غير صائبة عندها يكون هذا العضو ملزماً بالخضوع لإرادة الأكثرية وعدم القيام بالتبشير بوجهة نظره الشخصية على حساب رأي الأكثرية في القيادة .. وبتأمين هذا الشرط تعكس القرارات المتخذة فعلاً التجربة والخبرة والمعرفة الجماعية المتوفرة لدى الهيئة القيادية للتنظيم الحزبي . وهكذا تعتبر القيادة الجماعية للتنظيم الحزبي والمرتكزة على النظرية العقائدية التي يتبناها التنظيم الحزبي هي المبدأ الأساسي في القيادة السياسية التي تتيح الفرصة المؤاتية لتحقيق كافة الأهداف التي حددها التنظيم الحزبي في برنامجه السياسي ، وعليه يكون فرض على الجميع في التنظيم الحزبي أن تحرص أشد الحرص على أن تنفذ قرارات التنظيم الحزبي الصادرة من المؤتمرات العامة والأجتماعات الموسعة والكونفرنسات الحزبية بدقة ومن قبل الجميع كل حسب موقعه وبقدر ما يمليه عليه ذلك الموقع من الواجبات والألتزامات التنظيمية الحزبية ، وعلى أن تعمل الهيئات الحزبية الجماعية بصورة طبيعية وعلى أن لا تحل الأعتبارات الشخصية وعلاقات المحسوبية والمنسوبية والقرابة محل قراراتها الحزبية المتخذة جماعياً في عملها التنظيمي .
أما من ناحية بناء كوادر حزبية مقتدرة لتولي مهام القيادة الجماعية لهيئات التنظيم الحزبي ينبغي على التنظيم الحزبي بأسره وقياداته العليا بشكل خاص أن تهيئ بصورة دائبة ومنتظمة ومستمرة أشخاص أكفاء لهذه الهيئات ، وأن ينظر بإمعان الى نشاطات كل مرشح الى هذا المنصب القيادي العالي ، وأن يُعرف أيضاً سماتهم الشخصية وميزاتهم وأخطائهم ونجاحاتهم وإخفاقاتهم خلال مسيرتهم النضالية في التنظيم الحزبي والمجتمع قبل توليهم له ، بهذه الصورة وبها فقط نعطي لجماهير المناضلين من أعضاء التنظيم السياسي وموآزريه وأصدقائه قوة التأثير في التنظيم الحزبي - وليس عن طريق الأختيار الكيفي من قبل حلقة ضيقة أو تجمع محدد وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية وعلاقة القربى – والأمكانية الكافية لمعرفة قادتهم المؤهلين والأكفاء ووضع كل شخص منهم في المكان المناسب له وفق معايير االكفاءة والمقدرة والنزاهة وحسن السلوك ونكران الذات والأستعداد للتضحية وسمو الأخلاق وقوة الشخصية ( الكاريزمة ) .
إن العمل لجذب واستقطاب حلقة واسعة من جماهير التنظيم الحزبي للمشاركة في صياغة القرارات المهمة واستخلاص رأي الأكثرية منها والأستناد عليها والتعبير عن إرادتها ورأيها هو مبدأ تنظيمي وأساسي لحياة التنظيم الحزبي الداخلي ، لأن ذلك يضمن الوصول الى قرارات ناضجة وصائبة تعبر عن إرادة الأكثرية ، وإن تهميش وإقصاء وخرق هذا المبدأ في الحياة الحزبية يؤدي لا محالة الى إنفصال قيادات التنظيم الحزبي على كافة المستويات في الهيكل التنظيمي  للحزب وقادة هيئاته المختلفة عن الجماهير الحزبية وبالتالي يؤدي الى تبني قرارات غير مدروسة وخاطئة تؤدي الى إخفاق التنظيم الحزبي في تحقيق أهدافه المرسومة في منهاجه السياسي .
إن الطريقة العلمية التي يجب إتباعها لمعالجة قضايا القيادة الجماعية في التنظيم السياسي تفترض أيضاً الحل الصائب لمعالجة القضايا المتعلقة بهيبة وشخصية قادة وزعماء التنظيمات المهنية التي تمثل في نشاطها المهني التنظيم السياسي المنبثقة منه ، وإن تلك المعالجات سوف لا تهمش الدور الهام الذي تلعبه قيادات هذه التنظيمات في إعادة بناء مجتمع جديد على أسس جديدة وفق رؤية التنظيم السياسي ، بل ستعزز هذا الدور وتدعمه . إن تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في عمل كل الهيئات الحزبية المنتخبة ديمقراطياً وفق الأصول والسياقات التنظيمية وتأمين عملها المنتظم والمنسجم مع النظرية العقائدية للتنظيم يجب أن يبقى دائماً موضع إهتمام الحزب وأن يعتمد مبدأ القيادة الجماعية كقانون أساسي في حياة الحزب الداخلية وكشرط ضروري لنشاط منظمات الحزب الطبيعي . وإن فلسفة عبادة الفرد وخرق قواعد الديمقراطية داخل التنظيم الحزبي ينتج عنها ما لا يمكن أن يسمح به في حياة الحزب الداخلية لأنها تتناقض مع المبادئ والقواعد التنظيمية الداخلية لحياة الحزب . حيث على الحزب أن يتمسك بهذه المبادئ بحزم لضمان ديمومة القيادة الجماعية في العمل التنظيمي وأن يتم تثبيت ذلك في النظام الداخلي للتنظيم الحزبي وتطبق بحذافيرها بدءً بأصغر وحدة تنظيمية في القاعدة وإنتهاءً بأعلى هيئة قيادية في قِمة الهرم للهيكل التنظيمي للحزب بحزم وصرامة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع . ويقتضي من تطبيق مبدأ القيادة الجماعية في العمل السياسي المنظم بأن يبادر أعضاء الحزب على كل المستويات التنظيمية الى توجيه النقد بغرض تقويم وإصلاح هذا القائد أو ذاك في الوقت المناسب عندما تقتضي الضرورة ذلك وفق القواعد والسياقات التنظيمية وأن لا يفسحوا المجال لأن تتحول السلوكيات الشخصية الخاطئة الى أخطاء قاتلة للتنظيم الحزبي من دون أن يكون هناك أية روادع وإجراءات تعيق هكذا ممارسة في توجيه النقد بغرض تقويم القائد . كما ينبغي على القادة الأصغاء بروح نضالية حزبية الى الملاحظات الأنتقادية التي توجه إليهم وأن يتقبلوا تلك الأنتقادات بصدر رحب وبروح رياضية وأن يتخذوا الأجراءات والتدابير الضرورية لتقويم عيوبهم وسلوكهم ذاتياً وفق مبدأ النقد والنقد الذاتي ، وأن تتخذ المعالجة الواسعة والصريحة للنواقص والأخطاء التي يرتكبها هذا القائد أو ذاك في الهيئات القيادية وعلى مختلف مستويات المسؤولية في التنظيم الحزبي طابعاً تثقيفياً شاملاً ، وعليه تبقى الثقافة الذاتية التنظيمية  والسياسية والاجتماعية للفرد في التنظيم الحزبي هي المصدر والمنبع لبناء كوادر مقتدرة بالدرجة الأساسية قادرة على تقبل مبادئ وقواعد وشروط القيادة الجماعية بمفهومها السياسي الواسع من دون مضاعفات سلبية .
وكل ما ذكرناه بشأن القيادة الجماعية وأهميتها الأستراتيجية وتصدر أولويتها على غيرها من الأولويات المبدئية في عمل التنظيم السياسي نراه بجلاء غائباً بشكل مطلق في حياة كل أحزابنا السياسية العاملة في ساحة أمتنا مع الأسف الشديد ، حيث نرى بالمقابل القيادات لهذه الأحزاب في حالة من الصراعات والمناكفات وتبادل التهم غير المبررة ونزوعهم الى التفرد بالرأي والقرار في كل شأن من شؤون أمتنا ، كل ذلك من أجل المصالح والمكاسب الشخصية الأنانية التي  تؤمنها وتمنحها لهم هذه الاحزاب من خلال المشاركة الرمزية المذلة في مؤسسات السلطات الرسمية على حساب المصلحة القومية لأمتنا ، إضافة الى غياب الثقافة السياسية لدى أغلب الكوادر الرئيسية من الخط الأول والثاني في الهيكل التنظيمي لهذه الأحزاب بسبب عدم إهتمام ورغبة القيادات الحالية لهذه الأحزاب لخلق وبناء كوادر مثقفة ومؤهلة ومقتدرة للمستقبل لكي تضمن ويستمر بقائهم الى أطول فترة ممكنة في تصدر قيادات هذه الأحزاب والأستفادة القصوى من الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً .

خوشــابا ســولاقا
20 / ت 1 / 2013
 

181
المسألة القومية وحركات التحرر القومي
خوشابا سولاقا
لكي نعرف ما هي المسالة القومية ، نشأتها وإتجاهاتها العامة وطابعها التحرري وما هي السبل الناجعة للتصدي لها وحلها بالتالي حلاً جذرياً دائمياً شاملاً ، لا بد لنا أن نعرف وبوضوح تام ما قد سبق ظهور الحركات التحررية القومية ، وما هي ميزاتها الساسية واتجاهاتها الرئيسية وطابعها ، وقد انطلق الفكر الثوري التقدمي في تحليل جوهر وطابع وميزات واتجاهات الحركات القومية التحررية من واقع الظروف الذاتية والموضوعية التاريخية الملموسة لها ، والتي تكونت ونشأت فيها هذه الحركات بطابعها ومحتواها الطبقي . يتجلى طابع هذه الحركات بطرق متنوعة في مراحل شتى من تطور المجتمع التاريخي ، وبذلك نشأت الحركات القومية التحررية في العصر الذي فيه المرحلة الأقطاعية بالضمور والزوال ، وبزوغ عصر الرأسمالية البرجوازية بالنشوء أي مرحلة تكوين الأمم الموحدة في دولة واحدة ، وتدفع عملية تصفية إرث التجزأة الاقطائية للنظام الاجتماعي الاقطاعي المبني على مجموعة إقطاعيات الشبه مستقلة الى تطور الانتاج الرأسمالي البرجوازي ثم الى نشوء الدول القومية الوطنية الموحدة المستقلة على أنقاض وحطام الدويلات أو الأمارات الاقطاعية المنهارة . في هذه المرحلة من تطور التاريخ البشري بالذات وتحت وطأة هذه الظروف الذاتية والموضوعية الناضجة تلعب الحركات القومية للشعوب المتطلعة الى الحرية والتحرر والانعتاق القومي دوراً تقدمياً رائداً في تطور المجتمع وتوحيد أفراده في أمة واحدة ، سواءً كانت هذه الأمة احادية القومية أو متعددة القوميات والاثنيات .. في هذه المرحلة التاريخية من حياة الأمم تدعو العوامل الأقتصادية الأساسية بالحاح الى مثل هذا النشوء للدول القومية الوطنية المستقلة . لهذا السبب وغيره من الأسباب فإن نشوء الدولة القومية الوطنية هي ظاهرة عادية وطبيعية أقتضتها ضرورة مرحلة نشوء وتصاعد البرجوازية الوطنية الرأسمالية ، أي بمعنى أن ظهور الدولة القومية الوطنية رافق ظهور وسيادة النظام الرأسمالي البرجوازي وإنهيار النظام الاقطاعي ، أي أن الدولة القومية الوطنية ولدت من رحم النظام الرأسمالي البرجوازي . في أوربا ظهرت الدول القومية الوطنية البرجوازية المستقلة مثل إنكلترة وفرنسا والمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول . وقد شهد التاريخ أيضاً نشوء وولادة أمم في إطار الدول المتعددة القوميات والأثنيات في الجانب الشرقي من أوربا مثل روسيا القيصرية والدولة العثمانية . وباشرت فيما بعد مجموعة من الشعوب المحكومة بتأسيس أمم خاصة بها في قلب الدولة المتعددة القوميات ، وتوجهت الأمم التي هي في طور التكوين الى السعي لأنشاء دول قومية مستقلة خاصة بها ، ولكنها إصطدمت في محاولاتها وتطلعاتها المشروعة هذه بمقاومة الطبقات الحاكمة في الأمة " السيدة " التي تسيطر على أرض البلاد بمجملها . وتشكل المسألة القومية في الأمم المتعددة القوميات والاثنيات في مرحلة الرأسمالية البرجوازية " مسألة داخلية " ، ولكن بعد تطور الرأسمالية البرجوازية وإنتقالها الى مرحلة الأمبريالية تحولت الدول القومية البرجوازية الى الى أمم متعددة القوميات بعد أن سيطرت على أراضي أجنبية لأمم أخرى وجعلتها جزء من دولها ، وبذلك تحولت الرأسمالية من محررة للأمم المظلومة في نضالها ضد النظام الأقطاعي الى أشرس مضطهَد للأمم المستضعفة في مرحلة الأمبريالية . بسبب هذا التطور النوعي والكمي في شكل وطبيعة النظام الرأسمالي الأمبريالي وقعت بلدان عديدة ضحية للاستعمار ، وحتى قارات بكاملها وقعت تحت نير الاستعمار الأجنبي ومثالاً على ذلك كما قيل عن بريطانيا بأنها الأمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس بسبب توسع رقعتها الجغرافية عبر القارات وما وراء البحار ، وعندئذ أصبحت المسألة القومية " مسألة حقوق ومصير " ليس فقط للأقليات القومية فحسب بل لأكثرية البشرية التي إستعبدتها الأمبراطوريات الاستعمارية الكبرى بالقوة الغاشمة بكل أشكالها العسكرية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية والحيلة والهيمنة الكاملة على كل مقدراتها ومصادرة إرادتها وحريتها وقرارها المستقل . في هذه المرحلة من تطور الرأسمالية تعني " الأمبريالية " التي هي أعلى مراحل الرأسمالية أن الرأسمال قد تخطى حدود الدولة القومية الوطنية وأصبح الأضطهاد والقهر القومي يتفاقم ويتعاظم وفق قاعدة تاريخية جديدة ألا وهي " الرأسمال المالي " وأصبح ذلك السمة المميزة والمرافقة لهذه المرحلة التاريخية ، مرحلة الأمبريالية من تطور النظام البرجوازي الرأسمالي ، وقد اصبح نظام تقسيم الأمم بين أمم " مضطهِدة " وأخرى " مضطهَدة " هو جوهر الأمبريالية بحد ذاتها ، وقد تميز العصر الأمبريالي باستعباد استعماري مالي مارسته أقلية ضئيلة من الدول الأمبريالية المتطورة بحق الأكثرية الساحقة من شعوب الأرض مخالفة في ذلك كل معايير حقوق الإنسان .
بسبب الأضطهاد والقهر القومي أتخذ النضال القومي لحركات التحرر القومية للشعوب المضطهدة والمقهورة في البلدان المستعمَرة والتابعة طابعاً ثورياً وأهمية عالمية في عصر الأمبريالية ولم تعد " المسألة القومية " بعد " مشكلة داخلية " بحتة كما كانت توصف في مرحلة  الرأسمالية البرجوازية بالنسبة للدول المتعددة القوميات . هكذا يتحول نضال حركات التحرر القومي والوطني الى نضال ضد الأمبريالية يخوضه الشعب بكامله بكل قومياته وتنوعاته الاثنية والدينية والمذهبية .
إن الأضطهاد والقهر القومي المزمن الذي تمارسه القوى الأمبريالية العالمية بحق القوميات المستضعفة والمتخلفة لا يثير في قلب جماهيرها الشعبية الكادحة إلا المزيد من الحقد الثوري ضدها وعدم الثقة بالأمم المضطهِدة ويشتد الحقد الثوري وعدم الثقة والريبة بين الجماهير المقهورة ضد مضطهديها الأمبرياليين عندما تخون شرائح الأشتراكية الديمقراطية الوطنية مصالح الطبقات الكادحة من شعوبها وتظهر نفسها بمظهر الخادم الأمين لبرجوازيتها الأمبريالية الوطنية بتأييدها حق هذه الدول – الدول الأمبريالية الأجنبية – في اضطهاد شعوب المستعمَرات والبلدان التابعة .
من خلال دراسة المسألة القومية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية وتحليل طابع الحركات القومية الوطنية نجد أن لطابع هذه الحركات قانون الاتجاهين المتضادين ، في مرحلة الراسمالية يبيح معرفة هذا القانون الموضوعي معرفة المسألة القومية في مختلف مراحل تطورها ، حيث يعبر عن الأتجاه الأول في هذا القانون من خلال وعي الحركات القومية وإندفاعها ومن ثم النضال ضد الأضطهاد والقهر القومي في سبيل خلق الدولة القومية المستقلة ، ويتميز الاتجاه الثاني من القانون بتطور العلاقات الاقتصادية وغيرها بين الأمم وبرفع الحواجز فيما بينها . ويشكل هذان الاتجاهان قانون الراسمالية العالمي فيسود الأول في بداية تطور الرأسمالية والثاني في مرحلة الأمبريالية ، والأثنان تقدميان بمعناهما التاريخي في العصر الذي تتكون فيه وسائل الأنتاج الرأسمالية حيث يبدأ النضال ضد الأقطاعية ، فتكوين الأمم والدول القومية ووعي حركات التحرر القومي والوطني تعبر كلها موضوعياً عن حاجة عملية للتطور الاجتماعي ، ولا يزول الاتجاه الأول في ظروف الرأسمالية الاحتكارية بل يظهر بقوة جديدة في توق شعوب البلدان المسعمَرة والتابعة الى التخلص من نير الأمبريالية لكي تكوَّن دولها القومية المستقلة الخاصة بها ، ويتركز الاتجاه الثاني بتوحيد مختلف الأمم والشعوب ضمن علاقات التقسيم العالمي للعمل وبعلاقات التبادل المتكافئ في كل الميادين .
الطابع العلمي للمسألة القومية    
نعني ما نعنيه بموضوع المسألة القومية بمفهومها العلمي تصفية الاضطهاد والقهر القومي ، أي مسالة تحرر الشعوب من النير والظلم الأمبريالي أو اي شكل من اشكال إستغلال الأنسان لأخيه الأنسان وإقامة مجتمع الكفاية والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات دون ربط ذلك بالجنس والعرق واللون وأن يسود المجتمع التعاون الأخوي والانساني بين القوميات والشعوب ، وقد عالجوا مفكري الماركسية نظرياً (( لا أقول عملياً كما كان الحال في دول حلف وارشو )) هذا الموضوع أي المسألة القومية بدقة علمية ووضعوا فيها النقاط على الحروف أكثر من غيرهم من المفكرين من الأتجاهات والمدارس الفكرية الأخرى في عصر ظهور الدول القومية الوطنية وعصر إنبعاث القوميات وإنعتاقها من تحت أنقاض وركام المظالم في عصرالاقطاعية  ، وقد عالجوا مفكري الماركسية مسألة النضال القومي للشعوب من وجهة نظر تاريخية ، فأبرزوا العلاقة التي لا تنفصم ما بين المسائل القومية والاجتماعية وبرهنوا على أن الأضطهاد والقمع والأعتداءات القومية أنتجتها التناقضات الاجتماعية الموجودة في صلب النظام الراسمالي وسيادة الطبقة البرجوازية ، أو أي شكل آخر لنظام سياسي قائم ويؤمن بنظرية التفوق العِرقي والاستعلاء القومي ذات التوجه العنصري الشوفيني كما هو الحال في بلدان الشرق العربي  والأسلامي ، حيث عانت الأقليات القومية والدينية فيها أشد أنواع الأضطهاد والقهر والتمييز القومي والديني وما زالت تعاني الى يومنا هذا والعراق اليوم خير مثال على ما نقول .
وقد أشاروا مؤسسوا الماركسية الى حقيقة ألا وهي ان المسألة الرئيسية في حل المسألة القومية للقوميات ليست تلك التي تتعلق بالأمة التي يشكلون جزء منها بل هي تلك التي تتعلق بمجتمعهم القومي ، أي بمسألة التحول الاجتماعي الثوري للمجتمع وتأسيس نظام سياسي لا يظلم فيه إنسان إنسان آخر بسبب العِرق واللون والجنس ، ويخلو بالتالي من كل أشكال الأضطهاد والقهر والأجحاف والتمييز القومي كما ورد ذلك في البيان الشيوعي وغيره من وثائق الماركسية التي تقول " اقضوا على إستثمار الإنسان للإنسان تقضون على إستثمار أمة لأمة أخرى "  " ويوم يزول تناحر الطبقات الاجتماعية داخل الأمة تزول معه العداواة بين الأمم " وقد عبروا مفكري الماركسية أيضاً عن العلاقة الجدلية بين ما هو قومي وما هو وطني وبين ما هو أممي من خلال هذه المقولة التاريخية الرصينة والتي لا غبار عليها وتدل على مدى عمق الفهم الإنساني لجوهر المسألة القومية متى ما  وأينما وكيفما كانت " إن شعباً يضطهَد شعوباً أخرى لا يمكن له أن يكون شعباً حراً ، وإن الأمة المظلومة لا يمكن لها ان تكون أمة ظالمة " . ولتحقيق كل هذا ووضعه موضع التطبيق العملي على ارض الواقع يتطلب من الشعوب التي تنشد الحرية نضالاً دؤوباً مستمراً وبشتى الوسائل المتاحة واستثمار كل الطاقات وعلى كافة المستويات ضد كل أشكال استثمار واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وشعب لشعب وضد كل أشكال الانكماش والانزواء التقوقع  القومي ، وكذلك ضد امتيازات أمة على حساب أمة أخرى لكي يحصل التحرر القومي الناجز ويتساوى أبناء البشرية في هذا الكوكب وبعكسه تكون الحروب بكل أطرها الوطنية والأقليمية والقارية والعالمية بسبب تصارع المصالح الاقتصادية هي المصير المحتم للأمم وشعوب الأرض وقد تكون نتائجها وخيمة تقود البشرية الى الفناء إذا ما استخدمت أسلحة الدمار الشامل وعندها سوف تتحقق مقولة العالم الفيزيائي العبقري الكبير ألبرت أينشتاين حينما سؤل ماذا ستكون بتقديركم الأسلحة التي سوف تستخدم خلال الحرب العالمية الثالثة فأجاب لا اعرف ماذا ستكون تلك الأسلحة بل سأجيبكم عن الأسلحة التي سوف تستعمل في الحرب العالمية الرابعة ستكون " العصي والحجارة " . فالحالة التي تشمل بلدنا العراق المتعدد القوميات والأديان والمذاهب لحل المسألة القومية فيه ضمن إطار الدولة الوطنية الموحدة هي توجيه النضال القومي والوطني وتكثيف الجهود لكل المكونات من أجل بناء الدولة المدنية الديمقراطية دولة القانون والمؤسسات الدستورية تكون فيها السيادة للقانون وحده ويتم تناوب السلطة سلمياً من خلال صناديق الأقتراع ويتساوى فيها الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات وأن يكون فيها ولاء المواطن للهوية الوطنية وليس للهوية الخصوصية الفرعية


خوشــابا سـتولاقا
15 / ت 1 / 2013


182
كيف يجب أن تكون علاقة أحزابنا السياسية بالحركة الوطنية العراقية ... ؟؟

خوشابا سولاقا
من المفروض بأي حركة سياسية وبأي حزب سياسي أن يأخذ بنظر الأعتبار وأن يعتمد في صياغة أفكاره السياسية وأيديولوجيته وتركيب وبناء علاقاته بالآخرين على ضوء البيئة الاجتماعية المحيطة به وأن يتأثر بها ويؤثر فيها بهذا القدر أو ذاك باعتباره جزءً لا يتجزء منها بأي حال من الأحوال لكي يتمكن من العيش والبقاء والاستمرار في تلك البيئة ، وكيف يستطيع أن يتواجه ويستجيب لمتطلباتها وتحدياتها  ومستجداتها التي هي في حالة حركة مستمرة ، وإلا فإن مصيره يكون الهلاك والزوال . بالتأكيد أن لأي حركة أو حزب سياسي أهداف سياسية واجتماعية واقتصادية يسعى الى تحقيقها بنضاله بمطالبته لها من القوى السياسية المهيمنة على السلطة والتي بيدها القرار في البلد والتي تتعمد في تهميش وإقصاء الأقليات واغتصاب حتى أبسط حقوقها القومية ، وهذا هو واقع الحال لأمتنا في العراق الديمقراطي الجديد !!! ، ولكي تتمكن هذه الأحزاب من تحقيق أهدافها بالحصول على الحقوق القومية المشروعة لشعوبها لا بد أن يكون هناك من بين القوى السياسية المهيمنة على السلطة والقوى المعارضة لها من يؤيد شرعية تلك المطالب القومية وكون استحقاقها هو استحقاق وطني مكمل لما هو مُقر للآخرين من المكونات القومية للشعب العراقي . عليه لا بد لأحزابنا السياسية إجراء فرز بين القوى السياسية للحركة الوطنية العراقية سواءً القوى الكبيرة منها أو الصغيرة لمعرفة وإكتشاف من هو مؤيد وصديق ومن هو معارض أو معادٍ ومن هو حيادي الموقف تجاه تلك المطالب القومية المشروعة ، وهذا يعني قراءة الواقع السياسي العراقي قراءة واقعية وموضوعية برؤية المصالح القومية لأمتنا وليس برؤية المصالح الشخصية لمن يمثل أمتنا في مؤسسات الدولة الرسمية من قيادات تلك الأحزاب والحركات كما هو عليه الحال الآن ، وعلى ضوء هذه القراءة يتم تحديد إستراتيجية العمل ورسم الخطط المرحلية لتحقيق الأهداف المرسومة في برامجها السياسية ، ومن ثم تحديد وسائل العمل وصياغة الآليات المناسبة للتحرك نحو تحقيق تحالفات مع تلك القوى السياسية الوطنية الديمقراطية المؤيدة لمطالبنا القومية المشروعة وتفعيل دورها من خلال تعميق التعاون معها ، وبعكس ذلك تكون فرص النجاح لأي حزب سياسي من أحزابنا القومية محدودة لأنجاز مطالبنا القومية بالأعتماد على إمكاناته الذاتية وتكون خيبة الأمل والفشل المحتم النتيجة الطبيعية للجهد الذاتي لأحزابنا في ضوء الرؤية والقراءة الموضوعية للخارطة السياسية والديموغرافية  للعراق الحالي .
من المفروض أن تنطلق الحركات والأحزاب السياسية لأمتنا في عملها السياسي المقبل على المستويين القومي والوطني إستراتيجياً وتكتيكياً في تعاملها وحواراتها وعلاقاتها مع الآخر من أطراف الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية وفق مبدء الشراكة الحقيقية والعدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات في الوطن من دون تمييز وليس وفق علاقة التابع والمتبوع كما كان الحال في السابق حيث كانت الأنظمة القومية الفاشية والتيارات الدينية المتطرفة تتعامل وفق مبدأ إقصاء وتهميش وعزل وإبعاد أبناء أمتنا بمختلف الوسائل السياسية الشوفينية من قبيل التهجير القسري والتطهير العِرقي واستخدام الأموال في شراء الذمم لضُعاف النفوس منهم .
بالرغم من كل ذلك وما يحصل اليوم من محاولات الألتفاف والتجاوز على حقوقنا القومية والوطنية يتطلب من أحزابنا وحركاتنا السياسية الأستمرار على سياسة فتح جميع الأبواب الموصدة والقنوات المغلقة للحوار السياسي الإيجابي مع أحزاب قوى الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية في سبيل إكتشاف أكبر قدر ممكن من المشتركات القومية والوطنية لبناء وتأسيس رؤية وطنية مشتركة ومتوازنة للتعايش السلمي المشترك في الوطن الواحد ، وتأسيس لثقافة وطنية تُرسخ في أذهان الأجيال القادمة من العراقيين بأن الوطن هو وطن الجميع وأن يكون الولاء الوطني والهوية الوطنية هما المعيار الأوحد والوحيد لمنح الحقوق والأمتيازات وتوزيع الواجبات ، وليس الأنتماء القومي أو الديني أو الطائفي المذهبي أو إعتماد مبدء الأكثرية والأقلية ، لأن مبادئ الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الحديثة ، دولة القانون والمؤسسات الدستورية تقر بتساوي الأكثرية والأقلية في الواجبات والحقوق أمام القانون .
على المستوى القومي يجب أن تنطلق حركاتنا وأحزابنا السياسية في عملها السياسي في التعامل والتحاور مع بعضها البعض من دون وضع شروط مسبقة ومن دون التخاطب باستعمال لغة تبادل التهم بالعمالة والموالاة والتخوين ، بل التخاطب على أساس الإيمان بوحدة أمتنا القومية مهما اختلفت معتقداتها السياسية والمذهبية وإنتماءات قادتها القبلية والعشائرية والمناطقية ، والإيمان المطلق بأن التسميات الثلاثة " الكلدانية " و " السريانية " و " الآشورية " هي تسميات تاريخية جميلة لقومية واحدة وشعب واحد وامة واحدة ، وأن هذه التسميات بمضمونها الحالي قد فرضت على مكونات أمتنا لأسباب لاهوتية محضة وأصبحت واقع تاريخي معاش اليوم شيئنا أم أبينا لا يمكن تغيره بجرة قلم أو بقرار فوقي من شخص أو كيان سياسي ما مهما كان موقعه وحجمه على أرض الواقع ، وعليه إذا كنا حريصين فعلاً على إنجاز وحدتنا القومية وصادقين فيما ندعي علينا ان نتعامل مع هذا الواقع كما هو دون محاولة فرض تسمية بعينها على اخرى قسراً ، ونسعى من خلال عملنا الجاد الى معالجة هذا الموضوع من معالجة أسبابه التاريخية الحقيقية ونترك ذلك للفعل التاريخي التراكمي المستقبلي وذوي الأختصاص من المؤرخين واللاهوتيين . ونعمل نحن المثقفين من خلال كتاباتنا في وسائل الأعلام المختلفة على توسيع قاعدة المشتركات التاريخية على أساس المصالح القومية المشتركة الآنية لأمتنا في هذه المرحلة من تاريخنا على حساب تقليص وتضييق هوة الخلافات والتناقضات والصراعات الموجودة بدلا من أن نصب الزيت على نيران الخلافات القائمة ، وأن نهمل أو نؤجل كل الخلافات التي لا يمكننا من  الوصول الى إيجاد مشتركات لها ونرحلها للمستقبل القادم من مسيرة أمتنا التاريخية نحو الوحدة القومية الشاملة الذي يكون كفيل بحلها ، كما يجب على أحزابنا ومؤسساتنا الثقافية والكنسية العمل على تأسيس لثقافة قومية جديدة تنبذ ما هو موجود من الخلافات والأحقاد المذهبية والكراهية المتبادلة وتدعو الى التقارب والوئام والانسجام على أساس وحدة اللغة والقومية والدين والأرض والمصالح والمصير . كما يجب أن تعمل هذه الأحزاب والحركات السياسية على المحافظة على امتلاكها لقرارها السياسي أي بمعنى أن تكون مستقلة وحرة في قرارها وأن لا تكون خاضعة لإرادة أطراف خارجية وتعمل لخدمة أجندات تلك الأطراف مهما كانت تلك الأطراف ، وفي نفس الوقت يجب أن تؤمن هذه الاحزاب والحركات بالتعددية السياسية وبحرية الراي والرأي الآخر وحرية النقد ، وأن لا تؤمن بمصادرة قرار وحرية الأخرين مهما اختلفت معهم في وجهات النظر والرؤى ، لأنها بطبيعتها يجب أن تكون تنظيمات ديمقراطية التكوين والتوجه وبالتالي يجب ان تنأى بنفسها عن الادعاء بأنها الممثل الشرعي والوحيد لأمتنا .
وعندما ننظر الى تركيب واقع احزابنا السياسية نجد ان ان الكلداني والسرياني والآشوري منخرط بدون تمييز في صفوفها ويتواجد في قيادات أغلبها وهذا التواجد المتنوع دليل على وحدة الهوية القومية لهذه التنظيمات .
اما على المستوى الوطني فإن هذه الحركات والأحزاب يجب أن تؤمن بأن شعبنا هو جزء من نسيج الشعب العراقي وإن مصالحه القومية مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بمصالح الشعب العراقي وأن ما يفيد أو يضر الشعب العراقي يعنينا بنفس القدر وفي تاريخنا الحديث توجد الكثير من الشواهد المأثورة والتضحيات الجسام التي قدمتها أمتنا من أجل العراق تدل على وجوب شراكتنا في الوطن مع غيرنا من أبناء العراق من الأخوة العرب والكورد والتركمان والشبك والصابئة المندائيين والأيزيديين وارتباطنا المصيري معهم وشهداء الحروب العبثية للنظام السابق على الجبهات في كوردستان وإيران والكويت وجبهات الأرهاب خير مثال على ذلك ، بل أكثر من ذلك أن لشعبنا ميزة ينفرد بها وتعطيه الأولوية وفق القوانين الدولية التي تقرها الأمم المتحدة ألا وهي كونه شعب أصيل وصاحب أول وأرقى حضارة إنسانية إمتداداً من سومر وأكد وبابل وآشور ونينوى عبر سبعة آلاف سنة على هذه الأرض . كل هذه المعطيات يجب أن تساهم وتصقل أيديولوجيات والمنطلقات النظرية والفكرية لصياغة السياسات الأستراتيجية والتكتيكية لأحزابنا وحركاتنا السياسية في بناء علاقاتها مع قوى الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية بمختلف تلاوينها القومية والدينية والعقائدية لتفتح لها قنوات التعامل والتحاور المتبادل مع تلك القوى وتدخل معها في تحالفات وطنية عريضة على أساس المصالح القومية والوطنية بدلا من أن تبقى منعزلة ومتقوقعة على نفسها وتلتجأ الى التعاون الأنتقائي بإنتهازية ماكرة لتحقيق مصالح شخصية لبعض القيادات المتنفذة والمهيمنة في أحزابنا على حساب المصالح القومية للأمة .. لقد جائت نتائج الإنتخابات البرلمانية في أقليم كوردستان خير برهان قاطع على عدم جدوى سياسة التفرد الحمقاء للبعض والأنتهازية الانتقائية في التراكض وراء تحقيق المكاسب الشخصية التي انتهجتها بعض قيادات احزابنا وحركاتنا السياسية ، وأظهرت مدى عزلة احزابنا عن الجماهير الشعبية من خلال التصويت المتواضع لقوائمها حيث لا يتجاوز عدد المصوتين لقوائم أحزابنا نسبة 72 % من الذين يحق لهم التصويت من أبناء شعبنا في بلدة عينكاوه لوحدها التي يتجاوز عدد نفوسها عن (30000 ) نسمة . فإذا كانت النسبة المفترضة لمن يحق لهم التصويت على أقل تقدير ( 50 - 60 ) % ، كان عدد المصوتين لقوائمنا هو ( 12968) صوت مع عدد من صوت للقوائم من غير أبناء شعبنا ، هنا من حقنا أن نتسأل لماذا كل هذا الغياب الكبير لجماهيرنا وعزوفهم عن التصويت لقوائمنا ؟؟ أليس ذلك مؤشراً على يأس جماهيرنا من سياسات أحزابنا السياسية وقادتها ؟؟ ألم يحن الوقت للتغير الجذري والشامل في قيادات هذه الأحزاب التي أثبتت خلال فترة عشرة سنوات من مشاركتها في مؤسسات الدولة والأقليم عن فشلها بامتياز وعجزها عن تحقيق ما كان بمقدورهم أن يحققوه لصالح أمتنا على الاقل من خلال تقديم المطالبات الرسمية الموثقة الى البرلمانات التي يشغلون فيها كراسي ممثلي أمتنا كما يفعل نواب الأخوة التركمان والإيزيديين ؟؟ . أملنا بالنواب الجدد في برلمان الأقليم أن يتحررون من تقوقعهم الحزبي وأن يتجاوزون خلافاتهم الشخصية والحزبية وأن يعملون كممثلين لأمتنا في برلمان الأقليم وليس ممثلين لأحزابهم ويوحدون جهودهم في إنجاز ما عجز من كان قبلهم من إنجازه ، وأقول هنا للجميع مبارك عليكم الفوز بالمقاعد البرلمانية مع تمنياتي لكم بالنجاح والتوفيق . 


خوشــابأ ســولاقا
3/ ت 1 / 2013
     

183
مفهوم الأمة ونشوئها وتطورها وإرتقائها

خوشابا سولاقا

لكي نفهم بصورة صحيحة وعلمية ودقيقة طبيعة القضية القومية وتطورها التاريخي وعلاقتها بالأمة ، ولكي نفهم ونستوعب وسائل وآليات حلها لصالح مجتمع معين ، يجب علينا أولاً معرفة النظرية العلمية لنشوء وتَكَون وإرتقاء الأمم الحديثة بدقة ، تلك النظرية التي تربط عضوياً أصل الأمة بأسباب وطابع الحركات القومية وتطور علاقاتها الثقافية والاجتماعية التي تؤسس لنشوء وتشكيل الأمة ككيان إجتماعي متكامل ذات سِمات متميزة . لقد سبق نشوء الأمم ظهور الجماعات البشرية الأخرى التي تربط أفرادها ببعضها البعض علاقات إجتماعية وإقتصادية محددة وقوية بدافع المصالح المشتركة والمصير المشترك في عملية الصراع مع غيرها من التجمعات البشرية الأخرى ، وهذه التجمعات تشمل القبيلة والعشيرة وغيرها من المسميات ، وبما أن الأمة شكل جديد ومتطور للجماعات البشرية والتي ظهرت بمفهومها الحديث مع عصر ظهور الدولة البرجوازية الوطنية التي ولدت من رحم إنهيار النظام الأقطاعي الأبوي القائم أصلاً على التشكيلات الاجتماعية القبلية والعشائرية السائدة ما قبل ظهور الأمم وبداية عصر البرجوازية الرأسمالية القائم على أساس تشكيلة الأمة الواحدة في البلدان المتطورة اقتصادياً . هذا التطور أدى الى ظهور العصر الاستعماري الكولونيالي أي عصر سياسة الأضطهاد والقهر القومي للشعوب الضعيفة والمتخلفة التي تمارسها برجوازية الدول الرأسمالية بحق الشعوب المستعمرة من أجل إستغلال ثروات بلدانها وجعلها دول تابعة وسوق مستهلكة لتسويق منتوجاتها .  هذه السياسة الرعناء الظالمة للدول الرأسمالية هي التي كبحت نهضة الشعوب المقهورة الأقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية فتأخر بذلك تطور وإنصهار تشكيلات القبيلة والعشيرة في تشكيلة الأمة في كل البلدان التابعة والمستَعمرة . تنشأ الأمم وتتطور مع زوال وإنهيار النظام الأقطاعي القائم على أساس الأقطاعيات المستقلة أي عندما يبدأ ظهور النظام البرجوازي الرأسمالي على قاعدة التطور الأقتصادي الرأسمالي فتخلق بذلك حياة اقتصادية مشتركة تجمع تشكيلات الأمة المتمثلة في الاقطاعيات وتنصهر وتندمج في كل متجانس فتؤلف بذلك القبائل والعشائر والأقوام المختلفة كيان جديد وهو " الأمة " . ويمكن أن تتكون الأمة من وحدة قبائل وعشائر " لقومية واحدة " أو " لعدة قوميات " وتنصهر في بعضها البعض مشكلة أمة واحدة كبيرة تربطها وتجمعها ببعضها البعض وحدة المصالح الاقتصادية المشتركة والمصير المشترك في تحديها وتنافسها مع الأمم الأخرى التي تنافسها وتنازعها على المصالح كما كان الحال بعد عصر النهضة الأوربية وقيام الثورة الصناعية وكما هو الحال اليوم في عصر الأمبريالية الليبرالية والعولمة .
إن اهم ميزات الأمة الواحدة هي وحدة المصالح الاقتصادية المشتركة ، وهي تتكون وتنمو وتتطور مع تطور الرأسمالية وظهور الأسواق والمراكز والتكتلات الاقتصادية القومية والوطنية الضخمة هذه هي الميزة والسمة الغالبة للأمة ، أما الخصائص الأخرى التي تتميز بها الأمة – الأمة ذات القومية الواحدة - كاللغة المشتركة والأرض المشتركة والسمات القومية الواحدة التي تعبر عنها خصوصيات الحياة الاجتماعية والثقافية بما فيها من عادات وتقاليد وطقوس قومية ودينية التي تنفرد بها كل أمة من الأمم .
يجب علينا ان لا نخلط  بين مفهوم الأمة وبين مفهوم العِرق ، الأمة قد تتكون من عرق قومي واحد أو من مجموعة اعراق قومية بينما العِرق هو علم أصل الأنواع البشرية ويعود ظهوره الى المراحل البدائية الأولى لظهور وتطور الإنسان والمجتمع البشري ، ويرتبط نشوء وتكون الأعراق البشرية بما تتميز به وتتنوع عن بعضها البعض من فروقات في بنية الجسم من خواص الأنسان الجسدية بالشروط البيئة الجغرافية والمناخية التي عاشها الأنسان ، وقد إنقسم الناس خلال مراحل تطورها عبر آلاف السنين الى جماعات متنوعة معزولة عن بعضها البعض ، وبذلك تكونت السمات الظاهرة الخاصة بكل عرق من الأعراق البشرية التي تميزها ضمن هذه الشروط مثل لون الجلد والبشرة وشكل شعر الرأس وشكل الرأس وحجمه ونسبة طوله على عرضه وشكل ولون العينين وشكل الأنف وطول القامة وغيرها من الصفات الأنثروبولوجية وكل هذه الصفات تتأثر بالمحيط الجغرافي والبيئة المناخية وتغيراته النوعية والكمية . لقد قاد نزوح المجتمعات البشرية بسبب الظروف المعاشية والتقلبات الثورية المناخية في الطبيعة والحروب والغزواة الى تمازج وتداخل وتعايش السلالات البشرية ببعضها وظهور تنوعات من السلالات البشرية الجديدة بخصائص وصفات مختلفة ، وأستمرت العملية التطورية للجنس البشري بين الضمور والأختفاء لسلالات معينة والصعود والأرتقاء لسلالات أخرى الى أن وصلت الى ما وصلت إليه اليوم ، وبشكل عام يقسم الجنس البشري اليوم من حيث لون البشرة ومعظم الصفات الانثروبولوجية الى ثلاثة أجناس رئيسية وهي 1 ) الجنس الزنجي ذات البشرة السوداء 2 ) الجنس الأبيض ذات البشرة البيضاء 3 ) الجنس الأصفر ذات البشرة الصفراء .
لقد أظهرت جميع البحوث والدراسات العلمية التي اجروها العلماء ان التفوق في الذكاء لا يتعلق ولا علاقة له إطلاقاً بأي شكل من الأشكال بنوع الجنس البشري وجنسه من حيث كون الأنسان ذكراً ام انثى ، ومع ذلك يبشر الكثيرين من الأيديولوجيين الرجعيين بمفاهيم عنصرية تتناقض مع العلم حول وجود سلالات بشرية " متفوقة " وسلالات بشرية " منحطة " ، وبزعمهم هذا أن بعض السلالات المتفوقة قد تتميز بطبيعة السيطرة والذكاء بينما الأخرى المنحطة يتوجب عليها الخضوع والأستسلام والخنوع لإرادة السلالة المتفوقة وهذا الفهم ينطلق أصلاً من قاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " ، ومثال على ذلك دعوة الدول الأستعمارية في العصر الكولونيالي الى التبشير برسالة الجنس الأبيض ( أي رسالة الرجل الأبيض كما تسميه بعض المصادر )  لتبرير إحتلالها واستعمارها لبلدان الأمم الأخرى ، بينما في الحقيقة تعود أسباب حالة التخلف لبعض الشعوب المستعمرة الى أسباب إجتماعية ترتبط قبل كل شيء بالنير والقهر القومي الذي قاسته تلك الشعوب طيلة قرون طويلة أعاق تطورها الأقتصادي والاجتماعي والثقافي سبب في تخلفها ، ولا يعود سبب التخلف
الى موروث الخصوصيات العرقية القومية والجنسية كما يدعي المفكرين والمنظرين البرجوازيين عند تبشيرهم برسالة الجنس الأبيض . لقد عمل الأيديولوجيون الرجعيون العنصريون القوميون والمتدينون ويعملون كل ما في وسعهم من شأنه أن يكرس أفكارهم واطروحاتهم ليقدموا قاعدة شرعية قانونية وأخلاقية للنير والقهر القومي الذي تمارسه أحزابهم السياسية ومؤسساتهم الاجتماعية والتربوية والخيرية في التمييز العنصري وإقامة أنظمة الفصل العنصري على أساس التفوق العرقي لغرض تبرير سياساتهم اللاإنسانية واللاأخلاقية والقائمة على أساس إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان كما حصل في جمهورية جنوب أفريقيا وزيمبابوي ( روديسيا سابقا ً ) ، وذلك من خلال خلط ماهية الأمة والجنس وماهية الأمة والقومية لكي يطابقوا ماهية الجنس مع ماهية الأمة ويستبدلون المحتوى الاجتماعي للأمة بمحتوى بايولوجي لتكريس مبدأ تفوق عِرقِ معين على عِرقٍ آخر ، وبعض هؤلاء العلماء الاجتماعيون والسياسيون الرجعيون يحددون مفهوم الأمة " بالوعي والإرادة القومية " بطريقة مشوهة ومناقضة لمنطق العلم والعقل وبالمعنى المجرد للمصير وليس بموجب مجمل الشروط الموضوعية التاريخية والمادية التي فيها تتكون وتنشأ الأمم . هؤلاء يُعَرفون الأمة بأنها مجموعة أفراد تجمعهم وحدة الطابع المرتكزة على وحدة المصير المشترك ، وبالتالي اعتبروا الأمة بأنها الوحدة الثقافية لمجموعة أفراد معاصرين دون أية علاقة بالأرض حيث ليس للجنسية من حيث جوهرها أي شيء مشترك مع بقعة الأرض المحددة جغرافياً ، وبالتالي فإن الأمة كما يراها هؤلاء هي " ظاهرة روحية بحتة " ولم يعط علم الاجتماع البرجوازي بسبب إتجاهه الطبقي حتى أيامنا هذه تحديداً صحيحاً واضحاً لمفهوم الأمة . يجيب البعض من المفكرين البرجوازيين على السؤال " ما هي الأمة ؟ " فيقولون " إنها محددة بالأراء الذاتية للأشخاص المعنيين بها " ومثل هؤلاء يقولون " إن قرار تكوين الأمة يسبق نشوءها "  ويردون بذلك ماهية الأمة الى مفهوم الوعي القومي والإرادة الذاتية في الاتحاد ، ويعتبرون الوعي القومي مجرداً عن أي شيء ، ولا علاقة له بشروط حياة المجتمع التاريخية والمادية . هذه هي الشروط المادية والظروف الموضوعية التاريخية لنشوء الأمم وتطورها وارتقائها في عملية تراكمية تاريخية نوعية وكمية ، ونجد في النهاية أن الأمة والقومية مفهومان مرتبطان ببعضهما بعلاقة جدلية تكاملية لا يمكن لأي منهما أن يكون موجوداً من دون وجود الآخر لأن أحداهما يكمل شروط تكوين الآخر . على ضوء هذه الرؤية فإن الكتلة البشرية المتكونة من الكلدان والسريان والآشوريين التي تتماثل مكوناتها في الشروط الموضوعية للأمة تشكل أمة واحدة شئنا أم أبينا مهما اختلفنا على التسمية الموحدة ، وهي في ذات الوقت تشكل قومية واحدة لأن شروط القومية الموحدة الأساسية تتماثل وتتكامل وتتشارك في جميع هذه المكونات ، وما تختلف به هذه المكونات عن بعضها البعض هو اللاهوت المذهبي الكنسي الذي أصبح بؤرة الخلاف والأختلاف بين مكونات أمتنا وقوميتنا منذ قرون قليلة وليس منذ نشوئها التاريخي ، ولكن ليس هناك أمام العقل الإنساني وحكمته في صياغة حياته الجديدة ما يعيق أبناء أمتنا الغيارى من إنجاز المستحيل إن توفرت لديهم الإرادة السياسية الحرة والمؤمنة بالتطور وحسن النوايا في فهم الحقيقة التاريخية ومتطلبات الحياة الحاضرة في تقرير المصير والمحافظة على الوجود القومي لأمتنا العظيمة ذات التاريخ المجيد والحضارة التي أخرجت البشرية من الظلمات الى النور وهذا ما تقره متاحفها الزاخرة والعامرة بأثارنا الجليلة .

خوشــابا ســولاقا
28 / أيلول / 2013

184
ضرورة الأصلاح والتغيير في فكر ونهج الأحزاب السياسية في العراق
خوشابا سولاقا
بعد السنوات الطويلة التي عاشها شعبنا العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية وهو سجين القمع والظلم والقهر والديكتاتورية المقيتة وعانى ما عاناه من مظالم واضطهاد قومي وديني ومذهبي وكم الأفواه وكبت الحريات وإسكات الأصوات الحرة ومنع الناس من الكلام عن ما كان يجري لهم في بلدهم إلا ما كان منه يمجد ويمتدح شخص الديكتاتور المتغطرس والحزب القائد والتفاخر بهزائم الحروب العبثية القذرة التي إفتعلها وشنها الديكتاتور ونظامه خلال فترة حكمه الأسود على إنها انتصارات باهرة وناجزة على القوى الظلامية التي تهدد وجود العراق من الشرق والغرب والشمال والجنوب ، ومن كل صوب وحدب وكذلك من أجل إرجاع الأجزاء السليبة من الأرض العراقية التاريخية ،  ومن أجل محاربة القوى الأمبريالية العالمية الشريرة الطامعة بخيرات وثروات العراق ، ومحاربة الأعداء التارخيين للعرب والعروبة من الصهاينة والفرس المجوس كما كان يدعي النظام ، وكذلك أراد النظام أن يصور تلك الحروب التي شنها ظلماً وعدواناً على الآخرين والتي لا يمتلك فيها الشعب العراقي لا ناقة ولا جمل على إنها حروب وطنية مقدسة وحروب بين الخير المتمثل بالنظام والشر المتمثل بالأعداء المفترضين من غير القوى الموالية للنظام والقوى المتحالفة معه والساندة والداعمة له ، وعلى أنها حروب بين القوى المؤيدة للحق العربي المغتصب في فلسطين وبين الصهيونية العالمية والقوى الأمبريالية العالمية الداعمة لها ولمشاريعها التوسعية على حساب العرب والأمة العربية لأقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد حدودها من نهر النيل الى نهر الفرات تحقيقاً للحلم التوراتي لقادة الصهيونية العالمية ، وكذلك على إنها حروب بين جبهة الحق وجبهة الباطل ، جبهة الأيمان كله ضد جبهة الكفر كله ، مما يقتضي من الشعب العراقي والعرب الحقيقيين والشرفاء في العالم المشاركة والمساهمة بما يمليه عليهم ضميرهم وبقيادة النظام الصدامي قائد جيش السبعة ملايين باسم " جيش القدس " لتحرير بيت المقدس من براثن إسرائيل والصهيونية ليدخل صلاح الدين العصر على صهوة جواده الأبيض على رأس جيش المنتصرين حاملاً راية العروبة والأسلام الى القدس من جديد ، ولقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً من دماء أبنائه جراء هذا الحلم القيصري الأخرق . كل هذه الأحلام الفارغة والخاوية قادت النظام وأزلامه الى إرتكاب حماقات وجرائم بحق العراق والعراقيين يندى لها الجبين وجلبت لهما الويلات والكوارث والنكسات والمأسي المريرة ، حيث لا تخلو عائلة عراقية من ضحية وفقدت عزيز لها من أب أو إبن او زوج أو اخ أو غير هؤلاء من الأعزاء المقربين والأصدقاء ، وتركت الملايين من الثكالى والأرامل واليتامى تجوب الشوارع والأزقة بحثاً وراء لقمة العيش ، إضافة الى ما عانته كل عائلة عراقية من شضف العيش والحرمان والبؤس والشقاء في كل قطاعات الحياة وعانت الأمرين من سياسات النظام الحمقاء والغبية والعقيمة ، سياسات الويلات والنكسات والكوارث والمأسي ، وخرجت البلاد من تلك الحروب العبثية عشية القرن الواحد والعشرين مدمرة الأقتصاد والبنى التحتية والخدماتية وهي غارقة بالديون الثقيلة والتي تزيد عن مائة وخمسون مليار من الدولارات ترهق كاحلها ، ومرهونة الثروات وفاقدة للسيادة الوطنية ، والشعب المثخن بالجراح يلعق جراحه ويئن تحت وطأة الحصار الأقتصادي الجائر المفروض على العراق بموجب القرارات الدولية على أثر إحتلال جيش النظام لدولة الكويت في الثاني من آب 1990 . أما قطاع الخدمات الاجتماعية المختلفة فتلك قصة أخرى لا تحكى لما فيها من الغرائب والعجائب حيث لا يرى من خلالها المُشاهد الغريب العراق إلا ذلك البلد المدمر المحطم الخرب كأنه بلد في بداية عهد الأحتلال العثماني ، إنها حقيقة مهزلة تدمع لها العيون ويدمى لها القلوب . أما في مجال الفساد المالي والإداري الذي كانت تمارسه أجهزة وشخصيات النظام السابق كانت تضرب أطنابه كل أجهزة ومرافق الدولة ومؤسساتها الرسمية المختلفة ، وسرقة المال العام كان مباحاً لرجالات النظام دون أن يكون شاملاً لكل موظفي الدولة ، والرشوة كانت فريضة يدفعها المواطن لقاء إنجاز أية معاملة رسمية له لدى دوائر الدولة الصدامية التي وفرت الحماية لسراق المال العام ووفرت الأمن للمواطن دون أن تعطيه الأمان في العيش الرغيد والمريح . كل هذا حصل للعراق والعراقيين عشية دخول القوات الأمريكية المحتلة الى عاصمة الرشيد بغداد وهي تجوب شوارعها بآلياتها العسكرية بحرية وأمان دون أن يعترضها أحداً من أزلام النظام الذين كانوا أقوياء قساة على أبناء شعبهم الذين أذلوهم وأهانوهم ، ولكن من دون أن يقولوا لجيش الأحتلال وهو يجوب شوارع عاصمتهم على عينك حاجب ، وبعد أن أحتلت هذه القوات مطار بغداد الدولي وتقدمت صوب مركز بغداد والقصر الجمهوري لأسقاط الصنم في ساحة الفردوس كانت أبواق النظام من خلال وزير إعلامها المدعو محمد سعيد الصحاف يتحدث بلغة سمجة وهابطة عن الانتصارات الصدامية على قوات الأحتلال من العلوج على طريق المطار وفي ساحة جامع ام الطبول ويوعد الشعب المغلوب على أمره بالنصر المؤزر على يد قائد الضرورة عبدالله المؤمن قريباً ، يا للهول ويا للمهزلة الأعلامية السخيفة والرعناء التي كان الصحاف يحاول من خلالها تحقيق ما قاله وزير الأعلام الهتلري غوبلز  " اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرين " إلا أنه ولسوء حظه التعيس والعاثر لم يصدقه أحداً من العراقيين . خرج العراق والعراقيين من خضم هذا الصراع المرير مع النظام بعد سقوطه على يد القوات الأمريكية في التاسع من نيسان عام 2003 فرحين متأملين بزوغ فجر عصر جديد خالِ من الديكتاتورية والقمع والاضطهاد والمعتقلات والملاحقات الأمنية والكوارث والفقر والمرض والعوز وخالِ من كل مظاهر القهر والتخلف التي تركتها السنين العجاف على الواقع العراقي ، وكبر حلمهم مع الأيام بتأسيس دولة القانون والمؤسسات الدستورية وتناوب السلطة سلمياً من خلال الأنتخابات الديمقراطية الحرة على أنقاض الدولة الصدامية الأستبدادية المنهارة ، إلا أن ذلك الحلم الجميل سرعان ما تلاشى وتبخر وغاب وراء الأفق البعيد واصبح مجرد حلم ينتظر التحقيق وتحويله الى واقع معاش . توالت الأيام وتوالت الحكومات في العصر الجديد بدءً بحكومة مجلس الحكم والسيد بريمر الى حكومة علاوي مروراً بحكومة الجعفري وانتهاءً بحكومة المالكي الأولى والثانية الحالية أي عصر ما بعد الصدامية التي أذاقت العراقيين المُرّ ، ويلاحظ المواطن العراقي المثقف والسياسي والبسيط أن كل شيء باقِ على حاله دون أن تَطالهُ يد التغيير والأصلاح بل اصبح أسوء مما كان عليه في زمن النظام السابق في الكثير من المجالات التي لها المساس المباشر بحياة المواطن ، حيث إنتهى عهد أسود وظالم وأعدم صدام وسقط نظام حكمه الأستبدادي البغيض ، ولكن لم تنتهِ ولم تسقط ولم تعدم الصدامية في الحياة العراقية كنظام سياسي في إدارة شؤون الدولة العراقية لغاية اليوم ، بل هي باقية وتعمل بقوة بكل سماتها المعروفة للقاصي والداني كالفساد المالي والاداري والرشوة في أجهزة الدولة والصراع على السلطة وتصفية الخصوم السياسيين بالوسائل العنيفة والتصفية الجسدية من خلال الميليشيات المسلحة غير الشرعية التي تمتلكها أغلب الأحزاب السياسية الحاكمة تحت مسمياة مختلة ، وشيوع المحسوبية والمنسوبية وغيرها من الخصوصيات في منح الأمتيازات والمناصب والوظائف بأقصى مستوياتها وبصورة مبتذلة ، وسيادة سياسات الأقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والتمييز بين المواطنين على أساس نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والهويات الخصوصية الفرعية وغياب مفهوم دولة المواطنة والهوية الوطنية ، وغيرها الكثير من هذه المظاهر المتخلفة والمرفوضة أخلاقياً ووطنياً وإنسانياً ، فكل الأحزاب والقوى السياسية التي قفزت على كراسي الحكم بعد سقوط النظام الصدامي باسناد ودعم المحتل لا تختلف عن بعضها البعض في شمولية أفكارها وأسلوب حكمها عن شمولية وأسلوب حزب النظام السابق ، حيث لم تتمكن هذه الأحزاب من خلال حكوماتها المتعاقبة أن تقدم شيئاً جديداً ومتميزاً للشعب والوطن أفضل مما قدمه النظام السابق ، بل إن كل ماحصل هو تكرار لصورة الماضي البشعة بألوان جديدة من القهر والبؤس والشقاء والحرمان . حيث فقد الشعب الأمن والأمان وشاع القتل على الهوية وضرب الأرهاب بكل أشكاله ومسمياته بأطنابه كل مناحي الحياة العراقية ، وتوسع الفساد المالي والاداري بشكل أوسع وأشمل مما كان عليه في زمن النظام السابق ، وشاعت الرشوة وارتفع مستواها وأساليبها لتشمل كل مستويات الدرجات الوظيفية بشكل غريب ومريب من دون أن يردعها رادع قانوني ولا وازع أخلاقي ، وتوسع الصراع على السلطة والكراسي وامتيازاتها بين القوى السياسية الحاكمة وإتخذ أوسع مدياته ، وأعتمد مختلف الأساليب بما فيها فبركة التهم بكل أنواعها ضد بعضها البعض والأغتيالات السياسية ، وبالمقابل زاد الشعب فقراً ومرضاً وعوزاً وبؤساً وشقاءً وقهراً وحرماناً ، وتفشت البطالة بين شرائح المجتمع المختلفة وبالأخص شبابه المتعلم وغير المتعلم وأصبح الكل يبحث عن لقمة العيش بكل السبل المتاحة ، مما جعله صيداً سهلاً لقوى الأرهاب والجريمة المنظمة ليقتنصه ويستخدمه في تنفيذ جرائمه وعملياته الأرهابية التي عمت في طول البلاد وعرضها ، بحيث أصبحت قطاعات واسعة من شرائح المجتمع العراقي مع الأسف الشديد تترحم علناً على النظام المقبور الذي أذاقهم السُم الزعاف ، يا للمفارقة الغريبة والعجيبة !!! إنه حقاً لأمر مضحك ومبكي في ذات الوقت !! . على خلفية هذا الواقع المأساوي الذي كان يعاني منه العراقيين نلاحظ نمو ظاهرة إشتداد التنافر والرفض بين الجماهير الشعبية من مختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة وبين الأحزاب السياسية المستحوذة على السلطة والمتعاونين معهم ، حيث وصل رد الفعل الرافض للجماهير الشعبية لهذه الأحزاب الى حد المطالبة بابعادها وإقصائها عن إدارة الدولة وحكم البلاد لكونها أحزاب شمولية لا تختلف عن سابقاتها بنهجها وبأساليب عملها المخالفة للقانون والدستور وإستغلالها لثروات البلاد لصالحها وإثرائها على حساب سرقة المال العام في الوقت الذي عجزت من أن تقدم شيئاً ملموساً لجماهير الشعب المتضررة من سياسات النظام المقبور وأن تعطي لهم صورة مغايرة لتلك الصورة التي كان قد طبعها النظام السابق في مخيلتهم وأذهانهم والتي تعيش ظروف معاشية وخدمية مزرية ، أي بعبارة أخرى نستطيع القول أن هناك تناقض بين تطلعات وهموم وأحلام الجماهير العراقية التي تعيش حوالي 20 % منها حسب الأحصائيات الدولية تحت خط الفقر وبين ممارسات الأحزاب السياسية القابضة على دفة السلطة والموارد المالية للبلد والتي هي عاجزة من أن تقدم ما يلبي تلك التطلعات المستقبلية الشرعية للطبقات الفقيرة والكادحة من المجتمع العراقي الذي ولدته الحروب العبثية للمرحلة الصدامية بعملية قيصرية رغماً عنه على هذا الحال إن جاز التعبير . هكذا تتوسع هوة التناقض والخلاف بين الطرفين يوماً بعد يوم مع مرور الزمن وإستمرار الوضع المزري من سيء الى أسوء ، بحيث بدأت بوادر الدعوات والمطالبات القوية والعلنية الملحة من داخل صفوف هذه الأحزاب لأجراء الأصلاح والتغيير في هيكلية وفكر ونهج وأسلوب وآليات عملها ، وأخذت هذه الدعوات والمطالبات تتوسع وتشتد وأصبحت تهدد بقاءها على ما هي عليه الآن إن لم تطالها يد التغيير والأصلاح الجذري لتصبح أحزاب قادرة ومؤهلة للعمل بين الجماهير وتستجيب لمطالبها المشروعة . لذلك شاهدت الساحة العراقية ومنذ سقوط النظام السابق الكثير من حركات الانشقاق والتمزق والتفكك طالت معظم الأحزاب السياسية وظهرت على أثرها أحزاب وتيارات سياسية إصلاحية جديدة لها خطاب سياسي مستقل ومختلف عن ذلك الخطاب التقليدي الذي نشأت وتربت عليه ، واتخذ خطاب هذه الأحزاب والتيارات الجديدة طابعاً إصلاحياً وطنياً ديمقراطياً ومدنياً وحتى علمانياً الى حد ما بعد أن كان في السابق طابع الخطاب السياسي لها طابعاً قومياً عنصرياً أو دينياً مذهبياً طائفياً متعصباً راديكالياً . وإرتفعت الدعوات والأصوات في الشارع العراقي الى المطالبة بفصل الدين عن السياسة حماية لمقدسات ونقاء وسمعة الدين من أي تلوث وتشويه وإساءة من أفعال السياسة الشنيعة من جهة ، وأن تكون الدولة مجرد مؤسسة خدمات توفر الحماية للوطن والشعب من أي عدوان خارجي على حدوده وسيادته وتقدم الخدمات المختلفة للمجتمع وتوفر فرص العمل والعيش الكريم لأبنائه لكي يعيشوا بعز وكرامة من جهة أخرى . وكذلك إرتفعت الأصوات المنادية بضرورة إعادة تشكيل الهوية الوطنية العراقية وترسيخها والتعامل مع المواطن في منح الحقوق وتوزيع الواجبات لأقامة العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد على أساسها بدلاً من تمجيد وتكريس الهويات الخصوصية الفرعية الأخرى ، وكذلك دعت هذه الأصوات الوطنية الشريفة إلى أن تكون الدولة العراقية الجديدة دولة المواطنة ودولة القانون والمؤسسات الدستورية بدلاً من أن تكون دولة المكونات والجماعات والأحزاب والأشخاص أي دولة الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية الطائفية ، وكذلك إرتفعت الأصوات وأطلقت الدعوات الى تأسيس حياة وثقافة الشراكة الوطنية الحقيقية في الوطن الواحد تتساوى فيه جميع أبناء مكونات الشعب العراقي في الحقوق والواجبات ويكون الحاكم الفيصل بينهم القانون والدستور على أساس المواطنة وليس على أي أساس آخر .
وظهرت هناك الشيء الكثير من مثل هذه المؤشرات في الحياة العراقية التي تدل على ضرورة وحتمية إجراء الأصلاح الجذري والتغيير الشامل في برامج وأفكار وأيديولوجيات ونهج وأهداف واساليب وآليات العمل والبنى  التركيبية لهيكلية أحزاب المؤسسة السياسية العراقية وتحررها من قيود الجمود العقائدي وتراكمات الماضي الذي تغير اليوم وتحول الى حاضر . لذا فإن هذه الأحزاب كل الأحزاب الكلاسيكية المشبعة بالفكر الشمولي الأقصائي الأستئثاري عليها أن تتغير لتتمكن أن تعيش في هذا الحاضر الجديد وتتحرر من قمقم الماضي المتخلف ، وإلا فإن مصيرها بشكلها وتكوينها الحالي سيكون التفكك والضمور والزوال ودخول متحف التاريخ ، أو أن تتحول الى دكاكين تجارية للقيادات المتنفذة وحاشيتهم من الأقارب والمقربين المنتفعين من المصفقين والمداهنين لهم ، أو أن تتحول إلى مجرد مقاهي اللهو يتجمع فيها المسنين من كوادرها ليستذكرون في جلساتهم ذكريات الماضي التي ذهبت أدراج الرياح ولن تعود لهم حتى في أحلام اليقضة . 
إن المثقفين من الكوادر الحزبية لهذه الأحزاب من ذوي النزعات الحرة ومن المتطلعين الى المستقبل المشرق والحريصين على مصالح الشعب والوطن بإمكانهم إذا نظروا بنظرة حيادية فاحصة لمجريات الأمور في العراق بشكل عام ، والى ما يجري داخل أحزابهم من تفكك وتشرذم وتمزق وتناقض بين القول والفعل وصراع الأفكار والرؤى بسبب تقاطع المصالح والصراع على المناصب وكراسي الحكم بين القيادات سوف يجدون أن المستقبل الذي سيؤول إليه مصير أحزابهم المتهاوية والآيلة الى الأنهيار والسقوط لا يبشر بالخير وإنما ينذر بما لا يحمد عقباه من تداعيات وإنهيارات ، ومن هنا سيجدون أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية تجاه شعبهم ووطنهم ، وإن الواجب تجاه جماهيرهم يلزمهم للقيام بعمل ما لأنقاذ ما يمكن إنقاذه حفظاً لماء وجوههم أمام مواجهة الجماهير وحكم التاريخ الذي لا يرحم المقصرين والمتخاذلين وخونة الأمة والوطن والشعب . وعليه فإن الأصلاح والتغيير الجذري سيكون خيارهم الوحيد والأوحد لأنهما قادمان لا محال شاءوا ذلك أم أبوا وليس أمامهم من خيار أو بديل أفضل ..
إن نظرة فاحصة الى واقع الشعارات والعناوين المطروحة والمرفوعة على الساحة السياسية العراقية عشية الأنتخابات البرلمانية القادمة في اقليم كوردستان بعد أيام ، والتحضيرات التي تمهد لها القوى السياسية العراقية لأستقبال الأنتخابات البرلمانية الأتحادية لعموم العراق الأتحادي التي من المفروض أن تجري بعد بضعة شهور إن لم يتم تأجيلها كما تجري المساعي لها من قبل القوى المنتفعة من الحكم اليوم بذرائع شتى ، ومقارنتها بما كانت عليه في الأنتخابات البرلمانية السابقة سوف نجد بوضوح وجلاء أن هناك في الأقليم وستكون كذلك في المركز أن فروقات كمية ونوعية في البرامج والأفكار والأطروحات السياسية والخطاب السياسي للقوى والكتل السياسية المتنافسة وحتى في رمزية تسميات الكتل والقوائم الأنتخابية قد حصلت ، والفرز في الاتجاهات العامة لسياسات هذه القوى هو الآخر يكون قد تجلت معالمه للعيان  ، ومؤشرات أفاق التطورات في المستقبل نحو الأصلاح والتغيير تكون هي السمة الغالبة لها وهي الأخرى واضحة وجلية . كل ذلك حصل بفعل استيعاب المثقفين الواعين من قيادات والكوادر المتقدمة للكتل والأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة للعناصر الفاعلة والمؤثرة والحاكمة في معادلة التناقض بين تطلعات الجماهير الشعبية وطموحاتها في مستقبل أفضل والعيش الكريم من جهة وبين أفكار ونهج وأساليب عمل أحزابها التي أصبحت بالية ومتخلفة وعاجزة عن مواكبة مستجدات ومتطلبات الحياة الجديدة وضرورة التفاعل معها بشكل إيجابي وعقلاني من أجل تلبية متطلبات الحياة الجديدة التي زادت سوءً بعد سقوط النظام الديكتاتوري من جهة ثانية .
كل هذه المؤشرات والأسباب والتطورات التاريخية الدراماتيكية التي حصلت في حياة العراق السياسية بعد سقوط النظام الصدامي تضع الأحزاب السياسية أمام واقهعا المزري بعد أن أثبتت التجربة العملية في إدارة الدولة أنها قد فقدت صلاحيتها للبقاء والأستمرار . عليه إذا أرادت فعلاً لنفسها البقاء والأستمرار في العمل في الساحة السياسية أن تجري إصلاحات وتغييرات جذرية في أفكارها ومنطلقاتها الفكرية والنظرية وأيديولوجياتها ونهجها السياسي وأساليب وآليات عملها وهياكلها التنظيمية بالشكل الذي يقربها أكثر من عمق الجماهير الشعبية وتطلعاتها وطموحاتها المستقبلية في الحياة الحرة الكريمة الخالية من الفقر والعوز والبطالة والقهر ، وأن تجعل من قياداتها أن تكون فعلاً قيادات جماعية وجماهيرية أكثر من أن تكون قيادات فردية إستبدادية ديكتاتورية تؤمن بنظرية تأليه وتقديس الفرد وتكريس نهج إختزال كيان الحزب السياسي في شخص الفرد القيادي الذي يقبع على رأس الهرم التنظيمي كما هو عليه الحال في الأحزاب الشمولية الحالية . جدلاً إن أنتجت الأصلاحات والتغييرات السياسية الشاملة في الأحزاب قيادات جماعية وجماهيرية تكون تلك القيادات وبالتالي أحزابها موضع ثقة واحترام وترحيب الجماهير الشعبية تثق بها وتعيد إختيارها عن قناعة وإيمان راسخين قادة ورواد لقيادة نضالهم السياسي من أجل إنجاز وبناء مجتمع العدل والمساواة وتكافوء الفرص والرخاء الاجتماعي والرفاه الأقتصادي ، عندها فقط تتحول الأحزاب الى أدوات ثورية فعالة للأصلاح والتغيير الاجتماعي لبناء دولة المواطنة الديمقراطية ، دولة القانون والمؤسسات الدستورية المدنية ، وبالتالي يفضي ذلك الى بناء المجتمع الديمقراطي المدني المنشود في العراق عراق كل العراقيين من دون تمييز .


خوشـــابا ســـولاقا
18 / أيلول / 2013       

185
الفكر وحركة تطور الحياة الإنسانية
خوشابا سولاقا
لغرض مناقشة هذا الموضوع الذي يعتبر في غاية الأهمية بالقدر الذي هو في غاية التعقيد والصعوبة بكل جوانبه المتعلقة بالحياة الإنسانية ، من اجل الوصول الى معرفة العلاقة الجدلية بين الفكر كنتيجة إنعكاسية لحركة تطور واقع الحياة الإنسانية وبين تطور الحياة الطبيعية نفسها ، لابد من الوقوف عند ما قالوه بعض المفكرين والفلاسفة وعلماء الأجتماع المرموقين الكبار ممن لهم مساحة معتبرة على جغرافية الفكر الإنساني إن جاز التعبير ولهم دور كبير ومشهود له في مسيرة الحركة الفكرية الإنسانية العالمية ، وأنني هنا أتجنب ذكر الأسماء لهؤلاء العظماء لإعتبارات خاصة تخدم موضوع المقال من جهة ولكي أستطيع من خلال ذلك أيضاً المحافظة على حياديتي في الطرح دون أن أُتهم بالانحياز الى مدرسة فكرية بعينها دون سواها من جهة ثانية ، وعليه أكتفي بذكر المقولات لهؤلاء دون ذكر أسماء قائليها ، لأن هذه المقولات ليست هي المادة الأساسية والجوهرية في موضوعنا المطروح للنقاش ، ولكنها تشكل مؤشراً قوياً للآستدلال الى بيت القصيد من موضوعنا .
قال أحد المفكرين والفلاسفة الكبار الأنكليزي الجنسية الذي له صيت عالمي يعرفه كل مثقف ومهتم بشؤون الفكر والفلسفة والسياسة ما يلي :- " في كل الأحوال من المفيد بين الحين والآخر أن نضع علامات إستفهام على الأشياء التي كانت ثوابت على المدى الطويل " .
وقال مفكر وفيلسوف واقتصادي الماني كبير دوخت أفكاره ونظرياته الفكرية والأقتصادية العالم الى يومنا هذا ويحتل مساحة كبيرة جداً على ساحة الفكر وعمت شهرته كل بقاع المعمورة منذ أكثر من قرنين من الزمان حيث قال وفي نفس السياق ما يلي : " ليس كل ما هو صحيح يكون واقعاً ، وليس كل ما هو واقع يكون صحيحاً دائماً " عند قراءتنا لهاتين المقولتين بدقة وعمق نجدهما أنهما مقولة واحدة تعبران عن مضمون واحد ، أي بمعنى آخر مقولتين بمضمون واحد وبمفردات مختلفة بالرغم من كون القائلين لهما ينتميان الى مدرستين فكريتين مختلفتين وبينهما فارق زمني كبير ، لأن المقولتين تقصدان موضوع واحد ، وهذا يعني أنه ليس هناك شيء في الحياة سواءً كان ذلك في الحياة الأجتماعية او في الحياة الطبيعية ثابت لا يتغير ، وليس هناك ما هو صحيحاً أو واقعاً على طول الخط بالمطلق ، وإنما الصحيح والواقع شيء نسبي وذلك مرتبط بحركة تطور الحياة نفسها ، لذلك تؤشر المقولة الأولى على ضرورة وضع علامات إستفهام على الأشياء التي كانت ثوابت لمدى طويل من الزمن وحسب معايير ذلك الزمن ، لأنها ستتغير حتماً في المستقبل وتصبح على غير ما هي عليه الآن . وتؤشر المقولة الثانية على كون ما هو صحيح اليوم ليس بالضرورة أن يكون واقعاً على الأرض في نفس الوقت ، وما هو واقع على الأرض ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً وفق المعايير السائدة في واقع اليوم ، كل شيء معرض للتغيير والتبدل الدائم . بالتالي يعني الأمر أن الأشياء في حالة تغير مستمر لا ثبات لها وهي في حالة حركة دائبة ودائمة لا تتوقف ، وذلك التغير مرتبط بحركة تطور الحياة الإنسانية بكل مكوناتها .. في كل النظم الاجتماعية التي سادت المجتمعات البشرية عبر التاريخ تشكل الثقافة والفكر والأدب والفن والفلسفة والقيم والتقاليد والأخلاق الاجتماعية البنية الفوقية للنظام الاجتماعي السائد ، وبطبيعة الحال تكون هذه البنية إنعكاساً لواقع التفاعلات والتجاذبات والصراعات والتناقضات للبنية التحتية لذلك النظام والمتمثلة في شكل وطبيعة النظام الأقتصادي السائد ، والذي يحدد علاقة وسائل الانتاج للخيرات المادية والمعنوية للممجتمع بالقوى العاملة المفعلة لوسائل الانتاج ، وإن  شكل النظام الأقتصادي يعتبر الأساس المادي لحركة تطور المجتمع وبالتالي هو الأساس لحركة تطور الحياة الإنسانية ، وعليه فإن البنية الفوقية تشكل تلك الوسائل التي تستعمل لتبرير شرعية نظام الأنتاج السائد واستمراره وحمايته والدفاع عنه . هكذا تتشكل العلاقة الجدلية التكاملية بين البنية الفوقية والبنية التحتية للنظام الاجتماعي ، وعند العودة الى دراسة تاريخ تطور وتحول النظم الاجتماعية التي مرَّ بها المجتمع البشري سوف نجد أن هذه العلاقة تعبر عن نفسها بوضوح وجلاء في البنية الفوقية للنظام الاجتماعي لكل مرحلة من مراحل تطور التاريخ ، لذلك يكون أي تغير تطوري يحصل في أي مفصل من مفاصل البنية التحتية للنظام الأجتماعي ينعكس بالضرورة حتماً على شكل وطبيعة البنية الفوقية له ، وبذلك لا يمكن أن يكون هناك من ثابت مطلق قي أي مفصل من مفاصل البنية الفوقية للنظام الاجتماعي ، فكل شيء في حالة تغير مستمر دائم بما في ذلك حركة الفكر كون الفكر جزء من مكونات البنية الفوقية للنظام الاجتماعي . إن الأحداث التي تحصل في الطبيعة وفي الحياة الاجتماعية بحكم صراع الأضداد والمتناقضات بسبب تصارع وتناقض المصالح تفضي بالضرورة الى تغير وتبدل وإختفاء أشياء وظهور أشياء أخرى جديدة بشكلها وطبيعتها التي تقتضيها متطلبات الحياة الجديدة . هذه الحركة تجعل الإنسان الذي من المفروض به أن يتصدى لها ويستوعبها ومن ثم يتوائم معها ويطاوعها لمتطلبات حاجاته الحياتية الجديدة ، عليه أن يفكر وأن يعيد صياغة أفكاره بأنماط ونسق جديدة تلائم الوضع المستجد ، وهذا المنطق في البحث وراء حقيقة تبدل وتغير الأشياء هو الذي مكن الإنسان من إنجاز أعظم الأختراعات العلمية في كل مجالات العلم في الطبيعة والمجتمع ومكنته من إكتشاف الكثير الكثير من أسرار الكون وقوانين الطبيعة وأفعالها ، ومكنته من صياغة نظريات فكرية وفلسفية عديدة ومختلفة وكل نظرية تعبر عن ما تضمنته النظرية التي سبقتها وأضافة إليها ما أستجد في الحياة ، أي بمعنى إن التطور يسير على شكل متسلسل بحلقات متوالية إحداها تكمل التي سبقتها وتصبح أمتداداً للتي تليها ، هكذا يستمر تطور الحياة الطبيعية والاجتماعية على هذا النسق ، نسق التبدل والتغير الدائم والتحول الكمي والنوعي في حركة تصاعدية على مسار هلزوني من الأدنى الى الأعلى نحو الأمام ، وتجعل الأشياء في حالة من الصراع والتناقض فيها كل قديم يولد نقيضه الجديد الأفضل وبالتالي فإن هذا الصراع التطوري والحراك الاجتماعي يفضي بالضرورة الى بقاء الأقوى والأصلح ويزول الضعيف القديم البالي ويتراجع وينزوي الى متحف التاريخ . هذه هي سنة الحياة ومنطقها العلمي في التطور التصاعدي ، كل قديم الى الزوال سائراً والجديد لا بد أن يولد من رحمه .
بإلقاء نظرة عامة على مسيرة التاريخ سوف نلاحظ بوضوح وجلاء تام صحة هذه النظرية ، ولكن قرأة  هذه المسيرة تختلف من شخص لآخر حسب مستوى تطور وعيه الأنساني للوجود بحد ذاته وقناعته وإيمانه بما هو سائد من الأفكار والطقوس والتقاليد والأعراف في المجتمع الذي يعيش فيه ومتطبع بطبائعه وقيمه وأخلاقه . خلاصة القول إن ما اريد قوله هنا هو أنه ليس هناك من فكر أو فلسفة تمتلك وتجسد الحقيقة المطلقة بكاملها كما يفكر بعض السذج من الناس والمخدرين بافيون الفكر المثالي الذي يقدس ثبات الأشياء ، وإنما مهما بلغت درجة الرقي والكمال فهي بالتالي لا تعبر إلا عن جزء من الحقيقة ، أي بمعنى آخر ليس هناك فكر متكامل يصلح لحل مشاكل الإنسان في كل مكان وزمان مهما كانت كينونة وطبيعة ذلك الفكر ، ولا يستطيع فكر يدعي الثبات والكمال أن يعيش ويتعامل ويستمر بالبقاء مع واقع متغير لأن ذلك مخالف لمنطق العقل والتاريخ وسنن الحياة ، ولكن بإمكان القائمين على هكذا أفكار والدعاة لها والمبشرين بها أن يطاوعوا تلك الأفكار مع واقع الحياة المتجددة وليس العكس ، أي مطاوعة الحياة لمتطلبات تلك الأفكار ، لأن ذلك لا يعني بلغة العلم والمنطق إلا شكل من أشكال العبث غير الواعي بقيم الحياة ومنطق العلم والعقل وحرية الإنسان كما يفعل البعض ممن يقرأون التاريخ بصورة معكوسة ومشوهة .
إن الحياة هي الرحم الحاضن لمصدر الأفكار وهي المنبع الذي منه تولد الأفكار ولتأكيد هذه الحقيقة سوف نجد عند قراءتنا للتاريخ الإنساني أن جميع النظريات الفكرية والفلسفية والأقتصادية والاجتماعية وحتى المعتقدات ولدت في خضم الصراعات والتناقضات التي حدثت في المجتمع الإنساني بسبب تعارض وتصارع وتقاطع المصالح الأقتصادية للطبقات والشرائح الاجتماعية ، وبالتالي سوف نجد أن الأفكار كانت دائماً على امتداد التاريخ عبارة عن أدوات ووسائل للأستحواذ على أكبر قدر ممكن من المنافع الأقتصادية والمصالح الحيوية والسيطرة على مصادر الثروة والهيمنة على العالم تحت واجهات براقة مختلفة والدفاع عن تلك المصالح والمنافع وحمايتها من سطوة الآخرين ، بمعنى آخر أستعملت الأفكار والمعتقدات كأدوات نبيلة في الصراع لتحقيق غايات غير نبيلة من أمثال المنافع والمصالح والسيطرة على العالم تحت واجهات ذات شكل خيري وإنساني وذات مضمون نفعي إستغلالي غير أخلاقي يتنافى مع قيم الحضارة والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الأنسان والديمقراطية . هكذا كان الحال مع الأفكار التي سادت التاريخ الإنساني وأصبحت أيديولوجيات ظالمة لحكام طغاة عبر مختلف فصول التاريخ في جميع بقاع الأرض دون إستثناء ، والذين لا يقنعهم هذا الطرح عليهم العودة الى قرأة التاريخ من جديد ليجدوا أن ما تم ذكره لا يشكل إلا القليل من الحقيقة الكاملة التي من المفروض أن تقال هنا .

ملاحظة : هذا المقال هو تمهيد لمقالي القادم المعنون " ضرورة الأصلاح والتغيير في فكر ونهج الأحزاب السياسية في العراق " ..


خوشــابا ســولاقا
14 / أيلول / 2013      
 


186
قواعد اللعبة الديمقراطية المزيفة في أحزابنا
خوشابا سولاقا
كما هو معروف في جميع الأحزاب العقائدية المؤدلجة مهما كانت طبيعتها ومنهجها السياسي التي تخضع فيها إرادة الأكثرية الى إرادة الأقلية التي تقبع على قمة الهرم التنظيمي فيها وفق مبدأ ما يسمى بالمركزية الديمقراطية بذريعة ضمان المحافظة على الوحدة الفكرية والتنظيمية داخل التنظيم السياسي ، هكذا أحزاب تركز في عملها التنظيمي على تشديد وتغليب وتسييد مبدأ المركزية على حساب تضييق وتهميش وإقصاء مبدأ الديمقراطية والمبادرات الخلاقة للمنخرطين في صفوفها من حياة التنظيم ، هذه الظاهرة في الأحزاب والتنظيمات السياسية تقود الى ظهور ما يسمى في الممارسات الحزبية بظاهرة تقديس وعبادة الفرد وتأليهه ، أي بمعنى إختزال كيان وإرادة التنظيم السياسي وقراره في كيان وإرادة وقرار شخص معين والذي عادة يكون في مثل هكذا تنظيمات من يقبع على رأس الهرم التنظيمي بأي مسمى كان ، هذه الظاهرة عملياً تؤدي الى إلغاء إرادة المجموع أي القيادة الجماعية في التنظيم وتحويل بقية أفراده ممن هم في المستويات الأدنى من الهيكل التنظيمي دون رأس الهرم الى مجرد بيادق صماء على رقعة الشطرنج لا حول ولا قوة لها في صنع القرار السياسي وتسيير دفة الأمور التنظيمية داخل التنظيم ، ولا تعمل شيئاً بمبادرات فردية منها دون قرار مركزي يصدر من القابع على رأس الهرم التنظيمي واحياناً من بعض المقربين المحيطين به . هذا الشكل من العلاقات والممارسات إذا سادت داخل التنظيم هي التي تحوله الى تنظيم شمولي تسود فيه ديكتاتورية الفرد الواحد ذي القرار الواحد الأوحد لا شريك له في صنعه ، بل يتم تنفيذه من قبل الآخرين في التنظيم من دون مناقشة ، وتسود المركزية الصارمة في صنع القرار في التنظيم السياسي وتلغي أبسط اشكال الممارسات الديمقراطية في مناقشة الأمور السياسية والفكرية والتنظيمية داخل التنظيم وتتحول أبسط أشكال المعارضة الفكرية والسياسية وحتى أي شكل من أشكال المناقشة أحياناً من قبل البعض حول ما يجري داخل التنظيم من خروقات وتجاوزات على النظام الداخلي والقواعد التنظيمية الى ما يسمى بالخروج على قواعد وسياقات التنظيم وبالتالي توصم مثل هكذا ممارسات في التعبير عن الرأي بأي شأن من شؤون التنظيم بالخيانة للرمز القائد أي بمعنى خيانة للتنظيم السياسي بإعتبار أن التنظيم يوازي ويساوي القائد الرمز حسب ترجمة القادة الشموليين وفلسفتهم في هكذا تنظيمات ذي الفكر والتوجه الشمولي الذين أوصلتهم الممارسات المخادعة والأساليب اللاديمقراطية الى تلك المواقع باسم الديمقراطية المزيفة ، والديمقراطية هنا تكون سيف ذو حدين حد يشرعن قيادة هؤلاء القادة للتنظيم لأنهم وصلوا الى تلك المواقع عن طريق الأنتخابات الديمقراطية الحرة عبر محطات التنظيم المختلفة من أبسط وحدة تنظيمية الى اللجنة المركزية من قبل مندوبي المؤتمر العام للتنظيم ، والحد الثاني لهكذا ديمقراطية هو شرعنة عملية إقصاء الخصوم السياسيين والمعارضين من اصحاب الرأي الحر المخالف أو المعارض لتوجهات وتطلعات رأس الهرم والتنكيل بهم بطرق شتى والإساءة إليهم بغرض الأسقاط السياسي وغيرها من الممارسات الدونية الهابطة والقذرة واللاأخلاقية عملاً بمبدأ الأمير نيقولو ميكيافيللي الأيطالي الأصل " الغاية تبرر الوسيلة " وقد يؤدي ذلك الى دفع المعارضين أحياناً حياتهم ثمناً لأرائهم المعارضة لرأس الهرم في بعض الأحزاب الشمولية المغالية في تطرفها وتشددها وعنجحية وعجرفة القائد الرمز فيها كما كان الحال لدى معظم قادة العرب وغيرهم من الأمم الآخرى قديماً وحديثاً . حيث أن كل الأحزاب المؤدلجة هي في الحقيقة والواقع أحزاب شمولية في فكرها وممارساتها تكرس ديكتاتورية الفرد الرمز وتؤلهه في عملها التنظيمي وتطبق مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " في عملها الحزبي داخل التنظيم مع عناصرها ، وفي المجتمع مع الآخرين من التنظيمات المنافسة لها ، وبذلك تشرعن وتبرر لنفسها التصفيات الجسدية للخصوم والمعارضين السياسيين داخل التنظيم وخارجه إن سنحت لهم الفرص المناسبة وسمحت لهم إمكانياتهم وظروفهم  الذاتية والموضوعية لتنفيذ ذلك .

كيف تكرس عبادة الفرد وديكتاتورية القائد الرمز في الأحزاب الشمولية .. ؟؟
هذه الأحزاب والتنظيمات تتخذ من طريقة إختيار مندوبي الكونفرنسات للحلقات الدنيا في التنظيم الى كنفرنسات الحلقات الأعلى في الهيكل التنظيمي صعوداً الى المحطة الأخيرة وهي المؤتمر العام للتنظيم باعتماد مبدأ الأنتخابات الديمقراطية الحرة بالشكل وليس بالمضمون حيث هناك ضغوطات وتوصيات سرية تصدر من القيادات في الحلقات الأعلى من التنظيم الى القيادات الأدنى فيه لحشد الجهود لدعم وتزكية ترشيح وإنتخاب عناصر معينة كمندوبين للمؤتمر العام لتلك الحلقات على حساب إبعاد وإقصاء عناصر اخرى ممن يشكون في ولائهم المطلق لراس الهرم وأعوانه من الترشح من وراء الستار ويتم بالذات اختيار مندوبين من العناصر المقربة والموالية للمتنفذين من القيادات الحالية مستغلين في ذلك الولاءآت للخصوصيات الفرعية كالمذهبية والقبلية والعشائرية والمناطقية والقرابة ، بهذه الطريقة الكريهة والمقرفة والتي تتم في الخفاء ومن وراء الستار يتم حشد وحشر عناصر معروفة التوجه والولاء من ذوي القربى للقيادة القائمة ، إضافة الى من يتم ترشيحهم للمؤتمر من قبل الأعضاء القياديين بشكل مزاجي وعادة من دون تحديد العدد ، ويكون بذلك قد تم ضمان وجود الأغلبية المطلقة إن لم يكن الأغلبية الساحقة في المؤتمر العام للتنظيم عند التصويت لتمرير او تسقيط أي قرار بشأن أي موضوع يطرح للتصويت في المؤتمر ، حيث يتولى البعض من أنصار القيادة الحالية توجيه تلك الأغلبية في المؤتمر بطريقة توزيع القصاصات الورقية من تحت الطاولة أو عن طريق الأشارات عند رفع الأيدي للتصويت . وكذلك يتم توجيه هذه الأغلبية في حالة التصويت على المرشحين لأنتخاب رأس الهرم أو أعضاء اللجنة المركزية . ولذلك تلاحظون بعد كل مؤتمر يتم إعادة انتخاب أغلبية أعضاء القيادة السابقة باستمرار مع تطعيمها بعناصر جديدة أكثر موالاة للقيادة السابقة من بعض العناصر التي تقرر مسبقاً إقصائهم وإبعادهم بسبب عدم موالاتها بالمستوى المطلوب لرأس الهرم ولهم مواقف مغايرة ومعارضة لطموحاته وتطلعاته الشخصية ، وعليه تكون الأنتخابات هنا مجرد عملية ذر الرمال في العيون ولأظهار للملئ أن العملية قد تمت بطريقة ديمقراطية حرة ، حيث يتم في فترات الأستراحة في يوم الانتخابات توزيع قوائم سرية باسماء المرشحين الذين يجب إنتخابهم لتشكيل الأغلبية في اللجنة المركزية الجديدة المكونة من عناصر في اللجنة المركزية السابقة مطعمة بأخرى جديدة مع إقصاء البعض من عناصر القيادة السابقة من تلك القوائم ليترك أمر إقصائهم الى نتائج التصويت الديمقراطي جداً !!! وهذه لعبة قذرة تلعبها كل قيادات الأحزاب والتنظيمات الشمولية ليقولوا للرأي العام في تنظيماتهم والمجتمع إن إعادة انتخاب رأس الهرم واللجنة المركزية الجديدة قد تم بطريقة ديمقراطية حرة وجسدت إرادة الأغلبية من مندوبي القاعدة التنظيمية في المؤتمر العام للتنظيم ولكن الحقيقة هي على العكس من ذلك تماماً أي أن الانتخابات المصطنعة جسدت إرادة رأس الهرم وأعوانه من المتنفذين في القيادة السابقة وصنعت القيادة الجديدة على مرامها ومزاجها بطريقة الحشر والحشد المنافي لأبسط قواعد الديمقراطية الحقيقية التي يفهمونها البسطاء من الناس والمخالف لقواعد وسياقات النظام الداخلي للتنظيم والأعراف التنظيمية . بهذه الطريقة غير المشروعة وغير الديمقراطية التي يبتدعها المتنفذين في قيادات التنظيمات الشمولية والتي تظهر في شكلها الخارجي للمراقب والمتابع والعامة من الناس على أنها ممارسة ديمقراطية ولكنها في حقيقة جوهرها هي صيغة مزيفة مسخة للديمقراطية التي من خلالها يتم إعادة إنتاج قيادة " جديدة – قديمة " في الشكل ولكنها في الحقيقة هي صورة منسوخة مسخة للقيادة السابقة . هكذا تتوالي هذه القيادة من دورة الى أخرى بنفس الأسلوب مع تغيير بعض الأشخاص ممن لا يوالون رأس الهرم بالشكل المطلوب بأشخاص آخرين أكثر ولاءً مع ثبوت رأس الهرم كرمز مقدس لا يجوز المساس به . لهذه الأسباب وغيرها وبمرور الوقت تشيخ هكذا تنظيمات فكراً وممارسةً وتتوسع الهوة بينها وبين الجماهير وتبتعد عنها جموع الجماهير وتستنزف تلك التنظيمات الكوادر النوعية من المفكرين والمثقفين والمناضلين المؤمنين وتتحول الى مرتع للعناصر الأنتهازية الهزيلة والنفعية وينتهي بها الأمر الى التحول الى مجرد مكاتب تجارية ودكاكين لبيع الخوردة وليس لديها ما تقدمه للجماهير غير التشدق باطلاق الشعارات القومية والوطنية والوعود الكاذبة التي لا تغني ولا تسمن وتحميل الآخرين من المعارضين مسؤولية إخفاقاتها وفشلها في اداء مهامها لتضليل تلك الجماهير والمتاجرة بماضيها . هكذا هي صورة أحزاب شعبنا اليوم ، وهكذا هي صورة الديمقراطية التي تدعيها وتتشدق بها قياداتها وتتغني بالشرعية القانونية والتنظيمية التي منحتها لهم جماهيرها في تسيير دفة الأمور في صفوفها والتعامل مع الجماهير وإنتخاب قياداتها وتصفية خصومها ومعاريضها وكل من يختلف معها في الرأي وينتقد سلبياتها في وسائل الأعلام الشعبية بذريعة عدم جواز نشر الغسيل الوسخ على الحبال لتطلع عليه الجماهير من دون أن تسأل نفسها لماذا يجب أن يكون هناك غسيل وسخ في صفوف هذه التنظمات التي من المفروض أن تكون المجتمع النموذج المصغر النظيف الخالي من الوساخة والقذارة وليس العكس !! . هذه هي صورة أحزابنا السياسية التي تعاني من النحول والفقر في وجود الكوادر المقتدرة في صفوفها بسبب السياسات الحمقاء التي تتشبث بها بعض القيادات للاستمرار في البقاء في كراسيها وتربعها على مركز القرار لحماية مصالحها الشخصية وليس إلا ، وتعاني هذه الأحزاب والتنظيمات أيضاً من التمزق والتفكك والتشضي والتشرذم والأنشقاقات بسبب الصراعات الداخية داخل التنظيم الواحد أو فيما بينها على المناصب الرسمية والمصالح الشخصية ، وتعاني أيضاً من عزوف الجماهير عن الأنخراط في نشاطاتها لتجدد حيويتها وشبابها ، لا أعرف متى يستفيق المسببين لهذه التداعيات من نومهم على أنهم بشر ككل البشر وعدم اعتبار أنفسهم كائنات بشرية من طين آخر معصومين من الخطأ ؟؟؟ !!! .

خوشــابا ســولاقا
6 / أيلول / 2013   



187
أحزابنا السياسية هل هي النموذج المطلوب أم هي إنعكاساً لصورة الواقع الاجتماعي المرفوض .. ؟؟
خوشابا سولاقا
إن واقع الحياة الاجتماعية للأمم وما يحتويه من صراعات وتناقضات قومية ودينية ومذهبية وقبلية وعشائرية واجتماعية وسياسية واقتصادية هي في الحقيقة صراعات من اجل المصالح بين المكونات المختلفة للمجتمع . هذا الوضع الاجتماعي الغير المستقر وغير المتوازن والهش يخلق ظروفاً ذاتية وموضوعية ملائمة لظهور الحاجة الملحة الى ضرورة البحث عن وسائل مناسبة وفعالة لتغيير الواقع الاجتماعي القائم والمتخلف باتجاه تجاوز تلك الصراعات والتناقضات للعبور الى واقع جديد له سمات يستجيب لمتطلبات الحياة الجديدة بشكل أفضل وأكثر إنصافاً وتوازناً لتحقيق العدالة بين مكوناته ، سواءً كان واقع المجتمع مكون من قومية واحدة  ومن دين ومذهب واحد أو مكون من قوميات واثنيات متعددة وأديان ومذاهب عديدة . إن المجتمعات المتعددة المكونات تعيش حالة التصارع والتناقض والتفكك والتشرذم اكثر بكثير من المجتمعات الأحادية المكون ولذلك تكون المجتمعات المتعددة المكونات أكثر خصوبة لنمو وإنتشار الصراعات المصلحية المتعددة الجوانب منها الصراعات القومية والدينية والأجتماعية والثقافية إضافة الى المصالح الاقتصادية  فيما بينها وقد تصل هذه الصراعات الى حد التناحر والحروب الأهلية مما هو عليه الحال في المجتمعات الأحادية المكون حيث تنحصر صراعاتها في الجوانب المذهبية والاقتصادي الطبقية وبعض الجوانب الثقافية والاجتماعية ولكنها قد لا تصل الى مستوى التناحر إلا ما ندر وذلك يكون مرتبطاً بمستوى الوعي الثقافي والسياسي في المجتمع . هذه الصراعات والتناقضات تحصل في المجتمعات في الحالتين بسبب تصادم المصالح بين المكونات الاجتماعية للمجتمع ، حيث تشكل وسائل إنتاج الخيرات المادية لأفراد المجتمع أي شكل وطبيعة النظام الأقتصادي السائد الذي يحدد طبيعة العلاقة بين مالكي وسائل الأنتاج وبين مشغلي ومحركي تلك الوسائل البنية التحتية للمجتمع ، بينما تشكل الثقافة والفكر والفنون والسلوكيات السائدة والقوانين المختلفة التي تنظم العلاقات بين افراد المجتمع كافة البنية الفوقية للمجتمع والتي تكون بالضرورة إنعكاساً للبنية التحتية له ، وهذه العلاقة بطبيعة الحال  علاقة جدلية بين البنيتين ، أي بمعنى عندما تتغير البنية التحتية للمجتمع يتغير شكل النظام الاقتصادي من خلال عمليات ثورية إجتماعية بسبب صراع المصالح كما قلنا تتغير بالضرورة البنية الفوقية للمجتمع تبعاً لذلك لتستجيب الى متطلبات تنظيم العلاقات الجديدة التي تنشأ بعد ثورة التغيير الاجتماعي . في ضوء هذه الوقائع كانت الإستجابة الطبيعية لأكتشاف مثل تلك الوسائل الفعالة لأجراء التغيير الثوري المطلوب في البنية التحتية للمجتمع ، هي ظهور التنظيمات والحركات السياسية العقائدية التي بدورها تعكس فكر وتطلعات ومصالح الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية التي لها المصلحة الكبرى في تغيير شكل العلاقة الاجتماعية القائمة بين الطبقات المالكة لوسائل الأنتاج والمتحكمة بمقدراته وبين الطبقات المحركة لأدوات إنتاج الخيرات المادية للمجتمع ، أي بمعنى آخر تغيير شكل البنية التحتية للنظام الأقتصادي وهذا التغيير بدوره يؤدي الى تغيير شكل البنية الفوقية للنظام الأجتماعي القديم وولادة نظام إجتماعي جديد ببنى تحتية وفوقية جديدة تختلف عن ما كانت عليه في النظام الأقتصادي السابق . وهكذا تغيرت أشكال النظام الاقتصادي لأنتاخ الخيرات المادية للمجتع عبر التاريخ من نظام المشاعية البدائية الى نظام العبودية والأقنان الى النظام الاقطاعي الأبوي الى النظام الراسمالي البرجوازي الى النظام الأشتراكي الشيوعي الى النظام الراسمالي الأمبريالي الليبرالي الحر نحو نظام العولمة نظام نهاية التاريخ كما يدعي فوكوياما الياباني الأصل والأميريكي الجنسية .
بعد هذه المقدمة التاريخية لتطور الأنظمة الأقتصادية والاجتماعية عبر التاريخ والتي كانت تناقضاتها وصراعاتها الأسباب الموضوعية لولادة وظهور التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية التي قادت التغيرات الثورية والاجتماعية الكبرى في التاريخ ، نستطيع على ضوئها تقييم طبيعة وبنية التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية لأمتنا هل هي مجتمعات مصغرة تمثل النموذج المطلوب الذي نطمح إليه والتي من المفروض بها أن تعكس علاقات وقيم وسلوكيات من طراز جديد مغايرة لما كانت سائدة وقائمة على أساس متطلبات الولاء للخصوصيات الفرعية أم على العكس من ذلك  ؟؟ . أن تلك المجتمعات المصغرة النموذوجية  المتمثلة بالتنظيمات والأحزاب والحركات السياسية قد طُليت بطلاء التقاليد والعادات والثقافات السائدة في مجتمعنا المتخلف قومياً والمتعصب دينياً ومذهبياً وقبلياً وعشائرياً . بما أن مجتمعنا في أغلبيته الى نهاية السبعينيات من القرن الماضي كان مجتمعاً فلاحياً قروياً يعيش في القرى والأرياف ويعتمد إقتصاده المتخلف الى الزراعة وتربية المواشي بالأعتماد على الوسائل البدائية في زراعة الأرض واستثمارها ، وبحكم هذا الواقع كان مجتمعاً تسود فيه وتتحكم بسلوك افراده العلاقات القبلية والعشائرية والمذهبية المتسمة بطابع التعصب والتشدد للخصوصيات الفرعية  وبطابع الحقد والكراهية وعدم قبول الاخر مهما كانت قومية ودين هذا الآخر ويكاد يكون الولاء للقومية فيه شبه معدوم في الممارسات اليومية وفي الثقافة المجتمعية . كانت ولاءآت أفراد مجتمعنا القروي للخصوصيات الفرعية هي المعيار لتقييم الشهامة والشجاعة والرجولة والأعتزاز بالنفس وغيرها من هذه القيم البالية ، وكانت الكراهية المذهبية والتمييز القبلي والعشائري سمات شبه مقدسة لدى أفراد المجتمع وكان تجاوز تلك الولاءآت خطوط حمراء لا يمكن لأي كان المساس بها وإلا يتم وصم المتجاوز بالعار ويعتبر منبوذاً في مجتمعه الفرعي ، مثل التجاوز في حالات الزواج المتبادل بين المكونات من اصغرها الى أكبرها في بنية هيكل المجتمع القومي الكبير . وكان الولاء للخصوصيات المختلفة قد جعل من تشضي وتشرذم وتفكك المجتمع القومي لأمتنا وفقاً لذلك امراً واقعاً ومعاشاً ومحاطاً بهالة من القدسية الكريهة بالرغم من حصول حالات شاذة هنا وهناك لدى بعض العوائل المثقفة نسبياً والسياسية التي لا تعير قدراً كبيراً من الأهمية للتزمت والتمسك بتقاليد الخصوصيات الفرعية حيث أنها قد تجاوزت هذه البنية الاجتماعية التحتية المؤسسة على الولاء للخصوصيات الفرعية . ولكن كانت القاعدة في مجتمعنا الفلاحي القروي هي التشرذم على أساس الولاء للخصوصيات الفرعية والتوجه نحو الوحدة القومية والوحدة الدينية هي السمة الشاذة . هكذا كانت البنية الفوقية ( الثقافة والتربية ) لأمتنا تعكس ثقافة وتربية وقيم التشرذم والتفكك والتمزق القومي لحساب تثبيت وترسيخ ثقافة وتربية وقيم وأخلاق الخصوصيات الفرعية في عقول ونفوس الأجيال الناشئة من أبنائنا .      
على خلفية إندلاع الثورة الكوردية في عام 1961 ونزوح أغلب ابناء أمتنا من قراهم الى المدن الكبرى والأختلاط  بمجتمعات المدن وتأثرها بها وتوسع إنتشار التعليم بكل مستوياته بين الشباب من أبناء أمتنا ، وعلى أثر الانشقاق الذي حصل في كنيسة المشرق الآشورية في عام 1964 وما كان ينشر في الصحف المحلية العراقية من مقالات مسيئة الى إنتفاضة الآشوريين عام 1933 وقادتها وما حصل من شحن المشاعر والعواطف والتعصب القبلي والعشائري ومعاداة بعضها للبعض الآخر حتى بين أعضاء الآسرة الواحدة خلق وضعا إجتماعياً متفجراً ومحتقنا بالأحقاد والضغائن والكراهية المتبادلة بين أنصار الطرفين ، ومن ثم جاء تاسيس النادي الثقافي الاثوري الذي كان لنشاطاته الثقافية المختلفة  دوراً رائداً وبارزاً في تأسيس ونشر الثقافة القومية والوعي القومي بين الشباب الجامعي بشكل خاص وشبابنا الآشوري والمجتمع بشكل عام ، وما تركته عودة الشهيد مار إيشاي شمعون لزيارة العراق ومن بعده عودة المرحوم ملك ياقو ملك اسماعيل بناءً على دعوة من قبل الحكومة العراقية آنذاك من أثر بالغ لنمو وانضاج الوعي القومي بين شبابنا المثقف ، ثم جاء منح الحقوق الثقافية للناطقين باللغة السريانية من الكلدان والسريان والآشوريين نوع من التعزيز المباشر لما كانت جذوره قد امتدت في أعماق مشاعر شبابنا  وتجذرت في كيانهم ، كل هذه الأحداث المتوالية والمتزامنة مع النهضة القومية المعاصرة لأمتنا أثرت بشكل مطرد في نمو الوعي القومي وتبلوره بين أبناء أمتنا ، عندها بدأت الحاجة بحكم الضرورة التي فرضها هذا الواقع المتشرذم مذهبياً وقبلياً وعشائرياً الى ظهور المبادرات الأولى بالدعوة إلى تأسيس التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية لتقود نضال الأمة لنيل حقوقها القومية والتي دعت أبناء الأمة الى الأنخراط في صفوفها للنضال من إجل نيل تلك الحقوق والأعتراف بوجودنا القومي في العراق ، وكانت كل تلك الدعوات مبنية على أساس الولاء المطلق للثقافة والوحدة القومية بهدف العبور من فوق ثقافة الولاء للخصوصيات الفرعية بكل أشكالها الى خصوصية الولاء القومي للأمة . لهذا السبب كانت استجابة الجماهير الشبابية المثقفة منها عن وعي وإرادة قومية لهذه الدعوات كبيرة وقوية ، وكانت استجابة الجماهير البسيطة منها عن الشعور بالتعاطف القومي الغريزي لدعوات هذه الأحزاب والحركات السياسية بحماس وإيمان من دون خوف بالرغم من قساوة النظام في العراق . وبعد إنشاء المنطقة الآمنة شمال خط العرض 35 وتشكيل حكومة كوردستانية مستقلة في هذه المنطقة تحت حماية التحالف الدولي ومشاركة أحزابنا السياسية بشكل رمزي في تلك الحكومة وظهور المنافع من وراء المناصب جراء هذه المشاركة الهزيلة في ظل غياب الوعي القومي الحقيقي والفكر والنهج السياسي السليم للعمل المنظم والممنهج لدى هذه الأحزاب والحركات سارت الأمور على غير مسارها الطبيعي أي سارت بالأتجاه المعاكس للمطلوب ، فتشكلت أحزاب كثيرة ذات تسميات رنانة ودخلت قياداتها في صراعات ومناكفات ومنافسات من أجل المناصب والمنافع ، وتوسعت وانتشرت هذه الظاهرة ظاهرة توالد وتعدد الأحزاب والحركات السياسية ذات الهويات المذهبية بشكل سافر بين مكونات أمتنا ، واتخذت الخلافات والصراعات فيما بينها طابعاً حاداً شبه تناحرياً وطافت على السطح مشكلة التسمية القومية والتي وصل فيها الخلاف الى نقطة اللاعودة الى الوحدة القومية بتسمية قومية موحدة وانتهى الأمر بالتوافق على القبول بالتسمية القطارية التي لا تحمل سمة وهوية قومية تاريخية محددة شكلاً ومضموناً . كل ذلك في الحقيقة جرى ويجري بين المتنفذين من قيادات هذه الأحزاب والحركات  تحت يافطات وشعارات قومية براقة من أجل المناصب والمنافع الشخصية . هكذا فبدلاً من تنتقل الثقافة القومية والسلوك القومي المتجرد من الولاء للمذهبية والقبلية والعشائرية وغيرها من الممارسات المرفوضة من تلك المجتمعات النموذوجية المتمثلة بالتنظيمات والأحزاب والحركات السياسية الى المجتمع العام لتطبعه بثقافتها وتقاليدها القومية كما ينبغي أصبحت تلك الأحزاب والحركات السياسية حاضنات حامية للثقافات والسلوكيات الخصوصية الفرعية السائدة في المجتمع وتطبعت هي بها لحد النخاع ، وتحولت بذلك تلك الأحزاب والحركات الى أداة ووسيلة للفرقة والتشرذم في المجتمع وأصبحت فريسة لثقافة المجتمع بدلاً من أن تكون أدوات وأسباب لبناء الثقافة والوحدة القومية في المجتمع بسبب طموح وتطلع وسعي بعض القيادات فيها الى التفرد بالقرار لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية على حساب المصالح القومية للأمة ، فاتخذت التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية بتسمياتها المختلفة شكلاً معبراً للخصوصيات الفرعية بدلاً من أن تكون نموذجاً معبراً للوحدة القومية الشاملة  فأصبح كل حزب يمثل بالاسم وبالعمل والسلوك خصوصية مذهبية معينة ويتخندق مع هذه الطائفة المذهبية ويتحلى بعاداتها وتقاليدها وأخلاقها ضد الطائفة المذهبية الأخرى ، وهذه الصورة للأحزاب ترسخت في عقول ونفوس وتفكير وشخصية أبناء أمتنا ، وبالنتيجة أصبحت القومية والثقافة القومية الحقيقية مجرد شعارات  تذكر وترفع في المناسبات وفي الصراعات والمناكفات والمهاترات للمتاجرة بها بين بعض القيادات على المناصب والمصالح والمنافع ، واصبحت بذلك القومية خارج إطار النهج والفكر والسلوك القومي السياسي لتلك الأحزاب والحركات إلا بالقدر الذي يخدم أجنداتها المصلحية الشخصية ، وبالتالي أصبحت هذه الأحزاب والحركات تحمل هوية الخصوصية الفرعية هوية المذهب بعينه سياسياً وعملياً وبحسب ما تقتضي المصالح الشخصية للمتنفذين من القائمين على قياداتها بدلاً من أن تحمل الهوية القومية للمجتمع القومي المنشود ، كما هو حالها اليوم التي أصبحت تجسد الولاء للخصوصيات الفرعية على حساب الولاء القومي ، وكرست حالة التمزق والتشرذم والتفكك وأعادت إنتاج الكراهيات والأحقاد القديمة التي كانت سائرة الى الأنقراض والزوال بحكم تطور ضرورات الحياة العصرية ونمو الوعي القومي قبل دخول الأمة الى عصر الأحزاب والحركات السياسية التجارية التي تتاجر بعض قياداتها بالمصالح القومية من دون أن تحقق شيئاً ملموساً على أرض الواقع لصالح الأمة والحبل على الجرار كما يقال .

خوشــابا ســولاقا      

188
القابعون على كراسي البرلمانين العراقي والكوردي والتغيير الديموغرافي في مناطق  أبناء أمتنا

خوشابا سولاقا
منذ سقوط الأمبراطورية الآشورية بسقوط نينوى في سنة 612 ق . م وسقوط الدولة الكلدانية في بابل في سنة 539 ق . م والى يومنا هذا عاشت بقايا أبناء أمتنا من كل مكوناتها في حالة من الصراع والقتال المستمر والمستديم وقدمت الكثير من التضحيات الجسام من أبنائها على مذبح الحرية من أجل المحافظة على الأرض التي كانوا يسكنوها منذ أقدم العصور وحماية هويتها القومية وتراثها التاريخي وما أقاموه أبائهم وأجدادهم عليها من صروح وحضارات عظيمة من آلاف السنين . وكانت أطماع جيرانهم من الترك والفرس والكورد والعرب في العصور اللاحقة وغيرهم من الغزاة الذين إجتاحوا أرض النهرين مستمرة وفي تصاعد وباعتماد كل وسائل القتل والذبح والأعتداء للتجاوز على أرض أبناء أمتنا في قراهم وقصباتهم ومدنهم ومزارعهم ومراعيهم للاستلاء عليها بالقوة والقهر من دون توقف ، وبالنظر لكون الأنظمة الحاكمة في مناطق سكناهم دائماً حكومات عنصرية وفاشية كانت حكومات منحازة بشكل سافر لأعداء أبناء أمتنا ، ولذلك لم يكن من خيار أمامهم للدفاع ولحماية أنفسهم وممتلكاتهم وحقوقهم في أرضهم غير الأعتماد على قوتهم الذاتية في مقاتلة الأعداء . في تاريخنا الحديث كانت نتائج الحرب العالمية الأولى المشؤومة وما ترتب عليها من كوارث ومآسي ومعاناة وهجر أوطانهم في هيكاري تحت ضغط الأعتداءآت والقتل والمذابح الجماعية للعثمانيين والكورد والفرس وفقدانهم لأكثر من نصف تعدادهم في رحلة الآلام المأساوية من هيكاري الى أورميا الى همدان الى أن استقر بهم المطاف في مخيم بعقوبة لتفتك بهم الأمراض والأوبئة بالجملة ومن ثم الى مخيم مندان القريب من عقرة ثم الى المحاولة الخائبة للعودة الى موطنهم في هيكاري الى أن انتهى بهم القدر في مذبحة سميل في السادس من آب عام 1933 الرهيبة ، والتي بسببها شُردت ووزعت أبناء أمتنا من الاثوريين في قرى متناثرة ومتباعدة في شمال العراق هنا وهناك بين القرى الكوردية التي تفوقها عدداً ونفوساً ، وطيلة تلك الفترة من عام 1933 والى اليوم أصبحت أراضي شعبنا هدفاً مستباحاً لكل من هب ودب من الجيران للتطاول والتجاوز وبالأخص بعد تهجير سكان معظم القرى في تلك المناطق في زمن النظام السابق ومحاولة إسكانهم في مجمعات سكانية كبيرة ومختلطة لدوافع أمنية بحسب إدعاء النظام . هذه السياسة الرعناء للنظام قد مهدت السبيل ووفرت الأسباب الموضوعية والذاتية للكثيرين من ابناء امتنا من تلك القرى وغيرها لمغادرة أرض الوطن في هجرة أبدية الى المهاجر البعيدة في أرجاء المعمورة شرقا وغرباً شمالاً وجنوباً . وبعد إقامة المنطقة الآمنة في شمال خط 35 في عام 1990 من قبل التحالف الدولي وإقامة حكومة كوردية مستقلة عن بغداد بحماية أمريكية عاد سكان القرى من الأكراد الى قراهم التي هجَّرهم النظام السابق منها كما ذكرنا واستولوا على الكثير من أراضي قرى أبناء أمتنا الذين غادروا أرض الوطن ، ويصر المتجاوزون على التمسك بها بقوة ويمتنعون مغادرتها ، وتساهل سلطات الأقليم مع مثل هؤلاء المتجاوزين وفي ظل غياب المدافعين عن حقوق الطرف الآخر جعلهم يتمادون أكثر في تجاوزاتهم وإعتداءآتهم على أراضي قرى أبناء أمتنا حتى في تلك القرى التي ما زالت مسكونة من قبل أهاليها كما هو الحال في أكثر من 65 قرية في الأقليم الكوردي مثل قرية فيشخابور وكوري كيفانا وجمي ريبيتكي في نهلة وسرسنك وغيرها العشرات من المناطق . وبعد سقوط النظام الصدامي في 9 / نيسان / 2003 نشب صراع على الأرض في المحافظات المتاخمة لحدود أقليم كوردستان بين الكورد من جهة وغيرهم من جهة أخرى وقد طال هذا الصراع أراضي أبناء أمتنا  في عينكاوة وفي سهل نينوى ، حيث هناك مشروع يسعى به مريديه إجراء تغيير ديموغرافي لصالح البعض على حساب أبناء أمتنا وهناك من يتصدى لمثل هذه المساعي غير الحميدة وغير الأخلاقية .
بعد هذه المقدمة المختصرة لتاريخ التغيير الديموغرافي وما جرى ويجري لأراضي أبناء أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين نحاول هنا أن نسلط الضوء على مفهوم التغيير الديموغرافي للأرض . وفق كل المفاهيم القانونية والأخلاقية والانسانية أن التغيير الديموغرافي يعني تغيير الهوية القومية للأرض قسرأ ، وعليه تعتبر عملية التغيير الديموغرافي للأرض جريمة قانونية وأخلاقية وإنسانية يحاسب عليها القانون الدولي ، ويعتبر القائم بها مجرم يستوجب محاسبتة وفقاً للقانون ذاتهً . وفي ذات الوقت يعتبر التمسك بالأرض التاريخية والأقامة عليها وإستثمارها من قبل أصحابها الشرعيين حق شرعي وقانوني ، ويعتر ذلك العنصر الأول والأساسي لتثبيت الوجود القومي للأمة ، ومن غير ذلك لا يمكن للأمة أن تحافظ على كيانها القومي وعلى بقية المقومات القومية لها . وغير دليل على صواب هذه الرؤية إن أبناء أمتنا في بلدان المهجر يتعرضون اليوم الى ظاهرة الأنصهار والأندماج القومي وحتى الأجتماعي بسهولة في بوتقة القوميات الأخرى بسبب فقدانهم لملكية الأرض تاريخياً وشعورهم بكونهم مجرد مهاجر وليس مواطن أصيل ، وعلى مدى الخمسين سنة القادمة سوف لا نرى أحداً من أجيال أمتنا في تلك المهاجر يتكلم بلغة الأم ويمارس عاداتها وتقاليدها في تلك البلدان . وعليه فإن المحافظة على وجودنا القومي كأمة سوف يأتي من خلال المحافظة على هوية أرضنا القومية والتمسك بها من خلال الآتي :-
أولاً : السعي الى إيقاف الهجرة بكل أصنافها وبأي ثمن وبكل الوسائل المتاحة ، الهجرة من أرض القرية الى المدينة أو الهجرة من أرض الوطن الى المهاجر الأجنبية البعيدة .
ثانياً : عدم بيع الأرض مهما كان صنفها في القرية أو القصبة ذات الملكية الخاصة للآخرين من غير ابناء امتنا لمنع إقامة لهؤلاء موطئ قدم في أراضينا لتتحول مستقبلاً الى ممرات وجسور لعبور المزيد من الغرباء ومن ثم الأستلاء على الأرض كلها وإبتلاعها كما حدث في مدينة تلكيف ونوهدره ( دهوك ) وغيرهما للأسف الشديد .
إن هذا الواقع الذي نعاني منه اليوم في هذا الجانب من حياتنا هو بسبب قيام الحكومة العراقية الكيلانية وبريطانيا وفرنسا وبدعم من بعض المتعاونين معهم من أبناء أمتنا من كل مكوناته بإفشالهم لآخر محاولة لأسكان من تبقى من أبناء أمتنا في منطقة واحدة متجانسة في لواء الموصل آنذاك حسب قرار عصبة الأمم في عام 1932الذي قُبل العراق بموجبه عضواً في عصبة الأمم لتشكيل نواة للوجود القومي لأمتنا ككيان مستقل ضمن الدولة العراقية ويمتلك قراره ويفرض من خلاله قبوله وإحترامه على الآخرين من الجيران الذين يشاركونه العيش الآمن في الوطن .
وبهذه المناسبة فإن مهمة إيقاف عمليات التغيير الديموغرافي الجارية منذ أمدِ طويل والتي تُطال مدن وقصبات وقرى أبناء أمتنا في العراق بشكل عام وأقليم كوردستان بشكل خاص وبالذات في سهل نينوى ووادي نهلة ووادي صبنة وزاخو وتوابعها وغيرها من الأماكن هي مهمة ممثلي أمتنا القابعون على الكراسي تحت سقف مجلس النواب العراق وتحت سقف المجلس الوطني الكوردستاني والمشاركين منهم في حكومتي بغداد واربيل ، وذلك من خلال قيامهم بتقديم طلبات رسمية الى المجلسين بهذا الخصوص على الأقل لتسجل وتوثيق ذلك في السجلات الرسمية لجلسات المجلسين لتكون تلك الطلبات وثائق على الأقل تبرئ ذمة هؤلاء القابعون في كراسيهم الوثيرة والتي تدر لهم الملايين من الدنانير العراقية أمام أبناء أمتهم . وفي حالة عدم الأستجابة لطلباتهم تلك عليهم عندئذ التوجه الى المنظمات والمؤسسات الدولية المختصة من دون خوف على أمتيازاتهم ومصالحهم الشخصية وبالأستناد على القرارات الأممية الخاصة بحماية الأقليات الأثنية والدينية وغيرها مقدمين طلباتهم مع الوثائق والمستمسكات التي تؤكد إجراءآت التغيير الديموغرافي في مناطق تواجد أبناء أمتنا ، لأن سكوتهم من دون أن يحركون ساكناً لا تبرره أية حجة أو عذر شرعي وقانوني . أيها القابعون في البرلمانين العراقي والكوردي أنتم ممثلي الأمة من الكلدان والسريان والآشوريين ، واجبكم هو الدفاع عن مصالح هذه الأمة وحماية حقوقها من التجاوز عليها من قبل الآخرين مهما كانوا الآخرين أقوياء ومن أي مكونٍ كانوا ، لأن أبناء الأمة هم من أوصلوكم الى تلك الكراسي الوثيرة والناعمة وإلا فإن أبناء الأمة سيقولون كلمتهم بحقكم وبما لا يعجبكم مرة أخرى في الأنتخابات القريبة القادمة بعد أشهر قليلة ، وعندها سوف لا يفيدكم عض أصابع الندم . ليس واجبكم فقط التمتع بما تدره تلك المواقع الرفيعة في المجلسين إليكم من المنافع والأمتيازات ، ولعلمكم إن رفعة وسمو الجالسين على تلك الكراسي تأتي من خلال ما يقدمونه من إنجازات لأمتهم ووطنهم وليس من خلال الجلوس عليها تحت قبة البرلمان صامتين يعدون أياماً ويقبضون راتباً فقط من دون حراك . لماذا لا تقتدون بزملائكم من النواب التركمان والإيزيدين وتفعلون ما يفعلونه ؟ هل ذلك حلال عليهم وحرام عليكم ؟ .
 وبما أنه نحن مقبلين على إنعقاد مؤتمر التضامن مع قصبة برطلة حول الدعوة الى إيقاف عمليات التغيير الديموغرافي الجارية فيها والتي تُطالها من الآخرين من الجيران ، نأمل من ممثلي أمتنا في مجلس النواب العراقي والمجلس الوطني الكوردستاني مواقف تثلج صدور الصابرين لظلم المتجاوزين على حقوقه التاريخية في أرض الأجداد وتُطفي لهيب النيران التي تجتاح كيان ونفوس وضمائر أبناء أمتنا الذين تحرقهم نيران المعتدين في التجاوز ومصادرة الأراضي قسراً من قبل جيران السوء الذين لا يحترمون حقوق الجيرة .

189
نحن الكُتاب وموقع عينكاوه بين الحقوق والواجبات
المهندس : خوشابا سولاقا
ما أنا متأكد منه كأحد الكتاب أنشر ما اكتبه في هذا الموقع من مقالات مختلفة وتعقيبات على مقالات الزملاء الآخرين من رواد هذا الموقع أو ما اكتبه من مداخلات حوارية معهم أدرك تمام الإدراك أن الذين أطلقوا هذا الموقع الأعلامي الالكتروني ووضعه في خدمة الناس كانت لهم غايات نبيلة من ورائه بالرغم من وجود لهم مصالح مالية وهذا شيء طبيعي عملاً بمبدأ فيد وأستفيد . من تلك الغايات النبيلة أن يكون هذا الموقع منبراً حراً لأقلام أبناء أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين وكافة العراقيين وغير العراقيين إن رغبوا في نشر كتاباتهم من خلاله وهذا ما هو حاصل فعلاً ليكتب عن ما يعانيه من مشكلات وإرهاصات وخلافات مزمنة خلفها لنا الماضي القريب والبعيد والبحث في كيفية تحليل أسبابها ومن ثم حلها لصالح بناء حياة جديدة يسودها الألفة والمحبة والتكاتف والعمل المشترك في كل ما هو لصالح تعزيز وحدتنا القومية بشكل خاص وخدمة وطننا العراق بشكل عام .. عليه أنا شخصياً أقف إجلالاً واحتراماً وإكراماً لمطلقي هذا الموقع الأعلامي الكريم وغيره من المواقع التي تخص أبناء أمتنا وما أكتبه عن هذا الموقع يعني المواقع الأخرى بالضرورة ، لأنه خلق  لي الفرصة وفسح لي وللآخرين من الكتاب المجال واسعاً مفتوحاً لأن أقول بكامل حريتي التي يجب عليَّ أن أعرف حدودها أولاً ، ما أعتقد وأؤمن به من الأراء والأفكار لخدمة قضيتي القومية والوطنية من دون أن يمنعني أحداً أو أن يملي علي َّ ما لا أريده وما لا أؤمن به . هذه الفرصة الذهبية النادرة التي منحها لي وللآخرين هذا الموقع من دون مقابل أعتبرها هبة نادرة وتكريم من لدن مطلقي الموقع تجعلني أفكر دائماً وأبداً كيف لي أن أرد لأصحاب الموقع جميلهم ؟؟ هل أرده بالمثل وزيادة قليلاً كما يجب ويقتضيه عرف الأخلاق أم أرده بالإساءة كما يفعل بعض القلة القليلة ؟؟ ويكون للموقع على قول المثل ( سَوي زين وذبه بالشط ) وكيف أحافظ عليه وأحميه لكي أتمكن من الاستمرار في عطائي الفكري والثقافي من خلال الكتابة والنشر فيه لتقديم المزيد لخدمة قضية أمتي وديمومتها .. ؟؟ . تكونت وتبلورت لديَّ قناعة راسخة ويقين لا شك في مصداقيته بأن من صميم واجبي القومي والوطني والإنساني تجاه الموقع هو أن أحافظ على ديمومتة واستمراريته وتطويره من خلال تطوير أدائي كماً ونوعاً وإلتزاماً بقواعد الكتابة الحصيفة والرصينة ليبقى الموقع مفتوحاً أمام الجميع لكي تستمر عملية الحوارات والنقاشات وحتي الصراعات الفكرية بين ما ينشر فية من الكتابات لكتاب عديدين ومختلفين في رؤآهم ومنطلقاتهم الفكرية وتطلعلتهم المستقبلية على كافة الأصعدة من أجل إنتاج ما هو أفضل لصالح قضيتنا المشتركة . ذلك الواجب هو أن احترم قدسية وحرمة هذا الموقع من خلال الألتزام التام بقواعد وآداب وأخلاق الكتابة الحصيفة والرصينة التي من المفروض بأي كاتب يحترم نفسه وقلمه أن يحترم في كتاباته حق وحرية الآخرين من الكُتاب بقول ما يؤمنون به من جهة وأن يحترم ذوق ومشاعر واحاسيس القراء من جهة ثانية من خلال عدم التجاوز والتطاول على الآخرين باللجوء الى استعمال أسلوب هجومي جارح بكلمات نابية غير لائقة بمن يعتقد بنفسه بانه إنسان مثقف أولاً قبل غيره من الكتاب أو القراء ، لأن هذا الأسلوب غير محبذ وغير مستحب ومقبول من لدن الجمهور الذي نكتب له ومن أجله مما يضع مصداقية الكاتب نفسه موضع إستهجان القراء .
من حقي أنا ككاتب ومن حق الآخرين من الكتاب أن ننتقد ما يكتبه غيرنا من الزملاء الآخرين إذا استوجب الأمر ذلك حسب قناعة من يمارس النقد ، ومن حقي ومن حق الآخرين أن نتحاور ونناقش كل ما يُكتب من قبل الآخرين ومن حق الجميع ان تعقب عليه على أن يجري ذلك بأسلوب مهذب ورصين يخلو من التجريح والطعن والإساءة وخدش المشاعر ويحترم قواعد وآداب وأخلاق الكتابة الحصيفة وعلى أن لا ينم عن أية شكل ومستوى من قبيل ما تم الاشارة إليه من التجاوزات على حقوق الآخرين . أما اللجوء الى أسلوب التجريح والطعن والإساءة والتسقيط باستعمال مفردات بذيئة ونابية فإن ذلك إن دل على شيء وإنما يدل على أن صاحبه يعاني من الأفلاس الفكري والأخلاقي في مواجهته للآخرين ، لأن الحياة في الحقيقة هي عبارة عن مسرح كبير تتصارع وتتنافس فيه الأفكار ويكون النصر النهائي والبقاء والسيادة والديمومة والاستمرار للفكر الأصلح والأكثر قبولاً وتأثراً وتفاععلاً منها في الناس والذي تزكيه إرادة وإختيار القراء الذين يعنيهم الأمر .
هذا الموقع ننشر عبر صفحاته المختلفة كتاباتنا المتنوعة  في مختلف الأختصاصات الفكرية والسياسية والأدبية والأقتصادية والعلمية والفنية إضافة الى الأخبار الأجتماعية العامة القومية والوطنية والعالمية والنشاطات الأجتماعية والثقافية المختلفة وهي مفتوحة أمام الجميع لأن يغرف منها ما يشاء وما يريد من الأخبار والمعلومات . أنا أعتبر ذلك كله هدية من الموقع لأبناء أمتنا من دون مقابل مادي أي بالمجان بعبارة أخرى إن جاز التعبير وهذا ما يجعل التواصل الاجتماعي بكل أشكاله مستمر بين أفراد المجتمع نفسه والتواصل مع المجتمعات الأخرى ، نعتبر أن توفير مستلزمات كل هذا العطاء من كتاباتنا جدلاً من واجبات الموقع تجاهنا نحن الكتاب والقراء فقد أداهُ تجاهنا بأمان وعلى أكمل وجه ، ونعتبر ذلك جدلاً أيضاً حق لنا على الموقع . هنا وحسب قانون الحياة الإنسانية التي يجب أن تكون فيها الحقوق والواجبات متقابلة ومتبادلة ومتماثة بين طرفي الحياة أي بمعنى على كل حق نحصل عليه من اي مصدر كان يترتب علينا بالمقابل واجبات تجاه الآخر كحقوق مشروعة له علينا أن نؤديها تجاهه ، أي نرد الجميل بالجميل كما تملي علينا مبادئ وقيم الأخلاق الإنسانية . هنا أسأل الجميع وبمنتهى الصدق والصراحة ، الكُتاب والقراء من رواد موقع عينكاوه كوم ما هي واجباتنا المفروضة علينا أن نؤديها تجاهه أو بألأحرى ما هي حقوق الموقع علينا تستحق الأداء كرد الجميل بالجميل المماثل ؟؟ . من خلال تواصل عملية الأخذ والعطاء بيننا ككُتاب وهذا الموقع ظهرت بعض الممارسات السلبية من قبل البعض من الكُتاب في ممارسة حقوقهم في عملية التواصل والحوار والنشر من خلال صفحات هذا الموقع أخَّلت بمعادلة التوازن بين الحقوق والواجبات بين الطرفين نحن الكتاب والموقع بالشكل الذي شكل نوع من التجاوز على حقوق الموقع والإساءة بالتالي على سمعته بسبب عدم إلتزام هذا البعض الذي يشكل قلة قلية من الكُتاب بقواعد وآداب وأخلاق الكتابة الحصيفة والرصية . حيث استغل هذا البعض الحرية التي منحها لهم هذا الموقع لتمرير ما يريدون تمريره من أجندات خاصة تشكل بالتالي إساءة وتجاوزاً على الآخرين بهذا الشكل أو ذاك في ممارسة العنف الفكري بفرض ما لديهم على الآخرين عن طريق التضليل والتمويه للحقائق في كيل التهم والإساءآت ونشر ما لا يليق من الكتابات التي لا تستند على معطيات دقيقة ومصادر رصينة موثوقة يعتمد عليها غايتها إثارة الأحقاد والكراهية والتذكير بمأسات الماضي وأسباب الفرقة بين مكونات أمتنا ضمن مزايدات إعلامية معروفة دوافع أصحابها من وراء الترويج لمثل تلك الكتابات التي لا تغني ولا تسمن إن كانت تخص حاضر الأمة أو تخص ماضيها بغرض تشويه سمعة من يُنصبون لهم العداء تاريخياً على خلفيات مذهبية وقبلية وعشائرية وهذا ما شكل ردود أفعال مقابلة للآخرين اضطرتهم الى الرد بالمثل .
هكذا كتابات والتي تنشر في هذا الموقع وبشكل مستمر من قبل قلة قليلة والذين نجدهم لا يكتبون في غيرها من المواضيع الثقافية . وآخرين يكتبون تعقيبات مشاكسة فقط من دون أن ينشر لهم الموقع في يوم ما أي مقال مفيد في الصفحة الرئيسية قسم منهم باسمائهم الصريحة وآخرين وهم الأكثرية من هؤلاء ملثمين ومتسترين وراء أسماء رمزية مستعارة ومن دون صور ، أغلب هذه التعقيبات كما لاحظناها هدفها هو  الطعن والإساءة على كتاب لهم مكانتهم عند القراء ورواد هذا الموقع ممن يكتبون باسمائهم الصريحة وأغلبهم مع صورهم الملونة ودفاعاً عن البعض الآخر . إن مثل هذه الكتاباب والتعقيبات والمداخلات  لهؤلاء الملثمين تصب في النهاية في مصب تعزيز وترسيخ الأحقاد والكراهية والتفرقة وأسباب التشرذم والتفكك وإشعال نيران الخلافات المذهبية والقبلية والعشائرية بين مكونات أمتنا وبين قبائل وعشائر مكوناتنا الاجتماعية ، وبالتالي تؤدي الى إجهاض الأهداف النبيلة التي أطلق من أجلها هذا المنبر الحر عينكاوه كوم .
عليه أدعو هؤلاء الأخوة من الكتاب " كتاب مقالات وتعقيبات ومداخلات التعارض والتقاطع مع الآخر " بالتوقف والتخلي عن هذا الأسلوب والعودة الى تبني أسلوب التعامل الإيجابي مع الآخرين من دون الإساءة عليهم وتجريحهم ومن دون تشويه سمعتهم بتشويه الحقائق عنهم . أي عندما ندحض رأي علينا ان نأتي بالدليل والبرهان من مصادر موثوقة وحيادية وليس من مصادر خاصة منحازة مئة في المئة ، وعندما نؤيد رأي علينا أن نبرر الأسباب لكي يكون الحوار إيجابياً ومنتجاً ، وبعكسه لا أجد ضرورة في الحوار لأن الكتابة تتحول عندها الى " كتابة من أجل الكتابة " من دون نتائج . إن المعادلة التي تعكس العلاقة الجدلية بين موقع عينكاوه والكتاب يمكن تحليل عناصرها كما يلي :-
الموقع والكتاب بكامل ادواتهما يشكلان الوسيلة في مجمل العملية الحوارية ، وخدمة قضية أمتنا وحقوقها القومية التاريخية ومواجهة التحديات القائمة وعلى رأسها الهجرة اللعينة من وطن الأجداد والتشتت في الشتات المجهولة في الغربة وتحقيق الوحدة القومية هي الغاية بعينها من العملية الحوارية الجارية . عليه عندما نريد ونعمل على تحقيق هذه الغاية النبيلة ، غاية حق تقرير المصير لأمتنا بأي شكل كان يجسد وجودنا القومي ككيان في أرضنا التاريخية  علينا أن نختار وسيلة نبيلة ، ولكي يكون الموقع وسيلة نبيلة فإن نبله يكتسبه من نبل أقلام كُتابه . وبناءً على ذلك فالذي لا يكتب بأسلوب نبيل ورصين وحصيف وبلغة ومفردات نبيلة وسامية ومهذبة لا تسيء الى الآخر بأي شكل من الأشكال نقول له أنه لا مكان له بيننا في هذا الموقع فليبحث له عن موقع إعلامي آخر يناسبه ويساير نزواته ورغباته الفردية ويتيح له أن يقول ما يشاء من المفردات حتى وإن كان ذلك بلغة الشتائم المتداولة في الشارع الشعبي ، وربما قائل يقول لي إن هذا الطلب يشكل إقصاء للفكر وكم للأفواه وكتم للأنفاس والأصوات الحرة وخنق لحرية الرأي وإضطهاد للفكر ، أنا هنا أقول لهؤلاء الأخوة الأحبة إن حرية الرأي والفكر لا تعني إطلاقاً حرية الإساءة والتجاوز على الآخر بل إنها تعني الخيار الحر طوعاً في إحترام حرية ورأي الآخر مهما كان مستوى الأختلاف في الراي ، لأن الحرية في الممارسة الحياتية يجب أن لا تكون حرية عبثية بل يجب أن يكون لها قواعد ومبادئ أخلاقية وضوابط تجعلها أن تكون إيجابية مفيدة في ممارسة الحياة الاجتماعية لكي لا تتحول بالنتيجة الى وسيلة مدمرة للحياة وتنشر العنف والجريمة ونظام الفوضى في المجتمع . نريد حرية تكون أداة للتوازن الأجتماعي بين شرائح المجتمع لخلق أكبر قدر ممكن من العدالة والمساواة في الحياة الاجتماعية .
 منطلقاً من هذه الخلفية الفكرية حول مفهوم الحرية وحرية الرأي والفكر أدعو كافة الأخوة الزملاء من رواد هذا الموقع الكريم مراعاة هذه الجوانب في كتاباتهم لكي نتمكن من تحقيق التوازن بين الغاية والوسيلة في كتاباتنا المستقبلية ، وأن نصون ونحمي سمعة هذا المنبر الحر الذي هو بمثابة الرئة التي نتنفس من خلالها نسيم الحرية في الكتابة علينا ان لا ندمره بأيدينا وأقلامنا . وأنا هنا لآ أقصد كاتب بعينه بل أقصد الجميع بما فيهم شخصي أنا وهذه الدعوة هي رجائي الأخوي من الجميع ، أملي أن تنال دعوتي هذه رضا وقبول الجميع كما أدعو الأخوة المشرفين على النشر في هذا الموقع الى حجب كل الكتابات التي تحمل طابع الأساءة والطعن الشخصي والعام والتشهير للملثمين الذين لا يكتبون بأسمائهم الصريحة لأن كل ما يصدر من الإساءآت في هذا الموقع يصدر من البعض من هؤلاء القلة وليس جميعهم وهم معروفين لدى الأخوة المشرفين في الموقع وهم بقدر عدد أصابع اليد الواحدة وليسوا أكثر من ذلك ... وفي الختام أعتذر للجميع إن لامست كلماتي هذه مشاعرهم بشيء من السوء  .

  خوشــابا ســولاقا 
15 / آب / 2013         
 

190
أين هي نقطة البداية لأنطلاقة وحدتنا القومية الشاملة ... ؟؟
المهندس : خوشابا سولاقا
كما هو معروف لدى الجميع أن لكل مجتمع من المجتمعات البشرية بنيته الاجتماعية التحتية الخاصة به والتي تتحكم بشكل مطلق بنوع وطبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة فيه ، وهذه البنى تختلف مع بعضها البعض بين مجتمع وآخر في بعض الحلقات وتلتقي بهذا الشكل أو ذاك وتتقارب في الحلقات الأخرى وبالأخص في حالة التجاور المجتمعي وتبادل المصالح المشتركة بينها ، ويكون للتجاور في منطقة السكن والعيش والاقامة على أي مستوى كان تأثير في مستوى نسبة التقارب والألتقاء والتشابه والتماثل في طبيعة تلك البنى التحتية الاجتماعية في تلك المجتمعات المتجاورة ، وبذلك تكون تلك المجتمعات في وضع التاثر والتأثير الأجتماعي والانساني المتبادل ببعضها البعض بحكم المصالح المشتركة والمتبادلة . هذه الظاهرة الاجتماعية والإنسانية تجعل من إمكانية التقارب والتماثل والتداخل الاجتماعي في العادات والتقاليد والسلوك الاجتماعي كبيراً وقائماً بين المكونات الاجتماعية المتجاورة مهما اختلفت في انتماءاتها المجتمعية على كافة المستويات التي تحتمها وتفرضها المصالح المتبادلة أحياناً كثيرة . وتنشأ بين هكذا مجتمعات إنسانية المختلفة قومياً ودينياً تحالفات وإتفاقات مصلحية مشتركة قائمة على أساس المنافع والمصالح المشتركة وتأخذ شكل وطابع العقد الاجتماعي بينها ويتحول ذلك بالتالي الى عرف وتقليد قبلي وعشائري بحسب الأطراف المتعاقدة للعيش المشترك كما كانت ولا تزال الحالة بين بعض قبائل وعشائر من أبناء أمتنا في القرى والأرياف وبعض القبائل والعشائر العربية والكوردية عندما تتجاور وتشترك مصادر المصالح والثروة لديهم كالمراعي والأراضي الزراعية ومصادر المياه المختلفة والمصايف . هذه التحالفات بحكم الواقع والمصالح تؤدي في أحيان كثيرة الى وقوف تلك القبائل والعشائر المتحالفة بالضد من القبائل والعشائر التي تماثلها في الأنتماء القومي والديني وتساند الحلفاء التي لا تماثلها في القومية والدين وقد تقاتل الى جانبها إذا تطلب الأمر ذلك في حالة نشوب أي صراع أو قتال على المراعي وينابيع المياه العذبة والأرض الزراعية ، لأن الصراعات التي كانت تنشب بين تلك التجمعات كانت بالأصل صراعات على المصالح في أغلب الأحيان وبالتالي فإن المصالح هي التي تتحكم بطبيعة العلاقات بين التجمعات البشرية مهما كانت طبيعة تلك التجمعات ، إضافة الى ما كان يحصل من تجاوزات وإعتداءات من عصابات تنتمي الى هذه القبيلة أو تلك على أخرى لأسباب إجتماعية ودوافع دينية وأغلبها كانت تحصل بتحريض السلطات الحكومية لأغراض سياسية قذرة كما كانت تفعل السلطات العثمانية الشوفينية مع الأقليات الدينية والقومية من رعاياها .
هذه التركيبة للبنى التحتية الاجتماعية التي كانت سائدة في هكذا مجتمعات أنتجت ثقافات تعكس طبيعة وتوجهات هذه البنى ، أي انتجت ثقافة الولاء للإنتماءات الخصوصية الفرعية ثقافة الولاء للانتماء الى القبيلة والعشيرة ثم ثقافة الولاء للانتماء الى الدين والى المذهب وبمرور الزمن ترسخت هذه الثقافات في عقول وكيان وطبيعة ونفسية وسلوك الفرد وأصبحت تشكل المقومات الأساسية لشخصيتة الاجتماعية وحولته الى أداة للتنفيذ الفعلي عمليا ً في حياة القبيلة والعشيرة والطائقة دون أن يكون هناك للقومية أي إعتبار أو وجود على أرض الواقع ودون أن يكون لها أي تأثير في البنية الثقافية والاجتماعية للفرد ، وهكذا أصبحت القومية ومفهومها السياسي والانساني غائباً إجتماعياً وروحياً عن ذهن وسلوك الفرد في هكذا مجتمعات متخلفة ، وهذه الظاهرة المنحرفة والخطيرة على الوجود القومي للأمة أتاحت الفرصة أمام الكراهية والأحقاد والتعصب والعنصرية والمغالاة بالتطرف نحو الخصوصيات الفرعية لأن تنمو وتكبر يوم بعد آخر الى أن وصلت الى درجة التناحر والصراعات الدموية أحياناً بين قبائل وعشائر وطوائف والمذاهب الدينية داخل كيان القومية الواحدة ومهمشة للفعل والوعي القومي النهضوي الى درجة الخمود والسبات الطويل ، أي أنه أصبح الشعور القومي بوجود الأمة محنط ومركون على هامش الحياة الاجتماعية بإنتظار من يُفعّلهُ ويعيدهُ الى مسرح الحياة بقوة من جديد .
وعند دراستنا للتاريخ بشكل واعي سوف نلاحظ مدى إنتشار وتَرسُخ وتكرُس ثقافة التعصب والعنصرية والمغالاة في التطرف نحو الولاءآت للانتماءآت الخصوصية الفرعية على حساب الإمعان في إضعاف دور الولاء للإنتماء القومي الشامل .
هكذا هو حال البنية التحتية الاجتماعية والبنية الفوقية الاجتماعية المتمثلة في الثقافة والتقاليد والعادات والممارسات والسلوكيات السائدة والتي هي إنعكاس طبيعي للبنية التحتية في مجتمعنا ( الكلداني ، السرياني ، الآشوري ) والذي كان الى حد قريب بأغلبه مجتمع فلاحي زراعي ورعوي يعتمد في إقتصاده على الأرض وتربية المواشي وتدجين الطيور ويسكن القرى والأرياف وما زال الى الآن الى حد كبير . وبالرغم من سكن نسبة كبيرة منه في المدن في القرن الماضي وحصل الكثير من أبنائه على مستوى عالي من التعليم العام والتعليم الجامعي إلا أن عقليتنا وسلوكنا ما زال متأثراً بطبائع الماضي لأبائنا وأجدادنا بالأمس بحكم العادة والتقليد الوروث ، وهذا أمر طبيعي لأن عملية التحرر والتخلص من أثار الماضي وتجاوزه لا يمكن ان تتم دفعة واحدة في فترة زمنية قصيرة بل هي تأتي من خلال عملية تاريخية تراكمية وعلى مراحل وهذا ما يجري إجتماعياً الآن ، حيث تخلصنا من ممارسات وتقاليد متخلفة كثيرة كانت سائدة في حياتنا من دون أن نشعر بأي تأثير سلبي تركه التخلي عنها على حياتنا ، وإكتسبنا ممارسات وسلوكيات جديدة فرضها تطور الحياة الاجتماعية وقبلناها برحابة صدر رغماً عن مقاومة البعض من بقايا الماضي لها تحت ذرائع شتى ولكن شعرنا بتاثيرها الايجابي على نمط حياتنا . هكذا تتطور الحياة تختفي وتزول امور بحكم التقادم الزمني  وتظهر أمور أخرى بحكم إرادة متطلبات الحياة الجديدة ونزوع الإنسان الطبيعي الى التجديد الى تغيير أنماط حياته ، الحياة تتطور وتسير في مسارها الطبيعي الى الأمام من دون تراجع وما علينا نحن إلا اللحاق بموكبها وليس الوقوف على التل متفرجين والنظر إليها والبكاء بألم وحرقة قلب على أطلال الماضي وإستذكاره وإستحضاره في المناسابات والهروب من المشاكل والتحديات التي تواجهنا وتتحدى مستقبل وجودنا القومي في أرض الأجداد .
في الولاءآت للانتماءآت الخصوصية الفرعية والتمسك بالثقافات البالية والمغالاة في الأعتزاز بها والتي أفرزتها الحياة القبلية والعشائرية في سلوكنا الآجتماعي التي جعلتنا أسرى الماضي تكمن روح الشيطان التي تفرقنا اليوم وتجعلنا أشلاء متناقضة ومتناحرة لا يجمعنا جامع بل على العكس من ذلك لقد إتخذ الكثير من كتابنا ومثقفينا مع إحترامي الكبير لهم وإعتزازي بهم من إمكانياتهم الكتابية والثقافية ومعارفهم العلمية والتاريخية وسيلة لتكريس وترسيخ تلك الثقافة " ثقافة التفرقة " إن جاز التعبير بدلاً من العمل الحثيث والسعي المتواصل الى تركيز كل الجهود بإتجاه تغيير تلك الثقافة الهدامة المتخلفة وتكريس " ثقافة الوحدة القومية الشاملة " المؤسسة على وحدة اللغة والتاريخ والتراث والأرض المشتركة والمصير المشترك والدين الواحد والتي لا تتعارض ولا تتقاطع إطلاقاً مع ولاءآتنا الايجابية للأنتماءآت الخصوصية الفرعية القبلية والعشائرية والمذهبية الكنسية .
وبناءً على ما تقدم ولغرض البداية من النقطة التي من المفروض ان تبدأ منها إنطلاقتنا الشجاعة نحو تحقيق وحدتنا القومية الشاملة ، يجب أن نبدأ بالدعوة الى بناء إنسان جديد بثقافة جديدة مؤسسة على الولاء للإنتماء القومي التقدمي الديمقراطي لجميع مكونات أمتنا من الكلدان والسريان والآشوريين من دون تهميش وإقصاء لأي مكون منها في طروحاتنا الفكرية وكتاباتنا وحواراتنا الثقافية ومناقشاتنا في المحافل والمنتديات سواءً على مستوى مؤسساتنا السياسية ومؤسسات المجتمع المدني لأمتنا أو على مستوى مؤسسة الكنيسة منطلقين في ذلك كما قلنا من أساس وحدة اللغة والتقاليد والطقوس الاجتماعية ووحدة التاريخ والتراث والأرض ووحدة المصالح المشتركة والمصير المشترك .. عندما نعتمد هذا الأسلوب في الحوار والنقاش وطرح المبادرات للتفاهم المشترك من أجل تقليص مساحة الأختلافات والخلافات بيننا وتوسيع بالمقابل مساحة المشتركات بين مكونات أمتنا ، عندها سوف نتمكن من بناء وتربية أجيال جديدة من الشباب تشعر بأنها تنتمي الى مشتركات قومية كثيرة وبالتالي تشعر بالإنتماء الى قومية وأمة واحدة بغض النظر ماذا تكون تسميتها (( الأمة الكلدانية ، الأمة السريانية ، الأمة الآشورية )) . عندما نصل الى هذه المرحلة من خلق الجيل الجديد لتولي قيادة مسيرة الأمة تكون الأجيال التي تربت على الثقافة القديمة " ثقافة التفرقة " قد غادرت المسرح الى الحياة الأبدية أطال الله في عمر الجميع ، ولكن هذه هي سُنة الحياة أجيال ترحل وأجيال تأتي وتحل محلها في دورة الحياة الطبيعية ، وتكون في ذات الوقت الأجيال التي قد تربت على الثقافة الجديدة ثقافة الولاء للقومية والأمة واللغة الواحدة قد قوى عودها وترسخت مفاهيمها عن القومية التقدمية ، تكون هي الأخرى قد غادرت مسرح تلك المفاهيم القديمة والبالية والتي كانت تدعو الى الفرقة على أساس الولاء للإنتماءآت الخصوصية الفرعية ويصبح ذلك شيء منسي وجزء من الماضي المشؤوم .
عليه أدعو جميع مؤسساتنا الكنسية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني الحريصة على إنجاز وحدتنا القومية للعمل على بناء أجيال جديدة من الشباب القومي بثقافة قومية تقدمية ديمقراطية جديدة غير شوفينية وغير عنصرية ، وتؤمن بحق الآخر كما تؤمن بحقها ، لكي نتمكن بعد جيل أو جيلين على أبعد تقدير من مغادرة عصر الفرقة والتمزق والتفكك القومي والعبور الى عصر الوحدة القومية الشاملة التي هي الحلم الجميل الذي يراود أبناء أمتنا جميعاً بكل مكوناته الحالية .


خوشــابا ســولاقا
8/ آب / 2013



191
التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟
                                                                                                              المهندس : خوشابا سولاقا
توطئة : في كتابة مقالاتي التاريخية السابقة والتي نشرتها خلال الأشهر القليلة الماضية ، عانيت الكثير في كتابتها ، من تلك المعاناة إنتقاء الكلمات والعبارات والجمل الرصينة التي تعبر بأكبر قدر ممكن من المصداقية والواقعية والموضوعية التي تجعل مهمة القارئ سهلة وسلسة في فهم ومتابعة الأحداث واستيعابها وفق تسلسُلها الزماني والمكاني هذا من جهة ، ومن جهة ثانية كنت حريصاً جداً أن لا يمس ما أكتبه بأي شكل من الأشكال القراء الكرام في مشاعرهم ممن قد لا يتفق  ما أكتبه مع قناعاتهم حول الأحداث التاريخية المعنية لكونها تخص بشكل أو بآخر بصورة مباشرة أو بشكل مبطن بالتلميح والإيحاء والاشارة كيفما تقتضيه سرد الأحداث أناس من إنتماءاتهم الفرعية الذين كان لهم دور في صناعة تلك الأحداث وما آلت إليه أوضاع الأمة من تداعيات وإنتكاسات خطيرة لاحقاً . في ذات الوقت كنت حريصاً كل الحرص على نقل مضمون ما حصل في تلك المراحل من تاريخ أمتنا بأمانة من دون إنحياز لباطل طرف على حساب حق الطرف الآخر . كل تلك المعاناة عانيتها وأردتُ أن أكون حيادياً وناقلاً لأقرب ما هو للحقيقة التاريخية للحدث التاريخي المعني . إلا أنه مع ذلك نلتُ إنتقادات لاذعة ولاسعة أحياناً وبكلمات جارحة في بعضها بالرغم من قلتها لا تليق أولاً بقائليها وبأدب وأخلاقيات الكتابة وحرية الرأي وإحترام الرأي الآخر ثانياً مهما كان الأمر حتى في حالة عدم توافق رأي الكاتب مع رأي هذا البعض ، ومع ذلك أعتبر كل هؤلاء أخوة لي وأحبائي وإن اختلفنا في الرأي مهما كانت وسائل ولغة التعبير بيننا قاسية فإنها في النهاية سوف لا تفقد في الود قضية . وبناءً على ذلك قررت كتابة هذا المقال وتحت هذا العنوان الذي يعني الكثير لمن يتعصب في رأيه إن أحسنوا قراءته ، متمنياً أن أوفق في إيصال المطلوب فيه الى أذهان المعنيين به وأن ينال رضا وقبول القراء والكتاب من الباحثين عن الحقيقة التاريخية . وهنا لا أريد أن تفوتني الفرصة لكي أقدم الشكر والتقدير والعرفان بالجميل الى كل من ساهموا في إغناء ما كتبته من المقالات التاريخية بما لديهم من مزيد من المعلومات التاريخية القيّمة التي كنت اجهلها من خلال مداخلاتهم وتعقيباتهم الثرة ، والى كل من كتبوا لي كتابات مشجعة ومحفزة لتقديم المزيد من العطاء . وإن دلَ ذلك التشجيع وتلك المشاركات الايجابية على شيء إنما يدل على نبل أخلاقهم وسمو مشاعرهم ومحبتهم لأمتهم ولمن يضحي ويبذل الجهود مهما كانت متواضعة لخدمة قضية الأمة ، وكما أقدم الشكر الجزيل للقراء الكرام الذين شاركونا في قرأتهم لما كتبته ، لمن يوافقنا الرأي أو لمن يخالفنا الرأي على حدٍ سواء . 
إن التاريخ دائماً ومنذ اقدم العصور قد كُتب من قبل ثلاثة شرائح من الكتاب والمؤرخين من الناس في المجتمع في أغلب الأحيان ، إلا ما ندر في حالات إستثنائية قليلة دخلت شريحة رابعة على خط تدوين وكتابة التاريخ ولكن هؤلاء قليلون جداً ولم يأخذوا قسطهم من الشهرة والأنتشار لكونهم يتقاطعون ويتعارضون في تدوينهم للتاريخ مع االشرائح الثلاثة الأخرى ويضرون بمصالحهم المادية والمعنوية ، ولذلك عملت تلك الشرائح الثلاثة على عزلهم عن الأنتشار والشهرة وتهميشهم بل وحتى إقصائهم من المجتمع ولذلك كان دورهم في إبراز الحقيقة التاريخية وترسيخها في أذهان المجتمع محدود ومحصوراً وغير مؤثر أو يكاد يكون منسياً لا يذكر وبالتالي بقيت كتاباتهم حبيسة حدود العائلة كمذكرات شخصية من دون ان تنشر .
فالشريحة الأولى من الكتاب والمؤرخين ممن كتبوا ودونوا التاريخ هم أولائك المؤرخين الذين إنطلقوا في كتاباتهم من ولاءاتهم وانتماءاتهم للخصوصيات الفرعية إبتداءً بالوطن والقومية والدين والمذهب والقبيلة والعشيرة وغيرها من الخصوصيات في البناء الهيكلي للمجتمعات الأنسانية ، والتي تظهر للقارئ للتاريخ تأثيراتها الواضحة والكبيرة على نهج وأسلوب ورؤية الكاتب والمؤرخ في كتابة وتدوين التاريخ وذلك من خلال انحيازه الواضح للخصوصيات الفرعية على حساب الأمانة التاريخية ، وتلك هي أولى الأمراض في كتابة التاريخ الحقيقي للأحداث التاريخية . وسيلاحظ قارئ التاريخ هذا الأنحياز للخصوصيات الفرعية للكتاب والمؤرخين واضح وجلي لديهم ليس فقط  لدى كتابنا ومؤرخينا فقط بل ولدى كتاب ومؤرخين كل الشعوب والأمم وليس حصراً بالبعض منها دون الأخرى ، وفي كل العصور والأزمنة ، حيث أن هذه الشريحة من الكتاب والمؤرخين يبالغون بإفراط في إبراز الأيجابيات للطرف الذي هم منه بالأنتماء  الفرعي وينحازون إليه دون أن يذكرون شيئاً عن سلبياته بل بالعكس يسعون الى تحويل السلبيات إلى إنجازات عظيمة تستحق الثناء عليها حتى وإن كانت تضر بالمصلحة القومية للأمة ، ويبالغون في ذات الوقت في إبراز السلبيات للطرف الآخر وبإفراط أيضاً دون أن يذكروا شيئاً عن إيجابياته حتى وإن كانت إنجازات حقيقية وعظيمة لصالح الأمة عندما يكتبون أو يؤرخون لنفس الحدث التاريخي ، لذلك يكون القارئ لتاريخ ذلك الحدث مشوشاً وحائراً في أمره كباحث في التاريخ للوصول الى الحقيقة التاريخية لذات الحدث والوقوف عليها . هكذا فتلك النوازع والنواميس الأنسانية الراسخة في كينونة الأنسان وثقافته المجتمعية تجعل الأنحيازات للفرعيات عند هؤلاء تتناقل من جيل الى آخر ، وهذا الشيء أعتبره غريزي عند الانسان ، وطبيعي ان يتطبع به سلوكه في الحياة ويكون ذلك مقبولاً الى حد ما وعندما يكون في حدود معينة وفي قضايا محدودة وعندما لا يتجاوز حدود الأضرار بالمصلحة العامة للحلقات الأوسع والأعلى في أولويات بنية هيكل المجتمع ، وعندما لا يتجاوز حدود الأمانة التاريخية في كتابة التاريخ ، لأنه عندها يتحول الأنحياز من حق ومماسة إنسانية للفرد الى جريمة شنيعة وخيانة عظمى بحق المجتمع والأمانة التاريخية في كتابة وتدوين التاريخ للحدث التاريخي المعني . والشريحة الثانية من كتاب التاريخ والمؤرخين هم شريحة  وعاظ السلاطين ومحامي الشياطين ، هؤلاء كتبوا أحداث التاريخ بحسب وجهة نظر السلطان ورؤيته للتاريخ مقابل ثمن مدفوع ، أي أنهم كتبوا التاريخ كما أراده الحاكم أن يُكتب وهؤلاء هم الغالبون وأخذت كتاباتهم القسط الأوفر من الدعم والشهرة والأنتشار في تدوين أحداث التاريخ مثل أصحاب الموسوعات التاريخية ، ولكون هذه الموسوعات ذات طابع رسمي أو شبه رسمي نالت دعماً مالياً ومعنوياً كبيرأ من الدولة ، لذلك دونت أحداث التاريخ كما يخدم ذلك سمعة ومصالح السلطان الحاكم ، وإلقاء المزيد من الظلال المعتمة على الجوانب السلبية والمخزية من تاريخ السلطان لتضليل الآخرين ومنعهم من الأطلاع على الحقيقة التاريخية وهذا النمط من المؤرخين كانوا هم أهل المصادر التاريخية السائدة والمرجحة لقراء التاريخ . أما الشريحة  الثالثة من الكُتاب والمؤرخين والتي عدد أعضائها يكون عادة قليل جداً في مجتمع كُتاب التاريخ فهم يمثلون أصحاب العقاعد والمبادئ الفكرية المستقلة عن تأثيرات السلطان ومن المنسلخين من تأثير الولاءات الفرعية ، فهؤلاء يكتبون عن الحدث التاريخي بحسب مبادئهم وعقاعدهم الأيديولوجية ورؤآهم الفكرية ، وهؤلاء أيضاً لهم إنحيازهم الخاص تحت تأثير تلك العقاعد والأيديولوجيات التي يحملونها ، ولكنهم يكونون في كتابتهم وتدوينهم للحدث التاريخي أقرب الى مكمن الحقيقة من الشريحتين الآخرتين . وعليه فإن التاريخ الذي نقرأه يحمل أوجه عديدة متعارضة ومتقاطعة وأحياناً متناقضة وإجتهادات عديدة وتفسيرات كثيرة لا يمكننا من خلال الأعتماد على أي كتاب تاريخ معين كمصدر للرسو الى الحقيقة التاريخية للحدث التاريخي المعني والتي يمكن لنا أن نستند إليها ونعتبرها نقطة البداية للمسيرة البحثية الحيادية التي نسير بها الى الهدف المنشود من قرأة التاريخ لبناء حاضر مزدهر وبناء جسور متينة الأسس وقوية البنية للعبور من خلالها الى المستقبل بأكبر النتائج الإيجابية وبأقل الخسائر من دون إعادة وتكرار أخطاء الماضي في حاضرنا ومن ثم ترحيلها الى مستقبلنا في عملية إعادة إنتاج التاريخ وتكرار حوادثه الماساوية والأليمة . لذلك أقول لكتابنا ومؤرخينا والقراء الكرام عندما يقرأؤون التاريخ من مصادر متعددة عليهم الأنتباه الى هذه المؤثرات التي كتبوا السابقين التاريخ تحت تأثيرها وإنعكاساتها السلبية على مدى مصداقية المصادر التاريخية لكي لا يقعون في نفس الأخطاء ويعيدون نفس الكوارث والمأسي في حاضرهم ومستقبلهم ، بل عليهم أن يقرأوا التاريخ من مختلف المصادر التاريخية التي تتعارض وتتقاطع مع بعضها البعض في جوانب كثيرة وتلتقي وتتفق في جوانب أخرى عندما كتبوا وأرخوا لنفس الحدث التاريخي . على القارئ الباحث والمحلل للتاريخ أن لا يهمل أي مصدر تاريخي بل علية دراسته ، ومن ثم القيام بالأعتماد على مبدأ المقارنة والأستنباط والأستنتاج الموضوعي والعقلاني والتحرر الكامل من قوقع الخصوصية الفرعية لأعادة صياغة ما كتب من أجل التقرب من قلب الحقيقة التاريخية للحدث التاريخي . هذا هو المنطق العلمي السليم في قرأة التاريخ حسب رأي المتواضع . وبغير هذا المنطق تكون عملية المحاولة للوصول الى الهدف مجرد عملية عبثية وتضليل للذات وإغراقها في متاهات الأوهام يصنعها الكُتاب لأنفسهم لكي يرون التاريخ بمنظارهم الشخصي وكما يعجبهم وكما يحلمون  به أن يكون وليس كما ينبغي أن يكون أو بالأحرى كما هو عليه واقع الحال للحدث التاريخي . ولغرض تبسيط ما أردتُ قوله تحت هذا العنوان (( التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟ )) نحاول قراءة تاريخنا المعاصر وما حصلت فيه من أحداث دراماتيكية مأساوية وكارثية أليمة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من واقع مزري ومهبط للآمال بأي مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة يجسد وجودنا القومي المستهدف من قبل الآخرين في أرض الأباء والأجداد بيث نهرين في كيان سياسي معين يجسد هويتنا القومية والوطنية . المحاولات التي تجري على الساحة العراقية في ظل الهجرة اللعينة لتهميشنا وإقصائنا وخلع جذورنا من أرضنا التاريخية وحصرنا في كيان ديني تابع لهذا الطرف أو ذاك في عملية الصراع الجارية بين تلك الأطراف من أجل الأرض ، كل ذلك يجري بسبب إصرارنا على قراءة التاريخ وإعادة إنتاجه وصناعة أحداثة بإعتمادنا لنفس الآلية التي اعتمدوها أبائنا وأجدادنا المؤسسة والمستنبطة من الولاء للخصوصيات الفرعية على حساب الولاء للخصوصية القومية العامة في سلوكنا غير المتحضر ، ومازال الفعل الحاسم الذي يحركنا للعمل هو فعل وعقل القبيلة والعشيرة والمذهب الكنسي وليس الفعل والعقل القومي المتزن والرصين . وهنا أحاول أن أدرج بأكبر قدر ممكن من البساطة بعض الأمثلة القريبة من تاريخنا المعاصر عن التاثير السلبي على المصلحة القومية من وراء الولاءات للآنتماءات الخصوصية الفرعية .
إن مشاكلنا ومصائبنا كانت ولا تزال كامنة في سلوك من يُتاجرون بأسم الأمة والشعارات القومية الرنانة وهذا السلوك المنحرف ضيع لنا كما يقال شعبياً " رأس الشليلة " علينا إن صح التعبير ، يظهرون بمظهر الخراف الوديعة ولكنهم في حقيقتهم من الداخل تراهم ذئاب مفترسة وجائعة لا يشبعون ، وينهشون من دون رحمة بجسد الأمة وتكون ضحيتهم الناس الأبرياء من ذوي النوايا الطيبة والصافية النقية الذين ينخدعون بشعاراتهم القومية البراقة ووعودهم الكاذبة تحت تاثير عواطف الولاء للخصوصيات الفرعية ، وهذا ما حصل في الماضي ويحصل اليوم وكل الذي تغير في الأمر بالرغم من الفارق الزمني الكبير بين الماضي والحاضر وربما المستقبل هو تغير الواجهات الأمامية للصورة وآليات عملها وتبقى الضحية ثابتة وهي الشعب المؤمن بقضيته القومية ، والذي من شدة حبه لقوميته وتمسكه بها ينخدع ويخضع بسهولة إنقيادية لأبتزاز واستغلال هؤلاء المرابين المتاجرين بالقضية القومية في سوق المزاد العلني لبيع الوعود الكاذبة ، وهكذا تتكرر الأحداث على نفس النسق وبنفس الآليات مع الأسف الشديد . منذ أن بدأنا في بداية سبعينيات القرن الماضي نحن مجموعة من الشباب المتحمسين لقوميتنا في بغداد على خلفية الأنشقاق الذي حصل في كنيستنا المشرقية وما كان ينشر في الصحف العراقية آنذاك من كتابات مسيئة لقادة الأنتفاضة الآشورية في سميل سنة 1933 من بعض بقايا أنصار الكيلاني وما كانوا يوصمون بها قادة الأنتفاضة من نعوت الخيانة للوطن العراقي والعمالة للانكليز كُنا نحترق غيضاً وغضبا على هذا السلوك المارق ونتناقش ونتحاور بعمق وإيمان راسخ هذا الأمر مع بعضنا ونتوصل بعد حين من النقاش الحامي والمكثف الى نفس النتيجة والتي هي من يكون صادق ومخلص ومؤمن بقضيته القومية يكون الضحية وهذا أمر طبيعي في التقاليد النضالية من أجل حرية الأمة وانعتاقها ، ويكون المتاجرين بالشعارات القومية بواجهات قبلية وعشائرية ومذهبية هم الفائزون بثقة الناس ، وهم الحائزون على حصة الأسد من ولاء الناس لهم تحت تأثير العواطف للانتماءات القبلية والعشائرية والمناطقية والمذهبية الكنسية على حساب الولاء للأنتماء القومي الهش . وما حصل في سُميل عام 1933 وما قبلها وضيَّعنا بسببه فرصتنا الذهبية الآخيرة التي كانت في متناول أيدينا في تأسيس كيان قومي لأمتنا في إقامة منطقة حكم ذاتي ضمن وحدة العراق الجغرافية كان بسبب أن إرادة الولاء للأنتماء إلى القبيلة والعشيرة والمذهب قد حالت دون تحقيق ذلك لأنها تغلبت على إرادة الولاء للأنتماء القومي . وتكرر الحدث مرة أخرى في عام 1964 مع كنيستنا المشرقية حيث تشظت وانقسمت الى كنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة على خلفية ٌقرار أكليروس الكنيسة بالأغلبية الساحقة بإعتماد التقويم الغريغوري في طقوس الكنيسة  بدلا من التقويم اليولياني القديم الذي كان معتمداً في طقوسها  والتي كانت أسبابها في الحقيقة إمتداداً لأسباب مذبحة سُميل عام 1933 حيث على أثرها إنقسم المقسوم وتجزأ المجزء فانقسمت القبيلة والعشيرة والعائلة بين موالي ومعارض لهذه الكنيسة  وتلك وإنتشرت على أثر الأنقسام الكراهية والأحقاد بين أبناء القبيلة الواحدة والعشيرة الواحدة والعائلة الواحدة . كان التغيير الوحيد على الصورة العامة للحدث بين 1933 وعام 1964 فقط في شخوص الواجهة الأمامية للصورة ، وكانت الضحية مرة أخرى هي هي أي كانت الشعب . وإن ما يجري اليوم على الساحة القومية ومنذ سقوط النظام البعثي في عام 2003 هو أيضاً تكرار آلي للماضي بنفس الواجهات السابقة ( القبيلة ، العشيرة ، المذهب الكنسي ) وبإضافة واجهات جديدة ألا وهي ( الأحزاب والحركات السياسية الشمولية الأقصائية ذات القيادات الفردية الأستبدادية وذات التوجهات للولاءات الخصوصية الفرعية ضمناً وممارسةً وللقومية شكلاً ) والنية في السلوك الحقيقي والمتجسد على الأرض اليوم متجهة نحو إعادة إنتاج الماضي بكل تناقضاته وسيئاته وترحيله للمستقبل وكأن الأمر أصبح سُنة حياتية يجب أن تتكرر وفق قانون طبيعي وما علينا إلا قبوله كأمر واقع وحتمي وليس أمامنا من خيار بديل آخر . هذه هي مصيبتنا يا أعزائي القراء الكرام . لكي نتقدم ونتطور ونحقق أهدافنا القومية علينا أن نكون أقوياء ، ولكي نكون أقوياء علينا أن نتغير بتغيير ثقافتنا ونظرتنا للحياة وعلاقاتنا ببعضنا البعض ، ولكي نتمكن من تحقيق ذلك كله علينا أن نغير ولاءاتنا للأنتماء للخصوصيات الفرعية الى ولاءات للأنتماء القومي الموحد ، عندها يتغير كل شيء من حولنا ونجد أن وحدتنا القومية قد تحققت بيسر دون معوقات ومعرقلات التي تطحن إرادتنا القومية وتجعلنا نتقوقع في قوقع خصوصياتنا الفرعية . وأن نتصدى للهجرة اللعينة التي تزتنزف وجودنا القومي في أرضنا التاريخية أرض الأجداد " بيث نهرين " أم الحضارة والأمجاد .

خوشابا سولاقا
2 / آب / 2013 

192
سورما خانم دبيث مارشمعون ودورها في التاريخ الآشوري الحديث
( الجزء الثاني – الأخير )
                                                                                                            المهندس : خوشابا سولاقا
سورما خانم إمرأة مثقفة وسياسية مقتدرة
أعزائي القراء الكرام أبدأ معكم من حيث إنتهينا في الجزء الأول من هذا المقال . إندفعت سورما في كتابة مؤلفها بعنوان " الكنيسة الآشورية ، تقاليدها واغتيال البطريرك مارشمعون " بنفس الهمة والنشاط الذي كانت تعمل به عندما كانت في لندن . من خلال مؤلفها هذا ذي العشرة فصول إستطاعت سورما أن تقدم الأمة الآشورية وكنيستها كنيسة المشرق بجلاء وبألوان جذابة الى العالم ، وتحدثت في فصل من مؤلفها عن الطقوس والمراسم والأحتفالات الدينية التي كانت تعتمد وتقام في كنيسة المشرق ، وفي فصل آخر من مؤلفها تحدثت عن الحياة النسكية والرهبانية ودور الاكليروس في حياة المؤمنين والعقيدة الإيمانية في كنيسة المشرق ، وتحدثت فيه عن البطريركية وأهميتها لدى الشعب الآشوري من أتباع كنيسة المشرق ، كما تحدثت بشيء من التفصيل عن جريمة إغتيال البشعة للبطريرك مارشمعون بنيامين في " كوني شهر " في عام 1918 وتطورات الأحداث المأساوية التي حلت بالشعب الآشوري بسبب الحرب العظمى ورحلته الطويلة رحلة الآلام والمآسي والقهر والحرمان من موطنه الأصلي في هيكاري الى أورميا الى بيث نهرين في مخيمات بعقوبة مخيم الأمراض والأوبئة والموت الجماعي . وقد مهد لهذا الكتاب رئيس أساقفة كنتربيري " اللورد دفيدسن " وقدم له الراعي " ويكرام " . استقبلت الجماهير البريطانية هذا الكتاب الذي صدر في شهر نيسان من عام / 1920 بتشجيع كبير لما يحتويه من معلومات تاريخية قيّمة عن الآشوريين وكنيسة المشرق كانت خافية على  عامة الشعب البريطاني عن الشعب الآشوري وكنيستهم المشرقية العريقة والموغلة في القدم . وقد وضع الشعب البريطاني ثقته الكاملة بسورما نظراً لما لمسته فيها من خصائل سامية وذكاء حاد وثقافة عالية وإندفاع لا حدود له وإخلاص منقطع النظير للعمل والدفاع عن قضية شعبها الآشوري وكنيسته المشرقية العظيمة . اللورد دفيدسن من جانبه أهتم بهذا المؤلف شديد الأهتمام وأعتبره وثيقة حية للتعريف بالكنيسة الآشورية وقد وصف هذا اللورد سورما بالمستشارة للكنيسة الانكليكانية وصديقتها الوفية . ومن حسن حظ الشعب الآشوري قد صادف صدور هذا الكتاب مع صدور كتاب الراعي  ويكرام " حليفنا الصغير " الذي أثار صدوره جدلاً حول القضية الآشورية في صفوف الشعب البريطاني وفي المحافل السياسية البريطانية . وقد تحدث الراعي ويكرام في كتابه هذا عن الدور الكبير الذي لعبه الشعب الآشوري رغم كونه أصغر حليف لبريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الأولى .
هكذا كان قد تأسس إيمان سورما خانم بنت البيت البطريركي على مبادئ كنسية مسكونية وفي هذا الأتجاه كان نشاطها . حضرت سورما خانم الى المؤتمر العام الذي دعى إليه الحبري اللورد دفيدسن رئيس أساقفة كنتربيري الأنكليكانية كل أساقفة الكنيسة الانكليكانية وأساقفة كنائس إنكلترة المتحدة معها إيمانياً . هكذا لقاء لم يحصل بهذا المستوى إلا كل عشرة سنوات ، وقد انعقد هذا الاجتماع في قصر " لامبيث " في تموز عام 1920 . في هذا الأجتماع المهم أتيحت الفرصة لسورما خانم لتوجيه كلمة الى المجتمعين . وقد حازت كلمتها المفعمة بحب شعبها الآشوري إعجاب وتأييد ومساندة الحاضرين جميعاً . هذا الخطاب سهل من عملية إدراج النص التالي في القرار رقم ( 20 ) الذي يعرب فيه المؤتمرون " عن تعاطفهم العميق مع المسيحيين الأرمن والآشوريين والسريان الذين يعانون إضطهاداً قاسياً ، ويستنكرون ويدينون المذابح الفضيعة التي جرت قبل وأثناء الحرب العظمى ، ويطالبون لأن تكون الأجراءات المستقبلية التي تتخذ بشأن القضايا الشرقية التي تهدف لتأسيس حكومة عادلة تمنع المضايقات والضغوط على هذه الأقليات المسيحية " . إستحقاقًاً للجهود التي بذلتها سورما خانم خلال فترة بقائها في لندن إستطاعت من إلقاء أنوار كاشفة وساطعة كسطوع الشمس على تاريخ قضية شعبها الآشوري وكنيستها كنيسة المشرق العظيمة التي بقيت قروناً عديدة في عزلة شبه تامة عن العالم . خلال زيارتها هذه توفرت لها الفرصة لتعزيز موقفها بخصوص قضية شعبها أمام الأوساط الرسمية ذات الأثر الكبير في السياسات الخارجية وصناعة القرار لبريطانيا . وكانت جهودها هذه تقدماً وتطوراً نوعياً للقضية الآشورية في المحافل الدولية والتعريف بالشعب الآشوري الذي كان شبه منسي ، كل ذلك التقدم حصل بواسطة الكنيسىة الانكليكانية بتأثير سورما خانم عليها . بدعم هذه الكنيسة وتاثيرها على الأوساط البريطانية الرسمية تمكنت سورما من توصيل صوتها ورسالتها بخصوص قضية شعبها الى الدوائر التي بيدها القرار . لقد حاولت وسعت سورما دوماً أن تفرض ثقل شعبها على لوحة الشطرنج التي تمثل العالم واللاعبين عليها من القوى العظمى . كانت آمال سورما على ضوء نتائج لقاءاتها وإتصالاتها الكثيرة مع الأوساط البريطانية كبيرة والتي توقعتها أن تكون وسيلة فعالة وفرصة مؤآتية ليأخذ الشعب الآشوري من ورائها موقعه العادل وإستحقاقه الكامل مقابل ما قدمه من تضحيات كبيرة لصالح من كسبوا النصر في الحرب الظمى . رغم أنه كان هناك في باطن سورما هاجس يؤكد لها أن للدول الكبرى التي بيدها القرار مصالح ذاتية تعطيها الأولوية في حساباتها النهائية وتعمل لتحقيقها وإن إجراءاتها المستقبلية ستكون حتماً متوافقة مع تحقيق تلك المصالح . لذا يجب على الآشوريين أن يكونوا حذرين ويقضين وأذكياء أزاء هذه التوقعات في هذا السباق لأستغلال الفرص لمصلحتهم . هذه كانت رؤى وإستنتاجات وتوقعات سورما للأحداث الجارية آنذاك ، ولكن من يفهم ويستوعب من المحيطين بها من أشباه الأميين من رؤساء القبائل والعشائر الآشورية هذه الحقائق كما ينبغي وبهذا الوضوح والجلاء ، ليعرف كيف يستغل الفرص لمصلحتهم في سباقهم مع دهاة وفقهاء السياسة في بريطانيا العظمى التي لا يغيب عنها الشمس ؟؟ . هنا كانت العقدة والمشكلة التي أشرت إليها ونوهت عنها في مقدمة الجزء الأول من هذا المقال . 
بعد إنتهاء الحرب نشأت خلافات حامية بين بريطانيا وفرنسا حول تقسيم ممتلكات الرجل المريض ( الدولة العثمانية ) ، فقد أبدت بريطانيا رغبتها واستعدادها للتخلي والأنسحاب من سوريا إذا وافقت فرنسا التخلي عن ولاية الموصل ، وبناءً على ذلك تم طرد الأمير فيصل إبن الشريف حسين المدعوم من بريطانيا من سوريا من قبل فرنسا وتم تنصيبه بعد ذلك ملكاً على العراق بقرار بريطاني . وتفاجأ فيصل بما لم يكن يتوقعه ، ألا وهو ما يتعلق بقضية الشعب الآشوري التي بقيت سورما متشبثة لتحقيق أهدافها في الحصول على حقوق شعبها العادلة حسب ما وعدت به بريطانيا على لسان العقيد غريسي في إجتماع أورميا في أوائل شهر كانون الثاني من عام 1918 ، وتمشياً مع هذا الهدف أبدت سورما استعدادها الكامل لحضور جلسات مؤتمر السلام في باريس على أمل التمكن من توصيل صوتها للمجتمعين هناك وإقناعهم بعدالة قضية شعبها الآشوري . ولكن كما يقول المثل لاتجري الرياح دوماً كما تشتهي الَسُفَن . فبقى الحضور الى مؤتمر السلام في باريس حُلماً نرجسياً لسورما خانم الذي لم تتمكن من تحقيقه بسبب عدم منح فرنسا لها الموافقات الضرورية الرسمية لدخول أراضيها وكان ذلك على ما أعتقد عملاً مقصوداً ومنسقاً عليه بين بريطانيا وفرنسا لمنع سورما من إحراجهما أمام الحضور بعرض مطالب شعبها في مؤتمر السلام . ولكن سورما العنيدة والمثابرة والصبورة والقوية المنطق والتي لا يعرف اليأس طريقاً الى قلبها الكبير المفعم بحب شعبها لم تستسلم للواقع الذي فرضته فرنسا وبريطانيا ، وبقيت تتوسل بعناد اللورد كورزون وتطلب منه المساعدة والعمل على تحقيق حُلمها في الحضور الى مؤتمر السلام في باريس لطرح قضية شعبها الآشوري في المؤتمر ، فكتبت بذلك في مذكرتها التي أرسلتها له بتاريخ 17 / شباط / 1920 أكدت فيها لللورد كورزون حقها في المطالبة بحقوق شعبها العادلة ، كما أبلغته أيضاً بصريح العبارة إن كان هناك إعتراف نافذ أعطته الحكومة البريطانية خلال سنوات الحرب الذي بموجبه يكون الآشوريين حلفاء فعليين لبريطانيا في الحرب ، وإن هذا يعني أن للآشوريين الحق أن يكون لهم صوت مسموع في مؤتمر السلام في باريس . وهنا تشير الى إعلان العقيد غريسي في إجتماع أورميا المنوه عنه سابقاً والذي تحدثتُ عنه باسهاب في مقالي ( خيانة بريطانيا للآشوريين ونكثها لوعودها لهم ) والذي نشرته في هذا الموقع الكريم قبل مدة قصيرة . وبالنظر لكون المذكرة طويلة لا يسعني المجال لنشرها بالكامل ضمن هذا الجزء من المقال ، إلا أنني سأكتفي باقتباس فقرات منها لأهميتها لأظهار وبيان مساعي هذه المرأة الآشورية الأسطورة " شميرام  القرن العشرين " إن صحت المقاربة بينهن .
تشير سورما في بداية مذكرتها الى اللورد كورزون تذكيره بلقائها به في تشرين الثاني / 1919 في لندن وبما جرى بينهما في ذلك اللقاء وتقول (( إن قضية الاشوريين والأرض التي سكنوا عليها قروناً عديدة ستطرح للمناقشة في مؤتمر السلام في باريس . لذلك أرجو سيادتكم أن لا تنسوا حاجة وعرائض شعبنا التي سبق أن أكدتُ فيها مطاليب شعبنا )) . ثم مضت تقول في سياق مذكرتها (( طلبنا الأساسي وبما أننا أمة نريد أن نبقى تحت حماية بريطانيا العظمى وأن نعيش على أرض كانت أصلاً وطننا منذ قديم الزمان وحالياً تتمتع بهكذا حماية . ولتسمح لي سيادتكم لأن أذكر بأنه سبق وإن أعترف بنا خلال سنوات الحرب كحلفاء لبريطانيا العظمى رغم إعتبارنا " الحليف الصغير )) ، ومضت تقول (( كم أتمنى أن تكونوا قادرين على التأكيد لنا أن عرائضنا ستسمع باهتمامكم خلال جلسات المؤتمر ، تأكيد كهذا سيكون كافياً لنا لأنه برهان على إننا أودعنا شؤوننا المهمة الى الحماية البريطانية ووضعناها بكل ثقة في أيدٍ أمينة )) . ومضت تقول للورد كورزون في مذكرتها أيضاً (( في حالة عدم التمكن من إعطاء هكذا تأكيد ، نرجو سيادتكم إعتباري ممثلة لشعبي الآشوري وأن تقدم هذه المذكرة الى المؤتمر لأعلانها رسمياً أمام المجتمعين في مؤتمر السلام في باريس لأنها مذكرة رسمية يقدمها الشعب الآشوري كله . في الختام تقبلوا إحتراماتي وتقديري يا صاحب السيادة .... التوقيع سورما )) .
سورما خانم في جنيف : 
بالنظر للتعارض الكبير في المصالح النفطية بين بريطانيا والدولة التركية الحديثة في ولاية الموصل جعلت عصبة الأمم في موقف محرج من ناحية تصادم مصالح الأطراف المعنية ، وكانت مشكلة ولاية الموصل بؤرة الخلافات في تلك الفترة . في نهاية عام 1924 وصل " ملّك قنبر " من عشيرة " جيلو " الى جنيف موفداً من قبل الجانب المنادي بأستقلال الآشوريين وقدم مطالبهم واضحة ومبوبة وتكررت هذه المطالبة في شباط من عام 1925 . ولكن رغم الألحاح الشديد على الموضوع لم تتحقق أية نتيجة إيجابية . وكانت قضية ولاية الموصل بؤرة المناقشات الحامية في إجتماعات عصبة الأمم . في 29 / ت 1 / 1924 قررمجلس الجمعية العامة لعصبة الأمم تثبيت خط الحدود بين العراق وتركيا وسمي هذا الخط بخط بروكسل . وكان رسم الحدود بين الدولتين بموجب خط بروكسل لا ينسجم مع تطلعات وطموحات الشعب الآشوري لأنه قسم موطنهم الى قسمين بينهما حدود دولية . وبناءً على هذه المستجدات التي حصلت على الحدود طلبت وزارة الخارجية البريطانية إستدعاء سورما خانم الى جنيف لتقدم تقرير عن وضعية الشعب الآشوري في العراق . بناءً على هذه الدعوة وصلت سورما غانم الى لندن في 26 / ت 1 / 1925 . لقد سعت سورما خانم وبدعم من رئيس أساقفة كنتربيري اللورد دفيدسن تشكيل لوبي مؤثر في الأوساط المعنية في جنيف . ثم غادرت سورما لندن والألم يعصر قلبها ووصلت سويسرة للمشاركة في المناقشات الجارية في مقر عصبة الأمم . في جلسات هذه المناقشات حددت سورما خانم موقعها فيها واستطاعت أن تبين وجهة نظرها بدقة ووضوح وتفصيل . جورج ريد وزوجته اللذين رافقا سورما من لندن الى جنيف وكان شاهدي عيان لتأثيرها البالغ على زعماء العالم الحاضرين في الجلسة وكتب في وصف المشهد قائلاً (( عندما كانت تلقي كلمتها تخيلتها ملكة أو معلمة حقيقية مهيبة )) شرحت سورما خانم تفاصيل تاريخ شعبها الآشوري والآلام والمظالم التي قاسها شرحاً مؤثراً . ثم دافعت عن حق شعبها في مقاومة أعمال الظلم الذي كانت تمارسه السلطات العثمانية على الشعب الآشوري قبل وأثناء الحرب والذي كان من المفروض بها أن تحمي مواطنيها دون تمييز ، وهنا ركزت باهتمام على المذابح والمجازر الرهيبة التي نفذت بحق الآشوريين بتحريض مباشر من السلطات الرسمية العثمانية وبقرارات رسمية . كذلك أكدت في كلمتها على حق الشعب الآشوري في العودة الى وطنه . وأخيراً أنهت سورما خانم مداخلتها بذكر التقارير الرسمية التي لم يسبق تقديمها الى مجلس عصبة الأمم ، حيث اعتمدت سورما تلك التقارير واتخذتها مستندات داعمة لأقوالها مطالبة مجلس عصبة الأمم بقبولها كوثائق جديدة لدراستها . ثم ختمت سورما خانم كلمتها بكل نبل ومهابة فقالت (( في هذه الساعة وبينما أنا أخاطبكم أريدكم أن تتذكروا ماضينا القريب المملوء بالمآسي ، إننا شعب له تاريخ عريق مجيد ، حاضره بؤس وشقاء ومستقبله حسبما تبدو البوادر سيتضمن مزيداً من الألم والعناء )) . كانت مداخلة سورما قد أخذت وقتاً طويلاً وقدمت من خلالها الى مجلس عصبة الأمم كل التفاصيل الضرورية لتنوير الأراء بشكل وافٍ عن القضية الآشورية ، وبعد إنتهائها من مداخلتها خيم صمت رهيب على الحاضرين . لكن يا ترى هل كانت كل هذه المستندات التي قدمت الى عصبة الأمم كافية لمنح الآشوريين الأستقلال الناجز ؟؟ هذا ما تمنته سورما خانم من كل قلبها غير أن الجواب كان لا وألف لا . وبعد أن إنتهت جلسات المناقشة عادت سورما الى لندن تاركة عيونها وآذانها في جنيف منتظرة بلهفة وقلق القرار الخاص بهذه المشكلة الدولية التي أشغلت العالم زمناً طويلاً . كانت سورما مقتنعة كل الأقتناع أن لا بد أن تنتهي تشبثاتها الحالية نهاية مشؤومة أن تشتت جماهير الآشوريين يعني موتها دون شك .. لذلك ركزت إهتمامها على محاولة تجميع جماهير الأمة الآشورية كلها على أراضي مشرقية على أن تكون قريبة من جبال هيكاري . وجعلت هذا الأهتمام خطاً أساسياً تسير عليه وموجهاً رئيسياً لنشاطاتها وجهودها . بهذا التوجه أقتنع أيضاً حلفاء الشعب الآشوري . دعمت الكنيسة الأنكليكانية إستراتيجية سورما أمام كبار مسؤولي الحكومة البريطانية وبقيت تعترف بها وصية على الشعب الآشوري وقضيته العادلة وبأهمية الدور الذي تلعبه في قيادة الأمة الآشورية في تلك المرحلة . هكذا خسرت سورما والشعب الآشوري المعركة من أجل الأستقلال الناجز وإقامة دولة آشور على أرض الأجداد أمام إرادة القوى الدولية العظمى بريطانيا وفرنسا لأن هذه المعركة كانت بين طرفين غير متكافئين ، هذه المعركة التي كانت بالنسبة للآشوريين معركة المصير والوجود معركة من أجل البقاء ، بينما كانت بالنسبة للقوى الكبرى أصحاب القرار النهائي في مجلس عصبة الأمم معركة من أجل المصالح الأقتصادية فأنتصرت إرادة المصالح على إرادة الألتزامات الأخلاقية للحلفاء الكبار وكان الحليف الصغير هو الضحية وكبش الفداء وتم وضع ملف القضية الاشورية فوق الرف في أرشيف عصبة المم بانتظار من يزيل الغبار المتراكم من فوقه .
أعزائي إن قراءة تاريخ أمتنا ودراسته وتحليله بحيادية بعيدين عن تأثيرات ولاءاتنا القبلية والعشائرية والمذهبية في غاية الأهمية لكي نستنبط منه العبر والدروس حتى لا تتكرر أخطائنا مرة أخرى في الحاضر والمستقبل .
خوشابا سولاقا
30 / تموز / 2013                 

193
سورما خانم دبيث مار شمعون ودورها في التاريخ الآشوري الحديث
( الجزء الأول )
المهندس : خوشابا سولاقا
إن المتطلع على التاريخ الآشوري الحديث ومنذ عام 1900 والى تاريخ وفاة هذه المرأة الأسطورة في 1975 سوف يعثر على البصمات الكبيرة لها التي طبعت بها هذا التاريخ وسوف يكتشف بان هذه المراة التي قيل عنها الكثير وقيل فيها الأكثر من قبل الأصدقاء والأعداء على حد سواء إنها لم تكن إمرأة عادية ككل نساء مجتمعها الآشوري وكذلك لم تكن ككل نساء منطقتها وزمانها في ربوع ووديان تلك الجبال بذكائها وثقافتها وقوة شخصيتها وفطنتا ومنطقها في التعامل مع الاخرين حقيقة كانت المرأة المناسبة في المكان المناسب في البيت المقدس الكبير البيت البطريركي لكنيسة المشرق المقدسة العريقة والعظيمة ، وكانت إمراة من طراز خاص لم يظهر قبلها ولا حتى بعدها الى اليوم في المجتمع الاشوري إمرأة أخرى مثلها بكل صفاتها ، كانت حقاً فلتة زمانها . كان لها دور مؤثر ومشهود يقره كل من عاصرها في رسم مسار تاريخ الشعب الآشوري خلال هذه الفترة الصعبة من حياته . إلا أن العقدة في فهم هذه الشخصية الفريدة في خصائلها وصفاتها هي في فهم العلاقة بين هذه الشخصية النسائية الفذة والفريدة في المجتمع الآشوري عندما تعاظم دورها وتوسع تدخلها في رسم توجهات السياسة الآشورية خلال الحرب وبعدها وبين قادة وزعماء القبائل والعشائر ووجهائها كانت في كون الهوة واسعة جداً بين المستوى الثقافي والوعي القومي وبعد النظر لسورما الذكية بالفطرة والمتعلمة والمطلعة على أمور كثيرة من خلال موقعها ومكانتها الاجتماعية بنت البيت البطريركي وبين قادة وملكاني ( جمع ملّك ) الذين كانوا أغلبهم شبه أميين لايقرأون ولا يكتبون ، حيث كانت سورما خانم نستطيع القول إنها إمرأة ظهرت في زمانٍ غير زمانها وفي مكانٍ غير مكانها ، هذا الأختلاف الكبير في المستوى الثقافي والوعي القومي التاريخي جعلها تغرد بأرائها وأفكارها في وادٍ وقادة وملكاني شعبها تغرد بأرائهم وأفكارهم في وادٍ آخر مختلف كلياٍ . كانت سورما تتصرف وتتعامل مع الحياة ووقائعها وفق منطق الانسان المثقف والمتعلم والواعي والمدرك لخبايا الأمور وتحولاتها من حال الى حال وبالأخص ما يتعلق منها بمصير ومستقبل شعبها الآشوري وهو في قلب الأعصار المدمر الذي إجتاح موطنها وكنيستها المشرقية مدعومة في ذلك بموقعها الاجتماعي الرفيع كونها سليلة العائلة البطريركية العريقة من بيت المارشمعون المقدسة عند شعبها ، وكون الاخرين زعماء قبائل شعبها من ملكاني ورؤساء العشائر يتعاملون معها وفق منطق العشيرة الذكوري لرجال العشائر الذين يؤمنون بمنطق الخنجر والسيف والبندقية ومفهوم الرجولة والذكورية . هذا ما جعلها في حالة التعارض والتقاطع معهم في أمور كثيرة في أغلب الأحيان مما جعلت البعض منهم ينظرون إليها بعين عدم الرضا والأرتياح وبشيء من الأستعلاء الذكوري والكراهية ويضمرون لها الحقد الدفين وسعوا الى تقويض دورها وعزلها وإتهامها بتهم شتى منها العمالة للانكيز من دون أن يدركوا ماذا كان بالأمكان العمل للتصدي للانكليز وبريطانيا العظمى هي الإمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس وشعبنا الصغير المعدم والمشرد عن موطنه وهو في خضم إعصار الحرب والذي لا قوة ولا حول له لمواجهة الأعداء المحيطين به من كل جانب . ماذا كان بوسع العقلاء أن يفعلوا غير التشبث بالتمسك برداء الانكليز الذي كان خيارهم الوحيد بعد إنسحاب الروس من الحرب ؟؟ . من المفروض بالذين يريدون تقييم دور هذه الشخصية عليهم أن يتعرفوا على الظروف المحيطة وإمكانيات الأعداء من العثمانيين والفرس والكورد ودور بريطانيا في رسم السياسة الدولية وأخيراً إمكانيات شعبنا المشرد العسكرية والتموينية الشحيحة قبل أن يطلقون أحكامهم غير الموزونة وغير المستندة على الوقائع التاريخية على الأرض . علينا أن لا نقيم نتائج تلك الأحداث بمعاييرنا اليوم بل أن نقيمها بمعايير ذلك الزمان والمكان لكي نكون منصفين في أحكامنا . كانت سورما وبسبب شخصيتها القوية وثقافتها الواسعة ووعيها للتاريخ ولكينونة الأمة الآشورية وكنيسة المشرق وذكائها الحاد قد نالت الكثير من الألقاب الرفيعة من الغرباء سنأتي الى ذكرها لاحقا ، وكان لها مكانتها الخاصة وقولها المسموع في كل مجالس شعبها الآشوري وكنيستها وعائلتها عائلة البطاركة منذ قرونٍ خلت . هذه الصفات النادرة والخصائل الشخصية الراقية التي كانت عليها سورما دبيث مارشمعون والنكسات الأليمة التي أصابت العائلة البطريركية والأحداث التي واجهت الشعب الآشوري بعد نشوب الحرب العالمية الأولى ، وما حصل من فراغ في السلطة الدينية والدنيوية بعد استشهاد أخيها البطريرك مار بنيامين شمعون عام 1918 ووفاة أخيها الآخر البطريرك مار بولس شمعون عام 1920 في بعقوبة قد قَوَتْ من عزيمتها وإصرارها على تحمل المسؤولية لقيادة شعبها في نيل حقوقه القومية التاريخية في أرض الأجداد هكذا وجدت سورما خانم نفسها أمام مهمات ومسؤوليات كبيرة تخص شعبها المشرد وكنيستها التي قطع رأسها وعائلتها المنكوبة في خضم الصراعات المتعددة الجوانب وعلى جبهات متعددة ، وهي على خلاف مع بعض قادة وملكاني ورؤساء العشائر وأكليروس الكنيسة بين مؤيد ومعارض لرسم البطريرك القادم من جهة ومع الأعداء الآخرين من الغرباء بكل تلاوينهم من جهة ثانية . كل هذه الأمور أعطت لسورما خانم دوراً ريادياً بارزاً في صناعة القرار الاشوري الديني والدنيوي وجعل منها فجأةً الشخص الأول في مقدمة الأحداث وفي صدارة المجتمع الآشوري من دون منازع الى أن بلغ إبن أخيها البطريرك الطفل مار إيشاي شمعون سن الرشد فحمل عنها المسؤولية وكانت سورما عملياً الشخص القيَّم عليه .

سورما خانم دبيث مارشمعون وحياة الرهبنة
ولدت سورما في قرية قودجانس في اليوم السابع والعشرين من شهر كانون الثاني من عام / 1883 ، وكانت البنت البكر للمرحومين شماشا إيشايا وزوجته أسيت ، وكان لهما إضافة الى سورما سبعة  أولاد ستة منهم ذكور وهم البطريرك مار بنيامين الشهيد وهو الوليد الثاني للعائلة بعد سورما . بعده تأتي اختها رومي وبعد رومي هناك خمسة ذكور هم على التوالي البطريرك مارشمعون بولس ، داوود والد البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون ، الشهيد هرمز ، وزيا وأخيراً إيشايا . عايشت سورما مشاكل عويصة تتعلق بشعبها وعائلتها . فمنذ نعومة أظفارها ونظراً لأنتسابها الى العائلة البطريركية ومعايشتها للعديد من البطاركة من أبناء العائلة واجهت مشاكل معقدة منها كانت مشكلة الخلافة البطريركية على الكرسي البطريركي وراثياً ، حيث أدت هذه الخلافات في بعض الأحيان الى خلافات كبيرة بين أفراد العائلة نفسها أحياناً ، وبين العائلة البطريركية من جهة وبين الجماهير من أتباع الكنيسة من جهة ثانية أحياناً أخرى ، وكما حصل في توريث مار شمعون روئيل لناطر كرسييه حيث حصل خلاف في العائلة بين إختيار مار بنيامين وبين إبن نمرود شليطا والذي إنتهى باختيار مار بنيامين ، وكما حصل من خلافات بين الجماهير من أتباع الكنيسة وبين العائلة البطريركية في توريث مار شمعون بولس لناطر كرسييه في بعقوبة بين الطفل إيشاي والمطران مار طيماثيوس . نظام الوراثة كان يقتضي عندما تكون أم بطريرك المستقبل حامل يتم توريث الجنين من قبل البطريرك القائم وفق مراسيم معينة ، عندها تعيش الحامل حياة قداسة ورهبنة وتنقطع عن أكل اللحوم بكل أنواعها وتناول المشروبات الكحولية والخمور طيلة فترة حملها ويكون طعامها يعتمد على تناول الفواكه والخضراوات الى أن يولد المولود ، فاذا كان الوليد ذكراً ينطبق عليه نفس النظام الغذائي طيلة سنوات عمره وتكون حياته حياة الأكليروس . وفي حالة كون المولود أنثى فالتقليد المتبع يلزمها أن تعيش حياة الرهبنة مطبقة نفس الشروط التي يعيشها الذكر ، أي عدم تناول اللحوم والمشروبات الكحولية والخمور . وهذا ما طبقته سورما في حياتها وقررت بإرادتها الحرة في عام 1897 وبصورة نهائية أن تعيش حياة العزوبية وتكرس ذاتها لحياة شبه رهبانية لخدمة الدين طيلة حياتها الى يوم إنتقالها الى الحياة الأبدية في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية في اليوم السابع من شهر تشرين الثاني من عام / 1975 .
سورمة خانم إمرأة سياسية 
بعد أن حطت سورمة الرحال على أرض لندن عاصمة الضباب في 11 / تشرين الأول / 1919 بعد رحلة بحرية شاقة وتجوالها فيها اكتشفت إنها مدينة صناعية كبيرة فيها ترسم السياسات الدولية ، ومنها تصدر الأوامر الى ما وراء البحار والمحيطات ، وهي في ذات الوقت مركزاً للثقافة والعلم والأقتصاد ، وبعد التفكير ملياً والتمعن في كل ما يقع تحت أنظارها في لندن استنتجت سورمة ما يلي :-
•   إن بريطانيا تكافح من أجل حماية شبه القارة الهندية والطرق المؤدية إليها لغرض حماية مصالحها الحيوية فيها .
•   انتبهت أيضاً في ملاحظاتها الذكية الخاصة الى موضوع أهمية حقول النفط  المكتشفة في بلدان الشرق الأوسط ، لأن الثروة النفطية الوفيرة في تلك البلدان كانت دليلاً واضحاً ومؤشراً مهماً للتطور السريع لتلك البلدان وشعوبها مستقبلاً ، وكانت تعني في نفس الوقت لبريطانيا مورداً اقتصادياً وفيراً وشبه دائم وتبشر بأفاق تقدم هائل . 
فهمت سورما خانم بحدة بصرها وبصيرتها الحاجة البريطانية الملحة للنفط كأهم مصدر للطاقة . بعد تمحيص كل هذه الحقائق بعناية عن جوهر السياسة البريطانية إتضحت الرؤية أمام سورما وتسألت هل أن قضية شعبها الآشوري التي جائت لتدافع عنها تحتل موقعاً مهماً في خضم المصالح المتصارعة في جسم هذا الكيان السياسي البريطاني العملاق والذي لا يتنازل عن مصالحه قيد شعرة ؟؟ إنه كان تساؤلاً ذكياً . بقي هذا السؤال حياً في ذهن سورمة ومخيلتها وملازماً لتفكيرها ، وبموجبه كانت تزن تطورات الأحداث السياسية بكل ما يعني شعبها الآشوري وتتخذ القرار المناسب . وكانت هذه التصورات لسورما عن السياسة البريطانية فهماً دقيقاً وعميقاً لقواعد السياسة البريطانية في تعاملها مع الآخر .
عندما كانت سورما في طريقها الى موعد المقابلة مع اللورد كورزون نائب ملك بريطانيا السابق في شبه القارة الهندية المتعاطف مع القضية الآشورية وبرفقة اللوردان الحبران الأنكليكانيان وأثناء تجوالها في أروقة قصر ويستمنستر مبنى مجلسي اللوردات والعموم والأحتفالات الخاصة بالملكية البريطانية وعندما كان المرافقان يشرحان لسورما خانم تاريخ هذا المبنى العملاق وعن قاعاته وأروقته الجميلة وعن أهميته في تاريخ بريطانيا العظمى باغتتهم سورما وقاطعتهم بعد أن أذنا لها بالتحدث ، فانطلقت سورما في حديثها وأسهبت في شرح ما كانت عليه مدينة بابل عاصمة العالم التاريخية الشهيرة التي كانت قبلة الدول والشعوب في زمانها وتحدثت بأدق التفاصيل عن هياكلها العظيمة التي تجاوز عددها الألف هيكل ، وتحدثت عن أبوابها الجميلة كباب عشتار وزخارفها المزركشة والملونة وعن شارع الموكب الذي كان يتوسطها ويمر بباب عشتار . ثم إنطلقت بالحديث عن مدينة نينوى العظيمة عاصمة الآشوريين التي كان لها السطوة على الكثير من البلدان والتي كانت أبوابها وأبواب قصورها الملكية تحرسها ثيران مجنحة بوجوه بشرية ، تحدثت عن المدينتين كيف كانتا في غابر الأزمان وبأية هيبة وجلال العظمة وأين صارت اليوم بعد ( 26 ) قرناً ، حيث لم يبقى منها إلا بعض الأثار والأطلال الحزينة وتحولت الى تلال من الأتربة . وأين صاروا أحفاد بابل ونينوى اليوم يستجدون العطف والمساندة من الغرباء لأستعادة أرض الأجداد . وقالت أيضاً قولاً حكيماً وبليغاً في مضمونه إن الأمجاد تعمي العيون لكن لا زال لدينا الأمل بالدول ذات القوى العظمى متمنين أن تكون رؤيتها للأمور واضحة وأن لا تنسى حليفها الصغير الذي تخيلوا كان قديماً شعب لا يقهر ولا يقبل بالذل والهوان . الحبران الجليلان المرافقان لسورما فهما الرسالة بوضوح وأعلنا اتفاقهما مع رايها من دون تعليق لأنهما فهما عمق الحكمة المبطنة في حديثها والى ماذا كانت تشير . وعندما وصلوا الى الرواق الرئيسي المؤدي الى الغرف والقاعات والمكان الذي فيه يجتمع البرلمانيون للمناقشة كان اللورد كورزون بانتظار استقبال سورما خانم برفقة اللوردان الحبران الانكليكانيان ، وعندما وصلت سورما وأصبحت وجه لوجه مع اللورد كورزون لم يستطع اللورد الوقور من إخفاء إندهاشه عندما رأى سورما خانم بهيبتها المتألقة والوقورة ، سيدة بملامح مشرقية جذابة ممشوقة القامة ، مدت يدها له لمصافحته وتقدم له الاحترام الواجب والتقدير البالغ اللذين طلب أخيها مارشمعون بولس بطريرك كنيسة المشرق نقلها إليه . بعد المصافحة فهم اللورد كورزون أن تعامله سيكون مع شخصية مهمة ذي كارزمة مؤثرة تمثل بحق الشعب الآشوري . ومن ثم جلس الأثنان متقابلان وتباحثا لوحدهما بين جدران الغرفة لا أحد يسمعهما . عقب المحادثات دعى اللورد كورزون سورما الى شرب الشاي وجلسا على شرفة مطلة على نهر الثيمز والتي هي مخصصة لجلوس البرلمانيون فقط ، كل هذا التقدير والأهتمام وفق هذه البروتوكولات يدل على مدى أهمية سورما ودورها في إيجاد حل للقضية الآشورية التي كانت مفاتيحها الرئيسية بيد بريطانيا وكانت سورما تدرك وتفهم ذلك جيداً ، لذلك سعت معهم وبكل جهدها وقدرتها الى آخر نفس لأنتزاع إعتراف بريطانيا بالقضية الآشورية وحق الشعب الآشوري في تقرير مصيره . في هذه الجلسة إلتحق بهما اللوردان الحبران المرافقان لسورما خانم . أثناء الجلسة بدأ اللورد كورزون بالكلام فقال (( إني قررتُ طرح القضية الآشورية أمام مجلس اللوردات للمناقشة في كانون الأول القادم ، وبما أني أحد أعضاء الحكومة البريطانية لذا سأكون إيجابي أثناء المناقشة ومع صالح القضية . والليدي سورما أوضحت الكثير من النقاط المهمة حول القضية الآشورية )) . فقال اللورد كورزون أيضاً (( ساحتفظ بكل الملاحظات التي سجلتها في هذا اللقاء لأهميتها ، لكن هناك نقطة مهمة يجب عدم إغفالها تلك هي نشاطكما أنتما اللوردان العزيزان – يقصد الحبرين المرافقين لسورما خانم - ، عليكما شحن الموضوع وإحيائه وذلك بالتأكيد على وجود المشكلة من الأعوام التي سبقت الحرب العالمية الأولى . عليكما الأستناد وخاصة على حضور الكنيسة الانكليكانية وخبرتها مع الشعب الآشوري في ربوع جبال هيكاري ، هذه النقاط مهمة جداً تساعد في توضيح الرؤية وتقييم أهمية القضية الآشورية للرأي العام البريطاني )) .
بعد هذا اللقاء والمقابلة المهمة مع اللورد كورزون خرجت سورما خانم من قصر ويستمنستر وقلبها طافح بالآمال الكبيرة . لقد أعطت هذه المقابلة إنطباعاً إيجابياً لسورما خانم ، اليوم يستطيع الطرفان البريطاني والآشوري أن يعلنا عن وجود أرضية لأقتراب مصالحهما . استمع اللورد كورزون الى حديث سورما باهتمام بالغ ومتابعة دقيقة وهي تشرح له أبعاد القضية الآشورية وحق شعبها في تقرير مصيره في أرض أجداده . نظرته الأستراتيجية لم تستثني إمكانية إقامة " آشـور " ذات حكم ذاتي تحت مظلة إنتداب بريطاني ، لكنه في نفس الوقت لم يخف الحقيقة الفعلية التي تظهر مستقبلاً حيث أن بريطانيا ليست القوة الوحيدة التي تلعب في الميدان وتقوم بإعادة رسم خارطة بلدان الشرق الأوسط على مستوى الحلفاء في الحرب ، بالأضافة الى وجود أراء مخالفة لرأيه الشخصي داخل مؤسسات الدولة البريطانية نفسها والتي قد لا ترضي بوجهة نظره أي إمكانية إقامة " آشـور " ذات الحكم الذاتي في موطنهم الأصلي في هيكاري وشمال العراق وأورميا .
في يوم 17 / ك2 / 1919 اجتمع مجلس اللوردات البريطاني لغرض مناقشة قضية الآشوريين والأعتراف بهم كجهة سياسية . بعد هذا الاجتماع حققت سورما خانم أول أهدافها من وراء زيارتها للندن ذلك هو المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الآشوري وطرح الموضوع رسمياً وعلنياً . كان الصراع السياسي بخصوص هذه القضية في مجلس اللوردات على أشده . اللورد كورزون قدم مشروعاً ينص على إنشاء " حبيسة آشورية " أي أرض محصورة تقع شمالي ولاية الموصل حينذاك وليس بحدودها الحالية . واعتمد اللورد كورزون في ذلك على دعم الكنيسة الانكليكانية له وعلى المفوض العام للشؤون المدنية في بلاد ما بين النهرين السير تولبوت ولسن الذي كان من المؤيدين لمشروع إنشاء " حبيسة آشورية " في منطقة تقع في نواحي العمادية لكي تكون مجاورة لمنطقة هيكاري موطنهم الأصلي قبل الحرب العالمية الأولى وكان المارشمعون قد أيد الفكرة ومقترح مشروع الحبيسة الآشورية . وقال اللورد كورزون في خطابه أمام مجلس اللوردات (( إن سياستنا واضحة جداً وتعتمد على الاسس التي تقر عودة آشوري بلاد فارس الى مناطقهم الأصلية حالما تسمح الظروف بذلك . أما موضوع الآشوريين الذين كانوا يسكنون المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني سابقاً والذين رغبتهم تتركز على طلب العودة الى تلك المناطق ، فهناك إمكانية لأسكانهم في " حبيسة آشورية " مجاورة لتلك المناطق على أن يكون ذلك تحت حمايتنا ورعايتنا ورقابتنا بهذا سيمكنهم الأستفادة من حمايتنا وبسهولة أكبر . علينا المحاولة للبحث عن حلول بديلة باستطاعتها ضمان سلامة هذا الشعب وأمنه وتوفير حياة مشرفة له تليق به  )) . بعد ذلك إنتهز اللورد فرصة إلقاء خطابه هذا أمام مجلس اللوردات ليكيل المديح لسورما خانم فقال (( عملياً من الصعب لا بل من المستحيل أن نتصور أن هناك شخص يستحق الملاحظة والأهتمام أو شخص أكفأ من الليدي سورما . هي الوحيدة التي باستطاعتها التحدث عن الشعب الآشوري الذي تنتمي إليه بشكل وافِ وبحُجة )) .
بعد هذا اللقاء والخطاب الذي ألقاه اللورد كورزون عرضت سورما قضية شعبها الآشوري علنياً ورسمياً ، وقد كان ذلك موضع إهتمام واسع لوسائل الأعلام والصحافة البريطانية والأوربية والعالمية - أي تم تدويل القضية الآشورية من قبل سورما إعلامياً – وطلب الكثير إجراء مقابلات مع سورما خانم من المؤسسات والمنظمات الخيرية والشخصيات الشهيرة المعروفة في بريطانيا والتي تريد الأستماع إليها ومعرفة الشيء الكثير عن قضية شعبها الآشوري . كان جمال سورما الآخاذ وجاذبيتها المشرقية وقوة شخصيتها المؤثرة ومحبتها غير المحدودة لأبناء شعبها وذكائها الحاد وقوة ملاحظتها الخارقة للأمور وإخلاصها لمبادئها كلها كانت عوامل مؤثرة في الشعب البريطاني وجعل لها شخصية كارزمية مؤثرة . في الحقيقة كانت سورما خير سفير وفي ومخلص لشعبها الآشوري . لقد طرحت بوضوح تام وجلاء طموحات ومطالب شعبها العادلة بأمانة وإخلاص أمام الحكومة البريطانية وأمام الرأي العام البريطاني والأوربي والعالمي حينذاك ، طرحت كل أرائها بتحديد وتوكيد وجرأة . في هذه الزيارة التاريخية لها لبريطانية . منحت سورما خانم لقب " الليدي " بناءً على طلب الملكة " ميري " زوجة الملك جورج الخامس ملك المملكة المتحدة . وختاماً لهذه الزيارة التاريخية نقول إن إقامة الليدي سورما في لندن كانت فترة مضيئة في تاريخ الشعب الآشوري وكنيسة المشرق لمن يفهم قواعد علم السياسة وكيفية التعاطي معها وليس لمن يجهل أبسط قواعدها ، لأنها أعادت ذكرى ماضي هذا الأمة العريقة وهذه الكنيسة العظيمة وأظهرت تألق نجم حمل معه أمالاً عريضة فسطع نوره في سماء الشعب الآشوري المعتمة .   

