الكلدان في كتاب "الدراسات اللغوية الآشورية القديمة والمعاصرة دراسة مقارنة"
في العام الماضي اصدر الباحث الآشوري الأستاذ عوديشو ملكو اشيثا كتاباً بعنوان " الدراسات اللغوية الآشورية القديمة والمعاصرة دراسة مقارنة" وهو عبارة عن رسالة ماجستير قدمت إلى المعهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا/بغداد، بحسب ما جاء ذكره في الصفحة الثانية.
والكتاب الذي يقع في 350 صفحة من الحجم المتوسط، يتناول مواضيع هامة وقيمة حول تاريخ شعبنا الآشوري، اذ يسلط الضوء على: العصور التاريخية التي مرت بها الحضارة الآشورية من العصر الحجري مرورا بالعصر المتوسط والعصر الحديث، وأيضا يتناول الكتاب موضوع العلوم واللغة ودراسة مقارنة بين اللغة الاشورية القديمة والمعاصرة، وغيرها من الأبحاث التاريخية.
ومن بين المواضيع التاريخية التي تناولها الكتاب، موضوع "الكلدان" او "الكلدي". ففي الفصل الثالث المبحث الثاني صفحة 188، يستعرض لنا المؤلف ثلاث تسميات مقاربة في اللفظ (كلديون، كلدان، كنيسة كلدانية، خالديس (كالدي، خالدي) ويبيّن الاختلاف بينهم.
وقد أحببنا أن نضع لقرائنا الأحبة هذه الاختلافات التي وضعها لنا الباحث الأستاذ عوديشو ملكو اشيثا، لتوضيح للبعض ومنهم دعاة القومية "الكلدانية" أو أن صح التعبير قومية "السحر والمنجمين" الخطأ الذي يرتكبونه بحق شعبنا الاشوري.
حتى وان كان البعض منهم لن يتفق مع هذا البحث، والذين هم اصلاً من الانفصاليين الذين يحاولون قدر الإمكان تمزيق جسد هذه الأمة بمقالات واهية خالية من الحقائق التاريخية. إلا إن الحقائق يجب ان تسرد والحقيقة يجب ان تقال.
وهنا ادناه نضع للقارئ الكريم البحث المختصر الذي وضع الباحث الاشوري عوديشو ملكو اشيثا.
يتحدث الأستاذ عوديشو ملكو في صفحة 188 عن تلك الاختلافات ويقول:
هكذا اصبحت لدينا اربع تسميات متقاربة في اللفظ ] كلـديون، كلـدان، كنيسة كلدانية، خالديس (كالدي، خالدي)[. ولك منها مدلولها وزمانها ومكانها وتختلف أحداها عن الأخرى، ولاجل توضيح ذلك لابد من القول:
اولا: الكلديون، هم "القبائل الكلدية التي استقرت في الجنوب الغربي من ارض الرافدين.. ولم يرحب سكان بابل..بوجود هؤلاء الذي كان اصلا بدواً من بلاد العرب" انظر (توينبي، ارنولد، تاريخ البشرية، المصدر السابق، ص156) ومن الجدير القول عن هؤلاء الكلديين الذين سكنوا منطقة الاهوار_ بلاد البحر في أقصى العراق الجنوبي حوالي القرن التاسع ق.م. "جميع المصادر من الفترة الاشورية تسمى الأقوام التي استقرت (بلاد كلديا). وقد شاع استخدم مصطلح "الكلدانيون" في المؤلفات الأجنبية والعربية بتأثير من صياغة الاسم في العهد القديم، اما اسمهم الصريح فهو الذي أطلقه عليهم الآشوريون دون تحوير تسميتهم الكلديين وبلادهم كلدو وليس الكلدانيين... من الأدلة الكتابية وما جاء عند سترابون وما رواه العهد القديم، يستدل بان الكلديين ومن القبائل العربية التي نزحت من جنوبي الجزيرة العربية، وانتشرت على ساحل الخليج العربي والأقسام الجنوبية من العراق": (محمد، حياة إبراهيم، نبوخذ نصر الثاني، بغداد 1983، ص32_33).
