ليلة النجوم
قصة حب وحريق
مستوحاةٌ من آلام عرس الحمدانية.
بقلم/ سلوان ساكو
قبل ليلة العرس بيومان.
نهار جميل والشمس مشرقة تبعث على التفاؤل والأمل والحب، والخريف يطرق أبواب الشتاء ويحول أوراق الشجر من خضراء إلى ذهبية اللون سرعان ماتنتهي وتيبس.
زوجين في سنّ الربيع يهيئان انفسهم لدخول قفص الزوجية، كانا منشغلين بتجهيزات الحفل، يرسمان لأنفسهم دنيا مشرقة وينسجون من خيوط حرير ناعم أحلام حياة جديدة يقطفان من دفء القلوب ثماراً أنضجها الحب الحقيقي الصادق. كل شيء من حولهم كان يبشر بالخير، ألا القدر كان له قول آخر.
قبل ليلة العرس بيوم واحد
اقترب الموعد، وبات الجميع ينتظرون الحفل للمشاركة في هذا العرس الكبير، ومعالم الفرحة والبهجة مرسومة على وجوه الناس الذين جاءوا من أماكن مختلفة تسبق خطواتهم ابتسامة عريضة تشع من القلب، وبخور من رائحة العود معجونة بالحب تعطر المكان وتجعل الأجواء دافئة وجميلة ... ليلة الزفاف كانت ليلة العُمر.
الفردوس (الليلة ألأخيرة)
كل من كان داخل الصالة يقول بأن الوضع جيد ويسير على ما يرام، لا شيء يوحي أن كارثة حقيقية سوف تقعّ خلال لحظات. الجميع منطلقين ومتحمسين وفرحين. كل شيء سار على أكمل وجه حتى قبل ساعات قليلة، القران عُقد والصالة ممتلئة بالمدعوين والأجواء جميلة تشع بهجة وحبور. الأطفال جالسين على عتبة المسرح يشاهدون أبراجاً من ألعاب نارية تعلوا وتهبط بشكلٍ عامودي يغمرهم فرح طفولي وهم ينظرون نحوها، الكل مبتهج والغبطة تبعث على المسرة، وفجأة تغير المشهد برمته وعلاّ صوت الصراخ والعويل يمزق ارجاء المكان، الصالة صارت بؤرة لهيب تصَلّى من حولها وتقذف حِمم بركانية من الأعلى وباتت اللظّى تلتهم كل شيء، كأنة هاوية من الجحيم السفلى فتحت ابوابها على الناس تستدعيهم للدخول. الجمعّ يركض وسعير النار تجري ورائهم تريد أن تلتهم من تبقى في الداخل، مخارج الطوارئ مفقودة، الأبواب الرئيسية مغلقة، الإنارة مطفأة دخان قاتم يملأ المكان كأنة ساحة معركة خاسرة نقلت ارضها على وجه السرعة إلى هذا المكان المظلم، إضطرام وفوهة من جهنم ليس لها قرار فُتحت على حين غرة. الكل يريد ان يُخلص أسرته وأطفاله من هذه النار المستعرة، صغار ينوحون في بحثهم وسط نار عن امهاتهم المتفحمة، رجال كانوا قُبيلة لحظات يرقصون فرحين على أنغام الطيور اصبحوا رماد ينبعث منها دخان كثيف ينبثق منه روح متألمة فارقت الحياة دون عودة. ألسنة النار تعلوا وتعانق السماء حاصدة ارواح أبرياء كُثر جُل غايتهم هو أن يفرحوا في عرس تحول إلى مأتم ، كل شيء حدث سريعاً، ولكن المأساة لم تنتهي سريعاً حيث تغير المشهد برمته إلى الأبد وبدأ فصل آخر من أسى وكرب سوف يستمر طويلاً.
نهاية البداية
عروس في ثوب الحداد يوم عرسها والإكليل على رأسها شوكٌ يقطر دماءً غزيراً، يلفها حزناً عميق كأنها زهرة قصفتها عاصفة شتوية، تُشاهد الان حلم كابوسي يريد أن يستحوذ علّى روحها النقية وكلما حاولت الخلاص من هذا الكابوس ازادت الظلمة، تريد وتريد الخلاص من هذا السواد الدامس الذي يلف عنقها بحبل غليظ ولكن دون جدوى. هذا هو طريق جلجلتها المر، طريق الآلم والحزن، حنين عشتروت جديدة، روح هذه العروس ستنزف طويلاً، هي عصفورة الحب والنار الهالكة على الشوك، من قطرات دمعها تبكي وتبكي حتى تستنفذ كل الدموع، أين والديها، أين اخوتها، أين أطفالهم، أين البقية، أين الناس، أين الفرح الذي كان قبل الماضي بدقائق معدودة. غربت الشمس من حولها وصارت سماؤها معتمة، المشكاة متعددة الألوان باتت الآن لون واحد هو لون الدم الأحمر. هذه الارض الملعونه تحمل اليوم دماء مذبوحة وأجساد محترقة وصرخات ثكالى ودموع يتامى. هي أرض الاحلام المفقودة والرغبات المذبوحة.
العريس مذهول من شدة الصدمة والحزن يلف روحه، شاخص بنظره للمجهول دون هدف، كل تلك الأحداث تتزاحم برأسه بسرعة هائلة لا يستطيع فهم كل تلك المصائب التي جرت من حوله دفعة واحدة؟ سؤال يتناسل من رحم الاخر في دائرة معلقة في فضاء صالة العرس كانوا قبل ساعات شاخصين النظر أليها وهي تتحول الى حلقة نار هائلة تسقط عليها، لتحرق الصورة الزاهية التي كانت تلون سماء الليل.
هي جدارية وسط ركام الموت وحطام الأفئدة وأجساد محترقة، الوجع والحزن يلف كل مكان وكل شيء، جدارية تختصر قصة حب لم تكتمل فصولها بعد؛
أوجاعها أوجاعه، وآلامه هو ذاته آلامها،
دموعها الغزيرة دموعه، وجراحها الغائرة جراحه.
آهاتها التي تمزق قلبها آهاته، قطرات دمه هي ذاتها قطرات روحها النازفة ونبض قلبها نبضات قلبه.
جسديهما الان مهشّمان وارواحهم ممزقة.
أدارت حنين رأسها نحو ريفان ودموعها لا تتوقف قائلة أرجوك لا تتركني…
ردّ ريفان قائلا؛ نحن أبناء النور، والنور في النهاية سيغلب الظلمة، لا تخافي…. غفت حنين على ذراع ريفان وقد شعرت بسلام ملائكي يخيم على روحها.
موتنا الحقيقي يكون حين يتعرى الفرد من إنسانيته ويتحول إلى كائن ادنى بكثير من الحيوان، يخنق الفرحة ويغتصب الابتسامة ويقتل البريء، هناك يكون موت الروح لا موت الجسد.