عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - الاب يوسف جزراوي

صفحات: [1]
1
العلاّمة الأب بطرس حدّاد
في الذكرى الثانية لرحيله
 
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني
 
     بتاريخ 26/11/2012 تمر علينا الذكرى الثانية لإنتقال الأب العلاّمة د. بُطرس حدّاد إلى دار البقاء. الأب حدّاد اشهر من نار على علم،  يعرفه القاصي والداني. حضى  بمنزلة رفيعة في الأوساط الكنسية والإجتماعية والثقافية. كان رحمه الله من هواة التردد إلى مكتبات شارع المتنبي. جمعته صداقات نبيلة مع كبار مثقفي العراق امثال البحاثة كوركيس عواد والأستاذ عبد الحميد العلوجي والباحث رفعت عبد الرزاق الطائي والأكاديمي سعد سلوم....  كان ملتقاه كل يوم جمعة في مكتبتي المثنى والرباط  وفي مقهى الشاه بندر  الثقافية، تلك المقهى التي كان  يقصدها مثقفي بغداد، وغالبًا ما كنتُ ارافقه إلى تلك الأماكن.
تركزت مُعظم مؤلفاته وكتاباته حول التاريخ الكنسي والتراث العراقي وأدب الرحلات (الإستشراق)، وقد برع في هذا المجال. وأظنه كان مُتأثرًا جدًا بشخصية الخوري داود رمو الموصلي  سكرتير البطريرك يوسف عمّانوئيل الثاني، الذي آرخ حقبة زمنية مهمة من تاريخ كنيسة العراق الحديث في مخطوطته "الخواطر". وبحسب تفحصي ومتابعتي لحياة  وكتابات الأب حدّاد  اضافة إلى قربي منه وعملي معه، اجده كان سائرًا على نفس النهج ، فأرخ حقبة زمنية من تاريخ كنيسة العراق المُعاصر، علاوة على أستفادته من عمله في أرشيف البطريركية الكلدانية في بغداد – حي المنصور، وقد عملت تحت اشرافه  سنة 2004 . ولا انسى أستفادته أيضًا من المصادر التاريخية (المخطوطات)التي لقيها من الباحثين بطرس نعامة وكوركيس عواد، فمثلاً كان الأستاذ بطرس نعامة رحمه الله قد اهدى للأب حدّاد بتاريخ 9/12/1974 نسخته الشخصية من مخطوط الخواطر وحققه ونشره الأب حدّاد سنة 2007.
وفي هذه العجالة نستعرض مؤلفات الأب بطرس حدّاد، وهي:
-المُرشد إلى القدّاس الكلداني ( باكورة أعماله) • البُشرى السارة • التاريخ الصغير (ترجمة)• الفاتيكان (ترجمة). • الرهبنات النسائية في الكنيسة الكلدانية • رهبانية بنات مريم الكلدانيات • أخواتكم الراهبات الكلدانيات. • صفحات ناصعة( عن البطريرك شيخو في طبعتين 1972- 1980)• المُعجزات..بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي. • الصلاة الربية بالتعاون مع الأب فرنسيس المخلصي(ترجمة).• فهارس المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبنة الكلدانية بالتعاون مع الأب ( المطران) جاك إسحق( جزءان).• تلاميذ المسيح (طُبع بمناسبة صلاة الأربعين للأب فرنسيس المُخلصي) • المخطوطات العربية النصرانية في مكتبة المتحف العراقي ببغداد. • دير ما اورها  • الشهر المريمي(طبع بعدة طبعات في العراق والخارج)• قلب يسوع الأقدس(طبع أيضًا عدة طبعات في العراق والخارج)• قديسة ريتا ( طبعتان). • مار إيليا الحيري.• كنائس بغداد ودياراتها ( وهو بحسب رأيي المتواضع واحد من أثمن وانفس مؤلفاته التاريخية) حيث يُعد مرجعًا في تاريخ كنيسة بلاد ما بين النهرين وتحديدًا تاريخ  كنائس بغداد الحديث.• يوميات الحرب العالمية الأولى( الطبعة الأولى أمريكا)(نسخ محدودة أما الطبعة  الثانية 200 طبعة فقط). طبع باشرافي بالتعاون مع الأب حبيب النوفلي ضمن منشورات كنيسة مار كوركيس- الغدير. بغداد 2003 ) وفي مؤخرة الكتاب نشرتُ جزءً من السيرة الذاتية للأب بُطرس كما استلمتها منه.  • مختصر الأخبار البيعية( تحقيق ونشر).  • رحلة ديللافالية إلى العراق ( السائح العاشق-ترجمة عن الإيطالية)، ط 1 سنة 2000 اما الطبعة الثانية سنة 2004. • إبرشية عقرة الكلدانية ( تحقيق) • المؤسسات البطريركية (ترجمة عن الفرنسية)• عِبر من كتب التراث ( مقالات في مجلة الفكر المسيحي في باب عبرة من الأمس، عملتُ على جمعها له ونشرتها في كتاب بعد أن تمت طباعتها في شارع المتنبي 2003). • وثائق آل رسام ( منشورات الرهبانية الكلدانية، كنت قد أدخلتها على الكوبيوتر وأشرف على الطباعة الأب سامر صوريشوع الراهب). • ما ر يوسف الأول  ج1 ( بجهود الأب سامر صوريشوع ). • رحلة سبستياني ( الراهب الكرملي) كنتُ قد نضدت الكتاب وإشرفت على أخراجه الفني وطبع في مطبعة الديوان ببغداد • رحلة من بغداد إلى حلب للفرنسي روسوّ • رسائل البطريرك مار يوسف أودو (جزءان)  بجهود الأب سامر صوريشوع الراهب. - رحلة إلى العراق(فلاندان) 2005.- كتاب النحلة لسليمان البصري (2007 ترجمة وتحقيق). • رحلة الجوهري البندقي بالبي • نُبذة في تاريخ المدرسة الكهنوتية للخوري داود رمو ، بغداد 2002. (تحقيق) • الخواطر للخوري داود رمو ( تحقيق وتعليق). • الأب جبرائيل دنبو مؤسّس الرهبنة الأنطونية الكلدانية .- السنهودس البطريركي المنعقد سنة 1853 في دير الربان هرمزد لطائفة الكلدان. – بطاركة الكلدان في الجيل التاسع عشر للمطران يوسف غنيمة، (اعاد نشرها وعلّق عليها بهوامش). -رحلة فنشو إلى العراق( ترجمة وتحقيق 2009).- الندايي واليباسي (الموصل 2009).
 وهو يرقد في مستشفى الراهبات صدرت له عن الفرنسية رحلة من اسطنبول إلى البصرة1781 للرحالة الايطالي سيستيني (بيروت2010). وكان له أيضًا رحلتان قيد الطبع أحداهما كانت تُطبع في طهران والأخرى في لندن. أهتم رحمه الله بأدب الرحلات إلى بلاد وادي الرافدين، إذ ترجم عن الفرنسية مقتطفاتٍ من رحلة تيفنو إلى العراق (مجلة بين النهرين 1974). وعن الايطالية ترجم رحلة الأب فنشنسو إلى العراق ونشرها بقسمين الأول نشر بمجلة مجمع اللغة السريانية (1975) والقسم الثاني نشر في مجلة المورد (1976) وقد طبعت الرحلة بكتابٍ مستقل في الموصل سنة 2009. وله عن الانكليزية رحلة تيلر إلى العراق المنشورة بمجلة المورد (1982) العدد1. وعن الفرنسية رحلة لجان إلى العراق التي نشرها في مجلة المورد (1983) العدد3، وطبعت بكتاب مستقل في بغداد سنة 2009. ترجم عن اللاتينية تقرير المطران باييه عن العراق ونشره في مجلة بين النهرين (1983) وعن اللاتينية أيضا ترجم الرحلة الشرقية للأب فيليب الكرملي ونشرها في مجلة المورد (1989)العدد4. وعن الايطالية ترجم رحلة فيدريجي إلى العراق المنشورة في مجلة المورد (1989)العدد4، وعن الايطالية ترجم أيضًا رحلة ديللافاليه إلى العراق (السائح العاشق) ببغداد 2001. رحلة سبستياني إلى العراق في القرن السابع عشر (بغداد )2004 . كما صدرت له رحلتان ايطاليتان هما رحلة بالبي إلى العراق ورحلة اوجين فلاندان(بغداد 2005). رحلة من بغداد إلى حلب للوي جاك روسو 2009.
أمنية:
ابتي حدّاد كان لي أُمنية ولم تتحقق، الا وهي: كم تمنيت أن اشاهدك مع الأبوين يوسف حَبّي وجميل نيسان اساقفة....ولكن....!نعم أنكم لم تحملوا الصليب الذهب على صدوركم، بل حملتم على اكتافكم الصلبان الخشبية، وكنتم خير مثال لكاهننا الأمثل الذي حمل صليبنا بفرح  وبساطة وهو حافي القدمين يسير في الطُرقات ينثر بذور الإنجيل.


ختامًا....هناك أشخاص يموتون فنبكي لفقدانهم  وقت وقصير ثم ننساهم أو نتناساهم لأنهم كانوا الحاضرين الغائبين، أو لان المنصب هو من أعطى لهم القيمة والمكانة الإجتماعية...! وهناك شخصيات تموت لكننا نستمر بتذكرهم  طيلة حياتنا باكملها،فنسترجع ذكرياتهم وماثرهم ومنجزاتهم ونتألم لفراقهم، هؤلاء كانت قيمتهم بذاتهم الفريدة بما حققوه من إبداع وإنجاز وسلوك حياة، والأب حدّاد هو ذلك  الغائب الحاضر، لأنه  بصم بصمته المؤثرة في النفوس وفي جبين الحياة تاركًا وراءه الأثر البليغ الذي فيه يُذكر وعليه يُشكر.
لازلت اتذكرك يا أبتي كلما رجعتُ إلى الكتب والأبحاث  والمقالات التي وضعت فيها عصارة فكرك وجهدك وبحثك. لازلت  اتذكر مواقفك، خدماتك، توجيهاتك.... اتذكرك كلما تقدمت في السنّ بقدر ذلك ازددت حكمة ووقارًا وتقربًا إلى الله. والبون شاسع بين العجوز الوقور، الحكيم، الروحاني الذي اختبر الحياة واستوعب ما هو جوهري فيها، وبين العجوز المراهق (الشيطان) البعيد عن الله، الذي لم نحصد من سلوكه  سوى الأزمات والصراعات والشكوك!.
لازلت اتذكر كيف كنت تتعكز على يدي كي تستقل السلم المودية إلى الكنيسة، وان نسيت فلا أنسى مواعظك، قداديسك، تجوالنا في شارع المتنبي ....مواقف عديدة حُفرت في الذاكرة والوجدان. ستظلّ محبتك مغروسة في الأعماق وذكراك عالقة في الأذهان، وسيبقى صوتك و صدى كلماتك الموصلية( هلو عيني، أشلونك أبويّ، اسوفي ) تُجلجل في نفسي.  نم يا ابتي قرير العين بسلام المسيح. ستبقى حيًا في ذاكرتي وكتاباتي إلى أن تنطفي شمعة حياتي من هذه الحياة، فقد حفرت لأسمك البقاء المجيد، لما تركته بعدك من محبة وآثار  وكتابات ونتاجات وذكر حسن، وهذه شيمة العظماء، إذ وحده العظيم المملوء من روح الرب الذي بمقدوره أن يترك وراءه  الأثر الإيحابي. اما المرء الذي لا اثر له فلا يستحق الخلود، بل لا يستحق الذكر، وان ذُكر  سوف تُذكر المصائب والأزمات والتفرقة والشكوك التي جاءت على يديه.

أبتي حدّاد، ها هي الذكرى الثانية على رحيلك ولا زال الفراغ الذي تركته برحيلك شاغرًا....!  كتبتُ هذه السطور لعلّي افي ما لك من دين في عنقي.[/color]
نم قرير العين وعلى روحك الطيبة الف رحمة وسلام.

[/size]


2
قد تُبحر هذه الأفكار ولاتجد شطآنًا ترسو بها
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني


يقول توماس اديسون: "إن العبقرية هي 1 % ذكاء، و 99 % جهد من الإنسان".
اما آينشتين فقد ذهب للقول:" إن الغباء: هو أن تكرر نفس العمل في كل مرة، ثم تتوقع أن تحصل على نتائج مختلفة!".
غايتي من استعراض هاتين المقولتين أن أُبيّن لقرّاء صحيفة (العراقيّة) الأعزاء بأن الإنسان في رحلة الحياة هو صانع نفسه بنفسه بعد الإتكال على نعمة الرب التي هي عطية مجانية، فبقدر ما يتعمق الإنسان في علاقته الشخصية مع الرب، بقدر ذلك  سيجتهد في إكتشاف طاقاته المكنونة في الاعماق ويعمل على استثمارها، وسيكون ذا بصمة مؤثرة في الحياة، فيعيش بنمط حياة إنساني وروحي، مُحلقًا خارج السرب، بعيدًا عن المألوف والروتين، فيبصم اثره في جبين التاريخ ونفوس الناس.
اننا مع أنْ يكونَ للمرء عمل وإنجاز وإبداع  فيه اثر يجعله في (ذكر- وجود) دائم ومستمر. وأن كانت الحياة لا تفني ولا تنفي الموت، لكنها في الوقت نفسه تمنح للإنسان أيضًا الخلود، متى عرف كيف يحقق ذاته كقيمة حياتية(إنسانية وروحية) كبرى. إذ إننا لم نأتِ إلى هذا العالم من أجل أنفسنا، بل كل منا هنا على هذه الارض من أجل الآخر. ويظلّ إنساننا بحاجة دومًا إلى تدبير إلهي كي يُرمّم حياته ويُحييها، كي يتمكن من إعادة الله إلى حياته، حينها سيتمكن الإنسان من إكتشاف هويته الذاتية فيحقق ذاته ويسعى لمساعدة الآخرين على تحقيق ذاتهم، وبالتالي يعيش المرء من أجل إكمال رائعة الله (العالم)....
هذه هي رسالتنا.
وأبوح لكم بسرٍ: تستهويني جدًا عبارة:"الذكر الطيب"أو"الآثر الحسن". ففي هذه العبارات مفاهيم مُلازمة لمفهوم الخلود الحياتي. فهي تشيع طمأنينة لدى الإنسان وتمنحه قيمة على الصعيد الإجتماعي بشكل عام والحياتي بشكل خاص. ألا تتفقون معي بأن (الذكر الحسن) يأتي من الوجود (الحضور) في الحياة.
ولنتأمّل معًا: ما هو الذكر الحسن، الطيب؟
إنّه العلامة الفارقة لنا في سجلات الحياة. وما الحياة؟ سوى شعاع نور ووميض حبّ، وإنفتاح وتكوين، يكون فيه الإنسان مدعوًا إلى النمو والتكامل والبلوغ والنضوج في تحقيق إنسانيته، لأن الحياة زمن للعمل والإنجاز.
إنَّ أعظم الأحياء بموتهم، ظلت شمعة حياتهم مُضيئة من خلال أعمالهم وأثارهم ومآثرهم وإنجازاتهم. فالذكر أو الأثر الحسن، هو وميض نورنا الباقي في الحياة كمشعل للآخرين بعد أن تنطفيء شمعة حياتنا من هذا الوجود الجميل.
إنَّ التكوين الذاتي للإنسان، يتجسد في كيف يصوغ المرء ذاته ويحقق مصيره بما يُبدع وينجز، مُحققًا بذلك حياته، أهدافه، سعادته، خلوده، طابعًا أسمه في جبين التاريخ وسجلات الحياة.
وحينما تتأمّلون الإنسان بعمق ستجدون أن أهم ما يمزه هو الأسم! والأسم هو الشخصية. إنّه هوية الإنسان التي يُعرف بها في المُجتمع، والتي تميزه عن غيره من أبناء مجتمعه. والمرء يُحقق شخصيته ويصوغ ذاته ويحققها من خلال نوعية وقيمة عمله، أنذاك  سيُخلّد أسمه. والأسم عظمة وخلود. ستقولون كيف؟!
فأجيبكم: لا يوجد شيء في هذا الوجود دون أن يكونَ له أسمًا. فهو تمثيل وتعريف حقيقي للشيء أو للشخص، وتعبير عن هويته ومكانته ودوره في الكون، بحيث أن المرء الذي لا أسم لهـ فهو كلا شيء.
لذلك يبحث مُعظم الرجال عن أبناء يخلدون انفسهم من خلالهم، ويضمنون تواصل أسمائهم فيهم، وهذا هو حال الكُتّاب والفنانين والأدباء والشعراء....وكل المُبدعين من خلال نتاجاتهم الأدبية أو الفنية.... فحين يُفنى الإنسان المُثمر من هذه الحياة، أسمه وحده(الذكر الحسن) هو الذي يدوم ويخلد، لأن اسمه مقرون بنتاجاته واثاره. لذا ارتأيت أن أقول سلفًا: المرء يُحقق شخصيته ويصوغ ذاته ويحققها، من خلال نوعية وقيمة عمله، أنذاك  سيُخلّد أسمه.
أنني من المؤمنين بمفهوم الخلود، لأنه وفق تأملي الشخصي، هو حصيلة عمل إبداعي وإنجازات رائعة. نعم الخلود حصيلة بنيان الذات وتحقيق الشخصية والمصير وخلق عالم إنساني وحياة أفضل. وأكررها للمرة المليون في أبحاثي وكتاباتي ومحاضراتي، فأقول: من لا يعمل عملاً ذا قيمة أو عملاً إنسانيًا أو روحيًا، ومن لا يبدع  وينتج ويبني نفسه والأخر والكون، فلا يستحق الخلود، لأن الخلود هو امتداد أعمال إنسانية وإنجازات حياة.
لذا علينا أن نعيش حياتنا بوعي مُستنير، وبسمو تجربة حياتية مبنية على ضوء كلام الله. فتغدو حصيلة تأمُّلاتنا وجهودنا وإنجازاتنا وأفعالنا الخيرة إبداعات واثار خالدة، فيقترن اسمنا بنوعية رسالتنا ونتاجاتنا في الحياة.
ولنا ثمة قناعة باتت مُترسخة في الأعماق مفادها: لست مع اسطورة العبقري منذ الولادة، لأن الإنسان لا يولد مُبدعًا بل يصير. وإنساننا كل يوم يريد أن يتجدد، ويكون ناجحًا، عظيمًا، مُثمرًا، مُبدعًا، إنسانيًا، روحيًا... ساعيًا إلى ما هو أفضل واسمى لخيره وخير الآخرين. فأنا مع انسنة الذات. والبون شاسع بين أن يكون المرء بشرًا أو إنسانًا، إذ ليس جميع البشر إنسانيين!
في الانسان اكثر مما نتصور ونتوقع ونريد، فإنساننا يظل ابدًا راكب بحر تتلاطم فيه اقصى الامواج وفارس غابة تكثر متاهاتها كلما اوغل فيها، تستحثه المعالي بفضل طموحات تزداد فوهات ينابيعها مدرارًا، كلما جاع وعطش وأحب وبحث وتسائل وتأمّل وأنتج.... إنه الإنسان سرّ الأسرار....وإحدى أسرار الإنسان صيرورته وولاداته الوجودية والروحية المُستمرة( المُتجددة) في الحياة. ولا من ولادة دون سعي جاد يحقق للإنسان مُبتغاه.
وما الجهد والتعب والفشل والنجاح والتأمُّل والتسأؤل والتفكير والحبّ والموسيقى والصلاة؟سوى عوامل تصقل شخصيتك، وتفجر فيك ينابيع الإبداع التي تقودك في مجراها إلى نهر الخلود.
وما الخلود؟ سوى انك تعيش في الوجود وتمر في حياة الآخرين في زمان ومكان وواقع حياة، فتترك أثرًا فعالاً وإيجابيًا، وبقدر ما يكون حجم وعمق وكثافة اثرك الايجابي، بقدر ذلك سيكون حجم خلودك، أثرًا يجعلك حيًا فيه ومن خلاله. وبذلك ستكون قد قد بلغت أوج عظمة حياة مُتسامية تجعلك في خلود حياتي أبدي.

ختامًا..... حينما تعي رسالتك في الحياة ستشرق إنسانيًا، وستغدو معزوفة حبّ ووميض نور، ووميضك سيكون اشبه بوميض الشمعة التي تشتتعل وتتوهج لتُنير دروب الآخرين. وما احوجنا اليوم إلى شموع نيرة!

3
العجوز المُتخبط ببداية النهاية
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني

ما أقسى بلاد الغربة ولكن ما أجمل  الركض في مدنها وازقتها وشوارعها وراء رحلة البحث عن الجمال والموسيقى والمتاحف والمعاني الإنسانية. الغربيون قليلو الكلام لأسيما كبار السنّ، وان نطقوا بكلمة سيفوح منها عطر الحكمة والخبرة وعصارة تجارب السنين  المليئة بالمعان والعبر الإنسانية، انهم يختلفون جذريًا عن بعض عجائزنا الذين لا يملون من الكلام والتطفل على خصوصيات الآخرين ومحاربتهم ولجم افواههم،  يتكلمون بكلمات هي انعكاس لذهنيات مريضة ونفوس عفنة.
     ذات يوم وبينما كنتُ ذاهبًا لتلقي دروس الموسيقى (الكمان) ابتليت بلقاء عجوز  ثرثار لم يمل من تبرير خلافاته واخفاقاته التي لا تحصى مع زوجته ومعظم عائلته والكثير من الناس....!! قلتُ له: هل الجميع على خطئ وأنت على صواب؟! كرر مبرراته في محاولة للتحجج بحجج واهية....فأجبته: حججك لن تعد تنطلي عليّ وعلى اهل بيتك والناس الذين كشفوا امرك. قال كيف؟! قلتُ: عندما يحب الله شخصًا سيغدق عليه نِعم ومواهب عديدة، بل سيحبب شعبه فيه.... فمهما حاولت التضليل والشويه وتزوير الواقع والتمسكن، فأن ألناس عن قصصك الصفراء ليسوا غافلين. إن الذي زرعته في نفوس الناس وعائلتك وزوجتك من مشاكل وصراعات وازمات وتفرقة سوف تحصده في الحياة الآخرى.
 نزلت من القطار واصر على مرافقتي، لكنّني رفضت وتركت الموتى يدفنون موتاهم كما قال السيّد المسيح له المجد، لأنني اقدس الزمن، والزمن لا ينتظر أحدًا.   وأنا اسير في الأزقة  وجدت زوج وزوجة قد احنى الزمن ظهرهما وقد تعكز احدهما على الآخر، يسيران وكأنهما في شهر العسل..... همستُ في سرّي: لماذا الكثير من ازواجنا سرعان ما يتحول شهر العسل لديهم إلى شهر بل سنوات بصل ....؟ فيكملون حياتهم في الركض وراء رحلة المشاكل والدموع والخلافات والخيانات والصراعات.... ولماذا بعض العجائز عندما يتقدمون في السنّ يعيشون مراهقة شيطانية جديدة تفتك بحياتهم،على شاكلة  العجوز الذي عجز عن إصلاح ما يمكن إصلاحه، واليوم لا شغل له ولا شاغل سوى تحريض بعض المرتزقة ( افواه الشر ) على عائلته وناسه والذين اعلوا كلمة الحق بوجهه بعد أن لمسوا لمس اليد عمق فساده وفشله وتخبطه وإزدواجيته في أن يكون أبًا  ومثالاً صالحًا!!
اكملت دروسي الموسيقية، وبعد يوم قضيته في التسكع وراء قدرة الإنسان على الخلق الفني والمعماري والموسيقي.... حينها ذهبت كي استريح مع مجموعة من اصدقائي القلائل ومعنا آلتي الموسيقية (الكمان) في حديقة قريبة من بحيرة مدينة Circular Quay، فوجئت بمجموعة من الشبان(فرقة موسيقية) قد تجمعوا يعزفون الحان تشايكوفسكي الخالدة التي كانت تغمر المكان وتزيده جمالاً، يعزفون مجانًا للجميع. قادتني قدماي إلى البحيرة، حيث الهدوء والتأمُّل والعمق والشفافية والنقاء، مُستمتعًا بايقاع وموسيقى المياه...فانتفى احساسي بالغربة عن بلدي وتعمق احساسي بالغربة عن هذا العالم. تطلعت إلى اليمين فوجدت مجموعة من كبار السنّ  منهمكة في المطالعة ....ثم آملت نظري إلى اليسار فوجئت بفرقة موسيقية تعزف مجانًا الحان النمساوي شوبرت! فالموسيقى في سيدني كالشمس في بلادنا مجانًا للناس في البحر والازقة والطرقات....!
عدتُ إلى مدينتي المليئة بالاضواء، ولكن عشرات العيون والاذهان منطفئة على شاكلة العجوز الذي ابتليت به وابتلت به عائلته والكثير من الناس! ناهيك عن ضجيج الناس والسيارات! أحزنني ذلك واثار مرارتي، لاسيما عندما وجدت مجموعة من الناس (يعزفون الصراخ والثرثرة وقتل الوقت )! وضجيجهم لم يخترق اسوار الطرقات وحسب، بل اذان المارة على الدروب المحاذية. فوجدتُ نفسي في حالة قرف من كل شيء وفي حاجة إلى الهرب تمامًا من عالم الصراخ وقتل الوقت.... استقليت الباص وتذكرت ذلك الطفل الصغير الذي كان يلعب امام البحيرة بطائرته الورقية التي كانت تُحلق عاليًا مُستسلمة لنزوات الريح، فحلمت، بل تمنيت أن اطير على متنها هربًا من من واقع الكثير من الناس الذي باتت حياتهم اشبه بنكته، بل اصبحوا كطائرة ورقية عبثت بها نزواتهم الشخصية ونزوات الحياة الجديدة في بلاد الإغتراب.
الطفل يفلت من اصابعه طائرته والريح تقذفها بعيدًا إلى حيث لا يدري، وبعض الناس يقذف بنفسه لرياح الضياع وهو يدري، وهنا تكمن الطامة الكبرى!! كحال ذلك العجوز الذي لا يعرف كيف يقود نفسه وبيته والآخرين فكان اشبه ببيدق شطرنج بيد  الجهلة المحيطين به..... فقذف بنفسه إلى بحر الضياع، والحال انه اشبه بذلك الأعمى الذي يقوده الأخرس والأصم!! وما اقسى حياة تكون على هذه الشاكلة!
اؤمن بحكمتين، تقول الأولى منهما: قل لي ما هي اختياراتك ساقول لك من أنت.  والثانية تقول: قل لي من هم العاملين معك سأقول لك من أنت.
المبدع لا يجلب ألا المبدعين معه، والجاهل لا يجلب حوله ألا الجهلاء، نعم الفاشل  لا يقرب إليه الا الفاشلين ..... ليسيروا معًا في قطار الفشل إلى محطات التخبط، تتقاذفهم  بلذة رياح الضياع.
اتعلمون أن الجهل هو أخطر مُشكلة وأجهها ويواجهها الإنسان على مدار التاريخ ولعل المشكلة بل المعضلة الكبرى تكمن بأن يكون المرء جاهلاً بأنه جاهل، فيدعي المعرفة والحكمة دون أن يمتلكهما.إنَّ من أشد أنواع الجهل خطورة هو جهل الإنسان بنفسه؛ لأنه يسبب له الكثير من الأرباك والضياع الذاتي، والضياع داء يفتك بالإنسان فتتشوه علاقته مع الله ومع أخيه الإنسان.
 لدي ثمة قناعة مترسخة في الأعماق، مفادها: إنَّ من عرف نفسه عرف ربّه وعرف كيف يتعامل ويتعاون مع الناس ويكون شاهد حبّ  وحمامة سلام ويد بناء،  فالإنسان الذي يعرف نفسه سيتمكن من تقديم ذاته بشكل صحيح، لا بالكلام بل بالافعال والمنجزات التي تصب في خير كل إنسان، لأن الحياة زمن للإبداع والإنجاز والعطاء وتحقيق الذات ومساعدة الآخرين على تحقيق ذاتهم.

ختامًا: وانا أُدبج هذا المقال تذكرت طلب أحد الأصدقاء حينما طلب مني ذات يوم ان أُصلي من أجل صاحب عمله العجوز الذي كلما تقدم بالسنّ، كلما اتسمت حياته بالتخبط والضياع والعبثية والإبتعاد عن الله(الفساد)، لأسيما وأن النهاية باتت واضحة لمسيرة  عمله الفاشلة وتاريخه العفن الذي يعرفه القاصي والداني منذ أن كان شابًا حتّى يومنا هذا حيث بلغ من العمر عتيًا....!
احبتي القرّاء الزمن لا يُغير  الأشخاص بل يكشفهم ويغربلهم، والتاريخ يتفحص الأعمال، لأنه لا يُخلد ألا المبدعين، أما الذي تأتي على يده العثرات والشكوك والصراعات والضياع سوف يستقر  هو وحاشيته المرتزقة مع القمامة في مزابل التاريخ.
             لنصلِّ من أجله، لأن الصلاة مفتاح الفرج. هذا رجائي وعلى هذا الرجاء لنصلِّ.
[/color]


[/size]

4
تحديات تُهدد وحدة العائلة  المسيحية في المهجر
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية / سيدني

•   تحدي إيماني
         تواجه العائلة المسيحيّة في المهجر تحديًا إيمانيًا أن لم تكن تواجهه في الماضي. إننا نلاحظ حالات مُتزايدة من الفتور الإيماني عند عامة الشعب المسيحي، خاصة الشباب منهم.
     إن الإيمان بيسوع المسيح فاديًا ومُخلصًا والهًا وبتعاليمه الواردة في الإنجيل المقدس، يجب أن يعبـَّر عنها بأكثر من مُمارسة شكلية كالذهاب إلى القداس الذي غالبًا ما يكون بلغة  الطقوس التي لا يفهمها مُعظم الناس، فالإيمان بيسوع المسيح يعني عيش حياة جديدة ومُتجددة مع المسيح الذي كشف لخاصته وجه الله الأبوي بواسطة محبته وروحيته. إن سبب الفتور الإيماني، هو حالة الركود الفكري والروحي والثقافي الذي يعيشه الناس داخل ذواتهم وعوائلهم. الطقوس الكنسية ليست شعائر جامدة، بل حياة مُعاشة ورموزًا مُعبرة، لها معانيها ومدلولاتها، لذا يجب أن يسبقها فهم  وشرح وافي وتوضيح للرموز الليتورجية، وبموجبه ستتضح الرؤية للجميع. والكاهن الفعال مسؤول بشكل مباشر عن تفعيل الحركة الروحية والثقافية في عقول ونفوس وحياة المؤمنين والمؤمنات بوسائل مُختلفة كي لا يبقى الإيمان جامدًا. على الكاهن مُواكبة العصر من خلال تجديد ثقافته وتفعيل ايمانه وتعميق روحيته كي يتمكن من تغذية المؤمنين وتوعيتهم إيمانيًا وثقافيًا وروحيًا، توعية ترفع سقف الوعي الحياتي والإيماني لديهم.
     وليس  ضربًا من المُغالاة إن قلت: إننا نرى أحيانًا بعض حالات الوثنية المُبطـّنة بين عوائلنا من خلال الذهاب الى السحرة والتمسك بتقاليد بعيدة كلّ البعد عن تعاليم الإنجيل(السبع عيون، فتح الفنجان، السحر...) وهي نتيجة الجهل والسطحية في تفسير الإيمان المسيحي ونتيجة كبرياء عقلي وتربية غير صحيحة، ونتيجة عادات مُستقرة في القلوب والعقول، فاصيبوا ببطالة فكرية وروحيّة. هذه اللامبالاة الإيمانية ساهمت في إنمائها مُمارسات خاطئة. وربما فقر الإعلام المسيحي من جهة وأزدياد في حجم الإعلام العلماني الذي يروج لأفكار علمانية- ألحادية. والكثيرون منساقون ورائها لافتقارهم لعمق ذاتي وروحي وفكري. لذا يصح القول: إن الكثيرين من الناس في كنائسنا هم متدينون وليس مؤمنين، والفرق شاسع بين الإثنين.
     بعض الناس يذهبون إلى الكنائس يصلون ويصومون ويتصدقون ويرفعون الإبتهالات ويوفون النذور، لكن أرتباطهم بيسوع يقف عند حدود الكلمات."ليس كل من يقول يارب يارب يدخل ملكوت السماوات، بل كلّ من يعمل مشيئة أبي الذي في السماوات"( متّى 7: 21). أو يعملون هذا من منطلق الخوف من الله أو إنطلاقًا من الواجب الديني أو التقاليد الإجتماعية والعائلية، ولا يمتلكون علاقة شخصية، حقيقية مع الرب يسوع، وهم غرباء عن الإنجيل وتعاليمه! متدينون أكثر مما هم مؤمنين. هذه مُشكلة مُعظم الناس!
 وهذا نلمسه من الفكرة الخاطئة عن  الأسرار، فمثلاً الكثيرون لا يدركون المعاني الروحية العميقة في صلاة سرّ الزواج وغيره من الأسرار، فتجد 20 شخصًا في الكنيسة(البراخ) و500 شخصًا في الحفلة!!. وفي صلوات الجناز يُطالبون  الكاهن: (أبونا نُريد قداس حزين يُبكي، أبذل قصارى جهدك لتطويل وقت الصلوات- المداريش الحزينة المُبكية)، ونلمسها أيضًا من بعض الأمور البسيطة الكاشفة (أبونا أبيش القداس، كم تأخذون على البراخ-الدفنة- العماذ!!)، (نذهب إلى الكنيسة حتّى نسمع قداس)! ولو سألتهم: مَن منكم يقرأ الإنجيل يوميًا، ستُصاب بالخيبة والإحباط!
•   تحدي أخلاقي  
    الخبرة والتجارب الحياتية والكهنوتية كونت لنا نتيجة نُسجلُها في هذه المقال دون مُبالغة  أو تضخيم للأمور وتعميمها، وهذه النتيجة مفادُها: إن حالات الإنحراف الأخلاقي والتفكك الأسري في تزايد بين عوائلنا المسيحية. وهذا أمر مُخزي ومُعيب من جهة، ومن جهة في غاية الخطورة.  
فحالات طلب الإنفصال المُبكـّر والهجر، والخيانات، والهروب من البيت والجلوس في المقاهي (الشاي خانات)، وأستخدام العنف الجسدي بين الزوجين، وأستسهال كلمة الأنفصال الزوجي، كُلّها قصص بُتنا نسمعها بشكل مُتكرر نحن الكهنة وبشكل مُتزايد، من هنا بدأت نواقيس الخطر تقرع ، لتحثنا على بشّارة وكرازة  جديدة في نقل كلمة الإنجيل للمؤمنين.
ويحزٌ في قلبي عندما أرى( بعض) النساء المسيحيات العراقيات ما أن وصلنَّ إلى بُلدان الغرب، حتّى بُتنا نرى الكثير منهنَّ تغيّرنَّ وتمرّدنَّ على أزواجهنَّ، وكأنهنَّ أصبحنَّ يتنفسنَّ الصعداء، بحجة أن القانون بجانبهنَّ، وإن كلّ إنسان في الغرب حرّ، وحق من حقوقها أن تعيش حرُّيتها! وقد يتفق معي الكثيرون بقولي، الحُرية لا تعني الإنفلات والتسيب، والضياع، وخيانة الذات وشريك الحياة وخراب العائلة، بل إنفتاح مسؤول مُتزن.
    ومن الأسباب الرئيسية أيضًا نذكر:الكبت النفسي الذي عشناه في ظل أنظمة دكتاتورية على مختلف الأصعدة يساهم بشكل فعـّال عند بعض الأفراد في التفتيش عن بدائل رخيصة للتعبير عن حرية ما في داخل الإنسان. ولكن هذه الحُرية يعبّر عنها بعض الأشخاص بطريقة غير أخلاقية وتؤدي إلى كوارث عائلية.
    سؤال يطرح نفسه: مَن الذي يُعدّ  اليوم الشاب والفتاة  للخطوبة والزواج؟ مَن الذي يشرح لهما معنى تكوين أسرة؟ من الذي يؤهل الشاب والفتاة لاستقبال حياة جديدة مُشتركة قائمة على المحبة والتفاهم والتعاون وتربية الأولاد وتقبل وبناء بعضهما البعض؟ في العادة  يتم هذا الأمر من قبل الكاهن قبل أيام قليلة، والسبب لا يعود على الكاهن بل على الخطيبين وذويهما، لأنهم يجعلون من الكنيسة المحطة الأخيرة! أو قد يستمع الخطيبان إلى ثقافات ومعلومات عن الزواج  وأبعاده داخل العائلة أو من قبل الأصدقاء، وهي في الغالب تكون غير سليمة ومُناسبة بعيدة عن روح الإنجيل. إن هذه البيئة البيتية لم تعد كافية لوحدها، لاسيّما إذا كانت العائلة جاهلة لهذا الأمور.
•   تحدي إعلامي وثقافي
    إننا نعيش في عصر غزى  فيه الإعلام وخاصة المرئي منه بيوتنا وأماكن عملنا ليلاً نهارًا. فلا يخلو بيت من وجود تلفزيون موصول مع الأقمار الصناعية. وبات من الضروري جدًا أيضًا تواجد الكمبيوتر الموصول مع شبكة الانترنت. إذًا الإعلام يحاصرنا  ويكتسحنا من كل جهة وفي كل وقت، حتّى سمعنا ورأينا زيجات حصلت بواسطة الأنترنيت، والدخول إلى غُرف تعارف..وهناك من يقول لك: "إن تسليتي وثقافتي هي من عالم الأنترنيت.." ولكن! نتساءل هُنا: ترى أية ثقافة يتلقاها الناس عبر التلفزيون والأنترنت؟ إنها ثقافة "كوكتيل- خليط" فيها الجيد والسيئ. إنها ثقافة العولمة التي فيها الصالح والطالح. مما لا شك فيه أن التلفزيون والأنترنيت باتا حاجة إجتماعية ضرورية ليكون الإنسان على تواصل مع العالم والمحيط. فسرعة إنتقال الخبر والمعلومة هما عنصران أساسيان في عصر السرعة.
     لقد سهّلت شبكة الأنترنيت كثيرًا وبسرعة فائقة الحصول أو نشر أية معلومة يحتاجها الإنسان. واختـصرت المسافات والجهود وربّما المال أيضًا. ولا يمكن في الوقت الحاضر، أن تقوم الكثير من الأعمال بدون الكمبيوتر وبدون إمكانية الإتصال عبر شبكة الأنترنيت. إلا أن الوجه السلبي لثقافة التلفزيون والأنترنيت هي مسألة إكتفاء المشاهد بتلقي المعلومة دون إمكانية الحوار والنقاش فيها. إنه حوار من جهة واحدة. فلا يمكن أن نحاور التلفزيون أو أي موقع على شبكة الانترنيت بل نكتفي بالتلقي. وهل كل ما نتلقاه صحيحًا وسليمًا وخاليًا من الشوائب؟ مَن يقرر من الناحية الأخلاقية والقيمة والاجتماعية أن ما يُعرض من أفلام ومسلسلات وتقارير على شاشة التلفزيون مثلاً هو أفضل الحلول وأفضل القيم الاجتماعية؟ وماذا عن الأطفال والشباب الذين يتلقون المعلومات منذ صغرهم دون أن يكون لديهم إمكانية التمييز بينها. لقد أصبحت وسائل الإعلام الحديثة، وعلى الأخص التلفزيون والأنترنيت والموبيل، شريكًا للأبوين في تربية أولادهم وتنشئتهم!
ما يؤلمني ككاهن أن أرى الخمول قد أصاب حياة الكثير من عوائلنا،   ففقدت الأسرة وضعية الحوار العائلي ومناقشة الأمور العائلية. وأبسط الأمور التي غابت عن العديد من العوائل هو لقائهم للطعام  أو الحوار من أجل استمرارية بناء الحياة الأسرية السليمة. وتحوّل أفراد الأسرة في كثير من الأحيان إلى أفراد صامتين ومُتلقين لثقافة مرئية ومحكية عبر التلفزيون.  هناك فجوة بين الأبناء والوالدين، مما أدى إلى غياب لغة التواصل.
•   تحدي المال
    الجري وراء لقمة العيش وكسب النقود، ثقافة باتت تُسيطر على إنساننا اليوم لا سيما في ظلّ الأزمة الأقتصادية  العالمية والبطالة وصعوبات كثيرة  كلّها باتت همومًا تُتعب المواطن، وتثقل كاهله مما جعل المُجتمع مُنصرفًا إلى الناحية المادية. لقد بات تفكير العائلة مُنصبًا في كيفية الحصول على المال لتأمين حياة كريمة ، مما قد يدفع إلى زج الأولاد في أعمال على حساب تعليمهم الأكاديمي. فما ألمسه اليوم، هُناك أناسٌ تراهُم يتعاركون مع الحياة مُنذ إطلالة الشمس حتّى غروبها من أجل الحصول على لقمة عيش وحفنة من الدولارات، وكأن الإنسان أصبح آلة للعمل، وعبدًا لعمله وللدولار. وهُناك من تحول إلى غول لجمع الأموال وبأية طريقة كانت، ويفتخر بما يمتلكه ولا يزال يعيش صراع الجري وراء المادة والأشياء مُعتقدًا إنه سيكسب إحترام الناس من خلال ثروته وأملاكه، مُتحججًا أن من لا يملك شيئًا اليوم لا يساوي شيئًا.
وبسبب الإنهماك في الحصول على المال أصبحت الأسرة مُفككة، مُنهمكة، تعيش صراع الكسب على حساب أمور تمس العائلة في جوهرها. إن التفكك الأسري مُشكلة إجتماعية خطيرة ينتج عنها مشكلة أخرى وهي: البعد عن الحوار والحديث العائلي  والإبتعاد عن الكنيسة.
    من المُؤسف له  أحيانًا إن الأطفال لا يجدون من يكلمهم  في البيت. وأحيانًا الزوجين يتواصلون معًا عبر رسائل الموبيل! علاقة الكترونية، وليست علاقة عائلية ترتكز على الحوار، والإصغاء واللقاء المُباشر.
•   تحدي الانعزالية في العائلة
عندما أذهب لزيارة مفاجئة لعائلة ما، أجد الإبن مُنزويًا في غرفته وقد غلق الباب على نفسه  مُلتهيًا  مع الأنترنيت، والإبنة مع الموبايل والأب يتطلع للتلفاز أو مُلتهيًا في أعماله او خارج البيت يقتل الوقت في المقاهي، والأم مُنشغلة في المطبخ أو تراها في حالة عبودية لمسلسل ما، أو في لقاءات وجلسات فارغة مع صديقاتها، أو قد كرّست وقتها للتحدث في التلفون، وبقية أفراد الأسرة خارج البيت. كلّ واحد منهم مُنزو في عالمه الخاص! أين الأسرة المُجتمعة معًا حول الإنجيل والصلاة ومائدة الطعام؟! أين لقاء العائلة مع بعضها؟!
صدقوني هُناك من الشبابّ والشابات عندما يقدمون على الزواج لا يعرفون ابسط الصلوات وقانون الايمان وفعل الندامة..!!
    إن الغرق في عالم الفردانية بعيدًا عن الحياة المُشتركة للعائلة، أفقدنا الحوار العائلي. الحوار في العائلة، نقطة مُهمة. لقد صار نادرًا أن تجد عائلة  تجتمع لتتحاور فيما بينها، وتنبه وتوعي وتتعرف على  أفكار بعضها البعض،  لينصحون بعضهم ويقوّم أحدهم الثاني.
    إن فُقدان لغة الحوار بين العائلة الواحدة يدفع بالأولاد إلى الإنشغال بصداقات خارج الأسرة أكثر من صداقات داخل الأسرة. فتراهم يتلاقفون تربيات  وثقافات ومفاهيم خاطئة من هُنا وهناك (أصدقاء السوء، الشارع المدرسة، التلفزيون، الأنترنيت..) ولاسّيما فيما يخص الحياة  الثقافية، والجنسية.. فيتقوّس بنائهم الأخلاقي.
•   تحدي الهجرة
    إن نزيف الهجرة من العراق ساهم بدور كبير ولا يستهان به في تشتت العائلة في أكثر من بلد، وقارة!
ومن المشاكل التي تتولد في البلد الجديد مُعاناة التأقلم والإندماج، وربّما تنشأ مُعاناة بين الوالدين والأولاد (صراع الثقافات، الجديد والقديم)، الذين ينساقون خلف الثقافة الجديدة في البلد الجديد الذي يُبيح لهم كلّ شيء، فالأولاد(الجيل الجديد) لمسوا أن ما تلقوه من تربية عائلية وإجتماعية في الأمس، باتت لا تتناسب مع ثقافة ومُتطلبات المُجتمع الجديد، ومن هنا ينشأ الصراع  بين أفراد العائلة الواحدة. فالأب يُريد القيام بدوره كموجه ومراقب (عقلية الأب الشرقي المُحافظ)، والأبن والأبنة يرغبان في الخروج من قفص العائلة، للسير وراء تقاليد وعادات المُجتمع الجديد، فلكلِّ جديد لذة. والكلّ يبكي على ليلاه، ومع الزمن نرى أن جدرانًا وأسوارًا بُنيت في العائلة الواحدة. ناهيك عن أن القانون الغربي يُشجع أستقلال الأولاد عن ذويهم، مما يُشعر الأبوين بأن جُهدهما ذهب سدى. فبُتنا نُعاني اليوم من أزمة تفكك العائلة بسبب الهجرة، وفقدان وحدانيتها. ناهيك عن المُشكلة التي بدأت تكبر وتستفحل نتائجها، ألا وهي لجوء الزوجين إلى الطلاق المدني قد تكون لأسباب مادية(نفعية) أو لإسباب عدم الإنسجام مع بعضهما البعض.
خُلاصة القول :
   علينا أن نسعى معًا وبجهود مُشتركة من أجل الحفاظ على الأسرة المسيحية ووحدتها  أمام التحديات والظروف الراهنة  والمُستجدة.
       إن الهمّ الذي يشغل بالي وبال الكثير من الكهنة الغيارى، هو  إن مستقبل الكنيسة على تنوع تسميتها، مرهون بمستقبل العائلة وتماسكها وتجذّرها.
إننا غالبًا ما نتوارث التقاليد والنُظم والعادات جيلاً بعد جيل، وهذا التوارث أن لن نزيل عنه غبار الماضي ونفعله بحيث يكون ملائمًا للواقع الحاضر سوف يتحجر ويتعفن ويصبح الإنسان الوارث لهذا الأرث مُتعصبًا مُنغلقًا ومتزمدًا في فكره وقلبه. إنَّ التغيير والإنفتاح السليم والتجديد والإصلاح ثمنًا باهظًا ندفعه بسبب المُحافظين التقليديين المُنغلقين فللأسف إنَّ مُصطلح أو مفهوم (عقل منفتح) تُخيف أصحاب الذهنيات العتيقة الأحادية التفكير (المحافظون- كبار السنّ)، وكأن ذو العقل المنفتح شخص غير مُنضبط يعيش ويبث الهرطقات!! لذا أملي ألا نكون سجناء الماضي كي لا نتوحل فيه....كما أن الماضي مليئًا بالالغام!
 اخيرًا وليس اخرًا ....
لستُ مُتشائمًا ولكنني في الوقت نفسه لا أود أن أنزع عني مُعطف الواقعية، لذا أقول إنَّ نواحي الحياة تسير بخُطى مُتسارعة ومُتجددة بينما الكنيسة اليوم قد تكون عاجزة عن اللحاق بها. وأعزو السبب إلى  أن من يقود كنيسة اليوم اغلبهم كبار السنّ، قد قوس الزمن ظهرهم ولا يمكنهم مُجاراة ثقافات وتحديات هذا العصر والسير ممشوقي القامة، بل اصبحوا مُنحني الظهور بسبب العمر طبعًا وعدم مواكبتهم للحياة وفهمهم الخاطئ للسلطة ولرسالتهم، وبسبب إنغلاقهم لم يتمكنوا من المواكبة وقبول الجديد المُفيد، فأحنوا ظهر الكنيسة!!
الكنيسة  اليوم بأمس الحاجة إلى دماء شابة، وجوه جديدة، مثقفة، تمتلك عمقًا روحيًا وإنسانيًا وثقافيًا، وجوه راعوية تُجيد فن قيادة نفسها وإدارة الآخرين وتفعل الجانب الروحي والراعوي في المؤمنين، كي تُجدد الحياة والعائلة والإيمان من خلال كرازة جديدة وشهادة فعالة، لأن الكنيسة أمّ ومعلمة ورسولة وشاهدة بالأفعال والأعمال الإنسانية والروحية لا بالكلام المعسول.
ولنا في المستقبل القريب أمل.




5
شهداء الإصلاح والإبداع.... يسوع مثالاً
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني

   عانى السيّد المسيح  وصلب لأنه كان يُمارس الطبّ بطريقة غير شرعيّة ويشفي المرضى والمتألمين، وينقلهم من ارض الخطيئة إلى ارض النعمة.  صلب المسيح لأنه كان يصنّع الخمر ويشارك الناس أفراحهم ويقاسمهم أحزانهم ودموعهم. لأنه كان يُكثر الطعام ويوزّعه بدون رخصة.
- لأنه كان طيب القلب، مسامحًا للخاطئين، غافرًا للتائبين.
- لأنه كان يهتم بصغار القوم والمهمشين والمرذولين.
- لأنه شارك  الخطأة والزواني والمرضى والمساكين طعامهم وهمومهم.
- لأنه زار المرضى وشفاهم، وأقام الموتى.
لأنه أنصفَ المظلومين ودعاهم إلى أن يقولوا كلمة حق بوجه الباطل. فوقف ندًا قويًا بوجه رؤساء الكهنة والفريسين والكتبة وغيرهم. صلب يسوع لأنه كان حرّ الكلمة والمواقف.
صلب المسيح، لأنه كان يتردد على الأحياء الصغيرة الفقيرة المُهمشة، ولم يُعرف له الكثير من الأصدقاء الأغنياء. صُلب لأنه كان يُنادي بالسلام في عالم لا يعرف السلام ويبغض الحبّ.
كان وما زال يسوع يُريد أن يُغيّر الناس واصلاحهم ليسيروا في طريق الله، ساعيًا إلى تحريرهم من العبودية. صُلب لأنه كان يُريد أن يجعل من الناس أبناء لله.
صُلب لأنه تعدّى بدون صلاحيّة على باعة الهيكل الذين حولوا هيكل الرب إلى"سوق حرّة"، وباسم الدين وبموافقة خدام الهيكل أصبحوا يتاجرون ويستغلون الشعب. صُلِبَ لأنه لم يكن ملكًا متمسكًا بكرسيه. لم يتعامل مع تلاميذه بعقلية التمييز والتفريق والتفضيل العشائري. صلب لأنه سلط الاضواء على اللصوص والسراق وكشف المستور.... بعد أن اثبت للناس أن الذين يعتلون منصة الهيكل ويحدثون الناس عن الله هم بعيدين كل البعد عن الله وهذا الأمر يتجلى من خلال سلوكياتهم الخاطئة!
صلب لأنه لم يكن يرى في تلاميذه خُدامًا له، بل شركاء رسالته. صُلِبَ لأنه لم يكن كسائر الملوك، لم يكن له حراسات وحمايات وأملاك وأرصدة في البنوك وحقول ومصايد اسماك ومزارع. صُلِبَ المسيح، لأنه آمن بالإنسان، فكان خير محامٍ لحقوق الإنسان ،حتّى أنه "مات  حُبـًّا " من أجله على الصليب، فكان الصليب "ضريبة لحبِّه".
صُلِبَ لأنه سعى خلال حياته القصيرة ليشهد لـِحبّ الله بين البشر!
عندما تكون صاحب رسالة وقضية سوف تعرض ذاتك لرياح شديدة تهب عليك من جهات عديدة، ولكن لنتخذ من السيد المسيح مثالاً لنا.
 كما لنا في الأدب والفن العالمي والعربي امثلة لا تحصى تعلمنا الكثير من الدروس والعِبر، منها:
-عندما مات الموسيقار النمساوي  موزارت سنة 1791 لم يمشِ في جنازته ألا ثلاثة أشخاص!! وكأنه لص أو  مجرم معدوم!! واليوم  في فيينا يقف أمام تمثاله الجميل في اليوم الواحد مئات الأشخاص!!
-مات فان غوخ  الرسام الهولندي الشهير وحيدًا بعد أن أحتضر طويلا لوحده ولم يبال به أحد. ظنًا منهم إنه مجنون، أو مُصاب بالعقد النفسية والعقلية. واليوم آلاف الناس ومن كل العالم يزورون متحفه في مدينة امسترادم الجميلة، ويصفون فان غوخ بالعبقري!!
-الموسيقار الروسي تشايكوفسكي عندما انجز إحدى معزوفاته، رفض العازف نيقولاي روبنشتاين عزفها، قائلاً: " إنها بلا قيمة وسيئة ولا تستحق العزف، إنها فقيرة فنيًا"، وسخر من صاحبها! واليوم تُعد هذه المقطوعة الموسيقية من أجمل أعمال تشايكوفسكي وأشهرها شعبية بين الناس في الموسيقى الكلاسيكية، والملايين من الناس تستمع إليها، وتسحر بانغامها،  ويسخر الناس من أقول روبنشتاين.
-الأديب التشيكي فرانز كافكا(+1924) عانى في حياته من عذاب التجاهل والتهميش والإنكار، وبعد موته قام صديقه (برود) بنشر نتاجه الأدبي وعرّف العالم بأدبه، فإذا بكتبه تنتشر بسرعة البرق في كل إنحاء العالم، وترجمت إلى الكثير من اللغات. علمًا بأن مؤلفها(كافكا) لم يُسعد بها، ولم يُذع صيته في حياته ولم يتمتع بشيء من التقدير ولم ينعم براحة البال.... واليوم يُعد من مشاهير ادباء العالم!
-وهكذا عاش الأديب الروسي فيدور دستوفسكي محرومًا، مُهمشًا يتحسر في أن يجد من يحبه ويحترمه ويقييم إبداعه، واليوم صار رمزًا خالدًا وشهيرًا من رموز  الأدب الروسي والعالمي، فحين تُذكر روسيا سرعان ما يتبادر إلى الاذهان دستوفسكي.
- اما الأديب العربي جبران خليل جبران(1883-1931) كان يرتزق من رسم الأشخاص، وبيع بعض لوحاته باسعار زهيدة. كان يكتب أشعاره الراقية والجميلة التي تعج بالصور الإنسانية  النبيلة دون أن تحضى باهتمام القرّاء.... فكان يتشكَّى من عدم تقدير الناس لنتاجه، فتطارده نوبات من الإكتئاب، فيخرج إلى أصدقائه أو يستقبلهم في صومعته، حتّى وصفه الشاعر المهجري ميخائيل نُعيمة بأنه كان يُصافح الناس بإحدى يديه، ويصفعهم باليد الأخرى، أيّ أنه كان يحبهم أحيانًا ويضيق بهم في أحيان أخرى. وما بين عزلته وتكدّره، وبين الفقر والمُعاناة النفسية، عاش حياته، حتّى مرض بالقلب من كُثرة الجهد والإفراط في التدخين والقهوة، وبعد أن مات، ذاع صيته وصيت أشعاره وكتاباته، وترجمت أعماله إلى لغات عديدة.
-والكاتب الروسي نيقولاي كوكول الذي  يُعد من آباء الأدب الروسي(+1852). إذ عاش في ظل نظام استبدادي قائم على استعباد الآخرين وترويعهم. ترعرع في المناخات اللاإنسانية حيث الاستبداد والظلم والقهر، ما قاده إلى إبداع كتابات مفارقة ومغايرة تتسم بالواقعية، حتّى ولو كانت بعض أفكارها العامة مُستمدة من آخرين، فحين يكتشف المرء ضالته وانسحاقه أمام الآلة الاستبدادية والبيروقراطية، فإنه سيكون مُستعدًا لصوغ هذه البشاعة الإنسانية، غير مبالٍ بالتقاليد الإجتماعية والأدبية.
بعد أن انتقل إلى دار البقاء برزت اعماله الأدبية لاسيّما (قصّة المعطف) ويومياته(يوميات رجل مجنون) التي وصف فيها الإنسان المبُدع كارنب جريح في قفص الذئاب. يوميات رجل مجنون، غدت مسرحية، مُثلت على مسرح الدوقة في لندن، فنالت  شهرة عالمية لواقعيتها.
-اما الالماني بيتهوفن فقد رُشق بالبيض والطماطم والشتائم من قبل الناس منذ قرن ونصف القرن بسبب السيمفونية الثالثة (هيروييكا)، واليوم نحن نستمع إلى تلك السيمفونية ولا نشبع. أتعلمون ما هو ذنب بيتهوفن يومها؟ إنه سبق عصره بقرن!
مُعاناة المبدع أو المصلح نتيجة نفسيات مريضة، وعقول محتلة بنظرة احادية.... نفسيات تكره التجديد والأبداع والإصلاح بسبب الغيرة والحسد، والخوف من زلزلة كراسي العروش لأصحاب الكروش.... فاينما حل الناجح(المبدع، المُثمر أو المصلح) لحقه الفاشل عله يكسب جزءً من نجاحه!فالمفلس لا شغل له ولا شغل سوى الإستجداء من الأغنياء.

ختامًا: نحن في العادة لا نشعر بقيمة الاشخاص المبدعين والمصلحين الا حين نفقدهم، فقائد المئة كان يقف عند الصليب يراقب ويتأمّل مُفعمًا بالدهشة والذهول، وبغتة، ولدت في اعماقه  شرارة الإيمان، فتبدلت حياته إلى الابد.  ويصف الإنجيلي متّى  لحظة اهتدائه إلى المسيحية "واما قائد المئة والذين معه يحرسون يسوع، فلما رأوا الزلزلة وما كان، خافوا جدًا وقالوا حقًا كان هذا أبن الله "( متّى 27 : 54 ) .
 والحال أن  الذين صلبوا يسوع ظنوا أن بموته سيتخلصون منه ويقضون على  رسالته واثاره، فأنقلب الصليب من لعنة إلى بركة، واليوم كما بالأمس فان ملايين القلوب تنبض بحبه وتشهد له.
[/color]

6
الحقيقة لا تجرح إلا كارهها!
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني
 
     على الإنسان أن يشنّ حربًا(نقدًا) على نفسهِ لا على أخيه الإنسان وكل الذين من حوله. أجل على الإنسان أن يرى الخشبة التي في عينيه قبل أن يرى القذى في عين أخيه، فهو أن طهر فكره وقلبه، سيكون طاهر السلوك والكلام والنظر والكتابات، فمتى صفت عينيه صفت حياته، وان صفت حياته كان كلّ إنسان بل كلّ العالم في عينيه نورًا صافيًا..... فمن أدرك قيمة النور في اعماقه ادركها في كلّ إنسان، فيصبح عونًا لأخيه الإنسان لا عونًا عليه. فشمعتان تضيئان معًا كفيلتان على تبديد الظلام من شمعة واحدة.
 الإنسان الخالي من نور الله غالبًا ما يفتك بنفسه قبل أن يفتك بالآخرين، لأن الخطيئة تدمر صاحبها قبل أن تدمر الآخر.
 ربما عولمتنا اليوم جعلت من الإنسان (غولاً) يجري وراء الدولار بجشع، حتّى ان بعض الضمائر والأقلام باتت تُشترى بحفنة دولارات! هكذا وللأسف تعامى البعض عن رؤية النور في اعماقه، وتلكأ في عيش إنسانيته....فُحجبت الحقيقة، وتفشّى التعصب والتزيف والتقليد والغش والتزوير والتضليل في القِيم والمبادئ، وتفشت النميمة والثرثرة والكتابات المسمومة تفشيًا لا يُبشّر الإنسانية بغدٍ يحمل جمال الربيع الذي حلمنا به. ولكنني على يقين أن الإنسان لا بُدَّ من يوم سيكتشف النور في داخله فتسنير كلماته وحياته.
 إنَّ ثقافة وروحانيّة وإنسانيّة الكاهن أو الكاتب أو الأديب أو الصحافيّ أو أيّ مُثقف ومُبدع ومُفكر....تعد العناصر الأساسية في التاثير على الناس وقيادتهم نحو التغيير والإصلاح والنمو البناء. فكما الرسام يُبدع بريشته ليرسم اروع اللوحات الفنية كذلك هو الكاتب، يرسم أجمل الصور الإنسانية بواسطة كلماته، أفكاره، كتاباته، لأن في ادبه رسالة وقضية كبرى.
 تُضحكني كتابات بعض انصاف الكتّاب، فحينما يكتبون يخال لك وكأنك في (حلبة مُلاكمة)!إنهم لا يكتبون بالكلمات بل باللكمات! وهم لا يعلمون أن الأدب فن ورسالة وتوعية واخلاق.البون شاسع بين الأديب المُفكّر أو الكاتب الروحاني وبين الأجير الذي يكتب دون رسالة وهدف، فقط كي يتقاضى أجرًا من اسياده، مُتطلعًا إلى الشهرة. يا لتعاسة ذلك الأجير الذي يبحث عن الشهرة من خلال شتم اشقائه وتخوينهم والتنكيل بهم!! الستم معي أن قلت أن للكتابة قواعد اساسها  الأخلاق ؟
 يقول المثل الفلسفي: "فاقد الشيء لا يُعطيه....". فكيف لنا ان نرجو من القلم الاسود ان يكتب كلمات بيضاء وينثر الأفكار البناءة والحوار المنشود؟! أوَليست الكلمة تصويرًا وتجسدًا عمّا يجول في الذات، بل هي صدى الأعماق، فأن كانت الأعماق مليئة بالزوايا المُظلمة، فحتمًا ستغدو ومضات وكتابات الذات فحمات سوداء، تجعل صاحبها يعيش في ظلمة حالكة السواد! وعلماء النفس يقولون: بين العقل واللسان علاقة عكسية، كلما كان العقل صغيرًا أصبح اللسان طويلاً، والعكس صحيح.
 واقولها بالفم المليان، واضحة صريحة لا لبس فيها: ليس كل من أمتشق قلمًا كتب، وليس كل من كتب أبدع وأغنى الآخرين من أفكار القلب وتأمُّلات الفكر وخبرات الحياة. إنَّ الذي أتخذ من الشتائم مادة لكتاباته ضد المُختلفين معه من منطلق التنوع، فليعلم جيدًا إن الإختلاف لا يعني خلافًا، والحديقة لا تبدو جميلة الا بتنوع زهورها.
إنّ الذي كرس قلمه للشتائم والقدح والذم وزرع الفتن والتفرقة بين صفوف الشعب والقوم الواحد، ليعلم أيضًا انه لم يشتم الا نفسه وقلمه، لأن الشتيمة كما يقول الفنان العربي عادل امام "تدور وتدور وترجع إلى صاحبها"، والحكمة تقول:" قد تلسع الحشرة جواد اصيلاً، لكن الحشرة تبقى حشرة والجواد يبقى اصيلاً".
 الكاتب الخلوق، حمامة سلام. الكاتب الحق، هو الذي يزيل الحواجز، ويهدم الجدران، ليمد الجسور، مقربًا المسافات، ناشدًا الوحدة والحوار والسلام والمحبة، وليس العكس.
 أؤمن بحقيقة مفادها:إنَّ الكلمة أو الفكرة تعكس صاحبها..... فأنت تكتب وتقول ذاتك للآخرين. فكن وميض نور، ومعزوفة حبّ، كي تشرق إنسانيًا، لتكون شمسًا تُضيء الدروب.
واليوم اصبح بمقدور القرّاء التمييز بين الكاتب الحق الذي يُكن له إحترامًا وتقديرًا إجتماعيًا وبين الكاتب الأجير  الذي أمتلأت اعماقه وشطحاته من السموم  والتي يحسبها قيمًا يتغنى بها.... هكذا ذهبت به اخلاقه الرخيصة المتجسدة في كتاباته العقيمة إلى حياة مليئة بالدهاليز المُظلمة. وما اقسى حياة تكون على هذه الشاكلة!
قد تكون كلماتي هذه صوت صارخ في وادٍ أو نافخ بالرماد!
 ولكنّ صدقوني لن يمضي هذا الصوت بغير صدى، ولولا أنني شاعر بوجود آذان تسمع لما كنت ناديت وكتبت، ولولا أنني على يقين من وجود النار تحت الرماد لما كنت أنفخ في الرماد.
 انني على يقين مهما نكث الإنسان عهده مع الذات ومع الله، ونقض وعوده مع أخيه الإنسان ومع قلمه، مشوهًا الحقائق، لأ بُدَّ من يومٍ يكتشف فيه نور الرب فتغدو حياته وكتاباته كشمعة تنير حياته ودروب الآخرين في مسالك الحياة.
 ختامًا: أملي أن يتصالح الإنسان مع الزوايا المُظلمة في حياته، باحثًا عن النور في اعماقه، لتستنير حياته، كلماته، كتاباته، افعاله.....فيكون من أبناء النور، لأنني ارى بعض أنصاف الكتّاب(أبناء الظلام- وما أكثرهم اليوم!) يزهرون كلامًا ولا يثمرون، يطلقون سحابًا ترعد ولا تمطر....والحال إنهم اشبه بالشجرة العقيمة، أملي أن يكونوا من أبناء النور لكي يثمروا الحوار والمحبة والتقارب ويخطون لنا كتابات تهدف إلى بناء الإنسان وروحنته وآنسنته. وما أحوجنا اليوم إلى كتّاب مُثمرين.
اننا ارسلنا في هذا المقال قناعات ذاتية وكلمة حق، علها توسع الأفاق فتستنير البصيرة ويتصحح المسار، لأنني لم ولن أقبل ألا بقول وكتابة كلمة الحق بوضوح وحقيقة.... وطوبى بل هنيئًا لمن يطعم الجياع، لأسيّما الجائعين إلى كلمة الحق.



7

 قصّة وحكمة
العجوز الفاسق يولم المآدب للضيف السارق
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني
 
 
 
 
قبل بضع سنوات دُعيت كي أقدم محاضرة عن التوبة والإهتداء، فاستهليت محاضرتي بهذه القصّة التي يطيب لي اليوم أن انقلها إلى قرائي الأعزاء في صحيفة العراقية الأسترالية: ربّما البعض منكم قد سمع أو تعرّف إلى شخصية جان فالجان بطل رواية "البؤساء" للروائي الفرنسي المعروف فيكتور هوغو.
كان (جان) شابًا بائسًا تحول من وضيع إلى رفيع، ومن حاقد إلى وديع. حُكم عليه بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة في سجن الباستيل لأنه سرق رغيف خبز لإطعام أخته الأرملة وأولادها السبعة.هرب ثم أُعيد عدة مرات إلى السجن حتّى إمتدت عقوبته إلى تسعة عشر عامًا، كل ذلك بسبب رغيف خبز! نعم رغيف خبز! ماذا لو كان قد سرق هذا البائس أموال الناس في سوق الأسهم التجارية أو الاقتصادية ........بعد سنوات من التعذيب والحياة القاسية والمُعاناة تمكن الهرب من السجن، فكان حاقدًا، قاسيًا على من حوله. قابله الناس بالجفاء والمهانة وبعد أن أغلق الجميع أبوابهم بوجهه استقبله الأسقف شارل ميريل أحسن أستقبال، ولم يسأله من أنت؟! رغم ملابسه الرثه ومظهره المُخيف، بل تناولا الطعام معًا ولكن جان سرق منه ليلاً شمعدانات فضية وعددها ستة وهرب ثم قبض عليه من قبل الشرطة وأُعيد إلى المطران، فظن جان فالجان أنه سيعود إلى السجن مُجددًا ولكن الأسقف زعم أمام الشرطة أنه منحه الشمعدانات، بل وزاد على ذلك:" يا بُني لقد نسيت بقيّة الآنية التـي أعطيتك!". كان هذا الموقف كافيًا لكي يتحول جان فالجان إلى رجل صالح وتتغير حياته وسيرته من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، فاستوعب ذلك الدرس البليغ ثم ظهر في مدينة (مونتروني سور مير) باسم مادلين مُخفيًا حقيقته بعد أن صلحت حاله وكوّن ثروة كرجل أعمال مؤمنًا بأن الخير الذي ينعم به يجب أن يشاركه فيه البائسون والمظلومون  والفقراء.
الحكمة: تعد هذه القصّة من روائع الأدب العالمي لأنها رائعة من روائع الحياة. لنتسائل كم شخصًا نلتقي في الحياة ونستطيع أن نحرره من ماضيه ونقوي بذور الخير في أعماقه.
أخوتي وأخواتي أن لمسة حبّ وحنان قد تكسر سورًا وتضمد جراح من قد قست عليهم ظروف الحياة وغيرتهم إلى أناس أشرار.
ما أن أنتهيت من سرد القصّة، فوجئت بأحد الحاضرين يحدثنا عن قصّة العجوز الفاسق وضيفه السارق. العجوز  يعاني تخمة من العنتريات، ففكك عائلته وفرّق اولاده وزرع البلبلة والفتن بين اهله. ولكن مع الزمن كشف الناس أمره، وعرفوا أنه شيطان يعيش بينهم. ولما فشل في كسب محبة الناس واهتمامهم، بدأ يستجدي عطفهم لكبر سنّه، لكنه فشل أيضًا في كسب ثقة اغلبيتهم، لأنه لم يستفد من فشله واخطائه، فبدلا من أن يتوب ويهتدي ويتصالح مع ذاته والآخرين ويتصالح مع الله وينقذ ما يمكن إنقاذه، أخذ يعمق فساده من خلال دعوة سارق إلى بيته الشبه مهجور وراح يولم له مآدب الطعام بحضور بعض اصدقائه الذين على شاكلتهما....".
قاطعت محدثي وقلت له: ما هي الحكمة من قصّتك هذه؟
أجاب: يا ابتي أن الشيء بالشيء يُذكر، أن كنت قد حدثتنا عن جان فالجان الذي وجد في المطران الشاب طريقًا للإهتداء.... ولكن هذا السارق كيف سيهتدي مع العجوز الفاسق.... ؟! الا ينطبق عليهما قول السيّد المسيح:" اعمى يقود أعمى، فكلاهما سيسقط في الحفرة".
قلت له : من المؤكد سيقعان في الحفرة، ولكن صلِّ من أجلهما....
اجاب: كل يوم اصلي على نيته.... ولكنه لا يسمح الله أن يغير حياته، حتّى بعد أن غدى عجوزًا طاعنًا في السنّ. لو كان يعرف الله الذي يحدث الآخرين عنه طيلة النهار، لما كان على هذه الشاكلة، فافعاله واقع مُغاير عن كلامه. صمتُ في حيرة من أمري، ثم خرجت من صمتي، وقلت:لا تتألم منه بل تألم عليه، وصلي لأجله.
قاطعني وقال: يا أبانا، الإنسان كلما تقدم في السنّ، تقرب من الله أكثر وتعمقت فيه الإنسانية واتسمت حياته بالشفافية والروحانيات، أما صاحبي كلما تقدم في السنّ وطد علاقته مع الشيطان وازدادت افعاله شرًا، وكثرة ثرثرته على من هم افضل منه، وصار مُعاشرًا للسراق واللصوص.... وما خفي كان أعظم!
قلت له تحدث معه بلطف، انصحه، أجلبه إلى الكنيسة لعل الكاهن يرشده.
ابتسم مُحدثي وقال: لقد سئمت الكلام معه، وعندما نصحته ورفعت كلمة الحق بوجهه، بدأ بمحاربتي وتشويه صورتي وصورة الآخرين.....
قلت له: ربما لانك أفضل منه وهو لا يستطيع الوصول إلى ما وصلته أنت. سامحه ولا تتعامل بلغة ردات الفعل، بل كن كالإسفنجة، وليكن ردك بواسطة اعمالك وابداعاتك وخدماتك الإنسانية والروحية وعلاقاتك الطيبة مع الآخرين. فتجارب الحياة علمتني أن الإنسان المُسامح هو الذي سيربح في نهاية المطاف.
ابتسم مُحدثي وقال، وأنا علمتني الحياة أيضًا حكمة مفادها:" لو كل كلب نبح ضربته بحجارة لأصبح مثقال الحجر بدينارٍ". الصمت والتجاهل ابلغ ردة فعل، لأن كلاهما(الفاسق والسارق) سيسقطان وسيذهبان إلى مزابل التاريخ كما سقط اقزام  مملكة بول ستان.
قلت له: الحديث عن هذا يطول، ثم تطلعتُ إلى ساعتي وكان الوقت قد داهمنا، فانهيت محاضرتي بالصلاة على نية العجوز الفاسق وضيفه السارق كي يهديهما الله إلى طريق الحق، فكل شيء مستطاع لدى الله.

8
 المطرابوليت مار ميّلس زيّا في سطور ....

الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية في سيدني  
    أبصر النور في بغداد سنة 1956 من ابوين فاضلين وهما تيادورس زيّا بيداويد ومريم اسكوبيلا من عائلة جبرائيل التي تمت بصلة قرابة إلى مطران الهند مار طيموثاوس . نشأ وترعرع  ودرس في بغداد. رُسِم شماسًا إنجيليًا في 14 تموز 1973 في كنيسة مار عوديشو الواقعة في حي تل محمد من يد مار يوسف خنانيشو مطران بغداد ومار أبراهيم(ابرم) خامس مطران البصرة.   درس سنتان في الجامعة التكنولوجية إلى أن شدّ الرحيل إلى دبي سنة 1978 ليقضي هناك نحو سنة، ثم وصل إلى امريكا مطلع عام 1979 وهناك واصل دراسته الاكاديمية  في كلية سان هوزي (القديس يوسف) سنة 1981، ثم عمل كمساعد مهندس.
الكاهن:
نظرًا لإيمانه وغيرته على الكنيسة والتزامه في تقديم الخدمات الطقسية والروحيّة والثقافية، لفت أنظار رؤساءه الروحيين فاختاروه لنعمة الكهنوت، إذ رسم كاهنًا في 28/3/1982 من يد قداسة ابينا البطريرك مار دنخا الرابع، فأتخذ له اسمًا كهنوتيًا (يوسف) ومنذ ايامه الأولى شمر الكاهن الشاب عن ساعد الجد في تنشيط الرعية ولم يكل او يمل من تقديم الخدمات للمؤمنين، فلم شملهم وجعلهم في رعية مُنظمة ذاع صيتها في حينها. ولم تمر سوى سنتين ليختاره المجمع المقدس لكنيسة المشرق الاشورية اسقفًا على استراليا. تردد الكاهن الشاب في بادئ الأمر، ربما لصغر سنه، او لعلمه بعمق وجسامة المسؤلية التي ستقع على عاتقه، فمنحه المجمع المقدس  ثلاثة ايام للتفكير والصلاة، وبعد صلاة وتأمل رضخ لإرادة السماء وثقة رؤساءه فنال درجة الاركذياقون في يوم السبت 20//10 / 1984 من يد المطران الراحل مار نرساي. في 21/10/1984 رسم ونصب اسقفًا لتأسيس ابرشية في استراليا ونيوزيلندا بحضور المجمع المقدس  وهو في سنّ الـ28 ربيعًا ، فكان سيادته أصغر الاساقفة سنًا  في كنيسة المشرق الآشورية.
نبذة سريعة عن غبطته وأهم منجزاته
 المطرابوليت الشابّ(الحكيم) مار ميّلس زيّا السامي الإحترام الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية في أبرشيات أستراليا ونيوزيلاند ولبنان مولود في بغداد، العراق، في عام ١٩٥٦، أستكمل تعليمه الجامعي في العراق واكمل دراساته الاكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا. وهو حاليًا على وشك الانتهاء من دراسات عليا في التاريخ القديم والفلسفة.
رسمه شماسًا  المطرابوليت الراحل مار يوسف خنانيشو بمساعدة مار أبريم خامس  في عام ١٩٧٣ .
وفي عام  ١٩٨٢ رسم كاهنًا في  كنيسة سان هوزية(القديس يوسف) بكاليفورنيا لكنيسة المشرق الاشورية. وفي عام ١٩٨٤ تم تعينه اسقفًا للكنيسة الأشورية في استراليا ونيوزيلاند . وصل سيادته إلى استراليا في مارس/أذار  عام ١٩٨٤ وظل يخدم في الابرشية حتّى عام ٢٠٠٨ حيث تم منح سيادته لقب المطرابوليت،فاصبح  غبطته الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية في أبرشيات أستراليا ونيوزيلاند.
وهو رئيس مجلس أمناء الأبراشية ورئيس مجلس إدارة المدرستان الاشوريتيين في سيدني .
  منذ وصول غبطته إلى استراليا كرئيس لكنيسة المشرق الاشورية، استمر المطرابوليت مار ميّلس زيّا  في بناء الابراشية وتدعيمها بأنشطته المتعددة التي تتضمن: جمع التبرعات، الخدمة الفعالة، وترتيب المباني وشراء الأراضي والممتلكات وإدارة أعمال الإنشاء والتعمير عند الحاجة. وفي عام ١٩٩٠ لعب الدور الأكبر والأساسي في جمع ما يربو عن المليون دولار لبناء الكاتدرائية في كرينفيلد بارك. وفي عام ١٩٩٩ ساعد في حملات جمع التبرعات من أجل بناء قاعة المناسبات القائمة الآن في اراضي الكاتدرائية. وفي الآونة الأخيرة بذل غبطته جهودًا كبيرة في جمع التبرعات من مؤسسات خاصة وحكومية لبناء فصول المدرسة الآشورية والمباني الإدارية المُلحقة بها كمركز للإقامة والإستضافة.

إن أبراشية المطرابوليت مار ميّلس زيّا السامي الإحترام تمتد لتشمل جميع أنحاء استراليا بما في ذلك مدينة سيدني وملبورن ودولة نيو زيلندة. كما أن عدد أعضاء الكنيسة البالغين والذين يدعمون الكنيسة ماديًا قد وصل إلى تسعة عشر الف عضوًا مسجلاً. كما أن هناك حوالي اربعة آلاف ونصف عضو غير مساهمين في دعم الكنيسة ماليًا من القاصرين تحت السن القانوني. ومن إجمالي الأعضاء يوجد خمسة عشر ألف عضو بولاية نيو ساوث ويلز، واربعة آلاف وخمسمائة في ولاية فيكتوريا، وألفين وخمسمائة في دولة نيوزيلندة.
وفي الجالية الأشورية ايضًا ستة آلاف شخص(اعضاء) غير  مُسجيلن في الكنيسة.
وقد قامت ملكة بريطانيا العظمى وملكة أستراليا سعادة الملكة اليزابث الثانية  في السادس والعشرين من يناير من العام السابع بعد الألفين بتكريم المطران مار ميّلس زيّا ومنحه قلادة أستراليا مكافئة له على خدماته التي قدمها لكنيسة المشرق الاشورية  لاسيما في تأسيس المدرسة الأشورية وجهود سيادته في حقل التعليم.
في عام 2008 حصل على وسام (مواطن استراليا) لمدينة فيرفيلد. وفي نظر العديد من الأشوريين داخل وخارج أستراليا يعتبر المطرابوليت مار ميّلس زيّا المؤسس الرئيسي لكنيسة المشرق الاشورية وصمام امانها.
يرجع الفضل في تأسيس أول مدرسة أشورية في بلاد الاغتراب( مدرسة القديس  الربان هرمزد الأبتدائية) إلى المطرابوليت مار ميّلس زيّا كما يرجع لسيادته الفضل ايضًا في تأسيس كلية مار نرساي وهي مدرسة ثانوية بسيدني والتي تقدم خدمات تعليمية من الدرجة الأولى لمئات من التلاميذ بمنطقة فيرفيلد والأحياء المحيطة بها. ضف على ذلك تأسيسه لمركز حضانة للأطفال.
في عام ١٩٨٨ أسس غبطته منتدى الشباب الأشوري والذي يركز على تعاليم ربّ المجد يسوع المسيح باللغة الام، ثم توسعت انشطة الشباب لتشمل التبشير باللغة الانجليزية من خلال برنامج اذاعي.
وفي عام ٢٠٠٤ وافق مار ميّلس زيّا على تاسيس ابراشية القديسين بطرس وبولس في سيدني وهي ابراشية ناطقة باللغة الانجليزية خصيصًا لمساعدة الشباب الناشئ في أستراليا. وقد ازدادت عضوية الابراشية الجديدة من خمسين عضو إلى أكثر من ثلثمائة عضو، ما خلا 300 شخص للناطقين باللغة العربية التي بدأت الخدمات الثقافية والروحية تقدم لهم منذ تموز 2012.
وقد أسس غبطته ايضًا جماعة خاصة لمساعدة المدمنين على المشروبات الكحولية والمخدرات.
وفي السابع من ديسمبر/كانون الثاني رفعته قيادة الكنيسة  عن يد ممثلها قداسة مار دنخا الرابع لكي يصبح المطران مار ميّلس زيّا المطرابوليت مار ميّلس زيّا السامي الإحترام الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية في أبرشيات أستراليا ونيوزيلاند ولبنان. وقد حضر إلى استراليا للمشاركة بهذه المناسبة قداسة مار دنخا  الرابع من شيكاغو  وخمسة مطارنة من جميع انحاء العالم.
وقد حضر الحفل أكثر من ثلاثة آلاف وسبعمائة شخص في يوم احد ممطر في الكاتدرائية الأشورية بكرينفيلد بارك بمدينة سيدني بأستراليا.
كما يتمتع صاحب السيادة مار ميّلس زيّا السامي الإحترام بميزة جميلة ألا وهي: إن سيادته يجيد ربط الحلم بالواقع، ولا يمل أو يكل من العمل من أجل تطوير أبرشيته؛فشيد كاتدرائية القديس الربان هرمزد.
-تأسيس مدرسة الربان هرمزد. فقد أسس غبطته مدرسة القديس الربان هرمزد الابتدائية، التي تعتبر أولى المدارس الآشورية واكبرها  في  أستراليا وبلاد المهجر.
-أفتتاح كّلّية مار نرساي وحث القائمين على إدارتها في التماهي مع كلّيّة بغداد النموذجية في العراق، حي الشماسية – الصليخ. وتضم هاتان المدرستان قرابة الف طالب وطالبة، اغلبيتهم من أبناء كنيسة المشرق الآشورية.
ومن الجدير ذكره أن هاتين المدرستين يشرف على ادارتهما كادر من كنيسة المشرق الاشورية ، ابتداءً من مراحل رياض الأطفال، وانتهاءً بالمرحلة الثانية عشر، إضافة الى اهتمام سيادته بقطاع الشباب ورعايته المباشرة لهم باعتبارهم عامود  الكنيسة والمجتمع ومستقبلهما ، وبالاخص جمعية شباب الكنيسة الآشورية والتي تتركز نشاطاتها التثقيفية والروحية، في التعليم والتثقيف والوعظ بكلمة الله في اللغة الام، إضافة الى تعزيز مشاركاتهم في الجوانب الأخرى للنهوض بهم في قمم المجتمع الاسترالي.
وفي مطلع شهر نيسان من عام 2012 دشَّنَ غبطته المرحلة الأولى من المراحل المخصصة لبناء كلّيّة مار نرساي الآشورية في منطقة هورسلي بارك والتي ستشيد على ارض مساحتها تسعة هكتارات.
-افتتاح مركز النعمة، لم ينسَ غبطته الأطفال، فخصص لهم هذا المركز، لتقويم طفولتهم المبكرة في مراحلها الأولى.
-تشييد " قرية  القديسة مريم " أو "القرية النموذجية للمتقاعدين" لخدمة ابناء جاليتنا والارتقاء بهم في المجتمع الاسترالي، فلكبار السنّ مساحة وأهتمامًا في فكر سيادته، فشيد هذه القرية، اسهامًا من كنيسة المشرق الآشورية في سيدني في التخفيف عن كاهل أبناء جاليتنا في السكن وتوفير حياة ورعاية كريمة لهم، وبالأخص شريحة كبار السنّ والمتقاعدين الذين كانوا عنوانا للإيثار والتضحية في مراحل حياتهم السابقة. يقع هذا الدارفي منطقة فيرفيلد ويحتوي على خمسين وحدة سكنية. وكانت التكلفة الإجمالية لتشييدها، مبلغ  14 مليون دولار استرالي.
-افتتاح قاعة البطريرك مار دنخا الرابع: لم ينسَ المطربوليت الشابّ شباب أبرشيته وجاليته فشيد قاعة رياضية أطلق عليها  قاعة قداسة البطريرك مار دنخا الرابع للأنشطة الرياضية والمدرسية؛ حيث جرى افتتاحها من قبل قداسة البطريرك مار دنخا الرابع وغبطة المطران مار ميّلس زيّا.
-افتتاح مكتبة المطران مار ميّلس زيّا، وايمانًا من سيادته بأن الكتاب خير صديق ومعين للإنسان خصص غبطته قاعة كبيرة الحجم في مدرسة مار نرساي لتكون مكتبة يرجع إليها الطلبة  وإلى كتبها المتنوعة المضامين واللغات، لنهل المعارف والثقافة.  وتم تزويد المكتبة باجهزة كوميبوتر حديثة موصولة بالانترنيت،  لتغدو هذه المكتبة مركزًا ثقافيًا ورقيًا والكترونيًا، يعمل على بناء شخصية الطلبة الثقافية والعلمية، وزرع الإلهام والمهارات المكتبية والمعرفية، وهكذا ساهم صاحب السيادة مار مّيلس  في تشجيع الطلاب على  القراءة والنهل من معارفها وحكمة كتابها. .
-نصب الشهداء في سيدني، إذ افتتح غبطته،  نصبًا يخلد الشهداء الاشوريين تحت تسمية ASSYRIAN LEVIES – ANZAC  في حدائق منطقة فيرفيلد.
-كما قدم سيادته العديد من المحاضرات والندوات وأجرى العديد من المقابلات الأذاعية والتلفزيونية.
وعرف عن غبطته بأنه لا يرد سائلاً، يسند الفقراء والمحتاجين، ناهيك عن زيارات سيادته إلى المرضى وتفقد عوائل الأبرشية بشكل متواصل، ولم يغب عن فكر سيادته واعماله الإنسانية بلدنا الام  العراق والبلدان المجاورة (محطات الإنتظار) إذ لم ينسَ سيادته المهجرين.
-تأسيس مجلة (بيث كوخي) التي تعد لسان حال كنيسة المشرق الآشورية في استراليا ونيوزيلاند ولبنان، وقد اختار سيادته الشمّاس سامي القس شمعون المحترم  رئيسًا للتحرير وأختار الأشخاص المناسبين للعمل فيها، فخرجت بحلتها الأولى في عيد القيامة المجيد لسنة 2012، فكانت غنية بمواضيعها ومحتوياتها.
كما اوعز غبطته بالمباشرة لكاتب هذه السطور وإلى الشمّاس سامي القس شمعون  إلى تقديم برنامجًا اذاعيًا عبر اثير اذاعة صوت المحبة المارونية كل يوم ثلاثاء الساعة الرابعة عصرًا.... يبث البرنامج عبر الموجة AM 1701 وستُخصص ساعتان في الأسبوع ليبث من خلالها برامجًا باللغة الأرامية-الاشورية والانكليزية في الاذاعة المذكورة اعلاه. وسوف تستضيف أذاعة صوت المحبة غبطته يوم الثلاثاء الموافق 28/8/2012 في الساعة العاشرة والنصف صباحًا في برنامج (يا هلا بالضيف).
- الإحتفال بالذبيحة الإلهية للناطقين باللغة العربية وفق طقس كنيسة المشرق الآشورية كل يوم جمعة السادسة والنصف مساءً.
وقد اوعز سيادته لبناء كنيسة القديسين بطرس وبولس، وتأسيس الدورة اللاهوتية، وأفتتاح المدرسة الكروية التي سيشرف عليها الكابتن القدير سعدي توما....لتفعيل دور شبيبة الجالية في بلاد الإغتراب واكتشاف مواهبهم الكروية واعطائهم حضورًا متميزًا فعالاً وتنافسيًا وسط المجتمع  الرياضي الاسترالي.
اخيرًا وليس اخرًا : نود ان نحيط القارئ الكريم علمًا أن كنيسة المشرق الاشورية وتحديدًا في سيدني تُدير برنامجًا ثقافيًا، روحيًا  قائمًا على الكرازة والتعليم والتثقيف الروحي والطقسي والتنشئة الإنسانية .... بواسطة منافذها الكنيسة ومؤسساتها الثقافية ومدارسها التربوية المقدمة عبر 4500 ساعة سنوية، حتّى غدت الكنيسة امًا روحية فعالة في نشر كلمة الإنجيل  في الأفق.

