ناظم كزار
د . هادي حسن عليويجلاد.. سجله الشخصي معروف بالعنف والدموية وبالإجرام.. وتلذذه بتعذيب المعتقلين والتفنن بقتل المئات من الشيوعيين والديمقراطيين والقاسميين بعد انقلاب 8 شباط 1963.. وهو أكثر شخصية بعثية غموضا وباطنية.. شكل في قصر النهاية محكمة مع محمد فاضل وجبار الكردي تعقد جلساتها وتصدر أحكامها الفورية بالإعدام بعد منتصف الليل.. ولم تسلم منه حتى الكلاب السائبة التي كانت تتسلل إلى قصر النهاية.. كان كزار ينفذ حكم الإعدام خنقا بكلتا يديه على رقبة المحكوم حتى يلفظ أنفاسه.
يذكر طاهر توفيق العاني.. القيادي في حزب البعث: أن ناظم كزار كان موضع ثقة الجميع.. ولا يرقى الشك إليه.. وهو مناضل صادق وشجاع ونزيه.. وأيضا هو سادي من طراز فريد.
أما القيادي البعثي اللبناني فيذكر في كتابه "عراقيون بعثيون كما عرفتهم" قائلاً: "كزار عنيد وصلب لا يمكن أن ينتزع منه أي حديث إذا لا يريد ذلك حتى لو تظافرت عليه قوى الأرض".
وعن قسوة ناظم كزار يقول طاهر العاني: قسوته شديدة.. فبعد 17 تموز 1968 وردت معلومات عن شقيقه المهندس علي كزار.. أن له علاقة مع تنظيم جماعه 23 شباط في سورية.. فقام باعتقاله والتحقيق معه.. وعومل بقسوة تماماً كالآخرين من منتسبي هذا التنظيم.
نماذج من قسوته وجرائمه:
ـ اختار كزار قصر الرحاب الملكي.. الذي شهد مجزرة مقتل الملك فيصل الثاني وأسرته اختاره ليكون مقراً لتعذيب خصومه.. وأطلق عليه (قصر النهاية).
ـ في هذا المكان وعلى يد كزار تم تصفية العشرات.. بل المئات من خصوم البعث.
ـ كان كزار أول من جلب أحواض الأسيد (التيزاب) الى مبنى قصر النهاية لإذابة أجساد المعتقلين.. وهو أول من استورد آلات تقطيع الأطراف من (ألمانيا الشرقية)!.
ـ استخدم أساليب لا تخطر على البال.. من بينها استخدام مطارق الحديد الثقيلة في تكسير وتهشيم عظام المعتقلين.. واستخدام الطبر الحاد في تقطيع مفاصلهم وهم أحياء.
ـ حبس المعتقلين عن التبول بعد شد أعضائهم بصورة محكمة.. وإجبارهم على شرب عدة زجاجات من (البيرة).. إضافة لقلع العيون.. وقطع الأذان.. واللسان!.
ـ جلب مرضى السل.. لغرض البصاق في أفواه المعتقلين.. لنقل المرض الى أجساد المعتقلين!.
ـ وصلت قساوته وجرمه.. أن وضع أحد اصلب المعتقلين الشيوعيين في
تابوت وهو حي.. وقطع هذا التابوت إلى نصفين بمن فيه بمنشار وبدم
بارد وأمام جميع المعتقلين الآخرين.. ودماء السجين أخذت تتدفق خارج
التابوت.. اشتهر باستخدام أحواض التيزاب بوضع المعتقلين فيه حتى لا
يبقى لهم اثر.
ـ صفى كزار جسديا (2009) شخصاً.. منذ أن تولى منصبه مديرا للأمن العام 1969 الى نهاية حزيران 1973.. من مختلف القوى السياسية حتى من البعثيين أنفسهم!
السيرة والتكوين
ناظم كزار لازم ألعيساوي.. كان أجداده في ناحية الشطانية.. التابعة لقضاء الميمونة في محافظة العمارة... وهو عشيرة العيسى والبزون..