وعن هؤلاء الكلديين وتدخلهم المستمر في شؤون بابل وإثارتهم المشاكل في جنوب البلاد عموماً وعن طبيعة تحالفاتهم المستمرة مع عيلام لزعزعة الأمن الآشوري. انظر:
] وما يليها [Van De Meroop, Marc, op. cit, p23
وعن موقع ومساحة الأرض التي كانوا يسيطرون عليها في بلاد البحر (أقصى جنوب العراق) والتي أخضعها سرجون الثاني للسيطرة الاشورية ([Van De Meroop, Marc, op. cit, p227
ثانياً: الكلدان، تسمية (صفة) ظهرت من خلال ترجمة العهد القديم الى اللغات الغربية كما جاء اعلاه وكانت تطلق على السحرة والمنجمين وقراء الفال في كل من بابل واشور على حد سواء. وقد وردت عنهم وعن ممارستهم الفلك والسحر والتنجيم مئات الاشارات في الكتاب المقدس وتصانيف المؤلفين الاوائل من الاشوريين وغيرهم. وعلى سبيل المثال:
1. جاء في سفر دانيال (العهد القديم) عندما دعى الملك الكلدي بلشصر الحكماء والمختصون بالفلك والسحر والتنجيم "وصرخ الملك بصوت شديد ان يُدخلوا المجوس والكلدانيين والمنجمين، واجاب الملك وقال لحكماء بابل.." (دانيال 5:7).
وفي نفس الاصحاح جاء ما يلي"وفي تلك الليلة قتل بلشصر ملك الكلدانيين" (دانيال، 5:30) من هنا، ومع ترجمات العهد القديم الى اللغات الاوربية بدأ اللغظ والخلط بين الكلدان (السحرة والمنجمين) وبين الكلديين الذين مر ذكرهم.
2. ان وصف اور العاصمة السومرية بــ(اور الكدانيين) في كتاب (التوراة) والذي وضعه احبار وكهنة اليهود ايام السبي البابلي (القرن السادس ق.م)، والذي هو عبارة من تاريخهم الاجتماعي والسياسي (كنعان، جورجي، تاريخ الله "ايل العالي" الطبيعة الثالثة، بيروت 1996). لم تنطلق الا للتهكم من بناء الحضارة العراقية الأوائل (السومريون)، اذ ان دور اور السياسي والحضاري المباشر كان قد زال قبل وضع التوراة بألف وخمسمائة عام أي (2006) ق.م. فلا يعقل ان يكون كتّاب التوراة يعنون ان اور كانت كلدانية عرقاً (جنساً) بل حتماً انهم قصدوا من هذه الصفة وصم اهل اور (السومريون) بنقيصة امتهان السحر والتنجيم! فبدلاً من ان يقولوا، ] اور السحرة [ قالوا ] اور الكلدان[. لان الكلدانية في اللغات العراقية القديمة كانت تعني التنجيم والعرافة والسحر..لخ : (انظر المطران منا، واجين، دليل الراغبين في اللغة الاراميين، الموصل 1900، ص338).
3. ان أي دارس واعي لكنتاب المقدس يدرك فوراً ودورن معانات، بان ما وردا في اسفار العهد القديم، عن الكلدان والكلدنة، يُشير برمته الى حقيقة كونها مهنة تتعلق بقراءة الفأل والعرافة والسحر ومتابعة النجوم (التنجيم). وهي شيء والكلد والكلديين كشعب رحل تسللوا الى بلاد البحر (جنوب العراق، منطقة الاهوار)، من ثم حكموا بابل ومعظم البلاد لفترة (612_539)ق.م باسم الدولة الكلدية او امبراطورية بابل الحديثة، شيء اخر.
ومن الاسم (كلدان) تم اشتقاق الفعل (كَلدَنَ) في الاشورية المعاصرة، وهو الذي مارس عملية السحر والعرافة والتنجيم وحتى الكهنة ورصد الأفلاك (ܟܠܕܢ ̤̱̤ܟܠܕܘܢܐ) و (ܟܠܕܝ ܟܘܠܕܝܐ). للمزيد انظر (القواميس الاشورية والسريانية). وهذا بحد ثاته لدليل على ان الكلدنة وكلدانها مهنة خاصة كان يمتهنها نفر من المختصين في المجتمع العراقي القديم في بابل خصوصاً.