                                       هذا غيض من فيض...

ملاحظة: هذه الكلمة هي مُقتطفات من كتاب (المطرابوليت الحكيم) مار ميّلس زيّا ( للأب يوسف جزراوي والشمّاس سامي القس شمعون) قريبًا بعون الرب.

9
أملي أن تكون غوته العراق في المانيا
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني

في سفرة سريعة الى مدينة فرانكفورت الالمانية الجميلة بمحطتها المشهورة وكنائسها العتيقة وبعض ابنيتها القديمة التي حافظ الالمان عليها رغم الحرب الطاحنة. وفي مقهي مجاور للمحطة كنتُ على موعدٍ مع صديقٍ لم اره منذ سنوات، التقينا ورحنا نُقلب دفاتر السنين بحلوها ومرها، تارة نضحك وتارة أخرى نتحسر على ايامنا البغدادية الجميلة التي ذهبت بلا رجعة! طلبتُ منه ان يقودني إلى بيت الشاعر الالماني الإنساني غوته. وافق الرجل على مضض لانه بعد ساعات يجب أن يتركني ليلتحق بعملهِ.
غوته بالنسبة إلى الألمان كشسبير بالنسبة إلى الأنكليز، ولكن يبقى غوته أحب الشخصيات الأدبية الغربية إلى قلبي..... ونحن في الطريق الى المتحف لم أعد أرى السيارات المارة أمامي، وأنما مرت أمام عيني رواية (آلام فرتر)؛ ونقلتني ذاكرتي إلى أيام تنشئتي الكهنوتية في المعهد الكهنوتي البطريركي ببغداد، إذ قرأت له روايته الرومانسية الحزينة (آلام فرتر)؛ كانت دموعي تهطل، وحزن يراودني كلما تعمقت في قراءة الرواية، فقد تأثرت بها جدًا. فلم تكن ألام فرتر سوى ألام غوته نفسه!
أضعنا الطريق بسبب الـ navigation ، كنتُ سارحًا في تذكر أحداث الرواية، قاطع صديقي مسلسل ذكرياتي، عندما قال: "يا أبانا يوسف، تركت كل معالم فرانكفورت لتذهب إلى زيارة بيت غوته الذي اصبح الان حفنة تُراب؟ ومن هو غوته؟!".
ضحكت والغصة في قلبي، ثم قلت له: غوته لا يموت، وأضفت: ألا يحلو لك احيانًا أن تذهب إلى أماكن حبّك الأول؟ أجاب نعم، ولكن في بغداد وليس في فرانكفورت!
قلتُ له: وغوته حُبي الأدبي الأول، وروايته( آلام فرتر) هي أول رواية كنتُ قد قرأتها أيام دراستي الفلسفية.
نزلنا من السيارة وبدأنا بالسير وسط الزحام، ودخلنا المبنى، المكان به بعض الزوار! الوجوه متنوعة من جميع إنحاء العالم.... وأنا أدفع ثمن تذكرة الدخول لقاطع التذاكر، همست في سري: كيف حولت الحكومة الألمانية هذا البيت الى متحف عريق وانيق يحج اليه مُحبي غوته من كل فج عميق، وكيف نحن نُصدر متاحفنا وتراثنا واثارنا لبلدان الغرب.....!
مرت الدقائق بسرعة وحثني صديقي على المغادرة لانه على موعد مع العمل..... خرجنا دون أن استذوق المكان واكتشف كنوزه جيدًا.....
مضت الأيام وطلبت من أحد الشعراء الأصدقاء الذي كان أحد ابناء الرعية التي كنتُ أخدمها في الشام أن يصطحبني إلى متحف غوته. وافق صاحبنا وذهبنا إلى هناك، دون صعوبات وازدحامات الطرق! وكأنه قد آلف الطريق اليه! قلت له: من المؤكد انك تعرف من هو غوته، وقد قرأت له، وتحبه إلى هذا الحد الكبير.... بحيث آلفت الدروب إلى متحفه؟!
صمت الرجل وابتسم، وادركت أن في صمته وابتسامته سرًا! وحين وصلنا المتحف لاحظت شيئًا غريبًا لم الحظه في المرة السابقة، ألا وهو: إنَّ المتحف في مكان وفي الرصيف الذي أمامه (كازينو- بار). حينها نظرت إليه والتقت عيني بعينه فانفجرنا ضحكًا! وقلت له: الآن علمت كيف تعلمت الوصول إلى هنا..... ضحك صاحبي وقال بلهجتنا العراقية الجميلة:( أنتم قسان هل وكت ما يعبر عليكم شيء).
رغم الضحك لكنّني أخفيت ألمي في داخلي، لأن سرّ الزحام كان سببه توافد الكثير من السياح إلى البار وليس إلى غوته!!
بيت أو متحف غوته أشبه بمعظم المتاحف التي زرتها، ولكن صاحب المتحف (غوته) ليس ككل الأدباء والشعراء. غوته كعطاء الشمعة التي تستشهد دونما انقطاع، فتنير وتدفيء وتلهب وتتوهج ..... وأنا من المؤمنين أنَّ قيمة الإنسان تكمن في العطاء، ووزنه بثقل ونوعية عطائه.
غوته موسوعة ابداع، لا يمكن حصر ابداعه. كتبَ في مجالات كثيرة بعيدًا عن الأدب والشعر، حيث كتب عن الموسيقى، الفن الذي يستهويني. وقد قال لنا الدليل في المتحف أن غوته كلما واجهته الصعاب وكثرت عليه الأحزان ازداد اهتمامه بالموسيقى.... !
اتعلمون أن غوته العبقري كتبَ إحدى مقطوعات موزارد الموسيقية شعرًا! ولو كان على قيد الحياة اليوم لقلت له: أن جيوفاني Giovinni Marrdiهو الأفضل والأعظم موسيقيًا حسب رأيي المتواضع.
إنَّ ما لفت أنتباهي في المتحف المكتبة الكبيرة، والمرآة العتيقة، وقفت أمامها متـأملاً.... وقلت للذي كان معي: لقد رحل غوته عن دنيانا وبقيت المرآة.... يا لغرابة الحياة!
حينها نطق صاحبي الشاعر وقال: لقد صدق غوته في روايته فاوست بقوله:" صداقات أهل الفكر معدومة لدينا، فاذا وجدت فأن كل منّا يستعملها معولاً لتدمير صاحبه". واضاف صاحبنا الشاعر: لقد دمرتني يا أبانا، لنرحل نحن أيضًا وليبقَ غوته. ابتسمت في وجهه وكان له ما يريد....
غادرنا المتحف وذهب الرجل عابرًا إلى الرصيف الثاني بعد أن دلني الطريق المؤدية إلى محطة الباص لأنه على موعدٍ مع حبيبته في البار.... ابتسمت وقلت له: تذكر يا فلان ..... أن غوته كان شاعرًا ومن رواد البار وأن أول فتاة احبها كانت فتاة بار!
لذا املي أن تكون غوته العراق في المانيا.... فانفجرنا ضحكًا.... وذهب كل منا إلى وجهته.
[/b]

10
[size=16pt
]الأب جميل نيسان السناطي كاهن القرن الجميل
من كتيب (الأب جميل نيسان السناطي شمس لا تعرف الغروب) سيدني 2012
للأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني

استهل كلمتي هذه بصلاة  للأب جميل نيسان كتبها بمناسبة يوبيله الكهنوتي وأمنياته الثلاثة التي لم تتحقق بحسب قول الأب جميل.... واختم كلمتي هذه  بامنية تمنيتها وهي ايضا لم تتحقق!

صلاة اليوبيل الخمسيني للأب الفاضل جميل نيسان السناطي

خمسون سنة، عبرت كلها بايامها ولياليها، مضت واختفت في بحر الماضي. خمسون سنة مرت عليّ وانا كاهن، مكرس لك يارب وحدك. اسألك بحق آلوهيتك العجيبة، وانسانيتك الغريبة، اسألك انت الذي دعوتني، وسمحت لي ان اصبح كاهناً لك، اسألك، ما الذي رأيته فيّ؟! ماذا عملت لك من خير وصلاح؟! ماذا استفدت مني يارب! وعدتك ان اعيش لك واحياك في كياني، ولكن لم اكن وفياً بوعدي، ولم تجنِ انت مني إلا الضعف والخطيئة – الظاهر انك تحب معاشرة الخطأة والضعفاء!
كرستني يارب لاوزع وأمنح اسرارك بطهر ونقاء، تجاسرت كثيراً وتماديت في توزيعها بغير استحقاق. وانت ساكت، وانت باقٍ، وانت حاضر في عملي هذا الغير النظيف، حاضر في خطيئتي، مرافق لضعفي، مطيع لي. انك لإله غريب عجيب.
ذبيحتك، يارب، كلَّ يوم ارفعها من على مذبحك، بيديّ هاتين، اللتين لا تليقان بك، وهذه 19 الف 941 مرة رفعتك فوق المذبح؛ ولا مرة وبختني، او نصحتني، ان امتنع، ان اتوقف، لا لم تقل لي شيئاً، بل كنت صامتاً، صبوراً، غفوراً، طيباً، لا بل كنت مشجعاً لي ان استمر على رفعك، على ذبحك فوق المذبح.... انك لإله غريب عجيب!
اسمعك الآن، وبعد هذه المسيرة التعبة والمتعبة، اسمعك تقول لي مبتسماً، لقد تعلمتُ الكثير منك! ماذا تقول؟! انت تعلمت مني الكثير!- نعم لقد تعلمتُ منك شيئاً لم اجده في السماء. تعلمتُ منك، كيف يكون الضعف، وكيف تكون الخطيئة، وكيفية معالجتها، درستهما جيداً فيك، وقدمتهما في اطروحتي، في عملي، في رسالتي المعنونة "الفداء" قدمتها الى ابي، فرح بها وتعجب منها، فاخذت عليها درجة امتياز بتفوق... انت مشروعي الخلاصي... اسكت وواصل فانا قبلتك وسأقبلك كيفما انت وكيفما تكون، انا المسؤول عنك امام ابي. قلت له، شكراً لك، بالحقيقة انك إله عجيب غريب.
القس جميل نيسان السناطي
29/6/2012


امنياتٍ ثلاثة تمنيتها منذ صغري(الأب جميل نيسان)، عاشت معي، وعششت في كياني، وعشت معها ولها:
الاولى : ان ارى كنيستي المشرقية، الاولى بين الكنائس، بايمانها وروحانيتها وخدماتها المسيحية والانسانية.
الثانية : ان ارى وطني العراق في مقدمة الاوطان، بتطوره وتقدمه ورقيه، في جميع مجالات الحياة؛ وأن يكون ملاذاً آمناً لابنائه قبل الغرباء.
الثالثة : أن أرى شعبي العراقي أسعد وأرقى الشعوب، ينعم بالأمان والسلام والرفاه والتآخي، يواكب مسيرة العلم والحضارة بعقلية متفتحة.
وعلى هامش هذه الأمنيات، التي ومع الأسف، لم تتحقق ولا واحدة منها.... وبعد أن كبرت واخذت افكر بالتقاعد، تمنيت امنية شخصية، وهي : ان يكون لي بيتاً صغيراً، ولو غرفة واحدة لأعيش فيها البقية القليلة الباقية من عمري، دون أن اكون ثقلاً او عالة على أحد.... وهذه ايضاً لم تتحقق، ولا اقدر ان احققها. أومل ان تتحقق هذه الامنيات في السماء، في الحياة الابدية... هذا اذا ما قبلني يسوع في السماء. وشكراً.


آباء تخرجوا من خورنة الصعود في عهد الاب جميل نيسان
1.   الأب سمير ادور 11/ 1/ 1991
2.   الأب صلاح خدور 29/ 6/ 1996
3.   الأب بطرس (عدي) لورنس 23/ 4/1999
4.   الأب نوزت بطرس 29/ 6/ 1999
5.   الأب سعد سيروب 13/ 10/ 2001
6.   الأب مدحت اسحق 30/ 4/ 2004
7.   الأب زيد عادل حبابه 19/ 9/ 2004
8.   الأب يوسف (عدي) نبيل جزراوي 21/ 12/2004
9.   الأب يوسف خالد 15/ 9/ 2007
10.الأب مهند طويل الدومنيكي 16/ 2/ 2008 – في فرنسا
11.الأب أمير ميخائيل 13/ 8/ 2010
وأملي أن ارى أخي العزيز مازن حنّا(حاليا يدرس في روما) أن يكون تسلسله الثاني عشر ضمن الكوكبة التي تخرجت من يد الأب جميل نيسان.



كلمة وفاء
   اتذكر ذات يوم عندما أنتقل والدي رحمه الله سنة 1994 إلى دار البقاء، وبينما كنا نبكي انا واخي الكبير بشّار امام نعش المرحوم والدي في باحة كنيسة الصعود، جاء الأب جميل وقال لي:" أنا ابوك..." وكان يتفقد العائلة ويسندنا ويزورنا ويوجهنا. كان الأب والكاهن  ولا يزال نَعَم الأب، ولتأثري به دخلت المعهد الكهنوتي القسم التحضيري في حي الشمّاسية في منطقة الصليخ، بعد أن قدمني للمعهد البطريركي المذكور في 25/9/1995 في عهد إدارة القس الفاضل فوزي ابرو.
وقبل بضعة اسابيع من رسامتي الكهنوتية واقتبالي نعمة الكهنوت، قصد بيتنا الأب جميل نيسان، وكانت الدموع تنهمر من عيون والدتي الغالية، فسائل الأب جميل:" لماذا تبكين يا أمّ بشّار؟!".
فاجابت والدتي: كم تمنيت ان يكون المرحوم والده على قيد الحياة لكان عمل  له افضل ما يكون ويشاركنا الفرحة. فقال الأب جميل: "انه ابني وتلميذي وابن رعيتي .... انا عوضًا عن والده....". وبالفعل ففي يوم رسامتي الكهنوتية وبينما كان غبطة بطريرك الكلدان يهم ليلبسني حلة الكهنوت الا وافاجئ بأن الأب الفاضل جميل نيسان يعتلي مذبح كنيسة مار يوسف/كرادة خارج ويُلبسني حلة الكهنوت عوضًا عن غبطة البطريرك ويُقبلني من خدي الأيسر.(وهمس في اذني بصوت تخنقه دموع دفينة: مبروك ابونا يوسف.... انت كدها).
ولن انسى ما حييت الكلمة المؤثرة التي القاها في قداسي الأول الذي احتفلت به في كنيسة الصعود عصر يوم 21/12/2004 وسط الانفلات الامني الذي كان انذاك في العراق، ولن انسى ايضًا الحفل الذي اقامه لي مع عائلتي في قاعة كنيسة الصعود بحضور ابي الروحي الأب بطرس حدّاد رحمه الله  والأب العزيز زيد عادل حبابة وغيرهما من الكهنة وطلبة المعهد الكهنوتي وابناء كنيسة الصعود الأعزاء، هذه الكنيسة التي احببتها ولا زالت احبها بكل جوارحي.
    قديس حي في زماننا يعيش بيننا ويخدمنا بفرح وحبّ. طيب بشكل يعجز القلم عن وصف طيبته وعمق إنسانيته وروحيته.هادى الطباع، تواضعه يلفت الانتباه، ويجذب الانظار. صليت كثيرًا إلى جانبه، وتذوقت طيبة الله في سلوكه ولمست في خدمته الكهنوتية معي ومع الآخرين حضور السيّد المسيح. تبهرني بساطته ومواعظه، فمواعظه كحلاوة العسل حتّى وان طالت! كتوم للغاية، يخدم ويساعد بسخاء ولكن بالخفاء، لا يكل ولا يمل من الخدمة، ولم يتقاعس يومًا  في خدمته للمؤمنين، حتّى عندما يكون طريح الفراش.
إنه  الأب الفاضل جميل نيسان السناطي الذي نحتفل اليوم بذكرى رسامته الكهنوتية الخمسين(اليوبيل الذهبي) في سيدني. إنه ابي الروحي وكاهني ومثالي ومعلمي ومرشدي.
الأب جميل نيسان اشهر من نار على علم، يعرفه القاصي والداني، كاهن إنساني- روحاني-مثقف، طيب القلب، حكيم، جريئ، خدوم، صاحب مبدأ وموقف، يقول كلمته بشكل مباشر، يده ممدودة لمساعدة الجميع، يعلّم ويرشد ويخدم بحب كبير وقلب اكبر.... يعد الأب جميل اكثر الكهنة الذين قدموا ورشحوا التلاميذ إلى الكهنوت(جميعهم من كنيسة الصعود) وكاتب هذه السطور تسلسله الثامن.
خمسون عامًا والأب جميل نيسان يقول نعم للرب على غرار امنا مريم من خلال خدمته الكهنوتية في زاخو ودهوك وروما وبغداد، لاسيما في بغداد بحيث كان يخدم في كنيسة يزيد عدد عوائلها عن 5 الاف عائلة متوزعة في مناطق متباعدة عن بعضها. يزورهم، ويقيم الصلوات والقداديس،ويمنح الأسرار الكنسية. واذكر للتاريخ، فلكل ساقطة لاقطة: كان الاب جميل نيسان يذهب للصلاة على الموتى في المقبرة (طريق بعقوبة) في شدة الانفلات الامني بعد 2004،أما عن مخاطر الطريق فحدث بلا حرج.إنه الكاهن المُعزي والمُضحي.
الأب جميل نيسان شمعة كانت ولا تزال تشتعل ووتوهج لتُضيئ دروب الاخرين، والشمعة لا تفقد نورها حينما تضيئ بنورها الشموع الأخرى.
كم وكم واجهت هذه الشمعة من رياح سعت لإطفائها، ولكن هيهات، إذ من إتكل على الرب لم ولن يخسر أبدًا، بل سينال النعم والبركات. والأب جميل كما كنا نناديه في كنيسة الصعود(ابونا جمولي) كان وسيكون وسيبقى حبيب الجماهير. فلهذا الكاهن بصمة واثر وذكر حسن يتركه في كل مكان ،كما له وقع موثر في نفس كل إنسان يصادفه في دروب الحياة.
يُساعد الناس ويُصلي ويخدم ويدير كنيسته من عمق قلبه الأبيض النابض بعفوية الينبوع والورد. وبفضل المشاريع العمرانية والخدمات الروحية التي اقامها في كنيسة الصعود، غدت الكنيسة مؤسسة روحيّة، ثقافيّة، تعليمية. وهو من اوائل الكهنة مع الأب يوسف حبّي رحمه الله اسس المجالس الخورنية في كنائس بغداد، إذ أن ابينا الفاضل يؤمن بالعمل الجماعي، والكاهن الناجح هو الذي يؤسس كوادر عمل.... وكلنا يعلم كيف كانت كنيسة الصعود قبلة الكنائس في بغداد ولا تزال.
يقيس الأمور والأشخاص والأحداث بميزان ضميره الحي. هذه الفضائل والميزات غدت كقدمين يسير بهما  الأب جميل نحو الآخرين،  لتبث السعادة في النفوس وتزرع النور في دروب الناس.
فساعدني يا قلمي كي يأتي الشكر والعرفان بالجميل للأب جميل الذي كان وجهًا جميلاً لكاهننا الأمثل يسوع المسيح.
شكرًا لك يا ربّ لأنك منحتنا كاهنًا غيورًا، خادمًا امينًا يُدعى الأب جميل نيسان. كاهن وقديس القرن.
    خمسون عامًا.... كاهن القرن..... 20 الف قداس.... وخدمات روحية وإنسانية لا تُحصى. كنت خلالها ولا تزال الراعي والأب الصالح.
الف شكر لك يا أبي الروحي على كل ما قدمته لي شخصيًا ولكل اخوتي الكهنة لاسيما الذيت تخرجوا من تحت يديك المباركتين وخدمتك لجميع المؤمنين خلال خمسين عامًا من التضحية والعطاء الكهنوتي والإنساني. لقد كنت ولا تزال شمسًا مشرقة لكل إنسان صادفته في دروب الحياة المُتعبة. لقد علمتني الكثير ولا زلت اتعلم من فضائلك.... فحياتك وخدمتك مثال يحتذى به.
يوبيلك الذهبي  عصارة خمسون عامًا من العطاء، إنّها عصارة ذات عطر وبخور.

وفي الختام اذهب لأقول:
ابتي جميل كان لك أمنيات ثلاثة تمنيتها ولم تتحقق
وهكذا كان حال تلميذك الأب يوسف جزراوي، فلقد تمنيت أمنية لم تتحقق أيضًا الا وهي:
كم تمنيت أن ارى الآباء يوسف حَبّي وبطرس حدّاد وجميل نيسان اساقفة....ولكن....!
نعم أنكم لم تحملوا الصليب الذهب على صدوركم، بل حملتم على اكتافكم الصلبان الخشبية، وكنتم خير مثال لكاهننا الأمثل الذي حمل صليبنا بفرح وهو حافي القدمين.
وسيبقى الآباء حَبّي وحدّاد وجميل شمس لم ولن تعرف الغروب.
اطال الله بعمرك.... ودمت لنا ابًا ومعلمًا.

ابنك وتلميذك ومحبك دومًا
الأب يوسف جزراوي
سيدني 1/8/2012[/size]



11
بين لعنة الله عليه وعنترة وسياسة البسطال
من كتاب (افكار وتأمُّلات من تُراب)....قريبًا بعون الرب.

الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني


      معظم رؤسائنا العرب لديهم مشكلة في التعاطي مع الغرب واسوق لكم مثالاً عن اسلوب تعاطي أحد الرؤساء العرب مع الغرب وتقليده لهم كنت قد طالعته في احد الكتب التي سقطت من ذاكرتي. إذ كان ولعه بالاقتباس الأعمى من الغرب بشكل لا يعرف الحدود. إذ أنه قرر ذات يوم إلغاء وظيفة "وزير الإعلام" في بلده لأنه لم يشاهد وزيرًا للإعلام في بريطانيا أو فرنسا أو أميركا - وكانت التجربة قصيرة العمر بطبيعة الحال. وهدد ذات يوم نائبًا قاطع حديثه، بأنه سيقترح على مجلس الشعب إنشاء "لجنة للقيم" كالتي شاهدها في الكونغرس الأميركي، وكان يتصور أن مهمة هذه اللجنة مُعاقبة المُعارضين "المُشاغبين" من النواب! وإنه مُعجب إعجابًا شديدًا بعادة الأميركيين في وضع أقدامهم على مكاتبهم! هكذا قلد وأعجب بابغض العادات التي يقرفها الأمريكان!!
 لقد أعجبه كثيرًا وضع الرجل على المكاتب، لكن لم تعجبه قوانين حقوق الإنسان وقوانين تعدد الاحزاب والحرية المسؤولة في التعبير عن الرأي في امريكا والغرب. قلّد الأمور السلبية فقط. لقد أحب الإنفتاح والتقليد، لكن ليس الإنفتاح السياسي والإجتماعي والثقافي والتعليمي.... فقد كان إنفتاحًا ديكتاتوريًا، فأول عمل قام به هو زج مُثقفي بلاده في السجون لأنهم إنتقدوه وخالفوه الرأي!! اخذ سلبيات الغرب ولم يتعلم احترام حرية شعبه والصوت المعارض وإنسانية الإنسان في بلده.
 شعوبنا تطالب بتغيير الحكام، ولكن هل هذا التغيير مدروس، بحيث لا تصيب بلداننا الفوضى والتسيب....هل الغاية هي ازالة اشخاص وتبديل الوجه فقط.....أم الغاية هي تجديد الاستراتجية للسلطة السياسية الحاكمة للبلد؟!
 إنَّ حدوث التغيير السياسي وشيوع الديمقراطية في الشرق الاوسط مُرتبط بحدوث تغير في العقلية الشرقية لمفهوم السلطة، من خلال تبدل المفهوم من ثقافة المناصب إلى ثقافة الخدمة.
أن عقل الإنسان الشرقي مخطوف وممنوع من التفكير او النقاش او النقد والتعبير عن الرأي بصوت عالٍ، الأفواه مُلجمة، والصوت مُفحم، ولذلك إنساننا بحاجة الى زلزال ليخلخل ترسبات الخوف التي اشاعها حكامنا في النفوس والعقول.
 لم ازر الهند ولا الصين ولكنني قرأت عنهما الكثير وعن غيرهما من البلدان فخرجت بقناعة أن هناك دولاً اكثر نجاحًا وتقدمًا في الشرق الأوسط من بلداننا العربية! على الرغم من أن نسبة عالية منهم تعيش تحت خط الفقر! وربما يعلم مُعظم المهاجرين الساكنين في اوربا واستراليا كيف أن الهندي او الصيني يتأقلم بسهولة مع البلد الجديد الذي يعيش فيه وكيف يكون له بصمة مؤثرة، والسبب وفق تصوري الشخصي يعود إلى أمر بسيط ألا وهو: التوجه الفكري لهذين البلدين، فمثلاً انك ترى الهندي أو الصيني في بلده، وهو على الرصيف او اشارة الضوء يتسول من الناس، تجده سعيدًا ويحب الحياة(حسب ما قرأت عنهم في الكتب او شاهدته في الأفلام). بينما نحن نشاهد الرجل الشرقي الغني في بلداننا لا يعرف كيف يعيش بفرح، كيف يؤنق نفسه ويقاسم الاخرين فرحه وغناه (ليس الجميع، فأنا ضد التعميم)، كيف يكتشف الحياة، عبوس ومتجهم ولا يعرف غير الأحزان والانفعال، وبعض الفقراء (ليس الجميع ايضًا) ما أن يغتني الواحد منهم حتى تراه ينظر إلى الآخرين من برجه العاجي نظرة فوقية، أو يفكّر كيف سيبعثر نقوده....في امور قد تبعده عن حقيقته كانسان، لأنه يقلد حاكمه.... فيصبح (سي السيّد) في البيت والعمل والشارع.... كما هو حال الحاكم العربي (سي السيّد) على شعبه. الا تتفقون معي اننا نادرًا ما نجد حاكمًا عربيًا يبتسم ويمزح، لكل منهم برستيجه  ومزاجه الذي يجعله في وادٍ بعيد عن شعبه.
 نعاني من مشكلة بسبب حكامنا العرب وهي الترهل الفكري، لذا لدينا ازمة في توجهنا الفكري الذي قادنا الى تصحر اعماقنا واضعف ابصارنا، فلم نعد نرى الأمور كما هي بل كما يصوروها لنا عبر وسائل الاعلام الحكومية، فجعلنا من الهزيمة مجرد نكسة، ومن الفشل .... سوء حظ، ومن الصمت حكمة تبعد عنا الملاحقات الأمنية!
 مُعظم حكامنا العرب اهتموا ببناء السلطة الأمنية القوية التي تضرب بيد من حديد، وهذه السياسة خلقت اسوار وحصون بين الحكام وبين شعوبهم في وقت أن الناس كانت بأمس الحاجة الى حاكم بسيط مثقف، انساني، اداري، منهجي، يهتم بتثقيف شعبه ويسعى لتوفير فرص عمل للشباب وبناء دولة الإنسان (دولة البشر لا دولة الحجر وعنتريات السلطان وحاشيته). واليوم بلداننا بحاجة ماسة إلى تنمية اقتصادية ومناهج تربوية تبشر بثقافة حبّ الحياة وأحترام الآخر المختلف لكن اختلافه لا يعني خلافًا، لأن الأختلاف غنى وبناء وتكامل. ومن هو هذا الآخر المُختلف عني؟ أنه شريك لي في الإيمان بالله والوطن واخ في الإنسانية، متى كان لدينا حكام يحكمون وفق هذا المنطق، انذاك ستتحول ثقافتنا من ثقافة الدولة، إلى ثقافة البلدان الحديثة المُعاصرة في سياستها وتعليمها واعلامها، فتزول من الهوية العربية مُصطلحات (العشيرة، القومية، الطائفة، الدين) لأن إنتماء المواطن سيكون لبلده اولا وليس للحكام والقومية والدين والعشيرة والطائفة.
حكامنا يتغنون بالديمقراطية والعمل الجماعي والحرية (وكأنها منة لشعوبهم) ولكن الحرية الشخصية الحقيقية يجب أن تكون بلا وصاية من الدولة واجهزتها الأمنية والسياسية.....
 ولعلي اضع يدي على الجرح بقولي: إن عقول معظم حكامنا العرب وحاشيتهم في بلداننا تحتاج الى اعادة تركيب وفق منظور حديث، يعي مرحلته ويبتعد عن عالم الاساطير التي حكمتها المؤسسة السياسية والأمنية.....
 نحتاج الى جهد جهيد، لتحطيم هذه السياسات التي نشأنا عليها عقودًا من الزمن واصبحت بمثابة قناعة خاطئة مُتجسدة في سلوك يُعقد حياة الإنسان الشرقي  ويملأه بالعقد والمخاوف....
قال الشاعر السوري العربي الأكبر نزار قباني: "الشعب مثل الطفل الصغير يرضى بقطعة حلوى"، ورسم صورة الحاكم العربي في قصيدته (عنترة)، وحذا حذوه الشاعر اللبناني العربي الكبير شربل بعيني في رائعته: قصيدة (لعنة الله علينا).
نعم نحن كشعوب قبلنا بسياسة الصمت امام عنترة بلدنا وسياسة (البوت – البسطال العسكري)، وكان الكثيرون منا يهتفون امام (عنترة) القائد المفدى(يعيش.. يعيش) وفي اعماقهم يهمسون (لعنة الله عليه)! وبسبب سياسة معظم حكامنا العرب (سياسة فرق تسد... ناهيك عن سياسة التمييز الطائفي والعشائري...) بتنا في وضع لا يتقبل الآخر بسهولة، فصار لدينا مخاوف من الإنفتاح على الآخرين خوفًا من وشايتهم علينا، فاغتيلت فينا قناعة النطق بكلمة حق.
حكامنا يوفرون الأمن لكنهم لا يمنحون شعوبهم الأمان، يطالبون شعبوهم بان يكونوا شعوبًا موحدة، ونحن حاجتنا إلى شعب واحد وليس إلى شعب موحد. لقد فقدنا السلام ليس في بلداننا والمنطقة بل في اعماقنا! تطلعوا إلى خطابات معظم حكامنا العرب ستجدونها مليئة بالعنتريات والصراخ والإنفعال.. لذلك نرى  مُعظم الناس متوترين كنمور مفترسة أو نراهم لا يعرفون الحديث بهدوء وشفافية، حتّى وان نطقوا بكلمة حق نطقوها بعصبية وصوت مرتفع..... لأنهم باتوا نسخة عن حكامهم، وحكامنا ربما لا يستمعون إلى الموسيقى، لأن الموسيقى هي روحُ الحياة ، لغةُ الحبِّ والاحساسْ والحوار ..
يقول غوستاف لوبون في كتابه الشهير (سايكولوجية الشعوب:) "الشعوب مثل الأكواب، تستطيع أن تملأها بالخل أو أن تملأها بالزيت"، لكنني لستُ متفقًا مع هذا الطرح، لأن إنساننا اكثر من عقل تملأه معلومات، ومخيلة تتزاحم فيها الأحلام او كوب تملأه بالزيت أو صحن تملأه بالحساء.... لدى إنساننا طاقات جبارة، على حكامنا ان يحتضنوها وينموها ويستثمروها لخير بلداننا وخير الإنسانية جمعاء، أنذاك سوف نصبح مسكونين بالإنسانية.
 علينا ان نتعلم أن نقول لا، وأن نعي ماذا نريد! وان لا نبدل وجوه حكامنا وحسب، بل ثقافة ومنهجية أدارتهم للإنسان في بلداننا....





 

12
لماذا.....؟!
من كتاب (أفكار وتأمُّلات من تُراب).... قريبًا بعون الرب

الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية/سيدني


 ويل لإنسان مزقته الإزدواجية، إنسان ينتقد الغرب وهو يقلده  وقد هاجر اليه، بل كلّ شيء يستورده من عنده! ويل لإنسان يلبس مما لا ينتج ويأكل مما لا يزرع ويشرب مما لا يعصر.وويل لشعب لا يرفع صوته الا إذا مشى في جنازة، ولا يفخر الا بماضيه ولا يثور الا وعنقه بين مقصلة الإعدام. ويل لشعب منقسم ومُقسم إلى اجزاء وكلّ جزء يحسب نفسه دولة. ولا أتعس من إنسان يُقبل يد رئيسه وفي ظهره يطعنه الف طعنة ويتشكى منه ويثرثر عليه!
إنَّ العالم الغربي مليء بالسلبيات وهو يعترف بذلك، لكننا مليئون بالسلبيات، إلا أننا لا نعترف بذلك! وهذا هو سرّ تفوق الغرب وسرّ تقهقرنا.
       أسئلة مهمة  تراودني دومًا: لماذا مُستشفياتهم أفضل من مستشفياتنا؟ لماذا جامعاتهم اقوى علميًا ودراسيًا من جامعاتنا؟ لماذا هم يغزون الفضاء ونحن نغزوا اشقاءنا؟ لماذا هم يناقشون المستقبل وما سيحدث بعد 50عامًا ونحن متوحلون في ماضينا  لنسجل اهدافًا ضد بعضنا بعضًا؟ لماذا هم يستطيعون ان يدخلوا عشر دول أوروبية دون حدود وأسوار ونقاط تفتيش وبهوية عادية ونحن نمكث على حدود دولنا العربية عشرات الساعات كي نحصل على تأشيرة دخول ربّما تكون إلى السجن؟! لماذا مصانعهم أفضل من مصانعنا؟ لماذا هم يصنعون الطائرة ونحن لا؟  لماذا نحن لا نثمن آثار بلدنا، ثم نزور آثارنا ومخطوطاتنا في متاحفهم؟! لماذا هم يستوردون العقول المُفكرة والنخب العلمية والرياضية والأدبية والفنية.... منّا ليطوروا بلدانهم، ونحن نستورد السلاح منهم لنقاتل بعضنا البعض ونخرب بلداننا؟! لماذا حرية الصحافة والإعلام عندهم يخافها المسؤول ونحن الصحافة والإعلام  يؤلهان المسؤول!!
لماذا الزهور تُزين بلدانهم، ونحن ندهس الزهور الطبيعية لنشم رائحة العفن  من الورود الصناعية؟! لماذا عندهم سوق مشتركة ونحن لا،  لماذا لديهم عملة مُشتركة ونحن لا، حلف مشترك ونحن لا؟ لماذا هم يحترمون حرية الحيوان وحياته ونحن سحقنا قيمة الإنسان وبات أرخص الأشياء عندنا؟!
لماذا هم يبنون لنا الجسور والقرى السياحية والمُجمعات السكنية والمدارس والجامعات والمكتبات، ونحن عندما نهاجر إلى بلدانهم نفتتح(المقاهي- الشاي خانات) أو محلات الكرزات، وننسى أو نتناسى أن نؤسس مكتبات ودور نشر ومطابع  ودورًا للموسيقى؟
لماذا هم يقصدون بلداننا، يتعلمون لغتنا، يزورون آثارنا ومواقعنا الآثرية..؟ ولماذا المستشرقون يحققون مخطوطاتنا ويتخصصون في تاريخنا؟ والبعض منّا ما أن وطأت أقدامه بلاد الغرب ليكون زبونًا للنوادي الليلية، ويهدر وقته ويخسر امواله مع مكائن القمار فيربح مرة ويخسر عشرات المرات، ومع هذا تجد الواحد منهم مثل الهر الذي يتلذذ بلعق دمه!!
والبعض منهم تجده منهمكًا في أمور سطحية تجعله أكثر سطحية وتخلفًا وفسادًا....!
 والأنكى من ذلك تراه يقضي سنوات طوال وهو لا يفقه أبسط المفرادت عن لغة البلد الذي يعيش فيه؟!  
لماذا  الغرب أخذ أفضل ما عندنا وأخذنا نحن اسوأ ما عنده؟!
 
ربما لأنهم شعوب تُقيم الوقت وتحترمه.  شعوب تعترف بالخطأ ولا تتهرب منه وتتكابر.  أما نحن نتهرب من الخطأ  والفشل، دون أن ندرس الأسباب والمسببات للنتائج الخاطئة.
الستم معي أن قلت: إن الفاشل هو الذي لا يتعلم من فشله!
إنَّ قادتنا السياسيون تعلموا على أغتيال روح الإبداع في مبدعينا....
اتعلمون أن الكاتب والموسيقي والرياضي والعالم والمعلم( وأضيفوا انتم ما تريدون) في بلداننا  هم اكثر الناس فقرًا وشقاءً وتهميشًا....
ويبقى السؤال قائمًا: لماذا؟!!
[/b][/size]

13

لسنا بحاجة إلى حكام بل إلى حكماء

من كتاب أفكار وتأمُّلات من تُراب..... للأب يوسف جزراوي

كاهن كنيسة المشرق الآشورية /سيدني
 
      إلى أين أنتهى الحال ببعض الحكام العرب؟!
حديث اليوم عن الاستعمار، والأستعمار ليس كما كان بالأمس أو كما حصل لبلدي العراق يوم غزته أمريكا، انما الاستعمار في معناه المُعاصر أن نأتي بحكام يحكمهم الأستعمار!
تغيرات كثيرة طرأت على السياسة العربية؛  شعوب غيّرت حكامها وأنظمتها! وأمام هذا التغيير أقف مُتأمّلاً مُتسائلاً كيف أن الأستعمار منذ ستينيات القرن المُنصرم نصب حكامًا على دولنا العربية وسمح  لهم بالطغيان. وكيف سمح لهم بالإغتناء من أموال وثروات  شعوبهم، وكيف هو من خطط بالامس القريب لزحزحة كراسيهم!
ما نحتاجه اليوم ليس حكامًا بل حكماء.
نحن باشد الحاجة اليوم أكثر من اي وقت مضى إلى شعوب واعية لا تصنع أصنامها ولا تهتف بحياة جلاديها. ولأن الأزمات والحروب والمصائب والكوارث تُعلّم الشعوب وتقودهم إلى إعادة تقييم أولوياتهم ومصير حياتهم. فأملي أن نتعلم ألا نضع الجلادين والطغاة على كرسي الحكم.
سقط النظام الحاكم في العراق بفعل قوة خارجية، وبالأمس شهدنا زوال انظمة عربية، وهذه المرة أزالتها لم تكن بفعل قوة خارجية، بل بفعل ثورات شعبية.
وبلداننا بعد سنوات من الدكتاتورية والتسلط والظلم والعيش بخوف وحروب وفقر، هي بأمس الحاجة اليوم إلى اعادة تأهيل نفسي وثقافي وفكري وعاطفي وسياسي لكي تستطيع التخلص من عُقد الأنظمة  الدكتاتورية  التي رزحت تحت نيرها، وكي تستطيع أيضًا نسيان الماضي الأليم والتعلم منه.
 حاجتنا اليوم إلى حكام حكماء، مُتصالحين مع الحرية وإحترام الراي الآخر، مُتصالحين مع التنوع والثقافة والجمال والحياة والحبّ والسلام الذي أفتقدناه طويلاً! كي يتمكنوا من بناء دولة حرة يحيا الإنسان فيها إنطلاقًا من مبدأ المواطنة والكفاءة واحترام تنوع الآخر وتمايزه.
صدقوني أن الأستعمار لا يأتي الا لمن يُنادي عليه، فتعلمنا أن نستبدل الطغاة والظلاّم بالغزاة. والواقع  السياسي العراقي خير مثال!
مشكلتنا لا نجيد وضع الشخص المُناسب في المكان المناسب (الكرسي المناسب). نأتي إلى الكراسي والعروش بأشخاص جُلّ همهم غسل سجلاتهم وتبيض ماضيهم والإنتفاع المادي ونفخ كروشهم، لكنهم يسودون ماضيهم أكثر وأكثر!! يأتون إلى كرسي الحكم وجيوبهم فارغة وما أن يجلسوا عليها حتّى يصبحوا من أصحاب الملايين، وكأنهم جاؤوا لينهبوا أموالنا!!
اننا نلقي على ظهر الأستعمار كل مصيبة تحل بنا: مشاكلنا، أزماتنا، فقرنا، تآخرنا، جوعنا، تفرقنا.... أن هذا التمادي في عزو كل ما فينا من تفرقة وبلبلة وأزمات وفقر .... إلى الاستعمار أو الغرب، لكن الحقيقة والواقع يقولان: ما دخل مُستعمر إلى بلد الا بدعوة من حاكمها أو شعبها.
والحكام العرب هم الذين مهدوا الطرق للمُستعمر كي يدخل بلدانهم، بما اشاعوه في نفوس شعوبهم من فقر وظلم وخوف وتفرقة وقمع للحريات ومصادرة الرأي المُعارض.
لذا قبل أن نرمي بأصابع الإتهام على الاستعمار والغرب، علينا أن نُحاسب أنفسنا لأننا  نحن من صنع الأصنام وهتفنا للجلادين ونحن أيضًا  من نفخنا عندهم العجرفة والعنتريات. نعم نحن الذين نصنع الدكتاتور ونحن من يسعى للتخلص منه. يا لها من مُفارقة! حناجرنا تصدح للقائد المُفدى في الوجه، وفي الظهر نتذمر ونشتكي، ثم نحن من يشتكي منه ونستعين بالمستعمر.
وابوح لكم بسرٍ: أعترف أن انسانيتي دفعتني للبكاء والتعاطف حين رأيت نهايات حكم بعض الحكام العرب، ويوم كانوا حكامًا بكينا منهم حدّ الألم، نعم لقد ابكوا الإنسان في بلدانهم طويلاً.
لو دامت له لما آلت لك...... لنتعلم من هذه الحكمة.
والآن حق تقرير مصيرنا بيدنا. أملي أن نتعلم من أخطاء الماضي، فنضع الحاكم الكفوء والإنساني والمثقف والمنفتح والنزيه والمعتدل.... على كرسي الحكم.
ربما سيعترض البعض ويقول: بعض الحكام لم يسيئوا لشعوبهم بانفسهم مباشرة، ولكن أساءات حاشيتهم والمقربين منهم في صنع القرار، هي التي أثرت عليهم.
وأتساءل: مَن أتى بهذه الحاشية؟! اليس الحاكم نفسه!
                     لو لم يكن الحاكم راضيًا عن سلوك حاشيته، لكان وجد حلاً أو بديلاً، ولكن صمته وتمسكه بهم، ليس له الا تفسيرين، أما لانه مقتنع ومؤيد، أو أن هناك  زلات (مآخذ) قد أخذت عليه، فلا يستطيع أبعادهم.
 وفي كلا الحالتين يكون هو المُسيء .... ولكن مثل هؤلاء القادة والحكام وأصحاب الكراسي وحاشياتهم سيكون مصيرهم إلى مزابل التاريخ، أن لم يكن اليوم فبالغد القريب.
وتبقى في داخلي بعض الأسئلة التي تقض مضجعي، وهي:
لماذا قادة الغرب السياسيون يسيرون في الشوارع كسائر الناس دون حمايات وحراسات وخوف، ونحن قادتنا مُحاطين برهط من الحراسات والحمايات ويستقلون سيارات مُصفحة ضد الرصاص؟!
لماذا قادتهم يتخلون عن كراسيهم من أدنى كبوة تحصل في برامجهم السياسية، ونحن رؤسائنا لا يتركون الكرسي ألا بانقلاب أو ثورة أو الا عندما يزورهم عزرائيل؟!
لماذا نحن العربة هي التي تقود حصان حياتنا، وهم الحصان من يقود عربة حياتهم!لماذا؟!!
ولماذا ميزانية بلدانهم المالية تُخصص لبناء البلد والإنسان وتطويره، ونحن ميزانية بلدانا المالية تذهب إلى التسليح والحرب،  والباقي منها يسوده التعتيم!
لماذا قادة الغرب قليلي الخطابات وكثيري الأفعال، ونحن حكامنا قليلي الأفعال والخدمات وكثيري الخطابات والشعارات؟!!
ربما لان شعوب  الغرب عرفت كيف تضع الشخص المناسب على كرسي الحكم، ولأن رؤساءهم والجالسين على كرسي العرش يتقبلون النقد، ويسمعون ويحترمون الرأي الآخر وأن كان مُخالفًا لطروحاتهم، فتعلموا من الأخطاء. لأن ما يهمهم المصلحة العامة للبلد وليس المصلحة والنرجسية الشخصية.  
ونحن متى سنتعلم من أخطائنا؟ الله أعلم؟!
[/color]
اخيرًا.... البون شاسع بين التغيير والتجديد.... ونحن كشعوب هل نسعى لتغيير حكامنا .... ام لتجديد انظمتنا الحاكمة، بحيث يحكم الحاكم العربي بلده بحكمة  وضمير وعدالة وإنسانية؟

14
سنين العمر Years of Life Time (من كتاب العمر) أفكار وتأمُّلات من تُراب .....قريبًا بعون الرب
 الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الآشورية في سيدني

   سنين العمر(  مقطوعة موسيقية رائعة من روائع الموسيقار  العراقي- العربي حازم فارس، جمعتني معه صداقة إنسانية وربطتني به رابطة روحية وفنية وأدبية رغم بعد المسافات  بين سيدني والشارقة، ولكن ما اقرب الحانه إلى نفسي، وكم كبير هو تاثيرها على فكري وقلمي، فتمازجت الحانه الشفافة مع افكاري وروحيتي، فكانت هذه الكلمات، التأملات، الخلجات، الأفكار... ضمن كتابي الغالي: كتاب العمر (أفكار وتأمًّلات من تُراب):

منذ سنوات طويلة كنت أحب الحياة كحبيبة، تخدعني وتؤلمني وتُفرحني حينما تشاء، أما اليوم فأصبحتُ أحبها كزوجة، اعرف عيوبها ونواقصها وحسناتها. بمعنى ان حبي للحياة صار مبنيًا على المعرفة والقبول والتقبّل، تقبّلا مُستندًا إلى الفهم والتفهم.
ولكن الحياة لا تُقاس وفق الزمن وعدد السنوات،لأن الحياة وفق تصوري الشخصي ليست بطول عدد سنينها. فما فائدة الحياة الطويلة أن لم نفعل فيها إنجازًا؟ وماذا يهمّ لو عشت عشر سنوات أو خمسين أو ثمانين، وأنت لا تفعل شيئا؟! فما أكثر الأحياء الأموات؟ ونادرون هم الأحياء الأحياء!! وقليلون هم الأموات الأحياء. أحياء، بفضل مُنجزاتهم التي صنعوها خلال مسيرة حياتهم!
في رحلة العمر، كم من افراح واحزان، آمال وآلام... وكم من جراح صادفتنا، وكم من اشخاص سقطوا من ذاكرتنا وكم ومن اشخاص اثارهم وذكراهم عششت في الذاكرة والوجدان.... ويبقى في سنين العمر آمال واحلام قد تنصدم بالالام ومنها يتحقق بالصبر والصلاة والآمال، وكم من ورقة في سجل احلامنا وذكرياتنا قد تمزقت ولكن فحواها لا تزال خالدة ومحفورة في الاعماق!
ولكل إنسان عمر زمني يُقاس بعدد السنين، وكم من سنوات في حياتنا لا نقوى على نسيانها، وكم من سنوات نود الهروب من ذكراها ولا نحبذ تذكرها أو استذكارها، وما بين جدلية عدم النسيان والنسيان.... هناك أحداث وظروف، بل اشخاص جمعتنا معهم أحداث ومواقف وذكريات لم ولن تنسى.... وتستمر عجلة الحياة وعداد العمر في تناقص، ولازال قطار العمر يمر بمحطات الزمن عبر احداث السنين، ولكن وإن سقطت اسماء بعض الأشخاص من ذاكرة دفاتر الأيام، الا أن ذكراهم واثارهم لن تسقط. وهذا هو الخلود.
وما الخلود؟ سوى ان تعيش في الوجود وتمر في حياة الآخرين في زمان ومكان وواقع حياة، فتترك أثرا فعالاً وإيجابيا في نفوس الناس وجبين الحياة، وبقدر ما يكون حجم وعمق وكثافة اثرك الايجابي، بقدر ذلك سيكون حجم خلودك، أثرًا يجعلك حيًا فيه ومن خلاله. فيه تُذكر وعليه تُشكر، وبذلك ستكون قد بلغت أوج عظمة حياة مُتسامية تجعلك في خلود حياتي أبدي.
 
ختامًا.... سنوات الحياة مدرسة، بل زمن للعمل والإبداع والإنجاز. الحياة حقلك أيها الإنسان، بقدر ما تعطيه سيعطيك. فمن يعمل ويبدع ويعرف أكثر سيحزن ويتألم أكثر أيضا. ولكن بقدر ما تنتج وتثمر وتخدم بصدق، بقدر ذلك سيكون حجم خلودك، وسيدوم ذكرك واثرك الحسن على هذه الأرض وفي اعماق الناس.
 
  
http://www.up.bagdady.com/uploads/bagdady13425753131.mp3
موسيقى سنين العمر لصديقنا الموسيقار حازم فارس

15
مرّ القطار ومضى
وبقي اللحن الأصيل وبقي الكتاب!!
الأب يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الاشورية/سيدني



     ذات يوم قصدت ريف هولندا في بيت أحد الأصدقاء، حيث الهدوء وبساطة الحياة وعفوية الناس، والطبيعة الخلابة، كي يتسنى لي وضع مقدمة لكتابي (افكار وتأمُّلات من تُراب). كنت سعيدًا بخلوتي، أتبادل أطراف الحديث مع صديقي العراقي الساكن هناك، والبعض من أفراد عائلته الكريمة كان يبث لنا آخر النكات البناءة التي لطفت أجواء الجلسة، حينها نادت علينا والدة صديقي (مُضيفي) كي تدعونا إلى العشاء. كان التلفاز أمام طاولة الطعام، فتحناه عسى يفتح شهيَتنا، والا بنشرات الأخبار العراقية تسم البدن، غيّرنا القناة لنشاهد حاكما عربيا يخطب لشعبه بلغة المُتعنتر المُتجبر، لغة القائد الأوحد. قلت للحضور كيف لكتّابنا وعازفينا ان يبدعوا  وينثروا روائعهم وهم يسمعون حكامهم يهتفون خطابات متخمة بالعنتريات!
في المساء هربت من قنوات الستلايت التي تعكر النفس، وتشنج الفكر، فوالدة صديقي مدمنة على الإستماع إلى الأخبار. ولأن  الكاتب يحتاج الى المكان والزمان المناسبين لكي يتمكن من بلورة أفكاره وصقل خبراته وكتاباته، هربت  إلى بحر مدينة Delfzijl حيث موسيقى البحر وهدوء الليل، وايقاع الأمواج وصوت الريح.
بدأت أتأمل وأنصت إلى طبيعة البحر المنسية. فالبحر مُتعتي الحقيقية وراحتي العفوية.... وامتشقت قلمي وبدأت بالكتابة في وقت الغروب، إنها لحظة استرخاء، إذ غسل البحر ذاكرتي، ونسيت الدنيا وما فيها ولم أعد أعي شيئاً سوى أنني أكتب.
وبينما أنا غارق في تأملاتي وكتاباتي تم القبض عليّ من قبل صديقي وعائلته! تعكرت صفوتي، ولبست قناعي من جديد وعدت لمجاملتهم، وأخذ أحد الأفراد كراستي وأطلع على ما كتبت دون اذن مني!! ثم قال: لم افهم شيئاً يا أبانا!
فأجبته: وكيف لك أن تفهم بلحظات!
بعد تردد وتلعثم أجابني قائلاً: لماذا تضيع وقتك بالكتابة. من يقرأ اليوم ومن يهمه الكتاب؟ اليوم هو زمن الأنترنيت، أما زمن الكتب فقد أنتهى.
تفرست في وجهه، وكان صمتي أبلغ جواب.
أحببت الريف في هولندا، حيث تسير الحياة بعفوية، بعيدًا عن سرعة وضجيج المدينة. الريف الهولندي ينفي أحساسك بالغربة، وأجمل ما وجدته هناك: عربات تجرها الأحصنة. الناس يأكلون ما يزرعون، وكل عائلة تضع أمام دارها محصودها الزراعي، فهذا يأخذ الطماطم، وذاك ينعم بالخيار، وتلك تلذذ بالبطاطا المجانية....
وليلاً  عندما تسير في الطرق المحاذية للمزارع، تطالعك الآضواء الخافتة المُنبعثة من البيوت، وتجد هناك من قد جلس ليُطالع كتابًا أو مجلة. وفي الصباح وهم يعملون بالمزارع يقصون على بعضهم البعض ما قرؤوه ليلاً!
غادرت الريف بصبحة صديقي وشقيقه على ظهر الدراجة الهوائية، وكلما أبتعدنا كلما بدأت أحس بالإختناق وفقدان القدرة على تذوق جمال أي شيء حولي. ونحن في الطريق سألني شقيق صديقي: ما هي طقوسك بالكتابة يا أبانا؟
فأجبته:  لقد تعلمت من أستاذي الأب يوسف حَبّي -رحمه الله- أنْ اضعَ قلمًا وورقة بالقرب من وسادتي، فغالبًا ما أصحو ليلاً فأبدأ بالكتابة وأكتب حتّى الفجر....على انغام موسيقى جيوفاني، عمرو خيرت، حسنو التركي، جواد معروفي، والعراقي المبدع حازم فارس الذي له الفضل من خلال معزوفاته الراقية في تدوين أفكار وخلجات الذات .
قال لماذا تكتب حتّى الفجر؟
قلت له: لكي لا يبقى الإنسان أسيرًا لبطالته الفكرية، إذ أنني أشعر بالمسؤولية تجاه قرائي ككاتب وكاهن.

 قال: لقد سئمنا الإعلام الورقي، وها هو الإلكتروني يحل محله. والناس لم تعد تهمها القراءة الورقية كما كانت بالأمس.
فأجبته: الشيء الذي نعده اليوم بلا قيمة، قد يصبح له قيمة يتذوقها الناس، فلا تطلق الأحكام النهائية، ويبقى الزمن هو الحكم النهائي وهو المقياس.
وصلنا المحطة، وبينما كنا نتظر وصول القطار، وجدتُ في أحد الدهاليز عازفًا عجوزًا جلس وسط زحمة الناس، يعزف على آلته القديمة (الكمان) لحنًا روحيًا شفافًا لعازف الكمان الشهير تشايكوفسكي، لحنًا يستأصل من نفوس سامعيه الأرهاق والشد العصبي. تقربنا من العازف، فوجدنا بعض المارة قد جلسوا بالقرب منه يقرأون على انغام معزوفاته.
قلت للذين كانوا معي أتعلمون أن هذه المعزوفة تعود للموسيقار تشايكوفسكي والتي تعد أجمل أعماله وأشهرها شعبية بين الناس في الموسيقى الكلاسيكية. ولكن حين أنجزها رفض العازف نيقولاي روبنشتاين عزفها، قائلاً: " إنها بلا قيمة وسيئة ولا تستحق العزف، إنها فقيرة فنيا". وسخر من صاحبها. واليوم الملايين من الناس تستمع إليها، وتسحر بانغامها،  ويسخر الناس من أقول روبنشتاين.

ما أن أكملت كلامي حتّى مرّ القطار بسرعة في الجانب الآخر فشوش على ألحان العازف وشوه معزوفته. ومضى القطار سريعًا وأنحسر ضجيجه وبقي العازف العجوز يعزف وبقي اللحن الأصيل العميق، وبقي الناس يقرأون وبقي الكتاب معهم.

 


16
لم أحصد من التمني سوى التمني..... إنها مفارقة
للأب  يوسف جزراوي
كاهن كنيسة المشرق الاشورية/سيدني

    لا أعلم لماذا تستهويني الموسيقى ولاسيّما بعض الموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الموسيقار الإيطالي Giovani Marradi وألحان عازف الكمان المُبدع  العراقي حازم فارس وبالتحديد معزوفته الخالدة (ألم وأمل)، إنها موسيقى تُحفزني على أمتشاق قلمي بالرغم من أنني قد قطعت العهد على نفسي ألا أعود إلى الكتابة إلى اشعارٍ أخر، ولكن موسيقى (ألم وأمل) تولد لدي الدافع لتدوين خلجات ذاتي.....
(ثنائيات حياة) عنوان قصّة حياتنا؛ ألا تتفقون معي أن قلت: حياتنا مليئة بالتناقضات والثنائيات والمفارقات!! نعم، حياتنا فيها الشروق والغروب، الخير والشر، الولادة والموت، الجديد والقديم، الإنفتاح والإنغلاق، الدمعة والإبتسامة، الحبّ والبغض، الفشل والنجاح، الغني والفقير، لقاء وفراق، الغدر والوفاء، الصدق والخداع، الوديان والجبال، المياة واليابسة، بل حتّى إنساننا عبارة عن حقيقة واحدة في وجهين مُختلفين مُتناقضين هما الذكر والأنثى!
ولكن ليس من قبيل المغالاة أن قلت: إنَّ هذه الثنائيات- التناقضات، نابعة من ملءِ تكويننا الإنساني كناس- بشر- من لحم ودم، وهي التي تدفعنا للتأمّل في أسرار الحياة وطرح تساؤلات وجودية عن معنى الحياة وسرّ الإنسان ووجوده.
ولعل من المفيد الإستشهاد هنا بما كتبه الأديب العربي- اللبناني الخالد جبران خليل جبران (ت1931) حينما وصف الحياة على إنها دمعة وإبتسامة، إذ قال: " أتمنى أن تبقى حياتي دمعة وإبتسامة، دمعة تُطهر قلبي وتُفهمني أسرار الحياة.... وإبتسامة اشارك فيها مُنسحقي القلوب".
غالبًا ما تستوقفني كلمات جبران هذه، وكأن في حياة الإنسان مفهومين مُتناقضين يتصارعان ويتجاذبان وهما (الدمعة والإبتسامة)، وفي هذا التناقض يكمن المعنى في حياة الإنسان!
ولو تفحصنا مُعظم الأعمال الأدبية وتعمقنا بها سنجد أنها تحمل بين طياتها مُفارقات وتناقضات لا حصر لها، لكن هذه التناقضات هي التي تشدنا وتجتذبنا وتستهوينا وتجعل للعمل الأدبي قيمة أدبية وإنسانية!
ويطيب لي أن أروي لكم قصّة حياة، علنا نجني منها حكمًا من حياة الممثل الكوميدي شارلي تشابلن الذي طالما أضحك الناس ورسم البسمة على وجوههم، لكنه كان يعيش حياة لم تخلُ تفاصيلها من المشقات والاحزان!
 شارلي تشابلن مُمثل كوميدي إنكليزي ومخرج أفلام صامتة. كان أشهر نجوم الأفلام في العالم قبل نهاية الحرب العالمية الأولى. ولد في 16 أبريل 1889 وأنتقل لدار البقاء في 25 ديسمبر 1977. كان يستعمل تشابلن الإيماء، التهريج والكوميديا المرئية، وقد استمر بالنجاح حتّى في عصر السينما الناطقة، بالرغم من تراجع عدد أفلامه سنويًا منذ نهاية عشرينات القرن العشرين. ومن أشهر أدواره هو الصعلوك.
    من يقرأ مُذكرات الفنان الكبير الساخر شارلي تشابلن سيعرف أنه وهو في قمة مجده وتألقه، أستغرق عامًا في كتابة وتمثيل وإخراج فيلم كوميدي جديد... وبعد أن أنتهى من عمل المونتاج له، وشاهده بمفرده في صالة العرض؛ إنتابته نوبة إكتئاب قاتلة، واحس بانه قد انتهى كفنان، ولم يعد لديه ما يقدمه كفنان.. فالفيلم سخيف بكل معنى الكلمة، وليس فيه لمسة بهجة وفكاهة ومعنى، وقرر إلقاءه في صندوق القمامة، مُضحيًا بكل ما تكلفه لإنتاجه، وعاش أيامًا كئيبة لا يستمتع فيها بشيء.
مرت الأيام ليشفق عليه صديقه النجم دوكلاس فيربانكس  محاولاً انقاذه من معاناته؛ فطلب منه مُشاهدة الفيلم، واعدًا إياه بأن لا يخفي عنه الحقيقة، إذا كان الفيلم فعلاً لا يستحق المُشاهدة ولا يليق باسمه. وجاء مع صديق له، وجلس بجوار تشابلن في قاعة العرض الخاصة، وبدء عرض الفيلم، فلم تمضِ دقائق حتّى إستغرق دوكلاس وصديقه في ضحك متواصل بلا إنقطاع.... وإنتهى العرض، وأضيئت الصالة، فرآه تشابلن يجفف دموع الضحك، فنظر إليه حائرًا وسأله: أتظنه حقًا مُضحكًا إلى هذا الحد؟! فلم يجبه  دوكلاس بشيء، وإنّما قال لصديقه: ما رأيك في هذا الرجل الذي كان يُريد إلقاء هذا الفيلم في القمامة؟! ثم انصرف مُصطحبًا صديقه دون أنْ يتفوه بكلمة! وعُرض الفيلم، فإذا به يُحقق نجاحًا ساحقًا وإيرادات وشهرة لم يحققها فيلم لتشابلن من قبل!
لماذا نحن كبشر تعودنا على دهس الأزهار الطبيعية الجميلة لنشم رائحة العفونة من على سطح الأزهار الصناعية! وكبشر غالبًا ما لا نشعر بقيمة الأشياء والأشخاص ألا حين نفقدهم ونخسرهم؟!!
يقول المفكر والفيلسوف الأسباني المُعاصر أونامونو:"إننا لا نحيا إلاّ على مُتناقضات، ومن أجل مُتناقضات، فالحياة صراع Conflict ، بل إنها مُجرد تناقض".
     نعم الحياة مُجرد تناقض، نولد لنموت، تشرق الشمس لتغرب من جديد، نفرح ونحزن، نجوع ونشبع، نلتقي لنفترق.... سعادتنا اليوم لا تدوم طويلا وسرعان ما تصبح ماضٍ مؤلم..... ويبقى السؤال  الذي يقض مضجعي دومًا: لماذا الإنسان والحزن سائران صحابا في دروب الحياة؟! ولماذا يصبح (فلان) كلّ شيء في حياتنا لوقت ما؟ وسرعان ما يصبح ذكرى ومحطة من المحطات التي مرّ بها قطار حياتنا؟! ولماذا يصبح من كان بالامس كل شيء في حياتنا لا شيء في حياتنا اليوم؟!! سؤال صعب والإجابة عليه أصعب. إنه سرّ الوجود، ولعل فيه يكمن سرّ معنى حياة الإنسان؟
في الآونة الأخيرة  كنتُ قد قطعت العهد على نفسي أن لا أتمنى، لأنني لم أحصد من التمني سوى التمني! ولكن كم تمنيت اليوم أن ادرك لماذا ونحن غارقين في بحر أمالنا واحلامنا وتطلعاتنا هناك ألم وحزن يفسدان علينا متعة التمني، ولماذا وسط الألم والحزن هناك في الأعماق أمل يبشر بغدٍ مشرق؟!! وكأن حياة الكثير منّا هي اشبه بحياة الشاعر الإلماني غوته صاحب الرواية الشهيرة(رواية فاوست) حينما وصف حياته قائلاً:"إنَّ حياتي كانت كلها دفعًا لحجر ينبغي عليَّ أن أدفعه إلى أعلى التل، وكلما بلغت القمة سقط الحجر إلى السفح وعدت لمحاولة دفعه إلى القمة من جديد".
أختم هذه الكلمة، التأمل، بقناعة ترسخت في الأعماق ومفادها:
الحياة مجرد تناقض! ولكن صدقوني بعد خبرة سنين ليست بالطويلة أدركت إن في هذه التناقضات يكمن سرّ الحياة ومغزاها، فلولا الموت لما عرفنا قيمة الحياة، ولولا الحزن لما تقنا للفرح، ولولا تعب النهار وزحمته لما بحثنا عن هدوء الليل.
أتعلمون أن في عمق آمالنا وألامنا هناك الرجاء، والرجاء يجعلنا نبتسم ونرجو ونثق في الرب. الرجاء يجعلنا نصمت، نتأمل، نحلم، نسمو، نفرح، نعيش اللحظة الحاضرة بأمل متطلعين إلى غدٍ مُشرق.
لذا أقول هنيئًا بل طوبى لك أيها الإنسان إذا قبلت بهذه المُتناقضات والمفارقات، لأنها تحمل لك في طياتها مفاجأت وأسرار تجعلك في بحث مستمر عن مغزى الحياة.
وتبقى الحياة  وفق تصوري الشخصي مجرد تناقضات، وتبقى احلامنا ومشاريعنا فيها عبارة عن دوامة (جدلية) كما يقول الفيلسوف الالماني هيكل. إذ احلامنا تدور وتتلاطم بين دوامة الشروق والغروب، والغروب والشروق. إنها مفارقة ولكن هذا ما خرجت به من عِبّر حصيلة تجارب حياة ليست بالطويلة.

17
الخوري أفرام رسّام
الأب يوسف جزراوي
 أسمه الحقيقي كامل يوسف رسّام، أبصر النور بتاريخ 24تشرين الأول 1924 في الموصل بمحلة المياسة المعروفة وقتذاك بزخم ساكنيها بالعوائل المسيحية، وكان دار العائلة قريب من كنيسة مسكنتة. نشأ كامل في عائلة كبيرة مكونة من (13) أخ وأخت واحدة، وكان تسلسله العاشر بين اخوته. نما كامل على محبة المسيح والناس فشب على حُبّ الكنيسة، ولما أنهى دراسته الأبتدائيه، دخل معهد شمعون الصفا الكهنوتي البطريركي العريق في الموصل  وفيه تلقى دراسته الكهنوتية والليتورجية إلى أن أقتبل نعمة الكهنوت في 4 حُزيران 1950 في كنيسة مسكنتة بالموصل من يد المطران اسطيفان كجو المعاون البطريركي للبطريرك غنيمة، فأتخذ له اسمًا عرف به وهو القس أفرام رسّام.
كان اول تعيين كنسي له في بيعة مار أشعيا في الموصل الحدباء، التي خدمها بكل غيرة وتفانٍ وعمل على تجديدها  وتوسيعها. ثم شمر ساعد الجد في ترميم كنيسة الطاهرة الآثرية وزين حوشها الخارجي بحديقة  جميلة. واقام نصبًا للعذراء مريم بهيئة مغارة في غرفة تقع على يمين الزائر لكنيسة الطاهرة والتي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا واصبحت مزارًا للمؤمنين. كما أهتم كثيرًا بدير مار ميخائيل رفيق الملائكة، فاعاد له الحياة وكان يقيم فيه القداديس والصلوات في المناسبات الدينية، كما زود الدير بمضخة مياه، وسيج الأرض المُحيطة بالدير وبقي يهتم بالدير حتّى بعد إنتقاله إلى بغداد؛ إذ اوعز إلى شق الطرق وتبليطها من الموصل إلى الدير حتّى أصبح الدير قبلةً للمؤمنين .
      كان الطيب الذكر البطريرك مار بولس الثاني شيخو رحمه الله قد استقر في بغداد وجعل من  ابرشية الموصل الكلدانية أبرشية مُستقلة عن الأبرشية البطريركية وجعل مثلث الرحمة مار عمانوئيل ددي راعيًا لها، كان ذلك عام 1960. ولما وجد أن عدد ابناء طائفته في تزايد مستمر وملحوظ في بغداد، شرع ببناء الكنائس، ومن هذه الكنائس،  كنيسة سلطانة الوردية التي تأسست عام 1960، وأُفتتحت في 29 تموز 1961.
  سنة 1965 أستدعى البطريرك شيخو من الموصل  القس أفرام رسّام إلى بغداد واناط به إدارة كنيسة سلطانة الوردية، فإدارها على أحسن وجه إلى يوم مغادرته هذه الحياة الفانية، وقد ذاع صيته في ألقاء المواعظ وتقديم الخدمات الروحية،  بحيث بات الناس يقصدون هذه الكنيسة من كلِّ فج عميق لاسيما في زمن الأسبوع المُقدس وجمعة الالام. وكان يعمل على تجديد الكنيسة سنويًا، بحيث أصبحت هذه الكنيسة العريقة تعكس صورة جميلة للكنائس في بغداد.
كما جدد مصاطب الجلوس في الكنيسة، فعملها من خشب الصاج الذي زودته به وزارة التجارة وقتذاك، فاشتغلها بحرفية وجودة الأسطة النجار خليل البغدادي.
    كان رحمه الله مولعًا بالألحان الطقسية، فقد أهتم بتسجيل وجمع التراتيل الطقسية والتراتيل الكنسية التي تُرنم في القداس، علاوة  على إهتمامه بتصوير الاثار المسيحية والمناسبات الدينية، والحق يقال بشهادة المؤرخ الراحل الأب العلاّمة بُطرس حدّاد؛ كان الرجل  سخيًا في اعطاء التسجيلات لطالبيها. كما أهتم منذ سنة 1989 بالمقبرة الجديدة وقتذالك للطائفة الكلدانية الواقعة على طريق بعقوبة القديم، فعمل على ترتيبها، وشق الطرق فيها وشجرها  باشجار الزيتون، فعبر بذلك عن احترام الكنيسة لابنائها الراقدين على رجاء القيامة.
كان يمتلك صوتًا جميلاً قويًا، فسجل بصوته العديد من التراتيل الصوتية وصلاة السهرانة. وكان له عادة حميدة، إذ كان رحمه الله  يضع في التعازي الأشرطة الدينية من القداديس والصلاوات لتقع على مسامع الناس وهم في قاعة الكنيسة لتقديم التعازي، كي تساعد المؤمنين على الصلاة وتقديم العزاء بدلاً من البكاء والثرثرة،  وكي لا تفقد التعازي معناها الإنساني والمسيحي كما يحصل اليوم!
في مطلع تموز من عام 1987 كنتُ اتلقى على يده ويد الأخت الراهبة سما من راهبات بنات مريم الكلدانيات الفاضلات دروس المناولة الأولى في كنيسة سلطانة الوردية، إلى أن تمت المناولة في 15/8/1987 بحضور البطريرك مار بولس شيخو رحمه الله.  وكان الرجل حريصًا على كل شيء؛ يقوم بالصغيرة والكبيرة، يُعلّم، يوجّه يرشد، يتفقد، يُصلي معنا، يتابع الباصات التي تقلنا إلى البيوت....وكان قد ألتقى بذوي المتناولين أربع مرات خلال 40 يومًا ليُبيّن لهم كيف تكون العائلة نواة الكنيسة، بل هي كنيسة بيتية.
   لحسن سيرته وحكمة إدارته وشعبيته الواسعة بين الناس والأكليروس رسمه البطريرك شيخو خوريًا، ورقاه سيّدنا البطريرك مار روفائيل الأول بيداويد سنة 1992 إلى رتبة أركذياقون القلاية البطريركية، ومنحه شرف حمل صليب الصدر ولبس الخاتم.
واسجل هنا هذه الحادثة، فلكل ساقطة لاقطة؛ ففي تاريخ 13 اب 1991 وفي أحد إجتماعات مجلس الكهنة الكلدان في بغداد، سأل الخوري أفرام رسّام البطريرك الخالد مار روفائيل الأول بيداويد قائلاً:" أين مكتبة البطريركية؟ أين المخطوطات وما حالها؟ لاسيّما وأن بناء البطريركية القديم في السنك تأثر كثيرًا من جراء حرب الخليج، فتصدعت أركانه وتكسرت نوافذه". ثم أضاف رحمه الله:" لماذا لا تُنقل ملفات البطريركية إلى هذا البيت"؟. فأجاب غبطته:" إن كل شيء سيُنقل تدريجيًا إلى هذا البيت رغم ضيق المكان".
يا ترى ما الذي قصده البطريرك بعبارة "هذا البيت"؟ فأذكر هنا للتاريخ وأوضح للقارئ الكريم، وقد تنفع الذكر ويفيد التوضيح: لما أعتلى البطريرك بيداويد الكرسي البطريركي في 26/5/1989،  نظر الرجل نظرة إلى دار البطريركية القديم في  منطقة السنك ببغداد،  فلم تحلُ له الإقامة فيه، لما وجده من رطوبة وخراب، والموقع قديم لا فائدة من تجديده؛ زد على ذلك أن تلك المنطقة كثرت فيها المحلات التجارية والأسواق، فشرع البطريرك يبحث له عن مكان بديل، ولكن أين؟
  مرت الأيام وكأنها دهر! ليسكن البطريرك في دير المسبح لراهبات الكلدان....، واخيرًا يطلب من راهبات الكلدان بيتهنَّ الواقع في حي المنصور ببغداد ليسكن فيه موقتًا لحين قيام البطريركية ببناء دار واسع يُلبي طموح الجميع، إذ كان هذا الدار في السابق حضانة للأطفال ثم أتخذته الأخوات ديرًا لهم بأسم أُمّ المعونة، فمساحته لا بأس بها وتصميمه جميل....فعمل سيّدنا بيداويد على توسيع الدار من خلال فتح بعض الغرف على بعضها، فخصص رحمه الله صالة متوسطة المساحة وذلك  بسبب صغر مساحة الدار في الطابق الثاني لتُخصص للأرشيف ومخطوطات البطريركية. هذا ما قصده البطريرك الراحل بعبارة "هذا البيت". وقد تطرقنا إلى " دار البطريركية في بغداد"  في كتابنا المنشور في بغداد سنة 2004 .
 وأعود إلى صلب الموضوع لأقول، وبناءً على سؤال الخوري أفرام رسّام كلف غبطته  المؤرخ العلاّمة الأب بُطرس حدّاد رحمه الله أن يفعل ذلك تدريجيًا، والحق يقال لقد أتم الأب حدّاد الواجب على أتم وجه وبرع في تحقيق العديد من المخطوطات والوثائق ونشرها. لقد كان الأب حدّاد بحق حارس ذاكرة الكلدان كما أطلقوا عليه.

وفاته
 كان الفقيد الخوري رسّام يعاني من تضخم في القلب دون ان يعلم بذلك، ورغم المه ومرضه الذي عانى منه وهو مرض البروستات، لكنه لم يكن يشتكي، بل كان يتحمل الالم ويخدم بصمت، فلم يتوقف عن خدمة النفوس، وقبيل وفاته بشهرين أجرى له الدكتور العراقي المُختص شوقي غزالة عملية بروستات، ولما خرج من المستشفى قضى فترة النقاهة في بيت أخيه بشير وكان يتنقل إلى بيوت اخوته  بالتناوب لقضاء فترة النقاهة وللإهتمام به، وأخيرًا نُقل إلى بيت ابن اخيه السيّد جرجيس رسّام شقيق المخرج التلفزيوني عمّانوئيل رسام في بغداد حي زيونة، وهناك  إنتقل المونسنيور افرام رسّام إلى دار البقاء في 25 أب 1994. في تلك الليلة كان قد عاد إلى بغداد  من الخارج البطريرك الخالد مار روفائيل بيداويد، وفي اليوم التالي ترأس السيّد البطريرك مراسيم التشييع المُهيبة للخوري رسّام في كنيسة سلطانة الوردية بحضور شخصيات دينية وحكومية وجمع غفير من ابناء مدينة الكرادة بمسلميها ومسيحييها.
بعد أن القى غبطته كلمة تأبين مؤثرة، قرأ فقرات من وصية الراحل الأخيرة والتي اوقف بموجبها مكتبته الكبيرة والغنية إلى المعهد الكهنوتي البطريركي، مع مجموعة من الأشرطة الصوتية بصوته الرخيم أو بصوت غيره، إذ كان رحمه الله قد أهتم بجمعها منذ قدومه إلى بغداد.
    دُفن في مقبرة الكنيسة الكلدانية –طريق بعقوب بعد أن اقيمت له مراسيم تشييع تليق به، وهو أول كاهن كلداني يُدفن هناك تنفيذًا لوصيته. هكذا عاش هذا الكاهن الوقور بصمت وغادر هذه الحياة بصمت، تفوح منه رائحة القداسة.

حادثة للتاريخ:
كان للخوري رسّام مبلغًا ماديًا قدره 150 الف دينار عراقي سبق وأن سحبه من أحد بنوك بغداد قبل أجراء عملية البروستات، ولما بارح هذه الحياة الفانية أرتأت عائلة رسّام أن تخصص هذا المبلغ مع التركة الأخرى للفقيد، في عمل نصب  تذكاري له، وبعد حصولهم على موافقة البطريرك بيداويد الذي كان يكن حبًا جمًا للخوري رسّام، قصد شقيقه صبيح مع السّيدين عمانوئيل وحسام رسّام مشغل النحات العراقي الكبير محمد غني حكمت، وطلبوا منه عمل نصب تذكاري للفقيد، فابدى الرجل تحمسه وتعاونه، والحق يقال لقد أجاد نحاتنا الكبير وابدع. وفي مطلع عام 1995 وبعد إنتهاء قداس يوم الأحد  قام البطريرك بيداويد  بحضور النحات محمد غني حكمت وشخصيات كنسية برفع الغطاء عن التمثال، الذي وضع في اعلى  نهاية السلم المؤدي إلى الكنيسة. مرت الشهور ليقوم المؤرخ الكبير الأب ألبير ابونا بازالة التمثال، وسببه كان هو قدوم الناس للصلاة امامه والتبرك منه.... والرجل مُحق بعض الشيء، فرفع التمثال، واعيد إلى بيت السيّد حسام رسّام ثم وضع في خزانة الكنيسة. ولما استقال استاذنا الأب ألبير من خدمة الكنيسة، عينت البطريركية العلامة الأب بُطرس حدّاد لخدمة كنيسة سلطانة الوردية، فأعاد الرجل التمثال إلى مكانه الأول دون علم عائلة رسّام، وحسنا فعل! فادخل الفرحة لقلوب ابناء هذه العائلة وقلوب المؤمنين.
وقد ادركتُ وشاهدتُ مكان التمثال إبّان خدمتي ككاهن مساعد للأب حدّاد في كنيسة سلطانة الوردية، وعند إنتهائي من القداس الإلهي، كان هذا التمثال غالبًا ما يستوقفني لأسترجع كلمات الخوري رسّام إبان دروس التناول الأول حينما قال لي:" سيمن الله عليك بنعم كثيرة".
ختامًا....الخوري أفرام رسّام رجل أحبَ الناس بصدق فبادلوه بحب أكبر. وما زالت ذكراه الطيبة عالقة في أذهان شعبنا.
رحمه الله، واسكنه في ملكوته البهي.


ملاحظة:- يطيب لي أن أُسدي عميق شكري للمخرج المسرحي العريق عمّانوئيل رسام وللصديق ليث سامي صادق اللذين ارفداني بمعلومات عن الخوري رسّام.
-سبق أن نُشرت هذا المقال في صحيفة العراقية الاسترالية في سيدني

18
المطرابوليت الحكيم
مار ميّلس زيّا السامي الإحترام
بقلم  ألأب يوسف جزراوي

في البدء كلمة. وما الكلمة؟ سوى تصوير لأعماق وفكر ناطقها أو كاتبها؛ لذا كانت هذه الكلمات:
منذ أيام دراستي في كلّيّة بابل للفلسفة واللأهوت الحبريّة في بغداد مطلع الالف الثالث، وأنا أسمع من بعض زملاء دراستي عن المطرابوليت الشابّ مار ميّلس زيّا السامي الإحترام. وما أنْ وطأت قدماي أرض هذه القارة التي تقع في كعب الدنيا (سيدني –استراليا) كان أسم سيادته يتردد على مسامعي كثيرًا؛ فهذا يقول إنَّ سيّادته حاد الذكاء والحكمة، وذاك يقول سيادته رجل فكر وعمل ويتمع بحسٍ ثقافي عالٍ، إنّه رجل فكر وثقافة. وبحسب عادتي أنني لا أبني أحكامًا ولا أكوّن الإنطباعات أستنادًا إلى الإستماع أو الأقاويل، عليَّ أن أختبر بنفسي، وأتعرف وأدرك وأستوعب الآخرين من منظور خبرتي الشخصية العميقة معهم. مرّت الأيام ولم يتحقق اللقاء بسيَادتهِ، ولكن إرادة الرب كانت كفيلة في تحقيق اللقاء الأوّلْ، وإذا بي أمام مطرابوليت شابّ، منفتح، صاحب إبتسامة لطيفة، مدركًا ذاته ورسالته وهويته، يجيد فن إدارة الآخرين، يتمتع بشخصية قوية وجذابة، تنم عن سمو حسه الإنساني، وعمق روحانيته، ونضج فكره الخلاّق. ومع الزمن أدركت أن سيّادته يتمتع بحس أدبي، يردد مُقتطفات شعرية لبعض الشعراء الكبار، ناهيك عن إنَّ غبطته قارئ نهم، وتستهويه الكتابة بين الحين والآخر، لغته في الكتابة مُستندة إلى فلسفة رصينة وخبرة حياتية كثيفة. يستقريء أفكار الآخرين. يده ممدودة لمصافحة الصغير والكبير، الغريب والقريب، ولمساعدة الجميع، يؤمن بالإنسان على تنوعه، مُنفتحًا على جميع الكنائس والبشر، لكنه مُعتز باصوله وجذوره دون تغرب. وأنا شخصيًا من المؤمنينبأن التجذر عنصر جوهري في تكوين الإنسان، والتجذر وحده يسمح للمرء بالإمتداد في الأعماق دون تعرج وضياع وإستلاب وإغتراب.
حكمة سيّادته وروحه المُنفتحة تذكرني ببعض الأساقفة الأجلاء الذين جمعتني معهم علاقات وطيدة في ايام دراستي أمثال المطران مار لويس ساكو، مار أنطوان أودو، مار جاك أسحق، مار بشّار وردة مار أميل نونا ومار داؤد شرف السامي إحترامهم.
عمل ويعمل غبطته في سبيل خير كنيسته، شعبه، أمتّه، بلده، كنيسة المسيح باكملها. ببراءته وطيبته ومحبته ووضوحه الذي هو كوضوح الشمس، يقول كلمته بشكل مباشر، والنتيجة أن مار ميّلس زيّا مطرابوليت مُتوثّب، ممشوق القامة، يقول كلمته التي تحمل مواقف صريحة، تنم عن عمق وقوة شخصية صاحبها. يقول كلمته ويمضي سواء فُهمت أو لم تُفهم.
ولكن مار ميّلس في محاضراته وندواته يسعى لنقل حقيقة الإنجيل وحقيقته كراعٍ صاحب رسالة، ويفهمك روحه وفكره ورسالته في كلمات، لتذوب في نفوس سامعيها، منغرسة في عقولهم بعد أن تتوزع عليهم، لتغدو منارات ومشاعل. وما أحوج إنساننا، كنائسنا، بلداننا، إلى منارات ومشاعل.
يعطي غبطته ويُصلي ويخدم ويدير ابرشيته من عمق قلبه الأبيض النابض بعفوية الينبوع والورد. مشاريع سيادته وخططه لبناء الأبرشية تُبشر بغدٍ مثمرٍ بعد أن غدت مؤسسة روحيّة، ثقافيّة، تربوية، تعليمية. يقيس الأمور والأشخاص والأحداث بميزان ضميره الحي. هذه الفضائل والميزات غدت كقدمين يسير بهما غبطته نحو الآخرين، لتبث السعادة في النفوس وتزرع النور في دروب الناس.
في غضون أقل من سنة ربطتني بصاحب السيادة علاقة إنسانية بنيت على الإحترام والتقدير، لم تتأطر علاقتي بصاحب السيادة في أطار علاقة الكاهن بمطرانه وحسب، بل غدا سيادته بمثابة الصديق لي ضمن حلقة أصدقائي القلائل في استراليا، الموجّه- المُرشد، الدليل، المساعد. فالزمن لا يقاس بطوله أنما بنوعيته وكثافته؛ فربما تعيش مع أشخاص لسنوات طوال، لكنك تبقى غريبًا وبعيدًا عنهم ولا يمسوك في الصميم، ومن الممكن أن تلتقي بشخص أو باشخاص لأيام أو لاشهر أو لزمن قصير وتجد نفسك مُتناغمًا معهم في أكثر من صعيد فكري، روحي، ثقافي، إنساني، عملي.... (وأضيفوا أنتم ما تريدون).

ختامًا
يا صاحب السيادة منذ منتصف شهر آب 2011 لم أعد أحملك في نفسي وفكري أفكارًا مجردة، أو كلامًا جميلاً سمعته عن سيادتك، لقد أصبحت واقعًا ادركه، وكتاب قيّم أرتوي من حكمه، وحقيقة المسها. مسحت غبارَ الظروف والغربة عن وجهيَ، فكنت واحة لكاهنٍ تنقلَ بين بلدان وقارات العالم، فاستأصلت من ذاتي الجريحة أثار غربتي الطويلة وأحتضنتني وجعلتني في حضن كنيسة المشرق العزيزة. وهمست في أذني: لا تخف: الرب معك، ونحن معك أيضًا؛ كهنوتك هو كهنوتنا، غربتك هي غربتنا، رسالتك هي رسالتنا. أنت أبننا وكاهننا. واسألكم بربكم: أليست هذه كلها هي صفات الراعي الصالح الذي أسهب الإنجيل في وصفه. نَعم سيادته يعيش ما يقول وما يعظ به.
وليس من قبيل المغالاة أن قلت : إنَّ سيّادته أحبَ الناس بصدق فبادلوه بحب أكبر. عرف عن سيادته دعمه لكلِّ عملٍ فيه خير لكنيسته وأبرشياته وشعبه وبلده، عارفًا كيف يضع الأشخاص المُناسبين في الأماكن المناسبة. يتعامل مع كهنته على أنهم شركاء رسالته وخدمته وليس خدامًا له، لا يتضايق من نجاح كهنته، بل على العكس هو من يأخذ بايديهم إلى طريق النجاح. يدعم ويشجع كل بادرة إبداع، مُهتمًا بخير أبرشيته ورعيته، لا يميز ولا يفرّق، يحترم ويقيّم كل إنسان مهما كانت هوية هذا الإنسان. لقد وجدت سيّادته مُنهمكًا ببناء البشر قبل الحجر، يسعى لكنيسة الخدمة لا لكنيسة المخدومين..
فساعدني يا قلمي الذي كنت ولا تزال حرًا لا تعرف المجاملات كي يأتي الشكر والعرفان بالجميل، كما عودتني في الكتابة عن مَنْ تعلمت منهم وساهموا في بنائي إنسانيًا وكهنوتيًا، وثقافيًا وروحيًا.....شكرًا لك يا سيّدنا لأنك لم ولن تترك جذوة الأمل تخبو فيّ وفي كل إنسان صادفته في دروب الحياة. لقد علمتني الكثير في زمن قصير!
إنّه المطرابوليت الإنساني(الأبوي) الذي تلمس أن روح الله حاضر فيه. علمني سيادته أنَّ على الكاهن معالجة نزيف أخيه الإنسان وتضميد جراح ذاته الجريحة، فيجعل من نزيف الإنسان وحريق قلبه، لهبًا وومضات إنسانية تُعيد إليه حقيقته.
هذه الكلمة هي مُقدّمة للكتاب المعنون(المطرابوليت الحكيم)[1]الذي استعرضنا فيه بمعية الشمّاس سامي القس شمعون المحترم، رئيس تحرير مجلة (بيث كوخي)، سيرة حياة غبطة المطرابوليت مار ميّلس زيّا الوكيل البطريركي لكنيسة المشرق الآشورية في أبرشيات أستراليا ونيوزيلاند ولبنان ومنجزاته القيّمة، إيمانًا منّا أن لكلَّ عودٍ عصارة وعصارة عود صاحب السيّادة طيب زكي يضمّخ به جبين كنيستنا العريقة، وجبين جاليتنا الكريمة. إنّها عصارة ذات عطر وبخور.


[1]ترقبوا صدور الكتاب في المستقبل القريب بعون الرب في طبعة واحدة، باللغات التالية: السريانية، العربية، الإنكليزية، الهولندية.

