عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - د. شابا أيوب

صفحات: [1]
1


ما الفرق بين الدولة العلمانية والدولة المدنية؟

يكتنفُ استخدام مفهومَي «الدولة المدنية» و«الدولة العلمانية» في الخطاب العربي اليومي غموضٌ وخلطٌ وملابسات. وبرأي البروفيسور حبيب عبد الرب سروري(12) ثمّة مبدآن عَلمانيان جوهريان ينبثقان من فصل الدين عن الدولة :
المبدأ الأوّل: تفصلُ الدولة العلمانية بين مجالين مختلفين في حياة الناس: العام والخاص. المجال العام (الذي يضمّ المدرسةَ، والفضاءَ المدني عموماً) مكرّسٌ لما يخدم جميع الناس، بغضّ النظر عن أصولهم وألوانهم ومعتقداتهم الدينية أو ميولهم الإلحادية. لا مرجعية فيه لأي دينٍ أو فلسفةٍ إلحادية. أما المجال الخاص فيستوعب كلَّ المعتقدات والرؤى الشخصية، دينية كانت أم لا دينية أو إلحادية.
المبدأ الثاني: تضمنُ الدولة العلمانية المساواة الكلية بين كل المتدينين بمختلف مذاهبهم، واللامتدينين والملحدين أيضاً. تدافع عن حريتهم المطلقة في إيمانهم أو عدم إيمانهم (حريّة الضمير) وتحترمها بحق (12).
إليك أهم الفوارق بينهما
1 العلمانية والمدنية كلاهما لا يدعوان إلى مفهوم ديني للدولة. لكن العلمانية ترى ان الدين لديه شكل معين للدولة وبالتالي فهو خطر يجب فصله. بينما المدنية ترى ان الدين ليس لديه شكل للدولة.
2 العلمانية تدعو للمساواة. المدنية تدعو للعدل. المساواة تعني فرض قانون واحد على الجميع دون اعتبار الاغلبية او المناسب للناس. العدل يراعي الاغلبية ويراعي المناسب للناس.
3 التشريع والقوانين في العلمانية يجب فصلها عن الدين وتبقى وضعية. المدنية ترحب بحصول التغيير عبر الأغلبية لانها تحترم الاستحقاق الديمقراطي. وبالتالي يجوز للأغلبية الفائزة تعديل القوانين مع مراعاة الشكل المدني للدولة.
4 العلمانية لا تهتم بشكل نظام الحكم : ملكي، جمهوري، عسكري، حزبي. المهم هو فصل الدين عن الدولة وقوانينها. لكن المدنية تشترط التداول السلمي المدني للسلطة. وبالتالي لا تقبل بملكية ولا عسكرية ولا ديكتاتورية ولا جمهورية لزعيم ابدي. إذْ لا بد في المدنية ان يتم التداول السلمي المدني للسلطة بشكل دوري عبر الديمقراطية.
بالإضافة إلى ما ذُكر يلزم توضيح ما أضافته الدولة العلمانية للحضارة الإنسانية، وما لا تمتلك الدولة المدنية شروط تحقيقه.
1 هو انهاء الصراعات والإضطهاد الطائفي والحروب الدينية في الدول التي ترسَّخَ فيها هذا المفهوم، بفضل مبدئه الثاني (المساواة الكلية بين كل المتدينين بمختلف مذاهبهم، واللامتدينين والملحدين ). صارت هذه الحروب والصراعات شبه مستحيلةً اليوم في المجتمعات العلمانية بفضل المساواة المطلقة بين الجميع. لعل عدم اعتناقِ مفهومِ الدولة المدنية للمبدأ العلماني الثاني لا يبعث الأمل الجاد بامكانية التساوي الكليّ الحقيقي بين مختلف الفئات الدينية أو العرقية في دولنا المدنية المنشودة، أو بامكانية القطيعة مع ما يؤدّي إلى تمييز فئةٍ عن أخرى. ناهيك أن أدبيات الدولة المدنية لا تضمن الاعتراف بحقِّ عدم الإيمان أو الإلحاد.

2 إلغاؤها المطلق لِشرعية أية «فتوى» دينية أو سياسية تمسّ حياة عالِمٍ أو مفكِّر، أو تمنع إصدار أي كتاب.

3 ثمّة أيضاً إنجازٌ حضاريٌّ علمانيٌّ هام: تحوّلَ الدين في الدول العلمانية إلى سلطةٍ روحية خالصة، لا يستطيع السياسيّ التحكّم بها. لا يمكنه مثلاً إعداد الخطب الدينية التي تُلقى في المعابد .
يبدو واضحاً التفوق الحضاري  للدول العلمانية على بقية العالم بفضل المدرسة العلمانية، فهذه المدرسة التي يَدرس فيها أبناء ذوي الديانات والمذاهب المختلفة و أبناء غير المتدينين معاً بشكلٍ حضاريٍّ متآلفٍ متناغم،  مفصولةٌ تماماً عن تأثير أي دينٍ كان، أو فلسفةٍ مُلحِدة. تُعلِّمُ الطالبَ كيف يُفكِّر بروحٍ نقديّة، كيف يحكم لوحده دون أي يقينٍ مسبق بأية عقيدةٍ أو أيديولوجية، كيف يمارس حريّته في التحليل والتمحيص، وكيف يبني شخصيَّته المستقِلّة. تُكرِّس هذه المدرسة في الطالب العقليّةَ العلميّةَ الخالصة وتُنمِّي استخدامَها لِفهمِ الكونِ والحياة عن طريق الإكتشافات العلمية والتجربة والبرهان، وعبر دراسةِ نظريات العِلم الحديث، تسمح له هذه المدرسة أيضاً الانفتاحَ على استيعاب كلِّ التراث الفكري الإنساني بمختلف تياراته الفلسفية، دينية أو لادينية.
لا يوجد في مشروع الدولة المدنية، الذي تُلوِّحُ به الثورات العربية حتى الآن، أية رغبةٍ جليةٍ في قطيعةٍ جذريّةٍ مع فلسفةِ وتكوينِ المدرسة العربية الحالية (13) ، التي انجبت بامتياز اجيالاً ممن تعلموا الخضوع للحاكم المستبد، وترعرعوا في ثقافة التفسيرات الظلامية للكون والحياة. وبالرغم من توسّع انتشار العلمانية دوليّاً، يجد مفهومُ العلمانية عراقيل وكوابح لا حدّ لها في مجتمعاتنا العربية، تنذر بصعوبةٍ هائلة ستواجه عَلمنَة دولهِ المدنية المنشودة.
لعلّ أبرز مناهضي هذا المفهوم هم الظلاميون الذين يمارسون تجاهه تضليلاتٍ ذكيّة. يرافقهم بالطبع الطغاة العرب الذين يتدخّلون بضراوة في شؤون الدين ويستخدمون الفقيه مطيةً للسيطرة على أدمغة أبناء شعوبهم، وممارسة دكتاتورياتهم.
ليس هؤلاء فحسب، بل هناك العديد من السياسيين و الكتاب العرب الذين يعتبرون مفهوم العلمانية بكل بساطة، مفهوماً استعمارياً كونه انطلق من الغرب، رغم تِكرارهم لمصطلحاتٍ نهضت أيضاً في الغرب ذاته  كالديموقراطية وحقوق الإنسان.

ظلّت نماذج الدولة العلمانية المطبقة نماذج غربية بامتياز، والدول العربية والإسلامية التي حاولت أن تطبق هذا النموذج كانت أشبه بالمسخ ، لأنها بالرغم من المحاولات الدؤوبة لجعلها علمانية وفق النموذج الغربي ” كتركيا مثلا ” اصطدمت دائما مع القيم الإسلامية المتجذرة في الشعب.
في بلد مثل العراق متعدد القوميات والأعراق والأديان والمذاهب ومتعدد الثقافات ، عانى ما عاناه على يد نظام  البعث من إستبداد وإقتتال داخلي وحروب خارجية كارثية، ودمار البنى التحتية، وعجز في الإقتصاد الوطني، ومديونية عالية، وحصار إقتصادي ظالم على شعبنا. أدى هذا كله إلى تراجع مريع في مستوى المعيشة وإنكفاء المواطن وراء لقمة الخبز، وإحباط شديد في نفوس المواطنين، مما دفع الطاغية صدام إلى بث الحملة الإيمانية للخروج من الأزمة التي تسبب بها نظامه، فإزداد تردد الناس الى المساجد والحسينيات والكنائس. هذا من جانب ومن الجانب الآخر سعى نظام البعث منذ نهاية 1978 إلى تصفية وإضعاف نفوذ الحزب الشيوعي العراقي وكل قوى اليسار والديمقراطية. فكان من النتائج غير المباشرة لهذه السياسات اللا وطنية بروز ظاهرة التديّن وتوسع قاعدة الأحزاب الإسلامية. وإنتهى الأمر بالإطاحة بنظام صدام وإحتلال العراق في 9 نيسان 2003  وتسليم السلطة للأحزاب الإسلاموية وخاصة الشيعية منها والتي أخذت منحا طائفياً، ودمرت ما تبقى من كيان الدولة الوطنية، وفكّكتْ النسيج المجتمعي دون أي أفق لإمكانية قيام دولة دينية أوطائفية على النمط الإيراني. اليوم نحن بأمس الحاجة لثورة دينية، ليس ثورة على الدين الإسلامي بل على مدعيّ الدين والمتاجرين فيه، ثورة لإعادة موضعة الدين في الحياة السياسية على أسس جديدة تخدم الدولة والمجتمع والأديان دون تعارض أو تضارب بينهم.
وبسبب حملات التضليل والتشويه ضد مفهوم العلمانية في عالمنا العربي والإساءة إلى سُمعتها لمدة تزيد عن نصف قرن وإعتبارالكثيرين أنّها نتاجاً غربيا صرفاً لا يتوافق مع السياق التاريخي لمجتمعنا العراقي ولبيئته الإجتماعية ، بل البعض يماهي عن جهل بينها وبين الكفر، وآخرون يرون وجود فرق بين الديانة الإسلامية والديانة المسيحية حيث يزعمون عدم وجود كهنوتية في الإسلام وأن الإسلام دين ودنيا ولا يمكن الفصل فيه بين الدين والدولة، لذلك أرى على الأقل في المرحلة الحالية أن النموذج الأنسب في التعبير عن الدولة غير الدينية في العالم العربي والإسلامي ومنها العراق هو ” الدولة المدنية “ ولكن بديمقراطية كاملة كما جاء وصفها أعلاه (آي في الجزء الأول) .  فهي الدولة التي يحكم فيها أهل الاختصاص في الحكم والإدارة والسياسة والاقتصاد وغيرها من المجالات وليس رجال الدين. وتجنب إستخدام مفردة العلمانية وذلك من أجل تجاوز التسمية والتركيز على المضمون.
إن الدولة التي ينشدها معظم العراقيين هي دولة المواطنة التي هي مع كل الأديان، لأن الأديان كانت ويجب أن تبقى اداة تربية وأخلاق وتهذيب للشعب وأن تُفصَلْ عن السياسة. إضافة إلى ذلك لا يمكن لتلك الدولة المنشودة أن تًقام بمعزل عن تاريخ شعبها أو الشعوب التي تمثلها وعن ثقافاتها ومعتقداتها.
شابا أيوب شابا
الدنمارك ـ 4 آيلول 2019
المصادر
(12) حبيب عبدالرب سروري كاتب يمني، بروفيسور في علوم الكمبيوتر، فرنسا
(13) المدرسة والدولة المدنية ما بعد الثورة. حبيب سروري. القدس العربي، أنظرموقع الكاتب


2
دحر داعش في الموصل إنتصار تاريخي على فاشية العصر

في البداية أودّ ان اهنئ ضباطنا وجنودنا الأشاوس في القوات المسلحة والشرطة الاتحادية وقوات البشمركة و الحشد الشعبي الأبطال، وكل ابناء شعبنا العراقي بيوم الانتصار على الخلافة المزعومة، تلك الخلافة التي لم تخلّف شيئا غير الدمار والهلاك والعبث بتاريخ مدينة عريقة وأهلها وببلد عظيم، يقر العدو قبل الصديق بعطائه المذهل وإسهاماته في رفد الحضارة البشرية  بأفكار ومفاهيم من قبيل تكوين الدولة وسن القوانين ومنظومة القضاء، واكتشاف الكتابة والتدوين والفنون ، ومنها  فن النحت  والمعمار ووضع أسس علوم الفلك والرياضييات والأساطير ذات الطابع الفلسفي، وغيرها من المنجزات في مجال  الزراعة من فتح ترع وجداول للري  وصناعة القوارب وازدهار التجارة.
   
وبسبب أهمية هذا الحدث الجلل، ولكي لا تتكرر موجات الفاشية سواءاً كانت قومية او دينية او مذهبية على العراق وعلى العراقيين، اقترح اعتبار يوم ٢٩ حزيران عيداً وطنياً لكل العراقيين، عيد الانتصار على الفاشية، على غرار ٩ أيار عيد الانتصار على النازية والفاشية الهتلرية عند السوفييت عامة والروس خاصة، وذلك تعظيماً وتخليداً لدماء الشهداء، وتقديراً للروح الوطنية العالية لقواتنا المسلحة والبشمركة والحشد الشعبي في قتال الهمج، أعداء الانسانية والحضارة البشرية، وانصار الظلمات.

إننا وفي غمرة فرحنا بعد دحر داعش في معقله، تسودنا غمامة لم تزل، وغصة في الحلق، وحزن دفين، وسؤال يؤرقنا.  أما كان بالإمكان تفادي كل ذلك لو ان من بيدهم القرار كانوا على قدر المسؤولية ومستوى تحديات البلد؟
فمن المسؤول عن قتل الرجال الأيزيديين وسبي نسائهم؟ ومن المسؤول عن هجرة نصف مليون مسيحي عن بلدهم  وآلالاف من الإخوة الصابئة المندائيين؟ من المسؤول عن جريمة سبايكر البشعة؟ من المسؤول عن الاحتقان الطائفي ومقتل مئات الآلاف من الشيعة والسنة سواء بالمتفجرات او بالعبوات الناسفة او بغيرها؟ من المسؤول عن دمار مدن بكاملها وتحويلها الى خرابات ومدن أشباح؟ من المسؤول عن ضياع أموال البلد في بُطُون الفاسدين؟ من المسؤول عن وضع برامج تعليمية بعيدة كل البعد عن مقتضيات التنمية الاقتصادية والبشرية؟  ومن المسؤول عن ربط العراق بالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وابقاء اقتصاد العراق اقتصاداً ريعياً متخلّفاً؟
ان انتصارنا الحقيقي والفعلي لا يتم إلاّ بمحاسبة كل من تسبب في أذية العراق والعراقيين، وفي أنصاف ارواح الشهداء وعوائلهم ، وفي استرجاع حقوق النازحين والمهجرين، واسترجاع الأموال المنهوبة والتي غدت في بُطُون الفاسدين، الذين ما زالوا يتاجرون بالدِّين والسياسة وأصبحوا يتكلمون بالدولة المدنية زوراً بعد تبنيهم لشعارات الدولة الإسلامية.
آن الأوان على ما أعتقد  لشبابنا وشاباتنا ولأبناء شعبنا عموماً ان يُفكروا جلياً بما حلّ بهم  وببلدهم من كوارث وأزمات بسبب المحاصصة الطائفية والإثنية وبسبب الإستقواء بالأجنبي، وان ينخرطوا في عملية التغيير للوضع السياسي القائم، وذلك عبر المشاركة النشيطة في الحركات الإحتجاجية المطلبية والنشاط المدني العام، والضغط على المسؤولين بغية تغيير موازين القوى لصالحهم و لصالح الفقراء والمحرومين والأرامل واليتامى وكل الذين وقع عليهم ظلم الميليشيات المنفلتة والدواعش وظلم الفاسدين المتربعين على عرش السلطة. لأن التغييرلا يهبط من السماء، وإنّما له أدواته وفي مقدمتها الإرادة الصلبة للطبقات والفئات المتضررة من سياسة الإقصاء والتهميش واالفساد المالي والإداري والتصميم على إنجاز المهمة حتى نهايتها
د. شابا أيوب
الدنمارك  30 حزيران 2017


3
وفد من الجالية المسيحية يُسلّم السفارة العراقية في كوبنهاكن مذّكرة إدانة لتصريحات رئيس الوقف الشيعي في العراق

 

قام وفد من الجالية المسيحية (من الكلدان والسريان والآشوريين) المقيمين في الدنمارك، يمثل مختلف طوائفهم الدينية وأحزابهم السياسية ومنظمات المجتمع المدني الناشطة على الساحة الدنماركية بزيارة سفارة جمهورية العراق في العاصمة كوبنهاكن يوم الأربعاء 24 أيار، ومقابلة سعادة السفيرالدكتور علاء الجوادي وتسليمه مذكرة إدانة وإستنكار لتصريحات رئيس الوقف الشيعي في العراق السيد علاء الموسوي، بخصوص أحكام الإسلام فيما يتعلّق بالمسيحيين، حيث قال
 ”فإمّا أن يشهروا إسلامهم، أو يدفعوا الجزية، أو يُقتلون.”

وقد رحّب سعادته بأعضاء الوفد، الذي ضمَّ كل من الشمّاس وائل تومنا ممثلاً عن كنائسنا في الدنمارك والأخ ديمتري عوديشوا ممثلاً عن أحزابنا القومية والدكتور شابا أيوب ممثلاً لجمعيات المجتمع المدني، وأعرب عن تعاطفه مع المسيحيين العراقيين واصفاً إياهم بسكّان العراق الأصليين، ومُقلّلاً من أهمية تصريحات رئيس الوقف الشيعي كونه لا يمثل المرجعيات العليا، ولا قادة الأحزاب التي تشكل الحكومة، كما وصفه  بالعنصراالمتشدد.
وإليكم أدناه نص المذكرة

السيد رئيس جمهورية العراق الدكتور فؤاد معصوم المحترم
السيد رئيس مجلس الوزراء العراقى الدكتور حيدر العبادى المحترم
السيد رئيس البرلمان العراقى الدكتور سليم الجبورى المحترم
السيد علاء الجوادي سفير جمهورية العراق في الدنمارك

تحية وطنية صادقة

نحن ابناء الشعب العراقى من الكلدان والسريان والآشوريين، المقيمين في الدنمارك، واحفاد بناة الحضارات السومرية والبابلية والأكدية والآشورية، حيث ساهم آباؤنا وأجدادنا في بناء هذه الحضارات المتعاقبة ولآلاف السنين، تاركين بصماتهم على كل شبر من  هذه الأرض المعطاءة، نحن وبمختلف طوائفنا الدينية وأحزابنا السياسية ومنظمات المجتمع المدني نستنكر وندين بشدة تصريحات رئيس الوقف الشيعي في العراق السيد علاء الموسوي، حيث كرّر في خطبته ما يأتي دائماً على لسان شيوخ الدواعش بخصوص أحكام الإسلام فيما يتعلّق بالمسيحيين، حيث قال
فإمّا أن يشهروا إسلامهم، أو يدفعوا الجزية، أو يُقتلون.