خوشـابا سـولاقا
26 / 7 / 2013       
 


194
نظام التوريث للكرسي البطريركي في كنيسة المشرق
المهندس : خوشابا سولاقا
من خلال هذا المقال أحاول أن أنقل الى القراء الكرام جوانب كانت غامضة ومشوشة نوعاً ما للكثيرين منهم بغرض التوضيح وخدمة الحقيقة بتقريبها أكثر الى الأذهان . حيث مر الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الرسولية المقدسة بسلسلة من التنقلات عبر تاريخها الطويل منذ تأسيسه في سلوقيا – قطيسفون في قلب بلاد ما بين النهرين عام (410 م ) الى قوجانس في جبال هيكاري الحصينة عام ( 1662 م ) الى يوم العودة الى الموصل في ثلاثينيات القرن العشرين الماضي ، ثم انتقاله الى كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية لغاية استشهاد آخر بطريرك من العائلة المارشمعونية الكريمة مار إيشاي شمعون في 6 / تشرين الثاني / 1975 م .
لغرض تعريف أجيالنا الحالية بتاريخ هذه الكنيسة العظيمة وتضحياتها الجسيمة والمؤامرات الكثيرة التي دبرت لأحتوائها والقضاء عليها وعلى تراثها التاريخي الكبير عبر قرون طويلة من تاريخها لا بد لنا من إلقاء الضوء على مراحل نشأتها وتطورها وما آلة إليه اليوم لعلا ذلك يساعد الكثير من أبناء أمتنا في التخفيف مما ورثوه من المغالطات والتشويهات والتلفيقات بخصوص تاريخها وسيرتها والتي ادت الى توسيع هوة الفرقة والخلافات وتراكم الأحقاد والكراهية بينها وبين الكنائس الشقيقة لأبناء أمتنا والأهتداء بالتالي الى الطريق القويم والسليم في التعامل مع أحداث التاريخ لمراحل تطور كنيسة المشرق الأم ونشوء كنائسنا الحالية وكونها جميعاً أبناء شرعيين لكنيسة الأم الواحدة وهي كنيسة المشرق الرسولية القاثوليقية  التي حملت على أجنحة اللغة السريانية العريقة ( سورث ) رسالة السيد المسيح له المجد الى عالم الشرق الى أن وصلت الى تخوم الهند والصين وأندنوسيا . إنه تاريخ ثر بالمأثر والتضحيات لا بد للآجيال القادمة لأمتنا من قرائته قراءة صحيحة ومتأنية وأن يستوعبوه كما كان وكما هو الآن لتستطيع من الرسو على المسار الصحيح لخارطة طريق للعبور الى المستقبل المشرق بأمان وسلام وليس إلا . هذا هو هدفي المرسوم من نشر واستعراض هذا الموضوع المهم والحساس وربما المجهول للكثير . أملي ان احقق على الأقل جزء من الغاية المرجوة إن لم تكن كلها .
منذ أن استقر المسيحيين الآشوريين من أتباع كنيسة المشرق في جبال هيكاري العاصية في القرن السابع عشر كان البطريرك هو الرئيس الأعلى الديني والدنيوي ( المدني ) للآشوريين المسيحيين وكان يقيم مع أفراد عائلته في قرية صغيرة تسمى " قوجانس " المطلة على نهر الزاب الكبير الأعلى وكان في حينها لا يتجاوز عدد نفوسها عن (800 ) نسمة كما تذكر بعض المصادر التاريخية . كان البطريرك هو الرئيس الأعلى لكنيسة المشرق الرسولية الجاثاليقية وتتمتع هذه الكنيسة باستقلالية تامة عن كنيسة روما الكاثوليكية المقدسة ، ويمثل البطريرك القائم الحلقة الأخيرة في سلسلة البطاركة الطويلة والتي بدايتها كانت بمار توما الرسول ، وتتمتع هذه الكنيسة بتاريخ حافل يمتد عبر عشرين قرناً ويحتوي على صفحات مشرقة وأخرى مظلمة ولفترات متباينة لا بد لنا من معرفته كما كان دون إخفاء أي جانب من جوانبه لأية إعتبارات كانت إن كانت غايتنا معرفة حقيقة التاريخ ودراسته بحيادية لغرض الأستفادة منه للعبور الى المستقبل المشرق .
 في البداية جاء مار توما الرسول برفقة بعض التلاميذ من الأثنين والسبعين تلميذاً للسيد المسيح له المجد وهم ( أدي ، آجاي ، وماري ) حاملين البشارة الى بلاد مابين النهرين وبلاد فارس فوضعوا الأسس الرصينة لبناء جماعة مسيحية منذ القرون الأولى لظهور المسيحية . حسب التقليد الكنسي المتبع آنذاك بقى مار توما الرسول يكرز بالبشارة في ربوع بلاد مابين النهرين ( بيث نهرين ) لحوالي الستة سنوات ثم غادرها الى بلاد الهند عبر بلاد فارس . من بعده حمل راية التبشير بالأنجيل مار أدي الذي أسس له كرسياً ثابتاً جعل مقره في سلوقيا – قطيسفون التي تقع جنوب شرقي بغداد الحالية والتي تسمى حالياً سلمان باك . ومقر هذا الكرسي الذي يعتبر أول مركز رئاسي لكنيسة المشرق في بلاد مابين النهرين " بيث نهرين " والذي أصبح فيما بعد المقر الرئيسي والرسمي لأقامة البطاركة الذين جلسوا على هذا الكرسي . في هذا المقر كانت توجد أيضاً الكنيسة الكبرى والأولى في تاريخ المسيحية في الشرق المعروفة بكنيسة " كوخي " التي شيدها مار ماري في أواسط القرن الاول للميلاد وتهدمت إبان الأضطهاد الأربعيني الذي شنه سابور الثاني (339 – 379 ) م على المسيحيين ، ومن ثم تم تجديدها قبل رسامة الجاثاليق " تومرصا " سنة ( 363 ) م ثم خربت مرة اخرى بسبب الأضطهاد ثم جددها الجاثاليق " مار يهبالاها " الأول ( 415 – 520 ) م . وقد عقد في كنيسة كوخي عدة مجامع كنسية ودفن فيها ما لا يقل عن (24 ) جاثاليق أو بطريركاً من مسؤولي كنيسة المشرق حتى بعد إنتقال سكناهم الى بغداد ، وكما في حال الجثاليق " حنا إيشوع " الثاني ( 773 – 781 ) م والجاثاليق " طيماثاوس الكبير "  ( 780 / 789 – 823 ) م .
البطاركة الذين توالوا في الأقامة في هذا المقر كانوا يكنون البطريرك بـ " البطريرك الملك سعيداً " الجالس على كرسي مار أدي الرسول . خليفة مار أدي الرسول كان مار آجاي الذي قام برسم مطارنة لبلاد آشور . رفيق مار آجاي المعروف بمار ماري تجول في ربوع بلاد ما بين النهرين وهو يكرز ببشارة الأنجيل . وعليه يعتبر مار ماري المؤسس الحقيقي والفعلي لكنيسة المشرق العظيمة . ومنذ ذلك التاريخ بدأت الجماعات المسيحية الأولى بتنظيم شؤونها بالتدريج فكان هناك مجامع عامة لكنيسة المشرق تعقد اجتماعاتها في " سلوقيا – قطيسفون " الواقعة في قلب بلاد ما بين النهرين التي كانت ترزح تحت الحكم الفارسي . وتحديداً في عام ( 410 م ) بالذات دعى المطران اسحق مطران سلوقيا – قطيسفون لأجتماع كنسي عام كان هدفه تشكيل مقاطعة كنسية ، وفي عام ( 424 م ) تم رفع هذه المقاطعة الكنسية الى صف رئاسة أسقفية وأعطى للجالس على كرسيها لقب " القاثوليقا " أو " الكاثوليكس " أو " الجاثاليق " . حامل هذا اللقب كان غير قابل للعزل . هكذا أصبح لكنيسة المشرق كياناً قائماً بذاته منقصلاً عن كرسي إنطاكية الواقعة تحت النفوذ البيزنطي وروما والذي كان في البداية مرتبطاً به . في عام ( 431 م ) رفضت كنيسة المشرق قرارات مجمع أفسس ، وبذلك أصبحت كنيسة المشرق أول كنيسة شرقية تنفصل عن كنيسة بيزنطة وتستقل استقلالاً تاماً عن كنيسة روما الكاثوليكية برآسة البابا . وعلى أثر هذا الأستقلال والأنفصال أطلق تهكماً وتشهيراً واستهزاءً على كنيسة المشرق " بالكنيسة النسطورية " لكونها قد ناصرت لاهوت مار نسطوريوس أحد كرادلة كنيسة روما وبطريرك كنيسة القسطنطينية البيزنطية ذلك اللاهوت الذي يدعو الى تسمية البتول مريم بأم المسيح وليس بأم الله كما هو معتمد في كنيسة روما ، والذي على أثره تم تحريم مار نسطوريوس ولاهوته وطرده من كنيسة روما وإعتباره هرطيقياً والى أن مات في صحراء ليبيا غريباً مجهولاً . إبان العهد الفارسي الساساني ( 224 – 651 ) م ورغم الأضطهادات الوحشية ضد أبناء كنيسة المشرق إلا أن الكنيسة استطاعت من تطوير إدارتها فوسعت إنتشارها بإتجاه الشرق . خلال الفترة المحصورة بين العامين ( 410 –823 ) م عقدت كنيسة المشرق كما قلنا (24) مجمعاً كنسياً عاماً خاص بها أي ما يسمى بـ " سنهودس " . بين القرنين السابع والثالث عشر توسعت كنيسة المشرق وانتشرت شرقاً فتخطت حدود بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس فوصلت أواسط أسيا وبلاد الهند وأخيراً وصلت الصين وأندنوسيا ، وكانت خلال هذه الفترات يتم إنتخاب البطريرك الجاثاليق بطريقة ديمقراطية وفق معايير الكفاءة والاخلاص والإيمان في المجامع كلما تطلب الأمر ذلك ، وكان من تقاليد الرسامات أن يحج البطريرك أي الجاثاليق المنتخب الى كنيسة " كوخي " لزيارة قبر " مار ماري " بصحبة كبار حاشيته وبعض عظماء الدولة ووجهاء الشعب ثم يقصدون دير مار جبرائيل المعروف بدير الكرسي وبعدها يعودون الى بغداد كما جرى في عهد الجاثاليق مار إيليا الثاني من الموصل إذ تممت رسامته في سلوقيا – قطيسفون يم الأحد الثالث بعد القيامة في 16 / نيسان / 1111 م في زمن الخليفة العباسي المستهظر وكان الراسم المطران " سبريشوع " مطران نصيبين . وعندما احتل المغول بلاد مابين النهرين بقيادة تيمورلنك خان في عام ( 1388 م ) ، عندئذ أخذ نجم كنيسة المشرق بالأفول ، فذهبت أيام العز والأزدهار وعصرها الذهبي الى غير رجعة وحل محلها زمان القحط والتراجع والتأخر والتخلف بسبب الأعتداءات الغاشمة وحملات الأبادة التي شنت على المسيحيين . حينذاك وبسب هذه الظروف الصعبة تغير نظام إعتلاء الكرسي البطريركي في كنيسة المشرق فأصبح وراثياً بعدما كان نظاماً يعتمد الأنتخاب المباشر أسلوباً وعلى أن يتم بمشاركة أبناء الكنيسة قاطبة في المجامع التي كانت تعقد لهذا الغرض كما ذكنا ، وذلك لأن إنعقاد مثل تلك المجامع أصبح في ذلك الوقت العصيب مستحيلاً في ظل حكم المغول القاسي الذي أطلق العنان للسيف لقطع رقاب المسيحيين . هكذا اصبح هذا التقليد تقليد إعتلاء الكرسي البطريركي في كنيسة المشرق بسبب تلك الظروف القاسية وراثياً ينحصر في عائلة معينة وهي عائلة البطريرك القائم حيث يورث كرسييه من بعده لمن يشاء من أبناء العائلة . وكقرار رسمي بموجب قانون تبناه البطريرك " شمعون الرابع " المعروف بـ ( باصيدا ) ( 1437 – 1477 ) م . بعد ذلك أصبح تطبيق هذا القانون قانون التوريث للكرسي البطريركي تقليداً كنسياً يجب العمل به ، وعل أثر هذا التقليد دخلت إدارة كنيسة المشرق في متاهات وغدت مهددة بأخطار قاتلة كلما شغر الكرسي البطريركي . ونحن هنا لا نستطيع أن نجزم بشرعية وقانونية وصواب هذا القرار وليس بالأمان أن نجزم العكس من ذلك أيضاً ، لأن الظروف القائمة آنذاك كانت قد أملت على إدارة الكنيسة هذا الخيار الذي جعلها أمام الأختيار المصيري الصعب بين إختيار إنهيار نظام الكنيسة وربما زوالها بسبب الظروف المحيطة والاخطار المحدقة بها وبين اختيار نظام التوريث لأنقاذ ما يمكن إنقاذه والمحافظة على كيان ونظام الكنيسة فكان لهم الخيار الثاني .  وهنا ليس الخطأ في اختيار نظام التوريث لأعتلاء الكرسي البطريركي لأسباب موضوعية قاهرة أملت على إدارة الكنيسة هذا الأختيار كما بيناها ، ولكن الخطأ القاتل كان لماذا الأستمرار بنظام التوريث لمدة أكثر من ستة قرون ؟؟ . هنا هو السؤال هل أيضاً كان هناك ما يبرر من الأسباب للآستمرار بنظام التوريث لغاية قيام الشهيد مار إيشاي شمعون بتقديم استقالته والتخلي عن نظام التوريث في سبعينيات القرن الماضي ُثم تم إغتياله على يد المجرم اللعين داوود إبن ملك ياقو يوم 6 / تشرين الثاني / 1975 في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميريكية . وحسب إعتقادي تم إغتياله بسبب ثورته الأصلاحية في نظام كنيسة المشرق التي أطلقها في عام 1962 للتحول من اعتماد التقويم اليولياني الى اعتماد التقويم الغريغوري في كنيسة المشرق كأغلب  كنائس أمتنا والعالم ، وكذلك شملت تغيير بعض طقوس وتقاليد الكنيسة البالية والتي لا تمت الى عقيدتها وإيمانها بصلة ، وكذلك دعوته الى إسقاط كل ما من شأنه يسيء على كنائس الآخرين من طقوس وممارسات ، كما دعى إلى زواج رجال الأكليروس بكل درجاتهم الدينية لردع ممارسة الخطيئة في السر والأساءة على سمعة الكنيسة كما حصل ويحصل اليوم !! . وكان ذلك مبادرة إيجابية تستحق الثناء والتقدير من أجل التقارب مع الكنائس الشقيقة وتخفيف من حدة التوتر والضغينة المذهبية بينها ، إلا أن البعض من أولاد واحفاد خصومه ومعارضيه في عام 1933 وما قبلها رفضوا هذه التغيرات ووقفوا بالضد منها وأسفر ذلك الى انشقاق كنيسة المشرق من جديد عام 1964 . كان في السابق بعض أبناء كنيسة المشرق قد رفضوا نظام التوريث في تسمية البطريرك القادم وقاوموه لأنهم اعتبروه نقطة ضعف في أختيار بطاركة أقوياء مقتدرين لقيادة مسيرة الكنيسة ، وكان من بين هؤلاء راهب يدعى " يوحنا سولاقا " من دير ربان هرمزد الواقعة قرب قرية القوش . عندئذ أصبح الموضوع مبعث لنزاع بين الطرفين وغدت كنيسة المشرق هدفاً لأهتمامات كنيسة روما التي دخلت ميدان الصراع بقوة ، الأساقفة المنشقون ( الرافضون لنظام التوريث للجلوس على الكرسي البطريركي الخاص بكنيسة المشرق ) انتخبوا الراهب " يوحنا سولاقا " بطريركاً لهم وقرروا إرساله الى روما ليقوم بما يلزم للأتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية . كنتيجة لهذا الأجراء حصل إنشقاق في كنيسة المشرق . في عام ( 1553 م ) أعلن البابا جوليانوس الثالث " يوحنا سولاقا " بطريركاً للكلدان ، وبذلك أصبحت وحدة كنيسة المشرق مبتورة بولادة كنيسة جديدة عاشت بموازاتها وهي الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية . واتخذ بطريرك الكنيسة الجديدة لقب " بطريرك بابل على الكلدان " وقد أطلق البابا جوليانوس الثالث هذه التسميات على أتباع كنيسة المشرق الذين تحولوا من عقيدة كنيسة المشرق الى الكثلكة لغرض تمييزهم عن من بقى على إيمانه بطقوس وتقاليد كنيسة المشرق الأصلية .
عندما إعتلى مار شمعون الثالث عشر دنخا 0( 1662 – 1700 ) الكرسي البطريركي الخاص بكنيسة المشرق الأم والذي كان من سلسلة البطاركة الوراثية قرر الأستقرار بالكرسي البطريركي في ربوع جبال هيكاري العاصية في قرية قوجانس متوقعاً التخلص من المرسلين الكاثوليك الذين كانوا السبب في نشر الخلافات والأنشقاقات في صفوف كنيسة المشرق ليتمكن من المحافظة على التقاليد والثقافة التي كان يتوارثها أبناء شعبه . خلال هذه الفترة بقيت أطماع روما تجاه كنيسة المشرق التي اصرت بعناد ثابت على رفض الأتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية في تنام مستمر . لذا وفد الى المنطقة العديد من الرهبان المبشرين المنتمين الى الرهبنة الكرملية أو الكبوشيين أو الدومنيكان . الكثيرين من هؤلاء الرهبان المرسلين كتبوا في مذكراتهم عن إصرار كنيسة المشرق على البقاء خارج نطاق الأتحاد مع الكنيسة الكاثوليكية والمحافظة على معتقدها الذي سارت عليه قرون عديدة . كان هدف المرسلين جميعاً هو تعليم الأيمان الوحيد والحقيقي وهو الأيمان الكاثوليكي وإعادة الخراف الضالة -المقصود هنا أتباع كنيسة المشرق غير الكاثوليك – الى حضيرة القطيع عبر الطريق السوي بعد التخلي عن التقاليد الخاطئة الموروثة والعودة الى التعاليم الصحيحة التي مصدرها مباشرة الكرازة التي نادى بها مار توما الرسول وحسب إدعائهم . بهذه العقلية الأستعلائية الساذجة الحمقاء وهذه العنجحية الخرقاء كانوا هؤلاء المرسلين يتعاملون ويتعاطون مع المؤمنين بالمسيحية في كنيسة المشرق ، يصيفونهم بالخراف والقطعان الضالة .... الخ من هذه الأوصاف المهينة وتسميات الأحتقار التي تحط من قدر وقيم الأنسان .
عاشت كنيسة المشرق منعزلة في جبا
ل هيكاري العاصية هرباً من  المرسلين القادمين من وراء البحار والمحيطات هدفهم الوحيد إحتواء كنيسة المشرق والقضاء عليها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى كون أتباع كنيسة المشرق في جبال هيكاري تحت رعاية سلطة العثمانيين الغاشمة والحاقدة على الآخر قومياً ودينياً ، بحكم هذا الوضع كانت كنيسة المشرق مضطرة على تطبيق نظام توريث السدة البطريركية من الأخ الى الأخ أومن العم الى إبن أخيه . دام هذا النظام نافذ المفعول وفقاً للتقاليد حوالي الستة قرون . في بداية القرن العشرين كانت قوجانس آخر مقر للكرسي البطريركي الخاص بكنيسة المشرق . قبل قوجانس كانت هناك مراكز عديدة إتخذها البطاركة مقرات لكرسيهم مدى العشرين قرناً التي عاشتها هذه الكنيسة إبتداءً من توما الرسول وإنتهاءً بمارشمعون بنيامين . تبدلت مقرات الكرسي البطريركي بسبب الظروف القاهرة والأحداث التاريخية الرهيبة والدامية التي مرت على المنطقة وكنيسة المشرق وخاصة في القرون الآخيرة والتي كانت قاسية وثقيلة بنتائجها ومعطياتها على أتباع كنيسة المشرق ، وكان هدف الآشوريين وهاجسهم دوماً المحافظة على كيان هذه الكنيسة ولو كان المقابل تضحيات كبيرة وغالية ، لأن الغاية عندهم كانت تبرر الوسيلة ، وطالما كانت التضحيات بالنفس هي الوسيلة الأخلاقية الناجعة لتحقيق غاية شريفة ألا وهي المحافظة على كيان كنيسة المشرق في ميادين التصدي والأستشهاد ضد الأعداء بكل تنوعاتهم فليكن ذلك ، فكان الآشورين من أبناء كنيسة المشرق بكل تسمياتها جاهزين ومستعدين لها كما فعل مار شمعون برصباعي ومار شمعون بنيامين وغيرهم الكثيرين الذين رووا أرض بيث نهرين بدمائهم الزكية لأبقاء راية كنيسة المشرق بكل فروعها وتسمياتها عالية خفاقة وشامخة شموخ جبال آشور وهيكاري . رغم كل خيبات الأمال التي لحقت بكنيسة المشرق إلا أنها استطاعت الثبات ومقاومة كل الظروف والأحداث الصعبة وتجاوزتها الى بر الأمان اليوم برفعة الرأس وبفخر وإعتزاز وستبقى شعلتها متقدة وهاجة لا تنطفئ في أرض بيث نهرين مدى الدهر . 

خوشابا سولاقا
19/ 7 / 2013           
       

195
خيانة بريطانيا للآشوريين ونكثها لوعودها لهم
( الجزء الثاني والأخير )
المهندس : خوشابا سولاقا
نبدأ معكم من حيث إنتهينا في الجزء الأول . عند التمعن بروية وببعد النظر في الواقع الفعلي المستجد للآشوريين بعد الثورة البلشفية الروسية وانسحاب الجيش الروسي المفاجئ من الحرب رسمياً وبالأخص من جبهة بلاد فارس ، وتنامي العداء العثماني الفارسي الكوردي تجاه الآشوريين ، وما ورد في إعلان العقيد البريطاني ف . د .غريسي في اجتماع اورميا في أوائل كانون الثاني من عام 1918 سنستنتج أنه لم يكن هناك أمام الآشوريين من خيار آخر أفضل من القبول بما ورد في إعلان غريسي ووضع كل ثقتهم بأقواله التي سمعوها منه في الاجتماع المذكور وأن يصدقوا كل ما قاله بشأن مستقبل الشعب الآشوري .
بهذا القبول الآشوري بما ورد في إعلان غريسي يكون غريسي قد حقق هدفه الأول الذي جاء من أجله ، ألا وهو إقناع الآشوريين الاستمرار في الحرب الى جانب الحلفاء . فقطع الوعود التي تعزز ذلك الاستمرار بعد أن غاب عن باله الأهمية البالغة لما قاله وما وعد به وأقره باسم حكومة بريطانيا بخصوص مستقبل الشعب الآشوري بالعودة الى موطنه الأصلي في هيكاري وإقامة دولته المستقلة ، تمشياً مع قول المثل " كلام الليل يمحيحه النهار " .
وبناءً على موافقة الآشوريين على الأعلان البريطاني هذا تم تجنيد من الشباب الآشوري ما يقارب الـ ( 5000 ) متطوع . بعد تهيئة كل هذا العدد من المتطوعين بدأت تظهر في الأفق بعض المعوقات الفنية بشأن صنف الضباط وحجم ونوعية العُدد والمعدات الحربية التي من المفروض أن توفرها بريطانيا للتشكيلات الآشورية الجديدة والتي كانت قليلة جداً لا تفي بالغرض المطلوب ولا تتناسب مع عدد الجنود ومتطلبات العمليات الحربية وحجم الأخطار المتوقعة والمحدقة بالآشوريين من الأعداء في قادم الأيام . الفرس نظروا الى هذه التشكيلات الآشورية بعين الشك والريبة والحذر فعدتها تهديداً للمسلمين ، دول الحلفاء لم تقم بما يجب القيام به من العمل الدبلوماسي اللازم لتهدئة خواطر الفرس وطمأنتهم بالطرق الدبلوماسية المتعارف عليها بشأن وجود هذه التشكيلات الآشورية على أراضيها والتي لا تشكل أي خطراً عليهم . وقد كان هذا التقصير من قبل دول التحالف ربما مقصوداً ومخطط له وذلك لوضع الآشوريين في موقف محرج وصعب لدفعهم أكثر للجوء الى الحلفاء طلباً للحماية ومن ثم القبول بما تمليه عليهم بريطانيا وحلفائها وتقديم المزيد من التنازلات عن ما وعدوهم به في إعلان غريسي .
بعد كل هذه الظروف الصعبة التي خلقها الأنسحاب الروسي من جبهات القتال في بلاد فارس ضربت العزلة أطنابها على أورميا وحواليها ، وتنامت الدعاية المضادة والمغرضة من دول المحور بين أوساط الجماهير الفارسية بشكل مفزع لتصعيد العداء والكره للآشوريين ، فتوالت المشاهد المأساوية ونزلت المصائب على رؤوس السكان المحليين من الآشوريين ، كما انتشرت الأمراض والأوبئة والمجاعة وأنزلت مراسيها في طول البلاد وعرضها ، فاستفحلت أعمال النهب والسلب والقتل والجريمة بكل أشكالها وحصلت الكثير من المجازر الدموية وأعمال القتل والأنتقام والأغتصاب بحق الآشوريين بشكل خاص وبحق المسيحيين بشكل عام أينما وجدوا في بلاد فارس وأصبح قتل المسيحيين مباحاً بسبب غياب السلطة وقدرتها على فرض القانون وهيبتها . على ضوء هذا الواقع المزري والمفزع للآشوريين والمسيحيين ، تحالفوا الأكراد مع بعضهم البعض من جهة ومع الأتراك والفرس من جهة ثانية للأنتقام من الآشوريين والتنكيل بهم وإبادتهم وإستئصالهم أينما وجدوهم . هذا الواقع المرير المؤلم فرض على البطريرك مار بنيامين شمعون خيارات صعبة للغاية لغرض إنقاذ شعبه من الأخطار المحدقة به من كل صوب وحدب أحلاها مُرّ ، ولتحييد الجيران من الأكراد الشيكاكيين وتأمين جانبهم من خلال عقد اتفاق معهم تقرر السفر لعند المجرم الغدار الكوردي سمكو آغا الشيكاكي لمفاوضته حول عقد الصلح والسلام بين الطرفين . وكان العقيد غريسي قد مهد ورتب لمثل هذا اللقاء بين الرجلين  بذريعة إنهاء حالة العداء واحلال السلام والوئام بين الجانبين . وبناءً على ذلك اقترح غريسي على الآشوريين عقد تحالف مع آغا قبائل الشيكاك الكوردية اسماعيل آغا سمكو وقد أبلغهم بانه عند عودته من وان الى أورميا زار سمكو في مقره وناقش معه الموضوع وأبدى الأخير استعداده ورغبته في عقد مثل هكذا اتفاق . وعليه وبتاريخ 16 / آذار / 1918 ذهب البطريرك مار بنيامين شمعون وبصحبته بعض الضباط الروس وسرية من الحرس الآشوري الشجعان قوامها أربعون مقاتلاً شجاعاً ومعهم أخوه داوود لمقابلة المجرم الغدار سمكو آغا في مقره في مدينة " كوني شهر " القريبة من مدينة " ديلمان " وقد استقبل البطريرك والوفد المرافق له عند وصولهم الى مقر سمكو أغا بحفاوة بالغة واحترام من قبل المجرم سمكوأغا ، وبعد إنتها ء المقابلة رافق سمكو البطريرك حتى الباب الخارجي لمقره فودعه بقبلة ليديه والتي كانت كقبلة يهوذا الأسخريوطي للسيد المسيح له المجد ، وعندما هم البطريرك بالركوب في عربته رجع المجرم سمكو وتناول بندقيته وأطلق النار على البطريرك من الخلف وأصابه في ظهره وأرداه شهيداً ومن ثم أطلق شقيقه رصاصة أخرى من مسدسه عليه لضمان مصرعه ، وانهمر على الوفد المرافق لقداسته وابل من الرصاص من على أسطح البنايات المحيطة وكان المارشمعون قد سقط قتيلاً على الأرض مضرجاً بدمائه الزكية الطاهرة . هكذا وبهذه الخيانة الدنيئة إنتهت حياة حبر جليل وإبن بار لكنيسة المشرق ضحى بحياته في سبيل شعبه . كان هذا البطريرك أحد الرموز الكبيرة الذي باستشهاده وإنطفأ ضياء نور عينيه خسر الآشوريين بطلهم القومي المقدام وقائدهم الأمين والذي باستشهاده جسد شخص السيد المسيح له المجد في التضحية بنفسه من أجل خلاص شعبه ، كنت المسيح بذاته يا شهيد الأمة الآشورية الخالد بتضحيتك هذه ، لن ينطفئ نورك الى مدى الدهر وتبقى شعلة أبدية وهاجة ومنيرة في طريق أجيالنا يا مار بنيامين العظيم الذي قتل بوحشية لا مثيل لها في التاريخ لقد أعطيت باستشهادك مثلاً رائعاً للتضحية من أجل المبادئ والقيم السامية النبيلة لمن يريد أن يخدم أمته . وبعد هذا الأغتيال الجبان الغادر حصل هرج ومرج في صفوف سرية الحماية فقتل العديد من الجانبين وتمكنوا الفرسان الأبطال الشجعان من قبيلتي تياري وتخوما وعلى رأسهم دانيال إبن ملك اسماعيل من حمل الجثمان الطاهر لمار بنيامين على الأكتاف ونقلوه الى أحدى كنائس الأرمن القريبة الواقعة في المنطقة ، حيث تم دفنه هناك لاحقاً وفق الطقوس والتقاليد المرعية في كنيسة المشرق وحسب استحقاقات درجته الدينية في الأيام التالية لأستشهاده ، طيب الله ثراك يا مار بنيامين يا شهيد الأمة الآشورية المجيدة وكنيسة المشرق العظيمة . كان استشهاده صدمة عظيمة لشعبه الآشوري وكان ذلك صدمة أكبر لأخته سورما فسببت لها حزناً عميقاً وجرحاً مؤلماً رافقاها كل ايام حياتها . لقد القت سورما بمسؤولية الأغتيال على عاتق السلطات الفارسية التي خططت لهذه الجريمة البشعة ونفذتها بوحشية وجبن خسيس ، لأن السلطات الفارسية كانت تحاول دوماً وتسعى للتخلص من شخصية البطريرك مار بنيامين شمعون لما كان له من دور رائد وفعال في التصدي لمؤامرات ودسائس الحلفاء الفرس والعثمانيين والكورد ضد الآشوريين ، لقد صرح المجرم سمكو فيما بعد أن دوره في عملية الأغتيال كان فقط التنفيذ أي أنه كان مجرد آلة التنفيذ وليس إلا . لقد أخطأت السلطات الفارسية في تبنيها لراي التخلص من مار شمعون بنيامين ، لأن البطريرك الشهيد كان دوماً يعمل ليدفع بعيداً كل ما من شأنه أن يُدخل الآشوريين في أزمات مع الفرس أو في مواجهات مباشرة معهم . ولكن وكما قلنا سابقاً هناك معلومات مؤكدة تؤكد بأن العقيد غريسي عند لقاءه مع المجرم سمكو أغا قد نسق عملية اغتيال مار شمعون بنيامين معه ومع الحكومة الفارسية لغرض إضعاف القيادة الآشورية لما كان لمار بنيامين من دور فعال ومحوري ومؤثر في المحافظة على وحدة الصف والقرار الآشوري وإن تصفية مار بنيامين سيجعل الآشوريين في موقف اضعف يدفعهم ذلك للخضوع للأمر الواقع الذي تفرضة عليهم إرادة المصالح الحيوية البريطانية في الحرب ولأستغلالهم بأقصى درجة ممكنة مقابل أدنى الحقوق وهذا ما حصل فعلاً فيما بعد . وبعد استشهاد مار بنيامين شمعون تم في 24 / نيسان / 1918 في مدينة سلامس إنتخاب أخيه مار بولس شمعون بطريركاً للآشوريين وجرت مراسيم التنصيب والجلوس على الكرسي البطريركي في كاتيدرائية مارت مريم في أورميا في 29 / نيسان / 1918 .  بعد أن انتهت الحرب وجدوا الآشورين أنفسهم وبأقل من نصف عدد نفوسهم ساعة مغادرتهم لموطنهم في هيكاري في مخيمات بعقوبة في العراق محطمي الآمال تنهش بهم الأمراض والأوبئة وتفتك بهم الحاجة والفاقة والعوز بعد رحلتهم الطويلة رحلة الآلام والأحزان والمآسي الدامية واستقروا في مخيمات بعقوبة التي أعدتها لهم القوات البريطانية من دون قيادة مقتدرة توحدهم وتدب في صفوفهم الخلافات العشائرية والقبلية في صراعات من اجل السلطة كما خططت له بريطانيا وشجعته من خلال وعودها لزعماء هذه الأطراف لتولي القيادة العسكرية للبعض والزعامة الدنيوية للبعض الاخر في حالة وقوفهم الى جانب فصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية التي يتولاهما البطريرك ، وهذا ما حصل بعد وفاة البطريرك مار بولس شمعون في 27 / نيسان / 1920 ، اشتدت الخلافات حول رسامة البطريرك القادم فاراد المعارضون للبيت البطريركي بزعامة آغا بطرس وملك خوشابا رسامة مار طيماثيوس مطران مليبار – الهند بطريركاً لكنيسة المشرق خلفاً للمرحوم مار بولس شمعون ، وأصرت الجبهة المؤيدة للبيت البطريركي على بقاء الكرسي البطريركي في عائلة مار شمعون ، وآخيراً حسم الموقف لصالح البيت البطريركي وتم رسم الطفل مار إيشاي شمعون ذي الأثني عشر ربيعاً من العمر بطريركاً على كنيسة المشرق وتعيين مار طيماثيوس قييّما ووصياً عليه لحين بلوغه سن الرشد وأصبح البطريرك رقم ( 21 ) في العائلة المارشمعونية الكريمة . وبذلك أصبح البيت البطريركي خاوياً من السلطة القوية الحازمة والحكمة الرشيدة التي كان قد صنعها وأسس لها وامتلكها الشهيد الخالد مار بنيامين شمعون ، وهنا وكتحصيل حاصل لهذا الفراغ في ممارسة السلطات الزمنة للبطريرك وللمؤهلات التي كانت تمتلكها سورما خانم وثأثيرها ومكانتها المرموقة لدى العائلة وشعبها والثقة الكبيرة بقدراتها وذكائها الخارق وايجادتها اللغة الانكليزية بطلاقة توسع دورها في ممارسة السلطات الزمنية بالنيابة عن البطريرك الطفل الغائب عن الساحة السياسية الآشورية ، وهذا ما أثار غيظ  وغضب الجبهة المعارضة أكثر وتعمق من خلافاتهم مع البيت البطريركي ، والذي كان في نفس الوقت فرصة ذهبية للانكليز لأستثمار هذا الخلاف لصالح تحقيق مآربهم وغاياتهم الدنيئة لأستغلال الآشوريين بأقصى ما يمكن . وبأغتيال مار بنيامين وتفكك القيادة الآشورية وتشرذمها الى أشلاء متناحرة تحقق الهدف الثاني للعقيد " غريسي " والوصول بالآشوريين الى بلاد ما بين النهرين كما خطط  له الانكليز للدفاع عن مصالح بريطانيا النفطية في هذه البلاد .
ولأهمية إدانة بريطانيا على خيانتها القذرة اللاأخلاقية للآشوريين ونكثها لوعودها الكاذبة التي قطعتها لهم في إعلان العقيد " ف . د .غريسي " المنوه عنه سابقاً والذي فيما بعد دحض ونفى واقعة انه باسم بريطانيا العظمى وعد الآشوريين بتأسيس الدولة الآشورية المستقلة . ولغرض دحض اكاذيب غريسي انقل لكم شهادات بعض الحاضرين في اجتماع أورميا الذي انعقد في أوائل كانون الثاني من عام 1918 وهم كل من الدكتور بول كوجول رئيس البعثة الطبية الفرنسية ونائب القنصل الروسي باسيل نيكيتين كما أوردتها الكاتبة الفرنسية كلير ويبل يعقوب في كتابها الموسوم ( سورما خانم ) وهي كما يلي :- 
أولاً : شهادة الدكتور بول كوجول رئيس البعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية في أورميا .
إستناداً الى رسالة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون الموجه الى الدكتور بول كوجول المؤرخة في 18 / كانون الثاني / 1934 يقول الدكتور كوجول في رسالته الجوابية المؤرخة في 19 / كانون الثاني / 1934 ما يلي :
(( جواباً على رسالتك المؤرخة في 18 / ك 2 / 1934 أخبرك بأنني لا زلت أحتفظ في ذاكرتي باحداث الاجتماع الذي أشرت إليه . كما أني أرى نفسي قادراً على أن أثبت دقائق الأحداث بدقة تامة وموثقة بتواريخها .
انعقد الاجتماع في أورميا في شهر كانون الأول عام 1917 أو في اوائل كانون الثاني عام 1918 . دُعيت الى الاجتماع واشتركت فيه مع كل من السيد نيكيتين نائب القنصل الروسي في أورميا والعقيد " ف . د . غريسي " الذي كان يعمل باسم الأستخبارات البريطانية وكان قد قَدم الى أورميا من " وان " حيث توجد دائرته الرئيسية ليحث الآشوريين على الموافقة على تنظيم مقاومتهم للقوات التركية والأستمرار في الحرب . إنه قد تحمل باسم بريطانيا العظمى مسؤولية التوفير الفوري لكل المبالغ الضرورية لتغطية مرتبات الجنود وضباط الصف ، كما وعد الآشوريين في هذا الاجتماع ايضا باعلان الاستقلال الناجز للشعب الآشوري وتأسيس دولتهم المستقلة ))
.
التوقيع
بول كوجول
الرئيس السابق للبعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية

ثانياً : شهادة نائب القنصل الروسي باسيل نيكيتين في أورميا فقد كانت إجابته لقداسة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون في 31 / ك 2 / 1934 كما يلي :
(( إني أشهد أن العقيد " ف . د . غريسي " رئيس البعثة العسكرية البريطانية لأرمينيا وكوردستان والمرتبطة بالقيادة العامة للقوات المسلحة الروسية في القوقاز ، قد قَدم من مدينة " وان " في أواخر عام 1917 الى أورميا ودعى لعقد اجتماع عام حول القضية الآشورية ، حضره ممثلون لجهات أجنبية . خلال الاجتماع دعى العقيد " ف . د . غريسي " الآشوريين لحمل السلاح واعداً إياهم بكل صراحة بالمساعدة المالية والسياسية تقدمها لهم حكومته أثناء الحرب ، بعد ذلك تنظم الأمور بعد إستتباب الأمن والسلام بصورة نهائية .
بناءً على دعوة وجهها لي العقيد " غريسي " حضرت الاجتماع بصفتي قنصل روسيا ، وحضر الاجتماع أيضاً ممثلون أجانب ،. خلال الاجتماع صرحتُ أن في حالة حمل الآشوريين للسلاح ضد العدو ، فيجب عندئذ الأخذ في الحساب قضيتهم من ضمن نتائج ما بعد الحرب أي منحهم الأستقلال التام الذي استحقوه بجدارة ، وقد تحدث العقيد غريسي في هذا الاجتماع وقال أن الآشوريين باستمرارهم في الحرب الى جانب بريطانيا يمكنهم الأطمئنان بالحصول بعد انتهاء الحرب على الدولة المستقلة التي يستحقونها بكل جدارة ))

التوقيع
باسيل نيكيتين
هذه الرسائل كان قد طلبها قداسة المار إيشاي شمعون عام 1934 من هؤلاء بعد أن تم نفيه الى خارج العراق  لغرض متابعة القضية الآشورية لدى عصبة الأمم بعد مذبحة سُميل الرهيبة لغرض تقديمها كوثائق تؤكد على وجود وعود بريطانية للآشوريين بمنحهم الأستقلال الكامل في مناطق سكناهم في هيكاري وأورميا والعراق ، ولكن مع الأسف الشديد وكما ذكرنا في مقالات سابقة كانت الرسائل المزورة للآشوريين المتعاونين مع الحكومة العراقية الكيلانية آنذاك قد سبقتها الى عصبة الأمم والتي يرفض فيها مرسليها تمثيل المار شمعون لهم وإتهامه بتزوير تواقيع من يدعي تمثيلهم من رؤساء العشائر الآشورية ، وإنهم يعيشون بأمن وسلام ورفاه في ظل رعاية حكومة دولة العراق ، وكان كل ذلك قد جرى بتدبير من الحكومة العراقية الكيلانية وبدعم وتخطيط الانكليز لأنقاذ بريطانيا نفسها من المسؤولية الأخلاقية والتاريخية التي ترتبت عليها جراء مذبحة سميل الرهيبة بحق الآشوريين . هكذا أيها القارئ الكريم وضعت القضية الآشورية وإنشاء دولتهم المستقلة فوق الرفوف العليا والمنسية من أرشيف عصبة الأمم يعلوها الغبار بمسعى بريطانيا وتعاون حكومة رشيد عالي الكيلاني وبعض المتعاونين من أبناء شعبنا الآشوري وأصبحت جزء مهمل من الماضي . وما يؤسف له أكثر إن نفس السيناريو يتكرر اليوم بين مكونات أمتنا بسبب الخلافات المذهبية بين كنائسنا من جهة وبين قادة تنظيماتنا السياسية من أجل المصالح ومنافع السلطة التي وصلت بهم الى درجة التفريط بالمصلحة القومية من جهة ثانية . ومن مفارقات الزمن نقول ما أشبه اليوم بالبارحة ، إنه لمن مهازل القدر ان تتكرر الأمور وتتناغم على نفس المنوال ولكن بوجوه جديدة مختلفة !!! .

(( المجد والخلود لشهداء الأمة الآشورية ))


خوشابا سولاقا
15 /تموز / 2013
         


196
خيانة بريطانيا للآشوريين ونكثها لوعودها لهم
( الجزء الأول )
المهندس : خوشابا سولاقا
كما قلنا في مقالنا السابق لقد كان قرار روسيا بعد الثورة البلشفية بالانسحاب من الحرب كارثة حلت بالحلفاء على الجبهة الفارسية بشكل عام ، كان أيضاً كارثة حلت بالشعب الآشوري بشكل خاص على وجهة التحديد ، أدت بالنتائج وباللغة العسكرية والحرب بالنسبة للحلفاء الى فراغ هذه الجبهة الستراتيجية المهمة من أي وجود عسكري معتبر لقوات الحلفاء ، أما بالنسبة للآشوريين فإنقلبت الأمور على عقب أي بمعنى على عكس ما كانت تسير إليه قبل الأنسحاب . لذلك حُضيت التطورات السياسية المستجدة في روسيا باهتمام الانكليز والفرنسيين على حدِ سواء . لذا ولغرض توكيد اهتمامهما الكبير بالوضع العام والتغيير الطارئ على الوضع الستراتيجي العسكري في جبهة بلاد فارس ، قامتا الدولتان بريطانيا وفرنسا بجهد مشترك لدعم هذه الجبهة التي اصبحت كالخنجر في خاصرتهما ونقطة ضعفهما بتكليف مندوبيهما الموجودين في تلك الجبهة القيام بمهمة خاصة للتعويض عن النقص الذي خلفته إنسحاب القوات الروسية من هذه الجبهة تتركز في الأساس على تشجيع الآشوريين الحلفاء السابقين للروس ودفعهم لأعادة الحياة والفاعلية لفصائل القوات الآشورية ، أي الأفواج التي شكلت بدعم الروس والتي قاتلت مع قواتهم قبل انسحاب روسيا من الحرب ببسالة وشجاعة نادرة وحققت لها  انتصارات كبيرة على هذه الجبهة ضد القوات العثمانية للاستمرار في مقاتلة ومنازلة عدوهم اللدود الذي يتربص بهم شراً وانتقاماً ألا وهو القوات العثمانية وخوض المعارك ضدها دفاعاً عن النفس ولتحرير موطنهم والعودة إليه . ولتحقيق هذا الهدف المهم في استراتيجية الحلفاء في كسب الحرب على هذه الجبهة المهمة وصل بلاد فارس في 25 / كانون الأول / 1917 العقيد الفرنسي " كاز فيلد " حاملاً أوامر صريحة من حكومته لتشكيل أفواج آشورية جديدة وكان كله أمل بالظفر بمساعدة الدكتور " بول كوجول " رئيس البعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية التي كانت سابقاً مرتبطة بالقوات الروسية العاملة في مدينة اورميا . وبالنظر لثقة الحكومة الفرنسية بالدكتور بول كوجول أنيطت به مهمة تشكيل الأفواج الآشورية الجديدة . عليه قام الدكتور " كوجول " بنشاط كبير ومنظم ، فنظم حملات عديدة لجذب الآشوريين وترغيبهم للتطوع والانخراط في تلك الأفواج العسكرية الجديدة المزمع تشكيلها والتي ستعمل تحت أعلام الحلفاء وقواتهم العاملة في بلاد فارس . وكما قلنا في مقالنا السابق الموسوم ( روسيا القيصرية والثورة البلشفية وانعكاساتها السلبية على الوضع الآشوري ) الذي نشرناه في هذا الموقع الكريم ، كان للانكليز المتمركزين في بلاد ما بين النهرين وجنوب بلاد فارس اهتمام خاص بأهمية احياء هذه الجبهة وجعلها نشطة لأنها كانت تهدف الى المحافظة على طريق سالكة وأمينة الى القارة الهندية حيث لها مصالح استراتيجية حيوية هناك لا تريدها أن تتعرض الى اية مخاطر محتملة من تقدم قوات دول المحور نحوها عبر هذه الجبهة التي أصبحت مفتوحة أمامها بعد الأنسحاب الروسي من الحرب . لذا قام الانكليز أيضاً بدورهم بارسال مبعوثهم الخاص في كانون الأول من عام 1917 الى أورميا . كان هذا المبعوث كما ذكرنا في مقالنا المنوه عنه أعلاه ضابط في المخابرات البريطانية ألا وهو العقيد الشهير " ف . د . غريسي " ( gracey  ) . وصل غريسي ومعه كما قلنا سابقاً أوامر صريحة تقضي بتشكيل فرق عسكرية آشورية مسلحة وباسرع ما يمكن من الوقت للتعويض عن القوات الروسية المنسحبة . لذلك قام غريسي بتنظيم لقاء مع الآشوريين لأقناعهم على ضرورة الأستمرار في الحرب الى جانب الحلفاء ضد العثمانيين وتولي مسؤولية الحفاظ على جبهة قتال نشطة وفعالة متحالفة مع الأرمن وبعض الأكراد – هنا إشارة الى التعاون مع عشائر سمكو الشيكاكيين - . من اجل تحقيق هذا الهدف . وقبل وصول العقيد غريسي الى أورميا كان قد قام بلقاء مع سمكو آغا واستشارته بشأن خطته لتفعيل هذه الجبهة المهمة .
وبسبب الظروف المناخية القاسية التي اجتاحت منطقة أورميا والتي أثرت بشكل كبير على أوضاع الآشوريين الصعبة وزادتها صعوبة العيش وانتشار الأوبئة والأمراض فانجبرت سورما خانم بسبب ذلك على التقرب من البعثة الأمريكية ، في الوقت الذي كانت الأجراءات تتخذ على قدم وساق من قبل مندوبي بريطانيا وفرنسا لعقد اجتماع مهم جداً مع الآشوريين لمناقشة أمورهم الآنية ومستقبلهم الغامض والمجهول !! .
إن مجمل الأوضاع المستجدة لم تكن إيجابية أي أنها كانت في غير صالح الآشوريين ، وتسارعت التطورات نحو الأسوأ من يوم لآخر بسبب مغادرة القوات الروسية لجبهات القتال في بلاد فارس وشرق الأناضول ، وأصبح وضع الآشوريين في الحضيض وعل أسوأ ما يكون من جميع الجوانب ، وأصبحوأ وحيدين في ميدان القتال في مواجهة أسوأ الأعداء ألا وهي القوات العثمانية الشرسة التي بدأت تهاجم مناطق تواجد الآشوريين . إضافة لذلك عداوة الفرس للآشوريين أخذت تتنامى مع الأيام واصبحت الحياة الآمنة ليوم الغد لهم لم تعد مضمونة . كانت أمام سورما خانم وشقيقها البطريرك مار بنيامين شمعون أمال كبيرة بنتائج الأجتماع المقبل مع ممثلي الحلفاء بريطانيا وفرنسا .
وعلى أثر وصول العقيد غريسي الى أورميا عقد اجتماع موسع في بناية البعثة الأمريكية في أورميا في بداية كانون الثاني من عام 1918 وحضره كل من :-
1 ) ممثل أمريكا الملازم مكدافيل والدكتور شيد وزوجته – رئيس البعثة الأمريكية كرئيس لجلسة الاجتماع .
2 ) سيادة المطران سونتاك رئيس البعثة اللعازرية .
3 ) السيد باسيل نيكيتين – نائب القنصل الروسي ممثل روسيا .
4 ) الملازم الفرنسي كاز فيلد ممثل فرنسا .
5 ) الدكتور بول كوجول – رئيس البعثة الطبية والأسعاف الفوري الفرنسية في أورميا .
6 ) البطريرك الآشوري مار بنيامين شمعون ممثل الآشوريين .
7 ) سورما خانم شقيقة البطريرك الآشوري عن الجانب الآشوري .
8 ) مبعوث حكومة بريطانياالعقيد ف . د . غريسي ممثل بريطانيا العظمى .
كانت الأجواء المخيمة على المجتمعين أجواء كئيبة للغاية بسبب القلق الذي ينتاب النفوس وبسبب خطورة الموقف على جبهة الحرب مع القوات العثمانية وكان موقف بريطانيا حرج وصعب للغاية وكان على غريسي إنقاذه باختلاق وإيجاد حل للخروج من عنق الزجاجة التي اخذت تضيَّق الخناق على عنق بريطانيا وفرنسا . المناقشات التي دارت في الاجتماع أشرت بوضوح على الصعوبات والتحديات الكبيرة التي توجه الحلفاء من قدوم القوات العثمانية نحو أورميا التي تهدد مصير الحرب على هذه الجبهة ، كل هذه الصعوبات والتحديات وضعت المجتمعين أمام خيارات صعبة لتقديم تنازلات متبادلة من أجل إتخاذ القرار الصائب والمطلوب لأنقاذ الموقف على جبهة الحرب .
بقى المطران سونتاج معانداً على الرأي الذي يفترض " حيادية الفرس " بينما كل الوقائع على أرض الواقع أثبتت وتثبت بشكل قطعي ومنذ زمن بعيد أن هذه الفرضية غير واقعية وهي مستندة على ادعاءات شفهية فقط . حيث أن بعضاً من الفرس كانوا يتآمرون ويتعاونون من وراء الستار مع العثمانيين من أجل انتزاع السلطة في المنطقة . العقيد " غريسي " علق على الموضوع في اجابته للجميع بالقول " إن وزراء الحلفاء أمسكوا بزمام حكومة بلاد فارس في طهران ، وأكد أن لا إعتراض لتلك الحكومة على تدخل الحلفاء في بلاد فارس . الآخرون ومنهم سورما خانم أخت البطريرك بقوا يؤكدون على النقص الكبير في المال والذخائر والمؤن والسلاح ، وكذلك في أعداد المقاتلين . وعندما تم التطرق الى موضوع الأكراد ودورهم في العملية ، علق البطريرك مار بنيامين شمعون ، أن لا أهمية لوجودهم – يقصد الأكراد – كقوة مقاتلة منضبطة تقبل العمل النظامي وإطاعة الأوامر والتعليمات بدقة ، وكان في الحقيقة تشخيصاً ذكياً ودقيقاً من قداسته ، وهنا اكد البطريرك وبكل وضوح أنه هناك حاجة ملحة لتدخل قوات الحلفاء بشكل مباشر وبثقل مؤثر وحاسم تعويضاً للنقص الذي خلفته انسحاب القوات الروسية من جبهات القتال في بلاد فارس وعدم الأعتماد فقط على افواج المتطوعين الآشوريين ، وهنا كانت غاية قداسته ضمان استمرار دعم الحلفاء للجبهة بالمستوى المطلوب وعدم التضحية بالأفواج الآشورية عند حالات الضيق .
العقيد غريسي المبعوث البريطاني أكد ذلك ووافق على كل النقاط المطروحة في هذا الاجتماع بما فيها ملاحظات بل مقترحات قداسة البطريرك مار بنيامين شمعون ، حيث صرح غريسي في بداية حديثه بأنه يتكلم باسم البعثة العسكرية البريطانية لدى الجيش الروسي في القوقاز ، ثم تابع حديثه باسم حكومة بريطانيا حيث قال أن بريطانيا تعتبر الآشوريين حلفاء متساوون لها في الصراع ضد المانيا وتركيا وطلب طرد كافة الضباط الروس من الجيش الآشوري وإن بريطانيا سوف تعوض عنهم بضباط انكليز ، وإن بريطانيا سوف تساعد الآشوريين في تأسيس الدولة الآشورية المستقلة بعد إنتهاء الحرب إذا تابعوا الآشوريين الحرب الى جانب الحلفاء . هكذا قطع العقيد غريسي الوعود باسم الحكومة البريطانية ، وإن الألتزام الأهم الذي قدمه وبصوت متحمس كان " الأهتمام بمستقبل الآشوريين " هنا صرخ قائلاً موجهاً الكلام بصورة مباشرة لممثلي الآشوريين المشاركين في الاجتماع عن قصد قائلاً " ارجو أن لا ينسى الآشوريين أن كفاحهم هو من أجل تحقيق حريتهم ، لذا فمن واجبهم الألتفاف حول زعيمهم الأعظم البطريرك ، طالما ليس هناك آشوري فارسي وآشوري جبلي فالجميع آشوريين يكونون شعباً واحداً ، هذا ما أوفدتني حكومتي لأبلغكم به وهذا يعني أيضاً كافة الشعوب الصغيرة الأخرى . الجميع يحارب من اجل حريتهم ، وهذا ما أبلغته للأرمن من قبلكم أيضاً ، جميع المصاريف سيتحملها ويغطيها الحلفاء . هذا ما تم الأتفاق عليه مع حكومة القوقاز الجديدة ، إنكم ستحصلون على كل السلاح الضروري والذخيرة اللازمة وكذلك المعونة العسكرية عند طلبها . الحرية هدف ثمين لذا فإن الحصول عليها يحتاج الى التضحية ، إنكم سوف لن تحصلوا عليها إلا بقوة إرادتكم وبطولاتكم هذا إن كنتم حقاً تهدفون السيادة على موطنكم الغني بثرواته وخيراته ، إنه موطن العسل واللبن .
إن إعلان غريسي لم يعط الصورة الواضحة للأستقلال المستهدف لموطن الآشوريين فقط بل وعدهم أيضاً بالمال والسلاح والذخيرة والدعم العسكري الفعلي . لقد كان لهذا الأعلان الوقع الكبير والتأثير القوي على السامعين الجالسين في الاجتماع . وعليه فور سماع النص كاملاً سرت همهمات الموافقة في أرجاء القاعة رغم أصوات المعارضة التي أبداها بعض القلة . ولكن مع ذلك كان هناك خوف وهلع من هجوم تركي كاسح متوقع الوقوع بين ساعة وأخرى لأعادة احتلالها لمقاطعة أورميا . البطريرك مار بنيامين شمعون وأخته سورما خانم إشترطا على غريسي مقابل موافقة الآشوريين على الأعلان الذي تلاه أمام الحاضرين وصول المساعدات المالية والدعم العسكري قبل تنفيذ التعاون الذي تطلبه بريطانيا والحلفاء من الآشوريين ، وأخيراً تمت الموافقة على الألتزام بالتعهد المشار إليه في إعلان غريسي نظراً لما احتواه من إمكانيات تسهل العودة الى الديار أرض الأباء والأجداد جبال هيكاري الحبيبة .. وهنا كان الخطأ القاتل الذي إرتكبته القيادة الآشورية المتفاوضة مع الحلفاء وغريسي بالذات في الأجتماع ، كان من المفروض أن يطلب من غريسي والحاضرين تثبيت إعلان غريسي الذي تلاه باسم الحكومة البريطانية في محضر رسمي  مكتوب موقع من الحاضرين كوثيقة ملزمة التنفيذ ، لو كان ذلك قد تم لكان فعله للآشوريين كفعل " وعد بلفور " لليهود ، إلا أنهم مع الأسف الشديد لم يفعلوا ذلك لأنهم تعاملوا مع غريسي الملعون وفق منطق وفلسفة العشيرة وليس وفق منطق السياسة التي كان الانكليز فقهائها وسادتها في حينها . ولذلك كان موقف الآشوريين لاحقاً في مؤتمر الصلح في باريس للسلام ضعيفاً يفتقر الى وجود أية وثيقة رسمية مكتوبة تلزم بريطانيا والحلفاء بتنفيذ ما تعهدت به في إعلان العقيد غريسي في اجتماع أورميا في أوائل كانون الثاني من عام 1918 ..

نلتقيكم في الجزء الثاني


197
روسيا القيصرية والثورة البلشفية وانعكاساتها السلبية
على الوضع الآشوري
المهندس : خوشابا سولاقا
كانت الجماهير الآشورية المطرودة من أوطانها الأصلية في هيكاري مهضومة الحقوق تشحذ خبز قوتها اليومي وتطلب سقفاً يأويها ويحميها من برد الشتاء ومن ضربات حرارة الشمس صيفاً
، مع كل ذلك رضي الآشوريون بالذهاب الى ساحات الحرب والمشاركة فيها شرط المحافظة على الأرض والوطن ولكن مع الأسف الشديد أن التاريخ العام لمجريات أحداث الحرب العالمية الأولي لم ينصفهم ولا يذكر مشاركتهم في تلك الحرب المشؤومة رغم أنهم شاركوا فيها ضمن قوات الحلفاء للدول الكبرى وبدور مشهود له كحليف صغير ، قاتل الآشوريون بشجاعة وبسالة نادرة خلال الفترة المنحصرة ما بين عامي ( 1916 – 1918 ) حيث حملوا السلاح وقاتلوا بنكران الذات الى جانب الحلفاء وقدموا التضحيات الجسيمة . في البداية شارك الآشوريون في القتال على الجبهة الروسية ، ولكن قبل الحرب لم يكن للروس رغبة في الأحتكاك بالأمبراطورية العثمانية أو المجابهة المباشرة لجيوشها . لذلك كان التعاون الآشوري الروسي محدوداً . ولكن بعد أشتعال نيران الحرب وتوسع رقعتها وتعدد جبهاتها القتالية تغيرت الأوضاع كلياً ، فبعد مسيرة النفي الجماعي والنزوح القسري الآشوري من موطنهم في هيكاري نحو الأراضي الفارسية أعاد قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون محاولته ثانية للأتصال بالروس معتبراً أن الروس هم القوة العالمية الوحيدة القادرة على حماية المسيحيين من الأشوريين وغيرهم من الناحية العسكرية بعد إندلاع الحرب العالمية الأولى ودخول روسيا الحرب الى جانب الحلفاء فرنسا وبريطانيا ضد دول المحور ، ولذلك بعد قيام الحرب وجدت روسيا القيصرية نفسها بحاجة الى توسيع وتطوير مدى فعالية قواتها العسكرية على الجبهات التركية العثمانية في الأراضي الفارسية المحتلة مثل مناطق أورميا وسلامس المحاددة لأراضيها والتي يتواجد فيها الآشوريين بكثافة ، ولتحقيق هذا الهدف طلبت القوات الروسية مساعدة الآشوريون للدفاع عن المناطق التي يسكنونها . في كانون الثاني من عام 1916 سافر قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون الى مدينة تبليسي الروسية في دولة جورجيا الحالية لمقابلة الدوق الأكبر نيقولا الذي كان قائداً للقوات الروسية القوقازية . وقد استقبل الدوق نيقولا البطريرك مار بنيامين استقبالاً فخماً وبحفاوة بالغة . وبعد الأجراءات البروتوكولية لقداسته عقدت لقاءات ثنائية مهمة بين الأثنين حيث بحث فيها مواضيع كثيرة أسفرت عن إتفاقيات مهمة منها موضوع المساعدات المهمة التي يجب على روسيا تقديمها للآشوريون في أورميا وسلامس مقابل مساعدتهم للقوات الروسية في تصديها للقوات العثمانية ، إضافة الى ذلك بين البطريرك للدوق نيقولا الأكبر رغبة الآشوريون الأكيدة والراسخة لأستعادة وطنهم في هيكاري الذي هجروه قسراً مرغمين والذي اجبروهم عليه إعتداءات وتجاوزات ومذابح الجيش العثماني والعشائر الكوردية المتجحفلة معه . هكذا تلاقت الأهداف والمصالح الستراتيجية للطرفين فكان هذا الأتفاق بينهما . وفقاً لذلك الأتفاق شكلت أفواج عسكرية نظامية مقاتلة من أبناء العشائر الآشورية في أورميا . في البداية واجه تنفيذ الأتفاق بعض الصعوبات بسبب ضعف الأستجابة للجماهير الآشورية للتطوع والأنخراط في صفوف تلك الأفواج لتحقيق المشروع المتفق عليه من الجانبين الروسي والآشوري . درست سورما خانم أخت البطريرك مار بنيامين الحالة بإمعان من جانبها وقررت العمل بجد فقامت بزيارات لمخيمات اللاجئين الآشوريين محفزة جماهير الشباب على التطوع والأنخراط في صفوف تلك الأفواج المشكلة للقتال الى جانب الروس لغرض تحرير الأرض والعودة الى المواطن الأصلية في هيكاري فتمكنت من شحذ وتحفيز همم الشباب الآشوري وتشجيعهم على التطوع ، وقد كان يرافقها في زياراتها تلك شقيقها داوود الذي كان يقوم بشرح الفوائد المرجوة من تلك المشاركة لغرض تحرير أوطانهم في هيكاري والعودة الميمونة إليها مرة اخرى والأستقرار فيها بأمان . وعند نهاية فصل الخريف من عام 1916 بلغ عدد المجندين من الشباب الآشوري ما يقارب الألفين مقاتل . فتم تدريبهم وتسليحهم بشكل جيد وعلى أكمل وجه ودفعت لهم رواتب مجزية مع توفير الطعام لهم بكميات كافية وبنوعية جيدة وبصورة مماثلة لما كان يتمتع به أقرانهم من الجنود الروس . قاتلت الأفواج الآشورية قتالاً شجاعاً وبطولياً باسلاً وباصطفاف منظم الى جانب القوات الروسية التي تحالفوا معها . كانت مشاركة الآشوريين في القتال الى جانب حلفاء الروس مهمة للغاية وأحياناً كانت هي الأهم نظراً لدورها الفعال والمتميز في تقرير النصر النهائي في أهم المعارك ، تلك المعارك التي لها أهميتها الخاصة في تقرير مسار العمليات الحربية الناجزة في الجبهات ، ونذكر من تلك المعارك البطولية التي كان الفضل الأكبر في النصر فيها للقوات الآشورية معركة " أوشنو " ومعركة " باش قلعة " التي من خلالها تمكن الروس من توسيع جبهاتهم في بلاد فارس وبسرعة هائلة بفضل مشاركة وبسالة وشجاعة الأفواج الآشورية ، حيث عَبرت القوات الروسية على أثر هذه المشاركة الفعالة للآشوريون في المعارك الحدود الفارسية العثمانية وأستمرت في تقدمها وتحريرها لمناطق واسعة واحتلالها وراء الحدود حتى وصلت الى موطن قبيلة تياري في تشرين الأول من عام 1917 وكانت طلائع القوات الآشورية والروسية في زحفها المقدس لتحرير أرض الوطن قد وصلت الى قصر " جال " الذي لم يكن يبعد عن الموصل مسافة بعيدة . إن الحصيلة الفعلية للأنتصارات المتحققة أنعشت أمال الآشوريين في العودة الميمونة الى موطنهم الأصلي في هيكاري . غير أن التاريخ لم يكن بعد قد قال كلمته الأخيرة في النتائج المتحققة على أرض الواقع الذي كان حُبلاً بما لم يكن متوقعاً ، فحصل ما لم يكن في الحسبان ووقعت الكارثة التي كانت بمثابة الصاعقة النارية على المستقبل الآشوري الذي كان في بداية تبلوره وتشكيله لتحقيق حلمهم في العودة الى موطنهم ، تلك الكارثة التي لم يتوقعها الآشوريون هي  إعلان تنازل قيصر روسيا نيقولا الثاني عن العرش في 15 / 3 / 1917 لصالح الثورة والثوار والتي على أثره خلقت حالة من التشتت والتشرذم والفوضى في صفوف الجيش الروسي وعليه تقرر تخلي الجيش الروسي عن القتال والأستمرار في الحرب مع الحلفاء ضد دول المحور وترك الجبهات فارغة ومفتوحة أمام قوات العدو العثماني المندحر للعودة وإستعادة المبادرة من جديد . حصل هذا الحدث المهم الذي غير مسار التاريخ لروسيا والعالم بشكل عام ولكن كان بمثابة كارثة على الوضع الآشوري المستجد حيث كان شعبنا الخاسر الأكبر من وراء هذا الحدث وكان الضحية البريئة التي ذبحت على مذبح الحرب والثورة الروسية حتى وإن كان ذلك من غير قصدٍ مخطط له مسبقاً من قوى الثورة الروسية ، إلا أن تلك هي الحقيقة بمعاييرنا القومية على ضوء النتائج المتحققة . وبهذا الحدث دخلت الثورة البلشفية الروسية ميدان السياسة الدولية بقوة وخاصة بعد إستلائها على مقاليد السلطة الفعلية في روسيا . حينئذ قررت الحكومة الروسية الثورية الجديدة الأنسحاب الرسمي من الحرب وسحب قواتها من جبهات القتال ، وبذلك أصبحت كل الأتفاقيات السرية الموقعة مع الحلفاء بخصوص توزيع ممتلكات الدولة العثمانية شيء من الماضي المنسي وعلى نفس المنوال أصبح الأتفاق المعقود بين الدوق الأكبر نيقولا الروسي والبطريرك مار بنيامين شمعون حول حقوق الآشوريين بتحرير موطنهم في هيكاري وإقامة دولتهم المستقلة عليه مقابل مشاركتهم في الحرب الى جانب القوات الروسية باطلاً وجزء من الماضي المنسي أيضاً ولا أثر لذكراه . يا لسُخرية الأقدار ويا لمهازل التاريخ الذي لا يرحم المستضعفين الصغار من أهل الحق ، ويستخدم جبروته في سحقهم بقساوة مكافئةً للأقوياء الكبار !!! .
في 24 / نيسان / 1917 دعى القادة العسكريين الروس الكبار الموجودين على رأس القوات الروسية المحاربة في الجبهة الفارسية العثمانية البطريرك الآشوري مار بنيامين شمعون وبعض الملكاني ورؤساء العشائر والقادة الميدانيين للأفواج الآشورية لحضور إحتفال توديعي للقوات الروسية المغادرة لجبهات القتال الذي أقيم في أورميا . لقد استقبل البطريرك الآشوري ومرافقوه استقبالً كبار المدعوين ، فكان هناك حرس شرف للتحية لقداسته وتقليد الأوسمة العسكرية الرفيعة للمستحقين الشجعان من المقاتلين الآشوريين الأبطال ، ومنح وسام صليب القديسة " خنة " للبطريرك مار بنيامين شمعون تقديراً وتثميناً لخدماتة الجليلة في الميدانين العسكري والمدني ، وقدمت مع الوسام بعض الأسلحة القيّمة في أدراج من الخشب الثمين ومبطنة بقطيفة حمراء تمييزاً لشخصية قداسته الرفيعة . قبل إنتهاء الاحتفال أبلغ بعض القادة الروس قداسة البطريرك أن فوجاً من القوات الروسية سيتخلف عن المغادرة ويبقى في أورميا مع بعض المعدات العسكرية والأسلحة ومبلغ من المال وبعض الضباط المتطوعين الذين اختاروا البقاء معكم . كل ذلك كان من أجل بقاء المقاومة حية فعالة مع تنظيمها العسكري . آنذاك وبسبب الظروف المستجدة على أثر القرار المفاجئ بانسحاب روسيا من الحرب ، أصبح موقف الآشوريون  صعب للغاية ووضعهم محفوفاً بالأخطار الجمة ، لأن الفرس ما كانوا براضين عن حضور الآشوريون الجبليون وإقامتهم في أراضيهم باعتبار أنهم غرباء ودخلاء على بلادهم ومجتمعهم رغم محاولات البطريرك العديدة لتطمين دولة الفرس وسلطاتها من سلامة نيات الآشوريون تجاههم ، هذا من جهة ، أما من الجهة الثانية ، فالروس كانوا يقاتلون بكل حرية وشجاعة لتحقيق الأنتصارات على العثمانيين بينما الأنكليز كانوا يعيشون أحلامهم بانانية متناسين جهود الروس الحربية ومهمشين طموحات الآشوريين القومية للعودة الى موطنهم الأصلي بين جبال هيكاري الشامخة والشماء التي تكسوها الثلوج أغلب أيام السنة ، ذلك الملجأ الأمين والعرين الحصين البعيد عن النيل منه من قبل الأعداء المتربصين بهم باستمرار من العثمانيين والفرس والكورد . وعلى أثر هذا الحدث الكبير المزلزل حدث إنسحاب روسيا من الحرب كما ذكرنا ، وأخذ الأتراك العثمانيين يتحينون الفرصة ويشددون الخناق ويتهيئون لدخول معارك حاسمة ضد الآشوريون للأنقضاض عليهم وإبادتهم عن بكرة ابيهم إنتقاماً منهم والقيام بحملات تحث المسلمين على الأتحاد ومجابهة " الكفرة " ومحاربتهم حتى أن يركعوا لهم صاغرين . عند نهاية أشهر عام 1917 اي في موسم حلول عيد الميلاد المجيد كان الاشوريون قد أصبحوا في أسوء الأوضاع فأمتلأت العيون بالدموع والقلوب بالحسرات كونهم غرباء بعيدون عن موطنهم وارض أجدادهم رغم الشجاعة المدهشة والباسالة الفريدة التي أبدوها في الحرب وما حققوه من إنتصارات في المعارك على جبهات القتال منذ نزوحهم الجماعي التي أدهشت الأعداء قبل الأصدقاء . بدء القلق يساورهم ويسيطر على أحاسيسهم خاصة ما يتعلق بالمستقبل والمصير النهائي المهددان بأخطار الأبادة وإقتلاع الجذور ، ولكن كان تزامن وصول احد الضباط البريطانيين الكبار الى أورميا  في 28 / كانون الثاني / 1918 مع الحالة الآشورية المقلقة هذه قد أعاد بعض الأمال فاستبشر الآشوريون خيراً لأن زيارة هذا الضابط كانت زيارة خاصة ولمهمة خاصة جداً ومحدودة ، وكان هذا الضابط الكبير في المخابرات البريطانية ومبعوثها الى أورميا هو الملعون والسيء الصيت العقيد ( د . ف . غريسي ) )  Gracey  ) وكما قلنا إن انسحاب روسيا من الحرب شكل فراغاً كبيراً في جبهة الحرب في بلاد فارس لقوات الحلفاء لصالح القوات العثمانية ، ولذلك سعت بريطانيا من خلال مهمة مبعوثها العقيد غريسي العمل للتعويض عن هذا النقص الذي حصل في هذه الجبهة الستراتيجية لتقرير مصير الحرب ولغرض الأحتفاظ بطريق سالكة وأمينة باتجاه القارة الهندية . وهنا بدء العقيد غريسي بالعمل الدؤوب مع الاشوريون ذوي الخبرة والتجربية القتالية في الحرب مع القوات الروسية ضد القوات العثمانية في هذه الجبهة المهمة عسكرياً . كانت مهمة هذا الملعون المحددة لغرض إستغلال الآشوريون بأكبر قدر ممكن هي السعي الى إفشال مشروع حق تقرير المصير القومي للآشوريين وتأسيس دولة آشورية مستقلة في موطنهم الأصلي كما تم الأتفاق عليه مع الروس أولاً والسعي بمهمة الأستفزاز والتحريض لقتل البطريرك وإعاقة الآشوريين في إنهاء الحرب من جانبهم ثانياً . وسوف أخصص مقالي القادم لدور بريطانيا والعقيد غريسي وخيانتهم للآشوريين ومأسيهم في الحرب العالمية الأولى . 

خوشــابا ســـولاقا
4 / 7 / 2013       

198
هل كان قرار شعبنا الآشوري دخول الحرب العالمية الأولى قراراً صائباً ... ؟؟

المهندس : خوشابا سولاقا
على ضوء الأوضاع السيئة التي عاشها شعبنا الاشوري من الظلم والقهر والاستبداد والتمييز العنصري القومي والديني ، وما كان يعانيه من عمليات القتل المستمر والسلب والنهب وإغتصاب أعراض النساء التي كانت تمارسها بحقهم السلطات العثمانية والعشائر الكوردية بشكل خاص وبحق المسيحيين بشكل عام كما حصل على يد المجرمين بدر خان بيك ونورالله بيك في الفترة من 1843-1846  م وما قبلها ، حيث قتل وذبح عشرات الألاف من أبناء شعبنا الآشوري ومن المسيحيين ضحايا الحقد القومي والديني بتحريض من السلطات العثمانية الهمجية والمتخلفة الغارقة في الحقد والكراهية تجاه الآخرين وأحرقت عشرات القرى الآشورية وسرقت ونهبت ما فيها من مال وحلال وأغتصبت المئات من النساء والفتيات العذارى بهمجية شرهة وماتوا الألاف منهم جراء الظروف الصعبة التي خلقتها تلك التجاوزات والممارسات والأعتداءات ، كل ذلك جرى بحق أبناء شعبنا لا لذنب إقترفوه ولا لجرم إرتكبوه بحق احداً من الجيران لهم بل لمجرد كونهم آشوريين ومسيحيين هذا كان كل ذنبهم وجرمهم وليس إلا .. هذه الظروف الصعبة أذاق شعبنا الآشوري الأمرين على يد جيرانهم الكورد بتحريض ودعم وإسناد ومباركة السلطات العثمانية ، وتحت ضغط هذه الظروف الشاذة والعصيبة كان شعبنا أمام خيارين أحلاهما مُرّ لا ثالث لهما في اليد ، وعليه كان من حق شعبنا في ظل هكذا ظروف وأوضاع معقدة وصعبة تستنزفهم في كل إمكانياتهم أن يتعاونوا حتى وإن كان ذلك مع الشيطان كما يقال من أجل الخلاص والتخلص من كل هذه المظالم والمعاناة والشرور التي فرضتها وملتها عليهم إملاءً سياسات السلطات العثمانية العنصرية الهمجية الحمقاء قبل نشوب الحرب العالمية الأولى . وبعد نشوب الحرب في عام 1914 ودخول الدولة العثمانية الحرب الى جانب ألمانيا ضد الحلفاء ودخول موطن الآشوريين في أقليم هيكاري ضمن مناطق العمليات الحربية للجيش العثماني أصبح شعبنا بحكم هذا الواقع في خضم الحرب دون إرادته شاء أم أبى وبحكم ذلك ترتبت عليه إلتزامات وهو غير قادر على تلبيتها للجيش العثماني لكونه مجتمع محدود الأمكانيات المالية واللوجستية ، وعليه تصاعدت وتائر التجاوزات والأعتداءات على القرى الآشورية الآمنة وسكانها لأسباب كثيرة في مقدمتها كون شعبنا الآشوري يعتنق دين الأعداء للعثمانيين لذلك نالوا القسط الأكبر من المظالم والأعتداءات على يد الجيش العثماني والمتعاونون معه من العشائر الكوردية . وعليه توالت الأخبار السيئة عن القتل والمذابح وجرائم الأغتصاب وعمليات السلب والنهب على القرى الآشورية الآمنة التي كان يقوم بها الجيش العثماني والعشائر الكوردية الى المقر البطريركي في قودجانس بشكل مستمر . وفي خضم هذه الوقائع البشعة التي ترتكب بحق أبناء شعبنا الآشوري في مواطنه وصل ملك اسماعيل ومعه ( 600 ) مقاتل مسلح شجاع من تياري العليا الى قوجانس وبعد المناقشات والحوارات المستفيضة وبحضور ملكاني القبائل ورؤساء العشائر الآشورية تقرر ضرورة إخلاء قوجانس لكون الخطر القادم من الجيش العثماني والعشائر الكوردية قد أصبح على أبوابها ، وذلك لأبعاد سكانها وقداسة البطريرك عن الخطر القادم ، وعليه تم إخلاء النساء والأطفال والشيوخ المسنين ومعهم سورما خانم الى قرية " جمبا دملك " وبحماية ( 100 ) مقاتل آشوري شجاع ، وتم بعد ذلك إخلاء المقر البطريركي وبحماية ( 500 ) مقاتل آشوري الى منطقة " ديزان " الى قرية " ديزّ " تحديداً . وهناك في في قرية " ديزّ " وبتاريخ 12 / نيسان / 1915 حصل حدثاً جسيماً غير مجرى التاريخ للشعب الآشوري في العصر الحديث ، وقد حصل هذا الحدث عندما عُقد إجتماع موسع وتاريخي بحضور ملّكي القبائل ورؤساء العشائر ووجوه الأمة برأسة قداسة البطريرك مار بنيامين شمعون ولمدة خمسة أيام متتالية في احد بيوت القرية لتدارس وضع الشعب الآشوري في ظل الظروف المستجدة للحرب ولأتخاذ قراراً تاريخياً حاسماً وخطيراً واتخاذ موقفاً محدداً وصريحاً تجاه الأحداث الجارية للحرب الطاحنة والتي كانوا فيها الآشوريين بين حجري الرحى والقرار الصعب ، فاتخذوا القرار الصعب الشجاع وبموافقة جميع ملكي القبائل ورؤساء العشائر الحاضرين في الأجتماع فكان القرار إعلان الحرب على الحكومة العثمانية فأرسل على أثره رسالة رسمية الى الوالي العثماني في مدينة " وان " وقعها ممثلين عن كل القبائل والعشائر أي عشيرة تياري السفلى والتياري العليا وعشيرة تخومة وجيلو وباز وديزّ وأشتازين إضافة على قداسة البطريرك ، حيث قالوا الموقعون على الرسالة ( بسبب المذابح الوحشية والتهجير القسري للمسيحيين أخوتنا نرى انفسنا ملزمين على قطع علاقاتنا مع الباب العالي  ) . هذا القرار كان يعني دون شك دخول الحرب المشؤومة . وهكذا اصبح الاشوريين طرفاً في الحرب التي فرضت عليهم بحكم الظروف الصعبة فرضاً بسبب سلوك السلطات العثمانية المعادي للآشوريين . كما ان هذا القرار دفع بقرائح الأدباء والشعراء والمغنين فألفوا وأنشدوا الناشيد القومية التي توقظ الهمم وتبعث الحماسة في قلوب الآشوريين الشجعان . من الذين كتبوا قصائد من هذا النوع نذكر بالأديب الشهير شماشا أبرم الساراني لقد انتشرت تلك الأناشيد والأغاني القومية بين جماهير هيكاري من أبناء شعبنا الآشوري انتشار النار في الهشيم منتقلة من عشيرة ومن قرية الى أخرى مدحت تلك الأناشيد المارشمعون والبيت البطريركي والملكاني ورؤساء العشائر . لقد اشعلت تلك الأناشيد الحماسية جذوة الشعور القومي وبعثت الشجاعة وشجعت على التضحية بالنفس وبالغالي والنفيس من أجل خلاص الأمة والحرية والأنعتاق ، كما إنها أدت إلى توحيد الشعور القومي وتوثيق الروابط القومية بين أبناء الشعب بعد إنصهارها في بوتقة الحرب الضروس . وهنا أقتطف مقطع من إحدى تلك الأناشيد الحماسية الرائعة إذ يقول كاتبها " هيا إنهضوا يا إخوتي وألقوا عنكم ثياب الكسل ، إستيقضوا من غفوتكم ، صوبوا البنادق الى صدور الأتراك وقاتلوا ببسالة حتى يتحقق النصر .
ها هو الفجر يُشرق ، ها هي ساعة المواجهة قد أزفت هيا نواجه الأعداء .
هيا إلى الأمام نسير وتحت لوائك وباسمك سنقاتل يا مار شمعون .
هيا إنهضوا يا رؤساء ويا أمراء يا ايها الملّكي أنتم الذين أختاركم الرب الأله . تعالوا أستلموا قيادة جيشنا الساهر وأذهبوا به إلى ربوع أرض الأجداد .
 أيها الملّكي كونوا مقاتلين حقيقيين أسوداً شجعان كما كان ملوكنا في قديم الزمان .
إلى الأمام سنبقى نسير وتحت لوائك وباسمك سنقاتل يا مار شمعون .. .. وهكذا الى آخر القصيدة .

لقد جازف مار شمعون بنيامين بحياته خلال سنوات بطريركيته مراراً عديدة عندما كان يقوم بسفرات الى بلاد فارس وروسيا ومنها تلك التي قام بها خلال الأشهر حزيران وآب من عام / 1915 والتي كان غرضه منها الحصول على السلاح . وفي فصل الصيف من عام 1915 قامت القوات التركية – الكوردية بهجوم عنيف وشامل على مواطن الآشوريين المنتشرة في أقليم هيكاري وضربت حولها حصاراً شبه تام ، وفي حزيران 1915 قام الجيش التركي النظامي تعاونه جحافل من الأكراد المجهزين بالأسلحة الثقيلة وبالرشاشات والمدفعية بهجوم كاسح على موطن قبيلة تياري السفلى والتي كانت تعتبر من أكبر وأقوى القبائل الآشورية في أقليم هيكاري بقيادة الأمير الكوردي رشيد بيك البرواري وبالرغم من  التفوق التركي والكوردي في العدة والعدد على الآشوريين إلا أن القوات الآشورية تصدت لهم ببسالة وشجاعة نادرة من أجل تعويق تقدمهم مفسحين بذلك المجال للعوائل الأشورية بالأنسحاب باتجاه الأراضي الفارسية عبر جسر جيماني على نهر الزاب الكبير الأعلى ومن ثم قاموا بتدمير هذا الجسر وحرقه وغيره من الجسور على الزاب لتعويق عبور قوات العدو وملاحقتهم . وفي النهاية تمكنوا الأكراد من إحتلال تياري السفلى بقيادة زعيمهم اسماعيل آغا الأرتوشي - الشيكاكي  ( سمكو ) . ثم بدأ هجوم الأكراد على موطن عشيرة تياري العليا وإحتلالها . ثم جاء من بعد ذلك دور سعيد آغا الزعيم الكوردي من ( جال ) حيث هاجم " كلي سلابكان " والوادي الذي كان يتزعمه ملك برخو الثاني ملك قبيلة تياري السفلى كلها . هكذا استمر الجيش التركي العثماني والمتعاونين معه من الكورد في زحفهم غير المقدس فدفعت أمامها بجماهير المهجرين الآشوريين  وهي تبيد كل من يتخلف منهم عن الركب ويقع بين أيديها الملطخة بدماء الأبرياء من أبناء شعبنا المغلوب على أمره . وكانت الصورة على الأرض تبدو كما يلي جماهير السكان من العوائل تتجه شرقاً وجنوباً بعشرات الألاف نحو الأراضي الفارسية والقوات الاشورية تشكل ساتراً حديدياً رادعاً خلفها في مواجهة قوات العدو المتعطشة للقتل والذبح والأغتصاب تتصدى لها ببسالة وشجاعة نادرة ما بعدها شجاعة وتنزل بها الخسائر الفادحة بغرض إعاقة تقدمها والتقرب من العوائل المتجهة الى الأراضي الفارسية وكان في الحقيقة سباق مع الزمن لأنقاذ ما يمكن إنقاذه ، هكذا كانت صورة المعركة المصيرية مع عدو مجرم من اجل البقاء والأستمرار ، شكراً للأجداد الأبطال الذين تمكنوا من المحافظة على نسلنا الذي لا نستطيع نحن اليوم من حمايته حيث هو سائر نحو الزوال والأنقراض بين أنقاض بلدان المهجر والغربة ، يا ليتنا لم نكن أحفادكم يا أبطال الأمس !!! 
وعندما كان قداسة البطريرك مار بنيامين شمعون في طريقه الى مدينة سلامس الأيرانية برفقة مائتي مسلح من حمايته يحملون البنادق واجهوا القوات التركية وأجبروها على الهرب وترك بعض المواقع التي سبق وإن إحتلوها منها ، في الطريق استلم قداسة البطريرك ماربنيامين شمعون رسالة من والي الموصل المجرم حيدر بيك يقول فيها (( صدر القرار باعتبار منطقة تياري منطقة عمليات عسكرية وحرب فعلية قوامها النيران الحارقة والدماء الجارية مخضبة الأرض . أخوك هرمز أسير عندنا ، إذا لم تعط الأوامرلأتباعك ليستسلموا لقواتنا فإننا سنقوم باعدام أخيك هرمز . )) فكان جواب قداسة البطريرك مار بنيامين شمعون الفوري التالي : - (( أبناء شعبي هم كلهم إخوة حقيقيون لي ، عددهم كبير جداً . أخي هرمز لا يمثل إلا فرداً واحداً من كل هذا المجموع الكبير ليكن هرمز ضحية بريئة نقدمها لخلاص الشعب كله )) . وبناءً على هذا الجواب المفعم بالبطولة والشجاعة والشهامة والتضحية ونكران الذات والتحدي البطولي لقداسة البطريرك تم تنفيذ حكم الأعدام بهرمز الشاب البرئ في الموصل وهو طالب دراسة في استطنبول ، هذه التضحية النادرة لم يَقدم على تقديمها أحداً من ملّكي ورؤساء عشائر ووجهاء من أبناء شعبنا سابقاً . هكذا يجب أن يكون من يريد أن يكون زعيماً وقائداً لأمته لكي ينال حبهم واحترامهم ويكسب ولائهم وثقتهم ليقتدون به ، عليه أن يكون مستعداً للتضحية بأغلى ما عنده وبعزيز غالي إليه في سبيل أبناء أمته كما فعل الشهيد الخالد البطريرك مار بنيامين شمعون . كم كنتَ عظيماً وبطلاً حقيقياً يا مار بنيامين في تضحيتك بأخيك هرمز الشهيد في سبيل أمتك الآشورية ، وكنتَ أعظم وأسمى عندما ضحيت بحياتك عندما قررت الذهاب الى كونا شهير لمقابلة المجرم سمكو الشيكاكي بالرغم من التحذيرات الكثيرة التي أُزديت إليك للتخلي عن الذهاب لكون الامر ينطوي على مخاطر جمة تهدد حياتك ، إلا أنك قررت الذهاب في سبيل تأمين الأمان والسلام لأبناء شعبك المشرد من مواطنه مضحياً بحياتك وأنت شاب في مقتبل العمر في الرابعة والثلاثين من العمر ، كان إستشهادك خسارة كبيرة لأمتنا وهي تعيش معمعة الحرب من أجل البقاء ، ولكن غدروا سمكو والانكليز والحكومة الفارسية بك وإغتالوك غدراً يا أعظيم العظماء ، ولكنهم لا يعرفون أنهم بأغتيالك قد جعلوك تحيا خالداً الى الأبد في قلوب ونفوس وروح كل الآشوريين الى أبد الدهر .. كنت مثالاً رائعاً للشجاعة والبطولة والتضحية والفداء في حياتك القصيرة لقد جسدتَ شخصية السيد يسوع المسيح له المجد في تضحيتك بالنفس في سبيل خلاص شعبك من مظالم العثمانيين والكورد يا شهيد الأمة الآشورية . لم تستطع كل الصعوبات المدمرة والأبتزاز العاطفي من إهباط عزيمة البطريرك مار بنيامين الشهيد وأبناء شعبه الشجعان . إنهم قد قرروا بذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق حريتهم وضمان حقوقهم ووجودهم القومي في الحياة . لقد كان قداسة المارشمعون بنيامين بتضحياته هذه في سبيل شعبه هو المسيح بذاته إن جاز التشبيه ، ما الذي يجب أن يقدمه قداسته أكثر مما قدمه من التضحيات ليستحق أن يكون بطلاً قومياً لأمته وشهيدها الخالد وشبيهاً بالسيد المسيح له المجد ؟؟ .
وبناءً على ما تقدم نستطيع القول أن قرار قيادة شعبنا في دخول الحرب العالمية الأولى الى جانب الحلفاء بالضد من الدولة العثمانية كان قراراً صائباً مئة في المئة ولم يكن لهم خيار آخر أفضل لأن العثمانيين والكورد كانوا قد قرروا إبادة الشعب الآشوري في أراضي الأمبراطورية العثمانية حتى وإن بقوا على الحياد من الحرب وهذا ما تشير إليه كل الدلائل والمؤشرات على أرض الواقع قبل وأثناء وبعد الحرب ، وليس كما يدعي البعض ممن يتصيدون في الماء العكر ويقولون كلمة حق يراد بها باطل من المعارضين للعائلة البطريركية لأسبابهم الشخصية وخلفياتهم المذهبية غير المعلنة إبتداءً من السيد نمرود عم الشهيد الخالد المار بنيامين شمعون في هيكاري الى المتفرجين على ضحايا مذبحة سُميل عام 1933 في العراق ، والتاريخ وحده يشهد ويكشف عن الحقائق من دون أن يتمكن احداً من التصدي له والوقوف بوجه إرادته .. 

199
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 12 ) والأخيرة
المهندس : خوشابا سولاقا
بعد أن انتهت معركة ديربون بشبه هزيمة منكرة لقوات بكر صدقي والكيلاني من وراءه بالرغم من تفوقها على القوات الآثورية بالعدد والعُدة وباستعمال كل أساليب الغدر والخديعة والخيانة والوعود والمكر وبالدعم اللوجستي للقوة الجوية البريطانية لها حول تحركات القوات الآثورية . توجهت هذه القوات بعد أن استلمت أوامر صريحة ومباشرة من القائد المهزوم العقيد الحاقد بكر صدقي الى القرى الآثورية الآمنة والعزل من السلاح ونزلت بهم قتلاً وفتكاً دون التمييز بين الرجال والنساء والشيوخ والأطفال وقامت بنهب كل ما وقع تحت أيديهم من الأموال والحلي والحلال ، حيث انطلقت غريزتهم النهمة للقتل والنهب والسرقة والاغتصاب التي لا تحدها حدود ولا تردعها رادع الأخلاق والإنسانية بل تجسدت عندهم الهمجية بأقصى مستوياتها . وكما ذكرنا في القراءات السابقة أن الحكومة كانت قد قامت بشن حملات إعلامية واسعة ضد الآثوريين عبر الصحف ووسائل الأعلام الأخرى قبيل مذبحة سُميل لإثارة وشحن مشاعر الحقد والكراهية والعنصرية لدى العراقيين المسلمين من العرب والأكراد تجاه الآثوريين الكفرة عملاء الاستعمار الانكليزي وحسب إدعائها ، وكانت قد نشرت خلال الفترة من الأول إلى الرابع عشر من تموز ما يقارب من ثمانين مقال في الصحف العراقية الرئيسية جميعها تدعو إلى إبادة الآثوريين والقضاء عليهم في العراق ، وكما دعت السلطات العراقية إلى الحرب المقدسة – الجهاد – على الآثوريين الكفرة ودعت الشباب من الناس الى التطوع وحمل السلاح والمشاركة في الجهاد المقدس ، ودعت في ذات الوقت العشائر العربية والكردية إلى التطوع لحماية الوطن من خطر الأثوريين الدخلاء عملاء الاستعمار الانكليزي . وكانت كل هذه الدعوات العدوانية التحريضية والتي تدعو إلى العنصرية القومية والدينية قد شحنت الناس من الأميين وشبه الأميين بالحقد والكراهية والرغبة بالانتقام من الآثوريين الذين يريدون الشر بالعراق وشعبه وبالدين الإسلامي خدمة للاستعمار كما ادعت الحكومة في إعلامها . وبعد هذا فلا عجب وفي هذا الجو المحموم والمشحون بالانفعال والتضليل وبالإثارة والتحريض والتشجيع أن تنطلق كوامن الشر والجريمة والانتقام من عقالها ويشيع القتل والنهب واغتصاب الأعراض وأن تصل الأحداث ذروتها في حادثتي مذبحة سُميل بذبح السكان العزل من السلاح وقتل الأسرى الآثوريين بالجملة في منطقة عبور نهر دجلة قرب قرية ديربون .
وكما قلنا بعد انتهاء المعركة في منطقة ديربون بعد عشرين ساعة وفي تمام الساعة ( 13 ) من يوم 5 / آب / 1933 انسحبت القوات العراقية المندحرة تجر أذيال الخيبة والهزيمة والخذلان والخزي والعار التي لحقت بها إلى القرى الآثورية الآمنة وبدءوا بعمليات إبادة جماعية بسكان تلك القرى المسالمين دون رحمة أو تمييز بين من كانوا من أنصار البطريرك مار إيشاي شمعون وبين من كانوا من أنصار ملك خوشابا والمؤيدين له من الموالين لحكومة رشيد عالي الكيلاني الفاشية ، وأخذوا ينقلون جثث القتلى من الرجال الذين قتلوهم من تلك القرى إلى الحدود السورية – منطقة المعركة – محاولين بذلك خداع وتضليل الغير وإقناعهم بأن القتلى هم من ضحايا العمليات الحربية في ساحة العمليات كتغطية لهزيمتهم المنكرة ، ومع ذلك فأنهم أي القوات العراقية لم يكتفوا بهذه الأعمال الوحشية البشعة ، بل راحت هذه القوات ورجال البدو تحاصر القرى الآثورية وتصادر الأسلحة الخاصة بالسكان وتأمرهم بمغادرة منازلهم وقراهم والتجمع في قرية سُميل القريبة من دهوك حيث قد أفهموهم ووعدوهم بالحماية تحت ظل العلم العراقي ، أما في واقع الحال فكانوا هؤلاء الأوغاد المجرمون يعدون بذلك العدة لإبادتهم جميعاً في دفعة واحدة . أما أولئك الذين رفضوا الانصياع إلى أوامرهم في مغادرة مساكنهم وأماكنهم في قراهم فقد أعدموهم مباشرة . وفي اليوم الثامن من آب وصل عدد كبير من سكان تلك القرى الى سميل دون أن يعرفوا ما الذي ينتظرهم من مصير . وفي سُميل أول من قتل هناك كان المدعو كوريال شمعون يونان البازي والذي سنأتي على ذكر التفاصيل عن مقتله وشقيقه رئيس قرية سُميل المدعو يونا شمعون يونان البازي وواحد وثمانون شخصاً من حاشيتهم في داره المكتظة بهم من الأطفال والنساء والشيوخ والذين تم قتلهم جميعاً بدم بارد في ذات الدار وتحت العلم العراقي الذي كان يرفرف فوقه . وبهذا الخصوص تذكر الكاتبة الفرنسية السيدة كلير ويبل يعقوب في كتابها الموسوم " سورما خانم " من ترجمة السيد نافع توسا في الصفحات ( 259 ، 260 ) ما يلي :
في الصباح الباكر من يوم الجمعة المصادف 11 / آب / 1933 قام عريف الشرطة ناشد جواد في سُميل بفصل النساء والأطفال دون العاشرة عن الرجال والذكور من عشرة سنوات فما فوق وطلب العريف من النساء الانتشار ودخول بيوت القرية – يقصد سُميل – . حوالي الساعة الثامنة صباحاً رفع العلم العراقي على مبنى المركز ، بعد ذلك شوهدت أعداد من الجنود العراقيين بقمصانهم الزرقاء القاتمة يتقدمون نحو قرية سُميل قادمين من الطريق المتجهة الى زاخو . كما شوهدت جموع سائبة وكأنها ذئاب جائعة تدفعهم غريزة القتل والجوع من عرب قبيلة شمر ومعهم أكراد تابعين لمحمود آغا السيواني قادمة نحو القرية هي الأخرى . وعندما وصل هؤلاء القرية قاموا بمحاصرتها من كل الجهات ، الضابط الذي كان يقود الجنود العراقيين توجه إلى مركز الشرطة ومعه جنديان . عند وصوله المبنى قال له المدعو كوريال شمعون يونان البازي والذي ورد ذكره سابقاً وهو كما ذكرنا أخو المدعو يونا شمعون يونان البازي رئيس  قرية سُميل أنا مواطن عراقي وكذلك كل هؤلاء الحاضرين هنا إننا كلنا عراقيين . إذا ما كنتم تريدون التعرض لنا فنرجو أخذنا الى القائم مقام في دهوك وهناك سترون أسمائنا في السجلات الرسمية للدولة - وهنا يقصد كونهم من الموالين للحكومة / كاتب المقال - . تظاهر الضابط بالاقتناع بما سمعه من كوريال ، وأنزله من المكان الذي كان يقف فيه إلى أسفل المنحدر برفقة أحد الجنود عندئذ قام الجندي الآخر بإطلاق النار على كوريال من الخلف وقتله في الحال ، هذه الإطلاقة كانت العلامة أو الإشارة ببدء تنفيذ المجزرة . وعلى أثر ذلك تسارع الجنود بقمصانهم الزرقاء الغامقة نحو بيوت القرية وقاموا بقتل كل الذكور الذين يزيد أعمارهم على العشر سنوات . الآثوريين البازيين الذين كانوا مع كوريال البازي كان عددهم ( 81 ) رجل تم إعدامهم جميعاً بانطلاقات مسدسات . ست من النساء حاولن الدفاع عن أزواجهن فقتلنَ في الحال مع الرجال ومعهنَ ستة أطفال . الرجال الآخرون الذين كانوا لا يزالون أحياء داخل بيوت القرية تم القبض عليهم وإعدامهم داخل البيوت . بينما كانوا يحاولون الدفاع أو الهرب . عدد القتلى الذين تم التعرف عليهم بحدود ( 112 ) قتيل والذين لم يتم التعرف عليهم كان يتراوح عددهم ( 200 – 250 ) قتيل أو قد يزيد على ذلك . ومن الجرائم البشعة التي تقزز منها النفوس كانت هناك امرأة حامل تدعى ( خمي ) وهي زوجة المدعو ( هاويل ) قتلت بعد شق خاصرتها وإخراج الجنين من بطنها كان الجنين لا يزال حياً فذبح ذبحاً ، يا للبشاعة يا أوغاد الكيلاني وبكر صدقي وحكمت سليمان كم كنتم قساة وبلا ذمة ولا ضمير !! ، وكذلك كان من بين القتلى ( 11 ) كاهن معروفة هوياتهم وتم قتلهم بعد تعذيبهم بوحشية وحوش الغابة وتم التمثيل بجثثهم الطاهرة  واثنان منهم كاثوليكيان . بعد تنفيذ المذبحة بدأ الجنود المتوحشين بتجريد الضحايا الأبرياء من كل ما كانوا يملكونه من مال وحلي ذهبية ، ثم توجهوا إلى النسوة وخاصة الجميلات منهن واغتصبوهن كوحوش كاسرة وكلاب مسعورة . العرب والأكراد قاموا بنهب وسلب كل ما وجدوه من أمتعة وملابس وأثاث بعد أن قضوا وطراً مع النسوة اللواتي اغتصبوهن جنود الجيش العراقي وتحت راية العراق . وكانت من بين الضحايا المغتصبات زوجة ياقو الذي كان من المفروض فيه ان يكون قائداً للآثوريين وسبق أن غادر الى سوريا اغتصبت مرات عديدة وسلبت الحلي التي كانت معها ثم تركت ذليلة محطمة لقدرها المجهول ومعها أبنتيها اللتين كانتا برفقتها – وهنا قد يكون من تقصده المؤلفة بياقو ملك ياقو وليس غيره / كاتب المقال - .. وعند الغروب صدرت الأوامر للجنود بالانسحاب من القرية . الوحوش الكاسرة والهمج من قبائل البدو العرب والأكراد بقوا في القرية ليكملوا الغزوة فينهبوا ما تبقى من أسلاب في البيوت المملوءة بجثث المغدور بهم . أثناء البحث عن الأسلاب المتبقية تم العثور على بعض الرجال الذين كانوا لا يزالون جرحى يأنوا فأجهزوا عليهم ذبحاً بخناجرهم كذبح النعاج أو برصاصات رحمة إن توفرت لهم رصاصات . آه كم كنتم قساة يا أولاد البغاء والخطيئة يا خنازير البرية لقد جُبلتُم من طين القتل والجريمة والحرام !! . عندما جاء الليل وخيم الظلام على سُميل المذبوحة قامت جماهير العرب والأكراد بنهب الماشية العائدة إلى المغدور بهم من الآثوريين ومعها الحيوانات الأخرى وعادوا إلى خيامهم بعد غزوة موفقة ومجزرة ناجحة خططت لها دولة دخلت عصبة الأمم حديثاً كدولة متحضرة ولكن في الحقيقة اختارت ان تدخلها وهي ترتدي ثوب الخزي والعار والجريمة قدمتها ورعتها دولة تسمى بريطانيا العظمى !! تباً لكِ يا بريطانيا وألف تباً لعظمتكَ يا نبع الشر والخسة والغدر والخيانة والنذالة ونكران الجميل لمن أحسن إليك يا مثال للانحطاط الأخلاقي ولنكث الوعود والعهود يا بريطانيا الدنيا والدنيئة في سلم الأخلاق والشرف إذهابي إلى الجحيم وبئس المصير ادخلي إلى مزبلة التاريخ ملطخة بالخزي والعار هذا هو استحقاقك الحقيقي وليس العظمة !! . غادر الجميع قرية سُميل المذبوحة تاركيها تلعق جراحاتها وتشكو إلى الله رب السماوات ظلم الإنسان لأخيه الإنسان . الباقين من النسوة الثكلى على قيد الحياة والأيتام المساكين قضوا الليل الطويل في بكاء ونحيب ورعب وكوابيس رهيبة بانتظار بزوغ الفجر القادم بماذا سيأتيهم من فواجع ومأسات جديدة في قادم الأيام . مذبحة سُميل الرهيبة سجلها التاريخ في صفحاته السوداء وستبقى خالدة إلى أبد الدهر على اسم دولة العراق الفتية وحكومتها الفاشية ورجالاتها ذوي الخلفية والثقافة العثمانية وخاصة العسكريين الذين خططوا وأشرفوا على التنفيذ وأيضاً على اسم أولئك العرب والكورد الذين شاركوا في المجزرة فلطخوا أيديهم بدماء آثورية بريئة وكذلك على اسم من تعاونوا من الآثوريين مع الحكومة العراقية المجرمة آنذاك .  
ويؤكد المؤرخ الآشوري قسطنطين بيتروفيج ماتفيف بارمتي في كتابه الموسوم " الآشوريون والمسألة الآشورية في العصر الحديث " عن كل ما ذكر فيما سبق عن حقيقة المجازر التي حدثت في قرية سميل الشهيدة بحق الآثوريين الأبرياء ونقتطف منها نموذج مما ذكره لأجل المقارنة مع ما ذكرته السيدة كلير ويبل يعقوب .
أقتبس من الصفحة / 135 ما يلي " فقد قتل جميع سكان القرية رجالاً ونساءً وأطفالاً وذلك بعد أن أخرجوهم من منازلهم ورموهم بالرصاص كما أنهم مثلوا بجثث رجال الدين . أما النساء نزعوا ثيابهنَ وجعلهنَ يمرنَ من أمام الجنود وهن عاريات كما إنهم اغتصبوا الفتيات من هن وأحرقوهنَ بعد ذلك " .
أيها القارئ الكريم هكذا كانت شجاعة وشهامة قادة الحكومة العراقية الأوغاد آنذاك أمثال الأمير غازي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان وياسين وطه الهاشمي ونوري السعيد وعلي جودت الأيوبي والحاقد بكر صدقي وغيرهم ممن لهم ضلع في التخطيط والتنفيذ لهذه الجريمة النكراء التي تبقى وصمة عار في تاريخ الدولة العراقية الحديثة قديماً وحديثاً . لقد جرت المذابح على امتداد شمال العراق كله في العمادية وزاخو ودهوك وشيخان وضواحي الموصل وأماكن أخرى . ولما كانت المذابح مستمرة كانت الطائرات البريطانية تجوب الأجواء وتوجه فعاليات الجيش العراقي وتعقب فلول الآثوريين في المنطقة وتصورها من الجو . كما وصل في ذات الوقت إلى المنطقة كل من وزيري الداخلية حكمت سليمان والدفاع جمال بابان العراقيين كي يطلعوا عن كثب على عملية سير المذابح ، وكان همهم الرئيس وشغلهم الشاغل فيما إذا كان الجنود يعاملون الآثوريين بقسوة أم لا ؟؟ وهل تشارك القبائل الكردية كلها في عمليات القتل والذبح بهمة ونشاط أم لا ؟؟ وهنا لا بد من أن نذكر بأمان وإنصاف بأن الكثير من القبائل والعشائر الكردية قد قدمت بيوتهم ملاجئ آمنة للاثوريين الذين التجأوا إلى قراهم طلباً للحماية . ومع ذلك لفقت الحكومة العراقية بأن منظمي المذابح بحق الآثوريين كانوا من الكورد فقط وإن أكبر الخسائر الآثورية متعلقة بهجوم الأكراد الذين لم تحرضهم الحكومة العراقية على الذبح – لاحظوا هنا هذا يعني اعتراف صريح أنه كان هناك تحريض من الحكومة على ذبح الآثوريين / كاتب المقال - ، ولكن هناك الكثير من الدلائل تشير أن معظم العشائر الكردية في المنطقة وقفوا على الحياد تجاه نداء الحكومة حول إبادة الآثوريين . إن المذابح ارتكبت على أيدي قوات الحكومة وأعوانها . وفي صباح يوم 16 / آب / 1933 وصلت شاحنات لنقل ما يقارب ( 400 ) آثورية ثكلى من بقايا ضحايا سُميل الى الموصل وضعت النسوة في خيام معزولة وقدم لهن الطعام الضروري من قبل الحكومة لغرض استعمال ذلك في الدعاية لتضليل الرأي العام العالمي حول ما جرى من مجازر . وبعد ذلك أعلنت حكومة رشيد عالي الكيلاني وأعوانه من الفاشيين بدون خجل للعالم كله بنصرها المؤزر عبر الصحف ووسائل الأعلام والنشر أنها تمكنت من القضاء على الثورة الآثورية المندلعة في العراق . مضيفة أن السلام عاد يخيم على شمال البلاد وأن غالبية الآثوريين الموالية للحكومة تشكر الحكومة العراقية وتقيَّم جهودها وتسامحها الإنساني وخاصة الشهامة التي أبدتها تجاه المتمردين وإنها في الوقت ذاته تقدم الشكر العميق لإمكانية بقائها في العراق – يقصد هنا الموالين للحكومة من الآثوريين أنصار ملك خوشابا / كاتب المقال - بارك الله فيكم يا نشامة لرد الجميل للحكومة الفاشية !!! عجيب غريب أمركَ يا حكومة القتلة كيف تحول عندكم القتل والذبح للعزل من السلاح والأطفال والشيوخ واغتصاب النساء وبقر بطون الحوامل من هُن وذبح الأجنة وقتل الأسرى والجرحى إلى شجاعة وشهامة وبطولة وتسامح ومحبة ؟؟؟ ولكن ينطبق عليكم المثل القائل " إن لم تستحي فأفعل وقل ما تشاء " . وخلاصة القول كان عدد الشهداء المغدور بهم في هذه المذبحة " مذبحة سُميل " كبير يتراوح من ( 4000 ) إلى (  6000 ) شهيد من مختلف الأعمار ومن الجنسين ، لقد اختلفت المصادر التاريخية الآثورية والأجنبية على دقة هذا الرقم ولكن مهما كان الحال فهو ضمن هذه الحدود وهو رقم مهول وكبير وفق كل المعايير ، وهذه المذبحة تعتبر عملية إبادة جماعية ( الجينوسايد ) يتطلب من ممثلي شعبنا في مجلس النواب العراقي اليوم عرضها إلى المحاكم الدولية المختصة وتحميل القائمين بها كامل المسؤولية وتعويض المتضررين من أبناء شعبنا .
وفي ختامنا لهذه القراءات ليس بوسعنا إلا أن نقتبس بالمضمون ما قاله المرحوم مؤلف الكتاب عبدالمجيد حسيب القيسي في معرض تقييمه لأحداث الاثوريين على ضوء ما قرأتموه في القراءات التي قدمتها لكم على التوالي يقول المؤلف ما يلي :-
(( بصرف النظر عن حقيقة النصر أو زيفه الذي تدعيه حكومة الكيلاني وأعوانه على الاثوريين ، وبصرف النظر أيضاً عن أخطاء الحكومة وتعمدها الوصول الى حالة الصدام المسلح مع الآثوريين ، وبصرف النظر كذلك عن ضعف السلطة الإدارية وتخبطها في معالجة الأمر ، وعن غطرسة القائد العسكري بكر صدقي وضعف استحكاماته العسكرية في منطقة العبور وتوقه الشديد الحاقد للانتقام من الآثوريين ، وبصرف النظر أخيراً عن صدق أو كذب نية الآثوريين بالقيام بعصيان مسلح أو ثورة شاملة ضد الحكومة والدولة العراقية ، نقول بصرف النظر عن كل هذه الظروف فقد كان من الممكن للحكومة العراقية إيجاد المبرر لتصرف القوات العسكرية العراقية يومي 4 و5 / آب / 1933 بأنه دفاع عن النفس في المأزق الذي زجت فيه دون مبرر من قبل أقطاب الحكومة الحاقدين على الآثوريين والمتعطشين للانتقام منهم وإبادتهم ، لو أن هذه القوات قد اكتفت بدحر المسلحين الآثوريين العابرين للنهر وإحراز الانتصار عليهم وانتهاء القتال عند هذه النقطة لكان قد تم حقن الدماء الزكية التي روت أرض سميل ، ولكان لم تزهق كل تلك الأرواح البريئة التي ذبحت ذبح النعاج على أرض سميل ، ولكنها لم تفعل بل تجاوزت هذا الحد بكثير بناءً على أوامر وتوجيهات صدرت إليهم من قائدهم الحاقد المتعطش لدماء الآثوريين بكر صدقي انغمست في الأيام العشرة التالية فيما سمته بعملية مطاردة الآثوريين الفارين أينما وجدوا سواءً كانوا من الموالين للحكومة أومن المعارضين لها دون تمييز !! وكانت أعمال المطاردة هذه نابعة عن حقد أسود وانتقام بربري وهمجية متوحشة كانت أشد عنفاً وقسوةً على الآثوريين من تلك الساعات العشرين من القتال )) . فأساءت هذه الأعمال البربرية المتوحشة للجيش العراقي وبعض القبائل العربية والكردية المخدوعة بالدعاية المغرضة للحكومة من قتل واغتصاب والتمثيل بجثث رجال الدين وقتل الأطفال الرضع على صدور أمهاتهم وذبح حتى الأجنة بعد بقر بطون الحوامل من النساء كما حصل للشهيدة خمي زوجة الشهيد هاويل في قرية سميل وسلب ونهب الأموال والمقتنيات والحلي الشخصية للمغدور بهم من الآثوريين الى سمعة الجيش العراقي والعراق وفتحت لهما  في سجل التاريخ الإنساني أولى الصفحات السود من الخزي والعار وستبقى سوداء ملطخة بالجريمة إلى أبد الآبدين وستبقى الأجيال الاثورية تذكر تلك الدماء الزكية التي أريقت على أرض سميل بفخر واعتزاز وتلعن كل من خان القضية وسبب في زهق تلك الأرواح البريئة مدى الدهر . ))
وعلى ضوء ما تقدم لدينا الاستنتاجات التالية :-
1 ) كان قرار دخول الآثوريين الحرب العالمية الأولى في ظل ظروفهم تحت الظلم العثماني واعتداءات الكورد قراراً صائباً .
2 ) كان قرار الآثوريين دخول الحرب كحلفاء وليس كأتباع من دون توثيق ذلك التحالف بوثيقة تحريرية رسمية مع الكابتن الانكليزي غريسي خطأً تاريخياً قاتلاً ارتكبته القيادة الاثورية .
3 ) كانت المؤامرة المدبرة من الانكليز لتصفية قداسة البطريرك مار بنيامين شمعون على يد سمكو الشيكاكي عام 1918 طعنة غادرة وجهت إلى قلب القيادة الآثورية وكانت بداية الهزيمة التاريخية لهم لنيل حقوقهم القومية لاحقاً .
4 ) إن نكث بريطانيا لوعودها التي قطعتها للاثوريين بإقامة منطقة حكم ذاتي تحت إدارتهم في مناطقهم في هيكاري وشمال العراق مقابل دخولهم الحرب إلى جانب الحلفاء وخيانتها لعهودها لهم كانت وصمة عار في تاريخ بريطانيا ومثالاً صارخاً لنكران الجميل لمن أحسنوا عليها .
5 ) كانت الحكومة العراقية الكيلانية قد خططت وصممت مع سبق الإصرار على شن الحرب على الآثوريين وإبادتهم ، حيث كان الكيلاني قد صرح بما يلي " سأفعل بالآثوريين ما فعلوه الأتراك بالأرمن " وكانت القوات العراقية هي من بدأت بإطلاق النار في معركة العبور .
6 ) كان سعي بريطانيا لدق الإسفين بين القيادات الميدانية العشائرية والعسكرية من جهة وبين القيادة الدينية للآثوريين نقطة البداية لتمزيق وحدة الصف وإضعاف القيادة الآثورية تنفيذاً لمبدأ بريطانيا الاستعماري " فرق تسد " ووعدت البعض بتوليها للقيادة العسكرية والبعض الآخر للقيادة الزمنية ، وكانت أولى نتائج تلك المساعي معارضة كل من آغا بطرس وملك خوشابا لرسامة مار إيشاي شمعون بطريركاً ، وكانت هنا نقطة البداية وهذا التخندق الظاهري بين اختيار مار طيماثيوس مطران ماليبار في الهند وبين مار إيشاي أدى إلى الانشقاق في صفوف الأمة وكان حسب وجهة نظري المتواضعة وآلت إليه الأمور لاحقاً الخطأ التاريخي الأكبر القاتل الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم ، ولو لم يحصل ذلك الانشقاق لكانت الأمور قد سارت على غير  ما سارت إليه ، ولما كان يحصل ما حصل في سُميل وصوريا وقريتيَّ سردشت وهلوه وجمي ربيتكي وبليجاني وغيرها العشرات من قرى شعبنا في كوردستان اليوم .    

المجد والخلود لشهداء سُميل الشهيدة والخزي والعار لبريطانية العار وحكومة الكيلاني الفاشية المجرمة

انتهت القراءات


200
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 11 )
المهندس : خوشابا سولاقا
بعد الاجتماع الذي أنعقد في ديوان متصرفية الموصل والذي نوهنا عنه سابقاً برأسة وكيل المتصرف خليل عزمي بتاريخ 11 و12 / تموز / 1933 وبحضور كل من المفتش الإداري البريطاني المستر ستافورد وخبير الإسكان المستر تومسن وبحضور ممثلي الآثوريين من الموالين لسياسات الحكومة حول مشروع الإسكان والمعارضين لها والذي دعي فيه وكيل المتصرف الآثوريين المعارضين للمشروع وخيرهم بين القبول به والبقاء في العراق وبين مغادرتهم للعراق وعند اختيارهم المغادرة تكون الحكومة على أتم الاستعداد لتقديم التسهيلات اللازمة للمغادرة ، وبناءً على ذلك قرر ممثلي المعارضين والذين يمثلون حسب إحصاءات الحكومة 1350 عائلة مغادرة العراق إلى سوريا . وعلى أثر هذا الاجتماع وبتاريخ 21 / تموز / 1933 وصل إلى منطقة العبور إلى سوريا على الجهة الشرقية لنهر دجلة عند قرية فيشخابور بحدود 1350 مزارع من أتباع ملك ياقو ملك إسماعيل وملك لوكو التخومي تاركين عوائلهم ورائهم في العراق ، وكما ذكرنا في القراءات رقم ( 9 و 10 ) قامت الحكومة بتحشيد أرتال من الجيش وشرطة القوة السيارة مسلحة بالأسلحة الرشاشة في منطقة العبور ووضع القوة الجوية في قاعدة الموصل تحت الإنذار لحالات الطوارئ المحتملة وانيطت قيادة هذه القوات بالعقيد الحاقد بكر صدقي ، وقامت تلك القوات ببناء مواقع وربايا محصنة ومسلحة بالرشاشات على التلال الجبلية المطلة على مناطق العبور من نهر دجلة ، وبعد العبور الى الجانب الغربي من نهر دجلة طالبوا زعماء الآثوريين العابرين ممثل الانتداب الفرنسي في منطقة الحدود استحصال موافقة بيروت على السماح لهم بدخول الأراضي السورية والإقامة فيها . ولكن تدخلات الانكليز وتنسيقاتهم مع الفرنسيين حالت دون ذلك فامتنعت فرنسا استقبالهم ، إضافة الى مطالبة المجاميع التي عبرت النهر إلى الأراضي السورية بتسليم أسلحتهم من البنادق والذخيرة وهي السلاح الشخصي لرجال العشائر والتي يعتبر تسليمها إهانة لهم ولذلك أبوا تسليمها . وعلى ضوء هذا الواقع المستجد قرروا العودة إلى العراق بعد إعطائهم الأمان من قبل الانكليز والحكومة العراقية .
بعد أن اشتدت هذه الأزمة واتخذت طابعاً دولياً بدعم وإسناد من بعض الأوساط البريطانية الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني من المتعاطفين مع القضية الآثورية وإجبارهم للحكومة البريطانية للتدخل لدى الملك فيصل ، وبعد أن غدت القضية تشكل خطراً على سمعة العراق في المحافل الدولية وكونه عضواً حديث العهد في عصبة الأمم أصبحت الحكومة العراقية ومن ورائهم الانكليز في موقف محرج لا يحسدون عليه لذلك تطلب الأمر منهم التصدي لهذه المشكلة ، ولكن كانت العقدة الأساسية في هذه الأزمة هي مطالبة الحكومة العراقية الاثوريين العائدين إلى العراق من سوريا بعد ان رفضت السلطات الفرنسية قبولهم في سوريا تسليم أسلحتهم الشخصية الى السلطات الفرنسية مقابل قبول عودتهم الى العراق إلا أنهم رفضوا ذلك الطلب المهين . وعل أثر هذه الإشكالات الإدارية بخصوص القضية وإطلاق سراح قداسة المار شمعون من السجن جرت تبادل رسائل عديدة بين جلالة الملك فيصل الأول من جهة وبين ولي العهد الأمير غازي ورئيس الديوان الملكي علي جودت الأيوبي ورئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني من جهة ثانية ، حيث كان الملك يلح في رسائله الى ضرورة الإفراج عن قداسة المار شمعون والسماح له بالعودة الى الموصل أولاً والسماح للعائدين الى العراق من الاثوريين ممن عبروا إلى سوريا مع أسلحتهم الشخصية ثانياً ، إلا أن الحكومة الكيلانية وقفت بالضد من طلبات الملك وأبت أن تنفذ إرادته الملكية ورفضت أوامره إليها بغرض تحقيق أهدافها في خلق الفرص والأسباب الموجبة والمبررات التي سعت إليها للتصادم المسلح مع الآثوريين وإبادتهم بدافع الحقد والكراهية والعنصرية القومية والدينية المتأصلة في نفوسهم وثقافتهم وتربيتهم وخلفياتهم الاجتماعية .
وكانت آخر رسائل جلالة الملك فيصل بخصوص هذه الأزمة إلى رئيس الوزراء كانت الأولى في 28 / تموز / 1933 حيث أكد فيها الآتي – أقتبس " إن نزع سلاح أولئك الأشخاص ليس من الأمور الحيوية بعد أن سمحت لهم الحكومة بالرجوع . إني أعلم جيداً بان الحكومة أقوى منهم ، وإنها تتمكن من إخماد أي حركة تأتي منهم بسرعة " . ثم رسالته الثانية كانت في 30 / تموز / 1933 بعد أن طالبته الحكومة البريطانية تحت ضغط الرأي العام البريطاني بالعودة الى العراق والقبض بنفسه على زمام الحكم لخطورة الموقف ، على ضوء هذا الواقع طالب الملك مجلس الوزراء أقتبس من رسالته ما يلي : " أن يتدبر في الأمر وإذا لم توقفوا الحركات التأديبية وتطلقوا سراح مار شمعون خلال أربعة وعشرين ساعة وتبرقوا إلي بذلك سأضطر الى العودة الى العراق بالطائرة للنظر فيما يلزم " . وكانت آخر رسالة جوابية من رئيس الحكومة رشيد عالي الكيلاني لا تقتصر على تأكيد رئيس الوزراء على موقفه السابق من الآثوريين فحسب بل إنها كانت رسالة تتسم بالجفاء والتحدي والفظاظة ، حيث رد على برقية الملك بما يلي " أن الحكومة البريطانية ليس من حقها أن تنذر جلالتكم لأن قضية الآثوريين قضية داخلية صرفة تخص زمرة من رعايا العراق تمردت على القوانين والأنظمة العراقية وقامت بعصيان مسلح ضد الأمن الداخلي ويكون ذلك من حق العراق بل من واجب حكومتها أن تقوم بتأديبهم لإعادة الأمن والنظام الى البلاد كما هو شأن كل حكومة هذا إن الوزارة ترى من المصلحة الاستمرار على تأديب هذه العصابة حتى يعود الأمن والنظام الى نصابهما . أما رجوع جلالتكم إلى البلاد فمنوط برأيكم غير أن هذا لن يغير من موقفنا في أمر تأديب هذه الطغمة الباغية " لاحظوا هنا رعونة وصلافة هذا الشخص وحقده وإصراره على تنفيذ جريمته بحق شعبنا المغلوب على أمره .. ولكن من الملاحظ هنا أنه لم يقم الآثوريين وحتى ذلك الحين الذي أرسل الكيلاني هذه الرسالة بأي عصيان مسلح ما عدا حادث ملك ياقو الذي تقدم ذكره والذي انتهى دون أن تطلق طلقة واحدة ودون إراقة قطرة دم واحدة . وهذا معناه أن الأمور لم تكن كما وصفها رشيد عالي الكيلاني في رسالته إلى جلالة الملك فيصل الأول ، هكذا كانت الحكومة تسوق أكاذيبها وتلفيقاتها وتروج لمؤامراتها ودسائسها لتضليل الرأي العام العراقي والدولي  بالخطر الوهمي للآثورين الذي يهدد كيان العراق في وسائل إعلامها الرسمية .
وعندما انتهت الترتيبات والتنسيقات الجارية بين الحكومة العراقية والانكليز من جهة وبين سلطات الانتداب الفرنسية في سوريا من جهة ثانية على عدم قبول إسكان الآثوريين العابرين الى سوريا بالبقاء والتوطين فيها تقرر إعادتهم الى العراق بعد تجريدهم من السلاح من قبل سلطات الانتداب الفرنسي ، وعلى هذا الأساس فإن الممثل الفرنسي في لجنة الحدود أبلغ زميله العراقي في آخر اجتماع تم بينهما بتفهم الحكومة الفرنسية للدوافع التي تملي على العراق طلب تجريد الآثوريين من أسلحتهم قبل عبور النهر في طريق عودتهم إلى العراق ووعد بقيام السلطات الفرنسية بهذه المهمة ، وإن لم تتمكن من القيام بها فستقوم بإخبار السلطات العراقية بعودة الآثوريين قبل موعدها بوقت مناسب ، فقد اطمأنت الحكومة العراقية على تحسن الأحوال استنادا على هذه الوعود لقبول عودة الآثوريين الى العراق . ولكن سرعان ما شابت الأجواء هذه غيوم الحذر والشكوك بعد أن نكلت السلطات الفرنسية عن تنفيذ وعودها سواءً كان ذلك عن سوء النية منها أم عن عجزها بتنفيذها أم بسبب كون الآثوريين لم يجتازوا الحدود العراقية لكون منطقة خانك ( كولي جيلي ) ما زالت أرض عراقية لم يتم تسليمها الى سوريا إلا في 4 / آب / 1993 حسب عبدالرزاق أسود ص / 154 ج/7 من كتابه موسوعة العراق السياسية ، وعليه فإن بنود اتفاقية 1926 لا تنطبق على الحالة الآثورية هذه ، وبذلك لربما أرادت سلطات الانتداب الفرنسي أن تنأى بنفسها من مسؤولية ما مخطط له من قبل الحكومة العراقية والانكليز للإيقاع بالآثوريين في شِراكها وهذا هو السبب المرجح لعدم الإيفاء بتعهداتها تجاه الحكومة العراقية . ومهما كان السبب فإن ذلك صار السبب الأول في وقوع الأحداث الدامية في الأيام القابلات . ففي يوم 2 / آب / 1933 أجتمع الممثل الفرنسي إلى قائم مقام دهوك وأخبره أن السلطات الفرنسية صادرت من الآثوريين الذين يرومون العودة إلى العراق 336 بندقية و13000 طلقة بندقية حسب السيد عبد الرزاق أسود ص/ 154 من كتابه " موسوعة العراق السياسية " ثم قررت إعادتها إليهم وإعادتهم إلى العراق دون الإشارة إلى الأسباب الموجبة ربما للسلطات الفرنسية من اسباب تحفظت المصادر العراقية من ذكرها لعلها تفضح مؤامرات ودسائس الحكومة العراقية المبيتة تجاه الآثوريين العائدين !! . ولما علمت الحكومة العراقية بقرار سلطات الانتداب الفرنسي في سوريا قررت السماح بعودة الاثوريين إلى العراق بشرط تجريدهم من السلاح وأوعزت الى قوات الجيش والشرطة المنتشرة في منطقة العبور تنفيذ ذلك .. وكان إصرار الحكومة العراقية على نزع سلاح العائدين أمر حساس للغاية لأن نزع سلاح الرجل العشائري تعتبر إهانة لشرفه أولاً ثم إيداع تنفيذ تلك المهمة الى الجيش المشحون عاطفياً بالحقد والكراهية ضد الآثوريين العائدين ثانياً هو السبب الثاني الذي سرع من أمر وقوع الأحداث الدامية التالية . وبسبب هذه التطورات كتب الكثير من الآثوريين المهاجرين الذين انخدعوا بأضاليل الحكومة ووعودها الكاذبة باستقبالهم بسلام وأمان في العراق رسائل إلى ذويهم وأقاربهم في العراق بنيتهم على العودة والاستقرار فيه بعد أن خابت أمالهم بالتوطين والسكن في سوريا . خلال أيام الثلاثة الأولى من شهر آب عبر نهر دجلة إلى العراق أربعة أشخاص وقاموا بتسليم أسلحتهم إلى الشرطة العراقية بإرادتهم دون مشاكل ، وعلى ما أعتقد كان عبور هؤلاء الأربعة وتسليم أسلحتهم إلى الشرطة جس النبض واختبار لنوايا القوات العراقية ، فعندما مر الأمر بسلام وهدوء وما أن حل اليوم الرابع من آب حتى بدأت أعداد كبيرة من الآثوريين تقدر ب ( 300 ) شخص عبروا النهر الى العراق بأسلحتهم ودون قيام الفرنسيين بإخبار السلطات العراقية بقدومهم وفي مساء نفس اليوم 4 / آب / 1933 وفي تمام الساعة السادسة مساءً عبرت مجموعة أخرى مسلحة مكونة من ( 700 ) شخص ، فهنا بدأ إطلاق النار من الربايا المطلة على منطقة العبور على المجموعة العابرة للنهر ، وقد اختلفت الروايات حول من بدأ بإطلاق النار أولاً فهناك الكثير من المصادر الآثورية والأجنبية تؤكد إن القوات العراقية هي من أطلقت النار أولاً والمصادر العراقية الرسمية تتهم بأن الآثوريين هم من بدأ بإطلاق النار أولاً على الربايا المطلة على النهر وعلى القوات التي تقدمت لنزع سلاحهم ، وقد تكون هذه الحماقة قد ارتكبت بسبب تدبير مسبق ومخطط له أو بمجرد ردود أفعال لمشاعر الهلع والخوف لقوات الجيش العراقي ، ومهما كان الأمر فإن المعركة قد اندلعت بين الطرفين أسفرت في بدايتها عن سيطرة الآثوريين على الربيئة السابعة للجيش العراقي ومن ثم زحفوا للسيطرة على الربايا العسكرية الأخرى وتمكنوا منها بعد قتل عدد من جنودها واستمر القتال طول الليل حتى ظهيرة اليوم الثاني حيث أستطاع الآثوريين زحزحة القوات العراقية عن مواقعها وقتل عدد من أفرادها . ولما طلع النهار وأطلع بكر صدقي على حالة انهيار جيشه وأصبحت هزيمته قاب قوسين أو أدنى أسرع  إلى الاستنجاد بالقوة الجوية المرابطة في قاعدة الموصل فتم إرسال عدة طائرات يقودها طيارين بريطانيين كما يذكر المؤرخ الروسي ياليانيف حسب رياض رشيد الحيدري في ص / 362 من كتابه " الآثوريين في العراق 1918 -1933 " وقد نجحت الطائرات في مهمتها في خداع وتضليل الآثوريين حيث قامت بعد إلقائها بضعة قنابل على مواقع تواجد الآثوريين بإلقاء مناشير تدعوهم إلى الاستسلام مقابل ضمان سلامتهم وإعطائهم الأمان والعفو عنهم  بكفالة الانكليز ، فعلى ضوء هذه الخدعة الجديدة القديمة من الانكليز والحكومة العراقية تمكنت مجموعة منهم تقدر بحوالي ( 500 ) نفر بينهم ملك ياقو وملك لوكو التخومي بالعودة إلى سوريا حيث اعتقلتهم السلطات الفرنسية هناك وفر البقية الباقية منهم والذين يقدر عددهم بحوالي ( 200 ) نفر بجماعات صغيرة نحو التلال المحيطة ومنها توجهوا إلى بيوتهم متخفين وهنك من صدق وعود الانكليز وسلموا أنفسهم إلى الجيش العراقي وتم إعدامهم على الفور ميدانياً . وبعد عشرين ساعة من بدأ الهجوم أعلنت الحكومة العراقية في الساعة ( 13 ) من بعد ظهر يوم 5 / آب / 1933 انتهاء القتال. ليبدأ انتقام الجيش العراقي المهزوم والمحتقن بالأحقاد بقيادة العقيد الحاقد بكر صدقي من الآثوريين العزل الآمنين من الموالين للحكومة أنصار ملك خوشابا والمعارضين للحكومة أنصار قداسة المار شمعون دون تمييز من الأطفال والنساء والشيوخ في القرى الآثورية المنتشرة في المنطقة ومنها سُميل الشهيدة حيث كانت المجزرة الرهيبة ..

نلتقي في القراءة رقم ( 12 )


201
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 10 )
المهندس : خوشابا سولاقا
كما لاحظتم كيف انتهت حركة ملك ياقو على ما انتهت إليه وحسب ما تم ذكره في القراءة رقم / 9 من دون عنف ومن دون استخدام السلاح وإراقة الدماء بسبب تدخل وجهود كل من المفتش الإداري البريطاني الكولونيل ستافورد والخبير البريطاني في لجنة الإسكان الميجر تومسن من جهة واستجابة ملك ياقو لمساعيهما من جهة ثانية ، هدأت النفوس الهائجة وسارت الأمور خير ما يُرام الى الحل بشكل سلمي ولم يبقى منها سوى إطلاق سراح قداسة المار شمعون المعتقل بأمر من وزير الداخلية خلافا للقانون والدستور في بغداد والسماح له بالعودة الى مقر عمله في الموصل لغرض استئناف التفاوض معه ومع أتباعه بشأن مشروع الإسكان ، إلا ان حكومة رشيد عالي الكيلاني الغارقة في غيّها وحقدها الأسود فاجئت أتباع قداسة المار شمعون وجلالة الملك فيصل الأول بإصرارها على استمرار اعتقال قداسة المار شمعون وعدم السماح له بالعودة الى الموصل ، مما تفاقمت شكوك الجميع بمصداقية الحكومة في وعودها على حل مشكلة الآثوريين في العراق سلمياً عن طريق الحوار ، ولذك رجعت الأمور مرة أخرى الى حيث ما كانت قبل انتهاء حركة ملك ياقو !! . علماً بأن الحكومة أدعت بعد انتهاء حركة ملك ياقو بأنها تريد أن تبعث الاطمئنان في نفوس الآثوريين وتعيد ثقتهم بحسن نواياها وصدق وعودها ن تجاههم ، ولكن أين كان القول من الفعل في ممارساتها الماكرة ؟؟ ، ولتحقيق هذه الغاية دعت متصرفية لواء الموصل زعماء الآثوريين كافة الموالين لها والمعارضين الى اجتماع  عقدته يومي 11 و 12 / تموز / 1933 لشرح سياستها الإسكانية تجاه الآثوريين ولشرح وبيان ما أستبهم للآثوريين فهمه من قرارات عصبة الأمم بشأن قضيتهم . وقد حضر الاجتماع ممثلي 4350 عائلة من الموالين للحكومة وممثلي 1300 عائلة من المعارضين لها حسب المصادر الحكومية الرسمية ، ولكن في حقيقة الأمر إن هذه الأرقام غير دقيقة ومبالغ بها لصالح الموالين للحكومة وخضعت لعمليات التزوير من قبل الحكومة والمتعاونين معها كما تذكر بعض المصادر الأخرى وبالأخص مصادر أتباع البطريرك . وألقى في هذا الاجتماع كل من وكيل متصرف لواء الموصل السيد خليل عزمي والمفتش الإداري البريطاني المستر ستافورد وخبير الإسكان المستر تومسن خطباً في شرح المواضيع التي عقد الاجتماع من اجلها ، فتطرق وكيل المتصرف السيد خليل عزمي الى موضوع مطالبة قداسة المار شمعون بالسلطة الزمنية على الآثوريين وأعلن في كلمته رفض الحكومة القاطع لهذا الطلب ، كما أعلن عن تصميمها القاطع أيضاً على السير قُدماً في مشاريع الإسكان حسب مشروعها القاضي بإسكان الآثوريين في مناطق متعددة ومتفرقة ومتباعدة أي بمعنى رفض الإسكان في منطقة واحدة متجانسة حسب قرار مجلس عصبة الأمم وكما يطالب قداسة المار شمعون وأتباعه ، وعلى هذا فالذين لا يرغبون في الانتفاع من مشروع الحكومة ويريدون مغادرة العراق فالحكومة على إستعداد لتقديم كل التسهيلات الممكنة لهم لمغادرة العراق – يرجى التركيز على ما ورد في هذه الكلمة الماكرة – ثم تبعه المفتش الإداري البريطاني المستر ستافورد وكرر رغبة الحكومة الصادقة في توفير الأرض لجميع الآثوريين وحَمَّل المعارضين لهذه المشاريع مسؤولية عدم تعاونهم مع الحكومة أي بمعنى إن الانكليز كانوا على توافق مع الحكومة وأيدوا مشاريعها حول الإسكان ، وحبذا من جانبه أيضاً مغادرة العراق لمن لا يرغب منهم بالاستيطان وفق مشاريع الحكومة في العراق . وفي نهاية الاجتماع رفع الرؤساء الموالين للحكومة ( أتباع ملك خوشابا ) كتباً يؤيدون فيها إجراءات الحكومة بخصوص الإسكان ويجددون ولائهم لها . ولكن يستدل من الرسالة التي رفعها أنصار قداسة المار شمعون والتي سأنشر نصها في أدناه ، إن الاجتماع قد تطرق الى أمور أكثر حساسية من موضوع الإسكان لم تذكرها المصادر الحكومية العراقية ولا مؤرخو الأحداث في هذا الاجتماع ، إذ يبدو أن أنصار المار شمعون طولبوا في هذا الاجتماع بتقديم تعهدات معينة فرفضوها . وهذا نص الرسالة (( إننا حين دعينا الى هذا الاجتماع كنا نظن أن هذه الدعوة تتعلق بالإسكان فقط . أما الآن فنقول بصورة نهائية أن غبطة البطريرك المار شمعون هو وكيلنا وإننا لم نسحب منه هذه الوكالة بعد . وعلى هذا فليس في إمكاننا إعطاء أي قرار الى أن يحضر غبطته هنا )) . وهكذا انتهى هذا الاجتماع دون أن ينتهي الى نتيجة إيجابية أو يحقق تقارباً ملموساً سوى أنه خلف في أذهان الآثوريين انطباعا عن نوايا الحكومة ، وأن ما سبق قوله عن رغبة الحكومة في مساعدة الراغبين بالهجرة من العراق معناه السماح لهم بمغادرة العراق دون الحاجة الى مراجعة الحكومة واستئذانها ولعل هذا الفهم كان الباعث لهجرة بعض الجماعات والتي أدت في نهاية المطاف الى المأساة الدامية . ومن جهة أخرى يبدو أن الحكومة الكيلانية باتت تحس بالحرج من موقفها تجاه قداسة المار شمعون وإصراره على عدم إعطاء التعهد المطلوب منه وبالتالي استمرار بقائه محجوزاً في بغداد رغم انتفاء مبررات حجزه رغم كونها مبررات واهية وضعيفة أصلاً ولا تستند على سند من القانون ، لكن شعورها بالإثم كانت تأبى عليها أن تصدع بالحق وأن تَقدم من تلقاء نفسها على إطلاق سراح قداسة المار شمعون فيكون عندها عملها اعترافا صريحاً منها بخطأ عملية توقيفه منذ البداية ، ولذلك عَمدت الى الاستعانة بملك ياقو وملك لوكو التخومي القدوم الى بغداد لإقناع قداسة المار شمعون بإعطاء التعهد المطلوب ليؤذن له بعد ذلك بالعودة الى مقر عمله في مدينة الموصل . وبخصوص هذا الموضوع هناك مصادر تذكر بأنهما أي ملك ياقو وملك لوكو التخومي بدلاً من ان يذهبا الى بغداد يمما وجهيهما شطر الأراضي السورية وعبرا نهر دجلة عند قرية فيشخابور يوم 17 / تموز / 1933 وطلبا من الضابط الفرنسي في الحدود مفاتحة بيروت لاستحال موافقتها على السماح لهما بدخول الأراضي السورية ، وليس معروفاً فيما إذا كان عملهما هذا قد تم بمبادرة منهما شخصياً أم بعلم وتوجيه من قداسة المار شمعون أو من أحد أفراد عائلته . ولكن المصادر العراقية الرسمية فتكاد تجزم بأن ملك ياقو وملك لوكو التخومي قد سافرا الى بغداد وقابلا قداسة المار شمعون والذي أقترح عليهما أو أمرهما بالهجرة الى سوريا وزودهما بكل التفاصيل ، في الغالب فإن الرواية العراقية غير دقيقة وهي فيها شئ من الدس وروح التآمر لغرض تحميل قداسة المار شمعون وأتباعه مسؤولية ما قد يحصل جراء تلك الهجرة المرتب لها مسبقاً من قبل الحكومة العراقية والانكليز والفرنسيين .
ولكن مهما يكن من أمر الباعث على سفرهما فإنهما لم ينتظرا ورود الموافقة الفرنسية من بيروت على دخولهما الأراضي السورية وإنما استعجلا الأمر فأرسلا الى أتباعهما أخباراً غير صحيحة عن ترحاب السلطات السورية بهم وعن استعدادها لمنحهم الأراضي لتوطينهم فيها مع إعفائهم من الضرائب والى غير ذلك من الأوهام وطلبوا إليهم الإسراع باللحاق بهما . وكانت الأخبار التي سمعوها الآثوريين من أن الحكومة العراقية تسمح للراغبين بالهجرة من العراق ترن في مسامعهم ، لذلك فما أن وردت إليهم الأخبار من زعمائهم ملك ياقو وملك لوكو التخومي بدعوتهم بالهجرة من العراق الى سوريا حتى أندفع الى منطقة العبور في قرية فيشخابور يوم 21 / تموز / 1933 قرابة 1350 مزارع تاركين ورائهم في العراق دورهم وعائلاتهم دون حماية ، مما يدل على انتفاء فكرة العنف والقتال عندهم مع القوات الحكومية العراقية حتى ذلك الحين على الأقل ، وفي المقابل كانت قوات عماد للجيش العراقي قد انتشرت في منطقة العبور قبل بدء هجرة الآثوريين من أتباع المارشمعون من العراق الى سوريا ، وإنهم شاهدوا هذه القوات أثناء هجرتهم وشاهدوا حجمها وكثافتها واستعداداتها ، وهنا لا بد أنهم أدركوا عدم قدرتهم على مجابهتها ومباغتتها . فإن كان في نية الآثوريين مقاتلة الجيش العراقي فإن أبسط قواعد منطق العقل تقتضي بأن يصحبوا معهم عائلاتهم ليبعدوها عن الخطر وعن أماكن تواجد وتمركز القوات العراقية ، إذ ليس من المعقول والمنطق أن يتركوا الرجال نسائهم وأطفالهم تحت رحمة القوات العراقية التي ينوون مقاتلتها ، وهذا ما يؤكد أن الآثوريين لم يكن في نيتهم مقاتلة القوات العراقية في أي حال من الأحوال إلا في حالة الدفاع عن النفس وهم مرغمين ومضطرين إليها عند الغدر بهم من الطرف الأخر وهذا ما حصل بالفعل لاحقاً .
وعلى كل حال فإن هذه الهجرة تركت انطباع لدى الأوساط الحكومية العراقية أن احتمال الخلاص من الآثوريين بات قيد المنال ولهذا فلم تعمل قائمقامية قضاء دهوك شيئاً من قبيل إيقاف هذه الهجرة ودعت الأمور تسير نحو الحاوية والكارثة فوقعت المجزرة الدموية في الأيام اللاحقة .
ولغرض فهم تطور الأحداث فهماً صحيحاً وموضوعياً لابد من الإشارة هنا الى أمرين هامين .
الأمر الأول : هو وجود اتفاقية لتنظيم انتقال العشائر بين سوريا والعراق عقدت في نيسان من عام 1926 يهمنا منها هنا الالتزام ببنودها في موضوع هجرة الآثوريين من العراق الى سوريا حيث تنص هذه الاتفاقية على إنتقال العشائر من والى دون أذن مسبق من حكومة البلد الآخر  .
الأمر الثاني : إن المنطقة الواقعة على الضفة الغربية من نهر دجلة والتي عبر إليها الآثوريين من العراق تدعى منطقة خانك ( كولي جيلي ) والتي كانت تدخل ضمن الحدود العراقية آنذاك والتي لم يتم تسليمها الى سوريا رسمياً إلا في 4 / آب / 1993 ، وعليه فإن الفرنسيين لم ينظروا الى المهاجرين الآثوريين العابرين الى الجهة الأخرى من نهر دجلة على أنهم في أرض سورية بل إنهم ما زالوا في أرض عراقية ، ولذلك فقد كان لهذا اللبس الذي ربما تعمدته السلطات الفرنسية لأبعاد نفسها عن تحمل المسؤولية أثر كبير في تطور الأحداث اللاحقة . وهذه النقطة في غاية الأهمية حيث يمكن قانوناً اعتبار عدم حصول الهجرة فعلياً من العراق الى سوريا وفق ما روجت لها الحكومة العراقية ، وعليه تعتبر كل الإجراءات التي اتخذت من قبل الجانب العراقي والانكليزي والفرنسي على أساس كون هذه المنطقة أرض سورية إجراءات غير قانونية وتتحمل هذه الأطراف مسؤولية ما جرى بحق الآثوريين من مذابح .
لا شك في أن الحكومة العراقية كانت تعرف الطرق القويمة والحلول الصحيحة لمعالجة موضوع هذه الهجرة الطارئة ولكنها لم ترد سلوك سُبل الحكمة والرشاد والصبر والأناة وإنما وجدت فيها حَطباً جديداً تضيفه الى نار المشاعر الملتهبة والعواطف الثائرة فتزيدها ضراماً واتقادا بعد أن كانت قد أوشكت على الذبول والانطفاء ، فلجأت الحكومة الى طريقتها المعهودة في تضخيم الأحداث وتهويلها وتصويرها على غير حقيقتها فادعت أن في هذه الهجرة تهديداً لكيان العراق وأمنه ، وهي جزء من مؤامرة انكليزية – فرنسية لمهاجمة العراق بغرض تقسيمه بينهم والآثوريين كما كانت تزعم الدعاية الحكومية ، تصوروا كم كان الغباء السياسي لحكومة رشيد عالي الكيلاني ، من يصدق هذه التحريفات والتخرسات البليدة والدعاية الغبية ، ولكن في الحقيقة كل ذلك كان مخططاً له من اجل خلق المبررات لشن حرب الإبادة ضد الوجود الآثوري في العراق . ونتيجة للموقف الذي وضعت الحكومة نفسها فيه أمام الجماهير العراقية لم يكن أمامها بعد ذلك من وسيلة للخروج من مأزقها هذا غير الاستمرار في سلوك سبل التصعيد والإثارة في الأقوال والأفعال. وليس هذا فحسب بل ليس أدل على نية الحكومة المبيتة وتصميمها الراسخ من الاصطدام مع الاثوريين من قيامها بالحشد العسكري في مناطق العبور على نهر دجلة . فقد تم تشكيل قوة عسكرية لهذا الغرض أطلق عليه اسم قوة عماد وأسندت قيادتها الى العقيد بكر صدقي الذي كان متحمساً ومهوساً ومتلهفاً بدافع حقده لمقاتلة الآثوريين بل لإبادتهم . وفي يوم 25 / تموز / 1933 جرى تحشد قوة عسكرية كبيرة مؤلفة من ثلاثة أرتال من الجيش مشاة ورشاشات وثلاثة أرتال من قوات الشرطة السيارة ومرابطة القوة الجوية الملكية في الموصل تحت الإنذار ، وقد أقاما الرتلان الأول والثاني من ارتال الجيش ربايا عسكرية مسلحة بالرشاشات وزعت على المناطق الجبلية المطلة على مناطق العبور المحتملة وأخرى مثلها لحماية المؤخرة خلف نقاط التجمع للآثورين . ولا شك أن هذه الإجراءات الاستفزازية للحكومة قد زادت من عوامل الخوف والتوتر في المنطقة .
والسؤال هنا موجه للجميع من دون استثناء من المنصفين ومؤازري الحق والحقيقة ، هل إن كل هذه الإجراءات العسكرية تدل على حسن النوايا وصدق الوعود ومعالجة الأمور بالحكمة والعقل والصبر من قبل الحكومة كما تدعي ؟؟ وهل أن الطرف الآخر بعد مشاهدته لهذه القوات المحتشدة بهذه الكثافة والمتفوقة عليه بالعدد والعدة تكون له نية ويغامر بمقاتلتها وهو لا يحمل غير البنادق الخفيفة وذخيرة محدودة .؟؟ من المؤكد إن الأمر ليس كما صورته وهولت له الحكومة الكيلانية ، ولكن الطرف الأخر كان قد حسم أمره واتخذ قراره الخبيث لتنفيذ الجريمة بموافقة ودعم أسياده الانكليز وتأييد أعوانه الآخرين فحصل ما حصل من إراقة دماء الآثوريين الشهداء الأبرار فاستشهدوا في سبيل قضية أمتهم وحريتها في الوجود على أرض الإباء والأجداد ..

                   نلتقي في القراءة رقم ( 11 )           


202
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 9 )

المهندس : خوشابا سولاقا

في مجال تبريرالحكومة لوجوب استمرار إعتقال قداسة المار شمعون ذكر رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني في برقيته الأولى الى الملك فيصل الأول ما يلي :-
" لما هو محقق من ظهور الفتنة واضطرار الوزارة لحفظ الأمن وخاصة ما ظهر من معاضدة ياقو مع مائتين من اعوانه للعصيان المسلح وهم يتجمعون بصورة رئيسية على طريق دهوك – العمادية ورفض المار شمعون إعطاء التعهد لحفظ السلام " . والمراد بقول رئيس الوزراء هنا هو عدم إمكان إطلاق سراح قداسة المارشمعون لرفضه إعطاء التعهد وإن عصيان ملك ياقو وأتباعه هو ما تزعم الحكومة ما ينوي قداسة المار شمعون القيام به ضد الدولة  .
ولكن ما هي حقيقة حركة ملك ياقو التي أقلقت حكومة رشيد عالي الكيلاني فأولتها كل هذا الاهتمام وجعلت منها حرب حياة أو موت يتوقف عليها مصير العراق وبقاء المملكة وزوالها من عدمه ؟؟ . وخلاصة القصة بقضها وقضيضها كانت من بدايتها هو أن قائم مقام دهوك أوقف بعضاً من أتباع ملك ياقو بتهمة دخولهم إلى مدينة دهوك وهم مسلحين ، وهو حادث تافه وسخيف وبسيط ليس أدل على تفاهته وسخافته من قدرة القائم مقام على تجريدهم من سلاحهم وزجهم في التوقيف دون مقاومة منهم . وفي مثل هذه الحالات كان من المفروض بالقائم مقام أن يستجيب للوساطة بإطلاق سراحهم ويعيد إليهم سلاحهم خارج المدينة ، أو في أسوء الأحوال يصادر سلاحهم لو كان مهنياً في عمله وإدارته إلا أنه لم يكن كذلك ، لكن ما حصل هو أن القائم مقام ركب رأسه فرفض مساعي ملك ياقو للوساطة لإطلاق سراح الموقوفين من أتباعه مما دفعه على دخول مدينة دهوك يوم 21 / مايس / 1933 ومعه مائة رجل مسلح من أتباعه بعد ان قاموا بقطع خطوط التليفون بين دهوك والموصل واقتحموا دار الحكومة ( القائمقامية ) ودخلوها وأمروا القائم مقام بإطلاق سراح الموقوفين من أتباعه وإلا قاموا بإطلاق سراحهم بالقوة ، فقد رضخ للتهديد وأطلق سراح الموقوفين .
وكان الخطأ هنا هو خطأ القائم مقام فلو أنه عقل وتدبر لَما كانت هناك حاجة لتوقيف الجماعة الأولى بعد أن تم تجريدهم من سلاحهم دون رفض أو مقاومة ، وحتى بعد توقيفهم فقد كان الأولى به قبول مساعي الوساطة والظهور بمظهر القوي ، ولكن القائم مقام لم يفعل وأختار الخضوع إلى التهديد والظهور بموقف الضعيف المهان . وهنا يقدم المؤرخ الحسني أحد أعوان الكيلاني إلى تقديم رواية مختلفة لهذا الحادث فيقول فيها إن قائمقامية دهوك استدعت ملك ياقو إليها فجاءها يوم 21 / مايس / 1933 ومعه حرس مسلح حيث هزءا بالقائم مقام ووجه إليه كتاباً بلهجة شاذة . وبالرغم من اختلاف الروايتان إلا أنهما انتهتا إلى نتيجة واحدة بسلام دون قتال أو صدام وعنف وإن ذلك أدى إلى الكشف عن ضعف القائم مقام وسوء تقديره للأمور كما ينبغي وكما يتطلب الموقف في مثل هكذا ظروف متأزمة .
ومما يجب التنويه عنه هنا هو أن هذا الحادث قد وقع وانتهى قبل حدوث المجابهة بين وزير الداخلية السيد حكمت سليمان وقداسة المار شمعون بأسبوعين على الأقل . أي أنه ليس هناك أسباب من تلك التي ادعت بها الحكومة في تبريرها لاعتقال قداسته ، ثم وصلت إلى الشمال بعد ذلك أخبار اعتقال قداسة المار شمعون بغية إرغامه على إعطاء التعهد الذي طلبته منه الحكومة . وكان من الطبيعي أن تثير هذه الأخبار أنصاره وهياجهم وأن ينعكس ذلك على طريقة تعاملهم مع ممثلي الحكومة المحليين من جهة ومع الآثوريين الموالين للحكومة الذين رحبوا وأيدوا إجراءاتها حول مشروع الإسكان في مناطق متعددة ومتباعدة وغيرها من الإجراءات من جهة ثانية . ولعل هذا كان بعض ما تهدف إليه الحكومة عن تخطيط مسبق لخلق الأرضية المناسبة لتوجيه ضربة عسكرية الى الآثوريين من أتباع قداسة المار شمعون وإبادتهم حسب خطة حكومة رشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان كما سيتضح ذلك في القراءات اللاحقة .
واستغلالا لضعف السلطة الإدارية في لواء الموصل بعامةً وفي دهوك بخاصةً وإظهاراً لتضامنهم مع قداسة المار شمعون وتحدياً لمعارضيهم الموالين للحكومة من الآثوريين بدأت جماعة مسلحة من أنصار ملك ياقو تجوب المنطقة ناشرة الرعب والذعر بين الناس ، وفي 19 / حزيران / 1933 علمت السلطة بأن أتباع ملك ياقو قد بلغ عددهم المائتان من المسلحين نصفهم حاول إقامة المتاريس وقطع الطريق على الآثوريين الموالين للسلطة (أتباع ملك خوشابا ) . العارفون بشؤون الإدارة والملمون بطرق التعامل مع العشائر في العراق لا يرون في هذا الحدث شيئاً ينطوي على خطراً مباشراً يهدد أمن وكيان الدولة العراقية كما وصفته وهولت له الحكومة في إعلامها الرسمي ، وإنما هو عمل عادي ومألوف يعالج بالحكمة والروية ، ولكن قائم مقام دهوك عجز عن التعامل مع هذا الحادث بالعقل والحكمة هذا من جهة ، ولعدم ثقة ملك ياقو بالقائم مقام لأسبابه الشخصية بعد تجارب سابقة معه من جهة ثانية ، فقد تولى قائم مقام العمادية معالجة الأمر بالحكمة والعقل فذهب ومعه مفتش الشرطة البريطاني وأحد المبشرين الأمريكان واجتمعوا بملك ياقو وحاولوا إقناعه بسحب أعوانه المسلحين من أماكنهم وإزالة الحواجز المنصوبة على طريق دهوك – العمادية ، ولكن ملك ياقو أجاب الوسطاء بأنه لن يستجيب لمطلبهم قبل قيام الحكومة بسحب قوة الشرطة المحتشدة في دهوك ، وقبل أن تتوصل الى إتفاق مع قداسة المار شمعون حول قضايا إسكان الآثوريين والسماح له بالعودة الى مقر عمله في الموصل ، وإطلاق سراح احد الزعماء الآثوريين المسجون في دهوك ، وإعتبار ملك خوشابا وأتباعه خونة . ولما كانت رغبة الحكومة في إلهاء الناس عما تعانيه من مشاكل كثيرة وشظف العيش واستقطابهم إلى جانبها فقد عمدت إلى تضخيم الأحداث وتهويلها وجعلت من حادث قطع الطريق بين دهوك والعمادية من قبل مائتي مسلح بأسلحة خفيفة فقط عصياناً مسلحاً كاسحاً وحربا ضروساً ، وأصبحت مبالغات الحكومة بالأحداث حقائق مطلقة لا تقبل الشك أو النكران ، وقد اثرَّ ذلك في الوجدان العراقي تأثيراً سلبياً في تحقين وتحشيد المشاعر المعادية للوجود الآثوري في العراق ، مما حذا بالمؤرخين العراقيين لأن يصفوا هذه الأحداث بشتى الصفات ، حيث قال الحسني بوصفها " حالة مخيفة " ووصفها رياض رشيد الحيدري " مؤامرة انكليزية " ووصفها السيد عبدالرزاق أسود " إن الحادث كان مواجهة حقيقية بين بريطانيا والعراق " كأن الحكومة العراقية لم تكن عميلة وصنيعة بريطانيا وكأن استقلال العراق وقبوله عضواً في عصبة الأمم لم يكن من صنع بريطانيا وبقرارها وإرادتها  !! يا سادة يا مؤرخين حدثوا العاقل بما يعقل !! . وانطلاقا من هذا التهويل للأحداث واستكمالا للجو الحربي الذي أرادته وصنعته الحكومة الكيلانية حسب مزاجها لتحقيق هدف خبيث وشرير ، فقد استفسر وزير الداخلية من رئيس أركان الجيش العراقي السيد طه الهاشمي عن إمكانية الاعتماد على
 استخدام قوة الجيش لحمل المتمردين على الاستسلام والخضوع فكانت إجابته بالإيجاب وعليه طلب من آمر موقع منطقة الموصل العسكرية العقيد الحاقد بكر صدقي القيام بتمارين الحروب الجبلية في منطقة ( بادي ) شمال دهوك كتدبير احتياطي لمقابلة الطوارئ المحتملة . وبكر صدقي كما وصفناه سابقاً ضابط كوردي يكره الآثوريين وكان كما يقول عنه الحسني في ( ص 275 – 276 ) من كتابه " متحمساً للحركة ضد الآثوريين لما لحق بالضباط من أهانه بسبب قذف دورهم بالحجارة " إن صح ذلك فعلاً !! . وتنفيذاً لسياسته وبدافع من حقده وكراهيته الشخصية للآثوريين فقد بعث بكر صدقي بقوة كبيرة إلى مكان تجمع أتباع ملك ياقو لمقاتلته وإلقاء القبض عليه ، ولكن أمر ملك ياقو كان أهون من هذا بكثير ، فمنعاً لأعمال الطيش والبطش والعنف تدخل المفتش الإداري البريطاني الكولونيل ستافورد وتعهد بإحضار ملك ياقو واستطاع وخبير الإسكان الميجر تومسن بالوعد والوعيد إحضاره يوم 26 / حزيران / 1933 أمام وكيل متصرف لواء الموصل ، حيث تعهد بالطاعة والهدوء ، فعفت عنه الحكومة وتعهدت بعقاب كل من يتعرض له ولأتباعه بالأذى ، مما أثار استياء ملك خوشابا وأتباعه وطالبوا الحكومة بمحاكمة ملك ياقو وإعدامه ، إلا أن الحكومة أمرتهم بالطاعة والسكوت كما ذكره المرحوم القيسي في ( ص 150 ) من كتابه موضوع البحث .
هذه هي كانت حروب ملك ياقو الجبلية التي وصفتها الحكومة الكيلانية في وسائل إعلامها كأنها حرب ضروس وحرب المصير والجود لمملكة العراق !! ، والتي هي في حقيقتها عبارة عن حادث عشائري عادي كغيره من الحوادث العشائرية للقبائل والعشائر الكردية والعربية التي كانت تحدث هنا وهناك في مختلف مناطق العراق على الدوام لا يحتاج حلها إلى تجيش الجيوش وحشد العساكر والجنود بقدر ما يحتاج الأمر الى شيء من قوة ضبط النفس والشدة والقدرة على التفاهم والتفاوض والمساومة في بعض الأحيان لمنع إراقة دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ كما حصل في مذبحة سُميل .
وهكذا استطاع بريطانيان اثنان ستافورد وتومسن أن ينصرا العراق بالحكمة والعقل والروية في ما أسماه مؤرخونا الأفذاذ !! مواجهة بين الانكليز والعراق . لقد تعمدت الحكومة الى إخفاء الواقع عن الرأي العام العراقي وأبقته طي الكتمان في وهم حرب الآثوريين الممتطين دبابات الانكليز يقودها ضباط إنكليز كما نقلها للحكومة الكيلانية صديقة النازية الهتلرية سفيرها في العراق الهر كروبا الذي كان يسكن نفس الدار مع رشيد عالي الكيلاني !! وكما نقلها السيد الحسني وهو حذام التاريخ ولذلك فإن قالت حذام فصدقوها ، لكن حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له .
ما أن انتهت حركة ملك ياقو التي لم تدم إلا بضعة أيام بشكل سلمي حتى أسرع رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني فأبرق الى جلالة الملك في يوم 26 / حزيران / 1933 يقول فيها " بعد سوق القوات اللازمة خضع ياقو وسلم نفسه لسلطات الموصل وأعطى تعهداً بحفظ السلام بكفالة مالية .. التفاصيل بالبريد " دون أن يشير بشيء لا من قريب ولا من بعيد إلى دور ستافورد وتومسن في حل المشكلة ، أين الأمانة والأخلاق والشرف يا كيلاني الدساس ؟؟ . كما بادر في ذات الوقت رئيس الديوان الملكي السيد علي جودت الأيوبي هو الآخر بإرسال برقية مماثلة إلى جلالة الملك فيصل الأول وهي التالية " نظراً للإجراءات المتخذة سلم ياقو بن ملك إسماعيل إلى الحكومة وأعلن خضوعه لها بدون إن يقع أي حادث ، الحالة في سكون تام " .
والآن وقد انتهت حركة التمرد التي كانت تخشاها حكومة رشيد عالي وحكمت سليمان بسلام بالاعتماد إلى الحكمة والقرار السديد . فقامت الحكومة استنادا إلى الاتفاق بين ستافورد وتومسن من جهة وملك ياقومن جهة أخرى بالعفو عن ملك ياقو وأتباعه وأعطته الأمان ، وعليه فإن تمام المنطق يقضي بأن يمتد عفوها قداسة المار شمعون نفسه لو صدقت نواياها فتعاود مفاوضته وتسمح له بالعودة إلى مقره في الموصل وفق شروط معينة غير مهينة ومسيئة لشخصه ومكانته وموقعه القيادي والديني بعد أن ثبت لها بأن اعتقاله وحبسه في بغداد كان خطأً ولم يمنع قيام التمرد المفترض من قبل أتباعه ، وكما ثبت أن الحكومة بمعاونة أسيادها الانكليز قادرة على إنهاء أو حتى قمع أي تمرد جديد قد يقوم به المار شمعون وأتباعه بعد عودته إلى الموصل . وهنا يبرز سؤال كبير ويطرح نفسه بإلحاح وهو " إن كان المار شمعون عميلاً للانكليز كما تدعي الحكومة العراقية صنيعة الانكليز وخصوم قداسته من الاثوريين المتعاونين مع الحكومة العراقية لماذا لم يعمل الانكليز على إطلاق سراحه على الفور ؟؟ ألم يَكن ذلك بمقدورهم وسهل إليهم أسهل من شرب الماء كما يقال ؟؟ ولكنهم لم يفعلوا لأنهم أرادوا التخلص منه لأنه كان يحرجهم ويضغط على بريطانيا في عصبة الأمم باتجاه الإيفاء بتنفيذ التزاماتها تجاه الآثوريين ، المار شمعون لم يكن عميلاً للانكليز بل كان نداً قوياً لهم ومطالباً عنيداً بحقوق شعبه منهم , لكن بريطانيا هي من خانت ونكثت العهود والوعود وغدرت بمن قدم لها الجميل " .
وعل ضوء هذه النتائج التي استلمها الملك فيصل الأول بارتياح أبرق إلى الحكومة بتاريخ 28 / حزيران / 1933 بالبرقية التالية ، " نحمد الله ونهنئكم جميعاً على الموفقية التي حفظت للحكومة شرفها وسطوتها نعتقد أنه لم يبقى مانع لتطبيق برقيتنا المؤرخة في 25 / حزيران / 1933 وذلك ضروري لموقفنا " وكانت تلك البرقية توجه الحكومة بإطلاق سراح قداسة المار شمعون وعائلته والسماح له بالعودة إلى مقره في الموصل بعد أن زالت مبررات بقائه مسجون في بغداد ، إلا أن رئيس الوزراء الكيلاني لم ينفذ إرادة الملك وأصر على رأيه على الاستمرار باعتقال قداسة المار شمعون وإبقائه مسجوناً في بغداد لضرورات أمنية كما يدعي كذباً ، ولكن الحقيقة ليست كذلك بل لأن الأمر يتعارض مع نواياه ومخططاته المبيتة في معاداة قداسته وإبادة الاثوريين وليس لأي سبب آخر ..

              نلتقي في القراءة رقم ( 10 )     
 

203
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 8 )
المهندس : خوشابا سولاقا
" إن التداعيات التي حصلت على أثر اعتقال قداسة المار شمعون وأفراداً من عائلته في بغداد بأمر من وزير الداخلية حكمت سليمان خلافاً للقانون والدستور العراقي آنذاك ... ماذا حصل من المغالطات والتخبط في سلوك حكومة رشيد عالي الكيلاني التي أوصلت الأمور إلى نقطة الانفجار ؟؟ " .
بعد أن استعرضنا في القراءة رقم (7 ) عملية لجوء وزير الداخلية السيد حكمت سليمان إلى اعتقال قداسة المار شمعون وأفراداً من عائلته في بغداد من دون ان يكون لذلك الاعتقال الكيفي سنداً من القانون وفي نفس الوقت مخالف للدستور لعدم وجود قرار من القضاء بسبب عدم توفر  أدلة قانونية تجيز للقضاء لأن يُصدر مذكرة اعتقال بحق قداسة المار شمعون وأفراد من عائلته ، وعليه أمر الوزير وبقرار شخصي منه باعتقال قداسته وفق مزاجه وموقفه السياسي تجاهه ، وشعوراً من الوزير في ذات الوقت بخطاه والحماقة التي ارتكبها والتي بسببها دعي الرأي العام العالمي بشكل عام والرأي العام البريطاني والحكومة البريطانية بشكل خاص إلى مطالبة الحكومة العراقية بالإفراج عن قداسة المار شمعون وعائلته فوراً ، مما اضطرت الحكومة العراقية إلى اللجوء إلى خلق الأكاذيب والتلفيقات والافتراءات واستعمال كل أساليب الخداع والمكر والتضليل للتشويش على الرأي العام العالمي والمحلي لتبرير عملها هذا . ولكن رغم كل حملات التأييد والتبرير التي رافقت عملية اعتقال قداسة المار شمعون والتي ما زالت الى اليوم أصدائها تتردد في كتابات المؤرخين العراقيين تبريراً لعمل الحكومة العراقية ووزير داخليتها آنذاك على موقفها الوطني الحازم بحق الآثوريين إلا أن التحليل العلمي التاريخي الدقيق المحايد البعيد عن الأهواء والعواطف ينتهي بالمحلل والمراقب السياسي للأحداث الى أن ذلك القرار قرار اعتقال قداسة المار شمعون وعائلته كان قراراً أحمقاً متسرعاً بعيداً كل البعد عن الحكمة والتعقل والرصانة السياسية ، بل كان الخطأ القاتل بعينه وفق التحليل السياسي ولا مبرر قانوني له ولا جدوى فيه وهو أكثر دلالة على ضعف الحكومة العراقية وتخبطها أمام قداسة المار شمعون وإتباعه من الآثوريين منه على قوتها وحزمها . كان هذا الاعتقال حسب إدعاء وزير الداخلية المتغطرس غطرسة الوالي العثماني السيد حكمت سليمان بسبب رفض قداسة المار شمعون وإصراره على عدم تخليه عن السلطة الزمنية على الآثوريين والتعهد بعدم قيامه بأي عمل من شأنه يؤدي إلى عرقلة مهمة المستر تومسن بخصوص تنفيذ مشروع إسكان الآثوريين في مناطق متعددة ومتفرقة والتوقيع على تعهد خطي بذلك . إلا أن قداسته نفى إدعاء الوزير في الفقرة الرابعة من رسالته الجوابية إلى وزير الداخلية والمنشورة في القراءة رقم (7 ) السابقة ، وطالب الوزير بإصرار بتقديم ما عنده من الأدلة تثبت اتخاذه موقفاً سلبياً من موضوع مشروع الإسكان المقترح من الحكومة العراقية ، حيث كان عجز الوزير عن تقديم الأدلة المطلوبة تدل بوضوح وجلاء عن عجزه وضيق صدره ، أو لمجرد اجتراء قداسة المار شمعون على تخطئته فأعتبر ذلك إهانة لشخصه والحكومة وجلالة الملك !! ، وإذا عدنا إلى التعهد الذي أرفقه الوزير برسالته ذي العدد س / 1104 في 28 / مايس / 1933 والموجهة الى قداسة المار شمعون ، وهنا سأعيد نشر صورة التعهد لضرورة تسهيل مهمة القارئ الكريم في المقارنة (( إني المار شمعون قد اطلعتُ على كتاب معاليكم المرقم س / 1104 في 28 / مايس / 1933 وقبلتُ بجميع ما ورد فيه ، وها أنا أتعهد بأنني سوف لا أقوم بأي عمل من شأنه أن يعرقل مهمة الميجر تومسن والحكومة العراقية وذلك فيما يتعلق بمشروع الآسكان وأن أكون على الدوام وبكل الوسائل كأحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة المعظم – حسب الحسني / كاتب المقال - )) ، سنجد أن الوزير لم يذكر في التعهد نقطة مطالبة قداسته بالتخلي عن سلطاته الزمنية لا نصاً ولا ضمناً ولا صراحةً ولا تلميحاً ، وهذا دليل آخر على كذب الوزير في خلقه لمبررات الاعتقال المزاجي . ومع هذا فإن المطالبة بالسلطات الزمنية على الآثوريين من أتباعه على الأقل هي مطالبة بحق مزعوم تاريخياً كان يتمتع به من مئات السنين ولا يشكل ذلك خطراً مخلاً بالأمن أو تهديداً حالاً أم آجلاً للدولة العراقية ، ولا يكون كذلك إلا إذا اقترن بأعمال عدوانية كاستعمال السلاح والعنف ضد الدولة ومؤسساتها الرسمية والتجاوز على الحقوق العامة للشعب العراقي يعاقب عليها القانون ، وعند ذاك فمن حق الحكومة بل من واجبها أن تتدخل بالشكل الذي تراه مناسباً واعتقال المحرضين لهذه الأعمال والقائمين بها وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزائهم العادل وفقاً للقانون ، ولكن ذلك كله لم يحصل من قداسة المار شمعون ولا من أتباعه لكي يتم اعتقاله بهذه الطريقة التعسفية المخزية وغير القانونية ، بالإضافة إلى كون مهمة الاعتقال إذا أقتضى الأمر ذلك من اختصاص القضاء والمحاكم وليس من اختصاص الوزير ، وإن دل هذا التصرف للوزير باعتقال قداسة المار شمعون على شئ إنما يدل على نية عدائية مبيته ومخطط لها مسبقاً من الحكومة العراقية بغرض توريط قداسته وبالتالي الآثوريين من ورائه بما يقتضي شن حرب الإبادة ضدهم ، وكذلك لم تكن صيغة التعهد المقدمة إلى  قداسته للتوقيع عليها تتضمن لا من قريب ولا من بعيد الطلب منه بالامتناع عن أية أعمال تمرد أو عصيان أو حتى بالتحريض عليها كما أدعت الحكومة . – لاحظ صيغة التعهد أعلاه رجاءً -  وعلى فرض صحة كل ما أدعت به الحكومة ضد قداسة المار شمعون وهو معتقل لديها في بغداد من امتناع قيام أتباعه في دهوك والموصل بالتمرد والعصيان ؟ ألم يشكل اعتقاله بهذه الطرية الغادرة سبباً  لأن يدفع بأتباعه الى القيام بأعمال مخلة بالأمن وقد تصل تلك الأعمال الى حد العصيان المسلح ومواجهة قوى الحكومة ؟؟ ، وإن حصل ذلك جدلاً فإن الحكومة قانوناً لا تستطيع معاقبة قداسته على مخالفات أتباعه وهو معتقل لديها ، وحتى وإن عاقبته فإنها بعملها هذا سوف تزيد النار الملتهبة اضطراماً والتمرد والعصيان أتساعا وشمولاً ، وعندها سوف لا يكون هناك أمام الحكومة للخروج من مأزقها الذي صنعته بأيديها لنفسها إلا طريقان اثنان أولهما اضطرارها الى إطلاق سراح قداسة المار شمعون إما إذعاناً لمطالبه ، وإما لتكليفه بالذهاب الى أتباعه وتهدئة خواطرهم للتوقف عن التمرد والعصيان ، وعملها هذا لا يعني إلا دليل ضعفها وعجزها وخطل رأيها في اعتقال قداسته ، أما الطريق الثاني فهو لجوئها الى استخدام القوة العسكرية لإخماد العصيان ومقابلة المتمردين أو المتذمرين بالحديد والنار وبذلك يكون قرار الوزير بالاعتقال قد أسرع في قيام العصيان الذي تتظاهر الحكومة برغبتها في صنعه عمداً لغاية شريرة في نفسها ، وهو دليل آخر على الخطل والتخبط في الرأي والعمل للحكومة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لو كان قداسة المار شمعون ينوي على التمرد والعصيان على الحكومة فعلاً كما تدعي لكان بإمكانه التوقيع على التعهد الذي طالبه الوزير بتوقيعه والعودة الى الموصل ومن ثم القيام بما يريد القيام به ، ولكنه لم يفعل ذلك وهذا دليل قوي على حسن نواياه تجاه الحكومة وإيمانه بحل المشكلة بينهما بطرق سلمية من خلال التفاوض والحوار العقلاني المباشر مع المسؤولين في الحكومة ، وهذا فعلاً ما دفع بقداسته الى القبول بالمجيء الى بغداد تلبية لدعوة الحكومة ، ولم يكن يفكر بحل المشكلة عن طريق آخر أي باللجوء الى العصيان واستعمال قوة السلاح كما أدعت الحكومة بأكاذيبها وتلفيقاتها وأضاليلها التي عمدت الى إشاعتها بين العراقيين وخداعهم وترسيخها في عقولهم  وتشويه صورة وسمعة المار شمعون والآثوريين في عيونهم لكسب تأييدهم لإجراءاتها التعسفية المستقبلية بحق الآثوريين كخطر داهم يهدد أمن الوطن وكيانه والمجتمع العراقي وهذا ما حصل فعلاً  .
وكان الملك فيصل الأول بحكمته وبعد نظره وتعقله واعتدال نهجه السياسي في التعامل مع الأحداث قد تنبه الى كل ما يترتب على قضية اعتقال قداسة المار شمعون وتداعياتها وانعكاساتها السلبية على سمعة العراق دولياً وخصوصا وهو عضواً جديداً في عصبة الأمم ، ولذلك ألح كثيراً في رسائله العديدة على الحكومة بإطلاق سراح قداسته والسماح له بالعودة الى مقره في الموصل ، ومن ثم إن قام بعد ذلك بأي عمل مخالف للقانون عندئذ سوف لن تعجز الحكومة من اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة لمحاسبته ، وعندها تكون الحكومة قد قامت بواجباتها المفروضة عليها ، ولكن الحكومة لم تأخذ برأي الملك فيصل لسبب أولاً لأنها كانت ترغب فعلاً في وقوع صدام مسلح مع الآثوريين لتستفيد منه في التغلب على الخلافات الطائفية والمشاكل العنصرية التي كانت تواجهها – حسب ما ورد في كتاب رياض الحيدري الآثوريين في العراق 1918 -1933 ص/ 322 – وثانياً لأنها إن فعلت لأظهرت ضعفها أمام قداسة المار شمعون والآثوريين كما ذكرنا سابقاً من جهة ولأظهرت كذبها ونفاقها وريائها السياسي أمام الرأي العام العراقي والدولي من جهة أخرى .
وعل كل حال فمهما قيل في تبرير إعتقال قداسة المار شمعون وعائلته وسواءً كان الدافع إليه هو حمله على الامتناع عن عرقلة مهمة الميجر تومسن في تنفيذ المشروع الحكومي – البريطاني لإسكان الآثوريين في مناطق متعددة ومتفرقة ومتباعدة ، أو حمله على التخلي عن المطالبة بالسلطة الزمنية على أتباعه من الآثوريين ، أو لمنعه من القيام بأعمال التمرد والعصيان أو تحريضه عليها .. نقول مهما كانت الدوافع وراء قرار الاعتقال فإنه يبقى قرار أحمق متسرع وخاطئ لا سند له من القانون أو الواقع ، وهو أدل على تعسف الحكومة وتخبطها وضعف حجتها وخطل رأيها منه على حسن سياستها وحكمتها وسداد رأيها واستقامة منطقها في حل المشاكل بالعدل والأنصاف وتحقيق العدالة عن طريق الحوار المباشر والتفاوض المبني على الصدق والشفافية في النوايا ، وبسبب هذا التخبط وعدم النضج السياسي للوزير وضعف منطقه في التعامل مع الآخر المختلف عنه قومياً ودينياً زهقت الحكومة أرواح الآلاف من السكان الأبرياء وهدرت دمائهم الزكية ظلماً وعدواناً لا لذنب اقترفوه أو لجرمٍ ارتكبوه بل لمجرد كونهم آثوريين مسيحيين ، فكان القرار أداة سيئة شريرة لتحقيق غاية أكثر إمعاناً في السوء والشر والعدوان والهمجية بحق الآثوريين العزل في مذبحة رهيبة على أرض سُميل الطاهرة التي ستبقى وصمة عار في جبين صانعيها الى أبد الآبدين  تذكرها الأجيال الاثورية باللعنات على مرتكبيها الأشرار الأوغاد ..
وخلال هذه المرحلة التي يمكن اعتبارها بالمرحلة التمهيدية لتنفيذ مجزرة سُميل تم تبادل الكثير من الرسائل بين جلالة الملك فيصل الأول يطلب فيها توضيح الأمور والتريث في اتخاذ أية إجراءات بحق قداسة المار شمعون من جهة وبين رئيس الديوان الملكي علي جودت الأيوبي ورئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني والمحشوة بالأكاذيب والتلفيقات ضد قداسة المار شمعون وأتباعه ومدى خطرهم الذي بات يهدد وحدة الوطن وسلامته وذلك محاولة منهم لخداع الملك وبالتالي موافقته على تنفيذ مخططهم ألأجرامي ، وبقدر ما تضمنت رسائل الملك من الحكمة وصواب الرأي وصادق النصح تضمنت رسائل رئيس الوزراء بقدر ذلك وأكثر من المغالطة والمكابرة والتهديد المبطن والسخرية من موقف الملك ، وهنا انتهت مرحلة أخرى من مراحل هذه الأحداث وقد تميزت بموقف الحكومة المخاتل والمخادع تجاه الملك فيصل أولاً ، ثم إعلان مجابهتها له ومخالفة نصائحه وأوامره ..

                          نلتقي في القراءة رقم ( 9 )       
 



204
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 7 )
المهندس : خوشابا سولاقا
ملاحظة :قبل أن أبدأ بكتابة هذه القراءة أود أن أوضح للقارئ الكريم أن هذه القراءات التي أنشرها في هذا الموقع الكريم تحت العنوان أعلاه هي قراءات يجب أن تكون في مضمونها النهائي أن لا تخرج عن مضمون الكتاب ذاته بأي شكل من الإشكال ، أي بمعنى يجب أن لا أقوَل مؤلف الكتاب ما لم يقُلهُ في كتابه ، لذلك فان القراءات التي أنشرها مكونة في بنيتها من جزأين جزء مقتبس بالكامل والجزء الآخر مقتبس بالمضمون وبعض الصياغات للمحافظة على جوهر سياق المعنى إن جاز التعبير مع تصرف حسب ما تقتضيه الكتابة الحيادية وشكراً .
بعد استلام المارشمعون لرسالة وزير الداخلية حكمت سُليمان ذي العدد س / 1104 في 28 / 5 / 1933 وقرأته لها بإمعان ، تمكن بحسه وحدسه ومعرفته بهذا الماكر المخادع أن يقرأ بوضوح وجلاء ما تكتنفه الرسالة في طياتها وما يضمره الوزير من سوء النية به وبقومه بين سطورها ، واستنتج أن الوزير ومن ورائه الحكومة العراقية والانكليز يركزون على ثلاث نقاط جوهرية مطلوبة منه تلبيتها والتي من دون تحقيقها تعتبر المفاوضات الجارية من جانب الحكومة منتهية وتلك النقاط هي :-
1 ) تنازل المار شمعون عن سلطاته الزمنية على بني قومه والاكتفاء بسلطاته الروحية الدينية .
2 ) قبول المار شمعون بالمشروع الحكومي – البريطاني لإسكان الآثوريين في مناطق متعددة ومتفرقة ومتباعدة وليس في منطقة واحدة من شمال العراق .
3 ) توقيع المار شمعون لتعهد خطي يتعهد فيه أنه وبني قومه سوف لا يقومون بأي عمل من شانه أن يعرقل مهمة الميجر تومسن والحكومة العراقية في تنفيذ مشروع الإسكان حسب الفقرة ( 2 ) أعلاه .
على ضوء ذلك كتب المار شمعون رسالة جوابية إلى معالي وزير الداخلية حكمت سليمان تضمنت إجابات واضحة وبلغة مهذبة وهادئة ليس فيها أي خدش للمشاعر وبأسلوب دبلوماسي لا ينطوي على أية إساءة إلى الحكومة أو إلى جلالة الملك كما روجت الحكومة في إعلامها الرسمي ، حيث وصفت أسلوب المار شمعون بأنه كان يتسم بسلاطة اللسان . وكانت رسالة المار شمعون كما وصفها مؤلف كتاب موضوع البحث ، رسالة واضحة الدلالة على اعتداد كاتبها بعزة نفسه وكرامته وكبريائه وزعامته وإيمانه بقضية بني قومه واستعداده للدفاع عنهم وعنها ، كما إن الرسالة واضحة الدلالة على أدب كاتبها في مخاطبة الوزير واحترامه له ، وهي واضحة الدلالة أيضاً على حسن مناقشة كاتبها للمواضيع التي أثارها الوزير في رسالته ومقارعته الحجة بالحجة بمنطق سليم وأدب جم وأسلوب هادئ رصين ، والأهم من هذا وذاك أنها واضحة الدلالة على رغبة كاتبها باستمرار الحوار والنقاش . ومع وضوح هذه الدلالات لكل ذي ذهن متفتح ونية صافية في رسالة المار شمعون التي سوف أنقلها لكم حرفياً بعد هذه المقدمة ، إلا أن المؤرخ الكبير المرحوم عبدالرزاق الحسني وصف كاتب الرسالة – قداسة المار شمعون – بأنه " سليط اللسان " ويقول أيضاً " أنه وجه إلى شخص الوزير كتاباً سليط اللهجة كان أشبه بقنبلة منه بكتاب يوجه إلى وزير دولة " !!! – غريب منك يا استأذنا ومؤرخنا الكبير الحسني رحمك الله وطيب ثراك أين المهنية والحيادية في كتابة التاريخ .. ؟؟ / كاتب المقال – وذلك كما ورد في الصفحة 268 من كتابه تاريخ الوزارات العراقية.
 عزيزي القارئ الكريم فإذا كان المرحوم الحسني وهو المؤرخ الذي له مكانته العلمية وموقعه في تدوين التاريخ والذي يفترض فيه الفهم والإدراك وسعة الأفق كما تفترض فيه المنهجية العلمية والحيادية المهنية بالبحث وتدوين التاريخ والموضوعية بإطلاق الأحكام ، إذا كان الأستاذ الكبير الحسني رحمه الله يرى في جرأة أحد الرعية على الدفاع عن النفس بالرد على الوزير ومناقشته وحتى تخطئته ، سلاطة لسان فلا عجب إذن إذا ضاق الوزير بها ذرعاً وأعتبرها إهانة لمقام معامليه وسلاطة لسان يجب ألا تمر دون عقاب . لهذا فلا عجب أن يرفض الوزير العودة إلى المفاوضة والحوار وأن يدفعه التعالي والغرور والاعتزاز بالإثم إلى إصدار أمره المطاع باعتقال قداسة المار شمعون في بناية جمعية الشبان المسيحيين ببغداد وبمنعه عن الخروج منها حتى يوقع التعهد الخطي المطلوب أو يقدم للمحاكمة ، في حين أن الوزير لم يوجه أية تهمة معينة لقداسته ، وان كانت هناك تهمة ما فالمحاكم لا وزير الداخلية هي الجهة المختصة بها وتقرير ما يجب عمله بشأنها . وكان هذا التصرف تجاوز من الوزير على القانون تستوجب محاسبته عليه . والأنكى من هذا وأدعى للاستغراب ، وهو في الواقع الأوضح تعبيراً عن ذهنية الوالي العثماني المتخلف الذي تقمصها الوزير حكمت سليمان منه إلى ذهنية وزير في دولة تدعى التزام القانون والتحضر ، والأكثر دلالة على نوايا الحكومة المبيتة ضد الآثوريين وقداسة المار شمعون هو إقدام الحكومة إلى ارتكاب حماقة أكثر قباحة وشناعة من اعتقال قداسته خلافاً للقانون والدستور هي اعتقال أخت المار شمعون وأبيه وعمته معه أيضاً . لا أعرف ولا تعرف شرائع العراقية ماذا كان السند القانوني الذي أستند عليه الوزير المبجل لتنفيذ هذه الاعتقالات غير الشريعة القرقوشية !!! . وبهذا تحقق ما توقعه قداسة المار شمعون مما يراد به ، كما تحقق للوزير والحكومة والانكليز حتماً من ورائه ما كان قد خطط له من قبل أقطاب المؤامرة الخبيثة بحق الآثوريين من دون تمييز بين أتباع قداسة المار شمعون وبين المتعاونين معهم ، وبذلك خطت المؤامرة نحو هدفها المحدد خطوة واسعة أخرى في طريق الخطأ المقصود لإشعال الحريق وتفجير الموقف في سُميل حيث سالت الدماء الزكية  بغزارة وأزهقت الأرواح البريئة من دون رحمة ، لا لذنب ارتكبوه بل لمجرد كونهم أثوريين مسيحيين ..
علماً بأن قداسة المار شمعون لم يرفض رفضاً باتاً التوقيع على ما طلب إليه بشأن مشروع الإسكان وإنما أراد المزيد من النقاش والتفاهم مع المعنيين بالأمر .
 وأنقل لكم فيما يلي رسالة قداسته الجوابية إلى وزير الداخلية حكمت سُليمان حرفياً كما أوردها مؤلف الكتاب موضوع البحث .. أقتبس 
" سيدي الوزير
أعلمكم باستلامي كتاب معاليكم س/ 1104 والمؤرخ في 28 / مايس / 1933 وأني مع الاحترام اللائق أجيب على نقاطه الضرورية بما يلي :-
1 ) بخصوص مواجهتي لعماليكم في الموصل بتاريخ 12 / نيسان / 1933 ، فهل لي أن أذكر معامليكم بالمحادثة التي جرت بعد ذلك إذ قال معاليكم بأنكم تستهدفون خطة تعاون جديدة فيما يخص مشروع اسكان الاثوريين وصدر كتاب بذلك الى المتصرف يطلب فيه استشارتي في جميع المسائل التي تمس الآثوريين .
2 ) مهما كان قانون الطائفة المذكور في كتاب معامليكم عاملاً مفيداً فيظهر أنه تدبير قبل أوانه في هذه المرحلة نظراً إلى أن مثل هذا القانون ضروري تطبيقه على طائفة مستوطنة وفضلاً عن ذلك فإنه يحتاج إلى الوقت لمراجعة قوانين الكنيسة لوضع هذا القانون .
3 ) أما العبارة " السلطة الزمنية " التي لمح اليها معاليكم بقولكم " لا يسع الحكومة الموافقة على تخويلكم أية سلطة زمنية " فيسرني أن أعلم كيفية تفسيركم لهذه العبارة ، وإن كنت لا أرغب في الإسهاب في هذه النقطة ، فأخال أنه يقتضي لي أن أحاول شرح عبارة السلطة الروحانية والزمنية المتحدتين في هذه القضية الخاصة ببطريك الكاثوليك في الشرق . إذ يستبان لي بأن معاليكم والحكومة قد اتخذاها بنظر خطير . إن سلطة هذه البطريركية تاريخية عظمى واستعمالها موروث عن تقاليد الشعب والكنيسة الآثورية وإنها كانت من أهم العادات الثابتة . إنني لم أدع بالسلطة الزمنية وإنما أنا أرثها من قرون مضت كتخويل قانوني من الشعب إلى البطريك ، وهي لم تكن مباحة فحسب بل كان معترفاً بها من قبل الملوك الساسانيين القدماء والخلفاء المسلمين ومغولي خان ، وسلاطين آل عثمان ولا يمكن العثور على أي سوء استعمال لهذه السلطة في زمن أي ملك أو حكومة كان الشعب الآثوري من رعاياها ، فضلاً عن أنها لا تَحول بحال من الأحوال دون تطبيق قانون البلاد فقد ثبت أنها أحسن طريقة للنظر في شؤون الشعب الذي يعيش تحت الظروف التي يعيش فيها الآثوريين .
فبموجب الظروف المتقدمة إني آسف جداً أن أقول بانه يستحيل عليّ العمل بامركم في التوقيع على الوعد التحريري الذي أملاه معاليكم إذ لا يعني هذا العمل سوى أني أرغب في سحب نفسي من خدمة شعبي ، ذلك الواجب الذي كان كما عرضت عبارة عن تخويل قانوني لي من قبل الشعب وهو وحده له الحق في تجريده عني . وبهذه المناسبة أود أن أبين بأنني استغربت كثيراً التدابير التي ينوي معاليكم اتخاذها تحت الظروف الحالية ، بأن يطبق مثل هذا العمل بحق أحد العصاة وإذا كان الأمر كذلك فهل لي أن أسأل معاليكم ما إذا كان شرفي وشرف شعبي لم يهان – يقصد هنا أن مثل هذا العمل لا يطبق إلا بحق أحد العصاة - وإذن أفلا يرى الوزير بتطبيقه عليّ إهانة لي ولشعبي ويبدو أن الوزير قد أخبره شفاهاً باعتزامه حبسه إن لم يوقع العهد المطلوب - هامش صفحة 119 من الكتاب موضوع البحث – ، لا أتمكن العثور على سابقة لعمل معاليكم هذا ما لم الق اللوم على نفسي لأني عرضت بإخلاص قضية الشعب الآثوري بصورة قانونية أمام السلطة المنتدبة سابقاً وعصبة الأمم وحكومة صاحب الجلالة بغية تأمين حل لها ، ذلك الحل الذي أعتقد بأنه في صالح كل من يهمه الأمر .
4 ) أما بشأن الزعم أني اتخذت إلى الآن موقفاً معاكساً بل سلبياً تجاه مشروع إسكان الآثوريين فإن هذه النقطة أيضاً كان معاليكم قد رفعها شفوياً أثناء مواجهتي معاليكم في 31 / مايس عندما طلبتُ أكثر من مرة بيان حقائق هذا الزعم . إن هذا يزيد في إحباط عزيمتي عندما أفكر في مساعي ّ المتواصلة في إقناع شعبي الآثوري بالاستيطان وان يصبح عنصراً مفيداً في هذه البلاد كما كان حتى الآن .
أختم كتابي هذا بتقديم احتراماتي الى معاليكم وأعتذر لكتابتي إياه بلغة أجنبية لأنه ليس لدي في الوقت الحاضر كاتب لائق باللغة العربية ، وإذا توجد هناك أي نقاط يود معاليكم أن يَعّلمها فإنني أكون ممتناً إلى الاجابة عليها ، لأنني أنوي مغادرة بغداد يوم الاثنين مساءً الموافق 4 / حزيران / 1933 .   - إلا أنه لم يسعه ذلك مع الأسف الشديد بسبب إعتقاله وعائلته بأمر الوزير الوالي غدراً وتجاوزاً على اصول الضيافة والقانون الى يوم مغادرته لها منفياً الى بلد المنفى تاركاً شعبه المنكوب مثخناً بالجراح يجتر مآسيه وويلاته الى اليوم / كاتب المقال -  " انتهى الاقتباس ..

المخلص لكم إيشاي شمعون

أين هي سلاطة اللسان في هذه الرسالة المحترمة والمهذبة يا أستاذنا المؤرخ الكبير الحسني ، ويا من خدع أو انخدع بمثل هذه الأكاذيب والتلفيقات الرخيصة التي بثتها الحكومة لأغراضها الخبيثة  .
وهنا أريد أن أذكّر البعض من أبناء شعبنا الكرام أنه لو لم تكن الحكومة العراقية في حينها مستقوية بمن تعاون معها من أبناء شعبنا الآثوري ما كان بمقدور ولا كان يتجرأ هذا المملوك الشركسي ان يفعل ما فعله الذي ورد ذكره في هذه المقالات ، احترق بيتنا لأننا شعلنا فيه النار بأيادينا ومن داخلنا وهذا ما يثير فينا الحزن والأسى والألم اليوم .. 