19
استشهاد ابرشية الجزيرة ومطرانها الكلداني
الأب يوسف جزراوي
كنيسة مار توما الرسول الكلدانية/سدني

في البدء كلمة...
لا يكتشف الإنسان، المبدعين والعظماء والأحداث الخالدة إلاّ من خلال التاريخ، فهو تراث، ومدرسة، وحضارة، وخبرة أجيال، بل أنه ذاكرة للأجيال ، التي تتعرف بواسطته على جذورها، ومنه تستقي العَِبر.....ولا أجمل من أن يتناول الإنسان تاريخ أصوله واهله، ليعرف جذروه، فيسعى للتجذر، فأنا من المؤمنين بأن التجذر عنصر جوهري في تكوين الإنسان، والتجذر وحده يسمح للمرء بالامتداد في أفق واسعة دون ضياع واستلاب واغتراب.
عكفت منذ فترة ليست بالقصيرة، بجمع مصادر عن الجزيرة العمرية،ففرغتُ من العمل، لكني كُنت أراه ناقص ،عرضتُ الموضوع على أُستاذنا الراحل الأب حدّاد فاطلعني على ملف الجزيرة في البطريركية الكلدانية في المنصور فاخذت عنه الكثير من المعلومات والوثائق القيمة، وكذلك عرضت دراستي على استاذنا الأب يوسف توما، فأمدني مشكورًا بمخطوط  آنذاك عن حوادث الجزيرة العمرية مُترجم إلى اللغة العربية من قبل الأستاذ نافع توسا، كان قد كتبه شاهد عيان وهو الأب جوزيف نعيم ، فصدر الكتاب بأكثر من لغة ، عام 1920 بأسم ( هل ستُفنى هذه الأمة ؟).قراءتُ المخطوط اكثر من مرة فأستفدتُ منهُ كثيرًا، وبواسطته استجليتُ بعض الحقائق المهمة...... لكنّني  كنتُ لا ازل ارى عملي غير متكامل؛  ففضلت نشره وقتذاك(بغداد 2006)، على امل اعادة نشره في صورة متكاملة وشاملة في المستقبل، لكن العمل لم يُكتب له  أن يرى النور لاسباب لمجال هنا لذكرها، ففضلت نشر بعض صفحاته اليوم بصيغة مقال مختصر  قبل أن يرى النور في كتاب متكامل بعون الرب.
 وأنا اعد هذه الكلمة المقتضبة تصورّت الاعداد الكبيرة من الجزراويين الذي أُخرجوا قسرًا من ديارهم، فسقط عدد كبير منهم في الطريق ، وبعضهم وصلَ إلى الموصل وبغداد أو المدن الاخرى ولا يزال يعيش في ظهرانينا. والجزراويون اليوم موزعون بشكل عام في زاخو والاغلبية الكبرى هم من الكلدان، بينما يقطن جانب منهم في الموصل وهم من الكلدان أيضًا وينتمي البعض الاخر للكنيسة السريانية بشقيها الكاثوليكي والارثذوكسي وهم اقلية قليلة، بينما يكثر تواجد الجزراويين في بغداد واكثرهم من الكلدان. وفي سوريا وجدت عددًا لابئس به من الجزراويين الذي تعود اصولهم إلى جزيرة ابن عمر.
عندما يدور الكلام عن ابرشيتي العزيزة ( الجزيرة ) وعن أبرشيات أُخر كماردين وآمد وسعرد، تنقلني الذاكرة مباشرة إلى تركيا، فتلمع فيها وتلوح صورتان مختلفتان كليًا، واحدة قاتمة والاخرى مشرقة. الأولى :سوداوية قاتمة  دموية تذكرنا بمذابح الدولة العثمانية البائدة.
الثانية : صورة مُشرقة ، وإن غابت عنّا ، لكنّها لم ولن تعرف الغروب؛ صورة تُذكرنا بأبرشياتنا العريقة التي كان فيها اهم المراكز الثقافية وأهم المطرانيات .... فيتوافد إلى مُخيلتنا رجال عظام نموا وترعرعوا في تلك الأرض أو خدموها لسنوات، وهم أشهر من نار على علم، يعرفهم القاصي والداني ، فمن منّا يجهل جبرائيل دنبو مجدد الرهبانيّة الكلدانيّة في ديارنا، وروفائيل مازجي الذي بهمته ودعمه تأسسس معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل وأُفتتح سنة 1868 والمطران إيليا ملوس، الذي بصم بصمته في القضية الملبارية، والمطران الشهيد يعقوب اوراها خطاط الرهبانيّة الكلدانيّة، والباحث الشقلاوي الدؤوب ادّي شير الذي كان منكبًا على المخطوطات يُطالعها ويحقق مافيها ... ناهيك عن الكنائس الاثرية والاديار العريقة ، والمطرانيات القديمة .... ووفاء"ا مني، وأعتزازًا بمسقط رأس أجدادي، أحرص اليوم على نشر هذا العمل، ليتعرف القرّاء على شهود الأيمان الذين دفعوا حياتهم ثمنًا، لكيما يعلو أسم  السيد المسيح له المجد، فأسأل الله التوفيق....... وآملاً أن أكون قد ملأتُ الفراغ الموجود في مكتبتنا الكنسية. متمنيــــا للقراّء الأعزاء قراءة ممتعـــة ، وللباحثين الأفاضل فائـــدة كبيرة.....أُرحب بأي معلومات يمّدني بها القُرّاء الكرام، وساكون شاكرًا بأسمي وباسم مُحبي التاريخ والتراث لكل من يرفدني ويزودني بمعلومات وشهادات مفيدة أو بصور قديمة ونادرة.

استشهاد الجزيرة ومطرانها الكلداني
من هو مطران الجزيرة؟
المطران يعقوب ابراهام :
هو فيلبس بن اوراها من عائلة بودو التلكيفية. مواليد تلكيف 1848 دخل الرهبنة الانطونيّة الكلدانيّة سنة 1866، اتشح بالاسكيم الرهباني في 27/9/1868 على يد الانبا اليشاع الياس الرئيس العام للرهبنة. درس في المعهد البطريركي الكلداني الذي أقامه روفائيل مازجي الآمدي .  وهو من أوائل المتخرجين منه. ارتسم كاهنًا سنة 1872، أخُتير للاسقفية سنة 1875 من قبل مار يوسف أودو ليذهب ويتفقد كلدان الملبار، ونتيجة لضغوطات روما وتهديداتها  يستدعيه البطريرك اودو في مطلع سنة 1877 ونزولاً عند طلب البطريرك اودو شيخ الطائفة .  عاد إلى الموصل سنة 1878، حينها كان الشيخ الجليل مار يوسف السادس اودو قد ارتاح بالرب.
 أنتقل إلى ابرشية الجزيرة خلفًا لسلفه الذي اختاره اساقفة الطائفة للبطريركية، وهناك نال أكليل الشهادة بتاريخ 16/8/1915، مع ثلاثة من كهنته والُقيت جثتهم في النهر!! وتجدر الأشارة أنه أخر أسقف كلداني في الجزيرة، وانه أيضًا أصغر أسقف في تاريخ كنيستنا الكلدانية الحديث، إذ رُسِم أسقفًا وهو أبن 27 سنة لا أكثر (رحمه الله)  . كما عرف بحس خطه  وفي كتاب فهرس المخطوطات السريانية والعربية . له نحو (5) مخطوطات خطها في السنوات 1869 إلى سنة 1875. واخر مخطوط خطه  هو قوانيين رهبنته بالأشتراك مع رهبان آخرين في دير السيدة .

استشهاد الجزيرة
كان نزيف الدم يتواصل في الابرشيات الكلدانية وغيرها في تركيا سعرد وماردين واورفا ، إذكان شبح الموت يتقدم تدريجيًا إلى أبرشية الجزيرة ليحصد الارواح البريئة، في أول الامر تساقطت قرى البوتان المسيحية الواحدة بعد الاخُرى وقُتل اهلها عن بكرة ابيهم ولم تبق الا المدينة ، مدينة الجزيرة وقد جاء دورها.... لكن هناك ثمة امل يلوح في الافق ؛ إذ كان فيها رجل غير مسيحي من اعيانها يخاف الله يدعى عثمان افندي ، فكر المسيحيون بالذهاب اليه وطلب حمايته، فكان قد تقبل من مسيحي المنطقة بواسطة الشيخ الجليل مار يعقوب اوراها مبلغًا ماديًا كهدية ، حدث ذلك سرًّا ، لكنّه تكفل بحماية المسيحيين ووعدهم خيرًا ، فاطمأنت نفوس المسيحيين ، ومن فرحهم قرروا أن يرفعوا الصلاة الخاصة كل يوم احد على نية عثمان افندي لأنه صار في نظرهم محاميهم القدير. كما قرروا ان يجعلوا صينية خاصة تُقدم له؛ لكن مع الايام اكتشفوا جليًا أن الرجل لا يعمل شيئًا ولا يحرك ساكنًا، بل يكتفي بتهدئة نفوسهم من خلا ل اسماعهم كلام معسول . وهكذا تلاشت أمال المسيحيين، وكانت بداية النهاية عندما الُقي القبض على سيّدنا يعقوب في 21 أب 1915 وبعض الكهنة ووجهاء المسيحيين فزجوا في السجن ، وبعد ثلاثة ايام لقي المطران حتفه بعد ان رمى بالرصاص في السجن .... فمثل بجثته وسحل جسده في ازقة الجزيرة والقي عند نهر دجلة . هكذا دفع المطران يعقوب ابراهام حياته في سبيل قضية جسيمة، فسقط شهيدًا للإيمان. والشهداء هم الذين سفكت دمائهم في سبيل كلام الله . والانسان في الشهادة يُضحي بأعز ما عنده، يُقدم حياته كُلها من أجل حبه لله وحبه لأخيه الإنسان. ويبقى الموت قدر الإنسان، لكنّه لا اقسى من ان يُنهي الإنسان حياته بشكل مأساوي.

للتاريخ
 وعن استشهاد المطران يعقوب كتب البطريرك يوسف عمّانوئيل الثاني في يومياته يوميات الحرب العالمية الثانية التي حققها ونشرها المؤرخ الكبير الأب بطرس حداد رحمه الله ،بغداد 2003 ط2،:
-اليوم 2 ايلول 1915 يوم جديد وخبر سوء جديد وبه صباحًا سمعتُ من جديد أن المطران يعقوب مع جماعته قتلوا، وقيل أنه قُتل في البحر والبيوت نهبت والنساء والبنات تُباع مثل الحيوانات .
كان البطريرك  يعتمد على المكاتيب أو على شهادات الناجين من مذابح الجزيرة ، لذا بعض اخباره غير دقيقة فمثلاً يكتب عن تاريخ وفاة المطران يعقوب : اليوم 29 تموز 1915 يؤكدون ان مطران سعرد هو مقتول وأن قبل كم يوم قتل مطران الجزيرة .... لكن ان مقتل المطران يعقوب حدث في اواخر شهر اب من سنة 1915 وليس في تموز.وانا أُسطر هذه الكلمات عن المطران الشهيد مار يعقوب اوراها تصوّرته وقد تهشمت اوصاله وهو يُسحل بالحبال أمام ابناء رعيته ويرمى في نهر دجلة.
رحمه الله ورحم كل شهداء الجزيرة والذين وقعوا ضحيت البطش العثماني.



من كتاب أوراق مُتناثرة من أبرشية بازبدى الكلدانية في تركيا
للأب يوسف جزراوي
قيد الطبع/سدني

20
لماذا  بعض الناس ميّال إلى التعميم؟!
الأب يوسف جزراوي
كنيسة مار توما الرسول الكلدانية/سدني

     ما لا أطيقه في هذه الحياة هو تعميم الأمور، لأن في التعميم ظلم وتجني وقتل للفرادة والخصوصية. إذ ليس كل الكون شيئًا واحدًا، وليس البشر كقطيع الغنم، وليس كل الأشجار مثمرة، وليس كل البشر بيض البشرة.  ولكن كم سهل علينا تعميم حالة ما على الجميع!
عندما تُعمم الاشياء( كل - وجميع) كأنك تحكم على جميع الناس وتقول إن كل الناس قصار القامة! كلا وألف كلا للتعميم. فعندما نعمم الأشياء ستختلط الأوراق ويصبح كل شي ذات لون واحد.
    يؤلمني ما حدث بعد 9 نيسان 2003  في بلدي الأم (العراق)وحصول ما لم يكن في الحسبان! إذ باتت تسميت العراقيين بـ ( الحواسم - علي بابا ). وأصبح العراقي "كخ" في نظر الكثيرين ولاسيما في نظر السفارات؛ بينما لم يكن كل العراقيين حواسم. لذا من أصعب المواقف وأقساها عندما نعمم الأشياء،فأنا مع التشخيص والتحديد والتميّز والفرادة والتنوع وفرز الأمور.
التعميم ناتج عن قصر النظر ومحدودية الافق...هناك من الناس بمجرد انه وجد كاهن مادي، ليعمم القول أن (كل) الكهنة ماديين..وما أن وجد في العائلة شخص سيئ ليحكم على العائلة باجمعها بالسوء. انه ظلم التعميم!
كان يقول ان (كل) الصينيين متشابهين. و(كل) كبار السن مصابون بالخرف، و(جميع) السود مُجرمين، وكأنه بتعميمه هذا بات أشبه بذلك الدكتور الذي ( يُعمم) وصفته الطبية ( الراجيته) لكل مرضاه، فيعطي عين الدواء للذي يعاني من صداع وللذي يعاني من مرض في الامعاء!! لذا في التعميم خلط للأوراق وقتل للفرادة والخصوصية والأصالة.ولازلت أتحير في أمري: لماذا الناس ميالّون إلى التعميم ولاسيّما في الأمور الضارة ....!!
عندما قدمت إلى أوربا ولاسيّما إلى هولندة كان أحد الزملاء يحذرني وبالحاح من (السود) وقال: إن جميع السود مؤذيين، مجرمين... وهو بذلك يحمل عقلية مريضة بمرض التعميم! ربّما لأنه من الممكن قد صادف أسود سيئ،  فراح يُعمم إنطباعاته على الجميع. لكن صدقوني حين يتاح لنا أن نتعرّف على أسود طيب ومُسالم خلوق، طيب المعشر من اصحاب المبادئ، إنساني
. حينها ستختلف الصورة المرسومة في ذهننا وكثيرون هم السود على تلك الشاكلة .
   ما لا أطيقه في هذه الحياة هو تعميم الأمور، لذا  أرجو ألأ نُعمم الأشياء والأحداث، ويا ليت ان ينفتح واحدنا على الآخَر  بدون أحكام مسبقة وسوابق أفكار،آنذاك سيخرج من شرنقة التعصب ورويدًا رويدًا سيتخلص من مرض التعميم. فالتعميم يخلط الأخضر مع اليابس كما نقول في لغتنا الدارجة.
 لذا لا تُعمم ولا تكن من ذوي النظرة الضيقة وطرق التفكير الخاطئة. جرب ذلك حينها ستتسامى نظرتك للحياة وستكون نظرتك عادلة ومتزنة للإنسان وللحياة.

من كتاب أفكار وتأمُّلات من تُراب ....للأب يوسف جزراوي
سيرى النور قريبًا

21
المنبر الحر / قبل غروب شمس عام 2010
« في: 02:36 31/12/2010  »
   قبل غروب شمس عام 2010
من كتاب قصص روحية وإجتماعية للأب يوسف جزراوي
كاهن أبرشية مار توما الرسول للكلدان في أستراليا ونيوزلندا
  
    قبل غروب شمس هذا العام وكلّ عام ، تستعد لبزوغ فجر عام جديد، أي ستودّع سنة بحلوها ومرّها. ووسط تباين الحدث بين الوداع والإستقبال، تتوافد الذكريات إلى المُخيلة، وتتزاحم الأمنيات في القلب.. وكلها تحمل العمق والمعنى لما لها وقع مؤثّر في النفس.
وما إن تطل نجوم السماء على الأرض ، حتى أتسأل وليتك تتسأل معي يا قارئي العزيز:(ماذا يعني أن واحدنا يودع 365 يومًا من حياته)؟هل الآمرهو إطفاء المصابيح وإشعالها من جديد وتبادل التهاني والقبلات...؟ أم مُجرد رقم يُضاف إلى أرقام سنين حياتنا ، أم هُناك شيء أعمق؟ سؤال صعب والإجابة عليه أصعب ، وتزداد الصعوبة عمقًا عندما لا يكون لنا (وقفة تأمّل) في مثل هذا اليوم . ولعلي اقسوا دومًا عندما أقول : إن إنساننا اليوم ( ليس الكل) لم يعد يعرف ان يقف ويتأمّل لبرهة من الزمن، بسبب العولمة والجري وراء المادة والعمل ومشاغل الحياة وتعقيداتها ومغرياتها.
أُعمم خبرة ذاتية تأصلت لدي قناعة مفادها: مَن لا يقف ويتأمّل من وقت لآخر  لا ينمو ولا يتقدم . ولا من عمل يحتوية الابداع والعمق إلا وسبقه صمت وتأمل وإختلاء ومجالسة ذات واستقراء للإمور.

    وما أن إبتدأت  الشمس تُسدي ظلالها  على الأرض، حتى رأيت الكل يجري بسرعة البرق، وكثيرون منشغلون، بل منهمكون في تجهيز ألذ وأطيب الأطعمة ومنصرفون لإعداد ثيابهم وقصات شعرهم  وتسريحه. ولكن قليلون بل نادرون هم الذين يفكرون( بالإحتفال مع الله اولاً)! فياليت يكون لواحدنا في مثل هذا اليوم بضع دقائق يخصصها للتأمل والصلاة وليراجع شريط حياته خلال سنة أنقضت من رحلة حياته، وليشكر الله على كل شيء وعلى نعمه التي أفاض بها عليه خلال عام إنصرم من حياته، وليتطلع إلى أمنيات وطلبات إلى الله ابي الجميع قبل إستقباله العام الجديد.
كبشر حق من حقوقنا أن نحتفل ونُعبّر عن فرحنا وسرورنا بالعام الجديد، ولكن ليتنا نفرح مع الرب اولاً، الذي منحنا الوجود، ومن ثم ننصرف لإفراحنا وإحتفالاتنا الدنيوية بهذه المناسبة.
ويطيب لي ان اروي لكم هذه القصة:
كانت جمعية ما، قد اعلنت عن إقامتها أمسية عائلية في يوم 31/12 في الساعة الثامنة مساءًا. وفي الساعة السابعة والنصف من مساء ذلك اليوم كان في الكنيسة جلسة صلاة ثم قُدّاس شُكر لله بمناسبة إنتهاء السنة. ماهو ملفت للنظر كان الحاضرون إلى القدّاس لا يتجاوز ال(20)، بينما كان عدد الحاضرين في الحفل يتجاوز ال(400).
  في القُدّاس وعظ الكاهن:" كثيرون منهمكون اليوم بالذهاب إلى الصالونات لإعداد قصّات شعرهم وتسريحه لحضور حفلٍ عائليٍ، كنسيٍ أو أمسية إجتماعية، والبعض الآخر منهمك في التسوق لتجهيز ألذ وأطيب الأطعمة، وليس لديهم نصف ساعة في هذا اليوم يقولون  فيها شُكرًا لله الذي منحهم الحياة.
شكرًا....وطوبى لكم أنتم الذين أتيتم للإحتفال مع الله أولاً ولتقولون له شكرًا على سنة انقضت من حياتكم".
الحكمة: قبل أن ينطوي آخر مساء من كل عام في حياتنا، يا ليت أن يخصص إنساننا في مثل هذا اليوم قلما يكون نصف ساعة للتأمّل والصلاة وفحص الضمير ومراجعة شريط الحياة خلال سنة أنقضت من رحلة حياته، وليشكر الله على كل شيء، وعلى جميع نعمه التي أفاضها عليه وعلى عائلته  خلال عام إنصرم من حياته وليتطلع إلى أمنيات مستودعًا آياها بيد الله.
     وقبل مسك الختام أستطرد قائلاً وفي قولي هذا دعاء، بل أمنية:
 قبل أن ينطوي آخر مساء من هذه السنة، أملي أن يكون لجميعنا وقفة تأمّل وصلاة وتساؤل ومراجعة ذات وفحص ضمير ــ وقفة تجعلك تعلو وتحلق وتسمو عاليًا للوصول إلى بواطن معاني الحياة.

22
الأب د. بُطرس حدّاد  شمس لا تعرف الغروب


عندما كنتُ أُدبج هذه الصفحات عن الراحل الكبير بقلبه وبنتاجه لمعت في ذهني بعض الذكريات مع المؤرخ العريق الأب حدّاد ألاّ وهي: لما أنتقل الأب بُطرس حدّاد  رحمه الله إلى كنيسة سلطانة الوردية احتفل بعد بضعة شهور  بذكرى رسامته ال(40)  في قاعة الكنيسة، وكانت القاعة تغص بالمؤمنين وبعض الكهنة وعدد من العوائل والشباب الذين قدموا أيضًا من كنيسة مار بثيون- البلديات وكان منهم ( شماس بولس، يوسف الساعور/ أبو صفاء، باسل صباح حوير وعائلته وشقيقته سهير حوير وعذراء مانؤيل وهيثم جورج وباسل صليوا والشماس سعد نافع وزوجته وعازف الجوق ريان وأعضاء الجوق والأخوية وغيرهم) فقلتُ للراحل الكبير:آهلنا الله لنحتفل بيوبيلك الذهي. فابتسم وقال: "عيني سوف أفرح به في السماء.. البركة بيكم". وبالفعل هذا الذي حصل!
كان الرجل يرفض أن توضع نبذة عنه في نهاية مؤلفاته لكنه اقتنع أخيرًا في كتابه يوميات الحرب العالمية الأولى وعبر من كتب التراث والتاريخ للحوار المسيحي الأسلامي. كان يقول لي: "أكتبها بعد أن اموت". وكان قد أعطاني معلومات عنه وقال أنها بمثابة سيرة ذاتية. ولما تحدثنا معًا أخر مرة  أوصاني قائلا ":"أبويّ لا تنسى الأمانة".
واليوم أنشر هذه الصفحات بمناسبة الذكرى الـ(49) لرسامته الكهنوتية ووفاءًا مني  لأستاذي  المؤرخ العراقي الكبير والعلامة الأب بطرس حدّاد، الذي عاش حياته خلف الأضواء ولاسيّما في سنواته الآخيرة عاش مُنزويًا في مقر إقامته وخدمته في كنيسة سلطانة الوردية ببغداد، ولم يلقَ أي أهتمام يذكر، فكرس ذاته وفنى نفسه من أجل التراث والتاريخ وأن كان هذا على حساب خدمته الرعائية في الكنائس التي خدم فيها. إذ صعب التوفيق الدقيق بين متطلبات حياة الكاهن ، وبين تطلعاته ومواهبه وهواياته وواجباته كرجل علم .. والأب حدّاد بقدر ما خدم كنيسة العراق، فلقد خدم أيضًا العراق والعراقيين علمًا وأدبًا وثقافة وتراثًا في حياته المدنية. لقد تنوعت حياة الأب بُطرس حدّاد تنوعًا كبيرًا ، فهو كاهن ومختص باللاهوت وراعي كنيسة ومترجم نصوص تاريخية عن لغات أخرى، ومحقق لتواريخ ، وكاتب سير وتراجم ، وإنسان يمتلك حسًا فنيًا، أحب الموسيقى والترانيم ، كان يمتلك صوتًا شجيًا  ويتقن ألحان الطقس الكلداني، علاوة على إنه رسّام تشكيلي وله عدة محاولات كما كان حسن الخط ، فصيح اللسان خطيب لبق يرتجل كلماته ومواعظه، مُحبًا لجميع الناس بلا تميز.
سمي بحارس ذاكرة الكلدان، المؤرخ الكبير، البحاثة، المصنف المتنوع....
سيرته الذاتية:

أسمه قبل الانخراط في الكهنوت ناظم ميخائيل يوسف مقدسي رفو حدادّ . تولد في  الموصل بتاريخ 25\11\1937 (وأخطئ من قال 1938)، من أسرة كلدانية عرفت بالتزامها الديني تضم ثلاثة أبناء وابنة واحدة. غانم حدّاد هو الأخ الأكبر وأخته غانمة وأخيه يوسف. وناظم الأبن الأصغر. وأباه ميخائيل يوسف الذي توفي وهو لايزال صغير السن وأمه نجيبة حنا قطلو واللذان منهما تعلم مخافة الرب ومحبة كل الناس بدون تميز ومنهما تعلم أيضًا التمسك بجذور كنيسته وشعبه وبلده. كان جده يوسف كبير شمامسة بيعة مسكنتا في الموصل ، ويلقب شماس يسو ، كان من أشد الذين تأثر بهم الأب بطرس الذي اعتاد منذ صغره التردد على الكنيسة أكان مع إخوته أومع زملائه طلاب المدرسة التي كانت تجمع أبناء كلدان الموصل، تلك المدرسة التي تأسست في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بجوار كنيسة شمعون الصفا  في الموصل ولهذا عرفت المدرسة بأسم مدرسة شمعون الصفا،إذ كان معظم أبناء الطائفة الكلدانية يترددون عليها.
      بعد أن أنهى الأب بطرس حدادّ دراسته الابتدائية عزم على الدخول في سمنير الكلدان في الموصل، ألاّ أن عائلته منعته من ذلك وحُجتهم انه لايزال صغير السن، فأنتقل إلى مدرسة متوسطة حكومية أكمل فيها الصف الأول المتوسط الا ان حماسه واندفاعه الشديدين ورغبته نحو الإقبال على الكهنوت وخدمة النفوس ودعوة الرب كلها عوامل دفعته إلى دخول المعهد الكهنوتي في اواخر ايلول سنة 1951 بعد ان تم قبوله في خريف العام ذاته ،وهناك أكمل دراسته المتوسطة.
      وفي صيف  1954 أُختير من إداة معهد شمعون الصفا البطريركي في الموصل  لإكمال دراسة البكلوريوس والماجستير والدكتوراه في الجامعة الاوربانية (بروبغندة- كلية إنتشار الإيمان) في روما(سُميت بالاوربانية نسبة إلى البابا أوربانوس الثامن الذي أسسها). أوفد ناظم  إلى روما مع أبن جلدته  فاروق حَبّي  والذي غدى بعد ذلك العلامة الكبير الأب يوسف حبّي، وهناك نهل من العلوم والثقافات وتعلم اللغات إلى  أن نال شهادة البكلوريوس سنة 1957 وبعدها أكمل دراسته العليا فنال شهادة الماجستير في الفلسفة سنة1961 عن اطروحته عن القديس أوغسطين وله ماجستير في اللاهوت عن اطروحته المُسماة"سفرة الراهب صوما في القرن الثالث عشر من بغداد إلى الغرب" . رسم كاهنًا في 20 /12/1961.  نال شهادة الدكتوراه في اللاهوت سنة 1964 من الجامعة المذكورة سلفًا.
عاد إلى مسقط رأسه الموصل سنة 1964، حيث تعين حينها في كنيسة أم المعونة في منطقة الدواسة،وهذا  كان  أول تعيين كنسي رسمي له. في سنة 1966 أنتقل إلى بغداد للخدمة في المعهد الكهنوتي البطريركي في الدورة معاونًا للأب ( المطران) إبراهيم إبراهيم إذ طلبه من بغداد البطريرك الطيب الذكر مار  بولس الثاني شيخو ليقوم بتدريس التاريخ الكنسي في المعهد الكهنوتي الكلداني المنتقل إلى بغداد- الدورة. وأستمر في الخدمة فيه إلى عام 1968. إذ تعين للخدمة في كنيسة مار يوسف البتول – خربندة- كمعاون للخوري قرياقوس حكيم رحمه الله.

في صيف 1968 أوعز إليه الطيب الذكر البطريرك مار بولس شيخو للعمل في ارشيف البطريركية الذي كان وقتذاك في دير القديسة تريزيا في بغداد- السنك وأستمر في العمل إلى سنة 1974.
ولما تسنّم غبطة مار روفائيل الأول بيداويد الكرسي البطريركي سنة 1989 عينه مديرًا للديوان البطريركي/قلم البطريركية ومسؤولاً عن أرشيف البطريركية، وفي بعض الزيارات خارج العراق كان يرافق البطريرك بيداويد كسكرتيرًا له. ولما أعتلى السدة البطريركية غبطة البطريرك مار عمّانوئيل الثالث دلّي سنة 2003، أستمر عمل الأب حدّاد في البطريركية الكلدانية . حيث عملتُ تحت أشراف الأب الفقيد سنة 2004 بصحبة الأب نادر إسماعيل الراهب في أرشيف البطريركية ومكتبتها العامرة بدعوة من الأسقف الراحل مار أندراوس أبونا رحمه الله، وبمباركة غبطة البطريرك مار عمّانويل الثالث دلّي . وكان الأب حدّاد وقتذاك يُحضر لنشر رسائل البطريرك مار يوسف أودو فكان بين الحين والاخر يوعز إليّ بجلب رسائل البطريرك أودو ووضعها في مكتبه في البطريركية ليتأكد من تاريخ معين أو أسم ما... إذ كان رحمه الله دقيقًا في عمله وحريصًا على ما ينشر وينتج.


أستمر الأب بطرس في منصبه في البطريركية  إلا أن سوء حالته الصحية وسوء الأوضاع الأمنية دفعته في صيف 2006 إلى طلب إعفاءه من المنصب الذي وحسب ظني لايزال شاغرًا من بعده إلى يومنا هذا.
 في سنة 1978 عُين للخدمة في كنيسة ما ر بثيون الكلدانية في حي البلديات، هذه الكنيسة التي خدمها 23 سنة وأحبها بكل جوارحه وبكل ما تحمله الكلمة من معنى،وقد تتلمذت تحت يديه وأشرافه هناك .
في 6/8/2001 أنتقل للخدمة في كنيسة سلطانة الوردية ( قديسة ريتا- أمُّ الدرج) كرادة خارج. وفي مطلع رسالتي الكهنوتية خدمت معه في هذه الكنيسة فترة قصيرة.
للفقيد مكتبة كبيرة عامرة وغنية بامهات بطون المراجع والمصادر، تربو إلى 10 ألالف كتاب ومجلة ومخطوط، بحسب تقدير الأب الراحل، كان قد تبرع لي شخصيًا سنة 2005 بما يزيد عن 200 كتاب، وقبلها كان قد تبرع سنة 1992 لمكتبة المعهد الكهنوتي ما يقارب ألفي كتاب ومجلة.
اهتم رحمه الله بأدب الرحلات فترجم عن الفرنسية والإيطالية  وللأتينية والإنكليزية إلى العربية مؤلفات عدة تحكي صفحاتٍ من تاريخ العراق الذي أعطاه جُلَ اهتمامه، إذ كان  يدفعه في ذلك حُبه وحرصه على حفظ تراث بلده وكنيسته  ومساعدة الباحثين وطلبة الدراسات العليا  بما يصبون إليه من حقائق ومعلومات.
 نشر الأب بطرس الكثير من المقالات الرصينة على صفحات أكثر من (20) مجلة ونشرة محلية وعالمية وبعدة لغات. وله ما يزيد عن (40) مؤلف بين تآليف واعداد وترجمة وتحقيق.
كما أهتم رحمه الله  بأدب الرحلات  إلى بلاد وادي الرافدين . إذ  ترجم عن الفرنسية  مقتطفاتٍ من رحلة تيفنو إلى العراق المنشورة في مجلة بين النهرين (1974)، وعن الايطالية ترجم رحلة الأب فنشنسو إلى العراق ونشرها بقسمين الأول نشر بمجلة مجمع اللغة السريانية (1975) والقسم الثاني نشر في مجلة المورد (1976) وقد طبعت الرحلة بكتابٍ مستقل في الموصل سنة 2009، وله عن الانكليزية رحلة تيلر إلى العراق المنشورة بمجلة المورد (1982) العدد1، وعن الفرنسية رحلة لجان إلى العراق التي نشرها في مجلة المورد (1983) العدد3، وطبعت بكتاب مستقل في  بغداد سنة  2009، كما ترجم تقرير المطران باييه عن العراق وهو باللغة اللاتينية ونشره في مجلة بين النهرين (1983) وعن اللاتينية أيضا ترجم الرحلة الشرقية للأب فيليب الكرملي ونشرها في مجلة المورد (1989)العدد4، وعن الايطالية ترجم رحلة فيدريجي إلى العراق المنشورة في مجلة المورد (1989)العدد4 وعن الايطالية ترجم أيضا رحلة ديللافاليه إلى العراق (السائح العشق وقصة الحبّ مع ست معالي العراقية) طبعت ببغداد سنة 2001، وكذلك رحلة سبستياني إلى العراق القرن السابع عشر طبعت ببغداد سنة 2004
في سنة 2005 صدرت له ببغداد رحلتان ايطاليتان هما رحلة بالبي إلى العراق ورحلة اوجين فلاندان رحلة في مابين النهرين.
وفي سنة 2009صدرت له رحلة أخرى عن الفرنسية هي رحلة من بغداد إلى حلب للوي جاك روسو، ولديه رحلات أخرى كانت قيد الطبع في طهران ولندن والأخرى تحت الترجمة.
كان عضوًا في المجمع العلمي العراقي ( هيئة اللغة السريانية)
عضوًا في إتحاد كتاب العراق
عضوًا في دائرة التاريخ والتراث،الواقعة في شارع العلاوي ببغداد.
من محبي شارع المتنبي وكان مُلتقاه في مكتبتي المثنى والرباط.
عضوًا في هيئة أو بيت المدى للثقافة والفنون
كان يتمتع بعلاقات مُميزة في الأوساط الثقافية العراقية والدولية، مُنفتحًا على الجميع، فأحبه الجميع.
له أكثر من مُقابلة تلفزيونية في تلفزيون العراق وقناة عشتار الفضائية وقناة الشرقية، إذ تحدث في قناة الشرقية عن الأب انستاس الكرملي.

المؤلفات
صدر للأب بطرس حدّاد ما يزيد عن ال(40) نتاجًا بين ترجمة وتحقيق وتأليف، نذكر منها:
• المُرشد إلى القدّاس الكلداني ( باكورة أعماله)
• البُشرى السارة
• التاريخ الصغير (ترجمة)
• الفاتيكان (ترجمة)
• الرهبنيات النسائية في الكنيسة الكلدانية
• رهبانية بنات مريم الكلدانيات
• أخواتكم الراهبات الكلدانيات
• صفحات ناصعة( عن البطريرك شيخو في طبعتين 1972- 1980)
• المُعجزات بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي
• تلاميذ المسيح بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي
• الصلاة الربية بالتعاون مع الأب فرنسيس المخلصي(ترجمة)
• فهارس المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبنة الكلدانية بالتعاون مع الأب ( المطران) جاك إسحق( جزئين).
• يسوع بحسب متى (طُبع بمناسبة صلاة الأربعين للأب فرنسيس المُخلصي)
•   المخطوطات العربية النصرانية في مكتبة المتحف العراقي ببغداد،بغداد-1987.
• دير ما اورها
• الشهر المريمي وطبع بعدة طبعات في العراق
• قلب يسوع الأقدس وطبع أيضًا عدة طبعات في العراق
• قديسة ريتا ( طبعتين).
• مار إيليا الحيري
• كنائس بغداد ودياراتها ( وهو بحسب رأيي المتواضع واحد من أثمن وانفس مؤلفاته التاريخية) بحيث يعد مرجعًا في تاريخ كنيستنا وتاريخ بغداد الحديث.
• يوميات الحرب العالمية الأولى( الطبعة الأولى أمريكا).
• يوميات الحرب العالمية الثانية ( الطبعة الثانية الذي طبع باشرافي بالتعاون مع الأب حبيب النوفلي ضمن منشورات كنيسة مار كوركيس الكلدانية) 2003 وفي مؤخرة الكتاب نشرت جزءًا من السيرة الذاتية للأب بُطرس.
• مختصر الأخبار البيعية( تحقيق ونشر).
• رحلة ديللافالية إلى العراق ( السائح العاشق) ( ترجمة عن الإيطالية).
ط 1 2000و الطبعة الثانية نشرتها له إحدى المؤسسات العراقية التي تُعنى بالتراث سنة 2004.
• إبرشية عقرة الكلدانية ( تحقيق)
• المؤسسات البطريركية (ترجمة عن الفرنسية)
• عِبر من كتب التراث ( مقالات في مجلة الفكر المسيحي في باب عبرة من الأمس. جمعتها له ونشرتها في كتاب بعد أن تمت طباعته في شارع المتنبي 2003).
• وثائق آل رسام ( منشورات الرهبانية الكلدانية، كنت قد أدخلتها على الكوبيوتر وأشرف على الطباعة الأب سامر صوريشوع الراهب).
• ما ر يوسف الأول (منشورات الرهبانية الكلدانية ، بجهود الأب سامر صوريشوع).
• رحلة سبستياني ( الراهب الكرملي) كنت قد نضدت الكتاب وإشرفت على أخراجه الفني وطبع في مطبعة الديوان ببغداد.
• رحلة من بغداد إلى حلب للفرنسي روسوّ
• رسائل البطريرك ما ريوسف أودو (جزئين) منشورات الرهبانية الكلدانية بجهود الأب سامر صوريشوع الراهب
• رحلة الجوهري البندقي بالبي
• نُبذة في تاريخ المدرسة الكهنوتية للخوري داود رمو منشورات المعهد الكهنوتي بغداد 2002. (تحقيق)
• الخواطر للخوري داود رمو ( تحقيق وتعليق).
•   وثائق تاريخية كلدانية ،حققها ونشرها الأب بطرس حدّاد، بغداد-2010.
وهو يرقد في مستشفى الراهبات صدرت له عن الفرنسية رحلة من اسطنبول إلى البصرة1781 للرحالة الايطالي سيستيني المطبوعة في بيروت سنة 2010،وله رحلتان قيد الطبع أحداهما كانت تُطبع في طهران والأخرى في لندن.

وفاته

كان الراحل الكبير يُعاني من مرض السكري، ولما عشت معه في كنيسة سلطانة الوردية كنت أراه يحقن نفسه أحيانًا في الفخذ الأيمن أو الأيسر بحقنة أنسولين. بتاريخ 30 /10/2010 تعب الأب بُطرس وشعر بالإنحلال الجسدي فأتصل بالأب صلاح خدور ليأتي إلى الكنيسة ويقوم بالعماذ عوضًا عنه. ورغم المتاعب التي كان يُعانيها  الأب حدّاد إلا أنه رفض الذهاب إلى المستشفى. وفي صباح اليوم التالي ساءت حالته ولم يتمكن من الوقوف على قدميه فأتصل بعازف الجوقة السيّد عمر كتي وأصطحبه إلى مُستشفى الراهبات في الكرادة داخل- منطقة 40 حرامي بتاريخ 31/10/2010 في يوم مذبحة كنيسة النجاة. وهو يخرج من غرفته عاد ففتح باب مكتبه مرة أخرى، ونظر إلى مكتبه حيث كان يوضع عليها كتاب كان قد إنهمك فيه، فنظر إليه وقال رحمه الله:" آه يا كتابي العزيز سوف أشتاق لك كثيرًا" وأوصى الشباب الذين كانوا متواجدين في باحة الكنيسة على الإستمرار بالحضور إلى الكنيسة والتمسك بإيمانهم.( معلومة أمدني بها الأخ عمر كتي /عازف الجوق).
للأسف يومًا بعد يوم كانت  حالة الفقيد تزداد سوءًا وصحتة  بالنازل. وحسب ما قيل لي كان يشعر بالخوف ( ولم يلقَ أي أهتمام يذكر، فمثل الأب حداد لو كان في بلد أخر لكان حمل على كفوف الراحة. هكذا تعلمنا في الشرق أن نهمش مُبدعينا في حياتهم ونكرمهم بمماتهم!!. لقد خسرناه!
رقد بالرب بعد أن لفظ  الرجل أنفاسه الأخيرة بكل هدوء وسلام عصر يوم الجمعة 26/11/2010 في قرابة الساعة الخامسة والنصف عصرًا وله من العمر 73سنة بعد أن تفاقم لديه مرض السكري ومعاناته من ارتفاع اليوريا وعجز الكليتين.
أهتزت الأوساط الفكرية والعلمية والتاريخية لرحيل هذا الصرح العراقي الكلداني العريق.نعاه كل من  فخامة الرئيس العراقي  السيّد جلال  الطلباني ونائبه عادل عبد المهدي، وسيرة حياته التي نشرتها في موقعي عنكاوا وقناة عشتار الفضائية تصدرت العديد من الصحف العراقية علاوة على المواقع الألكترونية وقد أخذ عنها من الكتاب ما أخذ.
شيع عشرات المسيحيين في موكب رسمي ببغداد جثمانه الطاهر بعد أن انتشر خبر وفاته اسرع من البرق في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية  ووسائل الأعلام المرئية وكتب عنه الكثير من اقلام عراقية. حضر مراسيم تشيعيه شخصيات أدبية وعلمية وسياسية  وشخصيات الدولة العراقية ورجال دين.
دفن في مقبرة الكهنة للكلدان في بعقوبة. وأقيم له أكثر من تأبين ولاسيما من محبيه وهيئة التاريخ وبيت المدى للثقافة والفنون.
ختامًا
هناك أشخاص يموتون فنبكي عليهم لوقت وقصير وننساهم أو نتناساهم لأنهم كانوا الحاضرين الغائبين، أو لان المركز هو من أعطى لهم  قيمة ومكانة إجتماعية، وهناك شخصيات تموت نبقى نبكي عليها حياتنا باكملها ونسترجع ذكرياتهم وماثرهم ونتحسر على فراقهم، هؤلاء قيمتهم بذاتهم الفريدة ، والأب حدّاد هو اليوم الغائب الحاضر بعد ان بصم له بصمة مؤثرة في النفوس وفي الحياة وترك بعده آثرًا يذكر ويشكر.
نام يا أبتي واستاذي قرير العين بسلام المسيح. وداعًا يا أبتي الحبيب، سنتذكرك كلما رجعنا إلى الكتب والأبحاث التي وضعت فيها عصارة فكرك ودراستك وبحثك، وسيظل أخوتك الكهنة والسادة الأساقفة يتذكروك من على مذبح الرب، وسيظل كل طلابك وقرائك وكل من عرفك وأحبك ونهل من علمك وكتاباتك  يتذكروك من خلال مؤلفاتك وكتاباتك وكتبك وخدماتك الإنسانية. ستبقى محبتك مغروسة في الأعماق وذكراك عالقة في الأذهان، وسيبقى صوتك وكلماتك الموصلية( هلو عيني، أشلونك أبويّ) تجلجل في زوايا مكتبك في كنيستك في بغداد، بل سيبقى صدى صوتك وصدى هذه الكلمات واثارك تُجلجل في نفوسنا، فنم قرير العين بسلام المسيح. ولتكن صلاة أمنا مريم التي أحببتها ورنمت لها كثيرًا معك وهي تقودك لملكوت السماء. اللهم أمين وأمين.
شكرًا يا رب على كل النعم التي أعطيتها لشعبك وكنيستك بشخص الأب بطرس حدّاد.
في الختام أقول لك يا أبتي
ستبقى حيًا في حياتي إلى أن تنطفى شمعة حياتي، فقد حفرت لأسمك البقاء المجيد، وأنك تستحق الخلود لما تركته بعدك من محبة وآثار ونتاجات وذكر حسن وطيب. وهذه شيمة العظماء، إذ وحده العظيم الذي بمقدوره أن يترك بعد آثر يذكر ويشكر. ومن لا اثر له لا يستحق الخلود.




الراحة الأبدية أعطه يا رب ونورك الدائم ليشرق عليه.
نام أيها المؤرخ الجليل فلقد حفرت لأسمك البقاء المجيد.... لقد تركت بصمتك في جبين التاريخ
إنك بحق شمس لا تعرف الغروب.


تلميذك دومًا الأب يوسف جزراوي
كاهن أبرشية مار توما الرسول للكلدان في أستراليا

23
وصية البطريرك مار يوسف السادس أودو(1793-1878)
الأب يوسف جزراوي
 
مُقدِّمة
 من باب الأمانة التاريخية أذكر بأن نص هذه الوصية سبق وأن نشره المؤرخ العلامة الأب بُطرس حدّاد رحمه الله في مجلة المشرق البيروتية، السنة الثَّالثة والسَّبعون، الجزء الثاني، في تموز- كانون الأوّل 1999،ص509-514، وكان الأب الراحل سبق وأن منحني هذه الوصية في (مُسْتَلّ).
ولما كنتُ أستعد لنشر كتابًا عن البطريرك مار يوسف السادس أودو(حياته-مواقفه-وصيته- أعماله-آثاره-البطريرك أودو والعلمانيون) الصادر في بغداد بمناسبة ذكرى رسامتي الإنجيلة، ارتأيت إعادة نشر هذه الوصية ضمن مُحتويات الكتاب لتعميم فائدتها على الُقرّاء والباحثين ومُحبي التراث والتاريخ،وذلك لأن المجلة التي نُشرت فيها الوصية نادرة الوجود في مكتبات العراق ومكتبات كنائسها وأديرتها، لذا عندما قدم لي أستاذنا الراحل الأب حدّاد نُسخة من الوصية أبلغته في حينها بأنّني سوف أنشر الوصية مُجددًا في كتابي المُشار اليه سلفًا مع إدخال هوامش أضافية ونُبذ وتعريفات جديدة، فأبدى الرجل موافقته وتحمسه وأمدني ببعض المعلومات الأضافية المُفُيدة أثناء مراجعته وتنقيحه للكتاب.
ومن الجدير ذكره بأن الأب بُطرس حدّاد كان قد وجد نص الوصية في الخزانة البطريركية ببغداد، وقد أطلعني عليها مشكورًا أبّان عملي في أرشيف البطريركية صيف 2004. وهي ضمن ملف البطريرك أودو.
كما ذكر الأب حدّاد أن الوصية مكتوبة بخط حسن وجيد لأطّلاعه على رسائل أُخرى عديدة بخط البطريرك أودو. والوثيقة لا تحوي على توقيع البطريرك ولا ختمه.
وشخصيًا كنتُ قد أطلعت على دفتر(كُراس) للبطريرك مار يوسف أودو ووجدته في أرشيف البطريركية وهو بخط سيئ يحوي على حسابات الدار البطريركية وبعض التفاصيل زيارته الرعائية لسنة 1867 لقرى الأبرشية ومصاريف رحلته إلى روما لحضور جلسات المجمع الفاتيكاني الأول (1869-1871) وعودته إلى كرسيّه البطريركي مُجددًا، وفيه أيضًا بعض اليوميات والتواريخ والأحداث المُهمة في حياته. وكذلك أطلعت على بعض رسائل البطريرك أودو بالكلدانية والعربية. وعندما أطلعتُ على نص الوصية الأصلي، تأكدتُ أن الخط لا يعود للبطريرك يوسف أودو لعدم تطابق الخط بين نص الوصية ودفتر اليوميات والمصاريف.
كما أميل إلى أن البطريرك يوسف السادس أودو كان قد تلى بوصيته على مجموعة من الأشخاص ولم يكتبها بخط يديه، بل كان هُناك من يسجل كلامه بحضور بعض الشهود. والدليل قول البطريرك:"أيّها السامعون والحاضرون". وكذلك بقوله:" ثم زنجيل الذهب المُتكلف ستّة عشر ليرة الذي تشوفونه الآن بيدي". هذا يدل على أن البطريرك كان قد أوصى بوصيته شفويًا وهناك من كان يدون كلامه على الورق.
كما أن نص الوصية لا يخلو من بعض الكلمات العامية والموصلية والتركية التي كانت دارجة آنذاك(القوناغ، تشوفونه، الخواجة، سلا مبول، لئن، لازم). أضافة إلى أن الوصية خلت من توقيع أو ختم للبطريرك أودو. والنص لم يخلو من بعض الأخطاء العربية.

ملاحظة: شكرًا للأب الراحل بُطرس حدّاد الذي أمدني بهذه الوصية وبغيرها من الوثائق التاريخية المهمة  وبالكثير من المعلومات التاريخية ووفاءًا مني لهذا المؤرخ الجليل  سوف أنشر بعون الرب قريبًا سيرته الذاتية كما خرجت منه.
الأب يوسف جزراوي

نص الوصية(الورقة الأولى)
 "أيّها السامعون الحاضرون(1):إشهدوا بأنني قد أخطأت في مدة حياتي،إلاّ أنّني بنعمة الله عملت خيرًا لأجل انتشار الكنيسة المُقدّسة الكاثوليكية،وتعمير الكنائس(2) وقوانيغ(3) للبطريركية؛ وترجيع الهراطقة إلى الإيمان الكاثوليكي المُقدّس(4).
وإن كان قد صدر منّي ضرر بحق أحدٍ، فذلك لم يكن قصدًا أو لغاية رديّة.
واقرّر مُعترفًا بأنني أريد أن أموت بالإيمان الكاثوليكي مُتّحدًا مع الكرسيّ الرسولي وطائعًا إلى الحبر الأعظم الروماني(5). ونظرًا لمقاومتي الكرسيّ الرسوليّ فلم يكن ذلك بنيّة العصيان لا بل رغبة بخير طائفتي؛ وإذا إنني غلطتُ فها أنا الآن تائب عن ذلك الغلط وأطلب الغُران(6).
ثمّ أُهدي بركتي إلى جميع المؤمنين أولاد طائفتي مُستمدًا من يسوع ومريم والقدّيسين أن يحفظوهم بالإيمان مُصانين نفسًا وجسمًا ومُباركين بجميع أمورهم الزمنيّة والروحيّة.
أمّا الرهبان والقسّان العاصين(7)، ولو أنهم مُستحقين كلّ صرامة إلاّ أنّني أرغب أن يعاملوا بالرأفة والرحمة وبسلامة الرب(8).
فليكن معلوم ثمّ، ولئن كان البطريرك سالفي(9) لم يورثني شيئًا بتّة، إلاّ أنّني أوصي بأن تكون تركتي التي هي ملك شخصي الخصوصيّ عائدة إلى العوام(10) ويكون مُثبتًا من الكُرسيّ الرسوليّ الذي سيقوم بعدي. والجُبة والجوخ والأزبون(11) الجدد اللذين وردا في هذه الأيّام من بغداد، مع أغطية الكأس الاثنين المقصّبين(12) يكونا أيضًا للبطريرك المومى إليه بشرط أنّه يُقدّس عن روحي ثلاثين قداسًا(13)، وإن لم يقبلهم بهذا الشرط يُعطوا إلى السيّد مطران توما بالشرط المذكور عينه. ثم زنجيل الذهب المُتكلف ستّة عشر ليرة الذي تشوفونه(14) الآن بيدي، هو شغل سلا مبول(15)فهذا أيضًا يكون للبطريرك الذي يقوم بعدي(16)، بشرط أنّه يُقدس عشرين قداسًا عن روحي(17). ثم الخاتم الذي فيه صورة سيّدنا البابا الذي أُسلمه كما ترون بيد الأب البادري الرئيس(18) القائم ها هنا يكون علامة الطاعة للحبر الأعظم والإتحاد مع الكُرسي الرسوليّ المُقدّس، بشرط أنه يرجع إلى البطريرك الذي يقوم بعدي مؤيدًا من الحبر الأعظم الروماني.
ثمّم أوصي بأن يُعطى إلى سائر الخدّام لكلّ واحد خمسين غرشًا علاوة على أجرة شهريّتهم المُعتادة لقاء أتعابهم الزائدة هذا الشهر.
(الوجه الثاني- خلف الورقة)
ثمّ أوصي أن يُعطى السيّد مطران توما خمسماية غرشًا. وإلى أخي مرخو ستمائة غرشًا وذلك بما أنّه فقير الحال وله معي أتعاب وليس سبب أنّه أخي(19).
أطلب من ذمّة الرهبان (20) دين قرضة خمسة عشر ليرة فرنساويّة وماية وعشرين غرشًا....ثمّ اقرّ بأنّه: لما رسمت المطران توما كان تعهّدت له بان يعيش من نفقات البطريركيّة، كما قد تمّ ذلك إلى الآن حيث ما كان له أبرشيّة تقوم بمعيشته(21) فأوصي أن يوفي هذا التعهّد من بعدي أيضًا(22).
الديون التي عليّ بموجب سندات إلى الخواجة(23) نعمة الله يوسفاني والخواجة إسطيفان عجاج، وبلا سند يطلبني الخواجة داؤد تمو(24) ألف وخمسمائة غرش، فهذه جميعها توفي الإسعاف الذي عيّنه لي الكُرسيّ الرسوليّ وقدره خمسة آلاف فرنك الذي وصل من النصف وباقي النصف(25).
ثمّ أوصي أن يعمل عن روحي في كلّ كنيسة جنّازين، وكلّ قسّيس لازم أن يُقدّس عن روحي قدّاسين وآمر جميع المطارين والقسوس والشمامسة أن يسلكوا بكلّ أمنية واستقامة مع الكُرسيّ الرسوليّ. وأطلب من شعبي أن يكون ثابتًا في طريق الحق وطائعًا للرؤساء على الدوام.
ثمّ أريد أن أُدفن في كنيسة مسكنتا بين الباب الذي تدخل منه النساء وبين الباب الذي تدخل منه الرجال بطرف الحوش الكبير والهيكل، وإن كان يصير سجس من إدفاني هُناك فيلزم أن أُدفن في كنيسة الطهرة أو في دير السّيدة(26). ولازم يكون القبر معمول كلّه من فرش مرمر طوله أربعة عشر شبرًا،وعرضه اثني عشر شبرًا وعلوّه أزود من قامة إنسان(27)، ويوضع فوق القبر الإنجيل المُقدّس وعلامة الصليب لأجل الزيارة(28).
23  آذار 1878 وذلك صباحًا في الساعة الرابعة(29) من النهار المذكور(30).
الأب ليفي(31)شهد بما فيه المطران توما خنجر خان
القس أنطوان غالو(ختم)(32)
قسّ يوسف سطفانوس يوسف كهنة القوش(ختم)
الأب دوفال(ختم)
داؤد تمّو (ختم)
القس يعقوب نعمو (ختم)(33).


الهوامش
(1)أميل إلى أن البطريرك يوسف السادس أودو كان قد تلى بوصيته على مجموعة من الأشخاص ولم يكتبها بخط يديه، بل كان هناك من يسجل كلامه بحضور بعض الشهود. وقد نوهتُ عن ذلك سلفًا في المُقدِّمة.
(2) اهتم البطريرك بتعمير كنيسة تلكيف سنة 1849، وتعمير كنيسة مار بثيون في الموصل سنة 1850.وتوسيع كنيسة مسكنتا وجعلها كاتدرائية ذات طراز شرقي سنة 1850، كما شيد كنيسة مار كوركيس في باقوفا سنة 1854.كما جدد كنيسة الطهرة سنة 1872.
وعمل على تجديد دير مار إيليا، وتشيد وترميم مدرسة الطائفة في بغداد سنة 1855.وسع الدار البطريركية في الموصل. وأهتم أيضًا ببناء دير السّيدة حافظة الزروع وقد وضع حجر الأساس في 2تشرين الثاني 1857.مساعيه في بناء كاتدرائية أمُّ الأحزان في بغداد، لكن البطريرك أنتقل إلى جوار ربه قبل تحقيق المشروع.
بناء كنائس في كركوك وحلب وافتاح المعهد الكهنوتي البطريركي في الموصل. (للمزيد طالع الأب يوسف جزراوي: البطريرك مار يوسف السادس أودو، بغداد 2004).وعن المعهد الكهنوتي البطريركي( طالع ماكتبه عنه الآب بُطرس حدّاد. وطالع عنه كتابنا نبذة عن المعهد الكهنوتي البطريركي وأنتقاله إلى بغداد. بغداد 2003).
(3)كلمة تُركية تعني منزل القوافل أو مسكن. وسمّي بيت البطريرك بالقوناغ لأنّه مفتوح لكلّ أبناء الطائفة.
(4)نقرأ في سجل الرهبنة الهرمزدية الكلدانية تسلسل(24)ص112، بأن البطريرك أدخل إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية أكثر من ألفي من الهراطقة والنساطرة. ومن الغير المؤمنين حوالي 30 شخصًا.
(5)كان البطريرك أودو قد أختلف مع البابا بيوس التاسع(1846-1878) فتحول الإختلاف إلى خلاف فكان للبطريرك أودو مواقف فيما يخص قضية الملبار وقضية رسامة الأساقفة وقضية توحيد النظام الكنسي وعصمة البابا. هذه الخلافات والمُناوشات أضعفت قوى الكنيسة وقتذاك وأخذت من وقت البطريرك وحياته وصحته الكثير.
(6)نلتمس هنا روحيّة عميقة وندامة حقيقية(غلطتُ،أنا تائب،أطلب الغُفران).إنّها روحيّة ذلك الراهب البسيط العميق الإيمان الواثق من نعمة الله ورحمته الأبوية اللامحدودة.
(7)التسمية الشعبية المعروفة لهم هي (اليباسي) الرافضين لتعليمات الكُرسيّ الرسولي الواردة في رسالة البابا بيوس التاسع"التهذيب الكنسيّ" الصادرة في سنة 1869.
(8)أنها كلمات غُفران لذلك المؤمن الوديع الذي يستعد للقاء بربه.
(9)إنه البطريرك مار نيقولاس زيّا وليس زيعا وسبق أن نشرت الختم الرسمي للبطريرك في كتابي الدار البطريركية في بغداد، وجاء الختم بالعربية (نيقولاس زيّا). أصله من خواسروا-ايران.درس في كلية إنتشار الإيمان في روما، ولما أكمل دراسته رسم كاهنًا وعاد إلى بلدته وخدم فيها بكل غيرة ونشاط.رسم أسقفًا معاونًا لمطران سلماس على يد مار يوحنّا هرمزد في كنيسة مسكنتة سنة 1836. عينهُ الكُرسيّ الرسوليّ بطريركًا للطائفة سنة 1838، لكنه لم يمكث طويلاً فقد واجهته ضغوطات وأزمات وصعوبات أضعفت قواه قادته للعودة خفية إلى مسقط رأسه والإنسحاب من البطريركية سنة 1846. رقد بالرب سنة 1863. واليه تعود نواة الدار البطريركية في الموصل؛إذ كان رحمه الله قد أشترى من حسابه الخاص في محلة الدركاه قرب كنيسة مسكنتة مُلكًا واسعًا يشمل على حوشين وإيوانين وأربعة بيوت وخزانة وغرفة وسردابين وبئرين. ( كنتُ قد أنجزت كتابًا تحت أشراف ومراجعة الأب بطرس حداد عن البطريرك المُستقيل مار نيقولاس زيا وقد سلمت نسخة من الكتاب للجمعية الثقافة الكلدانية- عنكاوا سنة 2006  ليطبع بمعية الاب ازاد صبري المُحترم وشقيقه سمير شابا والشماس كوثر .... ولا يزال مصير الكتاب مجهول!! أرجو من الجمعية الموقرة ابلاغي بمصير الكتاب، أو أرجاع (مسودة الكتاب) لانها جهد وثمار بحث استغرق السنين.... مع خالص شكري وتقديري).
(10)هُنا إشارة، بل تأكيد على خضوع البطريرك الكلّيّ لتعليمات الرسالة البابويّة"لما كان التهذيب الكنسيّ" والتي تمنع تدخل العوامّ في انتخاب البطريرك.
(11) الأزبون لبس الرجل الخارجيّ الذي يلفّ الجسم. والجُبّة تُلبس فوق الأزبون وهي فضفاضة ومفتوحة من الأمام ولها أرادن وأكمام عريضة.
(12) أي المُطرزة بخيوط من الفضّة أو الذهب.
(13)قد يلمس القارئ اللبيب  أن عطاء البطريرك مقرون بشروط!
(14)أيّ تُشاهدونه.
(15)أيّ إسطنبول. عاصمة تركيا.
(16)خلفه على الكرسيّ الرسوليّ مار إيليا الثاني عبو اليونان(للمزيد  راجع مجلة بين النهرين،ع10،1982، ومجلة نجم المشرق،ع36،2003،ص 509 وما يليها).
(17)أيضًا نلمس عطاء مشروط!
(18)هو البادري- الأب كيرلس بطرس دوفال الدومنيكي رئيس الرسالة الدومنيكية في الموصل وقتذاك. فرنسي الجنسية.أدار بنجاح مطبعة الآباء الدومنيكان الأفاضل في الموصل مع اقليموس يوسف داود.قضى سنوات طوال في الموصل،تعلم خلالها العربية وألف فيها.عُين قاصدًا رسوليّا في سوريا. رقد بالرب سنة 1904.
(19)كم كان رحمه الله نزيهًا ولا وجود للمحسوبيات في حياته.
(20)يقصد بهم الرهبان الكلدان.
(21)لما رجع المطران توما من الهند لم يقبل أن يتّخذ له أبرشية ما فارغة،فمكث عند البطريرك في البطريركية الكلدانية وبموافقة أساقفة الطائفة.
(22)لأحظوا كم كان إهتمام سيّدنا أودو كبيرًا بهذا المطران، حتّى أنّه يوصي به وهو على فراش الموت! وهذا أن دلّ على شيء فيدل على أمانة البطريرك وألتزامه بوعد قطعه على نفسه وأمام الآخرين، يضمن فيه سير معيشة هذا المطران.
(23)كلمة تركية تعني: السيّد. كانت مُتداولة بين مسيحي العراق ولاسيّما في الموصل وقتذاك.
(24) هؤلاء جميعهم كانوا معروفين بـ: أواجه أو أعيان الطائفة. وللتاريخ أذكر هنا بأن البطريرك أودو كان يعتمد كثيرًا على العلمانيين للقيام ببعض المهمات ويرجع إليهم ويستشيرهم، فقد كانوا يلعبون دورًا نشيطًا وفعالاً في حياة الكنيسة. وهؤلاء من المُتمكنين ماديًا والمُتنفذين إجتماعيًا فكانوا يتمتعون بحق التصدر أو التقدم في الإجتماعات، بحيث كان لهم كلمة مسموعة ولهم ثقلهم المؤثر في صنع القرار الكنسي. وهذا ما كان قد رفضه سلفه المًستقيل مار نيقولاس زيّا وليس (زيعا) وبسببه عانى ما عانه من رفض ومحاربة.
(25)هذا يدل على أن ذهن البطريرك الشيخ الكبير كان لا يزال متوقدًا، فهو يذكر الديون بتفاصيلها، ما له وما عليه. ويذكر ويحدد الأثمان.
(26)فعلاً قد دُفن في هذا الدير تنفيذًا لوصيته.وله ضريح على يمين الداخل إلى الكنيسة من بابها الغربي مُباشرة.لقد توفي هذا البطريرك برائحة القداسة، ولذلك أن شعبنا يذكره بإجلال وقبره يُزار.
(27)كلام البطريرك يعكس الرغبة البشرية في الخلود، بل فيها رغبة في الظهور وهذا أمر لا يتماشى معه كراهب وكبطريرك يفترض عليه أن يُعطي مثالاُ للتواضع والتجرد والزهد. ولكنني أتفق مع أستاذنا الجليل الأب بُطرس حدّاد بقوله:" ولعلّي أجد عُذرًا له، إنه كراهب عاش في دير الربّان هرمزد في مطلع حياته فشاهد أنصاب البطاركة السالفين فرأى من الواجب أن يكون للجيل الجديد من البطاركة الكاثوليك آثارهم ألتي يعتزّ بها أباؤهم..".
(28)نُحيل القارئ إلى مقال الأب د. بُطرس حدّاد: الكتابات السريانية في ديارات المشارقة،"مجلة مجمع اللغة السريانية3،1977، رقم الكتابة 161.
(29)أيّ الساعة العاشرة صباحًا.
(30)ذكر الأب حدّاد بأن التاريخ والجملة الأخيرة بخط مُغاير ومُختلف عن النصّ. وهذا ما وجدته أنا أيضًا حينما أطلعت على نص الوصية في أرشيف البطريركية الكلدانية في بغداد- المنصور، في آب 2004.
(31)الأب ليفي، فرنسي اللسان، يهودي المولد والجذور، اهتدى إلى المسيحيّة وأنتمى إلى الرهبنة الدومنيكية. قدم إلى العراق سنة 1861.
(32)مكتوب على الختم: القسّ ألفونسو غالو، وقد رُسِم كاهنًا في بيعة الطهرة بالموصل في 15 آب 1843 وأسم أبيه يوسف.
(33)يعقوب نعمو: ولد في الموصل نحو سنة 1837، أصله من سعرت، أرتسم كاهنًا سنة 1863 وخدم في بغداد،ثم صار أسقفًا لسعرت سنة 1855 باسم ميخائيل. عُينَ نائبًا بطريركيًا في بغداد، فعمل بجد ونشاط، وسعى بهمة عالية إلى بناء كاتدرائية أمُّ الأحزان؛إلاّ أنه توفي قبل إتمامها ودفن فيها عام 1895.

24
الأب بُطرس حدّاد ...وداعًا

http://bagdady.org/up/upp/bagdady.com-12908255021.bmp
 
ببالغ الأسى والحزن تلقيت فاجعة رحيل الأب الدكتور والبحاثة الأب بطرس حدّاد إلى دار البقاء بعد صراع مع المرض رقد على أثره مؤخرًا في إحدى مستشفيات بغداد، إلى أن أغمض عينيه بكل هدوء وسلام عصر يوم الجمعة المصادف 26/11/2010.
ربطتني مع الفقيد علاقة أبوية وصداقة الرسالة، فتتلمذت تحت يديه وتعلمت منه الكثير، فكان الأب والمرشد والمعلم والأستاذ.. وراجع لي لغويًا أكثر من مؤلف، ووضع أسمه  الرصين على بعض مولفاتي التاريخية  المتواضعة( الدار البطريركية في بغداد/على خطى يسوع /نبذة عن المعهد الكهنوتي البطريركي وأنتقاله إلى بغداد، البطريرك ما ريوسف اودو). ومنحني ثقة الاشراف ومتابعة مراحل طباعة بعض مؤلفاته.
خدمتُ مع الأب الراحل بضع سنوات كطالب سمنير في كنيسة مار بثيون الكلدانية – البلديات، كما عشت  وخدمت معه في كنيسة سلطانة الوردية ككاهن في أول كنيسة أخدم فيها بعد أقتبالي نعمة الكهنوت.
كان رحمه الله قد كلفني  في حال  إنطفاء شمعته ومماته بأن أكتب عنه وأنشر أشتغالاته ومؤلفاته، ووفاءًا مني لهذا الرجل الجليل أنشر عنه هذه السطور عليّ أوفي الأب الفقيد بعض حقه. ( ملاحظة: مُعظم المعلومات الواردة في هذه الصفحات هي نقلاً عن لسان الأب الراحل، وسبق وأن نشرت جزءًا من سيرته في مؤخرة كتاب "يوميات الحرب العالمية الأولى" التي حققها سنة 2003). وقد أضفت ما عرفته شخصيًا عن الأب د. بُطرس حدّاد.
    

الأب حدّاد نجم مُضيء:
الأب بُطرس نجم مُضيء  وعلم من اعلام كنيسة العراق ،قدّم الكثير والكثير للكنيسة وللبلد وللتاريخ، إنطفأت شمعة حياته بعد شيخوخة مبُاركة، وبموته أنطوت صفحة عطرة كان لها صدى فواحًا في تاريخ كنيستنا وشعبنا العراقي.
بُطرس حدّاد الكاهن، الباحث ، المؤرخ، الكاتب، يعرفه القاصي والداني ، فهو أشهر من نار على علم، وله أسم نظيف وتاريخ عريق في الكهنوت  وفي مجال الكتابة والتأليف والأبحاث التاريخية، علاوة على خدمته  الكهنوتية لأسيما في كنيسة مار بثيون الكلدانية وكنيسة سلطانة الوردية في بغداد- كرادة خارج، بحيث أحبه الصغير والكبير سواء في الموصل أو بغداد.
أسمه الحقيقي ناظم ميخائيل حدّاد ، مواليد الموصل 1937 وليس 1938(كان رحمه الله قد طلب مني في كلمتي بكتابه يوميات الحرب العالمية الأولى بأن أُسجل مواليده 1938 لانه تُولدَ في آواخر عام 1937). والفقيد  من عائلة موصلية عريقة ومعروفة. دخل معهد شمعون الصفا في الموصل بتاريخ 24/9/1951 تتلمذ في المعهد  المذكور لمدة 3 سنوات. سنة 1954 أرسل إلى روما بصحبة الأب المرحوم يوسف حبّي للدراسة ونيل الأختصاص. رسم كاهنًا في 20/12/ 1961  في روما.
بعد أن حصل على شهادة الدكتورا في اللاهوت العقائدي. عاد إلى مسقط رأسه الموصل سنة 1964، حيث تعين حينها في كنيسة أم المعونة. وفي سنة 1966 أنتقل إلى بغداد للخدمة في المعهد الكهنوتي البطريركي في الدورة معاونًا للأب ( المطران) إبراهيم إبراهيم وأستمر في الخدمة فيه إلى عام 1968. إذ تعين للخدمة في كنيسة مار يوسف – خربندة كمعاون للخوري حكيم.

في صيف 1968 أوعز إليه الطيب الذكر  البطريرك  مار بولس شيخو للعمل في ارشيف البطريركية الذي كان وقتذاك في دير القديسة تريزيا  في بغداد- السنك وأستمر في العمل إلى سنة 1974.
ولما تسنّم غبطة مار روفائيل الأول بيداويد الكرسي البطريركي سنة 1989 عينه مديرًا للديوان البطريركي ومسؤلاً عن ارشيف البطريركية، وفي بعض الزيارات خارج العراق كان يرافق البطريرك بيداويد كسكرتيرًا له. ولما أعتلى السدة البطريركية غبطة البطريرك مار عمّانوئيل الثالث دلّي  سنة 2003، أستمر عمل الأب حدّاد في البطريركية الكلدانية . حيث عملتُ تحت اشراف الأب الفقيد سنة 2004 بصحبة الأب نادر إسماعيل الراهب في أرشيف البطريركية ومكتبتها العامرة بدعوة من الأسقف الراحل مار اندراوس أبونا رحمه الله، وبمباركة غبطة البطريرك مار عمّانويل الثالث دلّي الكلّي الطوبى. وكان وقتذاك يُحضر لنشر رسائل البطريرك مار يوسف أودو فكان بين الحين والاخر يوعز إليّ بجلب رسائل البطريرك أودو ووضعها في مكتبه في البطريركية ليتأكد من تاريخ معين أو أسم ما... إذ كان رحمه الله دقيقًا في عمله وحريصًا على ما ينشر وينتج.
في سنة 1978 عُين للخدمة في كنيسة ما ر بثيون الكلدانية في حي البلديات، هذه الكنيسة التي خدمها 23 سنة وأحبها بكل جوارحه وبكل ما تحمله الكلمة من معنى،وقد  تتلمذت تحت يديه وأشرافه هناك .
في 6/8/2001 أنتقل للخدمة في كنيسة سلطانة الوردية ( قديسة ريتا- أمُّ الدرج) كرادة خارج. وفي مطلع رسالتي الكهنوتية  خدمت معه في هذه الكنيسة فترة قصيرة.
 

للفقيد مكتبة كبيرة عامرة وغنية بامهات بطون المراجع والمصادر، تربو إلى 10 ألالف كتاب ومجلة ومخطوط، بحسب تقدير الأب الراحل، كان قد تبرع لي شخصيًا سنة 2005 بما يزيد عن 200 كتاب، وقبلها كان قد تبرع سنة 1992 لمكتبة المعهد الكهنوتي ما يقارب ألفي كتاب ومجلة.
   عُرف عن الأب بُطرس بمحبته وطيبة قلبه، كان رجل موقف، يتمتع بشخصية قوية وشجاعة، جريئ المواقف، هادئ الطبع، خفيف الظل، صاحب طلة خفيفة، دمث الأخلاق، رجل ورع وتقي، خدم مذبح الرب بكل محبة وتفاني رغم ما كان يعانيه من مرض السكر وعدم استطاعته من الوقوف طويلا، ففي السنوات الأخيرة كان يحتفل بالقداس وهو جالس، لعدم قدرته على الوقوف. كان كريم الطبع، سخي اليد، يحسن أستقبال ضيوفه وزواره، يساعد في الخفاء، لا يحب المظاهر والتطبيل، وأتذكر عندما أنتقل من كنيسة مار بثيون للخدمة في كنيسة سلطانة الوردية، قصدت الكنيسة نحو 10 عوائل، بل أكثر  وأبلغونا أنهم كانوا يتقاضون راتبًا من الأب حدّاد للمعيشة، ناهيك عن المواد الغذائية والملابس. كان رحمه الله يحب العمل بهدوء وخفاء.
كان قليل الكلام، كثير الإشتغالات والمؤلفات، يجيد فن الإصفاء للآخرين، كتوم للغاية. قارئ لبيب، بحيث كلما دخل عليه أحد الزوار وجده مُنكبًا على القراءة والكتابة. فالكتاب كان  خير صديق له. رجل في مطلع السبعين ولكنه يحمل فكرًا وقلبًا شابًا، كان مُواكبًا مُتجددًا يشجع كل ما هو جديد وبه فائدة.
كان رحمه الله خطيبًا بليغًا، يرتجل كلماته ومواعظه، فصيح اللسان، يتقن اللغة العربية التي كتب بها، يتمتع باسلوب سلس ومشوق في الكتابة.

كما عُرف عنه بصوت الشجي وإتقانه للمقامات وألحان الطقس الكلداني، وكان يمتاز بحسن الخط، والرسم وله أكثر من لوحة تحمل توقيعه وهي موجودة في غرفة نومه ومكتبته في كنيسة القديسة ريتا ببغداد وقد أطلعت عليها شخصيًا. على الرغم من تخصصه في اللاهوت العقائدي، لكنه لم يكتب في باب أختصاصه، بل تركزت مُعظم مؤلفاته وكتاباته حول التراث والتاريخ الكنسي، وقد برع في هذا المجال.. وأظنه كان مُتأثرًا جدًا بشخصيه الخوري داود رمو الموصلي، سكرتير البطريرك يوسف عمّانوئيل الثاني، الذي آرخ حقبة زمنية  مهمة من تاريخ كنيستنا الحديث في مخطوطه "الخواطر" و"تاريخ المدرسة الكهنوتية البطريركية" . وحسب تفحصي ومتابعتي لحياة الأب حدّاد أنه سار على نفس النهج وأرخ حقبة زمنية من تاريخ كنيستنا المُعاصر، علاوة على أستفادته  كثيرًا من عمله في أرشيف بطريركية الكلدان ومن المعلومات التاريخية والكنسية  التي أمدها به غبطة البطريرك مار عمانؤيل الثالث دلّي الكلي الطوبى، منذ أن كان سكرتيرًا لغبطة البطريرك الراحل بولس شيخو إلى يومنا هذا، وقد نوه الأب بطرس بذلك بأكثر من كتاب. وكما أستفاد أيضًا من المعلومات التاريخية  التي لقيها من الباحثين بطرس نعامة وكوركيس عواد الذين أمدوه بمعلومات غنية عن شخصيات وأحداث وامكان عاصراها، فعرّفنا على تاريخ كنسي مهم عن الموصل وبغداد من خلاله نشره وتحقيقه لمخطوطات وسير ذاتية تعود إلى القرن الماضي.
كان عضوًا في المجمع العلمي العراقي ( هيئة اللغة السريانية)
عضوًا في إتحاد كتاب العراق
عضوًا في دائرة التاريخ والتراث،الواقعة في شارع العلاوي ببغداد.
من محبي شارع المتنبي وكان مُلتقاه في مكتبة المثنى.
كان يتمتع بعلاقات مُميزة في الأوساط الثقافية العراقية والدولية، مُنفتحًا على الجميع، فأحبه الجميع.
له أكثر من مُقابلة تلفزيونية في تلفزيون العراق وقناة عشتار الفضائية وقناة الشرقية، إذ تحدث في قناة الشرقية عن الأب  انستاس الكرملي.
صدر للأب بطرس حدّاد ما يزيد عن ال(40) نتاجًا بين ترجمة وتحقيق وتأليف، نذكر منها:
•   المُرشد إلى القدّاس الكلداني ( باكورة أعماله)
•   البُشرى السارة
•   التاريخ الصغير (ترجمة)
•   الفاتيكان (ترجمة)
•   الرهبنيات النسائية في الكنيسة الكلدانية
•   رهبانية بنات مريم الكلدانيات
•   أخواتكم الراهبات الكلدانيات
•   صفحات ناصعة( عن البطريرك شيخو في طبعتين 1972- 1980)
•   المُعجزات بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي
•   تلاميذ المسيح بالتعاون مع الأب فرنسيس المُخلصي
•   الصلاة الربية بالتعاون مع الأب فرنسيس المخلصي(ترجمة)
•   فهارس المخطوطات السريانية  والعربية في خزانة الرهبنة الكلدانية بالتعاون مع الأب ( المطران) جاك إسحق( جزئين).
•   يسوع بحسب متى (طُبع بمناسبة صلاة الأربعين للأب فرنسيس المُخلصي)
•   دير ما اورها
•   الشهر المريمي وطبع بعدة طبعات في العراق
•   قلب يسوع الأقدس وطبع أيضًا عدة طبعات في العراق
•   قديسة ريتا ( طبعتين).
•   مار إيليا الحيري
•   كنائس بغداد ودياراتها ( وهو بحسب رأيي المتواضع واحد من أثمن وانفس مؤلفاته التاريخية) بحيث يعد مرجعًا في تاريخ كنيستنا وتاريخ بغداد  الحديث.
•   يوميات الحرب العالمية الأولى( الطبعة الأولى أمريكا 1997).
•   يوميات الحرب العالمية الثانية ( الطبعة الثانية الذي طبع باشرافي بالتعاون مع الأب حبيب النوفلي ضمن منشورات كنيسة مار كوركيس الكلدانية) 2003 وفي مؤخرة الكتاب نشرت جزءًا من السيرة الذاتية للأب بُطرس.
•   مختصر الأخبار البيعية( تحقيق ونشر).
•   رحلة ديللافالية إلى العراق ( السائح العاشق) ( ترجمة عن الإيطالية).
ط 1 2000و الطبعة الثانية نشرتها له إحدى المؤسسات  العراقية التي تُعنى بالتراث سنة 2004.
•   إبرشية عقرة الكلدانية ( تحقيق)
•   المؤسسات البطريركية (ترجمة عن الفرنسية)
•   عِبر من كتب التراث ( مقالات في مجلة الفكر المسيحي في باب عبرة من الأمس. جمعتها له ونشرتها في كتاب  بعد أن تمت طباعته في شارع المتنبي 2003).
•   وثائق آل رسام ( منشورات الرهبانية الكلدانية، كنت قد أدخلتها على الكوبيوتر  وأشرف على الطباعة الأب سامر صوريشوع الراهب).
•   ما ر يوسف الأول (منشورات الرهبانية الكلدانية ، بجهود الأب سامر صوريشوع).
•   رحلة سبستياني ( الراهب الكرملي) كنت قد نضدت الكتاب وإشرفت على أخراجه الفني وطبع في مطبعة الديوان ببغداد.
•   رحلة  من بغداد إلى حلب للفرنسي روسوّ
•   رسائل البطريرك ما ريوسف أودو (جزئين) منشورات الرهبانية الكلدانية بجهود الأب سامر صوريشوع الراهب
•   رحلة الجوهري البندقي بالبي
•   نُبذة في تاريخ المدرسة الكهنوتية للخوري داود رمو منشورات المعهد الكهنوتي بغداد 2002. (تحقيق)
•   الخواطر للخوري داود رمو ( تحقيق وتعليق).
أهتم رحمه الله بالتاريخ والتراث الكنسي والمحلي، فكان له مقالات وبحوث رصينة في هذه المجالات على صفحات المجلات والنشرات الآتية:
•   افاق عربية
•   الفكر المسيحي
•   بين النهرين ( أحد أعضاء تحريرها)
•   قالا سوريايا
•   مجلة المجمع العلمي العراقي ( هيئة اللغة السريانية)
•   مجلة الأتحاد السرياني
•   نجم المشرق( أحد أعضاء تحريرها)
•   مجلة الطائفة الكلدانية في حلب
•   المورد
•   ربنوثا (للرهبان الكلدان)
•   نشرة الكنيسة التي كانت تصدرها البطريركية الكلدانية في مطلع الستينيات.
•   القيثارة ( التي تصدرها الرسالة الكلدانية في لندن)
•   نشرة الشهيد ( اسسها أثناء خدمته في كنيسة الشهيد مار بثيون.
•   نشرة العهد( لراهبات الكلدان)
•   نشرة الوردية ( كنيسة سلطانة الوردية)
•   مجلة المسارات
من مقالاته الرصينة: مواطن المخطوطات السريانية في العراق/ روفائيل مازجي/معهد شمعون الصفا الكهنوتي لبطريركية الكلدان/ رؤساء المعهد الكهنوتي/البطريرك جرجيس عبد يشوع خياط/أرشيف البطريركية الكلدانية/ القلاية الأبوية في الموصل/رحلة البطريرك يوسف أودو إلى روما سنة 1869/المطبعة الكلدانية في الموصل/تاريخ الكلدان في حلب/محاولات التقارب بين الكنيستين الكلدانية والأثورية/القلاية الأبوية في الموصل/البطريرك يوسف أودو ووصيته الأخيرة/مذكرات بطريرك جديد/ أخبار المعهد البطريركي على عهد البطريرك  مار إيليا عبو اليونان/السائح العاشق/الأب يوسف حَبّي وداعًا/العفو أقرب إلى التوبة(مسرحية ترجع إلى سنة 1887م)/ أوراق متناثرة في خزانة البطريركية الكلدانية العامرة/أضافة إلى عبره في باب عبرة من الأمس في مجلة الفكر المسيحي.
له مُشاركات بأكثر من مؤتمر كنسي محلي وعربي ودولي، ومن أرصن مشاركاته، شارك عام 1984 في مؤتمر للدراسات السريانية في هولندا جامعة خرونكن، حيث أستعرض دراسته لكتاب (مختصر الأخبار البيعيية)
وأذكر للتاريخ أن اخر بحث نشره هو الذي صدرته مجلة مسارات العدد 14، العدد الخامس 2010 في عددها الخاص عن المسيحية في العراق، وكان بحثه تحت تسمية " مسيحيو بغداد بين الماضي والحاضر" وأظنه أستعان كثيرًا بكتابه كنائس بغداد ودياراتها.
كان رحمه الله يتقن السريانية والعربية والإنكليزية والأيطالية والاتينية والفرنسية ويعرف القليل عن الالمانية.

قيد العمل

 كان الفقيد قد أخبرني سنة 2006 انه يسعى لترجمة أطروحة الأب يوسف حبي عن البطريرك يوسف اودو والقضية الملبارية.
واظنه شرع العمل في ترجمة حوادث الحرب العالمية الأولى في تركيا من الكلدانية إلى العربية لأسرائيل أودو.
وللأب الراحل مخطوط  بخط يديه كان قد نوه عنه في أكثر من مرة في مؤلفاته بعنوان:" تراجم الآباء المتخرجين من معهد شمعون الصفا البطريركي".
وكان قد شرع أيضًا في العمل بتأليف كتاب ديارات بغداد.
وله مذكرات يومية شبيهة بالخواطر للخوري داود رمو.

حضي بمنزلة رفيعة في الأوساط الكنسية والإجتماعية والعلمية، وتمتع بمكانة مُميزة في شارع المتنبي وبين الباحثين والمؤرخين العراقيين والعرب. كان من هواة التردد إلى مكتبات شارع المتنبي، وتجمعه صداقات عميقة مع كبار مثقفي البلد ،وكان يلتقي دائمًا في مكتبة المثنى الغنية عن التعريف وكذلك في مقهى الشاه بندر تلك المقهى التي يقصدها مثقفي بغداد غالبًا ما كنتُ ارافقه إلى تلك الأماكن.
كنت أتواصل مع الأب الفقيد أبان خدمتي للكنيسة الكلدانية في دمشق بواسطة الباحث يوسف الساعور ( أبو صفاء) الصديق الحميم للأب الفقيد، فكلما ألتقينا فتحنا الهاتف للحديث مع الأب حدّاد؛ حيث كنا نسترجع الذكريات ونستعلم أخبار بعضنا البعض وأتذكر حينما قال لي:" عيني حققتُ حلم  حياتي وطبعتُ الخواطر".
واخر رسالة  تلقيتها منه كنت قد سمعتها شفويًا من أستاذنا الجليل الأب يوسف توما في زيارته الاخيرة  إلى هولندا، وأعتز بكل كلمة قالها بحقي الأب حدّاد، فكلماته شهادة أفتخر بها. فاهو صاحب فضل في مسرتي الكهنوتية والثقافية.
وأخر سلام وصلني منه قبل بضعة شهور بواسطة صديقنا الأب أيهاب نافع.
نام يا أبتي واستاذي قرير العين بسلام المسيح. وداعًا يا أبتي الحبيب، سنتذكرك كلما رجعنا إلى الكتب والأبحاث التي وضعت فيها عصارة فكرك ودراستك وبحثك، وسيظل أخوتك الكهنة والسادة الأساقفة  يتذكروك من على مذبح الرب، وسيظل كل طلابك وقرائك يتذكروك من خلال مؤلفاتك وكتاباتك وكتبك وخدماتك الإنسانية. ستبقى محبتك مغروسة في الأعماق وذكراك عالقة في الأذهان، وسيبقى صوتك وكلماتك الموصلية( هلو عيني، أشلونك أبويّ) تجلجل في زوايا مكتبك في كنيستك في بغداد، بل سيبقى صدء صوتك  وصدى هذه الكلمات واثارك في نفوسنا، فنم قرير العين بسلام المسيح. ولتكن صلاة أمنا مريم التي أحببتها ورنمت لها كثيرًا معك وهي تقودك لملكوت السماء. اللهم أمين وأمين.
شكرًا يا رب على كل النعم التي أعطيتها لشعبك وكنيستك بشخص  الأب بطرس حدّاد.
في الختام أقول لك يا أبتي
ستبقى حيًا في حياتي إلى أن تنطفى شمعة حياتي،  فقد حفرت لأسمك البقاء المجيد، وأنك تستحق الخلود لما تركته بعدك من محبة وآثار ونتاجات وذكر حسن وطيب. وهذه شيمة العظماء، إذ وحده العظيم الذي بمقدوره أن يترك بعد آثر يذكر ويشكر. ومن لا اثر له لا يستحق الخلود.
الراحة الأبدية أعطه يا رب ونورك الدائم ليشرق عليه.
يا أمنا مريم تحنني على الأب حدّاد وقوديه لملكوت أبنك الحبيب ربّنا يسوع المسيح. أمين.
 وداعًا أيها الأب والأستاذ الحبيب.

تلميذك دومًا
الأب يوسف جزراوي.


25
المنبر الحر / حُبّ عبر الـ Facebook
« في: 21:37 11/05/2010  »
حُبّ عبر الـ  Facebook

الأب يوسف جزراوي

 تعرف عليها بواسطة الفيس بوك (Facebook.com) دون ان يراها او ان يتعرف على ملامحها، وهي كذلك، فنشأت بينهما خلال الزمن علاقة  حبّ رصينة، وكأن هناك قوة تجاذب كانت تشدهما وتجذبهما لبعضهما بعضًا، فكان حبهما أشبه ببذرة غرست في الأرض وباتت نبتة لتغدو كشجرة باسقة، ولما قرر ان يصارحها بحبه ويطلب رؤيتها عبر كاميرا الماسنجر وبعض الصور الفوتوغرافية، وصفوه بالمجنون، والمريض العقلي والنفسي،قائلين :كيف تشد العزم  للإرتباط بفتاة لم تراها من قبل ولا تعرف عنها الكثير، تحت مسوغ الرابط الروحي الذي يجمعكما. لكنه لم يأبه بذلك. ولما رأها عبر الكاميرا، هناك كانت المفأجئة والصدمة؛ فالفتاة تكبره بضع سنوات ولا تتمتع بجمال يريح النظر، أما هي فكانت صدمتها اشد حينما وجدت حبيبها غاية في الجمال.

طلب الشابّ نصيحتي، قلت له: القرار لك، ولكن فكر مليًا، الكثير قد تزوجوا بملكات جمال، وكثيرات لهنّ ازواج غاية في الجمال، ولكن جميعهم  ينقصهم السعادة والتفاهم والإنسجام  وراحة البال وربّما  تنقصهم الإمانة الزوجية. جمال الإنسان لا يكمن في وجهه، بل في ذاته، والجمال أمر نسبي. لا تراها في عيني او عيون الآخرين، بل تطلع إليها بعينيكَ.