إنّنا نعتبر هكذا خطابات تحريضاً على العنف، وبث الكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وتهديداً لحياة المسيحيين العراقيين أبناء البلد الأصليين، وإضعاف اللحمة الوطنية، وتقويض للسلم الإجتماعي، وخروج عن تقاليد وثقافة الشعب العراقي المعروف بتعدد أعراقه وقومياته وأديانه ومذاهبه، وبتسامحه وبإنفتاحه على الآخر.

ومما يثير إستغرابنا هو توقيت هذا الخطاب، حيث تزامن مع تواصل قواتنا المسلحة الباسلة وفصائل البشمركة وقوات الحشد الشعبي، بما في ذلك قوّات الحشد المسيحي، إنتصاراتها المتتالية في تحرير أيمن الموصل من قبضة الدواعش.
 
نحن نُحمّل السيد علاء الموسوي مسؤولية أي إعتداء يقع على مسيحيينا في العراق أو المساس بحقوقهم الوطنية والدينية، التي كفلها الدستور العراقي، ونضم صوتنا الى جانب عوائلنا المسيحية في بغداد بمقاضاته أمام القضاء العراقي، كما نطالب الحكومة بفرض القانون وبوضع ضوابط على الخطابات الدينية، خاصة تلك التي تبث الفرقة بين أصحاب الديانات المختلفة، وضرورة إحترام العقيدة الدينية لكل إنسان عراقي. ونود أن نؤكد جازمين بأننا لسنا كُفّاراً ولا مشركين، بل من أوّل العراقيين الذين آمنوا بالإله الواحد، خالق السماوات والأرض، وليس من حق أحد فرض وصايته علينا وعلى المعتقدات الدينية للآخرين سواء كانوا مؤمنين أم غير مؤمنين.

ونذكر المسؤولين في الدولة العراقية  بما جاء في ديباجة الدستور العراقي والتي ينبغي إحترامها والإلتزام بها

(نَحْنُ أبناء وادِي الرافدينِ، مَوْطِن الرُسُلِ وَالأنبياءِ، وَمَثْوىَ الأئِمَةِ الأطْهَارِ، وَمَهد الحضارةِ، وَصُنَّاع الكتابةِ، وَرواد الزراعة، وَوُضَّاع التَرقيمِ. عَلَى أرْضِنَا سُنَّ أولُ قانُونٍ وَضَعَهُ الإنْسَان، وفي وَطَنِنا خُطَّ أعْرَقُ عَهْدٍ عَادِلٍ لِسياسةِ الأوْطان، وَفَوقَ تُرابنا صَلَّى الصَحَابةُ والاولياءُ، ونَظَّرَ الفَلاسِفَةُ وَالعُلَمَاءُ،  وَأبدَعَ الأُدَباءُ والشُعراءُ )

مع جزيل الاحترام والتقدير

الموقعون

خورنة مار آبا الكلدانية الكاثوليكية - الدنمارك

كنيسة المشرق الآشورية - مار ماري في الدنمارك

المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري -  الدنمارك

الحركة الديمقراطية الآشورية - الدنمارك

جمعية ما بين النهرين في الدنمارك

جمعية نينوى الآشورية في مدينة اورهوس- الدنمارك

جمعية الشباب المسيحي الآشوري في مدينة اورهوس- الدانمارك

شبيبة خورنة مار آبا الكلدانية الكاثوليكية - الدنمارك




4
هللوا يا بنات آشور، فقد إنفك أسْرَكُنَّ
في السادس عشر من أكتوبر 2016 إنطلقت معركة تحرير الموصل وبلدات سهل نينوى من قبضة الدواعش، وذلك بعد إعلان رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ساعة الصفر، حيث إندفعت بعدها قوات الجيش العراقي وقوات جهاز مكافحة الإرهاب، والشرطة الإتحادية، وقوات البشمركة والحشد الشعبي، وبدعم واسناد طائرات التحالف الدولي، نحو مواقع داعش وتموضعاته ومن عدة محاور، من الشرق والشمال الشرقي والجنوب. ومنذ اليوم الاول من إنطلاق المعركة تمكنت قوات البشمركة البطلة من تحرير 9  قرى على محور الخازر، منها قرية شيخ أمير وبدنة العليا وبدنة السقلى وغيرها، مما أظهرعزيمة قوات البشمركة على طرد الدواعش، وتطهيرهذه المناطق من رجسهم. وما هي سوى أيام  قلائل حتى توقفت قوات البشمركة عند مشارف برطلة وكرمليس بعد تحريرها قرى بازكرتان وباسخرة وشاقولي. وبموازاة هذا التقدم شهد المحور الجنوبي وجنوب غرب الموصل تقدم قوات من الجيش العراقي وجهازمكافحة الارهاب من الكوير باتجاه قضاء الحمدانية، وبعد معارك ضارية مع الدواعش، وبشجاعة وبسالة ضباطنا وجنودنا في القوات المسلحة ووحدات حماية سهل نينوى، تم تحرير بلدات برطلة وكرمليس وقره قوش من قبضة الدواعش.
وعلى المحور الشمالي، تمكنت قوات البشمركة وقوات الجيش العراقي من تحرير عدة بلدات منها تلسقف وباقوفة وبطنايا والفاضلية وتيسخراب.
أما في بعشيقة وبحزاني وتلكيف فما زالت المعارك مستمرة حتى الساعة، ولا يساورنا أدنى شك من أن الدواعش سوف يُقهرون وينهزمون أمام تقدم قواتنا المسلحة الباسلة من الجيش والبشمركة وقوات الحشد الشعبي، وسيلقون مصيرهم المحتوم، بعد أن عاثوا في الأرض فساداً، وبعد الدمار الذي خلّفوه في قرانا ومدننا.
وما سيبقى حياً في ذاكرتنا وخالداً في تاريخ شعبنا، هو صورة جنودنا الاشاوس من جهاز مكافحة الإرهاب وقوات حماية سهل نينوى وهم يمزقون علم الدواعش، ويرفعون العلم العراقي محلّه، وينصبون الصليب فوق قبب الكنائس، معربين عن تضامنهم مع إخوتهم المسيحيين، الذين إضطروا للنزوح هرباً من بطش الدواعش وارهابهم، تاركين خلفهم بيوتهم، وتعب وكدح السنين وكل ما يملكون. ان مشهد رفع العلم العراقي، ونصب الصليب فوق القبة له أكثر من دلالة، فهو من جهة  يعبر عن علامة النصر على فاشية الدواعش، ومن جهة أخرى فهو يؤكد على هوية البلدات المسيحية، ورد الاعتبار لأهاليها.
 
              
   
 ويذكرني هذا المشهد الرائع بالصورة التاريخية للجندي السوفيتي، المنطبعة في الذهن، العريف ميليتون كنتاريا، الذي رفع الراية الحمراء فوق مبنى الرايخشتاغ (البرلمان الالماني) عند دخول الجيش الاحمر وسط العاصمة برلين معلناً الانتصار على النازية الألمانية والفاشية الهتلرية في الحرب العالمية الثانية بعد أن كلّفت هذه الحرب القذرة 18 مليون مواطن سوفييتي.

ميليتون كنتاريا يرفع العلم السوفيتي فوق مبنى البرلمان الألماني

ولم يكتف هؤلاء الجنود الاشاوس باعادة الصلبان الى محلها، وإنما أصروا على قرع أجراس الكنائس، لانهم يعلمون جيداً بان الصلبان وأجراس الكنائس ليست أشياء دخيلة أو طارئة في بلد كان السَبّاق في إعتناق المسيحية، وإنّما موجودة منذ مئات السنين في وطن، كل أرضه مقدسة إسمه العراق، وان المسيحيين جزءٌ لا يتجزأ من نسيج المجتمع العراقي، ولم يُسيؤوا في أي يوم من الأيام  لهذا الوطن، بل أحبوه حد العشق، وأخلصوا له، وأعطوا له كل ما يستطيعون، بالرغم من تعامل السلطات معهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بسبب ديانتهم لا غير، وكأن رسولهم المسيح إبن مريم، فيه عيبٌ أوخطيئة. وكانوا دوماً ولا يزال يحملون رسالته في نشر المحبة والسلام، وعلى التعايش بين كل المكونات، ويُصلون من أجل ان يحفظ الله العراق والعراقيين بكل أطيافهم.
وبهذه المناسبة العظيمة أهنئ أبناء وبنات شعبنا السرياني الكلداني الآشوري (سورايي)، وإخواننا وأخواتنا من الشبك والأيزيدية والكاكائيين، وكل أبناء وبنات سهل نينوى وكل المدن المحررة في المحافظة، على تحرير بلداتهم من كابوس الدواعش المرعب، وهمجيتهم، ووحشية شريعتهم ، شريعة القتل والحرق والإغتصاب والسبي والتهجير والسلب والنهب والإكراه في الدين، وأقول لبلداتهم هللوا يا بنات آشور(1)، فقد إنفك أسْرَكُنَّ، وأقول لساكنيها إنطلقوا من جديد بعد أن زال عنكم غبار الحقد والكراهية، ونار الشر التي كوتكم، وهمجية الغزاة، الذين أرادوا قهر إرادتكم وطمس هويتكم ومحوا تاريخكم المجيد في البناء والعطاء الإنساني الثري. لا تيأسوا ولا تتقاعسوا، ولا تدعوا للفاشية الداعشية أن تُثبط عزائمكم. فالارضُ هي العرضُ، وهي التاريخ والتراث.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، ماذا بعد تحرير بلداتنا؟ كيف لنا أن نثق بحكومتنا وحكومة الإقليم وبجيراننا
بعد كل هذه النكبات والمآسي؟ وأسئلة أخرى كثيرة؟
وللإجابة عليها علينا أن ننتظر قليلاً، لنرى موقف وسياسة حكومتي بغداد وأربيل تجاه قضيتنا والمكونات الأخرى، وكذلك خطط المشروع الأمريكي في العراق بعد تحرير الموصل. وحينذاك يجب أن يكون لسياسيينا وآبائنا الأفاضل ومثقفي شعبنا كلمتهم الجريئة، وموقفهم الموحد، والمعبر بصدق عن طموحات مئات الآلاف المتبقية من أبناء شعبنا، والراغبين العيش في حضن الوطن.
ملاحظة
(1) بالمعنى الجغرافي لا القومي، نسبة إلى إقليم آشورالتاريخي
شابا أيوب
الدانمارك
31 أكتوبر 2016


5
الطائفية السياسية ـ أسباب ظهورها وسُبلْ إِلغائها
الجزء الثالث
إنّ من أوقد نار الطائفية في العراق بعد 2003 هو المُحتل الأمريكي. حيث أطاح بالنظام وحاملا في عُبّه "سياسة فرّق تسد" المجربة من قبل الإنكليز سابقاً لإحتواء جميع الأطراف المتنازعة، وسهولة التحكم بقراراتها. وقد ترك لنا بول بريمر دستوراً مليئا بالألغام، ونظاماً مَقيتاً من المحاصصة الطائفية والأثنية. إنَّ التعاون والتنسيق الذي جرى بين المسؤولين الأمريكيين والأنكليز من جهة، وبين قادة الأحزاب الأسلامية والقيادات القومية الكردية في العراق من الجهة الأُخرى قُبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003  وبعده، ومُباركتهم هذا الغزو وقُبولهم بنظام المحاصصة الطائفية والأثنية يُعد ميكافيلية مقيتة، وطَعنٌ بالهَوية الوطنية العراقية، وقد يصل الموقف عند بعض هؤلاء الساسة إلى حَدْ الخيانة الوطنية وذلك لِعمالتهم حَدْ النخاع ولأستعدادهم الكامل لتسليم العراق ومُقدّرات شعبه بيد الأجنبي. ويُعد هذا أيضا سبباً أساسياً إلى ما آلت إليه الأوضاع في العراق بعد 2003 من إرهاب وفساد مالي وإداري، ونهب أموال الدولة، وضعف الخدمات الأساسية، وإزدياد عدد العاطلين عن العمل، ونزوح ملايين العراقيين من بيوتهم، وهجرة مئات الآلاف منهم الى أوروبا وأمريكا وكندا وأُستراليا بحثاً عن مَلاذ آمن بعد أن إفتقدوه في وطنهم.
  ومنذ سقوط النظام السابق سعى السياسيون من كلتا الكتلتين الشيعية والسنية الى تأجيج الصراع الطائفي والدفع به الى أقصى مدياته، ليس لتقديم أفضل الخدمات للشعب العراقي، وللتخفيف عن معاناته عن طريق المنافسة الشريفة، بل لكسب المزيد من الأصوات في الأنتخابات البرلمانية، وحيازة مقاعد إضافية في البرلمان والحكومة، للهيمنة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، بغية إقرارالمزيد من القوانين التي تخدم مصالحهم الشخصية ومصالح أُسرهم وشركاؤهم والأحزاب التي ينتمون إليها، وتَضمَنْ بَقائهم واستمرارهم في السلطة لأطول مُدّة ممكنة، والتحكم بموارد الدولة العراقية وأموال الشعب العراقي، ونهبها وسلبها من دون أية رقابة نزيهة، ومن دون أيّةِ مُحاسبة أو مُقاضاة. وللأسف لعبت المرجعية الشيعية الأعلى في النجف الأشرف دوراً سلبيا في تكريس النهج الطائفي سواء بتسرّعها في إقرار الدستور الملغوم الذي وُضع في زمن بريمر، أم بإنحيازها إلى قائمة الشمعة رقم 555 في أول إنتخابات برلمانية حرة بعد التغيير. حيث لم يرى شعبنا أيّ نور من هذه الشمعة، بل خلّفت ظلاماً دامسا وكاحلاً، وكابوساً رهيباً، وجراحات عميقة في نفوس العراقيين سُنّة وشيعة، كرداً وتركماناً وكلداناً وسرياناً وآشوريين وأرمناً وصابئة مندائيين وأيزيديين، شبكاً وكاكائيين. وإستحوذ على الحكم شُلٌة من عُتات الطائفيين المقيتين من كلا الطائفتين، سُراق قوت الشعب، وناهبي أموال الدولة، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وإستقوى كل طرف منهم بحلفائه من دول الجوارمن إيران وتركية والسعودية وقطر لمدّ نفوذه داخل العراق، مُعرّضين البلاد الى شبح التقسيم وأتون الحرب الأهلية. وهذا ما بدا واضحاً ومفهوماً لقطاعات واسعة من إبناء الشعب العراقي بعد تجارب مريرة. مما دفع بمئات الآلاف منهم الى النزول في ساحة التحريرببغداد، والى الساحات العامة والشوارع في المحافظات الوسطى والجنوبية، مُطالبين بتحسين الخدمات، و بإجراء إصلاحات جذرية في البرلمان والحكومة، وإلغاء المُحاصصة الطائفية، ومحاسبة المفسدين وناهبي المال العام، والمسؤولين عن سقوط الموصل والرمادي وعن جريمة سبايكر، وتشكيل هيئة قضاء عادل من قُضاة يتسمون بالنزاهة وبمهنية عالية، لمقاضاة المجرمين، والذين تسبّبوا بِمُعاناة ملايين العراقيين من النازحين، وممن دُمّرت منازلهم، وسُفِكتْ دماء أبنائهم. وفي خضم هذه الأحداث تدخلت المرجعية كخطوة إيجابية من جانبها لتصحيح ماذهبت إليه في دعمها لهذه القوائم وذلك بالضغط على رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، وطالبته بمكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين، وتوفير الخدمات، وإجراء إصلاحات في الجيش والحكومة، وتقليص إمتيازات المسؤولين.
وكان من أخطر إجراءات الأحتلال الأمريكي، هو حَلْ الجيش، المُؤسسة التي يُوكل إليها حماية الوطن والمواطن، وإنتشار العديد من المجموعات الجهادية المُسّلحة والتنظيمات المتطرّفة عند السُنّة من أمثال أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق، وظهور تنظيم داعش من رحم هذا التنظيم وسيْطرته على ما يُقارب ثُلثْ مساحة البلاد. يُقابله ظهور تشكيلات الميليشيا عند الأحزاب الأسلامية الشيعية مثل جيش المهدي، وعصائب أهل الحق، وسرايا السلام وكتائب حزب الله وغيرها. و قَتلتْ هذه التنظيمات المُسلّحة من العراقيين الأبرياء أضعاف القتلى الأمريكيين.
وما كان لهذا الأرهاب أن يتوسع ويمتد إلى محافظات بكاملها، ويفتك بأرواح مئات الآلاف من العراقيين الأبرياء، ويدفع بالملايين منهم الى النزوح من مدنهم وقُراهم، لو أَصغى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وقادة الأحزاب الأسلامية الشيعية الى مطالب أهل السنة المعتصمين في الساحات العامة ( الذين يشعرون في أغلبيتهم بالأقصاء والتهميش)، والتي كانت في مُعظمها مطالب مشروعة. صحيح أنَّ من بين المُعْتصمين في هذه الساحات عدد غير قليل من الأرهابيين والمُندسين، ومن الذين يحملون أجندات خارجية، لكن هذا لا يُبرّر فَض الأعتصام بالقوة وبالحلول العسكرية فقط. كان لا بد من إيجاد حل سياسي يُرضي جماهير واسعة من المعتصمين وأبناء هذه العشائر لعزل الإرهابيين وبقايا الصداميين عن المواطنين السنة الحياديين، ممن ليس له مصلحة مع الإرهابيين والقاعدة . ولكن مِثلُ هذا الحل ما كان ممكناً، ما دام المالكي رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، هو رَجُلْ إيران، ومُنَفّذْ أَجندتها بأضعاف السُنّة في العراق وتهميش دورهم.
إن عدم إستجابة رئيس الوزراء لبعض مطالب السُنّة المشروعة، والمُضي قدماً في سياسة الأقصاء والتهميش ضِدَّهم ومُلاحقة بعض قياداتهم بتهم الأرهاب والفساد، دفَع العديد منهم للتعاون مع المجموعات الأرهابية المُسَلّحة المُعارضة للعملية السياسية، وخاصة تنظيم داعش الأرهابي، وأصبح الكثير منهم رهائن بيد هذا التنظيم. إنَّ تنظيم داعش الأرهابي صناعة محليّة وإقليمية وبِسكوتْ أمريكي ودعم صهيوني، وبتمويل وتدريب وتسليح سعودي، قطري، تركي. وما كان له أن يتوسع في العراق لولا التطرّف الطائفي من جانب قيادات كِلا الفريقين.
دعونا نتكلم بصراحة أنَّ تنظيم داعش والقاعدة وجبهة الُنُصرة وبوكو حرام ومثيلاتها لم تهبط إلينا من السماء، بل هي جَميعُها وليدة بيئة الصحراء القاسية المجاورة لنا، والفكر الوهابي التكفيري المُتطرّف وجزءاً من تراثنا الذي إتسمَ بالعنف لقرون خلت. وهي بمجملها تطبيقات جديدة لتيارات فكرية وعقائدية نشأَت في هذه البيئة، وفي ظل ظروف إقتصادية وإجتماعية متخلّفة، مارست العنف والقسوة كسبيل لأنتشارها.
ورغم تَمتْرسْ الساسة الطائفيون العراقيون خلف طوائفهم، لكنّهم لم يفلحوا في تحقيق مُبتغاهم في كسب كل أبناء الطائفة إلى جانبهم. فقد ظلَّ الوعي الجمعي في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي حاضراً في ذاكرة النُخب المُثقفة، وعند الوطنيين والديمقراطيين، وبين جمعٌ غفير من الشباب العراقي المتطلّع إلى رُؤية دولة مدنية ديمقراطية، تقوم على أساس المواطنة وتُراعي مبدأ الكفاءة والنزاهة والعدالة الإجتماعية.
إنَّ نقيض الطائفية وكل الهويات الفرعية الأخرى هو الهوية الوطنية، التي تُوحّدْ جهود كل المكونات لمصلحة البلد وعموم المواطنين، وتقف سَدّاً منيعاً بوجه الأطماع الخارجية. وتقوم الهوية الوطنية على أساس المُساواة بين جميع المواطنين ومن دون تمييز في العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس أو اللون أو الإنتماء السياسي أو الفكري. ولضمان حقوق المواطنين وعدم التمييز فيما بينهم، يتطلّب وقوف الدولة وكذلك كل المرجعيات الدينية، على الحياد بالنسبة إلى جميع الطوائف، ولا يجب النظر إلى الأغلبية العددية لهذه الطائفة أو تلك عند توزيع المناصب العُليا في الدولة، بقدر ما يجب النظر إلى كفاءة ونزاهة ومهنية الأفراد من هذه الطائفة أوتلك.
إنّ الأَخذْ بهذه المعايير المُجرّبة يُطلق كل الطاقات الكامنة لدى الإختصاصيين والمُبدعين لتقديم أفضل ما لديهم من مَعرفة وخبرة ومهارة. وستساهم بالتأكيد هذه المعارف والخبرات في إستقرار الأوضاع السياسية والأمنية في كل محافظات العراق وإلى نهوض إقتصادي سريع وسليم.
 شابا أيوب  . د



