عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - سـلوان سـاكو

صفحات: [1]
1
رحلة في زمن كنيسة أم المعونة.
بقلم/ سلوان ساكو
خطوة محمودة قام به غبطة الكاردينال البطريرك مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكلدان، وبجهود بارزة من قبل سيادة المطران ميخائيل نجيب ميخائيل مطران أبرشية الموصل وعقرة للكلدان، في إعادة بناء وتطوير كنيسة ومدرسة أم المعونة، في منطقة الدواسة على الضفة اليُمنة من مدينة الموصل. بعد أن عاث فيها تنظيم داعش الأرهابي دماراً قبل سنوات قليلة.
كلمة البطريرك الكلداني مع حفّظ الألقاب في حفل الافتتاح والتدشين كانت قوية ومؤثرة وذات دلالات ومعاني كبيرة، ارتكزت على العتب والتغيرات التي حدثت في نسيج العلاقات الاجتماعية، وازدواجية المعايير في التعامل مع مكون اصيل كان يقطن ويعمل وينتج ويُبدع في هذه المدينة التاريخية، التي خدم فيها غبطته فترة زمنية طويلة حين كان كاهنا في ذات الكنيسة على فترتين مختلفتين، قبل أن يصبح مطرانا على كركوك، وبعدها بطريرك على كرسي الرئاسة الكلدانية في بغداد.
جاء بناء كنيسة أم المعونة مع بداية نهاية الحرب العالمية الثانية بتاريخ 15 اب 1944، حيث وضع غبطة البطريرك مار يوسف عمانؤيل الثاني حجر الأساس، مع نخبة من الشخصيات المسيحية الموصلية الأصيلة. انتهى البناء في وقت قياسي حيث فتحت الكنيسة في 14 نيسان من سنة 1946، بعد أن وضعت الحرب اوزارها، صادف  ذلك اليوم احد السعانين، بعد ذلك بُنيت مدرسة أهلية مختلطة مع صفين لرياض الأطفال. تغيرت بعض الأمور مع تغيير الظروف السياسية المتلاحقة ذلك الوقت، منها تحويل اسم المدرسة من أم المعونة إلى مدرسة أور بعد ذلك عادت إلى اسمها الأول، كما حصلت بعض الإشكالات في بداية السبعينات بسبب التأميم ولكن بقوة وشكيمة الشهيد المطران مار بولص فرج رحو حيث كان كاهن وقتها بائت كل محاولاتهم بالفشل وظلت الكنيسة والمدرسة ضمن املاك الطائفة الكلدانية.
بعد قرابة 80 عام على تشييد الكنيسة جرت مياه كثيرة تحت الجسر وتغير المناخ العام للمدينة التي كانت تحتضن الجميع بغض النظر عن الهوية الدينية، نعم كانت هناك تجاوزات من هنا وهناك، أو تصفيات جسدية في حقبة بما يسمى ثورة الشواف التي ظلت عالقة في ذاكرة الموصلين، ولكن لم تتخذ طابع جذري له اساس في بنية المجتمع، اعُتبرت أزمة مؤقتة ذات صراع سياسي بين قوة ارادت فرض سيطرتها على المدينة، لم تؤثر بشكل عميق على نسيج المدينة المتماسك من قرون. الحرب العراقية الإيرانية كانت سببا في تلاحم هذا النسيج اكثر  حيث أعطت العوائل الموصلية المسيحية الكثير من الشهداء منهم من كان ضباطا في الجيش، أفواج المعزين بذلك المُصاب كانت من مسلمي المدينة.
ظلت منطقة الدواسة منطقة مسيحية بامتياز خاصة في ما يخص محيط الكنيسة، حيث تجمعت العوائل المسيحية حول كنيستهم وامتدت إلى منطقة الطيران والدندان والجوسق، حيث الأغلبية العظمى مسيحية، سواء كانوا كاثوليك أو أرمن. من جهة كنيسة الساعة والمياسة نزولا عند شارع فاروق القديم وما يتبعهم كانت اغلبية العوائل من نازحي قرى الشمال، تجمعهم كاتدرائية الشهيدة مسكنتا ودار المطرانية ودار الراهبات، بالإضافة إلى منطقة الميدان وكنيسة مار يوسف التي ظل فيها عدد لا بأس فيه من المسيحيين القدماء مع ما وفد من شمال العراق أليها. أستمرّ هذا الوضع اكثر من خمسين عاما، تحولات دراماتيكية كثيرة حدثت بعد عام 2003 الجميع بات يعرفها لا داعي لذكرها الان.
الأكيد أن سيادة البطريرك مار لويس ساكو، يحاول قدر المستطاع لملمة جارح الكنيسة الكلدانية والتي تواجه تحديات صعبة ووجودية في آن واحد ليس اولها نزيف الهجرة ولا اخرها  المرسوم الجمهوري بسحب التعين المذكور، وانتقال البطريرك لاحقاً إلى الاقليم الكردي فيما يشبه المنفى، كل هذا وغيره وضعت الطائفة الكلدانية بشكل خاص والمسيحية بشكل عام أمام  سلسلة من الأحداث والإشكالات  يصعب التكهن بنهاياتها. الجميع اليوم  بات يعلم سواء من مهم في الداخل العراقي أو في دول المهجر  أن موضوع سحب  المرسوم 147 اكبر من ريان الكلداني نفسه ورئيس الجمهورية، القضية اعمق ومتورط فيها اشخاص نافذين سواء على الصعيد الديني ( الكاثوليكي) أو على الصعيد السياسي الكردي. في جميع الأحوال البطريرك ساكو ظل صلب وصادق وشفاف حيث لم يُهادن ولم يُجامل على حساب الدين والعقيدة، عملاً بمقولة السيد المسيح (فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا).
يظل شيءً اخيراً ، هل يحدث تغير حقيقي في بنية المجتمع العراقي، والعودة مجدداً لقيم الانسانية والأخوة والتضامن والتعايش الاجتماعي كما كنا سابقا، صعب جداً على الاقل في المنظور القريب، حيث لن يتغيّر شيء في بلد يصرّ على البقاء في أسر الشعارات الطائفية الفارغة وإقصاء الآخر وعدم القدرة على استعاب التنوع، لوحة الفسيفساء التي جمعت جميع اطياف الوطن الواحد تحطمت على صخرة التعصب والجهل والعشائرية المُقيتة، وليس بالإمكان إعادة تشكيلها من جديد.

2
المنبر الحر / تحتّ المَجّهَر
« في: 06:58 04/02/2024  »
تحت المجهر
بقلم/ سلوان ساكو
تغيرات كثيرة طرأت علينا منذ ان ولجناّ دول المهجر قبل عقود، تغيرت طباعنا وعاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا في الكثير من الجوانب ولكن الجوهر الفوضوي هو ذاته، اكتسبنا خبرات في مجالات مختلفة منها ما هو سلبي ومنها ما هو إيجابي، في كلا الحالتين يعتبر تغير، ولكن مع كل هذا يظل هناك الكثير من المفردات الحياتية المختلفة تشير إلى اننا لم نصل الى الفهم الصحيح والمطلوب لثقافة هذه المجتمعات وفلسفتها للواقع من حولها، وبعيدين كل البعد من الواقع الحقيقي الذي شيد فيه الغرب حضارته وثقافته وتاريخه البشري. ولنوضح الأمر بطريقة صحيحة نأخذ بعض الأمثلة، وأن كانت كثيرة سوف نختصرها بثلاثة فقط.
 محطة وقود السيارت، Petrol station، من الطبيعي أن تملأ سيارتك من الاتجاه الصحيح لخزان الوقود، سواء من الجهة اليسرى أو اليُمنة، فجأة تُشاهد شخص يركن سيارته بعكس مسدس فوهة المحطة ويقوم بتعبئة البنزين بطريقة عكسية، ويكون في الاغلب مزهواً بنفسه لتحقيق انتصار وهمي في شخصيته الهشة. 
 في مكاتب البريد Post offices، هناك ثمة نظام عرفي، آي غير مكتوب، ولكن عُرف هكذا يقوم هذا نظام على ال Line، طابور، وكل شخص ينتظر دوره إلى أن يصل إلى الموظف الواقف خلف المكتب لينهي عمله، فجأة يأتي شخص، سواء كان رجل أو امرأة، ويجتاز هذا الطابور الطويل ويضرب عرض الحائط كل الواقفين دوان ادنى احترام الآخرين، ويذهب مباشرةٌ نحو موظف البريد يريد أن ينجز معاملته قبل كل هؤلاء الواقفين، ولكن هذا الموظف او الموظفة تُعيده إلى آخر الطابور وهو يجر اذيال الخيبة والإحراج.
بوق السيارة Horn لا يستعمل في الغرب الا للضرورة القصوى او في حالات الطوارئ Emergency، او هناك تجاوز لأفضلية المرور، وان استعمل في غير محله يعتبر استخدام خاطئ ويأتي بمثابة مسبة، الذي لاحظته في الاونة الأخيرة كثرة استعمال هذا البوق وكأنك في عاصمة عربية مثل بغداد او القاهرة او دمشق الذي لا يرفّع السائق يده عن هذا البوق.
 الامثلة كثيرة على هكذا مواقف وتجاوزات ولكن يظل  القاسم المشترك بين كل هذه الملاحظات هو بروز الصورة العربية، وأن دققنا بشكل واضح نراها عراقية بامتياز.
إلى اليوم لم ينخرط اللاجئون العرب والعراقيون بشكل حضاري واجتماعية يرتقي لثقافة الغرب، نعم ربما تعلموا اللغة الإنجليزية ولكن لم يتعلموا جذورها الفلسفية وكيف نشأ هذا التطور الفكري والتاريخي والثقافي لهذا الإنسان الغربي  الذي ما فتئ يطور من قدراته على مدار السنوات، نعم هناك ثمة سلبيات لهم ايضا ولكن يتم تصويبها من وقت لآخر.
لنعترف بأن امامنا طريق طويل لبلوغ الأهداف المرجوة ومن الصعب جدا بلوغها بهكذا عقلية منغلقة على عادات وتقاليد لم تعد قادرة على مواكبة التطور الحضاري والثقافي للغرب.

3
أدب / حنيّن منّ تبقّى لكِ
« في: 15:26 29/10/2023  »

حنيّن من تبقىّ لكِ


سلوان ساكو

ثوباً ابيض وأياديٍ مخضبة بالدماء…
حلمًا مزعج وحِبال تشتدُ حول العنق…
بًئرٍ من آلام لا قرار له وحزناً عميق… 
يعلوا صراخاً من القبور…
عودوا لم يحن وقتكم بعد…
فنحن قد طوانا النسيان…
اما انتم فلستم من الأموات بل من الاحياء…
ترميّ أم ثوبا نحو طفلها المُسجًّى في قبرٍ صغير…
ارتديه يا ولدي فالبردُ قادم…
الجميع قد رحلوا وانتِ تستغيثين ببكاء أن لا يرحلوا…
تصرخين بآلم يُزعزع الجبال ويفتح القبور…
واحد اثنين ثلاثة ورابعهم جاءكِ نبأه ما قبل المساء…
عند المساء تأتي الفواجع ويحل الظلام…
غابت الشمس يا حنين ورحلوا ما بعد الأفق البعيد…
وبات الانتظار لهم من الماضي البعيد…
يا حنين من يحنو عليكِ بعدهم ومن يُمسد شعركِ الجميل…
ضاقت بهم الحياة وباتوا اليوم تحت التراب…
يشربون من المطر ماءاً دثار…
حنين لا تسألي من فعل هذا فالكل متهم…
والجميع تعلوا وجهه طبعة الشيطان…
حنين انقطعت الأزمان بينكم…
وصارت الأعين والأجفان أراضيٍ سُهاد…
والأماكن خالية من ذكرى عزيز غاب…
والذكريات الألام تذبح من الوريد إلى الوريد…
والابتسامة لم تعد موجودة…
والضحكة صارت من الماضي… 
حنين هذا هو المنتهى والباقي فراغ في فراغ…
كيف ينهض طائر الفينيق من رماده…
بأجنحةٌ مُحترقة…
هو لن ينهض بعد اليوم…لن ينهض…
حنين عبرتي المدى والأفق ورائكِ….
وارتحلت الشمس وراء روابٍ….
وصارت تبكي كطفلة تُركت وحدها في ارضاً قِفار….


4
ليلة النجوم
قصة حب وحريق
مستوحاةٌ من آلام عرس الحمدانية.
بقلم/ سلوان ساكو
 قبل ليلة العرس بيومان.
نهار جميل والشمس مشرقة تبعث على التفاؤل والأمل والحب، والخريف يطرق أبواب الشتاء ويحول أوراق الشجر من خضراء إلى ذهبية اللون سرعان ماتنتهي وتيبس.
زوجين في سنّ الربيع يهيئان انفسهم لدخول قفص الزوجية، كانا منشغلين بتجهيزات الحفل، يرسمان لأنفسهم دنيا مشرقة وينسجون من خيوط حرير ناعم أحلام حياة جديدة يقطفان من دفء القلوب ثماراً أنضجها الحب الحقيقي الصادق. كل شيء من حولهم كان يبشر بالخير، ألا القدر كان له قول آخر.

قبل ليلة العرس بيوم واحد
اقترب الموعد، وبات الجميع ينتظرون الحفل للمشاركة في هذا العرس الكبير، ومعالم الفرحة والبهجة مرسومة على وجوه الناس الذين جاءوا من أماكن مختلفة تسبق خطواتهم ابتسامة عريضة تشع من القلب، وبخور من رائحة العود معجونة بالحب تعطر المكان وتجعل الأجواء دافئة وجميلة ... ليلة الزفاف كانت ليلة العُمر.

الفردوس (الليلة ألأخيرة)
كل من كان داخل الصالة يقول بأن الوضع جيد ويسير على ما يرام، لا شيء يوحي أن كارثة حقيقية سوف تقعّ خلال لحظات. الجميع منطلقين ومتحمسين وفرحين. كل شيء سار على أكمل وجه حتى قبل ساعات قليلة، القران عُقد والصالة ممتلئة بالمدعوين والأجواء جميلة تشع بهجة وحبور. الأطفال جالسين على عتبة المسرح يشاهدون أبراجاً من ألعاب نارية تعلوا وتهبط بشكلٍ عامودي يغمرهم فرح طفولي وهم ينظرون نحوها،  الكل مبتهج والغبطة تبعث على المسرة، وفجأة تغير المشهد برمته وعلاّ صوت الصراخ والعويل يمزق ارجاء المكان، الصالة صارت بؤرة لهيب تصَلّى من حولها وتقذف حِمم بركانية من الأعلى وباتت اللظّى تلتهم كل شيء،  كأنة هاوية من الجحيم السفلى فتحت ابوابها على الناس تستدعيهم للدخول. الجمعّ يركض وسعير النار تجري ورائهم تريد أن تلتهم من تبقى في الداخل، مخارج الطوارئ مفقودة، الأبواب الرئيسية مغلقة، الإنارة مطفأة دخان قاتم يملأ المكان كأنة ساحة معركة خاسرة نقلت ارضها على وجه السرعة إلى هذا المكان المظلم، إضطرام وفوهة من جهنم ليس لها قرار فُتحت على حين غرة. الكل يريد ان يُخلص أسرته وأطفاله من هذه النار المستعرة، صغار ينوحون في بحثهم وسط نار عن امهاتهم المتفحمة، رجال كانوا قُبيلة لحظات يرقصون فرحين على أنغام الطيور اصبحوا رماد ينبعث منها دخان كثيف ينبثق منه روح متألمة فارقت الحياة دون عودة. ألسنة النار تعلوا وتعانق السماء حاصدة ارواح أبرياء كُثر جُل غايتهم هو أن يفرحوا في عرس تحول إلى مأتم ، كل شيء حدث سريعاً، ولكن المأساة لم تنتهي سريعاً حيث تغير المشهد برمته إلى الأبد وبدأ فصل آخر من أسى وكرب سوف يستمر طويلاً.

نهاية البداية
عروس في ثوب الحداد يوم عرسها والإكليل على رأسها شوكٌ يقطر دماءً غزيراً، يلفها حزناً عميق كأنها زهرة قصفتها عاصفة شتوية، تُشاهد الان حلم كابوسي يريد أن يستحوذ علّى روحها النقية وكلما حاولت الخلاص من هذا الكابوس ازادت الظلمة، تريد وتريد الخلاص من هذا السواد الدامس الذي يلف عنقها بحبل غليظ ولكن دون جدوى. هذا هو  طريق جلجلتها المر، طريق الآلم والحزن، حنين عشتروت جديدة، روح هذه العروس ستنزف طويلاً، هي عصفورة الحب والنار الهالكة على الشوك، من قطرات دمعها تبكي وتبكي حتى تستنفذ كل الدموع، أين والديها، أين اخوتها، أين أطفالهم، أين البقية، أين الناس، أين الفرح الذي كان قبل الماضي بدقائق معدودة. غربت الشمس من حولها وصارت سماؤها معتمة، المشكاة متعددة الألوان باتت الآن لون واحد هو لون الدم الأحمر. هذه الارض الملعونه تحمل اليوم دماء مذبوحة وأجساد محترقة وصرخات ثكالى ودموع يتامى.  هي أرض الاحلام المفقودة والرغبات المذبوحة.
العريس مذهول من شدة الصدمة والحزن يلف روحه، شاخص بنظره للمجهول دون هدف، كل تلك الأحداث تتزاحم برأسه بسرعة هائلة لا يستطيع فهم كل تلك المصائب التي جرت من حوله دفعة واحدة؟ سؤال يتناسل من رحم الاخر في دائرة معلقة في فضاء صالة العرس كانوا قبل ساعات شاخصين النظر أليها وهي تتحول الى حلقة نار هائلة تسقط عليها، لتحرق الصورة الزاهية التي كانت تلون سماء الليل.
هي جدارية وسط ركام الموت وحطام الأفئدة وأجساد محترقة، الوجع والحزن يلف كل مكان وكل شيء، جدارية تختصر قصة حب لم تكتمل فصولها بعد؛
أوجاعها أوجاعه، وآلامه هو ذاته آلامها،
دموعها الغزيرة دموعه، وجراحها الغائرة جراحه.
آهاتها التي تمزق قلبها آهاته، قطرات دمه هي ذاتها قطرات روحها النازفة ونبض قلبها نبضات قلبه.
جسديهما الان مهشّمان وارواحهم ممزقة.
أدارت حنين رأسها نحو ريفان ودموعها لا تتوقف قائلة أرجوك لا تتركني…
ردّ ريفان قائلا؛ نحن أبناء النور،  والنور في النهاية سيغلب الظلمة، لا تخافي…. غفت حنين على ذراع ريفان وقد شعرت بسلام ملائكي يخيم على روحها.

موتنا الحقيقي يكون حين يتعرى الفرد من إنسانيته ويتحول إلى كائن ادنى بكثير من الحيوان، يخنق الفرحة ويغتصب الابتسامة ويقتل البريء، هناك يكون موت الروح لا موت الجسد.  >:(

5
قاعة الهيثم محرقة عراقية. 
ربما لم تخطئ كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية حينما قالت سوف نخلق مجالات حيوية لفوضى خلاقة في العالم وخاصة في عراق ما بعد التغيير.
 كل شيء في العراق يدل على إن هناك فوضى ولكن غير خلاقة وغير اخلاقية وغير مسبوقة في التاريخ الحديث على الاقل تزيد عمرها عن ال 20 عام من سنة الاحتلال والى اليوم. حكومات متعاقبة على هذا البلد المنكوب منُغمسة بالفساد والمفسدين والرشاوي والمحسوبية والعنصرية والطائفية والقبلية، كل شيء عاد إلى ما قبل الدولة الحديثة وما قبل المدنية والتمدن، كل شيء يقول لك وبالقلم العريض ليس ثمة دولة في العراق وأنما مجرد عصابات ولصوص وميليشيات مسلحة تقوم بسرقة المال العام والخاص، الأمثلة على ذلك كثيرة، سرقة القرن والتي تعد بالمليارات الدولارات، سرقة نفط آبار البترول في البصرة وغير البصرة، فضيحة سرقة معدات مصفى بيجي للمنتجات النفطية، هذه عينة من فيض غزير من الفساد المالي الرهيب وثقب اسود يبلع كل شيء، هذا يقود حتماً إلى انهيار الدولة واجهزتها الحكومة وفروعها التنفيذية وبالتالي يقود هذا إلى عدم متابعة المقصرين ويكرس للترهل في جميع اجهزة الحكومة، وبالتالي نحصد الكوارث وتحصل المأساة، فمن أمن العقوبة أساء الأدب، على سبيل المثال لا الحصر،حريق مستشفى الحسين للعزل الصحي في الناصرية سنة 2021، ذهب ضحيتها حوالي 92 قتيلا و110 جريحاً، غرق العبارة السياحية في الموصل عام 2019 ذهب ضحيتها أكثر 120 شخص، من حاسب من، وأين هم اصحاب المسؤولية عن هذه الحوادث الفضيعة، واليوم نجني ثمار كل هذه الفوضى وهذا الفساد في مأساة جديدة مروعة في قضاء  الحمدانية على أرض قاعة الهيثم للمناسبات. ومع كل هذا من حق المواطن أن يتسائل، من أعطى إجازة ممارسة المهة لصاحب القاعة بدون اِستيفاء شروط  السلامة، كيف شيّدت القاعة بالاساس من ألواح الساندويتش بّنَل المنتشرة في العراق في الاونة الأخيرة وكيف دخلت بغفلة عن اجهزة السيطرة النوعية، أين معايير وقوانين الدفاع المدني، من المؤكد أن الصالة كانت تفتقر إلى أبسط مقومات السلامة العامة، من مخارج الطوارئ إلى أسطوانات إطفاء الحريق ونظام رشّ الماء من السقف، واجهزة الاستشعار بالحرائق التي لا يتجاوز سعر الواحد 20 دولاراً، مما أدى بالنهاية إلى تلك الكارثة التي ذهب ضحيتها العشرات وجرحى يقدر عددهم بالمئات، هؤلاء الضحايا حقهم يقع على من، ؟ على صاحب القاعة الذي لم يفكر سوى بجني المال على حساب سلامة الناس، أم على الحكومة الفاسدة وعلى رأسها رئيس الوزراء، أم على المسؤولين الذين ينهبون العراق ليل نهار دون أي مسائلة، أم على المقاولين الذين يستوردون كل ما هو رديء وسيء ورخيص من الصين قافزين  على جميع اختبارات السيطرة النوعية، أم على الموظفين المُرتشين الذين امتلأت كروشهم بالمال الحرام، الجميع في دائرة الاتهام ولن تقف الكوارث عند هذا الحد بل سوف يشهد العراق كوارث اخطر ويذهب ضحيتها الآلاف بسبب عجز الحكومة وفساد السلطات بكل أطيافها التشريعية والقضائية والتنفيذية والإدارية.
 وبالنهاية يكون الله بعون المواطن العراقي الفقير البسيط الذي يعيش وسط أزمة غير مسبوقة بكل تجليتها تجاوزت العشرين سنة.

6
الغَيتّو العراقي
مازال المهاجر العربي بصورة عامة والعراقي بصورة خاصة يعيش داخل غيتو في مناطق تواجده في أستراليا وغير أستراليا، هذا على الأقل حسب ما لاحظته أنا من فترة ليست بالقصيرة وكان لا بد من التوقف عند هذه الظاهرة قليلًا.
أولًا الغيتو أو الغَيْت يشير إلى منطقة يعيش فيها، طوعاً أو كرهاً، مجموعة من السكان يعتبرهم أغلبية الناس خلفية لعرقية معينة أو لثقافة معينة أو لدين ما. أصل الكلمة يعود للأشارة إلى حي اليهود في المدينة، مثل الغَيت في مركز مدينة روما. ويرجع مصطلح الغيتو (Ghetto) إلى اسم الحي اليهودي في البندقية الذي تمت إقامته عام 1516، وبعد ذلك في كل أنحاء العالم تقريباً كان هناك أحياء خاصة لليهود.
لنعود للعصر الراهن ونأخذ منطقة craigieburn على سبيل الطرح، والواقعة ضمن حدود بلدية هيوم في ولاية ملبورن الأسترالية، فكل التمظهرات ومفردات الحياة اليومية تدل ودون شك إنك داخل غيتو أو معزل، من أسواق سمانة عربية الى العيادات الطبية والصيدليات وصالونات التجميل والحلاقة…. الخ. حتى الشخص لا يحتاج الى أستعمل اللغة الانجليزية. نعم من الناحية العملية يكون التعامل مع مفردات الحياة اليومية سهلة في هكذا حاله فأنت في النهاية لا تحتاج الى  لغة أخرى غير العربية أو السورث المحكية في التعامل فيصبح الوضع أسهل بشكل معين، ولكن مع هذا هناك خطأً في مكان ما فأنت في النهاية لا يمكن ان تتجاوز أبعاد المشلكة في أيّ حال من الأحوال حيث أن البلد لغته الرسمية هي الإنكليزية في التعامل وفي الدوائر الرسمية والغير رسمية، عدم الإلمام بالغة كفعل تواصل مع الأخرين يعكس مدى الفجوة القائمة بين اللاجئ وبين المجتمع الذي يعيش فيه. من المؤكد ليس المطلوب هو الانصهار الكامل وترك الهوية الثقافية للشخص القادم من دولته ألأم، ولكن أيضا ينبغي السعي وراء تعلم ثقافة المجتمع الجديد والانخراط فيه بشكل أكبر والانفتاح على افكار جديدة. هذا أيضًا وفي صورة ثانية له علاقة وبأثر رجعي بحركة التاريخ، على سبيل المثال النزوح الطوعي او القصري لسكان قُرانا في منطقة سندي أو غيرها بداية الخمسينات حتى تقريبًا نهاية سنة 1975، حيث نزحت العوائل بتجاه بغداد والموصل وكركوك، منهم حتمًا من انخرطوا وبشكل أكبر مع محيطهم وانفتحوا على الأخرين وتلاقحوا من باقيه الثقافات، أخذوا منهم واعطوا لهم، ومنهم وهم كُثر من تقوقع داخل صدفة ثقافته التي نزح معها من الريف الى المدينة فلاقى صعوبة في التعامل مع الوضع الجديد فبات أسير الماضي الذي انقضى ولن يعود، حتى الجيل الذي تلاه وجد صعوبة في تعلم لغة البلد المحكية. وهكذا باتت الامور أكثر صعوبة مع الوقت، الذي حال دون مزيد من التعقيد هو الهجرة الشبه جماعيه بعد التغير آي بعد عام 2003, ولكن تكرر ذات السيناريو في دول المهجر فبتنا ودون أرادة منا داخل  غيتو خاصة. 
مجرد طرح مثل هكذا تساؤلات هو بحد ذاته مهم. على الرغم من ذلك كلّه، يبقى مطلوبا التفكير في ما يمكن عمله لتجاوز عنق الزجاجة والانخراط بشكلٍ أفضل مع مُحيطنا والحيلولة دون العيش في غيتو أو منعزلين عن العالم الخارجي.

7
بيان إستنكار شديد اللهجة صادر من جمعية مار سوريشوع.
أننا أبناء جمعية  امرا مار سوريشىوع  (الجمعية العامة)،  في ولاية ملبورن الاسترالية، ندين ونستنكر بشدة قرار رئيس الجمهورية العراقية  السيد عبد اللطيف رشيد والقاضي بسحب المرسوم الجمهوري رقم 147  الخاص بتعيين سيادة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم.
ونحن أعضاء وأبناء الجمعة في الوقت الذي ندين فيه مثل هذا السلوك وهذه التصرفات المُشينة نضم اصواتنا مع باقي الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والقوى الوطنية والسياسية التي أدانت واستنكرت مثل هكذا أفعال لا تليق برمز ديني رفع بمستوى سيادة الكاردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو حيث يُمثل طائفة كبيرة داخل الوطن وخارجه.
وعليه نعبر عن استنكارنا وإدانتنا لما أقدمت عليه الحكومة العراقية مُتمثلة بالرئيس عبد اللطيف رشيد وبناءً على ذلك نعلن نحن أبناء وأعضاء الجمعة وقوفنا الكامل مع غبطة ابينا البطريرك وإدانتنا لهذا السلوك الغير مسؤول والغير مسبوق مستنكرين كل مابدر عن هذه الجماعات التي تعمل على تخريب النسيج الوطني العراقي ودق إسفين الفتنة بين أبناء شعبنا المسيحي.


أبناء جمعية اومرا دمار سوريشوع
ملبورن/ أستراليا
                                                              16/07/2023

8
الكنيسة الكلدانية تغفرّ ولكن لا تنسىَ
بقلم/ سلوان ساكو
تبدوا الظروف مناسبة لشرح أسباب الأزمة الأخيرة بشيء من التفصيل، حيث لم يكن هناك في يوم من الأيام أي توافق ما بين المدعو المُدان ريان سالم (الكلداني)، وبين البطريركية الكلدانية ممثلة طبعاً بشخص سيادة الكاردينال البطريرك مار لويس رفائيل الاول ساكو.
 من البداية كان هناك ثمةْ صدّ واضح من جهة غبطة البطريرك، لِمَا مثله ويُمثله ريان مَن تجاوُزًا لكل الخطوط الحمراء، والقفز  على المرجعيات الدينية المسيحية، خاصة الكنيسة الكلدانية، وتنصيب نفسه متُحدثاً رسمياً لِعموم الطائفة في العراق دون وجه حق.
الأزمة ليست بالحديثة ولا هيّ وليدة اللحظة الراهنة وما الاحتقان الحالي المتفاقم مع الأيام غير انعكاسًا للصورة المشوهة السابقة الذي أراد ريان وزمرته ومن يدعهم تسويقها في الشارع العراقي، فقد بدأت إرهاصاتُها مع بداية السقوط في عام 2003، وما خلفه الأحتلال من فراغ أمني رهيب، هنا برزت أسماء وعنوانين كثيرة، وميليشيات مسلحة، سنية، شيعية، كردية، تركمانية، وتركيبة عجيبة من رجال العصابات المنظمة، أو (المافيات)، تُسيطر على مُقدرات ومفاصل البلد. فكان لابد من ظهور شخصية تتولى زمام أمور المسيحين، أو بمعنى أصدق كما يقول (الكلداني) هو ذاته، حمايتهم من العصابات المسلحة، وهو نفسه عصابة مسلحة وسط تلك المجاميع، بعد أنهيار الأجهزة الأمنية زمن النظام السابق، أمن، شرطة، مخابرات، استخبارات، حزب.
 في 7 تموز يوليو سنة 2003 وفي بيروت لبنان إنتقل مثلث الرحمة البطريرك مار روفائيل الأول بيداويد الى الأخدار السماوية بعد صراع مرير مع المرض والألم. تولى بعد ذلك سدة الرئاسة البطريركية في المنصور ببغداد مثلث الرحمة مار عمانؤيل الثالث دلّي من نفس العام في الثالث من ديسمبر كانون الأول. الرجل ومن البداية كان مُجهد بسبب تقدمه بالعمر، وبسبب مشاكل صحية ألمّت به، أستغل ريان (الكلداني) مرض الأخير والفوضى التي كانت تعم الكنيسة الكلدانية واسُقفياتها المنتشرة في جميع أصقاع العالم، ففي ظل هذه الظروف الصعبة برز اسم ريان تحت أسم الشيخ ريان سالم (الكلداني). للوهلة الأولى لم يكن الموضوع ذوّ أهمية كبيرة في ظل الخراب والدمار الذي حلَّ بالبلاد، ومع التصفيات الجسدية والأغتيالات والأبتزاز التي طالت أبناء شعبنا من عموم مسيحي العراق والهجرة خارج الوطن والنزوح داخله، لم يُعّر أحد كبير أهمية (للشيخ ريان)، ولكن السرطان كانَ ينموّ  ويستفحل ويمد الجسور الاخطبوطية مع باقي العصابات والميليشيات المسلحة العاملة في العراق، تحت إشراف إيراني بحتّ، في عمليات القتل والسرقة والأبتزاز، فلاّ يتصور أحدٍ أن ميليشيا ريان خارجة عن هذا الأطار، وإلاَّ السؤال الأهم من إين له كل هذا التمويل وهذه الترسانة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة!. هُنا حصل تحول دراماتيكي غير من المشهد برمته، فقد استقال البطريرك دليّ في عام 2012 وبالتحديد في كانون الأول، تحت تأثير المرض وعدم القدرة على حمل أعباء الطائفة الكلدانية الممزقة والمتشرذمة في عموم البلاد بالإضافة الى التكلسات العتيقة والترهلات والمشاكل الداخلية التي إصابتها في الصميم.
 في 1 شباط من عام 2013  اِعْتَلَى السدة البطريركية الكلدانية من روما سيادة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو. الأزمات والتحديات والمصاعب واجهت البطريرك الجديد منذ البداية، وهو بعد على مقعد طائرته متجهاً صوب الوطن. أزمة المهاجرين، النازحين، المؤمنين المنطوين تحت لواء الكنائس البروتستانتية في دول المهجر، التصفيات الجسدية، الكهنة، الأساقفة، هجرة الكفاءات، والإرث الثقيل التي تنوء بحملها الجبال من جميع الأشكال. هنا ظهرت بوادر الأزمنة  ما بينْ ريان سالم والبطريرك، فقد تمّ إلغاء كلمة المشيخة من التداول وعلى جميع الأصعدة وسحب كل الصلاحيات المنوطة لريان بموجب تصريح رسمي صادر عن البطريركية الكلدانية. هذا كان بمثابة إعلان حرب بين الطرفين، ريان وعصابته ودعمه من قِبل رئيس الوزراء وقت ذاك نوري المالكي، وغبطة البطريرك ساكو  وثقله الديني والأجتماعي المحلي والعالمي وما يشكله من آراء ومواقف سياسية ومرجعية كبيرة لأكبر طائفة مسيحية متواجد على أرض الوطن، يُحتذى بها على جميع المستويات، الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية. هنا حدث ما لم يكن في الحسبان مرة آخرى، فقد سيطر تنظيم الدولة الإسلامي على مساحات شاسعة من العراق ودقَّ أبواب بغداد من ناحية الفلوجة في حزيران من عام 2014. فأطُلق النفير العام، والفتوى المشهورة للمرجعية الشيعية العليا علي السستاني من النجف. محافظة الموصل والقرى والبلدات المحيطة بها باتتّ تحت سيوف تنظيم داعش، فأصبح البطريرك الجديد مع هذا الملفّ الشائك والخطير والحساس في وضع لا يُحسد عليه أبداً، يواجه مصاعب جمةّ ومصيرية تتعلق بشعب بأكمله كان ينعم بنوع من الأمان والاستقرار قبل قدوم هذه المجاميع الارهابية، بات الآن مهجر بين ليلة وضحاها. هنا وفي خضم هذا الصراع  والاقتتال على أكثر من جبهة ظهرت حركة كتائب بابليون، وهي حركة وقوات يقودها ريان (الكلداني) نفسه، تأسست في العام الأخير، منضوية تحت لواء الحشد الشعبي ومدعومة بشكل كامل منه  بالسلاح والمال.
مجدداً أصدرت البطريركية الكلدانية بيان تؤكد به أن لا علاقة لها بكتائب بابليون ولا بقائدها ريان (الكلداني) ولا تمثلها مطلقاً. توسعت الهواة بين الأثنين أكثر وصارَ أصلاح ذات البين بين الأطراف مستحيل. ومع بداية المعارك بين تنظيم داعش والقوات العراقية والحشد الشعبي في أكتوبر من عام 2016، اطلق (الكلداني) تصريحه الناري، حيث قال، (أن المسيحيون سوف يأخذون بالثأر في محافظة نينوى، وسوف تكون معركتنا في محافظة نينوى مصيرية، هم أحفاد يزيد ونحن أحفاد جون ووهب، معركة ستكون مسيحية مع أحفاد يزيد. التاريخ يعيد نفسه). سرعان ما ردّ إعلام البطريركية الكلدانية عبر بيان وتصريح موجز في 15/2/2017 بعنوان: (البطريركية الكلدانية تستنكر تصريحات السيد ريان (الكلداني)، حول الانتقامات من أهالي الموصل). ولكن الكل كان مشغول في حروب تحرير المناطق التي تحت سيطرة داعش والتي انتهت في 10 يوليو من عام 2017، بمشاركة الغطاء الجوي الأمريكي  والجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي. كان لكتائب ريان بابليون مشاركة ونصيب في المعارك، وأيضا في الأنتهاكات والسرقات التي جرت إبان حروب التحرير. كما سيظهر في التقرير الأمريكي لاحقاً.
في الأنتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة من العام 2021، حصدت حركة بابليون 4 مقاعد من أصل 5 في البرلمان المذكور من حصة المكون المسيحي، الذي لم يصوت للحركة وانما جاءت الأصوات من مناطق لا يوجد مسيحيين فيها أبدًا، كان هذا بدعم شيعي واضح بات اليوم أكثر  معروفًا من كان يقف وراءه.
 ظلَ حديث الأتهامات والتخوين هو سيد الموقف، فما كان من ريان (الكلداني) غير تلفيق  اتهامات عن طريق شخص هو من دفع به متهمًا البطريرك ببيع أملاك عائدة للطائفة ضمن جغرافية أبرشية البصرة بواسطة المطران نوزات، مع الوقت ظهر أنه لا وجد لشخص لا داخل العراق ولا خارجه ضمن الإطار الاسقفي الكلداني بهذا المنصب ولا بهذا الاسم، فتبين بعد ذلك بطلان الدعوة، وعدم مصداقيتها من الأساس.
مع العقوبات الأمريكية التي طالت ريان سالم وآخرين بتهمة الإرهاب، وإنتهاكات لحقوق الإنسان وتُهم بالفساد والسرقة والاستيلاء على املاك وعقارات المسيحيين في سهل نينوى وغيرها، دخلّ الأخير في مرحلة أخرى وتبعات خطيرة، حيث أن هذه الُتهم تتبعها جملة من القرارات، منها تجميد أصول أموال ريان وحركته، عدم دخول الولايات المتحدة الأمريكية، عدم التعامل مع كافة البنوك الغربية. وهكذا أصبحت حركة كتائب بابليون تنظيم إرهابي بين عشية وضحاها، لا تفرق بشيئ عن حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني وكتائب عبد الله عزام وباقي المنظمات الإرهابية الخارجة عن القانون.
 اليوم باتَ كل شيء واضح بالنسبة (للشيخ ريان)، من أنتهاكات لحقوق الأنسان،  والاستيلاء على أملاك المسيحين في سهل نينوى دون وجه حقّ، والسطو المسلح على ممتلكات الغير والسرقة.
 سقط ريان ومن معه في بئر لا قرارَ له، وتَعَرَّى من ورقة التين الأخيرة، وبات مكشوفً للعلن. وتبيّن مع مرور الوقت البضاعة الفاسدة التي روج لها، والأستثمار في الأغراض الغير شريفة والغير أخلاقية، ليستكمل ما  بدأه من الأول، ومع هذا نكون في المشهد الأخير والفصل النهائي من المسرحية التراجيدية  لهذه الشخصية المريضة والغير سوية، والتي أثرت سلباً وبشكل مباشر في المشهد العراقي عامة والمسيحي خاصة.
في النهاية سيادة البطريرك مار لويس ساكو كان على حق في التصدي لريان ومن معه من اللصوص الافاقين  سماسرة الأزمات المستثمرين في الفوضى والفساد الذي يعم العراق من زهاء 20 عام، فهذه مواقف لا تساهل ولا مهادنة معها مطلقًا، إذا ما تُرك لهم الفرصة للتوغل والانتشار فى المجتمع أكثر ينشرون الشائعات وإثارة الفتن وتأجيج الأوضاع.
 الحياة موقف، حتى السيد المسيح كان له موقف صارم مع التلميذ بطرس، رغم مكانته الكبيرة بين التلاميذ، وتأثيره في الديانة المسيحية واستشهاده بعد ذلك، ولكن كان له موقف حاد وحاسم معًا حين قال له اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ» متى 23:16

9
المؤتمر البطريركي الكلداني الناجح. 
لا يمكن إلّا التوقف عندَ المؤتمر الصحفيّ الصَادر من البطريركية الكلدانية في بغداد المنصور، والذي يُشير وبوضوح إلى وجود مشكلة حقيقية متفاقمة من مدة ليست بالقصيرة بين البطريركية الكلدانية بشخص سيادة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو ذاته، وبين مجموعة ريان سالم الملقب ( ب الكلداني). يطرح المؤتمر الصحفي الذي كان ضروريًا وملحًا وفي وقته وجهة نظر المرجعية الكلدانية العليا في العراق والعالم لجملة قضايا تتعلق بإدعاءات كاذبة من قبل زمرة ريان ببيع أملاك الطائفة الكلدانية من تحت الطاولة خاصة في محافظة البصرة وصولًا إلى حملة تشهير تطال سمعة البطريرك ذاته، والذي هو فوق كل هذه الشبهات بشهادة القاصي والداني.
الجميع كان بحاجة الى هذا المؤتمر الأخير وأن كان قصير نسبيًا، لكن أَبَانَ وبوضوح  جوانب عدة أهمها التصرفات المشُينة لريان سالم والمطلوب دوليًا على خلفية اتهامات بانتهاكات لحقوق الإنسان وعمليات فساد طالته هو وغيره من قادة الميليشيات المسلحة في العراق تحت قانون ماغنيتسكي للمساءلة العالمية، وأيضًا لكي يضع العالم في وجه الحقيقة والصراع الدائر منذ فترة ليست بالقصيرة بين المدعو ريان ومن لف حوله من جه، وبين البطريركية الكلدانية من جهة أخرى وتحول الصراع بعد ذلك إلى شخصي، أخذًا منحى أكثر استهتارًا في التقليل من شأن مرجع ديني كبير وشخصية عالمية بحجم الكاردينال مار لويس ساكو، مع حفظ الالقاب طبعًا.
يبدو ومن وقت ليس بالقليل  إن المدعو ريان سالم يريد فرض نفسه واجندته الخاصة  على المسيحيين وبالتي على البطريركية الكلدانية، هذا لم يكن وليد اللحظة ولكن كانت له إرهاصات قديمة، بدأت مع التغير والاحتلال الامريكية للعراق عام 2003، وما فرضته من تغيرات سياسية وأزمات جيوسياسية كبيرة عصفت بالبلاد والمنطقة بأسرها.
بعد أن تسلم سيادة البطريرك مار لويس ساكو سدة الرئاسة البطريركية في بغداد  بداية شهر شباط من العام 2013، بانت بوادر أزمة في الأفق، بين ريان وعصابته مدعوماً من جهات شيعية باتت معروفة جدًا للجميع اليوم، وبين البطريركية الكلدانية برمتها، حاول ريان قدر المستطاع أن يُترك له الحبل على الغارب ويستفيد من الفوضى التي كانت تعم العراق وغياب الرقابة وانفلات القانون والمحاسبة، يسرق وينهب كيف ما يشاء وتسول له نفسه، ولكن مع قوة وعزيمة البَطريَرك الجديد وضع الأمور في نصابها الصحيح، وحدَّ من تصرفات ريان الشاذة وقطع الطريق أمامه في أن يكون المتحدث الرسمي الحصري باسم الكلدان.
أمّا النقطة الثانية آلتي تثير التساؤل فهي تتعلق بمدى جدية الحكومة العراقية للتصدي لهكذا عملية تشويه وافتراء لشخصية دينية كبيرة بحجم البطريرك الكلداني، ومدى قدرتها على تحجيم دور ريان ومن شابهه في الافعال والسلوك في ظل حكومة محمد شياع السوداني،  وتعاطيها مع هكذا ملف يمس رمز ديني رفيع المقام.
ليس أمام المواطنيين العراقيين وغير العراقيين الشرفاء سوى محاولة فهم المغزى الحقيقي وراء حملات التشهير التي طالت البَطريَرك ومن فترة بعيدة، الذي يبشّر بالخير حقًا مدى تفهم وتفاعل المجتمع المحلي والإقليمي والدولي مع ملف القضية ومدى الاستنكار والشجب لحملة التحريض هذه.
في كلّ الأحوال، ما بني على باطل فهو باطل ولا أحد يستطيع أن يحجب ضوء الشمس بالغربال ولا أن يطمسها كذاب أو محتال، هذه حقائق ومسلمات لا ريان ولا غير ريان تستطيع أن يقف في وجه الحق. وكما قال المثل، إن كنت لا تحمل في عربتك إلا القش فلن تصبح يوماً تاجر حبوب.

10
المَوصّل تَرتديّ حلتها الجَديدة.
بقلم/ سلوان ساكو
من المؤكد أن محافظة نينوى تشهد تغييرًا ملحوظًا على أرض الواقع بعد حملة الإعمار والبناء وإعادة التأهيل التي تشهدها المدينة مؤخراً، والتي يُنقل مشاهد منها بين الحين والآخر من خلال منصات التواصل الاجتماعي والتي تصل حتى أقاصي الأرض فُيشاهد محبيّ الموصل ومواطنيها الأصليين الذين باتوا اليوم مُشتتين في كل إرجاء العالم هذا الحدث المبهج. جاءت هذه الجهود طبعًا بعزيمة ومثابرة المحافظ الحالي نجم الجبوري والذي يتصرف بحكمة ونزاهة مفقودة في العراق من وقتٍ ليس بالقليل بعكس سلفه السابق أثيل النُجيفي سَيِّئ السُّمْعَة والذي كان متواطئ مع الجماعات المسلحة الارهابية، وأيضًا بجهود أبناء المدينة أنفسهم الذين خبروا في الماضي القريب أبشع أنواع الحكم متمثلًا بتنظيم الدولة الإسلامي داعش، الذي قفز وسيطر على المحافظة بلمح البصر واستقطع أراضي واسعة ليس من العراق فحسب ولكن من الجارة سوريا أيضًا، فأصبح واسع الانتشار وبسط نفوذه وسيطرته على مساحات شاسعة من الرقة وصولًا حتى حدود العاصمة بغداد، كل هذا كان قبل سنوات قليلة ليس ألاَّ. ولكن هذا لا ينفي أن شريحة واسعة من أبناء الموصل كانت متعاطفة ومساندة لهذا التنظيم الارهابي، يؤكّد ذلك عدد الاعضاء الملتحقين بصفوف بداعش بعد أحتلال الموصل في العام 2014. ثمّة كلام كثير عن تلك المرحلة من التاريخ الحديث للعراق ولكنّ ما يجدر التوقف عنده هو الهجرة الواسعة للمكون الأصيل للمدينة آيَّ المسيحيين والتي باتت الموصل خالية منهم تمامًا اليوم، والقريب منها ليس في المدينة وإنما في الإقليم الكردي، أما في أربيل أو دهوك، لا يجرؤن العودة الى منزلهم خوفًا من تصفيات جسدية أو عملية أبتزاز تطلهم كما حدث بعد العام 2003 وصعودًا، إحداثًا عديدة حصلت في المحافظة تجسد حالة الفوضى الامنية والانتقام البشع الذي طال السكان المدنيين، ولكن الأكيد أن نقطة التحوّل الأهمّ كانت في حادثين كانا لهم الأثر الكبير على جميع المسيحيين وعلى كل المستويات، الأول في قتل المطران مار بولس فرج رحو والثاني في قتل الأب رغيد كنيّ ورفاقه الثلاثة، ليظل الحادثين البشعين متجذرا في الأذهان طويلًا وجرحين غائرين في الذاكرة الجمعي للناس. إذا كان من درس يمكن استخلاصه من تلك التطورات الخطيرة التي عصفت بالموصل فيمكن القول أنها لم تكن في ذلك الوقت صالحة للعيش والسكن وبات النزوح والهجرة الطريق الوحيد للخلاص من موجات العنف الطائفي الذي ضرب المحافظة والعراق ككل.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بعد هذا التغيير الذي طرأ على المدينة وباتت ترتدي حلة جديدة أكثر إشراقًا من تلك السوداء التي نقبت فيها نفسها، هل هناك ثمة تغيرًا حقيقيًا في عقلية ووعيّ وفهم الناس، هل هناك ثمة مقارنة بين كل ما له علاقة بالأخرين وقبول الاختلافات مهما كانت الانتماءات، والأديان والمذاهب، يبدو واضحا أنّ المسافات التي تفصل الإنسان عن اخيه الإنسان بغض النظر عن هويته مازالت عالقة ومستمرة وتحتاج لاعادة هيكلة وتصورات جديدة. من الواضح أنّ ثمة حاجة إلى تغيير جذري في الفهم العام بعيدًا عن لغة التكفير والإقصاء وبلورة إرادة حقيقية تتعامل مع الأخر بشكلٍ سوي ومواطن حقيقي على درجة واحدة من الاحترام، هكذا فقط يمكننا القول أن الموصل ترتدي حلة جديدة.

11
 الكَهَنة الشّباب وموّاعَظ اليوم
من حسّنات مواقع التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت بكافة أطيافها وأشكالها المختلفة إنها توصل الحدث بساعته وحينه، سواء كان ندوة أو مؤتمر أو موعظة في قداس.
مواعظ كثيرة متوفرة على محرك شركة اليوتيوب لكُهان شباب وفي مقتبل خدمتهم الكهنوتية، وهذا جيد فعلًا وخاصة في هذا العصر الذي باتت فيه الشبكة العنكبوتية تستحوذ وبشكل كبير على مفاصل حياتنا اليومية وتدخل في العديد من المجالات بشكلٍ مباشر في أحيان كثيرة وغير مباشر في مرات آخرى. ولكن مع هذا يوجد بعض السلبيات في مواعظ هؤلاء الشباب القساوسة والتي تجدر الإشارة إليها ربما بغرض التنويه لا أكثر، فبعض المواعظ تأخذ منحى ماديًا اجتماعيًا أكثر من اللزوم وهذا يأتي بالطبع على حساب الروحي واللاهوتي للكلمة المراد طرحها. على سبيل المثال لا الحصر، الحديث عن الفارق في مجالس التعازي بين الفقراء والأغنياء، وحضور جمهرة غفيرة الى تعزية الغني بينما الفقير حينما يموت بالكاد يحضر أحد. وإحترام الاغنياء وجلوسهم في صدور الديوان، بيننا الفقراء يوزعون القهوة والشاي، والى ما هنالك من هذه التفاصيل التي لم ولن تنتهي مادامت تشرق شمس على البشر.
في كل مجتمع هنالك أغنياء وفقراء، وهذا من الطبيعة البشرية ومن ركائز حركة المجتمع، ومن فضاءاتها الواسعة، وأيضًا من أسئلة الكون الغامضة فهي جزءً من الأسئلة الكبرى التي يواجهها الإنسان بالحياة، شخص يولد غنيًا جدًا وأخر على بعد خطوات منه مُتَسَرْبِلٌ برداء الفقر والعازة بالكاد يجد لقيمات يتناولها، لذلك نجد تعريفاتٍ عديدة لهذا الموضوع، منذ فلاسفة الإغريق وحتى كانط وجون لوك وروسو ونيتشه، وغيرهم. الغني الناس توده لنفوذه وماله وسلطته، وهذا شيء طبيعي وعادي، وحتى عندما وصلنا الى دول المهجر الغربية بانت التفارقات الاجتماعية بشكل جليَّ، حيث هنالك متوسطي الدخل وفقراء، وأيضًا اغنياء، وهذا ما يدعى الطبقات المجتمعية، ليس من اليوم بل من وعيَّ الإنسان الأولي بذاته وبيئته ومجتمعه، وأنقسم على هذا النمط الناس وبات هناك فئات متفاوتة في الكفاءات والإمكانات والمكانة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. هذه هي معادلة الكون منذ فجر التاريخ حيث تخضع لصوابية العامل البشري.
مع الأسف يُصار اليوم الى تعويمّ وتسطيح الفكر المسيحي والذي هو بالأساس فكر عميق ويحتاج لإيمان وصدق ووعي لفهم المغزى الحقيقي لهذا العمق. الله لم يره أحدٍ، قال القديس يوحنا الرسول الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خبر" أي هو الذي أعطانا خبرًا عن الله، عرفنا الله. فهناك فكرة مغزاها أن الله قد تجسد بالكلمة وصار إنسان وجاء على الأرض متخذًا شكل بشري من خلال يسوع المسيح الناصري، وهذه فكرة عميقة وتحتاج لفهم واسع، فقد تحولت هذه الشراكة بين الله والإنسان الى علاقة صداقة وحب وتضحية مبنية على رؤية مشتركة بين البشر والله. بمعنى آخر صار تحول جذري من الميتوس الأسطورة إلى  اللوغوس الكلمة عقل الله الناطق. فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ، يوحنا. هنا نحتاج لتلك حبة الخردل التي تكلم عنها المعلم، لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذِهِ الْجُمَّيْزَةِ: انْقَلِعِي وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ فَتُطِيعُكُمْ، لوقا.
يجب إعادة النظر في المفاهيم المتعلقة بطرح العقيدة وإعطاء جرعات لاهوتية أكبر سواء في المواعظ أو الندوات أو المحاضرات التي تقام بشكلٍ أسبوعي أو فصلي. وألا في نهاية المطاف يفرغ المحتوى الرئيسي للمسيحية من مضمونه ونبقى دائمًا على حافة الهامش ندور وندور في حلقة مفرغة من المواضيع السطحية التي تحدث كل يوم وفي كل زمان ومكان.
إن دور الواعظ والكاهن مهم وحساس في إيصال كلمة الله الحية مع عمق روحي وإيمانًا حقيقيًا ينبع من بعد لاهوتي مبني على العقلانية والمنطق، وأن يكونوا بمستوى المسؤولية المناطة على عاتقهم كيما تستفيد منه الأجيال الجديدة.

12
بين سلمان رشدي ودان بروان
حينما رأت النور رواية شيفرة دافنشي للمؤلف الأمريكي دان بروان سنة 2003 حدثت ضجة فكرية في وقتها، وعُقدت ندوات شبابية تطرح آراء الكاتب ونصوص الرواية والتي كانت تشوه العقيدة المسيحية وتطرح فكرة لم تكن متداولة حتى ذلك التاريخ، مع أن عدة مؤلفات صدرت بهذا السياق قبل الشيفرة ولكن لم تلاقي الرواج مثل ما أنتشرت Da Vinci Code حيث حققت الرواية مبيعات كبيرة وصلت إلى 60 مليون نسخة في وقت قياسي وترجمت الى 44 لغة حية منها العربية.
 تدور أحداث الرواية والتي تقع في حوالي 600 صفحة في كل من فرنسا وبريطانيا، وتبدأ بالتحديد من متحف اللوفر الشهير عندما يستدعي عالم أمريكي يدعى الدكتور روبرت لانغدون أستاذ علم الرموز الدينية في جامعة هارفارد على أثر جريمة قتل في المتحف. وملخصها أن صورة العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه للفنان الإيطالي ليوناردو دا فينشي والتي رسمت في عام 1498 تحمل رموز ومعاني عديدة غير تلك المتعارف عليها وقلة من المطلعين يعرفونها. من خلال السرد يتناول الكاتب شخصية يسوع المسيح وعلاقته بمريم المجدلية بشكل منافي تمامًا لما جاء في الكتب المسيحية، أثمرت هذه العلاقة بين المسيح والمجدلية الى فتاة،  فكانت بالنهاية بطلة الرواية صوفيا ابنة تلك السلالة التي تعود إلى تلك العلاقة. الذي حدث أن الفاتيكان حظر تداول تلك الرواية وكان هذا الحظر  رمزيًا أكثر منه فعليًا. فلقد أنتشرت الرواية بشكل أكبر من السابق، بعد ذلك بوقت قصير أصدرت الكنيسة القبطية الارثوذكسية كُتيب أوضحت فيه أخطاء المؤلف التاريخية واللاهوتية على لسان القمص أبرام داود سليمان، ولم تصدر فتوى لا بقتل الكاتب ولا بإحراق الكتاب وسارت الأمور بعد ذلك طبيعية واصدر Dan Brown روايات بعد ذلك هاجم فيه الكنيسة الكاثوليكية أكثر من الأول.
في سنة 1988 صدرت في لندن رواية آيات شيطانية للروائي الهندي سلمان رشدي بواقع 546 صفحة. الرواية بختصار عن شخصيتين رئيسيتين هما صلاح الدين جمجة الذي هو هندي عاش منذ صغره في بريطانى وانسجم مع المجتمع الغربي وتنكر لأصوله الهندية و جبرائيل فريشته الذي هو ممثل هندي متخصص بالأفلام الدينية، فقد إيمانه بالدين بعد إصابته بمرض خطير حيث لم تنفعه دعواته شيئا للشفاء، يجلس الاثنان على مقعدين متجاورين في الطائرة المسافرة من بومبي الى لندن، الطائرة تتفجر وتسقط نتيجة عمل تخريبي من قبل جماعات متطرفة وأثناء سقوط هذين الشخصيتين يحصل تغييرات في هيئتهم فيتحول صلاح الدين جمجة إلى مخلوق شبيه بالشيطان وجبرائيل فريشته إلى مخلوق شبيه بالملاك. في أحد أحلام جبرائيل فرشته يرجع الكاتب إلى فترة صلح الحديبية وتبدأ  فصول الرواية من هذا المحور. الذي حدث أن الإمام خميني أصدر فتوى من طهران في عام 1989 بإهدار دم سلمان رشدي وكل مترجمي كتبه مما اضطر الكاتب للاختباء وتغير مكانة في كل فترة، ومع هذا حدث التالي  حيث أن مترجم الكتاب إلى اليابانية قتل طعناً بالسكاكين عام 1991، وتم الاعتداء بالسكاكين أيضاً على مترجم الكتاب إلى الإيطالية، وأطلق الرصاص على صاحب دار النشر التي نشرته بالنرويجية عام 1993، ونجا روائي تركي من محاولة اغتيال بعد نشره أجزاء من كتاب.
مرت 35 سنة على فتوى الخميني في تلك الفترة لم يكن هادي مطر المولود في إمريكا من أصل لبنانى قد ابصر النور بعد ولكن فكرة قتل سلمان رشدي كانت مترسخة فيه الى أن أتته الفرصة فطعن رشدي بالسكين قبل إلقائه محاضرة في ولاية نيويورك الأسبوع الماضي، من حسن حظ الكاتب الهندي أنه لم يفارق الحياة، ولكن برز اسمه مجددا على الساحة وبات الطلب على كتابه آيات شيطانية أكثر.
الفرق بين قراء الكتاب الأول وقراء الكتاب والثانية مع أن الثاني أي آيات شيطانية لم يترجم للعربية مطلقًا يكمن في استيعاب أية فكرة دون مصادرة حق أحد ولا إهدار دم أي شخص ولا قتله، هنالك حق الرد كما حدث مع كتاب دان بروان. الى اليوم راسخة في أذهان العالم بصفة عامة والفرنسين بصفة خاصة حادثة شارلي إبدو التي ذهب ضحيتها 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين سنة 2015 لأسباب تافهة.
يحتاج العرب والمسلمين اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تقبل ثقافة الأخر، وقبول الاختلاف مهما كانت الظروف والأفكار المطروحة، وهذا يتطلب صياغة مفاهيم جديدة ووعي بتَضَادّ العقول تتماشي مع روح هذا العصر والإنسانية والانفتاح على الغير وتخطي عقلية السلف الصالح التي باتت مشكلة حقيقية اليوم.

13
المَرأة وسَرابْ الَذَاكرة
بقلم/ سلوان ساكو
ملاحظة هامة قبل البدء في القراءة، هذه المقالة مجازية من منطلق رمزي وأيَّ تشابه مع الواقع هو عبارة عن تناص للواقع وليس أكثر.
أخذت حادثة الشرطية الامريكية فيكي وايت صداً كبيرًا خلال الأسبوع الماضي حين ساعدت المجرم الخطير كايسي على الهروب من السجن حيث كان يقضي عقوبة مدتها 75 عام متهمًا بالسطو المسلح والشروع بالقتل، وبعد ملاحقة رجال الآمن والشرطة لهم تم إلقاء القبض على الهاربين، ولكن الشرطية فيكي وقُبيل إلقاء القبض عليها انتحرت بأطلاق رصاصية على رأسها. الغريب في الامر إن فيكي كانت طول خدمتها الطويلة في سلك الشرطة لم ترتكب أي خطأ ولا حتى مخالفة مرورية ولا آي شائبة في سجل خدمتها، هذا ما ترك الجميع في ذهول وحيرة.
في سياق آخر متصل ثمة أمرأة تعيش مع زوجها واولادها في أمان وسعادة لنقل في أستراليا مثلًا، تذهب في زيارة تفقدية لأهلها، أمها والدها أخوتها في الولايات المتحدة الأميركية، وامريكا هنا حصرًا، والسؤال لماذا أمريكا حصراً انا نفسي لا أعرف، المهم تظل هناك شهر أو شهرين وحين تعود الى أسرتها تتغير كثيرًا كأنها ليست هي ولا كما كانت قبل المغادرة حيث لا تطيق العيش في بيتها ولا أن ترى زوجها، ماذا حدث حتى تغيرت طبيعة العلاقة القائمة قبل شهر، هنا مكمن الخلل.
هواجس ومشاعر تعتري بعض النساء، تكون في كثير من الاحيان حقيقية تعكس ما هو عليه من تراكم الأحاسيس هناك في أعمق منطقة في اللاوعي، تراكم أحداث السنين، والتي تنفجر بدون توقيت مُسبق، هل هي أزمة ضمير أو أخلاق أمَّ هي فقدان بوصلة التوجيه والإرشاد ربما تكون مزيج من كل ما وردّ؟.
حسنًا، ماذا يحدث في وعي وعقل المرأة لتتغير كل هذا التغير بين ليلة وضحاها، بمعنى أصح ما هي الدوافع وراء هذا التحول الجذري في أنماط التعامل مع الوقائع العادية، زوج سيء، مدمن على كحول، مدمن على القِمّار، كل هذا ربما يكون جائزًا ولكن يظل التوصل إلى بلورة صحيحة لفهم الفكرة الجوهرية ناقصًا مما يجعلنا أمام إزدواجية في المعايير بدون أيةَّ توليفة منسجمة للمعطيات اللحقة حتى يتسنى لنا الفهم والوُصولِ إلى أبعد نُقْطَة مُمكنة في أعماق الشُّعور الإنساني الذي يصبح شاذ في أحيان كثيرة، هنا وفي هذا المنعطف الحاد والخطير من عمر الكائن البشري لا بد من توازن نفسي كيما يضمن للانسان ضبط جميع العناصر المتغيرة والوافدة الجديدة من الأحداث اليومية المُعاشة.
التساؤل في نهاية المطاف هل يمكننا إسقاط حالة أو حالتين أو ثلاثة من حالات كثيرة كنموذج معياري للحكم على الأشياء ألاّ يجب علينا بحكم الأمزجة المتغيرة أن نتمهل قليلًا في أطلاق الأحكام جُزافًا، هنا تكمن المفارقة الحقيقية والتي ربما لن نتوصل إلى مكنوناتها ودوافعها الحقيقية في يوم ما.

14
تجليات مفهوم الشرَّ عندَ المطران مار باوي سورو.
ثلاث محاضرات كانت كفيلة بأن تزيح الغموض والالتباس واللغط عن مفهوم الشرّ والشرير، من خلال سلسلة ندوات معروضة على اليوتيوب تحت عنوان (مقاومة الشر وقوة الشرير في حياة المؤمن). للمطران مار باوي سورو في كندا، ليس فقط من الناحية اللاهوتية وحسبّ ولكن أيضاً من الناحية الاجتماعية الواقعية ضمن حدود هذا العالم، نعم السلسلة قديمة بعض الشيء ولكنها مهمة وحافلة بالأمثلة من حياتنا وواقعنا اليومي المُعاشَّ.
بهدوء وتأني أختار المطران سورو مع حفظ الألقاب، كلماته بدقة وعناية، وأعطى مساحة أوسع لفهم أبعاد الموضوع وطبيعة الشر والشرير nature of evil، وعاد بالموضوع إلى الخطيئة الأصلية لآدم، وكيف كان صديقاً ل الله، (فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم) تكوين، مسلطا الضوء على بيئة الخلق الأولى، ومن ثم وبعد الجزء الثاني من السلسلة فهو يعرض عدة نقاط محوري نتحسس من خلالها مجتمعاتنا المعاصرة مما يؤهلنا لمجابهة القضية بوعي أكبر وتطوير أدواتنا المعرفية بشكل افضل، فالحرية الفردية individual freedom المعطاة للكائن البشري من قبل الله تعطيه الفرصة الكافية لاختيار طريقه كيفما يشاء. جاء المِثال من ذات المتنَّ والذي يُكرر في الكنيسة ضمن قانون الأيمان في إشارة ما يُرَى وما لا يرى، أيَ هناك أدراك حسي وواقعي لهذا العالم وبُعد آخر لعالم ثاني غير محسوس وغير محدود، ليأتي في سياق المحاضرة الأولى الحادثة الواقعية التي حدثت مع صديق المحاضر ذاته والذي تعرف عليه أبان دراسته في روما، بعد ذلك أصبحا صديقين، هذا الكاهن الصديق وقعت له تجربة إخراج شيطان من إحدى السيدات وكيف كانت تصله رسائل تهديد بالقتل من هاتف السيدة الممسوسة مع أن هاتفها الجوال كان في صندوق الأمانات في المشفى التي كانت تتعالج فيه، توثيقاً لحادثة ربما لم نشاهدها إلاَّ في السينما.
من المهم بمكان أن نلاحظ أن مثال الشر يتضمن بعض التصورات عن المجتمع والسياق الذي جاء فيه، يقول المطران كان الشيطان وعن لسان تلك المرأة يتحدث اللغة الآرامية وهي لغة قديمة، وجاء السؤال لماذا يتحدث الشيطان لغة قديمة لكونه هو ذاته مخلوق قديم.
يتبينّ اليوم كم هي مهمة هذه المحاضرات وغيرها في خلق وعي وفهم جديد لكل ما له علاقة بقوة الشيطان Devils power والشر، فالدارج اليوم بين المجتمعات الغربية خاصة هو لا وجود لماهية الشيطان، أيَّ بمعنى أنه كائن خرافي وكذبة من وحي وخيال ونسيج الإنسان ذاته وليس له وجود وكينونة Entity قائمة بذاتها بالأصل وهذا يضرب جذور العقيدة المسيحية من الأساس، وهذا ربما هو من أعمال إبليس ذاته لجعل نفسه أكذوبة حية، (لأنه كذاب وأبو الكذاب). يوحنا 44:8
ليس ما يعكس حال الضياع اليوم أكثر غير تسطيح المسألة برمتها وركنها فوق الرفَّ، بكلام أوضح لم يعد أحد يهتم بهكذا قضايا ويشغل وقته فيها، يكفي اليوم البحث وقتل جُلّ الوقت في مواقع التواصل الاجتماعية، من هذا المنطلق نفهم لماذا أزداد الشر واستفحل وشاع، أليست الحرب في أوكرانيا اليوم قبس من تجليات الشيطان العديدة، بداعي الحفاظ على مصالح روسيا، إنه عائق يَعَبر عن مدى جهلنا للمخاطر المحيقة بالإنسانية. قد يكون العقد المبرم بالدم بين ميفستوفيليس من طرف ومن فاوست من طرف آخر لمّ تنتهي صلاحيته بعد، وتلك الأعوام الأربعة والعشرين لم تنقضي إلى الساعة، فروح فاوست إلى اليوم تغمر روح العالم، فالشر يتناسل من الشر، من هنا نتلمس هذا السعير المحتدم لاستعمال أسلحة الدمار الشامل في وصفها الحل النهائي. لقد كرّس علماء كِبَار جلّ جهودهم لهذه الغاية، وهذه الجهود أعطت ثمارها في نهاية الأمر.
قدَّ يتردد سؤال في ذهنَّ القارئ عن مفهوم الشيطان ولماذا لا يستوعبه الكثيرين أو يتخطونه في أحسن الأحوال، ولماذا كل هذا الالتباس والغموض، ربما الجواب صعب بعض الشيء، ولكن هذا هو دور الشيطان في نهاية المطاف، بمعنى أدق أنه يقدم خدماته إلى كل من يريد أن يتبعه أو يسير في طرقه ليوقع أكبر عدد من البشر في الخطيئة والمعصية والهلاك، مع أنه في بداية التدشين لم يكن هكذا فهو ملاك ساقط. على سبيل الطرح طبيعة تكوين العقرب هو اللدغ المميت، وتكوين طبيعة العنكبوت هو غزل الهلل أو الشبكات بدقة بالغة من مادة بروتينية، هذه طبيعتهم ووظيفتهم الأساسية.
سيعتمد الكثير في نهاية الأمر على فهمنا لأبعاد الموضوع ومراجعة كل طرق التفكير وإعادة قراءة المسألة بشكل أعمق وأشمل ولكن ليس من أجل طرح تأويل جديد لا ينفع وإنما بهدف المراجعة لفكرة غابت عنا طويلاً في ظل زحمة وفوضى وخراب هذا الكون. يبقى السؤال الذي سيطرح نفسه أيضاً، هل سوف نتعلم من اخطائنا وعثراتنا وزلاتنا وإعادة بناء ذواتنا، أم نتخطاها كحادث عرضي عادي يقع يومياً وبشكل مستمر.
فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له. رسالة يعقوب 17:4     

15
الأسيّر المنسيْ….ولكن
خطوة طيبة تُحسب للكنيسة الكلدانية في ولاية ملبورن الأسترالية لقيامها مؤخرا بتكريم عدد من أسرى الحرب العراقية الإيرانية من أبناء الجالية المتواجدين في الولاية.
فعلّ ينمّ عن مشاعر الحب والتقدير والمسؤولية لمجموعة من الرجال بقت منسية في أرض الشتات مع أنهم ضلوا يقبعون في السجون الإيرانية سنين طويلة دون ذكر أو حتى بطاقة شكر أو عرفان على ما قدموه للوطن من عمر عزيز ذهب أدراج الريح وراء القضبان سُدّىَ، في وقت أصبح التذكر والذكرى بهذه الوقائع المأسوية للأجيال الجديدة مهمة صعبة للغاية أن لم تكن مستحيلة. الاحتفال والقداس حصل في كنيسة مار كوركيس، أقام الذبيحة الإلهية راعي الخورنة الأب ساند باسيل ولفيف من الشمامسة والجوق، بعدها وزِعّ على الأسرى هدايا رمزية ولقطات تذكارية تُخلد هذا اليوم.
 على حدّ تواجدي في الولاية ومن فترة ليست بالقصيرة نسبيًا هذه هي المرة الاولى التي يحدث فيها مثل هكذا تكريم، ربما الكّهنة السابقين لم تكن لهم مثل هكذا رؤية أو هكذا توجه، نعم راعي الأبرشية أي المطران هو الذي يرسم الخطوط العريضة، ولكن المبادرة يجب أن تصدر من الكاهن أولًا وهنا  تكمن الاستجابة لفعل أهم وهو أن الكنيسة ليست ليتورچيا طقوس وصلاة فقط بل عمل وأَبْداع واستنباط وقائع لها صلة بالحاضر تحاكي المجتمع، أيَّ الجماعة المؤمنة، فوق ذلك كلّه إن الكنيسة الكاثوليكية أم حقيقة وحاضنة للجميع تفرح مع أبنائها وتحزن عليهم اذا ما أصابهم مكروه.
يبدو واضحاً اليوم أن الاجيال الشابة من الكُهان الكاثوليك لهم تصور ورؤى جديدة ويعملون وفق هذه الاستراتيجية وأن كان الطريق طويل والعقبات والتحديات عديدة ولكن لا بأس أن تكون الخطوات الاولى على هذا النحو من مُزَاوَلَة النشاطات الرعوية. سيتوقف الكثير على ما سوف يقدمه هؤلاء الشباب من الآباء لرعاياهم وكنائسهم خاصة في دول المهجر حيث هناك تكمن المشكلة والصعوبة الحقيقية، ضعف الإيمان من جهة، وعزوف الناس من ارتياد الكنائس من جهة ثانية وهذه المشكلة باتت تزداد تعقيدا وصعوبة مع مرور الزمن، حتى بعد تخفيف القيود التي كانت مفروضة بسبب جائحة كورونا ظل الإقبال على دور العبادة في يوم الآحاد خاصة ضعيف بشكل يثير الدهشة والتساؤل.
مرة أخرى كانت الكنيسة موفقة في خطوة تكريم الأسرى المنسيين، المطلوب منهم اليوم  أن يسعوا لتحقيق مثل هكذا خطوات وفعاليات أجتماعية تخلق جوًا من الألفة والمحبة والمرح والتعارف بين أفراد الجالية العراقية في دول الاغتراب.

16
تاريخّ المَيليشيات المَسيحَية العّراقية.
الكثير من الناس يظن، وهذا من سوء حظّ وتقدير الباحثين والمؤرخين إن لا وجود للتنظيمات الشبه عسكرية، أي ما يعرف اصطلاحًا بالميليشيات للمكون المسيحي في العراق قبل الاحتلال الامريكي في العام 2003. وأن البعض منهم كان يعمل تحت لواء وأعين الدولة والحزب الحاكم قبل العام الأخير كما سوف يأتي لاحقًا.
هذا التطور الذي ظهرت ملمحه بعد الغزو لم يتأتى من فراغ بل كانت له إرهاصات وإن كانت خافتة بعض الشيء ولكنها كانت موجودة ومتواجدة على الساحة من التيارات اليسارية مثل الحزب الشيوعي العراقي الذي ضم العديد من الشخصيات النضالية، على سبيل المثال لا الحصر، المرحومين ألفريد سمعان وتوما توماس الذي عمل في الكفاح الانصاري المسلح منذ العام 1963 الى أن تسلم مهام قيادة هذه القوات ضمن قاطع بهدينان، والذي أنزو تحت هذه الراية الكثير من الشباب ذو التوجهات اليسارية من المسيحيين ضمن جغرافية المناطق الكردية. بعد معارك كرّ وفر وهجوم وتراجع بين الأنصار من جهة والدولة من جهة ثانية تغيرت الكثير من المعطيات وبشكلٍ جذريًا بعد حملة الأنفال سيئة الصيت. بدأت الحملة عام 1986 واستمرت حتى العام 1989، كانت قاسية وعنيفة على الجميع، وقائد أركانها علي المجيد كان شرساً بما فيه الكفاية ليقضي على كل الآمال العريضة للحركات الكردية والتحررية ومن كان يدور في فلكهم، فقد تشتت الجميع وتبددت الأحلام الوردية على صخرة غاز الخردلّ القاتل. من جهة آخرى وفي نفس الوقت كان هناك من يعمل مع الحكومة العراقية ويندرج ضمن سياقاتها، كانت هذه القوات رسمية وغير رسمية في آن واحد، خاصة في المناطق الكردية التي كانت تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد حيث كانت تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه الخروج على نظام الدولة، فقد  أنتسب عدد ليس بالقليل من أبناء تلك المناطق من المسيحيين بما عُرف وقتها بسرايا الدفاع الوطني (الفرسان) أو (الجتا) كان يقودها مستشارين أكراد تغدق الحكومة عليهم المال من أجل الولاء والتي كانت تضم بين صفوفها الكثير من الشباب في تلك السنوات، حيث شاركت كقوة إسناد خلفية في الحرب العراقية الإيرانية 1988-80، وطبعًا كان الكثير منهم لا يلتحق في هذه  السرايا والراتب الشهري يذهب إلى جيب آمر السرية، أي المُستّشار. منتسبي هذه القوات كانوا يحصلون على هويات صادرة من مديرية الاستخبارات العسكرية، ولكن لم تكن بتلك القوة، فكان يتعامل معهم من قبل مفارز الأمن والسيطرات والانضباط العسكري بشيء من المهانة والاستفزاز إلى أن انتهت ولم يتبقى لها قوة تذكر بعد حرب الخليج الثانية، لا بل عاد معظم أمري تلك السرايا إلى الشجرة الأم بعد انفصال الإقليم الكردي في العام 1991 محملين بالأموال التي جنوها ثمن مقاتلين لم يكون نصفها موجود أصلًا. في تلك الفترة من الربع الأول من سنوات الثمانينيات كان الكثير من الخدم والطباخين والمراسلين من أبناء الطائفة المسيحية يعملون في القصور الرئاسية للرئيس الراحل صدام حسين، ولكن على ما يبدو كانت عائلة حنا جَجَوّ لها مكانة خاصة وحُظْوَة لدى الرئيس، فقد كان طباخه الخاص ومتذوق طعامه من نفس العائلة وبالكاد يفارقه، حتى قال في مرة من على شاشة التلفزيون (المقطع متوفر على محرك البحث اليوتيوب) أن له ثلاثة أبناء، في إشارة عدي وقصي وكامل، ولكن تجاوز كامل حنا ججو الخطوط الحمراء لعائلة الرئيس الداخلية فقتل على يدّ عدي في 18/ 10 من العام 1988. كان البعض من أفراد عائلة ججو  ومن قرية إنشكي بالذات من أعمال محافظة دهوك قريبين من وزير الدفاع آنذاك الفريق عدنان خير الله أبن خال الرئيس، لا بل كان مراسله الشخصي  عزيز ججو معه في نفس الطائرة العامودية التي سقطت في 5/5/1989 في منطقة المخمور، ولكن لم يمت وقتها، توفي لاحقاً، اقترحوا على الوزير المقرب منهم تشكيل نواة قوة مسيحية خالصة تجمع بين دفتيها  كل من يريد الانخراط في هذه القوة من المسيحيين بالإضافة من كان هاربًا أو متخلفًا من الخدمة العسكرية، بمعنى أوضح الذين لا يرغبون في الالتحاق على خطوط التماس (الحِجابات)، مع العدو الإيرانية، فتشكل خط خدمة ملحق بوزارة الدفاع من هؤلاء المقاتلين كقوة عسكرية صغيرة عُرفت بقوات ملكو، أو فوج ملكو، يقودها ضباط برتب عسكرية متوسطة نقيب، رائد، مقدم، مدعومة بشكلٍ أساسي من قبل الوزير عدنان خير الله. انتهت هذه القوة فعليًا مع مقتل الأخير، صحيح أن الحرب العراقية الإيرانية وضعت أوزارها قبل ذلك بسنة تقريبًا، ولكن ما كانت لتنتهي بهذه السرعة لولا مقتل الفريق الأول الركن.
أيضًا كان هنالك عدد لا بئس به من المسحيين أعضاء في حزب البعث العراقي، وبالتالي كان عدد منهم ضمن قوة هذا الحزب، أي أفواج الطوارئ الحزبية، وهي ميليشيا خاصة بالحزبين، تحمل السلاح الخفيف والمتوسط وترتدي الملابس المدنية والعسكرية. وعلى ما أذكر بلغ عددهم في محافظة نينوى في فروع الحزب الأربعة، الموصل، ونينوى، والجزيرة، وأم الربيعين، بضعة عشرات.
وحتى في ميليشيا فدائيو صدام، تفصيل عارض، كان هناك من وجد له مكان في هذا التنظيم الشبه عسكري وتجحفل معه حتى النهاية.
إنتهى وتبدد كل هذا مع الغزو الأميركي للعراق. في البداية كانت الساحة خالية تقريبًا من أي تنظيم  أو قوة مسيحية شبه مسلحة سوى لأعضاء ومقاتلي الحركة الديموقراطية الآشورية زوعا الذين واكبوا القوات الكردية والأجنبية في عملية الغزو والتي دُعيت من قبلهم حرب تحرير العراق. أستقرت هذه القوات الآشورية بعد إنهيار الدولة والجيش والأمن خلال أيام قلائل في بعضًا من فرق وشعّب حزب البعث والبنايات الأخرى، خاصة القريبة من سور نينوى الأثري على أساس إعادة بثّ أمجاد دولة أشور القديمة، ولكن بعد فترة وجيزة تم استهداف تلك المقرات من قبل فصائل المقاومة وقتل عدد من منتسبي الحركة في منطقتي الجامعة والدواسة في الموصل.
مثل هذا الزلزال في التوازن المحلي والإقليمي والدولي خلقّ العديد من الفرص لبروز تيارات سياسية جديدة على أرض الواقع، في بغداد العاصمة  كانت الأجواء السياسي والأحزاب العديدة والمؤسسات الجديدة والشركات الأجنبية من كل حدبّ وصوب والميليشيات المسلحة تتبلور كل يوم على شيءٍ جديد، في تسارع ملحوظ بالأحداث والمتغيرات والانقلابات في ظل انفلات أمني رهيب. هنا وفي هذا الوقت بالذات ظهر على خشبة المسرح الممتلئ مهرجين وممثلين وكومبارس شخص أدعى أنه الممثل الرسمي باسم مسيحي العراق أسمه الشيخ ريان الكلداني، إستطاع بغفلة من المرض وعجز الشيخوخة تحصيل مرسوم بطريركية كلداني مختوم مقبل البطريرك وقت ذلك مثلث الرحمة مار عمانوئيل الثالث دلي يخوله التكلم بإسم طائفة الكلدان في الدوائر الحكومية العراقية، لاحقًا أبُطل هذا المرسوم حين تسلم البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو السدة البطريركية. لا حاجة هنا إلى الذهاب بعيدا في وصف التوتر الحاصل بين البطريركية الكلدانية من جهة وريان من جهة ثانية، والذي ما زال قائما حتى الآن. خلال هذه الفترة كان ريان قد تشعب ومدّ الأيادي مثل الأخطبوط ينسج من هنا وهناك علاقات عديدة في ظل التغيرات الكبيرة في سوسيولوجيا المجتمع والتفاعلات الهائلة في بنية وتطور هذه المجتمعات، الى أن أتته الفرصة الذهبية في العام 2014 حين قام تنظيم الدولة الاسلامية داعش بالسيطرة على الموصل وقرى سهل نينوى وعدة محافظات في الفرات الاوسط إلى أن طرقْ أبواب العاصمة بغداد وصولًا لمنطقة التاجي. كان هذا المبدأ يتضاعف في ظرف كتلك الظروف الشاذة لشغل حيزّ في ذلك الفضاء الفوضوي فجاءت المهمّة سهلة في خلق قوة تحت مسمى مسيحي كلداني لأنّ الجنون هنا بدا مطلوباً بشكلٍ ملفت، فجاءت الفتوى واضحة وصريحة وسريعة من قبل المرجعية الشيعية العليا علي السستاني بتشكل فصائل لمقاومة هذا المدّ السني والذي عُرف بالحشد الشعبي. كان جمال إبراهيمي أو أبو مهدي المهندس واحد من أهم قادة ومؤسسي هذا الحشد بأشراف مباشر من قبل الجنرال الإيرانية قاسم سليماني. أصبح المهندس نائبًا لرئيس هيئة الحشد في وقت لاحق حيث كان الكلداني مقربًا من المهندس والذي دعمه وأعطاه الضوء الأخضر في تأسيس كتائب بابليون الذراع العسكرية لريان وجماعته. بعد سنوات قُتل المهندس وسليماني في بداية يناير كانون الثاني من العام 2020 بغارة آمريكا على أرض مطار بغداد الدولي. بعد سنوات قليلة وبفضل هذا الدعم الشيعي استحوذت حركة بابليون على أربعة مقاعد من أصل خمسة في الدورة الآخيرة للبرلمان العراقي.
من بين الأمور التي لا يمكن تجاهلها في الوقت الحاضر هو انكفاء وخفوت الكثير من الأحزاب والتيارات السياسية المسيحية، ليس أولها الحركة الديموقراطية الآشورية زوعا وليس أخرها المجلس الشعبي الذين فقدوا من زخمهم وحضورهم كثيرًا في الآونة الأخيرة، وكأنهم غير معنيين بهذه المستجدات والمتغيرات التي تحدث على الساحة السياسية.
 يبدوا واضحاً أن العراق يمر بمرحلة جديدة مختلفة عن سابقاتها. المرحلة الاتية في غاية من الخطورة، إيران الغير راضية عن الانتخابات البرلمانية لا تريد أن يجتاز البلد عنق الزجاجة من جهة، ومن جهة ثانية فقدان الكثير من الأحزاب الشيعية التي كان لها ثقل كبير أصواتها وحضورهم، كل هذا أعطى دفعة قوية لتنظيم داعش الإرهابي أن يظهر من جديد يستعيد أنفاسه وينفذ عمليات. من بعث النار فيه بعد أن كان رماد، هنا السؤال الكبير.
الخلاصة يظل الخاسر الوحيد في هذه المعادلة الصعبة هو نفسه هذا الشعب المسيحي المنكوب الذي أخذ البلد يفرغ منه يوم بعد أخر في هجرة ما انفكت تزداد أكثر.

17
الكوتا المسيحية المريضة
لم تكن الانتخابات العراقيّة الآخيرة سوى تسجيل لواقع يتمثّل في تراجع مُلفت للحضور المسيحي على كل الأصعدة، جاءت الانتخابات لتقول أنه لم يعد هناك من يهتم بهذه العملية بالأساس ولا حتى من يمثلهم داخل البرلمان، لهذا العزوف وعدم المبالاة أسبابه الكثيرة ربما في وقت آخر نشرحها بمزيد من التفصيل.
استحوذت قائمة بابليون على أربعة مقاعد من أصل خمسة مخصصة للمسيحيين تدعى كوتا أي (حصة)، فرزها الاحتلال الامريكى في العام 2003، حصل ذلك أم لم يحصل لا يُغير من المعادلة السياسية داخل قبة البرلمان العراقي بشيء، ماذا تستطيع أن تقدم خمسة أصوات قبالة 329 صوت، ليست سوى ذر الرماد في العيون لا أكثر ولا أقل، أو نوع من الدعاية والبروباغندا يحتاجها العراق في المحافل الدولية مفادها أن الأقليات لهم من يمثلهم في البرلمان، هل لهم  قوة ونفوذ، هذا لا يهم كثيرًا.
جاءت الانتخابات النيابية الآخيرة لتثبيت هذا الفشل الذريع لكل هذه القوى السياسية المسيحية والتراجع الكبير لها، بدءاً من الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا) الذي إستطاع أمين عامها يونادم كنا تحويلها إلى مزرعة خلفية له يتحكم بمفاصلها كيف يشاء، دون لا محاسبة ولا رقيب، مرورًا بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، الذي فقد زخمه وحضوره السياسي والاجتماعي في السنوات القليلة الماضية، الاسباب وراء ذلك عديدة، ولكن أهمها هو سقوط الموصل والمناطق المحيطة به في يد تنظيم داعش، مما سبب خلل في الموازين على أرض الواقع، ابرزها عملية الهجرة الجماعية خارج الوطن في تلك الفترة وما تلاها، وشبه انتهاء  بما يعرف بقوة الحراسات.
لا يختلف إثنين على أن مرشحوا قائمة بابليون الأربعة حازوا على الأصوات من خارج صندوق المكون المسيحي، من أين جاءت كل تلك الأصوات من الناصرية والبصرة والعمارة وغيرهم، إذا لم يكن هنالك حضور مسيحي يذكر. هذا جزءً من الفساد والتزوير وشراء الذّمَم  والاصوات الذي شابّ العملية الانتخابية.
كتائب بابليون التي يتزعمها ريان سالم الكلداني جزء من فصائل الحشد الشعبي وهم بالأصل  ميليشيات تابعة مباشرة ل الجمهوريّة الإسلاميّة، وتأتمر بأمرها، ولولا الدعم الشيعي له ما كانت الكتائب لتبصر النور ولا أن تلعب هذا الدور الذي يزداد نفوذًا مع تراجع باقي الحركات والأحزاب المسيحية العراقية، لكن يبقى السؤال الأكثر خطورة، ماذا يستطيع أن  يقدم شخص مثل ريان الكلداني مدرج على لائحة قائمة الإرهاب الدولية أن يقُدم للبلد، غير الإرهاب والفساد والسرقة، من المؤكد إن نوابه الأربعة على نفس الشاكلة.
على الرغم من ذلك كله كان الحضور المسيحي خجول في الانتخابات البرلمانية، وهذا يعكس مدى عزوف الفرد المسيحي من ناحية ومن ناحية أخرى عدم ثقته بالمرشح المسيحي بالأساس، وهذا يتحمل جزءً كبير منه يونادم كنا نفسه، الذي جاء على ظهر الدبابات الأميركية في العام 2003، حيث لم يستطيع بلورة أي رؤيا سياسية ذات أفكار جديدة، أو أستطيع أن ينجز شيءٍ يذكر، من ذلك الوقت وحتى أيام قليلة خلت، ثمانية عشر عامًا لم يتمكن من خلالها أن يفعل أو أن يقدم أي شيء،  فكانت النتيجة النهائية تكريس لمفهوم القطيعة مع كل ما يمت بصلة للسياسة ورجال السياسة إذا كانوا على مستوى كنا وغيره.
وحده الوقت سيكشف هل النواب الأربعة الجُدد يستطيعون خلق صورة جديدة مُغيرة عن الأولى، أم هم مجرد ذراعًا للحشد الشعبي تُحرك خيوطها طهران.
يظل هناك ما هو أبعد من الانتخابات العراقيّة، هو مصير مكون أساسي كان له جذورًا عميقة في التربة العراقية، أين هو حضوره وما هو مصيره، أم إنّ الهجرة نخرته في الصميم ولم يعد له أيّ حضور يذكر. هذا هو السؤال الكبير الذي يجب أن يطرح اليوم.

18
كورونا…آواخر القرن
من ضاقَ بمن؟ الناس أم الأرض التي ترزح تحت رحمة وباء لا يرحم، حصد حتى الان ما يقارب خمسة ملايين شخص والرقم ذاهب نحو المزيد. ضقنا وضاقت الأرض بمن على ظهرها.
لنفترض جُزافاً أن رواد رحلة مركبة الفضاء أبولو عادوا للأرض بعد رحلة مدارية استغرقت فترة سنتين. طوال هذه الفترة لم يكونوا يعرفوا أن كوكب الارض مُصاب بڤيروس قاتل وأن سكانه قد تغيروا. المعتاد في مثل هذه الحالات أن يتم حجر الرواد الوافدين من الفضاء الخارجي لحتمال أن يكونوا حاملين بكتريا من ذلك السديم اللانهائي، ولكن يتفاجؤون أن سكان الارض هم المصابين والناس هم من يرتدون الأقنعة الواقية من البكتريا، في النهاية يكتشف اصحاب مركبة أبولو  إن كوكب الأرض هو الفضاء الغريب عليهم وليس درب التبانة الذين كانوا فيه.
تغير الناس مع تغير الحال الذين وُضعوا فيه، وبات الجميع يخاف من الجميع. المصافحة باليد باتت تُشكل هاجسًا وخوف من انتقال العدوى، هذا القول ذكرني بشخص ألتقيته في الموصل عام 2013 قل لي هنا في المدينة الكل يخاف من الكل.
الأزمات الكبيرة تخلق بدورها  ظروفًا أخرى لم تكون بالحسبان وهذا بدوره يُكرس لأنماط مختلفة من التعامل والمعيشة والحياة الاجتماعية والإنسان بطبعه قابل للتغيير هذه حقيقة كالشمس لا تُحجب بالغربال، كمّ طرأت تغييرات خلال هذه السنتين الماضيتين علينا؟.
تبين مع مرور الوقت إلى أيّ حدّ إن الإنسان هش وضعيف ومهزوم مهما إدعى القوة، فيروس لا يُرى بالعين المجردة هزمه وقضى على كبريائه. مشكلة هذا الإنسان الأزلية تكمن في غروره، غرور حواء، غرور شمشون، غرور گلگامش، مائدة مستديرة من الكبرياء والغرور الأعمى يجلس عليها الجميع.

19
أهمية الإصلاح والتغيير في ملبورن.
(إنه جسدي، إنه خياري)، بهذه العبارات بدأ عمال البناء والإنشاءات بالصراخ من أمام مقر نقابة العمال في ولاية ملبورن، وبدا الوضع يتفاقم أكثر مما تسبب بالاشتباك  مع رجال الآمن وتمّ تحطيم زجاج المبنى. هاجم المتظاهرين نقابة العمال إحتجاجا على فرض اللقاح واجبار العمال على آخذه، مع أن منظمة الصحة العالمية طلبت من الدول عدم إجبار الناس على آخذ اللقاح، يبقى كل شخص مسؤول عن نفسه في أخذ اللقاح من عدمه، وهذا مُطبق في جميع دول العالم تقريبًا.
 يأخذ قطاع البناء والتشييد العمراني في الولاية مكانة كبيرة حيث يعمل به شريحة واسعة من الناس ضمن مجالات مختلفة وعديدة لا مجال لحصرها الآن. الحكومة المحلية بزعامة رئيس الوزراء Daniel Andrews فرضت نفسها بقوة على هذا القطاع المهم وقطاعات آخرى لا تقل أهمية على أقتصاد السوق المالي، فقد كان من المتوقع وبعد أن أخذ الكثير من الناس الجرعة الأولى من اللقاح اذا ما قلنا الجرعتين خلال الفترة الماضية أن تشهد الولاية إنفراج جزئي على المصالح الاقتصادية والتجارية وتعود الحياة لمجاريها ولو على مراحل، مع الإشارة أن أعدادًا كبيرة ينتظرون دورهم في آخذ اللقاح بأنواعه، مع العلم أن العيادات الطبية ومراكز الخدمة التخصصية في إعطاء اللقاحات تعُين مواعيد بعيدة، تصل حتى شهرين أو ثلاثة، الذي حصل هو العكس فقد فرضت الحكومة المزيد من القيود الصارمة وهذا الآمر لا يتحمله المواطن الذي بات يحمل أعباء اكثر من طاقته، مثل المعيشة والفواتير والإيجارات.
كان وعدّ الحكومة المحلية التي حنثت به هو أن تصل نسبة اللقاح المُعطى للناس الى حدود معقولة وهذا ما حصل، ولكن الحكومة لم تخفف من القيود المفروضة، لا بل زادت عليها سوءًا مع أرتفاع ملحوظ بالإصابات.
ملاسنات وإتهامات وتراشق بالكلام بين الناس والحكومة يعكس مدى التوتر الذي يعتمل في الشارع الآن، فليس من الحكمة وبلحظة انفعال يغلق الحاكم أندرو قطاع البناء ولمدة أسبوعين قابلة للتجديد، هل تحول الرجل إلى دكتاتور فعلًا في ظل غياب كامل للمحاسبة أو المحاكمة، ماذا يعني أن يجلس آلاف العمال في منزلهم وتكليف ميزانية الدولة خسائر فادحة مع العجز المالي أصلًا.
الناس في حيرة من أمرهم، تسأل ما هو المطلوب الآن بعد وصول نسبة لا بأس به من الجرعات الأولى والثانية، متى تنتهي هذه الدوامة المفرغة والمفزعة من الإغلاقات المُزعجة والتي القت بظلالها الثقيلة على الجميع دون أستثناء، واذا كان رئيس الحكومة المحلية دانيال أندرو  Daniel Andrews لا يستطيع تحمل مثل هكذا مسؤولية لماذا لا يستقيل ويفسح المجال لغيره ربما تكون له رؤية جديدة وواضحة ويضع مشروع خطة للخروج من هذه المنطقة الرمادية وهذا الوضع المُقلق. في النهاية الولاية ليست ملكًا حصريًا لأحد، والمنصب ليس استحواذٍ وفرض الآراء بالقوة والغرامات المالية والاعتقالات، وإلا تصبح أستراليا دولة فاشلة بعيدة كل البعد عن حقوق الإنسان والمدنية والديموقراطية، ونكون جميعًا خاسرين في هذه المعادلة الصعبة.

20
ولاية ملبورن والفرضية الأسوأ.
تعيشّ ولاية فكتوريا أيامًا صعبة لا سيما في الفترة الآخيرة، حيث تشهد ملبورن ومن عدة أسابيع أنماطًا مختلفة من الصور، أبرزها المظاهرات التي تعمّ شوارع المدينة، والاعتقالات بين صفوف المدنيين، وإعتداءات المدنيين على رجال الشرطة، وضرب رجال الدركّ الناس بالهراوات ورشّ غاز مسيل الدموع عليهم، مما يتسبب بفوضى في الشوارع الرئيسية وإغلاق اغلب الطرق، في حالة شاذة وغير متداولة من قبل،  وغريبة على المجتمع المحلي في الولاية. 
السبب الرئيسي وراء تلك الأحداث هو الإغلاق الجائر الذي تفرضه الحكومة على الناس بحجة انتشار وباء كورونا الذي دخل في مرحلة جديدة. الإغلاق يشمل جميع قطاعات العمل تقريبًا، من رياض الأطفال والمدارس وصولًا للجامعات، وطيف واسع من الأعمال التجارية، الكبيرة والصغيرة والمتوسطة متوقفة تمامًا، مع فرض تجوال ليلي يبدأ من الساعة التاسعة مساءً وينتهي مع ساعات الفجر الأولى، مع مسافة تحرك بسيطة لا تتجاوز الخمسة كيلومترا كحد أقصى، الغرض هو الحد من انتشار رقعة نشاط الفيروس، ولكن الحكومة المحلية بقيادة رئيس الوزراء دانيال أندرو Daniel Andrews فشلت في استيعاب الأمور وامتصاص غضب الشارع، والذي خرج عن نطاق السيطرة، وبات الناس تتذمر من هذه الوضعية المُزرية التي حولت الحكومة الولاية إلى شبه جزيرة معزولة عن العالم الخارجي، ما أن العالم الخارجي كله ذاهب نحو الانفتاح والعودة مجددًا للحياة الطبيعية مع أخذ اللقاحات طبعًا.
تحولت الولاية النابضة بالحياة بين ليلة وضحاها إلى مدينة ميتة، تعمها الفوضى والبطالة واعتقالات تُطال المتظاهرين.
المواطنيين ومع هذا العزل الإجباري الذي وضعهم بين مطرقة الحكومة وسندان المعيشة الصعب الذي بدأ مع الوقت يتفاقم أكثر ومع توقف الأشغال تمامًا، فقدوا الثقة بالحاكم أندرو، خاصةً وأن اعداد الإصابات ومع هذا الإغلاق القاسي في إزدياد مستمر. كانت الإصابات في البداية بالعشرات، ثم فجأة أصبحت بالمئات. الجميع يريد إجابة على السؤال الأهم لماذا تزداد حالات الإصابة المجتمعية في ظل إستمرار الغلق؟، وإذا كان هذا الغلق لا ينفع في الحد من منع إنتشار المرض لماذا موجود إذًا بالأساس، أسئلة مشروعة ويجب على الحكومة الإجابة عليها في اسرع وقت وإلا كما يُقال سبق السيف العذل، وننتهي إلى ولاية ضعيفة أقتصاديا وماليًا، طاردة لرأس المال والشركات والاستثمارات، ينفر  الناس من العيش به.
نعم ربما في وقتٍ ما تصدرت ملبورن قائمة أكثر المدن رخاءً وضمان إجتماعي وصحي ومعيشة، ولكن هذا لا يمنع من إنها على شفير الهاوية، والسقوط الحر في وسط دائرة الخطر بسبب توقف الأعمال والشركات الضخمة والمطارات ونسب البطالة الغير معهودة.
بالنهاية إذا لم تتحمل الحكومة الحالي في فكتوريا مسؤولية إجتياز هذا الوضع الشاذ ووضع خارطة طريق للخروج من الأزمة الخانقة وإنهاء الإغلاق سريعاً، فسوف تكون النتايج كارثية على الجميع ويكون الوضع أسوأ مما نتصوره، وأرجو أن لا نصل لتلك المرحلة الخطرة.

21
 حينما يرجعّ الكلدان لجذورهم.
صيغةْ مقالات كثيرة في الآونة الآخيرة حول تحويل آسم بطريركية بابل على الكلدان، إلى أسم بطريركية الكلدان، دون ذكر بابل. منها ما كان رافض والأقل مؤيد، وعلى هذا كان رد فعلّ الكُتاب والمهتمين بالشأن الثقافي العام والقومي خاصة رافضًا للتسمية الآخيرة، أي حجبّ مدينة بابل من العنوان الرئيسي للكلدان الكاثوليك. كل هذا جاء في جدول أعمال السينودس الكنسي لمطارنة الكلدان السنوي المُنعقد من 9 ألى 14 آب 2021 في بغداد مقر البطريركية الكلدانية في منطقة المنصور. وجاء قرار التصويت على التسمية الجديدة بالإجماع من أصحاب السادة المطارنة، حسب موقع البطريركية الرسمي.
في تقديري، إن التعاطي مع هكذا إشكالية يُحتم علينا ضرورة الاستعانة بالتاريخ، التاريخ الصحيح وليس التاريخ الذي يُدغدغ العواطف والمشاعر وبدون سند حقيقي يثبت ذلك. لنكن واقعيين قليلًا، فقبل حوالي 75 عامًا انتحر ادولف هتلر زعيم الرايخ الثالث، وإلى اليوم لم تؤكد عملية الانتحار تلك، أمّ كانت هروبًا، مع كل هذا التطور العلمي وتحاليل ال DNA والمسح الجيني ولكن إلى اليوم لم يُجزم بشيء فعليّ، كلها نظريات تقف عند عتبة اليقين لا أكثر. فما بالك عزيزي القارئ بشعوب عاشت قبل 1763 أو 2000 عاما قبل الميلاد. من يجزم بجدّ ويقين من أين آتت الشعوب الكلدانية، والشعوب الآشورية والشعوب الحثية وغيرهم من سكن تلك البلاد الشاسعة قبل آلاف السنين، خذ مثلًا الباحث العراقي جواد علي يقول أن مدينة الجرها تقع في القطيف، على ساحل الخليج العربي في السعودية (نجد والحجاز) هي موطن الكلدان الأصلي وكانت تتمتع بعلاقات جيدة مع بلاد بابل. وهذا أحمد سوسة له رأي أخر حيث يرجح أن موطن الكلدان الأصلي هو شواطئ الخليج العربي أقصى جنوب العراق. وهناك من يرى أنهم قد هاجروا من الجنوب الشرقي من جزيرة العرب (عُمان) في حدود الألف الثاني ق.م، زاحفين باتجاه الشمال  واستوطنوا في جنوب ووسط بلاد الرافدين، وسكنوا الأهوار والمستنقعات وعاشوا على طول المجرى السفلي للنهرين بين الخليج العربي والمدن الواقعة في اقصى جنوب بلاد بابل. الآراء متضاربة وعديدة ومن الطبيعي مع هذا القِدم أن يشوبها بعض الغموض والضبابية في الطرحّ.
الذي يهمنا في هذا المقّال هل المسيحيين من الطائفة الكلدانية اليوم هم أحفاد كلدان الأمس، وهل إلصاق مدينة بابل لهم تاريخياً صحيحة، أم مجرد أسم أطلق عليهم في وقتًا ليس بالبعيد.
فكما هو معروف أن أول من أطلق تسمية كلدان هو البابا مبارك الثاني عشر في قبرص عام 1340 على مجموعة من أبناء كنيسة المشرق كانت متواجدة على أرض تلك الجزيرة هربًا من الاضطهاد أرادت الانتماء للكنيسة الكاثوليكية، ولكن لم تجري الأمور طويلًا بين المذهبين فعاد المتحدين للعقيدة النسطورية مرة ثانية، وفي عام 1445 أعيد النظر في التسمية أثر مجمع فلورنسا، على زمن البابا أوجين الرابع، ولكن لم تستقر التسمية نهائيا ألا عام 1828 على زمن البطريرك يوحنا هرمز. حتى في وقت البطريرك مار يوحنا سولاقا (1510- 1555)، كان الأسم الكلداني مُتذبذب لم يستقر بأذهان بالجماعة بعد. بمعنى أن هذه التسميات حديثة بعض الشيء.
المعضلة تكمن في أن بعض الأزمات التاريخية تُربك الناس، حيث ارتبط اسم الكلدان حتى إلى وقت قريب على مسيحيين كانوا بالأصل سريان مشارقة، أو أتباع كنيسة فارس، أو الكنيسة الفارسية، واستقرت في الأذهان لتغدو مع الأيام كأنها هي الأصل من منظور تاريخي. فكما هو متداول أن للعراق تسميات عديدة قديمة وحديثة، حيث تُطلق كلمة بابل على العراق ككل، وبلاد وادي الرافدين Mesopotamia، في الجامعات والدراسات الغربية، وبلاد آشور، وبلاد سومر، وأرض السواد، وفي التوراة جاءت بصيغة أَرَامِ لنَّهْرَيْنِ، بمعنى أدق ومباشر لو أطلق الحبر الروماني البابا أوجين في ذلك الوقت على المسيحيين الذين يسكنون جزيرة قبرص أسم الأكاديين تيمنًا بأسم مدينة أكد لكنا اليوم مسيحيين أكاديين، أو الوركاء ( أوروك)، لكنا أيضًا مسيحيين أوركيين، أو كنيسة سومر لكنا مسيحيين سومرين، ولسارت التسيمة مع الوقت وباتت هي الدارجة عند الجماعة ويصبح لها سندّ وعمق ثقافي في وجدان الناس وبُعد روحي أيضًا.
غياب رؤية شاملة للتاريخ يعطي نظرة ضيقة للأفق وقراءة محدودة. فحتى الآشوريين اليوم ليسوا من سلسلة دولة أشور القديمة. حيث أول من أطلق عليهم أسم الآشوريين كان شخص بريطانى جاء في بعثة لشمال بلاد أشور القديمة جغرافيًا على مجاميع تسكن تلك المناطق. حسنًا إن كانوا صحيح إدعائهم بأنهم أحفاد الآشوريين القدماء لماذا لم يُسموا أنفسهم بالاسم الآشوري قبل البعثات الإنكليزية لهم في المناطق الجبلية في قوجانس وسلامس. هنا التاريخ يقول كلمة الفصل، ففي 7 ينايركانون عام 1870 أطلق رئيس اساقفة كانتربيري أسم مسيحي بلاد أشور على السريان  الذين يقطنون تلك النواحي على تخوم الدولة الآشورية القديمة. ومن هنا كانت هذه هي الإرهاصات الاولى في بعث اسم آشور والأشوريين. وقد لعب أعضاء البعثة الإنكليزية كل من  آرثر ماكلين وولين وهنري دورًا هاما في إبراز هذا الاسم، وليس عمقًا تاريخيا للدولة الآشورية القديمة. حتى الكنيسة الآشورية اليوم عمرها لا يزيد عن 45 سنة، والجناح الآخر من الكنيسة لا يسمون أنفسهم بالآشورية أصلًا، فهي كنيسة المشرق القديمة كرسي ساليق وقسطيفون، لا آشور ولا غير آشور.
في ظلّ مثل هكذا أوضاع والذي يعكس تخبطًا في التعابير والتعاريف والمصطلحات وحتى التاريخ ذاته يظلّ إلقاء المسؤولية على الآخرين بمثابة لجوء إلى الحلّ السهل.
الخلاصة من كل ما تقدم، إن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يأتي بأيّ نفع على الجميع ومن كل الطوائف والمذاهب هو إعادة قراءة العقيدة والدين المسيحي قراءات جادة ومُعمقة من جديد، على سبيل المثال لا الحصر  كم من الكلدان يعرفون ما هي طبيعة السيد المسيح وهم على المذهب الكاثوليكي.
 في النهاية يستطيع كلّ مؤمن كلداني أو غير كلداني أن يسأل نفسه ما الذي تستطيع الأحزاب السياسية المسيحية القومية أو الإتحاد القومي أو أعياد أكيتو تقديمه لهم.
نحن اليوم في امس الحاجة إلى الابتعاد عن المزايدات التي لا تنفع أحد خاصة في هذا التوقيت بالذات، مع الهجمة الشرسة التي يشنها البعض ضد الكنيسة، من كان يصدق أن شخصية مهمة تأتي بعد البابا مباشرةٌ مثل الكاردينال جورج بيل يقبع وراء القضبان أكثر من عام دون جريرة تذكر، فقط لأنه وقف ضد تيار المثلية الجنسية Homosexuality.
يبقى الأهمّ من ذلك كلّه هل نستطيع نحن تجاوز  هذه، التسميات والنظر للمهم، وهل ينتصر صوت العقل بالنهاية، هنا يكمن السؤال الاكثر اهمية، برأي المتواضع تصعب الإجابة في الوقت الحاضر عن هذه الأسئلة.
 الزُبْدَة تكمن في مقولة شيشرون، من لا يقرأ التاريخ يبقى أبد الدهر طفلًا صغيرًا.




المصادر:-
سوسة- احمد (اليهود والعرب في التاريخ).
سوسة- أحمد( تأريخ يهود العراق).
علي- جواد ( من هم العرب).
المطران لويس ساكو ( خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية) كركوك 2006.
ألاب ألبير أبونا ( تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية) الجزء الثاني.

22
المطران مار باواي سورو والمائدة اللاهوتية. 
يفعل حسناً سيادة المطران مار باواي سورو مطران أبرشية مار أدي الكلدانية في كندا، في تقديم محاضراته والتركيز على القضايا الحساسة والمهمة، وتبسيط الصعبّ منها فيما يخص المسائل اللاهوتية المُعقدة، على سبيل المثال لا الحصّر ندوته حول عقيدة المطهر الكاثوليكية حصراً، فهي غير معترف بها في المذهبين الأرثوذكسي والبروتستانتي، وأن كانت قديمة بعض الشيء أي المحاضرة، ولكن يمكن العودة أليها من خلال اليوتيوب لكونها مهمة وتسلط الضوء على مكان وسطي بيت الجنة والجحيم وهي بالأساس فكرة العدالة الإلهية، والتي أجزم أن الكثير من الكلدان الذين هم على المذهب الكاثوليكي لم يفهموها بشكلها الصحيح، فقط دفع مبلغ مُعين للمتوفي وقراءة إسمه في نشرة يوم الأحد، وبالتالي لم نستوعب الفكرة الأصلية لتلك العقيدة لتظل غامضة على الجماعة المؤمنة، حالها حال الكثير من المصطلحات والأسرار التي لم تُفسر بشكلٍ واضح، أيضًا  له سلسلة محاضرات (القداس والقربان المقدس) والتي غطى من خلالها أهم القضايا المتعلقة بتقسيم القداس الإفخارستيّا وهو قمة الدينية المسيحية، والذي بات اليوم مع الأسف شكل من أشكال الطقس التقليدي بمعنى آخر فلكلورياً لا أكثر.
بعض التواضع ضروريًا بين الحين والأخر، بمعنى أن نتعلم ونفهم من تلك المحاضرات المتوافرة على شبكة النيتّ، ليس الشعب وحده بل طبقة الأكريلوس أيضًا، فالشعب لا يريد تكبد عناء البحث والمعرفة واِسْتِقَاء المعلومة، والكُهان ينقصهم الأسلوب وكيفية طرح المواضيع بشكلٍ مبُسط وعميق في آن معًا، التبسيط لا يعني السطحية وركاكة الجملة وبالتالي ضياع الوقت في كلام غير مفهوم وضبابي، بل يعني عمق الفكرة اللاهوتية المطروحة بشكلها الروحاني وكيف لها أن تصل بسلاسة إلى المتُلقي وتدخل في حنايا قلب وروح السامع، وأضن أن المطران متمكن من هذه الناحية بشكل ممتاز باللغُتين العربية والإنجليزية.
عندما لا نستوعب فكرةٌ معينة تبقى مجهولة الهوية والمصدر ومع الوقت نتعامل معها كأنها غريبة علينا مع العلم أنها في صميم معتقداتنا اللاهوتية والليتورجيّا، الله يخاطب الشعب ولكن يخاطبهم عن طريق أشخاص متنورين يملكون مِنصات معرفية لإيصال المّسجات إلى الباقين بيّسر. وهنا جدير بإن نذكر  التقدم المُتاح للجميع وسهولة الوصول إلى تلك المناهل، فمن المُحال التوجه  كل مساء سبت من أستراليا أو أوروبا أو الولايات المتحدة إلى كندا  لسماع محاضرة، ولكن من السهولة بمكان فتح الرابط على اليوتيوب. مع هذا تظل هنالك عقبات وجودية كبيرة أمام من يريد الحصول على المعلومة الصحيحة، عقبات إبستمولوجية ونفسية وذاتية، أي لا نريد أن نجهد العقل بالمعرفة وفهم محاور الدين والعلاقة بينهم، يكفي الانشغال بي TikTok و Snapchat وغيرهم، لماذا لا نسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية، نعم هنالك ضعف عام لدى أبناء الطائفة الكلدانية في فهم أهم أسرار المذهب الكاثوليكي، وهذا جزء منه يقع على عاتق الكُهان الكلدان أيضاً من حيث طرح الفكرة ودلالة المعلومة وتحليلها وشرح أبعادها الروحية واللاهوتية وحتى الفلسفية، نقول أن يسوع المسيح هو الله المتجسد، الله الكلمة أو اللوجوس Logos أي عقل الله الناطق، ونزل من السماء، ومولد غير مخلوق مساوٍ للآب في الجوهر،  هذه قضايا عميقة ومهمة وحساسة لكونها في صلب المسيحية ذاتها وتحتاج لشرح وتبسيط، وتحتاج لإيصال، خاصة في هذا العصر، الموضوع ليس صراخ وحركات عصبية في وسط الكنيسة لا مبرر لها أبدًا، الموضوع أوسع وأعمق وذّ أبعاد روحية عميقة لتوظيف الإمكانات المعرفية والدينية وطرحها على أسماع الناس كيما تخرج سواء كانت موعظة يوم الأحد أو ندوة في قاعة الكنيسة بغذاءٍ روحيًا يستمر معهم طويلًا.
 مئات العوائل من الكلدان  في إمريكا وغيرها غيروا حياتهم بدخول البروتستانتية لو قَيَّضَ لهم فهم مذهبهم بشكل صحيح ما كان لهم أن يتنازلوا عنه بهذه البساطة.
يبقى الأهم من ذلك كلّه، هل نأخذ عبرة من تلك الدروس أمّ لا. ثمة حاجة إلى قراءات جديدة وفهم أعمق لكل ما يدور حولنا، لعلّ أخطر ما في الأمر أن نظل هكذا سطحيين تتلاطم بنا أمواج البحر كيفما تشاء.

23
قومَيتَنا والحلّمَ الزائّف.
في الآونة الأخيرة كثرَّ الحديث عن القومية بشقيها الآشورية والكلدانية. كلامًا على كلامّ من على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، منه ما هو منطقي ومعتدل ومعقول، ومنه الخالي من المعنى وينحدر نحوَ التعصبّ والبعيد كل البُعد عن العقلانية وروح هذا العصر، لنتخبط في النهاية بعناوين كثيرة وشبكة عنكبوتية من الخيوط المتشابكة لِنخرج معها بمصطلحات شاذة لا تعبر عن المعنى الحقيقي للكلمة، لا لغوياً ولا معرفيًا، وندخل في منطقة رمادية من اللغوَّ الذي لا طائل منها غير بعثرة الأمور والتي لا تحتاج لبعثرة أكثر في ظل تخبط ما أنفكَّ يزداد مع مرور الوقت مع استدلالات عقلية مفقودة.
تستحيل بلورة أيَّ فكرة دون تعريف دقيق للمصطلحات ومن أيّ معدنّ لغويا قُدّت، لكي يتسنى للباحث أو الدارس أو المطلع الوصول السهل للمعنى الصحيح الذي جاءت من آجله الكلمة والتعريف الدلالي للعِبارة.
في البدء لنأخذ مثلًا بسيطًا يُسلط الضوء على مدى فوضى التعابير المستعملة في المجتمع خاصة في هذا الوقت، والذي يرتبط ارتباطًا جوهريًا بالموضوع المطروح، أيَّ مصطلح القومية. فالشخص المهاجر  إلى دول الغرب، أستراليا، أمريكا ، كندا….الخ، وبعد أن يستكمل الشروط القانونية اللازمة للحصول على حق التوطين وقدّ أجتاز الامتحان، يحصل على حق المواطنة في ذلك البلد وهي تُعرف اصطلاحًا (Citizenship)، وهذا المصطلح يندرج ضمن طيف واسع من المعاني، مثل، مواطن مدني، تابع، قاطن، ساكن، مُقيم، ضمن فئة خاصة من المعاني، وهذا يختلف عن مصطلح  الجنسية (nationality)، لأن الجنسية تُعطى فقط في البلد الأصلي أيّ مسقط رأس الشخص الأولي، أي الولادة في الأمة (Nation)، وهذا أيضا في القوانين والمعاجم  له ارتدادًا بأثر نگوصي، فهو يُشير إلى القومية، الاستقلال السياسي، الصفة القومية، والسَائد بيننا أننا نستعمل كلمة حصلنا على الجنسية الأسترالية أو الكندية كخطأ شائع يندرج ضمن سلسلة أخطاء تُطلق عشوائيًا  مع الوقت أصبحت عادية وطبيعية جدًا.  بمعنى أدق لا أحد من المُهاجرين (immigrants) يبحث عن أصول في القومية الأسترالية أو الكندية أو الأمريكية، لأن هذا الأمر لا يعينهم بكل بساطة، وهذا لا يفسر على أنه عدم حبَ أو أحترام لهذه الدول التي أوتَّ المهاجرين وشمِلتهم برعايتها، لا أبدًا، الموضوع أعمق بكثير ومرتبط بالشعور الوجداني الأصلي.
حسنًا لنعود لمصطلح القومية (nationalism) وأنتبه عزيزي القارئ إلى التشابه الكبير بين القومية والجنسية (nationality)، فهم من عائلة لغوية واحدة وفعلًا واحد. فالقومية لغويًا تتأتى من الجذر قوم، جماعة، عشيرة،  تعيش في مكان ما تربطهم صلة معينة تنشأ تزامنًا مع خصائص وجدانية وعاطفية مُشتركة تربطهم بعلاقة قوية، لتُشكل أعتقاد من عقيدة( Doctrine) لدى الشَّعب في أنّه يشكّل جماعة متميِّزة ذات خصائص تميِّزهم عن الآخرين كهوية ذاتية تشترك في سمات، ومن أهم تلك السمات الوطن، التاريخ، اللغة والاهداف، وعلى هذا المبدأ يُضحي المرء بنفسه من أجل الوطن الأمة (Nation).
وللقومية أنواع متعددة وليست واحدة كما يروج لها البعض اليوم، كالقومية الاثنية، والقومية الدينية، والقومية الليبرالية، والقومية الثقافية، والقومية الرومانسية، ولكل واحدة منهم شرح مُفصل وأبواب واسعة لا يتحملها هذا المّقال الآن. والقومية أيضًا عقيدة وأيدولوجيا سياسية هامة للغاية تهدف إلى بناء هوية وطنية واحدة والحِفاظ عليها من خلال المنهاج السياسي، بناءاً على خصائص اجتماعية مشتركة، الثقافة، العرق، الموقع الجغرافي، اللغة، الدين، التقاليد. على سبيل المثال لا الحصر، جمهورية أرمينيا، ودولة اسرائيل.
يمكن التنظير عن مفهوم القومية طويلًا، ولكن قُبيل ذلك هل وفرنا لها الظروف المناسبة في إمكانية خلق وعيًا قوميًا وهوية خاصة سواء كانت كلدانية أو آشورية، والسؤال الأهم هل هنالك نُضُوج قومي لدى الكلدان  أو الآشوريين يكفي لخلق تيار وفكر أيديولوجي يُعبر عن روح تلك الجماعات ويستأثر بها، أشكّ في ذلك كثيرًا. نعم هناك نقطة يمكن أن تنطلق منها عملية بلورة شيء ذات قيمة ولكن تحتاج لمجهود وإدراك واستيعاب اللحظة التاريخية، تعزز من ثقافة الاطلاع والقراءة بين أبناء الجاليات في دول المهجر.
في أختبار  بسيط أنا قمتُ به لقرابة عشرين شخصًا أعمارهم تتراوح بين العشرين والأربعين، حول موضوع القومية، كل الإجابات جاءت مع الأسف سطحية وبسيطة جدًا، وكأنهم في رُقاد من هكذا مواضيع، لا داعي لذكرها، وهذا ليس بالمستغرب أبدًا على أبناء جلدتنا، فالوعي السياسي بمعناه الاجتماعي مُتدني إلى درجة كبيرة، وهذا إيضاً له رواسب عميقة تمتد إلى حقبة الحزب الحاكم الواحد، والذي كان هو الموجه الوحيد حسبّ أيديولوجيته التي يراها بغض النظر عن إختلاف المشارب والاتجاهات والمذاهب الفكرية والعقائدية، فيصبح الاتجاه العام برمته مع الوقت واحد دون تنوع، ليوظف لاحقاً لفكرة أحادية ترىّ الجميع بعين واحدة. ومع الآسف الشديد أنتقلت هذه الآفة مع انتقالنا الى دول اللجوء مع توافر إمكانية الحصول على معلومات أكثر وضوحاً وسهولةٌ من خلال منظومة الانترنت وخدمات ال Google، للاستفادة منهم بشكلٍ كبير. ولكن على ما يبدو أن هناك عدم مبلاة وعزوف إتجاه كل ما يمت بصلة بالثقافة.
الخلاصة تكمن في خلق جوًا مناسبًا لقيام منهج قومي يعكس انتماء الفرد لمجتمعه وهويته والتكيف معها، بعد ذلك يُصار إلى تنظيم تيارات وعقد إجتماعات كيما تكون حجر الزاوية في تكريس مفاهيم جديدة يستوعبها العامة تكون لها قاعدة ورصيدًا بين جميع الطبقات، يتحدثون بها في الجلسات والمقاهي والمنازل كشيء طبيعي عادي لتنصهر هذه الأفكار وتنتج لنا رؤيا جديدة، غير ذلك البقية حرث في الماء ودوران في حلقة مفرغة، لا أكثر ولا أقل.

24
أستراليا والنهايات المفتوحة
بقلم/ سلوان ساكو
 أسترالية دولة كبيرة، وذات إمكانات ضخمة، سواء على صعيد الآقتصاد، الثروات الطبيعية مثل الغاز والفحم الحجري ومناجم الذهب الغير مستعملة أو الثروة الزراعية والحيوانية، مع عدد السكان القليل، مقارنة بمساحة الارض، قرابة 25 مليون على مساحة 7.5 مليون كيلو متر مربع تقريبًا، وهذا تافه جداً مقارنة بالهند أو الصين مثلًا، وعلى هذا المبدأ هاجرت المجاميع الأولى صوب القارة الجديدة، أملين بعيش حياةٌ كريمةٌ في ظل نظام يحترم الجميع ويقفْ على مسافة واحدة من الكل، بغض النظر عن المعتقد أو الدين أو الخلفيات العرقية، وهذا ما تحقق وإن كان على فترات زمنية طويلة مع أول دفعة من المُهاجرين الجُدد، يحلمون بأرض الأمل، ونظام يُخلصهم من نّير الظلم والقهر والرفض الذي تعرضوا له في بلدانهم الأصلية، يرغبون بكل الوسائل المتاحة إجتياز  هذا النفق المُظلم والوصول إلى حيث الحرية الثقافية والكرامة الإنسانية والتنوع الاجتماعية، دون وصاية من أحد ولا إقصاء لشخص. ولكن على ما يبدوا إن هذه الأمور سوف تتغير عاجلًا ام أجلًا ، والنظام المعمول بها حاليا سوف يشوبه العطبّ، والاتجاه العام يسير نحو الأسوأ بدون أدنى شكّ إذا لم نفعل شيء ينقذ الموقف برمته.
في أستراليا نظامان رئيسيان لتشغيل الدولة والمجتمع،
الأول هو الضمان الاجتماعي Centrelink، والذي يحمي المواطن في النهاية من العوزّ والفقر  ومدّ يدّ الْمعُونَةِ من شخص ما وبالتالي تلافي الاسْتِعطَاءِ والاستجداء. والنظام الثاني والذي نحن في صدده هو الضمان الصحي Medicare، والذي يضمن للمواطن والمُقيم، ( الذي لا يحمل جنسية أسترالية)، حقّ المُعالجة ومراجعة الطبيب والتداوي في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للدولة مجانًا دون مُقابل، وهذا نظام راقي جدا يُعمل به في الدول المتقدمة التي ترغب في الحِفاظ على مستوى معيشي وصحي أفضل لمواطنيها ورعاياها.
حكومة الائتلاف الحالية  برئاسة رئيس الوزراء
‏Scott  Morrison زعيم الحزب الليبرالي الأسترالي، تسعى جاهدة لتقليص مفردات بطاقة الضمان الصحي ال Medicare، وحجب الكثير من الامتيازات الممنوحة لحامل هذه البطاقة، مثل عمليات القلب والمكلفة جدًا على الشخص العادي، وعمليات الكسور، والتصوير بجهاز الرنين المغناطيسي MRI، والاشعة السينية، والكثير من المفردات التي تهم الناس البُسطاء العاديين والشغَيِلة الذين يدفعون ضرائب ثمن خدمات تقدمها الحكومة لهم ولأسرهم، والتي إن تحققت مطالب الحزب الليبرالي سوف يصبح هناك مشكلة حقيقية وموقف لا يحسد عليه الأستراليين، مشكلة الطبقة الفقيرة والطبقة  الغنية والصراع بينهما، وتنتهي بذلك الطبقة الوسطى التي تسود البلاد الآن.
حسنا هل يمكن إعادة تأهيل هذا لنظام ورفض هكذا شروط قاسية ومجحفة بحق الناس والتي سوف تزيد من صعوبة العيش وضغط على كاهل المواطنيين، الجواب نعم، من خلال التصويت بالرفض عبر الإنترنت والفيسبوك ومنصات التواصل الاجتماعي، أو الخروج على الحكومة الحالية بمظاهرات جادة نرفض من خلالها مثل هكذا مشروع فاشل يُكبل الشعب بمدفوعات هو في غنى عنها خاصة في هذا الوقت بالذات، حتى وإن استقالت الحكومة وحُل البرلمان.
بكلام أوضح يجب التصدي والوقوف بحزم ضد هذه القضية الحساسة والتي سوف تؤثر حتمًا على الجميع بدون استثناء.
كلّما تغيرت الأمور نحو الأفضل كلّما زادت فرص العيش برخاء واستقرار وسلام حتى وأن ضحينا بعض الشيء فهذا ثمن لا بد أن ندفعه جميعًا.

25
ما بعد  الزيارة البابوية للعراق.
بقلم/ سلوان ساكو
بدون أدنى شك إنّ الزيارة البابوية للعراق قبل شهورًا قليلة كانت جيدة وناجعة، من الناحية الدينية والسياسية والزخم الإعلامي الذي رافق الحدث والذي أدى دوره بشكلٍ  ممتاز، وإن كانت هناك حاجة ماسة لزيادة فاعلية العمل على قراءة مضامين الرسالة البابوية بشكل أكبر، وربما هذا يحتاج لوقتاً أطول كيما تتبلور صيغْ جديدة في فهمّ المدلولات العميقة لتلك الزيارة التاريخية.
لكن هناك ثمة خطابًا أخر، أكثر تعقيدًا وتشابكًا مما نظن، ويندرج هذا الخِطاب ضمن جولة فلسفية في إطاراً لاهوتيًا صرف بعيدًا عن الهالة الإعلامية المصحوبة بهكذا أحداث عادةً. لا يهم هنا كثيرًا إن جاء المّقال متأخرًا بعض الشيء، وربما هذا هو الأفضل، لنُشكل تصورات أشمل، ونبلور أفكارنا من منُطلق أعمق، حيث يستدعينا البحث للوقوف والاستنتاج، وأخيرًا للتأويل واستنباط العِبَرة من الواقعة، وعلى هذا الأساس سوف نحّصر الآمر في مكان وآحد فقط تجنبًا لبعثرة الفكرة الموضوعة على طاولة النِقاش.
السؤال المهم هل كانت زيارة قداسة الحبر الروماني الأعظم البابا فرنسيس للمرجعية الشيعية العليا علي السيستاني في النجف صحيحة؟، قدّ تكون صحيحة، وجاءت نتيجة جهود مبذولة بين الطرفيين، وتتأتى ضمن إستراتيجية التعايش  السلمي وحوار الأديان السماوية وتعزيز ثقافة العيش المشترك، ومن المؤكد إن هذا صحيح وذُ بعد أخلاقي رفيع. ولكن في أتجاه أخر ضمن سياق  إبستمولوجي معرفي أو غاية قصدية عن طريق وضع فروقات حاسمة بين الأفكار ومدلولاتها من هذا العمل أو ذلك، والرغبة الكامنة في الاستدلال العقلي لإدراك الأفكار التي تكمن وراء الأفعال لفهم أوسع.
من المهم هنا بمكان العودة إلى محاضرة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، في 12 سبتمبر عام 2006، والتي جاءت بمناسبة زيارته الرعوية إلى مقاطعة بافاريا‫. حيث كانت ‬محاضرة تعليمية في القاعة الكبرى في جامعة ريغينسبورغ بعنوان، (الإيمان والعقل والجامعة: ذكريات وتأملات‫). ‬
طبعًا جميعنا يتذكر تلك الواقعة، والتي سببتْ نقاشًا كبيرًا وحادًا في جميع الأوساط الإعلامية والدينية والسياسية، والحملة العنيفة ضدّ البابا السابق والتي تلت المحاضرة مباشرةٌ‫. حيث كانت غنية بالدلالات البعيدة النظر وعمق لاهوتي بحت ‬حول موضوع العلاقة بين الإيمان المسيحي والعقل البشري، وبين الكنيسة والعالم، بين المسيحية والأديان الأخرى‫. ‬
في ريغينسبورغ لم يضيع البابا جوزيف راتسنگر الوقت في أسئلة هامشية، بل ذهب بكل جدية إلى المسألة الرئيسية المتمثلة بقناعة المسيحية بأنها الديانة الحقيقية والأكثر اهتمامًا بالإنسان والإنسانية.
الحوار التاريخي كان بين مانويل الثاني بليولوغس، الإمبراطور البيزنطي، وعالم إسلامي فارسي مثقف في حدود عام ‫1391. ‬
دون الخوض في تفاصيل فقهية من نوع الكفار وأهل الذمة والجزية الخ من هذه المصطلحات التي ما أنفكت أن زادت في الآونة الاخيرة، خاصة مع بروز  تنظيمات ارهابية متشددة، داعش والقاعدة والنصرة وغيرهم، حيث أخذت على عاتقها مهمة إعادة إحياء الخلافة الإسلامية في أراضي سيطرت عليهم وما زالت تسيطر على بعض تلك المناطق، مع العلم أن المرجعية السنية في الأزهر لم تصدر أيّ بيان تكفير بحقّ تلك الجماعات على ماقترفته من مجازر وإبادة جماعيه بحق المكون الإيزيدي واجتثاث كامل للمسيحيين ضمن نطاق محافظة نينوى وقراها في الأعوام 2014 وما بعدها، وليس تهجيرْ كما يروج له البعض، لو كان تهجيرًا لعادة العوائل لدورها وزاولوا اعمالهم كما في السباق، ولكن هذا لم يتحقق حتى بعد أن تم تحرير الموصل من تنظيم ألدولة الإسلامي.
 نعود للمحاضرة لنأخذ تلك المسألة المحورية حول العلاقة بين الدين والعنف عامة، إذ قال الإمبراطور (فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدًا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمره نشر الدين الذي نادى به بالسيف)، وبعد أن عبر الإمبراطور عن نفسه بهذه القوة إنصرف ليشرح للفارسي تفصيلًا لماذا يعتبر نشر الإيمان بالعنف أمرا منافياً للعقل والمنطق. هنا ارادَ البابا توصيل فكرة مفادها إن العنف لا يتوافق مع طبيعة الله الأزلية، أي يقول، إن الله لا يسر مطلقًا بالدماء المسفوكة باسمه، وإن التصرف بدون عقلانية مناقض لطبيعة الله. بمعنى أن الله مملوءا بالخيّر، ومن طبيعته أنه يكره الشر وكل ما يأتي من فعل الشر، الله صالح ويحب الصالحين. هنا وجد  البابا بندكتوس السادس عشر تناقضًا عجيباً بين فقرات من القرآن، أحدها تقول أنه (لا إكراه في الدين)، والأخرى تتحدث عن نشر الإيمان بالعنف أو السيف.
نعم هناك أسئلة كثيرة ولا أجوبة عن أيّ منها، ربما في المستقبل تكون الاجوبة متوفرة، من بين تلك الأسئلة التي لن يكون مفرّ من التعاطي معها عاجلًا أم أجلًا، هل يتوصل الدين الإسلامي إلى بلورة فكر إنساني أكثر تماشيًا مع روح هذا العصر؟، هل هنالك أمكانية لتجاوز بعض الآيات القرآنية التي تحض على القتل والإرهاب وإقصاء الآخر؟، هل ثمة فرصة في تغير المناهج التي تُدرس الان في الأزهر وغيره لقيام أجيال تؤمن بالعنف والقتل، ولا تؤمن بالحب ولا بالقيم الإنسانية، وحترام الشخص بعيدًا عن دينه ومعتقده، بغض النظر عن هويته المذهبية والطائفية.
 قدّ تكون هناك فرصة حقًا ولكن تحتاج لجهود خاصة لتجاوز هذه المرحلة الحرجة. ربما نحتاج لوقفة جادة وحقيقية لِسَبر أغوار هذه الزيارة البابوية للمرجعية الشيعية في النجف، وهل سوف تأتي ثمارها أمَّ مجرد ذرّ الرماد في العيون.







الهوامش والمصادر :-

إذاعة الفاتيكان.
رسالة المونسينيور جامباولو كريبالدي: أمين سر المجلس الحبري، عدالة وسلام.
الفنومينولوجيا – ديفيد وودروف سميث / ترجمة: وائل ضياء الدين شويحة.
محاضرة ريغنسبورغ. مطبعة القديس أوغسطين ، 2007.
البابا بنديكتوس السادس عشر ، الإيمان والعقل وذكريات الجامعة وتأملاتها .

26
بيان شجب واستنكار
تؤكد جمعية مار سوريشوع في ولاية ملبورن، أستراليا عن شجبها المطلق وأدانتها الشديدة للاتهامات التي طالت رمزًا دينيًا رفيع بمستوى غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو، بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم.
معتبرة الجمعية أن هذا الاتهام الغير أخلاقي مؤشر خطير على تجاوز البعض لمن تسول لهم نفوسهم على التطاول والمساس وتشويه سمعة رجل دين بارز يخدم وطنه وشعبه وطائفته.
وتشدد الجمعية على أن ما جرى يمثل اعتداءا سافرًا وحالة غير مسبوقة للنيل من أسم وسمعة ابينا البطريرك.
وبناء على ما جاء في بيان الشجب والاستنكار، فإن الجمعية بكامل هيئتها الإدارية وأعضائها لا يسعها إلا أن تقف بجانب صاحب السيادة البطريرك مار لويس ساكو  وتؤازره بكل أنواع الدعم المعنوي وتستنكر هذا العمل المُشين، وتطالب باتخاذ الاجراءات القانونية على الفاعل وعلى القناة المُروجة لهذه الدعاية الكاذبة ولكي لا تتكرر مثل هكذا حالات في المستقبل .

جمعية مار سوريشوع في ولاية مالبورن/ أستراليا.

27
البَطريَرك ساكو ودائرة الاتَهام.
بقلم/ سلوان ساكو
ما يحدث الآن من لغوًا وتشويه سمعة وإتهامات لرموز دينية مسيحية رفيعة المستوى بدرجة بطريرك أو كاردينال ماهو ألاّ شيءٍ طبيعيًا في ظل هذا الواقع المرير الذي نحياه. وهذا أيضًا له آثر في التراث الإنساني على الصعيدين الديني والاجتماعي. بالتوازي طبعًا مع معطيات كل عصر من العصور.
في البداية لم يشأ المعلم سقراط أن يشارك في الحياة السياسية لأثينا وتَجَنّبَ ذلك قدر إستطاعته، ومع ذلك ذهب سقراط ضحية مؤامرة نسجها له خصومه السياسيين، في النهاية تجرع كأس الشوكران ومات، رغم تدخل تلميذه النجيب أفلاطون لإطلاق سراحه برشوة الحراس، ولكن أبى سقراط غير تجرع كأس الُسم، قائلًا مقولته الشهيرة، (الحياة دون ابتلاء لا تستحق العيش). وفي مرة ثانية أرادت أثينا محاكمة أرسطو  بتهمة الإساءة للدين والآلية الإغريقية، فقال بعد أن فرَ هاربًا الى أملاك والدته، (لن أسمح للأثينيين أن يرتكبوا الخطيئة نفسها مرتين ضد الفلسفة). في التقدم إلى الأمام قليلًا نرى إن التهم الموجهة للسيد المسيح كانت عديدة، هنا نبتعد عن العقائد الأساسية واللاهوتية التي جاء من أجلها المسيح، مثل فداء البشرية وخلاص النفس والتجسد، ونحصر الموضوع في سياقه الإجتماعي ضمن حركة التاريخ، حيث لم يرى بيلاطس ما يسيء في شخص يسوع، (خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً)، يوحنا 19- 6. وهذا ما جعله يغسل يداه من دم الفادي قائلًا، (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ)، متى 27: 24. بمعنى أن هذه التهم الموجهة للناصري لا تستحق لا الصلب ولا الجلد، وهي إدعاءات واهية وسخيفة، حتى زوجة بيلاطس قالت له؛ (إياك وذلك البار، لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله). متى 19. وفي النهاية صرخ الشعب بصوت عاليًا، (دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا). متى 27-25.
 والمُتتبع لخطى بولس الرسول، سيجده كثير التنقل بين السجون والمحاكم، في فيليبي، خلال رحلته التبشيرية الثانية، وفي روما قضى بولس حينها عامين في السجن من 60-62م. وكتب رسائله من هناك، يقول متابعين خطى رسول الأمم، أنه قضى بين 5 إلى 6 سنوات في السجون حتى تم قطع رأسه من قبل الرومان حوالي مايو أيار أو يونيو حزيران من عام 68.
لا أحد يستطيع ينكر  معركة الفيلسوف سبينوزا مع جاليته اليهودية في هولندا، حيث أصدرت السلطات الدينيّة أمراً بالحرمان واللعنة، حتى عائلته رفضته وحرمته من الميراث. وفي ذات السياق نذكر محنة الفيلسوف أبن رشد الذي حاول الانتصار للعقل، والتوفيق بين الدين والفلسفة والتي وقعت سنة 1195 على يدّ الخليفة يعقوب المنصور في دولة الموحدين. وأيضًا إدانة غاليليو غاليلي سنة 1633  لأنّه ناصر نظرية كوبرنيكوس عن مركزية الشمس. وإذا ما نظرنا حولنا عن قربّ نجدّ مشكلة الكاردينال جورج بيل المسؤول الكبير في دولة الفاتيكان، حيث تمت محاكمته في ولاية مالبورن بي 6 سنوات، والذي قضى منها وراء القضبان أكثر من سنة، وفي النهاية أمرت المحكمة العليا الأسترالية بأن يتم أطلاق سراحه فورًا وبدون شرط أو قيد بعد أن ظهرت براءته، حتى هو وصف المحاكمة قائلًا، (أنّها عالجت الظلم الخطير).
عرفتُ البطريرك مار لويس ساكو  وانا لا أزال فتىٍ، بعد ذلك وأنا شاب، ليس بحكم القرابة التي تربطنا معاً، ولكن بحكم مواقفه الإنسانية العديدة والتي يصعب حصرها في هذا المقال المتواضع، وأيضًا بسبب حضوره الفعال على مستوى خورنة كنيسة أم المعونة في الموصل. أتذكر جيدًا أنه أفتتح عيادة خيرية مجانية في منطقة الدواسة، زمن الحصار القاسي على العراق، كانت مُشرعة ابوابها لجميع فئات الشعب. أتذكر أنه كان ينقل بسيارته التويوتا الكورونا الدواء للعيادة، ربما الأطباء الذين كانوا يعالجون المرضى والمنتشرين اليوم في جميع أصقاع العالم يتذكرون تلك الأيام، وأيضًا منظمة الاغاثة الدولية الكاريتاس، والكثير من النشاطات والفعاليات الإنسانية التي رفدت المدينة بالغذاء والدواء والتي كانت تشمل الجميع بغض النظر عن الدين أو المذهب. من المؤكد إن أعضاء مجلس الخورنة من أبناء الموصل الأصلاء لديهم تفاصيل أكثر منيّ في هذا الصَدّد.
المواقف والصفات الحميدة المحسوبة لسيادته عديدة، وهي التي سوف تؤرشف تاريخه الحافل بالمنجزات بالنهاية، مع النِتَاجّ الفكري والفلسفي من الكُتب التي ألفها والمقالات التي دونها ويدونها بستمرار، والتي ستكون حتماً مفاتيح مهمة في فهما له مستقبلًا، وليس مهدي ناجي أو قناة مثل السومرية المدفوعة من جهة سياسية التي تريد التنكيل بسمعته، فكل هذا لا يتعدى كونه زوبعة في فنجان محتواه آسن لا أكثر.
لا يحتاج المُتابع النبيه الكثير من الوقت ليعرف أين تكمن الحقائق وأين مصدرها، والمتتبع لخطى الكاردينال ساكو  يعرف تمامًا كيف يتعامل مع المواقف الحساسة والحرجة، فيما يخص القضايا الكبيرة فهو منفتح على جميع المستويات والثقافات وذُ خبرة ثرية في مجالات عدة.
في النهاية الإنسان الذي يُوقف حياته من أجل رسالة سامية وصاحب مبدأ لا يتزعزع أمام رياح صفراء، لا يحتاج تذكرة تزكية من أحد، فهو يعرف جيدًا معنى الآية، (أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ)، مرقس 17:12. هذا سوف يساعد لاحقًا في تكريس فهما للخطاب العميق والشفاف لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو، سواء المكتوب أو المتلفز، خطاب يعني الكثير، وأكثر ما يعنيه إن على الكاهن المكرس أن يخدم بإخلاص من أجل كنيسته وليس من أجل المادة التي تفنى مهما طال به الأمد، (مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا)، متى 8:10. وألاّ ما الفائدة من الرسالة بالأساس أن لم تكن روحية بعيدة عن المزايا المادية. (مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا). يوحنا 36:18.
 في كل الاحوال الناس تتكلم وسوف تتكلم، وهذا دَيَدنَّ البشرية من الحلقة الأولى للخليقة وحتى الآن، واليوم لا يوجد سلطان على أحد في قول ما يريد وقتَ ما يشاء في ظل هذا الانفتاح الرقمي الهائل، ولكن يبقى قول الحق هو حق مهما حاول البعض تزوير الشهادات والحقائق. (وجاء يوحنا المعمدان لا ياكل خبزا ولا يشرب خمرا فتقولون به شيطان. وجاء أبن الإنسان ياكل ويشرب فتقولون هوذا إنسان اكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة) لوقا 7: 33-34.