ولد ناظم العام 1940 في مدينة ألمقدادية / شهربان حي ألمقدادية (شهربان سابقا).. في لواء (محافظة) ديالى.
كان والده يخدم في إحدى وحدات الخيالة / الفروسية.. انتقل وعائلته
الى بغداد.. سكن أولاً في منطقة الكسرة.. ثم تحولت عائلته إلى منطقة
الشيخ عمر.. ثم إلى سبع أبكار حيث تطوع أبوه في الجيش.. وعندما
أصبح برتبة عريف نسب للعمل في معمل الخياطة العسكرية في منطقة
الشيخ عمر القريبة من منطقة سكناه.
ـ بعد انقلاب 17 تموز 1968.. عين ناظم أبوه مديراً لمعمل الجوادر والخيام في منطقة ألوزيرية.
أكمل دراسته الابتدائية في المدرسة المأمونة.. والمتوسطة: متوسطة الغربية المتوسطة.. والإعدادية: الثانوية المركزية ثم تحول إلى الدراسة المسائية.. حيث كان يعمل عامل في معمل سكائر عبود.. وتخرج بتفوق.. قبل في معهد الهندسة الصناعي العالي.. وفي العام 1961 اعتقل ناظم كزار عندما كان طالباً في المعهد الصناعي.. بعد انقلاب 8 شباط 1963 أطلق سراحه.. أكمل دراسته العام 1968.
زواجه:
ـ لم يتزوج ناظم طيلة حياته.
ـ كانت في حياته امرأة كان يحبها من باب الشيخ.. وهي طبيبة.
ـ كان حين يسألونه لماذا لا تتزوج ؟.. يضحك ويقول إني مشغول بالحزب أية امرأة تتحملني ؟؟
ـ عين بعد الانقلاب 8 شباط 1963.. عضواً في هيئة التحقيق سيئة الصيت.. التي اتخذت في البداية مبنى على نهر دجلة.
ثم انتقلت الى قصر النهاية.. ليصفي كل معتقل يشعر بأنه يشكل خطراً
عليه أو على حزبه حسب قوله.. لكن الوثائق تشير الى تعذيبه المعتقلين
الشيوعيين بقسوة نادرة حتى يعترفوا.. ومن يعترف.. عليه أن يقول انه
جاسوس لإسرائيل أو إيران أو أميركا أو متآمر أو مختلس لأموال
الدولة أو عضو في حزب الدعوة الإسلامية أو أي حزب ضدهم أو يتاجر
بالمخدرات أو يهرب أموال الدولة أو له نشاط رجعي (أي ديني) أو قد
خالف القانون أو خان أو ما شابه ذلك.
وان اعترف سينشر اعترافه مع صورته على شاشة التلفاز ويحكم عليه
بالإعدام أو لمدة طويلة.. ثم لا ينقطع عنه التعذيب الجسدي والنفسي
حتى بعد الاعتراف.. وان لم يعترف يستمر تعذيبه بأقسى أنواع التعذيب
فيموت تحت التعذيب أو يصبح معوقاً أو عليلاً.. بحيث يأخذ سبيله إلى
الموت أو يحكم عليه بالسجن المؤبد أو لمدة طويلة.. وهناك في السجن
يغتال إذا خشيً منه.
تصفية بعثيين... وجهاز حنين:
كما كان لناظم كزار دور واضح في تصفية الكوادر البعثية المدنية
والعسكرية.. التي كان البكر وصدام يشعران بأنها تشكل خطراً على
نظامهم مثل اغتيال المسؤول الأول للبعث فؤاد ألركابي وسبعة من
أصدقائه في سجن بعقوبة من قبل السجين المنحرف حمودي.. واتهام
ألركابي بالانحراف من اجل إسقاطه في عيون رفاقه.