6
الطائفية السياسية ـ أسباب ظهورها وسُبلْ إِلغائها
الجزء الثاني
وأمّا في العراق فإن جذور الطائفية السياسية تعود الى فترة حكم الدولة العثمانية السنية والدولة الصفوية الشيعية، والصراع بينهما على النفوذ والهيمنة على المنطقة، لأنَّ كلتا الدولتين كانتا ذات نزعة توسعية. وكان العراق ساحة الصراع الرئيسية بينهما. ويأتي هذا الصراع بين الدولتين كإستمرار لصراع قديم بين الفرس والروم (سكان تركية قبل هجمات المغول والتتار)، وكان العراق حينذاك أيضا ساحة لهذا الصراع. لذلك نجد أن العراق كان يخضع تارة لحكم العثمانيين وتارة أخرى لحكم الفرس الصفويين، وما زال هذا الصراع قائما إلى يومنا هذا، ويأخذ أشكالاً متعددة، أحيانا بالِسرْ وأحياناً بالعَلنْ.
وإستمر التنازع بين الدولة العثمانية وإيران على مناطق واسعة ومن ضمنها زُهاب والسليمانية والمُحَمّرة لأكثر من ثلاثة قرون، وحُلَّ الخلاف بالتوقيع على مُعاهدة أرضروم الثانية عام 1847 وبمُساعدة الوسيطين الأنكليزي والروسي.إذ قُسّمت على أثرها منطقة زهاب، فأُلحق قِسمُها الشرقي (الجبلي) بايران، وضُمَّ قسمُها الغربي (السهلي) إلى أراضي الدولة العثمانية. كما نصّتْ المعاهدة على تنازل إيران عن إدعاءاتها بمدينة السُليمانية ومنطقتها وعلى تعهدها بشكل رسمي بأن لا تتجاوز على هذه المنطقة. وذلك مُقابل الأعتراف الرسمي العُثماني بخضوع مدينة المُحَمرة وميناءها ومرساها وجزيرة خضر، والأراضي الواقعة على الضفة الشرقية لشط العرب كافة إلى إيران بشكل تام(4).
وفي مقابلة تلفزيونية عّلل السيد أياد جمال الدين توقيع المُعاهدة من قبل الطرفين للسبب التالي، أن الكثافة الشيعية في العراق كانت مصدر قلق للعثمانيين للسيطرة على عرب المنطقة، وبالمقابل كانت كثافة الأكراد السنة في غرب إيران مصدر قلق لإيران الصفوية، وأُزيلتْ مخاوف الطرفين بعقد هذه المعاهدة، تنازلت بموجبها الدولة العثمانية عن إقليم الأهواز العربي الشيعي لإيران لتقلّل من عدد الشيعة في العراق، وتنازلت إيران القاجارية عن إقليم شهرزور السني (محافظة السليمانية والمناطق المحيطة بها) للدولة العثمانية لتقلّل من عدد السنّة التابعين لأدارتها.
والغريب بالأمر أنَّ لا أحدا من حُكّام العراق طالب بأعادة إقليم الأهواز العربي الشيعي الى العراق بعد سقوط الدولة العثمانية. لا الملك فيصل الأول، ولا الملك غازي، ولا الزعيم عبد الكريم قاسم، وحتى صدّام حسين الذي إحتل حوالي ثُلثي إقليم الأهواز الغني بالنفط في حربه مع إيران لم يُطالبْ بأعادته الى الدولة العراقية، وكان كُلّ ما يحلم به هو إقامة إقليم أو دويلة في الأهواز تُعادي نظام ولاية الفقيه في إيران.
وهُناك من يعتقد بأن للطائفية في العراق جذر قديم يعود إلى إجتماع سقيفة بني ساعدة. حيث انقسم المسلمون يوم ذاك الى فريقين أحدهم شايع الفريق الذي فيه علي بن أبي طالب (ع) و الآخر شايع الفريق الذي فيه أبي بكر الصديق وعمر ابن الخطاب (رض)، حيث بدأت من هنا الفتنة. فراح بعدها الحكام والسلاطين على مر الزمن يستخدمونها ويشعلوا نيرانها كوسيلة للأحتفاظ بكراسيهم ودوام حكمهم.
عاش الشيعة والسنة في ما يعرف اليوم بالعراق لفترة تزيد على 1000عام. وخلال أغلب تلك الفترة كانت الجماعات السنية والشيعية قادرة على أن تحيا بتعايش سلمي على الرغم من تفجر العنف بينهما بين حين وآخر، ولكن بدون تفكيك الحدود الطائفية. وحسب المؤرخ الأسباني جوزيف بيريز فأنَّ التعايش ليس مرادفاً للتسامح. حيث كتب حول هذا الموضوع قائلاً  " التسامح يشترط غياب التمييز ضد الأقليات واحترام وجهات نظر الآخرين"وهذا ما لم يحصل على أرض الواقع. والحقيقة هُناك جدل بأن أحداث النزاع الطائفي الخطير في العراق لم تحصل الا في أعوام 1508 و1623 و1801، وكانت نتيجة مباشرة لعوامل اقليمية وليس عراقية (5).
وتُشير الوقائع على أنَّ الاختلافات الطائفية في العراق قديمة، وإن المثال المستخدم للتقليل من شأنها، أي "التحالف" بين السنة والشيعة في الاعداد لثورة العشرين، كدليل على النزعة الوطنية العراقية التي تتجاوز الاختلاف الطائفي، هو في الواقع مُؤشر إيجابي للوئام والتلاحم بين الطائفتين. غير أنه بتغيّر الظروف يمكن للنزعة الوطنية العراقية أن تتراجع ويجري تخطيها لِصالحْ النزعة الطائفية. وبالفعل فان توزيع الوظائف والموارد بين السنة والشيعة بعد تشكيل الدولة العراقية 1921 أثَّرَ على الترابط بينهما. ويمكن رؤية هذا في ميثاق الشعب في آذار 1935(6). فهذه الوثيقة البالغة الأهمية، المقدمة الى الملك غازي، وُقّعَتْ من جانب زعماء عشائريين ودينيين من الفرات الأوسط ومحامين شيعة في العاصمة، وطالبت بتمثيل أفضل للشيعة في الحكومة ودعت الى تمثيل التشريعات الشيعية في السلطة القضائية، اضافة الى الاصلاح الانتخابي وحرية الصحافة. وعلاوة على ذلك فان "قضية أنيس النصولي" في عام 1927، وهو مدرس سوري كان يعمل في العراق و نشر كتاباً اعتبر من جانب كثير من الشيعة هجوماً على آل بيت النبي، تُظهِرْ كيف أنه من السهل اشعال المشاعر الطائفية عندما ينظر الى القصة التاريخية للطائفة باعتبارها تتعرض الى هجوم.
ويمكن للأحداث التي وصفت أعلاه أن تستخدم لتأكيد الانقسام الطائفي في العراق وأهمية المشاعر الطائفية في تشكيل النفسية العراقية. غير أنه في جميع الأحداث التي ذكرت، وأحداث أخرى غيرها لا تحصى، فان الثنائية الشيعية ـ السنية بعيدة عن أن تكون مقنعة. وعلى سبيل المثال فان ميثاق الشعب كان وثيقة مثيرة للخلاف بين شيعة الفرات الأوسط أنفسهم: فقد رفض جزء كبير من زعماء العشائر في المناطق ذات الأغلبية الشيعية التوقيع على الوثيقة على أساس أنها تضع المصلحة الطائفية فوق المصلحة الوطنية(7).
يُعزي بعض الكُتاب والساسة بروز التعصب الطائفي لدى الشيعة في القرن الماضي بسبب مظلوميتهم على يد نظام صدّام الدموي (لأنَّ نظام صدّام حارب فعلاً الهويات الفرعية وأجْبرَ الجميع على قبول فكر البعث)، وعلى يد الحكومات السنية التي سبقته منذ تشكيل الدولة العراقية في 1921، حيث تركّزت السلطات القيادية والمناصب العليا في الحكومة والجيش وقوى الأمن الداخلي بيد الشخصيات السنية، مع مشاركة طفيفة للشخصيات الشيعية. رُبّما يكون هذا هو واحداً من الأسباب ولكن ليس كُلّها. لأن صدّام لم يكن طائفيا بالمعنى الواسع للكلمة، بل كان دكتاتوراً وطاغية مهووس يعشق السلطة، ويَشُك حتى بأقرب المقربين اليه، وكان يُوزع المناصب الحساسة على الأشخاص الذين يَثِق بِهم وبولائهم لنظامه بغض النظر عن إنتماءاتهم العرقية أو المذهبية. وأن الإرهاب والقمع الذي مارسه نظامه لم يكن مقتصراً على المعارضين الشيعة فقط ، بل شمل الأحزاب والقوى الكردية والحزب الشيوعي العراقي والأحزاب القومية الآشورية، كما طال بطش النظام قيادات رفيعة وكوادر متقدمة من داخل صفوف حزبه. ولهذا يمكن وَصفْ نظام حُكمه بأَنّه كان عائلياً وعشائرياً ومناطقياً أكثر منه طائفياً. 
لكن الصراع الطائفي في القرن الماضي لم يلقى آذاناً صاغية عند أغلب العراقيين، ولم ينعكس على أرض الواقع، ويمكن القول بأن جذر الطائفية ظلَّ خامدا. وظَلَّ التعايش والتآخي قائماً بين الطوائف والإثنيات العراقية، وتُعد مدن بغداد والبصرة وبابل وديالى وكركوك والموصل نماذج رائعة للتعايش ولتماسك النسيج الأجتماعي العراقي. وإحتفظ العراقيون بالعديد من المشتركات والموروثات الشعبية، كما إزداد عدد الزيجات المختلطة بين الشيعة والسنة في القرن الماضي.
والطائفية بشكل عام هي فكرة تَتّسم بالتخلّف والتَعَصّب والإنغلاق، وهي كما أَشرتُ فتنة يشعلها ويوقضها الحكام متى ما شعروا بالخطورة على كراسيهم. وإستخدمها قادة الأحزاب الأسلامية الشيعية والسُنّية  كأداة ووسيلة للفوز بالكرسي كما حصل في الأنتخابات البرلمانية السابقة وفي إنتخابات مجالس المُحافظات. ويسعى سياسيو الصدفة ممن جاء بهم المحتل الأمريكي على تأجيجها، مثلما حصل بعد التغيّير ويحصل اليوم، شاغلين الناس بالكراهية والإقتتال، الذي لا ناقة لهم به ولا جمل، حيث يذهب ضحية ذلك، الأبرياء والبسطاء من أبناء الشعب.
وبهذا الصدد أَقْتبِسُ نصاً أورده الكاتب كريم عبد مطلك في الحوار المتمدن بتاريخ  15.6.2015
قال الرسول الكريم محمد (ص):( الفتنة نائمة لعن الله من أيقضها ). وأضاف مخاطباً الجماهير
 ” فأنتبهوا ايها الناس وإتحدوا وثوروا مُتَحَدّين عاصفين راعدين بوجه كل من يريد اشعال نار الفتنة من الحكام والجالسين على الكراسي الواهية والتي لم يجلسوا عليها الّا بدمائكم ولا زالوا يذبحونكم بالفتنة الطائفية وعلى ذلك وجب عليكم أن تعلنوها صرخة مدوية في وجوههم مطالبين بحقوقكم المسلوبة بدلاً عن إلهائكم بسرطان الطائفية البغيضة واقتتال يذهب ضحيته الأبرياء فتكونون حطباً وأخشاب وقود لنار يسعّرها الحكام والسلاطين والمهووسون بالمال والجاه المفقود لديهم مثلما فقدوا ضمائرهم فقد إعتبروكم كالدُمى يحركونكم متى شاؤا مستمتعين في ذلك. ففي السلم يلهون بكم وفي الحرب يدفعونكم الى نارها البعيدة عن قصورهم الفارهة وكراسيهم المرصعة بأموالكم. وهم وعلى مدى التأريخ لا هَمّ لهم سوى اللهو والحرب، وفي لهوهم فساد وفي حربهم هلاك للعباد ”.
ولم يمضي سوى شهر ونصف على ندائه حتى تحقّقَ له ما أراد، وذلك بأنطلاقة ثورة الشعب السلمية في 31 تموز 2015 ضد الفساد والمفسدين ومن أجل حُقوقه المشروعة.
ومن ناحية أخرى فأن الهوية الطائفية تتأثّر كثيراً بالطبقة التي ينتمي إليها الفرد، وبتحصيله الدراسي، والمكان الجغرافي (قرية أو مدينة)، والبيئة السياسية، والوضع الأقتصادي. وهي ليست ثابتة من حيث البروز والمحتوى، بل قابلة للتَغيّر وحتى للتلاشي متى ما شعر الفرد بعدم التمييز، وبأنّ حقوقه مضمونة ومُصانة. فالأحياء التي تسود فيها الطبقة الوسطى هي أكثر إختلاطاً بين السُنة والشيعة من غيرها، وأنَّ الأواصر التي تربط  الشيعة والسنة أقل بكثير في مناطق الطبقة العاملة منها في مناطق الطبقة الوسطى. ففي بغداد مثلاً يُعتبر سُكّان مناطق الصدر والشعلة والفضل أقل تجانساً من سكان مناطق ميسوره مثل زيونة أو الجادرية أو اليرموك. ومما لا شك فيه أن الزواج المُختلط يُقلّل من تأثير الطائفية. 
ومن سِماتْ الطائفية الحالية في العراق أنَّها تنشط وتعمل تحت يافطة الوطنية، وتدّعي الحرص على وحدة العراق أرضاً وشعباً. ويرفض الطائفيون الشيعة علنياً تقسيم العراق الى دويلات، ويقولون أنَّ كل ما يطمحون اليه هو، التأكيد على رُؤية الجماعة، والتي تتمثل بشيعية العراق. بينما تدفع سياساتهم وممارساتهم الى تمزيق وحدة العراق، وإحتراب مكوّناته. إذ إنقلبت الصورة بعد 2003، وأصبح السُنّة هم الذين يشعرون بأَنَّهم ضحية 
للإضطهاد الطائفي.
المصادر
 ____________________________________________________
(1) الطائفية السياسية بين خطر التوافقية ودستورية الإلغاء ـ الدكتورة أحلام بيضون، بروفسور في القانون الدولي، الجامعة اللبنانية.
(2) أسامة المقدسي، ثقافة الطائفية ـ الطائفة والتاريخ والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العُثماني، ترجمة ثائر ديب، دار الآداب، بيروت 2009 ص 26
(3) وضّاح شرارة ـ  في أصول لبنان الطائفي.
(4) معاهدة أرضروم الثانٌية بٌين الدولة العثمانٌية وإٌيران ـ  د. جمٌيل موسى النجار ـ استاذ مساعد كلٌية التــــــربٌية / الجامعة المستنصرٌية مجلة جـامعــــة كـركوك. العدد : 2 / المجلد : 6 / السنة السادسة 2011 .
(5) التعددية الثقافية الطائفية في العراق ـ ترجمة رضا الظاهر.
(6) التعددية الثقافية الطائفية في العراق ـ ترجمة رضا الظاهر.
(7) التعددية الثقافية الطائفية في العراق ـ ترجمة رضا الظاهر.