28
المنبر الحر / بَلبَلةّ بَابَل
« في: 08:29 30/04/2021  »
بلبلَةّ بَابَلّ
بقلم/ سلوان ساكو
جاء في الكتاب المقدس سفر التكوين 11: فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ الرَّبُّ: «هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابْتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ فَبَدَّدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ الْمَدِينَةِ، لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهَا «بَابِلَ» لأَنَّ الرَّبَّ هُنَاكَ بَلْبَلَ لِسَانَ كُلِّ الأَرْضِ. وَمِنْ هُنَاكَ بَدَّدَهُمُ الرَّبُّ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْض.
دراسة علم اللغة تتَخذ حيزًا قويًا في العلوم الإنسانية، وفي الدراسات اللسانية الجادّة في أيّامنا هذه. لما لها أهمية في معرفة الحضارات والثقافات التي كانت موجودة قبل آلاف السنين.
معنى بابل الحقيقي، هو باب الآلهة وأصله من اللغة الأكّادية، أقدم اللغات السامية، إيّ باب ايليم وهو ترجمة للفظة السومرية كادنجرا.
تحمل قصة برج بابل الكثير من المعاني والدلالات التي يستطيع الفرد أن يصل منها الى معنى للغة والسياق الحضاري الذي جاءت منه وبالتالي ظهور المجتمعات الإنسانية التي لولا تلك اللغة أو اللغات، لأصبح من المستحيل التواصل والتعامل فيما بينهم وبالتالي اندثارهم ولا يَبْقَ لَهم أَثَرٌ، فإذا عامل اللغة هو المحرك الأساسي الذي دفع تلك المجتمعات على التفاعل والانخراط والانصهار فيما بينها.
اللغة هي نسق من الإشارات والرموز، تشكل أداة من أدوات المعرفة وهي من أهم طرق التواصل بين البشر. في أي لغة هنالك خط زمني مستقيم تسير عليها هذه اللغة، ماضيٍ وحاضر، وبعد ذلك يُصار  الإثنين معاً إلى مستقبل، كل هذا يُقاس بمحددات لغوية، على سبيل المثال لا الحصر، زيد مواليد بغداد، أسم لفعل ماضي قد انتهى، زيد يدرس ألان في الجامعة، وقت حاضر، زيد سوف يتوظف، مبني للمجهول. فأذا هنالك ثمة لغة تربط الحالة الزمنية مع بعضها، المدينة مكان الولادة والجامعة والتوظيف. هذا هو سلوك البشر العادي. حسنًا ماذا لو لم يكن الزمن خطي مستقيم، أي يكون متكامل يندرج في سياق واحد، الماضي والحاضر والمستقبل، جميعهم نراهم مرة واحدة وفي وقت واحد حيث الزمن لا يتجزأ إلى مراحل حيث يكون زيد ولدَّ ودرس وتخرج في نفس الوقت. في تلك الحالة ما نوع اللغة التي سوف تُستعمل؟. ربما تكون هذه فكرة إلهية يُرى الكون ككتلة واحدة في حيزّ سرمدي خارجة عن مقولة الزّمان، السؤال الأكثر إثارة وجدلية وبعيدًا عن الميتافيزيقيا، ما هي نوع الجُمل والكلمات التي سوف تُستعمل آنذاك، وبأي لغة تُلفظ، فكل اللغات المتداولة علميًا هي ضمن سياق خطي مستقيم واحد، لها بداية ووسط ونهاية ليتجلى لنا ذلك في مصفوفة موحدة. ولتعويم المقال وتبسيطه في تسليط الضوء على هذه الإشكالية المعرفية الخطيرة، نأخذ فكرة الزمن الدائري المتمثلة في فلم الوافد( Arrival)، للمخرج العبقري دينيس فيلتون وكتابة اريك هايزرر. في سياق الفلم تهبط 12 مركبة فضائية الى كوكب الأرض في مناطق مختلفة، تظل المركبات قرابة 48 ساعة دون فعل ما يسيىء للبشر، إلى أن يحصل تفاوض بين الجانب الأمريكي متمثلًا بالممثلة  أيمي آدمز ( لويز) المختصة في علم اللسانيات، وعالم الفيزياء إيان ( الممثل جيرمي رينر)، على متن تلك المركبة في صالة مخصصة للمحادثات حيث المخلوقات تكون وراء حاجز زجاجي، من خلال الأحداث تكتشف لويز أن لغة المخلوقات الفضائية لغة غريبة عبارة عن دوائر دخانية تحمل رموز وشفرات، لتُشكل البنية الأساسية للفلم التي تشير إلى دائرية الزمن وعلاقته باللغة. هنا وفي منعطف حاد تكتشف لويز شفرة هذه اللغة التي كانت تتنبأ بما سوف يحدث للأرض خلال  3000 الف سنة قادمة، وهم أي المخلوقات يريدون أن ينقذوا الأرض من دمار محقق.
من خلال السرد تُشاهد لويز رؤيا مستقبلية لحياتها  وهي على متن المركبة الفضائية، حيث تكون قد تزوجت من زميلها الدكتور إيان وتنجب فتاة تُصاب لاحقًا بمرض نادر وتموت هذه الفتاة، وحين تهبط تقول لإيان تعرف الآن لماذا تركها زوجها، فيستغرب هو من هذا الامر، ويقول بستغراب هل أنتِ متزوجة. ربما يتملكنا الاستغراب من أطروحة الفلم الفلسفية، ولكن ثمة فكرة مجازية في الطرح حيث أراد المخرج عن طريق لويز أن يقول لنا إن إدراكنا لفكرة الزمن محدودة للغاية، وإننا نظن أن الحياة محطة نهائية يتوقف عندها كل شيء، لكن دكتورة لويز تؤكد أن حياتنا هنا رحلة ولابد أن ندرك كل التفاصيل بها رغم الألم الذي سوف يلحق بها في المستقبل.
هنا جاء وقت السؤال الأكبر  والذي طرحه الفيلم بشكل غير مباشر، إلى أي مدى يمكن للغة أن تؤثر على مستقبلنا وحياتنا؟، حيث يعتقد العلماء أنها تتحكم في كل شيء تقريبا، والبعض الآخر يرى تأثيرها متوسطا.
في النهاية هل يستطيع الإنسان تجاوز فكرة الزمن كلغة وخلق إنسان يتجاوز حدودهما معاً، ربما كان الفيلسوف نيتشه على حق في تصوره للرجل الخارق السوبر مان، حيث يسبق منظومة المكان والزمان حيث يروم من خلالهما تجاوز النمط السائد من المعرفة.
يبقى الرهان منفتح على معرفة الديالكتيكية معقدة عابرةٌ لأطروحة الزمن الحاضر  مُضافٍ إليها عامل اللغة، ولكن في النهاية تظل كل هذه محض تأويلات واستنتاجات في كون شاسع مليء بالاسرار والغموض.

29
الذكرى الأليمة للعراقيين
ليسَ من الصدفة أبدًا أن تتزامن مناسبتان خطيرتان من عمر وطن ومن حياة شعب أن تمر هكذا مرور الكرام دون أن تثير الكثير من الأسئلة العالقة في الأذهان، تكون مشحونة بذكريات موجعة وأليمة.
تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي في في 7 نيسان/ أبريل من عام 1947، من قبل ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي، في العاصمة السورية دمشق، بعد أن تشبعوا بأفكار الثورة الفرنسية، يحملون شهادات جامعية عليا من باريس نفسها، تجمع الثلاثة معاً في مقهى يدعى الرشيد (اللونابارك) ليظهر حزب جديد تحت مسمى حزب البعث العربي، ليحتفل البعثين لاحقًا بهذا اليوم كيوم وطني في الدول التي يحكمون بها، على الأقل سوريا، والعراق حتى قبل عام 2003.
جاء الحزب ليقدم نظرية علمانية اشتراكية وفقًا لمبدأ الوحدة والحرية والاشتراكية، هذا كان شعار البعث في المكاتب والفروع والشَعب والفرقة. أعتمد الحزب على الفكر العلماني والتغير الثوري،  فأنحى مسألة العقيدة الدينية جانباً ووظف المؤتمرات القومية والقطرية لتبنى وجهة النظر هذه، وهي بالمناسبة وجهة نظر خطيرة إذا ما قيض لها أن تنجح، وكانت بمثابة إشارة مستقبلية لتغيير في عقيدة الإسلام ذاتها، وعلى هذا الآساس كانت المصادمات مع التيارات الإسلامية حاضرة في كل وقت ومكان. 
لا أحد يستطيع أن ينكر أن بدايات أستلم البعث للسلطة كان متوافق مع النظريات السياسية والاقتصادية منها، جاء قرار تأميم النفط العراقي ليتوج تلك المرحلة من عام 1972، ومجانية التعليم لجميع المراحل الدراسية، وبناء قطاع اشتراكي لا بأس به، تأسيس نقابات وإنشاء مؤسسات حكومية وقطاعات زراعية وصناعية وتجارية، كل هذا خلق جوًا مشجعًا استثماريًا لشركات أجنبية مهمة في ذلك الوقت، جاءت لتعمل وفق خطة أستراتيجية لتطوير العراق. طبعًا مع وجود سلبيات كثيرة ومتعددة في هذه المرحلة من عمر الوطن لا مجال لحصرها الأن.
ثمّة ملاحظة مهمّة لا يمكن تجاهلها تتعلق بكيفة عمل الحزب بعد أحداث الكويت، وهل أُبعد الحزب عن الساحة السياسية العراقية تمامًا، أم ضل حاضرًا ولكن بصورة مغايرة عن ما هو مرسوم له بالأساس، أمّ كل هذا كان تحصيل حاصل لا أكثر؟، الحقيقة إن هناك مشكلات في بنية التفكير الأيديولوجي الذي نهجه البعثيين نفسهم، فتحول الولاء لشخص صدام وليس للحزب وهذا تحول لا يستهان به طبعًا، فبين صيف عام 1990 وصعودًا تغير الكثير في العراق، حتى الحملة الايمانية التي حمل لواءها الرئيس الراحل كانت مجرد محاولة لإعادة الثقة بشخصه، بعد أن فقد الكثير منها.
كشفت الأزمة فيما كشفته أن حزب البعث على المحك، وأنه مقبل على انعطافات خطيرة ما لم تتدارك القيادتين القطرية والقومية ذلك، هذا ما كشفه المفكر الدكتور شبلي العيسمي لصدام حسين مباشرةٌ بداية التسعينيات، بعدها توترت العلاقة بين الشخصيتين وأُبعد العيسمي من القيادة وسِحبت صلاحياته وتم الاستخفاف بالرجل وتَوَارَى خَلْفَ مؤلفاته الأدبية والحزبية.
مشكلة صدام العويصة أنه ضل أسير  الفكر العشائري والبداوة، لم يستطع الخروج من هذه المنطقة وهذه البوتقة مطلقًا، الأخوة الغير الأشقاء، وأبناء العمومة الجهلة. لعلّ من المفيد التذكير في هذا المجال أزمة حسين كامل والتي كانت بمثابة بداية النهاية لحكم العائلة.
في النهاية حصل ما حصل لينهار البلد كاملًا من أعلى بشكلٍ دراماتيكي محزن في 9 نيسان أبريل من عام 2003 أي بعد 56 سنة من ميلاد البعث.
ما نشهده حاليا في العراق بمثابة تتويج لسلسلة من السياسات الخاطئة عمرها 18 سنة لم تقدم فيها النخبة الحاكم بعد الاحتلال الأمريكي أي شيء ذو قيمة. فساد مستشري في جميع المجالات والدوائر والمؤسسات، ميلشيات مسلحة حدث ولا حرج، المدّ الإيرانية متغلغل في جميع مفاصل الدولة إذا كان هناك دولة بالأساس، حدود مفتوحة لتركيا وغير تركيا، سيادة مفقودة، شعب مُشتت ومهجر في جميع الأصقاع، هل هناك أكثر من ذلك؟.
ستكون هناك حاجة أكثر من أيّ وقت مضى في إعادة النظر الى ما يحصل للبلد وين تذهب مقدراته وثرواته الهائلة، وأن تستنفر الجهود الوطنية الحقيقية لبناء اقتصاد قوي وكسب ثقة الشركات العالمية لتهيئة بنية تحتية متطورة وخلق بيئة استثمارية جيدة وفرص عمل حقيقية على غرار دول الخليج، وألا لن يكون هناك بلد أسمه عراق أبداً بعد اليوم.

30
قرابين على مذبّح الشكْ
بقلم/ سلوان ساكو
تتغير الحوادث التاريخية مع تغير الوقائع من حولنا في اتجاهات مختلفة، وفي سياقات عديدة، منها ما يكون ديني أو سياسي أو أجتماعي، ليبحث هذا التغير في مكان ما يتمحور حوله أو يُشكل مكانة خاصة ضمن إطار معين ليصير لاحقًا مذهب أو عقيدة أو اتجاه فكري في أحيان آخرى. في النهاية تصبح هذه الاتجاهات مجموعة أقوال وأفعال بأُطُر مُقعنة يقذفونها مخترعيها داخل هذا المجتمع بكل قوة لتتبلور  وتتخذ لها مكان ما. نعم هناك بعض الأمور الغير مفهومة بالحياة، كخشية الناس من بعض الناس، وسطوتهم عليهم والسيطرة على عقولهم بالكامل مما يجعلهم أسرى لذلك الشخص أو ذلك المُعتقد.
في عام  1965 أدعى القس جيم جونز أنه المسيح المنتظر، كان ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية. قال جونز فيما قاله أن العدالة والمساوة والتسامح يجب أن تكون بطريقة ماركسية اشتراكية، ومن خلال هذه الأفكار تمكن من السيطرة على رؤوس المئات من البسطاء والجهلة والمعوزين وأيضًا بعض المثقفين. حقن رؤوسهم برماد الوهم الايدلوجي والذي كان  يعدهم من خلاله بالخلاص المقدس والدخول إلى فناء اورشليم العليا هناك في الفردوس السماوي.
تمكن هذا الإنسان العجيب الذي لن يتكرر مرة ثانية، من السيطرة المطلقة على الجماعة، وحولهم إلى قطيع يُمارس نفوذه عليهم بشكلٍ كامل. واستطاع في النهاية من إلغاء مريديه نهائياً وحولهم إلى جماد طوع بنانه. أخذهم حيث أراد وأسس معبداً سماه معبد الشعب في غويانا في أمريكا الجنوبية وتحديداً في الجزء الشماليّ الشرقيّ منها، وقال لأتباعه إنه يريد تأسيس مجتمع جديد خالٍ من العنصرية والظلم والاستغلال، فبات مُجمع الشعب يضم مئات العوائل من كافة شرائح المجتمع ومثقفيه. هنا خرجت الأمور عن السيطرة داخل الكونغرس الاميركي وتوجس الرأي العام انذاك من هذه الجماعة الشاذة، وأرادوا معرفة الحقيقة خاصة بعد أن سلحهم جيم بالسلاح والذخيرة الحية، فقام أحد اعضاء المجلس بالسفر إلى غويانا، وبعد وصوله بساعات أمر جيم جونز بقتل ليو رايان العضو البارز، كان ذلك في 17 نوفمبر تشرين الثاني من عام 1978. خاف جونز من هجوم وشيك تشنه عليهم القوات الأميركية فأمر جميع مريديه بالانتحار الجماعي، وقال مقولته الشهيرة (لقد حان موعد الليلة البيضاء)، فوقفوا في طوابير طويلة لتلقِّي أكوابٍ من السيانيد القاتل، بدأ بتسميم الأطفال أولاً فتجاوز عددهم 300 طفل، مع نهاية المجزره أطلق جونز رصاصة على رأسه، كانت حصيلة القتلى تتجاوز 900 شخص، تلك الحادثة هزت الرأي العام الأميركي وحازت اهتمام الدارسين والباحثين على مدار عقود. فقد مثلت تلك الحادثة نموذجاً غير مسبوق من السيطرة على جمعّ كبير من البشر بينهم أفراد متعلمين ومثقفين.
سار هؤلاء القوم وراء وهم كبير معتقدين أن الخلاص يأتيهم من شخص مريض أو في أفضل الحالات صاحب  مَأْرَب دنيئة، يستغل الناس أبشع الاستغلال، في النهاية كان السقوط مريع وذهبوا بتجاه هاوية واسعة لا قرارة لها.
تكرر  ويتكرر هذا المشهد عبرَ تجليات اخرى، مثلًا فرقة الحشاشين وزعيمها حسن الصباح، تنظيم ألدولة الإسلامية وابو بكر البغدادية، حتى رجب طيب أردوغان رئيس تركيا الحالي هو جزء من هذا المدّ بشكلٍ  ما، يتلاعب بمشاعر الناس عن طريق الوتر الديني.
 هناك دروس في التاريخ تصلح لأن تكون عبرة وحكمة، لفهم هذا العالم الواسع وعدم الانقياد مثل القطيع وراء أهواء أشخاص يستثمرون توجس وخوف ناس وبالتالي إيقَاعِهم في ضلال مبين.

31
الحلقةّ المفقودة في الزيارة البابوية.
بقلم/ سلوان ساكو
أخيرًا تحققَّ حلمْ العراقيين في زيارة الحبر الروماني الأعظم للبلد، جاءت الزيارة تتويجًا للجهود المبذولة منذ سنوات طويلة، حيث أرادَّ البابا الراحل يوحنا بولس الثاني زيارة بغداد، لكن لم تكن هنالك ثمة رغبة، أو بقول آخر حماسة من جانب الحكومة العراقية، وعلى ما يبدو أيضًا لم يرغب الأمريكان في هذه الزيارة للبابا القديس، والالتقاء بصدام حسين والتشكيل الحكومي وقتذاك، المعارضة العراقية والإعلام أيضًا كان لهم دور في إخفاق تلك المبادرة الرعوية، في النهاية أُجهضت العملية برمتها.
نعم يحتاج العراق لمثل هذه الزيارة التاريخية، لعدة أسباب أهمها، مجموعة الحروب الطائفية التي طحنته منذُ الغزو الأميركي من عام 2003 ولحد اليوم، لعلة الجراح تندمل في يوم ما، تناقص وهجرة المكون المسيحي الأصيل بشكلٍ خطير، تمزق الوحدة الوطنية بين الديانات والطوائف والمذاهب، والأهم من هذا وذاك هو انعدام الثقة بينهم، وفقدان السلم الأهلي الذي يضبط ايقاع المجتمعات ويعصمها من التناحر والاقتتال فيما بينها، وهذا الذي حدث ويحدث في العراق.
خارطة طريق زيارة قداسة البابا فرنسيس، بابا الفقراء، والتي تبدأ من العاصمة العراقية بغداد، ومقابلة ممثلين عن المرجعيات كافة سنةً وشيعة، ومقابلة كِبار المسؤولين في الدولة، مرورًا بزيارة المرجعية الشيعية في النجف علي السيستاني، ثم الذهاب إلى أور الكلدانية مهد النبي إبراهيم في محافظة الناصرية جنوب العراق، بعد ذلك الانطلاق نحو عاصمة الإقليم الكردي في أربيل، وإيقامة الذبيحة الإلهية هناك، بعد ذلك التوجه إلى محافظة نينوى، داخل الحي القديم في الجانب الأيمن من الموصل، يتخلل ذلك زيارة إلى قضاء الحمدانية ( قراقوش). كل هذا جيدّ وحسنّ، ولكن ثمة أسئلة تحتاج لإجابات، وتحتاج في نفس الوقت إلى تمعن وتفكير عميقين. مثل ماذا سوف تقدم هذه الزيارة لبلد جراحه مازالت تنزف بغزارة، هل هي مجرد لقاءات وديةّ مع المرجعيات الدينية والسياسية فقط؟. طيب ماذا تفعل زيارة مدتها 36 ساعة لبلد  اِسْتَنْزَفَ وإِسْتَهْلَكَ وتمزق وتهاوى نحو الدرك الأسفل بسبب حروب طاحنة لم تتوقف منذ ما يزيد عن 18 عامًا. نعم سوف يذهب قداسة البابا الى مدينة الموصل، ويقف على أطلالها المُتداعية في حوش البيعة، وماذا بعد ذلك؟. سؤال سوسيولوجي بسيط، كيف وصلت مدينة مثل الموصل كانت تحتضن أغلبية مسيحية متنوعة، من سريان وكلدان وأشور، حتى الإنجيليين والسبتيين (الأدفنتست) كانت كنيستهم تقع وسط منطقة الدواسة، لم يتبقى منهم أحد على الإطلاق، كيف حدث كل هذا، ومن كان ورائه ومن هي الجهة المستفيدة من كل ذلك، صحيح جاء تنظيم داعش الارهابي وكنس الجميع بغتة، ولكن التهجير والتصفيات الجسدية والمعاناة بدأت قبل ذلك بكثير.
نعم أنها زيارة رعوية أبوية ذات دلالات كبيرة ومعطيات تاريخية في هذا الوقت بالذات، ولكن ثمّة حاجة أكثر من أيّ وقت مضى في التفكير في كيفية أعمار العراق، وكسبّ ثقة الشركات العالمية، ومكافحة الفساد والتي باتت تُشكل جزءا من ثقافة هذا البلد المنكوب. والحرص على البقية الباقية من المسيحيين، هذا المكون الأساسي والحضاري ذو الجذور العميقة، وليس كما وصفهم رئيس الوزراء السابق جواد نوري المالكي بالجالية، هؤلاء هم السكان الأصليين لبلاد ما بين النهرين بتنوعاتهم وثقافاتهم الزاخرة، والتي هي جزء من هذا  الفسيفساء الكبير وقبس من نور أصلي، إذْ انطفأ عم الظلام وتفشى الجهل سائر المعمورة، وهو مع الأسف الشديد على وشك الانطفاء.

32
رغد صدام حسين بين نارين
أتت المُقابلة الحصرية من على قناة العربية لإبنة الرئيس الراحل صدام حسين لتُبين للمشاهد مدى هشاشة اللقاء والتدليس الإعلامي له. جاءت المقابلة في ستة أجزاء، تحدثت بها رغد عن تفاصيل عائلية، وأخرى سياسية واخرى عادية كأيّ عائلة عراقية آخرى. بعيدًا عن السخافات والسطحية التي قالتها رغد كمثل، أن شقيقها عدي كان يصوم يومين في الأسبوع، وأن والدها منعهم من شرب البيبسي كولا، والى أخره من هذه التراهات التي لا طائل منها، والجميع يعرف خاصة الخّدم  والمُراسلين الذين كانوا يعملون لديهم، والكثير منهم (مسيحيين) بالمناسبة والذي تشتتوا في بقاع العالم أجمع، أن هذا غير صحيح أبدًا، وإن ميزانية الدولة كانت  مُسخرة من أجل رفاهيتهم.
للوهلة الأولى بدت رغد واثقة من نفسه، تتحدث من منطلق القوة، ومن له سلطة، ويمسك بزمام الأمور والمبادرة، نعم هذا صحيح من نظرة أولية، ولكن في الأعماق كانت الصورة لديها مهزوزة، تتخبط في سردّ الحوادث والوقائع المصيرية التي آلت إليها الأوضاع، يشوب الحوار الكثير من الكذب والخداع. في البداية أرادت رغد أن تقدم نفسها على أنها رأس الحربة بعد نكبة العائلة بالرجال. تحدثت عن زوجها حسين كامل المجيد كثيراً، وقدمته أنه جندي جريء ورجل سلطة وصاحب خبرة كبيرة في شؤون الحكم والدولة. والجميع يعرف أنه لا يجيد الكتابة بالكاد يقرأ، لم يحصل على الشهادة الابتدائية، تبوء مناصب رفيعة في الدولة العراقية بواسطة الرئيس، والذي أصبح حماه لاحقًا بعد أن كان ضمن حاشية الحماية الخاصة. تقدم حسين كامل للواجهة بعد مشاكل عائلة واسعة بين الأخوة الغير أشقاء للرئيس، برزان، سبعاوي، وطبان، وبدعم من ساجدة زوجة صدام حسين، فأصبح الصهر المدلل على عناد الكل، وأخذ رتبة فريق أول ركن، ورئيس هيئة التصنيع العسكري، يتحكم في جزءً كبيرًا من ميزانية وثروة العراق. في النهاية لم يتحمل الصراع الشديد الدائر في القصر الجمهوري، والذي كان على المحك في تلك الفترة، فهرب الى الأردن وأعلن انشقاقه برفقة أخيه صدام كامل وزوجاتهم عام 1995. كذبت رغد أيضًا حين قالت أن قرار العودة الى العراق كان بدافع حب الوطن، وإن حسين لا يستطيع الابتعاد عنه، الصحيح وكما يعرفها الجميع اليوم أن المخابرات الأمريكية ال سي آي أي لم تُعيره أي إهتمام يذكر ولم تدعمه أبدًا، لأن مشروعها ليس شخص مهما كان منصبه، مشروعها هو تدمير العراق ككل. بعد خيبة الأمل هذه طلب اللجوء السياسي الى سوريا فرفضت السلطات في دمشق استقبالهم، تقدموا أيضًا بطلب لجوء سياسي أخر إلى إسبانيا، في البداية وافقت مدريد على الطلب بعدها بيومين تمَّ رفض الطلب، فلم يجدوا مناص غير العودة إلى العراق، خاصة بعد عفوًا رئاسيًا من صدام حسين شخصياً، ولكن حدث ما لم  يتوقعه الشقيقان أي حسين وصدام كامل، وبقية القصة يعرفها كل العراقيين وغير العراقيين.
تحدثت رغد كثيراً وبإسهاب في بعض الأمور العامة، ولكن حين جاء مقدم البرنامج الى سؤال مفصلي في تاريخ العراق وتاريخ المنطقة وحتى تاريخ العالم، إجابته إجابة ملتوية سطحية باردة، بعيدة كل البعد عن الحقيقة التي باتت معروفة للكل، فقد سألها عن أحتلال دولة الكويت، تلك الفاجعة التي ألمت بالعراق كوطن والعراقيين كشعب، والتي لم نستفيق منها حتى اليوم وربما لن نستفيق منها أبدًا، وهي أم المصائب على هذا البلد المسكين إذا جاز لي التعبير، وسببًا رئيسيًا في دماره، ولو قُيض له البقاء والارتقاء لكان أفضل بلد في المنطقة على الأقل، إجابته رغد في معرض ردها على السؤال (هم اخطأوا ونحن اخطأنا)، إلى ساعة كتابة هذا المقال لا يوجد شخص يستطيع أن يقول بماذا اخطئت دولة الكويت الجارة، هل في مسألة الحدود؟، هل في مجال المضاربة باسعار البترول؟، هل من أجل حقل نفطي تافه متنازع عليه ؟. لا يوجد سبب حقيقي واحد يسمح لبلد قوي في تلك الفترة أن يجتاح دولة جارة صديقة، والذي قدمت المساعدات السخية إبان فترة الحرب العراقية الإيرانية، ماذا كان يفعل محمد مبارك الفجي في بغداد كل شهر غير تزويد العراق بالأموال الكويتية، هذه حقائق لا يمكن غض الطرف عنها، أم اراد صدام حسين فرض إتاوة (خاوة) على الكويت البلد الصغير.
تظل المقابلة فقاعة صابون لا أكثر ولا أقل، لا تقدم ولا تؤخر بشيء سواء في داخل العراق أو خارجه. العالم تغير، خارطة المنطقة تغيرت كثيرًا خاصة خلال العقد الأخير، الوعي والسلوك العام للأفراد والجماعة تغير، لم يعد كما كان في السابق، اليوم هنالك منصات سياسية واقتصادية جديدة، تبدأ من التطبيع الكامل مع إسرائيل ولا تنتهي مع تفتت الدولة الوطنية القومية، أين سورية اليوم، وهي واقعة تحت نيرّ خمسة إحتلالات، إيراني، تركي، روسي، أمريكي، إسرائيلي. ماذا حلّ بالعراق المُفتت والواقع تحت هيمنة الأحزاب الشيعية والتي ولاءها أولًا وأخيراً للجمهورية الإسلامية. مصر صاحبة 106 مليون نسمة، اليوم تغرق في سيل جارف من الديون الخارجية والتي ما انفكت تزداد عليها يوم بعد أخر. العالم ككل تغير، وقواعد اللعبة السياسية الدولية تغيرت أيضًا، لا يمكن لعقارب الساعة العودة إلى الوراء ولا أن يسير التاريخ بشكل عكسي، كان هناك فترة حكم إنتهت مع أنتهاء المرحلة، العودة الى المربع الأول محُال.
تبين مع خلاصة المقابلات الستة أن رغد صدام حسين بعيدة كل البعد عن الواقع الحالي، ربما تريد أن تتبوء منصب ما على أساس أنها منقذة العراق، وهذه مجرد أضغاث الأحلام لا أكثر، من الصعوبة بمكان أن يتحقق بأي شكل كان.
تبقىَ رغد صدام حسين سطر ثانوي على هامش التاريخ والذاكرة، لا مقدرة لها على صياغة أو كتابة شيء في السَفرّ الكبير للأحداث،  لسبب بسيط واحد هو أن العالم تغير والتاريخ لا يعود للوراء مطلقًا.

33
المنبر الحر / الثقافة في حياتنا
« في: 06:17 07/02/2021  »
الثقافة في حياتنا
بقلم/ سلوان ساكو
في الكثير من الاحيان نطلقّ أحكامًا مستعجلةْ ومتسرعة على أشخاص نُقابلهم لأول مرة وتكون معرفتنا بهم قصيرة في الغالب الأعمّ، فنقول على هذا أنه شخص مُثقف وعلى ذاك أنه غير مثقف، فُلان صاحب شخصية قوية، أو صاحب شخصية ضعيفة، هذا له كاريزما وحضور بارز، وذلك لا يملك مُقومات النجاح... الخ، من الأحكام الغير دقيقة في مُجملها، لأنها جاءت حسب أهواء ومزاجية من يطلقها، بدون تفحص كبير للحالة ولا السياق الذي تكون به هذه الشخصية، حيث من الصعوبة بمكان تحديد كل الملامح والصفات والمهارات في وقت قصير وجلسة واحدة، لتتمحور وتتبلور الفكرة المُسبقة على الشخص ويتشكل وعينا ويكتمل نضجه لرسم هذه الصورة نحو الأخر حتى وإن كانت بعيدة عن الحقيقة.
ما يهمنا في هذا المقال هو مصطلح الثقافة بشكله العام من حيث العِبارة للكلمة، والدلالة للموضوع، وفي أيّ سياق تأتي به، فهذا مهم جدًا، فالناس في معظمهم ليسوا في وضعية واحدة دائماً، طبعًا لا يُفهم من هذا على أنه فصام بالشخصية (شيزوفرينيا)، أو اضطراب نفسي، فهذا موضوع أخر تمامًا لسنا بصدده الآن. فشخص ما يتطلب عمله أن يكون شديد العزم وصاحب شخصية قوية، في البيت يختلف الموقف والموقع فتختلف معها الشخصية. الثاني محيطه يتطلب منه الانصياع للأوامر والنواهي، في مكان أخر ليس مُجبر أن ينفذ تلك الاوامر والنواهي، هنُا تتغير الشخصية حسب الظرف والمكان والتوقيت، وهذا طبيعي جدًا، فلا يوجد  أبيض دائما ولا أسود دائما بين اللونين هناك الرمادي وألوان أخرى، لنقوم نحن بتأطير الصياغة المفاهيمية وندرك معانيها الحقيقية، حيث في الكثير من الاحيان ما تنخلط  علينا الأمور والدلالات المعرفية. لهذا السبب وليس لغيره جاء هذا المقال لإيضاح بعض الالتباسات الحاصلة في المجتمع.
يعتبر السير إدوارد تايلور مؤسس علم الأنثروبولوجيا الثقافية أول مع وضع تعريفاً للثقافة، حيث قال أنّ (الثقافة هي كل شيءٍ يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والعادات وأى قدرات اكتسبها الإنسان كعضو فى المجتمع). وقد عرفها  الفيلسوف الأمريكي ويليام هيرد كلباتريك بأنها، (كل ما صنعه عقل الإنسان من أشياء ومظاهر إجتماعية فى بيئته الاجتماعية)، بمعنى كل ما قام باختراعه واكتشافه الإنسان، وكان له دور فيه. فإذاً الثقافة عبارة عن مجموعة من الأنماط السلوكية تحكم الجماعة وتؤثر فى سلوكياتهم الموجودة فى تلك المجموعة، وبالتالي تُشكل شخصياتهم  وتتحكم فى خبراتهم وقراراتهم. وكل ما له علاقة بالتقاليد والاعراف والعادات التي توجد في كل مجتمع وبيئة ومنطقة حيث تربطهم معاير وأعراف مشتركة لتُشكل في النهاية حركة ثقافية خاصة بهولاء القوم، الجماعة، المَلة، العشيرة، وليس بالضرورة أن تكون الحركة الثقافية ندوة فكرية أو محاضرة فلسفية أو توقيع إصدار  أدبي جديد، كما سوف نرَ لاحقاً. أما على صعيد  أخر فنقول على إنسان ما أنه غير مثقف للدلالة على واقعة مرفوضة حين يكون قد أرتكب فعلاً غير لائقّ اجتماعاً، أو نطلق لفظ جاهل المتأتية من الجّهل، على شخص قد أرتكب  خطأً ما غير مُحبب وسط جماعة بشرية استاءت من هذا الفعل، حيث تسقط الآداب هُنا في منطقة مظلمة من اللاوعي الإنساني المتحكم في أغلب الاحيان في الوعي بالذات. وهذا ليس بالخطأ في الكثير من المواقف، حيث تكون تصرفاتنا غير مؤاتية مع مُحيطنا الذي نحى فيه. في محل ثاني نقول على الكُتاب والشعراء والرسامين والفنانين انهم مثقفين، وهذا ما نلحظه في تعريف الفيلسوف الإيطالي (أنطونيو غرامشي) للمثقف حيث يقول، (إن ما يحكم تعريف المثقف ليس الخصائص الجوهرية لنشاطه الذهني فحسب، بل الوظيفة الاجتماعية التي يؤديها المثقف لمجتمعه)، ففي  ثقافة كل  مجتمع Community culture يوجد جانب من جوانب السلوك الإنساني يشمل جميع ما يعرف بالوعي السلوكي للمجتمع Behavioral awareness of society، وينطوي تحت هذا المستوى كل الممارسات الاجتماعية، من لغة وفن وطعام وملابس وطقوس وموسيقى ورقص، ليغطي المصطلح كل مناحي الحياة. فتعرف الشعوب حسب ثقافتها، على سبيل المثال لا الحصر، ثقافة قبيلة الهيمبا في الشمال الغربي لدولة ناميبيا تقُدم نسائها للضيف كترحيب له، وتسمى هذه الفعالية إهداء الزوجة للضيف أو في لغتهم (أوكوجيبيسا)، هذا الفعل أو هذه الممارسة الغريبة في الثقافة العربية تعتبر عيباً كبيرًا ومرفوضة جملة وتفصيلاً، ولكن كتركيبة أنثروبولوجيا لها امتداداً عميقًا في ثقافة تلك الشعوب، وليس لها علاقة بالمنظور الاخلاقي، بل هي تركيبة مُترسبة في وعي تلك الجماعات من تلك البلاد، والبصق أيضًا مرفوض اجتماعًا لدى الكثير من الشعوب خاصة الشرقية، ولكن عندّ الشعب الماساي في كينيا يُعتبر شكل من أشكال البركة، كما أنه دلالة على الاحترام ويستخدمونها لتحية الاصدقاء في توديعهم ومغادرتهم. بمنظور أدق الثقافة هي الخصائص التي تُشكل سمات وهوية ذلك المجتمع والبيئة التي يعيش به هذا الإنسان.
لا شك أن هناك علاقة مترابطة بين الحضارة الإنسانية والثقافة حيث تشكلت وتبلورت عبر مئات السنين لتكتسب صفة أو نمط أو طريقة مُعينة، لتكون في النهاية هوية الشخص ذاته، ومؤشراً على سلوكه وأسلوب عيشه، ومن هنا يمكن أنّ نفهم لماذا كل هذه التذبذبات والاختلافات في الثقافات العالمية، وما اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، ألا لتحقيق نظرية قبول الأخر، بغض النظر عن اللون أو الجنس أو العرق، أو الدين، لأن الأساس هو المبدأ الإنساني الذي يضم الكل تحت مظلة الحب والخير والجمال.

34
عقلانية المّوت وجدليته
بقلم/ سلوان ساكو
في عام 2013 كنتُ في زيارة لمصر استغرقت أسبوعين، جلتُ خلالها الكثير من الأماكن التاريخية والمعالم السياحية، ومنها طبعًا أهرامات الجيزة التي تقعّ على الضفة الغربية لنهر النيل. منظر الهرم الكبير خوفو شدني كثيراً لضخامة البناء المُشيد قبل 2550 سنة قبل الميلاد تقريبًا، الطريقة الانسيابية للمبنى ورفع الكتل الصخرية الكبيرة في ذلك العصر والدهاليز والممرات والأنفاق الداخلية، ومواقيت شروق وغروب الشمس مع حِساب رياضي دقيق، كل هذه أدهشني حقاً. في طريق العودة إلى الفندق في شارع طلعت حرب، أخذني التأمل بعيداً، حيث أن كل هذه الأبنية الهائلة والصخور الجبارة ليست سوى مقابر تعود لأسر ملكية مصرية لا أكثر ولا أقل، المهم أستنتجت أن كل تلك المواقع ليست سوى أمكنة  لدفن الموتى، سواء بُعثوا بعد الموت أمّ لا، لكنها حتمًا نهاية شيئاً ما.
يلعب الموت دوراً أساسًا في التجربة الإنسانية برمتها من حيث الموضوع والغموض المحيط به. فمواجهة الموت مع نهاية الحياة الدنيا جدْ ضرورية بغض النظر عن طول المدة أو قصرها، فالمبدأ واحد، ولا مناص هناك من ردعه أو تأجيله أو إلغائه لفترة ثانية. تجربة الموت لا تتكرر ابداً، لكل شخص موته الخاص وتجربته الذاتية. كل شيء في هذا العالم يمكن أن يُحدد أو يؤجل أو يُترك نهائياً، التعليم، الزواج، العمل، السفر، حتى ولادة أطفال جُددّ ممكن أن تلغى الفكرة من أساسها، فقط فكرة الموت تبقى يقينية لا تتزحزح، لتترسخ في كينونة الشخص كشيء أصيل ينبغى عقلّه وفهمه وإدراكه. يؤكد حكيم أثينا سقراط على حقيقة خلود النفس بعد الموت، بمعني أن النفس لا تفني بفناء الجسد. بل هناك حياة أخرى بعد هذه الحياة.
الإنسان واعياً لذاته لأنَّ وعيه نقله من مرتبة الحيوان إلى مرتبة أرقى نسبيًا. فهو الكائن الوحيد الذي يدفن موتاه، شاذٍ بطريقة مختلفة عن باقي الكائنات الحَيّة، ليرتفع ويرتقي عن الموجودات من حوله.
ليس بالضرورة الحتمية أن المُتوفى يموت ساعة دفنه، فقد أكدت الأبحاث والدراسات إن خلايا جسم الإنسان بمعناها البيولوجي لا تتوقف إلا بعد أسابيع من موت الشخص، ربما يكون هذا رفض أو تمردّ من نوع ثاني، يرفض هذا الإنسان الرضوخ والاستكانة والقبول من حوله ليجعل من الحياة منبرًا لأقواله وأفعاله، ولكن في النهاية الفناء الحتمي مصيره مع كل ما يبذله من مجهود، حيث سعى البشر ومنذُ البداية للرفض، فَهُوَ يرفض قبول الواقع من حوله كما يرفض فكرة الفناء ويحاول قدر الإمكان الخلود والبقاء. يقول الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل أن الرفض هو ما يـميّـز الإنسان عن سائر الكائنات، وما يشكل سـمتـه الرئيسية.
لا شك أن تكون الفكرة الأساسية التي تقوم عليها عقلانية الموت هي فكرة ديالكتيكية جدلية بامتياز، وتحول من الفيزيقي إلى الميتافيزيقي، من الطبيعة إلى ماوراء الطبيعة في حدود مجرد الفهم والوعي، إنها بعبارة أكثر عمقًا وتجردًا حيث تكمن الآنا.
الموت لدى مارتن هايدغر هو الإمكانية الوحيدة التي تُهدّدني كإنسان في كل لحظة من حياتي، وتجعلني إنساناً مهموماً على الدوام، الموت دائماً يصنع لي القلق الذي يحيطني أنا الإنسان المقذوف بي قسرًا في هذا العالم، يضيف قائلًا إن الموت هو أبرز الأحداث الوشيكة.
مرة ثانية مثلت فكرة الموت أو العبور أو الانتقال عبرَ كل العصور فكرة محورية لكل الشعوب والقبائل والأجناس عبرَ تأريخها الطويل في صيرورة دائمة وتعاقب الأحداث والثقافات لظهرت طقوس الموت والدفن في أغلب الديانات، حتى قبل الإبراهيمية منها، واختلفت طرق الدفن والتعامل مع الجثث، ولكن أغلب الحضارات استعانت بالقبور لأنها تمثل مكانًا فاصلًا بين مرحلتين، الأولى معلومة والأخرى مجهولة، حيث يستعد فيه الميت للحياة المقبلة أو البعث الجديد، الفرعون الميت كان يُدفن معه الخدم والحرس والحلىّ والطعام والشراب، على أمل النهوض بعد فترة وجيزة في العالم الثاني.
يشكل الموت نقطة العبور الإلزامية بين ما هو خاص وما هو عام، بين الفرد والنوع بين السلالة والأصل. يموت الفرد لكن النوع الذي ينـتمي إليه هذا الفرد يستمر. وموت الفرد هو شرط استمرارية النوع. بكلام آخر هنالك ضريبة يدفعها الفرد لاستمرار الحياة والنوع البشري.
يقول المفكر الفرنسي إدغار موران، بين ضرورات الموت الثلاث ضرورة الفكرة الميتافيزيقية المطلقة وضرورة النوع البيولوجية المطلقة وضرورة المجازفة المطلقة في سبيل التقدم الإنساني وتأكيد الذات.
يبقَ الموت لغز الألغاز، وسراً عميقاً لن نكشف مكنوناته الدفينة مهما كانت هناك أسئلة وإجابات مستترة خلف الكُتب وفي ثنايا المعرفة. تظل هناك أشياء غامضة في هذا الوجود، مِمَا يجعلنا نتأمل ونُفكر ونسرح بخيالنا بعيداً في فضاءات وعوالم ثانية لنتمكن في النهاية من بلورة فكرة نتكئ عليها ونراها مسوغًا لكتاباتا وحافزًا لتفلسفنا ودافعًا لبروز تلك الآنا القوية من صميم الذات. ربما تكون إِيذَاناً لميلاد جديد من رحمَّ عالم مجهول غير مرئي، من يدري؟.

35
إسكوبار بائع الزهور
بقلم/ سلوان ساكو
يُقال إنّ بابلو إسكوبار بارون المخدرات في كولومبيا، كان بائعًا للزهور في بداياته، تلك المهنة الشريفة والرقيقة التي تنمّ عن رهافة في الحسّ وذوقَ إنساني رفيع، كيف تحولت زهور الكاميليا وزهور الليلك وزهور الزنبق إلى الماريغوانا والقنبّ الهندي، ليتحول لاحقاً لأكبر تاجر مخدرات عرفته البشرية. مسؤول عن أدخال أكثر 80% من الحشيشة إلى الولايات المتحدة وحدها، مِمَا أدخل له من أرباح قرابة 60 مليون دولار يومياً، وموزع حصري في الأميركيتين، وثروة لا تعد ولا تحصى، حتى أكتشف في يوم ما  إن الفئران تقضم ما يقارب 2 مليار دولار سنوياً بسبب سوء التخزين والحفظ. وحتى البرد كان له نصيب من هذه الثروة الطائلة حين أصابة أبنته والذي كلف تدفئتها 2 مليون دولار، لم تمنع كل هذه المليارت وجبال من النقود والذهب والفضة من أختراق رصاصة زهيدة لا تساوي سنتات بخسة أذنه اليسرى والخروج من الجهة الثانية في وسط عرينه، كان ذلك في الثاني من ديسمبر عام 1993.
جيفري إبستاين، رجل اعمال أمريكي بدأ حياته كمصرفي بسيط ثم كون ثروة بعد ذلك لا بأس بها، حتى شكل شركته الخاصة وسماها ج. إبستاين وشركاه. رجل طموح ومُثابر، وبفضل الكاريزما والذكاء الذين تمتع بهما نجح في جذب كبار الأغنياء حول العالم، وصل خلال فترة قصيرة نسبيًا إلى درجة الملياردير وصاحب العلاقات الواسعة في عالم المال والاقتصاد والسياسية، ومع كل النفوذ والجاهّ والمال كان هوسه الجنوني الشاذ بالفتيات الصغيرات القاصرات لا ينقطع، فدخل باب تجارة الدعارة من بابها الواسع في مغامرات انتحارية والتي قادته في نهاية المطاف إلى الانتحار في سجنه يوم 10 اغسطس من عام 2019.
نماذج عديدة من التجارب تنسجها خيوط أحداث كثيرة منها ما يكون سعيد ومنها ما يكون تعيس، وكثيرًا ما تتبدل حيوات البشر في تقلبات شتى، فمن يسعى الى الأفضل بكل جهد ومثابرة حتى يصل إلى هدفه المنشود والأمل المرجو، ومن يركض سريعاً للهبوط إلى الدرك الاسفل في هذه الحياة. هذه هي دراما البشرية في تراجيديا ما تنفك إن تتكرر دومًا، ولكن يظل قول المعلم هو رأس الحكمة في فلسفة هذه الحياة المُعقدة حيث قال (لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟).

36
المنبر الحر / قتل بلاَ قيدّ
« في: 06:57 05/12/2020  »
قتل بلاَ قَيدّ
بقلم/ سلوان ساكو
لسنا ننشد عالمًا خاليًا من القتل، نحن ننشد عالمًا لا يصبح فيه القتل مبرر. من رواية الغريب لألبير كامو.
تُشكل الأحداث والوقائع التي تتبلور من حولنا الى فهمّ أعمق وتصور أوضح، بعد أن نضعها تحت المجهر ونسبر أغوارها وندخل في دروبها الوعرة ومجالاتها الضيقة لنخلق تصور هُنا واستنتاج هنالك لذلك الحدث أو تلك الواقعة، لنخلق لاحقاً رأي يتماهى ولو بشكل مقارب نوعًا ما للفعل أو الواقعة بحدّ ذاتها، لأن عملية التطابق والتناسخ تكون مستحيلة في تحديد الأفعال، لأنّ لكل حالة خصوصيتها وفردنياها، حتى وإن تشابهت بذات الفعل ونفس الدوافع، فمثلًا جريمة القتل واحدة، لكن تختلف في التفاصيل والسياقات التي جاءت به، لتضعنا أمام مشرط الجراح، فنقوم بعملية تفكيك خيوط الجريمة الحاصلة،  ليس من الناحية الجنائية وهذا ما ليس اختصاصنا، وإنما عن طريق خط سيكولوجي نفسيّ، وبعد فلسفي عميق، لتظل الأسئلة هنا تتناسل الواحدة من رحم الأخرى في صيّغ شتى ومحيرة في الكثير من الأحيان، أو حتى تقودنا نحو طُرقْ مسدودة غير مفهومة، نقف ازائها حائرين لا نفقه شيء. لماذا البشرية في قِتال أزلي الواحد مع الأخر منذ القِدم، لماذا كل هذا الانتقام من ذات الجنس الواحد، إلى أين يُفضي طريق الجريمة، لماذا قتل قابيل أخاه هابيل، وهل حقاً البشرية برمتها حسب الميثولوجيا القديمة من نسل القاتل، لأنهم كانوا أثنين فقط، مات البريء وظل القاتل. والسؤال الأهم  ما فائدة أو معنى الحياة مع هذا الكم الهائل من القتل والجرائم البشعة والانتهاكات والاغتيالات والحروب التي ما انفكّت تزداد قتامة وشراسة يوم بعد أخر، وتتطور وتأخذ صيغْ حديثة كلما توسعت مدارك ووعيّ ومعرفة هذا الإنسان الذي يسعى دومًا وابداً إلى قتل أخيه، في بعض الأحيان بسبب وفي كثير منها بدون سبب، كما يدل ذلك من الأفعال البشعة والحروب الدائرة كل يوم تقريبًا لنحصل في النهاية على عناوين بالخط العريض، تُفسر هذه الوضعية الشاذة التي بات البشر أسرى لها.
جريمة بشعة قام به أحد الشبان  من أبناء الجالية العراقية، قبل فترة وجيزة أثارتَ ضجة كبيرة في ولاية مالبورن الاسترالية، حيث قام بقتل فتاة بعمر الورد ذات 23 ربيعًا، جميع دوافع الجريمة، وحسب الأخبار يشوبها الغموض والإبهام!، من نوع كان يحبها حباً جماً وتخلت عنه، أو طُرد من العمل بسببها، المهم في نهاية هذه التراجيديا، دخل إلى بيتها فجرًا وطعنها بالسكين، وجرى راكضاً يسلم نفسه للشرطة ويديه مخضبة بالدماء، لتنتهي القصة وتأخذ طريقها نحو القضاء وتحقيق العدالة واكتساب الدرجة القطيعة من الحكم، وبالتالي الحبس وراء القضبان لما تبقى له من عّمرَ، وهو أبن الخامسة والثلاثين. المسألة ليس في الجريمة بحد ذاتها،  فيوميًا تحصل آلاف الجرائم حول العالم، وأنما في الفعل والذي يصوغ جوانب عديدة من تجاربنا  والذي يُعبر عن تلك المأساة الحقيقية للفرد الواعي، لتُصار في النهاية تجسيدًا عينيًا لحياتنا البدائية التي فُطر عليها الكائن البشري منذُ الإرهاصات الأولى للتفكير، حيث كان نزوع الإنسان يميل نحو الشرّ والحسد والبغضاء والكراهية، وعلى هذا المبدأ قامَ الأخ بقتل أخيه خلسة تاركًا تلك الجريمة أو التدشين الأولي في ثنايا تصورات ذهنية ازدادت قتامة مع الوقت حيث تمت صياغتها مع تحددَّ الوعي بالفكرة ذاتها، هُنا علينا العودة إلى جذور تلك العلاقة لفهم أشمل لمفهوم فعل القتل النفس ذاته وطبيعة تلك العلاقة بين المجرم والضحية، وكيف لاحقاً يتكيف الإنسان مع جريمته لتصبح أمر عادي مع مرور الزمن، أو تُنسى أو تتناسى مع الأيام. ويأخذني هنا قول والدة ميرسو في رواية الغريب لكامو، (إن الأمر لينتهي بالإنسان على أن يتعود على كل شيء). بمعنى من المعاني أن هذا الإنسان يتكيف مع كل ما يحيطه من ظروف وأنّ كانت تأنيباً للضمير أو الشعور بالخزي والعار، ولكن في نهاية الأمر تبدو عادية جدًا ليُخلق منها عوالم ومدارات خاصة، حتى وإنَّ كان يقبع المتهم خلف زنزانة مظلمة أو اقبية باردة. لنستنتج من كل هذه الأسطر، أنّ الجريمة تحصيل حاصل وقد رافقت البشرية على مدار التاريخ لتكون واحدة من أشد المعضلات إشكالية وجدلية في الحياة ومحل تساؤل ونقاش دائماً.

37
الفتىَ الحالم، أوراق من التاريخ المُبعثر.
بقلم/ سلوان ساكو
(أيها الفتى الحالم حين كنتَ مراهقا تلهو مع اقرانك في العراق كنتُ أنا أقود البعث في سوريا). هذا كان ردّ منيف الرزاز على وساطة صدام حسين.
في الطائر المنطلقة من عَمان بتجاه العاصمة العراقية بغداد، كان الملك الراحل الحُسين بن طلال يفكر بكيفية إقناع الرئيس العراقي صدام حسين بأخلاء سبيل الدكتور منيف الرزاز سوري الأصل أردني الجنسية، والعودة به الى الأردن، المهمة صعبة جدًا ومن المستحيل إقناع صدام بأمر كهذا، هكذا يقول حدسّ الملك الراحل، ولكن لا بئس من المحاولة. على ضفاف نهر دجلة وبعد وليمة دسمة من السمك المسكوف، فاتح الملك الرئيس بالأمر، أخذ صدام دقائق يتأمل النهر الجارف من حوله قبل أن يردف قائلًا، اذا تركنا منيف يخرج فسيكتب مرة أخرى التجربة الأمرّ، في إشارة إلى استمراره في النقد الشرس. كانت الإجابة أكثر من واضحة بالنسبة للملك، وأيقن ساعتها إنَّ الدكتور الرزاز لن تطأ قدماه المملكة الهاشمية ما دام يبصر نور، عاد الملك إلى المملكة خالي الوفاض. وظل منيف الرزاز في بيته في حي القادسية  تحت الاقامة الجبرية إلى أن مات في أيلول من عام 1984. تقول زوجته الأديبة لمعة بسيسو، (لقد خلق لنفسه أعداء كثر، إثر انتقاداته للبعث في العراق خاصة في كتابه التجربة المرة والذي أثار حفيظة صدام حسين بشكل خاص). من جانب ثاني عارض منيف حرب العراق مع إيران، قائلًا للرئيس (إن الحرب مكانها في فلسطين).
بدأت ملامح الصراع الأيديولوجي بين الإثنين تتبلور من خلال المواقع التي شغلها الدكتور منيف الرزاز، ففي عام 1965، انتخب أمينًا عامًا للقيادة القومية لحزب البعث، فانتقل إلى دمشق، قبل أن يغادرها إثر انقلاب شباط عام 1966، هُنا حكم عليه بالإعدام غيابيًا، فعاد للأردن وبقي فيها حتى سنة 1977 حين انتخب أمينًا عامًا مساعدًا لحزب البعث في بغداد، فستقر به.
منذ البداية لم تكن الأمور بين صدام حسين  والأمين العام المساعد للحزب الدكتور الرزاز على ما يرام، لتتخذ أشكالًا عديدة من المناكفات والسجالات ضمن دائرة البعث الضيقة. صدام وصعوده السريع في صفوف الحزب، وفي منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، والماسك الحقيقي بمقاليد السلطة والدولة امنياً وسياسياً، والمتحكم بمفاتيح الحكم، من جهة أخرى الدكتور منيف الرزاز أمين قومي مساعد للحزب، ورجل ذو باع طويل في العمل النضالي على الصعيد العربي، وله كلمة في الأوساط الرفيعة للبعث محليًا وعربياً، صحيح لم يكن عراقيًا، ولكن في تلك الفترة من أواسط السبيعنيات كان للبعد القومي العربي وضع خاص، فكان لا بد من التصادم الحتمي بين الرجلين. بعد حادثة قاعة الخُلد المشهورة في العام 1979. اتخذ الرزاز موقفًا أكثر تشددًا من القضية برمتها وشخصية صدام حسين ذاته، الأرشيف الغير مُعلن يحمل الكثير من التفاصيل، حيث حاول صدام امتصاص غضب الرزاز، وعرض عليه سماع شهادة أحد اعضاء القيادة القومية الموثوق بهم بتفاصيل المؤامرة المزعومة ضد الحزب والدولة، هنا وحسب أقوال الشهود من بقية منهم حيّ، صرخ الرزاز بوجه صدام وقال له بالحرف الواحد( أتشكك بكلامي وتريدني أن اسمع لذلك الجبان). هنا قُطعت شعرة معاوية بينهم تمامًا، وطلب من صدام حسين، أن يطلق جميع الرفاق المعتقلين، وبعد ذلك يتم التحقيق كل شخص على حدة ويحاكم من تثبت أدانته فقط، لم يتحمل النائب الشاب وقتها هذا القول وأمر بوضع الرزاز تحت الإقامة الجبرية. حاول القائد المؤسس فعل شيء ولكن لم ينجح في مساعيه، لإنه ذاته كان متهم من قِبَل الرزاز بنقل الكثير من أفكاره من كُتب ليون تروتسكي، تشكلت وساطات عربية وجهات متنفذة داخل العراق وخارجه لأصلاح ذات البين ولكن كل الجهود ذهبت ادراج الريح، فقد قضىّ الأمر.
النقد اللاذع لإدارة الدولة والحزب كان من أبرز سمات منيف، فقد كان ناقداً لا يتهاون مع أحد، مبادئه واضحة لا يُجامل أحد على حِساب الآخر، مما رفع كلفة عمله السياسي طيلة حياته، فقد كان ينتمي الرزاز إلى مدرسة مختلفة عن تلك التي ينتمي إليها الباقين، لتصل في نهاية الأمر لطريق مغلق من جميع الجهات، يقول الروائي مؤنس الرزاز صاحب رواية الشظايا والفسيفساء (أن والدي كان يعرف هذا المصير، ولكن أبشع شيء أنه عوقب على ذنب لا يعرفه، وعلى خطيئة جاهلا بمحتوياتها).
لا ضير اذا كتبنا بين الحين والآخر عن تجربة وفترة حكّم البعث في العراق، وهي فترة ليست بالقصيرة أبدًا، قد تُناهز الأربعين عاماً، بكل ما عليها من سلبيات وإيجابيات، والتي أثرت ومازالت تؤثر على المشهد والأحداث من حولنا، في سياقات سياسية وتاريخية وأيضًا إجتماعية مختلفة، لتؤول في النهاية الى التراجيديا ما نحن عليه اليوم من صورة ضبابية إزدادت قتامة وسواد بعد مجيء مجموعة من الأوْباش واللصوص الى الحكم بعد 2003، من سدنة المال والفاسدين، كل هذا أرخ لاحقًا لمرحلة خطيرة دخل العراق بعد عام التغيير، ليتشكل مع كل هذا خليط عجيب غريب من الأحزاب السياسية والميليشيات المسلحة والتيارات الدينية السلفية المتشددة، تفرض أجندتها بالقوة والعنف والتصفيات الجسدية، ولاءها الأول والأخير للجمهورية الإسلامية ودولة الملالي، ولتأكل النار الأخضر  واليابس في العراق، وليذهب الوطن إلى هاوية جحيم  دانتي ما زال القائمين على الحكم والمتنفذين في الدولة تمتلئ جيوبهم وأرصدتهم الخارجية بالمال والنفط المسروق. تواطؤا في تخريب البلاد، الجميع لصوص بدون أستثناء، هذا ما يقوله المشهد السياسي العراقي اليوم، بعد ثمانية عشر عامًا من الاحتلال، والذي أثبت بجدارة فشل المشروع الأمريكي وفشل نظام الحكم الذي وضعّ أُسسه بول بريمر، وهذا ما تؤكده الإدارات الأميركية اللحقة التي جاءت بعد فترة حكم جورج دبليو بوش لتنسدل الستارة على المشهد العراقي في إطلالة مأساوية كارثية يرثى لها، سرعان ما تصبح كوابيس تخنق العراقيين.

38
الهزيمة الأرمنية والانتصار الأذري
بقلم/ سلوان ساكو
لمّ يكن النزاع الدائر بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ متكافئاً منذ البداية. هذا كان جليًا حتى للمُتابع العادي للأحداث، ومن أنطلاق الرصاصة الأولى من فوهات البنادق. ما حسمّ الصراع سريعاً لصالح باكو هو دخول المرتزقة التركية من السورين والجيش التركية ذاته على خط القتال وأن كان بشكل مُستتر، مما أعطى دفعّة قوية للقوات الأذرية في مواصلة المعارك والدخول في عمقّ الإقليم المتنازع عليه منذ عقدّ التسعينيات والاستحواذ على الأراضي. في المقابل تُركتّ أرمينيا لوحدها تخوض غِمار الصولات على الجبهات المشتعلة بنيران الرصاص المضاد والقوي، في حين كان الدبْ الروسي يقبع في سّبات عميق. حاولت فرنسا في البداية أن تتدخل، وحاول إيمانويل ماكرون أن يفرض رأي أخر على أبجدية الصراع على جبهات القتال وأن يقدم يدّ العون للأرمن، ولكن في نهاية المطاف لم تنفع كل الجهود المبذولة في جمع الحشد والتاييد من بعض الدول الأوربية ففشل المشروع الفرنسي لتقديم العونّ والمساعدة للحليف الأرمني. على الجانب الروسي كانت موسكو تفكر كثيراً في مساعدة الجارة العاجزة في الدافع عن أرضهم وقوميتهم وبقائهم، والتي تربطهم ببعض إتفاقيات مشتركة للدفاع والأمن، فأصيبوا بخيبة أمل كبيرة وطعنة في الظهر لم يتحملوها، في نهاية الأمر لم تنفع المُقاتل الأرمني كل تلك الاغاني والرقصات والدبكات والأهازيج لشحذَّ هِممّ الجنود في ساحات الوغى.
حصل اتفاق بين الطرفين الأرمني والأذري، أو لنقل بصورة أدق هزيمة للطرف الأرمني، هنا كان وصف رئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان دقيقاً (الاتفاق مؤلم جدًا)، مِمَا سبب  في اندلاع موجة غضب شديدة في أرمينيا، واقتحم محتجون مبنى البرلمان في العاصمة يريفان، واعتدوا على رئيس البرلمان بالضرب.
في بداية النزاع عولت أرمينيا على الحليف الرئيسي لها وهي  روسيا، ولكان تبين لاحقاً أن موسكو لها أجندتها الخاصة ونمر من ورق لا غير أمام الجحافل التركية التي جاءت على وجه السرعة للصف والقتال مع قوات أذربيجان المتقدمة بتجاه كاراباخ. كل هذه الأحداث أرخت قبل أيام لإتفاقية تنازل عن مقاطعة  شوشا أو شوشي للحكومة الأذرية واخلائها من جميع سكانها الأرمن. فما كان من قاطنيها غير حرق منازلهم ومحتوياتهم قبل المغادرة القصرية.
مرة ثانية تخاذلت روسيا أمام تركيا، الدرس كان واضحًا منذ العام 2015 حين أسقطت الدفاعات التركية المقاتلة الروسية سوخوي 24 عن قصد وعمد وقتل أحد طياريها وأسر الثاني. لم تفعل شيء موسكو إزاء الحادث غير التصريح البارد من عاصمة الثلوج. علامات الانكسار والهزيمة واضحة في شوارع العاصمة يرفان، والانتصار والفرح في شوارع العاصمة باكو، هذه هي الحقيقة دون مزيدة، لا داعي لنكأ الجراح أكثر.
شئنا أم أبينا ذلك، تبقى أنقرة ماسكة ومسيطرة على الأمور في مناطق عديدة من العالم، ليبيا، سوريا، الشمال العراقي، قطر، وغيرهم، ولم تكن الزيارة الأخيرة للرئيس أردوغان للشطر التركي من جزيرة قبرص المحتلة، وبالذات مدينة فاروشا الحدودية مع قبرص اليونانية غير رسالة واضحة المعالم، أن هنالك ثمة متغيرات جديدة على أرض الواقع تفرضها أنقرة متى تشاء، وأن تركيا ماضية في سياساتها التوسعية غير أبهة بأحد، لا أوروبيًا ولا حتى لأمريكا ذاتها.

39
المنبر الحر / جنون العّقل
« في: 06:11 07/11/2020  »
جنون العّقلَ
بقلم/ سلوان ساكو
لم تتصور إيلين ريتمان يومًا ما أن تلقى مصرعها خنقًا على يدّ زوجها الفيلسوف والمفكر  الفرنسي الماركسي المشهور لويس ألتوسير، في 16 نوفمبر من العام 1980، بعد أن أصابته نوبة جنون، مما دعا رئيس فرنسا وقتها جيسكار ديستان أن يقول مقولته الشهيرة، (هل يوجد دولة تحبس عقلها). في النهاية التحقيقات أُودع ألتوسير، محتجز  سانت ـ آن، للأمراض العصبية إلى أن مات عام 1990.
 يتساءل الشاعر الفرنسي آرثر رامبو، (هل يمكننا الانتشاء بالتدمير). هنالك جدلية بين الإبداع والتدمير، الفكر الحر  الخلاق والركون إلى العقلانية من الداخل لتفرز انماطا مختلفة من الأفعال نحو الخارج تظهر لاحقًا للعلن شاذة في أحيان كثيرة، وغير مقبولة اجتماعيًا.
 في فلم K-PAX، والمُنتج سنة 2001، يظهر  رجل من الفراغ وسط محطة قطار ويدعي أنه آتٍ من كوكب آخر أسمه k-pax. أراد البطل خلق عالم أخر يتماشى مع تطلعاته وتوجهاته الخاصة. الممثل كيفن سباسي ابدع في طرح الفكرة العبقرية في كيفية أصابة عَالمّ رياضي فذّ بصدمة عميقة تؤثر على عقله فيصرح أنه أتٍ من كوكب يبعد عن الارض الف سنة ضوئية.
يقول ميشيل فوكو (الجنون يغري لأنّه معرفة، إنّه معرفة لأنّ هذه الصور العبثية كلها تمثّل في الواقع عناصر معرفة صعبة، ومنغلقة، وباطنية، إنها تجربة في ميدان اللغة، واجه من خلالها الإنسان حقيقته الأخلاقية بقواعد جديد).
ظلت تلك الفتاة الصغيرة مُلازمة للبروفسور جون ناش كل عمره تقريبًا ، كان المفكر العبقري الحاصل على جائزة نوبل للفيزياء لأحد عشر نظرية هو خلقها من الفراغ، طوال فترة حياته كان يتقدم في السن والفتاة تظل في نفس العمر، كان يراها في الجامعة وفي المؤتمرات وفي المشفى وفي البيت، ربما تكون صور الفتاة  تنمّ عن مرض عميق في التفكير يتمحور حول انواع شتى من الإسقاطات العقلانية فقط هو من كان يُشاهدها ويلاحظ وجودها.
حينما توقف الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه أمام حصان يجرّ عربة حيث كان الحوذي يضربه بالسوط بوحشية، صار نيتشه يصرخ بأعلى صوته وسط المارة، اتركه فهذا أخي، هامسا في أذن الحصان، ( أنا أفهمك). هنا كان الجنون قد اطبق عليه تمامًا وتركه يرقد في الفراش أحد عشر عامًا دون حديث. في كتابه هكذا تحدث زرادشت قال (دائماً يوجد بعض الجنون في الحب، لكن دائماً يوجد بعض المنطق في الجنون أيضاً). تتلاءم هذه العقلية مع مفاهيم غريبة كتبْ به نيتشه مؤلفاته.
 قديماً قيل إن ما بين العبقرية والجنون شعرة واحدة. هناك دومًا ثغرات وهفوات وحماقات في عقلية كِبار المفكرين والمبدعين والعباقرة لِتظل مستترة خلف قناع الوقار والحكمة والنبوغ، من الممكن جدًا من يصنع التاريخ أو يُغير مجراه يكون شاذ التفكير، بمعنى عبقري أو مجنون، ألم يكن الرسام الهولندى فان جوخ عبقري ومجنون في آن واحد، ليمزج تلك الألوان مع بعضها وتظهر في النهاية لوحة فنية تُباع بملايين الدولارات. ألم يكن هاينريش هيملر مجرم حرب وعالمًا في الإنتاج النباتي في نفس الوقت.
العشوائية والفوضوية جزء من هذا الكون، والبشر جزءا من هذا الكون ايضا وهذا يحدد حالات العبقرية والجنون  السويتين الموجودة عند البشر.

40
قتلْ الأحَياء من الأطفال
بقلم/ سلوان ساكو
لم يرفّ لها جفنٌ، ولا شعور بأيَّ ذنَب، ولا تأنيب ضمير من أي نوع كان، حينما أقدمت ماغدا رتشيل جوبلز، Magda Goebbels، بقتل أطفالها الستة بدماً باردًا، مع زوجها وزير الدعاية النازي في عهد أدلف هتلر يوزيف جوبلز Paul Joseph Goebbels، فبعد أن حاصرت قوات الحلفاء العاصمة برلين عام 1945 وانتهاء فترة حكم حزب العمال القومي الاشتراكي، النازي. إنتهت حياة جوبلز المهنية، فلم يرَ مناص غير الانتحار هو وعائلته جميعاً، فتم إعطاء الأولاد دواءً منومًا في البداية، بعد ذلك تم تسميم الستة بالسيانيد على شكل قطرات عن طريق الفم. قتلتهم واحدًا تلو الآخر دون رادع أو خوف أو شعور بالذنب حتى، إلى أن أُزهقت ارواحهم البريئة معاً. إحساسا من نوع ما انتاب الفتاة الكبرى هيلغا، فسألت أمها عن سبب نوم أخوانها الخمسة بهذا الشكل الغريب مع زرقة باهتة تلوح على الوجوه ووهنّ ملحوظ، فقالت ماغدا أنهم ليسوا نائمين، بل أنهم موتى، ونحن سوف نلحق بهم أيضًا الأن، فليس لدينا شيء بعد على هذه الأرض نعيش من أجله، فقد مات الفوهرر. وبعد أن تم قتل الستة، قاما الأم والأب بالانتحار أيضًا.
حادثة جسر الأئمة الأخيرة في العراق مُتشابها من حيث دلالتها وبعدها السيكولوجي النفسي، وذلك الخلل في وظائف مهمة من المخ واضطرابات الدماغ والأعصاب، والتي سولت  لأم بأن تقوم  بقتل أطفالها دون وازع أو رادع، بعيداً عن التأويلات العقائدية، نعم يمكن أن يوجد اختلافٌ كبيرٌ في الحادثتين من ناحية السياق، أي سياق الجريمة، ولكن يظل مبدأ القتل واحد.
أم تسير الهوينى على جسر الأئمة وسط العاصمة بغداد، يربط الجسر الكرخ بالرصافة، المارة قليلون وحركة مرور السيارات محدودة في تلك الساعة المسائية النحسة، ولكن التقنية الحديثة متوفرة، لتكشف المستور وتلتقط خيوط الحكاية المأساوية. تنظر الأم ذات اليمين وذات الشمال، وعندما لا ترَ أحدًا ترفع حر الذي لم يعد حراً اليوم أولًا، وتلقي به وسط نهر دجلة الجارف وهي تنظر إليه كيف يبتلعه الماء المخضب بالأرواح البريئة، لم تكتفي بذلك بل بعد ثواني قصيرة من زمن الهلاك والشر المتفشي في ثنايا نفسها المضطربة المريضة ترفع الطفلة معصومة وترميها أيضًا في عُمق اليمَّ المُهلك لتتوارى عن الأنظار خلال لحظات سرمدية من عمرها الغضّ الضائع، أراد دجلة المسكين إعادة الطفلين إلى حضن أمهم الدافيء، ولكن أبت أن تأخذهم مرة ثانية، لقد فقدت الآن غريزة الأمومة الأساسية، وباتت في منزلة أدنى من منزلة الحشرات بكثير. فذهبوا تتقاذفهم أمواج باردة في هذا الفصل الخريفي الأسود الى لحداً مائياً لا قرارة له. هكذا توصل البشر في عزل إنسانيتهم وبلوغ الدرك الأسفل من العنف والشر والكراهية.
في مملكة الحيوان، حينما يموت مولود أنثى الشِمْبانزِي الحديث الولادة لسبب أو لآخر، فأنها لا تتركه بسهولة، تظل متشبثا به، تُمسدّ شعره، تُمرر كفها عليه بحنان غريزي، دلَّكه، تُقبله، تأبى أن تصدق إن وليدها قد فارق الحياة، إلى أن يأتي زعيم الجماعة ويقنعها بصمت بأن الذي بين يديها قد مات ولا جدوى من كل ما تفعله، ذلك الحين فقط ترضى أن تتخلى عن طفلها وهي دامعة العينين. لنعرف إنّ الإنسان إذا استخرج دوافعه الهمجية ومكامنه الشريره، ونوازعه البدائية يصبح أسوء من الحيوان بكثير، لا بل الحيوان ذاته يخجل من أفعال الإنسان إذا وعاها وعقِلها.

41
نحن والصور الفوتوغرافية
بقلم/ سلوان ساكو
ضمنّ سلسلة مقالات نحن، قررتُ اليوم الكتابة عن الصور الفوتوغرافية، سواء كانت القديمة بالأسود والأبيض، أو الحديثة منها نوع الديجيتال الرقمية فالهدف واحد دون شكّ.
أحد الفلاسفة المعاصرين قال إن الصورة نوع من القيامة، ربما يحتوي قوله على نوعًا من الغموض الغير مفهوم، فما علاقة القيامة بالصور بشكلها العام، وما الرابط بينهم بالأساس، لتظل تلك الاسئلة مستترة خلف نوعًا آخر من الإجابات، وهذا هو دَيَدن الفلسفة من يوم ما أُنشأت إلى اليوم.
كاميرا  KODAK تلتقط صورة أو شكـل Form، لإصبية عددهم سبعة، قبل عقدين أو ثلاثة من الزمن، تتداول هذه اللقطة على منصة التواصل الاجتماعية، من فيسبوك إلى سناب شات إلى تويتر، الصورة حاملة للحقيقية بشكلها الطبيعي، فالمجموعة التي كانت في اللقطة كبرت، لا بل منهم من أنتقل اصلاً من هذه الحياة، والآخر موجود، تشتت شمل الجميع ولكن اللقطة باقية، اللحظة التي تم فيها سحب الصورة فعليًا أنتهت مع وميض الكاميرا، وانتهت أيضًا من عُمر الصبية ذاتهم، فهيَ أي اللحظة في النهاية لن تعود مهم حصل، لتظل الصورة فقط، ومن هنا تصبح الصورة ذاكرة لمكان أو لشخص، لم يعد لهم من وجود.
المصور، أو حامل الكاميرا شاعر ورسام، من نوع خاص، تسربل برداء الومضات من خلال الصورة الشاعرية الخيالية أو الذهنية لأن الكون مليئاً باللقطات المتتالية اللامحدود.
للصورة الفوتوغرافية وعياً، بمعنى أنها تستقر في قرارة العقل لتتمحور لاحقًا إلى ذكريات، فقد تُخاطب الصورة العقل من خلال العين، لا يهم أن كانت الصورة أُتخذت بإتقان أو عشوائية، ربما تكون الفوضوية في التصوير أهم من الدقة، على أعتبار إن الكون بطبيعته فوضى وعشوائي ومُتظارب، أو أن تكون اللقطة حزينة أو أن تكون سعيدة، مبعثةٌ للمَلْهَاةُ أو للمأساة، للناظرين إليها. فكم من ألبوم للصور أثار مشاعراً دفينة داخل نفوسنا، فسالت الدموع من المآقي تنحدر مدرارا، لتُجسد في النهاية شريط هويتنا. كثيرين يقولون، كل شيء ليذهب إلى الجحيم من مال وسيارات وأثاث، فقط لتبقى الهوية، أي الصور، لإنها ذكريات الزمان الذي لن يعود مطلقًا، فجزء من الصورة هو نحن، إذا ما قيست على شكل استعارة.
للصورة أدوار ووظائف عديدة أهمها، حفظ المورث المتراكم من المشاعر في من ألبومات دفترية أو رقمية على فهرس الأحرف، وفي المرحلة الأخيرة من الصورة الفوتوغرافية، أنها غير قابلة ابداً للطبع أو الاستنساخ، بمعنى الإعادة من البداية. لقد كتب برغسون قائلاً (لم يعد بالامكان النظر الى الحركة كحقيقة فيزيائية داخل العالم الخارجي بل يجب النظر على الصورة كحقيقة نفسية داخل الشعور).
في النهاية تبقى الصورة حية، عصية عن النسيان وعن التلاشي وعن الزوال، أو عصية بمعنى أعمق عن الموت، أصحاب الصور لا يموتون، يحضرون من وقت لأخر في نفوس مُحبينهم، على شكل شريط موزع يحتوي كل هذا الكم الهائل من الذكريات الماضوية الجريحة، وعلى هذا المبدأ تكون الصورة خالدة بشكلاً ما.

42
المنبر الحر / نحنّ واللغة
« في: 06:43 08/10/2020  »
نحنّ واللغة
بقلم/ سلوان ساكو
اللغة هي جُملةٌ من المفاهيم والصيغّ النطقية، تُلفظ للتعبير والدلالة على شيء مُعين، مثل، ماء، أرض، بيت، شارع، سوق ....الخ، تأتي في سياق طرح الكلام لِتُكونَّ في النهاية فكرة أو مجموعة أفكار تدور في خَلد الإنسان قبل لحظات من النطقّ بها لتُشكل مع هذا المزيج كل الخبرات والتجارب والأفعال التي اعتملت داخل هذا الكائن الناطق الحي، حيث يمكن صياغتها دوماً عن طريق قوالب لغويّة، سواء في حالة التفكير الداخلي، أو الخارجي، والمفروض أن يكون هذا الكائن أعلى درجه من باقي الكائنات الأرضية، والتي تشترك معه في كل شيء ما عدا النطق بالكلمات، فالنحل والنمل، قد توصلا خلال آلاف السنوات إلى نوع من المحادثات والتفاعلات الكيمائية، المعقدة الى درجة كبيرة، يخاطبون بها بني جنسهم في مملكتها المتحدة بكل سهولة ويِسَر، كما يتحدث الإنسان اليوم مع إنسان أخر، ولكن الفرق هنا أن العلم لم يتوصل إلى فك هذه الشيفرة المُعقدة عند النحل والنمل، وربما لن يكتشفها ابدا.
خذ عزيزي القارئ ايقاع كلمة كنيسة مثلاً، لها بداية، وهو حرف ك، ووسط هو حرف س، ونهاية هو حرف ة، لتكتمل في وعينا كلمة كنيسة، في دلالة معرفية لدار عِبادة خاص بالديانة المسيحية، وهكذا مع جامع، وكنيست، وحفلة وعزاء، وملعب... الخ. كل عبارة لها صورة ثلاثية الأبعاد في مخزون معلوماتنا المتراكمه، منها ما تكون مصفوفة في عقلنا الواعي واخرى في عقلنا الباطن.
في فلم Arrival، الوافد أو الواصل، والمنتج عام 2016، كان هنالك فرضية التماهي مع اللغة بنظام ثاني، ووعي آخر، اكثرا تطورا مما نملكه نحن البشر. فقد جسدت الممثلة البارعة لويز بانكس الدور، بكل إتقان وبراعة، في فك لغة مخلوقات من كوكب أخر. لعبت لويز  في الفيلم واحدًا من أهم أدوارها، حيث تُحاول أن تفك شفرة لغة مجموعة من الكائنات الفضائية، حيث تكتشف أن لغتهم ليس بها تحديد للزمن، فلا يوجد مسار للوقت يمشي فيه بشكل خطي من بدايته إلى نهايته، وهنا تكمن عبقرية المخرج، حيث يصبح التمكن من التحدث بلغة تلك الكائنات بمثابة القدرة على إعادة تشكيل وعي الفرد لتجاوز خطية الزمن. فنحن البشر محكومين بنظام الزمن والمكان في اللعب على أوتار اللغة.
يقول القديس أوغسطين في كتابه الاعترافات، (اللغة هي أول ما ينقذنا من وحشة الوجود). وهذا كلام ينطوي على قدر كبير من الوعي والعمق الفلسفي في ماهية الوجود. بمعنى أنطولوجي. أنا أفكر إذن أنا موجود، بمعنى أعمق أنا أشعر، إذن أنا موجود، ديكارت. (كتاب مقال في المنهج)، لتكرس لاحقاً للفهم الوجودي ككل، وبدون هذا الوعي لا يكون هناك وجود حقيقي، أي شعور بأدوات الكلمات التعبيرية، ولكن يظل هذا الوجود رغم كل شيء لا معنى له  بدون تفكير ولغة. ومن هنا كان يجب فرزّ واختراع لغة الإشارة لذوي الاحتياجات الخاصة، الصم والبكم للتواصل غير الصوتية معهم.
كان الإنسان القديم قبل ملايين السنين يستعمل لغة الإشارة، إلى أن توصل في مسيرته نحو الكمال لتطوير أحرف ومصطلحات وعبارت وكلمات يستعملها في احتياجاته العامة اليومية، مع تقدم العصر طور من هذه الأدوات ووزعها على شكل مفردات يفهم منها ما يريد، لتتفرع لاحقًا الى مستويات أكثر تطورًا، فبات هناك مختصين بدراسة اللغة، علم اللغة، علم الأصوات، علم اللسانيات، كل هذا لفهم  أنثروبولوجيا الإنسان، لتكتمل في نهاية المطاف الصورة الكلية وكيفية تكيفهم مع البيئات المختلفة وتواصلهم واختلاطهم مع بعضهم البعض، وترويض سلوكهم وأنسنتهم في نهاية الأمر.

43
الأرشيف وكشّف المستورْ
بقلم/ سلوان ساكو
في دهليز  مُظلم داخل مبنىّ واسع يقبع تحتَ حراسة سبعة جنود أميركيين، يقودهم ضابط برتبة ملازم، دخل رجلان يحملان مصابيح خافتة الإضاءة في السرداب المُعتم ورائهم الملازم الأمريكي يلحّ في السؤال، ماذا يوجد داخل هذا الدهليز؟، يجيب واحد من الإثنين، أنه كنز....كنزًا حقيقياً. التاريخ سنة 2003، المكان العاصمة بغداد، الموقع أمانة سر القطر.
تأسس حزب البعث العربي الاشتراكي أول مرة تحت أسم حركة البعث العربي، في أبريل/نيسان من عام 1947، في العاصمة السورية دمشق على يدّ شباب عائدين من فرنسا، يحملون أفكاراً علمانية اشتراكية ثورية، هم، ميشيل عفلق، صلاح البيطار، زكي الأرسوزي، تاليًا أندمج حزب البعث العربي مع الحزب العربي الاشتراكي، والذي يقوده أكرم الحوراني في عام 1952، ليشكل في النهاية حزب البعث العربي الاشتراكي، وتمّ إنتخاب الأستاذ ميشيل عفلق زعيماً للحزب عام 1954.
في العراق أسس فؤاد الركابي فرع البعث عام 1957، بعد أن كان خلايا قليلة جداً نظمها كل من سعدون حمادي الذي كان طالبًا في الجامعة الأميركية في بيروت، والشاعر سليمان العيسى وزميله صدقي إسماعيل.
في الثامن من شهر شباط فبراير من عام 1963، قام حزب البعث بانقلاب على نظام عبد الكريم قاسم، وقد شهد هذا الانقلاب قتالاً شرساً دار في شوارع العاصمة بغداد، وبعد أن نجحتّ الحركة تشكلتّ أول حكومة بعثية، برئاسة اللواء أحمد حسن البكر. بعد تسعة أشهر من الحكم، نشب خلاف بين الجناح المعتدل والجناح المتطرف بقيادة علي صالح السعدي داخل البيت البعثي، فاغتنم عبد السلام عارف هذه الفرصة وأسقط أول حكومة بعثية في تاريخ العراق. في 18 نوفمبر تشرين الثاني سنة 1963، عين عبد السلام عارف أحمد حسن البكر نائباً لرئيس الجمهورية مع صلاحيات محدودة جداً.
في شباط من سنة 1964، أوصى ميشيل عفلق بتعيين صدام حسين عضواً في القيادة القطرية لفرع الحزب العراقي. بعد ذلك بقليل اِنقسم الحزب إلى قسمين، قسم كانت تقوده قيادة دمشق لحزب البعث العربي الإشتراكي، وقسم آخر في بغداد، واحتفظ كل من حزبي البعث بنفس الأسم ونفس السياقات التنظيمية، وحافظوا على هياكل موازية في الوطن العربي، ولكن قيادة قطر العراق كانت أكثر فعالية، بسبب الموارد المالية والاقتصادية للحكومة. فبات هناك  قيادتان قطريتان وقيادتان قوميتان. كل واحدة تستأثر بالنضال وتوحيد الأمة العربية عن طريق أيدلوجية اشتراكية علمانية.
في عام 1968، توجه القائد المؤسس ميشيل عفلق إلى بيروت بعد خلافات حادة داخل صفوف الحزب هناك، ومنها توجه إلى بغداد، حيث تمّ انتخابه أميناً عاماً لقيادة حزب البعث في العراق، وظلّ في نفس المنصب حتى وفاته في 23 من شهر حزيران/ يونيو من عام 1989.
في السابع عشر من تموز  عام 1968، حصل انقلاب، عرف فيما بعد بالثورة البيضاء، على الرئيس عبد الرحمن عارف، حيث سيطر حزب البعث الجناح العراقي على مقاليد السلطة في بغداد، وفي الثلاثين من ذات الشهر جرت محاولة أنقلاب ثنائية ثانية، من قِبل أحمد حسن البكر وصدام حسين وحردان التكريتي وذياب العلكاوي لطرد أبرز العسكريين الذين قاموا بالحركة الأولى قبل ثلاثة عشر يوم فقط، وهم إبراهيم الداود وعبد الرزاق النايف. كان هذا الحدث كبيراً في تعاطيه مع الأحداث السياسية لاحقاً. وأسس لمرحلة جديدة من عمر البلاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأرخى لحقبة واسعة من المتغيرات الهائلة، المحلية والإقليمية والدولية. لم تمر غير سنوات قلائل حتى أستحوذ الرفيق صدام حسين على السلطة بشكلاً كلياً تمامًا.
هنا وعلى عدة مراحل جاء عدد من أعضاء القيادة القومية للعيش والعمل في الإطار الحزبي للبعث في العراق، وكان الأمين القطري سخيًا معهم لدرجة كبيرة. منهم على سيبل المثال لا الحصر، الدكتور منيف الرزاز، الدكتور عبد المجيد الرفاعي، الدكتور إلياس فرح، شبلي العيسمي، أمين الحافظ، وأخرون. فأصبح لهم بنايةٌ في وسط بغداد على تقاطع القادسية السريع، تضم بين دفتيها قاعات واسعة، ومكتبة تحتوي على سلسلة كُتب سياسية واقتصادية واجتماعية متنوعة، منها لكارل ماركس نفسه، ومدرسة للإعداد والتطوير الحزبي، وأرشيف كبير من الوثائق الرسمية والشبه رسمية، أهم بكثير من أرشيف القيادة القطرية. حاول أعضاء القيادة القومية تطوير مناهج جديدة للحزب خاصة مع الدكتور  إلياس فرح، حاصل على دكتوراه في التربية وعلم النفس من جامعة جنيف، فقد ركز  على النظرية الثورية للبعث، باعتبارها ليست نظرة فلسفية كونية، وليست دينا بل هي نظرية ثورية ذات منظور حضاري للأمة العربية والتي ترفض رؤية القضايا ومعالجتها من خلال الأفكار التجريدية أي السطحية منها، ويجب أن تذهب نحو منهج علمي جدلي تاريخي ماركسي، يتجاوز الأحكام السابقة، مدركًا أيَّ الدكتور فرح أن لكل أمة من الأمم منظورها الحضاري الذي يتجلى من خلال القيم والممارسات والخصال والثقافة المُحددة للهوية الحضارية. حاول فرح الجمعّ والمُزاوجة بين الأفكار الماركسية وفلسفة البعث من خلال كتابه (تطور الإيديولوجية العربية الثورية). ولكن في النهاية ظلت الأفكار أفكاراً دون تطبيق عملي على أرض الواقع.
 في الجانب الآخر من العاصمة العراقية بغداد وفي منطقة الصالحية بالذات، أصبح هناك قيادة قطرية للبعث، أمين سرها صدام حسين، تهتم بكل ما يدور في العراق من شؤون محلية وتنقلات الوزراء والمسؤولين، بالإضافة لحركة الحزب وأعضاءه، والفروع والشِعاب والفرق في عموم البلاد، عبر مراسلات بريدية ورقية تتمّ بين أمانة سر القطر  والفروع في المحافظات كافة، تشمل كل شيء تقريبًا، هذه الوثائق كانت تُنظم وتؤرشف في إصدارات وإضبارات. حصل كل ذلك مع نهاية السبعينيات وصولاً الى عام 2003، أي ما يقارب الخمسة والعشرين سنة من الأوراق والملفات والتقارير والخِطابات والفعاليات الحزبية المختلفة، في كل ما يخصّ العراق. أرثاً كبيراً، وحمل ثقيل تنأى بحمله الجِبال، ولكن حملته الطائرات الأمريكية من ذات العام الأخير، بعد أن أشرف عليه الكاتب والمؤلف كنعان مكية، ورئيس الوزارء الحالي مصطفى الكاظمي، حيث كان صحفيًا مغمورًا، أثناء عملهما في مؤسسة الذاكرة العراقية، والتي كان مقرّها بيت المعماري الراحل محمد مكية في حي كرادة مريم وسط بغداد. ضمَ هذا الأرشيف 6 ملايين وثيقة، بما في ذلك الصور الفوتوغرافية والوثائق الحكومية الرسمية والاتصالات الأجنبية، والكثير من المواد الأخرى ذات الصلة. نُقل هذا الأرشيف إلى العاصمة الأمريكية واشنطون، حُلل البعض منه، ودُرس البعض الآخر، وأستُنسخت الأوراق ذات الطابع الخاص، والباقي وضِع على جنب، إلى أن طالب به من نضده ونقله، حيث باتَ مسؤولًا كبيرًا في العراق، فأعاده إلى منشائه الأصلي على طائرة عسكرية أميركية أيضًا.
عاد الأرشيف الى العراق أخيرًا بعد رحلة دامت سبعة عشر عامًا، لتؤرخ لمرحلة من عمر البلاد، في سلبياتها وإيجابياتها، خطأها وصوابها، شئنا ذلك أم ابينا، فهذا هو واقع الحال، وتاريخنا المُدون. ومع هذا تنسدل الستارة على المشهد الأخير من  الدراما العراقية لحزب حكم لسنوات طوال، لكن السؤال الباقي والذي لا يزال يدور في البال، متى يأخذ العراقيين دروساً وعبراً من أخطائهم وتجاربهم الكثيرة، بدلاً من الركض خلف سراب الأحزاب والمرجعيات الدينية والمليشيات المتطرفة، فالوطن غالي وفوق كل الأحزاب والتيارات والمذاهب.

44
عهَد البطولَة الزائفّ
لا نذيعّ سرًا إذا قلّنا إنّ أفشل مشروع مرّ في هذه الحقبة الزمنية الحساسة والخطيرة من تاريخ العراق الحديث سواء كانت أفكارًا أيديولوجية، أو عمل سياسي، أو برنامج نهضوي عرفته البلاد ما بعد التغير، هو الأحزاب المسيحية العراقية بكافة أشكالها وتنوعاتها وفروعها، إذا جاز ليّ  التعبير. فمع كل المُتغيرات والمنعطفات والمعطيات الجيوسياسية التي حصلتّ على أرض الواقع لم تكن هناك إرادة حقة للتيارات والحركات المسيحية في فعل شيئًا حقيقيًا للوطن، لِمَا تحمله من عناصر النكوص وازدواجية المعايير والخطاب الفارغ، والذي فقدّ خلال السنوات الماضية الكثير من مصداقيته، فلم يعدّ أحدٍ يثق بهذا الطيف الواسع من السياسيين، بعد أن انكشفت الكثير من الحقائق التي كانت غائبة عن الناس.
 من عام السقوط في 2003، تبين إن الجميع نمور من ورق لا أكثر، يخضعون للمصالح الشخصية فوق أي أعتبار وطني ومصلحة عامة، زِمَامَهم ليسَ بأيديهم. يعود كل ذلك إلى شيء جذري هو قلةّ التجربة السياسية في المرتبة الأولى، الحنكة والدهاء في المرتبة الثانية، وعدم المعرفة  بالأدوات اللازمة لتحقيق وخلقّ وعيًا سياسيًا يخدم المصالح الوطنية ثالثًا.
جاءت الأحزاب والحركات والفعاليات بين قوسين المسيحية منها لتزيد من الإخفاقات العديدة التي حصلت في بلاد ما بين النهرين، لتجرّ وراءها أَذْيال الهزيمة والخيبة والعار، والتي ما فتئت تزداد يوماً بعد آخر.
ماذا قدمت الحركة الديموقراطية الآشورية( زوعا) خلال هذه الفترة من عمر العراق الجديد غير تشبث الزعيم الروحي لهذه الحركة يونادم كنا بكرسي البرلمان المكسور، ماذا فعل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، والذي هو بالأساس صنيعة كردية، غير اِنقسام  وتشظي  يُضاف على الإنقسامات الموجودة أصلًا داخل هذا البيت المتصدع الجدران. ماذا قدمت حركة بابليون الشيعية بالأصل، والتي يقودها ريان الكلداني المصنف على لائحة الإرهاب، غير إعتداءات وسرقة طالت المسيحيين قبل غيرهم، ماذا فعلَ المحسوبين على التيار القومي المسيحي خلال السبعة عشر عاما الماضية، سؤال طبيعي الكل يسأله، من كان في داخل الوطن أو خارجه.
يجب على جميع السياسيين أو أشباه السياسيين أن يخجلوا ويُحاسبوا أنفسهم على الأخطاء التي إرتكبوها عن قصدًا وتعمدًا، ففي عالم السياسة لا يوجد خطأ غير مقصود، فكل إخفاق وقرار غير صحيح مهما كان بسيطًا هو عبارة عن سلسلة من الاخفاقات السابقة والقرارات الغير مدروسة تكورت بالتدريج مثل كرة الثلج التي تكبر مع السقوط الحر من أعلى الجبل.
هناك من دون شكّ فراغًا كبيرًا في المنظومة السياسية المسيحية، فالمسألة أبعد من ذلك بكثير، ليست شخصانية، أو حقد وحسد على أحد، المسألة تخص شعب مازال يعيش على أرض وطن يلعق جراحه الكثيرة إلى اليوم. الثابت الوحيد، وبدون تفاصيل أكثر وشرح أدق، وعلى كل الأصعدة والنواحيّ هو فشل الخِطاب السياسي المسيحي في تطوير منهج أو سياق أو آلية عمل تقوم وفقَّ خطط مدروسة وعملية  لتنهض بالمستوى المطلوب والآمال المعلقة عليهم في صياغة سياسات ناجعة ومستقبلية، وبلورة أفكارًا جديدة تعطي ثمارها للسياسي ذاته وللشعب الذي ذهب وأعطى أصواته لهم، من خلال صناديق الانتخابات خلال  العقد الأخير من تاريخ العراق المنكوب.
يظل هناك بارقة آمل مع كل ما حصل ويحصل، من مراوغة وخداع وتهكم ومصالح شخصية، ويبقى تصحيح الأخطاء والمسّاو السياسي لهذه القوى المتناحرة بينهم ممكن إذا كانت هناك عزيمة حقيقية وتضحية وبعض التنازلات من قبل الفرقاء السياسيين، وأن يصعد جيلًا جديدًا مُثقف ومُتعلم، يؤمن بعدالة قضيته ورسوخ هويته الوطنية والقومية وإنتمائه لأرضه وأرض آبائه وأجداده، من خلال الانتخابات البرلمانية المُبكرة التي التزام بإجرائها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، للنهوض بالعمل الجماعي لتحقيق أفضل حل لهذا الشعب المُهمش والمسكين، والذي لم يرَ الراحة والسكينة منذُ أَمَدًا بَعِيدًا وفترة طويلة، فبين حرب وحرب كانت هناك حرب.

45
المنبر الحر / ملبورن بينَ نارينّ
« في: 08:14 11/09/2020  »
ملبورن بينَ ناريّن
بقلم/ سلوان ساكو
لم تشهد ولاية أستراليا في الإتحاد الفيدرالي الأسترالي، عزلّ وحَجّر وحبسّ داخل مربع قطره 5 كم مربع، كما تشهده ولاية فكتوريا الآن ومنذّ ما يُقارب الأربعة أشهر المنصرمة من عُمر الحرب على فيروس كورونا.
تم إكتشاف الفيروس التاجي عالمياً في بداية العام الحالي تقريبًا، كان الحدث كبير ومخيف في وقتاً واحداً. وضع الكثير من الدول العظمى والعواصم الاوروبية في العزل والحجر الصحي التام، باريس، روما، مدريد، نيويورك، إلى أن رأوا  إنَّ الوضع برمته شاذ وغير مقبول وخارج سياق المنطق والعقل، بالنهاية فعلوا ما فعلته السويد، ففتحوا كل شيء، لكن ضمن حدود وشروط معينة، لا تخلّ بسلامة وصحة المواطن، وفي ذات الوقت تُحافظ على مصدر عيشه  واقتصاد البلد وإنتاجية الأسواق التجارية. تبينَ مع مرور الوقت أن الخطوة كانت ناجعة وصحيحة، وبالتالي تمّ الخروج من عنق زجاجة الكورونا بأقل الخسائر الممكنة، وعادة الحياة تدريجًا تدبْ في نبض الشارع وإن كانت بصورة بطيئة.
في دولة أستراليا تأخر وصول الفيروس إلى الداخل بعض الشيء، كانت الحكومة الفدرالية متساهلة في المطارات والموانئ، مما زادَّ الأمر سواءً، وفاقم من الوضع الصحي برمته، ومع هذا التخبط الغير مدروس والفوضوي داخل أجهزة الدولة المختصة، دخلّ المصابين وبأعداد كبيرة إلى داخل البلاد، فأصبحوا تحصيل حاصل لا أكثر. حين أخذت أرقام الإصابات بالارتفاع بشكلٍ ملحوظ، حاول  رئيس الوزراء الفدرالي  سكوت موريسون  Scott Morrison، وضع خطة مرنة ومعقولة وقابلة للتطبيق للتعامل مع الجائحة المُستجدة في عموم البلاد، تصبّ في أمرين، أولاً مكافحة وتحجيم رقعة إنتشار الفيروس قدر الإمكان، وثانياً السيطرة على الحياة الاقتصادية الذاهبة بتجاه الانهيار بالنسبة للفرد أو الدولة على حدًا سواء، حيث حققت الميزانية الوطنية عجزا بلغّ 85.8 مليار دولار أسترالي للسنوات 2019-2020. ومع مرور الأيام تبين أن تلك السياسة كانت صحيحة وفعالة بشكل مُعين في التعاطي مع هذه المرحلة الحرجة والخطيرة من تاريخ البلاد، ومرة اخرى تنفس الجميع الصُعّداء، بعد عناءً وتعبٍ تجشمه الكل.  هذا كان على الصعيد الفيدرالي، أما على الصعيد المحلي في ولاية ملبورن، فقد أزدادت حدة الإصابة بمرض COVID-19 مع مرور الوقت، وباتَ هناك عجزاً كبيراً في إستيعاب الحالات المرضية، وجائت فضيحة دار رعاية المسنين وبالتالي موتهم وحدهم وفي غرفهم وعلى أسرتهم مدوية، والفندق الموبوء الذي كان يحتوي على نزلاء مصابين بالفيروس ارادَ الجيش الوطني حماية الفندق بمحاذير مدروسة للتعامل معهم، رفضت حكومة آندروز الأقتراح، وأعطت لشركة آمن اهلية أمر حماية النزلاء المعزولين، بعدَ أيام معدودة اِنصابَ رجال الآمن نفسهم وإنفرط عقد العزل، لتُظهر مدى الفوضى والعجز الذي تملك الحكومة والكوادر الطبية في المستشفيات والمراكز الصحية. فكان لابد من فرض قيود صارمة وجدية، ابتداءاً من المرحلة الأولى وصولاً للمرحلة الرابعة، أيّ إغلاقًا بشكلٍ كامل تماما، جواً وبحراً وبراً، في جميع المجالات وعلى حدود الولاية ككل. تبين لاحقًا أن العزل غير فعال وفاشل، وأن الإصابات في إزدياد مُضْطَرِد، والوفيات وصلت إلى أرقام مخيفة، تجاوزت التسعين حالة في اليوم الواحد. ومع الحالة الاقتصادية السيئة، وإغلاق المحلات والمصالح التجارية والصناعية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة منها، ومع الحالة النفسية المُزرية التي صاحبت الأزمة، سَادَ التَّذَمُّرُ بَيْنَ النَّاسِ وبات هناك سخط عام في الوسط الأجتماعي وعدم رضا أتجاه حاكم الولاية دانييل آندروز Daniel Andrews وحزبه الحاكم  في تحقيق أنجح الطرق للخروج من هذه الوضعية الخانقة التي عصفت بالبلاد ووضعته في مأزق كبير جدًا وحقيقي، ربما لن تتعافى منه الولاية لسنوات طويلة، مِمَا جعل الناس تخرج في مظاهرات واستنكار وشجب، تُطالب بعودة الحياة الى طبيعتها، وفكّ القيود، والعودة الى المرحلة الثانية على وجه السرعة، وهذا حق طبيعي يتمتع به كل مواطن يعيش على هذه الأرض.
في النهاية أخفقت حكومة دانييل آندروز في التعاطي بشكل منطقي وممنهج وإستراتيجية مع فيروس كورونا، ووضعت الولاية على المحّك، وقَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى من الفوضى والدمار على الصعيد والاقتصادي والسياسي، وهذا واضح بشكلٍ جليّ في الصراع الدائر بين حكومة ولاية فكتوريا والحكومة الفيدرالية في العاصمة الأسترالي كانبيرا.
على حكومة Daniel Andrews، أخذ خطوات جادة وحاسمة، تتسم بمزيد من العقلانية والعملية، والعمل على عودة الحياة الى سابق عهدها، ورجوع حركة السوق والإعمال والمهنّ التجارية الى وضعها الطبيعي، حيث لم يعد يتحمل المواطن العادي المزيد من الضغوطات اليومية المتزايدة والانتكاسات المالية الكبيرة، وألا أنفجر المرجلّ في وجهّ الجميع ويحصل ما لا تحمد عقباه. فالكل مسؤول ويعيش على هذه الأرض، وله حق التعبير عن رأيه سواءً في النقد أو التقيم أو الحكم على الاخطاء في سير وعملية النظام، أو التظاهر سلميًا.

46
لم يَمتّ الصائغ يومًا
في الطريق بين أنقرة وأدنة كانت صور الجبال والوديان والطُرقّ والسهول الخضراء مُدهشة وساحرة للناظرين إليها، في تلك البقعة من الطبيعة الأخاذة والخلابة كانوا أربعة في سيارة واحدة يقطعون الفَيْفُ والغابات، يسرحون بنعيم جنة عدن الأرضية وتجول بِأفْكَارِهِم الدنيا السعيدة. أبراهيم اليتيم وزوجته، يوسف الصائغ وزوجته جوللي، عائدين من رحلة كانت على تخوم أوروبا الشرقية. ثمة شاب يقف على قارعة الطريق يبيع تفاحً، طلبت السيدة جوللي أن تشتري بعضًا منها وتنعم بثمار هذه النواحي الغنية بفاكهة البساتين الطبيعية، توقف اليتيم واشترت سيدة التفاحات الأربع من الشاب الذي كان يقف تحت ظل شجرة تينة وارفة وأعطت لكل واحد من المسافرين تفاحة، واحتفظت بالأربع الباقية كي تنقلهم إلى بغداد وتهديهم لمن تشاء، ولكن لم تصل الأمانة، ولم يتسنى ليوسف أن يسألها لم سوف تُعطي هذه التفاحات حين تصل عاصمة الرشيد، ظل الجواب لغزا. في منعطف حاد خارج عن إطار الزمن تدهورت أحوال السيارة واختلت السياقة، وأبراهيم فقدّ السيطرة على المقود، فتدحرجت وانقلبت مرتين في وادي منخفض، إلى أن استقرت وأخذت وضعيتها الصحيحية، لم يحدث شيء غير طبيعي، كأنه عبارة عن حادث بسيط، الكل بخير ألا جوللي، ومعها التفاحات الأربع في حضنها، فقد فارقت الحياة إلى الأبد، بكامل زينتها وجمالها وثوبها الأبيض، كأنه كفنها العُرسي الذي ارتدته في رحلتها الآخيرة نحو ديار الخالدين. من ذلك اليوم وبالتحديد في 14 آذار مارس 1976 مات يوسف الصائغ حقاً، يوسف الفنان والشاعر والقاص والروائي والتشكيلي والنحات.
لم يكن موته في سوريا في 12 ديسمير عام 2005 غير استكمالًا للموت الأول، وطريقٌ ثانوياً سارَ عليه الشاعر مرغمًا، والباقي يظل حواشي من حوارًا على هامش السنوات والذكريات الضائعة. بين مادحًا وكاتبًا لِعامود في مجلة ألف باء ومدير دائرة السينما والمسرح، فهو مسجونًا للماضي مهما طالت الأيام والسنون، فهناك نصلاً حاد يمزق الأحشاء.
ماركسيًا أو بعثيًا كان، اشتراكياً او ليبراليًا، متصوفٍ في محراب الفن أم ناسكٍ في الجبال العالية، لا يهم كثيرًا. كاتب إعترافات مالك بن الريب هو، لعبته إنتهت مع أنتهاء شغفه المتجرد بالحياة. دمشق كانت المحطة الأخيرة في قطار العمر الطويل. سنوات من المرض والوهن والعجز، المسافة كانت قريبة بينه وبين الجواهري في مقبرة الغرباء والباب كان مُوَارَب على مصرعيه في الحديث والسمر في ليالي الشتاء الباردة داخل تابوت من خشب رخيص يُزقزق من هزة ارضية خفيفة. أرادَ العوده ولكن هَيْهَات أَنْ تَعُود الْمِيَاه إِلَى مَجَارِيهَا، من يعود من الجُبّ يا يوسف غير يوسف الصديق.
يقينا مات الشاعر الكبير يوسف نعوم الصائغ أبن الموصل الحدباء، ولكن شعره ومؤلفاته لم تمت أبدًا، فهي باقية وشاهدة عليه وعلى إرثه العظيم فهو إمتداد لملك أبن الريب بدون ريب.
ما هذا زمن الشعر
ولا هذا زمني
هذا زمن مسدود
يخرج منه الدود
صار الشعراء قرودا فيه
والعشاق يهود
باركني بيديك الحانيتين
وامنحني
غفرانك ياوطني.

47
من الكاظمي إلى الحريري
يقوم رئيس الوزارء العراقي مصطفى الكاظمي بمجهودات جبارة لإعادة العراق إلى الحاضنة العربية والاقليمية والعالمية، بعد طول غياب من على الساحة العامة، وبعد أن أستحوذ ملالي إيران على مقدرات البلد من جميع النواحي. وهذا لم يتأتى من فراغ، بل جاء استكمالًا لم قامّ به الرئيس السابق الغير مأسوف عليه باراك أوباما، حيث سلم كل مفاتيح السلطة السياسية والغير سياسية للجمهورية الإسلامية دون مقابل، لتفعل ما يتماشى مع مصالحها فوق أي أعتبار لكيان دولة يدعى العراق، المهم هو توسعها، وفرض مشروعها المذهبي وهيمنتها على ثروات وخيرات البلد، وهذا ما نجحت فيه إلى حدًا بعيد، على الأقل في البلدان التي أمتد فيها مرض السرطان الإيراني فيه، كسوريا واليمن ولبنان والعراق.
لا شك أن الكاظمي يحمل مشروع وطني يتماهى مع تطلعات كل مواطن شريف يريد خيرًا للوطن، هذا ما أثبتته الأيام القليلة الماضية، وما كانت الزيارة الآخيرة للبيت الأبيض في عاصمة صنع القرار واشنطن سوى دليل واضح على أن العراق مُقبل على تغيرات كبيرة وعلى أكثر من صعيد، أمني سياسي أقتصادي طبي، والذي هو اليوم في أمس الحاجة الى إعادة الهيكلية ومشاريع إعمار بنى تحتية، وأن كانت البداية  من الصفر إن لم تكن تحت الصفر أصلًا. فمن عام 2003 لم نشهد أي تقدم أو حركة بناءً وإنشاء، حتى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، كانت مشاريع نصب واحَتيال وسرقة وفساد، ليس بعدها فساد ونهب لمقدرات تعد بالمليارات الدولارات، حتى أصبح المسؤول في الدولة مدعاة سخرية وتهكم ومحل شبه أين ما حلّ وذهب في عراق ما بعد التغيير.
 الجميع اليوم ينظرون وينتظرون بفارغ الصبر إلى رئيس مجلس الوزراء الحالي، معلقين آمالهم العريضة لِغداً أفضل يتكلل بالإنجازات والمشاريع الحيوية التي يطمح إليها خلال فترة رئاسته، نتمنى ذلك، ولكن ثمة أمر أخر يسترعي التوقف والانتباه عنده، فالعراق إلى اليوم  يرزح تحت وطأة وسيطرة الميليشيات المسلحة بشكلٍ كامل، وهذا لا يختلف عليه أثنين، وما ميليشيا الحشد الشعبي إلا وجه قبيح من هذه الوجه المتعددة. ولا ينبغي أن يغيب عن أبصار الناس إنّ الإرهابي الأكبر نوري جواد المالكي، إلى اليوم له قوة وسطوة وعصابة قوية، وهو على رأس هرم السلطة وأن كان بشكلٍ أخر. ألم يشارك فعلياً في تفجيرات السفارة العراقية في بيروت عام 1981 وراح ضحيتها 61 شخصًا بما فيهم السفير العراقي عبدالرزاق لفتة وبلقيس الرواي زوجة نزار قباني، وقد نفذ العملية حزب الدعوة الذي يتزعمه المالكي بتنسيق وترتيب من المخابرات السورية. أليسْ هو من سلمّ الموصل على طبق من فضة إلى تنظيم داعش الإرهابي عام 2014، والى الآن هو مسؤول في الدولة العراقية ويتزعم حزب له نواب أغلبية في البرلمان. ميليشيا الصدر وحزب الله العراقي وغيرهم الكثير ليسوا أفضل حال من البقية، فهمّ يتحكمون في مفاصل الدولة ولهم أتباع كُثر في جميع المؤسسات والدوائر الحكومية والغير حكومية. الخوف أن يتكرر المشهد المأساوي الذي حدث في بيروت سنة 2005، حينما قام أعضاء من حزب الله اللبناني وبتنسيق مخابراتي سوري باغتيال رئيس الوزراء وقتها رفيق الحريرى وسط العاصمة. هو أيضًا كان يحمل مشروع نهضوي لإرساء أساسات قوية تحمي البلد من الضياع والفوضى، وإعادة الدم الى شرايين لبنان بعد أن توقفت عن النبض والحركة، بدعم خليجي وعربي ودولي، ولكن في النهاية أُجهضت العملية برمتها ومات الوليد، وتمّ اغتيال صاحب المبادرة في عقر داره، وانتهى شيء كان أسمه لبنان الى الأبد.
اليوم ما أقرب مصطفى الكاظمي من هذا السيناريو المُحتمل في أيّ وقت وأيَّ مكان، مع وحوش المال والسلطة والأرهاب المتعطشين دومًا الى دماء كل عراقي تصل أيديهم أليه ولينهشوا جسده، وقَابَ قَوْسَيْن أَو أَدْنَىٰ من عملية اغتيال مدبرة، تقوم به مجاميع تترصد كل حركة يفعلها أو تصريح قوي يدلي به أو يحل ميليشيا ويلقي القبض على أنصارها. وبعد ذلك ينتهي البلد إلى الأبد، فلا تقوم له بعدها قائمة.

48
أدوات اللعبه الجديدة.
في 26 كانون الثاني من عام 2008 توفي الحكيم جورج حبش، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقتها كنتُ مقيمًا في دمشق، فأثرتُ الذهاب إلى العاصمة الأردنية عمان لحضور مراسيم الدفن والجناز في كنيسة الروم الارثوذكس والتي تنتمي إليها عائلة حبش. في معبر جابر – نصيب الحدودي بين الأردن وسورية، طلب مني الضابط الأردني توضيحًا لدخولي الأراضي الأردنية، فقلتُ له أود حضور عزاء الدكتور جورج حبش في عمان، تطلع لي بستغراب وعلى محياه ابتسامة صفراء وأردف، هل يوجد شاب مثلك يتذكر كل هذا اليوم!. فأيقنت حينها فقط إن الكثير من البديهيات قد تغيرت على أرض الواقع.
تغير الكثير من حولنا ومعه ملف القضية الفلسطينية من عام 2003 وإلى يومنا هذا، أيّ من وقت سقوط العراق، لم يعد العالم بعد هذا التاريخ كما هو، فموازين القوى تبدلت الى حدًا كبير.
شكلت نكسة حزيران في سنة 1967 هزيمة للعرب ما بعدها هزيمة، ارتداداتها مازالت قائمة إلى ألان. أكثر ما تغير في وعيّ العربي العَاقل هو عملية السلام، واندراجها ضمن نطاق العمل المشترك الذي يحقق المصلحة العامة للدولة، أيَّ دولة كانت. حققت إتفاقية أوسلو في 13 سبتمر 1993 بين ياسر عرفات وشمعون بيريز بمباركة الرئيس الأميركي بيل كلينتون الكثير على أرض الواقع، ترجمة فيما بعد إلى  تفاهمات لكلا الفريقين. حتى قبل هذا الموعد كان هناك تسويات مهمة حيث كان مؤتمر السلام في مدريد عام 1991، حدثًا متميزًا وجوهريًا في الصراع العربي الإسرائيلي، الكل عرفّ بما فيهم الزعماء العرب أن لغة السلاح القديمة لم تعد تنفع مع تحول في أساليب العمل السياسي، والتي تُوجت لاحقًا لمبادرات السلام العربية والانفتاح والتطبيع مع دولة اسرائيل، إن كان بشكل علني مثل الأردن ومعاهدة السلام في وادي عربة عام 1994، أو تحت الطاولة كقطر والبحرين، فمن مجموع 193 دولة مرتبطة بهيئة الامم المتحدة هنالك 163 دولة تعترف بالدولة العبرية، ولها قنصليات وسفارات وتمثيل دبلوماسي وملحقيات عسكرية وثقافية وفعاليات رياضية حتى. لنفهم الخطوة الجريئة التي أقدمت عليها الأمارات العربية المتحدة في التطبيع الكامل مع اسرائيل مؤخرا، يجب أن نعلم أنه قبل 42 سنة حصلت إتفاقية مشهورة أسست لما هو لاحق، تدعى إتفاقية كامب ديفيد، وقعها الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في 17 سبتمبر 1978، بمباركة أمريكية.
الانفتاح مع تل أبيب لم يكن وليد اليوم، بل له إرثا قديمًا وجذور عميقة، وما كانت زيارة رئيس الورزاء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى سلطنة عُمان في اكتوبر عام 2018 غير رسالة واضحة من السلطان قابوس إلى العالم العربي والإسلامي يقول فيها إن الوضع السياسي القديم قدّ تغير، ويجب فتح قنوات إتصال مباشرة مع اسرائيل، وأن السلام لا يمكن إن يحدث ألاّ عن طريق المفاوضات والمحادثات، وأيام الصراع وخطف الطائرات والعمليات الانتحارية والفدائية إنتهت دون عودة. لم يمضي وقتًا طويلًا حتى مات قابوس بن سعيد، ولكن رسالته كانت قد وصلت وبقوة هذه المرة، وشرعت الباب لدخول مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين العرب واليهود.
ربما دخلت القضية الفلسطينية منعطفًا خطير وبات الحديث عن تحرير القدس والأراضي العربية المحتلة من أيدي اليهود والصهاينه ضرب من التاريخ الكلاسيكي. من يتذكر اليوم دلال مغربي، وديع حداد، خليل الوزير، أحمد جبريل، علي حسن سلامة، حتى محمود عباس ابو مازن، أين هو اليوم من كل هذا؟.
الجيل الفلسطيني الحديث، تيقن إن مرحلة النضال لاستعادة الأرض قد تبدلت، لم تعد تجدي نفعًا الأدوات القديمة في التعامل، صار هنالك تطورات مهمة في آليات العمل مع اسرائيل، وشراكة في تقسيم الدوائر والأدوار، غير ذلك حرثًا في الماء.
في نهاية الأمر سوف تتطلع كل الدول العربية إلى إنفتاح كامل وشامل مع الدولة العبرية، لسبب في غاية البساطة، وهو لا يمكن المضي قدمًا في السوق والتجارة الحرة والسياسة الخارجية والمالية والبنوك والمؤسسات المعنية دون التعامل مع إسرائيل، هذا بات واضحًا للجميع، وهذه أيضًا أهم شروط اللعبة والتسوية في تعاملات العالم اليوم. وهنا يجب أن لا نغفل التغيرات الجيوبوليتيكية في المنطقة، يُضاف إلى كل هذا طبعًا صفقة القرن أو خطة ترامب للسلام.
يظل الخاسر الوحيد من لم يعرف كيفية التعامل مع الأدوات الجديدة في ظل تطورات ما فتئت تتغير  يوم بعد أخر، أسرى مصطلحات وشعارات قديمة لم يبقى منها شيءٍ يذكر، الرهان اليوم يقع على من يستطيع العمل من أجل مصلحة وطنه وشعبه.

49
المنبر الحر / شريَحة الشيّطان
« في: 07:43 14/08/2020  »
شريحة الشيطان
كثرّ في الآونة الآخيرة الحديث عن  بيل غيتس Bill Gates قطب التكنولوجيا ومؤسس شركة مايكروسوفت، وصاحب أكبر منتج ومصنع ومكتشف للقاحات في العالم، عن الشريحة الصغيرة، تلك التي توضع تحت الجلد، حيث يبلغ حجمها حجم حبة الأرز أو أكبر قليلًا، لها استخدامات مختلفة في الحياة اليومية، فهي تحمل بداخلها تذاكر السفر والبطاقات البنكية وبطاقة الهوية، وتقيّ أو تنبه أو تعطي مؤشرات عن الأمراض في الجسم والفيروسات التاجية وغير التاجية منها، COVID-19 وصعودًا.
المقاطع المُحملة على موقع اليوتيوب بهذا الخصوص عديدة، لا حصر لها، تحت مُسميات مختلفة، خذّ مثلًا، شريحة الدجال، الرقائق الإلكترونية، الشريحة الماسونية، وغيرها، وكأننا إزاء سيناريوهات من عوالم مختلفة؛ أو تم غزونا من قبل مخلوقات دقيقة من مجرات أخرى. نظرية المؤامرة والتي تعجّ بها منصات التواصل الأجتماعي، خاصةٌ خلال الثمان أشهر الآخيرة، أيّ في فترة إكتشاف فيروس كورونا وما بعدها، حدث ولا حرج، وكل شيئ أصبح في سياق المؤامرات والعوالم الخفية والنخبة التي تقود البشرية. الشريحة موجودة؛ ولكن ليس على هذه الصيغة المبتذلة والسطحية التي يتعاطى معها البعض، أسمها العلمي هو ID2020، وكان لها إرهاصات في أفلام هوليوود التي تُحاكي المستقبل، على سبيل المثال لا الحصر في فلم The Matrix أو المصفوفة، حين يعطي البطل Keanu Reeves جواز سفره لشرطي المطار، فيقول له الشرطي إن الجواز منتهي الصلاحية من سنة 2000، بمعنى إن العالم القديم قد أنتهى مع أنتهاء القرن العشرين، وأن العالم الذي تعيش به اليوم هو عالم افتراضي يُسمى الـ matrix. فإذاً هو صراع افتراضي وهميّ بين النظام System والبشر Humans. لنأخذ مثل آخر وهو مشروع الشعاع الأزرق، أو الهيلوغرافيا، بمعنى أوضح، أنت جالس في البيت، الزمن هو صيف عام 2020 وفجأة تظهر لك كوكب الشرق أم كلثوم بشحمها ودمهم وتغني لك أغنية سيرة الحب، وربما تُسلم عليكَ وتُجالسكّ، ولكن في النهاية كل هذا وهمّ؛ ومقطع افتراضي، وضرب من الخيال الممزوجة بالتقنية العالية، بالمناسبة أول مرة تم استعمال هذه التقنيه كان إبان حرب الخليج الأولى في سنة 1991 حيث تم نشر صور لدبابات على الأرض وهي في الحقيقة كانت مجرد  خيال وسراب مشحون بنظام الديجتال، بالعودة للموضوع الأساسي، حيث لم يذكر غيتس شيءٍ عن الرقائق الالكترونية في لقاءاته المتلفزة، وقد حور كلامه من منطلق ثاني كان يتطرق له، حيث قال( ستكون لدينا بعض الشهادات الرقمية لإظهار من تعافى أو من تم اختباره أخيرا، أو تلقى اللقاح، بعد الحصول عليه) هذا الاقتباس من بيل غيتس نفسه، ولا ذكر فيه عن رقائق للزرع في البشر. ما تمتلكه شركة ميكروسوفت هو براءة اختراع لنظام العملة المشفرة باستخدام بيانات مثل الساعة الذكية والهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية والأجهزة الذكية وغيرها، والتي تحول الإنسان إلى آلة في نهاية المطاف.
ربما تتحقق نظرية الرقائق في المستقبل بكل بساطة؛ أو بعد سنوات إن طالت أمّ قصرت، وفي ذلك الوقت يكون الناس قد أستقبلت الفكرة بشكلها الجديد، وتوضع في سياقها التاريخي كأي سلعة ثانية تطورت مع تطور البشر ذاته، وتبلورت في الوعي الجمعي والثقافة العامة، ويكون لها مراكز وعيادات ومختبرات وخبراء متخصصين في هذا المجال، وفي النهاية يتقبلها الجمهور مثل ما تقبلوا الراديو والتلفزيون والطائرة وتكون وقت ذاك شيءٍ عاديًا كأي مادة في السوق.

50
لنعمل معاً من أجل فكتوريا
اخطر ما يمكن أن يتصوره المرء هو أحد الآمرين، دخول البلاد في حرب خارجية، أو أن تواجه وباء، مثل وباء اليوم الذي يضرب الولاية مؤخراً، حتى في رواية الطاعون لألبرت كامو، أشارَ لذلك خلسةٌ على لسان الدكتور برنارد ريو الذي تعثر في فأر ميت عندَ الرواق حينما كان يهم بمغادرة مكتبه.
تدخل ولاية فكتوريا المرحلة الرابعة من الأغلاق الشبه الكامل، والذي يشمل الكثير من المصالح الكبيرة والصغيرة والشركات، بعد أن تبين أن فيروس كورونا يسر على قدم وساق في مركز الولاية وضواحيها. المفارقات السُريالية المحُيطة بالجائحة غريبةٌ بعض الشيء، فمن المفترض أن تقل أعداد المصابين بعد أجبار الناس على إرتداء الكمامات Masks، أو أن يُشكل العزل الجزئي ثمَ الكلي إلى نزول في الحالات المصابة، ولكن ظهر مع الأيام إرتفاع حاد في COVID-19 والتي كان يجب أن تقل من الخطوات الاحترازية التي سنتها الحكومة المحلية. حاكم الولاية دانييل آندروز ما فَتِئَ يُحذر من مغبة الوقوع في فخّ الاخطاء التي وقعت فيها أوروبا، وإن كان بطريقة دبلوماسية دمثة، ولكن في النهاية وقعنا في المطبَّ بشكل أسرع من ووهان الصينية ذاتها، إهمال من الجميع بدون أستثناء. حسنًا ماهو المطلوب منا خلال هذه المرحلة المهمة والحرجة من عَمرّ الولاية، والتي لم تمرّ بهكذا ظرف صعب من أول مستعمر وطأت قدماه أرض الجزيرة، الأجوبة بسيطة جداً، وهي الالتزام بتعليمات السلامة، التباعد الاجتماعي Social spacing، أرتداء الأقنعة Face masks، عدم الخروج ألا في الحالات الضرورية، والأهم من ذلك كله هو عدم خروج المصابين بالفيروس من محل أقامتهم مطلقاً إلى حين تعافيهم. للوهلة الاولى تظهر هذه الأمور بسيطة ولكنها جدّ ضرورية، فالحفاظ على الدولة ليست مسؤولية الحكومة فقط، بل تقع على عاتق كل مواطن يعيش على أرضها، فالدولة كما قال الفيلسوف الألماني هيجل هي الفكرة الأخلاقية، أي هي الرُّوح الأخلاقية بصفتها إرادة جوهرية والتي تتجلى وتظهر وتفكر في ذاتها، وهي في ذات الوقت تمثل روح الجماعة، والفرد هو عضو في تلك الإرادة والجماعة. ومن هذا المنطلق نفهم إن لا رئيس الوزراء الفيدرالي سكوت موريسون ولا الحاكم في ولاية ملبورن أندروز يمثلان الدولة، هم جزءً منها ولكن الفرد أيضًا هو أساس قيام هذه الدولة بصفته إنسانًا واعيًا، وهو من يحميها أو يدافع عنها ويُشارك في أحداثها وديمومتها. ينبغي على كل مواطن اليوم أن يفهمّ ويعيّ هذه الصيغة الجوهرية، فبدون دولة قوية نضيع، ونحن العرب بشكل خاص، العراقيين اللبنانيين السوريين، يجب أن نفهم أكثر من الغير ، لأنّنا لم نستوعب فكرة الدولة فخسرنا الكثير، تصورنا الأحزاب والوزراء والشرطة والجيش هم الدولة فقط، وهذا أدى إلى كارثة حقيقية نجني ثمارها اليوم.
في فلم الفنتازيا الشهير The Lord of the Rings سيد الخواتم، يطلب أراجورن من الشجرة أن تساعده في مواجهة المخلوقات الوحشية، فترفض الشجرة في البداية المساعدة، فيقول لها أراجورن أنتِ تعيشين على هذه الأرض وتشربين من ماؤها وتستنشقين هواؤها ويجب أن تساعدينا في إنقاذ الأرض فترضخ له الشجرة، لأنها عرفت إن لها دورًا مهمًا في ثبات وديمومة الكوكب مهما صغر دورها، هذه رمزية الشجرة فكيف بنا نحن البشر.

51
قهوة العراقيين المرةّ
بقلم/ سلوان ساكو
من المؤكد أن الوضع في العراق لا يسر أحداً، خاصةً من هم في الداخل، وفي المناطق الساخنة بالذات، ومن المؤكد أيضًا إن الإخفاقات والفشل صاحب مسيرة التغير والاحتلال من عام 2003 وإلى يومنا هذا، مع كل الوزارات التي تشكلت والمؤسسات الحكومية والغير حكومية والأحزاب الكثيرة، من الحاكم المدني بول بريمر والى برهم صالح ووزارة مصطفى الكاظمي اليوم. إخفاق وفشل وفساد في كل شيء، في كل ما تطوله اليدّ، النفط، الكهرباء، الدفاع، الأمن، الخدمات العامة والصحية، التعليم والتربية، النازحين والمهرجين، حدث ولا حرج، يُضاف إلى كل هذا دور السياسيين العراقيين المحبط والمخزي، وعدم إنتمائهم لشيء أسمه وطن، عدم قدرتهم على تجاوز الماضي، وعدم إمتلاكهم الكفاءة الكافية في إدارة شؤون دولة غنية كالعراق، كل هذه التراكمات كرست لمرحلة باتْ العراق فيه في مصاف الدول الفقيرة، وفي اسفل سلّم الدول النامية وتحت خط الفقر وفي أسوأ مؤشرات التنمية البشرية، كل هذا وغيره من كَلاَمٌ يَنْدَى لَهُ الجَبِينُ وخلال السنوات الثمانى عشر الماضية من عمر الانهيار أصبح المواطن العادي المُعدم يسأل سؤال بسيط ولكنه مهمّ، إلى متى يظل الوضع المُزْرى على ما هو عليه، إلى أين سوف تَفَضَّى كل هذه السنوات من العمر الضائع مع أشخاص وحكام وقادة همهم الوحيد هو السرقة والمتاجرة بمصالحهم وأرزاقهم.
في أستفتاء غير رسمي لقناة محلية تجوب شوارع بغداد أظهرت كمية السخط والحنق والغيظ الذي يكنه العراقيين للساسة الحاليين، لا بل أصبحوا يحنون للماضي بكل ما يحمله الماضي من محنًا وقسوة، ولكن لم يصل الأمر بأن يقتل العراقي أخيه من أجل حفنة من المال، أو من أجل مذهب أو طائفة مغايرة له. حتى حزب البعث الحاكم من سنة 1968 والى 2003، لم يجرء على المساس بالسلم الأهلي والمُسلمات الدينة واللعب على وترّ الأديان، هذه كانت من الخطوط الحمراء، نعم كانت هناك تجاوزات تحصل بين الفينة والأخرى ولكن لم ترتقي إلى أن تكون حالة منظمة وبشكل سافر وعلني. نعم كانت هنالك ثمة حاجة ملحة في مواكبة التطورات العصرية في العالم، وكان أيضًا الكثير من السلبيات على صعيد الدولة والحزب، ولكن كان هناك قانون يتمثل في الدولة وقوة تتجلى بأشكال مختلفة من شرطي المرور في الشارع مرورًا بالموظف والوزير، وبعد سنوات الفوضى والتشتت والغزو ضاعت الدولة وتَسَربَلَ العراق برداء الدماء التي إرَاقَتها الميليشيات والعصابات المسلحة، لم ينجح أحد من الذين جاؤوا على ظهور الدبابات الاميركية في بلورة رؤيا مستقبلية استراتيجية واضحة للعراق، فساد وسرقة ومصالح شخصية لا أكثر ولا أقل.
التشظي والاعتداءات والمَهانَة ليست في الداخل فقط، بل طالت الحدود ودول الجوار أيضًا، تركيا لها معسكرات في قضاء بعشيقة، بمعنى أدق هي على مرمى حجر من الموصل، إيران تعتبر العراق ضمن نطاقها المذهبي الذي هو جزءً من ولاية الفقيه، الكويت ومشاكل الحقول النفطية على الحدود بين الدولتين تُثير جدلاً لن ينتهي، عن أي سيادة نتحدث، وعن أيَّ دولة؟.
لا يمكن تجاهل كل هذا تتحمّل إيران المسؤولية الأكبر  في جميع الإخفاقات مع الساسة العراقيين الموالين لها. بين 2003 و2020، تغيّرت أمور كثيرة في البلد من جملة ما تغير الفرد العراقي ذاته، لم يعد له ثقة في الأحزاب السياسية والحكومات، ولا يمكن أن توجد هذه الثقة ما لم يلمس المواطن شيئاً على أرض الواقع، اليوم ليس لدى السياسيين العراقيين ما يقدموه للشعب سوى الكذب والنفاق وعملية نهب منظّمة لعائدات العراق من النفط.
البلد اليوم على حافة الإفلاس مع تهاوي أسعار النفط العالمية، وسوف يظل المواطن المسكين يُعاني الى أمد طويل في ظل هذا العجز الكبير في الميزانية والدين العام الذي يبلغ حاليا 37 مليار دولار ويتضمن أيضا ديون نادي باريس.
لا يعي من همّ على رأس السلطة في العاصمة العراقية بغداد إن السيل قد بلغ الزبى، ولم يعد أحد يتحمل كل هذا الفشل في أبسط الحقوق والخدمات العامة مع هذا القيظ الشديد.
السؤال الأهم، هل سوف يُقدم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي على خطوة جدية نحو إعادة هيكلة النظام وبناء دولة محترمة تحرص على سلامة وأمن مواطنيها مع نهاية العام الجاري وبداية السنة المُقبلة، آمّ سوف نشهد إنتكاسة جديدة وما أكثرها في العراق الحديث وتسوء الأحوال أكثر من السابق.

52
لم يكنّ تحويلًا كانَ فَتْحًا مُّبِينًا
الأطماع التركية في الضم والسرقة والاعتداء على حقوق الغيرّ ليست وليدة اللحظة، بل لها جذورًا تأريخية يصعب حصرها الآن، على سبيل المثال لا الحّصر، في عام 1997 طالب رئيس وزراء تركيا حينها نجم الدين أربكان بعودة مدينة الموصل للحضن الوطني التركي، وعلى هذا الإساس حركّ بعضاً من قطعاته العسكرية المُتاخمة للحدود بين البلدين، جاء ردّ الرئيس الراحل صدام حسين سريعاً وقويًا في آن واحد، بإنزال الجهاز الحزبي (البعثيين) بأكمله في المحافظة  إلى الشارع مع حمل السلاح، وقطع الطريق الواصل بين دهوك والموصل مع تحريك بسيط لعدد من الوحدات العسكرية العراقية، لم تمر غير ليلتان ألاّ وأربكان يعتذر عن سوء الفهم الذي حصل، والخطأ الذي تخلل خطابه وتحوير كلامه. كانت هناك ثمة قوة ودولة يحسب لها آلف حساب، ذهب كل هذا اليوم.
حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمنيته في الصلاة في كنيسة آيا صوفيا في وسط إسطنبول. لم يكن التاريخ الذي أختاره اعتباطيا، بل جاء من عقلية خبيثة تُحاكي الماضي لتوظف للمستقبل، التاريخ جاء ليقول تركيا تنهض من جديد، تركيا التوسعية، أو الإمبراطورية التركية الحديثة. ففي 24 تمور من عام 1923 تم توقيع إتفاقية لوزان والتي أنهت حكم العثمانيين ودشنت للجمهورية التركية الحديثة، جاء التوقيت ليقول أن الاتفاقية أصبحت من الماضي وتركيا اليوم بقيادة أردوغان تدخل مرحلة جديدة.
من المؤكد أن ولاية إسطنبول لا تحتاج لمزيد من الجوامع والمساجد، ففيها مايقارب 3200 مسجد، وفي عموم البلاد يوجد ما يناهز 82693 مسجدًا، فلا يمكن لعمل مُشين مثل هذا أن يُضيف شيئًا للعدد الكلي، ولكن الرسالة كانت واضحة والتي ارادها الرئيس التركي إيصالها نجح فيها، خاصة ما ترافق معها من بروباغندا، مثل السيف الذي كان يحمله إمام المصلين. 
من الأكيد لن يحصل شجب عالمي على مستوى عالٍ، أكثر من هذا سوف تظل تركيا اليوم قوية تهدد بقضم باقي جزيرة قبرص، وجيش ينتشر على خمسة  جبهات في عدة دول بتمويل قطري أخواني وحلف مع تنظيمات ارهابية، هذا ما أدركه العالم اليوم، ولو جاء متأخرًا. اليونان في قلب الأحداث، ولو تدخل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في نزع فتيل الأزمة بين تركيا واليونان لنشبت حرب بحرية، ربما تطورت لنزاع كبير لا تحمد عقباه.
الحلف القوي بين بنيامين نتانياهو  وأردوغان أعطى ثماره تمثل في الضوء الأخضر الإسرائيلي للتحرك على أكثر من جبهة، وبالتالي تكون هذه موافقة ضمنية من الولايات المتحدة لتركيا.
مع كل ما قيل تظل أطماع أردوغان في الاحتلال والضم والسرقة والتلاعب بمشاعر العالم مصدر إزعاج وقلق كبيرين، خاصة إذا عرفنا البرنامج الانتخابي القادم لعام 2023 لحزب العدالة والتنمية، وإعلان عودة تركيا للخلافة الإسلامية وما تعنيه هذه المصطلحات في القاموس السياسي والأخلاقي والجمعيّ للناس.
شئنا ام ابينا التحولات السياسية قادمة لا محالة، في ظل هذا العجز الأوروبي في إتخاذ القرارات التي تُدين أنقرة على الانتهاكات، من حقوق الانسان والحريات المدنية إلى ممارسة الارهاب والعنف بشكلٍ مباشر وعلني.
 سوف يحل يوم، ويوم قريب يُهدد فيه رجب طيب أردوغان معقل المسيحية، في روما حاضرة الفاتيكان، إن لم يتحرك العالم في الوقت المناسب.

53
المنبر الحر / المسيّحي الأخيرّ
« في: 07:50 22/07/2020  »
المسيحيْ الأخيرّ
بقلم/ سلوان ساكو
قطعَ الغرب مشوارًا طويلًا في رحاب العلمّنة Secularization، والمعلوماتية والذكاء الصناعي، ما لم يفعله بشر على مدار العصور، ربما نكون محظوظين لنشاهد كل هذا بِأم أعيننا، أو نكون تُعساء لنرى المشهد الأخير من أَفْؤُل الكوكب  أو حالات من الضعف التدريجيّ ستصيب الأرض بمعنىً مجازي طبعًا. وتأتي هنا في صيغتين منفردتين، الأولى العلم Science، والثانية بمعنى العولمة، Globalisation. لتؤطر حياة كاملة من القيم والأخلاق والعادات، بعيدة كل البعد عن روح المسيحية كما سوف نرَى.
ليسَ من المستغرب اليوم خاصة في الدول الغربية أنّ يحدث كل هذا الجفاء والابتعاد والبرود عن الكنائس وعن فهمّ العقائد Doctrines التي بدورها تؤثث مسارات المذاهب وتضعها في سياقاتها الصحيحة، كيمّا يعرف المؤمن أين هو في كل ما يجري حوله. وليس غريبا أيضًا أن لا تحتوي الكنائس اليوم غير كِبار السن والعجزة، مع عزوف طبقة الشباب من الذهاب والحضور، ربما تكون الكنائس الشرقية في دول المهجر أفضل حالاً من البقية، ليتبيّن كلّ يوم، خصوصاً مع التطور وتغير المنظومة الاجتماعية أن الكثير من المعطيات فقدت رسوخها والكثير من دواخل البشرية تبدلت جذريًا، غير مكترثة بالدين بحدْ ذاته باعتباره خلاصًا للروح من هذه الدنيا الزائله مهما طال الانتظار فيها ومهما كابر البشر في خلق فرص البقاء على أرضها، ففي النهاية ثمة حساب وقضاء أخروي يضع الإنسان بين يديّ الخالق. لم يعد أحد يكترث لكل هذا، أو لنقل بشكلٍ مباشر، لم يعد أحد يفكر بكل هذه المسائل اللاهوتية التي تحتاج لسياق توضع فيها ليفهم الإنسان إلى أين تتجه البوصلة، لا يمكننا تجاهل كل هذا ولا يمكننا أيضًا حجب الشمس بالغربال. إذًا كيف ستكون الصورة في المستقبل القريب والبعيد إذا ما بقت الأمور على هذا النحو الخاطئ!، من المؤكد إن الكل ستظل على مسيحيتها في صيغتها الحالية، أيّ مسيحية بالأسماء فقط دون إيمان وانتماء، مسيحية على الورق الثبوتية والحكومية، مسيحية من أجل الزواج والعماذ وصلاة الموتى الراقدين، أي مسيحية فلكلورية في أفضل الحالات. وأكرر مرة أخرى خاصة في الغرب. المسيحية المستقبلية سوف تكون للخاصة وليست للعوام، ذات رُؤًى وأبعاد خاصة، لأن العامة رفضت أن تكون هويتها الحقة مسيحية، والخاصة تعرف مع من تتعامل، خاصة متعالية عن التفاهات الارضية المنتهية في نهاية المطاف، (أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي). يوحنا 14:10. وسوف يكون الحصاد كثير للعوام ولكن!، ( إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ)لوقا 2:10. من سيستمر في النكران والجحود لن ينفعه شيء(وَلكِنْ مَنْ يُنْكِرُني قُدَّامَ النَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضًا قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ)متى 33:10. المسيحية ليست كما يظن الجميع سهلة والدخول لها سهل، هي عقل mind، ومنطق Logic وإيمان Faith، وكلمة (فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ). يوحنا 13:1. الباب ضيق جدًا للداخلين ليس مفتوحًا بمصراعيه، (اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ). لوقا 24:13.
من اليوم في الغرب يستوعب فكرة التجسد!، من يهتم أساسا بالله!، فقد تنازل الله من حالة سموّه الإلهي ليظْهر للبشر بحالة غير إلهية هي حالة الإنسان البشري، إلا أنه طبعا بقيَ الله. ولكن لشدة محبّته للبشر قرّر أن أن يتنازل عن مستواه الإلهي وينحدر إلى المستوى البشري ليعايش الإنسان على الأرض في نفس ظروف عيشه وتحت نفس القيود التي تربطه، من يُحاول اليوم الوصول لهذا الجوهر الأساسي في صلب المسيحية.
فكرة الأخلاق والضمير  Ethics and conscience خطيرة جدًا ما لم تُعقل من (العقلانية)، فالذي لا يسرق والذي لا يغش والذي لا يكذب جيد بنظر الناس، وهذا صالح وجيد بدون أدنى شك، ولكن المشكلة هنا تكمن إن المؤمنين والملحدين يتصفون بهذه الصفات، وهنا ماهية المشكلة، فالمعلم جاء للمتعبين، (تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ). متى 28:11 . وإن لم يشعر الناس بالتعب ووطأة الأثقال ما العمل حينئذٍ؟، وهذا ما ينبئ بالخوف، لأن البرود الديني يعتلي كل شيء. (لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ). متى 24:15. وفي مكان ثاني. (لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَ). مرقس 17:2.
لم يفهم الإسخريوطي طُوال مدته مع السيد المسيح أن مملكة السيد ليست هنا، ليست على هذه الأرض، ليست في هذا البُعد المكاني،( مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا). يوحنا 36:18. ربما كان يحلم يهوذا بدولة لليهود أو اقليم يجمع شتاتهم، مع قريبه برباس، ولكن كل هذا زائل  وتبقى الكلمة، (اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ). لوقا 33:21.
فبدون إيمان حقيقي تذوي التفاصيل وتتراجع ثم تغيب للأبد، أمّا الإيمان فإنما يعني المعرفة، عرفناه بالكشف الإلهي الصريح.
بشكل أدق، اليوم الرغبة للفهم مفقودة، أو فُقدت مع تراكم المشاغل وزحمة الحياة اليومية، تلاشت تحت وطأة الزمن ومصاعب المعيشة؛ اضمحلَّت وصارت إلى العَدَم. ولكن مع كل هذا يبقى الطريق أمام استعادة الفرصة لإنشاء تصورات صحيحة متوفرة، مع إعادة بناء المفهوم ذاته الذي أصابه العطب مِمَا يخول للمرء في النهاية التمعن في كل شيء من حوله بدل التلهي بأمور أرضية في أحسن الاحوال زائلة، إنّ لم يكن اليوم فالأكيد غدًا، ولكن الجوهر باقي لا يزول.