وفي الموروث الكنسي الاشوري القديم، ورد الكثير مما يوحي بل يؤكد صراحة وبوضوح، بان الكلدان والكلدانية تعني اناس يمارسون التنجيم والعرافة..لخ وما نراه يفيد القاريء ويخدم الحقيقة العلمية هنا، وهو الاستشهاد باري بعض الكبار العلماء العراقيين من اعلام الكنيسة المشرقية الاشورية، والذين عاشوا في العراق قبل القرن الخامس الميلادي، أي في وقت قريب من وجود الكلدان (السحرة) في المجتمع العراقي بالقرب منهم وبينهم.
أ_ برديصان: يعد من اقدم المسيحيين الاشوريين الذين كتبوا عن هذا الموضوع، وهو من مواليد الرها في بلاد الرافدين، في 11 تموز 154م ، كان فيلسوفاً وثنياً ثم مسيحياً آلفَ وكتب الكثير، ولكن كتابه اليتيم الذي وصلنا نحن ابناء هذا العصر هو (شرائع البلدان). والذي الفه قبل نهاية القرن الثاني للميلاد. وردت فيه تفاصيل كثيرة عن ماهية الكدان ومهنة الكلدنة. كما انه سمى هذه المهنة بالكلدنة سواء لدى اهل بابل او اهل مصر. مما يعني ان تلاميذ برديصان لم يستطيعوا التميز بين سحر بابل وسحر مصر. وفي أدناه نقتطف من الكتاب المذكور هذه المقاطع، وهي من ترجمة (الاب البير ابونا في مجلة المجمع العلمي العراقي_ هيئة اللغة السريانية، عدد 12، 1988،ص: 279).
] 1_ قال لنا (برديصان) اعلم انا ايضا، يا فيلبس ويا بريما، ان ثم اناس يدعون كلدانيين (منجمين) واخرين ممن يهون هذه المهنة، كما كنتُ انا ذاتي أهواها مدى.
2_ فان هذه المهنة كاذبة عند الكلدانيين.
3_ وهناك قدر، كما يقول الكلدانييون، اذا لا يجري كل شيء حسب إرادتنا.
4_ قال برديصان: هل قرأت كتب الكلدانيين (المنجمين) الذين في بابل، وفيها قد كتب ماذا تفعل الكواكب في امتزاجها عند ميلاد البشر.
5_ قال عويذا: لقد قرأت كتب التنجيم (الكلدنة: ܟܠܕܝܘܬܐ )، ولكني لا اعلم اياً منها يعود الى البابليين واياً الى المصريين.
6_ ورد في كتاب الكلدانيين (المنجمين)، انه جينما يتواجد هرمز مع الزهرة في منطقة هرمز، ينتج مصورين نحاتين وصيارفة...
7_ قلتٌ له: يا أبانا برديصان، اما نحن فقد أطلعتنا عن هذه الامور، ونعلم انها حقيقة. ولكنك تعلم ان الكلدانيين (المنجمين) يقولون ان الارض مقسومة الى سبعة اجزاء تدعى اقاليم وكل من هذه (الكواكب) السبعة مسلط على تلك الاجزاء.
8_ قال لي: ] يا ابني فيلبس، اعلم اولاً ان كلدانيين اخترعوا هذا الكلام لتضليل الناس[.