7
الطائفية السياسية ـ أسباب ظهورها وسُبلْ إِلغائها
الجزء الأول
الطائفية السياسية كنموذج للحكم باتت تشكل خطراً على مستقبل شعوب الشرق الأوسط وبلدان الخليج العربي، وعلى أمن شعوبها ، وعلى التنمية الأقتصادية والإجتماعية لهذه البلدان،  بعد أن توّسعت رُقعة إنتشارها، وشملت كل من العراق وسورية واليمن بعد أن كانت مقتصرة على لُبنان. وفي هذا البحث سوف أتناول موضوعة الطائفية السياسية في كُل من لُبنان والعراق. ولكني سوف لن أُطيل الحديث عن الطائفية السياسية في لبنان لكثرة ما كُتب عنها وبأدق التفاصيل، ولكني سوف أقتصر على ذكر أسباب نشأتها، وكيف ترسّخت في الحياة السياسية اللبنانية، ومن ثم أتناول الطائفية السياسية في العراق بشيء أَكْثرُ تفصيلاً. 
يُعد لبنان بلد الطوائف، إذ يعيش على أرضه، والتي تبلغ مساحتها  10452 كيلومتر مربع، 18 طائفة من المسلمين والمسيحيين والدرزيين. ونظام الحكم فيه طائفي ، حيث منصب رئيس الجمهورية يعود الى مسيحي ماروني، ومنصب رئيس مجلس النواب إلى مُسلِمْ شيعي وأمّا منصب رئيس الوزراء فيعود إلى مُسلمْ سُنّي.
كتبت الدكتورة أحلام بيضون وهي بروفيسورفي القانون الدولي في الجامعة اللبنانية بحثا عن الطائفية السياسية (1) ذكرت فيه
إتفق الأتراك والدول الأوروبية الكبرى، بعد أحداث 1840 على تقسيم لبنان إلى قائم مقاميتين الأولى يحكمها درزي وتكون عاصمتها بيت الدين، والثانية يحكمها ماروني وعاصمتها بكفيا. وكان يعاون كل حاكم مجلس مؤلف من أمين سر وقاضٍ ومستشار، عن كل من السنة والموارنة والدروز والروم الكاثوليك والروم الأرثوذكس، بالإضافة إلى مستشار من الطائفة الشيعية؛ وكانت السلطات الدينية لكل طائفة هي المخولة مهمة إنتخاب أعضاء المجلس.
إن نظام القائمقاميتين المذكور بما حمل في طياته من تقسميات طائفية للسلطة في البلاد، شكل سابقة خطرة لتقسيم الشعب اللبناني إستناداً إلى معايير طائفية. إن هذا النظام الطائفي سبب مجازر عام 1858 وعام 1860، مما دفع الدول الأوروبية الكبرى بالإتفاق مع تركيا، إلى تأسيس نظام المتصرفية، الذي نظمه بروتوكول 1860 المعدل سنة 1861 والذي يعطي جبل لبنان إستقلالاً إدارياً ضمنته الدول الأوروبية؛ وتم الإتفاق على أن يكون المتصرف مسيحي غير لبناني من رعايا السلطنة، يعاونه مجلس إداري مؤلف من 12 عضواً (4 موارنة، و3 دروز، و3 روم أورثوذكس، وسني وشيعي).
يتضح من الكيان الجديد أن الدول الأوروبية المهيمنة ذلك الوقت، لم تعالج أساس المشكلة بل أمعنت في التدخل لإحكام سيطرتها وأنشأت نظاما تحت وصاية أجنبية بتسوية مع السلطنة العثمانية التي كانت تحكم المنطقة.
ولدَ نظام المتصرفية نوعاً من التفوق الرسمي للموارنة في البلاد، مما جعل هذه الطائفة تلعب بمعاونة الفرنسيين، دوراً أساسياً في تأسيس لبنان الحالي. وحين أعلنت دولة لبنان الكبير عام 1920، بضم الأراضي الساحلية والداخلية ذات الأغلبية المسلمة إلى جبل لبنان، حافظت الدول المنتدبة على مبدأ المحاصصة الطائفية الذي جرى العمل به سنة 1861، وشكل الموارنة، الذين كانوا أكثرية في مجلس إدارة المتصرفية، أكثرية أيضا في اللجنة الإدارية التي ألّفها الجنرال غورو، بالمرسوم رقم 331 تاريخ 1 أيلول 1920، وتمكنوا من المطالبة والحصول على إمتيازات لهم في الدولة الجديدة. وحين أجريت إنتخابات المجلس النيابي الذي حلّ محل اللجنة الإدارية، تم ذلك على أساس توزيع طائفي نسبي، كما تم أخذ المغتربين اللبنانيين ذووي الأكثرية المسيحية بعين الإعتبار، مما عكس النتائج لصالح الموارنة من جديد.
حاول رئيس الجمهورية بشارة الخوري المنتخب عام 1943، إجراء أحصاء جديد للمغتربين اللبنانيين، فقوبل برفض شديد من قبل المسلمين، فعمد المندوب السامي الفرنسي للتدخل فارضاً، توزيعاً جديداً للمقاعد النيابية بنسبة 6 للمسيحيين و5 للمسلمين كذلك عمد إلى توسيع  صلاحيات رئيس الجمهورية، الذي كُرَّسَ مارونيا، حين تم إقصاء أحد المسلمين الذي ترشح للرئاسة الأولى من قبل المندوب السامي بعد أن واجَهَ إعتراض النواب الموارنة. على كل، لم يلبث الزعماء اللبنانيون مسلمون ومسيحيون أن اتفقوا سنة 1943، على تقاسم السلطة، في سبيل توفير ظروف إستقلالهم، فأعطيت رئاسة الجمهورية للطائفة المارونية، ورئاسة الوزراء للسنّة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة. كرّست صيغة التقاسم الطائفي في خطاب شفهي لرياض الصلح عرف بالميثاق الوطني، وقد كان هذا الميثاق في حينها مؤقتاً ثم إكتسب قيمة عرفية نتيجة للإستمرار في تطبيقه.
- إمتد التمثيل الطائفي النسبي إلى شتّى الميادين العامة، وكرّس في المادة 59 من الدستور عام 1926 بهذه العبارات: "في مرحلة إنتقالية وبغية توفير العدالة والوفاق، تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وفي تشكيل الحكومة دون أن يكون من شأن ذلك الإساءة إلى المصلحة العامة". ورغم أن هذه المادة كانت قد وضعت عام 1943 كتدبير إنتقالي، فقد بقيت حيّز التنفيذ إلى يومنا هذا، فالتطبيق اليومي للنصوص القانونية من قبل القائمين على السلطة، قد حول ما هو مؤقت في الأساس إلى تدبير دائم، مما كان له أوخم النتائج على كافة الصعد الفردية والجماعية.
وعليه فإنَّ تاريخ الطائفية  السياسية في لبنان  يبدأ منذ أن تشكَّل لبنان ككيان سياسي اجتماعي عبر ولاداته الثلاثة (دولة لبنان الكبير 1920، وجمهورية الاستقلال 1943، وجمهورية الطائف 1989). ومنذ ذلك الحين وكل شيء ينمو ويتحرك داخل أسوار الطوائف. ويصعب على أي تشكيل سياسي أو اجتماعي في لبنان التحرك من دون أن يتصل بهذا القدر أو ذاك بشريعة المنظومة الطائفية وقانونها العام. حتى الظهورات اللاَّطائفية، من أحزاب علمانية، ونقابات جماهيرية، واتحادات، وجمعيات أهلية، وسائرمنظمات "المجتمع المدني"، لم تفلح طوال تاريخ لبنان المعاصر في إنجاز الاستقلال الناجز والتحوُّل إلى مجتمع مدني حقيقي. فعلى الرغم من إمكانيات أصحاب تلك الأحزاب والمنظمات في خطابهم النقدي، وفي جرأتهم على افتضاح المفاسد الطائفية، بقيت الكتلة المدنية اللاّطائفية تنشط تحت سقف النظام الطائفي، ومكثت دون القدرة على الدفع باتجاه الإصلاح السياسي الفعلي.
وهناك عدة آراء حول منشأ الطائفية السياسية في لُبنان وأسباب ظهورها. إذْ يرى البعض أن الطائفية  مجرد موروث عثماني. ويرى آخرون بأنَّها صيغة ثقافية قانونية من صيغ المعرفة الاستعمارية الغربية. بينما هي بنظر أصحاب الحداثة - مزيجٌ من إدراكات واستعارات ووقائع ما قبل كولونيالية وما بعد كولونيالية. بعبارة أخرى، فإن الطائفية عند هؤلاء - معرفةٌ "حداثية" لأنها أُنتِجَت في سياق الهيمنة الأوروبية والاصلاحات العثمانية، ولأن المفصحين عنها – على مستوى كولونيالي (أوروبي) وإمبراطوري (عثماني) ومحلي (لبناني) - يعتبرون أنفسهم حديثين يستخدمون الماضي التاريخي لتبرير مطالب راهنة وتطور مستقبلي. وبقدر ما تمثل الطائفية معرفة كولونيالية حقًا، فإنها تمثل أيضًا وجوهريًا معرفة عثمانية إمبراطورية، ومعرفة قومية محلية لا يتم إنتاجها بعد الكولونيالية أو ردًا عليها، بل بالتزامن مع المعرفة الكولونيالية ومُثُلها(2).
يستعرض الكاتب وضّاح شرارة في كتابه “في أصول لبنان الطائفي”  العوامل السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي سجّلت بداية الأزمة اللبنانية في القرن التاسع عشر، وَلخَّصها كالتالي (3) ؛
1  التركيبة الإجتماعية اللبنانية التي وُلدت نتيجة كون جبل لبنان ملاذاً للأقليّات من الإضطهاد في الشرق الأوسط. وهذا ما أدّى إلى تكوين المجموعات البشرية المنعزلة والمتمسكة بتراثها وطقوسها.
2 ضعف سلطة السلطنة العثمانية وتدخّل القوى العظمى في شؤونها الداخلية لتأمين مصالحها التجارية والإنتاجية.
3  قيادة الأمير بشير الثاني التي انتزعت سلطة جباية الضرائب من المشايخ الدروز وتسليمها إلى الفرسان الموارنة.
4  تصاعد نفوذ الكنيسة المارونية في ظلّ ملء الفراغ السلطوي العثماني، وتبنّيها ودعمها لثورة الفلّاحين في وجه المشايخ الدروز والموارنة أيضاً، ممّا أكسب الكنيسة غطاءً شعبياً وجعل منها الراعي والمرجع لكتلة إجتماعية متماسكة ومتنامية القوة والتأثير في جميع المجالات.
5  توظيف فرنسا رأس المال في قطاع إنتاج الحرير وتسليم هذا القطاع للتجار الموارنة، كما كانت تدعم الحركة الثقافية التي كانت في يد الكنيسة منذ القرن السادس عشر، الذي أدى إلى توسع الموارنة من المتن وكسروان إلى الجنوب حتى جزّين والجليل وغرباً حتى بيروت وشمالاً حتّى إهدن.
وهكذا، في غضون بضعة عقود، إستطاعت الكنيسة المارونية بناء العلاقات الخارجية القوية والدعم الشعبي ورأس المال الأجنبي والقوة الإقتصادية الإنتاجية، مما أدى إلى تأسيس الدويلة المارونية في قلب الدولة العثمانية، تبعها تأسيس دولة لبنان الكبير.
 ويمكن تلخيص تاريخ لبنان كتاريخ تصاعد وتساقط النفوذ بين كانتونات الطوائف المتصارعة على السلطة في الكيان اللبناني. فمثلاً النفوذ السني الذي حاول قلب الطاولة عبر التحالف مع الناصرية والقوى الفلسطينية، باء بالفشل بعد تحالف الموارنة مع الإسرائيليين، والذي أيضاً باء بالفشل بعد التدخل السوري! ثم انتعش هذا النفوذ السني مع وصول رأس المال السعودي بقيادة المرحوم رفيق الحريري، وعاد فخمد بعد اغتياله.
وإذا ما قارنّا تصاعد النفوذ الماروني في منتصف القرن التاسع عشر بتصاعد النفوذ الشيعي في أواخر القرن العشرين (التي ابتدأت كحركة وطنية مع موسى الصدر وانتهت إلى حركة طائفية بعد استبعاده)، لرأينا أن الظروف والآليات هي ذاتها، فقط الأسماء وحدها هي التي تختلف. وبالتالي ليست الجمهورية اللبنانية الحديثة إلا محاولة (لم يُكتَب لها النجاح) لتأطير هذا الصراع الطائفي في أطر “ديمقراطية“.
وقد تَسَبّبتْ الطائفية في لُبنان في أزمات وحروب أهلية. وتبدأ  كل أزمة عندما يتصاعد نفوذ مجموعة طائفية معينة، فتحاول هذه المجموعة الإمساك بزمام السلطة، بينما الطائفة المسيطرة تحاول البقاء في السلطة. وقد تطوّرت أفكار زعماء الطوائف، وإكتسبوا خبرة في إخفاء جذور طائفيتهم، وذلك عبر إقامة تحالفات " عابرة للطوائف" بين حين وآخر. كما أن هذه الزعامات الطائفية المرتبطة بالقوى الخارجية، أصبحت تتبنّى الشعارات الوطنية والمدنية التي يُعبر عنها الشارع اللبناني. فمثلاً طالَبَ نبيه برّي  بإسقاط الطائفية، وطالَبَ سعد الحريري بالدولة المدنية، ممّا يُعرّض التغيير الحقيقي نحو المدنية للخطر.
فإذن تاريخ لبنان الحديث هو صراع سياسي بين زعماء الطوائف، جراء ترسيخ الطائفية على مراحل في الحياة السياسية اللبنانية، بعد أن كانت الطائفية على المستوى الإجتماعي فقط. وقد تبيّن للكثير من اللبنانيين أن  أن ما يُسمّى بـ”الديمقراطية التوافقية” ليست النظام الأمثل للشعب اللبناني، والدليل على ذلك هو كثرة عدد الأزمات والحروب الأهلية والضحايا والأموال المهدورة والمشاريع العالقة التي نتجت عن هذا النظام على مدى أكثر من مئة عام.
ما هو البديل وما هي الخطوة الأولى؟
البديل هو دولة المواطنة. ولكن تحقيق ذلك ليسَ بالأمر الهيّنْ في لُبنان، بسبب التدخلات الخارجية بالشأن اللبناني، ويتطلّب القيام بعدة خُطوات متدرّجة. والإنطلاقة الأولى لألغاء الطائفية السياسية حسب وَضّاحْ شرارة تبدأ من المطالبة الشعبية بتعديل القانون الانتخابي بحيث يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد قاعدة النسبية. هذا لن يلغي الطائفية من النفوس، لكنه سوف يسمح باختراق المستقلين المتمتعين بالكفاءة والحاملين لمشاريع إقتصادية تنموية أن يوصلوا صوتهم إلى الشعب اللبناني. والخُطوة التالية هي رص صفوف الأحزاب العلمانية والنقابات المهنية وجمعيات المجتمع المدني والنُخْبة المُثقفة، والضغط بأتجاه تغيّير الدستور، وإِعلاء شأنْ المُواطنة اللبنانية على حساب 
.الهوية الطائفية
المصادر
 =======================================================
(1) الطائفية السياسية بين خطر التوافقية ودستورية الإلغاء ـ الدكتورة أحلام بيضون، بروفسور في القانون الدولي، الجامعة اللبنانية.
(2) أسامة المقدسي، ثقافة الطائفية ـ الطائفة والتاريخ والعنف في لبنان القرن التاسع عشر تحت الحكم العُثماني، ترجمة ثائر ديب، دار الآداب، بيروت 2009 ص 26
(3) وضّاح شرارة ـ  في أصول لبنان الطائفي.
(4) معاهدة أرضروم الثانٌية بٌين الدولة العثمانٌية وإٌيران ـ  د. جمٌيل موسى النجار ـ استاذ مساعد كلٌية التــــــربٌية / الجامعة المستنصرٌية مجلة جـامعــــة كـركوك. العدد : 2 / المجلد : 6 / السنة السادسة 2011 .
(5) التعددية الثقافية الطائفية في العراق ـ ترجمة رضا الظاهر.
(6) التعددية الثقافية الطائفية في العراق ـ ترجمة رضا الظاهر.
(7) التعددية الثقافية الطائفية في العراق ـ ترجمة رضا الظاهر.



8

داعش ـ  طاعون الفكر المعاصر
الجزء الرابع
إنّ القاعدة وطالبان وداعش وجبهة النصرة وبوكو حرام ليست سوى طاعوناً فكرياً جديدا، وأَنّ داعش من أخطرها. فإذا كان طاعون الكنيسة الكاثوليكية الفكري قد أصاب قسماً من مسيحيي أوروبا، فإن طاعون داعش يصيب قسماً كبيراً من المسلمين وكل أبناء المذاهب والديانات الأُخرى. لأن داعش تُقسم البشر إلى صنفين ؛ مؤمنون حقيقيون وكافرون، وكُلْ من له رُؤية دينية أو مذهبية تختلف مع السلفية الجهادية الوهابية فهو كافر، وبالتالي إما أن يهتدي الى طريق الأيمان الصحيح أي الوهابية، وإلاّ فسوف لم يجد مكانا على وجه المعمورة. فإما أن تقطع رقبته بالسيف أو يقتل رميا بالرصاص أو يحرق حيّاً.

وقد تسببت هذه العقيدة المريضة، وخلال عقد من الزمان فقط ، بهلاك مئات الالاف من المسلمين الشيعة والسنة والمسيحيين والأيزيديين والصابئة في العراق وسوريا، ونزوح حوالي تسعة ملايين مواطن من مُدنهم وقُراهم في هذين البلدين ، وإذا ما تسنى لهذه المنظمة الأرهابية السيطرة على مساحات شاسعة في   فِكريٌ من نوع جديد لا يوازيه أي طاعون آخر جرثومي أو نووي أو فكري، مما يتطلّب بذل أقصى الجهود من جانب حكومات وشعوب العالم قاطبة والأُمم المتحدة على وجه الخصوص على وأْده قبل أن يَتفشى.

وبهذا الصدد فإني أتفهم تماما رأي وزير خارجية روسيا الإتحادية، السيد سيرجي لافروف، ذو النظرة الثاقبة، وأحدْ أذكى وأدهى الدبلوماسيين في العصر الحديث، وأكثرهم حِنكة سياسية، وعقلانية في الطرح، وفي أيجاد الحلول الواقعية للمشاكل الدولية القائمة، حين صرّح : بأَنَّ داعش هي ألدّ أعداء روسيا، رغم أن مشاكل روسيا اليوم ليست مع داعش، وإنّما مع أمريكا والدول الغربية بسبب الأزمة الاوكرانية، حيث تخضع روسيا لعقوبات إقتصادية وتتعرّض لضغوطات مختلفة من قبل الأثنين.

يخطأ من يعتقد بأَنَّ الدواعش ليسوا بمسلمين وأنّ الإسلام براءٌ منهم. فالدواعش هم السلفيون من أصحاب ذلك المذهب المتطرّف، الذي يَقرأْ النص القرآني قراءة حرفية، ويستنسخ ويكرّرجملة من الأفعال والممارسات العنفية، من قتل وإختطاف وسلب ونهب وسبي النساء ومصادرة أملاك الغير(الكفار)، والتي سادت في القرن السابع الميلادي، أي قبل عصر النهضة الأوروبية وتشكيل الدول الديمقراطية الحديثة. ولم يراعوا لا الزمن ولا حجم التغيّرات التي حصلت على البنى الفكرية والأقتصادية والقانونية والحقوقية على الصعيد الدولي بعد 14 قرنا. لأَن مثل هذه الأفكار والممارسات لم تعد تتلائم مع روح العصر وإقرار مبدأ المواطنة، ومبادئ حقوق الأنسان، حيث هي المعيار الذي تُقاس به الدول المتحضرة عن غيرها.
 
أدناه بعض الآيات التي تحرض على القتل ونشر الكراهية والتي يحتكم إليها الدواعش في إدارة سُلطتهم
   
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة 193 ).

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة 216)

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة 244)

فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء 74)

الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (النساء 76 )

فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا (النساء 84 )

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (النساء 89)

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (المائدة 33)

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (الأنفال 12)

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال 60)

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (الأنفال 65)

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة 5)


قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة 29)


يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير (التوبة 73).

وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (الأحزاب 26 و 27).
 
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (محمد 14).