كذلك اغتيال اللواء الركن عبد الكريم مصطفى نصرت وغيره.. وبهذا
الصدد يتحدث سليم الزيبق احد العناصر البعثية المشاركة في محاولة
اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد ببغداد في 7 / 10 /
1959 قائلاً: "إن ناظم كزار وصدام متحالفان ومتآمران معاً ضد الحزب
وضد آمين سر قيادته فؤاد ألركابي".. ويضيف الزيبق "لم تكن لناظم
كزار القدرة والقرار للقيام بسلسلة الجرائم البشعة إلا بدعم وموافقة
وتوجيه وتخطيط مباشر من صدام.. وهذا الأخير هو الذي وفر له
الإمكانات المادية والموارد المالية وكل ما يتعلق ببناء أجهزته الأمنية
والقمعية.. وإلا لما استطاع ناظم إن يقوم بكل ما اقترفه من جرائم
بشعة.. خاصة قياديين وكوادر في الحزب إلا بمباركة وقرار صدام".
وقد وقف الى جانب الحرس القومي خلال انقلاب الرئيس عبد السلام
محمد عارف ضد الحرس القومي في 18 تشرين الثاني 1963..
واعتقل لمدة قصيرة ثم أطلق سراحه.. وانظم إلى التنظيم الذي أقامته
اللجنة المكلفة من القيادة القومية بفضل علاقته بالبكر وصدام.. ونظراً
لشراسته وإجرامه اختير في عداد القوة التي تحمي الحزب من التعرض
إليه في أثناء التظاهرات أو محاولة اغتيال قادته.. أصبح في عداد مكتب
العلاقات عندما تحول هذا الأخير بديلا عن جهاز حنين.. الذي شكله
صدام كجهاز امني قبل انقلاب تموز 1968".
محاكمة كزار 1964:
بعد حركة تشرين الثاني 1963 التي قام بها عبد السلام عارف.. اعتقل
ناظم كزار مع الكثير من البعثيين.. وأحيل إلى المحاكمة من قبل المجل
العرفي برئاسة (العميد محمد نافع احمد العاني) وعضوية ضابطين في
16 أيار 1964.
يتحدث زهير عبد الرزاق لجريدة المشرق البغدادية عن تلك المحاكمة
التي حضرها مع أبيه الذي كان مدير السجن المعتقل به كزار.. حيث
يقول: "بدأت جلسة المحاكمة ونُوديَ على المتهم ناظم كزار.. وأدخل
قفص الاتهام (كان يرتدي سروالا / بنطلون رصاصي وقميص ابيض
نصف كم/ ردن.. ويتصف بنحافة البنية.. متوسط الطول.. اسمر
السحنة.. شعر رأسه اسود كث.. ويضع نظارة طبية سميكة على عينه..
ركز المتهم نظرة للأمام محدقاً بهيئة المجلس العرفي.
سأل رئيس المجلس المتهم (ناظم كزار) السؤال التقليدي (الاسم, العمر,
عنوان السكن, طبيعة العمل/ الوظيفة).
فأجاب على الأسئلة بكل أدب وهدوء.. ثم أردف رئيس المجلس على
كلامه سائلاً بتهكم واستهزاء: هل أنت من جماعة احمد حسن البُكرَ/
البَقَر؟
(حيث عرف عن الرئيس البكر من عادته تربية بقرة حلوب داخل حديقة
داره لأنه يرغب شرب الحليب الطازج منذ الصباح الباكر بالإضافة إلى
عمل اللبن/ الخاثر).
فأٌستفز ناظم وانفعل بشدة من هذا السؤال غير المتوقع وغير المنطقي.
واستشاط غضباً فوثب من قفص الاتهام كالذئب الكاسر وتسلق المنصة
وانقض على رقبة رئيس المجلس وانتزع إحدى فردتي حذائه (الصندل)
وبدأ بضربه على رأس رئيس المجلس.. وهو يصيح بأعلى صوته "إنا
من جماعة القائد والزعيم احمد حسن البكر.. يا أيها ....!".
عمت الفوضى جلسة المحاكمة.. واختلط الحابل بالنابل.. وأجلت المحكمة
إلى أشعار آخر وحكم على (ناظم كزار) بعشر سنوات سجن من قبل حاكم
آخر.. ثم أطلق سراحه بعد مضي خمس سنوات بقرار عفو رئاسي في
شهر شباط العام 1968 من قبل رئيس الجمهورية عبد الرحمن عارف.