 تردد الشاب في بادى الأمر، لكنه استسلم أخيرًا، لحبه، ووضع كلام الناس خلف ظهره، بعد أن أدرك أن ما يجمعه مع هذه الفتاة، نصفه الآخر يفوق المظاهر الخارجية، فذهب إلى كردستان العراق لرؤيتها فوجدها دمثة الأخلاق تتمع بجمال بسيط، وجمال روحي وفكري يفوق أي جمال آخر،  وبعد بضعة شهور، اتفقا على الزواج، فقدمت الفتاة من العراق حيث يسكن الشاب في دمشق وعلى الرغم من معارضة عائلة الشابّ بسبب فرق السن اولاً ولعدم امتلاك الفتاة المظهر الحسن ثانيًا، ألا أنه وقف ندًا قويًا بوجه عائلته وبوجه كل المعارضين الذين كانوا يعملون بكل قواهم لعدم اتمام الزيجة، وقال لهم: شاهدوها بعينيّ. ونزولاً لطلبهما  كللتهما  بفرح في دمشق في زيارتي الاخيرة  2010 وسط تجمع الأصدقاء والمحبين.

الإنسان العميق، الخلوق الطيب المعشر جميل ولطيف مهما كان شكله غير مقبول.  

إنه الحبّ يصنع المعجزات! وبطلَ فيه العجب!

 الأب يوسف جزراوي

من كتاب خلجات الذات الجريحة - قيد التأليف

26
المنبر الحر / خيانة بسبب الحبّ!
« في: 03:00 10/05/2010  »
   خيانة بسبب الحبّ!
من كتاب ملحمة البحث عن النصف الآخر ( تأملات في أبعاد سرّ الزواج) هولندا 2010

   عرفتهما ضمن أعضاء إحدى أخويات المحبة والفرح التي تُعنى بالمُعاقين، حيث كنتُ ألقُي عليهم محاضرات في إحدى كنائس بغداد قبل بضعة سنوات. جمعهما حُبّ صادق، وشأت الصدف أن ألتقيهما في دمشق إبّان خدمتي لكنيسة القديسة تريزا للكلدان، فكنتُ مُرشدًا لعلاقتهما التي هزتها وأوشكت على إجهاضها إعتراضات الأهل، ومُنغصات الغربة وتدخلات أصحاب النوايا السيئة. لكنّهما تعاهدأ أن يكون أحدهما أمينًا للآخر، ويسندان ويقويان بعضهما البعض رغم كلّ الظروف والأزمات. مرّت الشهور وبعد مساعي حميدة مع ذويهما، باركتُ خطوبتهما، ولكن يا فرحة ما تمت! فالفرحة لم تدم طويلاً! إذ إستلمت الفتاة (فيزا) السفر مع عائلتها إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، أما الشاب فظلّ في دمشق ينتظر مُساعدة العناية الإلهية.
    ومع مرور الزمن وإبتعاد المسافات، جفَّ نبع الحبّ، فالفتاة عملت بالمثل القائل:" البعيد عن العين، بعيد عن القلب". ومع بعد المسافات، تباعدت القلوب وفترت المحبة، إذ نست الفتاة أو تناست خطيبها وعهدها مع من أحبت، لتنقضي 6 شهور بطولها دون أن تراسله أو تكلمه هاتفيًا، بحجة  أن أهلها مارسوا عليها ضغوطات لكي تتركه، وكذلك لعدم توفر وسيلة الإتصال في المجتمع الجديد، فكان عذرها أقبح من السبب! وكأنها تعيش في الشيشان وليس في أمريكا أُمّ الدنيا والتكنولوجيا والإتصالات!
ولما عاودت الفتاة الإتصال به، أبلغته لأن يُبذل قصارى جهده ليلتحق بها إلى أمريكا، وأن تعذر عليه هذا، فإنها سوف ترى  حياتها وترتبط  بإنسان ثاني! وبعد مد وجزر بين الطرفين، تولدت شكوك لدى الشاب، بل إحساس إنتابه مفاده: إن خطيبته تخونه! فرائحة الخيانة لا يشمها إلا المُخلصين!وذات يوم صارحها بالآمر، وبعد تهرب ونكران، إعترفت الفتاة بفعلتها، إذ إنها مُرتبطة بعلاقة حبّ مع شاب ثاني يزيدها نحو 10 أعوام!! ولما سألها صاحبنا:"لماذا خنتي نفسك وخنتي عهدنا؟ ولماذا تتصلين معي"؟ فكان جوابها لا يعقله عاقل الفكر:"إنني خُنتك لأنني أحُبّكَ"!!
    في تلك الأثناء كان الشاب قد وصل مع عائلته  بواسطة منظمة الهجرة الدولية (IOM) إلى باريس، ولما عرض عليّ تلك الفاجعة، إنتابتني صدمة، ولم أُصدق ما سمعت! حينها أتصلتُ هاتفيًا بالفتاة،  فأكدت لي الموضوع! وهي نادمة على خيانتها وتطلب المُسامحة. ضاق نَفَسي وكأن صخرة جثمت على صدري، لأنني كنتُ عالمًا بعمق تلك العلاقة، فقد حصل ما لم يكن في الحسبان. ولكن من منا بلا خطيئة؟!
      بعد عتاب مُتبادل بينهما، وتجريحات كلامية وآتهامات لا تُحصى، وتعليلات للخيانة بحجة الظروف والأهل، نعتها خطيبُها بالرخيصة الخائنة، ورفض أعتذارها وندمها.. ومع الوقت وبواسطة الصلاة وتروّيضي له، ذاب جليد الغضب في داخله، وأنضمد جرح خيانتها، فقرر  مُسامحتها، وأن يستسلم لحبّه، وأن الذي يجمعه معها أقوى من أي خطئ أو زلة ، أيمانًا منه، هل من إنسان كامل بلا خطئ وخطيئة؟
فرحتُ جدًا لموقفه هذا، وشعرتُ أن روح الرب غسل جرح الشاب. ولما أتصل بها هاتفيًا، مبلغًا إياها بأنه سامحها وقبلَ أعتذارها قائلاً لها: سامحتُكِ لأنني أحبّكِ. إعتذرت الفتاة وطلبت منهُ عدم الإتصال بها مُجددًا، لأن الوقت قد مضى، ولأنها  الآن مُرتبطة ولا تود أن تخسر الشابّ الذي يود التقدم لخطبتها، وسوف ترسل له (خاتم الخطوبة والذهب).
    تدخلتُ مرة أخرى لمُعالجة الأمر، فسألت الفتاة: هل تُحبين الشاب الثاني؟أجابت على الفور: كلا! وهو على علم بذلك! وفي بعض الأحيان يزل لساني فأتلفظ بأسم..(حبيبها الأول)!! قلتُ لها: ولماذا إذاً أنت مُستمرة معه؟ فأجابت على الفور: إنها تخون حُبًّا في حبيبها الأول وإنتقامًا منه ومن أهلها في الوقت ذاته!! فقد وقفوا حجرة عثرة في طريق هذا الحبّ، ودمروا حياتها.
    من جهتي ككاهن أنظر إلى الحادثة من منظار الخبرة، ومهما كانت الظروف والأسباب، فإن الفتاة خانت العهد مع نفسها ومع خطيبها، لأنها تمتلك تلك الرغبة، فكلّ سلوك له أرضية يُبنى عليه، ولخيانتها أسباب ورغبات تكمن في داخلها، وهذه كانت رغبتها. فكان لها ما تُريد إذ تركها صاحبنا لعالمها الرخيص، ولا يزال لليوم يُعاني من جرح ليس من السهولة أن يندمل. وقد أرسل لي هذه الكلمات التي خطتها أنامله يرثي فيها حاله ويُعاتب بكلمات، إنسانة كانت في يومًا ما نصفه الآخر: "قصتي معكِ أنتهت بواقع أليم وأنكتبت بخط حزين..آه لو كان للحبِّ تأمين، لطالبتُكِ بربع السنين، وأن تعيدي لي الدمع الذي نشف من العين".  ألا ينطبق على الأخت  الخائنة مقولة جبران بقوله: "يغمسون أقلامهم في دماء قلوبنا ثمّ يدَّعون الوحي والإلهام"؟!

الأب يوسف جزراوي
روما7/5/2010

27
على المقعد الخشبي في دمشق
الأب يوسف جزراوي - دمشق 5/5/2010
      أتصالها الهاتفي كان سريعًا معه ... خمسُ كلمات لا أكثر! ولقاء بعد ساعتين.أحتاج صديقي إلى خمس دقائق من الزمن للملَمة أفكاره وقواه التي بَعثرها الهاتف.
سريعًا وصلنا إلى المكان المُختار في مشروع دمر في الشام.. أختارنا مقعدًا خشبيًا باردًا كبرودة صوتها على الهاتف وكبرودة مشاعرها مع صديقي حين وَصَلت.
ألقت التحية بنرفزة وأرتباك.. وجلست، ويا ليتها لم تجلس! جلست دون أن تتأمل عيناي صاحبي(حبيبها) وتعلق على عطره كالمعتاد. ألقت كل ما في جوفها دفعة واحدة، كأنها تحمل سمًا تُريد التخلص منه. قررت الرحيل والأنفصال بشكل حازم ونهائي. قاطعها صاحبي قائلاً: كيف تطلبين هذا وأنتِ من علمني الصراحة ومعالجة مشاكلنا بالحوار والتفهم؟! أولستِ أنتِ من كتب لي في عيد حُبّنا " أنت موطني الذي هجرت كل العالم لأسكنه"!! فلماذا تودين هجري اليوم؟!
أجابت أختنا: "أسبابي كثيرةٌ ولستُ مضطرةً لعرضها الآن".  
تدخلتُ لحل الآزمة بحكم علاقتي ودالتي الأخوية مع الأثنين، فقلت لها: تذكري أنني طلبتُ منكِ ذات يوم مُزاحًا أن تقتصدي بحبّكِ له حتّى لا ينضب ..فأكدتِ لي بأن نبعَ حبّكِ له لم ولن ينضب وهو أقوى من أي نبعٍ في الوجود ، ويتغذى من كل ذرة هواءٍ تتنفسيها بالقرب منه. ولا يفصلك عنه شيء ألا الموت!
مالذي حدث إذًا؟!  هل فسد الهواء أم ماذا؟ أم أنكِ مرتبطة بموعد آخر في حديقةٍأُخرى في مقعد أكثر دفئًا !
فقالت: شكرًا يا أبتي لقد أوصلت فكرتي لصديقك بوضوح تام، وليرحل عن حياتي أبدًا.
علق صديقي قائلاً: ليكن لكِ ما تريدين ، شكرًا للرب الذي كشف لي سركِ الآن أفضل مما أكتشفه في الزواج
ورحل الأثنان وجلستُ وحيدًا أصلي لأجلهما ، فكانت هذه الكلمات...

     قد تلتقي بإنسان لأول مرة في حياتك وبعد دقائق معدودة تشعر إنك عرفته العمر كله، وقد تعيش طوال حياتك مع إنسان في بيت واحد  أو في علاقة طويلة ثم تكتشف وللأسف بعد سنوات طويلة أنك لا تعرفه أبدًا، وكأن جبالاً تفصل بينكما.الإنسان الغريب ليس الذي لم تقابله من قبل،إنما هو الإنسان الذي قابلته ولم تعرفه، وتحدثت معه ولم تفهمه،وعشت معه فازددت جهلاً به، وآستمرَّت غربة الذات بينكما.  نعم أقولها بصوت عال: من الممكن أن تقضي سنينًا طوالاً بجانب شخص،زوجة، حبيب، حبيبة .. لكنه يبقى بعيدًا وغريبًا عنك ولا يمسك بالصميم، ولا تشعر بالإنتماء الحقيقي له، لأنك لم تكن في علاقة صحيحة معه.
الأب يوسف جزراوي
دمشق


28

عيش وشوف قهوة على الحائط

ولدتُ باسم، وعرفتُ باسم اخر، .زرتُ بلدان كثيرة، وتعرفتُ على ثقافات مختلفة، لكن الذي لم اكن اعرفه هو ثقافة القهوة على الحائط!

في أذار 2008 وفي مدينة البندقية الإيطالية الجميلة، وفي ناحية من نواحي أزقتها النائية كُنتُ برفقة أحد الكهنة الاصدقاء مع أربعة عراقيين نحتسي قهوتنا في أحد المطاعم (بورتو فينيسيا) ،فجلس إلى جانبنا شخصٌ  ايطالي وقال للخادم (النادل- الكرسون-البوي) :إثنان قهوة من فضلك، واحد منهما على الحائط. فأحضر الخادم له فنجان قهوة وشربه صاحبنا، لكنّه دفع ثمن فنجانين..! وعندما خرج الرجل قام الخادم بتثبيت ورقة على الحائط  مكتوب فيها  فنجان قهوة واحد!
ابتسمتُ في سرّي وبدأتُ أتمتم مع نفسي قائلاً: من المحتمل إن هذا الرجل مجنون أو سيأتي في وقت آخر ويحتسي الفنجان الثاني؟!! وبصوتٍ مسموعٍ تمتمَ أحد الأصدقاء: أ رأيتم هذه هي أوربا وهذه إيطاليا ( عيش وشوف، قهوة عل حائط....حتى القهوة لم تسلم منهم)!!
لم تمر إلا دقائق ليدخل شخصين وطلبا (3) فناجين قهوة، واحد منهم على الحائط! فأحضر الخادم لهما فنجانين فشرباهما ودفعا ثمن (3) فناجين وخرجا..! فما كان من الخادم إلاّ  أن قام بتثبيت ورقة على الحائط  مكتوب فيها فنجان قهوة واحد..!؟
لم يتماسك مُضيفنا نفسه وطلب منا الإنصراف، لأن المطعم بما فيه مجانين ولو بقينا 5 دقائق أُخرى سنُصاب بالجنون نحن أيضًا!!
وفي أحد المرات كنا في نفس المطعم للعشاء، وبعد العشاء أحتسينا 4 فناجين من القهوة العربية، وما اطيبها من قهوة! فدخل شخصٌ يبدو عليه الفقر، فقال للخادم: "من فضلك فنجان قهوة من على الحائط..". (علق صديقنا الكاهن  الذي معنا بالهجة العراقية قائلاً: أشتغلت رحمة الله من جديد)! ولم تمضِ دقيقة واحدة ليحضر له الخادم فنجان قهوة،  فشربه وخرج  بثقة من غير أن يدفع ثمنه. تطلعنا إلى بعضنا البعض مندهشين من سلوك هذا الفقير! لأنه خرج دون أن يتحاسب. حينها علق والد صديقي(ماذا قلت لكم...!هذه هي أوربا، حرامية - سراق، يسرقون الكحل من العين بوضوح الشمس).
خرج الرجل الفقير بثقة أمام أنظار الخادم ولم يحاسبه هذا الأخير قط أو يسأله عن الحساب!! وإلا بالخادم يذهب إلى الحائط وأنزل منه واحدة من الأوراق المُعلقة ورماها في سلة المُهملات! ثم تقدم نحو طاولتنا وحدثنا بعربية مصرية قائلاً: أ فهمتم  الآن ما معنى قهوة على الحائط؟! ثم أبتسم وأضاف: هذه أوربا ياعم، يا ليت تتعلم منها بُلداننا.  ثم أنصرف يُكمل خدمته بفرح.
 حينها فهمنا ما معنى فنجان قهوة على الحائط، فشعرنا بوخز الضمير وخجلنا من أنفسنا، فعلق زميلنا قائلاً: (عمي أوادم مو بديهم). ثم دفعنا فاتورة العشاء وثمن 5 فناجين قهوة ، واحد منهم على الحائط!

حقيقةً تأثرنا جدًا لهذا التصرف الرائع والإنساني من سكان هذه المدينة والتي تعكس واحدة من أرقى أنواع التعاون الإنساني. وأن إحترامهم وتقيمهم للإنسان من الممكن أن يلمسه المرء من فنجان قهوة! يا لسعادة الإنسان في هذه البلدان!

الحكمة : لا أجمل من أن تجد مَن يُفكر بأن هناك أناسًا لا يملكون ثمن الطعام والشراب، ونرى الخادم يقوم بدور الوسيط بينهما بسعادة بالغة وبوجه طلق!
ونرى أيضًا المحتاج يدخل المقهى وبدون أن يسأل هل لي بفنجان قهوة، فبنظره منه للحائط  يعرف أنَّ بإمكانه أن يطلب من دون أن يعرف من تبرع به.
 
الإنسان الحق، هو الذي يشعر بحاجة الآخر .

من كتاب  قصص روحية وإجتماعية للأب يوسف جزراوي هولندة 2009

29
الباعوثة وكُرسيّ الإعتراف
لانه زمن الباعوثة، تقدمت سيّدة إلى منبر الإعتراف، فباركها الكاهن وأخذ يُصغي لها، فقالت: ليس لدي شيئًا أقوله، ولكن أتيتُ لاننا تعودنا في كل باعوثة أن نعترف، وليس لدي خطايا. أجابها الكاهن: إذًا لماذا أتيتي إلى هنا إن لم يكن لك خطيئة؟! صمتت السيّدة لوهلة ثم قالت كما يقول الكثيرون تعصبتُ، صرختُ على أطفال ولدي، تشاجرتُ مع كنتي، راودتني أفكار شريرة. أكذب، أرتفع صوتي على زوجي...) أرشدها الكاهن وأعطها الحلّة والبركة ودعاها لصلاة الأبانا والسلام الملائكي مرتان. رددت المرأة الصلاة ثم خرجت كما دخلت! خرجت لكنّها لم تعترف! بل أتمت فرضًا أو واجبًا دينيًا، وكأنها أشبه بذلك الفريسي الذي كلمنا عنه الرب يسوع! (لوقا 18: 9).
وقبل القدّاس ذهب رجل إلى موضع الإعتراف، وأعترف للرب بواسطة الكاهن باقترفه خطئًا جسيمًا يجثم على صدره وحياته كالصخرة ويرغب بالإعتراف لله بهذا الخطأ ويطلب التوبة والمغفرة ومعونة الرب في عدم العودة لفعلته السابقة....إنه أشبه بذلك العشار الذي صلى بقلب ملئهُ الندم (لوقا 18: 10 -14).
أرشده الكاهن قائلاً: نحن لسنا بملائكة أو قديسين، كُلّنا خُطأة، وجميل أن يشعر واحدنا ويدرك خطئه ويسعى لتجاوزه وتصحيحه.وأنت يا عم شعرت بخطئك وخطيئتك فأتيت تطرق باب الرب للمغفرة، الرب يفهم ويتفهم ضعفنا وخطأنا ويتألم لألمنا.إننا كالطفل الذي يسير ويسقط مرات عدة ويتألم من سقطاته ثم يتعكز على شيء ما كأن يكون يد أمه أو كرسي أو ....إلى أن يتمكن من السير بخطوات ثابتة....ونحن نشبه الطفل في تجاوز خطايانا!
فَهم الرجل مقصد الكاهن، وبعد أن تلى فعل الندامة بندم ورغبة حقيقية في التوبة، نال الحلّة ودعاه الكاهن للدخول إلى الكنيسة والنظر إلى يسوع في بيت القربان المُقدس ثم يُصلّي مرة صلاة أبانا ومرة صلاة السلام الملائكي والاشتراك في القُدّاس. خرج الرجل وقد زاح ثقله من صدره وعاش ولادة جديدة ولا سيّما بعد أن تبادل نظرة الحُبّ مع يسوع الحي في القربان المُقدّس.
نظرة يسوع إلى الخاطئ هي نظرة حُبّ وخلاص. فنظرته لبطرس وزكا ولص اليمين والسامرية والمجدلية والمرأة الزانية....نظرة تُفجر حياة جديدة، نظرة خلاّقة ومحررة، فيها الرجاء والخلاص. إنها نظرة الحُبّ والقيامة والتجديد!

الحكمة: كثيرون من الناس يشبهون تلك المرأة في إعترافها وعلاقتها مع الرب، وقليلون هم على شاكلة ذلك الرجل الذي شعر بخطيئته وتاق للتوبة، فكان ينشد العودة إلى الله! فمشكلة الإنسان كما قال البابا يوحنّا بولس الثاني الطيب الذكر:"إن الإنسان فقدَ الشعور بأنه خاطئ"!
الأروع في هذه القصة البسيطة، هو موقف الكاهن الذي كان شاهدًا على رحمة الله وحبّه، لأن كُرسيّ الإعتراف ليس بمحاكمة أو دينونة أو مكان للعقاب والقصاص، بل مكانًا يشعر فيه المُعترف برحمة الرب وغفرانه ومحبته. إن كرسي الإعتراف منبر يشهد فيه الكاهن لحبّ الله وأبوته، فيسوع يدعونا نحن الكهنة ألا نكسر قصبة مرضوضة كما فعل هو مع أشخاص طرقوا بابه للتوبة.
كُرسيّ الإعتراف محطة لتغير مسار حياتنا نحو الأفضل ولا سيَما في علاقتنا مع الرب، فكن من المعترفين، ولا تحرم نفسك من نعمة الغفران ومن نظرة الرب يسوع؛ نظرة الحبّ والغفران والخلاص والولادة الجديدة!


قلبًا طاهرًا أخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدد في داخلي (مزمور 51/12).

من كتاب قصص روحية وإجتماعية للأب يوسف جزراوي





30
الذات الجريحة
مذكرات من معاناة كاهن
للأب يوسف جزراوي
قيد الطبع القاهرة 2010


الكاهن يصير كاهنًا لكيما يخدم الآخَرين ، لكن سرعان ما يتحولون هم لخدمته لانه هكذا تعلم.
والكاهن يقضي حياته في خدمة النفوس، وفي مرضه وتقاعده يصبح في ذاكرة النسيان ويجلس على مقاعد التهميش  والامثلة كثيرة))(uday nabeel ).

مقدمة: قبل بضعة ايام نشر حضرة الأب الفاضل عامر ساكا مقالاً تحت عنوان، ( كاهن للبيع) مسلطًا الضوء على معاناة الكاهن من بعض رؤساءه الكنسيين ومعاناته من امزجة بعض الناس التي يصعب على الكاهن ترضيتهم، وفي اليوم التالي حدثني أحد الكهنة الاصدقاء في بغداد عن نفس المعاناة لا بل اقسى، كل هذا حفزني ان انشر مقتطفات من قراءة بعض تاملاتي لمعاناة حية وواقعية من حياة كاهن شاب، وربما هي ذات المعاناة التي يواجهها معظم الكهنة. ربما سينتقدني الكثيرون كالعادة، ولكن هكذا هي مشكلة معظم الناس انهم لا يستطيعون تقبل الحقيقة لانها مرة. لذلك كتبت وساكتب كل ما اؤمن به لانه لا اجمل من ان يكون المرء حر الكلمة وان يقول ويكتب قناعاته بحرية وبجراءة.

معاناة جسيمة
الكثيرون في الشرق يرون في الكاهن ملاكًا بلا خطيئة لا مشاعر له متنكرين لحاجاته وضعفه البشري . فيحاسبونه بالعصى على الصغيرة والكبيرة. يرفضون ان يرون أنسانيته، فُيحاسب على الجلوس والوقوف والسلوك والكلام والملبس....يريدونه في اتم الاستعداد لتلبية اي خدمة، مُتناسين أن الكاهن مثقل بأمور كثيرة ، منها عزلته ومشقات خدمته ولاسيّما إذا كان يخدم في رعية كبيرة ، ناهيك إن كانت الكنيسة منقسمة لجماعات واطياف.. ان لم اقل منقسمة على ذاتها!
ولا أنسى امزجة بعض الناس التي تفصل الكاهن و تريده حسب مزاجها وتصوراتها ليحاسبونه على الزيارات ولماذا يفضل فلان أو تلك العائلة على غيرها... ؟ ولماذا لايساعد كل من يطرق بابه ولاسيّما المعوزين ماديًا؟وكأن الكاهن لديه (بنك استثماري)أو هو سوربمان أو أشبه بالبوفيه المفتوح للجميع وفي جميع الاوقات. الجميع  يريده بحسب ما يريد. هكذا كانت معاناة يسوع وتستمر معاناته من خلال كهنته!
الإشاعات التي من السهولة ان يبثها المغرضين وتحديدًا فيما يخص المال والنساء...ناهيك عن الافتراءات وتصفية الحسابات الشخصية وتشويه السمعة! وبعدتعب النهار ومشقاته يعود لعزلته ووحدته، يغسل ملابسه ويعد طعامه . لارفيق له سوى الله وذاته ومكتبته ، يربت على اكتاف الكثير من الناس ويدفن ويزوج ويعمذ ويزور ويتفقد ويرشد،وفي نهاية المطاف تطرق مسامعه الكثير من الإنتقادات الهدامة، والأنكى من ذلك تجدها من اقرب المقربين له!
معاناته من رؤسائه وما يعانيه  منهم من اهمال وتهميش وكأن الكاهن خادم لهم ، وليس سندًا لرسالتهم ،
فما ان مات كاهن ما حتى صار في عالم النسيان وهذا كان حال الاب العلامة يوسف حبي رحمه الله،  من يتذكره من الرؤساء اليوم !!وكلنا يعلم كم اعطى هذا الرجل لكنيسة العراق وللكنيسة الكلدانية من عصارة فكر وقلب وروح ن وهكذا حال الاب فيلب هيلاي  والاب باسل مروكي ،رحمهما الله،، والكاهن معاناته تمتد عندما لا يشعر بابوة رئيسه الكنسي .وتتجلى معاناته  ايضًا  إذا كان غير تقليديًا، متجددا مثقفًا متحررًا راغبا في عيش إنسانيته التي جاء ليعلمنا اياها المسيح ، رافضًا الطاعة العمياء وأن يكون تبعيًا بلا مبدأ وبلا شخصية وبلاروحية، مجاملاً متزلفًا على حساب الحق وعلى حساب مصلحة كنيسته، ساكتًا على الباطل ، واحيانًا تكون لكلمة الحق التي يقولها ثمنًا باهظًا. وكاتب هذه السطور كغيره عاني ما عانه جراء قول كلمة حق ،!

صعب على الجميع ان يتفقوا على راي واحد

كنا قبل بضعة شهور في زيارة لسيدة لبنان - حريصا ، فصادفني زميل دراستي في الثانوية مُقيم في بيروت ورحنا نسترجع ذكريات الدراسة ، ولما ابلغته انني اليوم أخترتُ الكهنوت بنعمة المسيح، إبتسم فاستطرد قائلاً:" يا ابينا ربنا يكون في عونكم ... لدي عائلة متكونة من زوجة وطفلين واخت مقيمة معي واجد صعوبة في التوفيق بينهم، ولا أستطيع كسب ودهم وارضائهم ، فكيف أنتم الخوارنة( الكهنة)  تستطيعون التوفيق بين الناس وارضاء الاعداد الكبيرة التي تقع على عاتقكم في الرعية ....". حقيقةً بالصواب نطق هذا الشاب لأن من الصعب على الكاهن ان يُرضي جميع الاطراف في رعيته. وصعب على الجميع ان يتفقوا على رأي واحد. واتذكر أيضًا مقولة رائعة للأب كوب المُخلصي في إحدى محاضراته ايام تنشئتي الكهنوتية في سمنير الكلدان ولازالت هذه المقولة زاد لحياتي الكهنوتية : " لا تنسوا يا شباب يا كهنة المستقبل إنكم أُناس  ضعفاء قبل الكهنوت وبعد اقتباله ". فالكاهن إنسان قبل كل شيء وليسملاكًا منزلاً من السماء وليس بجلمود صخر، بل انسانًا - بشرًا من لحم ودم له أخطأه ونواقصه وحاجاته... لكنه رغم كل شيء هو خادم للآخَر، ويومًا بَعد يوم نكتشف كهنوتنا بشكلأ اعمق. فالرب دعانا على علاتنا ونواقصنا وليس لكوننا قدّيسين. فالكاهن كالقمر له جوانب مظلمة.
قبل ان اقتبل نعمة الكهنوت قصدت مرشدي الروحي الأب روبير الكرملي رحمه الله الذي تنشأت لسنوات طوالا على يديه فأوصاني قائلاً: "الكاهن الناجح هو الكاهن الإنساني الذي يشعر بالآخر وليس الذي يتكلم بالمثاليات ويبع الكلام المُعسول من على منبر الكنيسة أو الذي يعيش شخصية المتسلط على رعيته ".
وبعد اربع سنوات من الخبرة الكهنوتية اذيع علنًا: لا أجمل من حياة الكاهن ولاأصعب ولا أقسى منها وبالذات في ظرفنا الراهن . ورغم كل معوقات وصعوبات الرسالة تكفينا نعمتك يارب، ويعزينا كلامك ( حسن للتلميذ ان يكون مثل معلمه).
أخيرًا وليس أخرًا أكتب ما اؤمن به:
الكاهن ليس ملاكًا، أو إنسانًا منزلاً من العُلى أو خارق العادة، لا يتماثّل مع البشر. وليس الكاهن شخصًا لم يعرف الخطيئة وكأنه يسوع المسيح. فالبار يخطأ سبع مرات في النهار بحسب ما يقول الكتاب المُقدّس.
قديسون كثيرون كانوا خطأة كبار: مريم المجدلية التي أخرجَ منها يسوع سبعة شياطين، فهي كانت خاطئة من الطراز الأول. والقديس أوغسطينوس الذي كتب عن حياته الصاخبة في ( اعترافاته). وبولس الرسول الذي أضطهد الكنيسة.هكذا هو الكاهن أيضًا، ليس معصومًا من الخطأ. فنحن أناس من لحم ودم، وهذه الحقيقة التي يرفض ان يقبلها الناس والروساء الكنسيون.
ورغم كل شيء يظلّ الكاهن إنسانًا ضعيفًا، لكنه مدعو لرسالة سامية، ويومًا بعد يوم يكتشف الكاهن كهنوته بنعمة الرب الذي دعاه على علاته ونواقصه وخطيئته وضعفه وعدم استحقاقه. وعلى الكاهن ان يبقى صوتًا صارخًا في  صحراء الكنيسة  والا يكون بيدق شطرنج بحجة الطاعة العمياء والسكوت عن الخطئ والفساد، ومن هنا ياتي التجديد والاصلاح مهما كان الثمن باهظًا ومهما كانت التضحية جسيمة، فلابد من ان الشمس ستشرق في يوما ما وسنستنشق إنسام القمم العالية

ربنا إجعنا رغم ضعفنا ومحدوديتنا شهودًا لحبّك الأبوي اللامحدود لذلك الآخَر الذي نخدمه فعليك إتكالنا، ولتكن انت مثالنا
الأب يوسف جزراي
بروكسل

31
مقتطفات من كتاب
النفس الجريحة ( قراءة المعاني الإنسانية في ملحمة كلكامش)
(دراسة وتحليل وتعليق  الأب يوسف جزراوي) ( قيد الطبع ).


في البدء كلمة
 ، وما أكثر الكلام  في عالمنا اليوم!
لكنني ابغي كلمة أيضاح، كلمة مقتضبة ، كلمة ذات معنى ومغزى.  فما  فائدة الكلام ان كان معقدًا مبهمًا غير مفهومًا! وما فائدة الكلام أن لم يغدو حوارًا بناءًا مع الطرف الآخر( القارئ)، وما اكثر الكمات الرنانة والهدامة، وما أكثر الكلمات المنمقة والجوفاء في علومتنا اليوم.
لذا ادعوك يا قارئي الكريم لكلمة استهلال نوضح منها غاية دراستنا هذه، لا بل اشارات دالة لتقودنا بأمان برحلة حبّ وبحث واكتشاف واستقراء في عالم إناس نلتقيهم في ملحمة رائعة وخالدة، ملحمة تعكس حياة الكثيرين منا، وربما جميعنا ( لكنني ضد التعميم).
ادعوا كل من يقرأ هذه الرؤية التحليلة ان يسجل ما مسه من الملحمة، فيبدأ يحاكي ذاته ويحاوره، ليكتشف سر الحياة مع كلكامش وسر الإنسان مع أنكيدو الصائر إنسانًا.
اتمنى للجميع رحلة موفقة وممتعة وبناءة مع في رحاب ملحمة  كلكامش وانكيدو، اطلعوا عليها وتأملوا في اشخاصها واحداثها والعبر المتوخاة منها، حينذاك ستقولون شكرًا .... لنبدأ معًا رحلتنا ....

"هو الذي رأى كل شيء حتى نهايات الأرض، الذي خبر جميع الأمور وعد الكل ، الغزير الحكمة الذي عرف جميع الأمور كلكامش"( ملحمة كلكامش اللوح الأول- العامود الأول)
 بهذه الكلمات بداءت ملحمة كلكامش وهي أقدم نص أدبي وصلَ الينا من حضارة العالم القديم في بلاد وادي الرافدين، على الرغم من إن الملحمة تدور حول شخصية مهمة واحدة في الظاهر وهو كلكامش وإنها مليئة بالمادة الأسطورية الآ أنها تعج أيضًا بالمعلومات التاريخية والثقافية المهمة حول بدايات العصور التاريخية . سنحاول أن نبين في دراستنا هذه بأن البطل الحقيقي للملحمة هو أنكيدو وليس كلكامش، انكيدو الذي يعد حدث موته المحرك الاساس في الملحمة ، لا بل موته يعد المادة التي تبنى عليها الاحداث الدرامية في الملحمة، فلولا موت انكيدو لكما انكشف الوجه الآخر لكلكامش ومحاولات سعيه في البحث عن الخلود.لذا ارتأيتُ سلفًا ان اقول ان انكيدو هو المحرك أو علة الاحداث.

دونت هذه الملحمة الإنسانية الراقية قبل نحو 4000 عام ، نقرأ فيها معالجة لقضايا إنسانية تمس الناس في كل زمان ومكان، كقضية الحياة والموت والبحث عن الخلود، وقضية مشاعر الحزن ازاء فقدان كائنًا عزيزًا . أليس الموت هو الشبح الذي يخيف إنساننا ويهزه ويقلقه ويرعبه وجوديًا؟ كما تسلط الملحمة الضوء على قصة إنسنة الإنسان بوجود الآخر في حياته ، واهمية المرأة في حياة الرجل وما تلعبه من دور فعال في صقل حياة الرجل المتوحش الذي جسدته الملحمة بانكيدو الذي كان يمثل رمزًا للهجين الذي كان يحمله انكيدو ما بين عالم البداوة والتمدن وعالم الانسان والحيوان، ناهيك عن صراع البقاء ، فالانتقالة التي حصلت مع انكيدو وانتقاله وتحوله إلى انسان بفضل صاحبة الحانة وتركه للغابة وعالم الصيد والتوحش ، وانتهاء صراعه وقتاله مع كلكامش المتسلط، وتحول صراعهما إلى صداقة عميقة ، إذ تروي الملحمة ان انكيدو صار الساعد الايمن لكلكامش وسيفه الضارب في مواجهة الشر ، حتى صار انكيدو يعيش حياته في سبيل صديقه كلكامش ويقاسمه الحلوة والمرة!
الاهم في الملحمة تحول نوعية العلاقة بين كلكامش وانكيدو من علاقة صراع ونزاع ومنافسة وانتقام إلى صداقة عميقة وخطة عمل لمكافحة الشر، وكأن في الملحمة رسالة تقول ان اليد الواحدة لا تصفق ( فكلكامش صنع المستحيل وسطر البطولات مع صديقه انكيدو) ولولا انكيدو لظلت بطولة وانتصارات كلكامش ناقصة. وهذا دليل اهمية الآخر في حياتنا.
كما نستشف من الملحمة أيضًا مدى اهمية حضور الآخر معنا واصغاءه لنا وتقويم خطواتنا، فكلكامش يروي لشخصيات متعددة ومتنوعة صادفها في رحلته عن البحث عن سر الحياة والخلود ، يروي لهم عن حزنه وفاجعته وقصة فقدانه لنكيدو المحارب والاخ والصديق الشجاع، ويعلل لهم الهدف من رحلته الشاقة. فيأتي صوت الآخر( صاحبة الحانة _ الزوج والزوجة الناجيان من الطوفان) كمرشد ودليل وشعاع نور في مسيرة كلكامش. إنه صوت الطمأنينة بعد مشقات الطرق ومتاهات الحياة ، وكأن الآخر هو واحة استراحة وتعاطف وتضامن مع كلكامش الجبار الذي هزمه وارعبه موت خله انكيدو وجعل منه كائنًا مهزومًا !ألستم معي أن قلتُ: أن واحدنا يحتاج ليد تسير معه وربما تقوده في ليل الحياة الدامس، وهذا ما تعلمنا ايه الملحمة التي تعكس حقبة ثقافية وتاريخية ودينية من بلاد وادي الرافدين العريقة.
والاهم في رأيي من زواية إنسانية وفلسفية و لاهوتية هو حجم الذكر الطيب(الاثر) والفراغ الذي يتركه الانسان برحيله إلى العالم الاخر، فبقدر ما يكون الحجم كبيرًا وعميقًا ومؤثرًا، بقدر ذلك سيكون حجم خلودنا. فكلكامش صادف موت المئات من ابناء مملكته، لكنه لم يهتز ولم ينذعر ويحزن ويتألم ولم يتأثر مثلما حصل له على رحيل صديقه وخله انكيدو. فربما أثر الآخرين في حياتنا لا نشعر به الا بفقداننا لهم.
ولعله من المفيد الاستشهاد باللوح العاشر لنؤكد ما ذكرنا اعلاه عن مدى اهمية الآخر في الملحمة .
نجد كلكامش في اللوح العاشر يصل إلى ساحل البحر حيث يلتقي بصاحبه الحانة التي كان للقائه بها علاقة بطريقة وصوله إلى جده أوتو ــ نبشتم الخالد والناجي هو وزوجته من الطوفان الذي تعد احداثه كثيرة الشبه بطوفان نوح الوارد ذكره في الكتاب المُقدس.
سدوري صاحبة الحانة الساكنة عند ساحل البحر شاهدت كلكامش مقبلاً وكان لباسه من الجلود ووجهه أشعث كمن سافر سفرًا طويلاً ويبدو العناء والتعب ولكن جسمه من مادة الآلهة فنظرت صاحب الحانة إلى كلكامش وناجت نفسها بهذه الكلمات :" يبدو أن هذا الرجل قاتل فليت شعري إلى أين يريد". فأوصدت بابها لما رأته يقترب وأحكمت غلقه بالمزلاج، فسمع كلكامش صرير الباب فنادى صاحبة الحانة وقال :" ما الذي أنكرت فيّ يا صاحبة الحانة حتى أوصدتِ بابكِ بوجهي وأحكمتِ غلقه بالمزلاج ؟ لاحطمن بابكِ وأكسر المدخل، وأردف كلكامش قائلا لصاحبة الحانة من جديد "أنا كلكامش ،أنا الذي قبضت على الثور الذي نزل من السماء وقتلته وغلبت حارس الغابة وقهرت خمبابا ". فأجابت صاحبة الحانة كلكامش وقالت له:" إن كنت حقًا كلكامش الذي قتل حارس الغابة وغلبت خمبابا الذي يعيش في غابة الأرز وقتل الأسود في مجازات الجبال وأمسك بثور السماء وقتله فلم ذبلت وجنتاك ولاح الغم على وجهك؟ وعلامَ ملك الحزن قلبك وتبدلت هيئتك ولِمَ صار وجهك أشعث كوجه من سافر سفرًا طويلاً؟ وكيف لفح وجهك الحر والقر؟ وعلامَ تهيم على وجهك في الصحارى؟
فأجاب كلكامش صاحبة الحانة وقال لها: "كيف لا تذبل وجنتاي ويمتقع وجهي ويملأ الأسى والحزن قلبي وتتبدل هيئتي فيصير وجهي أشعث كمن أنهكه السفر الطويل ويلفح وجهي الحر والقر وأهيم على وجهي في الصحارى وقد أدرك مصير البشر صاحبي وأخي الأصغر الذي صاد الحمر الوحشية والنمور في الصحارى والذي تغلب على جميع الصعاب وغلب خمبابا الذي يسكن غابة الأرز أنه أنكيدو صاحبي وخلي الذي أحببته حبًا جمًا لقد أنتهي إلى ما يصير إليه البشر جميعًا فبكيته في المساء وفي النهار ندبته ستة أيام وسبع ليال معللاً نفسي بأنه سيقوم من كثرة بكائي ونواحي وامتنعت عن تسليمه إلى القبر أبقيته ستة أيام وسبع ليال حتى تجمع الدود على وجهه فأفزعني الموت حتى همت على وجهي في الصحارى.  
إن النازلة التي حلت بصاحبي تقض مضجعي آه! لقد غدا صاحبي الذي أحببت ترابًا وأنا ، سأضطجع مثله فلا أقوم أبد الابدين فيا صاحبة الحانة ، وأنا أنظر إلى وجهك ، أيكون في وسعي ألا أرى الموت الذي أخشاه وارهبه ؟
فأجابت صاحبة الحانة كلكامش قائلة له: "إلى أين تسعى يا كلكامش إن الحياة التي تبغي لن تجد حينما خلقت الآلهة العظام البشر قدرت الموت على البشرية واستأثرت هي بالحياة أما أنت يا كلكامش فليكن كرشك مليئا على الدوام وكن فرحًا مبتهجاً نهار مساء وأقم الأفراح في كل يوم من أيامك وأرقص وألعب مساء نهار وأجعل ثيابك نظيفة زاهية وأغسل رأسك وأستحمم في الماء ودلل الصغير الذي يمسك بيدك وأفرح الزوجة التي بين أحضانك وهذا هو نصيب البشرية. ولكن كلكامش أعادة الخطاب إلى صاحبة الحانة قائلا : يا صاحبة الحانة أين الطريق إلى اوتو – نبشتم، دليني كيف أتجه إليه فإذا أمكنني للوصول إليه فأنني حتى البحار سأعبرها وإذا تعذر الوصول إليه فسأهيم على وجهي في الصحارى.

حزن كلكامش ووفاءه لانكيدو
حوار كلكامش السابق مع صاحبة الحانة يعكس مدى حزنه وتعلقه بفقيده وخله انكيدو، حتى انه يرفض ان يدفن جسد انكيدو سبع ليالٍ ظانًا انه من كثرة بكاءه على صديقه سيعود للحياة! ولكن منظر ظهور الديدان على وجه صديقه، دفعه للعدول عن رأيه، فأمر بدفنه. ووفاءًا له وتخلديدًا لذكره يأمر بأن يصنع له تماثيل في المملكة،. إذ ذُكر في الحقل الثاني من اللوح الثامن ما يلي:
.. اسمعوني أيها الشيبة ( الشيوخ ) وأصغوا لي من أجل انكيدو ،خلي وصاحبي ، أبكي وأنوح نواح الثكلى. أنه الفأس التي في جنبي وقوة ساعدي والخنجر الذي في حزامي والمجن الذي يدرأ عني وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي. يا خلي وأخي الأصغر لقد طارتَ حمار الوحش في التلال واقتنصت النمور في الصحارى. أنكيدو! يا صاحبي ، وأخي الأصغر الذي اقتنص حمار الوحش في النجاد والنمر في الصحاري .تغلبنا معا على الصعاب وارتقينا أعالي الجبال، ومسكنا بالثور السماوي ونحرناه ، قهرنا خمبابا الساكن في غابة الأرز فأي سنة ( من النوم) هذه التي غلبتك وتمكنت منك ؟ طواك ظلام الليل فلا تسمعني.
ولكن أنكيدو لم يرفع عينه فجس قلبه كلكامش فلم ينبض ،وعندك ذاك برقع صديقه كالعروس
وأخذ يزأر حوله كالأسد وكاللبؤة التي اختطف منها أشبالها، وصار يروح ويجيء أمام الفراش وهو ينظر إليه.، وينتف شعره ويرميه على الأرض ، مزق ثيابه الجميلة ورماها كأنها أشياء نجسة.
ثم دعا كلكامش الصناع والنحاسين والنحاتين وقال لهم أصنعوا تمثالا لصديقي وصنع التمثال لصديقه. ونادى أيضًا صناع المدينة وصاح بهم : أيها الصفار والصائغ والجوهري ونحات الأحجار اصنعوا لي تمثالاً لخلي ثم نحت لصديقه تمثالاً جاعلا ًصدره من اللازورد وجسمه من الذهب ونصب منضدة من الخشب القوي وإناء من اللازورد مملوءًا بالزبد وقرب ذلك إلى شمش وشرع يندب صديقه ويرثيه .
سأجعل أهل أوروك يبكون عليك ويندبونك وسأجعل أهل الفرح يحزنون عليك وأنا نفسي بعد إن توسد في الثرى سأطلق شعري والبس جلد الأسود وأهيم على وجهي في الصحارى. ويبدو من سياق القصة إن كلكامش بعد إن قام بشعائر الدفن الخاصة، صار يرثي صديقه ويندبه ويبكيه ليل نهار ، ثم شرع يهيم على وجهه في البراري ويجوب الارض باحثًا عن سر الخلود.

رحلة كلكامش في بحثه عن الخلود
يمرض انكيدو ويموت تحت انظار كلكامش الحزين الذي هزه المشهد بعنف، فتتغير هيئته ويعتريه قلق مرضي، بل خوف بعد مشهد موت الصديق الوفي، فيهرب من منظرالجثة الذي يذكره بالفناء .. فاجعة الموت والتلاشي ومن ثم الرقود في العالم السفلي ذلك العالم الذي احتل موقع الصدارة في الملحمة، فهو العالم النهائي المفزع الذي لا رجعة منه ابدًا فتكون رؤاه الجديدة هي التطلع الى البحث عن خلود الانسان والهروب من الموت والانتصار عليه واذال ذلك اللغز الذي حرمه من رؤية صديقه ثانية.
ونقرأ مستلخصين في اللوح التاسع ( العامود الاول) عمق الحزن الذي عشعش في اعماق كلكامش الجبار الذي لم يعرف الخوف، حزن جعل من ذاته الجريحة مرتعشة من الفناء.
من أجل أنكيدو ، خله وصديقه بكى كلكامش بكاءٍ مرًا وهام على وجهه في الصحارى، وصار يناجي نفسه : " إذا ما مت أفلا يكون مصيري مثل أنكيدو ؟ لقد حل الحزن ولأسى بجسمي خفت من الموت ، وها أنا أهيم في البوادي والى بيت أوتو- نبشتم أابن اوبار – توتو أخذت الطريق وحثثت الخطى إليه.
سيلاحظ القارى الكريم لقد صار موت انكيدو الحدث الذي تدور عليه أحدث ما تبقى من الملحمة. وصار مادة درامية تتوغل في الحديث عن الانسان :" يا صاحبة الحانة أين الطريق إلى اوتو – نبشتم، دليني كيف أتجه إليه؟ فإذا أمكنني للوصول إليه فأنني حتى البحار سأعبرها وإذا تعذر الوصول إليه فسأهيم على وجهي في الصحارى . هذه اللوح كاشف عن وفاء كلكامش لصديقه الانسان انكيدو، الذي فصل بينهما الموت ومدى صدى الفاجعة ، فاجعة الرحيل المفأجئ التي جعلت كلكامش يشعر ويلمس لمس اليد عمق الفراغ الذي تركه رحيل صديقه انكيدو من حياته. شعور بالوحدة ربما والاسى والفقدان والخوف من الموت! انه شعور النفس أو الذات الجريحة.

حقيقة لا نستطيع نكرانها
كان من الصعوبة على كلكامس ذلك الانسان ان يفقد كل شئ بلمح البصر! ان يخسر حليفه وخله واخيه الصغير وصديق انتصاراته ومغامراته. كان لمن الصعوبة على كلكامش تقبل تلك الحقيقة المرّة. فشكل ذلك الشعور الاحباط واليأس بعد موت انكيدو وصار الموت قضية تشغل بال كلكامش وهزت كيانه المسحوق والذي كان يعتصر ألمًا لموت انكيدو ، ففعل الموت نفسه هو الذي قلب الموازين ، فكان موت انكيدو الصحوة التي كشفت لكلكامش انه انسان فان لاغير .
الإنسان فانن ، هي تلك الحقيقة التي نطقها كلكامش دون وعي لصديقه انكيدو، حين رفض هذا الأخير الذهاب إلى قتل الوحش خمبابا حارس الغابة قبلأان يعنفه جلجامش ويقنعه فيخاطبه مؤنبًا: " ياصديقي من ذا الذي يستطيع أن يرقى إلى السماء . فالالهة وحدهم هم الذين يعيشون إلى الأبد مع شمش اما البشر فأيامهم معدودات وكل ماعملوا عبث يذهب مع الريح ".
لو أمعن القارئ اللبيب النظر في ما قاله كلكامش لانكيدو ، سيرى أن هذا التصريح يشكل اعترافًا غير واعيًا من قبل كلكامش بفناء الانسان واستحالة خلوده، لذا سيعاني كلكامش من تناقض وصعوبة بالغة في استيعابه للحالة التي يصادفها بعد موت انكيدو في رحلة البحث عن الخلود، وتحديدًا لقائه في حانة سدوري التي يسألها : هل استطيع الهروب من الموت ؟
فتجيبه صاحبة الحانة :إلى أين تسعى ياكلكامش ؟ ان الحياة التي تبغي لن تجد . حينما خلقت الالهة العظام البشر قدرت الموت على البشرية واستاثرت هي بالحياة .فكان جواب سدوري صاحبة الحانة يشبه تمامًا ماقاله كلكامش لانكيدو قبل موته.
موت انكيدو ، حدث قهر كلكامش الجبار وسحق ذلك الوحش المقاتل الفذ، حدث قلب الموازين ورويدًا رويدًا تأخذ الاحداث دورها في انسنة كلكامش جاعلة منه انسانًا واعيًا لذاته ولرسالته تجاه مملكته وواعيًا لمصيره، فأيقن ان سر الخلود يكمن بذلك الاثر الذي سيتركه بعده، كعمق الاثر الذي تركه انكيدو في داخله، اثر جرح ذاته وقلبَ حياته وغير مجراها.
الحزن، هو الحقيقة المُرّة التي رفض كلكامش الاستسلام لها، لكنها كانت في اول الامر واخره الضريبة التي دفعها ، فبعد موت أنكيدو يصاب بحزن شديد على فقدان صديقه الحميم، حيث لا يريد أن يصدق حقيقة موته فيرفض أن يقوم أحد بدفن الجثة لمدة أسبوع إلى أن بدأت الديدان تخرج من جثة أنكيدو فيقوم كلكامش بدفن أنكيدو بنفسه وينطلق شاردًا في البرية خارج أورك وقد تخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات. بالإضافة إلى حزن كلكامش على موت صديقه الحميم أنكيدو ولد في قرارة نفسه خوفًا من حقيقة ،أنه لابد من أن يموت يومًا لأنه بشر والبشر فانٍ ولا خلود إلا للآلهة. كان يرفض ان يتقبل حقيقة موته في يوم من الايام والقبول بذات المصير الذي لقيه انكيدو.
بدأ كلكامش رحلته ومغامرته للبحث عن الخلود والحياة الأبدية. لكن كان عليه في بحثه عن سر الخلود ، أن يجد الانسان الوحيد الذي وصل إلى تحقيق الخلود وكان اسمه أوتنابشتم والذي يعتبره البعض مشابهًا جدًا أن لم يكن مطابقًا لشخصية نوح في الكتاب المقدس. عندما يجد كلكامش أوتنابشتم يبدأ هذا الأخير بسرد قصة الطوفان العظيم الذي حدث بامر الآلهة وقد نجى من الطوفان أوتنابشتم وزوجته فقط! وقررت الآلهة منحهم الخلود. بعد أن لاحظ أوتنابشتم إصرار كلكامش في سعيه نحو الخلود، قام بعرض فرصة على كلكامش ليصبح خالدًا, إذا تمكن كلكامش من البقاء متيقظًا دون أن يغلبه النوم لمدة 6 أيام و 9 ليالي فإنه سيصل إلى الحياة الأبدية!
فشل صاحبنا كلكامش في هذا الاختبار إلا أنه ظلَّ يلح على أوتنابشتم وزوجته في إيجاد طريقة أخرى له كي يحصل على الخلود. تشعر زوجة أوتنابشتم بالشفقة على كلكامش فتدله على عشب سحري تحت البحر بإمكانه إرجاع الشباب إلى كلكامش بعد أن فشل مسعاه في الخلود, يغوص كلكامش في أعماق البحر ويتمكن من اقتلاع العشب السحري .

قرار العودة  
قرر كلكامش العودة إلى أورك مملكته بعد حصول على العشب السحري الذي يعيد نضارة الشباب( لا حظ عزيزي القارى الملحمة تقول يعيد نضارة الشباب وليس تمنح له الخلود)، و يقرر أن يخذه إلى أورك ليجربه هناك على رجل طاعن في السن قبل أن يقوم هو بتناوله، ولكن حصل مالم يكن في الحسبان! ففي طريق عودته وعندما كان يغتسل في النهر سرقت العشب إحدى الأفاعي وتناولته. حزن كلكامش ورجع إلى أورك خالي اليدين( كا تذكر الملحمة). وفي طريق العودة يشاهد السور العظيم الذي بناه حول أورك، ففكر وتمتمَ مع نفسه: أن عملاً ضخمًا كهذا السور هو افضل طريقة ليخلد اسمه. وفي النهاية تتحدث الملحمة عن موت كلكامش وحزن أورك على وفاته.



الخُلاصة
الملحمة تحاكي وتمس كل إنسان و ما يصيبه من أفراح وإتعاب وإحزان ومخاوف وقلق.  
بضع نقاط هي حصيلة دراستي الطويلة لهذه الملحمة والتي امتدت لسنوات ، فالملحمة تعج بالصور والمعاني ووالاحداث الإنسانية النبيلة .
الاولى: فكلكامش يمثل كل إنسان منا.إنه يرمز إلى إنساننا في كل زمان ومكان، في صراعه من البقاء، وصراعه من اجل الحبّ والمال والمناصب،. لابل انه صراع مع الحزن، وصراع مع الموت الذي كسر أنف الإنسان، وكسر اعماقنا  وجرح ذواتنا باختطافه اناس رحلوا عن عالمنا هذا إلى العالم اخر. فمن منّا لم يفقد يومًا كائنًا عزيزًا على قلبه ( أمُّ_ أب _ أخ _أخت _ صديقة _ حبيبة_ حبيب _ مثال اعلى _ استاذ_ رفيق(ة) عمر_ كتاب _ تحفة .... وليضف كل واحد عزيز فقده) وكيف ان الإنسان المدفون في اعماقه   اهتز وصحى من غفوته أو من سباته. وبدأ ينظر للحياة نظرة مغايرة عما سبق. فكل منا محتاج الى زلال أو هزة داخلية ؛ هزة بواسطتها ينهض من سباته وعدم مبالاته للحياة  لينظر إلى الحياة والإنسان نظرة مختلفة. نظرة توجه المسعى لبناء الذات وبناء الآخر، ومعه نسجل ابداعًا في الحياة .
أنها صحوة تكشف لنا سرّ الحياة ومعانيها الجميلة المُخفية.صحوة كشف الوجه الاخر للحياة.
الثانية: ارى من وبعد دراسة طويلة ان بطل الملحمة ليس بكلكامش كما ذكرت في المقدمة ، بل البطل هو انكيدو. فظهور انكيدو على مسرح الملحمة والاحداث هو الذي غير مسار حياة كلكامش، فلولا ظهور انكيدو لما اخذت حياة كلكامش منحى اخرًا ، ولولا موت انكيدو لما اكتشف كلكامش الحزن والقهر وقيمة الحياة، ولما قام برحلة بحث خارج ذاته( مملكته) ناسيًا ملذاته وكراسيه وعرشه وجبروته، ولما تحول من مقاتل متوحش إلى إنسان مؤنسنن ، ولما تحول من حاكم متسلط دكتاتوري إلى حاكم عادلاً  وخادمًا لشعب مملكته، فحول نظره من بناء المعابد والاسوار والثماثيل إلى بناء الإنسان. لقد عاد كلكامش ومعه سر النجاح في الحياة ( ولعل هذا هو سر الخلود)، فعرف سر الخلود يكمن من خلال رحلة الخروج من الذات وخدمة الناس الذي يرئسهم وليس خلوده بكرسيه و بالبطش والاستبداد، وجعل الشعب بيادق شطرنج جاعلاً منهم خدامًا له. ولذا كان الخلود نصيب كلكماش كما كان بالامس خالدًا كما هو اليوم وسيظل دائمًا وابدًا خالدًا. لقد تعلم كلكامش من رحلته ان قيمته وخلوده ليس بكرسيه ومنصبه ، بل هو الذي يعطي قيمة ومعنى للكرسي والاحداث والاشخاص.
الثالثة:  قلنا سلفًا أن كلكامش هو نموذجًا يحاكي الإنسانية جمعاء في ماضيها وحاضرها ومستقبلها. أما عن الرسالة التي نستلخصها من حياة انكيدو تكمن في : أن الإنسان لا يولد إنسانًا بل يصير بفعل عوامل عديدة أهمها في رأيي دوره الشخصي ودور الآخر( المختلف) .
وانكيدو الذي كان نصفه وحش ونصفه إنسان هو إشارة إلى الحيوان أو البداوة او إلا إنسانية المتراكمة والمطورة في داخلنا، وكيف نعمل على إنسنة ذواتنا لنصير إنسان فعالين في الحياة. واسوق لكم مثالاً من الملحمة : انكيدو لما استانسته وانسنته صاحبة الحانة ذهب لمقاتلة كلكامش ومع الوقت يتحولات إلى صديقين حميمن، فيتعلما ان الاختلاف لا يعني خلافن بل يكمل بعضهما البعض. فأتسأل. أليس كلكامش هو نفسه الذي قاتل انكيدو وكان مبتغاه قتل انكيدو، هو نفسه  الذي سيبكي عليه وينوح  لاحقًا. كم كان انكيدو إنسانًا بكل ما تحتويه الكمة من مقنى حتى احرق فؤاد كلكامش ذو القلب الفولاذي الذي لم يعرف الخوف والحزن من قبل موت انكيدو كخوفه من الموت وحزن الفراق!
لذا اقول حياة انكيدو تعلمنا ان الانسان يصير إنسان ويتأنسن متى وعي ذاته، سيعرف مالذي يريده وما هي رسالته في الحياة. ألستم تتفقون معي في هذا العرض؟!
الرابعة: كتب الكثير من الباحثين والدارسين ومنهم الباحث العراقي طه باقر رحمه الله وفراس السواح و استاذي الراحل العلامة الأب يوسف حبّي ، وغيرهم كثار استنادًا إلى ما جاء في الملحمة : ان كلكامش رجع فارغ اليدين، من رحلة البحث عن الخلود .لستُ متفقًا مع ما ذكره هؤلاء الاساتذة الاجلاء وكل من دارت ارئهم في نفس الفلك. وربّ سائل يتسائل عن سبب عدم اتفاقي. فأجيب: لان كلكامش كان راجعًا وبيده سرُّ الوجود ، حيث يعود لمدينة أورك ويبدأ حياة جديدة فيصبح حاكمًا عادلاً ويهتم بمملكته لأنه أمن بأن الخلود يأتي بالعمل الصالح والذكر الطيب والأمانة بالحكم، فأكتشف ان خلوده بما يتركه من بعده من مآثر ومن آثر حسن.
ففي النهاية يكرس كلكامش حياته في محاولة لان يعيش ما تبقى له من الحياة بالقيام بأعمال عظيمة ليبقى اسمه خالدا؛ فعرف خلوده من خلال خدمة الاخرين وتحقيق الرفاهية لشعبه بعد ان عرف كيف ان يتصالح معهم ويبدل نظرتهم إليه، وعرف ان السلطة خدمة.
الخامسة : كما ان الملحمة تعلمنا درسًا في المسامحة، فبواسطة الكلمة الطيبة والفعل الحسن من الممكن ان تحول عدوك الى افضل صديق لك كما حدث لكلكامش مع انكيدو في الاحداث الاولى من الملحمة ، اذ تحولا من متصارعين متقاتلين الى صديقين يضحي واحدهم في حياته من أجل الثاني! وبكى كلكامش اثر رحيل صديقه ( عدو الامس) بكاءًا مرًا ، ولفقدان صديقه الوفي، يخرج عن عالمه الخاص ليكتشف عالم الحياة والخلود والانسان.  
السادسة : في النهاية تتحدث الملحمة عن موت كلكامش وحزن أورك على وفاته.
سر في الملحمة يكمن  في التغير الحاصل في شعور الشعب تجاه كلكامش. ففي اجزائها الاولى  تحدثنا عن  قساوة وبطش كلكامش لشعب ممكلته ، وتذمر الشعب من حاكمًا مستبدًا قاسي الاحكام. كما نلاحظ  دعائهم المستمر للالهة للخلاص منه، في النهاية تتحدث الملحمة عن موت كلكامش وحزن أورك على وفاته لانه ترك في مملكته وفي نفوس شعبها اثرًا عميقًا وطيبًا جعلهم يشعرون بالفراغ الذي تركه بعده. ووحده العظيم الذي يعرف ان لايكون رقمًا في الحياة ووحده المبدع الذي يعرف ان يتركه بعده بصمة مؤثرة في هذا الوجود الجميل. ووحده العظيم الذي يعرف أن يشعر بخطئه ويسعى لتصحيحه وتغير مسار حياته. وهذا هو تمامًا الذي حصل مع كلكامش.
يقول كلكامش في احدى اللواح ربحتُ ثورة القلقْ ، ربحتُ رهبة المغامرةْ
ربحتُ أن أكونَ هدفاً لأسهم الرماةْ
من حاسدينَ أو طغاةْ
مشكلتي.. ليست كنوزَ الأرضِ  ، ليست بليلٍ أحمر النزواتْ
لا الذهبُ البرّاقُ.. لا الجنسُ
لا الحاناتْ.. هيهاتْ
مشكلتي تكمن في موت صديقي وخلي ولبي انكيدو مشكلتي أرفضُ أن أموتْ
أبحثُ عن حياةٍ بعد هذه الحياةْ..؟!

ختامًا :
أؤمن أن كلكامش اكتشف سر الحياة خلال رحلته الشاقة؛ رحلة البحث عن الخلود، لذلك بعودته لملكته انقلب مجرى حياته، فكرس حياته لبناء ممكلته وناسها، فعاش خلودًا ابديًا . ولنتسأل هل مات كلكامش من حضارة وادي الرافدين وحضارة هذا العالم الجميل.؟ وهل مات من ذاكرة التاريخ؟
الجواب من المؤكد كلا والف كلا، فهو لا يزال حيًا بل خالدًا في كتابات الباحثين والدارسين والكُتاب.
سيبقى كلكامش رمزًا لإنسان، عاني من جرح الفراق  بسبب موت صديقه وغلبة الموت، لكنه أخيرصا تمكن من غلب الموت بتصحيح مسار حياته، لذا سيبقى كلكامش رمزًا على حبّ الحياة ورمزًا لكل الباحثين عن معنى الحياة وسرّها. وسيبقي أيضًا دليلاً لكل الذين ينشدون الخلود.
كلنا سواح في هذه الحياة، ولكن طوبى لا بل هنيئًا لمن يحفر لشخصه البقاء المجيد في هذه الحياة من خلال هذه الرحلة، كما حفر انكيدو وكلكامش قصتهما في ذاكرة الحياة والإنسانية .

مقتطفات من كتاب
النفس الجريحة ( قراءة المعاني الإنسانية في ملحمة كلكامش)
(دراسة وتحليل وتعليق  الأب يوسف جزراوي) ( قيد الطبع ).


32
المنبر الحر / الإنسان والخلود
« في: 03:03 05/01/2010  »
الإنسان  والخلود

ثلاثة اركان رئيسية تلعب دورًا في تكوين الإنسان :
الاولى ( كشف الذات والقبول بها والتزامها ) ، الثانية ( الثقافة) تثقيف الذات ولا اقصد ان كل متعلم وصاحب شهادة هو مثقف ، الثالثة ( الروحانية العميقة) واقصد بها روحنة وإنسنة الذات . .
متى حصل فيك كل هذا ستكون من المبدعين. وما الابداع؟!
الابداع هو الخلق واضافة شي حسن للوجود. وفي رأيي عناصر ثلاثة تلعب دورًا جوهريا في الابداع وما يرادفه من فرادة وتميّز.، وهي:
( مادتنا ، موضوعنا ، تعبيرنا).
مادتنا ونحصرها في اثنين : الاولى تكمن في ذواتنا فأنا مع ما ذهبت اليه الفلسفة الحديثة الذات اساس كل شي. والثانية تكمن في علاقة الحب مع الرب وتفحص الانجيل وهضمه بشكل سليم في محاولة لترجمته لواقع حياة يعيشه إنسان وليس ملاكًا أو قديسًا.
موضوعنا هو ان يكون لك مبدا وقضية حياة تعيش في سبيلها
تعبيرنا يكمن في حب العطاء واسعاد الاخرين والعيش في سبيل الاخر، بمعنى ان تكون ذو رسالة في الحياة.
متى أصبحت هذه اسس لوجودنا صدقوني سنكون من الخالدين! وما الخلود؟!
الخلود ولعلي اوضحه في نقطتين  ايضًا ( الاولى) ببأن لا تكون ( مثل) او نسخة من فلان  اي الا تقبل ان تكون رقما بين مليارات الارقام من البشر، فتكون مميزًا فتتميز وهنا تكمن فرادتك وتنوعك وخصوصيتك الذاتية.
( الثانية) سوى انك تتلقي بالاخرين وتمر في حياتهم فتترك اثرًا عميقًا  وبصمة ايجابية في هذه الحياة.، أثرًا يجعلك خالدا فيهم ومن خلالهم .

سيقولون لك خلودك في اموالك ومناصبك وربما في الكراسي والالقاب .... !! يالتعاستك لو صدقتهم. فليس من أحد سيؤبد على كرسيه( فلو دامت له لما الت اليك).
فالاموال والمناصب والكراسي  والالقاب لا تعطي قيمة وجودية للأشخاص، والامثلة كثيرة والاسماء لا تحصى وعلى اكثر من صعيد. بل أؤمن ان الانسان هو من يعطي قيمة للكرسي وللمنصب وللاحداث والحياة.


قيمتك بذاتك وخلودك في عطائك وبحجم الاثر الايجابي الذي ستتركه بعدك.
الأب يوسف جزراوي
5/1/2010
 


33
لا للسكوت ( قصة وحكمة)

    زواج دام ستون عامًا! سمعت إحدى الصحف المشهورة بتلك الزيجةا لتي استمرت لمدة ستون عاماً، و زادت الدهشة عندما وصلت تقارير المراسلين تقول أن الجيران أجمعوا على أن الزوجين عاشا حياة مثالية، و لم تدخل المشاكل أبداً إلى بيت هذين الزوجين السعيدين .
هنا أرسلت الصحيفة أكفأ محرريها ليعد تحقيقاً مع الزوجين المثاليين ، و ينشره ليعرف الناس كيف يصنعون حياة زوجية سعيدة ..
المهم في الامر أن المحرر قرر أن يقابل كلا الزوجين على انفراد ، ليتسم الحديث بالموضوعية و عدم تأثير الطرف الآخر عليه .
و بدأ بالزوج : سيدي ، هل صحيح أنك أنت و زوجتك عشتما ستين عاماً في حياة زوجية سعيدة بدون أي منغصات ؟
نعم يا بني
و لما يعود الفضل في ذلك ؟
يعود ذلك إلى رحلة شهر العسل
فقد كانت الرحلة إلى أحدي البلدان التي تشتهر بجبالها الرائعه ،
و في أحد الأيام ، استأجرنا بغلين لنتسلق بهما إحدى الجبال ، حيث كانت تعجز السيارات عن الوصول لتلك المناطق . و بعد أن قطعنا شوطاً طويلا ، توقف البغل الذي تركبه زوجتي و رفض أن يتحرك ،
غضبت زوجتي و قالت : هذه الأولى. ثم استطاعت أن تقنع البغل أن يواصل الرحلة .
بعد مسافة ، توقف البغل الذي تركبه زوجتي مرة أخرى و رفض أن يتحرك
غضبت زوجتي و صاحت قائلةً : هذه الثانية
ثم استطاعت أن تجعل البغل أن يواصل الرحلة
بعد مسافة أخرى ، وقف البغل الذي تركبه زوجتي و أعلن العصيان كما في المرتين السابقتين ،
فنزلت زوجتي من على ظهره ، و قالت بكل هدوء : و هذه الثالثة .
ثم سحبت مسدساً من حقيبتها ، و أطلقت النار على رأس البغل ، فقتلته في الحال
ثارت ثائرتي ، من الموقف وقلت لها،
لماذا فعلت ذلك ؟
كيف سنعود أدراجنا الآن ؟
كيف سندفع ثمن البغل ؟
انتظرت زوجتي حتي توقفت عن الكلام ، ونظرت إليّ بهدوء و قالت :

هذه الأولى ........!!!!!!  ومن يومها وأنا ساكت ....
                                          الحكمــــــــــــــــــة::::::
الكثير من الناس على شاكلة هذا الرجل، ولعلي احصرهم في اربعة
الأول: يسكت خوفًا وجبنًا
الثاني: يسكت من باب التملق والمسايرة والحفاظ على المصالح الشخصية
والثالث: يسكت لان لا موقف له بلا شخصية وقرار وموقف، وما قيمة الإنسان بدون موقف لأن الحياة لا بل الإنسان موقف!
والرابع يسكت: كرهًا وجبرًا أو لعدم استطاعته القيام بشي.أو لانه يرى لا جدوى من نطقه لانه يتحاور مع الطرشان ومع أشخاص تحركهم أمور دنيوية لا يسمعون إلا نفوسهم ولا يسمعون صوت الروح القدس في داخلهم أو من خلال الاحداث أو الاشخاص.ولكن ياقارئي العزيز أملي ان تكون مختلفًا فلا تسكت عن قول كلمة الحق وان تقول (لا )بوجه الباطل بعيدًا عن المساومات، أملي ان تقول لا بوجه الواقع الفاسد، وكفانا من تقبيل الايادي، ولنقل كلمتنا، فالمسيح قال كلمته وحمل سياط الحق.
سيقولون لك: احذر والزم السكوت، وان قلتَ كلمة حق ستدفع ثمنًا باهظًا وستكون حياتك صراعًا مستمرًا. وربما سيغرونك بمناصب وسيحاولون شراء ذمتك وضميرك بحفنة دولارات قائلين لك: تمتع بالحياة وخذ منها ما تستطيع أخذه ولا تشذ عن القاعدة المتعارف عليها وكن كغيرك مُسايرًا مواليا تبعيًا كي تنال رضى مرؤسيك وتتنعم بخيراتهم مثل فلان وفلان والاسماء كثيرة ولا تحصى!!!!
سيدعونك إلى تقبيل اليد التي لا تعظ ، بمعنى يريدونك كما يقول المثل العراقي :" أن تلبس الكبع وتلحق الربع".
فأجيبك:
من الصعب جدًا ، بل متعبة ومرهقة حقًا حياة من يقبل بقول كلمة الحق والمواجهة وكشف الواقع الفاسد والسبح عكس التيار. نعم مغامرة شاقة لمن يريد الاصلاح والابداع والخير العام والانتفاضة على الواقع الفاسد. وصعب أيضًا لمن يعرض ذاته لرياح شديدة تهب عليه من كل الجهات لتصده وتوقف مسيرة الحبّ والنور والاصلاح والتغيير . إنه سيكون طعامًا للكثيرين ولكن طوبى لا بل هنيئًا لمن يطعم الجياع، لا سيّما الجائعين إلى كلمة الحق.


الأب يوسف جزراوي


34
المنبر الحر / يسوع حافي القدمين
« في: 01:18 21/08/2009  »
يسوع حافي القدمي
الأب يوسف جزراوي ( هولندة)
 شاهدتُ قبل سنة ونيف لوحة غاية في الروعة والجمال في إحدى كنائس فيز بادن في المانيا لاتزال عالقة في اذهاني، قيل انها تعود لفنان الماني اسمه (كفرد) وفي ظني انه قد اقتبس فكرتها من مسودة لوحة (حافي القدمين) للفنان الهولندي (فان غوغ ). تعد هذه اللوحة من اوائل اللواحات التي حاول فان غوغ رسمها عندما كان يعمل عاملاً وواعظًا في  أحد مناجم الفحم الهولندية،  لكنّه عدل عن رأيه في اكمال لوحته المار ذكرها قبل قليل، فرسم عوضًا عنها  لوحته الشهيرة (آكلي البطاطا) والتي تصور الطبقة الكادحة والعاملة في مناجم الفحم في هولندة وقتذاك. ما ابغيه هو ان الرسام ( المقتبس)  يصور في لوحته تلك، ان السّيد المسيح له المجد ينتعل نعالاً ممزقًا في إحدى قدميه ، بينما القدم الآخَرى يبدو فيها حافيًا وقدمه متسخة  جدًا ،سوداء مليئة بالاوساخ والجروح والفطور والتشققات بسب كثرة سيره على قدميه للتبشير ونقل الرسالة واعلان بشرى حبّ الله للبشرية. الملفت للنظر هناك قطعة خشبية وضعت اسفل اللوحة كتب عليها في اللغة الالمانية قام أحد الأصدقاء المُقيمن هناك بترجمتها لي وللحاضرين معنا بتصرف :" لقد تشققت قدميَ واتسخت حتى السواد من كثرة السير في طريق البشارة ولكي لا يهلك بني البشر....ولكن قليلون هم  المتجاوبون والسائرون معي.... لتكن مشيئتك يا أبتِ ".
تحت هذه الكلمات التي عبر بواسطتها الرسام عن فكرة ومضمون لوحته ، كتب أحد الزوار المؤمنين  بخط  حسن وكبير بالإنكليزية على قصاصة ورقية( اشبة بكارتونة) مايلي، وهذه ترجمتها بتصرف :
"كثيرون اليوم كما كان بالامس ولا سيّما في الشرق، يبشرون ويتكلمون عنك كثيرًا يا يسوع ، وهم جالسون على كرسي وعروش  وقصور ، حسبهم انهم سيئبدون فيها، أو تراهم جالسين خلف افخم المكاتب والادارات ويقتنون احدث السيارات وأكثرها تكنلوجيا وتقنية ويتنعمون بتبريد عالي الجودة ، وينتعلون اثمن الاحذية ذات العلامات العالمية والاثمان الباهظة، ويبرجون اياديهم  وصدورهم بخواتم وصلبان من الذهب الثمين وارصدة لا تحصى في البنوك. لقد طلق معظمهم الفقر والتجرد بالثلاثة. هم فقط بياعي كلام لا أكثر ! ويدعون انهم رسل للمسيح. يا يسوع الحبيب هؤلاء لايشبهونك، لانهم لا يعرفون حبّك  وبعيدون كل البعد عنك وعن تعالميك التي اتيت بها للبشرية! انهم يبشرون عن انفسهم ، يتكلمون كثيرًا ويفعلون قليلاً! ربما انهم نسوا أو تناسوا رسالتهم وصاحب الرسالة ...! يا يسوع اشعر باحزانك، بالامك.... لأنه  كم صعب على المُحب ان يتنكر له محبيه ويتنكرون لخدماته واشتغالاته وتضحياته، لا بل لحبه ولشخصه أيضًا! والانكى من ذلك انهم ينحرفون عن طريق اختاروا السير فيه بحرية .... ولا زالو يتحدثون باسمك ، وباسمك يستهلكون الناس ويثقلونهم إلى حد الاستغلال انهم فريسيون عصرنا" !
يارب علمنا ان نحبّ بصدق لنتمكن من السير معك رغم صلابة ووعورة واشواك االطريق، لنقاسمك ألم ومنغصات السير في (طريق البشارة) ولتكون اقدامنا شبيهة باقدامك. فحسن للتلميذ ان يكون مثل معلمه.


من كتاب قصص روحية وإجتماعية  للأب يوسف جزراوي
مراجعة وتقديم المطران لويس ساكو
قيد الطبع كركوك

35
الكاهن ورسالة الحياة مع الاخر

الكاهن هو من له القدرة على الحُبّ ؛ حيث وجد في نفسه قوة كبيرة على الحُبّ! قوة بل دعوة حبّ تفوق شخص واحد ( شريك الحياة) او مجموعة صغيرة من الناس ( العائلة) بل حبًا يتجه نحو جماعة كبيرة ( الرعية) ليخدمهم ويرعائهم بحس انساني وانجيلي . دعوته من الله . انه دعُي ليعيش ويشهد لحبّ الله بين البشر رغم ضعفه ونواقصه وحاجاته.

الآخر هو قضية حياتنا ومحور دعوتنا وخدمتنا ..... وكهنوتنا في جوهره خدمة ؛ إذًا الكاهن في علاقة مباشرة مع ذلك الاخر الذي نصادفه في طريق خدمتنا .
والكهنوت فعل حبّ حر وليس وظيفة او موزع او مانح اسرار كما يظن الكثير .

ظن وما زال يظن الكثير ان الحياة الكهنوتية تحمل في طياتها انزواء ومسافة وانغلاقا على الاخر الذي نحن دعُيتا لخدمته !! والعكس هو الصحيح ؛ لان الكاهن معمول من أجل هذا الآخر . إذًا من هو هذا الآخر بالنسبة لنا كمكرسين ( كاهن _ راهب _ راهبة _ علماني مكرس _ خادم ..... واظيفوا انتم ما تريدون) ؟
أنه محور دعوتنا ورسالتنا . ونحن نبقى نبحث عنه ، وعندما نجده سندخل في علاقة بناءة معه لكي نستطيع الدخول إلى عالمه حاملين له رسالتنا في الحياة .

وتبقى روحانيتنا وكلامنا الطيب ومصداقيتنا وثقافتنا وامانتنا وطيبتنا ، لابل كلمة انجيل الحياة الفعل الذي يغذي خدمتنا للآخر . فصلاتنا وخدمتنا كلها واحدة سواء اتجهت نحو الله أو نحو الآخر ..... لان الاخر هو صورة الله.

ولكن الكثير من الناس وبالذات في الشرق يرون في الكاهن ملاكًا بلا خطيئة لا مشاعر له  متنكرين لحاجاته وضعفه البشري . فيحاسبونه بالمسطرة على الصغيرة والكبيرة .... يرفضون ان يرون انسانيته . فيحاسب على الجلوس والوقوف والسلوك ..... والملبس و..........
يريدونك في اتم الاستعداد لتلبية اي خدمة .... متناسين ان الكاهن مثقل بامور كثيرة .... منها عزلته ومشقات خدمته ولاسيما اذا كان يخدم في كنيسة كثيفة الاعداد ، واذا كانت الكنيسة منقسمة لجماعات واطياف و..... ان لم اقل منقسمة على ذاتها!
وامزجة بعض الناس التي تفصل الكاهن وتريده حسب مزاجها وتصوراتها .... ويحاسبونه على الزيارات ولماذا يفضل فلان او تلك العائلة على غيرها ....؟ ولماذا لايساعد كل من يطرق بابه ولاسما المعوزين ماديًا؟؟ و وكأن الكاهن لديه بنك او هو سوربمان او اشبه بالبوفيه المفتوح ..... الكل يريده بحسب ما يريد ! هكذا كانت معاناة يسوع وتستمر معاناته من خلال كهنته وكنيسته
والاشاعات التي من السهولة ان يبثها بها اي مغرض ولاسيما فيما يخص المال والنساء ..... ناهيك عن الكثير من الافتراءات وتصفية الحسابات الشخصية!!
وبعد تعب النهار ومشقاته يعود لعزلته .... يغسل ملابسه ويعد طعامه ..... لارفيق له سوى ذاته والله ..... يطبطب على اكتاف الكثير من الناس ويدفن ويزوج ويعمذ ويزور ويتفقد  ..... وفي نهاية المطاف تطرق مسامعه الكثير من الانتقادات الهدامة والانكى من ذلك تجدها من اقرب المقربين له!!
معاناته مع رؤساءه ولا سيما ان كان متجددا مثقفًا متحررا ..... ويرفض الطاعة العمياء وان يكون تبعي بلا مبدأ وبلا شخصية .....وبلا روحية .... مجاملاً متزلفًا على حساب الحق وساكتًا على الباطل ! واحيانا تكون لكلمة لا التي يقولها ثمنًا باهظًا.....

اتذكر مقولة رائعة للاب الخالد يوسف حبّي رحمه الله في قاعات كلية بابل الحبرية التي قامت بجهوده الجبارة ولازالت هذه المقولة زاد لحياتي الكهنوتية : " لا تنسوا يا شباب يا كهنة المستقبل انكم أُناس ضعفاء قبل ان تكونوا كهنة ...."

لذا اقول الكاهن انسان قبل كل شي ليس ملاكًا منزلا من السماء وليس بجلمود صخر ؛بل انسان بشر من لحم ودم له اخطائه ونواقصه وحاجاته ..... لكنه رغم كل شي  خادم للاخر .... ويوم بعد يوم نكتشف بشكل اعمق كهنوتنا ..... فالرب دعاننا على علاتنا ونواقصنا وليس لكوننا قديسسين

قبل ان اقتبل نعمة الكهنوت قصدت مرشدي الروحي الاب روبير الكرملي رحمه الله الذي تنشئت لسنوات طوال على يديه فاوصاني قائلاً: الكاهن الناجح هو الكاهن الانساني ! الذي يشعر بالاخر وليس الذي يتكلم بالمثاليات ويبع الكلام المُعسل من على منبر الكنيسة !او الذي يعيش شخصية سي السيّد !

ختامًا اذهب لاقول:
ربنا اجعنا رغم ضعفنا ومحدودينتا شهود لحبك الابوي اللامحدود لذلك الاخر الذي نخدمه فعليك اتكالنا .

وعن خبرة اقولها لا اجمل من حياة الكاهن ولا اصعب ولا اقسى منها ..... ولا سيما في ظرفنا الراهن ..... ورغم كل شي تكفينا نعمتك يارب ! ويعزينا كلامك ( حسن للتلميذ ان يكون مثل معلمه).



من كتاب ( تأمّلات من حياة كاهن) للأب يوسف جزراوي _ 2008

36
قبل غروب شمس عام 2008

قبل غروب شمس هذا العام وكلّ عام ، تستعد لبزوغ فجر عام جديد، أي ستودّع سنة بحلوها ومرّها. ووسط تباين الحدث بين الوداع والاستقبال ، تتوافد الذكريات إلى المُخيلة ، وتتزاحم الأمنيات في القلب ..... وكلها تحمل العمق والمعنى لما لها وقع مؤثّر في النفس!

وما إن تطل نجوم السماء على الأرض ، حتى اتساءل وليتك تتساءل معي يا قارئي العزيز: ( ماذا يعني أن واحدنا يودع 365 يومًا من حياته؟) ..... هل الآمر هو إطفاء المصابيح وإشعالها من جديد وتبادل التهاني والقبلات ..... ؟ أم مُجرد رقم يُضاف إلى ارقام سنين حياتنا ، أم هُناك شيء اعمق؟!

سؤال صعب والاجابة عليه أصعب ، وتزداد الصعوبة عمقًا عندما لا يكون لنا ( وقفة تأمّل) في مثل هذا اليوم . ولعلي اقسو دومًا عندما أقول : إن إنساننا اليوم ( ليس الكل) لم يعد يعرف ان يقف ويتأمّل لبرهة من الزمن .....بسبب العولمة والجري والركض وراء المادة والعمل ومشاغل الحياة وتعقيداتها ......
ولكن بعد خبرة سنين ليست بالطويلة أدركت : إن من لا يقف ويتأمّل من وقت لآخر ، فهو لا ينمو ولا يتقدم ولا من عمل يحتوية الابداع والعمق الا وسبقه صمت وتأمل واختلاء واستقراء للامور!

وما ان اخذت الشمس طريقها للغروب ، حتى رأيت الكل يجري بسرعة البرق ، وكثيرون منشغلون، بل منهمكون في تجهيز ألذ وأطيب الأطعمة ومنصرفون لاعداد ثيابهم وقصات وتسريحات شعرهم . ولكن! قليلون بل نادرون هم الذين يفكرون بالاحتفال مع الله اولاً)! فياليت يكون لواحدنا في مثل هذا اليوم بضع دقائق يخصصها للتأمل والصلاة وليراجع شريط حياته خلال سنة انقضت من رحلة حياته، وليشكر الله على كل شي وعلى نعمه التي افاض بها عليه خلال عام انصرم من حياته، وليتطلع إلى أمنيات وطلبات إلى الله ابي الجميع قبل استقباله العام الجديد. كبشر ، كناس حق من حقوقنا ان نحتفل ونعبر عن فرحنا .... ولكن ليتنا نفرح مع الرب اولاً، الذي منحنا الوجود ، ومن ثم ننصرف لافراحنا واحتفالاتنا الدنيوية بهذه المناسبة !

وقبل اسدال الستار على هذه الخاطرة استطرد قائلاً وفي قولي هذا دعاء بل أمنية: قبل ان ينطوي اخر مساء من هذه السنة ، أملي ان يكون لجميعنا وقفة تأمّل وصلاة وتساؤل ومراجعة ذات وفحص ضمير ــ وقفة تجعلك تعلو وتحلق وتسمو عاليًا للوصول إلى بواطن معاني الحياة.

الأب يوسف جزراوي
السويد

37
  [color=FF0000] كنت جالسًا  في مؤخرة سمنير كنيسة هارنم بهولندا أتأمّل في لوحة الفنان الاسباني الشهير ( سلفادور دالي) رحمه الله والتي يصور فيها وجه المسيح المُتألم ، فوقع نظري على عين ذلك المصلوب ، وإذا بأبتسامة شفافة تنطلق من عينيه ؛ إبتسامة تحتضن عالمنا البشري الممزق! حينها بدأت تجول في داخلي تساؤلات عديدة : كيف تجتمع الابتسامة مع الحزن والألم في الإنسان؟! ما سرّ هذا التناقض؟!
 قد تبدو المسالة غريبة مُدهشة ..... والحق معكم ، لكن التأمل في هذه اللوحة علمني ان الابتسامة :  تعبير عن الحزن العميق المكنون في داخلنا!

    كنتُ قبل سنوات خلت ، قد قراءت في كتاب " تأملات في الإنسان" للاديب والناقد المصري رجاء النقاش ، إن المصريين القدماء اختبروا هذه الخبرة المتناقضة. إذ كانوا يحملون اقوى واعنف الاحزان والآلام  ثم يعبرون ويجسدونها بافرح والابتسامة والنكتة. لقد كافحوا ضد الحزن فجعلوا من قبورهم هرمًا ضخمًا ويذهبون إلى العالم الاخر في ( زفة) من الرقص والاغاني والبهجة ، بل يحملون معهم الطعام والجواهر وكأنهم فر عرس لا في مقبرة!
ومن خلال ما سبق ادركت ان حياة هؤلاء الناس كانت تجربة محزنة واليمة دفعتهم للأبتسامة . وهنا يكمن سر الابتسامة.
وأتفق تمامًا مع ما قاله الفيلسوف الالماني "نيتشة" بقوله: " الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضحك ، لأنه وحده الذي يتألم اشد الألم ؛ ألم أجبره على اختراع الضحك".

للأبتسامة معانٍ عدة ، فهي:
_ نافذة تخلصنا من ما هو مكبوت في الأعماق ....فهي وسيلة تنفيس يستخدمها أنسانُنا ليتجاوز همومه).
_ إشراقة شمس بعد عواصف وغيوم وصواعق وأمطار ....
_ جسر إلى الآخر ودليل انفتاحنا عليهز
_ بل هي لغة الإنسان الناجح
وتبقى الابتسامة أكثر من أن توصف او تقاس
ويسرني هنا أن أسوق للقراء خبرة مُعبرة عن هذا الصدد :

في مطلع عام 2008 اصطحبت كادر التعليم المسيحي في رياضة روحية في  كنيسة القديسة تريزا للكلدان في دمشق ، هذه الكنيسة التي احببتها وخدمتها بكل جوارحي طيلة عامين ، فانطلقنا لدير الكلدان في الابطار شمال سورية الحبيبة ، فا نطلقنا فرحين مستعدين للاختلاء والصمت وعبرنا عن هذا الفرح بالصلاة والتامل ومجاميع النقاش والقداس والمحاضرات والترتيل .... وما ان اتممنا رياضتنا الروحية كان لنا يوم ثانٍ من اللعب والدبكات والمسابقات واستكشاف المكان ...... كنا فرحين ولكن في عمق كل منّا حزن يطفوا على فرحتنا، حزن جسدناه في ألتقاطنا للصوّر. نحن نبتسم في الصور والحزن يبرق من عيوننا ؛ فرياضتنا وسفرتنا سيتحولان إلى ذكرى !! ومالصور الملتقطة إلاّ رغبة صريحة وواضحة في الإنسان لتخليد احداثه ومناسباته الجميلة!! لذا تجدون كاميران الفيدو والفوتوغراف ترافق مناسباتنا وافراحنا وسفراتنا . ( انها رغبة حزينة لتخليد أفراحنا) !! فالحياة لا تحمل لنا طعم السعادة الدائمة ، فكل شي في الحياة له محطة يقف عندها ويتلاشى . لذا اذهب لاقول ان الابتسامة هي تجسيد لعمق الحزن المكنون في داخلنا!