54
الطلاق الغيرّ مُعلن في الكنيسة
ليسَ في هذا العصر فقط، وإنما في جميع الأوقات والأزمنة واجهت الكنيسة الكثير من التحديات والصعوبات، منها ما كان لاهوتيًا يخص العقائد والمعتقدات، ومنها ما كان إجتماعي حياتي يخصْ الجماعة المؤمنة، وعلى هذا الأساس عُقدت الكثير من المجامع المسكونية Ecumenical Councils لدرء المخاطر والفتنة عنها. تحولات كثيرة طرأت على البنية الهيكلية والمفاهيم العامة خلال الألفي سنة الماضية، ولكن يبقى ما يؤكد أن المسيحية راسخة قوية، تُحاكي مفهوم Concept عميق جداً ذوّ أبعاد Dimensions جوهرية  في قلب الديانة ذاتها.
 ما يُثير الانتباه اليوم ويُعتبر ظاهرة غير مريحة إزدياد نسبة الطلاق بين العوائل في الآونة الآخيرة، الأسباب عديدة ومتنوعة لن نخوض في غِمارها الأن، مما يعطي مؤشرا قوياً على أن نمط الحياة الذي يعيشه المسيحي اليوم تغير كثيرًا عن السابق، هذا وغيره يتطلب وقفة لتكن، دينية، إجتماعية، حياتية، لنشق الجرح بمبضع الجراح ونضع أصبعنا على مكامن الإشكالية.
السيناريوهات مُتعددة والأسباب كثيرة التي أدت وتؤدي لانفصال الأسر، فلا يمكننا أن نفهم ما لم نعود للأصل، والاصل يقول (إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ). متى 6:19. وأيضًا ( وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي). متى 32:5. فإذا المبدأ واضح كل الوضوع، لا يوجد طلاق في الكنيسة ألا لعلة الزنة، الثابت أنّ هناك إصرارا على تزوير الحقائق من البعض والعمل على قلب النصوص المقدسة، ومن الواضح أيضا أن هناك تهاون أو لنقل بشكل أدق تساهل من جانب الكنيسة، لكنّ ذلك لا يعني أن الحبل متروك على الغارب، ويفهم من هذا أن الأمور فوضوية داخل الكنيسة، ولكن الزيادة هي ما تُثير القلق!.
الأسباب الشرعية، ( المحاكم الكنسية) التي تُبيح تطليق الرجل لزوجته أو مطالبة الزوجة بتطليقها من زوجها معروفة سلفاً، على سبيل المثال لا الحصر، العنف الأسري، سوء الاخلاق، التخلف العقلي بعد الزواج أثر صدمة ما، العجز الجنسي، غيب آحد الأطراف لمدة طويلة في جهة مجهولة. هذه بعض الاسباب، ولكن أخطر وأهم من كل هذا هو انعدام المحبة بين الطرفين، فيصبح العلاج صعب وردم الهوة بينهم مستحيل، لأنه لم يعد هناك هامشًا للتنازل للطرف المُقابل والتضحية من اجله. والعقد أو العهد أو الميثاق أو الوعد بينهم فقد معناه الروحي والرمزي، وباتتّ وورقة بالية لا أكثر ولا أقل. ففي هذا الوقت أصبح الانفصال أمرًا سهل على الزوجين، فبمجرد ظهور بوارد أزمة مهما كانت صغيرة وبسيطة داخل العائلة يُحال الكلام فورًا إلى الطلاق، وكأنه أجراء بسيط وسهل، وفي بعض الحالات لا يمر على الزوجين وقتًا طويلًا من عقد القِران حتى يتم  بعده الانفصال ومن بعده الطلاق. هنا يحاول احدهم إخضاع الآخر وإثبات انه القوي الممسك بزمام الأمور، ليدخل في صراع من أجل إثبات الذات بغض النظر عن الخسارة التي سوف تلحق بالعائلة. لا شكّ أنّ عوامل أخرى لعبت دورا في إزدياد الحالات بشكلٍ غريب، نعم لا احد ينكر أنه ثمة صعوبات ومشاكل كبيرة تواجه الاُسر، منها الاجتماعية ومنها الاقتصادية المعيشية، فيُمكن لمجُمل هذه الأمور ان تدفعنا للشكّ والقلق تنعكس بالتالي على نفسية الأفراد والأولاد داخل العائلية ذاتها والتي تعتبر أول نواة للمجتمع الذي تنبثق عنه الحياة. وليس سرًا أيضًا إن التحديات الكبيرة تكمن في الغرب ودول المهجر أكثر من سواهم، مع الأخذ بنظر الاعتبار تغير المنظومة التشريعية وقانون الاحوال المدنية بالنسبة للمرأة، فكل القوانيين تقف بجانبها.
يتطلب الفهم  الصحيح للنُظم الغربية الكثير من الحكمة والشفافية ومصارحة الأخر بكل عقلانية. ورغم هذا كله تظل معرفة الغير، الزوج، الزوجة، غامضة غموض الذات الإنسانية. ولتجاوز هذا الغموض يجب  الكشف المبكر عن المشاكل الزوجية الصغيرة التي تكون في أغلب الأحيان ككرة الثلج الصغيرة  قبل تفاقمها أكثر مع مرور الأيام.
باختصار شديد يجب علينا اليوم الاختيار الصحيح بما يتناسب مع وضعنا وثقافتنا وتطلعاتنا، لأننا في النهاية نبني أسرة تكون حجر الزاوية في البنيان العام للمجتمع حريصين كل الحرص على إدامة مشروعنا الذي يتطلب في الكثير من الأحيان التضحية والثبات والصبر والحب وفهم الأخر من أجل العيش المشترك.

55
المنبر الحر / الكنيسّة الجامع
« في: 05:14 12/07/2020  »
الكنيسة الجامع
بقلم/ سلوان ساكو
حينما حصلت مذبحة كرايست تشيرتش النيوزيلندية على يد الارهابي الأسترالي برنتون تارانت، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حينها إنه سوف يبعث الأستراليين الموجوديين في تركيا بتوابيت إلى بلدهم، ( سيُرسلون في نعوش مثل أجدادهم في معركة غاليبولي في الحرب العالمية الاولى).
ليس من الصعب معرفة دوافع تحويل كنيسة الحكمة الألهية آيا صوفيا (بالتركية Aya Sofya) الى جامع في الاونة الأخيرة. فتوجه أردوغان من البداية ومن التأسيس هو  إخواني إسلامي بحت، سعى ويسعى منذُ البداية إلى إعادة إحياء الخلافة العثمانية بكل السبل والطرق، مع تواطؤ وخوف العالم منه، فلا أحد يتصور أن تركيا تستطيع أن تتدخل في ليبيا كل هذا التدخل دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل، ولا أن تتوسع في العمق السوري وتحتل كل هذه المساحات دون علم الإدارة الامريكية، أو أن تنشأ قواعد عسكرية في العراق داخل قضاء بعشيقة وتقصف الإقليم الكردي بشكلٍ مستمر دون أي إحترام لسيادة وكرامة العراق، أو أن تُشييد معسكرات في الصومال وقطر دون علم وإطلاع الغرب. السؤال المطروح هو هل أوروبا تخاف من أردوغان، الجواب نعم بدون شكّ، فمع النجاحات الكبيرة التي حققها  الجيش التركي في العاصمة الليبية طرابلس بتجاه سرت وبنغازي، وتبوئه الصدارة في حلف الشمال الاطلسي الناتو بعد الولايات المتحدة كأقوى جيش في الحلف، ومع تهديد أردوغان المستمر والاستفزازي بإغراق أوروبا باللاجئين السوريين وغير السوريين، كل هذا أعطى مخاوف جيوسياسية تنعكس بالتالي على القادة السياسيين في أوروبا. أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التصدي لأطماع تركيا في ليبيا، ولكن لم يستجب له أحد، ولم تسانده أي دولة، فظل كلامًا عبارٍ دون فعلٍ حقيقي. حتى روسيا اليوم لا تستطيع الوقوف بوجه أطماع تركيا، ففي عام 2015 أسقطت الدفاعات التركية طائرة من طراز سوخوي - 24 ولم تفعل موسكو شيئًا يذكر غير تصريح من فلاديمير بوتين على الضربة الجوية أنها (طعنة في الظهر) لا أكثر.
هناك قبل كلّ شيء رسالة واضحة من الرئيس التركي، مفادها أن تركيا قوية رغم تراجع الليرة في الفترة الماضية، وأن تركيا مقبلة على سياسات خارجية توسعية تضمن لها تدفق الأموال والنفط والغاز. هناك جانب آخر يتمثل في إن طيب أردوغان متأكد أنه سوف يفوز في أنتخابات عام 2023 دون منازع، وكل الحديث عن خسارة حزب العدالة والتنمية لمقاعد مدينة إسطنبول ليس له معنى، حتى رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو المنافس الشرس لأردوغان لا يشكل أي تهديد حقيقي له. هناك ما يشير إلى ان المرحلة المقبلة  على أوروبا والعالم  في ظل ألرئيس التركي صعبة للغاية مع كل الاستفزازات والتهديدات. يكفي أن نذكر بأن تركيا تسعى لضم باقي جزيرة قبرص إليها بعد أكتشاف إحتياطي الغاز  فيها.
لا تزال المعركة طويلة مع السلطان الجديد، ولا تزال هناك فتوحات وتوسعات كثيرة، ولكن من المؤكد انها ليس سهلة مطلقًا.

56
مثير للجدل في الشخصية المسيحية العراقية                               
بقلم/ سلوان ساكو
ليس سرًا إننا نتغير مع تغير العصر، وتتبلور أفكاراً جديدة تحمل مفاهيم جديدة تكون في الأغلب الأعمّ على أنقاض القديمة، وإن أتخذت أنماطا ومسارات مُغايرة في منحنيات الحياة التي يعيشها الفرد أياً كان. في هذا المّقال سوف أتطرق للشخصية العراقية بين مزدوجين المسيحية منها، وتراكم الخبرات فيها، السلبية والإيجابية منها، والصراع الدائر داخل الذات انطلاقا من معارف استنباطية.
تبلورت الشخصية المسيحية في العراق واتّخذتَ أشكالاً محدّدة أثر تراكم يعود بأثر رجعي في نفسية الفرد في تأسيس شخصيته، وأثر تحولات رئيسية في أنماط العيش والتنقل والهجرة والنِزوح الإجباري. والاهم من هذا وذاك هو الحرب أو الحروب التي خاضها العراق ابتداءً من إيران وهلم جرا في تحطيم كينونة الإنسان العراقي بصيغة أشمل، ففي لحظة المأزق التاريخي تغير كل شيء، وباتَّ من الاستحالة اصلاح ما أفسده الدهر، وكيفية تأثيراتها السلبية على الفرد المسيحي بمفهوم استقرائي أعمق بكثير من هذا التسطيح الذي نعيشه اليوم، عاجزين عن التفكير السوي المنطقي Logical .طبعا لا تشمل هذه المقالة الجميع، ولكن هناك فئة لا بأس به تتسم بهذا الطابع، أو موسومة بها من الأصل، مع كل التغيرات التي حدثت على الصعيدين الثقافي والحياتي، لتتوسع في دائرة مغلقة مِمَا يجعلنا نتساءل عن طبيعة هذه الشخصيات personalities.  وهذا لا يمنع بطبيعة الحالة من التوقّف عند طرح مجموعة معينة من الأسئلة؟. إذًا لنعود للوراء قليلًا لنستكمل مُجمل الصورة ونضعها في إطارها الصحيح، ولكن هذه المرة دون رتوش أو مساحيق تجميل، لتظهر لنا في النهاية بشكل واضح وجلّي.
على ما يبدو المسألة بدأت مع النزوح القسري لقرى ونواحي الشمال، أيَّ شمال سهل السندي، أو شمال زاخو بتعريف أدق، فخلال سلسلة الحروب التي خاضها الأكراد من أجل تحديد المصير مع الحكومة العراقية، تمَّ تهجير الكثير من القرى والنواحي من مكان سُكناهم إلى محافظات اخرى، موصل، كركوك، والعاصمة بغداد، على مراحل أو دفعات، حسب انتشار رقعة النزاع. بَدْءًا من أواسط الخمسينات وإن كان بشكل طوعي نوعًا ما، واستمر إلى الستينيات وصولاً للذروة مع منتصف السبعينيات، ومع اتفاقية الجزائر المشؤومة الغرض منها كان إخماد الصراع المسلح مع الأكراد، الموقعة بين شاه إيران محمد رضا بهلوي والحكومة العراقية متُمثلة بالنائب وقتذاك صدام حسين في 6 آذار مارس من عام 1975 برعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين، أسُدل الستار على أخر قرية مُهجرة تقريبًا، ظلت هناك بعض القصبات متناثرة بين سفوح الجبال والسهول والروابي، لا تهم كثيراً في المعادلة الرئيسية والمغزى الاساسي للاتفاقية  ألا وهي خنق الكُرّد وإفشال مخططاتهم لإنشاء دولتهم. المهم هنا هو إن السواد الأعظم من شعب مسيحي كان يحيا في تلك المناطق قد تم ترحيله قسراً من أرضه وداره إلى مكان آخر مُغاير في اللغة والثقافة والعادات، حتى وإنّ كان داخل حدود الوطن الواحد، فقرية متُاخمة للحدود العراقية التركية ثقافتها ولغتها وعاداتها غير ثقافة ولغة وعادات أهل بغداد أو البصرة أو الموصل مثلاً، كل هذا فرزّ أنماط وشخصيات مختلفة مع محيطها وصعوبة تناغمها والدخول معها في علاقة مُتمِدنة، كان التقوقع حول الذات هو السمة الأغلب مع إحساس بالقهر والظلم، وشعور بالنقص Inferiority feeling في ذلك الوقت، مع عدم توفر فرص كبيرة للتأقلم مع المحيط، ربما بسبب عامل اللغة، الكل تقريبًا تتكلم أما الكردية أو السورثّ الدارجة، بعيدين عن لغة المدينة وهي العربية، فبات هنالك هواة يصعب ردمها بين الثقافة المحلية السائدة وبؤرة ضغط تتمركز في اللاشعور تحت نسق سيكولوجي مؤلف من الموروثات والدوافع القديمة التي منها تغيرات تكون في اشكال التعبير وصوبة التعلم وعدم التكيف مع المحيط العام للمدينة، في نفس الوقت كانت تحديات البقاء ومتطلبات المعيشة من أجل توفير ضروريات الحياة أمر غير سهل مطلقاً، مما أجبر الناس على العمل في مهن وضيعة Menial occupations، وطبعاً العمل ليس عيبًا بأي شكل من الأشكال، لأن أسباب وسُبل العيش تتطلب هكذا أعمال في ذلك الحين. لم تنتهي هذه المحنة بتعاقب العَقَدّ الأول والثاني، بل استمرت إلى الجيل الذي تلاه. بعد ذلك بجيل، والجيل يساوي هنا بين 23 سنة الى 30 سنة، ظهر جيل متعلم غير ذلك القديم، حاصل على الشهادات العليا، تعلم مهن حرة، أتقن فنون الحياة وسبل العيش، تخلص من الخطاب القديم وإن كان بشكل جزئي. ولكن حلت حرب الثماني سنوات مع إيران هنا حدثت انتكاسة برأي أثرت سلباً على الجميع، وأقول ذلك لأن الإخفاقات باتت ملموسة، هنا ينبغي أن نفهم معنى إخفاق الفكرة أو معنى اِنتكاسة بأثر رجعي للوراء أو بالأحرى ما الذي جعل الوضع يسقط نحو هذا الدركّ؟ الجواب أنّ ثمّة خللا أساسيا حصل في تطور الجيل أو توقف عند حدّ مُعين، فبعدما أن اشتدت المعارك حصل هنالك فراغ في بناء سيكولوجية الفرد من نوعاً ما، نوع خاص، اتّخذ أشكالاً وصيغ أخرى، ومع القيم الرفيعة للديانة المسيحية، الحب، السلام، والتسامح، الصفح، الوداعة، ومع تردد وخوف المسيحي ذاته بلورت اللحظة عن حالات تكاد أن تكون عامة، فبات المسيحي ساعي (مراسل) عند الضابط أو القائد الفُلاني، أو سائق خاص عند العائلة أي عائلة هذا الضابط أو القائد. هذا لا يعني في طبيعة الحال أنّ الكل هكذا، ولا ينفي أن الشعب المسيحي أعطى شهداء في هذه المعركة وغيرها. ولكن لم تكن السمة الابرز في هذا السياق، في مكان ثاني وعلى نفس النهج وإن تغيرت الأدوار بعض الشيء، أشتغل عدد لا بئس به من نساء ورجال في القصر والديوان الرئاسيان، عمال تنظيف، طباخين، مربين، خدم، أي من الطبقة الثالثة أو ما دونها، في ظل هذا التخبط الشعوري وأذلال الذات بات هناك منطقة رمادية في الشخصية المسيحية العراقية وإشكالية حقيقية لهاجس وعيها في بناء مجتمعها كذات حرة باعتبارها كينونة واعية بذاتها في تكوين شخصيتها المستقلة عن الغير، الغير المتسلط القوي سالب الأنا من النفس، الضابط، القائد، الرئيس. ولكن هذا لم يتحقق مع الأسف، وهذا ما سيظهر بوضوح لاحقاً في زمن الحصار المفروض على العراق في منظومة سوسيوثقافية أكثر تعقيدًا برزت في تلك الحقبة وظفت لها المؤسسات والآليات والأنظمة الاجتماعية السائدة في قمعّ روح الإنسان التواقة للحرية وأن في حدودها الدنيا. تمثّل هذا الواقع الجديد في بروز اشخاص غير أسوياء يتقمصون أدوار التكبر والإعلاء الوهمي للذات، يكون مُزيف أجوف من الداخل لكونه لا يستندّ على منصات معرفية صحيحة، والنتيجة كانت ومازالت رمادية الألوان. تكرر هذا المشهد التراجيدي في مرحلة لاحقة، أيَّ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، هذه المرة ليسّ نزوح داخل البلد الواحد وإنما هجرة جماعية خارجية على شكل موجات. لم يدرك المُهاجر الجديد أن قواعد اللعبة قد تغيرت مع تغير الأشكال النمطية القديمة للحياة، بَدْءًا من الحاسوب والأجهزة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي وزراعة الرقائق الإلكترونية في جسم البشر التي يُروج لها اليوم بكثرة لجعل الإنسان آلة.
تبيّن مع مرور الوقت أن الرهان كان خاسراً في كثير من الأحيان، لأننا لم نسأل أنفسنا السؤال الجوهري، كيف وصلنا الى هذا الدرك من التقوقع داخل الذات، لعلّ الجواب يظل مجهول لوقت طويل، وطويل جداً. الذي سيطرح نفسه في نهاية المطاف، هل تقول الصورة اليوم الحقيقة وتجد لها تطبيقا مع كل هذه التحولات الإبستيمولوجية الخطيرة في عقلية البشر، أمَّ نظل أسرى أزمنة ولتّ دون رجعة خارجة عن الإطار اصلاً. نعم نحن مع كل ما تقدم لا يمكن أن نعيش في مسار يختلف عن المسار الإنساني وتحولات التاريخ، فإما أن نندرج فيه بشكلٍ فاعل أو يلفظنا خارج السرب، إنّ وعي الإنسان بذاته من الأهمية بمكان يصعب تجاوزها بأي شكل من الاشكال، وهو ما يجعلها ذات أهمية وتأثير وفاعليّة على جميع الأصعدة.
كاستنتاج عام فأن الشخصية، شخصية أي فرد كان هي عبارة عن تفاعل ديناميكي بين المجتمع والذات في مواجهة مفتوحة مع الأنا في صيغتها العاقلة والتي يجب أن تدرك نفسها لتنطلق نحو فضاءات أوسع كَيما تمتص رحيق الحياة لتشعر بذاتها بعيدا عن الانهزامية والخنوع والخضوع والاستسلام قابلة للاسْتِبْدالِ والتَّحَوُّلِ مع ضروريات وصيرورة تطور العصر.

57
المنبر الحر / لاهوت الوقت
« في: 06:32 29/05/2020  »
لاهوت الوقت 
في نصه الفريد يُقدم لنا الكاتب الروسي العظيم فيودور دوستويفسكي إسقاطًا عجيبًا من نوعه على ماهية الوقت Time، من خلال توظيف تجربته الشخصية في الاعتقال ومن بعد ذلك الحكم عليه بالإعدام، ليبتكر شخصية من نوع خاص تتصف بالمريضة في روايته الأبله. حيث يقوم السردّ البنائي في الرواية بالكشف عن بعض الصفات الدفينة داخل النفس البشرية لتبرز معالم حيوات كانت مستترة وراء كواليس الروح. ففي عام 1849 أُلقيَ القبض عل فيودور لانتمائه لرابطة بيتراشيفسكي، وهي مجموعةٌ أدبية من الشبان ذات طابع سريّ تُناقِش الكتب الممنوعة التي تنتقد النظام الحاكِم في روسيا وعلى هذا الآساس حكم عليه بالإعدام، يذكر دوستوفيسكي تفاصيل مرحلة الإعدام في نص الرواية بأسطر سريعة، فيقول، في صباح احد الأيام اخرجونا من الزنزانات وكنا عشرين متهمًا بالإعدام ، مقيدين بالسلاسل بالارجل والأيادي، يتقدم الركب كاهنًا متشحًا بالسواد، فاعتبرت ذلك نذيرَ شؤم، تقدمنا من منصة الإعدامات، وكان عليها ثلاثة أعمدة خشبية، فبدأ القاضي تلاوة نصّ الحكم على كل واحد والذي كان حكمًا الإعدام رميًا بالرصاص، كان تسلسلي حسب المرسوم القيصري هو الخامس، فقلت لنفسي، تبقى لي في هذه الحياة خمسة دقائق فقط كيف أستغلها، فهية ثمينة جدًا وقليلة جدًا، فوزعت الدقيقتين الأولى لتوديع الاصدقاء، والدقيقتين التاليتين للتفكير في سؤال معنى الوجود، والدقيقة الآخيرة ينبغي أن اتمعن في سر هذا الوجود وكينونته، بعد ذلك ذهبت المجموعة الأولى إلى موقع الرمي، وانطلقت الرصاصات تدوي في السماء ولكن لم يمت احد، فقد تمَ تصويب فوهات البنادق الى الهواء، وقرأ الجنرال قرار العفو الذي أصدره القيصر بحقنا.
تجربة عميقة في دلالاتها السيكولوجية للنفس عندما تكون إزاء تجربة واحدة لا تتكرر في رمزيتها المجازية. الوقت هو مُشغل العرض السينمائي لحياتنا، محاولات الإنسان لضبط الوقت هو أنعكاس لمتطلباته وإحتياجاته وأناته وأوجاعه، وبالتالي قيد ذاته بأغلال الوقت والزمن، حبس نفسه داخل دوامة اللحظة، أردنا ذلك آم لا نحن أسرى بنى ثقافية بإشكاليات تقنيات العصر، ( عصر السرعة the era of speed). الانتظار عند طبيب الاسنان مزعج، ولكن مشاهدة فلم أكشن لمدة ساعتين تمر كأنها الثواني. تزكية الوقت في ثرثارة لا طائل من ورائها تأخذ ساعات، بينما تصفح كتاب ولو لدقائق معدودات مُملّةً للغاية. أنشتاين قال أن الزمن نسبي وليس مطلق، بمعنى أن رائد الفضاء يكون أصغر في المجرة عنه في الأرض، آما عمانؤيل كانط فقد قال، لا يوجد شيء أسمه الزمن، بل أن عالمنا الذاتي وحياتنا تحاولان ضبط حركة تعاقب الأحداث لمعرفة الماضي والحاضر والمستقبل، بمعنى إبستمولوجي الزمن وهم ونحن داخل هذا الوهم سابحين. لم يكن الوقت مُعد سلفًا في أوكرانيا وقت حدوث كارثة تشيرنوبل، الماء لم يكن باردًا بما فيه الكفاية في المفاعل رقم 4، ساعة حصول الانفجار 23:04، خلال دقائق تغير وجه الكوكب، يعيد التاريخ نفسه في معظم الأحيان ولكن بشكل هزلي، الوقت لم يكن عاديًا عند بول تيبيتس ففي الساعة الثامنة والربع صباحًا أَلْقَى القنبلة على مدينة هيروشيما، التاريخ سوف يظل عالقًا في ذاكرة الأجيال طويلًا.
اليوم الأمراض القاتلة في تكاثر مستمر لا تمهل أصحابها الكثير من الوقت. خمسة عشر يوم هي فترة حضانة فيروس COVID-19 حسب منظمة الصحة العالمية، الوقت محدد بدقة، أما أن يعبر المرء البرزخ ويعود للحياة، وأما أن يفارق هذا الكون للأبد، بين هذا وذاك هوة واسعة، لا يمكن الجزم في أي بُعد سوف نكون، ولكن الأهم هو استحالة الرجوع الى الماضي ما يمكن تأكيده مع حالات الموت.
إحساسنا بالزمن هو وعينا بإنسانيتنا، ووعينا بذاتنا، ووعينا بخلاصة تجربتنا الحياتية سواء كانت طويلة أم قصيرة، من هذا المنطلق نستطيع أن نقول إن للوقت أهمية في صيرورة البشرية.

58
الرحلة الأخيرة إلى باريس
في مشهد لا يفتأ أن يتكرر في السينما المصرية، يرفع الفنان كمال الشناوي سماعة الهاتف ويتصل بسكرتيرته قائلًا، احكزيلي يا منال على أول طائرة طالعة لباريس.
أنتهى كل هذا اليوم واصبح من الماضي الذي لن يعود قريبًا كما كان عليه الحال في السابق حتى قبل شهور خلت. ادلى قطاع النقل الجوي الدولي (إياتا) بدلوه في هذا المضمار حيث صرح المتحدث الرسمي قائلًا، أن عودة الحياة الطبيعية لحركة السفر والنقل والسياحة تحتاج على الأقل الى ثلاث سنوات، أيّ حتى عام 2023. نعم تغير الكثير خلال هذه الشهور الثلاث الأخيرة. وقطاعات واسعة تضررت بسبب الجائحة اللعينة التي ألمت بالأرض بشكلٍ كبير، ولكن يظل حقل الطيران المتضرر الأكبر لما يشكله من أهمية في حركة وسرعة التنقل بين الدول، على جميع الأصعدة والنشاطات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. قبل كورونا من كان يفكر من الرؤساء والملوك والزعماء أن يجلس خلف طاولة فخمة ويجتمع مع نظرائه من القادة افتراضيًا عبر Skype، من كان يتصور أن تهبط كل الطائرات المُحلقة في الجوّ مرة واحدة، والمشكلة الأكبر التي لم تكن بالحسبان هي لا وجود لمواقف تتسع لجميع الطائرات الهابطة، من كان يفكر أن تُنقل صلوات العيد والاحاد عبرَ الفيسبوك.
الأكيد أنّ هناك تغيرات جذرية طرأت على العالم، الأهم من ذلك كلّه أنّها بلورات أفكار وانساق وخطط جديدة، تبدأ من دوري كرة القدم، ولا تنتهي بالسياسات العليا للدول العظمى. لن يقتصر التغيير على العلاقة بين الفرد ومحيطه حتمًا، بل على المجتمع ككل بأطر عامودية وأفقية في سلوكه وتفكيره ووعيه. سيكون السؤال المطروح الآن وفي المستقبل الى ايّ مدى سوف يصل إليه هذا التغير، هل نُشرع قتل الرحيم بشكل طبيعي دون وخز الضمير إيلاماً للمتوفي، هل نُضحي بكبار السن، هل نفقد البوصلة الأخلاقية ونظام السلم الأهلي وميثاق العيش المشترك والعقد الاجتماعي الذي يضبط إيقاع وحركة الناس، هل يأتي يوم نحسد فيه مملكة الحيوان على قانون الغابّ الذي يحكمهم؟.

59
المنبر الحر / سيرة حياة مطران
« في: 03:43 01/05/2020  »
سيرة حياة مطران   
يُعرض في هذا الموسم من شهر رمضان عدة مسلسلات درامية تَجْمَعُ بَيْنَ الملْهَاةِ والْمَأْسَاةِ، تراجيدية وكوميدية، متنوعة في احداثها وأهدافها، تنتقل بين احداث قديمة وأخرى تواكب أحداثًا جديدة، ولكثرتها وعرضها في وقتْ واحد تقريبًا اختلط على المشاهد الكريم الغث مع السمين والجيد بالرديء، حال معظم مسلسلات أشهر رمضان السابقة. المهم في هذا السياق الآن هو مسلسل حارس القدس الذي يُبث من على شاشة قناة الظفرة، يحكي قصة حياة المطران هيلاريون كابوتشي أو المطران الثائر جورج كبوجي، المسلسل مهم من الناحية التاريخية وقيم في أحداثه السردية للوقائع. السيناريو والحوار مأخوذة عن مصادر مختلفة وموثوقة، على رأسها الأب العلامة الياس زحلاوي، إدارة الكاميرا ومواقع التصوير والسيناريست والديكور والنص محبوك وممتاز الى حد بعيد، الممثل السوري رشيد عساف قدم الشخصية بشكل مذهل حقًا.
سيرة حياة المطران المناضل جورج كبوجي 1925-2017 غنية في احداثها، مثيرة للاهتمام والتدقيق، كيف وفق هذا الرجل بين الدين من جهة والسياسة من جهة أخرى بهذا التناغم الفريد، ليس أولها عندما يرتدي بدلته الكهنوتية ويبدأ بالتنقل عبر الحدود في سيارة مرسيدس محملة بالقذائف والبنادق، وعندما يوقفه الجنود يبرز جواز سفره الدبلوماسي الصادر عن دولة الفاتيكان فيسمحون له بالمرور دون تفتيش، وليس أخراها عام 2009 يُشارك في أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، ويظهر يخطب في النشطاء قائلًا(علينا أن نجاهد وأن نناضل ونسعى، وعلى الرب أن يكلل المساعي بالنجاح، إذن اليد الأولى العمل واليد الثانية يد الرب القادرة على كل شيء). وفي سنة 2010 كرر المحاولة وشارك في السفينة التركية مرمرة المتجهة نحوّ غزة وقال حينها(أنا ذاهب لأنني أب للفلسطينيين وأنا سعيد أن ألقى أبنائي بعد الغياب عنهم دام ثلاثين سنة).
يطل علينا حارس القدس لإعادة صياغة أزمنة سابقة كان المطران كبوجي بطلها في سياقات  شيقة في أحداثها وسرديتها والتي غاب مع الأسف الشديد على الكثيرين متابعتها.
في المستقبل هل سوف نشاهد مسلسل أو فلمًا وثائقيًا عن  المطران الشهيد مار بولص فرج رحو مطران الموصل وتوابعها للكلدان، يوثق سيرة حياته، خاصة في السنوات الاخيرة قبل استشهاده، أيّ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003، ليبقى في مدينته التي احبها من كل قلبه، وصموده في وجه التهديدات التي جابهها بكل شجاعة ورَبَاطَة جَأْش رغم بئس الاوضاع في المحافظة التي في النهاية أغتالته على يد مجموعه متطرفة عام 2008.

60
البقاء في الوطن أفضل من الهجرة
لم يعد يُخفى على أحد إن العالم تغير، وبالأخص الدول المتقدمة والعظمى الذين كان لهم تأثيرًا كبيرًا على منحنيات الحياة كافة. إنّها المرّة الأولى في التاريخ يحدث كل هذا الركود وتتوقف عجلة السوق والتجارة الحرة وحركة والناس بشكل شبه كامل، نعم حدث كَساد ‫كبير في بداية القرن المنصرم أو ما أطلق عليه اسم الانهيار الكبير  Great Depression، حيث حدثت أزمة إقتصادية في عام 1929، مروراً بعقد الثلاثينيات وبداية عقد الأربعينيات، تعتبر من حيث التصنيف العالمي من أكبر  الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، لم تنحصر ألاّ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، اليوم الأمر‬ مختلف كل الاختلاف عن ذاك العصر، فتلك المرحلة كانت بين حربين عالميتين كبيرتين، والمنظومة الاجتماعية اليوم غير الأمس، اسلوب الناس في المعيشة تغير بشكلٍ  كبير، قاعدة البيانات العالمية ونظام الداتا الرقمي غير من وعي وسلوك  البشرية، أدوات المعرفة ومعاييرها ذاتها تغيرت، حيث لم تعد كما هي بالأمس القريب حتى. فأذاً ثمة تغيرات جذرية واضحة حصلت على كل الأصعدة والفعاليات والنشاطات، اليوم دول المَهجر من أوروبا وصولاً الى كندا وأمريكا مروراً باستراليا لم تعدَّ أرض الأمل ولا الحلم المنشود. من كان يتوقع أن تصبح مدينة New York مقبرة جماعية لآلاف الضحايا قضوا نحبهم بالجائحة، من كان يتصور إلى قبل اسابيع خلتّ إن تنعدم الحياة اليومية بجميع أشكالها واطيافها في مدينة النور باريس، من كان بتصور أن تكون إيطاليا وأسبانيا وبريطانيا دول منكوبة اقتصاديًا وطبيًا. اليوم تساوت جميع الدول الفقيرة والغنية منها، العالم الثالث أسوة بالعالم المتقدم، هذا هو واقع اليوم دون مفاضلة أو تهكم. لم تعدّ هناك جدوى في ظل هذا الخراب المالي والطبي الذي يلقي بظلاله الثقيلة على الحكومات والمجتمعات الغربية طلب السفر والهجرة، الخارج كما هو الداخل، إن لم يكن الداخل أفضل، لنترك البروباغندا الغير موضوعية ونبحث مبحثٍ عقلاني في هذا الكرنفال من المعلومات المتضاربة، لا يوجد رهان واحد يستند إليه طالب الهجرة في هذا السعير المرعب من الموت والفوضى، انتفت الحاجة للهجرة وإنما يُصار الانتقال إليها بدون معنى يذكر. من يقطن في المناطق الأمنة في بغداد وفي الإقليم الكردي أربيل ( عينكاوا )، دهوك، زاخو، السليمانية، أو حتى من هُجر من الموصل وتوابعها في زمن تنظيم الدولة الإسلامي داعش ومستقر نسبيًا في عمله ووظيفته ومجتمعه ومتناغم مع محيطه لا فائدة من سفره ألان، المسألة لم تعد مجدية، الركود طال كل شيء تقريبًا، والعودة إلى زمن ما قبل كوفيد- 19 بعيد المنال، البطالة في أعلى مستوياتها، طوابير العاطليين من العمل في دوائر الإعانات الاجتماعية حدث ولا حرج، تجليات الأزمة الآخيرة كثيرة ليس بدايتها سعر برميل النفط هبط في ادنى مستوياته منذ عقود 20 دولار للبرميل، ولولا الإتفاق الذي وقعْ بين السعودية وروسية لنخفض إلى 10 دولارات للبرميل الواحد، النتيجة كارثية على الصعيد الدولي، ماذا تتحمل الدول لتتحمل وقد تلقى الاقتصاد العالمي ضربات موجعة خلال الشهور الثلاثة الماضية، وارتدادات الديون وتوقف السوق والشركات الضخمة سوف يظهر لاحقًا. ليس معروفا متى تنتهي هذه الأزمة ولا انحسار المدّ الكوروني وتخبط الدول الكبرى فيه وتراشق التهم فيما بينهم على اسباب أنتشار الفيروس، وإلى متى يظل الوضع الشاذ الحالي قائمًا.
بصورة مجملة ليتريث قليلًا من يريد المُغادرة، فكل المؤشرات تدل على إنه تغيراً  كبيرًا جدًا حدث وسوف يحدث، وأن العالم مقبل على سياسات جديدة غير مسبوقة لم تتبلور وتأخذ صيغتها النهائية بعد. الأيام المقبلة هي التي سيكون لها كلمة الفصل في أظهار ما يخفيه المستقبل لنا.

61
موسيقى الموت على حلبة الحياة
إذا قبلتُ الموتّ في حياتي واعترفتُ به وواجهته مباشرة، سأحرّر نفسي من قلق الموت وحقارة الحياة، وحينها فقط سأكون حرًا في أن أصبح نفسي.
مارتن هيدجر
ظلت أسئلة الموت والحياة الأخرى والبعث والوقوف بين يدي الإله محيرة إلى يومنا هذا، ومع كل الأبجديات الأولى والأطروحات الدينية والعقائد الوضعية التي سارت في هذا الفضاء الواسع من هذا العالم، حيث يكتنها الغموض المطلق ليبقى الجواب مجهول، ربما من طبيعة ماهيته أن يظل هكذا دون إجابات مباشرة، سحر السرّ، أو استحالة الكشف، أو عَدَمُ إِمْكَانِ وجوده كموجود فيزيقي، مثلاً ما أن يقول لك احدهم أن الغرفة مقفلة عليك حتى تتصارع للخروج منها، مع انه لم تكون هكذا قبل دقائق، طبيعة الأشياء هكذا. هناك جانبًا من الكينونة في موت الذات، تجربة شخصية للفرد هو وليس شخصًا أخر، ولكنها تظل حقيقة واضحة وهي كونها الوجود واللاوجود معاً في سياق واحد.
يقدّم لنا أبيقور الإغريقي عرضاً ساخراً عن الموت في صيغة جدلية تبادلية، (إن الموت لا يعنيني البتة، فهو إن وجد، لن أكون موجوداً، وإن وجدت أنا لن يكون هو موجوداً).
لم تعلن  حنة أرندت الفيلسوفة والمفكرة الالمانية أن أدلوف أيخمان هو صانع الموت أو هو ملكه في صيغة مباشرة، أو هو من صرح بموت آلاف الاشخاص الذين ادخلوا الأفران النازية الهولوكوست وأحرقوا في معسكر أوشفيتز، بل اعتبرته نوعاً جديداً من مرتكبي المذابح الجماعية، لا تحركه أيّ دوافع خبيثة أو قاتلة، قالت أنه مجرد موظف عند ادولف هتلر أو عضوًا في الحزب النازي، لا يدرك خطورة أفعاله ولا يقبل تحمل مسؤوليته. كان هذا هو السياق الذي طرحت من خلاله مفهومها ( تفاهة الشر )الذي اسيئ فهمه لاحقًا على نطاق واسع.  
أعطى مارتن هيدجر ابعاد وأطياف وألوان عديدة لمسألة الموت كحالة خاصة فردانية، ليقدم لنا في النهاية تحليلاته الأنطولوجية وتصوراً أعمق لتجربة الموت وبعد أخر اشبه ما تكون  سيمفونية موسيقية يعريها من هالتها الأولية ليكون وجودها وجودًا محضاً ينظر إليه كموجود فينومينولوجي فقط يبعث على القلق والحيرة، القلق الوجودي. الموت ليس له علاقة بالعمر، يسخر هيدجر ممن يعتقد بتلازم فكرة الشيخوخة مع فكرة الموت، يقول (فكثيراً ما يموت الطفل قبل الكهل، فليس الموت حفلة اعتزال، إنه سر متموضع في وجودي قد يكشف عن نفسه في أي لحظة). فإذاً الحالة المشار إليها حالة فردانية خاصة بحتة.
لم يكن يقصد جورج برناردشو، انه لن يموت مطلقًا، أو أن لا يموت جسديًا، ولكن كان يقصد موته أيَّ موت الآنا، الأنا الفاعلة، الأنا المفكرة.
الموت تجربة ذاتية محضة، إنه إمكانية بالغة الخصوصية تماماً، فلا أحد سيموت عني، ولا أحد سيقضيه عني، ولا أحد يستطيع أن يبعده عني أن جاء فلا يمكن لأحد ان يفعل اي شيئ أو حتى يمنعه من الحدوث، وأن لم تحن ساعته فأنه بعيد كل البعد عن أمكانية الحدوث، كتلك المُسنة الإيطالية التي تجاوز عمرها 106 سنة وأصابها الفيروس لكنها تعافت وعاشت بعد ذلك سعيدة بِمَا تملكه من عمر متبقي لها على هذه الأرض، في المقلب الآخر من الكون الشاسع المترامي الأطراف وجِدَّ ذلك شاب العشريني المسكين وهو في ريعان الصبى قَضَى نَحْبَهُ بالجائحة. قد تكون تقسيمات الحياة ذاتها هكذا، أو  شَيْئًا آخر غير ذلك لا ندركه.

62
علاقاتنا في ظل الجائحة
ما كنا بحاجة إلاَّ لهذا الحجر المنزلي لتكتمل الصورة الواهية للعلاقات الاجتماعية وينسدل الستار على أخر مشهد للأواصر المجتمعية المحيطة بنا. قبل وباء كورونا كانت العلاقات بالمجمل هامشية أو اقرب اليها، حتى صار العزل المنزلي عذراً أقوى لتصدع وتكلس العلاقات التي تربط الناس ببعضها. ثمّة جفافٍ كبير بين العوائل والناس خاصة في دول المهجر، الأسباب عديدة ليس أولها الجري وراء لقمة العيش، ولا أخرها ديناميكية سرعة الحياة ذاتها، الكل Busy مما يدع الأغلبية العظمى أسرى واقع مرّ بدون ريب. كشفَ انتشار الفيروس هذا البرود الملموس بشكل لا يقبل الدحض، تلوثت شيئا فشيئا علاقات الناس ببعضهم وبالتالي انعكس على المجتمع لتكتمل الصورة كما هي عليه اليوم، الباب الذي ياتيك منه الريح سده واستريح. يقول علماء النفس، إن الشخص الخائف من كارثة أو مرض خطير أو أنتشار وباء ينكمش على نفسه كحل وضرورة اساسية بالنسبة إليه، هنا تدخل الأنا في اللعبة فعندما تشعر أنها مهددة فإن ردة الفعل الاولية هي عدم المبالاة والتجاهل اتجاه الاشخاص كيما تحمي ذاتها من الانهيار، وهذا يعود بدوره إلى تلك الغريزة البدائية عند الانسان عندما كان لا يجد إيجابات محددة للظواهر الطبيعية من حوله، كالفيضانات والرعود والزلازل والبراكين، فكان يصطنع عدم المبالاة ويتظاهر بعدم الاكتراث لكي يتخلص من هذا الضغط النفسي في تفسير هذه الميتافيزيقيا، في وقت لاحق نسج الأسطورة والحكاية ليفسر كل هذه الظواهر أو الحالات الطبيعية في الكون والبيئة المحيطة به، ويشكل بالتالي توازن نفسي من نوع ما يرتاح له.
الراصد للمتغيرات يراهن على وجود هذا الشرخ وهذه التصدعات خاصة الأونة الأخيرة، ما عاد أحد يتحمل أحد، هذا باتَ ملموساً في الشارع في السوق في موقف السيارات، في المدرسة، التململ والضَّجَرُ والضَّيْقُ والسَّأَمُ هم سادة الموقف اليوم. ليس هناك أصعب من إقناع الناس إن شيئاً فيهم تغير وتغير بشكل ملحوظ، هذه المرّة مع الأسف جاء برفقة الجائحة الكونية.
واضحاً اليوم أنّه لن تعود المجريات كما كانت قبل هذا التاريخ، ما يمكن اعتباره تغيرًا مفصليًا في حياة الفرد والمجتمع. أهمّ من كل هذا هو عدم سعي أحد لإصلاح ما فسد ورأب الصدع وإزالة الاتربة العالقة على العلاقات وَإِعادَةُ الأُمُورِ إلى وَجْهِ الصَّوابِ.

63
المنبر الحر / جنون لم يعد يُحتمل
« في: 04:23 07/04/2020  »
جنون لم يعد يُحتمل 
بلغَ العالم ذروته من الخوف والفزع من الفيروس التاجي كورونا، أو الأسم الطبي له COVID-19، من تصورات وأنماط غير مألوفة لوقت كان إِعْتِيَاديّ كل شيء حتى داهم المرض الأرض. تقريبًا انقطع الكون عن الحركة، والرابط الوحيد الذي يجمع الكل بسلة واحدة هو خطوط الإنترنت والاتصالات فقط، كل شيء متوقف وساكن. العالم اليوم مُوحِش لم يعتاد الناس على هكذا نظام من قبل، سفر، تجارة حرة، حركة بين الدول، هذا ما فرزته الحضارة والتمدن في السنوات الأخيرة. اليوم قيود على الحركة وقانون الحدّ من الحريات، والحريات مقدسة في الغرب، هذا كان فحوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس قصر شايو عام 1948. أين هو اليوم؟.
حينما ضرب فيروس نقص المناعة المكتسبة إيدز البشر في أوائل الثمانينيات والذي أنتقل إلى الإنسان من بعض فصائل قرود الشمبانزي في منطقة من أفريقيا، ظهرت حينها مجموعة من القيم والمفاهيم والأخلاقيات الجديدة، في التعامل مع المُصاب، فبات للمريض غرفة ومنشفة وصابونة وطبق ومعلقة خاصة، وتعامل من نوع أخر، حتى اجهزة الدولة فرضت حجر صحي على المصاب، وصل الموضوع ذروته مع بداية التسعينات من القرن المنصرم، بعدها أخذ الخط البياني للمرض بالهبوط إلى أن وصول إلى حد لم يعد احد يتذكره، مع وعي وتفهم الناس للوضعية، أو لنقل لتكيف المجتمع معه، هذا ينطبق على الفيروس الجديد أيضا، لا بد في النهاية أن  يتعود الكل ويتكيف مع الكورونا، شئنا أم أبينا، هذه هي تصنيفات الحياة، غريزة القطيع والدفاعات الطبيعية للكائن الحي لا بد أن تفرز مضاد حيوي Antibiotic في نهاية المرحلة، وألاَّ لنتهت البشرية مع أول ميكروب أو فيروس ضربها قبل آلاف السنين. من طرف آخر تغيرت الكثير من المعطيات الجيوبوليتيكة على الأرض بدون شكّ، واجتاز العالم مراحل حرجة لم تكن في الحسبان اصلاً، السؤال هو كيفية الخروج من عنق زجاجة الكورونا!، تظل الإجابة رهينة الأيام القادمة. قد يكون التاريخ على المحك، هناك نظرية روج لها كيسنجر مؤخراً في مقال له بصحيفة وول ستريت جورنال يقول فيها أن النظام العالمي حتماً سوف يتغير بعد كورونا، واحتمال إنهيار العقد الاجتماعي، وهذه نظرية خطيرة جداً إذا ما صوبنا النظر أليها. نعم هناك خطط وبرامج للأنتقال ما بعد الجائحة، ولكن ما مدى صلاحيتها ونفعها مع امتداد الأزمة، هل يتم إعادة ترتيب المجتمعات بما يناسب كل أمة، هل نُشاهد عودة الدولة المركزية وتوغل السلطة في قمع الحريات، هل البشرية مقبلة على وضعية جديدة من التجارة الحرة وتبادل السلع. حتما أن إي تغير من هذا النوع لن يكون سهلًا. ولكن وسط هذه المخاوف كل شيء وارد.

64
المنبر الحر / أجيال مابعد كورونا
« في: 06:37 30/03/2020  »
أجيال ما بعد كورونا
أطبقت الأرض على سكانها السبعة مليارات، الكل ينتظر بفارغ الصبر نهاية هذه التراجيديا السريالية. ثمة نظام معياري جديد يفرض نفسه، أو بصورة أدق منظومة قيم جديدة ما بعد كورونا، فإلى الماضي القريب كان كل شيء طبيعي، إبتداءً من رياض الأطفال مرورًا بالجامعات  إلى المفاعل النووية، وكل منحى في الوجود. تغير كل هذا فجأة، الانسحاب للداخل وغلق المتاريس على الأنا، الخوف من التجمعات في مضمونه هو الخوف من الآخر الذي ربما يكون حاملاً للمرض، اسلم طريقة هي تجنبه، الحياة عزيزة، هذا يولد بالضرورة عالم جديد ليس كسابقه. الاتجاه نحو الفردانية والنكوص نحو الداخل الذي اصلاً كان يتجه إلى العمق قبل عالم الكورونا، كرس لهذا التواطؤ بشدة الهاتف النقال، الكل منكب على شاشته الصغيرة. لابد أن ينجلي المرض عاجلاً أم آجلاً، ولكن كيف ستكون شكل الحياة بعده، هل تعود كما كانت عليه سابقاً؟، الجواب مجهول إلى حد اللحظة، هذا واقع لا مجال للهرب منه، الفيروس يحصد آلاف الضحايا يوميا، ودخول المتوفين إلى أتون الجحيم في المحرقة  يُنقل بشكل مباشر من إيطاليا عبر الفيس،  هذا هو الواقع المؤلم. ثمة حاجة إلى فهم جديد وقراءة أعمق للأحداث من حولنا !. السؤال المطروح والأهم اليوم هو، إلى متى؟. سؤال وجيه وصريح، بمعنى إلى متى نكون مُقيدين بأغلال كورونا، إلى متى متوقف العالم عن الحركة والتجارة والسياحة، أين مصالح وأعمال الناس، من يُعوض من، من يدفع الأقساط والمُستحقات المطلوبة، البطالة المستشرية، وهذا يخلق بالضرورة العنف المنزلي، هذا وغيره الكثير يُوظف لفترة اكثر حرجاً واشد سوداوية حتى وأن انتهى المرض وزال، ولكن تبقى اثاره محفورة في النفوس طويلا.

65
أدب / الأرض لم تحن قيامتها بعد
« في: 04:53 27/03/2020  »

الأرض لم تحن قيامتها بعد


سلوان ساكو


الارض التي لم تحن قيامتها بعد
ليس بعد…
ليس الأن…
وليس غداً…
لم يحن بعد يوم القيامة
ولا يوم النشور قريب
تهالكت الارض قبل زمان… ولم تنقرض
اصابها ما اصابها من إوجاع
كوليرا… تيفوئيد… حمى اسبانيا
وظلت راسخة لم تسقط
لا تبكي بعد الأن يا إرميا  فالأرض باقية
دانتي عن أيَّ  جحيمًا تُبشر
فالشمس تنثر نورها كلَ فجر
لا تموت ولا تُفنى
هي المهبط الأول لقطرات الدم السرمدي
هي أنثى… هي أمنا… هي عشيقتنا… هي من هي
هي ذلك الحنين المغناطيسي … لشروق جديد
هي الوجع والسعادة… الألم والفرح…
هي ماءً رقراق في ينبوع عذب…
هي بحر هادئ ساعة السَحَر…
هي غابة لم تحترق…
هي الميلاد والموت... الملاذ والهروب…
هي خبزا حار أو سحابة صيف أو قهوة في قطار مسرع نحو المجهول...
لتكن هي من تكن ولكن هي كل شيء… وتبقى كل شيء.

66
امتحان كورونا القاسي
اِجتازَ العالم خلال الخمسين سنة الماضية الكثير من الحواجز في مرثون سريع لتخطي عتبة العلم والمعلوماتية بشكل مهول وغير مسبوق، الذكاء الصناعي، الأجهزة الذكية بأطيافها الواسعة، الإنترنت، نظام ال Online، البرمجيات، التطبيقات، الأتمتة، التجارة الإلكترونية، العملة الافتراضية، هندسة الحاسوب، كل هذا يوازي من حيث الدلالة المعرفية ألف سنة مضت. ولكن تبين في خضم كابوس فيروس كورونا إن الإنسان هشّ ضعيف وقابل للتكسر والتهشم في أي لحظة، مسربل برداء من الخزف والخوف والقلق، يمخر عباب البحر بمجاديف من ورق، حيث تغير العالم روحانياً نحو الأسوأ، الغرب ذاته تغير كثيرا، واتجه بتجاه الإلحاد بمنحة خطير، ليس ذلك الإلحاد الذي ساد فترة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم، الذي كان قائماً على المناقشة والديالكتيك والفلسفة والأفكار الماركسية، إلحاد اليوم بارد عدمي بدون معنى. تحول إنسان اليوم إلى ما يشبه الآلة بدون مشاعر وقيم واخلاق، ومنظومة دينة تربطه بالخالق بحزمة من الشرائع والنواميس. إنسان اليوم ضائع في وسط لجة من التقنيات مانفكت تزداد يوم بعد آخر  ودوامة لولبية من العزلة تشدك نحو الذات المزيفة ونحو الفردانية في سرعة فائقة تتَّجه إلى أسفل. تأمل ماذا يحصل الان أليس الكل متساويٍ؟، الفقير الغني العَالِم الجاهل الضعيف القوي الكل سواسية أمام الفيروس. إنسان اليوم تعيس ومغرور وخائف من فيروس مجهري مجهول مع كل التكنولوجيا المتوفرة التي أرستها المعرفة والعلم. الأوبئة موجودة مع وجود الإنسان نفسه، ومن بداية أول قبس لشعاع نور الشمس، لا بل تكونت الطبيعة ذاتها من البكتريا والطحالب والبروتين والحمض النووي والهيدروجين وأكسجين، وغيرها من المكونات الأولى للحياة.
أن الأوبئة  موجودة منذُ القِدم، خذ مثلاً سفر العدد 14  إِنِّي أَضْرِبُهُمْ بِالْوَبَإِ وَأُبِيدُهُمْ، وَأُصَيِّرُكَ شَعْبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهُمْ. وفي سفر التثنية 28 يُلْصِقُ بِكَ الرَّبُّ الْوَبَأَ حَتَّى يُبِيدَكَ عَنِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ دَاخِلٌ إِلَيْهَا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا. إذا لماذا لا نقول إن هناك رسائل Messages من عند الله تُنذر البشر من هلاك حقيقي بعد أن تركوا كل شيء وراءهم وجروا وراء الماديات وعبدوا الأصنام الجديدة وقدسوا الأوثان العصرية... قَدِّسُوا رَبَّ الْجُنُودِ فَهُوَ خَوْفُكُمْ وَهُوَ رَهْبَتُكُمْ.. إشعياء 13:8...وَتَكُونُ زَلاَزِلُ عَظِيمَةٌ فِي أَمَاكِنَ، وَمَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ. وَتَكُونُ مَخَاوِفُ وَعَلاَمَاتٌ عَظِيمَةٌ مِنَ السَّمَاءِ. لوقا 21...
هل يأخذ بشرّ اليوم عبرة وحكمة ودالة من كل ما يحصل على هذا الكوكب البائس، ويعود إلى الثوابت والقيم والعبادة الحقة والصلاة الحارة. من يذهب اليوم  إلى الكنائس في الغرب، أليست فارغة من المؤمنيين؟، من يعرف في عموم أوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا، اسرار الكنيسة، سر التجسد، سر الأفخارستيا، الأقانيم الثلاثة، الخلاص، المعمودية، مسحة المرضى، أليست اليوم هي في منظور الإنسان الغربي نوع من الفلكلور والطقوس التكميلية فقط والسيد المسيح بائع بيتزا. من يعرف شيء عن الصوم الكبير الذي نحن فيه، من يسأل عن الكاردينال بيل الذي يقبع وراء القضبان الأن في ولاية مالبورن بتهمة هو بريء منها براءةَ الذِّئب من دم ابن يعقوب... لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَمًا لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ. رؤيا يوحنا 6:16. أين هو الإيمان الأقل من حبة الخردل حتى... لَوْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَل لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ لِهذَا الْجَبَلِ انْتَقِلْ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَاكَ فَيَنْتَقِلُ، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَيْكُمْ متى 20:17... أليست  المثلية الجنسية هي الصفة الطبيعية في الغرب اليوم والسمة الأبرز... أليست صالات القمار وبيوت الدعارة أهم من دور العبادة. إنسان اليوم فاقد الرجاء والمحبة والخلاص والثقة بالله، أرتفاع  نسبة الانتحار بين صفوف الشباب، انتشار الكآبة النفسية في صفوف المجتمع المتمدن بكثرة، تفشي ظاهرة الإدمان، ازدياد نسبة الطلاق، كل هذا يضعنا أمام أسئلة وجودية جدية جديرة بالتفكير والتأمل.   
يجب اليوم مع تفشي الفيروس أخذ العَبرة والدرس والحكمة وهنا مكمن التحدي مع هذه المحنة التي ألمت بالبشرية جمعاء، وتكون دعوة من  القلب أن تنزاح هذه الغيمة الكورونيا السوداء من على كاهل هذا الإنسان المُتعب المُتهالك وينهض من رماده مجدداً.

67
المنبر الحر / هشاشة الإنسان
« في: 03:37 19/03/2020  »
هشاشة الإنسان
لم يكن يتوقع الأسترالي حتى إلى أسبوع مضى أن يعاين بأم عينه رفرف الأسواق والمحلات فارغة من البضائع والمواد الاستهلاكية، لا بل تعدى الأمر بالصراخ والضرب من أجل زجاجة زيت أو ربطة خبز أو ورق التواليت.
بدأ في ووهان الصينية ولم ينتهي بها، تعدى حدود الجغرافية، وسار بركب الانتشار السريع إلى أن غزة العالم وباتت الدول والحكومات تحت رحمته.
حاولت الحكومة الأسترالية جاهدة الحدّ من الفوضى وتخزين المواد الغير ضرورية... ولكن صرخات رئيس الحكومة الفيدرالية تذهب ادراج الريح كأنها لم تكن، أو نداء حادي عيس في وهاد الصحراء. أعطى منحة أو إعانة وهو يعرف جيدا أنها لا تسد الرمق مع هذا الفيض البشري المستهلك للسلع... ماذا تنفع الإعانة إن لم تتوفر المواد الأولية؟.
حواشي وعلامات استفهام وأسئلة مصيرية تدور رحاها في خلد الجميع اليوم، هل يستمر الوضع على ما هو عليه؟، هل تتوقف الحياة نهائياً في ظل انتشار الوباء؟، حسنًا إلى متى سوف تدوم الحالة الراهنة الشاذة؟. والسؤال الأهم والأخطر والذي ربما يدور في تفكير الكثيرين... هل تنهار الدولة ومؤسستها في ظروف الكساد، وتوقف عجلة التجارة والنقل والسفر والسياحة وهذا العجز المالي والانهيار الكبير في البورصة؟، وهل هذا يفرز نظرية اشد تطرفًا وسوداوية وهي الهجرة بأثر رجعي إلى الوطن الأم،؟ من يعرف في زمن اللاعقلانية والتراجع الحاد للمفاهيم التي قامت عليها.
التأويلات كثيرة ومتعددة، والاحتمالات مفتوحة، ولكن يبقى هناك فسحة أمل في النجاة من طوفان كورونا.

68
المنبر الحر / فوضى الكورونا
« في: 06:08 05/03/2020  »
فوضى الكورونا
لم يُثير فيروس الهلع والخوف بين الناس والمجتمع كما يُثيره فيروس كورونا المُستجد في الآونة الأخيرة في جميع بقاع العالم تقريبا. المُسببات والإشاعات والمآلات كثيرة بكثرة الأقنية الفضائية التي تبثّ ليلًا  نهارًا عن انتشار وتوسع المرض.
الفيروس خطير دون أدنى شكّ، واللقطات المُسربة لحرق مئات الجثث في إيران تُثير الرعب في النفوس، فكما يُقال النفس عزيزة على صاحبها. ولكن خلق جوّ من الفوضى والرعب لجعل المواطن يقتني ويكنس المنظفات والقفازات المطاطية وورق التواليت من الأسواق، وخلوها من المواد الأساسية، كالزيت والرز والخبز، وتدافع الناس والوقوف في طوابير طويلة، فهذا شيئ آخر. فلم يصل الأمر إلى الحد المجاعة ولا الوباء العالمي إلى حدّ اليوم، ومنظمة الصحة العالمية لم تعلن أن الوباء اصبح عالميًا.
لعبة الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك دور كبير في خلق فوضى طبية من نوع معين، وهذا كرس لاحقاً لفوضى ثانية لا تقل خطورة، وهي اقتناء وكنس وتكديس المواد الغير ضرورية مما جعل  الأسواق Markets شبه خالية، ماذا ينفع ورق التواليت في درء المخاطر؟.
الجهل بالمرض وعدم القراءة الصحيحة للوقائع يوازي الجهل في الوقاية منه، فليس كل مصاب بالفيروس يلقى حتفه، وليس صحيح أيضا أن المرض ينتشر بسرعة الضوء، بمعنى إذا وجد عشرين شخص مصاب في ولاية مالبورن الصناعية الكبيرة، فسوف يُصاب جميع السكان خلال ساعات ويموتون، هذا ضرب من الخيال والأفلام الهوليوودية.
الفيروس خطير!... نعم، ولكن بالمقابل العلماء والمختبرات والاختبارات جارية على قدم وساق، ولا بد أن يُكتشف لقاح أو مصل أو دواء لدرع المرض، فهذه ليست المرة الأولى التي تواجه البشرية هكذا نوع من الفيروسات والأوبة، كان هناك الألعن وقد بطش بالبشرية، وفي جميع العصور استطاع الإنسان التغلب عليها... حصدت الكثير من الأنفس... نعم... ولكن هذه معركة... والمعركة كر وفر... ربح وخسارة... انسحاب وتقدم. فيجب علينا عدم تهويل الأمور، وعدم اقتناء الحاجات أكثر مما هو مطلوب منا، وعدم الخوف الغير مبرر إطلاقًا.
سوف تنقضي هذه الحقبة وتمر حُقبْ أخرى، وتظهر أوبئة وفيروسات ثانية تحت مسميات عديدة، لأنها رافقتنا منذُ البداية ومع الأنطلاقة الأولى، والإنسان هو هو...يخاف من ابسط الأشياء وأتفهها...خوف كامن ومُِستتر خلف أقنعة كثيرة ومتعددة.

69
من يُحاول إسقاط البابوية
سعت منذُ البداية قناة SBS الأسترالية في دعايتها إزاء التأثير الإعلامي على المشاهد، والمتوالي دون انقطاع  لمسلسل  The New Pope والمكون من 9 حلقات إلى خلق مفهوم  Concept رديء فيما يخص منصب الكرسي الرسولي في روما الفاتيكان. ليظهر لنا في النهاية شخصية متمثلة بابويًا، مع النساء العاريات على ساحل البحر وفي وسط كنيسة وعلى مذبح الرب، داخل دائرة من المغامرات العاطفية والمؤامرات الداخلية والتي تُحاك من قبل الكرادلة والأساقفة. حاول المسلسل إعطاء صورة إنسانية زائفة ومُغايرة إلى حد بعيد للبابوات والتقليل من سطوة المؤسسة الدينية وتحيد معايير اليقين عند المؤمن  وتعميق الهوة بين الكنيسة من جهة والمسيحي من جهة أخرى. متونّ المسلسل من حيث الفكرة، إن البابا بيوس الثالث عشر يدخل في غيبوبة، وإن على الكنيسة الرسولية الجامعة، والمعرضة للتهديد من فضائح جنسية والمهددة بهجمات إرهابية محتملة، لا تستطيع البقاء دون حبر أعظم، فيقرر الكاردينال فويلو الترشح للانتخابات، لكنه يدرك أنه يخاطر بالخسارة أمام الكاردينال هيرنانديز، وهو يدعم انتخاب توماسو فيجليتي، معتقدًا أنه وديع وسهل التلاعب به. ولكن في الواقع يفتح البابا الجديد الذي يكون أسمه فرانسيس الثاني أبواب الفاتيكان أمام اللاجئين ويصف ثروات الكنيسة للتبرع بالمال للمحتاجين، فيكتشف أن الأمر ليس بهذه السهولة، وهو ما يفجر صراعًا وشيكًا في قلب الفاتيكان. المسلسل من إخراج وتأليف باولو سورينتينو.
دون شكّ أن المسلسل ضخم من حيث الإنتاج والتوزيع والتمثيل واختيار الأمكان بدقة عالية، الولايات المتحدة، أسبانيا، فرنسا، وإيطاليا، والتي تعطي انطباع من أول حلقة أن المُشاهد في قلب دولة الفاتيكان بحق. بطبيعة الحال المسلسل مُثقل بنقاشات لاهوتية فلسفية، وأسئلة ديكارتية أكثر وجودية لفهم أعمق لنظرية المعرفة (الإبستمولوجيا Epistemology)، والتوغل بعيداً خَلف قناعات الإنسان ومعنى الحياة من حوله ومُسبِّباتها ونشأتها ومآلاتها. هنا وفي منعطف فلسفي حاد ومُقلق تُكرس الدراما لمستويات جديدة New levels للحقيقة ودور الدين في توجيه هذه المستويات، من منطلق الرغبة في بعث وعي جديد New awareness للأفكار الكلية التي ساهمت إلى حد بعيد في تكون شخصية المؤمن من عصور خلتّ، ومحاكاة الحضارة التي أنتجت سلسلة غير متناهية من المفاهيم والصيغْ التي تتمحور داخل الدين والطبيعة والميتافيزيقيا.
الموضوع ليس بالجديد على كل حال فقد أُنتج مسلسل يحمل نفس الأفكار عام 2017 تحت عنوان البابا الشاب (The Young Pope)، لذات المخرج.
 كثيرٌ هي الأفكار المُعمقة والضرورية للفهم، والتي تخص العقيدة والإيمان والعلم والفلسفة... موجودة في كُتب قداسة البابا بندكت السادس عشر (جوزيف راتزنغر م1927)، رئيسًا لمجمع العقيدة والإيمان من عام 1981 إلى 2005. وخاصة في كتاب (جدلية العلمنة، العقل والدين)، وهو نقاش بين البابا والفيلسوف الألماني يورغن هابرماس م1929، متوفر على شكل pdf على الإنترنت، مضمون النقاش هو إيجاد طرق ومسارات عقلانية مشتركة بين الدين من جهة والعلم  من جهة ثانية وسُبل تطوير هذا المسار نحو خلق فضاءات اوسع للفهم والمعرفة على أساس قوي وصحيح والذي أرسى في النهاية لبداية جديدة من نوع فريد من نوعه بين الدين والفلسفة والعلم.
من المؤكد أن يفتح المسلسل مجموعة من التساؤلات بعضها حساس وخطير، من نوع، هل البابوات في وقت مضى يمارسون حياتهم بشكل طبيعي بما ذلك الجنس؟، هل يوجد خفايا وخبايا داخل أروقة الفاتيكان؟، هل البابا معصوم من الخطأ حقاً؟، هل يوجد مؤامرات وتحزب وتكتل بين  الكرادلة على المنصب البابوي، والكثير سوف يُطرح اليوم.
على مرّ العصور تعرضت دولة الفاتيكان لهجمات شرسة، وهذه ليست أولها ولا آخرها، واجتازتها مع كل المصاعب والتحديات لأساساتها المتينة والمبنية على الصخر.
وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. متى 18:16

70
عندما تصبحّ حفلاتنا عبء
في بعض الأحيان نختار أن تكون في مكان مُعين بمحض ارادتنا، وفي أحيان أخرى نكون في أماكن مُعينة مجبرين لدواعي مختلفة، لنقل اجتماعية، عائلية، واجبات أسرية، إسقاط واجب بعينه، وضع أو شكل أو إطار لعلاقة ما، نستكمل من خلالها البرستيج (Prestige) العام للمجتمع. وهذا طبعًا يُشكل انسجام وتناغم (harmony ) مع المحيط الذي من حولنا ويُكمل تناسق الحياة المجتمعية ويخفف من عبء العزلة والوحدة، لأن الإنسان في النهاية حيوان إجتماعي لا يستطيع العيش دون أفراد وناس وبيئة وتفاعل، وإلاّ أصابه الجنون في مقتل، ويصبح كائن وحشي وحيدّ دون ونيّس، يخفف الآخر من وطَأة وثقل وهموم الحياة ومشاقها التي لا حدود لها اليوم.
ولكن القضية المتداولة للطرح والتي هي في محلّ النقدّ، والنقد هنا هو التقييم للوضع العام وللحالة أو الحالات المُعاشة يوميًا وليس استهدافاً لأحد، أو وموقفًا  شخصيًا من شخص ما. لا أبدًا هي فقط إضاءات لا اكثر.
ما لا يُخفى على أحد أن الحفلات والمناسبات  ازدادت في الآونة الأخيرة، حفلات الأعراس، حفلات الخطوبة، حفلات الميلاد، حفلات العِماذ، حفلات التناول الأول، حفلات التخرج، حفلات الوصول إلى دول المهجر، لا بل اصبح هناك حفلات ميلاد للكلاب أيضا. المشكلة ليست في الحفلات المُقامة، ولكن في كثرتها، و التي تأتي دون داعي في مراتٍ عديدة. فنستقبل أحيانًا كارت الدعوة لحفلة معينة دون أن نعرف من هو صاحب الحفل، أو حتى تربطنا به معرفة سطحية بالكاد تكون صداقة، فنظل في حيرة من امرنا، هل نُلبيّ الدعوة أم نرميها في سلة المُهملات وننسى الأمر برمته. وهنا يصدر صوت من داخل وعينا من الأنا، يقول لنا بصوت خافت بالكاد يُسمع، لربما نرى صاحب الحفلة في السوق، أو عند شخصًا ما، أو أن أقابله  في باحة الكنيسة مثلًا، أو حتى في حفلة أخرى، في ذلك الوقت أكون في موقف محرج لا أحسد عليه وفي غياب جواب مقنع لعدم الحضور، فنلبي الدعوة ذلك الحين على مضض مجبرين. صحيح إننا داخل دائرة وسط جالية كبيرة، الواحد يعضد الثاني سواء في السراء أو الضراء، ولكن أيضا الكثرة تثقل على كاهل الشخص ويصبح معه تلبية كل الواجبات صعب على الشخص، مع صعوبة الحياة ذاتها، دفعات المنزل، قرض البنك، القوائم Bills، شركات التأمين Insurance، الهواتف النقالة، كل هذا يُشكل عبء على الشخص ذاته ينوء بحمله في ظل ظروف تزداد مع مرور الأيام صعوبةٌ وتعقيد. وهذا ليس عيبًا اللّهم إذا كان الوضع على نحو آخر وهذا ما لستُ في صدد طرحه اليوم. حتى الكنيسة اليوم قلصت المأْتّم ووضعت شروطًا معينة لأقامة التعازي في الآونة الأخيرة، كل ذلك من أجل تخفيف من الأعباء قليلاً.   
 حسناً ما هو المخرج وطريقة تدوير المسألة، هنالك أمران، الحفلات الكبيرة أيَّ الأعراس، والحفلات الصغيرة، العماذ، التناول الأول، أعياد الميلاد بالسنة الأولى، حفلات التخرج إلى آخره. الأمر الأول لا ضير إذا انفتح المجال قليلاً، فهذا معروف من البدء، وهكذا سارت الأمور من البداية، في القرية، ثم المدينة، بعد ذلك في دول المهجر وهكذا دواليك. ولكن المشكلة في الحفلات الصغيرة  الآنف الذِّكر، يجب أن تكون مقتصرة على اصحاب العائلة، اقرب المقربين للشخص، بدون التوغل ابعد في الدعوة. مع الأخذ بالاعتبار تقليص العدد يؤدي إلى تقليص النفقات، وقس أنت عزيزي القارئ على ذلك. حفلة صغيرة تفي بالغرض.
ما لابد الإعتراف به هو إن الوضع ما عاد يتحمل، وإن الناس تحضر الحفلات وهي مجبرة، أو في موقع الخجل أو قريب منه.
في كل الأحوال يظل الأمر مرهون بالشخص ذاته أو صاحب الدعوة، ومدى علاقته بالناس والمجتمع من حوله، وتظل هذه الأسطر محاولة لتسليط الضوء على قضايا مجتمعية تُثار بالأحاديث الجانبية والجلسات العامة أو الخاصة، ولكن لا يكُتب عنها، لا لشيء سوى لأنّها تسير  الأمور على هذا النحو، والحياة هي هي، ماذا سوف يتغير إذا قال أو كتب فلان مقالة. هناك بكل بساطة تذمر ملموس في ثنايا المجتمع ما يؤكد ذلك الحوارات الدائرة بين الناس. في نهاية المطاف الجميع حر في تصرفاته وحفلاته.

71
المنبر الحر / كورونا الذكيّ
« في: 02:51 06/02/2020  »
كورونا الذكيّ
كثيرةٌ هي الأطروحات والمقالات التي جاءت بخصوص فيروس كورونا الشرق الأوسط، الذي قتل إلى اليوم ما يزيد على 500 شخص في الصين وحدها، وشكل هلع وخوف كبيرين في جميع أنحاء العالم، من اقصاه إلى اقصاه، وقوض اقتصاد الصين إلى درجه كبيرة، وأوقف عجلة الاقتصاد، وحركة التصدير والاستيراد بشكل ملحوظ عالميًا، حتى الشركات الصينية للطيران والسياحة جاثمة على المدارج دون مسافرين لقلتهم.
الحكايات والروايات والقصص في المجالس والمسابح والساونات متعدد، ونظريات المؤامرة منتشرة بين فئات المجتمع كالعاده، منها على سبيل المثال لا الحصر، إن الصين هي من اخترعت الفيروس وارادت بعد ذلك نقله إلى أمريكا ولكن في الدقائق الأخيرة انقلب السحر على الساحر وانتشر المرض عندهم. وفي حكاية أخرى اكثر بوليسية على طراز جيمس بوند، إن المخابرات المركزية الأمريكية CIA هي من زرعت جذور المرض في أسواق مدينة ووهان القذرة وتركته ينموّ ويتغلغل في تلك الحاضنة الخصِبة إلى أن انتشر  وقتل الناس، والغاية من ذلك هو تدمير اقتصاد الصين، والغالبية العظمى من الناس لا تدري أن كل اقتصاد الصين لا يشكل سوى أربعين بالمئة من اقتصاد أمريكا. طبعًا هذا تسطيح وتسخيف للأمور، لأنَّه وببساطة كبيرة ال CIA ليست كليّ القدرة ولا تصنع العجائب والمعجزات بين ليلة وضحاها، نحن نتصورها ذلك لأننا نحن ضعفاء عاجزين.
فهم المسألة من الأساس لا يبدأ من خارج دولة الصين الشعبية، بل من داخلها وبالتحديد من مدينة ووهان ذات ال 11 مليون نسمة، وهي نسبة ليست بالكبيرة بأجمالي عدد سكان الصين المليار والنصف، ولكن المشكلة بدأت بأسواق المدينة القذر الذي يحتوي كل أنواع الزواحف والخفافيش، ومن المعروف مختبريًا أن الخفافيش هي التي تشكل المستودع الحيواني لفيروسات كورونا، كسارس والعديد من الفيروسات الناشئة وخاصة فيروس إيبولا قبل سنوات قليلة، لأن الخفافيش تتمتع بنظام مناعة يسمح لها بإيواء عدد كبير من الفيروسات دون الإصابة بها، وهي اليوم تقترب من المناطق الحضرية بسبب إزالة الغابات في تلك المناطق من الصين بالتحديد.
الفيروس الأخير ليس غير ردةْ فعل الطبيعة على النظام الغذائي في الصين، والذين يأكلون كل ما يدب على الأرض من حيوانات، وكل ما يطير في الجو من طيور. لربما الإنسان الميت يلتهمونها أيضًا من يدري؟، والصور المنقولة من هناك عبر النيت مرعبة حقاً.
أن تصنيف الطبيعة من وراء هذا الفيروس الخبيث ليس بالأمر الهينّ، فهو يمثل في رمزيته الضمنية تفاهة وضعف هذا الإنسان الذي تسيطر عليه بكتيريا مجهرية لا تُرى حتى بالعين المجردة. هذا الإنسان المتكبر العنيد المغرور الذي وضع ذاته بمكانة الآلهة من فجر التاريخ إلى اليوم، اليوم هو ينهار أمام فيروس نكرة.
 هل يأخذ البشر عبرة من الأمراض السابقة كالطاعون السفلس الكوليرا شلل الأطفال الجدري، والتي قتلت في فترات وجيزة ملايين البشر. هل يفهم الإنسان أن للطبيعة وجه آخر يتمثل بالغضب والمرض والإعصار.
لا حصانة لأحد من المرض والفيروسات، ولا أحد مُستثنا من المعاناة والمصائب.
في النهاية سوف ينتهي كورونا عاجلا أم آجلا، ولكن سرعان ما سيظهر مرض آخر وفيروس جديد أكثر فتكًا وأكثر ذكاءا من سابقه.

72
هل باتَ المطارنة والكهنة تسلية لأقلامنا
حينما نصل إلى نمط ومنطقة اللامعيارية نفقد حسّ النقد، ذلك النقد البَناء الذي يكون من أجل التصحيح، تصحيح مسار، تصحيح فكرة، رجل دين ارتكب خطأ ما خلال خدمته الرعوية، فأصبح مَعْثَرَةٌ للأخرين، قضية معينة تشغل الرأي العام في المجتمع الحديث الذي بدأت تتآكل فيه القيم والتقاليد رويدًا رويدًا. ومع النقد الحقيقي نكون قد سلطنا الضوء على الوقائع والمشاكل بشكل منهجي رصين يتوافق مع المنطق والعقلانية. ازدادت في الآونة الأخيرة التطاول على المطارنة والقساوسة، بلّ أكثر من ذلك، حتى وصل الأمر من هم في رتبة البطريرك والكاردينال، بأبشع الكلمات وأقذر الألفاظ، فلم يعد هناك معاير اخلاقية تضبط المقال أو النص، وانفلت العِقال عن العقل، فأصبحت الكلمات الجارحة تخرج من الأقلام على عواهنها بدون رقيب ولا محاسب. المطران السارق، القس ابو البنات، الشماس صاحب الأفلام الخلاعية، وأكثر من هذا لا داعي لذكرها، إلى ما هنالك من اتهامات ليس بمقدور صاحب الادعاء أقامة الدليل عليها. أنه عبث مجرّدُ وتجني على الرموز الدينية، ربما يكون موقف شخصي، أو ثأر يريد احدهم اخذه من رجال الكنيسة. لا يوجد توصيف محدد لهذه الحالات الشاذة غير الإساءة من أجل الإساءة. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ. متى : 18-18
من المؤكد إن المرحلة الحالية لا تشبه بأي شكل من الأشكال المراحل السابقة، حتى قبل عشرين سنة أو أكثر، من تجاوز وسب وقدح وذمّ بحقّ رجال الإكليروس، ومن هم في درجة الأسقفية. نعم النقد مطلوب، والتنويه على الأخطاء شيء مهم وضروري، والمناقشة ضرورية لتجديد الخطاب وتحديد الخلل، والكتابة تظل فعل حر، ولكن أيضا  يجب التحلي ببعض أخلاقيات الكتابة ولو في درجاتها الدنيا. صحح لم يعد هناك رقيب على قلم أحد، ولكن أيضا يوجد رقيب مهم وهو ضمير الكاتب، أين هو اليوم في ظل هذه الفوضى الكلامية ؟.
من المؤسف حقاً أن نصل إلى هكذا تجاوزات بحق رجال يخدمون العقيدة. كان ممكن لأي كاتب أن يتعاطى مع الموضوع باحترام واحترافية اكثر دون اللجوء لخطابات جوفاء لا معنى لها، ينتقد ويقيم بشكل رصين دون شتائم، تصل الأم والأخت والأب، واتهامات بالباطل.
هل باتَ البطاركة  والمطارنة والكُهان  تسلية لأقلام بعض الكُتاب وموضوع سخرية وتشهير وتهكم واستهزاء. مثل هذا السؤال يجب أن ينطرح اليوم وبعمق، في خِضّم هذا الأستخفاف بكل القيم والرموز. هل فقدنا بوصلة الكتابة ووصلنا إلى مرحلة اللامعيارية في كل شيء؟.

73
من أجل مستقبل أستراليا لنفعل ذلك
بقلم/ سلوان ساكو 
تشهد دولة أستراليا أزمة حقيقية بالفعل؛ وصلت إلى درجة لم نعهدها سابقاً وبمثل هذه الحدة التي توشك أن تكون كارثية على السكان والحكومة الفيدرالية التي تُحاول بكل الإمكانيات المُتاحة أن تحد من الأضرار الناجمة من جراء الحرائق والخسائر البشرية التي وصلت في بعض الأماكن لأرقام مرعبة، لم تتوقعها أبدا، حيث دخلت الأزمة شهرها الرابع، مع توقع بالأسوأ. احتباس الأمطار  والجفاف الغير مسبوق الذي ضرب البلاد خلال الموسم الأخير من العام المنصرم كان حَدَثٌ قَاصِمٌ وبليَّة كبيرة، وأن كانت الحرائق واشتعال الغابات عُرف سنوي، لا يمر عام دون حريق، ولكن هذه السنة غير كل ما سبقها من أعوام، حيث التهمت النيران نحو 1.7 مليون هكتار من الأراضي نتيجة حرائق الغابات التي اجتاحت الساحل الشرقي لأستراليا ودمرت خلال هذا الأسبوع فقط ما لا يقل عن 381 منزلا في ولاية نيو ساوث ويلز وحدها ، و 43 منزل في ولاية فيكتوريا. وقد أرتفعت حصيلة الضحايا الى ثمانية عشر قتيلاً وعشرات المفقودين. المسؤولين في الحكومة الفيدرالية يقولون إن العدد سيزداد في غضون أيام. وقد قدّر خبراء نفوق نحو 500 مليون حيوان، مما يثير مخاوف من انقراض أنواع من الحيوانات بأكملها. ونقلت صحيفة التايمز البريطانية، عن خبراء البيئة بجامعة سيدني الأسترالية، تقديرات بأن حوالي 480 مليون من الثدييات والطيور والزواحف قد نفقت بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الحرائق المدمرة التي اندلعت في غابات أستراليا مؤخرا. ويشمل ذلك ما يقرب من 8000 من حيوانات الكوالا النادرة، والتي يُعتقد أنها احترقت حتى الموت على الساحل الشمالي لأستراليا.
حسناً ماذا علينا نحن المواطنين العاديين أن نُقدم في هذا والوقت العصيب الذي يجتاح البلاد، وفي ظل هذه الأزمة الحادة التي تشهدها أستراليا والتي قاربت في بعض المناطق إلى الفوضى ونقص حاد في المواد الغذائية والوقود والكهرباء. طبعاً من يستطيع تقديم يد العون والمساعدة مباشرةٌ عن طريق التطوع volunteering بشكل منظم من خلال منظمة SES فهذا شيء جيد ويحسب له، أو من يتبرع للمتضررين من جراء النيران  عن طريق حِساب رسمي هذا أيضا ممتاز ويدل على روح المسؤولية عند الشخص ومدى شعوره إتجاه البلد. ومن يعمل بشكل رسمي وبدوام كامل Full-time فعليه في هذه السنة المالية 2019- 2020 أن يدفع إلى مكتب الضرائب الأسترالي أكثر من السنوات الماضية للمساهمة ولو بجزء بسيط في عبور هذه الأزمة الخانقة التي تستنفذ موارد الدولة، فمع كل الإمكانيات المتاحة فهناك عجز في الميزانية إذا لم يساهم كل مواطن في اداء واجبه فسوف تتفاقم المشكلة أكثر  ونصل في النهاية إلى طريق مسدود، وهذا ما لا يريده كل مواطن يعيش على هذا الجزء من الأرض، فلكل شخص مسؤولية مهمة كانت، وعليه تحملها لنمو وتطور البلد في كل السياقات والاتجاهات، الاقتصادية، الصحية، التعاليم، البيئة، الطرق، الجسور الحدائق العامة... الخ.
ليستمر كل هذا نحو  مستقبل أفضل وحياة مستقرة. يجب على الجميع أن يساهم ويُشارك في نهضة وتقدم ورفعة  أستراليا، بما تيسر له من إمكانات وطاقات وفرص حتى الضئيلة منها، لسدّ نقص أو حاجة معينة لربما تكون في محلها وتأتي في الوقت المناسب، وجزءا للصالح العام، والحجرة الصغيرة  مهما كانت فهي تُرمم البنيان وترفع ناطحات السحاب عاليًا.

74
ماذا تَبَقَّى من المسيحية في الدول الغربية
بقلم/ سلوان ساكو
نقترب رُوَيداً رُوَيداً  من أعياد الميلاد ورأس السنة. نحن الأن على مشارف العام 2020، تغير الكثير من حولنا، وبات العالم غير ذلك قبل قرن من الزمان ربما أكثر أو أقل لا يهم هذا كثيراً، خلالها تكرست مفاهيم جديدة في وعينا، وواكبت آخرى أثر التطور الهائل الذي اصاب العالم في الصميم، تطور تكنولوجي، تطور معرفي، تطور معلوماتي في النظام التشغيلي للصفر واحد، وتطور ذهني ايضاً للميتافيزيقا، أيّ ماوراء الطبيعة، وتحليل الظواهر  (فينومينولوجيا) دون التوصل لحقيقة مطلقة من خلال الوعي البشري الخالص، دون تدخل خارجي، أي الإله. كل هذا خلق جملة مفاهيم حديثة أو حداثية من مفهوم ما بعد الحداثة الفلسفي، كرست مرة ثانية لوعي بديل جديد لم يكن متعارف عليه سابقا، وعيًا بمستوى المساحة العليا للتفكير والحرية في التعاطي مع مفهوم الدين والتدين المسيحي عند الغربيين، وحركة التطور الأخلاقي في ظل نظام إنساني بحت، كما سوف نرى في المتنّ، وكأن شيئاً تبدل في ظل كل هذه المُعطيات الخطيرة، أو تروس كانت ساكنة ساكتة في عقل هذا الإنسان ثم بدأت في الدوران فجأة. ولعله في حكم النافل منّ القوّل إن هذا من طبيعة الأمور، حيث تتغير الأفكار التي كانت سندّ قبل حقبة من الزمان ويأتي غيرها، تُفند القديمة وتحلّ محلها إلى حين وهكذا دواليك. ولكن هناك دائما ثوابت وعقائد وأعراف في العالم لا يجوز تجاهلها  بأي شكل من الأشكال. ليسَ طرحي اليوم هو الانشقاقات الكنسية والمجامع المشهورة، التي حدثت في بدايات المسيحية، من مجمع قرطاجنة المقدس سنة 257 م وصولا إلى مجمع خلقيدونية سنة 451م. ولكن سؤالي اليوم ماذا حدث للمسيحية في الغرب، واقصد الغرب أمريكا، أوروبا وأخص أستراليا بالذكر، لكوني أُعاين الحالة بمجهر النقد والتقييم عن قرب، وهذا ما دعاني إلى أن استفيض قليلًا بالكتابة.
 كاتدرائية سان بول St Paul في وسط مدينة مالبورن، واحدة من أكبر الكنائس في الولاية، بنُيت مع دخول المستوطن الإنكليزي الجديد للمدينة، تؤول إلى متحف يأمه السواح مع مراسيم وقداديس قليلة، كنيسة أخرى في وسط شارع Chapel St المشهور تتحول إلى بار ليلي. كثيرٌ هي التجليات التي تظهر لنا هنا وهناك، ما هو المرصود فوق سطح البحر والكثير الذي لا نراه تحت جبل الجليد. ولكن الشيء المؤكد هو أن الكثير من القيم المسيحية تغيرت في الغرب، وأصبح هنالك أفكار خطيرة هي التي تسبق عمليات التفكير وتسير في خطةٌ حثيثة حقيقية متماهية مع الأصل، لا بل أصبح الأصل الحقيقي مركون في زاوية في أعلى الرف والثانية تحل محله لكونها تتماشى مع هذا العصر وتحمل بصمات هذا الزمن الذي باتّ الأغلبية العظمى به لا يُفرق بين الرث والسمين والأصلي والمزور، وتبين مع مرور الوقت أن الناس تسعى نحو الفرع تاركة الأصل. الجميع في هذه الأيام مشغول بمفردات عديدة تأخذ الإهتمام الأكبر من تفكيرنا ووقتنا أيضًا، نعم هي ضرورية وتشكل جزء لا بأس به من ثقافتنا وموروثنا الشعبي الذي شكل وعينا ووجداننا وهويتنا التي ننتمي إليها، ولكن كل هذا، برأي المتواضع طبعا، قد أهملنا الأساس والجوهر والسرّ والفداء والحق، وركضنا وراء الموديل حتى نسينا حقاً أننا ننتمي لهذا العيد المبارك، نلهث بسرعة مِنْ أَثَرِ الْجَرْيِ إلى واحة سراب في وسط صحراء. شجرة الميلاد، تزيين واجهات المساكن، هل المصابيح تعمل بالكهرباء أمّ بالطاقة الشمسية، أين نقضي ليلة رأس السنة، أين سوف نذهب بالعيد بعد القداس، الپاچة، اليخني، الديك الرومي، والى ما هنالك من مفردات ما انفكت تزداد سنة بعد أخرى. فإذا هنالك وضع شاذ نُحاول أن نضع أيدينا عليه مستكشفين قدر الإمكان خطورته على أجيال بأكملها في الوقت الحاضر وفي المستقبل.
اليوم المنظومة الأخلاقية Ethical system في الغرب هي الأساس، ويُبنى عليها المجتمع المتمدن Civilized society، المُتحضر، وهذا طبعاً بدون أدنى شك ممتاز لحداً بعيد، فالسرقة والكذب  والأحتيال والرشوة والخداع مرفوضة جملةٌ وتفصيلْ، والصراحة والشفافية في التعامل وقبول الآخر مهما كان ذلك الشخص جنسه أو دينه أو عرقه أو لونه، سمة من سمات   الإنسان الواعي العاقل A conscious human being يرفض هكذا أنواع لا أخلاقية من البشر، كل هذا من أجل إقامة مجتمع تواصلي يقوم على أخلاقيات النقاش والحوار وإقامة الحجّة والبراهين من أجل بلوغ الأتفاق والتفاهم والأجتماع. ولكن ما يزيدُ من خطورة هذه النزعة في إقامتها عقداً تحالفٍ مع الأطروحة الليبيراليَّة، التي ترى أنَّ كلَّ فرد له الحق في التمتُع بالحرية المطلقة في التصرف في ذاته وجسده وحياته بشكلٍ خاص بعيداً عن أية وصاية مهما كانت ويؤسس لنمط ثاني أكثر تعلّقاً بالأرضيات.
لنأخذ الفيلسوف الألماني كانط في مدخل في كتاب الدين في حدود مجرد العقل الصلة الوثيقة بين الأخلاق والدين، معتبراً أنّ الأخلاق ليست بحاجة إلى الدين من أجل قيامها، بل هي مكتفية بذاتها بحكم طبيعة العقل نفسه، وصحيح أنّ القانون الأخلاقي يفترض وجود كائن أسمى، ولكنّ فكرة هذا الكائن صدرت من الأخلاق دون أن تكون هي الأصل في ظهور الأخلاق. إذ يقول (إذا كان ثمة شيء يحق للإنسان الحديث أن يفخر به على سائر البشر السابقين؛ فهو إيمانه العميق بالحرية، بأنه كائن حر، لا يدين بقدرته على التفكير بنفسه، ومن ثمة على إعطاء قيمة خلقية لأفعاله أو لمصيره الخاص، إلى أية جهة كانت مهما علت أو بسطت هيبتها على عقولنا)؛ ويرى كانط في نفس الكتاب، أنّ العقل البشري في منحاه الكوسمولوجي، يسعى دوماً إلى التمييز بين دين طقوسي مصلحي أناني، قائم على إقامة الصلوات وتصنع الإبتهالات، والاعتناء بالمظهريات في الصوامع والكنائس والمعابد، وبين دين أخلاقي يتجسّد في الأعمال السلوكية الطيبة الحسنة، دين لا ينتظر من الإله أن يريه طريق مرضاته، بل يكون بسلوكياته وسيرته الحسنة أهلاً لأن يعينه الله ويخلصه. ولكن هذا النظام الأخلاقي يحذي حذوه المؤمن والملحد على حد سواء، الديني واللاديني فأصبح هناك مفهوم أخر للمسيحية وهو من لا يكذب أو يسرق أو يحتال فهو يحمل صفات المسيحي والخطورة تكمن هنا بالذات، حيث أصبح الانتماء لهذه الصفات هو الأساس مع العلم أن في عمق الدينة المسيحية ليست كذلك كيف هذا ؟، هنا يجب أن نتبع الأية (فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ)، رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، حيث يواصل (مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ). لأن الغرب ابتدع قيم جديدة مبنية على أُسس إنسانية رفيعة، وهذا لعمري حسن، ولكن بعيد كل البعد عن روح المسيحية الحقة، (لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّة) متّى 15- 24. (تَعَالَوا إِليَّ يَا جَمِيعَ المُتْعَبِينَ والمُثْقَلِينَ بِالأَحْمَال، وأَنَا أُريْحُكُم.إِحْمِلُوا نِيْري عَلَيْكُم، وكُونُوا لي تَلاميذ، لأَنِّي وَدِيعٌ ومُتَواضِعُ القَلْب، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُم.أَجَل، إِنَّ نِيْري لَيِّن، وحِمْلي خَفِيف)، متّى 11, 30-20. فالغرب تقريباً اليوم يُدين بالقيم الإنسانية، المؤمن والملحد واللاديني واللاأدري، ومن هذا المنطلق ومن هنا بالذات خفت شيئا فشيئاً القيم المسيحية وبدأت حقبة جديدة من عمر الديانة، فأصبحت الكاتدرائيات متاحف والكنائس بارات ليلية، والسيد المسيح تسوقه القنوات التلفزيونية الدعائية، تارة بائع بيتزا ومرة ثانية  على شكل موديل يرسمه الشباب، وهذا يدلّ على الأستخفاف بالمشاعر، وقلة الوعي الديني، وعدم الأهتمام وقلة أكتراث، والملح الصالح للأكل قد فسد، أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ. فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ، فَمَاذَا يُعِيدُ إِلَيْهِ مُلُوحَتَهُ؟ إِنَّهُ لاَ يَعُودُ يَصْلُحُ لِشَيْءٍ إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجاً. والنار الوهاجة خمدت  وأمست رماداً بعد أن كانت ألسنتها ترتفع لتعانق السماء. وهذا لم يتأتى من فراغ حيث له عُمق  إبستمولوجي كرس لقطيعة مع الماضي على الصعيدين الأنطولوجي والميتافيزيقي في جوهر العقل.
 يقول هيجل في فلسفة التاريخ بشكل واضح في (محاضرات في فلسفة التاريخ العالمي) التي ألقاها في جامعة برلين في الاعوام 1822 و1828 و1830. إن هناك عقل في التاريخ (العقل يحكم العالم) وعليه فان تاريخ العالم هو التقدم في العقل.
هيجل لديه فكرة خاصة عن الله الذي يسميه Geist وتعني الروح او الذهن. الفهم الفلسفي للتقدم في تاريخ العالم يمكّننا من معرفة هذا الاله وإدراك طبيعته وهدفه. وقال أن الأديان تُعبر عن مراحل مختلفة من مراحل تطوُّر الفكر البشري، فالدين تطوَّر من العصر التوتمي إلى السحر إلى العبادات الوثنية إلى اليهودية إلى المسيحية، وكل دين يُعبر عن أعلى مستوى وصل إليه العقل البشري حينذاك، ولذلك فإن كل الأديان تعتمد على الأساطير التي تختلف من عصر إلى عصر، وأنكر هيجل وجود الله الخالق، وكذلك الوحي الإلهي، وادعى أنه قادر على صنع إنسان، فقال ( أعطني هواء ومواد كيميائية ووقتًا وأنا أعطيك إنسان).
الغرب قطع مشواراً بعيداً جداً في السير وراء القيم أو الأكسيولوجيا، واهتم أكثر بالماديات الأرضية على حساب الروحانيات التي يقل رصيدها يوم بعد آخر. ومع التراجع الحاد للأخيرة بات هنالك وعي جمعي وأطار عام وطيف واسع من المجتمع يسلك هذا الأتجاه، وينحدر فيه في هبوط مستمر. ينعكس كل هذا بطبيعة الحال على الحياة والعامة والمجتمع، فصار المُشرع القانوني يُطالب الكهنة بالبوح بعترافات المؤمنين، أيَّ الإفشاء بسرّ الأعتراف المقدس، وهو واحد من أهم أسرار الكنيسة المقدسة السبعة. وهذه واقعة خطيرة تضرب أُسس العقيدة، وأصبح التطاول والتجاوز والسبّ والسجن على الرموز الدينة حدث ولا حرج. طبعاً هنا لا ننكر بأي شكل من الأشكال  التحولات البنيوية التي طالت المجتمعات الغربية في أوروبا وأمريكا وأستراليا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، مما دفع مجموعة كبيرة من الأكاديمين وفلاسفة ومفكرين إلى إرساء دعائم  مجتمع نقدي علماني جديد يرفض كل ماهو قديم ومتوارث وهذا فجر لاحقاً مفهوم ما بعدالحداثة وصاغ علاقة جديدة بين أفراد المجتمع يؤسس من خلاله فلسفة عقلانية سوسيولوجية لا غير، أما الدين فلا يهم كثيراً في هذه الحالة، فقد أصبح من الماضي ومن التراث.  ناهيك عن ثورة الأتصالات التي خطت صفحة جديدة في هذا العصر.
الوقوف عند التحديات الراهنة التي تُواجه الناس صعبة للغاية خاصة في هذه المرحلة. الرهان الوحيد هو بصيصُ من الأمل في العودة إلى أحضان الكنسية الأم، ولو بعد حين.
 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: (لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ). مرقس 2: 17.


المصادر:-
رسالة جامعة في الإيمان والعقل، قداسة البابا يوحنا بولس الثاني.

هيجل فريدريك/ محاضرات فلسفة الدين، الدينة الروحية. ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد.
 
هابرماس يورغن / مستقبل الطبيعة الإنسانيَّة، نحو نسالة ليبيرالية، نقله إلى العربية جورج كتورة، مراجعة أنطوان هاشم، المكتبة الشرقية، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 2006.
 هابرماس يورغن/  القول الفلسفي للحداثة، ترجمة فاطمة الجيوشي، دراسات فلسفيَّة وفكريَّة، منشورات وزارة الثقافة، دمشق-سوريا، الطبعة الأولى، 1995.

كانط إيمانويل / الدين في حدود مجرّد العقل:
ترجمة فتحي المسكيني.

رحلة إلى قلب الإلحاد، الجزء الأول: الإلحاد.. بذار ورجال - أ. حلمي القمص يعقوب

75
شلع قلع... كلهم حرامية...
بقلم/ سلوان ساكو 
لم يكن الخطأ الإعلامي لغونتر شابوفسكي عضو المكتب السياسي للحزب الإشتراكية الألماني حين صرح بأن قيود التنقل بين الألمانيتين قد رفعت هو من حطم جدار برلين، لا، ولكن إصرار الألمان على تجاوز المرحلة هو من دقَّ المسمار الأخير في نعش الشيوعية والكتلة الإشتراكية آنذاك، هو من محطم الأغلال وكسر القيود ورفع النيرّ عن الشعب بعد تفرقة دامت 28 سنةً . وهذا ايضاً له تاريخ في العقلية الألمانية الفذة، فمع إنتهاء الحرب العالمية الثانية كانت  كل اجزاء العاصمة الألمانية برلين مدمرة وعبارة عن حُطام  وأَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ، لم يظل حجر على حجر، مدنياً واقتصادياً وعسكرياً، طال الخراب والدمار جميع البُنى التحتية للبلاد، المصانع الضخمة والمعامل الكبيرة ووسائل الإنتاج العملاقة، فعمَ الظلام مدينة الصناعة العالمية في تلك الحقبة من تاريخ أوروبا الأسود. من جهة ثانية كان على الحلفاء والألمان أنفسهم معاقبة من تسبب بكل هذا الدمار المهول من النازيين وزبانيتهم، فعُقدت أولى جلسات المحكمة في 20 نوفمبر 1945 في مقاطعة نورنبيرغ، لأن جميع قاعات المحاكم في عموم ألمانية كانت مدمرة بالكامل، لمحاكمة المتهمين ومحاسبتهم لمّا اقترفت أيديهم من جرائم بحق البشرية، وليس انتقامًا من شخص بعينه، وزرع الفتنة والبغيضة بين مكونات الشعب كما فعلوا صبيحة عيد الأضحى مع الرئيس العراقي الراحل. تعبٌ مضنيٍ وجريً حثيث لتجاوز الأزمة الكارثية من قبل شعب يعرف كيف يتجاوز المحن بسرعة، وعقلية جبارة تبتكر وتفكر وتصنع وتنتج وتُصدر. صحيح كان هناك مشروع مارشال، ولكن لم يكن لِيُكتب له النجاح لولا إرادة الشعب ورؤيته المستقبلية من اجل رفعة الأمة الألمانية وعودتها للأسرة الدولية كقوة منتجة ولاعب أساسي على الصعيد الأوروبي والعالمي.
أين العراق من كل هذه الترسيمات، هل له القدرة على تجاوز المحن الصعبة التي مرّ  ويمرّ به؟، هل يمتلك تلك الإرادة والعقلية والمقدرة والعزيمة في البناء والإنشاء والتطور والرقي؟، هل يستطيع العبور وتجاوز الماضي بأقل ما يمكن من الخسائر؟،  هل يستطيع رجل السياسة أو حتى الرجل البسط العادي كشف مكامن الضعف والهوة السحيقة التي يقف عليها البلد بعد خمسة عشر عاماً من التغير؟، اشك أنا في هذا!. العراق بئر من الفوضى والفساد ليس له قرار، وزارات تباع وتشترى، مناصب رفيعة في الدولة تُعطى للجهلاء، مُحاصصة طائفية بعيدة كل البعد عن الكفاءة والخبرة، احزاب تتصارع فيما بينها وتفجر السيارات الملغومة وسط الناس،  مرجعية دينية منافقة ترتدي مسوح الدين وتتستر برداء الصالحين وهي تسرق مال الشعب. كيف سينهض البلد بهذه التوليفة الغريبة العجيبة لا أحد يدري. الحراك الشعبي الذي يحصل اليوم ليس غير سَكْرَةُ من سكرات الموت، يقول الأطباء أن المريض يشعر بتحسن مفاجئ قبل الموت، هذا حال البلد اليوم، أظن انه يُعاني من الموت الأخير. صنفت المنظمة الدولية للشفافية العراق في المركز 168 من القائمة 180 التي تضمّ الدول الأكثر فساداً. ناهيك عن ميليشيات وفصائل الحشد الشعبي المتحكمة بمفاصل الدولة، والأحزاب الدينية المقيتة والعشائرية البغيضة، يُقال أن  ديفيد بتريوس قائد القوات الأمريكية في العراق، كان لديه قائمة بتسعيرة لشيوخ العشائر.
لا يمكن إصلاح شيء في العراق بهذه العقلية، أو هكذا تفكير، من الصعب بمكان إصلاح ما افسده الساسة وإيران من قبلهم وإبرام صفقة تنفع أو إعطاء دواء ينجح في علاج هذا المرض المزمن. لا خبز المحاميات في ساحة التحرير ينفع ولا بطانيات التاجر تصلح مع هذا الكم الهائل من خراب النفوس والعقول، أليست هذه هي الفوضى الخلاقة التي بشرت بمفاعيلها مستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس في عهد بوش الأبن.
ربما يغضب البعض من هذا النقد اللاذع ولكن مع الأسف الشديد هذه هي الحقائق دون رتوش أو مساحيق تجميل. لا ينفع طب العطار في ما أفسده الدهر.

76
الهزيع الأخير من المُظاهرات
ليس من السهل التَكَهَّنَ إلى ماذا سوف تُفضي به  المظاهرات الأخيرة في العراق، بعد أن دخلت شهرها الثالث، كما ليس وراداً إلى اليوم قرب استقالة حكومة عادل عبد المهدي، أو حتى تغير وزاري كبير يشمل الوزراء الفاسدين وليس كبش فداء، وما أكثرهم اليوم. التعليمات الإيرانية الصارمة، مُتمثلة بالجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني وزيارته المتكررة  للعراق والنجف كرست للهيمنة وأعطت دفعة قوية للحكومة الحالية وعطلت كل الجهود الرامية لبناء دولة ذات سيادة تتحكم بقراراتها ومواردها. هذا يُظهر لنا من زاوية أخرى عدم تأثر المرجعية الشيعية في طهران بالاحتجاجات التي عمتّ عدة محافظات ومدن إيرانية مؤخراً والتي لن تُفضي لشيء يذكر، بعد أن تمْ رفع أسعار الوقود. من يتذكر اليوم احتجاجات عام 2009 والتي سُميت أيضاً بالثورة الخضراء، قادها مير حسين موسوي ومهدي كروبي، ماذا حل بالأثنين، من يتذكرهم اليوم بعد هذه المتغيرات الجيوسياسة الكبيرة التي عصفت بالمنطقة. اعوان وكلاب طهران من بغداد إلى بيروت مرورًا بدمشق لن يدعوا الأمور تمر بسلام ابداً، هذا أمين عام حزب الله حسن نصرالله يُصرح من الضاحية الجنوبية لبيروت (ولاؤنا لمرشد إيران علي خامنئي غير محدود). الرئيس السوري بشار الأسد يعرف جيدًا أنه لم يعد له موطئ قدم في عموم سوريا غير حدود قصر المزة الرئاسي، ومن يتحكم بكل القرارات السيادة للبلاد هي إيران ورسيا بتواطؤ أسرائيلي أمريكي تركي. بغداد ليست أفضل حال من الباقي إن لم تكن الأسوأ، الكل بات يعيّ اليوم مدى توغل الميليشيات الإيرانية وأذرعتها من الفصائل المسلحة والعصابات المنُظمة في العمق وفي لعب الدور الأبرز، وتنصيب من تشاء في أي مكان سيادي. هذا التتويج لم يأتي بالصدفة وليس وليد اللحظة بل كان نتائج عمل كبير لسنوات  إلى إن أهدت إدارة الرئيس باراك أوباما العراق لإيران على طبق من ذهب وليس من فضة في سبيل تخلي الأخيرة عن برنامجها النووي. الأولويات اليوم بالنسبة للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ليس العراق ولا المتظاهرين ولا الشعب السوري ولا اللبناني، المهم هو النفط، قالها قبل أيام قليلة، (ما يهم الإدارة الأمريكي في سوريا هو النفط وتواجد القوات الأمريكية من اجل حماية منابع النفط). فلا احد يتصور دعم من أيّ نوع كان تقدمه واشنطون للمحتجين في ساحة التحرير وغيرها، ولو ارادت لفعلت، ولكنه لا تريد لحسابات هي تعرفها.
يظل المُحْتَجّ والمتظاهر العراقي أعزل وسط هذه الخيبات الكبيرة التي تُحاصره من كل حدب وصوب، من الساسة العراقيين المرتزقة، وقادة الأحزاب التابعين لإيران، ورجال الدين المطيعين للمرشد الأعلى. تنظيمات المجتمع المدني التي لم تفعل شيء يذكر على مدار الشهرين الماضيين، كل هذا سبب خيبة أمل كبيرة للناس التي خرجت من أجل الكرامة الجريحة وتفشي البطالة وانتشار الفساد وانعدام أية مقومات بسيطة للعيش في بلد نفطه أكثر من مياهه.
لن يحدث تغير في المنظور القريب، ولن تتحرك أساطيل الولايات المتحدة لمؤازرة المنتفضين في بغداد، وكل ما يقال على النيت والفيس بوك من تدخل أمريكي لِمناصرة الحشود في الساحات هو مجرد أضغاث أحلام. ولنترك ونشطب كلمة عاجل عاجل عاجل الكاذبة من على منصة الفيس بوك التي تهين الشيء الذي تعنيه. عاجل استلام الساعدي زمام السلطة بانقلاب عسكري، عاجل إنزال أميركي في المنطقة الخضراء، عاجل هروب المالكي وبصحبته 64 مليار دولار، عاجل ترامب يمهل حكومة عبد المهدي 48 ساعة لمغادرة السلطة فوراً. كل هذا هراء وكذب لأنه يُسيء للثورة الشعبية أكثر ما ينفعها، ويعطي انطباع مُبطن انها عبارة عن مهزلة.
لا بدّ من الحذر الشديد في التعاطي مع الموضوع العراقي والثورة، لأن العصابات والميليشيات والقتلة متربصين بالثوار، أكثر من 500 قتيل، وألاف الجرحى. والأهمّ من ذلك كلّه هو مكاسب الثورة التي قامة من أجلها الشعب، وهذه الدماء المبذولة من اجلها وإلى أين سوف تؤول الأحداث.
أرجو أن لا تطول المظاهرات أكثر مما ينبغي مع قدوم الشتاء والبرد، الصيف ابو الفقير كما يُقال بالعامة، ولكن البرد قاتل. لا بدّ أن تنجلي الأمور ذات يوم ويظهر الحقْ. 

77
 مِحْنَة العراق الخطيرة
بقلم/ سلوان ساكو
تغير الكثير من عالمنا خلال العقود القليلة الماضية، وسارت الكثير من المياه الآسنة تحت الجسر؛  مجبولة طبعاً بدماء الأبرياء مثخنة بالجراح. مرَ على تحطم جدار برلين 30 عام واندمجت برلين الشرقية بشقيقتها الغربية بعد عزل دام أكثر من 28 عاما على بنائهِ الذي أعتبر تقسيم لمدينة وتقسيم لشعب. لم يدمّ الوقت طويل حتى دخل الرئيس العراقي السابق صدام حسين الكويت، وأعلنها المحافظة التاسعة عشر، إنْشَطَر العالم كما لم ينشطر سابقا على هذه الواقعة المُفجعة، وأصبحت الدول الكبرى في مأزق حقيقي. إنَشق الصف العربي في عمقه القومي والإسلامي وتوسعت الهوة بين العرب بشكل لم يسبق له مثيل، حيث كانت ضربةٌ قاسية لا زالت ارتداداتها حاضرة إلى اليوم. في خضم هذه السجالات السياسية الدولية التي فرزتها حالة الحرب وإعلان إتلاف دولي يضم 33 دولة تقودهم الولايات المتحدة الأمريكية لإخراج العراق من الكويت، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب من مكتبه في البيت الأبيض من واشنطن عن النظام العالمي الجديد الذي سوف يحكم العالم. في هذا الوقت بالذات كانت الكتلة الشيوعية الأكبر تتفكك وتتساقط كأحجار الدينامو. العالم ذوّ القطبين أمسى قطب واحد؛ اخيراً مات المَارد الأشتراكي ولفظ أنفاسه الأخيرة عام 1992، حين لم تنفع إصلاحات ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر بيرسترويكا وغلاسنوست، واكتشف في نهاية المطاف أن بلدا مثل الاتحاد السوفييتي لا يستطيع لعب دور القوة العظمى على المدى الطويل في غياب اقتصاد قوي كاقتصاد الولايات المتحدة، واستنزاف قوة البلاد في حرب كحرب أفغانستان. أصبح العالم بعد هذا الأنهيار للكتلة الشيوعية بقيادة واحدة وقطب أوحد، ألا وهي أمريكا بدون أي منازع. هنا برزت خطوط أخرى وتيارات فكرية وفلسفية جديدة تتحكم بالقرار السياسي الأمريكي، كالمحافظين الجُدد، مُؤسسةٌ على القوة الأمريكية المُتعاظمة في الشرق الأوسط. أبرز منظريها ديك تشيني، دونالد رامسفيلد، وكونداليزا رايز، وعراب غزو العراق برنارد لويس، ومخططه الجديد لتقسيم الشرق الأوسط، إلى دويلات صغيرة دون فعالية تُذكر، وخلق ما يسميه النظام العالمي الليبرالي. غباء أم سوء تقدير، أو عدم وعيّ بالمستجدات السياسية الخطيرة التي ألمت بالعالم والمنطقة وقت ذلك جعلت من صدام حسين لا يقرأ الوقائع الجديدة على الساحة الدولية بشكل واضح، أسير أفكاره الماضوية ليس أكثر.
الذي يحدث اليوم في العراق من احتجاجات حاشدة وانتفاضة شعبية أو ثورة لوأد الميليشيات والعصابات المسلحة والفساد والسرقة والبطالة، ليس غير تعبير عن الواقع الأليم الذي يمر به العراق من قرابة خمسة عشر عامً، حيث لم تفلح القوى السياسية والأحزاب الدينية من تشكيل  نوات دولة ذات سيادة تتحكم بقرارتها. فشل المشروع الأمريكي وأفلح المشروع الإيراني إلى حد بعيد في جعل البلد أقليم يتبع ولاية الفقيه في طهران، هذا ما صرح به قاسم سليماني أكثر من مرة.
هل يخرج العراق من عنقّ الزجاجة الإيرانية؟، وهل تترك المرجعية الدينية الشيعية في النجف الأمور هكذا بدون تدخل  وهي المرتبطة بشكل وثيق بطهران. وإلى أيَّ مدى يستطيع الثوار الصمود في ساحة التحرير والشتاء على الأبواب و نوافذ المطعم التركي عارية من الزجاج؟، هل تستقيل حكومة عادل عبد المهدي أمَّ تنتظر الأوامر من علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، تُحدد هوية ومصير وشكل العراق في المرحلة القادمة، وإلاّ بماذا يُبرر وصول الجنرال سُليماني إلى النجف في هذه الأيام.  والأهم من كل هذا لماذا هذا السكوت الأمريكي المتعمد من المشهد العراقي، هل ترك دونالد ترانب العراق لقمة سائغة سهلة لإيران كما فعل سلفه أوباما، أم هنالك مخطط أخر نجهله نحن البسطاء يُطبخ على نار هادئة في المطبخ الأمريكي التركي الإسرائيلي المشترك. من يعرف ماذا يخبئه المستقبل للعراق.

78
مواجهات وفقّ خرائط جديدة
بقلم/ سلوان ساكو 
تواجه منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط تغيرات وتقلبات كبيرة وتحدياتٍ من نوعاً جديد، ربما لم نعهدها سابقاً سوف تُزعز أمن وإستقرار المنطقة بعمق هذه المرة والتي هي أصلاً غير مستقرة، واقعة بين مطرقة الأرهاب وسندان الصراعات المذهبية والطائفية، فالصراع التركي السوري دخلَّ مرحلة جديدة وحرجة بعد أن حشدت أنقرة جيشها على الحدود السورية التركية لغرض فرض منطقة آمنة، أو ما سماه اردوغان ممر السلام  داخل سوريا المفُتتة والمُنهكة بعمق 30 كيلومتراً وعلى امتداد الحدود الطويلة بين الجارتان، حيث وضع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان دراسة مفصلة عن هذه المنطقة تضم عدد المباني والدور والمدارس والمستشفيات ومراكز الشرطة والبنايات الحكومية التي سوف تدير شؤون المنطقة العازلة  بكلفة 150 مليار دولار،  طالب بتغطيتها من الدول الكبرى المانحة. كل هذا طرحه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة،  خلال كلمته السنوية، أكد خلالها على أن المشروع كفيل بحل أزمة اللاجئين السوريين، ووضع حد لمعاناتهم بشكل تام. هذا من جهة، أما من ناحية أخرى فقد شكل انسحاب القوات الأمريكية القليلة العدد والمتاخمة على الحدود السورية التركية  الضوء الأخضر لتركيا في شنّ الهجوم المرتقب، وهي بمثابة موافقة ضمنية من الرئيس ترامب وفق تسوية معينة اطرافها امريكا روسيا إسرائيل تركيا، سوريا فقط ليس لها علاقة بالموضوع، وهذا من السخرية بمكان. فإذاً سوف نشهد تغيرات ديموغرافية وعسكرية وعرقية وطائفية  في المنطقة.
المحور  الخليجي  وبعد الضربة الإيرانية الحوثية المزدوجة على شركة النفط السعودية  العملاقة أرامكو في بقيق وخريص، أصبح هناك حسابات أخرى لم تكن مطروحة على طاولة المفاوضات من قبل. فقد شكل تباطؤ المملكة العربية في التصدي للهجوم الإيراني وتلكؤ واشنطون بردّ حازم قوي وسريع أعطى أنطباع إن امريكا غير مستعدة نهائياً لدخول حرب مفتوحة مع طهران، مهما كانت الظروف، حتى لو تعلق الأمر بشريك استراتيجي وحليف تاريخي كالسعودية. في نفس السياق وبعد سلسلة من الهجمات التي قام به الحوثيين على المملكة  في الفترة الأخيرة على المطارات في جازان وأبها في عسير جنوب غرب السعودية، صار هناك أجماع كامل أن الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة للحرب، هذا تكرس من خلال إعفاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون من منصبه، لا بل البعض ذهب أبعد من ذلك حين قال أن دونالد ترامب أوصل رسالة للحكام في طهران  عن طريق السفارة السويسرية أن امريكا غير معنية بالصراع الدائر في المنطقة تحت سياسة النأي بالنفس، وهذا ما يُفسر لاحقاً لنا دخول الرياض في مفاوضات سرية مع طهران عبر دول محايدة لحل الأزمنة الناشبة بين البلدين. هذا يسلط الضوء  مرة ثانية على حماقات الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، أولاً في التعامل مع فضيحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي في إسطنبول العام الماضي، والفضائح الأخيرة في ظل الهزائم التي مُنية به الجيش السعودي حيث تم أسر فصيل كامل من ضباط وجنود، والسيطرة على مئات الدبابات والآليات في اشتباك مع قوات الحوثي قرب نجران، مما دعا والده  الملك العجوز  سلمان بن عبد العزيز إلى عزله من جميع مناصبه الرسمية وتجميد نفوذه داخل المملكة، ولكن خبر العزل وصل الأمير الشاب عن طريق دبي ومن الأمير محمد بن راشد، فحصل اشتباك بين قوات ولي العهد محمد بن سلمان، الكولومبية والنيبالبية مع الحرس الملكي السعودي الخاص داخل القصر مما أدَّى الى قتل عدد من الضباط والمراتب بينهم اللواء عبد العزيز الفغم الحارس الشخصي للملك والمسؤول عن حمايته. طبعاً الرواية السعودية عن مشاجرة نشبت بين الفغم وصديقه والتي أدت إلى مقتل اللواء في بيت السبتي عارية عن الصحة تماماً، والأخبار من داخل القصر الملكي أن العاهل السعودي قيد الإقامة الجبرية.
كل هذا يضع المنطقة في خانة التساؤلات الخطيرة عن طبيعة الصراع القائم، وترسم لنا خارطة جديدة سوف تشهدها الساحة العربية والإقليمية خلال الفترة القليلة القادمة.

79
الثورة الشعبية المسروقة
الذي يجريّ الأن في بغداد وعدة محافظات عراقية من مظاهرات شعبية واحتجاجات على الأوضاع المُزرية تكشف لنا مدى الإهمال والفساد المتفشي والمستشري في جميع دوائر الدولة ومنشآتها ومرافقها كافة، وعن قلة الخدمات الصحية والخدمية، وتفشي البطالة إلى مستويات غير مسبوقة من تاريخ العراق الحديث حتى في أحلك أيامه، وفي أقسى ظروف الحِصار التسعيني الدولى، نزلَ المواطن المسكين الى الشارع في هذا القيض الشديد، ومن له غير الشارع بعد أن تخلى عنه الجميع، يُعبر عن احتياجاته المشروعة والبسيطة، والتي يجب على كل دولة ذات سيادة حقة مهما كانت إمكانيتها بسيطة أن تُلبيها لمواطنيها، وهذا واجب يقعْ  على عاتق كل مسؤول أمين، وهل في العراق مسؤول واحد أمين اليوم؟ الذي يتبوأ منصب في الحكومة وموظف في الدولة يسهر على راحة المواطن ويفكر فيه!، لو كان هنالك من هذا النوع حقاً لما كنا في هذا المربع الضيق اليوم. الفرد العراقي تحمل كثيراً وبما فيه الكفاية على مدار عقوداً طويلة، ليس في حقبة ما بعد السقوط والضياع والأحتلال في عام 2003 فقط، ولكن ما كان قبلها من حروب وقهر واستنزاف للبشر والموارد، حركة التمرد الكردية فترة السبعينيات، الحرب العراقية الإيرانية العبثية، حرب الكويت، الحصار الجائر، وجاءت فترة الظلام الدامس الدامي من تاريخ هذا الشعب المقهور على مرّ العصور، فترة الفوضى والخراب والقتل والدمار، والانتفاضات من أجل لقمة العيش والرغيف المُعفر بالدماء الزكية، فترة السرقات باسم الشعب، فترة الفساد والرشوة الرسمية، فترة السقوط الأخلاقي للقيم والعادات والتقاليد والأعراف، فترة ضياع الكرامة والرجولة، فترة فقدان البوصلة للمواطن والوطن، فترة تجمع فيها كل أبناء عزازيل من الأفاقين والمنافقين والسُراق وقطاع الطرق والعصابات المنظمة وميليشيا الأحزاب في ملعب واحد، وهنا اكتملت اللعبة وصار الكل يُساوم على الكعكة الصفراء المسمومة، تارة باسم الدين ومرة أخرى باسم الشعب، وفي أحيان كثيرة تحت شعار البناء والإعمار وتطوير البَنى التحتية، ولم نرَ شيئاً من كل هذا خلال الخمسة عشر عام الماضية، والذي نعرفه فقط أن مليارات من الدولارات سُرقت وتبخرت، كانت تكفي ليعيش هذا الشعب المظلوم عيشة كريمة هنية بعد كل هذا التعب والدمار والخراب والقتل. ألاَّ يستحق أن يرتاح قليلاً بعد كل هذه المعارك؟.
ولكن أيضاً الذي يُعيب المُظاهرات التي تعم البلاد اليوم هو عدم وجود برنامج عمل للمحتجين، عدم وجود موجه ومُتكلم باسم المتظاهرين، قلة الوعي السياسي للأغلبية العظمى منهم، فإذاً هي مجرد أحتجاجات عفوية خرجت بشكل تلقائي سببها جور وظلم المسؤولين الحكوميين. أين هو المجلس الثوري الذي يُطالب بالحقوق،  من يسعى بصدق  في أثر  مفاوضات مع الحكومة الحالية لتحقيق الحق ومحاسبة المسؤول عن كل هذا التقصير المتعمد في أجهاض وتقويض أسُس الدولة اذا كان هناك دولة من الأساس، وكشف الخفاية والسرقات الكبيرة في الأجهزة الأمنية والمدنية.
 اذا ظلت الأمور على ماهي عليه الأن دون تكثيف الجهود وتوحيد الصفوف وتشكيل قيادة باسم المتظاهرين والمطالبين بحقوق المواطن، وتعزيز اللحمة بين جميع أطياف المجتمع العراقي تحت مظلة واحدة، والأهم من كل هذا هو الوعي بخطورة المرحلة الراهنة والتعامل معها بكل جدية ودراية، أقول مع الأسف سوف تضيع من بين إيدينا هذه الثورة، وينسرق الأمل الوحيد الباقي، وتذبل الأوراق مجدداً ولن تينع ابداً، ومن يعرف هل سوف تتكرر في المستقبل،  أمّ هي فرصة سانحة اليوم لن تعود ربما من جديد.

80
عشرة أعوام من العزلة
حينما عادَّ أبي من رحلته في الوِلَايَات المُتَّحِدَة الأَمرِيكِيَّة صيف عام 1993، أول سؤال تبادر إلى ذهني هو عن كيفية نمطّ الحياة في امريكا، فالصورة المرسومة في مخيلتي الغضةّ في ذلك الوقت المُبكر من وعيّ كانت أنعكاس لصور مأخوذة عن الأفلام الأمريكية في دور العرض (السينما)، الفتيات الشقراوات ذوّ الشعر الأصفر والأكمام القصيرة، اللاتي يتجولن في الشوارع بمشيتهن الرشيقة، السيارات السوداء الطويلة الفارهة، الدولارات المتساقطة من السماء في رُزمّ عديدة، مشاهد لعالم مُغاير عن عالمنا المُعاش، إلى أن صُدمت من الإجابة المُباغتة الغير متوقعة حين ردّ بكل هدوء وحكمة، يا أبني الحياة هناك ليست بالسهولة التي يظنها البعض، فالناس هنالك تعمل ليلاً نهاراً لمواكبة متطلبات المعيشة الصعبة، كثرة القوائم payment ، برود العلاقات الاجتماعية بين الناس بسبب ضيق الوقت، التسابق المحموم على أقتناء أفضل سيارة والتباهي به يوم عطلة الأحد. عالم كل ما فيه يصارع من أجل البقاء والعيش. دارت الأيام والأعوام، وبعد ترحال طويل بين عدة عواصم عربية أرست سفينتي أشرعتها في أستراليا، ودقت أَوْتَادَ الخَيْمَةِ فِي الأرْضِ، في البداية لم أنتبه كثيراً للفروقات الموجودة في ثنايا المجتمع المتفرع والمتشعب من كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، ومع توغلي في الحكاية باتت الصورة تتضح شيئاً فشيئاً إلى أن اكتملت مع ضربة الفرشاة الأخيرة، وأصبح الإسقاط الأولى هو ذاته مع تغير الأمكنة لا أكثر ولا أقل، والأعراض ذاتها مع اختلاف الشخوص. جري محموم في تحصيل القوت، كثرة المتطلبات اليومية وهي في ازدياد مضطرد، وأهم من كل هذا وذلك هو البرود الواضح في العلاقات الأجتماعية، مما يجعل العزلة والتقوقع حول الذات تفرض نفسها على المشهد بقوة. صحيح طبعاً هناك ضيق في الوقت، والألتزام بعمل واحد أو بعملين في اليوم مما يُدعم من هذه العزلة ويُحجم دور الفرد أجتماعياً. ربما كان الوضع طبيعي لو كانت فترة التحولات هذه اكبر ولكن حدث كل هذا في غضون سنوات قليلة لا تتعدى العشرة، ولهذا نحتاج الى أن نقرأ الواقع المحيط من حولنا قراءة واعية ونرى الصورة الكاملة للمشهد وكيف وصلت الأمور لهذا الحد، وكيف أضعنا البوصلة في فهم الآخر وانتهت لغة الحوار. الكل باتَ يركض بسرعة تفوق سرعة الإنترنت بين القارات، الجميع مُنكب ومُنكس الرأس على هاتفه الجوال، في الحافلة في القطار في السيارة في الحديقة، حتى في البيت ضمن الأسرة الواحدة الكل منشغل بجهاز لا يتعدى حجمه كف رجل، كيف سيطر علينا هذا الكائن الملعون لا احد يدري، وكيف تماهينا معه إلى هذا المستوى الذي وصل حدّ الإدمان الجواب ذاته. إذن نحن أمام أشكال أخرى جديدة في عمليات انبعاث هذا التناقض ما بين ما هو حديث وجديد،  وأشكال أخرى يراها الجيل الصاعد طرق قديمة في التعامل، أو طبقة أخرى level ما عادت تنفع في هذا العصر وفي ظل هذا النظام الرقمي الهائل Digital system فتوسعت الهوة بين الأجيال ومازالت تتوسع أكثر مع الوقت، إلى أن يصبح ردمّ هذه الهوة مستحيل بمكان كي تأتي في النهاية مُضَمخَّة بقطيعة الوصال بين الأجيال تماماً وعزلة تستمر لمئة عام أخرى.

81
كلام خطير في عمليات التفكير
بقلم/ سلوان ساكو
الكثير من البديهيات تغيرتّ اليوم، والكثير منا تغير أيضا في النظر للأشياء من حولنا خلال العقّود القليلة الماضية، وعلى غفلةّ منا تغير الزمان فلم يعود كما هو في الماضي القريب. الأسباب كثيرة ومتعددة في آنٍ واحد، ولكن يظل الجوهر هو هو، والماهية ذاتها، وهيَّ أنّ هنالك ثمةّ مُتغيرات طرأت علينا وأفكار باغَتت عقولنا سواء لاحظناها أمْ لم نلاحظها. وهنا باتَ علينا أن نطرح تلك التساؤلات العميقة عن موقع العطبْ في النفس البشرية، واين يكُمن الخلل يا ترى؟، هل هي في آليات التفكير الحديثة، أمَّ في صعوبة فهمنا للمفردات وطريقة طرحها من الأساس، والسؤال بجدّية أكبر عن طبيعة ذلك الصراع الفكري والثقافي مع الهوية الذي نواجهه نحنُ اليوم في بلاد الملجأ، والذي لم يفلح على ما يبدو إلى حدّ الأن في هندسة عملية استخراج الأجوبة الصحيحة من قعر النفس البشرية إلى سطح العالم الخارجي، والتعامل مع مفرداتها الثقافية بشكل سطحي وعدم وعيّ بالمرحلة الراهنة، أسرىّ تحت ظل الأفكار القديمة والبالية.
فعاليات ثقافية متعددة تُقام بشكل دوري، أسبوعية، شهرية، فصلية، موسمية. منها ما يكون ذوّ طابع ديني، كالأخويات الكنسية، مهرجانات، دورات لاهوتية، حفلات لجوقات الكنائس، حلقات لقراءة الكتاب المقدس. وثانية اجتماعية عامة، كحفل توقيع كتاب، أمسيات شعرية، ندوات فكرية. طيفٌ واسع من الفعاليات على جميع الأصعدة والاتجاهات ومن شتى الألوان؛ ولكن الشيء الوحيد الذي يجمعهم هو قلة الحضور، وعزوف الناس عن تلبية تلك الدعوات والنشاطات. أعضاء الأخويات يشتكون من العدد الضَئِيل للحضور، منُظمي الندوات الثقافية الشهرية حالهم ليس بأفضل من الباقي، كُتاب الأدب الرفيع، من الرواية والقصص القصيرة إلى كُتاب الشعر، وبعد جُهداً مضنيً يستمر لربما لسنة أو أكثر، وحينما يطلق الأديب منتجه الثقافي يكون عدد حضور حفل التوقيع مُخيبٌ للآمال. الأسباب لمنْ لا يريد الحضور كثيرة ومتعددة، وكلها مشروعة بالمناسبة، منها على سبيل المثال لا الحصر، مشاغل الحياة اليومية التي لا حدود لها اليوم في الدول الرأسمالية، استراليا، كندا، أمريكا. عدم التفرغ، العمل، المُناسبات الإجبارية، أيّ الحفلات. وحتى وأن صادفت الفعالية الثقافية يوم السبت او الأحد فسوف يكون جواب الشخص هو، هذا اليوم هو إجازتي الأسبوعية سوف اتمتع به مع عائلتي وأولادي. كل هذا الكلام صحيح بدون أدنى شكّ، وللعائلة مكانة مُقدسة عند أرباب الأسر بدون مزايدة من أحد. ولكن أيضاً تنمية الفكر والنفس لها مكانتها، ورفدّ الروح بِمَا يعلي من شأنها والارتقاء بها في الحقل الثقافي والإبداعي، والمشاركة الفعلية في النشاطات والفعاليات المُقامة، سواء بشكل دوريّ أو حتى فصلي، فلكل هذا أثره الجيد في النفس البشرية مِمَا يُثريها ويرفع من مقامها، ويجعلها ترتقي عن الماديات بعض الشيء في فضاءاتٍ أرحب وأوسع، لأنَ البون شاسع والفرق كبير بين الإنسان المثقف والإنسان العادي، وكل هذا لا يتأتَّى ألاّ عن طريق المعرفة والوعي والقراءات الجدية المُعمقة. بعد ذلك يأتي دور البناء الثقافي للفرد الوعي لذاته، وتأثيث مساره الفكري والمعرفي للنهوض بمستقبلها إلى اتجاهات أفضل وطريق أرقى في مَنَاحي الحياة. لكن الأمور ليست بهذه السهولة كما نتصور أو يتصور البعض، فأول ما نحتاج أليه هو قناعات راسخة في التعلم، وقبول فكرة الاستماع للآخر وتثقيف الأنا، الأنا الفلسفية، الأنا الدينية، الأنا الأدبية، الأنا التواقة للمعرفة، من هنا بالذات تأتي خطورة الطرح، ورهان الشخص على أناه في إدراكه لذاته وهويّته. ومرة أخرى والسؤال الأصعب والأهم هُنا، لماذا كل هذا العزوف والتراخي في تحصيل المعارف، وعدم إجهاد العقل والفكر في القراءة والاطلاع. فكما هو معلوم أن نسبة القراءة انخفضت عالمياً بشكل عام وعربياً بشكل خاص، وهذا يعطي مؤشر عن حجم تدهور الواقع الثقافي الذي يواجه العرب اليوم. فمتوسط معدل القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنوياً، وهذه كارثة حقيقية فعلاً. النتائج خلصت إليها لجنة شؤون النشر التابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر. الغرب أفضل حال نوعاً ما، فالأوروبيون يقرؤون بمعدل 200 ساعة سنويا، أم العرب بمعدل 6 دقائق سنوياً، حسب مؤسسة الفكر العربي، وهذا يوضح لنا مدى الهواة الثقافية والعلمية التي نحن عليها اليوم. لن اقف عند الأسباب التافهة التي تكمن وراء أزمة القراءة بالغة العربية، كمثل منظومة النيتّ السريعة، والشبكة العنكبوتية للمعلومات سهلة المنال، وتحصيل أي شيء يطرأ على البال عن طريق محرك البحث كوكل، لَئِن ذلك غير مجُدي الأن، ولكن سوف اطرح الإشكاليات من وجهة نظر فلسفية منطقية، تخص بالأكثر الأعصاب والمُخ، وتطور علم الدماغ، عبر الرحلة الأولى للإنسان العاقل، هذا الانسان المعروف بـ(هومو إرجاستر)، الذي عاش قبل 1.6 مليون وستمائة سنة، والذي صنع الأدوات وكان صياداً بارعاً، كما تظهر عظامه، حيثُ كان عدّاء ماهراً، قادراً بفضل سرعته الفائقة على منافسة الرياضيين الأولمبيين المعاصرين. ولكن ال (هومو سابينس)، هو أهمْ من الاول بكثير في هذا البحث، حيثُ مرَّ بمراحل عديدة وتطورات كثيرة أنثروبولوجيا، كان ذلك قبل حوالي 350 ألف سنة مضت وخاصة في أفريقيا، في تلك المناطق الحارة حيث كان الطعام كثير ويفيض عن الحاجة، الأسماك والفواكه والطقس الجيد، والكثير من الغذاء البروتيني الفائض. بكلام أدقّ ما من مسوغ يجعله يعمل ويتعب من أجل تحصيل طعامه. فالأنسان المُنتصب لم يُخصص مساحة كبيرة من دماغه للتحكم باللغة والكلام، أيّ أنّها بيئة جيدة للراحة والكسل والتكاثر، استمرت بضعة آلاف من السنين. كل هذا افرزْ نمط آخر من الوعي، لنقل الوعي البسيط والبدائي. جوهره وهو عدم إجهاد العقل، وعدم إيجاد بدائل للتفكير، والركون إلى الراحة قدر المستطاع، ما دامت الحاجات الأولية من مأكل ومشرب وجنس متوفرة وبكميات تزيد عن الحاجة. كل هذا أعطى ترتيب لمنظومة جديدة لبشر (الهومو سابينس). بعد ذلك بفترات طويلة وحقب مُتعددة جاء إنسان المراحل التالية، تطور وعيه، وتطورت قابلياته ومهاراته بدرجات متفاوتة، وشغل وقت فراغه بمسائل أهم من سابقتها. ولكن ظلت هنالك بقايا ذلك الإنسان القديم موجودة في تلافيفْ عقولنا إلى اليوم، منها مثلاً عدم أعمال الفكر والمنطق وتوظيفهم لتوفير أشكال أخرى من التعليم، الركون إلى الراحة ما استطعنا لذلك، الأخذ بالمسلمات بشكل قطعي خاصة فيما يخص الدين، فليس كل ما جاء في الكتب المقدسة هو صحيح لا يقبل الدحض والنقد، فهناك في ثنايا النص الرمز والتفسير وهناك الاستعارة والكناية وهنالك الأسطورة والمجاز والعِبرة من الآية الدينية. اليوم وحسب رأي رئيس تطور الجهاز العصبي الروسي البروفسور سيرغي سافيلييف، أن دماغ الإنسان مكون على نحو لا يجعله راغباً بالعمل والقيام بجهد ما، لذلك لا يعمل إذا كان لديه فائضا من الغذاء والقليل من المعيشة، فحوالي 25٪؜ من طاقة الجسم تذهب للدماغ وعمليات التفكير، وهذا استهلاكٌ كبير بالنسبة للجسم، لا يقبله دائماً إلا في حالات خاصة جداً، وعلى هذا الأساس يقوم الجسم بخفض الطاقة إلى ما دون 9٪؜ وهذا مُعدل مقبول نسبياً ومتفق عليه، بعبارة أصح تَوَاطَأ من نوعاً ما ما بين المُخ والجسم. هذا يكون طبعاً على حِساب تفعيل أنماط التفكير المعقدة كالأبداع كالرسم والقراءة والكتابة والعزف أو تحصيل شهادة عليا…الخ. بشكل أصح يبرز الميل الشديد للكسل عندما تكون هناك دعوة لحفل توقيع كتاب أو ندوة شعرية أو ثلاثاء ثقافي أو أخوية كنيسة، يبرزّ على السطح فوراً جواب، (ما عندي كيول، ما أكَدر أجيّ والله مشغول هوايا، ما عندي وكَت صدق)، والصحيح علمياً ومن منظور فسيولوجي وظائفي إن شعبة الدماغ المسؤولة عن هذا الجانب المعرفي المهم والخطير، تعمل قدر الإمكان على عدم تلبية هذه النداءات الموجه للعقل، والسبب في ذلك هو الحِفاظ على الطاقة، وعدم التفريط به بسهولة. وهذه تكون بمثابة المخدرات الداخلية تعوق البشر عن الإبداع والتقدم والرقيّ بالنفس. طبعاً هذا لا يعني أنه لا وجود لمبدعين ومخترعين وعباقرة وعلماء ومؤلفين وكُتاب وقراء وفنانين، وألاّ كان الطرح ساذج إلى أبعد حدّ، ويقوض أُسس الحضارة وصيرورة التاريخ. لكن القصد هنا هو صعوبة فتحّ نافذة وخط جديد في التفكير المُسبقّ، لأنَّ البدائي الأصلي جهاز وبقياس واحد، يقول لك لا تعمل أخلد للراحة والسكينة، فكوب من القهوة بالحليب الساخن في يوم شتائي مُمطر يجعلك تغيب عن عملك ذلك اليوم. لربما نفس الشيء كان يحدث قبل مليون سنة في ذلك الإنسان الأول، ولكن في سياقات مختلفة وآليات معرفية أخرى، داخل الكهف الدافئ ومعه أنثاه وله من الأعشاب الشيء الكافي، لماذا إذاً يخرج للصيد! أنه شكل غريزي للسلوك، والغريزة كما هو مُثبت علماً موجودة عند الإنسان والحيوان على حد واحد، كالأكل والجنس والزعامة. وكل وهذا نابع من الجهاز الحُوفِيّ خلف المنطقة الصدغية للمخ، المسؤول عن التصرفات الهرمونية والبيولوجية الغريزية للفرد.
وفق ما جاء أعلاه ليس من اليسر والسهولة بمكان تثبيت خاصيات النجاح والإبداع، فهناك جهد مُضني وسهر ليالي وتعب في شقّ طريق النجاح لبلوغ الهدف المنشود، وقطف ثِمار الفوز في نهاية المشور والذي يستمر في أحياناً كثيرة لفترات طويلة دون تعب أو ملل، يذلل الصعاب دون كلل لغاية واحدة أسمه وهي النجاح رغم كل الإحباط المُحيط من حولنا.

82
أدب / نكوصّ نحوَ البدايات
« في: 09:50 05/09/2019  »
نكوص نحوَ البِدايات
بدايات جميلة وطفولة أشدةُ حلاوةٌ من شهدّ النحلْ...
في ذلك الركن الهادئ من البيت القديم
وذلك المصباح الأصفر الباهت وتلك المدفأة الكازية...
دفء المكان ينبعث من الأجساد القريبة
وتتصاعد أبخرة الشاي الأحمر من الأقداح الزجاجية...
وتعبقّ رائحة البيت بذلك العطر الإنساني الحيّ...
جداراً تسري عليه رطوبة الأمطار
ومزاريب تختنق من الغيث المدرار
وأطفالاً يتعلقون بمسبحة الجدّة...
وشموع تضيء المكان في بكاء صامت
وحديثٍ حميمي في كلام عابر...
هذه ذاكرتي وهذه ذاكرتكم وهذه ذاكرة الأرض
بُعداً زمنيْ...
كينونةّ داخل الذات...
ولأن الجزء يُكون الكلّ ستظل الذاكرة تتوقْ للماضي
هذا كان طعم الحياة في أيام الزمن الجميل...
اليوم ماذا تغير فينا
كل شيئاً اصبح جامداً... وتثخنتْ المشاعر وتبلدت الإحساس
طغت المادة على الروح
وتخثرت الدماء في شرايين الحياة...
وبات البصيرُ اعمى...
 الإنسان اليوم تائه في زحمة الحياة... هذا زمن الإستيهامات وزمن التوهم...
وصور ضبابية من ذلك العالم السوريالي...
 تماهت مع الخوف مشاعرنا ...والترقب والقلق باتَ سيد الموقف...
بابً موارب للولوج نحو الماضي
كل هذا ليس غير غبار تذرفه الريحّ في وجه الذاكرة...