نلتقي في القراءة رقم ( 8 )


205
قراءات في كتاب الأستاذعبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 6 )
المهندس : خوشابا سولاقا
لقد حاولت جهد إمكاني المحافظة على التسلسل الزمني للأحداث وترابط المعنى بين القراءات لكي يساعد ذلك القارئ الكريم على التركيز والمتابعة ومن ثم استنتاج الحقائق بالصورة المراد لها في النهاية .
بعد أن قرأتم ولو بشي من الاختصار عن خلفيات الشخصيات الحكومية العراقية وطبيعتهم العدوانية التي كانت وراء مذبحة سُميل في عام 1933 في القراءة رقم ( 5 ) ستطلعون على مؤامرات ودسائس وأكاذيب وتلفيقات هؤلاء في هذه القراءة .
بعد تشكيل وزارة السيد رشيد عالي الكيلاني الرجل القوي في حزب الإخاء الوطني في آذار من عام 1933 ، قام وزير الداخلية في هذه الوزارة السيد حكمت سُليمان بزيارة الى شمال العراق في نهاية شهر نيسان من السنة ذاتها أي بعد مرور شهر واحد على تشكيل وزارة الكيلاني وقد التقى خلال هذه الزيارة بقداسة البطريرك مار إيشاي شمعون في الموصل والتي لم تذكر المصادر الرسمية للحكومة شيئاً عن ما دار بين الوزير الزائر حكمت سليمان وقداسة المارشمعون من أحاديث ، ويبدو كان ذلك التعتيم عن عمد وتخطيط مسبقين لغايات خبيثة مبيتة ، ولكن التطورات التالية للأحداث تدل بوضوح وجلاء لا تقبل الشك على اختلاف وتباين مواقف الرجلين في نظرتهما إلى الأحداث أو تفسرهما لها ، وكان من نتيجته أن بدأت الحكومة تختلق الأخبار الكاذبة والتلفيقات عن قدرسة المارشمعون وتسريبها إلى الرأي العام ، فقامت الصحف العراقية الرسمية بدورها بحملة إعلامية واسعة صورت فيها قداسته وكأنه يقود تمرداً وعصياناً واسعاً ضد الحكومة .
واقتناعا من الحكومة الكيلانية المعروفة بنهجها النازي العنصري بصحة ما اختلقته من أوهام وأكاذيب وتلفيقات ورغبة منها في السير قدماً بخطتها المرسومة للإيقاع بالآثوريين وقداسة المارشمعون في شراكها الشريرة ومن ثم الانتقام منهم شر انتقام ، فقد رأت من خلال وزير داخليتها ذو العقلية والثقافة العثمانية في الإدارة والحكم وتدبير المؤامرات والدسائس السيد حكمت سُليمان خير وسيلة لتحقيق تلك الغاية الشريرة ، فقام باستدعاء قداسته إلى بغداد بذريعة للتباحث معه حول ما ذهبت إليه الحملة الإعلامية الحكومية من قيامه بتحريض أتباعه من الآثوريين على العصيان والتمرد والثورة – حسب إدعاءات الحكومة الكيلانية طبعاً – وقد لبى المارشمعون الطلب عن صفاء النية وإيمانه بحل كل المشاكل العالقة بين الطرفين عن طريق الحوار والنقاش ، وعليه وصل بغداد في نهاية شهر مايس ( أيار ) من عام 1933 واجتمع إلى وزير الداخلية السيد حكمت سُليمان ، وهنا لا بد لنا أن نتساءل سؤال يفرض نفسه علينا وهو لو كان في نية قداسة المارشمعون والآثوريين من أتباعه حقاً فكرة العصيان والتمرد والثورة على الحكومة ، لماذا لبى قداسته طلب الحكومة الموجه من خلال وزير داخليتها إليه وقبل بالحضور إلى بغداد للتفاوض والحوار .. ؟؟ وهذا إن دل على شيء فهو يدل على كذب ادعاءات الحكومة بهذا الشأن . وكان يمكن لهذا الاجتماع أن يزيل ويقضي على أسباب التوتر والشكوك ويعيد الثقة والصفاء إلى النفوس من الطرفين وينتهي الى نتائج طيبة ومرضية للجانبين لو حسنت النيات وصفت القلوب من الأحقاد والكراهية للحكومة من جهة ولو تذرع وزير الداخلية السيد حكمت سُليمان بالصبر والأناة وفاءَ إلى شيء من المرونة الدبلوماسية التي كان يفتقر إليها شديد الفقر وتجنب الغطرسة والاستعلاء الراسختان في أعماق نفسه وعقليته العفنة , أو لو اتسع صدره وصبره للمفاوضة والنقاش والحوار العقلاني من جهة ثانية ، ولكن مع الأسف الشديد أن السيد حكمت سُليمان لم يكن بطبعه المملوكي ونشأته التركية وخلفياته العثمانية وضيق أفقه الذهني واعتياده الصرامة والشدة بغباء يصلح لمثل هذه المهمة الحساسة بكل جوانبها السياسية والإنسانية والاجتماعية الأخلاقية التي تتطلب خصال وصفات بعكس ما كان يتمتع بها هذا المملوك المتغطرس الحاقد . لذلك تعذر حصول التفاهم بين الرجلين وفشل الاجتماع بامتياز . وربما كان هذا هو هدف الحكومة العراقية من هذا الاجتماع لتحميل قداسة المارشمعون والآثوريين من ورائه نتائج الفشل ، وكان فشله الشرارة التي أشعلت الحريق وفجرت الموقف بين الطرفين . فالوزير المتعجرف بأفكاره وأرائه المشبعة بالثقافة العثمانية يتكلم من موقع السلطة وبغطرسة الوالي العثماني القديم المتخلف الذي تعود وتربى على أن يملي الأوامر على الآخرين إملاءً ويطلب منهم الطاعة العمياء دون مراجعة ومناقشة ، وكان المارشمعون يتكلم من مركز الاعتداد بكرامته ومركزه الديني والدنيوي بين أبناء أمته منذ قرون طويلة ، والمدافع عما يعتقده أنها حقوق قومية مشروعة لأبناء قوميته مقابل ما قدموه من تضحيات جسيمة في الحرب الكونية . وعليه لم يستسغ طبع الوزير المتغطرس ولا قدراته الذهنية المتواضعة ولا فهمه المتخلف لقواعد اللعبة السياسية في بناء التوازنات هذا النوع من المفاوضات والنقاش والرجال فضاق بها ذرعاً ووصل بالأمور إلى طريق مسدود وأدخلها إلى نفق مظلم .
على ضوء هذه المعطيات باغتَ وزير الداخلية السيد حكمت سُليمان قداسة البطريرك مار إيشاي شمعون برسالته المرقمة ( س / 1104 في 28 / 5 / 1933 ) وفيما يلي أقتبس النص الكامل والحرفي كما أورده مؤلف الكتاب الأستاذ القيسي في صفحات ( 112 ، 113 ، 114 ) من كتابه موضوع البحث .   
" عزيزي حضرة المارشمعون المحترم
سبق أن أوضحت لكم ابان زيارتي الأخيرة للموصل موقف الحكومة فيما يتعلق بوضعكم الشخصي وأرغب الآن أن أويد تحريرياً ما سبق أن سمعتموه شفهياً . إن الحكومة راغبة في الاعتراف بكم رسمياً كرئيس روحي للطائفة الآثورية وتعدكم بأنكم ستنالون الاحترام اللائق بكم بصفتكم المذكورة في كل وقت ، وكما سبق لمتصرف الموصل أن أخبركم أن الحكومة ترغب في الحصول على مساعدتكم في أمر تنظيم لائحة قانون الطائفة على نفس أسس القوانين النافذة الآن على الطوائف الأخرى . ولإدامة مقامكم الروحي على الوجه المناسب تبحث الحكومة في الوقت الحاضر في كيفية ايجاد مورد لمساعدتكم بصورة مستديمة وليس في نيتها تقليل المخصصات الشهرية التي تدفع لكم الآن الى أن يحين الوقت الذي يتضح فيه بأن لكم إيراداً كافياً من منابع أخرى . على أنه لا بد لي أن أوضح بأن الحكومة لا يسعها الموافقة على تخويلكم أية سلطة زمنية وسيكون وضعكم كوضع رؤساء الطوائف الأخرى الروحانيين في العراق . ويتحتم على أبناء الطائفة الآثورية في كافة شؤون الإدارة مراعاة القوانين والأنظمة والأصول التي تطبق على جميع العراقيين الآخرين . لا حاجة للتأكيد لحضرتكم مبلغ رغبة الحكومة الصادقة للقيام بكل ما يمكن عمله لترى الطائفة الآثورية كسائر العراقيين سعيدة وراضية ومن الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم وقد صرحت بسياستها مفصلاً أمام عصبة الأمم في جنيف والتي اقترنت بموافقتها . ومما ينبغي بيانه أن الحكومة حسب الأتفاق الذي تم في الخريف المنصرف ساعية للحصول على خدمات خبير أجنبي لابداء المشورة في مسألة الإسكان المهمة ، ويتوقع وصول هذا الخبير الميجر تومسن الموصل في نهاية هذا الشهر – يرجى ملاحظة أن خبير الاسكان لم يكن قد وصل إلى الموصل بعد أي أنه لم يلتقي المارشمعون أبداً – وستكون أعماله ذات أهمية عظمى للطائفة الآثورية ، ولي وطيد الأمل بأنه سيلقي المساعدة التامة من جميع من يضمر خيراً للطائفة . لقد لاحظت ويا للأسف أن حضرتكم قد أخذتم حتى الآن موقفاً غير مساعد بل ومعرقل ، بحسب منطوق بعض التقارير لهذه المسألة المهمة جداً . وعليه أراني مضطراً الآن أن أطلب إعطاء ضمان تحريري بانكم لا تأتون عملاً من شأنه أن يجعل مهمة الميجر تومسن والحكومة صعبة . فإذا كانت هناك أية نقاط لم أوضحها في هذا الكتاب فيسرني أن تلفتوا أنظاري إليها . إن الاعتراف بوضعكم المعين آنفاً منوط بقبولكم عهداً قاطعاً بأنكم ستكونون على الدوام وبكل الوسائل كأحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم . ويسرني أن أحصل على جوابكم التحريري على هذا الكتاب حسب ما جاء في المرفق .
وزير الداخلية : حكمت سُليمان
وهذه صورة العهد التي أرفقها وزير الداخلية برسالته أعلاه :
(( إني المارشمعون قد اطلعتُ على كتاب معاليكم المرقم س / 1104 في 28 / مايس / 1933 وقبلتُ بجميع ما ورد فيه ، وها أنا أتعهد بأنني سوف لا أقوم بأي عمل من شأنه أن يعرقل مهمة الميجر تومسن والحكومة العراقية وذلك فيما يتعلق بمشروع الاسكان وأن أكون على الدوام وبكل الوسائل كأحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة المعظم )) انتهى الاقتباس "

وبعد عودة الملك فيصل الأول بعد انتهاء أحداث الآثوريين بمذبحة سُميل التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء جمع وزراءه ليبحث معهم أسباب تلك الأحداث المخجلة التي ألحقت الخزي والعار بسمعة العراق وحكومته وبواعث تطوراتها وتداعياتها على المديين القريب والبعيد وردود أفعالها السلبية والايجابية على العراق في المحافل الدولية فانبرى نوري السعيد وزير الخارجية فقال " إن رسالة حكمت سُليمان الى المارشمعون كانت السبب الأول في تداعي الأحداث وانتهاءها إلى ما انتهت إليه  " حسب ما أورده عبدالرزاق الحسني في الصفحة 298 من كتابه تاريخ الوزارات العراقية والمشار غليه في ( ص 115 ) من كتابنا موضوع البحث . كان ولا يزال هذا هو التشخيص الدقيق والصحيح لواقع الحال فلا بد من الإقرار والقول بأن الصواب قد جانب حضرة الوزير الوالي العثماني في أمر هذه الرسالة. وسواءً كان ما أتى به الوزير عن غفلة أم عن إدراك وتدبير مقصودين ومخطط لهما من قبل الوزير والحكومة ومباركة الانكليز وبرضا كل المعنيين بالقضية الأثورية من الأطراف الأخرى المتعاونة مع الحكومة آثورية وغير آثورية لغرض في نفس حكومة الكيلاني ، فهو في الحالين المسبب والمسئول الواجب محاسبته عن نتائج عمله . وكان يمكن لهذه الرسالة أن تكون أساساً سليماً للتفاهم والتفاوض لو اقتصرت على عرض وجهة نظر الوزير شخصياً وخلت من أمر التعهد الذي طالب قداسة المارشمعون توقيعه . وهكذا وبوجود هذا التعهد تحولت رسالته إلى تهديد ووعيد وإنذار بقطع المفاوضات والتفاهمات والوصول إلى طريق مسدود ، لأن الوزير جعل هدف رسالته إنتزاع من المارشمعون توقيعه على التعهد المرفق برسالته التهديدية دون أن يَعلمه بالإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة بحقه في حالة رفضه توقيع ذلك التعهد لربما كان المارشمعون قد اتخذ من الرسالة موقفاً مغايراً ، وفي نفس الوقت لم يَعلم الوزير حق العلم أن زعيماً له مقام المارشمعون ومركزه الديني والقيادي بين أبناء أمته لا يرضي بأن يعامل بمثل هذه المعاملة المهينة والمسيئة لشخصه ومركزه الديني التي تحط من قدره بين أبناء قوميته فحسب ، بل تلك المعاملة المهينة التي تليق بالعصاة والمتمردين وقطاعي الطرق وليس بشخص كالمارشمعون الذي لب طلب الحكومة وجاء إلى بغداد طوعاً للتفاوض بشأن قضية ومن ثم يغدر به بخبث ، وكانت الحالة قريبة الشبه بحالة زيارة المارشمعون الشهيد بنيامين لسمكو ، ولكن في الحقيقة كان هذا ما يريده الوزير المتغطرس وما خطط له للأقدام من بعده على خطوته الثانية في طريق الخطأ القاتل . لقد أدرك المارشمعون بحدسه الشخصي تمام الإدراك أبعاد الخطة التي رسمها الوزير وحكومته والتي من أجلها تم استدراجه للمجيء إلى بغداد ليتم تبليغه بإنذار تعرف الحكومة كل العرفان برفضه له . ولذلك سارع المارشمعون برفع رسالة إلى الملك فيصل بتاريخ 4 / 6 / 1933 شرح له فيها أمر استدعائه إلى بغداد ووضح له بالتفصيل خلاصة مفاوضاته مع وزير الداخلية ثم عرض على الملك ما يراد به وبقومه من أمر مدبر وإجباره على توقيع تعهد خطي  وضعته الحكومة ، وكذلك شكا للملك ما يلقاه بنو قومه من الحكومتين البريطانية والعراقية من الجور والاضطهاد ، ثم أنهى رسالته بما اعتبرته المصادر الحكومية الرسمية وتبعه عبدالرزاق الحسني في الصفحة 268 من كتابه تاريخ الوزارات العراقية " تهديداً لمقام صاحب الجلالة " والذي ما كان كذلك إطلاقاً إذ كان كل ما قاله المارشمعون إنه لا يكون مسئولا عن حركات أتباعه في الشمال وهو محجوز في بغداد تحت الإقامة الجبرية وما يؤسف له إن المصادر العراقية الرسمية لا تذكر نص تلك الرسالة وإنما تكتفي بالإشارة إليها والاقتباس منها ما يخدم تبرير أفعال الحكومة في حينها ، ولكن من خلال سير الأحداث لاحقاً يبدو أن رسالة المارشمعون هذه لم تلق استجابة من لدن الملك لربما لم يتسع له الوقت لقراءتها لأنشغاله بأمر سفره القريب إلى بريطانيا حيث غادر إليها فعلاً بتاريخ 5 / 6 / 1933 ، أو لربما أن رئيس الديوان الملكي السيد علي جودت الأيوبي بالاتفاق مع الحكومة تم إخفائها عن الملك ليتم تقديمها لاحقاً إلى نائب الملك المتواطئ أصلاً مع مخططات حكومة الكيلاني لتمرير المؤامرة بتصفية الوجود الآثوري في العراق وهذا الاحتمال هو المرجح على الأغلب ، هكذا كانت تحاك المؤامرات في العلن أحياناً وفي الخفاء من وراء الستار أحياناً أخرى بتدبير الحكومة العراقية ومباركة حكومة بريطانية للإيقاع بالآثوريين في الشرك الذي نصبوه لهم واستغلال حسن نواياهم واتخاذهم من المتعاونين مع مشروعهم الخاص بالإسكان بديلاً للتفاوض بشأن القضية وجعلوا من المارشمعون وأتباعه كبش الفداء لغدر الغادرين الذين تمرسوا في المكر والخداع والتضليل والكذب والتلفيق وتدبير الدسائس وحبك المؤامرات وتسويق التهم زوراً وبهتاناً ضدهم ..
ملاحظة : أريد هنا أن أتساءل بعد قرائتي لرسالة معالي وزير الداخلية لماذا كل هذا الأصرار من الحكومة على إنتزاع السلطة الزمنية على الآثوريين من قداسة المارشمعون والتي يتمتع بها عليهم من قرون طويلة ؟ ما الذي يضر الحكومة العراقية ببقائها ؟ ما هي مصلحة الحكومة بالذات في ذلك ؟ هل لتخولها لشخص آخر قريباً من سياساتها ومتعاوناً معها أم ماذا ؟ أم إن ذلك كانت رغبة من الحكومة لأذلال وإهانة المارشمعون والحط من قدره في عيون بني قومه ؟ يبقى ذلك مجرد سؤال يجيب عليه القارئ ولكن يفضل بعد قراءة هذه المقالات التي نشرت والتي ستنشر لاحقاً والكتاب كله لكي لا يخرج القارئ من حيادية التقييم المنصف  . 
وسوف أنشر في القراءة رقم ( 7 ) اللاحقة رسالة المارشمعون الجوابية على رسالة السيد وزير الداخلية حكمت سليمان .
                    نلتقي في القراءة رقم ( 7 )         

نلتقي في القراءة رقم ( 7 )


206
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم (5 )
المهندس : خوشابا سولاقا
من خلال القراءات السابقة وقفنا على الكثير من الأسباب والدوافع الفعلية التي دعت السلطات العراقية في حينها إلى تبني مواقف معادية لوجود الاثوريين في العراق وإظهار مشاعر عدم الرضا والارتياح نحوهم واعتبارهم دخلاء إلى العراق ، هذه المظاهر الشوفينية والعنصرية للحكومة دعت بالآثوريين إلى المطالبة ببعض الحقوق التي تساعدهم على العيش والاستقرار في العراق إلى جانب بقية المكونات العراقية الأخرى بأمان وسلام بالرغم من وجود لديهم الشكوك والريبة من الطرف الآخر بحكم التجارب المريرة السابقة معه ، بعد أن فقدوا الأمل بالعودة إلى مواطنهم الأصلية في هيكاري التي أصبحت بعد رسم خط الحدود بين العراق وتركيا ضمن الأراضي التركية الحالية  وذلك بعد أن تنصل الانكليز عن كل الوعود والعهود التي قطعوها لهم مقابل دخولهم إلى جانب الحلفاء في الحرب الكونية الأولى كحلفاء وليس كأتباع ضد الدولة العثمانية التي عاشوا في كنفها لقرون عديدة وذاقوا الأمرين من سياساتها العنصرية الشوفينية الحمقاء وما لقوه من ظلم وجور وقتل واضطهاد في ظل حكمها العفن ، وما حصل من المذابح التي ارتكبت بحقهم على يد الأتراك والكُرد بين عامي 1843 -1846 بقيادة بدر خان بيك ونورالدين بيك تحت أنظار ورعاية السلطات العثمانية المتخلفة وبتحريض منها ، تلك المطالب التي كان من ضمنها مطالبة عصبة الأمم والحكومة البريطانية إسكانهم في منطقة واحدة ذات إدارة ذاتية لكي يمكنهم ذلك من حماية أنفسهم من أية اعتداءات محتملة في المستقبل من العشائر العربية والكُردية وليس لأي غرض آخر كما كما تذكر بعض المصادر الحكومية الرسمية العراقية . بعد معرفة كل هذه الأمور ولكي تكتمل الصورة للظروف الموضوعية المحيطة بالقضية الآثورية في العراق في تلك الفترة التي سبقت مذبحة سُميل لابد لنا أن نتعرف على حقيقة الشخصيات الحكومية التي حصلت مذبحة سُميل في عهدهم من حيث نشأتهم وثقافتهم وخلفياتهم السياسية والاجتماعية وسيرتهم الذاتية ووضعهم النفسي وانعكاسات ذلك على بنيتهم الفكرية والعقائدية ومنهجهم في تعاملهم وتعايشهم مع الآخر المختلف عنهم قومياً ودينياً كالآثوريين ، لأن إلقاء الضوء على طبيعة هكذا شخصيات يقود الباحث إلى اكتشاف الكثير من الأسباب والدوافع لارتكاب أفعال مثل تلك التي ارتكبت في سُميل بحق شعبنا الآثوري من هنا تنبع أهمية دراسة هذه الشخصيات وخلفياتها الاجتماعية .
وعليه أستعرض لكم فيما يلي بالتفصيل ما يخص شخصية السيد رشيد عالي الكيلاني والسيد حكمت سُليمان والمتعاونين معهم من الرسميين من الذين كان لهم حضور في الحكومة آنذاك بقدر الإمكان وحسب ما أورده مؤلف هذا الكتاب في فصله الرابع – خلفيات سياسية – في الصفحات ( 88 – 104 ) حيث سأقتبس وبتصرف من هذه الصفحات الجوانب التي تخص جوهر القضية الآثورية التي نحن يصددها حتى نتمكن من استكمال كل الجوانب والأسباب والدوافع الحقيقية التي دفع الحقد الأعمى والكراهية  البغضاء والعنصرية الموروثة والمتأصلة في أعماق كيانهم إلى الانتقام من الآثوريين والتنكيل بهم والسعي إلى إبادتهم عن بكرة أبيهم كما كانوا يصرحون علانيةً على الملأ واستئصال شأفهم من المجتمع العراقي عندما سنحت لهم الفرصة وأصبحوا في سدة الحكم وبيدهم القرار .
أولاً : من هو رشيد عالي الكيلاني .. ؟؟
ينتسب رشيد عالي الكيلاني – في ظاهر الأمر – إلى العائلة الكيلانية الشهيرة في العراق وفي بقاع أخرى من العالم الإسلامي . ولكن العائلة الكيلانية لم تعترف ببنوة السيد رشيد لأبيه السيد عبد الوهاب الكيلاني أبن عم النقيب الكبير للعائلة الكيلانية ، ولم يعرف السيد الكيلاني باسم رشيد عالي إلا بعد فترة متأخرة من شبابه . ولخلافات عائلية غضب النقيب الكبير السيد عبدالرحمن النقيب أول رئيس وزارة عراقية عام 1920 على أبن عمه السيد عبدالوهاب فقرر حرمانه من حصته من ريع الأوقاف القادرية مما دفعت بالسيد عبدالوهاب إلى العيش في عوز وضنك .
وفي ظل هذه الظروف المعاشية الصعبة نشأ رشيد ، وما أن تفتحت مداركه بدأ يحس بالفارق الكبير بين ما يقاسيه وعائلته من شظف العيش والحرمان وبين ما ينعم به النقيب الكبير وعائلته ، فألمه هذا الحال وأضناه كما آلمه وأضناه نكران العائلة الكيلانية بنوته لابيه ونفي صلة الدم بينه وبينها !!؟ .
كان رشيد ذكياً مرهف الحس فكان من الطبيعي جداً أن تخلق هذه المشاعر في حفيظة نفسه ضغينة مرة على الناس وحسداً أعمى وحقداً طاغياً ونقمة شديدة على كل صاحب مال أو سلطان وإن تورثه طبعاً جامحاً لامتلاك المال والجاه بل حتى اغتصابه ورغبة عارمة في بز العائلة التي أنكرت نَسبه وتحديها ، وكذلك عُرف عنه حدة المزاج وتعرضه في أكثر الأحيان لنوبات عصبية شديدة تقارب الجنون تفقده دقة التفكير وحسن التصرف ، وقد عرف عنه أيضا كونه سياسي ميكافيلي النهج  والسلوك . ولهذا فقد انصرف إلى الدرس والتحصيل فنجح فيهما ، ولكن ولكي يشق طريقه إلى مستقبل فاخر ومال وجاه وافر وجد أن تحقيق ذلك غير ممكن من دون أن يرنو إلى اصطناع المكر والكيد والغدر والخداع . وفي ظل الظروف المساعدة التي استجدت في العراق بعد سقوط الدولة العثمانية من انهيار للقيم والمثل وشيوع الانتهازية فوجد فرصته المواتية فبرع في مكره وخداعه للناس والانتفاع منهم ثم التخلي عنهم والإيقاع بهم حين تقتضي مصلحته ذلك . فأحسن التلون والاستخذاء كما أحسن التكبر والاستعلاء . وبجهود مضنية من التقلب والرياء وصل الى أعلى المناصب في الدولة واستطاع أن يتحدى العائلة الكيلانية التي رفضته ونكرت بنوته ويفرض نفسه عليها ويضفي لقب الكيلاني على نفسه ، كما استطاع بزواجه من وريثة تركية غنية هي ابنة عميد المماليك الأتراك في العراق باستفادة من ثروتها أن يشق طريقه في المجتمع في وقت كان التقرب إلى المجتمع المملوكي يعتبر مظهراً من مظاهر الشرف والرفعة وطريقاً مضموناً للتقدم والارتقاء . وهكذا تجمعت في شخصية رشيد عالي الكيلاني مشاعر الحقد على الناس وحب الانتقام ممن يعاديه أو يقف في وجه خططه ، ومشاعر الطمع وحب التملك والسيطرة وسلب الناس أموالهم وما يستتبع ذلك من كذب ومكر وخداع وضياع للقيم والأخلاق . ومع هذا فلا جمع المال ولا مرور الأيام ولا تغيير الأحوال استطاع أن يمحو عُقده النفسية المتأصلة في أعماق كيانه ، أو أن ينسيه حقده الدفين على غيره ، وقد عرفه تاريخ العراق شخصاً متآمراً دساساً في المؤامرات وفتاكاً سفاحاً في مقاتلة عشائر الفرات الأوسط ينفذ الإعدام بأفرادها بدم بارد ، وهو رجل مخادع حين تضيق به الأمور ويشتد عليه الخناق ، وقاسٍ صارم شديد القسوة والصرامة حين تصير إليه الأمور ، وهو رجل طامح طامع بلا حدود لا يتورع عن التضحية بكل القيم والمُثل وقواعد الأخلاق والسلوك إذا ما تعارض وطمعه وطموحه ، ثم عرفه التاريخ العراقي مختالاً مستكيناً عندما تنقلب الأمور عليه . هذه هي البنية الفكرية والنفسية لشخصية رشيد عالي الكيلاني المعروف بتعصبه الديني وشدة نقمته على الناس بخلفياته العثمانية في ميوله وتفكيره مع طغيان الأسلوب الفاشي العسكري على فكره السياسي وميكافيلية منهجه في طريقته في الحكم والإدارة وعلاقاته العامة مع الآخر كائن من يكون ، كان بهذا كله أعجز من أن يفهم طبيعة تطلعات الأقليات أو أن يقر لها بحقوق ، كما كان أعجز عن أن يستوعب الأبعاد الاجتماعية والسياسية للحياة الديمقراطية ، ولذلك كان الكيلاني بعيداً كل البعد عن الأخذ بالحلول السلمية التفاوضية والحوار الديمقراطي البعيدة عن العنف وإراقة الدماء في تعامله مع الأقليات . ومن سوء حظ الآثوريين أن يتولى هذا الشخص رئاسة الوزراء في 20 / 3 / 1933 بعد أن انخدع الملك فيصل الأول بهذا الماكر الخداع ، وجدوا ملف قضيتهم القومية موضوعة على طاولة المفاوضات بين الأطراف المعنية والكيلاني على راس أحد هذه الأطراف الرئيسية !! ..
ثانياً : من هو حكمت سُليمان وزير داخلية حكومة الكيلاني .. ؟
حكمت سُليمان هو أحد أبناء رئيس المماليك في العراق سُليمان فائق وهو عراقي المولد من أصل شركسي ( ألباني ) وقيل عنه مغولي الدم نشأ وتعلم في اسطنبول تحت رعاية أخيه الجنرال محمود شوكت باشا الذي قاد انقلابا عسكرياً صيره رئيساً للوزراء في الدولة العثمانية بعد أن خلع السُلطان عبدالحميد الثاني عن عرش الإمبراطورية ، ثم ما لبث أن أودى به انقلاب عسكري ثانِ قام به إتباعه . وكان من الطبيعي جداً أن تترك هذه الأحداث أثرها البالغ في نفس حكمت سُليمان وأن يتشرب ذهنه بأساليب العمل العثماني والثقافة والمنهج العثمانيين في صياغة شخصيته في السياسة والإدارة والعلاقات العامة والتعامل مع الآخر ، وأن يتعلم منهم الدس والتآمر والمكر والخديعة ويرث منهم طبع الاستبداد بالرأي والغطرسة بالأداء والحقد والكراهية في الشعور ، يضاف على كل ذلك ضعف بَيّن في ثقافته العامة ولهفة محمومة ومسعورة للحكم والسيطرة . وقد عرفه التاريخ رجلاً متآمراً لم يتورع عن الاستعانة بانقلاب عسكري وباستعمال كل الوسائل مهما كانت للوصول إلى سدة الحكم .
 وهكذا شاء القدر إن تجتمع رؤوس الشر والجريمة ، الكيلاني وحكمت سليمان في وزارة الكيلاني في العشرين من آذار من عام 1933 والعقيد بكر صدقي ذو الأصول الكردية على رأس قيادة الجيش في الموصل في ظل وجود خليل عزمي وكيل متصرف الموصل المعروف بضعفه وقلة خبرته في الإدارة والذي كان له أثر ملحوظ في تطور الأمور وانفلاتها مما أتاح لقائد الجيش بكر صدقي فرصة السيطرة على سير الأمور وفرض أرائه عليها كما يشاء والذي كان يتميز بعنصريته وحقده على الأقليات القومية والدينية ، وكل ذلك جرى تحت رعاية ولي العهد الملكي الأمير الشاب غازي القليل التعليم ومعدوم الثقافة وخلواً من التجارب والقدرة على توجيه الأمور مع ميله الخفي لمعارضة أبيه والخروج عن طاعته وشعوره الطولي بالوطنية التي تعني عنده فقط كراهية الانكليز دون سواها ، والمتعاطف لحد النخاع مع توجهات الكيلاني الخرقاء وأعوانه ، وفي ظل غياب الملك فيصل الأول صاحب الحكمة والتعقل والاعتدال ونوري السعيد وزير الخارجية داهية السياسة والموازنات السياسية وياسين الهاشمي وزير المالية والسفير البريطاني السير فرانسيس همفريز ومستشار وزارة الداخلية المستر كورنواليس الرجل الخبير بشؤون العراق عن العراق في آن واحد ، بهذه المصادفة العجيبة الغريبة خلت الساحة للكياني وأعوانه لتنفيذ مخططهم التآمري لذبح وإبادة الآثوريين ، لو لم يكن هذا الغياب غير المقصود في الغالب لكانت الأحداث قد سارت على غير ما سارت إليه في ظل هذا الغياب ، وهذا بالطبع كان من سوء حظ الآثوريين ومن حسن حظ الكيلاني وأعوانه إن صح التعبير .

نلتقي في القراءة رقم ( 6 )

207
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 4 )
المهندس : خوشابا سولاقا
ملاحظة : أود أن أوضح للقراء الكرام أن هذه القراءات التي نشرتها والتي سأنشرها لاحقاً وتحت العنوان أعلاه يجب أن تكون في مضمونها النهائي أن لا تخرخ عن مضمون الكتاب ذاته بأي شكل من الإشكال في معناها ، أي بمعني يجب أن لا أقوَل مؤلف الكتاب ما لم يَقُلهُ في كتابهِ ، وعليه فإن القراءات التي أنشرها تكون في بنيتها التاريخية والفكرية مكونة من جزئين ، جزء منهما مقتبس بالكامل من الكتاب والجزء الآخر منه مقتبس بالمعنى والمضمون وببعض الصياغات اللغوية الضرورية للمحافظة على جوهر السياق العام للمعنى إن جاز التعبير مع تصرف في الصياغة العامة لمفردات وجمل المقال حسب ما تقتضيه مهنية الكتابة الحيادية وأمانة المحافظة على الجوهر والمعنى والمعلومة التاريخية وشكراً . 
بعد أن تعرفنا على جوهر الخلاف بين الآثوريين قبل الانشقاق في قيادتهم الميدانية من جهة وبين الحكومة العراقية وبريطانيا سيدة الأمر والنهي في العراق آنذاك من الجهة الثانية ، والذي كان حول مشروع إسكان الآثوريين بين أن يكون إسكانهم في منطقة واحدة كما يريده الجانب الآثوري وبين أن يكون في مناطق متفرقة ومتعددة ومتباعدة كما تريده الحكومة العراقية وبريطانيا . ولأهمية هذا الموضوع بالذات ولكونه الجوهر في القضية الآثورية في حينها ، يتطلب الأمر منا أن نلقي  عليه المزيد من الأضواء لسبر أعماقه وأغواره المجهولة ووضعها على الطاولة أمام القراء من أبناء شعبنا ومن دون الاعتماد على المصادر التاريخية المنحازة والتي كُتابها من الآثوريين لكي نحافظ على حيادية الطرح ، وقد اعتمدت فيما أكتبهُ بهذا الخصوص على مصادر متعددة ليس كُتابها من الآثوريين والذين جميعاً أجمعوا على جوهر ما أكتبهُ أدناه .
بتاريخ الرابع عشر من شهر تشرين الثاني من سنة 1932 قدمت اللجنة الدائمة للانتداب تقريرها النهائي إلى مجلس عصبة الأمم الذي دعت فيه إلى إقامة الآثوريين في تجمع متجانس بعد أن كان العراق قد قبل عضواً في عصبة الأمم في الثالث من تشرين الأول من نفس السنة 1932 ، وعلى ضوء ذلك اجتمع مجلس عصبة الأمم ودرس قرار اللجة الدائمة للانتداب المشار إليه في أعلاه ، ودعا المجلس في اجتماعه هذا إلى تأسيس منطقة يسكنها مجتمع متجانس من الآثوريين – حسب دعوة اللجنة الدائمة للانتداب بتقريرها النهائي المشار إليه – ولكن دعوة مجلس عصبة الأمم هذه كانت بحاجة إلى موافقة الحكومة العراقية عليها لكون العراق قد أصبح دولة مستقلة بعد قبوله عضوا في عصبة الأمم ، وعند إطلاع الجانب العراقي على هذه الدعوة أقرها على أساس تأسيس تجمعات متجانسة عديدة ومتفرقة ومتباعدة وليس على أساس تجمع في منطقة واحدة .
وقرار الحكومة العراقية هذا أثار حفيظة الآثوريين ودفع بالبطريرك الى التصريح بأن هذا التغيير في صيغة قرار عصبة الأمم أي تغيير تجمع واحد كبير الى تجمعات عديدة صغيرة مبعثرة يعني بكل تأكيد الرغبة في إلغاء الفكرة الأساسية المحددة في قرار مجلس عصبة الأمم والتقرير النهائي للجنة الدائمة للانتداب كلياً ، لأن موافقة الحكومة العراقية بهذه الصيغة تعني السماح للسلطات العراقية القيام بتفتيت كتلة الآثوريين الكبيرة وجعلها كُتل صغيرة متفرقة ومتباعدة .
هكذا وبعد عودة البطريرك في 5 / 1 / 1933 من جنيف بعد حضوره اجتماعات مجلس عصبة الأمم المخصصة لدراسة قبول العراق في عضوية عصبة الأمم والنظر في قضية الآثوريين حسب الطلب المقدم من خلال البطريرك في ضوء قرارات مؤتمر سَر عمادية الذي كان قد أنعقد بتاريخ ( 15 – 16 ) / حزيران / 1932  ، أقر في اجتماع العصبة ، قبول العراق عضواً في عصبة الأمم بتاريخ 3 / 10 / 1932، ورفضت مطالب الاثوريين في اجتماع عصبة الأمم المنعقد بتاريخ 14 / 12 / 1932 على خلفية ما قدمه وزير الخارجية العراقي آن ذاك السيد نوري السعيد في تفنيد إدعاءات البطريرك الاثوري المارشمعون ، وبدعم من تقرير المندوب السامي البريطاني في العراق السير فرانسيس همفريز لموقف الحكومة العراقية ، وبتأييد ما قدموه المعارضون المنشقون من الاثوريين بزعامة ملك خوشابا من عرائض ووثائق ترفض تمثيل المارشمعون لهم وتفند إدعاءاته بخصوص تعامل الحكومة العراقية مع الآثوريين واضطهادها لهم واتهامه بتزوير تواقيع الزعماء الأثوريين التي رفعها الى عصبة الأمم بخصوص تأييدها لتمثيله لهم لديها . عاد المارشمعون بعد إنتهاء تلك الاجتماعات في غير صالح الآثوريين الى العراق ويديه غالية الوفاض ليواجه أبناء شعبه بخيبة أمل كبيرة ، وليقيم تحت رحمة حكومة العراق التي تكنُ له ولشعبه الكراهية والبغضاء وتعتبره خصماً وعدواً لدوداً لها . ومنذ ذلك الوقت أصبح البيت البطريركي شوكة مؤلمة مغروسة في خاصرة دولة العراق الحديثة بحسب تصورات وتلفيقات وأكاذيب وافتراءات وتشويهات الحكومة العراقية القائمة آنذاك ، وفي ظل هذا الواقع تنامي الكره والشكوك والريبة وانعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين بدرجة كبيرة . هذا فيما يخص الحكومة العراقية ، أما فيما يخص الانكليز فبعد أن كان الآثوريين حليفاً لبريطانيا العظمى وتعترف به وبدوره في كسبها للحرب ، أصبح البيت البطريركي جهة غير مرغوب بها في الحسابات المصلحية الأنانية الدنيئة والخبيثة لبريطانيا في العراق ، وبالأخص بعد اكتشاف الحقول النفطية العملاقة فيها ، عندها اتخذت بريطانيا من العرب العراقيين حليفاً بديلاً دائماً للآثوريين المساكين الذين أنتفت الحاجة الى خدماتهم الجليلة ، وحان وقت تسريحهم من خدمة العلم البريطاني في لعبة تبادل المواقع والمهمات المطلوب إنجازها !!! ، الآثوريين الذين شردتهم وهَجّرتهم بريطانيا ظلماً وعدواناً من أوطانهم وكسبت الحرب في شرق الأناضول وإيران والعراق بتضحياتهم الجسيمة مستغلة صفاء نواياهم وقيمهم العشائرية وإيمانهم المسيحي المبني على السذاجة وخداعهم أو انخداعهم بلحاي مبشريها الطويلة التي توافدت كالذئاب العاوية الى مواطنهم في هيكاري بكثرة وأكلوا من زادهم وافترشوا مساكنهم بأمان ، ولكنهم في النهاية خانوهم وخذلوهم بما وعدوهم به وأكلوهم لحماً وتركوهم عظماً .. كم أنتِ ناكرة للجميل يا بريطانيا العظيمة – أقصد أصحاب القرار السياسي وليس الشعب البريطاني - بخبثها ودناءتها ومكرها وخداعها الثعلبي وسقوطها الأخلاقي والإنساني في استغلال الشعوب الضعيفة كشعبنا الآثوري من أجل مصالحكِ ؟ وكم كنتِ هابطة في قيمكِ الأخلاقية والإنسانية في عدم الاعتراف بجميل الآخرين عليكِ والإقرار بما يستحقونه من حقوق التي نكتريها بعد أن حققتِ أغراضكِ الخبيثة منهم  ؟؟ !!! .
أخذ هذا الرأي والانطباع السيئ عن الآثوريين في التوسع والانتشار والتعمق والتجدر في أعماق المشاعر للعراقيين من دون وعي منهم ، وغدا الآثوريين عقبة كأداء في طريق تطور دولة العراق الفتية بحسب إدعاءات المتحكمين بالسلطة فيه ، ووفقاً لذلك تغيرت تصرفات السلطات العراقية تجاه الآثوريين ، ومارست المزيد من الضغط على المارشمعون وعمته سورما خانم وعائلته ، وقد تشجعت الحكومة العراقية في الإمعان بإجراءاتها المؤذية والمسيئة المتخذة بحق الآثوريين بشكل عام وبحق العائلة البطريركية بشكل خاص بعد انشقاق البعض منهم  وتعاونهم معها على الحق والباطل في كل ما يخص أتباع المارشمعون كما تدل الأحداث التي حصلت لاحقاً ، وكل هذه الإجراءات كانت تصب في الرغبة المبيتة لخلق الأوضاع المتأزمة القابلة للانفجار والاشتعال السريع وصعوبة السيطرة عليها بين الجانبين ، وقد انتهت كل هذه الممارسات والمضايقات والاستفزازات المخطط لها بمجابهة حقد شامل مبيت على شعب مستضعف كالشعب الآثوري الصاحب الأصيل لأرض بيث نهرين ( العراق ) منذ آلاف السنين ، وصاحب أرقى وأعظم حضارة قدمت للبشرية الشئ الكثير دون أن تأخذ منها شيئاً بالمقابل غير المظالم والمآسي والقتل والتهجير . بعد عودة المارشمعون الى العراق من جنيف في 5 /1 /1933 كانت له مقابلة مع رئيس الوزراء العراقي في حينه السيد ناجي شوكت وفيما يلي أقتبس ما أورده مؤلف هذا الكتاب في فصله الثالث الفقرة ( 10 – 11 ) ص 76 ، 77 ) ..
الأقتباس " لما عاد المارشمعون إلى العراق في بداية عام 1933 كان السيد ناجي شوكت قد تولى رئاسة الوزارة أثر استقالة وزارة السيد نوري السعيد ، وكان ناجي شوكت بوصفه وزيراً للداخلية في الوزارة المستقيلة على علم واف بالمشكلة الآثورية وتطوراتها . ورغم حملات المارشمعون العنيفة ضد العراق – يقصد ما قدمه من مطالب ووثائق الى عصبة الأمم في جنيف والضجة التي أثارها الأعلام بخصوص القضية الآثورية / كاتب المقال – ورغم عودته فاشلاً فقد التقاه رئيس الوزراء الجديد وبحث معه مشاكل طائفته ، وأكد له تصميم الحكومة العراقية القاطع على تنفيذ قرارات عصبة الأمم بشأن إسكان الآثوريين – يرجى التوقف والتركيز على هذه الفقرة / كاتب المقال - ، وإنها تنفيذاً لتلك القرارات اختارت خبيراً انكليزياً للاشراف على تنفيذ خطط الإسكان هو المستر تومسن الذي سيصل العراق ويمارس فيه مهامه عن قريب . – لاحظوا هنا الدور الانكليزي المتحكم بتلابيب القضية / كاتب المقال – اما موضوع مطالبة المارشمعون بالسلطات الزمنية – يقصد السلطات الزمنية على الآثوريين / كاتب المقال – فقد ترك أمر بحثها حتى تؤتي أعمال الحكومة ثمارها فيزول التوتر وتسود الثقة بين الطرفين – لاحظوا التهرب الدبلوماسي المقصود للسيد شوكت من تقديم أية التزامات تخص صلب الموضوع وتحرج المتعاونين معهم من الآثوريين / كاتب المقال - . ويقول السيد ناجي شوكت في مذكراته أنه أبلغ المارشمعون أمله أن يعيش الآثوريين في دعة وسلام مثل بقية الشعوب والأديان في العراق ، وقال يخاطبه : " إن الحكومة ستقوم بكل ما يحتمه الواجب الإنساني نحوكم ، وعلاوة على ذلك سنعترف بك رئيساً للطائفة الآثورية وبطريركاً عليها فيكون لك ما لبقية رؤساء الطوائف المسيحية في العراق وسيكون لك مقر بالموصل كما ستخصص لك الحكومة راتباً شهرياً لتأمين نفقاتك ، وعندما تسمح سنك القانونية فسنجعلك عضواً في مجلس الأعيان ، مثل بطريرك الكلدان " .
فكان جواب المارشمعون أنه يقدر عطف الحكومة نحوه ونحو طائفته ويشكرها على ذلك وأنه سيعود الى الموصل ويعرض ما سمعه على الرؤساء الروحانيين لطائفته وانه يأمل أن ينال رضاهم وموافقتهم ، وبعد أن حظي – يقصد المارشمعون – بمقابلة الملك ونال التفاته سافر الى الموصل . – أورد المؤلف المقتطفات أعلاه من كتاب ناجي شوكت " سيرة وذكريات " ج 2 ص 241 – 242 - .
إننا لانعرف شيئاً الآن عن حقيقة وطبيعة ردود الفعل والمشاعر التي تملكت المارشمعون وهو يستمع إلى كلام رئيس الوزراء أو بعد أن فكّر فيه ، فهل وجد فيه مساومة بخسة رخيصة أم خداعاً بسيطاً مكشوفاً أم شركاً يراد به فضحه أمام بني قومه وتجريده من الزعامة أم أنه وجد فيه دليلاً على ضعف الحكومة ورغبتها في استجداء رضاه بالمال والإقناع كاذباً كان ام صادقاً أم وجد فيه كل هذه الإغراض مجتمعة فاظهر الرضا والاقتناع وأضمر الرفض والامتناع ؟؟ أم لعله وجد فيه عرضاً جاداً صادقاً . إلا أن مستجدات الأحوال دفعته إلى نقض ما وعد به رئيس الوزراء وإلى عودته إلى موقف المعارض الرافض ؟؟ نحن الآن لا نعرف شيئاً عن كل هذا أو بعضه ولكننا نعرف أنه عاد الى مقره في الموصل فاستقبله أبناء طائفته استقبالاً فاتراً كشف له عما أحدثه فشله في جنيف من صدع في ثقة أبناء طائفته به ومن ازدياد واتساع قوة التيار المعارض له والذي يقوده ملك خوشابا الذي انتفع من تقريب الحكومة له فاستطاع ان يستقطب حوله عدداً كبيراً من الآثوريين الذين استغلتهم الحكومة أداة ضغط على المارشمعون  " انتهى الاقتباس ..

وبما كان لدى المارشمعون من تجارب سابقة مع الحكومات العراقية وألاعيبها في الكلام المعسول بخصوص قضية شعبه كانت كافية لأن تدعوه الى أن يشك بصدق وعود ونوايا السيد ناجي شوكت في هذه المقابلة ، والأحداث التي ستجري لاحقاً ستجيب بجلاء ووضوح على كل هذه التساؤلات التي راودت المارشمعون في وقته ، وستجيب لما يراود القارئ الكريم لهذه المقالات من تساؤلات ، وصفحات هذا الكتاب تحمل الإجابات الصريحة والصادقة لمن يعرف كيف يستنبط النتائج الحقيقية من بين السطور ..

                      نلتقي في القراءة رقم ( 5 )     
       
 


208
قراءات في كتاب الاستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
التاريخ السياسي والعسكري للآثوريين في العراق
القراءة رقم ( 3 )
المهندس: خوشابا سولاقا
بعد التحديد النهائي لخط الحدود الدولي بين دولتي العراق وتركيا حسب ما بات يعرف بخط بروكسل ووقوع موطن الآثوريين القديم قبل الحرب العالمية الأولى أي قبل عام 1914 في أقليم هيكاري ضمن الاراضي التركية الحالية ، فانهم أي الآثوريين لم يتخلوا عن فكرة العودة إليه والأستقرار فيه في ظل حكم ذاتي مستقل خاص بهم يرأسه بطريركهم المارشمعون وتحت حماية بريطانيا خوفاً من الأنتقام التركي منهم بسبب وقوفهم الى جانب الحلفاء في الحرب ضد الدولة العثمانية ، وذلك حسب الوعود التي قطعتها لهم بريطانيا شفهياً مقابل دخولهم الحرب الى جانب الحلفاء ، وبعد أن تنصلت بريطانيا عن الإيفاء بإلتزاماتها تجاههم بدأت جماعات منهم عمليات التسلل وهجرة العودة الى موطنهم في هيكاري في الأناضول ، إلا أن الحكومة التركية ردتهم على أعقابهم رداً عنيفاً وانتقمت منهم شر انتقام ، وأنبأت المعتمد السامي البريطاني في العراق بتصميمها الحازم والقاطع على عدم السماح للآثوريين بالدخول الى أراضيها للتوطن والاستقرار في تركيا لأي سبب من الأسباب وبأي شكل من الأشكال وباية ذريعة كانت . وقد أثار هذا القرار التركي ثائرة الآثوريين وحنقهم مما دفع ذلك ببعض الجهات البريطانيا بالمطالبة بنقلهم الى كندا إلا أن التكاليف الباهضة لأنجاز هذا المشروع جعلت بريطانيا أن تعدل عنه وتضعه على الرف ، والتوجه الى البديل الآخر وهو إسكان الآثوريين في العراق ..
وعند ذاك بدا واضحاً للعيان أنه لم يبقى امام الآثوريين من خياراً بديلاً عن القبول بالأسكان في العراق ، ولذلك كان عليهم أن يدركوا هذه الحقيقة وأن يقتنعوا بها والتعاطي معها بعقلانية وأن يهيئوا أنفسهم نفسياً وإجتماعياً للتعايش السلمي والاندماج في المجتمع العراقي والسعي لأزالة مخاوف العراقيين عرباً وكورداً منهم وخلق أجواء من الثقة المتبادلة ونسيان مخلفات الماضي ، وخلق لدى الطرف الآخر قناعات القبول بالتعايش السلمي معهم والعيش بين ظهرانيهم بأمان وسلام كفئة عراقية شأنها شان كل الطوائف والفئات العراقية الآخرى لا كأقلية غريبة دخيلة إليهم . وفي نفس الوقت أصبح مطلوب من الآثوريين بعد ان تيقنوا خيانة بريطانيا لهم ونكثها لوعودها التي وعدتهم بها قبل الحرب بإنشاء لهم موطن آمن مستقل تحت إدارتهم الذاتية في مواطنهم الأصلية في هيكاري وأصبحت في خبر كان وشيء من الماضي ، عليهم أن يقنعوا أنفسهم بحتمية العيش مع المجتمع الجديد في العراق وإزالة كل المخاوف والشكوك التي تدفعهم الى التخوف والتنافر والإنعزال عن باقي مكونات الشعب العراقي المختلفين عنهم قومياً ودينياً من العرب والكورد وغيرهم من الشركاء الجدد في الوطن الجديد ، إن هذا التصور كان ممكن التحقيق لو اقتنع كل الأطراف الآثوري والعربي والكوردي على العيش المشترك بامان وسلام ونسيان أحقاد الماضي القريب التي خلقتها ظروف الحرب الطاحنة ..
وهنا أصبح مشروع الأسكان في العراق أمراً واقعاً مفروضاً على الآثوريين لا بد من التعاطي معه كما قلنا بموضوعية وواقعية للوصول الى حل للمشكلة يرضي الطرفين الآثوري والحكومة العراقية . ولغرض تنفيذ مشروع إسكان الآثوريين في العراق والاسراع بإنجازه على وجهة السرعة فقد ألفت الحكومة العراقية وبالتنسيق مع الأنكليز لجنة فنية إدارية لهذا الغرض شارك فيها الى جانب ممثلي الحكومة العراقية ممثلون من الاثوريين وكان على رأسهم ملك خوشابا من تياري السُفلى وهو يتزعم الفئة المعارضة من الآثوريين للبطريرك المارشمعون ، وكانت اللجنة برآسة ضابط بريطاني وهو العقيد تومسن بحجة تطمين الاثورين وكسب ثقتهم بحيادية اللجنة وأن تقوم اللجنة بتنفيذ خطة الاسكان على أساس إسكانهم في مناطق متفرقة ومتعددة في السهول الواقعة في أقضية دهوك والعمادية وبرواري بالا وعقرة والشيخان في لواء الموصل ومنطقة حرير وراوندوز في لواء أربيل وسكنت بعض العوائل في مدينة بغداد ، وهكذا أرادت الحكومة العراقية وبموافقة الانكليز نشر الآثوريين على شكل مجاميع صغيرة في مناطق متباعدة ومتفرقة بغرض منعهم من أن يشكلوا أي خطراً مستقبلاً على وحدة العراق حسب إدعاء الحكومة والذي لا يستند على أية معطيات وحقائق ومبررات موجودة على أرض الواقع ، ولكن في الحقيقة مبعث هذا الأدعاء والأعتقاد الكاذب والدوافع من ورائه هو في الحقيقة منطلق من مكامن الحقد الكراهية التي كان أقطاب الحكومة العراقية آنذاك رشيد عالي الكيلاني والمملوك حكمت سليمان والكوردي الحاقد بكر صدقي وخليل عزمي نائب متصرف الموصل يكنوها تجاه الآثوريين ، وهذا الشيء نلاحظه واضح على صفحات هذا الكتاب كما يستعرضه المؤلف مشكوراً . وسوف أنشر لكم في القراءات القادمة  رسالة حكمت سليمان الى قداسة البطريرك مار إيشاي شمعون كنموذج . بينما كان مطلب الآثوريين من أتباع المارشعون هو إسكانهم في منطقة واحدة لكي يمكنهم ذلك من حماية أنفسهم من إعتداءات العشائر الكوردية والعربية ولكن هذا المطلب كان موضع رفض الحكومة العراقية . وكما يذكر هذا الكتاب وإستناداً الى وثائق تاريخية أن كل شيء كان قابل للنقاش والتفاوض عليه وهذا ما ستلاحظونه في الرسالة الجوابية لقداسة البطريرك على رسالة وزير الداخلية حكمت سليمان في القراءات القادمة .
وفيما يلي أنقل إليكم مطاليب الآثوريين حسب إجتماع الزعامات المدنية والدينية الآثورية برأسة المار شمعون بتاريخ 15 – 16 / 6 / 1932 في سر عمادية والذي إنتهى باتخاذ القرارات بإجماع الحاضرين وحسب ما أوردها المؤلف في الفصل الثالث من كتابه المذكور في الصفحات ( 70 - 71 ) وهي كما يلي :- " اقتبس
1 ) الأعتراف بالآثوريين شعباً مقيماً في العراق وليسوا أقلية عنصرية أو طائفة دينية .
2 ) وجوب إعادة أوطانهم في تركيا الى العراق فاذا لم يتحقق ذلك فيجب إيجاد وطن للآثوريين في العراق مفتوح لجميع الآثوريين في العراق وخارجه وبضم مناطق دهوك والعمادية وعقرة وزاخو ويكون مركزه دهوك ويديره متصرف ( محافظ ) عربي ويعاونه مستشار بريطاني – هنا لا يقصد بالوطن دولة مستقلة كما أشاع البعض كذبا وافتراءً –
3 ) يجب تشكيل هيئة لايجاد أراض مناسبة وكافية مع ايجاد المبالغ اللازمة على أن تسجل الأراضي باسماء الأفراد الآثوريين
4 ) على الحكومة العراقية أن تعترف بصورة رسمية بالسلطات الدينية والزمنية للمارشمعون وأن تمنحه وساماً عالياً وإيراداً سنوياً مجزياً .
5 ) أن يمثل الآثوريين نائب في البرلمان العراقي .
6 ) يستمر الضباط المستقيلون على إستقالاتهم إذا لم تستجيب الحكومة البريطانية لهذه المطالب قبل يوم ( 25 ) حزيران – الجاري / كاتب المقال -ـ وعلى أن تتم الموافقة المطلوبة بقرار من عصبة الأمم وأن ينص عليها بالدستور العراقي . " انتهى الأقتباس
وقد قُدمت هذه المطالب الى عصبة الأمم والى الحكومة البريطانية دون ان تبلغ الى الحكومة العراقية ، لأن الحكومة البريطانية من وجهة نظر الآثوريين تعتبر ملزمة قانونياً واخلاقياً تجاهم ، وهي التي بسبب سياساتها فقدوا الآثوريين أوطانهم في هيكاري ودخلوا الحرب وفقدوا فيها الغالي والنفيس وفلذات أكبادهم ، وليس تكبراً وإستخفافاً بالحكومة العراقية كما يحلوا للبعض تفسيرها أمثال الثلاثي  ( عالي ، سليمان ، صدقي ) ومن يواليهم من الاخرين ، لأن العراق لم يكن بعد عضواً في عصبة الأمم حيث صدر القرار بقبوله عضواً في 3 / 10 / 1932 ، وإن مساعي الآثوريين لعدم قبول العراق في عصبة الأمم كانت لغرض ضمان بريطانيا لحقوقهم ومستقبلهم قبل استقلال العراق وترحيل قضيتهم الى الحكومة العراقية التي تأكد لهم من خلال ما يترشح من هذا المسؤول العراقي أو ذاك من تصريحات معادية لهم بان الحكومة العراقية تكون عملياً غير مؤهلة وغير ملزمة قانوناً لتلبية مطالبهم القومية ، ولقد صدق حدسهم  فعلاً كما أثبتته الأحداث لاحقاً ، وكان رشيد عالي الكيلاني قد صرح بانه سيفعل بالآثوريين ما فعلوه الأتراك بالأرمن ، وغيرها من التصريحات التي تنم عن أحقاد للمسؤولين الكبار من يتامى الثقافة العثمانية العنصرية المقيتة الذين يضمرون الحقد والكراهية القومية والدينية تجاه الآثوريين بسبب وقوفهم بالضد من الدولة العثمانية في الحرب ، وبامكان القارئ الكريم اقتفاء أثار هذا الحقد والكراهية تجاه الآثوريين على صفحات هذا الكتاب الذي أعتبر مؤلفه حيادي مع الأطراف المعنية الى درجة كبيرة في إستعراضه للأحداث ولذلك دعيت الى ضرورة قراءتة من قبل من يريد أن يطلع بغرض معرفة حقيقة ما جرى من مظالم وجرائم يندى لها الجبين بحق الآثورين منذ بداية هجرتهم المأساوية لموطنهم في أقليم هيكاري في بداية الحرب العالمية الأولى مروراً بإيران ودخولهم الى أرض الأباء والأجداد العراق وإنتهاءً بمذبحة سُميل وما تلاها من هجرة التشتت والضياع في الغربة في بلدان المهجر في السنوات اللاحقة والى اليوم ، وحيث فقدوا أكثر من نصف عددهم بسبب المذابح على يد الأتراك والفرس والكورد والأوبئة والأمراض والتي تكللت بذبح ما يقارب الاربعة آلاف شيخ وطفل وإمرأة الذين ذبحوا بدم بارد بتوجيه من حكومة رشيد عالي الكيلاني وأنصاره من الحاقدين الشوفينيين وتحت أنظار الأنكليز والمتعاونين مع الحكومة من الآثوريين المعارضين لقيادة المارشمعون دون أن يحركوا ساكناً .. !!  وهنا ومن باب التساؤل فقط وليس إلا ، ما الذي حصلوا عليه الآثوريين كشعب في العراق جراء هذا التعاون مع الحكومة العميلة صنيعة بريطانيا من بعد كل ما جرى .. ؟؟ وأين صارت الوعود التي قطعتها لهم حكومة رشيد عالي الكيلاني وحكمت سُليمان بعد سُميل ونفي المارشمعون وهروب ملك ياقو وأنصاره الى سوريا وخلو الساحة للمتعاونين مع الحكومة .. ؟؟ ما الذي قدموه المنشقين من حقوق للآثوريين الذين أيدوهم لقاء تعاونهم مع الحكومة .. ؟؟ علماً أن أغلب الذين ذبحوا في سُميل كانوا من أتباع وأقارب المنشقين ، وأنا هنا لستُ بصدد الدفاع عن الطرف الآخر حقاً ولا بصدد تبرئته من الأخطاء التي ارتكبها ولا أتهم المنشقين بالخيانة ولم أقل ليس لديهم أسبابهم لأتخاذ هذا الموقف وتبني سياسة التوجه الى الحكومة والتعاون معها ، ولكن في كل الأحوال وحسب وجهة نظري المتواضعة أقول ( وفليزعل من يزعل )  يبقى الأنشقاق هو الخطأ القاتل الذي ارتكب ولا يمكن تبريره ولا قبوله عند النظر الى القضية من منظار قومي شامل وليس من منظار عشائري ضيق كما حصل من المنشقين مع شديد الأسف ، حيث أن المحافظة على وحدة القيادة ووحدة القرار حتى وإن كان ذلك بتحفظ  البعض علية لأسبابهم الخاصة كان الاثوريين بأمس الحاجة إليه في ظروفهم تلك ويبقى مصدر القوة للجميع ويبقى الأنشقاق مصدر الضعف للجميع ..               
وقد أدى تمسك وتصلب المارشمعون بموقفه في إجتماع سر عمادية بخصوص رفضه لمشروع اسكان الآثوريين في مناطق متعددة ومتفرقة حسب مشروع الحكومة والمدعوم من الأنكليز من وراء الكواليس الى ظهور معارضة داخل القيادة الآثورية من بعض الآثوريين للمارشمعون وإعلانهم القبول الصريح بالمشروع والتعاون مع الحكومة العراقية بشأنه بزعامة ملك خوشابا وهو من الزعماء والقادة العسكريين الميدانيين الآثوريين البارزين آنذاك والمناوئ التاريخي للبطريرك الآثوري مار إيشاي شمعون وعائلته ، وكان لهذا الأنشقاق أثراً سلبياً بالغاً في إضعاف وحدة الصف والقيادة الجماعية والقرار الآثوري الذي كان له صداه وأهميته وإعتباره عند الآخرين - الحكومة - ، هذا الأنشقاق كان صدعاً وشرخاً كبيراً في بنيان البيت الآثوري والذي لولاه لما كان قد حصل كل ما حصل للآثوريين ويحصل اليوم ، وكذلك أضعف الموقف التفاوضي للآثوريين مع الحكومة العراقية ومع الأنكليز ، لأن وجود بحدود ما يقارب عشرة آلاف مقاتل آثوري متمرس ومتدرب عسكريًاً ذو قيادة موحدة بارعة ومتمرسة في القيتال تعني الشيء الكثير للحكومة العراقية ودولته ذات البناء الهش والقوة العسكرية الضعيفة مقارنة بقوات الآثوريين ، حيث لم تكن تتجرأ الحكومة أن تتحرش عسكرياً بالآثوريين ، وكان يكون تعاملها سياسياً وتفاوضياً يتغير لصالح الآثوريين . وعندما اقترب موعد مناقشة موضوع العراق في عصبة الأمم في جنيف قرر المارشمعون الحضور لجلسات المناقشة وطرح وجهة النظر الآثورية في موضوع قبول العراق في عصبة الأمم من عدمه ، حيث كانت وجهة النظر الآثورية لا تمانع من قبول العراق في العصبة بعد حل قضيتهم وليس قبلها ، ولهذا الغرض شد المارشمعون الرحال الى جنيف بتاريخ العاشر من أيلول عام 1932 ،  وسعى المارشمعون الى تحقيق هذا الهدف ولكنه هناك تفاجأ بورود الكثير من العرائض من المعارضين له من الآثوريين بزعامة ملك خوشابا التي يفندون فيها مزاعمه باضطهاد الحكومة العراقية لهم كما يفندون إدعاءه بتمثيل عموم الآثوريين ويتهمونه بتزوير تواقيع الكثيرين من زعماء الآثوريين .. !! وحصول هذا الأنشقاق شجع الحكومة العراقية الى التمادي في التصلب بمواقفها المعادية للآثوريين وقضيتهم وعدم التجاوب بايجابية مع مطالبهم القانونية المشروعة وإعتماد أسلوب المكر والخداع والكذب وافتعال المكائد وتزوير الحقائق وتزييفها ونشر الأباطيل ولصق التهم المزيفة بالآثوريين بين العراقيين لغرض تشويه صورة الآثوريين في نظرهم لتهيئة البيئة الاجتماعية المناسبة لقمع الآثوريين وإبادتهم وإستئصالهم من المجتمع العراقي كعناصر دخيلة وغريبة عبر حملة عسكرية ، هكذا كانوا يصرحون زعماء الحكومة الموقرة !! ، وفي ذات الوقت راهنت الحكومة في مواقفها هذه على الجانب المعارض لمارشمعون والمتعاون معها ودعمه على حساب قبول الآثوريين باقل ما يمكن من الحقوق الأنسانية كرعاية وليس كمواطنين عراقيين متساوين مع غيرهم من العراقيين في الحقوق والواجبات . وبذلك تدهورت الأوضاع السياسية بين الحكومة العراقية والآثوريين من اتباع المار شمعون من سيء الى أسوء الى ان انتهى الأمر  بمذبحة سُميل في السادس من آب عام 1933 وما تلاها من حياة الذل والهوان والتمييز والحرمان التي عاشوها الآثوريين ، حتى شمل ذلك كيفية حصولهم على الوثائق الرسمية مثل شهادة الجنسية العراقية وغيرها ، كالتوظيف وتولي المناصب في دوائر الدولة العراقية المدنية والعسكرية لغاية عام 1970 ، حيث رفعت الكثير من الأجراءات الأدارية والأمنية المفروضة على الآثوريين بعد إعادة الجنسية الى قداسة البطريرك مار إيشاي شمعون المنفي التي كان بسببها حُرم الكثير من شبابنا من القبول في الجامعات بسبب صعوبة الحصول على شهادة الجنسية العراقية بسبب الأجراءات الظالمة المفروضة على الاثوريين بعد مذبحة سُميل ونفي المارشمعون وعائلته الى خارج البلاد . ولغرض تقييم المواقف لكل الأطراف من الآثوريين لا أعرف أية معايير نعتمد لأجراء ذلك التقييم لنكون منصفيين معهم ، هل نعتمد تلك المعايير التي كانت سائدة قبل سُميل أم تلك التي سادت بعد سُميل .. ؟؟ أم نقول كما قال لي أحدهم المواقف تقاس بالنتائج ، وأنا قلت له إن النتائج تقاس من أسبابها ، ولكن هنا أقول نترك التقييم للقراء الكرام على ضوء النتائج بعد أصبحت الأسباب معروفة لديهم ولكن بعد قرائتهم الكاملة لهذا الكتاب .   

نلتقي في القراءة رقم ( 4 )

209
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
" التاريخ السياسي والعسكري للاثوريين في العراق "
القراءة رقم ( 2 )
المهندس : خوشابا سولاقا
كيف كانوا الآثوريين الضحية  وكبش الفداء لغدر الآخرين ... ؟؟
كان الصراع السياسي على السلطة في العراق بعد تأسيس الدولة العراقية في عام / 1921 محتدماً على قدم وساق ، بتخطيط وتوجيه المباشر وغير المباشر من المستعمر الأنكليزي عملاً بمبدأ " فرق تسُد " السيء الصيت بين القوى السياسية العراقية الناشئة والمتنفذة وشخصيات الواجهة الأمامية من وجهاء وشيوخ العشائر للصورة العراقية القبلية والطائفية التكوين في أوائل العقد الثالث من القرن الماضي ، وقد تمثل جانب من هذه الصورة الضبابية المشوهة بالحزب الآخاء الوطني بزعامة السيد ياسين باشا الهاشمي والشخص الثاني في زعامته السيد رشيد عالي الكيلاني ، والحزب الوطني العراقي بزعامة محمد جعفر أبو التمن من جهة ، ونوري باشا السعيد المحسوب على المقربين جداً من الأنكليز بحسب خصومه السياسيين وأتباعه والمدعوم من البلاط الملكي من جهة ثانية ، وكان هذا الصراع قد تصاعدت وتائره وإشتدت أواره على خلفية توقيع معاهدة عام / 1930 التي عقدها نوري باشا السعيد مع بريطانيا بخصوص منح العراق الأستقلال تحت الأنتداب البريطاني ، وبذلك تصاعدت وإشتدت المعارضة على خلفية هذه المعاهدة بقيادة الحزبين المذكوريين في الشارع العراقي بالضد من عاقدها السيد نوري باشا السعيد ، ولكن هذه المعارضة تم إحتوائها بمشاركة نوري باشا السعيد في حكومة الكيلاني وتوليه فيها حقيبة وزارة الخارجية وتولي حكمت سليمان الزميل الآخر لرشيد عالي الكيلاني فيها حقيبة وزارة الداخلية وياسين باشا الهاشمي حقيبة وزارة المالية ، وكانت مشاركة نوري باشا السعيد في وزارة الكيلاني من المفارقات السياسية الغريبة حسب واقع الخارطة السياسية للعراق في ذلك الوقت ومن الأمور غير المتوقعة ، لأن هذه المشاركة كانت بمثابة الجمع بين الأضداد والمتناقضات ، ولكن في منهج السياسة الميكافلية التي يتميز بها منهج وفكر الكيلاني  يكون هذا الأمر جائز جداً ومنطقياً ، عملاً بالقول " لا صديق دائم ولا عدو دائم وإنما مصالح دائمة " هذا الجمع بين الأضداد دفع بالحزب الوطني العراقي بزعامة السيد محمد جعفر أبو التمن الذي يمكن حتسابه أقرب الى اليسار معارضة حكومة الكيلاني بشدة وشن حملة معارضة ضدها وضد حزب الآخاء الوطني وأقطابه واتهامه بنكث العهود وخيانة الأمة وممالئة الأنكليز ، وقد عمت المعارضة الشعبية العارمة منطقة الفرات الاوسط والمنطقة الجنوبية من العراق ونزوعها الى العنف والتمرد وإصطباغها بصبغة طائفية كادت أن تصل الى حافة حاوية الحرب الطائفية الأهلية ، وبسبب هذه المستجدات الدراماتيكية الخطيرة التي باتت تهدد كيان الدولة العراقية الحديثة النشأة بالسقوط والأنهيار ، وعليه كانت حكومة رشيد عالي الكيلاني ذي النزعة الميكافيلية ( الغاية تبرر الوسيلة ) أمام خيارات صعبة لا بد لها من إيجاد الحل البديل المناسب للخروج من هذه الأزمة ، أزمة التهديد بالحرب الأهلية الطائفية في العراق ، والتي أخذت تضّيق الخناق على رقبة الكيلاني يوم بعد آخر ، لذلك سعى رشيد عالي الكيلاني الى البحث عن الحل البديل الذي يغنيه عن الحرب الأهلية الطائفية ، وجاءه الحل الأمثل في التضحية بالآثوريين وقضيتهم وجعلهم كبش الفداء لصراعهم السياسي على السلطة ، وكان ما كان من الأحداث الدامية في سُميل وأطرافيها على يد الجيش العراقي بقيادة العقيد بكر صدقي وبعض العشائر العربية والكوردية ..
ولتسليط الضوء على هذه النقطة المهمة في التاريخ السياسي والعسكري للاثوريين في العراق ، أنقل إليكم حرفياً ما أورده مؤلف هذا الكتاب الجدير بالقراءة الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي في الفقرة ( 3 ) / صفحات ( د ، ه ، و ، ز ) من التقديم لكتابه المشار اليه في أعلاه . أقتبس الآتي :-
" ورغم أننا سنفصل القول في هذا الموضوع في ما سيلي من صفحات هذا الكتاب فإننا لا نرى بأساً من إختصار القول في هذا المجال فنقول : إن رياح السياسة العراقية ومؤامراتها دفعت في أوائل عام 1933 بالسيد رشيد عالي الكيلاني ، وهو سياسي ميكافيلي مغامر ، الى تأليف وزارة ضمت أقطاب حزبه ، حزب الآخاء الوطني وآخرين من خصومه . وكان السيد الكيلاني الرجل الثاني في هذا الحزب الذي يرأسه ياسين باشا الهاشمي الذي دخل وزيراً للمالية في الوزارة الكيلانية الجديدة كما دخلها وزيراً للداخلية قطب آخر من أقطاب الحزب هو السيد حكمت سُليمان .
وكان هذا الحزب وزعيماه وبالمشاركة مع الحزب الوطني العراقي بزعامة السيد محمد جعفر أبو التمن قد قادوا، وبشدة وضراوة ، داخل البرلمان وفي الأوساط الشعبية خارجه حملات معارضة عنيفة ضد معاهدة  1930 وضد عاقدها السيد نوري باشا السعيد الذي دفعت المفارقات السياسية بخصومه الى مزاملته وإدخاله الى جانبهم وزيراً للخارجية في الوزارة الكيلانية الجديدة . وكان قبول الكيلاني ومن ورائه حزب الآخاء الوطني تأليف الوزارة يعني أول ما يعني الأعتراف بمعاهدة 1930 التي ظلوا يعارضونها أشد المعارضة وأعنفها ، كما يعني توزير عاقدها السيد نوري السعيد منحه البراءة والغفران بعد أن لم يوفروا سَبة أو تُهمة إلا ألصقوها به . وقد اثار هذا التصرف المخالف لرزانة الأخلاق السياسية – كما وصفه احد الساسة – استياءً شعبياً عارماً وهياجاً في الرأي العام تَصدَرهُ " الحزب الوطني العراقي " الذي قاد معارضة شعبية واسعة النطاق وبخاصة في مناطق العراق الوسطى والجنوبية ، متهماً حزب الآخاء الوطني وأقطابه ببيع المبادئ ونكث العهود وخيانة الأمة وممالئة الأنكليز من أجل السلطة وكراسي الحكم . وقد أدى تخبط الحكومة وخطلها وفشلها في معالجة الأزمة الى إتساع مداها واشتداد أوارها ونزوعها الى العنف والتمرد واصطباغها بصبغة طائقية كادت أن تقترب من حافة حرب أهلية مدمرة . وقد أحست الحكومة بسوءالحال وفداحة المآل وخطره على بقائها في الحكم كما أحست في الوقت نفسه بعجزها عن معالجة الموقف بالحسنى والأقناع أو مجابهتة بالحزم والقوة ولهذا رأت أن عليها إن أرادت البقاء في الحكم أن تلجأ الى الحيلة والدهاء والمناورة والخداع وذلك باختلاق وجود خطر حال يهدد أمن البلاد وسلامتها تستثار به العواطف والمشاعرالوطنية فينصرف الناس عن المعاهدة ومعارضة الحكومة الى مجابهة هذا الخطر الحال الموهوم .
وقد وجدت في الآثوريين وقضيتهم القائمة والشائكة – الى حد ما – بُغيتها المنشودة فاستغلت تصلب المارشمعون ، الرئيس الديني للطائفة الآثورية ، تجاه الحكومة وبالغت في امره وهوّلت من خطره وصورته للرأي العام عصياناً مسلحاً يهدد الأمن والسلام ويدعمه ويحركه البريطانيون بهدف تهديد الوحدة الوطنية والقضاء على العراق كياناً دولياً ، وكانت الوطنية في العراق تعني يومذاك كراهية الأنكليز ليس غير ، وإدراكاً من الحكومة لهذه الحقيقة ولساسية مشاعر الجمهور العراقي ضد البريطانيين وللرد من جهة ثانية في ذلك على اتهام المعارضة لها بممالئة الأنكليز والسير في ركابهم فقد عمدت الى ادخال اسم البريطانيين في الموضوع رغم أنهم كانوا في واقع الحال – وفي هذه الظروف بالذات – مع الحكومة العراقية في مساعيها السلمية لحل المشكلة الآثورية . وهكذا اسطاعت الحكومة اللعب بمشاعر الجماهير وأستثارة ثائرتها حتى انطلقت من عقالها وبدأت تفرض على الحكومة المزيد من التشدد والصمود . فاستطابت الحكومة هذا الحال الجديد وانحرفت بقضية الآثوريين عن مسارها السلمي الذي كانت تسير فيه الى طريق المجابهة والعنف مما جرّ في نهاية المطاف - وكما هو المتوقع في مثل هذه الأحوال – الى صدام مسلح بين الآثوريين والجيش لم يدم سوى عشرين ساعة فقط تبعته مجازر إنتقامية قام بها رجال الجيش العراقي وقائده بكر صدقي دامت عشرة أيام متواليات .
وهكذا استطاعت الحكومة بالتخبط والتدبير والتعسف والتضليل أن تحقق هدفها لا في صرف الناس عن انتقادها ومعارضتها فحسب بل في جمعهم على نصرتها وتأييد أعمالها ، ولكن بعد أن لطخت يديها وسمعة الجيش العراقي بدماء الآثوريين وبعد أن بذرت في التربة السياسية في العراق بذور الغوغائية والعسكرتانيا – أي حكم العسكر – وفتحت الأبواب أمام الانقلابات والثورات وعهود الاستبداد والطغيان .
ورغم رضي الحكومة – أول الأمر – عن أعمال الجيش وقائده بكر صدقي إلا أن بشاعة المجازر ووحشيتها – يقصد المؤلف مجازر الجيش بحق الآثوريين في سُميل - وما خلفته من ردود فعل في انحاء العالم وما أثارته من احتمالات تدخل دولي في الأمر أفزع الحكومة العراقية – يقصد المؤلف حكومة رشيد عالي الكيلاني – فأمرت بايقاف عمليات الانتقام ثم عمدت لا الى التعتيم وكتمان الأمر بل عمدت الى نفي وقوع الأحداث نفياً باتاً ونكران حدوثها نكراناً كاملاً . ولزيادة التغطية والتضليل ولرد الأعتبار الى الجيش فقد نظمت حملات دعائية لتمجيد دور الجيش في دفاعه المقدس عن حياض الوطن وعن العزة الوطنية والكرامة القومية ضد المستعمرين وعلى راسهم بريطانيا – هل ان المجد والدفاع عن العزة الوطنية والقومية يتجسد في قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال بوحشية وبرودة دم عند هؤلاء الفاشيست المجرمين .. ؟ ! / كاتب المقال - .
وقد وجدت هذه الاضاليل استجابة سريعة عند الفرد العراقي المتعطش لسِير البطولة والابطال التي خلقتها في ذهنه رواسب تاريخ طويل من القمع والاستبداد ، والميال بطبعه إلى الثأر والانتقام وإلى العنف والقسوة وإراقة الدماء فاطلق لخياله الاسطوري الخلاق العنان فارتفع بهذه الأحداث إلى مصاف الخرافات والأساطير ومراتب الأمجاد الوطنية والقومية حتى صارت هذه المزاعم والأباطيل ثوابت راسخة مقدسة في الفكر العراقي وفي التاريخ العراقي ، لا يجوز المساس بها ومناقشتها وظلت كذلك حتى يومنا هذا ، وبعد أن تبناها المؤرخون العراقيون وسلّموا بها انخداعاً أم اقتناعاً وجهلاً أم نفاقاً ، ولم يحاولوا إعمال الفكر ودراسة الأحداث وأخبارها ووثائقها دراسة تاريخية تحليلية فاسهموا في اشاعة المفاهيم الخاطئة ورسوخ الثوابت المضللة وتحريف التاريخ وضياع الحقائق . " انتهى الأقتباس ..
هكذا أيها القارئ الكريم ، هيئت الحكومة العراقية برأىسة رشيد عالي الكيلاني وطاقمه من الوزراء والقادة العسكرين من أمثال بكر صدقي قائد العمليات العسكرية المنفذ المباشر للمجزرة وطه الهاشمي رئيس أركان الجيش العراقي ، وبالتنسيق مع الأنكليز وبتعاون بعض الأطراف من الآثوريين من خصوم المارشمعون مع الحكومة العراقية العميلة للانكليز تهيئت الأرضية الخصبة والمبررات والدوافع السياسية الملفقة ، بعد أن كانت كل الدوافع الشوفينية والعنصرية والحقد والكراهية على الآثوريين وقيادتهم متأصلة في نفوس من خطط لهذه المجزرة ومن شارك في تنفيذها  على أرض سُميل بحق الأبرياء من الآثوريين ، إن تلك الدوافع كانت الأسباب الحقيقية المبيتة للمجزرة وهذا ما يظهر بجلاء من قراءة هذا الكتاب .. 

نلتقي في القراءة رقم ( 3 )

       
       


210
قراءات في كتاب الأستاذ عبدالمجيد حسيب القيسي
التاريخ السياسي والعسكري للاثوريين في العراق
المهندس : خوشابا سولاقا
( في البدء أشكر كثيراً مؤلف هذا الكتاب لقاء ما أورده فيه من معلومات تاريخية التي تدل على نبل أخلاقه وحرصه على المحافظة على الأمانة العلمية والتاريخية في البحث وكتابة التاريخ بحيادية ومهنية وبتجرد من كل الأعتبارات التي تجعل الكاتب والمؤرخ ان ينساق وينحاز الى نوازعه الشخصية ويقفز من فوق الحقائق التاريخية ولكن هذا المؤلف لم يفعل ، وفي نفس الوقت أدعو كل الأخوة من أبناء أمتنا بشكل عام والآشوريين – الاثوريين – بشكل خاص الى ضرورة قراءة هذا الكتاب الجدير بالقراءة ) ..
لقد قرأت كل ما وقع تحت يدي من الكتب التي تتحدث عن تاريخ الآثوريين المعاصر للفترة منذ الحرب العالمية الأولى والى حادثة مجزرة سُميل الرهيبة عام / 1933 لكتاب آثوريين وعرب وأجانب فوجدت من خلال قراءتها أن جميع الكتب لمؤلفين آثوريين لا تتوفر فيها أية نسبة من الحيادية ومهنية الأمانة التاريخية كما ينبغي وإنما كانت مؤلفات منحازة بامتياز لهذا الطرف الآثوري أو ذاك وهذا أمر طبيعي جداً في ظل البيئة التي عاشوا ويعيشون فيها الآثوريين كمجتمع عشائري وقبلي لا ألومهم عليه ، وكذلك الحال مع كتب مؤلفيها من العراقيين العرب والكورد من الرسميين المشاركين في الحكومة العراقية أو من الموالين لها في تلك الفترة ، حيث كانت في أغلبها منحازة مئة في المئة الى تبرئة الحكومة العراقية والجيش العراقي من كل ما أقترفاه من مظالم وجرائم وما دبرته من دسائس ومؤامرات بحق الاثوريين ، وأما ما ورد في الوثائق الرسمية لحكومة بريطانيا فهو كذب وإفتراء أرادت بريطانيا من خلاله تبرئة ساحتها مما حصل للآثوريين على أيدي عملائها في الحكومة العراقية من تجاوزات وجرائم وقتل بذرائع مختلفة بسبب تنصلها عن وعودها التي قطعتها للآثوريين مقابل قبولهم بدخول الحرب الى جانبها كحلفاء وليس كأتباع ، وما يؤسف له شديد الأسف هو إن هذا الأتفاق كان شفهياً ولم يكن مكتوباً ، وهذا يعتبر تقصيراً غير متعمداً من زعمائناً في حينها لأنهم تعاملوا مع بريطانيا وفق منطق العشائر وليس وفق منطق السياسة التي كان الأنكليز فقهائها بامتياز ، وحتى آخيراً بعد أن وضعت الحرب أوزارها تنكرت لهم ابسط الحقوق الأنسانية كإسكانهم في منطقة واحدة في العراق الذي يُمكنهم من الدفاع عن أنفسهم تجاه هجمات القبائل والعشائر العربية والكوردية ، وقد سعت بريطانيا منذ البداية الى دق الاسفين بين القيادة الدينية المتمثلة بالبطريرك المارشمعون وعائلته من جهة والقيادات العشائرية ( ملكاني ) والقيادات الميدانية العسكرية المعروفة من جهة أخرى مقابل إعطائهم وعود كاذبة ومخادعة وتضليلهم للأنسياق وراء مخططاتهم الخبيثة ، وقد نجحت في ذلك فعلاً أولاً في التخلص من البطريرك الشهيد مار بنيامين شمعون في عام 1918 بإغتياله على يد المجرم سمكو آغا الشيكاكي ، وعلى أثر هذا الأستشهاد حصل فراغ سياسي في قيادة الآثوريين الدينية والزمنية وبدأت بذور الخلافات والأنشقاق بين القيادة الدينية بزعامة عائلة المارشمعون من جهة والقيادات العشائرية والعسكرية المعروفة وبتشجيع من الأنكليز من خلال سعيها للفصل بين القيادة الدينية والقيادة والزمنية للآثوريين من جهة ثانية ، اي ممارسة الضغط على المارشمعون للتخلي عن سلطاته الزمنية والأكتفاء بسلطاته الدينية وهذا ما تؤكده كل الوثائق الحيادية ، وهو ما كانت الحكومة العراقية العميلة لبريطانيا تحاول جاهدة أن تنتزعه من البطريرك مار إيشاي شمعون عندما كان معتقلاً في بغداد قبل حادثة سُميل عام / 1933 مقابل السماح له للعودة الى مقره في الموصل . وسوف تطلعون على تفاصيل مجريات هذه الأمور في هذا الكتاب كما أوردها المؤلف الأستاذ عبد المجيد حسيب القيسي عند قراءتكم لكتابه والذي سأسعى جاهداً لأن أنقل لكم ما يسعني منها مستقبلا ..
لقد فكرت كثيراً في ضرورة عرض المعلومات التي أوردها المؤلف في هذا الكتاب للأسباب التالية :
أولاً : كون المؤلف عربي عراقي لا صلة قرابة له ولا صلة عشيرة ولا صلة الدين ولا صلة قومية  بأي طرف من إطراف الصراع الآثوري ، وعليه لا مصلحة له في الأنحياز الى أي طرف من الأطراف المتصارعة لحساب الطرف الآخر .
ثانياً : إن هذا الكتاب قد نُشر بعد أكثر من نصف قرن من الزمن من حادثة سُميل الرهيبة وهذا ما يجعل المؤلف بعيدا عن دائرة الشك والأتهام بالأنحياز الى هذا الطرف أو ذاك لأي سبب من الأسباب غير البحث العلمي الرصين وهذا ماتلمسته في الكتاب .
ثالثاً : وجدتُ من خلال قراءتي للكتاب أن المؤلف قد اعتمد في كتابة بحثه هذا على مؤلفات عديدة لغيره من الكتاب العراقيين العرب والكورد وكِتاب تاريخ الوزارات العراقية لمؤلفه عبدالرزاق الحسني والوثائق البريطانية الرسمية ، ولكن لاحظتُ أن ما يميز الكاتب في بحثه هذا هو إنه لم ينقل الأحداث كما كُتبت في المصادر التي اعتمدها بل إنه عَمد الى إجراء الربط بينها بطريقة بحثية علمية رصينة وبحيادية ومهنية علمية عالية ومن ثم إستنتج وفق المنطق العلمي من كل ذلك ما هو حقيقة أو الأقرب إليها هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فهو الكاتب العربي العراقي الوحيد بعد أكثر من نصف قرن يدين الحكومة العراقية العميلة ويتهمها بتدبير عمداً ما حصل من مذابح بحق الأثورين في سُميل وما تلاها للخروج من مأزقها المتأزم في الصراع على السلطة بين الشيعة والسنة بذريعة التصدي للخطر المشترك المتمثل بالآثوريين ، ثم أن هذا الكاتب هو الذي إتهم المؤرخين العراقيين بخيانة الأمانة العلمية لأنهم لم ينصفوا الآثوريين في كتاباتهم ، وهذه المواقف الشريفة مجتمعة لهذا الكاتب جعلتني أن أنقل للقراء الكرام ما كتبه عن مأساة ومظالم الأثوريين على يد الحكومات العراقية العميلة وصنيعتها بريطانيا كما كتبه حرفياً ليطلع عليها القارئ اللبيب ليميز بين ما كتبه هذا المؤلف الحيادي الشريف الذي لا تربطه أية رابطة مصلحة شخصية بشعبنا الآثوري وبين ما كتبهُ كُتابنا من كل الأطرف في سياق سعيهم الى تبرئة أنفسهم مما حصل وإلقاء المسؤولية كل على خصمه ..
القراءة رقم ( 1 )
كيف ولماذا كتب المؤلف هذا الكتاب .. ؟
نقتبس قراءتنا هذه من تقديم الكتاب كما ورد في الصفحات ( أ، ب ، ج ) حيث يستهل المؤلف كتابه بما يلي :
" موضوع هذا الكتاب هو تاريخ قضية الآثوريين في العراق . والآثورين أو التياريين – كما يسميهم العراقيين – قوم من المسيحيين النساطرة استقر قسم منهم في العراق منذ ازمان موغلة في القدم . ثم وفد القسم الأعظم منهم الى العراق أثناء الحرب العالمية الأولى فأثار قدومهم أو أثاروا بقدومهم مشاكل سياسية وإدارية واجتماعية تخطت حدود العراق ، وتردد صداها في المحافل الدولية وقطاعات من الرأي العام الأوربي ، وبطبيعة الحال فقد استأثرت قضيتهم هذه باهتمام دولة العراق منذ تاسيسها في عشرينات هذا القرن – يقصد المؤلف القرن العشرين – وحتى إنفجارها المأساوي الدامي على يد الجيش العراقي في صيف عام / 1933 .
فموضوع بحثنا إذن موضوع قديم قد عفا عليه أكثر من نصف قرن من الزمان ، وكاد أبناء الأجيال القديمة الذين عايشوا أحداثه أو من تبقى منهم أحياء أن ينسوا أمره أو الشيء الكثير من أمره . أما الأجيال الجديدة فندر منهم من يعرف شيئاً عن هذا الموضوع أو يهمه أن يعرفهُ . وقد يكون قِدم الموضوع والجهل به مبررين كافيين لاعادة البحث فيه لتذكير الناسين به وتعريف الجاهلين أمره به . ولكن هذين المبررين ليسا هما كل السبب في دفعنا الى الكتابة في هذا الموضوع ، وإنما هناك سبب آخر يبررالبحث بل ويدعو اليه ، ذلك أن الحدث الآثوري قد ترك في الحياة السياسية العراقية – وكانت في أول عهدها – أثاراً أعمق غوراً وأكثر خطراً وأبقى عمراً من مجرد كونه حادث عصيان أو حادث تأديب ، وإنما كان بأسبابه ودوافعه وبسير أحداثه ونتائجها ، وعلى المدى القصير والمدى البعيد أول وأخطر صدع في الكيان السياسي للعراق الناشئ وقت ذاك ، ثم ظلت الصدوع والخروق تتوالى وتتسع وتتطور حتى عامنا هذا عام 1997 – يقصد المؤلف عام صدور الكتاب – حيث بلغت ذروتها ومداها فبلغ السيل الزبى واتسع الخرق على الراقع .
ولهذا السبب فقد خرج البحث عن كونه تاريخاً لحدث عابر الى كونه تشخيصاً تاريخياً للأعراض الأولى للعلل السياسية التي نَفذت جراثيمها الى الجسم العراقي وبدأت تنخر فيه وتفتك به ، حتى قارب اليوم مصيره الأسود ونهايته الفاجعة . وعلى وجاهة هذه المبررات فإن الكتابة في هذا الموضوع لم تخطر لي من قبل على بال ولم تنصرف نيتي الى الكتابة عنه إلا مؤخراً وبطريق الصدفة – خيرا ما فعلت - . .
وخلاصة الخبر أني كنت وعدت قراء كتابي ( التاريخ يكتب غداً ) أن أعاود البحث وبكتاب مستقل وبتفصيل أكثر عما أحاط بوفاة الملك غازي من شائعات وأقاويل ، ولما بدأتُ الكتابة في الموضوع كان لزاماً علي أن ألم بشئ من التفصيل بسيرة الملك غازي ولياً للعهد وملكاً . ولأن الأحداث الآثورية انفجرت انفجارها الدامي اثناء تولية الأمير غازي نيابة الملك بسبب غياب والده الملك فيصل الأول عن العراق . وكان له ( الأمير غازي ) بطبيعة الحال دور ما سلبياً كان أم ايجابياً في مجرى الأحداث - الأحداث الآثورية – ولربما أمكن القول أن الأحداث ما كانت لتسير مسراها الذي سارته لولا وجود الأمير غازي نائباً عن أبيه الملك فيصل وقت ذاك . ولتحديد هذا الدور وتقييمه كان لا بد من الألمام بتاريخ المشكلة الآثورية ومتابعة تطوراتها والعوامل التي أدت الى إنفجارها ، ثم ما أدت اليه من نتائج وعقابيل طبعت بطابعها عهد غازي ملكاً وما تلاه من عهود . وإذ اتسع البحث وتشعب وزاد عما يتطلبه مجاله في ذلك الكتاب فقد رأيت أن أوجز القول عنه هناك وأن أفرد لتفصيله بحثاً خاصاً ونشره في كتاب مستقل فكان هذا الكتاب .
                  نلتقي في القراءة رقم ( 2 ) لاحقاً     
 
   

211
الى متى نبقى مختلفين ونبحث عن أسباب الخلاف والأختلاف بدلاً من البحث عن أسباب الوحدة

المهندس : خوشابا سولاقا
بالرغم من كون عنوان المقال طويل ومثير للحزن والألم والشجون في النفوس ، إلا أنني إرتايتُ أن أطرح الموضوع بصيغة السؤال الى أبناء شعبنا الكلداني السُرياني الآشوري ليكون له صدى ربما إيجابي أكبر مما لو عرضته بشكل آخر مألوف ، لأن ما أقرأه وما يقرأه الكثير منكم على صفحات المواقع الألكترونية المختلفة يومياً مما يطرح من أراء ورؤى وأفكار متناقضة أو ما يتم افتعاله من أسباب الخلاف والأختلاف بين تلك الطروحات المختلفة عن مجمل ما يتعلق بقضايا شعبنا إبتداءً بالتسمية القومية الموحدة ومروراً بشكل العلم القومي الموحد وألوانه وشكل النجمة وعدد رؤوسها التي يرصع بها العلم القومي ، كالنجمة الآشورية الرباعية الرؤوس كما يريدها دعاة الآشورية ، أو النجمة الكلدانية الثمانية الرؤوس كما يريدها دعاة الكلدانية ، واخيراً وأعتقد إنه سوف لا يكون الأخير من نقاط الأختلاف والخلاف ألا وهو تسمية يوم الأول من نيسان  " أكيتو " بين ان يسمى بيوم رأس السنة البابلية – الآشورية من دون ذكر للسُريان ، أو أن يسمى برأس السنة الآشورية كما يريد بعض الاشوريين ، أو أن يسمى برأس السنة الكلدانية كما يريد البعض الآخر من الكلدان ، أوأن يسمى برأس السنة السريانية الآرامية كما طالب البعض من الأخوة السريان لكي يكون لهم حضور على الساحة ، القومية وذلك بالطبع من حقهم الطبيعي وليس من حق اين كان ان يصادر لهم هذا الحق ويفرض عليهم ما يرضيه هو من التسمية ، وربما تظهر مستقبلاً أسباب أخرى متعلقة بالهوية القومية نختلف عليها لتطول قائمة خلافاتنا واختلافاتنا ، ويقيناً في حالة عدم ظهور مثل هذه الأسباب سيتم افتعالها وصنعها من قبل البعض ممن لا يريد الخير لأمتنا ، هذا على الجانب القومي من ساحة الخلافات والاختلافات المزمنة ، أما على على الجانب المذهبي اللاهوتي الكنسي فحدث ولا حرج ، حيث صار عدد مذاهبنا الكنسية أكبر من عدد نفوسنا في الوطن الأم بسبب نزيف الهجرة الملعونة الى بلدان المهجر حيث التشتت والأنصهار القومي والضياع في مجتمعات الغربة وما زال الحبل على الجرار ، وقياداتنا السياسية والكنسية صامتين ساكتين صاغرين لا يحركون ساكنا أزاء هذا النزيف المستمر . !!
في الحقيقة أنا شخصياً لا يهمني ماذا تكون تسميتنا القومية الموحدة ، بل ما يهمني منها أن تكون لأمتنا تسمية قومية واحدة موحدة يتفق عليها جميع مكونات أمتنا ويقبل بها ويرضي عنها الكل بقناعتهم وإرادتهم الحرة من دون فرض من أي كان ، لأن كل التسميات المتداولة اليوم أعتبرها تسميات متعددة لمسمى قومي واحد ، وهي جميعها تسميات مقدسة وأعتز بها لها مدلولاتها القومية والتاريخية تربطنا بماضينا العتيد ، وورد ذكرها في تراثنا القومي التاريخي في بلاد بيث نهرين العراق منذ ما يقارب السبعة آلاف سنة ، وكذلك لا يهمني إطلاقاً كيف يكون تصميم وشكل وألوان العلم القومي الموحد ، ولا يهمني كيف يكون شكل النجمة وعدد رؤوسها التي تتوسطها ، لأن كلا النجمتين وردت منقوشة على تماثيل واللوحات الحجرية التي كتب عليها تراث وإنجازات أجدادنا القدامى ، وكذلك لا يهمني بتاتاً ماذا نطلق على اليوم الأول من نيسان ، فكل مكون من مكونات أمتنا له الحق الكامل ان يسميه ما يشاء وما يروق له ، ولا يحق لكائن من يكون أن يفرض على الآخر إرادته في إختياره للتسمية التي يرغب بها ، وكل واحد حر يحتفل بالمناسبة بطريقته الخاصة ، ولكن " أكيتو " يبقى " أكيتو " رمزاً قومياً خالداً للجميع ويبقى رأس السنة الجديدة وبداية الربيع الزاهر والمشرق مدى الدهر لا يتغير ، والجميع متفق على قبول " أ:يتو "  قولاً وفعلاً ..
ومن أجل المحافظة على ترسيخ وحدة إنتمائنا القومي برموز قومية تاريخية تربطنا بماضينا ، ومن أجل أن لا يتم مصادرة حق أي مكون في الظهور في الصورة الشاملة للأمة لا ضير في الأمر إذا إتفقنا على تسمية هذا اليوم بعيد " أكيتو " مجرد من أية مسميات ملحقة التي عند إلحاقها تزيد من حجم وحدة الخلافات ولأختلافات بين مكونات أمتنا في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة الى إيجاد وصنع أسباب للتقارب بين مكوناتنا وإيجاد أرضية صلبة وراسخة لأنجاز مشروع حدتنا القومية على أرض الواقع ..
وحتى نحن مختلفين على تسمية اللغة التي نتكلم بها ونستعملها في أداء طقوسنا الكنسية منذ أن وجدنا على أرض النهرين ولو بلهجات متعددة حسب المناطق والقبائل والعشائر ، حيث هناك من يصر على تسميتها باللغة الآشورية وهناك من يرتاح ويصر على تسميتها باللغة الكلدانية آخر من يشدد على بقائها بتسميتها المتداولة باللغة السريانية وهناك من يذهب الى أبعد من ذلك فيصر على العودة الى الأصل حسب وجهة نظره وتسميتها باللغة الآرامية ، وهناك من يدعو الى تسميتها " بالسورث " .. ونحن مختلفين على رسم شكل حروف أبجدية لغتنا فهاك حروف سُريانية غربية تختلف في الشكل عن تلك التي يستعملها الكلدان والآشوريين حالياً في طبع وكتابة كتبهم ، أما إذا دخلنا في دقائق تفاصيل حياتنا الأجتماعية فسوف تظهر لنا أسباب جانبية وثانوية كثيرة أخرى للأختلافات والخلافات بين مكوناتنا ، هذا في جانب من الصورة الكلية الشاملة ، أما في الجانب الآخر منها سوف نجد بالمقابل أن قليل ما نقرأ لبعض كتابنا ومفكرينا ومثقفينا يكتبون عن ما نلتقي به ونتفق عليه مع بعضنا البعض لنتخذ منه منطلقاً نحو تجاوز أسباب فرقتنا وإختلافتنا وخلافاتنا وتمزقنا وتشرذمنا صوب تحقيق التقارب القومي ، ولا أقول صوب الوحدة القومية بمسمى واحد ، لأن قول ذلك قد لا يرضي البعض بالقدر نفسه الذي يرضي البعض الآخر من أبناء أمتنا ، وأنا في مقالي هذا حاولت أن أتجنب الوصول الى هذه المحطة أو حتى المرور من أمامها في رحلتي هذه خوفاً من أن أدخل في مطب يصعب علي الخروج منه الى بر الأمان من دون خسائرنحن في غنى عنها في هذه المرحلة الصعبة من مسيرتنا القومية الوحدوية ..
ولغرض الوصول الى قول ما أريد قوله لأبناء أمتي بكل مكوناتها وجدتُ إن هذه التوطئة كانت ضرورية للغاية لكي أعطي لنفسي الحق لأن أقول للآخرين الأتي من الكلام المفيد حسب وجهة نظري الشخصية كإنسان أولاً وسياسي مستقل ثانياً :-
أولاً :- شئنا أم أبينا ، أن جميع مكونات أمتنا تنحدر من جذر قومي واحد ، وكنا كذلك في الماضي وسنبقى الى أبد الدهر كذلك ، بدليل وحدة لغتنا وأبجديتها بالرغم من تعدد تسميتها ولهجاتها المحلية المناطقية اليوم ..
ثانياً :- شئنا أم أبينا ، قبلنا أم رفضنا ، إن واقعنا الاجتماعي الحالي مكون من ثلاث مكونات رئيسية بثلاث تسميات قومية تاريخية كما يدعي كل مكون منها وكل مكون له سمات وخصائص خاصة به يختلف في الشيء القليل منها مع المكونات الأخرى ويتماثل معها في الشيء الكثير منها ، وهذا واقعنا الحقيقي لا يسعنا القفز من فوقه وتجاوزه الى واقع آخر مفترض نصنعه جبراً كما يريده كل مكون من المكونات أن يكون حسب أهوائه وتمنياته ونزعاته المذهبية ..
ثالثاً :- شئنا أم أبينا ، نحن من ناحية المذاهب اللاهوتية الكنسية ننتمي الى مذاهب عديدة لا يمكن لأي مكون أن يتخلى عن مذهبه ويتحول الى المذهب الأخر ، لأن ذلك لا يريدونه القائمين على تلك المذاهب من بعض رجال الدين لهذه المذاهب الذين يدعون في اللقاءات البروتوكولية لهم مع الآخر بأهمية المحبة والتقارب والسلام في كنيسة السيد المسيح له المجد ، ويثقفون رعيتهم في كل المناسبات الدينية والقداديس بضرورة التمسك بعقيدة ولاهوت المذهب وطقوسه لكونه هو المذهب الحق الذي يجسد العقيدة المسيحية دون غيره من المذاهب ، وإن الآخر خارجاً عن جادة الصواب للديانة المسيحية هذا الكلام يتم التثقيف به من قبل البعض بشكل مباشر أحياناً وبشكل الأيحاء أحياناً أخرى ، هذه الثقافة المذهبية تم ترسيخها في عقليتنا منذ الصغر في العائلة والكنيسة والمجتمع الى درجة التجنب من الدخول الى كنائس بعضنا البعض الآخر ، عليه لا بد لنا أن نحاول أن نتجاوز تاثير هذه الثقافة على بناء نفسيتنا وشخصيتنا في قادم الأيام بأن نربي الأجيال بثقافة التآخي والمحبة والتقارب  ، وليعلم الجميع إن المذهبية هي التي مزقتنا قومياً وكنسياً وأوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم ، وكل ذلك تم بفعل وإرادة الغرباء القادمين من وراء البحار البعيدة وزرعوا بذور الشقاق والحقد والكراهية بيننا في غفوة منا ، لقد آن الأوان أن نقف عند هذه النقطة من الزمن . !! 
رابعاً :- شئنا أم أبينا ، أن هناك أحزاب وحركات سياسية في كل مكون من مكونات أمتنا مطلية بصبغة تسمية المكون الذي تدعي تمثيله وكل حزب منها يدعي بأنه هو الممثل الحقيقي للمكون المعين دون سواه بشكل خاص وهو ممثل أمتنا عموماً ، ويعتبر الأحزاب والحركات السياسية الأخرى لنفس المكون وللمكونات عميلة تعمل لخدمة أجندة الآخرين ، ويحاول كل حزب وبشتى الوسائل المشروعة وغير المشروعة وبما فيها إستغلال كل المناسبات الوطنية والقومية والدينية للدعاية لنفسه وأفكاره وفرض إرادته وأجنداته الحزبية على أبناء أمتنا ، وهذا واقع حال الأحزاب لا يمكن لأحد منا نكرانه لأن الممارسات اليومية للأحزاب تؤكد ذلك بجلاء ووضوح ..
خامساً :- شئنا أم أبينا ، أن هجرة أبناء أمتنا لأرض وطن الأم الى بلدان المهجر بشكلها الهيستيري المرعب هي النزيف المستمر لوجودنا القومي في أرض الأباء والأجداد ، وتشكل التحدي الأكبر والأخطر الذي يهدد مصيرنا ووجودنا القومي في الوطن وفي المهجر من دون أن نجد أي رد فعل معاكس متصدي لها ، لا من قبل المؤسسة السياسية المتمثلة بالأحزاب والحركات السياسية لأبناء شعبنا ، ولا من قبل مؤسسة الكنيسة المتمثلة بكل كنائس مكونات أمتنا ، بل نتلمس منها العكس ، أي أنها تغض النظر عنها ، وكأن الهجرة هي قدرنا المحتوم ومرادنا المطلوب وطريقنا المرسوم للخلاص مما نحن فيه من مُصائب ..
وعلى ضوء هذه الحقائق الموضوعية عن واقعنا الديموغرافي والأجتماعي والثقافي والسياسي الذي لا يسعنا القفز من فوقه الى ما يطمح إليه أي مكون من مكونات أمتنا عند تعاطينا مع أحداثه التاريخية ، وما يستجد فيه بحكم تطور الحياة الاجتماعية وما تفرضه المتغيرات السياسية والاجتماعية للبلاد بشكل عام ومجتمعنا بشكل خاص ، ولغرض بناء أرضية صُلبة مشتركة لأبناء أمتنا بكل مكوناتها للأنطلاق منها لبناء وحدتنا القومية التي من دونها لا يمكن أن تقوم لنا قيامة ككيان إثني له من الخصائص والمقومات القومية التي تميزه عن الآخرين من الشركاء في الوطن ، إنطلاقاً من هذه الرؤية القومية الشاملة لابد لنا جميعاً أن نتعاطي ونتعامل مع هذا الواقع الذي نعيشه بموضوعية وواقعية علمية من دون المبالغة بأمور معينة في واقعنا وتقليل من شأن أمور أخرى حسب ما تمليه علينا أهوائنا ونزواتنا الشوفينية المتطرفة المنحازة لخصوصياتنا مسبقاً ، والتي تعمي بصرنا وبصيرتنا من رؤية حقائق الحياة كما هي على أرض الواقع ، وتبعدنا عن رؤية جادة الصواب التي نسلكها للوصول الى تحقيق هدفنا المستقبلي المنشود .. إنطلاقاً من هذه الرؤية ومن مصلحتنا القومية أدعو بعقل مفتوح وقلب ملئهُ المحبة جميع كتابنا ومفكرينا ومثقفينا أصحاب الأقلام الحرة ممن يتحدثون عن الشأن القومي والسياسي والثقافي والتاريخي والكنسي ويطرحون رؤاهم وأفكارهم في كتاباتهم عبر وسائل الأعلام المقرية والمرئية والمسموعة الى الابتعاد عن الخطاب والحديث المتشنج ، وعن إستعمال المفردات غير اللائقة ، وعن الكلام الأستفزازي والتعصب للخصوصيات والمبالغة به ، وعن التركيز في كتاباتهم وطروحاتهم على نقاط الخلاف والاختلاف والفرقة ، لأن في هذا التركيز وبهذه الدرجة من المبالغة المفرطة في إبراز خصوصية بعينها على حساب التنكر للخصوصيات الآخرى للآخرين يؤدي الى ما يعقد الأمور أكثر ، ويزيد من حرارة لهيب وسعير الخلافات والأختلافات بين مكونات أمتنا ، بينما يفترض بل يجب على الجميع أن يركز قصارى جهده على إبراز نقاط الأتفاق والتوافق واللقاء وتوسيع قاعدة المشتركات الآيجابية بين مكوناتنا وتفعيلها لكي  تأخذ مداها الأقصى على الساحة لبناء قاعدة الوحدة القومية الرصينة ، وتضَيّق من مساحة قاعدة نقاط الأختلاف والخلاف وأسباب الفرقة والتشرذم والعداء والحقد والكراهية والضغينة القومية والمذهبية بين مكونات أمتنا ، وبهذه المناسبة أدعو جميع أبناء أمتنا بشكل عام وأصحاب الأقلام الحرة الخيرة من كتابنا ومفكرينا ومثقفينا بشكل خاص الى الأنتباه الى هذا الجانب والذي أعتبره المحور المركزي لمقالي هذا إن كنتم فعلاً صادقين في حبكم وولائكم لمكوناتكم وأمتكم وكنائسكم ومذاهبكم ، والتخلي عن نهج الخطاب المتشنج الذي يحمل في طياته نفس عدم قبول ومعاداة الآخر ورفض التعايش معه ، وعن نهج التهجم على خصوصياته والتنكر لها ، لأن تبني لهذا النهج الأهوج سيجعل الجميع في خطر داهم ويواجه الجميع نفس المصير ، لأن الجميع في قارب واحد ، فإن غرق يغرق الجميع وإن نجا ينجو الجميع .. لذا يتطلب الأمر والمصلحة القومية من الجميع أن يحسنوا الأختيار بين الغرق والنجاة للوصول الى بر الأمان بسلام .. 

212
القومية والوطنية بين الوطن الأم والمهجر
المهندس : خوشابا سولاقا
في البداية نطرح الموضوع بصيغة سؤال وعلى النحو التالي ، هل لمفهوم القومية علاقة بمفهوم الوطنية فكرياً وفلسفياً وسياسياً  ؟ أم أن كل منهما مفهوم قائم بذاته لا يربطهما أي رابط فكري وفلسفي وسياسي .. ؟ أم أنهما تربطهما علاقة جدلية تكاملية لا يمكن لأحدهما أن يكون موجوداً من دون وجود الآخر .. ؟ لقد كثر الحديث خلال السنوات الأخيرة بين الكتاب والمثقفين من أبناء شعبنا حول مفهوم القومية كمفهوم اجتماعي ومدلولاته الفكرية والثقافية والسياسية  وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي لأمتنا ، ولكن الكثير لا يميز في طرحه بين مفهوم القومية ومفهوم الوطنية عندهم يتحدث عنهما ، ولغرض وضع حدود فاصلة بين المفهومين وبالتالي عدم الخلط بينهما لابد لنا من الرجوع الى تعريف هذه المفاهيم بدقة لكي نتمكن استناداً على ذلك تحديد الأطر الفكرية والفلسفية والسياسية والثقافية والاجتماعية للمفهومين .
أولاً مفهوم القومية : القومية هي انتماء عِرقي لا يمكن للإنسان أي كان أن يتخلى عنه لأي سبب من الأسباب ولا يمكن له تغييره بالانتماء إلى عِرق آخر ، وبالتالي فالقومية هي شعور إنساني بالانتماء عِرقياً إلى مجموعة بشرية تماثله في كل الخصائص والمقومات الاجتماعية والثقافية وفي امتدادات الإرث التاريخي ، ويكون الرابط الأساسي المشترك بين أفراد هذه المجموعة هو رابط اللغة والثقافة والعادات والتقاليد المشتركة وترابط النسيج الاجتماعي الذي ينشأ جراء هذا التعايش المشترك ، وكل هذه العوامل مشتركة في الحياة الاجتماعية للمجموعة البشرية المعينة تولد روابط أساسية أُخرى بين أفرادها ألا وهي روابط المصالح المشتركة والمصير المشترك التي يحددهما الصراع مع المجاميع البشرية القومية الأُخرى التي تجاورها على نفس الأرض من أجل البقاء والسيطرة والهيمنة على موارد الثروة ، وليس بالضرورة أن يكون للأرض دور في تجسيد مفهوم القومية ، وإنما يمكن أن تكون الأرض ذاتها جزء من المصالح المشتركة التي يحصل بسببها التنافس والصراع مع القوميات الأخرى من أجل المصالح الاقتصادية ، أي بمعنى يمكن لقومية معينة أن تتواجد وتعيش في مناطق متعددة ومنفصلة عن بعضها البعض ، كأن يكون هناك وجود قومي لأي مجموعة بشرية قومية مهما كان عدد أفرادها في جميع القارات وفي جميع البلدان دون أن تفقد انتمائها القومي لو عاشت على بقعة أرض معينة في تلك المناطق ، وكما هو الحال الآن مع أغلب القوميات في المعمورة حيث تتواجد في أكثر من مكان وفي أكثر من وطن ، لأن ما يحدد ملامح القومية هي كما قلنا وحدة اللغة والثقافة والعادات والتقاليد القومية الاجتماعية الموروثة عبر أجيال طويلة بغض النظر أين يكون هذا الوجود في أي أرض أو في أي وطن من المعمورة ، وعلى هذا الأساس فالقومية هي انتماء عِرقي وليست مفهوم فكري أو فلسفي أو سياسي . 
ثانياً مفهوم الوطنية : الوطنية هي الشعور بالانتماء الى أرض محددة جغرافياً والارتباط بها من خلال وحدة المصالح المشتركة والمصير المشترك لمجموعة بشرية معينة مكونة من قومية واحدة أو من مجموعة قوميات ، وهذه الأرض تسمى الوطن ومن يسكنها يشعر بمسؤولية حمايتها والدفاع عنها من أي عدوان أجنبي خارجي أو من أي عمل داخلي يؤدي إلى الأضرار بالمصالح الوطنية والتي هي مصالح جميع من يستوطن هذه الأرض المحددة جغرافياً ويستثمرها ويستفاد من خيراتها المادية ، ويشترك في هذا الدفاع الجميع بغض النظر عن التنوع والتعدد القومي ويسمى هذا الدفاع بالدفاع الوطني المشترك . وعليه فإن الوطنية تعني حب الوطن وحب من يعيش على أرضه والدفاع عنه ضد أي عدوان يهدد مصالحه الوطنية مهما كان مصدر العدوان ، والوطن هنا يعني هو قومية أو مجموعة قوميات مرتبطة مصلحينا بأرض محدودة جغرافياً ..
وعلى ضوء هذه التعريفات فإن القومية هي شعور بالانتماء إلى مجموعة بشرية يجمعها ويوحدها بالدرجة الأساس رابط اللغة والثقافة والعادات والتقاليد والمصالح المشتركة والمصير المشترك ، وهذا الانتماء هو انتماء ثابت لا يمكن تغييره أبداً مهما تغيرت أماكن التواجد القومي ، والوطنية هي شعور بالانتماء إلى أرض مشتركة تعود ملكيتها لقومية واحدة أو لمجموعة من القوميات المختلفة ، والوطن ليس ثابت بل يمكن تغييره عندما تكون هناك أسباب قاهرة تهدد مصير الوجود القومي لأي قومية في أي وطن ، لأن الوطن بالتالي هو الأرض المحددة جغرافياً الذي يضمن العيش الرغيد بسلام وأمان وحرية وكرامة إنسانية لمن يسكنها ، إن توفر هذه الشروط الإنسانية هي التي تخلق الدافع لدى الفرد أو لدى المجموعة القومية للشعور بحب ذلك الوطن .. إذن يمكن تغيير الوطن من دون أن تتغير القومية ، وهنا باستطاعتنا أن نجيب على الأسئلة الواردة في متن هذا المقال ، وهي عدم وجود أية علاقة بين مفهوم القومية ومفهوم الوطنية فكرياً وفلسفياً وسياسياً وأن كل مفهوم منهما قائم بذاته ، ولكن هناك بينهما علاقة جدلية تكاملية في عملية تشكيل الوطن حيث لا يمكن أن يكون هناك وطن من دون شعب يسكنه مكون من  قومية أو من مجموعة قوميات ويستثمر موارده ، وكذلك لا يمكن أن يكون هناك شعب معلق في الفضاء من دون أن يكون له وطن على الأرض يسكن عليه ، أي بمعنى أينما يسكن شعب يكون هناك وطن وأينما يكون هناك وطن يكون هناك شعب يسكنه ، فالعلاقة بين الوطن والشعب علاقة جدلية تكاملية يكون بالضرورة وجود إحداهما مكملاً لوجود الآخر ..
هذه الأفكار يمكن اختبارها على أرض الواقع لمعرفة مدى صحتها من عدمه لكي نستطيع من اعتمادها كمعايير لتمييز الأطر والحدود الفكرية والفلسفية والسياسية الفاصلة بين مفهومي القومية والوطنية ، أين تتقارب من بعضها البعض وأين تبتعد وأين تتداخل وتتكامل .. فلنطبق ذلك على ظاهرة هجرة الناس لأوطانهم الأصلية إلى أوطان المهجر لنرى ونحلل النتائج وانعكاساتها على مستقبل الوجود القومي كيف تكون عملياً ، فعندما تكون الهجرة جماعية أي هجرة قومية شاملة من مكان الى آخر والاستقرار في المكان الجديد أي في الوطن الجديد بشكل جماعي والاستقرار فيها لكي يتمكن من المحافظة على الوجود القومي الجمعي للقومية بكامل خصائصها ومقوماتها كاللغة والعادات والتقاليد والثقافة القومية وبالتالي المصالح القومية المشتركة في الأرض الجديدة أي في الوطن الجديد لتشكيل وجود قومي يلاءم ويتماشى مع قوانين الحياة في الوطن الجديد والتعايش مع شركائه الجدد هناك لكي لا ينصهر في بوتقة القومية السائدة التي تسيطر وتهيمن وتسيّر الحياة وتتحكم فيها في الوطن الجديد فمن خلال هكذا هجرة يمكن المحافظة على الوجود القومي الاجتماعي في أوطان المهجر كما حصل مع هجرة الأوربيين إلى العالم الجديد في القارات الأمريكية الشمالية والجنوبية وأستراليا هكذا هجرة تؤدي إلى نشوء أوطان جديدة مع المحافظة على بقاء الكيانات القومية اجتماعياً ، وأما إذا كانت الهجرة عشوائية مجتزئة على هيئة أفراد أو على هيئة أسر متناثرة هنا وهناك غير مسيطر عليها إلى مناطق مختلفة من أقطار متعددة تتحكم فيها المصالح الفردية الأنانية ، أي هجرة تشتت وتمزق وتفكك أسري كما هو حال أبناء شعبنا اليوم فإن النتيجة تكون بداية النهاية للوجود القومي الأصيل حتى وبشكله الاجتماعي وليس فقط بشكله السياسي ككيان قومي قائم بذاته بشكل مستقل عن سلطة الآخرين من الشركاء في الوطن الجديد ، حيث أن هذا الشكل من التواجد القومي الفاقد لمقومات الصمود والبقاء والاستمرار يؤدي بسبب الاختلاط والتعايش والتجاور الاجتماعي مع الآخرين إلى تحلل وفقدان الرابط القومي الأساسي للفرد والعائلة ألا وهو رابط اللغة والثقافة والعادات والتقاليد القومية ، وهذا يؤدي بالتالي إلى الانصهار في بوتقة القومية السائدة اجتماعياً في الوطن الجديد والاندماج كلياً بالضرورة في مجتمعها ، وهذا مع الأسف الشديد ما يحصل اليوم لأبناء شعبنا في بلدان المهجر بشكل تدريجي وسريع ، فإذا استمرت هذه الظاهرة على هذا المنوال سوف تختفي كل الملامح والمقومات القومية لأحفادنا خلال فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز الخمسين سنة القادمة حيث سيتحول أبناء شعبنا على ما يبدو إلى مجرد مواطنين من أصول عِرقية معينة دون أن يكون هناك من الدلائل ما يشير الى أصول تلك الأعراق إلا من خلال بعض الأسماء القومية وتداول اللغة الأم بين بعض من يبقى على قيد الحياة من المسنين في البيت ، هذه الظاهرة قد بدأت فعلاً مع البعض من المهاجرين القدامى الذين غادروا كل ما يربطهم بأُصولهم القومية والتاريخية والوطنية ، وتلك هي الملامح الأولية للانقراض والفناء القومي لأبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في بلدان المهجر كوجود قومي اجتماعي وشعوراً بالانتماء الى عِرق بعينه بعد أن يكون قد مات وانقرض لدى الأجيال التي تربت والتي ولدت وتربت في بلدان المهجر الشعور بحب الوطن الأم واكتسبوا الشعور بحب أوطانهم الجديدة وذلك من حقهم الطبيعي ومن صلب واجبهم الوطني ..
الخلاصة والتوصية : 
في ضوء المعطيات التي ذكرتها وواقع الحال لأبناء أمتنا في الوطن وفي المهجر ولحماية وجودنا القومي في الوطن الأم والمهجر أوصي بما يلي :-
أولا :  في بلدان المهجر أوصي أبناء شعبنا العمل من أجل حماية وبقاء وجودنا القومي كشعور بالانتماء إلى أصول عرقنا القومي وذلك بالعمل بكل الوسائل للمحافظة على اللغة الأم وعلى العادات والتقاليد والطقوس والثقافة وكل ما يمت إلى ذلك بصلة من خلال ما موجود من المؤسسات السياسية والثقافية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسة الكنيسة من أجل ديمومة الاستمرار بالشعور بالانتماء القومي إلى قوميتنا بالإضافة إلى العمل على تنمية الشعور بالانتماء إلى الوطن الأم لأن ذلك يساعد كثيراً على ربط الشعور بالانتماء القومي بالتاريخ القومي والتراث والحضارة القومية في أرض الآباء والأجداد وهذا هو أقل ما يمكن القيام به لخدمة أمتنا على الاستمرار في المهجر ، وعلى أن يكون التركيز في هذا العمل على الشباب الذين ولدوا في الوطن وتربوا في المهجر والذين ولدوا في المهجر لأنهم هم مستقبل الأمة واستمرار وجودها القومي .
ثانياً : في الوطن الأم أوصي أبناء شعبنا العمل من أجل حماية بقائنا ووجودنا القومي كشعور بالانتماء إلى عرقنا القومي على أرض وطن الآباء والأجداد والشعور بالانتماء إلى تراث وحضارة وتاريخ عريق يمتد إلى أكثر من سبعة ألاف سنة ، ورفض بل ونبذ فكرة الهجرة الملعونة لأرض الوطن والضياع والتشتت في المهاجر ، والعمل على تنمية الشعور بحب الوطن والقبول بالتعايش السلمي مع الآخرين من الشركاء في الوطن متساوين معهم في الواجبات والحقوق ، ودعوة أبناء شعبنا من خلال كل مؤسساتنا السياسية والكنيسة ومؤسسات المجتمع المدني للنضال وبالتعاون مع الآخرين من الشركاء في الوطن من أجل ترسيخ قيم الحرية والعدالة والمساواة والسلام والسلم الأهلي والديمقراطية في المجتمع لبناء نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يحكم البلاد ، والذي هو من وجهة نظرنا المتواضعة الحل الأمثل والأوحد والمتيسر لتجسيد وجودنا القومي ونيل حقوقنا القومية والوطنية وحرية ممارسة معتقداتنا الدينية . إن ما يجري من قتل وتخريب وتدمير وبؤس وفقر وحرمان وتخلف وانهيار البني التحتية للاقتصاد الوطني في البلاد منذ سقوط النظام يدل بشكل قاطع على فشل كل أشكال الأنظمة السياسية التي ولدت من رحم المُحاصصة الطائفية والإثنية المقيتة في تحقيق ما يطمح إليه العراقيين من سلم وأمن ورفاه اقتصادي بالرغم من ضخامة وارداته المالية من النفط ، وعليه ليس أمام العراقيين بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية للعيش بسلام وأمان ورفاه في هذا الوطن غير العودة إلى الخيار الأول والأخير ، ألا وهو بناء النظام الديمقراطي الحقيقي الذي يحقق طموحات الجميع في العيش الرغيد الآمن والاستقرار وذلك هو قدر العراقيين جميعاً . وهنا أود أن أقول بشكل خاص لمكونات الأقليات بكل أشكالها وفي مقدمتهم أبناء قوميتي الأعزاء ، إن الديمقراطية والنظام الديمقراطي هو النظام الوحيد الذي من خلاله تحقق تلك الأقليات طموحاتها وحقوقها القومية والوطنية وعليه فهي المستفيد الأكبر منه وهو طريقها القويم إلى التحرر والانعتاق ، لذلك أدعوها إلى الانخراط بفعالية استثنائية في العمل الديمقراطي بكل أشكاله السياسية والاجتماعية المدنية ..

ملاحظة:
استغل هنا مناسبة حلول عيد القيامة المجيد لأن أقدم أجمل التهاني مع باقة ورد من ربوع العراق وأطيب الأمنيات القلبية الى أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري العزيز وشعبنا العراقي الكريم والبشرية جمعاء بشكل عام والقراء الكرام والعاملين في هذا الموقع النبيل وعلى رأسهم مدير الموقع الأستاذ الفاضل امير المالح وكل الأحبة والأصدقاء من دون تمييز ، وكل عام وأنتم والعراق والعالم بخير وأمان وسلام ..


محبكم : خوشــابا ســولاقا

                                               
     

213
الفرق بين الزعيم القائد والديكتاتور الأحمق

المهندس : خوشابا سولاقا

عند دراستنا للتأريخ الأنساني بشكل عام سنجده مليء من النموذجين المذكورين ، وإن الشعوب قد حصدت على يديهما نتائج متناقضة في الشكل والمضمون تناقضاً صارخاً ، نجد شعوباً قد حصدت على أيدي الزعماء القادة من الحكام نتائج إيجابية باهرة وعظيمة في عطائها الأيجابي لشعوبها خدمت مسيرتها التاريخية نحو التطور والتقدم الى الأمام وبناء دول ومجتمعات حديثة متقدمة صناعياً وإقتصادياً وإجتماعياً وثقافياً وعاشت تلك الشعوب حياة حرة كريمة ومترفهة وآمنة وبعيدة عن الخوف والقلق والعوز والفقر والمجاعة والجهل والأمية والأمراض وكوارث الحروب ومآساتها الدامية ، بينما حصدت شعوباً أخرى على أيدي الديكتاتوريين الحمقى من الحكام على العكس من ذلك ، حصدت نتائج سلبية عرقلت مسيرتها التاريخية وقادتها نحو التخلف والتأخر في كل المجالات وعاشت تلك الشعوب حياة الأستعباد والجوع والحرمان والفقر وكبت الحريات ومصادرة الأراء والإرادة الحرة لأبنائها ، وعاشت حياة الحروب العبثية المدمرة وإنتشار الجريمة والفساد بكل أشكالهما المرعبة وجعلت شعوبها تعيش في سجنٍ كبير لا خلاص لها من نير الطغيان والقهر والأستعباد .. ولكن ما نكتشفه مشترك بين النموذجين هو أن كليهما  قد أنتجتهما شعوبهما بإرادتها الحرة ، أي بمعنى آخر إنهما من إنتاج سلوك الشعوب نحوهما بشكل عام ومن سلوك الدائرة الأولى من المحطين المقربين لهما بشكل خاص ،  وبمعنى أن كل شيء جيد أو رديء هو من نتاج بيئته الأجتماعية المحيطة ، وهذا ما أثبتته تجارب إنسانية كثيرة في محيطنا الأجتماعي العربي والأقليمي وحتى العالمي ، أمثال النموذج الأول المهاتما غاندي ولينن وماوتسي تونغ وجيفارا ونلسون مانديلا وجورج واشنطن وغيرهم الكثير ، وأمثال النموذج الثاني هتلر وموسوليني وصدام حسين ومعمر القذافي وعبدالناصر والأسدين وغيرهم آخرين .
فالزعيم تنتجه أو تخلقه الشعوب من خلال المحيط الأجتماعي والبيئة الأجتماعية التي نشأ وترعرع فيها واكتسب منها ثقافته وخلفيته الفكرية والسياسية ، فالزعيم القائد لابد بل يجب أن يكون له أيديولوجية معينة وفكر سياسي معين يستهدف من خلالهما جر الجماهير المستهدفة بالتغيير الى النضال وقيادتها الى إجراء تغيير ثوري شامل في بنية المجتمع نحو ما هو أفضل ، بالتأكيد أن مثل هكذا شخصية تكون محيطة بمجموعة من الناس المتبنين لأفكاره وأرائه السياسية والمتأثرين بها في السعي لأجراء هذا التغيير الثوري في بنية المجتمع ، وتسعى لأن تكون شريكةً وداعمةً له في صناعة وصياغة وتنفيذ القرار السياسي المطلوب لأنجاز هذا التغيير الثوري في بنية المجتمع لكي تشاركه في تحمل المسؤولية فيما يترتب على ذلك القرار من نتائج إيجابية او سلبية لغرض دعمها وتعزيزها إذا كانت إيجابية ، أو لتقويمها وتصحيحها وتجاوزها إذا كانت سلبية ، في هذه الممارسة وعند هذه النقطة بالذات تتحدد ملامح شخصية الفرد القائد للعمل إن كان ذلك العمل بناء وقيادة حزب أو حركة سياسية أو بناء وقيادة مؤسسات دولة بين أن يكون زعيماً قائداً وبين أن يكون ديكتاتوراً أحمقاً ، وهنا أيضاً يتحدد دور المحيط الأجتماعي من الأفراد المحيطين به من المقربين بين أن يكون محيطاً منتجاً وفاعلاً وسبباً مباشراً لصنع من الشخص الأول في الهيكل التنظيمي للعمل كحزب أو كدولة بمؤسساتها زعيماً قائداً أو ديكتاتوراً أحمقاً ..
فإذا كان الشخص الأول مؤمناً بالمبادئ والقيم الفكرية التي يتبناها من خلال الحزب الذي يقوده أو من خلال الدولة التي يتولى قيادتها ويعمل على تطبيقها على أرض الواقع بإيمان راسخ وشفافية مبدئية لخدمة الهدف المركزي في العمل ألا وهو خدمة المصلحة العامة للشعب والوطن وأن يقدمها على كل المصالح والمنافع الشخصية وأن لا يسعى من وراء كل ذلك تحقيق مجد شخصي على حساب مصالح ومنافع ومجد الشعب والوطن ، نرى أن مثل هؤلاء الأشخاص الرموز تكون عادةً قريبة جداً دائماً من الجماهير الشعبية ويبادلونهم المشاعر والأراء ويشاركونهم التطلعات والأحلام المستقبلية ويفيدونهم بالنصيحة والتوجيه المفيدين ويستفادون بالمقابل من أرائهم وإنتقاداتهم لهم مهما تكون طبيعتها لأعتمادها كأوراق عمل في تقويم المسيرة النضالية للحزب أو للدولة وتصحيح مسارها بإستمرار ، ويتقبلون النقد والنصيحة والأستشارة من المقربين المحيطين من أعضاء القيادة ومشاركتهم في صنع القرار السياسي وفق مبدأ وقواعد العمل الجماعي بدلاً من مبدأ الإقصاء والتهميش للرأي الآخر ، إن توفر مثل هذه القناعات الفكرية المبدئية والعملية والتعامل من موقع المسؤولية بروح من التواضع مع الآخر لدى من يقودون العمل الجماعي تجعل منهم قريبين دائماً من قلوب المحيطين المقربين من القيادات المباشرة أولاً ومن قلوب الجماهير الشعبية ثانياً ، هذه الصفات بحد ذاتها هي التي تحول هذه الشخصيات التي تمتلك هذه الرمزية النادرة في العمل القيادي الى زعيماء قادة محبوبين ومعشوقين من قبل شعوبهم كما كانت حالة المهاتما غاندي لدى الهنود وما زالت الى اليوم وكذلك الحال مع وماوتسي تونغ ولينين وجورج واشنطن وغيرهم الكثير ممن صاروا اليوم رموزاً خالدة لشعوبهم أقاموا لهم النصب التذكارية والتماثيل الرائعة في ساحات مدنهم وطبعوا صورهم على العملات الوطنية ..
أما إذا كان إيمان الشخص الأول بالمبادئ الفكرية التي يتبناها الحزب الذي يقوده أو الدولة التي يتولى قيادتها لغرض الأتخاذ منها وسيلة لتحقيق مصالح ومنافع شخصية والسعي من خلالها الى تحقيق مجد شخصي على حساب مصالح ومنافع ومجد شعوبهم ، نرى أن مثل هكذا أشخاص تكون بعيدة كل البعد عن الجماهير الشعبية ، وبالتالي لا يبادلونهم  الرأي والمشاعر في أي شأن من الشؤون ولا يفيدونهم بالنصيحة والتوجيه السديدين إلا بالقدر الذي تقتضي مصالحهم ومنافعهم الشخصية وما يستجيب منها لنزواتهم وطموحاتهم الأنانية ، ونجد كذلك أن هؤلاء لا يتقبلون النقد والنصيحة والأستشارة من أقرب المقربين المحيطين بهم من أعضاء القيادات في صنع القرار السياسي عدا ما يكال إليهم من المديح والتبجيل والتمجيد والتعظيم ، ونراهم دائماً بعيدين جداً عن العمل الجماعي – القيادة الجماعية – وينزعون الى سياسة الأقصاء والتهميش والتخوين للآخر مهما كان موقعه في الهيكل التنظيمي للعمل في الحزب أو في الدولة ، وكذلك نلاحظ  أن سلوك هؤلاء النماذج تهيمن وتطغي عليه الغطرسة والعنجوهية والتعالي والتكبر وإستصغار الآخر ، وهذا الجانب من سلوك هؤلاء الأشخاص يؤدي حتماً الى إبتعاد العناصر المقتدرة والشجاعة والمثقفة من أصحاب الرأي الحر من المحيطين المقربين عنهم والأنزواء في الظل للأحتماء خوفاً من البطش بهم جراء حماقة معينة أو زلة لسان منهم لا تعجب الديكتاتور الأحمق ، بينما تُشرع الأبواب على مصراعيها ليلاً ونهاراً أمام وعاظ السلاطين من العناصر الهزيلة الوضيعة والضعيفة من الأنتهازيين والنفعيين ممن يتصيدون الفرص الرخيصة في الماء العكر بالتقرب أكثر من الشخص الأول وموالاته ودعمه على الحق والباطل للتنكيل بخصومه المفترضين بعد أن خلت لهم الساحة لغايات في نفوسهم المريضة ألا وهي تحقيق مصالحهم ومنافعهم الشخصية في كسب المال الحرام وتولي المناصب المذلة التي يهبها لهم السلطان القابع على رأس الهرم من غير جدارة وإستحقاق ، وهؤلاء الأقزام مثلهم مثل قرود السيرك تطيع صاحبها ومروضها بتقديم ما يطلب منها مقابل ما يضعه في أفواهها بعد كل عملية بهلوانية تؤديها بنجاح في السيرك ويطبطب على ظهورها ، هؤلاء بدافع الخوف على المصالح الشخصية أم بدافع الخوف من بطش الشخص الأول بهم عند الخطأ أو الفشل في إداء ما يطلب منهم يزيدون من كيل المديح والتبجيل والتمجيد والتنظير والتفلسف في تحويل أخطاء وسلبيات وحماقات الشخص الأول الى إيجابيات وإنجازات عظيمة وإبداعات فكرية وعبقرية نادرة ، ووصفه عبر وسائل الأعلام بما هو بعيداً عنها من الخصائل الحميدة والصفات الحسنة والخُلق الرفيع والتي تجعله ينتعش وينتشي ويرى نفسه كبيراً وإنه إنسان غير عادي وهو فوق البشر لا يخطأ ولا يموت وهو معصوماً من الخطأ يستحق الخلود ، هكذا تراوده من الأحلام المريضة الشيء الكثير ويحيط نفسه بهالة من الجلال والعظمة وينتهي به المطاف الى جنون العظمة وتأليه وعبادة الذات ، وهنا تبرز عند هؤلاء النزعة الى الديكتاتورية والأستبداد والطغيان ، ويتحول بمرور الزمن وبدعم وتعزيز من المحيطين به من الأنتهازيين والنفعيين من قرود السيرك الى مجرد ديكتاتور أحمق صنعته مجموعة من الحمقى المغفلين وأصبح دُمية في أيديهم يحركونه كما تقتضي مصالحهم ومنافعهم مقابل القليل من المديح والتبجيل والتمجيد لتغذية ما لديه من داء جنون العظمة المزمن وغروره الفارغ بذاته الأنا أمثال هتلر وموسوليني وستالين وصدام حسين ومعمر القذافي والأسد الأب والشبل الأبن وغيرهم الكثير ..
وخلاصة القول أن النموذوجين تخلقهم وتصنعهم الشعوب ، ولكن الزعيم القائد يبقى خالداً مدى الدهر وتقيم له الشعوب النصب التذكارية والتماثيل العملاقة في ساحات ومتنزهات مدنهم ويصبحون رموزاً لها تحتفل سنوياً بذكراهم من جيل الى جيل ، بينما الديكتاتور الأحمق تسحقه أقدام الشعوب بحذائها في ثورة الغضب عليه والأنتقام منه جراء ما إقترفه بحقها من الجرائم عندما ينفذ صبرها وتدق ساعة العمل الثوري للخلاص منه ومن طغيانه الآثم ، وعندها سوف لا يفيد أمثال هؤلاء الطغاة الحمقى لا مالٍ الحرام ولا بنون الخطيئة ولا تنقذهم القصور المشيدة من الهلاك المحتم في مزبلة التاريخ الأبدية ..      
      



214
الثقافة الشمولية وفلسفة تأليه وعبادة الفرد في
الأنظمة والتنظيمات الشمولية
( تنظيمات وأحزاب شعبنا )
المهندس : خوشابا سولاقا
بدءً ذي بدء من المفروض بكل من يتعاطى بالسياسة عليه أن يفهم بأن عصر الأحزاب والأنظمة الشمولية المهيكلة على مبدأ سياقات الضبط الحديدي قد إنتهى منذ ظهور عصر الأنترنيت وإنهيار الأنظمة الشيوعية الشمولية في بلدان أوربا الشرقية بقبضة الأرادة الحرة للشعوب المتطلعة للحرية والأنعتاق من قبضة الدكتاتورية والأستبداد وتم إعادة هيكلة الأنظمة السياسية للدولة والأحزاب التي تقودها وفق المبدأ والفلسفة الديمقراطية باتجاه الديمقراطية الليبرالية كما هو الحال في دول أوربا الغربية وأميريكا وبقية البلدان المتحضرة ثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً بعد إنهيار الأنظمة والأحزاب الشيوعية الشمولية ، وعليه نستطيع القول بأن عصر الثقافة الشمولية كبناء فوقي لتلك الأنظمة الشمولية كبنى تحتية للدولة قد بدأ بالتداعي والأنهيار ثم الأنقراض والزوال من غير رجعة ، إلا أن ذلك يتطلب بعض الوقت أطول مما يحتاجه بناء البنى التحتية للأنظمة الديمقراطية الجديدة ، لأن الثقافة الديمقراطية القائمة على مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر وعدم كم الأفواه وإسكات الأراء الحرة تكون بطبيعة الحال هي البناء الفوقي للأنظمة الجديدة ، ولكن ذلك سوف يحصل حتماً بعد حينِ من الزمن من إنهيار هياكل الأنظمة السياسية للدول والأحزاب الديكتاتورية وإنطلاق الأنظمة السياسية والأحزاب الديمقراطية الجديدة .. لذلك يستوجب على من بنوا ثقافتهم السياسية والحزبية وحتى الأجتماعية على وفق مبادئ الفكر الشمولي والثقافة الشمولية إعادة النظر بثقافتهم تلك لأن تلك الثقافة قد أصبحت خارج العصر والزمن ، لأن حاملي تلك الثقافة سوف لايستطيعون من السباحة ضد التيار الجارف للفكر الديمقراطي الحر القائم على مبدأ حرية الرأي والرأي الآخر في ظل توفر وسائل الأعلام الحرة المفتوحة للجماهير الشعبية في عصر الأنترنيت والأقمارالأصطناعية التي جعلت من الكرة الأرضية مجرد قرية صغيرة تحت أنظارنا من أقصاها الى أقصاها على مدار الساعة بعيداً عن دهاليز وقنوات وقواعد وسياقات التنظيمات ذات الضبط الحديدي السيئة الصيت المعتمده في الأحزاب الشمولية ، أحزاب مقبرة الأفكار الحرة وحرية الفرد والأرادة المستقلة ، في التنظيمات الشمولية عادة الأفراد فيها تفكر بعقل رأس الهرم وتتكلم بلسانه عن الحق والباطل من دون تفكير حر يجسد إرادتهم  الشخصية ، حيث يكون الفرد فيها مجرد بيدق على رقعة الشطرنج تحركه أصابع رأس الهرم في الدولة أو في الحزب كما يشاء ..
بالتأكيد أن سيادة الثقافة الشمولية في النظام السياسي للدولة الشمولية أو في صفوف التنظيم الحزبي الشمولي يؤدي بطبيعة الحال الى نشوء ثقافة تأليه وتقديس وعبادة الفرد الرمز الذي يكون عادةً رأس الهرم في الدولة أو رأس الهرم في التنظيم الحزبي ، وعندها يكون المديح والتبجيل لرأس الهرم كائن من يكون واجب مقدس للجميع ، وإنتقاده خط أحمر لا يجوز التجاوز عليه من قبل كائن من يكون مهما علا شأنه ومكانته في الدولة أو في الحزب ، ومن يفعل يكون مصيره الموت المحتم في أنظمة الحكم الديكتاتورية الشمولية ، والفصل والطرد من صفوف التنظيمات الحزبية الشمولية ثم التصفية الجسدية لاحقاً إذا إقتضى الأمر وتوفرت الأمكانية وسُمحت الظروف لذلك ، ويصبح كل ما يقوله ويصرح به رأس الهرم هي الحقيقة المطلقة الكاملة التي يكون من واجب الجميع أن تترددها كالببغاء من دون تفكير ، ومن يقول وينطق بغير ذلك يكون قد كفر بأقدس المقدسات ومبادئ التنظيم السياسي الحزبي أو بقانون نظام الحكم الديكتاتوري ويستحق الموت على كفره حسب شريعة الفكر الشمولي ..
إن الثقافة الشمولية التي تنتج الديكتاتورية الأستبدادية الفردية التي تصادر الفكر والأرادة الإنسانية للفرد على مستوى أنظمة الحكم للدولة أو على مستوى التنظيمات الحزبية تحول الأفراد فيها الى أقراص مدمجة لا تستوعب إلا فكر الشخص الرمز القائد ، وتعتبر القائد الرمز في فلسفتها هو نظام الحكم وهو الدولة ، أو هو الحزب السياسي ، وعليه فان معارضة الشخص القائد في الدولة أو في الحزب هي معارضة للدولة أو هي معارضة للحزب ، وكأن الدولة مختزلة في شخص رأسها القائد الرمز الهمام ، وان الحزب مختزل في شخص رأس الهرم التنظيمي الذي هو سكرتيره العام أو رئيسه ، والبقية الباقية من العاملين هم مجرد رعايا ، كأن وجودهم وعدمه لا فرق بينهما ، هذا النمط من الثقافة هي ثقافة إسقاط إنسانية الإنسان وتمسيخ لكيانه الخلاق وتحجيم لمبادراته في الخلق والأبداع ، أي بمعنى آخر أن الثقافة الشمولية تبتغي إلغاء الفرد بمصادرة حريته وإرادته ودمجه وصهره في  شخص الرأس الرمز للدولة أو للتنظيم الحزبي ..
إن الغرض من كتابتي لهذا المقال هو لأن أقول لبعض الأخوة الأعزاء من الكتاب من أبناء شعبنا الذين ينشرون مقالاتهم في هذا الموقع الكريم ممن يدعو الى إعتماد الحلول التوفيقية ونهج السياسة الوسطية بين المواقف المتعارضة وأحياناً بين الحق والباطل لما يتم كتابته من قبل الآخرين ممن يتبعون في كتاباتهم نهج الخطاب المباشر عبر وسائل الأعلام الشعبية الحرة والمفتوحة لطرح أرائهم وتوجيه إنتقاداتهم اللاذعة والمباشرة عن الممارسات الخاطئة والمنحرفة لبعض أحزاب شعبنا أو لبعض قياداتها يطالبونهم بإعتماد السياقات والقنوات الحزبية من خلال التنظيم الحزبي بدلاً من اللجوء الى وسائل الأعلام الشعبية الحرة والمفتوحة . أقول لهؤلاء الأخوة الكتاب الناصحين والمحبين والحريصين على مصالح شعبنا إن الأمر ليس بتلك البساطة التي تعتقدون بل هو أعقد من ذلك من وجهة النظر السياسية العملية ، لأن النقد من خلال القنوات الحزبية والسياقات التنظيمية المعروفة في الأحزاب الشمولية ضد الممارسات الخاطئة والمنحرفة وحتى ممارسات الخيانة للمبادئ والمصالح القومية للأمة لبعض للقيادات المتنفذة لا جدوى منه ولا يصل الى حيث يجب أن يصل من خلال تلك السياقات التنظيمية ، لأن نفوذ القيادات المتنفذة تقمع الأراء الحرة وتمنعها من الوصول الى حيث يجب أن تصل قبل أن تنطلق ، ويتم تصفية أصحابها بوسائل شتى قبل أن يكون لها شيء من التأثير إن أمكن ذلك بقدرة قادر .. !!! لأن النقد البناء الذي يؤدي الى تغيير في نهج القيادات المتنفذة غير مسموح به ضد القيادات الفردية المقدسة في التنظيمات الحزبية الشمولية المشبعة لحد النخاع بالثقافة الشمولية الأقصائية وثقافة تأليه وتقديس وعبادة الفرد الذي يجلس على رأس الهرم التنظيمي ، وهذه كانت وستبقى مشكلة مشاكل الكتاب والعناصر من أصحاب الرأي الحر الذين  يؤمنون بحرية الرأي وحرية الفرد داخل مثل هكذا تنظيمات ، وما يمر به العراق اليوم عبر تجربته الوليدة لبناء الديمقراطية غير مثال حي على سموم الفكر الشمولي الأقصائي والثقافة الشمولية في إعادة إنتاج الديكتاتورية في الدولة والأحزاب السياسية والكتل البرلمانية .. وما يسمى بالسياقات والقواعد والقنوات التنظيمية الحزبية لتناول عرض الأفكار والأراء المتخالفة والتي تقدسها القيادات المستبدة برأيها وسلطتها وهيمنتها على القرار لبلورة الرأي الموحد من خلال التنظيم ما هي إلا فلسفة سخيفة تعتمد من قبل المستبدين لشرعنة وتبرءة إستبداديتهم وديكتاتوريتهم وإنفرادهم بالقرار السياسي في التنظيم لقمع الأراء الحرة المعارضة لنهجهم وكم أفواه أصحابها وبالتالي إقصائهم لصالح إستمرار الديكتاتورية الشمولية الأقصائية ذاتها على رأس الهرم التنظيمي للحزب وتحميل أصحاب الأراء المعارضة مسؤولية كل الأخفاقات والتداعيات والتراجعات التي حصلت في مسيرة تلك التنظيمات ، أي بمعنى آخر تبديل مواقع الجلاد والضحية في العملية حيث يتحويل الجلاد الى ضحية والضحية الى جلاد ، كل ذلك يجري تحت ستار حماية الشرعية التنظيمية وسياقاتها وقواعدها في العمل الحزبي من دون النظر الى النتائج المتحققة في نهاية المطاف ، وأما الحال فيما يخص الكونفرنسات والمؤتمرات الحزبية العامة المعروفة نتائجها سلفاً والتي فيها من المفروض ان يتم تقييم المرحلة السابقة من مسيرة التنظيم وتجاوز كل الأخطاء والاخفاقات التي حصلت وتخطط للمرحلة اللاحقة من عمل التنظيم فما هي في الحقيقة إلا مسرحية هزلية غايتها شرعنة إعادة إنتخاب نفس القيادات المتنفذة السابقة وبالأخص  رأس الهرم في التنظيم بإستثناء من يرغب منهم الأبتعاد وإقصاء من كان له صوت معارض وإبعادهم عن أي دور مستقبلاً في المشاركة في رسم السياسات العامة للتنظيم والتشهير بهم بغرض إسقاطهم سياسياً وإتهامهم بخيانة مبادئ التنظيم وأهدافه كل هذه السيناريوهات يتم الأعداد لها بدقة مسبقاً من قبل القيادة الحاكمة صاحبة القرار الأعلى ، وعليه لا يمكن أن يأتي التغيير والأصلاح السياسي الشامل في التنظيم من خلال هكذا آليات متخلفة ، بينما الذهاب الى وسائل الأعلام الشعبية الحرة في توجيه الانتقادات وطرح الأراء المعارضة يشكل بحد ذاته عملية العودة الى الجماهير الشعبية مصدر قوة التنظيمات الحزبية وفق مبدأ المصارحة والمكاشفة والشفافية لأطلاعها على كل ما يجري داخل التنظيمات السياسية ومن ثم الأحتكام إليها لتصدر حكمها العادل بحق من يستحق الثواب وبحق من يستحق العقاب .. لماذا نخاف من حكم الجماهير التي هي الغاية والوسيلة في مناهج وبرامج الاحزاب السياسية لشعبنا كما تدعي طالما هي صادقة في قولها وفعلها وسلوكها وشفافة في طرحها مع الجماهير .. ؟؟ لماذا نصف عملية التواصل مع الجماهير عبر وسائل الأعلام الشعبية الحرة المفتوحة بأطلاعها على ما يجري داخل الأحزاب بأنها عملية نشر الغسيل الوسخ عبر الأعلام المفتوح للجماهير. ؟ لماذا يجب علينا التستر على هذا الغسيل إذا كان غسيلاً وسخاً فعلاً أليس من الأحرى بنا أن نكشف ونعري أصحابه ومسببيه للجماهير للقصاص منهم .. ؟ أليس المطلوب منا أن نكون صريحين وصادقين مع جماهيرنا لنعزز ثقتهم بنا ونقوي تمسكهم باحزابنا وتعظيم دورهم في دعمنا ومساندتنا في كل ما يتطلبه عملنا الحزبي لتحقيق أهدافنا .. ؟؟ أليس من حق الجماهير أن تعرف الحقائق داخل التنظيمات السياسية كما هي من دون تضليلهم وخداعهم .. ؟؟ ما العيب في مصارحة ومكاشفة الجماهير بشفافية .. ؟؟ ، أنا من وجهة نظري المتواضعة أجد في اللجوء الى وسائل الأعلام الشعبية للتعاطي والتواصل مع الجماهير بكل شأن من الشؤون السياسية المتعلقة بمصالحها القومية هي قِمة الممارسة الديمقراطية وقِمة المصارحة والمكاشفة المباشرة التي تؤدي الى فضح المقصرين بحقها وإيقافهم عند حدهم ومنعهم من التمادي من الأستمرار فيما هم عليه من الممارسات والأنحرافات التي تضر بمصلحة الحزب والأمة وليس العكس كما يتصور بعض الأخوة الكتاب الذين لديهم تحفظات على هذا الأسلوب .. فإذا كان ما يوجه من النقد من قبل البعض ضد البعض الآخر في قيادات هذه التنظيمات غير دقيق وغير منصف وفيه شيء من الظلم عليهم ونوع من التشهير بهم الغير مستند الى وقائع ووثائق الثبوت ، على ذلك البعض الآخر وهذا من حقهم طبعاً أن يُقدم وينشر عبر نفس وسائل الأعلام ما عنده مما يُكذب وينفي ما كُتبَ وما نُشر عنه ويثبت العكس للرأي العام ، عندها يكون رأي الجماهير هو المعول عليه وهو القرار الفيصل بين الخيط الأبيض والخيط الأسود وبين الحق والباطل بدلاً من اللجوء الى وسائل أخرى من باب الأستقواء بالآخرين من الغرباء وإستخدام النفوذ والمنصب للأنتقام ، أو باستجداء عطف البسطاء من الناس تحت غطاء البكاء على شرعية السياقات والقواعد التنظيمية في توجيه الأنتقادات وطرح الأراء المعاضة لتقويم الممارسات الخاطئة والأنحرافات والخيانات الصادرة من بعض القيادات العليا في التنظيمات السياسية الشمولية .. لماذا لايقبلون هؤلاء البعض ممن يخاف النقد ويهابه بالمصارحة والمكاشفة وإعتماد المعايير العلمية بديلاً لتجاوز وحل الأشكالات داخل التنظيمات أمام محكمة الجماهير الشعبية التي هي مصدر قوتهم إذا كانت النوايا صادقة وحسنة والأعمال مكشوفة تحت الشمس والمصالح والغايات الشخصية معدومة .. ؟؟ إن الحاجة تنتفي الى اللجوء الى وسائل الأعلام الشعبية الحرة في نشر الأفكار والأراء المعارضة والأنتقادات في التنظيمات الشمولية متى ما تتخلى هذه التنظيمات عن الثقافة الشمولية ونهج السياسة الأستبدادية الديكتاتورية وفلسفة تقديس وتأليه وعبادة الفرد الرمز الجالس على رأس الهرم التنظيمي والتعويض عن ذلك بالثقافة الديمقراطية ونهج القيادة الجماعية الحقيقية الصادقة مع جماهيرها في توجيه دفة العمل في أحزابها ، والتواصل المباشر مع قيادات وكوادر التنظيم في مختلف المستويات التنظيمية ومع الجماهير الشعبية عبر سياسة المصارحة والمكاشفة ، عندها سوف لا يكون هناك غسيل وسخ يتطلب نشره أو التستر عليه خوفاً على السيد الذي يتربع على رأس الهرم التنظيمي لكي لا تكشف عورته للملئ ، ولكي لا يضطر لأنقاذ نفسه من سهام الآخرين ومن طائلة المحاسبة القانونية جراء تجاوزاته الى التشبث بالسياقات والقواعد والقنوات التنظيمية التي أصبحت في خبر كان من دون جدوى في عصر الأنترنيت والأقمار  الأصطناعية التي جعلت من العالم كما قلنا قرية صغيرة تحت النظر والمراقبة ، لا يمكن في ظل هذه الوسائل الأعلامية العملاقة لجمع ونشر وخزن المعلومات تغطية أي سر من أسرار السياسة ، أقول هذا للذين يعيشون في هذا الزمان وليس للذين ما زالوا يعيشون في كهوف الماضي وليكن الله في عونهم ، متى سيلتحق هؤلاء بالركب المتقدم نحو المستقبل بسرعة الضوء ...             

215
مداخلة نقدية تحليلية على دعوة رابي نينوس بثيو لتأسيس حزب منافس لزوعا
المهندس : خوشابا سولاقا
بالرغم من الغرابة التي تنطوي عليها دعوة رابي نينوس بثيو السكرتير العام السابق للحركة الديمقراطية الآشورية وأحد مؤسسيها الرواد ، إلا أنه يتطلب الأمر منا من وجهة النظر السياسية التحليلية التوقف عندها بشيء من الجدية لغرض الوقوف على الأسباب والدوافع التي دفعت برابي  نينوس بثيو الى توجيه هذه الدعوة الى القياديين السابقين لزوعا والتي أعتبرها شخصياً في غير محلها وفي غير زمانها على الأقل بالنسبة الى صاحبها وذلك للظروف التي تعاني منها الحركة وما تواجهه من التداعيات والتراجعات والتشرذم والتفكك وعدم الأنسجام التنظيمي والفكري بين قيادتها وقاعدتها ، إضافة الى ما تفرزه وتعكسه الهجرة اللعينة من تداعيات إضافية في إضعاف وإستنزاف وجودنا القومي في أرض الوطن على مسيرتها في خلق المناخات التي تدعو الناس الى الأبتعاد عنها والعزوف عن الأنخراط في صفوفها والمشاركة في نشاطاتها السياسية والمهنية المختلفة داخل الوطن وخارجه في المهاجر ، وما تعانيه الحركة من عدم مصداقية قيادتها الحالية ونهجها الأنتقائي الأنتهازي في التعامل والتعاطي مع أحزاب شعبنا بخصوص الأحداث القومية ومع أحزاب الحركة الوطنية العراقية فيما يخص الأحداث الوطنية العراقية بحسب ما تقتضيه المصالح الشخصية المنفعية لهذه القيادة واستمرار بقائها في مواقع تمثيل شعبنا في مؤسسات الدولة الرسمية وليس بحسب ما تقتضيه المصلحة القومية لشعبنا أو بحسب ما تقتضيه المصلحة الوطنية ، الى الحد الذي أصبح التعامل من قبل الآخرين من الشركاء في الوطن مع من يدعي تمثيلنا في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس كونهم ممثلين للطائفة المسيحية وليس بصفتهم ممثلين للهوية القومية لشعبنا كما هو الحال مع غيرنا من المكونات القومية - نحن الآن طائفة دينية مسيحية حسب المتداول رسمياً -  إن تحليلنا لدعوة رابي نينوس بثيو من وجهة النظر السياسية التحليلية يأتي وفق الآتي :
أولاً : نفترض أنه كانت الأسباب والدوافع وراء دعوة رابي نينوس بثيو الى القياديين السابقين لزوعا لتأسيس حزب سياسي جديد مستقل ومنافس لزوعا لغرض تقويم مساره بعد أن أصبحت الأمور في زوعا تجري وتتجه باتجاه مخالف وليس بانسيابية تطورية كما ذكر رابي نينوس في دعوته إن لم نقُل إنها تجري باتجاه معاكس لما ينبغي أن تكون عليه بسبب ممارسات وتوجهات القيادة الأنفرادية الأستحواذية النفعية ، نقول لرابي نينوس بأن هذا التقويم سوف لا يأتي بأفله من خلال الدعوة الى تأسيس حزب سياسي جديد يعمل مستقلاً ومنافساً لزوعا بعد صمتك الطويل الذي دام زهاء الأثني عشر عاماً ، بل يأتي من خلال توجيهك الدعوة الى القيادة الحالية لعقد مؤتمر إستثنائي عام لزوعا وفي أقرب فرصة ممكنة وبحضور كافة القياديين السابقين بكل مستوياتهم التنظيمية ، مؤتمر الأصلاح السياسي الشامل وفق الأصول التنظيمية للنظام الداخلي لزوعا لغرض إعادة النظر بكل ما حصل ويحصل من الأخطاء والتجاوزات والخروقات والأنحرافات خلال الفترة الممتدة من المؤتمر العام الثالث في عام / 2001 والذي فيه تم إقصائك من منصب السكرتير العام لزوعا الى اليوم لأعادة الأمور الى نصابها وانتخاب قيادة جديدة لزوعا تؤمن بمبادئ وآليات القيادة الجماعية الديمقراطية المنسجمة مع بعضها ومع القاعدة فكرياً وتنظيمياً ومحاسبة المقصرين والمسببين لكل ما يعانيه زوعا اليوم من التداعيات وفق النظام الداخلي وليس السكوت عنها ودعوة الآخرين الى تأسيس حزب سياسي جديد يعمل منافس لزوعا وأنت تنأى بنفسك عن الأنخراط في صفوفه  ، إن هذا الطرح إن دل على شيء يمكن تعقله فهو يدل على أن دوافعك ليست نبيلة لتقويم مسار زوعا وإنما هناك دوافع وأسباب أخرى غيرها ..
ثانياً : من الممكن أن تكون دوافع رابي نينوس بثيو من وراء إطلاق دعوته هذه هي شعوره بالذنب وتأنيب الضمير على سكوته وصمته على ما حصل ويحصل في زوعا من تجاوزات وخروقات وإنحرافات وتململ وتشرذم بعد إنزوائه بنفسه بعيداً عن ساحة العمل المباشر في زوعا بعد أن تم إقصائه عن منصب السكرتير العام غدراً من قبل المقربين من رفاق الدرب بالأمس لغاية في نفس ياقو عام / 2001 لصالح السكرتير العام الحالي وبقائه على مضض صامتاً طيلة هذه الفترة من دون حراك سياسي يذكر ، ويعاني من تأنيب الضمير لينفجر اليوم بغضبه وثورته باطلاقه لهذه القنبلة الصوتية غير القاتلة ، أقول لرابي نينوس بثيو إذا كانت الدوافع من وراء دعوتك هي هذه المعانات الشخصية من شعور بالذنب وتأنيب الضمير ، لماذا لا تبادر أن تقوم أنت بتأسيس هذا الحزب الجديد المنافس لزوعا بقيادته الحالية وأنت تمتلك الخبرة الكبيرة كما تدعي لتكون دعوتك ذات مصداقية أكبر وتأثير أوسع لدى الجماهير وقبول أكبر بين أعضاء ومؤازري زوعا .. ؟؟ وبالأحرى لماذا لم تبادر الى هذه الدعوة منذ مدة قبل أن تستفحل التداعيات وأن تصل الى هذا الحد الى نقطة اللاعودة .. ؟؟ لماذا لا تريد أن تتحمل مسؤولية ما تدعو إليه وتريد أن تحمل الآخرين من أصحاب الرأي المعارض لنهج القيادة الحالية مسؤولية وتبعات ما تبتغيه من وراء دعوتك المشكوك في أمرها .. ؟؟ هل أن دعوتك هذه هي محاولة منك للأنتقام من هؤلاء القياديين السابقين الذين تبنوا مواقف معارضة لنهج القيادة الفردية الأستحواذية الحالية ذلك النهج الذي أوصل زوعا الى ما وصل إليه اليوم من تمزق وتفكك وتشرذم .. ؟؟ كان من الأحرى بك أن تكون أكثر شجاعة وجرأة في تسمية الأشياء باسمائها الصحيحة وأن تضع النقاط الكبيرة على الحروف بوضوح في تحديد الأسباب والمسببين لكل ما حصل ويحصل في زوعا من التداعيات والتراجعات والتململ والتشرذم وفقدان المصداقية بزوعا لدى الأعضاء والأصدقاء والمؤآزرين على حد سواء وأنت يا رابي نينوس على علم اليقين بكل ذلك ، ولكنك مع الآسف الشديد أقولها إنك لم تكن بذلك المستوى من الشجاعة والجرأة ، لقد صرحت بما هو غير مطلوب منك الآن وفي الوقت الضائع من اللعبة ، وفضلت السكوت على ظالميك لكل هذه المدة والأنزواء بعيداً عن مجرى الأحداث وإنفراد المنفردين بكل شيء وتصرفوا بمزاجية وإنتقائية بمقدرات زوعا منذ سقوط النظام السابق في عام / 2003 والى اليوم ومارسوا لعبة الرقص على أكثر من حبل ببراعة وإتقان من أجل مصالحهم ومنافعهم الشخصية وليس من أجل مصلحة الأمة وكل شيء اليوم أصبح مكشوف للجميع .. إن دعوتك لتأسيس حزب سياسي جديد منافس لزوعا الضعيف والمريض حالياً هي دعوة الى الأنشقاق دعوة الى تقسيم المقسم دعوة الى تمزيق الممزق دعوة الى تفكيك المفكك والمتشرذم وهي بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة الى ما تبقى من أشلاء لزوعا الضعيف المريض المغتصب ، وهي دعوة لأعادة إنتاج صورة مشوهة لزوعا المريض ولأيجاد كبش فداء مناسب تلقى عليه المسؤولية التاريخية لأنهيار زوعا ولأنقاذ من كان المسبب في إنهياره ، هذا الطلب مرفوض ومدان يا رابي نينوس من قبل الجميع لأنه يشكل بالنتيجة سرطان قاتل في جسم ما تبقى من زوعا ..
ثالثا : نفترض أنه كانت الدوافع من وراء دعوة رابي نينوس  للقياديين السابقين المبعدين والمبتعدين والمعاقبين والمفصولين وهم يشكلون الغالبية الساحقة من القيادات التاريخية لزوعا لتأسيس حزب سياسي جديد يعمل بشكل منفصل ومستقل ومنافس لزوعا لغرض توريطهم بتهمة الأنشقاق والخيانة لمبادئ زوعا الأصيلة في حالة قبولهم لدعوة رابي نينوس فانها بحد ذاتها خيانة منه لهم ولمبادئ الرفقة ولزوعا وإن هذا النهج لا يليق بشخص رابي نينوس كأحد الرواد المؤسسين وخصوصاً إذا كان الهدف منه إنقاذ القيادة الحالية من تحمل المسؤولية التاريخية أمام الأجيال وأمام التاريخ لما وصل إليه زوعا بسبب نهجها الأنفرادي الأستحواذي النفعي ، فإن هذا الدور لا يشرف أحداً يا رابي نينوس لأن التاريخ لا يمكن تحريفه ولاتزويره الى الأبد ، وإن كان ذلك ممكناً لحين إلا أنه سيكتب الحقيقة الناصعة كما هي بعد حين ، ومن قرأ التاريخ وأحداثه الكثيرة يدرك ويعي هذه الحقيقة . وفي ضوء هذه التحليلات الثلاثة وأنا شخصياً أميل الى قبول التحليل ثالثاً منها وللأسباب التالية :
•   إن نأي السيد نينوس بثيو بنفسه عن المشاركة المباشرة في الحزب الذي دعى الى تأسيسه منافساً لزوعا يبعد إحتمال أن تكون الأسباب والدوافع كما هي مذكورة في أولاً وثانياً أعلاه .
•   لم يصدر من قيادة زوعا الحالية لحد الآن أي موقف رسمي تجاه هذه الدعوة وإن ذلك لأمر غريب حقاً ، وهذا يدلل أن تكون لقيادة زوعا دور في هذه المسرحية المهزلة ، وحسب الذي بات معروفاً عن قيادة زوعا الحالية في نهجها بفصل كل من ينتقدها من عضوية زوعا عليها أن تفصل رابي نينوس بثيو من عضويتها بسبب دعوته الأنشقاقية هذه حالاً وإلا فإن هذه المسرحية هي من تأليفها وإخراجها .. هل ستفعل .. ؟؟؟
ملاحظة : بهذه المناسبة لم يكن البيان الصادر من مجموعة من القياديين السابقين لزوعا والمعنيين بدعوة رابي نينوس بثيو مع إحترامي الكبير لهم والمنشور في صفحة أخبار شعبنا من موقع عينكاوه دوت كوم بتاريخ 28 / 2 / 2013 بالمستوى المطلوب للحدث في شرح وتوضيح أبعاد هذه الدعوة المزدوجة المضامين والدوافع وبقى البيان شكلاً ومضموناً بعيداً كل البعد ودون أن يلامس بأنامله ولو برقة رومانسية الأسباب الحقيقية والمسببين لكل ما جرى ويجري في زوعا منذ سقوط النظام والى اليوم ، مما يجعل جماهير شعبنا في حيرة من أمرهم ، وأعتبر هذا الأبتعاد مأخذاً على البيان وكان يجب أن يشار إليها بدقة ووضوح .
                                                        خوشــابا ســولاقا

216
من أين تبدأ وحدتنا في ضوء خطاب قداسة البطريرك الجديد .. ؟
المهندس : خوشابا سولاقا
إن عنوان الموضوع يثير في النفس الشيء الكثير من الألم والأسى والحسرة والشجون الى درجة البكاء على ما وصل إليه حال شعبنا من تفكك وتمزق وتشتت وضياع في المهاجر البعيدة في الوقت الذي هو الوريث الشرعي لأقدم وأعظم حضارة إنسانية شهدها التاريخ القديم وأعطت للبشرية الشيء الكثير مما لم تستطع غيرها من الحضارات إعطائه من دون مقابل وبعد أن كان موحداً ومتماسكاً ومنسجماً مع نفسه وقاوم كل عوادي الزمن خلال مسيرته التاريخية الطويلة والمليئة بالتضحيات الجسام منذ ما يقارب السبعة آلاف سنة من عهد سومر وأور وأكد وبابل وآشور ونينوى مروراً بعصر المسيحية وأمجاد كنيسة المشرق الرسولية الجاثوليقية المقدسة التي امتدت امبراطوريتها المترامية بالتبشير برسالة ربنا يسوع المسيح له المجد من بحر الصين شرقاً الى البحر المتوسط غرباً ومن جبال آشور شمالاً الى الخليج العربي جنوباً ، حيث تفوقت هذه الامبراطورية بعطائها الثر في نشر المسيحية سلمياً على عطاء شقيقتها قبل المسيحية وباستعمال اللغة السريانية بأبجديتها المكونة من إثنان وعشرون حرفاً ذهبياً ، اللغة التي نطق بها ربنا يسوع المسيح له المجد وهو مصلوباً على صليبه ، صليبه الذي أتخذ من قبل أتباعه فيما بعد رمزاً للتضحية بالنفس والفداء في سبيل خلاص الآخر ، وتاريخنا فيه الشيء الكثير مما يشهد على ذلك ، ويكفي أن نذكر من هذه التضحيات تضحيات شهيد كنيسة المشرق مار شمعون برصبعاي ومار شمعون بنيامين وغيرهما الكثير ، وظل هذا الشعب قوياً موحداً وفارضاً لوجوده القومي بحضارته في عصر الوثنية والمسيحية على هذه الأرض الطيبة المعطاء دون أن تتمكن أعداءه من النيل منه وغرس روح اليأس والقنوط في نفوس أبناءه وأن تنشر بذور الفرقة والتمزق بينهم بالرغم من كل ما بذلت من جهود في تدبير المؤامرات والدسائس من قبل الأعداء للقضاء عليه وعلى رسالته الحضارية الأنسانية ، وبقى شامخاً يتحدى أعداءه والزمن الى يومنا هذا ، لأنه كان شعباً أصيلاً مؤمناً بقضيته القومية والدينية منذ الوثنية من عهد سومر وما قبلها الى بداية عصر الفرقة والتمزق والتشظي عندما بدأوا الغرباء من ذوي النوايا غير النبيلة والقادمين من وراء البحار من البلدان البعيدة التدخل السافر في شؤونه لزرع بذور الفتنه والفرقة بين أبناء شعبنا وكنيستنا معاً فظهرت المذهبية اللاهوتية إن صح التعبير التي تكللت مساعيها الحثيثة غير المباركة في تقسيم كنيستنا الى عدة كنائس أحداها تحتقر وتنبذ الأخرى وتتهم بعضها البعض بالهرطقة والخيانة والخروج على مبادئ العقيدة المسيحية السمحاء والداعية للمحبة والسلام ونبذ العنف بكل أشكاله ولأي سبب من الأسباب ، وفي ضوء هذا الواقع المنقسم على نفسه والمتشظي تحول أخوة الأمس من أبناء أمتنا  الى أعداء ألداء اليوم بسبب المذهبية اللاهوتية المقيتة ، وعلى أثر هذه الخلافات المذهبية تعددت كنائسنا وأسمائها ، وتعددت معها تسمياتنا القومية بعشوائية انتقاها بخبث لنا وفرضها قسراً علينا الغرباء لغرض في نفس يعقوب ونحصد نحن اليوم نتائجها المأساوية والكارثية ، وعاش الجميع من أتباع كنائسنا المتخالفة والمتقاتلة منذ القرن السادس عشر على وجهه التقريب وليس الحصر والى عهد قريب في حالة من التمزق والخصام والتفكك والتململ وتحقير ونبذ بعضهم للبعض الآخر بشكل سافر على خلفية تعدد المذاهب اللاهوتية والتسميات القومية بالرغم من كونهم جميعاً من أصل قومي واحد ومن كنيسة واحدة ، ومن حسن حظ هذه الأمة المسكينة بقى الجميع يتكلمون بنفس لغة الأم السريانية ( سورث ) واستعملوا في الكتابة نفس الأبجدية التي استعملها الأجداد ( ألب بيث ... الخ ) منذ القرن السادس قبل الميلاد على وجه التقريب لا الحصر والى اليوم في كل الكنائس والمجتمع .
إن المذهبية اللاهوتية التي خرجت من باب الكنيسة بفعل وإرادة وبدعم وتشجيع الغرباء مزقتنا وجعلتنا فرقاً وشيعاً نحارب بعضنا البعض دون أن نفهم وأن نعي لماذا .. ؟ وعليه فإن الطريق الى الوحدة بكل أشكالها من المفروض أن ياتي ويمر من خلال باب الكنيسة ولكن وفق آليات حديثة وهي آلية المحبة الروحية والسلام النابعة من محبة ربنا يسوع المسيح له المجد في ظل التعددية المذهبية وبقائها كخصوصيات شخصية في إطار كنيسة المشرق بكل فروعها من دون ربطها بالتسمية القومية في حواراتنا وطروحاتنا ونقاشاتنا لأنها تقودنا الى المزيد من الأختلاف والأفتراق .. ليكن كل فرد منا من أي مذهب كان حراً في خياراته وقناعاته يعتقد بما يشاء من المذاهب دون أن يتنكر للآخر الشيء ذاته ودون أن يتنكر لأصله وتاريخه وتراثه الوثني والمسيحي اليوم لأن المحافظة على ذلك  أمانة الأجداد في رقابنا علينا إحترامها وحمايتها كما وصلتنا وأن ننقلها ونضع عليها بصماتنا الى أولادنا وأحفادنا من بعدنا لكي يرحمنا التاريخ ..
وبعد كل هذا الأستعراض المختصر والمتسلسل لمسيرة أمتنا المجيدة من عهد سومر الى ما نقرأه اليوم في كتابات بعض الأخوة من أبناء أمتنا التي تدعو في مضامينها عن قصد أو من دونه الى استمرار الحالة المفككة التي عليها أمتنا اليوم ، وتبث الحقد والكراهية والخصام والفرقة بين أبناء أمتنا بسبب التعصب المذهبي اللاهوتي والقومي الذي يظهره هؤلاء القلة من الأخوة الأعزاء الكتاب من مكونات أمتنا ، ليس أمامنا نحن المحبين والداعين للوحدة القومية بأية تسمية كانت والوحدة الكنسية المشرقية وبتعددية المذهبية اللاهوتية ضمن إطار كنيسة المشرق أن نبحث بصدق وإيمان عن خط الشروع ونقطة البداية لمسيرتنا الجديدة ، أقول لقد وفر لنا قداسة البطريرك الجديد مار لويس روفائيل الأول ساكو في كلمته القيمة التي وجهها الى أبناء كنائسنا وأمتنا قبل أيام والتي نشرها هذا الموقع الكريم عينكاوه كوم الكثير من الجهد والوقت في البحث عن خط الشروع ونقطة البداية لمسيرتنا ، حيث نبه قداسته الى منبع أسباب الفرقة وتعظيمها بشكل مبالغ فيه ومضر بمصلحة الكنيسة والأمة بتشجيع الفرقة والتمزق ونشر الكراهية والحقد والتعصب القومي والمذهبي في كلمته حينما قال برجاء متواضع ، وهنا أقتبس من كلمته (( لي رجاء واحد وهو أن يكف كتابنا عن كتابة مقالات قومية أو كنسية تفتقر الى العلمية والمنهجية لنحافظ على هويتنا ونفتخر بها من دون الطعن بهوية الآخر أو نبذه سوف يساعدنا البحث العلمي الرصين على الأكتشاف ... علينا ألا نتشتت ونُضَيع كل شيء )) إنتهى الأقتباس ..
هنا لا يسعني أمام هذا التواضع الكبير والفهم العميق لأنسان يفهم ويعي جيداً ماذا يقول عن أسباب بث الفرقة والتمزق بين صفوف أبناء أمتنا وكيفية التصدي لها بحزم وبأبسط الوسائل ، ألا وهي الطلب من كتابنا ومفكرينا بالكف عن كتابة ما يصبح مرشداً ونبراساً يهدي الى استمرار الفرقة والضغينة والحقد والكراهية المذهبية والقومية بين أبناء أمتنا ، إلا ان أقول لقداسته بوركت في قولك وبارك الله فيك وأن يأخذ بيدك الى ما هو خير لكنائسنا وأمتنا يا قداسة البطريرك المبجل على هذا التشخيص العلمي الدقيق من جهة وأقول في ذات الوقت من جهة ثانية الى الأخوة الأعزاء من كتاب المقالات أن يأخذوا بنظر الأعتبار عند الكتابة لوسائل الأعلام المختلفة هذا الرجاء المتواضع إن صح القول لقداسته إحتراماً لدرجته الدينية ولشخصه الكريم وإحتراماً لقدسية القلم وللرأي الحر ولخصوصيات ومعتقدات الآخرين مهما أختلفتم معهم ، لأن الرصانة العلمية والدقة في الطرح هي المعايير التي من المفروض أن يعتمدها الكاتب الرزين الذي يحترم ذاته وقلمه وكيف يصونها ويحميها من الزلل والسوء .. 
وبهذه المناسبة ليس بوسعنا إلا أن نقدم جزيل شكرنا وفائق تقديرنا الى غبطة الكاردينال المستقيل مار عمانوئيل الثالث دلي على مبادرته الشجاعة والفريدة في تاريخ الكنيسة الكلدانية في تقديم إستقالته فاسحاً المجال أمام أكليروس الكنيسة الكلدانية لأنتخاب بطريرك جديد أكثر شباباً منه ليتولى قيادة مسيرة الكنيسة بعد أن تيقن بأن العمر قد نال من قدراته الذهنية والبدنية وجعله ليس بالمستوى القادر على الأستمرار في أداء مهامه في قيادة مسيرة الكنيسة بنجاح ، حقيقة كانت هذه المبادرة فريدة بأبعادها ومضمونها تستحق التثمين والثناء عليها لما تدره من فوائد جمه وكبيرة للكنيسة الكلدانية ، عسى أن تصبح هذه المبادرة تقليداً وسياقاً يعتمد من قبل الآخرين في كل كنائس شعبنا ، وكانت قد سبقت هذه المبادرة مبادرة قداسة البطريرك الشهيد المرحوم مار إيشاي شمعون بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في السبعينيات من القرن الماضي عندما أنهي تقليد عصر التوارث لهذا الكرسي في كنيسة المشرق الآشورية وإعتماد مبدأ الأنتخاب لمن هو أفضل من الأكليروس ، وكما نثمن ونهيب بمبادرة قداسة الحبر الأعظم مار بنيدكتوس السادس عشر بابا الكنيسة الكاثوليكية في العالم عندما أصر على الاستقالة من منصبه المقدس لأسباب متعلقة بالعمر أيضاً ، إنها في الحقيقة تجارب رائدة ونوعية لا بد للقيمين على الكنيسة التوقف عندها بجدية وتحويلها الى سياق عمل وقانون في إدارتها .. ولا أريد هنا الأطالة على القارئ الكريم إلا أن أقول له من باب الأقتراح وليس إلا أن ندعو أبائنا الأجلاء في كل كنائس شعبنا من دون إستثناء وكل القياديين العلمانيين في الأحزاب والحركات السياسية ممن نال منهم العمر مبتغاه وممن مضى عليهم سنوات طويلة في مناصبهم الأقتداء بهذه التجارب الفذه إن كانوا فعلاً يريدون خدمة مصلحة كنائسنا وأحزابنا السياسية وشعبنا ..

217
المحافظة للمسيحيين بين الواقع والحلم الطوباوي
المهندس : خوشابا سولاقا
منذ مدة ونحن نسمع أصواتاً تعلو من هنا وهناك ومن هذا وذاك من الأحزاب والشخصيات السياسية والثقافية والأجتماعية كل منطلق من اجنداته الخاصة ، ونسمع شعارات تطلق وترفع من هذا الحزب وذاك من أحزاب شعبنا القديمة منها  والجديدة تدعو وتطالب بضرورة استحداث محافظة للمسيحيين من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في سهل نينوى وكأن هذا السهل  خالي لا يسكنه احداً من غير أبناء شعبنا كحل سحري وجذري لكل مشاكله وما يعانيه من تهميش وإقصاء وظلم وما يتعرض له من التصفيات الجسدية من قبل المنظمات والجماعات المتطرفة والمتشددة دينياً بغرض تهجيره من المحافظة واللجوء الى المناطق الأكثر أمناً وأماناً في المحافظات الأخرى من أقليم كوردستان ، أو الهجرة الى بلدان المهجر ، وبسبب هذه الهجرة المدمرة تناقص عدد نفوس شعبنا في العراق بعد سقوط النظام الصدامي الى ما دون النصف مليون نسمة وما زال نزيف الهجرة مستمراً في تصاعد .. في الحقيقة أنا هنا لستُ ضد هذه المطالبة ، أو أنا لستُ مؤيداً لحق شعبنا في أن يمارس حقوقه في إدارة شؤونه بنفسه في مناطق تواجده كما قد يتصور البعض بعد قراءتهم لما سأقدمه من أراء وأفكار في سياق هذا المقال بخصوص التعامل مع هذا الموضوع الحساس والخطير في أبعاده وإنعكاساته سواءً على أبناء شعبنا أو على الآخرين في المحافظة ، بل على العكس من ذلك أنا أتمنى أكثر من أن تكون لنا محافظة خاصة بشعبنا ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يتحقق بالتمني  ، بل إن الأمر في كل الأحوال يتطلب أن يكون الأنسان واقعياً ومنطقياً بطرح مطالبه وحقوقه المشروعة وأن يخضع كل شيء لمنطق العقل وليس لمنطق العواطف وأن ينال طلبه القبول من الآخر على أقل تقدير لكي يشكل تحقيق تلك المطالب أرضية راسخة للمطالبة بما هو أكبر عندما تنضج الظروف الذاتية والموضوعية ويحين الوقت المناسب لذلك ، وأن يصبح تحقيق تلك المطالب في ذات الوقت سبباً لتطور وتقدم شعبه ، وليس لأن تتحول الى نقمة بدلاً من أن تكون نعمة له كما يقال ، أي أن تتحول الى أسباب لألحاق الضرر والأذى به وبمصالحه وبوجوده ، وعليه قبل المطالبة بأي حقوق سياسية لشعبنا علينا أن نأخذ هذا الأمر بنظر الأعتبار ..
لذلك علينا نحن المعنيين بالأمر أن نحلل وندرس الظروف الموضوعية الحالية في محافظة نينوى عموماً وسهل نينوى خصوصاً ، وأن نحلل وندرس بعمق الظروف الذاتية لشعبنا في العراق ومحافظة نينوى عموماً وفي سهل نينوى خصوصاً قبل أن نطالب باستحداث محافظة للمسيحيين في هذا السهل .. كما هو معروف للجميع من أبناء شعبنا تاريخياً إن طبيعة سكان محافظة نينوى المتعددة المكونات قومياً ودينياً ومذهبياً وقبلياً هي طبيعة يغلب طابع التعصب القومي والديني والمذهبي والقبلي على سكانها بشكل عام منذ القدم ومن عاش في مدينة الموصل بالذات يعرف ذلك جيداً ، وقد تصاعد هذا التعصب في عهد الدولة العثمانية الذي تمخض في أواخر أيامها الى ارتكاب أكبر وأبشع المذابح الجماعية المروعة بحق شعبنا والشعب الأرمني في المناطق التي كانوا يتواجدون فيها تحت السلطة العثمانية بما في ذلك أجزاء من محافظة نينوى الحالية وجنوب شرق وجنوب تركيا الحالية في المناطق المتآخمة لكل من العراق وسوريا الحاليتين في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين على أيدي الكورد بقيادة المجرمين كل من بدرخان بيك ونورالدين بيك وبتحريض وتشجيع من السلطات العثمانية العنصرية وبدوافع دينية وقومية معاً ، وكانت آخر هذه المذابح البشعة التي يندى لها الجبين على أيدي أحفاد أولائك الأشرار هي مذبحة سُميل في السابع من آب من عام 1933 والتي راح ضحيتها قرابة الأربعة ألاف شهيد ، كل ذلك يجب أن لا ننساه ولا يغيب عن بال أحد منا ليس لغرض الثأر والأنتقام من ورثة مرتكبيها لأنهم منها براء ، وإنما لأستخلاص العبر والدروس عندما يقدم البعض اليوم على المطالبة باستحداث محافظة للمسيحيين لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في سهل نينوى بين ظهران ورثتهم لأنهم قد لا يفكرون كما أفكر أنا ، لكي لا يجعلوا من هذه المطالبة سبباً لتكرار مذبحة سُميل ثانية بحق شعبنا وأن لا يفعلوا كما يقال " بدلاً أن يكحلوها يعموها " ..  وفي ضوء الواقع الأجتماعي الحالي لسكان محافظة نينوى والمؤسس على ثقافة التعصب القومي والديني والمذهبي والقبلي ، وثقافة رفض الآخر المختلف ، فان فكرة استحداث محافظة للمسيحيين في سهل نينوى تكون أصلاً بمثابة عملية إنتحار للمسيحيين لأنها فكرة مرفوضة لا تنال رضا وقبول الآخرين من سكان محافظة نينوى من العرب والكورد والشبك وحتى من الأخوة الأيزيديين في المحافظة وهؤلاء يشكلون اليوم أكثر من ( 95 % ) من سكان المحافظة ويشكلون أكثر من (80 % ) من سكان سهل نينوى حتى وإن تم استحداث تلك المحافظة بقرار من مجلس النواب العراقي بالأجماع ، لأن شعب محافظة نينوى بعمومه عدا النخب القليلة منه غير ناضج ثقافياً وديمقراطياً وغير متهيء نفسياً لقبول مثل هذه الفكرة ، لأنها تبقى مطبوعة في ذاكرته التي تربت وتغذت على ثقافة التعصب بمثابة فكرة مشابه لإنشاء إسرائيل ثانية مع الفارق الكبير بين هذه وتلك ، لأن الذي لا يقبل العربي المسلم الشيعي الذي يختلف عنه في المذهب والذي لا يقبل الكوردي المسلم السني لأنه كوردي القومية كيف له أن يقبل الكلداني السرياني الآشوري المسيحي الذمي ( النصراني ) الذي يختلف عنه في الدين والمذهب والقومية حراً مستقلاً غير تابعاً ومساوياً له في الحقوق والواجبات .. ؟؟ إنه يقبل التعايش مع كل المختلفين عنه قومياً ودينياً ومذهبياً وفق منطقه هو كأتباع ومواطنين من الدرجات دون درجته ، هذا هو الواقع الذي تقبله الأغلبية العربية المسلمة السنية من سكان محافظة نينوى الحالية بحُكم خلفيتها الثقافية التي شرحتُها باسهاب ، وبحُكم هذا الواقع يصبح استحداث محافظة للمسيحيين في سهل نينوى مطلب غير واقعي وأقرب الى الحُلم الطوباوي منه الى الواقع ، هذا من جهة ومن جهة ثانية إن أبناء شعبنا لا يشكلون أكثر من  نسبة ( 20% ) من سكان سهل نينوى حسب أحدث الأحصاءات السكانية الرسمية ولو أن هذه النسبة حالياً أقل من ( 20 % ) بكثير بسبب نزيف الهجرة المتزايد في السنوات الأخيرة ، وبناءً على ذلك نقول كيف ستقبل البقية الباقية من سكان السهل من العرب والكورد والشبك المسلمين من أهل السنة والشيعة والأيزيديين بسلطة الأقلية من المسيحيين من أبناء شعبنا عليهم .. ؟ وماذا سيحل بهذه المحافظة من بعد ذلك جراء ما يحصل من الصراعات من أجل السلطة والمصالح  بين هذه المكونات السكانية .. ؟ لا اعرف أن كانوا المطالبين بهذه المحافظة قد فكروا أصلاً بكل هذه الأحتمالات بمنطق العقل أم لا .. ؟؟ وافتراضاً يتم استحداث مثل هكذا محافظة بقدرة قادر مأذا بشأن الأكثرية من أبناء شعبنا الذين يعيشون خارج حدود سهل نينوى في المحافظات الأخرى كأربيل ودهوك وكركوك وبغداد والأنبار والبصرة والسُليمانية وربما في غيرها .. ؟ كيف يكون التعامل معهم ومصالحهم مرتبطة بمناطق سكناهم وتواجدهم .. ؟ هل سيتم تهجيرهم قسراً الى المحافظة الجديدة .. ؟ أم يتم إهمالهم وكون الأمر لا يعنيهم .. ؟ ولذلك فان الحل الأمثل الذي يلائم الوضع الديموغرافي لتواجد أبناء شعبنا في العراق لممارسة حقوقهم القومية والوطنية يأتي من خلال إعتماد نظام الأدارات المحلية في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية السكانية والتركيز على بناء مشاريع البنى التحتية لتنمية وتطوير إقتصاديات هذه المناطق لرفع مستوى معيشتهم وبالتالي يؤدي ذلك الى تقوية وترسيخ تمسكهم وتشبثهم بالأرض وإحتواء أسباب الهجرة من أرض الوطن .. لا إعتراض ولا ضير من استحداث محافظة بأي أسم تاريخي ولجميع سكان السهل من جميع المكونات التي تقطنه وتدار من خلال نظام الإدارات المحلية في مدنها وقصباتها وليس باسم محافظة للمسيحيين للأسباب التي ذكرتها ..
أيها الأخوة من دعاة المطالبة باستحداث محافظة للمسيحيين من أبناء شعبنا في سهل نينوى اليوم من قادة الأحزاب والحركات والمنظمات السياسية من الذين حصدوا الفشل الذريع في تحقيق أي شيء ملموس على أرض الواقع من الحقوق على المستوى القومي لأبناء شعبنا بعد سقوط النظام غير ما يخصهم من المنافع والمصالح الشخصية تحت يافطة الحقوق القومية المهلهلة ، وحصدوا الفشل والخيبة في التصدي لظاهرة الهجرة من أرض الأباء والأجداد والتشرد والتشتت في المهاجر ، أقول إن هذا الفشل لا يمكن تغطيته من خلال طرح ورفع شعارات سياسية مثالية لا تغني ولا تسمن لخداع وتضليل الجماهير لأغراض إعلامية مزيفة لضمان الاستمرار في مواقع تمثيلهم لأبناء شعبنا في مؤسسات الدولة الرسمية ، لأن مثل هذه الشعارات لا تجلب لشعبنا شيء من المكاسب سوى المزيد من المآسي والكوارث ودفع البقية الباقية من أبناء السهل تحت طائلة التهديد بالقتل الى الهجرة وتفريغ السهل والوطن من أبناء شعبنا ، وعليه أقول كفاكهم من  المزايدات بالشعارات والوعود الفارغة والضحك على الذقون لقد نفذ صبر الصابرين من أبناء شعبنا عليهم من المتاجرة بالمصالح القومية بالشعارات من دون فعل .. !!
إن تطبيق نظام الأدارات السياسية التي تضمن وتجسد الحقوق القومية والسياسية والثقافية والدينية لمكونات شعب مثل شعب العراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب مهما كانت طبيعة وشكل تلك الأدارات السياسية من دولة مركزية أو إدارة فدرالية أو مناطق حكم ذاتي أو إدارات محلية لا يمكن لهذه الأدارات أن تكون أنظمة ذات جدوى بهذا الأتجاه إذا كان الشعب فيها متخلف إجتماعياً وثقافياً ولا يفهم للديمقراطية معناً ولا يمتلك منطق التعامل الواعي مع الحياة غير منطق القوة والعنف ولغة السلاح ، شعب تحكمه قيم ثقافة التعصب والتعنصر والشوفينية القومية والدينية وثقافة الأقصاء والتهميش ورفض الآخر المختلف ، شعب لا يجد من وسيلة ناجعة لحل مشاكله غير الأحتكام الى فوهة البندقية ، هذه حقائق يجب أن لا نخاف من ذكرها ويجب علينا أن نقرها وهي موجودة وراسخة على أرض الواقع في مجتمعنا العراقي ، وعليه أقول لهؤلاء المطالبين باستحداث محافظة للمسيحيين في سهل نينوى إن الوقت غير مناسب ولم يحن بعد لهذا المطلب فالنبحث عن بديل آخر أكثر مقبوليةً وبأقل تضحيات ممكنة لأن واقع شعبنا لا يتحمل المزيد من التضحيات على مذبح هذا الحلم الطوباوي الذي يتغنى به البعض من المبالغين بتفائلهم بأحلامهم الوردية لتحقيق أجنداتهم الشخصية ..
في ظل هذه الظروف تبقى كل أشكال الأدارات السياسية لحل مشاكل التعدديات القومية والدينية والمذهبية دون جدوى في شعب غير مسلح بالثقافة الديمقراطية وقبول التعددية القومية والدينية والمذهبية والسياسية وقبول التعايش السلمي مع الآخر كالشعب العراقي وبالأخص في ظل الظروف الحالية التي أفرزتها مرحلة التحول من النظام الديكتاتوري الشمولي وريث الأنظمة الفاشية السابقة منذ العهد العثماني المتخلف الى نظام الفوضى القائم على المحاصصة القومية والدينية والمذهبية الطائفية والحزبية والمناطقية والقبلية .. إن مثل هكذا إدارات تكون ذات جدوى في ظل الأنظمة الديمقراطية الحقيقية المنبثقة من الأختيار الحر للشعوب المثقفة ثقافة ديمقراطية وتؤمن بالتعايش السلمي بين مكوناته وقبول الآخر المختلف ، في ظل هكذا نظام تنتعش الأقليات القومية والدينية بقدر إنتعاش الأكثريات وعليه فان المسعى المركزي حسب الأولويات القومية والوطنية التي يفرزها الواقع الموضوعي لجميع مكونات الشعب بشكل عام وأبناء الأقليات بشكل خاص يجب أن يركزاً على بناء النظام السياسي الديمقراطي الحقيقي في البلاد ككل قبل أي شيء آخر ، النظام الذي يكون فيه معيار منح الحقوق وأداء الواجبات هو المواطنة والهوية الوطنية للمواطن وليس الهويات الفرعية والخصوصيات الأثنية والدينية والطائفية وغيرها ، حيث في ظل وجود هكذا نظام تنتفي الحاجة الى مثل هكذا إدارات لحماية الخصوصيات الفرعية للأقليات والأكثريات معاً لأن الغطاء الوطني يكون الحامي الأقوى والحارس الأمين للجميع للأقليات قبل االأكثريات ، لأن الديمقراطية إن كانت تعني حكم الأكثرية فهي تعني أكثر حماية الأقليات وخصوصياتها ..     


   
   

218
رياح الربيع العراقي وصراع الإرادات على أرض
الواقع إلى أين ... ؟؟

المهندس : خوشابا سولاقا
قبل الخوض في هذا الموضوع المهم والحساس لا بد لنا أن نسال سؤالاً مهما ً والإجابة عليه بدقة وعلمية وحيادية خالصة لكي يتسنى لنا الكشف عن خارطة المسار الذي يقودنا بشيء كبير من الواقعية والموضوعية الى قلب الأحداث التي تجري في العراق اليوم من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه والوقوف على مسبباتها الحقيقية والدوافع الكامنة ورائها دون أن يضطرنا أي شيء الى التعامل بخصوص ما يجري مع النوايا بدلاً من التعامل مع الأسباب الحقيقية على الأرض والتي أوصلت الأوضاع في البلاد الى ما وصلت إليه من أزمات متلاحقة ومتصاعدة والتي تقود البلاد الى حافة الهاوية السحيقة التي لا يحمد عقباها إذا استمرت هذه الأوضاع على هذا المنوال الى المزيد من الشد والتجاذب والتوتر المفتعل والأزمات المصطنعة وفق أجندات ومصالح القيادات السياسية المتنفذة في إدارة الدولة والمرتبطة بأجندات إقليمية وأجنبية ممن لهم أطماع في العراق ، والملتحقين بهم والسائرين في فلكهم في مجلس النواب من الانتهازيين والطفيليين الذين يعيشون على فتات المتنفذين ممن تقودهم مصالحهم الشخصية وشهواتهم النهمة للسلطة الى الاصطفاف بجانب هؤلاء المتنفذين الكبار والمتحكمين بمصير وقرار البلاد السياسي لاستخدامهم كورقة لترجيح كفتهم عند التصويت على أي قرار داخل البرلمان من دون مقابل لخدمة مصالح من يمثلونهم لو تركنا الحبل على الجرار كما هو عليه حالياً .. السؤال الكبير والمهم هو .. هل إن ما يحصل اليوم في العراق من أزمات متلاحقة ومتصاعدة وخروج الجماهير الشعبية الغفيرة الى الشوارع والساحات العامة للتظاهر والاعتصام مطالبين الدولة بتوفير وتحسين الخدمات المختلفة مرةً ومطالب سياسية مهما كانت طبيعتها ومهما كان معيارها من الوزن الثقيل أو من الوزن الخفيف ومهما كان لون وانتماء المطالبين بها قومياً ودينياً ومذهبياً ومناطقياً مرة أخرى ، إن كانت تلك المطالب قانونية ودستورية ومشروعة وعادلة أو على العكس من ذلك افتراضاً ، هل إن ذلك شكل من " البطر " إن جاز التعبير أم أنها نتيجة طبيعية حتمية لتقصير وعجز وإهمال أجهزة الدولة المختلفة التشريعية والتنفيذية والقضائية في أداء لمهامها في تلبية متطلبات حياة المواطنين .. ؟؟ فعندها فقط نستطيع أن نحكم على ما يجري من التظاهرات والإعتصامات بإنصاف ومهنية إن كانت على حق أو على باطل مبين ..
إن نسبة كبيرة من المواطنين الذين يعيشون في العراق بما فيهم الكثير من أصحاب الدرجات الخاصة بكل مستوياتهم الوظيفية من مواطنين دولة المنطقة الخضراء يعترفون ويقرون بملء إرادتهم بأن الدولة مقصرة لحد النخاع كما يقال في تقديم الخدمات إليهم مثل توفير ماء الشرب الصافي والكهرباء وخدمات الإتصالات الهاتفية المناسبة بكل أنواعها وتدهور حالة الشوارع والطرقات والساحات والمنتزهات السياحية داخل المدن والقصبات والطرق بين المحافظات وتدني مستوى الخدمات الصحية الملائمة وخدمات التربية والتعليم بمدارسها الطينية المتهرئة الآيلة الى السقوط وأساليب التدريس المتخلفة وشيوع الفساد المالي والاداري في مرافق وأجهزة الدولة وظاهرة سرقة المال العام نهاراً جهاراً من قبل كبار مسئولي السلطات بشكل خاص والمستويات الدنيا بشكل عام بحيث أصبح التجاوز على المال العام وممتلكات الدولة عمل مباح للمسئولين قبل المواطنين وهذا ما يؤكده ما نشاهده عبر وسائل الأعلام على شاشات القنوات الفضائية يومياً ونقرأ عنه الشيء الكثير ما ينشر في المواقع الالكترونية والصحف المحلية وما يصرح به هذا المسئول أو ذاك عن غيره وما يدور بينهم من السجالات والإتهامات المتبادلة في وسائل الأعلام المرئية والمسموعة وحتى في جلسات والمؤتمرات الصحفية لمجلس النواب في مبنى البرلمان في أحيان كثيرة .. هذه أمور أصبحت حقيقية يعيشها ويعرفها الجميع لا يمكن إخفائها والتستر عليها ولا يتحمل مسؤوليتها غير الدولة بكل سلطاتها من البرلمان والحكومة والقضاء كل حسب مهامه .. أما التقصير في الجانب الأمني وحماية الشعب من التجاوز على أمنه من قبل الإرهاب في كل مناطق العراق باستثناء أقليم كوردستان فحدث ولا حرج ، وهذا أمر واقع مفروغ منه لا يحتاج الى أدلة وإثباتات ، حيث أن الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة والأمن والمخابرات قد فشلت بامتياز في توفير الأمن للمواطن وحتى لرجال الدولة بالرغم من كثرة ارتال الحمايات وسياراتهم المدرعة الحديثة التي عددها بالعشرات يتم توفيرها على حساب زيادة فقر وبؤس المواطن الفقير ، وبالرغم من الانتشار المكثف للسيطرات الأمنية في شوارع وأزقة المدن الى درجة أصبحت موضع التندر من قبل المواطن على وجودها شائع حيث يقول أن بين كل سيطرة أمنية وأخرى سيطرة ووراء كل سيطرة عبوة ناسفة وانفجار سيارة مفخخة  !!! ولكنها من دون جدوى حيث أن النشاط الإرهابي يضرب بأطنابه في كل شارع وزقاق في مدن وقصبات العراق في أي وقت من النهار رغماً على أنف السيطرات الكثيرة التي لا نفع من ورائها غير خلق الاختناقات المرورية في الشوارع وإزعاج الناس باجراءآت سقيمة وتأخيرهم عن أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم والأضرار بمصالحهم .. أين الأمن والآمان من كل هذا يا دولتنا الموقرة .. ؟؟
إن أهم مطالب الجماهير المعتصمة اليوم في الكثير من مدن وقصبات المناطق ذات الأغلبية السنية من العراق هي المطالبة بإلغاء قانون المساءلة والعدالة وإلغاء المادة / 4 من قانون مكافحة الإرهاب وإلغاء المخبر السري وإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات وخلق التوازن في أجهزة الدولة وبالأخص الأمنية منها وتعديل الدستور وتوفير الخدمات وغيرها من المطالب الثانوية ، وبالنظر لعدم تعامل أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية بجدية مع المعتصمين لجأوا المعتصمين الى رفع سقف مطالبهم المعلنة ومن ثم اختزالها في مطلب واحد ألا وهو رفع شعار إسقاط النظام ، اي بمعنى أن رفع شعار إسقاط النظام من قبل المعتصمين كان رد فعل على عدم جدية الدولة في التعامل الأيجابي مع مطالب المعتصمين في تلك المناطق ، في الوقت الذي أن الشرط الأساسي في الدولة الديمقراطية لإثبات ديمقراطيتها على أرض الواقع هو اعتبار أن الشعب على حق دائماً عندما يكون له مطالب من الدولة عليها أن تتجاوب وتتحاور معه وليس العكس كما يجري في الدولة الديكتاتورية الاستبدادية ..
وهنا نتساءل لماذا الجماهير الشعبية المعتصمة تطالب بكل هذه المطالب المذكورة آنفاً .. ؟؟ هل لأن الدولة بكل سلطاتها قد أحسنت تطبيق هذه القوانين بصورة عادلة ومهنية عالية على الجميع بغض النظر عن خلفياتهم القومية والدينية والطائفية وساوت بين الجميع على أساس المواطنة عند التطبيق .. ؟ أم لأنها أخفقت في التطبيق وطبقتها بانتقائية ضد ناس على حساب ناس آخرين على أساس خلفية خصوصياتهم .. ؟ ، إن قانون المساءلة والعدالة والمادة / 4 من قانون مكافحة الإرهاب هما سيف ذو حدين طبقت من قبل الأجهزة المعنية بانتقائية بشكل سيء وبسبب ذلك سوق الكثير الى غياهب المعتقلات والسجون ظلماً ممن لا يستحقون ذلك ونالوا ما نالوه من الأذى والتعذيب ولفترات طويلة دون ان تحسم قضاياهم بين أن يطلق سراح الأبرياء منهم وأن يحال الى القضاء من تثبت إدانته لينال جزاءه العادل ، لو كان كل ذلك قد جرى بمهنية لما حصل ما يحصل من الإعتصامات ولما قدمت مثل هذه المطالب التي لا أراها تعجيزية لو صدقت وصفت النوايا من الجانبين .. لماذا يحصل مثل هذا الظلم بحق البريء من المعتقلين .. ؟ من يتحمل مسؤولية كل ذلك أليست الدولة هي المسئولة .. ؟ إن القانون العراقي لا يسمح باعتقال المواطن لأكثر من مدة أسبوعين على ذمة التحقيق وبعدها أما يتم إطلاق سراح المعتقل بكفالة لعدم كفاية الأدلة ، أو يحال في حالة كفاية الأدلة الى القضاء لينال جزاءه العادل ، عليه من المفروض أن تـكون إجراءات الدولة سريعة لإنجاز هذه الإجراءات لكي لا يظلم أي معتقل بريء ولكي ينال المجرم بالمقابل جزاءه بسرعة ، ولكن ما العمل إذا كان للفساد المستشري في ألأجهزة الأمنية حالياً منطق آخر غير منطق تحقيق العدالة في إطلاق سراح المعتقل البريء ومعاقبة المجرم بأقصى سرعة لأنصاف الضحايا وتلك هي الطامة الكبرى التي تعرقل سير العدالة وإحقاق الحق للجميع ..
وقد استخدمت القوانين الآنفة الذكر كوسيلة ناجعة لتصفية الخصومات السياسية بين الكتل السياسية والانتقام والثأر وغيرها من العداوات الشخصية والعشائرية تحت ستار مكافحة الإرهاب واجتثاث البعثيين المشمولين بقانون المساءلة والعدالة بشكل تشوبه الكثير من التجاوزات والخروقات والممارسات غير القانونية وحتى غير الأخلاقية في كثير من الأحيان، في الوقت الذي نرى من جانب آخر الكثيرين منهم يتولون مناصب عالية ورفيعة في البرلمان والحكومة والقضاء والأجهزة الأمنية والجيش والشرطة وأجهزة الأمن والمخابرات دون أن تطلهم إجراءات قانون المساءلة والعدالة .. وعليه فأن ما يحصل اليوم من اعتصامات يفرض على الدولة بكل سلطاتها الاختيار بين إلغاء هذه القوانين أو تطبيقها بمهنية عالية وبعدالة وإنصاف على الجميع دون تمييز بسبب الخلفية الخصوصية ، ولكن هذه المهمة صعبة الانجاز ومعقدة لأن إنجازها يتطلب أن يسبقها إنجاز مكافحة الفساد المالي لكي يتم تطهير الأجهزة التنفيذية من الفاسدين والمفسدين إعتباراً من أعلى مسئول الى الحراس على أبواب السجون والمعتقلات ، لأن هؤلاء كانوا وراء هروب المئات من عتاة القتلة والمجرمين من الإرهابيين من سجون الدولة في البصرة وبغداد وكركوك والموصل وغيرها .. عليه أقول للمسئول في الدولة أينما كان في البرلمان أو في الحكومة أو في القضاء إن المواطن المتظاهر والمعتصم أينما كان في الأنبار أو في الموصل أو في النجف الاشرف وكربلاء أو في اربيل أو في بغداد ومهما كانت نواياه الداخلية ومهما كانت قوميته ودينه وطائفته وقبيلته وعشيرته ومهما كان جنسه ولونه فهو على حق في مطاليبه الوطنية والإنسانية والحقوقية المكفولة دستورياً طالما كنت مقصراً في واجباتك تجاهه لأن طلب المواطن هو رد فعل لتقصيرك في تنفيذ واجباتك من موقعك المسئول ، وهذا هو قانون الحياة الذي بموجبه يجب أن تقيّم الأمور والأفعال فإن قبلت به فأعمل وأهلاً وسهلاً بك ، وإن رفضت فأترك موقعك بسلام لمن هو جدير به ليعطيه استحقاقه ..        



219
رسالة رد الى المدعو السيد ستيفن البغدادي المحترم
المهندس : خوشابا سولاقا
قرأتُ كتاباتك الأستفزازية والمسيئة لشخصي ولكنني أتقبلها برحابة صدر المثقف وأعطيك كامل الحق لأن تقول ما تشاء من الكلام والمفردات لأنك حر في ذلك وليس من حق أحد أن يصادر حقك في قول ما تشاء ، وبما أنك غير معروف لدي لحد الآن لذا قررت أن أعقب على كتاباتك تلك ولآخر مرة بما يلي :
أولاً : هل إن الأسم الذي تنتحله وتذيل به كتاباتك هو إسمك الحقيقي أم هو إسم مستعار كما يبدو لي .. ؟ فإذا كان الأسم الحقيقي لماذا لا تنشر مع كتاباتك صورتك الشخصية كما يفعل الجميع ممن يكتبون لهذا الموقع الكريم .. ؟ ولماذا حجبت استلام التعقيبات والردود على كتاباتك في الموقع .. ؟ أكيد أنك تخجل مما تكتبه وتهاب ردود من تسيء إليهم بغير حق ، وعليه أنصحك أن تكون كاتباً شجاعاً وشفافاً بدلاً من أن تكون طبالاً وزماراً لباطل الآخرين من دون أن تعرف حقيقتهم عن تجربة فعلية على حساب ذم من يقول كلمة الحق بحقهم ، إن عدم نشر صورتك الشخصية ورفضك إستلام الردود والتعقيبات على موقعك يعني أما أن الصورة سوف تفضح الأسم المستعار بأنه ليس اسم صاحبه وعندها الأسم سوف يفضح زيفه ويفقد مصداقية حامله في كتاباته المسيئة ، أو أن عدم نشر صورة الكاتب ورفضه لأستلام التعقيبات والردود على كتاباته كما هي العادة جارية في هذا الموقع يعني أن الكاتب يخاف ويرتاب ويتهرب من المواجهة ويتستر بقناع مزيف ليعطي لنفسه الحرية في قول ما يشاء من الكلام غير المباح للأساءة على الآخرين دون رادع ووازع أخلاقي تردعه من قول الباطل والأساءة بحقهم كما تقتضي مهنة الكتابة النبيلة والصادقة والشفافة ، وهذا ما تفعله أنت يا سيد ستيفن البغدادي ، لماذا لا تسمي نفسك باسم آخر من واقعنا القومي والاجتماعي ليكون ذلك أفضل وأكثر قبولاً وقرباً للقارئ وأكثر تأثيراً فيه .. ؟  لذا أدعوك وأنصحك كزميل ولكي تعطي لما تكتبه قدراً أكبر من المصداقية أن تنشر صورتك الشخصية مع كتاباتك وتترك باب موقعك مفتوحاً لأستلام الردود والتعقيبات أمام من يريد أن يرد ويعقب عليك بما تستحقه لتبقى معلوماً ومعروفاً بالصورة والصوت لجماهير شعبنا ، أو أن تكف عن كتابة الكلام غير المباح ، ولتكن ثقتك بنفسك عالية وغير متزعزعة يا رجل وكن شجاعاً كما فعلتُ أنا مع من تستميت في الدفاع عن باطلهم لا تضم نفسك مختفياً في الزوايا المظلمة من الحياة وترمي الآخرين بسهامك المسمومة إذا كانت لديك مبادئ قومية تؤمن بها ( مبادئ أمتنايي ) كما تدعي ، صدقني إن سهامك لا تقتل بل إنها تقوي من تصيبه وتزيده صلابة وإصراراً على المضي في نهجه في محاربة الباطل طالما هناك من يدافع عن الباطل مع الأسف من أمثالك ، حقيقة إن مهنة الدفاع عن الباطل أي أن يكون الكاتب محامي الشيطان كما يقال مهنة تتعب وترهق صاحبها وتثقل كاهله بما هو غير قادر على حمله وتؤخره من مواصلة المسيره للألتحاق بالآخرين في القافلة ، وعليه أنصحك بالتخلي عن هذه المهنة ، أنا عندما اكتشفتُ صاحبك ولدي الأدلة القاطعة بالوثائق في يوم ما على حقيقته وهو يجانب الحق والمبادئ قررتُ القطيعة معه وأن أعريه وأفضحه للناس عندما وجدتُ أن الأمر متعلق بخيانة أمتي ووطني ورفاقي في التنظيم وتعاونه مع الأعداء دون تردد ، وهذا ما فعلته إيماناً مني بالحق والمبادئ وليس بحثاً عن المناصب كما إدعيتم أنت ومن تستميت في الدفاع عنهم ، لأن ما أنا عليه منها يكفيني ولا أحتاج الى منية من أحد لأستجدي منهم المناصب ، إن أعلى منصب أفتخر وأعتز به هو عندما أحس أنني في قلوب أبناء شعبي والناس الذين أعيش معهم من حولي وليس المناصب التي أحصل إليها بأساليب الغدر والخديعة والرذيلة من غير إستحقاق كما فعلوا ويفعلون من تستميت في الدفاع عنهم يا سيد ستيفن البغدادي ، وبالمناسبة ولمزيد من المعلومات أدعوك الى إعادة قراءة كتاباتي التي هي مدار حديثنا من دون تشنج وإنفعال لتعيد النظر بما تكتبه دائماً بإنفعال مفرط ..
ثانياً : إن من تدافع عنهم ، أنا لا أفهم إن كنتَ تفعل ذلك بدافع المحبة بهم أم بدافع الإيمان منك بالمبادئ أم تملقاً لهم ، أنا هنا لست بصدد إتهامك بأي دافع منها لأنني لا أعرفك حقاً بل بصدد التعرف على طبيعة تلك الدوافع الجياشة التي تحملها تجاههم لكي يتسنى لي تنويرك بحقيقة هؤلاء إن كنت مخدوعاً بهم أو مغرراً بك من قبلهم لتتخذ القرار الصائب وأن تقف في الموقع المناسب لكي لا أظلمك في حقك عندما أتحدث عنك ، وعندما أتعرف على شخصك سوف يكون لي معك حديث آخر بالشكل الذي تستحقه ويناسبك وقد نصل من خلاله الى تفاهمات مشتركة وقد نلتقي في نقاط كثيرة ونختلف في أخرى وقد نصبح أصدقاء إذا كانت القضية متعلقة بمبادئ ( الأمتنايوثا ) الصادقة لأنك مضلل ومخدوع بأصحابك كثيراً يا سيد ستيفن البغدادي ، أنا سوف لا أعتبرك خصماً ولا عدواً وإنما أعتبرك كاتب زميل من واجبي أن أحترم أرائه وأقدم له النصيحة المفيدة ، إن اصحابك هؤلاء سوف يتعرون وينفضحون لك حتماً عاجلاً أم آجلاً على حقيقتهم وبما هم عليه ، اليوم أو يوم غدٍ أو بعد حين لأن الحقائق لا يمكن إخفائها والتستر عليها مهما طال الزمن ، عندها سوف يصيبك الذهول وخيبة الأمل بهم حتماً ، هذا إن كنت تستميت في الدفاع عنهم بدافع الإيمان بالمبادئ القومية ، وأما إذا كنت لغير ذلك فسوف تدير ظهرك للأمر بما فيه متستراً باسمك المستعار ( وتكول لا من شاف ولا من درى ) وتقول " طوز بأمتنايوثا " اللقمة الدسمة مع أصحابي هي الأهم في هذه الأيام ، وغداً لناظره قريب يا أخي ، أما إذا بقيت هكذا متستراً وراء الكلمات من دون صورة شخصية فعندها سوف تتسلل الى دهاليز ظلمات التاريخ مجهولاً خائباً وغائباً على صفحاته الهامشية بخفة الخفافيش التي لا تبصر في ضوء النهار وتنسحب مع إنسحاب آخر خيوط الشمش الى أوكارها المظلمة  ولا يذكرك  أحداً يا سيد ستيفن البغدادي . .  !!        
ثالثاً : أنا شخص يعرفني جميع المهتمين بالشأن القومي من المقربين من أبناء شعبنا ومنذ زمن بعيد منذ حصول الأنشقاق  في كنيستنا كنيسة المشرق في عام 1964 ومن أيام الجامعة والنادي الثقافي الآثوري والى يومنا هذا بما فيهم الشهداء الثلاثة الأبرار ومن كتاباتي في صفحة الثقافة الآشورية في جريدة التآخي آنذاك عام 1973 والى اليوم ، أنا معروف لكل أصدقائي والمقربين مني بصدقي وموقفي من القضايا القومية لشعبنا ودعمي لزوعا بعد السقوط ، وإن سمعتي معروفة للكثير من أبناء شعبنا ومن مختلف طوائفنا وفي عملي المهني كمهندس ، بنزاهتي ومصداقيتي وشفافيتي في التعامل مع الآخرين ومن وفائي إخلاصي لأصدقائي الصادقين في القول ومن تواضعي مع الجميع ممن عملوا معي ، لا أحتاج الى تزكيتك وتزكية من تستميت في الدفاع عنهم ( أي أنا صايتي بيضاء كما يقولون ) ، وعليه أنا أكبر بكثير من أن تستطيع كلماتك غير اللائقة التي تصفني بها والتي هي في الحقيقة لا تنطبق إلا على قائلها أي كما يقال " الإناء ينضح بما فيه " من أن تنال من سمعتي وشخصيتي يا سيد ستيفن البغدادي .. !!
أنصحك أن تترك أمر الدفاع عن من تدافع عنهم لشخوصهم ليدافعوا عن أنفسهم لأن في ذلك سيحافظون على كرامتهم بين الجماهير إن كانوا  واثقين  من برائتهم مما نقوله بحقهم وأن يدحضوا ذلك بالوثائق كما أفعل وفعل غيري من قبلي ، لأنك أصغر من أن تستطيع أن تغطي الشمس بالغربال كما يقال يا سيد ستيفن البغدادي ، لقد كلفتَ نفسك بمهمة صعبة وأنت غير قادر على إنجازها  ( أي أنت مو كدها يا أخي ) وإن كنت قادراً على ذلك إكشف عن وجهك للشمس كما أفعل أنا ليعرفك الناس من تكون كما تعرفني لكي يُعتاد بكتاباتك .. أود إعلامك بأن هذه الرسالة ستكون آخر رد مني على كتاباتك المسيئة لشخصي مهما فعلت الى أن تنشر صورتك معها لتصبح معروفاً بالصورة والصوت وبعكس ذلك ليس من المنطق أن أدخل في سجال عقيم وحوار سقيم مع مجهول للصدق عديم يخاف أن يكشف عن وجهه ويظهر للعلن كما يفعل الجميع ويكتفي برمي أحجاره في ظلام الليل لتصيب الآخرين ، وكنتُ أترّفع عن الرد عليك إلا أن تماديك في الاساءة إضطرني على الرد المناسب ..
ملاحظة : هذه الرسالة كنت سأعقب بها على كتابات السيد ستيفن في موقعه إلا أن حجبه لأستلام الردود أضطرني الى نشرها على الصفحة الأولى لهذا الموقع المحترم عليه أطلب المعذرة من القائمين عليه ومن القراء الكرام ..  


المهندس : خوشابا ســولاقا
28 / 12 / 2012


220
الكلدانية ، السُريانية ، الآشورية ... ثلاثة مسميات
لقومية واحدة
المهندس : خوشابا سولاقا
من المؤسف والمحزن جداً أن نقرأ ونرى في المقالات التي تكتب من قبل بعض  الكتاب والمثقفين والمفكرين من أتباع هذه المسميات الثلاثة وتنشر في وسائل الأعلام والمواقع الألكترونية العديدة هذه الأيام والتي كثر عددها بالذات على خلفية ما حصل من إشكالات حول الترشيحات لرئاسة ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى ، والمؤسف أكثر أن تحمل هذه الكتابات في طياتها نفس وطابع التعصب والتعنصر لتسمية بعينها على حساب تحقير وإسقاط التسميات الآخرى والتقليل من شأنها الى درجة التنظير لأنكارها وشطب وجودها من تاريخ أمتنا ، كل ذلك يحصل من قبل هؤلاء الأخوة الكتاب كردود  أفعل للسلوكيات والممارسات السياسية الخاطئة والطائشة التي تحصل بإدراك أو من دونه من هذا التنظيم السياسي أو ذاك تجاه هذه التسمية أو تلك والتي في الأساس ترمي لخدمة أجندات سياسية خاصة بتلك الأحزاب لتحقيق مكاسب ومصالح حزبية وشخصية في أغلب الأحيان لبعض القيادات فيها تحت ستار شعارات وخطابات قومية زائفة لا تمت بصلة الى المصالح القومية للأمة ولا حتى الى مصالح المكون الذي تنتمي  اليه تلك القيادات التي فرضت نفسها على أمتنا في ظل الظروف الأستثنائي القائمة في العراق بعد الأحتلال ، وكما نرى اليوم الكثير من هذه الممارسات والتجاوزات للكثير من هؤلاء على الساحة السياسية القومية لأمتنا الكلدانية السريانية الآشورية ، وكأن ذلك حالة متوارثة ومماثلة ومكملة متأثرة بالحالة السائدة في العراق اليوم ، وبالرغم من كون ذلك أمر طبيعي أن يحصل في بيئة ثقافية مثل بيئتنا الاجتماعية المؤسسة أصلاً على مبادئ التعصب والتعنصر ورفض الآخر المختلف مذهبياً ، وبالنظر لكون السياسة بحد ذاتها وبطبيعة الحال هي جزء من بنية الثقافة الأجتماعية السائدة في المجتمع للمرحلة التاريخية بعينها يكون التعصب المذهبي ورفض قبول الآخر تكون ظاهرة حتمية الحدوث ، ولكن المؤسف والمبكي في الأمر هو أن بعض الكتاب والمفكرين والمثقفين من أبناء أمتنا يطلقون العنان لأقلامهم ليتعاملون مع هكذا ممارسات بطريقة مقلوبة وليس بالطريقة التي من المفروض أن يكون عليها التعامل مع هكذا ممارسات خاطئة أي إنهم يتعاملون مع الحالة حسب قاعدة " العين بالعين والسن بالسن " من دون ربط الأمر بالمصلحة القومية العليا لأمتنا وهنا تكمن الخطورة القاتلة ، بينما كان يجب أن يكون التعامل ببذل كل الجهود بإتجاه توجيه النقد البناء من خلال وسائل الأعلام الشعبية لفضح وتعرية ومحاربة هذه السلوكيات والممارسات وعزل أصحابها ولفظها من رحم الأمة الى مزبلة التاريخ وعدم التستر عليها لأي سبب من الأسباب إن كان هؤلاء من القيادات للتنظيمات السياسية أو من قيادات الكنائس لمكونات أمتنا دون تمييز لتقويمها وتصحيح مسارات عملها بما يخدم مصلحة تحقيق وحدتنا القومية المنتظرة ، وليس بإتجاه تصعيد التطرف والتعصب للتسمية التي يؤمن بها الكاتب والمفكر والمثقف ، على أساس التعامل مع كل مكون كقومية مستقلة قائمة بذاتها لا يربطها رابط بالمكونات الأخرى وعلى حساب التنكر للمسميات الأخرى لمكونات أمتنا ، لأن في الحقيقة هذا السلوك وهذه المواقف والطروحات الشاذة تضر الجميع ولا تنفع أي مكون ولا يستفيد منها غير الأعداء الغرباء .. أنا وحسب وجهة نظري المتواضعة وقناعاتي الراسخة بوحدتنا القومية لا أرى سبباً أو مبرراً لأي كان من كتاب المقالات المحترمين والتي تنشر مقالاتهم وإجتهاداتهم في المواقع الألكترونية لأبناء شعبنا هذه الأيام أن يربط  بين الممارسات السياسية المسيئة لأي مكون من مكونات أمتنا والصادرة من فرد أو من مجموعة أفراد من قيادات أحد التنظيمات السياسية أو الصادرة من القيادات الكنسية لأي كنيسة - مع إحترامي الشديد لدرجاتهم الدينية - ولأي مكون من مكونات أمتنا ، وتحت أي عنوان كان ويعكسها على كل المنخرطين في ذلك التنظيم السياسي أو على أتباع تلك الكنيسة التي ينتمي إليها المسيء ، وبالتالي يعكس ذلك على المكون الذي يحمل تسميته الطرف المسيء ، أي بمعنى أن تعميم السلوك والتصرف الخاطئ للفرد أو لمجموعة أفراد غير مقبول وغير منطقي وغير أخلاقي وغير مبرر لأن الذي يعمم الأمور لا يقل سوءً عن مَن يمارس السوء نفسه ، إن هذا الأسلوب لا يخدم قضيتنا القومية ووحدتنا  بأي شكل من الأشكال بل سوف يلحق بها ضرراً بالغاً وهذا ما ينتظره منا بفارغ الصبر أعدائنا ، ولغرض تجاوز هذه الممارسات والسلوكيات الخاطئة لبعض - أقول لبعض وليس للجميع لكي أبتعد عن التعميم - قيادات التنظيمات السياسية والكنائس لأبناء أمتنا وردود الأفعال المتشنجة والمتطرفة الصادرةً من بعض الأخوة الكتاب من المكونات الثلا ثة التي تحمل طابع التعصب والتعنصر المفرط والمبالغة بالتشبث بهذه التسمية أو تلك ومحاولة فرضها بالأكراه على الآخرين من خلال تزييف أحداث التاريخ وتغيير وقائع الحياة لا بد للجميع من التسليم بالحقائق التالية وإقرارها لكي نتمكن من تصحيح مسار نضالاتنا من أجل تحقيق وحدتنا القومية :
أولاً : أقول شئنا أم أبينا جميعاً إن الواقع الإجتماعي والتاريخي والثقافي ولقرون عديدة لهذه التسميات الثلاثة لمكونات أمتنا قد إرتبط بشكل وثيق بالمذهبية الكنسية الدينية وأسس لثقافة مذهبية في رفض الآخر المختلف مذهبياً ، وليس على أساس الأختلاف في الأنتماء القومي ، ولم يكن تعامل أي مكون من هذه المكونات الثلاثة حسب رأي المتواضع الى زمنٍ قريب تعامل قومي مع المكون الآخر بل كان تعاملاً ذي سمة تعصبية مذهبية كنسية دينية الى درجة رفض الآخر وعدم قبوله إجتماعياً على كافة المستويات من ممارسات التعايش الأجتماعي كالزواج المتبادل بين المكونات وتقبل تناول القربان المقدس من كنائس بعضها البعض مهما كانت الظروف الداعية لمثل هذا القبول عند عدم توفر كنيسة لمكون من المكونات في المكان المعين وإطلاق الكثير من الأوصاف الكريهة وغير اللائقة لبعضها البعض كالهرطقة وغيرها من الصفات من باب التحقير .. وكان التعصب والتشدد والرفض  بين هذه المكونات الى درجة بحيث أصبحت هذه التسميات الثلاثة مرادفات لتسميات مذهبية كنسية عند بعضها البعض ، فكانت كلمة الكلدانية عند الآشوري والسرياني الأرثذوكسي تعني " الكاثوليكية " ، وكانت كلمة الآشورية عند الكلداني والسرياني الأرثذوكسي تعني " النسطورية " ، وكانت كلمة السريانية عند الآشوري والكلداني تعني " اليعقوبية " ، هكذا اصبحت لهذه التسميات الثلاثة في ثقافات وطقوس وممارسات وتقاليد أبناء المكونات الثلاثة لأمتنا تسميات ذات مضمون  فكري مزدوج بين القومية والمذهب الكنسي الديني واصبحت كل واحدة منها مرادفة للآخرى ، واكتسبت هذه التسميات المزدوجة واقع ملموس ومعاش واكتسب إجتماعياً قوة العادة من حيث التمسك والتشبث بها في ممارسة الطقوس الإجتماعية والكنسية كشيء من الموروث الأجتماعي الراسخ الجذور في أعماق ثقافة أتباعها في عملية تراكمية تاريخية متوارثة ، واقع لا يمكن تغييره وتجاوزه وفرض تسمية بعينها بالأكراه على التسميات الأخرى بقرار فوقي وفردي غير ناضج وغير مستوعب للظرف المكاني والزماني يصدر من هذا الشخص أو ذاك في القيادات السياسية أو في القيادات الكنسية لهذا المكون أو ذاك ، بل من مصلحة أمتنا أن نترك ذلك للزمن لأن يفعل فعله التراكمي التاريخي لأزالة أسباب الفرقة والتشرذم من خلال فتح حوارات هادئة معمقة وشاملة ثقافية وفكرية ولاهوتية بين المعنيين بامر تحقيق الوحدة القومية من قادة الفكر والسياسة والثقافة والكنيسة من دون الربط بين التسمية القومية وبين المذهب الديني في عملية تاريخية مستمرة لدراسة الجذور التاريخية قديماً وحديثاً وبحيادية تامة لهذه المسميات الثلاثة وصولاً الى التسمية القومية الموحدة التي تعبر عن واقعنا القومي التاريخي على هذه الأرض ، عسى أن تكون تلك التسمية " الكلدانية أو السريانية أو الآشورية " وليتسمى اليوم كل مكون بما يشاء من هذه المسميات دون الأساءة على المسميات الآخرى إن ذلك من حقه وهو حر في خياراته ، في الحقيقة أنا شخصياً أقبل بأية تسمية منها طالما تأتي بهذه الطريقة المتحضرة عبر الحوار المسؤول تقوده الحكمة والعقل والحصافة العلمية وليس عن طريق الفرض القسري وإكراه الآخر على قبول ما ليس مقتنعاً به بكامل إرادته وحريته ..
ثانياً : شئنا ام ابينا جميعاً إن هذه المسميات هي ثلاثة مسميات لمسمى قومي واحد بدليل وحدة اللغة بوحدة ابجديتها ( ألب ، بيث ، ....  شين ، تاو )  منذ آلاف السنين ، وبدليل وحدة الثقافة والتراث اللغوي والأدبي والفني والتاريخي لبلاد ما بين النهرين " بيث نهرين " الذي كتب بهذه اللغة العريقة والعظيمة التي نعتز بها جميعاً بين الأمم ، اللغة التي تكلم بها ربنا يسوع المسيح له المجد وهو على الصليب فادياً بنفسه من أجل خلاص البشرية من الآثام ، والتي أيضاً نختلف على تسميتها بين الآرامية والسريانية والكلدانية والاشورية " لغة السورث " بالرغم من وحدة أبجديتها ، أختلفنا أيضاً على تسميتها بسبب المذهبية الكنسية الدينية التي أسهبتُ في شرحها في " أولاً " أعلاه ، وبدليل وحدة المصالح المشتركة والمصير المشترك ، وبدليل وحدة الجغرافية لمناطق تواجدنا التاريخي في أرض الأباء والأجداد أرض " بيث نهرين " العراق منذ آلاف السنين ، بدءً بعصر سومر وأكد وبابل ونمرود وآشور ونينوى مروراً بعصر فجر المسيحية في القرن الأول الميلادي من أورهي ونصيبين وقطيسفون وكنيسة كوخي الى شهداء كرخ صلوخ " كركوك " الى آخر شهداء كنيسة المشرق العظيمة التي إمتد تبشيرها بالمسيحية وبهذه اللغة الثرة والثرية بتراثها لغة مار أفرام ومار نرساي من بحر الصين شرقاً الى البحر المتوسط غرباً ومن الخليج العربي جنوباً والى تخوم البحر الأسود شمالا ً، كل هذه المقومات تجمع وتدل وتثبت ومن دون شك باننا نحن الكلدان والسريان والآشوريين أينما وجدنا في الماضي واينما نتواجد اليوم وأينما سنتواجد في المستقبل على وجه المعمورة أبناء لقومية واحدة لا جدال على ذلك إن شاء المتطرفين من المكونات الثلاثة من دعاة أن كل مكون قومية قائمة بذاتها ام أبوا أقول كان :
الكلداني = السرياني = الآشوري
وسيبقى اليوم وفي المستقبل كذلك مهما سع الأعداء الى تفتيتهم .. وأقول مخلصاً لأصحاب الأقلام النبيلة والشريفة أن تكتب وتُنَظر بهذا الأتجاه وليس بالأتجاه المعاكس ونترك الزمن والتاريخ يسيران على وفق منطقهما ليفعلا فعلهما ليجمعونا بتسمية قومية موحده كما فرقونا من قومية واحدة وكنيسة موحدة الى ثلاثة مسميات قومية والعديد من الكنائس المذهبية ، ولكن كل ذلك لا يأتي من تلقاء نفسه بحكم الحتمية التاريخية كما يعتقد البعض من دون يكون هناك دور لجهد إنساني فاعل يوجه ويقود العملية التاريخية برمتها نحو الهدف المرسوم ، أي بمعنى جهودنا نحن المثقفين من كل المكونات ، فلتتوحد أقلامنا من أجل خدمة أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية لتحقيق وحدتها القومية بتسمية موحدة ..  