هذه هي مجرّد نماذج من الآيات التي تُحرّض على القتل في القرآن، والتي أحصيتُ عددها ب 22 آية، وربما العدد الحقيقي يفوق ذلك.
يتحدث الكثير من الإسلاميين غير العلمانيين عن أنفسهم قائلين بأنهم ديمقراطيون.
والسؤال الذي يُحيّرني كثيراً هو : كيف يستطيع الأسلامي غير العلماني، الجمع بين هذه النصوص، التي تُشكّل قاعدته الفكرية، و بين مبادئ الديمقراطية التي تتمثل في التداول السلمي للسلطة، حكم الأغلبية مع ضمان حقوق الأقليات، حرية الأفراد والجماعات (حرّية الفكر والأعتقاد)، ومبدأ المساواة  بين الجنسين في الحقوق والواجبات؟

لا يمكن للأسلامي أن يصبح ديمقراطياً إلاّ إذا وضع هذه الآيات، وما يشابهها على الرف. أي أن يفصل بين الدين (كلام الله) والسياسة(كلام الناس).

ولكن في مقابل منظري داعش ومثيلاتها، هناك كَمٌ هائل من المفكرين والمثقفين العرب و المسلمين العلمانيين، ورجال دين متنوورن من الذين تَشَبعوا بأفكار الثورتين الفرنسية والروسية، وقيمْهما في الحرية، والأُخوة، والمساواة، والعدالة الأجتماعية، وبأفكار غاندي حول الإنتقال السلمي للسلطة، والزعيمين العظيمين مارتن لوثر ونيلسون مانديلا، وكفاحهما ضد العنصرية والتمييز العنصري، من أمثال الدكتور عدنان إبراهيم والمُفكر السعودي الدكتور إبراهيم البُليهي، والمصري سيد القمني ، و أياد جمال الدين وكثيرون آخرون.
هؤلاء العُقلاء يقومون بدور فعّال في لجم دُعاة الكراهية من التكفيريين والطائفيين، وهم مدعوون أكثر من أي وقت مضى الى تكثيف جهودهم على صياغة خطاب ديني وسياسي، يتلائم مع  مفاهيم وقيم الديمقراطيات الحديثة في أوروبا، والأمريكتين، وبعض البلدان الآسيوية، و ينسجم مع لائحة حقوق الأنسان والمواثيق الدولية الأخرى، وأن يساهموا في إصلاح مناهج الدين التعلييمية. ولا ننسى خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المُوجه لشيوخ الأزهر، ودعوته لأجراء إصلاح ديني، وتغييّر في مناهج التعليم، والذي يكتسب أهمية كبيرة، نظرا لدور مصر الريادي في الثقافة والأدب والفن. خطاباً يُوضعْ حد للجماعات التكفيرية، والأئمة الذين يُحرّضون على العنف والكراهية وتكفير الآخر، ويزرعون الفتن ويفرّقون بين أبناء الشعب الواحد.

إن حصاد 12 سنة من حكم الأسلام السياسي في العراق هو : الغلو الطائفي، وإشتداد مظاهر التديّن ، يقابله إرهاب منفلت، وفساد مُستشْري في مؤسسات الدولة وبين الناس، نهب المال العام،  إحتلال ثلث أراضي البلاد، خزينة خاوية، لا ماء شرب صافي ولا كهرباء دائمة، لا مدارس ومستشفيات كافية، لا مصانع ولا إنتاج زراعي، والكُلْ عايش على الإستيراد.
رحِمَ الله الأديب اللبناني الراحل، الطيّب الذكر جبران خليل جبران حين قال:

ويْلٌ لأمّةٍ تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين.
 ويْلٌ لأمّةٍ تلبس مما لا تنسج وتأكل مما لا تزرع وتشرب مما لا تعصر.



9


داعش ـ  طاعون الفكر المعاصر
 الجزء الثالث
ولكي نتجنب طريق الآلام والعذابات الطويل التي سلكها الأوروبيون تحت حكم رجال الدين، وشر الأنقسامات المذهبية، وإختصار هذه الفترة إلى أقل ماهو ممكن، وبأقل الخسائر، علينا الأستفادة من تجربتهم في تجاوز هذه المرحلة، والأنتقال الى الدول الديمقراطية ، حيث الألتزام بالدستور، و سيادة القانون والنظام، والمساواة بين جميع المواطنين، وإحترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات. وبإختصار عن طريق فصل الدين عن الدولة ، وتحريم تسيييس الدين، ليس كُرْهاً بالدين، بل لأنقاذ الدين من ما يُرتكبْ بأسمه من بشاعات وفظائع، تتناقض مع رسالة الدين، ووظائفه الأساسية.
إن رسالة الأديان، وخصوصاً الأديان السماوية، تتلخص بالمحبة والرحمة والغفران، وفي إرضاء الخالق وشكرِه على ما صَنعهُ من عالم جميل وفي منتهى الكمال والدقة، ومَيّزنا من بين كل الكائنات الحية لكي نستمتع بخيرات كوكبنا، حيث أعطا نا الحياة، ومنحنا القدرة على الأبداع والأبتكار لتحويله إلى جنة حقيقية وواقعية، قبل أن ننتقل الى العالم الآخرالمجهول، الذي لا  نعرف عن جَنّته سوى ما يوصف بالكتب المقدّسة. أمّا وظائف الدين ينبغي أن تتركز على كَبح همجية الأنسان، غطْرستهُ، أنانيته، طمعه، وأن تتجسّدْ معاني وتعاليم الدين في السلوك المستقيم والأخلاق الفاضلة، لأنّ الدين أولاً وقبل كل شيء هو معاملة الناس بالحُسنى، وحظّهم على صنع الخير. ومن وظائف الدين أيضا،  إحداث نوع من الاطمئنان والراحة والسلام لدى الأفراد والجماعات المختلفة عرقيا ومذهبياً للتعايش في أمان وسلام، وفي إحترام خصوصيات الآخر، وتنمية المشاعر النبيلة والعواطف الكريمة لديهم .
إن من واجب الأديان في عصرنا أن تُطَوّر نظرتها و موقفها من الأنسان عموماً، بعيداً عن دائرة التابعين لها، وأن تتحرّرْ من بعض النصوص الدينية، التي لم تَعُدْ تَلقى قبولاً في أوساط الشباب، كما لم تَعُدْ مقبولة دولياً، ولا تنسجم مع مفاهيم حقوق الإنسان ودعم تقدم مسيرته في بناء الحضارة الإنسانية. وإنَّ أيَّ دين لا يُؤدي هذه الوظائف لا فائدة منه، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
أمّا مَنْ لا يُؤدي وظائف الدين بالشكل الصحيح، وفوق هذا كُلّه يعمل على تسييسه، فتلكَ هي المصيبة الكبرى. لأَنّ أمثال هؤلاء يُسمونهم بالمنافقين، و هؤلاء المنافقين لا توجد لديهم أية ضوابط، ولا وازع أخلاقي. ويستغلون الدين فقط  للقفز على السلطة، ولأغراض بعيدة تماماً عن رسالة الدين وتعاليمه. وهذا ما نشاهده فعلاً في العديد من الحركات والأحزاب الدينية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الأسلامي. بما في ذلك دولة إسرائيل العنصرية.
وهُنا أشير الى بعض الأمثلة على إقحام الدين بالسياسة والآثار السلبية لمثل هذه الممارسات على الوطن والمواطن. 
1  حركة الأخوان المسلمين في مصر، والمدعومة من المخابرات الأنكليزية والأمريكية منذ نشأتها، إستطاعت القفز على السلطة مُستغلّةً المشاعر الدينية القوية  لدى الشعب المصري، ولكن سرعان ما تكشّفت أهداف الأخوان المسلمين في الهيمنة الكاملة على كل مفاصل السلطة. ولو لا يقظة الشعب المصري بِنخبه الثقافية والسياسية، ووعي شبابه، لأستحوذ هؤلاء المنافقين على أموال الدولة المصرية، حالهم في ذلك حال قائدهم المُلهم أردوغان، الذي غيَّر عددا من قُضاة المحكمة، لكي يَفلتْ من العقاب بعد أن ثبت توّرطه هو وإبنه ومُقرّبين له بقضايا رشاوى وفساد مالي.
2  نظام البشيرفي السودان  مثالٌ آخر على تسييس الدين، فبدلا من العمل على توحيد صفوف قطاعات الشعب السوداني، والأستفادة من التنوع العرقي والديني في تعزيز الوحدة الوطنية، وتنمية موارد البلاد ، أدخل  البشير البلاد في حروب أهلية، ذهب ضحيتها مئات الآلاف، بل قُل الملايين من السودانيين ، وكان من نتائجها إنفصال الجنوب عن الشمال. وما تزال مشاكل دارفور  وشمال السودان عالقة ومن دون حل قريب .
3 حركة حماس. على الرغم من أَنَّها حركة مقاومة ضد الأحتلال الأسرائيلي، إلاّ أَنّها كشفت عن نفسها كجزءٍ من حركة الأخوان المسلمين العالمية، من خلال التنسيق بينها وبين حركة الأخوان المسلمين المصرية. وبات معروفاً للكثيرين الدور السلبي الذي تمارسه هذه الحركة في تعطيل جهود منظمة التحرير الفلسطينية في إجراء المصالحة الوطنية، وإنهاء الأنقسام ، وتوحيد الضفة والقطاع، لمواجهة الغطرسة الأسرائيلية.
4  إنَّ أفْضحْ شكل لتسييس الدين هو في إيران الشيعية وطالبان السُنّية. فقد إستطاع المُلالي في إيران وبدعم من الحكومات الغربية السطو على ثورة الشعب الأيراني ضد نظام الشاه عام 1979، (والتي فَجّرها تحالف الليبراليين واليساريين، وبدعم من حزب تودة ومجاهدي خلق وأحزاب وطنية آخرى)، مُتخذين من الدين سِتاراً للقفز على السلطة، وتنفيذ حُلمهم في إعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية، التي قضى عليها المسلمون في معركة القادسية عام 15 هجري و636 ميلادي بقيادة سعد بن أبي وقّاص ، وذلك عبر تصدير (الثورة) وخلق أحزاب وحركات موالية لنظام ولاية الفقيه، وكسب أعوان وشركاء في العديد من دول المنطقة. وبات من الصعب على الشعب الأيراني آن يتحرر من قبضة النظام المستبد في ظل أساليب التعذيب القاسية والأعدامات العلنية في الساحات العامة، حيث تحتل إيران المرتبة الأولى في عدد الذين يُنفَّذْ فيهم حكم الأعدام سنوياً حسب مُعطيات منظمة العفو الدولية.
  وأمّا حركة طالبان فهي معروفة لدى الجميع في تَخلّفها وأفعالها القروـ وسطية، وفي حجم وبشاعة إجرامها، ويكفينا أن نتذكر حادثة هجومها على إحدى المدارس في باكستان، وقتل مئات التلاميذ الأبرياء بدم بارد، إنتقاماً من الحكومة الباكستانية، لملاحقة أنصارها في إقليم وزيرستان .     
5  أمّا  داعش فليست سوى إحدى هذه الحركات الدينية المُتطرّفة، وأكثرها ضرراَ وخطورة على حياة المواطنين، وعلى مستقبل الأجيال القادمة، وعلى الأرث الحضاري للبشرية. وسأعود للحديث عنها في الجزء الرابع.
لكن داعش كأسلام سياسي متطرّف، وإرهابي لامثيل له، لا تعمل لوحدها في الساحة العراقية. فهناك بالمقابل أحزاب الأسلام  السياسي الشيعي، القابضة على السلطة منذ 2003 (أي ما يزيد عن 12 سنة ). وقد فشلت هذه الأحزاب ذات الخلفية الأسلامية في إنقاذ البلد من مخلّفات النظام السابق وأزماته، ومن تداعيات الأحتلال الأمريكي، لتضيف إليها أزمات جديدة، أثقلتْ كاهل الوطن والمواطن.
ومن أبرز مظاهر الأزمات المستفحلة، هو تأجيج النعرات الطائفية والتخندق الطائفي، وبث روح الكراهية والأنتقام، و تَصدّعْ النسيج الأجتماعي، وضعف قدرات الجيش في مواجهة الأرهاب والأعتداءات الخارجية ، وإنتشار الميليشيات المسلّحة، ونهب المال العام، والفساد المالي والأداري الذي ينخر في مؤسسات الدولة، وشيوعه بين المواطنين لِيُشكّل ظاهرة خطيرة توازي ظاهرة الأرهاب، ونزوح أكثر من مليوني مواطن من مدنهم وقراهم ، ونقص الخدمات العامة ، وإشتداد البطالة، وخواء خزينة الدولة، والتضييق على الحريات الشخصية، والأعتداء على المثقفين، وفرض سياسة التقشف في بلد يطوف على بحيرة من النفط.
بالأضافة الى كثرة التدخلات الخارجية وضعف إستقلالية القرار السياسي.
 جرى هذا ويجري من دون أي عقاب أو ردع للمخالفين والمقصرين بواجبهم، مما يفتح شهية الآخرين على مخالفة القوانين، و ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الوطن والمواطن، وتقويض ما تبقى من هيبة الدولة .
إنَّ البَلد يترنّحْ ويسير نحو الهاوية من جَرّاء السياسات الطائفية، وانتشار الفساد المالي والأداري، والأرهاب بشتى أشكاله، وإفلاس خزينة الدولة. ولأيقاف تدهور الأوضاع، عليك يا رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي التحلي بالجرأة والشجاعة، لأتخاذ خطوات جدّية لمحاسبة كل من تسبب في تأزيم الأوضاع وجرالبلاد ووضعها على شفير الهاوية، وفي مقدّمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتقديمه الى القضاء لمحاسبته. فاذا طاحَ الرأس الأكبر فسوف تطيح كل الرؤوس الصغيرة مثل كرة الثلج. وإذا ما أَقدمْتَ على مثل هذا الأجراء الجريئ، فستلقى دعماً وتأييداً شعبياً واسعاً، ولن تنفع المالكي حينذاك مساندة إيران له. وإذا لم تُطِحْ به، فأنّه يسعى وبكل السبل للأطاحة بك وإستعادة موقعه، وذلك من خلال وضع العصي في عجلة عربتك.     
وإزاء هذه الصورة القاتمة لحكم الأسلام السياسي وتسيّيس الدين عموما، يجدر ويتطلّب من رجال الدين من كل الطوائف والمذاهب أن يَستوعبوا هذا الدرس البليغ، وان لا يفرضوا رؤيتهم الدينية على شكل الدولة ونظام الحكم، ويصادرون حقوق الآخرين وحرياتهم في الأبداع والأبتكار، وفي البحث عن المجهول بأستخدام المنجزات العلمية والتقنية لأيجاد حلول لمشاكل عصرنا، بل عليهم أن يَقرّوا بحق الشعب، صاحب المصلحة ومالك الأرادة في إختيار ما يراه صحيحا ومناسبا، ويمارسوا على أرض الواقع إحترامهم وتقديرهم ومساندتهم للعلماء والأدباء والفنانين، والخبراء من ذوي الأختصاص، في رسم السياسات وإتخاذ القرارات التي تتوافق مع مصلحة الوطن ومصلحة أغلبية أبنائه، ومن دون فرض أية وصاية على الشعب بأسم المقدّسْ، وإصدار فتاوى بالقتل أو التحريم لمن يخالف رأيهم، والذي في الغالب ينتقص الى الحجة و قوّة البرهان.

إنّه عار وليس من بعده عار، أن تُقطعْ رقبة إنسان، أو تُسلبْ أمواله وممتلكاته، ويُطرد من أرض أجداده، وأن تُبا ع نِسائه في سوق النخاسة، بسبب إختلاف في الدين أو المذهب. وهذا العار يتضاعف حين يُرتكب بإسم المُقدّس. 
إنَّ المُقدّس في نظري على أرض كوكبنا هو حياة الأنسان، فلا شيء أسمى منها. لأنّ الأنسان هو أرقى كائن إجتماعي في العالم الذي ندركه ونتحسسه، وهو الوحيد من بين كل الكائنات له القدرة على صنع المستحيل وتغييّر صورة العالم. وعليه ينبغي إحترام آدميته، وعدم المساس بكرامته، وتحريم قتله إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، وتثمين عمله المتقن و إبداعاته وإبتكاراته، التي تصب في خدمة الجميع، و توقه الى صنع الجميل لنفسه وللآخرين .
 
وفي ختام هذا الجزء أتوجه الى رجال الدين الأفاضل من مختلف المذاهب، وأُناشدهم على عدم التدخل في شؤون العلم والأقتصاد والسياسة، وأن يتركوا هذه المجالات لذوي الأختصاص، وأن ينصرفوا الى واجباتهم الدينية في الوعظ وفي تقويم وتهذيب سلوك الافراد، وخلق مناخ إيجابي للتعايش بين المذاهب والطوائف والأثنيات بما يُرسّخ ويعزّ ز الوحدة الوطنية، و في أبداء النصح والأرشاد. أي أن يَقِرّوا بفصل الدين عن الدولة، كما هو الحال في الدول التي سبقتنا في هذا المضمار، والتي وضعت حدّاً نهائيا للأستبداد، ولحماية ممتلكات الدولة وثروات البلاد وأموال الشعب من الحكام الفاسدين، والذين يتربعون على العرش تارة بأسم الدين والمقدس، وتارة بأسم القومية والوطنية، ولكن من دون أيّةِ آليات للعقاب والمحاسبة. هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمات التي أحاطت بالبلد من كل الجهات، والطريق الوحيد الذي يفضي الى الأسقرار السياسي، والذي هو أساس التنمية الأقتصادية وتحقيق الرفاهية وأنجاز حلم السعادة لدى البشر.