      [color=00008B]كانت زوجة الاديب الروسي ( تيشكوف) قد روت  بأنها كانت يائسة بلا امل ولا رجاء ، لأن ساعة الموت اقتربت لتخطف منها نصفها الاخر وشريك حياتها التي عاشت معه الحلوة والمرة، ولكن كلّ هذا تبدد مثلما يتبدد الضباب عندما اضحكها تيشكوف رحمه الله وهو على فراش الموت . وتضيف: إن الذكرى التي لا تزال عالقة في اذهانها هي ابتسامة زوجها قبل وفاته .
   هكذا هي الابتسامة تترك أثرًا فعالاً في اعماقنا ؛ فصدق من قال عنها:" أنها أقل مصروفًا من الكهرباء ، لكنها أكثر اشراقًا".


يؤلمني أن أرى أُناسًا وهم ليسوا بالقليلين قد تناسوا معنى الابتسامة فأنغلقوا على احزانهم وباتوا يعيشون حياة لا يحسدون عليها، فتراهم متشائمين . تسود الدنيا في عينيك اذا تحدثت معهم لبضع دقائق!
         كان هو، وما زال يظن أن قوة شخصيته يكمن في عبوس وجهه وتجاهل الآخرين ونظرته الفوقية .... وأن أبتسم ،فأبتسامته بالمثاقيل! لكنّ صاحبنا تناسى أن أحدى مميزات جمال شخصية الانسان تتجلى في الأبتسامة الصادقة وكلامه الطيب وروحه المنفتحة . وعن خبرة أقول: لا أجمل من أن يستقبلنا الأخر بأبتسامة عريضة صادقة  ( والعكس بالعكس).

  كان احد مسؤلينا في المعهد الكهنوتي ايام تنشئتي فيه لا يمل من أن يبتسم في وجوهنا .... وكأن في أبتسامته إشراقة شمس ن لانها أبتسامة صادقة نابعة من الاعماق؛ صدقوني فالابتسامة النابعة من القلب تكون مُعبرة افضل مما تقوله الكلمات!وتترك اثرًا خالدًا.

ولكن ما لا اطيقه في هذه الدنيا هو تلك الابتسامة المصطنعة الغير فعالة والتي تجعل الوجه عاطلاً عن التعبير، أو تلك الابتسامة الجارحة التي لا طائل منها سوى السخرية والانتقاص من قيمة الآخر ، ولا اتعس من ذلك الوجه الذي يبتسم حسب الاهواء والمزاج والكيف!

اخيرا  وليس اخرًا:
الأبتسامة سرّ .....  فهي تلك الشبكة التي نُصيد من خلالها قلوب الآخرين .... فألابتسامة الصادقة شمس لا تعرف الغروب ..... لذا لا تبخل بأبتسامتك الصادقة عن الآخرين. فالأبتسامة الحقيقية صدى وانعكاس ذات معنى ايجابي على الاخر .... وليتك لا تنسى أن ابتسامتك هي تعبير وتجسيد لداخلك..... فابتسم وابتسم وثم ابتسم .... فلا اجمل من معاني الابتسامة.
[/color][/size]

الأب يوسف جزراوي


[/color]

38
size=4][color=FF0000]الدموع ....هي تلك الخبرة المشتركة التي تشمل جميع البشر وتجمعهم وتساويهم معًا !فالملك يبكي والشحات يبكي ايضا، الاغنياء والفقراء يبكون . وهذا حال الاشرار والصالحيين ، الكل يبكي وبلا استثناء!

للدموع معنى ......... أنها اكثر من ماء مُذابة فيه مجموعة من الاملاح تفرزها غدد قريبة من كرة العين لترطيبها وغسلها من الاتربة
 للدموع معانبها وتاثيراتها على قلب الإنسان؛ فهي تسيل بهدوء وعفوية من القلوب المجروحة والمظلومة المثقلة بالاحزان.
 تنهمر الدموع بغزارة وتتسافك كقطرات وزخات مطر في الصدمات والمآسي وفي الاستقبال والوداع والافراح والاحزان . أنها الدموع تلك الخبرة الانسانية التي ترافقنا في السراء والضراء.

ليس للدموع وقت او مكان محددين او معينين. فهي تتساقط في الهار والليل وفي كل الفصول ، في القصور والصرايف. في الافراح والاحزان.

ولكن ما اكثر الدموع ؛ إذ هناك دموع التماسيح دموع التصنع والتمثيل والمجاملات ودموع الواجب ....
هناك دموع المساكين والمظلومين
دموع صغير فقد احد والديه
ودموع زوجة ترملت في شبابها ودموع اب عاجز من ان يجعل عائلته من ان تعيش ببحبوحة عيش كريم...... دموع حبيبي خانته حبيبته وباعته! دموع مُحبة تودع حبيبها لبلاد الغربة!
   الدموع الصادقة براكين دفينة تنفجر دون اي محسوبيات ؛ انها دموع أُمّ وهي تُعانق ولدها وهو يرحل لبلاد الغربة ...... انها دموع الوالدين ليلة زفاف ولدهم ...... ودموع الكاهن ووالديه يوم اقتباله نعمة الكهنوت ودموع راهبة يوم مجاهرتها بحبها ونذورها للرب ......... هذه كلها دموع صادقة نابعة من الاعماق لها معانيها ومدلولاتها!
وهناك دموع تسيل دون ارادة الانسان ؛ دموع الظلم ودموع اثارتها القنابل الكيماوية  المُسيلة للدموع............. دموع الخيانة والخداع .........

ورغم تنوع المعاني نتقى للدموع فؤائد فهي تُطهر القلب من الاحزان .. انها علاج للنفس لما كبدته من انفعالات وازمات واحزان وامنيان و.........

اخيرًا
لكل دمعة قصة وموقف ؛ فلدموعنا ذكريات خالدة . [/color][/size]


[color=4B0082]من كتاب ( كلمات من حياة إنسان) للأب يوسف جزراوي بغداد 2005[/color]



39
الإنسان اكثر من عقل يفكر وقلب يخفق !!

      كُنّا قبل بضع سنوات في زاوية انيقة من زوايا اتحاد الادباء والكتاب العراقيين والذي كنتُ سابقًا  احد اعضاءه، بأنتظار محاضرة للفيلسوف اللبناني ولعله المغربي طه عبد الرحمن ..... وبينما كنا ننتظر انبرى احد الاصدقاء ليحدثنا عن قيمة الفكر واهميته ، وكيف ان نجاحنا في الحياة مرتبط به ، وقال في مجرى حديثه : إن الفكر وحده يجعلنا نسمو ونحلق عاليًا فوق سطحية الامور .... وازاد: لابد لنا من اعطاء الفكر الصدارة في اعمالنا!
وما ان اتم محدثنا كلامه ليعقبه اخر ليقول: نعم الفكر ضروري ، لكنه يبقينا نظريين ، عقليين .... ويزيد صاحبنا باندفاع : لا يكفي ان ننغلق على الفكر والاكتفاء به ، بل ان يجب ان يكون لنا قلبًا يتحسس حاجة اخينا الانسان ..... واشتد النقاش واحتدم الجدال ليحاول كل منهما ان يدافع عن رأيه .... متناسين ان الرأي يعرض ولا يفرض!!!!
وتمر الدقائق والمحاضر لم يأتِ ..! فذهب كل منا الى من حيث ماجاء .....

توافدت هذه الذكريات الى مخيلتي قبل ايام عندما كنتُ في وليمة غذاء في احدى المطاعم الصينية في ( فيز بادن) في وسط المانيا .... عندما اختلاف اثنين من الاصدقاء على قيمة الفكر وكيفية تصدره لاعمالنا ..... وفي طريق عودتي الى فرانك فورت سالني احدى الاصدقاء عن رايي. فقلت: إن الإنسان اكثر من عقل يفكر وقلب يخفق ..... أنه خبرة حياة!

         يشهد لنا تاريخ الفلسفة ان الكثير من المُفكرين الغربيين تباروا في إعطاء الاولوية للفكر والعقل في الحياة. فقال باسكال الفيلسوف الفرنسي :" إن عظمتنا تنحصر في الفكر وفي الفكر وحده". وحذا حذوه الفيلسوف الرائع رينه ديكارت حينما قال: " انا أُفكر إذًا انا موجود". وكأن هؤلاء الفلاسفة يريدون القول لنا أن قيمة الانسان ووجوده مرتبطان بالفكر وحده!! ويطول الامر بنا كثيرًا لو سردنا مقولات الفلاسفة الاخرين الذين وضعوا العقل في المرتبة الاولى ..... لكننا نكتفي بالقول: نعم ان العقل هو سبب تميز وتميز الانسان عن الكائنات الاخرى ، وهو سبب تميز انسان عن انسان اخر، لكنه ليس كافيًا ...... وهنا تراقصت في ذهني مقولة استاذي الخالد الاب يوسف حبي الطيب الذكر في كتابه خلجات... إذ كتب رحمه الله : " الفكر هو المميز ، ولكن ..... بوسعك ان تعرف كثيرًا وتمتلك معلومات وعلومًا شتى ، وتكون اشبه بوحش في تعاملك وحياتك ....".

لا اود الانتقاص والتقليل من شأن الفكر وتعظيم قابليات العاطفة والمشاعر والاحاسيس ..... لا ليس هذا مبتغاية ..... فالكثير يعيشون عاطفية حياة فيها الكثير من الحساسية والميوعة والرخاوة ......انما اود التاكيد على اهمية الموازنة.

ربما قد سمعتم من يقول انا عقلاني ..... واخرى تقول انا عاطفية ....ز واخر يقول العقل زينة الانسان .... اما انا كنت وما زلت من احد اؤلئك المؤمنيين بأن انساننا إذا نظر الى الحياة من زاوية العقل فقط سيكون جلمود صخر ، واذا كانت حياته تتسم بالعاطفة ستراه يعوم ببحر من الخيال والعواطف، بحر لا نهاية له وكانه اشبه بمن يعوم بسفينة بلا شراع! لذا لا بد من الموازنة بين الاثنين ؛ لا بل الغاية ان تكون موسوعيًا متطلعًا الى سائر الاوجه ، ذو نظرة شمولية متنوعة تعددية ، فالحياة بل الإنسان اكثر من فكر وعاطفة ؛ أنه خبرة حياة ! ولا اجمل من ان تكون انسان ذو خيرة في الحياة ....

جربوا ان تكونو ا ذو نظرة تعددية ستحيوا بتنوع وفرح بهجة الحياة ....وستقولون معي : الحياة والإنسان معنى وواقع جميل ..... وسيحلُ هذا الواقع في عيناك متى ما عرفت ان تختبر الحياة بموازنة فكرية وعاطفية مختبرًا تجاربها ومستوعبًا ما هو جوهري فيها .



من كتاب ( تأملات من حياة كاهن) للأب يوسف جزراوي 2008،ص 77_78.





40
الإنسـان
             ينسى ولا ينسى


الإنسان ينسى ولا ينسى. أنها مُفارقة ! لكن هذا ما خرجت به من عِبَر وحصيلة تجارب خلال السنيين!

نعم الإنسان ينسى:
ما للآخرين من فضل عليه ؛ وينسى بسرعة ما للآخرين من خدمات ونشاطات ومواقف ومعروف وحسنات ..... انه ينسى الوجه الأبيض ( الايجابي) متمسكا بالوجه الاخر ، ليرى النقطة السوداء في اللوحة البيضاء . ناظرًا الى السواد قبل البياض. وبسرعة البرق ينسى اخطاءه بحق الآخرين وكأن شيئًا لم يكن! وما زال ينسى .... او يتناسى!

لكنه لا ينسى :

ماله من فضل بحق الآخرين ، فتسمعه يحدثك دومًا ، أنه باليوم والتاريخ الفلاني قدم لك معروفًا وصنع لك خدمات جمة ..... وفي قوله هذا منية وتحسيس بالفضل!
_ ولا ينسى اخطاء واهمالات وتجاوزات الآخرين المقصودة وغير المقصودة بحقه ، فيُذكرك أنك بالتاريخ الفلاني خطأت بحقه . وتجدها تعتب على قريباتها لانهم لم يزوروها ويواسوها عندما كانت طريحة الفراش .....
وترى المتزوجين من ابسط مشكلة يسترجعون ذكريات مؤلمة متوغلة في القدم ويتسارعون بعرضها امام بعضهما البعض .....
والمحبيين عادةً ،ينسون الايام الجميلة واللحظات المُقدّسة التي جمعتهم وعاشوها سويةً؛ ليتمسكون بالمواقف والكلمات المؤلمة ، فدعوة لهم الى ان يدركو ان الذي بينهم اقوى واقدس من اي خلافات وذكريات اليمة وينسون الاوقات العصيبة ؛ فالحبّ هو نسيان وصفح لا حدود له!
هكذا هو الإنسان يعود دومًا للوراء ليُقلب صفحات الماضي المؤلمة ولا ينسى !!

انه ينساك بُمجرد ان تبتعد عن المكان الذي خدمته ردحًا من الزمن وينسى كل ما لك من مواقف وخدمات ونشاطات واثار وعطاء وحسنات..... فتصبح في ذاكرة النسيان لتكون في خبر كان! وكم تصعب الحياة وتزداد مرارة عندما يتنكر الاخرين لما لك من معروف وخدمات واشتغالات ..... ويحاولون ان يزيلوا من الوجود كل اثاركَ!
كثيرون هم الذين ينسون ويتناسون ولا يحترمون ذكرى الاخرين واثارهم او يقفوا وقفة اجلال ووفاء لها ؛ وهذا ليس بغريب على مجتمعات تؤمن بالمثل القائل:( البعيد عن العين بعيد عن القلب)!!
فما ان مات شخص مبدع لترى الكثير وللاسف يطعنون ويتنكرون له ولاشتغالاته وكأنهم يحاولون مسخ اسمه وازالته من الوجود وكأنهم يصفون حساباتهم معه ..... كم ضعفاء هؤلاء الاشخاص ومرضى لانهم بوجوده كانوا متملقين متزلفين مصفقين .... !!! ما اتعس الازوادجية والازدواجيين!

لكنني لا اتنكر لوجود اناس وفية مخلصة تتذكر اثارك في حياتهم .... فهم لا ينسون .... لكنهم وللاسف قليلون بل نادرون ولاسيما في زماننا هذا !

أنه الإنسان .... ينسى ولا ينسى![/
b][/size]

من كتاب ( كلمات من حياة إنسان) للأب يوسف جزراوي
بغداد 2005، ص 24_ 25.


41
المنبر الحر / الجاهل والمفكر
« في: 23:53 17/11/2008  »
الجاهل والمفكر
كنتُ في جلسة غداء بصحبة عائلة صديقة في احدى المطاعم الصينية بجنوب فلندا ، فحدثني صديقي صاحب العزومة عن مدى التشابة بين الجاهل والمفكر ..... فكلاهما تعبان ومجهد ولكل منهما اسبابه الخاصة ....لكن زوجت صاحبي انهت الحوار بجملة لفتت انتباهي وشغلت تفكيري وهي: " صدقني ابونا لا يتمع بهذه الدنيا سوى الجهلة البسطاء المحدودي التفكير". . و وعندما عدت لصومعتي كانت هذه الخاطرة المقتضبة!

الجاهل هو الذي يجهل امر ما .... والجهل هو ألاّ تعلم ..... أيّ انك تجهل اشياء وامور عديدة ..... وهذا امر ليس بالمعُيب ؛ فأنا على سبيل المثال جاهل بالأمور الميكانيكية للسيارة والطيارة وووو وامور عدة..... ولكن ما ابغيه هو جهل البساطة ..... فما اسعد ( البسطاء) الجهلاء الذين تراهم على فطارتهم سذاجتهم ؛ فهم لا يفقهون من امور الدنيا سوى ما يمس قوتهم اليومي وتفاصيل حياتهم اليومية المعاشية ..... لا تهمهم الاحداث والا شخاص .... لو انقلبت الدنيا تراهم غير مبالين .... ليس لديهم اي طموحات مادية ... مقتنعين بما يملكون .... والحسد لا مكان له في داخلهم ..... لا يعرفون النفاق ولا الدجل ولا التمثيل ..... ولكن مشكلتهم جهلة وبسطاء!!

اما ان تكونَ مفكرًا ..... لا اعني بها ان تكون اديبا وفيلسوفا ...... بل كل من تجده مهمومًا بأمور الدنيا الكثيرة وباله مشغول وفكره تعبان بكل تفاصيل الحياة ويحسب لكل شي الف حساب .....

إن تكون مفكرًا ومحللاً اقصد بها كل من يشعر في الكثير من الأحيان بأن صدره قد ضاق واصبح اضيق من ثقب الابرة .....
إن تكون مفكرًا يعني ستشعر بأن راسك يدور باستمرار ولا يهدا له بال .... يحلل كل كلمة وموقف وحركة .... وترى ان حياته غدت عبارة عن تعقيدات لا حصر لها
إن تكون مفكرًا يعني انك ستكون موضع حسد وغيرة الاخرين منك ..... بل سيرمونك بسهام غيرتهم ..... وستكون حياتك مجرد صراع مستمر لا اكثر ....يا ترى لماذا؟ لانك لا تجهل الامور !

فحقا لا يتمتع بهذه الدنيا سوى الجهلاء الذين لا يهمهم من الدنيا غير لحظتهم الحاضرة !
[/size]



من كتاب ( تأمّلات من حياة كاهن) 2008
للأب يوسف جزراوي

42
االأب العلامة يوسف حبّي (شمس لا تعرف الغروب)[/color][/color]


url=http://iraq8.com/up][/url]

[size=4]كُنا نهم لدخول ( الكابلا) المصلى في سمنير الكلدان بالدورة لحضور صلاة المساء ( الرمش) إبّان إدارة المطران الجليل لويس ساكو حينها كان قد زارنا سيادة المطران متي متوكا ومعاونه الخوري روفائيل قطيمي ..... واذا بالاب ساكو يتوسط في المصلى ويحدثنا بصوت تخنفه دموع حزينة ...." مات ابونا حبّي مات مات ...." واذا بنا نصرخ دون وعي "لا لا ..... مستحيل ....."
فاصيب الجميع بالصدمة ..... لمكانت هذا العالم البحاثة في حياة تلاميذه ..... اذا كان الكثير منا في سمنير الكلدان وكلّية  بابل  يسميه ( يوسف حُبي)!

لقد مات الاب حبي ..... انطفئت شمعة حياته قبل اوانها ..... ووفاءًا مني لهذا الرجل الجليل الذي بصم بصمة خالدة في حياتي ... . وهذه هي خصال العظماء  ..... فوحده العظيم الذي يعرف ان يترك بعده اثرًا في الحياة ..... وبقدر حجم وعمق هذا الاثر ح بقدر ذلك سيكون حجم خلودنا في هذا الوجود العظيم .... وما هذه الكلمة الا شي من عمق الاثر الذي تركه الاب حبي فيّ!
فعلي افي العلامة الخالد بعض حقه! فهو صاحب فضل في مسيرتي الثقافية والكهنوتية ..... فهو اول من شجعني على الكتابة والتاليف وكان خير مرشدًا لي .


الاب حبي اشهر من نار على علم ، يعرفه القاضي والداني ....
كان يؤمن بالحب ..... لان الله محبة ..... ولانه محبة قام برحلة حبّ خارج ذاته بيوع المسيح ويموت حبًا على الصليب من اجل الانسان .
كان يؤمن .بإهمية الاختلاف..... فتعلمت منه ان الاختلاف لا يعني خلاف وتصادم ؛ بل غنى وتكامل !
كان يؤمن بالإنسان ...... فعاش حياته كشمعة لا من اجل ان تحترق بل لكي تشتعل وتنير درب الاخرين ....
كان يؤمن بالعمل الجماعي ..... فنشى كوادر وجمع حوله المثقفين والمبدعين فعملوا معًا كخلايا نحل بلا ملل وبلا كلل!

عشت انسانيتك .....وكنت توصينا دائمًا ....." يا كهنة المستقبل لا تنسوا انكم ،اناس بشر من لحم ودم ..... قبل ان تكونوا كهنة..... عيشوا انسانيتكم مثلما عاشها كاهننا يسوع الانسان"
فعشت انسانيتك دون اي تمثيل وتصنع..... فلم تمثل دور القداسة .... بل عرف عنك بحسك الانساني العالي!
كان يؤمن بالثقافة والمواصلة والمواكبة ..... فكان يوصينا : " واحدكم ما ان صار كاهنًا ليترك الكتب والثقافة لينغمس بالخورنة ....فيتجر ما تعلمه الى ان يتحول الى بركة راكدة ..... تعلموا ان تتواصلوا ثقافيًا"
كان يؤمن بدور العلمانيين بالكنيسة .... فنرى معظم اصدقائه والعاملين معه كانوا من العلمانيين .... ومنهم كتاب وادباء وفنانيين وفلاسفة ... وهو اول من نادى وعمل على تأسيس المجلس الخورني .....
كان اشبه بالمكتبة المتكاملة ..... محبًا للثقافة والتعلم ..... فبرز على الساحة الدينية والثقافية والفكرية ..... كان مرجعًا ثقافيًا  للكثير من علماء العر اق .... وكان الكثير من العلماء يتمنون ان يضع لهم الاب حبي مقدمة لكتبهم وابحاثهم لكيما تاخذ صداها لما كان يتمتع به الاب حبّي من صيت ومكانة بين مثقفي العراق . بل من اجل عيون د. حبّي كرس الكثير من اعظاء المجمع العلمي العراقي وكبار الاساتذة والفلاسفة في جامعات بغداد وقتهم للتدريس والقاء المحاضرات في كلّية بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت التي تاسست وقامت بجهوده الجبارة
كنت تؤمن بتسمية( كنيسة المشرق) او كنيسة العراق ..... كان من المنادين بالوحدة ...... ياليتك كنت اليوم لبكيت دمًا على تسميات ( الكلدان الاشوريين السريان) تسميات اضعفت قوانا وجعلتنا اقلية متمزقة ....
يؤلمني ايها الاب حبي ان اقرا في مواقعنا الالكترونية وعلى شاشات التلفاز تسمية أبنا شعبنا ( الكدان السريان الاشوريين) . ياليتك كنت موجود اليوم معنا ..... لكنت قلت معي ومع الكثير ابناء شعبنا المسيحي بدلا من هذه التسميات التي فرقتنا ..... فخلاصنا بيسوع وليس بقومياتنا واحزابنا ....!!
اتذكرك في صومعتك في كلية بابل واتحير بوصف تلك الصومعة اهي متحف؟ ام مكتبة متكاملة ......... اتذكرك رغم ضعف نظرك كنت تطالع اخر الابحاث والدراسات .....
وكنت تقول لي ولغيري :" طالعوا الى ان تنعمي عيونكم ..... ولا تكونوا من اصحاب الادمغة المتحجرة والكروش العالية..."
كنت منفتحًا على الكل محبًا للجميع ..... محبًا للحوار ..... كنت ارك ملاكًا يعتلي المذبح ..... فعشت كرجل صلاة .... وعكست وجه الله المحب للاخرين ....

رغم كل مناصبه ومكانته الثقافية والاجتماعية والكنسية ... كانت يعرف بتواضعه .... ويمحلة تواضع العظماء!!!!
[color=FF0000]

ذكرياتي مع الاب يوسف حبي

كنت في الثاني من الفلسفة ..... قدمت باشراف الاب حبي بحث عن هجرة المسيحيين في العراق ....... من خلال استفتاء عملته وعمله لي الاب حبي ..... فكان معجبًا به ونصحني بنشره بعد ان نقحه لغويًا .... ونشرته
وقال لي ستقدمه لمرحلتك كمحاضرة بعد عودتي من السفر .... أن عدتُ! وكأن قلبه يعلم انه سيذهب ولم يعد!!

وقبل سفره كنا بمحاضرة بمادة ( فلسفة الاخلاق) وكان يحاضرنا من كتابه نشوة القمم .... وقبل ان يهم مغادرًا القاعة حدثنا قائلاً:" البارحة اتصل بي الكثير من الناس والكهنة من داخل العراق وخارجه ..... قالوا لي ابونا انت ما متت ..... يقولون ابونا حبي مات " فضحك رحمه الله ببراءة كعادته ..... وقال" امنيتم يشوفوني ميت .... وازاد فقيدنا الراحل: حبي ما يموت...." وضحك وختم حديثه قائلاً : احبكم
ورحل الاب حبي الى الابد!
قبل احداث 2003 ذهبت بصحبة استاذي فيصل غازي مجهول وهو تلميذ الاب حبي والاب روبير الى بيت الحكمة العراقي بالقرب من منطقة الميدان ..... فما ان عرفوا انا من تلاميذ الاب حبي ..... حتى قدمت لي كل التسهيلات واعطيت لي اخر الاصدرات من الكتب الفلسفية ...... وقالوا لي : كلها من اجل عيون الدكتور حبي!
فكم كان له اثاره وبصماته على الآخرين وتحديدًا على بيت الحكمة العر اقي .
اتذكر في مطلع عام 2006 دعاني استاذي الراحل الحارث عبد الحميد لالقاء محاضرة في قاعة اتحاد وادباء العراق في شارع الاندلس في بغداد والذي كنت انا احد اعضائه .... فقدمني رحمه الله انه الاب يوسف جزراوي تلميذ الاب حبي ....فشهدت القاعة موجة تصفيق عارمة ..... تفاجئت !! فوقف احدهم وقال : " عذرًا .... هذه ليست لك بل للفقيد الدكتور يوسف حبي"!
ووقفنا دقيقة صمت على روحه ..... فقد حفر لا سمه البقاء المجيد..
في مؤتمر وجه الله قال احد الحاضرين من المجمع العلمي العراقي كلمة بحق الاب حبي واصفًا اياه " الفيلسوف الكبير النجم الساطع في سماء العراق ..... انه همزة وصل بين الاديان والحضارات والبلدان ...انه كنز من كنوز العراق .... بل نعمة العلي للعراقيين.".
كم كنا نتلذذ بمحاضراتك العميقة التي تخاطب الواقع وتبني سامعها وتفتح له افاق واسعة ...
اختير ضمن 6 علماء في العراق .... لترجمة كتاب نشوء الحضارات .... كم كنت ولاتزال عظيمًا!
اتذكرك في موتمر الكنيسة من اجل السلام في فندق بابل في ايار سنة 2000 عندما تحدث المذيع شمعون متي قائلا: الاخوة الحضور ( العراقيين) ارجو الخروج خارج القاعة لاتاحة المجال للوفود والضيوف المشاركة بالجلوس ..... واستطرد بعدها قائلاً: والان كلمة الكنيسة الكلدانية يلقيها عليكم الاب د. يوسف حبي المحترم .... ليتفضل ".
فانتصب الاب حبي وقال : " لا حد يخرج ويترك القاعة .... العراقيين ليسو مسحوتيين".... وقالها بانفعال .... واضاف رحمه الله:" كلمتي هذه لا تمثل الكنيسة الكلدانية بل كنيسة العراق .... لا بل شعب العراق باجمعه". كم كنت تؤمن بالوحدة وكم كنت محبًا لبلدك وشعبك وكنيستك ورعيتك .....
!



بعدك رحيلك  لدار البقاء ، للاسف كم اطلق عليك بعض الضعفاء  اشاعات لتشويه اسمك العريق ..... فالذين صلبوا يسوع ظنوا انه بموته سيمحون اثاره ..... فانقلب الصليب من لعنة إلى بركة ..... وهكذا انت سطع نجمك اكثر مما كان عندما كنت على قيد الحياة
لم تكن من اصحاب المليارات .....و لم تكن متمسكًا بالمناصب ..... لم تكن من حائكي المؤامرات ..... لم تكن متزلفًا مجاملا باعًا لضميرك من اجل مناصب او امتيازات ..... بل حملت الكنيسة كهم في داخلك ..... وكانت قضيتك الكبرى ....
عرفتك طيب القلب حلو اللسان سريع البديهية .... انساني للغاية ..... متفهم للاخرين ...يتقن فن التعامل مع الاخر و يؤمن بالتنوع والتعددية والاختلاف .... مثقفًا عالمًا فيلسوفًا لاهوتيًا مواكبًا متجددًا شابًا في اواخر الخمسين ... صاحب طلة خفيفة وابتسامة صادقة ونكتة ذات معنى .... طيب خدوم .... اب بكل معنى الكلمة ....
. اجمل ما قراته لك" خلجات ـ نشؤة القمم_ ملحمة كلمامش ( نصوص وتفاسير_ كنيسة المشرق افتاحية عمى اللوان في بين النهرين _ الانسان " وهذه الديباجة الاخيرة استعان فيها صديقك الفيلسوف حسام اللالوسي في كتابه:"فلسفة الإنسان".
كم كنت ان تقوم كنيستي بوضع كتاب خاص عنك. كم كنت اتمنى ان ارى تمثال لك في كليتك ؛ كلية بابل ..... كم كنت اتمنى ان يكتب عنك باقلام من داخل اروقة الكنيسة .... ما خلا ما كتبه عنك الاب بطرس حدّاد زميل دراستك .....
ومهما حاول وسيحاول البعض من مسخ اسمك ومنجزاتك التي لا تحصى ..... ستبقى انت خالدًا في قلب كل من عرفك ومن عاشرك وتتلمذ على يديك ..... ومازال صوتك يجلجل في قاعات كلية بابل ..... ولا تزال كتاباتك وابحاثك تتلاقفها الاجيال ..... ولا تزال تعاليمك ..... زاد لحياتنا الانسانية وخدمتنا الكهنوتية ..... مازال شعبك في كل رعية خدت بها يتذكرك ولاسيما في كنيسة ما كوركيس وتلاميذك في كلية بابل والمعهد التثقيفي ......
في تشيعك قدم الناس من مختلف المحافظات بل من اكثر من بلد ..... وارسلت برقيات تابين ..... وكأنني امام تشيع بابا الفاتيكان !!!
لقد رحلت قبل اوانك ..... وانت في اوج عطائك .... لا سيما بعدما ان تحسن نظرك .... فربنا دعاك لتتمتع برؤية ملكوته البهي!
وتيمنًا بك ابدلت اسمي إلى يوسف ..... املا ان اٌقدم شيئًا بسيطًا  مما انت قدمته..... فحسنًا للتلميذ ان يكون مثل معلمه ..... ولكن العين لا تعلى على الحاجب .....
نم يا ابي واستاذي قرير العين ..... بسلام المسيح ..... صلي لاجلنا في السماء
فهذه الذكرى الثامنة لرحيلك ...... ولا يزال الفراغ الذي تركته برحيلك المفاجى شاغرًا .....
سيبقى تاريخ 15/10/2000 تاريخًا يشهد لك فيه الكثير ....
فأنك بحق :شمس لا تعرف الغروب ...... [/size][/size]

43
[color=red]يتسائلون: هل تقاعد الله؟[/color]


[color=navy]إن زماننا اليوم ليس كزمان ابائنا واجدادنا الذي كان يتسم بالبساطة والطيبة والوداعة والايمان ؛ إذ هناك من يتشكى من تبدل القيم والاعراف والاخلاق والاشخاص وربما الايمان ايضًا . أنه زمن العولمة ؛ عولمة التسابق مع الجديد .... عولمة التعب والركض وشد الاعصاب .... زمن قد يبدو فيه ان البعض قد فقد حضور الله ! وراحوا يتسائلون : هل احال الله نفسه على التقاعد؟

_ انه عصر الموبيل والكومبيوتر والانترنيت والفضائيات الاعلامية . زمن التقنية والتطور والعصرنة والاكتشافات العلمية التي لا تكف من ان تعرض علينا الجديد بين الحين والاخر!

_ زمن المادة التي غدت ( أله) الكثير من الناس على اختلاف مناصبهم ومستوياتهم . حتى ان الضمائر باتت تثشترى بحفنة دولارات وللاسف حتى في اروقة اقدس الاماكن !

- زمن اباحية الجنس واللذة ؛ حتى باتت المراة في الكثير من المجتمعات سلعة رخيصة تعرض في الجام خانات ولا سيما في اوربا .... وكأنها كأ لصحن ياتي شخص ليرمي بها غريزته ويذهب إلى حيثما ما جاء!

_ أنع عصر اصبح فيه الرجل يتزوج من رجلاً اخر .... وامرة تعاشر اخرى! عصر شاهدنا فيه على شاشات التلفاز وقراءنا على صفحات الانترنيت عن رجل انجب طفلاً!

اسفي على هذا الزمن الذي بات من السهولة فيه ان يتلاعب الانسان بخلقة الله ليبدل جسده من ذكر إلى انثى والعكس بالعكس!

ولازلت تسمع اصوات تناديك لتقول لك: لا تتعجب ! أنه زمن الانفتاح والحرية والعولمة وو..... لكننّي كغيري ارى أنه عصر تشويه لصورة الله ..... وتهميشه من حياتنا



الا توافقوني الراي أن قلت : اننا نعيش في عصر طغت فيه المادة على كل جوانب الحياة لتتحجر القلوب وتموت الضمائر . عصر انطفئت فيه انوار المشاعر والاحساس بالاخر ...... ولم يعد لمفهوم الحبّ وغيره من القيم والمبادى كالصدق والوضوح والوفاء والامانة مكانة تذكر في حياة الكثير!

_ زمن ضاعت فيه إنسانية الانسان ؛ زمن وكأن واحدنا فقد به انسانيته ..... زمن بات فيه الكبار مثالاً سيئًا  للصغار بالرغم من انهم يضعون على روؤسهم هالات القداسة ولكن انساننا اليوم بات قادرًا على التميز .... وصدق عليهم قول المعلم ( اسمعوا اقوالهم ولا تفعلوا افعالهم). انهم فريسيي الالف الثالث وما اكثرهم وفي عدة مجالات يتهافتون على الكراسي والدولارات والمناصب والمحسوبيات باسم الله !!!!
_ انه عصر الالف الثالث التي تسللت فيه القنوات الفضائية إلى كل بيت . فعوضًا ان يقوم البعض أن لم اقل الاغلبية بتخصيص وتكريس اوقاتهم لمشاهدة البرامج التقنية والبحوث والاستكشافات والوثائق واخر الدراسات راحو يسهرون ليالٍ بطولها ليضيعون اوقاتهم في برامج فيها من الابتذال لقيم الله والانسان ما يعني الكثير ... فُخلع ثوب الفضيلة والحشمة والايمان ..... بعد ان عرضت ثقافات مغلوطة عن الحب والجنس والانسان والايمان بالله .......... لكنني لا انكر من وجود فوائد لهذه الفضائيات.

_ زمن اصبحت فيه طيبة الإنسان مشكلة كبرى. فيحدثونك إن هذا الإنسان مسكين قلبه ابيض على نياته . ويزيدون: لكن مشكلته طيب ومن اهل الله! اه لو عرف واحدنا من وراء طيبته سيجني مشاكل عدة لما كنا ولما اصبحنا طيبون!!!

_ انه زمن رفع فيه شعار واضح ان لم تكن ذئبًا اكلتك الذئاب وكاننا نحيا في الغاب!

_ عصر بات فيه الإنسان الصريح والواضح والصادق غير مرغوب فيه ، بل هناك فئة من الناس يطالبونك بأن تكون مراوغًا كاذبًا مخادعًا متلونًا ومساومًا بلا موقف ومبدأ.... وعن خبرة اقولها : ان الذي يسير اليوم بنور الله تراه مرفوض ومحارب . اما الذي يسلك الطرق الملتوية وغير الواضحة في علاقاته تراه هو المقبول وعليه الطلب!

_ هذا هو عصر الانفتاح والتمدن والحرية الشخصية .... الذي شهدنا فيه تفتت العائلة لتعج المقاهي والبارات والمطاعم ..... بالرجال هربًا من المشاكل الزوجية والتزامات العائلة ومضايقات الاولاد ووووو

_ عصر كثرت فيه الخيانات الزوجية ولا سباب تافهة ولحجج واهية .. فكانوا اولادنا ضحية زواجات غير مسؤلة ومتزنة!

انه زمن رأينا فيه العجب ....... فكم وكم صادفتُ في محطات الانتظار في المهجر فتيات يقبلن بزواجات غير متكافئة على الصعيد الفكري والثقافي ولا سيما السن ..... تخيلو فتاة ترتبط برجل يزيدها عن 15عامًا والغاية هي السفر والمال! وكنتُ إيضًا شاهد عيان على زواجات تمت خلال اسبوع او اسبوعان .... إذ ياتي شاب من الفردوس ( دول الخارج) لياخذ فتاة صغيرة السن متعلمة جميلة المظهر دمثة الاخلاق بحفنة دولارات بعد ان تعهد بأن يسحبها لبلاده ........... ولكني اتساءل : أليس الزواج استعداد عاطفي وفكري وتكافئ عام بين الطرفين .....؟ اليش الشاب والشابة بحاجة لسقف زمني ليتعرفا على بعضهما البعض ...... ليتكلل زواجهما بالنجاح؟ لكن اسفي على هذا الزمن الذي بات فيه الاب يبيع ابنته لاغراض مادية ..... ولكن مثل هذه الزواجات كان عمرها قصير .... واسدل الستار على نهايتها سريعًا!

_ انه زمن باتت فيه الصلوات والقداديس في اوربا مرة واحدة في الشهر ومعظم الحضور هم من كبار السن!

- عصر بات فيه الكثير لا يميزون بين ملبس الحفل والملبس الذين ياتون به للكنيسة للاشتراك في القداس ؛ فالكثير تراهم يتبرجون في الثياب وفي لبس الذهب والمبالغة في المكياج .... متناسين انهم في كنيسة بحضور الرب وليس في قاعة زفاف!!!!!

_ عصر ضعف فيه الايمان ..... كم يؤلمني ان ارى في الاكاليل ( الزواجات) عدد الحضور في البُراخ لا يتجاوز ال20 بينما تجد في قاعة الحفل 500 شخصًا. وللاسف واتسائل هل العروسين بحاجة الى بهجيتنا ورقصنا ام إلى صلواتنا؟!

_ انه عصر راح فيه الانسان يتصيد زلة لإخيه الانسان ليتشمت به ويعيره ويشهر باخطاءه! لكننا تناسينا ان معلمنا يسوع علمنا إلا نكسر قصبة مرضوضة ..... فصدق على عصرنا المثل القائل : إذا طاح القوي كثرت سكاكينة !

_ عصر نجح فيه الانسان بغزو المريخ والقيام برحالة في الفضاء .... لكن الكثيرين ظلوا غرباء عن دواخلهم ... ولا اقسى من غربة الذات!

_ عصر لا نزال نشهد في تعازينا ( عدادت) للبكاء يدفع لهن اموال مناجل تهيج مواطن الحزن والالم في دواخلنا. وكاننا نشتري الحزن بالمال؟!

انه عصر قد يبدو للكثير ان الله قد احال نفسه على التقاعد .... عصر كثر فيه الملحدون واللا مبالون .....عصر العلم وكأن الكثير وضعوا الله على الرف وليسو بعد بحاجة له!

ولكن لنفتش عن الله ........... فمهما عُرض علينا من تقنيان وعولمات يبقى الله هو حاجتنا الاولى والاخيرة ..... وإنساننا اليوم وفي هذا العصر هو اشبه بذلك الشاب الغني الذي حدثه يسوع : حاجة واحدة تنقصك .....! وما ينقصنا اليوم هو الله ........... لنهم بالبحث عنه .... وطوبى لمن يجده!! فالى الله ترتاح نفوسنا كما يقول صاحب المزامير.[/color]





الأب يوسف جزراوي

44
الهنا مُصاب بفقدان الذاكرة



[color=purple]كتب الفيلسوف كيركغارد: تعلمت من الهي أن ما من حبّ صادق بدون نسيان. وهذا هو الغفران!

كم أن أله هذا الفيلسوف يشبه الاله الذي كشفه لنا يسوع المسيح، اله ينسى ولا يتذكر خطايانا، ولايعود للماضي لتقليب صفحات الماضي المؤلمة وما تحتويه من جراح، بل الهنا قلبه ابيض وليس نسيانه ،هو نسيان الشيخوخة والعجز وكبر السن، بل نسيان الحبّ.

وهنا نقلتني الذاكرة إلى مقولة استاذنا الراحل الاب روبير الكرملي رحمه الله في قاعات كُلّية بابل الحبرية:" الهنا مصاب بمرض فقدان الذاكرة. ياترى أتعلمون لماذا؟ لانه مغرم بنا ، فتراه يغض النظر وينسى ولايحمل في قلبه بل يختلق في العادة اعذارًا لاخطائنا ..... ولازال ينسى ....

ولا أجد في الانجيل مثالاً اروع واعمق من المثل الذي قدمه لنا يسوع في إنجيل لوقا (15:11 -32). لكي اقدمه لكم برؤيه ايمانية عميقه لنستجلي من هذا المثل كيف ان الله ينسى بدافع الحبّ.

كان لأب ابنان ، فطلب الاصغر أن يرحل بعيدا ، انه يريد ان يرث ابيه وهو على قيد الحياة ليستقل عنه! وليس على الاب الا ان يحترم حرية ولده ! وبعد بضعة ايام يجمع كل شيء له في بيت ابيه ليرحل بعيداً فيبدد امواله ، ويضطره الجوع للعمل عند راعٍ للخنازير!!

الابن الاصغر هو الذ يطلب الرحيل، وهو الذي يبتعد ويضّل. الذنب ذنبه ومن الطبيعي ان يهمله الاب ويحرص على ولده الاكبر ، وعلى ما تبقى له من أملاك. لكنّه ابًا محبًا فنراه يذهب لينتظر عوده ولده الضّال على قارعة الطريق ، ولا يهدأ له بال إلا بعودته ! ويبقى ينتظر ويتأمل عوده فلذه كبده بلوعة قلب ، وما اصعب الانتظار وما اقساه! إن هذا الانتظار دليل على غفران الاب سبق عودة الابن!
ولما راه من بعيد تحركت احشاؤه، فاسرع إليه . في حساباتنا البشرية من المفروض أن يوبخه او يقاصصه او يرجعه من حيث ما جاء. لكنه يعانقه ويشدَّه إليه بقوة ويقبله بفرح ولا يكتفي بذلك ! بل يطلب له افخر الثياب ويضع في يده خاتمًا ويذبح له العجل المسمن ، ويعمل له حفلة، ويردف قائلا::" ابني هذا ميتا فعاش وضالاً فوجد . ما اروع الهنا الذي جل اهتمامه هو الانسان!
فالاب لانه محبّ فهو لايهتم بكرامته بل يقوم ( برحلة حبّ ) خارج ذاته ليدخل ذات ولده الضّال ، ويدرك ما في قلبه من الم وجروح. فالاب لايرى في ولده (الشخص الجارح )بل ( الشخص المجروح) فيتاثر له ويعمل على تضميد جروح قلبه بالحب فيستقبله برحم رحمته ويجعله يولد من جديد.
انه الهنا الذي ينسى بقلب كبير . أنه نسيان الحبّ! ولازلت اتذكر مقولة الاب استاذنا العلامة الاب يوسف حبّي رحمه الله في مسودات المحاضرات ايام تنشئتي الكهنوتية: أن الله ضعيف لانه يحبّ ، ولانه يحبّ، فهو لا يحمل في قلبه! لانه ابيض القلب !

فنتعلم من الهنا .............. ان ننسى بحب ........... وأن يكون الكتاب المُقدس نقطة انطلاقنا نحو الاخر!


 [/color]

url=http://iraq8.com/up][/url

45
صليب الحُب ّ والحياة.....

       أنهيتُ قُدّاس ليلة عيد الصليب فمالت الشمس إلى الغروب وهي تجر اذيالها لتترك المجال لظلام الليل لُيسدل ستاره على الأرض .... فشعت أنوار الصلبان الضوئية من اعالي بعض المنازل ، والكثير من المسيحيين منشغلون بإعداد شُعلة الصليب. اما انا فاصطحبت الكنيسة إلى مدينة معلولا بشمال دمشق لُنحيي الاحتفال بعيد الصليب المجيد ..... وبينما كان الجميع مشغولون بالطعام وزيارة الاديرة واشعال النيران ورميها من اعلى الجبل .. وقسم اخر ملتهيًا بل منهمكًا بلدبكات المسيحية والرقص واشعال الطراقات النارية و ..... عزمتُ للسير وحدي مبتعدًا عن زحمة الناس تاركًا وراء ظهري تقاليد واحتفالات العيد . فقصدت احدى مرتفعات معلولا الجميلة وكأن الغيوم تعانقني فعكفت للسير لوحدي لا رفيق لي سوى ضلي وافكّر بصاحب العيد . فرحتُ اتساءل واتمتم مع نفسي : لماذا يظن الكثير من المسيحيين ان المسيح له المجد لم يتألم إلاّ لساعات محدودة ومعدودة على خشبة الصليب .... ليحيل نفسه على التقاعد وأصبح صليبه مجرد ذكرى ؟؟!!
لكن لنتساءل ونتأمّل معًا : ألم يكن المسيح مُتالمًا مُنذ ولادته ؟ تفحّصوا الإنجيل ؛ تجدو انه يولد في مذوذ بسيط ، ومنذ ايامه الاولى يلاحقه هيرودس ليقتله .... ومحاربة رؤساء الكهنة والفريسيين له ، وخيانة بعض التلاميذ وعدم مبالتهم ..... الاشاعات والتهم التي واجهها والتي الصقها به حاسديه وخائفيه لكون البساط بدء يُسحب من تحت اقدامهم ..... وبدءت حقيقتهم تظهر للجميع!
لذا اقول: أدرك يسوع معاني الصليب قبل بلوغه الجلجلة ؛ لذا كان يقول ويُردد دائمًا على مسامع تلاميذه والجموع: " من لا يحمل صليبه كل يوم ويتبعني .... فلا يستحقني". ......... لقد عاش وحمل صليب الحياة قبل ان يحمل خشبة الصليب . ولا اغالي أن قلت: إنّ معنى الصليب يبقى ناقصًا بدون المسيح؛ فهو صليب الحب والفداء والمصالحة والخلاص ..... وهو الذي اعطاه معنى وعرّفنا ان له رسالة !

واليوم املي ألأ نححصر مفهوم الصليب بقطعة من الذهب او الفضة او بوشم على اليد ( كمودة العصر أو للتفاخر) ؛ إنمّا هو شهادة حياة لشخص احبنا وما زال يحبّنا بكلّ ما في الكلمة من معنى . حقًا انه شهيد الحبّ؛ فكان الصليب ضريبة لحبه!
إن لكل منّا صليبه على اختلافه .... لذا ليتنا نتخلى عن قصر النظر ولا نعود نبحث بعد عن مسيح بلا صليب .... وليتك لا تنسى يا قارئي العزيز إن صليبك هو صليب حبّ وصليب حياة كما كان ليسوع ....

لذا لا بُدَّ من ان تتعب وتتألم وتُعزّى وتفرح ايضًا ؛ فالحياة طريق صعود نحو قمم عالية !


الأب يوسف جزراوي




46
الخيانة واسبابها في علاقاتنا الإنسانية

 
           كتب الرسام الهولندي فان غوغ الذي عانى من خيانة حبيبته وهو في ربيع شبابه ما يلي :"أن يطعنك احد في ظهرك فهذا امر طبيعي ولكن ان تلتفت وتجده اقرب واعز الناس اليك فهذه هي الكارثة!".
         كان يوم اجازتي من الكنيسة  وبينما كنت استمع لفيروز اعطني الناي وغني ، رن الموبيل ، اتطلع اليه انه رقم خارجي! واذا به بصوت احد شبابي وبصوت يرتجف ليقول لقد خانتني ..... خانتني ، فقلت من؟ اجاب ببكاء يحرق الفؤاد :زوجتي.... لينهي المكالمة!!!! انه جرح الخيانة ، فلكل شي دواء الأ ألم الخيانة ولا اتعس من الخيانة ولا اقبح  ولا ارخص من الخائن .............
       اود ان اسوق للقرّاء الكرام ومضة عن الخيانة واسبابها ، اذا خدمت ككاهن كلداني فترة ليست بالقصيرة في دمشق الحبيبة في رعية بديعة غالبيتهم العضمى من العراقيين الكلدان وصادفت  حالات زواج وعلاقات كثيرة وحالات خيانة اكثر ولاسيما بين الشباب وفي الكثير من العلاقات والزواجات التي بنيت على اسس ومعطيات سطحية وربما نفعية! فعلي اوفق.
     قد يتفق معي الكثيرون ولا سيما المتزوجون بان مُعظم المشكلات الزوجية يمكن ان تجد حلاً مهما طال عمرها او قصر؛ إلاّ مُشكلة أزلية واحدة وهي مشكلة الخيانة وفي معظم الاحيان لاتجد طريقها نحو الحل !   فالمرأة عادةً يتولد لديها احساس اثناء خيانة زوجها او خطيبها او حبيبها بالغدر ، او فقدان الثقة بنفسها وستصاب بجرح في صميمها . وان مملكتها او عرشها قد اهتزا ........... فهي ازاء زلزال ( لقد اكتشفت ولمست لمس اليد بأن زوجها .... يخونها مع أمرأة اخرى)!! فخيانته انتكاسة من كرامتها وانوثتها وامام خيانته قد تعلن الحرب عليه وستستخدم كل اسلحتها في هذه الحرب ..... وربما تفعل العكس فتقبل بالامر الواقع وتضع اعصابها في ثلاجة !!بينما تجد البعض وهم اقلية نادرة يعودن للحياة مع ازواجهن من جديد ومن الممكن ان تسامح وبالذات اذا كانت تحبه ( لازلت اتذكر كلمات تلك السيدة عندما كنتُ اسعى ككاهن ان اعيد المياه إلى مجاريها بسبب خيانة زوجها ، إذ قالت له : اسامحك لانني احبك ولانك ابو اطفالي ونصفي الاخر). وبشكل عام أن طبيعة المرأة تدفعها للمسامحة وظروف المجتمع الشرقي تجبرها على الاستمرار معه من باب الخجل الاجتماعي او تجنب الفضيحة أوالقبول بالواقع( ففي مجتمعاتنا العربية يعللون خيانة الرجل ؛ فتسمعهم يقولون:( أيوجد رجل لايدور على زوجته؟ ) او تراها تستمر من باب الحاجة الاقتصادية او حفاظًا على سمعة العائلة او من اجل الاولاد..
      .الكثير من الزوجات ولاسيما العربيات يعشن بخوف وقلق من خيانة ازوجهن. فترئ ان جل اهتمام المراة العربية المحافظة على الزوج ، وكيف تكون هي المراة الاولى والوحيدة في حياته؟ فتراها تتلقى النصائح والارشادات والخبرات من هنا وهناك ولاسيما من المجربات.
      بينما يرى الرجل العربي في خيانة حبيبته او زوجته صدمة نفسية ، بل يعدها طعنة في شرفه فتراه غير متسامحًا ..... ثائرًا روبما يلجأ إلى غسل عاره! وقد يظن بفعلته هذه انه سيترد سمعته التي تشوهت بسبب خيانة زوجته. لست في صدد الانتقاد ولكن في محاولة لتسليط الضوء على مفهوم الخيانة وردات الفعل ازائها.وقد لايختلف اثنان معي ان قلت : الكثير يرون في خيانة المراة جريمة كبرى لاتغتفر لاسيما  في المجمعات الشرقية التي تحكمه عادات وتقاليد وقيم دينية .... ؛ بينما يرون في خيانة الرجل امر طبيعي ويجدون له الكثير من الاعذار والمبررات ( انه رجال ويزيدون كل الرجال تخون) لانها للاسف مجتمعات ذكورية والر جل هو صاحب المرتبة الاولى!! .
    اسباب الخيانة
      يقولون تعددت الاسباب ... لكن النتيجة واحدة! والخيانة لا تاتِ من فراغ ،فلكل نيجة سبب. وقد يلجا احد الطرفيين للخيانة بسبب وجود قصور في العلاقة او محاولة ومبالغة احد الطرفين بالسيطرة على الاخر وقمع حريته وشخصيته وووو ناهيك عن الملل والضجر الناتجان من رتابت وروتيين الحياة اليومية او يخون احد الطرفان بسبب كثرة المشاكل وعدم التفاهم والانسجام وغياب الحبّ او تجد احدهمها قد قبل بالاخر كرهًا او قسرا او لاعتبارات وصولية كالسفر او المال....ويذهب البعض ليقول ان الخيانة تحدث بسبب تباعد الطرافان او سفر احدهما او عدم القدرة على اشباع بعضهما البعض او تراه حيوان في الجنس وكأن زوجته فريسة لابد من افتراسها، او قد تكون الزوجة منحرفة جنسيا مغرورة بجمالها وجسدها ، وللحاجة والعوز مسوخ اساسي قد يدفع احد الطرفان للخيانة. ويزيد البعض ليقول يخون احد الاطراف ولاسيما النساء كنوع من الدعم المادي لشراء ما ينقصها من هدايا وملبس وربما من ماكل وبالذات اذا كان الزوج سكيًرا وغير مباليًا بشؤون الزوجة والعائلة... ولكنني ارى ان السبب الجوهري يكمن في غياب الحبّ والارتياح وكثرة المشاكل وسوء المعاملة وعدم وجود قبول وتقبل بين الطرفيين مما يدفع احدهما للجوء إلى حضن أمن معوضا له عن نقصه مقدما له ما يحتاجه من حبّ وحنان وعطف ورومانسية وجنس ، انذاك سيرى الطرف المعني نفسه في احضان طرف اخر دون علمه وكأن الي حصل بدون وعيه! ولاسيما اذا اذا كان احد الطرفان( الزوجان أو الحبيبان غير انساني وخشن الطباع وصعب المزاج وغير متفهم لحاجات الحبّ ومتطلبات الاخر أو غير قادر على القيام بواجباته الزوجية او واجبات اي علاقة بشكل صحيح....         لذا املي ان يضع الزوجان وأي اثنيين تجمعهما علاقة بناءة، نصب اعينهما اسباب وبواعث تفشي سرطان الخيانة..... وسبل العلاج لتجنبها.
اخيرًا وقبل مسك الختام انوه قائلاً: الخيانة انواع ولها اشكالاً عدة. وهي غير مقتصرة على الجنس ، بل هناك خيانة الفكر والنظر والكذب وووووووو . وربما يخون الإنسان نفسه فتسمعه يقول لك( حصل هذا بدون وعيي – صدقوني لا اعلم كيف فعلت هذا؟) ليعلم كل من الطرفان في اي علاقة كانت، بل ليضعا نصب اعينهما ان من يخون هو خائن لذاته اولًا! وليس لشريكه .فلا تخون ولا تخوني. فلا اقسى من ان يخونك اعز الناس ويتركك تائها مجروحا متالمًا ليس لك طريق تسلكه ، فالخيانة توجع القلب لانها خنجر في ظهر اي علاقة ولاسيما العلاقة الزوجية فلا تكن من الخائنيين، ويسوع بحد ذاته عانى من خيانة التلاميذ ؛ فواحد منهم يخونه واخر يسلمه بقبلة قتالة ، واخر يتنكر له ...والاخرين يهربون تاركيه وحيدًا!
 ولكن لنتعلم من معلم الحب ّ الالهي والبشري معلمنا يسوع المسيح له المجد بقوله : عاملو الناس كما تتمنون ان يعاملوكم.


 

من كتاب ( تأمّلات من حياة كاهن) للأب يوسف جزراوي 2008

--------------------------------------------------------------------------------

47
color=maroon]خيوط الماضي وحبال الحاضر ........[/color]


  كتب جورج  برناردشو : " أذكى رجل عرفته هو خيّاطي ، لأنّه كلّما جئته أعاد اخذ قياسي من جديد ، بينما يصنّفني الاخرون بمقاييسهم تصنيفًا نهائيًا............."

       يعتقد الكثيرون أن الانسان قالب ثابت ، وقد أخطوا في ظنهم هذا! وقد حاول الفيلسوف الالماني الوجودي هايدغر ان يعالج هذه المسالة في وقته فقال :" ليس الإنسان في العالم كمعطف في خزانة الملابس ". وقد اصاب بقوله هذا ....واننا مع ما قاله فيلسوفنا ن لاننا لسنا بجلمود صخر لا نحرك ساكنًا ؛ إنما ناس .... بشر ... احياء  .... وهذا يعني أننا في نمو وتغير مستمرة . فلا وجود لإنسان جاهز كامل منزل من العلى . فانا مع القائلين: بأن المرء يصير اكثر انسانًا . بمعنى انه في صيرورة مستمرة ؛لذا ليس من المعقول ولا من المقبول أن ننظر إلى الآخر بمنظار الأمس الضيق؛ نظرة متأثرة او قائمة على خبرات الماضي!

    ربما قد عايشتم اشخاصًا كونوا صورًا وأفكارًا غن غيرهم نتيجة موقف أو اكثر حصل بالماضي، فعملوا على تصنيفهم بشكل نهائي وكأن احدهم لم ولن يتغير أبدًا. والانكى من ذلك تراهم ينظرون إليهم بعيون لاترى فيهن ألا قوالب جامدة رافضين ان يروهم في حاضرهم المتجدد الذي قد يكون مختلفًا عما كانوا عليه بالأمس .
   ولنطرح على أنفسنا بعض التساولات : لماذا واحدنا أعتاد على ان يُقيم ألاخرين على اساس مواقف من الماضي؟ ولماذا يرتاح ايضًا عندما يهرب من حاضر الآخر الذي هو عليه ليعود به إلى الوراء ، ليقول لك : انه كان بالماضي كذا وكذا ..... ( النبش بالماضي)!

   ولعل السبب يكمن في أننا غالبًا ما نكون مترددين في التخلي عن افكارنا ومواقفنا تجاه القريب. ولكن صدقوني  لانمو على الصعيد الإنساني ن لابل على كل الاصعدة دوان ان نعرف كيف نتخلى عن افكارنا المتحجرة عن الآخر . جربوا أن تحرروا انفسكم من مواقف الماضي واقلبوا صفحة جديدة ستتجدد الحياة في داخلكم ، فتنظرون إلى الآخر كما هو في حاضره متطلعيين له بمستقبل أفضل!
معلمنا يسوع المسيح معلم الحب الالهي يعطينا عبرًا عديدة في هذا الصدد : لو نتامل في المجدلية .... كيف كانت انسانة زانية رخيصة الجسد ..... بلا كرامة ..... لتنقلب حياتها راسًا على عقب! وباتت واحدة من اخلص التلاميذ .... حيث نجدها تحت اقدام يسوع في مشهد الصلب .... وتسرع لزيارة القبر .... و يظهر لها يسوع .... ويدعوها لتبشر التلاميذ ببشرى القيامة ..... لم ولن يحصر يسوع ( المجدلية) بماضيها الاليم .... بل فتح لها ابواب الحاضر ..... لم يقلب ارشيفها.... بل كان ينظر اليها نظرة متجددة!
   
     وعن التمسك بخيوط الماضي تحضرني خبرة مُعبرة: كان يحبُها ولا يقوى بدونها ، فذبح نفسه لاجل الارتباط بها .... وتمر الشهور ليتحقق مراده ( خطوبة) ..... ومن دون سابق اشارة  يعلن انه لم يعد يرغب بتلك الفتاة وكأن لأرغبة  له بعد بالزواج منها!! يا تُرى مالسبب؟!
تراه يحدثك عن ماضيها .... وأنها كانت على علاقة بغيره ايام مراهقتها . أنه يُحاسبها على ماضيها !! واتساءل : من منا ليس له ماضٍ وخبرة حبّ؟! لكنّ صاحبنا كان صورة لمن تمسك بخيوط الماضي .... ليترك الفتاة لحال سبيلها ....!


     اخيرًا
ليتك يا قارئي العزيز لا تتمسّك بماضي الإنسان بـ ( ارشيفه) بل بحاضره. فنحن ابناء الحاضر ، لذا لا تتمسكوا بخيوط الماضي للآخر .... لان الحياة لابل الأنسان هو نمو وتقدم للأمام وليس رجوعًا للوراء.

    وما اكتبه لا يعني بأن كاتب هذه السطور خال من هذا الداء ؛ إذ أننا جميعنا في الهوا سوا!  فلنسعى كُلنا للتخلص من هذا الداء ..... ويكفينا شرف المحاولة!


الأب يوسف جزراوي
هولندا

48
في البدء كلمة              

             اعوام مضت وبلا رجعة ...... ومجتمعنا العراقي يسير من سيئ إلى اسوا. ولا تزال فكرة التعددية والقبول بالمختلف وتنوعه والديمقراطية بعيدة المنال ! فالواقع العراقي المُعاصر يعُطينا دلائل بأن الكثير لايزالون في تلك الذهنية العتيقة التي تمتاز بعدم مقدرتها على قبول المختلف في المجتمع ، ولا نزال إيضًا نشهد عَين الاساليب التقليدية في افحام اختلافه واسكات صوته واغتيال اختلافه!!
وقد لا يختلف معي اثنان ان قلت: بعد احداث 9 نيسان 2003 التي عصفت فينا وحصول ما لم يكن في الحسبان! نرى ان البلد قُسِم وحسب ادعاءات الساسة الافاضل الذين يديرون دفته على أُسس الديمقراطية والمواطنة والكفاءة والتعددية وغيرها من الكلائش ........ لكن كانت صورة الواقع مغايرة لما قالوه وصوره لنا !!
فالعراق وللاسف اصبح ( ككعكة) قسِمت لاقسام عدة لتوزع لفئاة عدة ايضا. فراحت كل فئة تتناحر ووتتقاتل مع الاخرى لتثبت أنها هي صاحبة الحق في البلد وقيادته......... ليفتحون الابواب على مصرعيها لحزازيات قادتنا في نهاية الامر لفتن وصراعات وتنافسات لتزيد من عمق جرح نزيف العراق ولتتوسع الهوة بين اطياف الشعب الواحد! ناهيك عن ان الاكثرية اخذت ما اخذته فكان لها حصة الاسد في كل شي ولتترك الحواشي والحواف للاقليات ...........

ولكن سياسي البلد وكل من طبق تلك الاجندة قد تناسوا او تجاهولو امر مهم وخطير للغاية ، إلاّ وهو : ان خلفية الشعب العراقي وجذوره غير مهيئة اقله في الوقت الحاضر لطرح وتطبيق مثل تلك الطروحات .... وهم بذلك كانوا اشبه بمن ( اتى بالمعلف قبل الحصان)!!
نعم انهم حاولوا العمل بمبدا الفيدرالية والحرية على اساس التنوع والتلون وقبول الاخر المختلف ، لكنهم تناسوا ان الكثير من ابناء مجتمعنا لا يمتلك ارضية صالحة لتقبل مثل هذه الطروحات الجديدة ....... فاصبحنا (كالطفل الذي اطعموه الباجة بدلا من الحليب )!! فُاصيب باختناق وتقيو ودوران ..........

معظمنا لا يمتلك ثقافة الحوار والتنوع والقبول والتقبل للمختلف ، والكثير منّا لا يمتلك ايدولجية التعددية. وعلى العكس من ذلك نرى الكثير تسيره عقلية الاكثرية والاولية ، وانا على صواب وانت على خطئ ........ ولازالت الكثير من العادات والتقاليد البالية تتسيد نظامنا الفكري ..............
لذا اقول من البديهي ان يحصل ما لمسناه ،فاذا كانت البدايات خاطئة من المؤكد ستأتي النتائج سلّبية وغير مرضية ............... ولنتفحص الامور معًا بهداوة.......

استقراء للواقع العراقي  المُعاصر:

اولاً: في مجتمعنا العراقي وللأسف تسيطر على الكثير منه ذهنية احادية التفكير ( من لا يفكر ويؤمن مثلي فهو ضدي). انها ذهنية لا ترى إلأ لون واحد ( يا سود .... يا بيض)! وترفض ان ترى بقية الالوان ..... لذا ترى ان التنافر والتناحر قد بسطا قبضتهما على نسيجنا الاجتماعي وعلى مستويات عدة!
ألستُ على صواب ان قلت: ان مجتمعنا يمتاز بذهنية التخاصم؟ (من المؤكد ليس الجميع ، فانا ضد التعميم) ، فهناك من لا يعرفون معنى الحوار الصحيح والتحاور البناء الاخر المختلف ، بل رفضه والتهجم عليه ، وان ادعى البعض ان هُناك حوار على ارض الواقع ........ ففي معظم الاحيان تراه حوار الطرشان لتعلو فيه الاصوات لتطرق جدران الجيران!!

ثانيًا: بشهد لنا التاريخ بأن ارضنا قامت عليها دويلات ومماليك وحضارات وامبراطوريات وجمهوريات وووو ولكن كأن الواحدة تقوم على حساب الاخرى ..... وليس مكملة لها . وحتى في تاريخنا الحديث كان لنا ثورات وانتفاضات وانقلابات ....... وكلها كانت تدور في نفس المنوال! اي البُنيان على حساب الاخر المختلف الذي سبقني وازالة كل اثاره وان كانت ذات فائدة ومصلحة للجميع ........ لانها تعود للشخص او للزمن الفلاني ...... وكأن كل نظام ياتي ليقول أنا الراعي الصالح وكل من جاء قبلي فهو لص واجير ووووو

ثالثًا: قد يكون معظمنا لا يجيد الاصغاء ، وقد يبدو هذا جليًا في مناقشاتنا ...... ففي الغالب نقطع حديث محدثنا قبل اكماله الحديث او قبل انهاء توصيل فكرته ..... لنسترسل نحن بالكلام في محاولة لاقحام وفرض راينا واثابت صحته ........ .......... ولكن لنتساءل : هل من حوار بناء دون اصغاء. وهل من تقريب لوجها النظر من دون اصغاء وانصات؟. من المؤكد لا.
وفي امثالنا الشعبية ما يكشف ما بين السطور ذلك الخوف من الاخر المختلف ورفض التوع بكل اشكاله ( من ياخذ من غير ملتة يموت بعلتة)!!!!!!
وتنشئتنا وتربيتنا الاجتماعية والعائلية فيها ما يقتل التنوع والتعدد، إذ منذ طفولتنا يقولون لنا : لماذا لا تكون مثل صديقك عاقل؟ ولماذا لاتكوني مثل اختك شاطرة؟ ولماذا لاتكون مثل فلان وفلان ........؟ فاصبح الاخر المختلف: منافس ، ومصدر قلق !

ثالثًا: في مجتمعنا نرى الكثير من الاشخاص يريدون من يشبههم ، وعندما يرون العكس ، يرفضونك كمختلف في الحياة . ويحاولون ارغامك على التماهي معهم لتكون نسخة طبق الاصل منهم ، وهم بذلك يريدون التننوع والخصوصية الذاتية فيك. وعندما يفشلون في ذلك تراهم يعادونك ويحاربونك ....... لان اختلافك بات موضع قلق لهم ...... وهنا كانت طامتنا الكبرى !! لان في ضل تلك العقلية وللاسف هي العقلية ذات الاغلبية الكبرى في مجتمعنا العراقي سيتحول الاختلاف إلى خلاف ونفور وتضارب وربما يقود إلى تناحر كما نرى اليوم ..... ليدعى كل واحد بانه صاحب الحق ومالكه والمختلف هو ضال
عنه!!

وليس من قبيل الانتقاص إن قلت الكثير من العراقيين لديهم استعداد فكري وتقبل نفسي بل وارضية خضبة لرفض كل ماهو مختلف ومتوع ومتعدد ، ( أأنت عكس الاخرين ؟ كل الناس تعمل هشكل ، ليش انت وحد عنهم ). يريدونك مطابق لهم فيحاولون الاستحواذ عليك ، استحواذ يفوح منه رائحة تصفية للمختلف واغتيال لتنوعه وفردانيته!!

وثمة قناعة راسخة في اعماقي اقولها بعد حصيلة خبرة خمس اعوام من تكرار السناريو :
لم ولن تنضمد الجروح ويتعافى مجتمعنا من نزيفه :
_ مادام هناك رفض للتعددية والمختلف ، رفض لخصوصية الاخر وفردانيته!
_ مادام فينا من يرى في فردانية الاخر المتنوع ( الغريب _ الدخيل _ العدو _ المُهدد ، الغنيمة _ المنافس _ المُخالف)! ومنه هنا سينشئ الصِدِام والتصادم!!
_ مادام يوجد في مجتمعاتنا عبارات ( الاكثرية _ الاقلية _ طوائف _ قوميات _ احزاب ......)!
_ مادام واحدنا لا يزال يقرأ في هويته ( الديانة _ اللقب _ القومية )!
_ مادام تحكمنا عقلية اللجم وقمع الافكار المختلفة ، وشطب كل راي مختلف !
_ مادام لدى الكثير منّا ذهنية التخاصم والتنافر ؛ ذهنية لا تتطلع الا بتجاه ومسار واحد ...... فالله تعالى خلقنا متنوعون ........... فلا تتعب نفسك في امور الخالق وازالتها!
_ مادام لديك ذهنية التشدد والتعصب وضيق الافق وقصر النظر .........
_مادام الكثير منا لا يمتلكون ثقافة الحورا وقبول التنوع والتعددية .......... بل يمتلكون ثقافة احتلال الاخر واكتساحه زازاحة تنوعه وتميزه!

وربّ ساءل يتساءل: وما الحل؟!

_ إن تهتم الدولة العراقية بالتبشير بثقافة قبول المختلف بين مواطنيها ، وعمل مناهج دراسية عن كيفية قبول الاخر في اختلافه رغم تنوعه وتعدده وفردانيته ...... ففي كل هذه تكمن خصوصيته الذاتية والتي تعد بحد ذاتها مصدر غنى وتكامل ... وان تطلق العنان لاشاعة روح الحوار مع المتنوع بذهنية بيضاء صافية لا بذهنية الافكار المسبقة او ذهنية تتصيد النقطة السوداء في اللوحة البيضاء.
_ إن تسعى كل الفضائيات العراقية لتاسيس لثقافة الاصغاء بقد الحوار والاحتضان والاستيعاب والاحتواء والقبول والتقبل بين اطياف الشعب الواحد، من خلال برامج ومشاهد تلفزيونية ولقاءات مع شخصيات ثقافية تنشى جيل يمتلك ثقافة التعدد والتنوع .
_ إن يؤمن كل منّا ، أنه ليس مالك للحقيقة والحق وحده، وليذهب إلى الجحيم وبئس المصير كل من يخالفني. بل أن نؤمن أن الآخر المُختلف عني هو مالك ( جزء) منها ، ومعه وبواسطته سيكتمل استقرائي لبعض جوانب الحقيقة المُطلقة!

_ ادخال مادة الفلسفة في المناهج الدراسية.فا لفلسفة تقودنا لتواضع فكري ، لانها تعلمنا أن كل شي في الحياة نسبي، وأن لكل منّا حقيقته ورؤيته ، وهذه الرؤية تعكس كيفية نظرته الخاصة للامور.
_ الفلسفة تعلمنا ان نحترم الاخر في رأيه وتفكيره وقناعاته ، وان كان مختلفًا ولكنه لايملك الا جزءًا من الحقيقة وله الحق في ان يكون له رايه الخاص والمختلف ، وهذا الاختلاف انطلاقًا من رؤيته للحقيقة وكيفية التعامل معها.
في وططنا العربي بشكل عام وفي بلدنا العراق على نحو خاص لا توجد لدينا اقسام للفسفة وان وجدت فهي نادرة ومهملة! لاننا لانحب ماهو فكري ، بل نحن اُناس عاطفيون! ولا نحب ان نتعب انفسنا بالتفكير . ربما تسمعون في واقع الحياة اناس يقولون:( مسكين تعبان من كثرة التفكير )!! وكأن التفكير والتفلسف قاتل للانسان.
صدقوني ان الفلسفة ضرورة حياة لانها تدخل انساننا في صميم واقع الحياة وتحثه على تكوين نهج فكري خاص به انطلاقًا من نظرته للامور، قابلاً باختلاف الناس عنه!
_ ابطال لغة الهُتافات التي تعودنا عليها ورفع وازالة كل ما يمت إلى المحسوبية والوجهنيات بصلة، فالبلد والمجتمع لا يتقدم ابنائه بالهتافات والاقاويل ، بل من خلال خلق وعي حضاري معُاصر ويعيش ابنائه ممارسات ديمقراطية بحرية ،


ختاما اقول:
             أملي بأن تتكاتف جهود الجميع في انتاج مستقبل جديد لمجمعنا وليس الاستمرار والداوام على اجترار افكار ومفاهيم الماضي السحيق في التعامل مع الاخر المختلف ......... وياليتنا نتعلم من الانسان الاوربي كيف انه ينسى خلافاته الشخصية ام الاجتماعية ام السياسية كانت ليجلس مع خصمه في احدى الكازينوهات او المطاعم ليحتسيا القهوة او يتناولا كاسًا مع وجبة طعام....... تاركين خلف ظهرهما كل شي ، لتسمع النكات وترى الابتسامات قد عطرت الجلسة براحة الفكاهة التصالح !

لذا لنسعى لتاسيس ثقافة القبول بالمختلف لنحيا بتنوع وندخل في رحاب التعددية ........ انذاك سنتعلم وسنلمس لمس اليد بأن الاختلاف لا يعني التصادم والخلاف، بل هو غناء وبناء وتكامل ........ والحديقة لا تبدو جميلة ومثمرة إلا بتنوع اشجارها وزهورها !!!!!

ولنا في المستقبل أمل!

الأب يوسف جزراوي

49
المجتمع العراقي
      ( إهمية الوقت .... وتحقيق الذات)
     كان ولا يزال لا يقيم للوقت حسابًا ؛ وكأن الحياة بالنسبة له تمشية وقت لا أكثر! فياتِ لزيارتي دون علم مسبق ويقحم نفسه ويجلس ويثرثر لساعات دون ان يقيم وزنًا لوقته ووقتي !
الكثير هم على هذه الشاكلة لا يهتمون للوقت. فكنت ولا زلت اتعجب اشد العجب على بعض يقضون ايامهم وربما حياتهم بأكملها وهم لا يفعلون شيئًا؛ فقط يعملون على تمشية الوقت وقتله وكأن الحياة بالنسبة لهم حمل ثقيل .... فيسايرونها بأي شكل من الاشكال ! وتاريخ الشعوب يشهد لنا بأن الشعوب تتقدم على الصعيد الإنساني وعلى كافة الأصعدة متى ما عرفت كيف تتعامل مع الوقت وتستثمره.

     يحزُ في قلبي عندما اسال إنساننا اليوم وعلى وجه الخصوص الشباب منهم وبالذات في ظروفنا الراهنة القاهرة ولا سيما في بلدان( محطات الانتظار) : ماذا تريد وبما تطمح وما هو هدف حياتك ؟ فتاتيك الاجوبة وللأسف سطحية مقتصرة على المظاهر والعيش اليومي والماديات ؛ اي القبول بحياة روتينية تقليدية  وشغله الشاغل السفر وعلاقات ان لم اقل زواجات سطحية نفعية وصولية .... ناهيك عن الجنس وكيفية قضاء الوقت ....!ولعل ما لا اطيقه في هذه الحياة هو ان يكون واحدنا إنساننا اعتياديًا ، محدود الطموح لا يعرف ان يتجاوز احتياجاته ، قصير النظر  فاقد الهدف ، قاتلاً للوقت .... ليغدو رقمًا بين مليارات الارقام من البشر!

     ليست غايتي هنا التعالي والتكبر ، إنما تأكيد على التميز والفرادة والخصوصية الذاتية . بمعنى أن يصنع واحدنا من نفسه قيمة وجود . فالمسالة مسالة تحقيق وجود ..... ربّ قارئ لا يوفقني الراي فيعترض ليقول: إلا زلت يا ابونا تعيش على عقلية ايام زمان ..... فالحياة تبدلت والظروف تعقدت والزمن تغير.... ثم يتحجج بالوقت؛ فوقت عمله طويل والتزامته كثيرة وظروفه قاهرة .... وبحاجة لوقت اشبه بالمتنفس ليقتله ويرفه عن ذاته ..... نعم اعطيك ( شيئًا) من الحق .... ولكن تتصفحوا الادب العربي ولا سيما العالمي ستجدون أن معظم عباقرة العالم كانت ظروفهم اصعب وأقسى! فأؤلئك عاشوا ظروف صعبة ؛ لكنهم بحكم هذه الظروف عاشوا ولادات جديدة . نذكر على سبيل المثال عالم الاجتماع العراقي على الوردي و الطيب الذكر العلامة الأب يوسف حبي و الاديب المصري نجيب محفوظ  والكاتب رجاء النقاش والاديب الروسي دوستويفسكي والفنان الهولندي فان غوغ والفيلسوف الالماني هيغل ..... وغيرهم كثير! لذا ياليت إلاّ نتخذ من الظروف حججًا لنهمل تقيم الوقت وبتالي عدم تقيم مواهبنا وبنيان ذواتنا وتثقيفها وتحقيقها. اذا انك انت محقق ذاتك وصانعها بفعل عوامل كثيرة ؛ لكنّ يبقى الأهم في رأيي هو دورك الشخصي . فانك بقدر ما تتعب على نفسك بقدر ذلك ستحقق وجودك . فثمة قناعة راسخة في اعماقي بل باتت شعارًا لحياتي منذ سنوات : بأن الانسان هو  صانع نفسه بنفسه .... بعد الاتكال على الله ومرافقة الكثير انسانيًا وروحيًا وثقافيًا....

   اخيرًا : املي الا ينصرف انسان الاف الثالث في اضاعة وقته وقتله بامور ثانوية سطحية ؛ فاننا نعيش لمرة واحدة . وعَظمة الإنسان تتجلى متى ما عرف أن يكشف ذاته ليلتزمها ويجعلها ويوظفها لخير الآخرين ..... لانه متى عرف الإنسان ذاته سهل عليه ان يعرف ماذا يريد ويتمنى ويصنع ....

 وقبل اسدال الستار على هذه الخلجة اذهب لاقول:   نصيحتي : لا تقتلوا الوقت .... بل قدسوه وكرسوه واستثمروه واستغلوه . فالعظماء والعباقرة والمبدعيين ادركو اهمية الوقت فغدو قيمة وجود . ووحده العظيم الذي يعرف ان يترك بعده بصمة في هذه الحياة الجميلة!

 أننا ارسلنا في هذه الخاطرة قناعات ذات علّها تفتح افاقًا رحبة!

الأب يوسف جزراوي


50
تساقط الاقنعة


في البدء كلمة
     
      بعد ان عرفته على حقيقته خرجتُ اتمشى ليلاً وفي القلب غصة ، والكثير من الصور والاحداث تتزاحم في الفكر  عن انسان يتظاهر  بالقداسة لكنه شيطان اكبر ، أسير متنهدًا واضعًا احدى ذراعيَ على الاخر فوق صدري واتمتم مع نفسي الحزينة المصدومة : إن ارتداء الاقنعة لا بد  وان يعقبه سقوط لا محالة ما دامت هذه الاقنعة وضعت اصلاً للتضليل واخفاء الحقيقة والتعتيم ...... فمن الممكن ان تخدع الاخرين وذاتك ..... فتختلق حدثًا او موقفًا او كذبةً وتصدقها وتوهم بها الاخرين ...... ولكن هل من الممكن ان نخدع الله ..... لنفكر مليًا ماذا سيقول واحدنا للرب ؟.... لاسيما اؤلئك الذين يضعون على رؤسهم هالات القداسة !!

 
         ففي مجتمع كمجتمعنا العراقي وللاسف تعلمنا ان نتصنع ونوهم الاخرين .... تعلمنا ان نتصنع وأن نُقلد الاخرين وان نكون مثل هم ما يريدون ويتمنون  وليس كما نحن نُريد . ومنذ نعومة اظافرنا خضعنا لمقارنة ومنافسة مع الاخرين ( أنه يشبه اباه وأمه ..... لماذا لا تكون مثل أخيك  او رفقيك هادئًا متفوقًا ..... أنظر إلى فلان كيف يتصرف وتصرف مثله .... انه نسخة من خاله او عمه) فيحاول كل منا ان يتماهى مع من شبه به من قبل الاهل والاصدقاء ..... ومن هنا كانت بدايتنا في التصنع والتقليد

وبهذه المقارنة الا تربوية سندفع بالطفل للسعي ان يكون مُقلدًا وبذلك سيفرغ من شخصيته وسيكون مثل فلان وفلان ولا يكون هو ...... وهنا كانت طامتنا الكبرى ولا تزال !!

    إن سقوطنا في فخ المناسبة والتقليد سيدفعنا لا رتداء الأقنعة والتصنع وازدواجية الشخصية . ولعل من المُفيد الاستشهاد ببعض ما كتبه الدكتور على الوردي _ رحمه الله_ عن هذا الصدد : " نحن نعود اطفالنا مُنذ الصغر ان يتظاهروا  بالوقار والرزانة امام الكبار وبهذا ستنشأ فيهم شخصيتان: شخصية للزقاق واخرى للظهور أمام الناس . فالابوان في العراق كثيرًا ما يؤنبان طفلهما إذا بدرت منه بوادر لا تليق بمعشر الكبار ؛ فهو اذا يحاول ان يكون عاقلاً خلوقًا ساكنًا إذا ذهب مع أبيه إلى المقهى ز ولكنه لا يكاد يرجع إلى الزقاق حتى تراه قد خلع عنه ذلك القناع المصطنع الذي تقنع به في صحبة ابيه. فإذا كبر هذا الطفل تراه يقول نلا يفعل  وان يتحمس لما لا يعتقد به وان يعظ غيره بغير ما يعظ به نفسه"!!


     كلنًا وللاسف نتصنع وفي اوقات مختلفة ربما لأسباب نفسية او اجتماعية أو.... وفي مواقف كثيرة نكون على غير طبيعتنا ..... ولكل منّا اسبابه ان كانت بوعي او من دون وعي ، فنقول للضرورة احكام او الاتكيت يتطلب ذلك .....
     وهناك حالات تصنُع اود ان مر عليها مرور الكرام إلا وهي:

المرأة العجوز الكاهلة التي تصبخ شعرها لتبدو اصغر من عمرها
الرجل الاصلع الذي يخفي قرعته بباروكة ليبدو اكثر جمالاً واصغر سنًا في نظر الاخرين!
المكياج الذي تضعه العديد من الفتيات ليخفين العيوب والتجاعيد ولا سيما الطاعنات في السن لا زالة عاهة او تجاعيد الزمن من وجوهنن وليكونن اكثر جمالا وربما اصغر سنًا!
الرجل المثسن عندما يرتدي ثيابًا لا تليق بعمره او يسرح شعره تسريحة لا تليق به كرجل مُسن  ليبدو ابن الثلاثين وهو في السبعين من عمره!
او تراهم يلبسون الثياب السوداء في التعازي  لا من باب انهم حزانى والتضامن مع اهل الميت او وفاءًا لفقيدهم، بل خوفًا من انتقادات الاخرين او من باب المجاملة والخجل الاجتماعي
او تراهم يحدثونك عن الفقر والتواضع والتجرد وعن امور اخرى ، لكنهم اغنى الاغنياء وقد طلعوا الفقر بالثلاثة ..... فبدلاً من  ان يكون مثالاً للاخرين ..... يغدون حجر عثرة لهم ....ز والويل لمن تاتي على يديه الشكوك يقول يسوع له المجد!
وكثيرون في هذه الحياة على اختلاف مناصبهم ومستوياتهم يمتلكون اكثر من وجه متلونيين ..... يعيشون في تناقض ازدواجي .....
غالبيتنا يضع اقنعة على وحوهنا ونمثل ادوارًا الفناها جيدا وتمرسنا على القيام بها ولكن بالحقيقة هي لاتمت بصلة لعمقنا بل هي نتيجة تاقلمنا مع الواقع!
وابوح علنًا .... وبصراحة تامة كم هي المواقف التي تجعلون فيها الكاهن يتصنع من اجل ارضائكم لانكم ترفضون ان ترون فيه الانسان ..... بل تطالبونه ان يكون ملاكًا ..... لكنه انسان قبل كل شي من لحم ودم مثلكم.
اتذكر في بداية حياتي الكهنوتية أن احد الكهنة وغيره.... قال لي ( حبذا ابونا تتصرف كذا وكذا ..... قلت له لماذا ؟ قال : الناس تريد هكذا )!! ولا اتعس من انسان يعيش ويُسير من قبل الاخرين!الستم معي ان قلت : ان في كل هذا نوع من التصنع واخفاء الحقيقة!؟

مسك الختام:
من اتعس الامور واقساها على انساننا ان يعيش بوجوده عديدة ، فيكون متخبطًا في ذاته ولا يشخص الاحداث ولا الاشخاص . ليعيش بعدم وضوح يجعل منه ممثلاً بارعًا متعدد الاقنعة . وما اكثر الممثلين اليوم وفي اكثر من مجال ومكان!!
ولعلي اقسوا فأقول : صعب على الإنسان ان يتصرف بزيف وتحايل فيمثل ادوار بطولة بارعة في فيلم اسمه الحياة! والاصعب ان يقضي حياته باكملها وهو لا يدرك قيمة نفسه ولا يتحسس عظمة الوجود فيقضي الوجود على الفراغ ..... وسيعيش علاقات فاشلة لانه لم يظهر شخصيته الحقيقة ، فيمر امام معضلة الوجود مرور الكرام !

املي ان نعيش جميعنا حياتنا دون اي تصنع وتكلف ومحاكاة وتمثيل ادوار حفظناها على ظهر القلب ، بل نسعى لنكون واضحين ونكون نحن وليس مقلدين متصنعيين او كما يتمنونا الاخرين
وياليتك تكون صاحب مبدا وقضية وقرار .... بعيدا عن المجاملات والمساومات والتصنع والتملق والتزلف....ز املي ان تكون انت ..... وان تكون واضح الخطوات!

الأب يوسف جزراوي
 هولندا
 
 

51
المنبر الحر / كلام الناس
« في: 22:52 15/08/2008  »
كـــــــــــــــــــــلام النـــــــاس
[/size]

كانت تتعامل بعفوية وتلقائية .... لكنّها تغيرت واخذت رويدًا رويدًا تنسحب لتنقطع عن الاخوية . يا تُرى ما لسبب؟! فتُجيب عزيزتنا : أنه كلام الناس الذي لا يرحم وما يثير ه لنا من احراجات ومشاكل....

تراه حذرًا في تصرفاته متوسوسًا من كل حركة ، يعمل لكل خطوة الف حساب قبل ان يخطوها ...... ولو بحث عن السبب لو جدت انه يخشى بل يرتعب من انتقادات الاخارين واقاويلهم!
بوسعنا الاكثار من الامثلة ، لكننا نكتفي بالاشارة إلى ان عالمنا ومجتمعنا كثير الكلام والانتقادات والتشويهات ، يتكلم دون حدود و ظوابط ز ولا يخُفى على احد بأن هُناك فئة موجودة في كل زمان ومكان تُراقب الاخرين وتبحث عن اخطائهم وتتلذذ باشهارها بعد أضافة املح والفلفل ح فئة تعمل من ( الحبة كبة) . ونحن كعراقيين مشهورين بكثرة انتقاداتنا لغيرنا .... ان لم اقل اننا بارعون في اكتشاف العيوب في الاخرين والحديث فيها فواحدنا ينتقد غيره وكأنه بلا عيوب . حقيقةً ان كل منّا مبتل بنفس الداء الذي يراه في غيره!


أ انتم معي ان قلت : إن من لديه هذه الروح ن فهو ليس بأنسان سوي ( سليم) / بل انه يعاني من عقدة نقص في داخله ؛ عقدة تدفعه لينظر إلى الأسود قبل الابيض . ولا اتردد في القول ان الذين يترصدون أخطاء غيرهم ويعملون على نشرها وتضخيمها ؛ هم اشخاص ( عطالون بطالون) وما اكثرهم اليوم!!
ولا اعلم لماذا يميل البعض أو الاكثرية من الناس لمثل هذه الاساليب الملتوية التي فيها ما يشوه صورة الاخر وما ينافي شريعة الله . أليس في هذا حكم ودينونة ؟ ومَن منّا نحن البشر له الحق في الحكم والدينونة ، فهذا شغل الله وحده ، وعلينا ان نبقى ناس بشر لا اكثر ولا اقل ز ولكن من مفاعيل الخطيئة اصبح الإنسان يثشاهد عيوب الاخررين ولا يشاهد عيوبه ونواقصه . فآدم لا يعترف بخطيئته امام الرب الاله بل يرميها على حواء . فقال أدم : " المرأة التي جعلتها معي هي التي اعطتني من الشجرة". " تكوين 3:12

مشكلتنا الازلية
من مشاكلنا الازلية هي الكلام عن الاخرين وانتقادهم من ورائهم وليس امامهم وجهًا لوجه. فالشخص التذي قد اتخذ من الانتقاد والتشويه حرفة له ، لهو انسان ضعيف لا يستطيع المواجهة . ويصفه الاب جان باول اليسوعي : " انه لا يستطيع ان يفيد من مقدرته ، لانه جبان في العمق ، وهو يحزن على نفسه لا نه لا يستطيع ان يبلغ اهدافه ؛ لذا يحاول ان يقوي ثقته بنفسه عن طريق الحط من قدر الاخرين. انه يرى الاسهل ان يحط الاخرين إلى مستواه من ان يرتفع هو إلى ما هو عليه ".