كزار.. وانقلاب تموز 1968:
بعد انقلاب تموز العام 1968 واستلام البعث السلطة كاملة عين ناظم
كزار في اللجنة التحقيقية الثانية التي كان يرأسها سعدون شاكر الذي
أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية.. وعضوية حسن المطيري.. كان مقرها
في قصر النهاية لتأخذ دورها في التحقيق.. وتصفية المعتقلين السياسيين
الجدد "من القوميين.. والإسلاميين.. ورجالات نظام الأخوين عارف
وغيرهم".
لقبه.. ورتبته ووظيفته:
لقب كزار بعدة ألقاب.. ففي العام 1963 لقب ب "عقرب البعث".. وبعد
العام 1968 لقب ب "الشبح".. وهو معروف ب "أبو حرب".
المهم: بعد فترة قصيرة منح نظام كزار رتبة (لواء).. ونصب مديراً عاماً
لمديرية الأمن العام تلك المديرية المخيفة العنيدة.. وهو المنصب الذي
يتلاءم ونزواته ومواهبه الإجرامية الانتقامية.. منح هذا المنصب وهذه
الرتبة العسكرية العالية لتكريمه لأعمال القتل والتعذيب والتصفيات
الجسدية التي نفذها ضد الأبرياء والوطنيين أيام كان مسؤولاً في الهيئة
التحقيقية الخاصة التابعة للحرس القومي التي تشكلت لملاحقة
الشيوعيين العام 1963.
كزار مدير الأمن العام:
يتحدث القيادي البعثي صلاح عمر العلي قائلاً: "عندما
تسلمنا السلطة العام 1968 لم تكن لدينا رغبة في إعطاء فرصة لعدد من
الحزبيين الذين ارتبطت أسماؤهم بالجرائم التي ارتكبت في العام
1963.. وفي طليعتهم ناظم كزار الذي كان عضواً في لجنة للتحقيق مع
الشيوعيين.. فوجئنا بتعيين الرجل مديراً عاماً للأمن العام.. فحصل
استياء في صفوف الحزبين.. مما اضطر صدام عقد ندوة للكادر الحزبي
لتبرير تعيينه بهذا المنصب قائلاً: "عندنا دوائر امن تحتاج الى
متخصصين.. وليس لدى الحزب متخصصون بمسائل الأمن أكثر من ناظم
كزار".. وأضاف صدام قائلاً: "ذاكرته قوية ويعمل بلا عاطفة.. لديه
مؤهلات لا يملكها احد.. ونحن مضطرون إلى الإفادة منها".
ومن ذلك الوقت صار (المهندس اللواء ناظم كزار) وهو ليس عسكرياً
ولا مهندساً.. ومنذ أول يوم توليه المنصب بدأ بتنفيذ هوايته القمعية
البوليسية تحت غطاء كثيف من السرية والكتمان.. كما لجأ الى إبعاد عدد
كبير من ضباط ومسؤولي أقسام الأمن العامة من بعثيين وغير بعثيين..
وخصوصاً الذين يشك بعدم ولائهم له واستبدالهم بمن هو حميم له
ولصيق به حتى الموت.
محاولة اغتيال قيادة الحركة الكردية:
خلال المفاوضات بين حزب البعث وقيادة الحركة الكردية أواخر العام
1969 دبرت مديرية الأمن العامة ممثلة بشخص كزار وبإشراف صالح
مهدي عماش "وزير الداخلية آنذاك" محاولة اغتيال الملا مصطفى
البارازاني وبعض قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني.. فقد كشفت
جريدة التآخي الناطقة باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني في تحقيق
موسع ومصور لها يدين قيادة البعث في بغداد.. وكان ناظم كزار قد
(خدع) بعض رجال الدين من العاملين في مديرية الأمن العامة وألبسهم
احزمه ناسفة وهم يهمون بمقابلة الملا مصطفى البارازاني في مقره..
كما زرعت سياراتهم بالصواريخ الموجهة لدك هذا المقر على من فيه..