المهندس : خوشابا سولاقا
 22 / 12 / 2012

221
الوسطية في العمل السياسي المبدئي
                                                                                                                  المهندس : خوشابا سولاقا
عندما ينشب خلافاً بين طرفين بخصوص قضية ما مهما كانت طبيعة ذلك الخلاف ومهما كانت تلك القضية من الأهمية بمكان ، إن كان ذلك الخلاف خلافاً سياسياً بين الأفراد داخل المؤسسة السياسية التي ينتمي إليها الطرفان ، أو كان خلافاً بين حزبين سياسيين مختلفين بالمبادئ السياسية والأيديولوجية ، أو خلافاً بين كتلتين برلمانيتين في الدولة حول الرؤى السياسية لرسم مستقبل البلاد ، أو خلافاً بين دولتين حول قضايا وطنية تتعلق بالسيادة والكرامة الوطنية والتدخل في شؤون بعضها البعض الآخر ، من المحتم والطبيعي جداً أن يظهر في خضم هكذا خلافات  للآخرين من المعنيين بهِ أراء وأفكار وطروحات ومواقف سياسية وعملية تجاهها منطلقين من خلفية مصالح معينة وأجندات سياسية مع هذا الطرف أو ذاك من طرفي الخلاف ، فهناك من مؤيد وهناك من معارض لكل طرف ، فمثل هؤلاء مواقفهم محسومة ومعروفة التوجه والاتجاه بوضوح وجلاء ، حيث كل شخص أو جهة  منهم يؤيد الحق والباطل معاً للطرف الذي ينحاز اليه وليس ذلك بالضرورة أن يكون حباً بهذا الطرف بل قد يكون كرهاً بالطرف الآخر من الخلاف لأن مصلحته وأجنداته تقتضي ذلك الأنحياز ويعارض ويرفض ذلك للطرف الآخر بشدة وبنوع من التطرف المبالغ به أحياناً ، وهناك أراء وأفكار وطروحات ومواقف للبعض الآخر وسطية لا تؤيد زيد ولا تعارض عمرو ، حيث يسعى أصحاب هذه الاراء والأفكار للجمع والتوفيق بين المتناقضات للطرفين المختلفين تحت ستار مبررات كثيرة وعديدة يسوقوها عن الطرفين لأجل الخروج من المأزق بحل وسطي توفيقي للحفاظ على ماء الوجه ويرضي الطرفين المتخالفين ، وهذه المبرارات تختلف باختلاف طبيعة الخلاف الناشب بين القطبين ، ولغرض تقييم هكذا مواقف لا بد من العودة الى أصل جوهر الخلاف ذاته ، فإذا كان أصل الخلاف حول آليات تنفيذ العمل أو حتى إذا كان حول جوهر الأفكار التي يجب تبنيها لتحقيق هدف مشترك ، عندها تكون الاراء والأفكار والطروحات الوسطية للوسطيين من الناس كأفراد أو كأطراف إيجابية ومقبولة منطقياً وقد تعطي حلاً وسطياً توفيقياً للأطراف المتخالفة لتجاوز هذا الخلاف وأسبابه والوصول في النهاية من خلالها الى ما هو أفضل لخدمة الهدف المشترك سواءً كان للفرد أو للأفراد أو للحزب أو للكتلة أو للوطن .. أما إذا كان الخلاف يتعلق بالمبادئ والأهداف الإستراتيجية للمؤسسة السياسية كحزب أو ككتل برلمانية أو كدول أو يكون الخلاف أصلاً بسبب الخيانة للأهداف والمبادئ والجماعة السياسية وتعاون طرف من الأطراف المتخالفة مع الأعداء والتجسس لصالحهم ، فعندها تختلف الأمور كلياً في المشهد السياسي وتنقلب رأساً على عقب مع أصحاب الاراء والأفكار والطروحات الوسطية التي تظهر هنا وهناك إذا كانوا أصحابها واعين لما يطرحونه من حلول وسطية  ، أي بمعنى سوف لا يكون هناك مكان لرأي وسطي توفيقي لكائن من يكون بين الحق الواضح وبين الباطل الواضح ، بل يكون في مثل هذه الحالة مطلوب من هؤلاء الوسطيين الرأي الواضح والموقف الحازم والحاسم ، وعندها سوف تتساقط كل المبررات التي يقدمونها لتبني أرائهم وأفكارهم ومشاريعهم التوفيقية كما تتساقط أوراق الأشجار في الخريف ، لأن الذين يقفون موقف وسطي في مثل هكذا خلافات فهم في الحقيقة يقفون مع الباطل عملياً ، ويكون دورهم كدور محامي الشيطان .. إن مثل هؤلاء يحاولون عادة  طرح أفكار وأراء وعرض مواقف تدافع ظاهرياً عن القضايا العامة مثل الأدعاء بالحرص على مصلحة وسمعة الحزب أو المصلحة القومية أو مصلحة الأمة أو مصلحة الوطن وغيرها ، محاولة منهم للمساواة بين من خان ومن أبى أن يخون وبين من يضحي في سبيل حماية وصيانة المبادئ ومن يخون ويبيع تلك المبادئ بمال بخس دون خجل ، المساواة بين من هو صادق الإيمان بالمبادئ ويعمل على تحقيقها وتحقيق الأهداف الإستراتيجية للحزب أو للتكتل أو للشعب الذي يمثله أو للوطن الذي يعيش مكرماً ومعززاً حراً على أرضه يأكل من خيراته ويشرب من مائه ويستنشق هوائه وبين من يتاجر  بها ببلادة وغباء في سوق الرقيق والنخاسين في العلن وبالمجان مقابل حفنة من المال أو مقابل تبوء منصب تافه وذليل في هذا الموقع أو ذاك ، إن مثل هكذا أفكار وهكذا مواقف التي تظهر هنا وهناك بين صفوف أبناء الأمة وتطرح من قبل هذا وذاك من الانتهازيين الذين يتقنون فن الرقص على الحبال من صيادي الفرص الرخيصة  يرقصون على أكثر من حبل تحت واجهات براقة ومهلهلة من أجل الارتزاق المذل على فتات موائد أصحاب السلطة والقوة والجاه في الحزب أو في الكتلة البرلمانية أو في أي تجمع كان ، نقول لأصحاب هذه الأفكار والمواقف والطروحات الفضفاضة إن ذلك في الحقيقة والواقع ليس إلا كلمة حق يراد بهِا باطل ، لأنه ليس هناك وليس من المفروض أن يكون هناك حيادية ولا وسطية بين الحق والباطل الواضحين لعيان المثقفين العاملين في مجال العمل السياسي المبدئي ، إن موقف الواقفين على التل متفرجين من بعيد على مُجريات الأحداث لأشرف وأفضل من موقف هؤلاء من أصحاب المواقف الوسطية الانتهازية في القضايا الإستراتيجية الكبرى ذات المساس المباشر بالحقوق القومية والوطنية للشعوب والتي لا تحتمل التفسير والتأويل والاجتهاد ، وهكذا بالنتيجة فإن الوسطية الانتهازية مرفوضة في العمل السياسي المبدئي .. وهنا نقول ومن باب النصيحة المخلصة ليس لأولائك المنظرين لهذه النظرية الرخيصة إلا أن تكف ألسنتهم عن الكلام غير المفيد ، وليكسروا أقلامهم التي سئمت من كتابة النفاق والرياء السياسي في مدح السلاطين البائسين ومن أرهقهم التعب من وراء الجري بحثاً عن السحت الحرام الانزواء  الى مخادعهم الوثيرة ومضاجعهم الدافئة وباحترام لذاتهم للاستراحة من تعب مضني أصابهم في المديح والتبجيل والتطبيل والتزمير لأصحاب الباطل والخيانات القومية والوطنية والإنسانية من أقزام السياسة في هذه الأيام المظلمة التي صار فيها الكثير من السياسيين لا يحترمون إنسانيتهم من الذين لا يهمهم من الحياة غير إشباع غرائزهم الحيوانية وأنانيتهم المفرطة التي لا يحدها حدود ..         
 

222
رد على تصريحات السيد يونادم كنا لقناة ( ANB  ) الفضائية التي تُبث من الولايات المتحدة المريكية
المهندس : خوشابا سولاقا
أيها القراء الكرام سوف أوضح  لكم في هذا الرد ما صرح به السيد يونادم كنا عني لقناة ( anb ) الفضائية والتي هي قناة يمتلكها أحد أبناء شعبنا هناك وسوف أترك الحكم على مثل هكذا تصريح وصاحبه إليكم وكل ما أتمناه منكم أن تكونوا منصفين في حكمكم ليس إلا .. أنتم الذين تعرفوني عن قرب ومعايشه أو من قرأ مقالاتي في جريدة ( بهرا ) الجريدة المركزية للحركة الديمقراطية الآشورية أو على موقع ( عينكاوه كوم ) الألكتروني أو من يعرفني من أيام الجامعة والنادي الثقافي الآثوري أو تعرف علي في مناسبات كثيرة في العراق او في امريكا خلال زياراتي لها ولقاءاتي مع الكثير من أبناء شعبنا ومن خلال نشاطاتي في الدفاع عن زوعا من خلال وسائل الأعلام لأبناء شعبنا في أمريكا وبعد أن تسمعون ما قاله السيد كنا بحقي أدناه هل هو صادق في قوله أم هو مفتري وكذاب .. ؟؟
بعد أن أقدم السيد يونادم كنا على تقديم دعوى قضائية لمقاضاتي أمام محكمة قضايا النشر والأعلام بذريعة التشهير والقذف وإتهامة بالأرتباط والتعاون مع جهاز المخابرات العامة للنظام الصدامي السابق عبر ما ذكرته في مقالي الموسوم " الحركة الديمقراطية الآشورية الى أين .. ؟ " والذي قرأتموه حتماً على موقع عينكاوه كوم .. اتصل بي السيد ديفيد من قناة ANB الفضائية وطلب مني إعطاء تصريح بشأن الدعوى القضائية المقامة ضدي التي قدمها السيد كنا ، إلا إنني امتنعت  من إعطاء أي تصريح معتذراً أن ذلك قد يتعارض مع تقاليد ومتطلبات سير المحكمة وقد يشكل في نفس الوقت مخالفة قانونية ضدي لأن المحكمة لم تبت بالدعوى لحد الان ، ولكنني وعدت القناة والسيد ديفيد باعطاء التصريح بعد إنتهاء جلسات المحكمة وشكرتُ القناة على إهتمامها بالموضوع ، وبإمكانكم الأستفسار من السيد ديفيد بشان ذلك ..
 ولكن بعد أيام علمت من خلال بعض الأقارب والأصدقاء المقيمين في امريكا بأن قناة ANB قد اجرت مقابلة مع الطرف الآخر أي السيد يونادم كنا بشأن الموضوع ذاته وكان ذلك مخالفة قانونية للسيد كنا ، وأسهب السيد كنا كعادته في حديثه عندما ينفرد بالمايكرفون أو الكاميرات في إطلاق التهم والأساءات جزافاً والأفتراء على من يخالفه الرأي وليس على من يخاصمه فقط ويدعي بما لا أساس له من الصحة على أرض الواقع ومن دون أن يستند على وثائق تدعم إدعاءاته الملفقة ولصق التهم بخصومه من دون وازع اخلاقي ، وكان السيد كنا منفعلاً ومتشنجاً وفاقداً للسيطرة على اعصابه في تلك المقابلة ، حيث أسهب في إفتراءاته ضدي  في معرض دفاعه عن نفسه لأقدامه على تقديم دعوى قضائية أمام المحاكم ومطالبته بمبلغ مئة مليون دينار تعويضاً في الوقت الذي يدعي بأنه ممثل شعبنا في البرلمان العراقي وكان صوتي من ضمن الأصوات التي أوصلت السيد كنا الى البرلمان إلا أن مشكلة هذا الشخص ينسى أفضال الآخرين عليه بسرعة ..
فمن جملة ما ما قاله وصرح به عني عبر قناةANB  الفضائية والذي أعتبره قذفاً وإساءةً لشخصي هو عندما قال بإنني شخص مريض يتطلب الأمر مني مراجعة الطبيب .. !!! هنا ربما كان السيد يونادم كنا يتحدث عن نفسه وما يعانيه من شدة إنفعالاته وتشنجه إلتبست وإنقلبت لديه الأمور !!  وكما يقول المثل الشائع ( الإناء ينضح بما فيه ) .. أيها الأخوة من الذين يعرفوني عن قرب من الأصدقاء في الحركة أو الذي تعَّرَف على شخصي في المناسبات أن يقول لي بصراحة هل لاحظتم على سلوكي وتصرفاتي مؤشرات المرض النفسي كما يدعي السيد كنا .. ؟؟ بالله عليكم هل هذا تصريح لشخص عاقل وسوي .. ؟؟ وهل تقبلون من شخص يدعي تمثيلكم على مستوى البرلمان أن يكون بهذا المستوى من ....... ؟؟ أترك الباقي عليكم لتكملوا الجملة بما تشاؤون من الكلمات المناسبة .. من المعيب أن يصل الأنسان العادي الى هذا المستوى من الضعف الأخلاقي ، فكيف يكون الأمر إذا كان ذلك من شخص يمثل أمة كما يدعي .. ؟ أنا على إستعداد لأن أذهب مع السيد يونادم كنا وبرفقة لجنة من القياديين الحياديين في الحركة للحضور أمام لجنة إختصاصية من الأطباء لأجراء الفحوصات لي وله لمعرفة من منا الأثنين مصاب بجنون العظمة أو أي مرض نفسي آخر ويعاني من عقد نفسية مزمنة .. ؟ إن الذي يلتجيء الى مثل هذه الأساليب الرخيصة لمحاربة منتقديه وخصومه هو الذي يستوجب عليه مراجعة طبيب نفساني وليس الآخر ..  

223
متى يصبح الإنسان رخيصاً ويفقد قيمته الإنسانية .. ؟
المهندس : خوشابا سولاقا
لقد عرَّفوا علماء الاجتماع والفلاسفة والمفكرين من كل المدارس المادية والمثالية والمذاهب الفكرية المختلفة عبر التاريخ بأن الإنسان هو أعلى قيمة كونية في الوجود ، وهو بالتالي أسمى المخلوقات في الطبيعة وأرفعها مكانة في الوجود لكونه يمتلك أكثر العقول تطوراً بين كل الكائنات ، ولكونه يمتلك وعياً وهذا ما يتميز به الإنسان لوحده دون غيره من الكائنات يدرك به جوهر نشاطه الإنساني ونتيجة أعماله وبه يميز بين ما هو صالح وما هو طالح فيها ، ويُمّكنهُ من أن يُميز حاجاته المادية والمعنوية التي يبتغيها في نشاطاته الحياتية المتجددة باستمرار والتي من خلالها يعزز وجوده الإنساني الذي يميزه عن باقي الكائنات في التعامل مع الأشياء الأخرى في بيئته ومحيطه الاجتماعي ، وبامتلاكه للوعي يسيطر على حاجاته ودوافعه الغريزية في التعامل مع الآخرين من أبناء نوعه ، وبامتلاكه للوعي أيضاً يتمكن من اختيار الوسائل الأكثر إنسانية وأخلاقية وقانونية ورحمة في كل تعاملاته مع بيئته ومحيطه الاجتماعيين في تحقيق ما يطمح إليه من الغايات المشروعة .. هكذا تميّز الإنسان بهذه الخصائص والخصال عن بقية الكائنات وسمى عليها وأصبح سيداً لها وسخر الطبيعة وقواها لخدمته بنجاح وترقى على الوجود الكوني للحياة الطبيعية وأصبح بذلك أعلى وأسمى قيمة كونية في الوجود ، وعليه فمتى ما يفقد الإنسان لهذه الخصائص والخصال والصفات سوف يفقد إنسانيته ويتحول الى مجرد كائن ككل الكائنات الأخرى تسيره غرائزه ونزواته وحاجاته وبأية وسيلة كانت .. ولكن قبل أن يفقد الإنسان إنسانيته ويتحول الى مجرد كائن ككل الكائنات لابد ان يفقد خصال وصفات وخصائص كثيرة في ممارساته وسلوكياته الحياتية ليصبح بعدها رخيصاً وضيعاً في قيمته الإنسانية ليتحول الى كائن فاقداً لإنسانيته ..
والسؤال الفلسفي الاجتماعي هنا هو متى يصبح الإنسان رخيصاً في قيمته الإنسانية .. ؟؟
أولاً :  عندما يكون الإنسان لصاً وسارقاً لحقوق وجهود الآخرين من دون وجه حق بوسائل غير مشروعة وغير قانونية وأخلاقية مستغلاً ما لديه من مصادر القوة والسلطة والبطش والوجاهة مع من لا يمتلكون تلك المصادر بأيديهم تجعلهم مضطرين للخضوع لقوة الطغاة الظالمين والاستسلام لأرادتهم والخنوع لهم راضين مرغمين على ذلك في سبيل ضمان لقمة العيش وحماية أنفسهم من شر الأشرار الطغاة واستمرار حياتهم ، إن من يمارس مثل هذه الممارسات الرذيلة تجعله رخيصاً وضيعاً في قيمته الإنسانية والأدلة في التاريخ عن هكذا نماذج من الناس كثيرة لا تحصى ولا تعد ..
ثانياً : عندما يكون الإنسان مستبداً برأيه استعلائياً في نظرته الى الآخرين لا يسمع النصيحة ولا يقبل نقد أخطاءه وممارساته المنحرفة ويكون ظالماً يقمع الآخرين بوسائل العنف والقوة القاهرة لكبت حرياتهم وحجب أرائهم ومصادرة إرادتهم وكم أفواههم في سبيل ترسيخ استبداده وتسلطه وفرديته عليهم لتحقيق مآربه ومصالحه الأنانية الشخصية على حسابهم ، إن من يمارس مثل هكذا ممارسات تجعله في نظر وحسابات الآخرين والمجتمع وضيعاً رخيصاً لا قيمة اعتبارية له ، والتاريخ حافلاً بمثل هؤلاء في كل التجمعات البشرية على وجه الأرض ..
ثالثاً : عندما يحمل الإنسان مبادئ فكرية معينة ويسترشد بها ويدعو لها ويروجها ويسوقها للآخرين من خلال وسائل الأعلام المتيسرة بين يديه أو من خلال التنظيمات السياسية والاجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها ومنخرط في نشاطاتها بين المعنيين بها من أفراد المجتمع ، ولكن بالمقابل عندما تكون أعماله على أرض الواقع تتناقض مع أقواله ، وإن كل ما يدعو إليه هو كذب وتضليل وخداع من اجل ضمان مصالحه الشخصية على حساب مصالح المخدوعين والمضللين البسطاء من الذين آمنوا بتلك المبادئ منساقين وراء مثل هؤلاء الدجالين حباً وإيماناً بها ليس إلا .. إن مثل هكذا ممارسات هوجاء ورعناء تتجسد فيها الوضاعة والسقوط الأخلاقي والرخص الإنساني بأعلى درجاته ، وما أكثر هؤلاء النماذج في الحياة السياسية في جميع أنحاء العالم ولا أستثني بلدي العراق من وجودهم إطلاقاً ..
رابعاً :  عندما ينخرط الإنسان في عمل ما ، سياسياً كان أو اجتماعياً لخدمة الآخرين كالمجتمع والوطن أو أية مجموعة أو مؤسسة ويشارك الآخرين قسم الولاء والإخلاص لما جمعهم على العمل المشترك والتضحية الطوعية من أجله ثم يخون ذلك القسم ومَن جمعهم معهُ من رفاق الدرب بدم بارد دون خجل لغايات نفعية ومصالح شخصية ونزوات غريزية وغيرها من قبائح الحياة المادية والروحية والغريزية للإنسان .. إن مثل هذه الممارسات الوضيعة لهي من أقبح الأفعال الشنيعة ومن أسوء السيئات التي تجعل صاحبها في أسفل الدرك من الوضاعة والرخص ، .. مثل هكذا إنسان يصبح مذموماً ومرفوضاً ومقززاً بين زملاءه ومشاركيه في العمل الجماعي أو العمل التنظيمي ويصبح وصمة عار عليهم يسعون الى لفظه خارج صفوفهم ، وما أكثر هؤلاء ظهوراً في العمل السياسي وخاصة في البلدان ذات الأنظمة الشمولية والديكتاتورية حيث تلتجئ أجهزة الأمن والمخابرات فيها الى السعي لتجنيد مثل هؤلاء كعملاء ومصادر للمعلومات السرية والجاسوسية من الكوادر القيادية العاملة في التنظيمات السياسية لقوى المعارضة التي تناضل ضدها ، وتاريخ مثل هكذا أحزاب زاخر بمثل هؤلاء العملاء الذين يخونوا المبادئ من أجل المنافع الشخصية الرخيصة .. 
خامساً : عندما يتخذ الإنسان من الكذب والتضليل والخداع والمكر والغدر والخيانة وعدم الشفافية والصراحة في تعامله مع الآخرين في أي عمل كان كالسياسة والتجارة والنشاطات الاجتماعية والرياضية وأية نشاطات إنسانية أخرى من أجل تحقيق ما يبتغي تحقيقه من منافع مادية ومعنوية ومظاهر الشهرة والوجاهة وغيرها تجعل أهل مثل هذه الممارسات الرخيصة رخيصين في قيمتهم الإنسانية ، وبالتالي مثل هذه الممارسات لا تترك لأصحابها أية قيمة اعتبارية عند من يتعاملون معهم لعدم مصداقيتهم وانعدام الثقة بهم مهما صَدقوا بأقوالهم وأفعالهم إن فعلوا ذلك مستقبلاً .. إن هذه السمة مفقودة الآن عند الغالبية من الطبقة السياسية في هذا الزمان حيث أن احتراف مهنة الكذب والتضليل والخداع والمكر وعدم الشفافية أصبحت مهنة شريفة وملازمة لأغلب السياسيين في العراق يفتخر بها صاحبها في المزايدات السياسية الإعلامية في صراعاتهم على السلطة والكراسي المكسورة ويعتبرون ذلك دهاء وشطارة وذكاء بدلاً من أن تكون وصمة عار عليهم تلاحقهم وأجيالهم من بعدهم الى مزبلة التاريخ ..
سادساً : عندما يكون الإنسان مداحاً ومبشراً ونصيراً وبوقاً للباطل في سبيل إرضاء ولي نعمته على حساب الحق والحقيقة وحقوق الآخرين ، كالكُتاب والشُعراء والصُحفيين والفنانين بأشكالهم من الذين سَخروا أقلامهم وفرشاتهم وآلاتهم ومواهبهم وقابلياتهم الفكرية والإبداعية لصالح الطغاة والديكتاتوريين المستبدين وظُلام الشعوب من أجل الارتزاق على فتات موائد أصحاب السلطة والمال والجاه ، إن مثل هؤلاء ليسوا في الحقيقة والواقع إلا مجرد وعاظ السلاطين ، وعندما يكون الإنسان صامتاً صاغراً لا يحرك ساكناً في معركة مواجهة الباطل والشر ، أو يكون حيادياً بين الحق والباطل وبين الخير والشر أما بسبب التخاذل والجبن أمام الجبروت والاستسلام للأمر الواقع والقبول به على مضض في سبيل المنافع الشخصية ، أي بمعنى آخر أن الوقوف على التل متفرجاً أسلم .. !! إن مثل هؤلاء يسمونهم محامي الشَيطان ، وإن مثل هؤلاء سواءً كانوا وعاظاً للسلاطين أو محامين للشيطان يصبحون في نظر المجتمع رخيصين رخص التراب وفاقدين لإنسانيهم .. ودعماً لما ورد في هذه الفقرة أقتبس ما قاله الفيلسوف الأيرلندي أدموند بيرك " كل ما يحتاجه الشر لينتصر أن يقف الأخيار على الحياد لا يحركون ساكناً "  ..
إن ما نشاهده اليوم على الساحة السياسية العراقية من الفضائح والجرائم السياسية في ممارسة الفساد المالي والإداري والأخلاقي وسرقة المال العام في وضح النهار من قبل كل من هب ودب ، والذي تنشر عنه وسائل الأعلام المحلية والأجنبية المرئية والمقرية والمسموعة عن أصحاب السلطة في العراق بكافة اختصاصاتهم ودرجاتهم الوظيفية والذي تقشعر له الأبدان وتُطأطئ له الرؤوس خجلاً نراهم كأنهم لا يعنيهم  ولا يخصهم ، بل نراهم يدافعون ويستميتون في سبيل البقاء والاستمرار في مواقعهم دون خجل ويتشبثون بكراسيهم كأن الذين يمتهنون الفساد هم أناس آخرين قدموا من كوكب آخر ، سبحان الذي خلق مثل هذه النماذج نصف البشرية التي لا تعرف للخجل والوجل معناً ، ما الذي يجعلكم تخجلون به من قبائحكم المشينة وسيئاتكم الذميمة لنتعامل من خلالها معكم .. ؟
إن الذي يمتلك إحدى هذه الصفات والخصال التي ذكرناها فيما سبق تكفي لأن يصبح من خلالها رخيصاً ووضيعاً فاقداً لإنسانيته كاملةً ، فكيف يكون الحال مع من يمتلك كل هذه الصفات والخصال في كيانه .. ؟ !!!       

224
السياسة ... هل هي وسيلة للدفاع عن مصالح الشعوب أم هي وسيلة للأرتزاق ... ؟؟

المهندس : خوشابا سولاقا
كما هو معروف لدى الجميع من الذين يعملون في مجال السياسة والعاملين في مجال الثقافة من خارج النشاط السياسي ، وكما عرَّفها علماء وفقهاء علم السياسة ، وكما تدرَّس كمنهج في المدارس والجامعات والأكاديميات العلمية التخصُصية ، وغدت قاعدة تعتمد في أنظمة الحكم والتنظيمات السياسية ( الأحزاب ) ، وأجمع على تعريفها الجميع بأن السياسة هي وسيلة للدفاع عن مصالح المجتمعات  والشعوب والامم والأوطان عبر ممارسات شريفة وشفافة ونبيلة وأخلاقية قائمة على مبدأ الصراحة والصدق والنزاهة مع المعنيين بتلك المصالح وليس العكس ، وكذلك عرَّفوا السياسة بأنها فن الممكن في حماية المصالح الوطنية والمجتمعات ، ولكن بخلاف القاعدة الميكافيلية المقيتة " الغاية تبرر الوسيلة " ، أي بمعنى أن الوسائل غير الشريفة وغير النبيلة ليس مقبولة عند الدفاع عن المصالح .. ولكن ما هو مرفوض رفضاً قاطعاً وغير مقبول بتاتاً وفق كل القيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية والدينية والدنيوية هو ان يستخدم السياسيون فن السياسة وسيلة للأرتزاق على حساب خيانة الشعوب والمبادئ والأوطان التي أقسموا اليمين على إحترامها والألتزام بها والوفاء لها في الممارسات العملية في حياتهم الشخصية والعامة  دون إستثناء ، أو إستخدامها وسيلة للأثراء الشخصي بإستغلال المناصب التي يتولاها السياسيون في الأحزاب والحركات السياسية وأجهزة الدولة الرسمية والأستقواء بها للتجاوز على المال العام وحقوق الآخرين ، هنا تتحول السياسة الى وسيلة للارتزاق لهؤلاء السياسيون بدلاً من أن تكون وسيلة للدفاع عن مصالح الشعوب ، وبالتالي يسعى هؤلاء الى تكريس سلطتهم في التشبث بالبقاء في مركز القرار من أجل حماية منافعهم الشخصية وإستمرارها الى أقصى مدى ممكن ، وينتهي هذا السلوك الى بناء سلطة ديكتاتورية قمعية فردية للأستحواذ على صنع القرار السياسي النهائي للتجمعات التي يتولون قيادتها سواءً كانت أنظمة الحكم للدولة أو الأحزاب والحركات السياسية ، وخير مثال لهذه الحالة الشاذة ، أي إستعمال السياسة كوسيلة للأرتزاق والأثراء الشخصي للفرد الرمز هي الحالة العراقية سابقاً وحالياً ، حيث ينتشر الفساد المالي والاداري وسرقة المال العام وعلى نطاق واسع بإستغلال المناصب في اروقة أجهزة الدولة الرسمية في وضح النهار دون خجل أو وجل من الشعب الذي اوصلهم الى تلك المواقع وشرعنه لهم سلطتهم السياسية والقانونية ، كان ذلك شائعاً سابقاً ولكن على نطاق اضيق بكثير مما هو عليه الان ، وكذلك كما كانت الحالة ذاتها في كافة الدول العربية والاسلامية ودول العالم الثالث في العالم في ظل الديكتاتوريات الفردية والأنظمة الشمولية التي تكرس سياسة تأليه وعبادة الفرد الرمز وتقديسة  ولذلك نجد في ظل هكذا أنظمة حرمان الشعوب من الحريات الشخصية وحرية الرأي والعقيدة وحرمانها من ابسط شروط الحياة الكريمة والرفاه الأجتماعي ، وتوسع الهوة بين مستوى المعيشة للشعوب وقادة الأنظمة والأحزاب والحركات السياسية الحاكمة فيها ، وإن هذه الشعوب يوم بعد آخر تزيد فقراً وعوزاً والقادة تزيد إنفراداً بالقرار وشراسةً وقمعاً وإستبداداً ضد تطلعات شعوبها في سبيل البقاء على كراسي الحكم والأستحواذ على مصادر الأثراء والأنتفاع تحت يافطة الشرعية القانونية والسياسية التي حصلوا عليها من خلال كونهم منتخبين من الشعب ، وفي نفس الوقت نجد الحالة على العكس من ذلك تماماً في ظل أنظمة الحكم الديمقراطية المنتخبة من قبل الشعوب بطريقة شفافة وفق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والكفاءة المهنية في الأ داء ، حيث فيها السياسيين من قادة الأحزاب والحركات السياسية يستخدمون السياسة وسيلة لخدمة مصالح الشعوب بطرق شريفة ونبيلة وصادقة ونزيهة بعيدة كل البعد عن الكذب والغش والنفاق والرياء السياسي ، ولذلك نجد للسياسة في هذه الدول والأحزاب والحركات السياسية وجه ناصع البياض على العكس مما هوعليه في البلدان التي تتخذ فيها قادتها من السياسة وسيلة للأرتزاق والأثراء الشخصي على حساب إفقار شعوبها وسرقة المال العام في ظلام الليل ووضح النهار على حد سواء .. ليس من المفروض بالسياسي المحترف الذي يبتغي أن يخدم شعبه ووطنه أن يقول الحقيقة كلها ويقول كل شيء عنها في أي مكان وزمان للمعنيين بها عندما يتطلب الأمر منه ذلك ، بل عليه أن يقول ويصرح بما يسمح به الظرف المكاني والزماني وطبيعة ما يصرح به ويتحفظ عن التصريح بما لا يسمح الظرف المكاني والزماني به ، ولكن هذا لا يعني أن على السياسي أن يروج الكذب بديلاً عن ما لا يستطيع التصريح به أو ان يتخذ السياسي من الكذب مهنة يحترفها ويروج لها في كل الأحوال كما يفعل اغلب السياسيون العراقيون اليوم على مستوى الدولة والأحزاب والحركات السياسية ، إنه شيء مؤسف ومخجل حقاً ان يمارس ذلك في بلد شرع فيه الأنسان أولى الشرائع القانونية في التاريخ الأنساني ألا وهي شريعة حمورابي البابلي الخالد الذكر ، وأسست فيه أول مكتبة لجمع التراث العلمي والثقافي والفكري منذ فجر الحضارة الأنسانية ألا وهي مكتببة آشور بانيبال الآشوري في نينوى ، البلد الذي إنطلقت فيه حركة النهضة العلمية للترجمة من اللغات السريانية والأغريقية الى العربية وبالعكس على يد أجدادنا الاشوريين الكلدانيين النصارى كما تذكر مصادر التاريخ العراقي القديم والحديث في زمن الخليفة العباسي محمد المامون إبن هارون الرشيد ، حقيقة علينا ان نقف خجلاً مطأطئي الرؤوس أمام إستذكارنا لهذه العظمة التاريخية الهائلة عندما نَقدِم على فعل ما نفعله اليوم من ممارسات لا تليق بمن يدعي بانه يمثل ذلك التاريخ المجيد ويشكل إمتداداً تاريخياً له في هذا الزمان ، زمان عصر نهاية الفكر الشمولي وحلول عصر الحريات الأنسانية المختلفة بما فيها حرية الراي والفكر  والعقيدة ، عصر العقل الألكتروني والانترنيت عصر إختفاء السحر والشعوذة وحلول عصر الشفافية والمصارحة ، عصر زوال المؤدلجين والمداحين للباطل والمبشرين للديكتاتورين الأقزام وحلول عصر الذي لا يمكن فيه التستر على الحقائق المخجلة وإخفائها بالثلج لأن الثلج ذائب لا محال عندما تشرق الشمس الساطعة ، إنه عصر الأنترنيت الذي جعل العالم قرية صغيرة ، لاتنسوا هذه الحقيقة يا وعاظ السلاطين من الكتاب المارقين الذين تتسترون على السياسيين الأقزام الذين يمارسون الفساد المالي والسياسي بحق الشعب العراقي وبحق من يدعون تمثيلهم زورا وبهتاناً فالتكف تلك الأقلام التي لا تتجرأ أن تكشف عن وجهها الحقيقي وتنعق كالبوم في الخفاء من وراء الستار بصوت نشاز  في ظلام الليل .     

225
رسالة مفتوحة ... للأطلاع والعلم مع التقدير .. !!

المهندس : خوشابا سولاقا
ايها الاخوة الأعزاء من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري الكرام ، بأسف شديد أنقل الى مسامعكم آخر إنجازات السيد يوناذم كنا المعهودة ونحن نعيش في بدايات العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين والجميع يدعو الى حرية الرأي والرأي الآخر والحياة الديمقراطية في الأحزاب السياسية والمنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني بما فيها أحزاب شعبنا ، أقدَم السيد يوناذم كنا السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية على تقديم دعوى قضائية أمام محكمة النشر والأعلام الموقرة ضدي بسبب ما نشرتُه من مقالات نقدية لسلوكه وخروقاته وإنفراده بمقدرات الحركة كسكرتيرها العام دون أن أمس في تلك المقالات خصوصياته الشخصية والعائلية والأجتماعية وأفراد أسرته وحتى أقاربه من أية درجة قرابة كانوا ومن دون أن أمس لا من قريب ولا من بعيد صفته الوظيفية الرسمية كعضو في البرلمان والمهام التي يتولاها فيه تحت أي عنوان كان كرئيس كتلة الرافدين أو كرئيس لجنة العمل البرلمانية وغيرها مما ورد في لائحة الدعوى القضائية كما قرأتم في هذه المقالات وبإمكانكم العودة إليها للتأكد من ذلك ، لأن موضوعنا كان حصراً بالحركة الديمقراطية الآشورية وسلوكية سكرتيرها العام وموقفي من ذلك كعضو لجنة مركزية سابقاً وعضواً مفصولاً من الحركة حالياً بسبب إنتقاداتي لسلوك السكرتير العام السيد كنا والتي قرأتموها على صفحات هذا الموقع الكريم ، أما فيما يخص علاقات السيد كنا بالأجزة الأمنية للنظام السابق فلست أنا الذي إتهمته بذلك وإنما تم النشر عن تلك العلاقة في وسائل الأعلام منها جريدة الحوزة الناطقة الشريفة العدد / 54 وكذلك جريدة هوالتي ( المواطن )  وغيرها الكثير في المواقع الألكترونية لأبناء شعبنا لماذا لم يقدم السيد كنا دعاوي ضدهم إذا كان واثقاً من براءته من التهمة .. ؟؟ إن المُهين في الأمر لشخص السيد كنا في هذه الدعوى مع الأحترام الشديد للقانون والقضاء هو إستغلاله لمنصبه كعضو برلمان وحشر ذلك في أمر لا علاقة له به في الأنتقام مني وإعتبار ما كتبته من نقد تشهير وقذف وإساءة وتصفية لخصماً سياسياً ، الحقيقة أنا لآ أفهم عن أية خصومة سياسية يتحدث السيد كنا ؟ ويطالب المحكمة الموقرة وفقاً لذلك تعويضاً مالياً مني قدره مائة مليون دينار وليس تعويضاً معنوياً ودون أن يأخذ بنظر الأعتبار الجوانب الأخلاقية والأجتماعية وما يعكسه ذلك على شخصه من أثار سلبية كرجل سياسي وممثل للشعب في البرلمان ، وهنا أتساءل هل يجوز لمن يمثل الشعب أن يقيم دعاوى قضائية ضد من يمثلهم أمام القضاء ويطالبهم بتعويض مالي مستغلاً ومستقوياً بعضويته البرلمانية لمجرد إنتقاده في أمر يخص تنظيم سياسي لا علاقة له بعضويته ومهامه البرلمانية ؟؟ من المفروض أن تكون هذه الأعتبارات عند السياسي المحترف الذي يحترم مبادئه أكثر أهمية من المال ، إن اللجوء الى هذا الأسلوب ضد كل من يوجه نقداً لسلوك وأخطاء السيد كنا على مستوى الحركة فيما يخص عملها في إقامة الدعاوي القضائية أمام المحاكم ضدهم ومطالبة المنتقدين بتعويض مالي كبير يعني ممارسة سياسة كم الأفواه وكبت وإضطهاد حرية الرأي وهذا يخالف الدستور وقانون الصحافة في العراق الجديد ، وإنه يشكل سابقة خطيرة يتطلب من الجهات المسؤولة في الدولة وضع حد لمثل هذه الظاهرة الشاذة ، وعلى وسائل الأعلام أن تجعل من هذه القضية قضية رأي عام ، ولو أعتمد هذا الأسلوب على مستوى العراق فيما ينشر عبر وسائل الأعلام العراقية من إنتقادات لأعضاء الحكومة والبرلمان وما يوجه إليهم من كلام أفراداً وكتلاً لكان كل الشعب العراقي يتم مقاضاته ويدفع الغرامات التعويضية للمسؤولين وفق منطق السيد كنا .. تصوروا يا أبناء شعبنا هذا هو من يدعي تمثيلنا في البرلمان يقاضي أبناء شعبه ويطلب تعويضاً مالياً منهم عندما يعجز من الدفاع عن نفسه من خلال الورقة والقلم وبالأسوب الديمقراطي كما فعلتُ أنا معه عندما إنتقدته بالقلم والورقة عبر وسائل الأعلام بطريقة ديمقراطية ومهذبة .. هنا أريد أن أستميحكم عذراً يا أعزائي ولكي أكون في حلٍ من المسؤولية على ضوء المتوقع أن يحصل من التداعيات جراء هذه الدعوى وتبعاتها والتي حتماً لاتكون لصالح الحركة وشعبنا ، يكون من المسموح به لي ومن حقي الطبيعي بأن أستعمل كل ما يتوفر في يدي من الوثائق للدفاع عن نفسي ضد الدعوى المقامة ضدي من قبل السيد كنا .. وبهذه المناسبة أنتهز الفرصة لأن أقدم شكري وتقديري وإمتناني الى الأصدقاء والأحبة من أصحاب المبادئ وأهل الغيرة والشهامة من كوادر الحركة ومحبيها وأصدقائها ممن أرسلوا لي رسائل عبر البريد إلألكتروني من داخل وخارج العراق عند سماعهم للخبر أبدوا فيها إستعداهم للتبرع بالمبلغ الذي يريده السيد كنا وقسم منهم أعلنوا إستعدادهم لبيع دورهم وتسديد هذا المبلغ ، أنا أشكر جميع هؤلاء الأصدقاء الذين لهم هذا الشعور القومي الصادق ويمتلكون هذه الغيرة والشهامة القومية ، وليعلم السيد كنا إن الأمة التي فيها مثل هؤلاء الأبطال الخيرين لا يمكن له ولمن حوله من الأنتهازيين الضعفاء إهانتها وإذلالها بمثل هذه الأساليب الرخيصة التي يعتمدها في لوي أذرع من يقف بوجهه وينتقده لخروقاته وإنحرافاته عن أهداف الحركة التي قدم الشهداء أرواحهم من أجلها ، ليأتي هذا اليوم ليتاجر السيد كنا بها لأغراضه الشخصية في كسب المال والشهرة والوجاهة .. وفي كل ما ذكر للسيد كنا الخيار مسترشداً بقول الفيلسوف الأغريقي الشهير أفلاطون حين قال " من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلفه شيئاً فسوف يضطر في الغد الى شراء الأسف بأغلى سعر " ...
ملاحظة : من خلال هذا الموقع الكريم أبلغ أولادي وعائلتي وأهلي وأقاربي وأصدقائي ومعارفي بأنني أحمّل السيد يوناذم كنا شخصياً كامل مسؤولية ما يحصل لي من إعتداء بكل أشكاله مهما كانت طبيعته مستقبلاً  ..
خوشابا سولاقا

226
يوناذم كنا وتجمع التنظيمات السياسية الكلدانية
السريانية الآشورية إلى أين ... ؟
المهندس : خوشابا سولاقا
كما هو معروف لدى أبناء شعبنا من المهتمين بالشأن القومي والسياسي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري أنه كان هناك بعض التنظيمات السياسية تعمل في السر قبل إنشاء المنطقة الآمنة في كوردستان العراق من قبل قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب تحرير الكويت من الأحتلال الصدامي عام 1991 مثل الحركة الديمقراطية الآشورية والحزب الوطني الآشوري وحزب بيث نهرين الديمقراطي ، وبعد إنشاء تلك المنطقة وتشكيل حكومة أقليم كوردستان شبه المستقلة عن حكومة صدام في وسط وجنوب العراق تحت مظلة وحماية التحالف الدولي تعمدت أحزاب الحركة الكوردية المتنفذة وبدعم وإسناد من التحالف الدولي الى إشراك أحزاب الأقليات القومية وغيرها من الأحزاب الوطنية العراقية في مؤسسات حكومة أقليم كوردستان وذلك محاولة من الأحزاب الكوردية إظهار مدى ديمقراطيتها وإيمانها بقبول الآخرين والتعايش معهم بسلام وأمان إرضاءً للتحالف الدولي الذي صنع لهم هذه الفرصة الذهبية في حق تقرير المصير ، وكان للحركة الديمقراطية الآشورية حصة الأسد في هذه المشاركة بالنسبة الى تمثيل شعبنا وشبه التهميش والأقصاء الكامل للآخرين من أحزاب شعبنا ، وتولى بموجبها السيد يوناذم كنا حقيبة وزارة الأشغال والأسكان  في حكومة الأقليم الشبه المستقلة عن الحكومة المركزية لمدة طويلة مع أربعة أعضاء في البرلمان الكوردستاني من دون معرفة الأسباب لماذا السيد يوناذم كنا وليس غيره .. !! ..
وبعد سقوط النظام في بغداد على يد التحالف الدولي بقيادة أمريكا وبريطانيا وإحتلال العراق في 9 / 4 / 2003 تغيرت المعادلات السياسية وإنقلبت رأساً على عقب في العراق وتوسعت مساحة دائرة الصراعات على المصالح والسلطة السياسية لأدارة شؤون البلاد بين الأحزاب السياسية من كل الطوائف المذهبية والقوميات وتوسعت معها بالنتيجة المساومات المحاصصية المقيتة فيما بينها والتي كانت نتيجتها حصول الأنفراد الكامل بكل شيء من قبل الأقوياء والتهميش والأقصاء الكامل للبعض الآخر من الضعفاء من القوى السياسية ، وهنا مرة أخرى كان الأنفراد بتمثيل شعبنا في مؤسسات الدولة المركزية للحركة الديمقراطية الآشورية ، حيث تم أختيار السيد يوناذم كنا من قبل بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي في العراق بعد إعلان الأحتلال الرسمي للعراق عضواً في مجلس الحكم بالضد من إرادة الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي وحسب ما أشار إليه بول بريمر في كتابه " عام قضيته في العراق " وتم منح منصب الوزير الوحيد لتمثيل شعبنا في أول حكومة بعد سقوط النظام السابق الى مرشح السيد يوناذم كنا المهندس بهنام البازي وليس مرشح الحركة الديمقراطية الآشورية لكون الأستاذ بهنام البازي لا تربطه علاقة بالحركة الديمقراطية الآشورية وفق الأصول التنظيمية لا من قريب ولا من بعيد والسيد كنا لوحده يعرف لماذا تم إختياره للبازي ، ولأن الجميع في قيادة الحركة يعرفون علاقات البازي السابقة مع النظام السابق ، وهكذا كان التمثيل في جميع مؤسسات الدولة العراقية الجديدة كلما تطلب الأمر ذلك يتم الترشيح لهذا التمثيل من قبل السيد يوناذم كنا شخصياً دون علم قيادة الحركة الديمقراطية الآشورية ، وكان الأمر كذلك في برلمان وحكومة أقليم كوردستان .. وبسبب إنفراد السيد يوناذم كنا في إختيار المرشحين لإشغال هذه المناصب بدأت الخلافات والمماحكات والصراعات تدب في صفوف الحركة وقيادتها من جهة وبين الحركة والأحزاب السيايبة الأخرى والكنائس لشعبنا من جهة ثانية ، مما زاد السيد كنا إمعاناً في تهميش وإقصاء وإبعاد الآخرين من مركز صناعة القرار في قيادة الحركة والأنفراد به لوحده ، هكذا تحولوا كل أعضاء القيادة من المهمشين والمقصيين والمبعدين الى  جبهة معارضة للسيد يوناذم كنا ، وعلى أثر ذلك إشتدت الخلافات الفكرية والصراعات في قيادة الحركة وأمتدت حتى الى بعض الحلقات الدنيا من القاعدة ، وعلى خلفية هذه الخلافات حدث تململ في صفوف الحركة وجرت محاولات عديدة لأقصاء السيد كنا من منصب السكرتير العام في المؤتمرات العامة إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب ضعف تنظيم صفوف المعارضين للسيد كنا وضعف إعلامهم في فضح سلبياته لأعضاء الحركة وكوادرها مما كان دائماً هذا الوضع يُمكن السيد كنا من تحشيد العدد الكافي من المؤيدين له ومن الأقارب في هذه المؤتمرات بطرق ملتوية ومخالفة لقواعد النظام الداخلي للحركة في الترشيحات لعضوية المؤتمر العام على حساب الأستحقاق التنظيمي .. هكذا تمكن السيد كنا من الأستمرار في منصب السكرتير العام لقيادة الحركة لهذه الفترة الطويلة .. وكان السيد كنا قد تخلى عن منصبه الوزاري في حكومة الأقليم قبل سقوط النظام في بغداد لصالح السيد يونان هوزايا وإستحواذه على منصب السكرتير العام للحركة بعد أن أزاح صهره السيد نينوس بثيو من هذا المنصب بأساليبه الملتوية ، والسيد نينوس وبقية أعضاء القيادة في حينه يعرفون كيف حصلت هذه التغييرات المسرحية المبرمجة بإتقان من قبل السيد يوناذم كنا لغاية في نفسه ألا وهي أن يوناذم كنا كان يتطلع الى ما هو أبعد وأهم من منصب وزير في حكومة أقليم وهو ما سوف يحصل عليه من منصب ومصالح في الحكومة المركزية في بغداد بعد سقوط النظام الذي لاحت في الأفق تباشير ومؤشرات سقوطه القريب بعد أن تم إقرار قانون تحرير العراق في الكونكريس الأمريكي ، وفعلاً تحقق حلمه وحصل على مبتغاه ، اي بقاءه في المركز الأول لقيادة الحركة من جهة والذي جعل منه جسراً للعبور الى المركز الأول لتمثيل شعبنا في البرلمان والحكومة الأتحادية من جهة ثانية ، أي بمعنى لقد جاءت الرياح كما تشتهي السُفن ..
أما في أقليم كوردستان بعد عام 2005 تغيرت الأمور كثيراً فيما يخص تمثيل شعبنا في حكومة الأقليم بعد بروز السيد سركيس آغاجان عضو الحزب الديمقراطي الكوردستاني ووزير المالية السابق في حكومة الأقليم والمقرب من عائلة السيد البرزاني ونزوله بقوة الى ساحة الصراع مدعوماً من حكومة الأقليم ، وبناءً على متطلبات الوضع السياسي المستجد في الأقليم وضرورة إحتواء الأقليات للأستفادة منها في عملية الأستفتاء على كسب عائدية المناطق المتنازع عليها بين حكومة الأقليم والحكومة الأتحادية في محافظة نينوى وغيرها ، ولأنجاز هذا المشروع لصالح الأقليم ظهرت الحاجة إلى وجود تكتل سياسي واسع يعمل على إستقطاب أبناء شعبنا لصالح هذا المشروع ، وبحكم ذلك ظهر الى الوجود تكتل باسم " المجلس الكلداني السرياني الآشوري الشعبي " وبدعم مالي كبير من حكومة الأقليم وبرعاية السيد سركيس آغاجان ، وبذلك شَرَع السيد آغاجان بحملته الواسعة بإعادة بناء وإعمار قرى وكنائس أبناء شعبنا المدمرة من قبل النظام السابق في كوردستان وإعادة سكانها إليها وتوفير لهم كافة الخدمات ، والحقيقة هنا يجب أن تقال بحق القائمين بهذه الأنجازات بالرغم مما رافقها من بعض النواقص والسلبيات في إستكمال كافة مستلزمات الحياة ، إلا أن إعمار وبناء القرى وإعادة ولو جزء من سكانها إليها قد ساهم في تثبيت هؤلاء في أرض الوطن بدلآ من أن تهاجر الى بلدان المهجر ، الحقيقة كان ذلك إنجازاً قومياً لصالح حماية وجودنا القومي وإستمراره في أرض الأباء والأجداد ، وفي الجانب الآخر من الصورة كان السيد كنا ومؤيديه وليس كل أعضاء الحركة الديمقراطية الآشورية يحرضون أنصارهم على عدم التعاون والتجاوب مع القائمين على هذا المشروع بغرض إفشاله لكي لا يسجل ذلك إنجازاً لسركيس آغاجان والمجلس الشعبي وبالمقابل لكي لا يعتبرً فشلاً وعجزاً للسيد كنا ومؤيديه الذي عجز من أن يقدم أي شيء ملموس على أرض الواقع غير الكلام الفارغ والوعود الخاوية .. كل ذلك جرى لغرض إستقطاب أصوات أبناء شعبنا لصالح المجلس الشعبي لسحب البساط من تحت أقدام الحركة الديمقراطية الآشورية التي يقودها السيد يوناذم كنا بمزاجه الشخصي منفردا بقراراتها .. وفي ضوء هذا الواقع ظهرت الى الوجود في الساحة القومية أحزاب سياسية جديدة سريانية وكلدانية ذات صبغة مذهبية تدعو الى رفض قبول الآشورية الى درجة التنظير لنفي وجودها التاريخي الديموغرافي في العراق مدفوعة بدوافع مذهبية لاهوتية عند بعض الكتاب المنظرين لهذه الأفكار من الأخوة الكلدان ، وهذا شيء يؤسف له لأنه لا يخدم القضية القومية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري الموحد ويلحق بها ضرراً بالغاً ، وبالنتيجة أصبح التمثيل الرسمي لشعبنا في حكومة الأقليم وبرلمانها من حصة المجلس الشعبي وبعضاً من تلك الأحزاب وإنحسر نفوذ الحركة الديمقراطية الآشورية وتدنى مستوى تمثيلها في مؤسسات حكومة الأقليم ، وقد تبنت الحركة الكوردية في الأقليم هذه السياسة ، سياسة عزل يوناذم كنا وبالتالي عزل الحركة الديمقراطية الآشورية بسبب سياسات السيد يوناذم كنا الأنتهازية والأنتقائية المتذبذبة في تحالفاته للتعاون مع أحزاب الحركة الكوردية وغيرهم من الأحزاب الطائفية في الوسط والجنوب حسب ما تقتضيه مصالحه وطموحاته الشخصية وليس حسب ما تقتضيه مصالح شعبنا القومية .. وهنا أريد أن أوضح للقارئ الكريم لكي لا يقع في إشكال من امره ويحسب هذا الأسلوب في المناورة بين هذا وذاك نقطة إيجابية ظلماً لصالح السيد كنا ، إن السيد كنا لم يتبنى هذه السياسة ، سياسة التذبذب وعدم الأستقرار في الرؤى في أختيار الحلفاء من أجل مصلحة شعبنا كما قد تتوقعون وكما يدعي هو وإنما أختار تلك السياسة من أجل الأصطفاف في الفرز النهائي للقوى السياسية الى جانب الأقوى الذي يضمن لشخصه البقاءه في أعلى موقع للتمثيل الرسمي لشعبنا في الدولة العراقية ، أي بمعنى يزرع شعير ويحصد حنطة .. !!
وخلال الفترة الممتدة من 9 /4 / 2003 ولغاية وقوع مجزرة كنيسة سيدة النجاة في 31 / 10 / 2010 ، أود أن أوضح للقارئ الكريم بأنه كل الدعوات التي وجهت من أطراف عديدة من أحزاب وتنظيمات شعبنا الى الحركة الديمقراطية الآشورية لغرض الجلوس على المائدة المستديرة للحوار والنقاش الأخوي من أجل توحيد الرؤى وتقريب وجهات النظر المتخالفة حول ما يجري على الساحة السياسية العراقية ، وبالتالي توحيد الخطاب السياسي لقوى شعبنا عند الذهاب للتفاوض والحوار مع الآخرين في الحركة الوطنية العراقية فيما يخص قضايا شعبنا القومية والوطنية كانت تقابل هذه الدعوات بالرفض القاطع من قبل الحركة الديمقراطية الآشورية بشخص سكرتيرها العام يوناذم كنا أو من خلال من يكلف بذلك من الزمارين والطبالين المحيطين به من المؤيدين لنهجه الأنفرادي ، للنأي بنفسه عن تحمل ما يترتب على ذلك من مسؤولية تاريخية مستقبلاً من جهة ، والتظاهر لشعبنا بأن رفض الحركة للحوار مع الآخرين من قوى شعبنا كان قراراً جماعياً  للحركة وليس قراراً فردياً ليوناذم كنا لوحده من جهة ثانية ..
وكان السيد يوناذم كنا دائماً كعادته يتهم الأحزاب والتنظيمات السياسية الآخرى بأنها أحزاب صنيعة وعميلة وتابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني وإن قرارها ليس قراراً مستقلاً وعلى رأسها المجلس الكلداني السرياني الآشوري الشعبي ، وكان يشترط في مقابل التعاون والجلوس والدخول في حوار سياسي ونقاش مع هذه الأحزاب والتنظيمات حول توحيد الخطاب السياسي ان تستقل في قرارها السياسي من هيمنة وسيطرة الآخرين عليها ، وظهر لاحقاً عندما أشتد الخناق على السيد يوناذم كنا بسبب تعاظم مشاكل الحركة الداخلية بسبب سلوكه الأنفرادي أن هذه اللغة وهذه الشروط  للحوار كانت مجرد كلمة حق يراد بها باطل وكان كلاماً إعلامياً فارغاً ..
وبحكم إستمرار تفاقم وتردي الوضع الأمني في العراق عموماً ومناطق سكن أبناء شعبنا في المناطق ذات الأغلبية العربية من العراق خصوصاً ، وإستهداف أبناء شعبنا في تلك المناطق من قبل التنظيمات الأسلامية المتشددة وتعاظم موجات الهجرة الى كوردستان ومهاجر الخارج لأبناء شعبنا، وضعف وهزالة مواقف الحركة الديمقراطية الآشورية تجاه الأوضاع المستجدة ضعفت الحركة وإستنزفت قواها الجماهيرية الفاعلة في مجتمعنا وتدنت جماهيريتها كثيراً في ساحة العمل القومي ، شعر السيد كنا عندها بأنه أصبح محاصراً ومعزولاًً وضعيفاً لأن جماهير شعبنا إبتعدت عنه ، وفي هذه الأثناء وقعت الكارثة وحدثت مجزرة كنيسة سيدة النجاة لتكون بمثابة القش التي قصمت ظهر البعير كما يقال ، حيث ظهر السيد كنا في وسائل الأعلام وعلى شاشات الفضائيات لمواجهة هذه المجزرة بتصريحات فضفاضة وغير موزونه ومتناقضة مع جوهر المجزرة واصفاً إياها بأنها لا تختلف عن ما يحصل للأخرين من مكونات الشعب العراقي وهذه التصريحات أثارة مشاعر الكثيرين من أبناء شعبنا مما زاد في الطين بلة ، وتوسعت أزمة الثقة بين جماهير شعبنا والسيد كنا أكثر مما كانت عليه في السابق وهذا زاد من شعوره بالعزلة والأفلاس السياسي على مستوى الحركة وعلى مستوى جماهير شعبنا أكثر .. كل هذه الأحداث تراكمت وشكلت جبل من الهموم على صدر السيد كنا يصعب عليه تجاوزها ، والأنتخابات البرلمانية قادمة في 2014 ، والمحافظة على منصبه كعضو برلمان مستقبلاً مطلوب ، كل هذه الأهداف لا يمكن له تحقيقها في ظل هذه الظروف من دون أن يتمسك بحبل للنجاة لينقذه من الغرق المحتم ، لأن شعبنا قد فقد ثقته به ومن معه من حركته وأدار له ظهره .. لذلك وجد السيد كنا حبل نجاته في القبول مرغماً وصاغراً وبتواضع وخذلان باللقاء والحوار والعمل مع التنظيمات السياسية الأخرى لشعبنا والتي كانت بالأمس عميلة للآخرين من خارج البيت القومي وغير مستقلة في قرارها السياسي  ، لأن في فلسفة السيد كنا كل شيء يهون في سبيل المنصب والشهرة والمصلحة ، وهذه الفلسفة قريبة جداً من فلسفة من قالوا إنحني أمام العواصف العاتية والذين تربى السيد كنا على فلسفتهم لأنه كان دائماً قريباً منهم أكثر من قربه لأرواح الشهداء من مؤسسي الحركة ، وهنا مرة أخرى عاد السيد كنا الى ميكافيليته المعهودة " الغاية تبرر الوسيلة " ، وهكذا تمخض الجبل فولد فأرة ألا وهو " تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية " الذي جاء الى الدنيا بولادة قيصرية ، فأقسم السيد كنا للآخرين في الأجتماع التأسيسي التوحيدي التاريخي للتجمع بأغلض الأيمان أمام الجميع بأن يلتزم بكل ما تم الأتفاق والتوقيع عليه ، وعسى أن يتوب الثعلب ويتخلى عن غريزتِه من أكل الدجاج في هذه المرة .. وبعد هذا الأجتماع وقبل أن يجف حبر قلمه في توقيعه على المحضر التوحيدي استمر السيد كنا كعادته في ممارساته للأستحواذ على كل شيء وتحريم الآخرين من شركاء الأمس في التجمع من كل شيء  !! ، وما حصل من التراشقات الكلامية وتبادل التهم مؤخراً بين ممثلي زوعة السيد كنا والمجلس الشعبي في البرلمان ، والتي نشرتها المواقع الألكترونية ما هي إلا غيث من فيض الذي حتماً سيحدث في المستقبل القريب لأن السيد كنا لا يستطيع كما يبدو أن يتوب ويتجاوز غرائزه الأستحواذية ..
وهنا أريد أن أوضح الى ممثلي التنظيمات السياسية المشاركة في هذا التجمع إن هدف السيد يوناذم كنا من وراء القبول بالأنضمام الى هذا التجمع ليس حميداً وليس نابعاً من قناعته بأن يكون هذا التجمع وسيلة لخدمة مصالح شعبنا ، وإنما هدفه هوأن يستثمر هذا التجمع في المحافظة على مكاسبه الشخصية في مقعد بغداد للكوتة المسيحية في البرلمان القادم بعد إنتخابات 2014 ، حيث سيسعى لأن يكون هذا المقعد حسب نظام المحاصصة الذي سيعتمد في توزيع مقاعد الكوته بينكم قبل الأنتخابات حصراً من حصة الحركة الديمقراطية الآشورية ، وبالتالي يصبح المقعد محسوماً لشخصه داخل الحركة ، هذا هو هدف السيد يوناذم كنا الحقيقي من وراء قبول الأنضمام الى التجمع وليس أي شيء آخر ، فالذي يعرف السيد يوناذم كنا لا يجد أي سبب آخر لقبوله بالمشاركة في هذا التجمع غير البقاء والأستمرار في موقعه رغماً عن أنف قيادة الحركة الديمقراطية الآشورية ورغماً عن أنف الذي يقبل أو لا يقبل من أبناء شعبنا .. ولذلك أدعو ممثلي التنظيمات السياسية المنضوية تحت يافطة هذا التجمع الأنتباه الى هذه النقطة والتعامل مع السيد كنا على هذا الأساس بالعمل على حرمانه من تحقيق هدفه هذا خدمة لمصلحة أمتنا ، كما أدعو أبناء شعبنا أينما كانوا في الوطن أوفي المهجر بعدم التصويت للسيد يوناذم كنا شخصياً في حالة ترشحه لعضوية البرلمان في الأنتخابات القادمة في عام 2014 والترشيح لصالح المنافسين له من المستقلين ..
ملاحظات عابرة
1 : هناك من روج من مؤيدي السيد كنا وقد يكون ذلك بتحريض وتوجيه منه شخصياً بأنني قلت لا يشرفني أن أكون عضواً في الحركة الديمقراطية الآشورية .. أنا لم أقل هذا الكلام إطلاقاً بل أنا قلت ( أنا لا يشرفني أن ابقى عضواً في صفوف حركتكم التي يقودها كذاب محترف ) هذا ما قلته نصاً في الجزء الثاني من مقالتي للعلم وها أنا أؤكده بأعلى صوتي ليسمع من لم يسمع ويفهم كيفما يشاء وهو حر في إجتهاده .. والترويج لمثل هكذا إدعاء الذي مصدره السيد كنا هو إثبات آخر على كونه كذاب محترف فعلاً ..
2 : إن موقفي من خلال كتابة هذه المقالات لم يكن رد فعل لعدم ترشيحي لمنصب الوزير كما يدعي السيد كنا ويروج له بل هو رد فعل لكذب وغدر يونادم كنا لي لأنني في حياتي لم أبحث عن مناصب ولو كنت كذلك لحصلت على المنصب بنفس الأساليب المذلة والمهينة التي حصل بها يوناذم كنا على المناصب التي تولاها في حياته ، وأتحدى السيد كنا أن يثبت إن كنت في يوم ما قد طلبت منه ذلك ، هذه المواقف كانت متبلورة عندي منذ زمن بعيد ولكن حرصاً مني على سمعة ومصير الحركة نأيت بنفسي عن الأباحة بها عبر وسائل الأعلام الشعبية ، ولكن بعد معرفتي بما جرى من مؤامره خبيثة دنيئة بخصوص توزير إبن شقيقته سركون وبمشاركة بعض أعضاء اللجنة المركزية لا أريد ذكر اسمائهم هنا وتهديدهم لكنا بالأنسحاب من اللجنة المركزية في حالة عدم توزير سركون تعويضاً له عن إنسحابه عن الترشيح لمقعد كركوك البرلماني لصالح عماد يوخنا حسب رغبة كنا ليتجاوز بذلك الأنتقادات من الآخرين ، وهذا ما أعترف به لي السيد كنا في المكالمة الهاتفية التي أجريتها معه بعد توزير إبن شقيقته ، وعندها قررت أن أكتب ما كتبته عن السيد كنا ، أنا لا أستجدي المناصب ولا أقبل الذل ولا أمارس الغدر والخديعة من أجلها كما فعل السيد كنا وإبن شقيقته سركون ..

المهندس : خوشابا سولاقا



 



227
رسالة توضيحية الى أعضاء وأنصار وأصدقاء وجماهير الحركة الديمقراطية الآشورية
المهندس : خوشابا سولاقا
( بعد أن نشرتُ مقالتي الموسومة الحركة الديمقراطية الآشورية الى أين .. ؟ بأجزائها الثلاثة والتي كان موضوعها قد تطرق على أمور كثيرة لها مساس بالبعض من أعضاء وأصدقاء الحركة من قريب أو من بعيد من جهة ، وللألتباس الذي من الممكن قد حصل لدى البعض الآخر في بعض الموضوعات المطروحة في المقالة من جهة ثانية وجدتُ من الضروري كتابة هذه المقالة لألقاء مزيداً من الضوء على أهم الجوانب التي تم التطرق إليها في مقالتي المنوه عنها أعلاه ، ولكي أستغل الفرصة بالمناسبة لأن أقدم أعتذاري لمن قد أخطأت بحقه ولكن إن كان ذلك قد حصل فإنه لم يكن من باب الطعن والإساءة المقصودتين ) ..
ربما قائل منكم يقول لماذا لا يتم توجيه مثل هذه الانتقادات من خلال القنوات التنظيمية بدلاً من تناولها عبر وسائل الأعلام الالكترونية لكونها أسرار داخلية تخص عمل التنظيم وهو شأن داخلي ، أقول لهؤلاء إن التنظيمات السياسية عادة يكون لها عدد قليل من الأعضاء العاملين والمنخرطين في صفوفها مقارنة بالأعدادٍ الكبيرة من الأنصار والأصدقاء والجماهير الشعبية من أصحاب القضية الذين يعملون من خلف الأسوار الحديدية التي تصنعها التنظيمات السياسية الشمولية ، هؤلاء يعملون ولا يعرفون ماذا يجري بداخلها ، الجماهير التي لا تربطها صلة محددة مع التنظيم ليعطيها الحق والتفويض لأن تطلع على ما يجري داخل التنظيم إلا على ما ينشر في وسائل الأعلام التي يمتلكها التنظيم من صحف ونشرات إعلامية والتي عادة تركز على ما تعتقده القيادة صائباً وصالحاً ومن الإيجابيات ، وتبقى بذلك كل السلبيات والسلوكيات المنحرفة عن الخط العام للتنظيم مجهولة لهؤلاء وحتى لأكثر الأعضاء العاملين في التنظيمات الدنيا، وهكذا يبقى هؤلاء شبه مخدرين ومضللين لا يعرفون حقيقة الأمور كما هي ، أي بمعنى هؤلاء يطلعون على أمور محدودة مثل بعض مقرارات الأجتماعات التي يسمح النظام الداخلي بنشرها وتعميمها على المستويات الدنيا من الحلقات التنظيمية ، وبحكم هذا الواقع والقيود المفروضة على حرية الرأي وحجب المعلومات وإحتكارها من قبل القيادات المتنفذة والمقربة الى رأس الهرم التنظيمي ، وعمليات غسل الأدمغة من خلال الترغيب والترهيب والتهديد الذي تمارسه قيادات الأحزاب الشمولية على كوادرها من التشكيلات الأدنى يضطر المنخرطين في العمل التنظيمي الى القبول بالخضوع المطلق للأرادة الغاشمة لقيادة الديكتاتور الفرد المتمثل بالسكرتير العام للتنظيم والسائرين في فلكه من الضعفاء من أعضاء القيادة ، وبالتالي تكون لهذه الظاهرة أثار سلبية مدمرة كارثية في ظل غياب الثقافة السياسية الديمقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر ، وغياب الوعي السياسي الرصين ، وغياب أبسط اشكال الممارسات الديمقراطية لدى القيادة الديكتاتورية للتنظيم في تعاملها مع الكوادر العاملة في الحلقات الأدنى من التنظيم ، وبذلك تنعدم الثقة القائمة على الأيمان بالمبادئ والأحترام المتبادل في العلاقات بين الأعلى والأدنى في التنظيم السياسي كما هو واقع الحال في جميع التنظيمات التي تتبنى الفكر الشمولي للقائد الفرد ومنها الحركة الديمقراطية الآشورية بشخص سكرتيرها العام .. في مثل هكذا تنظيمات تصبح العلاقة الجدلية بين القيادة والكوادر العاملة كعلاقة الضحية بالجلاد عند حصول اي خلاف بينهما لأي سبب كان حيث تتحول عادة الضحية – الكوادر في الحلقات الدنيا - بمعايير القيادة الديكتاتورية الى جلاد ، ويتحول الجلاد – القيادات المتنفذة – الى ضحية ، هكذا هي طبيعة الأحزاب والأنظمة الشمولية الديكتاتورية المستبدة مهما تعددت وتنوعت ألوانها وأشكالها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار ، والتي تسود فيها فلسفة تقديس وعبادة الفرد الرمز الديكتاتور كما كان الحال في الأحزاب الشيوعية والأنظمة الشيوعية في دول المعسكر الاشتراكي السابق والصين وكوبا ، وكما كان الحال مع الأحزاب والأنظمة القومية الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا وإسبانيا والبرتغال في أوربا ونظيراتها من البلدان العربية والاسلامية مثل العراق ومصر واليمن وسوريا وليبيا وتونس والجزائر وغيرها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، ولذلك حصلت في هذه البلدان ثورات شعبية عارمة عندما نضجت الظروف الذاتية والموضوعية في هذه البلدان وأطاحت بهذه الأحزاب والأنظمة  بإحدى الطريقتين :
أولا : الطريق السلمي دون استعمال العنف الجسدي والسلاح كما حصل في دول المعسكر الاشتراكي حيث أنجزت التغييرات في بنى المجتمعات لهذه البلدان بسلاسة دون إراقة الدماء في المرحلة الانتقالية من الديكتاتورية الى الديمقراطية من خلال ظهور التعددية الحزبية والفكرية الى علنية النقد المباشر عبر مختلف وسائل الأعلام الشعبية المتاحة للزعامات الحزبية والسياسية في الأحزاب والدولة دون قيود وسقوط قدسية النظريات الفكرية الأزلية المحصنة الى درجة إعادة النظر في العقائد الحزبية وتجاوز فلسفة تقديس وعبادة الفرد بوسائل التغيير الثوري السلمي المباشر أدت بالتالي الى إنهيار تلك الأحزاب وأنظمتها الدكتاتورية الشمولية بثورة من القِمة الى القاعدة دون إراقة دماء الجماهير الشعبية هدراً .. 
ثانياً : طريق العنف الثوري المسلح وغير الواعي كالذي أعتمد في إسقاط الدكتاتوريات العربية التي أستخدم فيها كل أنواع السلاح وسالت فيها دماء غزيرة ولا زالت تسيل لأن الدكتاتوريين غارقين في نشوة السلطة لحد الثمالة لا يريدون الاستسلام لإرادة شعوبهم وتسليم السلطة لجماهير الشعب ، وإنما قاتلوا شعوبهم بشراسة وأعلنوا الحرب عليها وبكل الوسائل وتشبثوا بالبقاء في كراسي السلطة والتمسك بها إلى الرمق الأخير ودفعوا الثمن في نهاية المطاف غالياً جداً كما حصل من معمر القذافي ونظامه في ليبيا ويحصل من بشار الأسد ونظامه في سوريا اليوم والثورة هنا حصلت من القاعدة الى القِمة .
كل هذه المقدمة أريد من خلالها أن أقول لكل من يهمه أمر الحركة وتعنيه مصلحتها ، أن حجم التجاوزات والخروقات والانفراد بصنع القرار في الحركة وتهميش وإقصاء الآخرين من الكوادر القيادية من قبل السكرتير العام بشكل مفرط قد تجاوزت تلك الحدود التي يمكن عندها التصدي ووضع حد لهذه السلوكية الدكتاتورية الاستحواذية للسكرتير العام من خلال القنوات التنظيمية التقليدية التي عادةً تعتمد في تنظيمات الأحزاب الشمولية ، ولهذا السبب  لابد لنا من العودة الى الجماهير التي صنعت هذا الديكتاتور في غفوة عنها لغرض إطلاعها على حقيقة أفعاله داخل الحركة وخارجها بكشفه وتعريته على حقيقته أمامها من خلال الاستفادة من وسائل الأعلام الشعبية التي أصبحت اليوم في متناول اليد لأوسع القطاعات من أبناء شعبنا لغرض فتح أذهان الجماهير المخدوعة والمضللة على ما يقوم به هذا الشخص الذي اغتصب الحركة الديمقراطية الآشورية وتسخيرها لخدمة أغراضه الشخصية وبعض المقربين منه من الانتهازيين والنفعيين والأقارب .. هذا فيما يخص لماذا اللجوء إلى استخدام وسائل الأعلام الشعبية في التصدي لخروقات وتجاوزات وانفراد السيد السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية كأفضل وسيلة لعزله جماهيرياًً داخل وخارج الحركة تمهيداً لإقصائه من منصب السكرتير العام للحركة ومن ثم محاسبته عن كل تجاوزاته التي ألحقت ضرراً بالغاً بسمعة ومصالح الحركة ومصداقيتها ووحدتها الفكرية والتنظيمية وقضى على كل الجهود الخيرة المبذولة من قبل الخيرين من الشخصيات والوجهاء من أبناء شعبنا من أجل إنجاز الوحدة القومية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري .. أما فيما يخص ما يدعي به السيد يوناذم كنا بأن ما يوجه إليه من نقد هو شكل من أشكال القذف بشخصه مستغلاً حصانته البرلمانية فالأمر ليس كذلك إطلاقاً لأنه هناك فرق شاسع بين ما هو قذف وما هو نقد ، وأن القانون والدستور لا يمنعان أحداً من توجيه النقد لأي مسئول كان مهما علا شأنه ، هذا فيما إذا كان النقد أصلاً موجه إليه بصفته عضو برلمان وليس بصفته سكرتير عام لتنظيم سياسي كما هو واقع حال موضوعنا هذا ، وبناءً على ذلك أقول للسيد كنا ولغيره الآتي :
أولاً : أنا لا انتقد السيد كنا بصفته عضو مجلس النواب لكي يحق له أن يستغل حصانته البرلمانية لتوجيه وتوزيع تهديداته ، بل أنا أنتقده بصفته الحزبية كسكرتير عام للحركة الديمقراطية الآشورية ، وأنا بصفتي عضو في الحركة وقيادي سابق فيها من حقي الطبيعي والمشروع أن أنتقد كل ما أراه من سلوك ظالم ومنحرف عن مبادئ الحركة ومخالف لقواعدها التنظيمية يضر بمصلحتها وسمعتها ومصداقيتها يصدر من أي عنوان في قيادة الحركة إن كان ذلك العنوان سكرتيرها العام أو غيره ..
ثانياً : لم استعمل كلمات نابيه بحق السيد كنا تمس شخصه وسلوكه الشخصي وعلاقاته الأجتماعية وخصوصياته ولم أمس عائلته بكلمة سوء ولن أفعل ذلك إطلاقاً لأنني أعرف كيف أحترم خصوصيات الآخرين ولست مثل السيد كنا الذي لم يَسلم من لسانه أحداً من أعضاء القيادات السابقين والحاليين الذين يرى فيهم خصوماً محتملين في ذمهم وإتهامهم بشتى التهم التي تمس خصوصياتهم وكان ذلك يجري أمامي في مكتبه عندما كنت على وفاق معه .
لقد وجهت نقداً مهذباً وبصراحة متناهية لسلوك السيد كنا المضر بمصالح وسمعة ومصداقية الحركة الديمقراطية الآشورية ووحدة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري ، وتحدثت عن علاقات السيد يوناذم كنا بجهاز المخابرات العامة للنظام السابق وتلك حقيقة وقيل عنها الكثير من قبل الكثيرين في وسائل الأعلام ، وهناك وثيقة تدينه وتؤكد ارتباطه هو وصهره بجهاز المخابرات العامة للنظام السابق وهو يعرف ذلك جيداً ولديه نسختان من تلك الوثيقة التي تدينهما وبأسمائهم الثلاثية الصريحة ، وكذلك وصفته بالكذاب فهو كذاب فعلاً وجميع من عملوا معه من القياديين في الحركة يعرفون ذلك عن مواقف وتجارب معه كما عرفته أنا عن تجربة ، ويعرفه الآخرين في التنظيمات القومية لشعبنا والتنظيمات الوطنية العراقية وحتى أهانه رئيس أحد الأحزاب المرموقة والذي يشغل الآن منصباً مسئولاً رفيعاً في الدولة وبحضور أحد أعضاء اللجنة المركزية للحركة في إحدى اللقاءات قائلاً له حرفياً " يوناذم أنت كذاب " .. بالمناسبة أريد أن أقول للذين يدعمون حالياً السيد يوناذم كنا في نهجه وسلوكه لإقصاء وفصل القياديين الذين تجرأوا ووقفوا بوجهه ، تذكروا قول الرئيس الليبي معمر القذافي لزعماء العرب بعد إعدام صدام حسين حين قال لهم " سيأتي الدور لكل واحد منكم ....الخ " تذكروأ المشهد بالصورة والصوت وكيف ظهر الرئيس السوري بشار الأسد يضحك باستهزاء من قول القذافي ولكن أخيراً صدق القذافي في قوله وبشار الأسد ينتظر اليوم مصيره المحتوم إلى مزبلة التاريخ بعد أن سبقوه الآخرين من الجالسين معه في ذلك الاجتماع إلى ذلك المصير .. وقد حصل ما حصل لكل قيادات الحركة الذين واكبوا السيد كنا منذ تأسيس الحركة في سنة 1979 الى اليوم أين صاروا تلك القيادات .. ؟؟ وماذا حل بها .. ؟ ولماذا .. ؟ هل لأن الجميع كانوا خونه أم كانوا فاسدين .. ؟ وإن السيد كنا كان وحده معصوماً من الزلل والخلل وموعوداً بنعيم وبركات السلطة .. ؟؟ أسئلة تحتاج منكم الجواب .. !! ، ألا تتوقعون بأن الدور سيصل إليكم في يوم ما .. ؟ لا تستغربون من هذا السؤال لأن هكذا هي طبيعة الديكتاتوريين مهما كان حجمهم صغيراً كحجم السيد كنا أو كبيراً كحجم السيد هتلر وستالين وصدام .. !! وغيرهم كثيرين ، حيث ينزعون الى البطش بأقرب المقربين إليهم عندما يختلفون معهم في أمر من الأمور ليُلّقنون الآخرين درساً في الطاعة العمياء والخضوع المهين والمذل لإرادة الديكتاتور .. !! أقول للسيد كنا إن كان سياسياً فعلاً وشجاعاً وله مبادئ يحترمها كان عليه أن يستقيل من منصبه كسكرتير عام للحركة عندما قدمت السيدة كاليتا شابا طلباً طلبت فيه أما استقالة السكرتير العام للحركة أو قبول تعليق عضويتها في اللجنة المركزية ، حقيقة كان طلباً شجاعاً وتحدياً لديكتاتورية واستبدادية السيد كنا ، ولكن اللجنة المركزية مع الأسف الشديد لم تكن بالمستوى المطلوب من المهنية والشجاعة المبدئية لأن تختار أحد الخيارين لأن ذلك يتعارض مع إرادة السيد كنا في الانتقام من خصومه ، فاختاروا تجميد عضويتها لأن التجميد يفقدها كل حقوقها السياسية في الحركة ويحرمها من المشاركة في اجتماعات وكونفرنسات ومؤتمرات الحركة ، وقد فعلوا ذلك من قبل مع الدكتور هرمز زيا بوبو والسيد جورج إسحق هسدو لأنهما انتقدا السيد كنا، قرة عين الديمقراطية الكناوية في الحركة الديمقراطية الآشورية يا قادة وأعضاء وأصدقاء وأنصار وجماهير الحركة ، في الحقيقة إنها ديمقراطية من طراز خاص ، والتي من خلالها بدأت الحركة تأكل أبنائها واحداً تلو الآخر .. !! السيد كنا كعادته المعهودة يهدد كل من يمتلك الشجاعة ويوجه إليه نقداً حتى وإن كان نقداً مهذباً وغير نابياً ويتهمه بالقذف لشخصه متبجحاً بحصانته البرلمانية ، إنه لمن المعيب جداً أن لا يميز السيد كنا بين شخصه كعضو في البرلمان وشخصه كسكرتير عام للحركة الديمقراطية الآشورية الغير مغطي بتلك الحصانة ، نحن الذين نعارضك يا سيد كنا ونختلف معك ننتقدك فيما يخص عملك في الحركة كتنظيم سياسي وليس فيما يخص عملك في البرلمان كبرلماني محترف .. لذلك أنصحكَ أن تكون شجاعاً وقابل النقد بالنقد من دون اللجوء إلى أساليب الضعفاء بالإستقواء بالآخرين ، لديك ورق وقلم ووسائل الأعلام دافع عن نفسك بطريقة ديمقراطية شريفة وشفافة إن كنت واثقاً من نفسك بأنك مظلوم وبريء من كل ما توصف به وما تلصق بك من تهم من قبلي أو من قبل الآخرين من خصومك السياسيين ليطلع جماهير حركتنا وشعبنا على ذلك الحوار الديمقراطي ومن ثم تصدر حكمها العادل بحق الظالم والمظلوم والذي لا يعلوه حكماً أكثر عدلاً وإنصافاً ، هكذا يجب أن تكون الرجال الشجعان لا أن تستقوي بالآخرين ، ثق وأقولها لك بصدق وإخلاص إن أسلوب تهميش الآخرين من الكوادر القيادية يحولهم الى مجرد أحجار على رقعة الشطرنج يتحركون وفق إرادتك والى حيث تشاء أنت وليس الى حيث أن ينبغي وهذا الأسلوب يبني تنظيماً ضعيفاً وكسيحاً ومشلولاً للحركة ، وإقصاء وفصل وتجميد عضوية الخصوم يخلق لك وللحركة التي تقودها أعداء أشداء يسعون إلى الانتقام منك ومن المتعاونين معك من القيادات الضعيفة والكسيحة والمتملقة الذين تحيط نفسك بهم ، وكذلك يؤدي هذا الأسلوب إلى ابتعاد الجماهير من أبناء شعبنا عن الحركة والعزوف عن الانتماء إليها والانخراط في نشاطها السياسي والمهني ، واعتماد أسلوب الكذب والتضليل والضحك على الذقون يفقد الحركة مصداقيتها مع الجماهير الشعبية التي تستمد منها قوتها وحيويتها وديمومتها واستمرارها ، وبالتالي تصبح الحركة في واد والجماهير في وادٍ آخر ... هذه نصيحة من شخص كان صديقاً مخلصاً في يوم ما ولكنك خسرته في ليلة ظلماء بسبب أنانيتك ، عسى أن تنفع النصيحة معك وتقدم إستقالتك من منصب السكرتير العام للحركة مفسحاً بذلك المجال للآخرين ليُعيدوا الى الحركة رونقها وشبابها وتأخذ قسطاً من الراحة فيما تبقى لك من العمر المديد مكتفياً ومتمتعاً بما في يدك الآن خير لك من أن تخسر كل شيء ..


المهندس خوشابا سولاقا
13 / 11 / 2012


228

الحركة الديمقراطية الآشورية الى أين .... ؟
الجزء الثالث

المهندس : خوشابا سولاقا
لقد إستعرضنا تفاصيل الجزئين الأول والثاني ونستعرض للقراء الكرام تفاصيل الجزء الثالث والآخير :
أما واقع الحركة الديمقراطية الآشورية في بلدان المهجر حيث يتواجد أبناء شعبنا فليس بأحسن حال مما هو عليه في داخل الوطن لأن الجزء يجب أن يتماثل مع الكل وليس العكس حيث أن السلبيات التي إنعكست على نشاطات وفعاليات تنظيمات الحركة في الداخل التي تم ذكرها بسبب سلوك السكرتير العام وأعوانه إنعكست بقوة أكثر دمارا وخرابا على فعاليات ونشاطات تنظيمات الخارج ، سواء على مستوى العلاقة بين قيادة الحركة في الداخل وقيادات تنظيمات الفروع في بلدان المهجر التي تتغير بأستمرار بقرارات وتوجيهات فردية من قبل السكرتير العام وليس عبر السياقات التنظيميه كما ينبغي أن تكون ، أو على مستوى العلاقات مع مؤسسات أبناء شعبنا من تنظيمات سياسيه ومؤسسات مجتمع مدني أو مؤسسة الكنيسة ، سنجد هذه العلاقه على أسوء صورها بسبب أسلوب التآمر والتدخل من قبل بعض قيادات فروع الخارج بتوجيه من السكرتير العام لفرض سيطرتها وهيمنتها على نشاطات ومقدرات هذه المؤسسات وتسخيرها لصالحهم الشخصي تحت ستار الحركة ، هذه الممارسات جلبت الكثير من الأعداء للحركة وأبعدت في نفس الوقت الكثير من العناصر المخلصة والكفوءة عن الحركة ، وهنا أسوق بعض الأمثلة كنماذج حية للافعال المشينة لبعض قيادات الحركة من فرع أمريكا وكندا لأنني عايشت بعض الأحداث هناك على أرض الواقع وأطلعت عن كثب على البعض الأخر منها بكامل تفاصيلها من خلال لقاءآتي ونقاشاتي المباشره مع المعنيين بالأمر بحكم زياراتي للولايات المتحدة في الأعوام 2004 و2007 و2010 و2012 ، فالنموذج الأول هو ألأتحاد القومي الآشوري في إلينوي الذي يرأسه السيد شيبا مندو وقد سعت الحركة بقيادة الآنسه أكنس مرزا أمينة الصندوق المالي للحركة في أميريكا وكندا سابقاً وبتوجيه مباشر من السكرتير العام لأقصاء السيد شيبا مندو من رئاسة الأتحاد عن طريق الأنتخابات وذلك بتحشيد الأصوات ضده والمجيء بأخر من مجموعة الآنسه أكنس المسماة ( أصدقاء زوعا ) وبسبب هذا التصرف المشين أتخذ السيد شيبا مندو موقفا من الحركة وقطع الدعم عنها  علما أن الأتحاد القومي الآشوري في إلينوي كان من أكبر المساندين والداعمين ماليا للحركة والجمعية الخيرية الآشورية التابعة للحركة والتي كان يتصرف بمواردها المالية السكرتير العام الحالي للحركة وبعض المقربين منه منذ مدة طويلة وعند متابعتي للمشكلة تم تزويدي بنسخة من مستندات الصرف صادرة من المجلس القومي الآشوري في إلينوي لصالح كل  من الحركة الديمقراطية الآشورية والجمعية الخيرية الآشورية تتضمن هذه المستندات أرقام الصكوك وتواريخها ومبالغها والجهة المسلمة لها هذه المبالغ وكان المبلغ الكلي بحدود ( 1380000 ) فقط مليون وثلاثمائة وثمانون الفاً دولار أمريكي سدد خلال أعوام ( 2005 و2006 ) على ما أتذكر إن لم تخني الذاكره وقد  سُلمت نسخه من هذه المستندات الى كل من السكرتير العام للحركة والمرحوم إيشايا يونان عضو المكتب المالي للحركة في  عام 2007 ، وبأمكان من يريد التأكد من هذا الموضوع الأتصال بكل من السيد شيبا مندو رئيس المجلس  القومي الآشوري في إلينوي والسيد ميخائيل ججو عضواللجنة المركزية سابقا ومسؤول محلية شيكاغو حاليا وهو الآخر كان أحد ضحايا الدسائس والمؤآمرات المدبره ضده من قبل الآنسه أكنس والسيد علاء منصور مسؤول الفرع السابق والذي تم عزله حاليا وبالتعاون والتنسيق مع السكرتيرالعام ، وذلك بسبب موقفه ودوره الأيجابي لتطبيع العلاقه بين الحركة وكنيسة المشرق الآشورية بشخص رئيسها قداسة البطريرك مار دنخا الرابع من جهة وإنحيازه الى شيبا مندو في خلافه وصراعه مع مجموعة الآنسة اكنس من جهة ثانية ، وقد سعت وعملت قيادة الحركة لألحاق الأذى بشخص السيد شيبا مندو بالرغم من كل الدعم الذي قدمه هذا الشخص للحركة والجمعية الخيرية الآشورية ، وهنا أتسائل إن لم تكن هناك مصالح شخصية من وراء السيطرة على إدارة الأتحاد القومي الآشوري في إلينوي لماذا كل هذا  التآمر على شخص رئيسه السيد شيبا مندو .. ؟ وآخر ما حيك ضد السيد شيبا مندو من قبل قيادة الحركة فرع أمريكا وكندا من أجل الأقاع به تحت طائلة القانون كان مطالبة وكالة ( آي . آر . اس ) له وهي أعلى هيئه رقابيه مالية في إلينوي لبيان وجهة صرف المبالغ المشار إليها في أعلاه والتي صرفت لكل من الحركة الديمقراطية الآشورية والجمعية الخيرية الآشورية لكون الأولى منظمة سياسيه والثانيه واجهة للاولى وهذا مخالف للقانون الأمريكي مما يعرض رئيس الأتحاد الى المساءلة القانونية والموضوع ما زال في المحاكم .. !! ، وجلبتُ نسخة من هذا الكتاب زودني به السيد شيبا مندو وسلمته بدوري الى السكرتير العام شخصياً  بعد عودتي من أمريكا عام 2010 لغرض الأطلاع والوقوف على حقيقة أفعال أكنس ومجموعتها المسماة ( أصدقاء زوعا ) وهم في الحقيقة ليسوا أعضاء في الحركة ولكن الحركة تتحمل مسؤولية نتائج سيئآتهم وهي كثيره وكبيره يعرفها الجميع هناك كما يعرفها السكرتير العام جيدا ، كما أود ان أذكّر القارئ الكريم أن السيد شيبا مندو طالب الحركة من خلال الآنسة أكنس تقديم مستندات صرف تبين أن وجهة الصرف كانت لصالح نشاطات إنسانية لا تتعارض مع طبيعة نشاط الأتحاد القومي الآشوري كمؤسسة مجتمع مدني إلا إنها لم تفعل .. كما أريد أن أذكّر القارئ اللبيب أيضاً كيف توقف بث قناة آشور الفضائية لمدة سنة وأكثر بسبب عدم توفر الأموال كما كانت تصرح به قيادة الحركة في حينها ، أدعوكم أن تسألوا السيد السكرتير العام شخصياً وليس غيره من أين أتى بالأموال  التي أعادت آشور TV الى البث من جديد بعد توقفها لأكثر من سنة .. ؟  ومن هو فاعـل الخيـر الذي تبرع بالمبلـغ المطلوب الـذي أعاد الحياة الى تلفزيون آشــــور بعد هذا التوقف .. ؟ الجميع يجهل مصدره ومنبعه بالرغم من أن السيد عامر فتوحي قد نشر عنه في موقع كلدايا قبل مدة وجيزة وعلى خلفية الخلاف الذي حصل بين السيد كنا والكنيسة الكلدانية حول رئاسة الوقف المسيحي ، إلا أن السكرتير العام للحركة وإبن شقيقته الذي سافر الى جمهورية مصر العربية  للتعاقد لأعادة بث قناة آشور عبر القمر نايل سات يعرفون مصدره أيضاً ، أسألوهم كم كان المبلغ ومن هو فاعل الخير الذي تبرع به ؟ وهل تبرع به لسواد عيون السكرتير العام وإبن شقيقته أم لوجه الله .. ؟ وكم صرف منه وأين ذهب الباقي .. ؟
 لماذا لا يقدم كشف الحساب بهذا المبلغ وغيره ومصادرها الى اللجنة المركزية كما تقتضي الأجراءات الأصولية المالية وأن يبعد السكرتير العام نفسه عن دائرة الشبهات والشكوك بنظافة ذمته والنأي بنفسه عن شأن الصرف المالي لواردات الحركة وبالأخص مايأتيها  من الخارج إذا ليس هناك في الأمر ما يخجل منه ؟ ، كما أريد أن أذكر وأسأل في نفس الوقت السكرتير العام وأعضاء القيادة في حينها أين ذهبت ( 35000 ) فقط خمسة وثلاثون الف دولار التي أرسلت من امريكا لغرض تحمل أجور ونفقات الدراسات العليا في لبنان لأثنين من كوادر الحركة وهما كل من فريد ياقو وميخائيل بنيامين عضوا اللجنة المركزية الحالية للحركة للتخصص في دراسة اللغة السريانية ..؟ حيث فقد هذا المبلغ بين السكرتير العام والسيد عمانوئيل خوشابا مسؤول الحركة في سوريا في حينها ، علماً إن مرسل المبلغ هو شاهد عيان وحي يرزق سوف لا أذكر إسمه لأسباب تتعلق بوضعه القانوني في بلده .. والقضيه الثانية التي أساءت على سمعة الحركة بشكل مدمر وبسببها فقدت الحركة مصداقيتها بين جماهير شعبنا وخسرت الكثير من خيرة أعضائها وأنصارها وأصدقائها وأحدثت شرخا وتصدعا كبيرا في بنيانها وعلاقاتها بأبناء شعبنا ولا زالت الحركة تعاني من آثارها الى اليوم أشد المعاناة ، ألا وهي قضية الاسقف المعزول مـار باوي ودعم قيادة الحركة له وتوجيهه، حيث أقحـمـت  بعـض قيـادات الحركة نفسها بشكل شخصي ومباشر ولأسباب طائفيـة فـي هـذه القضية التي ليس للحركة فيها لا نـاقة ولا جمـل كما يقول المثل الـدارج والبعض الآخر قد أقحِم فيها عنوة
بعلم وتوجيه السكرتير العام وفي مقدمتهم الآنسة أكنس مرزا عضو قيادة فرع أمريكا وكندا في ذلك الوقت والتي صرحت علانية أمام وسائل الأعلام هناك كما نقل لي  ( نحن ندعمك يا سيدنا مار باوي ) وهذا ما أكده لي قداسة البطريرك شخصياً عند زيارتي له عام 2007 وأكده لي غيره من الأصدقاء الذين كنت أجادلهم حول الموضوع دفاعاً عن سياسة الحركة في أمريكا ، وكأن القضية برمتها أصبحت قضية الحركة دون سواها ، وكان نشاط الحركة وإعلامها هناك مسخر بهذا الأتجاه من خلال الفوضى والخلافات التي دبت بين أعضائها بين مؤيد ومعارض لقضية مار باوي ، ومن خلال وجودي هناك بذلت جهودا كبيره من خلال عقد لقاءآت كثيرة مع المعنيين وندوات تلفزيونية وإلقاء محاضرات لشرح وتوضيح سياسة الحركة بخصوص هذه القضيه بالرغم  من إحساسي بوجود توجيه بالتعتيم على نشاطاتي وعدم نشرها عبر وسائل إعلام الحركة وحتى آخيراً تم مصادرة شريط الفيديو لآخر محاضرة ألقيتها في مقر الأتحاد القومي ألآشوري في إلينوي من قبل مسؤول الفرع آنذاك السيد علاء منصور الذي أعتبرته بسبب سلوكه غير المتزن والمتسم بالأستبداد والغرور غير آهل لمثل هذا الموقع حيث كان يدير عمل الحركة بطريقة رجل أعمال لا مصلحة مادية له في المشروع الذي يديره غير الوجاهة والتباهي ،  وعلى ما أعتقد كان قد تلقى توجيه بذلك من السكرتير العام من بغداد لأن التسجيل لم يعرض في تلفزيون آشور هناك نهائيا ، لأن ما تحدثت عنه في المحاضرة كان يتعارض على ما يبدو لي الآن مع مخططاتهم ومؤامراتهم على رئاسة كنيسة المشرق الآشورية ، وخلال فترة وجودي هناك عام 2007 رتبت لقاء مع قداسة البطريرك مار دنخا الرابع وبرفقتي شهود إثنان هما كل من الشماس شيم قيصر بثيو شماس كنيسة مار كوركيس في شيكاغو والسيد بنيامين عوديشو سخريا ومستغلا لعلاقاتي الطيبة مع قداسته لتوضيح سياسة وموقف الحركة الرسمي من قضية الأسقف المعزول مار باوي سعياً مني لترميم العلاقة بين كنيسة المشرق الآشورية والحركة الديمقراطية الآشورية التي تصدعت   
وأصابها الكثير من الضرر بسبب قضية مار باوي ومحاولة إصلاح ذات البين لأنقاذ ما يمكن إنقاذه وإعادة الأمـور الى طبيعتها التي من المفروض أن تكون عليه ، وإزالة سوء الفهم الذي حصل بين الطرفين ونسيانه من أجل مصلحة الكنيسة والأمة ووضع ذلك فوق كل الأعتبارات الآخرى وتعزيز وتمتين العلاقات بين الطرفين ، فوجدت قداسته ممتعضاً ومنزعجا للغايه من اللغط الذي حصل حول قضية الأسقف المعزول مار باوي ومن تصرفات وتصريحات  وتدخلات بعض قيادات الحركة  في هذه القضية المثيرة للجدل ، وعندما حاولت تهدئة الموقف والتركيز على ما يعزز موقف الحركة من القضية إستوقفني قداسته وقال لي سأتيك بالدليل المكتوب الذي لا يقبل التخطئه ، فأتاني فعلا بكتاب صادر من قيادة الحركة بتوقيع عضو المكتب السياسي السيد وليم ورده ( نرساي ) مسؤول مكـتب الأعـلام للحركة في حينه يوجـه بموجبه جميع فروع إعلام الحركة بفضح القائمين على الكنيسة بنشر ما لديهم من أمور تخص سلوكهم وعلاقاتهم الشخصية وخصوصياتهم مهما كانت درجاتهم الـديــنيــة
مع عدم المساس بشخص قداسة البطريرك ، وحاولت إنقاذ الموقف والخروج من المأزق الذي وقعت فيه بالأدعاء أن هذا الكتاب ممكن أن يكون  من فعل الحاقدين على الحركة وخصومها السياسيين وأعدائها لأغراض سياسية بأستخدام إمكانيات الحاسوب بتزوير مثل هكذا كتاب ،  بالرغم من قناعتي عن يقين  بأن الكتاب كان حقيقيا ولم يكن من فعل فاعل خصم سياسي أو عدو وإنما كان من فعل صاحب التوقيع وبتوجيه صاحب القرار في الحركة نكاية بقداسة البطريرك وإنتقاما منه لأنه كان يدعم طرف سياسي معين حسب ظنونهم وإدعائهم ، ولكن ما العمل إذا كان للسياسه قواعدها وقوانينها وإستحقاقاتها وإلتزاماتها ، فكان تعاملي مع الموضوع على هذا الأساس .. ؟ ولكن في نفس الوقت ومهما يكون الأمر من المفروض أن تكون للسياسة أخلاقياتها ونبلها وشفافيتها ومصداقيتها قبل أي شئ آخر .. وكذلك من خلال وجودي في أمريكا عام 2007 ومتابعتي للبرنامج التلفزيوني الأسبوعي الذي كان يعده ويقدمه السيد سام درمو من ولاية أريزونا والذي كان برنامجا موجها مئة في المئة للهجوم على شخص قداسة البطريرك مار دنخا الرابع ومدافعا عنيدا عن الأسقف المعزول مار باوي وقضيته وبلغة هابطة وكلمات نابية تسئ على ذوق المشاهد والذوق العام وهذا ما قلته نصا لمقدم البرنامج السيد سام درمو شخصياً عندما قابلته في دار السيد سامي يونان مسؤول الفرع السابق للحركة في أمريكا وكندا ، وقد عززت نقدي لمثل هذه اللغة الهابطة وهكذا إعلام سيء بعد عودتي الى العراق في مقالة لي بعنوان ( رفقا بحضارتنا يا وسائل إعلامنا ) نشرتها في جريدة بهرا الجريدة المركزية لزوعا وموقع عينكاوا كوم ومن قرأ المقالة يتذكر جيدا ما ورد فيها من نقد لاذع . وما كان يعرض من خلال هذا البرنامج من وثائق باللغة العربية تخص قداسة البطريرك ومن يوآزره من الشخصيات ، تبين لي لاحقا من خلال مصادر موثوقة وهم على صلة بمصدر هذه الوثائق بأنه كان يتزود بها السيد سام درمو من بعض قيادات الحركة وبعلم وتوجيه السيد السكرتير العام للحركة كما نقل لي من تلك المصادر .. وكذلك تم إعتقال وسجن بعض الأشخاص المقيمين في الولايات المتحدة من أبناء شعبنا من قبل السلطات الأمريكية على خلفية معلومات قدمت ضدهم كونهم من أتباع  النظام السابق من قبل قيادات متنفذة في قيادة الحركة ، من هو الذي على صلة بالأجهزة الأمنية والمخابراتية الأمريكية في العراق وبأمكانه أن يفعل ذلك..؟ وفي زيارتي الأخيرة لأمريكا عام 2012 أكد لي أحد المسجونين الذي أطلق صراحه من السجن مؤخرا بأن إعتقاله وسجنه تم بناءً على معلومات قدمت من قيادة الحركة للسلطات الأمريكية ... وأخيراً وليس آخراً ما حصل من تصادم مع غبطة الكاردينال دلي حول تسمية رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى بسبب تدخلات السكرتير العام للحركة في شؤون الوقف المسيحي بتسمية رئيس الديوان والذي من المفروض أن يتم الترشيح من قبل مجلس الكنائس حصراً دون سواه كما هو الحال مع بقية الدواوين التي يتم ترشيحات رؤسائها من قبل المرجعيات الدينية لها حصرا وفقاً للقانون ، هذا التدخل الذي من خلاله تم فرض السيد رعد كاجه جي رئيساً للوقف المسيحي أثار سخطاً ورفضاً من الكنيسة الكلدانية والكلدان بشكل عام ومن غبطة الكاردينال دلي بشكل خاص ، وكان ما ترتب على أثر ذلك من تداعيات كان بمثابة دق الأسفين بين الحركة والكنيسة الكلدانية من جهة وبين الكلدان والآشوريين من جهة ثانية ، وإطلاق العنان للأصوات المتطرفة من الجانبين لأثارة الأحقاد الدفينة ونبشها وبعثها من جديد ، وانطلاق موجة من المثقفين والكتاب من الأخوة الكلدان والسريان معادية للحركة الديمقراطية الآشورية والتسمية القومية الآشورية وبذلك يكون قد دُق آخر مسمار في نعش الوحدة القومية التي ننشدها وينادي بها جميع أبناء شعبنا ويتشدق بها  السيد كنا شخصياً في وسائل الأعلام ليلاً ونهاراً ، كل ذلك حصل من أجل ماذا .. ؟ إن الذي يبحث اليوم في ملفات إحالة المناقصات لمشاريع ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى سيعثر على الدليل المادي الذي يشير الى دوافع السيد كنا من التدخل في شؤون تنصيب رئيس الديوان ألا وهو أسم المدير المفوض لمجموعة شركات التي تحال إليها أغلب المناقصات التي يعلنها ديوان الوقف المسيحي من يكون وعندها سيكتشف الحقيقة ... وهناك موضوع آخر أثيره هنا وهو ما يخص من تم تخصيص لهم راتب تقاعدي كونهم من المتضررين من النظام السابق والأرهاب ، والدرجات التي منحت لهم إبتداءً  بدرجة وكيل الوزارة ومدير عام وكادر متقدم وكادر والتي بموجبها تم تحديد الراتب التقاعدي لهؤلاء ، أدعو أعضاء الحركة كافة مطالبة القيادة بإعلان قائمة بالأسماء والدرجات والرواتب للمشمولين ليطلعوا من هم هؤلاء الذين فيهم حتى من المتعاونين مع الأمن  ليطلعوا على عدالة السكرتير العام في تعويض القياديين الذين تحملوا التعذيب في زنزانات الأمن للنظام السابق ودخلوا سجونه لسنوات ، ثم أريد أن أذكر السيد كنا بهذه المناسبة والشيء بالشيء يذكر ، ألم أكن أنا من أعضاء اللجنة المركزية للحركة وكنت مديراً عاماً في وزارة الكهرباء عندما وتعرضت الى عملية الأغتيال بتاريخ 22 / 5 / 2007  وجُرِحتُ فيها في ذراعي الأيسر واستقبلتني في مكتبك وأنا ملطخ بالدماء وقمتَ بتصويري وقلت إن هذه الصورة ستبقى ذكرى للتاريخ ، هل نسيت ذلك يا محترم أم أن آلة التصوير قد أصابها العطب  ؟!! ، وبقيتُ مطارداً ومهدداً لمدة سنة ونصف السنة ومن دون راتب لستة أشهر بسبب ما كانت تأتيني من تهديدات من القتلة ومنعي من المباشرة بعملي وخسرتُ  درجتي الوظيفية كمدير عام وأنت على علم بكل ما حصل لي ، أسألك يا محترم ألم أستحق أن أكون من المتضررين من الأرهاب ؟ ومَن تضرر أكثر مني  يا سيد كنا ؟ على الأقل كان من المفروض بك ولو من باب تطييب وتجبير الخواطر وذر الرمال في العيون وبسبب ما حصل لي من غدرك أن تتذكر كل ذلك وتبادر الى تعويضي على الأقل بما خسرته من درجة وظيفية وخصوصا إن الأسماء المطلوبة لم تكن محدودة ، ولو كانت الأسماء كذلك لرفضت ترشيح إسمي لصالح من ليس له مورد من المتضررين وأنت تعرفني جيداً في هذا المجال ولكنك لم تفعل لأنك ليس لك وفاء لأي شيء غير مصلحتك الشخصية وأنانيتك.. !! إن هذه السلوكية الميكافيلية التي إعتمدها السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية وبالتعاون مع بعض أعوانه من قيادات الحركة في الداخل والخارج لغرض الأستحواذ على كل ما يخص تمثيل شعبنا في مؤسسات الدولة الرسمية لأن تبقى حكراً بشخصه وأقاربه قد أفقد الحركة الكثير من عناصرها وأنصارها الخيرة والمخلصة والمثقفة والمتفانية في سبيلها وجزرت من جماهيريتها وتدنت شعبيتها واكسبتها بالمقابل الكثير من الأعداء وفقدان الثقة بها والعزوف عن الأنخراط في صفوفها من قبل العناصر الجديدة وخصوصا عنصر الشباب وبقائها حكرا ومرتعا لنفس العناصر الذين تجاوزهم وأرهقهم وأقعدهم الزمن وشاخت أفكارهم ، مما يتطلب الأمر تغذية الحركة بدماء شابة جديدة نظيفة ونزيهة ولهم نكران الذات .. لذا اطالب من تبقى من كوادر الحركة القيادية المخلصة في الفروع والمحليات والمنظمات الجماهيرية إذا كان لهم شئ من الحرص على مصلحة الحركة ومستقبلها وديمومتها وإستمرارها وإصلاح ما فيها من الخلل ، الأسراع بالدعوة لأنعقاد كونفرنس عام للتمهيد لعقد مؤتمر عام للحركة لبحث أوضاعها التنظيمية والخروقات والتجاوزات على النظام الداخلي وسياقات العمل الحزبي المنظم والسلوك الأنفرادي والأستحواذي للسكرتير العام للحركة الذي أدى بالنتيجة الى إختزال كيان الحركة في شخصه ، حيث سعى من خلال تهميش القياديين الى طبع صورة في أذهان الناس بأن الحركة هي يوناذم كنا ويوناذم كنا هو الحركة والآخرين لا شيء ، وإقصاء خيرة قياداتها بهذه التهمة وتلك ، هذا السلوك الذي لا يتسم بروح الديمقراطية واحترام حرية الرأي والرأي الآخر داخل الحركة هو مصدر كل هذه التداعيات والتراجعات في عمل الحركة ،  وإعادة تقييم أداء الحركة ورسم خارطة الطريق لسياسة جديدة لها تتماشى مع المستجدات على الساحة السياسية القومية والوطنية والأقليمية ووضع أبناء شعبنا في بلدان المهجر والبحث عن وسائل فعالة وناجعة لإيقاف نزيف الهجرة المستمرة لأبناء شعبنا من أرض الوطن والتي غدت خطراً يهدد مصير وجودنا القومي فيه ، الهجرة التي أعتبرها عملية إنتحار أمة ، وصياغة برنامج يتماشى مع متطلبات تحقيق الوحدة القومية الحقيقية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري ، وعدم الأكتفاء بالمتاجرة بها إعلاميا ، وإنتخاب قيادة جديدة تراعي فيها تعددية مكونات شعبنا وتنهج نهج القيادة الجماعية الديمقراطية ونبذ النهج الأنفرادي والأستحواذي في العمل القيادي لتصحيح مسار الحركة وجعله بأتجاه أهدافها المرسومة ، وإلا سوف تتحملون كامل المسؤولية التاريخية أمام الأجيال القادمة من أبناء شعبنا وأمام التاريخ وكليهما لا يرحمان المقصرين والمتخاذلين والمنتفعين والعاجزين المستسلمين للأمر الواقع عاجلا أم آجلا ..
إن الحركة الديمقراطية الآشورية هي بيتنا واجبنا أن نحميها من عبث العابثين بمقدراتها ومستقبلها إن كانوا العابثين من داخل الحركة أو من خارجها وعليه فإن هذا النقد موجه للسكرتير العام والداعمين لنهجه من القيادات المختلفة ، انا لست ضد الحركة كما يدعي السيد كنا ، لأن كنا يساوي كنا ولا يساوي الحركة أبداً .. 

                                                                                                               
                 



229
                         
الحركة الديمقراطية الآشورية الى أين ... ؟
الجزء الثاني
المهندس : خوشابا سولاقا
( الى القراء الكرام لقد سبق لي وأن نشرت الجزء الأول من هذه المقالة لألقي الضوء على ما يحصل في صفوف الحركة الديمقراطية الآشورية من تداعيات وتراجعات في عملها وتحولها الى أشبه ما تكون الى شركة تجارية لصالح سكرتيرها العام والمقربين منه من الأقارب والأنتهازيين بسبب سلوك السكرتير العام وإنفراده المفرط بقرارها ، وكنت سأنشر الجزئين الثاني والثالث على التوالي ولكنني لم أفعل في حينها نزولاً عند طلب بعض الخيرين مني بالتوقف من أجل مصلحة ما تبقى من الحركة ، وإستجابة مني لهذه الطلبات المخلصة توقفت عن النشر مشترطاً ان يتوقف السكرتير العام عن الكذب وأن لا تُتخذ أية إجراءات ضدي داخل الحركة ، ولكن يظهر أن السكرتير العام ومن معه مستمرين في عملهم بهدم الحركة بإبعاد العناصر المثقفة والذين يقولون للسكرتير العام كفاك إنفراداً بكل شيء صدر قرار بفصلي من الحركة كما فعلوا من قبلي بغيري من قياديي وكوادر الحركة وبناءً على ذلك أصبحت في حِل من أي إلتزام تجاه من طلبوا مني عدم نشر الجزئين الآخرين من مقالتي هذه وها أنا أنشرها كاملة )                           
لقد إستغل السكرتير العام للحركة كعادته إستغلالا سيئا لصالحه عضويته في هيئة إجتثاث البعث المنحلة في إخفاء كل الوثائق التي تدينه والمتعلقة بملف تعاونه مع الأجهزة الأمنية للنظام السابق وهو على إستعداد تام للقيام بأي شئ مهما كان قبيحاُ وبشعاً عندما تضيق به الأمور عملاُ بالقاعدة الميكافيلية الشهيرة في عالم وعلم السياسة ( الغاية تبرر الوسيلة ) ..
وظهرت من جديد بوادر شمول مرشح قائمة الرافدين بشخص سكرتيرها العام بالأجتثاث في إنتخابات  2010 إستنادا الى نفس الوثائق وبحكم قربي منه عندما إستفسرت منه عن مصدر هذه الوثائق أعلمني بأن ذلك من تدبير الحزب الديمقراطي الكوردستاني ضده لأنه غير متعاون معه ، ولكن في وضع العراق الحالي الذي ينهش الفساد بكل أشكاله في جسده وعلاقات المنفعة المتبادلة التي تتحكم سلوك السياسيين ، من الممكن أن يتحول الباطل الى حق والحق الى باطل وأن ينقلب الأبيض الى أسود والأسود الى أبيض في لمحة بصر ، ولكن يبقى المثل القائل مؤشرا صائبا ( ليس هناك دخان من غير نار ) ، بالأضافة الى ذلك هناك معلومات مؤكدة على إرتباط  وتعاون بعض أقاربه مع الأجهزة الأمنية في كركوك وكان أحدهم عضو اللجنة المركزية  لتنظيمات الخارج وبالذات في أستراليا بعد سقوط النظام حيث شوهد من قبل بعض الرفاق المعتقلين في أروقة الأجهزة الأمنية أثناء فترة إعتقالهم ليس كمعتقل وإنما كزائر وعليه تسآئلوا ما الذي يفعله ( ف ) هنا ..؟ أنا كنت شخصيا قريبا جدا من السكرتير العام ( يوناذم )  وبسبب قربي منه كسبت عداء وكره خصومه من أعضاء وقياديي الحركة ، ودافعت عنه بقوة وشدة في كل المناسبات لأن ذلك تقتضيه متطلبات السياسة والألتزام التنظيمي وكانت آخرها في زيارتي الأخيره عام 2010 الى الولايات المتحده وقبلها عام 2007 و2004 ونشاطاتي الكثيرة في وسائل إعلام أبناء شعبنا هناك ومن تابعها من الأصدقاء والخصوم يعرف ويتذكر ذلك جيدا وكم كان دوري مؤثرا في كسب الأنصار والأصدقاء للحركة وفي توضيح سياسة الحركة وأخص منها بالذكر لقائي مع قداسة البطريرك مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية عام 2007 لتخفيف التوتر الحاصل بين الحركة والكنيسة على أثر قضية الأسقف المعزول مار باوي وسوف أتطرق على ذلك في الجزء الثالث من مقالتي هذه .. وإنني صدمت كثيرا عندما إكتشفت أن هذا الشخص أقصد السكرتير العام للحركة ( يوناذم ) لا يصّدق في قوله إطلاقا إلا بقدر ما يحقق له مآربه ، وكذب علي وإنه كذاب ويحترف مهنة الكذب باتقان ومهارة في عمله السياسي مع رفاقه في الحركة ومع الآخرين في الحركة الوطنية وحتى مع جماهير شعبنا من دون مبرر وكان ما صرح به عني في إحدى ندواته التي عقدها في مقر الحركة في بغداد مع جمع من الكوادر القيادية بعد تشكيل الحكومة الحالية في محاولة منه لتبرير توزيره لإبن شقيقته كان كذبا فاضحا ومقرفا وإفتراء معيبا ومقززا لا أعتقد يقدم عليه أي سياسي مهما كان مستواه ، حيث قال ( أن رابي خوشابا زعل مني لأنني لم أتمكن من توزيره وزيرا للكهرباء ) ، الجميع يعرف حق المعرفة أن وزارة الكهرباء التي ذكرها لم تكن من حصة المسيحيين لنطالب بها لي أو لغيري لا أعرف لماذا حشر مثل هذا الموضوع في كلامه وخصوصا أنا لم أتحدث معه يوما بهذا الشأن إطلاقا ، كما أريد هنا أن أوضح للتاريخ بأمانه عن موضوع الترشيحات لمنصب الوزير الذي صار من حصة المسيحيين الى الذين  كانوا حاضرين في تلك الندوة أو الى من ضلله السيد السكرتير العام بهذا الخصوص ، في يوم ما لا أتذكر التاريخ تحديدا وقبل تسمية الوزارة المخصصة لنا طلب مني السكرتير العام أن أزوده بسيرتي الذاتية وصورة شخصية ، وقلت له مستفسرا لماذا ؟ فأجابني نريد ترشيحك لتولي الوزارة التي ستخصص لنا ، وإستطرد قائلا ولكن هنالك منافسين آخرين لك ، قلت له من هم هؤلاء ..؟ فذكر لي ثلاثة أسماء ومن بينهم إسم الوزير الحالي ، ثم قال مستطردا ولكن أنا سوف أرشحك أنت لأنك تستحقها أكثر ، ثم أن الأمر بيدي أنا سأقدم إسمك وأرشحك أنت ، فقلت له لقد إتخذنا قرار في إجتماع اللجنة المركزية السابقة بأن يتم وضع معايير لأختيار بموجبها المرشحين الى مناصب المسؤولية لتمثيلنا في مؤسسات الدولة الرسمية ، عليه أنا أدعو الى تفعيل هذا القرار وعندها من يقع عليه الأختيار بموجبها سيكون شرعيا وهو المطلوب ..
 وللمعلومات كان القرار يتضمن أن يكون المرشح لأي منصب لتمثيلنا في أي موقع للدولة من قياديي الحركة ، أي بمعنى أعضاء اللجنة المركزية الحاليين والسابقين والكوادر القيادية الأخرى ممن تتوفر فيهم المؤهلات المطلوبة للموقع ، وليس فقط من أعضاء اللجنة المركزية الحالية كما تم الألتفاف على القرار المذكور من قبل اللجنة المركزية الحالية لغرض في نفس يعقوب كما يقال وحسب ما أدعى السكرتير العام في الندوة محاولا بأسلوب الكذب والتضليل تبرير ترشيحه لأبن شقيقته وسحب الأخرين لترشيحهم لصالح إبن شقيقة السكرتير في مسرحية هزلية سخيفة ومقرفة أعد لها مسبقا ، أستغرب من هؤلاء الرفاق كيف قبلوا بهذا الدور غير اللائق بهم وأستغرب أكثر بمن باع صوته متناسيا بأنه عضو قيادي في حركة سياسية وليس تاجرا في سوق الهرج .. !! وبعد أن توضحت لي الأمور بهذا الشأن إتصلت بالسكرتير العام ( يوناذم ) هاتفيا مستفسرا منه عن ما حصل بشأن الترشيح فأجابني بأن الأمر قد حسم لصالح ( س ) وتم رفض ترشيحك من قبل جميع أعضاء اللجنة المركزية وكنت المدافع الوحيد عن ترشيحك ولكنني لم أفلح في ذلك ، لم أصدق هذا الكلام إطلاقا لأن نبرة الكذب كانت واضحة في كلامه ، وعند الأستفسار عن ذلك من بعض أعضاء اللجنة المركزية من الحاضرين في ذلك الأجتماع أعلموني بأن سيرتي الذاتية لم تقدم في الأجتماع لغرض المنافسة ولم يرد ذكر إسمي في الأجتماع إطلاقا ، أليست هذه هي الحقيقة بقضها وقضيضها يا محترم يا ممثل أمة آشور في مجلس النواب العراقي الموقر .. ؟ لماذا كذبت في الندوة وضحكت على ذقون الحاضرين مع إعتذاري وإحترامي الشديد لهم جميعا .. ؟ أهذا هو تقديرك وإحترامك للكوادر المتقدمة للحركة التي تتولى أمانة سرها ..؟ إذا كان مع هؤلاء المحترمين هذا هو أسلوبك فكيف يكون مع البسطاء من جماهير شعبنا   ..؟ أيها الأخوة الحاضرين في الندوة المذكورة هذه كانت الحكاية والحقيقة كلها وليس هناك غيرها ، والذي يعرفني يعرف جيدا أنا شخص لا أكذب عن قصد إطلاقا حتى وإن كان ذلك على رقبتي ولا أخون صديقا ولا أغدر به ولا حتى من أتعامل معه في أبسط الأمور وتعرضت الى محاولة إغتيال في عملي المهني بسبب مصداقيتي ونزاهتي وإستقامتي وإخلاصي لعملي .. إن ما صدمني أكثر بعد هذه المسرحية هو عندما إطلعت على وثائق مكتوبة تؤكد إرتباط وتعاون السكرتير العام مع جهاز المخابرات العامة بالذات للنظام السابق ، عليه قررت القطيعة معه وأن أفضحه وأعريه وأكشفه للناس على حقيقته المزيفة كما هي ، لأنه كان صديقا غير جدير بالصداقة والثقة وأنا متأكد قد سبقني الكثيرين ممن عملوا معه بحسن نية في الحركة الى هذا الأكتشاف المذهل لحقيقة هذا المراوغ الذي لايروقني ذكر إسمه لأنه خدعني وخذلني ، ولأن مهنة الكذب والخداع والمراوغة والخيانه في العمل السياسي حسب معتقداتي وقناعاتي وأخلاقي السياسية وتربيتي البيتية والمجتمعية مرفوضة رفضا قاطعا لا يبررها شئ  وهي من أخطر أمراض السياسه وأشنع قباحها وأسوء سيئاتها ، لايمكنني تحملها وقبولها وهضمها والتعامل والتعايش معها بأي شكل من الأشكال ولأي سبب كان ، وأن أصبح جسـرا لعبـور الآخرين عليه ..  لذا يتطلب منا العمل بدأب على إستئصال أمثال هؤلاء وإجتثاثهم من جسم هذه الأمة التي يستغلونها ويتاجرون بها من أجل تحقيق مآربهم ومصالحهم الشخصية ، إنها القطيعة النهائية بلا عودة مع هذا الشخص الــــذي لا يعـرف ولن سوف يعـرف يوما للرفقة والصداقة أي معنى إلا بقدر ما يحقق له منها تطلعاته ونزعاته ونزواته الأنانية في الظهور بمظهر البطل القومي وزعيم الأمة والأب الروحي لها ليخلده التاريخ مدى الدهر كما كان يحلم الكثير من عتاة التاريخ ويقلد بذلك ما يفعله غيره من زعماء الأحزاب الثيوقراطية وربما يحلم لأن يكنى في يوم ما بلقب سنحاريب القرن الواحد والعشرين ، ولذلك أقول لأعضاء اللجنة المركزية الحالية أشكركم لأنه لا يشرفني أن أبقى عضواً في صفوف حركتكم التي يقودها كذاب محترف .. !!!                                                 
إن هذا السلوك للسكرتير العام ودور الخنوع والخضوع للمتعاونين معه من الأنتهازيين والنفعيين والذيليين قد أضعف الوحدة الفكرية والتنظيمية للحركة كتنظيم سياسي ، وأضعف الثقة والأنسجام بين أعضاء القيادة أنفسهم وبينها وبين القاعدة من جهة وبين الحركة وجماهير أبناء شعبنا من جهة ثانية وكذلك أضعف إقدام وإندفاع أبناء شعبنا للأنتماء الى تنظيمات الحركة والأنخراط في صفوفها وبالأخص العناصر المثقفة المقتدرة والكفوءة ، وكذلك فتّر التفاعل النوعي والأنسجام بين الحركة وبين تنظيمات ومؤسسات شعبنا السياسية والمهنية والأجتماعية والكنيسة من جهة وبينها وبين تنظيمات الحركة الوطنية العراقية بكل فصائلها من جهة أخرى بسبب عدم مصداقية وشفافية قيادة الحركة وإنتقائيتها الأنتهازية بأمتياز في التعامل مع الأحداث القومية والوطنية اليوميه ، ومجاراة ومجاملة البعض من أطراف الحركة الوطنية على حساب البعض الآخر من اجل المحافظة على ديمومة إستمرار شخص السكرتير العام في موقع تمثيل شعبنا في كل مؤسسات الدولة الرسميه وليس على أساس ما تقتضيه المصالح القومية والوطنية وهذا ما أكدته تجربة السنوات السابقة وتؤكده الأحداث الجارية اليوم على الساحة الوطنية من خلال تذبذب وتناقض وإزدواجية الخطاب السياسي لقيادة الحركة على المستوى القومي والوطني ، لذلك أرى إن الحركة قد وصلت اليوم الى أقصى مستوياتها من التشرذم والتفكك والتمزق والتململ وعدم الأنسجام الهيكلي في تكوينها وبنائها التنظيمي وتواجه تحديا كبيرا وخطيرا يهدد مصيرها ومستقبلها في البقاء والأستمراركتنظيم سياسي جماهيري ديمقراطي يعيش في واقع سياسي معقد كواقع العراق يستوجب عليه التفاعل بتوازن مع محيط متعدد ومتنوع المكونات والتي لم تحسم صراعاتها وتناقضاتها الفكرية والقومية والدينية والطائفية والسياسية على النفوذ والسلطة والأرض ،كل هذه المعطيات تحتم وتفرض على الحركة الديمقراطية الآشورية العمل بجد من أجل التغيير والأصلاح الجذري في هيكليتها ونهجها السياسي وموقفها الوطني من الأحداث الجارية على مستوى الوطن والمنطقة لكوننا جزء منهما وليس العكس لكي تستمر في صيرورتها ومسيرتها التاريخية نحو الهدف المنشود .. سيأتي / ج - 3 لاحقا 


 



230
أين الأستقلال الوطني والسيادة الوطنية
يا حكام العراق .. ؟
المهندس : خوشابا سولاقا
منذ جلاء القوات الأمريكية من العراق في 31 /12 / 2011 نلاحظ هناك سباق محموم يجري بين قادة وأعضاء الحكومة العراقية والبرلمان ورؤساء الكتل النيابية وقادة الأحزاب السياسية الكارتونية من كل الأصناف والطبالين لهم ليل نهار من الأعلاميين الباحثين عن لقمة العيش الحرام في قُمامة هؤلاء المترفين من طبقة القطط السمان القادمين من وراء الحدود من المهاجر المجهوله والمجندين منهم سراً في أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق ومخابرات دول الجوار وحتى أجهزة المخابرات الأجنبية ، والسائرين في فلكهم من كتاب مقالات الصحف اليومية من المتملقين لهم لعلهم يُكرموهم بمنصب هزيل في هذه المؤسسة أو تلك أو يرزقوهم بحفنة من المال الملوث ليشبعون به رمقهم ، هذا السباق من النفاق والرياء الذي يدور بين هؤلاء حول الأستقلال الوطني والسيادة الوطنية للعراق والتنظير لهما وكونهما خطوط حمراء لا يسمح لكائن من يكون من الأعداء الغرباء أو من الأصدقاء المقربين من تجاوزهما عملاً بالقول الشعبي ( من يرشنا بماء الورد نرشه بالدم ) ، هؤلاء نلاحظهم على الدوام يتحدثون بحرقة قلب وحماس وطني منقطع النظير ومبالغ فيه لحد المغالاة في مؤتمراتهم الصحفية المزيفة ولقاءاتهم الشحيحة للغاية مع جماهيرالشعب التي لا ترغب في رؤية وجوههم الكالحة ، لأن ملامح الكذب والنفاق والرياء ظاهرة عليها ويكسيها الخجل عندما يتكلمون في مسرحياتهم المبتذلة عن الأستقلال الوطني والسيادة الوطنية على مسارح العراق السياسية عبر وسائل الأعلام المختلفة عدا تلك الزيارات الخاصة جدا التي تحصل لهم داخل المنطقة الخضراء من رجال الأعمال المزيفين من الأقارب والأصدقاء من دافعي المقسوم من العمولات لغرض التنسيق مع الشركاء العاملين في وزارات الدولة ودوائرها لتمرير إحالات لصالحهم خلافاً للقانون والتعليمات المعتمدة في المناقصات ، أسأل هؤلاء السادة إذا كان الإستقلال الوطني للعراق وسيادته الوطنية خطوط حمراء لايسمح لكائن من يكون من الأعداء والأصدقاء ولأي سبب من الأسباب تجاوزهما ،  وإنهما يمثلان الرمز للشرف الوطني الرفيع للقائمين على إدارة الدولة العراقية الوطنية وتمثيلها رسمياً وشرعياً وقانونياً في المحافل الدولية ، أقول لماذا لا تتحدثون ولا تذكرون شيئاً عن التجاوزات والإعتداءات والتدخلات العسكرية والسياسية لدول الجوار العراقي في مؤتمراتكم إلا بالقدر الذي تمليه عليكم هوياتكم الفرعية بصورة إنتقائية .. ؟ ماذا يعني لكم وجود القوات التركية داخل الأراضي العراقية وبعمق يصل في بعض المناطق الى ( 20 كم ) كما هو الحال في  وجود قوات تركية تحتل مطار بامرني وإنتشار ربايا عسكرية عديدة في ناحية برواري بالا قرب قرية كاني ماسي مركز الناحية في محافظة دهوك وترفع العلم التركي فوقها ومنذ أكثر من خمسة وعشرين سنة ، وكان ذلك قد حصل بموجب إتفاق خاص جرى توقيعه  بين النظام العراقي السابق وحكومة تركيا لملاحقة الثوار الكورد من الجانبين على طول الخط الحدودي المشترك بين الدولتين وبعمق 15 كم حيث تم إخلاء هذا الشريط في الجانب العراقي من سكانه في حينها ودمرت قراه عن آخرها بالكامل دون أن تفعل تركيا الشيء ذاته داخل أراضيها من الشريط .. !! ، فإذا كان مثل هكذا إتفاق يسمح بمثل هذه التجاوزات في ظل النظام السابق نقول إن هذا النظام قد سقط وولى وذهب الى مزبلة التاريخ ، أليس من المنطق والحكمة أن يذهب إتفاقه هذا معه الى مزبلة التاريخ .. ؟ لماذا تتعاملون بهذه الأنتقائية السَمِجة مع موروثات النظام السابق في القضايا الوطنية .. ؟ ، وبماذا تصفون قصف الطائرات المقاتلة التركية والأيرانية شبه اليومي للقرى الحدودية العراقية الآمنة وقتل أبنائها وإضطرار سكانها الفقراء من الفلاحين الى هجرها ومغادرتها الى حيث يتوفر لهم الآمان ، بحجة ضرب تجمعات ومواقع ومخابئ ثوار الكورد من الدولتين المتواجدين داخل الأراضي العراقية ، اليسوا هؤلاء سكان القرى من أية قومية أو دين أو طائفة كانوا مواطنين عراقيين يستوجب منكم حمايتهم من عدوان دول الجوار .. ؟ ،  لا أعرف بأي حق ووفق أي قانون دولي تخول كل من تركيا وإيران نفسيهما بمثل هكذا تجاوزات وإعتداءات على السيادة الوطنية للعراق غير قانون الغابة قانون القوي والضعيف أي قانون ضعف القائمين على إدارة الدولة العراقية .. فإذا كان القائمون على إدارة الدولة العراقية صادقين فيما يذهبون إليه في أقوالهم حول الأستقلال الوطني والسيادة الوطنية عليهم أن لا يسكتوا هذا السكوت المهين على مثل هذه التجاوزات والأعتداءات من جيران وأصدقاء السوء تركيا وإيران للعراق وشعبه ، أليس هذا هو المفروض أن يكون .. ؟ ماذا تنتظرون أكثر أن تقوم به تركيا وإيران لتهتز له الشوارب حتى تتحركون للتصدي لهذه التجاوزات وتطالبون لأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية والدول الصديقة للضغط على تركيا ومطالبتها بسحب قواتها من الأراضي العراقية التي تتواجد فيها اليوم وأن يطلب من الدولتين بالتوقف عن قصف القرى العراقية الحدودية ، ثم ماذا يعني السكوت عن قيام الدولتين بقطع المياه عن العراق وتحويل مجاري الأنهار ، هل إن ذلك يجري بحسن نية أم من المحبة الزائدة .. ؟ أما إذا كان وجود القلة من ثوار الكورد من الدولتين الجارتين في كوردستان العراق طلباً للآمان وهرباً من قمع وطغيان وملاحقات الحكومات القمعية والشوفينية في تلك الدول لهم ، فإن التخلص من مشاكل الحركات التحررية الكوردية من أجل نيل حقوقها القومية المشروعة وتبعاتها وإنعكاساتها على الوضع السياسي الداخلي لهذه البلدان يجب أن يأتي من خلال الحوار الوطني السلمي المباشر مع الكورد ومنحهم لحقوقهم القومية المشروعة كما حصل في العراق ، وليس من خلال فوهة البندقية التي تدمر ولا تعمر الأوطان ، اما إذا كان مثل هذا الوجود في بعض مناطق كوردستان العراق تتخذ منه دول الجوار البرقع الذي تستر به عورتها والقناة التي من خلالها تصدر مشاكلها لغيرها بالتجاوز والأعتداء على العراق وسيادته الوطنية فإن مثل هكذا اسباب موجودة على حدود جميع الدول المجاورة في جميع أنحاء العالم ، أي بمعنى أن الحدود المشتركة بين دول العالم تتحول حسب منطق تركيا وإيران الأهوج في التعامل مع العراق الى ساحات للأعتداءات والتجاوزات والحروب المتبادلة والقوي فيها يأكل الضعيف ، ولكن عصر هذا المنطق قد ولى من غير رجعة ، إلا أن مثل هذا العمل العدواني المستمر ومنذ سقوط النظام السابق لم يحصل إلا من تركيا وإيران تجاه العراق .. إضافة الى دخول وإنتشار قوات عسكرية من هذين الجارين السيئين وقصفهما المستمر للقرى العراقية الحدودية والذي يجعل العراق يفقد سيادته الوطنية ، يقومان بالتدخل السياسي المباشر والسافر في الشأن العراقي عبر مختلف القنوات ومنها القنوات المذهبية بحيث أصبح العراق في نظر المراقب السياسي الحيادي فاقداً للاستقلال الوطني والقرار الوطني والإرادة السياسية الوطنية المستقلة بالمعنى الصحيح للكلمة ، وتحول العراق كما قلنا في مقالة سابقةً لنا نشرت على هذا الموقع الكريم الى حديقة خلفية لهاتين الدولتين وغيرهما من دول الجوار ، وقد تجسد هذا السلوك الأرعن والمرفوض أخلاقياً في الزيارات الكثيرة للعديد من مسؤولين رفيعي المستوى جدا من الدولتين لمحافظات معينة في العراق دون إذن وعلم الحكومة العراقية ، ولم يكن ذلك أيضاً وفق البروتوكولات الرسمية المعتمدة دولياً ، وكما حصل قبل فترة وجيزة من وزير الخارجية التركي السيد أحمد داوود أغلو في زيارته المفاجئة لمحافظة كركوك وقبله فعلها العديد من المسؤولين الكبار في دولة إيران في زياراتهم لمحافظات بغداد والنجف الأشرف وكربلاء المقدسة وغيرها .. بعد هذا كله أرجع وأسأل الحكومة والبرلمان وأتباعهم  من الطبالين والزمارين والمجتهدين أين أصبح الأستقلال الوطني والسيادة الوطنية التي تطبلون لها ليلاً ونهاراً في ضوء كل هذه التجاوزات والأعتداءات والتدخلات العسكرية والسياسية والأقتصادية في الشأن العراقي من قبل الجارين السيئين تركيا وإيران .. ؟ ثم أليس ما هو موجود الآن على أرض الواقع في العراق من أزمة سياسية خانقة تعصف به وتهدد مصير العملية السياسية ومستقبل الديمقراطية الفتية نتيجة للتدخلات الشريرة للجارين من جهة ، ومسايرة النخب السياسية العراقية المتنفذة للأرادات والأجندات لهذين الجارين والمتعاونين معهما من الدول الأقليمية الآخرى من جهة ثانية .. ؟ ، من المؤكد إن كل ما يجري ويحصل في العراق والمنطقة حالياً يجري تحت الأشراف والرعاية الأمريكية المباشرة لأنجاز مشروعها للشرق الأوسط الكبير والجديد جغرافياً ، والذي يجب أن يكون كما تقتضي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الأستراتيجية وليس كما تقتضي مصالح شعوب المنطقة البائسة والغارقة في الجهل السياسي والتخلف الأجتماعي والثقافي والفاقدة للرؤية الأستراتيجية المستقبلية لتطور المجتمع الأنساني والعالم ، وليس أمامنا غير أن نقول لشعوبنا أولاً ولقادة مجتمعاتنا من المفكرين والمثقفين ولحكامنا الذين لايمتلكون مشروع وطني ثانياً متى تستفيقون من سباتكم العميق الذي يشبه سبات أهل الكهف لقد أدرككم الوقت كثيراً ، إن كنتم لا تعلمون ولاتفعلون شيئاً فتلك مصيبة ، وإن كنتم تعلمون  ولا تفعلون لأنكم عاجزين عن العمل فتلك كارثة .. !!!

231
العراق ... عراقين .. !!

المهندس : خوشابا سولاقا
قد يستغرب البعض من عنوان هذه المقالة لأنه فيه شيء من الغرابة لكونه غير متداول ولكن للضرورة في بعض الأحيان أحكام تفرض نفسها هذا من جهة ومن جهة أخرى لكون أذهان العراقيين قد تعودت على سماع شكل آخر من تقسيم العراق على أساس طائفي وعِرقي مثل عراق العرب الشيعة وعراق العرب السنة وعراق الكورد وعراق التركمان وعراق الكلداني السرياني الآشوري وعراق الايزيدي وعراق الشبك وأخيراً عراق الصابئة المندائيين وهذه التسميات جداً صحيحة عندما ننظر الى العراق الواحد كله جغرافياً وتاريخياً والذي يجب أن يبقى كذلك بشرط أن يتساوى فيه الجميع في الحقوق والواجبات أمام القانون الذي من المفروض ان يكون الحكم الفيصل بين الجميع ، ولكن صورة المحاصصة للعراق التي صنعها المحتل والمتعاونين معه صورة مغايرة تماماً وهي صورة التقسيم طائفياً وعرقياً من دون ان يعلن التقسيم الجغرافي رسمياً ، وهكذا ضاعت هويته الوطنية في زحام الهويات الفرعية بعد الأحتلال وسقوط النظام البعثي الصدامي عام / 2003 .. ولكن ما يهمنا من الأمر في هذه المقالة أنه هناك اليوم عراقين إثنين لا ثالث لهما وهما غير طائفيين ولا هما عِرّقيين وإنما هما عراقين بطبقتين ، الأول هو عراق الطبقة الحاكمة بكل سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية والمتمثلة في أعضاء البرلمان وحاشيتهم والحكومة بكل تصنيفات ودرجات موظفيها إبتداءً من رئاسة الجمهورية ونوابها ورئاسة مجلس الوزراء ونوابها والى أصغر موظف من الدرجات الخاصة والمحيطين بهم من الحمايات والأقارب والخدم والحشم والسائرين في فلكهم من الانتهازيين والنفعيين الأذلاء وبائعي الضمير من سكنة ورواد المنطقة الخضراء من رجال الأعمال ( مال هلوكت ) ، هؤلاء يتحكمون بالقرار العراقي وأمواله وموارده وكل مقدراته الكبيرة وتسخيرها بهذا الشكل أو ذاك لخدمة مصالحهم الشخصية ، وهؤلاء لا يعانوا من مشاكل عدم توفر الخدمات كالكهرباء حيث لكل مسؤول أكثر من مولدة خاصة لتوليد الكهرباء تزودهم بالكهرباء على مدار الساعة وبالتالي توفر لهم الجو البارد صيفاً والدافئ شتاءً ، وكذلك لا يعانوا من مشكلة شحة الماء الصافي والصالح للشرب كالذي يأتي للمواطن الفقير من شبكة الأسالة وهو شبه خابط لا يصلح حتى لشرب الدواب لأنه يستعمل الماء المصفى بأحدث التقنيات ومعبئ في قناني صحية من أحسن المناشيء المحلية أو المستوردة من مصادر أجنبية ، وكذلك لا يعانوا من مشكلة تدني مستوى معيشتهم كما هو حال المواطن الفقير لكون رواتب هؤلاء عالية جداً لا تنافسهم بها حتى مرتبات أقرانهم في أغنى دول العالم ومنها ودول الجوار وما لهم من امتيازات كالمخصصات المتنوعة وقطع الأراضي السكنية التي حصلوا عليها في أحسن المناطق وسيارات الدولة الفارهة التي يستغلونها لأغراضهم الشخصية ، وكذلك لا يعانوا من مشكلة السكن لأنهم يسكنون في قصور عاجية شيدها لهم النظام السابق في المنطقة الخضراء وعلى شواطئ نهر دجلة وتحرسها أرتال من القوى الأمنية من الأقارب المقربين ، وكذلك لا يعانوا من مشكلة زحام الشوارع والطرقات والأختناقات المرورية لساعات طويلة والتي تسلب رزق وراحة فقراء الشعب بسبب السيطرات التي أثبتت عملياً فشلها وعدم جدواها في توفير الأمن وأنها لا تغني ولا تسمن عدا خلق الزحام ، لأن لهؤلاء أرتال من الحمايات بسياراتهم المصفحة والمضادة للرصاص تفتح لهم الطريق حتى وإن كان ذلك بسير موكب المسؤولين  بعكس إتجاه السير خلافا لقانون المرور في الشوارع ، وما يترتب على ذلك من تجاوز على حق المواطن ورجال المرور بالشتم والكلام النابي والضرب إذا تطلب الأمر ذلك كما حصل من حماية أحد الوزراء في ساحة الواثق في جانب الرصافة وتم لفلفة الدعوىالمقامة في المحاكم على الوزير الصبي المدلل .. وكذلك لا يعانوا من مشكلة الخوف على مصدر رزقهم وتامين العيشة الكريمة لعوائلهم بعد الأحالة على التقاعد لأن رواتبهم التقاعدية قليلة لا تسد الرمق بأدنى مستوى حسب قانون تقاعد موظفي الدولة ، لأن لهم قانون التقاعد الخاص بهم يتقاضون بموجبه ( 80% ) من راتبهم الكلي ( الأسمي + المخصصات ) من آخر راتب كانوا يتقاضونه قبل الأحالة على التقاعد مهما كانت مدة خدمتهم الفعلية .. !! ، وكذلك لا يعانوا من تدني مستوى الخدمات الصحية في العراق لأن كل معالجاتهم الطبية بما فيها نزلة برد خفيفة والزكام وغيرها من الأمراض الموسمية تتم خارج العراق في أوربا وأمريكا والفقير منهم لا سمح الله أن يكون بينهم فقير الحال يعالج في دول الجوار ، وقد يكون السبب في ذلك لأنه يستحرم أن تمسه يد الكفار ، لأن جيوبهم ما شاء الله عامرة ثقيلة وقادرة على تحمل مصاريف العلاج في الخارج ، وليست كجيوب الفقراء من العراقيين خاوي والتي تخلو في أغلب الأحيان من ثمن المسواق البسيط كالخبز والخضار من دون لحم ودجاج والفواكه المحرمة والمضرة بالصحة طبعاً ، وكذلك لا يعاني أبنائهم من سوء التعليم وتدني مستواه  بكل مراحله لأنهم أصلاً يدرسون خارج العراق في جو مريح يتوفر فيه الكهرباء والأمن وكل الخدمات الآخرى بأحسن مستوى بالأضافة الى الفرفشات المسلية ، لأن وضعهم المعاشي يتحمل مصاريف التعليم في احسن المدارس والجامعات الرصينة في أي بلد آخر ، وليس كما هو حال أبناء الفقراء والمحرومين من شعب العراق ، هذه الطبقة طبقة القطط السمان تتمتع بكل هذه الأمتيازات التي لا يتخيلها العقل والتي تجعلها لا تشعر بما يشعر به عامة الناس من أبناء الشعب العراقي اليوم من عوز وبؤس وفقر مدقع وشحة الخدمات وهو يعيش في أغنى بلد في العالم .. !! إن أبناء الطبقة الحاكمة يعيشون في عراق آخر وجديد فعلاً بكل المعايير ، وكأن عراق القطط السمان موجود خارج الكرة الأرضية التي نعيش عليها ، وليس العراق الذي يعيش فيه أكثر من ( 95% ) من العراقيين من مختلف الشرائح الأجتماعية من ذوي الدخل المحدود من الموظفين في مؤسسات الدولة الرسمية وأصحاب المهن الحرة الصغيرة والذين يشكلون نسبة كبيرة من القوى العاملة في البلاد ، والفقراء المحرومين الذين يعيشون تحت خط الفقر ونسبتهم تتجاوز ( 23 % ) من أبناء الشعب العراقي حسب الاحصاءات الدولية المختصة ، هؤلاء محرومين من كل ما يجعلهم يعيشون بالمستوى الذي يليق بالأنسان ، بحيث أصبح العراق وشعبه موضع التندر للآخرين بوصفهما أغنى بلد وأفقر شعب ، لا أعرف إن كان هذا الوصف يرضي ويشفي غليل الطبقة الحاكمة المنتفخة بمال الفساد لحد الثمالة .. ؟ والى متى تستمر حالة العراق هكذا .. ؟ .
والعراق الآخر هو عراق الطبقات الفقيرة والمحرومة من أبسط مستلزمات الحياة الكريمة التي تليق بالأنسان المعاصر الذي خرج تواً من قرن التقدم العلمي والأبتكارات والأختراعات الكبيرة التي نقلته نقلة نوعية الى عصر آخر ، والى قرن القفزات النوعية الهائلة المتوقع أن تحصل في كل مجالات الحياة الإنسانية والتي سوف يحققها في العقود القليلة المقبلة ، قرن الوصول الى المريخ والزهرة وغيرها من الكواكب التي أصبحت في متناول يديه بحثاً عن مصادر جديدة لتطوير حياة البشر وزيادة رفاهيته ، قرن سبر أغوار الكون بحثاً عن مكان يليق أكثر بحياة هذا المخلوق العظيم الذي أنجز كل هذه المنجزات المعجزات العلمية الهائلة التي تعجز أرقى وأغنى اللغات الأنسانية بمفرداتها وجملها من وصفها والتعبير عنها بما تستحق .. هل من المعقول أن يكون الأنسان العراقي صاحب أغنى بلد بثرواته ومورده الطبيعية أن يعيش كل هذه المعاناة .. ؟ معاناة عدم توفر الخدمات بأبسط صورها كالكهرباء وماء الشرب الصافي الصالح للأستخدامات البشرية ، ومجاري الصرف الصحي وشحة ورداءة دور التربية والتعليم بكل مراحلها وفقدان كل الخدمات والمستلزمات المطلوبة فيها ، وما يواجه البلد من البيئة بسبب التلوث الواسع والناتج من مصادر مختلفة وما يسببه من إنتشار الأمراض والأوبئة حتى تلك الأمراض التي إنقرضت في البلدان الآخرى ، ورداءة الخدمات الصحية وإنتشار الجريمة بكل أشكالها بما فيها ترويج المخدرات ، وإنعدام الأمن والأمان الذي تضرب أطنابه كل مفاصل الحياة العراقية من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ، وما يعانيه البلاد من نزيف الهجرة لخبرة أبناءه من حملة الشهادات العلمية العالية الى بلدان المهجر بسبب الظروف الأمنية وإستهدافهم من قبل عصابات القتل المنظم وعدم توفر رعاية الدولة لهم وحمايتهم ، وكذلك ما يعانيه البلاد من نزيف هجرة أبناء الأقليات القومية من سكان البلاد الأصلاء بسب ما يتعرضون له من إقصاء وتهميش من المشاركة في إدارة البلاد وما يتعرضون له من مصادرة أراضيهم في مناطق سكناهم بغرض تغيير ديموغرافية مناطقهم لصالح الغير ، وكذلك بسبب ما تعرضوا ويتعرضون له اليوم من عمليات القتل والتهديد من قبل القوى الدينية المتطرفة والمتشددة الضالة التي تزرع القتل والجريمة في كل أرجاء الوطن ويستهدفون كل من يخالفهم الرؤى العقائدية ، وكذلك إنتشار جريمة سرقة المال العام من خلال الفساد المالي والإداري المستشري في كل مفاصل دوائر الدولة والذي تقوده الطبقة الحاكمة والمحيطين بها من ثلة الأقارب والأصدقاء والمعارف والسائرين في فلكها من القطط السمان من رجال الأعمال قناصي الفرص الرخيصة أصحاب الشركات الوهمية والمزورة والبعيدين عن المهنية والوطنية من أشباه الوطنيين أو بالأحرى من خونة الوطن الذين تسيل لُعابهم على السحت الحرام من أموال الدولة .. إن الطبقة الحاكمة بكل حلقاتها بدءً  بفخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء ودولة رئيس مجلس النواب ورؤساء الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية والوزراء وكل موظفي الدولة من أصحاب الدرجات الخاصة يعترفون بصراحة في كل المناسبات بوجود فساد إداري ومالي واسع في مؤسسات الدولة الرسمية وأجهزتها المختلفة من دون إستثناء ، وهذا الشيء يعرفه ويتحدث به كل مواطن عراقي من محرومي وفقراء الشعب بدءً ببائعي الخضار وأهل البسطات الشعبية على أرصفة الشوارع المحفورة وغير المعبدة في بغداد عاصمة الرشيد وقلعة الأسود وإنتهاءً بأكبر موظف في الدولة دون الدرجات الخاصة ويتحدثون عنه تفصيلاً في كل مناسباتهم ولقاءاتهم علانية من دون خوف من عيون الحكومة كما كان يقال سابقاً في عهد الدكتاتورية التي كانت فيه الحكومة وعيونها الساهرة تحصي لهم أنفاسهم ، أي بمعني أن الحكومة بكل حلقاتها والفقراء والمحرومين من الشعب وكل رعايا الوطن يعرفون كل شيء عن الفساد المالي والإداري وسرقة المال العام في أجهزة الدولة في وضح النهار ، وهذا مهم جداً وهو جزء من المشكلة وليس كلها ، ولكن ما الجدوى من كل ذلك ما لم تطال يد القانون الفساد والمفسدين من أية حلقة كانوا .. ؟؟ نسمع بين الحين والآخر من لجنة النزاهة البرلمانية الموقرة وخصوصاً عندما تتصاعد وتيرة الخلافات والمناكفات والصراعات بين الكتل المتنفذة على الكراسي في مؤتمراتها الصحفية بأنها قد وضعت يدها على ملفات الفساد في هذه الوزارة أو تلك وفي هذا النشاط أو ذاك وسوف نعلن عن الأسماء في وقت لاحق ، وتمضي الأيام والأسابيع والشهور والسنين دون أن نسمع شيئاً عن تلك الأسماء ، وهذا يعني أن القضية تم لفلفتها إن صح التعبير وأصبحت شيء من الماضي في الأرشيف المنسي .. وبهذه المناسبة أحب أن أذكر القارئ اللبيب بما قاله الدكتور إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق ورئيس تيار الاصلاح الوطني ورئيس كتلة التحالف الوطني في البرلمان في أحد مؤتمراته الذي لا يحضرني موضوعه بالضبط ، حيث قال مخاطباً الحضور بحماس وغضب ناري في لهجته ( لقد كان في السابق موظف الدولة يطلب الرشوة من المراجع من تحت الطاولة ولكن أصبح اليوم يطلبها من فوق الطاولة مباشرة وبشكل علني ) ، حقيقة إنه إعتراف صادق وصريح وشجاع للغاية من مسؤول كبير في الدولة العراقية الجديدة وهذا هو واقع الحال في دوائر الدولة يعرفه القاصي والداني ، وخيراً فعل الدكتور الجعفري بهذا التصريح ، وهذا الأعتراف ينطوي على شجاعة التي من المفروض أن تتوفر في كل مسؤول في الدولة التي تدعي الديمقراطية .. وهنا أقول إذا كان أمر الفساد والفاسدين قد وصل الى هذا الحد من الصلافة والقباحة أسأل الدكتور الجعفري وأقول له صدقت وأصبت الهدف ولكن ما هي إجراءات الحكومة ومجلس النواب الموقرين بالمقابل لكبح جماح الفساد والمفسدين .. ؟ ليس المهم أن نكتشف المرض فقط بل الأهم منه أن نعالجه ونستأصله من جذوره ليتعافى الجسد الوطني من هذه الأورام السرطانية الخبيثة وأنت طبيب مختص أدرى بهذه الأمور مني كمهندس ..                     


232
أثني على مقالة الأستاذ أبرم شبيرا 

المهندس : خوشابا سولاقا

لقد كانت مقالة الأستاذ أبرم شبيرا الموسومة ( أين ممثلي أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية من عملية هارا كاري اليابانية ) والتي نشرها على موقع عينكاوه دوت كوم قبل أكثر من أسبوعين بكل ما ورد فيها من تفاصيل الرد المناسب الذي كان يجب أن يكون من قبل من يدعي تمثيل أمتنا في مؤسسات الدولة العراقية التشريعية والتنفيذية والقضائية على أقل تقديرعلى ما يجري من تجاوزات وإعتداءات وإقصاء وتهميش بحق أمتنا من قبل الحكام الطائفيين والقوميين الشوفينيين في بغداد وأربيل على حدٍ سواء ، ولكن مثل هكذا ردود ومواقف لا تأتي إلا من قبل من يمتلك الشجاعة والروحية والشعور التي كان يتمتع بها ويمتلكها مقاتل الساموراي الياباني قديماً عندما كان يغرز السيف في جوفه على أثر شعوره بالخزي والعار التي كان يشعر بهما بعد خسارته لأي معركة مع أعدائه في الدفاع عن الوطن ومقدسات شعبه والأمبراطور الذي كانوا يقدسونه اليابانيين ، فكان بطل الساموراي يفضل الموت بكرامة على العيش بمذلة ومهانة ومن دون كرامة بين ظهراني مواطنيه ، الشعور نفسه كان يدفع بالطيارين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية الى الأنتحار بالأغارة بطائراتهم المقاتلة مع كامل ذخيرتها من القنابل على السفن الحربية الأمريكية في عرض البحر كقنبلة حارقة تحرق العدو وتنشر الخوف والرعب في قلبه وتحطم معنوياته الحربية مقلدين في ذلك مقاتلي الساموراي الشجعان ، وفي نفس الوقت كانت هذه العمليات الفدائية تلهب شعور الشعب الياباني وترفع من معنوياته على مقاومة العدو بشراسة وبسالة وعناد أكبر .. حقيقة كانت المقالة خير مرشد لمن يريد أن يقتدي بالمقاتلين اليابانيين ومَن عنده شيء من الكرامة ويرفض الظلم الذي يقع على أبناء أمته ، ولمن يريد أن يعيش معززاً ومكرماً مرفوع الرأس بين من يدعي تمثيلهم ، ولكن شتان ما بين من يدعي تمثيل أمتنا كما نعرفهم من تجاربهم ومواقفهم السابقة من قضايا كثيرة والمقاتلين اليابانيين من الساموراي والطيارين الفدائيين وغيرهم يا أستاذ ابرم شبيرا ، ولكن في نفس الوقت خيراً فعلت بأقتراحك لهم بالأنتحار على طريقة ( هارا كاري ) الكلدانية السريانية الآشورية وليس على طريقة ( هارا كاري ) اليابانية لكي لا يقولوا عندما تحين ساعة الحساب ليس هناك من أرشدنا وقدم لنا النصيحة ووجهنا الى الطريق القويم للمواجهة المطلوبة التي تلائم الحياة الديمقراطية والى ما هو خير للأمة .. إن أولائك الذين يدعون زوراً وبهتاناً تمثيل أمتنا الكلدانية السريانية الآشورية كما يقال ليسوا من ذلك الصنف من النحل الذي ينتج العسل والشمع وإنما هم من صنف آخر .. عزيزي الأستاذ ابرم شبيرا إن كل ما يهم هؤلاء الدعاة الذين لا يمثلون إلا انفسهم هو ما يملؤون به جيوبهم التي كانت خاوية وستبقى خاوية كخواء وخلو قلوبهم وأنفسهم من الحب الصادق لمن يدعون تمثيلهم ، وهذا ما أكدته لنا تجاربهم ومواقفهم من الأحداث سابقاً منذ سقوط النظام السابق في 2003 والى اليوم الذي وصلت فيه التجاوزات والأعتداءات من قبل الآخرين الى عُقر دار هؤلاء وهم ساكتين صاغرين كالحجارة دون أن يحركوا ساكناً لا دفاعاً عن النفس ولا دفاعاً عن حقوق أمتنا ، لا أعرف يا أستاذ أبرم شبيرا ما الذي يجب أن يحصل أكثر من التجاوزات والأعتداءات المهينة على أمتنا وحقوقها المشروعة دستورياً حتى تجعل هؤلاء الدعاة يشعرون بالخزي والعار اللذان كان يشعر بهما المقاتلين اليابانيين ليقتدوا ببطولاتهم في عملية ( الهارا كاري ) .. ؟ ، وذلك ليس بغرز السيوف في بطونهم غسلاً لعار الهزيمة التي لحقت بهم في ميادين القتال السلمي الديمقراطي في البرلمان وفي مجلس الوزراء ، لأنه أصلاً سيوفهم مثلومة لا تجرح ولا تقتل ، أو الأنتحار بالأغارة بطائراتهم المقاتلة على مباني البرلمان والحكومة في بغداد وأربيل لكونهم لا يمتلكونها وإن امتلكوها فهم لا يجيدون قيادتها لأنهم لا يمتلكون الشجاعة للاقدام على مثل هكذا عملية ، ولأنني متفق معك لا أريد لهم الموت لأن الأمور لم تصل الى هذا الحد من السوء لحد الآن ، بل أطالبهم كما طالبتهم أنت أن يقوموا الآن بكسر الكراسي التي يجلسون عليها بخجل وخذلان الخاسرين للمعركة ورميها في وجوه ظالميهم من الحكام وتقديم إستقالاتهم بصورة جماعية من مناصبهم تعبيراً عن رفضهم للتهميش والأقصاء والممارسات غير الدستورية بحق أبناء شعبنا ، لأن هذه الكراسي تصبح عاراً على من يجلس عليها ما لم يعطها حقها وإستحقاقها ، وأن الجالس عليها أصبح عاجز من أن يقدم لأمته ما يفتخر به ، إن هذه الكراسي أصبحت لهؤلاء الجالسين عليها كمن يجلس على قارعة الطريق يستجدي من المارة ما تجود به أيديهم ، هكذا تبدو الصورة للمشاهد من أبناء شعبنا بلغة الواقع والمنطق والعقل وليس إلا .. لقد توالت التنازلات من قبل هؤلاء الذين جاءت بهم ألاعيب الانتخابات وشراء الذمم والولاءات الفرعية كالعشائرية والمذهبية وغيرها من الممارسات غير القانونية تجاه السذج من الناس من أبناء شعبنا لشراء أصواتهم ، وحشد الأقارب وقرود السيرك من الأنتهازيين والمتملقين الذين يجيدون المسح على الأكتاف ، ومن بائعي الضمير من أجل حفنة من الدنانير الملوثة ، والمتاجرة بتضحيات الشهداء الأبرار من أبناء شعبنا الذين قدموا أرواحهم من أجل قضية قومية أو وطنية نبيلة ، هذه التضحيات التي أغتصبت في الظلام من قبل لصوص الليل وصودرت واستثمرت بخسة لخدمة المصالح الشخصية للقلة القليلة ممن تسللوا بخبث ودهاء ومكر ثعلبي الى حيث يصنع القرار على مستوى أمتنا بشكل خاص أو على مستوى العراق بشكل عام ، لأن هؤلاء الأقزام تدربوا جيداً على اداء لعبة الرقص على أكثر من حبل حسب ما تقتضي مصالحهم وليس حسب ما تقتضيه مصلحة الأمة كما يغردون في وسائل الاعلام ويتلكلكون ويتملقون للأقوياء من أولياء نعمتهم وسالبي حقوق أمتهم التي يدعون تمثيلها ، أقول لهؤلاء المتخاذلين بامتياز إن السياسة ليست لكلكة ولواكة وإحتراف مهنة الكذب بل هي مواقف مبدئية تنطوي على التضحية بالمصالح والمنافع الشخصية من اجل قضية أخلاقية قومية أو وطنية أكبر وليس العكس يا كرام .. !! هذا السلوك ليس خافياً على متتبع الأحداث في العراق منذ سقوط النظام السابق ، إنه أسلوب يمارس من قبل الجميع ضد الجميع دفاعاً عن المصالح الشخصية ، إن أمثال هؤلاء النفعيين لا يعرفون للخجل والحياء والصدق والرفقة مَعنى ، ويتقنون مهنة الكذب والضحك على ذقون الآخرين من السذج خير إتقان حيث يجدون في سلوك هذا الأسلوب القبيح والمقزز خير سبيل لتحقيق مآربهم الشخصية غير المشروعة وغير الأخلاقية ، وهنا أريد أن أذكر القارئ الكريم بما صرح به أحدهم لأحد الإعلاميين المشهورين في أستراليا في مقابلة خاصة لإذاعة ( SBS ) قبل أيام حين سأله لماذا لا تكسرون الكراسي التي تجلسون عليها وتقدمون استقالتكم من مناصبكم كما أقترح الأستاذ أبرم شبيرا في مقالة له احتجاجاً على ما يجري بحق شعبنا الآن.. ؟ فكان جوابه لو فعلنا ذلك سوف نفقد وسائلنا في عرض قضايانا والدفاع عنها ، وهنا أسأل السيد المحترم أي دفاع يقصد عن المصالح الشخصية أم غيرها ، واستطرد قائلاً لو كنت قد قدمت استقالتي من منصبي كنائب في البرلمان لما كان باستطاعتي مقابلة الوزيرة هيلاري كلينتون ( طبعاً الزيارة لم تكن شخصية بل كانت ضمن الوفد العراقي برئاسة نائب رئيس الجمهورية إلى اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة وهي بالتالي زيارة بروتوكولية صرفة ) .. !! ولكن مع الأسف الشديد لقد فات لمقدم المقابلة الأستاذ ولسن يونان أن يسأل السيد المحترم هل بإمكانك أن تخبرنا ولو بإيجاز عن ما قلته للوزيرة كلينتون بخصوص قضايانا القومية وما يجري من تهميش وإقصاء واعتداء وتجاوز على حقوق شعبنا القومية في هذه المقابلة التاريخية .. ؟ من المؤكد أنه لم ينطق بشيء من هذا القبيل في هذه المقابلة ، إن مقابلته للوزيرة كلينتون تنصب في خدمة مصالحه الذاتية في البحث عن الشهرة وليس إلا ، قل لنا يا محترم ما الذي جنته أمتنا من مقابلتك للوزيرة كلينتون ، انشر ذلك في وسائل إعلامك ليطلع عليه أبناء شعبنا وبإمكانك عرض تسجيل المقابلة للوزيرة في تليفزيونك ليكون كل شيء واضح وجلي بالصورة والصوت ولتُخَرس معارضيك أو المعادين لك كما يحلو لك توصيفهم .. في سبيل تحقيق كل ما ذكر من هذه الأهداف تحول المكون الآشوري الى مكون الكلدو آشوري ثم تحول بين ليلة وضحاها الى مكون الكلداني السرياني الآشوري ومن ثم إنتهى به الأمر الى المكون ( المسيحي ) والشعب المسيحي كما يتم تداوله في أروقة الدولة الرسمية حالياً وربما قد تتطور الأمور الى ما هو أبعد من ذلك عن البعد القومي في القضية كأن نكنى أو نسمى بالأمة المسيحية .. !! أنا هنا لا أستصغر ولا أستخف ولا أستسخف هذه التسمية ولا أسخر منها ابداً ، وأنا كمسيحي أعتز بمسيحيتي وأجُلها ، ولكن أرفض هذه التسمية لشعبنا لأنها تخالف الحقيقة الإنسانية وتُفقدنا انتمائنا القومي وهذا ما يهدف إليه أعداء أمتنا ويرقص السذج من الثرثارين من هواة السياسة من أبناء شعبنا عن إدراك أو من دون إدراك على هذه النغمة النشاز ، وبالتالي تُفقدنا الأصالة القومية في الوطن العراقي ( بيث نهرين ) وتحولنا الى مجرد طائفة دينية أو جالية كما يحلو للبعض تسميتنا ، فعلى من يدعي تمثيلنا في مؤسسات الدولة الوطنية العراقية أن يدرك هذه الحقيقة بكل مكوناتها الجزئية وتفاصيلها الدقيقة وأن لا تغيب عن باله أبداً في نضاله من اجل المحافظة على وجودنا القومي ككيان قائم بذاته ، لذلك أطالب من يدعون  تمثيل شعبنا من الساكتين الصاغرين كالحجارة الذين لا ينطقون بغير الكلام الإعلامي الفارغ أمام الكاميرات وعبر وسائل الإعلام المختلفة واللجوء الى اسلوب المتاجرة بالوعود الكاذبة من دون القيام بأي عمل فعلي ملموس على أرض الواقع اتخاذ موقف يليق بذلك التمثيل وإلا ما الداعي لوجودهم .. ؟ .. لقد جاء فشل هؤلاء ممن يدعون تمثيل شعبنا من ترشيح امرأة من بنات شعبنا كأن هذه الأمة تخلو ممن هن جديرات ومؤهلات لشغل موقع المفوض التاسع في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بمثابة نكسة أخرى لشعبنا في تكريس وجوده القومي كمكون أصيل في العراق ، وبذلك حُرمت وأقصيت أمتنا من التمثيل في المفوضية وذهب المقعد للأخوة التركمان ومن يدعون تمثيلنا صاغرين دون أن يتحرك لهم جفن ، ليس لسبب مبرر يمكن تقبله وإنما خوفاً على فقدان كراسيهم المتهرئة والملايين التي تنساب الى جيوبهم من خلالها في نهاية الشهر من أية زلة لسان تحصل منهم . !! ، من أجل ذلك يقولون ( طوز بكل شيء ) كما قلت يا أستاذ أبرم شبيرا .. منذ مدة طويلة والمهتمين بالشأن السياسي لأمتنا والمتتبعين لتطوراته يتحدثون عن ما يجري من عمليات التغيير الديموغرافي الواسعة النطاق في مناطق سكن أبناء شعبنا في زاخو وسهل نينوى بقصباته ومدنه وعينكاوه بأطرافها ودهوك وشمل ذلك ( 64 ) قرية من قرى شعبنا التي تم اغتصاب أراضيها ومصادرتها لصالح الغير الى أن وصل الأمر وكما وردنا في وسائل الإعلام التي تمتلكها وتديرها أبناء شعبنا  بمصادرة ( 88% ) من أراضي قرية ( كوري كافانه ) عرين المستأسد الكارتوني الذي يملأ زئيره أروقة البرلمان العراقي ووسائل الإعلام ، أي أن المعركة أصبحت في عقر دار السيد نائب الأمة وقائدها كما يحلو له تسميته .. !! ، ولكن من المؤكد إنه لم ولن يفعل كما فعل هتلر والكثير من قادته بعد ان وصلت جحافل الحلفاء الزاحفة من الشرق والغرب الى مبنى ( الرايخ الرابع ) في قلب برلين عاصمة المانيا النازية .. أنا هنا لا أطالب هؤلاء العاجزين أي كانوا أعضاء في البرلمانين أو في الحكومتين أو في مجالس المحافظات والبلديات القيام بما هم غير قادرين على القيام به ، أي أن ينتحروا ويضحوا بحياتهم كما فعل هتلر وكما كان يفعل مقاتلي  الساموراي الشجعان ، بل أضيف صوتي بقوة الى صوت الأستاذ أبرم شبيرا وعشرات الآلاف مثله ونطالبهم بكسر تلك الكراسي المتهرئة التي يجلسون عليها اليوم والتي أصبحت عار على الجالسين بعد كل ما جرى ويجري من تهميش وإقصاء وحرمان بحق شعبنا ورميها في وجوه الحكام في بغداد واربيل وتقديم استقالاتهم من مناصبهم الرسمية تعبيراً عن رفض جماهير شعبنا لهذه الممارسات والتجاوزات المخالفة للدستور وحقوق الإنسان وقيم الحرية والديمقراطية على الحقوق القومية لأمتنا من جهة ، وهذه الممارسة تشكل في ذات الوقت رد اعتبار وشهادة براءة الذمة أمام أبناء شعبنا لمن يدعي تمثيلها ، وتلقين الحكام الظالمين درساً في الإخلاص للمبادئ والوطنية وللممارسة الديمقراطية من جهة أخرى .. ولكن هل سيفعلون ذلك وهل سيعلقون جرس الإنذار برقبة الهر .. ؟ أشك في ذلك يا أستاذ أبرم شبيرا لأنهم ليسوا من ذلك الصنف من النحل الذي ينتج العسل والشمع كما قلنا ، ولكن عسى أن يفعلوا ذلك نكاية بنا على الأقل .. !!           

233
النخب السياسية العراقية بين واقعها وخطابها
الوطني المزيف

                                                                                                                    المهندس : خوشابا سولاقا
إن المراقب السياسي المتتبع لتطورات الأحداث السياسية الجارية على الساحة السياسية العراقية منذ الأنتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في آذار من عام 2010 والى اليوم ، وما رافقتها من تداعيات وإشكالات ومساومات وتوافقات التي إنتهت بما سميت باتفاقية أربيل حول تشكيل الحكومة التي لم يكتمل تشكيلها لحد الآن بسبب الخلافات والمنابزات والتناحرات التي إنفجرت بين النخب السياسية المتنفذة والموقعة على الاتفاقية حول تفسير بنودها من حيث مدى دستوريتها من عدمه التي لم يتم تنفيذها لغاية اليوم بإستثناء البند المتعلق منها يتنصيب السيد المالكي رئيساً لمجلس الوزراء وكأن هؤلاء الموقعون لم يطلعوا على الدستور قبل صياغة بنود الاتفاقية والتوقيع عليها إن هذا لمهزلة بعينها ، سيلاحظ بوضوح التناقض الذي تعيشه هذه النخب والكتل البرلمانية التي أنتجتها الانتخابات البرلمانية بين ما تروج له في خطاباتها الوطنية المعلنة للشعب وبين ممارساتها اليومية على أرض الواقع من خلال صراعها وإستقتالها من أجل السلطة والمصالح الفردية والحزبية والفئوية والعشائرية والمناطقية والطائفية والقومية ، حيث تعكس هذه الصراعات والتناحرات والخلافات التي لا مبرر وطني لها زيف الخطاب الوطني المعلن الذي تتشدق به في وسائل الاعلام ليلاً ونهاراً هذه النخب السياسية والكتل البرلمانية بغرض تضليل المواطن العراقي لسرقة صوته في مواسم الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات ، ومن ثم يصبح ما ورد من الوعود المعسولة في الخطابات الوطنية المنمقة المعلنة قبل الانتخابات لهذه النخب التي تجيد فن الرقص على الحبال والضحك على ذقون البسطاء من الناس هباءً منثوراً بعدها ، والمواطن العراقي يداوي جراحه ويبكي ندماً ويلعن ( ساعة السوده ) التي فيها منح صوته الوطني الى هؤلاء المخادعين وغير الصادقين فيما يقولون الذين جاء بهم الى مقاعد البرلمان والحكومة في ليلة ظلماء ، حيث بوجودهم ضاع الوطن والوطنية والهوية الوطنية في غمرة الصراعات على الهويات الفرعية والمصالح الشخصية والولائات العمياء للارادات الأجنبية من دول الجوار التي تتدخل بصلافة ووقاحة متناهية في كل شان من الشؤون العراقية الداخلية والخارجية ، وكأن العراق يشكل في خارطة المنطقة الحديقة الخلفية لبلدانهم دون أن يقول لهم أحداً على ( عينكم حاجب ) كما يقول المثل ، وفي ظل هذا الوضع المزري غير المستقر زاد الأثرياء من أصحاب السلطة والمقربين منهم والسائرين في فلكهم من الانتهازيين والمتملقين ( اللوكية ) والمنافقين ثراءً وزاد بالمقابل فقراء الشعب أصحاب الأصوات الذهبية في مواسم الانتخابات فقراً وخراباً وتعاظمت معاناتهم الانسانية والاجتماعية والمعاشية وخابت آمالهم وماتت أحلامهم الوردية بالعيش الرغيد وذهبت أدراج الرياح بعد أن ضرب ( النشامة ) الفائزين بالسلطة في  الانتخابات بعرض الحائط كل وعودهم المعسولة التي قطعوها لهم قبل الأنتخابات وأثنائها وكأن هذه الوعود كانت ( كلام الليل يمحوه النهار ) كما قال الشاعر العباسي أبو نؤاس رحمه الله ، متناسين أنه ستعود الحاجة بهم لاحقاً الى أصوات هؤلاء الفقراء من الشعب مرة أخرى في موسم الانتخابات في قادم الايام لغرض البقاء والاستمرار في مواقعهم المترفة والتمتع بما هم فيه من البذخ والرفاهية بسبب إمتيازات ونِعَم السلطة ومغرياتها المختلفة والمتعددة من مال وجاه ورفعة المكانة الاجتماعية ، ومتناسين في الوقت ذاته أن الشعب يُمهل ولا يُهمل ولا ينسى ظالميه والناكلين به ، وعندها سيقول كلمته الحقة بحق من خيب ظنه سابقا وتمكن من سرقة صوته في غفلة منه في ظلام الليل وسيادة الخصوصيات الفرعية على تفكيره وقراره في ظل غياب الوعي الوطني السليم لديه بالمستوى الكافي لادراك ألاعيب طلاب السلطة والسحت الحرام والمتاجرين بها في سوق الهرج والمرج وفي ظل ضياع الهوية الوطنية في زحام صراع الهويات الفرعية التي صنعها المحتل الأجنبي .. أن ماتشهده الساحة السياسية العراقية من مناكفات وصراعات وتبادل التهم والنعوت بمختلف أصنافها المقبولة وغير المقبولة الاخلاقية وغير الاخلاقية من أجل تقاسم المغانم وتوزيع المناصب الرفيعة والوضيعة والمنافع المادية والمعنوية سواءً كان ذلك بين الكتل البرلمانية المتنفذة والحاكمة والصانعة للقرار السياسي العراقي أو بين الفصائل السياسية المكونة للكتلة البرلمانية الواحدة وما يفضي إليه ذلك من إشاعة الفساد المالي والاداري في مختلف أجهزة الدولة دون إستثناء ، أن هذا الواقع الفاسد إن دل على شيء فإنه يدل على مدى أنانية وفساد هذه النخب والكتل ذاتها ، وهي في ذات الوقت تعرف وتعي جيداً أن سلوكها هذا لا ينم بأي شكل من الأشكال عن الروح الوطنية الحقة ولا يمت إليها بصلة لا من قريب ولا من بعيد ، وإنما يعني بكل تفاصيله الأضرار بمصالح الشعب والوطن بأقصى درجات الضرر الى الحد الذي يمكن اعتباره في بعض جوانبه جريمة وطنية يحاسب عليها القانون ، إن ما يفرزه هذا الواقع من نتائج سلبية بحق تأخر البلد في إعادة بناء بناهُ التحتية المدمرة وتأهيل منظومات الخدمات العامة كالكهرباء والهاتف والماء والمجاري والصحة والتعليم والنقل والمواصلات لتقديم الخدمات بالمستوى المطلوب الى جماهير الشعب التي هي بأمس الحاجة إليها في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها ، وتوفير فرص العمل لجيش العاطلين من أبناءه من المتعلمين الذين مضى على تخرجهم من مقاعد الدراسة سنوات طويلة ومن غير المتعلمين من الشرائح الاجتماعية الاخرى ، تكفي لهؤلاء الذين يمسكون بالسلطة وإدارة البلاد لأن تجعلهم يتخلون عن مسؤولية السلطة وإدارة البلاد وفسح المجال لغيرهم ممن هم أكثر كفاءةً منهم ولديهم من المؤهلات والخبرات المطلوبة أكثر لادارة شؤون الدولة بكفاءة ونجاح لو كان لديهم مقدار ذرة واحدة من الوطنية الصادقة وحب الوطن والشعب ، لأن هذا الواقع يؤشر بجلاء على مدى الفشل الذريع الذي أصاب هذه النخب بقياداتها الحالية التي تفتقر الى الخبرة والتجربة والحرص الوطني والنزاهة وصحوة الضمير لقيادة البلاد الى شاطئ الأمان ، وخير إثبات على هذا الفشل ما أورده تقرير دولي صدر مؤخراً بمساعدة مجلة وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص أكثر الدول فشلاً في إدارة شؤونها ورد تصنيف العراق التاسع ، من المؤكد أن معدي التقرير لو أخذوا بنظر الاعتبار الموارد المالية المتاحة للدول التسع عند اختيار المعايير العلمية الدقيقة لتصنيف الأكثر فشلاً  لكان تصنيف العراق الغني بموارده المالية الأول .. !! وأورد التقرير في ذات الوقت أن المبالغ المصروفة حسب الميزانيات الرسمية المعلنة من قبل الحكومات التي توالت على إدارة شؤون البلاد خلال السنوات التسع الماضية كانت بحدود ( 700 ) مليار دولار وإن أكثر من سبعة ملايين من أبناء شعبه يعيشون تحت خط الفقر ، وإن العراق صنف في مقدمة الدول الأخطر في العالم من حيث توفر الأمن والآمان لمواطنيه وضيوفه وزواره ، وهنا أريد أن أسأل الحكومة الموقرة إن لم يكُن هذا فشلاً إذن كيف يكون الفشل من وجهة نظرها .. ؟ !! ، ولكنهم لم ولن يتخلون أبداً عن مناصبهم لغيرهم ولسبب بسيط جداً ألا وهو إنهم ليسوا وطنيين حقيقيين وصادقين فيما يقولون  وليسوا بشخصيات الدولة المؤهلين لها ، بل إن وطنيتهم هي وطنية مزيفة ، وطنية المزايدات الأعلامية في مواسم الأنتخابات ، وطنية الأستحواذ على السلطة والأنفراد بها من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الفردية ولأطول فترة زمنية ممكنة وحماية الهويات الفرعية على حساب طمس وتهميش الهوية الوطنية العراقية ، لو كانوا وطنيين صادقين مخلصين وأرادوا حل مشاكل البلاد ورفع معاناة جماهير الشعب الذين أصابهم سأم طول الأنتظار لأنجزوا ذلك في ظرف أسبوع واحد لا أكثر ، ولكانوا قد أنصفوا الأقليات القومية والدينية بمنحهم لكافة حقوقهم التي أقرها الدستور ، ولمنعوا التغيير الديموغرافي في مناطق سكناهم ولأستلاء على أراضيهم كما يحصل في أقليم كوردستان اليوم ، ولكنهم ليسوا كذلك وتلك هي المصيبة .. !! ، وإن الذي يدفع الثمن غالياً لهذه الصراعات والخلافات والمناكفات بين النخب السياسية والكتل البرلمانية الحاكمة على مدار الساعة يومياً هو المواطن العراقي الفقير .. وعليه أهيب بكل وطني عراقي شريف من أي قومية أو دين أو طائفة أو حزب كان أن يحتكم الى عقله وليس الى عواطفه المنحازة لولائاته الفرعية في منح صوته لمن هو أكفأ وأنزه عند إختيار ممثليه في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والانتخابات البرلمانية القادمة في عام 2014 لانقاذ الوطن والهوية الوطنية من الضياع وإنتشال الشعب من واقعه المزري الذي يعيشه اليوم .. أيها العراقي الغيور تذكّر دائماً أنتَ عراقي الهوية قبل أن تكون أي شيء آخر ، وأن العراق هو البيت الأكبر الذي يأوي الجميع ، وهو القارب الذي يحمل الجميع على مَتنهِ ويمخرُ عُباب البحار الهائجة ، إن غَرقَ يغرق الجميع وإن نجا ووصل الى شاطئ الأمان نجا الجميع من الغرق ، هذا هو عين الصواب والمنطق وليس العكس يا عراقي الوطني الشريف الغيور على وطنه ، متمنياً النجاح والتوفيق للجميع في خدمة الوطن والشعب دائماً وأبداً .. في سبيل رِفعة الوطن وعزهُ ومجدهُ كل تضحية ترخص ..


234
بهنام أبو الصوف كان علماً عراقيا ًعالياً
                                                                                                          المهندس : خوشابا سولاقا
 برحيل بهنام أبو الصوف عن هذه الدنيا يكون قد غاب شمس من شموس العراق وقد أفل نجم من ألمع نجومها ويكون قد ترك ظلام دامس لجانب من جوانب العلم والمعرفة الأثارية للحضارة النهرينية حضارة سومر وأكد وبابل وآشور العظيمة التي أعطت للبشرية ما لم تعطيه أية حضارة أخرى في العالم . وإن رحيله ترك فراغاً كبيراً في مجال البحث والتقصي والتنقيب الأثاري وخصوصاً أن رحيله جاء بعد رحيل علم آخر من أعلام أمتنا والعراق وهو العالم الأثاري الدكتور دوني جورج قبل أكثر من سنة .. لقد كان رحمه الله علماً عملاقاً من أعلام العراق العالية قضى عمره في البحث العلمي والتنقيب الأثاري في كل أرجاء العراق والتقصي عن مجاهل الحضارة النهرينية العريقة حضارة أبائنا وأجدادنا القدامى ونشرها لتعريف العالم بها وليقول من خلالها من نكون نحن الكلدان السريان الآشوريين العراقيين الأصلاء وكان خير سفير لنا في العالم ، لقد بذل جهود كبيرة ووقت طويل على حساب صحته وراحته من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل من خلال ما كتبه من بحوث ودراسات ومؤلفات ومشاركات كثيرة في الندوات والمؤتمرات العلمية العالمية في مجال الأثار وتوفق في ذلك الى حدٍ كبير ويشهد له ما خلفه منها بعد رحيله المفاجئ والذي فاجئنا به ولكن ما العمل إنها كانت إرادة الخالق فليرحمك الله يا أبا نعمت وأسكنك فسيح جناته .. وكان المرحوم رمز بارز من الرموز التي لا يستطيع الزمن مهما طال أن يمحي اثار خطواته العملاقة من على صفحات التاريخ العراقي ، ولا يستطيع أن يمنع بريق تراثه العلمي الأثاري من أن يشع ويطل على الأجيال القادمة من الباحثين على هذا السبيل لأنه مكتوب باحرف من الذهب ، إن سيرته الذاتية كعالم أثار سيرة حافلة بالبحث والمعرفة في علم الأثار لا تستطيع الأجيال أن تنساها له على مر التاريخ ، وهو في ذات الوقت رمز بارز من رموز شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في سفر العراق الخالد ، وهو نجم من نجومه التي ترصع سمائه بأكاليل الغار والفخر والأعتزاز ، نستذكره بإكبار وإجلال عظيمين لما قدمه من إنجازات أثارية بحثية علمية طيلة حياته الحافلة بالإنجازات في إظهار عظمة تاريخ شعبنا وحضارتنا النهرينية وفضلها على البشرية جمعاء ، وتعريف العالم بها ودورها في صناعة الحضارة الأنسانية .. وكان المرحوم علماً خفاقاً بين أعلام كثيرة سبقته أو عاصرته في مجال العلم والمعرفة والأدب والفن والثقافة بكل فروعها من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري من الذين كان لهم مساهمات جليلة وكبيرة وعظيمة في صناعة التاريخ الثقافي والعلمي للعراق الحديث أمثال الأب أنستاس الكرملي وأوجين منا وأدي شير والمؤرخين أمثال الأخوين كوركيس وميخائيل عواد وفؤاد سفر والعلامة الدكتور دوني جورج والموسيقارين الكبيرين الأخوين جميل ومنير بشير وعالم الأثار الخالد الذكر هرمز رسام الذي شارك العالم الأثاري الأنكليزي المشهور هنري لايارد مكتشف أثار نينوى العظيمة والصحفيان فائق وروفائيل بطي والشعراء أمثال سركون بولص ويوسف الصائغ والفريد سمعان وجراح القلب الشهير الدكتور يوسف النعمان والمؤرخ المترجم جرجيس فتح الله مترجم كتاب (مهد البشرية ) الشهير والخاص بتاريخ شعبنا ، ورمز الرياضة وكرة القدم العراقية العملاق الخالد الذكر عمو بابا والناشط القومي نعوم فائق وغيره الكثير من رواد الحركة الوطنية التحررية الحديثة أمثال الشهيد الخالد يوسف سلمان ( فهد ) مؤسس الحزب الشيوعي العراقي وغيرهم الكثير ممن تركوا بصماتهم على صفحات تاريخ العراق لا يسعني ذكر أسمائهم لكثرة عددهم وأفضالهم التي لا تنكر ولا تنسى مهما طال الزمن كل هؤلاء رموز لنا ونحملهم ورود حمراء على صدورنا نفتخر ونعتز بهم مدى الدهر ومهما فعلنا لهم سوف لا نرد لهم جميلهم علينا ، وأخيراً لا يسعني إلا ان أقول نَم قرير العين يا أبا نعمت وسرمد ومعن وأن يلهم الله أهلك وأقاربك وأصدقائك ومعارفك الصبر الجميل ..


235
مَن لهُ مَصلحة في دق الإسفين بين المسيحية والإسلام  .. ؟

                                                                                                                   المهندس : خوشابا سولاقا
في هذه الأيام شاهد العالم بصورة عامة والعالم الإسلامي والعربي بشكل خاص أحداث لها دلالاتها ومؤشراتها المريبة ، حيث اجتاحت مدن العالم العربي والإسلامي وحيثما تواجد المسلمين من مختلف الأجناس والطوائف موجة من التظاهرات والاحتجاجات العارمة والعنيفة كرد فعل من قوى تيارات الإسلام السياسي المتشدد والمتطرف شارك فيها شرائح اجتماعية مختلفة من المسلمين والمسيحيين وغيرهم على حد سواء على ما أشيع من وجود فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد أتسمت هذه الاحتجاجات كما قلنا بطابع العنف المفرط  أسفر عن مقتل السفير الأمريكي واثنين من مرافقيه في مدينة بنغازي الليبية من قبل المحتجين الغاضبين الذين اقتحموا مبنى القنصلية هناك ، وقتل العديد من المحتجين في بعض البلدان التي شاهدت مثل هذه الاحتجاجات العنيفة من قبل القوات الأمنية في عملية التصدي لهم لمنعهم من اقتحام مباني السفارات والقنصليات الأمريكية والغربية والاعتداء على موظفيها وحرقها وتكرار ما حصل في ليبيا .. إن ما حصل من مثل هكذا ردود أفعال في ظل وجود مثل هكذا فيلم مسيء أمر طبيعي جداً وخصوصاً في بلدان تتسم شعوبها بالتمسك الشديد بأديانها وطقوسها وتقدس رموزها وشخصياتها الدينية الى حد التطرف من قبل بعض الفئات المتشددة منها ، وبالأخص حصل هذا الأمر في فترة شهدت هذه البلدان مد لنفوذ الإسلام السياسي ووصول بعض تياراته إلى سُدة الحكم في بعض منها بعد أن نجحت ثورات الربيع العربي فيها بالإطاحة بأنظمتها الديكتاتورية العسكرية ، مما شجعها على التمادي في تطرفها وتجاوزها لحدود المعقول والمقبول من العنف السياسي حسب القانون والأعراف الدولية ، ولكن ما  ليس مقبولاً بالمرة ومرفوضاً هو المبالغة والمغالاة في ردود الأفعال العنيفة الى الحد الذي عنده ينقلب السحر على الساحر ، وكان ذلك هو أحد الأهداف المخطط لها من قبل صانعي الحدث ، أي من قبل من كان وراء هذا التحريك الذي أفتعل هذه الفعلة المشينة بإنتاج هكذا فيلم مسيء للإسلام والذي لم يتأكد وجوده فعلاً لحد الآن .. عند الأمعان بدقة في قراءة تفاصيل ما حصل من فعل ورد الفعل ودراستها من كل الجوانب المحيطة سنجد أن هناك مقاصد وغايات وأجندات سياسية وتاريخية وعقائدية من وراء ذلك ، وهناك أطراف وجهات بعينها مستفيدة وأخرى خاسرة من نجاح أو فشل هذا المخطط ولها مصلحة في ذلك، وما هو مؤكد وواضح أن الأطراف الخاسرة من وراء هذه الزوبعة المفتعلة هما الطرف المسيحي إن كان قبطيا أو غيره  والطرف المسلم كائن من يكون .. على أثر ما ظهر في العقدين الأخيرين من الزمن على الساحة المسيحية الدولية من منظمات وتيارات في أوربا وأمريكا تتعاطف مع القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضايا العربية ولإسلامية ولانفتاح على الإسلام وظهور ما أطلق عليه بالحوار الإسلامي –المسيحي وحوار الحضارات والثقافات بشكل عام ، والتنديد بمواقف الدول الرأسمالية في دعم عدوان إسرائيل على حساب العرب وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد العالمي ، وتحميل إسرائيل والمنظمات الصهيونية العالمية مسؤولية ما يجري من مظالم وجرائم بحق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة والتنديد بها وإدانتها وتحفيز الرأي العام العالمي ( المسيحي ) للوقوف بوجه ممارسات إسرائيل المنافية لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية ، كل هذه العوامل مجتمعة دعت الى إطلاق جرس الإنذار في مراكز الصهيونية العالمية للتحذير من الخطر القادم على إسرائيل باحتمال خسارتها لأصدقاء الأمس الداعمين لها بكل وسائل القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية المتقدمة والمعلوماتية والإعلامية بما في ذلك التشهير والإساءة على الغير للقيام بأي عمل من شأنه أن يضّعف من هذا الاحتمال وتحوله إلى خطراً قاتلاً على إسرائيل والصهيونية ، فكان إشاعة إنتاج مثل هكذا فيلم مسيء للإسلام ورموزه ومقدساته وبالذات في أمريكا باعتبارها طليعة وقائدة للدول الرأسمالية المسيحية يحقق الأهداف الإستراتيجية للمخططين لهذه المؤامرة الموجه للمسيحية والإسلام معاً :
أولاً :  إن المخططين لهذه المؤامرة الدنيئة والخسيسة كانوا  يدركون ويعرفون جيداًَ طبيعة الناس المنخرطين في صفوف تيارات الإسلام السياسي وبالأخص المتشددين منهم كيف ستكون طبيعة ردود أفعالهم على مثل هذه الإساءة على الإسلام ورموزه ، وكيف ستكون انعكاساتها السلبية على أرض الواقع ضد المصالح الأمريكية والغربية على حد سواء في العالم العربي والإسلامي وبأي شكل من عدم المعقولية والمقبولية تكون في العالم المتحضر وحتى بين الشرائح والأوساط المثقفة والمعتدلة  من المسلمين أنفسهم ، لأنه ليس من المعقول أن يأخذ الإنسان بجريرة غيره كما يقول المثل ، وهذا ما حصل فعلاً في الشارع العربي والإسلامي .. كان المخططون يستهدفون من خلال هذا السلوك أن يعكسون للآخر في العالم المسيحي صورة مشوهة وبشعة للإسلام والمسلمين ولكي يقولون لهم هذا هو الإسلام الحقيقي والمسلمين كما ترونهم على حقيقتهم على أرض الواقع من خلال أفعالهم وليس من خلال أقوالهم في وسائل الأعلام ، إنهم يفعلون عكس ما يقولون ، إنهم أُناس لا يتقبلون الآخر ولا يتقبلون التعايش معه بسلام ، ولا يتقبلون قيم الحضارة والتمدن والثقافة الإنسانية ، ولا يؤمنون بقيم الديمقراطية والحرية الفردية وحرية الرأي ،  وإنهم غارقين في التخلف والهمجية لا يعرفون حلاً لمشاكلهم إلا من خلال استعمال العنف ، أي بمعنى آخر إنهم أرادوا إظهار الإسلام والمسلمين بأسوأ صورة من الهمجية والتخلف في نظر المسيحيين وغير المسيحيين من غير المسلمين في العالم  ، وهذا كان الهدف الأول المخطط له والمطلوب تحقيقه من وراء الإشاعة بوجود هكذا فيلم أو غيره من الأعمال المماثلة كما حصل في الدانيمارك قبل أكثر من سنة .. وما هو مؤسف حقاً هو أن هؤلاء الأشرار السيئين تمكنوا من صيد التيارات المتطرفة ودفعهم للقيام بما هو أسوأ على سمعة الإسلام ورموزه  ..  هذا ما تخطط له وتشرف على تنفيذه المنظمة الصهيونية وإسرائيل بغرض الإساءة على الإسلام من خلال المسلمين أنفسهم.. أنا لا أنكر الحق للمسلمين وغيرهم من التظاهر والاحتجاج على المسيئين على معتقداتهم ومقدساتهم ورموزهم الدينية بالطرق السلمية والقانونية دون اللجوء إلى العنف الذي تذهب ضحيته في الغالب أناس أبرياء ، واللجوء الى الطرق القانونية في المحاكم الدولية المختصة والمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة وغيرها الكثير من المنظمات القانونية لمحاسبة المسيئين الفعلين أفراداً كانوا أم جماعات أم دول بدلاً من العنف بالشكل الذي حصل ، هذا الأسلوب هو الأجدى من غيره حسب اعتقادي المتواضع ..
ثانياً : كان المخططين لإنتاج هكذا فيلم يهدفون الى هدف إستراتيجي آخر أكبر وأهم ، ألا وهو دق الإسفين بين المسيحية والإسلام وإجهاض النتائج المتوخية من الحوار المسيحي – الإسلامي التي تؤدي بالضرورة إلى تقليص هوة الخلافات وزيادة التقارب والتفاهم المشترك بين الديانتين مستقبلاً ، ويسعون أيضاً لزيادة الأحقاد والكراهية وتعميق أسباب الفرقة والتناحر والعداء بينهما ، وذلك لإظهار اليهودية ووكيلتها على الأرض دولة إسرائيل للمسيحيين في العالم المسيحي  بأنهما الأقرب للمسيحية من الإسلام الذي يدعو للعنف وعدم قبول الآخر والتعايش معه بسلام ، وهذا بالتالي يساعد على ردم الهوة الآخذة في التوسع بين الدول المسيحية وإسرائيل بسبب سلوك الأخيرة وما تمارسه من الممارسات المنافية لحقوق الإنسان والقانون الدولي في فلسطين من جهة وتوسيع هوة العداوات والأحقاد والكراهية  بالمقابل بين المسيحيين والإسلام من جهة أخرى .. وفي ختام هذه المقالة أحب أن أذكر كل المتشددين والمتطرفين من أية ديانة كانوا بأن امريكا أو أية دولة أخرى ستكون  عاجزة عن الإتيان بسفير أو موظف بأي مستوى كان بآخر بدلاً من الذي يقتل ، لأنه من غير الممكن كما يقول المنطق العقلاني أن ينتصر من يحتكم لعواطفه على من يحتكم لعقله والحكيم تكفيه الإشارة ..           

236
رد على رسالة السيد كوركيس أوراها منصور

                                                                                                                  المهندس : خوشابا سولاقا

في البدء أحب أن أذّكر الأخ كوركيس أوراها منصور بأنني شخص ديمقراطي أؤمن بحرية الرأي والرأي الآخر ولا يغيضني الرأي الآخر إطلاقاً مهما أختلف عني فيما يذهب إليه لأنه ليس هناك في الفكر ومنطق تحليل الأحداث والظواهر الأجتماعية والسياسية حقيقة مطلقة بل إنها تكون نسبية ، وعليه بالضرورة يكون هناك إختلاف وتباين في رؤية مجريات الأحداث والوقائع على أرض الواقع ، لذلك فإن ما ورد في رد الأخ كوركيس أوراها على مقالتي  ( حياة أبناء شعبنا في بلدان المهجر ) يتطلب مني الوقوف عند بعض الجوانب منه وتوضيحها لغرض منع وقوع القارئ الكريم  في إرباك وإلتباس بين ما ذهبتُ إليه وما أورده الأخ كوركيس في ردهِ : .
أولاً : إن زياتي الأخيرة الى أمريكا والتي دامت شهرين لم تكن الزيارة الوحيدة بل كانت الزيارة الرابعة وقضيت خلال الزيارات الأربع ما يقارب الستة أشهرمن الوقت فيها ، وخلالها إلتقيت بالكثير من أبناء شعبنا من الأقارب والأصدقاء ومن مختلف الملل والعشائر والطوائف والطبقات الأجتماعية وفي مختلف الولايات الأمريكية التي يتواجد فيها غالبية أبناء شعبنا ، وكان لي لقاءات كثيرة عبر القنواة الفضائية والأذاعات المملوكة لأبناء شعبنا وألقيتُ محاضرات وعقدتُ ندوات في مقر المجلس القومي الآثوري في إلينوي وشاركتُ في جوانب مختلفة من نشاطات المهرجان السنوي ( الكونفينشن ) الذي اقيمَ في ولاية أريزونا عام 2010 وإلتقيتُ هناك بالكثير من الشخصيات الأجتماعية المعتبرة ، كما إلتقيتُ بالكثير من الشخصيات والوجهاء من أبناء شعبنا في شيكاغو وديترويت وسان هوزيه وموديستو وتورلوك وفي مقدمتهم قداسة البطريرك مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في كل زيارة وتباحثتُ معهم في مختلف شؤون حياة أبناء شعبنا في المهجر وبالأخص موضوع الهجرة من أرض الوطن وتداعياتها السلبية على مستقبل الوجود القومي لأبناء شعبنا في أرض الوطن والمهجر معاً.. وكانت مدة ستة أشهر لشخص مثلي مهتم بشؤون الفكر والثقافة والتاريخ والسياسة منذ مدة طويلة كافية لأن أكّون إنطباعات وملاحظات فيها قدر كبير من الدقة والنضوج عن حقيقة ما يجري في دواخل حياة أبناء شعبنا الأجتماعية لكي تمكنني من كشف الظاهر والمستور في دهاليز الحياة الأمريكية .. وبناءً على ذلك فإن ما أوردته في مقالتي المذكورة لم تكن مغالطات وكلام تنقصه الدقة والحقائق الراسخة كما إدعى الأخ كوركيس في رده ، بل كانت حقائق الى حد كبير من الدقة مستنبطة من واقع حياة العامة من الناس وليس من حياة الخاصة منهم أي الشرائح الثرية ممن في غالبيتهم حملوا ثروتهم معهم من الوطن ، وقد يكون الأخ كوركيس واحداً من هؤلاء المحظوظين ، وإن الذين ساعدوني وشاركوني في مناقشة الأمور الحياتية في أمريكا وتوضيح الوقائع التي فرضتها قوانين تنظيم الحياة في أمريكا ما كانوا أُناس جهله لا يعرفون حقيقة الحياة ومصاعِبها ومصائِبها هناك وليس هم أُناس فاشلين أصلاً لا يستطيعون مواكبة التطور كما إدعى الأخ كوركيس وإنما كانوا على العكس من ذلك ، ولكن يظهر أن الأخ الكريم يجهل واقع الحياة لعموم أبناء شعبنا وعبرّ عن حياتهم بما هو عليه من العيش الرغيد والحياة الكريمة .. إن ما ذكره الأخ عن عمله في مجال الأنتاج الصناعي وحصل على هذا العمل بعد ثمانية أشهر من وصوله الى أمريكا ، لم يقم بتوضيح طبيعة عمله هذا إن كان مشروع إنتاجي صناعي ملك خاص به أم إنه يعمل لدى غيره بأجور، إن كان عمله ُمن النوع الأول فمن أين أتى بالأموال في هذه المدة القصيرة .. ؟ إن لم تكن من أمواله الخاصة التي أتى بها من الوطن الأُم ، في هذه الحالة يرجع الفضل في رخاء عيشه الى الوطن الأم ، من المفروض به أن يشكر الوطن الأم وليس أمريكا كما هو ظاهر في رده المنوه عنه ، وأن لا يذم الوطن الأم ، أما إذا كان عمله من النوع الثاني ، أي يعمل لدى الغير فأنا لا أنكر وجود مثل هذه الفرص الذهبية لمن يقتنصها من الأذكياء من حملة الشهادات العلمية والمؤهلات والخبرة في أمريكا بلد التكنولوجية الهائلة وهذه حقيقة لا يختلف عليها إثنان ، ولكن بعد إجتيازهم لحواجز التمييز المختلفة التي يضعها أرباب العمل أمام المتقدمين للعمل من دون الأعلان عنها بصورة رسمية ، ولكن مثل هذه الفرص لا تتوفرة للجميع في كل الأحوال ..
ثانياً : إن ارقام المَبالغ التي أوردها الأخ كوركيس والتي تمنح للمهاجرين من أبناء شعبنا القادمين الى أمريكا تحت مسميات مختلفة هي أرقام مُبالغ بها جدا وغير دقيقة ومعظمها لا تمنح أصلاً للمهاجرين الجدد ، ولا تمنح للطلبة بالصورة التي ذكرها الأخ في رده ، إن التعليم الجامعي للسكان الأصليين من دافعي الضرائب ليس مجاني فكيف يكون ذلك لغيرهم من الغرباء ، وقد يحصل ذلك لحالات إستثنائية للمتفوقين تتبناهم بعض المؤسسات ومراكز البحث العلمي والشركات مقابل التعاقد معهم للعمل لديهم مستقبلاً ..؟ أنا هنا أقدم شكري الجزيل للأخ المحترم على ما أوردهُ من أرقام بخصوص ما يمنح للمهاجر في رده بغض النظر عن دقتها والجهات التي تدفع تلك المَبالغ ، وما تقدمه المنظمات الخيرية والجمعيات الأنسانية والكنائس وغيرها من فاعلي الخير من مؤن ومساعدات عينية للمهاجرين القادمين الى بلد الحرية والرخاء أمريكا ، لأن من خلال ذكره لهذه الحقائق يؤيد صحة ما ذهبتُ إليه من مذلة ومهانة العيش وفقدان الكرامة .. أقول للأخ الكريم ألم تعتبر دفع مثل هذه المبالغ وتقديم مثل هذه المساعدات العينية بهذه الطريقة وما تقوم به العوائل من ألاعيب كتسجيل الزوجين لدى هذه الجهات منفصلين من أجل أن يحصل كل واحد منهما على تلك المنح صَدَقة .. ؟ ، وقبولها أليست مذلة وإهانة للذات الأنسانية للمهاجر.. ؟ إن لم تكن كذلك فماذا يسميها الأخ كوركيس .. ؟ أترك تقييم الأمر والحكم للقاريء الكريم .. ثم إذا كانوا المهاجرين يعيشون في بحبوحة الأفضال الأمريكية كما يصفها الأخ كوركيس ، أسأله لماذا خاطر الكثير منهم بالتطوع كمترجمين مع الجيش الأمريكي في العراق ومواجه مخاطر الموت كما حصل للكثير منهم ، ألم تكن الضائقة المالية وشضف العيش ما دفع بهؤلاء المساكين الى المخاطرة بحياتهم من أجل حفنة من الدولارات التي سرقتها أمريكا أصلاً من أموال العراق .. ؟ أم أن ذلك كان نوع من البطر وحب المغامرة على الطريقة الأمريكية .. ؟ إذا كانت أمريكا واحة خضراء وجنة الله على الأرض فما الذي يدفعها الى غزو وإحتلال بلدان الآخرين بقوة السلاح وتقديم الألاف من الضحايا من أبنائها وإنفاق مئات المليارات من الدولارات من أمال دافعي الضرائب على حساب إفقار عشرات الملايين من الشعب الأمريكي وحرمانهم من الخدمات .. ؟ ، في الحقيقة أنا هنا لا يهمني من الأمر طريقة توفير لقمة العيش ومصدره عندما يكون الأنسان مضطراً لأن تلك ليست قضيتي التي إبتغيتها من خلال مقالتي التي لم تعجب على ما يبدو الأخ كوركيس ، بل قضيتي هي أكبر من أن تكون قضية العيش ومصدره ، بل هي قضية الوجود القومي لشعبنا المهدد بالضياع والأنصهار ، قضية أمة بكاملها تواجه خطر الأنقراض في حالة إستمرار هذه الهجرة اللعينة والتي لم يتمكن الأخ كوركيس فهمها وقرائتها بصورة صحيحة في مقالتي موضوعة البحث ، أنا آسف لذلك أيها الأخ أرجو أن تتوفق في قراءة الأمور بدقة ومن حيث المقصد الجوهري فيها ولا من حيث الشكل مستقبلاً لكي لا يتم تحميلك مسؤولية ما لست أنت قادراً على تحملها أمام الأجيال والتاريخ ..
ثالثاً : يذكر الأخ كوركيس في معرض رده بعض ما حصل لأبناء شعبنا في بعض المناطق من العراق وبالأخص بعد سقوط النظام السابق من قتل وسلب لمواطنته ولحقوقه ولأرضه وتفجير كنائسه وغيرها من الممارسات ، أنا لا أنكر حصول ذلك في بعض مناطق أبناء شعبنا إطلاقاً وأضيف الى معلومات الأخ كوركيس أن عدد الضحايا من أبناء شعبنا حسب إحصائيات منظمة حمورابي لحقوق الأنسان تتراوح بين ( 800- 900 ) ضحية منذ سقوط النظام في 2003 حتى هذا اليوم ، أود أن أقول للأخ كوركيس إن عدد الضحايا من الأخوة الشركاء في الوطن من العرب بسنته وشيعته والكورد والتركمان والأيزيدين والصابئة المندائيين هي بمئآت الألاف من البشر حيث تم قتلهم على أيدي نفس العصابات الأرهابية من تنظيمات القاعدة ، أقول للأخ الكريم هل تعرف من هو المسبب في كل ماحصل للعراقيين من المسيحيين وغيرهم من المكونات الأخرى .. ؟ إنها أمريكا التي يجلها ويقدسها من دون وعي وإدراك لحقيقة أفعالها الشنيعة بحق الشعوب المستضعفة ، وهي كما يقول المثل خروف في مظهرها وذئب مفترس في جوهرها ، لماذا ينظر الأخ كوركيس ومن يوافقونه الرأي الى أمريكا من خلال ما فيها من إيجابيات فقط ولا ينظرون إليها من خلال ما فيها من سلبيات وما تمارسه من تمارسه من جرائم بحق الشعوب الأخرى خارج حدودها دون وجه حق .. ؟ !! كما حصل منها في فيتنام وأفغانستان والعراق وما يحصل بإشرافها وتوجيهها ودعمها في سوريا اليوم ، كل هذه الصور القبيحة عن ممارسات أمريكا  ليست ببعيدة عن أذهان من يبحث عن الحرية والحقوق والعدالة والأنسانية .. كما وأسأل الأخ الفاضل من كان السبب في وفاة العالم الأثاري الآشوري المرحوم دوني جورج في كندا حيث تحوم الآن الشبهات عن أسباب وفاته الغامضة حيث توجيه أصابع الأتهام الى أمريكا بسبب ماكان يمتلكه المرحوم من أدلة وأسرار عن إختفاء وسرقة وتهريب أثار لها أهميتها التاريخية من المتحف العراقي منها النسخة الأصلية لتوراة اليهود التي وصلت الى إسرائيل لذلك تم التخلص منه .. وأخيراً أسأل الأخ الفاضل كوركيس أوراها إذا لم يكن ما أورده في معرض رده من مدح وتبجيل وتلميع وتجميل لصورة الحياة في أمريكا أمام أنظار من يفكر بالهجرة إليها تشجيعاً للهجرة ، إذن كيف يكون التشجيع .. ؟ وأخيرا اريد أن أسال الأخ الفاضل كوركيس وكل من له ضمير حي يحب الحرية والسلام والأمن والكرامة والعزة لوطنه وأمته ، ألم تكن أمريكا هي من صنعت تنظيم القاعدة الأرهابي بقيادة السعودي الجنسية أسامة بن لادن وقدمت له كل أشكال الدعم السياسي والعسكري واللوجستي للقتال ضد السوفييت في أفغانستان .. ؟ ثم ألم تكن أمريكا هي من صنعت الأنظمة القومية العسكرية الفاشية في بلدان الشرق الأوسط التي عانينا من ظلمها وعنصريتا القومية والدينية نحن أبناء الأقليات لمواجهة المد اليساري الذي عم بلدان العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية وظهور المعسكر الشيوعي في شرق أوربا والصين .. ؟ ثم ألم تكن أمريكا هي من صنعت ثورات الربيع العربي للأطاحة بتلك لأنظمة التي حكمت شعوبها لعقود طويلة بالحديد والنار وقمعت تطلعاتها المشروعة للعيش بحرية وكرامة بعد أن إنتفت حاجتها إليها بعد إنهيار المعسكر الشيوعي في شرق أوربا والأتيان بدلاً عنها بقوى الأسلام السياسي الى سُدة الحكم في هذه البلدان كما يحصل اليوم في العراق ومصر وليبيا وتونس واليمن والحبل على الجرار .. ؟ أهذه هي أمريكا التي يصفها الأخ كوركيس أوراها ببلد الحرية والسلام ، بلد الحرية الذي يريد الخير والرخاء لطبقة الرأسماليين من أبناء شعبه على حساب إفقار وتعاسة الشعوب والأمم الضعيفة ويغرقها بشروره التي لا تنتهي ، البلد الذي يمارس كل هذه الشرور والأفعال الشنيعة بحق الشعوب المستضعفة لا يمكنه أن يعطي الحياة الحرة الكريمة الى المهاجرين من أبناء تلك الشعوب وإنما يبغي من فتح باب الهجرة لهم لغرض الزيادة من الأمعان في إذلالهم وإهانتهم وإستغلالهم في الأعمال المذلة وهذا ما يحصل لأبناء شعبنا في أمريكا وغيرها من بلدان المهجر اليوم من الأفضل أن يموت الأنسان ويدفن في تراب وطنه خير من أن يموت ذليلاً في مهاجر الغربة  ..   
             