من هذا سيتضح للقارى الكريم ان مثل هذا النوع من النفسيات يُعادي الامتياز في كل ابعاده وصوره اكان عملا ناجحا او موقفًا جميلاً او شخصًا مميزاً ..... إن هذه النماذج من النفسيات تدلّ وتعكس انها لا تمتلك قضية حياة تُميزها لتتميز بها . بمعنى اخر : انها لم تضع بصماتها على نفسها لذا تراها تعيش في دربكة حياة فاشلة نابعة من فراغ حياتي ، وهي في اول الامر واخره رقمًا بين المليارات من البشر . واتسائل هل دعوتنا ان نكون اناس ارقام ام تميز وابداع؟
غالبًا ما لا يستطيع الناقد المغرض الوقوف امام النماذج الناجحة والمتميزة من دون نجاح وتميز يوازيهما ، لذا يجد صاحب هذا الداء ان الطريق الاسهل إلى ذلك هو النقد الهدام في محاولة لتشويه الصورة انه يحاول ان يلغي قيمتهم الاجتماعية ويهز تلك الصورة الجميلة الماخوذة عنهم مسببًا الاذى النفسي والاجتماعي لهم من خلال اطلاق العنان لاشاعات وتضخيمات واختلاقات لاصحة لها!

انها الغيرة وثم الغيرة وثم الغيرة التي تدفع بالاخرين لتشويه صورنا ولا سيما اولائك الذين يشعرون بفراغ ونقص كبير في داخلهم ...... ناهيك اذا كنت انت سببًا في كشف حقيقة اشخاص ما ..... فيروحون يحاربونك من خلال اطلاق اشاعات عنك لاوجود لها على ارض الواقع ..... والسبب هو غيرتهم منك!

احكام مسبقة
من اتعس الامور هي الاحكام المسبقة ! فاننا في الغالب نتجه نحو الاخرين ونحن محملون بافكار وانطباعات وصور مسبقة عنهم فنحجمهم ونقولبهم بقوالب ونظرات ثابتة متحجرة اعتمادًا على ما سمعناه من فلان وفلانة عنهم. فتتكون لنا ردود افعال سلبية عنهم دون التماس معهم في علاقة مباشرة.

علينا ان نعيش مع الاخر لنكتشفه وليس نتصوره استنادًا لاقاويل ونظرات الاخرين ..... صدقوني ان الاحكام المسبقة تسقطنا في فخ الانتقادات السريعة والتناقض في انطباعاتنا واحكامنا على الاخر. وما احوجنا اليوم لكي نكون دقيقيين في احكامنا وإلاّ نبنيها على القيل والقال.

كلامهم لا يرحم
نصحته مرارًا وتكرارًا أن يُقيم حفله زواجه ( حفلة كوكتيل) على البساطة مقتصرة على الاقارب وبعض الاصدقاء لاننا في غربة صعبة ولكونه هو ذو امكانية مادية محدودة. لكنه رفض الامر بحجة ( سوف تاكل الناس وجوهنا) فاقاموا افخر حفلة من اجل ارضاء الناس ان لم اقل خوفًا منهم ليغرقوا انفسهم بالديون!
كثيرون هم على هذه الشاكلة ، يخشون اقاويل الاخرين حتى بات العديد يضعون في حساباتهم ردود افعال الاخرين قبل اية خطوة يخطونها في الحياة .وللأسف اصبحت اخلاقيتنا وتصرفاتنا مبنية على كلمة ( عيب) ( ماذا ستقول الناس عنّا) او ( الناس ستحكي) والى اخره من المخاوفز أنها مخاوف تقلقُنا وتثقيدنا وتشلنا .ولا مغالات ان قلت: إنساننا اليوم يخشى كلام اكثر من اي شي اخر ..... لان كلامهم لا يرحم!!

أؤمن بأن الناس لا ترضى على اي انسان ن فهم يتكلمون عن الزين والشين. حتى بات الواحد منّا محتار في امره. فاذا كان رزين جدي ينظر إلى الحياة بجدية ومسؤلية وعمق، قالوا عنه: ( مُعقد). واذا كان فكاهيًا ذا روح مرحة . قالو عنه ( خفيف سطحي) . واذا تعامل مع الحياة ببساطة وطيبة ووداعة . قالوا عنه: ( غشيم). فما اكثر الكلام وما اقساه. علمًا ان ربنا خلقنا بلسان واحد واذنان؛ بمعنى لنصغي اكثر مما نثرثر. ولكن العكس هو الحاصل على ارض واقع هذه الحياة.

اخيرًا وليس اخرًا
      ان تضع كلام الاخرين في حساباتك فهذا يعني انك ستتعب نفسك عبثًا وستضيع الكثير والكثير من الوقت والجهد فراغًا. ومن خبرة كهنوتية متواضعة ابوح علنًا: ان الناس تتكلم عن الله وعن عبد الله. فلو لم تكن كاهنًا بل الهًا ستضرب بحجر انتقادات الاخرين كما حدث لمعلمنا يسوع له المجد!
لذا ثق بنفسك وتصرف بحرية ابناء الله ، وليق الاخرين ما يشاؤن ن فليس كل ما يُقال صحيح.
ولا اروع واعمق من حكمة السيد المسيح في درس الدينونة: لا تدينوا لكي لا تدانوا .....


انها دعوة لمحاسبة انفسنا قبل التهجم في محاسبة الاخرين . فلا نحكم على احد ونثرثر في ظهره ...... لا ننا لا نعلم ما يختفي داخل الانسان ن فهذا عمل الله وحده. ولا اجمل من لقاء مصارحة بناء مع الاخر وجهًا لوجه ...... افضل من الطعن في الظهر والتشويه ....... لان ربنا يسوع له المجد علمنا : ان بالكيل الذي به تكيلون يكال لكم ويزداد.


 الأب يوسف جزراوي



52
المنبر الحر / لنفتش عن الله !!
« في: 23:20 14/08/2008  »
 
لنفتش عن الله في عصرنا ..... مقولة رائعة للطيب الذكر البابا بولص السادس بعد ان غدى الله ضائعًا للكثيرين في يومنا هذا ...... وراح الكثير يتسائلون هل الزمن تبدل أم الإنسان نفسه قد تغير ..... ام إن الله غاب عن زماننا ؟ إن زماننا اليوم ليس كزمان ابائنا واجدادنا الذي كان يتسم بالبساطة والطيبة والوداعة والايمان ؛ إذ هناك من يتشكى من تبدل القيم والاعراف والاخلاق والاشخاص وربما الايمان ايضًا . أنه زمن العولمة ؛ عولمة التسابق مع الجديد .... عولمة التعب والركض وشد الاعصاب .... زمن قد يبدو فيه فقدنا حضور الله ! _ انه عصر الموبيل والكومبيوتر والانترنيت والفضائيات الاعلامية . زمن التقنية والتطور والعصرنة والاكتشافات العلمية التي لا تكف من ان تعرض علينا الجديد بين الحين والاخر!_ زمن المادة التي غدت ( أله) الكثير من الناس على اختلاف مناصبهم ومستوياتهم . حتى ان الضمائر باتت تثشترى بحفنة دولارات وللاسف حتى في اروقة اقدس الاماكن !- زمن اباحية الجنس واللذة ؛ حتى باتت المراة في الكثير من المجتمعات سلعة رخيصة تعرض في الجام خانات ولا سيما في اوربا .... وكأنها كأ لصحن ياتي شخص ليرمي بها غريزته ويذهب إلى حيثما ما جاء!_ أنع عصر اصبح فيه الرجل يتزوج من رجلاً اخر .... وامرة تعشر اخرى! عصر شاهدنا فيه على شاشات التلفاز وقراءنا على صفحات الانترنيت عن رجل انجب طفلاً! اسفي على هذا الزمن الذي بات من السهولة فيه ان يتلاعب بخلقة الله ليبدل جسده من ذكر إلى انثى والعكس بالعكس!ولازلت تسمع اصوات تناديك لتقول لك: لا تتعجب ! أنه زمن الانفتاح والحرية والعولمة وو..... لكننّي كغيري ارى أنه عصر تشويه لصورة الله ..... وتهميشه من حياتنا . الا توافقوني الراي أن قلت : اننا نعيش في عصر طغت فيه المادة على كل جوانب الحياة لتتحجر القلوب وتموت الضمائر . عصر انطفئت فيه انوار المشاعر والاحساس بالاخر ..... ولم يعد لمفهوم الحبّ وغيره من القيم والمبادى كالصدق والوضوح والوفاء والامانة مكانة تذكر في حياة الكثير!_ زمن ضاعت فيه إنسانية الانسان ؛ زمن وكأن واحدنا فقد به انسانيته ..... حتى شهدنا دولة تغزو دولة اخرى ..... وإنسان يقتل اخيه الانسان باسم الله ...... !!_ انه عصر الالف الثالث التي تسللت فيه القنوات الفضائية إلى كل بيت . فعوضًا ان يقوم البعض أن لم اقل الاغلبية بتخصيص وتكريس اوقاتهم لمشاهدة البرامج التقنية والبحوث والاستكشافات والوثائق واخر الدراسات راحو يسهرون ليالٍ بطولها ليضيعون اوقاتهم في برامج فيها من الابتذال لقيم الله والانسان ما يعني الكثير ... فُخلع ثوب الفضيلة والحشمة والايمان ..... بعد ان عرضت ثقافات مغلوطة عن الحب والجنس والانسان والايمان بالله .......... لكنني لا انكر من وجود فوائد لهذه الفضائيات. _ زمن اصبحت فيه طيبة الإنسان مشكلة كبرى. فيحدثونك إن هذا الإنسان مسكين قلبه ابيض على نياته . ويزيدون: لكن مشكلته طيب ومن اهل الله! اه لو عرف واحدنا من وراء طيبته سيجني مشاكل عدة لما كنا ولما اصبحنا طيبون!!!_ انه زمن رفع فيه شعار واضح ان لم تكن ذئبًا اكلتك الذئاب وكاننا نحيا في الغاب!_ عصر بات فيه الإنسان الصريح والواضح والصادق غير مرغوب فيه ، بل هناك فئة من الناس يطالبونك بأن تكون مراوغًا كاذبًا مخادعًا متلونًا ومساومًا بلا موقف ومبدأ.... وعن خبرة اقولها : ان الذي يسير اليوم بنور الله تراه مرفوض ومحارب . اما الذي يسلك الطرق الملتوية وغير الواضحة في علاقاته تراه هو المقبول وعليه الطلب! _ هذا هو عصر الانفتاح والتمدن والحرية الشخصية .... الذي شهدنا فيه تفتت العائلة لتعج المقاهي والبارات والمطاعم ..... بالرجال هربًا من المشاكل الزوجية والتزامات العائلة ومضايقات الاولاد ووووو_ عصر كثرت فيه الخيانات الزوجية ولا سباب تافهة ولحجج واهية .. فكانوا اولادنا ضحية زواجات غير مسؤلة ومتزنة!انه زمن رأينا فيه العجب ....... فكم وكم صادفتُ في محطات الانتظار في المهجر فتيات يقبلن بزواجات غير متكافئة على الصعيد الفكري والثقافي ولا سيما السن ..... تخيلو فتاة ترتبط برجل يزيدها عن 15عامًا والغاية هي السفر والمال! وكنتُ إيضًا شاهد عيان على زواجات تمت خلال اسبوع او اسبوعان .... إذ ياتي شاب من الفردوس ( دول الخارج) لياخذ فتاة صغيرة السن متعلمة جميلة المظهر دمثة الاخلاق بحفنة دولارات بعد ان تعهد بأن يسحبها لبلاده ........... ولكني اتساءل : أليس الزواج استعداد عاطفي وفكري وتكافئ عام بين الطرفين .....؟ اليش الشاب والشابة بحاجة لسقف زمني ليتعرفا على بعضهما البعض ..... ليتكلل زواجهما بالنجاح؟ لكن اسفي على هذا الزمن الذي بات فيه الاب يبيع ابنته لاغراض مادية ..... ولكن مثل هذه الزواجات كان عمرها قصير .... واسدل الستار على نهايتها سريعًا!_ انه زمن باتت فيه الصلوات والقداديس في اوربا مرة واحدة في الشهر ومعظم الحضور هم من كبار السن! - عصر بات فيه الكثير لا يميزون بين ملبس الحقفل والملبس الذين ياتون به للكنيسة للاشتراك في القداس ؛ فالكثير تراهم يتبرجون في الثياب وفي لبس الذهب والمبالغة في المكياج ....ز متناسين انهم في كنيسة بحضور الرب وليس في قاعة زفاف!!!!!_ عصر ضعف فيه الايمان ..... كم يؤلمني ان ارى في الاكاليل ( الزواجات) عدد الحضور في البُراخ لا يتجاوز ال20 بينما تجد في قاعة الحفل 500 شخصًا.  واتسائل هل العروسين بحاجة الى بهجيتنا ورقصنا ام إلى صلواتنا؟!_ انه عصر راح فيه الانسان يتصيد زلة لإخيه الانسان ليتشمت به ويعيره ويشهر باخطاءه! لكننا تناسينا ان معلمنا يسوع علمنا إلا نكسر قصبة مرضوضة ..... فصدق على عصرنا المثل القائل : إذا طاح القوي كثرت سكاكينة !_ عصر نجح فيه الانسان بغزو المريخ والقيام برحالة في الفضاء .... لكن الكثيرين ظلوا غرباء عن دواخلهم ... ولا اقسى من غربة الذات!_ عصر لا نزال نشهد في تعازينا ( عدادت) للبكاء يدفع لهن اموال مناجل تهيج مواطن الحزن والالم في دواخلنا. وكاننا نشتري الحزن بالمال؟! انه عصر قد يبدو للكثير ان الله قد احال نفسه على التقاعد .... عصر كثر فيه الملحدون واللا مبالون .....عصر العلم وكأن الكثير وضعوا الله على الرف وليسو بعد بحاجة له! ولكن لنفتش عن الله ........... فهما عُرض علينا من تقنيان وعولمات يبقى الله هو حاجتنا الاولى والاخيرة ..... وإنساننا اليوم وفي هذا العصر هو اشبه بذلك الشاب الغني الذي حدثه يسوع : حاجة واحدة تنقصك .....! وما ينقصنا اليوم هو الله ........... لنهم بالبحث عنه .... وطوبى لمن يجده!! فالى الله ترتاح نفوسنا كما يقول صاحب المزامير.


الأب يوسف جزراوي

53
المنبر الحر / لنفتش عن الله !!
« في: 20:25 09/08/2008  »




لنفتش عن الله في عصرنا ..... مقولة رائعة للطيب الذكر البابا بولص السادس بعد  غد الله ضائعًا في يومنا هذا ...... وراح الكثير يتسائلون  هل الزمن تبدل أم الإنسان نفسه قد تغير ..... ام إن الله غاب عن زماننا ؟


          إن زماننا اليوم ليس كزمان ابائنا واجدادنا الذي كان يتسم بالبساطة والطيبة والوداعة والايمان ؛ إذ هناك من يتشكى من تبدل القيم والاعراف والاخلاق والاشخاص وربما الايمان ايضًا . أنه زمن العولمة ؛ عولمة التسابق مع الجديد .... عولمة التعب والركض وشد الاعصاب .... زمن قد يبدو فيه فقدنا حضور الله !

_ انه عصر الموبيل والكومبيوتر والانترنيت والفضائيات الاعلامية . زمن التقنية والتطور والعصرنة والاكتشافات العلمية التي لا تكف من ان تعرض علينا الجديد بين الحين والاخر!
_ زمن المادة التي غدت ( أله) الكثير من الناس على اختلاف مناصبهم ومستوياتهم . حتى ان الضمائر باتت تثشترى بحفنة دولارات وللاسف حتى في اروقة اقدس الاماكن !
- زمن اباحية الجنس واللذة ؛ حتى باتت المراة في الكثير من المجتمعات سلعة رخيصة تعرض في الجام خانات  ولا سيما في اوربا .... وكأنها كأ لصحن ياتي شخص ليرمي بها غريزته ويذهب إلى حيثما ما جاء!
_ أنع عصر اصبح فيه الرجل يتزوج من رجلاً اخر ....  وامرة تعشر اخرى!  عصر شاهدنا فيه على شاشات التلفاز وقراءنا على صفحات الانترنيت عن رجل انجب طفلاً!
اسفي على هذا الزمن الذي بات من السهولة فيه ان يتلاعب بخلقة الله  ليبدل جسده من ذكر إلى انثى والعكس بالعكس!
          ولازلت تسمع اصوات تناديك لتقول لك: لا تتعجب ! أنه زمن الانفتاح والحرية والعولمة وو..... لكننّي كغيري ارى أنه عصر تشويه لصورة الله ..... وتهميشه من حياتنا .

 الا توافقوني الراي أن قلت : اننا نعيش في عصر طغت فيه المادة على كل جوانب الحياة لتتحجر القلوب وتموت الضمائر . عصر انطفئت فيه انوار المشاعر والاحساس بالاخر ..... ولم يعد لمفهوم الحبّ وغيره من القيم والمبادى كالصدق والوضوح والوفاء والامانة مكانة تذكر في حياة الكثير!
_ زمن ضاعت فيه إنسانية الانسان ؛ زمن وكأن واحدنا فقد به انسانيته ..... حتى شهدنا  دولة تغزو دولة اخرى ..... وإنسان يقتل اخيه الانسان باسم الله ...... !!
_ انه عصر الالف الثالث التي تسللت فيه القنوات الفضائية إلى كل بيت . فعوضًا ان يقوم البعض أن لم اقل الاغلبية بتخصيص وتكريس اوقاتهم لمشاهدة البرامج التقنية والبحوث والاستكشافات  والوثائق واخر الدراسات راحو يسهرون ليالٍ بطولها ليضيعون اوقاتهم في برامج فيها من الابتذال لقيم الله والانسان ما يعني الكثير ... فُخلع ثوب الفضيلة والحشمة والايمان ..... بعد ان عرضت ثقافات مغلوطة عن الحب والجنس والانسان والايمان بالله .......... لكنني لا انكر من وجود فوائد لهذه الفضائيات.
_ زمن اصبحت فيه طيبة الإنسان مشكلة كبرى. فيحدثونك إن هذا الإنسان مسكين قلبه ابيض على نياته .  ويزيدون: لكن مشكلته طيب ومن اهل الله!  اه لو عرف واحدنا من وراء طيبته سيجني مشاكل عدة لما كنا  ولما اصبحنا طيبون!!!
_ انه زمن رفع فيه شعار واضح ان لم تكن ذئبًا اكلتك الذئاب وكاننا نحيا في الغاب!
_ عصر بات فيه الإنسان الصريح والواضح والصادق غير مرغوب فيه ، بل هناك فئة من الناس يطالبونك بأن تكون مراوغًا كاذبًا مخادعًا متلونًا  ومساومًا بلا موقف ومبدأ.... وعن خبرة اقولها : ان الذي يسير اليوم بنور الله تراه مرفوض ومحارب . اما الذي يسلك الطرق الملتوية وغير الواضحة في علاقاته تراه هو المقبول وعليه الطلب!
_ هذا هو عصر الانفتاح والتمدن والحرية الشخصية  .... الذي شهدنا فيه تفتت العائلة لتعج المقاهي والبارات والمطاعم ..... بالرجال هربًا من المشاكل الزوجية والتزامات العائلة  ومضايقات الاولاد ووووو
_ عصر كثرت فيه الخيانات الزوجية ولا سباب تافهة ولحجج واهية .. فكانوا اولادنا ضحية زواجات غير مسؤلة ومتزنة!
انه زمن رأينا فيه العجب ....... فكم وكم صادفتُ في محطات الانتظار في المهجر فتيات يقبلن بزواجات غير متكافئة على الصعيد الفكري والثقافي ولا سيما السن ..... تخيلو فتاة ترتبط برجل يزيدها عن 15عامًا والغاية هي السفر والمال!  وكنتُ إيضًا شاهد عيان على زواجات تمت  خلال اسبوع او اسبوعان .... إذ ياتي شاب من الفردوس ( دول الخارج) لياخذ فتاة صغيرة السن متعلمة جميلة المظهر دمثة الاخلاق بحفنة دولارات بعد ان تعهد بأن يسحبها لبلاده ........... ولكني اتساءل : أليس الزواج استعداد عاطفي وفكري وتكافئ عام بين الطرفين .....؟  اليش الشاب والشابة بحاجة لسقف زمني ليتعرفا على بعضهما البعض ..... ليتكلل زواجهما بالنجاح؟ لكن اسفي على هذا الزمن الذي بات فيه الاب يبيع ابنته لاغراض مادية ..... ولكن مثل هذه الزواجات كان عمرها قصير .... واسدل الستار على نهايتها سريعًا!
_ انه زمن باتت فيه الصلوات والقداديس في اوربا مرة واحدة في الشهر ومعظم الحضور هم من كبار السن!
- عصر بات فيه الكثير لا يميزون بين ملبس الحقفل والملبس الذين ياتون به للكنيسة للاشتراك في القداس ؛ فالكثير تراهم يتبرجون في الثياب وفي لبس الذهب والمبالغة في المكياج ....ز متناسين انهم في كنيسة بحضور الرب وليس في قاعة زفاف!!!!!
_ عصر ضعف فيه الايمان ..... كم يؤلمني ان ارى في الاكاليل ( الزواجات) عدد الحضور في البُراخ لا يتجاوز ال20 بينما تجد في قاعة الحفل 500 شخصًا. وللاسف واتسائل هل العروسين بحاجة الى بهجيتنا ورقصنا ام إلى صلواتنا؟!
_ انه عصر  راح فيه الانسان يتصيد زلة لإخيه الانسان  ليتشمت به ويعيره ويشهر باخطاءه!  لكننا تناسينا ان معلمنا يسوع علمنا إلا نكسر قصبة مرضوضة ..... فصدق على عصرنا المثل القائل : إذا طاح القوي كثرت سكاكينة !
_ عصر نجح فيه الانسان بغزو المريخ والقيام برحالة في الفضاء .... لكن الكثيرين ظلوا غرباء عن دواخلهم ... ولا اقسى من غربة الذات!
_ عصر  لا نزال نشهد في تعازينا ( عدادت) للبكاء يدفع لهن اموال مناجل تهيج مواطن الحزن والالم في دواخلنا. وكاننا نشتري الحزن بالمال؟!


انه عصر قد يبدو للكثير ان الله قد احال نفسه على التقاعد .... عصر كثر فيه الملحدون واللا مبالون .....عصر العلم وكأن الكثير وضعوا الله على الرف وليسو بعد بحاجة له!


ولكن لنفتش عن الله ........... فهما عُرض علينا من تقنيان وعولمات يبقى الله هو حاجتنا الاولى والاخيرة ..... وإنساننا اليوم وفي هذا العصر هو اشبه بذلك الشاب الغني الذي حدثه يسوع : حاجة واحدة تنقصك .....! وما ينقصنا اليوم هو الله ........... لنهم بالبحث عنه .... وطوبى لمن يجده!! فالى الله ترتاح نفوسنا كما يقول صاحب المزامير.



الأب يوسف جزراوي

54
الاساقفة الكلدان في جزيرة ابن عمر التركية


                     
         أنتمت أبرشية (بازبدى) للكنيسة الكاثوليكية سنة 1552، ومنذ سنة الأتحاد بروما إلى إلى يومنا هذا جلس على كرسي الأبرشية ثلاثة عشر مطرانا، أثنان منهم أعتلوا الكرسي البطريركي.

المطران عبد يشوع مارون: أصله من الجزيرة العمريةـ ترََّهب في دير الأخوين ماراحا ومار يوحنا، وهناك رُسِمَ كاهنًا. رسمه البطريرك سولاقا سنة 1553، كأول أُسقف كاثوليكي للجزيرة، أمتاز بأتقان اللغتين الكلدانية والعربية، وبعد أستشهاد الجاثليق سولاقا سنة 1555، أُنتخبَ بطريركًا على الكنيسة الكلدانية.
المطران يهبالاها: تَرهبّ في دير الأخوين ماراحا ومار يوحنا. رسمه بطريرك عبد يشوع مارون سنة 1556 مطرانًا للجزيرة خلفًا له. أُنتخب بطريركًا لكنيسة المشرق سنة 1567 على أثر وفاة البطريرك مارون.
المطران جبرائيل ايليا: رُسِمَ مطرانًا على الجزيرة سنة 1567، بوضع يد البطريرك يهبالاها الرابع.
المطران يوسف: رُسِمَ أُسقفا سنة 1600، وكان من المطارنة الحاضرين في سينودس أمد سنة 1616.
المطران شمعون يوسف
المطران عبد يشوع
المطران يوسف
المطران يوحنا: رَسمَهُ البطريرك يوسف الثالث مطرانًا على الجزيرة سنة 1747. قُتل سنة 1756.
المطران حنا نيشوع:رَسمَهُ البطريرك ايليا الحادي عشر مطرانًا على العمادية والجزيرة. وبعد ست سنوات تَرك أبرشية العمادية ليتفرغ لأبرشية الجزيرة. توفي سنة 1826.
المطران بطرس ديناطاليمن خسراوا ( إيران)[1]، تلميذ كليّة انتشار الأيمان. رُسم كاهنًا سنة 1830، وأسقفًا سنة 1833 ( وبحسب بعض المصادر سنة 1835) لأبرشية أذربيجان.
ذ كر الشماس نوري إيشوع رَسمَهُ البطريرك يوحنّا الثامن هرمز مطرانًا على الجزيرة ؛ وقد أخطأ في ذلك، والاصح أنه رُسم لأبرشية أذربيجان المترملة لوفاة راعيها مار يوحنّان كورئيل، بعد ثلاث سنوات من كهنوته).
كان رحمه الله يطمح على كرسي البطريركية . فيخبرنا مُؤرخنا الشهير القس بطرس نصري في مخطوطته " ذخيرة الأذهان " ان مار يوحنّا هرمز كان قد أقام ديناطالي نائبًا بطريركيًا له"[2].
وهكذا فأن المطران ديناطالي غدا نائبًا بطريركيًا؛ لكنُّه لم يحسن التصرف؛ إذ قصد الموصل وشرع يمارس ملء السلطان وأساء الإدارة، وكأن الأمور حُسمت لصالحه. لكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن! فقد هاجت جماعتنا في الموصل وماجت، وبالذات المتحزبين لمار يوسف أودو (اليوسفيين)؛ إذ قامت قيامتهم، فأشتد الهرج والمرج، ليطرق الأمر مسامع روما، فترسل بدورها إلى الموصل لجنة لتتفحص الوضع، وتتقصى الحقائق[3]. ثم استقر ديناطالي وكما يظهر من المصادر في بغداد[4].
خدم في أبرشية الجزيرة عشر سنوات، ثم نُقل إلى رئاسة كُرسي آمد. أنتقل إلى دار البقاء في البانو قرب روما سنة 1867.

المطران بولس هندي: أصله من أمد، وهو أبن أخو البطريرك هندي، أبصر النور في أمد سنة 1814، درس في كلّية البروبغندا[5] ،ليرتسمَ كاهنًا سنة 1840. رسَمهُ البطريرك يوسف السادس أودو مطرانا على الجزيرة سنة 1852 ليخدمها أحدى وعشرين سنة، رقدَ بالرب في مسقط رأسه سنة 1873.

المطران يعقوب ابراهام[6]:
هو فيلبس بن اوراها من عائلة بودو التلكيفية. مواليد تلكيف 1848 دخل الرهبنة الانطونيّة الكلدانيّة سنة 1866، اتشح بالاسكيم الرهباني في 27/9/1868 على يد الانبا اليشاع الياس الرئيس العام للرهبنة. درس في المعهد البطريركي الكلداني الذي أقامه روفائيل مازجي الآمدي[7]. وهو من أوائل المتخرجين منه. ارتسم كاهنًا سنة 1872، أخُتير للاسقفية سنة 1875 من قبل مار يوسف أودو ليذهب ويتفقد كلدان الملبار، ونتيجة لضغوطات روما وتهديداتها يستدعيه البطريرك اودو في مطلع سنة 1877 ونزولاً عند طلب البطريرك اودو شيخ الطائفة[8] عاد إلى الموصل سنة 1878، حينها كان الشيخ الجليل مار يوسف السادس اودو قد ارتاح بالرب.
أنتقل إلى ابرشية الجزيرة خلفًا لسلفه الذي اختاره اساقفة الطائفة للبطريركية، وهناك نال أكليل الشهادة بتاريخ 16/8/1915، مع ثلاثة من كهنته والُقيت جثتهم في النهر وتجدر الأشارة أنه أخر أسقف كلداني في الجزيرة، وانه أيضًا أصغر أسقف في تاريخ كنيستنا الكلدانية الحديث، إذ رُسِم أسقفًا وهو أبن 27 سنة لا أكثر (رحمه الله)[9]. كما عرف بحس خطه وفي كتاب فهرس المخطوطات السريانية والعربية[10] له نحو (5) مخطوطات خطها في السنوات 1869 إلى سنة 1875. واخر مخطوط خطه هو قوانيين رهبنته بالأشتراك مع رهبان آخرين في دير السيدة .




الأب يوسف جزراوي
هولنده
url=http://iraq8.com/up][/url


________________________________

[1] يقول الأب بُطرس حدّاد أن أصله من آمد. ( نبذة في تاريخ المدرسة الكهنوتية ) ، بغداد 2004، ص 18 ، هـامش، 27.
[2]ذخيرة الأذهان، ج3، ص3.
[3]تألفت هذه اللجنة من الأبوين اليسوعيين منصور رياو وبولس ريكادونا.
[4]نقرأ في كتاب كنائس بغداد ودياراتها، بغداد 1994، ص 158 ـ 159 بأنه شرع ببناء بيعة للكلدان في 1 تشرين الأول سنة 1838 وأنهى العمل في 11 تشرين الثاني من السنة ذاتها. ويزيد: أن هذه المدة القصيرة تدلُ على تواضع البناء، فكان بسيطًا مسقفًا بالخشب، ومرتكزًا على عواميد من خشب أيضًا. المهم في الأمر أن الكلدان استقلوا في بيعة خاصة بهم كرسوها على أسم أُمّ الأحزان.
[5] أنها كُلّية أنتشار الإيمان، أُسست بموجب مرسوم بابوي سنة 1625، واستمرت تحت رعاية الكُرسيّ الرسوليّ إلى سنة 1641، ثم ألحقت بمجمع انتشار الأيمان ـ روما. فيها درس الكثير من الشرقيين والأسماء عديدة.
[6] وجدتُ في ملف ابرشية الجزيرة في الخزانة البطريركية في بغداد ، كارت شخصي لسيّدنا يعقوب، كان المطران يعقوب قد طبعه ، نقرأ فيه المطران يعقوب ابراهام.
[7] عن تأسيس هذا المعهد المُبارك راجع كتابنا على خُطى يسوع ( نبذة عن تاسيس المعهد الكهنوتي وانتقاله إلى بغداد)، بغداد 2003. ومقالنا : إهتمامات آبائنا البطاركة الكلدان بالمعهد الكهنوتي البطريركي ، ع 125 ـ 126، ص 122 وما يليها ، 2004.
[8] من مواليد القوش 1793، دخل الرهبانية الكلدانية سنة 1913، ورسم كاهنًا في اذار 1822، واسقفًا في 25 أذار 1825 على الموصل، ثم خدشم في أبرشيّة العمادية سنة 1833. أُنتخب بطريركًا في اواخر عام 1847 . رقد في الرب في الموصل بتاريخ 29 أذار 1878، ودفن في دير السيدة حسب وصيته . وكلنا يعلم الصراعات التي خاضها مع الكرسي الرسولي بشأن القضية الملبارية.
[9] انظر مقالنا في نشرة ربنوثا ، ع32، 2005 ، ص30.
[10] اعداد الابوين بُطرس حدّاد و جاك اسحق.

55
الأساقفة الكلدان في الجزيرة العمرية

          انتمت أبرشية (بازبدى)  للكنيسة الكاثوليكية سنة 1552، ومنذ سنة الأتحاد بروما إلى إلى يومنا هذا جلس على كرسي الأبرشية ثلاثة عشر مطرانا، أثنان منهم أعتلوا الكرسي البطريركي.
المطران عبد يشوع مارون: أصله من الجزيرة العمريةـ ترََّهب في دير الأخوين ماراحا ومار يوحنا، وهناك رُسِمَ كاهنًا.  رسمه البطريرك سولاقا سنة 1553، كأول أُسقف كاثوليكي للجزيرة،  أمتاز بأتقان اللغتين الكلدانية والعربية، وبعد أستشهاد الجاثليق سولاقا سنة 1555، أُنتخبَ بطريركًا على الكنيسة الكلدانية.

المطران يهبالاها: تَرهبّ في دير الأخوين ماراحا ومار يوحنا.  رسمه بطريرك عبد يشوع مارون سنة 1556 مطرانًا للجزيرة خلفًا له.  أُنتخب بطريركًا لكنيسة المشرق سنة 1567 على أثر وفاة البطريرك مارون.
 
المطران جبرائيل ايليا: رُسِمَ مطرانًا على الجزيرة سنة 1567، بوضع يد البطريرك يهبالاها الرابع.
المطران يوسف: رُسِمَ أُسقفا سنة 1600، وكان من المطارنة الحاضرين في سينودس أمد سنة 1616.
المطران شمعون يوسف
المطران عبد يشوع
المطران يوسف
المطران يوحنا: رَسمَهُ البطريرك يوسف الثالث مطرانًا على الجزيرة سنة 1747.  قُتل سنة 1756. 
المطران حنا نيشوع: رَسمَهُ البطريرك ايليا الحادي عشر مطرانًا على العمادية  والجزيرة.  وبعد ست سنوات تَرك أبرشية العمادية ليتفرغ لأبرشية الجزيرة.  توفي سنة 1826.

المطران بطرس ديناطالي من خسراوا ( إيران) ، تلميذ كليّة انتشار الأيمان. رُسم كاهنًا سنة 1830، وأسقفًا سنة 1833 ( وبحسب بعض المصادر سنة 1835) لأبرشية أذربيجان.
ذ كر الشماس نوري إيشوع رَسمَهُ البطريرك يوحنّا الثامن هرمز مطرانًا على الجزيرة ؛ وقد أخطأ في ذلك، والاصح أنه رُسم لأبرشية أذربيجان المترملة لوفاة راعيها مار يوحنّان كورئيل، بعد ثلاث سنوات من كهنوته).   
  كان رحمه الله يطمح على كرسي البطريركية . فيخبرنا مُؤرخنا الشهير القس بطرس نصري في مخطوطته " ذخيرة الأذهان " ان مار يوحنّا هرمز كان قد أقام ديناطالي نائبًا بطريركيًا له" .
 وهكذا فأن المطران ديناطالي غدا نائبًا بطريركيًا؛ لكنُّه لم يحسن التصرف؛ إذ قصد الموصل وشرع يمارس ملء السلطان وأساء الإدارة، وكأن الأمور حُسمت لصالحه. لكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن! فقد هاجت جماعتنا في الموصل وماجت، وبالذات  المتحزبين لمار يوسف أودو (اليوسفيين)؛ إذ قامت قيامتهم، فأشتد الهرج والمرج، ليطرق الأمر مسامع روما، فترسل بدورها إلى الموصل لجنة لتتفحص الوضع، وتتقصى الحقائق .  ثم استقر ديناطالي وكما يظهر من المصادر في بغداد .
خدم في أبرشية الجزيرة عشر سنوات، ثم نُقل إلى رئاسة كُرسي آمد. أنتقل إلى دار البقاء في البانو قرب روما سنة 1867.

المطران بولس هندي: أصله من أمد، وهو أبن أخو البطريرك هندي، أبصر النور في أمد سنة 1814، درس في كلّية البروبغندا  ،ليرتسمَ كاهنًا سنة 1840.  رسَمهُ البطريرك يوسف السادس أودو مطرانا على الجزيرة سنة 1852 ليخدمها أحدى وعشرين سنة، رقدَ بالرب في مسقط رأسه سنة 1873.

المطران يعقوب ابراهام :
هو فيلبس بن اوراها من عائلة بودو التلكيفية. مواليد تلكيف 1848 دخل الرهبنة الانطونيّة الكلدانيّة سنة 1866، اتشح بالاسكيم الرهباني في 27/9/1868 على يد الانبا اليشاع الياس الرئيس العام للرهبنة. درس في المعهد البطريركي الكلداني الذي أقامه روفائيل مازجي الآمدي .  وهو من أوائل المتخرجين منه. ارتسم كاهنًا سنة 1872، أخُتير للاسقفية سنة 1875 من قبل مار يوسف أودو ليذهب ويتفقد كلدان الملبار، ونتيجة لضغوطات روما وتهديداتها  يستدعيه البطريرك اودو في مطلع سنة 1877 ونزولاً عند طلب البطريرك اودو شيخ الطائفة   عاد إلى الموصل سنة 1878، حينها كان الشيخ الجليل مار يوسف السادس اودو قد ارتاح بالرب.
 أنتقل إلى ابرشية الجزيرة خلفًا لسلفه الذي اختاره اساقفة الطائفة للبطريركية، وهناك نال أكليل الشهادة بتاريخ 16/8/1915، مع ثلاثة من كهنته والُقيت جثتهم في النهر وتجدر الأشارة أنه أخر أسقف كلداني في الجزيرة، وانه أيضًا أصغر أسقف في تاريخ كنيستنا الكلدانية الحديث، إذ رُسِم أسقفًا وهو أبن 27 سنة لا أكثر (رحمه الله) . كما عرف بحس خطه  وفي كتاب فهرس المخطوطات السريانية والعربية  له نحو (5) مخطوطات خطها في السنوات 1869 إلى سنة 1875. واخر مخطوط خطه  هو قوانيين رهبنته بالأشتراك مع رهبان آخرين في دير السيدة .


 الأب يوسف جزراوي



56
كهنة الجزيرة العمرية
                      في العصر الحديث
القس ايليا عيسى: أُبصر النور في الجزيرة سنة  1869رُسِمَ كاهناً سنة 1889، نال أكليل الشهادة يتاريخ 28/8/1915، وعمره 47 سنة وهو كلداني الأصل.
 
القس مرقس توما: (كلداني) أُبصر النور في الجزيرة سنة 1871، رَسمَ كاهنا سنة 1893، نال أكليل الشهادة يتاريخ 28/8/1915، وهو أبن 44  سنة لا أكثر.
 
القس أفرام صليوا: سرياني من أزخ – الجزيرة، رَسمَ كاهنا سنة 1896.

القس أوغسطين مرجاني: كلداني من الجزيرة – رسامته 1903، شهيد ألايمان 19/6/1915.
القس توما هرمز هندو: سرياني  - الجزيرة ، رسامته 1904.
القس ميخائيل مراد: سرياني  - الجزيرة ، سيامته 1904 ، خَدمَ في قرقوش والموصل، وعلم في المعهد، وفاته 5/9/1952 في الموصل، ترك بعده قاموسًا عربي سرياني وطبع منه إلى حرف س .

القس حنّا خاتون: كلداني من الجزيرة، كهنوته سنة 1910، شهيد الأيمان،  توفيّ في 28/8/1915.
 
التلميذ (الأكليركي عبد الكريم كوركيس جزراوي): سرياني، مواليد 1886، أُستشهد في الجزيرة بتاريخ 18/6/1915 وعمره 29 سنة.

الأب يوغسطين جزراوي او اوغسطين جزراوي: ولد في 24 نيسان 1913 في جزيرة أبن عمر من عيسى أبن الشماس أبلحد موسى، ولوسيا رزق الله نعَمي، على أثر أستشهاد والده، هربت به أمه الى الموصل، أتم دراسته الأبتدائية في المدرسة الدومنيكية ثم في المعهد البطريركي، وفيه أنهى دراسته الفلسفية.  أُرسل إلى روما لمواصلة  دراسته اللاهوتية  وهناك رسم كاهنًا في 27 اذار 1937 في كنيسة اللاتران . عاد إلى الموصل وخدم هُناك حتى سنة 1939،  حيث عُين في الخدمة في رعية قامشلي ، أهتم هناك بطبع كتاب صلاة الفرض لأخوية قلب يسوع . كان رجل علم  وثقافة وتجلت فيه انشطة متعددة دينية وثقافية واجتماعية، كما عُرف عنه بحسن مواعظه.  سنة 1948 نقل للخدمة في رعية دير الزور ثم خدم في البصرة وبعدها في الاهواز.
 سنة 1953  نُقل لخدمة رعية زحلة . رقد بالرب سنة 1975 فدفن في كنيسة بيروت .

الأب يوسف عزو الكبوتجي : ابن احدى العائلات الكلدانية  التي تهجرت إلى لبنان من الجزيرة في تركيا أثر المذابح والمجازر العثمانية. ولد في لبنان في 5/3/1965 . اقتبل سرّ العماذ في كنيسة القديسة تريزة من يد الخوري اوغسطين صادق المشار إليه اعلاه. تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة الحكمة في لبنان. بتاريخ 15/آب /1981 دخل دير الآباء الكابوتشيين واعلن نذوره الموقت في 2/2/1982 . درس الفلسفة في جامعة الكسليك ( الروح القدس) وواصل في ميلانو في ايطاليا الدراسة اللاهوتية في جامعة الانطونيانوم ؛ حيث حاز على شهادة البكلوريوس في اللاهوت. اقتبل نعمة الكهنوت في كاتدرائية الكلدان في الحازمية بتاريخ 17/9/1994 من يد الطيب الذكر مار روفائيل الأوْل بيداويد  . وله شهادة ماجستير في الفلسفة القديمة ( الفلسفة الاغريقية). قدم كورسات في كلّية بابل لطلبة قسم الفلسفة عن فلسفة ارسطو وسقراط في مطلع عام 2001  وقد ادركتُ تلك الفترة. ومن الجدير بالذكر أن البطريرك بيداويد   ( رحمه الله ) كان قد طلبه للرشاد الروحي في المعهد الكهنوتي البطريركي   ( قسم الكبار ) لكن رفض رؤسائه في الرهبنة حال دون تحقيق تلك الرغبة
الأب يوسف جزراوي:  جذوره من جزيرة ابن عمر، نزح جده لأبيه عبد الاحد إلى الموصل بعد مجازر 1915 في الجزيرة. ولد عدي ( الأب يوسف) في بغداد( الكرادة الشرقية) بتاريخ 19/3/1978 من نبيل جبار عبد الاحد توما جزراوي، وسهيلة جميل يوسف ايليا قشينة(شينة) التلكيفية. اقتبل سرّ العماذ في كنيسة مار يوسف خربندة في السنة نفسها. على اثر مرض والده سافرت العائلة إلى لندن في سنة 1980 ، لتعود إلى ارض الوطن مطلع عام 1981. درس الابتدائية في مدرستي( الخورنق و أسوان) ثم درس الثانوية في متوسطة التوعية  واعدادية الجمهورية . في آب 1994 قبل في المعهد الكهنوتي ( القسم التحضيري) ، لكنّه لم يلتحق في المعهد المذكور لوفاة والده في 6/6/1994 وهو ابن 48 سنة لا أكثر!(رحمه الله).   في 28 /9/1995 دخل للاكليريكية الصغرى في منطقة الصليخ ببغداد، في عهد إدارة الأبوين فوزي ابرو وعلاء حراق ، فواصل دراسته الثانوية في اعدادية المثنى للبنين. ولما اكمل الدراسة الاعدادية انتقل للدراسة في كلّية بابل ، ولما انهى دراسته الفلسفية رُشح لمواصلة الدراسة في روما؛ لكن المشروع اُجهض!؟ لماذا ؟ الله اعلم.
   رُسِم كاهنًا صباح يوم الثلاثاء 21/12/2004 في كنيسة مار يوسف خربندة بوضع يد البطريرك عمّانوئيل الثالث دلّي مع كل من الابوين ممتاز عيسى شابا وايهاب نافع البورزان، ثم احتفل بقداسه الأوّل عصر نفس اليوم في كنيسة الصعود الكلدانية . تخرج من كلّية بابل الحبرية صباح يوم الاثنين 20/6/ 2005. بتاريخ 8/6/2005 تعين في خورنة سلطانة الوردية مع السكن فيها كمعاون للأب بُطرس حدّاد ، لكنّهُ ترك الخورنة ليعود للسكن في المعهد البطريركي (الدورة).  بتاريخ 24/7/2005 كلفه الأب عامر بطرس راعي خورنة مار كوركيس الكلدانية ( الغدير) ليحل محله لحين عودته من السفر، فخدم في الخورنة  وسكن فيها إلى يوم الخميس  الموافق 5/10 /2005.
   بتاريخ 18/9/2005 عينته البطريركية في الاكليريكة الصغرى كمعاون للأب ازاد صبري وراعي خورنتي الحكمة الإلهية في الصليخ ومار افرام في الشالجية. فالتحق بالمعهد والخورنة  يوم 5/10/2005 إلى ان غادر العراق بتاريخ 7/8/2006 اثر تهديد بالخطف والقتل .  خدم كخوري كنيسة القديسة تريزا للكلدان في دمشق وهي رعية يزيد عددها عن 7 الاف عائلة جميعها من العراقيين المهجرين وهو الان مقيم في اوربا .له ما يقارب الـ ( 10) مؤلفات  وعشرات المقالات.
   


الأب يوسف جزراوي

57

امور غير مستحبة ............. لكنها شائعة !!


               عندما تمتدحة أو تقول له انك كذا وكذا إيجابًا ، تراه يطرق الخشب ليُبعد عنه عيون الحسد، ويقول لك عينك عينك! لكن أليس الله هو حارس البشر؟؟
_ ينفر من لون مُعَين أو رقم ما ، فيقول لك:أتشاءم من ذكر الرقم الفُلاني أو ارتداء اللون المعين  ، فيعيش بدوامة الأمراض والعقد النفسية التي تُضيق عليه الخناق.
_ تظن أنها صاحبة الحق ومالكته ُ، وكل من يُخالفها فهو ضدها وليذهب إلى الجحيم وبئس المصير، لكن أخُتنا تناست إن الاختلاف غنى وبناء وتكامل، ولا نمو للانسان وعلى كافة الاصعدة دون القبول بالاخر المُختلف المتنوع........ فلا اجمل من ان تعيش التعددية في حياتك!
_تراه يضيع وقته في مراقبة الاخرين والتدخل في خصوصياتهم ويحشر نفسه بما لا يعنيه..... ولكن أليس من راقب الناس مات همًا؟!
_ لا يخلو كلامهم من لفظة ( الله _ المسيح _ القربان _ الصليب _ الانجيل ....) ولكن ألم يقل السيّد المسيح له المجد : لا تحلفوا؟!
_ بمجرد أن نسمع أنهُ خريج إحدى الجامعات ، لنُقيم له وزنًا وحسابًا !!، ولكن الستم معي أن قلت: إن الكثير من اصحاب الشهادات والاختصاصات يجهلون ابسط متطلبات المثقفين وهم لا يجيدون الحديث بكلمتين لا اكثر! فبامكانك أن تعرف كثير وان تحصل على شهادة عدة ولغات لا تحصى،و لكنك قد تكون وحش في تعاملك وعلاقاتك! لذا اهمس بهدوء لكيما لا يتحسس مني احد: ليس بالشرط أن يكون المتعلم مثقفًا!
_ في تسريحتها تراها تُقلد الفنانة الفلانية، وتلبس كما يُقال على المودة .وفي سلوكها تقلّد هذه وتلك .... لكنها لم تكن هي ذاتها! ولا اقسى من ان يكون الإنسان غريبًا عن ذاته!
كثيرون هم وللاسف لا يزالون مُقلّدين لغيرهم ، أنهم يقضون حياتهم باكملها وهم يسعون ليكونوا مثل الاخرين في الملبس وقصة الشعر والكلام والسلوك ووو .....إذ  يحز في قلبي أن ارى ان ما ان طل هيثم يوسف او نانسي عجرم على التلفاز بتسريحة او او بملبس جديد لترى الالوف يقلدونهما ..! ولكن كنتُ ولازلتُ من المؤمنيين أن دعوتنا في  ان يكون واحدنا هو وليس مثل! بمعنى ان يكون له خصوصية وفردانية وليس يكون مقلد ونسخة من فلان و فلان .............
واتساءل : هل دعوتنا أن نكون مُقلدين متصنعيين لنغدو ارقامًا مثل وبين ملايين البشر ؟ أم نكون فريدين مميزين!

_ تعازينا اصبحت في الغالب مجالس للولائم ومحافل للثرثرة وشرب القهوة والسكائر والملتقى الاجتماعي ..... وكأننا في قهوة لا في تعزية!
      كنت وما زلت ارفض  الحضور للكثير من التعازي التي تكون على هذه الشاكلة ، ناهيك عن ان الكثير يقيمون التعزي لاشباع رغبات نفسية ( كيف أن فلان عمل ، انا اعمل افضل منه) .... املي ان يسود روح التعزية والصلاة في تعزينا وليس سلوك القهاوي والمطاعم!
_ تدعو الاخرين إلى لقاء محبة ودردشة ؛ لكنها تقضي مُعظم الوقت في المطبخ بتجهيز ألذ وأطيب الاطعمة ، وفي اعتقادها انها ستُثبت محبتها للاخرين من خلال الاسراف في الطعام!
_ تراه ياتيك من دون سابق انذار ومن دون موعد مسبق ، وتراه لايقيم  للوقت حسابًا وكأن الحياة بالنسة له تمشية وقت لا اكثر.  ليقتل وقته ووقتك !
الكثير وللاسف مهنتهم قتل الوقت لا غير . لذا املي ان يقدس كل واحد منا الوقت ، لانه مُقدس.
_ يضن ان قيمته بما يملك وبثروته وعقاراته وسيارته التي اخر موديل وما تملكه زوجته من كيلوات ذهب .... ولكنك كا البالون ان لم  ترمي احمالك لا تسمو وترتفع نحو الاعالي.
_ يقولون لك ان هذا الشخص اجتماعي ياترى لماذا؟ فيجيبوك: لانه ياخذ ويعطي بالكلام ويثرثر كثيرًا، اما انا فاقول: الانسان الاجتماعي هو الذي يشعر بالاخر. وله قلب يتحسس حاجته!
_يذهب مع اصدقائه إلى صالة الالعاب الالكترونية او الكازينو وربما البار والقهوة ,,,, فتراه يتدافع ويتقاتل ، لا بل يتسابق في دفع الحساب . فتتسابق انت بدورك معه إيضًا . فكل منكما يريد التفوق وكأنه يبغى القول للاخر: أنا سخي ! ولكن ربما في نيتك لا تدفع الحساب ، لكنك تتسابق من باب العيب او المجاملة !!!!
_تراه يتجاوز على اصدقائه ويستعمل الفاظًا غير لائقة بحجة ( الميانة) !! لكن الميانة لغويًا ومضمونًا هي من فعل ميل _ يميل_ ينفتح _ يثق بالآخر ..... ولكن وللأسف في مجتمعاتنا الشرقية الميانة هي فقدان الاحترام وتجاوزات لفضية كلامية..... لذا اومن ان اية علاقة لا تُبنى على الاحترام فهي كالبيت المبني على الرمل! وما اكثر العلاقات اليوم التي تراها هشة ، لا ن لا اساس رصين لها!
_ الكثير يظنون بل يرون في الحبّ جريمة اجتماعية( عيب) .... ويجسدونه بالخفاء ..... ولكن نحنُ خلقنا من وللحب! ومن دون الحبّ لم ولن نكتمل بانسانيتنا !
_ لااروع من الا تجعل غيرك يعاني ويقاسي مما انت عانيت ، ولكن الكثير يقول لك أانت  افضل مني؟ انا عنيت اكثر منك وانت عليك ان تعاني الشي عينه..... ولكن الانسان الناجح هو الذي يعرف الا يجعل غيره يعش ويقاسي ما عاناه هو!
_ لم نتعلم في مجتمعنا ان نواجه الاخر بخطئه ونصارجه وجهًا لوجه ، فترى الكثبر يغضون النظر ويجاملون في الظاهر اما في الظهر يثرثرون وويطعنون وووو ........ لماذا لا يكون لنا لقاء مصارحة ومكاشفة بناء مع الاخر  الغاية منه بنيانه؟!
_كثيرون ينادون بحقوق المرأة ويحدثونك عن قيمتها في الحياة، لكنني ما زلت ارى  ان دورها لم يصبو للدرجة المرجوة، فما زال هناك الكثير من المغالطات الشائعة تنص على وجود نقص في عقل المرأة ومحدودية تفكيرها ونتاجها ـ وهي حمل ثقيل ، وهي للزواج ومهمتها لا تتعدى كونها متعة للرجل وخادمة له ولاولاده وبيته ، ومتى نفر منها سيكون بوسعه استبدالها .... مسكينة هي المرأة ولاسيما في المجتمعات الشرقية تراها كا لجنح المكسور تعيش تحت المطرقة .... وتُعامل بشراسة وبداءة ناهيك بأن الكثير يستخدمونها وسيلة للدعايات وللغراء  ، ومن يرى فيها مصيبة وبلية لانها من اغوت ادم واسقطته في الخطيئة، ومصدر قلق للرجل لانها شرفه وووو ولكني اتساءل:هل الله خلق حواء كوسيلة اشباع جنسي لادم؟ من المؤكد لا!  فهي نصفه الاخر ..... وادم لايكتمل انسانيًا دون حواء .... لذا اقول المرأة كائن مُقدس ، انها زينة الحياة.
_يتباهى بخشونته وقوته وسطوته وصلافته وعضلاته وشاربه الذي يقف عليه صقر ، وكأن الرجولة تكمن في هذه المفردات.
_ كان ولا يزال يظن ان قوة شخصيته تكمن في عبوسة وجهه وثقله وتجاهله للاخرين وووو ، ولكن لا اجمل من ان تكون صاحب ابتسامة شفافة تستقبل بها الاخر، انها سِّر انفتاحنا عليه!
_ تراه في بيته لا يزال يعيش بعقلية سي السيّد وهو يختار ويقرر لاولاده المصير .... وكانه لايزال يعيش في القرون الوسطى! ولا زال هو من يختار العريس لابنته والزوجة لابنه!!
_ يطالبونك ان تقُدس وتصلي  بلغة الطقوس التي لا يفهمها سوء الكاهن وبعض شمامسته، وكأن الله لا يسمع القداس الا  بلغة الطقس ! ولايبالو بالناس وكأنهم كالاطرش بالزفة _ ولكن اليست دعوتنا ان انساعد الناس على الصلاة وبالغة التي يفهمونها؟ فيسوع لم ياتي ليدافع ويخلص لغة ما،  بل كان هدفه لانسان!
_ يصلون ويطلبون لكيما يكونوا واحدًا .......... لكن هذا فقط امام شاشات التلفاز اما بالحقيقة .... بتنا نرى هذا يقول انا كلداني واخر اشوري واخر سرياني واخر ..... ونسينا او تناسينا .......... اننا مسيحيون ........ فبتنا اقلية متمزقة بين اكثرية متناحرة ..... والكل يصيح انا صاحب الحق............ ولعل ما زاد الطين بلة أنك ترى ممن قد حشرو انفسهم في مجالات لاتمت صلة بهم بتاتًا .......... فارجعونا للوراء وبسببهم بتنا اليوم في وضع لا نحسد عليه............ !!!!
_ تراه بلا مبدأ متلون يعيش ازدواجية حياة فيها من الكذب والنفاق والتزلف ما يعني الكثير، بالوجه شي وبالظهر شي اخر، ولكن لا اجمل من ان يكون لك مبدأ وقرار وقضية حياة وموقف. لان الحياة موقف وقيمتك بقيمة المواقف التي تتخذها! لا تجامل او تساوم على حسابها، لتكون واضح الخطواتل لجميع. ولا اجمل من الوضوح ولا اتعس من التلون في المواقف!
_ يحدثك عن المحبة والتواضع والمسامحة ، لكن قلبه فحم ويعيش في برجه العاجي العالي. بامكانك ان تكون متعلم ومليادير واصحاب عقارات وووو ولكن من الصعوبة ان تكون طيبًا ، وان تكون متسامحًا ومحبًّا!
_ يحدثونك عن الانفتاح وتقبل الاخر ...... لكن معظمنا  لا يزال يعاني من ( جرب فكري) في تقبل للاخر المختلف .......... وكأنه يريد ان يجعل من الاخر ( كوبي ) منه!!
 
_ تراه يتظاهر  بالقداسة ، وكلامه ينقط عسل، ولكن هناك بون شاسع بين الكلام وبين الفعل، فانساننا اليوم لم يعد بحاجة اليوم لكمات معسولة ، بل لموقف ويد تنمد له، كفانا هتافات وكلاجات ...........
_ تسمعه يقول لك اخذتُ بثاري _ شفيتُ غليلي_ انتقمت منه _ رديت الصاع صاعين . وكأننا نعيش في الغاب والبقاء للاقوى ..... ولكن صدقوني أن الانسان العظيم هو الذي يعرف ان يتجاوز اخطاء الاخرين بحقه دون ان يؤذيهم ..... هكذا علمنا معلم الحب الالهي يسوع المسيح على الصليب عندما غفر لصالبيه ( يا ابتي سامحهم )![/color]



الأب يوسف جزراوي

58
كتابات ومساعي البطريرك مار عمّانوئيل الثاني إبّان الحرب العالمية الثانية


في البدء كلمة..........
 لا يكتشف الإنسان، المبدعين والعظماء والأحداث الخالدة إلاّ من خلال التاريخ، فهو تراث، ومدرسة، وحضارة، وخبرة أجيال، بل أنه ذاكرة للأجيال ، التي تتعرف بواسطته على جذورها، ومنه تستقي العَبِر....

ولا أجمل من أن يتناول الإنسان تاريخ أصوله واهله، ليعرف جذروه، فيسعى للتجذر، فأنا من المؤمنين بأن التجذر عنصر جوهري في تكوين الإنسان، والتجذر وحده يسمح للمرء بالامتداد في أفق واسعة دون ضياع واستلاب واغتراب.
                   عكفت منذ فترة ليست بالقصيرة، بجمع مصادر عن الجزيرة العمرية،ففرغتُ من العمل، لكني كُنت أراه ناقص ،عرضتُ الموضوع على أُستاذنا الأب يوسف توما، فأمدني مشكورًا بمخطوط عن حوادث الجزيرة العمرية مُترجم إلى اللغة العربية•، عنوانه (هل سيموت هذا الشعب؟) كان قد كتبه شاهد عيان وهو الأب جوزيف نعيم ، فصدر الكتاب بأكثر من لغة ، عام 1920 بأسم ( هل ستُفنى هذه الأمة ؟).قرأت المخطوط اكثر من مرة فأستفدتُ منهُ كثيرًا، وبواسطته استجليتُ الحقيقة...... لكنّني لا زلتُ ارى عملي غير متكامل؛ لكن فضلت نشره سنة 2006 ، على امل اعادة نشره في صورة متكاملة وشاملة في المستقبل لكن العمل لم يُكتب له ليرَ النور ، ففضلت نشرهُ بصيغة مقال مطول في موقع عنكاوا كوم  على امل نشره في المستقبل ان قيض لي الله. ( علما انني قد سلمت نسخة من الكتاب مع كتاب مستقل عن البطريرك المستقيل نيقولاس زيّا وليس زيعا ) للجمعية الثقافة الكلدانية ليطبعا بمعية الاب ازاد صبري المُحترم وشقيه سمير والشماس كوثر .... ولا يزال المصير مجهول للكتابين .......... ارجو من الجمعية الموقرة ابلاغي بالامر ........ واعطائي نسخة من المسودات لانها جهد وثمار بحث استقرق السنيين.... مع خالص شكري وتقديري.

وأنا اعد هذه الكلمة المقتضبة تصورّت الاعداد الكبيرة من الجزراويين الذي أُخرجوا قسرًا من ديارهم ، فسقط عدد كبير منهم في الطريق ، وبعضهم وصلَ إلى الموصل او المدن الاخرى ولا يزال يعيش في ظهرانينا.

والجزراويون اليوم موزعون بشكل عام في زاخو والاغلبية الكبرى هم من الكلدان، بينما يقطن جانب منهم في الموصل وهم من الكلدان أيضًا وينتمي البعض الاخر للكنيسة السريانية بشقيها الكاثوليكي والارثذوكسي وهم اقلية قليلة ، بينما يكثر تواجد الجزراويين في بغداد واكثرهم من الكلدان. وفي سورية وجدت عدد لابئس به من الجزراويين الذي تعود اصولهم إلى جزيرة ابن عمر.

وعندما يدور الكلام عن ابرشيتي العزيزة ( الجزيرة ) وعن أبرشيات أُخر كاماردين وآمد وسعرد، تنقلني الذاكرة مباشرة إلى تركيا، فتلمع فيها وتلوح صورتان مختلفتان كليًا، واحدة قاتمة والاخرى مشرقة.

الأولى :سوداوية دموية تذكرنا بمذابح الدولة العثمانية البائدة.

الثانية : صورة مُشرقة ، وإن غابت عنّا ، لكنّها لم ولن تعرف الغروب؛ صورة تُذكرنا بأبرشياتنا العريقة التي كان فيها اهم المراكز الثقافية وأهم المطرانيات .... فيتوافد إلى مُخيلتنا رجال عظام نموا وترعرعوا في تلك الأرض أو خدموها لسنوات، وهم أشهر من نار على علم، يعرفهم القاصي والداني ، فمن منّا يجهل جبرائيل دنبو مجدد الرهبانيّة الكلدانيّة في ديارنا، وروفائيل مازجي الذي بهمته ودعمه تأسسس معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل وأُفتتح سنة 1868 والمطران إيليا ملوس، الذي بصم بصمته في القضية الملبارية، والمطران الشهيد يعقوب اوراها خطاط الرهبانيّة الكلدانيّة، والباحث الشقلاوي الدؤوب ادّي شير الذي كان منكبًا على المخطوطات يُطالعها ويحقق مافيها ... ناهيك عن الكنائس الاثرية والاديار العريقة ، والمطرانيات القديمة  ….
ووفاء"ا مني، وأعتزازًا بمسقط رأس أجدادي، أحرص اليوم على نشر هذا العمل، ليتعرف القرّاء على شهود الأيمان الذين دفعوا حياتهم ثمنًا، لكيما يعلو أسم المسيح، فأسأل الله التوفيق....... وآملاً أن أكون قد ملأتُ الفراغ الموجود في مكتبتنا الكنسية.
متمنيــــا للقراّء الأعزاء قراءة ممتعـــة ، وللباحثين الأفاضل فائـــدة كبيرة.....
أُرحب بأي معلومات يمّدني بها القُرّاء الكرام، وسأكون شاكرًا بأسمي وباسم مُحبي التاريخ والتراث لكل من يرفدني ويزودني بمعلومات وشهادات مفيدة أو بصور قديمة ونادرة.

ما كتبه البطريرك يوسف عمّانوئيل الثاني عن ابرشية الجزيرة في يومياته.

     كتب الطيب الذكر البطريرك عمانوئيل الثاني في مذكراته اليومية إبّان الحرب العالمية الاولى والتي تتكون 72 صفحة مفككة مساحتها 30 × 20 والأسطر متفاوتة  والتي عمل على نشرها الاب  البحاثة بطرس حدّاد في كتاب اسماه ( يوميات الحرب العالمية الثانية) وقد اشرفت انا على طباعته في مطبعة الرسام ابان تساقط القنابل على بلدي في شباط 2003 .

        إذ نقرأ في مذكرته المؤرخة في 17 تموز 1915 ما يلي : من بداية هذا الشهر انا في غاية القلق من طرف زاخو , والجزيرة غير ان حيدر بك والينا العزيز ، اكد لنا : انه حاضر ان يحامينا. ويحامي أولادنا بكل ما له من قوة والوسائط ربنا يحفظه لسنين عديدة ! اللهم ارحم وقصر هذه الظروف.
في 19حزيران 1915 كتب سيّدنا البطريرك ما يلي :في هذا الشهر حزيران، كان من اصعب الأشهر من بداية هذه المُحاربة.
اليوم مساءًا في تموز 1915 : سمعنا بفاجعة فيشخابور المهولة .وفي 18 تموز من السنة عينها يكتب غبطته ..... وبعد العشاء وصل نيسان بن يعقوب من قرية فيشخابور وخبرنا عن الفاجعة التي وقعت برأسهم في جميع قرى ابرشية جزيرة. ألهم ارحم واشفق على هولاء المساكين.اليوم 29 تموز 1915 يؤكدون ان مطران سعرد هو مقتول ، وان قبل كم يوم قُتل أيضًا مطران الجزيرة فلتكن أرادتك .اليوم 31 تموز وهو اخر يوم من هذا الشهر : وقد كان هذا الشهر انحس واصعب الشهور التي رأيتُها في حياتي ,وبه سمعت عن خراب ابرشيات سعرد والجزيرة.
في 4 اب 1915 : قدمت لحضرة والينا العزيز حيدر بك المحترم تقريرًا كي يقدمه تلغرافيا شفرة الى الداخلية بخصوص فاجعة سعرد وديار بكر وماردين والجزيرة وقراها.
اليوم 13 اب 1915 علمت من مصادر اكيد ان الداخلية رفضت وما قبلت بأن ارسل اليها تقريرنا بخصوص فاجعة ديار بكر وماردين فلتكن ارادة الله وكل ما يريده على الرأس والعين.وقد كتب سكرتير البطريرك الخوري داود رَمو في مخطوطته الشهيرة (خواطر) والتي تعد مرجعًا مُهمًا في تاريخ كنيستنا الحديث بأن جواب اسطنبول لوالي حيدر بك :ان يبلغ البطريرك ان لا يتدخل بالامور السياسية بل يهتم بوظيفته الروحية في الكنيسة .
اليوم 18 اب 1915 سمعنا ان (أوصمان آغا) حُوبس من حيث منع قتل نصارى الجزيرة. اللهم ارحم وأشفق على هؤلاء المساكين.
 اليوم 23اب : وصل لطرفنا القس انطوان كاهن وسطا ويحكي بشاعات ما قابل عقل الانسان يصدقها لولا ما نسمعها عيان , وان تلك البشاعات وتلك القساوة وصلت حتى بيعت الامرأة في خيارة عدد4 اعني في فلس واحد، وان القاتلين يفتخرون ان يدوروا المدن والقرة وايدهم ملطخة بالدم، يكفي فأرحم شعبك وفرّج. ثم يقول هذا القس أن الجزيرة إلى قبل 4 ايام هي في الخطر، وان العساكر والعشائر راحوا الى ازخ لنهبها وقتلها وذبحها.
ثم ان هذا القس العريان الصائر نصف ميت يثني على غيره اولاد شمدين اغا في زاخو وعصمان اغا في الجزيرة . ربنا يكافيهم عوضنا بكل سعادة ممكنة .ونذكر للتاريخ هؤلاء النشامى الذين رحموا المسيحيين في وقت الضيق وساعات الشدة فقد احتضنوا مع السيد حمو شرو اليزيدي السنجاري ولدوافع انسانية نبيلة اعدادًا كبيرة من المسيحيين الفارين من مخالب الوحش العثماني .اليوم 27 اب 1915 :أعطيت تلغرافًا مستعجلاً رواح ومجيء الى الجزيرة، ولم ناخذ الجواب ، ومن هذا السكوت يتحقق خبر البارحة القائل :ان المطران يعقوب وجماعته ذبحوا في 21 اب 1915 ؛أسفي على هذا الشعب المذبوح ظلمًا.
في 27 اب 1915 : مساءًا جاوب المطران يعقوب ، ومن جوابه يبان انه مع الجماعة في حال الصحة ، فألف شكر لله على هذه البشرى .
اليوم 30 آب ما وصلنا خبر من مطارين زاخو والجزيرة وماردين وبقينا من جديد في القلق ...
اليوم 7 ايلول وصل لطرفنا رزق الله أخو الخواجا يوسف وطلب 30 ليرة بدموع غزيرة ليفك عائلته الوحيدة الباقية من كل نصارى الجزيرة بعد قتل المطارين والقسوس والجماعة، ويحكي امورًا ما وصل إليها فرعون ولا نيرون. فيقول البطريرك : اكرامًا لولادة العذراء اعطيناه 30 ليرة رغمًا من ضيقتنا. ويزيد غبطته : يقول المخبر العياني : قبل لمدة شهر كان الناس في البيعة يلتجأون إليه تعالى كي يرحمهم بشفاعة العذراء مريم ولما أتت الساعة فكانوا يعرفون الناس ويشدوهم جوقة جوقة ؛ فكانت الجوقة الاولى تحدث الثانية قائلين :
اياكم أن تفشلوا بعد ارواحنا عند يسوع الفادي وهذا على الاخير ما انوجد احد انكر ايمانه في الجزيرة وقرى نافروي إلاّ بعض النساء اللواتي جبرًا بقين تحت حوزة هؤلاء الوحوش.
ويستطرد سيدنا رحمه الله وهو يؤرخ ذكريات الحرب العالمية الاولى في اخر يوم من سنة 1915، فيكتب :
"لما باشرتُ اكتبُ هذه الاسطر كان بقي 15 دقيقة من سنة 1915 والحق يقال ان سنة 1915 التي زالت ودخلت الابدية كانت سنة تعيسة لم نرَ مثلها في عمرنا ، بل لم نقرأ في التاريخ نظيرها، فبهذه السنة دكت الكنائس وخربت المذابح وذبح الرعاة مع اغنامها وبيعت النساء مع الاطفال كحيوانات لا قيمة لها . وخلاصة الكلام أن السكوت والانحناء امام احكام الله اولى من ان نبحث عن تعاسة هذه السنة المشؤمة . مع ذلك رغمًا عما صار في هذه السنة التعيسة ، فلقد رأينا قليلاً من الافراج : اذ رأينا ان الزوبعة ما قدرت ان تصل إلى هذه الولاية من بعد مراحم الله وشفاعة العذراء" .

مساعي البطريرك في مذابح الجزيرة وسعرد وغيرها في التوسط لدى الحكومة العثمانية .

في 4آب 1915 : قدمتُ لحضرة والينا العزيز حيدر بك المحترم تقريرًا كي يقدمه تلغرافيًا شفرة إلى الداخلية بخصوص فاجعة سعرد وديار بكر وماردين والجزيرة وقراهم.
اليوم 13 آب 1915 : علمتُ من مصدر أكيد أن الداخلية رفضت وما قبلت بأن أرسل إليها تقريرنا بخصوص حادث سعرد والجزيرة وديار بكر وماردين ، فلتكن إرادة الله وكل ما يريده على الرأس والعين.
كتب رمّو في الخواطر أن جواب اسنطبول إلى حيدر بك أن يبلغ البطريرك عمّانوئيل الا يتدخل في الشؤون السياسية وأن يواظب على وظيفته الروحانية في الكنيسة.

 مع ذلك لم يستطع شيخنا الجليل أن يقف مكتوف الايدي أمام مذابح شعبه وخاصته، فيطرق باب هذا وذاك فيكتب : اليوم 20 آب : ترجيتُ حتى يرسلوا نسوان سعرد إلى اربيل وكركوك ولم أنجح.
إن مساعي شيخ الطائفة أثارت ضده حنق المسؤليين حتى أن قنصل المانيا يتشكى منه أمام وألي الموصل حيدر بك. فنقرأ في اليوميات: اليوم 24 آب 1915 سمعتُ أن قنصل ألمانيا يتشكى منّا امام وألينا ، ويبين أننا نُنسب ذبح أولادنا إلى حكومته. ربنا يعطينا الصبر بازاء هذه الصعوبات وهذه النمائم.
وقد كتب المؤرخ الكردي كمال مظهر احمد عن دور الالمان السلبي في مذابح المسيحيين ومنهم الكلدان .
وينقل لنا الأب جوزيف نعيم الشاهد على ابشع مجزرة في التاريخ الحديث عن دور الالمان وعد مبالاتهم لما حدث ويحدث آنذاك :
"عندما التقيت الأب "دان جيلمونييه" في اسطنبول في الرابع من أيلول 1917؛ أخبرني أنه بسبب الحرية الواسعة الممنوحة له لإنجاز مهامه الكهنوتية، استطاع أن يقوم برحلات عديدة وطويلة في مختلف أرجاء تركية بين ماردين وديار بكر فاطلع على الظروف الحقيقية القائمة في تلك المناطق. كما أخبرني أيضًا أنه شاهد عيان للحالة المأساوية لقوافل المسيحيين المنفيين أو المُرحّلين، كذلك حدثني عن الإضطهاد الذي لا زال قائمًا ومؤكّدًا أن نصف الذين كانوا ضمن قوافل النفي والتهجير قُـتـل أو مات بسبب المعاملة اللاإنسانية التي لاقوها على أيدي جلاديهم الأتراك العتاة. أخيرًا أضاف: "إذا ما استمرت الحرب سنتين أخريتين فسوف لن يبقى من المسيحيين أحد".سألته: "لماذا لا تتدخل الحكومة الألمانية في الموضوع؟" أليستْ على اطلاع على ما يجري بالتفصيل طالما لها العديد من المستشارين في الجيش التركي؟ حتمًا أنهم يشاهدون بأعينهم وحشية وهمجية الأتراك. ثم أردفتُ: "بسبب الصمت الألماني المطلق أعتبر ألمانيا وبكل حق مسؤولة عن كل ما يجري ومشاركة في كل الجرائم.
أجابني دان جيلمونييه: "إنك على حق، أنا نفسي لا أفهم هذه اللامبالاة، إني غاضب وساخط عليها وأني أخجل أن أكون ألمانيًا. "قد يكون من الصحيح إن الألمان لم يستطيعوا منع قيام ثورة شعبية ضد الحكم لكنهم حتمًا يستطيعون على الأقل ممارسة الضغط للحد من أعمال العنف والاضطهاد.
عند رجوعي إلى ألمانيا سـأرفع صوتي وأصرخ عاليًا مطالبًا بالعون والمساعدة لهؤلاء التعساء المظلومين. أخيرًا قام بتزويدي وبناء على طلب مني بتقرير ملخص عن كل ما يعرفه من حقائق شاهدها شخصيًا حيث يُعد أحد الخبراء القلائل بالظروف التي عاشها ويعيشها المسيحيون في الأراضي التركية" .
اليوم 3ت2 : زرتُ خالد بك، واظهر لنا مراعاة فوق العادة ، وبعد الكلام على أصل الكلدان وعلى الامور الحاضرة ، وبعد ان فهم ان نصارى الجزيرة ما كانوا ارمن ، اظهر تاسفه على ذلك، وحينئذ اخذ الوالي حيدر بك العزيز الكلام وبدأ يُبين مغدوريتنا، وحامى عنّا وعن نصارى ولايته ازيد منّا، وختم الكلام انهُ: بعدما يرجع على صحته سيعمل فرد علاج ( علاجًا ما) للباقين من نصارى الجزيرة.
وبدوري أرى في كلمات الوالي هذه، هي اشبه بالمورفين ، أن لم اقل انها ضحك على الذقون.
اليوم 9ت2: طلبتُ من حيدر بك والينا بأن يعمل فرد علاج لفك النساء والأطفال الموجودين في الجزيرة وقراها ، فأجاب : أنه بعد كم يوم يسافر إلى تلك الناحية ويعمل اللازم ، وإذا ما سافر ـ قال ـ سندرس هذه المسالة فيما بعد حتى نجد فرد علاج.
كل تلك المحاولات والمساعي ذهبت سُدى، من المُحتمل أن مساعيه هذه خففت من شدة الاضطهاد الذي لقيه مسيحيو الموصل وقراها على يد الدولة العثمانية ، وبدوري ارى مجاملات كثيرة وكبيرة وغير مستحقة لرجال الدولة العثمانية في الموصل وغيرها ، ربما من باب الخوف فبطريركنا لم يكتب كل ما كان يجيش في داخله من المسؤولية خوفًا من ان يكبس عليه الديوان العرفي. وما ادراكم ما هو الديوان العرفي!!

ولستُ متفقًا مع رأي أُستاذنا محقق تلك اليوميات في طبعتها الاولى والثانية بقوله: "اما مدحه للوالي سليمان نظيف وخاصة للوالي حيدر بك، فقد كان صادقًا لأن الرجلين اخلصا للبطريرك وساعداه في الملمات" .
 لكنّني من خلال يوميات البطريرك نفسها أرى أن في الكثير من المواقف والاحداث، كان يقف حيدر بك متفرجًا مكتوف الايدي ، لا يحرك ساكنًا.
و هنا نستشهد بما كتبه البطريرك بنفسه عن هذا الصدد، في 3ت2 1915"..... وبعد أن فهم (يقصد به الوالي حيدر بك) أن نصارى الجزيرة ما كانوا ارمن اظهر تأسفه على ذلك ...." . لكن ليس من المعقول او من المقبول أن رجل مسؤول في هكذا منصب لا يميز بين الطوائف المسيحية، فلا يميز بين الارمن والكلدان وغيرهم !! انه ضحك على الذقون لا أكثر!
والكثير من متابعي هذه المرحلة يعلمون عمق الصداقة التي كانت تجمع رشيد بك والي الموصل وخلفه حيدر بك، وكلنا يعلم أن ما حصل في تركيا من القتل والذبح والاضطهاد والاغتصاب والنهب والسلب كان من يد رشيد بك وزميله أنور باشا ناظر الحربية وطلعت باشا وجمال باشا ، هؤلاء الرباعي الذين أبادوا الأرمن والمسيحيين في تركيا. لكن حيدر بك لم يغير شيئًا من الموقف ، بل أن حكومته بثت إشاعات في مطلع تشرين الثاني من عام 1915 بأن رشيد بك قد جروه إلى الأستانة ، وهي في الأصل محاولة لتهدئة الخواطر وامتصاص غضب الشارع الموصلي والرأي العام، بسبب الأعمال الوحشية التي كان قد ارتكبها المدعو رشيد بك .

لكنّنا نذكر للتاريخ جهوده بين الحين والأخر لحماية المسيحيين، وعلى وجه الخصوص في الموصل وكوردستان وبغداد ولكن ليس في تركيا، فلما قام ابن حجي أغا بالهجوم على شيوز؛ إذ كان يتصيد الفرص للانقضاض على نصارى الموصل وكوردستان، فأمر حيدر بك قائمقام دهوك بالقبض على أبن حجي اغا، لكن موقف الوالي هذا كان بتحذير من سليمان نظيف الذي كان قد اتى للموصل صدفة ، فحذر حيدر بك من ان لا يلطخ يده بدماء المسيحيين.
 كان لحيدر بك الذي كان يصفه البطريرك بوالينا العزيز، أفضال على البطريرك ليس من باب حبه للمسيحيين؛ انما من باب الصداقة التي تربطه مع شيخنا البطريرك، ومن أجل عين تُكرم ألف عين، هكذا يقول المثل الشعبي.
 ومهما يكن من امر فأن شيخنا الجليل بذل قصارى جهده من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه ؛ أن كان داخليًا في البلد واظنه نجح في ذلك، وجاء في شهادة الأب جوزيف نعيم (هل ستُفنى هذه الامة؟) عن هذا الصدد ما يلي: "منطقتان فقط يسكُنها الكلدان وهما العمادية وزاخو بقيتا سالمتين بفضل الجهود التي بذلها غبطة بطريرك الكلدان ، حيث كانت تحت نفوذ الحُلفاء". اما خارجيًا (تركيا) أبان المذابح العثمانية، فلم تجدي محاولاته ومساعيه وتوسلاته نفعًا.


الأب يوسف جزراوي
[/url


59
الهنُا .............. أله مظلوم!!


كنت جالسًا متاملاً مع ذاتي على أنغام موسيقى الموسيقار الايطالي جيوفاني، وما اروعها من موسيقى!! فلمعت في ذهني مقولة رائعة وخالدة لاستاذي الراحل الأب يوسف حبّي في إحدى قاعات كلية بابل الحبرية الذي كان عميدها فاسس لها اساسًا رصينًا ......... وذاع صيتها في عهده ؛ إذ قال رحمه الله: " أن الهنا مسكين ، اله مظلوم .....وقد ظلمناه نحن البشر .... فكم هو محتاج اليوم لمحامين يدافعون عنه ويضهرون حقيقته للأخرين ...."!

وقد يتفق معي الكثير أن قلت أننا اليوم نعيش ازمة مزمنة وهي ازمة ظلمنا لله!!
ولكون الله سرا بات في نظر الكثير الها متعاليا جبارا في سماه لكنه في الحقيقة قريب منا ، بل انه حي فينا.وفي ظل هذه الاعتبارات وغيرها تكونت لنا مفاهيم مغلوطة عن الله ولعل ما زاد الطين بلة: هو امتلاكنا لمفاهيم متناقضة ومختلفة ومتضاربة عن الله ( اله محب_ ديان_ منتقم_ جبار _ عطوف.....) وفي حياتنا اليومية الا نسمع الام تقول لطفلها : ( أذا لم تاكل طعامك سيخاصمك الله ويعاقبك _ لا تفعل هذا ثانيةً فيسوع سيزع منك) والمظلوم الا يقول لظالمه 0 الله ينتقم منك)! فلماذا نستعمل الله ( كمطرقة) فوق رؤوس الاخرين) ولماذا نرهب الناس بالله!!!!الهنا اله يسوع المسيح اب وليس امبراطورًا او دكتاتورًا على العالم وليس هو بمؤلف مسرحي يحرك الانسان كما يشاء فالله لم يخلق الانسان ليتسلى به ويتلذذ بمعاناته!كثيون منا وللاسف يضنون، بل يتصورون الله كمتفرج يتطلع الينا من علياء سمائه ويراقبنا كشرطي ويدقق في الزائدة والناقصة لكي يسجل الغرامات. ويزيدون: انه يسجل كل تحركاتنا لكي يحاسبنا يوم الدين .......... صدوقني ان هذه الاله ليس الهنا،اله يسوع المسيح.
منذ القدم وهناك مفاهيم مغلوطة ومشوهة عن الله! ألم يصنع الانسان الهه على مثاله ومثلما يتصوره ؟ ففي القرن السادس قبل الميلاد كان الاحباش يصنعون الهتهم سود وبانف افنص. واليوم الانصيع نحن الهنا بحسب تصوراتنا واسقاطاتنا البشرية . الم نضعه في (قفص الاتهام) واسقطنا عليه مفاهيم بشرية عقيمة نابعة من تصوراتنا ومحيطنا ورغباتنا؛ وكاننا بعيدون كل البعد عن تلك المفاهيم التي اتنا بها يسوع المسح.
في فلندا قدمت محاضرة لشبيبتنا المباركة وهم قلة عن وجه الله الابوي، وفي البدء وزعت عليهم قصصات ورق طالبا منهم ان يصورن لي وبكلمات خمس نضرتهم عن الله. وما ادراكم كيف كانت الاجابات؟!! فوجدتها متباينة مختلفة متنوعة متضاربة تعكس اسقاطات اصحابها!لذا انا مع مقالع الفيلسوف نيتشه بقوله:" لنقتل الله الذي جبلته ايدينا، وليحيا الله الذي جبلنا".
وذات يوم دعت القدّيسة تريزا الكبيرة اهل القرية لتخبرهم عن اقامة مشروع الميتم الجديد ، فقالت لهم:" ........... نحن بحاجة إلى ميتم كبير . فقالوا لها: لماذا؟ فاجابت قدّيستنا المباركة: لأن كل من لايعرف الله يتيّم".فدعونا لازالة كل الصور المغلوطة عن الله والتي تلقيناها وتلاقفناها من هنا وهنا من مجموعة تربيات خاطئة تعكس وجهات نظرنا كبشر واسقاطاتنا ورغباتنا وميولنا!
سال احد الصحفيين العالم البرت انيشتاين صاحب النظرية النسبية:سيّدي هل تؤمن بالله؟ فاجابه صاحبنا : قل لي عن اي اله تتكلم فاجيبك؟!.وصدق رحمه الله باجابته هذه فصور الله في عالمنا اليوم كثيرة وكان لكل منّا اله قد صنعه هو!
لكنني أذيع علنًا أن الهي ليس:
__ اله لا قلب له يقف متفرجا لايبالي لمصائبنا وليس هو بجلاد ولا بععبع مخيف او الها متعاليا ينزل علينا الكوارث والمصائب ساعة ما يشاء
___وليس اله يسوع المسيح الها يعاملنا بالمسطرة والمليم ، إنّما اله يختلق ويجد اعذاًر لاغلاطنا ومعاطينا وخطايانا ، انه ذلك الاب الذي ينطلق مسرعًا ليحتضن ولده الظال بعد زمن الضياع...
__وليس الله بظابط اناطو به مراقية ملعب واسع الابعاد يعيش فيه الناس ليعطي هذا الظابط النتائج في النهاية. فيكافئ الصالحين ويعاقب الاشرار.
__ ليس الهي متزمد ومتعصب ومنغلق، بل منفتحًا شموليًا على الجميعز واذناه تسمع صلواتي باي لغة كانت وليس بلغة الطقوس الجامدة التي لا يفهمها سوى الكهنة والشمامسة ونفر قليل من الناس!!!! ألهنا يجيد كل اللغات وهو كله اذان صاغية لنا وبأي لغة كانت!
__ليس الهي بملكا تجسد لكيما يكون له حاشيه وسلطة ونفوذ وجاه ومحسوبيات بل خادم ليغسل اقدام تلاميذه بل الهي اله حبن والحب طريه الوحيد الي انه يربيني بروح الحبّ!الهي اله مسيرة نكتشفه يومًا بعد يوم مختبرين حبه الابوي الامحدود!
الهي اله عهد، انه ربّ امين وان خنته او قطعت عهدك معه ، انه يبقى امينا متمسكا بك
الهي اله لقاء وكم من لقاء حدث مع اشخاص ليقليب حياتهم رأسا على عقب كزكا والمجدلية وبولص الرسول فرنسيس الاسيزي وكاتب هذه السطور وانت وهي ...............الهي اله دعوة وختيار يختارك لتكون صياد بشر فتتعلم ان تصيد الاخرين بشبكة حبهالهي غفور ومغفرته دواء فيه حياة جديدة كما حصل للزانية وبطرس ، بل الهي مصاب بداء النسيان ؛ليس نسيان المرض او كبر السن او العجز، بل نسيان الحب!

لم يكن الهي غنيا او اقطاعيًا، صاحب مزارع وحقول مصايد سمك او تاجرصا كبيرا او جابي ظرائب بل ابن نجار بسيط ولادته في سطبل للحيوانات وفي حياته لم يكن له مكان ثايت يسند عليه راسهالهي نجار بسيط فكانت نهايته حبًا بالبشر على خشبة الخلاص.الهي دليلي فعندما اشعر بالضياع والتعب وسط زحمة الناس انظر اليه ليقودني نحو شاطى الامانالهي بريئ من كل شر حصل ويحصل في العالم لانه لايعرف سوى الخير والحبّ الهي لم ولن يخلقني عبدًاجاعلاً مني كبيدق الشطرنج مسيرا ، بل ابنا حرًا وان كان هذا حقيقة فليس له الحق بان يحاسيني يوم الحساب مادمت مسيرا.ويبقى الهي ضعيف لانه اله حبّ ولانه حبّ مجاني تراه عاجزًا عن القبام باعمال تخالف الحبّ فالهنا اب يتمزق قلبه على بنيه ويفيض عليهم نعمه وحبه ويحتضن واقعهم البشري الاليم ، كام تحتضن رضيعها.