لكن رجال الحماية الكردية أجهضوا المحاولة.
خطورة كزار:
بقيً كزار في منصبه "مديراً عاماً لدائرة الأمن العامة حتى حزيران العام
1973" وكان إضافة الى منصبه هذا مستشاراً امنياً لأحمد حسن البكر
(رئيس الجمهورية).. هذا الثنائي (كزار ـ البكر) بدأ يغيض ويقلق صدام
لأنه يشكل خطورة على تقدمة السريع لقيادة الدولة والحزب بمفرده..
فعمد صدام الى فك ارتباط البكر من ناظم وربط البكر بمنظومة أمنية
تكريتية مغلقة.. أكثر أهمية من مديرية الأمن العامة وهي مديرية
العلاقات العامة.. البديل للأمن العامة وألحق بها كل من: "برزان إبراهيم
التكريتي.. وعلي حسن المجيد.. والأخوين سبعاوي.. ووطبان إبراهيم
الحسن.. وهما الإخوة غير الأشقاء لصدام".. كما عين سعدون شاكر اليد
الطولى له مديراً عاماً لها.
كما بنى وانشأ صدام مراكز تحقيق وسجون "سجن قصر النهاية..
وسجن مديرية التحقيقات العامة.. وسجون وزارة الداخلية".. ومديريات
أمنية أخرى جميعها ليست تابعة أو لها علاقة بمديرية الأمن العامة ولا
بكزار.
تلك الإجراءات وغيرها أفقدت ناظم كزار لمعانه وبريقه وأهميته وجعلته
حبيس دائرته!!.. ولم يبقى عمل لكزار سوى هويته القديمة في ملاحقة
الشيوعيين داخل العراق.. وقضايا روتينية أخرى مثل: "قضايا الرشوة..
وشتم الحزب في حالات السكر.. وبعض نزاعات العشائر".. وغيرها التي لا تشكل خطراً على صدام.
أما على الصعيد الحزبي فقد همشً صدام رفيقه ناظم كزار ولم يرشحه
لأي منصب حزبي كـ(عضو قيادة قطرية أو غيرها).. وفي هذا الصدد يقول يتحدث عضو قيادة البعث عبد الله سلوم السامرائي قائلاً: "لم يكن
صدام يسمح ببروز أية شخصية ما لم تكن تحت سيطرته التامة.. فهو (أي صدام) كان يطمح منذ البداية أن يكون قائداً للدولة والحزب فبدأ
(صدام) يحبك الخطط الجهنمية ليس للتخلص من ناظم كزار وحده.. ب
التخلص من كل خصومه في الدولة والحزب دفعة واحدة".
ناظم.. يشكل كتلة حزبية للتوازن:
راح ناظم يتوجس خيفة من عزله.. وتأكد له أن صدام يعد له النهاية
خاصة بعد عزله عن احمد حسن البكر.. وقد التقط كزار حالات انزعاج
وامتعاض وعدم رضا.. التي كان يبديها القيادي في البعث عبد الخالق
السامرائي ومحمد فاضل أثناء اجتماعات حزبية للقيادة القطرية للبعث..
وجد كزار في تلك الإيماءات ضالته فيقال انه: كاشف رفيقيه والانضمام
لهما وكسب تأييدهما.. ولو بصورة مبدئية.. ثم بات الثلاثة ومن خلفهم
من مؤيدين يشكلون حلقة سرية قوية.. أو تكتلا حزبيا مؤثرا لا يستهان
به.. وهم: (عبد الخالق السامرائي أمين سر الحزب.. ومحمد فاضل مسؤول المكتب العسكري.. ناظم كزار مدير الأمن العام).