83
الخِطاب الديني الجديدّ
النقد هو عبارة عن تقيم لحالة مُعينة، إشكالية ما، سياسة، اجتماعية، دينية، فلسفية، رياضية، ورصداً لكل المتغيرات إيضاً، تصب في النهاية لصالح الفهم الصحيح للأمور وتسليط الضوء على المشكلة المطروحة للنقاش، وإن اشتدّ النقاش وتناقضت الأطراف حولَ المسألة الفُلانية، فهذا لا يهم كثيراً، المهم هو الوصول إلى نتائج مَرْجُوا من الطرح الأساسي، بدون تجريح ولا تقريع، وإلاّ فقد النقد خصوصيته، وباتَ مُناكفات عقيمة دون جدوى تُذكر، وفقدنا معها الأسلوب الأدنى من الكتابة الحقيقية والثقافة الرفيعة والقلم النبيل الذي يُسخره الكاتب لنفع المجتمع وتحقيق غاية أسمى أَلَا وهي تنوير المجتمع وتخليصه من براثن الجهل، والأرتقاء به في سلم الحياة الحرة. ولكن مع كل هذا تغير الشيء الكثير، وباتَ الوعي غير ذلك الوعي الذي كان عليه قَبْلَ خمسة عشر أو عشرين عام المُنصرمة، وأصبح المحظور مُباح وسقف التجاوزات على المراجع الدينية العليا أعلى بكثير من السابق، والتجريح السمة الغالبة في كتابة المقّال، حتى وإنّ كانت دون مضمون يُذكر. من المؤكد أن الكل تغير اليوم، القارئ والكاتب معاً، الجيل الجديدْ والذي بلغ من الذكاء مراحل بات يعي مواقف الغير ويفرِّق بين الغَثّ والسمين.
 الكتابة اليوم بَاتَتْ أسهل من الماضي بكثير، وأصبح لها أسلوب مُغاير عن السابق من الورق المطبوع، جرائد، مجلات، صُحف. اليوم الأمر مختلف كثيراً في الكتابة عبرَ النيتّ والمواقع الإلكترونية. كل شيء باتَ اسرع وبشكل مُذهل، كتابة المقّال ونشره خلال دقائق معدودة، والوصول أليه أيضاً مهما كان الكاتب بعيداً واسمه مجهولاً، مجرد كبسة زرّ على محرك البحث وهو يتولى الأمر بعد إذّ. القص والنسخ والأقتباس والنقل كل هذا صارَ طبيعياً مع المنظومة الرقمية الجديدة، لا رقيب على القلم إلاَّ الضمير هو من يوجه الكُتاب ويُمهد الطريق لهم في طرح افكارهم على الملأ.
لا ضير إذا تجاوز كاتب من السويد أو من الدانمارك أو من العراق على مرجع ديني كبير بحجم البطريرك الكاردينال الكلداني الحالي، فالشجرة المثمرة يقذفها الناس بالحجارة.
لا شكّ إن الكثير قد تغير وأن ثَمة خطاباً جديداً بين العلماني ورجل والدين، وهذا ما استوعبه سيادة البطريرك مار لويس ساكو، مما أفسح المجال لمشاركة العلمانيين في أعمال السينودس القادم ليتوج مرحلة جديدة تنم عن شعور بالمسؤولية أتجاه المؤمنين الكلدان من أجل إيجاد وضعية ومناخ طبيعي للطائفة في ظل هذه المتغيرات الإشكالية مع الوجود والهوية والمسار ذاته في الرهانات الجيودينية إذا جازَ التعبير في وطن مُتعثر كالعراق يحتدم بالتجاذبات على كل الأصعدة، لرسم خارطة جديدة شرط بقاءها وديمومتها هي الرؤى المستقبلية وقراءات حديثة تحمل نفخات من رياح الحداثة تمهيدا لظهور أجيال أكثر وعياً وأقدرّ على حمل المسؤولية.
 يبقى علينا أن نتفهم كل هذا الحراكّ الديني الجديد ونفهم مغزاه الحقيقي وإلى أين يذهب بِنَا.

84
الكلداني الُمِسيء
بقلم/ سلوان ساكو
لم يكن هناك في يوم من الأيام توافق من نوع ما بين المدعو ريان سالم الكلداني والبطريركية الكلدانية ممثلاٌ طبعاً بشخص سيادة البطريرك الحالي ذاته. فمن البداية كان هناك ثمةْ صدّ من جهة غبطة البطريرك، لِمَا يُمثله ريان مَن تجاوُزًا لكل الخطوط الحمراء، والقفز على المرجعيات الدينية المسيحية، وتنصيب نفسه متُحدثاً رسمياً لِعموم الطائفة الكلدانية في العراق. الأزمة ليست بالحديثة ولا وليده اللحظه، فقد بدأت إرهاصاتُها مع بداية السقوط في عام 2003، وما خلفه الأحتلال من فراغ أمني رهيب، هنا برزت أسماء وعنوانين كثيرة، وميليشيات مسلحة، سنية، شيعية، كردية، تركمانية، وتركيبة عجيبة من رجال العصابات المنظمة، أو (المافيات)، تُسيطر على مُقدرات ومفاصل البلد. فكان لابد من ظهور شخصية تتولى زمام أمور المسيحين، أو بمعنى أصدق كما يقول الكلداني هو ذاته حمايتهم من العصابات المسلحة، وهو نفسه عصابة مسلحة، بعد أنهيار الأجهزة الأمنية زمن النظام السابق، أمن، شرطة، مخابرات، استخبارات، حزب. ولكن هنا أحتاج الكلداني لتفويض رسمي من مرجع مسيحي على مستوى عالياً يخوله التحدث بأسم الجماعة بصفة قانونية وشرعية.
 في 7 تموز يوليو سنة 2003 وفي بيروت انتقل البطريرك روفائيل الأول بيداويد الى الأخدار السماوية بعد صراع مرير مع المرض والالم. تولى بعد ذلك سدة البطريركية في المنصور ببغداد مثلث الرحمة مار عمانؤيل الثالث دلّي في نفس العام في الثالث من ديسمبر كانون الأول. الرجل ومن البداية كان مُجهد بسبب تقدمه بالعمر، وبسبب مشاكل صحية ألمّت به. أستغل ريان الكلداني مرض الأخير واستطاع تحصيل كتاب رسمي مختوم من البطريركية الكلدانية يفوضه رسمياً التحدث بعموم مسيحي العراق من الطائفة الكلدانية في الدوائر الرسمية وغير الرسمية منها، تحت أسم الشيخ ريان سالم الكلداني. للوهلة الأولى لم يكن الموضوع ذوّ أهمية كبيرة في ظل الفوضى والخراب والدمار الذي حلَّ بالبلاد، ومع التصفيات الجسدية والأغتيالات والأبتزاز التي طالت ابناء شعبنا من عموم مسيحي العراق، والهجرة خارج الوطن والنزوح داخله، لم يَعّر أحد كبير أهمية (للشيخ لريان)، ولكن المرض كانَ ينموّ  ويستفحل ويمد الجسور الاخطبوطية مع باقي العصابات والميليشيات العاملة في العراق، تحت إشراف إيراني بحتّ، في عمليات القتل والسرقة والأبتزاز، فلاّ يتصور أحد أن ميليشيا ريان الكلداني خارج هذا الأطار، وإلاَّ من إين له كل هذا التمويل وهذه الترسانة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة!. هُنا حصل تحول دراماتيكي غير من المشهد برمته، فقد استقال البطريرك دليّ في عام 2012 وبالتحديد في كانون الأول، تحت تأثير المرض وعدم قدرته على حمل أعباء الطائفة الكلدانية الممزقة والمتشرذمة في عموم البلاد، والفوضى الداخلية التي اصابتها في الصميم. وما المقابلة التي جرت بين البطريرك دليّ رحمه الله من على منبر قناة الجزيرة في عام 2010 بعد مذبحة كنيسة سيدة النجاة بيومين، غير تعبير عن الصورة الضبابية والهواة الواسعة بينه وبين الواقع، والانفصال الكلي عن مجريات الأحداث والوقائع من حوله.
 في 1 شباط من عام 2013  اِعْتَلَى السدة البطريركية الكلدانية من روما سيادة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو. الأزمات والتحديات والمصاعب واجهت البطريرك الجديد من البداية، وهو بعد على مقعد طائرته متجهاً صوب الوطن. أزمة المهاجرين، النازحين، المؤمنين، التصفيات الجسدية، الكهنة، الأساقفة، هجرة الكفاءات، والإرث الثقيل التي تنوء بحملها الجبال من جميع الأشكال والألوان. هنا ظهرت بوادر الأزمنة  ما بينْ ريان سالم والبطريرك، فقد تمّ إلغاء التوكيل الرسمي وسحب كل الصلاحيات المنوطة لريان بموجب كتاب رسمي جديد يُفند الأول. هذا كان بمثابة إعلان حرب بين الطرفين، ريان وعصابته ودعمه من قِبل رئيس الوزراء وقت ذاك نوري المالكي، وغبطة البطريرك ساكو  وثقله الديني والأجتماعي وما يشكله من آراء ومواقف سياسية ومرجعية كبيرة يُحتذى بها على كل الأصعدة والنواحي. هنا حدث ما لم يكن في الحسبان مرة آخرى، فقد سيطر تنظيم إرهابي على مساحات شاسعة من العراق ودقَّ أبواب بغداد من ناحية الفلوجة في حزيران من عام 2014. فأطُلق النفير العام، والفتوى المشهورة للمرجعية الشيعية العليا في النجف. محافظة الموصل والقرى والبلدات المحيطة بها باتتّ تحت سيوف تنظيم داعش الإرهابي، فأصبح البطريرك الجديد مع هذا الملفّ الشائك والخطير في وضع لا يحسد عليه أبداً، يواجه مصاعب جمةّ ومصيرية تتعلق بشعب بأكمله. هنا وفي خضم هذا الصراع  والاقتتال على أكثر من جبهة ظهرت حركة كتائب بابليون، وهي حركة وقوات يقودها ريان الكلداني نفسه، تأسست في العام الأخير، منضوية تحت لواء الحشد الشعبي ومدعومة بشكل كامل منه من السلاح والمال. مجدداً أصدرت البطريركية الكلدانية بيان تؤكد به أن لا علاقة لها بكتائب بابليون ولا بقائدها ريان الكلداني ولا تمثلها مطلقاً، وأن ممثليها الرسميين هم أعضاء مجلس النواب العراقي فقط. توسعت الهواة بين الأثنين أكثر وصارَ أصلاح ذات البين بين الأطراف مستحيل. ومع بداية المعارك بين تنظيم داعش والقوات العراقية والحشد الشعبي في أكتوبر من عام 2016، اطلق الكلداني تصريحه الناري، حيث قال، (أن المسيحيون سوف يأخذون بالثأر في محافظة نينوى، وسوف تكون معركتنا في محافظة نينوى مصيرية، هم أحفاد يزيد ونحن أحفاد جون ووهب، معركة ستكون مسيحية مع أحفاد يزيد. التاريخ يعيد نفسه). سرعان ما ردّ إعلام البطريركية الكلدانية عبر بيان وتصريح موجز في 15/2/2017 بعنوان: (البطريركية الكلدانية تستنكر تصريحات السيد ريان الكلداني حول الانتقامات من أهالي الموصل). ولكن الكل كان مشغول في حروب تحرير المناطق التي تحت سيطرة داعش والتي انتهت في 10 يوليو من عام 2017، بمشاركة الغطاء الجوي الأمريكي  والجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي. كان لكتائب ريان بابليون مشاركة ونصيب في المعارك، وأيضا في الأنتهاكات والسرقات التي جرت إبان حروب التحرير. كما سيظهر في التقرير الأمريكي لاحقاً. وما تهمة الشروع بقتل خبيرة التجميل رفيف الياسري، وحُؤُول ابو مهدي المهندس القيادي في الحشد الشعبي دون سريان مجريات التحقيقات مع ريان إلا صورة سوداء في سجل رجل العصابات.
في الأنتخابات البرلماني العراقية الأخيرة عام 2018، فازّت حركة بابليون بمقعد في البرلمان المذكور، بدعم وغطاء شيعي إيراني كامل، بعد أن فقد المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري زخمه بشكل ملحوظ، وضياع بوصلة توجيه الحركة الديمقراطية الآشورية زوعا، وتشتت باقي الأحزاب والحركات السياسية المسيحية، مِمَا أفسح المجال لحركة بابليون في المضي قدماً.
 ظلَ حديث الأتهامات والتخوين هو سيد الموقف، فما كان من ريان الكلداني غير إتهام البطريرك ساكو ببيع املاك عائدة للطائفة، تبين بعد ذلك بطلان الدعوة، وعدم صدقها من الأساس، غير مزاعم كيدية كاذبة وتشويهٍ للرموز الدينية. وجه ريان سالم رسالة مطولة من 6 صفحات، تضمنت حوارا سجاليا غاضبا من 9 نقاط إلى البطريرك الكردينال  مار لويس رفائيل ساكو، تحت عنوان (كتاب مفتوح إلى البطريرك لويس ساكو إلى والد الرعية الكلدانية وراعيه الموقر). نشرت على موقع Ankawa قبل فترة.
مع العقوبات الأمريكية التي طالت ريان سالم وآخرين بتهمة الإرهاب، وإنتهاكات لحقوق الإنسان وتُهم بالفساد، دخلّ الأخير في مرحلة أخرى وتبعات خطيرة، حيث أن هذه الُتهم تتبعها جملة من القرارات، منها تجميد أصول أموال ريان وحركته، عدم دخول الولايات المتحدة الأمريكية، عدم التعامل مع كافة البنوك الغربية. وهكذا أصبحت حركة كتائب بابليون تنظيم إرهابي بين عشية وضحاها، لا تفرق بشيئ عن حزب الله اللبناني، والحرس الثوري الإيراني. اليوم باتَ كل شيء واضح بالنسبة (للشيخ ريان)، من أنتهاكات لحقوق الأنسان،  والاستيلاء على أملاك المسيحين في سهل نينوى دون وجه حقّ، والسطو المسلح على ممتلكات الغير والسرقة.
 سقط الكلداني، وتَعَرَّى من ورقة التين الأخيرة، وبات مكشوفً للعلن. وتبيّن مع مرور الوقت البضاعة الفاسدة التي روج لها، والأستثمار في الأغراض الغير شريفة والغير أخلاقية، ليستكمل ما  بدأه من الأول، ومع هذا نكون في المشهد الأخير والفصل النهائي من المسرحية التراجيدية  لهذا الشخصية الغير سوية والتي أثرت سلباً في المشهد العراقي والمسيحي.

85
أدب / العَرافَةّ
« في: 11:07 16/07/2019  »

العَرَافّة


سلوان ساكو

قولي لي ياعرافتي وتنبئي لي...
قولي لي كما قلتِ لأوديب وكما تنبأتِي لآخيل...
اكتبي لي شيئاً في سفرّ الحياة
وطالعي قدري من أسرار الفَناء
استحضري روح صموئيل كلما دعاكِ شاؤول الملك...
طمَنَيّ كلكامش كما طمأنته سيدوري... وقولي له أن لا يبحث عن العُشّبة... فالذي كان كان....
اقرأي كفَ اسمهان.... وبلغيها عن البيان...
اصغي لنداء الحواس... وقرريّ…
وجَيلي ببصركِ وبصيرتكِ في أركان الزمان…
أيتها العرافة الخالدة هل كل ما يُقال صحيحْ...
أم هو حدسٌ في وقتْ الضّياع
طالعي من الرموز  والطلاسم نجاحاتي ومعاناتي...
وجعلي حجابٌ يحميني من أيامي
قولي لي ياعرافة هل الذي يحدث حدثّ من قبل
أم هي صور في زمنٍ مضى...
ياعرافة هل البوح بالسر  معصية الآلهة
أم هي تزكية وقتل الفراغ..
ياعرافة انتِ من بدأ يقص وانتِ من علمني فك الأسرار
وبتُ لا أنام ألا على لغزٌ جديدْ...
والآن ياعرافة هل نكتفي بما قيل
أم نواصل المسير …
هل نغلق الكُفوفٌ ونسدّ الطريق بمزلاج من فولاذ متين...
أم نَضَل هكذا على الدوام…
لقد شَفِيَت الشَّمسُ وقتُ الأصيل....
وذهبَ كُل الذي قيل ادراج الريح.

 ***

أطلس العالم
 
كُلَّمَا دحرج أطلس الحجر عادَ من جديد إلى نقطة البداية... هل نحن كذلك...
سؤالي....
وكُلَّمَا أنتهتّ بينيلوبي من رتقّ ثوب زوجها يوليسس... يغيبُ من جديدْ في عالم النَسيان... هل نحن كذلك...
وكُلَّمَا رحلَ سندباد إلى عوالم مختلفة بدأ الرحلة من جديد.... هل نحن كذلك...
تقصّ شهرزاد على خَلِيلِها شهريار قصَصَ عديدة... مرجانة.... معروف الإسكافي…جعفر... وكل ما تنتهي من واحدة تبدأ من جديد... هل نحن كذلك...
يقول دانتي... يومان في الجحيم... وأربعة في المطهر... ويوم في الجنة... مكتوب كل هذا في الكوميديا الإلهية... ولكن أيضاً يكتب في سفر آخر ...عن منفاه...وعن حبه الخالد... وعن عذابه المتُجدد... هل كتبنا نحن أسفَار حياتنا…
ياسون يجري  وراء الجزةٌ الذهبية ولكن  الملك أيتس يمنعه... يتعلق قلبه بميديا الرهيبة.... وتتدخل أفروديت... وينجح ياسون ويهربون في سفينة آرغوس..
أصرار ...عزيمة... ثم نجاح...هل حاولنا نحن النهوض من بعد فشل؟...
عرافّ المدينة تيرسياس يقول لأوديب... ما لا يُقال...فتنتحر  يوكاستا... ويفقع عيناه أوديب... لغرورٌ أعمى بصيرته...كم مرة أعمانا الغرور.... في حياتنا!...
هذا أطلس العالم يحمل الكرة الأرضية فوق اكتافه في صعوداً وهبوطٍ أزلي... ونحن كما نحن… كماّ كنا… في كل الأزمنة ... والأوقات.


86
اِنقِسام البيت الكلداني في ملبورن
بقلم / سلوان ساكو
لنترك العنتريات التي لا تنفع جانباً، ونرصدّ الوضع الشاذّ والمُقلق والغير طبيعي، والذي يُنذر على ما يبدو إلى مزيداً من التشظي والفرقة في ولاية ملبورن، والتي هي اليوم في أمس الحاجة إلى اللُحمة والتخندقّ خلف صف واحد، ومجابهة الهجمات الشرسة التي تُشنها التيارات والمذاهب الأخرى على الكنيسة الكاثوليكية برمتها، وتُزعَزعَ البُنيان العام للوحدة المسيحية الجامعة الرسولية، فإلى اليوم قضية الكردينال جورج بيل ماثلة في الأذهان، وأثارها السلبية على الجمعّ المؤمن. لم يعد من المُجدي بِمكان عدمّ النظر إلى الغيمة السوداء التي تَلَبَّدَ سماء ولاية ملبورن الأسترالية، ولا صالح لأحد في عدم النقد والكتابة في صلب الموضوع، وإلاَّ كنا كما النعام نطمر رؤوسنا  في الرمال، بل يجب أن نجابه ونكتب وننتقد، ومن لا يعترف بذلك أنما يُحاول تجاوز الواقع بكل تعقيداته، أو يكون ضيق الأفق أو قصير النظر،  فهذا ينذر بالشرِّ أو يُلقي ظِلالاً من الشكّ دون أدنى ريبّ، حتى وإنَ هذا لم يعجب البعض، وهذا هو الصحيح والصحي، لنفسح أذِن المجال للنقد العام، والنقدّ البناء، لنكون على دراية بمجريات الأمور، على الأقل، بدلاً من تجاهلها، فقد كشفت الأحداث الأخيرة تصدع كبير في جدار الأبرشية، والأرض الرخوة التي تقف عليها الخورنة.
إذا تركنا قليلاً الجزئيات ونظرنا إلى الكليات يصبح أمامنا مشهدين؛ الأول لشاب يافع في مقتبل العُمر، يصبح كاهناً على يدّ مطران غير مُعترف به، وقس متقاعد، وقس موقوف عن العمل الرعوي. لو كان الأمر طبيعي لرسمه ومن ثم عَيَنَهْ وسمّاه مطران الأبرشية الأصلي، أي مطران أبرشية استراليا
نيوزيلندا للكلدان، لماذا كل هذا اللف والدوران الفارغ من الأساس. صحيح هنالك إرهاص وحديث عن كنيسة الوحدة أو ما شابه ذلك، ولكن التساؤل التأملي هُنَا، وهذا حقَّ الجميع على ما أظن، إينَ سوف يخدم الكاهن الجديد؟، وتحتّ أيَّ خورنة أو أبرشية ينضوي، وعلى أيةّ مرجعية يكون، سريان كلدان أرثدوكس بروتستانت، أَم يكون هنالك بوادر لظهور كنيسة جديدة، من يعرف من ما يخبئه المستقبل. فالنصاب على ما هو عليه اليوم  مكتُمل، مطران+ ثلاثة كهنة، وهذه هي الهيكلية العامة لأية كنيسة في العالم؛ أما الشعب المؤيد للجناح الجديد فموجود في كل الأزمان والأوقات. فحركة الإصلاح الدّيني في أوروبا على يد الراهب الألماني مارتن لوثر بدأت بنشر أطروحاته الـخمس والتسعين الشهيرة على باب كنيسة فيتنبرغ، في ولاية سكسونيا بألمانيا، بتاريخ 31 أكتوبر 1517،  حيث ندَّدَ ببعض ممارسات الكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت، كبيع صكوك الغفران، وغيره. كانت أطروحة أو أصلاح أو فكرة تفتقت في رأس الراهب الثوري، لتكن ثورة، أو حركة سلبية، أو إيجابية، سمها ما شئت، لا تهم التسمية كثيراً اليوم، بدأت بشخص واحد وآلِت في النهاية لمذهب كامل مُتكامل، ومجموعة عقائد جديدة، وبين هذا وذلك أُزهقت ألاف الأرواح عبثاً، من خلال سلسلة من عمليات القتل الوحشي الغير مُبرر  والتي استمرت من خلال ثماني حروب متتالية، خلّفت وراءها ما يربو على 2 مليون قتيل،  وكانت أكثرها بشاعةٌ وعُنف ما عُرف بمذبحة سان بارتولوميو في فرنسا زمن الملك شارل التاسع. هذا كان ثمنْ الإصلاح اللوثري!. إذا كان هذا الاحتمال الأخير موغلاً في التشاؤم، إلا أن الرهان الوحيد اليوم في حل الأشكالية هو الاعتماد على الشفافية بطرق منطقية في جوّ من الحوار المفتوح، ومن الأفضل في هذه المرحلة الحرجة التعلم من تجارب ودروس الماضي والاستفادة منها، نعم وصحيح يوجد هناك في كل عصر وزمان عمى ديني، ولكن لنتجاوز ذلك اليوم لمصلحة الجميع، ومصلحة الكنيسة الكاثوليكية، والكلدانية أيضاً. فالذي يحدث للمؤمنين الكلدان في امريكا وارتماءهم في أحضان الكنائس الإنجيلية ليس بالقليل، وهذا موضوع ذوَّ شجون  لنتركه الأن. 
 المشهد الثاني، والذي هو مشهد واحد بالمناسبة ضمن الإطار العام للصورة، كاهن خورنة مريم العذراء حافظة الزروع (المتقاعد) في ملبورن، وبعدَ خدمة ناهزت الخمسين عام أو أكثر، قضاها في خدمة الجالية أينما حل بحب وتفاني، وعلى مدار هذه السنوات الطِوال؛ ومع تقدم العمر به، بلغّ سنْ التقاعد الكنسي، والذي يكون عادة فوق الخامسة والسبيعين من العمر، فأحيل للتقاعد كالعادة وهذا شيء طبيعي جداً،ً لئن من يبلغ هذا العمر يجب أن يخلد للراحة والسكينة مع تقدم العمر بالشخص، وهذا القانون ينطبق على الكُهان والأساقفة، حتى قداسة الحبر الروماني الجليل  البابا السابق بندكتوس السادس عشر  إحُيل نفسه للتقاعد، بعد أن رأى أنه مُتعب، فهو في النهاية إنسان من دم ولحم، وإن كان قانون التقاعد لا يشمله، ويحمل أمتياز العصمة البابوية، قانون سنة 1870، فأنه أفسح المجال لغيره عن طيب خاطر. وقد ارتأت الكنيسة من بداياتها تقريبا أن تفسح المجال للأجيال الجديدة لضخّ مزيداً من الدماء في شرايين الكنيسة. لأن التجدد يعني الحياة، والسكون يعني الموت، وهذا أيضاً جزءاً من قانون الطبيعة الذي نحن مُلزمين به دون أدنى شكْ، والذي يكون ساريّ المفعول على الجميع دون أستثناء، وألاَ من السذاجة أنّ يدعي السبعيني أنه بقوة وطاقة العشريني، أو يقول الثمانيني أنا بجُهد الثلاثيني ورديفاً له. وهنُا تكمن تقسيمات الطبيعة، ليس من اليوم ولكن منذُ الأزل، حتى الكواكب والنجوم والأقمار والأرض التي نعيش عليها لها بداية ولها نهاية مهما طالّ الزمان،واليوم  الشمس في منتصف عمرها من مرحلة تسمى النسق الأساسي من بدايتها إلى نهايتها عمرها حوالي 10 مليار سنة، والباقي هو 5 مليار سنة ثم التلاشي والفراغ، وهذا جزءا من النظام الكوني الذي نحن جزء لا يتجزأ منه، بالعودة للكاهن الذي لم يتقبل قرار التقاعد وسار بخلاف النظام والقانون الكوني أصدر كتاب يُحمَل فيه المسؤولية لأنه لم يصبح مطراناً، أيّ لم يرسمونه أسقفاً، يَحُمَل تبعات هذا الأمر  على وعود من العلمانيين ليس لهم لا ناقة ولا جّمل بكل هذه الموضوع الخاصة بالسينودس الكنسي فقط، بكل بساطة. متناسيا إنّ خدمة الكنيسة الكاثوليكية الجامعة ليست لا بالمطران ولا حتى بالبطريرك، هذه درجات أسقفية، صحيح هي مهمة وضرورية، ولكن هنالك الخدمة الرعوية النابعة من تَلافِيفُ القلب، والنيةّ الحسنة، والكلمة الصادقة، والجملة المُعبرة، والموعظة الحسنة، والروح التواقة لمعونة الناس، وخدمة الفقير،  والقفزّ على الماديات والأرضيات منها والأرتفاع والأرتقاء فوق كل ما يربط الانسان بهذه الأرض الفانية، وإلا ماذا ينفع قول المعلم (مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا)" (يو18: 33-36). وهنا يظهر لنا بشكل جلي تفاهة وفناء هذا العالم. ( يا غبي في  هذِهِ  الليلةِ  تُسْتَرَدُّ  نفسُكَ  مِنكَ . فلِمَن  يكونُ  ما  أَعدَدْتهُ  فهذا  يكونُ  مصيرُ  مَنْ  يكنِزُ  لنفسِهِ  ولا  يغتَني  عِندَ  الله).  لوقا.
في النهاية اليوم الكنيسة الكلدانية ليست بحاجة لمزيد من الأنقسامات والتوترات التي لن تفضي ألاّ لمزيداً من التشكك والأنقسام على البيت الواحد، والعزوف عن حضور  الكنيسة، ورتماء المؤمنين في أحضان كنائس آخرى، فإذا كانَّ ثمة صراع فلاَ بد أن ينعكس على الجمعّ، وهذه هي طبيعة الأشياء مع الأسف. ( الراعي الصالح يعرف خرافه ويدعو كل خروف باسمه ويسير امام خرافه ليقودها الى المراعي الخصبة (مز 23)…الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَدْخُلُ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ مِنْ غَيْرِ بَابِهَا فَيَتَسَلَّقُ إِلَيْهَا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، هُوَ سَارِقٌ وَلِصٌّ. أَمَّا الَّذِي يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ فَهُوَ رَاعِي الْخِرَافِ،  وَالْبَوَّابُ يَفْتَحُ لَهُ، وَالْخِرَافُ تُصْغِي إِلَى صَوْتِهِ، فَيُنَادِي خِرَافَهُ الْخَاصَّةَ كُلَّ وَاحِدٍ بِاسْمِهِ، وَيَقُودُهَا إِلَى خَارِجِ الْحَظِيرَةِ. وَمَتَى أَخْرَجَهَا كُلَّهَا، يَسِيرُ أَمَامَهَا وَهِيَ تَتْبَعُهُ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ صَوْتَهُ. وَهِيَ لَا تَتْبَعُ مَنْ كَانَ غَرِيباً، بَلْ تَهْرُبُ مِنْهُ، لأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ صَوْتَ الْغُرَبَاءِ) يوحنا.
ليس الإشكال في الذي يحصل اليوم، ولكن ما سوف يحدث في المستقبل. الأكيد من يفعل ذلك أنه يتجاوز المرجعية دون أدن ريب. ومن الواضح أنّ ليس من أحد يريد تَأزيم الأمور أكثر ولكن المسألة إلى أيّ صيغة سوف تؤول أليه في النهاية.

87
ضمن الفعاليات الآدبية والثقافية التي ترفد ولاية مالبورن الأسترالية، قامَ الكاتب سلوان ساكو بتوقيع روايته الموسومة ( رقصة الحب الأخيرة)، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 25/6/2019، في قاعة الأميراج، وقد أدار الجلسة الأستاذ إلياس منصور والأستاذ ممتاز ساكو، وقد حضر حفل التوقيع نخبة من المثقفين ورجال الفكر في الولاية.

88
الكلداني اللامنتمي
بقلم/ سلوان ساكو
تتعاطى شريحة كبيرة من المسيحيين الكلدان مع مفاهيم وتعاليم الديّن المسيحي بسطحية أكبر، لا بل بات المفهوم الحقيقي للمذهب الكاثوليكي  Catholic doctrine، يقبعْ تحتَ طبقة سميكة من عدم الفهم، وصار عزل المفردة ذاتها هو الأساس في عدم الأقتناع وعدم التناسق في طرح الكلام، فأصبح هنالك هوة واسعة بين المؤمنين وبين تعاليم الكنيسة الكاثوليكية لا يمكن ردمها بسهولة دون التعاطي مع الموضوع بجدية أكبر وفهم أوسع تحتة مظلة الحوار والفهم السليم للقضايا الكبرى، من هنا فقط علينا أن ننطلق نحوَ مدارات أرحب وفضاءات أوسع فيِمَا يخص المتون الأساسية، فالعقل هو الجوهر وما هيته التفكير. ومما لا جدال فيه بأنه تنقصنا اليوم عدّة مفاهيم ذات قدرات تفسيرية للنصوص الدينية وقراءات مُعمقة للمطارحات الفكرية التي تُقدم مراجعات نقدية هادفة، الغاية منها هو الفهم الصحيح. فقد كان القديس توما الإكويني هو أول من دعا للعودة إلى العقلانية الإغريقية والأخذ بنظرية المعرفة الأرسطية ذات النزعة الواقعية بشكل مباشر.   
المسيحية ليستْ دينْ طقوس وواجبات فقط، وهذا مهم بطبيعة الحال، بل هيَ إيضا دين فهمّ ومنطق، لاهوت، وهو علم دراسة الإلهيات دراسة منطقية، وناسوت الطبيعة البشرية للسيد المسيح. وقد يلاحظ المُتبصر العميق للأمور التراجع التدريجي الفكري الحاد القائم على المثيوس ( الأسطورة ) لصالح اللوغوس أيَّ ( العقل) فهو المسؤول عن المعرفة والوعي والتمييز .  الكثير منا اليوم يجهلون الأسس الأولية التي ترتكز عليها العقيدة المسيحية؛ وتعنى ما عقد الإنسانُ عليه قلبه جازماً به من الأفكار والمبادئ والإيمان، فالعقيدة هي حقائق إيمانية ظاهرة أو ضمنية في الوحي الإلهي، (كلمة الله، المكتوبة أو المنقولة). وهي تستند إلى سلطة الله الموحي (الإيمان الإلهي)، والكنيسة تضمن من خلال تعريفها بأنها موجودة في الوحي الإلهي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عقيدة المطهر purgatory، في رتمّ الكنيسة الكاثوليكية هي تُحسب عقيدة، أم في المذهب الأرثوذكسي فتحسب نظرية لاهوتية فقط، أم في المذهب البروتستانتي فأنها بدعة. والمطهر حالة تمرّ فيها أنفسُ الموتى في مرحلة تطهير للحصول على القداسة اللازمة من أجل الدخول إلى مجد السماء‪. ‬إنّها الفرصة الأخيرة التي يمنحها الله للبشر لينضمّوا في شِركةٍ كاملة معه. فالمطهر إذًا هو الأهتداء الأخير بعد الموت، أو بشكل أدق مكان ثالث لا هو السماء ولا هو جهنم تذهب إليه أرواح الموتى الذين فعلوا خيرا وشرا واقترفوا هفوات وخطايا لم يتطهروا منها في حياتهم الدنيا تطهيرا كاملاً. فأذا علينا الفهم فيما يخص عقائدنا وليس فقط الذهاب يوم الأحد الى الكنيسة في قداس الساعة الثانية عشر ظهراً والخروج فرحين، دون وعي، الموضوع أعمق من ذلك بكثير. واليوم بات على كل شخص منتمي للكنيسة الكاثوليكية أن يعيّ معنى العقائد، العصمة البابوية، الحبل بلا دنس، الأستحالة، الثالوث الأقدس، سر التجسد، الخ. فهذا عصر الفهم والعقل والمعلومة السهلة لمن أراد الوصل إليها بدون استثناء، وهذا يتأتى كنتيجة للتحولات الكبيرة في نمط المعيشة فقد أصبحت علاقتنا بالمعرفة علاقة لا قراءة ولا معرفة ينتج عنها طبيعياً مزيداً التشويش الفكري. نقول ذلك لأنه أصبح هنالك وهنّ وتراخي في الفهم العام، وفي أبسط الأمور، لا بل وصلت الأحوال فينا أن البعض لم يعد يفرق بين المطران والبطريرك والكنيسة والكاتدرائية!، وهذا إيضا يتحمل جزءاً منه رجل الدين في نشر التوعية بين صفوف المؤمنين، حتى وأن كانت خلال الخمسة عشر دقيقة، وهي فترة موعظة يوم الأحد، وهذا أضعف الإيمان. الوقوف في وجهّ الجهل هو القوة وهو المِتراس الذي يصدّ الهجمات التي تشنها التيارات الأخرى ضدّ الكَثْلَكَة. اليوم يجب خلق حوارات مفتوحة بغية تسهيل وصول الكلمة، من خلال مقال أو محاضرة أو ندوة، المهم هو تعريف الجموع. وهكذا نكون قد قدمنا شيئاً للجيل الحالي والأجيال القادمة، فالمكتوب والمسجل لا يُمحى ابداً. العليل يذهب إلى الطبيب، والمأزوم يُراجع حكيم، والمريض يبحث عن الدواء، وهذا عين الصواب، لأن تشخيص المرض هو أول العلاج.


المصادر :-
موقع أليثيا الإلكتروني
رسالة بالرجاء مخلصون _ البابا بندكتس السادس عشر
القاموس النقدي للاهوت - جان يافس لاكوست
التأملات في الفلسفة الأولى- رينيه ديكارت - ترجمه عثمان أمين
الخلاصة اللاهوتية القديس توما الأكويني- ترجمة الخوري بولس عواد 

89
أدب / أغَلالُ الأيَام
« في: 13:02 06/06/2019  »

أغَلالُ الأيَام


سلوان ساكو

تتعاقب الأيام واليوم هو  ذات الأمس...
ونحن سائرون في نفس الطريق دون تغير...
نحاول مراراً وتكراراً قتل المللّ وقهر الوجع
ولكن لا نحصدْ غير الفشل... حيوات تذهب وآخرى تأتي ونحنُ نحنْ... غروب ومن بعده شروق وشرق ومن بعده غروب.... محطة في أثر محطة والقطار يُعجل من سيره الأزلي على قضبان الزمن... ناس صاعدة وأخرى نازلة كل يوم دون تغير... رحل النهار وجاء الليل يسدل أستاره بخجل.... أصابع بطاطا مقلية تسقط من يدّ طفل.... امرأة مسنه تتوكأ على عصا... شاب يتحدثّ بالهاتف.... شيخ عجوز يمشي بخطًى وئيدة...فتاة تبحث عن دكتور تجميل.... رجل يغفو على المقعد... لصّ ينتظر فرصة للسرقة... شرطيٌ متأهبٌ للأنقضاضْ... جابيِ تذاكر يُريد الوصول للبيت بعد يوم مُملْ... آلاف المفردات في الحياة تذكرنا أننا أحياء... وأنها تسير دون اكتراث لأحد.
                                                                 ***
في البدء         
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ ... ومن الكلمة أنبثق كلْ شيء وصارَ كلُ شيء... من حرفٍ سطر الأنسان سفرَ الحياة والحب والألم.... وأيضا... الرغبات والجنس... والمَحَظور والمكشوف... تركت الكلمات أحافيراً عميقة في أخاديد الزمن... وجعلت من حُبرها السري بصمةٌ في دواةٌ البوح ... من الكلمات ما يشفي ومنها ما يجرح ومنها ما يقتل ومنها ما يحُيي...مَكْتُوبٌ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ.... يقول المُعلم... الكلمات نَهَراً جارفْ وروافداً عذبةْ وشلالات تصبْ في بحر السنوات... الكلمات تاريخ يسطره الأبطال والرعَاعَ... وروايةٌ يَكتُبها الرواة... إنها البداية والنهاية الحياة والموت الغابة والصحراء سَديمُ الليل وقَبسَ النهار ... الوجود والعدم... أنها سارتر وبوذا... الوصايا العشرة ونشيد الأناشيد.

90
                                 دَعَوة
ضمن الفعاليات والنشاطات الأدبية والثقافية التي ترفد ولاية ملبورن الأسترالية....
يتشرف السيد سلوان ساكو بدعوتكم لحضور حفل توقيع كتابه الجديد
رقصّة الحُب الأخيرةْ (رواية). وذلك في قاعة   Mirage الأميراج  صالة  Sunrise على العنوان التالي Hume Highway Somerton 210. يوم الثلاثاء الموافق 25/6/2019 في تمام الساعة 7 مساءا.
                  حضوركم يسعدنا ويشرفنا
       
                للاستفسار الاتصال على الرقم
                0413377466 سلوان ساكو

91
 خروقات أمنية فاضحة   
بقلم/ سلوان ساكو
لمْ يُخطئ الأرهابي خالد الخياط كثيراً حين قال في إفادته للمحققين الأسترالين، إنّ لنا مؤيدين يعملون في المطارات، وأنصار موظفين على أجهزة تفتيش الحقائب، وعناصر مندسينّ في الأجهزة الأمنية المختلفة. الأخوة خالد وعامر الخياط الموقوف في لبنان الان، حيث كان الأول أيّ خالداً، يحمل قنبلة مخفية على شكل مفرمة لحم إلى متن الطائرة، التي كانت متجهة من سيدني إلى أبوظبي، وعلى متنها 400 شخص من بينهم 120 لبنانياً. ولقد تم كشف المتفجرات في أستراليا، خلال تفتيش حقيبة يد hand bag متضخمة، وتحوي وزنًا زائدًا، مِما لفتتّ الأنتباه، فسارعت السلطات في المطار إلى رفضت مرور الحقيبة، وألغى سفر الراكب، وتبين بعد ذلك أن الحقيبة كانت تحتوي على متفجرات شديدة الخطورة. هذا تم من خلال التنسيق الأمني بين استراليا ولبنان، هذا ما صرح به نهاد المشنوق، وزير الداخلية اللبناني.
في مقلب آخر من هذه الأرض المترعة بالكوارث والنكبات، والمفعمة بالدمار والقتل وسفكّ الدماء، لم تعبأ سريلانكا بتبليغات نيودلهي حول تفجيرات الفصحْ الاخيرة، فلقد حاولت الهند مراراً وتكراراً أن تلفت أنتباه كولومبو إلى أن عمليات أرهابية كبيرة  يُحضر لها من قبل مجموعات إسلامية في الداخل، تعمل بشكل علني على الأراضي السريلانكية، ولكن الاخيرة تعاطت مع هذه التحذيرات بكثير من البيروقراطية وعدم المبالاة، إلى أن وقعت الحوادث في عيد القيامة الأخير، والذي ذهبَ ضحيتها ما يربو على 300 شخص وإصابة ما لا يقل عن 500 اخرين. العقل المدبر لهذه التفجيرات الضخمة هو الأصولي (زهران هاشم) العضو الفعال في جماعة التوحيد والجهاد، أضف على ذَلِك هو إمام مسجد في العاصمة، وله العديد من الخطب العصماء على اليوتيوب والإنترنت، يُحرض المسلمين على قتل المسيحين، والغير مسلمين، وعدم الالتزام بالقوانين السريلانكية وعدم الوقوف تحت علم البلاد مستعيناً بمجموعته الآثمة في تحقيق مآربه.
الكثير من الحالات ما كانت تقع لولا تقصير الأجهزة الأمنية والأستخبارات في الدول المعنية، وهذا خطإ فادح تقوم به، حيث يذهب ضحيته مع الأسف الأبرياء والعُزل. ولمواجهت هكذا نوع من الإرهاب يتطلب قوة وحزم ويدّ من حديد، تضرب كل من تسوَّل له نفسه أن يعبث بأمن الشارع، وتخريب العيش السلمي المشترك للمواطنين على ذات الآرض، وهذا يتطلب خبرة ودراية في الجهدّ الأمني وجمع المعلومات عن الأفراد الذين هم تحت دائرة الرقابة، وتكثيف العمليات الاستباقية للأوكار والمساجد التي صارت  ارض خصبة وبيئة حاضنة لشتى أنواع الإرهاب والإرهابين، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة ويتبع ذلك عمليات ارهابية تشهدها الكنائس ودور العبادة، خاصة بعد الخطاب الاخير للبغدادي. وهذا ليس له علاقة بالديموقراطية أو حقوق الانسان أو قمع الحريات حتى، بل يأتي في سياق الحفاظ على أمن وسلامة واستقرار المواطنين في العواصم الآمنة.   

92
ما يخصّ الأستراليون
بقلم/ سلوان ساكو 
نقترب يومياً من الأنتخابات التشريعية الفيدرالية البرلمانية للحكومة الأسترالية، في 18 أيار مايو من هذا العام. الحزبين الرئسيين المتنافسين هم كالعادة حزب الأحرار  Liberal  Party، وحزب العمال And the Labor Party. على الأستحواذ على أغلبية المقاعد في كانبيرا وتشكيل الكابينة الوزارية. سوف تكون المنافسة على أشُدها بين الأول، أي الأحرار بقيادة سكوت موريسون Scott John Morrison زعيم الائتلاف الحكومي الأن، وزعيم المعارضة العمالية بل شورتن BILL SHORTEN. سوف يتنافسان على مقاعد البرلمان الأسترالي ال 150، وبالتالي قيادة الحكومة ضمن أطار الدولة الأمة State Nation، مع تشكيلة صغيرة من الأحزاب، الخضر، أمة واحدة...الخ. المهم هو كيفية فهمّ سياسة الأحزاب الكبيرة، العمال والأحرار، والتي سوف تمسك بزمام السلطة بعد التاريخ الأخير. بالصيغْة الحالية ووفق الوقت الحاضر ومع التغيرات الكبيرة التي طرأت على الوعي الفردي العام فقدت الأحزاب اليسارية زخمها في الشارع بشكل عام، خاصة بعد تفكك المنظومة الأشتراكية في الأتحاد السوفيتي السابق عام 1991، وباتَ الحديث عن حقوق البروليتاريا والفلاحين والطبقة العاملة والشيوعية العالمية والأممية الرابعة أو اختها الخامسة التي دعا لها تشافيز  وقتها مجرد أضغاث أحلام لا غير، حتى الجيل الأحمر من الرفاق القدماء ذهب مع الريح دون عودة. والماركسية ذاتها لم تعدّ موجودة غير في الجامعات وأقسام الدراسات السياسية والتفكير الفلسفي والمنطقي فقط، بمعنى أدق أنها لم تعد موجودة في حديث الطبقة الفلاحية والعمال الكادحين، ومن المستحيل أن تجد اليوم عامل شاب يعمل في مصنع أو معمل يتحدث في فترة استراحته، Break time، عن فائض القيمة، واغتراب العامل، والقيمة المتبادلة، وظروف العمل القاسية التي أوجدتها المجتمعات الرأسماليّة، ووسائل الإنتاج، وأشتراكية السوق، كل هذا وغيره لم يعد مطروحاً اليوم، لأنه وببساط كلام عميق ونهج فلسفي دقيق ولا يتأتى إلا عن طريق قراءات كثيرة ومُعمقة، لكتب مثل، رأس المال، أو البيان الشيوعي، أو العمل المأجور ورأس المال، الإيديولجية الألمانية، والكثير من أمهات الكتب والمجلدات الضخمة والتي كانت متداولة في القرن الماضي. الجميع اليوم يفضل السرعة، في الأكل، في الأفكار، في السياقة، في الأتصالات، في المواصلات، في كل شيء بات هنالك سرعة فائقة، حتى التواصل والحديث مع الآخر بات صعباً في ظل الأجهزة الشخصية المحمولة، لم يعد وارد مطلقاً الرجوع إلى أفكار الخمسينيات والستينيات، كل هذا ذهب مع ذلك العصر، كل عصر له روحه، كما يقول هيجل. حزب الأحرار أو الليبراليون الجدد حسب السياق التاريخي، هم أكثر انفتاح وتقدم على الأفكار الحداثية العصرية، مبادئهم الأجتماعية واضحة المعالم، سهلة المنال إن تعاملوا معها بصدق وجدية، وليس كلام فارغ في موسم الأنتخابات فقط، وقرع على طبول المصالح. يقول جان لوك المؤسس الفعلي لليبرالية، بأن لكل أنسان الحق الطبيعي في الحياة والحريّة والتملك. يتبنى الليبراليون مجموعة من الآراء مثل، حرية التعبير، حرية الصحافة، الحرية الدينية، التعامل مع السوق الحر، الحقوق المدنية، المجتمعات الديمقراطية والحكومات العلمانية  بطيفها الواسع. حتى بالنسبة للدين، المسيحية، الاسلام، اليهود، وغيرهم الهندوس البوذا، الليبرالية تقف على مسافة واحدة من الجميع، وهذا يحفظ كرامة الدين والعمل في الحقل السياسي في ذات الوقت، بعيدا عن النفاق والتزلف، التي تمارسه أحزاب العمال والعمل واليسار الطفولي في هذا الوقت، مثل جاسيندا أرديرن.
الأنتخابات على الأبواب ويجب على الناخب الأسترالي التحلي بالحكمة والمعرفة لكي يعرف كيف يدلي بصوته في صندوق الأقتراع، فصوت واحد يؤثر على مجمل الأصوات في النتيجة النهائية، فلا يدعي أحداً حاصل على الجنسية الأسترالية أنه غير معني بهذه الأنتخابات، الكل معني والجميع مسؤول عن مستقبل وتطور هذا البلد، الذي لم يعدّ لن مأوى أخر دونه.
 في النهاية لم يكن يتوقع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أو حزبه في يوم، أنه سوف يخسر بلدية أنقرة وإسطنبول، ولكن الناخب التركي قال كلمته النهائية بعد تردي الأوضاع الاقتصادية وإنهيار الليرة التركية، وبدأ الأنحصار والتراجع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ملحوظ للجميع.

93
لن تتوقف المذابح في ظل هذه النصوص
بقلم/ سلوان ساكو
في الشهر العاشرّ من عام 1995، أقبلَ رجلٌ يُغطي الشيبّ رأسه بتجاه مقر الحزب( حزب البعث)، وطلب مقابلة أمين السر الفرقة، والذي يكون عادة بدرجة عضو شعبة، بعد هُنَيْهَةً قصيرة خرج  الرجل من الغرفة وذهب، على الفور أستدعى المسؤول كل الرفاق الحاضرين، وطلب منهم مراقبة بيت هذا الرجل المسنّ من الساعة الثانية عشر ليلاً وحتى بزوغ الفجر، استغرب الحاضرين من هذا الأمر، فهذه العائلة معروفة في المنطقة وقديمة، ومسيحية مسالمة تحظى باحترام أهل الحيّ وساكنيه، فجاوبهم هذا المسؤول أن بيت الرجل تعرض للرشق مرتين خلال أسبوع، مرة بالطماطة، والثانية بالحجارة، مما أدى لكسر زجاج بيته وسيارته البرازيلي. بعد مراقبة مخارج ومداخل الحيّ على مدار أربعة  ليالي، تم أخيراً  إلقاء القبض على شخصان ثالثهم قُيضَ له الهرب، بعد جلبهم الى مقر الحزب اعترفا أنهم هم من كان يضرب بيت  داؤد المسيحي، والسبب في ذلك كان نصرة أهل الأسلام والمسلمين في حرب البوسة والهرسك والكروات والصرب. بعد ذاك تبين أنهم مجموعة من خلية كانت تخطط لفعل المزيد.
حين سُئل منفذ مجزرة مسجدي النور ولينوود في كرايست تشيرتش في نيوزيلندا، المتشدد الإرهابي بيرنتون هاريسون تارانت والذي تسبب في مقتل 50 شخصا وإصابة 50 آخرين عن الدافع وراء الجريمتين قال، (أنا أكمل ما بدأه أندريس بيهرينغ بريفيك)، وهذا الأخير هو يميني نرويجي متطرف، إرتكب هجمات النرويج في عام 2011 والذي ذهب ضحيتها 76 قتيل بينهم الكثير من الأطفال. وبرر  بيرينغ برييفيك الذي يلقب نفسه  (قائد فرسان الحق) فعلته حينها  (أنه عمل وقائي ضد خونة هذا الوطن).
لا تجلب الأفكار  الراديكالية الأصولية  المتشددة أو السلفية المتطرفة غير  الأفكار المصبوغة بأوحال نتنة هدامة تكون بمثابة إرهاص أولي لعمل إرهابي لا يلبث أن يؤول في النهاية إلى فعل تدميري يؤدي إلى قتل أُناس أبرياء، لا ناقة لهم ولا جملّ في كل ما يحدث في المطبخ السياسي والديني، والذي يتلاعب به أساطين رجال السياسة والدين. ولكن هذه الأفكار التدميرية لها ما يبررها لمن يُريد توظفها في سياقها الديني المُسياس، وخاصة النص المؤول والذي تجدّ دائماً من يُكرس له قلمه في تأجيج الصراع وزرع بذور الفتنة وتكفير  الأخر وأستثارة النوازع الحيوانية في أنسان كَلِيم بالأساس، فيجد المتطرف والمتشدد فرصة في هذا النصّ وذلك الكتاب من تبريرات في مصادرة حق الآخرين في العيشْ، دير ياسين، مجزرة نيوزيلندا، المذابح الفضيعة في سيرلانكا، كل هذه تجليات لشئ واحد هو تأويل مختلف للنصوص الدينية، خاصة أذا كان النص ذاته يتحمل هذا التأويل، فيخرج من سياقه وتاريخ كتابته، ومضامين طرحه الأساسية، ويُركب في مشهد آخر خارج  السياق التاريخي للحدث ويوظف خطئاً للحاضر، فيصبح هذا النص قنبلة موقوتة لا تحتاج غير سحب الصاعق لتنفجر في أية ساعة مع أقتناع تام أن الذي يفعل هذا العمل أنما يقترب من، الله، الرب، يهوه، فالإرهاب والقتل واحد وأن تعددت الصور. لم يأخذ كتاب مكتوبً بالغة العربية في هذا المجال كما أخذ كتاب ‫الجهاد الفريضة الغائبة، حيث يعد هو الأساس الفكري الأول لتنظيم الجهاد في العالم العربي والأسلامي وبنيانه ولبناته الأولى، ‬وهو باكورة الأفكار الجهادية التكفيرية، ضم في دفتي الكتاب كل أقوال العلماء التي يستدل بها أهل الجهاد ليخرج الكاتب بخلاصة تتناسب ومقاييس الفكر الجهادي‫. الكتاب تأليف الشيخ المهندس محمد عبد السلام فرج، والذي أعدم في 1982 في قضية اغتيال السادات حيث ‬تأثر هو نفسه بكتابات سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، وابن تيمية.‫ الكتاب يقع في 32 صفحة من الحجم المتوسط، ولكن وقعها كبير على من يجد في نفسه ‬مُسَوِّغٌ‫ للجهاد. جاء في المقدمة ما يلي ( والذي لا شك فيه هو أن طواغيت الارض لن تزول إلابقوة السيف ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم، ص2 ط 81 )، الكتاب متوفر بشكل كبير في المكتبات، أو حتى على النيت PDF وهو غير محضور لا في مصر ولا غيرها. بعدة فترة من صدور  الفريضة الغائبة ردّ الدكتور فرج فودة بكتاب أسماه الحقيقة الغائبة، ‬قامت فكرة الكتاب على ما اعتبره فودة خطايا للحكم شهدتها فترات الخلافة الراشدة والأموية والعباسية، وتقديمها حقائق غائبة سعى الإسلاميون إلى إخفائها عن الناس والأكتفاء بتقديم الوجه المشرق لتلك الفترات، كما خلص إلى أن الإسلام دين لا دولة، والشريعة وسيلة لا غاية،‫ على وقع هذا السجِال وهذه الأفكار المثيرة للجدل والخطيرة  تم أغتياله عام 1992. ‬
‫التعقل والتبصر في القراءات لأيَّ موضوع كان سواءً ديني أو سياسي أو فلسفي أو أجتماعي، يتطلب عقلاً نقدياً جدلياً مركباً، حتى وإن أصطبغ بصبغة ماركسية ديالكتيكية جدلية لا مشكلة، فمع هذا تستقيم الحالة المطروحة للنقاش، أما أن يتم قراءة موضوع ما أو نص ديني من زاوية واحدة فقط ويتم الأخذ بها فهذا عين الخطر بذاته‬، الآيات القرأنية التي تأُخذ بمعزل عن سياقها التاريخي والأجتماعي  وظرف وجودها وتفسر تفسيراً خاصاً بعيداً عن روح ذلك العصر تكون بمثابة بلاءً على الأمة والشعوب‫. من هذا المنطلق يجب تغير طرق التفكير   وتعميق المدارك وطرح أفكاراً جديدة، بحيث تكون هي الدافع في خلق وعياً جديداً وتيارات ليبراليا تحاكي قيمة الأنسان ذاته، بغض النظر عن الدين أو القومية او المذهب أو العرق. إن لم يكون هنالك تغير في مُجمل القراءات السطحية للنص الديني  سوف نشهد الكثير  من المذابح والمجازر  والتفجيرات والقتل باسم الدين، ولن نتمكن من تخطي هذه العتبة الدامية بعد ذلك ابداً، وفي سبيل ذلك تسيل أنهاراً  غزيرة من الدماء البريئه، لأن الوصول إلى ذلك يكون سهل في ظل هذه النصوص التكفيرية الجاهزة للأستخدام في كل زمان ومكان. ‬

94
المنبر الحر / الكاهنّ القاتل
« في: 08:54 12/04/2019  »
الكاهن القاتل
بقلم/ سلوان ساكو
(بعد أن زارني يوحنا بولس الثاني في السجن، فكّرت في الأمر ودرست الإنجيل مطوّلاً، وها أنا الآن أعرف الكتب المقدّسة أفضل من كثيرين آخرين. فإن رحّب بي البابا، سأصبح كاهناً وأحتفل بالقداس إن أرادني أن أفعل).     محمد علي آغا، 17 تموز 2017.
كان العام 1981 وفي الثالث عشر من أيار، تاريخ غير عادي بالنسبة لقداسة الحبر الروماني الأعظم البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، مع القدر مرسوم على يدّ القاتل التركي محمد علي آغا، البالغ حينها من العمر 23 عام،  حيث عالج البابا بأربع أطلاقات قاتلة من مسدسه في ساحة القديس بطرس بدولة الفاتيكان. استقرت الرصاصات في الأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة وقد نقل البابا إلى مشفى الفاتيكان، ثم إلى مستشفى جيميلي في روما بعد أن فقد كمية كبيرة من الدم. كان ذاكّ اليوم، أي يوم عملية الأغتيال، ذاته هو يوم عيد سيّدة فاطيما في البرتغال. علامات إستفهام كثيرة، دارت حول الشخص، من جنده، من دفعه إلى القيام  بعملية أغتيال أرفع شخصية مسيحية كاثوليكية في العالم، لِحسَاب من يعمل، من وظفه، من دعمه، والكثير من الأسئلة المحيرة، بانَّ جزء منها والآخر ظل طي الكتمان والنسيان حيث يحيط بذلك سرية شديدة لم ينجح أحدٌ في تبديده إلى الأن. وهذا ما فتح باباً أمام الخيال لينسج روايات عدة. صحيح إنْ علي صرح فيما بعد قائلاً،( أن الدافع وراء عملية اغتيال البابا هو بإيعاز من المخابرات السوڤييتية، لدور البابا في دعم تنظيم“سوليديرتي”البولندي المناهض للشيوعية). ولكن ظلت إلى اليوم الكثير من الأسئلة بدون أجوبة. تغيرت حياة علي آغا جذرياً حينما زاره البابا الراحل  يوحنا بولس الثاني في السجن بعدما  قبضت عليه السلطات الإيطالية وحكم عليه بالسجن المؤبد، منذ عام 1981. وأعلن في قرار مثير للجدل في حينها  أنه قد سامحه، حيث قال( ما تحدثنا عنه يجب أن يبقى سرًا بيني وبينه، تحدثت معه باعتباره شقيق، وقد عفوت له ولي كامل الثقة في ذلك). عشرين دقيقة فقط كانت كفيلة بتغير كل شيئ للأبد. ظل علي قابع في السجن الإيطالي حتى حلول عام 2000، بعدها أطلق سراحه لِيُحاكم في تركيا  عشر سنوات أخرى لقتله الصحفي التركي عبدي ابكجي رئيس تحرير صحيفة ميليت. وفي عام 2010 اطلق سراحه. طالب حينما كان في السجن بالجنسية البولندية التي هي جنسية البابا، ولكن لم يقبل طلبه. تقول بعض المصادر أنه  اعتنقَ علي آغا الكاثوليكية، بعدما قال أنه رأى اهتمام البابا بوالدته وإخوته وسؤاله عنهم. أهو مجنون أم عاقل الجواب صعبّ، ولكن يبدو أن الرجل تغير خلال فترة الثلاثين سنة الاخيرة، حتى أنه صرح قائلاً،( اريد العودة ليوم واحد فقط الى روما والصلاة على قبر يوحنا بولس الثاني لأعبر له عن امتناني الشديد لصفحه عني). وهذا ما فعله لاحقاً.  أملٌ يتسرب إلى نفسٍ ضاقت بالكرب واليأس لقاتل مأجور تسلسل الندم أليه وبات ضميره  يؤنبه.
سواء كانت هذه التصريحات صحيحة أم خاطئة، فمن المؤكد أن الرجل تغير، أو تغير مفهومه على الأقل نحو أخيه الأنسان، أيّ أنسان كان، وأثرتّ عليه الزيارة البابوية التاريخية والروحية في السجن إلى الأبد.
أهم شيء يمكن أن يفعله المرء أو يدركه في حياته هو أن يصبح الأنسان الفرد مسؤولاً عن نفسه وتقرير مصيره وصناعة اتجاهاته التي يراها مناسبة له وللأخرين، دون مصادرة حقوقهم وحياتهم، تنبع تلك الأفكار من مكانا قصيا في ذاته ونفسه، تتجلى على أشكال عدة، تتراءى له في رؤيا أو رسالة أو خطاب معين من شخص مجهول، أو على أي شكل كان، المهم هو فكَ الشيفرة الموجه. كان قول المعلم عظيم  وحكيم حين قال، ( اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ).
في النهاية، ربُما تكون معظم الأشياء والأكثر أهمية منها أنّ تأتي بعد تجربة مريرة ومؤلمة وصعبة، أيَّ لابد من التجربة والمعاناة لنتعلم منها، وأخذ العبرة من وحيها.

95
حركة المجتمع وأزمة المهاجرين
بقلم/ سلوان ساكو
أحد أكثر الأسئلة ألحاحاً وحرجاً وإثارة في الوقت الراهن والتي تدور رَحَاهَا اليوم وبشكل خاص من داخل حركة المجتمع المتنقل، أيَّ المهاجرين الجُددْ الغير مستقرين من ناحية القيمّ الفكرية والعادات الأجتماعية، حيث أرُيد في هذا المقال أن أفكّ طلاسم كل هذا التشابك بقدر الإمكان  فيما يتعلق إذا كان لكل هذا منطق ثابت تتمحور حوله، أو قيمّ ثابتة لها سيميائية ذاتها مع الفرع الأصل أو البلد الأم القادم منه المهاجر الى البلد الجديد، أو أنها متذبذبة غير مستقرة في مكان.خاصة أن الصدام بين الجيل الجديد والقديم داخل المشهد الواحد شهد عدة انفجارات في المرحلة الأخيرة
 كشف عن الفجوة المردومةرْدُومٌ تَحْتَ التُّرَابِ  بين الاحتياجات الواسعة ك
 في كل حقل من حقول المعرفة هنالك وعي أبستمولوجي معرفي بروح المرحلة، بمعنى أدق حين كنا في العراق كان هنالك ظرف ووضع إجتماعي وحياة تنبع من صميم الواقع تطلبتها روح تلك المرحلة سواء كانت سلبية أو إيجابية لا يهم ذلك، هذه المرحلة لا تنطبق بأيّ شكل من الأشكال مع أي مرحلة بعدها أو قبلها، وهذا كله لا يتأتى ولا يُفهم ألا عن طريق التفكير  وأسلوب طرح الأفكار وجودياً، أيّ فلسفياً. عصرنا هذا هو عصر الاكتشافات بدون منازع، وأهم شيء هو أكتشاف الأنا أي الذات الفعالة الواعية الراغبة في التعلم، إلى جانب ذلك، ما تم إكتشفه من الفرص والخيارات الشيء الكثير، وإن كثيراً مما كان يفرض فرضا صار اليوم موضع خيار، وإن وجود حتميات وضغوط وخيارات كثيرة تلزمنا باللجوء إلى التفكير السليم حتى لا نصل إلى طُرق مسدودة لا تحمد عقباها. من المؤكد أن تغيرات جوهرية طرأت على العائلة العراقية المهجرةّ أو المُهاجرة، وأن هنالك ثمة حقائق مأساوية مع الأسف تميل بطبيعة الحال الى النكوص تواجه شريحة لا بأس بها في المجتمع، أزدياد نسبة الطلاق، العنف الأسري، الخيانة الزوجية، تعاطي المخدرات، أدمان على الكحول والقمار، كل هذا يقودنا بالضرورة إلى فرزّ مستويات أخرى من الوعي والذي يعطي تغيرات بنمط العيش والسلوك والأخلاق للفرد باعتباره  جزءا من الجماعة والواحد يؤثر على الكل، الشاب الذي يتعاطى المخدرات يؤثر على الوالدين بالضرورة، والأب المُدمن على القِمار والكحول لابد أن ينهار أساس بيته في النهاية وأن أخذ وقتً طويل، الزوجة التي سِئمت من زوجها وراحت تبحث عن شاب يصغرها بسنوات تُعوض به ما فاتها من عمر تهدم كل بُنْيَان أسري مَّرْصُوص مُشيد منذُ أعوام، سوف نطلق عليها تسمية مشاكل العصر . في الفترة الأخيرة أزدادت وتيرة تلك المشاكل ومن جميع الزواية، الحياتية، الأسرية، حتى الدينية، خفة أواصر العلاقات الأجتماعية بشكل ملحوظ، وباتَ التذمر يصدر من الكل، ربّ الأسرة، العامل، رجل الدين، صاحب العمل، حتى من لا عمل له ويعيش على مساعدات الحكومة يتذمر، مع العلم حين كان في العراق وكان في ذمةّ العوز  والحاجة لا يصدر منه أي تذمر ويرضى بما هو موجود، الأم الأب الكل يتذمر ويشكي، بسبب  منطقي ووجيه في مرات كثيرة،  وبدون سبب في كثير من الأحيان، مجرد مشاكل بسيطة وعادية تتواجد وتدور مع وفي حركة المجتمع، سرعان ما تتحول لنار مستعرة تأكل الجميع.
في البلد الأم، كانت هنالك قيم وأخلاق وعادات وتقاليد متوازية في خط أفقي وعمودي مع المجتمع المحيط بِنَا، وهذه التشكيلة تستمد شرعيتها من جملة قوانين وتشريعات منصوص عليها، ويعمل الناس وفقها ويستمدون أيضا قوتهم منها، الدين هنا عامل مهم في تشريع القوانين. كل هذا تغير مع التغيرات الجيوسياسية التي طرأت على البلد الأم أو المركز، فانتقلنا من مكان دائم الى محطة وقتية، على أمل الأستقرار في بلد ثالث يكون المحطة النهائية والأخيرة من سفر ترحالنا الطويل، وهنالك نبدأ حياة سعيدة ورغيدة حسب أمانينا والحلم الوردي الذي يداعب مخيلتنا، محاولين تناسي كل ذلك الإرث من القيم والعدات والأخلاق المعلقة على كهولنا كالنيرّ الثقيل، نحاول قدر المُستطاع التخلص من تلك المرحلة، متناسين أن هنالك في تفكيرنا فجوة كبيرة من اللاوعي ومخزون معبأ من الذكريات لا يمكن ردمها بسهولة، وأننا موسومين بروح تلك المرحلة القديمة التي نهلنا من مُعينها في وطننا الأم ولا يمكن تجاوزها بسهولة أبدا لكونها مترسخة في اللاشعور، وهنا نسقط في مطبّ أخر دون أن نعلم، وهو أن لكل جيل من الأجيال له هويته وخصائصه وقيمه وأخلاقه، ونحن حين أنتقلنا من البلد الأصلي العراق،  وأَحَطْنَا الترحال في دولة ثانية قبل المحطة النهائية، ولتكن سوريا أو الأردن أو تركيا مثلاً، قد خلفنا وراءنا سنوات قد تصل الى عشرة  سنين أو اكثر،  تشكلت بها مرحلة تكوين الصبي أو الشابة الذين انتقلوا إليها وهم صِغار بعد، فتبلورت لديهم أفكار وقيمّ جديدة متماهية مع الوضعية الراهنة غير تلك التي كانت لوالديهم في البلد القديم، فيظهر  لدينا هنا الأغتراب أو التباعد بين الآباء والبنين، ولنقول قطيعة إبستمولوجيا، وهذه تكون بمثابة إرهاصات أولية للإشكالية التي ما تلبث أن تزداد مع الأنتقال الى المرحلة الاخيرة والمحطة النهائية، أستراليا، كندا، أمريكا، أوروبا. هنُالك التعرجات ودروبّ الحياة الموغلة في الفردانية وتقديس الذوات من ناحية، والمادية والنظام الرأس مالي وضغوطات الحياة ومتطلبات العائلة التي ما تنفك أن تزداد يوماً بعد أخر من ناحية آخرى لابد وأن تخلق صيغ جديدة من الوعي والإدراك والفهم، هنا وبهذه المحطة الحساسة أستوجب خلق أدوات جديدة أيضا في التعامل ومساحة أوفر للإدراك لردم الهوة بين الأجيال وفهم فكرة تعاقب العصور عبر التاريخ. فعصر الزراعة مثلاً خلق أستقرار نسبي لدى القبيلة البدائية، وهو أنتظار المحصود وقِطاف الثمرات، مما أعطى فرصة للبقاء والمكوث في ذات الأرض، بمعنى الأنتماء للمكان، موسم بعد آخر في تعاقب أزلي مع حركة الطبيعة، صيرورة خالدة،  هذه الطبيعة كانت رحيمة في أحيان وفي أحيان ثانية كانت قاسية على الناس، فيضانات، سيول، أمطار، بردّ قارس، قَيْظٌ شَدِيدٌ، كل هذا أستدعة بدوره لمفهوم الإله الحامي المحتجب أمون، من المخاطر والكوارث والتضحية من أجله، فبرزت فكرة القرابين وطقوس تقديمها، فظهرت فئة من الناس عليها هذا العاتق فبرز صفة الكاهن، جمع كُهان، وهؤلاء توجب عليهم إبتكار لغة خاصة بهم لا يفهمها العوام من الناس فكانت لغة المعابد ورموزها، ومكان خاص للتعبد وتقديم القربان وطقوسه، كل هذا لإرضاء الآلهة، والتي بدورها سوف ترضى عن الأنسان وتحميه من الكوارث والأمراض، ومنطقة الهلال الخصيب كانت مترع خصب لهذه الممارسات والطقوس على طول حقبّ زمنية طويلة. حقبات من دوران الحضارة تغير فيها وعي الفرد ووعيّ الجماعة فكانت الديانات الإبراهيمية الثلاثة وهكذا دواليك. يقول الفيلسوف الألماني هيجل في هذا الصددْ، أما من ناحية ثانية فإن التاريخ الحقيقي للانسان لا يبدأ الا مع ظهور الوعي، إذ أن الفكر الأسطوري للمجتمعات، ينتمي الى ما قبل التاريخ الانساني .لذلك كان انفصال الانسان عن الطبيعة هو نقطة بدء التاريخ ” الدراسة الفلسفية للتاريخ تعني إذن، دراسة التاريخ من خلال الفكر، لأن التاريخ هو تاريخ الانسان و الفكر جوهري بالنسبة اليه، فهو الخاصية التي تميزه عن الحيوان ” ( هيجل،العقل في التاريخ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، ط 3 2007.ص 41). من هنا نسطيع أن نفهم التفاوت بين الجيل والآخر على مبدأ التعاقب مع الأخذ بروح العصر وتغير المرحلة التاريخية التي تُعاقب هذا العصر. فما كان ينفع في الماضي لا يصلحْ الان، وما يصلح الأن لا ينفع في سياق الماضي، من هذا نقدر أن نقول أن ثمة مشكلة في الفهم العام وعدم إستيعاب الجيل الجديد وفقّ منظوره هو لا من زاوية الآباء والأمهات الذين لم يقدروا أن يواكبوا روح المرحلة التي مرَّ ويمرْ منها الأبناء. ما أهمية هذه الأسئلة بخصوص حركة المجتمع والناس والمهاجرين والغاية من ورائه الأن؟ هي ببساطة تساعدنا في معرفة مكاننا، إنه يعكس مساراً لفهم احوال الناس والتعامل بتعقل مع الجيل الحالي والقادم وفق رؤى منفتحة والتعاطي معهم بتبصر ودراية وحكمة تحمل معها روح المرحلة، لتفادي قدر الإمكان التصادم والتشنج بين الأجيال، والتقليل قدر المسُتطاع من الحرب المستعيرة اوراها بين الآباء والابناء والتخفيف في ذات الوقت من على كاهل الوالدين الذين ما فتئوا يحملون وزرَّ أبنائهم في الدخول والخروج من البيت ليل نهار. كل هذا مطلوب اليوم أن نضعه تحت مجهر حياتنا، فلا أحد مُحصن من المشاكل المُحدقة بنِا، فالشرور لا بد أن تأتي ولكن الويل من تأتي على يده. يجب أن نُعيد صياغة مفاهيمنا من جديد تحت تفكير أنساني والذي هو أول الأبجديات في قاموس التفكير الراقي، وهو تفكير رحبّ رفيع يسعْ الكل، يعلو على جميع صنوف التفكير، إنه يرتقي بصاحبه إلى وعي أعلى، وتطوير الجنس البشري ضمن حركة تناغمية ترتبط بمجتمع متنوع الثقافات والأعراق كأستراليا على سبيل المثال. في غضونها يتبلور إدراك الإنسان المثقف ويتعامل بتأني ودُربةَّ  وحكمة مع المشكلة، ويواجه دروب الحياة الوعرة وهو متسلح بأفكار تنويرية يستثمرها لصالح بيته ومجتمعه، ويصير الأب صديق الأبن، والأم رفيقة أبنتها، ويملأن الفراغات التي قد تولدها  المناكفات والمماحكات والمجاكرات في البيت الواحد، ورويداً رويداً تخف الأزمات والصراعات المنزلية وتتلاشى بسعة الصدر وتفاهم الجميع في نهاية المطاف. 

96
هل تستحقّ الموصل مطرانها الجديدْ.
فعلَّ حسناً سيادة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو، بطريرك الكلدان، حينا عين الأب نجيب موسى الدومنيكاني، مطرانا للموصل وتوابعها، وصولاً لعقرة والزيبار. وهذا شيئاً جيد ومَثْنِيٌّ عليه سلفاً، خاصة بعد الإنهاك الذي شهدته المحافظة في وقت تنظيم الدولة الإسلامي داعش وقبل داعش حتى، فلاَ يَحْسَبَنَّ احد أن وصول داعش إلى الموصل والمكوث بها زهاء ثلاثة أعوام ونيفْ، جاء عن طريق الصدفة ونظرية المؤامرة، وهذا موضوع أعتقد أني عالجته في مقال حينها. سيادة المطران مار ميخائيل نجيب، مطران أبرشية الموصل وعقرة للكلدان، شخصية معروفة في الأوساط الموصلية، ليس فقط على صعيد الديني والكنسي، بل أيضاً كان له حضور قوي وبارز على المشهد الثقافي للمدينة، حيث أتذكر أنه افتتح قاعة كبيرة لحتضان الفعاليات الثقافية، من عروض لرسوم ولوحات فنية، وعقد ندوات تثقيفية، وطبع كتب تعتني بشتى المجالات، في كنيسة الساعة للأباء الدومينيكان اللاتين في الساحل الأيمن من المدينة. وكل هذا جاء لتأكيد على دور المسيحيين وريادتهم في المجال الأنساني والثقافي والعيش المشترك. حصل هذا طبعاً قبل الأحتلال، وأيضاً كان له دوراً بارز في أنقاذ الكنيسة ذاتها من السقوط بفعل المياه الجوفية ( النزيزّ) الذي بدأ يأكلها من تحت، بعد أن تعثر على أجهزة الدولة وشعبها الهندسية أنقاذها من الهلاك. ويضاً كان لسيادته دور فعال في نقل أمهات الكتب الثمينة والنادرة إلى مناطق آمنة قبل أن تقع بيد عناصر داعش، وكان له بصمة وحضور لافت في ترسيخ قيم التعايش والتسامح، وتضميد جراح ضحايا حرب داعش من المهجرين والنازحين، ويَقْتَضِي كل هذا جهوداً مضنية وإيمان حقيقي برسالة السيد المسيح، وقيمْ الحقّ والتضحية، وبذل الذات من أجل الأخرين. ولكن في سياق ثاني ضمن ذات الإطار لمدينة الموصل بالذات، وهذا السؤال لربما  يراود الكثيرين، هل هناك أمل حقيقي في أستعادة المدينة لوضعها الطبيعي كالسابق. فكما يعرف الجميع، لم يعدْ هنالك تواجد مسيحي ألا لِمَاماً،  وهذه حقيقة لا يغفل عنها احد. الحديث عن عودة المكون المسيحي ميئوس منه، فالموصل الأن مُفرغة من أهلها الأصلين، أيَّ ( المواصلة الأقحَاحْ ) المسلمين والمسيحين على حدّاً سواء، فهؤلاء جُلهمّ حملة شهادات وأغنياء، المسلم توجه إلى دول الخليج المجاورة، أو إلى المملكة المتحدة، والمسيحي هاجر أمَّ إلى السويد أو كندا أو أمريكا، الباقين في الداخل على كثرتهم همّ عرب القرى المجاورة للموصل، وهنا تكمن مشكلة المدينة الأزلية، والتي كرسها بشكلها الواسع وأعطاها شرعية ونفوذ كبير صدام حسين وحزب البعث، حيث ومن أعوام  السبعينيات نقل من هو في درجة عضو فرقة وصاعداً من الريف إلى المدينة، فأصبح لهم مقرات حزبية، ومكاتب فخمة، وسلطة واسعة في دولة البعث، ثم كرت السبحة، وتعاظم عددهم في تزايد مستمر إلى أصبحت مشكلة يصعب حلها. هؤلاء وغيرهم كان لهم دور سلبي فيما بعد وعلى المدى الطويل، تجلت في النهاية بظهور تنظيم الدولة الإرهابي وبسط سيطرته على كامل مدينة الموصل في حزيران/يونيو عام 2014 من هذا الخليط القروي الجاهل والبائس. طبعاً هذا لم ينتهي بتحرير المدينة ولن ينتهي حتماً، فالمسلسل طويل، وفصوله عديدة، لربما نحن في المشهد الثاني أو الثالث منه. مع كل هذا الطيف الهلامي والمُتذبذب على مسرح الأحداث نسأل، كيف للمسيحي أن يعيش في وسط هذه الغابة، القانون الوحيد الذي يحكم الجميع هي الفوضى، الدمار  والخراب منتشر في جميع الأطراف، هل بمقدور المطران أو حتى غبطة البطريرك فعل شيئ مع معاول الهدم الكثيرة التي تواجههم باستمرار وكل ساعة، هل يتسنىَّ للأسقف الجديد تصليح وإعادة إعمار ما هدمه الأوغاد، فالبناء يأخذ وقتً طويل بعكس الهدم، وحتى لو تمّ أحياء وإعادة بناء الكنائس والأديرة، فأين الناس التي تؤم هذه الدور. العودة إلى ما كان عليه الوضع في السابق صعب أن لم يكن مستحيل، مع هذا الأنفلات الأمني، وغياب كلي لحضور وتواجد الدولة، وجيوب داعش الموجودة في المدينة بعد، والمؤيدين والمناصرين لهم إلى حدّ الأن. المسألة ليست في إعادة البناء والإعمار، مكمنْ المشكلة  في الجوهر، هو نوعية الوعيّ الذي تتعامل معه، والعقلية ذاتها، ومن أيّ فكرة لمعدن قُدتْ، هذا يجب أن يأخذ بالحسبان. إن لم تتغير عقول أهل المدينة ويتركون ورائهم فكرة الخلافة السخيفة والإسلام السياسي والأحزاب الأسلامية التي تذر بذور الحقد والكراهية والشر، لا ينفع شيئ مع الإصلاحات، وكل الجهود تذهب هَبَاءً مَّنثُورًا دون طائل. يجب بذل جهوداً جبارة من أجل خلق  صورة مغايرة للماضي الرديئ العفنّ، وغرز شتلات لعقلية منفتحة على الآخر، وتوظيفها في سُبل تعزيز التعايش السلمي بين كل المكونات الموجودة، وهنا يكمن دور رجال الدين من جميع الطوائف والديانات والمذاهب، وبعده يأتي دور الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، بعد ذلك دور المواطن ذاته في نبذّ خطاب الكراهية والعنف والحقد حتى وأن صدرت من مئذنة جامع، إن لم تخلعّ الموصل حلتها القديمة وأسمالها البالية وترتدي آخرى جديدة لا ينفع معها بداية جديدة، هنا سوف تتشكل اللبنات الأولى في بناء مدينة عصرية حديثة تستحق مطرانا جديد. 

97
هل طُعنَ الكاردينال في الظهرْ
بقلم/ سلوان ساكو
أنقسمَّ الشارع الأسترالي بين مؤيد ورافض لتداعيات قضية  الأسقف الكاردينال جورج بيل كمَا لم ينقسم من قبل. وقد كتبتُ في مقال سابق ملابسات الواقعة الكبيرة، والفجوة التي أحدثها زلزال الإدانة بحق الأسقف. ولستُ هنا في محل الدفاع عن بيل، فقد قُضِيَ الْأَمْرُ، وحصل ما حصل، وإلى أن تثبتْ محكمة الأستئناف العكس، وهذا لربما يتطلب مجهوداً مُضاعف من البداية لصياغة قرار ينفي الأول، والصادر بحق المتهم، وهو ممكن ولكن ليس سهلاً، يجب أن يتحلى المرء  بحسن الظن، ويضع الأمور في نصابها كما يجب، فالموضوع ليس سهلاً كما يظن البعض.
تتداول قضية أو لنقل (فضيحة) الكاردينال جورج بيل في الكثير من الأمكان، التلفزيون، الراديو، الفيس بوك، العمل، المحطات الفضائية، والقاسم الوحيد المشترك بينهم هو عدم الأتفاق على رأي واحد، هل هو مُدان أم بريء؟، هل المحكمة أنصفته أم ظلمته؟، هل هو فعلاً مُعتدي على أطفال صِغار، أمّ هي أتهامات باطلة لفُقت له لأنه وقف ضد زواج المثليين Gay، وتشريع جملة قوانين خاصة بهم؟. والسؤال الأهم والأخطر  من كل هذا، هل هيئة المحلفين Jury كانت مع الحق Right أم كانت مع العدل  justice، والفرق كبير بينهم؟، أمّ هي مارست حقها القانوني فقط، وبمسؤولية أتجاه الشعب والمدعين بالحق المدني!. أسئلة كثيرة ومتعددة تدور في هذا الفلك. لو تمعنّ المتابع لهذه الحادثة، لتلمس بسهولة أصابع هيئة المحلفين على الملف، وترجيحهم ميزان العدالة لكفة الخصوم فثبتت الإدانة القاطعة، وهنا مفتاح القضية. تتشكل هيئة المحلفين في الدول التي تعمل بهذا النمطْ من طبقات الشعب لتشارك في البتّ في القضايا الكبيرة، تتكون من 6 أو 8  أو 12 شخص، حسب نوع القضية وخطورتها، ولا يشترط بهم أن يكونوا من خلفيات قضائية أو حتى قانونية، بل العكس هو صحيح، أيَّ أن يكونوا من العوام، عامة الناس. بدأت فكرة إشراك ا لمواطنين فى تحديد جرم أو براءة المتهم منذ العصور الوسطى فى إنجلترا. فى القرى، حيث كانت تجتمع المحاكم الدورية التى يرأسها قاضي متجول، يزور القرية أو البلدة مرتين فى السنة، و يكون جميع المتهمين جاهزين للمحاكمة، و نظرا لأن المجتمع كان محدوداً، و الكل يعرف الكل، فقد كان من المطلوب من أهل القرية أن يحضروا المحاكمة، ثم يقوم القاضى بسؤالهم عن مدى صحة ما يقول المدعى، و ما يقول المتهم دفاعا عن نفسه، و على ضوء ما يسمعه القاضي، يتحدد الحكم في النهاية. ولكن هنا القاضي يتأثر ضمنياً بقرار المحلفين، وإلا ما الداعي لحضورهم من الأساس وجلوسهم في قاعة المحكمة، إذنَ لهم صوت مسموع ومؤثر، وهذا سيف ذو حدين، فهؤلاء في النهاية بشر، وغير مؤهلين في البت في القضايا الكبيرة، وعلاوة على ذلك همُ غير دارسين في الحقوق والقانون، يتأثرون بالإعلام والصحافة وأراء الناس.   
في كل الأحوال إدين جورج  بيل، والجميع ينتظر قرار محكمة الأستئناف بفارغ الصبر. الأسقف يبدو للناظر  متحليا بالبصر ورباطة الجأش، متحكماً في أقواله منضبط الأفعال. في النهاية لا وجود لأي منطق في حصر القضية في زاوية معينة واحدة، بحيث يبدو الحكم مُطلق ألهي منُزل، تشوه سمعة الرجل المسنْ بعد خدمة طويلة.
 تظل الإجابة على حزمة الأسئلة المطروحة للتداول صعبة بمكان، والحيرة والغموض يلفّ القضية برمتها، والسؤال الأصعب هل الكاردينال مذنب حقاً، وكيف كان يُقيم الذبيحة الألهية ويديه ملطخة بهذا العمل، كيف كان يستمع لعترافات واسرار المؤمنين، الأجوبة صعبة حقاً، وأسئله تتناسل من أخرى.
 في ظل المتغيرات التي تستجد من حين لآخر. سوف تتغير قناعات الكثيرين بدون شكّ بعد صدور حكم الأستئناف والبت بشكل قطعي بها.

98
الكاردينال في قفصْ الأتهام
يقبعْ الأن خلف القضبان في سجن إنفرادي في ولاية فيكتوريا الأسترالية ثالث رجل حسبّ الترتيب الكَنسي الفاتيكاني، وأول رجل في هرم الكنيسة الكاثوليكية في أستراليا الكاردينال جورج بلّ 77 عام، بتهمة التحرش الجنسي على قاصرين، في سنوات 1996- 1997. الدعوة بين الجاني والمجني عليه أخذت وقتً طويل في أروقة المحاكم، والقضاء أستنفذ كل السبل للتوصل للحقيقة من شهود نفي إلى شهود عيان إلى تحقيقات مطولة ومتفرعة أنهكت الجميع وعلى رأسهم الرجل المسنْ الذي ذهبَ إلى المحكمة عشرات المرات خلال السنوات الستْ الماضية، والتي صدر الحكم في النهاية سلبي أيَّ مذنب guilty. كانت صدمة للجميع، وواقعة لها الأثر البالغ في النفوس لمَا يتمتع به الأسقف من ثقافة وغزارة في العلم واحترام وشجاعة ونبل في قول الآراء وطرحها، ومدافع شرس ضد الاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة. التعاطي مع هذه القضية ليس بالأمر الهين، خاصة اذا ما عرفنا مكانة الرجل الدينة على مدى عقود وسنوات طويلة تناهز الخمسين عام من العمل والتفاني في خدمة كنيسته ودينه وعقيدته والْتِزَاماتِهِ أتجاه الناس في جميع الأبرشيات والخورنات التي خدم به، كل هذا وغيره جاء على لسان أبناء رعيته، وقربه في ذات الوقت من المركز  الإعلى للكنسية الكاثوليكية في روما، وتبوئه منصب وزارة الخزانة، وترشحه لمنصب البابا؛كل هذا يعطي تحذيرات ومؤشرات للتعامل مع هذه الواقعة الخطيرة بصبر ودراية بحيثيات المُعطى ذاته.
المتابع لملف القضية الشائك والمعقد سوف يلاحظ مجموعة من الثغرات في صلب الموضوع، ففي العام الماضي عقدت جلستان لمحاكمة الكاردينال بيل، وفشلت، لأن هيئة المحلفين الأول لم تتوصل إلى دليل إدانة. وترجع وقائع القضية  إلى عام 1996، حيث كان بيل مطرانا في كاتدرائية ملبورن، وارتكب حسب الأدعاء العام انتهاكات بحق طفلين، يبلغان في ذلك الحين 13 عاما، وذلك عقب قداس في الكنيسة، حسبما علمت محكمة "كاونتي كورت"، في ولاية فيكتوريا الأسترالية؟ السؤال المطروح هنا لماذا لم تُثار القضية في ذلك الوقت؟ وظل المفعول به كما يُقال متوارياً عن الأنظار الى هذا الوقت، أمَ الضحية الثاني فقد مات عام 2014، بسبب جرعة زائدة من المخدرات. والسؤال الأكثر ألحاحاً الأن هو كيف توصلت هيئة المحلفين لدليل أدانة قاطع بهذا الشكل بعد مرور كل هذا الوقت؟. ولكن في أتجاه معاكس أخر يجب أن يُقال في هذا المقام، يعرف العالم أجمع مدى نزاهة ودقة القضاء الأسترالي، وهذا ما جاء على لسان المتحدث باسم الكرسي الرسولي الساندرو جيسوتي، حيث قال أن الفاتيكان "يحترم" النظام القضائي الاسترالي في أعقاب "الأنباء المؤلمة" عن إدانة الكاردينال. وهذا ما أكده رئيس الوزراء سكوت موريسون عن شعوره "بالصدمة العميقة" لإدانة بيل، مضيفا أن النظام القضائي أثبت ان لا احد فوق القانون في أستراليا. وإيضاً رئيس الوزراء الأسبق توني آبد أدلا بدلوه حين قال، من يجلس مع الكاردينال بيل يشعر أنه في عالم أخر. سوف تظل هذه القضية مثار جدل  ونقاش طويلين، وسوف تنتج عنها ردودّ افعال كثيرة بين مؤيد ورافض، وسوف يزيحّ عن الدين الكثيرين بدون شكّ، ويتشكك الكثيرون في العقائد الأساسية، ويقل إيمان البعض بدون ريبة وهذا طبيعي. وبغض النظر عن ملابسات الحادث وبدون أدنى شك تظل المسيحية أرفع وأنبل من كل هذه النزاعات الغير أخلاقية، هي مبنية وفقّ أسُس متينة على الحب، الصدق، الأمانة، الإخلاص، العفة، النقاء، صفاء النفوس، صدق النيات، التضحية، الفداء، البعث، بذل الذات من أجل الأخرين. واجهت الكنيسة المسيحية وسوف تواجه الكثير من الصعاب والأزمات الداخلية والخارجية، ولكن اجتازتها بالحكمة والصبر وطول البال والتعقل، وفي النهاية كانت ترسو السفينة دوماً على شاطىء الأمان. (وَيْلٌ لِلْعَالَمِ مِنَ الْعَثَرَاتِ! فَلاَ بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي بِهِ تَأْتِي الْعَثْرَةُ!).
متى 18: 7

99
وظيفة الحاكم الذكي
بقلم/ سلوان ساكو
يتمْ التأسيس على الأفكار ليتم بعدها العمل على البناء للبُنىَّ التحتية لنُشوء وأرتقاء الدولة المعنية، ويكون هناك نمطْ سليم في سياق من الحكم متُماهيً مع المواطنة، أو المواطن الصالح بمعنى أدق. ليختار ويحدد هذا المواطن نظام الحكم، مع إعطاء الأولوية للحاكم في تنظيم شؤون دولته بما يتماشة مع أساسيات الحكم العادل، وليس اليوتوبيا، حيث ليس هنالك وجود لمدينة فاضلة على هذا الكوكب، لذى استوجب أن هنالك دولة ناجحة، كالمغرب مثلاً، ودويلة فاشلة كالعراق مثلاً.
 كنتُ مؤخرا في دولة المغرب العربي، لحضور المعرض الدولي للكتاب، والمُقام في الدار البيضاء. المعرض وعلى جميع الأصعدة والحق يُقال كان ناجحً، من التنظيم الى إدارة دور النشر، مروراً بجلسات وندوات المنعُقدة على هامش المعرض، وحضور لفيف كبير من أبرز المفكرين  والمبدعين والأدباء العرب. سارت الأمور بسلاسة طيلة إيام المعرض العشرة، كان فيها منفعة للمدعوين والزائرين بشكل عام. المهم ليس هذا هو الموضوع الأساسي المعروض للطرح، وإنما وضعية ونمط و استقرار البلد، إيّ المغرب، وكيفية ظروفه وسبل عيشه. مع كل التحديات والصِعاب التي تعيشها المنطقة. فالمغرب وكما هو معروف بلد غير نفطي إلا بمقدار ضئيل وللأستخدام الداخلي، وهذا ما استدعاني للتوقف لبضع الوقت، من حيث البنىَّ التحتية المتوفرة، وحاجات الشعب الأساسية. فسكة القطارات على سبيل المثال وهذا مهم في رأي، تصل لجميع الولايات والمحفظات من الشمال للجنوب ومن الشرق إلى الغرب، محطات توقف هذه القطارات نظيفة ومريحة ومنظمة إلى حد بعيد، الدولة حاضرة بشكل ملحوظ في الجيش الشرطة الأمن الوطني. المرافق السياحية من مشارب ونوادي وملاهي منتشرة بكثرة وهذا يدل على إنفتاح البلد من جهة ومن جهة أخرى كثرة نسبة السياح والسياحة مما يدر على البلد واردات هائلة. حسنا يبدو أن العاهل المغربي الملك محمد السادس ذكي وسياسي محنك لمقدرته المحافظة على الدولة من الأنهيار والأنفلات الأمني وقت الربيع العربي، والأنتفاضات المليونية كما يقولون، فمثلاً مدينتا سبته مليلية المغربيتان تحت الحكم الإسباني ومن مدة طويلة، لم يشن الملك المغربي الحروب والغزوات لأستعادتهم، بل هو يحول عن طريق الأقنية الدبلوماسية والسياسية فقط، وكفى الله المؤمنين شرّ القتال. وهذه نظرة عميقة للأمور، لأنه يعرف أن المغرب ليس باستطاعتها مواجهة الأسبان، او الأتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي النيتو، بمعنى أدق هو قرار سيادي بأعلى المستويات وإرادة ملكية، ماذا جرّ احتلال الكويت من ويلات وحروب على الشعب العراقي، إليس صدام حسين غبي بما فيه الكفاية ليفعل ذلك؟. وكانت لديه قراءة خاطئة لخريطة توازنات المنطقة الأقليمية والدولية، حيث أقدم على تلك الحماقة والمغامرة مجنونة، فدقْ البسمار الأخير في نعش العراق. خلاصة الطرح، إذاً تتحدد بمنظومة الحاكم ومدى استيعابه لعبة الأمم، بغض النظر عن أفلام الدسائس والمؤمرات الصهيونية الهندية، هي أنظمة تتفق بشكل وبأخر مع النظرة الكلية للحكم، وليس حزب واحد والباقي خسّ كما يُقال. بهذه الطريقة أستطاعت العائلة المغربية الحكم طبعاً مع بعض الشدة المطلوبة للحكم، وهذا ما دفع الناس إلى حب العائلة العلوية لأنها جنبتهم الدخول في صراعات وحروب عبثية كما فعل العراق وبدون طائل، فتمزق على صخرة النزاعات الطائفية والحروب الأهلية. لعل المتتبع للمشهد العربي بشكله العام يعي أكثر من غيره أشكالية المسار الذي يسلكه نظام الحكم ومدى تأثيره على مفردات الحياة بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة، وهي حقيقة يجب التسليم بها في جميع الأحوال.

100
طريقة الفوز بورقة اليانصيب
بقلم/ سلوان ساكو
تتواتر الأخبار والحكايات والقصصّ الجميلة، والممزوجة بالأمنيات والتمنيات الوردية مع توليفة من باقة أحلام ورؤىً لرؤيا تُحاكي تلك المتُتطلبات المدفونة في وعينا العميق، فبتنا نلعب بكل جدية ومهارة لعبة الحظ السعيدة، لعل وعسى أن يوكبنا الحظ في مرة، وتتوقف عقارب المصفوفة الرقمية عندنا، ونكون من المحظوظين في سعينا نحو تكوين وخلقْ قدرنا حيث نبدأ في تحقيق أحلامنا التي حالت مع توغلنا فيها إلى أحلام يقظة لا أكثر، نسبح فيها ومعها في تلك اللجة من المياه الزرقاء الصافية والتي تعكسها  السماء الخلابة، ونخوض غِمار ذلك الحلم السعيد، والذي كلما توسعنا فيها ازداد هو سيطرة علينا وعلى مشاعرنا فنصبح مع الوقت مُكبلين بأغلاله وقيوده لا مقدرة لنا على الفكاك من فكيه.
اليوم بات الحديث عن لعبة الحظ والربح بورقة اليانصيب هي الهاجس المُسيطر على الجميع بدون أستثناء، التاجر، العامل، الموظف، الغني، الفقير، السعيد، الحزين، الكل باتَّ يتطلع بالفوز بتلك الورقة القدرية والتي سوف تُغير حياته وتقلبها رأساً على عقبْ، وتجعله من الْمُصْطَفَيْنَ. ولكن مهلاً !، هل صحيح أن هنالك حظ وأن هنالك ثمة قدر يتحكم بتلك اللعبة الرقمية بحيث تجعل فلان من الناس يصبح مليونيرن بين ليلة وضحاها، بينما الثاني يتحسر ويندب حظه العاثر لأنه لم يفز بالجائزة، والى إية مدةً يجتمع الحظ والقدر في الأنسان الكائن الحي، وإذا كانت الأمور على هذا النحو اللامدروس والعبثي فبالإمكان أن تفوز القردة أو الأسود أو الضِباع بالينصيب، أليست هي في نهاية الأمر مجرد سحب ورقة بسيطة  لا أكثر  ولا أقل. حسناً لو افترضنا عدة افتراضات منها على سبيل المثال أن ملعبً رياضي لكرة القدم يسعّ لي ستين ألف متفرج وارادة كرة القدم السقوط على المتفرجين يا ترى على من سوف تسقط، واحد سوف يجيب بسرعة حتماً سوف تسقط على شخصً ما موجود في المدرجات، هذا جواب مقنع للوهلة الاولى، المثل الثاني، هناك تلّ من الإبر الناعمة تعددها 100: 899: 24 مليون بعدد سكان إستراليا وقال لك احدهم، أن واحدة من الإبر موسومة بعلامة مميزة دقيقة على رأسها، وأن أردت الفوز عليك أن تسحبها من بين الركام بحركة واحدة فقط، السؤال ما هي نسبة الحظ هنا؟. طبعاً أنا هنا لا أرفض الحظ، ولا أمانع في أن يحلم المرء، فهذا شأنه، ولكن هناك أسئلة اطرحها على الملأ والمجتمع وادع من يحلم يحلم، وذلك الذي يفوز بورقة بالينصيب ومبلغ 107 مليون دولار والتي كان لها دوياً كبير في المجتمع الأسترالي، وتشيد مباني وهمية من قصور ومزارع وتسديد قرض البنك على البيت والسفر الى كل بقاع العالم والتبرع للكنائس وتشيد تمثال للسيدة مريم العذراء والعطاء بسخاء لمستشفيات أمراض سلطان الأطفال، وكل هذا يكون في النهاية كزبد البحر لا يلبث أن يتبخر مع أول موج خفيف. والقصة في صميمها هي Game، أليست لعبة، لماذا لم تربح البطاقة  حين وصل المبلغ إلى خمسين مليون دولار؟.
لنعرف الحظ أولاً، فوفقا لقاموس نوح وبستر الكلاسيكي، فإن الحظ هو "قوة لا يمكن التنبؤ بها، ولا يمكن السيطرة عليها، تغيير الأحداث إيجاباً أو سلباً لفرد أو مجموعة أو قضية ما"، وترتبط وجهات النظر في هذه المسألة بإختلاف الثقافات فالبعض يعتبرها فرصاً عشوائية غير مرتبطة بسبب أو أداة، بينما البعض يربطها بطاقة خفية مرتبطة بالإنسان والأفكار، وطبعاً هناك من يجد لها تفسيرات متعلقة بالإيمان أو الخرافات. بينما الفلاسفة وأشهرهم "دينيت" الذي اعتبر أن: (الحظ هو مجرد حظّ!، وليس شيئاً أو خاصية أو ميزة يختص بها فرد أو جماعة ما)، فيما وصفه "كارل يونغ" عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليل، حيث يقول، بالتزامن الذي يحدث في الوقت المناسب أو غير المناسب، واختصر توصيفه بجملة صغيرة: "الحظ صدفة ذات معنى"، أما  الكاتب ماكس غونتر فوصف الحظ بأنه "أحداث تؤثر على حياة المرء ويبدو أنها خارجة عن سيطرته"، إذن الحظ ليس سوى تفسير نعطيه للأشياء الجيدة والسيئة التي تحدث بالصدفة، وهي إسناد نستخدمه لإعطاء معنى للأحداث العشوائية والفوضوية. والقدر، يمكن أن نصل إلى معناه من خلال المرور عن المعنى اللغوي، والمعنى الاصطلاحي له، وبيان ذلك يكون على الشكل التالي، المعنى في اللغة: يشير إلى الفصل والحكم، ومبلغ الشيء، ومعنى التقدير هو التروية والتفكر في تسوية الأمر، والمعنى في الاصطلاح يقصد به تقدير الله لجميع الأشياء في حياة الإنسان في القدم قبل وقوعها، وأنها ستقع في أوقات معلومة وبكيفية محددة، ولا ينفكّ هذا المفهوم عن مفهوم القضاء فهما أمران متلازمان. إِذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياةَ ... فلا بُدَّ أن يستجيبَ القَدَرْ. و اصحبْ ذوي القدرِ استعدَّ بهم .. وعدِّ عن كلِّ ساقطٍ سلفهْ.
فأذا هذا ليس له علاقة بالربح والخسارة لأن الله ليس بوكيل تجاري حصري عل هذا أو ذلك، ويربح زيد ويخسر عمر، وأنما هنالك مصفوفة رقمية كونية Digital matrix، أو شيفرة الأنسان الخاصة  Human code، أو مدخل لكل شخص هو الذي يحدد مسار هذا الكائن بين جنبات الحياة، يُفسر في بعض الحالات على أنه الحظ، القسمة، القدر، النصيب، لا تهم كثيرا التسميات والعناوين المهم هو ماهية وجوهر الحالة. فلا بد أن تسقط الكرة على رأس احدهم في الملعب، ولا بد أن يسحب واحداً ما الإبرة الموسومة من الكومة، ولكن من هو ياترى، هنا تلعب المصادفة دور كبير طبعاً بحيث تبدو انها حتمية جرت من تلقائها وأن الأمور طبيعية، يتحدد كل هذا في سياق منظومة كرونولوجية معقدة جداً وخاصية الزمان، ولكن حركتنا وقلقنا وتوجسنا لا تدع فرصة في النظر والتأمل لكل هذا، فنأخذ الأمور على عواهنها دون تعمق وسبر أغوارها.
الخلاصة من كل ما تقدم أنه ليس هناك حظ أو قسمة أو قدر، هي بإيجاز matrix يخص كل واحد من البشر، من يوم ولادته إلى يوم مماته، ويظل السؤال الأصعب والمفتوح على كل أحتمال، كيفية توظيف هذه المصفوف الرقمية لصالح الإنسان، وكيف تُكرس لخدمته، ويجعلها طوع بنانه، لربما لو أستطعنا أن نجد هذه الرموز السرية password لأصبح كل شيء سهل وفي متناول اليدّ، من أوراق اليانصيب ولعبة القِمار في الحانات ومباريات تسابق الخيول، حينها فقط يصعب التكهن بحركة التاريخ، فالكل يريد أن يربح ويصبح من الأغنياء بسهولة ويسر، بدون عناء العمل وجهده الْمُضْنِي، وهكذا تتوقف عقارب الساعة عن الدوران ويكفّ الانسان عن التفكير في مستقبله لأن وجوده الحالي مَصُونٌ. أظن في النهاية أن المكاسب الحقيقية في الحياة هي الصحة والسعادة والقناعة والعائلة الصالحة والأثر الطيب في المجتمع لأن  النقود تظل وسيلة وليست غاية مهما بلغت من شأن.

101
على مهلكّ يا مفتينا لم ينتهي العيد بعدْ
حينما أراد الراحل شبلي العيسمي الأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي ( فُقد في لبنان سنة 2011) أن يزور جامع أم الطبول في بغداد مع نهاية الستينيات، رفض إمام الجامع وقت ذاكّ الشيخ عبد العزيز البدري دخول العيسمي للمسجد بحجة انه درزيّ أيَّ كافر، وخلال ساعات وصلت الأخبار ( لصدام حسين)، ومع قضايا آخرى كانت تتعلق بتنظيم الإخوان المسلمين في العراق، وتكفير البعثيين وشق الصف الوطني من قبل البدري أكتمل ملفه في درجّ السيد النائب  فدخل قصر النهاية ولم يخرج بعدها ولم يرَّ النور ابداً.
في خطبة الجمعة الأخيرة وفي جامع أم الطبول أعلن مفتي الديار العراقية، مهدي الصميدعي، عدم جواز الاحتفال بأعياد رأس السنة والكريسماس، معتبراً أن من يحتفل بها كأنه يعترف بـ( عقيدة دينية لدى المسيحيين) نص الخطبة حسب القنوات الرسمية، وقال الصميدعي خلال خطبة الجمعة "لا تشاركوا النصارى الكريسمس، لأن هذا معناه أنكم تعتقدون بعقيدتهم.
 الإمام مهدي الصميدعي شخصية معروفة في عموم العراق، وله مكانة ومنصب رفيع على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع والأفراد،  فهو ليس إمام جامع في قرية نائية شمال بعقوبة يفتي ويكفر هذا وذلك من الناس دون حسيب ولا رقيب لا أحد يعير له أهمية تذكر سوى أبناء القرية البائسة دون فهم حتى. فالشيخ الصميدعي بالإضافة لكونه مفتي الديار العراقية هو خطيب أكبر جامع في العاصمة، وهذا يؤمه خاصة يوم الجمعة كِبار رجال الحكومة والدولة،  وتكون الخطبة في أغلب الأحيان منقولة على الهواء مباشرةٌ، بمعنى أنها تصل لشريحة كبيرة من الناس وفي وقت سريع جداً، وبكلام غير مُتزن وغير مقبول وغير منطقي، وفي وقت حرج  والجهود مبذولة لتعزيز اللحمة الوطنية التي اهترأت من كثرة النِفاق والكذب على الناس وعلى الذات، يطلق الإمام مفتي ديار العروبة والإسلام  فتواه بتحريم الأعياد والاحتفال برأس السنة، وهذا يعُتبر كُفر وزندقة وعمل من أعمال الشيطان. ومع أن هنالك جهود مضنية يبذلها رجال الدين وحتى العلمانيين المسيحيين الكلدان، السريان، الآشوريين، من التقرب  وبناء علاقات أخوية صادقة حقيقة مع المسلمين الشيعة والسنة على حدّ سواء لترسيخ مبدأ الأخوة والمحبة بين مكونات هذا  الوطن المنكوب وتأصيل فكرة المساواة بين الجميع وأن الدين لله والوطن للجميع، وما فتِئ البطريرك لويس ساكو  يُكرر  وفي كل مناسبة دينة كانت أم وطنية على أننا شركاء حقيقيين مع الأخوة المسلمين في هذا البلد، ولسَنا جالية حديثة القدوم. وعلى بغتة كل هذا ذَهَبَ أَدْرَاجَ الرِّيَاحِ.
أقول أن هذه الْفَتَاوِي وغيرها الكثير  لها الأثر السلبي الحادّ على المجتمع العراقي والذي هو أصلاً متصدع ولا يحتاج لتصدعات أكثر،  فتفجير كنيسة سيدة النجاة ماثلة في الذاكرة  تدمي القلوب الى اليوم،  وتضر  بالنسيج الأجتماعي البالي الباقي والذي أمتلئ شقوق ولم يعد ينفع الرتق معه، يجب أن ينتبه مشايخ السنة والشيعة للخُطب التي يطلقوها من على المنابر  والأثر السيئ لها على عقول الناس، وماذا سوف تكون ردود افعالهم حيالها، وتغير هذه الرنةّ القديمة، صليبي، أتباع الغرب، كفرة، ذميين، التي لم تنفع ولن تنفع في يوم من الأيام، وبثّ روح الأخوة والتعاون والمحبة بين أبناء البلد الواحد، لربما تكون هنالك بارقة أمل في مستقبل جديد. 

102
اليوم العالمي للُغَة العربية
يعتبر الثامن عشر من الشهر الجاري هو اليوم العالمي للغة العربية، لغة الضاد، فقد خصصت الأمم المتحدة ومن عام ١٩٧٣، اليوم المذكور من كل سنة يوماً عالمياً لهذه اللغة التي باتَْ المتحدثين بها قرابة ٤٦٧ مليون متحدث، وهي في المركز الرابع من معاير سلم اللغات العالمية، حيث يجري الحديث بها في 60 دولة من بينها 22 فقط أعضاء في الجامعة العربية. فيما تتوزع بقية الدول على قارتي آسيا وإفريقيا، حيث هناك قبائل وجماعات تتحدث العربية في تشاد ومالي والكاميرون مثلا، وغيرها.
لغتنا العربية تضل لغة جميلة وتحمل منظوراً بيانياً نحو فضاءات أوسع لإستحضار المفردة ورديفتها معاً، معاني ومفردات لا تحملها آي لغة ثانية من ناحية الرتمّ والأستعارة والكناية والموضوع والنصّ والبيان. فمثلاً يوجد ١٤ درجة للحب في العربية منها، الهوى، الشغف، الوجد، الكلف، العشق، النجوى، الشوق، الوصبُ، الاستكانة، الودّ، الخُلةّ، الغرامُ، الهُيام، (إذا ريح الصَّبا هبت أصيلاَ  شَفَت بهبوبها قلْباً عليلا وجاءَتني تخبر أنَّ قومي  بمن أهواه قد جَدّوا الرّحيلا)، عنترة بن شداد. بينما لا تحمل كلمة الحب Love في اللغة الإنكليزية سوى دلالة لفظية واحدة فقط.
وبعيداً عن لغة التعصب التي يستهلكها البعض اليوم ويربط العربية أو المتكلمين بها بالإرهاب من ناحية المضمون المجازي للمفردة في محمولاتها لأسقاط البناء اللغوي للنصوص وإيحائآتها اللفظية،  على إيقاع خطبة ابو بكر البغدادي في جامع الموصل الكبير، وأسامة بن لادن الذي أفتى بها، والقرضاوي الذي ينشر سمومه عن طريقها،  وسيد قطب الذي كتب كُتبه التكفيرية بحروفها،  أبو العلاء المودودي الذي ترجمة مؤلفاته عن طريقها، وغيرهم الكُثر الذين استعملوا العربية لنشر الفوضى واللاأنسانية والفتنة والحقد وتغيب العقل والمنطق. ولكن تبقى الأحرف الأبجدية  العربية الثمانية والعشرين حرفًا محط أنظار الكُتاب والشعراء والقصاصين والمثقفين بشكل عام. هل نحتفل نحن المتكلمين بالعربية بهذا اليوم العالمي، أمْ يذهب سداً حاله حال باقية الأيام دون أكتراث وينساب مع مجريات الحياة العادية؟.
ننهي مع رائعة الشاعر العربي النسطوري  طرفه بن العابد حيث يقول....
إذا القومُ قالوا مَن فَتًى ؟ خِلتُ أنّني عُنِيتُ فلمْ أكسَلْ ولم أتبَلّدِ
ولستُ بحلاّل التلاع مخافة ً ولكن متى يسترفِد القومُ أرفد
فان تبغني في حلقة القوم تلقَني وإن تلتمِسْني في الحوانيت تصطد
وانْ يلتقِ الحيُّ الجميع تلاقيني إلى ذِروة ِ البَيتِ الرّفيع المُصَمَّدِ
وما زال تشرابي الخمور ولذَّتي وبَيعي وإنفاقي طَريفي ومُتلَدي
أنا الرّجُلُ الضَّرْبُ الذي تَعرِفونَهُ خَشاشٌ كرأس الحيّة المتوقّدِ.

103
شَتّانَ بين ميتة صدام وبوش
مع كل الخلافات والمواقف السياسية والأخلاقية  التي أحاطت بالرئيسين صدام حسين وجورج بوش الاب في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، والتأثيرات الكبيرة والهائلة التي مرت بها المنطقة من إنهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الأشتراكية الأكبر  وغزوة صدام حسين لدولة الكويت عام 1990، كل هذا ترك أثرا كبيرا على مجريات الأحداث بعد ذلك وفق نظرية الفراشة، والى هذا اليوم  إرتدداتها مازالت مستمرة وموجودة بقوة، ومن الصعوبة زوالها على المدى المنظور. مع كل هذا يظل هناك فرق وبون شاسع بين موت الزعيمين، صدام حسين وبعد حماقات لا تُغتفر ولا يُسامح عليها التاريخ والعدالة الإلهية، جرتْ ويلات وحروب على البلاد أحرقت الأخضر بسعر اليابس، مع العلم أن بعضٍ من الحكمة والحنكة والدهاء السياسي المطلوب في موازين القوة وبعضّ التنازلات وفهم قوانين اللعبة السياسة الدولية، كان من الممكن أجتياز المأزق وتجنب شرب كأس المرارة حتى الثمالة والخروج بأقل الخسائر حتى بعد أحتلال الكويت، ولكن رعونة ودموية ودونية صدام حسين حالت دون ذلك، مما كرسَّ لاحقاً للفوضى والحصار والحروب الداخلية والويلات على الشعب والوطن المسكين. العقلية الدموية والاستبداد المطلق والأعلاء الوهمي للذات وترسيخ لمبدأ القوة في التعامل مع الآخر حالت دون بناء أسُس راسخة لدولة عصرية حديثة تتماهى مع النظام العالمي وما بعد الحداثي وما فرزته من لغة جديدة، منظومة رقمية، إنترنيت، هاتف جوال، صحون لاقطة ، لم يستوعب صدام حسين كل هذا التغير أراد العراق في بئر أسَنَ من المعرفة. وهذه الدموية والعنف  كانت حتى قبل أستلام زمام السلطة المطلقة ما بعد 1979. يقول القيادي البعثي السابق وليد السامرائي في شهدته للتاريخ في برنامج شهادات خاصة، حين أعدم صدام حسين عبد الخالق السامرائي  سنة 1979، بعد ست سنوات من الأعتقال الانفرادي لم يكن يعرف أيَّ عبد الخالق سبب الأعتقال ولماذا هو محتجز أصلاً، وفي النهاية أعُدم مع العشرات من البعثين الذين وقفوا مع صدام في تسلقه شجرة السلطة، هذا غيث من فيض، ولربما التاريخ سوف يكشف المزيد من الصفحات السوداء من التاريخ الدموي للأستبداد. ذهبَ بوش الأب ورحل صدام حسين من هذا العالم الفاني، ولكن الموقف الأخلاقي للرئيس الأمريكي الأسبق من حرب الخليج وغزوة صدام حسين للكويت تضل دوما محطة مضيئة في حياة الرجل مع كل التفاهات ونظريات المؤامرة السخيفة. يقول جيمس بيكر وزير الخارجي الأمريكي آنذاك وبعد اجتياح القوات العراقية للكويت، أرسل صدام حسين رسالة عن طريق رئيس دولة عربية، مفادها أن العراق علىٰ أستعداد ان يبيع النفط للولايات المتحدة بثمن أقل ومدعوم، شريطة أن تقف أمريكا مع العراق، ولكن جاء ردّ بوش بالرفض التام وطالب العراق الأنسحاب الفوري وبدون شرط أو قيد من الكويت. لربما تيقن بوش والإدارة الامريكية آنذاك  أن صدام حسين هو هتلر العصر الجديد، وأن لم تُحرر الكويت الأن فلن تحرر ابداً، وسوف يجتاح صدام حسين دول الخليج واحدة بعد آخرة ويتغير وجه العالم إلى الأبد.
أسئلة كثيرة تفرض نفسها بقوة، بعضها مرتبط بدوامة السياسية الدولية ولعبة المصالح وبعضها الآخر مرتبط بالموقف الأخلاقي للدول العظمى وموقفها حيال العالم والدول الأصغر. التاريخ في نهاية الأمر هو من سوف يحكم وهو من يقول كلمة الفصل،الموت على خشبة الأتهام وحبلّ القانون ملفوف على عنق المتهمْ، هو الأفضل، أمْ الموت الطبيعي.

104
انتباه لم تفعلها السعودية لوحدها
لم تُثار قضية في الآونة الأخيرة كما أثُيرت قضية أختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لربما من إيام حرب الخليج الثانية واحتلال صدام حسين للكويت عام 1990. فهذا التجيش الإعلامي الغير مسبوق والكمّ الهائل من التحليلات والتقارير والصور، ولم تُسلط في أيّ وقت كما سُلِطت على الصحفي السعودي، وطبعا مُتصدر هذه الميديا الضخمة قناة الجزيرة القطرية. ولكن لنقف قليلاً ونتأمل المشهد من جانب ثاني أكثر عمقاً ويغوص داخل مصطلح بات ما يُعرف بالدولة العميقة، والذي تأسس مع توغل الحكومات ذاتها مع نمط السلطة، بغض النظر عن مُسمياتها. هو عرف متداول في جميع النُظم العربية والعالمية، وما عمليات الخطف والأبتزاز والتصفيات الجسدية غير سمة من سمات هذا النظام أو ذلك لربما للدول الأكثر ديمقراطي وتقدماً. عملية تصفية الرئيس الأمريكي  جون كينيدي في دالاس 22 نوفمبر 1963، أليسَ هذا قتل مع محو أثار الجريمة إلى اليوم، وكل ما توصل له المحققين هو تفاهات لا غير، مع إن جاكلين كينيدي زوجته كتبت رسالة بينت بها من كان وراء عملية الأغتيال، وطلبت في وصيتها أن تُفتح الرسالة بعد مماتها، ولكن في عام 1994 حين ماتت لم يجرئ أحد على فضّ الخِطاب وقراءة محتواه، لأنه يدين أشخاص مهمين في الدولة آنذاك متورطين في العملية. مصر إيام حسني مبارك فعلها مع المعارض الليبي منصور رشيد الكيخيا، وقد شغل الكيخيا منصب وزير الخارجية الليبي من عام (1972-1973)، والمندوب الليبي الدائم لدى الأمم المتحدة، وفي وقت لاحق أصبح أحد رموز المعارضة للزعيم الليبي معمر القذافي وناشط حقوقي، سنة 1993 أختطف الكيخيا من قبل ثلاثة رجال في ليموزين سوداء ذات لوحات دبلوماسية على مسافة بضعة ياردات من فندق السفير بالقاهرة حيث يقيم ولم يظهر إلى اليوم. ليبيا معمر القذافي، ألم يُغيب الإمام موسى الصدر في طرابلس عام 1978 وبات في خبر كان. تركيا التي تُطبل وتُزمر وتهرج الدنيا والصحافة على الصحفي السعودية، أليستَ هي من كان وراء أختفاء المطرانين يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي مطرانيّ حلب في 2013 عن طريق ميليشيا سورية مدعومة منها، وهي من قام بتدبير عملية اعتقال وخطف زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان في نيروبي في كينيا، حيث أعتقل وأرسل إلى تركيا في فبراير عام 1999. وصدام حسين ألمَّ يغدر بأبن خاله ووزير دفاعه وشقيق زوجته وأقرب المقربين منه، عدنان خير الله  طلفاح في 4 مايو عام 1989. ألمَ يغدر الرئيس العراقي السابق بصهريه الأخوين كامل بعد أن أعطاهم أمان العودة من عمان الى بغداد في 23 فبراير من عام 1996. تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري في وسط بيروت عام 2005 والمتهمين هم أعضاء في حزب الله اللبناني، والمهزلة هنا انه تمْ تسمية  شارع في وسط العاصمة على أسم الفاعل الرئيسي في الجريمة وهو مصطفى بدر الدين. الحادث المريب لتصادم سيارة أميرة ويلزّ الأميرة ديانا مع عشيقها دودي الفايد ابن سميرة خاشقجي أخت عدنان وجمال خاشقجي، في 31 اغسطس من عام 1997 في نفق باريسي.   
العائلة المالكة في السعودية لم تفعل شيئاً من خارج أعرافها وتقاليدها فقبل تصفية خاشقجي تمت تصفية الأمير سلطان بن تركي، والذي تم اختطافه في الأول من فبراير شباط 2016، وكان برفقة 20 من أفراد حاشيته الذين يحملون جنسيات غربية، وتمْ أختطافهم برفقة الأمير على متن طائرة متجهة إلى القاهرة، إلا أنه تم تحويل مسار الطائرة ليجدوا أنفسهم في الرياض. واختفاء الأمير تركي بن بندر عام 2015، وهو ضابط شرطة سابق كانت إحدى مسؤولياته تأمين العائلة الملكية، وأختفاء الأمير سعود بن سيف النصر من نفس العام الأخير. هذا غيض من فيض في خلفيات الحكم لكواليس دول العالم دون أستثناء، كل ما هنالك في قضية خاشقجي أن ثمة تقاطع وتناحر وحرب باردة بين السعودية ودولة قطر والتي جيشت الاعلام مُمثلة بقناة الجزيرة وآلتها الجبارة التي تواكب الحدث ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة بعيدة كل البعد عن الموقف الأخلاقي والمهني للصحافة، آيَّ تصطاد بالماء العكر، و تتشمت بالمملكة العربية والدول التي تُساندها.
هذه بعضاً من سمات الحكم للدولة الخفية، ربما نجدّ صدى لها في أدبيات وطريقة الحكم لدى السفاح جوزيف استالين مع صديق عمره ليون تروتسكي الذي قتله بفأس عام 1940، أو غيره من الحّكام على مرّ العصور.

105
لم يُقتل خاشقجي إلى حدّ اليوم
بقلم/ سلوان ساكو
لم يُحل لغز أختفاء الثائر اليساري المغربي المهدي بن بركة (تولد 1920 أختفاء 1965)، الى اليوم، مع أن كل الملابسات تُشير إلى تورط البلاط الملكي المغربي والمخابرات الفرنسية وجهاز الموساد الاسرائيلي، لما كان يشكله هذا الثائر من خطر على الرباط، حيث كان له مشروع حداثوي تطويري تقدمي أشتراكي، لا يتماشى مع سياسية الملك الحسن الثاني  في ذلك الوقت، فلم يجد مناص غير تغَيِب المهدي بن بركة والى الأبد وطمس كل معالم الجريمة التي حدثت  أمام مطعم (ليب) في شارع سان جيرمان في قلب العاصمة الفرنسية، باريس، وظلت جثته الى اليوم مجهولة المكان. الجنرال محمد أوفقير وزير الداخلية المغربي آنذاك ومعه أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربي وآخرون رحلوا عن هذا العالم بِمَا فيهم العاهل المغربي السابق ذاته، ولكن ظلت قضية  بن بركة مُعلقة وغامضة  الى اليوم مع كل هذه التحقيقات. 
يشُكل اليوم ملف إختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول حالة من الارتباك في كل الأوساط السياسية والثقافية والدولية والإعلامية على حد سواء، من حيث ثقل هذه الشخصية الجدلية والمحورية وقُربها من العائلة الحاكمة في المملكة العربية إلى قبل عامً لا أكثر. حيث كان جمال مقرب من صُناع القرار، ورئيس تحرير جريدة مهمة تصدر في الرياض هي جريدة الوطن، والمستشار الإعلامي لمدير المخابرات السعودي تركي الفيصل، وغيرها من المناصب الإعلامية. المهم أنه قبل اكثر أسبوع دخل من باب القنصلية لغرض استخراج أوراق رسمية ولم يخرج منه، هنا شكل هذا الحدث الخطير والغير مسبوق في المعاهدات الدولية للبعثات الدبلوماسية واتفاقيات جنيف وغيرها من البرتوكولات العالمية الى تحديّ لحقوق الانسان والأعتداء في وضح النهار على رجل اعزل في بلد يتسم بالأمن، نعم الرئيس السابق صدام حسين كان يخرق كل هذا، ويلجأ لقتل معارضيه في الخارج عن طريق استدراجهم للسفارات العراقية وبعد ذلك يتمْ تصفيتهم بأبشع طرق، وكان ذراعه الأيمن في ذلك صبري البنا ( ابو نضال الفلسطيني) الإرهابي المشهور والذي هو بدوره إغتيل على يدّ جهاز المخابرات العراقي سنة 2002، ولكن ذلك زمان غير هذا الذي نحن فيه، مع أجهزة المراقبة والكاميرات والأقمار الصناعية والهواتف النقالة، كل هذا يعطي مؤشر أن عمليات الاغتيالات لم تعد تجدي نفعاً اليوم، مثلاً فشل روسيا في محاولة اغتيل الجاسوس المزدوج  سيرجي سكريبال، 66 عاما، وابنته، في وسط لندن قبل أشهر. هنا حصلت  نقلة نوعية  في نهج الأغتيالات المباشرة اذا صحت التكهنات بأنة السعودية متورطة في عملية الخطف والأغتيال، وهذا ما سوف تكشفه الأيام القليلة القادمة، معادلةٌ غير مسبوقة ورسالة مباشرة الى كل المعارضين في الداخل والخارج السعودي، مفادها إنه لا رحمة ولا هوادة مع كل من تسول له نفسه أن يتعدى الخطوط الحمراء أو حتى السوداء حتى لو كان من العائلة المالكة نفسها أو من بقية الشعب، وما تصفية وتقطيع أوصال الكاتب جمال خاشقجي غير تنبيه للكل.
الأيام القادمة حُبلة بما لا تشتهيه السفينة السعودية ربما، تركية مسرح الجريمة تريد أن تُظهر الحقيقة كما هي للعلن والمجتمع الدولي المتابع للقضية، امريكا أيضا تريد أن تعرف ماذ حصل للصحفي السعودي وفي أقرب وقت، وما دعوة الرئيس ترامب لخطيبة خاشقجي  خديجة جنكيز  للبيت الأبيض في واشنطن آلا لمعرفة المزيد من التفاصيل، ورسالة للعالم مفادها أن الولايات المتحدة ليس لديها يدّ في  مجريات الواقعة ولا تؤيد المملكة بأي شكل من الأشكال. بريطانيا أدلت بدلوها حين قالت أن معلومات استخبارية بريطانية تؤكد تورط السعودية في عملية التصفية والقتل لجمال خاشقجي. الكل يترقب الأن، والدائرة تضيق على المملكة العربية السعودية التي وضعت نفسها في رمال متحركة لا تحمد عقباها، واتسعت فوهة الحريق الذي ربَما لم تحسب له هذا كل هذا الحساب وهذا الخطر المُحدق بها، وإن نار جمال خاشقجي انتشرت في الهشيم السعودي.

106
كيف وضعنا أنفسنا بين فكّ المجلس وكمَاشة الحركة.
ما أقربنا اليوم كَمكّون أصيل وعريق من مكونات الهوية العراقية المدنية( من المدينة)، حيث كان لهم حضور مشهودا له على جميع الساحات الثقافية والسياسية والاقتصادية، من كهفْ أفلاطون الشهير، وهؤلاء الأشخاص الأربعة الذين كُبلوا منذُ نعومة أظافرهم بسلاسل وأغلال على أعناقهم وأيديهم وأرجلهم، فظلوا ينظرون بتجاه واحد فقط من أمامهم، ومن خلفهم، أيَّ خلف الجدِار، ومن جهة آخرى كانت هناك مجموعة تُحرك عرائس خشبية مختلفة الأشكال؛ أرنب، قطّ، عصفور، مُسلطينَ نور السراج عليها، فتظهر على الجهة الثانية من الحائط المُقابل للمساجين ظِلال وخيالّ، فيعتقد هؤلاء المساكين أن هذا هو عالمهم الحقيقي، عالم الخيال، ولا يوجد عالم موازي آخر له، وبطريقة ما يستطيع واحد من الأربعة  الإفلات من الأغلال والسلاسل، والخروج من الكهف إلى العالم الخارجي، فَيرى إن العالم غير ذلك الذي كانوا به، شمس، طبيعة، مياه، غيوم، بشر،  فيعود ليخبر زملائه بِمَا شاهد وعاين، ولكن الثلاثة الباقية في غَياهّب الكهف اتهمته بالجنون والكفر، فأردوه قتيلا على الفور، لإنه شاهد وشَّهد الحقيقة كاملة، بدون ظلال، وبقوا هم في غيهم يعمهون.
 نحنّ اليوم اقرب ما نكون لهؤلاء المساجين القابعين في غياهب الكهف، لا نُعاين غير تلك الِظلال الزائفة التي تعكسها علينا الأحزاب والحركات السياسية الرخوة بشكلها العام، المجلس الشعبي، الحركة الديموقراطية الآشورية زوعا، أبناء النّهرين، والزعُماء لهذه الفعاليات هُمْ العرائس التي تُحرك عن بعد. ونحن بدورنا إيضاً لا نُشاهد غير الظلال، أو بمعنى أكثر دقةّ، لا مقدرة لدينا على الخروج من النفقّ الذي وضعتنا به هذا الأحزاب والحركات، حيث تَموضَعَنا داخل نظرية الكهف بعمقْ.
 من اليوم، وأن مرَ وقتً طويل نسبيا، يجب أنّ نُعيد بناء الأفكار السابقة وقراءة الحقائق من وجهة نظر ثانية، مع الآخذ بالتاريخ العريق للحضارة المسيحية في بلاد ما بين النهرين، والنهوض بالوعي العام لهذه الشريحة المغبونة، وليس الجالية كما اطلق عليهم رئيس الوزارء السابق نوري المالكي الغير مأسوف عليه، المهمشة والمركونة جانباً كإطار إحطياطي لسيارة مستهلكة، مع دَئب الحكومة العراقية والأحزاب بكل عناوينها لتقليل وعزل وإقصاء هذه الشريحة والمكون الأصيل من المشهد السياسي والأجتماعي والحياتيْ والعلميْ، واليد الآثمة التي تُنفذ هذه الأجندة القذرة هي الميليشيات التابعة لهذه  الأحزاب، التي هي الحكومة نفسها، والتي ما فتئت تقتل وتُهجر وتفتك بهذه الجماعة التي سكنت البلاد من فجر الحضارة، ولكن مع كل هذا فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق هؤلاء، فنحن أيضا تتحمل جزءا من هذه المسؤولية، لأننا تماهينا وتماشينا مع تيارات وقوى سياسية لمَ ولنَ تكن في مستوى هذه المهمة الخطيرة والمسؤولية الجسيمة، حيث دأبت منذُ البداية  على التقليل من قدرة هذا المكون، أليس الأمر مستغرب اليوم حقا، وبعد مرور كل هذه السنوات العِجّاف كيف وضعنا أنفسنا بين المجلس الشعبي والحركة الديمقراطية الآشورية زورعا وحركة أبناء النهرين وغيرهم، فالحركة الديموقراطية الآشورية زوعا ومن تأسيسها ضلت حركة مغمورة لم تؤدي أيّ دور يُذكر، لا حين كانت في جبال كردستان، ولا بعد الأحتلال، أكثر ما وصلوا له هو ثلاثة مقاعد معطوبة في البرلمان العراقي العاجز أصلاً، وهذه الكراسي إيضا سحبت منهم بعد أخفاقهم هم ذاتهم، وليس بسبب الكلداني ريان وقائمته المزعومة بابليون، وَإِن جاء فكردة فعل للوضع الشاذ القائم، فكيف نفسر أذا ميليشيا مسلحة شيعية بلباس مسيحي كلداني!، أخفاقٌ جرَّ أخفاقْ آخر، وهكذا كرت السلسلة، كل شيئ تهاوى كأحجار الدينامو ، فشل أكبر من فشل، وفي كل مرة كان هذا الأخفاق وهذا الفشل له ما يبرره في الحديث المُنمق للسياسيين. المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري لم يكن أحسن حال من نظيره، فهو ومن تاريخ التأسيس عام 2007 لم يخرج من العباءة الكردية، ولو ذهبَ الى المريخ وعادْ هو صنيعة كردية، وسوف يبقى كذلك تحت غطاءٍ كلداني سرياني آشوري، المهم النتائج تصب في مصلحة من على المدى الطويل، حتى الجمعيات والفعاليات السياسية لم يكن لها مشروع وطني واضح تنهض من خلاله بهذا الارث الحضاري والانساني والثقافي. لم يقدروا جميعهم الأنتقال من روح سكولائية (تلقينية)، إلى فكر عقلاني يساهم في بناء تصورات جديدة لهذا الوطن المنكوب، من خلال سعيهم نحوَّ فهم أعمق لصالح وعي جديد ينبني على مشروع وطني كمنطلق نحو العالم، كل هذا ضاع في غمرة الصراع على المناصب الواهية والكراسي البالية. المؤسف حقاً إن كل ذلك الأرث دخل في الثقب الأسود،  وهنا لا نتحدث عن بائع مشروبات كحولية مسكين في شارع السعدون أو موظف بسيط في وزارة الزراعة، لا نحن نتكلم عن فلاسفة وعلماء كانوا في بلاد ميزوبوتاميا، تنهل منهم ومن ثقافتهم جميع شرائح المجتمع، وكانوا قريبين من مجالس، الملك، الحاكم، السلطان، الأمير، الخليفة، ولهم كلمتهم المسموعة في دواوين الدولة، كيف ذهبَّ علماء بغداد وعمداء بيت الحكمة، أمثال يوحنا بن ماسويه وجبريل بن بختيشوع وحنين بن إسحاق وعبد المسيح بن بُقيلة، والشاعر عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ العِبَادِيُّ التَّمِيمِي، والأكاديمي والمربّي البروفسور متّى عقراوي أول رئيس لجامعة بغداد، والوزير والباحث والاقتصادي يوسف رزق الله غنيمة والصحافي والسياسي روفائيل بطي  وكوركيس عواد وميخائيل عواد، وكثير من العلماء العرب المسيحين. من كان وراء عزل وتناسي هذه القامات التي خدمة الوطن بكل اخلاص، هل ضاع كل هذا للأبد على صخرة الانانية والطمع والجشع؟، وذهبَ ذلك الأرث دون عودة!، وتلاشة ظل تلكُمّ الرجال؟ هل تكسرت الأمواج الثقافية والصروح الفكرية وانتهى عمرها ؟، هل إنقضت تلك الأيام مع رياح الحروب وغبار المعارك إلى الأبد، حقا مع شديدْ الأسف على كل ذلك الميراث الضائع.
كل ما اريد قوله هنا، إن السياسات والفِكّر السابقة لم تعد تجدي نفعاً وسط هذا الكم الهائل من الكذب والرياء والنفاق والفساد المُمارس في العراق الغير مسبوق، يجب خلق نواة جديدة من الأفكار لتحويل أو تحريك  مسار المرحلة التي  نسير عليها، والرهان على ذلك قوتنا العلمية والفكرية والفلسفية، وأن أخذت منا مجهوداً كبيراً ومضاعف ولكن يحب أن نبدأ، والبدأ يكون من الافكار والتي حتماً تؤول إلى أفعال في نهاية الأمر. وهنا يستحضرني قول الكاتب جورج أورويل( الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والنهابين والخونة، لا يعتبر ضحية بل شريكا في الجريمة).

107
المنبر الحر / ما بعد القومية
« في: 08:41 20/08/2018  »
ما بعد القومية 
بقلم/ سلوان ساكو
في الندوة الأخيرة لملتقى سورايا الثقافي، والذي ينعقد كل شهر مرة في ضمن الفعاليات الثقافية في ولاية ملبورن الأسترالية،  هذه المرة تم استضافة الأستاذ صباح ميخائيل برخو، وكانت الندوة تدور حولَ الأنتخابات البرلمانية الأخيرة، ودورّ شعبنا المسيحي، وأحزابنا السياسية بكل فروعها، والقوة الفاعلة في الساحة، وتطرق الأستاذ صباح إلى مآلات وأسباب إخفاقها في عرض شيق وتاريخي مشكوراً عليه وعلى جهوده المبذولة لصالح قضية شعبنا،  والحق يُقال أنه أحاط الموضوع من كل جوانبه، من الناحية التاريخية والاجتماعية والسياسية. وهنا تجدر الإشارة بمعنى النقد التقييم للأفكار الكونية الكبيرة التي شغلت الساحة السياسية لعقود، وليس تقيم الندوة فالأستاذ صباح غنيٌ عن التّعريف والتقييم.
في اثناء المحاضرة شردَ ذهني قليلاً، وكعادتي صرتُ أسأل أسئلة جدلية من وحي الآية  (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، وأفكر إين باتت القومية برمتها، المحلية، العربية، العالمة، بل إين هو اليسار العربي الذي كان يشغل الدنيا والنَّاس في وقتْ ما، وبعض تجلياته، كالاشتراكية، والناصرية، والبعثية، كيف ذبلت كل تلك الأفكار الكبيرة ولم يعد أحد يذكرها الأن مع انها كانت تستحوذ على الساحة السياسية في فترة الخمسينيات والستنينيات الى مطلع السبعينيات، واؤفُلْ نجمهم مع حرب حزيران 1967، وبدأ بزوغ نجم حركات الأسلام السياسي كرد فعل للنكسة المذلة التي  مُنِيَ به العرب، والى اليوم يشربون من مرارة تلك الكأس، وهذا موضح بشكل كبير في كتاب  (معنى النّكبة) للمرحوم  قسطنطين زريق (1909-2000)، لا بل أن الكثير من المناضلين اليساريين تحولوا الى أقصى اليمين المتطرف، والراديكالية الأصولية، وهذا اشتد اكثر بعد إنهيار الكتلة الاشتراكية الكبرى في  الأتحاد السوفيتي أواخر القرن المنصرم، مِمَا شكل هزة قوية لجميع الأفكار والتيارات اليسارية، واعطى أنطباع أن كل الأفكار الماركسية واللينينيه والتروتسكية لم يُعد لها وجود، وطبُعت هذه بمِيسَم النسيان ووضعت على الرفوف. اليوم وفي حديثنا وفي صيغة كلماتنا التعبيرية من يذكر  البروليتاريا أو البورجوازية أو الطبقة الكادحة أو نظرية أغتراب العامل أو فائض القيّمة أو نقد رأس المال، كل هذه كانت أفكار مُتداولة وبشكل يومي وممُنهج وعلى كل المستويات والفئات، الطلاب الأساتذة الجامعات الحانات العمال الفلاحين، الكل يسأل ويريد أن يفهم معنى الماركسية ومعنى الحداثة ومعنى البنيوية ومعنى التفكيكية ومعنى الوجودية ومعنى الوضعية، كان هناك عالم متكامل من الأنثروبولوجيا  يدرس الإنسان الأجتماعي  والإنسان الثقافي وقيْم ومعايير المجتمعات، وتُعقد صالونات وندوات ومحاضرات وجدل ونقاش وتفاعل بين الجماعة الحاضرة، فتفرز من كل هذه النقاشات نظرية فلسفية ديالكتيكية تُوظَّف من أجل الصالح العام مما يؤدي إلى شيوع أفكار  بطريقة موضوعية تُحدّد الأهداف لتحقيقها وما تفرزه من عملية توظيف ضمن هذا الإطار في الواقع اليومي المُعاش للتأثير على سياق حركة التاريخ. إين نحن اليوم من كل هذا؟، في ظل المتغيرات الكبيرة التي طرأت على روح العصر، من منا بات يسمع أو يناقش أو حتى يرن في أذنيه قول كارل ماركس  حين يقول ( أن اسلوبي الديالكتيكي لا يختلف عن الديالكتيك الهيغلي وحسب، بل هو نقيضه المباشر. فهيغل يحول عملية التفكير، التي يطلق عليها اسم الفكرة حتى إلى ذات مستقلة، انها خالق العالم الحقيقي، ويجعل العالم الحقيقي مجرد شكل خارجي ظواهري ُللفكرةُ. اما بالنسبة لي، فعلى العكس من ذلك، ليس المثال سوى العالم المادي الذي يعكسه الدماغ الانساني ويترجمه إلى أشكال من الفكر)، أنتهى الاقتباس، أو طنين فريدريك إنجلز  ( أن مسألة العلاقة بين التفكير والوجود، العلاقة بين الروح والطبيعة، هي المسألة الكبرى للفلسفة بكاملها، أن الأجوبة التي اعطاها الفلاسفة لهذه المسألة تفصلهم إلى معسكرين عظيمين، اولئك الذين أكدوا على اولوية الروح على الطبيع معسكر المثالية، والآخرون الذين اعتبروا الطبيعة اولية يعودون إلى شتى مدارس المادية)، أنتهى الأقتباس. من يطرح هذه الأفكار العميقة اليوم؟، لا بل من له المقدرة على إستيعابها وبلورتها والخروج منها بنص من الأساس، فاليوم  هنالك أفكار كونية تفرض نفسها بقوة في الصدارة، كنظام الصفر واحد، وتيار بعد بعد ما بعد الحداثة الفعّال بقوة الأن في الغرب، ومذهب ما بعد البنيوية، ونظرا للكم الهائل من المعلومات بات الكل يريد المعلومة السهلة المستساغة، الجميع يتجه نحو العم كَوكل، ينقر عليه فيلبي الطلب خلال جزء من الثانية، وبجميع اللغات العربية والأعجمية، مليارات من الإحداثيات مخزنة في هذا النظام الرقمي العجيب كمنصة للمعرفة. هل اليوم تصلح القومية أو الأشتراكية أو الناصرية كتعبير ثقافي عن مكان أو لغة أو شعب أو أرض؟،  أَلَيْسَ العالم اليوم قرية صغيرة؟، لا بل أَلَيْسَ الجنس البشري برمته داخل كرة مغلقة من الديجيتال؟ حتى تسوق الفواكه والخُضار يمرّ من خلاله؟، ألسنا أرقام تتحرك في ظل هذه المنظومة الكونية الهائلة؟، حتى من يريد السفر خارج البلاد  وهو مشمول بدفعات الضمان الأجتماعي ما أن تقلع الطائرة به  حتى يُقطع الراتب!. ضني أن الكثير من البديهيات تغيرت ومعها تغير الوعي بالمفاهيم ذاتها وبات هنالك مصطلحات جديدة وأشكال واساليب لأدوات التفكير أيضا جديدة لا تتماشى مطلقا مع ما كان مطروحا في السابق، فعقارب الساعة لا تعود للوراء ابداً، والماضي هو جزء من الماضي والتغير والتجددْ هو قانون الذي يحكم الطبيعية في مدار إهليليجي.       