الهي اله لا يعرف سوء الحب والخير وحبه لنا دون مقابل وبدون شروط وقيود ........ انه محب وقلبه ابيض وكبير ، فليسعى كل منّا للدفاع عن الله ولتظهر حقيقته، حقيقة محبته للبشر! ( هكذا احب الله العالم...........)![/size]

الأب يوسف جزراوي


url=http://iraq8.com/up]


60
 [color=navy]أنسانيتُنا ................ وخبرة الحُبّ الوجودية المُقدّسة![/color][/color]

      طالما بقى على وجه الا رض اناس يحبون ويحبون ستبقى الحياة جديرة بأن تعاش وسيظل الوجود نعمة عظيمة ! وتستحق أن تعاش.....
وستبقى خبرة الحبّ الاولى ،بل الجوهرية في حياة الإنسان ولانستطيع ان نعدها مجرد تجربة هامشية سطحية بل خبرة مركزية ومحورية في حياة الانسان.
فانك تبقى ناقصا دون الحبّ! وبمعنى ثانٍ انك من دون الحب لا تكون انسانا .....
لاننا خلقنا ودعونا لنعيش بحبّ؛ ولا اجمل من ان يجعل واحدنا  من فعل الحبّ نقطة انطلاقه نحو الاخر......

    واروي قصة احد الفلاسفة عندما سالته حبيبته عن الحب فقال:
إننا نميل في العادة إلى تعليل الحب أو ابحث عن اسبابه ولكن الانسان يحب لمجرد الحب دون ان يكون مبرر سوى الحب نفسه ................ ولو الحيتي عليّ بالسؤال لماذا تحبني؟ لما وجدتُ ردا على سؤالكِ سوى قولي أني احبكِ لأنني انا من انا ولانك انت هي هي .

وهذه كانت خبرة ذلك الفيلسوف ؛   اما انا فازيد:
    تبقى خبرة الحب تلك الخبرة المقدسة التي تجعلنا أنُاسا ونعي ان الحياة معنى وتستحق ان تعاش!
وهي خبرة فيها نكتشف للغة الله التي كشف رموزها لنا يسوع المسيح على الصليب ( ان الانسان هو حبييب الله )...... فيسوع كان يصيد الناس بشبكة حب الله ابيه السماوي.

   الله خلقنا للحب .وما الإنسان إلاّ هو ثمرة حب الله ..... ونحن مدعوون لنشهد لهذا  بين البشر!  كتب الاديب الفرنسي اسانت اوكزيري: ان لم بنبض قلبك بالحب فانك لم ولن تعرف من هو الله! لان الله هو نبع الحبّ .... لذا نحن مدعوون للتلمذة في مدرسة حبّ يسوع المسيح ..... لكيما نعرف أن نكون صيادي بشر !

     يسوع لكونه احبنا فهو تألم وقاسى اشد العذابات ، لذا اقول: الحبّ هو الصليب . فعندما تحبّ، فهذا  يعني انك تستعد للالم لان فيه تقوم برحلة حب خارج ذاتك في سبيل من تحب.......... لذا الحب هو الالم !

   الُحبّ يجعل من الكاهل فتى .... وان كان الحبّ يجعل من حياتك ربيع دائم ، لكنه خبرة لاتخلو من الالم والصراع وهذه هي لوعة الحبّ!..

الحبّ صفاء نفس من كل حقد وبغض، بل انه نسيان وغض نظر دائم ....... ونقولها من يحب لا يكره.

الحب عهد والتزم بالاخر ....... يستمد ديمومته من الوفاء والاخلاص ........ انه ارتباط روحي بين اثنين .......... ليشعرا من خلال خبرة الحب انهما باتا واحد.!
الحبّ خبرة تهز كيانك وتدغدغ وجودك بدونها لم ولم تكتمل بانسانيتك!
  الحب لا ينتظر شي ، فعندما تحب لا تنظر شكرًا ولا شيئ من محبك، لانه اصبح انت! وهدفك اسعاده حتى لوكان على حساب حياتك! ففي فلم تيتانك .... نرى جاك لا يبالي الموت في سبيل روز ، فنراه يضحي بنفسه في سبيل حبيبته، وكأنه يجد في نجاتها حياة له..... فصدق به قول سيدنا يسوع المسيح له المجد ( ما من حب أعظم من هذا ان يبذل الإنسان نفسه في سبيل من يحب....)(يو 14 :15).
الحب لا يعرف كبرياء وغرور وتكابر ، بل هو تسامح وغفرانًا دون حدود.....

الحب لايبحث عن اعتذار بل الغاية اسمى والهدف اكبر ........ ولكن وللاسف كم من علاقات حبّ انقرضت وانهارت بسبب كبرياء زائف ......... فالمحبيين غالبًا ما ينسون الايام الجميلة ويتمسكون باللحظات المؤلمة ....... لكن دعوة لهم أن يفكروا ويتاملوا ان الذي يجمعهم اقوى من كل المشاكل وان الذي يبينهم من ايام ومواقف واحداث اقدس من كل شي !
الحب: ان تترك بصمة في حياة من تحب ، فانك قد تفترق او تبتعد عن ما تحب ولاسباب ارادية او غير ارادية ........ فلا اجمل من تحمل من تحب  في داخلك وان كان غائبًا ؛لكنه حاضرًا معك ........... فهناك مواقف ترجعك للوراء للتتذكر من تحب ..... فتتحسر على تلك الايام .......... لذا اقول عندما تحب انسان ما يعني انك تقول له انت لم ولن تموت ما زلت انا حيًا! وكم من محبين يعيشون على ذكرى محبيهم وهم اوفياء لهم رغم البعد والمسافات والمغريات والظروف.....
الحب مسيرة اساسها الثقة والمصارحة والحوار والوفاء .......... ومتى ماتضمنت هذه المعاني سيكون حبكما اشبه بالبحر له بداية وليس له نهاية!
ليس الحب ثرثرة وبيع كلام ( ولغاوي) لا طائل منها سوى كلمات تداعب عواطفك؛ إنّما الحبّ اصرار وموقف وتمسك والتزام .....
قد لا يختلف معي اثنان ان قلت :إن العدو اللذوذ للحبّ ولاية علاقة كانت هو الاهمال وتمشية الامور والمسايرة وعدم المصارحة..... هذه كلها تخلق حزازيات لتولد شرارة ربما ينشب عنها حريق يعبث بالحبّ ليحرق معه اجمل اللحظات والاوقات ............. لذا كنتُ وما زلتُ انصح المخطوبين والمتزوجيين والمحبين ان يكون بينهما لقاء اصغاء ومصارحة ومكاشفة كل 15 يوم ....... لازالة اي التباس وسوء فهم....
الحبّ لا يتطلب شخص ثالث، فالحبّ خصوصية بين اثنين لا ثالث لها ..... انه فعل لا يتطلب الوسيط
الحب: لايعرف عمر محدد او دين او لون ........ لكننا تقيدنا في الشرق على ان يكون الرجل اكبر من الفتاة لاننا مجتمع رجولي ........... لذا اعلن علنًا: الحب لايعرف عمر وحواجز وقيود ....... الحب خبرة وجودية لاتعرف التميزوالقيود والشروط !
الحبّ: ان تجعل مسافة بينك وبين من تحبّ، مسافة اشبه بالفاصل بين الكلمات لئلا تقعان في الملل والانصهار والذوبان ....ليقودكما في نهاية المطاف لرتابة وروتين وضجر .....
المسافة سر ديمومة الحبّ واية علاقة كانت!
الحبّ لا يعرف الشروط والقيود والغيرة وامتلك للاخر ....ولا
ليس الحب جريمة او عيبًا اجتماعيًا نخجل منه ، بل هو فعل مُقدس ويستحق ان نرحب به حينما يطرق ابوابنا ونستقبله بفرح .... لانه سر الوجود !
الحب ان تؤمن بمن تحب ات تثق به وتقبله كما هو وليس تريده كما انت تريد ...... فلا تحب نفسك في الاخر ...... الحب هو بنيان وعطاء .... الحب يعطيك رجاء بأن تكتشف بواطن معاني الاشياء، الحب يجعلك تمتلى من المعنى....
عندما تحبّ ستتعلم ان تنظر إلى النقطة البيضاء في حياة من تحب..... فالحب هو نسيان وغض نظر وتسامح لا يعرف الحدود......
عندما يكون هناك حبّ حقيقي مع من تحب ..... سيكون الله ثالث علاقتكما وستتعلمان أن الصلاة هي لغة الحبّ التي تتحدثان بها مع الله ....
 
اخيرًا
الحب خبرة وجودية نابعة من إنسانيتنا .......... فحق من حقوقنا كبشر ان نُحبّ وان نُحَبّ...... لاننا بدون الحبّ لانكتمل بانسانيتنا.........فمن لم يعيش خبرة الحبـ ّ ترى أن هناك نقص كبير في حياته! لاننا دعينا للحب ( احبوا بعظكم بعض ....)


             ختاما اذهب لاقول: لا اقوى من الحُبّ فهو يجعل من الوحش انسانًا كما حدث مع انكيدو .....
                                [/color]


الأب يوسف جزراوي

61
المنبر الحر / خصومة مع الحياة
« في: 23:12 14/07/2008  »
[size=24pt]الخصومة مع الحياة[/size]
           

        نعيش في مطلع الاف الثالث . أنه زمن التكنلوجيا والتطور؛ زمن التعب والركض وشد الاعصاب ، زمن استهلك الانسان ،حتى بات إنسانُنا اليوم مُحمل ومثقل بأمور عدة تفوق طاقاته. فهو يعيش في عالم كثير الأزمات وغالبًا مما تقتحم هذه الازمات حياته، بل تعتري مشواره لتقف في طريقه وتعكر سعادته لتهدد وجوده البشري. وكثيرون اليوم يشعرون بأنهم على خصومة مع الحياة ، شعور سلّب منهم عوامل الحماس والرجاء .......
           نحن أمام مشكلة لا يمكن ان اختزلها بكلمات ولا تحديدها بصفحات، إنها مُشكلة الخصومة مع الحياة التي لم يفلت منها إنسان ابدًا. حتى الذين توفرت لديهم السعادة والمال ورفاهية العيش والمناصب والمراكز وصحة البدن وراحة البال ! فلكل منّا همه ومصاعبه ومشاكله ..... وهذا بحد ذاته مسوغ كافٍ لكيما يتولد لدينا مثل هذا الشعور ، شعور الخصومة مع الحياة!

     خدمت  الكنيسة الكلدانية( وغالبتهم العظمى من العراقيين) في دمشق ردحًا من الزمن ، فكان معظم الناس يتذمرون  ويتشكون من واقهم وكأن رياح الحياة تمشي بعكس ما يتمنون ........ وفي اوربا وجدت الكثير من الاشخاص يعانون الشيء عينه ....... والكثير منهم سعى للتخلص من حياته بواسطة الانتحار .... او الادمان للعيش في حياة او واقع ثانٍ..... مما دعاني ودفعني لتحبير هذه الخاطرة .....

     إسعى في هذه الخاطرة تحديد ابعاد هذه المشكلة من خلال تسليط الضوء على بعض الشخصيات العالمية والعربية والتي عانت من المشكلة ذاتها، مشكلة الخصومة مع الحياة!  أُقدم هذه الشخصيات بلونيين: ألون الأول: الاسود؛  أمثله بشخص الفنان الأمريكي ( جيمس دين) الذي رفع الرأية البيضاء أمام الحياة . وللون الثاني : الابيض؛ امثله بعده شخصيات معروفة وبضمنها العلامة فقيد الكنيسة  الأب حبي، فهم شخصيات جعلوا الحياة ترفع الراية البيضاء أمام ابداعاتهم ..... فهولاء حولوا الحرمان والالم والنقص  ومحاربة الاخرين لهم إلى ابداع وباتوا عباقرة في حياتهم! املا ان نحتذي بهم !


 1_ لون أسود:

 
   إنسان سعى طوال حياته القصيرة ليعرف باب عنوانه الحبّ والفرح والرجاء لكنه منذ نعومة اظافره أصطدم بباب مسدود ، عنوانه الخيانة والحزن ونقص الحبّ. فعاش حالة من الحرمان لازمته طوال حياته ، حتى فلت من قبضتها بحادث سيارة مروع اودعه حياته . أنه الفنان الأمريكي جيمس دين .  ذلك الفنان الشاب الذي يوجد الآن اكثر من 100 ناديًا ومنتديًا في امريكا يحمل اسمه!

     كانت امه فلاحة بسيطة وابوه عاملاً فقيرًا ، خلقت له أمه منذ صغره جوًا من الحبّ والحنان وكانت تسعى لتلبيت كل مطاليبه، لكنه فقد هذه الأم الحنوت عندما بلغ الثامنة من عمره . فلم يعرف طعم الحنان والحبّ من بعدها!لقد تركته أمه لعالم شديد القسوة ن تركته لعالم لا يوجد فيه من يهتم بلآخرين ، حتى اباه تزوج من امرأة اخرى بعد وفاة أمهن فكانت هذه الفاجعة بمثابة الضربة القاضية لجيمس دين . كان رحمه الله يقول : ان ما يزيدني ألمًا وحزنًا هو أن ارى في حجرة امي امراة اخرى! 
   كان فناننا شديد الحبّ لامه ، حتى انه كان يضع تحت وسادته خصلتيين اخذهما من شعر امه قبل أن تدفن. كان يحملها في الصباح بين اوراق كراسته وهو ذاهب للمدرسة . كان يبكي اثناء الدروس لا امه ليست موجودة في هذا العالم . لقد خاصم الحياة واخذ يتذمر منها  .
وتمر الايام ليكتشف خلال الجامعة  أنه يستطيع التمثيل ، فاعطاه استاذه توصية إلى المُخرج ( اليا كازان) ففتح له هذا الاخير ابواب المجد.
     لقد ابتسمت الحياة من جديد لفناننا عندما تبادل الحبّ مع الفنانة الايطالية ( بيير انجلي) ليحبها بكل جوارحه وراى فيها ومعها الطريق الوحيد للتخلص من شعور الخصومة مع الحياة الذي كان يلازمه، ولكن يافرحة ما تمت!!!!!!!! لتقف ام بيير عائقًا بوجه ذلك الحب ليفترقا .... لتتزوج بيير من المغني فيك دامون ... ورغم ذلك تماسك جيمس وحضر الاكليل ثم خرج والحزن يطن قلبه ويعاتب الله على كل ما حدث! وقال: ( المرأة كائن يترك أما بالموت أو الخيانة)! لقد تركته امه بالموت وحبيبته بالخيانة .... ولا اتعس من الخيانة ولا اقبح من الخائن! حينها ذهب جيمس ليصلي عند قبر أمه ن وظل شعور الوحدة والخصومة يطارده ويأكل في قلبه ، فامريكا وما فيها من حركة وناطحات سحاب ووسائل تسلية وترفيه واضواء تلغي الفرق بين الليل والنهار لم تستطع من ان تسلب من فناننا هذا الشعور السلّبي ..... وشعر جيمس ان حزنًا عارمًا مسيطرًا عليه يدفعه للتخلص من الحياة ..... وهنا بدأ بالاستسلام ورفع الرأية البيضاء ........... وبعدها اختار السيارة للتخلص من حياته ، فاصبح جيمس دين رمزصا عنيفًا للحزن والاحتجاج على عالم لا يهتم بانسانية الانسان ن عالم يشعر فيه المرء انه قزم قياسًا لناطحات السحاب ، فلو كان عالمنا يهتم بالمعاني الانسانية لما كانت النهاية الماساوية لهذا الفنان الشاب ........ لتبقى جملته خالدة في اذهان العالم ( عش شابًا ومت شابًا وكن كفنًا جميلاً) ربما ساجد في العالم الآخر ما لم اجده في هذه الحياة)!


    هذه حالة أو موقف سردناه دون أن نؤمن به ، بل بالاحر نرذله ..... ولكن دعونا نتخذ منه العبر ، لننتقل الآن لحالة اخرى اكثر اشراقًا!


 2_ لون ابيض:


      لا بد وأن سمعت ايها القارى الكريم عن فيدور دستوفسكي ن ذلك الاديب الروسي الشهير الذي صارعته الحياة وطحنته الازمات. لكنه صاغ بقلمه اجمل الروايات واروعها . كان قوي الارادة . فنسج من الظروف التي اقتحمت حياته اجمل واعمق القصص العالمية والتي خلدت ذكراه إلى يومنا هذا وبعد اكثر من مئة عام ونيف على وفاته! وبالرغم من المه وسجنه ونفيه ظل ثابتًا على المبادى والقيم فانتصر في صراعه مع الحياة . إذ أنه استخدم قلمه سلاحًا في كفاحه اليومي ، فذهب قلمه ليجسد ما في داخله من المعاني الصادقة ، لتعكس لنا صورة ان واقعه الاليم ..... ولهذا عندما تقرا رواياته تجدها تخترق قلبك بدون احم ولا دستور .......

   ولناخذ مثلاً اخر عن احد عباقرة الموسيقى . فالحكمة القائلة : ( إن العبقري هو ذلك المُعذب) نرلها تنطبق على الموسيقار بيتهوفن ، فالعذاب الذي تعرض له عذاب يسحق قلب الانسان ويمزق فكره . لكنه بفضل موهبته وموسيقاه وعبقريته وايمانه بنفسه تجاوز المحنة وداس على الصعب ، وعندئذ استسلمت له الظروف ووقفت امامه حاملة الراية البضاء . كانت موسيقاه عزاء له عند الالم ، فكثير من الالام والازمات اكتسحت حياته وتجمعت في قلبه ، لكنها لم تستطع النيل منه، لان الحانه كانت تثقلم اظافر الالم وتعزيه  وتعزز روح الابداع فيه. فهكذا عاش بيتهوفن ظروف صعبة لكنه بحكم هذه الظروف عاش ولادة جديدة .

     وهكذا عاش الكاتب الانكليزي  كولن ولسن الذي عبر عن نفسه في كتابه الرائع اللامنتمي، حيث انه رفض ان يكون رقمًا في مجتمعه وفي العالم فصنع ذاته بذاته رغم كل الصعاب .....
          وهكذا هو حال  ايضًا( فان غوغ)ذلك الرسام الهولندي ( 1853_1890) المهمل والمضطهد ، والذي عبر عن حياته من خلال ريشته ، فرسم لوحة تتضمن حذاءًا ممزقًا ومفتوحًا من المُقدّمة وقد شاهدت هذه اللوحة في احدى متاحف هولندا مؤخرًا...... وما جملها من لوحة!!
   عكست هذه اللوحة واقع حياة فناننا المليئة بالصعوبات والفقر والاضطهاد والحرمان والمحاربة ، إذ حاول ان يشبه حياته بهذه اللوحة . مات فان غوغ وترك لنا لوحات عظيمة خلدت ذكراه كاكلة البطاطا .... وكرسي القش .... لوحات خلدت ذكراه ..... انها رمز لانسان لم يستسلم للحياة ، بل وقف بوجهها وترك فيها بصمة خالدة ........... واليوم تباع لوحات فان غوغ بملايين الدولارات ....!!!!!!

  وهذا هو حال الرسام الاسياني بيكاسو   الذائع الصيت الذي كان يرى بعبقريته وريشته سلاحًا في الحياة .... إذ كان يرى أن العبقري لن يموت من اذهان الناس..... فقد كانت ريشته وسيلة للتعبير عن ما عانه من قسوة الحياة ..... لكنه لم يقف مكتفوف الايدي ومشلول القوى ..... بل عرف كيف يبصم بصمة مؤثرة في الحياة.

وفي تاريخ كنيستنا نرى في القديس دون بوسكو خير مثال لنستشهد به ، إذ كان في مطلع حياته واختلاطه بالاولاد المهملين من حثالة المجتمع ، اعتبروه مجنونًا وخصوصًا الرئاسة الكنسية انذاك .... وفي احد الايام وضعوه في عربانة لتاخذخ إلى مستشفى المجانيين ليبقى محجوزًا فيها .......... لقد اضطهده كثيرون ووقفوا امام رسالته ندًا قويًا .... لكنه لم يستسلم بل كان اقوى فثابر وحقق رسالته التي انطبعت في قلوب الكثير ، وانتشرت اليوم في كل ارجاء العالم من خلال رهبنتين واحدة للرجال( الاباء السالزيان) وواحدة للنساء....

     ومن منا يجهل الاب يوسف حبي رحمه الله  فقيد الكنيسة والوطن ، ذلك العلامة الذي عاش ظروف صعبة ، فرغم ضعف نضره واتهامات ومحاربة ضعفاء النفوس له ، اذ اضطهده الكثير ولاسباب عدة خوفًا من فكره الخلاق وما يحمله من فكر نير وبناء للكنيسةن تاهيك عن شعبيته ،اذ ملك على قلوب الكثير محليًا وخارجيًا..... ورغم كل الظروف التي احيطت به ورغم من كان يتصيد له بالماء العكر لكنه نتج اروع الكتب الفكرية وترك لنا اعمق البحوث.... فعاش حضور ابدي ............ فذكراه محفورة في صميم الحياة.... وذاكراه طيبة بطيبة العطور... وغيرهم كثير  من المبدعيين في كنيستنا اليوم امثال استاذنا  المطران لويس ساكو الذي يعد اليوم همزة وصل بين العراقيين  والاب يوسف توما  والبحاثة البير ابونا وبطرس حدّاد وروبير الكرملي رحمه الله ....

            هذه شخصيات ونماذج وضعتها في خانة اللون الابيض جعلوا الحياة وما فيها من ازمات ان ترفع امامهم الراية البيضاء ، انهم لم يستسلموا لخصومة الحياة بل باتوا عباقرة ، فهولاء عاشوا ولا زال البعض منهم يعيش ضروف صعبة لكنهم بحكم هذه الظروف عاشوا ولادة جديدة.

    ونحن اليوم مدعون لتجنب روح التشاؤم الذي بات داء عصرنا المزمن، ولنتجاوز ذلك اليأس والخصام مع وفي الحياة..... بل لنتعلم من هؤلاء كيف نترك بعدنا بصمة مؤثرة ............. فبقدر  عمق الاثر الذي تتركه بعدك في هذه الحياة، بقدر ذلك سيكون حجم خلودك................. فاسعى لتكن من الخالدين .....



الأب يوسف جزراوي

62


نسيان الحبّ
[size=16pt]

         يقول الفيلسوف كيركغارد: تعلمت من الهي أن ما من حبّ صادق بدون نسيان. وهذا هو الغفران!
 
         كم أن أله هذا الفيلسوف يشبه الاله الذي كشفه لنا يسوع المسيح، اله ينسى ولا يتذكر خطايانا، ولايعود للماضي لتقليب صفحات الماضي المؤلمة وما تحتويه من جراح، بل الهنا قلبه ابيض وليس نسيانه ،هو نسيان الشيخوخة والعجز وكبر السن، بل نسيان الحبّ.
   
        وهنا نقلتني الذاكرة إلى مقولة استاذنا الراحل الاب روبير الكرملي رحمه الله في قاعات كُلّية بابل الحبرية:" الهنا مصاب بمرض فقدان الذاكرة. ياترى أتعلمون لماذا؟ لانه مغرم بنا ، فتراه يغض النظر وينسى ولايحمل في قلبه بل يختلق في العادة اعذارًا لاخطائنا ..... ولازال ينسى ....

           ولا أجد في الانجيل مثالاً اروع واعمق من المثل الذي قدمه لنا يسوع في إنجيل لوقا (15:11 -32).  لكي اقدمه لكم برؤيه ايمانية عميقه لنستجلي من هذا المثل كيف ان الله ينسى بدافع الحبّ.
           
             كان لأب ابنان ، فطلب الاصغر أن يرحل بعيدا ، انه يريد ان يرث ابيه وهو على قيد الحياة ليستقل عنه! وليس على الاب الا ان يحترم حرية ولده ! وبعد بضعة ايام يجمع كل شيء له في بيت ابيه ليرحل بعيداً فيبدد امواله ، ويضطره الجوع للعمل عند راعٍ للخنازير!!

            الابن الاصغر هو الذ يطلب الرحيل، وهو الذي يبتعد ويضّل. الذنب ذنبه ومن الطبيعي ان يهمله الاب ويحرص على ولده الاكبر ، وعلى ما تبقى له من أملاك. لكنّه ابًا محبًا  فنراه يذهب لينتظر عوده ولده الضّال على قارعة الطريق ، ولا يهدأ له بال إلا بعودته !  ويبقى ينتظر ويتأمل عوده فلذه كبده بلوعة قلب ، وما اصعب الانتظار وما اقساه! إن هذا الانتظار دليل على غفران الاب سبق عودة الابن!
    ولما راه من بعيد تحركت احشاؤه، فاسرع إليه . في حساباتنا البشرية من المفروض أن يوبخه او يقاصصه او يرجعه من حيث ما جاء. لكنه يعانقه ويشدَّه إليه بقوة ويقبله بفرح ولا يكتفي بذلك ! بل يطلب له افخر الثياب ويضع في يده خاتمًا ويذبح له العجل المسمن ، ويعمل له حفلة، ويردف  قائلا::" ابني هذا ميتا فعاش وضالاً فوجد . ما اروع الهنا الذي جل اهتمامه هو الانسان!
  فالاب لانه محبّ فهو لايهتم بكرامته بل يقوم ( برحلة حبّ ) خارج ذاته ليدخل ذات ولده الضّال ، ويدرك ما في قلبه من الم وجروح. فالاب لايرى في ولده (الشخص الجارح )بل ( الشخص المجروح)  فيتاثر له  ويعمل على تضميد جروح قلبه بالحب فيستقبله برحم رحمته ويجعله يولد من جديد.
   انه الهنا الذي ينسى بقلب كبير . أنه نسيان الحبّ! ولازلت اتذكر مقولة الاب استاذنا العلامة الاب يوسف حبّي رحمه الله : أن الله ضعيف لانه يحبّ ، ولانه يحبّ، فهو لا يحمل في قلبه!

فنتعلم من الهنا .............. ان ننسى بحب ........... وأن يكون الكتاب المُقدس نقطة انطلاقنا نحو الاخر!

 [/size] 
 
[/b]


الأب يوسف جزراوي

63
لينشر المفيد من اخبار كنيستنا
الاب عامر ساكا – لندن / كندا
فلنحذَر الإعلام السهل لئلا نقع في شرك أولئك الذين يريدون هدم الأيمان . لعلنا محظوظون أن توفر لنا التكنولوجيا الحديثة صفحات بيضاء نكتب عليها ما نشاء وأنها لنعمة عظيمة للكل . ولكن البعض منا يكتب ويكتب كلمات لا تشكل أفكاراً ولا شعراً ولا أدباً ولا نقداً ، بل هو يكتب فقط لإثبات ذاته أو حتى تقول الناس بأنه كتب . والبعض الآخر يكتب لينال رضى الآخرين لعله يجد حظوة في عينهم لمصلحة في نفسه ، بمعنى آخر يتزلف . وهذا بالضبط ما تريده ثقافة الإنتاج الحديثة من كل واحد فكثر الكتّاب وقل القارئون .
ولربما يظن البعض أن هذه هي الديمقراطية ، ولكنها ليست إلا إفرازات عصر يمر بمرحلة من إثبات الذات . لذلك ننصح المطارنة والآباء الكهنة الأفاضل أن يغربلوا ما ينشر في المواقع الالكترونية عن الأيمان المسيحي وكل ما له شأن بأخبار الكنيسة . فمن الغريب أن يعطس كاهن أينما كان وأن يقوم بنشر أو أن يقبل أن تُنشر عطسته .
إن لم يكن لنا تعليم في مقالاتنا ومحتوى إبداع فلا داعي أن ننشر عشاء كاهن وقداس كاهن وسفرة خورنية وووو . نعم أكثر الأخبار تنشر ولا يكون للكاهن علم بها .
الكنيسة والكاهن وجدا ليخبرا عن المسيح القائم من بين الأموات .
سمعت أن مطراناً وكاهناً قد سافرا خارج القطر طبعا كل على حدة ، فكانت السفرة موضوع كرازة الأحد بعد الإنجيل ظناً منهما أنهما قد عملا إنجازا .
الناس اليوم جياع وعطاش لسماع كلمة رجاء تنعش أيمانهم وتفتح أمامهم آفاقاً جديدةً ليقبلوا واقع حياتهم الأليم . ولكن أولاً علينا نحن أن نتغذى من الكتاب المقدس لنجد ما يبرر حياتنا ونعكسه كخبرة إيمان للآخرين




الأب عامر بطرس ساكا

64
[[color=maroon]size=20pt]هل من ثقافة قبول المختلف في المجتمع العراقي؟؟[/size][/color]




في البدء كلمة

[color=navy]خمسة
عوام مضت وبلا رجعة ...... ومجتمعنا العراقي يسير من سيئ إلى اسوا. ولا تزال فكرة التعددية والقبول بالمختلف وتنوعه والديمقراطية بعيدة المنال ! فالواقع العراقي المُعاصر يعُطينا دلائل بأن الكثير لايزالون في تلك الذهنية العتيقة التي تمتاز بعدم مقدرتها على قبول المختلف في المجتمع ، ولا نزال إيضًا نشهد عَين الاساليب التقليدية في افحام اختلافه واسكات صوته واغتيال اختلافه!!
           وقد لا يختلف اثنان معب ان قلت: بعد احداث 9 نيسان 2003 التي عصفت فينا وحصول ما لم يكن في الحسبان! نرى ان البلد قُسِم وحسب ادعاءات الساسة الافاضل الذين يديرون دفته  على أُسس الديمقراطية والمواطنة والكفاءة والتعددية وغيرها من الكلائش ........ لكن كانت صورة الواقع مغايرة لما قالوه وصوره لنا !!
    فالعراق وللاسف اصبح ( ككعكة) قسِمت لاقسام عدة لتوزع لفئاة عدة ايضا. فراحت كل فئة تتناحر ووتتقاتل مع الاخرى لتثبت أنها هي صاحبة الحق في البلد وقيادته......... ليفتحون الابواب على مصرعيها لحزازيات قادتنا في نهاية الامر لفتن وصراعات وتنافسات لتزيد من عمق جرح نزيف العراق ولتتوسع الهوة بين اطياف الشعب الواحد!  ناهيك عن ان الاكثرية اخذت ما اخذته فكان لها حصة الاسد في كل شي ولتترك الحواشي والحواف للاقليات ...........

            ولكن سياسي البلد وكل من طبق تلك الاجندة قد تناسوا او تجاهولو امر مهم وخطير للغاية ، إلاّ وهو : ان خلفية الشعب العراقي وجذوره غير مهيئة اقله في الوقت الحاضر لطرح وتطبيق مثل تلك الطروحات .... وهم بذلك كانوا اشبه بمن ( اتى بالمعلف قبل الحصان)!!
            نعم انهم حاولوا العمل بمبدا الفيدرالية والحرية على اساس التنوع والتلون وقبول الاخر المختلف ، لكنهم تناسوا ان الكثير من ابناء مجتمعنا لا يمتلك ارضية صالحة لتقبل مثل هذه الطروحات الجديدة ....... فاصبحنا (كالطفل الذي اطعموه الباجة بدلا من الحليب )!! فُصيب باختناق وتقيو ودوران ..........

معظمنا لا يمتلك ثقافة الحوار والتنوع والقبول والتقبل للمختلف ، والكثير منا لا يمتلك ايدولجية التعددية. وعلى العكس من ذلك نرى الكثير تسيره عقلية الاكثرية والاولية ، وانا على صواب وانت على خطئ ........ ولازالت الكثير من العادات والتقاليد البالية تتسيد نظامنا الفكري .............
لذا اقول من البديهي ان يحصل ما لمسناه ،فاذا كانت البدايات خاطئة من المؤكد ستأتي النتائج سلّبية وغير مرضية ............... ولنتفحص الامور معًا بهداوة.......


[/color] استقراء للواقع المُعاصر:

اولاً: في مجتمعنا العراقي وللأسف تسيطر على الكثير منه ذهنية احادية التفكير ( من لا يفكر ويؤمن مثلي فهو ضدي). انها ذهنية لا ترى إلأ لون واحد ( يا سود .... يا بيض)! وترفض ان ترى بقية الالوان ..... لذا ترى ان التنافر والتناحر قد بسطا قبضتهما على نسيجنا الاجتماعي وعلى مستويات عدة!
          ألستُ على صواب ان قلت: ان مجتمعنا يمتاز بذهنية التخاصم؟ (من المؤكد ليس الجميع ، فانا ضد التعميم) ، فهناك من لا يعرفون معنى الحوار الصحيح والتحاور البناء الاخر المختلف ، بل رفضه والتهجم عليه ، وان ادعى البعض ان هُناك حوار على ارض الواقع ........ ففي معظم الاحيان تراه حوار الطرشان لتعلو فيه الاصوات لتطرق جدران الجيران!!

ثانيًا: بشهد لنا التاريخ بأن ارضنا قامت فيها دويلات ومماليك وحضارات وامبراطوريات وجمهوريات وووو ولكن كان الواحدة تقوم على حساب الاخرى ..... وليس مكملة لها . وحتى في تاريخنا الحديث كان لنا ثورات وانتفاضات وانقلابات ....... وكلها كانت تدور في نفس المنوال! اي البُنيان على حساب الاخر المختلف الذي سبقني
وازالة كل اثاره وان كانت ذات فائدة ومصلحة للجميع ........ لانها تعود للشخص او للزمن الفلاني ...... وكأن كل نظام ياتي ليقول أنا الراعي الصالح وكل من جاء قبلي فهو لص واجير ووووو

ثالثًا: قد يكون معظمنا لا يجيد الاصغاء ، وقد يبدو هذا جليًا في مناقشاتنا ...... ففي الغالب نقطع حديث محدثنا قبل اكماله الحديث او قبل انهاء توصيل فكرته ..... لنسترسل نحن بالكلام في محاولة لاقحام وفرض راينا واثابت صحته ........ .......... ولكن لنتساءل : هل من حوار بنا دون اصغاء  وهل من تقريب لوجها النظر من دون اصغاء وانصات. من المؤكد لا.
          وفي امثالنا الشعبية ما يكشف ما بين السطور ذلك الخوف من الاخر المختلف ورفض التوع بكل اشكاله ( من ياخذ من غير ملتة يموت بعلتة)!!!!!!
        وتنشئتنا وتربيتنا الاجتماعية والعائلية فيها ما يقتل التنوع والتعدد، إذ منذ طفولتنا يقولون لنا : لماذا لا تكون مثل صديقك عاقل؟ ولماذا لاتكوني مثل اختك شاطرة؟ ولماذا لاتكون مثل فلان وفلان ........؟ فاصبح الاخر المختلف منافس ، ومصدر قلق !

ثالثًا:  في مجتمعنا نرى الكثير من الاشخاص يريدون من يشبههم ، وعندما يرون العكس ، يرفضونك كمختلف في الحياة ن ويحاولون ارغامك على التماهي معهم لتكون نسخة طبق الاصل منهم ، وهم بذلك يريدون التننوع والخصوصية الذاتية فيك. وعندما يفشلون في ذلك تراهم يعادونك ويحاربونك ....... لان اختلافك بات موضع قلق لهم ...... وهنا كانت طامتنا الكبرى !! لان في ضل تلك العقلية وللاسف هي العقلية ذات الاغلبية الكبرى في مجتمعنا العراقي سيتحول الاختلاف إلى خلاف ونفور وتضارب وربما يقود إلى تناحر كما نرى اليوم ..... ليدعى كل واحد بانه صاحب الحق ومالكه  والمختلف هو ضال عنه!!

           وليس من قبيل الانتقاص ان قلت الكثير من العراقيين لديهم استعداد فكري وتقبل نفسي بل وارضية خضبة لرفض كل ماهو مختلف ومتوع ومتعدد ، ( أأنت عكس الاخرين ؟ كل الناس تعمل هشكل ، ليش انت وحد عنهم ). يريدونك مطابق لهم فيحاولون الاستحواذ عليك ، استحواذ يفوح منه رائحة تصفية للمختلف واغتيال لتنوعه وفردانيته!!

وثمة قناعة راسخة في اعماقي اقولها بعد حصيلة خبرة خمس اعوام من تكرار السناريو :

لم ولن تنضمد الجروح ويتعافى مجتمعنا من نزيفه :
_ مدام هناك رفض للتعددية والمختلف ، رفض لخصوصية الاخر وفردانيته!
_ مدام فينا من يرى في فردانية الاخر المتنوع ( الغريب _ الدخيل _ العدو _ المُهدد ، الغنيمة _ المنافس _ المُخالف)!  ومنه هنا سينشئ الصِدِام والتصادم!!
_ مادام يوجد في مجتمعاتنا عبارات ( الاكثرية _ الاقلية _ طوائف _ قوميات _ احزاب ......)!
_ مدام واحدنا لا يزال يقرأ في هويته ( الديانة _ اللقب _ القومية )!
_ مدام تحكمنا عقلية اللجم وقمع الافكار المختلفة ، وشطب كل راي مختلف !
_ مدام لدى الكثير منا ذهنية التخاصم والتنافر ؛ ذهنية لا تتطلع الا بتجاه ومسار واحد ...... فالله تعالى خلقنا متنوعون ........... فلا تتعب نفسك في امور الخالق وازالتها!
_ مدام لديك ذهنية التشدد والتعصب وضيق الافق وقصر النظر ........
_مدام الكثير منا لا يمتلكون ثقافة الحورا وقبول التنوع والتعددية ..........  بل يمتلكون ثقافة احتلال الاخر واكتساحه زازاحة تنوعه وتميزه!


[color=maroon]وربّ ساءل يتساءل: وما الحل؟!
  [/color] _ إن تهتم الدولة العراقية بالتبشير بثقافة قبول المختلف بين مواطنيها ، وعمل مناهج دراسية عن كيفية قبول الاخر في اختلافه رغم تنوعه وتعدده وفردانيته ..... ففي كل هذه تكمن خصوصيته الذاتية والتي تعد بحد ذاتها مصدر غنى وتكامل ... وان تطلق العنان لاشاعة روح الحوار مع المتنوع بذهنية بيضاء صافية لا بذهنية الافكار المسبقة او ذهنية تتصيد النقطة السوداء في اللوحة البيضاء.

_ إن تسعى كل الفضائيات العراقية لتاسيس لثقافة الاصغاء بقد الحوار والاحتضان والاستيعاب والاحتواء والقبول والتقبل بين اطياف الشعب الواحد، من خلال برامج ومشاهد تلفزيونية ولقاءات مع شخصيات ثقافية تنشى جيل يمتلك ثقافة التعدد والتنوع .
_ إن يؤمن كل منّا ، أنه ليس مالك للحقيقة والحق وحده، وليذهب إلى الجحيم وبئس المصير كل من يخالفني. بل أن نؤمن أن الآخر المُختلف عني هو مالك ( جزء) منها ، ومعه وبواسطته سيكتمل استقرائي لبعض جوانب الحقيقة المُطلقة!

_ ادخال مادة الفلسفة في المناه لفلسفة تقودنا لتواضع فكري ، لانها تعلمنا أم كل شي فبي الحياة نسبي، وأن لكل منّا حقيقته ورؤيته ، وهذه الرؤية تعكس كيفية نظرته الخاصة للامور.
_ الفلسفة تعلمنا ان نحترم الاخر في رأيه وتفكيره وقناعاته ، وان كان مختلفًا ولكنه لايملك الا جزءًا من الحقيقة وله الحق في ان يكون له رايه الخاص والمختلف ، وهذا الاختلاف انطلاقًا من رؤيته للحقيقة وكيفية التعامل معها.
  في وططنا العربي بشكل عام وفي بلدنا العراق على نحو خاص لا توجد لدينا اقسام للفسفة وان وجدت فهي نادرة ومهملة! لاننا لانحب ماهو فكري ، بل نحن اُناس عاطفيون! ولا نحب ان نتعب انفسنا بالتفكير . ربما تسمعون في واقع الحياة اناس يقولون:( مسكين تعبان من كثرة التفكير )!! وكأن التفكير والتفلسف قاتل للانسان.
   صدقوني ان الفلسفة ضرورة حياة لانها تدخل انساننا في صميم واقع الحياة وتحثه على تكوين نهج فكري خاص به انطلاقًا من نظرته للامور، قابلاً باختلاف الناس عنه!
_ ابطال لغة الهُتافات التي تعودنا عليها ورفع وازالة كل ما يمت إلى المحسوبية والوجهنيات بصلة، فالبلد والمجتمع لا يتقدم ابناءه بالهتافات والاقاويل ، بل من خلال خلق وعي حضاري معُاصر ويعيش ابناءه ممارسات ديمقراطية بحرية ،


 [color=maroon]ختاما اقول: أملي بأن تتكاتف جهود الجميع في انتاج مستقبل جديد لمجمعنا وليس الاستمرار والداوام على اجترار افكار ومفاهيم الماضي السحيق في التعامل مع الاخر المختلف ........ وياليتنا نتعلم من الانسان الاوربي كيف انه ينسى خلافاته الشخصية ام الاجتماعية ام السياسية كانت ليجلس مع خصمه في احدى الكازينوهات او المطاعم ليتسحيا القهوة او يتناولا كاسًا مع وجبة طعام....... تاركين خلف ظهرهما كل شي ، لتسمع النكات وترى الابتسامات قد عطرت الجلسة براحة الفكاهة التصالح !

لذا لنسعى لتاسيس ثقافة القبول بالمختلف لنحيا بتنوع وندخل في رحاب التعددية ........ انذاك سنتعلم وسنلمس لمس اليد بأن الاختلاف لا يعني التصادم والخلاف، بل هو غناء وبناء وتكامل ....... والحديقة لا تبدو جميلة ومثمرة إلا بتنوع اشجارها وزهورها !!!!!
                       

                                 ولنا في المستقبل أمل![/color]
                                                                                         


                                                                                        الأب يوسف جزراوي

                     
 

65
المنبر الحر / البكاء على الاطلال
« في: 21:27 09/07/2008  »
                                             البكاء على الاطلال


      فتاة هي، في العقد الثاني من عمرها،احبت شاب بكل جوارحها لكنهما افترقا بسبب جهل الاب ودكتاتوريته وانانيية العائلة ، فتزوجت من شاب ثانٍ فبات الجحيم عنوانًا لحياتها الحديدة بعد ان كان الفراق فاتورة علاقتهما!
وذات يوم وبعد انتهاء القُدّاس حدثتني ببحة صوت تخنقة دموع دفينة قائلة: ابونا لا استطيع نسيانه ربما جسدي مع زوجي ولكن فكري ومشاعري وقلبي و...... مع من فرقتني الظروف والعائلة عنه.....

          كأُناس تراودنا في الكثير من الاحيان فكرة الهروب من الحاضر وعدم القبول بالواقع والهرب للمكوث في ذكريات الامس ، فأنساننا متعلق بماضيه مما يجعله مكبلاً به مراوحا في مكانه وسيسجله الواقع غائبًا!
غالبًا وعندما كنت اتصل ببعض الاصدقاء والاقارب في بلدان المهجر اراهم يتشكون من عدم تكيفهم مع الواقع الجديد ويحنون لتلك الايام التي عاشوها في محطات الانتظار ( عمان _ دمشق _ تركيا - بيروت ....) ويقولون لي( سوف تتحسرون على ايامكم هذه _ ياليت ترجع ايامنا ) ولازالو يحنون ويجترون الماضي وذكرياته وتاركين الحاضر وراء ظهرههم فمات المعنى في حياة الكثير منهم لذللك تراهم حاضرون لكنهم غائبون وهنا كانت الطامة الكبرى!! فيغدون مثل صاحبتنا التي استشهدنا بها في بداية الكلام.

ربما ستعترضون  لتقولون: هذه عادة من عاداتنا الإنسانيية ان نعيش على ماضينا.
فاجيبكم: علينا ان نقاوم العادة لكي لا نكون من المتعوديين. فالعادة تقتلّ! صدقوني كل ما نملكه هو الحاضر _ الواقع  وهو زمن فريد وثمين وصدق امير الحبّ  هيثم يوسف بقوله في احدى اغانيه ( صدقني ميعود المضى) اذاً لنفتح الابواب للدخول والعيش في حضور الواقعوالقبول به...
وانا مع ما قاله الفيلسوف المُعاصر مارتين هيدغر بقوله:" إن الإنسان ابن حاضره ووجوده في الحياة هو وجود لإنسان دائم الفعل والتاثر والتفاعل مع ما يحيط بك".
فالواقع لدى فيلسوفنا هو زمن التكيف والتفاعل معه لترك  بصمة مؤثرة تجعلك خالدًا فيه وفي حياة الاخرين

املي ان تتكيف مع واقعك لتصنع ذاتك وتعيش فرح الحضور الابدي ؛ فتغدو  قيمة وجود وستكون حاضرا وان كنت غائبا .......... ولا تعيش باكيًا على الاطلال ، بل منفتحًا على حاضرك ....... لان إنساننا تقدم للامام وليس رجوعًا للخلف.
[/size]الاب يوسف جزراوي

66
المنبر الحر / البكاء على الاطلال
« في: 20:16 09/07/2008  »
                                              البكاء على الاطلال


                    فتاة هي، في العقد الثاني من عمرها،احبت شاب بكل جوارحها لكنهما افترقا بسبب جهل الاب ودكتاتوريته وانانيية العائلة ، فتزوجت من شاب ثانٍ فبات الجحيم عنوانًا لحياتها الحديدة بعد ان كان الفراق فاتورة علاقتهما!
وذات يوم وبعد انتهاء القُدّاس حدثتني ببحة صوت تخنقة دموع دفينة قائلة: ابونا لا استطيع نسيانه ربما جسدي مع زوجي ولكن فكري ومشاعري وقلبي و...... مع من فرقتني الظروف والعائلة عنه.....

 كأُناس تراودنا في الكثير من الاحيان فكرة الهروب من الحاضر وعدم القبول بالواقع والهرب للمكوث في ذكريات الامس ، فأنساننا متعلق بماضيه مما يجعله مكبلاً  به مراوحا في مكانه وسيسجله الواقع غائبًا!

      غالبًا وعندما كنت اتصل ببعض الاصدقاء والاقارب في بلدان المهجر اراهم يتشكون من عدم تكيفهم مع الواقع الجديد ويحنون لتلك الايام التي عاشوها في محطات الانتظار ( عمان _ دمشق _ تركيا - بيروت ....) ويقولون لي( سوف تتحسرون على ايامكم هذه _ ياليت ترجع ايامنا ) ولازالو يحنون ويجترون الماضي وذكرياته تاركين الحاضر .ليموت المعنى في حياة الكثير منهم، لذللك تراهم حاضرون لكنهم غائبون وهنا كانت الطامة الكبرى!! فيغدون مثل صاحبتنا التي استشهدنا بها في بداية الكلام!

ربما ستعترضون  لتقولون: هذه عادة من عاداتنا الإنسانيية ان نعيش على ماضينا.
! فاجيبكم: علينا ان نقاوم العادة لكي لا نكون من المتعوديين. فالعادة تقتلّ[/color]
صدقوني كل ما نملكه هو الحاضر _ الواقع  وهو زمن فريد وثمين وصدق امير الحبّ هيثم يوسف  بقوله في احدى اغانيه ( صدقني ميعود المضى) اذاً لنفتح الابواب للدخول والعيش في حضور الواقعوالقبول به...
وانا مع ما قاله الفيلسوف المُعاصر مارتين هيدغر بقوله:" إن الإنسان ابن حاضره ووجوده في الحياة هو وجود لإنسان دائم الفعل والتاثر والتفاعل مع ما يحيط بك".
فالواقع لدى فيلسوفنا هو زمن التكيف والتفاعل معه لترك  بصمة مؤثرة تجعلك خالدًا فيه وفي حياة الاخرين

    املي ان تتكيف مع واقعك لتصنع ذاتك وتعيش فرح الحضور الابدي ؛ فتغدو  قيمة وجود وستكون حاضرا وان كنت غائبا ..........ولا تسعى للعيش باكيًا على الاطلال ، بل منفتحًا على حاضرك............ فالإنسان تقدم للامام وليس رجوعًا للخلف!!
الاب يوسف جزراوي

67
[color=maroon]بطن مُتخمة ........... وفكر جائع..........!![/color]

          قد يتفق معي الكثيرون بأن في الاونة الاخيرة باتت المادة هي الأساس في حياة الكثير من البشر ، فقد تبدلت المفاهييم والمقاييس ن أن لم اقل إن إنساننا العراقي فقد مقياس القيم التي عرفها وعاصرها في فترة السبيعينيات والثمانينيات.... ليتساوى عنده الجوهري والثانوي .......... وأصبح كل شي في البلد يسير من سيء إلى أسوا بضمنها الدراسة والتعليم ....... وما نشهده اليوم من متغيرات جعلت واحدنا في تخبط جعل الكثير يتحسرون على ايام زمان ايام الخير ........ وكأنها ايام ذهبت بلا رجعة .............. الله يرحم ايام زمان!!
       اخشى إلاّ يفهمني البعض ، لكنني ادعوكم للعودة معي إلى الوراء إلى ايام الخير ؛ ففي تلك الايام عندما كان شاب ما يتقدم لخطبة فتاة . كان سؤال الاهل الاول ( ماهو تحصيله الدراسي ، خريج اي معهد او كلية...)؟  ثم يستفسرون عن اصله وفصله واخلاقه ونسبه وووووووووو ثم ينتقلون بالسؤال إلى الجانب المادي . أما بعد احداث ال 1991 فقد اصبح السؤال الأوّلْ للاهل ( من اي بلد جاي _ ماهو وضعه المادي _ كم يملك ، ماهي مؤهلاته المادية ( بيت ،سيارة،عقارات .......) ثم تاتي الامور الاخرى !
 لا حظوا أن السؤال قد تبدل من ( ماهو تحصيله الدراسي) إلى ( كم يملك)؟؟ !!  ولعل مازاد الطين بلّة أننا بُتنا نرى البوم  الكثير من الفتيات صاحبات الشهادات الجامعية والاختصاصات يقبلن بزواجات غير متكافئة على الصعيد الفكري والدراسي والثقافي...... خوفًا من العنوسة أو بسبب هجرة الشباب..... والسبب الاكثر اهمية لكون المحروس غني !( وبحجة شي يعوض عن شي ) ( رصيد في البنوك يعوض عن الشهادة) ! فصدق ابو المثل بقوله: الفلوس اتجيب العروس!!
          ولا يخفى على احد بأن المر في أيام الخير، كان حلمه الوحيد وهدفه الوطيد هو مواصلة الدراسة والحصول على الشهادة التي ترفع من شأنه كانسان متعلم في المجتمع شهادة  تؤهله للحصول على وظيفة يثحسد عليها ويعيش من خلالها ببحبوحة رغد مادي ........ حتى قيل (أن المعلم كالوزير )!....... اما بعد حرب الخليج الاولى باتت المادة هي محرك الانسان الاول واصبح همه كيفة الحصول عليها وان كان على حساب مبادئه وقيمته ودراسته ..........
          وبعد احداث 9نيسان 2003 ويومنا هذا ربما اصبحت بعض المحفزات على الدراسة والتعليم لكون الزيادات الحاصلة في رواتب الموظفين ........ مما شجع الاقبال على الدراسة .......... ولكن  يافرحة لم تكتمل !! فكم  وكم من الشهادات  تشترى اليوم! ناهيك عن تعاسة الوضع الامني والتفجيرات والمعوقات الاخرى من زحمة السير وهجرت الكثير من الاهالي إلى محطات الانتظار جعلت التعليم والدراسة يعيشان نكسة جديدة...........

    ولعلي اشخص المشكلة بان ضروف الحياة وحاجة إنساننا إلى لقمة عيش ليشبع بها بطنه ، جعلته يركض وراء المادة تاركًا وراء ظهره دراسته وثقافته ...... وازيد: اخذ الكثير من الدارسيين يتطلعون لغيرهم ممن تعبوا على انفسهم من المتعلميين واصحاب الشهادات وذوي الاختصاصات ....... فراوئ الكثير منهم عمّالاً في المطاعم والفنادق والاندية الاجتماعية أو يزاولون مهن لا تليق بهم أن كانو معلميين او مهندسين وخريجي ...... ولم يكن حال الذين توظفوا في دوائر الدولة اوفر حظًا ايام التسعينات الى قبل احداث 9 نيسان  فهولاء المساكيين كانوا يعملون (30) يومًا بطولها وعرضها ليحصلوا في نهاية الشهر على بضعة الاف لا تكفيهم لبضعة ايام .........!!
    انها الظروف التي قادت الاغلبية الدارسة لترك شهاداتهم مؤطرة على الجدران ليدخلوا معترك الحياة راكضين وراء ما يملا جيوبهم ، فنحن وللاسف يتنا نعيش في بلد وظروف مقياسها تملك شي تساوي شي. الستم معي في هذا التشخيص؟!


 ناهيك عن ان الكثير من العقول شدت الرحيل لبلدان الجوار وغيرها من البلدان من اجل اياد لقمة عيش في جامعات وكليات وووووووو و بعد 2003  زاد النزيف لما شهده البلد من استهداف العقول والدارسيين والمثقفيين .......
 هذه وغيرها من الاسباب غدت إلى اهمال الدراسةوالتعليم وتثقيف الذات في العراق ........

لذا املي ان نعيد للدراسة والتعليم حصانته واهميته وان نعطي لكلمة ( الشهادة) حقها، لنرتقي بها الى المنزلة المرجوة  والمعهودة ..... فما فائدة ان تكون من اصحاب المليارات والاملاك لكنك تجهل ابسط متطلبات الحياة والتعليم والثقافة ............ ولا يختلف اثنان على ان معظم الناس لا تقيم للمرء ( الجاهل ) وزنًا وحسابًا وان كان من اصحاب المليارات وما اكثرهم اليوم في عراقنا الجديد!!!!!

   ربما لا يعجبكم حديثي هذا فتقولون :كفاك مثالية ....فواقعنا وعالمنا وظروفنا و.......... لا يحترمون الانسان دون مال ...... وربما تزيدون : كقيمتكم بما تملكون من رصيد في البنوك وعقارات ووووو وعندما تعتاز لا تجد من يسندك ويمد لك يد العون المادي .......... فلا بد من تحصين الذات ماديًا وووووووووووووووو
سأوافقكم الرأي واعطيكم ( شيئًا) من الحق .......... نعم المال شي مهم في الحياة أنه نعمة الله الينا ...... لكنه ليس كل شي .......... فاحترام ومحبة الناس لا تشترى بالمال!! وان اُشترت فلكون البائع رخيص !!
             
        لذا بيتك لا تنسى يا قارئي العزيز  إن قيمتك كإنسان ليست في اشباع وتخمة بطنك ........... فلا تكن من اصحاب ( الكروش) وما اكثرهم اليوم! ........ ولا تتوهم وتخدع نفسك فتعبي جيوبك وخزانتك بالملايين ...... فهذه لاتعطيك كقيمة انسانية ........ إنّما بما تحمله من فكر ووعي وثقافة وروحية وشهادة حقيقية تكون خصيلة سهر وتهب ودراسة واستيعاب .......... وسيدنا يسوع المسيح له المجد يقول : هنيئًا للجياع ، لا لجياع الخبز واللحم ، انما لاولئك الذين لا يعرفون الاكتفاء على الصعيد الفكري والثقافي والدراسي والروحي والانساني


  فلا تتخم وتكبر كرشك ............ وتجوع فكرك .......... لانك ستعيش الضياع وستكون فارغًا........ وما اكثر الفارغيين اليوم!! وستمر بهذا الوجود العظيم مرور الكرام وستكون رقم بين الارقام .............. فتغدو نكرة وجود!!



الاب يوسف جزراوي[/size]

68
[color=maroon]بطن مُتخمة ........... وفكر جائع..........!![/color]

          قد يتفق معي الكثيرون بأن في الاونة الاخيرة باتت المادة هي الأساس في حياة الكثير من البشر ، فقد تبدلت المفاهييم والمقاييس ن أن لم اقل إن إنساننا العراقي فقد مقياس القيم التي عرفها وعاصرها في فترة السبيعينيات والثمانينيات.... ليتساوى عنده الجوهري والثانوي .......... وأصبح كل شي في البلد يسير من سيء إلى أسوا بضمنها الدراسة والتعليم ....... وما نشهده اليوم من متغيرات جعلت واحدنا في تخبط جعل الكثير يتحسرون على ايام زمان ايام الخير ........ وكأنها ايام ذهبت بلا رجعة .............. الله يرحم ايام زمان!!
       اخشى إلاّ يفهمني البعض ، لكنني ادعوكم للعودة معي إلى الوراء إلى ايام الخير ؛ ففي تلك الايام عندما كان شاب ما يتقدم لخطبة فتاة . كان سؤال الاهل الاول ( ماهو تحصيله الدراسي ، خريج اي معهد او كلية...)؟  ثم يستفسرون عن اصله وفصله واخلاقه ونسبه وووووووووو ثم ينتقلون بالسؤال إلى الجانب المادي . أما بعد احداث ال 1991 فقد اصبح السؤال الأوّلْ للاهل ( من اي بلد جاي _ ماهو وضعه المادي _ كم يملك ، ماهي مؤهلاته المادية ( بيت ،سيارة،عقارات .......) ثم تاتي الامور الاخرى !
 لا حظوا أن السؤال قد تبدل من ( ماهو تحصيله الدراسي) إلى ( كم يملك)؟؟ !!  ولعل مازاد الطين بلّة أننا بُتنا نرى البوم  الكثير من الفتيات صاحبات الشهادات الجامعية والاختصاصات يقبلن بزواجات غير متكافئة على الصعيد الفكري والدراسي والثقافي...... خوفًا من العنوسة أو بسبب هجرة الشباب..... والسبب الاكثر اهمية لكون المحروس غني !( وبحجة شي يعوض عن شي ) ( رصيد في البنوك يعوض عن الشهادة) ! فصدق ابو المثل بقوله: الفلوس اتجيب العروس!!
          ولا يخفى على احد بأن المر في أيام الخير، كان حلمه الوحيد وهدفه الوطيد هو مواصلة الدراسة والحصول على الشهادة التي ترفع من شأنه كانسان متعلم في المجتمع شهادة  تؤهله للحصول على وظيفة يثحسد عليها ويعيش من خلالها ببحبوحة رغد مادي ........ حتى قيل (أن المعلم كالوزير )!....... اما بعد حرب الخليج الاولى باتت المادة هي محرك الانسان الاول واصبح همه كيفة الحصول عليها وان كان على حساب مبادئه وقيمته ودراسته ..........
          وبعد احداث 9نيسان 2003 ويومنا هذا ربما اصبحت بعض المحفزات على الدراسة والتعليم لكون الزيادات الحاصلة في رواتب الموظفين ........ مما شجع الاقبال على الدراسة .......... ولكن  يافرحة لم تكتمل !! فكم  وكم من الشهادات  تشترى اليوم! ناهيك عن تعاسة الوضع الامني والتفجيرات والمعوقات الاخرى من زحمة السير وهجرت الكثير من الاهالي إلى محطات الانتظار جعلت التعليم والدراسة يعيشان نكسة جديدة...........

    ولعلي اشخص المشكلة بان ضروف الحياة وحاجة إنساننا إلى لقمة عيش ليشبع بها بطنه ، جعلته يركض وراء المادة تاركًا وراء ظهره دراسته وثقافته ...... وازيد: اخذ الكثير من الدارسيين يتطلعون لغيرهم ممن تعبوا على انفسهم من المتعلميين واصحاب الشهادات وذوي الاختصاصات ....... فراوئ الكثير منهم عمّالاً في المطاعم والفنادق والاندية الاجتماعية أو يزاولون مهن لا تليق بهم أن كانو معلميين او مهندسين وخريجي ...... ولم يكن حال الذين توظفوا في دوائر الدولة اوفر حظًا ايام التسعينات الى قبل احداث 9 نيسان  فهولاء المساكيين كانوا يعملون (30) يومًا بطولها وعرضها ليحصلوا في نهاية الشهر على بضعة الاف لا تكفيهم لبضعة ايام .........!!
    انها الظروف التي قادت الاغلبية الدارسة لترك شهاداتهم مؤطرة على الجدران ليدخلوا معترك الحياة راكضين وراء ما يملا جيوبهم ، فنحن وللاسف يتنا نعيش في بلد وظروف مقياسها تملك شي تساوي شي. الستم معي في هذا التشخيص؟!


 ناهيك عن ان الكثير من العقول شدت الرحيل لبلدان الجوار وغيرها من البلدان من اجل اياد لقمة عيش في جامعات وكليات وووووووو و بعد 2003  زاد النزيف لما شهده البلد من استهداف العقول والدارسيين والمثقفيين .......
 هذه وغيرها من الاسباب غدت إلى اهمال الدراسةوالتعليم وتثقيف الذات في العراق ........

لذا املي ان نعيد للدراسة والتعليم حصانته واهميته وان نعطي لكلمة ( الشهادة) حقها، لنرتقي بها الى المنزلة المرجوة  والمعهودة ..... فما فائدة ان تكون من اصحاب المليارات والاملاك لكنك تجهل ابسط متطلبات الحياة والتعليم والثقافة ............ ولا يختلف اثنان على ان معظم الناس لا تقيم للمرء ( الجاهل ) وزنًا وحسابًا وان كان من اصحاب المليارات وما اكثرهم اليوم في عراقنا الجديد!!!!!

   ربما لا يعجبكم حديثي هذا فتقولون :كفاك مثالية ....فواقعنا وعالمنا وظروفنا و.......... لا يحترمون الانسان دون مال ...... وربما تزيدون : كقيمتكم بما تملكون من رصيد في البنوك وعقارات ووووو وعندما تعتاز لا تجد من يسندك ويمد لك يد العون المادي .......... فلا بد من تحصين الذات ماديًا وووووووووووووووو
سأوافقكم الرأي واعطيكم ( شيئًا) من الحق .......... نعم المال شي مهم في الحياة أنه نعمة الله الينا ...... لكنه ليس كل شي .......... فاحترام ومحبة الناس لا تشترى بالمال!! وان اُشترت فلكون البائع رخيص !!
             
        لذا بيتك لا تنسى يا قارئي العزيز  إن قيمتك كإنسان ليست في اشباع وتخمة بطنك ........... فلا تكن من اصحاب ( الكروش) وما اكثرهم اليوم! ........ ولا تتوهم وتخدع نفسك فتعبي جيوبك وخزانتك بالملايين ...... فهذه لاتعطيك كقيمة انسانية ........ إنّما بما تحمله من فكر ووعي وثقافة وروحية وشهادة حقيقية تكون خصيلة سهر وتهب ودراسة واستيعاب .......... وسيدنا يسوع المسيح له المجد يقول : هنيئًا للجياع ، لا لجياع الخبز واللحم ، انما لاولئك الذين لا يعرفون الاكتفاء على الصعيد الفكري والثقافي والدراسي والروحي والانساني


  فلا تتخم وتكبر كرشك ............ وتجوع فكرك .......... لانك ستعيش الضياع وستكون فارغًا........ وما اكثر الفارغيين اليوم!! وستمر بهذا الوجود العظيم مرور الكرام وستكون رقم بين الارقام .............. فتغدو نكرة وجود!!



الاب يوسف جزراوي[/size]

69
المنبر الحر / غُفران الحُبّ
« في: 21:06 04/07/2008  »
[color=maroon]غُفران الحُبّ![/color]
           
                 احبا بعظهما  البعض ، وقد نضج حبهما كما يقال على نار هادئة ، فباتت علاقتهما احلى من العسل ، فاتفقا على الزواج ألا ان والد  الفتاة رجل متزمد تقليدي ذو عقلية لا يحسد عليها، فكان يتصيد بالماء العكر، ليضع العراقيل في طريقهما لتعتري الخلافات علاقتهما ولتعصف الكثير من المشاكل بهما ،بسبب ما ذكرناه قبل قليل و تدخل الطرف الثالث وربما بسبب الطيشان والعجلة ووو وربما بسبب عائلة الفتاة .......
         شابة هي في ربيع الورد جاهدت الجهاد الحسن لكيما ترتبط بمن تحب حتى انها اقدمت مرتيين على الانحار من خلال تناول عقايير طبية ولم تجدي نفعًا  .... لم يتكتب  وللاسف لهذه العلاقة  وهذا الحبّ النجاح ...... لتتكون فجوة بين الحبيبين!! فجوة ولدت سوء فهم قادت العلاقة للتمزق ليفترقا! بعدما ان تبادلا التهم التجريحات و.............
وتمر الايام والشهور ليكون الزمن كفيلاً ليكشف لكل منهما مواطن ضعفه وخطئه ، لكنهما يجدان صعوبة في الاعتذار والتصحيح .... ولا سيما صاحبتنا المسكينة ، فطلبت مساعدتي فوقفت على معظم الاسباب الحقيقية التي تمنعهما من الرجوع لبعضهما البعض .... لتزيد اختنا قائلة: " اخاف من ابادر من جديد ربما بحجة الكبرياء او خوفًا من رفضه .... لا اُريد ان انزل نفسي له .... لا اريد ان اعوده على ذلك". وكان موقف صاحبنا عين الشي.
ففترقا وطوي النسيان على حبهما ، وبات احدهما للاخر مجرد ذكرى!!
اتعلمون لماذا لانهن لايمتلكون غفران الحبّ......... والحبّ في جوهره صفح دون حدود ، وأملي الاننساق وراء ظنوننا وتفكيرنا المحدود بأن المغفرة ضعف وانخذال ، أنّما موقف فيه تُغسل القلوب وتذلل الاحقاد بالحبّ.
__لا تجعلوا من  امور صغيرة ثانوية ان
لم اقل تافهة  ان تفرق زيجات وعلاقات حبّ امتدت جذورها لسنوات، فلا تقف عند صغائر الامر وتذكر دائما ان الذي يجمعك مع من تحب اقوى واقدس من تلك الصغائر.... اذهب للعمق ولا تتمسك بالسطح والقشور! وليكن لواحدنا غفران الحبّ.

لذا اقول:
_عظيم هو من يعرف أن يتقدم ويطلب الغفران . فالغفران يجدد حياة الانسان ويفعمها بالامل والبهجة. أنه فعل بوسعه ان يخلق الاخر مرة اخرى، لا بل يحرره ويخرجه من عقدته وخطئه وماضيه وازمته.
_ قوي هو ومحبّ الذي لديه امكانية النسيان والغفران. وليس الغفران موقف يقف فيه الطرفان المتخاصمان وجهًا لوجه للعتاب والصراخ وفتح جراح الماضي . أنّما موقف فيه يتعانق المتخاصمان حبًا وبقلب كبير.
_ناجح هو من يستطيع نسيان الاساءة، إذ فيها دعوة لفتح صفحة جديدة بنقاء قلب وصفاء نية دون طلب اعتذار ، فالهدف اكبر والغاية اسمى!_ المغفرة استعداد لتغيير نظرتك ومافهيمك عن الاخرين ؛ نظرة تؤكد لنا أن الاخر قد تبدل وتغيير ولم يعد ذلك الذي نعرفه .......... انه اصبح شخصًا اخر.
_ ربما تصطدم او يصطدم بك الاخرين بسبب اختلاف في الاراء ، قناعات، مبدأ وجهات نظر.... ولن اغُالي في القول : ربما يكون نجاحك وثمارك سبب لغيرة وحسد الاخرين وتهجمهم عليك واصطدامهم بك. لكن ليتك لا تنسة بأن الشجرة المثمرة وحدها التي تثضرب بحجر[/size] . لذا لا تثبالي بل تقدم واطلب الصفح والغفران غذا كنت أنت صاحب الإساءة .... واصفح بقلب ابيض وكبير لمن إساء اليك ...
           
                   اخيرًا وليس اخرًا: بشيء أؤمن:
أن تُحبّ الاخرين معناه الكثير الكثير من المغفرة والنسيان .... أن تنسى بقلب طيب ومحب كل ما فعله بك الاخرون. وأزيد: ناجح وانساني هو ذلك افنسان الذي يستطيع ان يتجاوز وينسة ما ارتكبه الاخرون بحقه من اخطاء ، ويتطلع دومًا إلى الامام متجاوزًا بقلب كبير كل الذين اخطاؤا بحقه دون ان يؤذيهم.




الأب يوسف جزراوي
P.YOUSIF JAZRAWY

70
[size=14pt]من اصعب المواقف واقساها على الانسان[/size]
              في البدء اقول:طالما  لايزال يعيش الانسان في هذه الدنيا لأبد ان يمر بتجارب
سوى كانت حلو أو مرة ولكل شخص منا تجاربه فى الحياه ، فيها الحلو وفيها المر....لكن كلها من ان اجل يتعلم  منها انساننا خبرات وعِبّر ووووو تنفعه في رحلة الحياة القصيرة الجميلة
_فكم هو صعب على الانسان ان يتقبل فكرة
فقدان عزيز على قلبه ... فمن اقسى المواقف التي قد تصطدم بها في الحياة
إن تفقد شخصًا  مسك بحضوره .واذا بغيابه المفاجى تشعر بانك وحيد !!

_ومن اصعب الامور ان تبتعد عن من عاشرته وتعودت على رؤيته( والعكس بالعكس) فالمرء يتحمل كل شي الافقدان شخص عزيز بات جزءًا منه.
_عندما يجد الانسان نفسه وحيًدا وجهًا لوجه امام صعوبات الحياة. ولا اقسى من ان تجد نفسك وحيدًا وانت في اشد الحاجة لمن يسندك . فماذا ستفعل؟! . شعور قد يكون مر به الجميع !! فانك عندما تسقك في مازق ما  ولا تجد بقربك اقرب الناس هنا ستكون الكارثة ! وهنا ستختبر معدن الاشخاص فتبدأ تميز بياعي الكلام عن ذوي ذوي الافعال.
_ عندما يخونك الاخرين ولاسيما اقرب الناس اليك.حينها سترى كل شي اسود وربّما ستفقد الثقة بالجميع! ولا اتعس ان يطعننا الاخرين في الظهر وهنا سيكمن المعنى الصحيح للغدر والخيانة!
_ عندما لايعيش واحدنا انسانيته ..... فلا اجمل من ان تكون انساني ، فيكون لك قلب يشعر بحاجة الاخر.
_عندما لا تتعلم من خبرات وتجارب حياتك ، فلا تولد ولا تنمو من جديد وستكون اشبه بالمياه الراكدة.
_عندما تجعل من حياتك روتينًا ، وكلنا يعلم كم ان الروتيين يقودنا ببطى إلى الجمود والصلابة.
_ ان تكون انسانًا تقليديًا رقم بين مليارات الارقام فلا تعرف ان تترك بصمة في نفوس الاخرين والحياة فتمر بالحياة وتغادرها مرور الكرام! فهناك ناس نبكي عليه ساعات وهناك من نبكي عليهم العمر باكمله . ياترى مالسبب.؟ لانهم عرفوا كيف ان يتركو بصمة في خالدة في هذه الحياة ... ونقلتني الذاكرة لفقيد الكنيسة الاب العلامة يوسف حبي رحمه الله بقوله : ان حجم خلودك بقدر حجم الاثر الذي ستتركه بعدك!
_عندما يقف القلب عند حدود الكراهية، فلا يعرف بعد ان يتجاوز وينسى ويعيش فرح الصفح والغفران ... فمن اصعب المواقف ان تكون انسان ذو قلب اسود ! قلب لايعرف النسيان.
_عندما لا يكون لك فرح داخلي فلا تترك لليأس والحزن مجال ليغتالا الفرح والرجاء فيك، فلا اجمل من ايكون لك فرح داخلي تجسده بابتسامة شفافة هادئة.
_ عندما تريد ان تكون مثل فلان وفلان ولا تكون انت ( فاناك) فريد لا يتكرر ولايمكن ان يشبه الاخرين!فكن مميزًا لتتميز!
_ عندما تعطي نقودًا لفقير ما دون ان تعطيه رحمة وحب. ولا اتعس من عطاء الواجب ( الواجب يحتم عليّ)!
_ عندما لايكون للصلاة مكانة في حياتك، اسعى لان تكون انسان صلاة! الكثير من الناس في ازماتهم يتوجهون للمقربين عليهم من كهنة واصدقاء وووو ويطلبون حلاً وياخذون ارائهم وو.......... ولكننا غالبًا مما نسى ان ناخذ رأي الله ( يارب انت ماذا تقول؟) ( ساعدني يارب لكيما اختار الشي الصحيح).... فمتى، صليت ستلمس لمس اليد بانك تعيش قصة الحبّ الالهي، وستجد نفسك  في علافة مع من احبك وستكون اكثر انسانية!
_ عندما تكون رخيصًا بلا مبدأ ولا موقف ولا قرار ، فتغدو انسانًا مجاملاً مساوًما متملقًا متزلفًا وما اكثر المتزلفيين اليوم .... فمن اصعب المواقف ان تعيش بوجه عدة ولا اتعش من ان يكون الانسان ازدواجيا...فليكن شعارك ان اليد التي لا تعض لا تقبل ، ولا تبيع ضميرك ومبادئك بالنقود او من اجل مناصب وامتيازات زائلة!
_ عندما تكون بيدق  شطرنج بيد الاخرين لاقرار لك.
_ عندما تكون حجر عثرة للاحرين.
_ عندما لا تجعل من التعددية والتنوع شعارًا لحياتكِ،فتكون ذو ذهنية احادية التفكير .... وستبحث عن ما يشبهك ، وعندما ترى العكس سترفض قبل المختلف عنك، وستحول الاختلاف إلى خلاف.وهذا هو حال معظم الناس . ألستم معي في هذا التشخيص؟!
 كثير من الناس وللاسف يعيشون ثنائية قتالة من لايفكر ويلبس ويتصصرف مثلهم فهو ضدهم. أملي الانجعل من الاختلاف تضارب ، بل غنى وبناء وتكامل ... تطلعوا إلى الحديقة فهي لا تبدو جميلة الا بتنوع وتعدد ازهارها!
_ عندما تُعمم الاشياء ( كل _ وجميع) فتحكم على الناس وكأنك تقول ان كل الناس قصار القامة! فكلا والف كلا للتعميم فعندما نعمم الاشياء ستختلط الاوراق ويصبح كل شي ذات لون واحد .... يؤلمني بعد احداث العراق في 9 نيسان 2003 باتت تسميت العراقيين ب ( الحواسم وعلى بابا . واصبح العراقي "كخ" في نظر الكثير" بينما لم يكن كل العراقيين حواسم !فمن اصعب المواقف عندما نعمم الاشياء ، بل انا مع التشخصيص والتحديد والتمييز .......
_عندما تكتفي بذاتك فتنغلق عليه ، وكأن لا وجود للاخرين بالنسبة اليك ، ولكنك لم ولن تكون انسانًا إلا من وخلال الاخرين كانكيدو في ملحمة كلكامش فهو لم ولن يغدو انسانًا لا من خلال كلكامش وصديقته صاحبة الحانة!
_ عندما تفرق امور صغيرة ثانوية ان لم اقل تافهة زيجات وعلاقات حبّ امتدت جذورها لسنوات، فلا تقف عند صغائر الامر وتذكر دائما ان الذي يجمعك مع من تحب اقوى واقدس من تلك الصغائر.... اذهب للعمق ولا تتمسك بالسطح والقشور!
_ عندما تمل اذنيك لاقاويل لاطائل منها سوء التقليل من شانك وسببها الغيرة والحسد ، لكن اؤمن  ان الشجرة المثمرة هي وحدها التي تظرب بحجر !
_عندما تنسى بأن الحياة معنى فتضيع منك حلاوة الوجود فتغدو رقمًا بين مليارات الارقام ، اشبه بالنكرة.
_عندما لا يكون لك موقف ، فليتك لاتنسى بان الحياة موقف بل انساننا موقف ، وقيمتك بقيمة المواقف التي تتخذها!
_ عندما لا تكون عميقًا ولا تحافظ على اسرار واخطاء الاخرين وتكون من ذوي بياعي الكلام وتشهر باخطائهم!
_ عندما تظن ان قيمتك بما تملك ، او تظن قيمتك باموالك وسيارتك وبيتك وكيلوات الذهب،  ومنصبك،بل قيمتك باخلاقك وثقافتك ورحيتك ووو بل قيمتك بانسانيتك،  ومن ثمارهم تعرفونهم يقول يسوع له المج! فلا تكن من المرددين ان وزنك بقدر ما تملك، فلا تكن ضحية تفكير مادي ...
_ عندما تفقد الاحساس بانك خاطى .... فتصلي صلاة الفريسي بدلا من ان تصلي صلاة العشار! ولا اكثر من الفريسيين اليوم في الكنيسة والحياة !!!!




الاب يوسف جزراوي
p.yousif jazrawy
[/size]

71
هل المُتعلم هو المثقف؟!!


كثيرا ما يتداول عامة الناس مصطلحات وتعابير ( انه دارس ومثقف وووو ) وينسبون ثقافته لكونه خريج الكلّية او المعهد الفلاني ...... ونحن تحديدًا كشرقيين وعراقيين ما ان نسمع أن (س) من الناس خريج الجامعة او المعهد الفلاني لنقيم له وزنًا ونحسبه في عداد المثقفيين والنوابغ وربما العلماء..........!!

    لكنّني بدوري ارى بوجود بون شاسع بين الثقافة والتعليم وبين المثقف والمتعلم ، فليس كل من درس وحصل على شهادة اكاديمية فهو مثقف! فمن الامور المغلوطة لكنها وللاسف شائعة في مجتمعنا ان ننعت كل صاحب شهاده بالمثقف! انه يلم بمجال ما محدود .....

  فربّما تصادف او قد التقيت في مسرح الحياة بذوي شهادات واختصاصات فرائيتهم محددودي الافق ضيقي النظر منغلقيين على ما لديهم رافضيين الانفتاح على ماهو جديد ومفيد وخبراتهم محدودة  ولا يجيدون الحديث بكلمتين لا اكثر!، وربما تجد العكس أو تجد اشخاصًا لم تسمح لهم ظروف الحياة من مواصلة وتكملة دراستهم ولا يمتلكون اي شهادة او اختصاص لكنهم اساتذة في التعامل الانساني .............. وقد اكتسبوا ثقافتهم من الحياة ومطالعات وتجارب ووووو

             إملي إلا نحصر الثقافة او المثقف بين جدران الدارسين واصحاب الشهادات..... فهناك شخصيات معروفة بصمت بصمتها المؤثرة في الحياة وفي تاريخ كنيستنا وهم لايمتلكون ابسط الشهادات ...... والامثلة كثيرة! فالحياة مثقفة للانسان لما تحويه من دروس وعبِر ....


ولعلي اشخص المشكلة باننا عانينا ولانزال نعاني اليوم في مجتمعنا العراقي من سوء هضم معرفي وثقافي!
فمن الاخطاء الشائعة في مجتمعنا ان نسمي الوزارة التي تعنى بشؤون الطلبة والتعليم ( بوازارة التربية و وزارة التعليم العالي) لكن واقع الحال وقد يتفق معي الكثير ان قلت: إن هذه الوزارة ومؤسساتها لاتعطي تربية وثقافة بقدر ما تقدم معلومات وتعليم محض، فهي من وجهة نظري مؤسسات لاتهتم بتربية الفرد وتنشئته وتكوينه وبنيانه فكريًا وانسانيا .... لتمكنه من التفكير بشكل منهجي .... بل تجعل منه أله لحشو المعلوماتية التي قد يتناسها واحدنا مع الزمن. وكلنا يعلم في مدارس وجامعات العراق هدف الكثير من الطلبة (النجاح فقط) وباية طريقة كانت! وان كان النجاح او الشهادة تشترى مقابل مبالغ مادية مغرية ........... ومقياس الطالب لدينا هو ما يجمعه من علامات ( درجات) عالية وليس بمقدار ذكائه او استيعابه للمواد الدراسية التي تقدكم اليه.

               لذا كنا ولا نزال نرى الكثير من الطلبة يتقاعسون من الذهاب للمدارس والكليات وان ذهبو فتراهم مشمئزيين او باكراه من قبل الاهل ( للتفاخر بولدهم او ابنتهم الذين يمتلكون الشهادة الفلانية)! او يذهبون بدون رغبة او كما كان الجيل القديم متمسكًا بالدراسة خوفا من خدمة العلم لما شهده البلد من حروب طاحنة.... ترى  اليوم الكثير من الجيل الجديد متمسكًا بالدراسة للحصول على شهادة ليتوظف بها ومنها يجني رواتب مغرية .......... فبات البعض يدرس من اجل غاية ما، وليس حبًا بالتعليم والمعرفة والثقافة وبنيان الذات ............لا حظوا  أن معظم طلابتنا ( وانا ربما كنت واحد منهم ايام دراستي في الثانوية) يعدون الايام ويتمنون ان تاتِ الاجازة الصيفية لنتخلص من حزم الورق التي على ظهرنا.
 أتوقع معظمنا  قد شاهد هالصورة من قبل... بعض الطلبة يمزق الكتاب و يحرقها ...تقول كأن بينهم ثأر و حرب ما تنطفي نارها أبد...


كأنه يتشفى من هالكتاب... فتجده يمزقه ورقة ورقة...

ولا عجب ان قلت وللاسف تحولت الكثير من مدارسنا وكلياتنا إلى مؤسسات للجفاف العقلي وحشو الذاكرة ...... ومؤسسات لضجر الطلبة من حب المعرفة!

 فلم نتعلم في مدارسنا ان نفكر ونحلل ونتساءل ونبحث، بل ان نحفظ على ظهر القلب ( دراخة) اشبه بالبغبغاء.  فترانا في بجامات النوم او على سرير النوم او في سطوح المنازل اوفي ارصفة الازقة  نردد الواجب او الدرس ونحفظه على ظهر القلب ... هكذا تعلمنا على (بلع) الواجب والمعلومات الدراسية ولا نهضمها. فعانينا ونعاني اليوم من سوء هظم ثقافي ومعرفي! وهذا هو في ظني  سبب تاخرنا، إن لم اقل في الكثير من المجالات قياسًا لا اقول بدول العالم ، بل ببعض الدول العربية المجاورة وغيرها.......!!!

       فختلطت لدينا الاوراق وبات هم الكثير من الطلبة هو الحصول على الشهادة  .. بسبب، نحن مجتمع مهتم بالمظاهر فنحسب خريجي الكليات بالمثقفيين ونحسب لهم حسابنا ونعطيهم مكانا مميزا في المجمتع

في رأيي الخاص... يوجد فرق بين المثقف و المتعلم... يعني... ان كان واحدنا  نجح في دراسته فهذا لايعني  أنه مثقف... لا والف لا  هناك فجوة بين الأثنين...


المثقف ..هو  إن  يطلع واحدنا ويبحث  بدون ما يكون له نهج محدد ...و بدون ما يكون له وقت معين من السنة... المثقف هو من يعرف ان يكون في حوار واتصال دائم بدافع الحب والتثقيف مع الكتاب ليستجلي الحقيقة 
وقد لا اكون مخطاً  بقولي" ..أنا لا ارى أن النظام التعليمي في العراق  ينتج مثقفين... بل ينتج ناس حاصلين على شهادات يصح لنا تسميتهم بالمتعلمين  والدارسين!


ختامًا: اقولها للمرة المليون الفرق شاسع بين المثقف والمتعلم .... وليس كل من امتلك شهادة لهو مثقف! والانسان من ثماره يُعرف!

الاب يوسف جزراوي

72
نعيش اليوم ازمة مزمنة وهي ازمة ظلمنا لله ولكون الله سرا بات في نظر الكثير الها متعاليا جبارا في سماه لكنه في الحقيقة قريب منا ، بل انه حي فينا.
وفي ظل هذه الاعتبارات وغيرها تكونت لنا مفاهيم مغلوطة عن الله ولعل ما زاد الطين بلة: هو امتلاكنا لمفاهيم متناقضة ومختلفة ومتضاربة عن الله ( اله محب_ ديان_ منتقم_ جبار _ عطوف.....) وفي حياتنا اليومية الا نسمع الام تقول لطفلها : ( أذا لم تاكل طعامك سيخاصمك الله ويعاقبك _ لا تفعل هذا ثانيةً فيسوع سيزع منك) والمظلوم الا يقول لظالمه 0 الله ينتقم منك)! فلماذا نستعمل الله ( كمطرقة) فوق رؤوس الاخرين) ولماذا نرهب الناس بالله!!!!
 الهنا اله يسوع المسيح اب وليس امبراطورًا او دكتاتورًا على العالم وليس هو بمؤلف مسرحي يحرك الانسان كما يشاء فالله لم يخلق الانسان ليتسلى به ويتلذذ بمعاناته!
كثيون منا وللاسف يضنون، بل يتصورون الله كمتفرج يتطلع الينا من علياء سمائه ويراقبنا كشرطي ويدقق في الزائدة والناقصة لكي يسجل الغرامات. ويزيدون: انه يسجل كل تحركاتنا لكي يحاسبنا يوم الدين .......... صدوقني ان هذه الاله ليس الهنا،اله يسوع المسيح.
منذ القدم وهناك مفاهيم مغلوطة ومشوهة عن اللهز الم يصنع الانسان الهه على مثاله؟ ففي القرن السادس قبل الميلاد كان الاحباش يصنعون الهتهم سود وبانف افنص. واليوم الانصيغ الهنا بحسب تصوراتنا واسقاطاتنا البشرية . الم نضعه في (قفص الاتهام) واسقطنا عليه مفاهيم بشرية عقيمة نابعة من تصوراتنا  وكاننا بعيدون كل البعد عن تلك المفاهيم التي اتنا بها يسوع المسح.
في فلندا قدمت محاضرة لشبيبتنا المباركة وهم قلة عن وجه الله الابوي، وفي البدء وزعت عليهم قصصات ورق طالبا منهم ان يصورن لي وبكلمات خمس نضرتهم عن الله. وما ادراكم كيف كانت الاجابات؟!! فوجدتها متباينة مختلفة متنوعة متضاربة تعكس اسقاطات اصحابها!
لذا انا مع مقالع الفيلسوف نيتشه بقوله:" لنقتل الله الذي جبلته ايدينا، وليحيا الله الذي جبلنا".
              دعت القدّيسة تريزا الكبيرة اهل القرية لتخبرهم عن اقامة مشروع الميتم الجديد ، فقالت لهم:" ........... نحن بحاجة إلى ميتم كبير . فقالوا لها: لماذا؟ فاجابت قدّيستنا المباركة: لأن كل من لايعرف الله يتيّم".
 فدعونا ان لازالة كل الصور المغلوطة عن الله والتي تلقيناها وتلاقفناها من هنا وهنا من مجموعة تربيات خاطئة تعكس وجهات نظرنا كبشر واسقاطاتنا ورغباتنا وميولنا!
سال احد الصحفيين العالم البرت انيشتاين صاحب النظرية النسبية:
سيّدي هل تؤمن بالله؟ فاجابه صاحبنا : قل لي عن اي اله تتكلم فاجيبك؟!.
وصدق رحمه الله باجابته هذه فصور الله في عالمنا اليوم كثيرة وكان لكل منا اله قد صنعه هو!
لكن الهي ليس:
اله لا قلب له يقف متفرجا لايبالي لمصائبنا
وليس هو بجلاد ولا بععبع مخيف او الها متعاليا ينزل علينا الكوارث والمصائب ساعة ما يشاء
وليس اله يسوع المسيح الها يعاملنا بالمسطرة والمليم ، إنّما اله يختلق ويجد اعذاًر لاغلاطنا ومعاطينا وخطايانا ، انه ذلك الاب الذي ينطلق مسرعصا ليحتضن ولده الظال بعد زمن الضياع...
وليس الله بظابط اناطو به مراقية ملعب واسع الابعاد يعيش فيه الناس ليعطي هذا الظابط النتائج في النهاية. فيكافئ الصالحين ويعاقب الاشرار.
ليس الهي متزمد ومتعصب ومنغلق، بل منفتحًا شموليًا على الجميعز واذناه تسمع صلواتي باي لغة كانت وليس بلغة الطقوس الجامدة التي لا يفهمها سوى اكهنته وشمامسته ونفر قليل!!!!
ليس الهي بملكا تجسد لكيما يكون له حاشيه وسلطة ونفوذ وجاه ومحسوبيات بل خادم ليغسل اقدام تلاميذه

بل الهي اله حبن والحب طريه الوحيد الي انه يربيني بروح الحبّ!
الهي اله مسيرة نكتشفه يومًا بعد يوم مختبرين حبه الابوي الامحدود
الهي اله امين وان خنته او قطعت عهدك معه ، انه يبقى امينا متمسكا بك
الهي اله لقاء وكم من لقاء حدث مع اشخاص ليقليب حياتهم رأسا على عقب كزكا والمجدلية وبولص الرسول فرنسيس الاسيزي وكاتب هذه السطور وانت وهي ...............
الهي اله دعوة وختيار يختارك لتكون صياد بشر فتتعلم ان تصيد الاخرين بشبكة حبه
الهي غفور ومغفرته دواء فيه حياة جديدة كما حصل للزانية وبطرس ، بل الهي مصاب بداء النسيان ؛ليس نسيان المرض او كبر  السن او العجز، بل نسيان الحب!
لم يكن الهي غنيا او اقطاعيًا، صاحب مزارع وحقول مصايد سمك او تاجرصا كبيرا او جابي ظرائب بل ابن نجار بسيط ولادته في سطبل للحيوانات وفي حياته لم يكن له مكان ثايت يسند عليه راسه
الهي نجار بسيط فكانت نهايته حبًا بالبشر على خشبة الخلاص.
الهي دليلي فعندما اشعر بالضياع والتعب وسط زحمة الناس انظر اليه ليقودني نحو شاطى الامان
الهي بريئ من كل شر حصل ويحصل في العالم لانه لايعرف سوى الخير والحبّ
الهي لم ولن يخلقني عبدًا
جاعلاً مني كبيدق الشطرنج مسيرا ، بل ابنا حرًا وان كان هذا حقيقة فليس له الحق بان يحاسيني يوم الحساب مادمت مسيرا.
ويبقى الهي ضعيف لانه اله حبّ ولانه حبّ مجاني تراه عاجزًا عن القبام باعمال تخالف الحبّ
فالهنا اب يتمزق قلبه على بنيه ويفيض عليهم نعمه وحبه ويحتضن واقعهم البشري الاليم ، كام تحتضن رضيعها.