لم يكن صدام غافلاً عن تحركات هذا الثلاثي.. فراحت التقارير الحزبي
السرية والوشايات والدسائس تصل مكتبه من قبل علي حسن المجيد
الصاعد بسرعة جنونية الى مواقع قيادية حزبية.. وتقارير أخرى عضو
القيادة حسن العامري المقرب جداً من صدام.. وتقارير أخرى من دائرة
العلاقات العامة والجهاز الحزبي القريب منه.. وعلى خلفية تلك التقارير
عمد صدام الى إجراءات سرية من شأنها إضعاف تأثير هذه الكتلة.. فمثلا نقل جزءً كبيرا ومهما من صلاحيات مسؤول المكتب العسكري الى
صلاحيات مجلس قيادة الثورة.. وبهذا يكون قد جرد محمد فاضل من أهم
صلاحياتها ومسؤولياتها في الحزب والدولة.. أما عبد الخالق السامرائي .. فقد تخلص منه بتدبير تهمة حزبية وهمية له.
أما ناظم كزار فأخذ يرسل له الإيماءات والإساءات حتى يوقعه بشر
أعماله.. وفي هذا الصدد يقول القيادي البعثي عبد الله سلوم السامرائي:
"في البداية بدا صدام بتسريب أقواله إلى أسماع كزار.. ويصفه بشتى
النعوت والكلمات البذيئة.. هادفاً من ذلك إثارة كزار ودفعه الى مغامرات
طائشة".. ويكمل السامرائي حديثة بالقول: "كنتُ آنذاك احد أعضاء قيادة
منطقة الوسط للحزب عندما استلمنا تقريراً من صديق للحزب يقول فيه
انه سمع من صهر ناظم كزار أن كزار قبل حركته الانقلابية صدر منه
الكلام الآتي: هذا ليس بحكم لحزب البعث.. انه حكم عشيرة وبالأخص
حكم عائلة.. يسموني أنا شيعي وشروكي.. والله لن اجعل تكريتياً يعيش
حتى لو كان في آخر الدنيا.. وارض تكريت لن يعيش فيها حتى الحشرات
مدى الحياة".. واتخذ كزار من المثلين الشعبيين شعاراً له.. وهما: "لا
أرى الذئب ولا الذئب يراني".. والثاني: "سأتغذى بهم قبل أن يتعشوا
بي".. بل كان صدام على درجة كبيرة من الحذر والتأهب من تقوقع
رفيقه كزار داخل أقبية مديرية الأمن العامة.. خصوصا إن كزار قد ابتعد
عن المشهد السياسي اليومي "الحزبي والحكومي".. ونتيجة عدم
حضوره بعض اجتماعات الحزب والدولة بذريعة انشغاله المستمر بمهام
أمنية لحماية "الحزب والثورة".. غير إن صدام كان متفهماً لما يدور في
خلد كزار مؤجلا الإيقاع لحين تفرغه تماماً.
مؤامرة كزار:
اقتنص ناظم كزار الفرصة التاريخية وبنا عليها خطته.. التي كانت تتكون من ثلاثة محاور:
المحور الأول:
أن تقوم مجاميع من رجال الأمن التابعين الى ناظم كزار والمنتشرين في
فضاءات وعلى سطوح أبنية مطار بغداد.. حيث عودة الرئيس احمد
حسن البكر من زيارته لبلغاريا في 30 حزيران 1973.. وحال
نزول البكر من سلم الطائرة ومعانقته لصدام تقوم هذه المجاميع بإطلاق
النار الكثيف من جميع الجهات عليهما والتأكد التام من قتلهما.
المحور الثاني:
اعتقال سعدون غيدان وزير الداخلية وحماد شهاب وزير الدفاع
باعتبارهما رهينتين يمكن التفاوض عليهما في حالة فشل العملية.
المحور الثالث:
بعد تنفيذ المحورين ونجاحهما تتوجه مجموعة من زمرة كزار الى دار
الإذاعة العراقية لإذاعة بيان مهم صادر من مجلس قيادة الثورة.. يكشف
عن حصول مؤامرة على الحزب والثورة قام بها وزيرا الدفاع والداخلية
وقد تم القضاء عليهما.. وان الحزب ما زال يسيطر على دفة الحكم وان
الحكومة قد أعدمتهما.. وقد اختارت قيادة الحزب عبد الخالق السامرائي لقيادة الحزب والدولة.