108
الطريقْ للفهمّ يبدأ من هَنا
بقلم/ سلوان ساكو
الى حدّ الأن، وإلى اليوم لم ندركْ أهميّة التفاعلات الدولية المحيطة بِنَا وكيمياء السياسة العالمية وأدواتها وسياقاتها المتشعبة، ولم يستوعب الشعب العراقي بالخاصة الدافع الأساسي وراء الغزو الأمريكي للعراق في 2003، وكل المحاولات للسعي الى الفهم ما هي ألا مداورة على الإطار العام للملف من دون الدخول الى الجوهر والعمق الحقيقيين. وهي من واقع الحدث اليومي للنمطْ المعتادين عليه في الطرح (الكلام العادي للاستهلاك اليومي لا اكثر)، وقدرات ذهنية مُعطلة يجب عليها أن تعمل اليوم قبل غدّ، وعدم الوعي بالقضايا الكبرى المصيرية، واساء أكثر ما أساء لذلك كله القراءات المستعجلة والخاطئة، والتأويلات المُلتبسة الممزوجة، نظيف أليها الأحكام المُسبقة التي نطلقها بِدراية وبدون دِراية فبات القياس Measurement عشوائي وبدون ضبط أو دلالة، حتى أَمْسَيْنَا لا ندريْ خَبَايَا الأُمُورِ وما هو مكتوب ما بين السطور، تُطلقْ الأحكام على عواهنها بدون أبجدية المعرفة، وصرنا بعد مرور أكثر من خمسة عشر عام على الاحتلال نتخبط بمياه سياسية ثقيلة وداخل حلقة مفرغة، والذي نفكر به مجرد أضغاث أحلام لا أكثر ولا أقل، والبائن أننا سوف نظل في هذه الدوامة وهذا التخبط الى ما لا نهاية أذَ لم نُعيد صياغة الأفكار ونُعيد قراءة الحرب من البداية لكي نفهم ونعرف أبعاد الموضوع وكَيما لا نِضِيع أكثر في متاهات ودوربْ الكلام الفارغ، ولنعي حقيقة الوضع برمته من الأول لكي نصوغ من جديد حديث منطقي مُفيد يسلط الضوء على الحقائق المجردة دون رتوش لا معنى لها، وهذا بدوره سوف يخلق وعيا من مستوى آخر، مستوى أعلى، ووعيا يتفرد به الفرد العراقي ويملك أعين أبصر من زرقاء اليمامة ويفهم ماذا يُعد له في مطبخ السياسة الأمريكي، ليس من الأن ولكن من سبعينيات القرن المنصرم وبالتحديد من قرار تأميم مجموعة شركات نفط العراق المحدودة (IPC) من قبل الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر 1972، والذي أدى بدوره الى هذه النتائج المأساوية في نهاية المطاف. ولكي نفهم بشكل أدقْ وصحيحّ من البدء يجب أن نستبعد نظرية المؤامرة وتستبدلها بنظرية المصالح بين الدول، أو المصالح المشتركة بتعبير أفضل، العامود الفقري للسياسة العالمية في كل العصور والأوقات، وإنّ هذا لعمري شيء حسنا أن وظف بشكل جيد بحيث يخدم مصلحة البلد والشعب، والخروج من نفق الماسونية والصهيونية والإمبريالية، وهذا الفلم الهندي السخيف الذي عاف عليه الزمان وأصبح في خبر كان. ويجب أيضا أن نستبعد مسألة ثروات العراق التي لا تنضب في الوقت الحاضر على الأقل لكي لا تشوش على الفكرة الأساسية، وأن أمريكا أحتلت العراق بهدف النفط وحده، وأنها ضحت بأكثر من 4421 عسكري، قضى 3492 منهم خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا جرَّاء العمليات 32000 شخصا، وقد أنفقت مع نهاية العام 2011 مبلغ 1.8 تريليون دولار على الأقل، وذلك بناء على النفقات الفعلية المعلنة من قبل وزارة الخزانة الأمريكية على تمويل الحرب وهذا ما أيده البروفسور جوزيف ستيغليتز عالم الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل، من أجل النفط والكبريت، ووهم الزئبق الأحمر الذي يصرح البعض بكل جرأة أنه موجود في جنوب العراق على شكل بحيرات كبيرة.
الرتمْ في الطرح هو أن الولايات المتحدة الأمريكي ومن حقبة الرئيس رونالد ريغان في الفترة من 1981 إلى 1989، اتخذت من تيار المحافظين الجدد Neoconservatism خطاً نسقياً لها وفِي سياستها الخارجية، وأصبحت تركب هذه الموجة الفكرية الفلسفية الخطيرة ذات البُعد الاستراتيجي بعيد المدى. والواقع أنهم بدأوا باستغلال الدين لترويج مصالحهم كما سنرى لاحقاً. وأول من نظر لهذا الفكر هو ليو شتراوس (1899 - 1973)، وهو فيلسوف أمريكي يهودي من أصل ألماني، يعده البعض الملهم الأول لأيديولوجيا للمحافظين الجدد، وهم أيَّ المحافظين، مجموعة من اليساريين التروتسكيين الماركسيين، ملحدين في الصميم، وبالرغم من أن بوش الأبن لا ينتمي شخصيا لهم ومؤمن، إلا أنه تأثر بهم لاحقاً وفِي سياساتهم أشد تأثير. انقلبوا هؤلاء المجموعة ضد الليبرالية الأمريكية، وضدْ الاتحاد السوفيتي وقت ذاك، وطالبوا من إدارة ريغان باستخدام القوة المفرطة مع الاتحاد السوفيتي من أجل إسقاط النظام الشيوعي، وكان ابطال هذا الطرح أسماء لطالما رنةْ في أذان العراقيين من إيام حرب الكويت 1990، كرونالد رامسفيلد، وديك شيني، وزلماي خليل زاده، وريتشارد بيرل، وليس صدفة أبداً أن تُعاد الأسماء في حرب عام 2003، ولكن بسيناريو جديد هذه المرة ويظل المبدأ والهدف واحد، وهم غير التماميه المسيحية، وتيار المسيحية المُتصهينة الفاعلْ بقوة في أوساط النخبة الامريكية، والذين يعتقدون ويؤمنون أنه يجب دعم إسرائيل بكل قوة من أجل مجيء المسيح مرة ثانية. من أهم من نظر للمحافظين الجدد بعد شتراوس من الجيل الجديد، برنارد لوس وآلن بلوم وفؤاد عجمي، وهذا الأخير صاحب فكرة إسقاط القومية العربية، وهي أردء ما صنعه العرب حسب قوله (أخطر إيديولوجيا بعد زوال الشيوعية ويجب إزالتها وإسقاط طغاة العالم العربي الذين يحكمون باسمها). نشأت هذه المجموعات على إيدي مجموعة من اعضاء حزب الديموقراطي الرافضين للسياسة العامة في واشنطن في السبعينات، ‏ وانشقوا عن الحزب الديموقراطي، والتحقوا بالحزب الجمهوري، ومرة أخرى ليس صدفة أن جميع الحروب العالمية يخوضها الجمهوريون، رحبت بهم حكومة ريغان كما قُلنا، وبدأ شتراوس مما اعتبره نقائص الليبرالية والتي اعتبرها النتيجة المنطقية للأفكار الفلسفية للحداثة وما بعد الحداثة، وهذه اشتملت على ميل داخلي نحو النسبية الذي تؤدي إلى العدمية في المحصلة الأخيرة. انشغلَ ليو شتراوس بالفلسفة السياسية ما قبل الحديثة على وجهّ الخصوص، من اليونان، أفلاطون بالتحديد، مروراً بالفارابي وابن ميمون حتى العصر الحديث، (يقول شتراوس (ما كان يشغل بالَ روسو هو حاجة كلّ فرد إلى مجتمع جمهوري (Republican Society) من أجل أن يصوغ رغباته وطموحاته تجاه أندادهِ في شكل قوانين) ومن هنا جاءت فكرة الفوضى الخلاقة (Creative chaos)، التي جَهَرت به علنيا كونداليزا رايس وزيرة خارجية جورج بوش في الحقبة الثانية، ومستشارة للأمن القومي في فترة الرئيس بوش الأولى بين عامي 2001 - 2005، والتي أرادت الأدارة الامريكية تطبيقها كنموذج خاص ( Special form) في العراق وكحل ديموقراطي نهائي للأزمات( A democratic solution)، ونمط غير عادي للحكم (Extraordinary pattern)، وهذا الاحتيال على المفردات والدوران على اللّغة كان مقصودا، بحيث يجري فهم حقيقة ما يُقال فقط من قبل قلة متخصصة، دون أن يُفهم من الناس العاديين، و بالتالي دون أن يؤثر على قناعتهم و خضوعهم للنظام السائد. فأمريكا ليست فقط حالة متقدمة جدا لليبرالية البرجوازية هي تعمل على خلق     Global system)  ) نظام عالمي جديد، وهذا ما صرح به جورج بوش الأب في عام 1991  عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، و بالتالي تتحمل الولايات المتحدة خطورة عالية على الحفاظ الأمن والسلم العالمي، وهي حسب ليو شتراوس أيضاً يجب أن تتحمل المسؤولية الأخلاقية اتجاه العالم وتخلق نخب هي التي تحكم، وأن كلّف الكثير من الضحايا، يكون التحكم وأن كان من بعيد بيدّ أمريكا، بحيث شكل سياق فكر شتراوس الفلسفي حجر الزاوية في تَسير دفةْ القرارات، وحول موازين القوّة للكتلة الرأس مالية خاصة بعد أن ظل لاعب واحد في الساحة الدولية. وهنُا أزاد الشتراوسيين والذين رَأوْا أن العالم يجب أن يقوده نخبة النخبة أي طبقة الفلاسفة ومن هذا المنطلق صار هناك مفهوم جديد للحكم أو الدولة يختلف مع مفهوم هيجل للدولة المقدسة، وهذا الامر قديم جديد في نفس الوقت حيث اراده أفلاطون في جمهوريته وبعد ذلك الفارابي ومن بعده أبن ميمون لتعزيز فكرة أعمق من ذلك وهي ان المجتمع مقسم بطبعه الى عدة مستويات، الرعاع، المتعلمين مع أنصاف المثقفين، والفلاسفة الحاكمين، أم كيف طوعوا كل هذا ونفذوا هذه الخطط الكبيرة، الجواب إنهم تحالفوا مع الاصولية المسيحية الامريكية في تحقيق مأربِهم وعلى المدار الطويل والأمد البعيد، لأن الدين حسب قولهم سهل التطويع ويدخل كل منزل وبالتالي يسهل ترويج الأفكار عن طريقه. ولا يتصور القارئ الكريم أن الأصولية المسيحية تعني الكلدان أو السريان والاعتراف عند الكاهن، وقداس يوم الأحد ظهرا، وصوم واشتراكات، و شباب وشابات الجوقة، لا أبدا، هي أصولية ظهرت بالأساس كرد فعل ضد الحداثة، وفِي نفس الوقت هي إعادة صياغة للعلاقة بين الدين والسياسة من المنظور المسيحي، وقد نشأت في الغرب مع بلورة حركة الإصلاح الديني، جمعهم مِلاط ومصالح وقاسم مشترك مع المحافظين الجُدد والجمهوريين، حتى تمظهرت على شكل حروب استباقية تخوضها أمريكا باسم كل هذا النسيج الجامع الذي لا يصل أَلاَ لقلة القلة.
وإلى حدّ اليوم هذا التيار موجود في أدارة دونالد ترامب ويعمل بقوة مع أن الرئيس الأخير، ذوّ الميول والعقلية التجارية والسياسية معاً، وأرثهم موجود ولن يزول بسهولة على الأقل خلال الجيلين أو الثلاثة القادمة، وسوف نشهد تغيرات كثيرة في جيوبوليتيك المنطقة، خاصة الشرق الأوسط، مع الأخذ في نظر الاعتبار لجمّ التنين الصيني من الاستحواذ على التجارة العالمية، كل هذا وغيره يطرح سؤال وجيه وعميق، ما هو مستقبل العالم؟، والى أين حدود النظام العالمي الجديد في هذا المأزق الحضاري؟، وكيف سوف تؤول الأمور مع هذا الكمْ الهائل من المنعطفات الاستراتيجية في الصراعات بين القوى العظمى على هذا الكوكب والتي ما انفكت تزداد يوما بعد آخر وانعكاساتها على الواقع العام؟.

109
الفضائح الجنسية تطالّ كِبار الأساقفة
بقلم/ سلوان ساكو
اذا ما أرت أن تزعزع من مكانة شخصا ما وأحراجه والقضاء على مستقبله، أو حتى رجل الدولة الرفيع والحكومة، ما عليك سوى بالفضائح الجنسية، هي الكفيلة بترجيح كفة الميزان للجهة السلبية حتماً. فمدير السابق للصندوق النقد الدولي والمرشح للرئاسة الفرنسية، دومنيك شتراوس كان، كان له بريقْ نجمّ ذات يوم وأَفَل نجمه، وأنتهت حياته السياسية والاقتصادية بلحظة غير سعيدة من مساء نيويوركي بارد مُثلج، حين أدعت عليه عاملة النظافة في الفندق الذي كان ينزل به في منهاتن بالأعتداء الجنسية الفموي، فأنزلته قاضية تحقيق البلدة من الطائرة التي كانت مزمعة أن تغادر  بِه الى باريس وحكمته وسحقت مستقبله للأبد. حتى الرئيس الروسي فلادمير  بوتين، ما كان سيصل الى سدة الرئاسة الروسية في يوم من الأيام لولة التهمة التي لفقها لنائب المدعي العام الروسي في موسكو، والذي كان يحقق في قضية فساد تاتيانا ياماشيفا ابنة الرئيس الروسي بوريس يلتسين وزوجها والتي طالت حتى يلتسين ذاته، فلم يَرَى مناص الرئيس السكير السابق لروسيا الأتحادية، غير شاب أل كي جي بي العائد حديثاً من إلمانيا الشرقية ليخلصه من هذا القاضي المتحمس، فوجه له الشاب المندفع فتاة حسناء لقاها القاضي في مصعد العمارة عند الظهيرة، ومع حلول المساء كان الفلم الأباحي يُعرض على القناة الروسية الأولى، فطوية بذلك ملف الفساد للأبد وتقرب بوتين من مركز القرار في الجمهورية الوليدة بعد أنهيار الأتحاد السوفيتي.
تتعرض الكنيسة الكاثوليكية في أسترالية إلى حملة شرسة وغير مسبوقة على الإطلاق، ووجهتْ وتوجه إلى الْيَوْمَ تُهمْ عديدة بالإساءة الجنسية للأطفال، طالت شخصيات رفيعة ذات وزن وشأن في هيكلية الكنيسة، فالكردينال جورج بيل رئيس أساقفة مالبورن ووزير مالية الفاتيكان يَمثل أمام المحكمة الأسترالية في الولاية بُتهم وجهت له بأعتداءات جنسية على الأطفال قبل خمسين عام حين كان كاهن في قرى الريف، التهم الموجهة لثالث شخص في الكنيسة الكاثوليكية من النوع الواهي والغير منطقي والغير أخلاقي، كفعل تجني وقضية كيديه، الغاية تشويه سمعته والطعن في سلوكه وشرفه، كإعطاء منشفة لصبي في حوض سباحة، أو التربيت على الكتف أو حضور فلم في السينما مع أبناء الرعية قبل أربعين عام، وغيرها من الُتهم الباطلة التي وصفها محاميه روبرت ريشتر  أمام المحكمة في إحدى جلسات الاستماع، إن هذه الاتهامات "مستحيلة"، واصفا المدعين بأنهم "ليسو جديرين بالثقة". شخص مثله طاعن في السنْ بعد خدمة ناهزت الستين سنة يُجرجر إلى المحاكم ويضرب حوله طوَّق أمني من رجال الشرطة والأمن الخاص كأي إرهابي كبير،  بعد طول خدمة قضاها في خدمة الناس والشعب الأسترالي، عن أيَّ عدالة وقانون نتكلم أريد أن أعرف؟.
لا أخلاقية الحكومة برئاسة مالكولم تورنبول والمعارضة برئاسة بيل شورتن تتوافق مع مصلحة الوضع القائم والأفكار السائدة من تفكيك منظومة الدين والحطّ من قيمْ الكنيسة الكاثوليكية في المجتمع، وأن كان من خلال طُرق غير مباشرة ودهاليز الخطاب السياسي المبطن والذي يحتاج لتفكيك وتفسير لفهمه جيداً، ( سياسية ميكيافيللية) المعلن شيء والغايات شيئاً آخر، فلم يمرّ  وقتً طويل على تشريع قانون زواج المثليين والتي وقفت الكنيسة الكاثوليكية له بالمرصاد، ولكن مرّ  في نهاية الأمر  وصارَ قانون مُشرع تتخذ به المحاكم المدنية والبلديات في سياق المعمول بِه.
 الحملة كانت ومازالت شرسة على رجال الدين الكاثوليك، فهَذَا رئيس أساقفة أستراليا، فيليب ويلسون، قال يوم أمس أنه سيتنحى عن مهامه بعد يوم من توصل المحكمة إلى إدانته بتهمة التستر على قيام قس باستغلال طفل جنسيا قبل عقود من الزمن. نعم يوجد أعتداءات ويوجد تقصير في محاسبة المُعتَدي، وهذا ما صرح به قداسة الحَبر الروماني البابا فرنسيس، بفصل أي قسيس لم يبلغ عن حالات الأعتداء الجنسي على الأطفال والبالغين المعرضين للخطر، وأعلن بنفس الرسالة أنه أسس هيئة محلفين تساعده على اتخاذ القرارات بشأن فصل القساوسة والمتهمين بحالات الأعتداء الجنسي، بل حتى أجتمع مع مجموعة صغيرة من ضحايا الأعتداء الجنسى للأطفال على أيدى قساوسة فى تشيلي قبل فترة، وقال الخبر أنه (أستمع إليهم وصلى وبكى معهم)، وعُقد الأجتماع  فى سفارة الفاتيكان فى سانتياجو وإنه كان شديد الخصوصية. ولكن الصيد في الماء العكر شيئ ثاني، وتَألِيب الرأي العام في الشارع من قبل الحكومة والمعارضة على حدٌ سواء  الذين لا يتفقان على شيء سوى على خراب الهيكل، هنا يكون خيط معاوية الرفيع والذي تُحاول القنوات التلفزيونية المحلية بعرضها لمشهد الكردينال العجوز  والأساقف المتهمّ وهم يدخلون أروقة المحاكم عشرات المرات باليوم الواحد قطعه. يجب علينا أن نفرز الرّث من السمين من الأخبار التي تطلقها الأقنية، فليس كل ما يُقال صحيح وليس كل ما يصدر من كلام موثقً به، فكما يقول المثل الشعبي اللسان بدون عظم.

110
كلمة حَقّ بحقّ مجلة بابلون الصادرة في ولاية ملبورن.
بقلم/ سلوان ساكو
يفعل حسناً محررو مجلة بابلون الفصلية، المستقلة، الثقافية، والصادرة في ولاية ملبورن الأسترالية من جُهود مبذولة مشكورة عليها سلفاً لتحريك مياه الثقافة العربية الراكدة في نطاق الولاية، والرجوع إلى لغتنا العزيزة لغة الضاد، دون تعصب لجهة معينة أو محسوبيا، وتحويلها لمنصة فكريَّة تُعزز من مكانة المعرفة الحقة وتبث المعلومة الصحيحة كَيْما يستفيد منها القارئ العربي بشكل عام. فمعَ إنتشار ثقافة القراءة الألكترونية، والتصفح عبرَ الويب سات، بل حتى ضمن App Store المحمول، وولعْ الناس بالمعلومة السهلة دون جهد مبذول لتصفح المُنْتَج الورقي، صار هناك تحدي من نوع أخر، سواء كان على عاتقّ هيئة تحرير الجريدة أو المجلة أو الناشر على حدّ سواء، وهو إصدار مجلة محترمة ذات طابع ثقافي أدبي أجتماعي سهلة المنال وتوزع مجاناً فيظل على القارئ أن يتصفح من هذا المنتج وينهلْ من مُعين الثقافة والأدب باللغة العربية الممتعة والشيقة.
 التحديات كبيرة على الجاليات العربية وخاصة منها العراقية، والأنصهار  في بوتقة المجتمع الأسترالي الجديد يفرض نفسه بشدة على العوائل المهاجرة والتي تحاول الأحتفاظ بقدر الإمكان بهويتها دون الرجوع للماضي كوعي نوستالجي ( الحنين للماضي كمرض) كإطار للذات المنكسرة وهي تحاول النهوض من كبوتها محاولة صياغة الحاضر مع مفردات الماضي في إعادة الهوية، وأهم هوية محورية للأنسان هي اللغة أيضاً كوعي بالذات كمفتاح لتأثيث هذا المسار، وهنُا يقول الفيلسوف الألماني هيدجر (اللغة بيت الوجود)، فاللغة أعظم إنجاز بشري فعله الإنسان خلال خمسة وستة آلاف سنة مضت، وأعظم شيئ فعله هذا الإنسان ويفعله هو الكتابة والتوحد مع نفسه وهو ويكتب، لا يهم سواء كان بيت شعر أو مقالة أو قصة أو تحليل سياسي أو أقتصادي، المهم هو فعل الكتابة نفسها، والأنعتاق من هذا العالم عبرَ القراءة والتفرد به. يقيم الأنسان علاقة حميمة مع لغته والتي تصبح مع مرور السنين هويته هو، وذاته العليا، وأناه ( ego) التي يدور في محورها لتصبح مع التقادم فعل معرفي ذات جذور بعيدة في اللاوعي (The subconscious) ورافد مهم في حياة الإنسان كحق مشروع له هُو، وتأكيداً لهذا المبدأ تقوم الجالية التي تُريد الحافظ على لغتها أيَّ هويتها بإصدار مجلة ذات بعد ثقافي، أو يقوم شخّص بطباعة مجموعة قصصية أو رواية حتى أو ديوان شعر، أو إقامة مهرجانات (كمهرجان مار أفرام للفنون) أو ملتقى سورَيّا الثقافي، فعاليات تُقام في ولاية ملبورن، تكون الغاية من كل ذلك هو الأحتفاظ بمكانة اللغة الأم، وهذا طبعاً لا يسيء للغة البلد أيَّ الأنكليزية بأي شكل من الأشكال، كلغة رسمية محكية يومية، بالعكس فهذا يزيد من إثراء ثقافة الفرد بتشكيلة أشمل للمعاني والمفردات والمصطلحات. وهنا يكون الرهِان على المنتج ذاته ومدى تفاعل الجالية معه وقرأته، وحتى عمل ورشات وندوات حوله لرفع مستوى الثقافة في الولاية مما ينعكس كل ذلك على الجالية نفسها حتى ضمن الحكومة المحلية ( Local government).
زبدة القول كل من يقوم بعمل ذوّ طابع ثقافي ومعرفي وأدبي يُشكر عليه سواء كانت مجلة أو توقيع كتاب أو  عقد ندوة،  فكل هذا لخدمة الناس، ومرآة تعكس ثقافتنا، وليس التَّمَاهِي مع  قول الشاعر نزار قباني،
ثقافتنا !
فقاقيع من الصابون والوحل
فمازالت بداخلنا
رواسب من " أبي جهل
ومازلنا
نعيش بمنطق المفتاح والقفل
نلف نساءنا بالقطن ندفنهن في الرمل.
وهو أن دلّ على شيء فيدل على مدى الشعور الذي ينتاب القائمين عليها إتجاه الجالية العراقية.

111
 المسؤول العراقي والغجرّ
لم تكنْ تتوقع عائلة المجيد والتي ينحدر منها الرئيس الراحل صدام حسين المجيد أن يأتي يوم وتزول فيها دولتهم القوية حسبهم؛ كالأمويين  والعباسين والقرامطة والفاطميين، والتي تحولت قبل السقوط المدوي إلى مزرعة خاصة لهم ولإسرهم، ولم يكن يتوقع إيضاً علي حسن المجيد أبن عّم الأول  1941 - 2010،  أن تحترق خيمته ويجف نهر الذهب الذي يَصْب في خزائنه من أموال النفط والرشاوي، وأن يحل يوم العِقاب وهو داخل قفص الأتهام وعيناه شاخصة نحو الأدعاء.

يظهر أن الأخير أيَّ علياً كان يحب التصوير ( فيديو ) فكان يقوم بتصوير كل حفلاته الماجنة الخاصة والعامة مع الغجرّ ( الكاوليه) على شرائط كاسيت، وبعد السقوط في 2003 حُمِلت هذه الشرائط وأنُِزلت على موقع اليوتيوب بأعداد وأجزاء كثيرة، ويظهر إيضاً أن الشخص أو الجهة التي أنزلت الأفلام تُريد أن تُصور مدى همجية وقروية هذا الكائن الغير مجيد، فخلال سنوات الثمانينات والحرب العراقية الإيرانية على أشدها والشهداء الشباب بالألف يعودون إلى الوطن ملفوفين بالعلم العراقي وملطخين بدمائه وأمهاتهم ثكَاَلى عليهم، كان هو يرقص ويشرب على جُثثهم مع غجره، فعل أخلاقي مُشين أليس كذلك؟، هذا ماعدا المفقودين والاسرى الذين لا عدّ ولا حصر لهم. هنا يظهر لنا وبشكل جليّ لا يقبل النفي مَدَى رعونة أزلام النظام السابق واستهتارهم بمقدرات دولة لكانت الأن في مصاف دول  متطورة لولا الحماقات. وهنا الحديث ليس عن مسؤول عادي أو موظف في دائرة الماء والمجاري، أو قائمقام قضاء المحاويل، لا هو ثاني رجل بالدولة، واقوة شخص بعد صدام حسين ذاته، مدير الأمن العام، وزير الداخلية، وزير الدفاع  برتبة فريق أول ركن، عضو قيادة قطرية في حزب البعث، مسؤول تنظيمات الشمال. كل هذا في أنسان جاهل وغير مؤهل من الأساس.

الأفعال هي نتيجة حتمية للأفكار والتي تؤول الى تصرفات في النهاية المطاف، وتوظف من أجل بناء وإعمار البلد. رجل الدولة الحقيقي يكون صاحب رؤى وفكر ثاقب ونظرة بعيدة للمستقبل تتبلور من خلالها نظرته لتطوير مؤسسات دولته، تّمر بتعرجات ومنحنيات وسقطات بين الفترة والأخرى لا يهم هذا كثيراً فهذا من طبيعة الأشياء!، المهم هو النهوض بالمنجز ذاته على أعتبار هو غاية الغاية، وحافزه المشروط هو ترك أرثٍ ذاتَ نمطْ عريق للأجيال اللاحقة ترسم حدود دولة ذات سيادة وقوية. في العراق الترسيمات تختلف تماماً، فجل أهتمام رجل الدولة ما بين الساقين والخيم والغجر، حتى صدام حسين لم يقدر أن يتخلص من هذه العقدة وهذا الإرث البغيض، إرتدى أرقى البدلات وتزوج مرة ثانية من بيت بغدادي عريق، ومسحتْ ألمانيا الشرقية الوشم الذي كان منتشراً على جلده، ولكن الوشم الحقيقي ظل محفورا في داخل الجلد بين حنايا النفس، ليس بمقدور احد ان يمحوه لأنه جرحاً غائر في الاعماق، أقول، كيف يستطيع شخص يحمل كل هذه الترسبات أن يبني دولة متطورة اذا هو أصلا منغلق على قضايا تافهة، وسنسأل مرة ثالثة ورابعة وخامسة وألف؟، كيف تكون العقل العربي، وأنحدر وينحدر بوتيرة سريعة للدرك الأسفل من الموجود الحضاري للبشرية وتطورها الهائل!. لن أرجع الى كُتب محمد عابد الجابري بالطبع، ولا إلى الباحث العراقي علي الوردي، ولكن بنية التكوين الأساسية واللبنات الأولى للعقلية العربية والعراقية بالذات بِنُية قبلية قروية صحراوية متخلفة، وهذا التأسيس الأولي على هذا الفعل قادَّ مع مرور الوقت إلى هكذا نماذج في غفلة من الزمان سيطرت على زمام البلد وتحكمت به وبأفراده، فجعلته إحتكار لتلك الأفكار ووظفت الخطاب الفكري القروي الساذج في بناء تلك الدولة، كيف يصح هذا؟، هنا ينجلي وبمكان ما وضع العراق الأن من الفوضى والخراب والتجزء والسرقة والفساد الغير مسبوقْ بأسم الوطنية والوطن، نفس ما كانت تفعله الغجرية بالضبط، ترقص على خارطة الوطن بكوفية المسؤول الحمراء على الخاصرة. لا أحد يستغرب من فشل الأنتخابات الأخيرة والتزوير  وحرق صناديق الاقتراع، وصعود رُعاع إلى مناصب رفيعة في  الحكومات السابقة والأتية، وتبوء الجهلة أرقى المراتب لأن الوضع الطبيعي مع الجهل المستشري في مفاصل الحكومة والدولة هو  هذا، والخطاب السلبي للسياسي العراقي الذي يصمْ الأذان في القنوات الفضائية المباشر منه والغير مباشر والذي يقتدي به الشعب يكمن أثره السلبي فيما يولده هذا الشخص من ضرر على الآخر والحياة والمجتمع والدولة ذاتها كخريطة لحدود جغرافية يعيش به الانسان بأمان وحرية، والأخطر من ذلك هو إن الخطاب المضمر والمبطن هو جزء من بنية العقل الجمعي للسياسي العراقي.
 ويبقى الطرح مفتوح، هل بمقدور الساسة والبرلمانيين والمسؤولين التحرر من كل هذه القيود التي كبلت وتُكبل العقول ليخدموا مجتمعاتهم وأوطانهم بشكل أفضل؟.

112
قانون سحبّ الجنسية في أستراليا
بقلم/ سلوان ساكو
حين أرادت الحكومة البريطانية ترحيل الداعية السلفي  عمر محمود عثمان الملقب (أبو قتادة) الى الاْردن دخلت في صراع مرير مع القضاء الإنكليزي، وظلت القضية في أروقة المحاكم سنوات طويلة دون التوصل إلى نتيجة تذكر، وجوبه قرار الترحيل بالرفض لسنوات عديدة مع أن ملف ابو قتادة كان مملوءً بقضايا إرهاب وأعمال تحرض على العنف، تورطه بنشاطات إرهابية ضد بريطانية نفسها وكان يُقيم الصلاة في وسط الشوارع العمومية ويقطعه على المارة والسيارات، ومع أنه لم يكن يحمل الجنسية البريطانية لديه فقط إقامة مؤقتة، لم تنتهي المسألة ألا بوعد من الحكومة الاردنية أن يحَظىْ بمحاكمة عادلة وبأشراف القضاء البريطاني ذاته على سير الجلسات، وفي نهاية المطاف رحُل الى عمان في عام 2013 مع أنه كان مطلوباً من قبل حكومات، الجزائر، بلجيكا، فرنسا، الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا وإيطاليا. .
نسمع شذرات كلام من هُنَا وهناك، وأقاويل بين الحين والآخر مفادها أن على السلطات الأسترالية أن ترحل من يثبت عليه صلته بالارهاب، أو من كان متعاون أو متُخابر مع تنظيمات لها صلات مشبوهة أو مشتبه بهم، وهذا الأمر صار أكثر مطلوبً من الناس بعد الهزائم التي مني به تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق وباتَ المقاتلين يعودون إلى بلدانهم التي إنطلقوا منها بعد أن تشبعت أياديهم الآثمة بدماء الأبرياء وتلوث العقل بمفاهيم القتل والجهاد والأعتداء على حرمة الغير، وصار على الحكومات الأجنبية الغربية أن تحمي نفسها من هؤلاء الذين يسيئون للمجتمع ويعملون على تخريب البلاد التي أحتضنتهم. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، والموضوع وليس تمنيات وطلبات طوباوية وأدعية واشعال شموع، والحديث عنه دون أهلية وبغير منطق، أو كلام عابر في مجلس عزاء لتزكية الوقت وشرب القهوة، أو إسقاط  الموضوع على العوائل الكَرد الفيلية التي أتُهمت بالتبعية لإيران  فطردهم صدام حسين ببساطة بين ليلة وضحاها خارج الحدود كمثل. الموضوع أكبر من ذلك بكثير ومعقد في ذات الوقت. الموضوع ينطوي على حزمة قوانين وتشريعات وقرارات ليست مشُرعة من الأساس، وقضية سحب الجنسية على من تثبت إدانته الارهاب أو صلته به غير مفُعلة، وهذا المتهم أو المشتبه به مطوقا ومحميا بسلسلة من التحصينات القضائية التي تعمل لصالحه، وتخدمه من جهة ثانية في نطاق تعويله على التشريعات ذاتها، ومحاميه يعرف ذلك تماما ويعمل في سياق هذا التتبع لسُبل تبرئة موكله بعد أدراك شروط المواد القضائية، لا وزير الهجرة ولا وزير الداخلية ولا رئيس الوزارء ذاته له السلطان في سحب الجنسية من أيّ مواطن حاصل عليها، لأن القضاء ببساطة منُفصل عن الحكومة، وهذه القضايا لا يبتْ بها غير المجلس الأعلى للقضاء وهذا الأخير غير معنى بكل هذا لأن المُشرع الأصيل لم يعطى مساحة كافية في النظر في هذه القضايا من البدأ، ناهيك عن حقوق الانسان والإعلان العالمي لحقوق الفرد في العيش، وصون الحريات الفردية كمفهوم ديموقراطي. هي بختصار ثقافة أحترام الآخر وتطوير أدوات المُسامحة مع الخصّم وفقْ وضع إنساني بحت، كل هذه وغيرها أمست كوابح تُعُطل من إتخاذ تدابير من شأنها أن تحدّ من الأرهاب الوافد من الشرق الأوسط، على الأقل سوريا العراق لبنان، وبالتالي تراكمت على الخطاب الفكري والثقافي للغرب عهودا من العجز في ضخْ تشريعات جديدة في جسم القضاء المترهل سببت هذا العجز المذموم وقطعت الطريق على الأجهزة التنفيذية، شرطة، مكافحة الأرهاب، جهاز ASIO، الامن القومي، على حفظ الأمن بشكل كافي، وهنا يبرز دور المشُرع الجديد Supreme Justice  أو كاتب الدستور الذي يحمي المجتمع والنَّاس، ويقوم القاضي بتفعيل هذا الدور وتطبيقه وضبط المجتمع من الشرور حيث يكون الأصل فيها أن الانسان مفطور عليها وأن وعينا الاخلاقي له تراكمات ورواسب لها القدرة على قتل صوت الضّمير. ولكن الموضوع ليس بهذه البساطة، هي أعادة أنتاج التجربة بعد أدراك الاخطار المُحتملة، ويجب على المواطن العادي والقاضي والحقوقي أن ينتبه لهذا الخطر الداهم على البلاد، وتشريع مواد تحدّ من هذا السرطان الذي بدأ يستشري في المجتمعات من خلال استئصاله من الجسم السليم، وإلا في نهاية المطاف سوف تفتك الخلايا السلطانية بالجسم وتدمره من الأساس.   

113
وهَنّ الشخصية المسيحية في الدراما المصرية
في عرضّ كوميدي وعلى مدار سنوات طويلة كانت تعُرض مسرحية (الواد سيد الشغال)، بطولة عادل إمام واخرون، ظهر لنا الفنان القديم والتقدير يوسف دَاوُدَ من خلال شخصية (الكَبلاوي باشا) وعلى مدار العرض المسرحي كان محطة للنصب والسخرية، تارة يضع سيدّ الشغال أداة شفط المرافق الصحية على رأسه، وتارة أخرى يلفه بقطعة قماش بيضاء، مما زاد من التهكم والسخرية والضحك إيضاً، قد تكون بريئة الى هذا الحد، ولكن بعد ذلك جاءت مسرحية الزعيم، وايضاً جاءت كلتا الشخصيتان أمام وداود متشابهتان في الأدوار، المنصوب والمنصوب عليه، على وقع كوميدي ولكن لا تخلوْ من إسقاطات لها منظور من زاوية أخرى، قبل كل هذا بسنوات عُرض فلم أشترك الاثنان معاً أي عادل ويوسف في أدوار البطولة، عنوان الفلم هو (حنفي الأبهة)  وتكرر موضوع السخرية ذاته، ولم ينتهى سينارست السخرية عند فلم حسن ومرقص لا أستمر  مع أفلام كثيرة مثل( فلم هندي) بطولة صلاح عبدالله ومنة شلبي، كان أقرب إلى بروباغندا رخيصة ومثيرة للسخرية تظهر من خلال عرض سينمائي، على كل حال، أما التطور الثاني فهو ما تمخضت عنه أفكار المؤلفين وكتاب السيناريو أنفسهم، حيث يقول البعض أن هذه أدور  سينمائية أو مسرحية، وأن الممثل الحقيقي يُؤدي أي دور يوكل له، بغض النظر عن الصفة ويحاول أن يضع على وجهه قناع من الشمع، مرة يظهر لصْ، ومرّة يظهر ضابط، واُخرى في شخصية تاجر مخدرات، وثانية رجل طيب، وآخرى طبيب، وهذه هي الأدوار السينمائية الدرامية يتقلب به الفنان من دور إلى آخر، ويفتعلون الغضب والخير والشر والفرح والحزن، من مقلب إلى مقلب ثاني. ولكن ألاْ يمكن أن يحمل القصد  معنى أخر معنى مُبطن، أبعد من ذلك، وأن السينما والشاشة الفضية وخشبة المسرح ليست سوى إنعكاس لهذا الشيء ومرأته الموجودة في المجتمع المصري أو لنقل العربي بشكل عام، مرآة معكوسة تهتز فيها كلّ صورة، وبعد ذلك تتشظى لكريات بلورية تعكس قاع المجتمع السحيق والذي ليس هو غير  تصورات خاطئة عن الغير، وبناء مونولوجي تركب على وعي مغلوط، وما يظهر على السطح من هذا المونولوج  ليس غير تجلي بسيط لهذه الأفكار والمشاعر والأحاسيس. هو نكوص سينمائي اذا جاز لي التعبير، ذوَّ دلالات كثيرة يحمل علامات استفهام، هذا ليس مقال تحريضي وانا بعيد كل البعد عن ذلك، ولكن لنفهم اكثر فقط ونثير تساؤلات بغرض الإيضاح؟. يعرض الأن مسلسل  ابو عمر المصري في شهر رمضان، بطولة أحمد عزْ واخرون، أحدث كثيرة في ثنايا المسلسل للمخرج أحمد خالد موسى، المهم في الحلقة 6  تُشكل مجموعة من الشباب الحقوقي رابطة مَحامة صغيرة يدافعون عن المظلومين بأجور بسيطة أو بدون أجر، تضم هذه الثلةّ من الشباب  شخص مسيحي أسمه أشرف، يظهر من البداية كشخصية مهيضة الجناح، أو أرده المخرج هكذا، مع أول إنتكاسة لهذه المجموعة يظهر لنا جبن أشرف بشكل جليّ لا لَبْس فيه، ويعلو سقف السيناريو الدائر  بين الشباب، فيتهم واحد من الجماعة صراحةٌ اشرف بالجبن والتخاذل، ويستمر الوضع على هذا المنوال الى أن يعتزل أشرف المجموعة ويترهبن أي يدخل الدير.
 الإسقاطات كثيرة في الدراما المصرية على هذا الجانب بمعنى إظهار الشخصية Character المسيحية في موقع الضعف والوهن والجبن والخيانة، من مجِهر أكثر قربً من المحيط الدائر في فلكه المجتمع، فلم أحاسيس مثلاً انتاج 2010  تألف أشرف حسن وأخراج  هاني فوري  بطولة إدورد، مسلسل حارة  اليهود انتاج 2015  إخراج محمد جمال العدل وتأليف مدحت العدل. في الدراما المصرية على ما يبدو ليس هناك تحول نمطي للسرد أو حتى خلق تحولات ومدارك أكثر سعة ورحابة تعطي مدارات لفهم فلسفة المعُطى الفني وجودته الفنية وجمالياته والذي يتسامى ويجب أن يتسامى فوقع كل هذه السخافات.
حين إغتيل مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر حسن البنّا في 12 فبراير عام 1949 لم يتجرء أن يمشي في اجتازته بجانب والده غير السياسي مكرم عبيد فقط المسيحي القبطي.

114
الوعي السياسي عند الأقليات
يتأثر الوعيّ السياسي عند الفردْ ويعمل بشكل صحيح  عندما يرتبط مع المحيط والجماعة من حوله بسياق فكري أو تنظيمي يتحدّ مع الوضع القائم ليبلور في النهاية رؤى واضحة المَعالم، وهذا الوضع القائم سواء كان في دولة أو حزب يمسك بمقاليد سلطة هذه الدولة ويوجهها حسب  أيديولوجيا (عقيدة سياسية) معينة حيث يُشكل هذا الفرد وعيه وسلوكه وممارسته السياسية من خلال فهمه لهذا العمل ومدى تقبله له، كفرد فينومينولوجي ( كذات حرة ) تدرس الظواهر كموضوعات مرتبطة بالوعي وكيفية حضورها في خبرته للوصول إلى معرفة موضوعية ويقينية يستثمرها لصالحه أو لصالح هذه الجماعة، حتى وأن كان برغماتي النزعة، رهان صعب ولكن ليس مُستحيل، وكلما توغل النظام الاستبدادي في قمع الحريات ولجمْ نشاطه كلما قل الوعي وتزعزعت اليقينيات، وتبدأ ملكة السؤال والنقاش والجدل والشكْ بالتلاشي تدريجياً إلى أن تضمحل نهائياً، وهنا يكون إصلاحها صعبا بعد ذَلِك، لان الشعور ترسخ على عدم الاكتراث واللامبالاة في سيكولوجية الجماهير والجماعة، حيث نجد فريق ينظر إلى العملية السياسية برمّتها على إنها إناء فارغ من المحتوى لا جدوى تذكر منها، وهذا أوعز  بدوره إلى عدم المشاركة الفعلية، سواء بانتخابات برلمانية أو مجالس محافظات، أو تشكيل حزب سياسي ذات منصة فكرية جادة، أو حتى تأيد أو رفض هذا وذك، على وزنّ أن الأمر لا يهمني فلما وجعْ الرأس من الأساس.
التجربة البعثية في العراق ومن عام 1968 فشلت في خلق مناخ ديمقراطي تعددي،  كانت الدوغمائية مُتأصلة حتى النخاع فخنقت كل الحركات السياسية العاملة في البلد، الشيوعية، الكردية، الشيعية، المسيحية، اليسارية، واليمينيّة، وتفرد بالسلطة من عام 1975 فصعوداً، واستحوذ البعث على جلَ القرارات لوحده، وهذا كان له نتائج كارثية على البلد سوف تظهر لاحقاً. لربما يظن البعض أو يؤمنون أن النظام السابق كان حامي الأقليات وحارس على الأمن، حيث يتداول الكلام في كل مكان أن حرية المسيحين كانت مصانة، وأن المسيحي كان يُمارس شعائره الدينة بحرية مطلقة، وأن الكنائس تظل مشرعة الأبواب ليل نهار دوَّن المساس بها، ربما هناك وجهة نظر صحيحة في ذلك وأن الحديث عنه يُجاري الصواب في بعض الأحيان، ولكن أيضاً هنالك فقدان الهوية لهذا المكون الأصيل، ومشاركته في صنع القرار  وتعزيز  مكانته  في دوائر  الدولة وليس ساعي بريد( مراسل). هَذِه الإشكـــالات ينبغي الإجابة عنها بشكل واضح حتى يتسنى لنا رسم خارطة ذات ابعاد واضحة للمستقبل.
لم يتلون إصبع السبابة بالحبر القاني في الأنتخابات البرلمانية الاخيرة، على الأقل في ولاية مالبورن الأسترالية، للمثال وليس الحصّر، كانت نسبة المشاركة ضئيلة، ليس دون الوسط ولكن دون الربع مقارنة بسنوات ماضية، قُبلت هذه الممارسة بالسخرية غير أن ما يبعث على الدهشة هو البرود الذي واجه العملية برمتها، سؤال يجرّنا إلى سؤال أخر، هل هي فقدان الثقة، أم عجز السياسي عن تكوين خطاب يقنع الناخب، أم أشياء نقف عاجزين عن فهمها؟.
إن السياسة الصحيحة  تعمل على إقامة نوع من التناغم بين كل أفراد المجتمع وتحثه على ممارسة حقه بكل شفافية وصدق، وهنا يخلق هذا المناخ السياسي نوع من المجتمع الصحي يتوالف مع كل أطياف المجتمع دون إقصاء تهميش أحد، هذا ذمّي، هذا كافر، هذا زنديق، وتكون المعارضة تحت قبة البرلمان بالمرصاد لكل الأخطاء والتجاوزات والتلاعب، تُعدل من ذراع السلطة  التنفيذي الحاكمة بهدف ترسيخ مبدأ التداول الصحيح لنظام الحكم بجوّ ديمقراطي. يجب القضاء على التصور القديم وخلق وعي جديد وفهم جديد أيضاً، وعسى أن تكون الأنتخابات الاخيرة ومصاحبها من إخفاقات درسّ يستفيد منه الجميع.

115
بابليون داخل حِصان طروادة
قيل الكثير عن الأنتخابات البرلمانية العراقية في الفترة القليلة الماضية، ولتشكيل معرفة أكثر، وبلورة أفكار اكثر أتساع وعمق مع الحالة الراهنة التي يمر به العراق الان بعد الإرهاصات الاخيرة للأنتخابات، يجب علينا أن نكون واعين وجدين مع كل طرح، ونقارب المنطق على ضوء الواقع والوقائع  مانستطيع لذلك سبيلا. وهذه حقيقة قاسية فعلاً و لكنها حقيقة على أي حال. أولا اجُريت الانتخابات في وضع شاذ خاصة في مناطق الشمال، فمحافظة نينوى ومركزها الموصل ومع كل التدابير الأمنية المُتخذة لم تشهد أقبلاً بما يكفي، والسبب هو الهجرة والتهجير والنزوح وجيوب عناصر تنظيم الدولة الاسلامية التي هددت بالقتل كل من يشارك في الأنتخابات، وهذا أبو الحسن المهاجر المتحدث باسم التنظيم يبث كلمة صوتية (49 دقيقة) يتوعد الحكومة فِيهَا. الوضع ليس أحسن منه في المناطق الكردية، فالاكراد لم يستفيقوا بعد من الضربة الموجعة التي وجِهت لهم من الداخل والخارج بسبب الأستفتاء على دولة الكّرد المزعومة. تراشق تهم الخيانة والعمالة والتفرد بأخذ القرارات والأصطفاف خلف إيران بين الحزبين الكبيرين، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، أعطى بدوره انطباع سيّء للناخب الكردي بشكل عام فلم تشهد صناديق الاقتراع اقبل كثيف. نسبة المشاركة في عموم العراق كانت دون المتوسط، حسب أحصائية المفوضية العليا للأنتخابات، 44 بالمئة، مقارنة بالانتخابات الماضية في سنوات 2010 و 2014 حيث كانت المشاركة أفضل بكثير، وهذا قياس على أن الناخب العراقي فقد الثقة بالسياسي والبرلماني ورجل الحكومة، لا بل يراه حمل أوجه كثيرة، فهو السارق والمرتشي والكذاب والمنافق، فعلى أي أساس يُنتخب المرشح اذا كانت صفحته سوداء من الأساس، وهذا له مبرراته طبعاً. رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر والحاصل على أكبر نسبة مقاعد في البرلمان الجديد ما نفكّ يقطع وعوداً للشعب من زهاء اربع سنوات ونيفَ بتشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن المحاصصة والطائفية والمذهبية، وهو بالأساس جاء عن طريق المحاصصة الى السلطة يحمل لواء المذهبيّة كشعار لتياره الصدري. والسؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه السيد الصدر على نفسه،  إين همّ شريحة التكنوقراط أصلاً؟، آي المهندسين والمعماريين والاقتصاديين والمشتغلين بالعلوم، أليس كلهم خارج البلد وفي دول الخليج تستفيد الشركات والحكومات من خبراتهم واختصاصاتهم!. المكون المسيحي لم يكن أفضل حال، فالمجلس (الحزب) الشعبي الكلداني السرياني الآشوري فقد زخمه، وتأثر بالمتغيرات الجيوسياسية التي عصفت بالمنطقة،  خاصة في قرى سهل نينوى بعد سيطرة داعش في 2014، هروب ونزوح وهجرة المسيحين وضمور وتلاشي أفواج الحراسات أثر سلباً على القاعدة الجماهيرية للمجلس فخسر الرهان. الحركة الديموقراطية الآشورية هي الأخرى فقدت بريقها ومعه فقدت حصتها من بقايا المقعد   المحطم. كتائب بابليون، وهوه تشكيل من الحشد الشعبي الشيعي وجزء منه ومدعوم بشكل مباشر من المرجعية الشيعية، لا دخل للمسيحين به غير التسمية فقط  (الحشد الكلداني)  مهزلة من العيار الثقيل، دخل على الخط المواجه راكباً حصان طروادة واستحوذ على مقعدين من أصلا خمسة هي حصة المسيحين، كوتا، وهي مقاعد شكلية لا اكثر تنفع كواجهة للمحافل الدولية وعنوان باهت اللون، ( عضو  في البرلمان العراقي ممثل  عن المكون المسيحي) ماذا تفعل ثلاث مقاعد أمام 320 مقعد.
الأنتخابات كانت اِمِتهان للحكومات المتعاقبة على حكم هذا البلد المُنهك والمُمزق والمحطم، الذي لم يخدمه أحد الى اليوم بصدق وشرف ووطنية وأخلاص، لا عجب أن يظهر العراق على رأس القوائم للدول السيئة والفاشلة، على وزن أن استلمت منصب رفيع  في الحكومة اسرق وهرب.
لم تعد تنفع الشعارات الرنانة والزائفة، العراق العظيم، بلد الخير والخيرات، الشعب الذي لا ينذل،... الخ من هذه الأكذوبة التي لا تنفع أحد، يجب أن يتغير الوعي العام ويُوظف في سياق عصري حديث، ويَرَ السياسي والبرلماني ورجل الدّولة الوضع على حقيقته ويخرج من عقلية الإحتيال والتزوير والسرقة والتلاعب بأموال الشعب، فهذا الشعب ملّ وله كل الحق في ذلك.     

116
 نوستالجيا الفرد العراقي
العلامات والدلائل والمقاربات كثيرةٌ على نوستالجّيا الفردّ العراقي، وتمّحور هويته حول الذات، أيَّ ذاته هو كفرد في بداية الأمر، والماضي في المقام الثاني كفعل حنينّ أو أعلاء من شأنه، وإين كان مبني على الوهم. وهذه العواطف وجدْ ما يعززها طبعاً في ثنايا العقل الباطن حتى وصل إلى حدود النرجسية. وقبل الخوض في هذه المفاضلة المجردة، نُعرج على مصطلح النوستالجيا كمفهوم، وهو الحنين إلى ماضي مثالي ، أو هي حالة عاطفية نصنعها نحن في إطارٍ معين وفي أوقات وأماكن معينة، الكلمة اصلها يونانى معناها الحرفى  "نوستـ" بمعني الرجوع للبيت و "الجيا" بمعنى ألم أو وجعْ. يقول الخبراء أن النوستالجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، لذا فإنها تكثر في حالات الملل أو الشعور بالوحدة خاصة عند كبار السن، أي عندما يشعر الإنسان بأن حياته فقدت قيمتها وأصبحت تتغير للأسوأ، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتعطيه تلك الذكريات الدفعة التي يحتاجها للتعامل مع التحديات الحالية. هذا ماتنص عليه الكلمة حرفياً ونفسياً.
 تمجيد الماضي والتوق له ورسم صور زاهية عَنْه هي مشاعر تنتّاب الفرد من وقت لآخر، وإن كانت بنِسَب قليلة لا ضير منها. الحنين والذكريات لهم أشكال متعددة ويتخذون من مربّعات لوحة الفُسيفساء الحياتية صور كثيرة؛ الحنين إلى البلد الأم، الحنين إلى المدينة التي تحمل ذكريات ومشاعر المرحلة، الحنين إلى المكان الذي قُطع حبل السرة به، إلى الحي، إلى المدرسة، إلى الأصدقاء، إلى الشارع، إلى الدكان، حتى اللغة لها وقعّ آخر على الأذان تحمل فرح وتحمل حزن في ذات الساعة، الأغاني....الخ. هذه المفردات وغيرها الكثير  هي واقعياً من الماضي، أو في خبر كان أنتهت مع إنتهاء المرحلة المرافقة لها.  المشكلة  الإبيستيمولوجية التي يتجاهلها النَّاس هي في إحياء ذلكّ الماضي بسياقات يدعون أنها عصرية لا تتماشى مع الحاضر الحالي فتتجلى على شكل، ألواح (رقم ) تسجيل السيارات بأسم المدينة الفلانية أو القرية التي أنحدر منها، لتترسخ لدينا الهوية أكثر وتصبح متماهية مع العصر، أو  إبراز  وشمْ على الساعد يدل على أنتماء الشخص كهوية ذات أصول آركيولوجيا، الثور المجنح مثلاً، أو خريطة العراق. كل هذا هو تركيز على شيء كان يندرج تحت خانة الماضي، كان في زمان ومكان محددين وانتهى مع أنتهاء العصر الذي كان به، نسبة العودة لذلك العصر هو صفر ، والمثل الألماني القائل ثلاثة أصفار تساوي صفر في النّهاية، الإنكماش والانكفاء والتشرنق على الذات هو الخَطَر الحقيقي، وهذه موائمة مع الماضي أو إسقاط له كما يفعل البعض، هو عيش الماضي بكل تفاصيله على أساس أنه أفضل بكثير من الحاضر الفعلي، ويجب علينا استحضاره في كل وقت وزمان، ومن هنا تبرز  أهميّة الحاضر  كمفهوم تأسيسي للمستقبل لأنْ المياه لا تجري في النهر مرتين، لا ملك شمشي الآشوري  ولا نبوخذ نصر  ابن نبوبولاسر الكلداني، وهذا الاخير استحدث مؤخرا مع الانتخابات البرلمانية القادمة، ينفعان مع الآلة الرقمية الحديثة والتقدم المهول الذي يسير  وفقه العلم وبرامج الفيزياء الكوانتية للجسيمات تحت الذرِّية وقانون الطاقة والحوسبة الكمية.
لقد قطع الغرب أشواطا بعيدة في تحصيل المعرفة، وهذا بدوره أحدث قطيعة مع الماضي،  ولكن تم أخذ ما يلزم منه لبناء الحاضر، تكللت بعدة ثورات، على الجهل، على الاستبداد، الثورة الصناعية،  ليتشكل وعيْ جديد من مفاهيم العولمة وما بعد الحداثة والليبرالية، وحتى ما بعد المفهوم ذاته كنقطة انطلق فلسفية تُمأسس على بُنى جديدة لهذا العصر  والعصر القادم وهذا يؤثث للمستقبل باختراعات جديدة وافكار جديدة أيضاً.

117
 البطريرك شيخو  والرئيس الراحل
 بقلم /سلوان ساكو
في معرض القاهرة الدولي للكتاب والمُقام على أرض المعارض في مدينة نصر من سنة 2016، كنتُ هُناك متواجد على طول أيام المعرض الخمسة عشر، وشاركتُ بالندوات والفعاليات المقامة على هامش المعرض. في الخيمة الثقافية والتي تدير فعاليتها الدكتورة والروائية والناقدة المصرية سلوى بكر، حيث كانت تشرح عن الشعراء العرب في بداية العصر الاسلامي وفي تلك الفترة وقبلها أيّ قبل الأسلام، وبعد الاسترسال في المحاضرة والخوض في أهم المصادر المتوافرةَ، جاءت على ذكر الاب بولس شيخو 1906- 1989 والذي سوف يكون لاحقاً بطريرك الكلدان الى سنة 1989، حيث أستشهدت به الدكتورة بكر كأهم مصدر يؤرِخّ لتلك الحقبة فهو حاصل على الدكتوراه في العلوم الشرقية من روما سنة 1933. الذي لفت نظري أكثر هو أن البطريرك شيخو يصبح متداول في الوطن العربي والدول الاسلامية، ونحن اصحاب هذا الميراث لا نعلم عنه شيء، وتضيع عنا كتبه ومنتجه الفكري والفلسفي الرصين، وتُفقدّ الكتب من مكتبات الكنائس الكلدانية، والذي يحصل هو أننا نترك كل هذا الأرثّ الفكري ونتمسك بقصة عادية ليس لها معنى ونعتبرها هي الأساس وهي ذات الكرامة والعزة ونركب صور سريالية مِنْهَا والتي يجب أن نتداولها في مجالسنا المفتوحة والمنغلقة فنُعيد الرواية ونكررها مرات ومرات لكي ما  نعوض بها بعضٍ من نقصنا ونريح العقل من البحث والتفكير. تقول القصة المحكية  أن البطريرك بولس شيخو ذهب لتعزية الرئيس الراحل صدام حسين بوفاة والدته صبحة، فدخل هو ومعه أحد كهنة بغداد القصر الجمهوري، فجتازا الباب الاول والباب الثاني ولم يبقى غير الباب الزجاجي الفاصل بين الرئيس وضيوفه، فطلب أحد أفراد الحماية الخاصة من الوفد الداخل بخلع الملابس، لغرض تفتيشهم قبل الدخول، ولكن البطريرك رفض بشدة وقال اذا كُنتُم لا تثقون بِنَا لا داعي لحضورنا من الأساس، وأمَّ بالخروج مع مرافقه الكاهن دون  تقديم العزاء، ولكن صدام حسين كان يراقب الوضع،  وتسائل عن سباب ذهاب البطريرك دون الدخول، فقال له عنصر الحماية أنه يرفض أن يخلع ملابسه لغرض التفتيش، فطلب الرئيس من الحماية أن يدخلهم فوراً دون تفتيش واعتذر بدوره للبطريرك على ما قام به هذا العنصر. طبعاً هذه الواقعة تنمْ عن الاحترام والتقدير  بدون شكّ،  ولكن ليست هي الأساس وليست هي المتن وهنا المعضلة،، فهذه الأمور وماشابهها تقع بين الفترة وآخرى، ولكن ما يجب ان نبحث عنه هو الميراث الحقيقية للرجل، ولا نترك الأمور على عواهِنهِا، وهنا نسقط في مطبّ النسيان أو التناسي، فهذا هو الباقي والدائم  وهو مستند بقاء الجماعة الرئيسي. أعُدم صدام حسين، ورحل البطريرك الى الحياة الابدية، ولكن كتبه لم تذهب، و يجب أن لا تذهب،  ويُعاد طبعها من جديد وتتوافر في المكتبات وعلى النيت، ليطلع عليها الشعب وينهلون من هذا الفكر الحر والصافي لتشكيل معرفة متنوعة وجدية.

118
مآلات توحيد الأعياد
بقلم/ سلوان ساكو
يمرُ هذا العيد إيضاً دون توحيد للأعياد، ولا يوجد ما يبُشر بالأفق للأحتفال بعيد واحد في المستقبل. ولا هنالك أمل على ذلك في المنظورين البعيد والقريب في وحدة من آيَّ نوع كانت، مع كل ما يبذله رجال الدين والعلمانيين على حد سواء من جهود في سبيل تحقيق هذا المُبتغى. ففي كل عام نسمع مَن النَّاس مطالب مفادها لماذا لا يتوحد عيد الميلاد مع باقي الطوائف، ويمر العيد ولا تغَيّر يحصل تحت الشمس، ويحل عيد الفصح والقيامة من بعده ونسمع صرخات من هنُا وهناك، إلى متى نظل منقسمين ؟، كم مرة صلب وقام المسيح من بين الأموات؟ ومن هو الصحيح؟ وعند من تكون الحقيقية؟، وَاذَا صادف أن كانت جمعة الالام غائمة وممُطرة فنقول هذه هي الجمعة الحقة والصحيحة والباقي على خطأ. نداءات وطلبات وصلوات ورجاءات وتضرعات، ولكن مع كل هذا نظل منقسمين على الجسد الواحد، والكل يُزعم أنه يملك الحقيقة المطلقة والغير هو الخطأ، وهنا حجر الزاوية أو بيت القصيد كما يقولون، حيث لا تنازل بين الطوائف والمذاهب. ولكن قبل الحكم على هذا أو ذاك والتحدث بتهكم دون مُبرر، دعونا نقرأ القضية بموضوعية أعمق. طبعاً وكما هو متعارف عليه  هناك تقويمين، يأُخذ بهم، واحد يولياني وآخر غريغوري؛ اليولياني يعود للأمبراطور يوليوس قصير وضعه عام 48 قبل الميلاد على يد الفلكي الاسكندري سيوسجينس وطلب منه أ يضع نظاما ثابتا للتقويم، ويعتمد هذا التقويم على دواران الارض حول الشمس،  والوحدات الزمنية في هذا التقويم هي اليوم الشمسي، الشهر ، السنة الفصلية. والسنة الفصلية تساوي 365.2422 يوماً. ولكي يتم تفادي الكسر في هذه السنة فقد جعلت السنة 365 يوماً لثلاث سنوات متتالية (سنة بسيطة) بحيث تجمع الكسور في السنة الرابعة لتصبح 366 يوماً (سنة كبيسة) أي السنة التي تقبل القسمة على 4 بدون باق. يضاف اليوم الزائد في السنة الكبيسة إلى شهر فبراير ليصبح 29 يوماً. بهذه الطريقة أصبح متوسط طول السنة اليوليانية يساوي 365.25 يوماً وهذا يعني أن السنة اليوليانية تزيد عن السنة الحقيقة بمقدار 0.0078 يوماً = 11 دقيقة و 14 ثانية أي يوم كامل كل 128 سنة. وهذا يعني أيضاً أن التاريخ طبقاً للتقويم اليولياني سيكون متأخراً قليلاً عن التاريخ الحقيقي. وعدد الشهور حسب هذا التقويم 12 شهراً ثابتة في أطوالها ماعدا الشهر الثاني. والتقويم الثاني أي التقويم  الغريغوري يعود إلى البابا غريغوريوس الثالث عشر الذي قام بإجراء تعديلات على التقويم اليولياني حيث لاحظ في سنة 1582 أن الاعتدال الربيعي وقع في يوم 11 مارس أي أن هناك خطأ قدره (10) أيام وقع ما بين سنتين 325 إلى 1582 وهذا الفرق ناتج في أن السنة الشمسية ليست 365 يوما وربع (6 ساعات) بل أنها 365 يوما و (5) ساعات و 48 دقيقة و 46 ثانية فالخطأ يبلغ يوما واحدا في كل 128 سنة.
و لتصحيح هذا الفرق فقد اعتبر يوم الجمعة (5) أكتوبر سنة 1582 ميلادية اليوم الخامس عشر منه ولئلا يتكرر الخطأ وبقاعدة ابسط فقد جعل التصحيح 3 أيام في كل 4 قرون.
وعلى هذا فالسنون الكبيسة هي التي تقبل القسمة على 4 ما عدا السنين القرنية فلا تكون كبيسة ألا إذا انقسمت على 400 فالسنون 1980، 1984، 1988 تعتبر كبيسة في التقويم اليولياني والغريغوري أما السنون 1500، 1700، 1900 فأنها تعتبر كبيسة في التقويم اليولياني لكنها بسيطة في التقويم الغريغوري، الذي استعمل أولاً في روما ثم في فرنسا وأسبانيا والبرتغال أما إنجلترا فاتبعته سنة 1752، واليابان سنة 1872، واليونان و رومانيا سنة 1923، ولا تزال بعض الأمم لم تستعمله حتى الآن، بالرغم من ضآلة الفرق بين السنة اليوليانية والسنة الحقيقية إلا أن عملية تراكم الخطأ مع مرور السنوات كانت واضحة ولا يمكن أن تتماشى مع الواقع. والفعل في 5/10/1582 م أي بعد مرور حوالي 16 قرناً من بدء التاريخ اليولياني لوحظ أنه تأخر عن التاريخ الحقيقي بمقدار 10 أيام، الأمر الذي أدى إلى لزوم ضبطه حيث أضيف هذا الفرق ليصبح التاريخ الجديد مساوياً 15/10/1582م وهو التاريخ المفترض أن يكون. انتهى (بتصرف عن الكنيسة المسيحية الإلكترونية). هذا في ما يخص الفروقات في التواريخ وتاريخ التقاويم بنظرة سريعة عليه، ولكن هناك أمراً أهم من هذا العرض، وهو اختلاف جوهري في العقائد والمذاهب المسيحية، والتي سببت في هذا الاختلاف والجدل وبالتالي إلى تغير  في الطقوس والأعياد والليتورجيا ككل؛ والعقيدة هي الإيمان الجازم الذي ينعقدُ عليه قلبُ المرء، ويتّخذ منه مذهبًا ودينًا له، ومن هنا يُمكن التفريق بين العقائد، فعندما يُقال بأنّ هذه العقيدة صحيحة؛ لوجود الحجّة والبُرهان بصحَّتها؛ بحيث لا يتطرَّق إليه الشكُّ فيه، فهي حُكم الذهن الجازم أو ما ينعَقِدُ عليه الضمير، أو الإيمان الجازم الذي يترتَّب عليه القَصد والقول والعمل بمُقتَضاه. وهناك الأقنوم وكلمة أقنوم Hypostasis باليونانية هى هيبوستاسيس، وهي مكونة من مقطعين: هيبو وهي تعنى تحت، وستاسيس وتعنى قائم أو واقف، وبهذا فإن كلمة هيبوستاسيس تعنى تحت القائم ولاهوتيا معناها ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة. والأقنوم هو كائن حقيقي له شخصيته الخاصة به، وله إرادة، ولكنه واحد في الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير انفصال، وهنالك المذهب هو الطريق والسبيل، وفي الاصطلاح هو مذهب العالم سواءً كان في العقيدة أو في الدين أو في أصول اللاهوت أو في الأيدلوجيات  السياسية أو غيرها. وهذا تعريف بسيط نعرج به إلى اهم المصطلحات التي يوجد عليها لغط كبير.
في سنة 451م انعقد المجمع المسكوني (والمسكونية مَجْمَعٌ مَسِيحِيٌّ يَنْزَعُ إِلَى تَوْحِيدِ جَمِيعِ الكَنَائِسِ )، الرابع في خلقدونية والتي تقع شمال شرق البسفور  في الشاطئ المقابل لمدينة اسطنبول في تركيا اليوم، ويُعتبر من أهمّ المجامع، إذ نجم عن هذا المجمع انشقاقٌ أدّى إلى ابتعاد الكنائس الشرقيّة ( القبطيّة والأرمنيّة والسريانيّة) عن الشراكة مع الكنيستين الرومانيّة والبيزنطيّة. وقبل خلقدونية كان هناك مجمع مهم وخطير هو مجمع افسس الأول عام 431 وظهور نسطور  بطريرك على القسطنطينية من العام 428، وتحريم المبدأ النسطوري، القائل بأن يسوع المسيح مكون من جوهرين يعبر عنهما بالطبيعتين وهما : جوهر إلهي وهو الكلمة، وجوهر إنساني أو بشري وهو يسوع وعلى هذا فالسيدة العذراء لم تلد الله الكلمة الأزلي وإنما ولدت يسوع الإنساني ولهذا فإننا يجب أن ندعوها أم يسوع "الجسداني" وليس أم الله؛ كل هذا وغيره ألقى بظلاله الثقيلة على المؤمنين البسطاء من الشعب والذي كان بعيدا كل البعد عن هذه الصراعات اللاهوتية المعقدة. وحيث وجدت النسطورية أرضا خصبة بين مشارقة السُريان القاطنين على حدود الإمبراطورية البيزنطية والفارسية، كان ذلك عاملا مساعدا على تحقيق الانشقاق بين أبناء الكنيسة الواحدة وكرس على تمزيق الصف الواحد.
في أعقاب المصالحة اللاهوتية بين كيرلّس الإسكندري ويوحنا الأنطاكي، ورفضها عدد من المطارنة وتقربوا بطريقة أوثق من الكنيسة في إيران، التي كانت قد اعتمدت رسميا النسطورية في سينودس سلوقية المنعقد سنة 486، وفي سنة 489 طرد الإمبراطور زينون النساطرة من الرها فهاجروا إلى فارس، ومنذ ذلك الحين انفصلت الكنيسة النسطورية عن الكنيسة البيزنطية التي كان مقرها الأساسي في القسطنطينية. اتحد السواد الأعظم من النساطرة بالكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، وعرفوا بالكلدان. والكلدان اسم عرقي قديم أطلقته روما على الطائفة المتحدة معها. بينما سمّي النساطرة غير المتحدين بروما بالأرثوذكس أو الآشوريين.
من هنا نرى صعوبة الوحدة لأنها مرتبطة بسياقات تاريخية تعود إلى فجر المسيحية ومن القرون الأولى لها، مع الأخذ بنظر الاعتبار الخط السياسي والمناخ العام في تلك الحقبة من عمر الدينة، وتداخل المصالح التي فرضت اجندتها.
الرهان اليوم هو، هل نقدر أن نعبرّ كل هذا التراكم التاريخي والتشرنق الوهمي، ونكسر الأقفاص الضيقة التي وجدنا أنفسنا محشورين بداخلها، كما نكسر قشر البيضة الملونة في أول إيام عيد القيامة، ونخرج لنعلن أننا شعب مسيحي واحد ومسيح واحد وميلاد واحد وقيامة واحِدَة، وتلك تكون فرحة الشعب التي تطمح بشوق ورغبة جامحة لهذه الوحدة الموعودة.




المصادر :-
الكنيسة المسيحية الإلكترونية
مجلة السريان
موقع الأنبا تكلا هيمانوت الحبشي
تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
كتاب مدخل في علم الآبائيات: الباترولوجي - القمص أثناسيوس فهمي جورج
كتاب معجم المصطلحات الكنسية - الجزء الأول

119
نخبة المجتمع الفاسدة
النخبة المثقفة في كل أنحاء العالم المتقدم  والمتُحضر هي من تُحرّر الشعوب وتُحرر العقول من الأفكار البالية والقديمة، وتكون موجِهَ للمجتمع والنَّاس نحوّ صياغة حياة أفضل، ترتقي بهم إلى مستويات اكثر  تطوراً  ومعرفة. هذا ما يجب أن يكون عليه دور المثقف الواعي بضرورة المرحلة، والذي يجب أن يقوم به ويؤديه أتجاه مجتمعه وأتجاه عصره ويؤمن به أيضاً كعمل وكرسالة مقدسة للجماعة، ومن هنا تنهض الأمم وتسير إلى الأمام في ترتيب حياتها ونمط معيشتها حتى وأن توقف بعد فترة أو مات هذا المفكر أو ذاكَْ المثَقّف. فحين وضع المفكر والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو افكاره ومبادئه فأن فلسفته بقت حيّا وساعدت  في تشكيل الأحداث السياسية، والوعي العام والتي أدت إلى قيام الثورة الفرنسية، حيث أثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة. وكذلك ينطبق على الفيلسوف الإنكليزي جون لوك  صاحب القول الشهير (إذا سألك سائل:متى بدأت تفكر؟فيجب أن تكون الإجابة:عندما بدأت أحس). هؤلاء وغيرهم الكثيرين تَرَكُوا هذا العالم من وقت طويل ولكن افكارهم وكتبهم ومقولتهم تلهم الكثيرين إلى حدّ اليوم وتعطي ثراءً معرفي وإبيستيمولوجي، (وهذه يعرفها لالاند في معجمه الفلسفي بأنها فلسفة العلوم). هنا بالذات ومن خلال هذا الحس النقدي العالي للمحيط والمجتمع والخط التاريخي للحضارة يمكن أن تتقدم وترتقي الجماعات والشعوب، وتبلور أفكارها من مفردات ذات طابع تحليلي تفكيكي، ليس فقط للنص والمعُطى الأدبي، ولكن أيضاً تفكك به طريقة بناء المفاهيم القديمة كيما تُهدمها لاحقاً وتبني على أنقاضها صيغ ومفاهيم جديدة تتماشى مع الوقت والواقع الموجود من حولها، يسميها القارئ تقدمية ثورية تجديد الخطاب نبذ القديم ليبرالية مُحدثةّْ، لا تهم التسميات كثيراً ما طال الفعل والمبدأ واحد هو نقض الفكر القديم البالي وطرحه في سلة القُمامة؛ نأخذ مثلاً على ذلك ما يدور الان من أرهاصات الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة، فقط لنُشاهد ونقرأ الخطاب الموجود في الاعلام والشارع وتعبئة الجماهير الجاهلة بهذا الخطاب، ديني، مذهبي ، فئوي، مناطقي، عشائري، جهوي، ميلشيوي، صدري، سستاني، عامري، مالكي، جعفري، حنبلي، وجميع هؤلاء لا يحملون هوية حقيقية تُعبّر عن روح الوطن الغارق في الفوضى والخراب والتقسيم والدمار، بعيدين كل البعد عن كل ما هو بنَاءْ تجمعهم فقط الاطماع والسرقة والنهب والنهش من هذا الجسم الهرِمْ. هذا هو ما بات عَلَيه الوطن الان، فأصبح من الصعب بمكان أصلاحه حيث أستشرى الفساد وعم الخراب وقبل هذا وذلك هو تعطيل ملكة العقل الإبداعية وتوقيف كل آلياته إلى آجلاً غير مسمى، وهذا أخطر شيئ يواجهه الانسان والمجتمع ككل، حيث يفقد بوصلة التوجيه ويصبح أعمى، لا البصر، ولكن البصيرة، فينقاد كالقطيع غنم  تارة خلف شخص مُعمم، وتارة اخرى خلف شيخ عشيرة، يسير بركبهم دون معرّفة، ولماذا أصلاً تكون هناك المعرفة مادام رجل الدين وشيخ العشيرة لديهم اليقين المطلق بكل شيئ ويعرفون في كل أمور الدنيا والعالم، يُؤازرهم في هذا البرنامج بضع من المثقفين أو من يدعون الثقافة وأشباههم يحملون أقلام علامة باركر ولكن حبرها أصفر اللون، وهنا يقع الخطأ البليغ حيث يعترف الجاهل بهذا المثقف ويعتبره من ذوي أصحاب القرار الحصين والعلم الكبير فيتبعه دون درايةٌ أو حتى فهمٍ للحالة والموضوع المعروض، وخلال مدة يخلو المكان من العقول والمفكرين ويصبح الكل تفكر بسياق ومفهوم القطيع، وهنا يجب أن لا نستغرب من قيام أنظمة استبدادية وديكتاتوريات شمولية تقمع حرية الفرد وتصادر حياته اذّ أبدى أي معارضة تذكر ، لإنه ومنذو البداية أباح هذا الفرد لهذا النظام واعطاه الحق في مصادرة كل حقوقه المدنية والشرعية والدستورية، فكيف يُطالب به وعلى أي شيئ يستند.     
           

120
كيف أنحدرت إستراليا الى هذا الحدّ
بقلم/ سلوان ساكو 
عندما تقف الحكومة عاجزةٌ عن التحكم في تسير أمورها ومواردها فأنها تكون في ذلك الوقت حكومة من ورق لا غير، كَمَا هو حال العراق الان؛ وبعضٍ من الدول العربية. وهنا يجب أن إنبه القارئ الكريم إلى أن مفهوم  الحكومة يختلف عن مفهوم الدولة، وهذا خطأ يقع به الكثيرون، فالحكومة هي تشكيل من حزب مُعين أو مجموعة من الأحزاب،  لها برنامج خاص وايدلوجية وفكر ومنهج، تسير وفّقه، سواء كانت هذه الحكومة يمينة، يسارية، وسطية، اشتراكية، وترشح نفسها على هذا الأساس وعلى هذا المبدأ، وعلى أليات عمل أجندتها وطرحها للبرنامج الانتخابي التي سارت به،  ومن تكون له الغلبة في صناديق الانتخابات يفوز ويشكل الحكومة سواء كانت منفردة بحزب واحد، أو أتلافية من عدة احزاب. أما الدولة من حيث تكوينها فهي المؤسسات والدوائر  والوزارات والمدرارس والمستشفيات ....الخ. وفوقّ هذا كله هي تكوين الوعي الفردي للجماعة بالهوية والحريّة والفكر ، وعن هذا قال الفيلسوف الألماني هيجل في صياغته للدولة المقدسة (بأن الروح تحقق حريتها في الدولة وعبرها، والدولة، هي أحد‪ ‬منجزات العقل، ولا وجود للإرادة الفردية هنا لأن الدولة تعبر عن روح‪ ‬الجماعة والإرادة العامة وما الفرد إلا عضو في الإرادة العامة التي تعمل‪ ‬بذاتها ولذاتها كما الدولة أيضا فهي الإرادة الشاملة وبالتالي فإن العقل‪ ‬معيار تحليل لشكل الدولة). فأذا الدولة هي احد تجليات العقل. 
في ولاية سدني وملبورن في استراليا، وبشكل خاص عن باقي الولايات، قفزت أسعار  العقارات والمنازل و الاراضي في الآونة الاخيرة بشكل غير معقول وغير منطقي، فبات سعر المنزل العادي، والعادي جداً، يتراوح بين 600 ألف و  800 ألف دولار استرالي، وهذا يتعارض بشكل صارخ مع إجر العامل البسيط والذي يكون في الغالب الأعم بين 50 ألف و 60 ألف سنويا، مع الأخذ بنظر الاعتبار الاستقطاعات الضريبية. هذا يضعنا امام سؤالين لا ثلاث لهما، آما أن تكون الحكومة لها يدّ في كل هذا الارتفاع الغير مُبرَر ، وبالتالي تكون لها أجندتها الخاصة وتعمل وفقها؛ وانا لا أرجح  هذه الصيغة. وإما أن الأمور خرجت عن سيطرتها، وفلتَ الزمام من يدها، وباتْ من الصعب بمكان التحكم في قطاع العقارات. وهنا لا بدَ أن يطفوا على السطح سؤال جوهري مهم، من لَه اليد الخفية والآثمة التي تتحكم في هذا القطاع الكبير والمهم والذي يلامس الانسان العادي في الصميم، ويكون الجواب لامحالة مشترك بين البنوك الكبيرة، وأساطين شركات البناء  العملاقة، التي أصبحت هي من يتحكم في كل شيء تقريباً. وهنا ينتفيّ دور الحكومة ويصبح الامر خارج عن ارادتها وسيطرتها، ويبدأ التأزم الفعلي للواقع هُنا؛ حيث من الوارد جدا أن نُشاهد شخص صيني مثلاً لا يملك حتى جنسية البلد الذي هو فيه، يملك 10 أو 15 منزلاً ويُؤجرهم بأسعار تفوق سعر السوق لإشخاص هم من سكان البلد والحاصلين على جنسيتها ، دون مقدرة من الحكومة على فعل شيء يذكر،  وهذا خطأ سوف يكون له تتبعات سلبية على المستقبل أن لم تضع الحكومات المتعاقبة على مداولة السُلطة في اعتبارها الأزمة المتفاقمة، وتُعجل من لجمّ وكسر شوكة البنوك والشركات التي لاهم لها سوى مص دَم المواطن البسيط دون مراعات لأي ظرف كان. ويدليّ الفيلسوف توماس هوبز بدلوه حين صرح أن الانسان ذئب لإخيه الانسان، حيث يتحول المنتوج البشري كما يصفه مارتن هيدغر الى غول مجرد من إنسانيته، يُريد أن يفتك بالآخر ولكن ليس عن طريق السلاح والحرب،  بل بوسائل أكثر حداثوية وتقنية، منها الشركات الكبيرة والبنوك.
المراجعة في البنىّ التحتية للدولة الأسترالية الحديثة، وخاصة في ما يتعلق بقضايا البناء والسكن والعقار  يجب أن تشمل كل شيء بما فيها أجور العامل العادي والموظف ذيِْ الراتب المحدود المواطن البسيط. وإلا لا نقدر أن نُعاتب " فريدريك نيتشه " حين اعتزل الناس والمجتمع وقال : (أكثر خطراً وجدت الحياة بين الآدميين) .

121
 تجَديد موعظة الكاهن الكلداني
أكاد أجزم أن عزوف الكثير من المؤمنين واخص بالذكر الكلدان منهم عن الذهاب الى الكنيسة وأرتماء العوائل  وألتجائهم الى كنائس أخرى كالكنيسة الإنجيلية بفروعها الكثيرة والكنائس المارونية اللبنانية والقبطية المصرية، مع أحترامي لكل المذاهب والطوائف، هو موعظة وكرازة  الكاهن الكلداني المكررةْ والمّملة في قداس يوم الأحد.
 لقد تغيرت الكثير من المفاهيم والأفكار والوعيَّ، سواء على الصعيد الفردي للجماعة، أو على الصعيد التفكير الجمعيْ لهم. فخلال الثلاثين والاربعين  السنة الاخيرة، لم تعد تلك الأفكار والتي كان من خلالها يوعظ الكاهن في القرى والبلدات النائية في شمال الوطن تصلحْ وتنفع مع روح هذا العصر، لقد كان التعليم آنذك محدود، ومتطلبات الوعي بالذات والحياة ذاتها محدودة وبالتالي يكون الفهم هو إيضاً محدود مُتماشياً مع الوضع العام للجوّ السائد. فمثلاً نجد كاهن (وَيَا للغرابة) في يومنا هذا وفي دول كبرى كامريكا وأستراليا وكندا، يُعيد الموعظة ذاتها مئات المرات وبنفس الصيغة وبنفس الكلمات وبنفس الرتابة المملة للحضور ، متناسياً هذا الكاهن أن الأحساس بالوقت والزمان قد تغير ،واصبته الحداثة وما بعدها بمقتل، وليس كما كان عليه في ذلك الوقت، حيث كان الزمان والساعة البيولوجية منضبطة ومرتبطة بالزراعة والحّصاد وتربية المشية، آيّ الوقت مفتوح ومُتناغم مع الطبيعة والمكان لتنسجم ككل مع الواقع الُمعاش، في دائرة شبه مغلقة، اليوم كل هذا تغير، وتغير بسرعة كبيرة جداً، حيث أصبح الانتظار صعب، وإيقاع الحياة أسرع وبوتيرة أكبر من السابق بشكل مذهل، وأصبح معه شدّ أنتباه الفرد نحو شيئاً ما أمر بالغ الصعوبة ليس فقط مع الطرح الديني أو المواعظ، وأنما مع كل شيئ حولنا، من له متسع من الوقت كي يسمع أغنية لإم كلثوم ثلاث ساعات، أو يقرأ رواية الإخوة كرامازوف في مجلدين كبيرين، أو يُشاهد مسلسل مكسيكي مدبلج للعربية من ثلاثة الأف حلقة. كل هذا يبدو غريب الأن مع أنه كان معمول به قبل سنوات قليلة. تحديات المعلوماتية أو منظومة الصفر  واحد أطفتْ بُعد أخر على الحياة برمتها، وأصبح بأمكان أي شخص كان يملك المعلومة بسهولة تفوق الوصف والخيال ، من خلال الهاتف الجوال، الشبكة العنكبوتية، محرك البحث كوكل، وهذا بدوره مع كل الإيجابيات التي به كرّس لمفهوم السهولة في التعامل مع الموضوع أو الحالة المطروحة للسمَاع أو المناقشة، وهذا بدوره قادّ الى صيغة أكثر مُعمقة هو السرعة مع المُعطى ذاته؛ فمثلاً كاهن يتحدث في موعظته عن المَُرائين، ولم يستطيع توصيل فكرته خلال خمسة عشر دقيقة أو عشرون دقيقة وهو الزمن الافتراضي للموعظة ، فيُصاب هذا الشخص بالملل ويفضل البحث والتقصي عن الكلمة بنفسه وبالتالي يفسرها كحسب هواه هو أو من خلال معلومة قد تكون خاطئة في  الشبكة الدولية للنيت أو عن طريق اخر.
اليوم باتَّ من الضروري  على الواعظ الكاهن أن يدرس ويقرأ ويستخلص الجمُل والعبارات التي تنفع في هذا الطقس وهذا الوقت، وهذا لن يحصل دون تعب وقراءات مُعمقة للنصوص الدينية واللاهوتية والتراث والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع ، لأن كل هذا يُشكل  رأس مال الكاهن الحقيقي، ويبلور مزيداً من الأفكار والاطروحات ، كيما يستفاد المؤمنون من الوعظة والكرازة التي هي جزء أساسي من القداس الإلهي، وأن تصل كلمة الرب بشكل صحيح ومباشر للسَامع ويقتنع به ويعمل به إيضاً، وهنا يكون قد توصل هذا القس الى الطرح الجيد والكلمة النافذة والجوهرية.         

122
المنبر الحر / غرائب الحياة
« في: 04:51 03/03/2018  »
غرائب الحياة
يعجز القلم في هذه اللحظات عن تسطير شيء يذكر، من غرابة الأحداث والوقائع الجارية من حولنا ، أمور يصعب وصفها أو حتى تصنيفها من حيث منطقها أو لامنطقيتها أو حدوثها حتى. 
الحياة تضعنا امام إختبارات وصعِاب بالغة الحدة والتعقيد، الكثير منا لا مقدرة له على تجاوزها فيظل جاثم على تلك البركة ينظر للأسفل يشترّ الماضي والمأساة التي لحقت به، والبعض الضئيل يتجاوز المِحنة ويعبرّ المرحلة الى الضفة الاخرى وهنا يكون رهانه على العيش بسعادة وفرح، وطوق النجاة الذي من خلاله يصل الى ميناء السلامة.
الحياة مراحل ومحطات ومتعرجات تارة تصعد  وتارة اخرى تهبط، نفرح في محطة منها ونعيش السعادة والفرح، وفي محطة ثانية نتألم ونبكي ونيأس حتى يبلغ الحزن  من الكأس فيصل للثمالة، فنكون هنا قد جربنا كل شيء من خلال مرورنا في هذا الطريق، مُرها وحلوها، الشقاء والفرح، الحب والكراهية، وهذا يدعى المتناقضات أو الأضداد في الشيئ أو الموضوع.
 تصوراتنا للحياة لن تأتي في كل الأحوال منطقية أو ضمن سياق واحد تكون على أهوائنا، أو على قياسنا، مجموعة من الشبان يموتون في حوادث متفرقة خلال أسبوع واحد وفي دول متفرقة، رجل مُسن في أقصى الصين يُشفى من مرض السرطان بعد ان كان مستفحل به الى درجة اليأس، أمرآة تسقط مغشية عليه بين قضبان سكة  حديد   القطار  يمر القطار عليها ولكن لا تموت ، رجل يطلب من زوجته شاي وقبل أن تلبي رغبته تجده قد فارق الحياة وبيده جهاز الريموت كنترول، شاب تطلب منه أمه أن لا يسافر على متن الطائرة يأبه ذلك فيصل المطار متأخر تقلع الطائرة دونه وبعد دقائق تسقط الطائرة. صور كثيرة ومتعددة، الرابط بينها هو غرابة الواقعة من حيث حدوثها، ونحن بسذجتنا المعهودة نضعها تحت عنوان القدر، القسمة، النصيب ، انتهت خبزته، ولم نفكر أن للطبيعة منطق أخر غير منطق البشر تسير هي عليه كما هي تراه لا كما نحن نرآه ، فهي غير مبالية بِنَا على الإطلاق لانها أي هذه الطبيعة، لها كينونتها وذاتها وشخصيتها الخاصة وتعمل وفق هذه المتلازمات سواء كنّا نعلم أو لا نعلم بذلك ندري أو لا ندري.
لن  تنتهي في يوم ما الأحداث الغريبة من هذا الكوكب لأنها جزء منه، وجزء من ذلك العالم الخفي والسر  المستور . يبقى على الكائن البشري والذي إنبثق منه إنسان اليوم أن يفهم ويحلل ويُفسّر تلك الظواهر من منظور الطبيعة ذاتها وماهيتها وجوهرها ، ولكن إلى أن يصل هذا الانسان الى ذلك الفهم والوعي بطبيعة الطبيعة يحتاج إلى وقت طويل جداً وعقل يبلغ مداه الاوسع.   

123
يتشرف السيد سلوان ساكو بدعوتكم لحضور حفل توقيع مجموعته القصصية الأولى ( الزنبق الأبيض الدامي) وذلك يوم الاحد المصادف 18/2/2018 وذلك تمام الساعة السابعة مساءا في قاعة كنيسة مار كوركيس ، مالبورن ، أستراليا.
حضوركم شرف لنا.
للمزيد من المعلومات الاتصال بالسيد سلوان ساكو
موبايل / 0413377466

124
دعوة لمقاطعة الأنتخابات القادمة 
بقلم / سلوان ساكو
في جميع دول العالم والمجتمعات المتحضرة تجري عملية الأنتخابات سواء كانت برلمانية أو رئاسية أو مجالس بلدية ومحلية حتى، تكون الغاية منها هو تقديم ورقة وورشة عمل تخدم المواطن والشعب الذي تعنى في إعطاء صوته، والرُقي به أي هذا المواطن إلى مستويات أفضل من النواحي السياسية والاقتصادية والتجارية والمعيشية،  ليشعر ويتلمس ويحس هذا المواطن أن صوته لم يذهب ادراج الريح، وهو منتمي وجدانيا لهذه الأرض التي يعتبرها وطنه.  وهذه هي غاية السياسي المُرشح نفسه لهذا المنصب وشغل هذه الوظيفة الحساسة والخطيرة،  لأن هذا البرلماني هو من يخط الخطوط العريضة للبلاد ويرسم المستقبل الذي سوف تقطف ثماره الأجيال القادمة وتعمل وفق مبادئه المرسومة سلفاً، وعلى هذا المنوال وهذه الطرق  تتقدم الأمم وترتقي الدول مع تعديلات تصب في صالح الوطن مع كل فترة إنتخابات واُخرى تكون متماهية ومُتماشية مع روح العصر،  ومنطلقة من منظومة متكاملة من الأفكار التقدمية التنويرية   الحداثية التي سوف تكون مشاعل إضاءة ومنارات يهتدي إليها الانسان التواق ليعيش كرامته وحريته وإنسانيته الذي لابد أن يصونها هذا البرلماني وهذا الرئيس وهذا المشُرع وهذا المسؤول الجالس وراء المكتب، هل هذا هو  الدور  الذي يقوم به العضو البرلماني العراقي؟ الجواب قطعاً سوف يكون كلا،  فهو آي هذا العضو لم يقدم للعراق من عام 2003 لحد إلان وفي جميع الدورات الانتخابية شيئاً يذكر ومادة تصلح للمدح عليه، بل العكس هو الصحيح كل شيئ مذموم وقبيح فعله هذا العضو في بلد اختلفت فيه كل المعايير  والاعراف والاخلاق ، فبات اللص هو النزيه ، والمجرم هو القاضي ، والمُرتشي هو الموظف الصالح ، وحماة الوطن والعرض هم الإرهابيين فبماذا تفرق ميليشية  الحشد الشعبي عن تنظيم داعش ، فقط في الولاءات والمذهب ، ولكن نفس الإجرام ونفس التفكير الذي هو اقصاء الأخر. وهنا تكمن الاشكالية الكبرى والسؤال الصعب حيث ضاعت بوصلة التوجيه الصحيصة التي توجه النائب نحو المواطنة وبناء البلاد وأخذ بزمام محاسبة موظف الدولة  السارق والمرتشي والفاسد،  واستدعاء ذلك الوزير  وهذا والمسؤول تحت قبة البرلمان لتقصيره في اداء واجباته والمهام التي أنيطت به، فتكون هنالك منظومة من القوانين تردعّ المُسيئ وتُحاسب الكل. هل هذا يحصل في العراق الحديث؟، قطعاً لا، وما الميليشيات والعصابات المسلحة والفساد الأداري والمالي الذي طال رأس السلطة  والاموال المهدورة تحت اسماء مشاريع وشركات وهمية والمليارات من الدولارات التي تدخل الثقب الأسود بدون أثر لها  خير دليل على فشل التجربة الديموقراطية وتعثر المرحلة ، ونسف آية خطة مستقبلية في بناء وطن يقوم على أُسُس عصرية حديثة علمية  ، لأن الفساد والمحسوبية والانتماء الحزبي  والطائفي والمذهبي والعشائري هي الركائز  الاساسية التي يقوم عليه الوطن الان ويسير في ركابها،  هذه الحزمة لا تبني ولا تصنع وطناً ولا حضارةٌ  في يوم من الأيام.
خلاصة القول ، لا الأنتخابات الماضية  نفعت بشيء ،  ولا هذه المزمع إجراءها في إيار مايو المقبل سوف تنفع ولا عشرات الأنتخابات سوف تنفع ما لم تكن هنالك تصورات معرفية وثقافية ورؤى مستقبلية وثورة فكرية تُخلص البلاد من هذا الجهل وهذا العمى وهذا التعصب الذي اطاح بكل صروح الحضارة العريقة حضارة وادي الرافدين، وخلق إنسان جديد واعي للحياة  وللمرحلة والتاريخ،  يحمل خطاب جديد ، ينهض ويتسامى على كل هذه المأسي  وهذا الفساد وهذه الفوضى وهذا التشظي وهذا القتل الغير مُبرر،  يحمل عقد أجتماعي ينصف به الكل دون استثناء ، حين ذاك فقط  نذهب ونقترع ونضع أصواتنا في صناديق الانتخابات ونحن واثقين من مرشحنا  لن يخذلنا ، غير  هذا  تكون كل الجهود وعملية التصويت في مهب الريح،  والانتخابات كأنها لم تكن وأثر بعد عين وغير مجدية بالأساس ،  وعدم الذهاب والمشاركة  هو أفضل طريقة للتعبير عن خيبة الأمل والسخط من بلد لم يعرف أن يكون وطن من سقوط الصنم.

125
هل سقطّ الديكتاتور فعلاً
بقلم/  سلوان ساكو
مرت زهاءَ ثلاثين عامً على سقوط الدكتاتور نيكولاي تشاوتشيسكو،  رئيس جمهورية رومانيا الاشتراكية ، وزوجته إلينا،  في العاصمة  بوخارست بعد ان اشتعلت المظاهرات في تيميشوارا في ديسمبر 1989 ؛ واعدامهم بعد ايّام قليلة في محاكمة شكلية صورية. كان هذا الدرس القاسي البليغ يشاهده العالم بأسره من خلال شاشات التلفاز لديكتاتور سقط بشكل دراماتيكي مثير،  بعدَ ان حكم 25 عام.  كانت سنوات يأس وجوع وحرمان من ابسط متطلبات الحَيَاة،  عانا خلالها الفرد الروماني ويلات وغرور وحماقة  فرد مُصاب بانفصام الشخصية أراد ان يُخلد نفسه من خلال قصر كبير في وسط العاصمة والشعب يعاني الامرين ، إلى أن اتجه هذا الشعب الحر المغلوب على أمره إلى تحقيق العدالة بطريقته هو، وكانت النتائج مرعبة بحق الديكتاتور ستظل عالقة في الاذهان الى ما لا نِهاية.       
ما كان السقوط للصنم  في 2003 ألا كنتيجة حتمية لأحداث غزو دولة الكويت عام  1990.  فهي كانت المبرر  والحافز  والشرعية الدولية لتدخل أكثر من 30 دولة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لتحطيم إرادة شعب بأكمله وتغير مساره التاريخي والانساني والفكري والاخلاقي، وتشتيته وبعثرته  في زواية الارض الأربعة،  فخلال شهر واحد أنزلت وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون 750 الف جندي من كل الصنوف وشتى المعدات في الخليج العربي. وحّل انشقاق وتشرذم ونزاعات في صفوف الدول العربية، لم ولن تحدث في التاريخ، ارتدداتها متواصلة الى حد السّاعة والمستقبل كفيل بتمزيقها اكثر من قبل مادامت الشمس تشرق. بعد الخسائر الهائلة والمذلة للجيش والشعب والخزينة، يظهر لنا  الديكتاتور ويقول  اننا انتصرنا وخسئ العدو مع عدة  إطلاقات نارية من سلاحه المبارك، فنفرح ونهتف ونبكي ، وبتنا ما نحن عليه الان وما بات عليه العراق.
 معا كل هذا الاخفاق والفشل الكبير ، تترصد في المجتمع أو في شبكات الإنترنيت من يمتدح الديكتاتور ويآلهه ويترحم على إيامه الماضية في لوعة وحسرة نادرتين، وان عارضه شخص ما  لا يتوانى عن إنزال جام غضبه عليه،  فهو،  أي هذا الشخص قد تطاول على الذات الآلهة ويجب رده. من هنا نفهم  سيكولوجية هذا الفرد الفرد العراقي طبعاً ، ووقوعه تحت نير العبودية، آي عبودية الديكتاتور، وتقوقعه حول تلك الذات مما مسحت ومحت الكثير من الشخصيات فباتت اسيرة الماضي والايام الخوالي، لا مقدرة لها على تمزيق تلك الشرنقة القديمة والخلاص منها والانطلاق الى المستقبل في بناء الانسان وتحريره من سلاسل الأسر الفكرية التي أسسها الديكتاتور خلال ايّام حكمه الطويلة، وانعتاقه من كل ما يكبله من قيود وأصفاد أصبحت تضيق مع الوقت حولَ عنقه الى أن قطعت النفس.
الاوطان لا تبنيها الديكتاتوريات فهي ساقطة لا محالة مهما طال الأمد، ولا الأفكار الماضوية ولا الانعزال ولا الأيدلوجيات ولا حتى الدين بمعنى اخر،  بل بالفكر الحر  والأمل  والحلم.                 
 

126
زيارة الى سجن الحرية
بقلم / سلوان ساكو
قمتُ في الأيام القليلة الماضية بزيارة أحد السجون الأسترالية الكبيرة في ولاية مالبورن، والذي كان عبارة عن سجن كبير جداً، يشغل مساحة كبيرة من الأرض والذي يقع في وسط ال City ، تحول مع مضيّ الوقت الى متحف يأمه الناس والزوار من جميع أنحاء الولايات ، لا بل حتى من دول اجنبية، يقفون مندهشين من  بناء هذا الصرح العملاق الذي يعود أنشائه إلى عام 1840.
السجن مقُسم بطبيعة الحال الى عدة طوابق، وكل طابق عدد كبير من الغرف الكبيرة والصغيرة،  وغرفة الحجز الأنفرادي، وطابق تحت الأرض ،طبعاً مغلق بوجه الزائرين، ولكن يوجد كوة متوسطة الحجم تطل على ذلك الطابق ينظر من خلالها الزائر. في أروقة السجن المترامية أخذني الفكر بعيدا، وصرتُ أفكر  كيف تحول مفهوم العقوبة والجزاء إلى مفهوم أكثر انساني في الغرب ، وظل كما هو عليه في الشرق لا بل اسوء، من تنكيل وضرب وإعدام واعتقال بدون تهمة من الأساس، والعراق اكبر دليل على ذلك ، (وفي مقال سابق قلت أن تنظيم الدولة الاسلامية داعش  لم يكن له أن يَرَى النور لولا الهروب الجماعي والكبير  لعُتاد زعماء الجماعات الاسلامية من سجن معسكر تاجي القريب من بغداد في زمن نوري المالكي).  وكيف تغيرت حزمة القوانين والضوابط من مواد تنص على الإعدام شنقاً إلى مواد أكثر انسجاماً مع روح الانسان وحتى تطلعاته إلى أن يكون صالحاً في نهاية الأمر. فبعدَ ما كانت عقوبة الإعدام في استراليا تنفذ بالمجرم وأمام الملاء ، تم ألغائها وتعديل الكثير من النصوص الجزائية والجنائية بحيث اتاحت للفرد كفرد حتى لو كانَ مذنب أن يقف موقف الدفاع من قضيته أمام المحكمة وهيئة المحلفين والادعاء العام. بمعنى أدق وجد المشرع الغربي  أن روح القانون لا يجب أن تغيب عن روح الانسانية، والتي تمثلت بهذا المُذنب الماثل أمامه في قفص الاتهام، وعلى هذه الأفكار تحولت السجون في الغرب ألى مراكز تأهيل وتدريب وتعليم يخرج منها المحكوم يتقن صنْعة. وهذا الامر لم يحصل بين ليلة وضحاها بل مرَّ  بتعديلات  ومتغيرات كثيرة اعطته الصورة  التي هو عليه الان، وهذه الصور  أستُمدت من نبع مفكرين كبار  وفلاسفة العقد الاجتماعي، الذين أغنو المجتمع بالحق والخير والعدالة، والتي هي في نهاية المطاف تجليات إنسانية يتوق إليه الفرد الحر، الفرد الحقيقي، وليس ذلك المزيَّف.     

127
عهّر البرلمان العراقي 
حينَما تكون هنالك مشاجرات ومناكفات في اروقة البرلمانات العربية أو حتى الأجنبية منها في العالم فهذا شيئاً طبيعي ، وحينما تشبّ المناقشات الحادة وتتحول الى عِراك بالأيادي، فهذا أمرا  عادي جداً ، حتى أن البرلمان الايطالي في العاصمة روما تكون فيها المقاعد مثُبتة بشكل جيد على الارض تجنباً لإحتمال  أن يتقاذفها النواب فيما بينَهم، وأن شاهدنا وقائع جالسات  البرلمان الأردني على اليوتيوب وَمَا يحصل من مشادات ونقاشات بين النواب، فلا يجد النائب بُداً  غير شهر مسدسه في وجه زميله النائب.
البرلمان العراقي هو واحداً  من أفشل البرلمانات في العالم، لِما يحتوي  في أروقته من نواب جهلة عديمي الرؤية تحكمهم التبعية والجهوية والعشائرية والطائفية والمذهبية المقيته، والتمركز حولَ النص الديني بكل حذافيره لستنباط تشريع أو قانون يخص المجتمع المدني، ومع أن الدين (أيّ دين) لا ينفع في استخراج منظومة منه تحكم المجتمع المدني وتشرع احواله الشخصية فلا نفع تذكر من هذا الدين او ذلك خاصةً في تسير أحواله في المجتمعية ، لأن المجمتع المدني الْيَوْمَ تحكمه نُظم  علمانية جاءت عبرَ طريق طويل من الفكر  والفلسفة وصيرورة التاريخ  ليست بالهينة ابداً ، من جان جاك روسو  وجان لوك وتوماس هوبز  وهيجل وغيرهم من بُنات هذا العلم وهذا العقد  بين البشر  والمجتمع،  فبرزت أوروبا والغرب كما نشاهدها الْيَوْمَ بعدما كانت تغطْ في ظلام حالك وليل دامس.
 حين تشكلت أول حكومة ملكية في العراق في 23 اغسطس 1921، وسمية فيصل ملكاً على العراق، تشكلت بعد ذلك حكومة برلمانية ومجلسين تشريعيين. وكان المجلسان يتألفان من مجلس نيابي منتخب ومجلس أعيان معينين. كان أعضاء المجلس النيابي ينتخبون كل أربع سنوات في انتخابات حرة. اجتمع أول برلمان في عام 1925. وكانت تضم كل اطياف المجتمع العراقي من يهود ومسيحين ومسلمين، وانتُِخب ساسون حسقيل أول وزير مالية للعراق في العصر الحديث، واستلم وزارة المالية العراقية ثلاث مرّات، مما يعكس التنوع الحضاري في ذلك الوقت، مع كل ما كان موجود من سلبيات في تلك المناطق،  اذ اخذنا بنظر الاعتبار الأحداث الكبرى التي عصفت بالبلاد ونهاية الحرب الكونية الاولى. فكان بذلك حقًا مجلس مكون من أعيان وحكماء تتخذ القرارات المصيرية التي تخص الشعب بترويً وحكمة، وعدم اقحام الدين في النص التشريعي فكانت القوانين والقرارات والتشريعات مدنية بجدارة.
 العراق اليوم، وبعد السقوط والفشل الذريع للتجربة الديمقراطية الامريكية الغير صالحة للمجتمعات العربية، والتي جاءت ببرلمان متعثر  وأعضاء ذوِّ توجهات قبلية وعشائرية  مناطقية، ووعي محدود ومتخلف، يريدون في الآونة الاخيرة  تشريع زواج القاصرات دون سنّ التاسعة من العُمر. بالله عليكم،  هل يصلح مثل هذا البرلمان أن يكون ممثلاً للشعب الذي أنتخبه، هل يتماشة هذا البرلمان مع روح العصر الذي نحن في ركبه الأن، هل الأعضاء يدركون أنهم بهذا التشريع  يهدمون أخر حصنا من حصون الحداثة التي تركت البلاد غير نادمة عليه أبدا.

128
المنبر الحر / هاجس السكن
« في: 08:24 08/11/2017  »
هاجس السكن
بقلم/ سلوان ساكو
عرفّ الانسان القديم الأستقرار أول الأمر عند الأنهار والمياه الجاري، فكانت بذلك بداية ناجحة،  وتفتق وعيه على السكن والأستقرار في مكان واحد ضمن رقعة جغرافية واحدة مع عصر البذور  والزراعة والحصاد بعد ذلك، ممَِا دفعه للبقاء في الموقع ذاته والتضامن والتكافؤ مع من حوله من بشر ، لأستكمال دورة الحياة والطبيعة، وتعاقب الفصول على المادة المزروعة في جوف الأرض، والتي سوفَ تؤكل ثمارها بعد حين. فأصبح ذلك العصر عصر الأستقرار والبقاء. والذي جاء بعده نظام العائلة  والأسرة  والقبيلة والمجتمعات الكبيرة، ومن ثمَ تطورت بشكل تدريجي إلى منظومة قوانين تضبط إيقاع الحياة وبعدها الى حكومات ودول ، عبر تاريخ طويل من الزمن في خط متعرج، ألى أن وصل في نهاية الامر على ما نحن عليه الان.
الأستقرار آمر ضروري خبره ذلك الأنسان القديم وسخر  جلّ طاقته من أجله. وهذا السكن شيئ يشعر الفرد حياله  أنه في دائرة الأمن والأمان، والذي يفتقده الفرد العراقي، ويُشكل هاجسً من الخوف يتحول في بعض الأحيان الى قلق وجودي لديه مضموراً  في اللاوعي عِندَه. وهذا اذَ كان بنِسَب قليلة فهو صحي، ولا ضيرّ  منه إطلاقا، بل على العكس  يكون في بعض الحالات دافع إلى البلوغ والارتقاء، والقلق صحي كما يقول عنه أطباء النفس بنسب قليلة. ولكن المسألة تصبح شاذة اذا أخذت صفة البديل الرئيسي للحياة والعيش ونمط التفكير ، ويصبح الموضوع محصوراً في شراء المنزل، متناسين أن الحياة تحمل ما بين ثناياها ما هو أفضل من الدار أو قطعة الارض أكثر  بكثير، فنُشاهد في التعازي أو في الحفلات أو النوادي الصحي (الجيم والسوانة) أو في أيَّ تجمع آخر، لا حديث غير  عن أرتفاع أسعار المنازل، وغلاء أسعار الاراضي، ونسبة أرباح البنوك ، كَأَنَّ مُجمل الحياة متوقفة على هذا المسكن وعلى وهذه قطعة الأرض، مع العلم أن الموضوع وبقليل من الجهد سوفَ يكون تحصيل حاصل مادام أن البنك سوفَ يوفر المبلغ الأجمالي مع أضافة أرباحه طبعاً على مدار ثلاثين عام أو يزيد.
الذي أريد ان أقوله في هذه الأسطر ، أن الحياة والعيش ليسَ منزل أو قطعة أرض أو سيارة، صحيح أن هذه من مكملات العيش وأساسية ، ولكن لا ينبغي أن تكون هي الغايات الأسمى وبعدها هو الرماد الأسود. الحياة معرفة، وفهم  ووعي وكلمة وموسيقى  وحب وجنس وكتاب وديوان شعر  وسينما  وفن وطبيعة وليلّ وقمر ورمال وبحر ...الخ ،  كلها تنصهر في بوتقة واحدة لنعيش بشكل صحيح ونستمتع به، وألاّ أصبحنا دخل سجن كبير مكبلين بأغلال سميكة ، غايتنا العُظمى هي المنزل والسيارة ، فنُضيع علينا المشيتان كذلك الغراب الذي أراد تقليد البغبغان فلا استقر على مشيته ولا اجاد مشية الأخير.

129
المنبر الحر / صوت المزمار الحزين
« في: 11:28 31/10/2017  »
صوتّ المزمار الحزينْ
بقلم/ سلوان ساكو
عندما يتحول صوت المزمار الشجي والبدائي إلى نغم حزين وباكي يبعث في النفس الآلم بدل المسرة، ويثير الدمعة بدل الابتسامة، ويُبدل الحواس من الفرح إلى الحزن، يكون شيئاً غير مألوف، مِمَّا يجعل الأحوال تتقلب والموازين تتغير من طور إلى طور آخر ، لا نلبث معها أن نتوقف ناظرين إلى النعش المُسجى أرضاً بقلب مفطور وعينْ دامعة، وطعنة مّدية يغور نصلها إلى عمق الذات المجروحة فيجعل الدماء تسيل ممزوجة بدمعٍ  على فراق فردّ عزيز.
أثارني مشهد معروضٍ على الفيس بوك، لشاب في زهرة العُمر  وريعان الصبىّ لقي مصرعه مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكة بحادث سير على ما يبدو. نقل الشاب للصلاة عليه في الكنيسة، مُسجى في تابوت أبيض، ربما وهي ترميز  للصفاء والطهارة وأيضاً لغرفة العريس البيضاء، في ركنّ من المكان يصدح صوت مزمار مع إيقاع الرّق فيمزق عِنان السماء مِمَّا يجعل الملائكة تبكي مع الحاضرين في هذا الجناز الحزين، نسوةً متشحاتِ بالسواد يبكينَ ويرقصنَ ويلوحنَ بمناديلاً حمراء مدبوغةً بدموع قلوبهنَ المكروبة على فِراق عريس كان يجب أن يكون مع عروسته في هذا اليوم، رجال واقفين بسكون المقابر  وقلبوهم مهشَّمة عاجزين عن فعل أو قول شيئ. 
أعادني هذا المشهد المأساوي الى سنوات خلت ْ كنتُ فيها في دمشق، كانت أيضا جَنازة لشاب ماتَ في حادث سير على طريق حلب دمشق، فما كان من ذويه غير أن يزفوه إلى مثواه الأخير بالطريقة الشامية المعروفة، وسط صُراخ وعويل تنفطر له القلوب وتفيض من آلَمُه المقلتين. وفي النهاية يظل الانسان عاجزاً  عن تفسير  هذه  المشاهد، مهمة حاول أن يجد صيغة جواب لها،  فلاّ يجد غير علامات أستفهام مرسومة بخطوط متعرجة لا تصل بالمرء إلى نتيجة تشفي غليله ما دامت القرائن غيوماً من بخار البحر.   

130
المنبر الحر / الحلم الكردي
« في: 06:52 28/10/2017  »
الحلمّ الكرديْ
بقلم/ سلوان ساكو
كرسَ الزعيم العربي جمال عبد الناصر كل طاقاته وإمكانيته ونفوذه من أجل تحقيق حلمه، ألا وهو أمة عربية واحدة. كانَّ رجلاً حَالمٍ بحق، وتحققت بعضً أو شذرات من تلك الأحلام على أرض الواقع، حين جمع شعبين ذيّ خلفيات مختلفة ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، في وحدة واحدة بين مصر وسوريا في شباط عام 1958 والتي انتهت بعد اقل من ثلاث سنوات بانقلاب عسكري في سبتمبر عام 1961 على يد عبد الكريم النحلاوي، فتحطمت بذلك أمال الرئيس وتفتت احلامه على صخرة الواقع الصعب في تلك المرحلة المفصلة من تاريخه. بعد ذلك تحول الحلم الكبير إلى كابوسً مرعب أقلق مضجع الزعيم متجسداً بنكسة حزيران 1967، والتي جعلته لا يفارق فنجان القهوة المرّ  ولا دخان السكائر  الرخيصة، فمات دون أن يرى أينّْ من أحلامه العريضة تتحقق، أو قيام جمهورية عربية موحدة واحدة حدودها من الخليج إلى المحيط، لا بل أنه شاهد وطن عربي ممُزق، وأراضي شاسعة  أحتُلت من قبل دولة حديثة الإنشاء، قَبْلَ حتى أن يرمي عِقاب سكارته. هنا وبالذات ألتفَ الأخطبوط الأسود على عنق الزعيم وطرحه أرضا، وببطء شديد بدأ يستنزف طاقته ويسحب دمه، إلى أن لفضْ أنفاسه الاخيرة في عام 1970 وهو على عتبة الخمسين من العمر بائساً وحزين.
الأخ مسعود البرزاني رئيس أقليم كردستان العراق كان له طموحات تشبه إلى حدّ بعيد طموحات عبد الناصر في تحقيق دولة مستقلة تقوم على أسُس ديموقراطية لشعب ناضل كثيراً من أجل حريته واستقلاله على الأقل ضمن حدود العراق في الوقت الحالي، بعد ذلك دولة قومية كبيرة ضمن حدود سوريا وتركيا وإيران والعراق وهي كردستان الكُبرى، ولكن مشكلة الأمال الكبيرة تواجه عواصف عاتية إلى أن تُحيلها إلى ترابً تذره الريح هباءاً منثور.
السيد البرزاني سيدّ العارفين بصعوبة حصوله على دولة مستقلة على ضوء المتغيرات الجيوسياسية الجديدة خاصة ما بعد انهيار دولة الخلافة في الموصل والرقة ودخول أطراف كثيرة في النزاع الإقليمي الدائر في المنطقة.  ولكن السؤال المهم هو  لماذا أقدم البرزاني على هذه الخطوة الانتحارية اذا جاز التعبير !. الموضوع صعب حقاً ان نحصره في زاوية واحدة لتشعبه وتركيباته المُعقدة وتاريخه الطويل. ولكن أقول أن البرزاني أرادَ أن يحقق شيء قبل أن ينتهي دوره ويقابل ربه، أراد أن يُخلد أسمه في سفر التاريخ كأول رئيس حقيقي للكرّد، فالذي لم يستطيع فعله الشيخ محمود الحفيد البرزنجي في انشاء أول كيان سياسي كردي  سنة 1922، والتي أفشلتها الحكومة العراقية بمعاونة الإنكليز،  أراد هو أن يُحققه، ويحقق حلم والده المرحوم الملا مصطفى البرزاني حين فشلت  جمهورية مهاباد والتي تأسست في أقصى شمال غرب إيران حول مدينة مهاباد والتي كانت عاصمتها، وكانت دُويلة صغيرة مدعومة سوفييتياً كجمهورية كردية أُنشأت سنة 1946 ولم تدم أكثر من 11 شهراً. على ما يبدو أن الحَلم الكردي لم يفارق الطفل مسعود الذي هو ولِد في جمهورية والده وعمه في نفس عام التأسيس المتعثر والقصير ، ولكنه فجأة استفاقَ فزعاً على صارخ الهاربين وازيز رصاص الجيش الإيراني، فقُتل من قُتِل وهرب من هرب ، وفرّ الأب بمعيّة مجموعة من البيشمركة الى الاتحاد السوفيتي في رحلة صعبة على طريق نيسمي وعّر.  مسعود وأخوته وأمه وعوائل عديدة عادوا الى العراق، وتم نفيهم الى البصرة وبغداد، وليتخيل القارئ الكريم كيف كانت حال عائلة متهمة بالتمرد والعصيان المسلح، وكيف عاملتهم الدولة أنذلك، وما وجهته من صعوبات ومآسي وذلٌ ومهانة في جنوب العراق ووسطه، حتى تعليم الفتى مسعود المتوسط لم ينهيه.   
على ما يبدو  تبددّ الحلم الكرديّ وحالت ألوانه الزاهية، الأحمر والابيض والأخضر، والشمس الصفراء التي تتوسطهم  إلى رايات باهتة تلهو به الريح كما تشاء.
وعند الفجر أفاق الحَالم على قبضات أيادي قوية تمسكه من رقبته تريد أن تقطع  الهواء عليه.

131
الدكتور والخالة مرتا
بقلم/ سلوان ساكو
يتخذ العنف والقتل في بعض الأحيان أشكال مُعينةًٌ وصور  مرعبة، نقف حيالها عاجزين عن الفهم، فاتحين أفواهنا من شدة غرابة المشهد وفضاعته، وفي ذات الوقت صدفته الغير منطقية.
ترقد العجوز الطيبة مرتا في إحدى المستشفيات الكبيرة، ويتمْ اجراء عملية معقدة لها في القلب،  ويُستبدل شريان كان قد أصبه العطب، بشريان آخر إحتياطي موجوداً في رجل الساق للأستعمل عِنْدَ الحاجة. تكللت العملية بنجاح كبير على يدْ جراح شاب قضى جلَ عمره في التعلم والدراسة، ليستفيد  بعد ذلك من هذا العلم وهذا الذكاء الكثير من الناس والمرضى، ويعيشون عمر أطول، ويبتعدون عن شبح الموت الذي كان يُخيم عليهم، ويعيش في حناياهم يريد أن يزهق هذه الروح. تُنقل الخالة العجوز مرتا بعد العملية إلى مشفى آخر، أصغر من الأول للنقاهة وأستكمال العلاج، ليتم بعد ذلك الخروج والعودة لأسرتها وأولادها وأحفادها.
 يأبى الطبيب الشاب المُتمرس إلا أن يُعايد مرضاه، ويُراجع بنفسه حالاتهم ويقف على مدى أستجابت القلب على قبول العضوّ الجديد في المضخة الخالدة. فيذهب إلى المشفى حيث تكون العجوز مرتا مرتاحة، ويطمئن عليها، ويجدّ الحالة مستقرة، والعضلة تدفع مزيداً من الدم والهواء لباقي الجسم فينعشه، يَرْبِت على كتفها بلطف وحنان، ويكتب في أوراقها الخروج بعد ثلاث ايّام، فتبتسم هي له بمودة وعرفان. يخرج الطبيب من الغرفة ليغادر المشفى، وعند الباب يقف ويستشيط غضباً من شخص أحمق معتوه، يُدخّن السكائر بشراها، فيصرخ به الطبيب أن هذا المكان غير مُخصص للتدخين وأن المشفى هو مكان لأمراض القلب وهذا العمل يُسيء للمرضى الذين هم في مرحلة النقاهة، فما كان من هذا المعتوه الجبان إلا أن نظر بازدراء للطبيب الشاب وعالجه بدون مقدمات بضربة قوية من كفّ يده، فيسقط الطبيب مصروعاً ميّت بدون حراك، كأنه قد فارق الحياة من وقت طويل. الحادث يسبب ضجة في الولاية ويقبض على الجاني ويُحاكم، ولكن بيت القصيد ليس في العقاب ولكن في الفعل الشنيع والتهور الغير مُبرر،
فبضربة يدّ طائشة قتل إنسان إنسان آخر ، وقضى على مستقبل طبيب كان النجاح عنوانه، والمفتاح لعلاج الأجسام، هكذا وبكل بساطة من أجل دخان يطير في الهواء أزهقت روح إنسان.             

132
المَثلية ومفهوم الحرية
بقلم / سلوان ساكو
تسعى دولة استراليا في الآونة الاخيرة الى تشريع قانون جديد يجيز للمثليين الارتباط رسمياً ، وبالتالي يكون لزماً على الدوائر المختصة من محاكم وبلديات وكنائس تطبيق هذا القانون والالتزام به.
 المثلي  أو المثليين Homosexuals ،  الذي كثر الحديث عنهم في الاعلام والسوشيال ميديا خاصة في الآونة الاخيرة ؟  وباتَ من الملح  ومن الضروري تسليط الضوء عليهم لرفع النِّقاب وكشف ما يحيطهم من غموض ، وعلى آيّ أساس تعتمد أفكارهم ومن أين بدأت وتبلورت هذه الأفكار، وكيف توصل الغرب الى مفهوم أو وعيّ أو صيغة أو نمط، بحيث  يتزوج أثنين من نفس الجنس ويتقبل المجتمع من حولهم ذلك بكل طيب خاطر ، وكيف وصل الامر في بعض الدول مثل الولايات المتحدة أن تجيز ذلك ، حيث يعتبر باراك اوباما أول رئيس أمريكي يعترف بزواج المثليين في سنة 2012.  والآن السِجّال دائر على أشده في الشارع الأسترالي لتشريع  قانون  يلزم المحاكم المدنية  بعقد القران وفرض الحالة على المجتمع بشكل عام. 
وجدَ الباحث والمنقب في حفريات الأركيولوجيا في بعض المجتمعات القديمة  من حياة الكهوف آي العصر ما قبل الزراعة والاستقرار أن هنالك بعض الرسومات على جدران تلك الكهوف مكونة من شخصان يتعانقان من نفس الجنس،  والباحث في علم باليوأنثروبولوجيا آي علم الانسان القديم سوفة يجد الكثير من الشواهد والطقوس لممارسات جنسية من نفس النوع. وحتى في الملحمة السومرية جلجامش نلاحظ نوع من الحب المثلي ( وليس بالضرورة أن يكون جنسي ) بين البطل جلجامش ملك أوروك وصديقه الوسيم أنكيدو بعد النزال بينهم. وفي بابل القديمة  كان هناك ظاهرة تسمى ( العهر المقدس) في معبد عشار للآلهة إنانا يحيث يمارسون الجنس بطرق خاصة.  وفي حضارة وادي النيل نشاهد الثنائي حنمحوتب ونيانخم مزيني قصر الملك ني أوسر رع سادس ملوك الأسرة الخامسة حوالي عام 2400 ق.م. حيث ساد الاعتقاد بأنهما كانا مثليي الجنس بناء على رسم لما يصورهما يتعانقان أنفًا بأنف في مقبرتهما المشتركة. وفي حضارة اليونان تكلم  الفيلسوف أفلاطون فى كتابه "‪Symposium‬" عن ذلك السلوك بواسطة حوار بين  فلاسفة عن معنى الحب "‪Eros‬" و تضمن ذلك الحب المثلي، وانتقد المثلية بوصفها غير طبيعية.
 وفي العصر العباسي كان معروف عن الخليفة هارون الرشيد أنه يجمع حوله الخصيان والغلمان وكان أبو نواس يمدح الغلمان ويثني على الجمال الخنثوي، وأيضاً أشعار المتصوف المشهور ابن  الرومي ، وفي عصر الصفويين في فارس 1501-1723 كانت هنالك بيوت خاصة لدعارة الذكور مرخصة قانونياً وتدفع ضرائب . فإذن الموضوع قديم جديد  وله جذور تضرب عميقاً  في كل الحضارات والمجتمعات بدون حصر . ولكن الموضوع  يأخذ بعداً أخلاقياً  تأسس على مفاهيم فلسفية كبيرة وأن كانت مستترة  خلف قناع الانسانية، فلا نستطيع   فهم الفكرة من الأساس دون العودة  الى مفهوم المصفوفة الاخلاقية خلال ما مرت به من تقلبات كثيرة ، والفلسفة بدورها لا تُفهم دون الرجوع الى غول الفلسفة كما يُقال  هيجل 1770-1831 الذي أساس مفهوم فلسفته على حرية الفرد، والذي كان هو بدوره  متأثر بجان جاك روسو 1712-1778،  حيث يمجد  هيجل الفرد الحر من منطلق أنه سوفة يصل الى المثال‫،(لأنها الهدف الأساسي للحياة  ومن خلالها يشعر الإنسان بقيمته وبجانبه الروحي لأنه يمارس العادات والتقاليد و الحياة الأخلاقية والقانونية من خلالها ). ‬وبعد ذلك نعود لقراءة فكرة فريدريك نيتشه 1844-1900  الذي أعطى فهم أعمق وأكثر جدلية بخصوص الحرية ومفهم الفرد، بدون أن يحدد ذَلِك بشكل مباشر في كتاب فلسفة الأخلاق الذي ترجمه للعربية الدكتور يسري ابراهيم، الذي نقد دور العقل في الفلسفة التقليدية ، وكتابه الثاني الأخلاق  والتحرر منها في آخر المطاف عبر Superman أو الرجل الخارق المنحل من الاعراف والتقاليد والعادات والاخلاق التي بُنيت عليها الانسانية عبر حقبة طويلة أراد هو أن ينسفها من الأساس، وأرتقائه بهذا الانسان الغير أخلاقي  للكمال المطلق، الذي قال أن الطبيعة الانسانية وغريزة حب السيطرة وإرادة القوة هي مكمن الأحكام التقويمية لا العقل. أن هيجل يتبنّى الى حد كبير وصف كانط للفرد الرشيد والاخلاقي ، لكنه يعتقد ان فهم كانط للفردية هو تعبير عن حقبة تاريخية محددة تتمثل بالعالم الحديث. ولهذا يُعتبر هيجل من اوائل فلاسفة الحداثة وخاصة الفهم الحديث للتاريخ، وفي ضوء صورة الفرد العالمي وظهور الفرد المتمتع بالحق الذاتي والحريّة الشخصية حتى في سلوكه العام وممارساته الخاصة. وقد عرض كانط في كتابه "الدين في حدود مجرد العقل" الصلة الوثيقة بين الأخلاق والدين، معتبراً أنّ الأخلاق ليست بحاجة إلى الدين من أجل قيامها، بل هي مكتفية بذاتها بحكم طبيعة العقل نفسه، وصحيح أنّ القانون الأخلاقي يفترض وجود كائن أسمى، ولكنّ فكرة هذا الكائن صدرت من الأخلاق دون أن تكون هي الأصل في ظهور الأخلاق ذاتها ويقول في دلالة خطيرة وعميقة، (إذا كان ثمة شيء يحق للإنسان الحديث أن يفخر به على سائر البشر السابقين؛ فهو إيمانه العميق بالحرية، بأنه كائن حر، لا يدين بقدرته على التفكير بنفسه، ومن ثمة على إعطاء قيمة خلقية لأفعاله أو لمصيره الخاص، إلى أية جهة كانت مهما علت أو بسطت هيبتها على عقولنا). بعد ذلك جاءت فلسفة جان بول سارتر 1905-1980، الذي سارت على نفس المنوال في تمجيد حرية الفرد في المجتمع دون اي عوائق وحواجز أخلاقية. من هذا الطرح السريع والإضاءات نستطيع أن نفهم أن الغرب اليوم، أميركا أوروبا استراليا ....الخ تسير على خُطى هؤلاء المؤسسين للفرد وليس للجماعة وتعطي أهمية بالغة للحرية وفق مفهوم الذات.  فأذا المسألة هي ديالكتيكية جدلية من الأصل ليست محددة بمفهوم الأخلاق الارضية التي وضعها الانسان وصار عبد لها. وصل الغربي الى هذه الفكرة عبر سجال طويل مرت بمراحل طويلة والذي تجلت في آخر الامر على هيئة حرية Freedomو ،إلانا ego ، والذات Self ،  تكون صادقة وتعبر بالضرورة على شخصية الفرد وذاته وتكون واعية بصدق دون مراوغة أو أحتيال عليها،  وهذا تطلب عمل شاق جداً ووعي وفكر مضني في أطار الموضوع  لانه ضد التيار وضد القيم السائدة وضد الطبيعة التي سارت في ركابها الحضارة من البداية وبنيت كل المفاهيم والتقاليد عليها تقريبا، وأزرتها ووضعت حجر الأساس لتلك القيم والتقاليد الديانات الشرقية بشكل خاص. وفي النهاية  تظل القضية بين مؤيد ومعارض  وتبقى مسألة المثليين موضوع معقد وشائك. 

133
الكلداني بين مَذْهبَيْنِ 
تشتتَ الكلدان في جميع أصقاع العالم ، خاصة بعد عام 2003 وسلسلة الحروب الطويلة والمستمرة الى اليوم، والتي سوفة تستمر الى أمداً بعيد. سافر وهاجر وهُِجر الكثير منهم، من كان طوعاً ومن كان بالاكَراهَ. في هذا الترحال التراجيدي المرير والشاق والمتعب، ظل الكثير مِّنْهُم ملتزم بطائفته وبعقيدته ومذهبه الكاثوليكي لا يحيد عنهم، ممارساً شعائره الكنسية الكلدانية إين ما وجد وفِي آي مَكَان، وهؤلاء كُثر بطبيعة الحال. ومنهم أيضاً من أخذته الأفكار  بعيداً  فابتعد عن محيطه ونعزل عن القطيع فأبحر مع الأمواج العاتية وذهب بعيداً، فبتعد رويداً رويداً عن منارة الإيمان. ومنهم من سَار وراء مذهب ديني مُغاير يبحر فيه بزورق من ورق،  وهم أيضاً كُثر، وهذا هو موضوعنا هذه المرة.
لو سئلتَ شخصً ما يتردد على الكنسية الإنجيلية في أمريكا أو استراليا أو كندا، ذوُ خلفية كلدانية ماذا تعرف عن هذا المذهب، وماذا تعرف عن عقائدهم  وطقوسهم، لجوابك  فوراً وقال  سهولة إصال كلمة الرب الى المستمع آي الشعب، التراتيل والمزامير الجميلة والمفعمة بالحب والإيمان ،البرامج الترفيهية ، موسيقى ، سينما ،مسرحيات ، سفرات عائلية، بالايضافة طبعاً الى الشاي والقهوة والوجبات الخفيفة. بمعنى أوضح يقول لك، لا يوجد تعقيد في الطرح الديني ، وسهولة شرح النصوص الإنجيلية، عدم التوغل في الماديات وطرح جدلية الاشتراكات والتبرعات والعشور والزكاة والتي أمست مشكلة الكنيسة الكلدانية خاصة في دول المهجر على حساب الكلمة والموعظة الهادفة، لأن ليس كل ما يُقال من على المنِبر هو هادف، والاهم من ذلك هو إشراك الشعب في الصلاة وليست محصورة بين الكاهن والشماس والباقين مستمعين، وهذا يدخل في نطاق الجذب والنفور للنَّاس. ولكن السؤال المحوريّ المطروح  ماهو مذهب الكنيسة الإنجيلية ، والاهم من كل ذلك ما موقفهم من حزمة العقائد الإيمانية ودرجة تمسكهم بِه، فيقف هذا المتحول حائراً بين هذا التخبط لا يُجدي جَوَاباً. وهنا لا بد أن أعطف قليلاً على موضوع  الجٌمل والدلالات اللفظية والعبارات المزدوجة ذات الطبيعة المغُايرة ، التي نظن أنها تعني عبِارة صحيحة لانها أضحت مترسخة  في اللاوعي ومع التكرار أصبحت شيء طبيعي، وَلَكِن في الحقيقة تعطي مدلول أخر تماماً، فمثلاً حين نصف فُلان أنه نبيه وذكي وعبقري نقول عليه انه شاطر، ويغيب عنا المعنى الأصلي للكلمة التي تعني لصْ أو ماكر، ومجموعة شَطار تعني مجموعة لصوص. أو سارت العادة أن نكتب في بطاقة التهنئة عبارة بالرفاه والبنين ، التي يذهب بِنَا الظن أنها جاءت من الرفاهية وعلوَّ الشأن وهذا غير صحيح قطعاً  فالصحيح هو بالرفاء والبنين وأصل كلمة رِّفاء دعاء للمتزوِّج بالالتئام والاتفاق وجمع الشَّمل وإنجاب البنين ،والرفاء هو التفاهم بين الزوجين وان يكون لهما افكار متقاربة، وقس على ذلك الكثير من المصطلحات التي لم نضبط دلالاتها المعرفية فأصبحنا نتخبط في لغوَّ من الأخطاء الكثيرة والتي أصبحت مع مرور الوقت من المُسلمات والبديهيات.   
أولاً الكنيسة الإنجيلية التي نحن بصددها، هي على المذهب البروتستانتي، والمذهب هو مجموعة الآراء والأفكار التي يراها أو يعتقدها إنسان ما، حول عدد من القضايا منها الدينة والعلمية والسلوكية والفلسفية، أرتبط بعضها ببعض أرتباطاً يجعلها وحدة منسقة، والاسم   هو البروتستانت، وليس البروتوستانت أو (البروتوستانتية) كما يخطئ البعض ويقول. والكلمة أصلها الإنجليزي هو: Protestant من كلمة Protest أي يعترض، فيصبح المعنى هو المعترضون أو المحتجون،يُطلق عليهم أيضًا الطائفة الإنجيلية، أو الإنجيليون (الإنجيليين). قام بهذه الحركة الإصلاحية الكبيرة من مارتن لوثر (1483-1546)، الذي كان راهبا أوغسطينيا، ومُدرِّساً للاهوت وحاصل على شهادتي دكتوراه في أصول الدين والكتاب المقدس، على أثر خلافات عديدة مع البابا ليون العاشر وأمنة سر الفاتيكان ، فأعلن عن مجموعة إصلاحات نشرها في عام 1517،والمؤلفة من خمس وتسعين نقطة تتعلق أغلبها بلاهوت التحرير وسلطة البابا في الحل من "العقاب الزمني للخطيئة، وصكوك الغفران. لا يتوانى المؤرخون عن الإشارة إلى جون كالفن (1509-1564) وهولدريخ زوينغلي (1484-1531)،  الذين أضافا الكثير على الحركة اللوثرية.  يتوزعون البروتستانت بالمجمل على ثمان عائلات ،وهي الأدفنست أو السبتيون، لوثرية، الإنجيلية،  والأنجليكانيّة، والمعمدانيّة، الكالفينية ، الميثودية، والمورمون. هذا هو الإطار العام لحركة الإصلاح الدينية ،ولكن يتسائل الكثير من الناس ما هو الفرق اللاهوتي والعقائدي بين المذهب الكاثوليكي والبروتستانتي ، وما سبب رفض الأخير للكثير من المعتقدات.
 يعتقد  البروتستانت مثل الكاثوليك بانبثاق الروح القدس من  الآب والابن وهذه العقيدة هي عقيدة التثليث ، من أقانيم الله الواحد، مع أقنوم الله الآب وأقنوم الله الابن ، وهذا شيئ أساسي وجذري وجوهري في العقيدة ومهم جداً. والاقنوم مشتق من السريانية قنوما وهي إحدى طبائع الله، تحمل عدة معاني ، طبيعة ، ذات، كيان، ماهية.
لا يعترف البروتستانت بأسرار الكنيسة السبعة وإن وجد عندهم شيء من ذلك، لا يسمونه سرًا. مثال ذلك، يوجد زواج  عندهم، ولكنه مجرد رابطة أو عقد بين اثنين، وليس سرًا كنسيًا. توجد عندهم معمودية ولكنها ليست سراً كنسياً، ويسمونها فريضة، ولا يؤمنون بكل فاعلية المعمودية، ولا علاقة المعمودية بالولادة الجديدة، وبالتبرير وغفران الخطايا، وهكذا تتحول المعمودية في البروتستانتية إلى اسم بلا مفعول، وكأنها أصبحت مجرد علامة أو مجرد طقس، بينما هم لا يؤمنون بالطقوس. ومع كل ذلك ليس كل  البروتستانت إيمان واحد في المعمودية، فمنهم من يوافق على معمودية الأطفال، ومنهم من يوافق أن المعمودية يجب أن تتم  بالتغطيس، مع أختلافات أخرى مُتشعبة في بعض الأحيان.
لا يقبلون الكهنوت، فهم إما ينادون بكاهن واحد في السماء وعلى الأرض، هو يسوع المسيح، دون أي كهنوت للبشر، وإما أن يقولوا إننا جميعًا كهنة، ولا فارق في ذلك بين إنسان وآخر، ومن يدعى (قسًا) من الطوائف البروتستانتية، لا يقصد به أنه كاهن، إنما هذا لقب يعنى عندهم أنه خادم أو راع، أو معلم، وليس كاهنًا يمارس الأسرار.
البروتستانتية ضد الطقوس، وبالتالي لا يعترفون بأية ليتورجيات كنسية ( صلوات طقسية).                                 
لا يؤمنون بالاعتراف ، ونقصد عدم إيمانهم بالاعتراف على الآباء الكهنة من جهة، لأنهم لا يؤمنون أصلًا بكهنوت البشر، ومن جهة أخرى، لأنهم يرون أن الاعتراف على الله مباشرة دون وساطة بشرية، ويتبع هذا طبعًا، أنهم لا يؤمنون بالتحليل الذي يقرأه الكاهن على رأس المعترف، ولا يؤمنون بسلطان الحل والربط جملة.
في البروتستانتية لا توجد قداسات، ولا ذبيحة إلهية، ولا يؤمنون باستحالة الخبز والخمر، إلى الجسد والدم الأقدسين، وهكذا لا يوجد تناول من هذه الأسرار المقدسة، وكل ما يفعلونه لتنفيذ وصية الرب (أنجيل لوقا 22:19) هو احتفال في بعض المواسم، فيه كسر الخبز، لمجرد الذكرى، ويدعون ذلك فريضة وليس سرًا كنسيًا.وهكذا فأنه لا يوجد مذبح في الكنائس البروتستانتية، لأنه لا توجد ذبيحة...يستثنى من ذلك الأنجليكان (الأسقفيين)، فعندهم مذابح وقداسات، ويؤمنون باستحالة الخبز والخمر إلى الجسد والدَّم.
لاوجد لنظام الرهبنة، إلا عند الأرثوذكس و الكاثوليك، أما الرهبنة فلا وجود لها في البروتستانتية، وكل رتب الخدام متزوجون. لا يؤمنون بشفاعة الملائكة، ولا العذراء، ولا القديسين، ولا شفاعة الموتى في الأحياء، لا وساطة إطلاقًا بين الله والناس. وهذا يقود إلى نقطة أخرى وهى، لا إكرام للملائكة ولا للقديسين، فلا يحتفلون بأعياد القديسين، وهذه  تقود بدورها إلى محل أخرى أبعد وهى عدم الإيمان والاعتقاد بوجود صور وأيقونات في الكنيسة، ولا بإيقاد شمعة أمام صورة أحد القديسين، ولا بنذر ينذر على اسمه، فهذا نوع من طلب شفاعة، وهم لا يؤمنون بالشفاعة.
لا تبنى كنيسة على اسم ملاك، أو شهيد، أو قديس، ولا تتسمى باسمه، إنما قد تتسمى الكنيسة، باسم المدينة نفسها التي فيها الكنيسة ،  مثلاً كنيسة أرض الملجأ أو الكنيسة الإنجيلية  الوطنية ... الخ.
لا يؤمنون بدوام بتولية العذراء ، بل يعتقدون أنها تزوجت بيوسف النجار، وأنجبت منه بنين، عرفوا باسم "أخوة يسوع" (إنجيل متى 13: 55، 56). ولا يكرمون العذراء، وكثيرًا ما يلقبونها باسم "أم يسوع"، ولا يوافقون على عبارة "الممتلئة نعمة" (لوقا 28:1)، بل يترجمونها "المنعم عليها"، وينكرون صعود جسد العذراء إلى السماء، الأمر الذي يعتقد به الكاثوليك ، ولا يحتفلون بأي عيد من أعياد السيدة العذراء.
 ينكرون الأبوة الروحية ،فلا يدعون أحدًا أبًا، ولا قسًا، ولا أسقفًا، معتمدين على فهم خاطئ لقول السيد المسيح للآباء الرسل: "لا تدعوا لكم أبًا على الأرض" (متى 9:23).
عقيدة الاختيار ، وفيها يؤمنون بعقيدة وَهِي، اختيار الله البعض للخلاص، منذ الأزل، وعلى مبدأ النعمة المطلقة، وعلى مبدأ سلطان الله المطلق. وكما يقولون: "أن الله بمجرد مسرته قد اختار منذ الأزل بعضًا للحياة الأبدية... فرز الله لبعض من الناس، وتعينهم بالقضاء الإلهي للحياة الأبدية.
كثير من المذاهب البروتستانتية، تؤمن باستمرار موهبة الألسنة، ويعتبرونها دليلًا على الملء بالروح، أو دليلًا على قبول الإنسان للروح القدس، والبعض يقبل وجودها، وانتشارها، ولزومها، ولكن ليس للكل. تتميز تعاليمهم بالمطلق بالتشديد على المعنى الحرفي لنصوص الكتاب المقدس، الذي يعتبرونه المصدر الوحيد للإيمان المسيحي.
 أخيراً كانت هذه بعض الإيضاحات  السريعة، سلطنا الضوء فيه على أهم ما يحيط بالمذهب البروتستانتي، مُتجاوزاً بذلك اللغوَّ الفارغ متحكما بالعلم والمراجع، لكي تصل الفكرة بشكل واضح ومُبسط. 






المصادر :-
الكتاب المقدس
 اللاهوت المقارن، قداسة البابا شنوده الثالث  (1923-2012) / كتاب.   
الألفاظ والاساليب : مجمع اللغة العربية/ القاهرة.
الموسوعة الميسرة، والموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة. 