237
حياة أبناء شعبنا في بلدان المهجر

المهندس : خوشابا سولاقا 

خلال زيارتي الأخيرة الى الولايات المتحدة الأمريكية ولمدة شهرين قضيتها في البحث والتمحيص في مختلف جوانب الحياة ومصاعبها لأبناء شعبنا وتكونت لدي الكثير من الملاحظات أنقل قسماً منها لصورة واقع الحياة في أمريكا وما يعانيه أبناء شعبنا من صعوبات ومذلة العيش وبكل وضوح وبأقصى قدر ممكن من المصداقية ومن دون مبالغة في الأمر لمن تراودهم أحلام الهجرة بحثاً عن الحياة المترفة والعيش الكريم في بلد الأحلام والحرية أمريكا لأساعدهم في إتخاذ قرار العمر للأختيار بين البقاء في أرض الوطن والعيش بكرامة وعزة نفس والحرية التي تصون إنسانية الأنسان وبين الهجرة الى بلدان المهجر والغربة والعيش بمذلة البحث عن لقمة العيش من دون كرامة في ظل الحرية التي تمسخ إنسانية الأنسان ، لألخص لهم هذه الجدلية الحياتية التي لا تقبل التفسير والتفلسف والأجتهاد في قول القائل عندما قال : الغربة في الوطن مذلة والمال في الغربة وطن .. أسأل المهاجر من أبناء شعبنا كيف تكون أوطان المهجر لك وطن وأنت من دون مال ، وكيف لك أن تشعر بالغربة في الوطن الذي أنجبك ورعاك وفسح أمامك فرص التعليم بالمجان من الأبتدائية الى أعلى درجات التحصيل العلمي والعمل بحرية وبراتب وتقاعد مضمون ،  بلد له من الثروات الطبيعية لا تنضب وتكفي لأن يعتاش عليها مئات الملايين من البشر لسنوات طويلة وتتخلى عنه من أجل إشباع النزوات الغريزية إن جاز التعبير. تكون الهجرة مقبولة بشكل وقتي ولأسبابها ، ولكن ما ليس مقبول هو قلع جذور أمة اعطت للبشرية ما لم تعطيه غيرها من الأمم من أرض الوطن التاريخي كما هو حال ابناء شعبنا اليوم .. إن ذلك حقاً لشئ مؤسف ومخزي ويرثى له فكروا بما قلته أعلاه بشئ من العقلانية وبشئ من تانيب الضمير ماذا سنقول لأجيالنا القادمة عندما يسألونا عن أصلهم ووطنهم... ؟!!     
كانت الأزمة المالية الأخيرة بمثابة زلزال مدمر هز العالم الرأسمالي وعصف باقتصاديات بلدانه وتوابعها من بلدان العالم الثالث ممن لا تعتمد إقتصادياتها على النفط بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل قمة النموذج للنظام الرأسمالي بشكل خاص ودخول إقتصادياتها في حالة التباطئ والركود وإنعكست أثارها السلبية المدمرة على معيشة الطبقات الوسطى والفقيرة بشكل عام والمهاجرين بشكل خاص والتي بالتاكيد الغالبية العظمى من أبناء شعبنا في المهجر يصنفون من ضمنها ، وجعلت حياتهم صعبة للغاية وتدنت مدخولاتهم المالية بشكل كبير بحيث إنعدمت لقطاعات كبيرة من المهاجرين بسبب فقدانهم لأعمالهم لتقلص فرص العمل كنتيجة طبيعية لحالة الركود الأقتصادي الذي حل بالأقتصاد وإنخفاض بالمقابل مستوى أجور العمل لأن كل شئ في النظام الرأسمالي خاضع  لقانون العرض والطلب ، وبسبب هذا الواقع المستجد المنتج للأزمات المعيشية للناس أصبحت المدخولات المالية لعوائل المهاجرين من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري من العمل القانوني والشريف شحيحة للغاية لا تغطي المصروفات الأعتيادية بالحدود الدنيا للعيش الكريم ، وهذه المصروفات تتضمن أقساط ما يدفع للبنوك مقابل ما تم شراءه من ممتلكات خاصة كالدور والسيارات والأثاث والأجهزة المنزلية إضافة الى ما يدفع شهريا لشركات التامين كالتأمين الصحي والتأمين على السيارات التي لا يجوز لأصحابها قيادتها والخروج بها الى الشارع من دونها، وأجور الكهرباء والهاتف والماء والضرائب المستحقة بأشكالها المتنوعة التي لا حصر لها كضربة العقارات وتلك المفروضة على كل المشتريات اليومية من الحاجيات من صغيرها الى كبيرها وغيرها من المصروفات المستجدة ، والفوائد المترتبة على القروض التي تم إقتراضها من البنوك الدائنة ، بسبب هذا الواقع المعاشي المزري الذي يعيشه الجزء الأكبر من أبناء شعبنا في المهجر ( الولايات المتحدة الأمريكية ) عجز هؤلاء عن تسديد مستحقات البنوك حسب العقود المبرمة معها في مواعيدها المحددة مما إضطرهم الى تخلية دورهم ومصادرتها من قبل البنوك الدائنة مع خسارة أصحابها للأقساط التي تم تسديدها مسبقاً ، إضافة الى ذلك خسارتهم لتغطية شركات التأمين لمصاريف العلاج وتعويض أضرار السيارات الشخصية عند العجز عن تسديد الأقساط المطلوبة حسب عقود التأمين ، لأن في حالة عجز المؤمن عن تسديد الأقساط في مواعيدها تصبح شركات التأمين في حلٍ من الأيفاء بالتزاماتها للمؤمن قانوناً ، وبذلك يصبح الشخص المعني صفر اليدين ومضطر لإعلان إفلاسه رسمياً أمام البنك الذي زوده ببطاقة الرصيد ( كريدت كارت ) ، وبذلك يصّفر رصيده في البنك وتلغى بطاقته ويدخل ضمن قائمة المفلسين وعندها سوف لا يستطيع أن يتعامل مع جهة أخرى وشراء ما يحتاجه إلا من خلال التعامل بالنقدي ( الكاش ) وبمبالغ محدودة ، وحتى الدفع بهذه الطريقة يكون خاضع للمساءلة القانونية إذا تجاوز مبلغ النقد بالكاش رقماً معيناً .. أي يتم التعامل مع صاحبه وفق مبدأ من أين لك هذا ..؟ فيما إذا قد يكون هذا المبلغ وارد من المتجارة بالمخدرات والتهريب أو اي نشاط آخر مخالف للقانون ، أي بمعنى أينما تذهب تجد الدولة الرأسمالية واقفة بالمرصاد ليس حباً وإحتراماً بالقانون كما يبدو للسذج من الناس وإنما حباً بالمال الذي يزيد بتنميته مذلة الأنسان الفقير الذي يئنُ تحت وطأة عجلة النظام الرأسمالي الذي يجرد الأنسان من إنسانيته ، وإنك لا تستطيع أن تتعامل بالنقدي إلا من خلال بطاقة الرصيد ( كريدت كارت ) ، وعند إيداعك لأي مبلغ نقدي تحصل إليه بطريقة ما في رصيدك المتوقف القديم لتفعيله سوف يتم مصادرة المبلغ لصالح الدائنين ، وهكذا تجد نفسك أسير القيود والقوانين التي وضعت لتكبيل الفقير وجعله أسيرا لا مفر له للخلاص بجلده من قبضة البنوك الرأسمالية الدائنة والمستحوذة على مجمل مقدرات النشاط الأقتصادي في الدولة الرأسمالية كالولايات المتحدة الأمريكية ... بالتأكيد ستكون لهذا الواقع المعاشي المعقد والمزري لعوائل وأبناء وبنات شعبنا إنعكاسات إجتماعية سلبية وخطيرة على كافة الأصعدة لمستقبل جيل الشباب بشكل خاص حيث الحاجة الملحة والكبيرة الى المال التي تفرضها متطلبات ومغريات الحياة الأجتماعية المتعددة في ظل هذه الأنظمة الأجتماعية المنفلتة مما يدفعهم الى الأنحراف والأنغماس في ممارسة الجريمة بكل أشكالها كتجارة المخدرات وممارسة القمار والتفسخ الأخلاقي والأنسلاخ عن مجتمعهم القومي والوطني والأندماج والأنصهار في بوتقة تلك المجتمعات والتعرض للضياع في متاهات حياة الفسق والرذيلة وهذه المؤشرات واضحة وظاهرة للعيان اليوم بشكل جلي لكل ملاحظ ومراقب للحياة الأجتماعية في المهجر ، وهذا التوجه يشكل تحدياً خطيراً للذات القومية والوطنية لشعبنا ، حيث من خلال هذه الممارسات والمعايشات الشاذة غير المألوفة وغير المقبولة لدينا يفقدون بسببها لغتهم وتقاليدهم وطقوسهم وثقافتهم القومية والوطنية وهذا هو أخطر تحد في المهجر على بقاء وإستمرار الوجود القومي لشعبنا.. وبالمقابل نرى شبه غياب وإنعدام لوجود مؤسسات إجتماعية وثقافية معنية برعاية لغة الأم وثقافتها وعاداتها وتقاليدها القومية والوطنية عدا ما تقوم بعرضه وبثه بأستمرار وبشكل موثق علمي وتاريخي قناة ( آسيريا سات ) الفضائية مشكورة لصاحبها الدكتور سركون داديشو من موديستو بكليفورنيا ، والتي تعتبر الأسس التي يرتكز عليها بناء الوجود القومي لأي كيان قومي إجتماعي وحمايته من الأنصهار والأنقراض في المهجر كما هو حال أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري المهدد بهذا الخطر.. كذلك نلاحظ على الكنيسة كل كنائس شعبنا عدم المبالاة بهذا الجانب وكأنه لا يعنيها بأي شكل من الأشكال ، وينصب تركيزها على القضايا اللاهوتية والمذهبية والطقوسية وإجترار وتكرار نفس الخطاب الذي لا يهتم بقضايانا ووحدتنا القومية وواقعنا القومي الأجتماعي ، بل على العكس من ذلك نلاحظ التركيز على ما يعمق أسباب الخلافات والفرقة والتشرذم ، أو على النقيض مما هو مفروض بالكنيسة أن تقوم به في إستقطاب عنصر الشباب من أبناء شعبنا ، كما نلاحظ عزوف الغالبية من الشباب عن الحضور الى الكنيسة والمشاركة في نشاطاتها أوقات إقامة الصلواة والقداديس في أيام الآحاد والمناسبات الدينية ، حيث لا نجد إلا القليل منهم وإن أكثر من 90% من الحضور هم من الذين تتجاوز أعمارهم عن ( 40 ) سنة ، هذا مؤشر خطير له مدلولاته الأجتماعية والقومية والأخلاقية على مستقبل أجيالنا القادمة ، ويؤشر في نفس الوقت على عجز الكنيسة وفشلها في تقديم ما يجب تقديمه من جديد الثقافة والتطور الأجتماعي لدعم وتعزيز الروح القومية والوطنية لدى الشباب في المهجر للتمسك بحب قوميتهم ووطنهم والأعتزاز بهما في بيئة المهجر المتغيرة بأستمرار ، وعدم التفريط بهما ، وتعليمهم كيفية التعايش مع الآخر في ظل الحفاظ على الذات القومية والوطنية وعدم الأنصهار في ذات الآخر ، بالأضافة الى تمسكه وإعتزازه بوطنيته في وطن المهجر ، لأنه ليس في ذلك أي تعارض أو تقاطع .. أما بخصوص دور الحركات والأحزاب السياسية لأبناء شعبنا في الداخل والمهجر في هذا الجانب فهو لا يختلف عن دور الكنيسة وليس بأحسن منه إن لم يكن أسوء وأكثر سلبية فإن قياداتها وكوادرها منغمسة لحد النخاع كما يقال في الصراعات والمناكفات وتبادل التهم والنعوت وضرب الخناجر تحت الحزام والطعن في الظهر والضحك على ذقون البسطاء من أبناء شعبنا في إطلاق الوعود الكاذبة في سوق السياسة بالمجان في المناسبات والزيارات السياحية التي كثرت في هذه الأيام ، كل هذه المهرجانات ومسرحيات الكذب والنفاق والرياء السياسي تقام من أجل جمع المال الحرام من عرق جبين البؤساء من أبناء شعبنا في المهجر .. هكذا هي حياة أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في المهجر ، وبالرغم من كل ذلك نجد تصاعد وتيرة الهجرة من أرض الوطن يوم بعد آخر دون أن يحدها رادع قومي أو وطني .. يا أبناء شعبنا الأعزاء إن الحقوق القومية لا تنجز من خلال التغني بأمجاد أمتنا وتاريخها والتغني بأرض الأباء والأجداد أرض بيث نهرين من أزقة المهجر كما يفعل المبتذلين من تجار الأغنية السوقية المبتذلة من مغني وكتاب الأغنية لهذا الزمان الأكشر بإستثناء البعض القليل الذين أجلهم وأقدرهم ، بل تنجز من خلال التضحيات والصبر والتشبث بالتمسك بأرض الوطن لأن من ليس له وطن ليس له حقوق قومية تؤسس لأي شكل من أشكال الكيان القومي له لأدارة شؤونه الذاتية بنفسه وفق ما تناسب وضعه الديموغرافي على الأرض .. وما يؤسف له أكثر ويدمي القلب أن الكثير من مثقفينا في المهجر يتحدثون ويكتبون ليلاً ونهاراً عن أرض الوطن ( بيث نهرين ) أرض الأباء والأجداد ويرفعون صوتهم عالياً مدوياً ويحدون أقلامهم ويطلقون لها العنان ويتباكون على مظلومية أبناء شعبنا في الوطن عبر وسائل الأعلام المختلفة ويطالبون حكومة ارض الوطن من الشركاء فيه بأقرار الحقوق القومية لأبناء شعبنا في عملية متاجرة ومزايدة على حب القومية والوطن ، ومن يسمع صوت هؤلاء ويقرأ لهم كتاباتهم يتصور أن هؤلاء سوف يعودون في أقرب فرصة ممكنة الى أرض الوطن حالما تخطو حكومة الشركاء في الوطن أول خطوة بأتجاه الأعتراف بالحقوق القومية لشعبنا ، ولكن حقيقة هؤلاء ليست كذلك ، بل نجدهم في الجلسات الخاصة يبوحون بحرقة قلب وبقوة عن ما في إعماقهم بتشجيع الهجرة من بلدان أوطان الأباء والأجداد ويعلنون بأعلى صوتهم عدم جدوى البقاء في أرض الوطن لأسباب كثيرة وأنا شخصياً لا أنفي وجود بعض الأسباب ومنها حسب رأي هؤلاء توسع مد الأسلام السياسي المتشدد والمتطرف متناسين أمور كثيرة أهم ، لها علاقة بإنصهار وإنقراض شعبنا قومياً على المدى القصير وليس البعيد في حالة إستمرار هذه الهجرة ، وكذلك يتناسون إن الأسلام السياسي المتشدد مرفوض من الأغلبية المسلمة قبل غيرها ، وإن ظاهرة الأسلام السياسي الحالية هي ظاهرة آنية آيلة الى الفشل والزوال في غضون فترة قصيرة وبالتالي هي مرحلة إنتقالية في تاريخ تطور هذه البلدان في ظل النمو الهائل لقوى الديمقراطية والتقدم والتوجه نحو الدولة الديمقراطية المدنية هذه هي القراءة الصحيحة للواقع السياسي وتطوراته في أرض الوطن ، وعلينا أن نفكر ونعمل لمستقبل أجيالنا القادمة وليس لأنفسنا كما فعل أبائنا من قبلنا ، عجيب غريب أمركم يامثقفينا لماذا هذا التناقض والأزدواجية بين ما تقولون وتكتبون في وسائل الأعلام وبين ما أنتم عليه في حقيقة قناعاتكم الذاتية وقرارة أنفسكم منطلقين في تقييم وضع المعاشي للعامة من وضعكم المعاشي الشخصي لا ليس هكذا تقييم الأمور يا مثقفينا الكرام .. !! ، أنا أرى وأؤمن بأن من يريد أن يكون صادقاً فيما يقول ويكتب من طروحات وأفكار مع الآخرين مطلوب منه أن يكون أولاً صادقاً مع نفسه بدرجة أعلى ، وأن لا يعيش حالة الأرتباك الفكري والأزدواجية والتناقض في صياغة ما يريد تسويقه للآخرين من أفكار ومفاهيم ، وهذه هي سمة الكاتب والأعلامي الناجح والمقبول لكي يبقى دائماً قريباً من قلوب ونفوس الآخرين وليس العكس ، وفي ختام هذه المقالة أرجو من هؤلاء الأخوة الأعزاء إعادة النظر بأفكارهم هذه ، أي أن خلاص وجودنا القومي لا يأتي من خلال هجرة أرض الوطن الى المهاجر .. أقول لهؤلاء الأخوة من مثقفي أبناء شعبنا في المهجر نحن في الداخل لا نطالبكم بالعودة لأننا نعرف بأنكم لن تعودون أبداً ، ولكن نرجوكم ونطالبكم بالكف عن تشجيع الهجرة والتنظير لها بالأيجاب كطريق للخلاص لمن هم في داخل الوطن لأن الوطن هي الحاضنة الآمنة لأستمرار وديمومة وبقاء الوجود القومي للأمة دون سواها ، وكفى الله المؤمنين شر القتال آمين ...             

238
هجرة أبناء شعبنا وموقف الكنيسة والأحزاب السياسية منها .... ( مقبرة التاريخ )

                                                                                                                   المهندس : خوشابا سولاقا
لا يخفى على أحد من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري أن الهجرة من أرض الوطن الى بلدان المهجر قد بدأت بداياتها الأولى بعد مجزرة سميل عام 1933 وتوسعت لاحقاً بسبب ما جرى من أحداث لتشمل العوائل المتمكنة مالياً أو الشباب المتعلم لأغراض الدراسة بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن كانت على نطاق محدود ومحصور للغاية بالمتمكنين مالياً ومن المقربين في عملهم وعلاقاتهم الأجتماعية مع المحتل الأنكليزي والمتاثرين بطبائعهم ونمط حياتهم وتقاليدهم من العاملين في شركات النفط العاملة في العراق والمجندين منهم في جيش الليفي من الضباط حصراً ومن سكنة المدن تحديداً دون سكان القرى والأرياف في كوردستان العراق ، وكانت وجهة هجرة هؤلاء في البداية الى إنكلترة تحديداً دون غيرها من بلدان المهجر الحالية ، وهذا إن دل على شئ فهو يدل على مدى الأرتباط الروحي والتاثر النفسي  النابع أصلاً من الأنتماء الديني لهؤلاء القلة القليلة بالمستعمر الأنكليزي من جهة ، وعدم إمكانية الأنسجام والأندماج مع الآخرين من مكونات الشعب العراقي من القوميات والديانات الآخرى بسبب هيمنة وسيادة ثقافة التعصب والتعنصر والتنافر والحقد القومي والديني المتبادل لدى الجميع في ذلك الوقت من جهة أخرى ، لقد ترسخت هذه الثقافة على مر الزمان لاحقاً في عقول ونفوس أجيال هؤلاء وأصبحت العنصر الحاسم في التكوين النفسي لشخصيتهم بسبب السياسات الشوفينية التي أتبعت من قبل الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 بدعم من المستعمر الأنكليزي الذي غدر بشعبنا بتنصله عن وعوده التي قطعها لشعبنا مقابل القبول بدخوله الى جانب الحلفاء في الحرب الكونية الأولى كحليف وليس بأي صفة أخرى ، ولحق بشعبنا جراء هذا القبول كوارث كبيرة وعديدة عبر هجرته الطويلة والشاقة والمأساوية من مناطق سكناه في تياري وهيكاري عبر إيران الى العراق أرض الأجداد ، حيث فقد نصف نفوسه جراء الأمراض والأوبئة والجوع خلال هذه المسيرة التي يحق لنا أن نسميها بمسيرة الآلام ، وكانت آخر تلك الكوارث المرعبة مجزرة سميل التي تبقى وصمة عار في جبين بريطانيا العظمى والحكومة العراقية الشوفينية العميلة للمستعمر والخونة المتعاونين معهما من أبناء شعبنا مدى الدهر ... وبحكم هذا الواقع الأليم والمزري وما إستجد من مصاعب العيش أصبح حلم الهجرة للخلاص بالنفس من الهلاك يراود أبناء شعبنا في المدن وخصوصاً الشرائح المتعلمة بشكل خاص للهروب من المخاطر المحتملة التي كانت بوادرها تلوح في الممارسات والسلوكيات العنصرية والشوفينية التي يمارسها ويسلكها الآخرين في كل مكان ، في العمل في المدرسة في الجامعة في الشارع في السوق ، والتجاوز بكل أشكاله على ابناء شعبنا ، والتمييز بين أبناء شعبنا والآخرين في التعيين في دوائر الدولة الرسمية ، ولم يكن الأمر كذلك لأبناء القرى والأرياف لأن وضعهم كان أفضل وأكثر أماناً وإستقراراً منه في المدن .. لأن هذه الظواهر لم يكن يعاني منها أبناء شعبنا في القرى والأرياف والذين كانوا يشكلون الأكثرية كما كان يعاني منه سكان المدن ، ولذلك كانت نسبة المهاجرين في تلك الفترة قليلة جداً مقارنة بما هي عليه الآن .. بعد إندلاع الثورة الكوردية عام 1961 وما رافقها من أحداث مؤلمة وتجاوزات على قرى شعبنا بسبب الممارسات الشاذة لمن ركبوا موجة الثورة من عناصر الجريمة وتحت تاثير دافع الأنتماء الديني والتقاليد والعادات العشائرية التي كانت تحكم المجتمع الكوردي في الريف التي تحلل وتشرع سلب الممتلكات لأبناء شعبنا والأستيلاء على أراضيهم الزراعية وبساتينهم ومراعيهم ، كانوا أبناء شعبنا وقود الثورة الكوردية ، وهنا لا احمّل قيادات الثورة مسؤولية ما حصل من ظلم بحق شعبنا جراء هذه الممارسات المرفوضة قانونياً وأخلاقياً وإنما المسؤولية بكاملها تتحملها الثقافة الأجتماعية الرجعية المتخلفة السائدة والنابعة من الأجتهادات المنحرفة للفكر الديني القائمة أساساً على رفض الآخر وعدم الأنسجام والتعايش معه في مجتمع واحد يتساوى فيه الجميع وتنشط مثل هذه الظواهر في ظل غياب سلطة القانون والسلطة المدنية وهذه الحالة كانت هي السائدة في منطقة كوردستان بعد إندلاع الثورة الكوردية وغياب سلطة الدولة المركزية فيها .. فمثل هذه الثورات تهئ الجو المناسب والبيئة الملائمة لحصول مثل هذه التجاوزات العدوانية ، وكنتيجة لهذه الظروف المستجدة ترك أبناء شعبنا قراهم وممتلكاتهم مضطرين ونزحوا بالجملة الى المدن الكبرى في شمال ووسط وحتى جنوب العراق هرباً من الموت والأعتداءات الكثيرة عليهم من قبل العابثين بمصير الثورة الكوردية دون أن تكون لقيادتها القدرة على كبح جماح هؤلاء ووضع حد لسلوكهم المسيء على الثورة ، فإستقر أبناء شعبنا آخيراً في بغداد والموصل ودهوك وكركوك وأربيل وحتى في البصرة ، وعاشوا في وضع ماساوي وفقر مدقع في مناطق فقيرة تقل فيها أبسط أشكال الخدمات مما إضطروا بسببها العمل باجر زهيد ، وعملن النساء في البيوت خادمات وتعرضن إلى أبشع أشكال الأهانة والتجاوز على الشرف في بعض الأحيان في سبيل توفير لقمة العيش لأطفالهن ولسنوات طويلة ، هذه الأوضاع المزرية أنضجت الشعور  والميل للهروب من هذا الواقع لدى الكثير من أبناء شعبنا وبالأخص لدى عنصر الشباب منهم للهجرة الى بلدان المهجر للعيش فيها بأمن وامان من دون خوف كالذي يهددهم في أوطانهم التاريخية الأصلية بإعتبار هذه البلدان يسكنها اخوان لهم في الدين ، هكذا كانت تصوراتهم وقناعاتهم التي فرضتها عليهم قساوة الظروف في أوطانهم التاريخية ودفعتهم الى الهجرة دفعاً مرغمين هذا من جهة وضعف الوعي القومي والوطني وعلاقتهما الوثيقة بالتاريخ والجغرافية وإرتباط ذلك بالوجود القومي للأمم من جهة ثانية .. بعد إستلام حزب البعث للحكم في العراق وممارساته السياسية القومية العروبوية الشوفينية على غير العرب من القوميات الأخرى بما فيهم أبناء شعبنا والضغوطات التي أفرزتها متطلبات تنفيذ هذه السياسات الرعناء مثل نشوب الحرب العراقية الأيرانية وتصاعد الحرب في كوردستان مما زاد من عدد الضحايا من شباب شعبنا وصار بالآلاف ، إنعكس ذلك سلباً على أبناء الوضع النفسي لأبناء شعبنا مما سبب في تصاعد وتائر الرغبة بالهجرة من أرض الوطن صوب بلدان المهجر في الغرب وأميركا ، حيث دفعت هذه الأسباب بالأباء والأمهات لإنقاذ أبنائهم من الموت في ساحات الحروب العبثية لنظام صدام الى الهجرة .. وبعد نهاية الحرب العراقية الأيرانية وغزو قوات النظام الصدامي لدولة الكويت وما ترتب على العراق جراء ذلك من القرارات الأممية الصادرة  من مجلس الأمن الدولي دخل العراق تحت ظروف الحصار الأقتصادي الهالك والمدمر تردت معه كنتيجة طبيعية الأوضاع المعاشية للطبقات الفقيرة بشكل مباشر وكان شعبنا ضمن هذه الطبقات ، ومن ثم وقعت حرب الخليج الأولى ( حرب تحرير الكويت ) وما إستجد على أثرها من تفاقم الأوضاع وعدم الأستقرار الأمني والأقتصادي وإضطراب الأوضاع النفسية للمواطن العراقي وإطلاق السفر للمواطنين العراقيين ، كان ابناء شعبنا مرة اخرى هم من ضحايا هذه الحرب فإندفعوا الى مغادرة الوطن بشكل هستيري ومن كافة الطبقات الأجتماعية ، ومن ثم ما تلاها من حرب الخليج الثانية حرب تحرير العراق من ديكتاتورية النظام البعثي الصدامي وسقوطه على يد القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميريكية في عام 2003 وما حصل على أثر السقوط من فراغ سياسي وأمني وغياب الدولة وسلطة القانون وسيادة الفوضى والميليشيات المسلحة وإعتماد سياسة المحاصصة الطائفية والأثنية في إدارة الدولة والبلاد وتصاعد الحرب الطائفية والقتل على الهوية في الشوارع وتوسع سلطة الأرهاب المتمثلة في تنظيمات القاعدة المتشددة والتكفيرية ومعاداتها الشرسة لكل من يخالفها الرأي من أي إنتماء كان ، مرة اخرى كان أبناء شعبنا كمسيحيين هو الهدف الأسهل للمتطرفين المتشددين من هذه التنظيمات ، وحصل الكثير من الأعتداءات على كنائس شعبنا في جميع أماكن تواجده وقتل الكثيرين من أبنائه الأبرياء وبالعشرات لمجرد كونهم مسيحيين وليس إلا ، وتوجيه التهديدات بالقتل وحرق المنازل في حالة عدم الرحيل للمئات من عوائل شعبنا من دون أن يردعهم أحد وما حصل في كنيسة سيدة النجاة خير مثال على ذلك .. كل هذه الأسباب وغيرها الكثير الكثير دفع بابناء شعبنا بعشرات الآلاف الى الرحيل من مناطق سكناهم في وطن الأباء والأجداد الى الهجرة الى بلدان المهجر أرض الشتات وأصبحوا كقطيع الغنم من دون راعي يرعاهم لتفتك بهم الذئاب الجائعة التي لا ترحم ، آه وا أسفاه يا ابناء بابل وآشور ورثة أعظم وأعرق وأقدم الحضارات الأنسانية في التاريخ كيف كنتم واين أصبحتم اليوم ، تنتظرون مَن يمد لكم يد العون في بلدان الغرباء ليخفف من معاناتكم ، إنه شئ مؤسف حقاً ..!!  كل هذه المقدمة سردتها لأقول لكم بكل صدق وصراحة ماذا عملت الكنيسة كل كنائس طوائف شعبنا بدون إستثناء وماذا كان موقفها من الهجرة من أرض الوطن منذ بدايتها الأولى وحتى اليوم .. ؟ وماذا فعلت كل الأحزاب والحركات السياسية لكل طوائف شعبنا ودون إستثناء أيضاً التي تتكلم ليلاً ونهارًا بإسم شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وتتباكى على ماضية وتراثه القومي وتتغنى بأمجاده وتاريخه ،  وتذرف عليه دموع التماسيح نفاقاً ورياءً ، ماذا كان موقفهم الرسمي المعلن من الهجرة التي هي بمثابة مقبرة وجودنا القومي وهي متناسية لحاضره المتشتت في المهاجر الغريبة .. ؟ إسألوهم ماذا فعلوا عملياً وإعلامياً في كنائسهم وأحزابهم وحركاتهم بصدد وضع حد لهذه الهجرة اللعينة التي تهدد وجودنا القومي بالأنقراض والزوال  .. ؟ هل قرأتم في يوم من الأيام منشوراً أو بياناً أو كراساً صادراً من كنيسة أو من حزب أو حركة سياسية يتحدث عن مخاطر الهجرة على مصير ومستقبل وجودنا القومي وأين سينتهي به المطاف في ظل إستمرار هذه الهجرة المشؤومة ويدعو فيه الى التصدي لها وإيقافها بإعتبارها التحدي الأكبر الذي يواجه شعبنا .. ؟ إلا ما ندر أحياناً وبشكل عابر بمثابة ذر الرمال في العيون وإسقاط للفرض من قبل البعض منهم .. ؟ هل سمعتم في يوم ما دعوة صادرة من القائمين على الكنيسة أو من حزب أو حركة سياسية من تلك التي تتاجر بالقومية من خلال شعارات براقة وأقوال دون أفعال الى عقد مؤتمر عام لمناقشة موضوع الهجرة الجماعية لأبناء شعبنا ومخاطرها وتحدياتها وتداعياتها المستقبلية بهدف إيجاد آليات للحد منها وإيقافها لأنقاذ وجودنا القومي من الأنقراض ..؟ هل تلمستم من خلال نشاطات الكنيسة كل كنائس شعبنا وفي نشاطات أحزاب وحركات شعبنا جميعها شئ يلامس ظاهرة الهجرة وأخطارها من قريب او من بعيد غير المزايدات الأعلامية الكاذبة والمزيفة فيما بينهم من اجل تحقيق مكاسب شخصية كمطالبة الدولة بالحقوق القومية لشعبنا زوراً وبهتاناً ، قولوا لهم لأي شعب تطالبون بالحقوق القومية وشعبكم قد اوشك على مغادرة أرض الوطن بشكل نهائي من دون رجعة بعد أن نال شهادة براءة الذمة من الوطن.. !! ؟ إن القائمين على الكنيسة والأحزاب السياسية بسكوتهم وصمتهم هذا على ما يحصل كانهم راضين ومرتاحين وقابلين بهذا الواقع المتشتت لشعبنا ومكيفين عليه أو كأن الأمر لا يعنيهم يشئ ، أي هم في وادٍ وشعبنا في وادٍ آخر ، ربما لهم أسبابهم الخاصة تلبي متطلباتهم ،  هكذا يبدو المنظر النهائي لهذه المسرحية الهزلية للناظر والمراقب السياسي للأحداث من خلال متابعته لرحلاتهم المكوكية وجولاتهم الرعوية في بلدان المهجر لتفقد أحوال الجاليات البائسة من أبناء شعبنا هناك ، والحليم هنا تكفيه الأشارة .. !! إقرأوا وفكروا بوعي وبعقل نير وبتجرد من العواطف والمجاملات المعروفة وضعوا مصلحة شعبنا أمام عيونكم وإتخذوا قراركم المناسب في يوم الحساب المناسب من عام 2014 القادم لتمييز الخيط الأسود من الخيط الأبيض وللتمييز بين الحق والباطل ، وإنه ليوم قريب لا تنسوه لأن حماية مصير شعبنا أمانة في رقابنا لكي لا تذِمُنا وتلعِننا الأجيال القادمة إذا أسئنا التصرف في إختيار من يمثل شعبنا بحق وحقيقة سواءً في الكنيسة أو في مؤسسات الدولة الرسمية ، وإعلموا أن الهجرة هي إنتحار جماعي لشعبنا فإنقذوه منها قبل ان يدفن في مقبرة التاريخ كما دفنت الامم المنقرضة ..               

239
هجرة أبناء شعبنا وموقف الكنيسة والأحزاب السياسية منها .... ( مقبرة التاريخ )

                                                                                                                   المهندس : خوشابا سولاقا
لا يخفى على أحد من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري أن الهجرة من أرض الوطن الى بلدان المهجر قد بدأت بداياتها الأولى بعد مجزرة سميل عام 1933 وتوسعت لاحقاً بسبب ما جرى من أحداث لتشمل العوائل المتمكنة مالياً أو الشباب المتعلم لأغراض الدراسة بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن كانت على نطاق محدود ومحصور للغاية بالمتمكنين مالياً ومن المقربين في عملهم وعلاقاتهم الأجتماعية مع المحتل الأنكليزي والمتاثرين بطبائعهم ونمط حياتهم وتقاليدهم من العاملين في شركات النفط العاملة في العراق والمجندين منهم في جيش الليفي من الضباط حصراً ومن سكنة المدن تحديداً دون سكان القرى والأرياف في كوردستان العراق ، وكانت وجهة هجرة هؤلاء في البداية الى إنكلترة تحديداً دون غيرها من بلدان المهجر الحالية ، وهذا إن دل على شئ فهو يدل على مدى الأرتباط الروحي والتاثر النفسي  النابع أصلاً من الأنتماء الديني لهؤلاء القلة القليلة بالمستعمر الأنكليزي من جهة ، وعدم إمكانية الأنسجام والأندماج مع الآخرين من مكونات الشعب العراقي من القوميات والديانات الآخرى بسبب هيمنة وسيادة ثقافة التعصب والتعنصر والتنافر والحقد القومي والديني المتبادل لدى الجميع في ذلك الوقت من جهة أخرى ، لقد ترسخت هذه الثقافة على مر الزمان لاحقاً في عقول ونفوس أجيال هؤلاء وأصبحت العنصر الحاسم في التكوين النفسي لشخصيتهم بسبب السياسات الشوفينية التي أتبعت من قبل الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 بدعم من المستعمر الأنكليزي الذي غدر بشعبنا بتنصله عن وعوده التي قطعها لشعبنا مقابل القبول بدخوله الى جانب الحلفاء في الحرب الكونية الأولى كحليف وليس بأي صفة أخرى ، ولحق بشعبنا جراء هذا القبول كوارث كبيرة وعديدة عبر هجرته الطويلة والشاقة والمأساوية من مناطق سكناه في تياري وهيكاري عبر إيران الى العراق أرض الأجداد ، حيث فقد نصف نفوسه جراء الأمراض والأوبئة والجوع خلال هذه المسيرة التي يحق لنا أن نسميها بمسيرة الآلام ، وكانت آخر تلك الكوارث المرعبة مجزرة سميل التي تبقى وصمة عار في جبين بريطانيا العظمى والحكومة العراقية الشوفينية العميلة للمستعمر والخونة المتعاونين معهما من أبناء شعبنا مدى الدهر ... وبحكم هذا الواقع الأليم والمزري وما إستجد من مصاعب العيش أصبح حلم الهجرة للخلاص بالنفس من الهلاك يراود أبناء شعبنا في المدن وخصوصاً الشرائح المتعلمة بشكل خاص للهروب من المخاطر المحتملة التي كانت بوادرها تلوح في الممارسات والسلوكيات العنصرية والشوفينية التي يمارسها ويسلكها الآخرين في كل مكان ، في العمل في المدرسة في الجامعة في الشارع في السوق ، والتجاوز بكل أشكاله على ابناء شعبنا ، والتمييز بين أبناء شعبنا والآخرين في التعيين في دوائر الدولة الرسمية ، ولم يكن الأمر كذلك لأبناء القرى والأرياف لأن وضعهم كان أفضل وأكثر أماناً وإستقراراً منه في المدن .. لأن هذه الظواهر لم يكن يعاني منها أبناء شعبنا في القرى والأرياف والذين كانوا يشكلون الأكثرية كما كان يعاني منه سكان المدن ، ولذلك كانت نسبة المهاجرين في تلك الفترة قليلة جداً مقارنة بما هي عليه الآن .. بعد إندلاع الثورة الكوردية عام 1961 وما رافقها من أحداث مؤلمة وتجاوزات على قرى شعبنا بسبب الممارسات الشاذة لمن ركبوا موجة الثورة من عناصر الجريمة وتحت تاثير دافع الأنتماء الديني والتقاليد والعادات العشائرية التي كانت تحكم المجتمع الكوردي في الريف التي تحلل وتشرع سلب الممتلكات لأبناء شعبنا والأستيلاء على أراضيهم الزراعية وبساتينهم ومراعيهم ، كانوا أبناء شعبنا وقود الثورة الكوردية ، وهنا لا احمّل قيادات الثورة مسؤولية ما حصل من ظلم بحق شعبنا جراء هذه الممارسات المرفوضة قانونياً وأخلاقياً وإنما المسؤولية بكاملها تتحملها الثقافة الأجتماعية الرجعية المتخلفة السائدة والنابعة من الأجتهادات المنحرفة للفكر الديني القائمة أساساً على رفض الآخر وعدم الأنسجام والتعايش معه في مجتمع واحد يتساوى فيه الجميع وتنشط مثل هذه الظواهر في ظل غياب سلطة القانون والسلطة المدنية وهذه الحالة كانت هي السائدة في منطقة كوردستان بعد إندلاع الثورة الكوردية وغياب سلطة الدولة المركزية فيها .. فمثل هذه الثورات تهئ الجو المناسب والبيئة الملائمة لحصول مثل هذه التجاوزات العدوانية ، وكنتيجة لهذه الظروف المستجدة ترك أبناء شعبنا قراهم وممتلكاتهم مضطرين ونزحوا بالجملة الى المدن الكبرى في شمال ووسط وحتى جنوب العراق هرباً من الموت والأعتداءات الكثيرة عليهم من قبل العابثين بمصير الثورة الكوردية دون أن تكون لقيادتها القدرة على كبح جماح هؤلاء ووضع حد لسلوكهم المسيء على الثورة ، فإستقر أبناء شعبنا آخيراً في بغداد والموصل ودهوك وكركوك وأربيل وحتى في البصرة ، وعاشوا في وضع ماساوي وفقر مدقع في مناطق فقيرة تقل فيها أبسط أشكال الخدمات مما إضطروا بسببها العمل باجر زهيد ، وعملن النساء في البيوت خادمات وتعرضن إلى أبشع أشكال الأهانة والتجاوز على الشرف في بعض الأحيان في سبيل توفير لقمة العيش لأطفالهن ولسنوات طويلة ، هذه الأوضاع المزرية أنضجت الشعور  والميل للهروب من هذا الواقع لدى الكثير من أبناء شعبنا وبالأخص لدى عنصر الشباب منهم للهجرة الى بلدان المهجر للعيش فيها بأمن وامان من دون خوف كالذي يهددهم في أوطانهم التاريخية الأصلية بإعتبار هذه البلدان يسكنها اخوان لهم في الدين ، هكذا كانت تصوراتهم وقناعاتهم التي فرضتها عليهم قساوة الظروف في أوطانهم التاريخية ودفعتهم الى الهجرة دفعاً مرغمين هذا من جهة وضعف الوعي القومي والوطني وعلاقتهما الوثيقة بالتاريخ والجغرافية وإرتباط ذلك بالوجود القومي للأمم من جهة ثانية .. بعد إستلام حزب البعث للحكم في العراق وممارساته السياسية القومية العروبوية الشوفينية على غير العرب من القوميات الأخرى بما فيهم أبناء شعبنا والضغوطات التي أفرزتها متطلبات تنفيذ هذه السياسات الرعناء مثل نشوب الحرب العراقية الأيرانية وتصاعد الحرب في كوردستان مما زاد من عدد الضحايا من شباب شعبنا وصار بالآلاف ، إنعكس ذلك سلباً على أبناء الوضع النفسي لأبناء شعبنا مما سبب في تصاعد وتائر الرغبة بالهجرة من أرض الوطن صوب بلدان المهجر في الغرب وأميركا ، حيث دفعت هذه الأسباب بالأباء والأمهات لإنقاذ أبنائهم من الموت في ساحات الحروب العبثية لنظام صدام الى الهجرة .. وبعد نهاية الحرب العراقية الأيرانية وغزو قوات النظام الصدامي لدولة الكويت وما ترتب على العراق جراء ذلك من القرارات الأممية الصادرة  من مجلس الأمن الدولي دخل العراق تحت ظروف الحصار الأقتصادي الهالك والمدمر تردت معه كنتيجة طبيعية الأوضاع المعاشية للطبقات الفقيرة بشكل مباشر وكان شعبنا ضمن هذه الطبقات ، ومن ثم وقعت حرب الخليج الأولى ( حرب تحرير الكويت ) وما إستجد على أثرها من تفاقم الأوضاع وعدم الأستقرار الأمني والأقتصادي وإضطراب الأوضاع النفسية للمواطن العراقي وإطلاق السفر للمواطنين العراقيين ، كان ابناء شعبنا مرة اخرى هم من ضحايا هذه الحرب فإندفعوا الى مغادرة الوطن بشكل هستيري ومن كافة الطبقات الأجتماعية ، ومن ثم ما تلاها من حرب الخليج الثانية حرب تحرير العراق من ديكتاتورية النظام البعثي الصدامي وسقوطه على يد القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأميريكية في عام 2003 وما حصل على أثر السقوط من فراغ سياسي وأمني وغياب الدولة وسلطة القانون وسيادة الفوضى والميليشيات المسلحة وإعتماد سياسة المحاصصة الطائفية والأثنية في إدارة الدولة والبلاد وتصاعد الحرب الطائفية والقتل على الهوية في الشوارع وتوسع سلطة الأرهاب المتمثلة في تنظيمات القاعدة المتشددة والتكفيرية ومعاداتها الشرسة لكل من يخالفها الرأي من أي إنتماء كان ، مرة اخرى كان أبناء شعبنا كمسيحيين هو الهدف الأسهل للمتطرفين المتشددين من هذه التنظيمات ، وحصل الكثير من الأعتداءات على كنائس شعبنا في جميع أماكن تواجده وقتل الكثيرين من أبنائه الأبرياء وبالعشرات لمجرد كونهم مسيحيين وليس إلا ، وتوجيه التهديدات بالقتل وحرق المنازل في حالة عدم الرحيل للمئات من عوائل شعبنا من دون أن يردعهم أحد وما حصل في كنيسة سيدة النجاة خير مثال على ذلك .. كل هذه الأسباب وغيرها الكثير الكثير دفع بابناء شعبنا بعشرات الآلاف الى الرحيل من مناطق سكناهم في وطن الأباء والأجداد الى الهجرة الى بلدان المهجر أرض الشتات وأصبحوا كقطيع الغنم من دون راعي يرعاهم لتفتك بهم الذئاب الجائعة التي لا ترحم ، آه وا أسفاه يا ابناء بابل وآشور ورثة أعظم وأعرق وأقدم الحضارات الأنسانية في التاريخ كيف كنتم واين أصبحتم اليوم ، تنتظرون مَن يمد لكم يد العون في بلدان الغرباء ليخفف من معاناتكم ، إنه شئ مؤسف حقاً ..!!  كل هذه المقدمة سردتها لأقول لكم بكل صدق وصراحة ماذا عملت الكنيسة كل كنائس طوائف شعبنا بدون إستثناء وماذا كان موقفها من الهجرة من أرض الوطن منذ بدايتها الأولى وحتى اليوم .. ؟ وماذا فعلت كل الأحزاب والحركات السياسية لكل طوائف شعبنا ودون إستثناء أيضاً التي تتكلم ليلاً ونهارًا بإسم شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وتتباكى على ماضية وتراثه القومي وتتغنى بأمجاده وتاريخه ،  وتذرف عليه دموع التماسيح نفاقاً ورياءً ، ماذا كان موقفهم الرسمي المعلن من الهجرة التي هي بمثابة مقبرة وجودنا القومي وهي متناسية لحاضره المتشتت في المهاجر الغريبة .. ؟ إسألوهم ماذا فعلوا عملياً وإعلامياً في كنائسهم وأحزابهم وحركاتهم بصدد وضع حد لهذه الهجرة اللعينة التي تهدد وجودنا القومي بالأنقراض والزوال  .. ؟ هل قرأتم في يوم من الأيام منشوراً أو بياناً أو كراساً صادراً من كنيسة أو من حزب أو حركة سياسية يتحدث عن مخاطر الهجرة على مصير ومستقبل وجودنا القومي وأين سينتهي به المطاف في ظل إستمرار هذه الهجرة المشؤومة ويدعو فيه الى التصدي لها وإيقافها بإعتبارها التحدي الأكبر الذي يواجه شعبنا .. ؟ إلا ما ندر أحياناً وبشكل عابر بمثابة ذر الرمال في العيون وإسقاط للفرض من قبل البعض منهم .. ؟ هل سمعتم في يوم ما دعوة صادرة من القائمين على الكنيسة أو من حزب أو حركة سياسية من تلك التي تتاجر بالقومية من خلال شعارات براقة وأقوال دون أفعال الى عقد مؤتمر عام لمناقشة موضوع الهجرة الجماعية لأبناء شعبنا ومخاطرها وتحدياتها وتداعياتها المستقبلية بهدف إيجاد آليات للحد منها وإيقافها لأنقاذ وجودنا القومي من الأنقراض ..؟ هل تلمستم من خلال نشاطات الكنيسة كل كنائس شعبنا وفي نشاطات أحزاب وحركات شعبنا جميعها شئ يلامس ظاهرة الهجرة وأخطارها من قريب او من بعيد غير المزايدات الأعلامية الكاذبة والمزيفة فيما بينهم من اجل تحقيق مكاسب شخصية كمطالبة الدولة بالحقوق القومية لشعبنا زوراً وبهتاناً ، قولوا لهم لأي شعب تطالبون بالحقوق القومية وشعبكم قد اوشك على مغادرة أرض الوطن بشكل نهائي من دون رجعة بعد أن نال شهادة براءة الذمة من الوطن.. !! ؟ إن القائمين على الكنيسة والأحزاب السياسية بسكوتهم وصمتهم هذا على ما يحصل كانهم راضين ومرتاحين وقابلين بهذا الواقع المتشتت لشعبنا ومكيفين عليه أو كأن الأمر لا يعنيهم يشئ ، أي هم في وادٍ وشعبنا في وادٍ آخر ، ربما لهم أسبابهم الخاصة تلبي متطلباتهم ،  هكذا يبدو المنظر النهائي لهذه المسرحية الهزلية للناظر والمراقب السياسي للأحداث من خلال متابعته لرحلاتهم المكوكية وجولاتهم الرعوية في بلدان المهجر لتفقد أحوال الجاليات البائسة من أبناء شعبنا هناك ، والحليم هنا تكفيه الأشارة .. !! إقرأوا وفكروا بوعي وبعقل نير وبتجرد من العواطف والمجاملات المعروفة وضعوا مصلحة شعبنا أمام عيونكم وإتخذوا قراركم المناسب في يوم الحساب المناسب من عام 2014 القادم لتمييز الخيط الأسود من الخيط الأبيض وللتمييز بين الحق والباطل ، وإنه ليوم قريب لا تنسوه لأن حماية مصير شعبنا أمانة في رقابنا لكي لا تذِمُنا وتلعِننا الأجيال القادمة إذا أسئنا التصرف في إختيار من يمثل شعبنا بحق وحقيقة سواءً في الكنيسة أو في مؤسسات الدولة الرسمية ، وإعلموا أن الهجرة هي إنتحار جماعي لشعبنا فإنقذوه منها قبل ان يدفن في مقبرة التاريخ كما دفنت الامم المنقرضة ..               

240
من يقف على التل شيطان أخرس ... !!

المهندس : خوشابا سولاقا
إن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري قبل أن يكون أي شئ هو جزء من الشعب العراقي بكل مكوناته ومكملاً له ، وهذا أمر واضح لكل ذي بصر وبصيرة لا يحتاج الى توضيح ، وهو موضوع محسوم أمره لا غبار عليه من وجهة نظر أي إنسان وطني مخلص يشعر بالأنتماء للوطن الذي يأويه ويأكل من خيراته ويشرب من مائه ويستنشق هواءه ، وعليه فإن ما يصيب الشعب العراقي من خير أو شر يصيبنا حتماً وما يعنيه من أمر يعنينا حتماً لا محال ، ولذلك فإن علاقتنا بالشعب العراقي هي علاقة وجود ومصير صميمية وهي تشكل علاقة الجزء بالكل ، وهي بالتالي علاقة جدلية تكاملية بكل مضامينها الحياتية ، وهكذا يجب أن يكون الأمر أيضاً مع الآخرين من بقية المكونات ، وبحكم هذه العلاقة تفرض علينا واجبات وطنية ملزمة بنفس القدر الذي تساوينا في الحقوق مع الآخرين ، علينا الأيفاء بها تجاه الوطن كما الآخرين ، وليس معقولاً أو مقبولاً أن يكون موقفنا موقف المتفرج الواقف على التل ننظر الى ما يجري من حولنا من أحداث تخص الشعب العراقي بكل مكوناته دون أن نحرك ساكناً ودون أن يكون لنا مشاركة في التصدي لها وتجاوزها،  أو أن يكون موقفنا موقف اللامبالاة منها والتعامل معها بإنتهازية إنتقائية دونية مفرطة على أساس أن ما يجري بجزئياته لا علاقة له بجزئيات خصوصياتنا القومية أو الدينية أو الطائفية أو غيرها من الخصوصيات ، محاولة منا تضليل وخداع أبناء شعبنا من خلال المبالغة في المغالاة بالتمسك بالخصوصيات ، أو ممارسة اسلوب النفاق والرياء السياسي خوفاً من الآخرين أو مجاملة ومراضاة لهم من أجل تحقيق مكاسب شخصية تحت ستار الحرص على خصوصياتنا كما يفعل البعض على حساب تهميش العموميات الوطنية وتلك جريمة بحق الوطن أولاً وبحق شعبنا ثانياً ..
وخير مثال أمامنا يتجسد على أرض الواقع في الساحة السياسية العراقية في هذه الأيام العصيبة التي تعصف فيها الأزمات المفتعلة من قبل طبقة السياسيين المتنفذين في السلطة ، ما يدور في أروقة مجلس النواب والحكومة والرحلات المكوكية لقادة الكتل السياسية المتصارعة على كراسي الحكم وليس على مصالح الوطن بين بغداد وأربيل والسليمانية والنجف الأشرف ، وما يدور فيها من حوارات ونقاشات وسجالات ومناكفات سقيمة حول عملية سحب الثقة من السيد رئيس مجلس الوزراء من عدمه ، وإنقسام هذه الكتل البرلمانية في مجلس النواب بشكل حاد على نفسها بين مؤيد ومعارض للعملية وبين من يقف على التل من الأنتهازيين صيادي الفرص في الأوقات الضائعة من وقت اللعب ، الفريق الأول مؤيد على سحب الثقة وذلك على خلفية الأخفاقات الكبيرة والكثيرة للحكومة في تنفيذ البرنامج الحكومي لحل مشاكل البلد المستعصية والكثيرة ، والتي يئن المواطن تحت وطأتها منذ تسع سنوات مضت من جهة ، وقيام السيد رئيس الوزراء حسب ما يدعي خصومه بصناعة وإفتعال الأزمات مع الشركاء في الحكومة والعملية السياسية بين حين وآخر بغرض تهميشهم وعزلهم وبالتالي إقصائهم وإبعادهم من المشاركة الحقيقية في إدارة الدولة وصنع قرارها السياسي ، وكذلك سعي السيد رئيس مجلس الوزراء كما يتهمه خصومه من الطرف الآخر ، الى الأنفراد بالقرار وتهميش الآخرين وإحتكار السلطة بالكامل وحصرها بشخصه وبالأخص السلطة الأمنية والعسكرية ، وكذلك تنصله عن الألتزام بتنفيذ الأتفاقيات السياسية التي وقعها مع الشركاء في الحكومة والعملية السياسية وفق منهج الديمقراطية التوافقية ( أو بالأحرى الديمقراطية المحاصصية ) كإتفاقية أربيل ، والتعامل مع الدستور بصورة إنتقائية لتمرير كل ما يكرس سياسته وسلطته الفردية والتصدي لكل ما ما يريده الشركاء من جهة ثانية ، والفريق الثاني يعارض عملية سحب الثقة من السيد رئيس مجلس الوزراء ويصر على بقاءه على رأس السلطة التنفيذية بذريعة أن سحب الثقة منه سوف يترك فراغ وإرتباك وفوضى عارمة في الحياة السياسية في البلد ويدخله في أزمة سياسية عميقة يصعب تجاوزها والخروج منها بسلام ، وتؤدي بالتالي الى إنهيار العملية السياسية الجارية برمتها ، وكأن البلد الآن ليس في أزمة سياسية خانقه ومتهالكة ومستعصية بكل أبعادها ، وأن العملية السياسية ليست إلا مجرد خيمة متهرئة يلعب تحتها الأقوياء الكبار من المتنفذين في السلطة بإنتقائية مفرطة كما تقتضي أجنداتهم السياسية المختلفة متخذين منها وسيلة لحماية مصالحهم الشخصية والحزبية على حساب الأمعان في إفقار الشعب بأقصى درجات الفقر، والفريق الثالث هو فريق الأنتهازيين في مجلس النواب الذين يراقبون الأحداث في الساحة السياسية من على التل دون أن يحسموا  خياراتهم النهائية بسحب الثقة من السيد رئيس مجلس الوزراء من عدمها منتظرين يوم الحساب يوم التصويت ليراقبون رجحان كفة الميزان لصالح من تميل من الأطراف المتصارعة ليتمايلوا معه وليصوتوا له على حقه أو باطله على حد سواء ، لأن ذلك في الحقيقة لايهمهم ولا يعنيهم بنفس القدر الذي لا تهمهم ولا تعنيهم مصلحة البلد ، وإن كل ما يهم هؤلاء من الأمر برمته من ألفه الى يائه هو إستمرارهم في مواقعهم والأنتفاع من تلك المواقع التي أصبحت لهم كالبقرة الحلوب التي تزودهم بالحليب الطازج والقيمر كل صباح بأكبر قدر ممكن ولأطول فترة من الزمن ، وهؤلاء يشكلون الأكثرية القوية في مجلس النواب ، وهم كما يقال يشكلون بيضة القبان في الموازنة النهائية ، وكلما تشتد الخلافات والصراعات بين الفريقين الأول والثاني يرتفع سعر هؤلاء في سوق المزايدات والمناكفات وعلوة الشغب والعبث بمصير البلاد والعباد والضحك على الذقون ، وسوف يصوتون في النهاية لصالح من يدفع لهم أكثر .. أنا لا أشترط هنا بوجوب أن يكون الجميع مع سحب الثقة أو ضدها بل أبغي أن يكون هناك رأي ثالث مستقل وإيجابي وليس حيادياً لأن الحيادي من وجهة نظرنا المتواضعة هو مع الباطل بالتمام والكمال دون شك ، والحيادي بين الحق والباطل كما يقال هو شيطان أخرس .. !! ، حيثُ أن من الممكن أن يكون الفريقان الأول والثاني على باطل عند قراءة ومعايرة الأمور وفق معايير المصلحة الوطنية العليا ، عندها يتطلب الأمر من كل من له حق المشاركة في صنع القرار المطلوب دور إيجابي لمنع تمرير الباطل وذلك من خلال إعلان الأنسحاب من قاعة مجلس النواب محتجاً أمام الحضور وهذا أضعف الأيمان لتسجيل موقف سياسي وطني مشرف أمام الشعب الذي إنتخبه وأوصله الى تلك القاعة ليكون له مدافعاً أميناً وصادقاً وحريصاً على مصالحه وحقوقه ، وليس الوقوف على الحياد متفرجاً كما تريد البعض من صيادي الفرص الرخيصة بدونية وإنتهازية إنتقائية مقرفة ومخزية .. نأمل هنا من ممثلي شعبنا الكلداني السرياني الآشوري الخمسة في مجلس النواب العراقي أن لا يكون موقفهم مما يجري حول عملية سحب الثقة من عدمه من السيد رئيس مجلس الوزراء موقف حيادي كما صرح لوسائل الأعلام أحد أعضاء كتلة الرافدين ، أي أن لا تكونوا من الواقفين على التل بل أن يكون موقفكم مع أو ضد أو الأنسحاب من القاعة عند بدء التصويت لتسجيل موقف سياسي مشرف لكم ولشعبنا بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام ،وإلا سوف يسجل التاريخ الذي لا يرحم بحكمه كل شئ بإنصاف بحق من يعمل خيراً أو شراً ويرتكب إثماً أو حماقة بوعي وإدراك أو من دونهما بحق شعبه ووطنه ، وسيكون لكل فعل بالمقابل حساب خاص يدفع ثمنه أصحابه خاسئين صاغرين أمام محاكمة الشعب والضمير في الأيام المقبلة من حياتكم السياسية ، فكروا ملياً قبل أن تقدِموا على قرار غير ناضج ومستوعب لظروف الحالة السياسية القائمة في العراق ..
     


241
من يقف على التل شيطان أخرس ... !!
المهندس : خوشابا سولاقا

إن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري قبل أن يكون أي شئ هو جزء من الشعب العراقي بكل مكوناته ومكملاً له ، وهذا أمر واضح لكل ذي بصر وبصيرة لا يحتاج الى توضيح ، وهو موضوع محسوم أمره لا غبار عليه من وجهة نظر أي إنسان وطني مخلص يشعر بالأنتماء للوطن الذي يأويه ويأكل من خيراته ويشرب من مائه ويستنشق هواءه ، وعليه فإن ما يصيب الشعب العراقي من خير أو شر يصيبنا حتماً وما يعنيه من أمر يعنينا حتماً لا محال ، ولذلك فإن علاقتنا بالشعب العراقي هي علاقة وجود ومصير صميمية وهي تشكل علاقة الجزء بالكل ، وهي بالتالي علاقة جدلية تكاملية بكل مضامينها الحياتية ، وهكذا يجب أن يكون الأمر أيضاً مع الآخرين من بقية المكونات ، وبحكم هذه العلاقة تفرض علينا واجبات وطنية ملزمة بنفس القدر الذي تساوينا في الحقوق مع الآخرين ، علينا الأيفاء بها تجاه الوطن كما الآخرين ، وليس معقولاً أو مقبولاً أن يكون موقفنا موقف المتفرج الواقف على التل ننظر الى ما يجري من حولنا من أحداث تخص الشعب العراقي بكل مكوناته دون أن نحرك ساكناً ودون أن يكون لنا مشاركة في التصدي لها وتجاوزها،  أو أن يكون موقفنا موقف اللامبالاة منها والتعامل معها بإنتهازية إنتقائية دونية مفرطة على أساس أن ما يجري بجزئياته لا علاقة له بجزئيات خصوصياتنا القومية أو الدينية أو الطائفية أو غيرها من الخصوصيات ، محاولة منا تضليل وخداع أبناء شعبنا من خلال المبالغة في المغالاة بالتمسك بالخصوصيات ، أو ممارسة اسلوب النفاق والرياء السياسي خوفاً من الآخرين أو مجاملة ومراضاة لهم من أجل تحقيق مكاسب شخصية تحت ستار الحرص على خصوصياتنا كما يفعل البعض على حساب تهميش العموميات الوطنية وتلك جريمة بحق الوطن أولاً وبحق شعبنا ثانياً ..

وخير مثال أمامنا يتجسد على أرض الواقع في الساحة السياسية العراقية في هذه الأيام العصيبة التي تعصف فيها الأزمات المفتعلة من قبل طبقة السياسيين المتنفذين في السلطة ، ما يدور في أروقة مجلس النواب والحكومة والرحلات المكوكية لقادة الكتل السياسية المتصارعة على كراسي الحكم وليس على مصالح الوطن بين بغداد وأربيل والسليمانية والنجف الأشرف ، وما يدور فيها من حوارات ونقاشات وسجالات ومناكفات سقيمة حول عملية سحب الثقة من السيد رئيس مجلس الوزراء من عدمه ، وإنقسام هذه الكتل البرلمانية في مجلس النواب بشكل حاد على نفسها بين مؤيد ومعارض للعملية وبين من يقف على التل من الأنتهازيين صيادي الفرص في الأوقات الضائعة من وقت اللعب ، الفريق الأول مؤيد على سحب الثقة وذلك على خلفية الأخفاقات الكبيرة والكثيرة للحكومة في تنفيذ البرنامج الحكومي لحل مشاكل البلد المستعصية والكثيرة ، والتي يئن المواطن تحت وطأتها منذ تسع سنوات مضت من جهة ، وقيام السيد رئيس الوزراء حسب ما يدعي خصومه بصناعة وإفتعال الأزمات مع الشركاء في الحكومة والعملية السياسية بين حين وآخر بغرض تهميشهم وعزلهم وبالتالي إقصائهم وإبعادهم من المشاركة الحقيقية في إدارة الدولة وصنع قرارها السياسي ، وكذلك سعي السيد رئيس مجلس الوزراء كما يتهمه خصومه من الطرف الآخر ، الى الأنفراد بالقرار وتهميش الآخرين وإحتكار السلطة بالكامل وحصرها بشخصه وبالأخص السلطة الأمنية والعسكرية ، وكذلك تنصله عن الألتزام بتنفيذ الأتفاقيات السياسية التي وقعها مع الشركاء في الحكومة والعملية السياسية وفق منهج الديمقراطية التوافقية ( أو بالأحرى الديمقراطية المحاصصية ) كإتفاقية أربيل ، والتعامل مع الدستور بصورة إنتقائية لتمرير كل ما يكرس سياسته وسلطته الفردية والتصدي لكل ما ما يريده الشركاء من جهة ثانية ، والفريق الثاني يعارض عملية سحب الثقة من السيد رئيس مجلس الوزراء ويصر على بقاءه على رأس السلطة التنفيذية بذريعة أن سحب الثقة منه سوف يترك فراغ وإرتباك وفوضى عارمة في الحياة السياسية في البلد ويدخله في أزمة سياسية عميقة يصعب تجاوزها والخروج منها بسلام ، وتؤدي بالتالي الى إنهيار العملية السياسية الجارية برمتها ، وكأن البلد الآن ليس في أزمة سياسية خانقه ومتهالكة ومستعصية بكل أبعادها ، وأن العملية السياسية ليست إلا مجرد خيمة متهرئة يلعب تحتها الأقوياء الكبار من المتنفذين في السلطة بإنتقائية مفرطة كما تقتضي أجنداتهم السياسية المختلفة متخذين منها وسيلة لحماية مصالحهم الشخصية والحزبية على حساب الأمعان في إفقار الشعب بأقصى درجات الفقر، والفريق الثالث هو فريق الأنتهازيين في مجلس النواب الذين يراقبون الأحداث في الساحة السياسية من على التل دون أن يحسموا  خياراتهم النهائية بسحب الثقة من السيد رئيس مجلس الوزراء من عدمها منتظرين يوم الحساب يوم التصويت ليراقبون رجحان كفة الميزان لصالح من تميل من الأطراف المتصارعة ليتمايلوا معه وليصوتوا له على حقه أو باطله على حد سواء ، لأن ذلك في الحقيقة لايهمهم ولا يعنيهم بنفس القدر الذي لا تهمهم ولا تعنيهم مصلحة البلد ، وإن كل ما يهم هؤلاء من الأمر برمته من ألفه الى يائه هو إستمرارهم في مواقعهم والأنتفاع من تلك المواقع التي أصبحت لهم كالبقرة الحلوب التي تزودهم بالحليب الطازج والقيمر كل صباح بأكبر قدر ممكن ولأطول فترة من الزمن ، وهؤلاء يشكلون الأكثرية القوية في مجلس النواب ، وهم كما يقال يشكلون بيضة القبان في الموازنة النهائية ، وكلما تشتد الخلافات والصراعات بين الفريقين الأول والثاني يرتفع سعر هؤلاء في سوق المزايدات والمناكفات وعلوة الشغب والعبث بمصير البلاد والعباد والضحك على الذقون ، وسوف يصوتون في النهاية لصالح من يدفع لهم أكثر .. أنا لا أشترط هنا بوجوب أن يكون الجميع مع سحب الثقة أو ضدها بل أبغي أن يكون هناك رأي ثالث مستقل وإيجابي وليس حيادياً لأن الحيادي من وجهة نظرنا المتواضعة هو مع الباطل بالتمام والكمال دون شك ، والحيادي بين الحق والباطل كما يقال هو شيطان أخرس .. !! ،حيثُ أن من الممكن أن يكون الفريقان الأول والثاني على باطل عند قراءة ومعايرة الأمور وفق معايير المصلحة الوطنية العليا ، عندها يتطلب الأمر من كل من له حق المشاركة في صنع القرار المطلوب دور إيجابي لمنع تمرير الباطل وذلك من خلال إعلان الأنسحاب من قاعة مجلس النواب محتجاً أمام الحضور وهذا أضعف الأيمان لتسجيل موقف سياسي وطني مشرف أمام الشعب الذي إنتخبه وأوصله الى تلك القاعة ليكون له مدافعاً أميناً وصادقاً وحريصاً على مصالحه وحقوقه ، وليس الوقوف على الحياد متفرجاً كما تريد البعض من صيادي الفرص الرخيصة بدونية وإنتهازية إنتقائية مقرفة ومخزية .. نأمل هنا من ممثلي شعبنا الكلداني السرياني الآشوري الخمسة في مجلس النواب العراقي أن لا يكون موقفهم مما يجري حول عملية سحب الثقة من عدمه من السيد رئيس مجلس الوزراء موقف حيادي كما صرح لوسائل الأعلام أحد أعضاء كتلة الرافدين ، أي أن لا تكونوا من الواقفين على التل بل أن يكون موقفكم مع أو ضد أو الأنسحاب من القاعة عند بدء التصويت لتسجيل موقف سياسي مشرف لكم ولشعبنا بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام ،وإلا سوف يسجل التاريخ الذي لا يرحم بحكمه كل شئ بإنصاف بحق من يعمل خيراً أو شراً ويرتكب إثماً أو حماقة بوعي وإدراك أو من دونهما بحق شعبه ووطنه ، وسيكون لكل فعل بالمقابل حساب خاص يدفع ثمنه أصحابه خاسئين صاغرين أمام محاكمة الشعب والضمير في الأيام المقبلة من حياتكم السياسية ، فكروا ملياً قبل أن تقدِموا على قرار غير ناضج ومستوعب لظروف الحالة السياسية القائمة في العراق ..
     

242
السلاح في يد الدولة خير من أن يكون في يد المواطن
                                                                                                                  المهندس : خوشابا سولاقا
إن أرقى المجتمعات البشرية الحديثة وأكثرها تطوراً إجتماعياً وثقافياً وأخلاقياً وإنسانياً هي المجتمعات المدنية ، أي بمعنى المجتمعات التي تسعى الى بناء وترسيخ السلم الأهلي بين أبنائها وخلوها من تداول السلاح بكل أشكاله ولأي سبب كان من قبل مواطنيه المدنيين ، وبالتأكيد مثل هكذا مجتمعات تكون أكثر إستقراراً وأمناً وأكثر خلواً من كل أشكال الجريمة والعكس صحيح أيضاً ، أي بمعنى آخر أن أكثر المجتمعات البشرية تخلفاً وفساداً وأكثرها إستعداداً لممارسة الجريمة وأقل أماناً وأمناً وإستقراراً هي المجتمعات العسكرتارية أي بتعبير آخر المجتمع المتعسكر إن جاز التعبير الذي ينتشر السلاح بين مواطنيه المدنيين ، وعليه فأن عملية السماح للمواطن المدني أن يمتلك أو يحوز على قطعة سلاح هي عملية عسكرة المجتمع بالمعنى العام والحقيقي للكلمة ، والعسكرة بحد ذاتها تعتبر جريمة بحق المجتمع وهي في ذات الوقت تتنافى مع مبادئ وقيم الديمقراطية والسلم الأهلي وحقوق الأنسان .. لذا نرى أن من واجبنا الوطني ومن حقنا الدستوري المشروع كمواطنين عراقيين أن يكون لنا رأي في هذا الموضوع وأن نقيّم مشروع قرار الحكومة الأخير بالسماح لكل عائلة عراقية بحيازة قطعة واحدة من السلاح الناري دون أن تحدد نوعه ومن دون بيان الأسباب الموجبة لتبرير قرارها ، هذا القرار يصب بالنتيجة في إتجاه مشروع عسكرة المجتمع العراقي ، وهذا ما تعارضه وترفضه بشدة كل شرائح المجتمع العراقي المثقفة ، بل وكل مواطن ينشد الأمن والآمان والأستقرار المجتمعي والتخلص من أسباب الجريمة وبناء السلم الأهلي في العراق بعد كل ما جرى له من المآسي جراء إنتشار السلاح بين المواطنين والميليشيات غير الرسمية وغير الشرعية والتي فرضت سلطتها وسطوتها على الشارع العراقي بقوة سلاحها وتصرفت على هيئة دولة داخل دولة ، وتندد بهذا القرار الذي أقل ما يقال بحقه بالقرار الأرتجالي غير المدروس بعلمية وموضوعية حسب طبيعة وظروف المجتمع العراقي المستجدة بعد سقوط الديكتاتورية وسيادة الفوضى وتطالب الحكومة بالعودة عنه .. ولغرض توضيح مخاطر وتداعيات هذا القرار وتحليل إيجابياته إن كانت له إيجابيات وسلبياته الكثيرة نجري هذه المقاربة مع ما جرى في أعرق الديمقراطيات في العالم لنتعلم ونستفيد من تجربتها كيف يجب أن يتم موازنة الأمور والتعامل معها بعقلانية وموضوعية وعلمية قبل ان يقع الفأس بالرأس كما يقال ومن ثم الوقوع في حيرة كيفية الخروج من المأزق والورطة التي نكون قد أوقعنا أنفسنا فيها .. حقيقةً هذا القرار ذكرني بما جرى في بريطانيا في بداية التسعينات من القرن الماضي عندما كنت هناك لمرافقة المرحوم والدي لأجراء عملية جراحية له في القلب من مناقشات وحوارات ومداخلات علمية في إجتماعات البرلمان البريطاني ، على أثر مشروع قانون قدم من قبل الحكومة الى البرلمان لغرض دراسته وتشريع قانون يقضي بموجبه السماح لرجال الشرطة بحمل سلاح ناري ( مسدس ) أثناء الواجبات الرسمية للدفاع عن النفس من الأعتداءات التي كانت تحصل لهم من المجرمين أثناء التحري عنهم وملاحقتهم بغرض  إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للأمتثال أمام القانون لمحاسبتهم على ما إقترفوه من تجاوزات على القانون وجرائم بحق المجتمع بدلاً من الهراوات المطاطية التي كانوا يحملونها معهم أثناء أداءهم الواجب الرسمي ، وأخذت النقاشات والحوارات بين أعضاء البرلمان حول تشريع مثل هكذا قانون من عدمه وقتاً طويلاً ، وبسبب عدم قناعة الأغلبية من المشرعين في البرلمان بنضوج الوعي الثقافي والمهني والأخلاقي والوطني والأنساني عند أفراد الشرطة بالمستوى المطلوب ليعطي لهم الضمان من أن هؤلاء الشرطة سوف لا يستخدمون هذا السلاح الناري الموجود بأيديهم إلا في المكان والزمان المناسبين ، وأن لا يتحول الشرطي من حامي للمواطن الى قاتلاً له ، وبالنتيجة وفي ظل غياب الضمان للمشرعين للأستعمال الأمثل للسلاح من قبل الشرطة توصلوا وبعد الأستعانة بالخبراء والعلماء المختصين في علمي الأجتماع والنفس الى القرار الناضج والمناسب والصائب وفق هذه المعطيات الموجودة على أرض الواقع بعدم الموافقة على مشروع القانون الذي يجيز للشرطة حمل السلاح الناري ( مسدس ) أثناء الواجب الرسمي والأكتفاء بحمل الهراوات المطاطية فقط .. هذا في بريطانيا بلد أعرق الديمقراطيات في العالم ، فكيف يكون الحال في بلد لا يزال الأغلبية الساحقة من مواطنيه كالعراق يقدس السلاح ويعتبره رمزاً للرجولة والبطولة ويحمل في تكوينه النفسي وبنيته الثقافية والأجتماعية ثقافة الأخذ بالثأر والأنتقام وغسل العار لقضايا الشرف وغيرها من قيم البداوة والتقاليد القبلية والعشائرية البالية .. ؟ كيف ستكون النتائج على الأرض لو حمل مثل هكذا شخص سلاح رسمي مجاز وهو يواجه يوميا الكثير من المواقف والتحديات التي تستحق مواجهتها بالسلاح حسب قانون وثقافة العشيرة والقبيلة والعائلة .. ؟ أنه لمن المفارقات المضحكة والمُبكية في ذات الوقت أن يكون كل شئ في العراق ، عراق أعرق الحضارات مقلوب ويمشي على رأسه بدلاً من أن يمشي على قدميه كما ينبغي أن يكون وكما هو مألوف وجاري في أغلب المجتمعات المتحضرة ، لماذا نسير الى الوراء مع مرّ الزمن ولا نسيرالى الأمام كما ينبغي حالنا حال الآخرين من البشر .. ؟ لماذا هذا التمسك الأخرق بالعادات والتقاليد البالية والمتخلفة الموروثة لنا من أجدادنا في الماضي السحيق .. ؟ لماذا لا نأخذ من تجارب الآخرين دروس بما يتلائم وطبيعة مجتمعنا ونقتدي بها في حياتنا الحاضرة مع إحتفاظنا بما هو جيد في عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا الثقافي والأجتماعي والتعامل معه بشكل خلاق كما يفعل الآخرين .. ؟ إن قرار الحكومة بخصوص السماح لكل عائلة عراقية بحيازة قطعة واحدة من السلاح الناري دون أن يحدد نوعيتها وطبيعتها قد أثار إستغراب وإستهجان ورفض الكثير من أبناء الشعب العراقي وبالأخص الشرائح والفئات الأجتماعية المثقفة والتي كانت تنتظر من الحكومة نزع السلاح غير الرسمي بكل أنواعه من المواطن وحصره بيد الدولة وحدها دون سواها وليس العكس .. !! وذلك لكون أن حمل السلاح في المجتمعات المعاصرة المتحضرة يعتبر مظهر من مظاهر التخلف الأجتماعي والثقافي والأخلاقي لا يليق بها .. إن القراءة الأولية للمراقب السياسي مهما كان مستوى وعيه السياسي والثقافي لهذا القرار تعطيه إنطباعاً واضحاً ومؤشراً قاطعاً لا يقبل الجدل والمناقشة بأن الحكومة ضعيفة وعاجزة وغير قادرة على توفير الحماية والأمن للمواطنين وإن قرارها هذا كان بمثابة إعترافاً صريحاً وليس ضمنياً بفشلها في هذا الجانب ، ويعني للمراقب أيضاً تنصل الحكومة عن أحد أهم واجباتها الرئيسية وإلقاء المسؤولية الأمنية للمجتمع على عاتق المواطن نفسه وهذا غير منطقي وغير مقبول وغير مبرر وفق كل المعايير في الدول الحديثة  ، في الوقت الذي كان الشعب ينتظر من الحكومة نزع السلاح بكل أنواعه من المجتمع بهدف القضاء على أهم أسباب وأدوات الجرائم الجنائية التي تنتشر في كل أركان المجتمع العراقي وكل زوايا الوطن اليوم وجعل الشارع  العراقي آمن وخالي من السلاح غير المشروع عدا ما هو منه في يد أجهزة الدولة المختصة ، وترسيخ سيادة القانون والأمن والآمان المجتمعيين فيه ، وليس جعله سوقاً وساحة مفتوحة للجريمة والقتل العشوائي على الهوية ولأية أسباب كانت ، وخصوصاً أن مجتمعنا العراقي ما يزال وكما ذكرنا من المجتمعات التي فيها يقدس العنف وتجد فيه خير وسيلة لحل كل مشاكله ويعتبر فيها وجود السلاح باليد رمزاً للقوة والرجولة وفق التقاليد والمعايير والأعراف القبلية والعشائرية ، إن وجود كل هذه المعطيات على أرض الواقع الأجتماعي تشير الى أن نشر السلاح على هذا النحو وبهذه الطريقة غير المدروسة بعقلانية وعلمية سوف يؤدي حتماً الى إنتشار الجريمة الجنائية والقتل العشوائي من باب الأخذ بالثأر والأنتقام وغسل العار في قضايا الشرف ، وكذلك يؤدي الى سقوط هيبة القانون وسلطة الدولة وبالتالي سيادة الفوضى في المجتمع وغياب النظام بكل أشكاله القانونية ، وكذلك يؤدي الى عسكرة المجتمع بدلاً من مدننته إن صح التعبير ، وإن وجود السلاح بيد المواطن يكون عامل محفز على إستخدامه في غير محله ، بينما غيابه في ظل وجود دولة القانون والمؤسسات أي دولة مدنية يؤدي الى خفيض نسبة الجريمة الجنائية وبالتالي إنحسارها الى أقصى الحدود في المجتمع ، ولذلك نقول لمن أقترح هذا المشروع من قادة الحكومة الموقرة كحل فعال لحماية المجتمع من شر الأشرار والأرهابيين إن كانوا يعتزون فعلاً بوجود الدولة وسلطتها وهيبتها وبالتالي التأسيس لنظام أمني إجتماعي متكامل وفعال تحت سلطة القانون يؤدي الى إنتاج مجتمع مدني بحق إن وجود السلاح بيد الدولة وحدها دون سواها خير ألف مرة من أن يكون في يد المواطن لمن يبغي أمن الوطن والمواطن والسلم الأهلي في المجتمع العراقي ...                           


243
النادي الثقافي الآثوري وإنتشار الفكر القومي التقدمي 
( الجزء الرابع والأخير )
                                                                                                      المهندس : خوشابا سولاقا
القراء الكرام أبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الثالث .....
إستمرت الأمور في النادي الثقافي الآثوري تجرى بهذا الشكل وعلى هذا المنوال في تصاعد مستمر لصالح نمو الوعي القومي بجانب نمو الوعي الوطني والتعايش السلمي مع الآخرين من مكونات الشعب العراقي بين جماهير شعبنا داخل النادي وخارجه لغاية عام 1975 .. في إنتخابات الهيئة الأدارية للنادي في ذلك العام فاز مرشحي تيار الشباب القومي التقدمي المستقل فوزاً ساحقاً على مرشحين الطرف الآخر من مؤيدي السلطة ، وجاءت نتائج الأنتخابات بالسيد رابي إيشو دنخا يقيرا رئيساً والمرحوم رابي روميل كوركيس نائباً للرئيس وخوشابا سولاقا - كاتب المقالة - سكرتيراً والمرحوم رابي إيشايا يونان أميناً للصندوق والأغلبية من أعضاء الهيئة الأدارية ، فعلى أثر هذا الفوز الكبير جن جنون السلطات الأمنية والبعثيين ومؤيديهم في النادي وخارجه والذي أذهلهم وأثار غضبهم وحنقهم على التيار القومي المستقل لدقة تنظيم العمل الأنتخابي والمحافظة على سرية أسماء المرشحين الى ساعة الصفر .. ومنذ تلك الساعة صّعدت السلطة من إجراءاتها القمعية وضغطها والتضييق على النادي بكل الوسائل التي تمتلكها ومن كافة الجوانب بغرض تحجيم وتقزيم دور تيار الشباب القومي التقدمي المستقل ، وإنتهت هذه الأجراءات بفصل رابي إيشو دنخا يقيرا من رئاسة الهيئة الأدارية وعضوية النادي وترقين قيده لآسباب سياسية كونه سجين سياسي قومي سابق من جماعة ( خيث . خيث . ألب . ) وبهذه الطريقة المهزلة تمكنوا من التخلص منه كعضو فعال ونشط في قيادة نشاط الشباب القومي التقدمي المستقل ، وأهم إنجاز حصل في فترة هذه الهيئة كان فتح فرع النادي الثقافي الآثوري في السليمانية ، وحفل الأفتتاح الذي أقامته الهيئة المؤسسة للفرع في فندق السلام ( آشتي ) في السليمانية بحضور رابي إيشو دنخا يقيرا وحضوري ومعنا المغنية الآثورية أكنس يوخنا وحضره جمهور غفير من طلبتنا في جامعة السليمانية ومن أبرز أعضاء الهيئة المؤسسة للفرع الشهيد الخالد يوسف توما زيباري والطيب الذكر رابي عوديشو آدم ميخائيل رئيس تحرير مجلة المثقف الآثوري وغيرهم لا تحضرني أسمائهم من الشباب القومي التقدمي المستقل .. بعد فصل رئيس النادي الشرعي رابي إيشو دنخا يقيرا بهذه الطريقة الهمجية ووفقاً للنظام الداخلي تولى الرئاسة نائبه المرحوم رابي روميل كوركيس ، وخلال هذه السنة والتي تلتها حصلت تدخلات وضغوطات كثيرة وكبيرة على النادي من قبل السلطات الأمنية وبمساعدة المتعاونين معها من أعضاء النادي بهدف إحتواء نشاطات تيار الشباب القومي التقدمي المستقل وفرض العناصر البعثية والموالين لهم من الأنتهازيين المستقلين ، مما دفع بالكثير من أعضاء النادي الى العزوف من الحضور والتواجد في النادي والمشاركة في فعالياته ونشاطاته كما كان الحال في السابق ومن ثم الأبتعاد عن النادي كلياً ، وقد ساهم  في تعاظم موجة الأبتعاد عن النادي تصاعد موجة الهجرة من أرض الوطن ، وتوسع إختراقات وتأثير العناصر البعثية والأمنية في النادي أمثال السيد وليم شاؤول بنيامين المعروف بتعاونه المكشوف والعلني مع الأجهزة الأمنية للنظام ودوره في تبعيث الشباب من طلبتنا الجامعيين وكسبهم الى جانبه والأنخراط في تنظيمات قومية مزيفة ومرتبطة من خلال شخصه سراً بحزب البعث .. وقد تمكن السيد وليم شاؤول السجين حالياً في الولايات المتحدة الأميريكية بتهمة كونه من العناصر الأمنية والمخابراتية للنظام السابق بمكره من خداع وتضليل وتوريط بعض العناصر النشطة من خيرة الشباب القومي الناشط في الجامعات والذين كان لهم دور فعال ومشهود وكبير في تحشيد جماهير الشباب القومي التقدمي المستقل في الفوز بأنتخابات عام 1975 ، خدعهم بأستخدام شعارات قومية والدعوة الى تأسيس أحزاب قومية خاصة بشعبنا ، وإنتهت هذه المحاولات للسيد وليم شاؤول بتأسيس نادي سنحاريب العائلي برآسته ، ومن أبرز أفراد هذه المجموعة المخدوعة بألاعيب السيد وليم شاؤول هم الأخوة نمرود بيتو يوخنا وبنيامين أبرم الذي كان مثالاً للمثقف المفكر من وجهة نظرنا الشخصية وكوركيس ياقو مستشار رئيس مجلس الوزراء لشؤون المسيحيين حالياً وغيرهم الكثير من نشطاء الشباب البارزين في النادي والجامعات لا تحضرني أسمائهم .. وبسبب الأبتعاد والتخلي والهجرة لأغلب العناصر القومية عن النادي تمكنت هذه المجموعة من السيطرة على النادي بفوزهم في إنتخابات الهيئة  الأدارية للنادي الثقافي الآثوري للسنوات ( 1977 – 1979 ) .. وخلال هذه الفترة حصل ما حصل من التراجعات والأخفاقات في نشاطات النادي في كافة المجالات وقد لا تكون أسبابها كلها كامنة في تركيبة الهيئة الأدارية الجديدة لوحدها وإنما الوضع العام بعد تعاظم دور صدام حسين في الهيمنة على السلطة وما إستجد من بوادر نشوب الحرب العراقية الأيرانية وتصاعد موجة الهجرة لهما دور أيضاً ، وإستمرت أوضاع النادي بالتردي الى أن إنتهى الآمر به بالنهاية المؤلمة والمحزنة لهذا الصرح الثقافي العملاق بإقامة على أطلاله وأنقاضه بناء هزيل مشوه بعيد كل البعد عن الثقافة وهو ما سميه بالنادي الآثوري العائلي برآسة السيد أفرام منصور – أبو نادية - أحد رجالات السلطات الأمنية للنظام السابق .. هكذا إنتهى ومات ودفن هذا العملاق الثقافي ومنهل الفكر القومي التقدمي الوحدوي والوطني ، النادي الثقافي الآثوري وأسدل عليه الستار وتوزعت كوادره المثقفة في المهاجر دون راعٍ يجمعهم .. ولكوني أحد أعضاء هّذا النادي وأحمل رقم العضوية ( 22 ) وكنت من العناصر النشطة فيه في مجال الفكر القومي التقدمي سوف أحاول أن أكون بقدر المستطاع صادقاً ومنصفاً بحق الجميع بقدر ما تُيّسر لي معلوماتي وذاكرتي وسأذكر لضرورة الأمانة التاريخية إرضاءً للتاريخ والضمير بأنه لم يكن هناك أي تنظيم سياسي حزبي أو حركة سياسية قومية على هيئة حزب منظم موجودة ومعروفة وعاملة في النادي الثقافي الآثوري ولا حتى خارجه في المجتمع على حد علمي إلا من كان له إرتباط باجهزة النظام الفاشي لنهاية عام 1976 وهي السنة التي بنهايتها غادرتُ النادي بعد أن تيقنتُ من عدم إمكانية إستمراره على ما كان عليه سابقاً مستقلاً بقراره الى حدٍ كبير ، ومن يدعي العكس فاليأتي ببرهانه المادي ووثائقه ويدحض ما قلته ويؤكد على العكس من ذلك وسأكون له شاكراً ومعتذراً في نفس الوقت .. أما ما حصل بعد ذلك وخصوصاً بالنسبة لمجموعة نادي سنحاريب العائلي وإنفصالها وإبتعادها عن السيد وليم شاؤول بنيامين عضو حزب البعث ورجل الأجهزة الأمنية وتأسيسها لما يسمى الآن ( الحزب الوطني الآشوري ) الذي سمعت به شخصياً لأول مرة بعد سقوط النظام عام 2003 وحضرت الى إحتفاليته الأولى في نادي الدورة الأجتماعي وقدمني سكرتيره العام حينها الأخ الكريم نمرود بيتو يوخنا الى الحاضرين بصفة أعتز بها وأشكره عليها ولا أريد ذكرها لكي لا يكون ذلك مدحاً للذات ، بالنسبة لي وللآخرين أيضاً على ما أعتقد تبقى العلاقة بين مجموعة نادي سنحاريب بشخوصها المذكورين والسيد وليم شاؤول والحزب الوطني الآشوري تلك الحلقة المفقودة في هذا السفر التي نبحث عنها ولغزها الغامض وتفسيره ... أقول بصراحتي المعهودة كما يعرفني الجميع من المقربين ومنهم الأسماء التي ذكرتهم من هذه المجموعة أن إحدى إعترافات السيد وليم شاؤول أثناء محاكمته في اميريكا كانت أنه أحد المؤسسين الرئيسيين للحزب الوطني الآشوري وأتمنى أن لا يكون السيد وليم شاؤول صادقاً بإعترافه هذا .. !! أنا أستغرب حقاً كيف كانوا كل من الأخوان نمرود بيتو وبنيامين أبرم وكوركيس ياقو وغيرهم من مجموعتهم المعروفين وهم من خيرة الناشطين القوميين التقدميين المستقلين في النادي الثقافي الآثوري والجامعة لا يعرفون حقيقة السيد وليم شاؤول وإرتباطاته بالأجهزة الأمنية والحزبية للنظام السابق والذي كان معروفاً ومكشوفاً للقاصي والداني من المهتمين بالشأن القومي وحتى لأبسط الناس .. إنه لأمر غريب لا أستسيغه ولا أصدقه حقاً  ... !! ، وعليه ولغرض إزالة هذا الألتباس والغموض والشكوك عن العلاقة بين الحزب الوطني الآشوري والسيد وليم شاؤول مطلوب من الأخوة في قيادة الحزب الوطني الآشوري حالياً وسابقاً توضيح هذا الأمر بجلاء ووضوح لجماهير شعبنا بدلآُ من اللجوء الى السِجالات وتبادل التهم والنعوت غير اللائقة بينهم وبين الأخ الكاتب القومي أبرم داود شبيرا الذي لا تشوبه شائبة ولا غبار على أمتنايوثه لكل من يعرفه حقاً ومنهم أنا عبر وسائل الاعلام ، وأنا شخصياُ لا أشك بأمتنيوثة الطرفين لكونهما من منبع واحد ألا وهو تيار الشباب القومي التقدمي المستقل في النادي .. لاحقاً ونتيجة لكل هذا المخاض العسير تكللت جهود البعض من أبناء شعبنا النجباء من الشباب القومي التقدمي المستقل ممن حملوأ مشاعل الحرية بأيديهم وصعدوا على أعواد المشانق بالنجاح في تشكيل مجاميع سياسية مختلفة في رؤآها وتوجهاتها الفكرية في بغداد ونينوى وكركوك ودخلوا مع بعضهم البعض في حوارات ونقاشات مضنية وطويلة لتوحيد الجهود المبعثرة في تنظيم سياسي موحد ، أثمرت هذه الجهود في نهاية المطاف بولادة ما يسمى اليوم بالحركة الديمقراطية الآشورية ودخلوا معترك الحياة السياسية من هذا الباب بهمة عالية وإيمان راسخ وعزم لا يلين ونكران الذات وواصلوا الطريق الصعب بخطوات ثابتة وبعزم وصبر الرجال المؤمنين بقضية المصير دون أن يردعهم رادع الخوف والتخاذل وحب الحياة وملذاتها أمثال الشهداء الخالدين يوسف توما زيباري ويوبرت بنيامين ويوخنا إيشو ومنهم من عذبوا عذاباً مريراً في سجون البعث الفاشي وحُكم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة أمثال رعد إيشعيا ( إسحق إسحق )  البازي وأمير أوراها وسركيس شائيل البازي ورامسن أبرم وريمون إثنيال البازي وفالنتين بنيامين وروميل بنيامين والمرحوم المهندس عمانوئيل بادل ، وللتاريخ أذكر هنا عدم وجود أية وثائق رسمية تدل بصدور أي حكم بالأعدام غيابياً بحق أحداً من أفراد هذا التنظيم من المحكمة المختصة التي حكمت بالأعدام على الشهداء الأبرار المذكرين في أعلاه وبإعتراف جميع السجناء المذكورين كما أشيع كذباً من قبل البعض للمزايدة بالشعارات القومية وتضليل البسطاء من أبناء شعبنا المؤمنين بقضيتنا القومية لتحقيق مكاسب وشهرة شخصية زائفة .. ولكن مع الأسف الشديد تمكنت أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق من خلال بعض ضعاف النفوس وعديمي الضمير في قيادات هذه الحركة وغيرها من التنظيمات الحزبية التي تشكلت بعد إقامة المنطقة الآمنة من قبل القوات الأميريكية في شمال العراق عام 1991 من إختراقها وتجنيدها لخدمة الأجهزة المخابراتية والأمنية للنظام السابق وهناك وثائق رسمية صادرة من الأجهزة المخابراتية للنظام السابق تدين هولاء المتعاونين ، وبذلك أفرغت هذه التنظيمات من محتواها ومضمونها النضالي القومي وتحولت الى وسائل للأثراء الشخصي وكسب السحت الحرام وتحقيق الأمجاد الشخصية الزائفة متخذين من المتاجرة بالشعارات القومية ستاراً لتغطية زيفهم وسُلماً للصعود إلى قِمم المجد الزائف والشهرة التي لا تشرف حامليها متناسين أن لكل صعود زائف نزول مخزي الى حضيض مزبلة التاريخ .. ولكن بالمقابل هناك الكثير من العناصر القومية الشريفة الصابرة والشباب الناهض الذين لا تخلو منهم سوح النضال القومي أبداً تعي وتعرف هذه الحقيقة بكل تفاصيلها وتمتلك من الوثائق ما يثبت ذلك والتي رفضت أن تكون في يوم ما من قرود السيرك تتحرك وفق مشيئة ورغبات وأهواء الآخرين سوف تقتص من هؤلاء وتقول كلمتها بحق من خان الأمة وأهدافها القومية ودماء الشهداء الأبرار التي سالت على درب النضال والذين قدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة على مذبح الحرية ، سوف ترميهم في مزبلة التاريخ غير مأسوف عليهم كما تدل على ذلك جميع تجارب الشعوب المتطلعة الى الحرية والأنعتاق ، وللتذكير وأخذ العبر من تجارب الآخرين أقول ليس الربيع العربي ببعيدٍ عن ربيعنا الزاهر القادم ، وإن غدٍ لناظره قريب ...
ملاحظة : إن ما كتبته يبقى محاولة شخصية وليس إلا لكتابة تاريخ النادي الثقافي الآثوري وما حصل فيه من أحداث وحراك ثقافي وسياسي مترابط مع محيطه وحسب قراءتي ورؤيتي  وتحليلاتي للأحداث من منظار ووجهة نظر شخصية ، وبالتأكيد سيكون فيها نوع من التقصير بحق البعض من رواد النادي من جهة وبحق التاريخ من جهة أخرى ، ولكن لم يكن ذلك قد حصل عن قصد بغرض الأساءة وتقليل من شأن الآخرين بل يكون قد حصل من باب محدودية المعلومات المتيسرة لدي وإظهار الحقيقة كما هي بجلاء لأبناء شعبنا وكما تتطلب المرحلة الحالية من نضال شعبنا بهدف تمكينه من التمييز بين الحق والباطل ووضع الفواصل بينهما لوقف التداعيات والتحديات ووضع حد لمن يعبث بمصيره ، ومن حق الآخرين أن تكتب ما تراه صائباً وأن تؤرخ للنادي وللحركة السياسية المعاصرة لشعبنا كما تشاء وأن تنظر الى الأحداث من الزاوية التي تعطيهم الوضوح الأكبر والشمولية الأوسع لرؤية حقائق الأحداث حسب وجهة نظرهم ومن منظارهم الخاص وذلك حق مشروع لهم ، وهذه سمة من سمات الديمقراطية لتعايش الرأي والراي الآخر على ساحة واحده لترسيخ وتثبيت الأصح على صفحات التاريخ للمستقبل ، ومن يخول نفسه من العابثين بمصير ومستقبل شعبنا أن يصادر هذا الحق فهو ليس إلا مجرد أحمق قد فهم فلسفة الحياة ومنطقها وقوانينها وسننها على نحوٍ معكوس ... تحياتي وشكري وتقديري وإعتذاري للقراء الكرام إن تجاوزت أو قصرت في كتابتي لهذا السفر الخالد من تاريخنا السياسي القومي المعاصر .. أقول بفخر وإعتزاز أن جميع التنظيمات الحزبية القومية كان منبعها النادي الثقافي الآثوري الذي على أرضه بُذرت البذور الأولى للأفكار القومية الحديثة وأينعت براعمها وأعطت ثمارها لاحقاً ...



تحياتي ومحبتي وأمنياتي بالتوفيق للقراء الأعزاء




244
النادي الثقافي الآثوري وانتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الثالث )
                                                                                                                المهندس : خوشابا سولاقا
القراء الكرام أبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الثاني مباشرة ....                                
كل هذه العوامل مجتمعة كانت تشجع وتدعم توجهات التيار القومي التقدمي في النادي الثقافي الآثوري وخارجه الى الدعوة في تجمعات أنصاره في كل المناسبات الى تأسيس حزب سياسي قومي تقدمي ديمقراطي وطني ، أتذكر كيف كنا نتجمع على شكل حلقات كبيرة في حديقة النادي ونتحدث بحرية بشكل علني عن الضرورة الموضوعية لتأسيس حزب سياسي خاص بنا ليتولى المطالبة بالحقوق القومية والوطنية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري ، وكيف كان الطيب الذكر رابي ولسن ملهم نرسا كونه رئيساً للنادي آنذاك يطلب من الجالسين بعدم النقاش والحديث في مثل هذه المواضيع الحساسة والخطيرة وذلك لما تنطويه من خطر على مصير النادي والمتحدثين بهذا الشأن معاً ، وكنا نمتعض من نصيحته والتي كانت بالتأكيد في محلها وهي عين الصواب ، ولكن ما العمل من طيش وإندفاع الشباب المتحمس لقضية شعبه والذي لا يرى الحق إلا فيما يريده ويقوله هو ( أعذرنا يا رابي ولسن الورد كنت على حق مئة في المئة ) ، كنتُ أنا كاتب هذه المقالة من أشد المتحمسين لهذا الآمر وكان تحمسنا وطيشنا الشبابي لا حدود له .. وكذلك كيف كنا أنا وأصدقائي أبرم داود شبيرا وآدم بثيو ججو ونوئيل داود وشليمون بيت شموئيل والمرحومين روميل كوركيس وإيشايا يونان ودنخا إيشا وغيرنا من الشباب نجتمع في داري ودار المغني القومي المبدع شليمون بيت شموئيل ودار المرحوم روميل كوركيس الذي تولى رئاسة النادي لدورتين تقريباً ولساعات طويلة ولمرات عديدة نتناقش بإسهاب وجدية بالغة ونتبادل الأراء والرؤى بشأن كيفية تأسيس حزب سياسي ، وكذلك إجتماعاتنا العديدة في مكتب المرحوم المهندس سِهام توما القس من قرية كوماني في الكرادة وبمشاركة الطيب الذكر الدكتور شليمون عبدو أشيثا ونتباحث لساعة متأخرة من الليل في أمر تأسيس حزب سياسي ليتولى قيادة نضال شعبنا من أجل حقوقه القومية والوطنية وكانت الجدية والعزيمة والأيمان تتحكم بمحاولاتنا هذه ، وجرت الكثير من مثل هذه المحاولات والأجتماعات مع شخصيات وأطراف كثيرة منهم المرحوم توما زيباري والد الشهيد يوسف توما والمغني المبدع البير أوسكار وبطرس بولص البازي الذين كان لهما تنظيم سياسي متواضع خاص بهما لتحقيق هذا الهدف السامي ، كما أحب التذكير بمحاولة مجموعة أخرى من أصدقائنا بقيادة كل من الخوري حالياً شليمون إيشو آشيثا وإسحاق أنويا الزاويتي لتأسيس حزب سياسي وتعرضهم الى الأعتقال من قبل الأجهزة الأمنية للنظام وتعرضهم للتعذيب الجسدي وغيرها الكثير من هذه المحاولات ، إلا أننا لم نتمكن من تحقيق حلمنا وطموحنا في بناء تنظيم سياسي لأسباب كثيرة منها ذاتية تتعلق بقلة الخبرة والتجربة والتردد عند البعض من عناصرنا بسبب الخوف من قسوة النظام الفاشي ومخاطر العمل السياسي المنظم ، ومنها موضوعية تتعلق بالوضع العام في البلد وبطش النظام الدموي الذي لا يرحم وتوسع تعاون وإنخراط أبناء شعبنا ولأسباب كثيرة مع الأجهزة الأمنية والمخابراتية والحزبية للنظام ، وبالأخص تمكّنت الأجهزة الأمنية والحزبية للنظام من إختراق صفوف الشباب القومي التقدمي المستقل في النادي والجامعات ( زيادة عدد الجواسيس المتعاونين من أبناء شعبنا مع أجهزة النظام ) ، مما أضطرّنا ذلك مرغمين على التخلي عن هذا التوجه بعد سنين من الجهد الجهيد والمثابرة الصابرة والصادقة والحثيثة .. وأذكّر القارئ الكريم هنا بأن صديق العمر والكاتب القومي المعروف وأخي أبرم داود شبيرا قد أسهب في شرح وتوضيح دور هؤلاء المتعاونين مع أجهزة النظام في مقالاته العديدة عن تاريخ النادي الثقافي الآثوري والتي نشرت على هذا الموقع الحر ، لذلك لا أجد ضرورة لأعادة تكرارها هنا مرة أخرى لعدم أهميتها الآن وكونها قد أصبحت شئ من الماضي ونال القسم من هؤلاء المتعاونين مع أجهزة النظام السابق جزائهم والبقية ينتظرهم الدور ..
وبغرض دعم وتعزيز عملنا القومي في نشر أفكارنا بين جماهير شعبنا تعاونا نحن النخبة من الشباب القومي التقدمي المستقل مع بعض العناصر القومية الطيبة المرتبطة بالأحزاب السياسية الأخرى العاملة في النادي للأستفادة من إمكانياتها في نشر أفكارنا من خلال ما متيسر لديها من الأمكانيات والوسائل والتي كنا نفتقر إليها بعد أن أمنا منهم الولاء للأمة ، وكان لنا الشئ الكثير من هذا القبيل ، وأذكر من هذه المحاولات على سبيل المثال لا الحصر تعاوننا مع المرحوم بولص دنخا البازي أحد الكوادر المتقدمة في الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعد أن تحول فكرياً وعن قناعة راسخة الى ما كنا ندعو إليها من الأفكار والمبادئ القومية ، وقام وبناءاً على طلبنا منه بتقديم طلب الى إدارة جريدة التآخي الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني لتخصيص صفحة خاصة منها وأسبوعية تهتم وتختص بشأن قضايا شعبنا فكان له ذلك فخصصت صفحة ثقافية بإسم ( الثقافة الآشورية ) كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع ، فنشرتُ فيها ( أنا كاتب المقالة ) في حينها مقالة بثلاثة اجزاء تخص الوحدة القومية لمكونات شعبنا بكل طوائفه المذهبية تحت عنوان ( آثوري + كلداني + سُرياني = ... ؟ ) ، من خلال هذه المقالة أثبتُ تاريخياً وواقعياً أن هذه التسميات الثلاث هي تسميات لمسمى قومي واحد أي هي تسمية لقومية واحدة وتربط مكونات شعبنا الثلاث – الكلدان – السريان – الآشوريين - ببعضها الكثير من المشتركات القومية في مقدمتها أهم خصائص ومقومات القومية وهي اللغة المشتركة الواحدة ..
وعلى خلفية الخلافات التي حصلت بين المجتهدين من فقهاء لغتنا من المتطرفين والمتعصبين للمذهبية الكنسية من مكونات شعبنا حول تسمية اللغة التي تقدم بها برامج إذاعة بغداد لقسم الناطقين بالسريانية حسب قرار السلطة لمنح الحقوق الثقافية والأدارية لشعبنا ، كتبتُ – أنا كاتب المقالة - مقالة تم نشرها في هذه الصفحة بجزئين بعنوان ( ماذا تنتظر اللغة الآرامية ... ؟ ) حيث وضحتُ فيها بأن الأسماء العديدة التي تسمى بها هذه اللغة العريقة لغة مار أفرام ومار نرساي ومارعوديشو الصوباوي وبرديصان وخامس الحداد والعشرات غيرهم ممن كتبوا مجلدات كبيرة وكثيرة في مختلف الأختصاصات العلمية والأدبية واللأهوتية بهذه اللغة وتزخر بها مكتبات ومتاحف العالم اليوهي الآخرى تسميات للغة واحدة يتكلم بها شعب واحد وهي بالتالي لغة واحدة لقومية واحدة وستبقى كذلك إن شاؤوا أم أبوا أعداء الوحدة القومية لشعبنا والتي سوف تتحقق عاجلاً أم آجلاً لا محال لأن ذلك سنة الحياة والتاريخ ومنطقهما الطبيعي ..
وخلال العقد السابع من القرن الماضي توسعت موجة الهجرة لأبناء شعبنا وعن طريق منظمات الهجرة في لبنان الى بلدان المهجر وغدت ظاهرة خطيرة تهدد وجودنا القومي في العراق ، وتصدياً منا لهذا الخطر الداهم كتبتُ – أنا كاتب المقالة - مقالة بشأن مخاطر الهجرة من أرض الأباء والأجداد والضياع في المهاجر وتداعياتها المستقبلية وكيف تهدد مصير وجودنا القومي بالذوبان في المجتمعات الجديدة في بلدان المهجر وبالتالي الأنقراض ، نُشرت هذه المقالة في صفحة الثقافة الآشورية أيضاً وكانت هذه الصفحة تنتظرها جماهير شعبنا بفارغ الصبر وبشغف ولهفة كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع .. وكتب الكثير من مثقفي شعبنا في هذه الصفحة وشقيقتيها  مجلتي ( المثقف الآثوري ) و ( قالا سوريايا ) الفصليتين واللتين تصدرهما النادي الثقافي الآثوري والجمعية الثقافية للناطقين بالسريانية على التوالي مقالات وأشعار وقصص قصيرة وغيرها من فنون الأدب التي تخدم ثقافتنا وأدبنا وكان لهذه الصحف دور كبير وفعل مؤثر ومشهود في نشر الثقافة القومية التقدمية والوطنية ورفع مستوى الوعي القومي وحب أرض الوطن والتمسك بها ..
وكان لشباب التيار القومي التقدمي المستقل في النادي الثقافي الآثوري دور كبير ومتميز نوعياً في تنظيم نشاطات ثقافية كالمحاضرات والندوات والمناظرات والمهرجانات الشعرية وتجهيز المكتبة بالكتب المتنوعة الرصينة لأعارتها للقراء من أعضاء النادي وتنظيم الحفلات والسفرات الترفيهية لأعضاء النادي وعوائلهم وأصدقائهم وتقديم من خلالها نشاطات وفعاليات تخدم الأهداف المركزية للنادي الثقافي الآثوري ، وإقامة المحاضرات الثقافية المتنوعة وتنظيم مهرجانات للأغنية الآشورية والتي كان لها الأثر الأكبر في إلهاب الشعور القومي والوطني بين جماهير أبناء شعبنا ، وإن صدى اغنيتي (سُميلي وأكاره ) من أشعار الشاعرين المبدعين المرحوم دنخا إيشا منشايا والطيب الذكرعوديشو ملكو آشيثا على التوالي وغناء المبدع شليمون بيت شموئيل لا يزال يرن في آذان أبناء شعبنا الى اليوم كما هو عليه الحال مع نغمات النشيد القومي ( روش جونقه ) بالصوت الراقي الشجي للمبدع بنيامين عوديشو البيلاتي والذي كنا ننشده بمشاركة جماعية معه في إفتتاحيات كل حفلاتنا وسفراتنا الأجتماعية والطلابية التي تخلدت ذكرياتها في عقولنا ونفوسنا الى اليوم ، وغيرها العشرات من الأناشيد والأغاني القومية مثل أغنية ( برين آثورايا وميثن آثورايا كو دا أثرا دكاني لا بأثرا نُخرايا ) من تاليف – كاتب المقالة - ، وكذلك الحال مع أغاني المغني الرائع الذي لا تخلو حفلاتنا وسفراتنا من أغانيه الجميلة داود إيشا ، كما شارك في مهرجانات الأغنية الأثورية المطرب الآثوري الأول رائد الأغنية الآثورية الحديثة المرحوم ( بيبا ) ، في الحقيقة كان للأغنية الدور الفاعل والأكبر في خلق الوعي القومي والتقارب بين مكونات شعبنا وما زال الى اليوم ، وكذلك نشط الشباب القومي التقدمي المستقل في إقامة معارض الفنون التشكيلية لشبابنا القومي المستقل أذكر منهم الأخوين المبدعين التشكيليين آرم وأمير أوراها ، وتنظيم دورات تعليم لغة الأم للأساتذه الكرام أوراهم يلدا وعوديشو آدم وشليمون إيشو وزيا نمرود كانون والمرحوم الشماس منصور روئيل في فصل الصيف ، وكذلك إصدار مجلة المثقف الآثوري الفصلية التي كتب فيها خيرة كُتابنا ومثقفينا أمثال رابي يوآرش هيدو ورابي زيا نمرود والشعراء ميخائيل مروكي وبولص شليطا وكوريال شمعون وكتب لها رابي يوسف نمرود وعوديشو آدم وعوديشو ملكو والأديب الكبير المرحوم الشماس منصور روئيل الذي اتحف النادي بالكثير من المحاضرات في اللغة والتاريخ والأدب وكان مثالاً للأمتنايا الحقيقي المخلص باعماله وليس بأقواله فقط حيث قدم الكثير للنادي والأمة من دون أن يأخذ شئ عدا الذكرى الطيبة والأثر الخالد والكاتب والصحفي المرحوم جميل روفائيل وكاتب المقالة خوشابا سولاقا وغيرهم من المبدعين في مجال الكتابة من أبناء شعبنا ، وكذلك تقديم مسرحيات في غاية الروعة للمبدِعين الرائعين سامي ياقو وأندريه والمبدعة ماريا يوسف وشقيقة الفنان الآثوري العراقي الكبير روميو يوسف لا يحضرني إسمها والدكتورة شارليت ريحانه وتيدي نيقاديموس والطيب الذكر يوسيبوس عمانوئيل والمتعاونين معهم من الفنانين الذين لا تحضرني أسمائهم الآن وأعتذر لهم لهذا التقصير ...   وكانت الأمور تجري في حصر كل هذه النشاطات والفعاليات في الأتجاه الذي يجسد الوحدة القومية للأمة بكل مكوناتها ويبرّز هويتها القومية والوطنية وترسيخ الوعي القومي لدى أبناء شعبنا لتحصينهم من الأنخراط في الأحزاب القومية الأخرى فيما يتم تقديمه في حقل التراث الثقافي والقومي والوطني .. وعمل الجميع دون إستثناء من دون كلل أو ملل وكل في مجاله وإختصاصه وموقعه وقدم ما هو خير لصالح شعبنا ووطننا ، ونتيجة لكل هذه الجهود الخيرة المبذولة نمت في النادي حركة ثقافية فكرية قومية تقدمية ووطنية هائلة بفعلها وحراك سياسي كبير غير منظم حزبياً ليس في النادي فحسب بل وبين صفوف أبناء شعبنا قاطبةً ، وأصبح النادي الثقافي الآثوري بحكم هذا الواقع مناراً للثقافة القومية والوطنية التقدمية وينبوع للفكرالقومي التقدمي والوطني شُرب منه كل من أدلى بدلوه في مجرى هذا الينبوع الزَلال الهادر ... ولا يفوتني هنا أن أذكر أول نشاط ثقافي قدمه النادي الثقافي الآثوري بعد تأسيسه ، كانت محاضرة في اللغة والشعر والتاريخ للأديب والشاعر ذي الفضل على لغتنا الحديثة ( لشانه خاثه ) المرحوم الشماس كوركيس بنيامين صومو آشيثا من أصحاب مطبعة كركوك وبحضور متحمس وكبير من محبي النادي ، وللطرفة أذكر هنا ما حصل خلال المحاضرة ، بينما كان المرحوم يلقي بحماس قصيدة شعرية له حول أهمية اللغة في حياة الأمم وصل الى حيث يقول البعض أن تَعلم اللغة الآثورية - لا توَكل خُبز – فرد عليهم بشكل لا إرادي غاضب وثائر ومنزعج وباللهجة التيارية الدارجة بعبارة  - خيله جيبي دبستي - والتي تعني ( يا آكل حجر الشواطئ- الحصى - ) كان المشهد في غاية الروعة فضحك البعض بصوت عالٍ وصمت البعض الآخر صمت القبور لا لسبب بل لأنهم لم يفهموا معناها وتصوروا أنها من ضمن القصيدة وهي ليست كذلك ولكن صفق الجميع له بقوة ولمدة طويلة .. وكانت هذه المحاضرة  خير إفتتاح وتدشين لنشاط النادي الثقافي الآثوري ..  وكذلك كان الحال مع محاضرة الأستاذ لوقا زودو حين ألقى محاضرة عن علاقة الآشورين بالمسيحية والسيد المسيح له المجد ، حيث قال في سياق محاضرته بأن أبائنا وأجدادنا تمسكوا بتطرف بالديانة المسيحية بنفس القدر من التطرف في تخليهم عن تراثهم وثقافتهم الوثنيتين ودمروا كل ما ورثوه الأباء والأجداد بإعتباره كفر من رجس الشيطان ، وعندما صعد السيد المسيح له المجد الى السماء تمسكوا بعباءته ولكنهم أفلتوها وهم معلقين بين الأرض والسماء ولم يبق لهم مكان على الأرض لينزلوا عليه لأن الآخرين قد سبقوهم إليه وكذلك لم يتمكنوا من الصعود الى السماء لأن السيد المسيح له المجد قد سبقهم إليها أيضاً ..وكانت ايضا من المحاضرات الجيدة التي الهبت المشاعر القومية للحضور الغفير من أبناء شعبنا في ذلك الوقت ...


تابعونا في الجزء الرابع وشكرا


245
النادي الثقافي الآثوري وإنتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الثاني )
المهندس : خوشابا سولاقا
القراء الكرام سوف أبدأ معكم من حيث إنتهى الجزء الأول ....
التوجهات السياسية في النادي الثقافي الآثوري :
في ظل إنتشار وتوسع صراع الأتجاهات السياسية على السلطة في العراق بسبب المستجدات الكبيرة التي طرأت على الساحة السياسية العراقية مثل إتفاقية 11 آذار 1970 وإقرار الحكم الذاتي لكوردستان العراق ، وتأميم النفط ، وإعلان السلطة لبيان العمل الوطني المشترك لمشاركة القوى السياسية الوطنية في إدارة الدولة والذي في حقيقة الأمر لم يكن إيماناً من سلطة البعث بالعمل الوطني المشترك بل كان شعورا منها بالضعف في مواجهة التحديات القائمة آنذاك ، وإنخراط الكثير من أبناء شعبنا في الأحزاب السياسية التي تقود هذا الصراع من جهة ، والصراعات التي كانت تشهدها السحة القومية لشعبنا بسبب الخلافات المذهبية الكنسية وما حصل في الكنيسة الشرقية القديمة عام 1964 من إنشقاق بسبب التحول الى إعتماد التقويم الغريغوري بدلاً من التقويم اليولياني في تقويم السنة لممارسة طقوس الكنيسة من جهة ثانية ، إنعكست وسادت هذه التوجهات والصراعات في مجتمع النادي الثقافي الآثوري بشكل مباشر وجلي من خلال ما موجود من توجهات مماثلة لتلك الموجودة في المحيط الخارجي للنادي داخل النادي ولكن بنمط آخر في الممارسة العملية يتسم بالهدوء واللاعنف والعقلانية ، وكان كل شئ يجري في تلك الفترة التي عاشها النادي الثقافي الآثوري في ظل أنضج تجربة لممارسة الديمقراطية في العراق وبشهادة الجميع ممن كانوا على إطلاع ومعرفة بتجربة النادي الثقافي الآثوري الفريدة من نوعها في بلد يقدس فيه العنف ويجد فيه الحل الساحر والوسيلة المثلى لحل كل مشاكله .. كان في النادي الثقافي الآثوري تيارات سياسية متعددة ومختلفة في فكرها ورؤآها وتوجهاتها ، منها تيار القوميين التقدميين المستقلين الذين لا يؤمنون بالتعصب القومي والعنصرية الشوفينية وإنما يؤمنون بالتعايش السلمي الوطني مع الآخرين في ظل التمتع الكامل بالحقوق القومية والوطنية لأبناء شعبنا على المستوى الوطني ، ويؤمنون بالوحدة القومية لأبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري ، ويرفضون التطرف والتعصب المذهبي والعشائري في الكنيسة والمجتمع على المستوى القومي ، وكان هذا التيار القوي والواسع يكنى ب( أُمتنايي ) ، وتيار حزب البعث وتيار الحزب الديمقراطي الكوردستاني وتيار الحزب الشيوعي العراقي والماركسيين .. وكان لتيارالقوميين التقدميين المستقلين الدور الحاسم والغالب في تقرير كل ما يجب أن يكون عليه واقع النادي الثقافي الآثوري في طبيعته ونوعية نشاطاته المختلفة ، وكان هذا التيار يعمل في النادي من خلال لجانه المتخصصة الأربعة وهي اللجنة الثقافية ولجنة التحرير والنشر واللجنة الفنية ولجنة النشاط الأجتماعي كتنظيم سياسي محترف غير معلن رسمياً ، أو هكذا كان يبدو المظهر للأخرين من نتائج عمله وحراكه المستمر ومن دون أن تكون له قيادة مشخصنة بأشخاص معينين أي بمعنى كان الكل قائد والكل قاعدة من موقعة ، بل  كانت القيادة بيد من كان يعمل أكثر من غيره ويواجه الأحزاب السياسية التابعة للسلطة وغيرها والتي كانت تسعى الى فرض إرادتها وأجنداتها على النادي وسلب إستقلاليته وتشويه هويته القومية وبالأخص حزب البعث والحزب الديمقراطي الكوردستاني من خلال مؤيديهم من المنخرطين في صفوفهما من أبناء شعبنا في النادي بعد إتفاقية 11 آذار 1970 بشكل خاص ، وكان الشيوعيون والماركسيين الاقرب الى توجهات وتطلعات تيار القوميون التقدميون المستقلون والداعمين له وبهذا الأسلوب تمكن هذا التيار من إستقطاب الغالبية حوله من أعضاء النادي وبالأخص الطلبة الجامعيين والذين يشكلون العمق الأستراتيجي لنشاطه .. وكان هذا الدور القومي البارز لتيار المستقلين يقوى ويتصاعد ويتعاظم ويطغي الى حد كبير على النادي في فترة الأنتخابات لأختيار أعضاء الهيئة الأدارية الجديدة سنوياً والتي كانت عادة تنتهي بفوز من يقرر إنتخابه من قبل هذا التيار ، وكان عادة ًيتم الترتيب أيضاً من قبل هذا تيار لأنتخاب عناصر بعينها المعروفة برزانتها وإعتدالها من الأحزاب السياسية وبالأخص من حزب البعث والبارتي لأحداث نوعاً من التنوع في تركيبة الهيئة الأدارية منعاً لتدخل السلطة وفرض إرادتها بالقوة على إدارة النادي وكان ذلك تكتيكاً ناجحاً وبارعاً من قبل تيار القوميين التقدميين المستقلين لسحب البساط من تحت أقدام السلطات الأمنية ، وكان كل ذلك يتم مع ضمان الأحتفاظ بالأكثرية في الهيئة الأدارية وبالمناصب القيادية الرئيسية للنادي حصراً بعناصر تيار المستقلين كمنصب رئيس وسكرتير وأمين الصندوق للنادي والأغلبية من الأعضاء العاملين للهيئة الأدارية خمسة أصليين وإثنان إحتياط لأن القرارات في إجتمعات الهيئة الأدارية كانت تتخذ بالأكثرية ، وكان منصب نائب الرئيس يتم التضحية به عادةً لصالح الأحزاب .. وكانت الأنتخابات تجري بطريقة الترشيح الفردي للمناصب الأربعة رئيس ونائب الرئيس والسكرتير وأمين الصندوق وبطريقة الترشيح الجماعي للأعضاء الأصليين والأحتياط ويتم إختيارهم وفق ترتيب أعلى الأصوات الفائزة في الأنتخابات وبشكل ديمقراطي وبالتصويت السري المباشر ..
ماذا كانت أهم إنجازات تيار القوميين التقدميين المستقلين في النادي وخارجه .. ؟
لم ينحصر نشاط تيار القوميين التقدميين المستقلين داخل إطار النادي الثقافي الآثوري وحده بل تعداه وامتد عمله خارج إطار النادي ليخدم أهداف النادي الأساسية ومن ثم بالنتيجة أهداف الأمة في نيل حقوقها القومية والوطنية المشروعة أسوة ببقية مكونات الشعب العراقي .. ومن أهم ما سعى إليه تيار القوميين التقدميين المستقلين هو إيجاد إطار للعمل السياسي المنظم ، وعليه سعت نخبة من الأسماء المذكورة في الجزء الأول من هذه المقالة الى تأسيس وبناء تنظيم سياسي ليلبي هذا الطموح بالرغم من صعوبة العمل السياسي المنظم وعدم نضوج الظروف الذاتية والموضوعية وشحة الأمكانيات وقساوة النظام الحاكم للبعث الفاشي في التعامل مع هكذا نشاطات ، إلا أنه وبعد إتفاقية 11 آذار عام 1970 كان هناك شئ من المرونة إن جاز التعبير للعمل السياسي ، وقد أراد النظام ذلك وخصوصاً لأبناء المكونات القومية الصغيرة لغرض سحب البساط من تحت أقدام الآخرين من شركائه في السلطة آنذاك بعد ما قدمه في ساعة ضعفه للحركة الكوردية وأحزاب الجبهة الوطنية والقومية التقدمية من تنازلات تكتيكية مُهينه ، وإقراره للحقوق الثقافية والأدارية للتركمان والناطقين بالسريانية من الآثوريين والكلدان والسريان لمنعهم من مد نفوذهم السياسي بين هذه المكونات وإبقائها حصراً ضمن دائرة نشاطاته ومخططاته لوضع خارطة ديموغرافية جديدة للعراق أي بمعنى تعريب المناطق المختلطة الانتماءات القومية التي لا يشكل فيها العرب الأكثرية .. في هذا السياق جاءت  دعوة النظام لرئيس الكنيسة الشرقية القديمة قداسة البطريرك الشهيد مار إيشاي شمعون الحادي والعشرين المقيم في الولايات المتحدة الأميريكية منذ سبعة وثلاثون عاماً بناءاً على طلب من بعض عناصر النظام من أبناء شعبنا لتصب في هذا الأتجاه ، وتولى إدارة عملية تنفيذ الدعوة شخصية مغمورة غير معروفة لجماهير شعبنا من قبل ألا وهو السيد عمانوئيل سكوبيلا وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية للنظام ، وصل قداسة البطريرك بغداد في 24/ 4 / 1970 وتم رد إعتباره وأعيدت إليه شهادة الجنسية العراقية التي كانت قد سحبت منه عام 1933  على أثر مذبحة سُميل وما قبلها وأستقبل إستقبال الأبطال من قبل أبناء شعبنا في مسيرة جماهيرية كبيرة شارك فيها قرابة المائة وخمسين ألف شخص أمتدت من مطار بغداد الدولي والى أروقة القصر الجمهوري العراقي وإستمرت مسيرة الأستقبال من ساعات الصباح الأولى وحتى المساء وإنتهت بإطلالة من قداسته وبجانبه الرئيس العراقي الأسبق المرحوم أحمد حسن البكر من على شرفة القصر الجمهوري في كرادة مريم وحي الجماهير الغفيرة من أبناء شعبنا ملوحاً بيده وكان هذا الحدث العظيم نادراً في تاريخ العراق أذهل النظام ووسائل إعلامه المختلفه .. والمهم في الأمر هنا هو كان لنخبة من الشباب القومي التقدمي المستقل من طلبة الجامعات من المذكورين في الجزء الأول من هذه المقالة بشكل خاص قبل تأسيس النادي وإجازته رسمياً بأشهر قليلة والذي أصبح بعد تأسيسه لاحقاً بمثابة مركز تجمع وقيادة وتوجيه بديلاً للجامعة لنشاطه القومي الدور الرئيسي والأكبر في تحشيد الجماهير الغفيرة لهذه المسيرة وتنظيمها وما أطلق فيها من الهتافات والشعارات والأناشيد والأغاني القومية والتي كانت تعبر في مضمونها عن صلب القضية القومية حسب رؤية القوميين التقدميين المستقلين وكل شئ كان يجري في حينه بدقة منظمة كعمل طوعي وفردي منسق من وراء الكواليس ، وكانت هذه المسيرة إختبار لقدرات وإيمان الشباب القومي المستقل وكان على رأس الجميع ومحرك المسيرة الناشط القومي المخضرم رابي يوسف نمرود كانون سجين سياسي قومي سابق من جماعة ( خيث . خيث . ألب ) .. وتكررت هذه التجربة الرائدة مرة أخرى في مسيرة التأييد بمناسبة الذكرى الأولى لمنح الحقوق الثقافية والأدارية للناطقين بالسريانية والتي تم تنظيمها بعد تأسيس النادي الثقافي الآثوري .. وبعد أن فشل النظام في مسعاه في الحصول على مبتغاه من قداسة البطريرك الذي تم إغتياله وإستشهادة لاحقاً نتيجة لمؤامرة دنيئة دبرت له كما قيل من قبل الأجهزة الأمنية للنظام السابق لعدم تعاونه مع النظام وتم ذلك بالتعاون مع أطراف آشورية نافذة في الخارج في 6 / 11 / 1975 على يد المدعوا داود ملك ياقو والذي أعلن بدوره بعد إطلاق سراحه من السجن بأنة سوف يكشف عن الحقيقة عندما يحين الوقت لذلك ، قام النظام بتوجيه دعوة رسمية الى الشخصية القومية والوطنية الآثورية والتي تعتبر الشخصية المحورية في أحداث سُميل وما قبلها المرحوم ملّك ياقو ملّك إسماعيل لزيارة العراق وأستقبل هو الآخر من قبل النظام بحفاوة رسمية كما كان الحال مع الشهيد المار إيشاي شمعون ، وأقيمت له حفلة كبيرة في حدائق صدر القناة حضرها مدير الأمن العام في حينها ناظم كزار وعدد كبير من وجهاء شعبنا وكنت والصديق بنيامين عوديشو سخريا من المدعوين الحاضرين وكانت قاعة الجلوس ملغومة بضباط الأمن وعيونهم تتجول في أركان القاعة بين الجالسين يراقبون كل شاردة وواردة من حركات الحاضرين بدقة متناهية ، ولكن بالرغم من كل ذلك ذهبنا وسَلمنا وصافحنا أنا وصديقي على المرحوم ملّك ياقو وعرفناه بشخوصنا وعائلاتنا وعشيرتنا فرحب بنا أشد الترحيب ، وهو الآخر قد قيل في حينها بأنه قد تم تسميمه وبعض من كانوا معه مثل المرحوم أوشانا ميخائيل رشو من قبل أجهزة النظام الأمنية وربما بالتعاون مع  العناصر المتعاونة معها من أبناء شعبنا بمواد كيمياوية بطيئة التأثر في فعلها .. فعل النظام كل ذلك بغرض كسب ود أبناء شعبنا من الأثورين بشكل خاص لتمسكهم بشكل واعي وقوي بوجودهم القومي وهويتهم القومية تجاه النظام ومنعهم من الأنخراط والتمحور حول الحركة الكوردية والحزب الشيوعي العراقي عدو النظام اللدود حسب معاييره القومية الشوفينية ، وكانت النخبة من التيار القومي التقدمي المستقل قد رتبت لها لقاءات خاصة مع كل من قداسة البطريرك الشهيد والمناضل المرحوم ملك ياقو وقت زيارتهما للعراق بشكل منفرد وشرحت لهما أوضاع الأمة في ظل سلطة البعث وتحذيرهما من نوايا النظام الخبيثة للتعاون معه لتجنيد أبناء شعبنا في محاربة الكورد ، وتم ذلك في ظل مراقبة ومتابعة عملاء النظام ورجال الأمن لمكان إقامتهما خلال زيارتيهما المنفصلتين بمدة للعراق ...



تابعونا في الجزء الثالث وشكراً



246
النادي الثقافي الآثوري وإنتشار الفكر القومي التقدمي
( الجزء الأول )

المهندس : خوشابا سولاقا 
تأسس النادي الثقافي الآثوري عام 1970 وكان تاسيسه بداية لمرحلة نوعية جديدة من تاريخ شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في مسيرة نضاله القومي ، وكان هذا النادي اللبنة الأولى لنهضته القومية التقدمية في سبيل العيش المشترك في إطارالوحدة الوطنية للوطن الواحد مع كافة أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية ، وكان بحق نادي ثقافي وإجتماعي من طراز جديد بكل ماتعنيه الكلمة من معنى ، بأهدافه وطبيعة نشاطاته المختلفة ، وكان ظهوره على الساحة القومية نتيجة طبيعية لما كان يجري على هذه الساحة من أحداث وصراعات عشائرية ومذهبية على خلفية الأنشقاق الذي حصل في الكنيسة الشرقية القديمة بسبب قرار القائمين عليها في حينه بالتحول الى إعتماد التقويم الغريغوري ( أو ما يسمى بالتقويم الغربي خطأً ) في تقويم السنة لممارسة طقوسها الكنسية بدلاً من التقويم اليولياني ( أو  ما يسمى بالتقويم الشرقي خطأً ) دون أي تغيير في طقس الكنيسة .. في خضم هذه الخلافات والصراعات والتناقضات الكنسية والتقويمية والتي بالنتيجة إنسحبت من الكنيسة الى المجتمع متخذةً طابعاً قبلياً وعشائرياً في الصراع الدائر بين القائمين على الكنيسة ورؤساء العشائر على تولي قيادة وزعامة الأمة والكنيسة معاً والتي غدت خطرا داهماً يهدد مصير ومستقبل ووجود الأمة بعواقب وخيمة ، وظهور توجهات وطروحات لبعض أطراف الصراع على الخلفية التاريخية لأحداث سُميل وما قبلها والتي لها مساس مباشر بتشويه نضال الأمة لنيل حقوقها القومية بعد أن ناصرت وقاتلت الى جانب الحلفاء في الحرب الكونية الأولى ضد دول المحور والدولة العثمانية التي عانت أمتنا من ظلمها وإضطهادها وشوفينيتها القومية والدينية الشئ الكثير ،  وما جرى من أحداث مؤلمة في التاريخ الحديث لشعبنا منذ مغادرة أبنائه لمواطن سكناه في أقليم هيكاري من تركيا الحديثة وهجرته الطويلة والمريرة المملوءة بالمعاناة والكوارث والمآسي والتضحيات الجسيمة بالغالي والنفيس التي قدمها شعبنا خلال هجرة الآلام من هيكاري الى الوطن التاريخي أرض الأباء والأجداد في بيث نهرين أرض بابل وآشور والتي إنتهت بمذبحة سميل الرهيبة التي راح بسببها قرابة الخمسة آلاف ضحية بريئة من الأطفال والنساء والشيوخ لا لذنب إرتكبوه وإنما لمجرد كونهم آشوريين مسيحيين والتي سجلت خزيا وعاراً في تاريخ وجبين بريطانيا وحلفائها من حكام العراق الشوفينيين والمتعاونين معهما ، هذه التوجهات والطروحات التي كانت تطرح على الساحة في أحاديث المتحدثين من هذا الجانب أو ذاك من أطراف النزاع عن هذا الصراع وما كان ينشر بشكل مشوه في بعض الصحف العراقية المحلية وبتشجيع من الحكومة العراقية بغرض الأساءة على تضحيات شعبنا من خلال الأساءة على رموزها التاريخيين على حساب التقرب من السلطة الحاكمة وكسب ودها ودعمها وإظهار أن ما جرى في الماضي من أبناء شعبنا هو خيانة وطنية وعمالة للأجنبي المستعمِر وليس نضالاً قومياً لأمة من أجل حقوقها الطبيعية المشروعة ،  أي إظهار الوقائع التاريخية التي حصلت على عكس ما كانت عليه في حقيقتها على أرض الواقع ، وكانت السذاجة وتدني مستوى الوعي السياسي والروحية العشائرية والأحقاد الشخصية بين القيادات الكنسية والعشائرية لأبناء شعبنا تتحكم بهذه التوجهات والطروحات التي كانت بمجملها بالضد من المصلحة القومية لأمتنا ، وقد إستثمرت الحكومات العراقية الشوفينية هذه الخلافات والصراعات في تفكيك وتمزيق آواصر الألفة والمحبة والوحدة القومية لشعبنا بإمتياز ، إن مثل هذه الممارسات والظواهر المقززة والخطيرة التي طافت على سطح الأحداث حفزت الشعور القومي ( أمتنيوثة ) لدى الكثير من شباب الأمة المثقفين والذين أدركوا بسرعة فائقة خطورة هذا الأنشقاق وتداعياته المستقبلية على كيان الأمة ووجودها القومي في أرض الوطن ، وكان هذا الصراع إن جاز التعبير أشبه ما يكون عليه بالحرب الأهلية في نتائجه بالنسبة لشعبنا ، لهذه الأسباب وغيرها باشر الشباب القومي التقدمي المستقل  بالعمل من أجل نشر الوعي القومي والسياسي بالأنتماء للأمة ونبذ المذهبية والعشائرية المقيتة بين أبناء شعبنا بجميع مذاهبه وكنائسه وعشائره وتخفيف من حدة التطرف والتعصب المذهبي والكنسي والتمحور حول الشعور القومي التقدمي ليس بين المجموعتين المتناحرتين من أتباع الكنيسة الشرقية القديمة ( سفن آب ولحم بعجين ) كما كانتا تكنيان تندراً وإستخفافاً بهما آنذاك في شارع شعبنا فحسب بل وبين طوائف الأمة كلها من الكلدان والسريان والآشوريين ، وقد إنتشر ونمى هذا الشعور بسرعة بين شباب الأمة كالنار في الهشيم وغدت صدور الشباب عامرة بالشعور القومي والروح القومية بدلاً من الشعور المذهبي والعشائري .. وهنا ظهرت الحاجة وبإلحاح شديد الى ضرورة وجود مؤسسة ثقافية تجمع هؤلاء الشباب للعمل المنظم والمبرمج في إطار محدد من أجل خدمة الأمة وقضاياها في هذا الظرف العصيب وتحقيق ما يمكن تحقيقه من أجل نيل حقوقها المشروعة في أرض الوطن ، وطبعاً بُذلت جهوداً كبيرة في هذا المجال وبالأخص في إطار الجامعات من قبل الطلاب والأساتذة الخيرين وبالفعل تكللت هذه الجهود بالنجاح على يد مجموعة خيرة من أبناء شعبنا نقف إجلالاً لهم لعظمة عملهم وتمكنوا من تشكيل هيئة تأسيسية وقدمت طلبا الى وزارة الداخلية العراقية للموافقة على منحهم إجازة رسمية لتأسيس نادي ثقافي بأسم ( النادي الثقافي الآثوري ) وفعلاً حصلت الموافقة على التاسيس بموجب كتاب وزارة الداخلية المرقم م . ج / 1817 والمؤرخ في 29 / 7 /1970 وكانت أسماء الهيئة المؤسسة كالآتي ( السيد سرجون إيشو سابر ، الدكتور بولص يوخنا نادر ، الدكتور جورج يوناثان سركيس ، السيد وليم كوركيس يوخنا ، السيد ولسن ملهم نرسا ، المهندس إسماعيل بطرس جبرائيل ، السيد عوديشو شموئيل يوخنا ، المحامي يوشيا تمرز لولو ، السيد يوسف يونان خمو ، الدكتور يوناثان يوسف يوآش ) وهؤلاء جميعاً من حاملي الشهادات الجامعية .. وكان أهم مادة من مواد النظام الداخلي للنادي هو حصر العضوية بمن يحمل شهادة الأعدادية ( الباكلوريا ) على أقل تقدير او ما يعادلها رسميا وكان النظام الداخلي للنادي يسمح بالأنتماء إليه من جميع الطوائف والمذاهب من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري بدون إستثناء ، ومنع تقديم المشروبات الكحولية في النادي والتركيز في نشاطاته على الجوانب الثقافية والأجتماعية والعلمية والرياضية والفنية والتي لها علاقة بتراث الأمة الثقافي والقومي التقدمي والتراث الوطني ونبذ العنصرية والتعصب بكل أشكالها وإشاعة حب الوطن والوحدة الوطنية والتعايش والتآخي القومي والديني والمذهبي مع كافة مكونات الشعب العراقي . وعمل النادي طيلة سنوات عمره القصير وفق هذه الرؤية الستراتيجية ، وضمن هذا الأطار حقق إنجازات كبيرة على مختلف الأصعدة الثقافية والفنية والأجتماعية وتعليم لغة الأم من خلال إقامة دورات مكثفة صيفية ، وإصدار مجلة ثقافية فصلية بإسم ( المثقف الآثوري ) وباللغتين الآثورية والعربية بالرغم من كل العراقيل والمصاعب التي كانت تخلقها وتضعها السلطة أمام النادي لمنع صدور المجلة بالمستوى المخطط لها ، وكان الجميع كل من موقعه في الهيئة الأدارية واللجان العاملة في النادي يعملون بهمة ونشاط ونكران الذات من أجل تقديم أفضل ما يمكن تقديمه لخدمة أهداف النادي وبذلك حقق النادي إنتشاراً واسعاً على المستوى القومي والوطني معاً ، وكان النادي محط أنظار وإعجاب المثقفين العراقيين من كل المكونات ممن شاركوا في تقديم المحاضرات الثقافية التي كانت يقيمها النادي أسبوعيا ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المرحوم الدكتور علي الوردي حيث إندهش وإنبهر بمنظر الحضور المكثف والمهتم بالثقافة عندما ألقى محاضرة عن المرأة في المجتمع العراقي والذي على أثره تعهد بأنه سيكون جاهزاً لألقاء محاضرات أخرى متى ما طلب منه ذلك إكراماً وإحتراماً ودعماً للنادي ،  وغيره الكثير من مثقفي العراق الذين شاركوا في النشاطات الثقافية للنادي كان لهم الأنطباع ذاته ، لذلك ظل النادي هدفاً دائماً يستهدفه النظام الفاشي في ملاحقة وتحجيم كل نشاطاته .. وفي ظل الواقع الأجتماعي المتصارع مذهبيا وعشائريا لشعبنا ، وفي خضم هذه الحركة الثقافية والفكرية الناهضة في النادي الثقافي الآثوري الحديث المولد والقليل الخبرة والتجربة والأمكانيات المالية والتي كان يغذيها ويديمها ويقودها مجموعة من الشباب القومي التقدمي المستقل المثقف ( يقصد هنا بالمستقل غير المرتبط بلأحزاب السياسية العاملة في المجتمع العراقي والمتواجدة في النادي ) من وراء الكواليس بهمة ونشاط عاليين وكأي تنظيم سياسي محترف غير معلن رسمياً ، وللأمانة التاريخية وإكراماً لهذه النخبة من الشباب القومي التقدمي المستقل وليس لأي غرضٍ آخر كما قد يتصور البعض ولكن لأظهار الحقيقة كما كانت ، ومن عاش وعاصر الأحداث في تلك الفترة من عمر النادي سوف يتذكر دور وفعل هؤلاء الشباب المتفانين ويؤيدني فيما ذهبتُ إليه في مقالتي هذه ..  أذكر من هؤلاء أسماء من كانوا يشكلون الخط الأول في المواجهة والتصدي  للأحزاب التي كانت تسعى بشتى الوسائل فرض أجنداتها السياسية وإرادتها وهيمنتها على النادي وهم كل من ( أبرم داود شبيرا ، آدم بثيو ججو ، روميل كوركيس ، إيشايا يونان ، شليمون بيت شموئيل ، نوئيل داوود ، دنخا إيشا ، إيشودنخا يقيرا ، خوشابا توما كانون ، زيا بطرس ، بنيامين عوديشو سخريا ، جورج متي سوكول ، عوديشو آدم ، بطرس بولص البازي ، كوركيس حنا البازي ، ريمون بنيامين ، سركون ميخائيل رشو ، داود إيشا ، شاول شائيل البازي رعد إيشعيا البازي ، سركيس شائيل البازي وأخيراً كاتب المقالة خوشابا سولاقا ) وغيرهم من المتعاونين لا تحضرني أسمائهم  ممن كانوا يشكلون الخط الخلفي من حيث الدور وكل واحد من هؤلاء كان مرتبط بمجموعة من الشباب المستقل من أعضاء النادي ويعمل معهم كتنظيم دون أن يكون هناك تنظيم فعلي ورسمي ولكن حب هؤلاء للأمة وإيمانهم بأهداف النادي كان كافياً لأن يجعلهم يعملون كخلية نحل في النادي ، وكان هناك من يساند توجهات وتطلعات ونشاطات هؤلاء الشباب من عناصر التوجهات السياسية والمثقفين في النادي وعلى سبيل المثال لا الحصر الشيوعيين كافة ورابي يوسف نمرود كانون وشقيقه رابي زيا نمرود ورابي ولسن ملهم ورابي يوسف يونان والسيد إيشا ميشائيل والأستاذ أدورعزيز والدكتور إيشو سنحاريب مرقس والسيد إنطوان سفر والسيد توما مشائيل والمهندس توما روئيل والسيد لنسن والدكتورة جوأن ريحانه والسيد آشور زكريا وغيرهم الكثير من الشباب المتقد بالروح القومية وإعتذاري الشديد لمن لم أذكر إسمه هنا لأن العمر والأحداث قد نالا من ذاكرتي الشئ الكثير ، عملوا هؤلاء جميعاً في الأتجاهات التالية :
    1 ) بأسلوب مثقف وديمقراطي ووفق للنظام الداخلي للنادي ولكون النادي مؤسسة غير سياسية وفقاً لذلك تم التصدي للأحزاب السياسية التي كانت تسعى الى فرض أجنداتها السياسية وإرادتها على النادي .
    2 ) العمل من أجل المحافظة على إستقلالية النادي من تدخلات وهيمنة الأحزاب السياسية على قراره والمحافظة على هويته القومية التقدمية الوطنية .
           3 ) العمل على إحياء لغة الأم والثقافة القومية التقدمية والوطنية من خلال نشاطاته وتكريس الوحدة القومية من خلال تصديه للمذهبية الكنسية والتعصب القبلي والعشائري وقد حقق النادي نجاحاً باهراً في هذا المجال حيث ضم في عضويته الكثير من الكلدان والسريان والروم الأرثوذكس ومن كل الطوائف الناطقة بالسريانية وكان النادي الثقافي الآثوري طيلة سنوات عمره القصير ملتقى للجميع دون تمييز وكان هذا أكبر إنجازاً له يفتخر به على مسار تحقيق الوحدة القومية لشعبنا في تلك الفترة العصيبة والتي كانت الصراعات المذهبية والعشائرية في مجتمعنا على أشدها ، وبذلك كانت سنوات عمر النادي الثقافي الآثوري الحافلة بالأنجازات النوعية قد شكلت منعطفاً تاريخياً في مسيرة الحركة السياسية القومية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري المعاصرة .. 

تابعونا في الجزء الثاني وشكراً
             

247
المؤتمر الوطني في ظل غياب الأرادة الوطنية

                                                                                                                        المهندس : خوشابا سولاقا

من الغريب جداً ومن غير المنطق أن نتصور إنعقاد مؤتمر بأسم المؤتمر الوطني لحل أزمة سياسية عاصفة تعصف بالبلاد طولاً وعرضاً بين فصائل سياسية معدوم بينها عنصر الثقة المتبادلة ومختلفة لا يجمعها غير الخلاف والأختلاف وغير منسجمة وغير متفاهمة وغير متوافقة فيما بينها على أبسط الأمور حتى غير مجمعة على تسمية هذا اللقاء بين أن يكون مؤتمر وطني جامع وشامل لكل القوى الوطنية المشاركة في الحكومة وغير المشاركة ويخرج بقرارات ملزمة التنفيذ للجميع وبضمانة طرف ثالث كما تريده البعض أن يكون وذلك فعلاً من مصلحة البلاد وشعبه وبين أن يكون لقاء أو إجتماع وطني عابر للقوى المتنفذة في الحكومة أي مجرد إسقاط فرض لمناقشة الخلافات والأختلافات التي طافت على سطح الأحداث وظهرت على الساحة السياسية العراقية وتأزيمها والتي باتت تزكم الأنوف كما يريده البعض الآخر وهذا ما لا يخدم مصلحة البلاد ، إن هذه الهوة الكبيرة الموجودة في الرؤى بين الأطراف المعنية بالأمر  لا لسبب جوهري تقتضيه مصلحة الوطن والشعب حول صياغة البرنامج السياسي وجدول الأعمال الذي سوف يناقشه المؤتمر في حالة إنعقاده ، وإنما لسبب مجرد حب المشاكسة وحب الأعتراض أو معارضة إرادة الآخر بين هذا الطرف وذاك من الداعين لأنعقاد المؤتمر الوطني ، في هكذا جو مشحون بالأحقاد والضغائن كيف يكتب للمؤتمر النجاح.. ؟ إنه في الحقيقة يحمل في طياته أسباب فشله المحتم ، لأن الذاهبون الى قاعة المؤتمر يحملون خناجرهم في أحزمتهم وهم جاهزون للمعركة التي تزيد الجو قتامةً ( لا قيّمَ الركّاع من ديرة عَفج ) كما يقول أبو المثل .. تصوروا كم هو حجم المهزلة والأستهتار بمصالح الوطن وإرادة الشعب وكأن الغاية الأساسية من المؤتمر هي إعادة إنتاج الخلافات وتعميق الصراعات والتناقضات وشرعنتها بهذا الشكل أو ذاك وإثارة المزيد من الأزمات وإطالة مسلسلها ربما لمنافسة المسلسلات التركية المدبلجة في المسابقات الدولية التي قد يتم تنظيم مهرجان عالمي لأختيار أطول مسلسل في التاريخ لعله تفوز فيه قادة الكتل السياسية في العراق بالميدالية الذهبية وتدخل بذلك الى كتاب كينس للأرقام القياسية هنيئاً ومبروك لكم يا قادة العراق الجديد هذا الفوز العظيم إنه في الحقيقة والواقع فخر ونصر للسياسي العراقي في صناعة الأزمات التي تقود البلاد الى الخراب والدمار وربما الهلاك المؤجل وكأنه ليس الهدف حل مشاكل البلاد ووضع حدٍ لما يعانيه من التداعي المزري في كل مجالات الحياة من بطالة وأمن وإنتشار الجريمة بكل أشكالها والفساد المستشري الذي ينخر بجسد الدولة ومهنة سرقة المال العام وضعف الخدمات الى درجة الشُحة في بعض المجالات ، كيف تتصورون أن مثل هؤلاء القادة تكون لهم القدرة والأرادة على التصدي لمشاكل ومحن البلد التي أوصلته الى ما وصل إليه الوضع من السوء والتردي في كل مناحي الحياة اليومية للمواطن .. ؟ إن هذه الفصائل المتناقضة والمتحاربة والمتكالبة على كراسي الحكم ومنافعها وإمتيازاتها والتي تتحكم اليوم بمقدرات البلاد وقرارها وتعبث بمصيره ومستقبله والتي كل مجموعة منها متكتلة في تكتل برلماني تحت إسم وطني براق لا يجمعهم جامع وطني معين حتى بالحد الأدنى من الوطنية وإنما ما يجمعهم هو العداء للتكتل الآخر بسبب الولاءات القومية والمذهبية والحزبية والعشائرية ، وجميع هذه الفصائل على مستوى الفصائل السياسية بشكل خاص أو على مستوى الكتل البرلمانية بشكل عام متفقين على كل شئ ما عدا إتفاقهم على شئ واحد ألا وهو حب الوطن والوطنية فهم منهما براء .. !! وهم في الحقيقة متفقين وكما تدل على ذلك سيرتهم خلال السنوات التسع المنصرمة من عمر العراق الجديد على العمل بما يضر الوطن والشعب أي بمعنى آخر إنهم متفقون على أن لا يتفقوا على حب الوطن والشعب وقد اقسموا اليمين بأغلض الأيمان على ذلك ، وسلوكيتهم وأفعالهم على أرض الواقع في الساحة السياسية العراقية منذ إسقاط النظام السابق على يد القوات الأميريكية في التاسع من نيسان عام 2003 خير شاهد وخير برهان على صحة ما نقول .. هؤلاء لا تجمعهم إرادة سياسية وطنية حرة حول برنامج عمل وطني واضح وشفاف يخدم مصلحة الشعب والوطن وإنما تجمعهم إرادة التخالف والعداء المسيس على اسس الخصوصيات الأثنية والطائفية وإفتعال الأزمات من أجل تأجيج نار الخلافات والعداوات والأحقاد القومية والطائفية وذلك بغرض تهيئة الظروف الموضوعية لأستمرارالحالة القائمة في العراق حالياً من أجل حماية المصالح الشخصية لقادة الأطراف المتنفذة في السلطة وإستمرار النهب للمال العام والأثراء الشخصي على حساب التمعن في إفقار الأغلبية الساحقة من الشرائح الأجتماعية والطبقات الكادحة والفقيرة من عامة الشعب وواقع حال العراقيين المزري في كل المجالات الحياتية يعكس مضمون هذه المعادلة بجلاء ووضوح .. عليه أدعو المواطن العراقي الشريف أن ينتقم من هؤلاء بعدم إنتخابهم مرة أخرى في الأنتخابات القادمة وأدعو قوى التيار الديمقراطي لتولي دوره في توعية الشعب وتعميق وعيه الأنتخابي ..   

248
المنبر الحر / رسالة مفتوحة
« في: 19:01 09/04/2012  »
رسالة مفتوحة
                                                                                                              المهندس : خوشابا البيلاتي  
الى فخامة رئيس أقليم كوردستان ..الأستاذ مسعود البرزاني المحترم
تحية طيبة وبعد ...
نبارك لشخصكم الكريم ومن خلال فخامتكم لشعب كوردستان بشكل خاص ولشعب العراق والأنسانية بشكل عام عيد نوروز المجيد عيد الحرية والأنعتاق عيد الربيع الأنساني الذي منه يستمد الأحرار الدروس والعبر لقيادة الشعوب المقهورة نحو الحرية والعيش بسلام  .. بهذه المناسبة السعيدة والعزيزة على قلوب محبي الحرية والعدالة والمساواة وبالنظر للظروف السياسية الصعبة والمعقدة التي يمر بها العراق حالياً والأزمة السياسية المفتعلة التي تعصف بالبلاد وتهدد مستقبله ووحدته الوطنية حالياً وتحول مصلحة الشعب والوطن الى مجرد بضاعة رخيصة يزايد عليها ويتاجر بها في سوق السياسة كل من هب ودب من هواة ومحترفي السياسة منذ سقوط النظام السابق على يد القوات الأجنبية والى يومنا هذا وأوضاع البلاد تجري من سيء الى اسوا ، وبالنظر لوجود محطات مهمة يتطلب الوقوف عندها والنظر الى ما يجري في طول العراق وعرضه لتشخيص أسباب الخلل في العملية السياسية وكيفية التصدي لها ومعالجتها ومنعها من الوصول الى نقطة اللاعودة ، عليه كانت تصريحات فخامتكم في المقابلة التي أجريتموها مع إحدى القنوات الفضائية والتي من حُسن حظي شاهدتها من على شاشة قناة البابلية الفضائية قبل أيام تعتبر إحدى هذه المحطات التي يجب التوقف عندها بإعتبار فخامتكم أحد الأقطاب الأساسيين المؤسسين للعملية السياسية الجارية والنظر بإمعان من خلالها الى أحوال العراق التي تتفاقم وتزداد سوءً يوماً بعد آخر .. كانت تلك التصريحات حقا بمثابة وضع النقاط على الحروف وقد أصابت كبد الحقيقة بدقة في وصف الوضع السياسي العراقي القائم وسَلطت الضوء على خفايا إزدواجية سياسة الحكومة بين خطابها السياسي الموجه من خلال وسائل الأعلام الى الشعب وممارساتها العملية اليومية في مختلف الميادين على أرض الواقع ، وكانت تصريحات غير متوقعة وإن دلت على شيء فهي تدل على شجاعة قائلها في الأفصاح عن عمق الأزمة السياسية التي تعصف بالعملية السياسية برمتها ولكنها أثلجت صدور العراقيين الوطنيين الشرفاء ممن ينشدون للعراق نظاماً وطنياً ديمقراطياً ووحدة وطنية قوية وراسخة أرضاً وشعباً ، وكنتَ صريحاً وصادقاً فيما قلت وذهبت إليه في تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة دون مجاملة دبلوماسية وأشرتَ الى كل الممارسات التي تخالف الأعراف الدبلوماسية وقواعد الشراكة الوطنية الحقيقية في إدارة البلاد وتخرق الدستور وإتفاقيات التوافق الوطني بمدلولاتها الحقيقية ووضعت الأمور في نصابها وسياقاتها التي من المفروض أن تكون ، لقد قلتم الحقيقة بكاملها غير منقوصة وبلغة واضحة وصريحة جديدة بخصوص محاولات البعض للعودة بالعراق مرة أخرى الى أحضان الديكتاتورية التي عانينا من ظلمها وإستبدادها لسنوات طويلة ، ولكنها في هذه المرة بملبس ولون جديد وليست باللون الزيتوني الذي إعتدناه وعودنا النظام السابق على رؤيته في كل زوايا حياتنا اليومية في البيت والشارع والمدرسة والجامعة وأماكن العمل حتى سَئمنا رؤيتة الى يومنا هذا ، وأما ما قلتهُ بشأن تسييس القضاء وعدم إستقلاليتهِ كما ينبغي أن يكون وخضوعهِ لإرادة أطراف معينة من الحكومة والذي أصبح السبب المباشر في كل ما حصل ويحصل اليوم للعراق من عدم الأستقرار السياسي وتوالي الأزمات المفتعلة بغرض عزل وتغييب الشركاء في العملية السياسية من المشاركة في صنع القرار السياسي للعراق والأنفراد بالسلطة ، كان بحق تشخيصاً دقيقاً واقعياً وبذلك يكون قد وضعتم الأصبع على الجُرح العراقي النازف .. ولكن ما يؤسف له أشد الأسف أن هذه التصريحات قد جاءت متأخرة جداً ومن بعد أن رميتم حبل النجاة لمن يعبثون بقواعد اللعبة السياسية وبمقدرات العراق اليوم بعد أن كانوا يتخبطون وغارقين في أوحال الخيبة التي أصابتهم على أثر الهزيمة في الأنتخابات النيابية حيث كانوا يتوقعون الفوز الساحق بالأغلبية وكما تعلم فخامتكم حصل ماحصل من إعتراضات على نتائج الأنتخابات وطالبوا بإعادة الفرز يدوياً عسى ولعلهم يجدون حلاً لتغيير النتائج وأخيراً وجدوا ضالتهم في المحكمة الأتحادية وتفسيرها للمادة 76 من الدستور  حيث وجدوا لأنفسهم منفذاً للخروج من المأزق الذي كانوا فيه ، كان من المفروض تركهم لحالهم ليعرفوا قدرهم وقدر الشركاء الآخرين في العمل الوطني ولكي يتعلموا الدرس جيدا الذي لم يتعلمه صدام من قبلهم ، وكان من المفروض التعامل مع عملية تشكيل حكومة الشراكة الوطنية بعد الأنتخابات من خلال زاوية المصلحة الوطنية وليس من خلال زاوية مصالح الخصوصيات لأن في ظل ضمان المصلحة الوطنية للعراق ضمان حقيقي لمصالح الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية وليس العكس كما قد يتصور البعض من السياسيين ، وإن ما يحصل اليوم من تجاوزات وخروقات وتهميش وإقصاء لحقوق ودور الآخرين من أطراف العملية السياسية بما فيهم الكورد لصالح طرف بعينه والتي أشرتم إليه في تصريحات فخامتكم بكلمات ساخرة وبليغة وواضحة هو الثمن الغالي جداً الذي يدفعه الشعب العراقي اليوم جراء هذا الخطأ الأستراتيجي الذي كان من المفروض أن لا يحصل في حينه وهو إتفاقية أربيل قبل أن تكون هناك ضمانات من طرف ضامن كالأمم المتحدة مثلاً .. ولكن المهم الآن هو أن نتعلم من أخطاءنا الدروس وكيف نعالجها .. إن السلوكية المتبعة اليوم في إدارة الحكم في العراق قائمة على مبدأ الحوارات والتحالفات وتقديم التنازلات للخصم السياسي عند الشعور والأحساس بالضعف أمامه أي بمعنى الأنحناء أمام العواصف الشديدة ومن ثم التراجع والتلاعب بلغة المصطلحات والتنصل عن كل ما تم الأتفاق عليه عند الشعور بإستعادة القوة وهذا المبدأ أو الأستراتيجية كان يعتمدهما النظام السابق في تعامله مع الاخرين من حلفائه وخصومه السياسيين .. وما حصل قبل وأثناء وبعد إتفاقية أربيل خير مثال حي على ذلك وهي نسخة مماثلة ومعادة لأتفاقية 11 آذار لعام 1970 المعقودة بين النظام السابق عندما كان يعاني من أقصى مستويات الضعف العسكري وبين الحركة الكوردية بقيادة الخالد الذكر ملا مصطفى البرزاني رحمهُ الله ، وكما يقول المثل ما أشبه اليوم بالبارحة .. !! لقد تم التخلص من نظام صدام دون التخلص من الصدامية كسلوك ونهج سياسي للحكم والتعامل مع الآخر ، وما زالت الصدامية إن صح التعبير تعشعش بقوة وفعالية في سلوكية الدولة العراقية الديمقراطية الجديدة وهنا تكمن العلة وتلك هي طامتنا الكبرى التي يتطلب التصدي لها بحزم .. ومع ذلك وبالرغم من كل ما حصل في الماضي القريب فإن أملنا بشخصكم وتاريخكم النضالي وبمن يشارككم الرأي من الوطنيين العراقيين الحريصين على الوطن كبير وتستطيعون مرة أخرى إنقاذ العراق من إحتمال السقوط في براثن الديكتاتورية العائدة من الشباك والتي خرجت من الباب بقوة العامل الدولي إن سعيتم لذلك بصدق وإيمان وثقة وبالتعاون والتنسيق مع كل قوى التيار الديمقراطي بكل مكوناته الوطنية والديمقراطية والليبرالية واليسارية والقومية التقدمية وتيارات الأسلام السياسي التي تدعي الأعتدال وقبول الدولة المدنية التي تريد وتبغي خير العراق وشعبه في الحياة الحرة الكريمة ... ودمتم للنضال من أجل العراق الديمقراطي الموحد لكل مكوناته القومية والدينية والطائفية والسياسية دون تمييز وتهميش وإقصاء ..

249
ليتعلم المسؤول العراقي كيف يكون وطنياً .. !!

                                                                                                             المهندس : خوشابا سولاقا
إن هذا العنوان قد يثير إستغراب بعض القراء الكرام لأنه في الحقيقة قد لا يستطيع من أول وهلة أن يربط بين كيف يمكن أن يكون الشخص مسؤولاً كبيراً في الدولة  ومنتخب من قبل الشعب وهو ليس وطنياً وبين أن يكون وطنياً  حقيقياً .. ؟ من حق القارئ الكريم أن يتساءل كيف يجوز ذلك .. ؟ ويقول لنفسه إن من لا يكون وطنياً عليه أن لا يتولى المسؤولية في إدارة الدولة أو بالأحرى يجب أن لا يتم إنتخابه من قبل الشعب أصلاً لأنه غير آهل للثقة وأن يرفضه وينبذه ويلفظه خارج صفوفه ، ولكن ما العمل في هذا الزمان الأكشر زمن العراق الديمقراطي الجديد كل شئ جائز بالرغم من كونه غير مقبول منطقياً .. إن بيت القصيد هو من يتحتم إنتخابه أو من يجب رفضه على المواطن الفرد هنا أن يكون هو معيار التقييم للأختيار والوسيلة لأنزال العقاب الصارم بحق من لا يستحق منحه الثقة وأن يكون سيفاً على رقاب المسؤولين الفاشلين والفاسدين والمفسدين والعابثين بمصير الشعب وأمواله والذين لا يعرفون حق قدرهم وقدر المسؤولية الوطنية تجاه وطنهم وشعبهم ، وأن لا يكون صوت المواطن في الأنتخابات للأخ في الدين والقومية والمذهب والطائفة أو لعضو الحزب أو لأبن العشيرة والقبيلة والمنطقة وإنما أن يكون صوت المواطن الناخب الغيور للمرشح الوطني المخلص الشريف والنزيه والصادق وله برنامج وطني واضح عندها فقط يمكن تحقيق مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب .. إن من أهم مواصفات وخصائل الشخص المسؤول في الدولة هي الصدق والشجاعة الأخلاقية والنزاهة ونظافة اليد وشجاعة الأعتراف بالخطأ والأعتذار عنه وقدرة الأستعداد للتعلم من الأخطاء التي تحصل وتجاوزها في المستقبل عملاً بالحديث النبوي الشريف ( رحم الله إمرئٍ عرف قدر نفسه ) إنه في الحقيقة حديث في غاية الحكمة والبلاغة والروعة والتعبير يتقول به القاصي والداني والرئيس والمرؤوس والمثقف وغير المثقف في المناسبة أو دونها ، ولكن المشكلة هم القلة من يطبقه ويعمل به وهنا تكمن الطامة الكبرى .. ولغرض توضيح الأمر وتقريبه من ذهن المواطن البسيط أسوق المثال التالي من تجربة شعب وبرلمان أعرق الديمقراطيات في العالم ومقارنته بما موجود حاليا في عراقنا الجديد .. قيل عن شخصية بريطانية مرموقة كان يتم إنتخابها بإستمرار رئيسا لمجلس النواب لعموم المملكة المتحدة بغض النظر عن من هو الفائز من الأحزاب التقليدية المعروفة في المملكة المتحدة مثل حزب العمال وحزب المحافظين وحزب الأحرار وغيرها من الأحزاب الصغيرة لأن هذا الشخص كان معروفا لدي الجميع بحبه للوطن ومهنيته العالية وحرصه الشديد وإخلاصه وتفانيه في عمله وحياديته الوطنية المعهودة في تعامله مع الجميع وكياسته وأخلاقه في العمل وحياته المهنية والشخصية التي لا يشوبها شائبة ، حيث بقى في منصب رئاسة مجلس النواب للمملكة المتحدة لمدة طويلة برضا وبإجماع الكل يتم إنتخابه دورة بعد أخرى .. بموجب القانون في المملكة المتحدة الدولة تخصص دار سكن لكل أعضاء مجلس النواب طيلة فترة الدورة البرلمانية الجارية وتتحمل كافة النفقات الأخرى لهذه الدور من أجور الماء والكهرباء والهاتف وأعمال الصيانة والترميم والتصليح التي يتطلبها إدامتها ويقوم النائب ساكن الدار بتقديم قوائم الصرف الى الدائرة المختصة في البرلمان لغرض صرفها بعد مصادقة رئيس البرلمان عليها ، أن القانون يخول النائب الساكن في الدار من تقديم قوائم بأية مصروفات لأدامة مكونات الدار التي تتعرض الى التلف والأندثار بسبب التقادم ، وإستمرت الحالة هذه لسنوات طويلة من دون أية مشاكل لأن كل شئ كان يجري وفقاً للقانون لا إعتراض عليه شكلياُ .. ولكن ما كان ينقص هذه العملية القانونيةً جوهرياً هو النظر إليها من وجهة نظر المواطنة والوطنية .. في إحدى المرات أعترض أحد النواب من أعضاء البرلمان على صرف قوائم قدمها نائب آخر الى البرلمان لصرف ثمن مصابيح الكهرباء التي قام بتبديلها في منزل إقامته ، حيث كان إعتراضه مبني على شعور وطني حقيقي فقال في البرلمان نحن نسكن في هذه الدور مجاناً كما هو حالنا عندما نسكن في الدور التي نمتلكها ملكاً شخصياً هل عندما تحترق مصابيح الكهرباء فيها لا نقوم بتبديلها .. ؟ لماذا لا يكون الأمر كذلك ونحن نسكن دور الدولة مجاناً .. ؟ ألم تحترق هذه المصابيح بحكم إستعمالنا لها لأغراضنا .. ؟ وكذلك الحال مع غيرها من مكونات هذه الدور التي تستهلك بحكم إستعمالنا لها لأغراضنا ، لماذا نحمل خزينة الدولة مثل هذه النفقات التي نحن السبب في حصولها .. ؟ فكان رد فعل الجميع في البرلمان مذهلا وإيجابياً ومؤيداً لهذا الطرح الوطني الذي أغفلوا النظر عنه لمدة طويلة من الزمن وأقروه بالأجماع دون مناقشة وشكروا زميلهم عليه وأعتبروه مكسباً وطنياً لهم وكان الموقف كموقف أعضاء مجلس النواب العراقي عندما أقروا قانون رواتب وإمتيازات أعضاء المجلس وقانون التقاعد البالغ 80 % من الراتب الكلي مع الأمتيازات والمخصصات وليس من الراتب الأسمي كما هو الحال مع قانون تقاعد موظفي الدولة كأن الأثنين ليسوا في دولة واحدة .. !! وغيرها من القوانين والتشريعات التي تعود بالنفع لهم دون سواهم من أبناء الشعب ( بارك الله فيكم لهذا التمثيل النموذجي للشعب ) .. حيث أن هذا الطرح والذي هو في الحقيقة طرح أيقظ الشعور الوطني لدى أعضاء المجلس وأحسسهم بالذنب والتقصير بحق الوطن وعلى رأسهم رئيس البرلمان .. هل تعرفون ماذا كان رد فعل رئيس البرلمان المخضرم والمعروف بوطنيته ومهنيته.. ؟ لقد قدم إستقالته من البرلمان ورئاسته له على الفور وإنتقد نفسه علناً أمام أعضاء البرلمان معترفاً بشجاعة بأنه غير آهل لرئاسة البرلمان لأن جميع مثل هذه النفقات قد صادق عليها شخصيا دون أن تثير إنتباهه على هذا الجانب من الموضوع الذي هو شكلاً من أشكال الفساد الذي من المفروض ما كان أن يحصل .. والسؤال هنا كم من المسؤولين الحكوميين ومن أعضاء مجلس النواب العراقي من سكنة دور الدولة في المنطقة الخضراء أو في غيرها من الأماكن في بغداد أو في المحافظات الآخرى والذين يتقاضون رواتب ضخمة ولهم من الأمتيازات التي لا يمكن حصرها من مكافأت ومنح ومخصصات السفر وغيرها دون مقابل يعادل ما يقدموه من خلال مواقعهم بل هم مقصرين وبأعلى درجات التقصير والدليل الغيابات الكثيرة عن جلسات المجلس الدورية ، حيث أن في الكثير من الجلسات لمجلس النواب لم تتخذ القرارات بتشريع الكثير من القوانين المهمة المتعلقة بمصالح المواطنين لعدم إكتمال النصاب القانوني بسبب الغياب المتعمد وعدم إحترام ثقة الشعب وقلة الحياء عند البعض ، وهناك الكثير من أعضاء مجلس النواب لا يحضرون إلا لأستلام الرواتب والمكافأت والمنح والأمتيازات والقسم الآخر حتى لا يحضر لأستلام الراتب بل يرسل له الراتب في محل إقامته داخل العراق أو في إحدى دول الجوار لأنشغاله بعقد الصفقات التجارية لحسابه الخاص وبالتنسيق مع زملاء له في الحكومة وهذا مخجل ومخزي لا أعرف بأية كلماتِ أصفه ، وبسبب الغيابات الكثيرة لأغلبية أعضاء مجلس النواب تعطل تشريع الكثير من القوانين التي تنتظر الأنجاز والتي لها علاقة بحياة الناس وبناء البنى التحتية للأقتصاد الوطني وإعادة الأعمار .. أنا شخصيا اعرف السيد رئيس مجلس النواب وهو من عائلة موصلية ثرية وكريمة يمتلك كما يقال نصف الموصل وإنه نزيه ونظيف الذمة وراقي الأخلاق والتربية لا يقبل بالحرام ولكن قيل عنه حسب ما وصل سمعنا في حينه بأنه صرف مبلغ كبير جدا على إعادة تأثيث مكتبه بعد أن تسنم منصبه الجديد في رئاسة مجلس النواب وربما فعل الشئ ذاته لمنزل إقامته في بغداد أتمنى أن لا يكون ذلك صحيحاً ، وهكذا فعل ويفعل الكثير من السادة أعضاء مجلس النواب ، والمسؤولين في الرئاسات الثلاثة ووزارات الدولة حيث تكون أولى أولوياتهم إعادة تأثيث مكاتبهم وتبديل سياراتهم الكثيرة التي تتجاوز العشرة على أقل تقدير عند إقرار كل موازنة سنوية وهكذا الحال مع وكلاء الوزارات والمستشارين والمدراء العامين وكبار الضباط وقيادات القوات المسلحة وأصحاب الدرجات الخاصة والمدللين المقربين من أصحاب القرار وفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية ، وهناك وزراء لديهم ملف لدى هيئة النزاهة قد وضعوا العديد من سيارات وزارتهم تحت تصرف مقربين لهم من أحزابهم لا تربطهم أية صلة رسمية بوزاراتهم ، تخيلوا الى أية درجة وصلت الحماقة بهؤلاء وإستهتارهم وخيانتهم لأمانة الوظيفة التي يستوجب تقديسها .. أين دور الأجهزة الرقابية ومكاتب المفتشين العموميين من التصدي لهذه الظاهرة غير الأخلاقية والتي تشكل إحدى قنوات الفساد المالي والأداري المستشري في أجهزة الدولة .. ؟  ، وكذلك يتم صرف أجور المبيت الشهرية في فندق الرشيد لمن يرغب المبيت فيه من سكنة المحافظات حتى وإن كان المبيت ليوم أو لعدة أيام في الشهر وهناك أكيد مصاريف أخرى ليست في متناول وسائل الأعلام وهيئة النزاهة ورابطة الشفافية ليتم إطلاع الشعب على ما يجري من وراء الكواليس مثل مخصصات المنافع الأجتماعية الغير خاضعة لحسابات الرقابة المالية الختامية والتي تم إلغائها لاحقاً تحت ضغط الأعلام والتي قد يكون تم التعويض عنها بتسمية أخرى أكثر قبولاً وغير معلن عنها لحد الآن والله يعلم ما في الغيب ..!!، إنه في الحقيقة أمر غريب وفعل مهين أن يحصل في دولة تدعي الديمقراطية ويتباكى مسؤوليها ويذرفون دموع التماسيح ليلاً ونهاراً عبر وسائل الأعلام خوفاً وحرصاً على مصالح شعبها .. !!  لا أعتقد إن ما يجري في العراق الديمقراطي الحالي يجري في أي بلد آخر في العالم بل لا يجري حتى في أكثر بلدان العالم تخلفاً في مجال البذخ في الأنفاق لأغراض الترفيه الشخصي على حساب الدولة .. لماذا لا يتعلم المسؤول في العراق الديمقراطي الجديد الوطنية الحقة من تجربة رئيس وأعضاء مجلس النواب في المملكة المتحدة ، اليست المملكة المتحدة المثال الذي نقتدي به في أحاديثنا عن التقدم والتطور والنظام والقانون ويتخذ مثقفينا وسياسيينا عند هروبهم من طغيان وظلم حكامهم ملجأ آمناً لهم ، وهي الآن منتجع لأغلب الحاكمين من أصحاب القرار الحاليين ويحملون جنسيتها حتى وإن كان ذلك لا يرضي السلفيين التكفيريين لكون المملكة المتحدة من دول الكفر والإستكبار العالمي .. ؟ لماذا نقلدها في سلبياتها ولا نقلدها في إيجابياتها .. ؟ لماذا كل شئ في العراق مقلوب أو على عكس ما هو عليه في الدول الديمقراطية التي نحاول أن نكون مثلها ونقتدي بها .. ؟ هل مقسوم علينا أن نكنى بجمهورية العراق الديمقراطية المقلوبة .. ؟ يبدو أن القائمين على الحكم في العراق تروق لهم هذه التسمية لأنهم يريدون أن تكون ديمقراطية العراق بالشكل الذي تستجيب لمتطلبات جيوبهم وليس بالشكل الذي تستجيب لمتطلبات وطموحات شعبهم الذي يعاني الأمرين ويفتقد لأبسط شروط الحياة الكريمة اللائقة بالأنسان بأغلب شرائحه الأجتماعية التي يعيش بحدود ( 23 % ) من أبنائه تحت خط الفقر ونسبة البطالة بين شبابه تتجاوز ال ( 30 % ) ومستوى الخدمات الأجتماعية فيه قريبة من مستواها في أفقر بلدان العالم ، أتألم كثيرا وأخجل أكثر وأنا لست من كبار المسؤولين في الدولة عندما أسمع عبر وسائل الأعلام المختلفة يصفون العراق بأغنى البلدان وأفقر شعبا .. هل يشرف هذا الوصف أحدا من أبناء الشعب العراقي والعراق مرشح لأن يكون أول بلد منتج للنفط في العالم خلال السنوات الخمسة المقبلة .. ؟ وموازنته المالية لهذه السنة قد تجاوزت المئة مليار دولار والتي ( 80 % ) منها تذهب للميزانية التشغيلية للرواتب ، بهذه المناسبة أتساءل هل العراق بحاجة الى تجنيد ما يقارب المليونين من أبنائه في صفوف القوات المسلحة بمختلف أصنافها وبهذا الأسلوب العشوائي المحاصصي.. ؟ وتجهيز هذا العدد الهائل بالأسلحة والمعدات والمؤن وغيرها من المستلزمات يستنزف الموازنة المالية للدولة على حساب تقليص الميزانية الأستثمارية لصالح تضخيم الميزانية التشغيلية وهذه العملية تعود بالبلاد الى ما كانت عليه في زمن النظام السابق الذي كان يسخر ويستنزف موارد البلاد للأغراض العسكرية وعسكرة المجتمع وبالتالي فإن وجود هكذا جيش شجع النظام ودفعه الى زج البلاد في أتون حروب داخلية وأقليمية عبثية وكارثية لسنوات طويلة أحرقت الأخضر واليابس وأوصلته الى ما هو عليه الآن من البؤس والشقاء والتخلف في كل المجالات وكان الله يحب المحسنين  !!

250
نُبل المواطنة في دولة القانون والمؤسسات

                                                                                                              المهندس : خوشابا سولاقا 
إن معنى نُبل المواطنة بمفهومه الفلسفي والسياسي يتجسد في سلوكيات وممارسات الأفراد في ظل وجود دولة يحكمها القانون والمؤسسات الدستورية ، حيث يتحول المواطن العادي كائن من يكون في الشارع والمجتمع الى مراقب لنفسه أولاً ولكل ما يحصل في الحياة اليومية من سلوكيات وممارسات للآخرين ثانياً سواءً كانت هذه الممارسات والسلوكيات تتماشى أو تتعارض مع مصالح الشعب والوطن ويخضعها للمحاسبة والتقويم وفق قانون المواطنة وقانون الحق العام ، وكذلك يتحول الفرد الى حارس أمين على مصالح الشعب والوطن من خلال حرصه وحمايته للممتلكات العامة من دون أن يتم تكليفه من قبل أية جهة رسمية للقيام بهذا الدور ، وإنما طوعيا يعتبر نفسه معني بكل ما يخص مصلحة بلده وشعبه من الأمور ،  حيث يعتبر نفسه المسؤول الأول عن كل شأن من الشؤون التي يتم من خلالها التجاوز على حقوق الآخرين وما يخالف القانون في مختلف مجالات الحياة والتصدي لها بحزم ، إن البلدان التي يكون فيها المواطن على هذه الشاكله ومن هذا الطراز وبهذا المستوى من الوعي الوطني والنضج الثقافي والشعور بالمسؤولية تجاه الآخر والمجتمع يعتبر بلد في أعلى درجات الرقي والتطور والتقدم الثقافي والأخلاقي والأجتماعي ويكون فيه الفرد كفرد قائم بذاته أو في إطار المجتمع من خلال منظمات المجتمع المدني مندمج مع سلطات مؤسسات الدولة الرقابية لمتابعة وتشخيص كل الممارسات والأنحرافات والتجاوزات على القانون بغرض محاسبة القائمين بها ومعالجتها وفقا للقانون ، وبذلك يكون الفرد والمجتمع منخرطان بشكل مباشر وطوعي في تنفيذ مهام تلك المؤسسات ، أي بمعنى ليس هناك حدود فاصلة بين واجبات سلطات مؤسسات الدولة وواجبات الفرد والمجتمع فيما يخص المشتركات من مصالح الشعب والوطن ومحاسبة الفاسدين والمفسدين وسُراق المال العام وقوت الشعب والمتلاعبين بمقدرات البلد أوالمتجاوزين على الحقوق العامة مهما كانت مواقع هؤلاء في سُلم مسؤولية إدارة مؤسسات الدولة الرسمية ، أي بمعنى أن الفرد جزء مكمل للدولة والدولة إمتداد طبيعي للفرد في فرض قوة وسلطة وهيبة القانون على المجتمع ،أي أن هناك علاقة جدلية تكاملية بين الفرد والدولة ، وبغياب أي طرف منهما في هذه المعادلة الأجتماعية يختل التوازن الأجتماعي وينهار النظام الأخلاقي للمجتمع أولاً وتلحقه بالتالي إنهيار كل النظم الأخرى وتسود الفوضى في المجتمع وهذا هو الحال في المجتمعات التي خرجت للتو من تحت حكم الأنظمة الشمولية كما هي حالة العراق اليوم .. وأسوق هنا مثالاً نموذجيا حياً لمواطن في دولة القانون والمؤسسات ودوره النبيل في صيانة وحماية مصلحة الشعب والوطن من عبث العابثين والمستغلين لما يخولهم القانون من الصلاحيات لمنفعتهم الشخصية .. قبل مدة إطلعت في احد المواقع الألكترونية الكثيرة والتي تعطي أهمية كبيرة وخاصة للنوادر النبيلة والرذيلة التي تحصل في المجتمعات الأنسانية المختلفة في هذا البلد أو ذاك من العالم بغرض الأقتداء بالنماذج النبيلة منها وأخذ العبر من النماذج الرذيلة منها لتجنبها والأستفادة من تجاربها كدروس نتعلم منها كيفية بناء الذات الوطنية الحقه الصادقة النزيهة التي تحصن المواطن ضد السقوط في مهاوي الرذيلة .. يقول الخبر والعهده على الراوي كما يقال أن محافظ مقاطعة ستوكهولم السويدية وهي إمرأة ومسؤولة لحزبها في المقاطعة في نفس الوقت تم إنتخابها في إنتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة مئة في المئة حتماً من قبل شعب مقاطعة ستوكهولم وبحكم منصبها كمحافظ للمقاطعة خولها القانون بإستعمال سيارة واحدة فقط تملكها الدولة لأداء مهامها وواجباتها الرسمية وليس أسطول من السيارات الحديثة ومنها المصفحة كما هو الحال في العراق ، وتصرف لها الدولة مصروفات الوقود المستهلك بموجب نظام الكابونات لأوقات الدوام الرسمي فقط ولا يسمح لها القانون إستعمال السيارة بعد أوقات الدوام الرسمي للأغراض الشخصية كما يفعل المسؤولين في العراق حيث يوزعون سيارات الدولة لأفراد العائلة والأقارب وحتى للأصدقاء الخدومين والدولة تتحمل مصروفاتها كاملة لأن المسؤول الشريف والنزيه والحريص جداً جداً يعتبر البلد وما فيه ملكاً شخصياً للخلفوه .. في أحد الأيام خرجت الست المحافظ بسيارتها الشخصية بعد الدوام الرسمي ولسوء حظها نفذ الوقود من خزان سيارتها وعندما ملئت الخزان بالوقود من إحدى المحطات تفاجئت عندما أرادت أن تدفع ثمن الوقود بأنها لم تكن تحمل نقودا في حقيبتها فأصبحت في موقف محرج مع عامل المحطة فأضطرت الى تسديد ثمن الوقود من الكابونات المخصصة لسيارة الدولة لتلافي الحرج أمام عامل المحطة وذلك مخالف للقانون وهي تعرف ذلك جيدا.. هل تعلمون ماذا فعل عامل المحطة أزاء هذا السلوك المخالف للقانون ..؟ في الوقت الذي عامل المحطة لا علاقة له بالدولة غير كونه مجرد مواطن سويدي يعيش في السويد حاله حال جميع السويديين الآخرين وهو ليس عضواً في مؤسسة حكومية أو أمنية بل إنه عضواً في مؤسسة أكبر ألا وهي مؤسسة المجتمع السويدي وهذا شئ شعوري مغروس في كيانه بحكم التربية والثقافة المجتمعية للفرد ، قام هذا العامل المواطن الشريف والنبيل بإخبار السلطات عن هذه المخالفة القانونية وهو لا يعرف من تكون هذه المرأة ما هو دينها وما هي طائفتها وقوميتها وعشيرتها وحزبها ومسؤوليتها في الدولة لأن ذلك لا يعنيه بشئ .. ونتيجة لهذا الأخبار تم فتح تحقيق إداري مع الست المحافظ وعلى أثره قدمت إستقالتها من منصبها لأنها ذات مستوى عالي من ثقافة الأستقالة وتم طردها من حزبها لعدم أمانتها في تحملها للمسؤولية وهذا ما نسمعه ونلاحظه كثيرا على المسؤول العراقي عندما تفضحه وسائل الأعلام وتنشرغسيله الوسخ .. !! وأحيلت الى القضاء وتم معاقبتها بقرار قضائي عادل وترتب عليها بموجبه دفع غرامة مالية للدولة وحرمانها من تبوء أية مناصب رسمية حكومية في مؤسسات الدولة في المستقبل ، ودور القضاء هنا كان مماثل لدور القضاء العراقي في عدالته وحرصه على المال العام من عبث ونهب السُراق من القطط السمان المنتشرة في كل أزقة الدولة العراقية تصول وتجول بحرية دون خوف وخجل والقضاء نائم على أذانه ..!! ، هذه قصة حقيقية حصلت في دولة مملكة السويد الديمقراطية دولة القانون والمؤسسات الدستورية الدولة التي تحرس على أموال شعبها من السُراق وليست دولة تربي القطط السمان ، دولة التي ليس فيها من هو فوق القانون وإنما فيها القانون فوق الجميع ، هكذا هو شكل الدولة والقضاء والمواطن المطلوب وليس كما هو عليه الحال في بلدنا العراق كل شئ مقلوب ، بلدنا الذي فيه الغالبية العظمى من المسؤولين تبلع وتنهب الملايين من الدولارات من أموال الشعب نهارا جهارا ومن دون خجل أو وجل ومن دون خوف أو تردد من سلطة القانون وبإعترافات مباشرة من مؤسسات الدولة المعنية بمراقبة ومتابعة وملاحقة ومحاسبة الفاسدين والمفسدين والسُراق مثل هيئة النزاهة ورابطة الشفافية عبر كل الندوات والمؤتمرات التي تعقدها وتنقل عبر وسائل الأعلام المختلفة ونشاهدها بشكل يومي تقريباً من على شاشة التلفاز وعبر تصريحات وخطابات الكثير من المسؤولين الحكوميين وأعضاء مجلس النواب عندما يحتدم الصراع بينهم على المغانم والمكاسب وكراسي الحكم حيث يتوالى تبادل التهم والتشهير بالسمعة فيما بينهم وبإستعمال كل الوسائل المتاحة للتسقيط السياسي بما ذلك إعتماد لغة معسولة بالوطنية وحب الوطن والبكاء على أطلاله الخربة لتخدير وتضليل المواطن .. أيها الأحبة من أبناء شعب العراق الأبي ، بالنظر لكون العراق يأتي في المرتبة الثانية من دول العالم في الفساد المالي والأداري المتفشي في أجهزة الدولة الرسمية حسب إحصاءات المنظمات الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ومراكز البحث والأحصاء والدراسات المحلية يتطلب منا جميعا نحن المواطنين أينما نكون ومهما يكون موقعنا في المجتمع ومؤسسات وأجهزة الدولة أن نأخذ دور عامل محطة الوقود في ستوكهولم في مملكة السويد في الأخبار عن الفاسدين والمفسدين وسُراق المال العام من المسؤولين الكبار والصغار في الدولة والتصدي لهم مهما كان مستواهم الوظيفي وإنتمائهم الأثني والديني والطائفي والحزبي والعشائري دون مجاملة لأي سبب أو إعتبار لأن آكلي السحت الحرام جزائهم العقاب الصارم إذا أردنا وصممنا فعلا أن نكافح ونجتث الفساد المالي والأداري في عراقنا الجريح وتخليصه من هذه الشراذم والآفات التي تزرع الجوع والمرض في بيوتنا والتخلف في مجتمعنا وشحة الخدمات في مُدننا وقرانا ، لأن ما يسرقوه هؤلاء اللصوص من خزائن الدولة عن طريق السرقة المباشرة نقدا أو عن طريق الأسراف في البذخ من دون وجع القلب في الترفيه عن أنفسهم هو بالحقيقة لا يختلف عن ذلك المال الذي يتم سرقته من جيوبنا بشكل مباشر ، إن واجبنا الوطني يفرض علينا وضميرنا وأخلاقنا تملي علينا أن نتصدي لهؤلاء السراق من القطط السمان المتعشعشة في أجهزة الدولة بقوة وحزم وبلا هوادة لردعهم ووضع حد لعبثهم بمستقبلنا ومستقبل أبنائنا .. عندها فقط يكون من حقنا أن نعتبر أنفسنا مواطنين أشراف ونبلاء نستحق الحياة ليفتخر بنا العراق أمام أجيال المستقبل ..                 

251
ثورات الربيع العربي هي مرحلة إنتقالية بين
الديكتاتورية والديمقراطية الليبرالية
                                                                                                                المهندس : خوشابا سولاقا
منذ نهاية الحرب العالمية الأولى نشأت كيانات الدول العربية وفق الخارطة السياسية التي رسمتها الدول الكبرى المنتصرة في الحرب بريطانيا وفرنسا وحلفائهما حسب إتفاقية ساكس – بيكو والتي بموجبها تم توزيع هذه الدول فيما بينها فالدول التي أصبحت من حصة بريطانيا أُنشأت فيها أنظمة حكم ملكية من أبناء الطبقات الأقطاعية والبرجوازية الصاعدة من الموالين لها على غرار ما هو موجود في بريطانيا ، والتي أصبحت من حصة فرنسا أنشأت فيها أنظمة حكم غير ملكية من نفس الطبقات المذكورة سابقا ومن الموالين لها  وعلى غرار ما هو موجود في فرنسا وهذه الحكومات لا تملك قرارها السياسي وهي فاقدة لسيادتها وإستقلالها الوطني وخاضعة لأرادة المحتل في كل شئ . وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بإنتصار الحلفاء على دول المحور والقضاء على خطرالنازية الألمانية والفاشية الأيطالية والعسكرتارية اليابانية في أوربا والعالم وظهورالمعسكرالأشتراكي في الأتحاد السوفييتي السابق وشرق أوربا ونمو وتصاعد نضال حركات التحرر الوطني في العالم الثالث بشكل عام والدول العربية بشكل خاص من أجل التحرر والأستقلال الوطني والتي كان الدور الرئيسي فيها لقوى اليسار الديمقراطي المؤيد للمعسكر الأشتراكي والمعادي للأستعمار الغربي بكل أشكاله السياسية والثقافية والأقتصادية والعسكرية من جهة وتعاظم أهمية دور الدول العربية بحكم كونها مصدر لحوالي ( 60 % ) من إنتاج النفط العالمي الذي يعتبر المصدر الرئيسي للطاقة والمحرك للأقتصاد العالمي ، وقفز الولايات المتحدة الأميركية الى مركز الصدارة لقيادة النظام الرأسمالي العالمي وإمتلاكها لأكبر إقتصاد في العالم وتقسيم العالم الى معسكرين متناقضين بقطبين اللذين دشنا عصر الحرب الباردة من جهة ثانية ، في ضوء هذا الواقع المستجد والصراع المحتدم بين المعسكرين على مناطق النفوذ والمصالح ظهرت الأهمية والضرورة الى إقامة أنظمة حكم سياسية وطنية عسكرية ديكتاتورية في هذه البلدان تقودها أحزاب مؤدلجة بالأفكار القومية الشوفينية والدينية المتشددة المعادية للفكر الأشتراكي الشيوعي المعادي للنظام الرأسمالي بغرض التصدي لنفوذ المد الشيوعي في هذه البلدان ، وذلك من خلال قمع حركات التحرر الوطني الحقيقية التي تناضل من أجل إقامة أنظمة ديمقراطية فيها وتحرير الأرادة الوطنية من الخضوع للهيمنة الأستعمارية ، بذريعة حماية الأوطان والشعوب والدين من السقوط في براثن الشيوعية الملحدة ، فظهرت مثل هكذا أنظمة في أهم البلدان العربية كمصر وسوريا والعراق وتونس وليبيا والجزائر واليمن من خلال إنقلابات عسكرية قادها صغار الضباط في الجيش بدعم من القوى الدولية ، وبقت الدول العربية الآخرى كدول الخليج العربي والمغرب والأردن أنظمة ملكية أو شبه ذلك لأن حركات التحرر الوطني فيها كانت أصلا ضعيفة ولا تشكل أية خطورة على إستراتيجيات ومصالح الدول الأستعمارية الغربية من جهة وكون هذه الأنظمة تابعة للأرادة الدولية من جهة ثانية .. ولكن جميع هذه الأنظمة كانت تلتقي عند نقطة واحدة هي كونها أنظمة ديكتاتورية شمولية معادية لمصالح أوطانها وشعوبها وتنفق الجزء الأكبر من وارداتها النفطية لشراء أحدث الأسلحة من الشرق والغرب على حد سواء ، كل ذلك وحسب إدعاء الأنظمة الحاكمة من اجل تحرير أرض فلسطين السليبة من قبل دولة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) قضية العرب الكبرى التي تقض مضاجعهم ولا يغمض لهم جفن بسببها ..!! وبسبب هذه الأفكار والشعارات الأعلامية المتطرفة أدخلت هذه الأنظمة شعوبها رغما عنها في حروب خاسرة ومخجلة ومخزية بنتائجها النهائية مع دولة إسرائيل والتي إنتهت بإنتصار إسرائيل في جميعها وإحتلال أراضي عربية جديدة وضمها الى دولة إسرائيل وهذا الواقع الجديد أجبر هذه الأنظمة على الأستسلام لأرادة إسرائيل والدخول معها في مفاوضات السلام تحت شعار ( الأرض مقابل السلام ) والتي تكللت في النهاية بعقد إتفاقيات الصلح بين الطرفين في كامب ديفيد وأوسلو وتطبيع العلاقات بين إسرائيل ومعظم هذه الدول منها علناً وعلى مستوى تبادل السفارات وأخرى في السر على مستوى التبادل التجاري والثقافي وتبادل الزيارات الودية كما هو معروف للجميع ، هذه السياسة التي إتبعتها هذه الأنظمة أي سياسة التسليح الكمي والنوعي لجيوشها الجرارة أدت الى التمعن في إفقار شعوبها أكثر فأكثر جيل بعد جيل وزادها تخلفا في كل المجالات الصناعية والتكنولوجية الحديثة بالرغم من ضخامة واردات ثرواتها النفطية ووصلت في تخلفها الى ما هي عليه اليوم .. وبعد إنهيار المعسكر الشيوعي في الأتحاد السوفييتي وشرق أوربا في نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي على أثر عدم قدرة إقتصاد هذا المعسكر في مجاراة قدرة إقتصاد المعسكر الرأسمالي في المنافسة على كافة الأصعدة ونشوء في هذه البلدان أنظمة سياسية موالية للغرب الرأسمالي وتبنيها لأقتصاد السوق ، وتحول النظام العالمي ذي القطبين الى نظام القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة ، وقيام الثورة الأسلامية ونظامها الأسلامي الراديكالي في إيران وإحتمالات تصدير هذه الثورة ونظامها الى دول الجوار العربي من الدول النفطية وخطورته على المصالح الحيوية للدول الرأسمالية وأمن دولة إسرائيل ، وعلى خلفية هذه المستجدات على الخارطة السياسية للعالم والمنطقة تحول الصراع السياسي العالمي بين النظام الرأسمالي بكل مكوناته ومؤيديه من جهة والأسلام السياسي بكل تنوعاته وتشعباته وتناقضاته وصراعاته الداخلية ، أي الأسلام السياسي التكفيري الذي تقوده منظمة القاعدة والأسلام السياسي المتشدد الذي تقوده إيران واللذين مركز إنطلاقهما وإنبعاثهما الفكري والمالي هو هذه البلدان تحديدا من جهة أخرى .. وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 التي تمخضت الى  تفجير برجي مركز التجارة العالمي في مانهاتن بنيويورك ومبنى البنتاكون بواشنطن في الولايات المتحدة الأميريكية أعلنت الحرب العالمية وبلا هوادة وبكل الوسائل المتاحة على الأرهاب رسميا من قبل الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها على مستوى العالم .. وفي خضم هذا الصراع الصعب والطويل وجدت الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين وأصدقائهما في العالم ضعف الأنظمة السياسية الديكتاتورية القائمة في دول ساحة الصراع وتحديدا في الدول العربية والأسلامية في التصدي لقوى الأسلام السياسي المتشدد المتمثل في منظمة القاعدة ودور إيران المتنامي في المنطقة والداعم لتنظيم القاعدة عالميا تيقنوا بأن الوقت قد حان لتغيير هذه الأنظمة المتهرئة التي شاخت وأصبحت عاجزة وغير قادرة على القيام بما يستوجب القيام به في هذه المرحلة ، مرحلة الحرب العالمية على الأرهاب والتي بدأت بإسقاط نظام الطالِبان في أفغانستان وتوجيه ضربة قاصمة لمنظمة القاعدة بتدمير وتفكيك قواعدها وتصفية وأسرأغلب قياداتها العسكرية البارزة هناك ، وإسقاط النظام الصدامي في العراق بالتدخل العسكري المباشر، ثم توالت الأجراءات والترتيبات المطلوبة لأستكمال إجراء تلك التغييرات والتي تكللت لاحقا بإنطلاق ثورات شعبية عارمة للأطاحة بما تبقى من هذه الأنظمة وإزالتها من الوجود نهائيا من غير رجعة وكان للقوى الدولية اليد الطولَ في الأمر وكان ذلك جلياً في وسائل إعلام تلك القوى للمتابع والمراقب السياسي الذكي .. بدأت هذه الثورات بثورة تونس فمصر واليمن والبحرين وليبيا وقد لا تنتهي بثورة سوريا التي هزت أركان النظام البعثي المخضرم بقمعه وديكتاتوريته المقيتة ، وقد يشمل التغيير الأنظمة الملكية في كل من الأردن والمغرب والسعودية ومشايخ الخليج العربي حيث يلوح في الأفق ما يشير الى ذلك ، حيث أدت هذه الثورات التي باتت تعرف بثورات الربيع العربي الى الأطاحة بالأنظمة الديكتاتورية العسكرية الشمولية وحل محلها أنظمة الفوضى الخلاقة كما سموها صانعيها وإنعدام الأمن والأستقرار وإنتشار الجريمة في تلك البلدان وتدني مستوى المعيشة والخدمات المختلفة وإنتشار الفقر والبطالة بين شبابه وتفشي الفساد المالي والأداري في أجهزة الدولة ونهب المال العام من قبل القائمين على أجهزة الدولة ،  والعراق خير مثال صارخ على ذلك . ومن خلال الأنتخابات التي شابها التزوير والتي خطط لها مسبقا من قبل القوى الدولية المحركة لهذه الثورات قفزت قوى الأسلام السياسي التي تدعي الأعتدال جزافا الى السلطة بإرادة القوى الدولية المخططة لذلك وفي ظل شبه الغياب الكامل لقوى التيار الديمقراطي عن الساحة . بالنظر لكون قوى الأسلام السياسي أكثر القوى تهيئاً وتنظيماً لأستلام السلطة كما حصل في العراق وتونس ومصر وليبيا ، ولأنها بأغلبها لم يطالها قمع الأنظمة الديكتاتورية السابقة بالمستوى ذاته الذي طال غيرها من قوى التيار اليساري والديمقراطي الليبرالي ، ومن المتوقع أن يكون الأمر كذلك في كل من اليمن وسوريا كما تدل كل المؤشرات الموجودة على الأرض .. بالتأكيد إن قلة خبرة قوى الأسلام السياسي المشبعة بالثقافة الثيوقراطية في إدارة شؤون الدولة الحديثة وفي ظل ظروف المرحلة الأنتقالية من النظام الديكتاتوري الشمولي الى النظام الديمقراطي والتي تشهد فيها هذه البلدان والمجتمعات تحولات كمية ونوعية هائلة وسريعة غير مسيطر عليها في بناها التحتية والفوقية  ، وتزمتها وبنوع من التطرف والتشدد بخطها الأيديولوجي الذي لا يقبل التعاون والتحاور والتعايش مع الآخر سوف تجعلها تخفق وتفشل في تحقيق أية إنجازات ومكاسب نوعية ملموسة لصالح شعوبها وهذا الفشل والأخفاق سوف يجعل الجماهير التي صوتت لها في الأنتخابات لأسباب دينية أو مذهبية أو عشائرية أو مناطقية تتخلى عنها وتبحث عن البديل الذي يكون قادرا على تلبية متطلبات حياتها ، وهذا الأمر ظهر جليا واضحا في كل من تجربة إيران وأفغانستان وآخيرا العراق .. وفي خضم قيادة قوى الأسلام السياسي الفاشلة لبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات الدستورية سوف يتم التأسيس لظهور وإنبعاث تيار القوى السياسية الديمقراطية الليبرالية وتعمل على توعية الجماهير الرافضة لأي شكل من أشكال الدولة الدينية التي أثبتت عمليا عجزها وفشلها في تحقيق ما تطمح إليه من مرتكزات الحياة الكريمة وتعبئتها بإتجاه بناء الدولة المدنية دولة الخدمات التي تحقق العدالة والمساواة لجميع مكونات الشعب على أساس الأنتماء الوطني وليس على أي أساس آخر ، ومثل هذه القوى سوف تلتقي في رؤآها مع القوى الدولية التي تقود الحرب العالمية على الأرهاب وفق معادلات توازن القوى حول العلاقات الدولية المتوازنة بين الدول لضمان مصالح الجميع ، أي بمعنى آخر هناك منطقة رمادية بين الأبيض والأسود في لعبة السياسة الدولية لهذه القوى التي تجري عليها لعبة المصالح الوطنية المتوازنة على العكس من قوي الأسلام السياسي التي لا تعترف بوجود مثل هذه المنطقة في علاقاتها الدولية مع الآخرين ، وعليه فإن المرحلة التي تمر بها دول المنطقة بعد ثورات الربيع العربي هي مرحلة إنتقالية تاريخية وحتمية وقد تأخذ بعض الوقت وذلك يعتمد على مدى نمو ونضج الوعي الثقافي والسياسي للجماهير الشعبية للأنتقال الى المرحلة الديمقراطية الليبرالية . إن هذه المرحلة مهمة للغاية من وجهة نظر القوى الدولية التي تخطط لرسم خارطة سياسية جديدة للعالم بشكل عام وللمنطقة بإسم مشروع الشرق الأوسط الكبير بشكل خاص ، ولكن قبل وضع هذا المشروع موضع التنفيذ كانت هناك بعض المعوقات تعيق تحقيقه والتي ترتبط إرتباطاً عضوياً بوجدان وثقافة وتربية وتقاليد وتراث شعوب هذه المنطقة يجب تجاوزها ، ويأتي في مقدمة هذه المعوقات وجود أحزاب وتنظيمات دينية عديدة ومختلفة الرؤى والتوجهات الفكرية والسياسية تتبنى منهج الأسلام السياسي كغطاء لنشاطاتها المختلفة ، وبالمقابل هناك ولاء جماهيري وشعبي قوي وكبير للأسلام كدين في هذه البلدان يقابله رفض غاضب وجامح لأي وجود أجنبي غريب عن بيئتهم الأجتماعية مهما كانت طبيعته يتحكم بإرادة بلدانهم وينتقص من سيادتها الوطنية ، عليه في ظل هذه الظروف المعقدة والمترابطة جدليا ببعضها البعض تكون إستجابة الجماهير الشعبية لطروحات أحزاب الأسلام السياسي أمر طبيعي جدا ومستجاب بعد خروجها وتخلصها للتو من تحت ظلم وطغيان وديكتاتورية الأحزاب الشمولية التي كانت تحكمهم وتضطهدهم بأسم القومية والوطنية زورا وبهتانا .. لذلك ولأجل إختبار هذه الأحزاب المشبعة بثقافة التمييز الديني والطائفي والمذهبي على أرض الواقع تكون عملية الوصول بهم الى سدة الحكم في هذه المرحلة وتسليمها إدارة البلاد لتحكم وتدير الدولة وفق فلسفتها الدينية التي إستنبطتها وتؤمن بها كمنهج لعملها والتي من المؤكد سوف لا تصلح لأدارة دولة حديثة متعددة المكونات القومية والدينية والمذهبية والسياسية هي عملية لا بد منها ، ويكون بالنتيجة حصاد هذه الأحزاب الفشل والأخفاق في تلبية مطاليب شعوبها على أرض الواقع ، وعندها تكون قد تم دق الأسفين بين هذه الأحزاب والجماهير الشعبية التي أعطتها ولائها في الأنتخابات والتي تبحث اليوم عن البديل الذي يحقق لها الحياة الحرة الكريمة ، وعندها يكون الطريق ممهد ومفتوح أمام القوى الديمقراطية الليبرالية الوطنية للوصول الى سُدة الحكم في هذه البلدان من خلال صناديق الأقتراع بإنتخابات ديمقراطية ، وهذه العملية حتمية يفرضها تطور التاريخ الأجتماعي للشعوب والأمم وما يجري اليوم وما هو عليه واقع الحال في التجربة العراقية الجارية منذ ما يقارب التسع سنوات خير مثال جلى على ما تم عرضه في هذه المقالة .. وأخيرا فليسمع من لا يريد أن يسمع وأن يرى من لا يريد أن يرى الحقيقة على أرض الواقع .. إن النصر أخيراً معقود للشعوب مهما طال الزمن ومهما غلت التضحيات ، إن من زرعَ حصدَ ومن صبرَ ظفرَ ..



                المهندس : خوشابا سولاقا - بغداد في 18 / 2 / 2012       

252
الأعلام المستقل وحرية الرأي والعملية الديمقراطية
                                                                                                            المهندس : خوشابا سولاقا
إن وجود الأعلام المستقل الحر بكل وسائله المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة ، ووجود حرية الرأي والرأي الآخر والتنافس الحر بينها ، ووجود خيار إعتماد النهج والأسلوب الديمقراطي في تنافس وصراع الأراء والأفكار وإستعمال وإستغلال وسائل الأعلام المختلفة في الحياة السياسية إن كان ذلك على مستوى إدارة التنظيمات السياسية الحزبية أو على مستوى إدارة أنظمة الحكم للدولة تشكل الأركان الأساسية والدعامات القوية التي ترتكز وتقوم عليها هذه الأدارات ، وبغيابها سوف لا يكون هناك وجود قاعدة جماهيرية فعالة لهذه الأدارات ومتفاعلة معها إن كان تنظيم سياسي أو نظام حكم للدولة. إن وجود إعلام حر مستقل عن تجاذبات التنظيمات السياسية وأجهزة الدولة السلطوية في قول ما يشاء بأي شأن من الشؤون في هذه الأدارات أمر طبيعي للغاية وشرعي لا جدال ولا خلاف عليه ، وكذلك فأن وجود الرأي والرأي الآخر المنافس أو المعارض وحتى المخالف هو الآخر أمر طبيعي وشرعي في بيان الأيجابيات والسلبيات وتشخيص الأنحرافات والتجاوزات في سلوك هذه الأدارات وقياداتها كأشخاص بغرض تقييم أدائها وتقويمها ، وهو في ذات الوقت حق من حقوق الأنسان في الحياة ، لأن وجود مثل هذه الظاهرة دليل صحة وعافية لتطور الفكر الديمقراطي في صفوفها وبالتالي هي ظاهرة صحية لتطور الديمقراطية في المجتمع بالأتجاه المراد لها من قبل هذه الأدارات لأنه في الحقيقة من المفروض أن يكون هدف أي تنظيم سياسي أو مؤسسة الدولة هو تغيير واقع المجتمع القائم نحو الأفضل ، وفي ذات الوقت فأن وجود الأعلام بالشكل الذي تم وصفه الى جانب وجود التحاور والتداول والتنافس والتعارض الحر في ممارسة حرية الرأي والرأي الآخر يعتبرالوسيلة ، وتحقيق العملية الديمقراطية منهجا وأسلوبا في أية إدارة سياسية يعتبر الغاية المبتغاة ، عندها سوف نجد أن هذا الثلاثي المترابط في حالة تفاعل وتكامل جدلي ، وغياب أي عنصر من هذه العناصر الثلاث سوف لا يعني غير غياب مقومات الديمقراطية فكراً ومنهجاً وغياباً للنظام الديمقراطي في هذه الأدارة مهما كانت طبيعتها .. ولكن مشكلة التنظيمات السياسية ( الأحزاب ) وأنظمة الحكم الديكتاتورية والشمولية لا تكمن في وجود أو عدم وجود الأعلام المستقل الحر بكل تنوعات وسائله  وحرية الرأي والرأي الآخر بل إن مشكلتها وعلتها تكمن في الآليات التي تعتمد في إستخدام وإستغلال الأعلام بالشكل الذي يخدم أجندتها السياسية والسلطوية ، وآليات التحاور والتداول والتنافس بين الرأي والرأي الآخر وقبول التعايش معه في مجمل عملية الأدارة السياسية لبناء النظام الديمقراطي داخل التنظيم السياسي أو داخل نظام الحكم الذي يدير الدولة والمجتمع معاً .. وعند إستعراض ومعاينة طبيعة الآليات المعتمدة في إدارة الأحزاب السياسية المختلفة في أيديولوجياتها وأفكارها وفي أنظمة الحكم الحاكمة والتي كانت تحكم بلداننا العربية تحديداً نجدها أنها آليات ذات طبيعة وتوجه تؤدي الى خلق أنظمة ديكتاتورية شمولية تقمع الأعلام المستقل الحر وتسعى الى تسييسه وإعادة إنتاجه إعلاماً خاضعاً لأرادتها الديكتاتورية الشمولية وبالتالي يتحول الى إعلام حزبي أو إعلام نظام الحكم وينتهي بالنتيجة الى إعلام الفرد القائد لتلك الأدارة السياسية الحزبية أو القائد لنظام الحكم للدولة ، وبذلك يتحول الأعلام الى أداة فعالة مدمرة لهدم الديمقراطية وتخريبها وإفسادها وتفريغها من محتواها الأنساني كأفضل نظام للأدارة الأنسانية للتنظيم السياسي أو للدولة والمجتمع بدلا من أن يكون وسيلة لتشخيص الخلل والأنحراف والتجاوز ومن ثم تقويمها لأعادة بناء ذاتها وفق الأسس السليمة التي تعزز من دورها وقبولها في المجتمع كمؤسسات للبناء وليس العكس ، وعندما يكون الأعلام على هذا النحو يتحول أيضا إضافة الى ما ذكر الى أداة لكَمّ الأفواه وقمع الأراء الحرة ومصادرة الحقوق والأرادة للجماهير وإخماد الأصوات المتطلعة الى الحياة الحرة الكريمة عدا تلك التي تكون مداحة ومتملقة للنظام أو لشخص القائد الديكتاتوري الشمولي وهذا يعني بالنتيجة إنعدام وغياب حرية الرأي والرأي الآخر من الساحة السياسية وغياب الديمقراطية وسيادة الديكتاتورية وطغيانها على حياة تلك الأدارات وبالتالي إنسحابها على الحياة الأجتماعية في مجتمعات البلدان ذات الأنظمة الديكتاتورية الشمولية كما كانت حالة العراق في زمن النظام السابق حيث كان قرار العراق مرهون بأرادة الديكتاتور كما كانت وسائل إعلام النظام تعبر عنه وتروج له بقولها ( إذا قال صدام قال العراق ) .. وتشير الدلائل حاليا الى سير العملية السياسية وعملية محاولة بناء الديمقراطية في العراق الجديد على هذا المسار أو نحوه وهذا ما يقض مضاجع جميع العراقين ويثير خوفهم وقلقهم وهواجسهم من عودة الديكتاتورية من الشباك التي خرجت من الباب إن لم تتمكن الأرادات السياسية الوطنية العراقية الحرة والمخلصة اليوم ومن خلال المؤتمر الوطني المرتقب من تقييم الأمور المستجدة بدقة بعد الأنسحاب الأميركي من العراق والتوترات السياسية المفتعلة والمدعومة من الخارج والتي طافت على السطح وإستفحلت بقوة وأصبحت خطراً داهماً تهدد العملية السياسية برمتها بالأنهيار من تصحيح مسارات العملية السياسية والديمقراطية قبل أن تتفاقم الأوضاع وتصل الى نقطة اللاعودة وترجع بالأمور الى نقطة الصفر .. ولتحقيق هذا المطلب الجماهيري يتطلب أولا تقييم وتقويم الأمور داخل الأحزاب والكتل السياسية التي هي رأس البلاء لكل ما يحصل للعراق وتطهير نفسها من أمراض وأدران المحاصصة الطائفية المقيتة والأحقاد والضغائن الحزبية والشخصية وإعادة تعبئة نفسها بحب الوطن والروح الوطنية الصادقة والولاء للوطن قبل أية ولاءات أخرى قبل ذهابها ودخولها الى قاعة المؤتمر الوطني المزمع إنعقاده ، وهذا يعني أيضاً إستبعاد أو إسكات الصقور أو بالأحرى الغربان السوداء التي تنعق ليلا ونهارا عبر وسائل الأعلام المختلفة وتنفخ في نار الأحقاد والضغائن والطائفيات من خلال تصريحاتهم النارية بغرض تصعيد التوترات والخلافات الملتهبة أصلاً بين القوى السياسية والكتل البرلمانية من هذا الطرف أو ذاك ومنعها من إطلاق مثل هذه التصريحات المستفزة للمشاعر وذلك لتصفية وتنقية الأجواء من الغيوم السوداء الملبدة بالأمطار النارية التي سوف تحرق البلد بأخضره ويابسه إن سمح لها بالسقوط ، وفسح المجال بالمقابل أمام الأصوات الخيرّة والحرة والمحبة للعراق وشعبه لأن تستقطب وتتمحور حول محور مصلحة العراق وشعبه في بناء وترسيخ وحدته الوطنية والتوصل الى الصيغ والآليات الناجعة والمقبولة من قبل الجميع لتشكيل حكومة وحدة وشراكة وطنية عراقية صميمية حقيقية قوية تتمكن من التصدي لكل التحديات التي تواجه العراق من الداخل والخارج والتصدي لكل مشاكله في مجال إعادة بناء البنى التحتية لأقتصادة وتأمين الخدمات المختلفة لأبناءه والقضاء على الفساد المالي والأداري المستشري في أجهزة الدولة الرسمية وسرقة المال العام والقضاء على البطالة المتفشية بين شباب العراق بتأمين فرص العمل لهم وبالتالي إنتشال البلد من بين براثن التخلف الأجتماعي والأمية ونقص الخدمات ومن كل ما يعانيه من المشاكل والتحديات المختلفة ، وأخيرا ليس في يدنا شئ نفعله أكثر من أن ندعو لمن يشارك في المؤتمر الوطني بالنجاح والتوفيق ولمن لم يشارك لأسبابه أن يفكر بمصلحة العراق وشعبه دون سواهما وأن يعيد النظر بموقفه وللغربان السوداء أن تكف عن النعيق عبر وسائل الأعلام إحتراما لمشاعر العراقيين الذين سأموا سماع نعيقهم المقرف والأنزواء في مضاجعهم لنيل قسطا من الراحة مع عائلاتهم الموقرة والتي تفتقدهم دوما ويكون ذلك أفضل لهم وللعراقيين عسى أن يلبى الدعاء وأن تنفع النصيحة ..                     