الرواية الرسمية للمؤامرة:
أما الرواية الرسمية: التي أذاعتها الدولة في التاسع من تموز 1973
فقد جاء فيها: "إن كزار قام في الثلاثين من حزيران بدعوة الفريق
حماد شهاب وزير الدفاع.. والفريق سعدون غيدان وزير الداخلية
(باعتبار كزار مسؤولهما الحزبي).. وذلك لزيارة احد المراكز ذات الصلة
باختصاص الوزيرين.. الذي كان كزار يتولى مسؤولية الإشراف عليه..
كما قام باستدراج آخرين الى الموقع نفسه.. من بينهم منذر ألمطلك زوج
ابنة احمد حسن البكر وسكرتيره الخاص.. بعد وصول الوزيرين إلى
مكان الدعوة اعتقلهما كزار.. وقبيل الساعة السادسة اجتمع كزار ومحمد
فاضل عضو القيادة القطرية في مقر الهيئة التحقيقية الثانية.. وغادر
بعدها المكان الذي احتجز فيه شهاب وغيدان وبقية المدعوين.. وفي
المطار كان كزار قد هيأ مجموعة مهمتها اغتيال البكر وصدام وجميع
الوزراء والسفراء وذلك باستخدام الرشاشات والقنابل اليدوية".
الوضع في المطار:
وصل صدام مع أعضاء القيادتين القومية والقطرية والوزراء والمدعوين الآخرين صالة الانتظار في المطار لاستقبال طائرة رئيس الجمهورية.. وفي لحظة قاتلة افتقد صدام الوزيرين (شهاب وغيدان) وحين سأل عنهما وعن سبب عدم حضورهما.. لم يجد الإجابة المقنعة.. وفي سرعة خاطفة اتصل صدام بأحمد حسن البكر شخصياً وطلب منه عدم النزول في مطار بغداد.
ـ انسحب صدام من المطار تحت حراسة شديدة مكثفة.. وانفض حضور
المستقبلين.. وألغيت مراسيم الاستقبال بشكل لافت.. ما دعا زمرة كزار
إلى القلق والخوف والتشتت بسبب عدم وجود القيادة الميدانية التي تضع
البدائل للاحتمالات وانقطاع الاتصال مع الرأس المدبر.. الذي كان بعيداً
عن تفاصيل الحدث.. وبقيً يشاهد التلفاز من سيارته المدرعة.
ـ فيما يذكر طاهر توفيق العاني إن الرئيس البكر ذكر ليً في حينه.. أن
سبب فشل المؤامرة.. هو تأخر وصوله الى بغداد.. بعد انتهاء زيارته
للإتحاد السوفييتي وبولونيا.. نتيجة هبوط طائرته في مطار صوفيا..
للتزود بالوقود.. واستقبال الرئيس البلغاري( تيودور جيفكوف) له
بالحفاوة والمودة البالغتين.. وإصراره الشديد على قيام البكر بجولةٍ حرة
بالسيارات في العاصمة صوفيا.. ومصيف (فارنا) للراحة.. وقد امتدت
الجولة لمده ساعتين.. وعزا البكر التأخير للصدفة والعناية الإلهية.
ـ شعر كزار بالإحباط والفشل لعدم نزول طائرة البكر.. فقاد موكبه المكون
من عدة آليات مسلحة تحتوي على قنابل ومتفجرات ومعاونين له مع
الرهينتين من بغداد الى الكوت ثم الى زرباطية في محاولة للهرب إلى
إيران.. لكن موكبه واجه عدة مصاعب وعقبات حين اصدر صدام أوامره
إلى الجهاز الحزبي في الكوت وجميع المحافظات العراقية الأخرى والى
قواطع الجيش الشعبي بملاحقة كزار وزمرته وإلقاء القبض عليهم..
وكان للطائرات المروحية دور كبير في إعاقة تقدم الموكب في منطقة
زرباطية.. وقد حاول وزير الدفاع حماد شهاب التملص أو الهرب من
وثاقه.. لكنه لم يفلح عندما أطلق عليه الرصاص.. أما وزير الداخلية
سعدون غيدان الذي حاول هو الآخر الهروب بعد فك وثاقه.. فقد أصيب
بانطلاقات في كتفه وظلً هامداً على الأرض فاعتقد كزار انه لقي حتفه.