134
ريان وزوبعة في فنجان 
أثرتُ حقاً أن لا أكتب آلا بمرور بعض الوقت وذلك لأطفاء نوع من المنطق للحالة المطروحة ، والتي طال السجال حولها، واستبيان مواقع الخلل والضعف فيه من زواية عدة. كنتُ في مقال سابق شرحتُ وبالتفصيل أسباب تعثر وتخبط وفشل  تشكيل نوع من قوة خاصة بالمسيحيين ، أو نوع من الميليشيات المسلحة اذا تصح التعبير، وأوعزت ذلك الفشل الى قلة الخبرة، ضعف الولاء والإيمان بالقضية، تشتت القيادة الصادقة الحكيمة اذا وجدت أصلاً، تبعية القادة المسيحيين الى قادة أحزاب أخرى لها كلمة الفصل في أتخاذ القرارات، تحدهم مصالح شخصية وضيق في الأفق ، توغل حزب البعث قديماً في قمع كل التيارات المناهضة له وإجهاض آي مشروع أو نشاط سياسي داخل الوطن ، مما أدى الى تهشيم الأفكار والطموحات على صخرة الواقع الصلبة. والكثير من الأسباب والتي ألات في أخر المطاف الى هكذا نهاية سريالية.
فصيل أو فوج بابليون المسلح، الذي يقوده المدعو ريان سالم الكلداني، هو أحد تشكيلات الحشد الشعبي الشيعي، الذي تأسس بعد سيطرة تنظيم داعش على جزء كبير من شمال وغرب العراق عام 2014 بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية من مدينة النجف، بعد أن أخذت الموافقات من ملالي طهران وقمْ طبعاً، وبأشراف مباشر من  قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. صحيح إن الفوج كان موجود قبل الحشد الشعبي ولكن دون فعالية تذكر. أن الفوج الرياني هو شيعي بالأصل ، ومذهبي النزعة بامتياز،  ولا صلّة ألبتة  له بالمسيحيين  غير الاسم  فقط، والذي شارك في دعمه مادياً وتسليحه  وأضهاره على العلن  هو رئيس الوزراء العراقي السابق جواد نوري المالكي اللص الكبير من أموال السرقة والاختلاس والسطو على البنوك في وضح النهار. حينما صرح المدعو ريان أنه سوفة يأخذ بثأر مسيحي الموصل من أحفاد يزيد ،فهو يأُجج الطائفية،  ويخلق مناخ مشحون بنزعة دينية وحرب أهلية تُنذر بسوء، لا حاجة بالمسيحين الباقين في الداخل  لها الان  خاصة في هذه الظروف الصعبة والمفصلية من التاريخ . هذا من طرَف، من طرف أخر أن الديانة المسيحية تحمل في طياتها قيم  إنسانية عالية ، لا تتماه مع العنف السائد مهما حاول البعض إدخال العنف عليها. وهذا يَصْب في صلب العقيدة والتعليم  المسيحي الحقيقي، حيث لا وجود لمبدأ الأنتقام والقتل والثأر  (لكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، (إنجيل لوقا 6: 28) بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ). هذه ليست كلمات أنشائية تُقال في موعظة قداس يوم الأحد، ولكن هي المتوّن الأصلية التي جاء وبشر  به السيد المسيح على هذه الأرض، والتي تشكلت على أساسه  الدينة المسيحي على مدار 2000 عام ويزيد. فالموضوع ليس ريان الكلداني ولا سلمان التكليفي ولا غيرهم الذين يبتغون الصعود على جماجم الناس، وسرقة المال العام ، ذويْ الأيادي القذرة الملطخة بدماء الأبرياء ، حالهم حال داعش والحشد فهم وجهان لعملة واحدة صكها الارهاب. يأتمرون بقادة الأحزاب الشيعية الكبيرة ، وهم رهنْ إشارتهم ، يصرحون بما يريدون وفِي آي وقت كان ما  تقرره هذه الأحزاب أو المرجعيات. ليفهم ريان وسلمان أن الوقت حرج والشعب  المسيحي في الوطن يمرّ بمنعطف حرج ، وهو الان في عنقْ الزجاجة يحاول الخروج بكل الوسائل المتاحة ، بعد أن بدأت تحرر مدنهم وقراهم، وبدأت تدب الحياة فيها ولو بوتيرة بطيئة، وأعادة رسم خارطة طريق جديدة بعد كل الدمار والخراب والمأسي والويلات التي لحقت بهم، خاصة خلال الأعوام الثلاث الاخيرة.  فلا يدعي أحد الوصية أو المسئولية عليهم، أو يدافع عنهم من منظوره الضيق الغبي ، يتحدثون ويصرحون بما لم ينزل الله بها من سلطان. الناس لها نصيب  من الهَم  والحزن والالم ما يكفي قارات بأكملها فلا يزيد عليهم أحداً. 

135
ماذا تبقىّ من علمانية البعث
نعرف أن الولاءات والالتزامات والمبادئ الحزبية تتغير مع تغير الزمان والمكان والظروف المُحيط بكل هذا. فمثلاً نشاهد شخص شيوعي ماركسي  في بدايته ثم ينقلب الى يميني متُطرف ، وآخر كان يساري يحمل لواء الثورة، ويُنظر لها في كل توجهاته وافكاره ثم فجأة ينقلب الى محافظ  ملتزم. وهذا متداول ومعروف في عالم السياسة ويعتمد أيضاً على المناخ  والجوّ السياسي الذي يُحيط بهذا البلد أو ذلك. ولكن الغريب حقاً أن حزب ذوُ منظومة علمانية كبيرة وتوجهات يسارية  تحمل في طياتها فكر لأبرز المنظرين للعلمانية من شعراء وكتاب ومفكرين في حقبة الستينيات والسبعينيات ومتلاها ، تنحرف أنحراف كبير ، وتنجرف بشكل سريع الى هاوية التطرّف. وذلك ما حدث لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث تمْ تفريغ محتواه وأيدلوجيته وفكره من العنوان الرئيسي وهو الاشتراكية الى عنوان آخر بعيد كل البعد عن مساره العام. وهذا ما لم يحدث لأحزاب كبيرة  واجهت الفشل والإخفاق في مسيرتها، ولكن ظلت ملتزمة بنفس السياق ،كالحزب النازي الألماني والحزب الشيوعي السوفيتي الذين حافظوا على أيدلوجيتهم وتوجهاتهم  مع تحطم عجلاتهم  وأنحسار مدهمْ ، ولكن ظل الفكر كما هو. حين وصل البعث الى سدة الحكم في العراق سنة 1968 كان هناك رهان قوي على انه سوفة ينجح لتوجهاته وتطلعاته الليبراليّة، والتي كانت سائدة في ذلك العصر بشكل كبير، حيث كان المواطن العادي يُشاهد تجلياتها في كل زاوية من الحياة العامة. فدورّ السينما تعرض أفلام ذات مغزى ادبي عميق، والبارات متواجدة بكثرة  والنوادي الليلية تفتح ابوابها الى ساعات الفجر الأولى. والضابط والمحامي والطبيب والأديب والمهندس يستمتع هو وعائلته من خلال نقاباتهم نواديهم التي كانت تعطي الكباب مع البيرة في جو يتسم بالانفتاح . وفِي مناهج التعليم خاصة المرحلة الابتدائية، آي مرحلة التأسيس للطفل ، حيث وضع المفكر القومي الكبير ساطع الحصري كتاب القراءة الخلدونية التي لم يحتوي على آي ذكر ديني ، لا أسم محمد ولا مكة ولا المدينة ولا قريش، بل يذكر التاريخ انه كان رافض بشدة تشييد مدارس دينية على الأقل حين كان مسؤول في وزارة المعارف. وفي الكليات والجامعات كان هناك توجه يساري سائد.
فِي المقابلة الاخيرة مع البعثي الكبير عبد الباقي السعدون سنة 2015 قال ( في سنوات السبيعنيات صدرت تعليمات مباشرة من صدام حسين تنص أن على الرفيق البعثي أن يحتسي الخمر ولا يصلي ،باستثناء عزت ابراهيم الدوري وذلك لأسباب صحية). الغريب في الامر كيف تحول كل هذا الى أقصى درجات التطرّف الديني والقتل والارهاب،  حيث لا يخفى على احد أنخراط عدد كبير من الرفاق بمستوى عضو فرقة فما فوق في صفوف التنظيمات الإرهابية خاصة في المناطق السنية كالموصل والرمادي مع داعش والقاعدة وجبهة النصرة وغيرهم . السؤال الأصلي ليس على صعيد الأفراد فهذا أوضحناه في بداية المقال،  ولكن الأهم على صعيد منظومة الحزب ككل، الذي كان في وقت ما يمسك بزمام بلدين العراق وسوريا. وربما قائل يقول أن رياح  التغيير هبتْ مع انطلاق الحملة الإيمانية سنة 1994 التي دعا أليها صدام حسين ، ولكن هذه تظل مرتبطة بحالة مرحلية مشروطة بظرف خاصّ تطلبت  هكذا رؤية. بعبارة أدقْ نقول ، كيف أن حزب بأكمله يختزل منضوره الثقافي تحت مظلة العلمانية وينزوي ثم يفشل في تطوير أدوات الهيمنة الثقافية كغطاء لإرجاع منظومة الاشتراكية التي نادى به طوال أعوام من مسيرته الطّويلة !. وهكذا فلم يبقَ شيء يتكئ عليه البعث الان بعد أن فشل بشكل كبير في بلورة بديل للرؤى والأفكار اليسارية ، وأصبح  محكوم  بقيادة تُنادي بالسلف الصالح والوهابية  والطرق الصوفية والدروشة. ففقد بالتقادم كل خصائصه التي نشأ عليها، وخطّ مفكرين علمانيين كبار أدبياتها، مستلهمين قواعدهم من الثورة الفرنسية.  في كل الأحوال أنتهى بريق الامس بسلسلة من الإخفاقات كانت كفيلة بمحو كل الماضي وجعله يضمحل ويزول مهما حاول البعض تجميل الصورة.   
 

136
 سيدي المطران دموعكَ غالية
قبل إيام قليلة أرسل أحد أصدقائي فلم قصير عن منزلنا في مدينة الموصل حي البكر في الساحل الأيسر، كان البيت قد تحول الى خراب من الداخل ، ومنهوب من كل محتوياته وأثاثه، وأثار الاطلاقات النارية الكثيرة  على الجدران حولته الى لوحة بشعة  تقطر دماً ، كأنه لم يعد ذلك المنزل الذي كنت أقطنه، وبات غريب وحزين وكئيب، المهم هو هذا الذي حصل معي ومع الكثير من الناس المسيحين وغير المسيحين ، وهذا هو ثمن الحرب الذي يدفعه الشعب المغلوب على أمره في جميع الحالات، فلم أُبالي كثيراً، مع أنه ضلّت هناك حسرة في أعماقي تشُدني الى مكان طفولتي ،وذكرياتي، وغرفة دراستي وحديقتي، ولكن عزيتُ نفسي بقليل من الأمل الباقي أنه يأتي يوم يعود الحقْ الى أصحابه الحقيقيون .لكن ألمني كثيراً وحزَ في نفسي ، وأسال الدموع من أحداقي، بكاء سيادة المطران مار نيقوديموس داؤد شرف ريئس أساقفة الموصل للسريان الأرثودكس، بحرقة وألم كبيرين وهو في وسط كنيسته في حي الشرطة المجموعة الثقافية ، بعد أن حررتها القوات العراقية من براثن تنظيم داعش، والتي تحولت الى حُطام حقيقي بمعنى الكلمة ، حتى الجدران نُزعت عنها البلاط، نُهبت بالكامل ، والأرض أصبحَت ساحة معركة لا كنيسة في وسط محافظة كبيرة . دخل ذلك الأسقف الجليل الى كنيسته والذي قبل سنوات قليلة رسُم به أسقفاً للموصل وتوابعها، دخل وهو يتكئ على عكاز الرعية  كأنه يقول لم تعد قدمايا تحملني من هول المنظر وحجم الدمار، أطرق برأسه الشامخ الى الأسفل يتذكر ذلك الزمان الذي كانت فيه الكنيسة ودار المطرانية مأهولة بالمؤمنين والرعية والنَّاس ، يُعيد شريط الفلم الى الوراء  فيتذكر زيارة الباطريرك الراحل مار إغناطيوس زكا الأول عيواص لمدينته الأم بعد غيب طويل ، يَرنُو الى نشيد الحزن بقلبً فطور كمْ وكم أسقف وكاهن وشماس مرَ من تحت هذا الباب الذي تهدم الان، فتسيل الدموع مدراراً كأنها كانت تنتظر هذه الساعة الأزلية لُتعبر عن ذاتها محصورة بين العين والقلب ، تنوء تحت ثقل المسؤولية الكبيرة و الرعية المُشردة في داخل الوطن وخارجه. في تلك الوقفة التاريخية بين الحديد والنار الحجارة والكلسْ المبُعثر والمطحون باقدام زُمر أرهابية ومجاميع تكفيرية، يتذكر أبناء الرعية أين حلَ بهم المقام بعد هذه السنوات العِجاف،  وكيف يعودون وقد أمست ديارهم خراب، وكنيستهم التي كانت تحتضنهم في السراء والضراء أطلال ، وهم الذين بنوها بعرق جبينهم وعلى حسابهم الخاص والاهم من ذلك مداواة  النفوس المجروحة بعد كل هذا. من يُعيد بناء ذلك الصرح الكبير ، ومن يُعيد ذلك الشعب المسكين  ويحميه ، من يرسم تلك الابتسامة البريئة على وجوه الأطفال وهي تلعب في باحة الكنيسة أيام الآحاد، من يُعايد من في الأعياد والمناسبات ،ومن يُِعزي من في قاعة التعازي، من يستقبل من في دار الضيافة التابع للمطرانية حين كان يستقبلنا بكل حفاوة وكرم سيادة المطران  صليبا شمعون. ماذا تبقى بعد من كل هذه الذكريات والايام الخوالي، أظن أن الأسقف الجليل قد دارت في خاطره كل هذه اللحظات السرمدية الفارقة من عمره وعمر وعمقْ المكان هذه الأسئلة الكبيرة  والتي لا إجابة لها الان.

137
المنبر الحر / محسن وبوش الأبن
« في: 00:08 04/02/2017  »
محسن وبوش الابن
في بحثي على منبر الجزيرة الالكتروني المختص بالشأن الثقافي العربي والعالمي ، قرأت بالصدفْ موضوع عن كاتب وقّاص  عراقي عاش ومات في محافظة الناصرية جنوب العراق. وتبين في بحثي عنه عبرَ ال Google  انه رائد من روّاد القصة القصيرة ، والروية ، والمسرحيات ، وتُرجمة أعماله الى عدة لغات ، ولكن ومع الأسف الشديد  ظل هذا المبدع  منسي الى أن وفته المنية مريض مكسور الجناح. والأكثر غرابة أن محسن الخفاجي أُعتقل وسُجن في سجن بوكا اكثر من ثلاث سنوات وهو بريء، فالصدفة وسوء الحظ الذي يلازم المثقف العراقي جرته الى ذلك المعتقل الرهيب في أقصى البصرة حيث قال( حتى السحابة بكت لإجلي). ويُضيف إذا وصلت إلى بوكا فتذكر أنك في الوادي المقدس؛ هنا تعذبت أرواح، وتوقفت أعمار طوقها الغزاة بسيل رصاص متواصل”، ثم يعدد عذابات السجناء من قتل برشقات رصاص، وحياة مهينة مع الذباب والفئران والعقارب. كان محسن  يتقن اللغة الإنكليزية من والى العربية ومترجم لها وقارئ نهم لأهم المؤلفات العالمية. في تلك السنوات وحين حطت القوات الأمريكية في الناصرية، ذهب القاص عن طيب خاطر وحسن نية لتقديم خدماته كمترجم لهم ، فتهموه بالارهاب ودعم المقاومة، وكانت الخلاصة أعتقال وألم ومرض ،أنهكته ثمَ قتلته ، وتجربة مريرة خرج بعده مكسوراً ومحطماً من الداخل والخارج. كتب عن تلك الفترة مجموعة قصصية بعد أن خرج تحت عنوان ( حمامة القنصل) وهي مفارقة إنسانية بين سجناء يعيشون في ظروف قاسية جداً وبين جنود الاحتلال. يقول الخفاجي ( هذا الزيف، ينبغي أن تعرف الأجيال هذه الجرائم التي لحقت بأبرياء لتتم محاكمة جثثكم في المستقبل) . وفِي مكان اخر يقول (ما أشبهني بخروف مزقته السّكاكين).
هو محسن الخفاجي من مواليد الناصرية عام 1950 بعد تخرجه من دار المعلمين عام 1967 عمل معلما حتى تقاعد في 1996. له العديد من الاعمال :- سماء مفتوحة إلى الأبد – 1974) و (ثياب حداد بلون الورد- 1979) و (طائر في دخان- 1996) و (إيماءات ضائعة – 2001). روائيا، اصدر الروايات التالية: (وشم على حجارة الجبل- 1983) و (العودة إلى شجرة الحناء- 1987) و (يوم حرق العنقاء- 2001).  (النازي الأخير وايفا براون- قصص) و (بيضة الغراب- رواية) و (حب اسود- رواية) و (دموع ذهبية- قصائد) و (لو كانت للأبد نهاية- رواية). حصل على جوائز منها جائزة الإبداع عن الكتاب القصصي إيماءات ضائعة 2001 – وزارة الثقافة والإعلام) و الجائزة الأولى عن القصص (الحافة 1968، اليوم الخامس في وادي الشمس 1983، و ميتة ذهبية في طروادة 1999، يوم حرق العنقاء –رواية- 2001).. كما حصل على ست جوائز تقديرية في القصة بين 1983 و 1989.
انطفأ بريق هذا الكاتب المبدع  هو مصاب بشلل نصفي أقعده طريح الفراش يتكئ على عكاز ، في  سبتمبر من عام 2014 في بيت قديم  كل ما يملكه من حُطام هذا العالم. وتظل رسالته الى الرئيس جورج بوش الابن نثراً مفعماً بالمعاني والشجون والغبن الذي طاله وهو من خلف القضبان الغليظة ينُاشد العالم. وهذا نص الرسالة:-
أيها الرئيس
أنا لست الفوهرور ولا وطبان أو علي كيماوي ولست موسليني أو بن لادن. أنا كاتب قصة ومحتسي شاي جيد وصانع حلم ورغبة وبها قدمت إليكم عساكم تستفادون من رؤى مخيلتي لإسقاط بعض أوهام المجيء إلى العراق.وفجأة وجدت نفسي مرميا في قفص من الأسلاك الشائكة. لا أريد أن اصف أيام الاعتقال الأولى فهي أكثر من محنة غير أنني بعد كل هذه الأزمنة الطويلة والتي اكتوت بها عذابات روحي لأقاد إلى شيخوخة مبكرة أقول أنا برئ سيادة الرئيس. لا امتلك من الذنوب ما أسيء به ألي البنتاغون والصقر النيفادي وليس في نيتي النظر شزراً إلى تمثال الحرية. أريد أن أعود إلى حضن وطني ومثل نوارس بلادي أريد أن أتمتع بحرية الطيران. بقيتم أم غادرتم هذا أمر مابات يعنيني هنا لأنني في قفص وذاكرتي مشدودة إلى تعداد الصباح والمساء. في خارج المعتقل هناك من يعنيهم هذا الأمر وأنا احلم مثلما يحلمون وأتمنى أن لا يصيب أحدهم ما أصابني من عزلة وقهر وكآبة.
سيادة  الرئيس
أنتظر أن تصلك رسالتي. وانتظر لأحد الطيبين والشرفاء الكثر في هذا العالم أن يترجمها ويوصلها إلى مكتبك البيضاوي بعد أم تمر خجلة بممرات البيت الرئاسي وترفع قبعة الاحترام لصورة الرئيس ويلسن صاحب مبادئ حقوق الإنسان الشهيرة وهي موجودة في القاعة الرئاسية الزرقاء وحتماً سيهب معها متضامنا ويدون بيد مرتعشة ورقة توصية من رئيس جد إلى رئيس حفيد وحتما ستتعامل معها بجدية وتقول: أطلقوا هذا الطائر من قفص.

القاص والروائي العراقي محسن الخفاجي سجن بوكا الثالثة ظهرا / المدينة العراقية أم قصر.

138
لمن تقرعْ أجراس الكنائس في الموصل
تتحرر الأحياء والمناطق في الساحل الأيسر من محافظة الموصل تباعاً ، ومعها أيضاً الكنائس ، التي أصبحت اطلال وخراب وأثراً  بعدَ عين. يتجول الأب كوركيس بنيامين المدبر البطريركي للكنيسة الشرقية القديمة ، ويزور كنيسة مريم العذراء في حي الشهداء التي هي في ذات الوقت دار مطرانية موصل ودهوك، يسيرّ القس في مُحيط كنيسته التي حولها تنظيم داعش الإرهابي الى آنقاض ودمار ،  وعاثَ فيها فساداً وفجوراً ، وأستباح المقدسات،  فأمست الحدائق الغناء في الماضي والكنيسة الواسعة ،  الى وكر لصناعة الارهاب ومصنع لتفخيخ السيارات والعبوات الناسفة ، حتى قبر المطران توما درمو لم يسلم من التخريب والدمار، والاستهتار والعبث طال الأحياء والأموات.
تتجول عدسة الفضائية العراقية في كنائس برطلة والحمدانية،  والتي حولتها المعارك بين الجيش وقوات التحالف والحشد الشعبي وبين تنظيم الدولة الاسلامي الى بقاية حَجر مبُعثر ، بعد أن كانت قبل سنتين ونصف مأهولة بالناس ويمارسون طقوسهم ومناسباتهم الدينية بكل حرية ، لمن سوفة تقرع الأجراس مجدداً. دير مار كوركيس في الحي العربي على الساحل الأيسر من المدينة، كان الى زمن قصير مضى، عامرً بالرهبان ،الشباب والكبار ، وملتقى العوائل المسيحي مساء الجمعة والأحد، خاصة بعد أن قامت رئاسة الدير ببناء سُوَر عالي يُحيط المكان من كل الجهات فأصبح مزار ديني ومرفق أجتماعي وترفيهي، كان فسحة للناس لقضاء أوقات جميلة. هل تعود حركة التاريخ الى الوراء مجدداً وتقرع الأجراس.  تتحول كنيسة الطاهرة في حي الشفاء على الساحل الأيمن من المدينة ، الى سجن ومعتقل، وفِي ساحتها تُنفذ الاعدامات والتصفيات الجسدية  بالأبرياء والعُزل، مع انها من اقدم كنائس الموصل ، وقريبة من قلوبهم لِمَا  لها من مكانة خاصة . هل تقرع مرة ثانية نواقيس كنيسة ومدرسة أم المعونة في منطقة الدواسة ،والتي بناها كلدان الموصل سنة 1945 شكراناً للرب والسيدة العذراء لانتهاء الحرب العالمية الثانية وانقشاع تلك الغيمة السوداء عن مدينتهم الحبيبة، والاهم من كل هذا لمن سوفة تقرع النواقيس بعد أن عرفت الخفافيش طريقها وطيور الظلام أوكارها وأشباح الليل مخابئها. من يضحك ومن يبكي ؟ الحكومة والجيش والشرطة الاتحادية  التي لم تصمد امام ثلة من اللصوص والمجرمين المأجورين من دول أخرى فولت هاربة تَجر أذيال الْخِزْي والعار وراءها، ولم تستطيع حماية نفسها ومواطنيها وعددهم يُحصى بالالف، ويقف الآن كبار الضباط والرتب العسكرية في باحات الكنائس ويتحدثون من وراء المكرفونات فرحين بِمَا حققوه من انتصارات.
هل تعود الحياة الى سابق عهدها في تلك المدينة التي لم تلملم يوماً جراحها النازفة ؟، من ذلك الذي يخففّ عنها سدفات الحزن والألم، وهل يظل مشروع العودة  حلم بعيد المنال  وقبساً من سراب ،والسؤال الأخير من يحمي من ، ومن يقتل منْ.     
   

139
المشكلة ليست في السهل بل في العقل
قبل ثلاثة سنوات ونِيفْ ، وحين كان الصراع محُتدم على سدة السلطة في بغداد ، أراد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إستمالة المكون المسيحي في البلاد، وكسب أصواتهم وثقتهم في الخارج والداخل ، فأطلق مبادرة شيطانية قديمة جديدة تُعرف  بسهل نينوى أو محافظة للمسيحيين، تكون على تخوم الموصل والقرى التابعة لها يديروها بحكم ذاتي ، فهلل الناس البسطاء الحالمين ببعث دولة آشور ونمرود من بين أنقاض التاريخ  بهذه المبادرة والتي لم تكن أكثر من مبادرة مزيفة وراءها مصالح حقيرة من مسؤول سافل وفاسد على أعلى هرم السلطة في العراق. وقامت الأحزاب والتنظيمات المسيحية بالتنظير لهذا المشروع ، بل ذهب البعض الى رسم خرائط تُبيَّن حدود المحافظة والى أين تصل وتمتد، وبثوها على المواقع الالكترونية والإنترنيت ، على أساس انه خلال أشهر قليلة سوف يكون لذلك المسيحي المُشرد والمنفي والمهُجر أن يحطّ رحاله اخيراً في أرضه ويستريح بعد عناء طويل تكبده، على بسيطة  تكون له هو، حر التصرف فيها ، وندفع  وراء هذا الوهم الكثير ، وسار وراء السراب أكثر. وفِي يوم من تلك الأيام التعيسة  سافر رئيس مجلس النواب العراقي السابق الثعلب أسامة النجيفي الى أميركا في زيارة رسمية ، والتقى بوفود وممثلين من أبناء شعبنا هناك ، وجاء الحديث عن السهل المزعوم فنبرى احد الأشخاص الطيبين المفتونين بأمل زائف وظل يدافع عن سهل نينوى  وعن محافظة خاصة للمسيحين ، وعلى ما يبدو تحمسَ قليلاً  وأخذته الحمية فما كان من النجُيفي آلا أن قال له باللهجة المصلاوية ( لا تروح زايد ) ، بمعنى انت يا أخ ذهبت الى حدود اللامعقول،  وانطلقت في أفقً بعيدة وحلقت عالياً دون أجنحة ، فقف وأعرف حدودك والى آي مدى تُحلق ،ولا يغرك التصريحات والوعود فكلها حبر على ورق . بعد ذلك بشهور حصل ما حصل وسيطر تنظيم الدولة الاسلامي داعش ، ليس على السهل  والقرى،  بل على ثلث العراق ، وأعلن البغدادي إمارته من ثاني أكبر محافظة فيه، وذهب الأخضر بسعر اليابس.
في بلدة عنكاوا مؤخراً قامت مجموعة من الشخصيات بتأسيس ماأسمته  مجموعة الضغط ( لوبي) لسهل نينوى والموصل تطلب فيه بالإدارة الذاتية المتطورة ( يظنون أنفسهم في سويسرا أو فلندا)  أو الحكم الذاتي لمكونات سهل نينوى. من ناحية المضمون والجُمل الرنانة التي جاء فيه البيان الختامي جيدة جداً ومُصاغة بشكل ممتاز، ولكن الفعل على أرض الواقع يقول غير هذا تماماً ، فالغالبية العضمى من الشعب المسيحي الذين يقطنون الموصل والقرى التابعة لها خارج الوطن أصلاً ولا بصيص أمل في العودة ، فالعوائل وصلت الى دول المهَجر  بعد حملة 2014 الداعشية وأستقر بها المقام وانخرطت مع المجتمع، ومن هم في الداخل أو في المخيمات او الكرفانات هم  أيضاً يفكرون في السفر، وكما يُقال قدم  في الداخل والأخرى على الخارج. آما من هم في الوسط آي المحطة ما قبل الاخيرة تركيا عمان لبنان ، فقد خاب ظنهم بعد بتحرير قراهم ومدنهم في حملة الموصل العسكرية فَقَد تبين انها  لم تجر وراءها غير دمار اكثر وسرقات اكثر وخراب أكثر، فباتت العوائل تتشبث هنالك بخيوط الرحيل نحو الأفضل.  يتحدثون عن سهل ؟!، حسناً لنأخذ مثلاً من الواقع المُعاش، كنيسة الروح القدس ، تقع ضمن أبرشية الموصل الكلدانية ، كانت تضمّ قرابة خمسة عشر حيّ سكني في منطقتها الجغرافية،  يترواح عدد العوائل الكلدان فقط  على 710 عائلة ، بدأ العدد يقل الى أن أنتهى في 2014 ولم يبقى ولا نَفَر واحد ، هل يستطيع واحد من هؤلاء ( مجموعة الضغط  ) أن تسترجع شخص واحد فقط وتأمن على حياته وحياة أسرته. قضاء بحجم الحمدانية هُجِّر وشُرد خلال ساعات معدودة. على من نضحك ، وعن آي سهل يتحدثون ،ما هكذا تورد الإبل ياجماعة. البقية الباقية من هم في الداخل وفي الإقليم لا تريد سهل ولا جبل ،  تريد دولة مدنية تحكمها مؤسسات تعترف بالمواطنة بعيداً عن الدين والطائفة والمذهب، دولة لا وجود لمواطن درجة أولى وثانية وثالثة ، الكل يمارس شعائره الدينة بكل حرية واحترام ، يقفون امام العدالة والقانون على درجة واحدة دون تمِيز، هذه هي الدولة  التي يصبوّ إليه المكون المسيحي يا شخصيات المقام الرفيع ، وليس سهل بدون مقومات.
 المسيحيون من كُل المذاهب والطوائف والمشارب، لم ينجحوا بعد السقوط في عام 2003 بتشكيل ميليشيا او قوة عسكرية تحميهم، وتحمي كنائسهم ، على غرار الآخرين كالشيعة والسنة والتركمان، لأنهم بعيدين عن لغة السلاح ، وحبال السياسة وخفاياها القذرة، جَلا غايتهم أن يعيشون  في ظل دولة قوية تحميهم وتحمي كل الأقليات،  فلم يقدروا على فعل شيئ سوا الانكفاء على ذاتهم ، سواء في الإقليم الكردي أو في القرى ذات الأغلبية المسيحية ، وحتى هنا لم يتركونهم لتسٍير شؤونهم ومعيشتهم البسيطة أصلاً، فهجروهم مرة ثانية ولكن هذه المرة كانت الجولة النهائية.
 المحطة الاخيرة ،أرجو أن لا ننساق وراء خيط واهي ، ومشاريع بعيدة عن الواقع الاليم الذي يعيشه المسيحين في هذا البلد المرُهق. والالتفاف خلف عامود من دخان على أساس يكون عمَاد البيت الجديد ، فنتفاجئ انه ليس أكثر من ضباب ينقشع مع أول القبس ، يجب تفعيل العقل والمنطق خاصة في هذا الفصل الحرج من التاريخ.     

140
طريق الكاهن نحو الأنثى
لم أكنْ أنوي الخوضَ في غِمار مثل هكذا مواضيع ، تكون بعيدة عن إهتمامتي الاساسية ، سواء منها الأدبية والسياسية والفلسفية،  والتي أحصرها في بوتقة الفكر المعرفي،  فتخرج على شكل مقالة أو مدونة، تنشر على موقع أو أكثر. ولكن أستفزني موْقف كاهن، فبتُ أفكر في ذلك الخواء الذي يلفه والذي حدَ به الى ترك الدين بعد طول خدمة والجري وراء الدنيا وتزوج من مطلقة وفِي معيتها ثلاث اولاد، فبات من الملح بل من الضروري ، أن أكتب عن حالة أصبحت في السنوات الاخيرة ظاهرة تسترعي التوقف والانتباه. وعلى السلطة الكنسية ( الكلدانية) والاباء الأساقفة الإجلاء التوقف عِندَهَا بكل شفافية ووضوح،  لإنها على ما يبدو ليست عابرة أو حالة شاذة واحدة، فيقول قائل بسيط، أن لكُل قاعدة شواذ، بذلك يوصد الباب للمزيد من الدراسة والتحليل والاستقصاء لبلورة رؤيةْ جديدة تتماهى مع العصر.
الموضوع هو زواج القسْ آي من هو أرتسمَ ونال الدرجة الكهنوتية وأنخرط في خدمة رعية مُعينة ، وبعد ذلك ينوي الزواج. وهنا الحالات لَيْسَت ضمن معيار واحد، بمعنى مَن درس وتخرج من معهد الكهنوتي ونال الإكليروس ، وبعد ذلك أصبح كاهن في خورنة تتبعْ ضمن الرقعة الجغرافية أبرشية معينة، وبعد سنتين أوثلاثة ينتبه أن الحياة  الكنسية لا توالمه فيعزم الخروج من الرعية والانخراط في الحياة العامة ويتزوج، والحالة الثانية من كان قساً على مدار خمسة وعشرين سنة ويزيد عليه، وهو يخدم الناس  والطائفة ، وبعد كل هذه الخدمة الرعوية الطويلة  يكتشف أنه لا يقدر بدون أنثى تلبي احتياجاته فيترك كل شيئ ويذهب ليتزوج.  والحالة الثالثة من كان آب لرعية في دول الهجرة الانتقالية ،آي العواصم ما قبل الاستقرار النهائي  مثل إستنبول ، دمشق ، بيروت ، عمان، ويخدم في تلك الكنائس الكلدانية ، ولا يستطيع الوصول ، فيجعل من الكنيسة سفينة وصول الى برّ الأمان كأمريكا وكندا وأستراليا وأوروبا ، بعد ذلك يترك السفينة هي والربان، ويدخل في لجة الحياة والنَّاس.  والذي كان هو قَبْلَ إيام يُعلم من على المنبر ويترأس الذبيحة الإلهية حسب الطقوس والليتروجية ، يصبح الان بين صفوف الشعب كآي إنسان عادي. وهذه حالات حصلت، وانا وغيري شُهوُد عليها.
الكنسية الكلدانية التي هي على المذهب الكاثوليكي المسيحي المنبثقة من ثلاثة مذاهب رئيسية ، الكاثوليكية والأرثودكسية والبروتستانتية، تشُكل إجمالي المسيحيين في العالم تقريباً. يقتبل الكاهن الكلداني سرْ الكهنوت وهو واحد من سبعة اسرار ، يبدأ من سرّ المعمودية، وسرّ الميرون ،وسرّ القربان المقدس الإفخارستيا ،وسرّ التوبة أو الاعتراف، وسرّ مسحة المرضى، وسرّ الكهنوت ،وسرّ الزواج. والتي حددتها الكنيسة مطلع القرن الثاني عشر بالاستناد الى اللاهوتي بيبر لومبار ، ثم أعلنت الكنسية اللائحة الرسمية للأسرار في مجمع ليون المسكوني سنة 1274 ، ومن بعده أكّد كل من المجمع الفلورنسي سنة 1439، والمجمع التريدانتيتي سنة 1547 على ضرورة الأسرار السبعة كمؤسسة حقيقية من الرب يسوع المسيح. المهم عندنا الان هو سرّ الكهنوت وسرّ والزواج ، ففي  قوانين الرسل القدّيسين (300) لا يُجيز ترك الزوجة عند الرسامة، غير أنّه يحظر الزواج بعد الرسامة، شرقاً وغرباً. وفِي سنة 386، أنعقد مجمع إقليميّ في روما مع الأسقف سيريسيوس (Sirice). وقد قرّر تحريم العلاقات الزوجيّة على القساوسة والشمامسة، ممّا يعني ضمناً أنّ الأساقفة كانوا من قبله لا يمارسونها.  وفِي القسطنطينية، أمر الإمبراطور يوستينيانس في القرن السادس بعدم الرسامة الأسقفية لمن لهم أولاد، وكان هدفه ألا تتوزع أملاكهم على أولادهم. وفي سنة 692، أنعقد في القسطنطينية مجمع ترولّو (أي “القبّة”)، فقرّر ألا يجوز للأسقف أن يعيش مع امرأته، فأمر بانسحابها في دير من الأديرة البعيدة منه، على أن يتكفّل بجميع احتياجاتها الماديّة. وعلى خلاف الأساقفة، كان القساوسة والشمامسة يعيشون مع زوجاتهم ويمارسون الحياة الزوجية بصورة طبيعيّة، وقد حرّم البابا غريغوريوس السابع (1073-1085) الزواج بعد الرسامة، معتبراً أيّ زواج من هذا النوع باطلاً، كما أنّه ألحّ في ضرورة الانفصال عن الزوجة. وأكّد على ذلك مجمع لاتران الثاني (1139). نجد من كل ما تقدم ان هنالك لغوّ وضبابية تخص المتون الأساسية،  ومصالح شخصية وأقتصادية كانت وراء القرارات. حيث لا نجد في أي نص من نصوص العهد الجديد ولا عند آباء الكنيسة فرضاً يحتّم البتولية. فليست البتولية في الكهنوت من باب “الواجب” أو “الضرورة”، بل هي من باب “الملائمة”، فإنها “تلائم” الحالة الكهنوتية (العلاقة مع المسيح والكنيسة) والخدمة الكهنوتية (العلاقة مع الشعب وخدمته). وليس التبتّل شرطاً مفروضاً على الأساقفة أو القساوسة أو الشمامسة. فحتّى القرن السابع كان الأساقفة الشرقيّون متزوّجين، وإن اتّجهوا نحو عدم معايشة زوجاتهم. وحتّى القرن الثاني عشر كان القساوسة الغربيّون متزوّجين. فأذاً لا رأيَ مُحدد وواضح في هذا السياق كما يبدو، فأشارة القديس بولس الرسول حين قال، (فأريد أن تكونوا بلا هم. غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضي الرب. وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي أمرأته)، ( 1 كو 7 : 32 ). ‫هنا يوضح بولس لماذا البتولية مفضلة عن الزواج. فإنها لا ترتبط بالجنس كأمر صالح أو خاطئ، إنما الموضوع هو القلق الذي تنزعه عن الفكر والتركيز على عبادة اللَّه[495] القديس ‬أغسطينوس. فالمسألة إذن تتعلق بالضمير والإيمان والخدمة الصادقة. أقول هذا لإنه لايوجد قانون جزائي واحد يُعاقب به من كان كاهن وتزوج، بمعنى أوضح حين يتزوج القس الفلاني لا يوجد إجراء قضائي ينص على حبس هذا الكاهن للفترة كذا لكونه أرتكب جنحة الزواج هو مُكرس لخدمة الكنيسة. يظل الموقف كما أشرت قبل قليل محصور بالايمان والضمير والخدمة الصّالحة، ويعتمد على دواخل القلوب والنية الصادقة في العطاء. ولكي نغطي الموضوع من جميع الزاوية يجب أن ننتبه الى الجانب السيكولوجي، ذلك الجانب العميق والمظلم من الطبيعة البشرية والمترسخ في اللاوعي. فرجل الدين في نهاية الامر بشرّ له رغبات وغرائز وإحتياجات بيولوجية، تحتاج للإشباع وترجمتها بشكل صحيح. نعم هي متفاوتة  بين شخص وآخر ولكن موجودة في جميع الأحوال ومحوها ليس بالأمر الهين أوالسهل ، ويمر الطريق في سبيل  ترويضها وإسقاطها عبِرَ فهم وعقل الموقف من البداية ، وهذا الأمر له أدواته العملية والفكرية والدراسية من لاهوت ومعرفة ، بحيث يتم تفريغ الشحنات وصهرها في الصلاة الحارة النابعة من قلب صافي نقي، يأتي بعد ذلك دور الفلسفة ، وعلوم العقائد وأصول الدين. ليصل الكاهن الى روح الخدمة الحقة، مبتعد عن كل ما يشغله في سبيل تحقيق رسالته، التي من أجلها ترك مُتع هذه الحياة.   
“كم من معاصرينا لم يتعرّفوا بعد إلى محبة الله، أو أنهم يَسعون إلى تغذية قلوبهم ببدائل لا قيمة لها. لذلك بات مُلحّاً وجود شهود للحبّ الذي يعكس المسيح.
يا أصدقائي غير المعمّدين أو الذين لا تعترفون بالكنيسة. أليس عندكم أنتم أيضاً عطش إلى المُطلق ؟ ألستم في إثر ” شيء ما ” يُكسِبُ وُجُودَكم معنى ؟ إلتفتوا إلى المسيح ولن تكونوا خائبين.”
           
رسالة القديس البابا يوحنا بولس الثاني في اليوم العالمي للشبيبة العشرين
                                                    سنة 2005
المصادر:-
التفسير التطبيقي للكتاب المقدس
الأب  فاضل سيداروس اليسوعي: مقالة

                         
 

141
المنبر الحر / سُراق فرحة العيد
« في: 02:35 25/12/2016  »
سُرَّاق فرحة العيد
في أوقات متزامنة خلال عطلة أعياد الميلاد ورأس السنة ، حدثت هجمات متفرقة في كل من مصر ، وألمانيا، وتركيا،  مقتل السفير الروسي ، وتم إفشال حادث كبير كان مخطط له ان ينجح لولة تدخل الشرطة واجهزة الأمن الأسترالية في ثلاث مواقع مزدحمة في ولاية فيكتوريا ملبورن ، وقد قال قائد شرطة الولاية غراهام آشتون إن الأشخاص كانوا يخططون لمهاجمة أماكن رمزية في العاصمة مثل محطة القطار وميدان الاتحاد وكاتدرائية سانت بول. ويضيف. آشتون من بين المشتبه بهم الخمسة أربعة ولدوا في استراليا من أصول لبنانية ، والخامس استرالي ولد في مصر وجميعهم في العشرينيات من العمر. شباب بعمر الزهر درسوا وعاشوا في بلد حر ، يحترم الانسان كونه إنسان ، ويحترم الاخر بغض النظر عن الدين والعرق واللون والمذهب، يسُاعد من يطلب المساعدة ، ويحتوي اللاجئ الأجنبي ويفتح له أبواب البلد على مصرعيها، في وقت يكون فيها هذا اللاجئ العربي ،اللبناني ،العراقي، المصري السوداني،السوري ، مُشَرَّد ومرذول ومتسول في دول مثل تركيا والأردن ولبنان ، فتحتضنه استراليا وتعتبره لاجئ انساني مُضتهد من ضروف معينة،  وتغدق عليه الراتب والسكن والرعاية الصحية ،وفوق كل هذا الأمان والراحة الذي يكون هو قد فقدهم في بلده الأصلي، الذي تحول الى رماد وخراب ولم يعد يصلح حتى للحيوان أن يعيش فيه. فماذا يفعل هذا الوافد الجديد للبلد المضُيِف وكيف يجازيه ، وكيف يفهم التجربة الغربية بكل حسناتها وسيئاتها ، وكيف يحول تلك الطاقة الى فعل يستفيد منه الناس والمجتمع بعد أن يكون قد أحتوى وفهم  فكرة الحرية وإين تقف عندما تتحول الى شرّ تفتك بالآخرين . فهؤلاء الاشرار الخمسة كانوا يردون مصادرة اروح الأبرياء في ايّام الأعياد وتحويل أفراحهم الى احزان وبثْ الرعب والخوف في نفوس المواطنين الذين يستمتعون في هذه العطلة. كما فعل التونسي سائق الشاحنة  في برلين،  والسبب هو المرض النفسي المزمن، وفهم النص الديني وتحويله الى وسيلة قتل ومعول للهدم ، والاستيعاب الخطأ للمرحلة الزمنية ، والتفكير المحدود. كل هذا ساهم في جعل العربي مصدر أزعاج وخوف ورعب بالنسبة للأفراد والدول الغربية ، ومحل شكّ ونظرة ريبة أين ما حلوا وذهبوا.
 هل يتعلم العرب الانصهار في المجتمعات الغربية والتأقلم والتكيف مع المجتمع في كل الظروف ، آم يبقى متقوقع حول ذاته المريضة والاعلاء الوهمي لها. هل يفهم الشرقي أن لا مكان له في الغرب دون فهم حركة وتطور التاريخ، وأن العمليات الإرهابية التي يقوم بِهَا لاتزيده غير كره واحتقار وندم  من الغربي الذي استقبله وأواه، الى متى يبقى العرب على التل.

142
التجربة السياسية المسيحية خارج المكان
لو قدرَ لنا أن  ننظر بعينْ الحكمة و الخبرة الى التجربة السياسية المسيحية في الساحة العراقية، وبنظرة نقدية فاحصة ، لوجدناها تترنح  على حبال السياسية الهشة أصلاً،  وآيلة للسقوط في بئر الفساد والمحسوبية. والنقد
الذي أرمي أليه  هو من أجل تحريك الساكن ووضع اليد على الألم المستفحل ، وفهم ما يجري حولنا من تلاعب في أوزان السياسية العراقية،  والإحاطة بخفاياها ودهاليزها المظلمة. وليس الغاية من الطرح هو الجدل العقيم والمناكفات الخائبة، والرد والصدْ، والتي لا تنفع أحد خاصة في هذا الوقت المحرج من تاريخ العراق.
 تأتي الملاحظات على التمثيل السياسي المسيحي  بعد عقد من الزمان وأكثر  ، وبالتحديد من سنة الاحتلال  في عام 2003 ، حيثُ جاء وعلى ظهور الدبابات مع قوات التحالف بقيادة أمريكا  كل الأفاقين والمتشردين في دول أوروبا وأمريكا ممن أدعوا معارضة النظام السابق، وتبين أنهم لصوص وعملاء لا اكثر ولا أقل، وفي النهاية أنقلبوا حتى على أسيادهم الأمريكان وذهبوا الى أحضان إيران. وجاء مع هؤلاء بعض ممن تشدقوا أنهم ممثلين للشعب المسيحي وحجزوا لهم مقاعد في مجلس الحكم الانتقالي آنذاك، وبعد أن أنتهى دور المجلس، نقلوا المقعد الى قبة البرلمان العراقي من ذلك الوقت الى حدْ الان كما فعل ويفعل النائب الأبدي يونادم كنّا. الذي لم يفعل شيء يستحق الذكر على مدار ثلاثة عشر عام ونيف. طيب السؤال المحوري لماذا كل هذا العجز والتهميش والضعف ، هل لأنهم أقلية مقارنة بكتل كبيرة تكتسح مقاعد البرلمان ؟، أم  لأنهم أصلاً ضعفاء،  والغاية الحقيقية من وجودهم هو أطفاء بعض الديموقراطية المزيفة على أجواء المجلس ، آم هو تكمالة  عدد فقط لا أكثر، بحيث يكون الاسم مبُطن وهو كوتة آي (الحصة) ، أم مجرد دعاية محلية وعالمية الغاية منها ، أن كل أطياف وأقليات ومكونات المجتمع العراقي متمثلين في نوابهم الموجودين في البرلمان. من يعرف ربما هو مزيج من كل هذا !!. ولكن بات من المؤكد ومن خلال التجارب،  هو أن هؤلاء النواب الخمسة  مع الأحزاب والحركات السياسية ،  ومنظمات المجتمع المدني لم تستطيع أن تحقق آي مكسب حقيقي على الارض الواقع . خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي حصلت مع سيطرة تنظيم الدولة الاسلامي على جزء كبير من البلاد وخاصة على قرى سهل نينوى  والتهجير القصري لهم ، والتي وقفت كل هذه الأحزاب عاجزة عن فعل شيئ يذكر للشعب المسيحي المُشرد. ناهيك عن وقوفها العاجز لصدْ قانون البطاقة الوطنية  الموحدة والمادة 26 المخزية، مروراً بتشريع قانون منع بيع وتداول الخمور. مع العلم أن من يتاجر ويستورد ويتناول الخمور هم من يريدون ان يمنعوه لغايات في نفس يعقوب ، أو ربما لترويج نوع جديد من الأفيون و الكوكايين. خلاصة القول وبعد هذه المدة  ، تبين أنه لا وجود لمشروع سياسي واضح المعالم ، لكل هذه التشكيلة من الأحزاب والحركات،  ولا خارطة طريق واضحة تُرسم لهذا الشعب المسيحي المنكوب، وتحقق جزءاً يسير من متطلباته المشروعة ، وتشعره أنه جزء أصيل من هذا الوطن ، وليس مُهمش ، ومواطن من درجة ثالثة أو رابعة حتى ، يكون على عتبة الباب، بعد أن كان يجلس في صدر البيت  قبل الغزو الاسلامي للعراق سنة 633م . على كل هؤلاء من البرلمانيين الخمسة،  و قادة الأحزاب والتنظيمات،  أن تضع في حسبانها وضمائرها،  مصائر وحقوق  الناس التي فوضتها،  وتدافع عنهم وعن حقوقهم الى آخر نفس مهمة كان الثمن غالياً، مبُتعدين عن المصالح الشخصية الضيقة، والمنافع المادية الزائلة ، والرواتب والسيارات الفارهة والحماية وكل هذه التفاهات التي لاتنفع.  قَبْلَ أن يأتي يوم لا يرحمهم أحد ، ويلعنهم الناس، لأنهم لم يقولوا قول حق في وقت الضرورة ، ولم يقدموا يد المعونة في يوم الشدة ، ويسجل التاريخ  أسمائهم في سجله الأسود.

143
جدلية الأخلاق المعاصرة
إِذا بيئةُ الإِنسانِ يوماً تغيَّرَتْ … فأخلاقُه طِبْقاً لها تتغيرُ
                                              صدقي الزهاوي
منذُ أن تفتق الوعي الإنساني على أنماط معينة من المفاهيم والأسئلة  الوجودية ، كالأخلاق والخير والشر والضمير والخوف والقلق ، وهو ما فتِئَ مٌحاولاً تغير مسارها لكي تتفاعل وتتناغم مع روح العصر، ويظل يتمحور داخل أناه العليا يستميت في تلوين صورة الحياة بالالوان التي  يجمع مادتها الاساسية من مفردات الواقع المُعاش التي تكون في أغلب الأحيان بالاسود والأبيض. ويحدث في أحيان كثيرة تغيرات  كبيرة لحياتنا ، خاصة في محيط منطقتنا العربية، فنواجه معها صعوبات جماَ تضعنا مباشرة أمام أسئلة صعبة ، نقف إزاءها حائرين دون إجابات تشفي الغليل ،والاجابات أن وجدت أصلاً  تكون مُتذبذبة  فتشكل عائق على العقل الإنساني  في طرحها حتى، كالوجود والعدم ،العادات والقيم  المتوارثة من الجدْ الى الأب، تعريف الأخلاق كفلسفة ، جوهر الآنا وهل هي موجودة من الأساس ، شخصية الفرد. كل هذه الأسئلة وغيرها تُكبل الانسان بأصفاد صدئة  ثقيلة تُعيق حركة التغيير وتقيد الروح من الانطلاق الى الأفق.
حين واجهت الأسرة العراقية مصيرها المحتوم والأزلي في السفر والهجرة والتنقل من بلد الى آخر ، خلال فترة المئة العام الآخيرة بشكل عام ، وخلال آخر خمسة عشر عام بشكل خاص ، أقول واجهت هذه العائلة سلسلة متُغيرات أخلاقية مركبة تخص التمدن، آي المدينة وقيمها وسلوكياتها اليومية العامة ، فقيمْ مانهاتن في أمريكا مثلاً ليست مثل قيمْ الكرادة في بغداد، وقيمْ وأخلاق سدني في أستراليا  ليست هي المعمول به في المجموعة الثقافية في الموصل مثلاً، وينطبق ذلك على الريف والمدينة. والقصد هنا ليس التشبيه أو المفاضلة بين بلد وأخر ،أو من هو الاحسن والاسوء، فلكل شعب تاريخه الذي سار عليه،  وأُسُسه التي بنية عليها هذه القيم والتقاليد ، وظرفه السياسي الذي أثر على الحياة المدنية. ولكن الاشكالية تكمن في كيفية فهم واستيعاب هذه الأفكار والقيمْ والاخلاق الغريبة عن هذا العقل العربي أو العراقي بالتحديد،لأنها في نهاية المطاف مفاهيم دخيلة على الفردّ اللاجئ ، وجدت لناس وشعب من نفس المكان ونفس الزمان، فتظهر بنسبة للعوائل حديثة الاستيطان على شكل أفعال وتصرفات شاذة.  كتلك التي ما أن وصلت الى استراليا تعرفت على شاب يصغرها بسنوات مع إنها متزوجة وصاحبة ثلاثة أولاد ، او ذلك الرجل الذي لم يكتفي بأمراة و احدة فأصبح يتنقل من بين النساء وبيوت الدعارة الى أن اكتشف انه مصاب بمرض الإيدز فمات، ليس من المرض ولكن من الخوف منه. والشاب العراقية الذي تزوج فتاة سويدية ، فأكتشف في ليلة  زفافهم انها ليست عذراء فطلقها على الفور، لأنه قاس الأخلاق من خلال غشاء البكارة. وذلك الذي يكذب على دوائر الاعانات الاجتماعية ، والتهرب من دفع الضرائب. والأمثلة لا تعد ولا تحصى. ونحن كالذي يريد الغوص في المياه وهو يرتدي بدلة سموكن فيغرق على الفور.
 أليست هذه وغيرها الكثير من القضايا الحية والمُعاصرة هي مقياس لعدم استيعابنا لحركة التمدن وإشكالية القيمْ التي سارت عليها الدول الغربية وأرست قواعدها من منطلق الحرية والحريّة الشخصية والصدق والامانة في التعامل مع الآخرين ، أليست أفعالنا هي خارج نهجْ  التاريخ وروحه. ومهمة بلغ بِنَا العيش في هذه الدول لن نستطيع اللاحاق بهذه المنظومة المعقدة من المفاهيم والقيمْ والعادات ، لانه بكل بساطة جاءت عبر صيرورة طويلة من التفكير العميق، حمل لواءها فلاسفة وحكماء ومفكرين كِبار كانوا منصات لإنطلاق مفاهيم وأفكار تتجه نحو تحقيق مستقبل أفضل، بغض النظر عن تلك الأفكار التي كانت سائدة في  ذلك العصر. 

144
من المهدي الى المطران   
لماذا يُخطفْ ويُغيب الفردّ في مجتمعاتنا العربية ، سواء من كان منها دينية أو أدبية أو سياسية أو ذات فكر حرّ، تأبى الانخراط مع القطيع فتشذ عنه وتشق لها طريق خاص ، لتعلن للناس عن مبادئها وحركاتها الإصلاحية.  فتغُيِّب  في بلادها الأصلية مكان ما زرعت لتجني ثمار مشاريعها ، أو بعيدة عنه فتظل في جوف المجهول تقبع هنالك ، وتبقى المبادئ وحدها صامدة. تُخطف ،وبعد ذلك تغيب على مدار عشرات السنين ، فتسقط من الوعي  والذاكرة  لردحٍ من الزمان ، وتُنسىَ من قِبل الناس لوقت معُين ، لكثرة الأحداث المتوترة في المنطقة، وضبابية المدلول في نقل الخبر،  فيكون هناك تضارب في الأنباء، لكن بين هذا وذلك تقفز من وقت لآخر الى الاذهان هذا القضايا العالقة وتصارع السؤال الأزلي ، إين هُمْ الان؟،  . ويبدأ التساؤل المُحير من جديد في دائرته الفارغة ، من خطفهم، ومن كان وراء أختفائهم ، ومن المستفيد الحقيقي من وراء تصفيتهم، لتبقى الأجوبة الخالدة وصمة عار على جبين الحكومات الفاسدة ومن كان متعاون معهم ومن لفَ لفهم ، لخنق القول الصادق وقتل الحقيقة في المهد وهي وليدة. 
سوفة أتناول في هذا المقال ثلاثة أمثله خطيرة من ناحية المضمون والشكل، لماَ لها من أهمية وبعد أخلاقي وقانوني تصل في أحيان كثيرة الى أعلى هرم السلطة سواء الملك أو رئيس الجمهورية. فمع كل هذه الأعوام  والأزمنة الغابرة تأبى أن تُزاح وتذهب الى المتروك والمنسي من الأحداث الكثيرة التي مرّت. هي  عمليات خطف وإختفاء ، تجاوزت الواحدة منها الخمسين عاماً ، لم يسُمع أو يعرف عنها شيء الى حد كتابة هذه السطور. أعرف ان القارئ الكريم سوفة يقول انه صُفيت جسدياً ونُسيت ، ويوجد أحداث كثيرة وكبيرة في العالم اليوم أهم من هذه القضايا لنسلط الضوء عليها في سياق ما يجري في منطقتنا، ولكن أقول ، ألا يَستحق منا التدقيق  والبحث قليلاً  بالمجهر الى صلب الموضوع لنعرف ونصل الى نوع من  الحقيقة، من إجل الحقيقة لا أَكْثَر ولا أقل ، فهنالك مئات من حالات الاغتيال السياسي كانت معروفة الدوافع ومفضوحة التنفيذ، ومن هي الدول الداعمة لها، مثلاً جيفارا الثائر الكوبي (1928-1967) حين أغتالته وكالة الاستخبارات الامريكية متعاونة مع الحكومة في بوليفيا صورته  وهو مُسجىّ على السرير ، لتعلن للناس انها تخلصت من ألد خصومها شراسة مهدد الأمة الامريكية. هذا ما حدث مع المُصلح الديني مارتن لوثر كينغ ( 1929-1968) الذي أغتاله جيمس إرل راي،  ولكن كان تقف وراءه وتوجهه بكل تأكيد المخابرات الامريكية. وحتى عملية أغتيال رئيس وزراء الاْردن السابق وصفي التل (1919- 1971) في قلب القاهرة ، نعم أعلنت منظمة إيلول الأسود مسؤوليتها عن الحادث ، ولكن كانت جُل الترتيبات والتسهيلات تقف ورائها إجهزة الأمن المصرية والاردنية. فكل هؤلاء والكثير من الشخصيات البارزة  كان معروف ومعلوم من يقف وراء أغتيالهم وتصفيتهم جسدياً.
المهدي بن بركة مفكر ومعارض  يساري  مغربي ، ولد عام 1920 بالرباط ومارس نشاطه السياسي الثوري مع حفنة من مثقفين ذلك الزمان ، حاول إصلاح بنية النظام الملكي في المغرب ومحاربة الفساد المستشري في الحكومة، سافر الى باريس لتصوير فلم وثائقي عن أفكاره ومحطات عن حياته ، أختفى عن الأنظار في فونتنى لو فيمونت شمال فرنسا عام 1965 ، والى اليوم لا أحد يعرف مصيره. كان معارض بارز لسياسة الملك الحسن الثاني وبتدبير من المخابرات الفرنسية والموساد والسلطات المغربية تم خطفه وأخفائه وبقية مجهول المصير.   
الامام موسى الصدر 1928 رجل دين شيعي ، مارس عمله الديني والسياسي ضمن منطقة جبل عامل في لبنان ، وصل  إلى ليبيا بتاريخ 25 أغسطس 1978 يرافقه أثنين من مرافقيه هم محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، في زيارة رسمية، وحلوا ضيوفاً على السلطة الليبية في بطرابلس . كان الإمام الصدر قد أعلن قبل مغادرته لبنان، أنه مسافر إلى ليبيا من أجل عقد اجتماع مع معمر القذافي شوهد في ليبيا مع رفيقيه، لآخر مرة، ظهر يوم 31 أغسطس 1978. بعدها  أنقطعت أخباره مع رفيقيه، أثيرت ضجة عالمية حول اختفاءهم، وأعلنت السلطة الليبية بتاريخ 18 أغسطس 1978 أنهم سافروا من طرابلس الغرب مساء يوم 31 أغسطس 1978 إلى إيطاليا على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية. ولكن السلطات الإيطالية نفت ذلك بشدة وقالت لم يدخلوا الى أراضيها ، ضلت مصائرهم مجهولة،  وتضاربت الأنباء هو مكانهم ومن يقف وراء أختفائهم .
المطران يوحنا ابراهيم مواليد ( 1948) مطران حلب للسريان الأرثوذكس والمطران ابراهيم يازجي مواليد(1959)  مطران حلب للروم الأرثوذكس، خطفهما مسلحين من على الحدود التركية السوريا في 22/4/2013 حيث كانا معاً في سيارة واحدة  كانت تقلهم بين الدولتين في مفاوضات لإطلاق صراح كاهن مخطوف ،وبعد أن قتل الخاطفين السائق أخذوا الأسقفين الى مكان مجهول. ومع كل المناشدات العالمية لأطلاق سراحهم،  والوساطات الدولية لحلحلة الأزمة ، جَاءَت جميعها مخيبة للآمال. ومع هذا الاختفاء القصري لشخصيتان دينيتان لهم وزن في سوريا وخارج سوريا، يكون مسلسل الخطف والابتزاز مستمراً ، ولن ينتهي في آي وقت ، لان  لعبة المصالح للدول والحكومات والعصابات  فوق كرامة الإنسان، التي تسعى هي ذاتها الى خلخلة قيم القانون  وبث روح الفوضى، حينما تكون هذه السلطة بيد جهلة متعصبين ايدلوجيا ودينياً وهنا يكمن الخطر ،  فهو لا يرى غير ذاته ، ولا يعرف غير فِكْره المريض،  فيصادر حرية الآخر سواء بالقتل أو الخطف.

145
المنبر الحر / بِحار بلاْ مرافئ
« في: 13:50 23/11/2016  »
بِحار بلاْ مرافئ
تسقط قطرة من فنجان القهوة على الأرض بشكل عشوائي ، فيتشكل وجه إنسان له ملامح الصينيين ، أو يتراءى لنا ذلك!. شموع مُوقدة وآخرى منطفئة والأخرى على وشكْ الانطفاء، بجانب حائط عند تمثال السيدة العذراء فيرسم  الدخان المُتصاعد من الشموع صورة العذراء مع الطفل، أو نتمنى في سرنا أن يكون كذلك لنمتلئ إيماناً. شخص يولد في مكان ويعيش في مكان، وحين يلفظ أنفاسه الاخيرة يجد نفسه في مكان آخر بعيد منسي في تلك الإمكان اللامرئية من المجال اللامتناهي  للأقدار والذي يخاتله طيفاً من اليقين فنظل متوجسين الحياة التي ترسم لنا طريقنا. 
نتوهم في الأحيان الكثيرة أن الحياة والأقدار تسَير في خط واحد متوازي كالقطار، ونتوهم أيضاً إننا نُسيطر على مسار حياتنا ، فنحاول تشكيل الحاضر لننطلق كالبرق الى المستقبل متناسين أن للحياة كلمة الفصل ، وهي تحددّ المسير والخط والحظ معاً. فذلك الرسام العبقري توهم ، أو أوهم نفسه أنه لا شيء وأن رسوماته مجرد خربشة على ورقْ لا أكثر ولا أقل،  فيبيعها من أجل وجبة طعام ، ومن شدة سخطه على واقعه يقطع أذنه ويعطيها لمومس فترفض أخذها أحتقارا له ، وبعد موته يتحول الى أسطورة ، وفنه مدرسة ،  وتباع لوحاته بأثمان تفوق الخيال حتى . هل لدينا سلطان على الاقدار؟، أم أن عجلة الحظ والسخرية  تدور في دورانها الدائم والأزلي ، وأن أخذت في الكثير من المعاني شكل جديْ في التعامل مع مفردات الواقع اليومي. نحن في اللامكان  ونتوهم أننا في وسط الحقيقة المُطلقة كما تصور نرسيس أبن الأله الإغريقي كيفيسيا، أنه جميل فأصابه الغرور في مقتل، وظل يحدق في مرأته التي كانت دون إطار، طالَع وجهُه كما في كل صبّاح ، فكان مُتريث هذه المرة، الى أن أكتشف صورته معكوسة على صفحة النَّهر فأراد اللحاق بها فمات غريقًا.
نرسيس أنتَ لم تعد هُنَا ، أو حتى هناك ، أنتَ عابر داخل ذلك الوهم الذي صنعته أنتَ.
ولكن يسألني نرسيس... أوَليست أوهامنا جزءاً من حياتنا؟.   

146
المنبر الحر / ويبقىْ الأمل قائم
« في: 13:36 16/11/2016  »
ويبقى الأمل قائم
بقلم / سلوان ساكو
من لا يعيد قراءة مفاهيمه وتجاربه نقدياً لايتقدم ولا يتطور
جون سيمونس
خلال السنوات الماضية مرَ العراق بحربين كبيرتين ، ماعدا طبعاً النزاعات الكردية العربية  ، والتي سببت ألم وحزن للكثير من العراقيين ، ويكاد لا يخلو بيت عراقي من شهيد أو أسير أو مفقود من جراء تلك الحروب العبثية  من بداية الثمانينيّات والى حد هذا اليوم. والسبب هو سياسات فاشلة، تنبع من عقل قادة جهلاء ذوّ نظرة ضيّقة وسطحية  بعيدين كل البعد عن المنطق والعقل والحكمة،  بالاضافة الى موازين قوة كان لها الأثر في إشعال هذه النزاعات والصراعات الدموية ، وقوة ضاغطة  (lobby) كانت تحرك زعماء وقادة المنطقة خاصة دول الخليج  كأداة بيدها مثل الدمية من خلف الكواليس، على مدار ثلاثين عاماً أو يزيد فتأججت الحروب  لمصالح دولة كبرى، ودفع فاتورة الحساب في نهاية المطاف الشعب ذاته الذي كان يجري ويرقص وراء القائد. الان وبعد كل هذا الدمار وألة القتل التي طالت البلاد، آلا يجب أن يُعيد العراقيين قراءة واقعهم المرير من جديد،  وفق تصورات ثانية ، لا تشتّر وتتذكر الماضي،  ولكن تأخذ عبرة منه فقط ؟،  وأعمال العقل وتحريكه من سباته العميق كما قال ابن خلدون في مقدمته ( ينبغي أعمال العقل في الخبر) وتحكيم المنطق على الأقل خلال الفترة القادمة من الوضع المحرج خاصة بعد تحرير محافظة نينوى والتغير  الذي أصاب المدينة خلال سنتين ونصف السنة من الغزوة ، مما ترك ظلال قاتمة على السكان تظهر جلية على وجوههم . التقارير والصور والأخبار التي تتناقلها القنوات الفضائية عن أحوال الموصل لا تسر أحد، النازحين والمهجرين يركبون عربات نقل كبيرة  مثل الماشية وتنقلهم الى مكان المخيمات ، السكان الباقين في  المدينة مقطوعة عنهم كل الخدمات ويشربون الماء من نهر دجلة، المتورطين مع تنظيم داعش الإرهابي  والمناصرين له محشورين في زاوية وَاحِدَة،  القتال أو الهرب الى مقر الخلافة وعاصمتها الرَقة في سوريا. ومع كل هذه الصور السوداوية القاتمة هناك فسحة أمل وأن كانت ضئيلة الوهج  فهي تبشر بخير ، فهذه مشاهد حية تناقلتها العدسات عبرْ الفيس بوك توضح لنا ما لا يقبل الشك أن هنالك  شباب وفتية لم يتسلل خنجر اليائس الصدأ الى قلوبهم ونفسهم ، فبادروا بالنزول الى قريتهم وإعمار ما دمره الأشرار مبتدئين من دير القديسة بربارة في قرية كرمليس ، يشدّ من عزيمتهم ويعمل معهم يداً بيد كاهن غيور وراعي لهم  هو الأب ثابت الذي لم يتركهم ويفر مثل الكثيرين. كل هذا وغيره من الأمثلة  يدعونا الى قراءة جديدة للاحداث على ضوء المستجدات والتطورات . لَعَلَّه يخرج السياسي والمُشرع  والموظف في الدولة أو حتى المواطن العادي  بمفهوم جديد يستطيع به صياغة وعيْ  أفضل يكون بمثابة منصات فكرية  تنطلق نحو مستقبل واعد لأجيال لا تلعن وتشتم  وتطعن في سرها الأجيال التي سبقتها، تركت لها ميراث كبير من الأنتقام والضغائن والحقد والكراهية والثأر والشقاق بين أبناء الوطن الواحد تراكمت على مدار سنوات طويلة. فليتذكر العراقيين دوماً  أن الشمس تشرق كل يوم وفي ضيائها تجديد للحياة.

147
البحث عن ذات أسماعيل
بقلم /سلوان ساكو
القرود أكثر طيبة من أن يكون الانسان قد تحدَّر منها 
نيتشه
شاهد عيان خرج من وسط الجحيم الحقيقي الذي عاشته محافظة نينوى وأقضيتها على مدار سنتان ونيفّ. سوء تقدير، وتأخير في التوقيت وبطء في التحرك ، ترك الفتى أسماعيل متى أبراهيم وأمه الأرملة جاندارك بهنام ، في قبضة عناصر تنظيم داعش الإرهابي ، كلّ فترة سيطرة داعش على الموصل ، الى أن جاءت القوات العراقية ودخلت المدينة  وحررتهم مؤخراً. من يعرف!، لعلة القدر يريد أن يُسطِّر كلماته عن طريق شاهد عيان حيّ عاش وتعايش كل هذه الفترة من الحقبة السوداء التي مرت على المدينةِ ، وتاريخ البلاد الدموي يرغب أن يحفر وقائعه المأساوية بإزميل معدني على الحجر كي لا تزول مع مرور الأيام. ما قاله أسماعيل عن طريق موقع ankawa المحترم،  كثير ومروع في نفس الذات، وكاد يفقد حياته مرات عديدة هو ووالدته ولكن لم تشأ العناية الإلهية ذلك، فضلا على قيد الحياة ليحكيا. شاهد بأم عينه الدواعش يسقطون الصلبان ويهدمون القبب الكنسية، ورأى أيضاً عملية قتل بشعة بحق رجل بلغ من العمر عتيا لم يقبل تغير مذهبه فهو كان شيعي ، وأرادوا منه أن يصبح سنياً فأبت نفسه  ذلك مع أن المذهبيين من نفس الدين فرفض التغير ، فأردوه على الفور قتيلاً بدم بارد أمام أنظار جمعْ من العُزَّل من بينهم أسماعيل وأمه ، في مشهد حتى الحيوانات المفُترسة لا تفعله ، فهي تقتل من أجل الغريزة والعيش وليس من أجل إفناء النوع ، وألا لكانت الحيوانات قد أنقرضت من ملايين السنوات.
يجب على الفتى أسماعيل أن يتحدث ويقوم شخص بكتابة كل شاردة وواردة ، وتُوثق وتوضع في إرشيف ودار محفوظات لكي تتطلع عليها الأجيال القادمة وتكون وثيقة حية من قلب العاصفة والحدث ، كما هي الان موجودة آلاف الوثائق والشهادات والدراسات في دار المحفوظات في مدريد العاصمة ، وايضاً جامعة  Salamancaعن فترة تواجد العرب في شبه الجزيرة الأيبرية إسبانيا من 711 الى 1492 ، وكل الجرائم التي أرتكبوها بحق  الأبرياء المساكين وأجبارهم على أعتناق الاسلام أو القتل ، فكانت مجازر مهولة تندى لها الجباه وتُنكس لها الرؤوس من الخجل، كأن التاريخ يُعيد نفسه ولكن بحلة جَديدة ، وأشخاص خارج سياق الحضارة وروح العصر يُردون أحياء زمن الخلافة البائس من جديد ، وبعث ذلك الزمن المُظلم الذي ما كان يُقدر له أن يستمر لولا السيف المُشبع بالدماء. يجب على أسماعيل أن يتحدث وعلينا نحن  أن ننصت له بكل جوارحنا ونسمع شهادته الحقه، ويجب عليه أن يستفرغ خزان وعيه الأسن وأن يُقيم ذاتاً جديدة فوق رماد حياته القديمة مثل طائر الفينيق الأسطوري.

148
تتحرر الموصل هل يتحرر العقل !.
مع نهاية الحرب الكونية الثانية عام 1945، ومع دخول القوات المتحالفة الى العاصمة الألمانية برلين وسقوطها ، تم فصلها الى جزءان برلين شرقية وبرلين وغربية وفصل بينهم جدار تم هدمه لاحقاً على يد الألمان الأحرار في سنة 1989. في ذلك الوقت أراد قادة التحالف بناء ألمانية جديدة وأوروبا حديثة  تنبعث من رماد الماضي البغيض وتسموا فوق العنصرية والحزبية والنازية ، وتعلوا نحو عنان السماء ، فوضعوا خطة أطلقوا عليها مشروع مارشال الذي وضعه الجنرال جورج مارشال قائد الأركان الامريكية في ذلك الوقت. وكان المشروع لإعمار أوروبا، وقد ساهم هذا المشروع  في إعادة تشغيل المعامل والمصانع الكبيرة ورفدّ الطاقات الشابة في معترك الحياة والعمل من جديد في وتيرة سريعة لإعادة الإعمار والبناء في وسط خراب ودمار كبيرين ، وأجتاز الشعب الأوروبي تلك المِحنة الكبيرة والآلام العظيمة وتجاوزوها  بفضل وعيهم  وتفكيرهم العميق وحبهم لبلدانهم. 
بعد أن تنتهي العمليات العسكرية البرية والجوية  في الموصل،  سواء طالت أم قصرت ، ولكن لابد أن تنتهي المعاناة في نهاية المطاف وتعود المحافظة الى سكانها ويعودون هم إليها ، سواء من المخيّمات أو من إقليم كردستان ، ليشاهدون مدينتهم أمست اطلال ، وأصبحت مدينة اشباح ، تنعدم فيها كل الخدمات ، الطرق والجسور والبنية التحتية مخربة بالكامل ، حتى الهواء والجوّ ملوث بدخان النفط والإطارات المحروقة من قبل تنظيم داعش الإرهابي. ومع كل هذا  هل يعي الناس أن الحرب سوفة تنتهي عاجلاً أم آجلاً ، ولن تحتويهم سوى مدينتهم ولن تحن عليهم غيرها مهمة كانت قاسية .
هل ينتبهون الى أن الحروب الطاحنة التي خاضوها لم تُبقي ولم تَذرُ على مدينتهم شيئاً سوى رائحة الموت والجثث المتعفنة على الطُرقات تنهشُ منها الكلاب الحيوانية بعد أن قتلتها الكلاب البشرية ، وأصبحت حالها حل قندهار والصومال واليمن ، يعم الخراب والدمار في كل زاوية وكل زقاق ، وأكثر من تضرر من كل هذا هم أنفسهم دون سواهم  ، وشربوا من كأس المرارة حتى آخر قطرة منه ، وهم يعرفون هذا جيداً ، بعد كل ما تقدم هل يعي الناس أن الوقت حان لإخذ زمام المبادرة من جديد لبناء مدينتهم التي كانت جامعة للكل، المسلم والمسيحي واليزيدي والتركماني والشبكي والكاكي في لوحة ألوانها من جميع أطياف المجتمع. هل يبُادر الأهالي في التعالي والسمو فوق الأخطاء ومسامحة الغير ونبذ الطائفية المقيتة والمذهبية الكريهة  والعشائرية الحقيرة  التي لم ولن تجلب غير التخلف والجهل.
لقد آن الاوان الان وليس في آي وقت أخر لطي صفحة الماضي والبدء من جديد في بناء المدينة التي تجشمت الكثير من  المأسي والمعاناة  على مدار سنوات كثيرة ، ويقولون كفى للذل والمهانة وأنتهاك الشرف والحقوق بصوت واحد قَوِي. 

149
هل يتعظون أهالي الموصل !
يُقال أهلُ مكّة أدرى بشعابِها ، وانا من أهل الموصل.
الكثير من الناس تظن أن سقوط محافظة نينوى في عام 2014 في قبضة  تنظيم داعش الإرهابي هو الأول،  وهذا غير صحيح ، نعم هو الأكبر والأسرع والأوسع ، ولكن سبقه سقوطان مدويان الاول في عام 2003 على يدّ قوات التحالف بقيادة أمريكا ، والثاني بعده بأشهر بعد أن ظن الأمريكان أن الأمن قد أستتب،  والأمور قد أخذت مجراها الصحيح نحو مناخ ديموقراطي يلفْ البلد من الجنوب الى تخوم الشمال ، ولكن كان كل ذلك ضرب من الوهم. ففي عام 2004 سقطت المحافظة بيد ثلة من الجماعات الاسلامية المتشُددة ، وبقايا عناصر حزب البعث المنحل وبعض الضباط من الرتب المتوسطة ، التي لم تستطيع  الهرب الى سوريا أو تركيا أو اليمن ، فعاثوا في المدينة فساداً وحرقوا مراكز الشرطة ودوائر الدولة ، وقتلوا عناصر الأمن والجيش المتواجدين في وحداتهم.  وقد شاهتهم وهم يتجولون في الأحياء السكنية رافعين بنادقهم الرشاشة في الهواء يصرخون بفرح. لم تستمر تلك المحاولة طويلاً، فقد أعادة القوات الأمنية بمؤازرة القوات الأمريكية من فرض سيطرتها على المدينة، ولكن ظلت هنالك خيوط خفية تعمل في الخفاء بين كبار مسئولي المحافظة ، وشيوخ العشائر (السنية) طبعاً، تعزف على موال الدولة الاسلامية والمقاومة المسلحة حتى قبل ظهور داعش بوقت كبير ، وقامت تلك الجماعات مع بعض العناصر من أبناء عرب القرى المحيطة بالموصل بفرض أتوات ( خاوا) على الناس والمحلات والتجار ، بمبالغ كبيرة تصل الى الملايين، بحجة دعمْ المقاومة الوطنية ، وهم في الحقيقة يصرفون تلك الأموال في ملاهي سوريا وعلى (الكولية) والغانيات،  ومن لا يدفع يُقتل في الحال ، وقد ذهب الكثير من الناس ضحية ذلك. المهم أستمر هذا السيناريو الى أن جاء تنظيم داعش الإرهابي مُعلناً قيام الخلافة الاسلامية في النصف الاول من عام 2014، فأصبح  التحالف بين شيوخ العشائر وبعض الأغوات ورموز المدينة  أكثر قوة، يُشجعهم الكثير من أهالي الموصل نفسها متوهمين أن دولة الاسلام قادمة يدغدهم حلم إحياء إمارة عباسية أو أموية ، وهذا تبين لاحقاً أنه غباء وعدم فهم واضح للأمور كان له ثمن باهض هم أول من دفعه. فقد ظهر أن ذلك التحالف كان هشٍ وضعيف ومبنىَ على القتل والاجرام ، حيث هرب قادة التنظيم من المحافظة بعد أن سرقوا ونهبوا  كل الأثار والتوراة المكتوبة على جلد الغزال الأصلية  التي وصلت الى تل أبيب وهم آي الاسرائيلين يحتفلون بها علناً ، والذهب والاموال التي كانت في البنك المركزي، تاركين هؤلاء الشيوخ وكبار المدينة  في تخبط كبير لا يعرفون ماذا يفعلون وأين يولون وجوههم ، بعد أن صورهم التنظيم بالصوت والصورة في قاعة نقابة المهندسين وهم يُبيعون الخليفة ابو بكر البغدادي ودولة الخلافة، وبثوها عبرة  مواقعهم الالكترونية  ، وهي متوفرة على اليوتيوب للمشاهدة. لكي لا أحد ينُكر البيعة في المستقبل. وبالمناسبة هؤلاء ليس عددهم قليل فقد كانت القاعة مليءة بهم. نعم سوفة تشهد المحافظة بعد التحرير تصفيات جسدية للكثير من الناس ، وسوفة تجري دماء كثيرة في الأزقة  وتمتلئ  الشوارع من الجثث المتُعفنة من كان متعاون مع تنظيم داعش ، وأكيد كما هو معمول به في العراق سوفة يذهب الكثير من الضحايا الأبرياء يدفعون حساب غيرهم .
المحطة الاخيرة  قبل أسدال الستارة على دولة الخرافة ، هل يتخذ أهالي الموصل وعرب الْقُرَى المحيطة بها ، عبرة من كل ما حدث ويحدث لهم  ، وهل يشعرون أنهم  مخلب قطْ في يد الغرباء ودمية تُحرك خيوطها قوة خارجية تلعب بهم كما تشاء، وهل يعرف ( المصلاوي ) أنه الخاسر الأكبر في هذه المعادلة الفاشلة ، وإن ثمة خطأ عظيم أرتكبه (المصلاوي )  حين أدخل الغريب الى بيته وأباح له عرضه وماله وأرضه،  فغتصبهم بإسم الدين وهو مرتاح الضمير !، وهو السبب الرئيسي في كل ما حدث له من ويلات وحروب دامية عصفت بمدينته ، مُشجعاً  كل من يعزف على وتر الدين والسلف الصالح  ، ويقف مع الغريب ضد أخه ، كأنه فاقد البصر والبصيرة. ولا مبدأ له في الحياة. هل يتعظون!!! سؤال كبير حقاً. 

150
المنبر الحر / الرَقة ياروسيا
« في: 09:37 17/10/2016  »
الرَقة ياروسيا
أخيراً بدأت عملية تحرير محافظة نينوى من تنظيم الدولة الاسلامية داعش ، والتي يُشارك به الكثير من  المقاتلين  من مختلف الجنسيات مع القوات العراقية  والحشد الوطني والحشد الشعبي والبيشمركة وبعض الفصائل المحلية المسيحية واليزيدية ، والتركمانية المدعومة من أنقرة  في محيط معسكر بعشيقة. والمعلومات المؤكدة من داخل الموصل  تقول أن التنظيم الإرهابي خلال الثلاثة الأشهر الاخيرة أخلى معظم مراكزه الاستراتيجية وأغلق الكثير من الدواوين ، ديوان الحسبة وديوان التربية وديوان نشر الدعوة وديوان الجزية....الخ ، ونتقل الى مقرات بديلة بين المنازل والسكان سواء في الموصل ، أو إنتقال ثاني أبعد قليلاً  عن المحافظة،  وهي الرقة عاصمة دولة الخلافة ومقر إقامة الخليفة ابو بكر البغدادي ومركز عمليات وقيادة  داعش العامة ، وعلى هذا الأساس تمْ سحب وتراجع  الكثير من القادة والامراء المهُميين الى هناك بغية أعداد خطة ثانية وبديلة لمواجهة القوات المُحررة.
عملية تحرير محافظة نينوى والقرى المحيطة به  لن تكون صعبة ولن تكون طويلة ولن تكلف الخسائر البشرية  مع كل التحضيرات وهذه الإمكانيات اللوجستية ، والعدد الهائل من القوات المشاركة في المعركة ، ولكن الخطر الحقيقي هو عودة تنظيم داعش الى الموصل  في المستقبل القريب  بعد أن ينظمون صفوفهم ويجمعون أشلائهم ويطلبون العون والمددّ من أنصارهم في السعودية وليبيا و أفغانستان و باكستان والشيشان  وباقي الدولة المتعاطفة معهم لإنها حرب شيعية سنية مذهبية ،  ويعادون الكرة من جديد منطلقين من أرض الرقة القريبة من حدود العراق فيكون السقوط الثاني مدوي ، وأكثر مأساوياً وأكثر فتكاً وأكثر إجراماً وأنتقاماً  من عام 2014 ، من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس  يكون تحرير محافظة نينوى دون نفع كبير دون إستئصال الورم  السرطاني  من الجذر وأن كلّف غالياً.
يبقى أن نقول إن روسيا ( العظمى)  لم تحرك ساكن بشأن ولاية الرقة وقد طال الزمان والمكوث به ، وهذا الموضوع يلفه الغموض والسرّ، وهي على يقينْ أن تفتيت تنظيم الدولة الاسلامية وقهره لا يمكن دون تحرير المدينة من دنسْ الارهابين،  وروسيا تستطيع فعل ذلك بسهولة وخلال أيام قليلة ، ولكن يظل السؤال مطروح لماذا لا تفعل ذلك ، وماذا تنتظر كل هذا الوقت  ومن المستفيد من بقاء داعش في الرقة؟.

151
الفنجانْ والأطباق الطائرة
أذا ما تحدث العاَلم الألماني ألبيرت أنشتاين 1879-1955 عن النظرية النسبية العامة، والنظرية النسبية الخاصة، وتكافؤ المادة والطاقة، ونظرية التوحيد الكبير ، ومفعول الكهرضوئي في الفراغ ، والزمن والزمنكان ، والكائنات الفضائية ، والأبعاد الخمسة ، فكل هذا طبيعي ومن صميم عمله وبحثه الدؤوب طيلة حياته ، حيث أن أراءه المعُقدة التي تدخل في صيغْ بحث وجذب وتحليل ورفض وقبول ودراسات وسجالات علمية تخص مجاميع من علماء الفلك والفيزياء والرياضيات،  تنهك نفسها ونظرها في شرح هذه الاّراء والنظريات لتُبين مدى صدقها وصحتها  بالتالي الأخذ به أو ركنها على الرف، وهذا هو  مجال عملهم في نهاية المطاف. وإذا ما تحدث العالم البريطاني الدكتور ستيفن هوكينج 1942-      ) عن المَجراتْ والكون والنشوء والانفجار الكبير والكويكبات السيارة  وبداية تكوين الارض وفرضية إيجاد حضارة ثانية خارج المجموعة الشمسية ، في كتبه  تاريخ موجز للزمان، و الكون في قشرة جوز، والثقوب السوداء والأكوان الناشئة،  فهو يحُاكي عالم معظمه رمزي مجازي،  يعتمد في الطرح على أرقام ونظريات رياضية  منها سهل الفهم ومنها ما هو صعّب، تدور حولة صيغْ وعبارات وجُمل  غير مباشرة في الكثير من الأحيان  وهذا هو حَال أداب  الفلك والفيزياء وعلوم الفضاء بشكل عام.  أما أن يتحدث مسئول عراقي كبير بدرجة وزير وبصفة رسمية وبحتفال كبير وأمام حشد غفير من الناس، بمناسبة أفتتاح مطار ذي قار (الدولي ) في الناصرية وتتناقله الكثير من القنوات الفضائية والمحلية  فيُصرح وزير النقل كاظم فنجان الحمامي  في كوميديا سوداء من فصل من فصول المسح الحكومي العراقي الكبير ويقول وبدون مقدمات مباشرة أن أول مطار في التاريخ الإنساني بني في منطقة ذي قار قبل 7000 سنة وبناه السومريون قبل نحو 5000 سنة قبل الميلاد،  وزاد السيد الوزير من الدراما العراقية الهنديّة قائلاً أن المركبات الفضائية  كانت تقلع منه آي من مطار ذي قار في ذلك الزمان الى الكواكب الاخرى،  وأن المنطقة الان هي أمن مكان لهبوط وإقلاع الطائرات من أي بقعة في العالم ، بمعنى أخر هو أفضل من مطار هرثو ومطار أوهير ومطار هارتسفيلد ومطار بكين  ، وليزيد فنجان تخبطه في فنجانه أضاف أن السومريون اكتشفوا الكوكب رقم 12 الذي أعلنت عنه ناسا قبل بضعة أيام فقط.
على ما يبدو أن الوزير كان مُعجب ومحب للناصرية كثيراً ففاته أن يوضح للناس والمشاهدين عبر القنوات أين هي اطلال هذا المطار الكبير قبل 7000 سنة مثل أهرامات  الجيزة وسور الصين العظيم، ولماذا لم تُسجل تلك الزيارت المزعومة  في الرقُم الطينية والألواح السومرية مثل ما دوَّن الكثير من الأحداث في تلك الحقبة البعيدة ، ولم يوضح الوزير لماذا أختارت تلك المخلوقات الفضائية ذي قار بالتحديد وأين الوثائق والاحافير والشواهد على الأقل لدعم الادعاء ؟ وإذا كانت محافظة الناصرية بهذه الأهمية والمكانة ، لماذا هي مهُملة وتقف على حافة الفقر والقذارة، والمطار الذي تحدث عنه لماذا كان طوال هذه الفترة متروك ترعى به الأغنام والماشية ،ومكان لرمي القُمامة. أظن أن الوزير في صغره كان متابع جيد لإفلام  مغامرات الفضاء وحرب النجوم.

152
ماذا حدثَ لنانسي وناهض
بقلم سلوان ساكو
في زحلة لبنان أرادت  الفنانة نانسي عجرم إحياء حفلْ فني كبير في المدينة العريقة، فيتصل آحد عناصر تنظيم داعش الإرهابي الإسلامي ويُهدد بتفجير المسرح أثناء الأمسية ، فتضطر إدارة المهرجان أن تلُغي الحفل.
على أبواب محكمة العدل في العبدلي وسط عمان يلقى الكاتب الأردني اليساري ناهض حتر 1960-2016 مصرعه على يد إسلامي مُتشدد بسبب رسوم كاركتيرية ، أعتقد القاتل المعتوه أنها تمسْ الذات الإلهية وتحطّ من قيمة الدين. صور عديدة من هنُا وهنالك ومن بلدان عربية واجنبية ليس أخرها مجزرة جريدة شارلي إيبدو الفرنسية العالقة في الاذهان الى حدْ الان، تُسلط الضوء على ماوصلنا  إليه نحن  العرب من تخلف وقسوة وإجرام بعد أن أجتزنا القرن  العشرين بكثير، في نفس الوقت نلاحظ الى آي مدى أستفحل الاٍرهاب ووصل الى تفاصيل حياتية دقيقة، صار العربي يتوهم أنه ينشر رسالة الاسلام ويُطبق الشريعة ويضع الحدّ والعقوبة التي يراها هو صحيحة من منضوره الإرهابي المتشدد ويضرب عرض الحائط كل القوانين والاحكام  والتشريعات المدنية.
 هل وصلنا الى مرحلة صرنا فيها نخاف من كل ما يدور حولنا ، نلتفت يميناً  وشمالاً نتوجس خوفاً ، هل بات الإرهابي الداعشي والقاعدي والزرقاوي يتحكم في حركتنا ويفرض علينا آراءه وأحكامه ، هل جاء الوقت الذي صار فيه المفكر اليساري والماركسي والليبرالي يخاف على قلمه أن ينكسر على يدّ هذا الإرهابي اللعين؟. 
 في أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ 1911-2006  في عنقه على يد شابين قررا اغتياله لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل أولاد حارتنا ولكن نجا من الحادث بأعجوبة. وفي 8 يونيو 1992 تم أغتيال الكاتب والمفكر المصري اليساري  الدكتور فرج فودة 1945- 1992 في القاهرة بسبب أفكاره وأراه العلمانية. وحين سُئل منفذ العملية من قِبل قاضي التحقيق، لماذا قتلت فرج فودة ، قال المُتشدد لإنه  ضد الدين الاسلامي ، فقال له القاضي هل قرأت له شيء لكي تحكم عليه بالكفر ،  فقال المجُرم لا ، فقال القاضي لماذا،  قَال لأنني لا أعرف القرّاءة والكتابة.

153
المنبر الحر / البغدادي في واشنطن
« في: 03:37 24/09/2016  »
البغدادي في واشنطن
يقُال أن آحد مساعدي الخليفة ابو بكر البغدادي المقربين منه سأله معاتباً ، يا أمير المؤمنين أن الساعة التي أرتديتها في معصمك الأيمن في جامع الموصل الكبير يوم البيعة ،  أثارت الشكوك والريبة حولك وانتَ أمير المجاهدين ، فنظر إليه الخليفة وبتسم قائلاً أنها هدية عزيزة على قلبي من جنرال أمريكي يوم كنتُ مسجوناً في بوكا.( طرفة)
رغم كل التقنيات والتطور المعلوماتي والاستخباراتي ،  وصور الأقمار الصناعية الموجه الى سوريا والعراق ، ورغم كل  العملاء والجواسيس الَّذِينَ  يسربون الخبر اليقين الى القوات الامريكية المرابطة في المنطقة ، مع كل هذا تقصف الطائرات المتحالفة مُعسكر للجيش السوري في دير الزُّور  فتقتل ثمانين جندي نظامي وتجرح الكثير ، بعد ذلك يصدر بيان خجول من البنتاغون يقول أن هذا خطإ استخباري غير مقصود. هل يعقل أن يكون خطإ بهذا الحجم؟. زعيم دولة الارهاب والقتل  البغدادي ، يتجول بسيارته البيضاء الهمّر في أزقة وشوارع الموصل في الساحل الأيمن من المحافظة وبالتحديد في حي الرسالة ، يشدّ من أزر الناس ويُحرض الأهالي على القتال ، ومقاومة الجيش العراقي والحشد الشعبي ، كل هذا يحدث في وضح النهار وأمام الملاء وتحت أعين وأبصار الطائرات المتحالفة والاقمار الصناعية، وفي سدُوف الليل يتوارى عن الأنظار،  مع كل هذا لم يرصده آي جهاز مع أنه المطلوب رقم واحد عالمياً!!!. أستطاعت الولايات المتحدة من قتل ابو عمر الشيشاني  وبعد ذلك ابو محمد العدناني وهم من الصف المتقدم في التنظيم الإرهابي داعش ، وغيرهم الكثير من القادة ، هل من المعقول والمنطقي أن لا تستطيع أمريكا وأجهزتها من رصد تحركات ابو بكر البغدادي طوال هذه الفترة الطويلة وهو المحصور في خط واضح  بين الرقة والموصل ، آم أن ساعته لم تحَن بعد؟.

154
المنبر الحر / هل مات العراق ؟.
« في: 13:42 15/09/2016  »
هل مات العراق؟.
لم يمتْ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، بل مات ميتة حقيقية في 5 حزيران 1967، آي عام النكسة والفشل والهزيمة، الذي لحقَ به وبكل العرب ووصمة عار على جبين كل الزعماء. بعدها ظل عبد الناصر بقايا إنسان مهزوم يذرف دموعاً حارة من قلب مجروح،  وأحرقته خيانة وغرور صديقه المُشير الغير حكيم ،  يحاول أن يجمع ما تبقى من كرامة مبُعثرة على صحراء سيناء وشرم الشيخ والضفة الغربية وهضبة الجولان. ولكن حتى في لملمت الجراح لم ينجح،  وتبدد الأمل  العربي في ساعات ،  وضاع الحلم ، وأكتشفوا انهم كانوا يسيرون خلف سراب،  وجاء الكابوس مُتمثلاً  في واقع أليم لم تستفيق منه العرب الى حد الان.
لم يمتْ بلد كان أسمه عراق الان، بل حين قرار شخص مغرور جاهل  أن يستفرد بالحكم عن طريق القتل والقوة  ومنهج العصابات والحزب الواحد والعقلية الواحدة بدون الحرية وأستغنى عن مبدأ الاشتراكية.  مات العراق الكبير حين قررَ رئيس جمهوريته غزو دولة صغيرة متاخمة لحدوده  تحت ذرائع  واهية وتبريرات سخيفة تدل على مدى جهل وغباء قائده المُجاهد الناصر بالله، وجرَت بعد ذلك الدمار والخراب  عليه وعلى البلاد والمنطقة ككل. ماتت بغداد عاصمة الحضارة  ومنارة الفكر مرتين الاولى حين دخلها هولاكو سنة 1258 والثانية  حين  سلمتها أمريكا  الى العدو الأزلي الحاقد على البلاد والعباد أيران على طبق من ذهب مرصع بالألماس ، وهي آي الولايات المتحدة  تجر ورائها أذيال الهزيمة والعار لا تعرف كيفية الخروج من المسُتنقع العراقي. هل تبقىْ شيأ واضح من معالم  بلد كان في السابق بلاد ما بين النهرين وميزوبوتاميا؟. الميليشيات الإيرانية والمرشد الأعلى  والجنرال سليماني من يتحكم في القرارات السياسية والعسكرية  مباشرة من طهران.  تنظيم داعش الإرهابي يجول ويصول بحرية في ثاني أكبر محافظة من ثلاث سنوات ويسيطر على نصف محافظات الفرات الأوسط   مع كل المعارك الصحيحة والوهمية. الجارة الغير عزيزة  تركيا تُحاول أن تجد موطئ قدم  تغُيظ الكفار مع أنها هي من صنعت هؤلاء الكفار وسلحتهم  وعززت وجودهم على الساحة ، فتزيد من تواجدها العسكري في ناحية بعشيقة ويُصرح السلطان اردوغان  أنه هو من سوفة يُحرر مدينة  الموصل من دنس الاوغاد الدواعش  حسب أتفاقية أبرمت بين تركيا وبريطانية سنة عشرين من القرن المنصرم فيريد أحياءها وبعثها من الانقاض من جديد!!!. أتساءل ويتساءل معي الناس هل ظل شيء أسمه عراق ووطن كان في الماضي أرض الشمس.

155
المَثلية ومفهوم الحرية
بقلم / سلوان ساكو
تسعى دولة استراليا في الآونة الاخيرة الى تشريع قانون جديد يجيز للمثليين الارتباط رسمياً ، وبالتالي يكون لزماً على الدوائر المختصة من محاكم وبلديات تطبيق هذا القانون والالتزام به. المثلية أو المثليين Homosexualsو الذي كثر الحديث عنهم في الاعلام خاصة في الآونة الاخيرة ؟ وباتَ من الملح ومن الضروري تسليط الضوء عليها لرفع النِّقاب وكشف ما يحيطها من غموض ، وعلى آي أساس تعتمد ومن أين بدأت ، وكيف توصل الغرب الى مفهوم أو صيغة أو نمط أن يتزوج أثنين من نفس الجنس ويتقبل المجتمع من حولهم ذلك بكل طيب خاطر ، وكيف وصل الامر في بعض الدول مثل الولايات المتحدة ان تجيز ذلك ، حيث يعتبر باراك اوباما أول رئيس أمريكي يعترف بزواج المثليين وذلك في سنة 2012. ودول مثل أستراليا وإيرلندا يشرعون قوانين يُلزم المحاكم المدنية بعقد القران والاعتراف به.
وجدَ الباحث والمنقب في حفريات الأركيولوجيا في بعض المجتمعات القديمة من حياة الكهوف آي العصر ما قبل الزراعة والاستقرار أن هنالك بعض الرسومات على جدران تلك الكهوف مكونة من شخصان يتعانقان من نفس الجنس، والباحث في علم باليوأنثروبولوجيا آي علم الانسان القديم سوفة يجد الكثير من الشواهد والطقوس لممارسات جنسية من نفس النوع. وحتى في الملحمة السومرية جلجامش نلاحظ نوع من الحب المثلي ( وليس بالضرورة أن يكون جنسي ) بين البطل جلجامش ملك أوروك وصديقه الوسيم أنكيدو بعد النزال بينهم. وفي بابل القديمة كان هناك ظاهرة تسمى ( العهر المقدس) في معبد عشار للآلهة إنانا يحيث يمارسون الجنس بطرق خاصة. وفي حضارة وادي النيل نشاهد الثنائي حنمحوتب ونيانخم مزيني قصر الملك ني أوسر رع سادس ملوك الأسرة الخامسة حوالي عام 2400 ق.م. حيث ساد الاعتقاد بأنهما كانا مثليي الجنس بناء على رسم لما يصورهما يتعانقان أنفًا بأنف في مقبرتهما المشتركة. وفي حضارة اليونان تكلم الفيلسوف أفلاطون كتابه "‪Symposium‬" عن ذلك السلوك بواسطة حوار بين فلاسفة عن معنى و تضمن ذلك الحب المثلي، وانتقد المثلية بوصفها غير  طبيعية.
وفي العصر العباسي كان معروف عن الخليفة هارون الرشيد أنه يجمع حوله الخصيان والغلمان وكان أبو نواس يمدح الغلمان ويثني على الجمال الخنثوي، وأيضاً أشعار المتصوف المشهور ابن الرومي ، وفي عصر الصفويين في فارس 1501-1723 كانت هنالك بيوت خاصة لدعارة الذكور مرخصة قانونياً وتدفع ضرائب . فإذن الموضوع قديم جديد وله جذور تضرب عميقاً في كل الحضارات والمجتمعات بدون حصر . ولكن الموضوع يأخذ بعداً أخلاقياً أعمق من ذلك ، وأبعد من أن ينحصر في أطار الجنس وحده، لقد تأسس على مفاهيم فلسفية كبيرة وأن كانت مستترة خلف قناع الانسانية، فلا نستطيع فهم الفكرة من الأساس دون العودة الى مفهوم المصفوفة الاخلاقية خلال ما مرت به من تقلبات كثيرة ، والفلسفة بدورها لا تُفهم دون الرجوع الى غول الفلسفة هيجل 1770-1831 الذي أساس على مفهوم الحرية الذي كان هو بدوره متأثر بجان جاك روسو 1712-1778، حيث يمجد هيجل الفرد الحر من منطلق أنه سوفة يصل الى المثال ‫،(لأنها الهدف الأساسي للحياة ومن خلالها يشعر الإنسان بقيمته وبجانبه الروحي لأنه يمارس العادات والتقاليد و الحياة الأخلاقية والقانونية من خلالها ). بعد ذلك نعود ‬ لقراءة فكرة فريدريك نيتشه 1844-1900 الذي أعطى فهم أعمق وأكثر جدلية ، بدون أن يحدد ذَلِك مباشرة في كتاب فلسفة الأخلاق الذي ترجمه للعربية الدكتور يسري ابراهيم، الذي نقد دور العقل في الفلسفة التقليدية  والتحرر منها في آخر المطاف عبر  الرجل الخارق superman المنحل من الاعراف والتقاليد والعادات والاخلاق التي بُنيت عليها الانسانية عبر حقبة طويلة أراد هو أن ينسفها من الأساس وأرتقائه بهذا الانسان الغير أخلاقية للكمال الذي قال أن الطبيعة الانسانية وغريزة حب السيطرة وإرادة القوة هي مكمن الأحكام التقويمية لا العقل. أن هيجل يتبنّى الى حد كبير وصف كانط للفرد الرشيد والاخلاقي ، لكنه يعتقد ان فهم كانط للفردية هو تعبير عن حقبة تاريخية محددة تتمثل بالعالم الحديث. ولهذا يُعتبر هيجل من اوائل فلاسفة الحداثة وخاصة الفهم الحديث للتاريخ وفي ضوء صورة الفرد العالمي وظهور الفرد المتمتع بالحق الذاتي والحريّة الشخصية حتى في سلوكه العام وممارساته الخاصة. بعد ذلك جاءت فلسفة جان بول سارتر 1905-1980، الذي سارت على نفس المنوال في تمجيد حرية الفرد في المجتمع دون اي عوائق. من هذا الطرح نستطيع أن نفهم أن الغرب اليوم أميركا أوروبا استراليا ....الخ تسير على خُطى هؤلاء المؤسسين للفرد وليس للجماعة وتعطي أهمية بالغة للحرية وفق مفهوم الذات. فأذا المسألة هي ديالكتيكية جدلية من الأصل ليست محددة بمفهوم الأخلاق الارضية التي وضعها الانسان وصار عبد لها. وصل الغربي الى هذه الفكرة عبر سجال طويل مرت بمراحل طويلة والذي تجلت في آخر الامر على هيئة حرية    وإلانا العليا والذات ، تكون صادقة وتعبر بالضرورة على شخصية الفرد تكون واعية بصدق دون مراوغة أو أحتيال عليها، وهذا تطلب عمل شاق جداً ووعي مضني لانه ضد التيار وضد القيم السائدة وضد الطبيعة التي سارت في ركابها الحضارة من البداية وبنيت كل المفاهيم والتقاليد عليها تقريبا وأزرتها ووضعت حجر الأساس لتلك القيم والتقاليد الديانات الشرقية. وفي النهاية تظل القضية بين مؤيد ومعارض وتبقى مسألة المثليين موضوع معقد وشائك.‬‬‬

المصادر:-
أنطولوجيا الذات . أحمد برقاوي
فريدريك نيتشه ، مجدي كامل

156
خفايا الهجرة في زمن الحرب
بقلم / سلوان ساكو 
تسارعت وتيرة القبولات والاستيطان الى دول المهّجر مع بداية تحرير محافظة الموصل وقرى سهل نينوى، وبداية النهاية لتنظيم داعش الإرهابي على الأقل في العراق. فليس من الصدفة أن يتم قبول مئات العوائل الى كندا وأمريكا وأستراليا وأوروبا من المهجرين في دول الجوار كالاردن وتركيا ولبنان  من جراء سيطرت داعش على قراهم ومدنهم في 2014،  وليس من محضْ القسمة والقدر  أن يتم تفعيل أجراءات السّفر  بهذه السهولة خلال فترة وجيزة نسبياً !. أليست انعطافة خطيرة ، وفي الأمر ريَبة وشك في أن يكون هنالك نوع من التخطيط في إبعاد مكون أصيل له عمق تاريخي وثقافي وإجتماعي من وطنه الأم ، وصهره بعد ذلك في المجتمعات الكبيرة والرأسمالية وتقويض كل الفرص في أحياء ذلك المجد الغابر،  ومحوّ تاريخ كامل لشعب أسس وأستقر وتبنى حضارة تضرب جذورها في الارض عميقاً.
 لن نستطيع أن نفهم أبداً ما حدث للشعب المسيحي في بلاد الرافدين  خلال العشرين السنة الاخيرة من تهجير وقتل  واغتصاب للحقوق والحريات والتضييق عليهم  بشَتى الوسائل ، بدون العودة الى مسألة وملف  يهود العراق الاصلاء ، والكيفية التي تم بواسطتها تهجيرهم  وقتلهم حتى قبل مذبحة الفرهود سنة 1941، وأليات توطينهم قصراً في إسرائيل بواسطة أيادي خفية لها علاقة بالحكومة الملكية آنذاك. فحركة التاريخ وصيرورته الدائمة في إعادة نفسه وأن كانت بطرق مختلفة وتقنيات جديدة تواكب العصر فالمبدأ الأساسي  يظل كما هو، ففي ذلك الزمان كانت الحركات القومية العربية متعاطفة مع الحزب النازي في ألمانيا ، ومع ظهور حركة رشيد عالي الكيلاني صاحب الانقلاب الفاشل في بغداد، أجج الصراع الأيدلوجي الديني وألب الجمهور ضد السكان اليهود الامنين فتسببت الحركة  في مجزرة مروعة  راح ضحيتها الأبرياء المساكين. بعد ذلك ولتكتمل المهزلة العربية زار مفتى القدس المغرور والتافه أمين الحسيني  هتلر في قلب برلين مما أعطى فرصة لتأويل أفران الهلوكوست بحيث صار هو المشجع والمحرض لها، فستغلت المنظمات الصهيونية هذه الأحداث بتفوق وتخطيط  كبير بعد ذلك ، وتم تهجير الشعب اليهودي الى الدولة الوليدة بطرق مختلفة وقنوات سرية كان الغاية منها هو حشد أكبر عدد من الناس في اسرائيل بأي ثمن كان وفعلاً نجحوا في ذلك. فلم يبقى في العراق حسب أخر تقرير سوى 4 أشخاص من اليهود القدامة من عدد  135 الف  في الأربعينيات آي أثنان ونصف من المئة من عدد السكان الاجمالي ويذكر العلامة يوسف غنيمة أن حكومة الاحتلال الإنكليزي  قامت بإحصاء لسكان العراق في العشرينيات فكان عدد يهود العراق 87448 نسمة موزعين على خمسة عشر مدينة عراقية أكبرها مدينة بغداد. بمعنى أدق لم يعد وجود لمكوّن رئيسي من نسيج الشعب العراقي، وهذا هو الحال بنسبة للمسيحين وأن طال الأمد ،  فالوعي المؤسس للسلوك ذاته، والغاية من تخريب التعايش السلمي وتهشيم لوحة الفسيفساء السكانية الذي يمتاز به العراق هُو،   ولكن الزمان  والأشخاص الفاعلين تغيروا .

157
طريق هلاري للبيت الأبيض
بقلم / سلوان ساكو
حسبي  أن الطريق للرئيس القادم  للولايات المتحدة الامريكية هلاري كلنتون باتَ معبداً، وهي  الان تحزم حقائبها وأمتعتها والملفات العالقة لتحطّ الرحال بعد أشهر قليلة في المكتب البيضاوي. فبات من المؤكد الأن أنها الأكثر قرباً من أسوار البيت الأبيض من المرشح الجمهوري ورجل المال والأعمال  دونالد ترانب ، الذي يبدو انه أضاع بوصلة الرئاسة بعد مؤتمر الحزب العام الأخير،  والذي بان مدى سطحيته وعدم فهمه في دواخل السياسة الامريكية المعقدة والصعبة وصار  يتخبط في وحلها الثقيل ، حتى زوجته الشابة الجميلة  لم تضبط الخطاب الافتتاحي الذي يفترض ان تكون  السيدة الاولى  بعد أشهر أمام آلاف المحتشدين من أنصار ترانب الجمهوريين فكان مقتبس طبق الأصل من خطاب ميشيل أوباما قبل سنوات فظهر كأنه سرقة وسبب أحراج شديد كان من السهل جداً تجنبه . هلاري ليست المرشح الأفضل لقيادة الولايات المتحدة  وليست بتلك الدرجة من الكفاءة لتولي قيادة العالم صحيح انها أمرأة مأسسات وتبوأت مناصب عديدة ليس اخرها وزيرة للخارجية ،لكن منصب الرئيس شيء اخر.  ضعف برنامج المرشح الجمهوري ترانب وسذاجته في طرح الأفكار بشكل مباشر وهو خطأ فادح يتجنبه السياسي المحنك والمكيافيلي  ، وتصريحاته التي تفتقر الى الكياسة هو الذي رجح كفة الميزان وأعطى دفعة قوية لكلنتون بتجاه المكتب البيضاوي.
تغيرت الكثير من البديهيات وأصول اللعبة في خطوط السياسة الامريكي في السنوات العشرين الاخيرة فبات الناخب الامريكي يحتار لمن يصوت هل للديمقراطيين  الذين لم يحركوا ساكن في مصير دول هزتها الصراعات الدموية مثل سوريا والعراق واليمن ام للجمهوريين الذين هم من كان السبب في هذه الصراعات والحروب من الأساس.
أرى أن الولايات المتحدة  لن تستعيد عافيتها ومكانتها كقوة عظمى  في العالم ما لم ترتب البيت الداخلي من الاول وتعيد بناء وفهرست كل السياسات الخاطئة التي كانت  السبب في كل هذا التخبط الذي تعيشه الان ، والعودة مجدداً الى المسكّ بزمام الأمور كقوة  يحسب لها حساب.

158
المنبر الحر / وجه داعش الآخر
« في: 14:22 09/08/2016  »
وجه داعش الآخر 
بقلم / سلوان ساكو
أذا ما عُدنا الى أرشيف مدرسة الإعداد الحزبي في دمشق لوجدنا بين الوثائق والمذكرات نصْ الحوار الذي دار بين الرئيس الراحل حافظ الأسد وبين محمد عايش وزير الصناعة وقت ذك آي في عام 1979 ، حيث ارسل صدام حسين الوزير عايش الى سوريا لغرض شرح أسباب المؤامرة المزعومة من قبل الجناح البعثي في سورية ضد الجناح البعثي في العراق ، وتقول الوثائق أن الأسد الأب  كان يستمع الى محدثه بكل هدوء وتمعن ، وحين انتهى المتكلم من سرد الاتهامات الباطلة ضد الحكومة في دمشق ، قال حافظ الأسد له دعك من كل هذا فهو محض أفتراء ،  أنتَ  شخصياً ماذا تقول ، هل الاتهامات الموجه لنا صحيحة ، فأجاب عايش أنا فقط أنقل رسالة الرفيق صدام حسين  لكم ، وسوفة أنقل له جوابكم  فخامة الرئيس.  فنظر له الأسد بعمق وقال بعد دقائق،  نصيحة لك أن تبقى في ضيفتنا فترة أسبوعين لا أكثر وسوفة تشاهد ما سوفة يحدث في بغداد ، وتركه وخرج . ولكن عايش عاد الى بغداد وبدأ مسلسل الدم المسفوك ، فكان أول عرض على خشبة مسرح قاعة  الخُلد ، وكبش الفداء والضحية الرئيسية الوزير محمد  عايش نفسه.
حين حَل الحاكم المدني بول برايمر الجيش العراقي وكل المؤسسات الأمنية والعسكرية  وأجهزة الشرطة والأمن ، كان هنالك ال مئات بل ألوف من الرتب المتوسطة بين نقيب وعقيد والكثير منهم بل معظمهم منتسب في صفوف  حزب البعث. هؤلاء فجأةً وبعد خدمة تمتد بين خمسة عشر عام الى عشرين عاماً وجدوا أنفسهم مطرودين وبدون راتب تقاعدي يضمْن لهم حياة كريمة بعد الخدمة ، وملاحقين من قبل الأمريكان والمليشيات التي تريد تصفيتهم بسبب وبدون سبب ، فكان من الطبيعي أن ينخرط الكثير منهم في صفوف التيارت المتطرفة الجهادية التكفيرية في وقت مبكّر من السقوط 2003- 2004  بل الأنكى من هذا أنهم أصبحوا  هم القياديين في مناطقهم  كم حصل مع الزرقاوي في نواحي الرمادي فكل مساعديه من البعثيين والضباط السابقين ، توجه الى الى خط التطرّف بامتياز. والسبب يعود في جزء كبير منه الى الادارة الامريكية ومجلس الحكم  الانتقالي (الانتقامي) ، فالكثير من قادة داعش الان في الموصل مثلاً هُمْ  رفاق وضباط في السابق ، كانوا يتجولون في الأحياء بالزِّي الزيتوني والمسدس يتدلى من الحزام ، وبعد أن سيطرت التيارت الاسلامية التكفيرية على المحافظة ساروا في نفس الركبْ  بداعي تحقيق شرع الله ونشر الدعوة  وتحقيق العدل، وأن كان عن طريق قتل الأبرياء وسفك دمائهم الذي لم يتوقف على مدى التاريخ الحديث. هزائم البعثيين كثيرة وفشلهم أكبر وفي هذا الشهر تمرْ الذكرى السادسة والعشرين  لهزيمة غزوة  الكويت،  التي كانت لعنة على العراق وعلى المنطقة ، جرت الويلات والدمار لشعب لم يعرف الراحة والطمأنينة من ذلك الوقت والى حدْ اليوم  بقرار من رئيس مغرور وغبي همه الوحيد تحطيم وسحق العراق.
النازية أعلت ورفعت في وقت من الأوقات من شأن المواطن الألماني ، ووضعته في أعلى المراتب وفوق كل الأعراق  مع كل السلبيات والدمار الذي سببته  ، أما بعث صدام  فكان جُل  توجهاته هو الحطّْ من شأن الشعب وإذلاله وإهانته.

159
خالد بن الولد في روان 
بقلم / سلوان ساكو
في جريمة بشعة وغير أخلاقية يندى لها الجبين وتهتز لها القيمْ الانسانية وترتعد أركان البشرية بعد هذا العصر الطويل من الحضارة والتمدن. وقعت أحداثها في مدينة الموصل على سنوات الاٍرهاب العِجاف من عام 2007 ، حيث قام شاب وبالتنسيق مع عصابة للقتل والابتزاز والسرقة والتي كانت منتشرة في أرجاء البلدة ولا تزال الى حد الأن، بخطف أخيه الأكبر منه، وبعد أن طلب الفدية من أهله عن طرق شريكهم في الاجرام ، قام بقتله آي قتل أخيه ، وبعد مرور فترة من الوقت قام القاتل بالزواج من زوجة الأخ المغدور وظل معها قرابة سبعة أشهر حسب ما نشرته الصحف في حينها ، الى أن تم إلقاء القبض عَلَيْه في جريمة أخرى والاعتراف بالجرائم الكثيرة التي أرتكبها ، ومن المهازل العراقية الكثيرة أنه وبعد صدور حكم الإعدام بحقه فرَ من سجن بادوش. ويحتمل أن يكون الان واحد من قادة داعش.
الذي حدث وسوفة يحدث لاحقاً من جرائم في ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وأمريكا،  وعموم العالم هو نتفْ قليلة مما كان يحصل في فجر الاسلام وعلى أيدى الصحابة المؤسسين للدين الجديد.  والذي قتل الأبرياء في مقاطعة بافاريا الألمانية ، كان المعلم الاولى له وصاحب الخبرة والمثال الصالح الذي يقتدي به  هو سيف الله المسلول خالد بن الوليد وواقعة مالك بن نويرة هي أكبر دليل على مدى الاجرام وسفك الدماء،  فقد قتل خالد مالك وقطع رأسه وبعد ذلك أمر بطبخ الرأس في قدر كبير وأكل منه ، وبعد ذلك تزوج من أمرأة بن نويرة ليلى بنت سنان وهي حائض آي زنا بها، هذا هو البطل الذي ينشده الشباب الأن  ويطبقونه بحذافيره. والثاني الذي جزْ رأس الكاهن المسكين هو طاعن في السن ويقيم الصلاة في بلدة نائية في الريف الفرنسية مع نَفَر قليل من كبار السن ،  فقام احد الشبان الغيارى  على الدين الاسلامي بتطبيق حد الشريعة وشحذْ هِمَام المسلمين في العالم عبر صورة بائسة طبقها من قبل نبيه محمد بن عبد الله ولكن بسيناريو أخر ولكن المبدأ واحد هو القتل مع  صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن ثعلبة اليهودية حيث قتل زوجها وأبوها وأخواتها وجميع ذكور تلك الاسرة وذلك في معركة أوطاس وذلك في سنة 8 هجرية ، وأيضاً  واقعة خَيْبَر والفتاة ريحانة بنت زيد بن عمرو بني النظير وكانت متزوجة من رجل اسمه (الحَكَم ) وصاحبة جمال ، أعدم الرسول زوجها في مجزرة بني قريظة سنة 5 هجرية. وهذه الوقائع وغيرها الكثير تاريخية ومدونة،  وليست مجرد أقوال وحكايات تناقلتها الأجيال ،  وليس الغاية منها الحطْ من قيمة أحد أو شخص بذاته ولكن للحقيقة   والحقيق فقط لتنجلي وتوضع الأمور   في نصابها الصحيح ، وليفهم القتلة والذباحيين والسفاحين والساقطين أن أوان القتل والاغتيال والاغتصاب والسبايا قد انتهى وولىَ الى غير رجعة،  ويجب أن تتغير المفاهيم القديمة،  وان السلف غير صالح بكل القياسات،  ولن يكونوا صالحين بتلك الأفكار الاجرامية التعبوية المنحطة التي لم تكن ابداً صالحة، وسرقة وفرض أتاوات ومنفعة. حان الآوان ليتغير كل تلك الاّراء البالية وترُكن على الرفوف في المخازن الخلفية  التي سوفة يأكلها العث ، دون أحياء ذلك الماضي البغيض وفتح قنوات الدماء من جديد ، وآلا سوفة تكون الكارثة كبيرة والمأساة مؤلمة على الجميع بُدون أستثناء.
 



المصادر :-
سيرة ابن هشام. 
المغازي للواقدي الجزء الثاني ص 521.
سيف بن عمر ( الردّة والفتوحِ).
الإستيعاب في أسماء الاصحاب للإمام العلامة أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي ( الجزء الثاني).
أسد الغابة في معرفة الصحابة :- عز الدين أبن الأثير أبي الحسن الجزء الخامس.

160
شخصية السلطان اردوغان
بقلم/ سلوان ساكو 
في أحدى ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب بداية العام الجاري كانت هنالك محاضرة للدكتور عبد الرحمن شلغم  مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة قبل انشقاقه عن نظام معمر القذافي، وصانع قرار في إبان حكمه وقريب من الادارة السياسية ، وهو شاعر وأديب في نفس الوقت وله مؤلفات عديدة. وعلى هامش اللقاء  جاء على ذكر الزعيم الليبي السابق فقال أن القذافي كان يخاف ويخشى من تكرار سيناريو الزعيم الروماني نيكولاي تشاوتشيسكو ( 1918 -  1989) رئيس رومانيا الأسبق في  مهرجان في العاصمة  بوخارست، فخلال ساعات قليلة قلب الشعب عليه وأيدهم الجيش والشرطة في الساحة العامة وطالبوا بعزله. ثم حكم  بالإعدام  في أسرع محاكمة  لدكتاتور في القرن العشرين  مع زوجته أمام شاشات التلفزيون.
الذي حدث في تركيا ليس أنقلاباً  بالمعنة التقليدي الاكلاسيكي للأنقلابات التي كانت تحدث في الماضي. الذي حصل هو أقرب الى أنتفاضة من بعض عناصر الجيش أرادت الخلاص من مشروع دكتاتور أراد بسط سيطرته على عموم البلاد،  ونجح في ذلك على الاقل الى حد الان. الإخفاق الذي منُيت به الوحدات العسكريّة يعود الى عدة أسباب أهمه هو عدم التنسيق بين الوحدات المرابطة في المدن الكبيرة مثل أنقرة وإسطنبول ، وعدم وجود شخصية كبيرة أو جنرال في داخل الجيش له وزن وأسم كبير يقود الانقلاب بالاضافة الى ضئالة العدد ، هذا من جهة، من جهة أخرى دهاء وذكاء اردوغان نفسه فقد فوت الفرصة على الانقلابين حَيْث عجل في الذهاب الى المكان الرئيسي للحدث ولم يهرب كما أشاع ، وتحدث الى الجماهير في أسطنبول مباشرة وطلب منهم النزول الى الشارع وقطع الطريق على الخونة كما سماهم، وفعلاً أستجابت تلك الجموع ونزلت الى الشوارع تحمل الاعلام ، مما يعني أنه يحتفظ بمكانة جيدة وثقة عالية  لدى الناس فهو أبن المدينة وواليها القديم.
اردوغان سياسي بارع ورجل دولة عصامي بدأ من تحت الصفر، فمن بائع للبطيخ على عربة أبيه ، أستطاع أن يصل الى سدة الحكم خلال فترة قصيرة نسبياً ويفرض شخصيته وسطوته على كل التيارات والأحزاب السياسية، طبعاً مع كل السلبيات والمناكفات الموجودة وهذا شيء طبيعي في عالم السياسة.
تركيا تمر الان في فترة عصيبة لم ترى مثلها من قبل ، السجن والاعتقالات والطرد من سلك الدولة طال شريعة واسعة من الموظفين والعسكريين والمدنيين ، والكثير منهم أبرياء لم يشاركوا في شيئ،  وهؤلاء من المؤكد أن لهم أقرباء وعوائل واصدقاء فمن الطبيعي أن يحقدون على الحكومة وبالتالي على شخص الرئيس مما يخلق جو مشحون بالحقد والكراهية تظهر على شكل أعمال شغب وتخريب. البلاد الان تغلي وهي على فوهة بركان في آي وقت ينفجر ، ورجب طيب ادخل تركيا في حالة طوارىء لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد ، وهو الان يغربل  كل مؤسسات الدولة من الجيش مروراً بكل الوزارات  ، الذي ليس معنا فَهُو صدنا، لا يوجد حيادي  ولا مستقل،  الكل في دائرة الاتهام والكل تحوم عليه الشبُهات والشكوك، حتى أصدقاء أمس أصبحوا أعداء اليوم، ولم نسمع اي تصريح من رئيس الوزراء السابق دَاوُدَ اوغلو مع العلم أنه أقرب شخص للرئيس ، ما حدث له يبقى سؤال مطروح على كل الاحتمالات ، حتى تصريح عبد لله كول كان خجول وضعيف ، مما يعني أن في داخل حزب العدالة والتنمية الاسلامي الحاكم،  هناك تصدعات وتشققات كبيرة وأن كانت غير معلنة.
 أخطاء اردوغان كثيرة  وكبيرة  مع كل الإنجازات الاقتصادية التي وفَرها لتركيا خلال العشر سنوات الاخيرة ، ولكن السلطة مفسدة كما يقولون وطيور الفساد والرشوة  تحلق فوق رأس أبنه بلال وهي بملايين الدولارات. وأردوغان  يسعى الى تتويج نفسه خليفة جديد وبثْ روح السلطنة من رمادها القديم، وخلق جيش أشبه بميليشيا أو ذراع مسلح تابع لحزبه يكون موازي للجيش الذي فقد الكثير من هيبته وجنرالاته وقدرته. ومع كل ذلك يبقى الأمل موجود في أن تتعافى تركيا من كبوتها وتعود الى الساحة الدولية مجدداً فهي لاعب أساسي في الشرق الأوسط وأسيا وهي دولة أقتصادية كبيرة تحرك جزء من النظام العالمي ، وسد في وجه تدفق للاجئين الى عموم أوروبا. 

161
هل بقيَ للعربْ ضمير
بقلم / سلوان ساكو
حينما كنتُ في سوريا وانا ذاهب في طريقي الى دائرة الهجرة  والجوازات في العاصمة دمشق لتجديد الإقامة ، أنعطفت السيارة من أمام مبنى دائرة التجنيد العامة في شارع مرشد خاطر المزدحم، قال لي سائق التكسي ، بعد أن عرف أني لاجئ عراقي ، في سنة  1981 أرسلت لنا المخابرات العراقية وبعلم من صدام حسين نفسه سيارة مفُخخة مع سائق عراقي أراد إيقافها عند مبنى إدارة التجنيد وسط البلد وبعد ذلك بوقت قصير تنفجر.  وكان توقيت العملية عند الساعة الثامنة صباحاً ، آي عند بداية الدوام الرسمي ، وأضاف سائق التكسي قائلاً، حين شاهد الإرهابي العراقي الناس وهي متجه الى أعمالها ، والطلاب الى مدارسهم،  والموظفين الى دوائرهم والكل بحال سبيله يسَير، أيقن في ساعة صحوة ضمير كان ميت قَبْلَ  ثواني واستيقظ الأن في الوقت المناسب ، أن هؤلاء البشر جميعهم أبرياء وليس لهم علاقة بالصراعات الأيدلوجية والحزبية بيت شقي البعث ، فتوجه  فوراً  الى أقرب مخفر شرطة وأبلغ عن نفسه وعن السيارة.
لو فكر الإرهابي الدنيئ الذي أوقف السيارة المفُخخة في الكرادة التي خلفت  مأساة كبيرة وترك ثكالى تندب أبناءها الشباب الى الأبد ، والضابط والشرطي الذي سمح له في الدخول والعبور،  والموظف في وزارة الدفاع الذي أبرم عقود جهاز كشف المتفجرات الذي تبين انها فاسدة ولا تعمل  مروراً الى الوزير ذاته والى رئيس الحكومة الفاشل،  هل يظل هنالك ضمير حي ويعمل بصلاحية ، وهل هنالك مسؤولية لمسؤول يشعر ولو لدقيقة وَاحِدَة أن هناك شعب فوضه وخوله ووضع جلُ ثقته به من أجل توفير الأمن له السهر على راحته. أحداث الكرادة وغيرها هي سلسلة متواصلة من الضمير العراقي الميت الذي أصبح كفتاة عاهرة لم يعد يأتيها الشبق الجنسي من كثرة الممارسة فأصبح الموضوع هو عادة لا أكثر وإيقاع لروتين الحياة اليومي مثل الرشوة والفساد والمحسوبية والسرقة،  كل شيء يحدث هو عادي،  وعادي جداً الى درجة أنه لم يحصل ولا تحقيق واحد في آي أنفجار حصل سواء كان في بغداد أو غيرها،  كأن هؤلاء القتلى هم جرَاد أو نمل بدون اي قيمة تُذكر والموضوع بكل بساطة أنهم شهداء عند ربهم يرزقون وانتهى الأمر. ويتشدق المسؤول الكبير على الشاشات الفضائية بتشكيل لجان فرعية للتحقيق منبثقة من اللجان الرئيسية التي هي بدورها تابعة لورش عمل ،  ودوامة لا تنتهي من المصطلحات والجمل في أخر المطاف  يتبين انه لا يوجد أصلاً  لجان ولا ورشَ عمل ، ولكن المسؤول  على الشاشة ويجب أن يتحدث وأن يكون متكلم لبقْ فهو في أخر الأمر عضو نائب في المجلس الموقر ومسؤول في الداخلية والدفاع ، وخبير في خافية الأمور واحوال العباد،  ويجب عليه أن يغُطي الأحداث من جميع الزاوية وان كانت كل تصريحاته  كذب وخداع ، ولا يقل إجرام عن الإرهابي ذاته أن لم يكن أكثر منه متوغل في الارهاب والقتل. هذه الصفات تضرب جذورها في عمق الشخصية العربية والإسلامية على حد سواء. أن كانت في برلين أو في بغداد أو في جنيف أو آي بلد أخر، وأحداث مدينة نيس الفرنسية هي أكبر دليل على ذلك ولن تكون الاخيرة بالمناسبة،  فسوف يشهد العالم أحداث وعمليات وتفجيرات وقتل ، عملية نيس بنسبة لها مقُبلات ما قبل الوجبة ، وهذا الذي حدث في أمريكا وتركيا وبلجيكا ليس غير تمهيد للذي سوفة يحدث لاحقاً. هل بقيت قيمْ أخلاقية وضمير حي يُحدد ويوجه بوصلة  العربي  المسلم الى جادة الصواب ، أشك في ذلك.  لقد سقطت الاقنعة وبانت الوجوه الحقيقة بُدون رتوش تجميلية فظهرت الصورة الوحشية للحيوان البشري الذي يفتك ويقتل من أجل الوصول الى الاله الأسمى عن طريق فريضة الجهاد التي هي  أم الفرائض قبل الصلاة  والصوم  والزكاة. والماراثون الى حور العين والغلمان وأنهار الخمر.
 لقد انتهى العرب ولم تعد لهم مكانة في قطار الحداثة والعلمانية والفكر والجمال والفلسفة، لقد تحطمت أمالهم في دولة مدنية راقية على صخرة الغرور الزائف ، نحن خير أمةٍ أخرجت للِناس ، والإعلاء الوهمي للذات ، وتحقر الآخرين والحط من شأنهم وتكفيرهم وبالتالي قتلهم.  كل هذا ساعد على أنقراض وتخلف العرب المسلمين. 

162
أدب / ثمرة الكستناء المحروقة
« في: 11:24 29/06/2016  »


ثمرة الكسَتناء المحروقة

قصة قصيرة

سلوان ساكو

مستوحاةّ من مأسيْ شعب أعزل توالتْ عليه المِحنْ والمصائب، كان يظنْ أنه في مأمن من الأشرار في ذلك الركن البعيد أقصى البلاد، ولكن فجأةً وبدون مُقدمات يبدأ سفر جديد من الألم والضياع والهجرة ، تمتزج فيها دماء القتلى بدماء العذارى ، بُكَاء الرجال بنحيب الثكَالَى ، أزيز الرصاصْ بصرخات الأبرياء الفارين نحو المجهول، الأقدام الحافية تتمزقْ على ذلك الحجر المُلتهب. كل هذا يتجسد عبر صورة أزلية  للشر، في تراجيديا دموية كان عنوانها الموت والدمار واللاإنسانية.
   
