14
عودة انفلونزا التسمية
بقلم: سرود توما/ سدني
30/11/2006
مع قرب موعد اعادة النظر في صيغة دستور العراق و اقليم كوردستان ، عاد موضوع التسمية على الساحتين السياسية و الشعبية للكلدان و الآشوريين و السريان و اصبح الشغل الشاغل لبعض الأحزاب و زعمائها و خاصة الذين كانوا قد وقعّوا بالأمس القريب على تسمية أخرى و كانوا يدّعون بأنها هي التسمية الوحيدة التي ستجلب الوحدة، ومن ثم التزموا بتسميتهم الأحادية واعتبروها شاملة ولا رجعة في القرار حولها كونها هي حقيقة تاريخية مطلقة. و اليوم هم اول المصفقين للتسمية القطارية كونها هي ولا غيرها ستوحد الجميع من جديد وليس هناك حل غيرها.
أتذكر قبل حوالي السنة ونصف السنة من الآن ، وبعد ان أختير الأستاذ نوري بطرس، العضو السابق للجمعية الوطنية العراقية، للجنة كتابة الدستور العراقي، قام بتوجيه رسالة الى ابناء شعبنا عبر وسائل الإعلام و كانت عنكاوا كوم احداها، يدعوهم فيها بتبيان آرائهم و مقترحاتهم حول تسميتنا في مسودة الدستور. و كم سيكون جميلاً لو يبادر كل مسؤول ضمن موقعه مثل تلك المبادرة في امور تهم الشعب كله و بكافة تسمياته القومية لكي يطلع اولا على رأي الأكثرية و لكي لا يضع نفسه موضع الإنتقاد و الإتهام بالتصرف الفردي.
و الكل يتذكرحينها، كيف وقعت مئات المؤسسات الكلدانية ورجال الكنيسة و كذلك المؤسسات الآشورية على وثائق ارسلت اليه و الى لجنة صياغة الدستور، مطالبة اياهم بدرج اسمها القومي دون مسخ او مزج.
فما دام الأمر كذلك ، لماذا الرجوع الى نقطة الصفر ؟ ثم هل ان التسمية ومهما نزلت في الدستور ، ستوحدنا حقاً؟
اصبح جلياً الآن بأن وراء التسمية مصالح حزبية و ربما صفقات شخصية . اما قضية الشعب و وحدته فما هي الاّ ضحك على الذقون و توهيم البسطاء من العامة.
ثم لو اسلمنا بأن موضوع ما يسمى الوحدة يمر عبر بعض الأحزاب القومية ، اليس من المفروض على هذه الأحزاب ان تغير من ما تحمله في عقول اعضائها من عدم الإعتراف بالتسميات الأخرى كتسميات قومية و اعتبارها فقط طوائف تابعة لقوميتهم؟؟
و اليس الأولى و الأسبق بأن تقوم تلك الأحزاب من القيام بتطبيق عملية توحيد التسمية في نظامها الداخلي لإثبات مصداقيتها قبل ان تطبل للتسمية القطارية الجديدة لتثبيتها في الدستور؟
اذا كانت التسميةالحالية كلدان و آشوريين تفصلنا بحرف "الواو"المسكين حسب ما يدعي البعض و تجعلنا شعبين، فأن التسمية(الكلدان السريان الآشوريين) بصيغة المضاف و المضاف اليه تجعل التسمية الأولى و الثانية توابع و فارغونات للتسمية الثالثة و تدخلنا في متاهة ايهم تذكر اولاً و ايهم آخراً.
كما ان هناك عدة صيغ يتداولها الكتاب و السياسيون عندما يعبرون عن هذا الشعب المسكين وهي :
(الكلدان الآشورين السريان) +5 اشكال أخرى حسب التقديم و التـأخير في التسميات.
(الكلدان/ الآشوريين/ السريان) +5 اشكال أخرى حسب التقديم و التأخير في التسميات.
(الكلدان- الآشوريين – السريان) +5 اشكال أخرى ايضاً.
(الكلدان ، الآشوريين ، السريان) +5 اشكال أخرى ايضاَ.
هذا بالإضافة الى التسميات الأخرى التي هي من اختراع هذا الحزب او ذاك.
و ربما هناك تسميات اخرى و قطارية ايضاَ و بفارغون اضافي كأن يحمل معه التسمية الآرامية مثلاً.