253
متى تتوقف الأقلام الغير واعية عن النفخ في النار .. ؟

                                                                                                        المهندس : خوشابا سولاقا
على خلفية ما حصل من الخلاف بين بعض ممن يدعي تمثيل طوائف شعبنا الكلداني السرياني الآشوري حول من يتولى منصب رئاسة ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى قبل أسابيع معدودة إنطلقت بعض الأصوات الناشزة مع الأسف الشديد من بين بعض أبناء شعبنا من هنا وهناك تملأ الدنيا صخبا وضجيجا وإرتفعت الى عنان السماء عالية وتطلق الدعوات للأنتقام والثأر وتدق ما أشبه بطبول الحرب الطائفية الوشيكة الوقوع الغير معلنة رسميا وتدعو الجماهير من أبنا ء هذه الطائفة أو تلك للنضال من أجل إعادة حقوقها المغتصبة من قبل غيرها من الطوائف ، وكل ذلك في الحقيقة والواقع هو مجرد هراء وكلام غير واعي لا يفهم صاحبه أو قائله أو كاتبه أو المبشر به معناه ومضمونه ومغزاه لأن ذلك ليس له في الحقيقة أي وجود على أرض الواقع ، أي بمعنى آخر ( هراء وكلام فارغ وثرثرة خرقاء ) .. وكذلك هناك أصوات أخرى إدعت وتدعي بوجود تهديد ومؤآمرات تحاك من قبل هذا وذاك هنا وهناك ومنذ زمن بعيد تستهدف القضاء على الطائفة الفلانية ، وأصوات أخرى تستنجد بالغيارى من أبناء الطائفة وتشحذ فيهم الهمة للنهوض للدفاع عن وجود الطائفة وتناديهم بأسم الطائفة وتقول الى متى يبقى أبناء الطائفة الفلانية ساكتة على ما يحصل لها من المظالم وإغتصاب لحقوقها التاريخية القومية في الوجود على يد الطائفة الأخرى ، هذا ما يُلَمح ويوحي به هذا الخطاب الغوغائي لمحدودي الوعي الثقافي والسياسي من البسطاء من أبناء شعبنا ، متناسين إن مجد آشور وبابل ونينوى وأور ونمرود وأكد والوركاء مجتمعة وليس مجتزئة هو ما يتباهى به كل العراقيين اليوم أمام شعوب الأرض قاطبة ، وبتراث هذا البلد الثر بعطائه للبشرية وفضله على التراث والحضارة الأنسانية يرفع العراق رأسه شامخا بين الأمم .. أخاطبكم وأسألكم أيها الأخوة الأحبة لماذا بهذه اللغة الطائفية التي إصطنعها لنا الغرباء عن البيت الكلداني السرياني الآشوري والتي مزقت أوصال أمتنا وكنيستنا المشرقية نخاطب بها بعضنا البعض اليوم .. ؟ ما الذي بقي لنا في أرض ما بين النهرين لأن نعلن الحرب الكلامية الطائفية الشعواء على بعضنا البعض .. ؟ من أجل ماذا.. ؟  من أجل منصب تافه لا يشكل رقما ما فوق الصفر في أجندة حقوقنا القومية والوطنية في أرض الأباء والأجداد ونحن شعبه الأصيل .. ؟ !! لماذا كل هذه الجعجعة الحمقاء من خلال ما تكتبه بعض الأقلام الغير واعية لما تكتبه وتنشره على المواقع الألكترونية المختلفة في حرب الثرثرة ونشر سموم الأحقاد والضغائن والعداوات وأسباب الفرقة والتمزق والتشرذم والتشتت بين أبناء شعبنا بعد أن كان قد دفنها في مزبلة التاريخ منذ زمن بعيد .. ما الذي سيكسبه شعبنا من وراء نشر مثل هذه الكتابات الغير واعية لأثارها السلبية على مستقبل وحدتنا القومية التي ننشدها ونعمل من أجل تحقيقها تحت أي مسمى كان .. ؟ لماذا لا تُستغل هذه الجهود الكتابية وهذه المواقع الألكترونية العديدة في نشر وإيصال الأفكار والمقترحات التي تساهم في تقوية وتعزيز آواصر الأخوة القومية إن كانت تسميتها كلدانية أو سريانية أو آشورية ، أي كان منها الأسم القومي الموحد الذي ستتفق عليه أجيالنا القادمة مستقبلا  سنفتخر ونعتز به حتما ، وتساهم في تعزيز وتقوية المحبة المسيحية التي دعانا إليها السيد المسيح له المجد حين قال ( إذا احب إثنان منكم بعضهما سأكون الثالث بينهما ) هذا إن كنا حقا مسيحيين ونحب المسيح ، اليس كذلك أيها الأخوة .. ؟  من خلال إطلاعي على ما تسنى لي الأطلاع عليه من الكتابات في المواقع العديدة إستوقفني ما ورد في البعض منها من الغرابة فيما وصل اليه مستوى الحقد الذي لا يوجد ما يبرره لأن الأستاذين الكريمين رعد الشماع ورعد كججي ليس هما كل الكلدان ولا النائب يونادم كنا هو كل الآشوريين وليس كذلك قداسة الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي كل المسيحيين مع الأحترام الكبير لقداسته لأن يذهب البعض الى ذكر ما لا يستوجب ذكره في كتاباتهم بغرض النكاية والأساءة للآخر لكونه لا علاقة له بالموضوع أصلا ، حيث ورد في إحدى هذه الكتابات لا أريد ذكر أسم كاتبها محبة به وإحتراما له وعملا بحرية الرأي والرأي الآخر ولكن تصويب الأمور ووضعها في سياقاتها الصحيحة يعتبر من حق وواجب الآخرين أيضا . أورَد هذا الكاتب الكريم في مقالته ما معناه التمجيد للمعاملة الحسنة للملك البابلي ( الكلداني ) نبوخذ نصر لسبايا اليهود وكيف عاملهم بالحسنى والتكريم وأسكنهم في أكثرأراضي بابل  خصوبة ليتزوجوا ويولدوا ويتكاثروا ومنحوا الحرية في ممارسة طقوسهم الدينية والى آخره من هذا الكلام كل ذلك حسب إرميا من العهد القديم ( التوراة ) ومقارنة ذلك بمعاملة أهل نينوى ( الآشوريين ) السيئة مع سبايا اليهود الذين جاء بهم الملك سنحاريب ( الآشوري ) وإسكانهم في قرى نائية في الجبال كل ذلك أيضا حسب التوراة .. أريد هنا أن أسأل الكاتب الكريم بغض النظر عن مدى صحة المعلومة من عدمها حسب التوراة لأن الأمر لا يعنيني ولا يعني أبناء شعبنا بتاتا ، ما علاقة هذا الموضوع بمنصب رئاسة ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى والذي ليس لليهود فيه ممثلا منافسا لتولي هذا المنصب .. ؟ أسألك عزيزي الكاتب بالله عليك من تخاطب ومن تنبه الى هذه المظالم وتلك الأنسانية المفقودة منذ ما يقارب الثلاثة آلاف سنة يا أستاذنا الكاتب الكريم .. ؟ إن المعني بها لديه من القوة الآن ماتكفيه للدفاع عن نفسه لمواجهة العالم كله وهو على إطلاع تام على ما ذكرته أنت وليس بحاجة الى من يذكره وينوره بها لأنه هو الذي صنعها وزيف التاريخ وحرفه حسب أهوائه لصالح بني قومه وجعلنا نحن أبناء هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره اليوم والذين كنا في يوم ما أسياده عبيد نستقتل مع بعضنا لحماية ما حرفه من التاريخ ونشره فيما يسمى بالتوراة التي فيها الكثير من النصوص المحرفة والملفقة تستحقر من خلالها الشعوب والأمم الأخرى وعلى رأسها شعبنا بكل طوائفه الحالية وشعوب المنطقة الأخرى وتمجد أبناء قومها بنو إسرائيل اليهود وتسميهم ( بشعب الله المختار ) .. !! وهل نسيت يا أستاذنا الكريم عندما كانت جيوش الملك الآشوري سنحاريب تحاصر مدينة أورشليم طلب قائد الجيش الآشوري من ملك اليهود حزقيا قائلاً له عندما تتكلم مع سيدك عليك أن تتكلم بلغته فقبل حزقيا ذلك صاغرا .. على كل حال أنا لست هنا بصدد ما في بطون التاريخ من حقائق وتحريف وخرافات مصطنعة من هذا الطرف وذاك وإنما أنا بصدد الكف من تحميل هذا الموضوع أكثر مما يستحقه ويتحمله لأن هذا الموضوع بالتالي ليس بأكثر من خلاف على المصالح الشخصية للمعنيين به من الأشخاص والذين صنعوه حسب مقاساتهم ويحاولون تلبيسه على الآخرين ممن لا يعنيهم أمر من يكون رئيس الديوان  ، وهو ليس خلاف وتنافس بين طرفين لتحقيف الأفضل لصالح أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري لكي نعطي لأنفسنا الحق لأن نأخذ هذا الدور في هذه المسرحية الهزيلة لنتشرف ونتباهى به أمام أجيالنا في المستقبل ، لقد سبق لي وإن قدمت مقترحا بسيطا لحل هذا الخلاف المصطنع في مقالتي السابقة المعنونة  ب( لا تدعوا العواصف السوداء تغتال الأزهار اليانعة ) والذي كان يتضمن ترشيح شخصية ثالثة أو اكثر وأختيار الأفضل من قبل مجلس رؤساء الطوائف المعنية إذا كانت نوايا وغايات الأطراف المتخالفة حسنة وصادقة لحل الخلاف لصالح كنائسنا وشعبنا ، وأما إذا كانت هناك غاية في نفس يعقوب فالنقرأ على الجميع السلام وأتمنى أن لا يكون الأمر كذلك .. أقول لهؤلاء الأخوة من أصحاب الأقلام الغير واعية ( يؤسفني هذا الوصف ) لما تكتبه أن تدخر جهودها التي تذهب هباءً في النفخ في النار المشتعلة لتحرق الأخضر واليابس والتي بالتأكيد سوف تحرق الجميع إن إستمر النفخ فيها أن تستثمرها في دعوة أبناء شعبنا الى الألتفاف والتوحد حول كل ما يقوي ويرسخ وجودنا القومي في أرض أبائنا وأجدادنا التاريخية ( العراق ) ويحقق وحدتنا القومية تحت أي مسمى موحد يتم الأتفاق عليه مستقبلا من تسمياتنا المتداولة حاليا ، وأقول لهم بصدق وإخلاص وأمانة لنحاول جميعا سويةَ أن نتخلص من عُقد الماضي العفنه المبنية على التعصب المذهبي المريض والتي تتحكم بطريقة تفكيرنا وسلوكنا في التعامل مع كل ما يحصل ويستجد في حاضرنا ونرمي بالماضي خلفنا لأنه أصبح بالتأكيد قديم وبالي لا يتلائم ومتطلبات حياتنا التي نعيشها اليوم ، لأننا أبناء اليوم وليس أبناء الأمس كما يريدنا البعض  ، وأن ننظر الى المستقبل القادم بتفاؤل دون يأس وبعيون مفتوحة وأن نقتدي بالآخرين من شعوب الأرض التي تبغي من وراء نضالاتها وتضحياتها الوحدة والتماسك والأنسجام وليس الفرقة والتفكك والخصام كما هو حالنا .. الى متى نبقى نعيش أسرى لعُقد ماضينا التي إصطنعوها الغرباء لنا رغما عن أنوفنا .. ؟ أقول لقد آن الآوان يا أحبتي من كل طوائف أمتي لأن نقول كلمتنا الحقة القوية الصادقة دون خوف وتردد وبصوت عال مسموع لكائن من يكون نحن لنا ما لكم وعلينا ما عليكم في هذا البلد ونقرر مصيرنا القومي في أرض الأباء والأجداد في العيش الآمن مع الآخرين من أبناء الوطن متساوين معهم في الحقوق والواجبات ونشاركهم في السراء والضراء وهذا لا يتحقق إلا في ظل وحدتنا الراسخة القوية .. وفي الختام أطلب المعذرة من كل من لامست كلماتي في هذه المقالة مشاعره وقناعاته الشخصية أو المذهبية فيما ذهب إليه في كتاباته التي عنيتها في هذه المقالة مما نشر على المواقع الألكترونية المختلفة ، ولكن أيها الأخوة تأكدوا إن كل ما قلته نابع من محبتي لشعبنا وأمتنا وقوميتنا التي لا أفرق بين تسمياتها الثلاث وأعتبرها ثلاث تسميات لمسمى قومي واحد طالما نتكلم بلغة واحدة ونستعمل نفس الأبجدية ، ومن محبتي وحرصي على مذاهبنا لأن تبقى متآخية ومتحابة ووسيلة للوحده وليس العكس وكنيستنا المشرقية العظيمة الواحدة لأن تبقى أبواب كنائسها مفتوحة لأبناء جميع طوائفها دون تمييز وأخيرا محبتي الخالصة لشخوصكم الكريمة ودمتم عناصر الخير والأمل لبناء سور الأمة الحصين الذي هدّمَته معاول الغرباء في لحظة ضعفنا ، وأن تكونوا مشاعل النور والحرية لأنعتاق وإنبعاث أمتنا امة أعظم وأولى الحضارات الأنسانية في العالم ، وأخيراًَ دعوتي إليكم بالتوقف عن كتابة ما يكون بمثابة صب الزيت على النار ليزيدها سعيراً ولهيبا عطفُا ومحبة بمستقبل أجيالنا القادمة..                

254
لا تدعوا العواصف السوداء تغتال الأزهار اليانعة

                                                                                                                      المهندس : خوشابا سولاقا
على خلفية ما يحصل اليوم من سجال بين بعض أطراف مكونات شعبنا حول رئاسة ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى نود أن نوضح بعض الحقائق التي لها علاقة بتاريخنا كقومية وككنيسة للعابثين بمصيرهما في سبيل المجد الشخصي والشهرة لعل ذلك يهديهم الى السلوك القويم لخدمة هذه الأمة التي ظلمها أبنائها قبل أن يظلمها الغير وقبل أن يظلمها الزمن والتاريخ . من المعروف للجميع من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري أن هذه التسميات الثلاث المتداولة الآن ومنذ مدة ليست بالقصيرة في كنائسنا هي تسميات لمسمى واحد قوميا وليست لثلاث قوميات مختلفة كما قد يتصور البعض أو كما قد يحلو للبعض الآخر ممن يتصيد في الماء العكر في الظلام ولكن بحكم الأختلافات والأجتهادات اللاهوتية التي حصلت في الكنيسة في القرون الأولى من تاريخها إتخذت الكنائس من هذه التسميات في بلادنا تحديدا رموزا لتمييز بعضها عن البعض الآخر والمطلع على تاريخ كنيسة المشرق يعرف ذلك جيدا وعلى غير المطلع الأطلاع . وخير دليل على وحدة هذه التسميات قوميا هو جذرها الواحد الموحد وهي اللغة بأبجديتها التي يتكلم  بها جميع أبناء هذه التسميات الثلاث سابقا وحاليا عدا من تعمد الأستعراب لأسبابه وظروفه الخاصة إضافة الى وحدة العادات والتقاليد والطقوس التي تمارسها في حياتها الأعتيادية اليومية عندها سوف يكتشف أن ابناء هذه التسميات الثلاث هم أبناء قومية واحدة وأمة واحدة ، وهذه هي الحقيقة الأولى التي يتفق عليها الجميع دون جدال وسجال .. قديما في عهد الأمبراطورية الرومانية بشقيها الشرقية البيزنطية والغربية الرومانية كانت تعقد مجامع مسكونية بشكل دوري برعاية البابا والأمبراطور الروماني ويحضرها ممثلي الكنائس جميعا في مشارق الأرض ومغاربها دون إستثناء للتداول والبحث في كل شؤون الكنيسة وتصدر منها قرارات ملزمة التنفيذ للجميع ومن أهم هذه المجامع المجمع المسكوني في مدينة نيقية عام (325) م حيث تقرر فيه إعتماد الصيغة الأيمانية الموحدة وهي ( نؤمن بالله الواحد ) فأعتمدت في جميع الكنائس منذ ذلك اليوم الى يومنا هذا ، إن حضور ممثلي جميع الكنائس الى مثل هذه المجامع والمشاركة فيها إن دل على شئ فهو يدل على وحدة الكنيسة المسيحية في مشارق الأرض ومغاربها وهذه هي الحقيقة الثانية التي يجمع عليها الجميع ولا خلاف عليها أيضا .. وقبل إنعقاد المجمع المسكوني في مدينة أفسس في عام ( 431 ) م كان هناك نقاش وجدال لاهوتي بين نسطوريوس بطريرك القسطنطينية وكيرلس بطريرك الأسكندرية حول تسمية مريم العذراء ( بأم الله ) كما كان يريد تسميتها كيرلس أو تسميتها ( أم المسيح ) كما كان يريد نسطوريوس وعندما إحتدم هذا النقاش وتطور وبات يشكل خطرا يهدد وحدة الكنيسة في حينها إتخذ مجلس الكرادلة قرارا حازما طالبهم بايقاف هذا الجدال ومن لم يلتزم به ستتخذ بحقه الأجراءات القانونية وفق الطقوس المعتمدة في الكنيسة ، ولسوء حظ نسطوريوس لم يلتزم بمضمون القرار فصدر بحقه قرار التجميد وإلتزم به كيرلس وبقى صاحب النفوذ المؤثر في مجلس الكرادلة فأستغل ذلك بذكاء ودهاء أثناء إنعقاد المجمع المسكوني في أفسس بغياب نسطوريوس لكونه مجمد لا يحق له المشاركة في أعمال المجمع فصدر قرار التحريم بحقه وطرده ونفيه من القسطنطينية ، ولسوء حظ ممثلي كنيسة المشرق لم يتمكنوا من الحضور الى المجمع المسكوني في أفسس بسبب توتر العلاقات بين الأمبراطوريتين الرومانية والفارسية وعندما وصلت أخبار قرارات المجمع المسكوني الى كنيسة المشرق بخصوص لاهوت نسطوريوس أيدوا طروحات نسطوريوس ، ومنذ ذلك المجمع بدأت بوادر الأنشقاق والتشرذم والتمزق تدب في كنيسة السيد المسيح له المجد فظهرت على أثر ذلك لاحقا المذاهب المختلفة وإنطلقت التسميات المختلفة ومنها تسميات التحقير تطلق من كل طرف على الطرف الآخر بغرض الأساءة والطعن من قبيل تسمية كنيسة المشرق بالكنيسة النسطورية تحقيرا لها من قبل أتباع كنيسة روما وتسمية كنيسة روما بالكنيسة البابوية تحقيرا لها من قبل أتباع كنيسة المشرق وتسمية كنيسة السريان الأرثوذوكس بكنيسة اليعاقبة تحقيرا لها من قبل الآخرين وهكذا دواليك إضافة الى ما إنتشر من طقوس الأساءة بين رعايا هذه الكنائس وما زال قسم منها تمارس الى اليوم .. وهكذا تعمقت الخلافات والصراعات المذهبية داخل كنيسة السيد المسيح له المجد وتصدعت الوحدة القومية بالمقابل وتوالت لاحقا قدوم الكثير من الأرساليات التبشيرية للكنائس المختلفة من أوربا الغربية وروسيا وأميركا الى بلدان المشرق بهدف التبشير المذهبي وليس بالتبشير المسيحي ، وأثمرت جهود تلك الأرساليات في عهد البابا أوجين الثالث على ما أعتقد في عام (1552) م الى تأسيس الكنيسة الكاثوليكية التي ترتبط بكنيسة روما بأسم كنيسة بابل على الكلدان لتمييزها عن كنيسة المشرق الأم ( النسطورية ) حسب تسمية كنيسة روما لها ، وهذه هي الحقيقة الثالثة التي من المفروض أن يعرفها الجميع أيضا .. إن الواقع الذي نحن عليه اليوم بوجود ثلاث كنائس وثلاث طوائف بلغة وأبجدية واحدة هو ليس وليد الصدفة وإنما هو حصيلة تطور تاريخي لما يقارب الستمائة سنة من الخلافات والصراعات المذهبية التي من خلالها كل طائفة بنت لنفسها ثقافة وتقاليد وطقوس إجتماعية وكنسية خاصة بها لا يمكن لها التخلي عنها بين ليلة وضحاها وبمجرد قرار فوقي يصدر من هذا المنبر السياسي أو ذاك أو من هذا المرجع الديني أو ذاك من أجل الوحدة القومية أو وحدة الكنيسة  ، وإنما ذلك يحتاج الى فترة زمنية ليأخذ التطور الثقافي والأجتماعي لأبناء شعبنا بأتجاه بناء الوحدة القومية مداه لبناء ثقافة وتقاليد وطقوس جديدة تصب بأتجاه تحقيق الوحدة القومية الحقيقية النابعة من إرادة الجماهير وقرارها وليس بقرار فوقي وبارادة فردية من رجال الكنيسة أو من رجال السياسة ، وتلك هي مهمة الأجيال القادمة .. أما مهمتنا نحن أبناء هذا الجيل بعد أن وعينا ما عانته وتعاني منه أمتنا من بؤس وشقاء وتمزق وتشرذم وإحتراب وضياع وتشتت هي بناء ثقافة السلام والمحبة والألفة والتقارب ونسيان السئ في ماضينا المأساوي وتجاوزه والألتفاف حول كل ما يقربنا من بعضنا البعض ويجمعنا في كيان واحد بشجاعة لخلق أرضية صلبة للتمهيد لأنطلاقة أبنائنا نحو تحقيق الوحدة القومية الحقيقية وتسميتها الموحدة على أرض الواقع .. وليبق كل واحد منا الآن على ماهو عليه من التسمية التي يرغبها لا شائبة على ذلك ولا ضير منها طالما عرفنا بأننا جميعا أبناء أمة واحدة وننتمي الى قومية واحدة تجمعنا اللغة والثقافة الواحدة والتي سادت في كنائسنا المختلفة منذ نشوئها من قرابة عشرين قرنا من الزمن ، كل واحد منا هو كلداني وهو سرياني وهو آشوري في نفس الوقت والدليل على ذلك كل منا يريد الجميع أن يسمى بالمسمى الذي يريده ويؤمن بأنه هو المسمى الصحيح  ويرفض أن لا تكون الجميع كذلك  أي بمعنى آخر الجميع واحد والواحد هو الجميع ، وإذا عبرنا عن هذه الجدلية بلغة الرياضيات تكون المعادلة ( كلداني = سرياني = آشوري = أمة وقومية واحدة = كنائس متعددة = 1 ) .. إن اللغة التي سادت هذه الأيام بين الأخوة من أبناء شعبنا على خلفية ما حصل من الخلافات والمناكفات حول تسمية المرشحين لمنصب رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى يفوح منها النفس الطائفي الكريه وكأن الغاية منها هي العودة بشعبنا الى ما كانت عليه قبل ستمائة سنة ، هذا محال فليعلم من يريد أن يعلم بأن عجلة التطور للتاريخ لم ولن تعود الى الوراء حسب رغبة المتسولين والراكضين وراء الزعامة والمجد الشخصي والشهره مهما بلغوا من القوة والمكر والذكاء والدهاء لسبب بسيط هو أن إرادة شعبنا تريد من عجلة الحياة أن تسير الى الأمام وتسحق كل من تتسول له نفسه أن يفتعل ويصنع أسباب الفتنة والفرقة والتمزق ويعمل على بعث الأحقاد والكراهية والضغائن ويزرع اليأس والقنوط وزعزعة الثقة بالنفس بين أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في هذه المرحلة الحرجة من مسيرته التاريخية .. إن هؤلاء مهما كانت مواقعهم ودرجاتهم الأجتماعية والسياسية والدينية هم أصغر من أن يكونوا أعداء لطائفة من طوائف شعبنا على حساب طائفة أخرى وأن يشكلوا ذرة من الخطر على مصلحة أمة ملأت أثار حضارتها العريقة خزائن متاحف اللوفر ولندن وبرلين وشيكاغو ونيويورك وغيرها من المتاحف في أرجاء المعمورة ، نحن أبناء أمة عظيمة بفعلها التاريخي وبما قدمته للبشرية من عطاء ثر ، لذلك نحذر من يحاول أن يعبث بتراثها وتاريخها ومستقبلها ، لأن الأجيال والتاريخ سوف لا يرحمهم ووسوف لن تقم  لهم من بعد ذلك قائمة وهذه هي الحقيقة الأخيرة التي يجب أن يعرفها ويعيها جيدا من دون لبس المتسولون والراكضون وراء الزعامة والمجد الشخصي والشهرة والظهور بمظهر البطل القومي أو بمظهر منقذ الطائفة أو بمظهر الحامي للمذهب وغيرها من هذه المسميات التي لا تقدم ولا تؤخر في الأمر شيئا .. إن الأمة التي صنعت حضارة ما بين النهرين وبنت مجد أور وبابل وآشور ونينوى ونمرود من عهد سومر وأكد وبابل حمورابي ونبوخذنصر الى سقوط نينوى في عام 612 ق . م ، إن مستقبلها لا يتوقف على من سيكون رئيس ديوان الوقف المسيحي في العراق إن كان الأستاذ رعد الشماع أم كان الأستاذ رعد كججي أو أية شخصية أخرى من أبناء شعبنا النجباء هم كثيرين أو من يمثلها الآن في مجلس النواب العراقي إن كان السيد يونادم كنا أو غيره بل يتوقف على ما يقدمه هؤلاء لأبناء شعبنا من الأنجازات ترسخ وجودهم ككيان قومي في أرض الأباء والأجداد ويعتمد أيضا على الجهد الجماعي لأبنائها في تجاوز مثل هذه الأزمات المفتعلة في أوقات المحن الصعبة التي يفتعلها السياسيون الفاشلون عادة لتبرير فشلهم في إنجاز مهامهم القومية ، ورص الصفوف ونسيان أسباب الفرقة والتمزق وتمتين آواصر المحبة والوحدة والأخوة القومية .. إن الوحدة القومية لا يمكن تحقيقها عبر تدبير الدسائس والمؤآمرات والتحايلات الرخيصة والكذب المفضوح والضحك على الذقون ، بل إن الوحدة القومية الحقيقية تحققها المصداقية والشفافية والمكاشفة والتضحيات ونكران الذات في العمل دون مقابل أو منفعة شخصية .. خلال هذا التاريخ الطويل قدم شعبنا بكل طوائفه الكثير من التضحيات في سبيل تحقيق وحدته القومية وإعادة اللحمة لكنيسته التي عبثت بمقدراتها ومزقتها أيادي الغرباء لأعادة مجدها التاريخي المتألق والمكمل لمجده الأنساني وحضارته ما قبل المسيحية ، وقد قدم الكثير من أبنائه االغيارى الكثير من المبادرات لأقامة الحوارات والتفاهمات بين كنائسه لأجل تخفيف التوترات  والخلافات وإسقاط كل ما يسئ الى الآخر من الممارسات والشعائر والطقوس وتقريب وجهات النظر بينها في القضايا اللاهوتية المختلف عليها والتي فيها تكمن علة الأنشقاقات وأسبابها التي حصلت في الكنيسة في الماضي وآخرها كان الأجتماع الذي تحقق بين قداسة البابا وقداسة البطريرك مار دنخا الرابع في عام 1994 في الفاتيكان الذي خرج بنتيجة مفادها ان الذي حصل بين كنيسة المشرق وكنيسة روما في الماضي كان مجرد سوء فهم طالما الكنيستان تؤمن بما تم إقراره في المجمع المسكوني في نيقية عام 232 م  حول الصيغة الأيمانية المعتمدة فيهما الى يومنا هذا وتم تشكيل لجنة لاهوتية من الكنيستين لحل كل الخلافات اللاهوتية بينهما واعطى البابا الضوء الأخضر للقائمين على كنيسة بابل على الكلدان لفتح النقاش والحوار مع كنيسة المشرق لتقريب وجهات النظر بينهما حول كل ما إختلفوا ويختلفون عليه لخلق السلام في كنيسة المشرق بكل مذاهبها وفعلا قطع المعنيين بالأمر شوطا طويلا على هذا الطريق بحيث نشأت ثقافة جماهيرية بتقبل أبنائنا أن تكون جميع كنائس المشرق كنائس لهم بغض النظر عن المذهب اللاهوتي الذي تؤمن به هذه الكنيسة أو تلك وبذلك تجاوز الناس الكثير من أسباب التوتر والأختلاف  المثيرة للفتن والفرقة والأحقاد والكراهية وعند إمعان النظر فيما أنجز على هذا الطريق  في مختلف الجوانب الأجتماعية نجد أنه قد تحقق الكثير على طريق تحقيق السلام بين كنائس شعبنا وقد إنعكس ذلك إيجابا على الساحة القومية ، وعليه اعتبر ذلك إنجازا تاريخيا كبيرا لهولاء الغيارى أصحاب المبادرات ورسل السلام وبناة الوحدة القومية على المدى البعيد ،  وهذه الأنجازات هي الأزهار اليانعة التي تفتحت للحياة الجديدة لشعبنا ، وما يحصل من اللغط المفتعل وما يثيره من أسباب الفرقة والفتن والتمزق بين أبناء طوائف شعبنا من قبل البعض إن كانوا من رجال السياسة أو من رجال الدين لأسبابهم الخاصة المعروفة فهو يمثل تلك العواصف السوداء التي  تغتال تلك الزهور اليانعة ، وعليه فأن واجب المخلصين من أبناء شعبنا والحريصين عليه من كل طوائفه هو حماية تلك الأزهار اليانعة وذلك بالتصدي الحازم لتلك العواصف السوداء والهوجاء التي تهب من كل صوب وحدب  ومن كل من هب ودب من الذين لا يهمهم مصلحة شعبنا ، وعليه إن كان السبب الرئيسي لنشوب هذا الخلاف بين الطرفين الذين ورد ذكرهما في وسائل الأعلام المختلفة وعم الشارع الكلداني السرياني الآشوري في الوطن وبلدان المهجر وتناولته الألسن كل من زاويته الخاصة وساق من الأسباب ما يحلو له للدفاع عن هذا الطرف وذاك وتحميل الطرف الآخر المسؤولية هو شخص المرشحين وآلية ترشيحهم لمنصب رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الآخرى وحصرها بين شخص الأستاذ رعد الشماع والأستاذ رعد كججي حتى وإن وجدت أسباب واقعية تتطلب هذا التغيير ، يجب أن لا يتحول هذا الخلاف الى القطيعة بين طائفتين من طوائف شعبنا لأن ذلك ليس في مصلحته القومية ، ولحل هذا الخلاف نقترح ترشيح شخصية ثالثة أو أكثر ثم يتم إختيار الأفضل وأن يتم ذلك حصرا من قبل مجلس رؤساء الطوائف المسيحية دون سواهم ..                 

255
المؤتمر الوطني القادم والعملية السياسية .. الى أين . .؟

                                                                                                                        المهندس : خوشابا سولاقا
لقد مضى على سقوط النظام السابق بجهود القوات الدولية وليس بجهود المستقتلين على كراسي الحكم في العراق اليوم ما يقارب التسعة سنوات من الزمن والشعب العراقي ينام ليلا ويستيقظ صباحا ويسمع قادة الأحزاب والكتل السياسية التي لا تحصى ولا تعد من أقصى اليمين الى أقصى اليسار وهي تتحدث بأسهاب وحرقة قلب نفاقا عن العملية السياسية الجارية في العراق منذ مدة طويلة والمصالحة الوطنية الشاملة التي تبتغي الأسقرار الأمني للعراق والذي لم يحصل لحد الآن ، وكلما تتفاقم خلافاتهم وصراعاتهم المفتعلة ومناكفاتهم الشخصية والحزبية والمدعومة من أطراف أقليمية وأحيانا من أطراف دولية لأسباب يجهلها الشعب العراقي وسيبقى يجهلها الى حين ولكنه على يقين بأن تلك الأسباب لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية والهوية الوطنية للعراق ووحدة ترابه وشعبه ، عندها نرى هؤلاء يتباكون ويذرفون دموع التماسيح بدون توقف خوفا على مستقبل العملية السياسية العرجاء التي تعني كل شئ في فلسفة هؤلاء السياسيين عدا ما يتعلق منه بمصلحة الوطن والشعب العراقي ووحدتهما الوطنية ، ويتباكون بحرارة وحزن قاهر على المصالحة الوطنية الكسيحة والتي لم تخطو خطوة إيجابية نحو المصالحة الوطنية الحقيقية ، والتي يستغلها المتحكمون بألبابها ومفاتيح أبوابها المغلقة والمفتوحة وبكل قنواتها لخدمة أجنداتهم السياسية الحزبية في معركة صراعهم على السلطة مع الآخرين في عملية جر وشد الحبل وفي جذب وقبول الأنخراط فيها لخصوم الأطراف الأخرى التي تخالفهم الرأي والرؤى نكاية بتلك الأطراف التي تحاول الخروج عن الطاعة بغض النظر عن ما أرتكب من جرائم بحق العراقيين على أيدي هؤلاء المنخرطين ، ويوم بعد آخر تتعمق الشروخ والتصدعات والخلافات بين أطراف العملية السياسية والمصالحة الوطنية وآخر هذه المهازل كانت قضية الأستاذ طارق الهاشمي والدكتور صالح المطلك نائب رئيس مجلس الوزراء التي وضعت البلاد بكامله وليست العملية السياسية لوحدها على حافة الهاوية السحيقة ، وفي غمرة هذه الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد وضعت مستقبل العراق على كف عفريت كما يقال تعالت الأصوات النارية بنشاز مقرف من هذا الطرف أو ذاك في وسـائل الأعلام المختلفة على غــرار أشبه بمهرجان الهـزل منه

الى خطاب سياسي له مدلولات سياسية محددة تتباكى بحرقة قلب على الدستور من التجاوز على ثوابته ومحرماته وعلى إستقلالية ونزاهة القضاء العراقي وضرورة إحترام جميع الأطراف لهما حرصا على إستمرار العملية السياسية وحمايتها من الأنهيار وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وحماية وحدة الوطن العراقي من خطر إنشاء الأقاليم الأدارية متناسين تعاملهم أعني تعامل جميع الأطراف المشاركة في حكومة الشراكة الوطنية أو بالأحرى حكومة المشاكسة والمكايدة والمناكدة الوطنية دون تمييز بأنتقائية سياسية مقيتة ومخجلة مع مواد ونصوص الدستور المقدس أحيانا ، ومع القضاء المستقل أحيانا ، القضاء الذي أصبح مع إحترامي الشديد له مسيّس بأمتياز وحتى النخاع على الأقل من وجهة نظري الشخصية المتواضعة أحيانا أخرى ..!! من المؤكد أن الوضع السياسي الحالي في العراق هو من صنع السياسيين وليس تمثيلا لأرادة الشعب العراقي كما يدعي السياسيين المشاركين في عملية المساكسة والمكايدة والمناكدة الوطنية ، وعليه فأن هؤلاء لوحدهم يتحملون كامل مسؤولية ما يحصل الآن من تردي وإنهيار وتداعي في أوضاع العراق المختلفة السياسية والأجتماعية والأقتصادية والخدمية والفساد المالي المستشري في مؤسسات الدولة وأجهزتها الرسمية ومسؤولية الفقر والبؤس والبطالة وشبه إنعدام الخدمات المختلفة المتعلقة بحياة المواطنين اليومية مثل الكهرباء الذي شحته قوضت نشاط الأقتصاد في البلاد .. أسأل هؤلاء الساسة ما الذي بقى من العراق كوطن أو كشعب لكي تنقذونه من الأنهيار المحتمل مستقبلا في مؤتمركم الوطني القادم .. ؟ إذا كان الذاهبون إليه ( كلمن خنجره بحزامه ) كما يقال .. !! ليس ببعيدة عنكم إتفاقية أربيل لكي يستوجب تذكيركم بها والتي كثر اللغط والأجتهاد حول تفسير بنودها عن مدى دستوريتها من عدمه وأقمتم الدنيا عليها ولم تقعدوها من خلال أبواقكم الأعلامية ، هذه الأتفاقية التي جاءت من فوق سقف الدستور إستجابة لسياسة التوافقات الوطنية كما تدعي الجميع وولدت الحكومة الحالية ، وعليه فأن الأتفاقية بكاملها غير دستورية لذا فان كل بنودها غير دستورية من وجهة نظر القانون ، إذن لماذا هذه الأنتقائية والمزاجية في تفسير بنودها .. ؟ وهنا أريد أن اسألكم أين وصلت هذه الأتفاقية وماذا كان مصير بنودها التسعة وماذا قدمت للشعب العراقي والعراق .. ؟ ألم تصطدم بجدار دستورية موادها من عدمه .. ؟ تلك المكيدة الدستورية التي صنعتموها بغرض إحتواء وتقويض ما لا يعجبكم في بنود إتفاقية أربيل والذي يعتبر مكسبا للطرف الآخر أليست هذه هي الحقيقة .. ؟ وبالتالي غدت هذه الأتفاقية وبالا على رؤوس صانعيها ويدفع الشعب العراقي لوحده الثمن .. ؟ حيث بقي كل شئ متعلق بحياة المواطن العراقي على حاله أي بقي على ما كان عليه قبل تشكيل حكومة المشاكسة والمكايدة والمناكدة الوطنية ما عدا قيامكم بتوزيع الغنائم من المناصب الحكومية الرسمية والدرجات الخاصة الى أعضاء أحزابكم وأقربائكم وأصدقائكم المقربين وفق معايير المحاصصة بهدف تحقيق التوازن المحاصصي في مؤسسات الدولة ودوائرها وأجهزتها الرسمية إبتداء من شخص معالي الوزير الى شخص حضرة الفراش والخفير إن صح التعبير .. !! ولكن بالرغم من كل ذلك بقت حكومة المشاكسة والمكايدة والمناكدة الوطنية ناقصة وغير متكاملة في أهم حلقاتها الى يومنا هذا بسبب السعي الحثيث والمتواصل للأنفراد والأستحواذ على سلطة القرار الأمني والسياسي في البلاد من قبل طرف على حساب الطرف الآخر والمصلحة الوطنية ضائعة بين هذا الطرف وذاك  والأنفجارات والمفخخات والكواتم شغالة ليلا ونهارا تعلو أصواتها هنا وهناك والضحايا من الناس بالعشرات إن لم تكن بالمئات في الشوارع وكل الطرقات في العاصمة بغداد والمدن في كل المحافظات والحكومة مشغولة في توزيع التهم على هذا وذاك لأيجاد المبررات لحصول الأنفجارات إنها لمهزلة آخر الزمان في هذه الأوقات ( قرة عيونكم يا قادة العراق الجديد الديمقراطي جدا ) . والشعب يقرض أصابع الندم ويعض على الشفاه بمرارة نادما على إنتخابكم ومشاكله ومعاناته المختلفة تتفاقم وتتكاثر وتتعاظم آثارها السلبية يوم بعد آخر من دون أن يجد من يعينه على تجاوزها .. وهنا حان الوقت لأن أسألكم سؤال بسيط جدا وهو ما الذي تناقشوه في مؤتمركم الوطني القادم لم تتم مناقشته في مؤتمرات أربيل وبغداد المكوكية منذ سقوط النظام السابق الى يوم وصولكم على حافة الهاوية التي أنتم عليها اليوم .. ؟ كفاكم الضحك على الذقون والكذب الذي أصبح هذه الأيام مهنة السياسيين على هذا الشعب المغلوب على أمره .. لماذا لا تعترفون وتقرون بأنكم غير قادرين على إدارة شؤون الدولة الحديثة وأنكم لا تختلفون عن من سبقوكم في حكم العراق ولا عن أقرانكم الآخرين من حكام العرب الذين تطيح بهم ثورات الربيع العربي واحدا بعد الآخر .. من المؤكد أنكم سوف لا تستطيعون في مؤتمركم الوطني القادم من حل جميع المشاكل في العراق وتقدمون للشعب ما ينتظره منكم وكذلك لا يسعـكم تجـاوز مــا صنعتموه وأفتعلتموه من الخلافات والأزمات السياسية فيما بينكم وإبتلى بها الشعب العراقي ، هل تعرفون لماذا أنتم عاجزين عن القيام بذلك .. ؟ لأن عنصر الثقة والروح الوطنية الحقة مفقودة بينكم ، والأرادة السياسية الوطنية الحرة المستقلة هي الأخرى ضعيفة وشبه معدومة لديكم ، لأنكم بحق لستم لا رجال السياسة ولا رجال الدولة هذه حقيقتكم حقا وهنا هي العلة ونقطة الضعف في العملية كلها ، وإن ساوركم الشك حول هذه النقطة بامكان كل واحد منكم أن يختلي بنفسة لفترة ساعات وليس أيام ويغوص في أعماق أغوار خلجات نفسه بتجرد وحيادية سيكتشف بالنتيجة حتما بأنه لا يثق بالآخرين من الأطراف الأخرى وسيكتشف حتما بأنه لا يمتلك من الأرادة السياسية الوطنية الحرة المستقلة عن تأثير رئيس كتلته البرلمانية ، وبذلك سيكتشف بأن القاعة التي سينعقد فيها المؤتمر الوطني القادم الذي من المفروض أن يحضره قادة الكتل السياسية سوف تتحول الى ساحة لعرض الخلافات والمناكفات المستديمة وإطلاق الشعارات الرنانة والمزايدات الفارغة والتي لا تغني ولا تسمن والى ساحة لصراع الأرادات السياسية للكتل البرلمانية .. وعندها سوف يكتشف كل واحد منكم بأن المؤتمر الوطني القادم بين الفصائل السياسية والكتل البرلمانية إن إنعقد وإن حضرته الجميع محكوم عليه بالفشل وأنه سوف لا يتجاوز بقراراته ما أنجزته مؤتمرات أربيل وبغداد المتجسد في إتفاقية أربيل قبل سنة من الزمن .. فاذا كنتم صادقين في إصراركم للخروج من قاعة المؤتمر الوطني القادم في بغداد أو في أي مكان آخر من العراق ينعقد فيه وأنتم محملين بقرارات تبشر العراقيين جميعا بالخير القادم وبحل مشاكلهم وإزاحة الغمة من على صدورهم عليكم قبل الدخول الى قاعة المؤتمر بناء الثقة الوطنية المتبادلة الصادقة بينكم وتقوية آواصرها وترصين إرادتكم السياسية الوطنية الحرة المستقلة وتجاوزكم لولاءاتكم الخصوصية مهما كانت وتمحوركم حول الولاء الوطني ، عندها ستجدون أن الحلول  جاهزة أمامكم على مكاتبكم في قاعة المؤتمر لحل كل مشاكل العراق وشعب العراق ، وأما إستمراركم على ما أنتم عليه من فقدان الثقة الوطنية الصادقة المتبادلة والأرادة السياسية الوطنية الحرة المستقلة فإن كل شئ في العراق سوف يبقى على حاله ويستمر على ما هو عليه بل وأسوء ، وهذه حقيقة كحقيقة أي معادلة رياضية في علم الرياضيات . 


 

256
الحركة الديمقراطية الآشورية الى أين .... ؟
الجزء الأول
                                                                                                                            بقلم : خوشابا سولاقا
ربما قائل يقول وذلك من حقه طبعا لماذا أختار الكاتب هذا الوقت لأن يسأل هذا السؤال الكبير والخطير والمحير في نفس الوقت والذي ينطوي على أكثر من مغزى سياسي بعيد الأثر على مستقبل الحركة الديمقراطية الآشورية السياسي والقائمين عليها الآن وليس قبل الآن .. ؟ هل هناك سبب لأن يتم إختيار هذا الوقت .. ؟ هل لأن الكاتب لم يحصل على ما كان يبغيه من مكاسب على المستوى الشخصي .. ؟ أم أن موقفه هذا كان رد فعل لأمـور معينه حصلت له شخصيا أو لأمور حصلت في الحركة حرّفتها عن مسارها الطبيعي .. ؟ إنه أمر طبيعي جدا أن يكون كل فعل عباره عن رد فعل لفعل ما ، وتكون قوة ردة الفعل متناسبة طرديا مع قوة الفعل وطبيعتها وإتجاهها .. إن جميع هذه التساؤلات طبيعية ومشروعة ومن حق من يسأل أن يسأل ما يشاء من الأسئلة مهما كانت طبيعتها ، وأن يفكر كما يشاء ، لأن المهم في الأمر أن يفكر المرء ويتساءل دائما أفضل بدلا من أن يكون ساكنا وصامتا وجالسا من دون أن يكون له أي حراك يساهم من خلاله في حركة    المجتمع وعملية تطورها وإعادة بنائها على أسس جديدة ، وفي نفس الوقت من حق أي إنسان منخرط في العمل السياسي أن تكون له طموحات وتطلعات سياسية على مستوي   التنظيم السياسي أوعلى المستوى الشخصي في المجتمع ، إن ذلك أمر طبيعي ومشروع    وليس معيبا ومخجلا يلام وينتقد عليه صاحبه عندما يتحقق ذلك بوسائل شريفة وأخلاقية وعبر الأستحقاقات ومعايير الكفاءة والنزاهة والمصداقية والشفافية والأخلاص في العمل والولاء للوطن ، لأن ذلك هو المفروض وهوالمطلوب في العمل السياسي والعمل المهني على حد سواء عند التكليف بالمهام والمسؤوليات لتحقيق مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، ولكن ما هو مخجل ومعيب ومقرف ومقزز ومرفوض إجتماعيا وأخلاقيا وسياسيا ومهنيا وإنسانيا عندما يكون هناك من يحاول ويسعى بشتى الوسائل لأن يحقق هذه الطموحات والتطلعات بوسائل دنيئة وخبيثه كأستعمال الرشوة والتآمر والنفاق والكذب والرياء والتملق وإستغلال العلاقات الأجتماعية والعشائرية والقبلية والطائفية ووفق مبدأ المحسوبية والمنسوبية لأن  يحصل على ما لايستحقه وليس جديرا به على حساب الآخرين ممن يستحقون ذلك بجدارة .. إن ما أقوله بهذا الشأن أي بشأن الحركة الديمقراطية الآشورية الى أين .. ؟ وما يحصل فيها من التداعيات والتراجع ليس أمر وليد اللحظة كمـا قد يتصور البعض ممن يعنيهم الأمر، فأن من تابـع مقالاتي العديـده وكتاباتـي                                                     
والتي تجاوزت المائة وعشرين مقالة على صفحات جريدة ( بهرا ) الجريدة المركزية للحركة الديمقراطية الآشورية خلال السنوات الأخيره ، وما لم ينشر منها في هذه الجريدة بتوجيه من قيادة الحركة أعني سكرتيرها العام لأنها كانت تمس ما لا يعجبه إنتقاده في سلوكه وعمله تم نشرها على الموقع الألكتروني ( عينكاوا دوت كوم ) ، سيجد المتتبع   لهذه المقالات إن الكثير مما سأقوله قد تم التطرق إليه بأسهاب ووضوح بشكل مباشر أو غير مباشر ، وبالأخص ما يتعلق منها بأنعدام القيادة الجماعية وغيابها على كافة مستويات تنظيمات الحركة وكبت الأراء وقمع الحريات وسيادة الأستبداد والنزعه الفرديه والديكتاتورية وما يمارس من الأساليب غير الديمقراطية من وراء الستار بتدبير من السكرتير العام لأقصاء وإبعاد من يعارضه الرأي في عمل الحركة ، بسبب هذا النهج الذي يعتمده السكرتير العام وأعوانه المقربين فان الحركة قد تحولت وغدت الى أشبه ما تكون بمشروع تجاري ذات ملكية خاصة منه الى تنظيم سياسي وحركة جماهرية شعبية ، تخدم المصالح الشخصية لفئة معينة من المقربين للسكرتير العام تتحكم بقرارها وأموالها وتتعاون مع هذه الفئة مجموعة من الأنتهازيين والنفعيين الذين يدورون في فلكه متخذين من الشعارات والرموز القومية والمتاجرة بالمصالح القومية لأبناء شعبنا كماركة مسجلة لمشروعهم إن صح التعبير للترويج عن ما يتشدقون به في سوق السياسة القومية والوطنية .. هذا الواقع المزري الذي يسود الحركة ويعيشه الجميع بصمت مطبق رغما عنهم يعرفه الجميع  حق المعرفة كما يعرفه المعني والمقصود بهذه المقالة .. عند إستعراض تاريخ الحركة منذ تأسيسها في عام 1979 والى اليوم سنجد إن القاده التاريخيين والمؤسسين لها قد إختفوا من الساحة السياسية بين شهيد معدوم بغدر وخيانة الآخرين له وشهيد مبعد بسبب مكر وخسة الرفاق أو معزول بتآمر الآخرين من رفاق الدرب عليه أو مهزوم لحماية النفس من شر الأشرار ولم يبقى منهم في الساحة فعالا إلا السكرتير العام الحالي يصول ويجول منفردا بين الشرق والغرب والشمال والجنوب من بلدان المعمورة ، ومنفردا في تمثيل الحركة في جميع اللقاءات والأجتماعات الرسمية والسياسية مع الأطراف القومية والوطنية والأجنبية من دون أن يشاركه أحدا من  أعضاء القيادة أو يتم ذلك بمشاركة ديكورية هزيلة من الذين لا يسمعون ولا يتكلمون ولا يرون كما يقال لكي يكون على الأقل شاهد عيان على ما ينسبه وما يدعيه لنفسه من أعمال وأقوال لم يقم بها ولم يقلها أصلا إن لم يكن على العكس من ذلك تماما كما أثبتت التجارب معه لبعض الذين يعرفونه عن قرب ، ومنفردا على طول الخط من دون منازع أو منافس كما يعرف الجميع من الأصدقاء والأعداء ومن الشركاء والخصوم بكافة وسائل الأعلام المرئيه والمقـرية والمسموعة القوميـة والوطنيـة والأقليـمية والأجنبيـة بحيث خلق إنطباع لدى المشاهد والسامع بأن الحركة الديمقراطية الآشورية تعني سكرتيرها العام والعكس صحيح
، كل ذلك حصل بسبب سلوك التآمر والغدر والأيقاع بالآخرين الذي مارسه السكرتير العام ضد هذا وذاك من رفاق الدرب من قيادات الحركة وإتهامهم بشتى التهم بما فيها التجاوز على أموال الحركة والقضايا الأخلاقية وتهم التعاون مع أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق وبذلك حول هذه القيادات جميعها الى أعداء ألداء وخصوم أشداء له بدلا من رفاق أحباء اصدقاء ولم يبقى منهم بجانبه من هؤلاء اليوم أحدا .. !! هل من المعقول والمنطق    أن جميع هؤلاء على خطأ وهو لوحده على صواب .. ؟ مهما كان الجواب أصبح من الضروري جدا إعادة النظر بوضع وسلوك السيد السكرتير العام للحركة بأسرع وقت ممكن بهدف إعادة الحركة على مسارها الصحيح ووضع الأمور في نصابها وسياقاتها الطبيعية .. وما  يثير الدهشة والأستغراب والعجب ظهور وثائق ومراسلات كانت تجري بين أجهزة الأمن والمخابرات للنظام السابق وبين بعض كبار قيادات الحركة وبالأسماء الثلاثيه الصريحه وأسماء بلدان وتاريخ اللقاءآت وأسماء ضباط الأرتباط وكان أسم السكرتير العام من بين تلك الأسماء وهناك أسماء أخرى كبيرة لا أرى ضرورة لذكرها لعدم أهميتها في قرار الحركة الآن ولكن ذلك لا يعفيها من المحاسبة ، وللأمانه أقول لقد أطلعني في أحد الأيام قبل إنعقاد المؤتمرالآخير للحركة السيد السكرتير العام الحالي وبحضور أحد أبناء شقيقته ودون سابق إنذار ودون أن أطلب منه ذلك لأنني كنت أجهل وجود مثل هذه الوثائق متداولة بين أعضاء القيادة وتستخدم عند الضرورة كسلاح لأسقاط الخصم ، حيث أطلعني على وثائق تخص تعاون أحد قياديي الحركة سابقا وعضو اللجنة المركزية حاليا مع الأجهزة الأمنية للنظام السابق مقابل مبلغ بخس ، وقد فعل ذلك ليس بقصد شريف ونبيل بل كان بغرض إسقاط الشخص المعني بعيني من جهة ومن جهة ثانية لأظهار ما لديه من القدرة والوسائل للوي ذراع خصومه ومن يخالفه الرأي .. بالمقابل هناك وثائق مماثله إطلعت عليها تخص شخص السكرتير العام نفسه وقد نشر عنها في حينه قبل إنتخابات عام 2005 في بعض الصحف المحلية المعتبره بغرض منع العناصر المتعاونه مع الأجهزة القمعيه للنظام السابق من الترشح للانتخابات من قائمة الرافدين إلا أن الموضوع تم تجاوزه بوسائل عديدة أجهلها ، ولا  أعرف كيف يتم إخفاء مثل هذه الوثائق في هيئة إجتثاث البعث بحيث يتم إقصاء البعض من الترشح دون الآخرين .. سيأتي / ج – 2 لاحقا .


257
الحركات والأحزاب السياسية الكلدانية السريانية الآشورية
والحركة الوطنية العراقية
المهندس خوشابا سولاقا
من المفروض بأي حركة سياسية أو حزب سياسي أن يأخذ بنظر الأعتبار بل أن يعتمد في صياغة أفكاره السياسية وأيديولوجيته وبرامجه السياسية وإستراتيجياته المستقبلية وتركيبة علاقاته السياسية والأجتماعية مع الآخرين على طبيعة البيئة الأجتماعية المحيطة به وأن يتأثر بها ويؤثر فيها بهذا القدر أو ذاك بأعتباره جزء لا يتجزء منها , بالتأكيد أن لأي حزب سياسي أهداف سياسية وإجتماعية وإقتصادية يسعى لتحقيقها بشتى الوسائل المتاحة وذلك بمطالبة القوى المهيمنة على السلطة بالطرق الدبلوماسية السلمية أو ينتزعها منها إنتزاعا بالوسائل الثورية ، وذلك يعتمد على طبيعة السلطة السياسية القائمة ، ولكن في كلا الحالتين يكون ذلك الحزب أو الحركة لكي يتمكن من تحقيق أهدافه كاملة أو جزء منها بحاجة الى تأييد ودعم شرعية مطالبه من قبل بعض القوى السياسية التي لها حضور فاعل وتأثير على الشارع وصنع القرار السياسي للسلطة الحاكمة وتؤيد أن تحقيق تلك الأهداف هو إستحقاق وطني لكون من يسعى الى تحقيقها جزء أساسي من نسيج المجتمع الوطني وإن هذا الأستحقاق مكمل لما هو مقرّ للآخرين من مكونات المجتمع الوطني ، إذن لا بد لهذه الحركات والأحزاب أن تضع في مقدمة أولوياتها هوأن تجري فرز وتضع فواصل بين القوى السياسية الوطنية سواء الكبيرة منها أو الصغيرة لأكتشاف وتحديد من هو منها صديق ومؤيد لحقوق شعبها المشروعة ومن هو معارض أو معاد ومن منها حيادي الموقف تجاه تلك الحقوق ، وهذا يعني أن على الحركات والأحزاب السياسية الكلدانية السريانية الآشورية في العراق والمنطقة قراءة الواقع قراءة موضوعية دقيقة تحدد على ضوئها إستراتيجية العمل ورسم الخطط المرحلية لتحقيق الأهداف التي تناضل من أجلها وتحديد وسائل العمل وصياغة الآليات المناسبة التي تعتمدها وأن تؤمن وتعتبر النضال القومي لها جزء لا يتجزء من النضال الوطني وأن يسير العمل في هذه الحركات والأحزاب وفق هذه الرؤية وبعكسه تكون فرص النجاح لها محدودة أو قد تكون خيبة الأمل والفشل هو النصيب المحتم لها ، في ضوء هذه الرؤية للخارطة السياسية والديموغرافية والميثولوجية القائمة في العراق يجب على تلك الأحزاب والحركات أن تصوغ سياساتها وإستراتيجياتها المستقبلية للعمل .  

إنطلقت بعض هذه الحركات والأحزاب في عقد السبعينيات من القرن الماضي ولكن أغلبها ظهرت بعد سقوط النظام البعثي الصدامي متأثرة بالموجة العارمة التي إجتاحت العراق في الأقدام الى تأسيس أحزاب سياسية دون توفر الشروط الموضوعية والذاتية لها ، ولذلك أخذت تلك الأحزاب والحركات تتخبط في عملها وتحركها على المستويين القومي والوطني على حد سواء وإنحسر نفوذها وضعف تأثيرها بين جماهير شعبنا ، وبذلك تحولت الى مجرد أسماء من دون عناوين وأفعال ودكاكين للسياسة من أجل الأرتزاق من دون رواد . أما بالنسبة الى تلك الحركات والأحزاب التي إنطلقت في بداية وأواخر العقد السابع من القرن الماضي كرد فعل طبيعي لما كان يعانيه شعبنا من تمييز وإضطهاد قومي وديني في ظل الأنظمة القومية الفاشية التي حكمت العراق منذ تأسيس دولته ، وفي ظل الظروف القاسية التي أنتجتها الحرب العراقية الأيرانية والزيادة المطردة للخسائر البشرية في الحرب من شباب شعبنا وتعرض بعض قادة وكوادر أحد التنظيمات الى الأعتقال من قبل سلطات النظام السابق وإعدام البعض منهم لاحقا دفع بالبقية الباقية منهم الى الهروب واللجوء الى كوردستان للأحتماء خوفا من بطش النظام بهم وقد ظهرت لاحقا بعد سقوط النظام وثائق رسمية تدل على تعاون بعض كبار قادة هذا التنظيم مع الأجهزة الأمنية للنظام السابق ونشرتها بعض الصحف المحلية عشية الأنتخابات السابقة والأخيرة وهي متداولة الآن والسيد السكرتير العام الحالي لهذا التنظيم يمتلك مثل هذه الوثائق على أحد أعضاء اللجنة المركزية الحالية لتنظيمه وأطلعني عليها شخصيا في حينه والآخرين يمتلكون أيضا وثائق مماثلة لها على غيرهم إطلعت عليها أيضا ..!! ، كما أنه تم تداول إسم تنظيم آخر بين أبناء شعبنا  في ذات الوقت إلا أنه كان هناك مؤشرات على مؤسسي وقادة هذا التنظيم تدل على إرتباطهم بالأجهزة الأمنية للنظام السابق وهذا ما أعترف به صراحة أحدهم في جلسات محاكمته مؤخرا في الولايات المتحدة وهو شخصية معروفة للقاصي والداني من أبناء شعبنا بأرتباطاته بأجهزة النظام السابق ، وكان قادة هذا التنظيم يتنقلون بحرية تامة بين مدن كوردستان ومدن العراق التي كانت تحت سيطرة النظام قبل السقوط   دون أن تطالهم يد الأجزة الأمنية للنظام ولهذه المؤشرات دلالاتها على الأرض ، كما وإلتحق بصفوف المسلحين المتواجدين في كوردستان والذين كانت تدعي تبنيهم إحدى الحركات في حينها العديد من عناصر الجيش العراقي من أبناء شعبنا من الهاربين من الخدمة العسكرية هربا من الموت المحتم المحدق بهم في الحرب الدائرة رحاها مع إيران وليس إيمانا منهم بأهداف تلك الحركة كما قد يتصور البعض ويدعي البعض الآخر . وبسبب قلة الخبرة والتجربة السياسية والعسكرية بقواعد حرب الأنصار ومستلزمات الكفاح المسلح لدى قادة وكوادر هذه الحركات والأحزاب ونزعة التعصب القومي لديهم دفعتهم الى الأنزواء والتقوقع على أنفسهم والأنعزال والعزوف عن المشاركة مع الآخرين من فصائل الحركة الوطنية المسلحة ممن كانت تمد لهم يد العون كي تعطي لنضالها القومي بعدا وطنيا خوفا من إحتوائهم ، وإنشغال قياداتها بالمشاكل وبالصراعات الداخلية لأسباب عديدة كل هذه العوامل عملت وساعدت على إنحسار وجود هذه الحركات والأحزاب وتحولت الى مجرد وجود أفراد مسلحين منتشرين في قرى أبناء شعبنا من دون أن تقوم بأي عمل مسلح ضد الوجود العسكري للنظام  ، هذا الوجود لهذه العناصر على هذه الشاكلة والتصرفات غير المقبولة التي كان يمارسها البعض من عناصرها غير المنضبطين تنظيميا تجاه أبناء هذه القرى خلق لديهم رد فعل رافض لوجود هؤلاء المسلحين بعكس ما كان رد فعل سكان القرى ذاتها تجاه الفصائل المسلحة لأحزاب أخرى كانت تتواجد في ذات الوقت في نفس القرى ، كانت قيادات الحركات والأحزاب السياسية الكلدانية السريانية الآشورية الموجودة آنذاك منشغلة في السفرات والتنقلات بين بلدان المهجر ودول الجوار العراقي لأغراض شخصية وليس إلا ولم نسمع أو نقرأ في يوم ما أي خبر أو بلاغ عسكري عن أية عملية عسكرية أو نشاط عسكري لها صادر عن قيادتها كما كان التقليد المعمول به من قبل الفصائل المسلحة للمعارضة الوطنية. هكذا بقي الأفراد المسلحين لهذه التنظيمات منتشرة ومختفية في قرى أبناء شعبنا خوفا من ملاحقة أجهزة النظام لهم من دون أي نشاط عسكري بشكل منفرد أو بالأشتراك مع فصائل الحركة الوطنية ، ولقلة عدد هؤلاء المسلحين وضعف نشاطهم العسكري في الميدان وتذبذب المواقف السياسية لقياداتهم تم رفض قبولهم كأعضاء فاعلين في ( جوقد ) الجبهة الوطنية القومية الديمقراطية و (جود ) الجبهة الوطنية الديمقراطية من قبل الأعضاء الرئيسيين فيهما بالرغم من تأييد البعض الآخر لقبولهم . وبعد إقامة المنطقة الآمنة تحت المظلة الأميريكية ولأسباب لها علاقة بالوضع السياسي والديموغرافي المستجد تم تشكيل حكومة سياسية بأمتياز شارك فيها كل الفصائل السياسية المسلحة الموجودة في كوردستان وتلك المكونات التي لها وجود ديموغرافي في كوردستان ، هكذا تم مشاركة طرف معين في حكومة الأقليم لأسباب معروفة حيث تراجعت القيادة الكوردية لاحقا عن مشاركة هذا الطرف في الحكومات اللاحقة بعد سقوط النظام في بغداد والتعويض عنه ببديل آخر أكثر إستعدادا لخدمة أجنداتهم المختلفة على مستوى الأقليم بشكل خاص والعراق بشكل عام ، وبسبب ظهور الأمتيازات المالية والمكاسب الأخرى التي تأتي من وراء مناصب المسؤولية في حكومة الأقليم إشتدت الصراعات والخلافات الداخلية وتعمقت بين قيادات هذه التنظيمات لتولي تلك المناصب ، وفي نفس الوقت زادت عروض الآخرين إغراء لشراء الذمم مقابل تولي هذه المناصب وفاز بها من كان جسورا وأكثر تلونا ونفاقا وكذبا وإنتهازية بأمتياز ويتقن فن اللعب بل الرقص على الحبال بمهارة وكنتيجة طبيعية لحماية ما تم إكتسابه من المصالح والأمتيازات تم إقصاء المخلصين للمبادئ والأكفاء من رفاق الدرب بالأمس وإبعادهم عن ساحة الصراع بوسائل شتى واحدا بعد الآخر وبذلك صفا الجو وخلى  لقيادة فردية إنتهازية مراوغة لا تعرف للصدق معنى وإتخذت ةمن الكذب مهنة ووسيلة لتحقيق مآربها لتمثيل شعبنا زورا والأنفراد بالقرارتحت يافطة المصلحة القومية ..!!  وبعد سقوط النظام إستمرت حالة الأنزواء والتقوقع والأنعزال على نفس المنوال التي كانت عليه قبل السقوط أي إبتعاد قيادات هذه الحركات والأحزاب عن الحركة الوطنية العراقية الحقيقية وإختيارالتعامل بشكل إنتهازي وإنتقائي مع من يقدم لها أكثر من الأمتيازات والمنافع الشخصية من الأطراف السياسية المتنفذة في الحكومة المركزية دون الأخذ بنظر الأعتبار الثوابت الوطنية والقومية المترابطة والمتكاملة مع بعضها البعض جدليا والتي يجب أن تكون ثوابت لأي حزب أو حركة سياسية وطنية وإلا يفقد شرعيته الوطنية ، وعليه من المفروض أن تكون سياسات وإستراتيجيات هذه الحركات والأحزاب الكلدانية السريانية الآشورية بأعتبارها أحزاب وحركات قومية تكاملية مع سياسات وإستراتيجيات الحركة الوطنية العراقية على المستويين القومي والوطني لبناء دولة مدنية ديمقراطية دولة القانون والمؤسسات وليس العكس أي سياسات إنتهازية إنتقائية حسب ما تقتضي المصالح والمنافع الشخصية كما هو الحال مع من يدعي اليوم تمثيل شعبنا في مؤسسا ت الدولة الرسمية التي تخلو من تمثيل أبناء شعبنا كاستحقاق وطني رغم جدارتهم وكفاءتهم ونزاهتهم وإخلاصهم للوطن ، حيث تحولت تلك الأحزاب والحركات بمرور الوقت وتوسع المنافع الى مؤسسات عائلية تجارية بأمتياز ، ولذا ليس أمام أبناء شعبنا مستقبلا إلأ رفضها وعدم التصويت لهؤلاء في الأنتخابات القادمة لعدم إعطائهم فرصة إضافية للأمعان في إستغلال القضية القومية لتحقيق مكاسب ومنافع شخصية على حساب المصلحة القومية والوطنية معا ..

أما بالنسبة لتلك الأحزاب والتكتلات التي تشكلت وإنبعثت الى الوجود في أقليم كوردستان بعد سقوط النظام فهي أساسا تشكلت بارادة وتمويل ودعم الآخرين من خارج صفوف الأمة لخدمة أجنداتهم وطرحهم كبديل لغيرها من الحركات التي كانت فيما مضى تستقطب أغلبية أبناء شعبنا وكانت قبل سقوط النظام  صديقة وحليفة لهم شاركتهم السلطة في كل مؤسسات الأقليم ولكنهم تخلوا عنها لاحقا بعد أن ثبت لهم إنتهازية وإنتقائية وعدم مصداقية وشفافية قادة تلك الحركات بعد أن تعددت أمامهم مصادر الأنتفاع الشخصي من أطراف الحكومة الأتحادية الأخرى بعد السقوط . ونسطيع الحكم على هذه الأحزاب والحركات وغيرها من التسميات المنمقة التي تشكلت بهذه الطريقة والتي أصبحت تمثل شعبنا في مؤسسات الأقليم رمزيا بأنها ولدت ميتة لأنها لم تولد من رحم الأمة بصورة طبيعية وليس من حقها أن تدعي تمثيل شعبنا ، أما بخصوص ما حصل مؤخرا من تقارب بين قيادات هذه الأحزاب والحركات على أثر مجزرة كنيسة سيدة النجاة فهو تقارب هش وهزيل أملته ظروف الحادث الأليم ولم يحصل هذا التقارب عن قناعة وإيمان هؤلاء القادة بالعمل المشترك وإنما كان تقارب الفرصة الأخيرة لأنقاذ ماء الوجه والخروج من المأزق السياسي الذي وقعوا فيه مكتوفي الأيدي من دون أن يكون لهم أي رد فعل يتناسب وحجم الجريمة التي وقعت ، وهكذا يوم بعد آخر تكشّف أمر جميع هذه الأحزاب والحركات العاملة في ساحة شعبنا قبل سقوط النظام وبعده على أنها حركات وأحزاب لا تعمل لصالح شعبنا بل أستغلت بشكل مشوه وسئ من قبل قادتها لتحقيق منافع شخصية لهم والمحيطين بهم من الأنتهازيين والأقارب حصرا، وهي بالتالي لا تمثله ، وهي في ذات الوقت بعيدة كل البعد عن الساحة الوطنية ولا تربطها أية وشائج بفصائل الحركة الوطنية الأخرى وخير دليل على ذلك هو عدم وجود أية إتفاقيات ومذكرات تفاهم ولقاءات ومحاضر إجتماعات مشتركة موقعة بينها وبين أي فصيل من فصائل الحركة الوطنية العراقية كطرف مقابل طرف متكافئ وإن وجدت للبعض تكون بين التابع والمتبوع منذ سقوط النظام والى يومنا هذا ، عدا  تلك اللقاءات التوسلية الخجولة إن جاز التعبير التي تحصل هنا وهناك بين حين وآخر من وراء الستار مع بعض الأطراف المتنفذة لكسب مناصب هزيله ذات نفع شخصي ، هذه السياسة الأنتهازية الأنتقائية النفعية التي مارسها قادة أحزاب وحركات شعبنا منذ سقوط النظام جعلت شعبنا معزولا وطنيا وبالتالي أصبح لقمة سهلة لمن هب ودب من المجرمين الطغاة والأرهابيين دون أن يردعهم أحد وأصبح مكون ضعيف من دون ظهير يسنده ويحميه من شر الأشرار الحاقدين الظلاميين  .. من المفروض أن يعرف ويعي جيدا أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري إذا أردا أن يبقى ككيان قومي  له  من الحقوق في الحياة ما لغيره من البشر عليه أن يؤمن بأن العراق هو قدره ووطنه ومهده ومثواه الأخير ، وأن يؤمن بأن شعبنا جزء من الشعب العراقي وأن مصلحته مرتبطة إرتباطا وثيقا بمصالح الشعب العراقي وأن ما يفيد ويضر الشعب العراقي يفيد ويضر شعبنا بنفس القدر ويوجد في تاريخنا الحديث الكثير الكثير من الشواهد التاريخية المأثورة والتضحيات الجسام وإمتزجت دماء أبناء شعبنا بدماء العراقيين جميعا في ساحات معارك الدفاع عن الوطن العراقي تدل على شراكتنا المعمذة بالدم مع الجميع في الوطن رغم أنف الحاقدين من العنصريين الشوفينين القوميين والمتشددين التكفيريين الأرهابيين ، هكذا يجب أن نعّلم ونربي أبنائنا وبناتنا جيل بعد جيل لنبني وطن صالح يسع الجميع لنعيش أحرارا سعداء  شامخين مرفوعي الرأس نتباهى به أمام شعوب الأرض قاطبة ..    

258
ماذا يعني مفهوم القيادة الجماعية في العمل السياسي

                                                                                                             المهندس خوشابا سولاقا

منذ أن ظهرت التكتلات والأحزاب السياسية بهدف التصدي للأنظمة الأمبراطورية والملكية الأستبدادية التي كانت فيها السلطة بالكامل متمركزة بأيدي الأباطرة والملوك والطبقة الأرستقراطية المحيطة  بصورة مطلقة ولم يكن هناك صوت ودور لجماهير الشعب في صنع القرار السياسي للبلاد والمشاركة في إدارة شؤونه إلا بالقدر الذي يسمح به رأس النظام وما تقتضيه مصالحه ، بل كانت تعتبر الشعوب في ظل هذه الأنظمة جزء من ممتلكات الحاكم المطلق ، بسبب هذا الواقع الظالم والمهين لأنسانية الأنسان ولجماهير الشعب ظهرت الحاجة الى ضرورة إعادة هيكلة الأنظمة السياسية وتحديثها بل وإستبدالها بأخرى أكثر إنسانية تفسح المجال أمام مشاركة الشعوب في إدارة شؤون البلاد من خلال قيادات جماعية تمثل قرار جماهير الشعب عبر تلك التكتلات والأحزاب السياسية الناشئة لغرض إعادة بناء هياكل سلطة الدولة على أساس القيادة الجماعية المنتخبة عن طريق إنتخابات حرة وديمقراطية على النقيض من سلطة الدولة الملكية الأستبدادية . ولأجل الدخول في شرح وتوضيح مفهوم القيادة الجماعية في العمل السياسي سواء كان ذلك على مستوى الأحزاب والحركات السياسية أو على مستوى إدارة سلطة الدولة لا بد لنا من تقديم تعريف واضح ومحدد وإعطاء شرح وافي لمفهوم القيادة الجماعية أو القيادة بشكل عام                      
القيادة معناها التحكم في المواقف ، أي التحكم في الناس في النهاية بقرار له سلطة الألزام على الآخرين ، فمثلا قبطان السفينة هو قائدها الذي يتحكم في مسيرتها في البحر بقرارات ملزمة الننفيذ لموجهي الدفة والسرعة وخط السير ويتحكم في ركاب السفينة في طول البحر وعرضه بقرارات ملزمة التنفيذ لكل واحد منهم ، ومن هنا فالقيادة بشكل عام تعني أمرين أساسيين لا بد من توفرهما وهما القائد والقرار الملزم التنفيذ ، قد يكون القائد هنا  فردا بعينه وقد يكون مجموعة  من الأفراد المتساوين في الحقوق والواجبات ، ولذلك فالقرار القيادي قد يكون قرارا فرديا وقد يكون قرارا جماعيا . لقد دلت تجارب التاريخ الأنساني عبر مسيرته الطويلة على أن القرارات التاريخية المتعلقة بمصائر الأمم والشعوب ينبغي أن تكون قرارات جماعية صادرة عن قيادات جماعية ، حيث لا يوجد فرد لوحده منزه ومعصوم عن الخطأ ولا يصيبه الزلل والملل ليكون مؤهلا وقادرا على إتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية الأستراتيجية التي تقرر مصير الأمم والشعوب ، في الوقت الذي أيضا لا يسعنا القول بوجود جماعة بكاملها منزهة ومعصومة عن الخطأ وإنها لا تقرر إلا الصواب والصالح وما هو خير للأمم والشعوب دائما . إنه من المسلم به وإستنادا على التجربة الأنسانية الغنية أن إحتمالات الخطأ تقل بشكل مطرد مع جماعية القيادة للعمل السياسي وتزداد بشكل مطرد مع القيادة الفردية ، وإذا إستعرضنا تجارب الشعوب والأمم في العالم نجد مدى صواب هذه النظرية . إن جماعية القيادة لا تلغي دور الفرد بشكل مطلق بل على العكس من ذلك حيث تشجع المبادرات الفردية المنتجة للقرار الصائب في طرح الأفكار وتنافسها من خلال الحوار والنقاش الجماعي داخل القيادة الجماعية وتحجب بل تمنع المساعي والمحاولات الفردية للأستئثار والأنفراد منعا لظهور وسيادة الديكتاتورية الفردية وطغيان الفكر الشمولي في العمل السياسي , وإن القيادة الجماعية تعمل على تغليب رجاحة الرأي والفكر الصائب لأعتماده جماعيا لكائن من يكون من أعضاء القيادة بعد إقراره عن قناعة من قبل الأغلبية وهذه الرجاحة لا تعطي الحق أو التخويل لصاحب الرأي الراجح والفكر الصائب بالتسلط  والأنفراد بالقيادة مستقبلا والأنحراف عن خط السير للقيادة الجماعية .. إن جماعية القيادة ليست مسألة عددية كما يتصور البعض من الحمقى من هواة السياسة المستجدين من بعض قادة النخب والأحزاب والحركات السياسية ، لأن عدد المشاركين في القيادة الجماعية لا يكفل بحد ذاته جماعيتها الحقيقية وجماعيتها الفعلية ، لقد شاهدنا في التجارب التاريخية المعاصرة للأمم والشعوب في العالم قيادات كانت كثيرة العدد شكليا ولكنها فعليا وعمليا لم تكن جماعية بل كانت فردية خالصة بأمتياز بل أكثر من ذلك فردية متسلطة ومستبدة وبالتالي تحولت الى أشبه ما تكون بالقيادات الملكية المستبدة إن لم تكن قد تفوقت عليها في إستبدادها وقمعها وطغيانها وإرهابها لشعوبها  بحيث أصبحت هذه القيادات تورث من الأباء الى الأبناء كما كانت تورث الملكيات وما زالت هذه الصفة هي سمة كل الأحزاب والحركات السياسية والأنظمة السياسية الحاكمة في العالم الثالث ومنها بلدان الشرق العربية والأسلامية بشكل عام والعراق بشكل خاص ، وخير مثال على ما حصل ويحصل نظام ستالين ومن تلاه في القيادة السوفيتية السابقة وغيره من بلدان ما كان معروفا بالمعسكر الأشتراكي في شرق أوربا والصين وكوبا ونظام بول بوت في كمبودية وأنظمة هتلر في المانيا النازية وموسليني في إيطاليا الفاشية  وفرانكو في إسبانيا وسالزار في البرتغال ونظام الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر وما تلاه ونظام البعث الصدامي ونظام القذافي وعلي عبداله صالح ونظام البعث الأسدي في سوريا وغيرها الكثير من هذه النماذج من الأنظمة الشمولية الديكتاتورية التي هوت تحت مطرقة إرادة الشعوب الحرة وما زالت تهوى والتي قد دنت ساعتها ولاحت في الأفق عصر الشعوب .. ولهذا فأن تحقيق جماعية القيادة تقتضي توفر شروط معينة أولها أن يكون أعضاء القيادة أفراد متساوين في الحقوق والواجبات مساواة فعلية وليس مساواة شكلية وأن لا يفرض عليهم من قبل أي واحد منهم أي نوع من الأرهاب المعنوي أو الفكري أو المادي قسرا لأمتلاكه سلطة لا يمتلكها الآخرين بأستغلال الصلاحيات المخول بها بحكم مواقع المسؤولية التي يتولاها كالأمناء العامين للأحزاب والحركات السياسية أو رؤسائها , وثانهما أن تتخذ القرارات بعد المناقشة الحرة والصريحة والحوار الديمقراطي المستنير والمدعوم بكل الحجج والأسانيد المادية الشفافة والحقائق  الملموسة وأن يكون القرار بالنتيجة قرار الأغلبية وملزم التنفيذ للجميع للأكثرية المصوتة على القرار وللأقلية الرافضة له أو المتحفظة عليه ، تدافع عنه وتنفذه بدقة وجدية عالية على جميع المستويات وثالثها أن لا تبشر الأقلية برأيها دون أن تتنازل عنه تنازلا تعسفيا وأن تتاح لها الفرصة الكاملة والحرية التامة دائما للدفاع عنه وفق السياقات العملية والقانونية المعتمدة لحين أن تثبت التجربة العملية في الميدان عن صواب أو خطأ رأيها ، عندئذ عليها وعلى الطرف الآخر إعادة النظر بالقرار وتقويمه إن تطلب الأمر ذلك وتبني الرأي الصائب ووضع الرأي الآخر على الرف في أرشيف متحف التاريخ لغرض الأستفادة منه كتجربة تاريخية من تجارب العمل السياسي الديمقراطي .
عند قراءة الخارطة السياسية للواقع العراقي في ضوء هذه الرؤية للقيادة الجماعية نجد غياب تام لوجودها على كافة المستويات على مستوى الدولة في قيادة العملية السياسية الجارية في البلاد وفي قيادة تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية وفي قيادة مؤسسات الدولة الرسمية التشريعية والتنفيذية والقضائية ، حيث نجد تسلط القيادات السياسية الفردية في إدارة وتوجيه مؤسسات الدولة الرسمية والكتل البرلمنية والأحزاب والحركات السياسية ، ولذلك فشلت هذه القيادات فشلا ذريعا في بناء دولة القانون والمؤسسات الدستورية كما ينبغي ان تكون ، حيث نجد أن السلطة القضائية التي من المفروض أن تكون مستقلة أصبحت سلطة مسيسة ومنحازة لطرف دون الآخر وخاضعة لأرادة بعض القوى السياسية المتنفذة .. وليس حال الكتل النيابية في مجلس النواب والأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية بكل أشكالها وألوانها في الشارع والمجتمع أفضل من ذلك , حيث في أغلبها القرار في يد القلة من قياداتها والتي تكاد تنحصر في يد شخص واحد والمحيطين  به من الأنتهازيين والذين يتقنون فن التمسح على الأكتاف وكيل المدائح ، وبسبب هذه التركيبة الهشة والمشوهة لأغلب القيادات السياسية العراقية الرسمية والحزبية في هذا الزمان العجيب الغريب غاب من الساحة الرأي الحر والرأي المعارض وخف الصوت الرافض وسادت النزعة الفردية والأستئثار بالسلطة للقيادات النافذة ووصلت الأمور في البلاد الى ما وصلت اليه من السوء والأنهيار في كافة مجالات الحياة الأقتصادية والسياسية والثقافية والخدمية والأجتماعية مما ساعد على إنتشار الجريمة بكل أشكالها وشيوع الفساد المالي والأداري في أجهزة الدولة لكل من هب ودب وفقدان الأمن والآمان والسلم الأهلي من الحياة العراقية .      

259
العلاقة الجدلية بين ما هو خاص وما هو وطني

                                                                                                                   بقلم : خوشابا سولاقا
 
في دولة متعددة القوميات والأعراق والأثنيات والأديان والطوائف ينشأ مجتمع وطني شديد التعقيدات وكثير المشاكل وعميق الصراعات ذات طابع متعددة الوجوه إذا لم يحسن النظام السياسي الحاكم خلق التوازن الوطني بين مكوناته المتعددة  ، قد يختلط ما هو قومي في مضمونه بما هو ديني في مضمونه أحيانا بين القوميات المتعددة الأديان ، وما هو ديني ومذهبي ضمن القومية الواحدة بما هو طائفي أو مذهبي في أحيان أخرى ، هذا الأختلاف والتنوع في مكونات المجتمع يخلق أرض خصبة وملائمة لنمو وإشتداد الصراعات القومية والدينية والطائفية والمذهبية تقود الى اللجوء على إستخدام العنف العشوائي بكل أشكاله ، وبالتالي ينتهي بحروب أهلية بين القوميات أو بين الأديان أو بين الطوائف يؤدي بالنتيجة الى إضعاف الوحدة الوطنية وتقسيم البلاد الى دويلات المكونات بدلا من الدولة الوطنية الموحدة والقوية  وعلى حساب ضياع الهوية الوطنية ، وعندما تأخذ الصراعات بين مكونات المجتمع الوطني هذا الشكل العنيف تؤدي الى إضعاف وتفكك أواصر تماسك النسيج الوطني ووحدة المجتمع الوطني وعندئذ تحل الكارثة بالوطن والشعب على كافة المستويات الوطنية والأجتماعية والأقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها لا يمكن إزالة آثارها السلبية على تطور وتقدم البلاد مستقبلا ولأمد طويل من الزمن .. بالتأكيد هذه التداعيات تنعكس سلبا وبدرجة كبيرة على كافة المكونات المكونة للمجتمع الوطني مجتمعة ، وتكون أشد تأثيرا وأكثر ضررا للأقليات القومية والدينية منفردة بصورة خاصة بحكم حجمها وتركيبتها ودورها في تشكيل وبناء المجتمع الوطني .. على هذه الشاكلة هي حالة المجتمع العراقي الآن ، إنه لمن المؤسف جدا أن يكون دور بعض النخب السياسية والتي تسترشد بأيديولوجيات ذات النزعة القومية الشوفينية الشمولية والدينية الطائفية العنصرية والمتحكمة بالقرار السياسي العراقي هو العمل على تعميق وترسيخ أسباب زرع الفتنة الطائفية وإذكاء نار الحقد والكراهية التي تزيد الأحتقانات القومية والدينية والطائفية لهيبا وبدعم من بعض الجهات الأقليمية التي لها مصلحة كبيرة في إفشال التجربة العراقية لأقامة نظام وطني ديمقراطي في العراق وبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة لأن ذلك سوف ينعكس سلبا على أنظمة تلك البلدان حتما مستقبلا ، كل ذلك يجري تحت يافطات وشعارات وطنية زائفة ترفع هنا وهناك في كافة المجالات ومؤسسات الدولة الرسمية ووسائل الأعلام التي لايهمها من القضية غير الكسب المالي والشهرة وخدمة وتزكية المفاهيم والطروحات القومية والدينية والطائفية التي تعمل على تمزيق الوحدة الوطنية لحساب الأحزاب والفئات والتكتلات القومية والطائفية التي تنتمي إليها تلك الوسائل الأعلامية ،
إن البلدان التي فيها تنوع وتعدد قومي وديني وطائفي يكون من واجب بل من أولى أولويات برامج أحزابها السياسية ومؤسسات المجتمع المدني فيها هوالعمل بروح وطنية صادقة وحرصا شديدا على المصالح الوطنية العليا وحفاظا على وحدة الوطن والشعب السعي على إيجاد إطار عام لصياغة نظام سياسي وطني يلم الجميع على أساس تحقيق وحماية المصالح الوطنية والقومية والدينية والطائفية للجميع دون النظر الى عدد نفوس أو حجم أي مكون من مكونات الشعب ، بل أن يكون النظر الى كل فرد من أفراد الشعب من اي مكون كان من الزاوية الوطنية بغض النظر عن إنتمائه القومي والديني والطائفي .. عندما يكون مثل هكذا نظام سياسي في البلد عندئذ سوف لايشعر ولا يحس أي فرد من أبناء الشعب من أي مكون كان بالغبن والظلم ولا بالأقصاء والتهمش من المشاركة في بناء مستقبل البلاد وصنع قرارها وأنه مسلوب الحقوق ومصادر الأرادة ، عندئذ لا يرى غيره من أبناء الوطن أفضل منه أو مفضل عليه إلا من هو أقدر منه على العطاء للوطن ، وبذلك يكون قد قضي على كل أسباب الفرقة والتمزق والصراعات القومية والدينية والطائفية ، عندها تكون الأرضية الوطنية مهيئة لبناء الوحدة الوطنية الراسخة والصلبة القائمة على أساس المحبة والأخوة والتعايش السلمي والأمن الأهلي والولاء الوطني ، وعندها ينطلق الوطن بقوى شعبه كافة نحو بناء المستقبل المشرق الآمن والزاهر والتأسيس لبناء حياة ديمقراطية سليمة التي ينشدها ويحلم بها الشعوب من أجل التحرر والأنعتاق وتناوب السلطة سلميا من خلال الأنتخابات الحرة النزيهة بعيدة عن تأثيرات المصالح الفئوية والحزبية الضيّقة .. هكذا هي أو يجب أن تكون العلاقة الجدلية بين ما هو وطني وما هو خاص في العمل السياسي وإدارة شؤون الدولة في البلدان المتعددة المكونات ، علاقة تكاملية كعلاقة السبب والنتيجة لكي يضمن بقاء وإستمرار الوحدة الوطنية والتعايش السلمي لمكوناته في إطار الوطن الواحد ، الوطن أولا وثانيا وثالثا وآخرا وغيره يأتي بعده . حيث أن في إزدهار الوطن تزدهر المكونات القومية والدينية والطائفية وفي وحدته تتوحد هذه المكونات ، وفي أمن وأمان وسلامة الوطن تجد هذه المكونات الأمن والأمان والسلامة ، وفي تحقيق الذات الوطنية الصادقة تتحقق الذات الحرة لهذه المكونات ، وفي التآخي  الوطني يتحقق التآخي القومي والديني والطائفي والتعايش السلمي بين المكونات الوطنية .. ولتحقيق مثل هذه الحياة الحرة الكريمة وفي ظل نظام وطني ديمقراطي تعددي يأتي من خلال صناديق الأقتراع يضمن حقوق الجميع في العراق يجب أن تعمل النخب السياسية التي تقوده  وتمسك بالسلطة وتصنع القرار السياسي فيه على إمتداد طول العراق وعرضه من قمم جبال كوردستان وآشور الشماء الى سهول سومر والبصرة الفيحاء وأور الناصرية وميسان الخضراء الى أرض بابل الحضارة أرض قانون حمورابي المعطاء الى النجف الأشرف وكربلاء أرض المراقد المقدسة من أهل البيت الشهداء الى هضاب الأنبار أرض الطيبات والنجباء الى سهول نينوى التاريخ والحضارة أم الربيعين الحدباء الى أرض أربيل ودهوك والسليمانية وواسط والديوانية والمثنى أرض الأمجاد والوفاء وأرض  كركوك ينبوع الخير والعطاء الى بغداد النور عاصمة الرشيد مدينة التآخي حاضنة العلم والعلماء ... من اجل : اولا إشاعة الفكر والثقافة الوطنية والديمقراطية بين أبناء الشعب العراقي بكل مكوناته من أجل الحفاظ على وحدة الوطن أرضا وشعبا . ثانيا إشاعة ثقافة نبذ العنصرية والشوفينية القومية ونبذ ثقافة التعصب الديني والطائفي وكل الثقافات التي تؤدي الى إضعاف وتمزيق وحدة الوطن والشعب . ثالثا إشاعة ثقافة رفض الفكر التكفيري المغذي للأرهاب والقتل على الهوية . رابعا إشاعة ثقافة رفض الأقصاء والتهميش للآخر والعمل على إشاعة ثقافة التآخي والتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي . أنا أحب قوميتي وأحب ديني وطائفتي وأحب قبيلتي وعشيرتي عندما أحب وطني أكثر , أليس من المفروض بنا بل من واجبنا أن نكون هكذا لنكون عراقيين أحرار يا أبناء العراق ؟ أليس الوطن هو بيتنا الذي يأوينا جميعا وهو مثوانا الأخير علينا أن نصونه ونحميه في حدقات عيوننا ونضحي بكل غال ونفيس من أجله ..؟             

260
الأنسحاب الأميريكي والتداعيات المحتملة

                                                                                                                             بقلم : خوشابا سولاقا
إن مناقشة مثل هذا الموضوع الحساس في مثل هذه المرحلة الحرجة والمصيرية من حياة العراق الجديد يجب أن يكون التعاطي معه موضوعي وعلمي وأن يتحكم في هذا التعاطي منطق العقل والشفافية وليس منطق العاطفة والتعصب والتهورعلى خلفية أيديولوجية سياسية بعيدة عن منطق المصالح الوطنية للبلاد كما تقتضي السياسة كفن الممكن وكونها وسيلة للدفاع عن المصالح كما عرّفها فقهاء ومنظري الفكر السياسي الحديث ، وأن تكون المناقشة إبتدأ على ضوء المعطيات والمؤشرات الملموسة والموجودة على أرض الواقع ، وأن لا يكون هذا التعاطي من باب ما تمّنى به النفوس بل أن يكون من باب ما في اليد من القدرة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب القريبة والبعيدة المدى لصالح بلدنا وشعبنا .. إن إسقاط النظام السابق الذي كان يحلم به كل العراقين المتضررين منه وحتى قسم من المنتمين الى حزب البعث وتنظيماته المهنية والعسكرية والأمنية تحت ظروف شتى ولأسباب كثيرة معروفة لدى الجميع بما فيها إستعمال مصدر لقمة العيش كوسيلة لأجبار الناس على الأنتماء ، لم يأتي ذلك السقوط  بجهود وتضحيات ونضالات من هم الآن في الحكم وإنما تحقق ذلك على يد المحتل الأجنبي أميريكا وبمعاونة أصدقائها في العالم والمنطقة أي بمعنى كان إسقاط النظام الصدامي في العراق قرارا أميريكيا خالصا لا غبار عليه إطلاقا ولأسباب أميريكية خالصة بحته والجميع يعرف ذلك حق المعرفة ولم يكن الهدف من إسقاط النظام لأميريكا إستبدال ديكتاتورية الفرد وعسكرة المجتمع بديكتاتورية جديدة بلون آخر فمن يعتقد ذلك فهو واهم ، وإنما كل ما جرى كان لتحقبق مصالح إستراتيجية بعيدة المدى يجهلها المتطفلين على هامش السياسه والمرتزقين على فتات موائد الأجنبي الذي لا يرضيه عراق قوي ومزدهر ويعيش شعبه حرا كريما وقد يظهر ذلك جليا للعيان في المستقبل القريب ويصبح معروفا للقاصي والداني ، وقد يكون الأنسحاب الأميريكي الحالي من العراق بهذا الشكل غير المتوقع وفق مبدأ الفوضى الخلاقة عملآ تكتيكيا وخطوة في تنفيذ ذلك المشروع الذي أعد له من زمن بعيد لأعادة ترتيب الأمور والأوضاع في المنطقة وإعادة رسم خارطة سياسية جديدة لها بتحديث الأنظمة القائمة والحكام الفاسدين تتوافق وتستجيب أكثر لمصالح أميريكا وشركائها في العالم والمنطقة ألا وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي كان إسقاط  نظام صدام حسين الخطوة الأولى على هذا الطريق وما تلى ذلك ضمن سلسلة الربيع العربي من إسقاط أنظمة ديكتاتورية مستبدة فاسدة تشكل الخطوة الثانية في تنفيذ هذا المشروع والخطوة الثالثة ستأتي لاحقا مع الأنظمة الديكتاتورية في المنطقة في ربيع جديد بتسمية أخرى .. ولغرض وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بأسمائها وفضح نوايا من يتصيدون في الماء العكر تحت شعارات براقة خادعة مزيفة على غرار مقاومة المحتل وطرد المحتل وغيرها لآبد لنا من الأشارة الى بعض الحقائق لكي لا يتم نسيانها وتذكير الشعب العراقي بها لكي لا ينخدع مرة أخرى بهؤلاء الأقزام المتطفلين على هامش السياسة ، لم يكن لمن هم الآن في السلطة وحولها أو المشاركين فيما تسمى بالعملية السياسية أي دور يذكر وأية مساهمة في عملية إسقاط النظام الديكتاتوري كما تحاول أن تعكس ذلك للشعب العراقي وتروج له في خطاباتهم السياسية المنافقة وكما تزايد على بعضها البعض اليوم في سوق السياسة لتسويق أنفسهم كمناضلين ومقاومين للأحتلال الأجنبي زورا وبهتانا ويعلقون فشلهم وكل مشاكل البلاد التي يخلقونها بسبب تخبطهم وجهلهم بأمور إدارة شؤون الدولة على شماعة المحتل في الوقت الذي هم أنفسهم قد أوصلهم وأجلسهم المحتل نفسه على كراسي الحكم بعد سقوط النظام أليس هذا تناقض ورياء سياسي .. ؟ لذلك فأن خروج المحتل أو الأصح جلاء المحتل عن العراق هو من المؤكد قرار أميريكي خالص مئة في المئة وليس للكتل السياسية العراقية الموجودة في الساحة والتي تعبث بمصير ومصالح البلاد أي تأثير في تعجيل أو تأخير تنفيذ قرارالجلاء الأميريكي إلا بالقدر الذي خططت لهم أميريكا في هذه المسرحية الكوميدية التراجيدية  ، كل ما نسمعه هنا وهناك من هذا التكتل أو ذاك في هذه المناسبة أو تلك عبر وسائل الأعلام المختلفة هو مجرد رياء ونفاق سياسي ومزايدات سياسية لتضليل المواطن العراقي لضمان بقائهم وإستمرارهم لأطول فترة ممكنة في مواقعهم التي تدر لهم الملايين من الدولارات دون تعب وتضحية على حساب إفقار الشعب حيث أصبح العراق وشعبه موضع التندر والأستهجان من قبل الآخرين حيث يقال عنهما أغنى بلد وأفقر شعب ( قرّة عيونكم يا قادة العراق النشامة ) .. !!! 
ليس هناك مواطن على وجه الأرض إن كان عراقيا أو من أي بلد آخر في العالم يرضى ويقبل بوجود محتل على أرضه ، وبالمقابل ليس هناك مواطن مخلص حريصا على مصلحة وكرامة وإستقلال شعبه ووطنه أن يقبل بحصول ما يضر بشعبه ووطنه ، وهناك من يكون في موقف صعب لأن يختار بين خيارين أحلاهما مرّ كما هو حال المواطن العراقي اليوم ، إن المواطن العراقي المخلص والشريف من المؤكد أنه لا يقبل ببقاء قوات المحتل الأميريكي في العراق يوما إضافيا آخر في حالة عدم وجود ما يؤدي الى الأضرار بمصالح شعبه ووطنه ولو بالحد الأدنى، ولكن في حالة وجود ما يضر بمصلحة العراق وشعب العراق جراء مغادرة القوات الأميريكية وترك البلاد لقمة سائغة للآخرين ممن لهم أطماع فيه من دول الجوار وساحة مفتوحة لعبث العابثين من قوى الشر والتخريب في الداخل لعدم جاهزية القوات الأمنية والجيش لحماية أمن البلاد عندئذ يكون بقاء هذه القوات الخيار المرّ الذي يتطلب من العراقي الغيورعلى وطنه وشعبه قبوله ولو على مضض .. إن التدخلات السافرة من دول الجوار العراقي في شؤونه المختلفة ، والأعتداءات والتجاوزات العسكرية على حدوده الدولية شبه اليومية من قبل دول الجوار تحت ذرائع شتى ، وضعف إرادة الحكومة العراقية وإمكانياتها العسكرية في التصدي لهذه الأعتداءات والتجاوزات لأسبابها الذاتية والموضوعية الخاصة بها ، وهشاشة الوضع السياسي العراقي بسبب الصراعات على السلطة بين القوى السياسية المتنفذة ، وضعف جبهته الوطنية بسبب تفكك قوى التيار اليمقراطي ، ووجود الميليشيات المسلحة التابعة لبعض الأطراف السياسية المشاركة في السلطة والعملية السياسية ومرتبطة بأجندات سياسية خارجية وتشكل سلطة منافسة للحكومة المركزية في كثير من مناطق العراق وتحكم فيها وفق قانونها الخاص ، وضعف تنظيمات القوى الديمقراطية والليبرالية ومنظمات المجتمع المدني ودورها في تحريك الشارع العراقي كما هو الحال في بلدان الربيع العربي ، وسيادة ثقافة سياسة المحاصصة الطائفية والقومية من خلال الولاء للخصوصيات على حساب الولاء للوطن ، كل هذه المؤشرات والمعطيات تشكل أسبابا قوية وموضوعية للخوف والقلق للمواطن العراقي مما قد يحصل للعراق وشعبه جراء الفراغ الذي سوف يتركه مغادرة القوات الأميريكية للعراق .. إن وجود هذه القوات من وجهة نظر المواطن العراقي البسيط الذي يبحث عن الأمن والأمان والأستقرار والعيش بكرامة وعزة نفس تشكل رادعا قويا يردع الميليشيات المسلحة والعابثين بأمن البلاد من فرض سلطتها وقانونها الخاص على الشارع وتمنع جر العراق الى حرب أهلية طائفية وجعله ساحة مفتوحة ولأمد طويل لها والعودة الى القتل على الهوية التي أذاقت العراقيين المرّ .. هذه الأسباب المحتملة وغيرها هي التي تدعو البعض من القوى السياسية الوطنية المتعقلة الحره والحريصة على مصلحة البلاد والشعب وبعض الشخصيات الوطنية الشريفة من المثقفين الديمقراطيين ومن كل مكونات الشعب العراقي الى المطالبة بضرورة البقاء ولو لعدد محدود من قوات الأحتلال في العراق الى حين تشكيل حكومة عراقية وطنية صادقة قوية وشفافة قادرة على ملء الفراغ الأمني الذي يتركه مغادرة قوات الأحتلال ، إضافة الى أن بقاء هذه القوات يمنع فلتان الميليشيات المسلحة من فرض إرادتها وسلطتها وقانونها الخاص على الشارع وإشاعة الفوضى بكل أشكالها في المجتمع ، ومن التداعيات الخطيرة المحتملة التي تهدد مستقبل العراق جراء إنسحاب القوات الأميريكية هي : أولا تعرض العملية السياسية الجارية في العراق لبناء دولة ديمقراطية حديثة تكون فيها السيادة للقانون وحده دون سواه الى الأنهيار بسبب الصراعات على السلطة التي تشتد وتتوسع بين الكتل السياسية الطائفية التي يغذيها الجوار العراقي . ثانيا تعرض مستقبل العراق كدولة الى خطر التقسيم وبالأخص في ظل وجود قوى سياسية يمينية طائفية مسيطرة على السلطة السياسية والقرار السياسي تسعى بكل الوسائل للأستئثار بالسلطة والأنفراد بها وإحتكارها لصالحها بالكامل وإقصاء وتهميش الآخرين ووجود جبهة مماثلة في الرؤى في الطرف الآخر من المعادلة مما يساعد في إذكاء نار الصراع الطائفي المؤدي الى التقسيم والحرب الأهلية الطائفية . ثالثا  وجود ميليشيات مسلحة قد تسعى للسيطرة على السلطة بكل الوسائل بما فيها الأنقلاب العسكري من خلال عناصرها المتنفذة في صفوف القوات المسلحة وبدفع ودعم من أطراف أخرى داخلية وخارجية . وهذا ما يشكل خطرا داهما على مستقبل العملية السياسية والديمقراطية في العراق .  في ظل هذه الظروف تتشكل الأرضية المناسبة للمد الديكتاتوري للسلطة وعودة الديكتاتورية من جديد للحكم يقابله في الجانب الآخر إنحسار للديمقراطية الوليدة والحياة الديمقراطية في العراق التي ينشدها المواطن العراقي الذي قدم الغالي والنفيس في سبيلها عبر عقود من الديكتاتورية المقيتة ، وهذا ما يدفع بالشعب العراقي الى التخوف والقلق من إنسحاب القوات الأميريكية من العراق في ظل هذه الظروف القائمة حاليا وهو واقع الحال فعلا وفق كل المعايير والمؤشرات على الأرض وليس تبريرا تسّوقه البعض من القوى السياسية لبقاء قوات الأحتلال حبا بها أو ببقائها أوعمالة لأميريكا كما تتهمها القوى اليمينية الطائفية التي تتحكم بأرادتها السياسية إرادة القوى الأجنبية من دول الجوار والتي تريد شرا بالعراق وشعبه ولا تنشد له الخير والأمن والأستقرار والتقدم والأزدهار . لهذا السبب أو ذاك فأن القوى السياسية الوطنية والديمقراطية وكل مواطن عراقي شريف مطلوب منهم بذل قصارى الجهود لرص الصفوف وتجاوز الأنانية الفردية والخلافات الحزبية الضيقة من أجل بناء جبهة التيار الوطني الديمقراطي للتصدي لهذه المخاطر المحتملة لأنقاذ الوطن من السقوط في براثن الديكتاتورية مرة أخرى ..                     

261
الأقاليم وسياسة الأستئثار والأقصاء والتهميش
بقلم : خوشابا سولاقا
إن النظام الفيدرالي أو الأتحادي من حيث المبدأ قد أقره الدستورالعراقي وأصبح حق دستوري لأبناء الشعب العراقي ويتم تطبيقه وفق آليات حددها الدستور نفسه لمن يرغب المطالبة بتطبيقه في منطقة ما ، ولكن الأهم في الأمر هو طبيعة ذلك النظام كيف تكون على أرض الواقع حيث هناك مفهومان لهذا النظام متبلورة المعنى لدى العراقيين وهما إذا كان النظام الفيدرالي   قائم على أساس تقسيم البلاد الى أقاليم إدارية بغرض رفع مستوى كفاءة أداء تقديم الخدمات المختلفة على أكمل وجه وإدارة الأقليم من قبل ساكنيه بحرص شديد فهو من أنجح الأنظمة الأدارية لأدارة شؤون البلدان في العالم ، وما نشهده في بعض البلدان التي إتخذت من النظام الفيدرالي نظاما إداريا لأدارة شؤونها خير دليل ومثال على أفضلية هذا النظام على غيره من الأنظمة ، كما هو عليه الحال في كل من الولايات المتحدة الأميريكية وألمانيا الأتحادية والأتحاد السويسري والمملكة المتحدة والهند والأتحاد الماليزي وغيرها من البلدان في مختلف أنحاء العالم ، وخير مثال على ملائمة ونجاح هذا النظام في المنطقة العربية هي دولة إتحاد الأمارات العربية ، وما حققته هذه البلدان من إنجازات وتطور وتقدم في مختلف المجالات يكفي أن يكون برهانا لتزكية هذا النظام للشعوب التي تختاره كنظام لأدارة شؤون بلدانها لأنتشالها من براثن واقعها المتخلف والأنتقال بها الى مصاف البلدان المتقدمة والأقتداء بتجاربها في بناء دولة حديثة بكل معنى الكلمة . والمفهوم الآخرإذا كان النظام الفيدرالي قائم على أساس تقسيم البلاد الى أقاليم عرقية أو قومية أو طائفية أو على أساس أية خصوصية أخرى فأن ذلك سوف يخلق الكثير من أسباب الخلافات وربما التناحرات والحروب الأهلية والعرقية والدينية والطائفية بين هذه الأقاليم لأسباب كثيرة ومنها الصراع على الأرض ومصادر الثروات الطبيعية وطريقة توزيعها والتي بالتالي تشكل الأرضية المناسبة التي تمهد الى التقسيم وربما الأنفصال عن جسم الوطن الأم وتشكيل دويلات مستقلة أو في أحسن الأحوال يتحول الوطن الواحد الموحد الى دولة كونفيدرالية وهو نظام قريب الشبه بالأنفصال .. وجميع هذه الأشكال من الأنظمة تكون نتيجة حتمية للسياسة التي تعتمد من قبل من يقبض على السلطة المركزية بيده في البلاد ، وبذلك يكون القابض على السلطة المركزية هو المولد لأي شكل من أشكال النظام الأداري المعتمد في البلد المعني والمتحكم به وبالأخص في ظل غياب النظام الديمقراطي القائم على التعددية المعبرة عن مكونات الشعب المختلفة وغياب الآليات الديمقراطية في توزيع السلطة والثروة.. أي أن النظام الذي سيقرّ في البلاد سيكون الأنتاج الطبيعي لطبيعة من يقبض على السلطة المركزية ، فأذا كانت السلطة المركزية سلطة وطنية ديمقراطية قائمة على أساس الولاء الوطني وليس على أساس الولاء للخصوصيات ، وقائمة على أساس إشاعة العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وعدم التهميش والأقصاء للأخر ، وسياسة قائمة على أساس إشاعة ثقافة قبول الآخر والتعايش السلمي معه والعمل على تعزيز وتقوية وشائج المحبة والألفة والتعاون وتقسيم الثروة والمشاريع الأنمائية والخدمية المختلفة بالتساوي أو حسب حاجة المناطق المختلفة في البلاد ، والأبتعاد عن سياسة السعي للأستئثار بالسلطة ، وسياسة الثأر والأنتقام والتهميش والأقصاء تحت أي مسمى كان وبأية ذريعة كانت ، وإعتماد سياسة وطنية تخدم الجميع وتراعي مصالح الجميع وحمايتها دون تمييز وإشاعة ثقافة السياسة الوطنية الديمقراطية بدلا من إطلاق العنان لثقافة الخصوصيات الباعثة للعنصرية الشوفينية والتعصب والكراهية والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد ، عندها يشعر المواطن في جميع مناطق البلاد مهما كانت إنتماءاته الخصوصية بالأطمئنان والأمن ويتعزز عنده الشعور الوطني والأنتماء للوطن وتتولد لديه القناعة بأن مصيره ومصالحه مرتبطة ترابطا عضويا بمصير ومصالح بقية أبناء الوطن ، وعندها بالمقابل تضعف لديه النزعات والميول الى المطالبة بانشاء أقاليم فيدرالية على أساس الخصوصيات كخيار وحيد لحماية كيانه وخصوصياته ومصالحه .. عليه فأن السياسة التي تنتهجها السلطة المركزية سيكون لها الدور الحاسم في الدعوات الى إقامة أقاليم فيدرالية مهما كانت طبيعتها من عدمه .. وعلى ضوء ما تم ذكره فأن السياسة التي تنتهجها حكومة بغداد حاليا القائمة على مبدأ السعي للأستئثار بالسلطة من خلال المراوغات والتلاعب بتفسير الكلمات والمصطلحات التي تمارسها  والتهميش والأقصاء للآخر من الشركاء في العملية السياسية والأنتقام والثأر من الأعداء المعتبرين وفق مقتضيات الولاءات الخصوصية والسياسية هي سياسة خاطئة بأمتياز تؤدي بالبلاد الى ما لا تحمد عواقبه الوخيمة على المدى القريب والبعيد ، وهي التي بالتالي تمهد بشكل مباشر الى مطالبة الخاسرين والمتضررين من نتائج هذه السياسة العقيمة بأنشاء أقاليم فيدرالية خاصة بهم بالشكل الذي يؤدي مستقبلا الى تقسيم البلاد الى أقاليم قومية كما هوالحال مع اقليم كوردستان وطائفية كما يروج له من قبل البعض حاليا في مختلف محافظات العراق من دون إستثناء ، وهذا بحد ذاته يشكل أكبر تحديا وتهديدا للوحدة الوطنية العراقية أرضا وشعبا .. فالذي لا يريد التقسيم للعراق كما يدعي الجميع من النخب السياسية في خطابها السياسي المعلن والتي تتصارع وتستقتل على كراسي السلطة وإمتيازاتها التي تسيل لها اللعاب في العراق اليوم عليه بالأبتعاد عن إنتهاج السياسات التي تخدم كل المشاريع التي تؤدي الى تقسيم العراق تحت أية مسميات كانت فيدراليات أو كونفيدراليات أو غيرها تضر بوحدته الوطنية ، فالسياسة المركزية لحكومة بغداد تكون هي السبب وإعلان الأقاليم الفيدرالية من عدمه هي النتيجة وليس العكس وفقا لنظرية السبب والنتيجة  والتي تعتبر أحد القوانين العامة لتطور الطبيعة والمجتمع ، وعليه فأن الحاكم يتحمل كامل المسؤولية شاء أم أبى تجاه ما يحصل في هذا المجال .. كفاكم يا قادة النخب السياسية ممارسة فن خداع النفس والضحك على الذقون وتظليل الشعب بالشعارات الوطنية المزيفة التي ترفع هنا وهناك بمناسبة وبدون مناسبة والتشدق الأخرق بالوطنية زورا ونفاقا والبكاء في وسائل الأعلام وذرف دموع التماسيح على مصير الوطن الجريح وأنتم ذباحيه ، فالذي لا يريد الأضرار بوحدة العراق وتقسيمه عليه أن يتخلى عن سياسات السعي للأستئثار بالسلطة وتهميش وإقصاء الآخر من الشركاء في العملية السياسية ، والتخلي عن سياسة الثأر والأنتقام من الأعداء التاريخيين المفترضين بشكل إنتقائي ، واولى مقدمات هذه السياسة يجب أن تتجلى عمليا في التخلي عن سياسة الأجتثاث الفكري بصورة إنتقائية وعن قانون المساءلة والعدالة وطوي صفحة الماضي العراقي الأليم والى الأبد وتسليم ملف من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين وإرتكبت الجرائم بحق الشعب العراقي الى القضاء العراقي المستقل الغير مسيس ليتولاه وفقا للقانون لينصف الضحايا وينال المجرم جزاءه العادل إن كان بعثيا أو كائن من يكون .. ويندمج الآخرين في المشروع الوطني لأعادة إعمار وبناء العراق وبداية صفحة جديدة في مسيرته المستقبلية الجديدة ، عراق الجميع دون التمييز بينهم وإلا فليرحل هؤلاء عن كراسي الحكم وليذهبوا الى الجحيم كمن سبقوهم الى هذا الموقع ، وليذكر الجميع أنهم راكبين في قارب واحد في هذا البحر الهائج بالمخاطر والتحديات ، فأن غرق سوف يغرق الجميع وإن نجا سوف ينجو الجميع ، ولكن النجاة سوف لا تحصل إلا بتظافر جهود جميع الخيرين من ركابه وملاحيه على حد سواء ..                 


262
ماذا أنتجت إتفاقية أربيل ... ؟
                                                                                                                       بقلم : خوشابا سولاقا
قبل الخوض في الأجابة على هذا السؤال لا بد من تعريف القارئ اللبيب بالمقدمات المادية التي قادت الكتل السياسية العراقية الى التوقيع على مثل هذه الأتفاقية التي أصبحت شوكة في  حلق الموقعين عليها يصعب عليهم بلعها أو قذفها خوفا من أن تجرحهم ، جميع العراقيين من المهتمين بالشأن السياسي العراقي يعرفون جيدا أنه بعد إنتهاء الأنتخابات العامة في السابع من آذار من عام 2010 ، من ليلتها بدأت حملة الصراعات والتشهيرات بين قادة القوائم الأنتخابية المتنافسة من خلال التصريحات والتصريحات المضادة عبر وسائل الأعلام المختلفة حول النتائج الأولية للأنتخابات وحول ما حصل من تجاوزات وخروقات التي رافقت عملية الأنتخابات في التصويت والفرز والتي إنتهت بألغاء قسم لا بأس به من صناديق الأقتراع في بعض الدوائر الأنتخابية وذلك بسبب عدم إستقلالية المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات وضعفها الواضح في التصدي للضغوطات التي مارسها البعض من هذا الطرف أو ذاك من المتنفذين في السلطة لتغيير نتائج الأنتخابات لصالحها . وإستمرت الصراعات وحملة الأتهامات المتبادلة والتشهير والتشكيك بالنتائج الأولية التي كانت تعلنها المفوضية يوميا بالأقساط أو بالقطارة كما يقال وذلك بعد أسابيع من تاريخ غلق صناديق الأقتراع .. وعلى ضوء النتائج الرسمية المعلنة  للشعب في وسائل الأعلام والتي جاءت مخيّبة لآمال البعض بشكل كبير وجن جنونهم بسببها مما حدا بهم الى الطعن بها وطالبوا بأعادة عملية العّد والفرز يدويا في دائرة بغداد وتحت الضغوطات الكبيرة التي مورست رضخت المفوضية العليا المستقلة للأنتخابات لهذا الطلب الذي أثار تذمر وإشمئزاز وسخط الناخبين مما جعلهم والمراقبين على حد سواء أن يشككون بنزاهة الأنتخابات وشرعيتها ، وبعد مدة تم إنجاز عملية إعادة العّد والفرز يدويا وأعلنت النتائج دون أن يكون هناك أي تغيير في عدد مقاعد القوائم الفائزة ، مرة أخرى ونفس الأطراف التي شككت وطعنت بنتائج الأنتخابات لجأت هذه المرة الى الأستفسار من المحكمة الأتحادية عن مفهوم الكتلة الأكبر حسب المادة ( 76 ) من الدستور العراقي المقر من الشعب في إستفتاء عام وذلك تشبثا منها لضمان تكليفها بتشكيل الحكومة ، وخلافا للأعراف والقوانين الأنتخابية المعتمدة في جميع ديمقراطيات العالم حول مفهوم الكتلة الكبرى والتي تعّود عليها الناس وكما جرت في الأنتخابات السابقة عام 2005 بأن الكتلة الكبرى هي القائمة الفائزة في الأنتخابات التي تمثل إرادة الأغلبية من أبناء الشعب وهي بالتالي تكلف بتشكيل الحكومة لوحدها أو بالتحالف مع قوائم أخرى ، ولكن الذي حصل وللأسف الشديد تم تسييس القضية بأمتياز كما أرادت بعض الأطراف المشاركة في الأنتخابات ، فكان تفسير المحكمة الأتحادية وليس المحكمة الدستورية كما ينبغي أن يكون حسب الدستورأن الكتلة الكبيرة حسب المادة (76 ) هي الكتلة التي تتشكل في البرلمان على ضوء التحالفات التي تحصل وتكلف تلك الكتلة بتشكيل الحكومة ، إلا أن هذا التفسير كان تفسيرا سياسيا محضا بأمتياز وليس تفسيرا قانونيا كما ينبغي أن يكون ، وكان هذا التفسير خيبة أمل كبرى للعراقيين بأستقلالية القضاء العراقي لكي يعتمد عليه كفيصل في حل ما ينشب من الخلافات بين الكتل السياسية من جهة، ومن جهة أخرى كان مصادرة لأرادتهم الحرة وحقوقهم الدستورية في إختيار حكومتهم الديمقراطية .. وبالرغم من كل ذلك لم تتمكن الكتلة الكبيرة التي تشكلت في البرلمان من تشكيل الحكومة ضمن المدة القانونية بموجب الدستور بسبب عمق الصراعات والتناقضات الحادة والخلافات بين فصائلها المختلفة حول توزيع الكراسي والمناصب من جهة وبينها وبين الكتلة الثالثة في البرلمان حول شروطها العالية السقف بسبب تزعزع الثقة وضعف المصداقية التي أورثتها التجربة السابقة مقابل قبول المشاركة في الحكومة المقبلة من جهة ثانية ورفض الكتلة الثانية الأعتراف بأحقية ومشروعية الكتلة الكبيرة حسب تفسير المحكمة الدستورية ومدى مخالفة ذلك التفسير للأعراف القانونية والدستور وتهديدها بتدويل الموضوع واللجوء الى كل الأساليب القانونية الممكنة للمحافظة على حقها الدستوري وإستحقاقها الأنتخابي في تشكيل الحكومة المقبلة من جهة ثالثة ، أي بمعنى أن مستقبل العملية السياسية أصبح على كفة عفريت على ضوء هذا الواقع .. كل هذه الأشكالات التي رافقت العملية الأنتخابية خلقت في العراق وضعا سياسيا في غاية الهشاشة والضعف والأيام تمر والبلاد من دون حكومة شرعية وإستمرار الحالة العراقية بين الأخذ والرد في جدل بيزنطي بين الكتل المستقتلة من اجل الكراسي والمصالح الشخصية ، وقارب عام 2010 على الأنتهاء ، وأخذ الضغط الشعبي والجماهيري من خلال مؤسسات المجتمع المدني بالتزايد على الكتل السياسية ومطالبتها بالخروج بالبلاد من أزمتها السياسية المستفحلة ، مما حدا بها الى البحث عن مخرج مشرف للخروج من هذه الأزمة التي أدخلت البلاد في نفق مظلم لا ضوء في نهايته ووضعته في عنق الزجاجة الضيقة زادت من خناقه ..  فجاءهم حبل الأنقاذ وقارب النجاة في هذا البحر الهائج والمتلاطم الأمواج من كوردستان من فخامة رئيس الأقليم شخصيا الأستاذ مسعود البرزاني المتمثل فيما بات يعرف بمبادرة مسعود البرزاني  ، قاد الأستاذ مسعود البارزاني وطاقمه المفاوضات الثنائية الأطراف مع الكتل الأنتخابية في البرلمان والكتل السياسية العراقية الأخرى من خارج البرلمان وبمباركة ورضا وتوجيه الأميريكان وقد تكون بمباركة وقبول الأطراف الأقليمية المؤثرة والفاعلة في صنع القرار السياسي العراقي أيضا حول الصيغة النهائية لتجاوز هذه الأزمة المستعصية والخروج منها بسلام حفاظا على بقاء وإستمرار ما يسمى بالعملية السياسية ومنعها من الأنهيار والوصول الى شكل الحكومة التي من خلالها تتوزع المواقع والمناصب والأدوار بين الكتل المتصارعة في العراق في هذه المرحلة الحرجة من مسيرته للتأسيس لبناء الدولة الديمقراطية المنشودة ، وقد إنتهت هذه المفاوضات الماراثونية بين أربيل وبغداد وعلى مختلف المستويات القيادية للكتل المتصارعة الى إقرار شكل الحكومة التي تحقق هذا الطموح للعراقيين الذين سئموا الأنتظار ألا وهي حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية القائمة على مبدأ التوافق الوطني كما أعلن عنه بموجب ما ورد فيما أصبح يعرف الآن بأتفاقية أربيل ، وتم بموجب هذه الأتفاقية الأتفاق على تسعة بنود لم تعلن تفاصيلها وآليات تنفيذها لحد الآن ، ولكن صدر على أثر هذه الأتفاقية بيان مشترك موقع من قادة الكتل الثلاث الكبرى في البرلمان وهم كل من دولة رئيس مجلس الوزراء الحالي الأستاذ نوري المالكي وفخامة رئيس أقليم كوردستان الأستاذ مسعود البرزاني ورئيس كتلة إئتلاف العراقية الدكتور أياد علاوي .. هذه الأتفاقية أنتجت أركان الدولة الثلاث ، رئاسة الجمهورية من التحالف الكوردستاني ورئاسة البرلمان من إئتلاف العراقية ورئاسة مجلس الوزراء من التحالف الوطني ووزعت مناصب نواب الرؤساء بالتساوي العددي بين الكتل الثلاث تحقيقا لمبدا التوازن بين الكتل المشاركة ، وشكلت الوزارة المتضخمة للغاية دون تسمية الوزراء الأمنيين والتي تولاها جميعا وكالة دولة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وتوالت المناورات والمناكفات بين قادة الكتل بين الرفض والرفض المقابل للمرشحين الى هذه الوزارات من الطرفين الى يومنا هذا ، وبذلك أصبحت السلطة الفعلية في يد كتلة واحدة عمليا وبذلك تتصاعد وتيرة وحدّة الحرب الأعلامية بين قادة الكتل مما يزيد الوضع السياسي والأمني في البلاد سوء يوم بعد آخر.. كان من المفروض بموجب إتفاقية أربيل أن تنتج حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية الصانعة للقرار السياسي وليس حكومةالمشاركة المنقوصة كما  هو عليه الحال ، وأن تنتج المجلس الوطني للسياسات الأستراتيجية وتشريع قانونه الخاص قبل إعلان الحكومة وليس بعده لمنع اللف والدوران بحجة كون المشروع دستوري أو غير دستوري خاضع للأجتهادات المتناقضة لهذا الطرف أو ذاك والدوران في حلقة مفرغة فأذا كان بند من بنود الأتفاقية غير دستوري فأن الأتفاقية بكاملها عندئذ تكون غير دستورية أيضا طالما تم التوقيع عليها من قبل جميع الأطراف ويكون تطبيقها ملزما للجميع وليس إنتقائيا كما يريد البعض ، وإعلان الألتزام بتنفيذ ال ( 19 ) شرطا للتحالف الكوردستاني والمصادقة على هذه البنود والبنود غير المعلنة للأتفاقية كحزمة واحدة وليس مجزئة من قبل البرلمان وذلك لسد الطريق أمام أي تفسير أو إجتهاد بسبب ما قد يحصل من الخلافات التي تستجد أثناء التطبيق ، إلا ان هذه الأتفاقية لم تنتج شيئا كاملا مما تم الأتفاق عليه ... وبالتأكيد يتحمل الطرف الراعي لهذه الأتفاقية مسؤولية فشلها ومسؤولية التداعيات التي تنعكس سلبا على مستقبل العملية السياسية جراء إنفراط عقد هذه الأتفاقية الهشة في شكلها ومضمونها بسبب ردود أفعال  الطرف المغبون أو بالأحرى الطرف الخاسر من أطرافها ، وعليه يصبح من حق الشعب العراقي أن يعتبر هذه الأتفاقية في حكم الملغاة طالما لم تنفذ بنودها بالكامل ، وعندها كل شئ يرجع الى المربع الأول ، لم نجد من الطرف الراعي أية مساعي جدية وصادقة لتفعيل الأتفاقية لأجبار الأطراف المعنية لوضعها موضع التنفيذ ..


263
العملية السياسية والتيار الديمقراطي
                                                                                                                             بقلم : خوشابا سولاقا
إن الديمقراطية كفكر وفلسفة للحياة ومنهج للعمل لبناء دولة ديمقراطية دولة القانون والمؤسسات الدستورية ، أي الدولة المدنية ، لا يمكن لها أن تستقيم وتتحقق من خلال عملية سياسية تكون القوة الفعالة والمؤثرة والحاسمة فيها لتيارات سياسية عقائدية لا تؤمن أصلا بالديمقراطية من جهة ، وهي تسعى بكل الوسائل المتاحة لديها لبناء دولة دينية من وراء ستار التشدق بالديمقراطية زورا من جهة أخرى كما يجري الآن في العراق ... فالعملية السياسية التي تسعى الى بناء دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية والتي فيها يجب أن تسود المساواة والعدالة الأجتماعية وتكافؤ الفرص لجميع أبناء المجتمع وتحكمها فلسفة قبول الآخر مهما كانت الأختلافات في الخصوصيات الجزئية تتطلب أول ما تتطلبه هو إنجاز علمانية الدولة ومدنيتها وعدم تسييس الدين وإلغاء الطائفية السياسية والشوفينية القومية السياسية من منهج وفلسفة الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة وإشاعة الثقافة الوطنية القائمة على قبول التعددية بكل أشكالها القومية والدينية والطائفية والسياسية وقبول الآخر والتعايش السلمي في إطار الدولة الوطنية الواحدة أرضا وشعبا ، وليس في إطار الترويج لفلسفة دولة المكونات تحت شعار حماية الخصوصيات ، إن الحامي الوحيد والأمين للخصوصيات والمدافع العنيد عنها في معارك الصراع من أجل البقاء والذي في ظله تنمو وتزدهر وتزهو الخصوصيات هو النظام الوطني الديمقراطي والثقافة الأجتماعية الوطنية الديمقراطية ... وفي سياق هذه الرؤية المستقبلية لواقع العراق الحالي ، وفي ظل المحاولات الساعية الى تشكيل التيار الديمقراطي للقوى والشخصيات الديمقراطية في العراق من أجل بناء عراق جديد والتصدي للقوى التي تسير به نحو التأخر والتخلف والعودة به الى عهود ما قبل التاريخ كما تبدو الصورة للعيان ، يتطلب أن تكون أولى أولويات التيار الديمقراطي بكل مكوناته التي من المفروض بل من الواجب الوطني أن تنضوي تحت خيمته للدفع بما يسمى العملية السياسية الجارية الى الأمام نحو بناء عراق ديمقراطي حر ، العمل :
     أولا : العمل من أجل تحقيق المصالحة الوطنية على مستوى قوى التيار الديمقراطي بكل فصائله دون إستثناء وذلك بضمان مشاركة كافة التيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية الديمقراطية ، أي بمعنى كل الأطراف الوطنية التي تؤمن بمبادئ الدولة المدنية العلمانية القائمة على أساس عدم تسييس الدين وفصل الدين عن الدولة والأجماع حول برنامج وطني ديمقراطي على أساس الولاء الوطني لبناء الدولة الحديثة ، هذا من جانب ومن جانب آخر السعي الى تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية بين الفصائل السياسية العراقية الآخرى التي تؤمن بالوحدة الوطنية وخلاص العراق من محنته الحالية وأنتشاله من واقعه المرير الذي يئن تحت وطأته منذ ثمان سنوات ..   
ثانيا: العمل من أجل تغيير الدستور ، لأن التغيير هو الذي يجعل الدستور حي ومتجدد وفعال متماشي مع متطلبات المستجدات في حياة المجتمع العراقي ، وليس العكس ، أي محاولة  تطويع متطلبات مستجدات الحياة لمضمون نصوص ومواد الدستور كما يريد البعض وكأن الدستور شئ مقدس لا يجوز المساس به وإجراء أي تغيير على مواده ونصوصه هذا من جهة ومن جهة أخرى أن يكون التعامل مع نصوص الدستور على وفق ما تقتضيه تحقيق مصلحة الوطن والشعب وبشكل شامل وليس بشكل إنتقائي كما تقتضي مصالح الفئات والقوى السياسية المتنفذة والتي تجعل من الدستور قميص عثمان كما يقول المثل ، ترجع إليه وتتمسك وتتشبث به بقوة عندما تقتضي ذلك أجنداتها السياسية ومصالحها الشخصية والحزبية ، وتدوس عليه بأقدامها دون خجل أو وجل عندما يقتضي الأمر العكس ..!! كما يحصل اليوم في العراق وإن تطفلنا عليها وسألناها لماذا يحصل هكذا .. ؟ لأجابت إنها السياسة كما عّرفوها فقهاء علم السياسة بأنها فن الممكن .. !! ثالثا: لكي تكون للتيار الديمقراطي شفافية ومصداقية وقبول لدى الجماهير الشعبية وأن تجعل من الديمقراطية العلاج الشافي للتصدي لكل متطلبات التغيير الأجتماعي والسياسي والأقتصادي ، يتطلب من مكونات التيار الديمقراطي على إختلاف إنتماءاتها الأيديولوجية أن تمارس الديمقراطية على كل المستويات إبتداء من الحياة الشخصية داخل الأسرة وعلى مستوى الأحزاب داخل التنظيم الحزبي ، لأنه من غير الممكن لحزب سياسي أن يقوم ببناء نظام سياسي ديمقراطي لأدارة دولة ديمقراطية حديثة في ظل غياب أو إنعدام الممارسة الديمقراطية في حياته الحزبية وجزئيات الحياة الأجتماعية الأخرى ، لأن الديمقراطية ليست مجرد شعار فضفاض ترفعه الأحزاب والكتل السياسية في المناسبات بغرض المزايدات والمناكفات السياسية لمحاربة بعضها البعض الآخر من أجل المناصب والكراسي والمصالح الشخصية على حساب إذلال المواطن وزيادة فقره و بؤسه وشقائه ونهب خيرات بلاده وأمواله في السر والعلن من قبل الحاكمين على رقابه من هذه الأحزاب التي تمسك السلطة بيدها لتبرير الممارسات الخاطئة والمنحرفة التي تجري في وضح النهار كما هو عليه الحال في الساحة السياسية العراقية ، وإنما هي ممارسة حياتية حية على مختلف الصعد لبناء مجتمع أفضل ...
رابعا: يجب أن تكون مكونات التيار الديمقراطي بعيدة كل البعد عن الصراعات الأيديولوجية وأن لا تعطي لذلك الأولوية والأهمية في لقاءاتها ونقاشاتها لكي تتمكن من تحقيق أهداف التيار من المشتركات الوطنية حول أسس إقامة الدولة الديمقراطية التي تؤمن بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الأنسان ، أي دولة مدنية علمانية بمعنى عدم تسييس الدين ، دولة تسعى الى تحقيق الهوية الوطنية وبناء ثقافة وطنية ، دولة القانون والمؤسسات الدستورية القائمة على مبدأ فصل السلطات وإستقلال القضاء ، وليس دولة المكونات والخصوصيات ، وأن لا تشغل مناقشة التفاصيل ووضع الآليات لأنجاز هذه الأهداف الوطنية الكبرى الحيز الأكبر من الوقت والجهد لخلق أرضية للأختلافات والخلافات والمناكفات غير المجدية كما جرت العادة في التجارب الماضية على حساب ترسيخ وتوسيع قاعدة المشتركات الوطنية كما هو مفروض ومطلوب من الجميع في هذه المرحلة الحرجة من مسيرة شعبنا العراقي ، مرحلة التحول والأنتقال من الديكتاتورية الفردية الى الديمقراطية ، وإلا فالديكتاتورية التي خرجت من الباب الخلفي للوطن عائدة إليه من الشباك بلون ولباس ومسمى جديد ولكنه أكثر سوادا وقتامة ، ديكتاتورية لا تبق ولا تذر .. !! وبالطبع هذا ما يتمناه أعداء الديمقراطية في الداخل ودول الجوار العراقي والمنطقة وتتنفس له الصعداء .. فليكن التيار الديمقراطي قارب النجاة للشعب العراقي من الغرق في بحر الديكتاتورية العائدة بلباسها الجديد ..           

264
الوجود القومي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في العراق ... الى أين .. ؟
                                                                                                             بقلم : خوشابا سولاقا

من أجل المزايدات السياسية الرخيصة والتي تخدم أجندات الآخرين من المتنافسين في صراع النفوذ على الأرض في سهل نينوى وغيرها من المناطق التي تشهد مثل هذا التنافس ، وفي خضم هذا الصراع ، ومن حيث يدري أو لا يدري المتحدث من المدعين بتمثيل أبناء شعبنا  بأسم المصلحة القومية والأمة ومستقبل وجودها على هذه الأرض التي وجدنا عليها منذ فجر التاريخ ، يكثر الحديث ويعلو الصراخ وتذرف الدموع على مسارح السياسة العراقية والأقليمية هذه الأيام خوفا على المصير القومي لوجود هذه الأمة المسكينة التي ظلمت على أيدي القائمين عليها من أبنائها قبل الغرباء ، وظلمها الزمان والتاريخ وحكم عليها بالبؤس والقتل والتشرد والشقاء في كل مناطق سكناه عبر قرون طويلة من الزمن ، وكما ظلمها الآخرين من كل حدب وصوب من الجيران والغرباء ، ولكن كان ظلم أولائك الأقزام الذين يعبثون بمقدرات وتاريخ وتراث هذه الأمة الذي يدعون تمثيلها زورا وبهتانا ومن دون خجل في وضح النهار وعتمة الليل على حد سواء من السياسيين وبعض رجال المجتمع من القائمين على مؤسسة الكنيسة ولا أقصد هنا الجميع ، هؤلاء يتحدثون بكلام غير منطقي وغير مدروس لا يقبله العقل السليم والمنطق العلمي حول إستحداث محافظة خاصة بأبناء شعبنا أو بالمسيحيين كما يحلو لهم تسميتها ، لأنه هكذا سموها المستفيدين الحقيقيين منها ، والبعض الآخر يغالي في تطرفه ويذهب الى أبعد من ذلك الى المطالبة بإقامة أقليم ذو حكم ذاتي في سهل نينوى لأبناء شعبنا دون التفكير بوجود المكونات الأخرى التي تشارك شعبنا السكن في ذات المنطقة والتي تفوقنا عددا وتختلف عّنا في القومية والدين والثقافة والعادات والتقاليد علما بأن نفوس شعبنا في السهل لا يتجاوز (20 % )من مجموع سكانه حاليا ، ماذا سيكون موقف هذه المكونات من هذا المطلب وماذا سيكون رد فعلها على مثل هكذا مشروع، وكيف تتعامل مع الواقع الجديد والغريب المزروع بينهم رغما عنهم وبالضد من إرادتهم .. ؟ حبذا لو يفكر هؤلاء الحالمين بعقل متقد ومنطق سليم وحكمة وتأني وروية بهذا الجانب من المشروع قبل الحديث عن إيجابياته وتظليل المساكين من أبناء شعبنا بالأوهام والأحلام الوردية وجنة عدن .. !! صحيح إن مثل هذه الأفكار التي تراود البعض وهم في غمرة التفكير الطوباوي المجرد، والمشاعر القومية العمياء التي تخالج وتجيش بها صدور البعض من الحالمين بأحلام نرجسية في لحظات التأمل والأبتعاد عن حقيقة الواقع الموضوعي لشعبنا في العراق  ، وقد أكون أنا واحدا منهم أيضا ، لماذا لا إن أمنية الأعمى أن يحصل على زوج من العيون كما يقول المثل الدارج ، ولكن هل كل ما يتمناه المرء سهل المنال .. ؟ إن ذلك يكون أمر طبيعي ومعقول ومنطقي ومقبول كطموح وحلم نرجسي يحلم به أي إنسان عندما يكون ذلك على المستوى الشخصي أو الفردي وأن لا يكون على حساب الأضرار بمصالح الآخرين ، ولكن عندما يكون الأمر متعلق بمصير الأمة فالقضية تختلف كليا شكلا ومضمونا ، فعندها ليس من حق أي فرد أن يحلم بهكذا أحلام مرعبة ومدمرة تعّرض الوجود القومي للأمة الى خطر الفناء والأنقراض كما يحصل اليوم لأبناء شعبنا بسبب نزيف الهجرة المستمره من أرض الوطن أرض الأباء والأجداد الى المهاجربسبب الضغط الذي يتعرض له أبناء شعبنا والتصفيات الجسدية التي تمارس بحقه على أيدي التيارات المتشددة في أماكن تواجده التاريخية كما حصل ويحصل اليوم في محافظة نينوى بالذات بغرض تصفية وجوده القومي في العراق كرد فعل لهؤلاء على مثل هذه المشاريع ... المهم ليس المطالبة بما نحلم به لشعبنا وإنما الأهم من كل ذلك هو أن ننظر بنظرة ثاقبة الى ما يجري حولنا من أحداث وتطورات وعلاقتنا بها ونحللها بعلمية وليس بمنطق العاطفة ومن ثم تقييم مدى إمكانياتنا لتحقيق ذلك عمليا على أرض الواقع وفق الشرعية القانونية والدستورية لكي لا يردّ طلبنا ويثير حفيظة الآخرين وينصّبون لنا العداء القومي والديني الذي لا قدرة لنا على مواجهته بالمثل إن فرض علينا هذا الخيار الصعب ، في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة لكسب هؤلاء أصدقاء لنا وشركاء في الوطن ، وإقناعهم بمنطق التعددية والتعايش السلمي ، وإلا ما الذي يجنيه شعبنا من مثل هكذا مشروع مهما كانت تسميته الأدارية على الأرض .. ؟ من المفروض أن يدرك جيدا المطالبين بمثل هكذا مشروع والمنادين به والمؤيدين له ، إن تقسيم البلاد الى مناطق إدارية على أساس أقاليم أو مناطق للحكم الذاتي وحتى نظام الأدارة المحلية من أجل أن تتمتع الأقليات القومية والدينية من خلالها بحقوقها القومية والسياسية والثقافية لا يمكن قبولها لا من قبل المتشددين والمتطرفين قوميا ودينيا ولا حتى من قبل المعتدلين منهم من سكان المنطقة المعروفين تاريخيا بتعصبهم القومي والديني ، في هذه المرحلة التاريخية من تطور المجتمع العراقي المشبع بثقافة رفض الآخر ، إن مثل هذه الحقوق لا تتحقق في ظل نظام حكم غير ديمقراطي يحكم البلاد وشعبه لا يؤمن بل لا يفهم معنى وجوهر الديمقراطية كنهج للحكم والحياة .. أي بمعنى آخر لا حقوق قومية ودينية تتحق للأقليات من دون وجود نظام حكم وطني ديمقراطي يحكم البلاد ووجود شعب مشبع بالثقافة الوطنية الحقة والثقافة الديمقراطية وثقافة قبول الآخر والتعايش السلمي في إطار الوحدة الوطنية الحقيقية  والوطن الواحد  تحترم فيه خصوصيات الجميع من قبل الجميع ، إن المرحلة الراهنة تفرض على الجميع أن ترفع شعار ( الحكم الديمقراطي للعراق والحقوق القومية والثقافية للأقليات ) ، لأن إقامة نظام حكم وطني ديمقراطي للعراق يصبح في ظله مشروع تمتع الأقليات بحقوقها أمر واقع وواجب التنفيذ ويحترم من قبل الجميع ،  ومن دون سلوك هذا المسار يتحول مثل هكذا مشروع الى مقبرة للأقليات ، ومذبحة سميل بحق شعبنا عام  1933  ليست ببعيدة عن الأذهان وشعبنا لا يريدها أن تتكررأحداثها المأساوية مرة أخرى من أجل مكاسب شخصية يحققها البعض من هواة السياسة الصغار الذين يتاجرون بمقدرات شعبنا ،والذين أقوالهم الجوفاء لا تتطابق مع أعمالهم على أرض الواقع لكي تكون لهم مصداقية وقبول لدى جماهير شعبنا .. !! وبالرغم من كل ما ذكر وما له من أهمية كبيرة في تحديد الهوية القومية والثقافية لشعبنا ويشكل أساسا ماديا لوجوده القومي في أرض الأباء والأجداد ، إلا أن الأمور يجب أن تجري وفق الأولويات الأهم قبل المهم حتى تستقيم وتجري في سياقاتها الطبيعية ، وعليه هناك ما هو أهم يتطلب التفكير به مليا قبل طرح مشروع المحافظة الخاصة أو أي شكل آخـر للأدارة السياسية التي تحقق الهوية القومية والثقافية لشعبنا من قبل بعض المغالين بالمـشروع من قـادة المؤسسة السياسية لشعبنا ( الأحزاب والحركات ) وبعض القائمين على المـؤسـسة الـدينية (الكنيسة) ، ألا وهوإستمرار نزيف الهجرة من أرض الوطن أرض الأباء والأجداد الى منافي بلدان المهجر التي هي بمثابة  مقبرة الأمة ومثواها الآخير والتصدي لها بحزم بغرض المحافظة على بقائنا على أرض الوطن ... هل تعلمون أن الهجرة بالنسبة لشعبنا بهذه الوتيرة هي إنتحار جماعي .. ؟ حيث بسببها يتناقص عدد نفوس أبناء شعبنا في أرض الوطن يوم بعد آخر وبنسبة لا يصدقها العقل السليم والمنطق وإستمرار هذه الظاهرة الخطيرة  سوف يجعل عدد نفوس أبناء شعبنا في أرض الوطن على مدى السنوات العشرة القادمة رقما هزيلا قابلا للأهمال في المعادلات السياسية ويجعل المتحدث بأسمه يخجل من التحدث عنه والمطالبة بحقوق له والأصرار على إعتبار شعبنا شعب آصيل في أرض ما بين النهرين وصاحب حضارته النهرينية العريقة ، ولتسليط الضوء على تداعيات هذه الظاهرة وخطورتها على مستقبل الوجود القومي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في العراق والى أين تتجه به كارثة الهجرة أذكّر القارئ الكريم بهذه الأرقام وماذا تعني له ، ليحلل وضع الأمة الحالي مسترشدا بها ، والى أين تسير الأحداث بمستقبل الوجود القومي لشعبنا .. حسب إحصاء عام 1977 كان عدد نفوس أبناء شعبنا في العراق يقارب 1750000 نسمه بالرغم من تحفظي على هذا الرقم لأن الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة كانت دائما تحاول التقليل من أهمية الوجود القومي لغير العرب الى درجة تجاهل هذا الوجود وبالتالي محاولة إلغائه مما حدا بها الى تقليل عدد نفوس القوميات الصغيرة الى الحد الأدنى لأسبابها الخاصة بها ، بينما عدد نفوس أبناء شعبنا في أحسن الأحوال حاليا لا يتجاوز ( 300000 – 400000 ) نسمه .. أنتم أيها الساده الذين تطالبون بأستحداث محافظة أو منطقة للحكم الذاتي أو أقليم وربما يظهر من يطالب مستقبلا من دون وعي منه بدولة لأبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري في سهل نينوى ، أسألكم لوأن طلبكم يتحقق بقدرة قادر كيف يتم التعامل مع بقية أبناء شعبنا الذين يقيمون في المحافظات الأخرى من العراق .. ؟ وماذا يكون مصيرهم ومصالحهم وأعمالهم ومصدر رزقهم مرتبط بأماكن سكناهم.. ؟ هل لديكم مشروع لترحيلهم الى سهل نينوى وإسكانهم هناك .. ؟ أم تركهم هناك لقدرهم ولا يستحقون بركات مشروعكم .. ؟ أم لديكم حل آخر لا تحبذون ذكره لأسبابكم الخاصة ..؟ من الأفضل لكم ومن مصلحتكم ولكي يكون صوتكم مسموعا أكثر ومقبولا لدى أبناء شعبنا وتنالون رضاه ، هو أن تجدون الأجوبة المناسبة والشافية لكل هذه التساؤلات قبل التوجه بمطلبكم الى من يهمه الأمر... !!  وأن تعملوا شيئا مفيدا حتى وإن كان ذلك بالكلام في المحافل العامة وفي مجالسكم الخاصة لأيقاف الهجرة والتصدي لها والتي أصبحت خطرا داهما  يهدد وجودنا القومي في الصميم في أرض الوطن بدلا من التباكي والأرتزاق على أبواب الآخرين في السر والعلن من أجل ملء جيوبكم بالسحت الحرام تحت يافطة مشروع سقيم لا يخدم بالنتيجة إن كتب له أن يرى النور إلا من خطط له بذكاء ودهاء ومكر يهدف من وراءه قلع جذورنا من هذه الأرض الطيبة والخيرة والمعطاء ودفن تاريخنا وتراثنا ومحو وجودنا القومي في العراق  .. أسألكم إن كنتم صادقين مع أنفسكم ماذا نفعل بالأرض من غير بِشر يعيش عليها ليحرثها ويزرعها ويعمرها ويشيّد عليها البناء والعمران  ... ؟ أليست الأولوية للأنسان قبل الأرض في بناء الحضارات وإنبعاث الأمم .. ؟ ماذانجني من وجود الحدود من غير وجود .. ؟  لو سؤلتم من بسطاء شعبنا المسكين والمغلوب على أمره ما الذي فعلتموه بخصوص التصدي لهجرة أبناء شعبنا لأرض الوطن أرض بابل وآشور ونينوى ، ماذا سيكون جوابكم هل يوجد لديكم جواب مقنع غير الكذب عليهم والضحك على ذقونهم وتشويه حقيقة الأمور في نظرهم كما عودتموه دائما في غيرها من الأمورعندما تظهر وجوهكم الكالحة والتي لاتعرف الخجل من ممارسة مهنة الكذب السياسي إن صح التعبيرعلى شاشات التلفاز .. ؟ هل يوجد في جعبتكم غير ذلك ، أعلمونا لكي نسامحكم ويسامحكم الرب على هذه الحسنة على الأقل يوم القيامة وتكون لكم بمثابة جواز المرور بملابسكم البيضاء الموشحة بالسواد للدخول الى الجنة في ملكوت السماء لانكم حتما خسرتم ملكوت هذه الدنيا بخسارتكم لرضا الناس من أبناء شعبنا ، وكان عدد أصوات من صوت لكم في الأنتخابات الآخيرة في الداخل والمهجر مقارنة بعدد نفوسنا خير دليل على ذلك يا أبطال من الكارتون في اللعبة السياسية التي لا تجيدوها حتما . !!            

265
الربيع العربي وثورات الشباب

                                                                                                                      بقلم : خوشابا سولاقا

إن ما حصل في البلدان العربية منذ إنفجار الثورة الشبابية في تونس الخضراء ، لم يكن في توقع وحسبان أي تنظيم سياسي على إمتداد الساحة العربية السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ولم يتنبأ به أي مفكرأو منظرعربي ، وإنما ما حصل من الأنفجارات الثورية الشبابية كانت مفاجئة مذهلة لهم بكل المعايير والمقاييس وبأعتراف الجميع وخصوصا عندما إتخذت هذه الثورات طابع التحرك الشعبي الشبابي إن صح التعبير بهذه السعة وسرعة الأنتشار في عدة بلدان في آن واحد ورافعة نفس الشعارات ومطالبة نفس المطاليب والتي هي إزالة الظروف الأستثنائية ورفع القيود عن الحريات العامة والفردية ونشر العدالة والمساواة وإعتماد الديمقراطية كنهج للدولة وإسقاط الأنظمة الديكتاتورية وإقامة البديل الديمقراطي وتناوب السلطة سلميا من خلال صناديق الأقتراع في إنتخابات شعبية حرة .. السؤال هو على ماذا يدل ويشير هذا الذي حصل بلغة السياسة ومنطقها .. ؟ وكيف تقرأ النخب السياسية هذا التغير في مزاج وسلوك ونهج الشارع الشبابي بشكل خاصة والشارع العربي بشكل عام .. ؟ هل يعني هذا أن النخب السياسية العربية كانت في واد وشعوبها في واد آخر كما يقال .. !! أم أن تلك النخب قد شاخت وفقدت الوعي السياسي التحليلي لرؤية التغيرات الأجتماعية الكبرى التي تحدث في المجتمع بشكل خاص والحياة بشكل عام وفقدت القدرة على مواكبة حياة الناس اليومية بكل تفاصيلها ، ورؤية بواطن الأحداث كيف تتطور ويتعاظم فعلها الثوري لتنفجر عندما تنضج الظروف الموضوعية والذاتية كالبركان في ثورة شعبية إجتماعية شبابية وتقلب الأمور والأوضاع رأسا على عقب .. ؟ من المؤكد وحسب تحليلنا السياسي إن الحالتين المذكورتين معا كانت تعاني منهما النخب السياسية العربية عشية إنفجار الثورة التونسية ، وهذا يعني أن النخب السياسية العربية التقليدية أمام خيارين لا ثالث لهما ، أما مغادرة الساحة لقصورها في رؤية التطورات المستجدة بأستمرار في المجتمع والحياة وتركها لمن هو أجدر وأقدر على الأستجابة لمتطلبات الحياة من العناصر الشابة ، أوإعادة النظر بكل أدواتها السياسية من هيكلية أحزابها وأيديولوجيتها وثقافتها الحزبية وبرامجها وأساليب عملها التنظيمي في صفوف الجماهير ، وإلا فمصيرها الأنهيار الشامل ودخولها الى متحف التاريخ .. ولكن في المقابل كانت الجماهير الشعبية الشبابية في عموم بلدان الربيع العربي تعيش نفس الظروف الموضوعية والذاتية من فقر وبطالة وقمع الحريات وكبح الأراء الحرة وإنعدام الخدمات الأجتماعية بكل أشكالها وشيوع الفساد المالي والأداري في مؤسسات الدولة وأجهزتها وإستغلال المال العام من قبل الحكام وأحزابها لأغراضها بطرق غير شرعية وطغيان وإستبداد الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة وإنعدام النهج الديمقراطي ومصادرة الأرادة الحرة للشعوب كانت قد هيئت الجو الثوري وأنضجت فعله الجماهيري للحراك السياسي في إتجاه تغيير الواقع الأجتماعي الذي كانت ترزح تحت وطأته الشعوب بشكل عام والشباب الذي يتحمل مسؤولية المستقبل بصورة خاصة  .. إن ما كان يغلي في أعماق المجتمع التونسي كان موجود ويغلي في أعماق المجتمع المصري واليماني والليبي والسوري وهو موجود كذلك في المجتمع العراقي والجزائري والمغربي والسعودي والأردني واللبناني والخليجي ، هذه الظواهر تشكل   الظروف الموضوعية لهذه المجتمعات وهي ظروف ناضجة لحدوث حالة ثورية ، ولكن لم تنضج الظروف الذاتية لها بعد لكي تتحرك بفعلها الثوري الجماهيري الشبابي كما حصل في بعض البلدان الأخرى ، ولكنها لم تبق كذلك صامتة وساكنة على معاناتها الى الأبد وإنما سوف تنفجر في يوم ما بالرغم من تحرك أنظمة بعض هذه البلدان لأجراء إصلاحات ترقيعية في أنظمتها السياسية المتهرئة ، ليس إيمانا منها بضرورة هذه الأصلاحات التي تدعيها بل خوفا على عروشها من الأنهيار والسقوط في مزبلة التاريخ بسبب ما قد يحصل مستقبلا إذا ما إستمرت الأوضاع على حالها ، ولأنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان ، لأن تجربة تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا حتما ستتكرر ولو بصيغ أخرى مختلفة في بقية البلدان العربية ، لأن الظروف الموضوعية لها تتماثل في جوهرها مع الظروف الموضوعية لبلدان الربيع العربي .. إن الثورة قادمة في هذه البلدان لا محال لأن الأوضاع المعاشية والأجتماعية لمجتمعات هذه البلدان حبلى بالثورة الشعبية العارمة لتغيير الواقع القائم الذي أصبح لا يطاق والذي أرهق كاحل الناس ، في ظل هذا الوضع ما على الأنظمة القائمة إلا أن تقرأ الواقع المعاشي لشعوبها قراءة صحيحة ودقيقة وأن لا تخدع نفسها بالحلول الترقيعية وتظلل نفسها بهالة من الوهم تصنعه لنفسها على إنها في منأى من خطر الثورة المقبلة على مستقبلها وإستمرارها على ما هي عليه ، لا أيها الساده إن خطر الثورة على عروشكم العاجية قادم وإن رفع الشعارات القومية والدينية والطائفيه وغيرها من الخصوصيات والأدعاء زورا بوجود مؤامرة خارجية تستهدف الأمة والقومية والدين والقيم والأخلاق والعملية السياسية لا تكفي لأزالة القروح المقرفة من على جلودكم المكشوفة للعيان للقاصي والداني ، لأن البطون الجائعة لا تشبعها الشعارات والكلام الأنشائي ولا الوعود الكاذبة ، بل إن البطون الخاوية تنتظر الأفعال الحقيقية التي تصنع لها الخبز وتوفر لأصحابها الأمن والآمان والكهرباء والماء الصحي والخدمات وفرص العمل الشريف لتعيش بكرامة مرفوعة الرأس ، وتنتظر مشاريع التنمية للأقتصاد الوطني لضمان مستقبل أطفالهم في العيش الرغيد والكريم وليس بالتسول بحثا عن لقمة العيش كما هو الحال في البلدان التي تطفو فوق بحر من البترول كالعراق وغيره مثلا .. !! نعم هذا ما تصدقه الشعوب ، هذا ما يجعلها تقدم ولائها لمن يتخذ من ممارسة السياسة وسيلة لخدمة شعبه ووطنه وليس أي شئ آخر غيره وليس الشعارات الطنانة المزيفة والوعود الكاذبة المخدرة .. صحيح أن الفقر لوحده لا يصنع ولا يفجر ثورة إجتماعية ولكنه يصنع أسبابها ويهيء الأرض الخصبة التي فوقها تنبت بذور الثورة ، وهي ما تسمى بلغة السياسه والفكر السياسي بالظروف الموضوعية للثورة ، ولكن نضوج الظروف الموضوعية تحتاج الى نمو الوعي السياسي والثقافي للشعور بالفقر لدى النخب الواعية من الفقراء لكي تبادر الى تشكيل تنظيمات سياسية جماهيرية لكي تستغل نضوج الظروف الموضوعية وتقود جماهير الفقراء المتضررة من مختلف شرائح المجتمع للأنخراط في النضال السياسي لتفجر ثورة شعبية عارمة تؤدي الى تغيير جذري في بنية النظام السياسي القائم في المجتمع وهذا ما يسمى بلغة الفكر السياسي بالظروف الذاتية ، وعند دراستنا لتاريخ الثورات الكبرى في التاريخ سنجد الدور الريادي والقيادي للنخب المثقفة الواعية سياسيا من الطبقات الفقيرة والمسحوقة في قيادة وتوجيه ثورة الفقراء ونجاحها .. فهذه الظروف قد نضجت في بعض بلدان الربيع العربي بفعل ما متيسر من وسائل الأتصال والتواصل الأجتماعي والى جانب وجود التأييد والدعم المادي والمعنوي والسياسي من المجتمع الدولي تمكنت شعوبها من تفجير ثوراتها وكان للعامل الدولي الخارجي دور كبير ومؤثر في نجاح هذه الثورات وتكللت بأسقاط أنظمتها الديكتاتورية المستبده الفاسدة والسعي الحثيث الى إقامة أنظمة ديمقراطية بالرغم مما تخلل العملية السياسية فيها من معوقات وإختلافات في الرؤى والأستراتيجيات بين الفصائل المشاركة في الثورة حول شكل وطبيعة النظام الجديد ، ولكن مهما كانت هذه المعوقات والخلافات سوف تنتهي بانتصار إرادة الشعوب في تحقيق ما تصبو إليه في نهاية المطاف .. ولكن ما زالت الظروف الذاتية في البعض الآخر من البلدان العربية غير ناضجة الى درجة الأتقاد ، أي أن التنظيمات السياسية التي تستغل الظروف الموضوعية الناضجة غير مكتملة التشكيل بالمستوى المطلوب من النضج السياسي لتتمكن من قيادة جماهير الفقراء نحو تفجير ثورة إجتماعية لتغيير النظام القائم وإقامة البديل الديمقراطي له .. وأريد هنا الأشاره الى من يدعي بأن العراق قد سبق شعوب الربيع العربي في الثورة ويقصد هؤلاء بذلك إنتفاضة ربيع عام 1991 وما حصل في ربيع عام 2003 ، مع إعتزازي وفخري بما قدمه الشعب العراقي من تضحيات جسام ، ولكي أكون منصفا بما لي وما علي ، ولكي لا يتم تجيير تلك التضحيات لصالح من يعبث بمقدرات العراق اليوم والذين يسعون سعيا حثيثا من خلال وسائل الأعلام المسيسه والمجيره لصالح هؤلاء المتصيدين في الماء العكر من هواة السياسة ، أقول إن الذي حصل في العراق في الربيعين كان بفعل العامل الخارجي ورد فعل إنفعالي غير منظم وغير منضبط وموجه للجنود المهزومين في الحرب غير المتكافئة ، وليس لأي حزب سياسي من الأحزاب التي تمسك بالسلطة الآن في العراق أي دور مهما كان ضئيلا في عملية إسقاط النظام الديكتاتوري ، وإنما قدمت لهم السلطة على طبق من ذهب من قبل المحتل الأجنبي ، وهذا معروف لدى الجميع ، لذلك لا أرى ما يبرر دعوة هؤلاء الى تنسيب لأنفسهم ما ليس لهم به صلة .. كانت الظروف الموضوعية للعراق ناضجة بالتمام والكمال في الربيعين ولكن الظروف الذاتية كانت غير ناضجة والى الآن ، لذلك تمكن النظام في ربيع عام 1991 من قمع الأنتفاضة بقوة وقسوة والقضاء عليها دون معاناة خلال أيام ، وفشلنا وما زلنا كذلك خلال ما يقارب التسعة سنوات على سقوط النظام من تشكيل حكومات التوافقات والمشاركات والشراكات ونجحنا بتفوق في تشكيل حكومات الخلافات والأختلافات والمحاصصات التي لم تأت بالأمن والأمان والكهرباء والرفاه والرخاء والحياة الحرة الكريمة للعراقيين والعراق ... أليس كذلك أيها الساده قادة الأحزاب الحاكمة .. ؟ صحيح أن السياسة هي فن الممكن ولكن ذلك لا يعني أن نكذب على الشعب ونتخذ من الكذب وسيلة ومهنة لتحقيق الغاية السياسية كما هو حال الكثيرين من أقزام محترفي السياسه ، أي القيام بتطوير مبدأ غوبلز وزير إعلام هيتلر الذي قال ( أكذب أكذب حتى يصدقك الآخرين ) الى مـبدأ ( أكذب أكذب حتى تصدق نفسك ) ..               

267
المنبر الحر / رحلة عبر الزمن
« في: 14:19 27/09/2011  »
رحلة عبر الزمن
 

بقلم : خوشابا سولاقا

في زيارتي لفرنسا وإقامتي في بعض مدنها العريقة بتاريخها عبر الزمن تأملت أمور كثيرة  منها ما كنت متفقا معها أو تلك التي كنت معارضا لها وذلك من طبيعة الجنس البشري ، وبعد تأمل عميق في طبيعة تلك الأمور وتاريخها إستنتجت أن هناك حقائق تفرض نفسها بقوة على المراقب الدقيق الملاحظة وقارئ التاريخ بمنهج علمي ، بالتأكيد أنه سوف يغير قناعاته وإستنتاجاته حول الكثير من تلك الأمور كليا أو جزئيا ، وإلا فيكون قد حكم على نفسه بالسذاجة والحماقة ... من جملة ما إستنتجته من خلال مشاهداتي وملاحظاتي للصروح والمعالم التاريخية التي شيدوها وبنوها القدماء من أبناء الشعب الفرنسي المبدع حسب تقييمي له في هذه الزيارة أن المعايير التي تعتمد في تقييم الأمور في مكان ما وزمان ما ومجتمع ما تكون قاصرة وغير صالحة إطلاقا لتقييم نفس الأمور في مكان آخر أو في زمان آخر أو في مجتمع آخر ... فلقد إستوقفني الحضور المكثف لأبناء البشرية من أمم وشعوب مختلفة ، من أديان ومعتقدات وأجناس مختلفة ومن ولاءات فكرية وسياسية مختلفة ومن جميع أبناء المعمورة ، ولكن وجدت أن الجميع كان مجمع على زيارة المعالم التاريخية والصروح المعمارية الحضارية العملاقة مثل قصر فرساي وبرج إيفيل ومتحف اللوفر وكاتدرائية نوتردام وكنيسة سان جيرمان وغيرها الكثير من المعالم الحضارية التي تحبس الأنفاس لما فيها من روائع الفن المعماري والتماثيل الرائعة التي تجسد بأبداع فني راقي أمجاد فرنسا والشعب الفرنسي عبر قرون من الزمن ، هذا من جهة ومن جهة أخرى إن ما تدره هذه المعالم الفنية والحضارية الرائعة من أموال طائلة وبصورة دائمه قد تفوق واردات النفط لأية دولة نفطية في الشرق الأوسط فهي الأخرى ظاهرة ملفتة للنظر ، إن السياحة في فرنسا مصدر لثروة كبيرة جدا ، لا لكون فرنسا الوحيدة في العالم تمتلك مثل هذه المعالم ، بل لأنها تعرف كيف تستثمر هذه المعالم الحضارية وكيف تحميها من العبث وتصونها وتجعلها ثمينة القيمة عند القاصي والداني ، وكل ذلك يعود الى وجود قيادة أمينة ونزيهة ونظيفة اليد والذمة تدير البلاد بكفاءة وبحرص شديد على أموال الشعب من جهة ، ووجود شعب يحب بلده ويعتز بأنتمائه للوطن ويحب النظام ويحترم القانون ويصون بحرص شديد الممتلكات العامة من جهة أخرى ، وليس كما هو الحال عند الآخرين من الأمم التي تعتبر قياداتها سرقة أموال الشعب مهنة وفن وشطارة وقيمة أخلاقية وشعب يعتبر التجاوز على القانون وخرقه وعدم إحترامه والعبث بالممتلكات العامة وتخريبها شجاعة ورجولة ( جدعنة ) كما يقول الأخوة المصريون ... لو كان الشعب الفرنسي الذي ثار على النظام الملكي والعائلة المالكة التي كانت قابضة على السلطة بيدها بقوة في ثورته الكبرى في اليوم الرابع عشر من تموز من عام 1789 وقطعوا فيها رأس مليكهم لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري إنطوانيت بالمقصلة أمام الجماهير الفرنسية الثائرة يعلم أن ما شيده لويس السادس عشر وزوجته ماري إنطوانيت والتي أشرفت بنفسها على الأخراج الفني والمعماري على محتويات قصر فرساي الذي أصبح اليوم قبلة ومزارا للسواح من مختلف بلدان العالم سيصبح مصدرا لثروة هائلة يدرها للشعب الفرنسي وأن يصبح رمزا يتباهى به الفرنسيين أمام شعوب الأرض لأقام لهما تماثيل من الذهب الخالص في كل ساحات مدن فرنسا وليس قطع رأسيهما بالمقصلة المرعبة الرهيبة والتي أشاعت الخوف والرعب في فرنسا في ذلك الوقت حتى أنها أخيرا طالت رؤوس قادة الثورة نفسها ، ما العمل إن كان ذلك منطق الثورات وقانونها وفلسفتها ... حيث أن الحضور المكثف لزيارة قصر فرساي وبرج إيفيل وكاتدرائية نوتردام وكنيسة سان جيرمان ومتحف اللوفر وغيرها الكثير من الصروح الحضارية والتاريخية والتي تملء فرنسا من شرقها الى غربها ومن شمالها الى جنوبها التي شيدوها الأقدمون من أجيال فرنسا ، وقد يكون تشييد تلك الصروح  قد تم في حينه على حساب ظلم ومعاناة وتضحيات الكثير من عامة الناس من الطبقات المسحوقة بمعايير ذلك الزمان  ، إلا أن ذلك أصبح اليوم مصدر ثروة عظيمة لا تنضب لقوت الشعب الفرنسي وستبقى كذلك في المستقبل حسب معايير هذا الزمن ، هكذا تنقلب المعايير من زمن الى آخر ... ومن المثير للأستغراب لم ألاحظ أي ذكر لقادة وخطباء الثورة الفرنسية مثل ( ميرابو وفولتير ومونتسيكيو وغيرهم ) بل حتى لم ألاحظ أي ذكر وأثر بين تلك الصروح للثورة الفرنسية ذاتها عدا تمثال الحرية الوحيد واليتيم في ساحة الجمهورية في وسط باريس لا يزوره أحدا من الفرنسيين ولا يهتم به أي من أبناء الشعوب الأجنبية الآخرى التي تتقاطر لزيارة فرنسا كما هو الحال مع الصروح القديمة !!! إن قصر فرساي أو ملكية فرساي كما يسمونها الفرنسيين وحدائقها الجميلة التي لا يضاحيها في جمالها وفنونها وتماثيلها أي صرح مماثل شيده الأنسان في العالم أجمع ، هي تحفة فنية رائعة الجمال بمبانيها وحدائقها ومحتوياتها من الأثاث والتماثيل ولوحات الرسم التشكيلي التي تجسد ببراعة نادرة معارك فرنسا عبر التاريخ الطويل ، هذه اللوحات تحاكي العصور بلغة غاية في البساطة يستطيع أن يفهمها جميع الشعوب من دون معاناة أو صعوبة ... إن الشعوب التي تعرف كيف تحافظ على تراثها وما أنجزته أجيالها عبر تاريخها تبقى شعوب حية تساهم بقوة وفعالية في رفد الحضارة الأنسانية بالجديد الأروع والأجمل وتضيف الى التراث القومي والوطني والأنساني ما يجعلها خالدة في ذاكرة التاريخ يذكرها ويخلدها الأصدقاء والأعداء بأحترام ، هذا ما شاهدته بأم عيوني في الشعب الفرنسي العظيم بأفعاله وأعماله وليس بأقواله كما يفعل غيره من الأمم التي تغني ليل نهار بمجد وماضي أجدادها مثلها مثل من يغني في غابة لا يسمعه أحدا ... والسؤال الكبير الذي أريد طرحه هنا لأبناء شعبي العراقي هو لماذا نقتدي بهمجية وغوغائية الشعب الفرنسي أثناء الثورة الفرنسية الكبرى ولم نقتدي بما قام ويقوم به الشعب الفرنسي بعد الثورة الى يومنا هذا ..؟ لقد قطعوا الفرنسيين رأس الملك لويس السادس عشر وزوجته الملكة ماري إنطوانيت ولكنهم لم يهدموا ملكية فرساي بل أبقوها شامخة وحافظوا على كل ما فيها من المجوهرات والتحف الفنية التي لا تقدر بثمن وبقى كل ما قام به الملك وزوجته على حاله الى يومنا هذا ونصبوا للملك تمثال رائع في مدخل ملكية فرساي وهو يستقبل ويحي الحشود الزائرة لفرساي ، ولكنهم هدموا الباستيل السجن كرمز للظلم والطغيان والعبودية الذي أذل الشعب الفرنسي وأذاقه المر طوال قرون من الزمن ... متى تقتدي شعوبنا في الشرق الأوسط بفرنسا الحضارة والفن والتمدن وتخلع عن نفسها  ثوب التخلف الأجتماعي وتلبس ثوب الحداثة والعصرنة ويرمون خلف ظهورهم ثوب الهمجية والعنف والقتل كوسيلة لحل مشاكلها ونبذ لغة الحروب كوسيلة للحوار فيما بينها ومع الآخرين ، هذه المفاهيم والقيم القبلية والعشائرية البالية التي ترسخت في عقليتنا وسلوكنا ونفسيتنا وأصبحت جوهر شخصيتنا وتتحكم بطبيعتنا وتحدد مساحة الأنسانية فينا إن صح التعبير هي قيّم لا تقرها الأخلاق الأنسانية وقيّم الأرض والسماء ، بخلع هذا الثوب نسترد إنسانيتنا وكرامتنا بين الأمم والشعوب المتحضرة ونتبوأ الموقع اللائق بنا وبحضارتنا بين شعوب الأرض .                     

268
العلاقة بين الدولة والحكومة
بقلم : خوشابا سولاقا

ان الدولة بمفهومها الشامل والواسع هي تلك القوة الأجتماعية المنظمة التي تملك سلطة قوية تعلو قانونا فوق أية جماعة داخل المجتمع وعلى أي فرد من أفراده ، ويميز الدولة عن بقية الجماعات ذلك الأعتراف لها بحق القسر وطلب الطاعة من المواطنين ،ويعطيها هذا الحق الأولوية على كل الجماعات الأخرى في المجتمع مثل الأحزاب السياسية والجماعات الدينية والأثنية والجماعات الأقتصادية والتجمعات العمالية وغيرها ،أي بمعنى هي  منظومة تشمل مجموعة مؤسسات اختصاصية في وظائفها تقوم بترجمة معنى مفهوم الدولة على أرض الواقع من خلال آليات منظمة ومناسبة تتناغم وتتناسق فيما بينها في أدائها لمهامها الوظيفية  لأدارة البلاد والمجتمع معا في مختلف المجالات الأقتصادية والأجتماعية والثقافية والعلمية والمالية وهذه المؤسسات تكون في حالة علاقة تكاملية جدلية مع بعضها في أدائها لوظائفها المخططة والمقررة لها قانونا وتشكل بالتالي الركائز الهيكلية لما تسمى أو بات يعرف بالدولة ككيان معنوي ، ومثل هكذا دولة تسمى دولة المؤسسات ، ومن هنا يجب أن نفرق بدقة بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة ، لأن الدولة هي الجهاز العام والحكومة هي أحدى أدواته وهي الأشخاص الذين يحكمون بأسم الدولة قانونا .وبناء على ذلك فالدولة هي تصور نظري عمليا ، أما الحكومة وأشخاصها فهم يتغيرون ولا تختلط هنا  الصورتان للدولة والحكومة الا في المجتمعات البدائية أو الدول الديكتاتورية التي تتعمد فيها الحكام دمج الصورتان معا لأنتاج صورة الديكتاتور المستبد ، حيث يدعي فيها  الحاكم المستبد أنه هو الحكومة والدولة والشعب أحيانا . والمؤسسات التي تتشكل منها الدولة وتجمعها مرجعية قانونية واحدة وهي مرجعية الدستور التي تنظم علاقاتها ببعضها وفق مبدأ فصل السلطات وتكامل آليات أدائها لمهامها ضمن اطار الدولة الواحدة هي : أولا المؤسسة التشريعية التي تنتخب بشكل مباشر في انتخابات عامة بالأقتراع السري من قبل أفراد الشعب والتي تعرف بمجلس نواب الشعب وهذه المؤسسة مهمتها تشريع القوانين بشكل رئيسي ومراقبة ومتابعة أداء الحكومة والأشراف على عملها. وثانيا المؤسسة التنفيذية أي الحكومة والتي يتم تشكيلها من قبل الكتلة الفائزة في الأنتخابات العامة أو من خلال تحالف مجموعة كتل فائزة وفقا للدستورويصادق عليها مجلس نواب الشعب لتأخذ بذلك شرعيتها القانونية وتقوم بتنفيذ برنامجها الحكومي تحت مراقبة واشراف مجلس نواب الشعب من خلال لجانه المختصة وفقا للدستور ، وثالثا مؤسسة القضاء بكل اختصاصاتها وهي مؤسسة مستقلة في قراراتها وهي تتابع تنفيذ القوانين من قبل الحكومة وتتابع التزام مؤسسات الدولة  بالدستور وتفسير مواده ونصوصه وهي أعلى سلطة قانونية في البلاد لا سلطان عليها لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في شؤونها أو في شؤون العدالة . ورابعا مؤسسة الأعلام وهي من المفروض أن تكون سلطة مدنية مستقلة حرة رقابية تراقب نشاطات مؤسسات الدولة الأخرى وتكون حيادية غيرمنحازة بعيدة عن التجاذبات السياسية للحركات والاحزاب  وتنتقد كل ما تراه مخالفا للقانون والدستور ولا يخدم مصلحة الشعب والوطن في سلوك وممارسات  ونشاطات  المؤسسات الأخرى .وخامسا وأخيرا مؤسسة منظمات المجتمع المدني بكل ألوانها وأشكالها ،ان فعالية هذه المؤسسة يشكل المعيارالأساسي  لقياس مدى ديمقراطية ومدنية الدولة وتحضرها اجتماعيا ،وان هذه المؤسسة يكون لها دور فعال ومؤثر لتنظيم آليات العمل والتنسيق بين مؤسسات الدولة الأخرى في أدائها لأخصاصاتها المهنيه ومنعها من التجاوز والأنحراف عن مسارها المحدد دستوريا  والأستحواذ على سلطات وصلاحيات بعضها البعض . وعليه فأن وجود منظمات مجتمع مدني قوية وراسخة وفعالة  يعني وجود دولة مدنية ديمقراطية قوية ومسيطرة على مقدرات الأمور وشؤون البلاد بحكمة وتعقل ودراية والعكس صحيح أيضا وقوة هذه المؤسسة تستمدها من الجماهير الشعبية من خلال التظاهر للضغط على المؤسسات التي تزل أو تنحرف عن مسارها لتعيدها الى حيث يجب أن تكون . . . أن مؤسسات الدولة هي مؤسسات هيكلية معنوية ثابتة لا تتغير بتغيير الأشخاص الذين يديرونها ،وان التغيير الذي ينعكس في عمل هذه المؤسسات هو انعكاس  لما يتم تغييره في القوانين والتعليمات والضوابط المعتمدة وما يجري من تعديلات على الدستور وفق ما تقتضيه  مستجدات الحياة الأجتماعية في مختلف المجالات ولذلك تبقى الدولة كيان نظري  معنوي راسخ لا يتغير بتغيير الأشخاص العاملين في المؤسسات التي تتشكل منها الدولة... أما الحكومة فهي أحدى مؤسسات الدولة أي هي السلطة التنفيذية للدولة وهي تتغير بتغيير أشخاصها حسب مقتضيات مصلحة البلاد العليا وهي مؤسسه تقدم الخدمات للشعب وبالتالي هي مؤسسه خدميه وليس الا .. ولكن ما يحصل عند أداء مؤسسات الدولة المختلفة لمهامها نلاحظ أحيانا  أن الحكومة أي السلطة التنفيذية تحاول فرض ارادتها وأجنداتها  على الدولة والأستحواذ عليها وتسخيرها لصالحها واضعاف دورها الرقابي وأحيانا أخرى يحصل العكس ، وهذا السلوك يشكل حماية للفساد الأداري والمالي والمفسدين من كبار المسؤولين  والتستر على التجاوزات والسلوكيات المنحرفة في أجهزة الدولة وبالتالي يمهد لنشوء دولة شمولية ديكتاتورية وهذا ما يشير اليه واقع الحال في العراق لذلك يتطلب التصدي لمثل هذا الأرتداد قبل فوات الأوان واستفحال الحالة  وعودة الديكتاتورية بلون آخر وتحت رداء جديد  ، وهنا من المفروض أن يظهر بقوة  دور السلطة القضائية لمنع حصول مثل هذه  التجاوزات والتداخلات والتقاطعات ، وفي حالة ضعف دور القضاء وعجزه  في الفصل بين نشاطات وسلطات الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى أو في حالة انحيازه  لجانب بعينه ضد جانب آخر، هنا  يتطلب أن ينشط  دور منظمات المجتمع المدني ويأخذ أقصى مداه وتتدخل بقوة  لمنع حصول تجاوز من الحكومة على بقية مؤسسات الدولة أو هيمنة الدولة على الحكومة وتحجيم دورها وفعاليتها في تنفيذ برنامجها الحكومي المقر من مجلس النواب ، وما تظاهرة الخامس والعشرين من شباط الجاري التي عمت مدن وقصبات العراق في الداخل وجالياته في الخارج الا نموذجا رائعا للرد والتصدي بالطرق السلمية لكل اخفاقات الدولة في تقديم ما يجب تقديمه للمواطن من خدمات ، وعجزها في مكافحة الأرهاب وارهاب الفساد المالي المستشري في أجهزتها ونهب المال العام ، وفشلها الذريع في  مكافحة الفقر والبطالة ، وتشجيعها للمحسوبية والمنسوبية وعلاقات القرابة على حساب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في أجهزتها ، وما اجراءات الحكومة الأعلامية والدعائية قبل انطلاق التظاهرات  واجرءات منع التجول للعجلات وغلق الطرق والشوارع والجسور والنشر الكثيف لقوات الشرطة والأمن والجيش وتفتيش المارة واعتقال البعض منهم بتهمة الشغب ، وغيرها من الأجراءات غير المبرره التي تحد من حركة المواطنين والتي تبغي بالنتيجة تقليص عدد المشاركين في التظاهرة وبالتالي احتوائها ومنعها من الأنطلاق واستخدام العنف المفرط بما فيه الرصاص الحي ضد المتظاهرين يشكل اعترافا صريحا للحكومة بفشلها وعجزها عن مواجهة مطاليب الجماهير العراقية الساخطة ، وتعتبر هذه التظاهره جرس الأنذار لمحاولات الأرتداد والأنحراف لمن يريد العودة بالبلاد الى الديكتاتورية بلون جديد ،نقول لهؤلاء الحالمين ان الديكتاتورية في العراق قد انتهت والى الأبد ومن غير رجعة طالما شعبنا يقض وتفتحت عيونه للحرية وأختار الديمقراطية له نهجا للحكم والحياة فلا تمنون أنفسكم بما ليس بوسعها ، أفهموها جيدا ان عصر الديكتاتوريات والعبوديات قد أنتهى وبدأ عصر الشعوب عصر الحرية والأنعتاق ونهضة المظلومين والمقهورين والمحرومين من سباتهم ....!!         



269
الوطن واحد... والشعب واحد... لماذا قانون الرواتب إثنان؟

بقلم:خوشابا سولاقا

من المعروف للجميع بأن جميع العاملين من أبناء الشعب في اجهزة ومؤسسات الدولة الرسمية المختلفة وبمختلف مستوياتهم في التدرج الوظيفي وعناوينهم يعتبرون موظفين في الدولة ويقدمون من خلال مواقعهم خدماتهم لأبناء الشعب وكل واحد منهم يكون في موقعين متبادلين الخاد م في مكان والمخدوم في مكان آخر ومن المفروض بكل واحد منهم مهما كان موقعه في سلم المسؤولية وعنوانه الوظيفي أن يقدم ما بأستطاعته من العمل والجهد لتقديم اكبر قدر من الخدمة وأفضلها لأبناء شعبه وإعتبار الوظيفة أمانه وطنية بعهده الموظف وواجب مفروض أدائها تجاه الوطن لان ذلك شرط الانتماء للوطن والمجتمع ويتقاضى مقابل ذلك من خزينة الدولة كحق شرعي وقانوني واجب الضمان والدفع على الدولة لكل موظف حسب موقعه ومستوى مسؤوليته، حيث من المفروض لو أردنا تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد المجتمع وأن نكون منصفين بحق الوطن والشعب وحق الفرد في ان واحد علينا ان نقيس الامور وفق المبدأ القائل (من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله).. ولكن لكل حالة ظروفها الذاتية والموضوعية تجعل تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع الاجتماعي ضرب من الخيال وحالة مثاليه صعبة المنال، ولكن في نفس الوقت ضروري أن يبقى تحقيق ذلك هو هدف الطموح لكي نتمكن من تحقيق ما هو أدنى من ذلك اوقريب منه بالمستوى... عندها نكون قد حققنا وخلقنا نوعا من التوازن المنصف إجتماعياً في مداخيل أبناء الشعب، أي على المشرعين وضع معايير علميه دقيقة وعادلة ومنصفه لتوزيع الثروة والفرص على افراد المجتمع من خلال نوع وطبيعة العمل المنجز أو الواجب إنجازه مستندين في ذلك على معطيات موضوعية وبالتالي تحقيق اكبر قدر ممكن من المساواة والعدالة في المجتمع... وعلى ضوء هذا العرض يتطلب تقييم الحالة الاجتماعية العراقية الآن، بالتأكيد سوف تفاجئنا الحالة غير الطبيعية السائدة في العراق لما فيها من الغرابة والاجحاف والظلم بحق الاكثرية من أبناء الشعب لحساب الاقلية التي لم تقدم عملياً لهذا البلد إلا القليل من التضحيات والانجازات، بالأضافة الى ما خلقته هذه الاقلية التي عاشت غريبه عن الوطن في المهاجر وقفزت الى سدة الحكم من خلال دعم المحتل لها من ظروف إقتصادية وإجتماعية وسياسية غير طبيعية لاشاعة الجريمة بكل اشكالها وألوانها ونشر الفساد المالي والاداري في أجهزة الدولة ومؤسساتها الرسمية ونهب المال العام وإعتماد مبدأ المحسوبية والمنسوبية في توزيع المسؤوليات والمناصب في أجهزة الدولة بدلاً من مبدأ وضع الشخص المناسب في المكان المناسب مما ساعد على اشاعة الفرقة والتمزق بين ابناء الشعب الواحد وتفكك نسيجه الاجتماعي وترسيخ مبدأ المحاصصة الطائفية والقومية المقيتة. حيث قامت هذه الاقلية في مقدمة ما قامت به تشريع قوانين لتحديد رواتب ضخمة وامتيازات ومخصصات للمسؤولين الحاكمين، قوانين لامثيل لها في أي بلد في العالم. إنه أمر غريب أن يكون هذا الفارق الكبير بين مداخيل ومخصصات وإمتيازات الحاكمين والمحكومين بهذا القدر. حيث جعل الطبقة السياسية الحاكمة والمتطفلة على موارد الدولة اكثر ثراءً وجعل من عامة أبناء الشعب اكثر فقراً وعوزاً بعد كل ما عانته في ظل النظام الدكتاتوري البائد من حرمان وبؤس وشقاء وما قدمته من التضحيات الجسام من دماء ابنائها في الحروب العبثية، بحيث ينطبق على الحالة العراقية القائمة المثل القائل (يا من تعب يا من شقى ويامن على الحاضر لقى) إنه غريب أن يكون الشيء الوحيد صحيح في واقع هذه الشعوب هو الامثله الشعبية التي يفهمها بسطاء الشعوب بفطنة وذكاء ولا يدركها الحكام...!!
من الملاحظ أن هناك جدول لتوظيف الناس في أجهزة الدولة من حاملي مختلف شهادات التحصيل العلمي من أميين وخريجي الدراسة الابتدائية الى حاملي شهادات الدكتوراه مكون من إثنا عشر درجة وظيفيه إبتداءً من الدرجة العاشرة كحد أدنى صعوداً الى الدرجة الاولى ثم الدرجة الخاصة (ب) كالمدراء العامين ومن هم بدرجتهم ثم الدرجة الخاصة (أ) من وكلاء وزارة ومستشارين ومن هم بدرجتهم دون ان يشمل ذلك الوزراء، وعند استعراض درجات هذا الجدول سنجد ان هناك نوع من التناسق والتناغم بين مستويات الرواتب في هذه الدرجات، وان هناك معامل تتدرج وفقاً له الرواتب من مرحلة الى اخرى ضمن حدود الدرجة الواحدة او من درجة الى اخرى ضمن الجدول، وهذا معيار جيد ومنصف يمكن إعتماده للتتدرج من مستوى رواتب العامة (أبناء الشعب) الى مستوى رواتب الحاكمين (المسؤولين الكبار). حيث عند إستعراض الرواتب في درجات جدول الرواتب موضوع البحث والتي تتحكم في مستواها شهادة الموظف وعدد سنوات خدمته نرى فيها شيء من الأنصاف والعدالة والمساواة والى حد كبير يضيق الهوه بين هذا وذاك من حيث مستوى المداخيل للعاملين، وكذلك الحال عند إستعراض قانون تقاعد موظفي الدولة نجد أن ما يتحكم بالراتب التقاعدي النهائي للمتقاعد هو التحصيل العلمي (الشهادة) وعدد سنوات الخدمة وبالتالي تحديد الراتب التقاعدي النهائي كنسبة مئوية من الراتب الاساس (الراتب الاسمي) لآخر راتب كان يتقاضاه المتقاعد وهو في الخدمة الفعلية بالرغم من كون هذا الراتب غير مجزي ومذل لصاحبه عند مقارنته بمستوى المعيشة وحركة السوق المحلي حيث لايغطي في احسن الاحوال (50%) من الاحتياج الفعلي للحياة اليومية من جهة وما يقدمه المتقاعد من خدمات وتضحيات خلال فترة خدمته الطويلة في الوظيفة لدولة غنية بثرواتها وقدراتها من جهة أخرى، ولو أن هذا الامر ليس موضوعنا ولكن كما يقال الشيء بالشيء يذكر وإن الأشارة إليه من زاوية خفية هنا ضرورية للغاية لما له من علاقة في تكامل المعنى للموضوع قيد البحث...
إلا ان بالرغم من كل السلبيات في قانون تقاعد موظفي الدولة فيه شيء من العدالة والمساواة بين المشمولين به سلباً أو إيجاباً...!! ولكن ما هو غريب في كل ما ذكر هو رواتب الوزراء وأعضاء مجلس النواب المنتخبين من الشعب في إنتخابات ديمقراطية حرة ووفق قانون الولاءات للخصوصيات القومية والدينية والطائفية والحزبية وغيرها طبعاً والذي اصبح القانون الاساس للديمقراطية العراقية الجديدة والفريدة وفي ظل غياب الولاء للوطن وضياع الهوية الوطنية...!! وكذلك رواتب الرئاسات الثلاثة المتضخمة في عدد نوابها ومستشاريها وموظفيها ممن يشغلون مسؤليات تم استحداثها دون الحاجة إليها لغرض إفادة ثلة من الاقارب والاصدقاء المقربين والمحسوبين والحزبيين وتقاضيهم رواتب خيالية دون مقابل وبالشكل الذي لامثيل له في أي بلد آخر في العالم، هؤلاء لايتقاضون رواتب ضخمة وخيالية وإمتيازات كثيرة عجيبة وغريبة تصم لها الاذان وتقشعر لها الأبدان وتطأطيء لها الرؤوس خجلاً فحسب وإنما يجري كل ذلك تحت مسمع ومرئي الجميع وتحت ستار القانون في وضح النهار وليس تحت جنح الظلام، وقد اضيف على هؤلاء اعادة استخدام المسؤولين السابقين المتقاعدين من وزراء ونواب في اجهزة الدولة العليا بصفة خبراء مما يزيد الطين بلة...
أسال لماذا كل هذا ياطبقة المسؤولين الكبار التي ولدت من رحم الفساد المالي والاداري في اجهزة الدولة، أقول لكم من باب الميانة والعتاب وليس من باب الاهانة والمحاسبة أين أصبح الضمير والوجدان وأين حل الخوف من الله الذي يتشدق به أغلب الموجودين في سدة الحكم اليوم أليس الله عليم بكل شيء ...؟ اليس الله يمهل ولا يهمل...؟ ثم اليس الله غفور رحيم لمن يهتدي...؟ أين صارت حقوق الشعب والوطن التي تتباكون عليها ليل نهار في كل أحاديثكم وخطبكم وتصريحاتكم الرسمية وغير الرسمية وتذرفون عليها دموع التماسيح...؟ هل تفعلون بقول من قال (أفعلوا ما أقوله لكم ولا تفعلوا ما أفعله)...؟ لماذا ينعدم التناسق والتناغم بين رواتبكم وإمتيازاتكم وأنتم في الوظيفة ورواتب بقية موظفي الدولة في الدرجات الأخرى التي ذكرت سابقاً...؟ ثم ما هو أغرب من كل هذا رواتب المتقاعدين منكم، عفواً ومعذرة على زلة اللسان هذه أقصد بالقول الذين تنتهي مهمتهم كوزراء وأعضاء مجلس النواب وتنتهي فترة توليهم لهذه المناصب المتعبة والمزعجة والمكلفة جداً قانونياً ودستورياً حتى وإن كانت فترة بقائهم في هذه المناصب لأيام معدودة لهذا السبب أو ذاك ويحال على التقاعد مكرماً ومعززاً براتب تقاعدي مجزي قدره (80%) من راتبه الكلي مع المخصصات والامتيازات وليس من راتبه الاساس كما هو عليه الحال مع موظفي الدولة الاخرين من عامة الشعب... بالله عليكم ألا تشعرون بشيء من تأنيب الضمير عندما تتقاضون هذه الرواتب الضخمة والملايين من أبناء شعبكم يتضورون جوعاً ويعانون من الامراض وشحة الخدمات العامة ومن يعيش تحت خط الفقر منهم قد تجاوز الـ (25%) من نفوس العراق...؟ فاذا كان هذا الواقع الأليم والمزري بحكم الفارق الكبير بين مداخيلكم ومداخيل (99%) من أبناء شعبكم لايوقظ ضميركم ويستنهضه من هذا السبات المعتق الذي يشبه صمت القبور فما الذي يشحذ الحمم لفعل ذلك يا سادتي الكرام...؟ هل نسيتم أسباب ثورتي تونس ومصر وما آل اليه مصير زين العبدين بن علي وحسني مبارك...؟ ان ذلك ليس ببعيد عن ذاكرتكم اكيد وارجو ان لايغيب ذلك عن بالكم لانه افضل لكم وقد يقيكم ضرر الخطر الداهم...!! الا يعني لكم شيئاً المظاهرات والاعتصامات التي اصبحت تعم المدن العراقية وقصباتها وقراها كل يوم...؟ انها اشارات واضحة وضوح الشمس والحكيم تكفيه الاشارة ان كنتم تملكون شيئاً من الحمكة والفطنة والبداهة والنباهة...!!
ثم أليس الجميع موظفين في أجهزة الدولة...؟ لماذا لايتم تشريع قانون جديد موحد لجميع موظفي الدولة يحدد الرواتب وفق نسق معين يضمن حقوق الجميع ويتساوى بينهم في الحقوق المستحقة على وفق الواجبات والمسؤوليات التي يفرضها الموقع الوظيفي وأن يكون ذلك ضمن حدود معقولة من التمايز بين هذا الموقع وذاك وأن لايجعل ذلك التمايز الفارق كبيراً وهائلاً بين مداخيل شاغلي هذه المواقع في أجهزة الدولة للوطن الواحد من أبناء الشعب الواحد كما هو عليه واقع الحال في العراق الآن.

271
النضال ترويه دماء الشرفاء ويقطف ثماره الأوغاد

                                                                                                            بقلم : خوشابا سولاقا
انطلاقا من مقولة المناضل الثوري العالمي الارجنتيني الاصل مشعل الحرية عبر الازمنة والاجيال واغنية الثوريين الشرفاء في كل مكان والملتزمين بشعار المناضل اول من يضحي وآخر من يستفيد ( ارنيستو تشي جيفارا ) التي يقول فيها ( الثورة يصنعها المناضلين الشرفاء ويستغلها الاوغاد ) اقول ان هذه المقولة الصادقة والنابعة من اعماق ضمير ثوري مؤمن بالنضال الجماهيري ، انها رؤية ثورية ثاقبة لأنسان اختبر الحياة النضالية الحقة وصال وجال في اروقة ودهاليز السياسة المنورة منها والمظلمة وصاغ هذه المقولة الرائعة التي تحمل من الفكر والفلسفة الثورية الشئ الكثير لتسليط الضوء على حقيقة وطبيعة العاملين في حقل السياسة والتمييز بينهم من حيث الخصائل الاخلاقية والنبل السياسي ، بين من هو مناضل ثوري شريف مستعد للتضحية بكل شئ بما فيها التضحية يحياته في سبيل المبادئ والاهداف التي يؤمن بها ويناضل من اجلها دون ان يفكر لحظة واحدة بما يمكن ان يستغله من الفرص التي يتيحها له العمل السياسي لأن يستفيد منها لمصلحته الشخصية ، وبين من يجعل من العمل السياسي المنخرط فيه وسيلة لتحقيق منافع شخصية وسلما للصعود الى منابر الشهرة وبؤر الضوء على اكتاف وجهود وتضحيات الآخرين من رفاق الدرب ، ان مثل هؤلاء يكونون دائما على استعداد لخيانة المبادئ والخروج عن اخلاق قواعد فن السياسة والغدر برفاق الدرب والتعاون مع الاعداء ، هؤلاء لا يكون لهم استعداد لأية تضحية مهما كانت في ساحات العمل النضالي ولكنهم نراهم حاضرين ومستعدين وجاهزين للاستحواذ على ثمار النضال التي يأتي بها تضحيات ونضال الآخرين ، هؤلاء نراهم في ظروف السلم والامان هم اكثر صراخا وزعيقا وبكاء على المبادئ وهم اكثر من يمجد دماء وتضحيات الشهداء من رفاق الدرب ولكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك وانما يفعلون كل هذا من اجل ( الهريسة ) كما يقول المثل ان هؤلاء مع الاسف الشديد تعج بهم الساحة السياسية في العراق اليوم ، تراهم مختبئين قابعين كالجرذان في الزوايا المظلمة للحياة مغطين رؤوسهم الخاوية بالاغطية الوطنية والقومية والدينية والطائفية حسب متطلبات السوق العراقية المتغيرة بين ليلة وضحاها والتي الآن رائجة بمثل هذه البضاعات الرخيصة التي تطرح فيها من هذا الطرف اوذاك ، مستغلين ضعف الوعي السياسي للجماهير الشعبية وتعطشهم للحرية وتعاطفهم الشديد مع ما يطرح من الشعارات التي تخص خصوصياتهم وتمس مشاعرهم ومعتقداتهم وانتماءاتهم وتجاري ولاءاتهم العشائرية والمذهبية ، ولكن ليعلم هؤلاء هواة السياسة الاقزام ان هذه الحالة الاجتماعية للجماهير الشعبية هي حالة مؤقته تزول بمجرد حصول اية زلة لسان لخفافيش الظلام هؤلاء التي تطل برأسها في النهار بين حين وآخر للثرثرة بما لا تجيده وتتقنه من فن الحديث والكلام .
ان ابناء هذا الشعب بكل مكوناته ليسوا بهذه الدرجة من البساطة والسذاجة الاجتماعية والسياسية لتنطلي عليهم هذه الالاعيب والأكاذيب والخدع بل انهم على العكس من ذلك ، اذكياء واعين مثقفين يلتقطونها وهي طائرة كما يقول المثل الشعبي الشائع ومدركين لحقيقة الامور بكل دقائقها وتفاصيلها وعلى اطلاع كامل على السيرة الذاتية لكل واحد من هؤلاء الاقزام بما فيها علاقات معظم المهيمنين على شؤون البلاد اليوم بأجهزة امن ومخابرات النظام السابق من خلال ما وقعت بأيديهم من الكتب والمراسلات التي كانت تجري بين ضباط الامن والمخابرات لنظام صدام وبين هؤلاء الاقزام في مجال التجسس ونقل المعلومات على ما تقوم به المعارضة العراقية الحقيقية  العاملة في مناطق خارج سيطرة النظام في كوردستان والخارج ، حيث تتضمن هذه الكتب والمراسلات الاسماء الثلاثية الصريحة للضباط والوكلاء المتعاونين معهم في المعارضة وتواريخ واماكن لقاءاتهم واجتماعاتهم مثل هذه الكتب والمراسلات كثيرة ومن حسن حظ هذا الشعب وقعت هذه الكتب  بأيدي الشرفاء المخلصين من ابناءه ، وبأمكانهم ابرازها ونشرها عبر مختلف وسائل الاعلام لفضح هؤلاء وتعريتهم واظهارهم عراة من الشرف السياسي والاخلاقي كما كانوا في زمن النظام السابق عملاء ووكلاء له مقابل حفنة من المال الحرام ، لتطلع الناس على حقيقة هؤلاء الاقزام وأي صنف من المناضلين هم لتضع حدا لزيفهم وخداعهم ومكرهم ولتضعهم في حجمهم الحقيقي ولتقول لهم كفاكم كذبا وخداعا لقد دنت ساعتكم وتوقفت عقاربها من الحركة . الا ان الفرصة الذهبية المناسبة لم تحن بعد ولكن تمادي هؤلاء في غيهم ورعونتهم في استثمار كل الفرص لاغراضهم الشخصية واللعب بمقدرات هذا الشعب والتمعن المتزايد في خيانته واذلاله بهذه الوقاحة والصلافة ، عندها سوف يختزل الوقت للاعلان عن المستور المخفي والمكشوف المعروف لهؤلاء الاقزام ،عندها سوف لا يفيدهم الندم والاعتذار عن قباحات سياساتهم وعندها سوف يكتشفون ويعرفون بأنه فعلا السياسة هي فن الممكن ولكن لا يجيدها الا ذوي الاخلاق والنبل الانساني من المناضلين الشرفاء الذين يرفضون الذل والهوان ولا يطأطئون رؤوسهم لشهوات ونزوات المنافع الشخصية مهما كبرت وتنوعت تلك المنافع ، وعندها سوف يقول هؤلاء كما يقول المثل المشهور ( يا أبو زيد  لو ما غزيت ) وعندها يشعرون ويكتشفون بأن مثلهم كان كمثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمل وجسمها مكشوف للشمس . وانا اقول وكل مخلص وطني شريف ومناضل عتيد وكل من يجيد لعبة السياسة وقواعدها الاخلاقية النبيلة السامية نقول لهؤلاء ضعاف النفوس المتسولين على هوامش الحياة السياسية باحثين عن الفتات على موائد الآخرين وعن الفرص الرخيصة للعيش الذليل بأن، عصر المخفي المستور والعمل من وراء الكواليس مقنعين بلباس الكذب والخديعة وكم الافواه وكبت الحريات وحجب الآراء الحرة قد انتهى منذ دخول البشرية الى عصر شبكة الاتصالات الدولية ( الانترنيت ) وبظهور هذا الملعون الانترنيت لم تبقى فرصة للخفافيش ولكائن من يكون للاختفاء والتمويه والظهور بمظهر الشبح وضم الاسرار واخفائها بعيدة عن متناول الآخرين من الخصوم والاعداء والاصدقاء ، لذلك نقول لهؤلاء الذين لا يريدون الاقرار بهذه الحقيقة التي دخلت كل دار ومكتب عبر جهاز الحاسوب عبر العالم كله من خلال الاقمار الصناعية وجعل من كوكبنا قرية صغيرة ان يعيدون النظر بأسلوب عملهم وتعاملهم مع الحياة وفي طريقة تفكيرهم وتعاطيهم مع العمل السياسي ، والا فأن مصيرهم سيكون سلة مهملات التاريخ ... نقول هذا الكلام من حرصنا الشديد على مصلحة البلاد والعباد من شر الذين يتشدقون ليل نهار على المنابر من اقزام السياسة الذين يقطفون ظلما ومن دون استحقاق ثمار نضال وتضحيات المناضلين الشرفاء 


272
تتعدد المكونات والوطن واحد

خوشابا سولاقا

من الصعب على المرء بل من المستحيل ان يجد بلدا من البلدان في العالم اجمع شعبه مكونا من قومية واحدة او من اتباع دين واحد او من انصار طائفة واحدة، اي بمعنى اخر شعب ذات لون واحد، بل على العكس من ذلك نجده مكون من قوميات متعددة ومن اتباع أديان وطوائف عديدة، ولكن عامل التاريخ وواقع الجغرافية يفرض على هذه التعدديات المختلفة أن تتعايش وتعيش ضمن إطار إجتماعي واحد وتحت سقف واحد تشترك فيه بأكثر من مشترك ويجمعها اكثر من جامع وتجعل حياتها مشتركة ومصيرها واحد يفرض على الجميع شكلا معينا ومحددا تفرضه ظروف واشتراطات حياتية معينة من أشكال العيش المشترك وتدافع عنه ألا وهو العيش في الأطار الوطني يجمع الجميع الوطن الواحد، اي بمعنى أشمل ان الرابط الوطني هو الجامع الاكبر والأقوى من غيره، وهذا الرابط يجعل العيش المشترك للتعدديات الفرعية المختلفة امر محتم ومحكوم بوقائع ثابتة لابد منه حتى وإن إختلفت انماط العيش وثقافات هذه التعدديات عن بعضها البعض في بيئاتها الخاصة بها، وإن هذا الواقع يجعل الجميع معني بهذا الشكل أو ذاك وبهذا القدر أو ذاك ببناء ثقافة التعايش السلمي المشترك بين هذه التعدديات الأجتماعية المختلفة عرقياً أو دينياً أو طائفياً أو غير ذلك تذوب في بوتقتها ثقافاتها الخصوصية الفرعية بعمومياتها وتحتفظ بخصوصياتها وتميزاتها النوعية، أي بمعنى بناء ثقافة جديدة وهي ثقافة التعايش السلمي الوطني لأبناء الامة الواحدة في إطار الوطن الواحد، مع المحافظة على ثقافة الخصوصيات الفرعية بالاتجاه الذي يعزز وحدة الثقافة الوطنية ويقوي ويرسخ الوحدة الوطنية من اجل التأسيس لبناء مجتمع وطني شامل مجتمع جديد وبقيم وطنية جديدة منسجم مع نفسه وبالتالي تشكيل أمة متكاملة الخصائص والمقومات تنتمي للوطن.
لذا نرى أن مثل هذه المفاهيم أي مفهوم تعزيز الثقافة الوطنية الجامعة على أساس الأنتماء الوطني وليس على أساس الولاء للخصوصيات الفرعية تتطور مع تطور الوعي الانساني لدى الفرد ونمو الشعور بالحاجة الى التعايش السلمي بين البشر مهما أختلفت خلفياتهم الفرعية وخصوصياتهم، لأن في مثل هكذا واقع تكون للجميع مصالح مشتركة ومصير مشترك، حيث عندما يعم الخير على الوطن يعم على جميع ابناء مكوناته دون استثناء وعندما يهدد الخطر الوطن فأنه يهدد الجميع ايضاً، عندها يكون الجميع معني بالتصدي للخطر والدفاع عن الوطن، وهنا تختلط دماء أبناء المكونات جميعاً في عملية التصدي للخطر الخارجي والدفاع عن كيان الامة وحياض الوطن، وهذا امر طبيعي يدركه الجميع في حالات الحرب ومن المفروض أن يكون الادراك لذلك أقوى واكبر في حالات السلم أيضاً.
إن تحقيق مثل هذه المهمة النبيلة مهمة بناء الثقافة الوطنية المشتركة لمكونات الامة الواحدة هي من مهام ومن واجبات الدولة الوطنية، وهي السمة التي يجب ان تتسم بها الدولة الديمقراطية الحديثة، وبغياب هذه الثقافة أي الثقافة الوطنية الجامعة لاتكتمل مقومات بناء شخصية الامة الوطنية الجامعة لمكوناتها، ولا تتبلور وتتجسد وتتطور ثقافة الخصوصيات للمكونات إلا في ظل ورعاية هذه الثقافة الوطنية الجامعة وتحت خيمتها أي أن العلاقة بين الثقافة الوطنية الجامعة وثقافة الخصوصيات هي علاقة جدلية تكاملية لايمكن لأحداها أن تتطور نحو الأفضل في غياب الأخرى. وكل هذا يجب ان يتم برعاية الدولة ومن خلال مؤسساتها الدستورية التشريعية والتنفيذية والقضائية والاعلامية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني التي ترعاها الدولة والمعنية بثقافة المجتمع إبتداءَ من التربية في كنف العائلة مروراً بالتعليم الابتدائي والثانوي والجامعي الى أعلى مراحله حيث من الضروري أن يكون هناك منهج لتعليم الثقافة الديمقراطية والثقافة الوطنية لتخريج اجيال جديدة تؤمن بأولويات الولاء للوطن والوطنية قبل الولاء للهويات الفرعية، كالقومية والدينية والطائفية والعشائرية والحزبية والمناطقية وغيرها من الخصوصيات الداخلة في النسيج الاجتماعي للمجتمع الوطني. إن نمو الوعي الوطني المثقف للجماهير الشعبية هو الوحيد الكفيل بتجاوز كل أسباب الفرقة والضعف والتفكك في وحدة نسيج المجتمع الوطني وبالتالي  ضعف وتفكك الوحدة الوطنية الراسخة وهو الوحيد القادر على تأمين البيئة السليمة والصالحة والخصبة التي تنبت فيها الارادات المخلصة والمؤمنة بأنجاز وتحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية الراسخة وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة بين مكونات المجتمع الوطني الواحد على أساس العدل والمساواة ومن دون وجود هكذا مجتمع لا يمكن النجاح في بناء دولة عصرية حديثة ديمقراطية بمستوى الطموح دولة الحريات الفردية وحقوق الانسان.. هكذا هو الحال في المجتمعات والدول التي وصلت الى قمة التقدم والديمقراطية والتي سارت على مسار التعايش السلمي بين المكونات المختلفة عرقياً ودينياً وطائفياً في إطار الدولة الوطنية والثقافة الوطنية الواحدة والراعية للخصوصيات والثقافات للتعدديات الفرعية المكونة للمجتمع الوطني وخير مثال على ذلك أولها الولايات المتحدة الامريكية التي تضم كل القوميات والأثنيات والأديان المعروفة في أرجاء المعمورة وآخرها دولة الاتحاد الاوروبي بعلمها وعملتها الموحدتان والتي ولدت من رحم تاريخ طويل حافل بالحروب الدموية طيلة قرون من الزمن وكانت آخرهاالحرب العالمية الثانية التي قدمت فيها اوروبا بكل بلدانها الحالية قرابة الخمسين مليون ضحية من شبابها قرباناً لما حققته اليوم من بناء دولتها العتيدة على أطلال ذلك الماضي الرهيب والتي تعيش فيها العشرات من القوميات والاديان والطوائف في أمان ووئام وسلام وإنسجام من دون حروب والجميع يعيش ويعمل بجد وإخلاص لخير الوطن الجامع وتقدمه دون خوف على مصير مالديهم من الخصوصيات... لماذا لا نقتدي نحن العراقيين بعد تجاربنا المريرة التي عشناها في الماضي بهذه التجارب الرائدة في بناء عراقنا الجديد القائم على وحدة التعدديات المختلفة في وطن واحد، ونضع حداً ونهاية مشرفة على مانحن فيه الآن من الخلافات والأختلافات والصراعات بسبب هذه التعدديات والخصوصيات، لكونه الطريق الاقصر والأنجع للخلاص من الواقع المؤلم الذي نحن عليه الان والانتقال الى المستقبل المشرق الزاهر مستقبل الامة العراقية الواحدة تتساوى فيها في الحقوق والواجبات الجميع، العربي والكوردي والتركماني والكلداني السرياني الاشوري، المسلم والمسيحي والايزيدي والصائبي، الشيعي والسني دون تمييز في ظل هوية وثقافة وطنية عراقية دون سواها، عندها فقط يكون بمقدورنا ان نقول إن عراقنا بخير وسلام.