إهداء
الى كل أبرياء هذا الوطن من قُتلْ على يدّ المتعصبين والتكفيريين.
                                                       
                                                   
                                               

( الشيئ الوحيد الذي يجعل الشر ينتصر هو أن يظل الخير ساكناً لا يفعل شيئاً)                                           
                                                  أدموند بورك
                              ***
 
مع بزوغ خيوط الفجرالأولى، ومع صيحات الديك المُتتالية التي لا تهدأ ، تنهض بفرين بتمَهل كي لا تصدر أي حركة وصوت فينهض الباقون من أفراد الأسرة . تتجه نحو غرفة المعيشة الصغيرة بهدوء وتوقد التنور الحطبي بسهولة ، وتأخذ قدر العجين الذي كانت قد أعدته قبل هذا الوقت بأربع ساعات. تجلس مفترشة الارض قبالة النار التي بدأت تخمد ، وبدأ الجمر يتخذ شكله الأحمر القاني، في حركة من يديها البيضاء الخفيفة تفتح كرات العجين وتجعله على شكل أقراص متوسطة الحجم وترميه فوق قطعة الصاج الحديدية  فيتحول بعد دقائق الى خبز طازج لذيذ له مذاق الحطب.
ينهض زوجها خيري من سباته العميق عند الساعة الثامنة والنصف صباحاً ، ويغتسل بصنبور الماء في الباحة الأمامية للبيت، ينظر وهو يستقيم وقطرات الماء تسيل من على وجهه الى قِمم الجبال البعيدة وهي تُعانق عنان السماء، لطالما أعجبه هذا المنظر وهو صغير حيث كان يطلب من أبيه الغائب أن يحمله على كتفه ليشاهد الجبال ، لقد مرَ وقت طويل على ذلك قال لنفسه، أتجه الى المطبخ ووقف أمام زوجته قال لها وهو يُنشف رأسه بمنشفة رمادية اللون ، صباح الخير ، ردت عليه بالمثل وهي تبتسم، أخذ قطعة من الخبز الحار وصار يمضغها متجهاً الى غرفته ليرتدي ملابس الخروج. تنهض أمه العجوز بصعوبة من على السرير  معصوبة  الرأس وهي تأن من آلام الركبة والمفاصل. الأولاد بعدهم نيام لم يصحوا ، فالدوام في المدرسة لم يبدأ بعد. يجلس الثلاثة مفترشين الأرض على صينية الأفطار المكونة من جبن جبلي من حليب الماعز وعسل أسود تشتهر به تلك المنطاق وبيض مَقلي على دهن حر من دجاجات المنزل وخبز حار طري. ينهض خيري من على الصينية مودعاً زوجته ومقَبلا رأس أمه التي تذكره أن لا ينسى مسُكن المفاصل حيث لم يتبقى في العلبة سوى حبتين وهي لا تقدر بدونه، يحرك رأسه بالإيجاب وينطلق الى عمله في المستوصف الصحي الصغير للقرية البعيدة على الحدود العراقية السورية التابعة من الناحية  الادارية  لقضاء سنجار ، والتي يقطنها عدد قليل من السكان القرويين الطيبين يأكلون ما يزرعون وما تجود به الأرض من خيرات، ويشربون ما يخمرونه من كحول بلدي مُعتق ، كأن العالم قد نسيهم هناك في هذا الجيب الجَبلي البعيد.
 عند حلول الظهيرة  يعود خيري الى بيته الطيني المكون من غرفتان صغيرتان واحدة له ولزوجته مع أبنتهم والاخرى لأمه وأولاده الأثنين بالاضافة لصالة جلوس أكبر من الغرف قليلاً ، وفي الفناء الخارجي حضيرة متوسطة الحجم لتربية الدجاج مع معزتين وثلاثة خراف. فكل بيوت القرية السبعة والاربعين هي من الطين المخلوط بحليب الماعز، حيث يكون في الصيف بارداً وفي الشتاء دافئاً. يفتح خيري الباب الحديدي الأخضر المتأكل عند الحواف ويدخل الى المطبخ حيث تعد زوجته طعام الغداء وأمه في الباحة الخلفية للبيت تُطعم الدجاجات من بقايا فُتات خُبز الصباح، وأولاده الاثنين يلهون مع الديك الذي بات يعرفهم ويحبّ أن يلعب معهم ويُشاغبهم دون أذية. أبنته الطفلة ذات السنة والنصف والشبيهة بأمها تجلس على قطعة من صوف الخروف وتراقب حركات والدتها الرشيقة. حين ترى بفرين خيري وهو يدخل عليه تنفتح أساريرها وتأخذ من يده أكياس الخُضار والفواكه ، يبتسم لها وهو يأخذ أبنته من الارض ويقبلها من وجهها وهي تضحك مسروره ،تطلب بفرين من زوجها أخراج جاني الى أشعة  الشمس لحين الأنتهائي من أعداد الطعام.
                                ***
بفرين أمرأة في السابعة والعشرين من العمر تملك قدر كبير من الجمال ، بيضاء البشرة من الولادة وعلى هذا الأساس دعوها بفرين الذي يعني الثلج ، متوسطة الطول لها عينان زرقاوان كبيرتان، وشعر أسود داكن ، يقُال أنها ورثتهم من جدّ أمها حيث كان بهي الطلعة حسن الوجه طويل القامة ذوْ ملامح حاده، يُحكى في القرية على لسان كبار السن  أنه جاء من تخوم أرمينيا على حصان أشهب مع مال وفير من ليرات ذهب رشادي وأستقر في هذه القرية البعيدة بعد أن تزوج من ثلاث نساء أحبهم جميعاً  وأنجب منهم ذرية كبيرة.
 إلتقت بفرين بزوجها خيري أول مرة في عيد رأس السنة سري صال في مزار شرف الدين شمال جبل سنجار صدفة ، فأبتسمت له وأبتسم لها وأرخت العينان الواسعتان الى الأرض علامة الحياء والخفرْ، في تلك الساعة دقْ القلبان معاً في نفس الوقت. لم ينم خيري ليلتها ، وظل يفكر في الفتاة ، الى أن طلع الصباح وأخبر أمه ما جاش في صدره من حب في عيد رأس السنة ، لم تدخر باران الوقت فذهبت برفقة أختها وعمْ خيري الكبير الشيخ بركات علي شمو لخطبتها ، فوافقت بفرين دون تردد. مع أن خيري شاب قصير القامة صغير العينين معقوف الانف في  السادسة والعشرين من العمر وهي بنت الثامنة عشر ، ولكنها أحست أنه طيب القلب نبيل المشاعر ونقي السريرة ذوّ نفساً صافية ويحبها كثيراً ، وفعلاً  لم يخيب ظنها.  بعد أقل من شهر تمت المراسيم ، ودقت الطبول وصدحْ المزمار العالي في وسط القرية ، وذبُحت سبعْ خراف سمينة  لأطعام  الناس والضيوف الذين جاءوا من البلدات والقرى المجاورة للمشاركة في العرس ، كل واحد يحمل معه ما تيسر من هَدايا أكراماً للعريس وحباً فيه. هكذا كانت العادات والتقاليد في تلك النواحي. تم كل ذلك في نهاية ربيع عام 2001.
خيري  هو الأبن الثالث في ترتيب الأسرة من الزوج الثاني ، فأمه باران كانت متزوجة من رجل أخر ، مات في البرية  مسموماً حيث لدغته أفعى صغيرة سامة وهو  يجمع فطر الكمأ في موسم الربيع. لم تفلحْ محاولات أصدقائه في أنقاذه فمات مُخلفاً ورائه أرملة شابة مع فتاتين كانت الكبيرة في السابعة والاخرى في الخامسة من العمر. ظلت باران عازفة عن الزواج الى أن تقدم إليها درويش علي شمو أبن خالة زوجها الاول وصديقه الحمَيم بعد ذلك الحادث بسنة ونصف ، كان درويش متزوج من واحدة أخرى ولم ينجب منها ذرية ، لم يشأ أن تتربى بنات صديقه وابن خالته في كنف رجل غريب ، فاعتنى بالفتاتين مثل بناته الى حين تزوجا. أنجب من باران بعد الزواج بعامين ولد أسماه خيري وبعد ذلك بسنة فتاة  ثم فتاة أخرى.
في شتاء عام 1986 والثلوج تُغطي قِمِم الجبال البعيدة ، والليل في الهزيع الاول منه حيث كان جميع  أفراد العائلة مجتمعين حولة نار المدفأة الخشبية يتحدثون ، والاولاد  يلعبون، والأب يُقلب ثِمار الكستناء التركي على القطعة المعدنية التي كانت فوق المدفأة  بمخرز حديدي ويثقشرها ويوزعها  على أبنائه.
فجأةً يدق باب البيت الخارجي بقوة  فينقبض قلب باران وتمسك يده راجيه أن لا يذهب، فقد أحست أن كارثة سوف تقع هذه الليلة.  ولكن هو مسحَ يدها بهدوء وأعطاها المخرز الحديدي،  وأسرع الى الباب ، سأل عن الطارق قبل أن يدير العروة، فجاءه صوت  صديقه شوان حجي كئيباً ، حين فتح الباب رأى صديقه مع مختار القرية وأثنان في زيّ مدني وسيارة لاندكروزر بيضاء اللون موحلة واقفة تنتظرهم مع السائق. حين شاهدهم  درويش هكذا دهمته الحيرة وأرتبك فقال بعد أن جال نظره على الجميع تفضلوا الى الداخل ، فقال واحد من العناصر مباغتاً ، "شكراً  لك ، هي شغلة دقائق" ، تدخل المختار على عجل  وهو مكَفهر الوجه حزين من لا حول ولا قوة له، الجماعة من معاونية أمن سنجار يودون أن يستفسروا منك على بعض الأمور ، أستغرب خيري من هذه المفرزة في هذه الوقت ، فهو حسب علمه لم يخالف أمراً طوال حياته، ولم يقع في آي مشاكل مع الحكومة ، صحيح هو غير منتمى لحزب االبعث ولكن ليس ضده على أية حال ، وهو في سراية الدفاع الوطني (الفرسان)  حاله حال كل أقرانه وكل رجال القرية ويحمل هوية خضراء اللون مختومة بالاحمر على صورته الشخصية تُثبت ذلك. وهو في لَجة أفكاره شارد الذهن،  قاطعه صوت عريض أجش ذوّ لكنة عربية  قروية  لعنصر الدورية ، قائلاً له بهدوء شاخصاً الى عينيه ، لا تقلق هي مُجرد أسئلة وأستفسارات بسيطة نأخذها منك في المعاونية وتعود الى بيتك بعد ساعة.  كان العنصر المتكلم أسمر الوجه ضعيف البنُية  يكاد ينقطع من الوسط ، ذو نظرات حادة مُخيفة ، أسنانه مُصفرة من دخان السكائر، نظر درويش الى المفوض فتوجسه الشك والريبة، ولكن ما العمل فليس باليد حيلة ، فانصاع للأمر وطلب من المفوض أن يرتدي ملابسه فقد كان بملابس البيت، فسمح له العنصر بالدخول ولكن دون تأخير وأشعل سجارة مطأطأ رأسه نحو الأرض، دخلَ خيري الى البيت ممُتقع الوجه يكاد يخلو الدم منه، فسألته زوجته ما الخطب فقال وهو تَائهِ البال حائر الفكر ، إن أمن سنجار يطلبوني للتحقيق سوف أذهب معهم وأعود بعدة ساعة انتِ أغلقي الباب جيداً وأطعمي الاولاد لن أتأخر سوف أعود قبل منتصف الليل ،أخذ فروته الصوفية ومحفظة  نقوده وخرج. أجلسوه في الوسط وأحكموا أقفال الأصفاد على يديه ، كأنه مجرم خطير، وقبل أن يتحرك السائق تلاقت نظراته بنظرات صديقه شوان عبرَ نافذة السيارة وعلى ضوء مصباحها ، فازادد أضطراباً وتوجس قلبه خوفاً ، لم يرى شوان كما رآه الليلة وبتلك النظرات النصف مُغمضة. سارت السيارة بهم بتمهل على الطريق الترابي قبل أن تنطلق مسرعة في الشارع العام. في ذلك المساء الرهيب وفي غرفة باردة من الطابق الثاني في معاونية أمن ناحية سنجار أجريت معه التحقيقات ألاولية حول أتصاله مع مجموعة تنتمى للحزب الشيوعي ، أنكر درويش كل التهُم الموجه إليه وقال أنه لا يعرف شيئاً عن هذا الموضوع ولم يسمع عنه في نواحي قريته ، نظر إليه الضابط بأشمئزاز وقال وهو ينقرّ بأصابعه الأربعة على مكتبه  نقرات خفيفة (راح أخليك تحجي ياحيوان ) ، وخرج ، بعد قليل دخل عليه رجلان ضخمان  فضربوه بشدة وعذبوه كثيراً وحين أنزلوه من على المروحة السقفية وهو يصرخ من الوجع قال كلمة واحدة والدم يسيل على  شفتيه ما هي تهمتي، فأجابه المفوض بحقد بالغ قائلاً ، التخابر مع سورية الدولة العدو للعراق والحزب والثورة وتشكيل نواة حزب شيوعي ثم بصق في وجهه، لم يعلق على  آي شيء فقد أيقن أن واحدة من هذه التُهم الملفقة تُؤدي الى غَياَهب السجون والمُعتقلات والأعدام. بعد قليل دخل الضابط  الخَفر وهو يتجه الى مكتبه وقال دون أن ينظر إليه الأن يجب أن توقع على أعترافتك ونشاطك السياسي المعارض ونفخ دخان سكارته في وجه خيري ، بيدّ ترتجف أمسك القلم ووقع على الورقة البيضاء التي سقط عليها نقطة دمْ صغيرة  كانت على طَرفَ شَفتَيِه لم ينتبه لها الضابط. مشى به المفوض  الى غرفة  التوقيف ، وقبل أن يُغلق الحارس الباب الحديدي الثقيل ويسحب المزِلاج الفولاذي . قال له المفوض وهو يبتسم بخبث ظاهر، تعرف من وَشَى بك ؟ صديقك الحَميم شوان ، وأغلق الباب بقوة وخرج .  في ذلك المساء الشتوي البارد ، جلس خيري على أرضية الغرفة وحيداً وهو يأن من التعذيب والألم، يفكر بكلمات المفوض التي قالها عن صديقه ،هل صحيح هو الذي وَشَى به ، ولكن لماذا ، فهو حقاً ليس لديه أي علاقة بكل هذه التهم وبعيد كل البُعد عن السياسة ويكرهها ولا يعرف شيئ عن الشيوعية والشيوعيين، ولكنه لاحظ في الفترة الاخيرة بعض التصرفات الغربية على شوان ويتحدث عن الثورة الاشتراكية والماركسية وشاهد في يده كتاب صغير الحجم أحمر اللون قرأ عنوانه العريض على الغلاف السميكّ، المادية والمذهب النقدي التجريبي وفي الأسفل لينين ، ولكن لم يُعير للأمر آي أهمية ولم يخطر على باله ابداً أن هذا النوع من الكتب ممنوع من التداول. أيقن بعد فوات الاوان أن شوان صديقه العزيز جعله كبش فداء وشوان هو الشيوعي الحقيقي. أصابه دوار شديد ، وبات يُفكر في أولاده الاطفال وزوجته ، ومصيره المجهول الذي لا يعرف أحد أين سيكون وكيف سوف ينتهي مع هؤلاء الذئاب ، فصار يبكي من الحسرة والألم والغبُن الذي لحق به وهو البريء ، حتى الحارس سمع صوت نحيبه العالي، وتبلل ثوبه الدامي  بدموعه الحارة حتى جفت المقلتين من العبَرات. هنالك في ذلك الركن من التوقيف أقصى العراق كانت صورة للرئيس المُفدى مُعلقة فوق رأس درويش ، جالساً القرفصاء يشرب الشاي في بيت من القصب وهو يبتسم في كبرياء وشمُوخ يُدخن  السيكار الكوبي الثمين.
 فجر اليوم الثاني رُحل درويش الى مديرية أمن نينوى وبعد ذلك بثلاثة أيام الى دائرة الأمن العامة في بغداد ، هناك حُشر بين مئات المساجين والمُعتقلين، لم يسأله أحد عن تهمته، وبعدة شهرين   وجُهت له تهمة التخابر مع دولة معُادية وأنشاء خلية شيوعية، وقع على هذه الافادات أمام قاضي التحقيق في محكمة الثورة وأغلق الملف نهائياً ولم يُحقق معه أحد بعد ذلك، تحول درويش خلال هذه الفترة  بين مديرية الامن العامة ، ومعتقل الرضوانية. وبعد رحلة طويلة من العذاب والمعاناة أستمرت أربعة عشر عام فارق الحياة في أقبية سجن أبو غريب ، ولم يعرف به أحد ، ولم يتوصل شخصاً الى مكانه ابدأ، دُفن مع كثيرين في مقبرة جماعية على نواحي صحراء الرمادي.
                           ***
خلال هذه الفترة مرت الأعوام ودارت الفصول ، وأنهى خيري دراسته المتوسطة ثم الاعدادية في قضاء سنجار بمعدل مقبول وتم قبوله في معهد التمريض والطبابة  في مدينة الموصل ، يسكن في غرفة  مع طلاب من نفس المعهد  وفي عطلة نهاية الاسبوع يعود الى قريته ، الى أن أنتهت الدورة التدريبة بعد سنتين ، تعين بعدها في مستشفى قضاء تلعفر العام  ونقُل بعد سنة ونصف الى مستوصف القرية. تزوجت أختاه وشقيقتيه ، وأصبحت أمه عجوز مُسنة ، ونُسيا الأب ألا من قلب الأم ، فقد كانت تنتظر عودته وتشعر في قلبها  أنه ذهبَ ضحية دسائس دنيئة ليس له علاقة بها  ،وكل ما تتذكر تلك الليلة المشؤومة من ذلك الشتاء البعيد، تعود الى فتح تلك العلبة المعدنية التي بها حبات الكستناء وهي ملفوفة بقطعة قماش بالية من أثر الزمان مع المخرز الحديدي ، تنظر اليهم ثم تسكب الدموع متُذكرة ما حصل تلك الليلة البعيدة.
 سارت كل الامور طبيعية في تخوم تلك القرية المنسية.  وأخذت حصتها من الحصار الصعب الذي ضرب البلد من أقصاه الى أقصاه ، والذي كان بسبب تهور قائد مجنون  تصور أن العالم سوف يسامحه على تصرفاته وحمقاته. فبان في  تفاصيل الحياة اليومية للناس من قلة في الدواء والغذائية ، وشحة في  المواد الاولية. الى أن أنقضى ذلك العصر المرير وفتحت حقبة جديدة من زمان أفضل ، أو هكذا كانت الناس تتصور حيث دخلت الجيوش الغازية بأساطيلها وبساطيلها حضارة ميزوبوتاميا العريقة ، وسقط القائد المعبود من عليائه وكبريائه وبان الكذب والخداع على وجوه الرفاق ، ففر الكل وإنهزم الرئيس المقدام. وتغيرت البلاد وتشتت العباد وأصبح العراق  مرتع لكل اللصوص والسراق. كل هذا والقرية المنسية لم تتغير ، كأن ساعة الزمان قد توقفت فيها. حصل بعض التحسن في المعيشة ولكن النسق العام للحياة ظل كما هو. بعض شبان القرية أنخرطوا في الشرطة المحلية وأخرين في صفوف الحرس الوطني وقوة البيشمركة الكردية ، ومنهم من ترك البلدة وهاجر الى البلاد البعيدة حيث يحلمون أن الأمل والفردوس المفقود هنالك. كل هذا تمّ خلال عقدّ واحد فقط. ظل خيري في عمله الطبي وطرأ تحسن كبير على راتبه الشهري ، حيث أثث البيت من جديد ودهنه وأشترى تلفزيون كبير، وكان في نيته أن يوسع البيت من الجهة الخلفية حيث ضاق بهم المكان بعد أن رُزقت زوجته  بمولودة ثانية.  ولكن حصل  ما لم  يكن في الحسبان والتوقعات أبداً ، حيث  سقطت محافظة نينوى  ثاني أكبر مدينة في العراق ذات المليون والنصف نسمة ، وأنهارت دفاعات الجيش والشرطة الكبيرة مثل بيادق ورقية  خلال  ساعات  ، ودخل الأرهابيين الأسلاميين المُتشددين الى كل نواحي المدينة ، كان ذلك في 10 حزيران 2014. وبعد ذلك بأسبوع تمت السيطرة على كل مفاصل ودوائر المحافظة والبلدات التابعة لها ، وباتّ الارهابيين يزحفون الى جهات الشمال والجنوب والشرق والغرب ، والحصون والوحدات العسكرية  تتهاوى أمامهم كأنها صُنعِت من رمال، ورايتهم السوداء ترفرف عالياً فوق مركباتهم الحديثة، الى أن وصلوا الى قضاء تلعفر في 19 حزيران، وسيطروا على المدينة بعد معركة خاسرة مع لواء العقرب الذي  كان يمسك بزمام الامور في تلك النواحي بقيادة اللواء الركن (محمد القريشي ابو الوليد). أنتهت  المعركة في 22 حزيران  بهزيمة القوات الحكومية وفرار اللواء، منُسحبين تاركين المدينة تغرق في الفوضى والخراب على يد تنظيم داعش، الذي أنتهكها وأستباح حرمتها. في هذه الفترة واصل تنظيم  الدولة الاسلامية تقدمه الى باقي أجزاء المناطق المتُاخمة للحدود العراقية السورية، فدخلوا قضاء سنجار في صبيحة 3 أب  2014. منسحبة من أمامهم القوات الكردية والجيش الوطني والشرطة المحلية،  فعاثوا في الارض فساداً وسرقوا البيوت وخطفوا النساء والفتيات وتم سبيهنّ، قتلوا الرجال الشباب أين وجدوهم  دون رحمة أو شفقة ، في مجزرة مُروعة. أصبح الهواء والتراب في تلك النواحي ممزوجان بدماء الناس الأبرياء ، وفزعْ الناس وخافوا، فهرب من أستطاع الى  نواحي الجبال القريبة ، مخُلفين ورائهم  القتلى  والنساء المسبيات.
 ألاخبار المُفجعة والكارثية تأتي سريعة ،وصوت أزيز الرصاص تحمله الرياح الى بقية القرى، والناس مُصابة بالفزع والخوف الشديد. وسكان القرية المنسية الفقراء يتخبطون في لجة  أفكارهم ومخاوفهم وماذا سوف تؤول له الساعات القادمة ، أخبار الفتك والقتل والسحل والاغتصاب المأساوية بأقربائهم في سنجار وباقي البلدات تصلهم متعاقبة من سيء الى أسوأ . هم الأن بين فكي كماشة ، والحصار مُطبق عليهم فحتى الحدود السورية المجاورة لهم تحت سيطرة تنظيم الدولة ، والكثير من القرى العربية المتاخمة لهم تؤيد التنظيم الأرهابي، فظلت الناس تتوجس شِراً وترتعش خوفاً.
مع حلول ظهيرة اليوم التالي ، وشمس آب الصيفية تِحرق الأرض وما عليها  وتُحول الحجارة الى حِممْ مُلتهبة ، دخلت ثمان سيارات رباعية الدفع ، يعلوها رايات سوداء تُرفرف في الهواء الحار، وأحاطت بالقرية التعيسة وظلت تدور وتدور مشكلة حلقة من الغُبَار الكثيف تحجب الأنظار وتغطي عينْ الشمس. الناس من شدة  الهلع والخوف بدأت تفر بكل الاتجاهات بدون هَدىَ ، ورشقات الرصاص الكثيف تُعبئ الجو وتخلق فوضى عارمة. في ظل هذا السَّعير المَحتدم أتجه القرويين  نحو الجبال القريبة يحتمون هنالك، ولكن فتكْ وقتل  عناصر داعش لهم كان أسرع منهم ،  فحصدوا من الارواح البريئة الكثير، وقتلوا العُزَّل من الرجال  والعجائز من النساء في باحة القرية.  الفرار أصبح صعب ، وبات الناس يتخبطون في مشهد مُرعب لا يعرفون ماذا يحدث لهم، الصراخ والعويل يعلو كأن يوم القيامة قد دَنا. حل الرعب والخوف في عائلة خيري وحاولوا الفرار باتجاه الجبل والاحتماء به لفترة الى إنِجِلاء الأمور. ولكن عندَ الخروج من  البيت  الطيني ، وخيري يدفع  أبنه أمامه ومن ورائه أمُه العجوز تجِرَّ حفيدها البكر ممسكا بيده ، وورائهم  بفرين تلفّ الطفلة الصغيرة على صدرها بقوة. عند الباب الخارجي تعثرت الأم  ساقطة على جانبها الأيمن مُتعثرة بالدكة ، فصرخت مستغيثة أسرع خيري إليها وساعدها على النهوض وأستأنفوا الجري. في أثناء ذلك شاهدهم الارهابيين وهم يركضون مرعوبين فصوب أحدهم مدفعه الرشاش من على سيارة البك أب ورشقهم  بزخة من الرصاص فأردوا خيري على الفور قتيلاً ، سقط على الارض وهو يحمل أبنه ذوّ السبع أعوام بين أضلعه . حين رأته أمه وزوجته يُقتل أمامهم  قامتا بالصُراخ والعويل والضرب على  رؤوسهن. دارت حولهن ثلاث سيارت رباعية الدفع وهن في وسط دائرة من التراب تعمي البصر وتشل الحركة ، نزل الاوباش عليهم مثل ذئاب جائعة تُشاهد حملان مُرتعبة ، وقفوا فوقهم مصوبين بنادقهم على رؤوس النساء ، قال أحدهم مخاطباً الجموع وعيناه تقدحان شر، نأخذ الفتاة ونقتل العجوز مع الغلام ، فأجاب واحد من الواقفين، دعّْ  العجوز لأنها حتماً سوف تموت من الحر  ، أو تأكلهم الكلاب عند حلول الليل، لنأخذ المرأة ونرحل. وافق الأول وسحب بفرين من ساعدها ، ولكن أبت أن تنهض وقاومت بكل بقوة ، أستغرب هو من شدة عنَادها فصفعها بكفه الكبير على وجهها ، نظرت إليه نظرة أحتقار وبصقت عليه ، فاستشاط غضباً وجن جنونه فركلها برجله على بطنها، وأمر مجموعته أن يحملوها الى السيارة ، ظلت بفرين  تصرخ  وتبكي وتجلجل عالياً ولم تدع أبنتها تنفلت منها ، رموها بقوة في حوض السيارة الخلفي ، وساروا يحصدون المزيد  القتلى الأبرياء ، تاركين جثة خيري وأمه والولدان. رحلوا بعد أن عاثوا في القرية فساداً وأخذوا منها النساء والفتيات سبايا لهم ، وسرقوا كل ما يمكن حمله من أثاث ونقود وذهب التي أعتبروها غنائم حرب ، متجهين الى قضاء تلعفر الذي أصبح مقر عمليتهم ومركز إنطلاق الى تلك القرى ونواحيها.
                              ***
 في أعدادية للبنات وسط القضاء، زجوّا بالسبايا  كمجموعات في كل صف ، وأوصدوا الابواب عليهم وهنَ يبكين ويصرخنَ من الهلع والرعب.
في ذلك النهار الدموي والتاريخ يكتب سفره الجديد من المأساة الإنسانية في هذا القرن، وبعد مغادرة الأرهابيين المكان  ظلت باران مُغمى عليها وهي جاثمة فوق صدر أبنها ، والصبي الذي كان بيدها يُداعب شعر جدته يُحاول إيقاضها. عند حلول العصر عمْ  الهدوء في القرية بعض الشئ ، فرجعت مجموعة من الرجال الذين هربوا بتجاه الجبال والتلال القريبة لإنقاذ ما تبقى من النساء المختبأت وأجلاء الجرحى، فوجدوا العجوز وأبنها المقتول عند أول القرية قرب دكاكين البقالة القليلة ، أرادوا أخلائها هي والصبي من المكان كي لا يعود المجرمين ويقتلونهم أو تأكلهم الذئاب أوالكلاب عند قدوم الليل ، مدّ واحدا من الشبان ذراعه محاولاً  سحبها ففتحت عينيها وأستفاقت من غيبوبتها ونظرت حولها مُتشبثة بجثة خيري وهي تبكي وتصرخ  تأبى أن تترك أبنها الوحيد مرمي هكذا على الارض ، ولكن صُراخ أحد الرجال الذي فقد زوجته وقُتل أبنه ، بدأ يضرب على رأسه ويصرخ ويُمزق أسماله البالية بشكل هستيري غطى على بكاء الأم . تم أخيراً وبقوة فصلها عن خيري هي والولد الباقي على قيد الحياة. قبلَ المغادرة وفي ظل هذه المأساة المُروعة ومع أنكسار أشعة الشمس الحارقة لمح أحدهم  طفل مرمي بين أحضان جثة أبيه وهو مُعَفر بالتراب لا يكاد يبين ، فارتمى عليه محاولاً جره ، ولكن حين شاهد جماد عيني الطفل المفتوحتين وأزرقاق الشفتين ، إيقن أنه قد قُتل هو الأخر مُصاب بطلق ناري أثناء الهروب. ففارق الإثنَين الحياة  معناً. قال واحد من المجموعة لننهل عليهم بعضاً من التراب ونرحل فقد حل المساء. أخذوا العجوز والصبي الذي كان معها  وتجه نحو الحدود السورية ، لتبدأ من هنالك معاناة جديدة.
                             ***
عند صبيحة اليوم الثاني من الهجوم على القرية المنسية ، وفي مدرسة اعدادية البنات ، فتح الارهابيين أبواب الصفوف وأخرجوا النساء السبايا الى باحة المدرسة ، وصفوهم على شكل مجموعات. كل مجموعة مكونة من سبع فتيات مربوطين معاً بسلاسل حديدية عند الاقدام وأوقفوهم جميعهم على خط  الاصطفاف الصباحي، وكان عددهن يُقارب الستين جميعهن من القُرى المحيطة بالمنطقة. وقفنَ في الباحة الخارجية وهن يرتعدن خوفاً. بفرين كانت واقفة أخر الصف تقريباً وهي مشدوهة من الصدمة لا تعرف ماذا يحدث لها  وأين الان هي حماتها وما حل بجثة زوجها وأين أولادها. الطفلة الصغيرة نائمة على صدرها  من شدة الجوع والتعب. على هذه الصور المأساوية أنفتح مذياع أدارة المدرسة وتكلم  صوت أجَش ثقيل، عَرف النساء أنهم الأن في ظل دولة خلافة المسلمين وتحت حمية الخليفة أبي بكر البغدادي ، الذي بايعه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها خليفة عليهم ، وأنه يحكم الناس بالعدل والقسطاس ويوصي السبايا أن يطيعوا أمر الله ورسوله والمقاتلين المجاهدين الذين يريدون إعلاء شأن الاسلام والمسلمين ورفع راية الله عالياً ، وبعد البسملة والتعوذ بالله من الشيطان قام المُتحدث بقراءة سورة النساء  وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وسط تكبير وتهليل المقاتلين الذين بدأوا يرفعون بنادقهم في الهواء ويصرخون بصوت عالي الله أكبر الله أكبر. مع هذا المشهد المُثير والمُحفز للمقاتلين نزلت مجموعة منهم تختار لهم سبايا حسب الشريعة والفتوى التي أطلقها لهم شيخهم. بعض النساء رفضن الذهاب مع المقاتلين فتم جرهن بالإكراه ، والاخريات سحبوهم من السلسلة الحديدية التي في يديهم وأرجلهم، في ظل صراخ وعويل يمُزق عَنان السماء  والمجاهدين  يضحكون مسرورين بهذه الغنائم. الى أن وصل الدور أخيراً الى بفرين التي لفت وجهها بشال أبيض كان معها من  ليلة  أمس، وحين أقترب أحدهم منها وشاهد بياض البشرة والقوام الرشيق ، طاب قلبه لها واشتهاها ، مع أن ثيابها كانت موحلة وعيونها حمراء من البكاء ، ووجهها مكروب من الالم. ألا أنه رغبَ بها فشدها من ساعدها الأيمن، ولكن أبت هي أن تتحرك كأنها مسمرة في الارض، فشدها بقوة أكبر الى أن أستيقظت الطفلة التي كانت نائمة وقامت بالبكاء. حين شاهد الرجل صُراخها وعنَاد الأم، دفعها الى الخلف بذراعه فتهاوت على الأرض ساقطة وهي تحاول حماية أبنتها من الارتطام، وقفزّ عليها  مثل المجنون يُريد أن يأخذ البنت الصغيرة ، ولكن صوت ثقيل جاءه من الخلف قائلاً  له ، أتركها لي ، نظر الاخير في عين صديقه بحزم وقوة ، وقال بعربية ركيكة تشبه تلك التي يتكلم به المقاتلين الأفغان ، لم يشتد عودك بعد تحتاج الى تدريب أكثر، وصرخ  بوجهه  تدنا جانباً. طأطأ الاول راسه ووقف على جنب ، ذهب إليها الثاني بهدوء وعيناه تقدحان شرارة وغضب من وسط وجه مُغطى معضمه بالشعر الاسود الفحمي. مد يده الكبيرة يُريد أن يأخذ الطفلة ، ولكن حين شاهدت بفرين كل هذا  الشر يتطاير من الوجه القبيح  تشبثت بأبنتها  أكثر ، ولكن كان هو قوية البنية بشكل كبير، ففتح ذراعها بيد والتقط بيده الاخرى الطفلة وأخذها وسط صراخها وبكاء أمها الذي بدأ يعلو في المكان مما أسترعى أنتباه الموجودين هناك محّولين أنظارهم إليها. أمام هذا الحشد وهذا الصخب وتوسلات الأم وبكائها الذي يفلق الصخر رفع الارهابي الطفلة في الهواء عالياً بكلتا يديه وشدها الى الوراء ورماها بكل ما أوتي من قوة  الى إحدى الأعمدة الاسمنتية ، فارتطم رأسها الغضّ به وتمزقت جمجمتها وتناثرت على الأرض أشلائها مع جريان دمائها. ساد سكون قاتل له رائحة الموت لدقائق، بعدها عاد التكبير والهتاف. نظر القاتل الى ناحية الاول وقال له وهو يلهث ، أنها لكَ الأن فخذها. حين شاهدت بفرين ما حدث لإبنتها صرخت ومزقت الكون من شدة الالم والوجع وزحفت بتجاه العامود  تُريد لملمت بقايها المتناثرة بين بُرك الدماء ، وهي تضرب على رأسها وتمزق ثيابها التي تلطخت بدماء طفلتها، الى أن جاءها الداعشي ذوّ الملامح الشيطاني وجرها من شعرها حاولت  أن  تركله وهي تصرخ وتضرب على صدرها ودماء أبنتها على وجهها وبين ثنايا أصابعها ، ولكن خارت قواها وغابت عن الوعي فسحلها من شعرها جاراً خلفها خط عريض من الدماء الى أن وصل غرفة فراش المدرسة ففتح الباب وأدخلها وأوصده عليها بأحكام وذهب. كانت غرفة الفراش صغيرة في ركن المدرسة تحتوي على بساط أحمر قديم تعفن من شدة الرطوبة ، وتلفزيون صغير نوع قيثارة ، ومدفأة علاء الدين مركونة عند أقصى الزاوية، وبعض الوسائد والبطانيات تعود الى أصحاب المكان. ضلت بفرين هناك مغشياً عليها فاقدة الوعي بكل ما حولها.
عند الهزيع الأخير من  الليل جاءها الشخص ذو الوجه الشيطاني واللحية السوداء نفسه ، فاتحً الباب بهدوء متسلسلاً الى الداخل. نظر إليها وهي فاقدة الوعي غائبة عن هذا العالم، فأخذ وسادة قذرة كانت هنالك ووضعها أسفل الظهر ونزع عنها ما يسترها من ثوب خارجي ، وحين وصلت يداه الأثمة الى السروال الداخلي إستيقظت بفرين وفتحت عيناها فشاهدت وجه قبيح وقد أخرج لسانه ذوّ الشقين يلعق وجهها، تجمدت من الخوف والرعب وأختلطت عليها المشاهد والصور بين أجزاء أبنتها الممزقة قبل ساعات وهذا المسخْ القبيح فلم تستطتيع ان تُحرك ساكن وظلت جامدة كالصخر، فخلع عنها السروال الداخلي الطويل ، وكممْ فمها بيده الأخرى كاتماً أنفاسها كي لا تصرخ ، بعدها أخرج قضيبه من مخدعه ، ووضعه بين أفخاذها محاولاً أن يولجه فيها ، ولكن القضيب ظل ساكن كأن الدماء فرت منه أو كانه حبل مُبلل بالماء ، حاول مرة ثانية وثالثة ولكن دون جدوى، فأدخل الأصبع الوسطى داخل مهبلها وواصل اللعب به دون أن ينتصب قضيبه، واصل لمس صدرها الغضّ ولكن دون فائدة الى أن استعادت  بفرين بعضاً من قواها الخائرة، وجمعت ما يمكنها من لعاب في فمها وبصقته في وسط وجهه بكل قوة. حين شاهد هو ذلك لم  يتكلم أو يفعل شيء مسحَ البُصاق بأكمام سترته ونظر الى القضيب الميت وتأكد من أنه عنين عاجز فتركها على هذا الوضع وخرج مغلقٍ الباب عليها. سحبت هي السروال قليلاً الى الاعلى وسترت جسمها، وأذرفت دموعاً حارة كانت هي الباقية تسيل على خديها في خط محفور من الشقاء والبؤس الى أن لاحت تباشير الفجر، ودخلت أشعة الشمس عبرَ النافذة الصغيرة. أستجمعت كل ما تبقى لديها من طاقة ونهضت واقفة تبحث في أركان الغرفة، فلمحت المدفأة النفطية ، هرعت إليها وفتحت الخزان ، كان مملوءاً الى النصف تقريباً ، رفعت الغطاء المعدني وأفرغت المادة الحارقة على ملابسها فبلل الجزء الخارجي. جالت بنظرها في محيط الغرفة عساها أن  ترى علبة الكبريت ، ولكن لم تجد شيئاً ، قَلَبتْ الوسائد والبطانيات بقلب مفطور جريح ولكن دون جدوى ، نظرت بتجاه التلفزيون فلمحت علبة الكبريت ، فهرعت إليها وفتحتها رأت بداخلها أربع أعواد ثقاب ، شعلت الاول ولم يحترق ثم الثاني ولم يحترق هو ايضاً ، في المرة الثالثة أشتعل عود الكبريت، نظرت أليه بتمعن دام جزءاً من الثاني ولكن كان بالنسبة لها العمر كله يحترق أمامها وهي تنظر الى اللهب  المُنبعث من العود الصغير، وفي حركة أنتقامية لشرفها وكبريائها ولزوجها المُقتول المرمي في العراء تنهش جسده الكلاب ولأطفالها الأبرياء وحماتها العجوز ، والفرار من ذاتها ومن شرور هذا العالم وقبُحه ، قربت عود الثقاب المشتعل الى ملابسها ، فأخذ الثوب يشتعل بسرعة لإنه كان من قماش الستان والنايلون، أخذت النار تأكل أنحاء الجسم كله ، كأنه بيدر حقل  يابس. ودون وعي منها ومن شدة الألم والوجع تمرغلت على البساط الاحمر فاشتعل هو أيضاً ،واصلت النار في الأنتشار فأخذت الوسائد تحترق ، وشبت النيران في جميع أثاث الغرفة ، ظلت بفرين تصرخ بلا أنقطاع الى أن سمع أحد الحراس الصراخ وأشتم رائحة الدخان المنبعث من تحت الباب. ففتح باب الغرفة والتي أصبحت ألان كورة من نار ملتهبة ، أحرقت ألسنة الهب وجه الداعشي فرجع الى الخلف وهو يلعن.  من وسط هذا اللهيب الحارق والدخان الكثيف خرجت بفرين من الغرفة  وقد أصبحت كتلة من نار مُشتعلة من كل جانب مثل طائر الفينيق يخرج من رماده وينبعث من جديد في ولادة ثانية ، ركضت  وسط الساحة كأنها تُطهر نفسها ، وتغسل عارها بنار الأبدية. هرع متراكضاً من كان  موجود في الساحة من الخوف والفزع ، أتجهت بفرين الشعلة ناحية مقتل أبنتها على نفس العامود ، هناك أنهارت وتكَّومت على جسدها محُتضنة بقايا الطفلة مفارقة الحياة وقد تفحم الجسد بأكمله.
 بعد ساعة ونصف انطفأت النار وسكنت، ذهب إليها خمسة من عناصر تنظيم الدولة ، ونظروا على الجثة وقال كبيرهم ، لندع السبايا يحملون الجثمان ويرمونه من هنا ، فحرام علينا لمسها فهي عاصية وكافرة، وبصق على الجثة  التي ما يزال يخرج منها دخان وذهبوا. جاءوا بعد قليل بثلاث نساء بائسات من الصف المجاور وأمروهم أن يضعوا بقايا الجسد في بطانية كانت معهم ففعلن وهن صاغرات وألقوها في حوض سيارة كانت واقفة قربهم.  أعادوا النساء الى الصف وسارت السيارة الى مكان غير بعيد  أشبه بمكب للنفايات ، نزل أثنان من العناصر وسحبوا البطانية مع  الجسد ودحرجوها على الأرض بأرجلهم  ورحلوا منطلقين.
 عند مغيب الشمس ، وفي ساعة الشفق الكونية، ظهر ضوء ساطع من وسط السمَاء يشبه الشُهُبْ المُذنبة متجهاً الى مكان الجسد المُتفحم وعائداً الى السماء من جديد بسرعة فائقة ، أثار هذا المشهد المُثير أنتباه من كان قريب من المكان ، فذهبت ثلة من العناصر الداعشي  تتفقد الموقع فوجدوا البطانية دون جثمان بفرين. نظر الواحد نحو الآخر بتعجب وأستغراب الى أن قطع الصمت أحدهم باستهزاء قائلاً ، لم تدعها الشياطين ترقد على هذه الأرض فأخذوها الى جهنم  وبأس المصير، فقال الثاني وهو يبتسم،  معك الحق ، ضحك الأخرون وعادوا أدراجهم.

163
المنبر الحر / نهاية كوكب الأرض
« في: 09:00 18/06/2016  »
نهاية كوكب الارض
بقلم/ سلوان ساكو
أذهب الى ساحل البحر القريب ، أعود للبيت ، تعلق في أذني اليُسرى عِنْدَ  الاستحمام حبة من رمال البحر جداً صغيرة  تكاد لا تُبيَّن ، فأتأملها بتمعن وهي تتدحرج ذاهبة الى فتحة تصريف المياه الى مكان معُتم ترتبط في دائرة لا نهائية مع غيرها من الحبيبات. أشرد لحظة من الزمن تجعلني أشُبه  هذه الحبة  بكوكب الارض بما عليها من جماد وحيوان آي كل شيء حي بما فيه الانسان. وأتأمل في شرور هذا الكائن البشري وغروره وعنجهيته الفارغة،  وظلمه الغير متناهي وجبروته اللامحدود في صب جام غضبه على أخيه الانسان البائس. وأتذكر أن شمسنا واحدة من أكثر 200 مليار نجمة في مجرتنا درب التبانة ، ومجرة درب التبانة بدورها واحدة من 225 مليار مجرة موزعة في الكون المرئي ، والأرض بِمَا عليها تتبع المجموعة الشمسية الواحدة من تلك المليارات التي تتمركز فيه الشمس، فإذا ليس هناك كون واحد إنما توجد ملايين من الأكوان في الفضاء الخارجي الذي ليس له بداية أو نهاية،  ومساحات لم يكتشف الانسان منها سوى خمسة بالمئة فقط. والإنسان يبقى أحمق ويظل يتعالى في كبرياء أجوف فارغ، فواحد لا يعجبه مثِلي الجنس،  مع العلم كان هو في السابق واحد منهم ويفعل أفعالهم وأَلْعَن منها بكثير، وليكفر عن ذنوبه يدخل الى ملهى ليلي ويفتح النار من بندقيته الرشاش ويقتل خمسين ويجرح خمسين بدم بارد دون أن يرف له جفن ، كم هو شرير هذا الانسان فيتصور أنه قيم عليهم وعلى أخلاقهم. والآخر يطعن شرطي مع زوجته الشرطية أيضاً فيرديهما قتلىْ دون ذنب سوى أن القاتل شعر لحظةً أنه يحقق الشريعة الدينية التي أفتى به أحد المشايخ فذهب يطبقها في العلن ليصل لجنان الُخلد. والآخر تفطن بعد عمر طويل قضاه في الحياة الدنيا ينهلُ منها ما طاب له من نساء وخمر وميّسر،  شارحاً صدره لكل الملذات الارضيّة  ، وفجأة يشعر انه كان في طريق الظلال والظلام  وصرخات القبور تقلق مضجعه ، وأبواب الجحيم مُشرعة  في وجهه ،  فيريد أن يُكفر عن ذنبه فلا يجد وسيلة اقرب وأسهل الى تحقيق ذلك غير بالحزام الناسف فيكون بذلك قد نال الشهادة وتقرب من حور العين والقضيب الحديدي وأنهار الخمر. عبثية الفرد وازدواجيته في العيش  وتفكيره تجعلان منه نصف أنسان يصل في كثير من الأحيان الى مستوى أدنى بكثير من مرتبة الحيوان ، فالحيوانات تقتل لتعيش ولتكتمل  دورة الحياة في الطبيعة، وليس لفناء الصنف وأنقراضه ، الانسان يقتل ويفتك بإخيه الانسان ليمحوه من على وجه البسيطة ويتمنى بداخل سريرته أن يُفنى هذا الكائن المُسمة إنسان فهو حشرة لا تستحق العيش ويحقق ذلك عبرَ طريقين أما السياسة والحروب أو الدين.
سؤال لو دخلت الأرض بمَا عليه من حمل  في ثقب أسود من تلك الثقوب الكثيرة في المجرة وابتلعها مثل ما ابتلعت فتحت تصريف المياه الثقيلة  حبة الرمل ، هل يشعر أحد بذلك ، وهل يوجد كائن حي يقول كان هنالك  كوكب أسمه الارض من الأصل ، أو هل وجُد من الأساس. نحن لا نتعدى بكل هذا الوهم  والخداع والكذب  الذي نحن به هذه الذرة من الرمال ، ولم نرتوي بعد من دماء بَعضُنَا البعض،  ولم نكف عن تهشيم جماجم بَعضُنَا البعض ، ولم نكتفي بعد من نهّش وتمزيق وأكل أجساد بَعضُنَا البعض على مدار أزمان و عهود وأجيال طويلة ، ونهار لم يرى كسوف الشمس وليل لم يستحي من ضوء القمر ، وجداول تحولت مياهُها  حمراء من دماء البشر ، ووديان تقيأت جسدْ الانسان، وهنالك في البراري عاشت الذئابُ مع الحملان ، وفي الجبال يحلق العقِاب مع الحمام ، ويسير الغزال برفقة الاسد،  والإنسان يظل كما هو لا يتغير ولا يتذكر أنه لن يعيش سوى مرة واحدة على هذه الارض وبعدها يذهب الى العدم.

164
إبتلاء الغرب بالعرب
بقلم / سلوان ساكو
صرحَ وزير الهجرة الأسترالي مؤخراً (بيتر دتون) من على شاشات التلفزيون بتصريح أثار ضجة أعلامية ، حيث خصَ العرب، ويجب الإشارة هنُا أن العرب لَيْس المقصود بهم المسلمين وحدهم كما يتصور البعض، القصد هو كل من جاء من دولة عربية أو من خلفية وثقافة عربية ، حيث قال الوزير ( أنهم لن يكونوا على المام بالقراءة والكتابة والحساب في لغتهم فما بالك باللغة الانجليزية). آي بمعنى أدق أنهم أميون جهلة ماذا نفعل بهم !!!، وكان هذا ردً على اقتراح من حزب العمال المعارض بزيادة عدد المهاجرين الى أستراليا.
يسألني البعض لماذا، تزايد عدد الهنود والصينيين والنيباليين  في ولاية ملبورن بشكل ملحوظ وبوتيرة عالية خاصة في الآونة الأخيرة، آي قبل خمس أو ست سنوات وبالمقابل تقلص عدد العرب من لبنانيين وعراقيين خاصة ، أو قلّ منَحهم حق اللجوء مما أسترعا الانتباه والتوقف والملاحظة. الكثير من الناس والمهاجرين ذوي الخلفيات العربية ، تضن أن اللجوء والهجرة والاستيطان في بلد ثاني هو أمر هين وبسيط وأجراء روتيني، ومجرد ركوب الطائرة والنزول منها لا أكثر. حتى انك تُصادف شخص يقول لك ، لماذا دولة كبيرة مثل استراليا لا تقبل كل العراقيين وهي بهذه المساحات الشاسعة ماذا ينقصها. أو واحد أخر يقول بثقة ، لو كنُت مكان وزير الهجرة لأرسلت طائرات خاصة الى أربيل أو بغداد وأحضرت كل المسحيين الى كندا فهية كبيرة ، ويضن هذا الشخص أن الموضوع بالمساحة والشوارع ، والى ما هنالك من هذه السذجات والأقاويل الغير مسؤولة التي لا تنفع آلا في المقاهي لقتل الوقت لا غير.
حين يُهاجر شخص أو عائلة ما الى دولة أخرى ويستوطن به يكون قد استوفى بذلك كل الشروط المطلوبة، وله كامل الحقوق حاله حال أي مواطن أخر، وبعد المدة المنصوص في اللوائح الداخلية يحصل على الجنسية ، فأنه ومن البداية قد أبرمناهذا العقد مع هذه الدولة المُضيفة ووقِع هذا العقد Forms الذي نحن أسميناه مع دائرة الهجرة عن طريق السفارة أو القنصلية، وهو بمثابة عقد شراكة ينص على جملة واجبات وحقوق ، منها أن نحترم القوانين ونحافظ على السلم الأهلي ، وندافع عنه في الحرب والسلام ، ونصون حق وحرية الآخرين دون المساس بكرامة أي إنسان ، ونكون بذلك مسؤولين أمام القانون والعدالة عن كل مخالفة تصدر منا تخرق هذا الميثاق المكتوب. ولكن ومع الأسف الشديد أن الكثير من الناس حين تطأ  قدمها أرض المطار تنسى العهد وتمزق هذا الميثاق ، ولا تحسب له آي حساب وكأنه غير مبُرم ، فيتصرفون كأنهم في نفس الدولة العربية التي جاءوا منها ونفس الفوضى والعبث ، لا يستوعبون أن البلدان تتغير من مكان الى آخر، والشعوب تتبدل من دولة الى أخرى، والمعايير الاخلاقية نسيبة ، وبذلك يضعون ( العرب) حواجز كونكريتية بينهم وبين هذه الثقافات والشعوب لا يتفاعلون معها. ولكن هناك أشياء لا تعرفها الاغلبية من الناس ولا المهاجرين الجُديد ، ولا يقدرون عواقبها الوخيمة على الفرد أولاً وعلى الجالية ككل ثانياً، فهنالك في كل مكان دوائر ولجان ومكاتب وأشخاص تُقيم وتقدر كل الجاليات والإثنيات والاعراق والطوائف وحتى المذاهب والديانات، وتضع دراسات وأبحاث حولْ هذه الشعوب، وفق قياسات وحسابات تصبّ في مصلحة البلد والأمن القومي والنظام في نهاية الامر. فتدخل المحاكم وأقسام الشرطة والسجون    والمعاهد والمدارس والكليات وشركات التأمين والضرائب، والتهرب منها ، تغطي وتبحث في كل ما يخص هذه الجاليات الوافدة الى البلد، وتقدم بها دراسات الى الحكومة والبرلمان والهيئات العامة ووزارة الهجرة ، وهؤلاء يقررون على ضوء ذلك من يستحق أن يمنح حق اللجوء ومن لا يستحق ، فهم في أخر المطاف لا يريدون مواطنيين أو شعوب لا يحترمون القوانين والنظام والدستور، يعتدون على العامة والأبرياء في وضح النهار كاشرين عن أنيابهم الحيوانية ، مثل ذلك الذي قام بضرب سيارات التكسي بمضرب الهوكي في وسط مدينة ملبورن وحين سألوه لماذا تفعل ذلك قل أنا خليفة أسامة بن لادن في المدينة. ، وذلك المستهتر محمد حسان الذي تجاوز بسيارته السرعة المطلوبة بكثير وهو مخمور فصدم أمرأتان في عمر الشباب وأودى بحياتهم وهو على فعلته غير نادم ، والصورة الثالثة ذلك العربي الذي أعتدى على الكنيست اليهودي وعلى الحاخامات في نفس المدينة أيضاً، في وضع مخجل حقاً. ويتساءل الناس لماذا لا يزيدون عدد التأشيرات بنسبة للعرب ، وتحريك ملفات اللاجئين العالقة في لبنان والأردن.
أخشى أن يأتي يوم نصبح فيه عبء وثقل على أنفسنا أولاً وعلى الدول الغربية ثانياً، لأننا بعيدين كل البعد عن روح العصر وحضارته وثقافته، الى أين نمضي يا ترى ؟ أضعنا الماضي هل نِضُيع المستقبل أيضاً.

165
نقد المجلس والحركة
بقلم / سلوان ساكو
أن مشُكلتنا الحقيقة ليست في الاحداث والمصائب التي تهل علينا من كل حدب وصوب، ولكن في فهمنا العام لها وفهم أصل العلة ومكمن الخطإ ، والإحاطة بالمضمون الأصلي وعدم الإعلاء الوهمي للذات والنفس، هو بذاته التشخيص الصحيح وعين الصواب لكي نرى بوضوح وموضوعية الصورة الحقيقية من حولنا دون رتوش وألوان زائفة. فالأحداث الجِسام والمشاكل الكبيرة والخطيرة التي تمر بها المنطقة والعراق خاصة، والحروب الدائرة رحاها الأن، والمعارك الاخيرة لتنظيم داعش الإرهابي ، وسقوط أجزاء ومناطق شاسعة تحت سيطرتهم ، ليستّ غير نتيجة حتمية وطبيعية لبدايات كانت مقروءة من أصغر محلل سياسي ، ومعروفة نتائجها الكارثية سلفاً من نكسة أنتخابات عام 2010 للكثير من المتابعين للتطورات السريعة والاحداث الخطيرة ،فرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي لم يبقِ ولم يذر على أحد في هجومه الوقح والعنيف ، من طائفة الى مذهب الى دين. أتهم السنة ، الاكراد ، المسيحيين ، التركمان ، الإيزيدين، ضرب الجميع مع الجميع وأتهم الكل بدعم وإيواء الإرهابيين ، العلواني الهاشمي العلاوي الشهواني ، والمالكي هو وحده البرئ من دم أبن يعقوب براءة الذئب. حتى الانتفاضة في الأنبار كانت في بدايتها سلمية وبسيطة ، جلَ المطالَب هي إطلاق سراح بعضاً من معتقلات سجن أبو غريب، ولكن تصدي الحكومة والجيش وميليشيا المالكي لهم بخشونة وقوة مفرطة هيجْ الساحة وأشعل الدنيا بحريق الطائفية والعشائرية والمذهبية ، فدخلت التنظيمات الداعشية والقاعدية وغيرها وأندست بين صفوف الناس والمنتفضين على الظلم ، حيث رأت المناخ ملائم والارض خصبة للعمل ونار الفتنة متقُّدة لهبها يُعانق السماء، فغاصت في وحل الاجرام والقتل والاغتصاب الى الأذنين. وحتى تفجير كنيسة سيدة النجاة ببغداد في 31 ت الاول 2010 والمجزرة المروعة التي حصلت داخلها حيث كل الدلائل والقرائن الحسية والملموسة تُشير بأصابع الاتهام الى حكومة وميليشيات المالكي ، وألا كيف نُفسر أنسحاب المفرزة المكلفة بحماية الكنيسة قبل الحادث بقليل ومن أعطى الأوامر بذلك؟.
الذي يحدث الأن هو تخبَط ولَغَط كبير تقع به الأحزاب المسيحية، من الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)  والمجلس الشعبي، الى ما هناك من تيارات وحركات يؤيدون التسليح الامريكي، ضمن خطة فات الاوان عليها كثيراً وأصبحت ورقة خاسرة ، وهم آي زعماء هذه الأحزاب ( المسيحية) لا يعرفن أن أمريكا وأوروبا وأسرائيل وحتى دول عربية مثل السعودية وغيرها يسلحون ويمولون ويدعمون الأكراد وقوتهم المسلحة البيشمركة وليس أحد ثاني ، فالأكراد رأس حربة في كل قتال ونزال ، وحصان طروادة بنسبة للغرب يدخلون من خلاله . وموضع ثقة يعول عليه كثيراً، على الأقل في الوقت الراهن ، والمصالح تتطلب هذا التحالف وتوثيق عُراه. السلاح الثقيل والمتوسط يصل أليهم باستمرار ، الأقمار الصناعية وصور التحركات تنظيم داعش مرصودة عبر غرفة عمليات أمريكية أسرائيلية كردية مشتركة ، تنطلق الطائرات المقاتلة من مطار أربيل الدولي لضرب الأهداف في الموصل ونواحيها، التقدم وتحرير القرى والأراضي في محافظة نينوى على قدم وساق. إين هم قادة الأحزاب المسيحية من كل هذا ، ألا يخجلون حين يؤيدون القرار الامريكي الأخير، ولا يعرفون اللعبة الحقيقة من وراء ذلك ، الى متى تستمر هذه السذاجة وهذا الاستهزاء بعقول الناس، لم يعد شيء مخفي سقطت الاقنعة في الوحل فبانت الوجوه الحقيقية، والكثير من الخفايا ، حتى إيران قالت كلمتها عبَر الجنرال قاسم سليماني وهو يظهر على الشاشات مع بداية معارك الفلوجة والفرات الاوسط،  ليقول أنا من يدير المعارك هناك، والعراق بحكومته وجيشه وميليشياته هو جزء من إيران والحرب طائفية بمتياز. وفي مكان أخر وفي نفس سياق الحرب هذه أمريكا وبغطاء وروسي أوروبي تدعم القوات الكردية في سوريا بكل قوة رغم أنف الأتراك ومعارضتهم ذَلِك.
المسألة ليست مطالب وأمنيات وأحلام وردية لإقامة وطن قومي،  وتسليح فصيل أو فوج أو وضع الخطط لإنشاء سهل يجمع الكل. انه توزيع جديد للأدوار حسب متُطلبات المرحلة الراهنة محكوم بتصارع القوى الكبرى التي تحكم العالم، ورسم خرائط جديدة وتقسيمات على أرض الواقع لمن بيده مفاتيح الحل والربط وموازين القوى، والبقاء سوفة يكون للمنتصر في النهاية..

166
المنبر الحر / تسليح أم تفريغْ
« في: 16:07 26/05/2016  »
تسليحْ آم تفريغ
ثارت في الآونة الاخيرة مسألة تسليح الميليشيات المسيحية، بعد أن أقرت الأدارة الامريكية ذلك قبل أيام . أولاً وقبل كل شيء لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها يهُمهم المسيحيين العراقيين أو غير العراقيين وهذا جَليّ للعيان لا يقبل الطعن . فأمريكا ومن خلال تجربة مريرة وطويلة من بعد السقوط 2003 وهي متواجدة على أرض العراق، لم تقدم آيَ مساعدة حقيقية أوتمد يد العون لهم ، بل بالعكس من ذلك ، كانت تحمل معاول للهدم في تحقيق أي مبادرة من آي نوع تصب في مصلحتهم، وتسد كل الطرق والمنافذ عليهم في الداخل من أجل دفعهم الى الخروج والهرب وترك كل ما يملكونه ورأهم، طبعاً هذا يتم بالتنسيق مع الحكومة في بغداد التي هي نفسها ميليشيات مسلحة، وألا كيف نفسر هذا الهروب والهجرة الجماعية حتى قبل قدوم وظهور تنظيم داعش الارهابي. مع العلم كان بستطاعت أمريكا أن تحَول وتجعل العراق دولة علمانية قوية ذات سيادة ، وهذا كان مطروح في بداية الاحتلال من قبل شخصيات عراقية معارضة وطنية ، ولكن أسُكت وخُنقْ هذا الصوت الحر، ولم يبقى غير أولئك الأفاقين واللصوص والمتشردين والجواسيس والشواذ الذين كانوا في سوريا وإيران ولبنان ينفذون أوامر دوائر المخابرات في تلك الدول ، وشَرعت أمريكا لهم أبواب البنوك ومتاحف الاثار لسرقتها ونهبها وبيعها ، بعد ذلك أعطت العراق حين أصبح مرتع خصب وحضانة جيدة لكل إرهابيي العالم، لإيران لتتحكم به كيف ما تشاء وتفعل ما تراه يناسب مصالحها. وهكذا أغُلق الباب أمام بقاء المكون الأصيل وأستقرارهم في بلادهم ووطنهم الأصلي، وأمريكا تتحمل الجزء الكبير ولو بصورة غير مباشرة بتهجير وأضطهاد وقتل المسيحيين من خلال ميليشيات وعصابات مدعومة منها وتأتمر بأوامرها وهي التي صنعتها ووظفتها لتحقيق أهدافها. وفي مقام أخر كنتُ قد كتبت عن تفجير مطرانية الكلدان في الموصل ( حي الشفاء ) عام 2005 والذي استمر الإرهابيين يزرعون المتفجرات والعبوات الناسفة والصواريخ داخلها لساعات ، والقوات الامريكية كانت متواجدة و بالقرب منهم وعلى بعد أمتار ولم تحرك ساكن ، الى أن فُجرت وحُرِقت بالكامل. والان وبعد كل الذي حدث ويحدث من فوضى وتغير ديموغرافي هائل وتنكيل وأقصاء وتهميش لهذا الشعب الاعزل المسكين وخاصة في مدينة الموصل ، تُريد الولايات المتحدة تسليح المسيحيين،؟ الان بعد خراب مالطا، طيب أين كانت قبل هذا الوقت ولماذا لم تُفَعل هذا القرار من قِبل ، ولصالح من تفعل ذلك، ومن المستفيد الحقيقي منه ، ولا أحد يقول لي كل هذا لعيون المسيحيين الخضر فهذه كذبة كبيرة فالأمريكان لا يهمهم غير مصالحهم، ومصالحهم فقط . الغاية من هكذا قرار هو تهجير البقية الباقية منهم، أو في حالة أخرى تحويلهم الى كبش فداء في معركة الموصل القادمة لا محالة. ولا بأس بتسمية الأمور بأسمائها الصحيحة حتى لو بدا ذلك غير مستحب للبعض، فالمسيحيون بصورة عامة ، سواء من كان منهم في العاصمة بغداد أو في الأقليم الكردي لا يتعدون في أحسن الاحول 300 أو 400 الف مواطن، نصفهم مهُجر ومُبعد عن قراهم ومدنهم ، يبحثون عن وطن أخر بديل ، أكثر أمناً واستقراراً وهذا حقهم الشرعي، والنصف الأخر مستقر في الشمال الكردي والأمور والحياة والمعيشة تسير جيدة ، فعلى أي أساس يبحث عن المتاعب ووجع الرأس والقيل والقال وتراهات وأرهاصات الأحزاب. ومن جهة ثانية أكثر منطقية نقول أن كل العوائل المسيحية تقريباً لها هاجس السفر والرحيل وحلم الوصول الى بلد أخر، وقدمْ في الداخل والأخرى في الخارج، ولا يوجد عائلة ليس لها أقارب خارج البلد تريد اللحاق به ،مما أضعف شعور المواطنة والانتماء والولاء الحقيقة للأرض وترك كل ما هو أصيل. الأمر الأخر هو ضعف وهزل الأحزاب السياسية المسيحية والتمثيل الهش لهم في الحكومة ، وعدم وجود رؤية واضحة ، مما أعطى شعور عام أنهم غير مؤهلين للقيادة، وعديمي الثقة ولا يهمهم شيء سوا مصالحهم الخاصة الضيّقة وبالتالي أصبحوا مصدر ازعاج وتشتت وتفريق أكثر منه وحدة، وهذا هو السبب في عزوف الكثير من الشباب عن الانخراط في صفوف تلك الأحزاب و القوات الغير نظامية . وهنُا لم نتطرق الى ملف الفساد المالي والاختلاسات والسرقات ، حالهم حال بقية رجال الأحزاب وأعضاء الحكومة والبرلمان العراق.
من عام 2003 والى حد هذا اليوم لم يعرف الشعب المسيحي راحة بال ولم يهدء لهم مضجع، ولم تَنم ْلهم عين قريرة ، على طول الخط من تهجير الى قتل الى أغتصاب للحرمات الى دفع جزية بإسم الدين ، وهم بين نارين نار العصابات والميليشيات ونار المخادعين والدجالين من أبناء جلدتهم . بين مطرقة اللصوص والميليشيات المسلحة وسندان الحكومة التي لم تفعل شيء لهم يستحق الذكر والقول . جلَ أمال المسيحيين ومبتغاهم هو العيش في سلام وأمان، وممارسة الشعائر الدينية بحرية واحترام وهذا هو أبسط حق من حقوقهم المدنية والاجتماعية، بعيدين عن مزايدات وارهاصات وخداع الأحزاب التي أثبتت فشلها الذريع، وخسَرت تأيد الشعب لها قبل كل شيء.

167
بانوراما الفكر العربي
بقلم / سلوان ساكو 
لو عرفَ المصلح الديني والثوري مارتن لوثر 1483- 1546  ما حصل من مجاز وذبح  وأعتداء في سنوات 1517 وما تلاها من حروب الفلاحين والفقراء التي أغرقت الإمارات والمقاطعات الأوروبية في  بحر من الدماء بأسم فكرته الإصلاحية ضد الكنيسة الكاثوليكة وكرسي البابوية، ما كان أسس المذهب البروتستانتي أبداً ولا روج له  . ولو علم علي ابن ابي طالب ماذا يفعله أتباعه من الشيعة الان ، ما كان تشَيعْ  أصلاً وفضل أن يذهب الى سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة بدلاً من ان يذهب ليدفن النبي هو والعباس بن عبد المطلب ويترك المهمة لغيره ، وما كان دخل معارك الصفين والجمل التي كانت  بين السنة والشيعة  والتي أستمرت من ذلك الوقت والى حد اليوم.  لو علم ميشيل عفلق ما حدث ويحدث لحزبه ما كان أسسه أصلاً، فحين جلس هو وصلاح البيطار في المقهى على شارع الرشيد وسط دمشق عام 1947 بعد أن عادا من دراستهما في باريس يحملن أفكاراً تنويريا كبيرة واحلام  شباب ثوري لم يكن يتصورا أن الحال سوفة  تؤول الى هكذا مأساة بأسم البعث.  وفضل أن يكون أستاذ للتاريخ والفلسفة في جامعة السوربون. فالانطلاقة الاولى كانت جيدة وتنبع من دوافع نبيلة وتحمل قيم عالية،  لأنها تأسست على أعمدة علمانية متأثرة بشكل كبير  بالثورة الفرنسية من خلال المؤسسين الأوائل ، أندمج البعث في سنة 1952، مع الحزب العربي الاشتراكي الذي كان يرأسه أكرم الحوراني في حزب واحد أصبح اسمه "حزب البعث العربي الاشتراكي" كحزب قومي عربي يسعى لخلق جيل عربي جديد يؤمن بوحدة أمته ، ويتطلع لبناء وطن واحد عن طريق القومية العربيّة. ومن البدايات والحق يُقال ، كان البعث يحمل جيل حالم يتطلع الى الامام من الشباب  الجامعي والكوادر المثقفة والشعراء الكبار أمثال سليمان العيسى وشفيق الكمالي ، وشبلي العيسمي الذي اخطتفته  المخابرات السوريا في لبنان،   وكثيرين غيرهم،  ولكن آلة القتل والتصفيات الجسدية خنقت كل القيم والمبادئ  وأجواء الثقافة الحرة والقضاء على كل ما هو حضاري وعلماني في عمق البعث ، وتكريس أطباع  وعادات أبناء الريف من الرفاق الوافدين  الى المدينة العصرية في ذلك الوقت ، وعدم تحمل عقولهم  القروية  مفهوم التمدن والعصَرنة ، وهذا هو  المفهوم  الذي أوصل صدام حسين الى سدة الحكم في العراق، ولم يستطيع أبداً ان يتخلص من أصوله القروية  مع انه أراد ذلك بكل قوة،   وما حدث ويحدث من ويلات وخراب ودمار ليس سوى ثمرات ذلك الفكر المناطقي والعشائري والفئوي الضيق والعفنْ.  وَهُو آي صدام حسين أول الخاسرين  ، فقد  أهم  شيء يعتز به الرجل الحر وهو الكرامة ، فأين تلك الشوارب المفتولة التي كان يتحدث به بعد أن ظهر العريف الامريكي  وهو يبحث في شعر الرئيس ، مرتدي القفازات البيضاء،  لعله يجد السلاح  الكيماوي  والصواريخ والنووية والذرية ، ومنصات إطلاق البراغيث على إسرائيل. حتى الانتحار لم يقدر عليه.  لا أحد على ما يبدو من الشعوب العربية،  يأخذ عبرة من حركة التاريخ  وصيرورته الأزلية في تتابع الأحداث ولكن من وجوه مُختلفة تبدو في الكثير منها متطابقة لحد بعيد ، حتى بشار الأسد لم يفهم  خطوط اللعبة جيداً،  ويضن انه باقي تحت مظلة إيران وروسيا وهو لا يعلم انه منتهي الصلاحية  من مدة طويلة ، ك زين العابدين ومبارك  وصالح  والقذافي.  والاشكال الكبير،  أن العربي لا  يقول أنا مخطئ أبداً ويضن أنه مُلم بكل شيئ ، وهو من اليقين على أقرب نقطة،  ولكنه في حقيقة الأمر هو  أبعد عنها حين يكون في وسَطَها. أفضل شيئ يفعله العربي في هذا الوقت بالذات أن  يعود الى  أم كلثوم ويسمع  أغنية  فات الميعاد  فهية  تُخدر أحساسه وتُنسىيِ بعضاً من همومه  الكثيرة  ونكساته الكبيرة.

168
ملهى أشبيلية وليالي الأندلس
بقلم / سلوان ساكو
يجلس شخصان في أحدى المقاهي من عام 2175 بعد الميلاد في دولة الكويت الصغيرة ، فيقول أحدهم وبيده كوب القهوة الساخن،  لقد كانت هذه المنطقة في سالف الزمان أمارة وأسرة تحكمها ذرية مبارك الصباح، فيستغرب الثاني ويرفع حاجبيه دون مبالاة. هذا هو ما كان يحدث لو قدر لغزوة صدام حسين للكويت في أب من عام 1990 أن تنجح.
لو سألنا رجل في العقد الخامس أو السادس من العُمر عن الاندلس فسوفة يقول على الافور ياسلام ما أجملها من أيام وليالي ويستعيد تلك الايام الخوالي عن ملاهي والنوادي الليلية التي كانت تحمل أسم الاندلس وأشبيلية والمتوزعة على محافظات البلاد . واذا سألت واحد أخر عن طليطلة أو قُرطبة فيذهب مباشرة الى تلك الفنادق التي كانت منتشرة في البصرة والموصل وبغداد، وأذ وجتّ خمسة شباب يصرخون فعلم أنهم في صددْ نادي ريال مدريد وفريق برشلونة لكرة القدم ليس أكثر. لا أحد يقول لك ما معنى تلك الاسامي وما تعنيه وكيف دخل وأنتشر الأسلام في داخل الجزيرة الأيبيرية أي أسبانيا والبرتغال ، وكيف تم تغير ديموغرافية الارض على مدى ثمان قرون ، وما كانت عليه في السابق قبل الغزو الاسلامي الكبير لها. وكيف وصلت الجيوش الغازية الى مشارف فرنسا ، وكيف تم تحريرها وانهاء التواجد العربي الاسلامي في ما يعرف بحروب الاسترداد.
كان مطامع  العرب في شبه الجزيرة الآيبيرية ( إسبانيا والبرتغال)  منذو بداية الأنتشار الاسلامي ، والتوسع الكبير والسريع الذي حصل ، فأول من فكر في عبور المضيق من جهة المغرب كان عقبة بن نافع أيام الخليفة عثمان بن عفان سنة 64 هجرية آي في فجر الدعوة ومع بداية الغزوات والحروب، ولكن لم تنجح أو لم يحن وقتها ، لم تُفعل الحملة  الى إسبانيا آلا مع قدوم الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الجالس على رأس الامامة في دمشق من 705 الى 715، وقائده على شمال إفريقيا موسى بن نصير في القيروان. خطة الغزو كانت كبيرة، والاحلام كانت ترُاود القادة والخليفة الشاب ، والغاية هي أخضاع القارة الاوروبية برمتها وجعلها تحت راية الأسلام ، وبالتالي محاصرة روما ودولة الفاتيكان وكرسي البابوية وهذا ما صرح به طارق بن زياد مع بداية أنطلاق الحملة. وهذه ليست ملفات قديمة أود فتحها الأن ولكن ليعيَ  ويعرف الناس ما حصل في الماضي الغير بعيد وما هو التاريخ الصحيح ، وما يحصل الان في منطقتنا العربية ليس غير أمتداد لذلك ونفس السيناريو المتبع ْ، فقط الظروف والاليات في التحرك  تغيرت،  ولكن ظل المبدأ نفسه هو هو. ولأن تاريخنا مُزور ومُغلوط ، يكتبه الاقوياء وصناع القرار، لم نفهم منه شيء على الأطلاق. ولأن مادة التاريخ في المدارس الابتدائية وحتى الكليات الجامعات بعيدة عن الحقيقة  ومنُظورة من جهة واحدة فتصور لنا طارق بن زياد أنه فاتح عربي بطل ، وقائد كبير، وفارس شجاع ، ونظنه نحنُ كذلك لاننا سذج وغير واعين ، ونجحوا في تكريس الفكرة في عقولنا الصغيرة  وشوهة  كل الحقائق ، ولم يقل لنا أحد كم كنيسة حرقت، وكم مسيحي كاثوليكي قُتل، وكم  واحد دخل الاسلام عنوة وغصب ، وكم جزية دفُعت ، وكم فتاة أغتُصبت وسُبيَت على يد الغزات وكم من دمار وخراب حلّ في تلك المناطق. ومع هذا نراه نحن ذلك الفارس المغوار ذوَّ لحية سوداء مشذبة ، يعتمر قبعة من درعْ حديدي تلمع تحت الشمس ، ويقف على رابية وينظرنحو المضيق  بتجاه إسبانيا بعمق وكبرياء كأنه أله حرب أغريقي. ولكن الحقيقة والواقع شيئ مخزي ومخُجل حقاً ،  والمصادر التي أستقيتوها  في البحث والكتابة  موجودة في نهاية المقال، والذي يحدث في هذه الفترة هو نفس المسلسل لم ينتهي من ذلك العصر الى حد الان ، فقد أعلن ابو بكر البغدادي ولاية الرقة السورية عاصمة الخلافة الاسلامية في العالم وعين نفسه أميراً للمؤمنين فيها سنة 2014، وكذلك عبد الرحمن الداخل أعلن نفسه خليفة والاندلس دولة الخلافة الأموية في سنة 138هجرية 756م.
دخلت الجيوش الأسلامية وغزت أسبانيا في سنة 92 هجرية سنة 711ميلادية ، في زمن ثانية  خلافة بعد موت محمد وهي الدولة الاموية وأستمر حكم الأمويين من سنة 41هج / 662 م الى 132هج / 750م بمعنى حكموا حوالي 91عام  أسسها معاوية بن أبي سفيان بعد مقتل علي أبن أبي طالب وأنتهت على يد مروان بن محمد. كانت الاندلس قبل مجيء المسلمين تحت حكم الإمبراطورية الرومانية ثم حكمها قبائل إسكندنافية تُدعى الفاندال فسميت الأرض فندالوسيا ثم أندلوسيا ثم الأندلس عن المسلمين.  قاد الحملة طارق بن زياد الامزيغي بأمر من موسى بن نصير الذي يتابع سير المعارك من مقره في القيروان معه سبعة الاف مقاتل لعبور المضيق في أربع  سفن والتحشد في وادي لكة حيث حشد الملك الاندلس لذريق هناك جيش كبير ولكن تم القضاء على جيش القوط الغربيين بسرعة، بعد ذلك توغل طارق بن زياد في العمق الإسباني سريعاً فغزا قرطبة وطليطلة عاصمة القوطيين والبيرة وشذونة ، كأنهم حصون من ورق أمامه وجياد من خشب، هو معه سبعة الاف مقاتل من مرتزقة والبربر ، وفي هسبانيا  يوجد أكثر من مئة الف مقاتل مُدرب ، نفس الشيئ يحدث الان مع تنظيم داعش في غزواته للموصل وسنجار والرمادي وتدمر ودير الزور. أندهش طارق بن زياد لضعف وهزل الدفاعات في طريقه فشجعه ذلك للكتابة لموسى بن نصير ما معنها أن كل الطرق سالكة ، هيئ موسى جيش وأنطلق بتجاه طارق وألتقيا في  مدينة البيرة ومن هنالك استكملا غزو مدينة سرقسطة في إقليم أرغوان ، أخترق موسى جبال البرينيه الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا فدخل ولاية سبتمانيا ووادي نهر الرون ووصل الى مدينة ليون، في حين  أجتاز طارق وادي الأبرو ودخل جليقية. عند الحدود الفرنسية شمالاً  وتوقف ، تلقى موسى وطارق أمراً من الخليفة بوقف العمليات العسكرية والعودة فوراً الى دمشق ، قبل مغادرة الاراضي الإسبانية عين موسى بن نصير أبنه عبد العزيز حاكماً نيابة عنه والذي أستكمل الحملة الى لشبونة في البرتغال والتي عرفت بغربي الأندلس ، وظل المسلمون به آي البرتغال الى أن أستولى عليه ( الفونسو هنريك وأنهى التواجد الاسلامي في البرتغال ,واعلن نفسه ملكً عليه عام 541هجرية 1147م.
 توالت بعد ذلك الامارات الاسلامية تتداول الحكم على شبه القارة الأيبيرية. 
1-عهد الولاة ، ,استمر 44 سنة وحكم 22 والياً في هذه الفترة .
2-عهد الإمارة الأموية
3-عهدالخلافة الأموية
4-الدولة العامرية وملوك الطوائف ، بعد انهيار الدولة العامرية نشب صراع على السلطة في الأندلس، انتهى بتقسيمها إلى سبع ممالك صغيرة, ثم قُسمت بعد ذلك إلى اثنتين وعشرين مملكة أو دويلة تحكم أسرة كل واحدة منها, ومن أشهرهم بنو عباد وبن الأحمر.
5-دولة المرابطين
6-دولة الموحدين.
بعد سقوط دولة الأمويين في دمشق عام 132هجرية على يد العباسيين وفرار عبد الرحمن الداخل الى المغرب الذي مكث به ست سنوات  توجه بعد ذلك الى الأندلس ليؤسس دولته الأموية سنة 756م هناك. كانت تلك الفترة من اقسى الفترات وأقوى العصور فقد  أخضع عبد الرحمن كل الممالك تحت قيادته وحول الكثير من الكنائس الى جوامع وقتل وهجر الكثير من السكان،  وأسلم الكثيرين  من الناس حتى الإمبراطور شارلمان 742-814 فشل في الاستيلاء على سرقسطة ومن الغريب أن تمثال عبد الرحمن الداخل الى حد الأن ينتصب في بلدة المنكب على شواطئ غرناطة. ظلت دولة الأسلام في الأندلس طيلة ثماني قرون وهي بذلك تعتبر أطول دول الاسلام عمراً. بدء الانحلال والتنازع وحب الذات والمصالح الشخصية والفساد والنزاعات والخلافات والخلافات  تظهر على القادة والحكام في عموم الأندلس. ففي 1085م أستطاع ألفونسو السادس ملك قشتالة من الاستيلاء على طليطلة. وفي عام 1118 أسترجع ألفونسو الاول سرقسطة. وفي 1236 أعاد فرنانود الثالث ملك قشتالة قرطبة الى الحضيرة فتهاوت بعد ذلك معظم المدن التي كانت تحت سيطرة المسلمين. 
ظل ملوك غرناطة من بني الأحمر يدفعون الجزية لمملكة قشتالة ومع اتحاد مملكتي قشتالة وأراجون بزواج ملك الأولى فرناندو بوريثة عرش الثانية إيزابيلا سقطت غرناطة أخر حصون المسلمين في جميع إسبانيا وكان ذلك في 2 يانير من عام 1492م وبذلك انطوت صفحة من صفحات الغزو في شبه الجيرة الإيبيرية ولكن لم تنتهي فكرة العودة أليها فهي موجدة في أدبيات العرب وفي أشعارهم وكتبهم وهي لاتزال حاضرة في أذهان العرب ،لاحظ برنامج أمير الشعراء على قناة أبو ظبي كم قصيدة تُلقى بخصوص الاندلس وأشبيلية ، ,ايضاً في الأعلام العربي الموجه وفي أسماء الشوارع  والمناطق ، جميعها تخاطب وتنُاجي تلك الأحلام والأوهام في ماضي ولىَ ولن يعود.


المصادر :-
الأرشيف الوطني الإسباني
الأرشيف العام لسيمانكاس
مكتبة جامعة سلامنكا
عبد القادر قلاتي : الدولة الإسلامية في الاندلس من الميلاد الى السقوط : ص 86-87
أبن الاثير : الكامل في التاريخ : المكتبة الوقفية.
مخطوطة تطوان ( المجهول)

169
معركة تلسقف الاولى
لا أحد يستطيع أن يجَزم ما يحصل من أحداث في بلدة تلسقف ، فرغم الانتصار الذي حققه المدافعين عن القَرْيَة فهنالك بعض المعُطيات والاستنتاجات ، فقوات البيشمركة هي من دافعت بكل قوة وبسالة عن البلدة مدعومة من قبل طيران التحالف والدليل أنها أعطت أكثر من 13 شهيد وضابط برتبة مقدم ، وأن دورّ القوات المسيحية كان محدود الى حد كبير .  هذا يعطينا مؤشر أن تنظيم الدولة الإرهابي داعش مازال يمسك بزمام الأمور ، وكان له الوقت الكافي لتفخيخ مستشفى البلدة وتفجيرها ، وزرع الكثير من العبوات الناسفة في المنازل وأبقاء العشرات من الانتحارين بين أحياء البلدة ، مع العلم أن هنالك جبهة أخرى مفتوحة في قاطع مخمور ، ويتمركز به مئات من القوات الكردية  والجيش العراقي وخبراء عسكريين أجانب ، وفي محور بعشيقة أيضاً هناك مُتمركز الحشد الوطني بقيادة الاخوين نُجيِفي مدعومين من القوات التركية المتواجدة في تلك الناحية . يريد التنظيم من معركة تلسقف أن يخترق التحصينات الكردية من جهة القوش ويضعفها لكي يُخفف الضغط المُستمر على جبهة مخمور، لذلك يزج بأنتحاريه ومقاتليه بدون تردّد وهو آي داعش مُجهز بمجموعات كبيرة من الانتحارين هُم رهن أشرته يستعملهم في آي وقت يشاء مع مجموعات كبيرة من أبناء عشائر الموصل التي باتت تحت تصرفه وموالية له ، وهذا ما يُبرر فشل أختراق الموصل الى حد الأن مع كل هذا القصف الجوي منذو أكثر من سنة. سوفة تشهد الأيام القليلة القادمة معارك بين تنظيم داعش الإرهابي من جهة وقوات البيشمركة مدعومة بكل قوة من قبل القوات المتحالفة بقيادة أمريكا ، ولكن لن تكن سهلة أبداً ولا أحد يستطيع التكهن ماذا سوفة تسفر عنه النتائج الاخيرة.

170
الخليفة وكنيسة الساعة
بقلم / سلوان ساكو
لماذا نتوقع أن الجيش العراقي ، أو القوات الاجنبية المتحالفة بقيادة أمريكا ضدّ تنظيم الدولة الاسلامية ، سوفة تنتصر . ومن قال أن هذه المعارك، سواء كانت في سوريا أو العراق هي تحرير من دنسْ الأعداء؟. ومن همْ هؤلاء الاعداء ، أليس هم جزءً واحد من تلك البيئة التي جاءوا منها ،والتي حَبلت بهم التنظيمات الأرهابية من نفس البُنية؟. وكيف يتشَدق ويتفلسف البعض، خاصة في المكانات العامة ، من أن كل الذي يحصل هو مؤامرة وتخطيط أمريكي يُنفذ على الأرض من قبل  داعش وأخواتها. وأن الذي يحصل من تدمير وتخريب وتفريغ  في الشرق الاوسط هو صنِيعة صهيونية أسرائيلية ماسونية ، تقف ورأه كل أجهزة المخابرات العالمية. لا بل يربَط المُتكلم ويتحدث بكل ثقة ، أن الذي يحصل للمسيحين  في الشرق وخاصة في العراق( الكلدان)  من قتل وتهجير وأبادة ، ما هو ألا أنتقام من اليهود الحاليين، بسبب السبي البابلي لهم  سنة 597 ق.م على يد نبوخذنصر. وما الى هنالك من هذه الخُزَعبلات والاعتقادات الواهية التي لا تستند على شيء منطقي، وتسطيح الأمور، والاهتمام بالقشور، والابتعاد عن جوهر الموضوع الحقيقي والتي تُغيب الوعي العام . ويُمكن أن تكون هذه ثقافة درجَ عليها الكثير من الناس وأصبحت من أهم سماتهم. 
أن الذي يحدث الأن في العراق أو سوريا أو ليبيا هو شيء طبيعي لو تتبعنا حركة التاريخ في سياقه ألاسلامي ضمن جغرافية المنطقة ، وهو ناتج فعل طبيعي لردّ فعل المكان ، آي شبه الجزيرة العربية التي كانت قائمة على حروب الكرّ والفرّ والغزو، وهذا هو وضعها الطبيعي. فالاسلام ومن التأسيس ألاولى قائم على مبدأ سياسي بحت، وأنطلق هذا البرنامج بالتحديد من السقيفة ( سقيفة بني ساعدة) وأستمر الى حد اليوم، وهو يستمدّ قوته من الشريعة والايات القرآنية والتنزيل. حيث  أرادوا به المؤسسين نظاماً سياسياً للحكم في كل زمان ومكان ويرونه صالح في كل وقت وعصر ،  وهذه النظام معمول به من سنة 1437 والى حد الأن ، ويُدرس كمنهج رئيسي لطلبة كلية الازهر للشريعة والفقه الاسلامي في مصر ، وهو يُغذي الفكر السلفي التكفيري الجهادي عن الشبان المتحمسين للدين ، وفي مدارس عديدة داخل الوطن العربي وخارجه. وهي تحرض على القتال والجهاد،  فمثلاً (فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) سورة الفرقان: 52 (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} سورة النساء: 74 ) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ المتقين) سورة التوبة ،( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) سورة البقرة الاية 193 ،(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة التوبة الاية 5، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة . 216( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًاعَظِيمًا) سورة النساء: 74. كل هذه الآيات وغيرها الكثر ، هي خير عون للقتال والغزو والجهاد عند المُسلم، وهي جزءً لا يتجزء من العقيدة الاسلامية ، والمَتنْ الذي تقوم عليه. وهي كانت الدافع القوي والمبدأ في تحريك تلك الجيوش الاسلامية الصغيرة نسبياً في وجه أمبراطوريات كبيرة كانت سائدة من فترات طويلة وتحكم الارض بالنار والحديد وهزمتها ، وهذا ما حصل مع عمرو بن العاص في خلافة عُمر بن الخطاب حين دخل مصر سنة 21هج ، 642 م وغزاها بقوة 4000 مقاتل وأنتصر على الإمبراطورية البيزنطية القوية وجيشها المكون من 30 الف مقاتل المُدرب ومُسلح جيداً، والذي أنهى بذلك العهد البيزنطي. وهذا خالد بن الواليد يغزو  العراق سنة 11 هجرية 633 ميلادية، في زمن خلافة أبي بكر الصديق، وتنهار من جراء هذه المعارك والغزوات  الإمبراطورية الفارسية الساسانية الكبيرة والمُترامية الاطراف. وهذا أبو عبيدة بن الجراح يدخل الشام سنة 15 هج 633 م وينهي حُكم الإمبراطورية البيزنطية هنك. فلا نستغرب ما يحصل الأن في العراق من تدمير لدور العبادة وأضطهاد للمسيحين ، وما هو ألا أمتداد لذلك العصر ، ففي فترة الخليفة عمر عبد العزيز ( 717-720) هدم الكنائس وحدد الحريات وفرضَ قيوداً على ملابس المسيحين، وهذا المتوكل على الله ( 853-858) حبس البطريرك  ثيودوسيوس فترة طويلة وفرض على المسيحين أرتداء أشارة صفراء على أذرعهم، كما منعهم من ركوب الخيل والتبضع بالاسواق والكثير الذي لا يحُصى. ونظر عزيزي القارئ أن التواريخ الهجرية كلها تدل على أن الأسلام كان في بواكيره الاولى،  فلم تمضي سَوى  سنوات قليلة حتى تم تنظيم الجيوش، وبدأت تزحف الى الشمال والجنوب والشرق والعرب،  وتُدمر حضارات، وتُزعز دول  كانت قائمة من سنوات عديدة. حتى أحتلال الاندلس بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير سنة 92هج  711 م والذي أستمر800 كان له الاثر السلبي الكبير على عموم المنطقة ووصلت جيوشهم  الى مشارف فرنسا لو تحلف أوروبا في الوقت المناسب. وهذا الجزء من التاريخ المُظلم لا يعرفه الكثيرين من الناس  مع الاسف الشديد ، ولو سئلت آي شاب عن أسبانيا ومملكة القوط، فسوفة يذهب مباشرة في تفكيره الى نادي برشلونة الرياضي  أو فريق أتليتكو مدريد، وهذا ريالي وهذا برشلوني. ولو قلت هل تعرف  أشبيلة أوغرناطة، فسوفة يظن أنهم سينَمِات ودور عرض. ولا أحد يقرأ التارخ بشكل صحيح ومنطقي.
خَلاصَة القول أن الذي يحصل اليوم هو شبيه بأمس فقط أختلفت الاسماء وأليات القتال ، وتطورت الاسلحة ، ولكن الفكر  ظل هو نفسه يتخذ من الدين مسند له ، ويتعاطة مع الاحداث بنظرة ذلك الزمان والسلف الصالح ، وأتكاء على أحداث الماضي بعتبار أن التارخ هو الشاهد على ذلك. وأذا سيطرة تنظيمات سلفية متطرفة مثل القاعدة وأنصار السنة وجبهة النصرة وعصائب أهل الحق وداعش، على مقُدرات الدول  وأستباحت أرضها وشعبها ، ما هو ألا تحصيل حاصل في ضرورية النتائج في سياقها التاريخي. 

171
مرّ على وجود سعد في مرسيليا الأن أكثر من سبعة شهور ، يدرس اللغة الفرنسية  في مدرسة قريبة  للمهاجرين الجدد ، ويستلم المعونات المالية من الحكومة ، وفي أوقات الفراغ كان يذهب الى مكتبة المنطقة . مع توالي الأيام أصاب الفتور العلاقة بين الأخوين ، وكان السبب الرئيسي هو لاتيسيا ، حيث كان يرجع كرم الى البيت  مصطحب الفتاة كل يوم تقريباً ، ويدخلان الى الغرفة ولا يخرجان الى نهار اليوم التالي ، حيث يكون سعد قد ذهب الى المدرسة ، وفي بعض الاحيان يمضي أسبوع أو أكثر  دون أن يرى واحد الأخر .. الى أن جاء ذلك اليوم ، حيث كان كرم عائد من العمل منزعج، وعلى ما يبدو كان هناك مشكلة بينه وبين زملاءه في العمل  كان يجهلها سعد . دخل كرم الى البيت مساءاً وهو مستاء ، وكان هذه المرة لوحده ، حين شاهد  سعد أخاه  متوجهاً الى غرفته ، أستوقفه قائلاً ، كرم أريد أن أتحدث معك في موضوع هام ، فأجابه وأمارات الضيق والتعب على ملامحه ،هل تسطتيع  أن تُأجل الموضوع الى وقت أخر ، على الفور ردّ سعد  قائلاً  الموضوع لا يتحمل التأجيل ، نظر كرم الى  أخوه بنزعاج واضح وقال هات ما عندك ، قال سعد بدون آية مقدمات أريد منك أن تنهي علاقتك  بهذه الفتاة التي أسمها لاتيسيا.. نظر له كرم بستغراب وقال لماذا هل رأيت منها شيء مزعج . قال كرم وكأنه معلم في مدرسة وأمامه تلميذ يوبخه ، علاقتكَ معها غير شرعية ،هل هي زوجتك قلُي .. قال كرم وهو الى حد اللحظة  لم يفقد أعصابه بعد .. هي صديقتي ونحب بعضنا. قال سعد ، لماذا اذاً لا تتزوجها.
أجاب  كرم بعد تنهيدة عميقة ، هنُا في فرنسا هذه الامور طبيعية وكل شاب له صديقى أو أكثر وهذا شيئ عادي .
قال سعد ولكن هذا النوع من العلاقات محرمة شرعاً.
أجاب كرم وهو يجر الكلمات من فمه جرّ، هُنا لا يوجد حلال وحرام ، المهم هو التفاهم والأنسجام  بين الشخصين ،هناك في العراق تستعملون هذه المصطلحات القديمة البالية التي عفا عليها الزمان.
قال سعد ألا يمكن أن تكون قد مارست الجنس مع غيرك قبل أن تتعرف عليها أنت ، من ترضى أن تهب نفسها لرجل من المؤكد أنها سوفة تهب نفسها لغيره . قال كرم وبدأ صبره ينفذ تدريجياً ، هذا غير مهم ما دامت هي معي فأنا متأكد أنها لا تخونني ، ولو شعرت يوماً أنها تخونني مع شخص أخر سوفة أتركها فوراً .
أضاف سعد وكأنه يطلق الرصاصة الاخيرة في علاقته مع كرم ، ولكن هذه تسمى في أعرافنا عاهرة آي قحبه ، هنُا أستشاط  كرم غضباً وقال بحدة ماذا  أنها أشرف من الكثيرين ،على الاقل لا تكذب وتُصارحني بكل شيئ ، حتى عنك قالت أنها لم ترتاح لكَ منذو البداية ولكن فَضَلت السكوت وأحترام خصوصياتي أسمعني يا سعد جيداً وأخذ نفساً عميقاً ، اذا أرت أن تستمرعلاقتنا يجب عليك أن تحترم هذه الانسانة ، أنا لا أستطيع تركها. وأضاف كأنه مرجل بُخار مضغوظ وأنفجر ، يبدو أن الازمة التي مررت بها قصرت عليك وعلى نظرتك الى العالم من حولك، صعق سعد  من الهجوم المباغت الغير متوقع من أخيه ، وقال عن أي ازمة تتحدث .. قال كرم وخيال أبتسامة باهتة على زاوية شفتيه، خيانة زوجتك لكَ مع بائع الخضار، هل نسيت ذلك الحادث في البصرة، وأردف قائلاً ، أسمعني يا سعد  وأصبحت نظرته تقدح شرارة ، أذا كنت تريد العيش معي تحت سقف واحد  يجب أن تتحمل تصرفاتي ، وهذه حياتي أنا متُعود عليها وحراً كيفما أحياها ، لا تنقل أفكاركَ الباليه حيث ذهبت ، أنت هُنا في فرنسا يجب أن تتغير ، وأن لم ترغب بذلك ولم تتماشى مع العصر والحياة الجديدة  تستطيع أن تذهب لحالك وتعيش كما تريد فأنت تعرف الأن ما فيه الكفاية وعليك الاعتماد على نفسك ، موجهاً سيل كلماته الجارحة بوجه سعد الصامت دون حراك ، كأنا سُمْ الكلمات بدأ يشل أوصاله.  بعد هذا خرج كرم من البيت وأغلق الباب الخارجي بقوة ورأه ، تاركاً  أخوه جالساً وهو منذهل من شدة الصعقة ، غارقاً في بئر أسن ليس له قرار، كان حديث كرم له  مثل سكاكين جزار حادة ، فتحت كل الجروح القديمة وصارت تنزف دماً دون توقف ، مستحضراً كل الماضي الذي ظن  أنه قد ذهب دون رجعة ، ولكن تفاجئ اليوم أن الماضي لا يمُحى من الذاكرة أبداً مهما طال الزمان ، والأن  أقرب من حوله  يذكره به. ظل في لجة أفكاره وفي حديث أخوه ، وهل هو صحيح مُعقد نفسياً ، وهل ضلت خيانة زوجته تؤثر على تصرفاته دون أن يشعر بذلك مُترسخة في اللاوعي .. هل أصبح عالة على كرم ولم يمضي على تواجده في فرنسا سوى أشهر، ومطالب الأن بترك المنزل والبحث عن مكان أخر. أم هو فعلاً لم يستسيغ الحياة والأفكار والعصر والمجتمع الجديد، أهو غير مؤهل لذلك حقاً وليس في مقدوره فهم الحرية وأحترام خصوصية الأخرين ، تساءل مع نفسه ، ومن قال له أنه وصى على تصرفات كرم ، أليس هو من ساعده في أزمته حين تخلى عنه الجميع. هل هو يشتّر فعلاً الأفكار القديمة البالية التي لم تعد موجودة على حد قول كرم والتي حملها معه من العراق .. وأخيراً فكر في عرض أخيه في أن يتقبل الوضع كما هو عليه أو أن يغادر المنزل ، بمعنى أصح هو فضل صديقته لاتيسيا عليه ، هكذا فسر العرض. كل هذه الأفكار والخواطر جالت في عقله دون أن يصل الى آية نتيجة.. كان وقع الصدمة عليه كبير ولم يدرك كم فات من الوقت وهو على هذه الحالة، الى أن سمع صوت الباب الخارجي وهو يفتح ، لاحت لاتيسيا تدخل ومن حولها كرم ، ويبد أنه ثمل ، حين دخلا معاً لم ينظر كرم ناحية جلوس سعد بل تجاهله عمداً وتجه الى غرفته وأغلاق الباب ورأهم، سعد جالساً دون حراك لا يعرف ماذا يقول أو يفعل ، فقد كانت هذه أشارة واضحة من كرم أن الفتاة باقية في البيت سواء شاء ذلك أم أبى .. نهض بعصبية ودخل الى غرفته وحمل حقيبة السفر التي جاء به من سوريا ، عزم أن يترك البيت ويخرج ، ولكن عند باب الغرفة توقف وسقطت الحقيبة من يده دون وعي ، وبدأت الدموع تسيل على خديه ، عاد أدراجه مطأطأ الرأس ، فهو لا يعرف أين يذهب ولا آي أتجاه  يسير ، حتى اللغة  الفرنسية لا يتقنها.. جلس على حافة السرير وشبك رأسه بيديه وصار يبكي بحرقة وألم .
ظلت العلاقة بين الأخوين جامدة ورتيبة ، يكاد ينقطع بينهم حبل الوصل.  خلال هذه الفترة العصيبة  مرّ الكثير من الماء تحت الجسر، وتغيرت الكثير من الامور التي سوفة يفهمه سعد لاحقاً .. وكرم يمارس حياته بشكل عادي مع صديقته ، ولا يتحدث مع أخوه ألا نادراً ، وهنا أصبحت القطيعة لا تحتمل وجو البيت مشحون الى درجة الأنفجار على مدى ثلاث شهور ، في الشهر الأخير بدأ كرم يتغير نحو الأسوأ وبدى أنه يواجه مشاكل في عمله ، فقد كان يتأخر في العودة الى المنزل ليلاً ، وحين يجلس في البيت ويكون متوتر وقلق جداً ، وفي أحدى المرات سقط عند الباب الخارجي  من شدة الشرب فساعده سعد وأدخله الى السرير ونزع عنه أحذيته وملابسه ودثره في الشرشف ، وحين أراد أن يعلق سترته على المحمل سقط منها كيس صغير به مادة بيضاء اللون مثل الطحين ، فعرف أن أخاه يتعاطى المخدرات ، في صباح اليوم التالي حين صحى كرم من النوم واجهه سعد بالكيس فقفز وأخطتف الكيس من يد أخوه وقال له ملوحاً بسبابته أنت ابقى بعيداً عن هذه المسائل ، وخرج من البيت مسرعاً . وفي مرة ثانية سمعه يتحدث مع أحدهم بالموبايل باللغة العربية  القريبة من المغرب العربي ، يسبْ ويلعن ويهدد بأن يقتل كل من يحاول أن يصل أو يقترب من منطقته. حاول سعد أن يستفسر عن هذا الأتصال وهذه التهديدات ، ولكن كانت أجابات كرم موجزة وسريعة، لا يفهم منها شيئ  سوى أنها مشاكل تخص العمل لا غير . وفي ليلى باردة ماطرة والرعود تقصف في السماء معلنة هطول المزيد من الامطار، دخل كرم الى الشقة وكان بصحبته فتاة غير لاتيسيا وأدخلها غرفته وهو بحالة هستيريه ، ولم يكن ثملاً ، بعد خمس دقائق سمع سعد وهو في غرفته صراخ الفتاة ، في البداية ظن أن الصراخ والتأوهات من شدة الجنس والجماع  ، ولكن أصبح الصراخ يصحبه تكسير بالزجاج وضرب وبكاء ، الى أن خرجت الفتاة عارية من الغرفة وكدمات كثيرة على وجهها ، تسيل منها الدماء، أرتدت ما ستر جسمها من ملابس وخرجت مسرعة ، خرج كرم من الغرفة وهو يلهث من التعب وأنفاسه متقطعة ، قال أبنة العاهرة هي من دلْ صالح زرماني وعصابته على مكان تواجد بضاعتي ، ولكن لن أدعهم مهم حصل ، كأنه يتحدث مع نفسه ، أراد سعد أن يفهم أكثر، ولكن خروج كرم مسرعاً يجري خلف الفتاة حال دون ذلك.. في هذه الفترة علمَ  سعد أن كرم متورط في قضايا كبيرة ، تجارة وتهريب المخدرات ، عضو في عصابة  تنشط في مرسيليا تتاجر في السلاح .. في اليوم التالي عند الظهر تقابلا الأثنين عند مدخل العمارة وعلامات الخوف بادية على كرم ، فوراً وبدون مقدمات قال لسعد لقد أشتكت الفتاة التي ضربته أمس الى الشرطة ، وهم يبحثون عني الأن ،  يجب أن تغادر الشقة أنت ايضاً ، فأنت في نظر القانون  مشترك معي في قضية أغتصاب وأعتداء على فتاة. وأضاف متلفتاً الى كل الجهات ، خذ كل الأوراق الثبوتية التي تخصكَ ولا تتصل بي ابداً ، لا تتصل بي ، أتفهم ، أنا سوفة أتصل بكَ ، هي أسرع  الأن.. على وجه السرعة صعد الأخوين الى الشقة واخذ سعد الاوراق وجواز السفر والحقيبة ، وقبل الخروج من الباب ناول كرم أخاه رزمة من المال ونزلا مسرعياً ،عند رأس الجادة وعلى باب سيارة الأجرة قال كرم له لا تعود الى الشقة مطلقاً . من فافذة السيارة سدد كرم  نظرة الى عين أخيه، أحس سعد أنها النظرة الاخيرة ،وتحركت السيارة به ..  بعدهم بدقائق داهمت الشرطة المكان، فلم يجدوا أحداً، الكلاب البوليسة التي معهم دلتهم الى أكياس الكوكايين والحشيش الفارغة ،فأخذوه ورحلوا .
                                    ***
في غرفة صغيرة في أحد الفنادق الرخيصة وسط المدينة ، جلس سعد على السرير يُخاطب نفسه ، الى أين وصلت به الامور، فهو الأن ملاُحق من قبل الشرطة  دون جريرة ،لا يعرف ماذا يفعل أو بمن يتصل، مصير كرم مجهول  لا يدري ماذا حصل له ، وفوق كل هذا لا يملك المال الكافي لدفع نفقات الفندق ، صحيح أن الغرفة رخيصة نوعاً ما ، وأخوه أعطاه بعض من المال ، لكن الى متى سوفة تستمر الحالة هكذا . حاول الاتصال بكرم ولكن الخط خارج الخدمة .. مرّ عليه وهو في هذا الكهف المعُتم يستنشق هواء افكاره الفاسدة في شرود وشتات ذهني وأسبوعان. فقرر العودة الى معهد تدريس اللغة. الى أن جاي  يوم حضر فيه شخصان الى أدارة المعهد وطلبا أحضار سعد  ، في غرفة المديرة دخل سعد فوجد رجلان يلبسان الزي الرسمي ، تحدث أحدهم بالفرنسية وقال هل أنتَ سعد ، جال هو ببصره بين الحضور وقال برتياب وخوف نعم أنا. كانت مديرة المعهد موجودة أيضاً ، طلب نفس الشخص منه الجلوس وطلب من المديرة أن تغادر الغرفة . قال الثاني بعد أن أغلق باب الأدارة ، انا الملازم فارتان سينيه وهذا المُحقق ماجلي كاردون ، أراد سعد أن يقول  أنه لا يتكلم الفرنسية ، ولكن الملازم فارتان قال فوراً أعرف انكَ لا تجيد اللغة الفرنسية، سوفة نطلب لكَ مترجم لا تقلق .. وأخرج هاتفه جوال من جيبه وطلب رقم  وبعد أن تحدث مع شخص على الجانب الاخر من الخط أعطى الجهاز لسعد .. كانت فتاة  تتكلم العربية بطلاقة أخبرته أن الرجلان الذين معه هم من مكتب التحقيقات الجنائية ويودون أن يخبروك بشي مهم جداً ..وقالت له أعطني الملازم سينيه رجاءاً .. تحدث معها الضابط لدقائق  بعد ذلك أعطى  الجهاز مرة أخرى الى سعد ما أن وضع السماعة على أذنه حتى قالت الفتاة هل لديك أخ أسمه كرم  وأسمه الحركي الثاني أدريان يسكن معكَ في نفس الشقة على هذا العنوان ، وقالت له عنوان الشقة ،  أجاب سعد نعم أنه اخي ، وهنُا أمتقع وجهه  وأصفر من شدة الخوف .. قالت الفتاة بشكل ميكانيكي كأنها تقول شيء متعودة على قوله كل يوم ، يؤسفنا  يا سيد سعد أن نقول لكَ أن اخوك كرم قد قُتل، وقد وجدت الشرطة جثته مطعونة بسكاكين ، ومرمية في أحد الأزقة المتروكة  قبل أربعة أيام من الأن .. وقالت أعطني المُحقق الذي بجانبك  ..  أعطى سعد الجهاز ماداً  ذراعه اليمنى والذي كاد أن يقع من يده من شدة الصدمة ، فأخذه المحقق كاردون وتحدث  مع المترجمة .. غاب سعد عن الواقع في تلك الثواني،  وأن كانت عيونه مفتوحة ، صُعق من الخبر المفجعْ، وكادا أن  يجهش بالبكاء،  ولكن لم يعرف لماذا لم يبكي ، عائق داخلي يمنعه من أطلاق العنان لدموعه .. وهو الأن  بين الحلم والكابوس بين الحياة والموت .. لم يشعر آلا ويد  المحقق تنكزه ، مناولاً له الهاتف  .. تحدث مع الفتاة مرة ثانية وقالت له بسرعة ، يجب عليكَ الأن أن تذهب برفقة الرجلان الى دائرة المباحث الجنائية ، وهناك سوفة يستكملون الأجراءات المتبقية معكَ، وأنهت قائلة ، شكراً لك. أخذ المحقق الهاتف وبعد بضع  كلمات قصيرة أغلق الخط  .. اقتادوا سعد معهم في سيارة سوداء مسرعة ، كان هو جالساً في المقعد الخلفي ينظر الى المارة والشوارع وأشارات المرور التي كانت تتحول الى اللون الأخضر  فجأة ، لاحت من بعيد قبب كنيسة كبيرة وعبر مبنى لا فيي شاريتيه المشهور، الى أن وصلوا الى مركز الدائرة ،كان المبنى كبير جداً ويبعث على الهيبة والرعب في الفنوس.  أدخلوه مباشرة الى غرفة التحقيقات الجنائية في الوسط  طاولة واحدة  وعلى الجوانب ثلاث  كراسي، كان الجدار الفاصل  عبارة عن زجاج عازل. ظل لوحده نصف ساعة لا تستقر أفكاره المتراطمة على مرسى.  الى أن دخل عليه شخص في الستين من العمر طويل القامة يحمل معه ملف أصفر اللون معه فتاة  في ربيع العمر ، حين رأهم  سعد أراد النهوض ولكن أشار له الرجل بيده أن يجلس ، سحب الكرسي بثقة عالية وجلس ووضع الملف أمامه ، وتكلم  بهدوء توحي أن له السلطة في كل شيء ، وقال أنا العقيد لِمان موريس من دائرة الجرائم الكبرى ، وهذه الشرطية إيلين سوفة تترجم  لكَ الحديث الذي سوفة يدور بينناً. وقال ناظراً أليه بعمق، أنتبه لي جيداً يا سيد سعد، من خلال متُابعتنا الأمنية للمغدور كرم الذي هو أخاكَ أكتشفنا انه كان عضو في شبكة كبيرة لتهريب المخدرات والتجارة بالسلاح بالبشر ، ليس هنُا في فرنسا فقط ، ولكن تمتد الى دول الأتحاد الاوربي، وترجمة الشرطية الكلام ، أكمل العقيد .. لقد تعرفنة على قاتل كرم وألقينة القبض عليه قبل مغادرته مرسيليا حيث كان يريد الهروب مع واحد من أخطر  عصابات المافيا التي تنشط في هذه المنطقة  وقد تم تبليغ الانتربول الدولي بملاحقة باقي أفراد الشبكة  في كل من أيطاليا ورومانيا والمانيا والمجر، حيث يتوزعون. وسيتم القاء القبض عليهم قريباً ... وسكت حيث تكلمت إيلين ما قاله العقيد .. بعدها فتح لِمان الملف الأصفر،  وقلب في أوراق كثيرة وأخرج كيس ورقي أبيض متوسط الحجم ، ووضعه  فوق الملف ، وقال سوفة أعرض عليكَ صور عديدة  ويجب عليكَ أن تتعرف على جثة كرم  .. وأخرج الصور من الكيس وأعطاه الى إيلين وهي بدورها ترجمة الكلام وبعدها أعطته الصور .. تناولها بأصابع مرتعشة ، وحين شاهدها كاد أن يغُشى عليه فقد كانت لمغدورين والوجوه جمعها مشوها. واحده من الصور كانت لجثة شاب صغير محجرّ عينه اليسُرى فارغ حيث أخترقتها الرصاصة ونفذت الى الجانب الأخر من الرأس .حين شاهد صورة جثة كرم وهي مرمية على الأرض وأثار طعن السكاكين  بارز في أعلى الصدر، لم يستطيع أستكمال مشاهدة الصور حيث رماها على الطاولة وأجهش بالبكاء فجأة ، نظر العقيد لِمان الى الشرطية إيلين وأخذ الصور وأرجعها الى الملف ، بعد دقائق هدأ سعد ومسح دموعه بكم قميصه البالي وتطلع  لهم. أخرج  الضابط  ورق صحي نظيف من جيب سترته وأعطاه لسعد ليمسح دموعه به، وقال له مُخففاً من حدة كلامه ، لقد  تابعناك خلال هذه الفترة ، ولم نرصد بحقكَ آي أشارة سيئة أو ما يستوجب توقيفك ،على هذا الأساس لا يوجد تهمة موجه لكَ ، بعد الأنتهاء من هذا التحقيق  سوفة يرافقكَ رقيب من دائرتنا الى مصلحة الطب الشرعي لتتعرف على القتيل ، بعدها تسطيع المغادرة ، وبعد خمسة أيام سوفة نتصل بكَ لتتسلم الجثة وتقوم أنت بأجراءات الدفن، أرجو منك أن لا تترك مرسيليا بهذه الفترة. ونقلت الشرطية التفاصيل. بعدها نهض العقيد موريس ، وهنُا أصبح وجهه أكثر أنسانية ومودة ، وتخلى عن صفته الرسميه التي كان به قبل ثواني ، وقال أنا أسف حقاً لما حصل لك ، ولكن أخوك كان شخص خطير جداً ، أتمنى أن  تتجاوز هذه المحنة القاسية  وتعود الى حياتك الطبيعية ، الأن بمقدورك أن تُغادر، سوفة ترافقكَ  إيلين الى غرفة الرقيب ، ومد يده مسلماً عليه ، حين تصافحا  شعر سعد بدفئ غريب من يد الضابط يسري في كيانه .. سار الرقيب معه بسكوت وهو مطأطأ الرأس الى باب الدائرة الخارجي. كانت السيارة متوقفة ركب الاثنان معاً في المقعد الخلفي ، بعد أقل من خمسة دقائق كانوا أمام مستشفى الطب العدلي  ، في الممر المفضي الى ثلاجة الموتى كان سعد يستحضر كل الماضي ، يستحضر الحوادث التي وقعت لهم ،لتدمع عيناه في صمت. ثلاجة الموتى الباردة داخل مشرحة الطب العدلي ، يسحب الموظف الدرج الألي ويفتح سحاب كيس رمادي اللون فتظهر جثة مُتجمدة عليها علامات طعن بالسكين ، يطلب الشرطي منه أن يتعرف على ملامح القتيل حين ينظر سعد الى أخاه يقع مغشاً عليه. بعد قليل يستعيد وعيه ويتمتم  بكلمات ثقيلة أن الجثة تعود لكرم. أوصله الرقيب الى خارج البناية وتركه، مشى مسافةً غير بعيدة من المكان وأوقف سيارة أجرة وأعطى للسائق قصاصه ورقية به عنوان  الفندق . 
                                   ***
في سكونه المُر، وعلى أرضية غرفة الفندق جلس سعد وهو في عالم أخر تائه الذهن ، تهادت الى عقله ذكريات بعيدة  عقله يسافر إلى طفولة كرم الأولى . مستحضراً صور بانوراميا للحاضر والماضي ، تذكر أول يوم أصطحب كرم فيه الى المدرسة الابتدائية في البصرة وكان يبكي بشدة لا يريد ترك  يد سعد  ، الى أن جاءت المعلمة وقالت له ، أن جميع الاطفال في بدايتهم هكذا لا تقلق ، أذهب أنت وتركه بعد قليل سوفة يتعود ، غير أن سعد أبى أن يترك أخاه وظل واقفاً في شمس الظهيرة الحارقة ، الى أن أنتهى الدوام  وخرج كرم ثم أرجعه الى البيت ، في الطريق توقف عن محل البقالة وأشترى له بعض الحلوى .. وفي موقف ثاني ، حين جرى مسُرعاً واحداً من التلاميذ الى بيت سعد وابلغهم أن الاولاد مجتمعين حول كرم يحاولون ضربه ، فخرج فوراً الى نجدت أخوه ، وضرب تلك الزمرة من الاولاد بقوة وعنف . ومن تلك الساعة لم يجرئ أحد في المدرسة من الأقتراب من كرم ابداً . كل هذه الحوادث وغيرها مرت بمخيلته مثل فلم سينمائي كأنها تحدث الأن . فجأة أخذ يضحك على موقف حصل لكرم حين كان صبي صغير .. ولكن بعد دقيقة أخذ يبكي ، وسالت دموعه  كأنفجار ماء العين.. ظل ثلاثة أيام وهو على هذه الحالة صامتاً، دون أن يخرج من الغرفة أو يتحرك ،يعيد شريط  ذكرياته الماضية،  يسأل نفسه أحياناً أيعقل أن يكون كل هذا مجرد أوهام  وتهيؤات. الى أن جاءه أتصال من دائرة الطب العدلي يطلبون منه أستلام  جثة  أخيه غداً  الساعة العاشرة  والنص  صباحاً ، وعليه أن لا يتأخر على الموعد، وأغُلقَ الخط  بقوة .
بعد هذا الأتصال وعند المساء تحركت عنده غريزة الجوع والعطش ، فخرج من حجرته وهو شارد الذهن، توجه الى باب الفندق بغير هدى، وسار فاقداً أحساس الواقع من حوله  لا يعرف الى أي صوب يتجه ، كل أليات الوعي عنده مُعطلة ، فقط غريزة الأكل البدائية تعمل .. على بُعد مسافة غير بعيدة من الفندق شاهد كشك لبيع الأكلات السريعة ، ورائحة الشواء تفوح من المدخنة ، توقف عند الشباك وأشار بيده على سيخ اللحم المُعلق ، ففهم صاحب المحل ما يريد ، أعطاه  رغيفاً من الخبز في وسطه لحم ملفوف بورق سلوفان ، ناوله سعد ورقة  نقدية من فئة العشرين  يورو وذهب ، حاول البائع أن يسترجع الباقي ولكن  كان سعد قد سار في خطى ثقيلة يجر جسده المنهمك.
 على رصيف الشارع المحاذي للكشكْ الذي  قلت به الحركة  في هذه الساعة ، جلس سعد  يأكل قطعة الرغيف مع ورق السلوفان، مع كل لقمة يمضغا كانت الصور التي فردها الضابط  أمامه تمر في مخيلته ، وخاصة صورة ذاك الشخص  ومحجره الخالي من العين. بعد أن ترك نصف رغيفه مرمياً على الأرض ، نهض وأرد العبور الى الحديقة التي في الجانب الأخر من الشارع  ينام على إحد المقاعد الموجودة هناك، مشى دون أن ينظر بآي أتجاه هو ودون أن يعلم أنه خارج خطوط العبور المخصصة للمشاة. سيارة جمع القمُامة كانت تسير بالقرب منه، حين رأه السائق حاول جاهداً أن يتفاده ولكن كان سعد يتجه نحوه مثل الفراشة التي تنجذب للهب ، فصدمه في  الجانب  الاقصى من مقدمة السيارة.
غابَ عن الوعي تماماً لمدة ستة أسابيع  قضاها سعد طريح الفراش في أحدى المستشفيات ،لا يتذكر شيئاً من حياته الماضية ولا أين هو الأن .. في هذه الفترة كانت دائرة الطب العدلي تحاول الاتصال به دون جدوى ، وفي أخر المطاف وحسب القانون الفرنسي المعُمول به تم إحراق جثمان كرم ووضعوا رماده في قنينة زجاجية مختومة.
 راهبة تعمل ممرضة في نفس المستشفى الذي أودعْ سعد به ، شاهدته على هذه الحالة المأساوية المحزنة فأشفقت عليه ، أرادت معرفة من هو ومن أين ولماذا  صامت وشارد الذهن طوال الوقت ، ولكن لم تصل الى آي نتيجة ، فاتحت أبرشيتها بحالة سعد، فوافقوا على  نُقله الى دير للرهبان في منطقة الألب على جبال جوراس.
في صباح يوم مشُمس بهي، والثلوج تُغطي قمِم الجبال البعيدة وراء الأفق البعيد، والطيور تزقزق في عُرس أزلي ، والمروج  الخضراء الزاهية  تسحَر الناظر أليها، في لوحة جميلة رسمتها يد فنان محترف، والرهبان في حركة مستمرة لا تهدأ من أول قبس النهار الى الضياء الأخير من الغروب ، جلس سعد هناك ينظر الى كل هذه المشاهد الرائعة من الشرفة المُطلة، يركب صور عالمه الجديد في هدوء وسكينه.

172
المنبر الحر / خيانات مشروعة
« في: 09:32 22/04/2016  »
خيانات مشروعة / بقلم  سلوان ساكو
أزدادت في الآونة الاخيرة  ظاهرة العُنف الأُسَري  والخيانات الزوجية بين العوائل العراقية في دول المهجر ، أو على الأقل هكذا رصَدها المجهر الدقيق عندي ، والذي يكون مُزعج في بعض الأحيان والذي يلحْ على قلمي أن يكتب ، حيث وصل الامر في بعض الحالات  الى القتل ، أَي قتل الزوجة بعد أن يراها الزوج في حالة تلبّس ووضع حميمْ مع شخص أخر ، ويذهب ضحية  هذا الاستهتار عوائل بأكملها ، وأطفال مزقتهم الصراعات الأُسرية ، ينشؤون وهم يحملون فيروس  العداء والكراهية لذواتهم  أولاً  والى المجتمع ثانياً ، وبالتالي يريدون أن ينتقمون من هذا المجتمع ، فيكون طريق الاجرام  والمخدرات والحشيش هو الطريق السالك أمامهم والسبيل الوحيد لمستقبلهم  فينخرطوا به.
السؤال المطروح بقوة هو لماذا أزدادت  هذه الحالات الشاذة  ووصلت في بعض  والدول ، خاصة أمريكا وأستراليا  الى ظاهرة تسترعي التوقف والانتباه ، والبحث عن الأسباب والجذور الحقيقة لكي لا تستفحل القضية ويصعب معالجتها في النهاية ، وكل ماوضعنا أيدينا على مكامن الخطر أسرع ، كل ما كان العلاج أسهل . حسناً لو عدنا الى الوراء  قليلاً  أَي الى الوطن الأم العراق لرأينا أن القوانين الجنائية المعدلة أو الثابتْ منها بخصوص الخيانات الزوجية  وواقعة الزنا ، تقف في صف الرجل مهمة بلغت درجة الحكم النهائي ، وأقصى مدة يقضيها القاتل في السجن لا تتعدى الستة  أشهر أو سنة أذا  كان الحُكم مشددّ، وهذا يُدعى الحق العام  أو حق الدولة ، بعد ذلك يفُرج عن المتهم ويعود الى الحياة العامة وهو مرفوع  الرأس. بمعنى أدق أن النصوص القانونية المعمول به  أتجاه الخيانات الزوجية في حالة أن يكون (الِمرْودُ في المكْحُلِة)   كما يُقال في لغة القضاء تصبْ  في مصلحة  الرجل  وليس في صف المرأة  فيصبح النطق بالحكم من هذا المنطلق ، من هنُا وعلى هذا الأساس تكون وعي جماعي عام للمجتمع في بنُية الأفراد وتفكيرهم من أن هنالك سلوكيات وأفعال تخدش بشكل مباشر منظومة الأخلاق وتهدد القيم  وتكون العقوبات بخصوص ذلك وخيمة العواقب  على المُسيئ ، ويكون الحامي لهذه المنظومة هو  التشريع  والقانون في المحاكم الجنائية اذ ما  أصاب هذه الأخلاق وهذا النظام ضررّ مُعين . على هذا المبدأ تجرأ المُشرِّع العربي سواء في العراق او مصر أو الاردن ..... الخ  أن يسنْ هذه القوانين واللوأح ويُشرعها ، وتصبح هي الضابط القوى لإقاع الحياة والميزان  لمنظومة القيمْ الاخلاقية،  وتصبح مع الأيام مرجعية ثقافية لتلك الشعوب حتى تستقر في اللاوعي، وتسدّ الطريق على العابثين بأعراض وحُرمات الناس. طبعاً أنا لا أقول أنه لا يوجد خيانات ومشاكل زوجية في الدول العربية ، ولكن القصد من القول أن الفاعل أو الفاعلة  يُفكرون مرتين قبل أن يُقدمون على فعل أي شَيْء.
حسناً هذه المنظومة السلوكية كَانت هنالك في البلد الأصيل ،  وحين سافرت العائلة العراقية الى دول المهَجر ، أمريكا ، استراليا ، كندا،  أختلفت الوضعية ،  وأنفرط عقد المنظومة ككل  ، وتبدلت التشريعات والنصوص ، وأصبح القانون الجديد المعمول به يَصْب في مصلحة الشخص لذاته هو ، هو من  يتحكم في تصرفاته وأفعاله ،  المعير الاول  هو الضمير والحريّة الشخصية  وليس في وسّع احد مصادرة  هذا الحق مهما كان ، فأصبح هناك فوضى في السلوكيات والقيمْ الاخلاقية ، أنعكست سلباً على المُهاجر الجديد، ففهمت المرأة أن الخيانة مع رجل أخر هو حرية ، وتعويضاً عن شبابها الذي ضاع مع زوجها، فتبدأ البحث عن شاب يصغرها سناً،  خاصة اذا كان هذا الزوج سكيِر و مُدمن قِمار فيكون هنالك عذراً  للفعل الشنيع ، وهذا ينطبق على الرجل أيضاً  حيث يفهم أن العلاقات النسائية خارج مؤسسة الزواج هو حق من حقوقه يجب أن يُعوضه الان بعد أن  أصبحَ  يملك الحرية الكاملة  وأنفتحت له الاجواء وبات الان المجال  أوسع ، والظروف مواتية له فيفعل ما يحلو له ، ضارباً بعرض الحائط إلتزاماته الاخلاقية .
 هذا الخلل ليس في القوانين والتشريعات ، ولكن في التطبيق الخاطئ له ، وترجمته على أرض الواقع بشكل جاهل وغير منطقي ، مما أدى الى هذا التخبُط والفوضى ،  حيث  لم يفهم هذا المهاجر الجديد أن  المبدأ  الأساسي كان  مبني على قواعد أنسانية أستمدت قوتها من وعي الغرب لها عبر صيرورة زمنية و ذهنية طويلة الى أن تجلت قي أخر المطاف على هذا الشكل من الإجراءات التطبيقية التي تدور في فلك الانسان.
 السؤال الخطير هو ، هل يفهم المهاجر ذو الخلفية والثقافة العربية معنى كل هذا ،  وأن الفضيلة ليست في الأخلاق، والجنس ،  ولكن في عدم الكذب والخداع والاحتيال ، سواء على البنوك أو على دوائر الاعانات الاجتماعية أو سواها،   وكل ما يحط من كرامة الانسان . ويظل  الفرد في الغرب له كل  الحرية وهنا المعِير والقاعدة الذهبية ،  والضمير يجب أن ضمير إلانا  القوي  الذي يُحدد ويوجه البوصلة نحو الصواب ويُصحح الخطأ . هل يفكر الانسان مرة وأثنتين وثلاثة قبل أن يقوم  بفعل يكون وصمة عار على جبينه طول العمر. يحتاج هذا الأمر الى دراسة وبحث مستُفيض من جوانب عدّة لكي نخرج بأجوبة شافية. 

 

173
المنبر الحر / بقايا الدوريْ
« في: 09:13 11/04/2016  »
بقايا الدوري
حينما أنهار النظام وسقط العراق في 4/9/ 2003 تشرذم الرفاق وتبعثر الأصدقاء وفُقِدت السيطرة على ارض الواقع ، فذهب كل واحد من أعضاء ورفاق الأمس الى مخبأ ودفن رأسه من الْخِزْي والعار الذي لحق بهم من الفشل الذريع والانهيار السريع في اقل من أسبوع . وأصبحت قوات الاحتلال الأمريكية تطاردهم بين الجحور من مكان الى اخر الى ان قبضت عليهم واحد تلو الاخر ، وكان قائد الضرورة في جِحر للجرذان بدون ماء ولا هواء وأخرج منها وعُرض على الشاشات العالمية في أبشع صورة لزعيم عربي في التاريخ. أنتقل الباقي من كبار المسؤولين الى سوريا مثل سبعاوي ابراهيم الحسن الذي أوقف على الحدود في معبر اليعربية ولم يتم ادخاله، فرجع وقبض عليه الأمريكان وأعدم في أخر الامر . بعد ذلك توجه الكثير من القادة العسكريين والاعضاء الحزبين الى دمشق وحلب ومنهم النائب عزت الدوري الذي اصبح له مكانه أكبر من السابق بعد السقوط فاستقر هنالك لفترة ، وكان ايضا متواجد في العاصمة السورية عضو القيادة يونس الأحمد ويشكل نواة قيادة قطرية فأصبح هنالك قيادتان قطريتان ، واحدة صنِيعة المخابرات السورية جناح الأحمد ، والأخرى تحالف مع تنظيم القاعدة والطريقة النقشبندية وصغار الضباط الذين لم يجوا ما يفعلونه بعد الانهيار. لم يحتمل السوريين هذا الوضع الشاذ فأبُعد جناح عزت الدوري الى اليمن وكان برعاية على عبدالله صالح مع رهط من العسكريين والحزبين، وأصبح يتنقل بين العراق واليمن لفترة قصيرة ، وفي أخر المطاف ظل متُواجد في محافظة الرمادي وقاطع ديالى، يتنقل بحرية كاملة ، وأيضاً في الإقليم الكردي عبر أصدقاء ومسؤولين أكراد يتنقل ويتعالج من سرطان الدم المُزمن. بعد أن تغيرت الخارطة السياسية الداخلية ، ودخول قوات وميليشيات كثيرة في الصراع الدامي على الارض ، لم يبقى للبعث زخمه الأولي في ساحة المعركة ، وبالتالي فُقدت بوصلة التوجيه وأنتهى دور الحزب الفعلي والحقيقي على مجُريات الأحداث وأصبح بقايا تنظيم سريْ وعصابات لا غير . في المقابلة مع عضو القيادة السابق عبد الباقي السعدون في 15/ 4 /2015 على قناة العراقية يُظهر مدى الانشقاق والتصدع الذي أصاب هيكلية الحزب ، وتفرد الدوري في القرارات، والتصفيات الجسدية التي أمر به هو ، ومدى السرقات والنهب والابتزاز الذي أرتكبه الأعضاء.
الحكايات التي نسُجِت حولة عزت الدوري ، ودور الحزب في العملية السياسية والمعارضة الوطنية يتخللها الكثير من الكذب والوهم والخداع ، ولا دور أصلاً للبعث على ارض الواقع خاصة مع ظهور وصعود تنظيم داعش الإرهابي . وقيِل ان سقوط الموصل المدوي تم على يد داعش والبعثيين جناح الدوري ، وتبين بعد ذلك انها كذبة كبيرة ، لا بل تم إعدام بقاياكبار البعثيين في الموصل من قبل داعش مع كل محاولات الدوري للحيلولة دون ذلك، ولو كان هو موجود لإعدام هو الأخر ومًُثِلت بجثته في شوارع المدينة. أن بقاء الدوري على قيد الحياة هذا في يد الله وحده ، ولكن يوجد بعض التيارات المعارضة للحكم تراه رمزْ من رموز النظام السابق ، ومرجعية بعثية تريد الالتفاف حوله، مع انه لم يبقى للبعث مرجعية ولا مفكرين من أعوام السبعينيات وما تلاها من مصائب وأنشقاقات في الصفوف البعث. وما دمر الحزب هو الانتهازية والتفرد بالسلطة. أن الذي يظهر الان على شاشات التلفزيون ويرتدي الزيتوني، ويحمل رتبة فريق أول ركن، وورأه أثنين من الالوية، ليس غير بقايا إنسان مهزوم يبحث في أنقاض الماضي على سلطة الحكم التي ذهبت ولن تعود أبداً.

174
الفارس الأشوري الحزين

لم أكُن أرغب أبداً في الكتابة عن هذا الموضوع أو الخوضْ في غمِار هذه القضية الحساسة ، ولكن أخذ الموضوع  جزءاً من تفكيري ، خاصةٍ في الآونة الاخيرة، وبتُ أراه من منُطلق حركة التاريخ، وسياقه ( الماركسي ) النقدي ، والذي يُجرد المادة من مثالياتها ويعطيها بُعدها الحقيقي، والذي يُفجر في الذهن أسئلة هامة وخطيرة. وأن ألآت في النهاية الى تراجيديا حزينة ، في وقتْ كان المشروع برمته أقرب للنجاح في ظل تسويات ومُعاهدات ومصالح  مع الدول العُظمى في ذلك العصر، وأن كانت صعبة بمكان، ولكن كان بالإمكان تذليلها وترويضها بشكل منطقي وعملي، وبالتالي كان يُمكن توظيف القضية بالأتجاه الصحيح من الناحية السياسية وحتى والدينية ويُصار تشكيل نوة دولة أو حتى أقليم وأدارة ذاتيّة لشعب عانة كثيراً وكان قاب قوسين وأدنى مْنهَا.
الأخطاء التي أرتُكبتْ في ذلك الزمان هي التي بعثرت الأوراقْ وأضاعة الفرصة ، وباتَ ذلكْ الفارس المغُوار بلا جواد ، وأنكسرت رِماحه ، وصدئ سيفه وتبعثرت تروسه، وتشتت جيشه ، وفي آخر المطاف ترجل عن حِصانه وخفّ الصهيل. وهِجر ذلك الشعب الأصيل من وطنه ، والذي باتَ في المهَجر يتغنى على أطلال ذلك الزمان الضائع.
كانت البدايات في تلك الجبال البعيدة على الحدود، في هكاري وأورميا وسالامس والقرى التابعة لهم حيث كان يسكنون ويعيشون ، ومع هبَوب رياح الحرب العالمية الاولى العاتية التي أطاحت بقراهم  وأيقظت مضاجعهم ، وفي سنة 1915 أرتكبَ العثمانيين مذبحة دامية بحق الشعب المسيحي عُرفت بمذابح سيفو آي عام السيف. في العام 1917، تراجع الروس، بسبب أحداثهم الداخلية والثورة الشيوعية التي قامت ضد القيصر نقولا الثاني، فانسحب الجيش الروسي من الجنوب وانسحب معه الثوار الآشوريون، ولم يعد لهم من داعم سوى الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، فأقاموا جسرا مع البريطانيين القادمين للحلول محل الأتراك، بعد أن دخل الإنكليز بغداد في مارس من العام 1917. في بداية شهر أذار من عام 1918 أغتيل البطريرك مار شمعون بنيامين على يد قائد الأكراد “سمكو أغا ” غدراً، وبذلك فقدت الأمة الآشورية قائداً كبير ورمزاً تاريخياً عظيمْاً  لن يتكرر ابداً. هجَّر الآشورين بعد تلك الأعوام الى مخيمات في بعقوبة وحبانية ، وفي عام 1925 تم توطينهم في قرى سوريا والعراق من قبل البريطانيين. خلال هذه السنوات كان البطريرك مار شمعون الثالث والعشرون يُطالب بحكم ذاتي للآشوريين في شمال العراق ، وعرض البطريرك هذه المطالب على عصبة الأمم في العام 1932. وفي 16 يونيو من العام 1932 بعد أن اجتمع البطريرك مع قادة الآشوريين في “العمادية” ورفع المجتمعون وثيقة إلى الحكومة العراقية وعصبة الأمم تدعو إلى الاعتراف بالآشوريين واستخدام تعبير “شعب” ضمن مكونات العراق. وطالبت الوثيقة بإنشاء منطقة حكم ذاتي للآشوريين، والاعتراف بمار شمعون زعيماً روحياً ودنيوياً عليهم. رفضت الحكومة العراقية هذه المطالب، وقال نوري سعيد قولته المشهورة، (إن الآشوريين لا يشكلون سوى ربع مسيحيي لواء الموصل، ولذا لا يحق لهم بالمطالبة بمقعد في البرلمان العراقي)، بعد شدّ وجذبْ ومعارك هُنا وهنالك  بين الحكومة والقوات الأشورية حصلت مجزرة سميل 12 كم عن دهوك من آب عام 1933 ، في حكومة الكيلاني ، بقيادة الجنرال بكر صدقي وكان على رأس وزارة الدفاع جلال بابان. مما أضطرهم إلى الهجرة عبر الحدود إلى بتجاه سوريا على مجرى نهر الخابور وسكنوا هنالك ، نفي مار شمعون الثالث والعشرون إيشاي وعمته سورما خانم وأفراد العائلة الدينية الى قبرص من نفس العام وسُحبت الجنسية العراقية منهم ، وبذلك أنطوت صفحة المطالبة الحقيقية بدولة أو حكم ذاتي للشعب الآشوري وأن بذل البطريرك قصارى جهده في المحافل الدولية ولكن لم تجدى  نفعاً.
من التأسيس الاول لفكرة إنشاء وطن يجمع الكل ، كانت هنالك بوادر أزمة ، وعدم قراءة صحيحة لبلورة المستقبل ، وشرخ كبير بين الكنيسة المتمثّلة بعائلة مار شمعون إيشاي وعمته سورما خانم من جهة  والقادة الميدانين والعسكرين أمثال الجنرال البازي أغا بطرس ، وملك خوشابا ، ومالك زيا شمزدين ، ومالك جكو من (تياري العليا )من جهة ثانية. وتم تضِيعْ كل الجهود المبذولة والذي أدى الى أضعاف عُرى التحالف بينهم ، مما زاد من تشظي الفكرة وضياع الفرصة. لن نتوغل كثيراً في التاريخ كي لا ندخل في متاهات الماضي ودهاليزه وتشتيت القضية المطروحة.
السؤال المَطروح هو لماذا لم يحققْ الآشوريين دولتهم المنشودة، وحلمهم في الحصول على وطن قومي يجمعهم وأرض يستقرون به ، رغم تلك التحالفات والصداقات مع دول ذات سيادة وسطوى في ذلك الزمان كروسيا الذي أصبح ( الاتحاد السوفييتي)  وبريطانية وفرنسا ، لهم كلمة الفصل في نهاية الامر على مجريات الأحداث ، فلم تنجز لا القيادة الدينية ولا العسكرية  شيئاً ملموساً على أرض الواقع ، وظلت معاركهم سواء العسكرية أو الإعلامية منها في أروقة عصبة الأمم،  تتأرجح بين الإخفاقات أو النجاح الوقتي الآني في أحسن الأحوال. فمنذو عام 1922 حيث بدأ التهجير والأضطهاد وقبل ذلك كانت هناك نواة أولى حقيقية لتأسيس دولة أشورية ذات أرض وسيادة وهو ما أجعْ عليه الكثيرون ، ومحولات جادة لإيجاد كيان سياسي ، ووطن قومي وخيمة كبيرة تُظلل هذا الشعب المُشرد، ولكن باءت كل هذه المحاولات بالفشل لأسباب كثيرة لا يمكن حصرها الان، ولكن كان أهمها هو الاضطرابات الداخلية والمناكفات السياسية والسِجال العقيم بين القادة أنفسهم ، والجدل البيزنطي الذي لا يفُضي الى شَيْء، وعدم الثقة بينهم ، مما أدى في نهاية المطاف الى أجهاض العملية  وتضِيع الجهود التي بذلها مار شمعون إيشاي في المحافل الدولية ، وأفشل المشروع  برمته، مع  الإحاطة أنه  كانت دولة  أخرى تتبلور هي هذه الحقبة ، كأسرائيل التي كانت تتشكل كفكرة  في عقل تيودور هرتزل، وحارب من أجلها  1901قابل    سنة 1898 القصير الألماني فيلهلم الثاني ، وسنة   السلطان عبد الحميد الثاني، ولم يوافقوا على الطلبه في توطيين اليهود في فلسطين ، وليست فلسطين هي وحده كانت المطروحة  فقد كان هناك فريق يؤيد الذهاب الى أوغندا أو الارجنتين الى أن أستقر المقام وجاءت الفرصة ، وتم توظيف الخطاب الديني مع الخطاب السياسي ، وصدر وعد بلفور الشهير عام 1917،  وبعد أخفاقات وخسائركبيرة  نجح المشروع في نهاية الامر، وأستقر الشعب على أرض الميعاد. ولو قدرَ لي أن أسأل السير أرثر جيمس بلفور لاقلت له (لماذا لم تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف على الشعب الآشوري وإقامة وطن قومي لهم ويبذل غاية جهده لتسهيل هذه الغاية). لا نتصور أبداً أن أسرائيل كانت كما  هي الان ، ففي بداية الأمر لم  تكن سوى أرض خالية من كل مظاهر التحضر والتمدن، وحالها حال الدول العربية المُحيطة، ترضخ تحت وطأة الجهل والفقر والاستعمار الذي فرضته الحرب العالمية الاولى ، ومن حارب وسيطر على الأرض كان من عصابات هاشومير ومنظمة الهاجاناه التي لم يتجاوز عدد أفرادها ال 100 في أحسن تقدير، تُحارب ايضاً عصابات عربية وبدوية أكثر عدداً وعدة.  وليس كما هي الأن أي أسرائيل ، جيش نظامي كبير وترسانة  أسلحة هي الاولى في العالم،وخاضت حروب شرسة 67 و73،  وتطور هائل في التكنولوجيا والمعلومات. بمعنى أدق تمخضت دولة أسرائيل من رحمّ العذاب والتعب، فمات هرتزل عام 1904 دون أن يرى ثمرة تعبه ولكنه أسس لمبدأ ظل الشعب اليهودي  يُقاتل من أجله، وهنُا نخرج من موضوع الاشادة والتقدير وندخل الى الهدف المنشود والغاية تبُرر الوسيلة كما هو حال السياسة دائماً . وهناك ايضاً في وسط تلك الصحراء القاحلة حملَ لورانس العرب سيفه وأمتطى جواده وأرتدى العقال والكوفية مع الاسرة الهاشمية والشريف حسين ملك الحجاز الى أن تحققت مطالبهم في عام 1916 وتم طرد العثمانين من الحجاز ، وهذه دولة الاْردن هي ثمرة ذلك التحالف الى حدّ الأن ، وكما في الجزيرة العربية  كان العقيد لورانس يُخطط ويُنفذ وينُسق، كان هناك في جبال هكاري مع الآشوريين الأب والضابط والرحالة الانكليزي المعروف وليم ويكرام المرسل من قبل الحكومة البريطانية.؟
والأكراد هم أيضاً كانت أول دويلة صغيرة لهم في مهاباد شمال غرب أيران  سنة 1946 أعلان عنها القاضي محمد والملا مصطفى البارزاني،  وأن لم تستمر سوى بضعت أشهر ولكن كانت بمثابة تأسيس أولي لدولة الكُرد الى أن حانت الفرصة مرة ثانية فستثمروها مع أختلال موازين القوى،  وصعود القطب الواحد الامريكي بعد أن تم أجهاض المشروع الشيوعي والأممية العالمية بقيادة السوفيت في عام 1990،  فتسنى للأكراد حينئذ أعلان أقليم لهم في كردستان العراق مع بعض الصداقات والتحالفات والمصالح الامريكية والاسرائيلية من نفس العام الأخير.
وحتى في الزمن القريب فهذه جنوب السودان كيف أخذت استقلالها سنة 2011 بعد تضحيات جِسام وقتال مرير،  راح ضحيته الكثير منهم على مذبح الحرية والكرامة  ومن أبرزهم جون كرنك زعيم الحركة الذي أغُتيل عام 2005 ، ولكن لم تُشل حركتهم ولم يتوقف نظالهم وما يصبون أليه وحققوا المطالَب وأخذوا استقلالهم سنة 2011 وأصبح لهم جوبا العاصمة  وعلم في هيئة الامم المتحدة ، ومعترف بهم في جميع دول العالم.
وأخيراً أرجو أن لا يُساء فهمي من خلال هذا المقال المتواضع ،وأقصى غاية  كانت تنبعْ من دوافع أنسانية ونبيلة،  لشعب كان يستحق بصدق وأمانة أن يكون له دولة وكيان سياسي وعلم يرفرف في سماء نيويورك.

175
أدب / الزَنبقْ الأبيض الدَاميّ
« في: 11:43 28/03/2016  »
                          الزنَبقْ الأبيضّ الداميَ
توطئةْ
حين عزمتْ على كتابة أدب القصة القصيرة أرتُ بذلك تخطي السردّ النمطي التقليدي للنصْ المكتوب، وتهميش تلك الحواجز بين الكاتب والقارئ ، وكَسر التابوهات من القوالب الأخلاقية الجاهزة التي حُشر في داخلها العقل البشري والتي كبلتْ يديه في المُضيَ قدُماً ، والخروج من دائرة التكرار والجمود، في نصوص تلاُمس الواقع المُعاشْ في تفاصيله، وشخصيات مُهمشة أجتماعياً نتعايش معها كل يوم وأن كانت تخفي في طياتها ما قيحّ  الجروحّْ من ألالم وأذابت الروح من السَقمُّ ، وتكاثرت عليها المحَنْ والشدائد حتى أوهنتها.
راودتني فكرة كتابة (الزنبق الأبيض الدامي) وهي من جنسْ القصة القصيرة ، والتي نويتُ نشرها على فصلان ، لبطل مُتخيَل من بنات أفكاري ، أقحمته الحياة  رغماً عنه في عالم موغل بألام والبؤس ، مرتبطة بمسارات مختلفة وبتحولات كبيرة ، تُصادف البطل ذاته ، والذي كان يتصور أن العالم عبارة عن يوتوبيا وعالم طوباوي لا وجود للشرّ به ابداً. تتداخل هُنا الصور الممزوجة  بالفرح  والحزن في لوحة تختلط بها المشاعر المتناقضة وتتمحور عبر سيَلّ جارف من الاحداث السريعة في فترة زمنية قصيرة نسبياً. وهُنا كان لابد من الولوج الى تلك الزواية المُظلمة في داخل النفسْ البشرية التي تتوقّ الى من يسبرْ أغوارها ويزيح النقاب عنها وتحريرها من أصفادها، والذي تتطلب الأمر في بعض الحالات الأستعانة  بالخيال الروائي ، وكما قال خورخي لويس بورخيس ( إننا بحاجة إلى الخيال كي نواجه تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء). وأخيراً كان لابد في كتابة هذا السرد القصَصي والحبكة الدرامية من بعض المشاهد الجنسية لإعطاء الأبطال حقهم الكامل ، وأقناع المُتلقي أن الأحداث واقعية.
سوفة نُشاهد في نهاية القصةْ أسئلة خفية بين ثنايا السطور ، تتصارع بهدوء داخل سعد البطل وهو ينظر الى العالم من زاوية أخرى بعد أن أستقر به المقام في دير للرهبان ، لعلة أبرزها يتعلق بذات الأنسان، وجوهره والمعنى الحقيقي من وجوده.

 
                               الفصل الأول

         طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات   
                                                           متى

ليست الحياة خيرة أو شريرة ، بل هي مجرد مكان للخير والشر .
                                           ( ماركوس أوريليوس )

ثلاجة الموتى الباردة داخل مشرحة الطب العدلي ، يسحب الموظف الدرج الألي ويفتح سحاب كيس رمادي اللون فتظهر جثة مُتجمدة عليها علامات طعن بالسكين ، يطلب الشرطي منه أن يتعرف على ملامح المطعون، حين يشُاهد سعد الوجه يقع مغشياً عليه.