وبسبب عدم مقدرة كزار على المقاومة لكثافة سلاح المروحيات ثم
تطويق كزار وجماعته وقد جرح كزار قبل اعتقالهم.. ونقلت الطائرات
كزار وجماعته إلى قصر النهاية.. حيث احتجز في نفس مكتبة هناك أما
الآخرون فتم حجزهم في موقع آخر من القصر.. وتجمع حول كزار عدد
من قيادة البعث منهم: عزة الدوري.. وطه ياسين رمضان (الجزراوي)
ونعيم حداد.. وغانم عبد الجليل ومحمد محجوب.
ـ في البداية وحسب الرواية شبه الرسمية.. بصق طه الجزراوي في وجه
كزار ورفسه على صدره.. وانهال أعضاء القيادة بضرب كزار بأقدامهم..
وهو ملقى على الأرض وينزف بشدة.. فتح كزار عينيه وقال لهم:
(تعرفون من أنا.. وتعرفون جهودي في حماية الحزب والثورة..
وتعرفون صلتي الوثيقة بالرفيق صدام.. وأنا لم أخطئ ولم أخن).. وقبل
أن يواصل كلامه هجم عليه سعدون شاكر وبرزان التكريتي يضربانه
على وجهه ورأسه بأقدامهما ويحاولان إسكاته.. الى أن خيلً للجميع إن
كزار لفظ أنفاسه الأخيرة.. لكنه فجأة فتح عينيه وقال: (لقد عرفتُ كل
شيء عن صدام إلا شيئاً واحداً.. وهو الجهة التي تقف وراءه).. ولفظ
أنفاسه الأخيرة.
الحوار مع صدام:
قبل ذلك جيء به أمام صدام.. فقال له صدام: "انتشلتك من سوق
النخاسة يا كلب يا شروكي".. لكن كزار رد عليه الصاع صاعين وعرفه
من هو ومن أين جاء؟ وبصق في وجه صدام.. ولم يتحمل صدام كلامه..
وخشية أن يستمر في تقريعه قطع لسانه وتصاعد التعذيب حتى لفظ كزار
أنفاسه الأخيرة.
وعن ما جرى بين صدام وكزار يقول برزان التكريتي في مذكراته " وصل ناظم كزار الى القصر بعد أن مسكوه شرق بغداد بحالة لا توصف من الإعياء.. وبالكاد كنت أشخصه لان الغبار غطى شعره ووجهه.. وفقد نظارته وقميصه ممزق.
عندما وصل ناظم استلمته وأدخلته الحمام الملحق بالغرفة التي كنتُ بها لكي يغسل وجهه.. بعد ذلك طلبتُ منه الجلوس على إحدى القنفات وطلبتُ له قدح شاي وكأس ماء.
في هذه الإثناء وصلت الجماعة.. وبدأوا يحاولون الاعتداء عليه فنهرتهم قائلاً إن ناظم بعثي وقام بعمل من شأنه أن يحاسب عليه.. وتوجد محكمة خاصة سوف تنظر بالأمر.. ونحن لسنا عشيرة حتى نتصرف مثل هذا التصرف.. فطلبت منهم أن يخرجوا من الغرفة.. ولم يكتف ناظم بما قمت به.. فقال مخاطباً محمود الندا أنت مو بعثي ماذا تعمل هنا في بيت الحزب.. أخرج من هنا لأن ليس من حقك أن تكون هنا.. فرد عليه محمود بشيء لا أذكره.. فقال له ناظم أخرج وإلا فضحتك لأني أعرف كل تصرفاتك.
بعد ذلك وصل أبو عدي للغرفة بعد أن كان في غرفة البكر فجلس مع ناظم وأنا كنتُ معهم فقال له صدام: لماذا ناظم عملت هذا؟
رد عليه ناظم: عملتُ هذا خدمة للحزب.
ق