273
ماذا يجب ان تكون الابعاد الاستراتيجية والاولويات في الموازنة العامة للعراق؟

بقلم:خوشابا سولاقا

إن الموازنة العامة للدولة لاتعني في اي حال من الاحوال كونها الموازنة بين الواردات والانفاق، وإن تقييمها لايأتي الاّ من خلال زيادة حجم الفائض النقدي او تقليص حجم العجز النقدي فيها كما كان معروفا ومعمولا به وفق المفهوم الكلاسيكي للموازنة لان ذلك يمكن تحقيقه والتحكم به بسهولة من خلال تقليص حجم المشاريع البنيوية العملاقة ذات الانفاق الكبير، حيث  أن الدول المتقدمة اليوم قد تجاوزت هذا المفهوم او المضمون للموازنة العامة للدولة الى ماهو ارقى واوسع واشمل من حيث الاهداف الاستراتيجية، الى حيث ان الموازنة العامة للدولة العصرية الحديثة المتقدمة اجتماعيا واقتصاديا وتكنولوجيا، تعني اعطاء الاولويات في ابوابها وفصولها الى الجوانب الاجتماعية وما يتعلق منها بحياة ورفاهية المواطن والتصدي لمشاكل الحياة الاجتماعية والاقتصادية وزيادة رفاهية الفرد وبالتالي الى تقليص مساحة الجريمة بكل اشكالها في المجتمع والتي هي تحصيل حاصل المولود الشرعي لانتشار الفقر والبطالة من جهة وعلى زيادة حجم المشاريع الاستثمارية البنوية العملاقة التي لها علاقة بتنويع مصادر تمويل الاقتصاد الوطني كالمشاريع الصناعية والزراعية الكبيرة والمنتجة لحاجات المجتمع المادية من جهة اخرى بغض النظر كم يكون حجم الفائض النقدي او حجم العجز النقدي في الموازنة العامة للدولة.
ومن دون ذلك فأن الموازنة من حيث النتائج الاجتماعية والاهداف الاستراتيجية المرجوة منها لاجراء التغيير في بنية المجتمع اقتصاديا واجتماعيا لاتعني شيئاً. لأن الهدف في مشروع الدولة العصرية الحديثة يجب ان يكون زيادة رفاهية المواطن في كل مجالات الحياة، أي أنه يجب أن يكون المواطن حجر الزاوية في مشروع الدولة، وبالتالي يجب على المختصين أن يصمموا الموازنة المالية السنوية الممولة لمشروع الدولة على هذا الاساس، ولكي تكون الموازنة العامة بهذا الشكل يتطلب اعطاء الاولوية فيها للجوانب المتعلقة بالقضاء على الفقر واسبابه، والقضاء على البطالة الفعلية والبطالة المقنعة المتفشية في أجهزة الدولة، وتحسين مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع كالكهرباء والماء والتربية والتعليم والصحة والصرف الصحي وشبكات النقل والطرق والاتصالات والبيئة النظيفة والسلامة المهنية للعاملين وشبكات الرعاية الاجتماعية وحماية الامومة والطفولة وغيرها من الخدمات، وتوفير الأمن والأمان والسلم الاهلي في المجتمع. إن التصدي لهذه التحديات يأتي من خلال زيادة رصد التخصيصات المالية المناسبة في ابواب الموازنة السنوية التي تخص هذه المجالات، وبقدر ما يتم تخصيصه في ابواب الموازنة من الموارد المالية للتصدي لهذه التحديات بهذا القدر نفسه يتم تقييم الموازنة السنوية سلباً او ايجاباً، هذا هو المعيار الذي يجب أن يعتمد في تصميم الموازنة حتى وإن كان ذلك على حساب زيادة العجز النقدي وتخفيض الفائض النقدي بين الواردات الفعلية والنفقات الفعلية في الموازنة العامة للدولة. لذلك نلاحظ أن العجز يكون كبيراً في الميزانيات للدول المتقدمة في تصديها لمثل هذه التحديات، ويكون على العكس من ذلك في الدول المتخلفة في تصديها لمثل هذه التحديات، اي في الدول التي لاتعني القائمين عليها رفاهية شعوبها بشئ وكذلك لايهمها التفكير بخلق ركائز ومصادر جديدة بديلة لاقتصاد اجيالها في المستقبل وكما هو الحال في العراق ودول ما يسمى بالعالم الثالث.
فالقضاء على الفقر الذي يعتبر من أشد الأمراض الاجتماعية فتكاً وأخطرها تدميراً لبنية المجتمع ويخلق المناخ المناسب لنمو وأنتشار الجريمة الاجتماعية بكل اشكالها وألوانها بما فيها جرائم الأرهاب المنظم، حيث يشكل وجود الفقراء في المجتمع والذين يبحثون عن لقمة العيش اليومية صيداً سهل المنال للمنظمات التي تمارس الجريمة والأرهاب لاستغلالها في تنفيذ جرائمها، لان الفقر يدفع بالأنسان مهما كان طبعه عفيفاً ومسالماً لأن يفعل أي شيء في سبيل سد رمقه، وهنا يكفينا ذكر قول الامام علي بن ابي طالب "ع" حين قال "لو كان الفقر رجلا لقتلته". بالامكان الاستدلال من خلال هذا القول الحكيم والبليغ كم يكون الفقر قبيحا وكيف يدفع بصاحبه الى القيام بما لايؤمن به والى إرتكاب أقبح وأبشع الجرائم بحق أبناء نوعه من أجل إشباع غريزة الجوع... وعلى ضوء معرفتنا بدور الفقر في إنتشار الجريمة في المجتمع، كيف سيكون عليه الحال في مجتمعنا العراقي حيث بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر من ابنائه بحدود "23%"، أتساءل كيف لاتستطيع التنظيمات الارهابية الممولة من أعداء العراق من تصعيد وتُوسيع نشاطها الأرهابي الاجرامي كماً ونوعاً من دون ان تطولها يد القانون والعدالة وكيف لاتستطيع أن تخرق صفوف الاجهزة الامنية والقضائية لأن تكون في مأمن من محاسبة القانون وتنفيذ جرائمها بسهولة.. عليه أرى من وجهة نظري المتواضعة، أنه من المفروض أن تتضمن الموازنة العامة للعراق لعام /2011 والتي بلغت اكثر من "80" مليار من الدولارات وهي اكبر ميزانية في تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها أبواب وفصول تخصص مبالغ مالية مناسبة تزيد من حجم تخصيصات شبكة الرعاية الأجتماعية المعنية أصلا بالفقر والفقراء وزيادة تخصيصات الميزانية الاستثمارية وتخصيصات دعم القطاع الخاص والمختلط وقطاع الاستثمارات من خلال توسيع مشاركة ومساهمة الدولة بقوة في هذه القطاعات وتنشيطها وتفعيلها على حساب تقليص الميزانية التشغيلية الى الحد الادنى بتخفيض التخصيصات الكماليه ورواتب الدرجات الخاصة ومخصصاتها وامتيازاتها الضخمة غيرالمبرره الى الحد الذي اصبحت موضع تندر وإستهجان العامة، أي إعادة النظر بملاكات ورواتب ومخصصات وامتيازات اصحاب الدرجات الخاصة من درجة مدير عام صعودا الى رئيس الجمهورية وجعل راتب موظف في الدرجة الاولى من جدول رواتب موظفي الدولة معياراً لتحديد رواتب الدرجات الخاصة اي جعل مضاعفات هذا الراتب معياراً لتحديد رواتب الدرجات الخاصة، وكذلك اعادة النظر بقانون التقاعد لذوي الدرجات الخاصة وتوحيده مع قانون تقاعد موظفي الدولة من الدرجات الاخرى واعتماد نفس الاساس في إحتساب الراتب التقاعدي للجميع وليس كما هو عليه الحال حالياً حيث يحتسب لذوي الدرجات الخاصة كحد اعلى 80% من الراتب الكلي بينما يحتسب لبقية موظفي الدولة من الدرجات الاخرى 80% من الراتب الاسمي، وذلك بغرض خلق اكبر قدر ممكن من التوازن بين رواتب هذا وذاك وتقليص حجم الهوه الموجودة حالياً بينهما، ان هذه الاجراءات تؤدي الى خلق اكبر عدد من فرص العمل في هذه القطاعات لأستيعاب اكبر عدد من الايدي العاملة العاطلة عن العمل من مختلف شرائح المجتمع للقضاء على البطالة الفعلية والبطالة المقنعة المستفحلة في اجهزة الدولة، حيث هناك تضخم كبير في القوى العاملة في القطاع العام، إن توفر فرص العمل في القطاعات الاخرى يجعل الطلب على الايدي العاملة الماهرة الفنية والاختصاصية لمختلف المهن كبيراً والعرض قليل بالمقابل، عندئذ يؤدي قانون العرض والطلب الذي يحرك سوق العمل فعله حيث ذلك يؤدي الى ارتفاع الاجور في السوق في القطاعات الخاص والمختلط والاستثماري إضافة الى توسع نشاط سوق المهن الحرة والصناعات الحرفية والكمالية واليدوية والنشاطات الخدمية المختلفة كأعمال الصيانات والتصليحات والورش الفنية المختلفة والاستثمارات الفردية الصغيرة، كل هذه الفرص والنشاطات تؤدي الى إمتصاص البطالة في السوق المحلي والتي بلغت نسبتها في العراق حالياً بحدود"30%" من حجم الأيدي العاملة القادرة على العمل. وإمتصاص البطالة يؤدي الى تخفيض مستوى اسباب ودوافع الجريمة المنظمة وغير المنظمة في المجتمع وبالتالي القضاء عليها. وكذلك يؤدي هذا النشاط دوره الكبير في تعظيم واردات البلد من العملة الصعبة وتخفيض إعتماد  الموازنة على الواردات النفطية والتي تشكل حالياً اكثر من "90%" من اجمالي واردات العراق... هذا يعني أن الاقتصاد العراقي هو إقتصاد مشوه إحادي الجانب يعتمد في تمويله على الواردات النفطية لوحدها ما يتطلب تنويع مصادر تمويله بخلق مصادر جديدة وجعله يعتمد على اكثر من مصدر لجعله اكثر قدرة على المواجهة مع ما تواجهه من التحديات ولكي يكون اكثر تحصناً مما يحصل من تقلبات وتغيرات وتطورات وأزمات مالية وإقتصادية في الأقتصاد العالمي كالازمة المالية العالمية الحالية... من المؤكد أن أهم مصادر التنويع للاقتصاد العراقي هي تفعيل وتنشيط القطاع الصناعي والقطاع الزراعي بالنظر لما يتوفر في العراق من الموارد والعوامل الاساسية لتفعيل وتنشيط هذين القطاعين في حالة إستثمار جزء مهم من واردات القطاع النفطي المالية في هذين المجالين وجعلهما من المصادر الفعالة المنتجة للثروة النقدية وذات إعتبار في تعظيم الواردات النقدية للعراق الى جانب قطاع النفط... وكذلك يمكن تشجيع القطاع الخاص والمختلط بالاستثمار في القطاعين الصناعي والزراعي المحلي من خلال تشريع قوانين تدعم هذه التوجهات بصورة فعالة في سبيل بناء إقتصاد عراقي متنوع المصادر، إقتصاد قوي متين قادر على مواجهة ومسايرة التغييرات والأزمات الاقتصادية والمالية العالمية من دون نكسات وإنهيارات نوعية في بنيته التحتية.
في ظل وجود هكذا إقتصاد تكون هناك نهاية للفقر والبطالة والجريمة الاجتماعية والأرهاب وضعف وشحة الخدمات الاجتماعية المختلفة وتكون هناك بنية تحتية إقتصادية وإجتماعية قوية ورصينه وراسخة قادرة على التصدي لكل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية ويكّون ذلك الرحم الخصب لأنتاج بنيه فوقية راقية في قيمها الأخلاقية والأجتماعية والثقافية وبالتالي بناء المجتمع الذي تعيش فيه المكونات المتعددة بثقافاتها وبتنوع تقاليدها وعاداتها ومعتقداتها الدينية والطائفية وتمارس طقوسها بحرية ومن دون إقصاء أو تهميش مكون لأخر في حالة من الانسجام الاخوي في ظل القانون والدستور الواحد وفي أطار الوطن الواحد...
من المفروض أن تأخذ الدولة في إعتبارها عند تشريعها لقانون الموازنة العامة تحقيق هذه الاهداف الأستراتيجية على وفق اولويات تحدد مسارات انفاق الموازنة وأن لايكون التعامل مع الموازنة تعامل رقمي بحت خالي من المضامين الفكرية والسياسية والاجتماعية البعيدة المدى، وما استعرض في هذا المقال هو بهذا الأتجاه أي رؤية إنسان سياسي مفكر وليس رؤية اكاديمي مختص بالاقتصاد.

274
المصداقية والشفافية ومهنة الكذب في العمل السياسي

خوشابا سولاقا

صحيح ما قيل ان السياسة هي فن الممكن، وقيل ان السياسة هي وسيلة للدفاع عن المصالح وكيفية تحقيقها، وقيل فيها أيضاً ان الغاية تبرر الوسيلة وغيرها الكثير مما قيل من هذا القبيل في قاموس السياسة عبر التاريخ الانساني الطويل عن العمل السياسي، ولكن ليس هناك ماقيل عن ان تكون السياسة والعمل السياسي بعيداً عن المصداقية والشفافية وقول الصدق في التعامل مع الآخرين. وقد فهم بعض مراهقي وهواة السياسة اليوم من الأقزام الذين يتطفلون على هامش الحياة السياسية ويرتزقون على فتات الآخرين ماقيل في فن وفلسفة ومنطق وعلم السياسة من المفاهيم في العراق والتي فرضتها ظروف الاحتلال الاجنبي وسقوط النظام الديكتاتوري البائد المفاجيء وغياب محترفي السياسة الحقيقيين عن الساحة فهموا هؤلاء ان السياسة تبيح لهم كل الوسائل النظيفة والقذرة، الشريفة وغير الشريفة لأعتمادها في تحقيق الغايات الانانية والمصالح الشخصية تحت شعارات الدفاع عن المصالح القومية والوطنية التي تقيم الدنيا ولا تقعدها وبما في هذه الوسائل الكذب والرياء والنفاق السياسي والتضليل وخداع الناس من ذوي النزعات والتوجهات الفكرية المخلصة والصادقة والمؤمنة بالقضايا القومية والوطنية وتجييرها لصالح تحقيق المصالح والمكاسب الشخصية لهؤلاء الأقزام المبتذلين الذين يعيشون متطفلين على جهود وتضحيات غيرهم على هامش الحياة السياسية في العراق ويشوهون القيم النبيلة والمعاني الاخلاقية السامية لفن السياسة، وما حصل في توزيع المناصب في تشكيلة الحكومة الجديدة واقتسام الغنائم بينهم خير مثال حي على ذلك. لذا نرى إن مسيرة البلاد تسير من سيء الى اسوء يوما بعد يوم، ومثل هذه النماذج نراها موجودة ومنتشرة بكثافة في كل ركن من أركان الساحة السياسية في العراق.. ولكن ليكون في معلوم هؤلاء من صيادي الفرص الرخيصة إنها لن تدوم لهم طويلاً وإن حبل الكذب قصير كما يقول المثل الشائع، وعندها سوف لا يفيدهم ولايسعفهم الندم.. إن مثل هؤلاء يأخذون من المناصب ومواقع المسؤولية في أجهزة الدولة قواعد للأنطلاق بأتجاه إستغلال هذه المواقع والمناصب للاستفادة من المال العام والأثراء الشخصي الحرام، بينما المفروض بالأنسان السياسي ومن يعمل في حقل السياسة أن يكون على اكبر قدر ممكن من المصداقية والشفافية والنزاهة ونظافة الذمة وصدق القول ونصر الحق حتى وإن كان ذلك على نفسه، وأن يكون بعيداً كل البعد عن اسلوب امتهان الكذب والمراوغة والمناورة الخبيثة وتضليل وخداع الاخرين والضحك على ذقونهم إن صح التعبير وان لايتخذ من مهنة الكذب وسيلة لتحقيق أهدافه ومصالحه لأن الكذب لايكّسب صاحبه ثقة ودعم الآخرين وبالأخص المخلصين والمؤمنين بالقضية المشتركة التي تجمعه معهم بل يكسبه أعداء ألدّاء كثيرين، لأن الأنسان بطبعه وطبيعته ميال الى الصدق وقول الحقيقة وأن يرى في سلوك السياسين قولاً وفعلاً وليس فقط الزعيق والصراخ والتهريج المبتذل بصوت عال في كل الاوقات والأماكن مدعياً الدفاع عن الامة وعن مصالحها القومية والوطنية والبكاء على اطلال الماضي وذرف دموع التماسيح وبحركات بهلوانية قرقوزية عبر مختلف وسائل الأعلام من صحافة ومواقع الكترونية والأذاعات والقنوات التلفزيونية الفضائية بصورة تثير القرف والاشمئزاز في نفوس المتلقين.. في العمل السياسي ليس مطلوب بل ليس من المفروض دائماً ان ينطق السياسي بالحقيقة كاملة وأن يكون صادقاً في كل مايقوله أو يشير إليه في احاديثه ولقاءاته وتصريحاته لوسائل الاعلام المختلفة، ولكن ليس مقبول منه على الاطلاق أن يكون كاذباً بأمتياز على طول الخط وأن يحترف السياسي مهنة الكذب في كل مايقوله دائماً وأن لايكون صادقاً فيما يتعامل به مع الآخرين.
ونسبة الصدق في قول الحقيقة في العمل السياسي تعتمد على ظروف الزمان والمكان وطبيعة الحدث السياسي الذي يتم التحدث عنه وهذا يكون خاضعاً لتحليل وتقييم وإسستنتاج السياسي نفسه للحدث وتطوراته حاضرا ًومستقبلاً، ولكن في كل الأحوال لايغتفر للسياسي النزيه لجوئه لممارسة مهنة الكذب كوسيلة وأداة بديلة لممارسة فن ومهنة السياسة كوسيلة اخلاقية شريفة لتحقيق وحماية المصالح مهما كانت طبيعة تلك المصالح.. إن أشد مايؤسف له ويخجل منه المخلصون العاملون في التنظيمات السياسية العاملة الآن في العراق هو أن معظم قيادات هذه التنظيمات اقول معظمهم ولا اقول جميعهم في صراعاتهم المريرة والمستميتة على مناصب السلطة بكل مستوياتها وبسبب ماتمنحه لهم هذه  المناصب من المكاسب والامتيازات المادية طبعاً، نجدهم يمارسون مهنة الكذب والخداع والتضليل والرياء والنفاق السياسي والابتعاد عن معايير الكفاءة والنزاهة والأخلاص والحرص على المال العام والولاء للوطن ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب في عملية التكليف بالمسؤولية والتعويض عنها بمعايير المحسوبية والمنسوبية وعلاقات القرابة لشغل المناصب القيادية من الدرجات الخاصة في أجهزة الدولة المختلفة عندما يتطلب الامر ذلك كما حصل في تشكيلة الوزارة الجديدة والتي بالامكان تسميتها وزارة شراكة الاقارب والمقربين بدلاً من وزارة الشراكة الوطنية، وهي لاتستحق تسمية وزارة الشراكة الوطنية لانها اصلا قد اقصت اكثر من نصف المجتمع من المشاركة فيها والمتمثل بأقصاء وتغييب المرأة، حيث أن هذه التجربة قد سلطت الضوء الكاشف على الوجوه الكالحة من اصحاب صناع القرار السياسي في الدولة بشكل عام وداخل التنظيمات السياسية بشكل خاص وفضحت زيفهم ورياءهم ونفاقهم السياسي وإنحيازهم المفضوح للمحسوبية والمنسوبية وعلاقات القرابة والعشيرة والجنس على  حساب المباديء القومية والوطنية والمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات التي يتشدقون بها ليل نهار وعلى حساب عنصر الكفاءة والنزاهة والخبرة ونظافة الذمة وتوفر المؤهلات لوضع الشخص المناسب في المكان المناسب. كان إعتماد هذا الاسلوب هو السبب وراء الفشل الذريع الذي منيت به كل الحكومات السابقة التي توالت على كراسي السلطة بعد سقوط النظام البائد على يد القوات الامريكية عام 2003، حيث فتحت ابواب البلد على مصراعيها امام اقزام السياسة للقفز على كراسي الحكم والاستحواذ على مقدراته وتسخيرها لصالح اغراضهم الحزبية والفئوية والشخصية بأمتياز. لا أعرف لماذا لايأخذ هؤلاء الاقزام من هذه التجارب عِبر ودروس للخروج من مأزقهم السياسي الذي لايحسدون عليه..؟ لماذا يصرون كل هذا الاصرار على الاستمرار بالسير في طريق السقوط في الهاوية وبالتالي الاستقرار في سلة مهملات التاريخ كما فعل من سبقوهم من اصحاب السلطة الخائبين الفاشلين..؟ ولكن ما العمل اذا كان هذا هو منطق وفلسفة الفاشلين والضعفاء في الحياة ممن لايسمعون إلا أنفسهم..؟
ويقبلون الارتزاق من فتات الاقوياء خبزاً معجوناً بالذل والهوان ومال الحرام على حساب تعاسة ابناء شعوبهم..!!.

275
العلاقة الجدلية بين الحرية والقانون والثقافة

بقلم: خوشابا سولاقا

ان الحرية بمفهومها الواسع الفردي والمجتمعي هي المصدر الذي يطلق العنان للفرد كفرد او للفرد ضمن المجتمع للابداع الانساني الخلاق لانتاج قيم حضارية واجتماعية وانسانية اكثر تطورا ورقيا من تلك التي تسود المجتمع وتنظم كافة علاقاته وتتحكم به والتي هي بالتأكيد حصيلة تراكمية لابداعات الافراد عبر المراحل التاريخية السابقة لتتواصل من خلالها مع ما ينتج من القيم الجديدة في المستقبل، وإن عملية قمع وكبح الحريات او تقييدها بأي شكل من الاشكال ولاي سبب من الاسباب تعني قمع وكبح وعرقلة وتقييد تطور وتقدم المجتمعات من الأدني الى الأرفع والارقى وبالتالي توقف مسيرة التطور الاجتماعي، لذلك ولكي يستمر تطور المجتمعات بدون أدنى توقف لابد من أن يكون هناك إطلاق للحريات الفردية والمجتمعية باوسع مدياتها لكي يستمر الأبداع الخلاق للأنسان. أما القانون فهو الضابط الذي ينظم عمل فعل الأبداع الأنساني وإبقائه على مساره الصحيح، أي بمعنى آخر إبقاء الحريات الفردية والمجتمعية ضمن حدود يكون فعلها في الأبداع إيجابيا و بالتالي منعها من أن تتحول الى اداة هدامة تهدم ذاتها وفعلها الأنساني الأبداعي الخلاق وأن تتحول الى فعل وعمل مهبط للتقدم والتطور وتعود بالحضارة الى الوراء.. ولكن ليس مهماً بهذا القدر او ذاك لأن نتحدث عن الحرية واهميتها في حياة الفرد والمجتمع كحافز لانتاج القيم الحضارية المتطورة لأجل دفع المجتمع وحضارته الى الامام للارتقاء من الأدنى الى الأرفع وان نسهب في الكلام المنمق عن ذلك ونبالغ كثيرا بفوائد وايجابيات الحرية لانه امر بديهي ومفروغ منه. وكذلك ليس مهما ولا من الضروري ان نبحث وأن نجتهد ونبذل قصارى جهودنا من اجل صياغة نصوص ومواد قانونية لاجل السيطرة على سلوكيات الافراد في المجتمع وتنظيمها وبالتالي على السلوك العام للمجتمع نفسه من اجل الارتقاء به الى مستوى حضاري يعكس الحالة المثالية للتحضر للمجتمع الأنساني... إن ما يجعل الحرية مثمرة ومفيدة وايجابية ومنتجة للقيم الحضارية الراقية ومصدرا ملهما للابداع الخلاق للانسان، وما يجعل القانون والشرائع المختلفة ضوابط ايجابية مفيدة ذات جدوى للاحتفاظ بسلوكيات الفرد والمجتمع في سياقاتها الصحيحة وعلى مساراتها الطبيعية باتجاه الوصول الى مجتمع متحضر منتج للقيم الحضارية المتطورة والسلوكيات الانسانية المستقيمة والرفيعة والاخلاقية التي لاتبعث على الخوف والرعب والتعصب والعنصرية والحقد والكراهية والاقتتال والحروب، لابد من ان يكون لعنصر الثقافة بكل اشكالها والوانها دور كبير ورئيسي لتهذيب سلوك من يمارس الحرية ومن يطبق القانون لانتاج المجتمع الانساني المتحضر، حيث لايجوز لفرد غير مثقف ولا نتوقع منه ان يمارس الحرية بشكلها الايجابي ولايجوز لصاحب السلطة غير المثقف ان يطبق القانون بشكل مهذب وايجابي وغير ظالم عند ممارسته لتطبيق القانون. لأن الفرد غير المثقف قد يحول الحرية الى مجرد سلوكيات عبثية غير منضبطة تضره وتضر المجتمع وبالتالي قد يتطبع سلوك المجتمع بسلوك مثل هكذا افراد ومن ثم ينتج مجتمع عبثي خال من التحضر والتمدن، لانه هناك علاقة تبادلية بين سلوك الفرد وسلوك المجتمع اي ان احدهما ينتج الاخر جزئيا او كليا، وكما هو الحال عندما يكون الفرد مثقفاً ويمارس حريته فأنه يؤثر ايجابا في المجتمع وينتج قيما وسلوكيات متحضرة يتطبع بها سلوك المجتمع وبالنتيجة انتاج مجتمع مثقف متحضر..
وكذلك الحال عند تطبيق القانون من قبل فرد غير مثقف يتحول القانون عندها الى اداة قمعية ظالمة لانتاج سلطة قمعية منبوذة من قبل المجتمع وبالتالي انتاج نظام حكم استبدادي ديكتاتوري بغيض وظالم، ولكن عندما يكون صاحب السلطة انسانا مثقفا يحمل قيما وثقافة متحضرة يتحول القانون الى اداة لحماية الحريات الفردية والامن الاجتماعي وعندها يكون موضع قبول واحترام المجتمع، وعندئذ يكون منتجا لمقدمات النظام الديمقراطي الحر ولمجتمع العدل والمساواة.
وعليه فأن حضور عنصر الثقافة بكل اشكالها والوانها والمثقفين بكل اصنافهم واختصاصاتهم هو خط الشروع وإلارضية المادية الصلبة التي يجب توفرها في المجتمع لكي تكون ظاهرة ممارسة الحرية كحافزا ومصدرا للابداع الانساني الخلاق وليس العكس، حيث تصبح الحرية مجرد عبث في ظل غياب الثقافة والمثقفين. وكذلك الحال بالنسبة لتطبيق القانون كضابط لأبقاء سياقات ممارسة الحريات الفردية والمجتمعية مفيدة ولكي لايتحول القانون الى اداة للقمع والدكتاتورية والظلم يفترض ان يكون صاحب السلطة مثقفا..
ومن هنا نجد ان العلاقة بين الحرية كحافز لفعل انساني ابداعي خلاق لأنتاج قيم حضارية جديدة متطورة تتماشى مع متطلبات المرحلة والعصر، والقانون كضابط لمديات هذا الفعل الانساني الابداعي الخلاق وابقاءه ضمن سياقاته الطبيعية المنتجه للقيم الحضارية الجديدة ومنعه من الانحراف عن مساره الصحيح بالاتجاه المعاكس، والثقافة والمثقف، هي علاقة تكاملية جدلية تتأثر وتؤثر هذه العناصر الثلاثة الحرية والقانون والثقافة ببعضها البعض لأنتاج المجتمع الجديد، ولايمكن لأي عنصر من العناصر المكونة لهذه المعادلة من المحافظة على فعلها الايجابي في عملية تطور المجتمع في ظل غياب العناصر الاخرى لتشاركها في فعلها.. اي ليس هناك ضرورة لوجود الحرية الفردية او الحرية المجتمعية في غياب ضوابط من مجموعة قوانين تنظم عملية ممارسة الحريات على مستوى الفرد او على مستوى المجتمع وابقائها لأن تعمل وفق سياقات بحيث تكون نتائج هذه الممارسة ايجابية على مسيرة تطور الوعي الانساني للفرد والمجتمع وذلك لكي لا تتحول الحرية الى عملية عبثيه منفلتة ذات نتائج عكسية وسلبية على المجتمع، لأن في غياب القانون الضابط تكون ممارسة الحريات بشكل عبثي وذات نتائج مدمرة لذات الفرد ولذات المجتمع معاً، وكذلك ليس هناك مسوغ لوجود القانون في ظل كبح وقمع وغياب الحريات الفردية والمجتمعية وتغييب الثقافة والمثقفين لأن القانون عندها يفقد قدسيته وإحترامه ومسوغات وجوده، ويتحول الى اداة للقمع والظلم بيد السلطة الحاكمة مهما كانت طبيعتها لفرض ارادتها وهيبتها وديكتاتوريتها واستبداديتها السلطوية وفكرها الشمولي تحت مسوغ فرض تطبيق القانون وعندها بالمقابل وكرد فعل طبيعي لذلك يتشكل وعي اجتماعي رافض لسلطة القانون ومعارضاً له، لانه قد تحول اي القانون الى اداة بيد السلطة الحاكمة لفرض ديكتاتوريتها واستبدادها.
وهذا ما لانحبذه بل نرفضه جملة وتفصيلاً للعراق الجديد. ولكن بوجود الاثنين معاً الحرية والقانون بالشكل الايجابي المفيد ومرتبطان في ذات الوقت بوجود سلطة الثقافة والمثقفين لأدارة العملية برمتها هو ما يحقق الهدف المطلوب في بناء المجتمع الحضاري المنشود.

276
متى الغاية تبرر الوسيلة..؟
بقلم: خوشابا سولاقا

من المفروض بالانسان الواعي والمثقف اذا اراد ان يحقق نجاحا في عمل ما في اي مجال كان من الحياة عليه ان يحاول الاستفادة بقدر الامكان من تجارب الاخرين ممن سبقوه في اعمال مماثلة حتى وان كانت تلك التجارب تعود للأعداء، وليس بالضرورة ان يكون كل ما يفكر به اعداؤنا غير ذي جدوى وفائدة لنا في الكثير من اعمالنا التي ننوي القيام بها لانجاز مشاريعنا في الحاضر والمستقبل، وليس بالضرورة ان يأتي تحقيق الغايات النبيلة بالوسائل النبيلة كما يدعي البعض، كما ليس بالضرورة ان تكون دائما القاعدة  الميكيافيلية "الغاية تبرر الوسيلة" غير اخلاقية وغير انسانية كما يدعي البعض من المبالغين بالنبل الانساني والاخلاق الانسانية ان صح التعبير، بل ان ذلك يعتمد على طبيعة الغاية ذاتها، ومن وجهة نظرنا ان الغاية هي التي تحدد الوسيلة، حيث ان في كثير من الاحوال الغاية المراد تحقيقها تفرض الوسائل المناسبة لتحقيقها وقد تكون تلك الوسائل في غاية النبل وقد تكون بالعكس من ذلك قذرة وقاسية وغير اخلاقية وانسانية، فمثلا مكافحة جريمة القتل الهمجي من قبل الارهابيين بحق الابرياء لا يمكن ان تتم الا من خلال الوسائل الرادعة التي تتسم بالقسوة الصارمة دون مراعاة لأية اعتبارات اخلاقية وحقوق الانسان لان الذين يمارسون الارهاب بحق الابرياء لا يملكون احاسيس ومشاعروخصائل انسانية ولا يفهمون غير لغة القتل في تعاملهم مع الآخر، عليه فان مثل هؤلاء لا يردعون الا بالاسلوب المماثل لاسلوبهم وان يكون الحوار معهم بلغتهم ذاتها وما هو عكس ذلك يعتبرونه ضعفاً من الطرف المقابل اي سلطة الدولة فيتمادون اكثر في ممارسة الجريمة والقتل.
ان حالة الارهاب وطبيعته في العراق والذي تمارسه عصابات الجريمة والقتل من التنظيمات المتطرفة وقتل الابرياء من ابناء شعبنا العراقي على الهوية الدينية والطائفية والعرقية وبهذه الاساليب الهمجية البشعة واللا انسانية التي نشاهدها يوميا في العراق والمنافية لأبسط القيم والقواعد الاخلاقية والدينية والانسانية والقانونية تجعل عمليات التصدي لهؤلاء المجرمين وشراذم القتل ومكافحتهم واستئصال جذورهم من المجتمع بكل الوسائل الممكنة من اجل انقاذ ارواح الابرياء من ابناء شعبنا والمحافظة على القيم والاخلاق الحضارية والاجتماعية والدينية في المجتمع امراً مشروعاً واخلاقياً ومبرراً قانونيا ودينيا واجتماعيا لأن الغاية هنا في غاية النبل والسمو والقداسة وهي انقاذ لحياة الابرياء وحماية قيم المجتمع والحضارة من الاساءة والتشويه.. وهنا الشئ بالشئ يذكر واريد ان اذكر حكام العراق القابعين في المنطقة الخضراء وراء الاسوار والحصون الكونكريتية وبحراسة الالآف من المسلحين وشعبهم يقتل ويذبح بالجملة في الشوارع من قبل هذه العصابات والشراذم كل يوم بل كل ساعة ،اقول لهم الى متى يبقى البعير على التل..؟ لماذا لا تستفيدون من تجارب من سبقوكم في حكم العراق لتحقيق الأمن لشعبكم..؟ اريد ان اعود بكم قليلا الى الوراء واذكركم بتجارب حدثت في الماضي القريب في العراق تجارب كان اغلبكم الطرف المستهدف فيها، حيث الحكام اتخذوا جملة اجراءات قاسية بحق خصومهم السياسيين من الوطنيين المخلصين الشرفاء وشرعت قوانين خاصة لتبرير تلك الاجراءات، ليس لأن هؤلاء الخصوم ارتكبوا افعالاً اجرامية بحق الشعب كما يفعل الارهابيون الآن ولكن لمجرد الاختلاف معهم في الرأي والعقيدة السياسية واسلوب الحكم ، ولكن مع ذلك فعلت السلطات ما نجحت من خلاله في وضع حد لنشاط خصومهم بشكل كامل لعقود وشلت نشاطهم عن آخره كما حصل ذلك مع الاحزاب الدينية واليسارية والقومية وحتى احزاب الاقليات نالت قسطها من تبعات تلك الاجراءات. وبالرغم من الفرق الشاسع بين الحالتين الا ان الاجراءات الرادعة والقاسية والصارمة تأتي بأُكِلها وتأتي بالنتائج المرجوة وتكون الوسيلة المثلى في التعامل لشل الخصم وخصوصا اذا كانت ساحة العمليات هي نفسها التي حصلت على ارضها تلك التجارب في الماضي القريب والبعيد وان الخصم لا يفهم الا لغة القسوة والعنف ، عندها تصبح القسوة الاسلوب الامثل و الوحيد لمواجهة الارهابيين العابثين بأمن الوطن والمجتمع..
لذلك ارى من وجهة نظري المتواضعة اذا ارادت الدولة العراقية الموقرة بكل مؤسساتها الدستورية ، التشريعية والتنفيذية والقضائية وحتى الاعلامية ان تستقر ويستتب فيها الامن والسلم الاهلي وان تضع حدا ونهاية للعمل الارهابي والارهابيين والجريمة المنظمة والمنفلتة في العراق وتستأصل جذورهما من المجتمع عليها ان تتخذ اجراءات رادعة وقاسية تجاه التنظيمات الارهابية والاجرامية بكل اشكالها والوانها بحزم وصرامة وبلا هوادة من دون رحمة ولا شفقة وانزال بحق هؤلاء اقصى العقوبات على الفور... اي ان يقوم مجلس النواب العراقي بتشريع قانون يقضي بتنفيذ اقصى العقوبات حسب القانون العراقي على الفور بحق اي فرد عراقي الجنسية او غير عراقي من جنسيات اخرى ممن يثبت بعد التحقيق القانوني انتماؤه وارتباطه او تعاونه بشكل مباشر او غير مباشر بالتنظيمات المتطرفة والمتشددة التي تمارس الارهاب بحق ابناء الشعب العراقي وتكليف السلطة التنفيذية والقضائية بوضع الآليات واتخاذ الاجراءات الملائمة لوضع القانون موضع التنفيذ الفعلي، وتكليف الاعلام للنهوض بدوره بتثقيف وتوعية الجماهير بأبعاد واهداف ودوافع هذا القانون وكون الغاية من تشريعه في غاية النبل والسمو الاخلاقي، والتصدي لما يكتب وينشر ويقال في وسائل الاعلام الاخرى من تجاوز وانتهاك لحقوق الانسان بموجب المعاهدات والاتفاقات والمواثيق الدولية، وذلك لكون المستهدفين بهذا القانون هم من الارهابيين والمجرمين الذين يقتلون ابناء الشعب العراقي بدم بارد لا يملكون احاسيس ومشاعر وخصائل تمت بصلة بأنسانية الانسان، وان اعمالهم الارهابية والاجرامية بحق العراقيين يوميا تدل على ذلك، وعليه فأنهم غير مشمولين بغطاء مواثيق حقوق الانسان لكونهم باجرامهم هذا  قد فقدوا انسانيتهم عمليا...
ان تشريع مثل هذا القانون وتنفيذه بحزم وصرامة يكون كفيلا بأستئصال الارهاب والارهابيين والجريمة والمجرمين من جذورهما من ارض العراق بفترة زمنية قصيرة وقياسية.. فليسأل المعنيون انفسهم كيف كان النظام البائد مسيطراً على الوضع الامني في العراق؟
وكيف كان يقضي على نشاط خصومه السياسيين ويشلهم من الحركة في الداخل والخارج..؟ وكيف كان يتعامل معهم بقسوة ولا يعير أية اهمية لمنظمات حقوق الانسان وغيرها من الجهات الدولية المعنية بمثل هكذا امور بالرغم من كون خصومه الذين كان يستهدفهم هم من الوطنيين المخلصين الشرفاء من العراقيين، بينما خصومكم وخصوم العراق اليوم ارهابيون مجرمون قتلة عتاة لا يستحقون الرحمة والرأفة ، لماذا لاتطبق العقوبات القانونية الرادعة بحق هؤلاء لمواجهة اعداء الوطن والشعب. .؟
 لماذا كل هذا التساهل والتخاذل امام باطل هؤلاء القتلة المجرمين وشعبنا العراقي يذبح من الوريد للوريد كل يوم في شوارع مدن وقصبات العراق..؟ فاذا كان هناك في السلطة الحالية من لا يجد في نفسه الشجاعة الكافية لمواجهة الارهاب والجريمة والتصدي لهما عليه ان يترك موقعه لمن هو شجاع وقادر على المواجهة والتصدي.
واذا كان هناك من يدعي بأنه يحترم توقيعه ولا يوقع على تنفيذ الاحكام القانونية الرادعة عليه ان يستثني ذلك بحق المجرمين والارهابيين من قتلة ابناء شعبه الابرياء ومن الاجدر به ان لاينسى احترام قسم اليمين الدستوري الذي اداه امام شعبه بأن يكون حاميا لامنه ولأمن الوطن بأرضه وسمائه ومياهه ان يترك موقعه بهدوء ووقار ليستلمه غيره ممن لا يجامل ولايتساهل مع المجرمين والارهابيين العتاة ولا يهابهم. كفاكم تساهلا وتخاذلا ياقادة العراق الكرام تجاه الارهاب والارهابيين وتجاه الجريمة والمجرمين الذين يقتلون ابناء شعبكم بدم بارد وانتم صاغرون لا تحركون ساكناً ومنهمكون في صراعاتكم من اجل الكراسي والمناصب وتقسيم الغنائم بينكم حسب معادلات التفاهمات والتوافقات والتوازنات التي انتجت وافرزت ما يسمى بحكومة الشراكة الوطنية المحاصصية الكسيحة والتي يصعب عليها الاستمرار بالحياة كما نتوقع وكما يقول المثل حرارة الشمس يستدل عليها من شروقها...!!!

277
الخيار الصعب بين التهديد بالموت والانتحار في المهاجر

بقلم: خوشابا سولاقا

انه حقا خيار صعب للغاية لمسيحيي العراق لان يختاروا بين التهديد الارهابي بقتلهم او مغادرة ارض الوطن ارض الاباء والاجداد وبين التعاطف الاخوي الاسلامي العراقي مع بقائهم واستمرارهم في ارض الوطن من جهة وبين المغريات التي تقدم لهم من خلال دعوات بعض الدول الاوربية والامريكية لاستقبالهم في المهاجر على خلفية مجزرة كنيسة سيدة النجاة من جهة ثانية.. نحلل هذه الواقعة الاليمة التي تثير الشجون والآلام في النفس بشيء من العلمية والعقلانية لكي نتمكن من الوصول الى القناعة المطلوبة للوصول الى الخيار الافضل بين الخيارات المطروحة على الساحة لكي لانظلم انفسنا اولا والاخرين ثانيا...
من الامور البديهية والتي لاشك فيها ولا يختلف عليها اثنان حتى ممن يحملون القليل من العقل والوعي الانساني، بأن ما حصل في كنيسة سيدة النجاة هو بحق مجزرة رهيبة بشعة ذهب ضحيتها العشرات من الابرياء العزل من المسيحيين من الاطفال والنساء والرجال لا لذنب اقترفوه او لجريمة ارتكبوها بحق غيرهم، بل لمجرد كونهم مسيحيين وكانوا مجتمعين يصلون للرب ويتوسلون في دعائهم ليحل على العراق والعراقيين الخير والسلام بشكل خاص وللبشرية جمعاء بشكل عام، انها كانت بحق جريمة نكراء اقترفها هؤلاء الشواذ عن الاخلاق والقيم والاعتبارات الدينية والانسانية بدم بارد، جريمة يندى لها جبين الانسانية وفيها الكثير الكثير من الاساءة والتشويه على قيم الارض والسماء على حد سواء وعلى مباديء وقيم الدين الاسلامي السمح بحد ذاته اولا قبل غيره من الاديان، ولكن نقولها كلمة حق يجب ان تقال وعلى رؤوس الاشهاد وبصوت عال ان هؤلاء الشواذ الناقصين لايمثلون الاّ انفسهم المريضة والحاقدة على قيم وثقافة الانسان ولايمتون الى الاسلام بصلة لا من قريب ولا من بعيد، وان التاريخ الطويل للتعايش الاسلامي المسيحي في هذه البلدان وبالذات في العراق منذ صدر الاسلام الى يومنا هذا خير دليل على ذلك، وهذا ما يؤكده ويظهره بجلاء القرآن الكريم في الآيات الواردة في السورة الاولى منه الا وهي سورة البقرة حيث يظهر من خلالها العلاقة التكاملية الجدلية بين الاسلام وغيره من الاديان السماوية الاخرى، وهذا ما يجعل المرء في حيرة من امره ليقول الى اي قرآن يستند هؤلاء الشواذ ليسوغوا سلوكهم الاجرامي هذا بحق غيرهم من ابناء تلك الديانات التي يذكرها القرآن الكريم في سورة البقرة...؟ واي اسلام يعتنق هؤلاء القتلة المجرمون...؟ هل هناك اسلام اخر غير الاسلام الذي يعبر عنه القرآن الكريم...؟
ان وجود هؤلاء بهذه الصورة البشعة هو جريمة بحق الاسلام وقيمه ومنهجه القويم، هؤلاء لايمثلون الاسلام بأي شكل من الاشكال ولانكون منصفين اذا اعتبرناهم غير ذلك. ان من يمثل الاسلام الحقيقي هم من يمثلون الجانب الاخر الجانب المشرق من الصورة ذاتها الا وهم اولئك المسلمون العراقيون من العرب والكورد والتركمان والشبك الذين استنكروا هذه الافعال والجرائم الشنيعة التي ترتكب بأسم الاسلام زورا وبهتانا ونددوا بها اشد تنديد وبأقسى الكلمات والعبارات وببلاغة عربية فصيحة، وتعاطفوا مع اخوانهم المسيحيين على طول العراق وعرضه بعاطفة اخوية جياشة صادقة ومن خلال كل الوسائل الاعلامية المتاحة المقروءة والمسموعة والمرئية الرسمية والشعبية، وقالوا ما قالوه من كلمات المحبة والمودة الخالصة والمواساة وعبروا عن مشاعر الاخوة التاريخية والجيرة الحسنة والموقف الانساني النبيل ما فيه الكفاية، وأشعروا من خلاله اخوانهم المسيحيين بالامن والامان والطمأنينة ودعوهم بصدق واخلاص للبقاء بجانبهم في ارض وطنهم كسكانه الاصليين وفعلوا الكثير الكثير من هذا القبيل لاثبات مدى حبهم وتعاطفهم وتمسكهم باخوانهم المسيحيين، شتان ما بين الاثنين من الفروقات النوعية بين هؤلاء النبلاء الشرفاء رسل المحبة والاخوة والتعايش السلمي واولئك القتلة الشواذ المجرمين القادمين من وراء الحدود المعبئين بروح الحقد وثقافة نشر البغضاء والكراهية بين ابناء الوطن الواحد هؤلاء الذين لايفهمون غير لغة القتل والذبح والحقد الاعمى والتعصب الهمجي البغيض، هيهات لكم من ان تتمكنوا من زرع ثقافتكم السوداء هذه بين العراقيين النجباء، ان ذلك سوف يبقى مجرد حلم يقض مضاجعكم دوما لايتحقق في هذا الزمان لان ارادة العراقيين للعيش مع بعضهم كأخوان مهما اختلفت اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم في وطن واحد اقوى بكثير من إرادتكم الاجرامية الهمجية وسوف لاتحصدون في النهاية إلا الخيبة والخذلان والخزي والعار وسوف لايكتب التاريخ عنكم إلا بما لحقكم من عار وسوف لايذكركم باكثر من مجرد كونكم مجرمين سفاحين قتلة لايعون ولا يفهمون ما يفعلون، لا دين لكم ولا إيمان بالله وبقيم السماء التي بشر بها كل انبياء ورسل الله، حيث ليس هناك دين من الاديان السماوية ولا دين من الاديان الوضعية يؤمن ويدعو الى قتل الانسان وزهق الارواح البريئة لاي سبب كان، حيث ان الاسلام هو الذي يقول في احدى ايات القرآن الكريم "ومن قتل نفسا بغير ذنب فكأنما قتل الناس جميعا" هذا ما يقوله القرآن الكريم، فمن اين جئتم بشرعية القتل للنفوس البريئة الذي تمارسونه بحق غيركم..؟ وعلى وفق اي دين واي قانون تشرعون أحكامكم..؟ الاسلام منكم براء الى يوم القيامة يادعاة الباطل والشعوذة بأسم الاسلام... ولكن بالمقابل اقول لهؤلاء القتلة من جهة ولابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري من جهة ثانية ان مجزرة كنيسة سيدة النجاة لاتنتهي عندها الدنيا وليست هي حدود نهاية الكون بل هي بالنسبة لشعبنا بداية الحياة وتجددها في ارض الوطن وهي مقبرة الاحلام المريضة للقتلة الارهابيين المجرمين كما يؤكد التاريخ.
على اية حال ان موقف الشعب المسلم في العراق كان موقفا نبيلا مشرفا ومنددا ومستنكرا لجريمة مجزرة كنيسة سيدة النجاة وكان متعاطفاً الى اقصى الحدود مع اخوانهم المسيحيين وكانت دعواتهم لهم بالبقاء في ارض الوطن ارض الاباء والاجداد وعدم الهجرة قويه للغاية اي عدم الاستجابة الى تهديدات الارهابيين المجرمين، انه في الحقيقة موقف نبيل ومشرف نتشرف به نحن ابناء الشعب الكداني السرياني الاشوري لانه موقف رافض لتفريغ العراق من هذا المكون الاصيل، ولكن ما يؤسف له اشد الاسف هو موقف بعض الدول الاوربية والولايات المتحدة وكندا وغيرها من الاطراف المحلية على  ما تقدمه من التسهيلات القانونية لأستقبال المسيحيين الهاربين من الارهاب في مناطق سكناهم حتى وان كان ذلك تعاطفاً معهم لدوافع انسانية بحتة الا انه عملياً يشكل دعماً واسناداً مباشراً لتهديدات الارهابيين لتفريغ العراق من المكون المسيحي الاصيل، اي انه هناك من يهدد ويجبر المسيحيين على مغادرة ارض الوطن العراق وهم الارهابيون وهناك من يسهل عملية المغادرة والهجرة ويشجعها بتأمين مستلزماتها وهو الدول الغربية وغيرها من الاطراف المحلية بدوافع انسانية ان صدق القول وصفت النوايا وهناك من هم مستعدون للخضوع والاستجابة لكونهم خائفين مرعوبين يبحثون عن النجاة والخلاص بحياتهم وهم المسيحيون من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في العراق والذين لا يعرفون ماذا ينتظرهم في بلدان المهجر من صعوبات المعيشة والحياة وخراب البيوت وضياع الابناء والبنات والسقوط في مهاوي العوز والرذيلة والغربة القاتلة ومن دون ان يعوا اي مصير مجهول ينتظرهم، وماذا سيؤول اليه مستقبلهم كأمة ذات حضارة وماض مجيد وكان لها اعتبارها ذات يوم، انه بحق انتحار امة بكل ما تعنية الكلمة من معنى وزوالها من الوجود الى الابد..!!
عليه ادعوكم يا ابناء شعبي الكلداني السرياني الاشوري الى البقاء والتشبث بالاستمرار مهما بلغت التضحيات في ارض الوطن ارض العراق الى جانب اخوانكم من العراقيين المسلمين الطيبين ممن وقفوا وتعاطفوا معكم في محنتكم، والدنيا لا تنتهي بكم عند اسوار كنيسة سيدة النجاة بل هي اوسع افاقا ومساحة من ذلك بكثير مع فائق اجلالي وتقديري للدماء الطاهرة للشهداء التي سالت على ارض هذه الكنيسة المقدسة، فلتكن هذه الدماء ما يسقي شجرة الحرية والحياة الكريمة لبقاء ابناء شعبنا في ارض الام ارض العراق الطيب ارض الاباء والاجداد ارض بابل ونينوى وآشور، ان التضحيات هي ملح الارض وثمن الحرية وتكرم الانسان بالحياة الكريمة، وهي طريق الخلاص لمن يبحث عن الخلاص من السقوط في مهاوي الفاقة والظلم والبؤس والرذيلة، والا لماذا اختار ربنا يسوع المسيح له المجد ان يضحي بنفسه على الصليب من اجل الخلاص الابدي للبشر وهو قادر على الخلاص بنفسه من دون ان يصلب ويموت، انه فضل الموت على الصليب وفعل ذلك تضحية منه من اجل الحياة الابدية ليعطينا درسا في معنى التضحية بالنفس ولانه اراد ان يجعل من صليبه هذا رمزاً للتضحية والفداء في سبيل الحرية والحياة الانسانية الكريمة ليقتدي به من يحمل هذا الصليب رمزاً له ويسير على دربه في الحياة.
ان تاريخنا الطويل والعريق في العراق زاخر وحافل بمثل هذه التضحيات وهي التي مكنتنا من البقاء والتجذر عميقاً في هذه الارض الطيبة المعطاء ومكنتنا من المحافظة على وجودنا القومي النابض بالحياة الى يومنا هذا واغنينا تراث العراق بالعلم والمعرفة والفنون والثقافة بالمستوى الذي اصبح العراق يزهو ويفتخر به الان بين شعوب الارض قاطبة... لماذا لا نكون ابناء نجباء لأولئك الاباء والاجداد الكرماء الافذاذ العظام الذين سقوا شجرة الحرية في ارض بيث نهرين بدمائهم الزكية وسطروا تاريخ العراق الحضاري الزاخر بالعطاء الانساني بحروف من ذهب عبر سبعة الاف سنة، ليورثوها لنا ولابنائنا واحفادنا من بعدنا وحملوها امانة في رقابنا فما علينا نحن إلا ان نصون تلك الامانة ونرد لهم جميلهم إن كنا أهلا لذلك.

278
شراكة وطنية... ام عودة الـى المحاصصة بتسمية اخرى...؟

بقلم: خوشابا سولاقا

ان فترة ثمانية اشهر من عمر مجلس النواب العراقي التي ضاعت بسبب التهريج السياسي الذي مارسته النخب السياسية العراقية او بالاحرى القيادات السياسية لهذه النخب بغرض تحقيق مكاسب شخصية وحزبية من خلال كتلهم البرلمانية على حساب المصالح الوطنية العليا وترك البلاد في حالة من الفراغ السياسي والفوضى، في الحقيقة انها قضية تستحق الوقوف عندها طويلا وتأملها بشيء من التأني والتروي ومناقشتها وتحليلها وتناولها من جميع الجوانب بشيء من الحكمة والعقلانية لكي نستطيع الوقوف على الاسباب الحقيقية لتأخر تشكيل الحكومة، من المؤكد سوف نكتشف ان غياب الشعور الوطني والولاء الوطني الحقيقي وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية لدى النخب السياسية المتمثلة في البرلمان يأتي في مقدمة تلك الاسباب اضافة الى انعدام الثقة المتبادلة بينها الذي يعزز من توسيع هوة الخلافات المصطنعة فيما بينها، حيث كلما تمكن هؤلاء من تجاوز نقطة خلافية اصطنعوا نقطة خلافية جديدة ليختلفوا عليها من جديد والعودة بالامور الى نقطة البداية اي الى المربع الاول كما اصبح يردد هذا المصطلح من قبل جميع هواة السياسة في هذه الايام.
ان الذي جرى بين القوى السياسية بعد الانتخابات اعطى مؤشرا سلبيا ومتشائما حول مصير العملية الديمقراطية في العراق واصبح هذا المصير على كفة عفريت ان لم نقل اصبح في خبر كان، اي ان العملية الديمقراطية قد وئدت عمليا على ارض الواقع قبل ولادتها، لان ما حصل وما تمخض عن تلك السجالات والمناكفات السياسية العقيمة خلال فترة ثمانية اشهر تحت غطاء التفاهمات والتوافقات والتوازنات السياسية لتقسيم السلطة فيما بين هذه القيادات لايعني شيئا في لغة السياسة والمنطق السليم إلاّ العودة الى نظام المحاصصة الطائفية والعرقية ولكن بتسمية جديدة ألا وهي الشراكة الوطنية لان كل شيء بقي على حاله في تشكيل الرئاسات الثلاث من دون اي تغييرات تذكر، وكل الدلالات الاولية تؤشر بشأن تشكيل الحكومة المقبلة انها لن تكون بأحسن حال من ذلك، اي ان الحكومة الجديدة تكون حكومة المحاصصة كما كانت وستكون بالتأكيد حكومة كسيحة هشة البنيان وضعيفة وغير قادرة على النهوض بالمهام الوطنية الكبيرة التي يتطلبها إعادة بناء العراق في هذه المرحلة العصيبة من حياته لتجاوز محنته والتصدي للتحديات النوعية التي يواجهها، حيث الارهاب ينشب مخالبه بقوة في كل مفاصل الدولة والمجتمع والدم العراقي يسيل بغزارة في كل بقعة من ارض العراق دون توقف، وفقدان الامن والامان والسلم الاهلي اصبح كابوساً وطنياً يعاني منه المجتمع، والفساد المالي والاداري يعصف في كل مفاصل اجهزة الدولة الرسمية، والخدمات المختلفة شبه غائبة، والبطالة متفشية بين فئات الشباب من خريجي الجامعات لسنوات طويلة وبين كل شرائح المجتمع العراقي، والبنى التحتية للاقتصاد الوطني مدمرة ومنهارة، والانفتاح على دول الاقليم والمحيط العربي والعالم الخارجي يكاد يكون العراق معزولاً عنها، واطماع وتدخلات دول الجوار في الشأن العراقي في تزايد من يوم الى اخر، والبلاد مازالت ترزح تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، واستقلاله وسيادته اصبحا بحكم ذلك مرهونين بالارادة الاجنبية، وغير ذلك الكثير من مثل هذه التحديات الكبيرة وبالمقابل نجد قادة النخب السياسية العراقية مشغولة ليل نهار بأيجاد ووضع الآليات الكفيلة للخروج بالعراق من مأزقه كما تدعي نهارا جهارا، واقامة الحصون الكونكريتية حول مقرات عملها واقامتها لتمكنها من مواجهة كل هذه التحديات..!! ياللغرابة والمهزلة في هذا المنطق السياسي السقيم.
ان ما جرى اخيرا من توافقات ماهي الاّ الغاء لارادة الشعب العراقي، اي بمعنى اخر الغاء نتائج الانتخابات البرلمانية وعدم اعتمادها في عملية تداول السلطة سلميا كما يوصي الدستور الذي بدوره أصبح كالعجينة تتلاعب به اصابع وارادة الاقوياء وتصنع منها ما تشاء وتلغي ما تشاء حسب اهوائها السياسية ومع الاسف الشديد كان القضاء العراقي من خلال المحكمة الاتحادية الوسيلة التي اعتمدت في اجراء عملية التلاعب والعبث بالدستور حسب مشيئة وارادة هؤلاء البعض من الاقوياء المتنفذين في مراكز صنع القرار السياسي العراقي. اي بعبارة اخرى ان القضاء قد سيس بأمتياز لصالح البعض ضد البعض الاخر بصورة انتقائية خلافا لمضامين الدستور والارادة الشعبية التي افرزتها الانتخابات، ولذلك يتحمل هذا القضاء من وجهة نظرنا كامل مسؤولية ما حصل من فراغ في السلطة السياسية خلال هذه الفترة الطويلة من عمر البرلمان وتأخير تشكيل الحكومة وما ترتب على ذلك من التداعيات على كل المستويات السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية وتفكك آواصر الوحدة الوطنية خلال هذه الفترة، حيث كان من المفترض بالقضاء ان يبقى مستقلاً ومحافظاً على حياديته وبعيداً عن الاجندات السياسية للنخب السياسية المتصارعة على كراسي السلطة وحامياً للدستور وبالتالي حامياً للعملية السياسية الديمقراطية في العراق وان يكون الخيمة التي يحتمي بها جميع العراقيين وليس العكس... وانطلاقا مما تقدم واسترشادا بتجارب الاخرين في التأسيس لحياة برلمانية سليمة وراسخة لابد ان نعرف ونقر بأن مفهوم الحياة البرلمانية الحقيقية اقل ما يعنيه في الدولة التي تأخذ من الديمقراطية نهجاً لها ولا اقول في الدولة الديمقراطية، هو ان تكون هناك اكثرية سياسية غير اقصائية حاكمة واقلية معارضة ايجابية "حكومة الظل" كما هو الحال في الدول الديمقراطية كافة، وغياب مثل هكذا وجود لا يعني وجود البرلمان كجهة وسلطة تشريعية ورقابية.
اما التسويغات التي تسوقها النخب السياسية العراقية لشرعنة الحالة التي وصل اليها البرلمان العراقي وربط ذلك بالوضع العراقي الاستثنائي فأنها المهزلة بعينها وان هذه التسويغات لا تقنع حتى مروجيها ومسوقيها، لآن استمرار هذه التفاهمات والتوافقات والتوازنات على هذه الشاكلة حول تقسيم السلطة وتوزيع المناصب يعني استمرار الاوضاع الاستثنائية وترسيخها واعادة انتاجها بعد كل دورة انتخابية لاعضاء مجلس النواب والعودة بالنتيجة الى المربع الاول من مسيرة بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي نحن بصدد بنائها وترسيخها في العراق الجديد..
بينما بناء الحياة البرلمانية الديمقراطية القائمة على اساس الاكثرية غير الاقصائية الحاكمة والاقلية المعارضة الايجابية تحت حماية الدستور الوطني وبرعاية القضاء الوطني المستقل غير المسيس هي وحدها الكفيلة بأخراج البلاد من تحت طائلة الظروف الاستثنائية الى فضاء الاستقرار بكل اشكاله والوانه وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة دولة المؤسسات الدستورية حيث تسود فيها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وحكم القانون وسيادته على الجميع دون استثناء وليس دولة المكونات الطائفية والعرقية... وعليه فأن نقطة البداية في المسيرة لتصحيح مسارات العملية السياسية الجارية هي، تعديل الدستور وجعله دستوراً وطنياً عراقياً شاملاً لايميز بين العراقيين على اساس العرق والدين والطائفة والجنس ولون البشرة والشعر والعمر بعيداً عن المحاصصة بكل اشكالها والوانها اولا، وتأسيس قضاء عراقي مستقل نزيه غير مسيس وحامياً للدستور ثانيا، وتغيير شكل النظام السياسي الحالي اي النظام البرلماني الحالي الى نظام سياسي رئاسي لكونه يلائم طبيعة وتركيبة الوضع العراقي من حيث تعدد مكوناته العرقية والدينية والطائفية، ولان مثل هكذا نظام يضمن وجود الاكثرية الحاكمة والاقلية المعارضة في البرلمان ثالثا وبذلك تستقيم الحياة البرلمانية الديمقراطية الحقيقية، وعندها فقط يكون ممكناً تأسيس حياة برلمانية ديمقراطية تأتي بها نتائج الانتخابات التي تعكس سلطة الشعب وارادته وقراره، وعندها فقط تبدأ بداية النهاية للوضع الاستثنائي الذي يعيشه الشعب العراقي واعادة بناء الوطن واعماره من اقصاه الى اقصاه دون كلل او ملل وتتكاتف الجهود الخيره لكل العراقيين الوطنيين المخلصين الشرفاء للانجاز التاريخي في بناء صرح العراق المتطور الزاهر المتقدم واعادة امجاده ودوره التاريخي في اغناء الحضارة الانسانية كما فعل اباؤنا واجدادنا عبر سبعة الاف سنة من عمر المسيرة التاريخية لبناء  الحضارة الانسانية حضارة وادي الرافدين العريقة. واخيراً نقول يجب ان يعود العراق عاجلا او أجلا الى مكانته التاريخية بين أمم الارض كما كان في الماضي.

279
الأبعاد الستراتيجية والافاق المستقبلية في مبادرة العاهل السعودي

بقلم: خوشابا سولاقا

من المعروف لجميع المتتبعين للسياسة والدبلوماسية السعودية منذ مدة طويلة فيما يخص جميع القضايا والأحداث الدولية والاقليمية والعربية سيجدون أن القادة والمسؤولين السعوديين المعنيين بأدارة السياسة الخارجية للمملكة لايصرحون ولايبادرون ولايقدمون للقيام بعمل ما على أي مستوى كان إلا بعد التروي والتأني والتفكير ملياً بالأمر والتأكد من جدوى ما يقدمون عليه من تحرك دبلوماسي وهذا الاسلوب هو عين العقل والصواب في ممارسة فن السياسة، وتاريخ الدبلوماسية السعودية زاخر وحافل بمثل هذه السلوكيات الرصينة والمدروسة أي أسلوب الدبلوماسية الهادئة الرصينة والمبنية على أرضية صُلبة من الوقائع الموضوعية التي تؤمن وتكفل لها النجاح في مسعاها.
بأعتقادي هذا ما هو معروف وثابت في الدبلوماسية السعودية في تاريخ المملكة الحديث منذ عقود من الزمان ومنذ عهد الراحل رحمه الله الملك فيصل بن عبد العزيز الى يومنا هذا. وإنطلاقا من هذا الفهم وهذه الرؤية لواقع ومسارات الدبلوماسية السعودية، فأن المسؤولين السعودين عندما يبادرون الى القيام بعمل دبلوماسي ما يستشيرون ويأخذون برأي أقرب الحلفاء الستراتيجيين وأقرب الأصدقاء من المتحكمين بصنع القرار الدولي والأشقاء من الذين يحكم التعقل والاعتدال سلوكهم السياسي في الحكم ليسدون لهم ما يخدم القضية من النصح والارشاد التي تعزز موقفهم وتُنضج أفكارهم اكثر بغرض ضمان أسباب النجاح فيما يقدمون القيام به، كما أنهم ينسقون المواقف مع ويأخذون موافقة الأطراف الرئيسيين المعنيين بالأمر والذين لهم الدور الأساسي في الموضوع متناسين ما يصدر من هؤلاء من كلام متناقض في وسائل الاعلام المختلفة واعتباره مجرد كلام اعلامي للاستهلاك المحلي وليس الأ اي بمعنى اخر كلام الليل يمحيحي النهار، ويجمعون مايتيسر لهم من المعلومات المفيدة والمتعلقة بتاريخ وخلفيات الموضوع ويحددون نقاط الضعف والقوة فيه ليضمنوا فرصة النجاح المؤكد بنسبة كبيرة ومقبولة، وبعد كل هذه الاجراءات يتم تحديد آليات التحرك والعمل بكل الاتجاهات وعلى كافة المسارات في آن واحد وبعد ذلك يقدمون على إعلان مبادرتهم بهدوء وحذر دون تهويل وتطبيل وتضخيم إعلامي منمق كما يعمل الأخرون الذين لا تحصل الشعوب من مبادراتهم غير الكلام الفارغ والوعود الكاذبة والتهريج السياسي المقرف والمقزز ولنا في ذلك الكثير من الامثلة يعرفها الجميع ولسنا هنا بصدد ذكرها لعدم جدواها في خدمة موضوعنا.
ليس ببعيد وليس بخافٍ على أحد دور الدبلوماسية السعودية في وقف نزيف الدم في لبنان جراء الحرب الاهلية التي دامت قرابة الخمسة عشر عاماً من الزمن وراح ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب اللبناني ومن كل مكوناته دون تمييز وقوداً لهذه الحرب القذرة التي كانت تدور على أرض لبنان بأيادي لبنانية لخدمة أجندات خارجية غير لبنانية، ونتيجة لذلك كانت المبادرة السعودية بدعوة كافة الفصائل اللبنانية المتقاتلة لعقد مؤتمر في الطائف برعاية جامعة الدول العربية ومباركة الحلفاء والاصدقاء والاشقاء المخلصين والخيرين بمثابة حبل وقارب النجاة لانقاذ الشعب اللبناني من محنته ومن ويلات ومآسي الحرب الاهلية الدائرة على أرضه، وتمخض عن هذا المؤتمر وبجهود المخلصين من أبناء لبنان ولادة "إتفاقية الطائف" التي وضعت حداً للحرب الاهلية اللبنانية، وجاءت بالحلول المنطقية والواقعية والتي ضمنت حقوق الجميع في الوطن اللبناني الموحد ونالت رضا جميع الاطراف المتقاتلة في الأمس. وبما أن هناك الكثير من أوجه التشابه بين القضية اللبنانية بأسبابها ومسبباتها ونتائجها المأساوية والقضية العراقية بكل مسبباتها ومآسيها وتعقيداتها السياسية على كل المستويات الوطنية والأقليمية والدولية، عليه لانجد الغرابة في أن تكون أيضاً حلول القضيتين متشابه ومتقاربة الى حد كبير، حيث يمكن أن يكون مؤتمر الرياض المقترح بنتائجه الايجابية المتوقعة بحسب مبادرة العاهل السعودي خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز هو "طائف العراق" أن صح التعبير لو صفت نوايا الاطراف العراقية المدعوة لحضور هذا المؤتمر والمعنية بالأمر..
حيث من المفروض أن تدرك هذه الاطراف جيداً خطورة الأمر الذي يواجه الشعب العراقي ومستقبل وطنه من إستمرار ما يجري في العراق من المأسات وانهار الدم الطاهر  قبل أن يحسمون أمرهم وقرارهم التاريخي وأن يترفعوا عن مصالحهم القومية والدينية والطائفية والحزبية والفئوية والمناطقية والشخصية لحساب المصالح الوطنية العليا، وأن تكون القيادات السياسية لكل الاطراف المعنية بمستوى من المسؤولية ونكران الذات تمكنهم من التصدي بقوة وبجدارة وحزم لكل التحديات النوعية الكبيرة التي تواجه الوطن والشعب في هذه المرحلة التاريخية والحساسة من مسيرته في بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع الديمقراطي والنظام السياسي الديمقراطي.
عندما تتوفر كل هذه العناصر في قيادات الاطراف والفرقاء العراقيين من المشمولين بحضور هذا المؤتمر الى جانب الحضور المباشر أو غير المباشر للاطراف المؤثرة والمعنية بحيثيات القضية العراقية ولها الدور الفاعل في صناعة القرار التاريخي ورسم خارطة الطريق من الحلفاء والاصدقاء والاشقاء لوضع الاطراف جمعياً على المسارات الصحيحة لتطوير العملية السياسية الجارية في العراق وتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية على اسس سليمة ورصينة ومن ثم تشكيل حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية على اساس برنامج المشروع الوطني الشامل ونبذ مبدأ المحاصصة الطائفية والعرقية المقيتة. عند قراءة اجندات المؤتمر المزمع انعقاده والذي سيكون امتدادا طبيعيا لتجسيد وتنفيذ مضامين مبادرة فخامة رئيس اقليم كوردستان الاستاذ مسعود البارزاني التي اعتبرها نقطة البداية لما يجب ان يتمخض عنه مؤتمر الرياض لوضع نهاية وخاتمة لمعاناة ومآسي الشعب العراقي على ضوء هذه الاهداف والتفاؤل بمستقبل زاهر ومشرق للعراق تتوضح امام المراقب السياسي الابعاد الستراتيجية لهذا المؤتمر وتنجلي الافاق المستقبلية المشرقة لمستقبل العراق وكما يلي:

اولا: من المفروض ان ينعقد المؤتمر بحضور كل الاطراف العراقية المشاركة حاليا في العملية السياسية الى جانب حضور الاطراف المعارضة او المقاومة ان صح التعبير للنظام الحالي سواء كانت من عناصر حزب البعث أوغيرها من القوى السياسية التي لها موقف سياسي من الوضع القائم في العراق بعد الاحتلال وتقيم حاليا في الدول العربية والاجنبية وتمارس نشاطها من هناك.

ثانيا: سيتم في المؤتمر مناقشة موضوع مشاركة جميع الاطراف العراقية المذكورة في اولا اعلاه الفائزة في الانتخابات وغير الفائزة في تشكيل حكومة الشراكة الوطنية الحقيقية القائمة على اساس برنامج المشروع الوطني والتخلي عن اساليب استعمال العنف بكل اشكاله والأيمان بمبدأ تداول السلطة سلمياً.

ثالثا: سيتم مناقشة موضوع ضرورة تعديل الدستور الحالي وتطهيره من كل ما يشير الى خلفيات نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المقيتة وتأسيس لدستور وطني وتخلي القوى السياسية المعارضة للنظام الحالي والمقاومة له عن السلاح ووقف العنف بكل أشكاله والمشاركة في العملية السياسية بفعالية وفق برنامج المشروع الوطني الذي من المفروض ان يقره المؤتمر مع اعادة النظر بقانون المساءلة والعدالة وآليات تطبيقة وعدم تسييسه لصالح طرف ضد طرف.

رابعا: سيتم مناقشة موضوع تعهد الدول العربية وبالاخص دول الجوار العربي بالسيطرة الفعالة على حدودها مع العراق لمنع تسلل الارهابيين الى العراق وتجفيف مصادر التمويل المالي للمنظمات الارهابية في بلدانها باعتبار وجودها خطر يهدد امن الجميع وتتخذ الاجراءات القانونية والامنية بذلك برعاية جامعة الدول العربية.

خامسا: سيتم مناقشة موضوع قيام الدول العربية الدائنة للعراق باسقاط ديونها التي استدانها النظام الديكتاتوري السابق لتمويل حروبه العبثية ضد دول الجوار باعتبار ان الشعب العراقي لم يكن صاحب القرار في كل ما جرى ابان حكم هذا النظام الاسود، والعمل على مساعدة اخراج العراق من تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وذلك لأنجاز استقلاله التام واعادة سيادته المفقودة بحكم ذلك.
سادسا: سيتم مناقشة موضوع تطوير العلاقات السياسية وتبادل السفراء والبعثات الدبلوماسية بين العراق والدول العربية وتطبيع العلاقات وتصفية الاجواء بينها من جميع ما ترتب جراء سياسات النظام السابق، وكذلك تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية والفنية بين البلدان العربية والعراق وتشجيع الاستثمارات العربية في العراق للنهوض بالاقتصاد العراقي للوقوف على قدميه وأعادة عافيته.

وعليه نقول أن قادة النخب السياسية العراقية لو صفت نواياهم تجاه بعضهم البعض لتعززت ثقتهم ببعضهم ولتعززت عزيمتهم وايرادتهم في انجاز ما تم ذكره في مؤتمر الرياض المقبل وعندها سيتوقف العراقيين عن مقاتلة بعضهم البعض بأيديهم وعلى ارضهم لأسباب تخدم اجندات الآخرين، وعندها يتوقف العنف والقتل وانهار الدم في العراق وتعود اللحمة الى وحدته، وعندها تبدأ حملة اعادة الاعمار للبلاد وتتدفق الاستثمارات العربية والاجنبية اليه لتساهم في أعادة ترميم وتأهيل البنى التحتية للأقتصاد الوطني واعادة اعمار ما دمرته الحروب العبثية الصدامية والامريكية وتتوقف تدخلات دول الجوار في شأنه الداخلي بغرض فرض أرادتها وأجنداتها عليه، وسوف تنقرض وبلا عودة ظاهرة البطالة بين أبناء الشعب العراقي ويتعافى الوطن من مرض سرطان الفساد المالي والأداري، وعندها فقط تبدأ مرحلة البناء الديمقراطي لمؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة، وتعم العدالة والمساواة والامن والامان وتكافؤ الفرص كل مفاصل الدولة والمجتمع، وعندها تسود سيادة وسلطة القانون من خلال حب واحترام المواطن له وليس خوفاً منه.هذه هي روءيتي وقراءتي لأجندات مؤتمر الرياض المقترح في حالة انعقاده لو احسنت النخب السياسية العراقية إستثمار هذا المؤتمر لصالح قضيتهم التي أصبحت تقض مضاجعهم ليل نهار. 

280
كلمة حق يجب أن تقال... بصوت عالٍ...!!
بقلم خوشابا سولاقا
إن الذي جرى يوم الاحد 31- تشرين الاول في كنيسة سيدة النجاة في الكرادة والذي أودى بحياة العشرات من المصلين الأبرياء من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب في عمر الزهور والكهنة الأفاضل وعلى مذبح الكنيسة كان حقاً مجزرة بشرية مروعة وجريمة نكراء بشعة يندى لها جبين البشرية وكانت حقاً جريمة بحق الأنسانية بكل المقاييس والمعايير الاخلاقية والقانونية بأمتياز، ولكن في الوقت نفسه لم يكن ذلك بالشيء الغريب أو ظاهرة شاذة ليس لها مثيل في السابق ولن تحصل مثلها ربما اكثر بشاعة بحق فئة أخرى في المستقبل، لقد كانت حالة مكملة وإمتدادا طبيعيا لما جرى قبل أيام معدودة من وقوعها في مقهى شعبي في بلدروز في محافظة ديالى حيث ما زالت دماء الشهداء الأبرياء من رواد المقهى لم تجف بعد في موقع الجريمة وغيرها الكثير في كل بقاع أرض العراق الجريح الذي يئن من وطأة الأرهاب الدموي للبربرية التكفيرية.. إن هذه الشراذم المتوحشة قانونها وفلسفتها في الحياة هو القتل، القتل لكل من يخالفهم الرأي وليس لديهم من وسيلة ولغة للحوار مع الآخرين حول ما يختلفون به معهم غير القتل ولغة السلاح لأن ثقافتهم في الحياة هي القتل لكائن من يكون مهما كان دينه أو طائفته أو قوميته أو جنسه أو لونه أو عمره إن شريعتهم هي شريعة الغابة، حيث أن الوسيلة والغاية عندهم واحدة والفريسة متغيرة كما هو الحال مع كل الحيوانات المفترسة الأخرى في الغابة وإن غريزة هؤلاء للقتل لاتشبع ولاتتوقف كما هي غريزة الذئاب العاوية، وقد تكون فريستهم من المرتدين من الطائفة السنية كما يطلقون عليهم أو من الطائفة الشيعية "الروافض" حسب ادعائهم أو من أبناء الديانات الاخرى الكافرة حسب رؤيتهم وتصنيفهم للضحايا، وهذا مايحصل على وجه الدقة في العراق، لذلك إن القتل ليس موجه لطرف أو لفئة بعينها كما قد يتصور البعض من أهل وأقارب ضحايا الأرهاب، أو كما تروج له بعض وسائل الاعلام المحلية والاقليمية والدولية كما تقتضي متطلبات أجنداتها السياسية، بل هو خطر موجه الى جميع العراقيين دون تمييز بينهم على أساس هوياتهم الدينية والطائفية والقومية وخصوصياتهم الأخرى.
إن هذه الشراذم فلسفتها في الحياة قائمة على تصنيف الناس الى فئتين، فئة تواليهم الرأي تَسلمْ من شرهم وفئة تخالفهم الرأي يطولها شرهم. هذه هي القاعدة القانونية والأخلاقية لهذه الشراذم الهمجية المتوحشة، وهذه هي لغة حوارهم الوحيدة مع من يخالفهم الرأي والرؤية للحياة.. عليه فأن ما حصل في كنيسة سيدة النجاة من قتل همجي للأبرياء من الحاضرين للقداس والصلاة للرب لم يكن لكونهم مجرد مسيحيين في الدين بل لأن الصدفة شاءت أن تكون هذه الجموع هي الفريسة السهلة لذلك اليوم للارهابين، لأن قانون الغابة هكذا يحكم ويعمل فعله، فأن كان لكونهم مسيحيين فقط كيف نفسر وبماذا نبرر ما حصل للأبرياء من الحضور في المقهى الشعبي في بلدروز في ديالى قبل أيام معدودة من حادث كنيسة سيدة النجاة..؟ وكيف نفسر ونعلل ونبرر ما حصل يوم الثلاثاء الثاني من تشرين الثاني الجاري حيث ضرب الارهاب الدموي ضربته لعشرين موقعا في بغداد بطولها وعرضها وذهب من الضحايا بالمئات ..؟ هل ان ما حصل في هذه المواقع كان بسبب كون ساكنيها من المسيحيين..؟ ام لان غريزة القتل للارهابيين مفتوحة دائما للقتل.. لكائن من يكون..؟ علماً أن ضحايا المقهى كانوا جميعاً من المسلمين من السنة والشيعة، بل كيف نعلل ونبرر ما حصل في مئات والألاف من المواقع من مدن وقصبات وقرى العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ولمختلف مكونات شعب العراق..؟ ولذلك فأن عمليات القتل العشوائي الذي تمارسه هذه الشراذم المتوحشة هي ظاهرة عامة تشمل العراقيين جميعاً دون أستثناء ولايستطيع أحد بل ليس من حقه أن ينكر ذلك إذا أراد أن يتحكم ضميره وينصف نفسه والأخرين في قول الحق والحقيقة، وإن فعل عكس ذلك فأنه يجافي الحق والحقيقة.. بل ماذا نقول وماذا يكتب التاريخ بحق ما جري في نيويورك وواشطن ولندن ومدريد وأوكلاهوما وبالي في أندونيسيا ومومباسا في كينيا وزائير والهند وباكستان وأفغانستان والسعودية واليمن والمغرب والجزائر وروسيا ولبنان وسوريا والارجنتين وغيرها الكثير من أرجاء المعمورة..؟ إنه إرهاب الهمجية التكفيرية الظلامية الحاقدة على الجميع دون استثناء وترتكب ابشع الجرائم بحق الحضارة والقيم الأنسانية النبيلة، إنه حقا تجاوز وإعتداء صارخ على الاديان وقيمها السماوية السمحاء.
إنه في الحقيقة صراع وحرب بين قيم الحضارة والاخلاق والقيم الدينية وافكار الحرية والديمقراطية من جهة وبين الهمجية والتخلف من جهة أخرى، إنه صراع وحوار بين ثقافة التحضر والتقدم والديمقراطية وثقافة التخلف والهمجية والقتل.. عزيزي القاريء الكريم كُنت من تكون وأينما كُنت هكذا هي الصورة الحقيقية لما يجري في العراق والعالم أجمع، عليك أن تقرأ هذه الصورة بوضوح وتحلل مكوناتها وتفكك رموزها بتفكير علمي ومنطقي وبوعي وتجرد لكي لا تقع في إشكالات تكون نتائجها أسوء وأن تختار بدائل للعيش تكون مدمرة بنتائجها على مستقبلك.. لذا أدعو أبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" أن لا تدفعهم مثل هذه الحوادث الى التطرف في تقييم الاحداث واصدار أحكامهم جزافا وأن تتخذ من هذه الاحداث سبباً ومبررا وعذرا لهجر أرض الوطن أرض بابل وآشور ونينوى الى بلدان المهجر بل عليكم التشبث والتمسك بالبقاء في أرض الأباء والأجداد والتحلي بالصبر وتحمل المصاعب وتجاوز المحن والتصدي لكل التحديات من أجل هدف أسمى ألا وهو الوطن وتراث وحضارة الأباء والاجداد وبالتالي حماية وإنقاذ وجودنا القومي من الانقراض في هذه الارض الطيبة أرض "بيث نهرين" التي علمت البشرية القراءة والكتابة والقانون وأعطت له الكثير من منجزات الحضارة والتمدن، واقول لكم تذكروا دائما بانكم سكان البلاد الاصليين وان "بيث نهرين" هي مهد الأباء والاجداد وعليها ان تبقى كذلك للابناء.. إن قتل فرد أو مجموعة أفراد من أبناء شعبنا بهذه الطريقة البشعة والمقرفة شيء مؤسف لنا وأمرلا نقره ولانقبله إطلاقاً ولكن بالنتيجة يبقى ذلك مجرد قتل مجموعة أفراد في الحسابات الرقمية..!! ولكن هجر أرض الوطن الى بلدان المهجر والتشتت في ارجاء المعمورة كما هو عليه الحال الان، على المدى البعيد يعني الانتحار بعينه وقتل "أمة" بكاملها، وعليه إذا نظرنا الى هذا الأمر وقيمناه من هذه الزاوية سنجد أن القبول بقتل فرد أو مجموعة أفراد هو أفضل من قبولنا بقتل "أمتنا" وزوال وجودنا القومي كأمة في أرض الأباء والأجداد اي بمعنى آخر التضحية بالجزء افضل من التضحية بالكل وخصوصاً عندما تكون مثل هذه الظاهرة "حادث كنيسة سيدة النجاة" ظواهر عامة تعم ارجاء العراق بكامله كما أسلفنا.. كما أقدم إعتذاري لذوي ضحايا الارهاب الذين فقدوا أعزاء وأحباء لهم في هذه الحوادث المؤلمة والمفجعة لهذا الطرح وهذا التشبيه، ولكن ما العمل إنه الخيار الصعب بين ما هو مر وما هو أمرْ اي بعبارة اخر امامنا خيارين احلاهما مُر، ان فقدان الاعزاء والاحبة شيء مؤلم ومر ولكن فقدان الوطن والأمة والوجود اكثر مرارة.
ولايسعني في هذا المجال إلا أن أعزي نفسي والشعب العراقي بشكل عام وأبناء شعبي "الكلداني السرياني الآشوري" وذوي الضحايا الشهداء بشكل خاص على مصابهم الأليم وأسال الله أن يسكن شهداءهم الجنة وأن يلهمهم الصبر والسلوان متمنياً للجرحى الشفاء العاجل.. كما أريد أن انبه بهذه المناسبة بأن السلاح الذي يجب إعتماده في هذه المرحلة التاريخية من الحياة الأنسانية للتصدي لهذا الخطر الداهم الذي يمثله إرهاب القوي الظلامية التكفيرية والذي يهدد الحضارة والمدنية التي بناها الخيرون من أبناء البشرية عبر آلاف السنين هو النضال من أجل إشاعة وترسيخ مباديء الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الأنسان والديمقراطية والتعايش السلمي بين الشعوب والامم ونبذ كل أشكال التعصب والعنصرية والعنف والتمييز بين البشر على أساس الانتماء القومي والمعتقد الديني والطائفة واللون والجنس وإعتبار إنسانية الأنسان أعلى قيمة حضارية للتعامل بين البشر، وإشاعة مفاهيم وثقافة المحبة الأنسانية والسلام وحوار الحضارات والثقافات والديانات من أجل توسيع مساحة المشتركات الحضارية والثقافية بين أبناء البشرية على إختلاف وتنوع إنتماءاتهم للعيش بأمن وسلام على هذا الكوكب الجميل.
الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والسعادة والتقدم للبشرية جمعاء

281
الفكر وحركة تطور الحياة
بقلم خوشابا سولاقا


لغرض مناقشة هذا الموضوع الذي يعتبر في غاية الاهمية بالقدر الذي هو في غاية التعقيد والصعوبة من اجل الوصول الى معرفة العلاقة الجدلية بين الفكر كنتيجة انعكاسية لحركة تطور واقع الحياة وبين تطور الحياة الطبيعية والاجتماعية نفسها، لابد من الوقوف عند اقوال مفكرين وفلاسفة مرموقين كبار لهم مساحة معتبرة على جغرافية الفكر الانساني ان صح التعبير ولهم دور كبير ومشهود له في مسيرة الحركة الفكرية الانسانية العالمية، ولكنني اتجنب ذكر الاسماء لاعتبارات خاصة تخدم موضوع المقال من جهة ولكي استطيع من خلالها المحافظة على حياديتي لكي لا أُتهم بالانحياز الى مدرسة فكرية بعينها دون سواها من جهة اخرى، واكتفي بذكر المقولات دون ذكر اسماء قائليها لان هذه المقولات ليست هي المادة الاساسية والجوهرية في الموضوع المطروح للنقاش، ولكنها تشكل مؤشرا قويا للاستدلال الى بيت القصيد في موضوعنا.
قال احد المفكرين والفلاسفة الكبار الانكليزي الجنسية الذي له صيت عالمي يعرفه كل مثقف ومهتم بشؤون الفكر والفلسفة والسياسة ما يلي:
"في كل الاحوال من المفيد بين الحين والاخر ان نضع علامات استفهام على الاشياء التي كانت ثوابت على المدى الطويل".
وقال مفكر وفيلسوف واقتصادي الماني كبير دوخت افكاره ونظرياته في الفكر والاقتصاد والفلسفة العالم الى يومنا هذا ويحتل مساحة كبيرة على ساحة الفكر وعمت شهرته كل بقاع المعمورة منذ قرنين من الزمن، حيث قال:
"ليس كل ما هو صحيح يكون واقعاً، وليس كل ما هو واقع يكون صحيحا دائماً".
عند قراءتنا لهاتين المقولتين بدقة وعمق نجدهما مقولة واحدة في المضمون، اي بمعنى اخر مقولتين بمضمون واحد بالرغم من كون القائلين ينتميان الى مدرستين فكريتين مختلفتين وبينهما فارق زمني كبير، لانهما قصدتا  موضوعا واحدا وهو ليس هناك شيء في الحياة سواء كان ذلك في الحياة الطبيعية او في الحياة الاجتماعية ثابتا لا يتغير وليس هناك ما هو صحيح او واقع على طول الخط بالمطلق، وانما الصحيح والواقع شيء نسبي وذلك مرتبط بحركة تطور الحياة، لذلك تؤشر المقولة الاولى على ضرورة وضع علامات استفهام على الاشياء التي كانت ثوابت لمدى طويل من الزمن، لانها ستتغير حتما في المستقبل وتصبح على غير ماهي عليه الان، وتؤشر المقولة الثانية على كون ماهو صحيح اليوم ليس بالضرورة ان يكون واقعا على الارض في الوقت نفس وماهو واقع على الارض ليس بالضرورة ان يكون صحيحا على وفق المعايير السائدة في واقع اليوم، كل شيء معرض للتغير والتبدل، وبالتالي  يعني الامر ان الاشياء في حالة تغير مستمر لا ثبات لها وذلك التغير مرتبط بحركة تطور الحياة بكل مكوناتها.. في كل النظم الاجتماعية تشكل الثقافة والفكر والادب والفن والفلسفة والقيم والتقاليد والأخلاق الاجتماعية البنية الفوقية للنظام الاجتماعي السائد وبطبيعة الحال تكون هذه البنية إنعكاساً لواقع التفاعلات والتجاذبات والصراعات والتناقضات للبنية التحتية لهذا النظام والمتمثلة في شكل وطبيعة النظام الاقتصادي السائد والذي يحدد علاقة وسائل الانتاج للخبرات المادية للمجتمع بالقوى العاملة فيه، والنظام الاقتصادي يعتبر الأساس المادي لحركة تطور المجتمع، وما البنية الفوقية إلا وسائل لتبرير شرعية نظام الانتاج واستمراره وحمايته والدفاع عنه. وهكذا تتشكل العلاقة الجدلية بين البنية الفوقية والبنية التحتية للنظام الاجتماعي وعند العودة الى دراسة تاريخ تطور وتحول النظم الاجتماعية التي مرَّ بها المجتمع البشري سنجد ان هذه العلاقة تعبر عن نفسها بوضوح في البنية الفوقية للنظام الاجتماعي لكل مرحلة من مراحل التاريخ، لذلك يكون أي تغيير تطوري يحصل في اي مفصل من مفاصل البنية التحتية للنظام الاجتماعي ينعكس بالضرورة حتماً على شكل وطبيعة البنية الفوقية له، وبذلك لايمكن أن يكون هناك ثابت مطلق في أي مفصل من مفاصل البنية الفوقية للنظام الاجتماعي، فكل شيء في حالة تغير مستمر بما في ذلك حركة الفكر. لأن الاحداث التي تحصل في الطبيعة وفي الحياة الاجتماعية تفضي الى تغير وتبدل وإختفاء أشياء وظهور اخرى جديدة بشكلها وطبيعتها تقتضيها الحياة الجديدة، هذه الحركة تجعل الأنسان الذي من المفروض به أن يتصدى لها ويستوعبها، ومن ثم يتواءم معها ويطاوعها لمتطلبات حاجاته الحياتية الجديدة أن يفكر وأن يعيد صياغة افكاره بأنماط ونسق جديدة تلائم الوضع المستجد، وهذا المنطق في البحث وراء حقيقة تبدل وتغير الأشياء هو الذي مكن الأنسان من إنجاز أعظم الاختراعات العلمية في كل مجالات العلم في الطبيعة والمجتمع ومكنته من إكتشاف الكثير الكثير من أسرار الكون وقوانين الطبيعة وأفعالها ومكنته من صياغة نظريات فكرية وفلسفية عديدة ومختلفة وكل نظرية تعبر عن ما ضمنته النظرية التي سبقتها واضافة إليها ما استجد في الحياة، وهكذا تستمر دورة تطور الحياة الطبيعية والاجتماعية على هذا النسق، نسق التبدل والتغير الدائم والتحول الكمي والنوعي في حركة تصاعدية على مسار حلزوني من الادنى الى الأعلى نحو الامام، وتجعل الاشياء في حالة من الصراع والتناقض فيها كل قديم يولد نقيضه الجديد الافضل وبالتالي فأن هذا الصراع التطوري والحراك الاجتماعي يفضي الى بقاء الاقوى والأصلح ويزول الضعيف القديم البالي ويتراجع وينزوي الى متحف التاريخ، وهذه هي سنة الحياة ومنطقها العلمي في التطور التصاعدي. وبألقاء نظرة عامة على مسيرة التاريخ سنلاحظ بوضوح تام صحة هذه النظرية، ولكن قراءة هذه المسيرة تختلف من شخص لآخر حسب مستوى تطور وعيه الأنساني للوجود بحد ذاته وقناعته وإيمانه بما هو سائد من الأفكار والطقوس والتقاليد والاعراف في المجتمع الذي يعيش فيه. وخلاصة القول ما أريد قوله هنا هو أنه ليس هناك من فكر أو فلسفة تمتلك وتجسد الحقيقة المطلقة بكاملها، وإنما مهما بلغت من درجة الرقي والكمال فهي بالتالي لاتعبر إلا عن جزء من الحقيقة، بمعنى اخر ليس هناك فكر متكامل يصلح لكل زمان ومكان مهما كانت طبيعة ذلك الفكر، ولايمكن أن يصلح فكر يدعي الثبات والكمال ان يعيش ويتعامل ويستمر بالبقاء  مع واقع متغير لأن ذلك مخالف لمنطق العقل وسنن الحياة، ولكن بأمكان القائمين على هكذا افكار والدعاة لها ان يطوعوها لواقع الحياة المتجددة وليس العكس لأن العكس لايعني بلغة العلم والمنطق إلا شكل من اشكال العبث غير الواعي بقيم الحياة ومنطق العلم والعقل وحرية الانسان كما يفعل البعض ممن يقراؤون التاريخ بصورة معكوسة ومشوهة. إن الحياة هي الرحم الحاضن لمصدر الافكار وهي المنبع الذي منه تولد الافكار ولتأكيد هذه الحقيقة سنجد عند قراءتنا للتاريخ الانساني أن جميع النظريات الفكرية والفلسفية والاقتصادية والاجتماعية وحتى المعتقدات ولدت في خضم الصراعات والتناقضات التي حصلت في المجتمع الانساني بسبب تعارض وتصارع المصالح، وبالتالي سنجد أن الافكار كانت دائما على امتداد التاريخ ادوات ووسائل للاستحواذ على اكبر قدر ممكن من المنافع الاقتصادية والمصالح الحيوية والسيطرة على مصادر الثروة والهيمنة على العالم تحت واجهات براقة مختلفة والدفاع عن تلك المصالح والمنافع وحمايتها من سطوة الاخرين.. أي بمعنى اخر استعملت الافكار والمعتقدات كأدوات في الصراع من أجل المنافع والمصالح والسيطرة على العالم تحت واجهات ذات شكل خيري وإنساني ومضمون نفعي استغلالي غير أخلاقي يتنافى مع قيم الحضارة والحرية والعدالة والمساواة وحقوق الأنسان، هكذا كان الحال مع الأفكار التي سادت واصبحت أيديولوجيات لحكام طغاة عبر مختلف فصول التاريخ في جميع بقاع الأرض دون إستثناء، والذين لا يقنعهم هذا الطرح عليهم العودة الى قراءة التاريخ من جديد ليجدوا إن ماذكر لايشكل إلا القليل من الحقيقة الكاملة التي من المفروض ان تقال هنا.

282
دولة المواطنة أم دولة المكونات...؟
بقلم: خوشابا سولاقا
قبل البدء في مناقشة الموضوع المطروح عبر هذا العنوان بشيء من التفصيل والتحليل والمنطق لابدّ لنا أن نعرف ونوضح ماذا يعني مفهوم الدولة نفسها بشكل عام وعلاقتها بالمكونات والجماعات والافراد في المجتمع ليتسنى لنا الدخول في توضيح الموضوع بصورة أدق وأعمق تجنباً للوقوع في الأشكالات والألتباسات السائدة في المجتمع من تصورات ومفاهيم حول مفهوم الدولة من جهة ومفهوم الحكومة والسلطة من جهة أخرى.
إن مفهوم الدولة بشكل عام يعني تلك القوة الاجتماعية المنظمة في المجتمع التي تمتلك سلطة قوية تعلو من خلالها قانوناً فوق أية مكون أوجماعة داخل المجتمع وعلى أي فرد من أفراده دون تمييز مهما كان شأنه ونسبه وموقعه الاجتماعي وعِرقه ودينه ومذهبه، وما يميز الدولة بمفهومها الوطني الشامل عن بقية المكونات والجماعات الأخرى في المجتمع، هو ذلك الأعتراف الاجتماعي الذي يعطيها حق القسر وطلب الطاعة لها من المواطنين بالقدر الذي يخوله الدستور والقانون، ويعطيها هذا الحق الأولوية على كل المكونات وكل الجماعات الأخرى في المجتمع مثل الأحزاب والحركات والتنظيمات السياسية المختلفة والمكونات الدينية والطائفية والأثنية والجماعات الاقتصادية والتجمعات العمالية والنقابات والاتحادات المهنية المختلفة وحتى مؤسسات المجتمع المدني بكل إنتماءاتها المهنية والأنسانية طالما هي تعمل وتنشط داخل حدود الدولة الوطنية، وهنا من الضروري جداً ولكي لانقع في الالتباس وتختلط لدينا الامور، أن نفرق بدقة شديدة بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة فالدولة هي الجهاز المسيطر والمنظم والموجه لكل نشاطات المجتمع، والحكومة تعني الاشخاص الذين يحكمون بأسم الدولة وينفذون سياساتها في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية وغيرها. فالدولة على هذا الأساس هي تصور نظري لكيان مادي ومعنوي ثابت، أما الحكومة وأشخاصها فهم يتغيرون حسب تغير سياسات الدولة والقوى التي تقودها، ولاتختلط هاتان الصورتان "الدولة" و"الحكومة" إلا في المجتمعات البدائية المتخلفة أو في الدول الديكتاتورية ذات النظام الشمولي حيث فيها يدعي الحاكم المستبد أنه "الدولة" و"الحكومة" كما قالها لويس الرابع عشر ملك فرنسا قديماً، وكما يفعل الكثير من حكام العالم الثالث المتخلف حالياً دون أن يقولوا ما قاله لويس الرابع عشر.
وإنطلاقاً من هذه المقدمة المتواضعة البسيطة والواضحة يجب أن نختار لعراقنا المتعدد المكونات العرقية والدينية والطائفية ما يلائمه ويحافظ على وحدته وقوته بين أن نبني ونؤسس لدولة المواطنة العراقية الموحِّدة لكل العراقيين يكون فيها العراقيون متساوين في الحقوق والواجبات امام القانون وفق معيار المواطنة والهوية الوطنية دون النظر الى الهويات الخصوصية اي بمعنى ان تكون المرجعية الوحيدة لدولة المواطنة هما الدستور والقانون وحدهما دون سواهما وبين أن نبني ونؤسس لدولة المكونات أي أن يكون لكل مكون دولة خاصة به يحكمها قانونه الخاص ويحاول فرض سيطرته وسلطته وإدارته على غيره من المكونات بوسائل العنف والقوة والقسر والاجبار والتهديد والترهيب، ويكون في حالة الصراع والحرب والأقتتال الدائم مع المكونات الأخرى والتي هي الاخرى لها أيضاً قانونها الخاص ووسائلها العنيفة، وتعيش البلاد على اثر ذلك في حالة الحرب الاهلية وعدم الاستقرار، اي بمعنى ان دولة المكونات لها مرجعيات عديدة غير منسجمة مع بعضها وفي ظل غياب مرجعية الدستور والقانون.
إن ما هو عليه الحال في العراق الآن هو أقرب الى دولة المكونات الأثنية والطائفية السياسية منه الى دولة المواطنة، وإن مايجري الآن عملياً على الساحة السياسية هو حصيلة سعي النخب السياسية الكبيرة المهيمنة والمتحكمة بالقرار السياسي العراقي والمؤسسة أيديولوجياً على فكر وفلسفة الخصوصيات الاثنية والدينية والطائفية السياسية، وهذا السعي يصب  بأتجاه تقوية وترسيخ مفهوم دولة المكونات على حساب إضعاف مفهوم دولة المواطنة،  وتلك هي مسؤولية تاريخية يتحمل نتائجها الوخيمة العواقب -على مستقبل البلاد بشكل خاص- قادة هذه النخب مستقبلاً. ودولة المكونات بالنتيجة هي الحصيلة الطبيعية والوليد غير الشرعي لسياسة المحاصصة المقيتة بكل ألوانها وأشكالها التي أعتمدت خلال السنوات السبع المنصرمة كمعيار لتقسيم وتوزيع السلطة بين المكونات في العراق وأمست الآن العقدة التي يصعب حلّها على كل المستويات، بحيث أصبح لايعرف العراقي إلا من خلال خصوصياته الاثنية والدينية والطائفية والقبلية والعشائرية وغيرها، مع تهميش واقصاء ذكر مواطنته العراقية ويكاد أن يكون هذا الأمر قد أصبح أمراً واقعاً في حياة العراقيين وهذا ما يبعث حقاً على الحزن والأسى والأسف ويجعلنا أن نقول وا أسفاه أين كنا وأين أصبحنا من هذا وذاك...!! بينما تكون دولة المواطنة هي الحصيلة الطبيعية والوليد الشرعي للحركة الوطنية الديمقراطية التقدمية ونمو الأفكار الديمقراطية وقيم الحرية والعدالة والمساواة وارتفاع مستوى الوعي الثقافي وتعظيم الوعي الوطني الديمقراطي على أساس الولاء الوطني أولاً وآخيراً.. إن تعميق وترسيخ الثقافة الوطنية والفكر والولاء الوطني الديمقراطي لايلغي بالضرورة الولاء للخصوصيات بل بالعكس يعزز وجودها ويحميها من طغيان واستبداد خصوصيات المكونات الكبيرة التي تمتلك السلطة. وقد يكون هناك من يوآخذني على هذا الطرح ويعتبره شكل من اشكال الحجب لحق تقرير المصير للمكونات الأثنية والدينية والمذهبية في ممارسة حقوقها القومية والدينية والسياسية والثقافية في إقامة ماتراه مناسباً من كيانات إدارية خاصه بها لتجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع، كالفيدراليات أو مناطق الحكم الذاتي أو مناطق إدارات محلية بأعتبار هذه الادارات تشكل شكلاً من أشكال دولة المكونات عملياً... نعم إنها كذلك إذا كانت هذه الادارات قد أُنشئت واسست على أساس أثنى عرقي أو ديني أو مذهبي طائفي، فهي تكون عملياً دولة مكون تفضي الى إقامة نظام سياسي يحمل في طيات ممارساته للسلطة شكلاً من أشكال التفرقة والتمييز العنصري تجاه الآخرين من المواطنين من أبناء المكونات الأخرى التي تعيش في كنف هذه الإدارات كأقليات لها خصوصياتها المختلفة. أما إذا كانت هذه الادارات قد أُنشئت واسست على أسس إدارية وجغرافية بغرض تحسين وتطوير وتسهيل تقديم الخدمات للمواطنين فأنها لا تعتبر دولة مكونات وإنما تعتبر إدارات تشكل جزءاً مكملاً في الاقليم أو المنطقة أو المحافظة أو المدينة لدولة المواطنة ويصب بالتالي نشاط وجهد هكذا إدارات في مجرى تعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية وتقوية سلطة دولة المواطنة وتضعف النزعات والدعوات الداعية الى دولة المكونات الأثنية والدينية والطائفية... من هنا نقول وبقناعة راسخة نعم لدولة المواطنة... والف كلا لدولة المكونات في عراقنا الجديد، عراق ديمقراطي حر.

283
المرأة بين واقع الحال ودعوات دعاة الحرية والديمقراطية والمساواة

خوشابا سولاقا
إن من الامور التي أصبحت في حكم المتفق عليها من قبل الجميع كأفراد أو تيارات فكرية وإجتماعية من أقصى اليسار الى أقصى اليمين دون أية إشكالات وإجتهادات فكرية وفقهية ولاهوتية، هو أن المرأة تشكل نصف المجتمع الأنساني في كل المجتمعات في أي زمان ومكان، وكذلك من الامور المتفق عليها وهي من الامور البديهية هي أن المرأة كائن إنساني حالها حال الرجل لاتختلف عنه بشيء من حيث التكوين الشعوري والنفسي ومن ناحية التكوين العقلي، ولكنها تختلف عن الرجل من حيث البنية الجسدية والعضلية وكونها أنثى وهو ذكر، وكذلك تختلف عنه من حيث الوظائف الحياتية النوعية منها المتعلقة بالجوانب البايولوجية ومنها المتعلقة بالقدرة والقوة البدنية على العمل، ففي الجوانب البايولوجية هناك وظائف يؤديها الرجل ولا تستطيع المرأة أداءها، وأخرى تستطيع المرأة أداءها ويعجز الرجل من أدائها وهذه أمور معروفة لدى الجميع ومن دون وجود هذا الاختلاف في الوظائف النوعية لا يمكن للحياة الأنسانية أن تستمر لان الرجل والمرأة من خلال هذه الوظائف يكمل احدهما الاخر ويشكلان طرفي معادلة الحياة ولا يمكن لاحدهما البقاء والاستمرار من دون وجود الاخر، وبذلك يتساويان من حيث الاهمية في صنع واستمرار الحياة الأنسانية، ولايمكن لكائن من يكون ان يغير من هذا التوازن، لان ذلك سنة من سنن الطبيعة وقانونها العام ومنطق الحياة. أما الوظائف المتعلقة بالقدرة على العمل والأنتاج المادي لخيرات المجتمع فهناك وظائف تستطيع المرأة بحكم بنية بدنها أن تؤديها بكفاءة ومهارة ودقة اكبر من أن يستطيع الرجل أداءها وخصوصا تلك الوظائف التي لها علاقة بمرونة وكفاءة الايدي والصبر الطويل والأناة، ووظائف أخرى تحتاج الى القوة العضلية مثل الاعمال الثقيلة يستطيع الرجل أداءها بكفاءة اكبر من المرأة. ونستخلص من ذكر كل هذه البديهيات المعروفة والتي أختبرتها الحياة وزكتها عبر مسيرة تطور وتقدم الأنسان منذ نشوء المجتمعات البشرية البدائية الاولى الى عصرنا الحاضر عصر الفضاء والكومبيوتر والليزر وغيرها من الاكتشافات والاختراعات العلمية العملاقة التي غيرت مجرى التاريخ لحضارة الأنسان تغييراً جذرياً وشاملاً وبقفزات كمية ونوعية هائلة يعجز العقل البشري من وصفها، هو لأن نقول ان الحياة الأنسانية كالحياة الطبيعية قائمة على اساس صراع الاضداد وتسير الى الامام وتتطور من الحسن الى الاحسن من جهة وعلى اساس وجود التوازن الكمي والنوعي بين أداء الرجل والمرأة في وظائفهما النوعية في الحياة لو حصل هناك توازن في الفرص المتاحة للاثنين في استغلال وإستثمار قدراتهما البدنية والعقلية من جهة أخرى.. ولكن ما نراه مختلفاً في الأمر من حيث نوعية وكمية الأداء اليوم بين المرأة والرجل هو تحصيل حاصل من عبث الرجل بعناصر التكافؤ والتوازن بينهما عبر حقب التاريخ وهو بالتالي من صنع افكاره وتصوراته حيث قد سعي الى المساواة بينه وبين المرأة في أداء تلك الوظائف التي تكرس من تبعية المرأة له وتسخيرها لخدمته في كل ما يحتاجه منها من حاجات مادية وجسدية غريزية واستمرار نسله مقابل ان يقوم هو بأداء تلك الوظائف النوعية المحددة وبالشكل الذي يتماشى ذلك الاداء مع مزاجه وقناعاته واستمرار سلطته المطلقة على المرأة ومقدراتها وإرادتها ومصادرة قرارها وسلبه لشخصيتها الحرة وبالتالي جعّلها أداة طيّعة قادرة على العطاء لكل ما يحتاجه من الخدمات والملذات، هذا السلوك الأناني والتسلطي من الرجل هو الذي أخل بميزان ومعايير التوازن تأريخيا بين المرأة والرجل وجعلها تميل لصالحه وخلق بذلك مجتمع ذكوري على اساس تفوق الرجل على المرأة في كل شيء وفيه السلطة المطلقة للرجل والمرأة مهمشة ومقصية من القيام بما هي قادرة على القيام به حالها حال الرجل عدا تلك النشاطات التي تصب في خدمة الرجل وتكرس استمرار سلطته عليها.. وقد حاول الرجل وسعى بكل الوسائل السلطوية عبر العصور تكريس هذا الواقع وجعله واقعا طبيعيا لتنظيم العلاقة وتوزيع الادوار في الحياة الأنسانية والاجتماعية بين الرجل والمرأة من خلال ما أبدعه من النظريات الفكرية والتشريعات القانونية والتي هي جميعها من عصارة فكر الرجل، وقد زاد في الطين بلة عندما غلّف هذه الافكار والقوانين والتشريعات بغلاف ديني وكان ذلك دعما وتعزيزاً لسلطته على المرأة وتكريساً لضرورة تبعيتها له وبالتالي تقديمها من خلال هذا المنظور التاريخي المغلف بقدسية الفكر الديني الى المجتمع ككيان ضعيف مستواه أدنى من مستوى الرجل، وهكذا خُلق هذا الواقع الاجتماعي الذي عليه المجتمع اليوم من حيث دور ومكانة المرأة فيه.
من مفارقات الزمن وغرائب الامور وعجائب القضايا أن نجد الامور مقلوبة وهي تسير على رأسها في هذا الزمان، وتسمى الأشياء بغير أسمائها الحقيقية التي من المفروض أن تسمى بها لكي تكون صورة الواقع حقيقية، إنها حقيقيةً ظواهر تثير الدهشة والاستغراب وتبعث على القرف المقزز والاشمئزاز في النفوس الحرة التي تؤمن بقيم ومباديء الحرية الانسانية والأخلاق الديمقراطية وحقوق الأنسان، عندما نرى ونتلمس هذا التناقض الكبير والصارخ بين واقع الحال للمرأة في مختلف المجتمعات ومجتمعنا واحداً منها وبين دعوات دعاة الحرية والديمقراطية والمساواة بين المرأة والرجل من أحزاب وحركات سياسية وتيارات فكرية مختلفة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار من جهة وبين ما نعرفه من أن المرأة لم تكن في يوم من الأيام وفي أحسن الاحوال تمثل اكثر من نسبة "3"% من المشاركة في قيادة مختلف مؤسسات الدولة الرسمية من جهة اخرى، وكذلك الحال كانت مشاركتها في قيادة المؤسسات السياسية من الاحزاب والحركات السياسية والمؤسسات الفكرية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها من المؤسسات الاجتماعية الاخرى بكل أنواعها، وغيابها المطلق من المؤسسات العسكرية والقوات الامنية في معظم بلدان العالم والعراق واحد منها. وبقي الحال كذلك الى أن أنعم الاحتلال الاميريكي بقيادة الحاكم المدني السيد بول بريمر على المرأة العراقية ببركاته ونعمه وفرض على العراقيين مرغمين قسرا أن يتضمن الدستور العراقي مشاركة المرأة في كل قيادات مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والدرجات الخاصة بنسبة لا تقل عن " 25%" وكان لذلك القرار المفروض من قبل المحتل على رجالنا الافذاذ والاحرار جدا..!! اكبر الأثر وأعتبر إنجازاً تاريخياً مهماً وكبيراً لصالح مشاركة المرأة العراقية وصفقت له الملايين من جماهير النساء العراقيات اللواتي يشكلن حوالي نسبة " 55%" من سكان العراق في صنع ورسم سياسة البلاد ومستقبلها. ولكن ما يؤسف له شديد الاسف حقاً هو شبه الغياب لمشاركة المرأة في قيادات الاحزاب والحركات السياسية من اقصى اليمين المتطرف الى اقصى اليسار التقدمي التي ملأت شعاراتها الدنيا بالدعوات الى مساواة المرأة بالرجل في كل شيء الى حد المبالغة والتطرف احيانا في أسلوب طرح وتسويق مثل هذه الدعوات في سوق المزايدات السياسية وبالاخص في مواسم الانتخابات وهذا مايذكرني بمقولة عميقة المعنى لأحد المفكرين العراقيين لايحضرني إسمه عندما وصف حالة التناقض بين مايقوله الأنسان ومايفعله عملياً قال ساخرا "إن الشاب العراقي بالظاهر جيمس ستيورت وفي الباطن حجي عليوي".
إذا كانت هذه الاحزاب عاجزة عن قصد أو من غير قصد من مشاركة المرأة في تولي المناصب القيادية في قياداتها المختلفة بما تستحق ويستحق خلق التوازن الطبيعي بين الرجل والمرأة في إدارة هذه الاحزاب والحركات، كيف يمكن لذلك ان يحصل على مستوى المشاركة في إدارة مؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات الاجتماعية الأخرى..؟ إن البداية حقيقة تبدأ من مشاركة المرأة للرجل في صنع الارادة السياسية للدولة والمجتمع من خلال الاحزاب والحركات السياسية التي تنخرط فيها اولاً، وإلا فلا يمكن تحقيق مساواة المرأة بالرجل في المجالات الاخرى.. من خلال ماتم استعراضه حول قضية المرأة تاريخياً وإجتماعياً ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات وتبيان الأسباب الموضوعية التي كانت وراء الوصول بوضع المرأة ودورها في المجتمع الى ماهو عليه واقع الحال الآن في العراق سواءً كان ذلك على مستوى المجتمع العراقي بشكل عام وعلى مستوى الأحزاب والحركات السياسية والديمقراطية التقدمية تحديداً أو على مستوى شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" بشكل خاص وحركتنا " الحركة الديمقراطية الاشورية" حصراً. وبما ان العراق مقبل على تشكيل حكومة شراكة وطنية كما تدعي جميع القوائم والكتل الفائزة والخاسرة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة، نأمل أن تكون نسبة مشاركة المرأة العراقية في تشكيلة حكومة الشراكة الوطنية القادمة كبيرة وفعالة وليست مشاركة رمزية وإنتقائية بأختيار عناصر نسائية منتمية فكرياً الى الافكار التي تؤمن بتبعية المرأة للرجل وينطبق عليهن المثل القائل " ملكيات اكثر من الملك"، وأن تتجاوز نسبة المشاركة للمرأة في حكومة الشراكة الوطنية المنتظرة نسبة المحتل السيد "بول بريمر" البالغة "25%" الى نسبة حلم المرأة العراقية نسبة الرجل العراقي الديمقراطي التقدمي المتحرر والتي قد تصل الى نسبة "50%" أو اكثر وأن تكون هذه المشاركة من العناصر النسائية المؤمنة بقضية مساواة المرأة بالرجل ومتحررات من ثأثيرات التقاليد والاعراف الاجتماعية السائدة. كما وادعو في ذات الوقت ان يسري هذا الامر على قيادات الاحزاب الوطنية والديمقراطية والتقدمية اليسارية والشيوعية واللبرالية والتي لا تزيد فيها حتى الان نسبة مشاركة المرأة في احسن الاحوال عن "5%" ان يعيدوا النظر بتركيبتها لكي يعيدوا التوازن الطبيعي لمشاركة المرأة في صفوفها.هذه النسبة تكون مخجلة للغاية عندما يتم مقارنتها بحجم الدعوات المعلنة بخصوص مساواة المرأة بالرجل من قبل هذه الاحزاب والحركات السياسية.
اما في ما يخص وضع المرأة ودورها ومشاركتها في قيادات "الحركة الديمقراطية الاشورية" فهي مشاركة متواضعة للغاية لحد الان وتكاد تكون رمزية الى حد كبير في بعض الحلقات من مستويات التنظيم، والغياب شبه التام لمشاركة المرأة في اللجنة المركزية بأعضائها الاصليين كأعلى هيئة قيادية في الحركة، إنه في الحقيقة واقع غير صحي يخالف الطموح وغير مقبول لأنه لايتماشى مع اهداف الحركة كحركة سياسية ديمقراطية قائدة لنضال الامة وتحررها. وإن تغييب دور المرأة ومشاركتها الفعالة في كل مفاصل الحركة أمرٌ لا يليق بطبيعة الحركة وسمعتها اجتماعياً، لذا أرى من وجهة نظري الشخصية المتواضعة ان تكون حركتنا القدوة لغيرها في هذا الجانب لأسباب اجتماعية وتاريخية كثيرة يعرفها الجميع كما اعرفها ولا حاجة لذكرها هنا.. وبمناسبة إقبال حركتنا على إنعقاد مؤتمرها السادس الذي سينعقد في غضون الاسابيع القليلة القادمة ادعوا بقوة أن نجعل من مؤتمرنا هذا مؤتمراً للاصلاح والتغيير الشامل في هذا المجال اضافة الى المجالات الاخرى، وأن يخرج بتوصيات ومقررات تعظم وتفعل من دور ومشاركة المرأة في قيادات الحركة المختلفة بالشكل الذي يتناسب مع حجمها كونها تشكل نصف المجتمع، وليس تغييبها وإقصاءها او تهميشها كما يفعل الآخرين ممن نصنفهم في خانة غير المؤمنين بحرية المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والواجبات. نأمل من حركتنا ومن كوادرها المتحررة من ادران التقاليد والاعراف الاجتماعية السائدة ان تحقق ذلك بنجاح في مؤتمرها القادم وان يكون لاخواتنا النجيبات المتطلعات لشمس الحرية والمساواة دور فعال وناشط لتحقيق هذا الانجاز التاريخي في مسيرة حركتنا النضالية "الحركة الديمقراطية الاشورية".

284
حرية الرأي  والفكر الشمولي

بقلم: خوشابا سولاقا

منذ أن خلق الأنسان وأنطلاق مسيرته التاريخية في الحياة وظهور المجتمعات البشرية الاولى وتقسيمها الى طبقات إجتماعية على أساس تقسيم العمل وعلاقة الأنسان بوسائل الأنتاج، ظهرت مع ظهور هذه الطبقات أفكار تمثلها وتدافع عن مصالحها، وعلى أثرها ظهر صراع الطبقات بسبب تعارض وتضارب المصالح والذي يعد الأساس المادي لتطور المجتمعات البشرية عبر التاريخ الأنساني، حيث مرَّ المجتمع البشري عبر مسيرته التطورية التاريخية بمراحل عديدة إبتداءً بالمرحلة المشاعية البدائية ومروراً بالمرحلة الأقطاعية بكل أشكالها والمرحلة البرجوازية الرأسمالية وما تلاها من مرحلة المجتمع الاشتراكي والشيوعي التي سادت بعض بلدان العالم لفترة وما زالت في بعضها إلى الآن مستمرة وأخيراً المجتمع الليبرالي الحر الذي يصفه بعض مفكريه بنهاية التاريخ.. وخلال هذه المراحل من مسيرة التطور الاجتماعي ظهرت أفكار ونظريات فلسفية وإقتصادية وإجتماعية وسياسية عديدة والتي على ضوئها تشكلت أحزاب وحركات سياسية ونقابات مهنية تبنت أفكار وعقائد مختلفة تلاقت مع بعضها في بعض الجوانب بهذا القدر أو ذاك أحياناً وتعارضت في بعض الجوانب أحياناً أخرى بحكم تعارض مصالح الطبقات التي تمثلها وظهرت داخل هذه الاحزاب والحركات السياسية إجتهادات وتفسيرات للنظريات الفكرية التي تبنتها بغرض تطوير وتفعيل قدرات هذه الأحزاب والحركات لتفسير الظواهر الاجتماعية والمتغيرات السياسية والثقافية التي تحصل بأستمرار وتواصل دائم في المجتمع دون إنقطاع، وبالضرورة انعكس ذلك داخل الأحزاب والحركات السياسية العاملة من أجل تجاوز الأخطاء من جهة وتطوير وتفعيل الأيجابيات فيها لتجديد قدرتها وحيويتها على مواكبة المستجدات في الحياة الحزبية والاجتماعية من جهة أخرى.. وبالتالي أنعكس ذلك سلباً أو إيجاباً على مسيرة هذه الاحزاب والحركات إعتماداً على حجم حرية الرأي والفكر المسموح بها للأفراد المنتمين الى هذه الاحزاب والحركات، فمنها من أطلقت العنان وبشكل مطلق لحرية الرأي والفكر لأفرادها من دون روادع وقيود في نقد وتحليل الأخطاء والسلبيات وأسبابها ومسببيها وتقويمها مهما كان مصدرها دون مراعاة لأية إعتبارات سياسية حقيقية كانت أم إفتراضية وهمية يفترضها مرتكبي هذه الاخطاء من المتنفذين في هذه الاحزاب والحركات تحت ذرائع وتبريرات شتى، طالما الأمر يفضي الى تطوير وتحسين عمل الحزب وأدائه ورفع فعاليته النضالية وهذه الأحزاب هي الأحزاب الليبرالية والديمقراطية الحرة غير الشمولية التي تؤمن بحرية الرأي والفكر، ان مثل هذه الاحزاب والحركات قد شهدت تطوراً كبيراً وهائلاً كمّاً ونوعاً في منهجها الفكري وآليات وأساليب عملها بتجاوزها لأخطائها وسلبياتها بشجاعة وجرأة مبدئية وحافظت على ديناميكيتها وحيويتها ووحدتها الفكرية وبالتالي تحررها من طوق الفكر الشمولي، والأمثلة كثيرة على ذلك تشمل كل الاحزاب الديمقراطية والاشتراكية الديمقراطية والاحزاب البرجوازية والليبرالية وحتى الاحزاب المحافظة التي تؤمن بالديمقراطية في كل من اوربا وامريكا وبعض بلدان آسيا واستراليا وامريكا اللاتينية، وبسبب ذلك تمكنت هذه البلدان من تحقيق انجازات ونجاحات كبيرة في كافة المجالات وتمكنت من بناء انظمة سياسية حديثة فعالة أدت الى إنشاء دول ومجتمعات ديمقراطية في غاية التقدم والتطور في كافة المجالات وعلى كافة الصعد وكما نشهدها اليوم.
وهناك أحزاب وحركات سياسية في الجانب الآخر على النقيض من ذلك وهي الأحزاب الشمولية التي لا تؤمن بحرية الرأي والفكر إلا لشخص القائد الفرد حيث يعمل هذا الشكل من الأحزاب على كبت الحرية الفردية وحرية الرأي والرأي الآخر وكَمِّ الافواه وقمع ومحاصرة الافكار الحرة الداعية الى التغيير والاصلاح والانفتاح على الافكار والآراء المعارضة وتتّبع اسلوب خنق المبادرة والارادة الحرة للافراد في صفوفها وتسخّر الأقلام لكيل المديح المبالغ به للقيادات الفردية لحسناتها وسيئاتها على حد سواء وإشاعة ثقافة تأليه وعبادة الفرد وتبرير الأخطاء والسلبيات والتغطية عليها وإعتبار الحديث عنها خط أحمر للجميع لايجوز تجاوزه مهما كانت الدواعي ورفض قبول العمل بمبدأ النقد والنقد الذاتي والعمل على ترسيخ سياقات العمل الانفرادي والانتقائي وتغييب قواعد العمل الجماعي والقيادة الجماعية من الحياة الحزبية وبالتالي إختزال كيان الحزب في شخص قائده الذي يتحول بحكم هذه الممارسات الى شخص استبدادي في رأيه وقراره وديكتاتور في ممارساته الحزبية وهذا هو ما بات يعرف بالفكر الشمولي أي فكر الدكتاتور الذي لا يرى ولا يسمع غير نفسه ويفرض على الآخرين بوسائل قسرية مختلفة.. هذه الظواهر والممارسات تجعل الحزب يعاني من جمود وتحجر عقائدي فاقد الديناميكية والحيوية لتجديد ذاته بافكاره وأساليب عمله وعلاقته بالجماهير، ومثل هذه الاحزاب تعتبر أحزاب شمولية بامتياز في تفكيرها وممارساتها وتنتهي مسيرتها باقامة نظام إستبدادي ديكتاتوري على المستوى الحزبي او على مستوى إدارة الدولة والمجتمع إذا كان الحزب في الحكم وماسكاً للسلطة، ومصير مثل هذه الاحزاب الشمولية عادة يكون الانهيار والزوال ودخولها الى متحف التاريخ من ابوابه الخلفية المعتمة بطريقة لاتشرّف مؤسسيها وقادتها التاريخيين بعد أن تكون قد ألحقت العار التاريخي بنفسها والخراب والدمار ببلدانها، والامثلة على هكذا أحزاب كثيرة عبر التاريخ كالحزب النازي الالماني والحزب الفاشي الايطالي والأحزاب الفاشية الديكتاتورية في كلّ من اسبانيا والبرتغال سابقاً والاحزاب الشيوعية التي حكمت في الاتحاد السوفييتي السابق وبلدان أوربا الشرقية والتي سقطت أنظمتها في لمح البصر دون أن تجد من يدافع عنها ويحميها وينقذها من السقوط من أعضائها وأنصارها لحظة سقوطها المدوي، والاحزاب القومية العربية مثل حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بنهايته المخزية.
هكذا سيكون الحال مع الاحزاب المماثلة الحالية التي تعاني الكثير من مثل هذه الممارسات في مختلف بقاع العالم في طريقة تفكيرها إذا لم تستدرك حالها وتنقذ نفسها من الغرق في مستنقع الفكر الشمولي وتطلق العنان لحرية الرأي والفكر لأفرادها لأن تأخذ مداها في العمل الحزبي في تقييم وتقويم مسيرتها النضالية وتهذيبها من سلبيات تجربتها الماضية لتنطلق بروحية جديدة وثابة لكي تتصدى لمتطلبات ما يستجد في الحياة ولمواجهة ما يواجهها من التحديات المصيرية الكبيرة، ومن غير ذلك تكون هذه الأحزاب أضعف من أن تكون قادرة على منافسة ومواجهة الأحزاب الليبرالية الحرة في قيادة حياة المجتمعات في المستقبل، لأنه من المفروض بكل حزب سياسي يريد أن يبقى ويستمر عليه ألاّ لايستهين بأبسط مايحصل من المستجدات في الحياة بل يستوجب عليه أن يتعامل معها بكل ما تستحق من الجدية وان يتجدد بأفكاره وأساليب وآليات عمله مع هذه المستجدات بشكل جدلي، وإلا وكما قلنا فان الأبواب الخلفية لمتحف التأريخ ستكون مفتوحة على مصراعيها لاستقبال من لا تشرفه من فرسان لعبة السياسة الخائبين من فقهاء الفكر الشمولي أمثال هتلر وموسوليني وستالين وفرانكو وسالزار وبول بوت وعيدي أمين وبوكاسا وصدام حسين وغيرهم الكثير ممن أذاقوا شعوبهم المر وألحقوا ببلدانهم الخراب والدمار..
 الفكر الشمولي يحل حيثما غابت حرية الرأي والفكر كما يحل الظلام حينما تغيب الشمس ويحل الجفاف بالأرض المعطاء حينما ينقطع المطر عنها.

285
الأختلاف والخلاف في حوارات الأفكار والسياسة

خوشابا سولاقا

إن الحوارات الفكرية بين العاملين في مجالات الفكر والفلسفة وعلوم النفس والأجتماع والمنطق والأقتصاد والسياسة من اجل الوصول الى شبه الحقيقة وليس الحقيقة المطلقة أو من اجل الوصول الى ماهو أصوب من الافكار والأراء والرؤى والمبنية مسبقاً على حسن وصدق النوايا والأيمان بجوهر القضية التي يجري حولها الحوارات هي أقصر وأنجع الطرق وأجداها الى معرفة قلب الحقيقة من أية طرق أخرى، لأنها حتماً تقود أصحابها الى مستوى أعلى من النضج الفكري والوعي الثقافي والاجتماعي والأنساني لأن تكتشف مواضع القوة والضعف والقصور في افكارها ووجهات نظرها وإنطباعاتها وتصوراتها حول الموضوع المختلف عليه، وبالتالي يساهم ويساعد هذا النضج على تشكيل قناعات فكرية مشتركة ويكّون إنطباعات وتصورات جديدة ووجهات نظر اكثر وضوحاً وعمقاً وبعداً في مضامينها وموضوعيتها ويرسم أفاقاً أوسع للرؤى المستقبلية التي تشكلها وتنضّجها هذه الحوارات لتحديد الأطار الجامع لمجمل الأفكار المطروحة للحوار ومن ثم إعادة صياغتها بحلة متطورة جديدة تكون اكثر شمولاً وأوسع تعبيراً وأعمق تجسيداً لما ينبغي الوصول إليه من خلال  هذه الحوارات الديمقراطية المفتوحة، هذا مايحصل بل ما يجب أن يحصل ويتم الوصول إليه عندما تكون حالة الحوارات في ظل وجود إختلافات في الطرق والوسائل وآليات العمل المعتمدة من قبل الاطراف المتحاورة لتحقيق الهدف الواحد المشترك، أما عندما تكون حالة الحوارات قائمة في ظل وجود أهداف مختلفة وقد يكون الخلاف بينها في مستوى التناقض والتنافر والتناحر عندها تكون حتماً الطرق والوسائل وآليات العمل المعتمدة من قبل الأطراف المتحاورة مختلفة ومتناقضة الى حد التناحر أيضاً، إن مثل هذه الحالات لايمكن أن يطلق عليها حالة الاختلاف بل تكون حالة الخلاف التناحري، والخلافات عادة لاتفضي الى تقليص حجم الهوه بين الأطراف المتخالفة بل تفضي الى العكس من ذلك، أي تعميق وتوسيع التناقضات والصراعات و وتؤجج الأحقاد والضغينة والخلافات الشخصية بقوة وبالتالي يفضي ذلك الى الصدام واستعمال العنف بكل أشكاله لحسم الخلافات بين الاطراف المعنية بالأمر، وهذا ما لا يخدم الأهداف المشتركة إن وجدت في خضم هذه الصراعات والخلافات والتناحرات والعداوات الشخصية حتى وإن كان ذلك على مستوى الخطاب السياسي والاعلامي بين الاطراف المعنية، أي بمعنى اخر أن الأختلافات في الأفكار والأراء والرؤى بين الأطراف المختلفة لتحقيق هدف مشترك هي حالة صحية مقبولة وظاهرة تطورية ضرورية وإجتماعية إنسانية للانتقال من مرحلة أدنى الى مرحلة أعلى من التطور الاجتماعي في أي عمل أو نشاط فكري أو فلسفي أو سياسي او تنظيمي جماعي، بينما الخلاف في الأفكار والأراء والرؤى هي على العكس من ذلك تماماً حيث قد تؤدي الى خلق الحالة الأسوء المرفوضة من جميع الجوانب لانها تتناقض وتتقاطع مع الهدف المرحلي والأستراتيجي معاً، عليه نقول وبصريح العبارة لكل ابناء حركتنا الغيارى "الحركة الديمقراطية الاشورية" من القيادين بكل المستويات السابقين والحاليين وكوادرها القيادية المتقدمة وأعضائها ونحن ذاهبون الى إنعقاد مؤتمرنا السادس بعد بضعة أسابيع أن نكون بمستوى المسؤولية وأن نكون بمستوى النضج والوعي والادراك الفكري والثقافي والسياسي لأن نضع خلافاتنا جانباً وندفنها تحت رماد وعينا السياسي مهما كانت طبيعة ودوافع هذه الخلافات، وأن ننظر إلى دقائق الامور بوعي قومي ووطني وبشيء من المسؤولية تجاه امتنا ونضع نُصب عيوننا تحقيق تلك الاهداف النبيلة التي ناضلت من اجلها حركتنا وقدمت من أجلها الكثير من التضحيات من الشهداء والدماء والدموع وأن نتجاوز أنانيتنا الذاتية ومصالحنا الشخصية الضيقة وأن نجعل من أنفسنا كل من موقعه شموعاً تنير درب نضال حركتنا الذي بدأناه بخطوه، ولأكمال طريق الألف ميل نحتاج الى تقديم المزيد من التضحيات، وأقل تضحيات يسهل علينا تقديمها هي أن نتجاوز خلافاتنا ونعمق من حوراتنا الديمقراطية بصدق النوايا والروح الرفاقيه حول إختلافاتنا في مختلف الامور والقضايا المتعلقة بتقوية وترسيخ وحدتنا الفكرية والتنظيمية وتوسيع قاعدتنا الجماهيرية حول ضرورة تحقيق وحدة شعبنا القومية. وأن يخرج مؤتمرنا الذي نحن على اعتابه بنتائج طيبة في توصياته وقراراته وبرنامجه السياسي بخصوص تقييم وتقويم المسيرة النضالية لحركتنا للمرحلة المنصرمة وان نتجاوز كل ماحصل من الأخطاء والسلبيات بعقل منفتح وبروح نضالية رياضية لمنع تكراره لاحقاً، وأن يخط المؤتمر برنامجاً إصلاحياً ديمقراطياً تغييرياً شاملاً فكرياً وتنظيمياً للمرحلة القادمة من مسيرة حركتنا تُرضى جميع المخلصين والحريصين من كوادر وأصدقاء ومؤازري وأنصار وجماهير حركتنا المناضلة. وأن يفضي مؤتمرنا الى إختيار القيادات المختلفة بصورة ديمقراطية وبروح رفاقية من أكفأ وأفضل وأخلص كوادرها لقيادة الحركة ومسيرتها في المرحلة القادمة وأن تكون هذه القيادات بمستوى الطموح للتصدي للتحديات التي تواجه حركتنا وشعبنا على المستوى القومي والوطني وأملنا كبير أن تكون حركتنا بقياداتها المنتخبة الجديدة بعد المؤتمر السادس مؤتمر التغيير والاصلاح الشامل عند حسن ظن جماهيرنا وأبناء شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري".

286
بين صراع الافكار وصراع الخصوصيات لابد من مسافة!!

بقلم: خوشابا سولاقا

من الطبيعي جداً بل من الضروري أن ينشأ صراع فكري في صفوف أي تنظيم أو حركة سياسية أو حتى أي تجمع إجتماعي مهما كانت طبيعته بين هذا الطرف وذاك من أجل إغناء وإنضاج ما هو الأفضل من الافكار المطروحة للحوار حولها على الساحة وبالتالي إعتماد الأفضل والأنسب والأقرب الى ما يحقق أهداف التنظيم السياسي ويزيد من تفاعله وإنسجامه مع طموحات وتطلعات الجماهير التي يمثلها، وليس بالضرورة أن يكون ما يطرح من الافكار من قبل هذا القيادي أو ذاك مهما كان مستواه في التنظيم هو الافضل والأنسب يستوجب إعتماده، إن وجود مثل هذه الظاهرة في صفوف التنظيم أو الحركة السياسية هو وجود صحي وضروري مطلوب أن يحصل ووجوده إن دل على شيء إنما يدل على حيوية وديناميكية وقوة التنظيم السياسي وفعاليته المستمرة وقدرته واستعداده لقبول التغيير المفروض لتجديد ذاته بالشكل الذي تجعله قادراً على مواكبة التغيرات التي تحصل في المجتمع التي هو جزء منها، وتجديد عناصر ديمومته وإندفاعه الى الامام نحو الوصول الى ما هو أفضل شكل من أشكال التنظيم، وإن ذلك في الوقت ذاته تدريب وتأهيل حرفي لقيادات وكوادر التنظيم السياسي على الحوار الديمقراطي وقبول الآخر والتفاعل معه والأقرار طوعياً بما هو أصوب من الأراء لخدمة تحقيق الهدف المشترك الواحد الذي من المفروض أن يكون موضع إجماع شامل من قبل جميع أطراف الصراع الفكري. فأذا كان الصراع الفكري محكوم ضمن هذا الاطار عندئذ يصبح الصراع بحد ذاته هو الهدف لأنه يفضي الى خلق الحالة الفكرية والتنظيمية المثلى المبنية على الممارسة الديمقراطية في الحوار والصراع الفكري بين اعضاء التنظيم السياسي من اعلى القيادات الى ادنى المستويات لبناء تنظيم قوي متماسك منسجم مع نفسه موحداً فكرياً وتنظيمياً وتكون افاق الرؤى المستقبلية واضحة وشاملة من خلال هكذا تنظيم لفرز واختيار افضل واكفأ العناصر لتولي مهام القيادة بكل مستوياتها... أما اذا كان الصراع الفكري خارج أحكام هذا الاطار فأنه عندئذ يتحول الى وسيلة وأداة لتحقيق اغراض ومصالح فردية أنانية شخصية يفضي الى خلق حالة من التفكك والتمزق وعدم الانسجام الفكري والتنظيمي داخل التنظيم الذي حتماً يؤدي الى إنشقاق التنظيم في احسن الاحوال إن لم يؤدي ذلك الى ما هو أسوء الى تفكك وحل التنظيم، لذلك يتطلب من جميع الحريصين والمخلصين من اعضاء التنظيم السياسي إبقاء صراعاتهم الفكرية وحواراتهم ضمن الاطار الذي تؤدي الى ترسيخ وتعميق وتقوية الوحدة الفكرية والتنظيمية داخل التنظيم والنأي بأنفسهم عن اي سلوك يؤدي الى العكس من ذلك والابتعاد عن اقحام الخصوصيات في عموميات التنظيم السياسي وذلك حماية للعموميات الفكرية والتنظيمية من جهة وحماية للخصوصيات من جهة اخرى.
اما في ما يخص صراع الخصوصيات مهما كانت طبيعتها، طائفية، عشائرية او قبلية او شخصية وغيرها، ومهما كانت الدوافع التي تقف ورائها فهي في النهاية على النقيض من الحالة المثلى التي تفضي الى ترسيخ وتقوية وتعميق الوحدة الفكرية والتنظيمية داخل التنظيم، لان مثل هذه الصراعات مهما كانت اهدافها وغايتها المعلنة ومهما كانت ادواتها الظاهرة والمخفية فهي سوف لاتبغي الا استخدام التنظيم كوسيلة لتحقيق غايات شخصية انانية ضيقة على حساب إضعاف الوحدة الفكرية والتنظيمية والانسجام والروح الرفاقية الديمقراطية داخل التنظيم. لذلك يصبح من واجب المخلصين والحريصين من اعضاء وكوادر التنظيم التصدي لمثل هذه المظاهر والممارسات والسلوكيات الشاذة التي تخالف قواعد العمل السليم في التنظيم السياسي المعاصر ومحاربتها بقوة وحزم من خلال التصدي لمن يسلك سلوك تصب نتائجه في اتجاه تنمية وتعميق مثل هذه الصراعات الخصوصية. لان التنظيم الرصين والمبدئي يجب ان يخلو بأكبر قدر ممكن من الولاءات للخصوصيات وان تكون كل التوجهات بأتجاه الأنصهار في بودقة الولاء لفكر التنظيم وقواعد العمل فيه. وان يسعى كل فرد في التنظيم الى المحافظة على هامش من المسافة بين الصراع الفكري وصراع الخصوصيات والابتعاد بقدر الأمكان عن اقحام الخصوصيات في العمل التنظيمي والفكري للتنظيم السياسي وتغليبها على المبدئية الفكرية والتنظيمية فيه. حيث يجب ان يكون هدف التنظيم السياسي نقل المباديء والسلوكيات الأخلاقية التي صنعها التنظيم خلال مسيرته النضالية ورسَّخها في تقاليد حياته اليومية في التعامل مع الناس الى المجتمع وليس العكس، أي نقل الموروثات الاجتماعية بسيئاتها وحسناتها من المجتمع الى صفوف التنظيم.. لأن التنظيم بحد ذاته من المفروض أن يكون هو نموذج لمجتمع مصغر بأخلاقه وقيمه وتقاليده الجديدة الذي يجب ان تقتدي به المجتمع الكبير، ويكون التنظيم بشكله هذا نواة وخلية اساسية للمجتمع الجديد الذي نسعى لتأسيسه نوعياً، وعليه فأن شيوع صراع الخصوصيات والمصالح الفردية الأنانية الضيقة والرغبة المفرطة في الانفراد بكل امور التنظيم وحصر الصلاحيات وبالتالي اختزال كيان التنظيم في شخص والغاء قواعد القيادة الجماعية التي من المفروض ان تتسم بها كل التنظيمات السياسية التي تدعي الديمقراطية والحياة الديمقراطية وكذلك شيوع عدم احترام قرار الاكثرية والتبشير بالرأي الشخصي التي شهدتها وتشهدها بعض التنظيمات والحركات السياسية وبالأخص تلك التنظيمات ذات التوجه الفكري الشمولي هي علامات ودلالات مرضية تهدد مصير مثل هذه التنظيمات بالسقوط والزوال اذا لم يتم تدارك هذه الظواهر من بدايتها من قبل قيادات وكوادر واعضاء هذه التنظيمات قبل استفحالها ووصولها الى نقطة اللاعودة.

287

القضاء العراقي والاختبار الصعب..!!

خوشابا سولاقا

بالرغم من كون عنوان هذا المقال فيه شيء من الغرابة كما قد يراه البعض من القراء الكرام، الا انه في ذات الوقت يعبر عن الشيء الكثير من الحقيقة عن مدى شفافية ونزاهة ومصداقية واستقلالية القضاء العراقي ودوره في استقرار الاوضاع كافة في البلاد في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة والبالغة الحساسية من تجربة الحياة البرلمانية والديمقراطية في العراق الجديد، ويحمل كذلك الكثير من المضامين التي يتم قرائتها بين السطور عند المقارنة والمقاربة بين الامور والقضايا التي قد لاتتشابه في جوهرها ولكنها تقضي بالنتيجة الى افعال وردود افعال متشابهة اي بمعنى اخر تجمع بين المتناقضات لضرورات الحياة. ان ما يثير استغرابي واكيد استغراب الكثيرين من العراقيين الانقياء في ضمائرهم ومشاعرهم الوطنية والاوفياء لوحدة الوطن والحريصين على مصالحه وسيادته ممن يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الخصوصية ممن يكون انتمائهم للوطن والهوية الوطنية قبل انتمائهم للخصوصيات القومية والدينية والطائفية والحزبية والمناطقية وغيرها من الهويات الخصوصية، عندما نسمع الى خطابات قادة ومفكري معظم نخبنا السياسية وهم يتحدثون عن حقوق وحرية وارادة الشعب العراقي في حكم البلاد وتقرير مصيره نتصور ويتصور معنا السامع الغريب من خلال هذا الخطاب الكلامي الجميل والمعسول ان الشعب العراقي يعيش في بحبوحة من الحرية والديمقراطية كما صورها الفيلسوف الاغريقي افلاطون في كتاباته، وان من يقودون السلطة في البلاد هم خدم لهذا الشعب وليسوا حكاما يحكمونه ولا يهتمون لامره وانما كل ما يهمهم من الامر هو البقاء في كراسي الحكم بأي ثمن وليذهب القانون والقضاء العادل النزيه المستقل والديمقراطية والمصالحة الوطنية وحتى العملية السياسية بقضها وقضيضها الى الجحيم عملا بقول "اذا مت ظمآناً فلا نزل القطر" هكذا هو الحال وهذه هي الصورة العراقية الحالية.. ما العمل ايها المخلصون النجباء من العراقيين..؟ لقد حان وقت العمل الجدي، ان امثال هؤلاء الحكام يدوسون باقدامهم في كل عمل يقدمون عليه وفي كل تصرف من تصرفاتهم المنافية لابسط قواعد الحياة الديمقراطية والحكم الديمقراطي على ارادة الشعب ويضربون بقراره عرض الحائط باستمرار ويمعنون في اذلاله بسلوكهم الازدواجي الذي يناقض اقوالهم وخطاباتهم وشعاراتهم من دون خجل وحياء عملا بقول الشاعر العباسي الكبير "ابي نؤاس" رحمه الله حينما قال " كلام الليل يمحوه النهار". هكذا هو الحال مع حكام هذا الزمان لسوء حظ الشعوب ان وعودهم هي مجرد كلام الليل ليس بالضرورة الالتزام بها في النهار.
نعود ونقول لكل من له اذان تسمع وعيون ترى ان الشعب العراقي قام بما كان يجب  القيام به  حيث تحمل المخاطر وتحدى الصعاب والارهاب وسالت دماءه وتوجه الى مراكز الانتخابات وادلى بصوته الذهبي وعبر بحرية عن ارادته وقراره الحر في اختيار ممثليه الى مجلس النواب، وفعل ذلك ليس لسبب وانما ليثبت ويبرهن للعالم ان العراق قد تعافى بعد تحرره من النظام الديكتاتوري وسار على الطريق الصحيح طريق الحرية والديمقراطية وليس لأن يعود الى احضان نظام ديكتاتوري من نوع جديد. وبذلك يكون قد اوفى بما عليه من التزامات، والان مطلوب من الاخرين من النخب السياسية بالمقابل ان يوفون بما عليهم من الالتزامات ويحترمون هذه الارادة وهذا القرار وليس العكس والالتفاف بشتى الطرق على هذه الارادة وبوسائل ملتوية وبدعم من القضاء بالقائمين عليه حاليا تحت مسميات وعناوين مختلفة ومغطاة بشرعية القانون لتزييف وتزوير هذه الارادة في ميدان اللعبة السياسية الجارية من اجل تحقيق اجندات سياسية وحزبية وغيرها لصالح البعض، كما فعلت الهيئة القضائية الانتخابية الموقرة بقرارها الاخير بالغاء واجتثاث اصوات المواطنين الناخبين الذين صوتوا لمرشحين من خلال قوائم انتخابية شرعية وقانونية من المشمولين باجراءات قانون المساءلة والعدالة، وهنا من الضروري جدا ولكي لا تختلط الاوراق ان نميز ونفرق بين اجتثاث المشمولين بقانون المساءلة والعدالة وبين اجتثاث اصوات المواطنين الناخبين لهم. انه في الحقيقة امر غريب مثير للسخرية والاستهجان.. وهنا من حقنا ان نتساءل كمراقبين سياسيين ما علاقة اصوات الناخبين من ابناء الشعب الذين صوتوا للقائمة وللشخص تعبيرا عن ارادتهم الحرة باستبعاد الشخص المرشح المشمول باجراءات قانون المساءلة والعدالة..؟ انه من المنطق والعقلانية ان يتم استبعاد واجتثاث المرشح وحتى الفائز بعضوية المجلس عبر الانتخابات عند شموله باجراءات قانون المساءلة والعدالة لان ذلك يمكن تبريره بكونه تطبيقا للقانون، ولكن ما ليس كذلك وليس من الانصاف والاخلاق ان يتم هو الغاء واجتثاث اصوات جزء من ابناء الشعب، اي الغاء واجتثاث ارادة جزء من الشعب وخصوصا ان ذلك الاجراء غير مدعوم باي سند قانوني او دستوري وانما هو مجرد اجتهاد مزاجي وقد يكون ذلك مسيس او على نحو من ذلك على اقل تقدير في قراءة المراقب السياسي للمشهد القائم ، بل انه في الحقيقة والواقع ووفق كل المعايير والقوانين الدولية ومفاهيم ابسط اشكال الديمقراطية والمعايير الاخلاقية امر غير منطقي وغير قانوني وغير مقبول ومستهجن، حيث يذكرني هذا الاجراء بمثل اورده احد الاصدقاء في احدى مقالاته قبل مدة وجيزة نشرها على احد المواقع الالكترونية حيث قال: " جار راقب ابن الجيران وهو يسرق البرتقال من حديقة منزله في احد الايام.. فقال له مناديا.. لماذا تسرق البرتقال من حديقة منزلي..؟ فرد عليه ابن الجيران قائلا ولماذا ابنتك تلبس ثوب قصير..؟ قال صاحبنا صاحب المنزل ما علاقة هذا بذاك..؟ رد عليه ابن الجيران.. انها حكاية تجر حكاية..!" وهكذا الحال مع الهيئة القضائية الانتخابية الموقرة.. نسالها ونحلفها اليمين بقدسيه القانون الذي من المفروض ان يحكم قرارها ويمين اداء المهنة الذي اقسموه عندما لبسوا رداء القضاء لاداء هذه المهنة النبيلة... ماعلاقة قانونية استبعاد واجتثاث مرشح مشمول باجراءات قانون المساءلة والعدالة باستبعاد واجتثاث اصوات الناخبين المعبره عن جزء من ارادة الشعب من اصوات القائمة التي ينتمي اليها المرشح المستبعد والمجتث والتي تم اختيارها لتمثيله والتعبير عن ارادته في مجلس النواب طالما لم يتم استبعاد واجتثاث القائمة بعينها وطالما يوجد هناك بديل يحل محل المستبعد المجتث قانونياً...؟ اين هذا من ذاك يا اعزائي اعضاء الهيئة القضائية الانتخابية..؟ أم انكم تقولون كما قال ابن الجيران لصاحب المنزل انه اجراء يكمل مستلزمات اجراء اخر لتحقيق غاية مبيته ومتفق عليها مسبقاً كاتفاق ابن الجيران وصاحبه الثوب القصير من وراء ظهر صاحب المنزل...؟ وصاحب المنزل هنا هو الشعب..!! الا يبدو الامر كذلك..؟ بالله عليكم هل يقر القانون العراقي وكل القوانين التي درستموها بان ياخذ "الشيء بجريره غيره"..؟ ثم الا يقول القران الكريم في احدى اياته الكريمه "لا تزر وازرةٌ وزرَ أخرى"..؟ لماذا لا تعودون في احكامكم القضائية الى مثل هذه الاحكام والاعراف القانونية والشرعية لتحكمون بالعدل بين الناس..؟ لماذ تضعون بافعالكم هذه رقبة القضاء والقانون العراقي المشهود له تاريخياً بالعدل والنزاهة والانصاف تحت موس الاقوياء من اصحاب السلطة والنفوذ ونحن نعيش عصر الديمقراطية وحرية الراي..؟ اليس من الاجدر بالقضاء ان يكون قدوة حسنة لاستقلالية الراي والقرار لتهابه وتقتدي به الاحزاب والكتل السياسية المتصارعة على كراسي الحكم الزائل..؟ فاذا كان القضاء لا يستطيع ان يكون كذلك من الذي سوف يحمي الضعفاء والمظلومين من شر وطغيان الاقوياء الظالمين والفاسدين في الارض والعابثين باموال ومقدرات الشعب المغلوب على امره..؟ واذا تحول القضاء الى سيف بتار ذو حدين بايدي الاقوياء من اصحاب السلطة والنفوذ فان ذلك سيكون كارثة على النظام القضائي والقانوني والاخلاقي في البلاد وستكون سابقة خطيرة يبرهن من خلالها القضاء فشله بامتياز وعجزه في مواجهة الضغوط السياسية التي تمارس عليه من الاطراف المتصارعة على السلطة والمحافظة على استقلاليته وتهدد مصير العدل والمساواة والحريات في طول البلاد وعرضها وهذا ما اجمع عليه معظم الدبلوماسين والمحللين والمراقبيين السياسيين المحليين والدوليين من المهتمين بالشأن العراقي، وارجو ان لا تصل الامور بالقضاء الى هذا الحد وان يكون ما جرى في هذا المجال هو الجولة الاخيرة من هذه المسيرة غير المشرفة للقضاء العراقي، والا فلنقرأ على النظام القضائي السلام.. من المفروض ان يكون القضاء مستقل ويقف على مسافة واحدة من الجميع في مسعاه لتحقيق القدر الاكبر من العدالة والمساواة، لكي يتمكن من المحافظه على هيبته ومصداقيته امام ابناء الشعب ولكي يكون الخيمة التي تجتمع تحتها وتحتمي بها جميع ابناء الشعب وان لا يتحول الى وسيلة او اداة بايدي البعض من اصحاب السلطة والنفوذ يستخدم لتحقيق اجندات سياسيه معينه لصالح هذا البعض على حساب البعض الاخر. عليه واعتزازاً وافتخاراً منا بنزاهة ومصداقية واستقلالية وعدالة وابوة القضاء العراقي نهيب بالهيئة التميزية الانتخابية ان تنقض قرار الهيئة القضائية موضوع مقالنا هذا الخاص باجتثاث اصوات الناخبين الذين صوتوا للمشمولين باجراءات قانون المساءلة والعدالة بل ان تردَّ القرارات بهذا الشأن والتي اتخذت بعد الانتخابات لمبررات وطنية كثيرة تصب لصالح البلد وتساعد في استقراره من جهة وسمعة القضاء العراقي من جهة ثانية ومن ثم مدى مساهمة ذلك في التسريع بتشكيل الحكومة الجديدة التي لايحتمل وضع البلد تأخيرها لفترة اطول. ان مثل هذا الاجراء من قبل الهيئة التميزية سوف يعيد للقضاء هيبته ومصداقيته وثقة الشعب به وان يبقى القضاء الحارس الامين وحامي حقوق الجميع على حد سواء دون تمييز لاي سبب من الاسباب واخيرا وفقكم الله لخير وسلامة هذا الوطن الغالي العراق العظيم.

288
ثقافة المعارضة ضرورة في الحياة البرلمانية

خوشابا سولاقا

نسمع هنا وهناك في كل مكان ان الجميع يتحدثون عن الديمقراطية بكل معانيها النبيلة بايجابياتها وسلبياتها بحسناتها ومساوئها بكل مضامينها الأنسانية كنهج للحياة والحكم، ويتحدثون في الوقت ذاته بأسهاب بأسلوب الخبير المختص عن الاستحقاق الانتخابي ويتعمقون في احاديثهم المشوقة عن حكومة الشراكة الوطنية وغيرها من اشكال الحكومة التي أعتاد الشارع العراقي على سماعها وتناولها في احاديثه خلال السنوات السبع العجاف من عمر العراق الجديد بحرقه قلب وشوق العاشقين ويتحدثون عن التهميش والمؤامرات ومحاولات الأقصاء لكتلة من الكتل الفائزة ولمكون من المكونات ويجتهدون في صناعة وتسويق الأسباب والدوافع التي تقف وراء ذلك بغرض إبعاد ومنع تلك الكتلة أوذلك المكون من المشاركة في تشكيل حكومة الشراكة الوطنية التي طال إنتظارها وتجاوز الحد. نسمع هذا الكلام من السياسيين المخضرمين ومن قادة الكتل الانتخابية الكبيرة والصغيرة الفائزة والخاسرة في الانتخابات على حد سواء، ونسمعه من زعماء الاحزاب السياسية الدينية والدنيوية القومية والعلمانية بكل تلاوينها، ونسمعه من النخب المثقفة وشبه المثقفة دون تمييز، ونسمعه من رجل الشارع العادي من بائعي الخضراوات والصحف والمواد الغذائية والكمالية، نسمعه في كل المحافل والمراكز الثقافية والاجتماعية، نسمعه في المساجد والكنائس والمدارس والجامعات ودوائر الدولة الرسمية وفي المقاهي وسيارات الأجرة ونقل الركاب، نسمعه في كل مكان وزاوية من أرض الوطن الواسعة، عندما نسمعه يثير في نفوسنا الشجون وتعتصر قلوبنا الالام عندما نرى أن أصحاب ومطلقي هذه الاحاديث ومروجيها هم أول من يدوسون بأقدامهم بدون رحمة ومن دون خجل وبأنتهازية مقرفة تقشعر لها الابدان على المضامين الايجابية لهذه الاحاديث، ويتنصلون عنها عندما يقذف بهم الحظ ومشيئة الاقدار الى مواقع المسؤولية ويجلسون على كراسي الحكم.. كل هذا طبيعي ومؤشر ايجابي يدل على مدى نمو الوعي السياسي والثقافي لدى ابناء الشعب العراقي.. ولكن ما يثير الاستغراب هو غياب دعاة ضرورة وجود المعارضة وخفوت اصواتهم بين ضجيج وصهيل الشارع ولانسمع الا القلة القليلة تتحدث عن المعارضة ودور المعارضة في مراقبة اداء الحكومة وكأن ثقافة المعارضة ليست ذلك المنهج والسلوك الذي يكرس ويرسخ الثقافة الديمقراطية والمنهج الديمقراطي في الحياة البرلمانية، في الوقت الذي تعرف أن كرسي المعارضة في البرلمان لايقل اهمية وقدسية عن كرسي الحكم في الدول الديمقراطية المتقدمة التي نستميت في تقليدها في سيئاتها مع الأسف الشديد دون ان نأخذ من حسناتها الدروس والعبر والحكمة  في الحكم التي تخدم تجربة ديمقراطيتنا الفتية.. ياللمفارقة والغرابة لهذه الازدواجية التي تطبع السلوك السياسي لنخبنا السياسية وقادتها عند التعاطي بالسياسة..!! انها حقيقة مشكلة فكرية وفلسفية معقدة تلازم طريقة تفكيرنا وفلسفتنا في الحياة قبل ان تكون مشكلة سياسية مما يتطلب من مفكرينا ونخبنا السياسية ان تعيد النظر في بناء الشخصية العراقية واعادة بنائها من جديد فكرياً وسياسياً واجتماعياً لكي نستطيع ان ننسجم ونستجيب لمتطلبات التأسيس لبناء الديمقراطية فكراً ومنهجاً وبالتالي لبناء الدولة الديمقراطية العصرية، وبعكسه فلا تكون الحالة اكثر من الدوران في حلقة مفرغة والولوج في نفق مظلم لانهاية له.
إن الغرض من استعراض هذه المقدمة بهذا الشكل الساخر نوعاً ما هو لان نجعل منها مقدمة ومدخلا لمفهوم الديمقراطية ووسائل واليات ممارسة الديمقراطية والحياة الديمقراطية، إن اجراء الانتخابات لاختيار ممثلي الشعب هي احدى اليات ممارسة الديمقراطية السياسية وليست الديمقراطية بحد ذاتها كما قد يتصور البعض من اشباه الديمقراطيين. وان استلام السلطة بالقفز على مواقع المسؤولية وكراسي الحكم من خلال الانتخابات واقصاء وتهميش الاخرين من الخصوم السياسيين لاتعني ابداً ان ذلك مظهر من مظاهر الديمقراطية والنظام الديمقراطي، وإن استغلال امكانيات الدولة المختلفة من قبل من يمتلكون السلطة ومؤسساتها وادواتها وتسخيرها لصالح احزابهم وكتلهم الانتخابية في الانتخابات واستخدام اجهزة الدولة السلطوية لاقصاء الخصوم والمضايقة عليهم ومحاصرتهم ومحاربتهم تحت غطاء تطبيق القانون واحكامه لا يعني بأي شكل من الاشكال أبداً ان ذلك حق قانوني ودستوري مكفول ومشروع للقائمين على السلطة والحكم بل هو شكل من أشكال الجريمة السياسية والجنائية معاً التي يحاسب عليها القانون، وهي بالتالي تجاوز على حقوق واختيار وإرادة المواطن التي من المفترض دستورياً أن يتولى القانون صيانتها وحمايتها، إضافة إلى ذلك إنها تعتبر خيانة للأمانة والقانون يستوجب مقاضاة المخالفين ومحاسبتهم على ذلك.. إن الديمقراطية أقل ما تعنيه في الحياة بشكل عام والحياة البرلمانية بشكل خاص هي حكم الأكثرية وضمان حقوق الأقلية وقبول الآخر والتعايش معه على نفس القدر من العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص التي يضمنها الدستور، وبمعنى أشمل تعني وجود أكثرية عددية سياسية تفرزها وتشكلها صناديق الاقتراع من خلال انتخابات عامة في الحكم وأقلية عددية سياسية في المعارضة "حكومة الظل" يعملان معاً من أجل خدمة الشعب وتقدم البلد وان تشكل المعارضة البرلمانية منظومة حماية وتقويم للاكثرية البرلمانية الحاكمة. إن ما تفتقر إليه المجتمعات في بلدان العالم الثالث أي البلدان النامية في كل من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والعراق واحد من هذه البلدان هو غياب ثقافة المعارضة على كل المستويات ابتداءاً من الحياة الشخصية والعائلية والاجتماعية والحزبية، حيث لا يوجد تمييز وفواصل واضحة بين مفهوم المعارضة ومفهوم المعاداة كأن المصطلحين يطلقان على حالة فكرية واحدة وليسا حالتين متناقضتين ومختلفتين ومنفصلتين شكلاً ومضموناً، اذ أن مفهوم المعارضة يعني إختلافاً في الرأي ووجهات النظر ووسائل العمل وآلياته لتحقيق نفس الهدف المشترك بين طرفين او اكثر، بينما مفهوم المعاداة بين الأطراف المختلفة يعني إختلاف وتناقض وتصارع الأهداف والوسائل وآليات العمل دون أن تكون هناك مشتركات بينها ويعمل كل طرف من الاطراف على الغاء بل القضاء على الاخر. لذلك من الضروري أن لا نتعامل مع مفهوم المعارضة بنفس المضمون الذي نتعامل به مع مفهوم المعاداة وبالتالي المساواة بينهما. أي بعبارة أخرى من يعارضني الرأي ليس عدوي بل قد يكون صديق او رفيق، لذلك علينا أن نميز ونفرق بين المفهومين بعلمية ودقة لأن الفرق بينهما شاسع كالفرق بين الأبيض والأسود حيث لا يجوز أن نقول للأبيض أسود وللأسود أبيض إلا إذا أردنا خلط الأوراق عمداً لخدمة أغراض معينة وذلك أمر مقيت ومرفوض وغير أخلاقي.. عليه فان جوهر الديمقراطية قائم ومبني على أساس وجود الرأي والفكر والرأي والفكر الآخر، ووجود الرأي والفكر المعارض هو بمثابة صمام الأمان لديمومة واستمرارية الديمقراطية والفكر الديمقراطي، وإن غياب أي طرف من طرفي هذه المعادلة الجدلية يعني غياب الطرف الآخر، أي بمعنى آخر غياب الرأي والفكر المعارض هو غياب لمفهوم الديمقراطية والفكر الديمقراطي وموتهما، لأن الرأي المعارض هو الذي يجدد حيوية الديمقراطية ويفعّل آليات عملها على كل المستويات في مختلف مناحي الحياة الانسانية دون أن تصيبها الشيخوخة المبكرة والعجز.
من هنا نستطيع القول بل الجزم بأن العمل من أجل التأسيس لثقافة المعارضة وترسيخها عملياً في حياتنا الاجتماعية والسياسية وبالتالي في الحياة البرلمانية في مجلس النواب وإشاعتها وشرعنتها إجتماعياً هي ضرورة للحياة البرلمانية الديمقراطية الصحيحة، ولذلك يتوجب على المؤسسات السياسية والثقافية والتعليمية والاعلامية ومؤسسات المجتمع المدني في طول البلاد وعرضها العمل الجدي لأشاعة وترسيخ وتطوير ثقافة المعارضة في حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية وتكريسها في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وليس العكس اي تغييبها وعدها ظاهرة غير صحية، وظاهرة تنتقص من قدر وتحط من مكانه من يمثلها ويمارسها في البرلمان وتلحق بهم الفشل السياسي، لا إنها على العكس من ذلك تماماً، وهذا هو الحال في أعرق برلمانات العالم المتقدم والدول العريقة في تجاربها الديمقراطية، عسى أن نعتبر ونقتدي بمن سبقنا ونضع تجربتنا على السكة الصحيحة.

289
ملاحظات نقدية... على ضوء نتائج الانتخابات

خوشابا سولاقا

افرزت إنتخابات مجلس النواب العراقي الأخيرة التي جرت في السابع من آذار الماضي ملاحظات ومؤشرات مهمة وحيوية وأساسية في مسيرة العملية الديمقراطية في العراق ومن المستحسن الوقوف عندها وتحليلها تحليلاً علمياً من أجل تشخيص مواضع الضعف في مسيرتنا الديمقراطية وإيجاد الحلول الناجعة لمعالجة الامور في المستقبل وتقويم مسار العملية الديمقراطية ووضعها في الاتجاه الصحيح، حيث ان هذه الانتخابات بنتائجها قد أثبتت تغير الخارطة السياسية في العراق وتغير إتجاه القوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسية حيث ظهرت قوى جديدة بقوة على السطح واختفت قوى أخرى وضعف البعض الآخر وتفككت واصبحت على مفترق الطرق وأفل نجمها وعليه لابد من إعادة تصميم الخارطة السياسية للعراق على ضوء هذه المعطيات وإعادة النظر بما له علاقة بتشكيل إطار هذه الخارطة لكي تكتمل الصورة وتبقى على المسار الصحيح للعملية الديمقراطية لتخليص العراق من تبعات ثقافة الماضي القائمة على الانفراد والاستئثار بالسلطة وهذه الملاحظات بل المعالجات هي:
أولاً: إن قانون الانتخابات الحالي لا يلبي متطلبات التأسيس لبناء النظام الديمقراطي الذي يلائم الواقع العراقي المتنوع الثقافات والمتعدد المكونات والتوجهات والمعتقدات السياسية والخصوصيات القومية والدينية والطائفية المختلفة. حيث أظهر هذا القانون التقصير الكبير في التعبير الحقيقي عن إرادة جميع مكونات وشرائح المجتمع العراقي بالشكل الذي يقود هذا المجتمع إلى المحافظة على نسيج وحدته الاجتماعية والانسجام مع نفسه لإختيار شكل النظام السياسي الذي يتوافق ويتلاءم مع متطلباته الوطنية من خلال مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية من دون أن يقوده ذلك إلى نظام المحاصصة القومية والطائفية السياسية التي سادت الساحة السياسية العراقية طيلة السنوات السبعة المنصرمة. لذا يتطلب إعادة النظر بشكل جذري بهذا القانون من جميع الجوانب.
ثانياً: إن نظام الحكم القائم حالياً في العراق على أساس النظام البرلماني وفق الدستور العراقي الحالي قد برهن هو الآخر فشله بإمتياز من خلال التجربة القصيرة، حيث ما نراه من التعقيدات والاشكاليات بين الكتل من أجل اختيار أو تحديد الكتلة التي تكلف بتشكيل الحكومة ومن ثم اختيار الشخص الذي يكلف بتشكيلها كرئيس للوزراء والمدة الطويلة التي يستلزم ذلك للاتيان بالنتيجة بحكومة ائتلافية او حكومة الوحدة الوطنية او حكومة التوافق الوطني واخيراً حكومة الشراكة الوطنية التي تتمثل فيها كل مكونات الشعب او بالاحرى كل الكتل البرلمانية، بالنتيجة تكون مثل هذه الحكومة المشكلة بهذه الطريقة حكومة ضعيفة الارادة تحمل كل عوامل الضعف وتفتقر في نفس الوقت لعوامل القوة واتخاذ القرار الصائب، وبالتالي تكون حكومة غير قادرة على النهوض بمهامها الوطنية لان مثل هذه الحكومة يتم اختيار عناصرها بطريقة ترضية كل الاطراف المشاركة فيها على حساب النوعية والانسجام ووحدة الارادة والقرار وما حصل خلال فترات الحكومات التي توالت على الحكم بعد سقوط النظام الدكتاتوري خير مثال ودليل على ذلك. وبالتالي سوف لا تكون مثل هذه الحكومة الا حكومة المحاصصة بتسمية جديدة وبلباس جديد ان صح التعبير والعودة الى المربع الاول. وعليه مهما حاولت الكتل المؤتلفة باجتهاداتها وتفسيراتها الفكرية والفلسفية واختراعاتها الابداعية في صناعة التسميات لاعادة صناعة الحكومة القادمة فانها سوف لا تصنع الا حكومة المحاصصة بحلية جديدة ولكن بمضمونها القديم للاسف الشديد!! بينما المطلوب في النظام البرلماني الديمقراطي الحقيقي هو ان تكون تركيبة مجلس النواب الذي يلائم وضع العراق المتعدد المكونات هو ان تكون هناك في البرلمان اكثرية عددية سياسية حاكمة واقلية عددية سياسية معارضة لكي تكون الحكومة دائما تحت الرصد والمراقبة في كل ما تقوم به، وبالتالي تشكل المعارضة البرلمانية منظومة حماية للاكثرية الحاكمة من الاخطاء والزلل وحافزاً للعمل الجاد والصائب. وهذا لايمكن حصوله الا في ظل النظام السياسي الرئاسي الذي يتم فيه انتخاب رئيس الجمهورية بشكل مباشر من قبل الشعب وهو الذي يفوز باغلبية الاصوات في الانتخابات، حيث يقوم الحزب او الكتلة الفائزة في الانتخابات بأغلبية الاصوات بتشكيل الحكومة والكتل الاخرى تشكل المعارضة البرلمانية، على ان يحوز الحزب او الكتلة الفائزة باغلبية الاصوات على جميع المقاعد البرلمانية المخصصة لكل دائرة انتخابية وهكذا تكون هناك اكثرية عددية سياسية حاكمة في البرلمان تقوم بتشكيل الحكومة واقلية عددية سياسية برلمانية معارضة تقوم بممارسة الدور الرقابي والتقويمي على الحكومة، وقد يكون رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من قبل الشعب من الاكثرية الحاكمة او من الاقلية المعارضة كما هو الحال في فرنسا والاتحاد الروسي وغيرها من البلدان، او نظام رئاسي مباشر دون وجود منصب رئيس الوزراء كما هو الحال في الولايات المتحدة والمانيا وغيرها من البلدان الديمقراطية، المهم في الامر ان تكون هناك تعبير عن ارادة الشعب من خلال حكم الاغلبية الفائزة في الانتخابات ومعارضة الاقلية الخاسرة والجميع تنطلق في عملها البرلماني من حرصها على المصالح الوطنية وخدمة الشعب.
ويعتمد هذا النظام ايضا في انتخاب المحافظ ومجالس المحافظات، اي الحكومة المحلية من الحزب او الكتلة الانتخابية الفائزة باغلبية الاصوات في المحافظة، حيث ان النظام البرلماني، اي نظام كان لايمكن ان يكون نظاما ديمقرطيا ناجحا طالما ليس لدينا نخب سياسية ديمقراطية تؤمن بمبدأ تناوب السلطة سلميا من خلال ما تفرزه صناديق الاقتراع، وان لا تستحوذ على افكارها السياسية ثقافة الانفراد والاستئثار بالسلطة واقصاء الخصم السياسي، وكذلك ليس لدينا شعب بغالبيته مستوعب للثقافة الديمقراطية السياسية والاجتماعية، وهذا واقع حال العراق الحالي لا يمكن نكرانه او تغافله وانما يجب اقراره وقبوله بشجاعة مثقفة واعية دون مبالغة ونفاق ورياء سياسي والتعامل مع هذا الواقع في مسعانا لبناء الدولة اليمقراطية المعاصرة بكل مضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبواقعية وموضوعية علمية عندها سنحقق النجاح في بناء العراق الجديد.
ثالثاً: ان الدستور الحالي قد برهن خلال هذه التجربة القصيرة عدم صلاحيته بصيغته الحالية، اذ انه دستور فضفاض والكثير من مواده ونصوصه غير واضحة يشوبها الكثير من الغموض واللبس وعدم الدقة القانونية وقابلة بل خاضعة لأجتهادات قانونية كثيرة ومتناقضة وهذا ما يساعد في تعميق الخلافات والتقاطعات بين الكتل النيابية في اجتهاداتها وتفسيراتها عند الاختلاف على أية قضية دستورية، مما يتطلب اعادة النظر بمواد الدستور من ديباجته الى اخر مادة من مواده وتعديله وجعله اكثر قرباً من واقع بناء النظام الديمقراطي في العراق. ان تعديل الدستور يتطلب ان يكون بأتجاه تحقيق المضامين المشار اليها في اولا وثانيا اعلاه.
رابعا: كذلك افرزت الانتخابات الكثير من التعقيدات القانونية والدستورية فيما يخص تكوين الكتل الانتخابية ومصادر تمويلها لحملاتها الانتخابية وما استغل من قبل الكتل المتنافسة في هذا الجانب سياسيا للاساءة بعضها لبعض كان له كبير الاثر على نزاهة اللانتخابات. وغياب المحكمة الدستورية المختصة بتفسير مواد ونصوص الدستور والتعويض عنها بأخرى غير مختصة بهذا الشأن اصبح موضوعا للاخذ والرد بين الاطراف المعنية المتنافسة في الانتخابات، وكذلك ماحصل بشأن اجراءات قانون المساءلة والعدالة وعدم شرعية هيئتها التنفيذية قانونا، وكذلك ماحصل بسبب تركيبة وطبيعة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والتي لم تكن كذلك في سلوكهاعمليا والمنحازة سياسيا والواقعة تحت تأثير قوى السلطة الحاكمة. كل هذه الامور خلقت مشاكل ومصاعب واسبابا اثقلت العملية الانتخابية بعوامل واسباب الفشل وجعلتها عرضة للشكوك والطعون في نزاهتها ومصداقيتها ومن ثم ما ترتب على ذلك من مصادرة لإرادة الناخب لغايات واجندات سياسية وعدم احترام صوته وبالتالي الفشل في انجاز انتخابات ديمقراطية نزيهة وناجحة، لا يخفى على المراقب السياسي دور المفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمحكمة الاتحادية اللتين من المفروض بهما الوقوف على بعد مسافة واحدة من جميع القوائم، الا انه كانت سمة الانحياز لهما السبب في كل ماحصل من الاشكالات بين الكتل النيابية الفائزة في الانتخابات وما اثير من شكوك حول نزاهة وديمقراطية الانتخابات. وهذا يضع مجلس النواب القادم امام مسؤولية تاريخية تجاه الشعب العراقي الذي ضحى بالكثير واولاه ثقته ان ينجز الاتي في سبيل وضع الامور على مسارها الصحيح لاستكمال انجاز المصالحة الوطنية الحقيقية بين مكونات الشعب واستكمال مستلزمات العملية الديمقراطية لبناء نظام سياسي ديمقراطي وبالتالي بناء ركائز الدولة الديمقراطية لغرض انجاز العملية السياسية في البلد وايصالها الى الاهداف الوطنية المرسومة لها وفقاً للدستور العراقي
* انجاز تعديل الدستور الحالي
* انجاز قانون الاحزاب
* انجاز تشكيل المحكمة الدستورية
* انجاز تشكيل الهيئة التنفيذية والتمييزية لتطبيق قانون المساءلة والعدالة
* اعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وان يكون مجلسها من قضاة ذوي الخبرة ومستقلين في توجهاتهم وانتماءاتهم السياسية.
خامسا: ان يكون العراق دائرة انتخابية واحدة للمكونات القومية والدينية الصغيرة دون توزيع مقاعدها المخصصة بموجب "الكوتة" على الدوائر الانتخابية اي "المحافظات" كما هو عليه الحال الان وذلك لابعاد هذه المكونات من تدخل الاخرين في شؤونها وتاثيرهم في فرض المرشحين على الرغم من ارادة ابناء هذه المكونات وكذلك منع التصويت لغير ابناء هذه المكونات لقوائم الكوته لكي لايتم مصادره هذه المقاعد في بعض الدوائر او المحافظات لصالح اطراف اخرى من خارج المعنيين بالكوتة.
سادسا: بالنظر للاشكالات والالتباسات والاجتهادات التي حصلت بالنسبة الى تصويت الجاليات العراقية المقيمة في بلدان المهجر لغرض اثبات عراقيتهم ومن ثم المحافظة التي ينتمون اليها في العراق. اجد من الضروري ولغرض انصاف عراقيي المهجر ان يكتفى عند التصويت بابراز مايثبت عراقيتهم دون الحاجة إلى اثبات المحافظة التي ينتمون اليها لصعوبة تأمين مثل هكذا وثائق ويكون الناخب حرا في التصويت للدائرة الانتخابية التي يختارها واعتقد ان الناخب طوعا سوف يصوت لمحافظته اعتزازا منه بها.

290

ضرورة الاصلاح والتغيير في فكر ونهج الاحزاب السياسية في العراق

خوشابا سولاقا   

بعد إنقضاء السنوات الطويلة التي عاشها الشعب العراقي وهو سجين القمع والظلم والديكتاتورية المقيتة وعانى ما عانى من مظالم وإضطهاد وكم الافواه وكبت الحريات واسكات الاصوات الحرة ومنع الناس من الكلام عن مايجرى لهم في بلدهم، إلا فيما يمجد ويمدح شخص الديكتاتور والحزب القائد والتفاخر بهزائم الحروب القذرة التي أفتعلها وشنها الديكتاتور ونظامه خلال فترة حكمه ألاسود، على إنها إنتصارات باهرة وناجزة على القوى الصفراء الظلامية التي تهدد العراق من الشرق والغرب والشمال والجنوب وكذلك لارجاع الاجزاء السليبة من الارض العراقية التاريخية وكذلك محاربة القوى الامبريالية العالمية والاعداء التاريخيين للعرب والعروبة، كما كان يدعي النظام والقوى الشريرة الطامعة بخيرات وثروات العراق، وكذلك أراد النظام أن يصور تلك الحروب التي شنها ظلماً وعدوانا على الآخرين والتي لايمتلك فيها الشعب العراقي لاناقة ولاجملا على إنها حروب وطنية مقدسة وحروب بين الخير المتمثل بالنظام والشر المتمثل بالاعداء المفترضين من غير قوى النظام والقوى المتحالفة معه والساندة له، وعلى إنها حروب بين القوى المؤيدة للحق العربي المغتصب في فلسطين وبين الصهيونية العالمية والقوى الامبريالية العالمية الداعمة لهاولمشاريعها التوسعية على حساب العرب والامة العربية لاقامة دولة اسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل الى الفرات تحقيقا للحلم التوراتي لقادة الصهيونية العالمية، وكذلك على انها حروب بين جبهة الحق والباطل جبهة الايمان كله ضد الكفر كله، مما يقتضي بالشعب العراقي والعرب الحقيقيين والشرفاء في العالم وبقيادة النظام الصدامي بناء جيش السبعة ملايين باسم " جيش القدس" لتحرير بيت المقدس من براثن اسرائيل والصهيونية ليدخل صلاح الدين العصر على رأس المنتصرين حاملا راية العروبة والاسلام الى القدس من جديد. كل هذه الاحلام الفارغة والخاوية قادت النظام وازلامه  الى ارتكاب حماقات وجرائم يندى لها الجبين بحق العراق والعراقيين جلبت لهم الويلات والكوارث والنكسات والمأسي المريرة حيث لا تخلو عائلة عراقية من ضحية وفقدت عزيزا لها من اب او ابن او زوج او اخ او غير هؤلاء من الاعزاء وتركت الملايين من الثكالى والارامل واليتامى تجوب الازقة وراء لقمة العيش، فضلا عن ما عانته كل عائلة عراقية من شضف العيش والحرمان والبؤس والشقاء في كل قطاعات الحياة وعانت الامرين من سياسات النظام الحمقاء والغبية والعقيمة سياسة الويلات والنكسات والكوارث والمآسي . وخرجت البلاد من تلك الحروب عشية القرن الواحد والعشرين مدمرة الاقتصاد والبنى التحتية والخدماتية وهي غارقة في الديون الثقيلة ومرهونة الثروات وفاقدة للسيادة الوطنية والشعب يلعق جراحه تحت وطأة الحصار الاقتصادي المفروض على العراق، اما قطاع الخدمات الاجتماعية المختلفة فتلك قصة اخرى لا تحكى لما فيها من من الغرائب والعجائب حيث لا يرى من خلالها المشاهد الغريب العراق الا ذلك البلد في بداية عهد الاحتلال العثماني، انها حقيقة مهزلة تدمع العيون وتدمى القلوب.
واما في مجال الفساد المالي والاداري الذي كانت تمارسه اجهزة وشخصيات النظام حيث كانت تضرب اطنابه في كل اجهزة ومرافق الدولة ومؤسساتها الرسمية المختلفة، وسرقة المال العام كان مباحا للجميع، والرشوة كانت فريضة يدفعها المواطن لقاء انجاز اي معاملة رسمية له لدى دوائر الدولة الصدامية التي وفرت الامن للمواطن دون ان تعطيه الامان في العيش. كل هذا حصل للعراق والعراقيين عشية دخول القوات الاميركية الى عاصمة الرشيد وهي تجوب شوارعها بألياتها العسكرية بحرية دون ان يقول لها احد من ازلام النظام على عينيك حاجب، وبعد ان احتلت مطار بغداد الدولي وتقدمت صوب مركز بغداد لاسقاط الصنم في ساحة الفردوس كانت ابواق النظام من خلال وزير اعلامها السيد محمد سعيد الصحاف يتحدث عن الانتصارات الصدامية على قوات الاحتلال على طريق المطار وفي ساحة جامع ام الطبول ويوعد الشعب بالنصر المؤزر على يد القائد الضرورة قريبا.. يا للهول والمهزلة السخيفة انه كان في ذلك يحاول ان يحقق ما قاله "كوبلز" وزير اعلام هتلر "اكذب اكذب حتى يصدقك الاخرون الا انه ولسوء حظه التعيس لم يصدقه احد من العراقيين الا نفسه المريضة.. خرج العراق والعراقيون من خضم هذا الصراع المرير مع النظام بعد سقوط الاخير على يد القوات الامريكية في التاسع من نيسان فرحين متأملين بزوغ فجر عصر جديد خال من الدكتاتورية والقمع والملاحقات الامنية والكوارث والمأسي والفقر والمرض والعوز وخال من كل مظاهر التخلف التي تركتها السنين العجاف على الواقع العراقي، وكبر حلمهم بتأسيس دولة القانون والمؤسسات الدستورية وتناوب السلطة سلمياً على أنقاض الدولة الصدامية المنهارة، إلا أن ذلك الحلم سرعان ما تلاشى وغاب وراء الافق البعيد واصبح   مجرد حلم ينتظر التحقيق وتحويله الى واقع. توالت الحكومات في العصر الجديد من حكومة مجلس الحكم الموقر والسيد بريمر الى حكومة السيد نوري المالكي، اي عصر مابعد الصدامية، ولاحظ المواطن أن كل شيء باق على حالة دون أن تطوله يد التغيير واصبح أسوأ مما كان في الكثير من المجالات، حيث انتهى وسقط واعدم صدام ولكن لم تنته ولم تسقط ولم تعدم الصدامية في الحياة العراقية كنظام سياسي بل هي باقية وتعمل بقوة كالفساد المالي والاداري  والرشوة في اجهزة الدولة والصراع على السلطة وتصفية الخصوم السياسيين بالوسائل العنيفة والتصفية الجسدية من خلال الميليشيات المسلحة غيرالشرعية والمحسوبية والمنسوبية وغيرها من الخصوصيات في منح الامتيازات والمناصب والوظائف وسياسات الاقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والتمييز بين المواطنين على اساس الخصوصيات وغياب مفهوم المواطنة وغيرها الكثير من هذه المظاهر المتخلفة والمرفوضة اخلاقيا ووطنيا وانسانيا، فكل الاحزاب والقوى السياسية التي قفزت الى السلطة بعد السقوط بأسناد ودعم المحتل لاتختلف في شمولية افكارها واسلوب حكمها عن شمولية افكار واسلوب النظام السابق حيث لم تتمكن هذه الحكومات ان تقدم شيئا افضل ومتميزا عما كان يقدمه النظام السابق وانما كل ما حصل هو تكرار صورة الماضي بالوان جديدة. حيث فقد الشعب الأمن والأمان وشاع القتل على الهوية وضرب الارهاب بكل اشكاله ومسمياته بأطنابه كل مناحي الحياة العراقية وتوسع الفساد المالي والاداري بشكل اوسع واشمل مما كان في زمن النظام السابق والرشوة ارتفع مستواها واساليبها لتشمل كل مستويات الدرجات الوظيفية بشكل غريب ومريب دون ان يردعها رادع، والصراع على السلطة بين القوى السياسية اتخذ اوسع مدى واعتمد مختلف الاساليب، وبالمقابل زاد الشعب فقرا ومرضا وعوزا وبؤسا وشقاء وتفشت البطالة بين شبابه المتعلم وغير المتعلم واصبح الكل يبحث عن لقمة العيش مما جعلها صيدا سهلا لقوى الارهاب لاستخدامهم في تنفيذ جرائمه في طول وعرض البلاد. بحيث اصبحت قطاعات واسعة من شرائح المجتمع العراقي مع الاسف الشديد تترحم على النظام المقبور الذي ذوقهم السم الزعاف علنا ياللمفارقة الغريبة انه حقا الامر المضحك المبكي...!! كما نلاحظ ايضا اشتداد التنافر بين الجماهير الشعبية من مختلف الشرائح الاجتماعية والاحزاب السياسية، حيث وصل رد الفعل الرافض للجماهير لهذه الاحزاب الى حد المطالبة بابعادها عن ادارة الدولة وحكم البلاد لكونها احزاب شمولية لاتختلف عن سابقاتها باساليب عملها المخالفة للقانون والدستور واستغلالها لثروات البلاد واثرائها على حساب سرقة المال العام في الوقت الذي عجزت ان تقدم شيئا لجماهير الشعب المتضررة من سياسات النظام المقبور وان تعطي صورة جديدة مغايرة لتلك الصورة التي طبعها النظام في اذهانهم، اي بعبارة اخرى نستطيع القول انه هناك تناقض بين تطلعات وهموم الجماهير العراقية التي تعيش تحت خط الفقر وممارسات الاحزاب السياسية القابضة على السلطة التي هي عاجزه ان تقدم ما يلبي تلك التطلعات المستقبلية للطبقات الفقيرة والكادحة من المجتمع العراقي الذي ولدته المرحلة الصدامية بعملية قيصرية ان صح التعبير، وهكذا تتوسع هوة التناقض والخلاف بين الطرفين المذكورين يوما بعد يوم، بحيث بدأت بوادر المطالبات القوية والملحة من داخل صفوف هذه الاحزاب لاجراء الاصلاح والتغيير في هيكلية وبنى واساليب عمل ونهج هذه الاحزاب واخذت تتوسع وتشتد واصبحت تهدد بقاءها على ماهي عليه الان ان لم تطلها يد الاصلاح والتغيير الجذري لتصبح قادرة ومؤهلة للعمل بين الجماهير وتستجيب لمطاليبها المشروعة. لذلك شاهدت الساحة السياسية العراقية ومنذ سقوط النظام السابق، حركات الانشقاق والتمزق والتفكك طالت معظم الاحزاب السياسية المتسيدة في هياكلها وبناها التحتية والفوقية وظهرت احزاب وتيارات سياسية جديدة لها خطاب سياسي مستقل مختلف عن ذلك الخطاب التقليدي الذي نشأت وتربت عليه، وأتخذ خطاب هذه الاحزاب والتيارات الجديدة طابعا وطنيا وديمقراطيا وحتى علمانيا الى حد مابعد ان كان طابع الخطاب السياسي لها قوميا عنصريا او طابعا دينيا مذهبيا طائفيا متعصبا. وارتفعت الدعوات والاصوات في الشارع العراقي الى مطالبة بفصل الدين عن السياسة حماية لنقاء وسمعة الدين من اي تشويه واساءة من جهة، وان تكون الدولة مجرد مؤسسة خدمات توفر الحماية للوطن والشعب من اي عدوان خارجي وتقدم الخدمات المختلفة للمجتمع من جهة اخرى. وكذلك ارتفعت الاصوات المنادية بضرورة تشكيل الهوية الوطنية العراقية وترسيخها بدلا من تكريس الهويات الخصوصية الاخرى. وكذلك دعت هذه الاصوات ان تكون الدولة العراقية الجديدة دولة المواطنة ودولة القانون والمؤسسات الدستورية وليست دولة الاشخاص والجماعات والاحزاب او دولة الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية الطائفية. وكذلك ارتفعت الاصوات والدعوات من داخل وخارج هذه الاحزاب الى مساواة المرأة بالرجل في الحياة. وكذلك ارتفعت الاصوات والدعوات الى تأسيس حياة وثقافة الشراكة الوطنية في الوطن الواحد يتساوى الجميع من ابناء مكونات الشعب العراقي في الحقوق والواجبات ويكون الحاكم الفصل في ذلك القانون والدستور على اساس المواطنة وليس على اي اساس آخر.
وهناك الشيء الكثير في الحياة العراقية من مثل هذه المؤشرات التي تدل على ضرورة اجراء الاصلاح والتغيير في برامج وافكار وايديولوجيات واهداف واساليب العمل والبنى التركيبية لاحزاب المؤسسة السياسية العراقية بهذا الاتجاه وتحريرها من تراكمات الماضي الذي تغير وتحول الى حاضر الذي هو عليه الان، لذا فان هذه الاحزاب عليها ان تتغير لتعيش في هذا الحاضر الجديد وتتحرر من قمقم الماضي المتخلف، والا فأن مصيرها بشكلها وتكوينها الحالي سيكون التفكك والزوال وسوف تتحول الى مجرد مقاهي اللهو يتجمع فيها المسنون من ابناء تلك الاحزاب يستذكرون فيها ذكريات الماضي التي ذهبت ولن تعود. ان المثقفين من الكوادر الحزبية لهذه الاحزاب ذوي النزعات الحرة بامكانهم اذا نظروا بعين حيادية فاحصة الى مايجري داخل احزابهم من تفكك وتناقض وصراع الافكار والرؤى سيجدون ان المستقبل الذي ستؤول اليه احزابهم لايبشر بالخير وانما ينذر بما لا تحمد عقباه ومن هنا سيجدون انفسهم امام مسؤولية تاريخية تجاه شعبهم وملزمون للقيام بعمل ما لانقاذ ما يمكن انقاذه وحفظا لماء الوجه وأن الاصلاح والتغيير قادمان لامحال وليس امامهم من خيار او بديل افضل. ان نظره فاحصة على واقع الشعارات والعناوين المطروحة والمرفوعة على الساحة السياسية العراقية عشية الانتخابات البرلمانية من خلال الحملة الاعلامية للانتخابات ومقارنتها بما كانت عليه في الانتخابات البرلمانية السابقة سنجد بوضوح ان هناك فروقات كمية ونوعية في البرامج والافكار والطروحات السياسية والخطاب السياسي للقوى والكتل السياسية قد حصلت، والفرز في الاتجاهات العامة لسياسات هذه القوى هو الاخر واضح، ومؤشرات افاق التطورات في المستقبل هي الاخرى واضحة وجلية، كل ذلك حصل بفعل استيعاب المثقفين من قيادات والكوادر المتقدمة للكتل والاحزاب السياسية للعناصر الفاعلة والمؤثرة في معادلة التناقض بين تطلعات الجماهير وطموحاتها في مستقبل افضل من جهة وبين افكار واساليب احزابها التي اصبحت باليه ومتخلفة وعاجزة عن مواكبة مستجدات الحياة الجديدة وضرورة التفاعل معها بشكل ايجابي وعقلاني من اجل تلبية متطلبات الحياة التي زادت سوءاً بعد سقوط النظام الديكتاتوري من جهة ثانية.
كل هذه المؤشرات والاسباب والتطورات التاريخية في حياة العراق السياسية تضع الاحزاب السياسية اذا ارادت لنفسها البقاء والاستمرار ان تجري اصلاحات وتغيرات جذرية في افكارها ومنطلقاتها الفكرية والنظرية وايديولوجياتها وهياكلها التنظيمية بالشكل الذي يقربها اكثر من عمق الجماهير وتطلعاتها، وان تجعل من قياداتها ان تكون فعلا قيادات جماعية وجماهيرية اكثر من ان تكون قيادات فردية استبدادية دكتاتورية تؤمن بنظرية تأليه وتقديس الفرد وان تخضع وتضع كل مقدرات وامكانيات الحزب ومصادرة ارادته وقراره السياسي في اتجاه تحقيق وتكريس هذا النهج في حياة الحزب، اي اختزال كيان الحزب في شخص الفرد القيادي مهما كان موقع الفرد في القيادة.
كما هو عليه الحال في الاحزاب الشمولية الحالية وهي على هذا الحال تكون موضع احترام وترحيب الجماهير الشعبية وتثق بها وتختارها عن قناعة وايمان راسخين قادة ورواد لقيادة نضالهم السياسي من اجل انجاز وبناء مجتمع العدل والمساواة وتكافؤ الفرص والرخاء الاجتماعي والرفاه الاقتصادي. عندها فقط تتحول الاحزاب الى ادوات فعالة للاصلاح والتغيير الاجتماعي لبناء دولة المواطنة الديمقراطية الحديثة وبالتالي بناء المجتمع الديمقراطي المنشود في العراق.         

291
من يقف وراء استهداف المسيحيين في الموصل...؟

بقلم: خوشابا سولاقا

من المؤكد ان الذي يحصل في مدينة الموصل من إستهداف للمسيحيين على الهوية ليس عملاً عشوائياً غير مخطط له مسبقاً وأنه مجرد قتل تمارسه جهات متطرفة ومتشددة تهوى القتل من أجل القتل وإنما هو عمل منظم وموجه وممول من قبل اطراف سياسية لها أجندات سياسية من ورائه، وإن ذلك لايخرج عن دائرة الصراع على النفوذ بين الاطراف السياسية المختلفة التي تتنازع على الارض في محافظة نينوى. وإلا لماذا يعود مثل هذا الأستهداف ليشكل واجهة الأحداث في الموصل كلما تستجد أحداث سياسية لها علاقة بمصير السلطة السياسية في المحافظة. حيث حصل ذلك قبل إنتخابات مجالس المحافظات ويحصل اليوم عشية إنتخابات مجلس النواب العراقي، وما يثير الشكوك والريبة اكثر حول كون الموضوع عملاً منظماً وممنهجاً يستهدف تحقيق هدف سياسي محدد وليس عملاً إرهابيا خالصاً تمارسه أطراف متطرفة إرهابية بالرغم من كون العمل بطبيعة الحال ذا طابع إرهابي، هو لماذا لم تعلن الجهات الرسمية من الحكومة المحلية المركبة والحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان عن نتائج عمليات التحقيق التي من المفروض ان تكون قد جرت بشأن ما حصل سابقاً من استهداف للمسيحيين في الموصل حتى دون أن تشير اليها من قريب أو بعيد، ليس من المنطق أن لا تتمكن السلطات التحقيقية وهي تمتلك قدرات وخبرات لا بأس بها في مجال التحقيق والتحري وما يتوفر لديها من مؤشرات وأدلة عينية عديدة ولقضية حساسة ومهمة وواسعة تعني قتل العديد وهجرة عشرات الآلاف عن مناطق سكناهم في مدينة الموصل إلى مناطق أخرى أكثر أمناً وما أثارته وسائل الإعلام المختلفة من تساؤلات وتحليلات واستنتاجات حول الأسباب والدوافع المتعلقة بهذا الموضوع أن تجعل السلطات المعنية بالأمر غير مهتمة به وأن تقدم على الأقل ما يبرء ساحتها من تبعات هذا الموضوع وأن تستبعد نفسها عن دائرة الشك والاتهام إلاّ أن هذا لم يحصل إطلاقاً لحد الآن بالرغم من تكرار هذه التجاوزات والاعتداءات على أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري. عند تحليل الامور وفق منطق العقل نتوصل الى إن عجز السلطات الرسمية الحكومية من إعلان نتائج التحقيقات التي جرت سابقاًَ بحوادث استهداف المسيحيين في الموصل لا يعني أبداً إنها لم تتمكن من التوصل إلى معرفة الفاعل الحقيقي أو إكتشاف الخيوط التي تقودها إليه على أقل تقدير وإنما يعني ذلك العكس تماماً، أي بعبارة أخرى إن السلطات تتحفظ عن إعلان نتائج التحقيق لدوافع سياسية قد تكون محرجة للجميع وتؤثر سلبا على التوازنات والتوافقات السياسية التي تتحكم بمفاتيح القرار السياسي في العراق الحالي بشكل عام والمحافظة بشكل خاص.
في ضوء هذه الوقائع والتهديد الذي يواجه وجود ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في محافظة نينوى والاستنزاف السكاني من خلال الهجرة الجماعية له الى مناطق امنة داخل وخارج العراق، وعجز الحكومة عن ان تتخذ اجرائات فعالة لوضع حد لهذه الجرائم والممارسات الارهابية بحق شعبنا وايقاف نزيف الهجرة وتغافلها عن اعلان نتائج التحقيق عن كل ما جرى من جرائم بحق شعبنا سابقا ضعفا منها لاسبابها او لأي سبب اخر.
ليس امامنا من خيارالا ان نحمل الحكومة العراقية الاتحادية وحدها المسؤلية كاملة جراء ماحصل ويحصل لابناء شعبنا في الموصل وذلك لكونها حكومة كل العراقيين وهي المسؤول الوحيد لحماية امنهم اينما وجدوا داخل او خارج العراق من اي اعتداء عليهم وتجاوز على حقوقهم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية وبالرغم من اعتزازنا وافتخارنا بالثوابت الوطنية وتمسكنا بها عن عقيدة وطنية راسخة واحترامنا وتقديرنا لكل الروابط والاواصر والوشائج الوطنية التي تجمعنا وتربطنا باخواننا الاخرين في الوطن، وبالنظر لعجز الحكومة عن اجراء التحقيق العادل لكشف الجناة الحقيقين الذي يخططون ويمولون وينفذون هذه الجرائم بحق ابناء شعبنا، أطالب مؤسساتنا السياسية والكنسية بمفاتحة الامم المتحدة والجهات الدولية الاخرى ذات العلاقة والاختصاص بحقوق الانسان وحقوق الاقليات الدينية والقومية بالتدخل لفتح واجراء تحقيق دولي بشأن الموضوع على غرار ما حصل بالنسبة لحادث اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري لانه ليس امامنا من خيار اخر بديل افضل في ظل عجز وصمت الحكومة العراقية الاتحادية امام ما جرى ويجري عمليا على الارض بحق ابناء شعبنا من اعتداءات وتجاوزات والاكتفاء بتطييب الخواطر وتهدئة النفوس الجريحة والمشاعر المحتقنة من خلال التصريح في وسائل الاعلام من قبل هذا المسؤول الحكومي او ذاك، ان ذلك مع الاسف الشديد لا يعني لنا الا الضحك على الذقون..
ونقول لهؤلاء اعذرونا يااخوتنا في الوطن "لقد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل" وليس بوسعنا الصبر والانتظار اكثر لان صبرنا ليس صبر ايوب.

292
المسيرة الديمقراطية في العراق... إلى أين...؟

بقلم: خوشابا سولاقا

إن المؤشرات الظاهرة للعيان على الساحة السياسية العراقية عشية الأنتخابات البرلمانية المقبلة والأدلة الكثيرة على الممارسات السياسية التي تمارس في ذات الوقت من قبل هذا الطرف أو ذاك من القوى السياسية المهيمنة والمسيطرة على صنع إرادة القرار السياسي في مؤسسات الدولة الرسمية التشريعية منها والتنفيذية والقضائية المخالفة للأعراف السياسية من جهة، وردود أفعال القوى السياسية المهمشة في صنع القرار السياسي العراقي على تلك الممارسات والتي تتقاطع وتتعارض مع بعض مواد الدستور بصورة صريحة وواضحة بهذا القدر أو ذاك، والتي لاتمت الى الديمقراطية كفكر وكمنهج سياسي لادارة شؤون الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات الدستورية بصلة من جهة أخرى، تدل بشكل قاطع لايقبل الشك والريبة ولايقبل الاجتهاد والتأويل بأي شكل من الأشكال ولأي سبب من الأسباب، على أن الديمقراطية السياسية والفكرية والثقافية في عراق المستقبل الذي نراه في الأفق، تسير نحو التراجع الى الخلف وتتداعي نحو مصير مجهول وتنذر المستقبل القادم الذي تلوح آفاقه بعودة الديكتاتورية الى الساحة السياسية العراقية من جديد وبوجه جديد من نوع لايختلف عن الديكتاتوريات السابقة بالمضمون والجوهر وإنما تتطابق معها بأكثر مما تختلف عنها، وإذا تركت الأمور على ماهي عليه الآن دون التصدي لها ومواجهتها بالعقل والحكمة والحنكة السياسية وبحزم وبتر جذور أسباب عودة الدكتاتورية، قد تكون هذه الديكتاتورية القادمة تتفوق على مثيلاتها السابقة في بعض الجوانب الحياتية بحكم توسع وتنوع مكونات الواقع السياسي عما كانت عليه في السابق، ولكنها تختلف بالشكل والوسائل بحكم ما استجدت من أمور في الحياة السياسية العراقية بعد سقوط النظام السابق وهذا أمر طبيعي لا يختلف عليه إثنان من المحللين السياسين. أنه من الطبيعي أيضاً أن الديمقراطية كفكر وكممارسة حياتية تؤسس وترعى وتنمو وتتطور بمرور الوقت وتزيد خبرتها التراكمية في خضم الممارسات السياسية والفكرية على الأرض، وفي خضم الصراعات والتنافسات السياسية وتعارض وإختلاف الآراء والأفكار والوسائل المعتمدة في قيادة وإدارة وتوجيه عملية التغيير الاجتماعي في المجتمع وبناء هياكل مؤسسات الدولة المدنية الحديثة من أجل تحقيق هدف اكبر واسمى من تلك الأهداف الذاتية والخصوصية الضيقة لهذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع والتنافس السياسي على السلطة في العملية السياسية الجارية في المجتمع الا وهو المصلحة الوطنية العليا والتصدي للتحديات   الخارجية التي أصبحت تهدد وحدة العراق الجغرافية ومصادر ثروته، كل هذه الاسباب من المفروض بها أن تُقرب وتُجمع الاطراف المتعارضة وأن توحد جهودها وإرادتها حتى وإن أختلفت في وسائلها في ممارسة العمل السياسي اكثر مما تفرقها وتبعدها عن بعضها البعض وتجعلها تعيش في حالة من الانسجام والتفاهم المشترك بدلاً من أن تعيش في حالة من الفرقة والفوضى العارمة غير المسيطر عليها والتي تنخر في جسد الدولة وتضعف نظامها السياسي. عندها تكون تجربة بناء الديمقراطية والنظام الديمقراطي والحياة البرلمانية الديمقراطية بشكلها الحقيقي التي فيها يتم تناوب السلطة بالطرق السلمية من خلال صناديق الاقتراع بعيدة عن أسلوب تدبير المكائد والمؤامرات وتصفيات الخصوم السياسيين جسدياً أو إسقاطهم سياسياً بطرق مرفوضة أخلاقياً وقانونياً كأستغلال الخصوصيات للأساءة على السمعة قد وضعت على مسارها الصحيح، وعندها تكون مقومات البقاء والتطور والاستمرار بالسير الى الامام دون تراجع مهيئة ومتكاملة لمد جذور الديمقراطية عميقاً في تربة المجتمع وتؤدي بالتالي الى بناء الأنسان الجديد ديمقراطياً القادر على فهم أفكار وأسس ومضامين ومفاهيم الفكر الديمقراطي وقواعد الحياة الديمقراطية واستيعابها عن وعي. عندها فقط ندرك وعن قناعة فكرية بأن الديمقراطية أصبحت جذورها عميقة وراسخة وقوية في اعماق المجتمع واصبحت ضرورة حياتية وإجتماعية لبناء الدولة المدنية الحديثة، عندئذ تكون أرضية المجتمع مهيئة وملائمة لنمو وتطور المؤسسات الديمقراطية الحقيقية في كل المجالات من حياة المجتمع والدولة على حد سواء كالبرلمان والحكومة والقضاء والمؤسسات التربوية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المدني على إختلاف وتعدد أنواعها وتشكيلاتها وأنماط نشاطاتها المتعددة والمختلفة الجوانب والاهتمامات والمؤسسات الاعلامية ووسائلها المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة، لأن الديمقراطية كتجربة لبناء مجتمع ديمقراطي وبالتالي لبناء دولة ديمقراطية مدنية عصرية لايمكن لها أن تأتي الى الوجود على أيدي أناس أميين وجهلة إن صح التعبير ديمقراطياً حيث يجهلون أبسط مفاهيم ومضامين الفكر الديمقراطي الحقيقي وغير مطلعين على تجارب الآخرين من الشعوب والأمم في بناء النظام الديمقراطي والدولة الديمقراطية والثقافة الاجتماعية الديمقراطية والأنسان الديمقراطي الذي يعتبر حجر الزاوية في البناء الديمقراطي.
في ضوء هذه الرؤى والتصورات لمفهوم الديمقراطية بكل اشكالها في الحياة وآليات عملها وأساليب ممارساتها، وفي ضوء القراءة الموضوعية للخارطة السياسية للواقع العراقي الحالي وتوزيع القوى السياسية الفاعلة عليه وتأثيرها على تحديد إتجاه مسيرة الديمقراطية مستقبلاً، وما يجري عليه الآن من ممارسات من أجل السيطرة والاستئثار بالسلطة السياسية والانفراد بها والبعيدة كل البعد عن ما يخدم المصلحة الوطنية ووحدة الوطن والتي يمارسها هذا الطرف السياسي أو ذاك غير المنضبطة فكرياً وسياسياً وغير المنسجمة مع متطلبات الواقع العراقي لبناء تجربته الديمقراطية، تدل على أن المسيرة الديمقراطية في العراق في حالة من التراجع من يوم لآخر وفي حالة التداعي بشكل حاد لايطمئن ولايبشر بخير إن لم تلحقها جهود الخيرين والمخلصين من أبناء الشعب العراقي ممن لهم المصلحة الكبرى في نجاح واستمرار العملية الديمقراطية في العراق، ومن الجهات الأخرى التي ترعى هذه التجربة الفتية في ظل الظروف الحالية الصعبة التي يمر بها العراق، والتي يحاول فيها القوى الظلامية المعادية للديمقراطية من كل الاطراف داخل وخارج العراق إفشال هذه التجربة ووئدها وهي في المهد قبل ان تترسخ ويكون لها إنعكاسات سلبية على مصالح هذه القوى على مستوى العراق ودول الجوار الاقليمي تحت ذرائع شتى بحجة الدفاع عن المقدسات والعادات والتقاليد والقيم والاخلاق وغيرها من هذه الكلائش والعناوين الجاهزة للتصدي لكل جديد يظهر في الحياة في كل العصور كما يحدثنا التاريخ عن هذه التجارب بإسهاب، وباستخدام مختلف الوسائل وبالاستناد الى استغلال مختلف اشكال الموروثات الاجتماعية والدينية والمذهبية لأثارة وتحفيز وإستنفار البسطاء من الناس من ذوي الثقافة المحدودة على التمحور حول مايدعي به اعداء الديمقراطية من أن الديمقراطية والنظام الديمقراطي يدعوان الى مساواة المظلوم بالظالم والضحية بالجلاد، وإنهما لا يعنيان اطلاق لحرية الرأي والرأي الآخر للافراد للحوار الحر بكل ما له علاقة بحياة الشعب ومصالح الوطن وأمنه وسيادته وفصل السلطات وعدم التدخل في شؤون بعضها البعض واقامة دولة القانون والمؤسسات الدستورية يكون فيها القرار الفصل للقانون وحده دون سواه، وان يكون معيار منح الحقوق وتوزيع الواجبات لافراد المجتمع قائماً على اساس المواطنة والهوية الوطنية والمقدرة والمؤهلات والكفاءة المهنية والنزاهة والاخلاص للوطن وليس على اساس الخصوصيات والمحسوبية والمنسوبية. خلاصة القول لايمكن للديمقراطية ان تؤسس وتتجذر وتنمو وتتطور بشكل طبيعي وتصبح تجربة متكاملة وواقعاً معاشاً على ارضية المحاصصة القومية والطائفية المذهبية لأن القومية العنصرية والطائفية المذهبية المتعصبة نقيضان بكل معنى الكلمة للديمقراطية والفكر الديمقراطي، ولكن تكون الديمقراطية اداة فعالة للتغيير والاصلاح ومنهجا للحياة ودواء شافياً للتصدي لكل مشاكل وعقد وأمراض المجتمع وبالذات المجتمع المتنوع الثقافات والمتعدد المكونات القومية والدينية والمذهبية والسياسية اذا اسست على ارضية المواطنة والهوية الوطنية الجامعة، وبغير ذلك تتحول الديمقراطية الى دواء مر وسم زؤام في جسد الامة والوطن. عليه نقول اذا وقع اختيارنا وحصل اجماعنا على تبني الديمقراطية فكراً ومنهجاً لبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة المؤسسة على القانون والدستور واحترام الحريات المدنية وحماية حقوق الانسان وصيانة خصوصيات المكونات المختلفة علينا ان نؤسسها على اساس المواطنة والهوية الوطنية العراقية وحدها، وأما اذا اردناها ان تكون نظاماً للفوضى والشغب والقتل على الهوية ومعولاً لتهديم كيان الأمة والوطن علينا أن نؤسسها على اساس الهويات والولائات الخصوصية حيث نجد عندها في الديمقراطية خير وسيلة لتحقيق ذلك.
فالديمقراطية كما فيها من حسنات كثيرة لا تعد ولا تحصى تجعل الحياة الانسانية أفضل وأبهى وأرقى فيها من المساوئ الكثير لو لم يحسن فهمها وتطبيقها في الحياة بالشكل الإيجابي وضمن أطر وضوابط تنظم آليات عملها بدقة وبوعي انساني عالي المستوى والشعور بالمسؤولية تجاه الاخر وقبوله كشريك، وبالتالي تبقى الديمقراطية تاج على رؤوس الشعوب الحرة ولكن لا يراها كذلك إلا ضحايا الاستبداد والدكتاتورية من الشعوب، والشعوب التي تعيش في ظل الديمقراطية وتتمتع بحسناتها وثمارها الطيبة   تستميت في الدفاع عنها ولا يرون منها إلا نقائها وبهائها وإيجابياتها كنظام وفكر ولكنهم غير مستعدين للتفريط بها مهما كلفهم الأمر من تضحيات، وهكذا فالديمقراطية كما وصفها ونستون تشرشل أحد رؤساء وزراء بريطانيا السابقين هي "أقل الأنظمة سوءاً"، واقول ولكنها تبقى الاكثر عدلا وانصافا وانسانية من غيرها من الانظمة التي انجبتها البشرية لحد الان ولكن كل ما فيها من الحسنات والسيئات معقود على فعل وإرادة الانسان نفسه، وما علينا نحن العراقيين إلا أن ندرك هذه الحقائق بوعي والشعور بالمسؤولية لنتمكن من تدارك النتائج الوخيمة التي تترتب جراء سوء فهمنا وتطبيقنا لمفهوم الديمقراطية والتي لا نتمناها لشعبنا ووطننا ونصحح مسيرة تجربتنا الديمقراطية قبل فوات الأوان وسقوط الفأس على الرأس كما يقول المثل العراقي، وعندها لا يفيدنا الندم والبكاء على الأطلال المنهارة يا قادة نخبنا السياسية المحترمين.

293
التعصب والعنصرية معاول تدمير الحضارة وتهديم الامم

بقلم: خوشابا سولاقا


تنص المادة "7" من الدستور العراقي على
"يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية والارهاب والتكفير او التطهير الطائفي او يحرض او يمهد او يروج او يبرر له وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولايجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق"..
بغرض توضيح اهمية هذه المادة من الدستور العراقي في الحياة العراقية وجعلها مفتاح الحل لكل ما يعانيه من التمزق والتشظي والاقتتال وما يقدمه من التضحيات البشرية يوميا، لابد لنا ان نسوق نماذج من التجارب الانسانية التي توضح بجلاء للمواطن العراقي كيف يتحول التعصب بكل اشكاله والعنصرية بكل الوانها المقيتة الى معاول لتهديم كيانات الامم وتدميرها وليس كما يسوق لها الاقزام من المتعصبين والعنصريين الشواذ، عندها يتمكن المواطن العراقي المخلص الصادق ان يختار من الافكار ما تكون اداة صالحة لبناء صرح الوطن وان ينبذ ما يمكن ان يكون منها معول لتهديم الوطن وتدميره.