ب _ مار يقوب افراهاط المتوقي عام 346م ولد مار يعقوب افراهاط في نينوى وخدم الكنيسة فيها برتبة اسقف. ومن قال برتبة مطران، ابان فترة البطريرك مار بابا والشهيد مار شمعون برصباعي في ساليق. ومن آثاره الكتابية الباقية مجموعة تضم ثلاث وعشرين بينة او مقالة (ܬܚܘܝܬܐ) تعالج مواضيع إيمانية مسيحية وانسانية، وتسعى الى دحض تعاليم المجوس وغيرهم. وهو ايضا اورد الكثير في مصنفة هذا عن (الكلدان والكلدانية) واصفاً إياها بمهنة او علم للارتزاق من خلال العرافة وقراءة الطالع...لخ
ولغرض الاستشهاد بقوله نورد مقطعاً واحداً فقط. اذ قال:
]ܦܠܚܝܙ ܟܠܕܝܘܬܐ ܝܘܠܦܢܐ ܘܒܒܠ[: والذي ترجمته ]وهم يمارسون التنجيم علم بابل[.
ج _ مار نرساي: المتوفى 502م هو ايضاً اشوري عراقي ولد في قرية عين دولبي (دولبي) قرب دهوك والى غربها. وقد وصلتنا ثلاث مجلدات شبه كاملة من مؤلفاته القيمة. ورد فيها كما عند غيره الكثير من مقاطع والعبارات التي تؤكد ما هي الكلدنة!، سوف نكتفي بمقطع واحد من أقواله القيمة في هذا الخصوص:
] ܒܟܠܕܝܘܬܐ ܛܥܘ ܛܥܝܐ ܘܐܥܠܘ ܚܠܩܐ ܘܠܢܗܝܪܐ ܥܒܕܘ ܡܙܝܐ ܕܡܘܬܐ ܘܚܝܐ[
والذي ترجمته ] بالكلدنة (التنجيم) ضل الضالون واعتمدوا الأقدار: وجعلوا من الكواكب ارباب الموت والحياة[ . ولدينا الكثير من الذي خلفه لنا هؤلاء الاباء الثلاث وغيرهم في هذا المجال، لو تم جرده ودراسته فذلك يتطلب مجلدات عدة.
3_ الكدان المعاصرون (اتباع الكنيسة الكلدانية في العراق) تكونت النواة الاولى لهؤلاء الكلدان عندما أغوى المبشرون الفرنسسكان راهب اشوري نسطوري من دير ربن هرمز قرب القوش، اسمه يوخنا سولاقا وأقنعه بالذهاب معهم الى روما، بغية جعله رأس رمح لدخول الى جسد المسيحية الاشورية.
وفي روما رسمه البابا يوليوس الثالث بطريركاً سنة (1553م) وبعد عودته الى سعرت شمال بلاد الرافدين، اغضب العثمانيون بحملته التبشيرية لصاح الغرب، فسجنه وأعدمه باشا ديار بكر سنة (1555م). استمرت روما وبكل الوسائل في محاولة إيجاد موطئ قدم ملائم لها في بلاد الرافدين من خلال شق صف الكنيسة الاشورية، الى ان استحصلت البراءة السلطانية العثمانية بالملة الكلدانية كطائفة مستقلة بين الطوائف الكثيرة في الامبراطورية العثمانية، وذلك سنة (1844م). وطلقت على رئيس هذه الطائفة لقب بطريرك بابل على الكلدان، مرة اخرى بسبب تأثر الغرب بروايات العهد القديم حول بابل والكلدان (السحرة) والسبي البابلي...لخ.
والا فأين أوجه الربط بين الاشوريين النساطرة من القوش وديار بكر وامد واورمي، الذين تحولوا من مذهب مسيحي الى اخر، وبين بابل والكلدان والكلديين......لخ. انظر: (ابونا، هرمز م . الاشوريون بعد سقوط نينوى، المجلد الثامن" صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية" لندن 2004). بالإضافة الى المئات من الكتب والدراسات التي تتحدث عن الكنيسة الاشورية ونشاطات التبشيرية في الشرق.
4_ كلدي (خلدي)، اقوام من الاوراتيين، كانوا يعبدون الإله (Khaldis ( في الماضي.
ملاحظة تم إعادة تنضيد هذا البحث بواسطة الشماس جورج ايشو.
وتابع موضوع اخر عن الكلدان
http://www.assyrianray.com/inf2/articles.php?action=show&id=380وموضوع اخر
http://www.assyrianray.com/inf2/articles.php?action=show&id=376والرب يبارك الجميع
الشماس جورج ايشو