شكرا لك ياسوع لان كشفت لي لمحات عن الله وما اروعه من اله!

الاب يوسف جزراوي
 
 
 

73
أدب / الله في قفص الاتهام
« في: 19:19 01/07/2008  »
نعيش اليوم ازمة مزمنة وهي ازمة ظلمنا لله ولكون الله سرا بات في نظر الكثير الها متعاليا جبارا في سماه لكنه في الحقيقة قريب منا ، بل انه حي فينا.
وفي ظل هذه الاعتبارات وغيرها تكونت لنا مفاهيم مغلوطة عن الله ولعل ما زاد الطين بلة: هو امتلاكنا لمفاهيم متناقضة ومختلفة ومتضاربة عن الله ( اله محب_ ديان_ منتقم_ جبار _ عطوف.....) وفي حياتنا اليومية الا نسمع الام تقول لطفلها : ( أذا لم تاكل طعامك سيخاصمك الله ويعاقبك _ لا تفعل هذا ثانيةً فيسوع سيزع منك) والمظلوم الا يقول لظالمه 0 الله ينتقم منك)! فلماذا نستعمل الله ( كمطرقة) فوق رؤوس الاخرين) ولماذا نرهب الناس بالله!!!!
 الهنا اله يسوع المسيح اب وليس امبراطورًا او دكتاتورًا على العالم وليس هو بمؤلف مسرحي يحرك الانسان كما يشاء فالله لم يخلق الانسان ليتسلى به ويتلذذ بمعاناته!
كثيون منا وللاسف يضنون، بل يتصورون الله كمتفرج يتطلع الينا من علياء سمائه ويراقبنا كشرطي ويدقق في الزائدة والناقصة لكي يسجل الغرامات. ويزيدون: انه يسجل كل تحركاتنا لكي يحاسبنا يوم الدين .......... صدوقني ان هذه الاله ليس الهنا،اله يسوع المسيح.
منذ القدم وهناك مفاهيم مغلوطة ومشوهة عن اللهز الم يصنع الانسان الهه على مثاله؟ ففي القرن السادس قبل الميلاد كان الاحباش يصنعون الهتهم سود وبانف افنص. واليوم الانصيغ الهنا بحسب تصوراتنا واسقاطاتنا البشرية . الم نضعه في (قفص الاتهام) واسقطنا عليه مفاهيم بشرية عقيمة نابعة من تصوراتنا  وكاننا بعيدون كل البعد عن تلك المفاهيم التي اتنا بها يسوع المسح.
في فلندا قدمت محاضرة لشبيبتنا المباركة وهم قلة عن وجه الله الابوي، وفي البدء وزعت عليهم قصصات ورق طالبا منهم ان يصورن لي وبكلمات خمس نضرتهم عن الله. وما ادراكم كيف كانت الاجابات؟!! فوجدتها متباينة مختلفة متنوعة متضاربة تعكس اسقاطات اصحابها!
لذا انا مع مقالع الفيلسوف نيتشه بقوله:" لنقتل الله الذي جبلته ايدينا، وليحيا الله الذي جبلنا".
              دعت القدّيسة تريزا الكبيرة اهل القرية لتخبرهم عن اقامة مشروع الميتم الجديد ، فقالت لهم:" ........... نحن بحاجة إلى ميتم كبير . فقالوا لها: لماذا؟ فاجابت قدّيستنا المباركة: لأن كل من لايعرف الله يتيّم".
 فدعونا ان لازالة كل الصور المغلوطة عن الله والتي تلقيناها وتلاقفناها من هنا وهنا من مجموعة تربيات خاطئة تعكس وجهات نظرنا كبشر واسقاطاتنا ورغباتنا وميولنا!
سال احد الصحفيين العالم البرت انيشتاين صاحب النظرية النسبية:
سيّدي هل تؤمن بالله؟ فاجابه صاحبنا : قل لي عن اي اله تتكلم فاجيبك؟!.
وصدق رحمه الله باجابته هذه فصور الله في عالمنا اليوم كثيرة وكان لكل منا اله قد صنعه هو!
لكن الهي ليس:
اله لا قلب له يقف متفرجا لايبالي لمصائبنا
وليس هو بجلاد ولا بععبع مخيف او الها متعاليا ينزل علينا الكوارث والمصائب ساعة ما يشاء
وليس اله يسوع المسيح الها يعاملنا بالمسطرة والمليم ، إنّما اله يختلق ويجد اعذاًر لاغلاطنا ومعاطينا وخطايانا ، انه ذلك الاب الذي ينطلق مسرعصا ليحتضن ولده الظال بعد زمن الضياع...
وليس الله بظابط اناطو به مراقية ملعب واسع الابعاد يعيش فيه الناس ليعطي هذا الظابط النتائج في النهاية. فيكافئ الصالحين ويعاقب الاشرار.
ليس الهي متزمد ومتعصب ومنغلق، بل منفتحًا شموليًا على الجميعز واذناه تسمع صلواتي باي لغة كانت وليس بلغة الطقوس الجامدة التي لا يفهمها سوى اكهنته وشمامسته ونفر قليل!!!!
ليس الهي بملكا تجسد لكيما يكون له حاشيه وسلطة ونفوذ وجاه ومحسوبيات بل خادم ليغسل اقدام تلاميذه

بل الهي اله حبن والحب طريه الوحيد الي انه يربيني بروح الحبّ!
الهي اله مسيرة نكتشفه يومًا بعد يوم مختبرين حبه الابوي الامحدود
الهي اله امين وان خنته او قطعت عهدك معه ، انه يبقى امينا متمسكا بك
الهي اله لقاء وكم من لقاء حدث مع اشخاص ليقليب حياتهم رأسا على عقب كزكا والمجدلية وبولص الرسول فرنسيس الاسيزي وكاتب هذه السطور وانت وهي ...............
الهي اله دعوة وختيار يختارك لتكون صياد بشر فتتعلم ان تصيد الاخرين بشبكة حبه
الهي غفور ومغفرته دواء فيه حياة جديدة كما حصل للزانية وبطرس ، بل الهي مصاب بداء النسيان ؛ليس نسيان المرض او كبر  السن او العجز، بل نسيان الحب!
لم يكن الهي غنيا او اقطاعيًا، صاحب مزارع وحقول مصايد سمك او تاجرصا كبيرا او جابي ظرائب بل ابن نجار بسيط ولادته في سطبل للحيوانات وفي حياته لم يكن له مكان ثايت يسند عليه راسه
الهي نجار بسيط فكانت نهايته حبًا بالبشر على خشبة الخلاص.
الهي دليلي فعندما اشعر بالضياع والتعب وسط زحمة الناس انظر اليه ليقودني نحو شاطى الامان
الهي بريئ من كل شر حصل ويحصل في العالم لانه لايعرف سوى الخير والحبّ
الهي لم ولن يخلقني عبدًا
جاعلاً مني كبيدق الشطرنج مسيرا ، بل ابنا حرًا وان كان هذا حقيقة فليس له الحق بان يحاسيني يوم الحساب مادمت مسيرا.
ويبقى الهي ضعيف لانه اله حبّ ولانه حبّ مجاني تراه عاجزًا عن القبام باعمال تخالف الحبّ
فالهنا اب يتمزق قلبه على بنيه ويفيض عليهم نعمه وحبه ويحتضن واقعهم البشري الاليم ، كام تحتضن رضيعها.


شكرا لك ياسوع لان كشفت لي لمحات عن الله وما اروعه من اله!

الاب يوسف جزراوي

74
جزيرة ابن عمر                                                   الاب يوسف جزراوي
 (جزيرة الشهداء)
                     
في البدء كلمة....

لا يكتشف الإنسان، المبدعين والعظماء والأحداث الخالدة إلاّ من خلال التاريخ، فهو تراث، ومدرسة، وحضارة، وخبرة أجيال، بل أنه ذاكرة للأجيال ، التي تتعرف بواسطته على جذورها، ومنه تستقي العَِبر.....
ولا أجمل من أن يتناول الإنسان تاريخ أصوله واهله، ليعرف جذروه، فيسعى للتجذر، فأنا من المؤمنين بأن التجذر عنصر جوهري في تكوين الإنسان، والتجذر وحده يسمح للمرء بالامتداد في أفق واسعة دون ضياع واستلاب واغتراب.
عكفت منذ فترة ليست بالقصيرة، بجمع مصادر عن الجزيرة العمرية،ففرغتُ من العمل، لكني كُنت أراه ناقص ،عرضتُ الموضوع على أُستاذنا الأب يوسف توما، فأمدني مشكورًا  بمخطوط عن حوادث الجزيرة العمرية مُترجم إلى اللغة العربية•، عنوانه (هل سيموت هذا الشعب؟) كان قد كتبه شاهد عيان وهو الأب جوزيف نعيم ، فصدر الكتاب بأكثر من لغة ، عام 1920 بأسم      ( هل ستُفنى هذه الأمة ؟).
قراءتُ المخطوط اكثر من مرة  فأستفدتُ منهُ كثيرًا، وبواسطته استجليتُ الحقيقة...... لكنّني لا زلتُ ارى عملي غير متكامل؛ لكن فضلت نشره ، على امل اعادة نشره في صورة متكاملة وشاملة في المستقبل لكن العمل لم يُكتب له ليرَ النور ، ففضلت نشرهُ بصيقة مقال مطول في عينكاوا كوم على امل نشره في المستقبل ان قيض لي الله.
وأنا اعد هذه الكلمة المقتضبة تصورّت الاعداد الكبيرة من الجزراويين الذي أُخرجوا قسرًا من ديارهم ، فسقط عدد كبير منهم في الطريق ، وبعضهم وصلَ إلى الموصل او المدن الاخرى ولا يزال يعيش في ظهرانينا.
والجزراويون اليوم موزعون بشكل عام في زاخو والاغلبية الكبرى هم من الكلدان، بينما يقطن جانب منهم في الموصل  وهم من الكلدان أيضًا وينتمي البعض الاخر للكنيسة السريانية بشقيها الكاثوليكي والارثذوكسي وهم اقلية قليلة ، بينما يكثر تواجد الجزراويين في بغداد واكثرهم من الكلدان. وفي سورية وجدت عدد لابئس به من الجزراويين الذي تعود اصولهم إلى جزيرة ابن عمر.
وعندما يدور الكلام عن ابرشيتي العزيزة ( الجزيرة ) وعن أبرشيات أُخر كاماردين وآمد وسعرد،  تنقلني الذاكرة مباشرة إلى تركيا، فتلمع فيها وتلوح صورتان مختلفتان كليًا، واحدة قاتمة والاخرى مشرقة.
الأولى :سوداوية دموية تذكرنا بمذابح الدولة العثمانية البائدة.
الثانية : صورة مُشرقة ، وإن غابت عنّا ، لكنّها لم ولن تعرف الغروب؛ صورة تُذكرنا بأبرشياتنا العريقة التي كان فيها اهم المراكز الثقافية وأهم المطرانيات .... فيتوافد إلى مُخيلتنا رجال عظام نموا وترعرعوا في تلك الأرض أو خدموها لسنوات، وهم أشهر من نار على علم، يعرفهم القاصي والداني ، فمن منّا يجهل جبرائيل دنبو  مجدد الرهبانيّة الكلدانيّة في ديارنا، وروفائيل مازجي الذي بهمته ودعمه تأسسس معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل وأُفتتح سنة 1868 والمطران إيليا ملوس، الذي بصم بصمته في القضية الملبارية، والمطران الشهيد يعقوب اوراها خطاط الرهبانيّة الكلدانيّة،   والباحث الشقلاوي الدؤوب ادّي شير الذي كان منكبًا على المخطوطات يُطالعها ويحقق مافيها ... ناهيك عن الكنائس الاثرية والاديار العريقة ، والمطرانيات القديمة .... 

ووفاء"ا مني، وأعتزازًا بمسقط رأس أجدادي، أحرص اليوم على نشر هذا العمل، ليتعرف القرّاء على شهود الأيمان الذين دفعوا حياتهم ثمنًا، لكيما يعلو أسم المسيح، فأسأل الله التوفيق....... وآملاً أن أكون قد ملأتُ الفراغ الموجود في مكتبتنا الكنسية.
متمنيــــا للقراّء الأعزاء قراءة ممتعـــة ، وللباحثين الأفاضل فائـــدة كبيرة.....
أُرحب بأي معلومات يمّدني بها القُرّاء الكرام، وساكون شاكرًا بأسمي وباسم مُحبي التاريخ والتراث لكل من يرفدني ويزودني بمعلومات وشهادات مفيدة أو بصور قديمة ونادرة. 

لمحــة من التـاريخ

ذَكر اكثر من باحث بأن لهذه الجزيرة أسماء عدة، تعود الى ما قبل الميلاد، فتارة نقرأها صفا وتارة أُخرى أسفيا، علاوة على التسمية المعهودة بـ  جزيرة الصخرة... في تاريخنا الكنسي الشرقي عُرفت هذه الجزيرة بأبرشية بيت زبدى. وهي مدينة جميلة تقع في جنوب تركيا. ويطيب لي أن أُسميها: بجزيرة الشهداء نسبة إلى عدد الشهداء الذين سقطوا على أرضها فنالوا اكليل الشهادة فيها. 
ويفيدنا الشمـّـاس نوري إيشوع بقوله عن هذه الأبرشية:"موقعها في وادي دجلــة على بعد 3كم جنوب مدينة الجزيــرة الحالية.  وكان مركز الابرشية في فنك، ويقال لها الجزيرة، على مسافة خمس ساعات منها.  وفي بداية القرن الثالث، وجد أُسقف للابرشية ، يتبع رئاسة كرسي نصيبين المطربوليطي" .... وفي سنة 410 نجد في مقاطعة بازبدى، مطرانتين متجاورتين. الاولى على الضفة الشرقية من دجلة في قردو، ومركزها فنك ، والثانية على الضفة الغربية في قردو ، ومركزها ثمانون. وهي في لحف جبل جودي. في منطقة بوتان اليوم.
 وعنها نقرأ أيضًا في مُعجم البلـدان، ليــاقوت الحموي :      " بلـــدة فــوق الموصل  بينهما  أيام ولها رستاق مخصب واسع الخيزران.... تحيط بها دجلــة إلا من نــاحية واحدة شبه الهلال" .
سنـــة  691م ، بنى المسلمون الجزيــــرة العمرية، على بعـــد 3 كـــم شرقي بازبدى.  ويقــول الحمـــوي: بــأن " أول من عمرها هو الحسن بن خطاب التغلبي سنة 250هـ" .   
    رويــدًا رويــــدًا أخذت هذه المنطقة بالتوسع لتغــدو أهــم مدينة في المنطقة، أذ نستشف من كتب التاريخ، بأن المنطقة كانت مركزًا تجاريًا مُهمًا، وكانت حالة الجزيرين الأقتصادية جيدة لان مدينتهم ملتقى التبادل التجاري، زد على ذلك لأن نهر دجلــة يمــر فيها حاملاً الخيرات على أنواعها على متن (الكلاك)  قــادمًا من الشمال متوجهة مع تيـــار المـــاء الى الموصل وتكـــريت ثم بغــــداد ، فأهــــل الجزيرة كانـــوا معروفين بنشاطهم في مختلف الميادين، وبالذات الإقتصادي.
وبسبب تربتها الخصبة ومياهها الغزيرة، كانت المدينة غنية بالمنتوجات الزراعية والحيوانية، ومنها كان يتم التبادل التجـــاري باتجــاه الموصل عِبرَ نهـــر دجلـــة.
 
كـــان أهــل المنطقة يتكلمون اللغـــة الكردية والعربية بلهجة خاصة بهــم، بينمـــا كــان المسيحيون  يتكلمون السورث أيضًا إلى جانب اللغتين المذكورتين وبالذات في القرى، بحيث أمتازت هذه الجزيرة،  بكثرة القرى وهي بحسب تفنجي  ( الجزيرة ـ طاقيان ــ فيشخابور  ــ حصد ــ  تل قبين ــ هوز ومير ــ هربول ــ كير كيبدرو ــ نهروان ــ متصورية ــ  إشي  ــ باز ـ هلتون ـ آقول ـ ديسيون ـ مارشوريشو ـ شاخ ) .
نقرأ في مقال الأب يوسف توما، بأن منطقة الجزيرة كانت عاصمة لأمراء منطقة بوتان، وقد وقعت فيها حروب عدة ومآس آلت إلى تساقط ممالك وإمارات، كانت دولة مهاباد الكردية آخرها، وسكن هذه المنطقة عدد كبير من المسيحيين ، بل كانت أحيانًا مقرًا لثلاث اسقفيات: كلدانية وتسمى اسقفية الجزيرة، وسريان ارثوذكس ومقرها آزخ. ومنذ عام 1888م، كان فيها أسقفية للسريان الكاثوليك.
ويزيد صاحب المقال مستطردًا : لم ينقطع وجود المسيحيين فيها منذ القرن 6م وحتى 19م ، ممّا يمكن أن تعد هذه المنطقة كنزًا للقصص والروايات حول الأنبياء والآباء والقديسين والشهداء .
اهتم بهذه المنطقة الرحالة والسياح ( وليس السواح) لآثارها القريبة منها مثل جبل جودي الذي يدعى بالكردية ( جودي) وبالتركية     ( جودي داغ) الذي يرتفع نحو 2100 م فوق سطح البحر ، ويقع هذا الجبل على بعد نحو 20 كم إلى الجنوب الشرقي من الجزيرة العمرية. يطل على سهل دجلة. كما كانت جزيرة ابن عمر محط انظار التجار الاوربيين  بسبب نوعية خشب البلوط الذي كان يُكثر فيها ، فينقلونه إلى أوربا ومنه تصنَع افضل انواع البيانو.
ذكر الأب يوسف توما: .... ووجدنا في التقاليد السريانية والكردية ، ولدى اتباع الديانات الكتابية كافّة من يقول إن جبل جودي هو الجبل الذي رست عليه سفينة نوح إلى جانب من يقول إنه جبل أرارات الذي قرب يريفان الأرمنية ، والأرمن يعتمدون النص الكتابي  ويقولون إن بقرب آرارات قبر لنوح في مدينة نا خيشسفان، لكن بالقرب من جبل جودي  قيل إن فيه قبر لنوح ودير يحمل إسمه، سكنه رهبان من كنيسة المشرق لعدة قرون .
وحسنًا لنا الاستشهاد بما اورده الخوري يوسف تفنكجي عن ابرشية الجزيرة في احصائيته عام 1913  فهي في رأيي الأهم لأنه وضعت قبل المذابح العثمانية: " .... يسكن في المنطقة إلى جانب الكلدان ، السريان والنساطرة والبروتستان بالاضافة إلى الاغلبية المسلمة . يتكلم المسيحيون فيها السورث والعربية ، فيها رسالة للآباء الدومنيكيين واخرى لراهبات التقدمة . مطرانها الحالي مار يعقوب اوراها" .
 كنيسة الكلدان في الجزيرة على إسم القديس كيوركيس ، ويعود بناؤها إلى القرن الخامس عشر.ومن اثارها ( الجزيرة ) قلعتها المُشيدة  بالاحجار السوداء البركانية والبيضاء  الصلبة  . 
     قضى معظم المسيحيين من سكنة الجزيرة نحبهم في الحرب العالمية الاولى،  إذ ضربت رؤوسهم بالسيوف ، فوقعوا ضحيت مذابح حيوانية .... فهُجروا من ارض اجدادهم قسرًا من قبل الرجل العجوز (الدولة العثمانية) 
 فسقط الكثير من الفارين منهم في الطريق امواتًا ، منهم من سقط جوعًا، ومنهم بسبب التعذيب، ومنهم من خرج عليه قطاع الطرق فقتلوهم بعد  أن سُلبوا ونهبوا و...
الناجون منهم ( وهم أقلية )، قصد اكثريتهم شمال العراق والموصل .. وخلال الزمن نزحوا إلى بغداد.... وقسم قليل قصد حلب والجزيرة العليا ففروا بجلدهم من مذابح لم يعرف التاريخ مثيلاً لها.
وبعد مذابح 1915 انتقلت ادارة الجزيرة إلى ابرشية زاخو الكلدانية ، واستمرت حتى النصف الثاني من القرن العشرين ، ثم تبعت كنيسة السريان الأرثوذكس .
شيئًا فشيئًا اخذ ينقرض وجود المسيحيين من الجزيرة ، أن لم يكن منقرضًا، فزالت ابرشيات عريقة في التاريخ والقدم في تركيا مثل إبرشية الجزيرة وماردين وسعرد وديار بكر التي هي الأُخرى هي اليوم بدورها باتت شبه فارغة من المسيحيين. 

   مذبحة الجزيرة  والتخوم المجاورة لها
سبب المذبحة
   كانت نيران الحرب العالمية الاولى قد اشتعلت وبشكل غريب. فكان المسيحيون بصورة عامة يتابعون تقدم الجيوش الروسية بكل اهتمام ويتقّصون أخبار المعارك باستمرار آملين أن تصل تلك الجيوش إلى مناطقهم وتُخلصهم من نير الحكم التركي الغاشم لأنّهم كانوا يفضلون الحكم الروسي على الحكم العثماني.
انتشرت بعض الدعايات متهمة الأرمن بالإعداد لمؤامرة ضد نظام الحكم العثماني التركي. كانت هذه الدعايات وأمثالها تنتشر بسرعة البرق حيث الأفواه تتناقلها، والأسماع تتناولها مع زيادة بعض الإضافات المثيرة والمضرة.
مذ ذاك أخذت ملامح وجوه الأتراك ونظراتهم إلى المسيحيين تتغير شيئًا فشيئًا حتى غدت تنذر بالوعيد والتهديد بالانتقام. بموازاة هذا التغيير بدأ المسيحيون يلحضون توزيع صور فوتوغرافية، غير حقيقية، توهم من يراها أنه يرى بعض الرجال باعتبار أنهم مسيحيون وهم يقتلون المسلمين بوحشية. بطبيعة الحال إن صورًا كهذه إضافة إلى الدعاية المغرضة كانت توغر صدور المسلمين البسطاء بالحقد والكراهية والبغضاء. ومما زاد الطين بلّة، هو تبنّي الشرطة نفسها مسؤولية توزيع صور كهذه أو على الأقل السماح بتوزيعها.
بعد ذلك أخذ الحال في التدهور وبسرعة حتى انتشرت اشاعات وادعاءات كاذبة ُتفيد أن السلطات الحاكمة تمكنت من كشف مخازن كثيرة (في بيوت بعض المسيحيين وكنائسهم) تحوي أسلحة مختلفة وبكميات كبيرة.
بربرية المذابح
كتب اللورد بريس مقدمة لكتاب الاب جوزيف نعيم  الذي نُشِرَ سنة 1920 باللغة الانكليزية ما يلي:
"لم يعرف تاريخ الشرق طوال حقباته أحداثًا دموية كتلك التي سُجّلت خلال المذابح المروعة وحملات الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الحكومة التركية تجاه مسيحيّي الأنضول وأرمينيا عام 1915. إن آلام الأرمن هي التي جذبت انتباه بريطانيا وأمريكا بشكل رئيسي بسبب ضخامة أعدادها وهزت الهيئات الكنسية لما شملته تلك الأعمال البربرية من مناطق واسعة. إن خطط إبادة المسيحية لم تقتصر على الأرمن رغم أنهم كانوا الأكثر تأثرًا بل شملت أيضًا الأقليات المسيحية كالنّساطرة والكلدو آشوريين حيث كانوا هم أيضًا ضحايا المخطط الإجرامي الذي كان هدفه إفناء المسيحيين جذورًا وأغصانًا علمًا أن الأتراك لم يستطيعوا يومًا إثبات أي اتهام أو أعمال معادية لسلطانهم من قبل تلك الأقليات" .
ويزيد صاجبنا في مقدمته قائلاً : قبل بدء الحرب العالمية الأولى، كان عدد الكلدان والسريان واللاثوريين والارمن كبيرًا. وكانت مناطق سكناهم في قرى عديدة انتشرت هنا وهناك في ربوع تركيا و منطقة وان المتاخمة لبلاد فارس والقوقاز. سكن هؤلاء المسيحيون في تلك المناطق منذ قرون طويلة وأجيال عديدة. كانوا يتمتعون بنوع من الحرية والحكم الذاتي إذا ما قورنوا بإخوان لهم سكنوا السهول الفسيحة.
كانوا يعيشون تحت نظام إداري بدائي مجزأ يرأس كل جزء رجل يدعى بـ "الملك". كان مار شمعون يرأس كل هؤلاء الملوك ويقيم في مدينة صغيرة تدعى قوجانس.
كانت القرى المسيحية محاطة بقرى كثيرة يقطنها الأكراد المنتمين إلى عشائر عديدة متناحرة فيما بينها لكنّها جميعًا كانت متـّفـقة على معاداة المسيحية والمسيحيين وتنظر إليهم بكره وحقد منتظرة الفرصة المناسبة حيث كانوا فارضين أنفسهم على مجتمعهم بقوة السلاح مدافعين عن حقوقهم وحامين كيانهم القومي. جعل هذا النوع من الحياة الرجال يعيشون حالة طوارئ مستمرة الأمر الذي جعل منهم قومًا شجاعًا لا يحني الرأس أبدًا. كانت الحكومة التركية (العثمانية) تحاول من حين لآخر أن تخضعهم وتنزع سلاحهم غير أنّ جنودها كانوا يعودون فاشلين كلّ مرّة يحاولون ذلك تاركين وراءهم الكثير من القتلى والأسلحة التي يستولي عليها المسيحيون فيستخدمونها ضد القوات المهاجمة المعتدية.
عندما أُعلنت الحرب ظنّ  ابناء الكنيسة الكلدانية والسريانية والاشورية  والارمنية القليلي الثـّقة بالدولة العثمانية أنّ ساعة الخلاص من الظلم التركي قد أزفت وأن وقت رحيله قد دنى فقرروا الوقوف إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك.
انتقامًا من موقف الكلدو آشوريين هذا قامت الحكومة العثمانية بإلقاء القبض على كل المنتمين إلى هذه القومية البعيدين عن ديارهم والساكنين في المدن المختلفة. من بين المعتقلين كان أخو مار شمعون الذي كان حينئذٍ في اسطنبول وأعدم بعد ذلك على يد السلطات العثمانية.
استطاع  المسيحيون أنّ يُشاغلوا الجيش العثماني أشهُرًا  عديدة ويُقاتلوه ببسالة وشجاعة بالرّغم من تفوقه عليهم عـُدة وعددًا.
كما قاتلوا العشائر الكردية التي سلحتّها الحكومة العثمانية ودفعت بها لمقاتلة المسيحيين، مشجّعة اياهم بوعود خلابة قطعتها لتحسين مستقبل الأكراد. كان الكلدان والارمن والاثوريين حتى ربيع عام 1915 هم المسيطرين على الموقف والمنتصرون دومًا. قام بعد ذلك حيدر باشا والي الموصل بتشكيل جيش نظامي تعداده أربعون ألف جندي تدعمه القبائل الكردية. هاجم حيدر باشا المسيحيين مـرّة أخرى من جهة الشمال. دخل الفريقان في حرب ضروس ومعارك حامية دامت أشهرًا. ونظرًا لقلة عدد المقاتلين المسيحيين وبساطة تسليحهم مقارنة بالجيش العثماني النظامي تمكّن حيدر من تضييق الخناق ومحاصرة المقاتلين الكلدان و الأثوريين فقطع خطوط اتصالهم بالروس وجيشهم المتواجد في المناطق المتاخمة. كما أنّ الجيش الروسي لم يستطع إمداد القوات المسيحية في الوقت المناسب. فقلّت المؤونة شيئًا فشيئًا حتى نفدت تمامًا كذلك نفدت الذخيرة ولم يبقَ مجال لاستمرار القتال.
قرّر بعض الشجعان من الطلائع وبعد مداولات قصيرة محاولة كسر طوق الحصار وقيادة الجماهير المحاصرة إلى ما وراء الجيوش العثمانية وقبل أن تقتحم عصابات الأكراد المدعومة بالقوات النظامية القرى المسيحية.
كان العالم كلّه يشهد الفاجعة التي حلّت بالشعب المسيحي في تلك الربوع ولا يُحرك ساكنًا. هجم الأتراك والأكراد هجمة شرسة قطعت أوصال الشعب المسكين وفرقته شذرًا مذرًا، فضربوا الرقاب بالسيف وحرقوا المساكن ودور العبادة من كنائس ومزارات ودمروا الحقول والبساتين. وقع الهاربون العزل المختفين في مضايق الجبال أو المتحصنين في كهوف فريسة ضعيفة بأيدي الطغاة الذين لا يرحمون لأنّهم عصابات خارجة على القانون. لقد كانوا حقًا شعبًا سباه أعداء لا يعترفون بحقوق للإنسانية ولا للعدل من وجود لديهم.
   ذُبحت أعداد غفيرة من الجماهير الهاربة في الطريق. استطاعت أعداد قليلة منهم فقط الوصول إلى خطوط القوات الروسية المتواجدة على الحدود التركية الفارسية بعد مرور بأهوال ومخاطر لا تُوصف. هكذا استطاع الناجون من الحصار المضروب اللحّاق بإخوانهم من  مسيحيي سهول أورميا وسلامس وخووي.
شهادة الأب دان جيلمونييه
 ( حول المذابح التركية للمسيحيين وبضمنها مذابح الجزيرة العمرية).

   "كل الشعوب عانت المصائب الكبيرة والكثيرة جراء الحرب العالمية؛ قاست الآلام وعانت من نقص الغذاء والإحتياجات الحياتية بشكل أو بآخر، ولكن هناك شعب واحد فقط تأذى بكيانه ووجوده خلال سنين الحرب المدمرة ذلك، هو الشعب المسيحي الذي كان ساكنًا المناطق الشرقية من أراضى الدولة العثمانية (تركيا الحالية).
   إنني لا أستطيع أن أصف تفاصيل مقتل أو إبادة كل مسيحي على حدة، كما أني لا أريد أن أدخل في تفاصيل انقساماتهم إلى طوائف وشيع لأن مسؤولية ذلك تقع على الجميع. كل ما أريد قوله باختصار هو الحديث عن الاضطهاد الذي تقاسم الجميع كأسه دون استثناء وشربوه حتى الثمالة. رغم أني في عجالة، لا بد لي أن أتحدث عن المستقبل الذي ينتظره المسيحيون دون تمييز.
   قبل الحرب كان تعداد مسيحيي الشرق بضمنهم اليونانيين الأتراك يزيد على الثلاثة ملايين. أما اليوم وبعد مرور سنتين على الحرب، فإن عددهم أصبح لا يزيد على المليون أي أن النقص تجاوز المليونين بسبب المذابح الجماعية والإبادة التامة للسكان بضرب رقابهم بالسيف أو الموت الطبيعي على الطريق عندما كانوا يُنفون أو يُهجّرون نتيجة التعب والجهد أو انتشار الأوبئة. بالحقيقة أن هذه الجموع المظلومة سيقت وكأنها قطعان ماشية إلى المجزرة.
   في البداية كانت جموعًا هائلة ولكن في النهاية لم يكن يبقَ منها سوى بعض الذين ساعدهم الحظ على النجاة. لقد هُجّروا ونفوا من مواطن سكناهم وارض أجدادهم على شكل قوافل متتابعة كبيرة العدد. انتشرت فيها الأمراض والأوبئة، ففتكت بجموع منتسبيها فتكًا وحصدتهم وخاصة عندما كانوا يسكنون بصورة مؤقتة في مجمعات إنتظارًا للمصير المجهول. أما الباقون منهم على قيد الحياة وبعد أن نجوا من المذابح، فأنهم لا زالوا مُهدّدين خلال فصل الشتاء القادم بالفناء إن لم تُمد إليهم يد المساعدة والعون.
   إن المسيحيين الذين نجوا من الإبادة حتى اليوم هم فقط أولئك الذين يسكنون اسطنبول وحلب وبعض المدن الأخرى القليلة التي تُعد على أصابع اليد . أما أولئك الذين يسكنون القرى والمدن الصغيرة فكانوا الضحايا الأول التي احترقت بنار الاضطهاد لأنهم نفوا أو هُجّروا بعد اعتقال الرجال وخاصة الأثرياء وذوي الجاه أصحاب التأثير في مناطق سكناهم ومراكز تواجدهم. كان أولئك الرجال يؤخذون تحت حراسة الشرطة والجيش المشددة بحجة نقلهم إلى مكان آخر، في الطريق يُنظمون بمجاميع صغيرة تُصفى جسديًا بإعدامهم رميًا بالرصاص. بهذا الشكل انتهت أغلبية الرجال.
   بالنسبة للقرى النائية فالطريقة كانت مغايرة حيث أن السلطات أوكلت أمر إبادة المسيحيين الساكنين في تلك القرى إلى الأكراد العتاة الذين لا يقلون شرًا إن لم نقل أنهم كانوا السبّاقين في استنباط الأساليب الجديدة لإفناء المسيحيين. غالبًا ما كانت تبدأ الصولة بنهب القرى وغزوها ثم خطف الشابات الحِسان والنساء الجميلات وأخذهن كسبايا، وكذلك الأطفال الجميلي الصورة والهيئة فيحتفظون بهم ثم يقومون بحرق البيوت فيضطر الباقون على الهرب. وفي الطرق تهجم جموع الأكراد على الفارّين بالسيوف البتارة فيسقطون مضرجين بدمائهم الزكية جثثًا هامدة وهكذا ينتهي أمرهم إلى الأبد.
   بعد أن تمت عملية تصفية أغلبية الوجهاء المسيحيين، صدر أمر في اسطنبول بإيقاف الاضطهاد وأعمال الملاحقة لكل المسيحيين سريانًا كانوا أو يعاقبة أو كلدان. لكن هذا الأمر ومع شديد الأسف نُـفـذ بشكل مبتور حتى بالنسبة للمدن المهمة الكبرى. بالنسبة للقرى النائية فقد وصل الأمر متأخرًا أي بعد أن تمت الإبادة الجماعية لسكان أغلب تلك القرى وأصبحت بيوتهم خرائب وآثارًا ينعب فوقها البوم.
   لا زال هناك حتى الآن قرى نائية عانت من المذابح والغزوات ولكن لا زال فيها بعض من الأرمن الذين لا يزيد عددهم على البضع مئات فقط، معظمهم من الأرامل والأيتام، وهذا نتيجة لقتل أو ضرب رقاب أكثر من مليون نسمة بالسيف. طائفة الكلدان وحدها خسرت ثلاثة من مطارنتها الشجعان وثلثي أبناء الطائفة. بالنسبة لكنيسة المشرق الآثورية (النساطرة)، فقد تجاوزت خسارتها المائة ألف نسمة من أبناء الطائفة وأغلب مطارنتها وأساقفتها. أما بالنسبة للسريان فقد فقدوا كل أثريائهم وذوي الجاه والمراكز المرموقة ذات التأثير الاجتماعي. والسريان الأرثذوكس (اليعاقبة) في ماردين فأغلبيتهم نجت من المذابح بفضل الرشاوى الضخمة التي قدموها للمسؤولين.
   القرى التي سكانها يتبعون هذه الطائفة والقريبة من ماردين فقد كلفتهم المجازر ثمانون ألف نسمة ضربت أعناقهم جميعًا بالسيف على أيدي الأكراد بوحشية وهمجية.
   تلخيصًا لكل ما ذُكر، نستطيع أن نؤكد أن رقم المليونين المُقدّر لعدد القتلى من المسيحيين صحيح وهذا فقط خلال السنتين الأخيرتين أي 1915 و1916 وجزء من العام 1917. ما يخص عدد القتلى خلال مسيرة قوافل الإبعاد والنفي فقد تجاوز الأربعين ألف.
   علينا أن لا ننسى كذلك أن عددًا كبيرًا من النساء الجميلات والشابات الحسان اللواتي اختطفن وأخذن سبايا لا زال الأكراد والأتراك الذين اختطفوهن محتفظين بهن في أقسام الحريم من بيوتهم. كذلك يجب أن لا ننسى أن الجماهير المسيحية من أتباع الكنيسة البروتستانتية قاسوا هم أيضًا التعذيب والاضطهاد ولكن رغم ذلك هذه الكنيسة كانت السبّاقة في تأسيس المياتم لاستيعاب الصغار اليتامى الباقين على قيد الحياة بعد مقتل الآباء وسبي الأمهات.
   لو أردنا تسجيل كل الوقائع الدموية التي حصلت على مدى الأيام والأشهر والسنوات التي طالتها الحرب لاحتجنا إلى آلاف الصفحات والعديد من المجلدات التي ستشكل حتمًا جزءًا مهمًا من تاريخ هذه الحرب الضروس. بعض من تلك الوقائع لم يسجل لها التاريخ مثيلاً من حيث الهمجية والقسوة في الحروب الغابرة عندما كانت البشرية في بداية تحضرها. لا زال هناك حتى يومنا هذا الآلاف من الأرامل والأيتام الذين نجوا من براثن الموت ومخالب الكلاب المسعورة من الأتراك والأكراد يحاولون اللجوء إلى أحضان العوائل المسيحية بسبب رابطة الاخوة الدينية والعقيدة الإيمانية والاطمئنان النفسي ولكنهم لا زالوا يعيشون أوضاعًا مأساوية لعلمهم بأن لهم قريبات لا زلن بين أيدي تلك الوحوش الكاسرة يغتصبونهن ليل نهار أو يمتهنونهن ببيعهن في أسواق النخاسة كما تباع الماشية وتحت أنظار السلطة وأمام عيون العوائل المسيحية التي ترى المأساة ولا تستطيع دفعها أو منعها بسبب ضيق اليد وعدم التمكن من افتدائهن.
   وضعت السلطات العثمانية اليد على كل المؤونة والحاصل الزراعي بحجة ضمان توفير القوت للجيوش المحاربة. لذلك أصبح الجوع القاتل يخيم على الناس جميعًا دون تمييز. فقامت الجماهير الكردية والتركية بمهاجمة المسيحيين أينما وجدوا وافترسوهم افتراسًا كوحوش الغاب الكاسرة دون رحمة أو شفقة. وطردوهم من بيوتهم واستولوا على ممتلكاتهم وتركوهم مشردين في الطرقات يتسولون بأسمال بالية. فجابوا القرى والأرياف والمدن طلبًا للقمة خبز أو جرعة ماء، يستعطفون ذوي المروءة والنخوة الطيبي القلب. أحيانًا كانوا لا يجدون حتى الفُتاة، فكانوا يموتون جوعًا دون أن يلتفت إليهم أحد وغير مأسوف عليهم.
    لأي تركي الحق في قتل أي مسيحي كيفما وأينما شاء؛ فالمسيحي عليه فقط واجبات والتزامات يجب أن يؤديها كاملاً ودون معارضة أو مناقشة. للأتراك الحق في إبادة المسيحيين وإفنائهم دون مسائلة أو محاسبة ولا من صوت يدافع عنهم أو هيئة تحميهم من الاعتداء. هذا هو الواقع المأساوي الحالي لمسيحيي الشرق في ظل التسلط العثماني التركي الغاشم. بين يدي آلاف البراهين التي تثبت ذلك" .

كَتب الينا الأب جوزيف نعيم عن قصة استشهاد الاف من ابناء شعبنا في بقاع الجزيرة المحيطة بنهر دجلة وميديات حيث كانت تنتشر عشرات القرى الاهلة بالسكان واصبحت اليوم خاوية خربة لا حياة فيها ولا نبات، فيقول:  عدد  القرى التي اعرفها انا شخصيًا كان يزيد على الخمسين قرية التي ضربت رقاب جميع سكانها بدون استثناء بالسيف-كانت هذه البقاع تعج بالحياة، حقولها خضراء تعيش برفاه وطمأنينة متاملة مستقبلاً سعيدًا خاصة بعد تنفيذ مشروع خط سكة حديد عبرها.
   ليس هناك من شك ان عدد الشهداء الذين سقطوا صرعى السيف التركي الغاشم كان مائتان وخمسين الفًا ان لم يتجاوزه جميعهم من الكلد والاشورين . هذا يعني ثلث العدد الكلي للمسيحيين قتل خلال سنوات الحرب العضمى أو مباشرة بعد انتهائها اثر توقيع قرار هدنة) .منطقتان فقط يسكنها الكلدان وهما العمادية وزاخو ، بقيتا سالمتين بفضل الجهود التي بذلها غبطة بطريرك الكلدان  حيث كانت تحت نفوذ جيوش الحلفاء . ولكن عندما حل شهر تموز من عام 1919 اجتاحها الاكراد فقتلوا الرجال وخطفوا النساء ونهبوا وسلبوا الاموال والممتلكات .
   كان المؤلف الأب جوزيف نعيم رحمه الله قد وضع كتابًا عن مذابح الدولة العثمانية، مذابح قد شاهدها بأم عينيه ولمسها لمس اليد وعبر شهادات الكثير من الناس الذين كُتب لهم الحياة ؛ لذا نقرأ في ديباجته المُشار إليها سلفًا : مؤلفات كثيرة ظهرت حتى الآن تحكي قصص الاعمال الوحشية والمذابح المروعة التي ارتكبها الأتراك في اصقاع ارمنيا واسيا الصغرى وسوريا. ونظرًا لأني كنتُ شاهدًا وضحية لبعض تلك الجرائم ..... اكشف للرأي العام كيف كُنـّا فريسة خانعة بين مخالب غول الانضول ؛ ذلك الوحش الشرس الذي ارتكب جرائم القتل والذبح والاغتيالات والسلب والنهب والتدمير.
   ونقرأ في المقال الموسوم " الكنيسة الارمنية في التاريخ للاخ الراهب فاهان اوانسيان : مع بداية القرن العشرين تعرض الارمن والكنيسة لائبشع  مذبحة في تأريخ البشرية المعاصر عندما قامت الحكومة العثمانية في عهد طلعت وانور وجمال بقيادة حزب الاتحاد والترقي الذي كان تحت سيطرة الباشاوات بقتل وذبح ما يزيد على (1,5)مليون ارمني. حيث كانت تقوم باعتقال وقتل الرجال والشبان  تم جبر النساء والاطفال والشيوخ  على الهجرة إلى مدن وقرى بعيدة سيرًا على الاقدام  حيث تعرض اغلبهم إلى النهب  والقتل في الطريق. ومن نتائج هذه المجزرة البشرية فقدت الكنيسة 90% من رجالها واساقفتها المثقفين ، كما قامت الحكومة بتحطيم وتدنيس العديد من الكنائس والاديرة الواقعة في الولايات التابعة لامبراطوريتها، وقُتل ايضًا العديد من الكلدان والسريان إبّان هذه المجزرة ودنست كنائسهم . 
 
احصائيات
   هُناك احصائية للعلامة جان باتيست شابو، نشرها في الاول من كانون الثاني سنة 1896، نقلاً عن لسان البطريرك عبد يشوع الخامس خياط ، يورد  فيها احصائيات عن مدينة آمد ـ ماردين ـ الجزيرة ـ سعرد. نوردها في عملنا هذا ليتعرف القُرّاء على عدد المسيحيين قبيل اشتعال نيرا الحرب العالمية :
  ( آمد )
اللغة ( عربي ، تركي ، ارمني ، كردي        )
السكان 3000 نسمة
عدد الخورنات 4   
عدد الكنائس 3  عدد الكهنة 1
المدارس ، 4 للذكور ومدرسة واحدة للإناث.
( ماردين)                                             
المطران جبرائيل ادمو                                       
اللغة ( تركي ، سورث )                                   
عدد السكان 850 نسمة     
 عدد الخورنات 5     
 عدد الكهنة 3
المدارس واحدة للذكور و2  مختلطة
 ( الجزيرة )
المطران يعقوب ابراهيم
اللغة  ( عربي ، سورث )
عدد السكان 5200
عدد الخورنات 16     
عدد الكنائس 17       عدد الكهنة 14
عدد المدارس 12 للذكور والإناث.
 ( سعرد )
المطران ( يوسف عمّانوئيل توما )    ( البطريرك فيما بعد )
اللغة ( عربي ، كردي ، سورث )
عدد السكان 5000
عدد الخورنات 22   
عدد الكنائس 21   عدد الكهنة 17
عدد المدارس 7 للذكور  ومدرسة واحدة للإناث
   وبحسب احصائية الخوري تفنجي التي وضعها بالفرنسية سنة 1913 وعنوانها المتداول ( الكنيسة الكلدانية سابقًا وحاليًا ) وقد نشرها الكرسي الرسولي في الدليل الحبري         ANNUARi PONTiFiCiO لسنة 1914 نوردها في بحثنا هذا لأنها الاحدث عهدًا قبل وقوع المجازر في تركيا وبالذات في الجزيرة العمرية:


آمد  مطرانها سليمان صباغ   
عدد النفوس 4180  نسمة   اللغة ( ارمني ، عربي، تركي ، كردي.
عدد الكهنة 12   
 عدد الكنائس 5     
 عدد الكابلات 4                      عدد المدارس 4.
                                         
                                             
ماردين   مطرانها اسرائيل اودو 
عدد النفوس 1670  نسمة       
عدد الكهنة 6   
  عدد الكنائس 1 
 عدد الكابلات 2        عدد المدارس 3       

الجزيرة  مطرانها يعقوب اوراها
عدد النفوس 6400 
لغة المسيحيون السورث والعربي
عدد الكهنة 17   
عدد الكنائس  11   
عدد الكابلات 3       عدد المدارس 7.                       
سعرد  مطرانها  ادّي شير 
عدد النفوس 5430
 اللغة  ( الكردية ، السورث ، العربي )                                                                                               
عدد الكهنة 21   
 عدد الكنائس 31 
عدد الكابلات 7      عدد  المدارس 9.
وعن قصة استشهاد المطران أدّي  شير مطران سعرد ، تنقل لنا الشاهدة استير، الطريقة البشعة التي قتل فيها المطران ادّي شير: 
   شاهدت يومًا ونحن في "العين" حادثة ستبقى في أعماقي حيّة لا تنسى، تلك هي حادثة مقتل وذبح الشهيد البطل مار أدّي شير مطران سعرت. رأيته يمشي بضعف وصعوبة من شدّة التعذيب الذي قاساه. كان ضعيف البنية هزيلاً ووجهه شاحبًا، كان الجنود يسخرون منه ويهينونه، ويقتلعون شعيرات لحيته بهمجية، ويضربونه بكعب بنادقهم، ويطلقون النار في الهواء من مسدساتهم أمام وجهه لإرهابه. اقتادوه إلى خارج المدينة وقتلوه مع أحد أتباع عثمان أغا الذي سبق وأن التجأ الشهيد البار إلى حمايته. أطلقوا الرصاص على رأسه فسقط مضرجًا بدمائه الزكية. بعد ذلك قطع القتلة المجرمون رأسه بسكين ليحملوه إلى المحافظ الذي أصرّ على أن يرى رأس الشهيد أمامه .
   ولعل من المفيد أيضًا  الاستشهاد بديباجة حبرها الأب جبرائيل اوساني  في مخطوطة الأب جوزيف بتاريخ الأول من تشرين أول عام 1920 تكشف لنا وللقارئ مُعانات أبناء شعبنا في تركيا على يد الغول العثماني واحصائيات ما قبل المذابح وبعدها ؛ فنقرأ:
   عند قيام الحرب العظمى، وبناءً على الإحصائيات المُعوّل عليها آنذاك، كان عدد أبناء الشعب الكلدو آشوري  في كل من تركيا وبلاد فارس حوالي الثمانمائة ألف مسيحي يعيشون جميعًا في سهول بابل وأعالي بلاد ما بين النهرين وسوريا وجبال أشور وكردستان وبلاد فارس. أما عددهم الآن فانه قد أصبح لا يزيد على النصف مليون إلا قليلاً وهذا ما معناه أن العدد انخفض بمقدار 250 ألف نسمة قتلهم جميعًا الاستبداد التركي والغطرسة الكردية الفارسية المتجبرة. الذين نجوا من المذابح وحد السيف، تركوا قراهم وأوطانهم وهربوا إلى روسيا وسوريا وجنوب وادي الرافدين.
لإعطاء صورة أدق عن الموقف، نقسم الشعب المسيحي الكلدو آشوري إلى الفروع التالية:
   الكلدو آشوريون أتباع تعليم نسطورس المدعوون النساطرة    هؤلاء يستعملون اللغة السريانية.
الكلدو آشوريون الكاثوليك المدعوون الكلدان بلهجتها وحرفها الشرقي.
الكلدو آشوريون أتباع تعليم أوطيخا المدعوون اليعاقبة هؤلاء يستعملون اللغة السريانية.
الكلدو آشوريون الكاثوليك المدعوون السريان الكاثوليك بلهجتها وحرفها الغربي- المترجم.
أما تعدادهم قبل الحرب فكان:
مائتان وخمسون ألفًا   نساطرة. ( يقصد بهم اخواننا الاثوريين )
مائة وخمسون ألفًا    كلدان.
مائتان وخمسون ألفًا   يعاقبة .
خمسون ألفًا             سريان كاثوليك.
   بسبب الخسائر الفادحة التي حلت بالشعب الكلدو آشوري المسيحي فإن وضعيته اليوم قلقة جدًا وسوف لن يمكن استبيان الحقيقة كاملة إلا عندما تنتهي مآسي الخراب والدمار الذي حل بتلك البلدان وتعود المياه إلي مجراها الطبيعي علمًا انه إضافة إلى المائتين والخمسين ألف شهيد مسيحي، حصل تدمير كامل لعشرات الكنائس وحرق آلاف البيوت وقتل دزينة من الأساقفة والمطارين ومئات الكهنة وسلب ونهب ممتلكات أبناء الشعب المسيحي عامة والاستحواذ الكامل على ممتلكات وأثاث الكنائس بعد انتهاك محرّماتها وانتشار المجاعة المميتة والاغتصاب والأمراض والفقر وإتباع سياسة النفي والإبعاد والتعذيب وبتر الأعضاء وتشويه الأجسام. كل هذه المحن طالت الآلاف المؤلفة ممن بقوا على قيد الحياة فأصبحوا كائنات حية لا حول لها ولا قوة؛ تعاني البؤس بشكل لا ُيعقل ومخجل.
ويقول تيسران في احصائية 1928: بقي في الجزيرة نحو 1600 نسمة وبدون أي كاهن يخدمهم .
   وفي احصائية كان قد وضعها الأب(البطريرك فيما بعد) روفائيل بيداويد عام 1950 بطلب من المعاون البطريركي للكلدان آنذاك المطران اسطيفان كجو ( + 1953)  بلغ عدد ما تبقى في أبرشية بازبدى نحو 1789 نسمة، يخدمهم كاهن واحد، وهم موزعون على القُرى التالية: بازنايي ـ بيسبين، اشي، كزنخ، هربول، حسانة، ماير . وكانت هذه المراكز مُناطة بأبرشية زاخو الكلدانية.
   اما اليوم وفي وقتنا الحاضر وباطلاعنا  على مقابلة مع مطران ديار بكر  للكلدان هو السعيد الذكر مار بولس كره تاش  الذي كان يُقيم في اسطنبول لا في ديار بكر لقلة عدد المؤمنيين. ومن مقابلة معه في مجلة نجم المشرق ، نورد هُنا في بحثنا هذا بمثابة اخر احصائية رسمية لشعبنا الكلداني في اسطنبول الذي يبلغ عددهم نحو ثلاثة الاف نسمة ، وعنها قال : جماعتي صغيرة .... وهي تُعاني من داء الوبيل ( الهجرة) الذي يُعاني منه شعبنا في كل أقطار الشرق الاوسط....   
   
   في ديار بكر لنا كنيسة على اسم مار بثيون لا تزال قائمة ، وهي كبيرة، ومن الطراز الكاتدرائي؛ أي تتكون من ثلاثة هياكل ، وفيها لوحة زيتية لمار بثيون، وفيها سلسلة حديد للمرضى على عادة كنائسنا القديمة ، وفيها مقبرة البطاركة اليوسفيين، أمّا المطرانية فقد سقطت.
وفي ماردين لنا كنيسة مُشيّدة على أسم مار هرمزد قائمة ، لكنها بلا كاهن، فجماعتها صغيرة جدًا ويخدمها كاهن سرياني. ودار المطرانية قائمة، وفيها بعض الكتب الدينية الخطية.
اما ابرشية الجزيرة، فلم يعد هناك احد من شعبنا. المطرانية قائمة ويسكنها غرباء، أمّا الكنيسة فقد سقطت كليًا، وبرغم جمال موقعها على نهر دجلة لكن احدًا لم يتجاسر على استغلاله.
اما عن سعرد ، فأن كنيسة دير مار يعقوب لا تزال قائمة ، أما المكتبة والمخطوطات فلا اثر لها. هُناك اثر واحد هو وادٍ قريب مليء بعظام بشرية في العراء .   
وقد ذكر الشمّاس نوري ايشوع : قيل نهاية الألفية الثانية فرغت جميع القُرى من سكانها، اذ هاجر اغلبهم إلى البلدان الغربية. وهكذا عاشت أبرشية بازبدى حياة مأساويّة ، بين التدمير والقتل والسلب والتهجير،مما سبب انقراض المسيحية فيها .
خدم اكثر من اسقف في الجزيرة ، كان اخرهم شهيد الايمان وهو
                     
المطران يعقوب ابراهام :
هو فيلبس بن اوراها من عائلة بودو التلكيفية. مواليد تلكيف 1848 دخل الرهبنة الانطونيّة الكلدانيّة سنة 1866، اتشح بالاسكيم الرهباني في 27/9/1868 على يد الانبا اليشاع الياس الرئيس العام للرهبنة. درس في المعهد البطريركي الكلداني الذي أقامه روفائيل مازجي الآمدي .  وهو من أوائل المتخرجين منه. ارتسم كاهنًا سنة 1872، أخُتير للاسقفية سنة 1875 من قبل مار يوسف أودو ليذهب ويتفقد كلدان الملبار، ونتيجة لضغوطات روما وتهديداتها  يستدعيه البطريرك اودو في مطلع سنة 1877 ونزولاً عند طلب البطريرك اودو شيخ الطائفة   عاد إلى الموصل سنة 1878، حينها كان الشيخ الجليل مار يوسف السادس اودو قد ارتاح بالرب.
 أنتقل إلى ابرشية الجزيرة خلفًا لسلفه الذي اختاره اساقفة الطائفة للبطريركية، وهناك نال أكليل الشهادة بتاريخ 16/8/1915، مع ثلاثة من كهنته والُقيت جثتهم في النهر وتجدر الأشارة أنه أخر أسقف كلداني في الجزيرة، وانه أيضًا أصغر أسقف في تاريخ كنيستنا الكلدانية الحديث، إذ رُسِم أسقفًا وهو أبن 27 سنة لا أكثر (رحمه الله) . كما عرف بحس خطه  وفي كتاب فهرس المخطوطات السريانية والعربية  له نحو (5) مخطوطات خطها في السنوات 1869 إلى سنة 1875. واخر مخطوط خطه  هو قوانيين رهبنته بالأشتراك مع رهبان آخرين في دير السيدة .

ما كتبه البطريرك يوسف عمّانوئيل الثاني عن ابرشية الجزيرة في يومياته.

   كتب الطيب الذكر البطريرك عمانوئيل الثاني في مذكراته اليومية إبّان الحرب العالمية الاولى والتي تتكون 72 صفحة مفككة مساحتها 30 × 20 والاسطر متفاوتة :اذ نقرأ في مذكرته المؤرخة في 17 تموز 1915 ما يلي : من بداية هذا الشهر انا في غاية القلق من طرف زاخو , والجزيرة غير ان حيدر بك والينا العزيز ، اكد لنا : انه حاضر ان يحامينا ويحامي اولادنا بكل ما له من قوة والوسائط ربنا يحفظه لسنين عديدة ! اللهم ارحم وقصر هذه الظروف.

 في 19حزيران 1915 كتب سيّدنا البطريرك ما يلي :في هذا الشهر حزيران، كان من اصعب الأشهر من بداية هذه المُحاربة.
اليوم مساءًا في تموز 1915 : سمعنا بفاجعة فيشخابور المهولة .
 وفي 18 تموز من السنة عينها يكتب غبطته .... وبعد العشاء وصل نيسان بن يعقوب من قرية فيشخابور وخبرنا عن الفاجعة التي وقعت براسهم في جميع قرى ابرشية جزيرة. ألهم ارحم واشفق على هولاء المساكين.
 اليوم 29 تموز 1915 يؤكدون ان مطران سعرد هو مقتول ، وان قبل كم يوم قُتل أيضًا مطران الجزيرة فلتكن ارادتك  .
اليوم 31 تموز وهو اخر يوم من هذا الشهر : وقد كان هذا الشهر انحس واصعب الشهور التي رأيتُها  في حياتي ,وبه سمعت عن خراب ابرشيات سعرد والجزيرة.
في 4 اب 1915 : قدمت لحضرة والينا العزيز حيدر بك المحترم تقريرًا كي يقدمه تلغرافيا شفرة الى الداخلية بخصوص فاجعة سعرد وديار بكر وماردين والجزيرة وقراها.
 اليوم 13 اب 1915 علمت من مصادر اكيد ان الداخلية رفضت وما قبلت بأن ارسل اليها تقريرنا بخصوص فاجعة ديار بكر وماردين فلتكن ارادة الله وكل ما يريده على الرأس والعين .
وقد كتب سكرتير البطريرك الخوري داود رَمو   في مخطوطته الشهيرة (خواطر)  والتي تعد مرجعًا مُهمًا في تاريخ كنيستنا الحديث بأن جواب اسطنبول لوالي حيدر بك :ان يبلغ البطريرك ان لا يتدخل بالامور السياسية بل يهتم بوضيفته الروحية في الكنيسة .               

الخوري داؤد رمّو

اليوم 18 اب 1915 سمعنا ان (أوصمان آغا) حُوبس من حيث منع قتل نصارى الجزيرة. اللهم ارحم وأشفق على هؤلاء المساكين.
اليوم 23اب : وصل لطرفنا القس انطوان كاهن وسطا ويحكي بشاعات ما قابل عقل الانسان يصدقها لولا ما نسمعها عيان , وان تلك البشاعات وتلك القساوة وصلت حتى بيعت الامرأة في خيارة عدد4 اعني في فلس واحد، وان القاتلين يفتخرون ان يدوروا المدن والقرة وايدهم ملطخة بالدم، يكفي فأرحم  شعبك وفرّج.
ثم يقول هذا القس أن الجزيرة إلى قبل 4 ايام هي في الخطر، وان العساكر
والعشائر راحوا الى ازخ لنهبها وقتلها وذبحها.
ثم ان هذا القس العريان الصائر نصف ميت يثني على غيره اولاد شمدين اغا في زاخو وعصمان اغا في الجزيرة . ربنا يكافيهم عوضنا بكل سعادة ممكنة .
   ونذكر للتاريخ هؤلاء النشامى الذين رحموا المسيحيين في وقت الضيق وساعات الشدة فقد احتضنوا مع السيد حمو شرو اليزيدي السنجاري  ولدوافع انسانية نبيلة اعدادًا كبيرة من المسيحيين الفارين من مخالب الوحش العثماني .
اليوم 27 اب 1915 :أعطيت تلغرافًا مستعجلاً رواح ومجيء الى الجزيرة، ولم ناخذ الجواب ، ومن هذا السكوت يتحقق خبر البارحة القائل :ان المطران يعقوب وجماعته ذبحوا في 21 اب 1915 ؛أسفي على هذا الشعب المذبوح ظلمًا.
في 27 اب 1915 : مساءًا  جاوب المطران يعقوب ، ومن جوابه يبان انه مع الجماعة في حال الصحة ، فألف شكر لله على هذه البشرى  .
اليوم 30 آب ما وصلنا خبر من مطارين زاخو والجزيرة وماردين وبقينا من جديد في القلق ...
اليوم 7 ايلول وصل لطرفنا رزق الله أخو الخواجا يوسف وطلب 30 ليرة  بدموع غزيرة ليفك عائلته الوحيدة الباقية من كل نصارى الجزيرة  بعد قتل المطارين والقسوس والجماعة، ويحكي امورًا ما وصل إليها فرعون ولا نيرون.
   فيقول البطريرك : اكرامًا لولادة العذراء اعطيناه 30 ليرة رغمًا من ضيقتنا.  ويزيد غبطته : يقول المخبر العياني : قبل لمدة شهر كان الناس في البيعة  يلتجأون إليه تعالى كي يرحمهم بشفاعة العذراء مريم ولما أتت الساعة فكانوا يعرفون الناس ويشدوهم جوقة جوقة ؛ فكانت الجوقة الاولى تحدث الثانية قائلين :
    اياكم أن تفشلوا بعد ارواحنا عند يسوع الفادي وهذا على الاخير ما انوجد احد  انكر ايمانه في الجزيرة وقرى نافروي إلاّ بعض النساء اللواتي جبرًا بقين تحت حوزة هؤلاء الوحوش.
 ويستطرد سيدنا رحمه الله وهو يؤرخ ذكريات الحرب العالمية الاولى في اخر يوم من سنة 1915، فيكتب :
    "لما باشرتُ اكتبُ هذه الاسطر كان بقي 15 دقيقة من سنة 1915 والحق يثقال ان سنة 1915 التي زالت ودخلت الابدية كانت سنة تعيسة لم نرَ مثلها في عمرنا ، بل لم نقرأ في التاريخ نظيرها، فبهذه السنة دكت الكنائس وخربت المذابح وذبح الرعاة مع اغنامها وبيعت النساء مع الاطفال كحيوانات لا قيمة لها . وخلاصة الكلام أن السكوت والانحناء امام احكام الله اولى من ان نبحث عن تعاسة هذه السنة المشؤمة . مع ذلك  رغمًا عما صار في هذه السنة التعيسة ، فلقد رأينا قليلاً من الافراج : اذ رأينا ان الزوبعة  ما قدرت ان تصل إلى هذه الولاية  من بعد مراحم الله وشفاعة العذراء" . 


مساعي البطريرك في مذابح الجزيرة وسعرد وغيرها في التوسط لدى الحكومة العثمانية .

   في 4آب 1915 : قدمتُ لحضرة والينا العزيز حيدر بك المحترم تقريرًا كي يقدمه تلغرافيًا شفرة إلى الداخلية  بخصوص فاجعة سعرد وديار بكر وماردين والجزيرة وقراهم.
اليوم 13 آب 1915 : علمتُ من مصدر أكيد أن الداخلية رفضت وما قبلت  بأن أرسل إليها تقريرنا بخصوص حادث سعرد والجزيرة وديار بكر وماردين ، فلتكن إرادة الله وكل ما يريده على الرأس والعين.
كتب رمّو في الخواطر أن جواب اسنطبول إل

75


سركان الخيانة في العلاقات


[size=14pt]كتب الرسام الهولندي فان غوغ الذي عانى من خيانة حبيبته وهو في ربيع شبابه  ما يلي:( أن يطعنك احد في ظهرك فهذا امر طبيعي  ولكن ان تلتفت وتجده اقرب واعز الناس اليك فذه هي الكارثة).[/size]كان يوم اجازتي وبينما كنت استمع لفيروز اعطني الناي وغني ، رن الموبيل ، اتطلع اليه انه رقم خارجي! واذا به بصوت احد شبابي وبصوت يرتجق ليقول لقد خانتني ..... خانتني ، فقلت من؟ اجاب ببكاء يحرق الفؤاد زوجتي....  لينهي المكالمة!
انه جرح الخيانة ، فلكل شي دواء الأ ألم الخيانة ولا اتعس من الخيانة ولا اقبح من الخائن .............

اود ان اسوق للقرّاء الكرام ومضة عن الخيانة واسبابها ، اذا خدمت ككاهن  فترة ليست بالفصيرة في دمشق الحبيبة في رعية بديعة غالبيتهم العضمى من العراقيين الكلدان  وصادفت حالات زواج كثيرة وحالات خيانة اكثر ولاسيما بين الشباب وفي الكثير من العلاقات والزواجات التي بنيت على اسس ومعطيات سطحية وربما نفعية! فعلي اوفق.
قد يتفق معي الكثيرون ولا سيما المتزوجون بان مُعظم المشكلات الزوجية يمكن ان تجد حلاً مهما طال عمرها او قصر؛ إلاّ مُشكلة أزلية واحدة وهي مشكلة الخيانة وفي معظم الاحيان لاتجد طريقها نحو الحل !!!!!!!!!!
المرأة عادةً يتولد لديها احساس اثناء خيانة زوجها او حبيبها بالغدر ، او فقدان الثقة بنفسها وستصاب بجرح في صميمها . وان مملكتها او عرشها قد اهتزا ........... فهي ازاء زلازال ( لقد اكتشفت ولمست لمس اليد بان زوجها .... يخونها مع أمرأة اخرى)!! فخيانته انتكاسة من كرامتها وانوثتها  وامام خيانته قد تعلن الحرب عليه وستستخدم كل اسلحتها في هذه الحرب ..... وربما تفعل العكس تقبل بالامر الواقع وتضع اعصابها في ثلاجة !!
بينما تجد البعض وهم اقلية نادرة  يعودن للحياة مع ازواجهن من جديد ومن الممكن ان تسامح وبالذات اذا كانت تحبه ( لازلت اتذكر كلمات تلك السيدة عندما كنتُ اسعى ككاهن ان اعيد المياه إلى مجاريها  بسبب خيانة زوجها ، إذ قالت له : اسامحك لانني احبك  ولانك ابو اطفالي ونصفي الاخر). وبشكل عام أن طبيعة المرأة تدفعها للمسامحة وظروف المجتمع الشرقي تجبرها على الاستمرار معه من باب الخجل الاجتماعي او تجنب الفضيحة أوالقبول بالواقع( ففي مجتمعاتنا العربية يعللون خيانة الرجل : أيوجد رجل لايدور على زوجته ) او تراها تستمر من باب الحاجة الاقتصادية او حفاظا على سمعة العائلة او من اجل الاولاد او................
الكثير من الزوجات ولاسيما العربيات يعشن بخوف وقلق من خيانة ازوجهن. فترئ ان جل اهتمام المراة العربية المحافظة على الزوج ، وكيف تكون هي المراة الاولى والوحيدة في حياته؟ فتراها تتلقى النصائح والارشادات والخبرات من هنا وهناك ولاسيما من المجربات.
بينما يرى الرجل العربي في خيانة حبيبته او زوجته صدمة نفسية ، بل يعدها طعنة في شرفه فتراه غير متسامحًا ..... ثائرًا روبما يلجأ إلى غسل عاره! وقد يظن بفعلته هذه انه سيترد سمعته التي تشوهت بسبب خيانة زوجته. لست في صدد الانتقاد ولكن في محاولة لتسليط الضوء على مفهوم الخيانة وردات افعل ازائها.
وقد لايختلف اثنان ان قلت :ان الكثير يرون في خيانة المراة جريمة كبرى لاتغتفر في المجمعات الشرقية التي تحكمه عادات وتقاليد وقيم دينة .... ؛ بينما يرون في خيانة الرجل امر طبيعي ويجدون له الكثير من الاعذار والمبررات ( انه رجال  ويزيدون كل الرجال تخون) لانها للاسف مجتمعات ذكورية والر جل هو صاحب المرتبة الاولى!! . 
سببب الخيانة
يقولون تعددت الاسباب ... لكن النتيجة واحدة! والخيانة لا تاتِ  من فراغ ،فلكل نيجة سبب. وقد يلجا احد الطرفيين للخيانة بسبب وجود قصور في العلاقة او محاولة ومبالغة احد الطرفينن بالسيطرة على الاخر وقمع حريته وشخصيته وووو
ناهيك عن الملل والضجر الناتجان من رتابت وروتيين الحياة اليومية او يخون احد الطرفان بسبب كثرة المشاكل وعدم التفاهم والانسجام وغياب الحبّ او تجد احدهمها قد قبل بالاخر كرهًا او قسرا او لاعتبارات وصولية كالسفر او المال....
ويذهب البعض ليقول ان الخيانة تحدث بسبب تباعد الطرافان او سفر احدهما او عدم القدرة على اشباع بعضهما البعض او تراه حيوان في الجنس وكأن زوجته فريسة لابد من افتراسها، او قد تكون الزوجة منحرفة جنسيا مغرورة بجمالها وجسدها ، وللحاجة والعوز مسوخ اساسي قد يدفع احد الطرفان للخيانة.  ويزيد البعض ليقول يخون احد الاطراف ولاسيما النساء كنوع من الدعم المادي لشراء ما ينقصها من هدايا وملبس وربما من ماكل وبالذات اذا كان الزوج سكير وغير مباليًا بشؤون الزوجة والعائلة...
ولكنني ارى ان السبب الجوهري يكمن في غياب الحبّ والارتياح وكثرة المشاكل وسوء المعاملة وعدم وجود قبول وتقبل بين الطرفيين مما يدفع احدهما للجوء إلى حضن أمن معوضا له عن نقصه مقدما له ما يحتاجه من حبّ وحنان وعطف ورومانسية وجنس ، انذاك سيرى الطرف المعني نفسه في احضان طرف اخر دون علمه وكأن الي حصل بدون وعيه! ولاسيما اذا  اذا كان احد الطرفان( الزوجان أو الحبيبان  غير انساني وخشن الطباع وصعب المزاج وغير متفهم لحاجات الحبّ ومتطلبات الاخر أو غير قادر على القيام بواجباته الزوجية او واجبات اي علاقة بشكل صحيح....
لذا املي ان يضعا الزوجان وأي اثنيين تجمعهما علاقة بناءة، نصب اعينهما اسباب وبواعث تفشي سرطان الخيانة
اخيرًا وقبل مسك الخاتام انوه قائلاً: الخيانة انواع ولها اشكالاً عدة. وهي غير مقتصرة على الجنس ،  بل هناك خيانة الفكر والنظر والكذب وووووووو . وربما يخون الإنسان نفسه فتسمعه يقول لك( حصل هذا بدون وعيي – صدقوني لا اعلم كيف فعلت هذا؟)
ليعلم كل من الطرفان في اي علاقة كانت، بل ليضعا نصب اعينهما ان من يخون هو خائن لذاته اولًا! وليس لشريكه .
فلا تخون ولا تخوني. فلا اقسى من ان يخونك اعز الناس ويتركك تائها مجروحا متالمًا ليس لك طريق تسلكه ، فالخيانة توجع القلب لانها خنجر في ظهر اي علاقة ولاسيما العلاقة الزوجة
فلا تكن من الخائنيين، ولنتعلم من معلم الحب ّ الالهي والبشري معلمنا يسوع المسيح له المجد بقوله : عاملو الناس كما تتمنون ان يعاملوكم.



الاب يوسف جزراوي


76


سرطان الخيانة في العلاقات


[size=14pt]كتب الرسام الهولندي فان غوغ الذي عانى من خيانة حبيبته وهو في ربيع شبابه  ما يلي:( أن يطعنك احد في ظهرك فهذا امر طبيعي  ولكن ان تلتفت وتجده اقرب واعز الناس اليك فذه هي الكارثة).[/size]كان يوم اجازتي وبينما كنت استمع لفيروز اعطني الناي وغني ، رن الموبيل ، اتطلع اليه انه رقم خارجي! واذا به بصوت احد شبابي وبصوت يرتجق ليقول لقد خانتني ..... خانتني ، فقلت من؟ اجاب ببكاء يحرق الفؤاد زوجتي....  لينهي المكالمة!
انه جرح الخيانة ، فلكل شي دواء الأ ألم الخيانة ولا اتعس من الخيانة ولا اقبح من الخائن .............

اود ان اسوق للقرّاء الكرام ومضة عن الخيانة واسبابها ، اذا خدمت ككاهن  فترة ليست بالفصيرة في دمشق الحبيبة في رعية بديعة غالبيتهم العضمى من العراقيين الكلدان  وصادفت حالات زواج كثيرة وحالات خيانة اكثر ولاسيما بين الشباب وفي الكثير من العلاقات والزواجات التي بنيت على اسس ومعطيات سطحية وربما نفعية! فعلي اوفق.
قد يتفق معي الكثيرون ولا سيما المتزوجون بان مُعظم المشكلات الزوجية يمكن ان تجد حلاً مهما طال عمرها او قصر؛ إلاّ مُشكلة أزلية واحدة وهي مشكلة الخيانة وفي معظم الاحيان لاتجد طريقها نحو الحل !!!!!!!!!!
المرأة عادةً يتولد لديها احساس اثناء خيانة زوجها او حبيبها بالغدر ، او فقدان الثقة بنفسها وستصاب بجرح في صميمها . وان مملكتها او عرشها قد اهتزا ........... فهي ازاء زلازال ( لقد اكتشفت ولمست لمس اليد بان زوجها .... يخونها مع أمرأة اخرى)!! فخيانته انتكاسة من كرامتها وانوثتها  وامام خيانته قد تعلن الحرب عليه وستستخدم كل اسلحتها في هذه الحرب ..... وربما تفعل العكس تقبل بالامر الواقع وتضع اعصابها في ثلاجة !!
بينما تجد البعض وهم اقلية نادرة  يعودن للحياة مع ازواجهن من جديد ومن الممكن ان تسامح وبالذات اذا كانت تحبه ( لازلت اتذكر كلمات تلك السيدة عندما كنتُ اسعى ككاهن ان اعيد المياه إلى مجاريها  بسبب خيانة زوجها ، إذ قالت له : اسامحك لانني احبك  ولانك ابو اطفالي ونصفي الاخر). وبشكل عام أن طبيعة المرأة تدفعها للمسامحة وظروف المجتمع الشرقي تجبرها على الاستمرار معه من باب الخجل الاجتماعي او تجنب الفضيحة أوالقبول بالواقع( ففي مجتمعاتنا العربية يعللون خيانة الرجل : أيوجد رجل لايدور على زوجته ) او تراها تستمر من باب الحاجة الاقتصادية او حفاظا على سمعة العائلة او من اجل الاولاد او................
الكثير من الزوجات ولاسيما العربيات يعشن بخوف وقلق من خيانة ازوجهن. فترئ ان جل اهتمام المراة العربية المحافظة على الزوج ، وكيف تكون هي المراة الاولى والوحيدة في حياته؟ فتراها تتلقى النصائح والارشادات والخبرات من هنا وهناك ولاسيما من المجربات.
بينما يرى الرجل العربي في خيانة حبيبته او زوجته صدمة نفسية ، بل يعدها طعنة في شرفه فتراه غير متسامحًا ..... ثائرًا روبما يلجأ إلى غسل عاره! وقد يظن بفعلته هذه انه سيترد سمعته التي تشوهت بسبب خيانة زوجته. لست في صدد الانتقاد ولكن في محاولة لتسليط الضوء على مفهوم الخيانة وردات افعل ازائها.
وقد لايختلف اثنان ان قلت :ان الكثير يرون في خيانة المراة جريمة كبرى لاتغتفر في المجمعات الشرقية التي تحكمه عادات وتقاليد وقيم دينة .... ؛ بينما يرون في خيانة الرجل امر طبيعي ويجدون له الكثير من الاعذار والمبررات ( انه رجال  ويزيدون كل الرجال تخون) لانها للاسف مجتمعات ذكورية والر جل هو صاحب المرتبة الاولى!! . 
سببب الخيانة
يقولون تعددت الاسباب ... لكن النتيجة واحدة! والخيانة لا تاتِ  من فراغ ،فلكل نيجة سبب. وقد يلجا احد الطرفيين للخيانة بسبب وجود قصور في العلاقة او محاولة ومبالغة احد الطرفينن بالسيطرة على الاخر وقمع حريته وشخصيته وووو
ناهيك عن الملل والضجر الناتجان من رتابت وروتيين الحياة اليومية او يخون احد الطرفان بسبب كثرة المشاكل وعدم التفاهم والانسجام وغياب الحبّ او تجد احدهمها قد قبل بالاخر كرهًا او قسرا او لاعتبارات وصولية كالسفر او المال....
ويذهب البعض ليقول ان الخيانة تحدث بسبب تباعد الطرافان او سفر احدهما او عدم القدرة على اشباع بعضهما البعض او تراه حيوان في الجنس وكأن زوجته فريسة لابد من افتراسها، او قد تكون الزوجة منحرفة جنسيا مغرورة بجمالها وجسدها ، وللحاجة والعوز مسوخ اساسي قد يدفع احد الطرفان للخيانة.  ويزيد البعض ليقول يخون احد الاطراف ولاسيما النساء كنوع من الدعم المادي لشراء ما ينقصها من هدايا وملبس وربما من ماكل وبالذات اذا كان الزوج سكير وغير مباليًا بشؤون الزوجة والعائلة...
ولكنني ارى ان السبب الجوهري يكمن في غياب الحبّ والارتياح وكثرة المشاكل وسوء المعاملة وعدم وجود قبول وتقبل بين الطرفيين مما يدفع احدهما للجوء إلى حضن أمن معوضا له عن نقصه مقدما له ما يحتاجه من حبّ وحنان وعطف ورومانسية وجنس ، انذاك سيرى الطرف المعني نفسه في احضان طرف اخر دون علمه وكأن الي حصل بدون وعيه! ولاسيما اذا  اذا كان احد الطرفان( الزوجان أو الحبيبان  غير انساني وخشن الطباع وصعب المزاج وغير متفهم لحاجات الحبّ ومتطلبات الاخر أو غير قادر على القيام بواجباته الزوجية او واجبات اي علاقة بشكل صحيح....
لذا املي ان يضعا الزوجان وأي اثنيين تجمعهما علاقة بناءة، نصب اعينهما اسباب وبواعث تفشي سرطان الخيانة
اخيرًا وقبل مسك الخاتام انوه قائلاً: الخيانة انواع ولها اشكالاً عدة. وهي غير مقتصرة على الجنس ،  بل هناك خيانة الفكر والنظر والكذب وووووووو . وربما يخون الإنسان نفسه فتسمعه يقول لك( حصل هذا بدون وعيي – صدقوني لا اعلم كيف فعلت هذا؟)
ليعلم كل من الطرفان في اي علاقة كانت، بل ليضعا نصب اعينهما ان من يخون هو خائن لذاته اولًا! وليس لشريكه .
فلا تخون ولا تخوني. فلا اقسى من ان يخونك اعز الناس ويتركك تائها مجروحا متالمًا ليس لك طريق تسلكه ، فالخيانة توجع القلب لانها خنجر في ظهر اي علاقة ولاسيما العلاقة الزوجة
فلا تكن من الخائنيين، ولنتعلم من معلم الحب ّ الالهي والبشري معلمنا يسوع المسيح له المجد بقوله : عاملو الناس كما تتمنون ان يعاملوكم.



الاب يوسف جزراوي


77
المنبر الحر / التكييف مع الواقع
« في: 23:21 27/06/2008  »
size=14pt]فتاة هي، [/size] في العقد الثاني من عمرها،احبت شاب بكل جوارحها لكنهما افترقا بسبب جهل الاب ودكتاتوريته وانانيية العائلة ، فتزوجت من شاب ثانٍ فبات الجحيم عنوانًا لحياتها الحديدة بعد ان كان الفراق فاتورة علاقتهما!
وذات يوم وبعد انتهاء القُدّاس حدثتني ببحة صوت تخنقة دموع دفينة قائلة: ابونا لا استطيع نسيانه ربما جسدي مع زوجي ولكن فكري ومشاعري وقلبي و...... مع من فرقتني الظروف والعائلة عنه.....

 كأُناس تراودنا في الكثير من الاحيان فكرة الهروب من الحاضر وعدم القبول بالواقع والهرب للمكوث في ذكريات الامس ، فأنساننا متعلق بماضيه مما يجعله مكبلاً بماضيه مراوحا في مكانه وسيسجله الواقع غائبًا!
غالبًا وعندما كنت اتصل ببعض الاصدقاء والاقارب في بلدان المهجر اراهم يتشكون من عدم تكيفهم مع الواقع الجديد ويحنون لتلك الايام التي عاشوها في محطات الانتظار ( عمان _ دمشق _ تركيا - بيروت ....) ويقولون لي( سوف تتحسرون على ايامكم هذه _ ياليت ترجع ايامنا ) ولازالو يحنون ويجترون الماضي وذكرياته وتاركين الحاضر فمات المعنى في حياة الكثير منهم لذللك تراهم حاضرون لكنهم غائبون وهنا كانت الطامة الكبرى!! فيغدون مثل صاحبتنا التي استشهدنا بها في بداية الكلام

ربما ستعترضون  لتقولون: هذه عادة من عاداتنا الإنسانيية ان نعيش على ماضينا. فاجيبكم: علينا ان نقاوم العادة لكي لا نكون من المتعوديين. فالعادة تقتلّ![/size]صدقوني كل ما نملكه هو الحاضر _ الواقع  وهو زمن فريد وثمين وصدق امير الحبّ بقوله في احدى اغانيه ( صدقني ميعود المضى) اذاً لنفتح الابواب للدخول والعيش في حضور الواقعوالقبول به...
وانا مع ما قاله الفيلسوف المُعاصر مارتين هيدغر بقوله:" إن الإنسان ابن حاضره ووجوده في الحياة هو وجود لإنسان دائم الفعل والتاثر والتفاعل مع ما يحيط بك".
فالواقع لدى فيلسوفنا هو زمن التكيف والتفاعل معه لترك  بصمة مؤثرة تجعلك خالدًا فيه وفي حياة الاخرين

املي ان تتكيف مع واقعك لتصنع ذاتك وتعيش فرح الحضور الابدي ؛ فتغدو  قيمة وجود وستكون حاضرا وان كنت غائبا ..........


الاب يوسف جزراوي
هولندا


78

 متصل


      المجتمع وبكاء الرجل
« في: اليوم في 04:57:35 pm »     

--------------------------------------------------------------------------------
انطبعت في اذهاننا كشرقيين منذ الصغر صورة للرجل الشرقي ، ذلك الرجل العنيد _ الصلب _ القاسي _ الخشن ( واظيفوا انتو ما تريدون.....)
وفي مجتمعاتنا العربية الذكورية بات بُكاء المرأة منظرًا بديهيًا، بل مقبولاً ، اما بكاء الرجل بات من المناظر المحضورة 0 لاتبكي انت رجال ) فاصبح من المتعارف عليه ان البكاء من شيمة النساء! وللاسف هذه هي ذهنية مجتمعاتنا العربية التي تؤمن أن البقاء للاقوى .... ليكبت الرجل دمعته خوفا من اقاويل المجتمع

وفي ظل عاداتنا وتقاليدنا الشرقية اصبح بكاء الرجل عيبًا ( عيب لاتبكي البكاء للنسوان) ( عيب عل زلم تبكي)
مما جعل تلك المجتمعات توصف دموع الرجل بالضعف والاذلال والانصهار للرجولة !!!!!!!!!!!!
يقولون تبكي المرأة لأنها ضعيفة  ويزيدون البكاء سلاحها وفي دموعها طوفان يغرق فيه امهر السباحيين من الرجال ......
ولكنّني اتساءل: أليس الرجل انسان من لحم ودم ؟ اهو مخلوق من فولاذ؟ أهو سوبرمان؟  او هو مجرد صخرة خالية من المشاعر والاحاسيس؟

اؤمن ان لاعلاقة بين الرجولة والبكاء
فدموع الرجل دموع عزيزة  وقد تأتي الدموع نتيجة اختناق وكبت وصراعات أو نيجة غربة ووحدة او..............
الدموع ليست حكرًا للمرأة دون الرجل ........
فدموعك ليست نقصًا في رجولتك ن بل رمز لانسانيتك لانك انسان قبل كل شي بين جوانحك قلب ينبض
في دموعك راحة للذات لما يحتويه من صراعات داخلية
انها متنفسك وتغسل قلبك وتطهره  وتزيل الغصة عنه

وقد يبكي الرجل لفقدان إنسان عزيز عليه وهذه ظاهرة اجتماعية نابعة من صميم إنسانيتنا ....... والسيد المسيح له المجد بكى لوفاة لعازر بعد ان طفح حزن الفقدان في قلبه
ويبكي الرجل لخيانة صديق او حبيبة او زوجة ولا اتعس من الخيانة
او ترى تسيل دمعته ازاء حدثًا مفرحًا
او يبكي متى مكان الرجل صاحب ضمير حي ونفس ندامة
انها دموع الوداع والسفر والرحيل وربما كلنا قد اختبرنا مثل تلك الدموع

ختامًا اذهب لاقول: دمعة الرجل ليست رخيصة بل لها معاني
وهي دمعة حرة ! ومنذ متى تستاذن الدمعة من عين صاحبها
ان تكون انسان يعني ان لعيونك دمعة

 

79
انطبعت في اذهاننا كشرقيين منذ الصغر صورة للرجل الشرقي ، ذلك الرجل العنيد _ الصلب _ القاسي _ الخشن ( واظيفوا انتو ما تريدون.....)
وفي مجتمعاتنا العربية الذكورية بات بُكاء المرأة منظرًا بديهيًا، بل مقبولاً ، اما بكاء الرجل بات من المناظر المحضورة 0 لاتبكي انت رجال ) فاصبح من المتعارف عليه ان البكاء من شيمة النساء! وللاسف هذه هي ذهنية مجتمعاتنا العربية التي تؤمن أن البقاء للاقوى .... ليكبت الرجل دمعته خوفا من اقاويل المجتمع

وفي ظل عاداتنا وتقاليدنا الشرقية اصبح بكاء الرجل عيبًا ( عيب لاتبكي البكاء للنسوان) ( عيب عل زلم تبكي)
مما جعل تلك المجتمعات توصف دموع الرجل بالضعف والاذلال والانصهار للرجولة !!!!!!!!!!!!
يقولون تبكي المرأة لأنها ضعيفة  ويزيدون البكاء سلاحها وفي دموعها طوفان يغرق فيه امهر السباحيين من الرجال ......
ولكنّني اتساءل: أليس الرجل انسان من لحم ودم ؟ اهو مخلوق من فولاذ؟ أهو سوبرمان؟  او هو مجرد صخرة خالية من المشاعر والاحاسيس؟

اؤمن ان لاعلاقة بين الرجولة والبكاء
فدموع الرجل دموع عزيزة  وقد تأتي الدموع نتيجة اختناق وكبت وصراعات أو نيجة غربة ووحدة او..............
الدموع ليست حكرًا للمرأة دون الرجل ........
فدموعك ليست نقصًا في رجولتك ن بل رمز لانسانيتك لانك انسان قبل كل شي بين جوانحك قلب ينبض
في دموعك راحة للذات لما يحتويه من صراعات داخلية
انها متنفسك وتغسل قلبك وتطهره  وتزيل الغصة عنه

وقد يبكي الرجل لفقدان إنسان عزيز عليه وهذه ظاهرة اجتماعية نابعة من صميم إنسانيتنا ....... والسيد المسيح له المجد بكى لوفاة لعازر بعد ان طفح حزن الفقدان في قلبه
ويبكي الرجل لخيانة صديق او حبيبة او زوجة ولا اتعس من الخيانة
او ترى تسيل دمعته ازاء حدثًا مفرحًا
او يبكي متى مكان الرجل صاحب ضمير حي ونفس ندامة
انها دموع الوداع والسفر والرحيل وربما كلنا قد اختبرنا مثل تلك الدموع

ختامًا اذهب لاقول: دمعة الرجل ليست رخيصة بل لها معاني
وهي دمعة حرة ! ومنذ متى تستاذن الدمعة من عين صاحبها
ان تكون انسان يعني ان لعيونك دمعة

الاب يوسف جزراوي

صفحات: [1]