ان للتعصب والعنصرية انواعا والوانا، منها تعصب وتعنصر للقومية او للدين او للمذهب او للطائفة او للقبيلة او للعشيرة او للطبقة الاجتماعية او للجنس او للون او الى ماهو اوسع واشمل من كل ذلك كالتعصب والتعنصر المركب القاري كما كان يرى الاوربيون البيض بانهم من ارقي شعوب الارض في عصر الاستعمار الكولونيالي عصر التوسع واحتلال البلدان والسيطرة على ثرواتها والتحكم بمقدراتها ومصادرة ارادتها وقرارها السياسي واقامة امبراطوريات مترامية الاطراف لاتغيب عنها الشمس كالامبراطورية البريطانية وغيرها من الامبراطوريات الاوربية والتي كانت تدعوا إلى نشر رسالة الرجل الابيض لانقاذ الشعوب الاخرى في ارجاء المعمورة من براثن التخلف الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، حيث سعت تلك الامبراطوريات الى تصدير ثقافتها وانماط حياتها وتقاليدها الاجتماعية تحت واجهات مختلفة الى الشعوب التي استعمرتها بالقوة العسكرية. وجرت من خلال هذه العملية محاولات وحروب ابادة شنت في هذا الجزء من العالم او ذاك في مختلف قارات العالم مثل محاولة الاوربيين البيض بعد اكتشاف العالم الجديد لابادة الهنود الحمر سكان القارة الاميريكية الاصليين بسبب التعصب والتعنصر القومي والديني واللوني، وكما حصل ايضا في القارة الافريقية حيث سعت الشعوب الاوربية البيض الى استعباد الافارقة السود واستخدامهم في اعمال السخرة وغيرها من الاعمال الحقيرة في المزارع والمصانع بغرض تحقيرهم والحط من قيمتهم الخلقية واعتبارهم شعوب منحطة تصنف من الدرجات ما قبل القرود، واقاموا في بعض اجزاء افريقيا نظام الفصل العنصري في كل من جنوب افريقيا وروديسيا زمبابوي حاليا حيث مورس فيها ابشع اشكال التعصب واقذر الوان العنصرية ضد السود، وكذلك نشأت في افريقيا بعد استعمارها من قبل الاوربيين البيض تجارة الرقيق القذرة المخلة بالقيمة الانسانية للانسان حيث كان يساق الالاف من الافارقة السود الى اوربا والعالم الجديد في امريكا لاستعبادهم واستخدامهم كعبيد في الحقول والمزارع والمصانع التي يمتلكونها البيض والعيش تحت شروط سيئة للغاية لاتليق بالانسان. وليست بخافية على احد المظالم البشعة التي عانى منها ومايزال الى حد ما السود في اوربا واميركا على ايدي البيض وما ارتكب من مذابح بحقهم ليس لسبب او لجريمة ارتكبوها وانما لمجرد سواد لون بشرتهم.. وكذلك ليست خافية على احد ممن اطلعوا على التاريخ الانساني كيف كان التقسيم الاجتماعي وتصنيف البشر الى طبقات اجتماعية يجري على اساس عنصري وفق معايير معينة مثل طبقات النبلاء الاشراف والامراء وقادة الجيوش وطبقات الاقنان والعبيد وكيف كانت تشرع قوانين تكرس هذا التصنيف غير الاخلاقي وتكرس التمايز العنصري بكل اشكاله بين الناس في المجتمع، وكذلك ليست بخافية على احد كيف كانت مكانة المرأة في المجتمعات قديما وكيف كانت تحتقر، حيث لاتعد المرأة الاّ كائنا بشريا من درجة ادنى من الرجل ولا تصلح الا ان تكون مجرد وسيلة لمتعته وخدمته بتقديم له كل ما يحتاجه من الخدمات في البيت وان تكون له بمثابة معمل لانتاج الاطفال، هكذا كان وضع المرأة في المجتمع في مختلف مراحل التاريخ، كائن بشري مسلوب الارادة والحرية وتابعة للرجل في كل شيء وبالتالي هي جزء من ممتلكاته الشخصية له حق التصرف بها كيفما يشاء ويحلو له وعدَّها كائنا اجتماعيا من الدرجة الثانية في المجتمع وفي بعض المجتمعات تأتي المرأة حتى في درجات أدنى بالتصنيف لممتلكات الرجل من حيث الاهمية. هذه الامور كانت واضحة وجلية في التاريخ، وكان التمييز والعنف الذي يمارس ضد المرأة عبر مراحل التاريخ وفي مختلف بقاع الأرض ومايزال قائماً الى اليوم ولو بنسب متفاوتة بين هذا البلد وذاك.   
ان هذا التعصب والتعنصر لصالح تفوق الرجل ضد المرأة لهو أبشع أشكال العنصرية التي عملت على تعطيل وهدم نصف طاقات المجتمع ومنعته من العطاء والمساهمة في تقدمه. وبهذا يكون معول التعصب والتعنصر لصالح تفوق الرجل وتميزه ضد المرأة قد هدم ودمر نصف الامم وترك النصف الآخر منه لغيره من اشكال التعصب والوان العنصرية الهدامة.
أما الحروب الدموية الكارثية التي نشبت بين الامم والشعوب والقبائل عبر مختلف العصور وفي مختلف بقاع الارض في العصور القديمة والحديثة من التاريخ على خلفيات التعصب بكل أشكاله والعنصرية بكل الوانها فأن ضحاياها كانت بعشرات الملايين من البشر وخسائرها المادية لاتقدر، لو كانت كل تلك الطاقات والامكانيات قد استغلت واستثمرت لصالح تقدم البشرية على نحو ايجابي لكان وضع البشرية وحالتها في كل مجالات الحياة اليوم على ما يفترض ان يكون عليه بعد مئات من السنين من الان، ولكن ما العمل ان سنن وقواعد وقوانين التعصب والعنصرية لاتعمل ولاتقود الأنسان الا الى التخلف والخراب والدمار والآلام والمعانات والبؤس والشقاء... متى سيأتي اليوم الذي ندرك مضار وعواقب التعصب والعنصرية على تقدمنا وتطورنا وسعادتنا وأمننا عسى أن يكون ذلك قريباً.!!
كانت نتائج تلك الحروب كلها كارثية ومدمرة لحياة الامم وتقدمها، ويكفينا أن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الحرب العالمية الثانية والتي كانت حصيلة الفكر النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا العنصريين القائمين على أساس الإيمان بتفوق الجنس الآري على غيره من الأجناس ومعاداة السامية حيث كان النازيون الألمان والفاشيون الطليان يعتبرون غيرهم من الأجناس بأنهم أجناس وضيعة ومنحطة يستوجب إبادتها لفسح المجال أمام الجنس الآري المتفوق بالسيادة على العالم وكانت النازية قد استخلصت واستنبطت افكارها العنصرية من فلسفة الفيلسوف الألماني "نيتشه" الذي كان يبشر بتفوق الجنس الآري على غيره من الأجناس والتي كانت ضحاياها قد تجاوزت الخمسين مليون انسان، وما الحرب الامريكية اليابانية وقنبلتي هيروشيما ونكازاكي الذرية وتداعياتها الكارثية الى اليوم مثالا اخر، وما تمتلكه الدول النووية من ترسانة ضخمة من السلاح النووي بكل اشكاله والوانه ووسائل ايصاله الى أي مكان من كوكبنا والذي يكفي لتدمير الكوكب مئات المرات وما يسود الآن على الجانب الاخر من الحياة من افكار التعصب والعنصرية والحقد والكراهية في نفوس الكثيرين من الشواذ المتعصبين والعنصريين في العالم الذين يقودون الارهاب بكل أشكاله من حقنا ضمن هذا الواقع ان نتساءل ماذا سيكون مصير العالم والبشرية لو قدر لهؤلاء وأمثالهم السيطرة والتحكم بمثل هذه القدرة النووية المدمرة...؟
وما الصراع العربي الاسرائيلي اليوم الا شكل آخر من اشكال العنصرية الذي تمارسه اسرائيل ضد العرب الفلسطينيين منطلقين في ذلك من أفكار الصهيونية المبنية على أساس التميز وتفوق العنصر اليهودي مستندين على مقولة ان "الشعب اليهودي هو شعب الله المختار" الواردة في التوراة، وما يحمله للمستقبل من مخاطر جمة لو استعملت فيه ما متيسر من اسلحة الدمار الشامل الموجودة لدى طرفي الصراع وما يحتمل أن ينسحب على المنطقة العربية والاسلامية والعالم كله من مضاعفات لو استمر اطلاق العنان للتعصب والعنصرية السائدة الآن لدى الطرفين... علينا أن نفكر ونقرر ونختار ما هو الداء وما هو الدواء...؟ وكذلك لانغفل النظر الى ما يشاهده العالم بشكل عام والعالم الاسلامي والعربي على وجه التحديد من تصاعد المد الاسلامي السياسي وانبعاث الفكر الاسلامي التكفيري المتشدد بعد قيام الثورة الاسلامية في ايران واحتلال الاتحاد السوفييتي السابق لافغانستان وتوسع النشاط الارهابي في العالم على اثر ذلك إلاّ مظهراً من مظاهر التعصب والعنصرية الذي قاد العالم إلى حرب عالمية غير معلنة رسمياً وإنما أعلنت باسم الحرب العالمية ضد الارهاب، وظهرت في المقابل أيضاً في الجانب الآخر من العالم بوادر قيام الفكر المسيحي المتشدد باسم المحافظين الجدد الذي يدعو إلى التصدي بكل الوسائل للفكر الاسلامي التكفيري الذي أصبح من وجهة نظر هؤلاء خطراً يهدد أمنهم وحضارتهم ونمط حياتهم. هكذا أصبحت أو قد تصبح الساحة العالمية في المدى القريب مهيئة ومعبئة فكرياً لحرب كونية مدمرة قد تستخدم فيها كل اشكال اسلحة الدمار والابادة التي ابتكرها عقل الانسان والقادرة على تدمير كوكبنا وافناء البشرية من الوجود هكذا هي الصورة وهكذا قد تكون في غاية السواد لو سيطرت على عقولنا مفاهيم التعصب والعنصرية ويصبح وجودنا الانساني معرضا للفناء.
وما حصل في العراق ويحصل منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة الى يومنا هذا بما في ذلك الحرب في كوردستان والحرب العراقية الايرانية وغزو العراق للكويت  وحروب الخليج الاولى والثانية وسقوط النظام الدكتاتوري وما تلاه وتلك الضحايا البشرية الكبيرة التي قدمها شعب العراق ليس الا النتيجة الحتمية الطبيعية للتعصب والعنصرية القومية والدينية والطائفية وغيرها من العصبيات القبلية والعشائرية، التي تتجلى سماتها في هذا الصراع المرير والاقتتال الدموي بين الأخوة أبناء العراق اليوم بوضوح، مما يجعلنا أن نجد في المادة "7" من الدستور العراقي مفتاح الحل لكل ما يعانيه العراق اليوم من المشاكل والمأساة والكوارث والخراب التي تهدد كيانه بالانهيار، في حالة تبني وتطبيق هذه المادة بحرفية ومهنية عالية في ممارسات مؤسسات الدولة الرسمية منها المؤسسات التعليمية والتربوية والاعلامية ومؤسسات المجتمع المدني ومناهج الاحزاب السياسية.
حيث يكون الجهد والعمل المؤسساتي والجماهيري منصبين بأتجاه محاربة كل شكل من اشكال التعصب وكل لون من الوان العنصرية وكل نوع من انواع الارهاب المسلح والارهاب الفكري ومحاربة التكفيروالتطهير العرقي والطائفي والدعوة لتأسيس ثقافة وطنية قائمة على أساس المحبة والتسامح الوطني من أجل بناء عراق ديمقراطي تعددي حر يتساوى فيه كل العراقيين مهما اختلفت خصوصياتهم القومية والدينية والطائفية والسياسية في الحقوق والواجبات أمام القانون وأن يكون الدستور هو الفيصل في كل ما يحصل من خلاف واختلاف بين مكوناته المتنوعة.       

294
رفقا بحضارتنا يا وسائل اعلامنا..!!
بقلم خوشابا سولاقا
ان وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية هي بحد ذاتها وسائل لنشر ونقل الثقافة بين الناس بمختلف طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية، اي بعبارة اخرى ان وسائل الاعلام هي الواسطة التي تستعمل لتحقيق غاية نبيلة بعينها تعود بالنفع العام الى المجتمع البشري بكافة انتماءاته القومية والدينية والجنسية واللونية، عليه ارى ان من الضروري جدا ان يكون للاعلام طابع اخلاقي في وسائله ومضامينه يحترم القيم والاداب الانسانية وان يلتزم باصوال وقواعد الاخلاق في النقاش والحواروان تكون مفردات لغته مهذبة ورزينة ومنمقة بعيد كل البعد عن اسلوب الطعن والتجريح والشتيمة، وان تكون لغة الاعلام ذات معايير اخلاقية راقية تليق بكرامة وادمية الانسان، وان تكون بعيدة كل البعد عن التزويق وصفافة اللسان والقسوة وروح الانتقام.. عندما تكون لغة الاعلام رزينة ومهذبة وتحمل معايير اخلاقية تكون حتما صادقة في التعبير عن الحقيقة المراد ايصالها الى المتلقى بامانة وحرص اقرب الى الكمال منه الى السقوط في مهالك الخديعة والتزيف والتزويق المنمق الذي يحقق اهدافا انية غير ذات جدوى وفائدة يعود بالنفع للمجتمع.
ان ما نراه مع الاسف الشديد في البعض من وسائل الاعلام لابناء شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" وتحديدا بعض المواقع الالكترونية مستغلين امكانية المحافظة على سرية ما يكتب وعدم الفصح عن الاسماء الحقيقية لكتابها خوفا او خجلا يستعملون من اللغات ومفرداتها ما فيها من بذاءة المفردات وصفافة اللسان لالحاق اكبر الاذى والضرر بمن يضعونه نصب عيونهم من ابناء شعبنا في موقع العدو اللدود لا لسبب مبرر بل لمجرد انه قد اختلف معهم في الرأي والرؤى تجاه قضية معينة.. لا يا ايها الاخوة ليس هكذا وبهذه الوسائل يتبارى الفرسان، ان لاي مباراة ومبارزة قواعدها وضوابطها لايجوز لاحد تجاوزها عندما يقبل الدخول في اللعبة، لانه في التجاوز يسجل الخطأ على المتجاوز ويطلق الحكم صافرته الذي هو هنا جماهير شعبنا بفوز الطرف المتجاوز عليه حتى وان كان الطرف المتجاوز هو الاقوى والاحق والاجدر بالفوز.. ليس بالضرورة ان يأتي الفوز بطريقة الضربة القاضية دائما من قبل الاقوى، ولكن في اغلب الاحيان يأتي الفوز بطريقة الضربة الفنية من الطرف الاخر لانه يجيد قواعد اللعبة بمهارة عالية. فهكذا الفوز في الاعلام يأتي لمن يجيد استعمال مفردات اللغة الرزينة والمهذبة وليس لمن يتخذ من الشتيمة وبذاءة الكلمة سلاحا للفوز بالمباراة.
اقول لكتابنا الاعزاء الذين يكتبون عن كل ما يدور حولهم على الساحة السياسية القومية والوطنية من الاحداث انه من حقهم الطبيعي ان يعبروا عن ارائهم وافكارهم تجاه ما يحدث حولهم بحرية وان يقولوا ما يشاؤون من وجهات نظر يرونها صائبة بدافع حرصهم على مصالح الامة وحبهم لها هذا لاجدال فيه،ولكن بشرط ان يتم ذلك باستعمال لغة رزينة ومهذبة بعيدة عن الطعن والتجريح والشتيمة، لان قواعد الاخلاق وروح الانسان المعاصر لا تقبل بهكذا لغة متدنية وهابطة.. وبالتالي نسأل ما الغاية من الكتابة..؟ اليس هي اصلاح الخطأ وتقويمه..؟ ام هي زيادة وتوسيع رقعة الخطأ على حساب زيادة الكراهية والبغضاء..؟ فاذا كان الهدف هو الاصلاح فعلينا اختيار المفردات الرزينة والمهذبة التي تحقق لنا الغاية النبيلة وليس العكس،اي عدم اعتماد مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".
اقول لكل كتابنا مهما كانت رؤاهم وتوجهاتهم السياسية وانتماءاتهم المذهبية ومهما كانت اختلافاتهم الفكرية مع الاخرين من ابناء شعبهم، انه بالرغم من كوننا ننتمي الى شعب قليل النفوس الان، ولكننا ننتمي الى حضارة عظيمة وعريقة ولها امتدادات تاريخية عميقة تجعلنا نفتخر ونزهو بأنتمائنا الى تلك الحضارة التي علمت الانسان القراءة والكتابة وشرعت له القانون واخترعت العجلة واثارها تشهد على ذلك بالكثير من الشواهد الشامخة والقائمة الى يومنا هذا والتي تملء متاحف العالم.
اقول يجب ان نتذكر ذلك دائما وابدا وان لا ننسى من كنا ومن نحن الان، عليه عندما نتحاور ونتناقش ونخاطب بعضنا البعض ان يكون ذلك بلغة راقية رقي تلك الحضارة العظيمة لكي لانمسها بسوء ولكي لاتشوه ذلك الوجة المشرق لها بما نستخدمه من لغة التخاطب الهابطة والمبتذلة والبذيئة بمفردات غير لائقة بانسان مثقف، والتي لا تعكس الا ما نحمله في نفوسنا الضعيفة والمريضة بمرض جنون العظمة واللاهثة وراء الشهرة المزيفة والمناصب الهزيلة الفارغة والمنافع الشخصية الانانية الرخيصة من احقاد وضغائن وروح الانتقام والتشفي.
اقول يجب ان نتحكم في عقولنا للسيطرة على غرائزنا الحيوانية وشهوات نفوسنا التي لا تشبع وليس العكس، عندها فقط يكون من حقنا الشعور والادعاء بالانتماء الى تلك الحضارة المشرقة حضارة مابين النهرين ليس الا.
واخيرا اقترح بل ادعو القائمين على هذا الموقع الكريم حفاظا على ما قدموه وما يقدموه من خدمات جليلة لابناء شعبنا في مجال الثقافة وحرية الرأي والرأي الاخر وممارسة الديمقراطية الفكرية وتطويرها، وحماية لسمعة شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" من التشويه جراء السجالات والانتقادات الشخصية الجارحة والمسيئة والبعيدة عن اسلوب النقد البناء، العزوف عن نشر اي مقال لاي كان في هذا الموقع اذا كان يحمل ما فيه من تجريح والطعن الشخصي والاساءة للاخرين رحمة بذوف القراء الكرام من ابناء شعبنا.

295
الديمقراطية والعملية السياسية ومقصلة هيئة المساءلة والعدالة...!!

بقلم: خوشابا سولاقا

من المفروض أن تكون الديمقراطية حاضنة أمينة للصراع والتنافس الفكري والسياسي بين الأراء والأفكار المختلفة للكتل والاحزاب السياسية من أجل التناوب على السلطة بالطرق السلمية وبشفافية من خلال صناديق الاقتراع والأحتكام الى جماهير الشعب وليس أن تتحول الديمقراطية سيفاً بتاراً على الرقاب لأقصاء الخصوم وإسقاطهم سياسياً بأعتماد أساليب ملتوية ذات شكل ديمقراطي مغلف بالقانون ولكن بمحتوى يقود الى الديكتاتورية من خلال إستغلال وإستثمار سلطة القانون ومؤسسات الدولة لصالح القائمين عليها وبالاستناد الى خلفيات الماضي السياسية وثقافة الثأر والانتقام والشك بالآخر وتخوين الخصم السياسي وبالتالي إسقاطه سياسياً، إن مثل هذه الاساليب تشكل بحد ذاتها إسقاطاً للديمقراطية نفسها وإقصائها من الحياة السياسية.
عند تحليلنا ودراستنا للواقع العراقي وتاريخه السياسي وخارطته السياسية من حيث تواجد وإنتشار القوى والتكتلات السياسية المتنوعة في قيمها وأيديولوجياتها وتوجهاتها السياسية ومنطلقاتها الفكرية وخلفيات تكوينها تاريخياً وإجتماعياً على الساحة العراقية سوف لانجد بديلا أفضل للديمقراطية كمنهج سياسي وكنظام لادارة شؤون الدولة والحكم في ظل هذا التنوع والتعدد، إذا كان ذلك محكوماً بمعايير أخلاقية شفافة ونوايا وطنية صادقة لأجل توسيع قاعدة المشاركة لكل القوى السياسية العراقية في العملية السياسية الجارية لغرض استقرار الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية في البلد عندها سوف لايكون أمام النخب السياسية العراقية الوطنية المخلصة غير العمل والبحث لأيجاد صيغة لأدارة الدولة بالشكل الذي تعبرعن إرادة هذا التنوع والتعدد القومي والديني والطائفي والسياسي في العراق الجديد، وعندها سوف لانجد صيغة اكثر ملاءمة وتعبيراً من الديمقراطية الليبرالية ذات التوجه العلماني وذات الرؤية الوطنية لأقامة دولة القانون والمؤسسات البعيدة عن مبدأ تقديم وتكريس الخصوصيات في الواقع السياسي على الأرض على مبدأ تقديم وتكريس المشروع الوطني وإحترام الخصوصيات الأخرى لكافة أبناء الشعب العراقي، وليس دولة الأحزاب والاشخاص والجماعات. إن ماجرى من إقصاء واستبعاد للمرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة لمجلس النواب العراقي تحت يافطة تطبيق القانون والدستور من خلال هيئة المساءلة والعدالة ماهو إلا عملية خلط الاوراق وتضليل المواطن وتشويه قناعاته في إختيار من يراه الافضل لتمثيله في شغل مقاعد مجلس النواب من جهه واسقاط الخصم سياسياً من جهه أخرى وذلك من خلال تسييس هذا الموضوع الحساس جداً من قبل أطراف لها وجود مؤثر في تركيبة هيئة المساءلة والعدالة ومهيمنة على توصياتها وبالتالي توجيهها لأسقاط البعض سياسياً لحساب البعض الآخر من الكتل المتنفذة في صياغة وصنع القرار السياسي العراقي وبذلك يكون قد تحولت هيئة المساءلة والعدالة الى مقصلة على رقاب الخصوم السياسين الآخرين.
وقد استغلت ظاهرة إجتثاث البعث والبعثيين في كل المناسبات من قبل البعض من القوى السياسية المتنفذة إستغلالاً سياسياً سيئاً بأمتياز الى أقصى الحدود كوسيلة فعالة لأقصاء وإسقاط المتنافسين من المرشحين من القوائم الأخرى من جهه وإرباك الوضع السياسي المرتبك والقلق أصلاً بسبب نشاط الارهاب والارهابيين من جهه ثانية في سبيل خلق وضع خاص يلائم تطلعات واجندات ذلك البعض الانتخابية.
حيث من الملاحظ بوضوح أن تركيز دولة السيد رئيس الوزراء في كل خطاباته ولقاءاته بالجماهير في الفترة الأخيرة كان منصبا على التحذير من خطر البعثيين ومحاولة عودتهم للحكم وإن كان ذلك للاستهلاك والدعاية الانتخابية إلا أنه ساهم بشكل فعال في تحشيد الشارع وتوجيهه بهذا الاتجاه بغرض جعل الناخب الذي تضرر من البعثيين ونظامهم وعانى منهما الأمرين الابتعاد في تصويته عن تلك القوائم المتهمة بالولاء والترويج لفكر حزب البعث... وهذا الاسلوب أو هذا النهج السياسي كان من الاسباب التي دفعت بهيئة المساءلة والعدالة الى التوصية بأقصاء واستبعاد الكثير من المرشحين وبالأخص من تلك القوائم التي تبنت الخطاب الوطني ونأت بنفسها عن الخطاب الطائفي والمعروفة تاريخياً بتوجهاتها الوطنية والديمقراطية وغير المؤمنة بالطائفية والمحاصصة الطائفية والقومية على حد سواء. وقد خلق هذا التوجه مناخاً ملائماً وظروفاً مناسبة للعودة بالعملية السياسية الى المربع الاول بعد كل ماقدمه الشعب العراقي بكل اطرافه المشاركة في العملية السياسية والاطراف الداعمة والساندة لها من التضحيات البشرية والمادية من اجل إنجاح هذه العملية والوصول بها الى شاطيء الأمان والخروج بالعراق من هذا النفق المظلم الذي حشر فيه حشراً وإنقاذه من السقوط في مستنقع الحرب الاهلية الطائفية والقتل على الهوية، هذا إضافة الى ما شكله هذا الاسلوب من خلال هذه الأجراءات بصورة غير مباشرة من ترويج لأفكار حزب البعث وإذكائها في المجتمع وبالتالي أصبح الحديث في الشارع كله يدور حول حزب البعث وإمكانية عودته الى السلطة من جديد وإظهاره بمظهر الضحية والمظلوم وليس بمظهر الجلاد الظالم كما ينبغي أن يظهر دائماً، الجميع متفق على وجوب إقصاء البعثيين الصداميين ومنعهم من التسلل والعودة على المسرح السياسي ممن إرتكبوا الجرائم بحق الشعب العراقي وتلطخت أيديهم بالدماء العراقية وفقاً للقانون ومن خلال القضاء، ولكن ليس كل المنتمين الى حزب البعث والمرتبطين بأجهزة الدولة البعثية التي دامت قرابة الاربعة عقود لأن ذلك سيشكل ظلماً على الكثيرين من أبناء الشعب العراقي اضافة الى انه سيشكل اضعافا لامكانيات الدولة وخسارة الكثير من خبراتها المقتدرة والمتدربة والمؤهلة في مختلف الاختصاصات والتي هي بامس الحاجة اليها الان، ولذلك يتطلب التمييز بين هؤلاء وأولائك المجرمين لكي تكون هيئة المساءلة والعدالة منصفة في عملها لا أن تكون نظيراً للصدامية السياسية التي كانت تعتبر كل من ليس معها فهو ضدها وعدواً لها يجب إقصاؤه من الحياة، هذا ما يتطلب من القائمين على هيئة المساءلة والعدالة أن تتذكره دائماً وتعيه بعمق لكي لاتظلم من لايستحق الظلم وتساوي بين الجلاد والضحية لأن أغلب المنتمين الى حزب البعث وتنظيماته العسكرية والامنية والنقابية وغيرها أجبرتهم ظروفهم المعاشية وطبيعة الحياة والقوة الغاشمة للحزب والسلطة على الانتماء وبالتالي هم ضحية وليسوا الجلاد ليكون التعامل معهم على أساس الجلاد.
إن استمرار هيئة المساءلة والعدالة والتي لا تمتلك لحد الآن بأشخاصها الحاليين الشرعية القانونية والدستورية على هذا النهج في تعاملها مع هذا الموضوع الحساس وبهذه الطريقة الانتقائية وبأيحاء وتأثير ثقافة الثأر والانتقام من أجل إقصاء الخصوم السياسين في العملية الانتخابية، تشكل خرقاً للدستور وطعناً بنزاهة وشفافية وشرعية الانتخابات إضافة الى تحول عملية المساءلة والعدالة الى مذبحة للعملية الديمقراطية وحرية الفكر والرأي في العراق وبالتالي تشكل مقبرة للمصالحة الوطنية والعملية السياسية المتعثرتان أصلاً، في الوقت الذي يتطلب الأمر من الجميع بشكل عام ومن القائمين على صنع القرار السياسي العراقي بشكل خاص غير ذلك تماماً، أي العمل لأجل استمرار المصالحة الوطنية والعملية السياسية وضم كل القوى السياسية الوطنية العراقية الى هذا الموكب المتنوع التكوين والشامل لكل الاطراف العراقية المتخاصمة والحريصة على مصلحة الوطن للوصول بسفينة العراق الى بر الامان والحياة الكريمة، وأن ترفع شعار تحقيق المصالحة الوطنية وفق مبدأ "مصالحة الشجعان" القائمة على اساس تقديم التنازلات المتقابلة من اجل هدف اسمى مع تشديد الأقصاء والاستبعاد للقيادات والكوادر البعثية الصدامية العليا ومنعهم من تولي مناصب مهمة وحساسة في الدولة، وكذلك إقصاء من يثبت عليه بالدليل القاطع إرتكاب الجرائم أو سبب بأرتكابها عن عمد من البعثيين وأزلام النظام السابق من الاجهزة القمعية من غير البعثيين ممن أرتبطوا بهذا الشكل أو ذاك بأجهزة النظام القمعية برغبتها وقناعتها دون إجبارها على ذلك من أجل تحقيق مكاسب شخصية غير مشروعة وتلطخت أيديهم بدماء العراقيين وان تطبق هذه الاجراءات بحق الاخرين من الاحزاب والحركات السياسية ممن لهم جرائم وتوجهات فكرية مماثلة تروج للعنصرية والتعصب القومي والديني والطائفي واثارة النعرات والفرقة بين مكونات الشعب والتي تخالف مضمون المادة السابعة من الدستور وعلى أن يجري ذلك من خلال القضاء وفقاً للقانون والدستور والمواثيق الدولية ولائحة حقوق الانسان، وأن يكون التعامل مع غير هؤلاء تعامل سياسي كمواطنين عراقيين لهم من الحقوق والواجبات ما لغيرهم.
وعليه فأن الدولة العراقية بكل مؤسساتها الرسمية التشريعية والتنفيذية والقضائية مع المؤسسات الأعلامية ومؤسسات المجتمع المدني تتحمل مسؤولية العودة بالبلاد الى المربع الاول، أي بعبارة أخرى العودة من جديد الى نقطة البداية، في الوقت الذي من المفروض به أن تستمر الجهود وتتظافر في تحقيق المصالحة الوطنية لدفع العملية السياسية بقوة الى الامام نحو أهدافها الاستراتيجية على مسارها الصحيح وأن تطور آلياتها الوطنية وتعزز من الثقة المتبادلة بين أطرافها وأن تعمل على إزالة كل المعوقات من طريق تقدمها الى الامام والتغاضي عن إثارة كل ما يعكر صفاء جو الحوار الوطني الديمقراطي الأخوي بين الفرقاء القائم على أساس نشر مباديء الحرية والعدالة والمساواة ومحاسبة الجريمة بالطرق القانونية وإشاعة ثقافة التسامح الوطني والمحبة الوطنية على حساب إقصاء ثقافة الثأر والانتقام على خلفيات الماضي السياسية، إن كل هذه المتطلبات الموضوعية التي يقتضيها نجاح المصالحة الوطنية وبالتالي العملية السياسية في تحقيق هدفها الوطني في بناء دولة ديمقراطية تعددية مدنية دولة القانون والمؤسسات الدستورية وليس دولة أشخاص أو أحزاب تتقاطع بل تتناقض مع ما جاءت به هيئة المساءلة والعدالة وخصوصاً في ظل الظروف الانتخابية التي يمر بها العراق الخارج توا من تحت مظلة النظام الشمولي الذي دام عقودا من الزمن والذي كان كل شيء فيه مسّيس للنخاع كما يقول المثل.
حيث كان يجبر العراقيون مقابل لقمة العيش والحصول على وظيفة أو فرصة عمل في مختلف دوائر ومؤسسات الدولة على الانتماء الى حزب البعث ومؤسساته الامنية والعسكرية وكان يتم مساومة السياسين من الاحزاب الأخرى بعد إسقاطهم سياسياً بالاساليب البشعة بالعمل والتعاون مع الاجهزة الامنية مقابل حياتهم، امور كثيرة من هذا القبيل كانت تحصل في عراق البعث الصدامي، لذلك يستوجب على هيئة المساءلة والعدالة ان تميز بين هؤلاء واولائك المجرمين الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقين.
وعليه فأن اقل مايمكن ان يقال بحق اجراءات هيئة المساءلة والعدالة هو انها اجراءات غير مناسبة في ظروف وزمان ومكان غير مناسبة. لذا على المعنيين بالامر ان كان خدمة العراق وشعبه هدفهم ان يعيدوا النظر بهذه الاجراءات التي تثير الكثير من التساءلات والغموض حول طبيعتها وخصوصاً إنها اتخذت قبل فترة وجيزة من الانتخابات النيابية مما ألقى بظلال قاتمة من الشك على مصداقيتها وشفافيتها وشرعيتها القانونية، وعليه يتطلب إعادة النظر بتقييمها بواقعية وموضوعية في ظل ظروف العراق التاريخية التي تم التنويه إليها وإيقافها الى حين حيث يكون الوقت والظروف السياسية اكثر مناسبة لقبول التعامل مع مثل هذه الاجراءات بأيجابية اكبر مما هي عليه الآن، وذلك بعد أن يتم وضع معايير علمية تتضمن القدر الاكبر من الشرعية القانونية والدستورية لتحديد المستحقين فعلاً بالشمول بهذه الاجراءات، ولكي يكون الحد الفاصل بين الجوانب الجنائية والجوانب السياسية في عمل هيئة المساءلة والعدالة واضحاً وجلياً، هذا من جهه ومن جهه أخرى لكي تكون هيئة المساءلة والعدالة هيئة مهنية مستقلة تحدد المشمولين بأجراءات المساءلة والعدالة فقط دون أن تتحول الى محكمة جنائية وتأخذ دور القضاء وتضع نفسها محله وينحسب ذلك عليها خرقاً دستورياً ويطعن بشرعيتها القانونية ومهنيتها وإستقلاليتها...
وفي هذا الجانب ادعو الى الاقتداء بتجربتي اقليم كوردستان العراق وجمهورية جنوب افريقيا وغيرها من تجارب الشعوب في العالم بصدد التخلي عن ثقافة الثأر والانتقام وتحقيق المصالحة الوطنية والتخلص والتحرر من عقدة الماضي ووساوسه وننطلق الى المستقبل بروح مسامحة خالية من الحقد والكراهية، واعتقد جازما ان ذلك يصب في مصلحة حاضر ومستقبل العراق وخير ما يحتاجه الان واستكمالا لهذه الدعوة أشيد بمبادرة فخامة السيد رئيس الجمهورية "مام جلال الطالباني" التي اطلقها في مؤتمره الصحفي مع مجموعة من الصحفيين بتاريخ 21 كانون الثاني الجاري من عام/2010 التي تصلح لأن تكون قاعدة واساسا لتجاوز هذه الازمة التي يمر بها البلد.
واكثر ما يبعث الى الارتياح في هذه المبادرة هو كونها كانت موضع ترحيب وقبول الغالبية من القوى السياسية والتيارات الوطنية والشخصيات الديمقراطية العراقية، وأملنا كبير بكل المعنيين المخلصين الحريصين على مصلحة البلاد من المسؤولين في مجلس الرئاسة ومجلس النواب والحكومة والقضاء والأحزاب السياسية المختلفة ان يقفوا صفاً واحداً يدا بيد لدعم وإسناد هذه المبادرة وتطويرها وجعلها اساسا صالحا لحل وطني شامل من أجل الخروج من هذه الازمة التي وضعت العراق على مفترق الطرق وتجاوزها بسلام وتحقيق إنتخابات ديمقراطية نزيهة وناجحة ومعبرة بصدق عن إرادة الشعب وأن تكون موضع رضى وقبول الغالبية العظمى من جماهير الشعب وأن تكون رداً صاعقاً للمراهنين على فشلها وبالتالي فشل النموذج العراقي للديمقراطية وأن يكون نجاحها بمثابة وصمة عار وخذلان للمتربصين بمستقبل وسيادة العراق وأن تشكل سداً منيعاً بوجه تيارات الارهاب والارهابيين القادمين من خارج الحدود لتخريب وتدمير العراق وإشاعة الفرقة بين أبناءه ولتكون سيفاً بتاراً لقطع الأيادي الآثمة التي تتدخل في شؤون العراق وتتلاعب بمصيره من خلال قنوات الطائفية البغيضة وغيرها من الامراض التي تضر بوحدة الوطن والشعب... ولنرفع صوتنا عاليا يا أبناء الشعب العراقي إتحدوا من أجل حماية وحدتكم الوطنية ونجاح تجربتكم الديمقراطية في بناء العراق الجديد.

296
الأكثرية الحاكمة والأقلية المعارضة في الحياة البرلمانية... هل هي ظاهرة صحية..؟

خوشابا سولاقا

ان الحياة بشكل عام في الطبيعة وفي المجتمع قائمة على أساس التناقض والتعارض بين الأضداد وتتطور على هذا الأساس أيضاً، أي بمعنى آخر إن كل ما يولد من جديد في الحياة أثناء مسيرتها التطورية هو نتيجة لأسباب معينة والتي كانت بحد ذاتها في وقت ما من مراحل تطور المجتمع نتيجة لأسباب أخرى، وهذه النتيجة ستصبح أسبابا لنتيجة جديدة لاحقة وهكذا يستمر تطور الحياة في دورتها الطبيعية على خلفية صراعات وتناقضات وتعارضات داخلية، وإن إنعدام هذه الصراعات والتناقضات والتعارضات بين الجديد الواعد والقديم السائد وبين الإيجابي المقبول والسلبي المرفوض وبين الخطأ والصواب في الرأي والرأي الآخر في الحياة يعني أن تطورها وتجددها وتحسنها سوف لا يستمر وذلك يعني أن الحياة سوف تتوقف عن التطور وهذا يخالف سنة الحياة الطبيعية. لذلك فان التناقضات والتعارضات والصراعات بين الأفكار والرؤى في الحياة الاجتماعية ضرورة حياتية بل هي قانون تطورها وصيرورتها الحتمية والابدية، وهي بالتالي ظاهرة صحية لابد من وجودها لكي تستمر دورة تطور الحياة على المسار الصحيح بنمطها الطبيعي الى حيث ما يجب ان تصل لتبدأ من جديد... وبما أن البرلمانات الحديثة والحياة البرلمانية في حياة الشعوب المتطلعة إلى الحرية والحكم الرشيد هي المؤسسة التشريعية الوحيدة التي تسعى إلى تشريع القوانين التي تنظم حياة المجتمع وتحمي مصالحها الوطنية والانسانية وفق نسق معين وتمثل قرار الشعب وإراداته الحرة في تقرير مصيره، فان هذه المؤسسة المهمة والحيوية بالتالي هي جزء من بنية المجتمع الفوقية لا تشذ في تطورها عن سنن وقوانين تطور المجتمع نفسه، أي بمعنى آخر أن البرلمان سوف تسود فيه نفس التناقضات والصراعات والتعارضات الفكرية السائدة في المجتمع أثناء الحوارات والنقاشات من أجل التوصل إلى القرار المناسب والملائم والمعبر عن إرادة الشعب بكل ما يتعلق بمصالحه الوطنية. وهذا يعني أن يكون هناك في البرلمان إذا أردناه أن يكون فعالاً ومفيداً وحارساً أميناً على مصالح الشعب والوطن قطبان متعارضان إيجابيان متفقان في خدمة هدف مشترك واحد هو المصلحة الوطنية ومختلفان في وسائل تحقيق هذا الهدف، قطب يشكل الأكثرية أو الأغلبية البرلمانية يتولى حكم البلاد وفقاً للقانون والدستور، وقد يكون هذا القطب مكونا من كتلة سياسية واحدة أو من تحالف لمجموعة كتل سياسية متعددة متفقة في البرنامج السياسي والرؤى حول مصلحة الشعب والوطن، ومتفقة أو متقاربة في وسائل وآليات تنفيذ برنامجها السياسي، وقطب اخر يشكل الأقلية البرلمانية يتولى المعارضة الايجابية، المراقبة والمتابعة والناقدة والمقوَّمة لعمل وأداء قطب الأغلبية البرلمانية الحاكمة، أي كما يسمى بلغة السياسة في بعض البرلمانات المتقدمة في الديمقراطيات المستقرة العريقة بـ"الحكومة" و"حكومة الظل" حكومتان متفقتان في الهدف المشترك ومختلفتان ومتعارضتان في وسائل تحقيق الهدف. إن وجود مثل هذه الحالة وبهذه التركيبة في البرلمان الوطني أمر إيجابي وضروري وظاهرة سياسية صحية بأهدافها في الحياة البرلمانية الحديثة، وإنعدامها حالة شاذة مرفوضة لا يمكن للبرلمان أن يقوم بأداء مهامه الوطنية بالمستوى المطلوب. إلاّ أن المشكلة في هذه الممارسة الديمقراطية النبيلة ليست في وجود التعارض بين قطبي الأغلبية البرلمانية الحاكمة والأقلية البرلمانية المعارضة في الحياة البرلمانية وإنما المشكلة كامنة في طبيعة الثقافة السياسية للنخب السياسية الممثلة لصوت الشعب في البرلمان ونظرتها إلى هذه الممارسة بشكل خاص، والثقافة الإجتماعية السائدة للمجتمع حول مفهوم السلطة والمعارضة وفلسفة الحكم بشكل عام.. حيث أن مفهوم المعارضة في وعي ورؤى البعض من النخب السياسية وفي وعي ورؤى الثقافة الاجتماعية لبعض الشعوب والمجتمعات المتخلفة والأسيرة لقيمها وتقاليدها الاجتماعية البالية وغيرها من المورثات المتخلفة تعني العداء والمحاربة بالوسائل العنيفة، ولا ترى في التعارض والاختلاف والتناقض في الأفكار والآراء والرؤى ضرورة وظاهرة طبيعية وصحية، وإمكانية للتعايش السلمي سوية من أجل خدمة قضية مشتركة واحدة بوسائل وأساليب متنوعة ومختلفة ان مثل هذا النضج السياسي وهذه الرؤية الاستراتيجية ما تفتقر اليه نخبنا السياسية في الحياة البرلمانية.. لذلك نرى في بلداننا المتخلفة ثقافياً وسياسياً وحتى إجتماعياً وإقتصادياً تعد ظاهرة المعارضة مهما كانت طبيعتها وشكلها نوعا من العداء والموقف العدائي ضد الآخر، وعليه وانطلاقا من هذه الخلفية الثقافية فأن من هو في الحكم يتعامل مع معارضيه بأساليب العنف والقوة وبما فيها أساليب التصفية الجسدية، ولا يتقبل فكرة وجود معارضة إيجابية سلمية لا في الحياة البرلمانية السياسية ولا حتى في الحياة الإجتماعية، معارضة تقوم على مبدأ المراقبة والمتابعة والتقويم والنقد البناء من أجل رفع مستوى أداء وشفافية من هو في الحكم ويمتلك السلطة في يديه لخدمة أهداف وطنية مشتركة وأن تتناوب السلطة معه سلمياً من خلال صناديق الاقتراع في إنتخابات عامة حرة ديمقراطية ونزيهة يقول فيها الشعب كلمته بحق من كان في السلطة ومن كان في المعارضة الإيجابية حول تغيير أو تبادل لمواقع ومراكز المسؤولية حسب متطلبات مصلحة الوطن والشعب وفق رؤى الأكثرية من أبناء الشعب بمن يكون في الحكم ومن يصبح في المعارضة بعد الانتخابات والتي تعتبر عملية تجديد للثقة.. إن بناء مثل هذه الثقافة ثقافة قبول الآخر وثقافة تناوب السلطة سلمياً وثقافة تبادل ومناقلة مواقع المسؤولية بين قطبي البرلمان في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وثقافة التخلي عن التصور بامتلاك الحقيقة المطلقة من قبل طرف والطرف الآخر عدواً، تعتبر حجر الزاوية في بناء وترسيخ أسس الدولة الديمقراطية الحديثة بمؤسسات صحية سليمة قادرة على الصمود بوجه التحديات المستجدة في الحياة والاستمرار بالسير إلى الأمام للتقرب من الكمال المفروض.. هكذا يجب أن تكون الحياة البرلمانية الديمقراطية الحقيقية، لأن الديمقراطية السياسية التعددية بأبسط أشكالها تعني حكم الأكثرية التي تفرزها وتشكلها صناديق الاقتراع من خلال انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة وشفافة من جهة، وحماية حق الأقلية في المعارضة الإيجابية لمراقبة ومتابعة ونقد وتقويم أداء الأكثرية الحاكمة من جهة أخرى.. أما ما أصبح يعرف اليوم في العراق المحاصص بالديمقراطية التوافقية فهي ديمقراطية مشوهة عرجاء لا تقدم إلاّ أنصاف الحلول، أو الحلول المبتورة ذات النهايات المفتوحة إلى كل الاجتهادات والتفسيرات والتأويلات المتباينة والمتناقضة أحياناً والفارغة من أي محتوى موضوعي لبناء دولة ديمقراطية عصرية، أي حلول مشوهة التي تهدئ الحالة ولا تعالجها ولا تأتي بالحلول الجذرية الكاملة والحاسمة، وإن الاصرار بالسير على نهج ومبادئ الديمقراطية التوافقية للتصدي للتحديات التي تواجه شعبنا ووطننا هو خيار ينطوي على قدر كبير من الحماقة والغباء السياسي، وهو بالنتيجة لا يؤدي إلا إلى تكريس واقع المحاصصة بكل أشكالها والوانها القائم حالياً في العراق، كما يؤدي إلى كبت المشاكل المختلفة التي يعاني منها الواقع العراقي بمرارة إلى حين وليس إلى حلها وحسمها واجتثاثها بشكل جذري ونهائي وبتر جذورها من دون أن تكون لها عودة مرة أخرى...
وهذا لا يعني أن الديمقراطية التوافقية حالة أو ظاهرة مرفوضة بشكل مطلق كما قد يتصور أو يستنتج البعض على طول الخط، بل قد تكون صالحة ومفيدة في ظل ظروف تاريخية معينة ولأمد محدود، وفي عراقنا الحالي من وجهة نظرنا قد تخطينا وتجاوزنا هذا المدى وأصبحت المرحلة الان تتطلب منا التخلي الكامل عن اسلوب ونهج الديمقراطية التوافقية والتحول إلى اسلوب ونهج الديمقراطية الليبرالية لكي لا تتحول بالتالي إلى غطاء شرعي وقانوني لأستمرار حالة المحاصصة المقيتة التي تضر ضرراً بالغاً بمصالح البلاد... لذلك بوسعنا القول لقد آن الأوان لأن نقفز على هذا الشكل من الديمقراطية ونتجاوزه إلى ما هو أرقى وأسمى ألا وهو الديمقراطية الليبرالية الحقيقية التي تؤمن بشرعية وقانونية وضرورة وإيجابية وجود معارضة أقلية برلمانية تتعايش سلمياً وتعمل جنباً إلى جنب مع الأكثرية البرلمانية الحاكمة، لكي تكتمل دورة الحياة البرلمانية و نتمكن من خلالها المحافظة على الوحدة الوطنية الراسخة والفعالة، وحدة المصير المشترك لمكونات الشعب بكل إنتماءاتها، وحدة القرار الوطني، عندها فقط نتمكن من بلورة و إنضاج الآراء والأفكار والمقترحات المفيدة والناجعة حول أية قضية وطنية ومن ثم إيجاد الحلول الجذرية والكاملة غير المبتورة لحلها ومعالجتها والتصدي لمشاكلنا المستجدة والتي تتجدد مع تجدد متطلبات الحياة الاجتماعية في العراق، وأن نتقبل وجود معارضة الاقلية إلى جانب الأكثرية الحاكمة وكونها ظاهرة صحية وضرورية ولا بد من وجودها في الحياة البرلمانية وأن ننظر إليها نظرة إيجابية وموضوعية على أساس أن وجود أقلية معارضة لها نفس القدر من الأهمية كوجود الأكثرية الحاكمة في الحياة البرلمانية، أي بمعنى آخر أن وجود الاثنين معاً يمثلان وجهان لعملية واحدة لا يمكن لأحداهما أن يكون من دون وجود الأخر، وأن نعمل بجدية وصدق وأمانة وشفافية لتطوير آليات عمل المعارضة الإيجابية والارتقاء بها ودفعها إلى الأمام إلى أقصى مدى لكي تصبح الظهير القوي والحارس الأمين لتقويم وحماية الأكثرية الحاكمة من الخلل والزلل والانحراف وفساد السلطة والخروج عن المسار الصحيح الذي يرسمه الدستور لادارة شؤون البلاد بطريقة عقلانية رشيدة، هكذا يجب أن تكون العلاقة بين الأقلية المعارضة والأكثرية الحاكمة في الحياة البرلمانية في مجلس النواب العراقي الموقر وليس على النقيض منه كما هو عليه الحال في الوقت الحاضر. ولكن على كل حال يمكن أن نؤمل أنفسنا أن يكون ما يجري من حراك سياسي برلماني الآن وحتى في المستقبل القريب مرحلة من مراحل تطور الحياة البرلمانية الديمقراطية السائرة على مسار من الحسن إلى الأحسن وليس من السيء إلى الأسوأ. وعلى النخب السياسية العراقية كافة المشاركة في العملية السياسية الجارية لبناء عراق جديد، عراق ديمقراطي إتحادي تعددي حر بشكل عام، والنخب السياسية المتحكمة بالقرار السياسي الوطني حالياً بشكل خاص أن تدرك دورها التاريخي ومهمتها التاريخية في وضع الأسس الرصينة والمتينة لبناء وتشييد هكذا دولة، دولة القانون والمؤسسات الدستورية وذلك لكي تتمكن من حماية نفسها من لعنة وحكم الأجيال القادمة من جهة ومن لعنة وحكم التاريخ من جهة ثانية.. عليه يتطلب الأمر من هذه النخب جميعاً أن يكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية وأن يحتكموا في سلوكهم وعملهم إلى منطق العقل والرشد السياسي ونضوج الفكر ووضوح الرؤى والابتعاد عن تأثير تغليب وتقديم الخصوصيات مهما كانت طبيعتها والاندماج والانصهار في بوتقه العمومية الوطنية التي من المفروض بل من الواجب أن نضع الوطن والاعتبارات الوطنية فوق كل الاعتبارات الخصوصية، وأن تكون المصالح الوطنية لعموم الشعب العراقي في صدارة أولوياتنا، عندها فقط سنجد أن كل أشكالاتنا قد حلت وكل خلافاتنا وإختلافاتنا قد إنتهت وكل صراعاتنا ونزاعاتنا مهما كانت طبيعتها وأسبابها ودوافعها قد سويت إلى الأبد... الوطن والوطنية والانسانية يجب ان يكون المحور المركزي الذي نتمحور حوله والوطن، هو الخيمة التي تجمعنا وتوحدنا وتحمينا من شر الاعداء والاقدار وكل شيء سواه هو مجرد هراء في هراء.. عسى أن نصل أو يصل بنا قادتنا السياسيون إلى هذه المرحلة المشرقة وتفتح لنا آفاق المستقبل المشرق الزاهر بعد كل هذه التضحيات الكبيرة التي قدمها شعبنا العراقي على مذبح الحرية طيلة تاريخه الحديث.. كفتنا المآسي والعذابات كفانا القتل ولنوقف أنهار الدم العراقي من الجريان يا قادة نخبنا السياسية المحترمون، قولوا ما قاله الزعيم الشهيد إبن العراق البار عبد الكريم قاسم أبو فقراء العراق (عفا الله عما سلف) وإن ما فات قد مات وعلينا بالجديد الواعد لكي لا يكون جديدنا تكرارا مملا للماضي القاتم الأليم ولكي نتفادى لعنة الأجيال القادمة ولعنة التاريخ التي لا ترحم أحداً.

297
المصالحة الوطنية.. بين الشعار الاعلامي والواقع
بقلم: خوشابا سولاقا
منذ ان اعلن مشروع المصالحة الوطنية والمشاركة في العميلة السياسية من اجل بناء عراق ديمقراطي اتحادي حر تعددي، تساءل الكثير من ابناء الشعب ومن كل مكوناته القومية والطائفية والسياسية هذا السؤال الكبير المشترك الذي يتضمن جوهر موضوع المصالحة الوطنية بكل ابعادها..
المصالحة مع من..؟ ومنذ تاريخ اعلان هذا المشروع بقى من حيث الواقع العملي وفي انطباعات ابناء الشعب مجرد حبر على الورق دون ان يمتلك الاليات المناسبة والواقعية التي تحوله من مجرد شعار اعلامي للفصائل السياسية التي اعلنته الى واقع ملموس على الارض وبقى مجرد شعار اعلامي يروج هنا وهناك بمناسبة وبدون مناسبة من قبل هذا الفصيل السياسي او ذاك لآغراض دعائية ليس اكثر. ولو ارادت الاطراف التي اعلنته ان تجعل منه شيئاً مفيداً لخدمة القضية العراقية لكانت قد انجزت الكثير على مسار استتباب الامن والاستقرار في البلد الا انها لم تفعل بسبب هيمنه ثقافة الثأر والانتقام على تفكيرها وسلوكها واصبح قرارها أسير تلك الثقافة وجعلها تراوح في مكانها دون ان تحرك ساكناً في هذا الاتجاه.
يطلق مفهوم المصالحة بشكل عام على الحالات التي يكون فيها طرفان متعاديان ومتخاصمان ومتحاربان وليس مجرد مختلفين في الرأي والرؤي الايديولوجيه وغيرها من الطروحات الفكرية حول قضية ما من القضايا، ففي حالات الاختلاف في الرأي يحصل بين الاطراف المختلفة تفاهم أو توافق على اساس ما موجود من المشتركات في الآراء والرؤى المختلفة من اجل الخروج بصيغة ثالثة جامعة للعمل المشترك وهذا ممكن ان يطلق عليه صفة اتفاق او تحالف ايضاً، وقد حصل الكثير من مثل هذه التحالفات في العمل السياسي والدبلوماسي والعسكري على مستوى الحركات والأحزاب السياسية داخل الدولة الواحدة أو على مستوى الدول مثل التحالفات الدولية أثناء الحروب أو أثناء السلم كما حصل في الحربين العالميتين الاولى والثانية على سبيل المثال لا الحصر وغيرهما الكثير، وكذلك حصلت تحالفات اقليمية وقارية وعالمية بين الدول لأغراض وأسباب كثيرة إقتصادية وعلمية وتجارية ودفاعية وأمنية وغيرها  من الأغراض ومثل هذه التحالفات يعج بها عالمنا الحالي.. ولكن ما نراه المشترك في كل ذلك لتحقيق وإنجاز مثل هذه التحالفات هو وجود مصالح مشتركة والتي يتطلب تحقيقها من أي طرف من الأطراف أن يقدم بعض التنازلات في بعض الجوانب من أجل الحصول على بعض المكاسب في جوانب أخرى، عملاً بقاعدة أن الحياة هي أخذ وعطاء بقدر ما تريد أن تأخذ عليك أن تعطي بنفس المقدار، أي بعبارة أخرى بلغة السياسة الحياة قائمة على توازنات في المصالح، حيث لا يمكن أن تتحقق مثل هذه التحالفات من دون أن تكون هناك قناعات مشتركة وراسخة للأطراف المتحاورة بضرورة تقديم تنازلات من أجل تحقيق الاتفاق حول قضية ما وعلى أساس الموجود من المشتركات التي تخدم المصلحة الوطنية. هذا في حالات الاختلافات في الرأي والرؤى والطروحات الفكرية تجاه قضايا وطنية مشتركة في مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد والتجارة وغيرها من الأمور الدولية التي تشترك فيها المصالح الدولية الاستراتيجية.
أما المصالحة ومفهوم المصالحة الوطنية فهو شيء آخر فكرياً وعملياً فانه شكل من أشكال الاتفاق الذي يحصل بين طرفين أو أكثر متحاربين أو متنازعين أو متعاديين لأسباب كثيرة وليس بين أطراف مختلفة في الرأي والرؤى كما اسلفنا. فقد تكون المصالحة بين طرفين فيهما طرف منتصر وآخر مهزوم في مثل هذه المصالحة جرت العادة أن يفرض المنتصر شروطه ويمليها على الطرف المهزوم بالقوة والقسر، ولكن مثل هذه المصالحة لا تكون حلاً جذرياً ودائمياً ونهائياً للأزمات، بل يبقى الطرف المهزوم بسبب جرح كرامته وإهانة كبريائه جراء هذا الشكل من المصالحة يتحين الفرص ويتربص للانقضاض على هذا الصلح أو المصالحة، وخير مثال على ذلك الصلح الذي فرض على ألمانيا وحلفائها أثر هزيمتها في الحرب العالمية الاولى من قبل بريطانيا وفرنسا وحلفائهما. حيث بقيت ألمانيا المهزومة والمجروحة الكرامة والمهانة في كبريائها تغلي بالثأر والانتقام من الأعداء وتنتظر الفرصة المناسبة إلى أن تحقق لها ذلك في عهد النازية، وكانت النتيجة مرعبة ومدمرة وكارثية على البشرية والعالم كله بنتائجها، تلك كانت الحرب العالمية الثانية التي دفعت البشرية ثمناً غالياً لها حيث قدمت أكثر من خمسين مليون ضحية ومئات المليارات من الدولارات ومئات الملايين من اليتامى والثكالى والأرامل وغيرها من الأمور والجرائم التي حصلت والتي يندى لها جبين البشرية ويقف التاريخ الانساني مطأطأ الرأس خجلاً أمام ما حصل من البشاعة وما تلاها في الحرب الأمريكية اليابانية التي إنتهت باستخدام أبشع أنواع الأسلحة وأكثرها دماراً وفتكاً وهو السلاح الذري. والذي كان بحق على الأقل من وجهة نظرنا الشخصية سلاح السلام الذي أجبر قادة العالم العقلاء والطغاة من محبي الحروب أن يعيدوا النظر في طريقة تعاملهم مع الحياة الانسانية لايجاد صيغ سلمية بديلة للتعايش السلمي معاً بين أعداء الأمس في عالم جديد تسوده المحبة والأخوة الانسانية والمصالح المشتركة المتبادلة على قدر من العدل والمساواة بين الشعوب.
وهناك الكثير من مثل هذه المصالحات عبر التاريخ الانساني ومثل هذا الشكل من المصالحات تؤدي إلى إيقاف المشكلة بصورة مؤقتة وتأجيلها إلى حين ولكنها لا تحلها وتستأصل جذورها بشكل نهائي لكي لا تعاود الظهور من جديد مرة أخرى بشكل آخر أكثر أذى للمعنيين بها كما ذكرنا في مثالنا السابق أي كما يقول المثل "الذي ما رضى بالجزة رضى بالجزة والخروف".
وهناك شكل آخر من المصالحة تحصل بين طرفين طرف منتصر وآخر مهزوم ولكن هذه المصالحة لا تكون قائمة بصيغة فرض شروط الطرف المنتصر على الطرف المهزوم بالقوة والقسر أو إملاء شروط الطرف القوي على الطرف الضعيف بل تكون على أساس تقديم التنازلات المتبادلة بين الطرفين بالشكل الذي يضمن ويحمي حقوق المنتصر القوي وفي ذات الوقت يحمي حقوق ويصون كرامة وكبرياء المهزوم الضعيف وتحافظ له على ماء الوجه كما يقال وذلك إنطلاقاً من رؤية بعيدة النظر بأنه ليس هناك منتصر وقوي دائماً وليس هناك مهزوم ضعيف دائماً لتبقى هذه المعادلة دائمة الثبات، بل إن الحياة تسير إلى الأمام على مسار حلزوني بشكل تتناوب فيه الأدوار والمواقع للقوى الفاعلة والمؤثرة فيها، إن إدراك هذه الحقيقة ضروري جداً للعاملين في حقل السياسية لأن الأحداث التاريخية تؤكد هذه الحقيقة بوضوح مطلق لمن له بعد نظر. فالمصالحة الحقيقية تتطلبها مصالحة النوايا الصادقة والشفافية التامة للأطراف التي تعمل على تحقيقها لحل المشكلة من جذورها التاريخية ومن دون هذه الشروط لا يمكن للمصالحة الوطنية أن تأتي إلى الوجود بالصورة والهيئة المطلوبة. وهذا الشكل من المصالحة تسمى "مصالحة الشجعان"، لأن التنازلات فيها تكون من أجل المصلحة الوطنية العليا التي تعطي للمنتصر قوة وحضوراً إضافياً على الساحة السياسية من جهة ورصيداً إضافياً على المستوى الشعبي من جهة أخرى، هذا من طرف ومن طرف آخر تشعر المهزوم الضعيف بصدق النوايا وشفافيتها وجدية الطرف الآخر في بناء المصالحة الوطنية الحقيقية التي تضمن وتضم في إطارها العملي حقوق الجميع للعيش تحت سقف الوطن الواحد متساوين في الحقوق والواجبات في ظل الأمن والأمان، عندئذ تعزز ثقته بعملية المصالحة وتزيده قناعة وإيماناً بجدواها وبضرورة وإيجابية السير بعملية المصالحة إلى الأمام حتى النهاية. حيث سيجد في مثل هذه المصالحة حماية للكرامة والكبرياء وحفاظاً لماء الوجه عندها سيكون الجو ملائماً والأرض خصبة ومناسبة لتحقيق "مصالحة الشجعان" المصالحة التي لا يكون فيها غالب ولا مغلوب ويكون الغالب الأوحد فيها هو الشعب والوطن في حالة تحقيقها والمغلوب الوحيد عند عدم تحقيقها هو كذلك الشعب والوطن.. لأنه هكذا تقتضي المصلحة الوطنية إذا كانت الأطراف السياسية التي تسعى إلى بناء المصالحة الوطنية الحقيقية صادقين في نواياهم وأقوالهم وأفعالهم، إما إذا كانوا على العكس من ذلك فان المصالحة لا تحصل أبداً ولا يجني منها الوطن والشعب غير الكلام الاعلامي الفارغ الذي لا يغني ولا يسمن.
في مثل هكذا مصالحة يجب أن يحصل غض النظر عن بعض الجوانب لهذا الطرف أو ذاك بصورة متبادلة والابتعاد عن الانتقائية في التعامل كما حصل ويحصل في هيئة إجتثاث البعث سابقاً وهيئة المساءلة والعدالة حالياً، وإعتماد معايير وطنية شفافة للتعامل مع هذا الموضوع الحساس والمهم الذي عليه يتوقف مصير مستقبل البلد، والتركيز على الجوانب الأساسية الايجابية التي تخدم مصلحة الوطن والشعب من وراء إنجاز المصالحة الوطنية، كما يتطلب الأمر الابتعاد عن عملية نبش مزابل التاريخ التي تنبعث منها الروائح الكريهة التي تعيق عملية المصالحة الوطنية والعمل على دفن وطمر هذه المزابل لمنع روائحها العفنة من الانبعاث من جديد لكي لا تفسد النفوس وتسمم الأجواء المفتوحة للمصالحة الوطنية لأن في عملية فتح ونبش هذه المزابل سوف لا يسلم منها أي طرف من الأطراف ولو بشكل نسبي عليه من مصلحة الجميع دفن وطمر هذه المزابل وإلى الأبد.. وكذلك تتطلب المصالحة الوطنية إجراء عملية الفصل بين الجوانب السياسية والجوانب الجنائية المتعلقة بالجرائم المرتكبة من قبل جميع الأطراف المعنية بالمصالحة الوطنية وترك الأمور للمختصين المعنيين بها لتتولى معالجتها، حيث يتولى السياسيون إيجاد الحلول السياسية المناسبة لمعالجة الجوانب السياسية من عملية المصالحة الوطنية بما يخدم مصلحة الوطن وفق مبدأ "مصالحة الشجعان"، ويتولى القضاء المستقل النزيه والشفاف الجوانب الجنائية وفقاً للقانون والدستور.
وخير مثال لهذا الشكل من المصالحة في العصر الحديث هو قيام دولة الاتحاد الاوربي التي تعتبر النتيجة النهائية للجهود المبذولة من قبل الأمم والشعوب الاوربية بعد قرون من الحروب الدموية التي راح ضحيتها عشرات الملايين من أبنائها وكانت آخر تلك الحروب الحربين العالميتين الاولى والثانية، وبعد إدراكها لضرورة وضع حد لتلك الحروب وبناء اوربا جديدة خالية من الحروب وسفك الدماء ومسالمة مع نفسها والتعايش السلمي بين شعوبها وتقسيم العمل بين دولها حسب ظروفها الجغرافية ومقدراتها العلمية والتكنولوجية وضمان مصالح الجميع كاملة غير منقوصة، كانت النتيجة لهذا الادراك العميق تغيير إتجاه مسار تقدم وتطور أوربا بقيام دولة الاتحاد الاوربي الحالية بجانبها المدني، وقيام منظمة حلف شمال الأطلسي "NATO" بالتحالف مع الولايات المتحدة بجانبها العسكري لتأمين الحماية على مصالح الجميع من أي عدوان خارجي محتمل وتشارك في هذه المؤسسات وفي صنع قراراتها قيادات الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية بفعالية كبيرة، وقد حصلت القناعة الكافية لدى الأطراف المنتصرة والمهزومة في الحرب بضرورة العيش مع بعضها في عالم واحد بأمن وأمان وسلام، أفضل من أن تكون في حالة الحروب كما كانت وتحكمهم شريعة الغابة في ظلها الذي يفترس فيه القويُّ الضعيف.
كل ذلك حصل بسبب صدق النوايا وصفائها في بناء المصالحة وفي إحترام حرية الارادة والقرار لجميع الأطراف ولولاها لما حصل ما حصل.. وحتى منظمة الأمم المتحدة الحالية بكل مؤسساتها هي شكل من أشكال المصالحة الأممية العالمية القائمة على أساس مبادئ العدل والمساواة والمصالح المشتركة وخير مثال نقيض لذلك نجده في قيام دولة الاتحاد السوفييتي وكتلة العالم الاشتراكي وحلف وارسو العسكري، حيث كانت صدق النوايا وصفائها وإحترام حرية الارادة والقرار غائبة ومفقودة بين الأطراف المكونة لهذه المؤسسات، بل كانت هناك إرادة وقرار مفروض من طرف قوي على الأطراف الأخرى بالقوة والقسر، لذلك كان إنهيار هذه المؤسسات السياسية والعسكرية كبيراً وسريعاً ومدوياً بحيث لم يقم أحدٌ حتى المؤسسين لها من الدفاع عن بقائها واستمرارها ساعة سقوطها وإنهيارها.. نلاحظ كم هو الفرق شاسع وكبير بين الحالتين، حالة العالم الغربي الرأسمالي وحالة العالم الاشتراكي في اوربا الشرقية..
لذلك علينا نحن العراقيين أن ندرس التاريخ بدقة ونستفيد من تجارب الآخرين لنختار ما يفيدنا منه في بناء تجربتنا التاريخية في تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية من حيث إختيار الأسس التي نعتمدها لنتمكن من إيقاف النزيف الدموي الذي يتدفق الآن بقوة في كل زاوية من زوايا الوطن، والحريق يجتاح البلاد من أقصاه إلى أقصاه والقيادات التاريخية للنخب السياسية ملتهية ومشغولة بالمهاترات ونبش مزابل التاريخ لبعضها البعض بغرض العثور على ما يمكن الاستناد عليه للنيل من الآخر بهدف الاساءة على سمعته وبالتالي إسقاطه سياسياً باسم الوطن والوطنية، ولكن الحقيقة على ارض الواقع هي على العكس من ذلك تماماً. وبذلك ينطبق على هؤلاء المثل القائل "إنهم لا يبكون على الحسين بل على الهريسة" وهذه حقيقة أصبحت معروفة لدي كل العراقيين ولا تنطلي على أحد لأنه لا يمكن حجب نور الشمس بالغربال.
بمثل هذه الطريقة وبهذا الاسلوب وحده يمكن إنجاز وتحقيق مشروع المصالحة الوطنية الحقيقية في عراقنا الدامي المتحارب مع نفسه وقدم ويقدم الان مئات الآلاف من الشهداء والضحايا البشرية خلال ما يقارب الستة عقود منذ ثورة 14 تموز 1958 إلى يومنا هذا وما زال النزيف مستمراً دماً وأموالاً ووقتاً وتخلفاً في كل مجالات الحياة بكل تفاصيلها، وبهذه الطريقة طريقة "مصالحة الشجعان" وحدها تتحول المصالحة الوطنية من حالة الشعار الاعلامي في سوق التنابزات والمهاترات والمزايدات السياسية لأغراض ذاتية إلى واقع ملموس على الأرض العراقية لأغراض وطنية صرفة.

298
قراءة موضوعية للخارطة السياسية العراقية في ضوء التحضيرات الانتخابية


خوشابا سولاقا

من الضروري جدا وفي مثل هذه الاجواء الانتخابية المحتدمة ان نعيد قراءة الخارطة السياسية لتوزيع القوى السياسية العراقية على ارض الواقع العراقي وما حصل من تغييرات جوهرية على بنية هذه الخارطة منذ الانتخابات السابقة من حيث اصطفاف القوى السياسية الفاعلة في العملية السياسية الجارية والتحول النوعي الكبير الذي حصل في طبيعة وجوهر خطابها المعلن وخطابها السياسي عشية انتخابات مجلس النواب المقبلة وما ظهر من قوى سياسية وتكتلات انتخابية جديدة ذات توجهات وطنية مختلفة تختلف كليا عن توجهات ومنطلقات الخطاب السياسي للكتل التي تنافست في الانتخابات النيابية السابقة في عام 2005.
ان اجراء دراسة مقارنة ومقاربة بين ما هو معلن اليوم من قبل التكتلات الانتخابية المتنافسة في خطابها السياسي وبين ما كان معلن في انتخابات عام 2005 لنفس الكتل ولو تغيرت اسماؤها اليوم ستكون هذه الدراسة مؤشرا للاستدلال على مسار توجه تطور السياسة العراقية على كافة المستويات في المستقبل القريب اي مستقبل ما بعد الانتخابات، ومن ثم وضع مؤشرات الاستدلال لرسم خارطة الطريق الجديد لمسار العملية السياسية العراقية المتعثرة من اجل الدفع بها الى الامام بقوة لبناء عراق جديد، عراق ديمراطي اتحادي تعددي لامكان فيه للاستئثار بالسلطة من قبل طرف دون مشاركة الاطراف الاخرى، ولا فيه ايضا إقصاء او تهميش او إلغاء لأي مكون من مكونات الشعب العراقي القومية والاجتماعية والسياسية، عراق حر يكون وطن لجميع العراقيين بكل مكوناتهم دون استثناء او تمييز.
كانت الكتل السياسية المتنافسة في انتخابات عام 2005 كتل واضحة المعالم والتوجهات السياسية بملامحها القومية والطائفية المذهبية وذات طابع فيه درجة عالية من التشدد تجاه قبول الاخر كشريك في الوطن وكانت تكتلات ذات خطاب سياسي يحمل الكثير من ملامح وسمات الخصوصية القومية والطائفية المذهبية مع غياب التوجه الوطني الديمقراطي فيه، الا ما ندر لبعض الكتل السياسية الصغيرة نسبياً والتي همشت في العملية السياسية. وعليه جاءت تركيبة مجلس النواب مجسدة لمحتوى هذا الخطاب السياسي ومكرسة لسياسة المحاصصة القومية والطائفية المذهبية على حساب تغييب السياسة الوطنية الشاملة والمشاركة الوطنية في صنع القرارالوطني. وفقا لهذا الواقع المحاصصي والتوافقي المشوه تم إقصاء وتهميش بل إلغاء دور الكثير من القوى الوطنية والديمقراطية المخلصة التي افرزتها الانتخابات من المشاركة برسم سياسة البلاد وبذلك تحولت قاعة اجتماعات مجلس النواب خلال دورته الحالية طيلة اربع سنوات الى مجرد ساحة مباريات المصالح الطائفية والاثنية والفئوية وحتى الشخصية ومنتدى للحوارات والنقاشات البيزنطية العقيمة والمشاكسات والتجاذبات والمهاترات السياسية بين القوى السياسية المتصارعة القومية والطائفية المذهبية المسيطرة على قرار مجلس النواب لتمرير سياسة الصفقات التي تخدم خصوصيات المحاصصة والمعادية لمصالح الوطن في جوهرها على حساب تأخير تشريع القوانين التي تخدم مصالح الطبقات الفقيرة والكادحة من الشعب وتقدم وتطور البلاد، كما ان هذه التركيبة بهذا الشكل قد اضعفت دور المجلس الرقابي في متابعة ومراقبة اداء السلطة التنفيذية لمهامها ومحاربة الفساد المالي والاداري المستشري في اجهزة الدولة من اعلى مستوياتها الى ادناها، حيث كان المجلس طيلة دورته التي اوشكت على نهايتها عاجزا عن محاسبة احدا من مسؤولي الدولة بسبب الفساد والتجاوزات على المال العام وذلك لوجود حماية من داخل المجلس نفسه على هؤلاء الفاسدين والمتجاوزين على حقوق الوطن والشعب بسبب ما تمليه على المجلس سياسة المحاصصة والديمقراطية التوافقية، وهكذا يتم غض النظر من قبل المجلس عن الكثير من الممارسات السلبية غير المشروعة التي يمارسها هذا المسؤول او ذاك من هذا الطرف او ذاك هنا وهناك في اجهزة الدولة المختلفة على حساب مصالح الشعب مراعة لمبدأ الديمقراطية التوافقية والمحاصصة التي ابتلي بها العراق.
اي ان كل طرف يرعي مصالحه ويحمي ممثليه في أجهزة الدولة من المساءلة القانونية والمحاسبة من خلال غضه النظر عن تجاوزات وسلبيات الطرف الاخر عملاً بقاعدة (احميني احميك ولتذهب المصلحة العامة الى الجحيم...!!!) هذا هو واقع الحال في مجلس النواب العراقي الحالي الذي ولد من رحم المحاصصة وترعرع في ظل رعاية وحماية الديمقراطية التوافقية العرجاء والمنافية للديمقراطية الحقيقية النابعة من ارادة الشعب. اما عند النظر الى واقع الخارطة السياسية للكتل السياسية الانتخابية التي اعلنت عن نفسها لحد الان والتي ستخوض الانتخابات المقبلة لمجلس النواب سنجد على الاقل ظاهريا ان تلك الكتل التي كانت سابقا قد تشكلت على اساس الولاء القومي او الطائفي المذهبي قد بدأت عليها مؤشرات التفكك والتشرذم والتحول الى كتل متعددة ومتناقضة وذات رؤى وتوجهات سياسية مختلفة وقد تحول خطابها السياسي على الاقل على المستوى الاعلامي الى خطاب وطني وديمقراطي في بعض الجوانب نوعا ما، وهذا ما هو ظاهر للعيان حتى في تسميات تلك الكتل وشعاراتها الانتخابية، وحتى بعضا منها قد ذهبت في خطابها السياسي المعلن وبرامجها السياسية الى رفع شعارات معادية للطائفية السياسية وسياسة المحاصصة والديمقراطية التوافقة، وكما يلاحظ ايضا على هذه التكتلات تنوع التمثيل في تركيبتها البنيوية بحيث يتضمن تكوينها مختلف مكونات الشعب العراقي، القومية،الدينية، الطائفية والسياسية حتى وان كان ذلك دون مستوى الطموح ولاغراض انتخابية، الا انه يشكل بحد ذاته مؤشرا ايجابيا وخطوة تقدمية نحو الامام على المسار الوطني الصحيح عند المقارنة والمقاربة بما كان عليه الوضع السياسي عشية انتخابات عام 2005.
ان اختفاء الشعارات التي تدعو للمحاصصة والتوافقية والطائفية المذهبية المسيسة والقومية الشوفينية ورفض الاخر من الخطاب السياسي للكتل الانتخابية المتنافسة وحل محله الخطاب الوطني العراقي والدعوة الى اقامة نظام ديمقراطي تعددي اتحادي ونشر ثقافة التعايش السلمي والتآخي القومي والديني والمذهبي والولاء الوطني وبناء السلم الاهلي والمشاركة الوطنية، يعتبر بحد ذاته تحولاً وتطوراً نوعياً في مسيرة العملية السياسية من اجل بناء عراق ديمقراطي حر. ولكن ما يؤسف له في ذات الوقت في الخارطة السياسية العراقية هو ضعف وتفكك وتشرذم قوي التيار الوطني الديمقراطي بكل فصائله المختلفة الوطنية والديمقراطية والليبراليه واليساريه، والذي كان من المفروض به ان يحشد قواه ويخرج الى الساحة السياسية قوياً موحداً وهذا مطلب العراق وكل العراقيين وبكتلة انتخابية ذات خطاب وبرنامج سياسي وطني ديمقراطي شامل واضح النهج والاسلوب واليات العمل وعلى اساس الاتفاق على الحد الادني من المشتركات الوطنية على أقل تقدير لمواجهة التحدي الذي تشكله التكتلات الآخرى التي غيرت لباسها الديني المذهبي والقومي بلباس أخر ذي لون وطني مطلي بالديمقراطية التوافقية، بعد ان اخفقت في الايفاء بوعودها التي قطعتها لناخبيها وفشلت في ادارة شؤون البلاد فشلا ذريعا في كل المجالات خلال السنوات الست الماضية وزرعت بسبب سياساتها غير الوطنية على ارض الوطن الخراب والدمار بكل اشكالها والوانها، واشاعت بين صفوف جماهير الشعب الضغائن والاحقاد الطائفية والقومية والفقر والعوز والجوع والمرض والبطالة وسوء الخدمات المختلفة والرعاية الاجتماعية وغياب الامن والامان، ولكن يظهر ان الامراض التي تعاني منها الاحزاب الاخرى التي فشلت في ادارة الدولة يعاني منها احزاب التيار الوطني الديمقراطي بكل فصائله "الوطني، الديمقراطي، الليبرالي، اليساري" بسبب شهوة السلطة واغراءاتها التي يسيل لها اللعاب، وتفضيل وتقديم المصالح الحزبية والشخصية على المصالح الشعبية والوطنية لبعض قيادات هذا التيار، لذلك نقول لهؤلاء البعض من القيادات التاريخية لاحزاب وقوى هذا التيار بصراحة مطلقة انها سوف تتحمل كامل المسؤولية التاريخية عن ما حصل ويحصل الان وفي المستقبل من الاخفاقات والتداعيات في خراب ودمار البلاد وهدر امواله وفي كل ما يحصل في اي شأن من شؤون البلاد، وذلك لعدم تمكنها من الوصول الى سدة حكم البلاد من خلال الانتحابات وتشكيل الاكثرية النيابية في مجلس النواب بسبب انانييتها الفردية  التي جعلت هذا التيار مفككا ومنقسما على نفسه لايجمعه جامع. عسى ان تصحو قيادات هذا التيار من سباتها وتتجاوز انانيتها ومصالحها الشخصية يوما قبل فوات الاوان لكي لايصبح مثلهم مثل اهل الكهف ولكي لايفوتهم قطار التاريخ ويؤخرهم  اللحاق بمسيرة العراق ويصبح ذكرهم في التاريخ في خبر كان.

299
ملاحظات تقييمية على قانون الانتخابات الجديد

بقلم خوشابا سولاقا
مما لا شك فيه أن صدور قانون الانتخابات الجديد بحد ذاته يعد تطوراً وتقدماً وخطوة كبيرة إلى الأمام على مسار العملية الديمقراطية وتعزيزها في العراق عند مقارنته بالقانون السابق ولكنه يبقى دون مستوى الطموح لما فيه من نواقص كبيرة وخطيرة، وبذلك يكون قد فتح آفاقاً رحبة لتطور العملية الديمقراطية نحو الأفضل في المستقبل وعليه يستحق التقييم والثناء بما فيه من جوانب ايجابية ونقد الجوانب السلبية بغية الوصول به الى مستوى الطموح المطلوب، حيث كان بموجب قانون الانتخابات السابق صوت الناخب ودوره مغيبين في إختيار من يشاء لتمثيله في مجلس النواب، ولم يكن دوره أكثر من مجرد رقم في الحسابات النهائية لشغل مقاعد مجلس النواب بمن يختارهم رئيس الكتلة الانتخابية الى حد ما من المرشحين المقربين له والمحسوبين عليه والمنفذين لارادته ورغباته من وراء الوصول إلى المجلس وبالتالي إلى سدة حكم البلاد وتم ذلك باعتماد القائمة المغلقة أو كما إتفق الشارع العراقي على تسميتها بالقائمة "الملثمة" أو القائمة العمياء وغيرها من المسميات المستهجنة إن صح التعبير والتي فعلاً تعبر بحق وصدق عن واقع القائمة المغلقة عمليا. اما القانون الجديد عندما أقر إعتماد أسلوب القائمة المفتوحة يكون قد رفع اللثام عن عيون ووجوه المرشحين وأصبحت وجوههم مكشوفة للقاصي والداني من الناخبين بكل ما فيها من محاسن الجمال وعيوب القبح أمام عيون الناخب وجعل كل شيء مكشوفا و معروفا لكي يتمكن من التمييز بوضوح بين زيد وعمرو من الناس ليعطي صوته إلى من يراه أنسب وأكثر كمالاً بالمواصفات المطلوبة لتمثيله في مجلس النواب القادم، وهذه إيجابية لصالح القانون الجديد...
كذلك تعد خطوة تخصيص مقاعد "الكوتة" للأقليات القومية والدينية بالرغم من كون هذا العدد من المقاعد لا يلبي الاستحقاق الحقيقي لهذه الأقليات نسبة إلى عدد نفوسها من سكان العراق، إلاّ أن هذه الكوتة في القانون الجديد تعتبر بحد ذاتها إنجاز كبير نسبياً لهذه الأقليات وجانب ايجابي للقانون الجديد عند المقارنة بما كان في القانون السابق الذي أهمل أصلاً وجود الكيان القومي والديني لها، وكان قد همشها وأقصاها من الخارطة السياسية لمكونات الشعب العراقي. وما هو عليه مؤشر سلبي في هذا الجانب من القانون الجديد ليس فقط نسبة التمثيل المتدنية للمقاعد المخصصة للاقليات، بل هو أيضاً في إعتبار العراق دوائر إنتخابية متعددة لها، وبالذات لأبناء شعبنا "الكلداني السرياني الآشوري" لكونهم قد خصص لهم أكثر من مقعد في مجلس النواب وتم تخصيصها على أساس لكل محافظة يتواجدون فيها مقعد نيابي واحد، وليس على أساس عدد النفوس في المحافظة. فمثلاً محافظة كركوك التي لا يتجاوز عدد نفوس أبناء شعبنا العشرة آلاف شخص خصص لها مقعد ومحافظة بغداد التي يتجاوز فيها عدد أيناء شعبنا الربع مليون نسمة خصص أيضاً مقعد واحد، أنا أرى في هذا الأمر مفارقة غريبة ليست في صالح أبناء شعبنا هذا اضافة الى وجود انتشار لابناء شعبنا في بعض المحافظات الوسطى والجنوبية كالانبار والبصرة والتي لم يخصص لها مقعد كيف يتم التعامل معهم حيث قدموا اعتراضا الى الجهات المعنية بهذا الخصوص..؟ لهذه الاسباب ولغرض تجسيد إرادة الناخب من أبناء شعبنا في إختيار ممثليه في مجلس النواب العراقي بشكل منصف وعقلاني ومتوازن، كان من المفروض و الأفضل أن يعتبر العراق دائرة إنتخابية واحدة لابناء شعبنا، يفوز بالمقاعد المخصصة لنا خمسة مرشحين الأوائل ممن يحصلون على أعلى نسبة الأصوات بغض النظر عن قوائمهم الانتخابية، إضافة إلى ذلك فان تعدد الدوائر الانتخابية على النحو الذي هو عليه الحال تجعل المجال مفتوحاً أمام الحكومات المحلية والأحزاب السياسية المتنفذة والمسيطرة على القرار السياسي في تلك المحافظات وخصوصا في المحافظات التي فيها صراع على الارض بين المكونات الاخرى كما هو الحال في نينوى وكركوك ولاسباب اخرى مماثلة في كلا من دهوك واربيل للتدخل وممارسة ضغوط سياسية بهذه الطريقة او تلك لفرض مرشحين من أبناء شعبنا ممن لهم ولاءات وإرتباطات سياسية بتلك الحكومات والأحزاب بغرض خدمة أجنداتها المستقبلية، بينما الدائرة الانتخابية الواحدة تجعل المرشحين والناخبين في منأى عن مثل هذه التدخلات والتأثيرات المحتملة الحدوث، و كما تدل على ذلك ما جرى من التجاوزات والخروقات والتزوير في الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات في السابق وفي هذه المحافظات بالذات.. عليه نطالب كل من مجلس النواب العراقي والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ولغرض معالجة هذا النقص وسد الثغرات في القانون الذي يتطلب إعادة النظر بهذا الجانب من القانون الجديد فيما يخص ابناء شعبنا تحقيقاً للديمقراطية وتجسيدا وتكريسا للارادة الحرة للتعبير عن إختيار الممثلين الحقيقيين لشعبنا. وكذلك هناك ملاحظة سلبية أخرى تم تأشيرها على القانون الجديد حيث اغفل القانون معالجة عملية سرقة ومصادرة أصوات الناخبين ممن لم تفز قوائمهم بمقاعد في مجلس النواب من خلال تحويل اصواتهم لصالح القوائم الفائزة الكبرى وحرمان أصحابها الحقيقيين من حق التمثيل في مجلس النواب وهذا أمر غريب وتقليد مشوه ومستهجن ومثير للسخرية وغير معتمد في أي دولة ديمقراطية في العالم، ويعتبر هذا الأسلوب خنجرا مسموما في خاصرة الديمقراطية العراقية وطعنا في شرعيتها القانونية وفي ذات الوقت يعتبر عمل وسلوك مناف للقيم والمبادئ الديمقراطية والمعايير الاخلاقية اذ لم تتم معالجته قبل مصادقة مجلس رئاسة الجمهورية على القانون. كان من المفروض أن يأتي القانون بما يضمن ذهاب هذه الأصوات لأصحابها الشرعيين من خلال إعتبار العراق دائرة إنتخابية واحدة للقوائم الخاسرة، وعليه يتطلب معالجة هذا النقص في القانون الجديد بزيادة نسبة المقاعد التعويضية إلى "15%" من أعضاء المجلس ومنح أصوات الناخبين للقوائم غير الفائزة إلى الخاسر الأكبر وليس للفائز الأكبر وذلك لتحقيق توسيع قاعدة التمثيل النسبي لمكونات الشعب السياسية بكل الوانها  في الداخل وفي بلدان المهجر بشكل متوازن في مجلس النواب العراقي من دون تهميش او اقصاء لاي مكون سياسي حيث أن نسبة "5%" المقرة في القانون الجديد نسبة متواضعة للغاية لا تتناسب وطموح تحقيق هذا المطلب الوطني الذي تفرضه ظروف العراق الحالية، ظروف الصراع والتنافس السياسي بين المكونات المختلفة من اجل بناء دولة ديمقراطية حديثة بكل المعايير. والجانب الآخر الذي لنا عليه مؤشر سلبي هي المادة الخاصة بالمهجرين في الداخل أي المهجرين من محافظة إلى أخرى بسبب الظروف الأمنية التي مرت عليهم في محافظاتهم الأصلية حيث القتل على الهوية الطائفية وبسبب الظروف المعاشية الصعبة التي عانوا منها في المحافظات التي هُجروا إليها اضطروا إلى نقل بطاقاتهم التموينية من المحافظات التي هُجروا منها إلى المحافظات التي هَجروا إليها. إن ما جاء مخيباً لآمال هؤلاء في القانون الجديد هو مصادرة أصواتهم لصالح المرشحين في المحافظات التي هُجِروا إليها على حساب المرشحين في محافظاتهم الأصلية تحت طائلة ظروف طارئة ومؤقتة، بحجة الاعتماد في تحديد المركز الانتخابي للناخب للادلاء بصوته على مكان صدور البطاقة التموينية بينما من المفروض والمنطق العقلاني أن يصوت مثل هؤلاء لصالح المرشحين في محافظاتهم الأصلية أينما كانوا يقيمون في يوم الاقتراع.
ومن دون معالجة هذه الجوانب السلبية في القانون الجديد يكون القانون قد أفرغ من محتواه الإيجابي، وأملنا بمجلس رئاسة الجمهورية نقض القانون بصيغته الحالية وإعادته لمجلس النواب لإجراء هذه المعالجات التي تطرقنا إليها في هذا المقال والتي بتقديرنا تخدم مصلحة الشعب والبلد وترسخ من وحدته الوطنية.

300
بين "كوتة" الاقليات.. والقائمة المفتوحة والمغلقة..
والدائرة الانتخابية الواحدة والمتعددة.. ماهو الافضل..؟

خوشابا سولاقا
 عند قراءتنا للخارطة الديموغرافية والسياسية للعراق معاً وترابط بعضهما بالبعض في سبيل اختيار ماهو الافضل للاغلبية من ابناء الشعب العراقي بكل مكوناته المختلفة من حيث توسيع قاعدة التمثيل النسبي لهذه المكونات في مجلس النواب من جهة، ومن حيث اعطاء كامل الحق وتوفير الفرصة للمواطن الناخب للتعبير عن رأيه وارادته الحرة في اختيار من يشاء ويراه الافضل والانسب لان يوليه ثقته ليمثله في مجلس النواب، وان يكون صوته الناطق مستقبلا من جهة اخرى.
ان قراءتنا للواقع العراقي وفق هذه الاسس والرؤى وفي ظل سيادة ظروفه الامنية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، وفي ظل سيادة ثقافة المحاصصة الطائفية والقومية والدينية والعشائرية والمناطقية السائدة حاليا على حساب غياب الثقافة الوطنية والتي لم يبق منها سوى الجانب الرمزي والشكلي الذي يتاجر به ويزايد عليه الجميع من تجار الوطنية المارقين ممن هب ودب من كل طيف ولون لاغراض الدعاية والمزايدة الرخيصة في حملات التنافس والصراع عبر مختلف وسائل الاعلام لاجل الكراسي والمناصب والسلطة والمصالح الشخصية، هؤلاء الذين يمارسون سياسات تدمير الوطن باسم الوطنية وبأسم الدفاع عن الشعب والوطن والمصالح الوطنية والقومية والدينية والطائفية، ولكنهم في الحقيقة يفعلون ذلك من اجل المصالح الفردية الانانية وهذا ما اثبتته التجربة المرة والمأساوية للسنوات الست الماضية من تاريخ العراق الجديد بعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق على ايدي القوات الاجنبية المحتلة للعراق. في ظل هذه العوامل وغيرها الكثير المضطربة والمتناقضة وغياب الشعور الحقيقي بالمسؤولية الوطنية تجاه الوطن والشعب وضعف الوعي والثقافة الوطنية لدى البعض من القادة للنخب السياسية ممن يتحكمون بمصير الوطن والشعب حاليا، ومدى اولوية هذه المسؤولية عندهم على غيرها من المسؤوليات تجاه خصوصياتهم المختلفة، يتطلب الامر اعادة النظر في قانون الانتخابات الحالي جملة وتفصيلا واعادة صياغة مواده وبنوده من الفها الى يائها بالشكل الذي تجعله اكثر تعبيرا واوسع تمثيلا للجماهير العراقية بكل مكوناتها المختلفة قوميا ودينيا وطائفيا واكثر تجسيدا لحرية الرأي والارادة الحرة والتعبير الصادق عن الاختيار الافضل لممثلي الشعب في اعلى واكبر مؤسسة للسلطة التشريعية في البلاد بصورة ديمقراطية، لان هذا هو اقل ما تعنيه الديمقراطية السياسية بابسط اشكالها ومعانيها ومضامينها الفلسفية والفكرية واليات عملها في الحياة الديمقراطية للشعوب الحرة. ولاجل تحقيق هذه الاهداف وتضمينها كحق قانوني ودستوري لجماهير الشعب بمختلف مكوناته يستوجب ان يتضمن التغيير في قانون الانتخابات الجديد المزمع تشريعه والمصادقة عليه واعتماده كقانون اساسي لاجراء الانتخابات بموجبه الاتي:
اولا: "الكوتة" بالنسبة للاقليات القومية والدينية في ظل ظروف العراق الحالية والتي تم ذكرها وفي ظل سيادة ثقافة المحاصصة بكل اشكالها، وطغيان ارث التعصب القومي والديني منذ زمن طويل في العراق وغياب الثقافة الوطنية والحقة وثقافة قبول الاخر والتعايش السلمي بين مختلف مكونات الشعب على ارض الوطن الواحد، وفي ظل ظروف انتشار ابناء هذه الاقليات جغرافيا في عموم مناطق البلاد حسب مصدر المعيشة، ارى ان تخصيص "كوتة" من المقاعد لابناء هذه الاقليات بما يحقق شراكتها في المؤسسات الوطنية الدستورية، هو الحل الامثل والمناسب حاليا لتمثيلها في مجلس النواب العراقي،على ان لايقل التمثيل عن مقعد واحد للاقلية التي تقل عدد نفوسها عن القاسم الانتخابي لتحديد عدد مقاعد مجلس النواب مهما كان عدد نفوسها، وان يتم انتخاب نواب "الكوتة" من قبل ابناء الاقليات وفق القانون وعلى اساس القائمة المفتوحة والدائرة الانتخابية الواحدة لعموم العراق، بهذه الطريقة وحدها يمكن تمثيل وانصاف هذه الاقليات بحق التمثيل في مجلس النواب وبالتالي مشاركتهم في ادارة شؤون البلد كمواطنين بكامل الحقوق والواجبات حالهم حال بقية الاكثريات القومية والدينية من ابناء الشعب العراقي. وغير ذلك يعني التهميش والاقصاء بل وحتى الغاء الوجود القومي والديني لها، وفي نفس الوقت يعني عدم انصافها خرقا للدستور وشرعة اعلان حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير وفق اللوائح والمواثيق الدولية وبشكل مقصود ومتعمد. وتعتمد هذه الالية على الاقل في المرحلة التاريخية الحالية، وعندما تزول وتنتهي مرحلة ثقافة المحاصصة بكل اشكالها وتحل محلها مرحلة الثقافة الوطنية الحقة، عندها يكون الوضع القانوني والاجتماعي لهذه الاقليات في الوطن مماثلاً لوضع الاكثريات متساوون معهم في الحقوق كما هو الحال في الواجبات امام القانون، عندها يكون الاختيار لعضوية مجلس النواب على اساس الكفاءة والاقتدار والنزاهة والاخلاص والولاء الوطني وليس على اساس الانتماءات والولاءات الخصوصية بكل الوانها واشكالها، عندها تنتفي الحاجة الى اعتماد مبدأ "الكوتة" كما هو الحال في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة التي لاتفرق بين مواطنيها على اساس الخصوصيات بل تعمل على تقوية الوحدة الوطنية ورص صفوف ابناء الشعب على اساس الولاء الوطني وحب الوطن والاحترام المتبادل وحماية وصيانة حرمة الخصوصيات المختلفة للجميع على حد سواء وبالتالي خلق مجتمع انساني متجانس.
ثانيا: بخصوص افضلية اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة على اعتباره دوائر انتخابية متعددة وخصوصا في ظل ظروف المحاصصة بكل اشكالها والتقسيم الطائفي والقومي وسيادة ثقافة التهميش والاقصاء والاستئثار والانفراد بالسلطة والقرار السيادي بكل مستوياته، وسيادة ثقافة تضليل الناخب والتشويش على افكاره لتغيير قناعاته الوطنية التي يبنيها على اساس مضامين البرامج السياسية للكتل السياسية المتنافسة، وممارسة سياسة غسل الادمغة الساذجة لبسطاء الناس من ابناء الشعب باستخدام خصوصيات الولاءات المذهبية والدينية والقومية والعشائرية والقبلية والمناطقية مستغلين في ذلك ضعف وهشاشة الوعي والثقافة السياسية والوطنية لدى الناخب البسيط، فضلا عن ممارسة الكثير من وسائل الترغيب والترهيب النفسي والفكري والعقائدي والمادي في شراء ذمم المستضعفين والفقراء من ذوي الدخل المحدود من ابناء الطبقات الفقيرة والمعدمة وما اكثر هؤلاء البائسين بسبب الوضع المعاشي المتردي والمزري للغاية، وانتشار البطالة في المجتمع في الوقت الحاضر. في ظل الواقع المرير يكون اعتماد النظام المختلط لدوائر الانتخابية بنسبة اكثر من 75% ودائرة واحدة بنسبة 25% لضمان تمثيل الاقليات القومية والدينية والسياسية والمشردين من الوطن في الخارج هو الافضل من الدوائر المتعددة او الدائرة الواحدة بالكامل، حيث هذا النظام يضمن حق المواطن الناخب في ايصال من يراه مناسبا لتمثيله الى مجلس النواب دون ان يذهب صوته الى من لم ينتخبه اصلا، وهذا يعتبر مصادرة لحق وارادة الناخب وفي نفس الوقت منافي للديمقراطية السياسية. وبالتالي فان اعتماد الدوائر المختلطة يساعد على توسيع قاعدة التمثيل الشعبي في مجلس النواب لاوسع المكونات السياسية والاجتماعية من مختلف شرائح وطبقات المجتمع من المشاركين في عملية الانتخابات لاختيار نواب الشعب. وهذا هو اقل ما تعنيه الممارسة الديمقراطية السياسية الحقة، اي بمعنى اخر ان نظام الدوائر المختلطة يأتي باوسع تمثيل لمكونات المجتمع في مجلس النواب، وهذا هو الهدف المطلوب ديمقراطيا اذا كنا نبغي من الانتخابات الحصول على افضل الادوات ان صح التعبير لبناء دولة حديثة عصرية ديمقراطية، دولة يسود فيها القانون، دولة المؤسسات الدستورية يكون فيها القرار للشعب من خلال مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية المنتخبة ديمقراطيا، وليس القرار فيها للفرد او لفئة معينة حصرا يفرض بوسائل ديمقراطية شكلا وديكتاتورية استبدادية في المضمون والممارسة الفعلية.
ثالثا: بخصوص افضلية القائمة المفتوحة على القائمة المغلقة هي ان الناخب سوف يصوت باعتماد القائمة المفتوحة لمن يعرفه ويعرف عنه الشيء الكثير، وان اقل ما يمكن ان يعرفه عن المرشح في القائمة المفتوحة هو السيرة الذاتية له والمؤهلات والتحصيل الدراسي، بينما ذلك غير ممكن في القائمة المغلقة اي القائمة العمياء ان صح التشبيه، ويكون التصويت من خلال القائمة المغلقة تصويتا للمجهول بكل معنى الكلمة. وعليه يبقى المطلوب من الانتخابات ان صوت المواطن الناخب وبالتالي صوت الشعب هو المعيار النهائي الذي يعول اليه لاختيار عضو مجلس النواب وتقييم مدى ديمقراطية الانتخابات من عدمها، وليس التسلسل الذي يحتله المرشح في القائمة كما هو الحال في القائمة المغلقة والتي يتم إعدادها من قبل عدد محدود من أصحاب القرار في المكونات التي تكون هذه الكتلة الانتخابية أو تلك. في إعداد مثل هكذا قوائم يلعب في الاختيار للأسماء المرشحة في القائمة القناعات الشخصية والعلاقات الاجتماعية والمحسوبية والمنسوبية والمذهبية والعشائرية والمزاجات والولاءات السياسية الحزبية دورها الفاعل والحاسم في تحديد تسلسل شخصية المرشحين في القائمة المغلقة على حساب الكفاءة والاقتدار والنزاهة والولاء الوطني. إن القائمة المغلقة بحد ذاتها تلغي عملياً المعنى الديمقراطي لعملية الانتخابات وتفرغها من مضمونها الوطني والانساني والأخلاقي في نفس الوقت، وهي بالتالي أقرب إلى التعيين منه إلى مفهوم الانتخاب الحر بأبسط مضامينه الديمقراطية وتصنف ضمن أكثر أصناف الانتخابات تخلفاً والتي لا تؤدي في نهاية المطاف إلاّ إلى إستدامة واستمرار العضو المنتخب بهذه الطريقة في عضوية مجلس النواب، وقد تتحول العملية إلى توريث عضوية مجلس النواب إلى الأبناء والأحفاد كما يحصل اليوم في محاولات توريث رئاسات الجمهورية في بعض البلدان العربية، بحكم الامتيازات الكبيرة التي يتمتع بها عضو مجلس النواب الحالي، ويبقى هذا الاحتمال قائما إذا لم نتصد له، وبالتالي يتحول المجلس بأعضائه إلى طبقة إجتماعية ثرية في المجتمع.
لهذه الأسباب ترفض الجماهير الشعبية بكل فصائلها القائمة المغلقة جملة وتفصيلاً، وتقول نعم نعم للقائمة المفتوحة، القائمة التي يستطيع الناخب من خلالها محاسبة المرشح وحتى إقصائه في حالة الفشل والاخفاق في أدائه لمهامه في الدورة النيابية السابقة على عكس القائمة المغلقة التي تتستر على عورة الفاسدين والفاشلين وغير اللائقين الذين لا تتوفر فيهم من الصفات اللائقة التي يجب أن تتوفر في عضو مجلس النواب.
هكذا وعلى ضوء ما استعرضناه تكون إجابتنا الصريحة على ما تساءلنا بشأنه في عنوان مقالنا هذا نحو ما هو أفضل في ظل الظروف العراقية الراهنة والتي استعرضناها في معرض حديثنا في هذا المقال... نقول
1- الأفضل هو... نعم نعم "للكوتة" للأقليات القومية والدينية... كلا كلا للتهميش والاقصاء وإلغاء الوجود القومي والديني والاستئثار والانفراد بالسلطة في حكم البلاد على حساب الشراكة الوطنية.
2- الأفضل هو... نعم نعم للنظام الدوائر المختلطة بنسبة 75% متعددة الدوائروبنسبة 25% دائرة واحدة لكل العراق لتوسيع قاعدة التمثيل وحماية حقوق الناخب من المصادرة... كلا كلا للدوائر الانتخابية المتعددة او الواحدة بالكامل لكل العراق.
3- الأفضل هو... نعم نعم للقائمة المفتوحة المعرَّفة والناطقة... كلا كلا للقائمة المغلقة العمياء والصامتة والمجهولة الهوية.
4- الأفضل هو... نعم نعم لإعطاء المقاعد الفائضة في المجلس لاكبر الخاسرين لتوسيع قاعدة التمثيل في مجلس النواب... كلا كلا لمصادرة أصوات الناخبين وإرادتهم في إعطاء أصوات القوائم غير الفائزة إلى اكبر الفائزين لأن ذلك يشكل إستخفافااً بارادة وحقوق وكرامة الناخب وهذا مخالب للديمقراطية.
 

301
الاصلاح السياسي وعلاقته بالوحدة والديمقراطية في التنظيم السياسي

بقلم: خوشابا سولاقا
بما أن كل تنظيم سياسي هو وسيلة للتعبير عن تطلعات وطموحات الناس في المجتمع ويكون في ذات الوقت وسيلة لتحقيق تلك التطلعات والطموحات من خلال العمل الجماعي المنظم، وبما ان هذه التطلعات والطموحات في حالة تغير بصورة دائمة ومستمرة مع تغير وتطور الحياة الاجتماعية عليه فان وسائل تحقيق تلك التطلعات والطموحات والتي هي المؤسسات السياسية المتمثلة في التنظيمات والأحزاب السياسية والمؤسسات الاجتماعية المتمثلة في مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، هي الأخرى يجب أن تتغير وأن تتطور وأن تطور آليات عملها ورؤاها وأفكارها تجاه هذه التغيرات الحاصلة في المجتمع وفقاً لذلك لكي تتمكن من إكتساب القدرة والديمومة للاستمرار بعملها بشكل متوازي مع متغيرات الحياة الاجتماعية وبعكسه تكون قد حكمت على نفسها بالموت. من خلال هذه الرؤية لواقع التغير في الحياة وعلاقته بالانسان الذي يشكل الهدف والوسيلة لهذا التغير يصبح العمل في تغيير طبيعة البنى الفوقية المتمثلة في الثقافة والفنون والأدب والفكر والفلسفة والسياسة والعلاقات الاجتماعية بين الناس في عملية التغيير والاصلاح الاجتماعي بمختلف أشكاله في الحياة أمر لابد منه لأن هكذا هو منطق العقل السليم وإرادة سنة مسيرة الحياة وبعكسه لا يمكن أن تستمر الحياة في مسيرة تقدمها التصاعدي نحو ذرى المستقبل الأفضل والأكثر إشراقاً وتطوراً.
عليه فأن عملية الاصلاح في البنى التحتية والفوقية للتنظيم السياسي مهما كانت طبيعته الفكرية وأيديولوجيته، من حيث ضرورة تغيير كوادر الهيئات القيادية وإعادة صياغة الأفكار والرؤى والمنطلقات النظرية للتنظيم السياسي وأن يكون ذلك خاضع إلى إعتبارات المصلحة العامة للأمة والشعب والوطن والتنظيم وليس إلى إعتبارات مصالح الخصوصيات الضيقة، عندها يكون إجراء وتحقيق الاصلاح مطلب جماهيري وأمر حتمي وواجب مفروض على التنظيم السياسي بموجب ما تقتضيه لوائح التنظيم التي تحكم وتوجه عمله، ولكي يتحقق ذلك وبالشكل الذي ينعكس إيجابياً على مسيرة التنظيم السياسي في التقرب والترابط العضوي بين كوادره بمختلف مستوياتهم من جهة وبينه وبين الجماهير الشعبية من جهة أخرى، عبر آليات الحوار والنقاش الديمقراطي الحر الشفاف والمفتوح وبروحية رفاقية ديمقراطية بعيدة عن القسر والاجبار ومصادرة الحريات في طرح الآراء وتوجيه الانتقادات البناءة مع إحترام الآراء المخالفة للرأي السائد في ظل إطلاق حرية الرأي والرأي الآخر عندها يكون الاصلاح هو الاصلاح السايسي المطلوب لأختيار أفضل وأجدر وأنضج الكوادر للهيئات القيادية لقيادة التنظيم السياسي في المرحلة التأريخية المعينة. عملاً بالقول "لكل مرحلة تأريخية من النضال السياسي أشخاصها المناسبين"، وبالتالي تكون إمكانية المحافظة على الوحدة الفكرية والتنظيمية للتنظيم السياسي وترسيخ قوة الممارسة الديمقراطية في صفوف التنظيم بين مختلف مستويات كوادره أمرا واقعا ومحتوما.
إن إعتماد هكذا أسلوب وسلوك مثل هذا النهج في عملية الاصلاح هي التي تقود التنظيم السياسي إلى تحقيق الأهداف الستراتيجية المرسومة له. والعكس ليس إلا مجرد فوضى عشوائية ومراهقة صبيانية سياسية غير ناضجة لا تؤدي إلا إلى خراب وتدمير مرتكزات البنى التحتية والفوقية للتنظيم السياسي.
ولغرض تقريب الصورة أكثر إلى مدى دائرة الرؤية الذهنية للقارئ الكريم والمتتبع لشؤون العمل السياسي المنظم ندخل في جزء من التفاصيل حول العلاقة العضوية الجدلية بين الوحدة الفكرية والتنظيمية والممارسة الديمقراطية في التنظيم السياسي في ظل عملية الاصلاح السياسي الموجبة الاجراء مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الذاتية للتنظيم والظروف الموضوعية المحيطة في المرحلة التأريخية القائمة على أرض الواقع.
إن أهم المبادئ الأساسية في التنظيم السياسي مهما كانت طبيعته الفكرية وبنيته الاجتماعية، هما مبدأين يرتبطان ببعضهما البعض إرتباطاً عضوياً مباشراً وهما "الوحدة الفكرية والتنظيمية" و "الممارسة الديمقراطية" ويشكلان مبدآن أساسيان في حياة وعمل التنظيم السياسي بسبب العلاقة الجدلية بينهما في الحياة العملية على أرض الواقع.
لا شك أن للوحدة الفكرية والتنظيمية للتنظيم السياسي، أي بمعنى وحدة الارادة والفكر والعمل لا سيما في الهيئة القيادية دوراً عظيماً وفعالاً وحاسماً في تحقيق والمحافظة على قوة التنظيم السياسي وبالتالي قدرتها على التحرك بحيوية وفعالية أكبر، ولا ريب أن للانضباط التنظيمي أي "الانضباط الحزبي" النابع من الوعي الذاتي لضرورته في الحياة التنظيمية وليس ذلك الضبط المفروض قسراً على العضو في التنظيم كسياق عمل وفرض تنظيمي، له دوره الهام في خلق هذه الوحدة في الارادة والفكر والعمل في الهيئة القيادية مهما كانت تسميتها في التنظيم المعني. ولكن ما يحصل في التنظيمات ذات الفكر والتوجه الشمولي، كثيراً ما توضح مسألة العلاقة في ما بين الأمرين، أعني العلاقة بين ممارسة الديمقراطية داخل الهيئة القيادية ووحدة الهيئة في نشاطها التنظيمي، على نحو متعارض وترسم لها معادلة عكسية، أي على العكس ما من المفروض أن تكون عليه في حالة العلاقة الجدلية.. أي كلما زادت الممارسة الديمقراطية في العمل التنظيمي قل الالتزام بالرأي والارادة الموحدين والعكس أيضاً كلما جرى التأكيد على وحدة الفكر والارادة والرأي في نشاط الهيئة القيادية للتنظيم قلت بالمقابل ممارسة الديمقراطية والتعبير عن رأي الفرد والمبادرة الفردية وجرى التجاوز على حق المجموعة المخالفة وقمع رأيها بحجة المحافظة على وحدة الضبط التنظيمي في التنظيم وبالتالي صيانة وحدة التنظيم الحزبي.
إن بروز الخلافات في الرأي في الهيئة الحزبية الواحدة أمر طبيعي وظاهرة صحية وأمر مألوف، وفي العادة لا يجري التوصل إلى الآراء الموحدة إلا عبر الحوار والنقاشات الجادة، وفي الحياة يجري نوعان من المناقشات والمداولات وما يحكم التباين بينهما هو الغرض منهما، هل يراد من الحوار والتداول الوصول حقاً إلى رأي موحد داخل الهيئة التنظيمية الواحدة، وهو ما يساعد في تعزيز وحدتها وتماسكها وتطور نشاطها، أو يراد منه تعميق التنافر وتأكيد الفردية والنزعة الشخصانية الديكتاتورية وإضعاف روح التشارك والانضباط في صفوفها لأغراض شخصية أنانية وبالتالي إشاعة الفوضى والتطاير والتطرف وروح الانشقاق في التنظيم على حساب الوحدة الفكرية والتنظيمية وأسلوب العمل الجماعي في التنظيم السياسي. العلة إذن ليست في ممارسة الديمقراطية من عدمها، وإنما في النوايا التي يراد أن تؤدي إليها هذه الممارسة، وعلاج التناقض في الآراء ووجهات النظر لا يأتي عن طريق إلغاء الممارسة الديمقراطية وكبت وقمع الآراء والأفكار المخالفة وحجب الرؤى المناقضة لرؤى القيادة، وفرض الآراء المعينة بالقسر بأسم الضبط التنظيمي. وإنما ينشأ بالممارسة الصبورة والانفتاح الرفاقي الديمقراطي الحر للتغلب على التناقضات الناشئة في الرأي في الهيئات الحزبية بمختلف مستوياتها الحزبية، وفي تعزيز العمل المشترك وتأكيد العمل الجمعي.
ونلاحظ هنا أن روح التنافر وشيوع العدمية واللجاجة في المناقشات تشتد في أيام المصاعب والمحن، والعكس من هذا، فان روح التضامن والسرعة في التوصل إلى الآراء الموحدة والالتزام بالعمل المشترك والانصهار في بوتقة الجماعة تتعاظم مع تزايد حجم الانتصارات وتحقيق المكاسب الفردية والحزبية.. عملاً بقول "أخوة أعداء ألداء عند الانتكاسات، وأعداء أخوة أحباء عند المكاسب".. أما إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة نظر ومن زاوية الخصوصيات الاجتماعية المختلفة، القومية والدينية والطائفية والعشائرية والقبيلية والطبقية، فان الأمور نراها تختلف بصورة جلية، ففي أيام الانتصارات تعبر الأفكار عن مصالح تلك الخصوصيات بصورة جلية، ولا تجرء الأفكار التي تنشد المصالح الفردية على الظهور في أيام كهذه الأيام. أما في أوقات التراجعات والانتكاسات والاخفاقات فيحدث العكس.
وعلاج مثل هذه الحالات لا يأتي من خلال تشديد المركزية في عمل الهيئات القيادية، بل في أية هيئة حزبية من مستوى أدنى على حساب التخلي عن ممارسته الديمقراطية بأسم ممارسة الضبط الحزبي وتطبيق أحكام النظام الداخلي للتنظيم أو أية تبريرات أخرى من هذا القبيل تحت أية ذريعة كانت، رغم أن هذا العلاج هو الأقرب إلى التناول، والأكثر شيوعاً للأسف في التنظيمات والأحزاب ذات الفكر والتوجه الشمولي بشكل خاص، وإنما يأتي العلاج بالعمل الصبور الواعي للأفكار والمنطلقات النظرية والآيديولوجية التي تبناها التنظيم في أدبياته ومنهاجه السياسي ونظامه الداخلي، والقراءة الدقيقة للظروف الذاتية والموضوعية المحيطة لتصحيح الأفكار الخاطئة إن وجدت ووضعها في إتجاه المسار الصحيح باتجاه تحقيق الأهداف الستراتيجية للتنظيم. لا خلاف في أن الوحدة الفكرية والتنظيمية المتينة قوة أكبر للهيئة الحزبية المعينة، ولا يمكن تحقيق هذه الوحدة في الهيئة الحزبية المعينة، بمجرد فرض الضبط الحزبي مهما كانت المبررات، ولا تعود في مثل هذه الحالة سوى أن تكون وحدة شكلية. بل إن الوحدة الحقيقية المنشودة هي تلك الوحدة التي تنشأ من خلال الأنضباط الذاتي الواعي والنابع من القناعة الحقة عبر التداول الديمقراطي للأفكار والذي يختلف بدوره عن ذلك الذي أصحابه يستمتعون بالخلاف مع الآخرين ويرون في ذلك الخلاف نوعاً من توكيد وتحقيق الذات العظيمة. إن وجود مثل هؤلاء في الهيئات القيادية للتنظيم السياسي هو بمثابة مرض عضال يستوجب إستئصاله قبل أن يستفحل ويصبح قاتلاً لا علاج له إذا أريد للحياة الحزبية أن تستقيم وتسير على مسارها الطبيعي وتستمر إلى نهاية المطاف المرسوم لها كما ينبغي أن تكون. إن الحقيقة النهائية لا توجد في الحياة ولا يمكن أن توجد، بل هي مرهونة بظروفها الموضوعية وبظروفها التأريخية. وإذا تعذر معرفة الواقع الموضوعي والتأريخي معرفة دقيقة وبصورة تامة وكاملة لا يكون بوسع الانسان معرفة إلا جوانب محددة من الحقيقة الموضوعية التي يبحث عنها، ومقياس الصحة والخطأ في هذا الجانب تقرره مصلحة الشعب والأمة وليس أي شيء آخر غيره من المصالح الذاتية والأنانية، كحب الشهرة والوجاهة والظهور بمظهر البطل القومي أو الوطني وإطلاق العنان لنفسه بالتصريحات الطنانة والرنانة والجوفاء في نفس الوقت عبر مختلف وسائل الاعلام من أجل خلق للذات صورة الشخصية المحورية في نضال الحزب من دون أن يشاركه فيها أحداً من رفاق الحزب كما هو الحال مع زعماء وقادة النازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا واسبانيا والبرتغال ومختلف قيادات الأنظمة الديكتاتورية والشمولية فيما بات يعرف بالعالم الاشتراكي أمثال ستالين وماو وبقية قادة الأحزاب الشيوعية والعمالية في اوربا الشرقية وآسياً وأمريكا الوسطى واللاتينية والمنطقة العربية والشرق الأوسط أمثال جمال عبد الناصر وصدام حسين والقذافي وحافظ الأسد وغيرهم الكثير الكثير والقائمة طويلة جداً.. إن اختمار هذه الأفكار ونزعات التفرد والاستئثار بسلطة القرار لدى أعضاء الهيئات القيادية في أي تنظيم سياسي تكون هي السبب في تجريد ذلك التنظيم من عناصر التجدد والتطور الايجابي وتوسيع وتفعيل القدرات على استيعاب المستجدات في الحياة وتجاوز الأخطاء والممارسات السلبية الشاذة والمنحرفة عن مسار التنظيم وغيرها من عناصر القوة والترابط والالتصاق والتفاعل مع الجماهير الحزبية بشكل خاص والجماهير الشعبية بشكل عام، وبالتالي إضعاف الوحدة الفكرية والتنظيمية داخل التنظيم السياسي ومن ثم حلول الكارثة، كارثة التفكك والانحسار والانحلال بشكل تدريجي إلى أن تصل الأمور إلى حافة الهاوية فينتهي عندها التنظيم السياسي وينتهي دوره في قيادة الجماهير الشعبية..
والأمثلة كثيرة لا حصر لها عبر مختلف بلدان العالم لمثل هذا النشوء للأحزاب والصعود وثم التفكك والانحلال والسقوط في الهاوية في النهاية من دون رجعة وهناك الكثير تسير الآن نحو هذا المصير كل ذلك بسبب الصراعات الأنانية والطموحات الشخصانية غير المشروعة لقياداتها التأريخية.

302
في التربية والثقافة السياسية حول الطبيعة ..
التكوينية للاحزاب والحركات السياسية

بقلم: خوشابا سولاقا
طبيعة الحياة تفرض على الانسان حتما ان لا يعمل ان لم يكن له من وراء هذا العمل غاية او مصلحة معينة، وهذه الغايات والمصالح متنوعة في شكلها ومضمونها، حيث قد يكون شكل المصلحة في العمل مصلحة عامة كأن تكون مصلحة وطنية او قومية او انسانية او مصلحة شعب معين او مجتمع بعينه، هذا قد يكون الظاهر للعيان، ولكن يبقى الهدف الحقيقي غير ذلك بصورة غير ظاهرة والذي هو تحقيق مصلحة شخصية وقد تكون تلك المصلحة مادية او قد تكون معنوية مثل البحث عن الشهرة والسمعة والموقع الاجتماعي وغيرها، وفي اغلب الاحيان الاثنان معا. ولكن ما لا يمكن ان يكون له وجود هو العمل من اجل مصلحة المجموع او المصلحة العامة من دون ان يكون هناك مصلحة خاصة، وكذلك الحال لا يمكن ان يكون هناك وجود لعمل من اجل المصلحة الشخصية دون ان يكون له ارتباط وثيق بالمصلحة العامة. وهكذا تبقى العلاقة بين العمل من اجل المصلحة العامة والمصلحة الشخصية علاقة الغاية بالوسيلة، ولكن عادة الطرف الغالب في هذه العلاقة هو العمل من اجل المصلحة العامة وتكون هي الوسيلة، والمصلحة الشخصية تكون هي الغاية. ان الآليات التي تعتمد في تحقيق فعل هذه المعادلة في الحياة هي التنظيمات السياسية والجمعيات الاجتماعية المختلفة الاختصاصات من مؤسسات المجتمع المدني والاتحادات والنقابات العمالية والمنظمات الشبابية والطلابية والنسائية واي شكل اخر من اشكال التجمعات المهنية. حيث نرى عندما نستطلع مشاهد التاريخ ان الملاكات القيادية في مثل جميع هذه المؤسسات تعمل وتتصارع فيما بينها وتستقتل وتستميت في سبيل البقاء والاستمرار في مواقعها القيادية والكل يعمل وبشتى الوسائل المتيسرة والممكنة الشريفة منها وغير الشريفة وبما فيها التصفيات الجسدية والتشهير والاساءة الى السمعة بكل انواعها لازاحة بعضها البعض من هذه المواقع من اجل الانفراد والاستئثار بسلطة القرار فيها.. هل من المعقول والمنطق ان تكون حماية ما يسمى بالمصلحة العامة في كل هذه الصراعات هي السبب في كل ذلك..؟ ام ان هناك شيئا اخر اهم..؟ نعم هناك ما هو اهم بكثير بالنسبة الى هؤلاء فهو منافع وامتيازات خاصة تقود هؤلاء الى خوض كل هذه الصراعات من اجلها. لو كانت المصلحة العامة وحمايتها هي السبب في هذه الصراعات لكان الانسحاب من هذه المواقع من قبل البعض لصالح البعض هو الخيار المرجح وهو الخيار الاسهل والانسب والافضل من كل الخيارات الاخرى لحسم الامور الخلافية بهدوء وسلام دون شوشرة ومن دون اللجوء الى الاساليب والوسائل العنيفة والتصفيات الجسدية وتدبير المكائد والمؤامرات ضد بعضها البعض كما يحصل بين القيادات التاريخية التي تقود كل هذه المؤسسات المختلفة السياسية منها وغيرها، والتاريخ مليء بمثل هذه الشواهد المرعبة التي تقشعر لها الابدان. ان الشيء الذي يهمنا التطرق اليه على خلفية مقدمة هذا الموضوع التي تم التعرض له بشيء من الاختصار، هو استعراض الطبيعة التكوينية للتنظيمات والحركات السياسية التي تزرع العراق عرضا وطولا، لغرض تسليط الضوء على الخارطة السياسية لواقع العراق الحالي وافاق تطوره على المدى المنظور. وعليه وبناءً على هذه المنطلقات الفكرية تكون الطبيعة التكوينية لتركيبة هذه الاحزاب والحركات السياسية على النحو التالي:
اولا: احزاب وحركات سياسية تكونت في بدايتها على اساس التقاء مجموعة كتل وفصائل سياسية مختلفة التوجهات والرؤى بالحد الادنى من المشتركات، سواءً كانت هذه المشتركات قومية او وطنية او غيرها وضمن اطار ما يسمى بالمصلحة الوطنية العامة او المصلحة القومية العامة. لذلك فان مثل هذه الاحزاب والحركات السياسية تكون اواصر الوحدة وعناصر القوة فيها ضعيفة وغير مستقرة وتكون معرضة الى هزات سياسية في مسيرتها العملية، وتكون ظروفها الذاتية والموضوعية الداخلية مهيئة وخصبة وحُبلى بالانفجارات وحصول الانشقاقات في صفوفها وعودة كل فصيل وتكتل فيها الى وضعه المنفرد، طبعا يكون مصدر تلك الاسباب الباعثة الى الانفصال والتفكك هي المصالح الانانية الشخصية او الخاصة في تقسيم المنافع والامتيازات المادية والمعنوية بين قيادات تلك الفصائل المكونة لمثل هذه الاحزاب والحركات، وتزداد هذه الاسباب وتتوسع قاعدة انتشارها في حالة مشاركة هذه الاحزاب والحركات في السلطة وادارة الدولة، بسبب زيادة وتوسع حجم المنافع والامتيازات التي توفرها ادارة الدولة وممارسة السلطة، وعندها لا يكون بوسع ما يسمى بالمصلحة العامة مهما كانت طبيعتها من المحافظة على الوحدة الحزبية على حساب ردم هوة الاختلافات والخلافات بين القيادات التاريخية للفصائل المكونة لمثل هذه الحركات والاحزاب السياسية على المصالح والمنافع والامتيازات الفردية. وخير مثال على مثل هذه الحركات والاحزاب السياسية في العراق حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني بقيادة مام جلال الطالباني.
ثانيا: احزاب وحركات سياسية تكونت على اساس عشائري والولاءات العشائرية لقياداتها من اجل تحقيق منافع اقتصادية ضمن اطار الادعاء بالعمل من اجل المصلحة القومية العليا نظريا، ولكن عمليا وواقعيا تبقى مصلحة العشيرة والقبيلة والعائلة القائدة لها فوق كل المصالح والاعتبارات الاخرى، اي تكون مصلحة العائلة القائدة والعشيرة قرينة المصلحة القومية العليا. لذلك فان مثل هذه الاحزاب والحركات السياسية تكون فيها هي الاخرى اواصر الوحدة وعناصر القوة فيها هشة وضعيفة وهزيلة وتتغير بتغير حجم وطبيعة المصالح المتحققة لصالح القيادات العشائرية المتنفذة في قيادات مثل هذه الاحزاب والحركات مقابل تقديم ولائها للقيادات العائلة المتنفذة والمهيمنة بل المسيطرة على القرار السياسي في الحزب والوارثة لقيادة الحزب بالتالي. وعليه عند حصول اي خلاف على المصالح والمنافع والامتيازات بين القيادات العشائرية المكونة لهذه الحركات والاحزاب، يؤدي الى اعلان الاطراف التي تضررت مصالحها او عند شعورها بذلك انسلاخها وخروجها من الحزب وتشكيل حزب جديد او الانضمام الى حزب مماثل يضمن لها مصالحها الخاصة. وخير مثال ونموذج على مثل هذه الاحزاب هي الاحزاب ذات التوجه القومي، والتي عادة وخصوصا في بداية تكوينها وتشكيلها تدق على وتر تحفير عناصر العشيرة والقبيلة والطائفة لغرض استقطاب الجماهير الساذجة حول المحور القومي واستغلالها في صراعها مع الفصائل السياسية الاخرى المختلفة عنها في التوجه الفكري. وخير مثال نموذجي على هذا الصنف من الاحزاب والحركات السياسية على الساحة العراقية الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب البعث العربي الاشتراكي والاحزاب القومية العربية التي تبنت توجهات الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والصراعات والتصفيات الدموية والانسلاخات التي حصلت في التجارب التاريخية لهذه الاحزاب تقدم اسطع دليل وخير برهان على مثل هذا الصنف من الاحزاب والحركات السياسية.
ثالثا: احزاب سياسية وحركات سياسية تكونت على اساس معتقدات دينية مذهبية وخلفيات طائفية تعمل من اجل تحقيق اجندات سياسية دينية مذهبية طائفية وتحاول فرضها بالقوة على الاخرين، عادة مثل هكذا احزاب وحركات تكون متشددة ومتعصبة في افكارها وطروحاتها ورؤآها باعتبارها افكارا مستمدة ومنبثقة من روح العقيدة الدينية ولا تقبل التأويل والاجتهاد، وان مثل هذه الاحزاب والحركات لا تؤمن مبدئيا بقبول الاخر والتعايش معه، وهي تعمل بالحقيقة على تسييس الدين وفق العقيدة المذهبية بامتياز. وهذه الاحزاب والحركات السياسية تجمع في تكوينها وتركيبتها نفس الشرائح الاجتماعية والمكونات العشائرية الموصوفة في الصنف اولا وثانيا فيما تقدم ولكن وفق منظور مذهبي طائفي. وهي بالتالي تكون احزاب ضعيفة في اواصر وحدتها وعناصر القوة فيها وتكون معرضة للتمزق والتشرذم والانشقاق على المدى المنظور، وخاصة عندما تحين الفرصة للمنافع والامتيازات جراء ممارسة السلطة في ادارة شؤون الدولة لان تفعل فعلها في الصراع على المنافع بين القيادات التاريخية لها على الساحة العملية. وخير مثال على مثل هذا الصنف من الاحزاب والحركات السياسية هي الاحزاب ذات المعتقدات والتوجهات الدينية المذهبية في اطار الطائفية المؤدلجة، وما حصل ويحصل فيها وباستمرار وخصوصا بعد ممارساتها للحكم من التشرذم والتمزق والانشقاق، كما حصل في حزب الدعوة الاسلامية والتيار الصدري وما انبثق منهما من احزاب وتنظيمات تحت يافيطات مختلفة خلال السنوات الست من حكم العراق بعد سقوط نظام صدام حسين في جانب، وما حصل في الحزب الاسلامي العراقي وغيره من التنظيمات المذهبية على الجانب الاخر، خير دليل على صحة هذه الرؤية لواقع هذه الاحزاب الآيلة الى التشرذم والتمزق والتفكك بسبب عجزها من قراءة الواقع السياسي والاجتماعي للمجتمع العراق، وبالتالي عجزها عن تحقيق طموحات الجماهير المسحوقة من ابناء الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية. وان ما نراه ونتلمسه ونعيش معاناته من شيوع الفساد المالي والاداري في مؤسسات الدولة التي تقودها هذه الاحزاب من جهة وغياب الخدمات المختلفة وانتشار البطالة والجريمة والفقر والعوز بين صفوف الجماهير جعلت هذه الاحزاب في واد والجماهير في واد اخر اكيد ان الشعب سيقول كلمته الفصل بحق هذه الاحزاب والحركات السياسية في انتخابات المجلس النيابي القادم بعد ان قال نصفها في انتخابات مجالس المحافظات قبل اشهر قليلة، تذكروا ان الشعوب هي التي تصنع التاريخ وليس الخطباء في ساحات المزايدات السياسية من اجل الكراسي والمنافع الشخصية وكتاب الشعارات البراقة والخادعة.
رابعا: احزاب سياسية عقائدية تكونت هذه الاحزاب والحركات بفعل ايمان مجموعة من افراد المجتمع بعقيدة سياسية وفكر سياسي معين وفلسفة سياسية معينة، تعمل مثل هذه الاحزاب والحركات على استقطاب وكسب اوسع الجماهير الشعبية المتضررة في المجتمع حولها من الشرائح والطبقات الاجتماعية المتماثلة في مصالحها ودورها التاريخي في المجتمع، وكذلك تعمل مثل هذه الاحزاب والحركات من اجل تغيير شروط معيشتها ودورها في قيادة المجتمع ضمن اطار العمل من اجل المصلحة الوطنية ولكن وفق منظور طبقي من خلال اقامة نظام سياسي جديد يكون فيه للاغلبية الساحقة من محرومي الشعب دور ريادي وقيادي فيه. ان اواصر الوحدة العضوية وعناصر القوة في مثل هذه الاحزاب والحركات السياسية تكون اقوى كميا وليس نوعيا مما هي في غيرها من اصناف الاحزاب والحركات المذكورة، ولكن وجود الطموح الشخصي والنزعة الفردية عند الانسان للارتقاء والتفوق والغيرة الانانية من الاخر لغرض السيطرة والتسلط وتحقيق منافع وامتيازات شخصية معنوية كانت او مادية، معنوية مثل الشهرة والموقع الاجتماعي وغيرها التي تسيطر على تفكير وخلجان النفس عند البعض من الكوادر القيادية التاريخية لمثل هذه الاحزاب والحركات تؤدي الى ظهور افكار متعددة ومتضاربة ومتناقضة احيانا لبعضها البعض عندما تنضج الظروف الذاتية والموضوعية لذلك، وبالتالي تتفاقم وتتوسع هذه التناقضات والخلافات الفكرية وتأخذ طابعا تناحريا عنيفا يؤدي بالنتيجة الى حصول انشقاقات في صفوفها، وقد تتخذ هذه التناحرات والصراعات الانشقاقية من اعتماد اسلوب التصفية الجسدية بين الكوادر القيادية التاريخية لهذه الاحزاب والحركات وسيلة لتصفية الحسابات السياسية بينها. وخير مثال على مثل هذه الاحزاب والحركات، الاحزاب الشيوعية والاشتراكية والعمالية والحركات الثورية في مختلف بلدان العالم. وتجربة الحزب الشيوعي السوفييتي والحزب الشيوعي الصيني وجميع الاحزاب الشيوعية والعمالية في اوربا وغيرها من البلدان غنية للغاية بمثل هذه الصراعات والتصفيات وكانت الاسباب الباعثة لذلك في جميعها متماثلة ومتشابه لحد التطابق الكامل. وما حصل في الحزب الشيوعي العراقي من التشرذم والتمزق والانشقاقات خلال تاريخه الطويل كان تكرارا وانعكاسا لما يحصل في الحركة الشيوعية العالمية فضلا عن ما اضافته الخصوصية الوطنية من الاسباب الذاتية لحصول مثل هذه الانشقاقات الكارثية التي اخرت وعرقله مسيرة الحزب السياسية.
وخلاصة ما نريد قوله من خلال ما تم عرضه في هذه المقدمة، هو ان ما تشهده ساحة الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من صراعات مختلفة على المصالح، ليست صراعات من اجل المصلحة العامة مهما كانت طبيعة وتسمية تلك المصلحة، وطنية، قومية، طبقية، او غيرها. وانما هي في حقيقة الامر صراعات المصالح الشخصية متخذة من المصلحة العامة واجهة اعلامية ووسيلة للتغطية لتحقيق المصالح الشخصية، او كما يقول المثل المصلحة العامة هي كلمة حق يراد بها باطل الذي هو المصلحة الشخصية للكوادر القيادية للاحزاب والحركات السياسية العاملة على الساحة السياسية. هكذا سنجد حقيقة الامر عندما نحلل الامور تحليلا علميا ومنطقيا، وما يجري الان على الساحة العراقية من خروقات وتجاوزات على المصلحة ونهب المال العام واستشراء الفساد الاداري والمالي وانتشار الجريمة خير تجسيد لهذه الرؤية، رؤية صراع المصالح الشخصية تحت غطاء المصلحة العامة، هذا الصراع الذي تقوده الاحزاب السياسية المشاركة في الحكم يقود البلاد يوم بعد اخر الى الهاوية والخراب في كل مجالات الحياة. نقول لهؤلاء كفاكم رياءً ونفاقا وتشدقا بالمصلحة الوطنية العامة وعودوا الى رشدكم ان العراق وطن الجميع وبحاجة الى جهود الجميع موحدة من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه.

303
عمو بابا.. كان رمزاً وطنياً عراقياً كبيرا

ًبقلم: خوشابا سولاقا

لقد كان الراحل الجليل الكبير الخالد الذكر طيلة حياته الرياضية الطويلة الحافلة بالانجازات الرياضية العظيمة مثالا للتواضع والبساطة والمثابرة والنزاهة والاخلاص والوفاء للوطن، رمزا للانسان الوطني العراقي الصميمي المخلص الملتصق بتربة وطنه وحب شعبه بشكل غريب مثير للدهشة، وقد حاول الخالد الذكر ان يجسد ذلك في كل نشاطه الرياضي وانجازاته الكثيرة منذ ريعان شبابه الى اخر لحظة من حياته وهو راقد في المشفى، وقد جسد ذلك بشكل جلي حتى في حياته الشخصية، حيث فضل البقاء والعيش في احضان ارض الوطن متحملا معاناة المرض والرعاية الصحية والوحده على العيش في احضان العائلة في ارض المهجر والغربة، لانه كان مؤمنا ومقتنعا ان الانسان لا يكون حرا ويشعر بكرامته وسمو النفس وشموخ الذات ورفعة الرأس الا في وطنه، وكان مؤمنا بأن الذي يترك وطنه يكون مستعدا لان يترك كل شيء اخر من دون ان يدرك اهمية الوطن في الحياة، هكذا فضل الخالد الذكر البقاء والموت في احضان الوطن بدلا من ان يتيه غريبا مجهولا في بلاد الغربة.. طوبى لك يا ايها الجليل العظيم الخالد يا ابا سامي.. كم كنت عظيما؟ وكم كنت كريما؟ وكم كنت نبيلا وساميا في خلقك واخلاقك، هل ستبقى قدوة لغيرك من ابناء شعبنا العراقي بشكل عام وشعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" بشكل خاص..؟ مثالا ورمزا للوطنية وللاخوة العراقية الحقة..؟
عسى ان تكون كذلك، لانك في ذلك ستضيف مأثرة اخرى الى مآثرك الكثيرة في تخليد اسم العراق.. انك سوف تخلد في تاريخ العراق إبنا باراً ورمزا وطنيا عراقيا كبيرا وشامخا تتباهى بك الاجيال القادمة من ابناء شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" كما يتباهون بآشور بانيبال وسنحاريب وحمورابي ونبوخذنصر وشميرام وبختيشوع وغيرهم من عظماء اجدادنا الذين بنوا حضارة العراق.. يا ابا سامي كما عشت في قلوب العراقيين طيلة حياتك، حيث احبك الجميع من دون استثناء عربا وكوردا وتركماناً وابناء شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري"، مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وإيزيديين، هكذا كنت مثالا للانسان العراقي الاصيل في حياتك وعملك، عسى ان تقتدي بك كرمز للوطنية الخالصة كل المكونات ابناء شعبنا العراقي بشكل عام وابناء شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" بشكل خاص، اليوم يبكيك العراقيون جميعا صغارا وكبارا ويعزي بعضهم البعض وكل لون منهم يحس ويشعر بأنه قد فقدك ولا ينظر اليك انك من أية قومية انت او ماذا كان دينك او مذهبك بل ينظرون اليك كوطني عراقي اصيل غيور معطاء اعطى للوطن من دون مقابل، عدا حب العراقيين له ذلك الحب الذي تجسد يوم مماتك وتشييعك.
هكذا جسدت في حياتك وعملك قول السيد المسيح له المجد "افعل في الناس ما تريده ان يفعلوه فيك" وقوله "احب للناس ما تحبه لنفسك".. انت أحببت العراقيين جميعا وقدمت لهم عطاءً ثرا عظيما في حقل الرياضة والوطنية من اجل إعلاء شأن العراق في المحافل الدولية من خلال الرياضة ورفعت اسمه عاليا بين الامم، فبادلك العراقيون حبا وتقديرا واحتراما وسوف يخلدونك ويقيمون لك النصب التذكارية في ملاعب وساحات العراق بطوله وعرضه وستبقى ذكرى جميلة مؤثرة وخالدة في كل قلب ونفس عراقية مدى الدهر. وستبقى خالدا خلود عظماء العراق الذين سبقوك في ساحات العمل والعطاء، وستبقى نجما لامعا بين تلك النجوم التي سطعت في سماء العراق.. طوبى لك بل الف طوبى يا ابا سامي، انك رحلت من بين صفوفنا بجسدك وتلك هي سُنة الحياة، ولكنك باقٍ بل وستبقى حيا خالدا في قلوب ونفوس محبيك من ابناء العراق لاجيال طويلة، ونلت ما تستحق من المحبة الخالصة والمكانة العالية والتكريم المبجل من جماهير الشعب العراقي في حياتك ومماتك ما لم ينله الا القليل من الابطال العظماء الخالدين في التاريخ.
انك حقا رمز وطني عراقي كبير ونبراس للاخوة العراقية الصميمية الحقة بكل مكوناته كنت شخصا يجسد شعبا كاملا، وشعلة تنير الدرب لمن يريد ان يمثل الوطن تمثيلا صميميا حقيقيا.. واخيرا لا يسعنا الا ان نذرف من عيوننا قطرات الدموع الوداعية اكراما واجلالا وحزنا واسى على رحيلك الابدي من بين صفوفنا يا ايها الجليل الخالد الذكر "عموبابا" شيخ المدربين العراقيين، رحمك الله واسكنك فسيح جنانه ولاهلك واصدقائك ومحبيك الصبر الجميل والسلوان.

304
رؤية استراتيجية للماضي والحاضر من اجل المستقبل القومي لشعبنا "الكلداني السرياني الآشوري"
بقلم خوشابا سولاقا
قبل البحث عن صياغة استراتيجية جديدة لتحقيق الوحدة القومية لشعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" وايجاد اليات واعتماد التكتيكات المناسبة لذلك، لابد لنا من اجراء دراسة علمية وواقعية لوضع شعبنا تاريخيا ومراحل التطور التي مر بها خلال مسيرته لغرض تبيان واكتشاف الاسباب الرئيسية التي ادت الى تمزقه وتشرذمه بهذا الشكل المأساوي والوصول الى ما وصل اليه الان، "شعب واحد بثلاث تسميات". لان مثل هذه الدراسة ستساعدنا وتمكننا حتما من صياغة استراتيجية جديدة  للوصول من خلالها الى ايجاد السبل المناسبة الناجعة لحل هذه المشكلة المعقدة وبالتالي تقودنا الى اكتشاف مفاتيح الحل للعقد المستعصية وتمهيد الطريق نحو الوحدة القومية لشعبنا على كل الاصعدة.
لكن قبل اكتشافنا للاسباب الحقيقية وتحليلها علميا وتفكيك الغازها لابد من العودة الى نقطة البداية لنشأة المشكلة تاريخيا وفلسفيا، ولا يمكن لنا ولكائن من يكون مهما كانت قدراته وامكانياته من تحقيق الوحدة القومية لشعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" من دون  العودة الى تلك النقطة والانطلاق منها.
عليه فان دراستنا تسير على محورين اساسيين، فالمحور الاول للدراسة هو "المحور اللاهوتي" الذي كان احد الاسباب لحصول التمزق بين ابناء امتنا الواحدة كنسيا وقومياً، هذا المحور كان السبب في الانشقاق كنسيا، فظهرت على اثره كنائس عديدة انبثقت من كنيستنا المشرقية الرسولية الجاثاليقية العريقةومازالت ظاهرة الانشقاقات مستمرة لهذا السبب او ذاك الى يومنا هذا.
والمحور الثاني هو محور تاريخي الذي استند اليه واعتمدت خلفياته من قبل من كان وراء الانشقاق في كنيستنا المشرقية لغرض تكريس وشرعنة وتقديم التبرير التاريخي للانشقاق في الكنيسة وتحويل طابعه من تمزق وانشقاق لاهوتي الى تمزق وانشقاق قومي، حيث اخذت تطلق تسميات تاريخية وردت في تاريخ شعبنا قبل المسيحية بغض النظر عن طبيعة وكينونة تلك التسميات لغرض التمييز بين اتباع هذا المذهب وذاك التي ظهرت في كنيسة المشرق في منتصف القرن السادس عشر للميلاد. وبذلك كرس الانشقاق القومي في امتنا عملياً، حيث اصبح اتباع كل مذهب يشعرون بانهم يختلفون عن اخوانهم من اتباع المذهب الاخر في كل شيء بما في ذاك قومياً، وكل ذلك كان من صنع الغرباء الذين قدموا من وراء المحيطات. هكذا ظهرت التسميات الثلاثة بمضامينها ومعانيها المذهبية القومية المزدوجة واستشرت بين ابناء امتنا وكنيستنا المشرقية بقوة كالنار في الهشيم، واخذت الصراعات المذهبية اللاهوتية والتناقضات المعتقدية تشتد وتتعمق وتأخذ طابعاً تناحرياً جيلا بعد جيل الى ان وصلت الى درجة تنكر الاخ لاخيه. وعلى خلفية وارضية هذه الصراعات والتناقضات المذهبية اصبح واقع الحال والقائم حاليا حقيقة واقعة لا يمكن نكرانها وخطا احمرا للجميع لا يمكن تخطيه او تجاوزه من قبل كائن من يكون وذلك حفاظا على مقدسات المذهب وثوابته المطلقة. ومن يتجرأ ويتجاوز على هذه الثوابت يتم اتهامه بالكفر والهرطقة يتطلب تحرمه ان لم يتم رجمه او حرقه.
هكذا كان سبب واصل الخلاف ونشوء المذاهب وانشقاق كنيسة السيد المسيح عالميا، هو الاجتهاد اللاهوتي الذي ظهر في الكنيسة حول طبيعة السيد المسيح وتسمية البتول بام الله او بام المسيح.
كان هناك رأيان حول طبيعة السيد المسيح، فهناك من يقول بان للسيد المسيح طبيعة واحدة وهي طبيعة الهية وبالتالي هو اله كامل وهو ابن الله، وهناك من يقول بان للسيد المسيح طبيعتان، طبيعة الهية باعتباره خلق في رحم البتول بكلمة من الله، وطبيعة انسانية لانه ولد من البتول كما يولد اي مولود انساني بطريقة طبيعية وعاش بين البشر كأي انسان اخر، وصلب ومات على الصليب ودفن كباقي الموتى وقام من بين الاموات في اليوم الثالث.. على ضوء هذا الاجتهاد اللاهوتي بين المجتهدين حول طبيعة السيد المسيح، ظهر الاختلاف الثاني بينهم حول تسمية العذراء. فانصار الرأي بان للسيد المسيح طبيعة واحدة وهي طبيعة الهية وبالتالي هو اله كامل، اطلقوا على العذراء "مريم ام الله". اما انصار الرأي الاخر ان للسيد المسيح طبيعتان، طبيعة الهية وطبيعة انسانية، اطلقوا على العذراء "مريم ام المسيح" المقصود بطبيعته الانسانية.
الطرفان يؤمنان بالوهية السيد المسيح، وفي نفس الوقت يؤمنان بانه ولد من العذراء بطريقة طبيعية كما يولد اي مولود انساني اخر وعاش بين البشر كأي انسان الى ان بدأ التبشير برسالته المقدسة بين بني اسرائيل من اليهود، ثم صلب بتآمر قادة ووجهاء اليهود مع السلطة الرومانية آنذاك بعد ان عذب عذابا شديدا ومات على الصليب مصلوباً ثم دفن بين الاموات كبقية الموتى من اليهود ثم قام من بينهم في اليوم الثالث، كل شيء كان كما ورد في نبوآت انبياء بني اسرائيل الذين بشروا بقدوم المسيح. كل ذلك ومن وجهة النظر الفلسفية البحتة لا تؤشر بوجود اي اختلاف جوهري بين الرأيين سواءً كان ذلك حول طبيعة السيد المسيح، بين ان تكون له طبيعة واحدة الهية او ان تكون له طبيعتان طبيعة الهية واخرى انسانية في الحالتين الرأيان متفقان على الوهية السيد المسيح، اما الاختلاف حول تسمية العذراء "مريم ام الله" او "مريم ام المسيح" فالامران سيان لا اختلاف جوهري بينهما ايضاً، فهي ام الله بطبيعته الالهية وهي ام المسيح بطبيعته الانسانية، لا يوجد في كل ذلك ما يقلل من شأن ومكان وقدسية السيد المسيح او امه العذراء مريم المقدسة. فالخلاف اللاهوتي الفلسفي الذي حصل حول هذا الموضوع، هو خلاف من حيث آلية المناقشة والاجتهاد وليس من حيث المضمون والجوهر. فهو بالتالي لا يختلف عن الخلاف الفلسفي الذي دار بين فلاسفة الاغريق قديما قبل ظهور الديانة المسيحية حول فلسفة كون البيضة من الدجاجة، ام الدجاجة من البيضة. فهناك من قال باسبقية البيضة على الدجاجة، والا من اين وكيف جاءت الدجاجة ما لم تكون هناك بيضة..؟ وهناك من قال باسبقية الدجاجة على البيضة، والا من اين وكيف جاءت البيضة ما لم تكون هناك دجاجة..؟ الافتراضان والسؤالان على قدر كافي من الصواب وقوة الحجة جعلت الطرفين في حيرة من امرهما..!! ولكن الطرفان متفقان ضمنيا وعقليا ان البيضة تبيضها الدجاجة والدجاجة تخرج من البيضة، ولكن من يسبق الاخر فذلك هو الامر المحير وتلك هي عقدة الفلسفة. كان من المفروض ان يتوقف هذا الجدال عند هذا الحد من التفلسف لو كان الطرفان يريدان خدمة قضية الفلسفة بحد ذاتها. كذلك الحال بالنسبة الى المجتهدين اللاهوتين ان اجتهادهم حول طبيعة السيد المسيح وبالتالي اجتهادهم حول تسمية العذراء كتحصيل حاصل ان يتوقف عند الحد قبل حصول الانشقاق والتمزق والتشرذم في كنيسة السيد المسيح له المجد للمحافظة على وحدة الكنيسة والعقيدة المسيحية وليس العكس. ولكن ما العمل اذا كانت طبيعة الفلاسفة والمفكرين والمجتهدين هي الجدال والاختلاف حتى على ما يتفقون عليه..!! وهذه هي مشكلة الفكر والفلسفة وبالتالي مشكلة الانسان عبر تاريخه الطويل.
اما فيما يخص المحور التاريخي، ليس هناك ما يثبت ويبرهن ويؤكد بالدليل القاطع، مثلا ان آشور هل كان الهاً وسميت الوطن باسمه او بالعكس..؟ ام كانت آشور قومية سميت الالهة والوطن باسمها..؟ لا دليل تاريخي لكل ذلك لينهي الجدل والافتراضات العقلية. وكذلك الحال مع الكلدانية التي ظهرت لاول مرة في بابل القديمة، لا دليل تاريخي لدينا ان كانت كلمة الكلدانية تسميه لارض او لآلهة او لقومية، ام كانت مهنة او حرفة او علم معين اطلق اسمه على سكان بابل لكونهم اشتهروا بممارسته في حينها. هذا من جهة ومن جهة اخرى ليس لدينا ما يوضح بالدليل التاريخي ما علاقة موطن الكلدان الحاليين بموطن الكلدان القدماء في بابل..؟ حيث اطلقت تسمية الكلدان على من يسمون بالكلدان حاليا بعد اعتناق قسم من اتباع كنيسة المشرق للمذهب الكاثوليكي في منتصف القرن السادس عشر في شمال العراق حاليا او آشور قديما. كل ذلك لا شأن لنا به الا بالقدر الذي يساعدنا على اكتشاف خيوط الحقيقة التاريخية عن اسباب الفرقة والتمزق والتشرذم مذهبيا في كنيستنا، كنيسة المشرق العظيمة، وبالتالي معرفة اسباب التمزق والتشرذم القومي الذي ندفع ثمنه دما ودموعا غالية وتشتتا وضياعا في بلدان المعمورة اليوم ونعيش كاليتامى والغرباء في ارض الوطن التاريخي ارض الاباء والاجداد ارض "بيث نهرين".
اما ما يخص كلمتي "السريان" و "السريانية" قديما وحديثا لا اعتقد ان هناك اثنان يختلفان حول معنى ومنشأ الاصل التاريخي لهذه التسمية، واعتقد ان ما كتبه الشهيد المرحوم الاب الدكتور يوسف حبي في كتابه "كنيسة المشرق" كافٍ ووافٍ للغرض المطلوب. حيث يقول في صفحة "44 - 45" من كتابه هذا ان كلمة السريان مشتقة من كلمة "سوريا" وتلك بدورها مشتقة من كلمة "آسيريا" وهذه مشتقة من كلمة "آشور" ووفقا للفظ اليوناني "syriac, syrian, syria, assyria, assur" ومهما اختلفت هذه التسميات باللفظ من مكان الى اخر ومن عصر الى عصر فانها تشترك بمشتركات موحدة وكثيرة منذ الايام الاولى من فجر التاريخ لحضارة ما بين النهرين من عهد سومر واكد وبابل وآشور وحتى سقوط نينوى وبابل من بعدها وما بعدها وفجر بزوغ شمس المسيحية ونشوء كنيسة المشرق وبناء اول كنيسة في العالم هي كنيسة "كوخي" في المدائن الحالية وتوسع امبراطورية كنيسة المشرق الرسولية الجاثاليقية من سواحل البحر الابيض المتوسط غربا الى سواحل بحر الصين شرقا تبشر بالرسالة المسيحية، باللغة الارامية، السريانية، الكلدانية، الاشورية سميها ما شئت، فان ذلك لا يغير من الواقع التاريخي والحاضر لابناء هذه الامة العظيمة الشان في الحضارة الانسانية والعالمية شيئا، لانها تسميات متعددة للغة واحدة والتي ابجديتها "آلب، بيث" الى "شين، تاو". وهذا هو المشترك الاعظم، وكذلك هناك الكثير من المشتركات كالاسماء والعادات والتقاليد والازياء الشعبية والثقافة والتراث التاريخي والمصير المشترك والاصرار الشديد على التمسك بالعودة الى الوحدة القومية من قبل ابناء جميع مكونات هذه الامة بكافة تسمياتها الحاضرة "الكلدان السريان الاشوريين"هو خير دليل على كون الجميع "شعب واحد" ،هذا في العصر الحديث، عصر المسيحية وما بعدها.
اما في العصور القديمة ما قبل المسيحية نجد ايضا ان اللغة السومرية والاكدية والبابلية والاشورية هي لغة واحدة موحدة وتكتب بالخط المسماري نفسه وان مفرداتها لا تختلف بين العصر السومري والاكدي والبابلي والاشوري الا بالقدر الذي املاه تطور الحياة الاجتماعية على هؤلاء الناس خلال تلك العصور، اي ان لغة هؤلاء الاقوام كانت واحدة مهما اختلفت تسمياتهم من سومريين، اكديين، بابليين، اشوريين، اي بمعنى اخر كانها كانت لهجات متعددة للغة واحدة ولشعب واحد، كما هو الحال مع الكثير من اللغات المعاصرة مثل العربية والكوردية وحال لغتنا الحالية في العراق. وهذا مجرد مثال نورده من الواقع الذي نعيشه حاليا.
وعند دراستنا لتاريخ هذه المجموعات البشرية التي سكنت ارض العراق من سومر الى آشور خلال ما يقارب اربعة الاف سنة قبل سقوط بابل الاخير، نجد الكثير من المشتركات اضافة الى اللغة المشتركة كالاسماء والطقوس والثقافة والفنون والتراث وغيرها من الامور التي على اساسها تتشكل الامم، هذه المشتركات تدل وبشكل قاطع لا يقبل الشك ان جميع تلك المجموعات البشرية كانت تشكل امة واحدة او هي من اصول قومية واحدة حسب المفهوم الحديث للامة والقومية معا مهما اختلفت تسمياتها المستمدة من اسم الالهة او من اسم الوطن.
كل هذه المقدمات تم استعراضها لغرض الاثبات لابناء شعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" الحالي باننا كنا قديما ومازلنا مهما اختلفت معتقداتنا وتسمياتنا ابناء شعب واحد مهما كانت الاسباب التاريخية واللاهوتية التي فرقتناومزقتنا واوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من تشرذم وتمزق.
وبعد هذا الفهم المشترك لاسباب تشرذمنا وتمزقنا نستطيع ان نصوغ استراتيجية جديدة للوصول من خلالها الى ايجاد السبل الكفيلة والحلول المناسبة لفك الغاز العقد التي تكبلنا وتجعلنا اسرى عاجزين من تجاوز واقعنا المرير والتصدي لعوامل ضعفنا الداخلي وتقليص هوة اختلافنا وخلافاتنا التاريخية واللاهوتية وعدم الثقة بين مكوناتنا، وبالتالي تحقيق المصالحة والسلام في كنائسنا ومجتمعنا. ان تحقيق المصالحة والسلام في كنائس شعبنا يشكل المنطلق و الاساس المادي الذي منه ننطلق لبناء وحدة شعبنا القومية وعلى شكل مراحل وليس بدفعة واحدة وبقدرة قادر كما يتخيل البعض من الحالمين القصيري النظر وهواة السياسة الديماغوجية من المتعصبين والمتشددين على ما هم عليه الان من التسمية والمذهب من ابناء شعبنا سواءً اكانوا في الكنيسة او الاحزاب السياسية او مؤسسات المجتمع المدني او في اي موقع اخر من مجتمعنا "الكلداني السرياني الاشوري".
عليه ارى على ضوء المعطيات المذكورة والموجودة على الارض التي نعمل عليها ان تكون استراتيجيتنا الجديدة مبنية على ثلاثة محاور تسير بشكل متواز لا تتقاطع مع بعضها ولكنها تلتقي في تحقيق الهدف النهائي في خلق وتوفير المستلزمات المادية لانجاز وحدة شعبنا القومية.
وهذه المحاور الثلاثة هي على التوالي كما يلي:

اولا: المحور اللاهوتي المذهبي
بالنظر لكون التشرذم والتمزق في صفوف شعبنا والانشقاقات التي حصلت قد انطلقت من الخلافات الاهوتية في الكنيسة كما تم التوضيح، عليه فان بداية العمل للانطلاق نحو تحقيق الوحدة القومية يجب ان تنطلق من الكنيسة ولكن ليس بالوسائل السياسية والتدخل في الشأن السياسي من خلال جعل الكنيسة بالقائمين عليها بديلاً للمؤسسات السياسية، بل ان تبقى الكنيسة تعمل ضمن اختصاصها في بناء وخلق وعي لدى الرعية بضرورة تجاوز ونسيان احقاد الماضي وتأسيس لثقافة جديدة ثقافة المحبة والتسامح والسلام التي تشكل جوهر العقيدة المسيحية، والعمل على اسقاط كل ما يسيء للاخر ويرفض قبوله والتعايش معه بسلام من طقوس وممارسات كنسية ادخلت الى كنائس شعبنا بعد الانشقاقات، والتبشير بأن تكون جميع كنائس طوائف شعبنا هي كنائس للجميع، واسقاط كل الحُرمات التي صُدرت في كنائسنا ضد بعضها البعض وبالتالي خلق المصالحة والسلام في كنائسنا ومجتمعنا. كما وليس من حق المؤسسات السياسية لابناء شعبنا التدخل في الشؤون الدينية عدا ما تستطيع تقديمه من الدعم المادي والمعنوي الذي يخدم الهدف العام، عملا بقول السيد المسيح له المجد "اعطوا لله ما لله واعطوا لقيصر ما لقيصر" ولغرض تحقيق هذا الهدف "السلام في الكنيسة" على القائمين على كنائس شعبنا فتح حوار لغرض عقد مجلس مسكوني او على غراره للآباء الاجلاّء لكنائس طوائف شعبنا شعبنا لدراسة حالة التشرذم والتمزق في كنائس شعبنا وبالتالي اصدار القرارات والفتاوى بما يحقق السلام والمصالحة في كنائسنا دون المساس بخصوصياتها المذهبية، دون ان يكون هناك اي تدخا مباشر او غير مباشر للمؤسسات السياسية في هذا الشأن حفاظا على استقلالية قرار المؤسسة الدينية.



ثانيا: المحور السياسي القومي
انطلاقا من ايماننا بالنهج الديمقراطي وبالتعددية الحزبية والسياسية وقبول الاخر وعدم الايمان بسياسة الاقصاء والتهميش والاستئثار بالقرار السياسي على المستوى القومي والوطني لابناء شعبنا، والايمان بان الشعب مصدر السلطات عليه بالتالي عدم الايمان بمصادرة اراء وحرية الاخرين من العمل السياسي على الساحة القومية. لذلك يتطلب من المؤسسات السياسية لابناء شعبنا التي تمتلك قرارها السياسي المستقل في هذا المجال فتح الحوار الصريح والصادق مع بعضها وبدون شروط مسبقة لاجل توحيد الرؤى والاراء وبالتالي توحيد الخطاب السياسي لها على المستوى القومي والوطني للعمل المشترك..
اما تقرير الحكم النهائي في كل شان قومي بحق اي طرف من الاطراف السياسية العاملة على الساحة القومية وتقييمه يكون من حق جماهير الشعب وليس ذلك من حق اي طرف سياسي -كائنا من يكون- ان يجعل من نفسه بديلا للجماهير، ومعيارا لتقييم الاخرين، هذه الرؤية في العمل السياسي تعتبر قمة الممارسة الديمقراطية في العمل السياسي الجماهيري الايجابي.


ثالثا: المحور السياسي الوطني
انطلاقا من ايماننا بالولاء الوطني قبل اي ولاء اخر والنهج الديمقراطي والشراكة في الوطن من اجل بناء عراق ديمقراطي اتحادي تعددي حر، يضمن الحقوق القومية والدينية والسياسية لجميع مكوناته وتساوي الجميع امام القانون يتطلب من  مؤسساتنا السياسية المختلفة اعتماد سياسة وطنية راسخة بامتياز مبنية على اسس رصينة متينة فيها بعد نظر للامور القومية والوطنية وليس سياسة ردود افعال آنية لافعال وتجاوزات الاخرين وكذلك لاحداث آنية تحصل هنا وهناك على الساحة الوطنية والدولية، والابتعاد عن سياسة الاقصاء والتهميش والاستئثار بالقرار السياسي والسلطة على اساس عزل وتجيم الاخر.. عليه يتطلب من مؤسساتنا السياسية دائما القيام بدراسة الواقع السياسي العراقي بكل مكوناته وتياراته السياسية المختلفة وتحديد الاصدقاء الصديق الاقرب قبل البعيد ومعرفة الخصوم لا اقول الاعداء، لانه من المفروض بنا ان لا يكون لنا عدو من الفصائل الوطنية مهما اختلفنا معها بالرأي. وان نقرأ ونحلل الاصطفافات السياسية المستجدة التي تحصل وتتغير باستمرار على الساحة السياسية الوطنية لنتمكن من اختيار موقعنا وتحديد موقفنا اين نقف مع من وضد من ضمن قواعد اللعبة السياسية الديمقراطية في مؤسسات الدولة المعنية بالقرار السياسي والتشريعات القانونية لكي لا نتفاجئ بما هو غير متوقع الحصول. وعلى مؤسساتنا السياسية بكل فصائلها المختلفة ان تفتح قنوات الحوار الوطني الديمقراطي مع كافة الفصائل السياسية الوطنية من كل مكونات الشعب العراقي وان تكون لها افضل العلاقات مع الجميع. وان تبتعد عن سياسة الطعن والتشهير والتجريح والتحقير للاخر مهما كان الاخر وان نوعّي ابناء شعبنا من الكوادر السياسية العاملة في الاحزاب والجماهير الشعبية -على اختلاف مستوياهم الثقافية،- وان نجعل من هذا النهج والسلوك تقليدا وعرفاً سياسياً وشعبياً خطاً احمرا للجميع لا يجوز تجاوزه مهما كانت المبررات، سواء كان ذلك في التعامل الرسمي او الشخصي. باعتماد هذه السياسة نوسع من رقعة اصدقاء ومؤيدي شعبنا ومؤسساتنا السياسية على المستوى الوطني.
ان اعتماد هذه الاستراتيجية وتطبيقها على المحاور الثلاثة سيرفع من مستوى وشأن مؤسساتنا السياسية والكنسية بين الجماهير على كل المستويات وسنفَّعْل من دورها التاريخي في النضال القومي والوطني، وسنقوّي ونوسع القاعدة الجماهيرية لها بين ابناء شعبنا بصورة خاصة والشعب العراقي بصورة عامة وهذا ما امتنا بأمس  الحاجة اليه في ظروفها الحالية التي تم التطرق اليها دائما وابدا.

305

ملاحظات لتصحيح معلومات محرفة عن "الحكومة العراقيةوقضية الآشوريين"

بقلم:خوشابا سولاقا
لقد اصابني والكثيرين من ابناء شعبي "الكلداني السرياني الآشوري" الاستغراب والدهشة عندما قامت جريدتكم الغراء "الدستور بنشر مقال " في ملحقها البعد القريب للعدد "1604 " في 18 / اذار / 2009  عن موضوع لايفيد نشره في المرحلة العصيبة الحالية التي يمر بها العراق باي شيء مفيد ألاّ وهو "الحكومة العراقية وقضية الآشوريين" بقلم الاستاذ خالد خلف داخل، وخصوصاً انه قدم الموضوع حسب وجهة نظر ما وثقته مصادر الحكومة العراقية الرسمية على ما اعتقد مثل كتاب "تاريخ الوزارات العراقية" لمؤلفه السيد عبد الرزاق الحسني او غيره من الكتب التي الفها كتاب عراقيين اخرين من الموالين للحكومة العراقية في حينها. طبيعي هؤلاء عرضوا القضية بشكل مشوه وغير دقيق طمساً للحقيقة التاريخية محاولين بذلك كما جرت العادة مع كتاب الحكومات تحميل الجانب الآشوري مسؤولية ماحصل من القتل الجماعي في سميل حيث قتل اكثر من اربعة الآف آشوري من الابرياء العزل من النساء والاطفال والشيوخ في مجزرة رهيبة يندى لها الجبين لم يحصل لها مثيل في تاريخ العراق لا لجرم ارتكبوه هؤلاء المساكين بل لانهم ارادوا ان يعيشوا في كنف ارض وطن الاباء والاجداد بأمن وامان، وقد لمح الاستاذ الكاتب المحترم الى المجزرة من بعيد وتجنب ذكر تفاصيل ماحصل من البشاعة، كما ذكر ذلك في الاسطر الاخيرة من مقاله. لذلك اسأل الاستاذ خالد لماذا تذكر اموراً ليس لها قيمة انسانية ولا قيمة تاريخية مثل ذكرك لجفاء الاشوريين في التعامل مع العراقيين وتجاهلهم لدوائر الدولة العراقية ومراجعتهم للمستشارين الانكليز ان كان في ذلك شيء من الصواب طبعا، ولكنك لم تذكر شيئا عن مذبحة "قرية سميل التي بقرت فيها بطون الحوامل من النساء وقتل رجال الدين والشيوخ وهم حاملين العلم العراقي فوق رؤوسهم ومعلقين شهادة الجنسية العراقية في رقابهم" كأنك تفعل كما قيل "قتل امريءِ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن قضية فيها نظر".. ان الآشوريين كانوا ضحية السياسة الاستعمارية لبريطانيا في المنطقة حيث استغل الانكليز سذاجة وامية العشائر الآشورية وشجاعة مقاتليها تحت واجهة الدين لتحقيق اغراضهم واهدافهم الاستعمارية الدنيئة ببشاعة ودناءة من دون رحمة. وحين ادرك الآشوريون هذه السياسة القذرة لبريطانيا اخذوا يطالبون الانكليز بقوة على تنفيذ وعودهم لهم التي وعدوهم بها مقابل دخولهم الحرب الى جانبهم كحلفاء وليس إلاّ، وخصوصاً بعدما حصل لهم من المآسي والمعاناة الكبيرة جراء الهجرة الطويلة من مناطق سكناهم في منطقة هيكاري في تركيا الحالية مروراً بايران ثم دخولهم وعودتهم الى ارض الوطن الام "العراق" بعد ان فتكت بهم الامراض وفعل القتل والجوع  فيهم الشيء الكثير من الآلام والجروح العميقة، حيث فقدوا خلال هذه الرحلة المأساوية ما يقارب من نصف عددهم الى ان استقر بهم المطاف اخيرا في مخيمات مزرية حول مدينة بعقوبة في ديالى غير مستوفية لابسط الشروط الصحية التي تليق بالانسان. لقد عمل الانكليز على اثارة الفرقة والفتنة بين صفوفهم وذلك بتأليب القيادات العشائرية على قيادة مار شمعون الدينية كرئيس للكنيسة بذريعة فصل القيادة الدنيوية عن القيادة الدينية له وهذه السياسة الخبيثة القائمة على المبدأ الاستعماري الشائع والسيء الصيت "فرق تسُد" اضعفت وحدة وتماسك وتمحور الآشوريين من الداخل هذا من جهة، ومن جهة اخرى عمل الانكليز على اشاعة الفرقة القومية والدينية بين الآشوريين المسيحيين من جهة وبين اخوانهم من العرب والكورد والترك المسلمين من جهة اخرى وذلك لوضع الآشوريين امام الامر الواقع مضطرين ومرغمين لا يجدون امامهم بديلاً لحمايتهم من اعتداءات الاخرين غير الانكليز اخوانهم في الدين!!. ان الآشوريين خلال تاريخهم الطويل في مناطق سكناهم في كل من تركيا وايران والعراق الحالي وسوريا بعد رحيلهم اليها بعد مذبحة سميل لم يبادروا بالأعتداء على احد من جيرانهم من الترك والفرس والكورد والعرب بل كانوا دائما في حالة الدفاع عن النفس عندما يعتدي عليهم الاخرون وما مذابح بدرخان والاتحاديين الترك ومجزرة سميل ومذبحة قرية صورية حديثا إلاّ خير دليل على ذلك. ومنذ مذبحة سميل والى يومنا هذا لم يصدر عن الآشوريين اي فعل معاد للوطن ولم يظهر بين صفوفهم اي نشاط جاسوسي لصالح الاخرين معادي للوطن على عكس بقية جيرانهم. احب ان أذكّر الاستاذ الكاتب كيف ان الثلاثي الخياني النازي المتآمر على العراق مدشني عصر الانقلابات العسكرية والمؤامرات في العراق الحديث والذين هم من اصول قومية غير عربية امثال "حكمت سليمان التركي ذي العقلية والثقافة العثمانية المتخلفة ورشيد عالي الكيلاني النازي في ثقافته ونزعاته وهذا معلوم لدى كل عراقي مثقف مطلع على تاريخ وسيرة هذه الشخصية المثيرة للجدل وبكرصدقي العسكري المغامر والمتطرف في ميوله الدينية ونزعاته العسكرية كيف استغلوا غياب الملك فيصل الاول ونوري السعيد خارج العراق من جهة وتهور وطيش ولي العهد الشاب الملك غازي من جهة اخرى وهيئوا المبررات الموضوعية المفبركة والشرعية القانونية لذبح الاشوريين تنفيذا لما سبق وان صرح به النازي "رشيد عالي الكيلاني" بانه سيفعل بالاشوريين في العراق ما فعله الاتراك بالارمن في تركيا والمقصود بذلك مذابح الارمن.. عزيزي الاستاذ خالد لمزيد من التنوير بدور هؤلاء الثلاثة بحق العراق وشعبه وبدوافع ونزعات شخصية وانانية حمقاء يمكنك العودة الى كتاب الدكتور علي الوردي "لمحات اجتماعية عن تاريخ العراق الحديث" وكتاب الاستاذ عبد المجيد حسيب القيسي الموسوم "الاثوريين.. هوامش على تاريخ العراق السياسي الحديث" وما جسده بوضوح تام المسلسل التلفزيوني "الباشا" الذي عرضته قناة الشرقية الفضائية مشكورة في شهر رمضان المبارك لتجد ان الحقيقة التاريخية بخصوص قضية الاشوريين وما اتهموا به من خيانة وطنية وعمالة للمستعمر ومطالبتهم بحكم العراق او محاولتهم لانشاء دولة او منطقة حكم ذاتي خاص بهم وعلى حساب الاخرين من سكان العراق، ستجد ان كل ذلك لا وجود له في الحقيقة وانما ذلك من صنع وفبركة خيال العقليات الشوفينية الحاقدة من عناصر دخيلة غير عربية الاصول امثال قادة مجزرة سميل والمذكورين آنفاً. ان خلوا تاريخ الاشوريين الحديث في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الاولى والى يومنا هذا من اي نشاطات عدائية او جاسوسية تضر بمصلحة الوطن ووحدة اراضيه، وهذا يكفي ان يكون شاهد عيان واثبات تاريخي على عراقية ووطنية الاشوريين الأصيلة لا ينافسهم ولا يزايدهم عليها احدا من الاخرين من مكونات الشعب العراقي.
من اجل القاء المزيد من الضوء على الاحداث قبل مذبحة قرية سميل في دهوك عام 1933 لابد لنا من ذكر وسرد بعض الحقائق التاريخية التي تم تشويهها وتحريفها عن عمد من قبل مؤرخي الحكومة الرسميين في حينها لتبرئة ذمة القائمين على الحكم من جريمة ماحصل في مذبحة سميل. بعد ان تبين للاشوريين ان الانكليز نكثوا بوعودهم لهم حول اعادتهم الى مناطق سكناهم في تياري وهيكاري في تركيا وحمايتهم خوفا من انتقام الاتراك منهم لانهم دخلوا الحرب الى جانب الحلفاء ضد دول المحور الذي يضم الدولة العثمانية. طلب الاشوريين من الانكليز اسكانهم في العراق بدلاً عن مناطق سكناهم الاصلية في تركيا فظهر على إثر هذا الطلب مشروعان للاسكان.
* المشروع الاول يدعو الى اسكان الاشوريين في منطقة واحدة لكي يتمكنوا من حماية انفسهم من اعتداءات الجيران لاسباب عديدة بحكم تجربتهم الكبيرة والمريرة في هذا المجال وكان مع هذا المشروع قداسة البطريرك وبعض رؤوساء العشائر الاشورية وقد نال المشروع تأييد بعض قادة الانكليز من غير صناع القرار الاتكليزي في العراق والمتعاطفين مع طلبات الاشوريين كونهم حلفاء مخلصين لهم في الحرب وقدموا الكثير من التضحيات، ورفض المشروع من قبل الحكومة العراقية في حينها لاسباب خاصة بها تم الاشارة اليها سابقاً ضمنا ومن قبل اصحاب القرار من قادة الانكليز وبعض القيادات العشائرية الآشورية لاسبابها الخاصة هي الاخرى.
* المشروع الثاني: يدعو الى اسكان الاشوريين في مناطق متعددة لكي تسهل عملية السيطرة عليهم ازاء اي خطر مستقبلي ينشأ منهم وبالذات انفصال وتشكيل دولة خاصة بهم وهذا الاعتقاد كان مجرد وهم من صنع خيال الحكام الشوفينيين في بغداد وليس الاّ. حيث لم يكن في مخيلة الاشوريين ولا في تصوراتهم المستقبلية مثل هذا التصور غير الواقعي الذي لا يتقبله العقل، وكان هذا المشروع هو مشروع الحكومة العراقية والانكليز وبعض رؤوساء العشائر الاشورية المتعاونة معهم والسائرة في ركابهم وتم رفضه من قبل البطريرك مارايشاي شمعون والموالين له من رؤوساء العشائر الاشورية. وبعد تفاقم الاوضاع في مخيمات الاشوريين المزرية واشتداد معاناتهم الانسانية وتجاهل الانكليز لوعودهم تصاعدت شدة مطالبتهم للانكليز بحسم الموضوع بسرعة، وعلى اثر هذه المستجدات والاحداث السريعة في المواقف وضغط الاطراف الشوفينية الحاقدة في الحكومة العراقية في ظل غياب الملك فيصل الاول ووزير خارجيته نوري السعيد تم إستدعاء المار شمعون من الموصل الى بغداد ووضع تحت الاقامة الجبرية ثم نفي الى خارج العراق لاحقا. ولضرورة التوضيح نتوقف عند هذه النقطة ونتسأل، لو كان في نية المارشمعون واتباعه شيء مما ذكر عن محاولاته كما ورد في المصادر التاريخية للحكومة العراقية التي وثقت هذه الاحداث في حينها، لماذا قبل المارشمعون بالحضور من الموصل الى بغداد لو لم تكن نيته صافية وخالية من اية مطالب تضر بالمصلحة الوطنية العراقية ولا يرتضيها العراقيين؟. بعد ان وضع المارشمعون تحت الاقامة الجبرية في بغداد وقطعوا صلته واتصالاته بانصاره حصل اجتماع في بناية متصرفية الموصل حضره ممثلي الانكليز والحكومة العراقية المتمثلة بخليل عزمي نائب متصرف الموصل وممثلي الجانبين من الاشوريين، كان الاجتماع قصيرا حيث طلب من انصار البطريرك مارشمعون الاختيار بين القبول بمشروع الحكومة للاسكان وبين المغادرة للعراق وقد حصل ذلك تحت تهديد السلاح. فاختاروا انصار المارشمعون المغادرة الى سورية ولم يكن هناك اي اتصال مسبق للسيد مالك ياقو بالفرنسيين حول قبولهم في سورية من عدمه. كما ورد في المقال المنشور. ولمزيد من المعلومات التفصيلية عن الاحداث التي حصلت لاحقا وانتهت بمذبحة "قرية سميل" ادعو القارئ الكريم بالعودة الى كتاب السيد عبد المجيد حسيب القيسي المذكور آنفا والذي انصف فيه التاريخ وحكم الاجيال اللاحقة للاحداث في هذه القضية، لكون لا يسعنا ذكرها بالتفصيل في مثل هذا المقال المحدود المساحة.
وفي الختام لا يسعني الاّ ان اقدم جزيل شكري وتقديري للاستاذ خالد خلف داخل على مقالته لانه حفزني على الكتابة عن هذا الموضوع لاجل توضيح الحقيقة التاريخية عن احداث مأساوية حصلت لشعبنا "الكلداني السرياني الاشوري" قبل اكثر من خمسة وسبعين عاما مضت. ان التاريخ كان وسيبقى ساحة مفتوحة لمن يبحث عن الحقيقة التاريخية ويستنبط منها ما يراه مفيدا لخدمة قضية الحرية والسلام والديمقراطية والاخوة الانسانية من اجل بناء عالم جديد افضل يليق بأنسانية الانسان، عالم خال من العنف والتفرقة العنصرية، آملاً ان اكون قد قدمت ما فيه الكفاية من الادلة والقرائن لتوضيح الغموض واللبس في هذه القضية المآساوية للانسان الآشوري بشكل خاص والانسان العراقي بشكل عام، القضية التي هزت العالم في حينها، قضية مآساة الشعب الآشوري، هذا الشعب الصغير في عدد نفوسه حاليا والكبير في تاريخه وتراثه وعطائه وحضارته وارثه الثقافي الانساني الذي اعطى للانسانية جمعاء اكثر بكثير مما اخذ، مأساة يندى لها جبين الانسانية وتبقى الى أبد الدهر لطخة عار وخزي في جبين وتاريخ صانعي تلك المآساة البشعة من الاستعماريين الاوغاد والشوفينيين الانذال والخونة المارقين.

306
رؤية الحركة الديمقراطية الآشورية لمشروع الحكم الذاتي في سهل نينوى...
"لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري"

خوشابا سولاقا
 
 ان ما طرح وقيل ومازال يطرح ويقال يوميا وفي كل ساعة بمناسبة وبدون مناسبة عبر مختلف وسائل الاعلام المقروءة والمرئية والمسموعة والمواقع الالكترونية في جميع بلدان العالم التي اصبحت اوطان المهجر لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، ولمختلف الاحزاب والفصائل والكتل والتجمعات السياسية وغير السياسية المحترفة منها والهاوية للسياسية حالها حال بقية الهويات وحتى افراد وشخصيات دينية كنائسية من جميع طوائف شعبنا، مهما كانت درجة استقلالية القرار السياسي لهذه الاحزاب والتكتلات بمختلف تسمياتها والوانها وشعاراتها وحجمها وتاثيرها الفعلي على ارض الواقع لشعبنا، ومهما كان نضجها السياسي والفكري ووضوح نهجها واستراتيجيتها ورؤيتها لمستقبل ابناء شعبنا، ومهما كان فهمها ودراستها للواقع الجغرافي والطوبوغرافي لمنطقة سهل نينوى تلك المنطقة التي اصبحت صلاة الصبح والمساء لكل مؤمن وغير مؤمن بما يدعي به من اهداف لابناء شعبنا في هذه المنطقة، ومهما كانت توقعاتها القريبة والبعيدة والانعكاسات والتداعيات السلبية منها والايجابية التي تترتب على حياة ابناء شعبنا جراء المطالبة بما يطالب به كل طرف من هذه الاطراف على هواه من شكل الحقوق في سهل نينوى بشكل خاص والعراق بشكل عام، هذا ان كانوا فعلا قد فكروا بهذه الامور وادخلوها في حساباتهم السياسية اصلا.
فهناك مشاريع عديدة يتم المطالبة بها لنيل حقوق ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري من مختلف الاطراف في سهل نينوى، فهناك من يطالب باقامة منطقة الحكم الذاتي في هذه المنطقة لابناء شعبنا، كما هناك من يطالب باقامة فيدرالية في سهل نينوى خاصة لابناء شعبنا على غرار فيدرالية كوردستان، كما يحلو للبعض الاخر من هذه الجهات والمقيمة في بلدان المهجر بعيدة كل البعد بعد السماء عن الارض وعن واقع شعبنا داخل الوطن ومعاناته من جهة وبعيدة اكثر عن المعطيات للوضع السياسي العراقي الحالي الذي هو بطبيعته امتداد طبيعي للماضي القريب والبعيد مع اختلافات ظرفية بسيطة، ومجرد لتذكير هؤلاء بما سمعوه وقرؤوه عن تاريخ شعبنا المعاصر ان ما حصل في سميل عام 1933 قد يتكرر وبشكل مضاعف الان لان مثل من خططوا لمجزرة سميل ومثل من نفذوها بدم بارد موجودون اليوم بقوة اكبر ولكن بوسائل جديدة تختلف عن تلك التي استعملت في مجزرة سميل، انا لا اريد تثبيط معنويات هؤلاء بقدر ما اريدهم ان يكونوا واقعيين وموضوعيين ولا يسبحون في بحار الخيال من ذكر هذه العبرة من حياة شعبنا.
وهناك من يفكر احتمالا ليس الا باقامة دولة مستقلة خاصة بابناء شعبنا في ارض الاباء والاجداد التاريخية "آشور" منطلقا في رؤيته من حق الشعوب في تقرير المصير من جهة وكون منطقة سهل نينوى بشكل خاص والعراق "بيت نهرين" عموما هو الوطن التاريخي لاباء واجداد وابناء شعبنا.
كل هذه الرؤى من وجهة النظر النظرية ممكنة ومشروعة ومن حق اصحابها ان يفكروا بها، باعتبارهم انهم الان اصبحوا يعيشون في بلد ديمقراطي حر بامتياز، واصبح شعبه بقدرة قادر بين ليلة وضحاها مستوعبا وبامتياز ايضا لمتطلبات الحياة الديمقراطية ومؤمنا ايمانه بالدين والله تعالى بالتعايش السلمي بين مكوناته القومية والدينية والمذهبية والطائفية المختلفة، وانه قد تجاوز ثقافته المؤسسة على تعصبه القومي والديني والمذهبي الموروثة من عمق التاريخ عبر مختلف مراحل تطور حياته الاجتماعية، وان الفرد العراقي قد اصبح يرى ويؤمن بان كل ما هو من حقه في هذا البلد يراه ويؤمن بقبوله ان يكون من حق الاخرين ايضا، واصبح شعب العراق شعبا لا يفكر الا بعمل الخير والتقوى والتضحية من اجل تاسيس لثقافة الحوار الاخوي والوطني والسلم الاهلي والتعايش السلمي، ثقافة المحبة والسلام وحب الوطن، ثقافة العيش بحرية وكرامة لجميع افراده دون التمييز بينهم على اساس العِرق والدين والمذهب.. في مثل هذه الظروف يكون التفكير بمثل هذه المشاريع لنا ولغيرنا تفكيرا منطقيا وعقلانيا وموضوعيا وقانونيا الى حد كبير. وفي حالة كون الواقع الموضوعي مناقضا لما تم ذكره ووصفه يصبح التفكير بمثل هذه المشاريع للجميع ضرباً من التفكير الجنوني الانتحاري، لان العمل من اجل تطبيق مثل هذه الافكار غير الواقعية لا يؤدي الا الى تقديم تضحيات كبيرة دون مقابل وشعبنا غير قادر بل وغير مستعد لتقديمها من اجل انعاش ما يدغدغ عقول ومشاعر وصدور من يعيش خارج الواقع الموضوعي لشعبنا، بل يعيش في عالم خاص به غير موجود الا في خياله وعقله المريض، وما كانت معاناة ومآسي شعبنا في تاريخه المعاصر الا نتائج لمثل هذه الافكار الخيالة وغير المنطقية لبعض من كان يقوده في حينها يزايد بها على غيره.
وهناك من يفكر بعقلانية وموضوعية واقعية منبثقة من واقع شعبنا، آخذا بنظر الاعتبار كل الوقائع والمعطيات الموضوعية على الارض وانعكاساتها وتداعياتها المحتملة السلبية والايجابية الانية منها والمستقبلية على ابناء شعبنا في منطقة سهل نينوى بشكل خاص وفي العراق عموما. وعلى ضوء هذه القراءة الموضوعية لواقع شعبنا من جهة ولواقع العراق عموما من جهة اخرى بلور رؤاه وصاغ افكاره ومنطلقاته النظرية وبنى استراتيجية واستنبط تكتيكاته المرحلية واليومية للعمل من اجل المطالبة بما يراه مناسابا وفي متناول اليد وممكن تحقيقه باقل جهد واقل تضحيات ممكنة ومنسجما مع مستوى طموحات وامكانيات ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، وما ممكن تحقيقه وفق القانون والدستور وقبوله من قبل الاخرين من مكونات الشعب العراقي وسكان محافظة نينوى تحديدا، لما للاحتقانات القومية والدينية والتي هي من مورثات العهد العثماني باغلبها والقائمة اساسا على ثقافة التمييز القومي والديني ورفض الاخر وعدم قبوله والتعايش معه، هذا من جهة ومن جهة اخرى ما اضافته التيارات الدينية والتكفيرية المتشددة في محافظة نينوى وقصباتها حديثا بعد سقوط النظام الصدامي السابق، اضافة الى كون المحافظة المذكورة ومنذ العهد العثماني وما بعده من عصر النهضة العربية القومية كما يحدثنا التاريخ كانت موطنا للفكر القومي العربي المتشدد والرافض لكل وجود قومي اخر غير العربي، وهناك الكثير الكثير من الاسباب من هذا القبيل وغيرها من اسباب التمييز بين مواطني هذه المحافظة لا اريد ان اذكر نماذج منها احتراما للمشاعر وابتعادا عن نبش مساوئ التاريخ، ولكن اكيد ان المطلعين على تاريخ مدينة الموصل يعرف ويتذكر الكثير من نماذج التمييز والتحقير للاخر والتي كرست ورسخت الاحقاد والضغائن وعمقتها الى حد كبير ومازالت اثارها باقية وسائدة الى اليوم الى حد ما. وبالنظر لكوني عشت فترة من شبابي في مدينة الموصل تعرفت عن كثب وعن قرب على الكثير من اسباب التمايز. هذه الاسباب مجتمعة جعلت العقلانيين من نخبنا السياسية ان تفكر بعمق وعقلانية وموضوعية وواقعية قبل ان تطرح مشروعها لنيل الحقوق القومية والسياسية لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري.
بناءً وتاسيساً على كل هذه المعطيات الموجودة فعلا على ارض المشروع المطروح موضوع البحث والوضع السياسي القائم في العراق الحالي بكل تعقيداته وتناقضاته وكون منطقة سهل نينوى متعددة القوميات والاديان والمذاهب بالاضافة الى كونها منطقة صراع للنفوذ بين حكومة اقليم كوردستان من جهة والحكومة الاتحادية وسكان المنطقة من غير الكورد من جهة اخرى. عليه اصبح ابناء شعبنا وغيرهم من الاخوة الايزيديين والشبك ادوات للاستغلال والمساومة من اجل تحقيق اجندات الاطراف المتصارعة من الاخوة العرب والكورد حول كسب تبعية سهل نينوى بين ان تكون ضمن حدود اقليم كوردستان كما يريد الكورد، او ان تكون تابعة للحكومة المركزية الاتحادية كما يريدها العرب وسكان المنطقة من غير الكورد، او ان تستحدث من هذه المنطقة محافظة قائمة بذاتها تتمتع بحكم ذاتي يدار من قبل سكان السهل من ابناء الاقليات التي تسكنه وتشكل الغالبية العظمى فيه، لتتمكن هذه الاقليات من ممارسة حقوقها القومية والدينية والسياسية وفق نظام الادارات المحلية لمؤسسات الدولة في الوحدات الادارية التي تتشكل في المحافظة المستحدثة وعلى اساس هيكلية الحكم الذاتي الذي يتم اقراره من قبل مجلس النواب العراقي، ويتم تقسيم السلطة السياسية والادراية بين سكان منطقة الحكم الذاتي حسب نسبة السكان في كل وحدة ادارية فيه. لذلك كانت الحركة الديمقراطية الاشورية وبدعم ومساندة المثقفين والواعين من ابناء شعبنا الغيارى في داخل الوطن وبلدان المهجر والحرصين على مصالح وحقوق وامن شعبنا واستمرار بقائه في ارض الوطن، قد رفضت رفضا مطلقا كل تلك المشاريع التي لا تمتلك اسباب استمرارها ونجاحها على ارض الواقع من جهة ومن جهة اخرى كونها لا تخدم مصلحة وحدة العراق ارضا وشعبا وبالتالي مصلحة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري التي هي جزء من مصلحة الامة العراقية التي شعبنا يكَّون جزءاً منها ايضا.. كما سيكون شعبنا الخاسر الاكبر من الاستمرار بمطالبة بمثل تلك المشاريع ويكون اداة بيد غيره في لعبة صراع النفوذ التي لا يمتلك فيها من الادوات والامكانيات التي تؤهله وتجعل منه طرفا مكافئا للاطراف الاخرى التي تشترك في صراع النفوذ والهيمنة على المنطقة.
 حتى في حالة حصول اجماع الرأي مع الاخوة الايزيديين والشبك لتشكيل طرف ثالث للصراع. وعليه ووفقا لمواد الدستور العراقي فان الحركة الديمقراطية الاشورية تؤيد مشروع الحكم الذاتي لمنطقة سهل نينوى بعد استحداث محافظة خاصة بها بعد اقرار ذلك من قبل مجلس النواب العراقي وفق الاصول الدستورية واستفتاء سكان المنطقة على ذلك، وان تتقاسم سلطات الحكم الذاتي بموجب قانون الادارات المحلية حسب نسب السكان لكل وحدة ادارية من العرب والكورد والايزيديين والشبك وابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وان يكون ارتباطه تحديدا بالحكومة الاتحادية حصرا وليس باية حكومة اقليمية او محلية اخرى. ولا تؤيد الحركة الديمقراطية الاشورية قيام حكم ذاتي في سهل نينوى فقط لابناء شعبنا، اي ان تكون السلطة بكاملها بايديهم دون مشاركة الاخرين من سكان السهل كما يطالب البعض وان ابناء شعبنا يشكلون نسبة "20%" او بحدودها من سكان السهل. ماذا سيكون مصير الاخرين وماذا سيكون رد فعلهم وهم يشكلون نسبة بحدود "80%" من السكان..؟ الحركة الديمقراطية الاشورية ليست بصدد شراء وخلق اعداء جدد لابناء شعبنا، بل هي بصدد كسب صداقة وود ومحبة كل مكونات الشعب العراقي الذي يعيش معه في كل بقعة من ارض العراق.. ولهذا فأن الحركة الديمقراطية الاشورية تؤيد الحكم الذاتي في سهل نينوى بكامل سكانه وترفضه ان يكون فقط لابناء شعبنا دون رضا وقبول الاخرين، لانه سيكون حقاً غير منطقي وغير قابل للتحقيق وسيولد ميتا حتى وان اولدوه بعملية قيصرية ان صح التعبير. حتى وان غضب على حركتنا من لا يريد ان يعيش على ارض الواقع من ابناء شعبنا فهذا شأنه هو.
هذا هو ما تطالب به الحركة في الظروف العراقية الحالية السياسية والثقافية والاجتماعية عندما ننظر الى الموضوع من زاوية الخصوصية القومية الوطنية، لانه هو الحل الممكن تحقيقه في مثل هذه الظروف الموضوعية والذاتية وفق كل المؤشرات والمعطيات التي تمت الاشارة اليها والموجودة على ارض الواقع للساحة القومية والساحة الوطنية والاقليمية وحتى على الساحة الدولية.. لذلك فان احد الاهداف المركزية لنضال الحركة الديمقراطية الاشورية في الظروف والمرحلة الحالية هو انجاز الحكم الذاتي لمنطقة سهل نينوى وفق هذه الرؤية وضمن هذا التصور الوطني القومي، لان الحركة تنظر دائما في كل مجالات نضالها الى ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري كعراقيين اصيلين اولا قبل ان يكونوا اي شيء اخر.
وهذا ما تتمناه وتطالب دائما في كل المناسبا ت كل المكونات العراقية الاخرى، وفي هذا المجال لها الكثيرين ممن يشاركها ويشاطرها هذه الرؤية الوطنية الشاملة والناضجة واللائقة للعيش المشترك من القوى الديمقراطية والتقديمة والوطنية من ابناء العراق من الاخوة العرب والكورد والتركمان وغيرهم من ابناء الاقليات الاخرى...
ومن هذه الرؤية القومية الديمقراطية التقدمية الوطنية الشاملة تنطلق الحركة الديمقراطية الاشورية في نضالها القومي الوطني الديمقراطي لتحقيق هدفها المركزي الاساسي الاستراتيجي الذي هو بناء النظام الديمقراطي الحقيقي في العراق الموحد، حيث ترى الحركة في النضال من اجل تحقيق هذا الهدف السبيل الاوحد والمخرج الوحيد لتمتع كل القوميات الكبيرة منها والصغيرة على حد سواء بحقوقها القومية والدينية والمذهبية والطبقية والجنسية والسياسية والثقافية والاقتصادية والحريات الفردية ضمن اطار القانون والدستور دون اي تمييز تحت راية النظام الوطني الديمقراطي وفي ظل ضمان وحماية القانون. النظام الديمقراطي الذي تكون فيه تناوب السلطة سلميا من خلال صناديق الاقتراع في اجراء انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة مباشرة، وفي ظل هكذا نظام تتعزز وتصان الخصوصيات والحريات الشخصية التي تعزز وتقوي الشعور الوطني بالوحدة الوطنية وتضعف وتندحر الخصوصيات القائمة على التعصب والتعنصر والشوفينية القومية والدينية والمذهبية الطائفية.
وهذا ما ينسجم مع شعار الحركة الديمقراطية الاشورية المعتمد في كل وثائق وادبيات الحركة من نظامها الداخلي والمنهاج السياسي والتقرير السياسي المقرة في المؤتمر الخامس للحركة، وهذا ما تؤكد قيادة الحركة من سكرتيرها العام واعضاء اللجنة المركزية في كل نشاطاتها المختلفة عبر وسائل الاعلام المختلفة والندوات واللقاءات مع الوفود السياسية القومية والوطنية في الداخل واوطان المهجر، حيث يكفي للاستدلال لمن لم يطلع على وثائق وادبيات الحركة الديمقراطية الاشورية على سياستها القومية الوطنية الديمقراطية ذكر شعارها المركزي والثابت منذ تأسيس الحركة الذي ينص على "عراق ديمقراطي حر - ضمان حقوقنا القومية".
في ظل النظام الديمقراطي تتعزز وتتكاثف الجهود ويتعمق نضال مختلف الشرائح الاجتماعية باحزابها السياسية ومؤسساتها المجتمعية لمختلف مكونات الشعب القومية والدينية والمذهبية من اجل تاسيس ثقافة وهوية وطنية عراقية جديدة على نقيض الثقافة والهوية الوطنية السابقة، قائمة على اساس الاخاء والمحبة والولاء للوطن وقبول الاخر واعتماد الحوار اسلوبا لحل ما نختلف عليه، وتغليب الخصوصية الوطنية على الخصوصيات الاخرى، وتعميق قيم الحرية ومبادئ الديمقراطية وقيم ومبادئ الشراكة والمساواة في الوطن، والعمل على القضاء على نهج الاقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة في اسلوب ادارة الحكم والدولة. وعندها فقط تتشكل اسس بناء مجتمع متعدد الاعراق والاديان والمذاهب ومنسجم مع نفسه وطنيا، كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة والمتعددة القوميات والاديان تعيش في امن وامان دون عنف وتمييز. وعندها لا يشعر احد بانه مظلوم في وطنه، ولا يشعر اخر بانه افضل من غيره بسبب عِرقه القومي او دينه او مذهبه او جنسه او بسبب لون بشرته او بسبب معتقده السياسي، بل الجميع يشعرون بان هناك معيار واحد لتقييم الجميع وهو القانون الذي يحكم الجميع بالعدل دون تمييز.
عندها تنتفي الحاجة الى المطالبة باقامة كيانات قومية او دينية او مذهبية لحماية الوجود والحقوق معا، بل تظهر الحاجة الى تشكيل كيانات اجتماعية جديدة متنوعة قوميا ودينيا، لان في ذلك خدمة مضافة لمصالح الجميع اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وامنيا وعلميا لتطوير وسائل جعل حياة الانسان اكثر رفاهية وامانا.. وخير مثال على ذلك هو دولة الاتحاد الاوربي التي كانت دولة تمزقها الحروب الدموية لاسباب دينية مذهبية وقومية ولقرون عديدة، والاتحاد الاميركي الحالي الذي يعتبر اكبر واعظم قوة في التاريخ في جميع المجالات وكان سر نجاحه وتحقيقه هذا الموقع هو شدة التنوع القومي والديني في مجتمعه لان نظامه الديمقراطي تمكن من جذب العقول من مختلف امم الارض لتنصهر في بوتقة المجتمع الواحد الخالي من التمييز.
هكذا فالحياة الانسانية تتجه نحو التجمع والوحدة الانسانية وليس نحو التشرذم والتمزق على اسس عرقية او دينية وغيرها من الخصوصيات. هذا التوجه لا يلغي الخصوصية التي تقوى الرابطة الانسانية كما قد يتصور البعض، بل يعززها ويجعلها اكثر نبلا وانسانية لخدمة الانسان بدلا من ان تكون خصوصية عدوانية مصدرا للحروب والقتل واضطهاد الانسان لاخيه الانسان..
هذا واطلب من القارئ الكريم الذي يوافقني الرأي او الذي يخالفني عليه ان يفكر مليا بتجرد بما كتبته ويعيد قراءة الواقع السياسي العراقي، وواقع شعبنا الذي تمزقه وتدمر وجوده في ارض الوطن الهجرة التي يشجعها اطراف عديدة لغرض في نفس يعقوب الى اوطان المهجر من جهة، ودور مِعْوَل المذهبية في تهديم وحدة شعبنا في الداخل والخارج وعجز رجال الكنيسة من تحقيق السلام في كنيسة السيد المسيح التي كانت موحدة في يوم ما، قبل ان تحمل قلمك النبيل للرد ذما او مدحا، مقدما انا شاكر لك مهما كتبت، لانني اعرف ان رد فعلك هو بدافع الحرص ومحبتك لشعبنا مهما كان موقفك السياسي من مجمل او بعض سياسات الحركة الديمقراطية الاشورية، ولكن ادعوك ان تكون واقعيا وموضوعيا وتستند بكل ما تكتبه الى العقل والمنطق قبل ان تطلق العنان الى عواطفك مهما كان الدافع الذي يتحكم بها. وسوف لا ارد عليك باي حال من الاحوال واترك الحكم والتقييم الى القارئ. لانني امقت السجال الذي لا يخدم والذي يسود الان في المواقع الالكترونية العديدة لابناء شعبنا في الداخل والمهجر.

307
ملاحظات تاريخية حول احداث مسلسل "الباشا"


بقلم: خوشابا سولاقا

لقد كانت مبادرة " قناة الشرقية الفضائية" بقيامها بإنتاج وعرض المسلسل التلفزيوني التاريخي "الباشا" الذي يلقي الضوء على أهم مرحلة من مراحل تاريخ العراق السياسي الحديث بشكل حقيقي وواقعي وبموضوعية وطنية من خلال تركيزها على السيرة الذاتية للزعيم الوطني العراقي الكبير الشهيد نوري باشا السعيد وغيره من الشخصيات الوطنية العراقية، مبادرة تستحق كل التقدير والثناء في قولها الحقيقة التاريخية للكثير من أحداث التاريخ العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الى يوم ثورة 14 تموز عام 1958، ولكنها اخفقت في بعض الجوانب الاخرى من تلك الاحداث التي سنأتي على ذكرها لاحقا. لقد ركز المسلسل وهذه حقيقة أرَّخ لها الكثيرون من العراقيين وغير العراقيين من الذين عاصروا تلك المرحلة التأسيسية لدولة العراق الحديث على الدور الكبير والمهم والحاسم الوطني لنوري السعيد في تأسيس الدولة العراقية الحديثة والجهود الجبارة التي بذلها مشكورا في التعامل والتفاوض مع الانكليز لنيل استقلال العراق وبالتنسيق مع الملك فيصل الاول، وبالتالي محاولاته ومساعيه الحثيثة لقبول العراق عضوا في عصبة الامم المتحدة وعلى يده وبجهوده تحقق ذلك للعراق هذا من جهة ومن جهة اخرى مواجهته للتحديات والمؤامرات التي كانت تحيكها ضده بعض القوى السياسية والشخصيات العراقية المدنية وشيوخ العشائر وبعض رجال الدين المتنفذين المتعصبة والمتطرفة والتي لا تفقه شيئا عن الواقعية السياسية، والتي كانت تسبح بأفكارها في عالم الخيال والرومانسية البعيدة كل البعد عن الواقع السياسي العراقي والعالمي وغير مستوعبة لتطورات واقع الحياة حيث لا ترى لونا آخر بين الاسود والابيض كما كان يراه نوري باشا السعيد وهذا ما اكده واقع العراق لاحقا وكما يؤكده حاليا حيث الان هناك من يناظر نوري السعيد في رؤاه ومن يناظر الاخرين وهذه نقطة يتطلب التوقف عندها كأن التاريخ يعيد نفسه ومن يتابع المسلسل يرى انه يشاهد واقع العراق الان ولكنه واقع بدون نوري السعيد بحبه واخلاصه للوطن العراقي.
تلك الاطراف المعارضة لنوري السعيد مواقفها بعيدة كل البعد عن التوازنات الدولية وتأثيرها على مستقبل استقلال العراق، وكانوا هؤلاء يجهلون او يتجاهلون دور الانكليز الحاسم في رسم السياسة الدولية والخارطة السياسية للعالم لكي تختار موقعها مع من تقف وضد من لمصلحلة العراق كما كان يفعل نوري السعيد. كان نوري السعيد والملك فيصل الاول وبعض المحيطين بهما أمثال عبد المحسن السعدون يفهمون ماذا يجري من حولهم وما المطلوب منهم عمله على ضوء ما يمتلكونه من الامكانيات للاستفادة مما يحصل من حولهم لغرض تأسيس الدولة العراقية المستقلة وكاملة السيادة، وكان الاخرين من أمثال ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني وحكمت سليمان والشيخ جعفر ابو التمن حسب المسلسل كانوا قصيري النظر وغير مستوعبين لقواعد اللعبة السياسية والتوازنات الدولية والمتحكمين بمفاتيحها في حينها يشكلون عائقا لتأخير مساعي نوري السعيد لتحقيق استقلال العراق كما كان يريده هو وجماعته... كذلك نلاحظ من خلال ما يستعرضه المسلسل، تركيز نوري باشا السعيد وجماعته بما فيهم الملك فيصل الاول على إعطاء الاولوية للولاء الوطني العراقي قبل الولاء لأي خصوصية أخرى وهذا المبدأ يرسخ تقوية الوحدة الوطنية العراقية بكل مكوناته القومية والدينية والطائفية والمذهبية دون تمييز، بينما كانوا الاخرين من الطرف المقابل على عكس ذلك حيث كانوا متشددون ومتطرفون في تعصبهم القومي منطلقين من خلفية ثقافتهم العثمانية كما يؤكد ذلك المفكر والعالم الاجتماعي العراقي الكبير الدكتور علي الوردي رحمه الله بالرغم من كون اغلب هؤلاء من اصول غير عربية أمثال رشيد عالي الكيلاني وبكر صدقي وحكمت سليمان وغيرهم ممن لهم دور سلبي في احداث العراق في تلك المرحلة كما يتحدث عنها التاريخ على لسان المنصفين منهم لحب العراق وطنا وشعبا المتعدد الاعراق والاديان. اضافة الى كون قسم من هؤلاء يجاهرون علنا بأفكارهم النازية وعلاقاتهم المعروفة بالحزب النازي الالماني أمثال رشيد عالي الكيلاني الذي كان قد صرح بأنه سيفعل بالآشوريين ما فعله الاتراك بالارمن، وحكمت سليمان المعروف بعثمانيته الكلاسيكية وبكر صدقي المعروف بعنصريته القومية الذي دُبر أغتياله على يد سائقه لتطرف افكاره وحبه للمغامرات العسكرية والانقلابات. واكبر جريمة تاريخية ارتكبت في تاريخ العراق الحديث على ايدي هؤلاء الثلاثة بعد استغلالهم لغياب الملك فيصل الاول في سويسرا لغرض المعالجة وغياب نوري باشا السعيد وزير خارجية العراق عن العراق لانشغاله بالمفاوضات لقبول العراق في عصبة الامم المتحدة وكذلك استغلالهم لطيش الشباب لولي العهد غازي الذي حذر نوري السعيد الملك فيصل الاول من طيش وحماس الشباب لولي العهد غازي وقلة الخبرة لديه بفن الحكم وقواعده، وتواطيء رئيس الوزراء ياسين الهاشمي المعروف بتعصبه القومي هو الاخر، في ظل هذه المعطيات أرتكبوا جريمتهم في مذبحة سميل بحق الآشوريين العزل من السلاح حيث قتل وذبح وبقرت بطون الحوامل من النساء فقتل في هذه المذبحة ما يتجاوز الاربعة آلاف آشوري من شيوخ ونساء وأطفال عزل من السلاح في السابع من آب في قرية سميل غرب مدينة دهوك وسلبت ونهبت ممتلكاتهم وقتلوا بطريقة بشعة يندى لها الجبين وتبقى وصمة عار في تاريخ العراق الحديث. ارتكبت هذه المذبحة بحق الآشوريين لا بسبب مطالبتهم بدولة خاصة بهم ليجعلوا منها درسا للآخرين كما لمح عنها المسلسل بشكل عابر دون ان يلقي الضوء الكافي ليجعل هذه القضية واضحة لدى المشاهد العراقي، وليس العكس كما فعل وجعل من هؤلاء الذين شاركوا في هذه المجزرة ابطال محافظين على وحدة العراق يستحق بكر صدقي منحه وسام الرافدين على جريمته النكراء.. ولغرض ان اكون منصفا مع الحقيقة التاريخية ولكي لا اظلم الجانب الايجابي في المسلسل سأسرد باختصار شديد حقائق احداث عام 1933 بعد ان استكمل الحديث عن الجوانب الايجابية التي سلط عليها هذا المسلسل الضوء.
على كل حال كان انتاج وعرض هذا المسلسل من قبل قناة الشرقية الفضائية وفي هذه المرحلة من تاريخ العراق عمل شريف ونبيل وعظيم وكان احقاق للحق بحق من ظُلموا من الشخصيات الوطنية العراقية مقابل تضحياتهم الكبيرة في مقدمتهم نوري باشا السعيد الذي يدور المسلسل حول سيرته الذاتية بالدرجة الاساس، لان كل ما عمله وقام به في حينه كان لصالح تحقيق استقلال العراق من الاستعمار الانكليزي وحماية سيادته وقبوله عضوا في عصبة الامم المتحدة من جهة ومن جهة اخرى بناء دولة عراقية حديثة على انقاض التخلف الذي ورّثته الامبراطورية العثمانية خلال قرون طويلة مستفيدا في ذلك من خبرة الانكليز.
ولتحقيق هذين الهدفين كان نضاله السياسي الدؤوب مع اعداء العراق من الانكليز واعوانهم المأجورين وبقايا الموالين للاستعمار العثماني وعملائهم من عرب وغير العرب من العراقيين من جنسيات مختلفة اجنبية مقيمين في العراق لاسباب كثيرة من جهة، ومن جهة ثانية مع المتطرفين والمتعصبين والمتشددين من المشاركين معه في الحكم الذين لا يفهمون من السياسة الا المتاجرة بالشعارات الوطنية والقومية والدينية التي "لا توكل خبز" كما يقولون. كان نوري باشا السعيد في موقف لا يحسد عليه الا ان نضاله العظيم قد اسفر الى ابقاء ولاية الموصل بحدوده العثمانية ضمن حدود الدولة العراقية الحديثة، ولولاه لكان مصير ولاية الموصل كما هو حال لواء الاسكندرونة السوري، كما اسفر نضاله وحنكته السياسية على انتزاع استقلال العراق من الانكليز، وكذلك تمكن من اقناع لجنة عصبة الامم من قبول العراق في عصبة الامم، كما كان لنوري باشا السعيد الدور الرئيسي لتأسيس جامعة الدول العربية، اضافة الى كونه لا يمتلك اي ارصدة لحسابات شخصية او لعائلته ولا يمتلك قصور فخمة عديدة عندما تم قتله وسحله في شوارع بغداد في عام 1958 وهذه الانجازات والمآثر لنوري باشا السعيد يكفيه فخرا عند العراقيين الوطنيين عند مقارنة حكمه بحكم من جاءوا بعده الى يومنا هذا. كانت مشكلة نوري السعيد انه سبق زمانه كرجل سياسة ودولة كما كتب عنه ونستون تشرشل في تعليقه على آخر طبعة لمذكراته "رجل سبق زمانه". وبعد مشاهدة العراقيين لهذا المسلسل واطلاعهم من اطلع منهم عن كل ما كتب عن نوري باشا السعيد من قبل الاعداء قبل الاصدقاء والباحثين عن الحقيقة، لابد للشعب العراقي ان يعرف من هو نوري باشا السعيد داهية السياسة العراقية والعربية في حينه، والوطني العراقي الغيور الذي لم يبخل بأعز ما عنده من اجل العراق يوما، وان يقول الشعب العراقي كلمته الاخيرة بحق هذا الزعيم الوطني الكبير وان يطلب من حكومته ردَّ اعتباره واقامة له نصبا تذكاريا كما فعلت الشعوب الحرة بخصوص تكريم زعمائها ورجالاتها الافذاذ وبناة الاوطان.
اضافة الى ما ذكرته من الايجابيات والحسنات لهذا المسلسل الذي سلط الضوء على جوانب كثيرة من اهم مراحل تاريخ العراق الحديث، الا انه لم يسلط من الضوء الا الخافت منه على ما سماه المؤرخ الرسمي للحكومات العراقية المتعاقبة في كتابه "تاريخ الوزارات العراقية" الدكتور عبد الرزاق الحسني "بردة الآثوريين". حيث لمح المسلسل كما ذكرت سابقا وبشكل عابر ومقتضب لم يعطي للحادثة حقها، بأنه قمع تمرد الاشوريين لانهم كانوا يريدون اقامة دولة خاصة بهم وتقسيم العراق وكان ذلك تلميحا عابرا دون التطرق الى الاسباب الحقيقية لهذا القمع المتمثل في مذبحة قرية سميل في 7 آب من عام 1933 والتي راح ضحيتها اكثر من اربعة آلاف اعزل من السلاح من اطفال وفتيان وشيوخ ونساء، وكان ذلك التلميح اعطاء تبرير قانوني واخلاقي ووطني لفعل المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجريمة النكراء التي لا تقل بشاعة عن جرائم الانفال وحلبجة في كوردستان في عهد صدام حسين من ثمانينات القرن الماضي.
من المعروف لدى الجميع انه بعد نشوب الحرب العالمية الاولى ودخول الدولة العثمانية الحرب الى جانب دول المحور بقيادة المانيا ضد الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية لجأت دول الحلفاء وبالذات بريطانيا الى تقديم العهود للقوميات الكبيرة والصغيرة والاقليات الدينية في الدولة العثمانية باقامة لها دولها المستقلة في حالة المشاركة الى جانب الحلفاء في الحرب ضد دول المحور ومنها الدولة العثمانية بعد انتصار الحلفاء، وكان العرب والكورد والاشوريون من بين من شملتهم هذه العهود. وقدم ابناء تلك القوميات والاقليات الدينية تضحيات كبيرة، وبعد ان وضعت الحرب اوزارها بأنتصار الحلفاء نكثت بريطانيا لعهودها التي قطعتها لهم، للعرب والكورد والاشوريون طبعا. فكانت اوضاع الاشوريين سيئة للغاية وتفشت فيهم الامراض فعندما طالبوا الانكليز باعادتهم الى مناطق سكناهم في هيكاري تحت حمايتهم من انتقام الاتراك رفض الانكليز ذلك الطلب، وقدم الانكليز المشروع البديل لأسكان الآشوريين النازحيين من تركيا وايران في العراق، فظهر مشروعان للاسكان مشروع الانكليز والحكومة العراقية مع قبول بعض العشائر الاشورية في مناطق متعددة، وطرف آشوري ثاني طلب الاسكان في منطقة واحدة تحت رعاية الانكليز والحكومة العراقية لكي يمكنهم ذلك من حماية انفسهم من هجمات بعض القبائل الكوردية والعربية المجاورة. هذا كان مطلب الاشوريين، انهم لم يطالبوا بدولة خاصة بهم ولا بحكم ذاتي انهم طلبوا ما يعطيهم الامن والامان والعيش بسلام مع الاخرين.
وفي الاجتماع الذي حصل في بناية متصرفية الموصل بحضور ممثلي الانكليز والحكومة العراقية والطرفين الاشوريين طلب ممثل الحكومة العراقية من الطرف الاشوري الذي يرفض مشروع الاسكان في مناطق متعددة الاختيار بين مغادرة العراق وبين قبول المشروع، فاختار الطرف الاشوري المغادرة. وعلى اثر نتائج هذا الاجتماع الذي ساد فيه التهديد بالسلاح غادروا الاشوريين المعارضين للمشروع الانكليزي والحكومة العراقية الى سوريا. الا ان الانكليز تآمروا مع الفرنسيين في سوريا برفض قبولهم على الاراضي السورية بسبب عدم وجود مبررات قانونية لذلك اللجوء من دون وجود ما يهدد حياتهم. وعندئذ قرروا الاشوريين العودة الى العراق مرة اخرى بعد ان اخذوا من الانكليز والفرنسيين وعدا بتأمين امنهم بعد العودة والقبول بالمشروع الحكومي للاسكان. وعند العودة عبر نهر دجلة في منطقة فيشخابور فوجئوا باطلاق النار عليهم من قبل ربايا القوات العراقية المتمركزة في الجانب الاخر من النهر. عندئذ اصبح الاشوريون مضطرين للدفاع عن انفسهم وعوائلهم فتصدوا بقوة وشجاعة وبسالة للقوات العراقية وتمكنوا من دحرهم وهزيمتهم هزيمة منكرة عندها تدخلت الطائرات الانكليزية والقت عليهم المناشير تدعوهم الى وقف النار واعطائهم الامان. الا ان قوات بكر صدقي ورشيد عالي الكيلاني بسبب مرارة الهزيمة التي الحقت بهم في ساحة المعركة قاموا وبالتعاون مع بعض القبائل والعشائر العربية والكوردية في منطقة دشت سليفاني بقتل وذبح كل آشوري يقع تحت ايديهم ولكن بالمقابل كان هناك الكثير من القبائل العربية والكوردية قامت بحماية الاشوريين و التستر عليهم في بيوتهم لحمايتهم من القتل والذبح واستمرت المذبحة ثلاثة ايام الى ان تدخل نوري السعيد والملك فيصل الاول بعد ان قطع علاجه والعودة الى العراق فأوقف المجزرة الرهيبة وكان نوري السعيد قد غضب غضبا شديدا واستنكر هذا العمل الاجرامي بحق جزء من شعب العراق وهذا ما ظهر جليا في المسلسل كما هو مثبت في كتب التاريخ. هذه هي الحقيقة بكاملها وليس غيرها. ولغرض التنوير يمكنكم العودة الى كتاب الاستاذ عبد المجيد حسيب القيسي الموسوم "الآثوريون" هوامش على تاريخ العراق السياسي الحديث، الذي كتب بانصاف وامانة وانتقد المؤرخين العراقيين ومن بينهم الدكتور الحسني لعدم امانتهم في كتابة تاريخ احداث مذابح الاشوريين.
وفي الختام لا يسعني الا ان اكرر شكري وتقديري لقناة الشرقية الفضائية لانتاجها وتقديمها لهذا المسلسل الرائع الذي سلط الضوء على السيرة الذاتية لبعض الشخصيات الوطنية العراقية وفي مقدمتهم الشهيد الزعيم الوطني نوري باشا السعيد، كما اثني على جهود جميع العاملين في هذا المسلسل من دون تمييز مع عتابي للاستاذ المخرج فارس طعمة التميمي وكاتب السيناريو لاغفالهما لحقيقة ما يسمى بالتمرد الاثوري الذين كانوا ضحية المؤامرات من الانكليز والشوفينيين والعنصريين الحاقدين ممن تحكم عقولهم ومشاعرهم عقدة العثمنة والتتريك.

صفحات: [1]