الدانمارك في 18 حزيران 2015

10
داعش ـ  طاعون الفكر المعاصر 
الجزء الثاني

استغرقت القرون الوسطى نحو ألف عام من الزمان، عاشت فيه أوروبا واقعاً رهيبا ومظلماً ، وقد رسَّخ هذا الواقع في أذهان العلماء والفلاسفة (أمثال ديكارت،  توماس هوبز وفولتير وغيرهم ) وعموم الناس، أنه لا أمل في طلب العلم والابتكار، وفي حرية الرأي والأعتقاد، إلا بهدم سلطان الكنيسة، فأعلنوا صراحة معارضتهم للكتب المقدسة؛ لاحتوائها على ما يتعارض مع الحقائق العلمية، ولاعتقادهم بأن الدين كما رأوا- هو اضطهاد العلم والعلماء، وهو الحجر على العقول. وقد راحوا يدعون بعد ذلك إلى إعلاء العقل في مقابلة النصوص الدينية، وحجتهم في ذلك أن العقل قادر على إدراك الحقائق العلمية، ويستطيع التمييز بين الخير والشر. وهذه مقتطفات من آرائهم الفلسفية.
رينيه ديكارت( Rene Descartes (1596 - 1650:
هو فرنسي الجنسية كاثوليكي المذهب عاش في هولندا، و يُعتبر ديكارت من مؤسسي الفلسفة الحديثة ومؤسس الرياضيات الحديثة، وهو أول عقلاني عصري، وأعتبر الشك هو الطريق الوحيد الذي يصل بنا إلى المعرفة الحقيقية، وشمل الشك الديكارتي ثلاثة نواحي:
1- الشك في الحواس لأنها تخدع.
2- الشك في أي حكم إزاء العالم الخارجي.
3- الشك في الوجود.
وقال ديكارت علينا أن نطرح المعتقدات السابقة، ونشكُّ في كل شيء هو موضع شك، إلى أن يثبت لنا بالدليل القاطع أن هذا الأمر لا يحتمل الشك، فحينئذ نعترف بأنه حقيقة. وهكذا شكَّ ديكارت في كل شيء باستثناء قدرته على التفكير التي جعلها نقطة البداية في فلسفته، ولذلك قال عبارته الشهيرة "أنا أفكر إذًا أنا موجود". ولكن كيف استطاع ديكارت أن يؤمن بوجود الله رغم أنه لا يُدْرَكْ بالحواس؟  قال ديكارت بما أن هناك أفكارًا لا يقدر العقل أن يتصوَّرها إذًا لا بُد أن هناك كائنًا أعظم يغذي العقل بهذه الأفكار، وبذلك أقتنع ديكارت بأن الله الكائن الكامل، كلي المعرفة، كلي القدرة، السرمدي لا بُد أن يكون موجودًا، ويستحيل على الإنسان أن يكون لديه هذا التصوُّر عن الله لو لم يكن الله موجودًا بالفعل. لقد ألح ديكارت على فصل العقل عن الحواس، بينما رفض باروخ سبينوزا (وهو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن السابع عشر، ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي.) هذا التقسيم معتبرًا أن العقل والحواس هما غير منفصلين، لكونهما كيان واحد.
وكان ديكارت من أصحاب مذهب " التأليه الطبيعي " فهو يرى أن الطبيعة كتاب مفتوح يشهد بوجود الله، وقد أنكر ديكارت الوحي الإلهي في الكتاب المقدَّس، كما شكَّ في المعجزات التي وردت في الكتاب المقدَّس، مثل ميلاد السيد المسيح من العذراء مريم من دون دنس، وألوهية السيد المسيح.. إلخ، لأنه رأى أن هذه الأمور لا تستند على برهان عقلي، وقال أن الله جعل للكون قوانين يسير عليها، وعلى العقل الإنساني أن يكتشف هذه القوانين، وعلى قدر إنجاز العقل يكافئ صاحبه أو يعاقبه.
توماس هوبز (Thomas Hobbes (1588 - 1679:
هو ابن لأحد رجال الدين الأنجليكان، فهو فيلسوف بريطاني عاش في فرنسا. وقال توماس أن كل معرفة إنسانية تبدأ عن طريق الحواس، فالعقل لا يقدر أن يدرك شيئًا بدون الحواس، وقال أن كل فعل لا بد له من فاعل، وكل حركة لا بد لها من مُحرِك، وكل معلول لا بُد له من عِلة، فلا يوجد فعل بدون فاعل، ولا حركة بدون مُحرِك، فالمُحرِك الأول أو العِلة الأولى هو ما يدعوه الناس باسم " الله " وهم يجهلونه، فقال " قد يعرف الناس طبيعيًا أن الله موجود، وإن كانوا لا يعرفون ماهيته. إن طبيعة الله مُغلقة على الأفهام".
 عاش هوبز في عصر ملئ بالاضطرابات والحروب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك، فشعر أن العالم تحوَّل إلى غابة ذئاب، يحتاج إلى حاكم قوي مستبد ليوفر الأمن والاستقرار للمجتمع، وهذا الحاكم يجب أن يضع القوانين التي يخضع لها الجميع ولا يخضع لها هو، ولذلك أيَّد هوبز الحكم الملكي المطلق، وقال أن للملك سلطة ليس على الشعب فقط، بل على الكنيسة أيضًا، فبعد أن عاشت أوربا في القرون الوسطى تخضع لسلطة وسطوة الكنيسة الكاثوليكية، جاء هوبز ووضع نظريته في " العقد الاجتماعي " التي تفصل بين الكنيسة والدولة، وقال أن الأفراد قد تعهدوا ضمنًا بالتنازل عن حقوقهم للسلطة وهم راضين. تنازلوا للملك الذي يجسد إرادتهم، ولكن إذا تعدى الحاكم على حقوق الأفراد، أو يتقاعس عن تمكينهم من هذا الحق، عندئذ يحق لهم مقاومته وأن يثوروا عليه ويقوموا بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم.
فولتير (  - 1778 1694  )
وهو كاتب وفيلسوف فرنسي عاش في عصر التنوير إلى جانب كل من مونتسكيو، وجون لوك، وجان جاك روسو. ذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة، وأفكاره الإستفزازية المتعلقة بالدين و الحرية والأخلاق، ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة.
كان فولتير كاتباً استثنائيا غزير الإنتاج، حيث كتب أكثر من 50 مسرحية، عشرات الأطروحات عن العلوم، السياسة، الفلسفة، والعديد من الكتب التاريخية. كتب أكثر من 20 ألف من الخطابات إلى أصدقائه ومعاصرينه في ذلك الوقت، وكان يمضي حوالي 18 ساعة يومياً في الكتابة. تركت أعماله وأفكاره بصمتها الواضحة على مفكرين مهمين تنتمي أفكارهم للثورة الفرنسية والأميريكية.  تم حظر العديد من أعماله المشهورة المتعلقة بالدين ونظام العدالة.
وفي آخر أيام حياته، زار مسؤولون من الكنيسة الكاثوليكية فولتير،  الذي كان في معظم الاوقات ناقدا للدين، على امل اقناعه بالتراجع عن آرائه، و جعله يعترف بخطاياه على فراش الموت. لكن فولتير لم يتأثر بهذا، و صرف القديسين عنه بقوله “دعوني أمت بسلام”.
وأمّا مونتيسكيو فكان يرى أن نظام الحكم الأمثل هو النظام الجمهوري. وقد ادعى أن على كل نظام حكم أن يصبو إلى ضمان حرية الإنسان ومن أجل ذلك يحب الفصل بين السلطات والحفاظ على توازن بينها.
مَهّدتْ هذه الأجواء إلى جانب عوامل آخرى الى إندلاع الثورة الفرنسية في الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1789 وامتدت حتى 1799 .  ومن أهم أسباب إندلاع الثورة حسب المؤرخين هو تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها. ولأسباب اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرًا بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبزوأسعار المحاصيل، بنتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة استقرار المجتمع الفرنسي في السنوات التي سبقت الثورة. إضافة إلى الرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيّما مع تقدم الثورة للمطالبة بنظام جمهوري.
وكان من النتائج السياسية للثورة : إستبدال الملكية المطلقة بالنظام الجمهوري، وأُقِرَّ فصل السلطات، وفصل الدين عن الدولة، والمساواة وحرية التعبير. وأمّا في الجانب الأجتماعي: تم إلغاء الحقوق الإقطاعية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية.
   
وقد ساعدت الجمعية الوطنية الفرنسية على هذا التحرر، وذلك بإصدار قرارات سنة 1790م، كان من شأنها أن قصمت ظهر الكنيسة، حيث سرحت الرهبان والراهبات، وأجبرت رجال الكنيسة على الخضوع للدستور المدني، وأخذت تعين هي رجال الكنيسة بدلا من البابا.
ثم جاء القانون الذي أقرته الحكومة الفرنسية عام 1905م بفصل الدين عن الدولة على أساس التفريق بينهما، وإعلان حياد الدولة تجاه الدين، كقاصمة أخرى شجعت المعارضين للكنيسة على نقد نصوص الكتاب المقدس والكنيسة بحرية، كما أجبر هذا القانون رجال الكنيسة على أن يقسموا يمين الولاء لطاعة الشعب والملك والدستور المدني الجديد. وقد توالت القرارات بعد ذلك لتعم دول أوربا كلها، ليتقلص بذلك دور الكنيسة من محاولة السيطرة على أمور العلم والسياسة، ولتنزوي تمامًا داخل الجدران، فتمارس فقط الوعظ والترانيم.
إن الهدف من سرد هذه النماذج والمقتطفات هنا، ليس فقط لتزويد القارئ بمعلومات تاريخية، لأنَّه إما أن يكون القارئ قد إطّلع عليها من خلال الكتب الدراسية في المدارس أو الجامعات، أو يستطيع الحصول عليها من الموسوعة الحرة مباشرة، وإنّما للتركيز على نقطتين أساسيتين في نظري :
  1  ليس لغرض الطعن بالكنيسة الكاثوليكية ورجالاتها، وإدانتها لما إرتكبته من فظائع، لأَن هذه الأحداث أصبحت جزءاً من الماضي البعيد، و لأَنَّ الكثير من هذه الأفعال أُرتكبتْ إمّا بسبب الجهل، وإمّا بسبب التعصب الأعمى. ولكن في كل مرة كانت الكنيسة ترتكب خطأً أو تقع فيه، عادت وإعتذرت لصاحبه، وردّتْ له الاعتبار والبراءة. وهو أمرٌ إيجابي لم نعتادْ عليه نحن في الشرق العربي وفي الكثير من البلدان الأسلامية، حيث ظاهرة النقد الديني الذاتي شبه معدومة. فالكنيسة الآن لم تعد ترى تناقضا كبيرا بين العلم والدين، بل بالعكس توصلت الى قناعة بأن العلم والدين يمكن أن يتعايشا معاً.
2  أنّنا في العراق والمنطقة نَمرُّ بظروف تشبه كثيراً ظروف أوروبا في القرون الوسطى، حيث تسعى بعض الأطراف السياسية في العراق الى إقامة الدولة الدينية، كما نشهد التطرّف الديني، والصراع المذهبي، والعنف الطائفي، وسياسة تكفير الآخر، والتي فتكتْ وماتزال تفتك بمئات الآلاف من أرواح العراقيين، وتسببتْ في نزوح أكثر من مليونين مواطن، كما يجري الأعتداء على الصحفيين وأصحاب الأقلام الجريئة، وإعاقة نشاط الفنانين، وتهميش الثقافة عموما، وتراجع في مناهج التعليم. وتلعب الميليشيات المنفلتة دوراً يحاكي دور محاكم التفتيش. وأمّا عقوبة المخالف لوجهة نظرها فهي القتل، إما بكاتم الصوت أو بحد السيف بدلا من المقصلة والحرق، أي كما كان الحال في أوروبا سابقاً.

11

داعش ـ  طاعون الفكر المعاصر 
الجزء الأول
الطاعون وباءٌ خطير ومُعدٍ ،إجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352 وتسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة.  وتشير البحوث الأخيرة في عام 2007 إلى أن 45 ٪ إلى 50 ٪ من سكان أوروبا ماتوا خلال أربع سنوات. 
 انتشرت أوبئة مشابهة في نفس الوقت في كُلٍّ من آسيا والشرق الأدنى، مما يوحي بأن هذا الوباء الأوروبي كان جزءاً من وباء عالمي أوسع نطاقا. وقد سُمي بالطاعون الأسود (الموت الأسود) ، للتأكيد على رعب وخراب هذا الوباء، فإذاً كلمة "أسود " تستخدم مجازاً على أنها "الموت الفظيع".

وسَببْ الطاعون هو نوع من البكتيريا تسمى (يرسينيا بستس) نسبة إلى مكتشفها الأول «أليكساندر بستس»، وهذه البكتيريا تحتفظ بها القوارض مثل الفئران واليرابيع، وتتكاثر بداخلها وتنمو، وتنتقل عدواها إلى الإنسان عن طريق البراغيث التي تلدغ الفأر المعدِى ثم تلدغ الإنسان، أو نتيجة عض الفئران المعدية للإنسان بشكل مباشر، أو من إنسان إلى آخر بشكل مباشر أيضاً عن طريق الرذاذ والكحة والعطس في حالة الطاعون الرئوي.

ويمكن القول مَجازاً، أنَّ أوروبا في القرون الوسطى شهدت طاعوناً من نوع آخر (طاعوناً فكريا) تمثل في بسط الكنيسة الكاثوليكية سلطتها ونفوذها على مقدّرات الشعوب الأوروبية، بما في ذلك على الملوك والعلماء والمفكرين، وذلك بأحتكارها الحقيقة وبأجبار الجميع بالقبول بالأفكار والإعتقادات السائدة لدى رجالاتها ومن ضمنهم باباوات ذلك العصر ، وبصفة خاصة الأعتقاد السائد لديها بأنَّ الأرض ثابتة لا تتحرّك، وأنَّ الشمس تدور حول الأرض، وهي أفكار مستمدة  من آراء أرسطو وبطليموس. ووقفت بوجه كل من يدلي برأي يتناقض مع الفهم السائد. مما يُعد ضررا بليغاً، وإعاقة كبيرة بوجه التقدم العلمي والنهضة الفكرية للشعوب الأوروبية في القرون الوسطى. 

 وإليك نماذج من هذه الممارسات الضارة، وما أدّت إليه من تغيير جذري في مسار العلم والفكر والسياسة والأقتصاد في أوروبا، وفي مناطق شاسعة من بقاع العالم.

1 اكتشف نيكولاي كوبرنيكوس (كان رجل دين و كاهن كنيسة فراونبورج في بولندا) عام 1543م أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة، فيحدث تبادل الليل والنهار، وتدور حول الشمس مرة كل عام، فيحدث تغير الفصول الأربعة، وأن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض كما كان معتقدًا من قبل، ضاربا بذلك بنظرية بطليموس ـ أرسطو عرض الحائط ، والتي استمرت 20 قرناً، والتي دعمتها الكنيسة لمدة إثنا عشرقرناً، وجعلت مجرد التشكيك في هذه النظرية كفراً.

 تعجبت الكنيسة لهذا الأكتشاف، الذي قلب الصورة تماما حين قارنته مع الحقائق الإنجيلية، إذ وجدته يتناقض مع معتقداتها، ومع الإحساس الظاهري للبشر. ولم يتجرأ كوبرنيكوس أن يصرح برأيه في البداية، بسبب الخوف من أن يوسم بالهرطقة من قبل الكنيسة، فنشر افكاره عن نموذجه الكوني في كتاب بعنوان" رسالة في دوران الاجرام السماوية "  دون تعريف باسمه، ولم تكتحل عيناه برؤية كتابه الشهير الذي طبع في مدينة نورمبرج إلا قبل موته بساعة فقط .
 
احدث كتابه جدلا كبيرا وصراعا عنيفا راح ضحيته الكثيرون. فمع ان هذا الكتاب نشر فعليا عام 1543، فإن قبول وجهة النظر المطروحة فيه استغرق حوالى 150 سنة ، فقد اعتبرت الكنيسة قبول ما ورد فيه من افكار  (أنَّ الأرض ليست مركز الكون، وهي العقيدة التي تشبثت بها الكنيسة واعتبرتْها غير قابلة للطعن)  من قبيل الإثم، وجريمة يعاقَب عليها بالموت حرقًا، أو بالاضطهاد، أو بالحرمان في أحسن الأحوال ، بل ان قراءة نظريات كوبرنيكوس كانت تعرض الانسان للّعنة والمطاردة ، وهكذا ظلت تلك الافكار التي جاء بها كوبرنيكوس حبيسة الصدور، لا يجرؤ العلماء على البوح بها أو مناقشتها أو تدريسها فقد اعتبرت بدعاً، وتخالف تعاليم الكتاب المقدس.

وعندما صرح العالم الفلكي، والراهب الدومينيكاني، جيوردانو برونو علانية بصحة النظرية، وبأنها حقيقة واقعة، وأضاف عليها فكرتين جديدتين، الأُولى أن الكون لانهاية له، والثانية إقراره بوجود آلاف الشموس في الفضاء الكوني، أُتهمَ برونو بالهرطقة، وطُورد في كل مكان، الى ان قُبض عليه في مدينة البندقية وأودع السجن لمدة ستة أعوام ، أحرق بعدها وهو حي في أحد الميادين العامة من روما عام 1600 بعد أن رفض التنازل عن آرائه وإكتشافاته العلمية، وبخلاف ما قامَ به غاليليولاحقاً. ولكن بعد وفاته شعر الباحثون بقيمة علومه وأبحاثه وإعتبروه شهيداَ للعلم، وتعبيرا من الكنيسة عن الندم أُقيم له تمثال في نفس المكان، وهو يقف بعزة وشموخ. 

2   وعندما آمن غاليليو عبر بحثه ودراساته،‏ بصدق النظريات التي وردت في كتاب كوبرنيكوس، بِأَنّ الشمس هي مركز الكون، واكتشف أيضًا بنفسه أن القمر ليس جسمًا مستويًّا، وأَنّ على سطحه ما يشبه الجبال وفوهات، وأَنّ للمُشتري أربعة أقمار تدور حوله،  واكتشف أن لكوكب الزهرة أطواراً كالقمر مما يعني أن الكوكب يدور حول الشمس، واثبتها عمليا وواقعياً بعد استعمال تلسكوبه المتطور، والذي صنعه بيده عام 1609 ، آخذاً الفكرة من صانع نظّارات هولندي، ونَشْرِه في عام 1610 كتيبا صغيراً يتحدث فيه عن هذه الاكتشافات، ثارت ثائرة الكنيسة بعد أن رفع إثنين من الدومينيكان شكوى عليه عند البابا بولس الخامس عام 1616.
وبفضل هذا البابا، الذي كان قريبا منه، ومساندته له، إنتهى الأمر بصدور تحذير بحقه، يقتضي بموجبه الكف عن نشر تعاليم كوبرنيكوس (الخاطئة).

و بأذنٍ من البابا أوربان الثامن سُمِحَ له عام 1632 م  بإجراء حوار حول هاتين الفكرتين من المنظومة الشمسية، ولم يَرُقْ هذا الأمر محكمة التفتيش آنذاك، فأُستدعيَ غاليليو الى روما، ومن دون أي إعتبار الى إذن البابا، وأُجبرَ على القسم في كنيسة (سانتا ماريا سوبرا مينيفرا ) عام 1933 بعدم صحة الأكتشافات الجديدة، والتي تقول بان الشمس هي مركز العالم وهي ثابتة، وأنّ الأرض تدور حول نفسها وتدور حول الشمس. وعُوقب على أثر ذلك بالسجن المُؤبد. وبِشفقة من البابا خُففت العقوبة الى السجن في بيته في مدينة فيرنزا، وبقي قيد الإقامة الجبرية في بيته حتى وافاه الأجل في الثامن من كانون الثاني عام 1642. تم تنفيذ الحكم بالرغم من أنَّ البابا وبعض الكاردينالات لم يكونوا مؤيدين للحكم. و على الرغم من انقطاعه عن الزوار، ومَنعْ خروج اي من ابحاثه خارج ايطاليا، تم نشر نسخة مترجمه لدراسته عن القوى و تأثيراتها على المادة في اللغة الفرنسية عام 1634 و نشرت ايضا نسخ من الحوار في هولندا.
 و لم تستطع الكنيسة ان تستمر بمعارضتها لنظرية كوبرنيكوس و في حلول 1835 اقتنعت الكنيسة تماما بصحة هذه النظرية. و بحلول القرن العشرين اقر العديد من الباباوات بعظمة غاليليو ، كما اعلن البابا يوحنا بولس الثاني عام 1992 عن اسفه عن طريقة التعامل مع قضيته، و قدم اعتذاره على ما جرى لغاليليو أثناء محاكمته، وتقرر عمل تمثال له في الفاتيكان  .