وكل تلك الصيغ اعلاه في مفهومها بأنها لشعب واحد يتكون من عدة تسميات قومية ، حيث لا يستطيع احد ان يصرح بأن الصيغة الثلاثية او الرباعية المتسلسلة بأنها اسم قومي! ، لكونها تنافي الحقيقة و تسلسل ظهورها في التأريخ.
هناك سؤال يفرض نفسه و هو: ماذا لو نجح البعض من تمرير تسميته الحزبية او الإجتهادية و ثبتها في الدستوررين كأمر نهائي؟؟.
و هنا سوف لا اتطرق الى ردود الفعل الحزبية و المنظماتية و الجماهيرية حول رضاها او عدمه من التسمية المثبتة ، بل لنرى هل ستحدث تغيراً ما في الواقع المعاش و طبيعة العلاقات التي تربط الكلدان بالآشورين وكلاهما بالسريان؟؟
بالتأكيد سوف لن تغير التسمية الجديدة من الواقع بشيء. فالكلداني سيبقى كلداني و يعتز بقوميته و احزابه ستبقى كلدانية و اسماء مؤسساته ستبقى كلدانية ايضاً. و هكذا بالنسبة للآشوريين و السريان.
و من المستحيل ان تغير التسمية من حقيقة الأمر اعلاه ، لأن ببساطة لا الإسم الكلداني ولا الإسم الآشوري و لا السرياني كان مدوناً في الدساتير السابقة، لكن اصحابها التزموا بها و حافظوا عليها الى درجة التقديس بالرغم من الويلات التي اصابتهم . و اليوم لو دونت التسمية في الدستور باية صيغة فلن تستطيع من تغيير شيء من واقع الحال .
كيفما كانت التسمية هذه او تلك سوف لن يكون فيها اكسير الحياة لهذا الشعب و لأجياله القادمة، ولن تكون كلمة السر التي ستفتح له كل ابواب المستقبل على مصراعيها،.ولا يعني بأننا قد حصلنا على ما نبغيه ، ولا يعني بأن أطراف التسميات الثلاثة سيتحولون الى سمن وعسل مع بعضهم و الود و الوئام سيكون زادهم اليومي.
ما الحل اذا؟
في رأيي الحل الأمثل يكمن في ترك التسمية كما هي في الدستورين مع اضافة التسمية السريانية و التي هي رغبة اخواننا السريان، اي بصيغة الكلدان و الآشوريين و السريان ، فالتسميات الثلاثة جميلة و من ثم سيحافظ عليها الدستور و ستكون محترمة من قبل الجميع، عندها يبدأ هذا الشعب بالعمل معاً يداً بيد و سوف لن يمنعه اي شيء من ذلك اذا ما توفرت هناك نيات صافية و مصداقية و احترام متبادل وتفاهم مشترك.
اما الخوف من الواوات فلا مبرر له لأنها ليست سوى حروف صغيرة ولا تؤذي احداً و لا حاجة لحذفها ما دامت تحافظ على كياننا بشكل صحيح و منسق و جميل،لكن الذي يستحق الرفض و الحذف و ازالته من الوجود هو الحقد و البغضاء و الكراهية التي يحملها البعض تجاه الآخرين بسبب التسمية القومية التي يحملها عبر آلاف من السنين و الى اليوم.
لننظر الى اخوتنا العراقيين العرب من الشيعة و السنة كيف يتذابحون بعد ان غابت الثقة فيما بينهم و فرقتهم المصالح الطائفية و الحزبية بالرغم من كون القومية و اللغة و الدين و الوطن يجمعهم.
و كيف ان شعوبا موحدة قوما و دولة و ارضا انقسمت على بعضها لتشكل دولتين او اكثر مختلفتين في الأيدولوجية ومتضادتين.
اذا ما نحتاج اليه هو مسح الأفكار و الأيدولوجيات التي تنفي الآخر وتلغيه من الأنظمة الداخلية للأحزاب و المؤسسات وكذلك من عقول مروجيها و مؤيديها و التعامل بكل صدق مع الآخر و احترام ثوابته القومية و زخمه العددي و الجغرافي، عندها نستطيع ان نعمل شيئاً معا و ان نكون شيئاً ما مهما كانت صيغة التسمية في الدساتير وبعكسه فالتباعد و الإختلاف سيزيد يوماً بعد آخر، حتى لو ربطنا التسميات بلحام من حديد الى ان تصبح علاقاتنا لا وجود لها.
ابعدكم الله عن انفلونزا التسمية.
و كل دستور( و) انتم بألف خير .