3  ولم يقتصر الأمر على محاكمات كوبرنيكوس وبرونو وغاليليو، فقد حكمت محاكم التفتيش على سبعٌ وتسعين ألفًا وثلاثة وعشرين عالمًا بأحكام مختلفة في الفترة ما بين سنة 1481م إلى سنة 1499م، أي في غضون 18 سنة  ، كما أصدرت قرارات تُحرِّم قراءة كتب جيوردانو برونو، وكتب نيوتن لقوله بقانون الجاذبية، وتأمر بحرق كتبهم، وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس (خيمينيس) في غرناطة 8000 كتابًا و مخطوطًا لمخالفتها آراء الكنيسة  .
4  مورس الأضطهاد ضِدَّ ملايين المسيحيين في أوروبا ، الذين أُتهموا بالهرطقة، فاضطروا الى الهرب والأختفاء عن أعين الكنيسة الكاثوليكية، وأدّى هذا في النهاية الى الأنقسام الكنسي والى الأصلاح الديني في أوروبا.
بعد إندلاع حركة الأصلاح الديني والنهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، أصبح لروما والفاتيكان عدوّان جديدان، هما البروتستانتي مارتن لوثر وزعيم عصر النهضة إيراسم. ولذلك قام البابا بحرمان لوثر وفصله من الكنيسة عام 1521. ومنذ تلك اللحظة إنقسم المسيحيون الأوروبيون الى قسمين؛ قسم كاثوليكي وقسم بروتستانتي. ودارت بينهما المعارك والحروب لمدة مئتي سنة تقريبا. وهي حروب المذاهب، التي ذهب ضحيّتها مئات الآلاف من القتلى. وبلغت هذه الحروب ذروتها في فرنسا بين عامي 1562 - 1598. فقد هاجت الجماهير الكاثوليكية على أفراد الأقلية البروتستانتية في مختلف المدن والأرياف، وحصلت مجزرة سانت بارتيليمي الشهيرة ، التي ذهب ضحيّتها أكثر من 5000 شخص. وفَرّ البروتستانت الفرنسيون الى مختلف أنحاء أوروبا. وقد إعتذر البابا للبروتستانت عن هذه المجزرة، وإعترف ضمنياً بالتعصب الكاثوليكي والأعمال الوحشية التي إرتكبوها بحق إخوانهم البروتستانت.




12
المنبر الحر / جنس الدواعش - ٣
« في: 18:31 03/06/2015  »
جنس الدواعش - ٣

في الجزء الأول من مقالتي تحت عنوان جنس الدواعش، كنت قد إقترحت على اللغويين و إختصاصيي علم النفس تسمية الدواعش وكلّ من على شاكلتهم بكارهي الحياة (أي مجموعة من الجنس البشري تكره الحياة وتعشق الموت على أمل الظفر بالحوريات والغلمان في الجنة الموعودة). وينطلق هؤلاء من فهم خاص للنص القرآني، وقراءة حرفية له، ومن دون التمعن بالمكان والزمان والهدف الذي من أجله أتت هذه النصوص. إذْ جاءت في تسلسل منسجم مع تطور الأحداث وإشتداد الصراع بين تيارين عقائديين سادا في شبه جزيرة العرب في فترة ظهور الإسلام، وإنتهى هذا الصراع  بأنتصار المسلمين على المشركين (الكفار) ودحرهم.
يوما بعد يوم تكشفْ هذه المجموعة من البشر، وعبر سلوكها المشين ووحشيتها وهمجيتها في إحتقارها لحياة البشر، وحقدها على التراث الإنساني والإرث الحضاري، عن شذوذ واضح في طباع وأخلاقيات الجنس البشري، حيث يتميّز البشر بإمتلاكهم العقل والنظر الى الأمور وفق المنطق السليم ، بالإضافة الى العاطفة، الصفة المميّزة عند الأنسان كأرقى كائن إجتماعي.
 بين حين وآخر يتباهى الدواعش بعرض فيديوهات عن أفعال شنيعة إرتكبوها بأنفسهم، وهي تُعدْ في نظرهم بطولات، يكسبوا من ورائها أجراً عند رب العالمين، ومنها :
1   فيديو يُظهر ٢١ أثيوبيا كانوا يعملون في ليبيا، قُطِعت رؤوس بعضهم بحد السيف وقُتل الآخرون رميا بالرصاص لا لجرمٍ إرتكبوه، وإنّما لمجرّد كونهم مسيحيين. فَعلوا هذا إنتقاماً من أذية الغرب للمسلمين حسب قولهم، وكأنّ هؤلاء الكادحين الذين قدموا إلى ليبيا طلباً للرزق هم صُنّاع السياسة الأمريكية والغربية.
 2  فيديو آخر يظهر تفجير آثار نمرود بالكامل بحجة أنّ نمرود هذا كان ملكاً متجبراً، وأنّ شعبه كان يعبد هذه الأصنام، وهي كذبة مكشوفة، لاّن الاشوريين في هذه الفترة كانوا يعبدون آلهة خاصة بهم، وكان آشور كبير الآلهة، ولم يكن له تمثالٌ في القصر، وأمّا تماثيل الثيران المجنحة (لاماسو) فقد كانت في نظرهم مخلوقات تحمي القصور والمعابد، و تطرد الأرواح الشريرة، مما يعني أنّهم كانوا منحازين الى الأرواح الخيّرة ضِدّ الأرواح الشريرة، وهو أمرٌ إيجابي ينبغي أنْ يُحسبُ لَهمْ لا عليهم .
جاء في الموسوعة الحرة ويكيبيديا بهذا الخصوص ما يلي:
كان يُعتقد بأن الآشوريين القدماء قد عبدوا الثور المجنح، ولكن رُفضت هذه الاعتقادات من قبل علماء الآثار الآشورية ومنهم جون راسل، الذي ذكر أن اسم هذا الجني قد ورد في كتابات الملك الآشوري سنحاريب كما يلي :
 "لقد جَلبتُ رجالا أسرى من المدن التي غزوتها وبنوا لي قصراً يقف على بوابته إثنان من لاماسو، وبهذا القول تم إلغاء هذه الفرضية المزعومة حيث أنه ليس من الممكن أن يكون الإله حارسا على بوابة قصر عبده. "
 فلماذا دمّرتم الثيران المجنحة؟ وهي ترمز الى عظمة تلك الدولة التي تجمع بين الحكمة والقوة والمجد، كأساس للإدارة السليمة لشؤون البلاد والعباد. وهو إستنتاج عبقري توصل إليه أجدادنا قبل آلالاف السنين ومارسوه على أرض الواقع.
أَلمْ تكن فِعلتكم هذه تلبيةً لرغبة أسيادكم الصهاينة، إنتقاماً من بسط  الملوك الآشوريين نفوذهم على اليهودية والسامرة، بسبب خبث الحكام اليهود آنذاك والدسائس التي قاموا بها ضد الدولة الآشورية؟ إنّي على شبه يقين بأَنكم، لو قُدّر لَكم إحتلال محافظة بابل، لدمّرتم بوابة عشتار، وكل آثار بابل، إنتقاماَ للملك العظيم نبوخذ نصر، لما يُسمّى بسبي اليهود.   
ولداعش ومناصريها أسأل، ماذا ستضيف هذه الفعلة القبيحة في تحسين أحوال الناس المعيشية، الذين تتحكمون في مصائرهم؟
وكم هو مُعيب ومُخزٍ لنا نحن العراقيين أن نمسي بلا حكمة ولا قوّة بعد حضارة عمرها زهاء ستة آلالاف سنة، نتخاصم فيما بيننا لأرضاء الغريب، ويتحكم بنا الطامعون بثرواتنا وخيراتنا، ومن شِدة ضُعفِنا لم نَعدْ نقوى على محاربة عصابة من الإرهابيين لم يزد عددها على خمسة آلالاف شقي، مما دفع بحكومة العبادي الى التعبئة الجماهيرية ومد الأيادي الى العديد من الدول طلبا للسلاح الفعال لطرد هذه العصابة المجرمة.
وكُلّ هذه المصايب التي حلّت ببلادنا، وفتكت بشعبنا، وأصبحنا واحدة من أكثر دول العالم فشلاً، هي بسبب غياب الحِكمة والحِنكة السياسية التي تميّزَ بها الملوك القدامى والتي أَزلتمْ رَمْزَها، أضف الى ذلك طُغيان الجهل، وضعف الكفاءة والنزاهة، وإنعدام الضمير الأنساني لدى الكثير من الساسة المتنفذين، الذين يستحوذون على أموال الشعب بشتى الطرق، بما في ذلك أموال الأرامل واليتامى وهم بالملايين.
وإلاّ كيف تُعاني خزينة الدولة من عجز مالي، وتفرض سياسة التقشف على المواطنين ؟ وأين ذهبت مئات المليارات من دولارات النفط الذي بِيعَ بأسعار عالية جداً ولسنوات عديدة؟
3  فيديو ثالث يظهر الأعتداء على كنائس المسيحيين في الموصل والعبث في محتوياتها، وتكسير الصلبان وتماثيل السيدة العذراء والقديسين.
والسؤال الذي يتبادر في ذهن أي عاقل، ماذا ستضيف هذه الافعال المخدّ شة للذوق إلى رصيدكم، وإلى رصيد الإسلام؟
لم نقرأ ولم نسمع يوما أنّ نبي الإسلام محمداً ولا الصحابة قاموا بأزالة الآثار التاريخية، والدليل على ذلك ظلّت هذه التماثيل والأصنام وكل الآثار القديمة شامخة في كل من سورية والعراق ومصر وإيران وشمال أفريقيا حتى يومنا هذا، وظلّت الكنائس تقرع أجراسها على مر القرون، وظلّ المسلمون يَكِنّون فائق الإحترام للسيدة مريم العذراء والدة المسيح (عيسى)، ويُسمون بناتهم بإسمها.
نعم جرى إضطهاد شديد للمسيحيين في العراق في فترة الخليفة المتوكل، وفي زمن حكم خربندا وغازان المغوليين، لكنه لم يرقى أبداً الى مستوى الإضطهاد الذي تمارسونه اليوم ضد من يخالفكم الدين أو المذهب، كما لم يكن للعراقيين المعروفين في تسامُحهم ذنبٌ في تلك الإضطهادات.
إن صنع هذه الصلبان وتماثيل السيّدة العذراء أم المسيح، وإعادتها إلى أماكنها الأصلية هي عملية سهلة وسريعة، ولا تكلّف أصحابها كثيراًمن الجهد والمال، علما أن تكلفتها يجب أن تكون على عاتق الدولة، لاَّن الدولة قصَّرت في واجبها تجاه مواطنيها، سَواءُ في الحفاظ على أرواحهم أو ممتلكاتهم أو في الدفاع عن مقدساتهم.
لكن مَنْ الذي سيعيد إليكم إنسانيتكم، ويزيل عنكم العار الذي سيلاحقكم؟  فستدخلون كتب التاريخ كجنس شاذ عن البشر، جنس كارهي الحياة.
الدانمارك
03.06.2015




13
المنبر الحر / جنس الدواعش
« في: 01:12 13/03/2015  »
جنس الدواعش

الجزء الآول
في العاشر من حزيران الماضي غزا الدواعش مدينة الموصل، إحدى أقدم وأهم مدن العراق التاريخية وعاصمة الدولة الآشورية، وثاني أكبر مدن العراق حاليا. تم غزوها من دون أية مقاومة تذكر، لا بل تركتْ قوات الجيش والشرطة وعناصر الأمن في المحافظة مُعِدّاتها وأسلحتها الثقيلة والخفيفة لها، وهربت بزيّها المدني تاركة مصير أهل الموصل وسكان الضواحي، وكل عراقي يرفض عقيدتهم التكفيرية وأفعالهم البشعة، بيد الأرهابيين وا لتكفيريين، الذين لا تعرف قلوبهم لا الرحمة ولا الشفقة، ولا تراعي أبسط قواعد السلوك الأنساني المتعارف عليها على مر العصور.

ليس عتبي على ما فَعَله ويفعله الدواعش بالموصل وغيرها من الأماكن، لأنهم أصحاب عقيدة ومشروع سياسي يستندان الى نص مقدس من وجهة نظرهم يبرر أفعالهم، رغم إني أرى أن مثل هذه الأفعال ليس فقط لا تنسجم مع روح العصر، حيث تتطور مفاهيم حقوق الأنسان وحقوق المرأة والطفل، وحتى حقوق الحيوان، بل ترقى الى جرائم حرب وجرائم إبادة. لكن عتبي على من مَكّن داعش من إحتلال الموصل ومدن وبلدات أخرى مهمة. وسأعود الى هذا الموضوع لاحقا.

ففي الوقت الذي تترسخ فيه مفاهيم حرية التعبير والفكر، وحرية العقائد السياسية والدينية، وتُثبّت في دساتير الدول المتحضرة وتصبح من بديهيات الحياة اليومية في المجتمع، نرى داعش تضع مخالفيها أمام خيارات كلها مرة، إما أعتناق الأسلام وفق مذهبهم، وإما دفع الجزية، وإما الطرد من بيوتهم وتهجيرهم، وإلا الموت بكل أشكاله. ليس هذا فقط بل أعادت الى الأذهان أقذر جرائم البشر، وهو قتل الرجال، وسبي النساء وبيعهم في سوق النخاسة. وايغالا منهم في الجريمة وزيادة في ترويع المواطنين تراهم يعدون ويفبركون مشاهد فيديو مروعة لا تتحمل عين الأنسان مواصلة رؤيتها، كحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة ، ونحر 21 قبطيا من مصر، وقبل ذلك قطع رؤوس صحفيون أجانب وعمال في وكالات الأغاثة الدولية.

لقد تمادى الدواعش في حقدهم ليس على شيعة العراق ومسيحييه، وعلى اليزيديين والشبك والصابئة، وعلى الكثير من أهل السنة أنفسهم، بل واعتدوا على الأنسانية، وتراثها الغني وكنز من كنوزها، وذلك بحرق الآلاف من الكتب الثمينة والمجلدات والمخطوطات القديمة، ومن مختلف العصور، من مكتبة الموصل، في الهواء الطلق، في مشهد يتسم بالظلامية والجهل المطلق بأهمية هذه الكتب والمخطوطات في دراسة تطور المجتمعات البشرية، وتلاقح الحضارات، والأرتقاء بالمعارف الأنسانية الى مستويات أرقى. إنها لخسارة فادحة ليس للعراقيين وحدهم بل للأنسانية جمعاء، لأن التراث الثقافي العراقي هو جزء لا يتجزأ من الثراث الأنساني.

كما قام الدواعش بتكسير وتحطيم التماثيل واللقى الأثرية في متحف الموصل في منظر يوصف بالروح التخريبية والهمجية والحقد على الحضارة، وعلى كل ما أبدعته يد الأنسان وعقله، كما دمّروا آثار مدينة خُرسباد، والتي يعود تاريخها الى 1000 سنة قبل الميلاد، وسوّوا مدينة نمرود الأثرية بالارض.
صدقوا أم لا تصدقوا بأن كل ضربة من معولهم ومطرقتهم على التمثال كانت بمثابة خنجر يُغرس في قلبي، وقد ضاقت نفسي في تلك اللحظات اللعينة من الزمن العراقي الردئ، وفقدت توازني وعقلي من شدة غضبي، ولكن سرعان ما تداركت بان العراق وتاريخه وحضارته أشمخ من هذه العقيدة الفاسدة والمدمرة، وأن تحطيم تمثال لا يغير من حقيقة ان كل شبر من أرض العراق تحكي قصة مجد عظيم وعطاء مذهل، فأنتم أيها الدواعش الى مزبلة التاريخ ماضون والعراق با قٍ بمسلته، وزقورة أوره، وبثور مجنحه، وبشهرزاده وشهرياره و...
ويا أيها الأوغاد، أنتم تعلمون جيدا بأن لا أحدا من العراقيين في القرن الواحد والعشرين يعبد صنما أو تمثالا، كما كان العرب يفعلون في الجاهلية، وأن هذه القطع الأثرية هي من بقايا شعب عاش على هذه الأرض وترك لنا بعضا من إنجازاته ليخلد ذكراه، وهي أشياء لا تؤذي أحدا بما في ذلك عقيدتكم الأسلامية، والتي ظهرت بعد عشرات القرون. فلماذا تخرجون عن المألوف؟ وكيف تقبلون بأفغانيا أوشيشانيا يدمر حضارة بلدكم؟ والى أي مستنقع قذر أنتم ذاهبون؟
فاذا كان هدف بث الرعب والفزع في قلوب العراقيين والسوريين وغيرهم، هو في توسيع رقعة أماكن تسلطكم، فأن هذه الأفعال البشعة سوف تقلص من مساحتها، وتخلق ردود فعل قوية وسريعة من جانب باقي فئات الشعب الراغبة في العيش بحرية وأمان، وستقاوم وتجابه مشروعكم المتخلف.
وإذا كان هدفكم نشر الأسلام في المنطقة والعالم فأن هذه الأفعا ل المنافية للقيم الأنسانية ستبعد أفواجا من المسلمين عن دينهم أو تدفعهم الى إعتناق ديانات ومذاهب أخرى تنبذ مثل هذا العنف المفرط.
لا أدري إن كانت هذه هي قناعتكم فعلا، أم أنتم تنفذون أجندات خارجية، لأني وكثيرون من أمثالي نعلم جيدا، من يُموّلكم ،ومن يدربّكم، ومن يسلحكم، ومن يسمح بتدفق المقاتلين الى مناطق نفوذكم. لكنني أجزم بأن أفعالكم هذه لاتخدم إلا المشروع الصهيوني في المنطقة، وتثلج صدور الصهاينة وكل أعداء الشعب العراقي، في فصل ساخن يهب على منطقة الشرق الأوسط.

وإستنادا الى ما تم وصفه فأني أستطيع أن أوصفكم بأنكم نوع جديد من الجنس البشري، وأقترح تسميتكم ب (كارهي الحياة) وأتمنى من علماء النفس والبيولوجيا تبني هذا المقترح، وتثبيته في قاموس علم النفس البشري.

الجزء الثاني
يعلم الجميع ان التاريخ أصبح علماً، ويُكتب بطريقة علمية، أي من دون تشويه أو تحريف للوقائع والأحداث، ومن دون أية مبالغات أو تجميل للصورة، ومن حق الأجيال القادمة أن تعرف بصدق، ماذا فعل الآباء والأجداد والسلف؟ ماذا أنجزوا، وبماذا أخفقوا؟ ما هي إنتصاراتهم ؟ وما هي هزائمهم ؟
فلماذا تعملون على طمس تاريخ شعبكم وتسعون الى تغييب جزءاً من التراث الثقافي لبلدكم. إن النظرة الى التاريخ يجب أن لا تكون إنتقائية، وعلينا النظر اليه من جميع جوانبه، أي بأيجابياته وسلبياته.
خذ على سبيل المثال لا للحصر تاريخ الدانمارك
يقر الدانماركيون بأنّهم قبل 6 - 7 قرون خلت، كانوا قراصنة البحار وشعب غير متحضر، ويوعزون سبب ذلك الى العاملين الجغرافي والأقتصادي، أي بسبب قسوة الظروف المناخية، وضعف الأنتاج الزراعي والحيواني آنذاك، ناهيك عن غياب الأنتاج الصناعي، ولكنّهم لم يشعروا قط بالحرج عن هذا الماضي التعيس، بل بالعكس فأنّهم يشعرون بالفخر كونهم صنعوا تاريخهم الحديث بأيديهم، حتى باتوا من أسعد شعوب العالم، وهذا ليس تقييمي الشخصي، بل بأقرار المنظمات المختصة التابعة للامم المتحدة.

أمّا تاريخنا فهو مليئ بالمغالطات والتشويهات ولكنّكم مع ذلك تريدونه أن يكتب بلون ناصع البياض، أي من دون أخطاء أو خطايا، وبشكل يصعب على المرء أنتقاد جوانبه السلبية، وقد تمت ملاحقة وعزل ونفي كل من حاول كتابة هذا التاريخ بنظرة نقدية. ولو تعمقنا كثيراً في دراسته سنرى بأن جذور العنف الدموي المفرط في عراقنا اليوم تعود إلى هؤلاء البدو، القادمين من الصحراء. حيث لم يستطع بعضاً من هؤلاء البدو إستيعاب الحضارة بالرغم من مرور أكثر من 14 قرناً من الزمان، ولهذا السبب ما زال هذا البعض يحلم بالغزوات وسبي النساء، ولهذا السبب لم يفقه حتى اللحظة قيمة الحضارة وكنوزها.
إنّ داعش بقدر ما هي وحشية وهمجية، وأنّ ما إرتكبته بحق العراقيين والسوريين من بشاعات وحماقات لا تقل عن تلك البشاعات التي إرتكبها هولاكو وجنكيز خان وتيمورلنك من قبل. إلاّ أنّه كان من ورائها فائدة عظيمة للأسباب التالية
1 إذْ وحّدت ولاول مرّة منذ سقوط النظام السابق، الشعب العراقي بكل أطيافه، للقضاء على الأرهاب والتطرّف، والذود عن الوطن من خلال قتال الغرباء من شراذم الأفغان والشيشانيين والسعوديين ومن لفّ لفهم، وستغيّر أفعال داعش القبيحة بوصلة السياسيين العراقيين من النهج الطائفي المقيت الى نهج أكثر قربا للوطنية العراقية ، نهجاً نأمل منه أن يتسم بالوطنية الصادقة وبروح التآخي القومي والتسامح الديني والمذهبي.
2 إذْ كشفت على العلن عيوب وأخطاء وخطايا القادة السياسيين المتنفذين منذ سقوط النظام السابق ولحد يومنا هذا، كشفت أنانيتهم الشخصية وحزبيتهم الضيّقة وطائفيتهم المقيته وغباءَهم وخواءَهم السياسي.
تلك الأنانية المتمثلة بحرصهم الشديد للأحتفاظ بأمتيازاتهم سواء بالرواتب الخيالية التي يتقاضونها كوزراء في الحكومة أو كأعضاء في البرلمان أو مدراء عامون في مؤسسات الدولة، أم بتكاليف أفراد حماياتهم الباهضة، أم بأستغلال مناصبهم في توظيف أفراد من عوائلهم وأقاربهم من دون توفٌر المؤهلات والشروط الضرورية، أضف الى ذلك تقاضي بعضهم رشاوى، وغض النظر عن إنتشار الفساد، ونخره لمؤسسات الدولة والمجتمع.
أمّا حزبيتهم الضيّقة فتتمثل في تغليب مصلحة فئة قليلة أو كثيرة على مصلحة الشعب العراقي والدولة العراقية، راعية الجميع.
فقد أَسست هذه الأحزاب وبالتعاون مع المحتل الأمريكي دولة فاشلة من كل النواحي، دستور توافقي ملغوم، وجيش ولائُه للطوائف وليس للوطن، وأكبر دليل على ذلك هو خذلانه أمام داعش الأرهابية، وعدم قدرته على حماية حدود البلد. وحكومات تُقسّم وزاراتها الى حصص طائفية وإثنية، وتعمل كل وزارة من هذه الوزارات لمصلحة الحزب وأبناء الطائفة أو العشيرة التي ينتمي إليها الوزير. و حتى أكون منصفاً في قولي، لا بد من أن أستثني عدداً محدودا من الوزراء، الذين خدموا بمهنيه عالية ونزاهة، وبعيدا عن الحزبية والتخندق الطائفي. أمّا القضاء فلم يكن محايداً وكان في أغلب الأحيان منحازاً لجهة رئيس الوزراء، وبرلمان يفتقر الى الكفاءة، وعدم إرتقائه إلى مستوى التحديات الجسيمة، حيث أحد أعضائه يَجرُّ بالطول والآخر بالعرض.
والى جانب الحزبية الضيّقة شكّلت الطائفية السياسية وَبالاً خطيراً على العراق وشعبه، هدّد ومازال يُهدّد النسيج الأجتماعي العراقي. وقد سعى بعض القادة السياسيين والمسؤولين في الحكومة والبرلمان، وخاصة في فترة حكم نوري المالكي، الى تأجيج الصراع الطائفي، والى زيادة درجة الأحتقان الى حد القتل بالجملة على الهوية، كما حصل في عامي 2006 و 2007  كلّ ذلك من أجل ضمان مقعد إضافي لهم في البرلمان او ضمان كرسي إضافي في أحدى الوزارات. ولم يكتفوا بهذا القدر، بل راحوا يستقوون بحلفائهم الطائفيين في المنطقة من إيران وتركيا والسعودية وباقي دول الخليج، معرّضين أمن بلادنا للتدخلات الخارجية وعبث مخابراتها. وقد شلّت هذه السياسة العقيمة، القائمة على إقصاء وتهميش الآخر، قدرات الشعب العراقي في البناء والأعمار وفي التنمية الأقتصادية، وفي ظل هذه الأجواء المشحونة والتوترات بين الفرقاء السياسيين، غابت الرقابة على أموال الدولة، ولم تجرِ أية مراقبة أومحاسبة للفاسدين والمفسدين، مما أدى إلى سرقة مليارات الدولارات من خزينة الدولة العراقية، ذهبت أغلبها الى جيوب المسؤولين الكبار وسماسرتهم، وها هي اليوم خزينة دولتنا شبه خاوية .
إنّ الخطيئة الكبرى لهؤلاء الساسة، الذين إبتلى العراقيون بهم، تكمن في غباِئهم وخوائِهم السياسي، المتمثل بضعف التجربة السياسية في بناء الدولة، وفقدان البصيرة، وغياب الأرادة السياسية الحازمة، والافتقار الى الوطنية الصادقة، والسلوك الأنفعالي المتمثل بردود الأفعال السريعة.
فمن المعروف أنّنا كعراقيين كُلّنا نبحر في زورق واحد إسمه العراق. وما حصل في العاشر من حزيران ، وحتى قبل ذلك بكثير، أنّ المياه بدأت تتسرّب الى الزورق من خلال بعض الثغور، وأصبحت كمية هذه المياه تشكل خطراً علينا وعلى الزورق نفسه، ولكن لا أحداً من قبطان الزورق إنتبه الى خطورة هذه المياه، بسبب تخاصمهم وجدلهم حول من هو الأجدر والأحق في قيادة دفة الزورق، وفجأة رأى الجميع أنفسهم والزورق معا في البحر. هذا هو بالضبط ما مكّن داعش من العبث بنا وبعراقنا. لأنّنا لم نتعاون ولم تتوحد سواعدنا لنصل بهذا الزورق الى شاطئ الأمان.

والسؤال الذي يطرح نفسه بألحاح هو؛ من تسبب في سيطرة داعش على الموصل وغيرها من المدن؟ وفي إراقة دماء العراقيين الأبرياء ومنها دماء شبابنا في مجزرة سبايكر؟ وفي نزوح مئات الآلاف من العوائل العراقية الى المناطق الآمنة، تاركين خلفهم وظائفهم ومزارعهم ومصادر رزقهم والتي أصبحت عرضة للسلب والنهب، وتعرّض النساء الأيزيديات والمسيحيات الى الأغتصاب والسبي، وبيعهن في سوق النخاسة، مما يشكل كارثة إقتصادية وإجتماعية ونفسية لأبناء هذه العوائل وعموم البلد.
يتحمّل الأسلام السياسي بشقّيه السني والشيعي ممثلا بأحزابهما السياسية وميليشياتهما المسلحة، مسؤولية إراقة دماء الكثير من العراقيين الأبرياء، على خلفية الصراع الطائفي والمذهبي، وتغافلهم للمشروع الوطني الديمقراطي المدني، كما تتحمّل الكتل المتنفذة في البرلمان العراقي السابق والمسؤولين الأكراد، ورئيس الحكومة السابق نوري المالكي مسؤولية كل ما جرى ويجري من خراب ودمار، بسبب خروقاتهم للدستور، والتنصل عن التفاهمات التي وقعوا عليها، واتباع سياسة الأقصاء والتهميش، واستخدام القوة في حل الخلافات القائمة بدلاً من الحوار البناء، وغياب التنسيق الأمني، مما أضعف قدرات ومعنويات الجيش العراقي في التصدي للأرهابيين من داعش ومثيلاتها ومن الميليشيات المنتشرة في بغداد والمدن الأخرى.

ما هو الحل؟
لحسن الحظ أن الأُمور تغيّرت كثيراً بعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حيدر العبادي، حيث يعمل بأتجاه حل الأزمات المتراكمة في فترة حكم نوري المالكي، والتخفيف من تبعاتها، وهناك الآن إجماع بين كل أطراف العملية السياسية على وضع الخلافات جانباً، والتركيز على دحر داعش وطردها من المدن والأراضي التي تسيطرعليها. وهو أمر في غاية الأهمية.
ونشاهد على شاشات التلفزة يومياً بأرتياح كبير، الأنتصارات المتواصلة التي يحققها الجيش العراقي ، بعد إجراء تغيير في قياداته، وقُوّات الشرطة والأمن، وقوّات الحشد الشعبي وأبناء العشائر على الدواعش الأرهابيين. ولدي ثقة عظيمة في ظل الأجواء السائدة بأنّ مدينة تكريت سوف تتحرر من قبضة الدواعش في غضون أيام قليلة، وتبقى أنظارنا متوجهة نحو معركة الموصل الحاسمة، لكي نطوي صفحة الأرهاب والتطرّف، ونتقدم نحو البناء والأعمار.

أبو سرجون
كوبنهاكن في 8 آذار 2015


14
الكلمة التي ألقيت في الحفل التأبيني الذي أقامته الأحزاب والقوى السياسية العراقية في الدانمارك


في البدء نعرب عن شكرنا وتقديرنا لمبادرتكم الطيبة بأحياء هذا الحفل التأبيني تكريما لشهداء كنيسة سيدة النجاة ويوم الثلاثاء الدامي. أنها بداية جيدة لتفعيل العمل الأنساني المشترك بين الأحزاب والقوى السياسية العراقية على الساحة الدنماركية.
من جديد تطحن ماكنة الأرهاب أرواح العراقيين الأبرياء, ولكن هذه المرة كانت قبضة الأرهابيين أشد عنفا وأكثر وحشية وبربرية, كما كانوا أكثر وضوحا وتصميما في ايصال رسالتهم المسمومة, ضاربين عرض الحائط  كل الأعراف الدينية والقيم العراقية الأصيلة والمواثيق والمعاهدات الدولية وبصفة خاصة حق الأنسان في حياة حرة آمنة كريمة.
ففي الأحد الماضي والموافق 31 تشرين الأول نفذ أزلام ما يسمى بدولة العراق الأسلامية هجوما بشعا غادرا على كنيسة سيدة النجاة في قلب العاصمة بغداد, وأسفر هذا الهجوم البربري عن قتل وأستشهاد 52 فردا من الرجال والنساء والأطفال وجرح العشرات منهم. قتلوهم بدم بارد ومن دون واعز للضمير. ولم يمضي سوى يوم واحد فقط على ارتكاب هذه المجزرة البشعة, حتى قامت هذه الزمر المنفلتة بحصد أرواح المئات من العراقيين الأبرياء في شوارع وأسواق وأحياء عديدة من بغداد الحبيبة عبر مفخخاتهم وعبواتهم الناسفة في ثلاثاء دامي سماه العراقيون بالثلاثاءالأسود, وقبل يومين فقط  كرر الأرهابيون اعتداءاتهم على بيوت المسيحيين في عدد من أحياء بغداد, مستهدفين نشر الذعر والرعب في نفوس أهالينا, ماضين قدما نحو مشروعهم البغيض والساعي الى أخلاء العراق من المسيحيين وباقي الطوائف.
اننا أّذ ندين بشدة هذه الجرائم النكراء والتي يندى لها الجبين, المرتكبة بحق الأنسان العراقي عموما والمسيحيين منهم بصفة خاصة, نحمل الحكومة وقوى الأمن الداخلي جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذه المآسي بسبب اخفاقها في حماية ارواح المسيحيين وكنائسهم بالرغم من كل المناشدات السابقة بضرورة توفير حماية أكبر لهم كونهم مستهدفين أكثر من غيرهم. ونطالبها الآن بأن تبذل قصارى جهدها عبر زيادة فعالية السيطرات وتشديد الحراسات على دور العبادة والأسواق وألأماكن العامة من أجل  حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم. من حقنا أن نسأل هؤلاء المسؤولين ومعنا كل عراقي مفجوع, الى متى تنشغلون في منافعكم الشخصية وتنسون ألم وأنين المواطن ؟ أليست أرواح العراقيين الأ برياء أثمن من كل منافعكم؟
نحن مسيحييوا العراق في محنة كبيرة لم نرى لها مثيلا من قبل. نقتل وتبتز أموالنا وتنتهك أعراضنا ويعتدى على دور عبادتنا, لا لذنب ارتكبناه ولا لموقف منحاز اتخذناه , بل ببساطة لأننا مسيحييون, لأننا شعب مسالم لا ميليشيا لنا ولا سلاح بيدنا. رسالتنا هي المحبة والرجاء والسلام وصون كرامة الأنسان.
فهل من شيمة العربي أو المسلم أن يقتل رجلا مسالما أعزلا؟ ناهيك عن أن يقتحم بيت الله وهو مدجج بالسلاح ليفتك بكل من في داخله من رجل الدين الى الطفل الرضيع. والأنكى من هذا كله هو انه يرتكب كل هذه البشاعات لكي يقابل وجه الله في الجنة ويتناول طعامه مع الرسول والصحابة الكرام.
وهنا أتساءل أي أله هذا الذي يرضى بان يقتل عباده في بيته وهم خاشعون يصلون له من أجل غفران خطاياهم ومن اجل أن تسكن الألفة واللحمة قلوب العراقيين وأن يعم الأمن والسلام في ربوع بلدهم؟
وهل يعقل أن يأتي سوري أو مغربي نكرة ليقول لنا أيها المسيحييون أخرجوا من العراق لأنها بلاد المسلمين. فاذا كان الرسول محمد نفسه والصحابة الكرام لم يخرجوا مسيحيا شرقيا واحدا من أرض الدولة الأسلامية ، فمن أنتم كي تفتوا بمثل هذا الأمر؟ ثم أن أرض العراق ليست أرض المسلمين فقط. فكلنا نعلم أن المسلمين قدمواالى هذه الأرض من جزيرة العرب, جاؤوا ومعهم دعوتهم في نشر الأسلام ونجحوا في مهمتهم , واصبح المسلمون يشكلون الأغلبية الساحقة امرا واقعا. ولكن مسيحييوا العراق هم سكان الأرض الأصليون  وهم من بقايا الدولتين الآشورية والكلدانية من الذين ظلوا على ديانتهم, وليس من حق أحد أن ينازعهم على أرضهم ووطنهم. أن كل شبر من أرض العراق يحكي عن قصة مثيرة وعن تاريخ عظيم لهذا الشعب المغبون, فأكتشاف العجلة وصنع القيثارة واكتشاف رموز الكتابة وسن القوانين وبلورة مفهوم الدولة وتقديس الآلهة وسمو الروح ووضع اسس علوم الرياضييات والفلك ليست سوى أمثلة على عظمة هذا الشعب الذي يراد له أن يندثر.
هذا كان في الماضي, أما في الحاضر فأن نسبة حملة الشهادات الجامعية والشهادات العليا هي عند المسيحيين عالية جدا مقارنة مع الشرائح الأجتماعية الأخرى. فمن مصلحة من  التفريط بهذه الكفاءات؟
نحن المسيحييون العراقيون قوم مسالمون لا نبغض أحدا ولا نعتدي على أحد, لذلك لا نستطيع أن نفهم لماذا يعتدى علينا؟  أن لدى أبنائنا وبناتنا عقول تفكر وعيون تبصر وأيادي قادرة أن تصوب نحو المعتدي , والتاريخ يشهد على جبروت أسلافنا في أقامة أعظم أمبراطوريات عصرهم, لكن منذ أن أعتنق أجدادنا المسيحية تغيرت خياراتنا فأصبحنا ننبذ العنف والقسوة والبطش وحلت المحبة والأخاء والسلام  في قلوب أبنائنا. نحن نعمل وفق ما جاء بأنجيل متى ؛ أحبوا أعداءكم, باركوا لاعنيكم, أحسنوا الى مبغضيكم. وصلوا لاجل الذين يسيؤون اليكم ويطردونكم. لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات.
ففي هذه الآية أشارة واضحة الى أحترام الأنسان وصون كرامته كأرقى مخلوق وذلك عبر التسامح وغفران الخطايا وعدم المساس به من قبيل أيذائه أو الأنتقام منه. فنحن كلنا أبناء الله  وقد خلقنا على صورته ومثاله.
نقولها بصراحة  نحن نحب وطننا العراق ولن نرحل عنه الا جثثا هامدة, لأن أرواحنا تحلق في فضائه ولا ينعشنا  الا هوائه ولا يحلو لنا الشرب الا من مياهه. لن نودع جبال كردستان ووديانها ومروجها الجميلة ولا اهوار الجنوب وطيبة أهاليها. لا نستطيع ان ندير ظهرنا عن عظمة أور وبابل وآشور ولا عن بغداد الصوبين وبصرة السياب وأم الربيعين ولا عن أباء الحسين.
ان وطننا جنة, وطن الأنبياء والأئمة, عاش أهله في الأخاء والمحبة.
وفي الختام نقدر عاليا مشاعركم النبيلة أزاء كارثة كنيسة سيدة النجاة, كما نثمن مواقفكم السياسية الشجاعة وتضامنكم الفعال معنا في محنتنا، أن هذا يقوي عزيمتنا و يمنحنا الأمل والرجاء للخروج من هذا النفق المظلم, كما يخفف من أحزان المفجوعين ويقوي صبرهم.  
ونتطلع الى المزيد من دعمكم واسنادكم المعنوي لشعبنا ا لمسيحي في الداخل فهو بحاجة الى نصرتكم و حمايتكم من شرور المعتدين. بوركتم في عملكم والسلام عليكم.
د. شابا أيوب  

صفحات: [1]