ساحة المرجة ، وسط العاصمة  السورية دمشق . ضجيج  السيارات وصُراخ الباعة  المتجولين ، وطرقْ مساحين الأحذية على صناديقهم يعلو في صخب يمتزج مع  وصوت عامل النظافة العجوز يلعن كل من يرمي القمُامة على الارض .. على المقهى المُطل على نصب برج الساحة الذي شَّيدَ عام 1907 على أيام الوالي العثماني حسين ناظم باشا وتصميم الفنان الايطالي بابلو روسيني وفي أعلاه ينتصب مجسم لجامع هو الاصغر في العالم .. جلس سعد يشرب الشاي وهو يفكر في أتصال جاءه من  أخيه الاصغر كرم الذي يعيش في فرنسا منذو أحد عشر عام ، يبُشره خيراً ، حيث أن أجراءات الفيزا قد أخذت مجراها الصحيح ، وقد تنتهى خلال الاسابيع القليلة القادمة ، ويجب على سعد أن يكون قريب من هاتفه النقال، فلا يعرف متى تتصل به السفارة الفرنسية في دمشق. وأضاف كرم لأخيه أنه أرسل له مبلغ من المال لتيسير أمره وتهيئة الأمتعى خلال هذه الفترة .
سعد رجل في بداية الخمسين من العمر، متوسط الطول، ذو وجه دائري ، خفيف الشعر، يملك عينان غائرتان  قليلاً  ،ممتلئ الجسم ، شمس البصرة الحارقة قد جعلت ملامحه سمراء تميل الى السواد في بعض الاحيان ، طيب القلب ، أو هكذا يراه أصحابه على الاقل . بعد دراسة صباحية  ومسائية تخرج من كلية الأدارة والاقتصاد جامعة البصرة . تزوج من ابنة خاله ،  هو كان يحبها ومتعلق به كثيراً ، أمه بذلت جهوداً جبارة في سبيل تحقيق رغبات أبنها ، حيث  كانت الفتاة  تحب بائع الخضار الجوال في الحي ، التي كانت تخرج على إقاع صوته الشجي حين ينادي على بضاعته ، ويفتعل أصوات وألحان خاصة لها .. ولكن تحت ضغط العائلة والاخوة تزوجت سعد بالاكراه. ولكن كان قلبها ورواحها عند زاهر  بائع الخضار . كان الزوج  يُلبي كل طلبات زوجته ويدللها وينفذ كل ما تريده وهو سعيد بذلك. الى أن جاء ذلك اليوم ، وهو عائداً الى البيت مبكراً على غير عدته .. حيث كان يعمل محاسب  في مطعم وسط منطقة العشار، نفذت اسطوانات الغاز، فقرر صاحبه  أن يغلق المطعم ذلك النهار.. قبل أن يتوجه سعد الى البيت  ذهب الى السوق واشترى بعض  الخضَر والفواكه الطازجة حيث كانت زوجته تحب الموز .. وقال في سرهَ عسى أن تكون حامل وهي تتوحم على الموز، هكذا كان يفكر وهو في سيارة الاجرة . حين وصل الى البيت ، فتح سعد الباب ودخل الى المطبخ أستغرب من هدوء المكان ، نادا على زوجته ولكنها لم تسمع ، ترك الاكياس على الطاولة الصغيرة التي في المطبخ واقترب اكثر من غرفة نومهم، حيث كان البيت صغير مكون من غرفتان وصالون مع حمام ومطبخ صغير .. حين ذهب سعد لخطبتها  أول شيئ طلبته  هو أن يأخذ لها مسكن خاص حتى وأن كان أيجار ، المهم أن يكونان  لوحدهم ، هكذا قالت أو كانت تخطط مع عشيقها على المكان الذي يلتقون به . سمع سعد صوت تأوهات تصدر من غرفته فسترق السمع ووضع أذنه على الباب الخشبي فسمع رجل يلهث ويقول بصوت شبق ، هذه المرة سوفة أتيكِ من الدبر أستديري . هُنا جنا جنونه وعلى الفور أدار أكرة الباب، ولم يكن مُغلق فشاهد زوجته مع بائع الخضار في السرير عاريين تماماً ، أهاله المشهد الفضيع وتجمدة الدماء في عروقه  من الصدمة ، وكادت روحه تُغادر المكان.  ما أن شاهد العشيقان  سعد واقف في وسط الغرفة ينظر لهم حتى لفت كواكب نفسها بالشرشف ، في هذه الثواني كان زاهر يفكر في كيفية الخلاص من هذه الورطة بأسرع طريقة ممكنة.... زوجة سعد المخلصة في نظره والتي كان يفكر قبل دقائق انها حامل ، هي الان مع شخص غريب وفي سريره  واصواتهم الشبقية تَملَأ أركان المنزل ، فجأة وبحركة بهلوانية خفيفة  وثبة زاهر من على السرير واخذ ملابسه الداخلية والخارجية وحذائه ليهرب خارجاً ، سعد حين رأه يقفز حاول أن يصده ، ولكن الشاب كان قوي البنية  فدفعه ارضاً بقوة وجرى نحو صالة البيت ارتدى ما يمكن ارتدائه وأكمل الباقي في الممر الواصل من المطبخ الى باب البيت  الخارجي ، حين أصبح خارج السكن سار بشكل عادي  كأنة شيئاً لم يحدث .. حتى النسوة الجالسات عند الابواب لم تنتبه له. في هذه الاثناء كان سعد يحاول النحوض من كبوته ويهجمْ على  زوجته لضربها ، ولكن كانت كالهرة الخائفة حيث قفزت من على السرير وهي عارية ، حاول مسكها ولكن كانت هي اسرع منه .. على الطاولة القربية من السرير كانت هناك زجاجة ويسكي فارغة التي شربها ليلة أمس ، فأخذتها وصوبتها نحوه ، كانت الضربة سديدة فجاءت القنينة على رأسه وهو واقف،  فوقع مغشياً عليه .. أرتدت كواكب ملابسها وأخذت حقيبتها الصغيرة  وخرجت من المنزل مسرعة الخطى  متوجه نحو أهلها في منطقة الطويسة.. في بيت الأهل وبين الاخوة والأب والأم ، أدعت أنها حين عادت من السواق الى المنزل رأت سعد مع أمرأة في غرفة النوم وهم  ويمارسون الجنس ، فصرخت عليه وضربته بالحذاء وبصقت في وجهه وخرجت من البيت .. أخذتها الأم بين أحضانها وهي تبكي ، وقالت أنه رجل سافل أنسان حقير من أول يوم لم أكن موافقة على هذا الزواج ولكن ماذا أفعل لعمتكِ تلك الحرباء .  الأب أرغى وأزَبد وقال سوفة يطلقكِ فوراً .. أراد أحد الاخوة أن يذهب الى بيت سعد ويضربه ولكن منعه الاب وقال وهو واثق من نفسه سوفة نأخذ حقنا في المحاكم.
بعد نصف ساعة أفاق الزوج من غيبوبته ، واضَعَاً يده اليسرى على جبينه محاولاً تذكر ما حصل .. اجال ببصره في أرجاء الغرفة فرأها مبعثرة ، حاول النهوض من بين  بقايا الزجاج المُحطم على ملابسه ، فنفضها وقام جالساً على الكرسي القريب .. أخذ جهاز الموبايل وتصل على هاتف زوجته ولكن كان مغلق ، أتصل على خط أخيها ورد هذا عليه شاتماً ومتوعداً ، أراد سعد أن يقول له أن اخته هي المذنبة ولكن الاخ لم يسمعه، فصرخ عليه بشدة وأغلق الجهاز في وجهه .. في هذه الاثناء كانت الاخبار قد انتشرت بين الأسرتان،  أن الزوجة قد ضبطت الزوج متلبساً بالخيانة في غرفتهم .. حاول هو أن يقول الحقيقة ولكن كانت هي بكيدها ودموعها قد أقنعت أهلها ، بعد تهديد ووعود  بين العائلتين  المتُصاهرة وتحت ضغط أهله لم يجد سعد سوى أن يرضخ لطلبهم فطلق كواكب  بعد مرور شهر على الحادث .. قرر سعد  بعد هذه الصدمة التي سوفة  تكون جرحاً واسعاً في حياته ، أن يسافر الى سوريا ومن هناك وبمساعدة أخوه الاصغر منه كرم يرحل الى فرنسا أو هكذا كان يخطط  لرسم طريقه .. كواكب بعد الطلاق أخذت راحتها مع العشيق فكان يتقابلان كل ما سمحت لهم الظروف عند محل أسكافي يملكه  قريب زاهر بائع الخضار  ، وفي أحيان أخرى كان يراها في   الحدائق العامة اذا أمكن مع قيض البصرة الذي لا يحتمل .. الى أن جاء ذلك اليوم وهو متوجه فجراً الى علوة الخضار الكبيرة كعادته كل فجر للتسوق  ، فمر رتل للقوات البريطانية المتواجدة في مدينة البصرة متوجها الى ثكناتها العسكرية ،عبوة ناسفة مزروعة  في طريق الرتل ، خطأ في التوقيت أخر أنفجارها عليهم، حين مرّ زاهر مع  سائق سيارة البيك أب أنفجرت العبوة عليهم فأصبحوا أشلاء متناثرة في الهواء ولم يبقى شيء ، لا من الجسدان ولا من السيارة.
كواكب بعد حادث عشيقها المروع ، فقدت الرجل الذي يحرث لها أرضها ويرويها ، وهي تعرف تضاريس جسدها الثائر الذي لا يصبر بدون رجال ، فتزوجت من أول  شخص يطرق باب بيتهم .
                                    ***
عاد سعد الى مسكنه في مدينة جرمانا بريف دمشق ، كان مكون من غرفة واحدة في الطابق الأرضي ، مع حمام صغير ومطبخ، يفصلهم عن بقية الغرفة حاجز من خشبي ، كانت العمارة ملك لعائلة درزية تسكن في الطابق الثاني . في ركن المطبخ الصغير يوجد اسطوانة غاز صغيرة  مع كيس سكر وحليب وشاي وبعض الخبز الذي تعفن بسبب تركه هنالك، فهو دائم الأكل خارجاً .. على الرفّ المقابل بعض الكتب التي جلبها معه من العراق ، أخذ ديوان لمحمود درويش سرير الغريبة وفتحه على قصيدة  لم أنتظر أحداً واراد ان يقرأ ولكن لم يستطيع  بسبب بائع الماء الجوال ذو الصوت الحزين  الذي يضع مكبر صوت في مقدمة سيارته.  رمة الكتاب جانباً ووضع أبريق الشاي على رأس أسطوانة الغاز،  ورتمه على السرير وبيده قدح الشاي الاسود  وبدأ يفكر الى أن غلبه النعاس . صحة مع أذان العشاء غسل وجهه ، وارتدى ملابسه وخرج الى سوق المدينة حيث يتكاثر العراقيين ويسرون في افواج ، حتى أن بعض السوريين قالوا أن منطقة جرمانا تحولت الى حي من أحياء  بغداد. لم يجد أحد في عند ساحة السيوف  سوى واحد كان قد تعرف عليه في دائرة الهجرة والجوازات ولكن لم يوطد علاقته به كثيراً ، بعد حديث عابر وعادي عن الايقامة وترحيل العراقيين الذين لا يملكون ورقة الحماية من  الأمم  المتحدة  ومصاعب الهجرة، تركه ومضى.  في طريق العودة أشترى زجاجة ويسكي من النوع الرخيص وبعض المقبلات وعاد الى غرفته .. أدار التلفزيون على قناة  الافلام وبدأ يشرب بهدوء ويفكر في حياته و المستقبل المنتظر في فرنسا  ، حين داهمته هذه الفكرة أنتعش وصب المزيد الويسكي ، الى أن نام على المقعد والكأس بيده . جفل على رنة هاتفه النقال فقد دقّ أكثر من مرة وحين أرد المتُصل ان يغلق الخط  فتحه سعد فقد كانت السفارة الفرنسية في دمشق تبلغه أن لديه  مقابلة بعد يومين في الساعة العاشرة صباحاً .. سُرَ جداً بهذا الاتصال الصباحي ،  فسوفة يصل الى بلاد النور والشعراء والملابس الراقية والعطور أخيراً،  أنها باريس هكذا كان يحدث نفسه . اتصل فوراً  بأخيه وأبلغه عن  أتصال السفارة.. طلب كرم منه أن لا يخاف ولايتردد في الاجابة على الأسئلة وسوفة تسير الامور على ما يرام.
بعد يومين قضاهم سعد وهو قلق من المقابلة ،  ذهب الى مقر السفارة قبل الموعد بثلاث ساعات يحمل كل أوراقه الثبوتية . عندما دخل الى المبنى أستقبله موظف سوري شاب، أخذ الجواز الاوراق التي معه، وأعطاه ورقة صغيرة خضراء به رقم ، وقال له رجاءاً أجلس في صالة الانتظار لحين موعدك  ، كان في الصالة عائلة كردية من العراق ، وفتاة لبنانية  لوحده،  ورجل فرنسي يبدو أنه أضاع  جوازه ، بعد أقل من ساعة  نادوا على الرقم الذي يحمله فذهب الى شباك صغير تجلس خلفه سيدة في الستين من العمر،  فرنسية  تتكلم  بعض العربية. كانت كل أوراق سعد موضوعة  قربها تنظر لهم  ثم  تنظر الى شاشة الكنبيوتر، وتسأل سعد عن هروبه من العراق ، ومن تهديد المليشيات المسلحة له وقتل زوجته وغتصاب ابنته . ذهل هو من هذه المعلومات الخاطئة التي لم تحدث ، ولكن كان يهز رأسه موافقاً على كل ما تقول الموظفة  خلف هذا الشباك وأستغرب أكثر كيف صدقته بكل هذه البساطة ، بعد  مقابلة  دامت أقل من عشرين دقيقة قالت له الموظفة سوفة نستكمل الاجراءات ونعاود الاتصال بك لتأخذ الفيزا. عاد الى بيته وهو مغتبط  سعيد ، فقد أحس أن كل الامور تسير في الأتجاه الصحيح. عند دوار الريس حيث انزله الميكرو باص رأى صاحب البيته الدرزي الطاعن في السن ، سأله خير أراك اليوم سعيد انشاء الله خير، فقال له سعد فرحاً ، لقد كنت في السفارة الفرنسية أكُمل أوراق السفري ، نظرة له الشخص نظرة غريبة ذات مغزى  ومضى دون أن يقول شيء .. لم يعرف سعد ما معنى هذه النظرة ، وأن ظل يستحضرها في مخيلته بين فترة وأخرى.
جاءت التأشيرة مختومة على الجواز العراقي بعد أسبوعين ، ونافذة  لمدة ستة أشهر ، ظل سعد يتوجس من مشكلة أقلقته  ، فهو خائف جداً من ركوب الطائرة. على الفور أتصل بكرم وأخبره عن الموافقة ، وأفصح مخاوفه من الجوّ ، ضحك الأخ الاصغر كثيراً على الأخ الاكبر وقال له هون عليك أنها أربع ساعات فقط  وتكون في باريس ، وأضاف لقد أرسلت لكَ ألفين يورو، أستلمهم انت بالدولار الامريكي وذهب مباشرة وقطع تذكرة سفر لرحلة واحدة ..  شكر سعد أخوه على كل  هذه المواقف النبيلة ، والذي بدونه لكان الأن ضائع في هذه المساحة من الحياة القاسية.
مطار دمشق الدولي ، السادسة والنصف مساءاً ، . يصعد سعد على متن الطائرة وهو يرتجف من الخوف ، حين جلس على المقعد المخصص له أصابه صداع  شديد ، طلب من المضيفة  الجميلة  أن تناوله حبة مسكن لآلام الرأس،  في أقل من دقيقة كانت حبتان أسبرين على طبق أبيض صغير وكأس ماء وصوت لطيف يقول له ، يبدو عليك أن هذه أول مرة تركب به طائرة .. لم يجب سعد فقد كان ينظر اليها ساهماً من انوثتها الطاغية وصدرها الناهد وعطرها الفواح ، شعرت بحرجه ، أبتسمت  وقالت أن كل شي على ما يرام لا تخف ، فخلال فترة قصيرة سوفة نكون في باريس . تمنى أن تظل قربه ، يحدثها في أمر ما ، لا يعرف لماذا شعر معها بالأمان.. تناول الحبتان دفعة واحدة وشد الوثاق ونظر الى جناح الطائرة من النافذة  وأستغرق في التفكير ، بعد دقائق كان الطائر العملاق يحلق في الجو عالياً.
باريس الساعة العاشرة والربع ليلاً ، مطار شارل ديغول ، سار سعد وراء الركاب في أروقة  المطار المُترامية ،  وهو ينظر في كل الاتجاهات الى أن وصل الى شباك الجوازات ، بعد أجراءات روتينية عادية خرج الى صالة الانتظار حيث كان كرم ينتظره . حين تقابلا الاخوين ركض الواحد نحو الأخر وتعانقا بحررة وسالت الدموع من المقُل ، سار الاثنان معاً الى الى محل تنزيل الحقائب، حمل كرم حقائب أخيه وخرجا ، ستقلا القطار السريع من باريس الى مرسيليا حيث كان يسكن هناك .. لم يشعرا بالطريق ولا حركة الميلان الشديدة ، فقد قضيا الوقت في الحديث عن السفر والأجراءات وأحوال العراقيين في سوريا، الى أن وصلَ القطار الى المحطة الاخيرة في المدينة الكبيرة .. كانت سيارة كرم الرينو الحديثة متوقفة هناك ، توجها مباشرةً الى الشقة. كانت الساعات الفجر الاولى تلوح في الأفق.
شقة جديدة في حي راقي ، أثاثها جميل ، ينمْ عن ذوق من هم حديثي النعمةَ ، عبارة عن غرفتين ومطبخ واسع، وصالون للجلوس كبير يطل من الجانب الشمالي على حديقة البلدية ، وحمام على الطراز الايطالي،  أشتراها كرم  قبل سنتين بمبلغ كبير. وضعا الحقائب  في الغرفة المخصُصة لسعد، وقال له كرم هذه غرفتك الخاصة ،أدخل الأن وأستحم، الى أن أجهز أنا الفطور، نظر سعد الى عين أخيه واراد أن يقول  شيء ولكن الكلمات لم تسعفه فقد عَبَرِتْ عيناه تحكي عما يجيشْ في خاطره من مشاعر أتجاه كرم . دخل سعد وستحم كأنه لم يستحم من سنوات عديدة ، أو كأنه يريد أن يغسل ذلك الماضي الاليم  ويُطهر جروحه بالماء الحار ، ويبدأ بعثه وميلاده الجديد ..  ومن شدة  فرحه أخذ يغني بصوت عالي  وهو في الحمام حتى وصل صوت غنائه  الى مسامع كرم في  المطبح  فبتسم الأخير في سره .. حين خرج الى الصالة وهو في روبْ الحمام الأبيض ، كانت المائدة عامرة بكل أصناف الأكل اللذيذ ، من زبدة فرنسية، وجبنة إيطالية، وعسل وبيض وشرائح لحم محشو فستق ، ونقانق ، وخبز حار طري .. جلس الأخوين يتناولان الطعام  ويتحدثان في أمور عامة.. بعد الانتهاء من وجبة الفطور  ساعد سعد أخوه في جمع الاطباق ووضع ما تبقى منه  في البراد ، بعد ذلك أعد كرم القهوة وشربها معاً في الشرفة المُطلة على الحديقة.  أصبحت الساعة تقريبا الحادية عشر صباحاً، قال كرم  لسعد، يجب عليَ الذهاب الى العمل الان ، انتَ خذ قسطاً من الراحة الى أن أعود ،  لن أتأخر كثيراً ، فقال سعد أنا اسف حقاً لقد أتعبتك معي  .. أبتسم له الأخ علامة العتاب ، وقال لا عليك ، يجب أن نكون معاً من الان فصاعداً لقد أضعنا الكثير من العَمر، وخرج.
 دخل  سعد الى غرفته ، وغطا  في نوم عميق  وشعور لذيذ ينتابه ، تأخذه الأحلام  الدافئة الى  عوالم  جميلة  يشعر معها  أنه  في الفردوس. على صوت كرم  صحى سعد من النوم ، وهو يناديه عند المساء .. كان الأخ قد جلب معه بعضاً من زجاجات البيرة وعشاءاً .. وقال له سوفة أخذ حمام سريع وبعد ذلك نعد المائدة معاً  لكي نسهر هذه الليلة .. قبل الساعة  العاشرة  كان كل شيء جاهز ، جلس الاخوان يتسامران على صوت الاقداح ، وبعد أن دارة الخمرة  دورانها في الرؤوس، أصبح سعد  يحكى حكايته الاليمة، وخيانة زوجته ، وكيف لم يصدقه أحد ، وصدقوها هي، والضروف الصعبة التي مر بها، والعار الذي تحمله ، ونظرة الاحتقار التي كانت في أعين الناس أتجاهه، حتى فكر في الانتحار أكثر من مرة ، ولولا مساعدة  كرم في الوقت المناسب ومد يد العون  له  لكان ألان في داخل قبر بارد  .. بعد أن أستمع كرم له بكل حواسه ، وإيقن مدى عمق جراحه النفسية ، والمعاناة  التي تكبدها نظر له محدقاً فيه بقوة ، وقال لا عليك، يجب أن تنسى كل الماضي وتبدأ من جديد .. وأمسكه من معصمه ألايسر وأضاف، أسمعني يا سعد يجب أن تولد من جديد، يجب أن تُبعث من الرماد مثل طائر الفينيق وتترك كل هذه الذكريات ورائكَ ، هنُا الحياة عسيرة  وتتطلب عزيمة وأرادة لكي تبقى، المعيشة ليست بهذه السهولة كما تتوقع ، أنا سوفة أفتح لكَ أبواب المال والعلاقات، يجب أن تكون ذئب ، أتسمع يجب أن تكون ذئب ، الضعيف هنا لا يعيش، نحن في غابة، والبقاء يكون فيها للقوي. لم يفهم سعد ماذا كان يجول في خاطر كرم في هذه الساعة أو الرسالة التي كان يريد إيصالها له لتداخل المشاعر وتقليب المواجع وتكريك الساكن.. لكن سوفة يكتشف بعد ذلك كل ما دار من كلام  مُبهم وخطير في هذه الأمسية. هزّ سعد رأسه والدموع تُرقرق في مقلتيه.
                                    ***
في  صباح اليوم التالي  خرجا الاثنين معاً ، وأكملا كل أوراق الاقامة الضرورية .. بعد ذلك فتح كرم حساب لسعد في البنك ، وأشترى له شريحة مع جهاز موبايل ، وعند الظهر تناولا وجبة الغداء عند مطعم إسباني في وسط البلد.
بعد هذا المشوار عادا الى الشقة ، وقال كرم نأخذ قسطاً من الراحة  وبعد ذلك نخرج  ونسهر  في أحد البارات ، في البداية لم يوافق  سعد على الخروج ، لأنه لا يحب هذه ألاماكن ، ولكن مع أصرار كرم ، خضع  لرغبته  .. قبل الخروج من البيت وعند الباب أستدار كرم وقال لسعد وقد تغيرت ملامحه بعض الشيء ، في البار لا تناديني كرم أسمي بين أصدقائي هو أدريان ، أستغرب سعد من هذا الطلب ، ولكن لم يعطي للأمر أهمية تُذكر. وكانت تلك أو أشارة يلتقطها عقله الباطن ويخزنها في الذاكرة التي سوفة تسُتحضر لاحقاً.
دخلا بار كبير يعج بالجاليات الأجنبية من مختلف المشارب  ، مغاربة ، أتراك ، أرمن ،إيطاليين، عراقيين . جلسا على طاولة في وسط البار، وطلب كرم  زجاجة ويسكي ، في هذه الأثناء جاء نحوهم  شاب ملامحه عربية ، طويل القامة أسمر الوجه ، بالكاد يبان وجهه من ظلمة المكان، فقط عيناه تلمعان بحمرار من شدة الشُربْ ، تتأبط ذراعه  فتاة متوسطة الطول ، بيضاء البشرة نحيفة الوجه ، من تلك الدولة الاسكندنافية ، مدّ المغربي يده بتجاه كرم وقال له بالفرنسية ، أين أنت يا أدريان ، لم نراكَ من وقت طويل يارجل ، أجاب كرم بَتجَهُم واضح ، كنت مشغول مع أخي ، لقد وصل فرنسا منذ يومين ، وأشار على سعد، سلم على سعد وقال بعربية ركيكة ، أسمي عمر برتاس ، وهذه صديقتي أليتا ، نهظ سعد وسلم على الاثنين متمتماً بكلمات غير مفهومة وجلس .. تحدث عمر مع كرم على أنفراد وبعد ذلك رحل هو وصديقته .
جلس سعد ينظر الى الحضور ساهماً، الكل مشغول ، ذلك مع  صديقته ، والأخر مع رفيقه، يحتسون المشروبات ويضحكون، مطلقين قهقهات عالية. في هذه الدوامة المتلاطمة من المشاهد الغربية على عالم سعد أقبلت فتاة على طاولتهم وألتفت حول كرم وطوقته بذراعيها وطبعت قبلة على خده الأيسر بقوة  .. أستغرب سعد من هذه الجراءة التي أعتبرها وقاحة ، لكن كرم عالج الموقف سريعاً حين شاهد أستهجان أخوه وقال هذه صديقتي لاتيسيا ديفوس ، مدت الفتاة  يده مبتسمة تصافحه ، نظر اليها سعد منُبهراً بجمالها الأخاذ .. كانت في عمر  السادسة والعشرين تقريباً، متوسطة الطوال ، لون بشرتها يميل الى السمار الخفيف، ذات شعر أسود قصير، وعيون بنية كبيرة توحي بالثقة اذا ما ركزت فيهم . سحبت كرسي وجلست بجوار كرم يتهامساً . مع توالي الكؤوس والدخول في القسم الثاني من الليل أصبحت لاتيسيا أكثر تحرراً ، وأصبحا يقبلان بعضاً بحرارة أمام الناس، حاول سعد أن يتحاشاهم ويغض الطرف عنهم ، ولكن الأن أصبح العناق والقبل الحارة في كل زاوية من البار ، الى أن قال لأخيه بعصبية ،لقد تأخر الوقت يجب أن نعود الى البيت ، نهض كرم مع الفتاة ودفع الحساب وخرج الثلاثة معاً .. مسافة الطريق بين البار و الشقة كان كرم يغني على إيقاع أغنية من مسجل السيارة وبصوت عالي ولاتيسيا كانت تصفق وتصرخ فرحاً ، وسعد جالساً في المقعد الخلفي يبتسم لهم دون أن يعليق فقد عرف أن أخاه  ثمل جداً. في الشقة أدخل كرم الفتاة الى غرفته واستأذن أخوه غامزاً له وأغلق الباب .. ذهب سعد الى غرفته وبدل ملابسه فاتحاً الباب قليلاً ، وأخرج من حقيبة السفر رواية الباب الضيق لأندريه جيد التي شتراها من دمشق،  وتمدد على  السرير يقرأ . في الغرفة الثانية كانت لاتيسيا قد نزعت ملابسها وأصبحت فقط بالسروال الداخلي الأحمر ذو النقاط السوداء مع حمالة  الصدر السوداء ذات الحواف الذهبية ، واقفة عند المرآة تتعطر وتُعدل تسريحة الشعر، وتتمايل بغنج ودلال مثيرة بذلك الخلاية الجنسية الساكنة ، حين شاهد كرم الجسد الغَضّ الأملس وشم رائحة العطر النسائي الفواح،  وألوان ملابسها الداخلية، سال لعُابه وستيقظ في داخله الثور الهائج ، فسحبها  الى السرير بقوة ، ممزقاً سروالها بعنف، حاولت هي خلع حمالة الصدر ولكن كان هو أسرع منها  فاخرج قضيبه الذي كان منتصباً تلك اللحظة وأولجه فيها مطلقة  صرخة مدوية وصل صداها الى غرفة سعد ، مع أنها لم تكن عذراء وليست المرة الاولى التي يمارسان الجنس فيها . بعد أن نام الذئب في داخله ، صارحته مازحة أنها وضعت له مسحوق حبة الفياجرا في كأس الويسكي دون أن يعرف حين كانا في البار معاً ، لم يعلق على  شيء من شدة الجهد والنشوة. بعد ذلك هدأ وغطَاَ  في نوم عميق .
صباح اليوم التالي أستيقض سعد باكراً، وبعد أن غسل وجهه ، ذهب الى الصالون وفتح التلفزيون وأخذ يقلب فيه وأبقاه على قناة مغربية تعرض أغاني قديمة .. صحت لاتيسيا قبل كرم  متعُبة وخرجت من الغرفة مرتدية الروب الشاموار الشفاف ذاهبة الى المطبخ ، حين شاهدت سعد جالساً في الصالون سلمت عليه بالفرنسية ، ولكن هو لم يعرف كيف يرد فهز رأسه مفتعلاً ابتسامة باردة .. في المطبخ أشغلت جهاز القهوة الكهربائي ووضعت الماء والحليب فيه ، صنعت لها كوب كابتشينو كبير. من المطبخ سألته مؤشرة على الكوب بأصبعها هل يشرب معها القهوة ، فرفض بجفاء ، هُنا أحست أن سعد صدها مرتين خلال دقيقة واحدة  .. فأنتابها  شعور خفي لا تعرف مصدره، أن الوضع في البيت غير مريح في وجود هذا الرجل .
جلس كرم وهو يتثاءب بتثاقل على الفراش ، ولاتيسيا جالسة على حافة السرير بيدها كوب الكابتشينو ، أخذ الكوب منها وشرب منه رشفى ، بعد ذلك نهض ودخل الحمام ، ارتدت هي  ملابسها وحملت بقايا السروال الممزق المتناثر على الارض ورتبت السرير والشراشف. خرجا معاً حيث لم يبارح سعد مكانه ، سلم كرم عليه وجلسا معاً دون حديث يشاهدان نشرة الأخبار.. في أقل من نصف ساعة كانت المائدة جاهزة للفطور ، الذي أصبح بعد تلك الساعة غداء .. على الطاولة  قال كرم مخاطباً أخوه اليوم هو عُطلة ، سوفة نخرج في جولة الى المدينة ونذهب الى الحديقة  الكبيرة بعد ذلك الى الميناء ، يجب أن ترى معالم مرسيليا الجميلة، وأضاف بالفرنسية ناظراً بتجاه لاتيسيا  أليسا  كذلك، فحدقته بعينين فيها ريبّ وعدم أقتناع ، أرادا سعد أن يقول لندع النزهة الى يوم  ثاني، ولكن لم يفعل، فقد لاحظ أن أخاه كان مسرور به جداً ولم يرغب بأفساد هذه الفرحة.                                                         
                              ***

176
الاتحاد الأوربي الى أين  يمضى
أمتلأ  قلبي أسى على أحداث  كولونيا في ألمانيا يوم  31 ديسمبر 2015 حيث حصل أعتاد على نساء وفتيات بريئات كُن يتظاهرن من أجل حقوق المرأة ، في تلك الأحداث التي شهدت تجمع نحو  ألف شخص  كان بينهم  عرب ، ومن شمال أفريقيا والشرق الأوسط  تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما في الميدان الواسع بين كاتدرائية كولونيا ومحطة القطارات المركزية، والتي أرتكب بها لاجؤون  أوباش سكارى من بينهم سوريين وعراقيين  117 حالة تحرش جنسية، بينها حالتا أغتصاب مُتعمد. والآن وبعد احداث بروكسل الاخيرة ازداد يقيناً من أن   الاتحاد الأوروبي غير أمن بالمرة ، بعد هذا الهجوم  الشرس والمُباغت ، الذي خلف غصة ألم في صدور النَّاس. وهنُا يجب أن نعرف أن لرمزية المكان  الذي حاول الارهابين الاعتداء عليه،  وهو بناية  الاتحاد الأوربي أي قلب أوروبا النابض  وهو ذات مغزى ورسالة واضحة أراد الإرهابيين إصالها الى كل العالم مفادها نحن موجودون هُنا بقوّة ، ونفعل ما يحلو لنا.  لقد أثبتت الهجمات الاخيرة أن الأجهزة الأمنية في العواصم الكبيرة والمُهمة مثل باريس وبروكسل ولندن وبرلين ، غير كفؤه بالقدر الكافي وغير مسؤولة  عّن أمن وحماية مواطنيها بما هو مطلوب ، وقليلة الخبرة  في التعامل مع الأزمات والهجمات. فتركيا تقول أنها أعتقلت أبراهيم البكراوي منفذ الهجوم  سنة 2015 في غازي عنتاب ورحلته الى بلجيكا ، ولكن تذر على السلطات هناك أثبات أنه أرهابي فأطلقت سراحه فوراً. أن أحداث جريدة  شارلي إبدو  الذي وقع باقتحام ملثمين أثنين الى مقر الصحيفة الساخرة  في باريس يوم 7 يناير 2015 بحدود الساعة 11 صباحًا. ومقتل 12 شخصاً وإصابة 11 ، شخصان فقط أوقعا كل هذا الضرر. ما هو ألا تأكيد ذلك. وبعد جاءت تلك الاحداث في  باريس المروعة والدامية  في (نوفمبر 2015) وهي سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن حدثت في مساء يوم 13 نوفمبر 2015 تحديداً في الدائرة العاشرة والحادي عشر  أدت الى مقتل 130 شخص وعشرات الجرحى. سلسلة طويلة من الاعتداءات والقتل العلني ، وفي وضح النهار، وأمام أنظار الناس. حسناً إين هو دور الاستخبارات والأمن والشرطة وال Ml 6 Ml 5 و المكتب الثاني الفرنسي ، وسكوتلاند يارد، هل يُعقل أن تعجز هذه الأجهزة عن أكتشاف كل هذه المخطُطات  الإرهابية الكبيرة التي هزت العواصم العالمية  خلال 6 أشهر ، وقتلت وأدخلت الرعب والخوف في قلوب المواطنين الأبرياء. نحن هُنا نتحدث عن دول متُقدمة  ومتُطورة  تملك أحدث الإمكانيات في شتى المجالات ، وخاصة المعلوماتية والتجسس وجمع الاخبار والاقمار الصناعية الى حدْ كبير، وليست دول مثل أفغنستان أو الصومال أو العراق. التي لا يمكن  لَكَ أن تُميز الارهابيين من أفراد الحكومة. الاجدر أن تكون الأجهزة الأمنية في أوروبا أكثر صرامة وأكثر تكتيك وأكثر براعة وأكثر كفاءة ، مع هكذا أمكانيات مادية وتقنية في ظل ضروف تهدد أمن وسلامة الإتحاد ككل وليس بلد واحد فَقَط. وأصدق أنتقاد صدر هو من  وزير الداخلية الالماني توماس دي ميزيير في عدم تحرك شرطة كولونيا في الوقت المناسب. لمحطة التلفزيون ” ار دي” حين قال  “الشرطة لا يمكن ان تعمل بهذه الطريقة السيئة”.
أن لم تعدل دولة الاتحاد الأوروبي في سياستها بمجال مكافحة الاٍرهاب ، والأجهزة الأمنية والجهد الاستخباراتي ، فسوف تكون هناك هجمات أكبر وأدق من بروكسل وباريس  وكولونيا،  وحينها سوفة  تكون العواقب  وخيمة جداً.

177
البطريركية والمليشيات المسيحية
مرة  تلو الآخرى يصدر بيان من البطريركية الكلدانية من مقرها في المنصور  ببغداد، ينفي ويشِجب ويقطع كل علاقة بين المسيحين الكلدان والمليشيات المسيحية  المسُلحة ، والتي ظهرت في الآونة الاخيرة على غرِار كتائب  بابليون والشيخ ( ريان الكلداني ) الذي نزل من الفضاء فجأةً  دون آي مقدمات، والمدعو سلام حبا الذي يظهر في الفيس بوك يحمل كتابين ولا نعرف لماذا وما هو السبب.  واكيد هنالك غيرهم خلف الكواليس ومن المواليين لهم ذويَّ المصالح الضيقة. من المؤكد أن يدْ الحكومة السوداء في زمنّ دولة المالكي  هي وراء تأسيس وإبراز وتمويل هذه القوات الضعيفة بقليل من المال والسلاح وبعض الساذجيين من الشباب المُغرر بِهِم ، من مُنطلقات وأفكار تُداعب خيالهم الغضّ، مع دور إيراني بارز ومهم. هذه القوات الواهية ان جاز لنا التعبير هي صناعة الأحزاب الكبيرة ، الغرض منها خلق توازن وهمّي بين الأطراف المُتصارعة وأذرع أخطبوطية يكون المُسيطر عليها أشخاص منُتنفذون من داخل الحكومة العراقية وشبكات مفيوية  تديرها التيارات الاسلامية الكبيرة، والمشاركة في الحرب الدائرة رحاها الان في وسط وشمال العراق وأن كان بالإسم فقط دون آي مشروع أو خارطة طريق تُحدد الأهداف والغايات الآنية والمستقبلية، والدليل على ذلك هو الفضائح والسرقات والابتزاز والاستيلاء بالقوة  على أملاك المسيحين ، التي طفتْ على السطح  في الفترة الأخيرة ، وأن كانت تحت أسم ولواء الكلدان. قلنا ونقول أن الشعب المسيحي في العراق ، ليست  له تجربة سابقة أو خبرة  أو نضال في مجال التعبئة العسكرية أو المليشيات المسلحة أو حرب العصابات ، كيما يستفيد من هذه الخبرات الان وفي هذا الوقت الحرج بالذّات. كل شيء كان محصورٍ في يد الدولة قبل 2003 آي قبل السقوط ، المؤسّسات الحكومية والخدمية ، الجيش ، الشرطة ، الأمن ، الدوائر الشبه حكومية، البنوك ، والشعب أيضاً ، محصورين جميعهم في بوتقة واحدة  لِصهر كل هذا، هو حزب البعث العربي ، المُسيطر الفعلى على كل مفاصل ومَنَاحِي الحياة، ولم  يُوجد  مُتنفس لإي حزب أو حركة أو تيار سياسية أو أجتماعي في أبسط الأحوال أن يعمل على أرض الواقع  خارج رقابة الدولة ، والعقوبات على المخالفين  وخيمة تصل حدْ التصفيات الجسدية  والإعدام. وهذا الوضع الشاذ  دامَ  طويلاً  أكثر  من 35 سنة من التفُرد والاستبداد، أفشلْ وأطفأ وأخمدْ كل من يعمل ضد مبادئ الحزب والثورة ، حتى التجمعات الشبابية  والندوات اللاهوتية والخورنات الكَنسِيةْ والفعاليات،  كانت تحت علم ودراية الأمن العام  ، وأن كانت أخف قليلاً نوعاً ما ، لا بل أندمج  وأنخرط  كثير من المسيحين  في صفوف البعث لعلمانيته قبل تغير مساره  وتكسير مجاديفه ، ووصلوا الى الصفوف الأولى في الترتيب،  الى عضوية  قيادة فرع وهو بالنسبة الى هيكلية  الحزب يعتبر من المناصب الرفيعة. وهكذا على مدار هذه  السنوات المريرة  لم يبقى اي جذوة  للنظال تُذكر مع اي تيّار أو حركة أو حزب أخر، كُلها أطفأتها رياح البعث العاتية.  بعكس لبنان  حيث من بزوغ  فجر الدولة سنة 1926  كانت هنالك أحزاب وحركات وتيارات مسيحية  مارونية وغيرها ، ومَن الأشرارة الاولى كانت هنالك مليشيات وعصابات ومافيات مسلحة تعمل على الارض ، وقبل بداية الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 - 1990، كانت هناك أرضية خصبة للصراع ، وهذا ليس له علاقة  بالعدد، فالمسيحيون يوم  ذلك كانوا أكثر عدداً في العراق ، وخاصة في الموصل  وكركوك. تأسس في لبنان حزب الكتائب كحركة قومية شبابية سنة 1936على يد بيار الجميّل. ومليشيا القوات اللبنانية، الجناح العسكري للحركة .  وحزب الوطنيين الأحرار، حزب يميني لبناني أسسه الرئيس الأسبق كميل شمعون سنة 1958. والذراع العسكري له،  مليشيا نمور الأحرار التي أسسها داني شمعون سنة 1968. وحراس الأرز ، والتنظيم ( لبنان ) التي تأسست أواخر الستينيات على يد فؤاد الشمالي وجورج عدوان ، والكثير من الأحزاب اليمنية واليسارية وظهرت أسماء لعُتاة القادة أمثال أيلي حبيقة الذي أغتيل في بيروت سنة 2002 قبل الذهاب الى محكمة العدل الدولية،  وسمير جعجع المحكوم بالإعدام وأفرج عنه في ظل تسويات سعودية  لبنانية. الكل يقتِل وينقَتلَ في  حرب ضروس دامت 15 سنة قضت على بلاد جميلة خضراء  كانت تُدعى سابقاً باريس الشرق.  وحتى تجربة  النضال الفلسطينية الطويلة والمريرة ،  كان هناك دور كبير ورياديّ ورئيسى  من أول الطريق ، لأسماء عربية أرثوذكسية لامعة،  الدكتور نايف حواتمة  وديع حداد ، الدكتورة حنان عشراوي ، و الحكيم  جورج حبش الذي يعُتبر مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأحد أبرز الشخصيات الوطنية الفلسطينية ، وواحد من  أهم المنُاضلين العرب  من المسيحين وحين مات في عمان سنة 2008 كانت هناك مراسيم دفنْ وجناز كبيرين يليق بشخصه،  حَضرها  لفيف من الأساقفة والكهنة من جميع الطوائف ، لأنه صاحب  قضية ومبدأ أمن بها  ومات من أجلها. وجلهم خريجى جامعات عالمية وحاملي شهادات عليا.
نقول أن تجربة المليشيات المسيحية العراقية محكومةً عليها بالفشل من البداية ، لأنه ينقصها الرجال الأحرار والمبادئ العقائدية والشعور الوطني والتضحية والخبرة  والعزيمة والارادة الحرة ،  يخنُقها دخان الفساد الأسود وأشواك المصالح  الشخصية، جذورها غير مغروسة في الارض ، هي فُقاعة صابون لا أكثر،  ومجموعة  مُرتزقة، ريان وغيره ، همُهم الوحيد  هو النهش من هذا الجسد المُممزق ، واقتسام بقاية الكعكة. والبطريركية لها كل الحقْ في أستنكار  وشَجبْ هذه الممارسات والتصرفات الشاذة التي تسيء للبقية الباقية.  والصحيح هو أن تندمج هذه العناصر أن وجدت أصلاً  وقوات سهل  نينوى ، والحراسات ، التي تعتزم أن تلتحق بقيادة عمليات تحرير الموصل،  تحت راية الدولة ، وذلك هو أضعف الإيمان ، لأن غير ذلك مضيعة للوقت وتفتيت للجهود وغير مجُدية  من الأساس لا من الناحية العملية ولا من الناحية الاستراتيجية العسكرية  التعبوية،  وهي أضعف من أن  تبصر النور ويكون لها  شأن تذكره الأجيال اللاحقة بفخر وأعتزاز.

178
المنبر الحر / أوامر الصدر
« في: 05:23 11/03/2016  »
أوامر الصدر 
يأمر المرجع الشيعي مقتدى الصدر أتباعه باقتحام  بوابات المنطقة الخضراء في بغداد ، فيذهب وينصاع للأمر حوالي ٢٠٠ الف مواطن من مدينة الصدر وغيرها، تضطرب السفارات والقنصليات والممثليات الدبلوماسية من هذا الهجوم المبُاغت فيأمرون رعايهم توخي الحذز ، ترتعد السفارتان الامريكية والبريطانية من التجمع الشعبي الكبير ، وتعود الى الاذهان صورة مقتل  القنصل الامريكي العام في بنغازي  ليبيا كريستوفر ستيفز في أيلول عام ٢٠١٢ وسحَل كادر العامل بها ، فترتعد فرائصهم من الخوف ، وتظل  الطائرات العاموديّة في حالة الاستنفار القصوى  لأجلاء السلك الدبلوماسي الرفيع في حالة الطوارئ. لأنا حادثة الرهائن الأمريكيين  عالقة في الاذهان في السفارة الامريكية في طهران سنة ١٩٧٩ والتي دامت ٤٤٤ يوم. فيصدر  أمر من الزعيم مقتدى الصدر يطمئن فيه الهيئات والبعثات والقنصليات والسفارات في المنطقة الخضراء، مستثني منهم السفارتين  الامريكية والبريطانية والّتي دعاهم في خطابه الدول المحتلة.
حسناً لو نظرة على هذا المشهد الغريب عن قربْ لوجدنا أنه ضربة موجعة في صميم الدولة العراقية ، ومؤسساتها العسكرية والأمنية وأجهزتها كافة . فمن هو مقتدى الصدر لكي يعطي ويُصدر الأوامر بالهجوم أو الرجوع ، أو التحشد والانسحاب، صحيح انه  مرجع شيعي وديني ، ولكن عمله يقتصر في أمر الدين فقط وليس في السياسة والجيش والعسكر ، وهنُا يبرز السؤال الخطير والأهم ، كيف تجمع كل هذا العدد من الناس ونفذوا هذه الأوامر بكل تلقائية وسذاجة تقودهم غريزة القطيع ، ولنفرض أن الصدر أمر أتباعه   باختراق البوابات والدخول عنوة الى المكان المحروس بشدة ، ماذا سوفة تكون النتائج حينها ، أكيد مجزرة مروعة بين كل الأطراف يذهب ضحيتها الناس المسُيرين البُسطاء. ما هكذا تكون الإصلاحات ومحاربة الفساد،  وليست بهذه الطريقة العشوائية الفوضوية يبُنى الوطن. قبل كلّ شيء وأهم شيء هو الوعي العام للشعوب والعقلية المتفتحة للعلم والثقافة والاصلاح والتطور ، وبعد ذلك تأتي خطة مرسومة  ومدروسة،  ومشروع بناء متُكامل  يتكىء على أسُس متينة وعصرية مع  وزعماء لهم الحكمة والخبرة والرؤيا الصادقة  بعد ذلك تحصل الإصلاحات وتنجح. 
أحدى أهم  علامات القوة  في آي دولة في العالم هو أتخاذ قرار السلم  والحرب ، أن لم  يكن القرار والربط والحل في يد الحكومة ورجالاتها فعلم أن تلك الدولة فاشلة ومنهارة وآيلة للسقوط في أي وقت. والعراق  مثال  واضح  لذلك،  فالمرجعيات والمليشيات  والعصابات المسلحة وأفراد الجريمة المنظمة من الحكومة نفسها  ، هي من تُدير البلاد الأن وتوجه العباد،  ودورّ الحكومة والبرلمان هو شكلي فقط ، لا مؤسسات حكومية ولا قوانين دستورية تعمل بشكل صحيح وحيادي. فُقدت جادة  الصواب وضاعت بوصلة التوجيه فبات الكل يحكم بأسم الدين ويقتل أيضاً بإسمه، والنَّاس تُهلهلَ وتُصفق دوماً دون أن تفقه شيء مما يدور حولها.

179
المنبر الحر / حكومات كرتونية
« في: 03:46 05/03/2016  »
حكومات  كرتونية 
في تجوالي الدؤوب في أزقة وحارات وشوارع القاهرة الكثيرة والكبيرة والطويلة ، لم أشاهد أو ألاحظ اعلان أو لوحة أو يافطة مكتوب عليها هذا مقر الحزب الفُلاني ، أو هذا مبنى التنظيم العلاني، أو شعار بخط كبير أحمر يقول هنا مقر الحزب الحاكم ، لم أشاهد شيء من هذا القبيل ، وهذا لايعني ان القاهرة  تخلو تماماً  من التنظيمات والأحزاب والحركات السياسية ولكن قصدي هو أنها ليست منتشرة بكثرة الى درجة تثير الانتباه وتشد الناس. هذا نفسه ينعكس بصورةٍ مباشرة في ذهني عَلى  العاصمة العراقية  بغداد بعد الانهيار والسقوط  ؟ حيث لا يخلو شارع أو زقاق أو محلة من إعلانات لإحزاب الكبيرة في الاسم وصغيرة في الفعل ، علمانية ، دينية ، سلفية ، تكفيرية ، مذهبية، عشائرية، يسارية ، يمنية، كل واحد يغُني على ليلاه، تعرف هذه في كل المواضيع  ماعدة موضوع الوطن وحمايته فهي صفر فيه دوماً، وكل واحد من تلك الأحزاب ترا في نفسها  أنها  الصحْ والباقي خطأ ( زبالة) خونة وعملاء للغرب وأمريكا،  وتُسقط عليهم التهم الجاهزة سلفاً، وهذا عينه ينطبق الى حدٍ كبير  في الإقليم الكردي والعاصمة أربيل ، حيث نشاهد ما لا حصر له من مقرات الأحزاب والجمعيات والتنظيمات، التي هي في أخر المطاف تستنزف مزانية الدولة  دون فائدة تُذكر. وهو ما يسمة فوضى الشارع السياسي،  والتي اثبتت فشلها الذريع على المستوى العام في النهوض بالمواطن وسببت له خيبة الأمل  والنكوص على مدار اربع عشر سنة من تاريخ السقوط.
الدول والشّعوب الواعية حين تريد أن ترتقي أو تُطور ذاتها وتنهض بالمستوى المعيشي والثقافي والتعليمي والاقتصادي لمواطنيها، لا تزيد أو تُكثر من أحزابها ومنظماتها وجمعياتها الاجتماعية أو السياسية حتى، فالعبرة  ليست في الكمية والعدد الكبير  ولكن في النوعية والاختيار السليم. فالولايات المتحدة الامريكية نفسها  لديها الكثير من التنظيمات والأحزاب ولكن الرئيسي هو الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، وفي بريطانية ايضاً المحافظين والعمال  يتنافسان على رأسة الحكومة،  وفي استراليا حزب العمال  والحرار ويصل الى سدة الدولة من يكون مؤهل في نهاية الانتخابات ، بمعنى أدقْ أن الناخب  حين يذهب الى صندوق الاقتراع ليدلي بصوته يعرف لمن يعطيه بدون ملابسات  ومزايدات رخيصة وتزوير علني مثل تلك المتبعة في العراق وشراء ذمم الناس وأصواتهم كما حصل في انتخابات 2008، وفي النهاية يكون البرلماني العراقي أما جاهل  أو مزور شهادات الدكتوراه التي أصبحت موديل في ساسة العراق الحديث ، أو يتسلم مقاليد الحكومة ووزاراتها ومقدراتها  شخص قضى جلُ حياته في أحضان المخابرات السورية والايرانية وينفذ أومرهم بدقة وتفاني  مثل نوري المالكي اللص الكبير وممزق وحدة العراق الذي حكم  على مدى ثمان سنوات عجاف،  وفي عهده يذهب نصف البلد في يد الإرهابيين ، والنصف الاخر على يد العصابات والمليشيات دون أي محاسبة أو تحقيق ، ومع كل هذا يقول لكّ في القنوات الفضائية،  أن عصري كان عصر ذهبي بامتياز. وأن العراق كان بخير. ولولة حكمتي ودهائي لدخل العراق الثقب الأسود وضاع.
المسئلة ليست في كثرة الأحزاب والمنظمات والحركات أو سواهم،  ولكن في وعي وثقافة الشعوب وتطلعاتها الى المستقبل في بِنَاء وطن يكون جدير بالعيش الانساني والاستقرار ، فألمانيا رذلت كل الأحزاب بعد الحرب العالمية الثانية ووجدتها خواء في خواء ورسمت خارطة طريق  لها، وتبنة سياسة الاقتصاد والانفتاح والشركات والعمل الحر والبناء، صحيح انها مرت بمخاض عسير وصعاب جمّا ومسالك وعرة  ولكن في اخر المطاف وصلت الى ما كانت تصبو اليه من تقدم  ومجد وعبرت المنعطف الحاد.
هل يعي رجال السياسة في  العراق الكثيرين والبدون نفع مدى فداحة تصرفاتهم وأخطائهم،   وأن سرقات مال الشعب لم ولن يدوم أبداً ، أم أن  الامور سوفة تسير  على هذا النحو  الى مالا نهاية،  وهذا هو  قدر العراق الأزلي.

180
المنبر الحر / وهَم المكانْ
« في: 10:40 27/02/2016  »
وَهُمْ المكان
حين يتملك المرء أحساسً انه داخل منظومة معقدة من النُظم الاجتماعية والحياتية اليومية والروتينية الممُلة التي لا يقدر الانعتاق منها بسهولة ولا الخلاص من حمولتها التي يأن من وطأتها لأنه مكبل بأغلال ثقيلة، تقُيد اليدين والرجلين ، وأصفاد قديمة تُعيق حركة الإبداع وتمنع التفكير الحر، يصبح حينئَذٍ ألة ثابتة في دولاب متحرك. 
في قصة أيام الهجرة العراقية الطويلة والمريرة ، وبؤس السفر والترحال بين الاوطان ، وبعد مشوار طويل مع الغربة تستقر في أخر المطاف سفنُنا في مرافئ بعيدة ومدن باردة، في مشارق الارض ومغاربها، أو أرض الأحلام أمريكا بعد أن تركنا ورأنة سنوات من العمر في بلدان مؤقتة منها سوريا تركيا الاْردن ..... الخ دون أن ندري أو نعرف أنه أهم ما تركنه من عمرّ ولىَ ولن يعود مهما حاولنا تعويضه، أو حتى استنشاق رحيق زهور المكان الجديد التي بدون رائحة تذكر.
ونبدأ الألف ياء، في غزل نسيج خيوط حياتنا على إيقاع وقانون تلك الدولة المُظيفة التي نفرح بها ومعها في بداية الامر وتشدنا الحياة الصاخبة ، والشوارع الكبيرة والموَلات الضخمة والأنوار البراقة ، ومع مرور الايام وتوالي الأعوام ندخل في شباكها ونقع في أشركها الخطيرة ، وندخل في نظام مصارفها المعقَّدة التي تمص دمائنا دون أن نعرف ، وبالتالي تجعلنا مجبرين أن نربط الليل بالنهار لكي نوفر قسط البيت أو السيارة أو القرض ، ويصبح همنا الوحيد هو كيفية تسديد هذا القسط الطويل الذي يمتد في بعض الحالات العمر بطوله ، وألا قام البنك المعني بالحجز والإشهار والبيع. وننسى أن هناك حياة يجب أن نعيشها بشهدها ومرُها بحزنها وفرحها، وتمضي الايام متقاربة ومتباعدة وتفوت السنون ونتفاجأ في أخر المطاف أن كل الذي عايشناه وفعلناه وطلبناه كان مجرد وهم يضاف الى أوهامنا السابقة ، وتمشي عجلة الايام في صيرورتها الدائمة غير إبها بِنَا كأننا رقم يُضاف الى المنظومة الرقمية الدائرة في رحىّ الزمان، وتمضي من بين أيدينا مثل الهواء حين يمر بين أصابع الكف دون أن نشعر أو حتى ندري ، ولكنه مر في مروره الأزلي الذي لم ولن يتوقف أبداً، ومثل مياه ذلك الجسر التي مرت لمرة واحدة فقط تحت الجسر ولان تعود مجدداً. ولا أجد أكثر تعبيرا من الراحل محمود درويش حين قال
لا شيءَ يُعْجبُني"
يقول مسافرٌ في الباصِ – لا الراديو
ولا صُحُفُ الصباح, ولا القلاعُ على التلال.
أُريد أن أبكي/
يقول السائقُ: انتظرِ الوصولَ إلى المحطَّةِ,
وابْكِ وحدك ما استطعتَ/
تقول سيّدةٌ: أَنا أَيضاً. أنا لا
شيءَ يُعْجبُني. دَلَلْتُ اُبني على قبري،
فأعْجَبَهُ ونامَ، ولم يُوَدِّعْني/
يقول الجامعيُّ: ولا أَنا، لا شيءَ
يعجبني. دَرَسْتُ الأركيولوجيا دون أَن
أَجِدَ الهُوِيَّةَ في الحجارة. هل أنا
حقاً أَنا؟/
ويقول جنديٌّ: أَنا أَيضاً. أَنا لا
شيءَ يُعْجبُني. أُحاصِرُ دائماً شَبَحاً
يُحاصِرُني/
يقولُ السائقُ العصبيُّ: ها نحن
اقتربنا من محطتنا الأخيرة، فاستعدوا
للنزول.../
فيصرخون: نريدُ ما بَعْدَ المحطَّةِ،
فانطلق!
أمَّا أنا فأقولُ: أنْزِلْني هنا. أنا
مثلهم لا شيء يعجبني، ولكني تعبتُ
من السِّفَرْ

181
المنبر الحر / سلطة الدولة
« في: 05:00 20/02/2016  »
سلطة الدولة
على أبواب الكاتدرائية المرقسية في العباسية في وسط القاهرة ، يقف منتُصبْ القامة ، بشموخ وثقة ضابط برتبة عقيد مع رهطْ من عناصره يحرسون بوابة الدخول الرئيسية ، وفي باحة الكنيسة الداخلية يتوزعون هنا وهناك بعضً من رجال الشرطة متخذين الحيطة والحذر لكل طارئ. في باب كنسية العذراء فاطمة للكلدان في القاهرة (مصر الجديدة) ، تمكث هناك دورية من رجال الأمن على مدار الليل والنهار يحرسون الكنيسة من آي متُطفل يحاول أن يعبث في أمن المكان، هذا الشيء ذاته ينطبق على كنيسة الأرمن واللاتين و الروم والانجيلين وكل الكنائس في مصر، هذا ما سجلته في دفتر ملاحظاتي حين كنت هنالك قبل أسبوع
الحكومة المصرية الذكية والحكيمة، تعرف أن هناك بعض العناصر الظالة والتنظيمات السرية التي تريد أن تَخَلَّق المتاعب وتشحن الجو من خلال طرق وأساليب رخيصة مثل الطائفية ، وتدري أن هناك بعض الارهابين المأجورين والمدعومين من دول أقليمية يريدون أن يزعزعون أمن وأستقرار الدولة وبث نار الفتنة الدينية والمذهبية. وبمهارة ومسؤولية عالية فوتت الفرصة على هؤلاء المندسين ، وسدت الطريق على كل من يحاول أن ينفخ في هذه النار المستعيرة، وأرسلت رسالة واضحة الى كل من تُسول له نفسه أن يفعل الخطأ، تقول فيها أن دور العبادة ومراكز الصلاة هي خط أحمر يُمنع الاقتراب أو العبث بهم. وواجب الدولة هو حمايتهم والحفاظ عليهم حالهم حال أي مؤسسة حكومية أخرى. هناك في الجانب العراقي تمرّ الان السنة الرابعة عشر من السقوط ، والبلد يأن من كل شيء، وقد مزقته الحروب الاهلية الدائرة رحاها الان في كل اجزاء العراق تقريباً. والعنوان الرئيسي لهذا الصراع هو الطائفية والمذهبية والعشائرية، الذي لم يقدر ساسة العراق الحديث تجاوزها وعبورها ، ولن يقدروا على ما يبدو في تضميد الجراح البليغة والمقروحة. تنظيم داعش الإرهابي حين أستولى على مدن مهمة مثل الموصل وهجروا المسيحين وستولوا على أمولهم وممتلكاتهم، وقاموا وبعد ذلك بتفجر منازلهم التي لم تباع . لم يكن في يد الحكومة المركزية في بغداد سوى اللطم على الخدود ، وتوزيع التهم بين المسؤولين عن سقوط المحافظة دون الوصل الى آي متهم حقيقي. ليس هذا فقط فقد حصل من جراء الفوضى والفراغ الأمني الرهيب أن قامت عناصر من داخل الحكومة نفسها تستولي على عقارات الناس المسيحين في بغداد وتبيع منازلهم وهم قاطنين فيها عن طريق ملشياتهم ومنظماتهم الإرهابية التي أصبحت جزء أساس من قوة الدولة العراقية ولا كيف نفُسر عصابات تصول وتجول في وسط بغداد تبتز وتخطف وتسرق المسيحين وغير المسيحين في وضح النهار وأمام انظار الناس وهم يرتدُون زي الحرس الوطني و الشرطة الاتحادية، وسيارات رسمية وأوامر إلقاء القبض موقعة من قاضي. كيف يحدث كل هذا وإين هو دور الحكومة أن وجدت أصلاً ، وأين هم ممثّلين الشعب المسيحي الخمسة ( المخربطيين) الذين لا نسمع شيء عنهم سوى في الانتخابات النيابية.
من نافِلة القول ، مهمة ضعفت الدولة والحكومة، ومهمة تزعزعت أركانها تبقى ممُسكة بزمام الامور وتظل هي صاحبة القرار الاول والأخير، لإن لا شيء باطل يدوم ، ألا اذا كان هو باطل من الأساس مثل حكومة العراق.
مصر مرت مثل ما مر بِه العراق ويمكن أكثر، ولكن بوعي وثقافة الشعب المصري وترابط الناس مع بعضهم البعض ومع حكومتهم، والثقة المتبادلة بينهم ،عبروا عنُق الزجاجة واجتازوا المنُعطف الحاد بأمان ، أو بأقل الخسائر، مخلفين بذلك الماضي البغيض وراؤهم ، يتطلعون نحو أفاق جديدة، وغدٍ أفضل مع رئيس رشيد وصاحب رؤيا، لا يفرق بين أبناء الوطن الواحد، بأمكانيات محدودة لبلد تخطى عتبة التسعين مليون وغير نفطي. بعكس العراق منجم كل الثروات الطبيعية ولكن دون فائدة. لقد نفّذ زيت مرجانة الحار لأنها صبته على لصوص بغداد الكُثر الذي تجاوزوا الأربعين حرامي بكثير.

182
ضوء على معرض القاهرة
على ما يبدو أن المثقف العراقي والثقافة العرقية والحكومة متمثلة بوزارة الثقافة ووزارة الاعلام بعيدة كل البعد عن الساحة والحركة الأدبية ليس في الداخل فحسب ولكن في محيطها العربي ايضاً ، ومغُيبة وغائبة عن قصد وسوء نية  وهذا محزن حقاً ، ويحز في النفوس  فعلاً.
في مشاركتِ الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الدورة 47 والمقامة على أرض المعارض في مدينة نصر الذي بدأ فعالياته في 30 يناير 2016 وتحت عنوان ( الثقافة في المواجهة ) وبمشاركة  عن 850 ناشر منهم 50 ناشرا أجنبيا و 250 ناشرا عربيا و550 ناشرا مصريا تبين لي أن الحضور الأدبي  العراقي ضعيف وخجول ويكاد لا يُذكر في وسط هذا الكمْ من دور النشر والموزعين  والكتاب والمؤلفين في هذا الاحتفال والمهرجان الكبير ، ألا من حفنة من كتُب لكتاب عراقيين ، نصوصهم موجودة أم هم فغائبين.
هذه السنة كانت دولة البحرين هي ضيف الشرف على المهرجان ومع أنها دولة صغيرة وحديثة نسبياً،  لكن تبين لي والحق يقال أن مقامها كبير، ادبياً وثقافيا ولها حضور بارز في مجالات الأدب والثقافة والفن ، وكان لدكتور عبدالله مدني محاضرة قيمة عن علاقة البحرين بمصر وتأثير مصر الثقافي على حركة الإبداع في البحرين.
 في أروقة المعرض وأجنحته المترامية والكثيرة شاهدت تقريباً كل دور النشر المشهورة والغير مشهورة،  ومكاتب لدولة  أجنبية منها إيطاليا ، روسيا ، أذربيجان ، الهند ، ألمانيا ، فرنسا ، جمهوية التشيك ، اليونان ،  جمهورية الصين الشعبية ،  ولأول مرة كازاخستان ، باراجواى. لا بل تم تناول ومناقشة رواية الزلزال الصيني للكاتب (وانغ أي واي) في صالة المائدة المستديرة.و حضور للروائى الصينى ليو جين يون.
وكان أيضاً حضور قوي للجناح الروسي في المعرض من خلال كتب ومنشورات عربية اصطفت جنباً الى جنب بجوار مترجمات روسيا. 
في نفس السياق وفي محاضرة  لدكتور محمود الخيال بعنوان ( قراءات من كتابات الأقدمين) والدكتورة سلوى بكر تم تسليط الضوء على بعض الكتب والمراجع العراقية القديمة منها كتاب الاب بولس شيخو (شعراء النصارى ) والشاعر المسيحي طرفة بن العابد وغيرهم.
أتسائل إين نحن من  وسط كل هذا ، هل أنعزل العراق وانكفأ المثقف على ذاته وعاش في برجه العاجي ، هل  انطفأ سراج النور والكلمة التي كان العلماء والشعراء والحكماء  يحملون لوائها ذات يوم ،هل نفذ الزيت من مشاعل العلم  ؟. أم نحن  مشغولين في الحروب الداخلي والصراعات السياسية والنهب والسرقة وتقسيم البلاد.

183
كذبة أنهيار سد الموصل
حينما أنهار سد مأرب سنة 575 م في اليمن والذي بناه السبئيون في القرن الثامن ق.م. وكان يعد معجزة في ذلك العصر ودليل تقدم ورقيّ لتلك الحضارات البائدة ،تغيرت ديموغرافية المنطقة بشكل عام، بل حتى شبه الجزيرة العربية مع النزوح الهائل للسكان في ذلك الوقت. وفُقدت قبائل بأكملها مع الطوفان العظيم ، وأصبح هناك مسارات مختلفة للعائلة الواحدة حيثُ اذا كان هناك أخّان واحد في المنزل والآخر في الحقل يزرع الارض، ولنفرض أن المياه المتدفقة دمرتْ المنزل هو ومن به ، يبقى الأخ الأخر في الحقل وحيد، فيهيم على وجهه في سديم الارض بعد أن جرف السيل كل أسرته وقبيلته، وينسلخ هو عن مجتمعه وبيئته، وتتغير البلاد والاحوال، فيتجه الى مكان أخر ولنقل مثلاً الى نجران أو نجد أو يثرِب ويؤسس له هناك عائلة ثم قبيلة ويصبحون قوم كبير وينسون أصولهم اليمنية أو السبأية أو الحضرميه، والكثير من القبائل في شبه الجزيرة العربية والحجاز ( السعودية الان) هي ذات أصول يمينة قديمة تكاثرت وتناسلت وأصبحت شعوب بعد مرحلة الطوفان.
ازداد في الآونة الأخير الحديث واللغو الفارغ عن انهيار سد الموصل أو سد (صدام) سابقاً ، خاصة بعد أن سيطر تنظيم الدولة الاسلامي داعش على مقدرات السد فترة زمنية ليست طويلة نسبياً، بعدها تمكنت قوات كردية وإيطاليا ، حيث فازت الشركة الإيطالية "تريفي" بعقد تتجاوز قيمته ملياري دولار لتدعيم السد، مدعومة من قوات أمريكية من أستعادة السد الذي كان بالأساس قبل سقوط المحافظة في 2014 تحت حماية البيشمركة قبل هروبهم  المخُزي. سد الموصل هو سد يبعد حوالي 50 كم شمال مدينة الموصل في محافظة نينوى شمال العراق على مجرى نهر دجلة، بني ِ عام 1983م ، يبلغ طوله 3.2 كيلومترا وارتفاعه 131 متراً ويضم حوالي 11 مليار متر مكعب مِن الماء ، يعتبر السد أكبر سد في العراق ورابع أكبر سد في الشرق الأوسط. وفي تقرير أعده الجيش الأميركي على سد الموصل لقب "أخطر سد في العالم"، ولا يتعلق الأمر بمصير السدّ وإنما بمصير ملايين العراقيين الذين يعيشون عليه وهو الذي يعدّ الأكبر في البلاد. وقال رئيس منتدى الشرق الأوسط دانييل بايبس للـ"سي ان ان": "إذا سيطر الارهابين على سد الموصل فإنّه يمكن أن يهدد أي شخص ، وجزءا كبيرا جدا من العراق سواء بالفيضان والسيول وقطع إمدادات الكهرباء والماء. إنه أفق رهيب..".
حين تم تدشين السد عام 1986 والذي كلّف الدولة في ذلك الحين أكثر من مليار دولار لم تكن الشركة العملاقة التي قامت بالبناء والانشاء ( تبيع لبلبي) ، بل قامت بدراسات واسعة وعميقة وكثيرة ، لأن حصر مياه نهر دجلة في مساحات كانت قبل ذلك قرى وشوارع وجسور تربطّ الموصل بالشمال عن طريق دهوك ليس أمر هيّن، الخبراء والمهندسين سواء الأجانب منهم أو العراقيين الذين اعدوا هذه البحوث ليسوا بهذه السذاجة وعدم الخبرة لكي يضعوا أُسُس سد عملاق على رمال متحركة وصخور هشَة وبحيرة ماء مهولة ترعب الناظر إليها محصورة في قارورة صغيرة . كل السدود الحديثة في العالم تحتوي على صمامات أمان متقنة تعمل بشكل أوتوماتيكي حال وجود أي خلل يلحق بالسدّ, بحيث يمكن تلافي أي فيضان يضرّ بالمدينة وبالمناطق التي حولها. صحيح انه توجد بعض التشققات والصدوع في جادر السد ولكن البنية الأساسي للسد سليمة من الداخل ولا تأكل بها كما يروج له الأن في الموصل. السد بالحقيقة مؤلف من ثلاث سدود هي: السد الرئسي, والسد التنظيمي, والبحيرة الاصطناعية التي ترتفع 130 تقريباً متر عن مستوى سطح البحر، بمعنى أصح لا يوجد خوف أو رعب هناك منظومة خاصة تضبط السد. أن فوبيا الطوفان الدعائية التي لها أغراض سياسية وأقتصادية ما هي ألا كذبة أختارتها وخترعتها بعض الدولة المجاورة مثل تركيا أو حتى أمريكا وجواسيسهم في المنطقة لغايات في نفس يعقوب، والتي هدفها تخريب العراق أكثر مما هو عليه الان من خراب، وأشاعة حالة الفوضى في النفوس والذي يّولد في النهاية عدم الانتماء للمكان والوطن وهذا هو المطلوب في الوقت الراه.

184
كلمة بحقْ الدكتور العسليّ
صحيح أن الفجوة بين الديانات أصبحت كبيرة في الفترة الاخيرة، وأن نظرية صراع الحضارات للبروفسور صامويل هنتنجتون قد تحقق منها الشيء الكثير ، والأسباب عديدة يصعب حصرها الأن، ولكن أهمها هّو صعود التيارات الأسلامية المتشددة ، تكُفر وتغيُب وتقتل الأخر بأسم الدين، ولسان حالها يقول ، نَحْنُ الأفضل والباقي لا شَيْء، والتعصب الأعمى قد طغى على عقول بعض الناس، بما فيهم علماء دين كبار ينفخون في نار الفتنة والطائفية ويزكون لِهب المذهبية ويوجهون الشباب المغُرر بهمْ عن طريق فتاوى لم ينزل الله به من سلطان، تدمر الذات الانسانية أولاً وتقتل الآخرين الأبرياء ثانياً.
أن الصراع الغربي العربي، والعربي العربي الأزلي، قد خرب العقول ودمر الاوطان وعطل الوعي ، وعشَعشْ الجهل والأجرام في النفوس المريضة . وبات هنالك أسماء وعناوين جديدة لم نكن نعرفها في الماضي القريب ، ولم تمَر على قاموسنا اللغوي من قبل.
ومع كل هذا، وكل ما حصل وما يحصل ، يبقى هناك مواقف لناس لا تهابّ الموت ، ورجال تدافع عن الحق والعدل والحريّة والقيم العليا وأن كلّف أعلان هذا الموقف حياتها، ويكون الرأس تحت وطأة السيف بسبب قول الحقيقة والمجاهرة به. من هؤلاء نأخذ العبرة، وتكون حياتهم دروس تحُكىْ مواقفها المشرفة على الأجيال القادمة، ورمزاً يشار إليه بالبنان. من هؤلاء أسم فقد حياته بسبب تصريح قاله وموقف شجب فيه الأعمال الدنيئة والسافلة لمجموعة من اللصوص عاثت فساداً في وقت طغى الشر واستفحل العنف وراجت ثقافة القتل والذبح في همجية وعنف لم تشهد محافظة نينوى مثيلاً لها من قبل. في هذه المخاضة العسيرة برز الشهيد الدكتور "محمود العسلي" استاذ القانون بجامعة الموصل الذي أعدمه عناصر تنظيم داعش الإرهابي لإنه أعترض ورفض بكل بسالة وجراءة أن يهُجر أو يستهداف المسيحيين بالموصل، في منتصف عام 2014 بعد سقوطها بأيام بيد تنظيم أرهابي أجرامي ، وتصدى العسلي للمشروع التخريبي الذي نشرته الدولة الإسلامية في مناطقها.
أتمنى من كل جوارحي بعد أن أقترب تحرير محافظة نينوى وأقضيتُها من رجس داعش ومن لفّ لفهم والقضاء على الجيبوب المتطرفة في المدينة التي كانت يدْ عون لهم وسبب رئيسى في زرع الفتنة والخوف بين الأهالي الامنين ، أن يتشكل وفد من رجال دين مسيحين برئاسة بطريرك أو مطران مثلاً وياحبذا أن يكون بصحبتهم رجل دين مُسلم معُتدل ومتفُهم ، يقومون بزيارة بيت عائلة الشهيد الدكتور محمود العسلي، ويثمنون موقفه الأصيل والشريف والشجاع الذي سُجل في سفر التاريخ بأحرف من ذهب، والذي بذل حياته دفاعاً عن رأيه. نقول هذا لأن تحرير الموصل بات على الأبواب، ولتعرف وتقرأ الأجيال اللاحقة من دافع بأصرار وعزمْ عن المدينة ضد الإرهابيين ، ومن وقف معهم ودافع عنهم ودعمهم.

185
لحية داعش بين أبناؤنا
على ما يبدو لم يؤثّر تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش ،ضمن الحدود الجغرافية للدول التي باتت تحت سيطرته فقط ، بل بدأ يفرض عليها أحكامه الهمجية، ويشرعْ القوانين على هواه ويُطبقها على الناس مدعياً أنها أُنزلت من السماء وهو وصي على تنفيذها. والحاصل في الآونة الأخيرة أن الموضوع أسُقط في زاوية أخرى، والبروباغندا الإعلامية للتنظيم تلعب دور بارز في مجال الإنترنيت والمواقع التابعة لهم بحيث أصبحت تستقطب ذلك الشباب الضائع التواقيين الى عالم الخلافة، والسلف الصالح، وأحكام وتقاليد الجزيرة العربية قبل ١٤٠٠ سنة ، كل هذا يمُرر في الاذهان بأسم الدين، يسوقونهم مثل القطيع نحو ما يريدون ، بإثارة عواطفهم من أجل أقناعهم بالأفكار التي يتبنونها، والأعمال التي يمارسونها، وكلها تحت راية الجهاد المزيّفة. واحدة من هذه المجالات اللحية الطويلة التي بدأت تصبح موديل (ستايل)، وتتخذ طريقها بين الشباب، طبعاً انا هُنا لا أتحدث عن اللحية الخفيفة والمشُذبة ، ولكن تلك اللحية الشبيهة بشكل أو بأخر بلحية زعيم تنظيم داعش الإرهابي ابو بكر البغدادي،أو ممن والاَهُ. وهو ما يدفع هؤلاء الشباب في التمَثل به وإطلاق اللَحِى. ولا نستبعد فرضية أن يكونوا هؤلاء الشباب واقعين تحت تأثير البغدادي من ناحية الشكل أو حتى المضمون، بسبب ضحالة تفكيرهم، وقلت أستيعابهم ، فأصبحوا يتأثرون في سلوكياته وبالتالي يتقمصون شخصيته. ولكن هُنا ربّ سائل يسأل ويقول ، حتى اليساريين أو الثوريين يطلقون اللحية مثل جيفارة ، أو فيدل كاسترو ، أو حتى رمز الشيوعيين كارل ماركس. طبعاً هنا المفاضلة والتشبيه بين الحالتين صعب ، والفرق شاسع بينهم ، لأن هؤلآء كأنو أصحاب مبدأ ومشروع تغيير، وقادة ثورة ضد الظلم والاستبداد والدكتاتورية ، يعتمدون على فكر وفلسفة وإيمان في قضية عادلة. غير أن أنصار تنظيم الدولة ( داعش) لا يفرقون بين بريئ أو مذنب، ثقافة الذبح والأغتصاب والسرقة هي السائدة في أدبياتهم، لا يعرفن غيرها، وهذا حال كل التيارات السلفية المتطرفة من القاعدة الى الاخوان الى جبهة النصرة وأنصار السنة ، الكل ملطخة أيديها بدماء الناس الأبرياء. ويدعون التقوى والإيمان وأصلاح المجتمع ، وننخدع نحن باللحية والحجاب.

186
التغريبة العراقية

حملنيَ الوجعْ والألم بعيداً الى تلك المساحات التي يكون فيها الانسان مواجهاً لقدره مع خصمً شرس وهو الموت، هي قصة عائلة كاملة من قضاء الحمدانية المنَكوب، أبتلعها محيط بحر إيجا، وأصبحت ضمن ممتلكاته الخاصة. هي رمزاً لكل عائلة أرادت الخلاص والفرار الى المجهول ولم تنجح فهبطت نحو الهاوية. من يعرف ما كان مستقبل تلك العائلة لو قدر لها أن تصل الى برّ الأمان، أو لا تخرج أصلاً من البلد وتسلك ذلك الطريق المحفوف بالمخاطر، ولكنه حصلَ ، وذهبَ أفرادها في ثنايا اليمْ العميق تتنفس رأتاهم مياه بحر مالحة، الجسد أصبح وجبة دسمة للأسماك وأما الروح فهي تُعانق جنان السماء عند باريها.
المسافة بين وهمْ الوصول والوصول حقاً قليل جداً، والأحلام الكبيرة سرعان ما تغدو صغيرة فتمتزج حلاوتها بمرارة قهوة العزاء ، والخيط بينهما رفيعً بالكاد يبنّ ، بيد أن الناس لا بد أن تسلك تلك الطرقات ، ولابد أن يقع أبرياء على قارعة الطريق ، لكي ما ينجو الباقي ، وهو ناموس الحياة وصيرورة الكون من وقت ما تعلم الانسان كيفية السير على قدمين.
قصة الغربة مع الوطن لم تبدأ الان ، بل هي بذرة زرعتها الحكومة والنظام في سالف الزمان ، وتجسدت كظاهرة مع بداية الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، وتفعيل أجهزة الدولة القمعية في تهجير ألاف العوائل بحجة التبعية الإيرانية وضعف ولائهم للعراق. وتحميلهم على عربات كبيرة وألقائهم على الحدود، ذهب الكثير منهم ضحايا البرد القارص والحر اللاسع. وهنُا أينعت الشجرة وتفرعت، حيث أستمرت موجة التهجير والهجرة والسفر والترحال لشعب لم يستفيق بعد حرب سحقته ، فكانت الغزوة العراقية للكويت في 2 أب 1990 ويالها من مغامرة طائشة لرئيس مغرور، لم تجرَ غير الويلات والدمار على البلدين. بعدها تم فرض حصار أقتصادي  دام 13عام ، والتي سببت في ترهل وضعف وفساد الدولة ومؤسستها وأستنزاف طاقة شعب منتهى من الأساس تحت مبررات واهية. ويستمر المسلسل المأساوي وتصبح الفجوة كبيرة بين الحاكم المستبدّ والمواطن العادي. ويزداد تسلط أجهزة الدولة الأمنية ويشتد الطوق حول رقاب الناس لآي سبب كان، ويصل الأمر لشرب زجاجة كولا في العلن فيتم أعتقال الشخص وحبسه ، وهو ما ترك أنطباع لدى الجميع ان ترك البلد هو أفضل الخيرات المتاحة، وأن كانت المصاعب لتحقيق ذلك الهدف المنشود كبيرة وقاسية . ومع تغير الخارطة السياسية ودخول القوات الأجنبية للعراق في 2003 في حرب عبثية دمرت ما تبقى من الوطن والمواطن والنسيج المجتمع العراقي ، برزت أرهاصات حقيرة تمثل الطائفية والمذهبية والإثنية في أبعادها الفؤية والمحسوبية، وثم صعود تيار الأسلام السياسية متمسكاً بالسلطة عبر ميليشيات متعددة سواء  سنية أو شيعية أحكمت قبضتها على الشارع ووسمته بميسمها ، وأهمها داعش ، تركت ما تبقة في الداخل يحلم أن ما خلف البحار هو الفردوس المفقود. وأن كانت هذه البحار تبتلعْ العابرين. كل هذا جعل الأنتماء الى الوطن والمواطنة والولاء والاخلاص في خانة الشك وفي ميزان متأرجح ، هذا فضلاً عن التهميش والأقصاء للاقليات الباقية وضطهادهم دون مبرر.
تبقى المسألة الاساسية هي كيفية أصلاح هذا العقل العربي مريض تضخم الأنا وداء العظمة ، الذي يقصي الأخرين على أساس انه الأفضل وأنه صاحب رسالة يجب نشرها بالقوة . أن أستيعاب حركة التاريخ وفق أُطر أيدلوجية دينية معينة لم تعد ممكنة في هذا العصر، لأن قميص التطور أصبح أكبر من جسم الحكومات الدكتاتورية ، وبالتالي لا تصلح الافكار الجاهزة، ولا الأحزاب ذات التوجهات اليمينية الاصولية التي تغُيب الأخر بأسم الدين. وعلى هذا الأساس سوفة تفشل في نهاية المطاف.

187
تراجيديا سقوط  باريس 
حين تم الغزو  الإسلامي  للأندلس  سنة 711م على مملكة القوط الغربيين المسيحية في هسبانيا، التي حكمت شبه جزيرة أيبيريا والتي عرفها المسلمون باسم الأندلس، بجيش معظمه من البربر بقيادة طارق بن زياد ، نزل عام 711م في المنطقة التي تعرف الآن بجبل طارق، ثم توجّه شمالاً حيث هزم الملك رودريك  في معركة وادي لكة المشهورة . واستمرت حتى عام 726م  واستولت على مناطق واسعة من إسبانيا  والبرتغال وجنوب فرنسا،  وصولاً الى ليون بقيادة موسى بن نصير. وفي سنة 727 م  وتوغل عنبسة بن سحيم الكلبي الى العمق الفرنسي حتى كان على بعد سبعين كيلومترا من جنوبي باريس الحالية ، حيث كانت هذه الغزوات  بداية التواجد الإسلامي في الأندلس الذي امتد لنحو 800 عام تقريباً. بعد ذلك انحصر المد الاسلامي. حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492 م وأنتهاء دولة  بني الأحمر والملك عبدالله الصغير وخروجه من الأندلس.
 هذا عرض بسيط لما جرى قبل 1288 عام. وهو على تشابه كبير بين الماضي والحاضر، والمستقبل اذا أستمرت الامور على هذه الوتيرة المخزية.
في تفجيرات فرنسا الاخيرة أو غزوة باريس أو جمعة الفتح كما أطلقوا عليها، كادت الجمهورية الخامسة تقع مُتئكةِ على عصا مكسورة بينها وبين الهاوية السحيقة شعرة معاوية. ولنفرض جُزافاً أن الارهابين المتشددين  كانوا أكثر تنظيماً وأكثر عدداً، وهنُا تجدر الإشارة الى أن الانتحاريين كانوا على تخطيط كبير من الدقة والمهارة  حسب السلطات الفرنسية.  ولكن لنقلْ أنهم تمكنوا من زعزعت الأمن والاستقرار في عاصمة النور، وزرع الخوف والرعب في نفوس المواطنين، وباريس هي رمزاً للسلطة والحكومة وآي خللّ فيها يعني ترنح كل الاراضي الفرنسية تباعاً. مثل ما هو  في سوريا الان ، كل أوصال الدولة مُقطعة ومُجزأة، وأكثر من نصف المحافظات خارج سيطرة المركز ، ولا يوجد في يد بشار الأسد فعلياً سوى العاصمة دمشق، الحكومة والحزب بها فأذا لن تسقط  سوريا مادامت العاصمة باقية. يتم السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون الفرنسي من قبل المتشددين وتم بث  بيان الثورة ، وتجول وتصول  في شوارع باريس سيارت تحمل أعلام داعش ، ويتسلق أحد عناصر التنظيم برج إيفل ، وترتفع الراية السوداء مُعلنة عن نجاح غزوتهم  ، وترفرف فوق سماء مدينة الحرية. ويتم تحريك الخلايا النائمة في أحياء باريس البائسة المستعدة لتنفيذ الأوامر من جهاتهم العليا في قطر وتركيا  ، وبعد أيام يسير زعيم تنظيم الدولة الاسلامية داعش ابو بكر البغدادي تحت قوس النصر  مثل الزعيم النازي  أدلف هتلر في 23 يونيو 1940. وتعلن فرنسا أمارة إسلامية  ويُصار بعد ذلك الى تعيين أمير تابع له من العرب الفرنسيين  مثل مافعل الألمان حيت تم تعين الماريشال فيليب بيتان الذي تولى منصب رئاسة فرنسا وكان من أنصار عقد هدنة مع ألمانيا. وتباعا تسقط بعد ذلك باقي المقاطعات مثل قطع الدينمو ، وينتشر الوباء الى باقي الدول المجاورة  فتترنح  وتقع في الجُبّ العميق وتصبح  كل أوروبا بيد تنظيم أرهابي.  نقول ذلك لكي تعي الحكومات والأحزاب في الغرب ما يجري وما سوفة يجري في المستقبل القريب وهذا أول الغيث. والازمة كبيرة والكارثة سوفة تزداد مع التدفق الغير منضبط للاجئين العرب، التي سوفة تتسبب في تغير حتمي للديمغرافيا على أرض الواقع.
أخطأ العالم،  وفي مقدمتهم أمريكا والاتحاد الأوربي حين افسحوا الطريق  وأعطوا الضوء الأخضر لجماعة أرهابية  تكفيرية متشددة أن تستقر  وتتمدد في جزء واسع من  وسوريا والعراق ، وأصبح لها جيوش ومطارات وغرف عمليات وبنية تحتية ضخمة من العدة والعتاد،  وتتحكم بأسعار النفط العالمية ، وتبيع الاثار المسروق بمبالغ فلكية وأرقام كبيرة تمول بها حربها.  وشبكات واسعة في مجال المعلوماتي والانترنيت تبث وتنشر طرق الإعدام والذبح في كل أصقاع العالم بهدف أرعابهم وترويعهم ، كل هذا والقوى الكبرى العالمية  تقف مكفوفة الايادي ينظرون أليهم ولا يحركون ساكن.

188
المنبر الحر / محنة العم بولس
« في: 04:43 07/11/2015  »
محنةّ  بولس   
العم بولس رجل تجاوز الخامسة والستين  من العمر منذو فترة ، يحمل على كاهله الكثير من الهموم ، وأبرزها همَ أولاده الذين سافروا الى الخارج  وتركوه في احداث حرب الكويت، مع زوجة مريضة ،  كان يتردد على محلي  لبيع  المشروبات، مرتين أو ثلاث  في الأسبوع . هادئ الطباع ، قليل الكلام ، ملامحه توحي لناظِره انه إنسان بسيط ، نزح من قرى  شمال زاخو وتخومها مع بداية السبعينيات ، حاله حال مئات العوائل الاخرى. مساءاً  كان  يجلس ويحكي لي بعضا من قصصه ، وكيف كان  يصعد جبال تلك القرى المتاخمة للحدود العراقية التركية ، في شرخ الصِبا  وأيام الشباب ، وأين اصبحا الان ، لوحدهم لا مُعيل ولا أنيس. ومن جملة مشاكله ، مشكلة الجنسية فهو الى حد تلك الفترة،  وكُنا في بداية الألفية الجديدة ، لم يحصل على شهادة الجنسية العراقية بسبب تبعيته التركية. أو كما أفهموه ، وهذه المسألة كانت تؤرقه كثيراً ، وتسبب له هاجس مُتعب ، يريد بكل الوسائل الخلاص منها . وبعد ذهاب وأياب من والى بغداد ، وكتاب الدائرة  الفلانية  وتأيد الجهة المعنية  والاوراق الكثيرة والروتين  القاتل والرشاوي الضرورية  ، حصل على الجنسية  العراقية  اخيراً، واصبح  مواطن من الدرجة الاولى بعد عناء مُضْنىً تكبده. وفي أحدى الأماسي  الصيفية جاءني ، وبتسامة عريضة  مرسومة على محياه تسبقه، يبُشرني  بقوله،  اليوم منحوني هوية الأحوال المدنية  والجنسية معاً، وبعد أسبوع  سوفة أستخرج جواز السفر وأذهب الى عمان ومنها ألتحق  بأولادي  في السويد . وأخرج الهوية الجديدة ، حيثُ غلفها بكيس من النايلون  ذلك  الذي كان يسُتعمل لماء المُغذي في المشافي ، وناولني أيها وهو فرح بها جداً ، قلت له مبروك يا عم  بولس الان أصبحت حراً،  وقلبت الهوية الى الجهة الخلفيّة  وصعقت حين قرأت في  فراغ الدين مكتوب الديانة مسلم ، وحين  قلت له ذلك بهت ومتقع وجهه وقال كيف ذلك ، المهم  هونتُها عليه ، وقلت له سهلة تحصل ، انه  خطأ من الموظف، اذهب غداً الى دائرة النفوس وصححها. وخرج حزين مكروب، يحمل أوجاع تضاف الى الباقي. 
الغلط  والخطأ موجود في كل العالم ، وأن كان بنِسَب متفاوته ، وأذا الخطأ  كان غير موجود فلن نعرف الصحيح  منه ، حيث أن العالم قائم على مبدأ المتناقضات. من ذلك نرى تفاوت المتغيرات الطبقية وصراعها في كل مجتمع ، حسب المفهوم  والفلسفة  الماركسي . وهو ايضاً مبدأ للتوصُّل إلى الحلّ الصحيح أو النتيجة المقنعة عن طريق استخدام الوسائل والنظريّات ‏ حتى يتمّ تقليل الخطأ أو تصحيحه اذا أمكن. ولكن يوجد خطأ عّن أخر ، أو الخطأ المتُعمد ، حين يكون في نية الموظف مُسبقاً سوء تقدير للحالة ، بمعنى أن الذي  يفعله أو يكتبه يكون مدرك ماذا يقوم به من افعال  تؤثِّر على  صدق  النتائج، وبالتالي   تؤدي الى نتائج  كارثية  كما حصل مع العمْ  بُولس.  الذي كان يحلم أن يحصل على المواطنة هو الذي ولد وعاش في العراق. وهنُا مربط الفرس، فدوائر العراق مملوءة  بموظفين  تعتمل  في نفوسهم العنصرية والمقت والحسد للأخرين ، يعملون دون ضمير يوجههم الى جادة الصواب،  وهذا يؤدي الى تفعيل الخطأ  وجعله صحيح من منظورهم الضيق المريض. فكم من أناس غبنت حقوقهم بسبب شخص جاهل ، وذهبوا ضحايا بزلة  قلم دون مبالاة . وحين يُطلبون محاسبة الفاعل يقولون لَكَ  خطأ مطبيعي يحصل، عادي.  وفي بعض الأحيان يفتعل الموظف الخطأ  لغاية في نفس يعقوب أو لأخذ المزيد من الرشوة . على هذه الحالة تصبح المسألة  نظام عام  وسياق  يخُلخل البنية التحتية للبلد والدولة ، ومع مرور الايام يصبح الخطأ هو الصح  كما في العراق الأن والدليل هو قانون البطاقة الوطنية العاثر ، ومن الصعب  بمكان تعديل المسار  بعد ذلك.

189
أدب / أرواح مُعذبة / قصة قصيرة
« في: 12:12 22/10/2015  »


أرواحْ مُعذبة
قصة قصيرة

سلوان ساكو

أستمع إلى صراخ الأم وهي تضع طفلها . أنظر إلى صراع الرجل مع الموت ، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة . ثم أخبرني : هل من يبدأ هكذا ، وينتهي كذلك ، يكون قد خلق للسعادة؟  - سورين كيركارد/ فيلسوف دانماركي
                                                   
حينما كان يحبو باسم ،  في عيادة  والدته لطب الاطفال  ، كانت تتوسم به  في المستقبل ان يكون طبيبا  كبيراً ذا شأن . وكانت بين ألفينة والأخرى تُنوه الى سكرتيرتها ان تنظر له لما يبُديه من ذكاء متُميز  لعمره الغض ، فمن سنواته الاولى كان  يمتاز عن اقرانه  بنشاطه في الدراسة  وفي الألعاب . وحدس أمه لم يخطئ  قط . لكن كانَ للأقدار كلمة الفصل الاخيرة ، حيث لم يكتب  لها ان تراه في ملابس الطبيب البيضاء ، فقد توفيت في حادث سيارة مؤسف على طريق  بغداد الموصل حين  ارادت ان تحضر  عرس أخيها  غسان  في بغداد . ما هون الفاجعة بعض الشيء ان باسم  لم يكن معهم ، فقد بقي  بصحبة  أباه في البيت . ذهبت  هي وأختها الاصغر منها حنان ، وزوج اختها معن الذي  كان هو  يقود السيارة حيث صُدمتْ بسيارة عسكرية نوع إيفا  كان  الجندي  يقودها  وهو نصف نائم ، معن وحنان أُصُيبا  بكسور بليغة ، والدة باسم  ماتت في الطريق  قبل ان تصل سيارة الاسعاف الى  مستشفى تكريت العام  .
 تربى باسم  في كنفْ والده الاستاذ  جميل ، مدرس أول لُغة  إنكليزية  في الإعدادية  الغربية ، وأحسن وأخلص في تربيته ولم  يبخل عليه  بشئ  وظل ارمل يراعي  ولده الوحيد ويقضي جلَ وقته في تعليم  أبنه ، ولم  يتزوج من بعد زوجته الأولى.
 مرت الأعوام متتالية وسريعة ، وكان باسم ينجح في كل المراحل  الدراسية  بامتياز وتفوق ، وعلاماته  تؤهله أن يدخل كلية الطب أو آي كلية أخرى ، ولكن أراد أن يحقق أرادة أمه  ، وفعلاً حقق أمنية والدته ، وأصبح طبيب ، وتزوج من طبيبة تعرف اليها في كلية الطب ورزق بطفلين . وسارت الامور بعد  ذلك  جيدة  نوعاً ما ، على أن يكون  المستقبل مرسوم  لهم بأحرف من ذهب أو هكذا توقعا ، لكن للحياة  طرق فرعية اخرى  تقودنا أليها دون أن نشعر أو ندري، ونتعجب مع نهاية الطريق  كيف وصل بنا الامر الى هذا الحد ، وكيف سلكنا طرق تصورنا  أنها مُعبدة . حصل هذا التغير غير المُتوقع مع دخول القوات الأجنبية  ساحة الفردوس وأسقطوا الصنم  ، فوقع العراق في يد الاوغاد والعصابات ، أنهار  الجيش والشرطة خلال أيام ،  وبدأت التصفيات الجسدية  وأصبح الوضع خطير جداً،  وكان التركيز على الكفاءات وخاصة الأطباء منهم، وتغير الوضع العام برمته مما اضطر الدكتور باسم للنزوح الى منطقة آمنة فوقع اختيارهم على  قضاء تلكيف القريب من الموصل  هو وعائلته هربا من الاضطهاد، خاصة بعد ان تلقى عدة رسائل بالقتل والتصفية  . هناك استأجر بيت صغير لعائلة كانت قد رحلت الى أمريكا في بداية التسعينيات. ألتحقت زوجته كطبيبة في المستوصف الصغير  للقضاء ، وكان هو يتردد  بين  الحين والأخر  الى الموصل لقضاء  بعض المشاغل ومراجعة كليته  ، مع كل ذلك تيسرت الامور بعض الشّيء ، وكان في مخططه للمستقبل أن يفتح عيادة خارجية ضمنْ تخصصه في نفس القضاء ، حيثُ حصل  تحسن ملحوظ  للحياة  ورصُد انفراج نسبي للازمة الأمنية التي كادت تعصف بالبلاد وتدخل مرحلة الحرب الاهلية ، التي دخلتها بعد ذلك .هنا  طرأ تغير غير متوقع في ذلك الاوان،  فقد قررت زوجة الدكتو باسم بعد ثلاث سنوات من استتباب الوضع ، أن تسافر  الى كندا  حيث ان أهلها هُناك، لم يوافق الزوج في البداية وعارض معارضة شديدة  معللاً بذلك انهم أطباء ومكرمون في بلدهم او على الأقل في هذه المنطقة وأن الامور بدأت تنجلي وتسير نحو الاحسن ، وأضاف في أقناعها ، اين يذهبون ويتغربون بعد كل  هذا التعب في الدراسة وهذه الشهادات ، وأين يعملون وهل يبدأون من الصفر مرة اخرى ، وظلت هذه الأسئلة والمناقشات الحادة تؤرقهم طوال الليل  والنهار . ولكن في آخر المطاف وكالعادة  استجاب الزوج عند إلحاح الزوجة وخضع للامر الواقع  . فسافرت كل العائلة الى تركيا لمدة عام  ومن هناك الى اوتاوا العاصمة عند أهل الزوجة . من البداية  لم تَسير الامور على مايرام على الأقل بالنسبة  له ولم يشعر بالراحة مُطلقاً  ،  فكندا  لم تكن تشكل له يوماً الحلم المفقود ولا الأمل المنشود . ولم يسعى لها،  ولكن فرضُت عليه فرضا.  بعد عدة شهور من الوصول قضاها في البحث والاستقصاء عن الدراسة والشهادات ، والكليات ، والعمل في مجال الطب من اجل مزاولة مهنته الأصلية ،التي لا يعرف سواها ، ورغم كل  هذا التعب المضُني  توصل الى نتيجة  مفادُها  ان كل ما يبحث عنه في هذه البلاد من نجاح منشود ما هو الا سراب  ، وليس له القدرة على ذلك بعد كل هذا العمرالذي أنجزه في العراق واستنزف الكثير من وقته وأخذ زهرة شبابه. ولا يريد العودة الى المربع الاول ويبدأ من جديد . والطريف انه أراد العمل لكي يعيش لفترة مؤقتة الى حين أن تستقر الاوضاع وتسفر عن نتائج مرجوة ،  فلم  يحظى بعمل  سوى عامل نظافة  لمرافق صحية  في احد الفنادق  الرخيصة . بعد تفكير عميق أرقه طويلاً وجعله يعيش في برزخ  الحزن والفرح  ، الألم والسعادة ، الشك واليقين ، هُنا في هذا الوادي العميق من الافكار قررَ العودة . فكان قراراً مصيرياً سوف يؤثر على مجُمل حياته الباقية وتكون النتائج وخيمة العواقب ، هو نفسه لم يكن  يتخيلها يوماً.
في أحدى الامسيات الخريفية ، بينما كانت كل العائلة مجتُمعة تشرب الشاي في بيت أهل الزوجة ، الأب والأم والأخ والأخت التي كانت بدون زواج فقد تركها قطار العمر عند المحطة ما قبل الاخيرة ورحل . الكل مشغول، الأب يتُابع نشرة الاخبار باللغة الانكليزية مع انه لا يعرفها  ، الام مع بناتها الاثنتين يخططون كيف يقنعون زوج ابنتهم في البقاء فقد لاحت بوادر أزمة في الأفق  ، والابن مُنكب على  جهاز الايفون يتحدث مع صديقته واضعاً السماعات في أذنيه ، باسم كان  يشرب الشاي ويفكرعميقاً . وفجأة وبدون مقدمات قال بصوت مسموع موجهاً حديثه للكل ، لقد  قررت أن أرجع الى العراق الأسبوع القادم ، وصمت كما يصمت  الميت حين يكفنوه ،  فساد سكوت  قاتل ، تمر الدقائق كأنها دهر ،  الكل شاخص بعينيه نحوه ، قال الأب بعد ان استفاق من غفوة ، هل انت جادً بما سوف  تفعله  ، فأومأ باسم برأسه بالموافقة، تدخلت حماته قائلة هل جُننت حتى تأخذ هكذا  قرار بدون تفكير ومشاورتنا ، فقال بوجه جليدي البارد ، انا مُصمم على الرجوع ، وسوف اصطحب أسرتي معي ، وصعق الكل للمرة الثانية خلال ثواني ، فقال الأب بهدوء الذي يسبق العاصفة ، يا أبني انت  تعرف  ان الوضع في العراق خطير جداً وغير مستقر ويتفاقم يوم بعد يوم ، وهو ذاهب نحو الاسوء ، انتظر فترة اخرى وجرب مرة ثانية في مجال تخصصك ولابد من أن يفتح باب لكَ ،   وبعد ذلك خذ قرارك ،  جاوبه باسم انا لا أستطيع البقاء اكثر من هذا الوقت ،  لقد مللت العيش  في كندا ، وأحس نفسي كأنني حشرة لا نفع لها ومُكبل الايادي،  أني أموت يومياً دون بارقة  أمل في الافق .  هنُا خرجت الزوجة من سكوتها وقالت بحركة تدل على ان قرارها حازم وقاطع ، انا  والأولاد لن نرجعْ معكَ ، سوف  نبقى ونعيش هنُا ، وقالت باستهجان ، بعد كل هذا التعب الذي بذلناه  في الوصول الى كندا ، نعود ؟ هذا كلام اخرق منك. فنظر باسم  لها  بازدراء وقوة،  سوفة تعودون  معي انتِ والاولاد بدون اي نقاش ، هُنا استشاطت الأم غضباً وقالت بعصبية، هي والأولاد  لن يرجعوا معك،  انت اذهب لوحدك  انت حر في أتخاذ قرارتك المصيرية ، اهم شي أبنتنا وأولادها ، وهنُا علت نبرة الكلام  قليلاً ، وتدخلت الأخت وقالت انت إنسان اناني ومتعجرف لا تفكر غير بنفسك ، لا تفكر بمصير اولادك وزوجتك  ، وتحدث باسم ايضا بما فاضت  قريحته والتعبير عن غضبه  بكلمات جارحة ، وهنُا  أصبح  الكلام صراخ  وتلبد الجو بغيمة سوداء نذيرة  شؤم ، فما كان من الأخ  الجالس مُنكب على جهاز الآي فون ، ألا ان نزع سماعات الجهاز من أذنه وقال له بعصبية لماذا انت تصُرخ في بيتنا ، لولا معزة أختنا لطردناك وأصبحت  مثل الكلب تدور في الازقة والشوارع  لا احد يسأل عنك  ، هنُا وصل السَيل الزوبا ، وقصف البرقْ قوياً  فحطم برج العقل واسقطه من عليائه ، فهجم الدكتور باسم على  اخو زوجته مَحاولا  ضربه ، شاهد الأب ذلك فقام يحول  بينهما ولكن دون جدوى فقد سقط المنطق والنظام  في بئر الانتقام ، الكل الان يصرخ بهستيريا عاليا،  الزوجة والأخت والأم . سكين تقطيع الكعك قريبة من يد الأخ فأخذها سريعاً محاولاً ضرب باسم  بها.   تحاشاها الدكتور ولكن جاءت  في ساعده الأيسر فغرزته المادية عميقاً وسال الدم القانى ، حين شاهد المطعون  ذلك جن جنونه وفقد أخر تحصيناته الانضباطية ، فقلب الطاولة بما عليها من إبريق الشاي وفناجين القهوة وقالب الكعك والصحون. وبدأ يزبد ويرعد ويهدد الجميع.
  من  الجانب الايمن للبيت يسكن شخص صيني هو وعائلته ،  حين سَمِعَ  الصراخ  القوي والعويل وصوت المشاجرة ، اتصل بنجدة  الشرطة وأبلغ عن مصدر الحادث . بعد دقائق معدودة  كانت الشرطة داخل البيت ، شاهدوا باسم  مصاب ، والدم سائل على  الارض  والأواني والطاولة مقلوبة ومتكسرة والنساء خائفات يبكين ، فاقتادوا الأب والابن الى المخفر والآخر  الى المستشفى ، بعد ان عالجوه من جراحه اقُتيد هو الاخر الى المخفر.  أجُريا تحقيق أولى عند  الوصول مع الثلاثة ،  وعند الفجر اطلق سراح الجميع  دون كفالة ولم يتم تحويلهم الى المحكمة ، واقفل المحضر ودياً بتنازل باسم عن الدعوى والحق العام.  ولكن ظلت الجراح النفسية مفتوحة لن تندمل أو تشفى ابداً ، مهما مرت عليها الايام والليالي.
 في الحديقة القريبة من البيت قضى باسم تلك الساعات الصباحية  يستذكر ما آلت اليها الامور وكيف وصلت الى هذا الحد . قبل أن تتوسط الشمس كبد السماء دق الجريح  باب بيت حماه  بهدوء، ففتحته زوجته ، نظر الواحد نحو الاخر بعتب وألم كبيرين عند عتبة الباب، كأنه يقول لها لماذا كل هذا، ولكن لم يفعل فقد كان كبريائه مجروح ورحه متعبةجدا، دخل وأجتاز الباب ، بعد ثواني وبدون مقدمات  ، طلب حقيبته الصغيرة واوراق سفره من زوجتَه، قبل ان يغادر دخل الى غرفة اطفاله وقبّلهم ، قبل الخروج من باب الحُجرة استفاقت أبنته من النوم و قالت بابا لا ترحل أرجوك، أبقى معنا نحن نحبك كثيراً ، خانته مشاعره وسيطرت عليه عاطفة جياشة وألم يعصر صدره فبكى بحرقة وهو جاثم على ركبتيه عند حافة سرير ابنته ، وهي تداعب شعر رأسه ببراءة.. قبّلها  وخرج من البيت يكفَكفَ دموعه ، حاولت زوجته  في الممر الفاصل بين الغرف أن توقفه وتثنيه عن عزمه للمرة الاخيرة ، لكن كان الوقت متأخر ، ولن يجدي نفعاً أي كلام . لن يعود لهذا البيت مرة ثانية مادامت الشمس تشرق ، هكذا قال في سره ، وخرج منطلقاً .. بعد ثلاثة ايام سوف يهبط في مطار أربيل .
 لم يكن احد في أستقباله في مطار الإقليم ، فاستأجر سيارة نقلته من هناك الى  بيته في قضاء تلكيف ، دق الباب ففتحه والده حيث كان يسكن البيت في غياب العائلة  ، وهو إنسان مريض احنت الحياة ظهره بعد ان فقد احبائه ، يقضي جل وقته في المطالعة ، بلغ السبعين من العمر ، ولكن يحتفظ ببصيرة ثاقبة ويقرأ لغة العيون . حين تلاقت النظرات عند عتبة الباب أيقن الأب ان ثمة خطب ما وأمر جلّل، في الداخل حكى باسم كل شي لوالده ، اغرورقت عينا الأب  بالدموع ، فانهمرت مثل سيل جارف لما حصل لإبنه وأين الان  هم احفاده  الذين يحبهم كثيراً ، جلس الأثنين معاً  كأنه  شخص يعترف  لقسيس بعد ذنبْ كبير اقترفه. بعد هذا أخذ باسم حمام ساخن ودخل الى غرفته ، لأول مرة يدخل مخدعه دون زوجته ، صورة الزواج المُعلقة على الحائط تذكره بماضيً ذهب دون عودة ، الساعة الجدارية متوقفة عند الساعة التاسعة و سبع دقائق، صورته في الاستوديو وهو حامل شهادة التخرج من الجامعة ذات الإطار الأسود، يعلوها الغبُار ، على المنضدة الصغيرة عند السرير صورة ذات إطار فضي لامع لطفليه رأسهما عند بعض ، رفع الصورة ونفخ  فيه فطار الغبارعنها ونظر الى أبنائه ، في لحظة سرمدية أزلية أستحضر الماضي بكل جروحه الاليمة ، نام و دفن وجهه في الوسادة وبكى حتى تحول البكاء الى نشيج مكتوم والعبرات تسيل مدرارا عند ذكراهم  مثل جُرح تقيح فنفجر من تلقاء نفسه ،على تلك الحالة غطَ في نوم عميق. 
استفاق على طرقات أبيه على الباب  ، حين نهض دهشَ من حالة الاسترخاء والراحة  التي هو به وكأن الدموع قد غسلت جروحه وطهرت قلبه من الداخل ، دخل الأب الى داخل الغرفة ، قائلا له لقد قلقت عليك فأنت نائم منذو يومين ، هيا اغتسل وتعال الى المطبخ  فقد أعددت الطعام ، وكانت الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر. عند مرآة  الحمام حين كان يغتسل رأى وجهه قد تغير اصبح اكثر شباب وأكثر حيوية وأكثر انطلاقاً الى الحياة ، كأنما فصل من حياته أنتهى وبدء فصل جديد ، فعقد العزم على المضي قدما مهما حصَّل.  أول ما بدء به اتصل بصديقه الدكتور غانم ، ووعده أن يزوره في أقرب وقت ، وعاد الى كلية الطب في الموصل يتابع ما فات منه لكي يحصل  على  الدكتوراه في مجال تخصصه ، وسارت عجلة الحياة نحو الافضل كما بدا له ، وبعد اقل من سنة كان له عيادة خاصة في امراض القلب والشرايين في مركز القضاء  . وتطبعَ مع الوضع الجديدْ ،لا بل كان يسعى الى أن يتزوج مرة ثانية بعد ان يسوي وضعه مع زوجته الاولى. ولكن مع الأسف  هو الأن جزء من مخطط ومؤامرة  دولية كبيرة ،حِيكتْ خيوطها في أروقة الدول المتصُارعة ، دخوله في وسط هذه الدائرة كان  بالصدفة البحتة والحظ العاثر، دون أن يكون له علم بما سوف يحدث له من مأسي ومعاناة.
 فبدون مقدمات تُذكر سقطت مدينة الموصل سريعا  بيد المتطرفيين الإسلاميين وهرب الجيش الوطني يجر أذيال الهزيمة والعار، واعلنت المحافظة ولاية إسلامية ضمن حدود تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق ، ترضخ تحت الحدّ والشريعة في تطبيق القوانين، تفرض نفسها  بقوة على المجتمع  والحياة  . تمددّ الإسلاميون المتشددون  الى باقي اجزاء المحافظة  وسقط الحصن تلو الاخر من قضاء الى ناحية الى قرية في غضون أيامً معدودة، حيث وصلوا على متن المركبات التي غنموها من معسكرات الجيش النظامي الى  القضاء الذي يسكن به باسم ووالده  ، لم تحصل مقاومة تُذكر لا من قبل القوات الكردية ولا الجيش ولا الحراسات المحلية ، مجرد ما أن سرتْ  إشاعة ان الدواعش قادمون حتى تَرَكُوا الناس كل شيء وهربوا مسرعين باتجاه محافظة دهوك مثل اسراب الحمام  حين تفتك بها الجوارح، الكل هرب ، والكل خائف  والكل يبحث عّن ملاذ آمن ينقذ عائلته من الوحوش الضارية .
في وسط القرية الفارغة تقريبا انتشروا العناصر الارهابية  في الشوارع ، وقام نَفَر منهم برفع علم التنظيم  الاسود فوق بناء المركز الصحي الصغير، واطلاق العيارات النارية في الهواء فرحاً بالغزوة . أسُر بعض الأشخاص وقُتل من أبدى بعض المقاومة ،ولكن في النهاية أصبح القضاء تحت سيطرتهم .
سوء تقدير باسم وأبيه المُسن في توقيت الأحداث  وترددهم في ترك المنزل، حال دون هروبهم في الوقت المناسب ، فمكث الاثنان قابعان في البيت  ينتظران ما سوف تؤول  له الأحداث العاصفة . في هذا الوقت  كانت  دماء الضحاية الأبرياء تسيل في ازقة الشوارع  دون اي جريمة سوى انهم احبوا مدينتهم فلم يتركوها .. في اليوم الخامس من السقوط المدوي والفوضى،  جائت أربعة  سيارت هّمر أمريكية سلبها التنظيم من معسكرات الموصل ، وحاصرت  بيت باسم  وأمطروا  مقدمة البيت بوابل من  الرصاص ، وخلعوا  الباب الرئيسي ودخلوا ، كان باسم ووالده  مختبئان تحت درجات الطابق العلوي، يرتعدان من الخوف ، على الفور وجدهم  الإرهابيين واقتادوهم  الى السيارات خارجاً، اثناء الصعود تعثرت ساق الأب المسكين في الباب  فدفعه احد العناصر بقوة داخل العربة فكسرت على الفور ساقه ، لم يشعر بها  في بداية الامر ، حين رأى باسم أباه في هذه الحالة صرخ بقوة على أحدهم وشتمه ، فما كان من هذه الداعشي الحقير ألا ان ضربه بقوة بعقبّْ بندقيته فسقط أرضاً، أراد  النهوض والدفاع عن نفسه ولكن كان الكل يركله على أنحاء جسمه، بعد ذلك ربطوا يديه خلف ظهره ، ودفعوه الى مؤخرة العربة بقوة ، تحرك الرتل الى معسكر سابق للجيش العراقي  في نفس المنطقة. أدخلوهم في غرفة واسعة  أشبه  بقاعة، يفوح منها رائحة الجثُث المتعفنة ، دفعوهم  وأغلقوا  الباب الحديدي بالمزلاج بعنف. جلس الاثنين قرب بعض، الأب بدأ يئن من قدمه المكسورة والابن شبه فاقدً الوعي ، والدماء تسيل مِنْ وجهه وظهره، بعدَ فترة وجيزة  استعاد باسم وعيه ، على انين الأب الذي أصبح الان صراخ وبكاء مثل الأطفال ، أحتضنه بين يديه وضم رأسه الى صدره محاولاً تهدئته ولكن كان الاب يصرخ من الوجع ، تحت هذه المشهد القاسي والمُذل  ذهب باسم الى الباب الحديدي المقفل وقام يضربه ويركله بقوة ويصرخ ، ففتح احد العناصر الكوة الموجودة في الباب وقال لماذا تصرخ يا كلب ياكافر ، فقال له باسم ان أبي يصرخ من شدةّ الالم ورجله مكسورة  وهو رجل كبير في السن ،سوف يموت ما لم انقله الى المستشفى فورا ، نظر الداعشي إليه شزراً  واقفل الكوة وذهب ، بعد خمس دقائق  فتح الباب ودخلت  ستة  عناصر يتوسطهم  شخص  ينادونه ابو براء ، نظر الى باسم  وقال له ، نعُالج أباك اذا عالجت جرحانا ، وأضاف مقرباً فمه من أذن الأسير، عرفنا انكَ طبيب وجراح ممُارس. في بداية الامر لم يستوعب  الطبيب  الكلام  الصادر من زعيم الجماعة ، ولكن حين أسهب ابو براء في العرض استوعب كل حرف منطوق ، لقد وقع في الفخ . فخ  مسموم  قاتل مثل عضة الكوبرا . لم يكن يتوقع أبدا ان يأتي يوم  يكون فيه تحت رحمة عنصر من  تنظيم ارهابي ، يتحكم في مصيره وله كلمة الفصل .. صُراخ الاب  المسكين يمُزق قلبه من الداخل ، شعور لا يوصف بالخنوع والخضوع  والمهانة .. كل الوجوه التي رأها في حياته  تمر الان في عقله الواعي ، وجه أمه وجه اطفاله وجه  وزوجته وجه أول فتاة أحبها في حياته وجه السكرتيرة  في العيادة ، حتى وجه حماته بدأ له اكثر حزناً  وتعاطفاً معه في هذه الساعة المصيرية  ، وجه صديقه في أيام  الدراسة ، وجوه كثيرة  تتبدل وتتغير بسرعة  فائقة،  وأيقن أن ساعة الموت قد زفتْ ولا يوجد مفر من القدر المكتوب .  فوافق على الطلب بقلب مكسور ،  ولكن بشرط ان يعالج أباه بنفسه وبعد ذلك ينقله الى الحدود الفاصلة بين الإقليم وتنظيم الدولة ، فوافقوا على الطلب وتم له ما أراد. 
الفصل الأخير:
نقُل الأب الى مخيُمات  إيواء النازحين واللاجئين في مدينة عينكاوة في أربيل ، وبعد اقل من أسبوعين مات  بسبب مرض السكري و الغرغرينا الذي اصابت الرجل المكسورة ، دفُن  على عجل وبدون كفن ولا مراسيم عزاء ولم يحضر إلا أربعة أفراد كانوا معه في نفس الخيمة  . 
في أحدى الليالي الصيفية الحارة دخل عنصر من تنظيم  داعش الى باسم  في السجن وقدم  له نصف رغيف خبز مع ثلاث تمرات وكأس معدنية بها حليب، وخرج دون كلام ، ترك الدكتور الخبز وأكل التمرات وشرب الحليب. في أمواج الأفكار المتلاطمة ، غلبه سلطان  النوم وخدرت حواسه، حاول ان لا يستسلم ولكن دون جدوى ، كونه طبيب متمُرس عرف انهم وضعوا في الحليب مادة منومة  ولكن تلك الاشارة جائت  بعد  فوات الاوان  ، فذهب في  سُبات عميقْ. لم ينهض ألا على صوت أجشَ ينُاديه بأسمه ، فنهض وهو شديد العطش والجوع وألم شديد  يعصر مقدمة رأسه ، لم يعرف كم  مضى عليه وهو نائم ولا أين هو الان. ولكن أحس أنه في مكان مريح ونظيف ، لا بل سمع المذيع  يتلو نشرة الأخبار من على  قناة  الجزيرة ، وشعر ببرودة  مكيف الهواء ، رفع رأسه  قليلاً  فوجد  شعار  تنظيم الدولة الاسلامي  مكتوب  بالاسود والابيض ( المستشفى العام للدولة الاسلامي في ولاية الرقة ). 

ملاحظة:- أن وجُد أي  تطابق بالشخصيات مع الواقع فقد جائت بالصدفة البحتة

190
مفُردة الشعب الأصيل
حين يذهب رجل دين مسيحي كبير ، بمستوى بطريرك أو مطران، الى مسؤول  في الحكومة العراقية،  ايضاً هو  في مكانة رفيعة كرئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو رئيس مجلس النواب ، وبعد الاستقبال الحار، وتبادل التحيات ، والضيافة اللائقة،  والجلوس على الأريكة الوثيرة ، وسحبْ الصور الفوتوغرافية ، يصُرح ويقول هذا المسؤول الكبير ،  أن الشعب المسيحي في هذا البلد هو مكون أصيل ، وجزء أساسي من تكوين فسُيفساء المجتمع العراقي الذي ينبغي أن نحافظ عليه، ويجب أن يبقى على هذه الارض التي وجُد هو عليه أولاً ، وأسس معرفته وثقافته منها ، التي بالتالي أصبحت منَصات فكرية أنطلق الفكر والعلوم الانسانية الى المستقبل من خلالها ، بمعنى أدق يريد أن يقول السيد المسؤول،  أن الحكومة يجب أن تبذل كل جهدها لكي يستمر  هذه المكون في  والعيش   والبقاء والاستمرار  على أرض الوطن ويكف عن الهجرة والسفر .
 ولكن لم يقل لنا هذا المسؤول  ولو مرة واحدة من بداية الأزمة قبل 13 عام والى حد اليوم ، ماذا فعلت الدولة  والحكومة من أجل بقاء هذا الشعب الأصيل ، وهل  بذلت جُهدها  في سعيها الى احتواء ازمتهم المتفاقمة ، وحل قضاياهم  العالقة،  ومنع معاناتهم  ، وصرف رواتب الموظفين من أبناء المكون الذين هم جزء من نظام  هذه الدولة التي يرأسها السيد المسؤول .
من سقوط محافظة الموصل قبل سنة ونصف، والمسيحين يعانون من الاهمال والترك والتهميش المتعَمد من قبل الحكومة في بغداد . نزوحَ المسيحين من قرى ونواحي سهل  نينوى الى أقليم  كردستان، كَرد فعل مباشر من جراء الاضتهاد والقتل والاغتصاب  والتعسف  من قبل الدولة الاسلامية التي سيطرت على أجزاء واسعة من العراق وسوريا ،  بتنسيق إيراني أمريكي  قطري  ، وهذا الشيء  بات معروف للقَاصَى والداَنِي ، ولا يحتاج الى شرح أكثر . والحكومة المركزية في بغداد  لا تحرك ساكن بشأن معيشت وأحوال هؤلاء المُهجَّرين والنازحين لا بل هي من تمد يد العون في قتل وتهجير القليل الباقي  من هذا الشعب الأصيل في بغداد،  عبر المليشيات التي هي جزء من هذه الحكومة،  وهذه الأحزاب الطائفية الدينية البائسة التي تقتل  الشعب  بأسم  الشعب.
كل الحديث عن مكون أصيل  وشعب ذوّ حضارة وثقافة ،مجرد  كلام  فارغ من مسؤول فارغ في حكومة ودولة شبه منهارة إيلة للسقوط في آي ساعة .
 ما لم تتأخذ الدولة دورها في حماية ورعاية مواطنيه،  ليست دولة،  بغض النظر انتمأتهم وتوجهاتهم،  العرقية أو الاثنية أو المذهبية . والباقي كله لغو بدون آي  معنى ولا ينفع أحد.

191
قتل مع سبقّ الإصرار   
حينما كان يقترب قطار بغداد - موصل من منطقة الكيارة أو ناحية حمام العليل كان أولاد تلك القرى والبلدات يرشقون القطار المَار  بالحجارة ، فيتسببون بكسر الزجاج،  أو حتى أصابة أحد المسافرين أذا كان الشباك مفتوح . مما دعا هيئة سكة الحديد الى مخاطبة وزارة الداخلية بالموضوع ، وكان على رأس الوزارة  في ذلك الوقت وزير قوي  وذوّ سطوة  ونفوذ بالغْ على الكل، وكان عادل في شيء واحد ، هو توزيع الظلم على الكل بدون أستثناء ، هو وطبان ابراهيم الحسن ، الأخ الغير شقيق لصدام حسين . فأمر أفراد شرطة حمية القطار أَن يطلقوا النار على آي شخص يضرب القطار بالحجارة  دون تردد ويردونه  قتيلاًًً، في ذلك الوقت ومع هذا الإجراء الصارم والمخيف لم يجرء  شخص على طول مسافة سكة الحديد على رشق القطار بالحجارة مطلقاً. 
القوانين الارضيّة هي جزء تنظيمي وهيكلي  للمجُتمعات البشرية ، كي لا تتحول هذه المجتمعات الى غابة البقاء فيها يكون للأقوى. وبدون هذه الحُزمةّ من القوانين  والأوامر التي تضبط إيقاع الحياة العامة للناس وتحفظ حقوقهم مصونة من العبث واللعب بها ، والحدّ من الجريمة. يكون من الصعب جداً العيش في هذه المجتمعات، وتصبح السمة الغالبة هي  الفوضى والخراب. وكل شخص عاقل ومنطقي  يجب أن يعرف دوره ويُطبق ما يستوجب عليه من ألتزامات وحقوق. وتتكون هذه الحقوق من لوائح ونصوص جنائية وجنَح  وهي تبدء من  ضرب إشارة المرور وصولاً الى جريمة الإبادة الجماعية، كلً حسب دعوته وقضيته والجُرم الذي أقترفه.  بدون تمييز أو تفضيل  شخص على أخر . وكل هذه القوانين مستمدة من قانون روما والتي كانت أساساً لنظام القانون المدني الشائع في معظم دول العالم الآن، و يرجع أصل القانون إلى قانون الألواح الاثني عشر الروماني الذي وضع عام 450 ق.م.
ولكن هناك وقفة وخطوط حمَر وزرقّ ونصوص  يجب دباجتها وصياغتها من جديد على ضوء المتغيرات التي إصابة العالم في الحقبة الاخيرة. والسؤال هّو،  هل أصبحت تنفع هذه القوانين والعقوبات والاجراءات القضائية الحالية ، مع هذا العصّر؟.
 مع نهاية الحرب العالمية الثانية ، والمنعطف الكبير الذي غير وجه العالم ، والكمْ الهائل من القتلة والمصابين والمشُردين ، توجهت البشرية وخاصة الغرب ،  نحو مجتمع أكثر انسانية،  وأكثر رقيَ للإنسان بذاته ووجوده  هو ، وأصبح أكثر ميل  الى النزعة السلمية ، يبحث عن السلام  والامان ، يبتعد قدر الإمكان عن العنف ويتجنب الدخول في حروب وصرعات . ومع تزيد منظمات المجتمع المدني ، والمنظمات الحقوقية وهيئات تبحث وتعتني بحقوق الانسان ، أصاب بعض التغير والترهل منظومة القوانين والاجراءات القضائية ، التي مالت بدورها الى أتخاذ بمنهج أصلاح  الفرد الانسان قبل معاقبته ، بحيث أصبحت السجون التي يقضي به المحكوم عقوبته ، ورشات تعليمة،  وصالات لكمال وبناء الأجسام،  ومسابح  وملاعب  وحدائق ، وهي أقرب الى الفنادق منها سجون . حتى انه في دولة مثل أستراليا يسعى الشخص أن يدخل السجن  لما يراه من مراعات وتقدير ، وهي حال الكثير من الدول المتقدمة مثل هولندا وسويد والنرويج والدنمارك واليابان  وغيرهم ، جميعهم يتخذون أسلوب الإصلاح  وليس العقاب  مع النزلاء.
ولكن وحسب علماء الاجتماع  ، وعلَم النفس الحديث  فأن في داخل كل أنسان بقايا نزعات حيوانية بدائية لم تنتهي أو تضمحل مع تطور البشرية،  فضلت تتمحور وتظهر من حين الى أخر .  والشر صفة موجودة  في البشر أضعاف الخير ولكنها مربوطة بحكم المنظومة الخارجية ، ولكن سرعان ما تنفك في ظروف طارئة وتظهر مع الحوادث،  مثلاً نزاع  بين سائقين تكسي على راكب فيتحول الى عرَاك بالأيادي  ، أو مشاجرة في حفلة على أمر تافه  ، أو نزاع بين عوائل على ملكية أرض يؤدي الى قتل كثيرين. ولكن هناك  أمور وتجاوزات تتعلّق  بحياة أشخاص عاديين  تُزهق كل يوم بسبب هزل وضعف العقوبات والاجراءات والقضائية ، تحت شعار أن الانسانية يجب  أن تسود .  كشخص يقود سيارة وهو سكران أو متعاطي جرعة من المخدرات  ، فيصطدم بناس أبرياء ، يكوّنوا عائدين  من حفلة أو عند أقارب لهم ، فيتسبب هذا السائق المعتوه في قتلهم أو أصابتهم  . وحين يُحال الجانى الى القضاء يُعاقب بحكم مخفف كأن تسحب أجازة السوق منه و يحرم من القيادة فترة معيني وبعدها  يعود  كما  كان وأشد،  بمعنى أوضح  أن العقوبة القانونية  لا ترتقي الى مستوى الجريمة  ، ولهذا نرى ازدياد حوادث السيارات المرورية التي في بعض الأحيان تكون كارثية يذهب به عوائل بكاملها في لحضة تهور من شاب معتوه غبي ، يفكر أن الرادع والعقوبة غير فعالة فلا يبالي من المخالفات مدامت بسيطة . هنُا يجب على المشرع والسلطة القضائية أن تفكر في تُفعلْ أو تُغير القوانين  الجنائية ، خاصة المتعلقة بحياة البشر العامة، كي تكون رادع قوي  لمن تسول له نفسه أن يستهتر بأرواح البشر الأبرياء ،  وألا سوفة تتحول المجتمعات البشرية ، الى ساحات صراع   وتنافس محموم  البقاء يكون  فيها  للأقوى،  والضعيف ينزوي  ويذبل.

192
المنبر الحر / أصنام الغناء
« في: 06:33 22/09/2015  »
أصنام  الغناء 
الغناء هو جزء من ذاكرة الشعوب الحية ، وايضاً جزء من هويتهم الثقافية، مع الكثير من المفردات التي تُثبت هذه الهوية ، مثل  العادات والتقاليد ،  والملابس ، والطعام ، وحتى اللهجة المحكية الدارجة جزء من هذه الثقافة  وهذا التنوع. تصبح هذه المفردات مع توالي السنينّ مصدر تذكُر، تتناقلها الأجيال من جيل الى أخر، وخاصة الاغاني المُتوارثة ،   فأصبحت  تسمُع ، وتُعاد وتُغنىَ في ليالي السمر ، وذات إقاع  ورنة خاصة،  وأن مضى عليها وقت طويل ، مثل أغنية يردلي المصلاوية  التي هي بالأساس جاءت من منطقة ماردين مع هجرة الأرمن والسريان الى العراق مع بدايات القرن العشرين ، وأستقرت في الاذهان لكلماتها البسيطة ويقاعها الجميل ، مَع أضافة بعض التحسينات أليها من وقت الى أخر ،  وهو الحال في  الكثير من الأغاني والمقطوعات التي تُسمة في اللهجة المصرية طقطوقة، والتي ظلت مُترسخة في الاذهان.
في العراق حملت الحروب المتتالي والعبثية  ثقافة غنائية من نوع أخر ، هو الغناء السياسي أو الأناشيد الوطنية لمرحلة الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988 ، حيث حصل توجيه من القيادة العليا الى وزوارة الثقافة والإعلام أن توجه الشعراء والملُحنين  وكتاب الأغاني الى تسَخَير أمكانيتها وأبداعاتهم الفنية  لخدمة هذه الحرب،  ولكن عن طريق الصوت العذب والقلم البليغْ وليس البندقية ، فظهرت لنا مجموعة اغانى تُمجد المعركة القادسية وشخصية صدام ،  وتهيء الجندي معنويا،  وتشحنه فكرياً في قوالب جاهزة تجعل  القتال مُقدس ، فيموت  وهو مُرتاح الضمير ، ويقتل ايضاً بدم  بارد معتُقدّ أن الآخر هو المُعتدي،  بدون أن يعرف أو يجرئ على التفكير كيف بدأت هذه الحرب وكيف أنتهت ولماذا ذهب أكثر من مليون شهيد ومفقود  دون أي معنىً يذكر ، المُهم أن صُرفاتْ الدبابات تدور رحاها،  ورائحة البارود تعبقّ المكان ، والدخان يعانق  السماء،  وأشلاء الجثث تتناثر على التراب في  مشهد  مأساوي مرُعب.
أشترك في أخراج هذه المجموعة من الأغاني الى النور شعراء كبار منهم عبد الرزاق عبد الواحد مكي الربيعي  دَاوُدَ القيسي والملحن طالب القره غولي ، وعمالقة  الطرب العراقي ألياس خضر فاضل عوّاد  سعدون جابر محمود أنور صلاح عبد الغفور..... الخ .  كل هذه الأسماء والمؤسسات  الإعلامية   تعمل على تمجيد  وأعلاء من شأن شخص واحد هو القائد. وكان التوجيه والبث عن طريق قناة  تلفزيونية واحدة، هي القناة الأولى  التي  تعرض هذه الأناشيد الوطنية على مدار الساعة وتعُاد أكثر من مرة في اليوم الواحد،  فستقرت في الأذهان وأخذت حيّز واسع من مخزون الذاكرة الجماعية للناس، لأنها حُشرت عنوة مع التكرار والأعادة، وأصبح مع مرور الوقت الانعتاق والتحرر ونسيانها  أمر صعّب ، لكونها مرتبطة بصور كثيرة  في ألبومات من الحياة اليومية مطبوعة في اللاشعور، مثلاً ، المقاتل حين يعود الى البيت في أجازة مرتدي الزِّي العسكرية  ، السيارة الخاكية  ، البندقية ، وصورة  بانورامية تراجيدية تحُاكي هذا الواقع.
وحال  المعارك  الكبيرة ، هو  خسائر ، وشهداء وأسرى، و قتال شرس مهلُك ، تضيع  فيها القيمّ  ، ومن هو الغالب والمغلوب ، والظالم والمظلوم . ومع  كل هذا تعرض الانتصارات الكاذبة من ساحات الوغى على شاشات التلفاز بدون آي حرج ، وحين غنى كاظم  الساهر عروستنا وأخذناها، بمناسبة   تحرير الفاو،  لم يقل لنا لا الساهر ولا غيره كم  هو  كان عدد  الشهداء الذي ذهبوا  في أتون  هذه المعركة ، وعدد العوائل التي نُكبت.  كل  هذا كان مع  سنوات الثمانينات  والتسعينيات ، وبدأت تخف مَع  بداية الألفية  الجديدة  وأنتهت مع أحتلال  وسقوط العراق في 2003.  ولكن ظلت مستقرة في الوجدان العاطفي تُدغدغ  المشاعر المكبوتة ، ونقلناها معنا حيث رحلنا ، نرددها ونغُنيها في حفلتنا وأعراسنا،  وانا شخصيا حضرت أكثر من ثلاث أو أربع حفلات أعراس في ولاية ملبورن أستراليا ، كان المُطرب يغنى فيها  يا كاع  ترابج  كافوري ، ولكن أرض العراق ليست كَافور كما تقول الاغنية ، هي مرَويا ومتُشبعَة  بدماء الشهداء الأبرياء من بداية  الكون والى الان ،  ولم يخطر ببال المُغني والفرقة التي معه أن هذا النوع من الغناء يحمل  ويستحضر  في طياته وجعْ  وألم  ذكريات لناس ودعوا  ودفنوا موتاهم  وفلذات  أكبادهم  بسبب  قضية  تبين  انها خاسرة من البداية. مع الأخذ بنظر الاعتبار وجود ألاف الاغاني الغزلية والعاطفية  والزجل لهذا النوع من  المناسبات والأعراس.
الشعب الألماني أول شيء  فعله بعد الحرب الكونية الثانية هو طَي صفحة الماضي،  وترك كل ما يتعلق بها،  بما ذلك  الأغاني الوطني التي كانت تمُجد هتلر والحزب النازي  ، في وقت كانت برلين العاصمة مدمرة بالكامل  ولا يوجد حجر على حجر مستقر فيها ولا تصلح لشيء  ، ومع  كل هذا حلق الشعب الألماني مجددا في فضاء الحرية والبناء والتجديد ، وأنشاء ارقى الجامعات والكليات التي هي بدورها أقامت جيل  جديد يؤمن بالمعرفة والعلم،  والفكر والفلسفة ، ويطور ذاته ويصلح ما عطبته الحرب  في جميع نواحي الحياة فنهض من كبوته وهو أقوى من الاول . وايضاً اليابان التي أتعضت من تلك الحرب اللعينة بعد قنبلة هيورشيما ونجازاكي ، وأتخذت من ناصية العلم  والتطوير التقني لهم سبيلاً،  فنبغوا في هذا المجال  بدون  منازع ، ورذلوا الماضي الغير مأسوف  عليه.
هل نسطيع نحن أن نعبر الى المستقبل  ونقفز فوق ماضينا وجروحنا وآلامنا،  ونلحق في ركب الحداثة ، أم نبقى نشتر الماضي ، الذي ذهب ولن يعود،  ونصبح مثل النعامة التي   تدفن رأسها  في التراب كي لا تتفاعل مع محيطها وبيئتها. أم أن هذا صعب ، ومازلنا بعد  في قوقعة  الوهم  والسراب، لا مقدرة لنا على تمزيق قشرة البيضة الهش والخروج من عنق الزجاجة القصير ، وعيش  الحياة ، وتحطيم صنم الماضي البغيض.

193
الڤاتيكان وقضايا معاصرة   
لو بحثنا في ثنايا أروقة دولة الفاتيكان لشهدنا قضايا وملفات عالقة  ومُعقدة ،لا تخص للاهوت والفلسفة، بل هي مسائل على تماس مباشر مع  المؤمن العادي آي مع العوامْ من النَّاس.
   تطفو  هذه الملفات والقضايا على السطح من حين الى أخر وهي تخص العائلة الكاثوليكية ، مثلاً  عمليات الإجهاض وتحريمها من قبل الكنيسة ، وأن  كانت  تحصل كل يوم  وبالعشرات ، لأسباب كثيرة منها  تشوه الجنين وهو في مرحلة التكوين ، أو الحمل الغير شرعي  مع رفض الاب الاعتراف به ، فيكون نصيب هذا الكائن العاجز الإجهاض . وأيضاً ملف الواقي الذكري الشائك  male condom ، الذي لم يفصل به الى حد الان وظل السجال قائم  حوّله الى حد الأن  ، هل يُعتبر مُحرم، آي محاولة  منع حيوان منوى من العيش بصورة غير مباشرة وقتل أنسان كان مُقدَّر له أن يبُصر النور لو بقى  ،  وأن شهد الموضوع بعض الحلحلة  حيثُ خفف   البابا بنديكتوس السادس عشر بعض القيود عليه وقال يمكن  "في بعض الحالات للحد من مخاطر انتقال عدوى" مرض الايدز، في كتابه "نور العالم" الذي يتضمن مقابلات مع البابا.  وأعرب البابا السابق  عن أمله بان "تكون هذه الحالة الخطوة الاولى نحو توعية اخلاقية وبداية تحسس بالمسؤولية تتيح الادراك انه لا يمكن اباحة كل شيء ولا نستطيع القيام بكل ما نريد".ومع ان البابا فتح ثغرة في هذا الموضوع فانه تدارك القول "الا ان هذه الطريقة ليست الانسب للقضاء على آفة الايدز، الذي يجب ان يتم فعليا عبر انسنة العمل الجنسي". كان ذلك في أذار عام 2009.
 ولا ننسى ايضاً مسألة لا تقل أهمية وهي المثالية الجنسية Homosexuality. وما تشكله من عبء على عاتق الكنيسة ورفضها بقبول الزواج المثلى.
في الأحد الماضي عُرض على قناة 9 الأسترالية برامج 60 minutes  ، كان الموضوع يدور حولة فتاة أصُيبت بحادث وهي صغيرة بعُمر ال 5 سنوات مما أحدث لها  تشوهات في المنطقة الحساسة آي بيت الرحم . وتكتشف بعد بلوغها أنها لن  تنجب أطفال نهائياً ، فنصحوها أن تدخل الدير وتترهبْ ، ولكن كان حب الفتاة ذات الأصول الأيطالية للحياة كبير فتزوجت بشكل طبيعي من شاب  ، وبعد مدة أرد الزوجين أنجاب أطفال ،  وفي البحث والاستفسار توصلوا الى  انه من الممكن أن تستأجر رحم ، فكانت أم الفتاة  هي من تطوع  في حمل هذه الأمانة عن طريق الأنابيب  وتم حقن سائل صهرها المنوي في رحم بويضة حماته،  وبعد فترة الحمل الطبيعية أنجبت السيدة مولود ذكر ، الذي اصبح في عالم العلاقات الاجتماعية هو أبن الفتاة وأخوها في نفس الوقت ، ولأبيه هو أبنه وأخو زوجته ، ولأم الفتاة هو ابنها وحفيدها ايضاً. وحين سُئل والد الفتاة عن رأيه في المسألة قال أهم شيء عندي في هذه الدنيا هو سعادة أبنتي،  الام وبكل سرور قالت لا مانع من فعل  ذلك مرة اخرى مادام ذلك سُعد جميع العائلة. 
هُنا وبعيداً عن الآراء المتشنجة سوفة تقع الكنسية في مأزق مُحير ،  هل يمنحون سر المعمودية لهذا  الطفل،  الذي يُعتبر في نظر ذويه شرعي ، أم تتحفظ على أساس انها عملية  غير شرعية ومرفوضة جملة وتفصيلا ولا يمكن البحث فيها أصلاً من البداية، وهنُا يبقى الباب مفتوح  للتأويلات والنقد والاجتهادات وحتى تأخذ مسارات مغايرة .   
في النهاية يظل  العلم غير مُهتم بمسألة الاخلاق، هو في بحثه الدائم يريد أن يرتقي بهذا الانسان الى الكمال ، الى عالم أكثر إنسانية وأكثر حرية بغض النظر عن الاخلاق والقيّم  ومعضلتهما، على هذا المفهوم  كان العداء كبير  وأزلي بين الدين والعلم . . عندما بدأ غاليليو إلى التأكيد على أن الأرض في الواقع تدور حول الشمس، وجد نفسه قد طعن في المؤسسة الكنسية في وقت ، حيث التسلسل الهرمي للكنيسة قد ارتبط مع السلطة الزمنية، وكانت الكنيسة تعيش صراع  متواصل يتمثل  في  صعود المذهب البروتستانتي.
 ولا زال هذا الصراع مستمراً  الى  حد الان ولكن مع أختلاف في الطرح والقضايا.

194
المنبر الحر / أطلالة قصيرة
« في: 06:01 09/09/2015  »
أطلالة  قصيرة
في مفارقة حصلت هُنا في استراليا والتي كانت متزامنة مع أندلاع المظاهرات في العراق،  على مدى أستشراء الفساد وفشل القادة والأحزاب العراقية  في تبني مشروع نظام دولة عصرية خلال هذه الفترة من الحكم .
 فقد  قدمت  رئيسة البرلمان الاسترالي برونوين بيشوب استقالتها بعد أسابيع من الاتهامات التي وجهت لها باستخدام أموال دافعي الضرائب لدفع ثمن ترتيبات سفرها،  وقدمت بيشوب استقالتها بسبب إنفاقها أكثر من 5000 دولار استرالي  ما يُعادل 3500 دولار أمريكي  فقط من الأموال العامة، لاستئجار طائرة هليكوبتر لحضور حفل لجمع التبرعات لحزب الأحرار الحاكم الذي تنتمي له، وذلك بدلا من استقلال سيارة لمدة 90 دقيقة. وتركت منصبها فعلاً بعد عمر ناهز  72 عاما قضت الجزء الاكبر منه في خدمة استراليا والشعب الأسترالي.
في العراق ومن سقوط الصنم عام 2003  والى حد الان تشير كل الإحصاءات الرسمي وغير الرسمي والدراسات والبيانات الى أن العراق يتربع على عرش الفساد المالي والاداري بين الدول الأكثر فساداً في العالم.   والى أرقام  فلكية  حيث بلغت الأموال المنهوبة  والمسروقة  الى 700 مليار  دولار ، وخلال  حكومة المالكي التي امتدت الى 8 سنوات كانت هي الأكثر فساد والأشد تهريباً للأموال الى خارج البلاد  في تاريخ العراق ،  فالعقود الوهمية والشركات السرابية والجيش الفضائى الذي تخاذل أمام أنفار من الإرهابيين، وفر هارباً تاركاً ورأه اكبر مدينة تسقط بيد تنظيم ارهابي خلال ساعات. ناهيك عن تلك الرواتب الضخمة  للبرلمانيين والمسؤولين التي تقف أكبر ميزانية  لأية دولة عاجزة  أمامهم .
الحسَابْ والمحاسبة ومسائلة المسؤول آينْ كان منصبه وموقعه يدع الكل تحت طائلة القانون دون تمييز ، ودور المعارضة الصحيح والصحي  هو متابعة المُقصر وتصحيح مسار الحكومة  ، وليس العكس. والإعلام الحر  ينشر ويفضح كل من يرتكب خطأ في حق الدولة ، وليس مثل القنوات العراقية تنافق وتُجامل وتُجمل الحكومة والسياسيين بمساحيق رخيصة  على حساب هذا الشعب المنكوب.
لقد ملَ الناس من كذب المسؤولين العراقيين ونفاق قادة الأحزاب الدينية ، ودجل النواب الذي لا ينتهي.  وكل من يتخيل أن نهاية الفساد العراقي قريب فهو أما ساذج أو في أحسن الأحوال هو حالم ، فالعبادي يعطي حبة دواء  مُسكن لشخص مُصاب بمرض سرطان منُتشر في ارجاء الجسم. 

195
حقائق عن فساد الحكومة العراقية  أغرب من الخيال.   
الفساد والرشوة  وجهان لعملة واحدة ،  لا ذمة  أو ضمير لشخص يكون في وسط هذا الحقل  ، فقط القاسم الوحيد الذي  يجمع الفاسدين  والمُفسدين هو نهب  المال العام  وتكديسها في  بنوك  سويسرا ، على أمل أن يكون القرش الابيض ينفع في اليوم الأسود ، ولكن هل أسوء من أن  تتحول القِيَم  الإنسانية الى سلعة رخيصة تتضارب اسعارها في البروصات العالمية . هذه الاّراء وغيرها تبين مدى هشاشة وضعنا العربي الساقط  في براثين الفساد. 
أتذكر في عام ٢٠٠٥ حين عُرض المسلسل المصري للثروة حسابات اخرى مِنْ بطولة صلاح السعدني وعمر الحريري ، واخرون ، وكيف أن للمال حسابات غير تلك التي يفهمها الانسان العادي البسيط ، وكيف تتغير نُظم الأخلاق وتصبح متأرجحا بين الثابت والمتغير ، وتصبح المبادئ بين فكيي غول اسمه المصلحة الشخصية  ، ونرى في سياق  المسلسل أن يُطلب مِنْ  الابن أن يُصفي والده من أجل الحفاظ على المصلحة ، وكيف تتعامل القوة الخفية المرتبطة بالنظام العالمي المالي وتدخل حتى الى غرفة النوم الخاصة وتصور العلاقات الحميمية بين الرجل وزوجته . من اجل الضغط عليهم  في وقت الحاجة وابتزازهم في مشاريعهم المشبوهة ، كانت هذه الدرامة تجسيِد لعمق الفساد والترهل في البلادن العربية  .
 الفساد موجود في أنحاء العالم بصور نسبية ، وبصورة كلية في الوطن العربي وعلى نطاق واسع  فالرشوة والاختلاسات والسرقات المهولة،  التي يقف العقل البشري عن جمع أصفارها ، وطرح أرقامها دون رقيب ولا محاسبة والعراق أكبر دليل حيّ، خُذ عزيز القارئ مثلاً شاخص قائم هو 
عبد العزيز الاول ال سعود مؤسس المملكة العربية السعودية كيف كان يأخذ أموال من بريطانية  على شكل قطع نقدية ذهبية ،وبعد ذلك هبات امريكا التي ساهمت بشكل مباشرة في بلورة الدولة السعودية .   وَكَيْف قام عبد العزيز  بتصفية خصومه من أبناء العشائر بطريقة وحشية ، الى أن أستحوذ  على السلطة بمساعدة الإنكليز والامريكان .  أرجو مشاهدة فلم  ملك الرمال هو فيلم تاريخي إنجليزي يحكي سيرة الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية من إخراج المخرج السوري نجدت إسماعيل أنزور.
وايضاً أمراء الكويت والشيخ مبارك الصباح والخلافات التي نشبت بينه وبين أخويه والتي انتهت بقيامه بقتل أخويه في 17 مايو 1896 ، وملك المغرب الراحل الحسن الثاني المشهور بثرائه الفاحش وتبذيره العجيب .
وقد صدر كتاب مهم  للصحفي الفرنسي"اريك
لوران",الذي أصبح مشهورا في المغرب بفضل الحوار الذي أجراه مع الحسن الثاني , وصدر في كتاب بعنوان"مذكرات ملك".
 ولكن الذي حدث ويحدث  في العراق فعلاً هو غريب ويسحق التوقف والتفكير بشيء من الجدية والتعمق ، فالمليارات المنهوبة  من الدولارات تدخل في الثقب الأسود،  وأتون النار كأنها عشرات الدولارات ، لا احد يسأل ولا احد يتابع  ولا احد يُريد ان يضع يده على الحقيقة أبدا  ، الشعب مغلوب على أمره ذاق الامرين على مدار ٤٠ سنة والسياسيين العراقيين  فاسدين الى النخاع يتخبطون في وحل الرذيلة والبؤس . كل كلامهم كذب في كذب . لا مشاريع إنمائية لديهم ولا  مشاريع اصلاحية ولا تخطيط للسنوات المُقبلة  ولا خارطة سياسية لما يفعلونه،  بوصلة التوجيه لديهم توجههم  الى المناصب والسلطة  والمال السائب  فقط .
ولكن لكل قصة بداية ، وتبدأ حكايُتنا  في عام 2004. حين شعرت إدارة الرئيس جورج بوش آنذاك أن النظام الشيعي القريب من إيران الذي أقامته في العراق، بعد إسقاط صدام حسين في العام السابق، بحاجة ماسة وفورية إلى ضخ المال في عروقه. كان هناك أمام مجلس الكونغرس مشروع بتقديم مساعدة أميركية ضخمة إلى النظام العراقي الجديد. صحيفة «نيويورك تايمز» التي نشرت حكاية المليارات  قبل عدة شهور تقريباً، لم تقل من هو الذي دلّ إدارة بوش على وجود هذه الاموال من الدولارات، مجمدة في المصارف الأميركية، لحساب العراق من أموال برنامج «النفط مقابل الغذاء». أود أن أشير هنا إلى أن كوفي أنان الذي كان آنذاك أمينا عاما للأمم المتحدة، طلب من مجلس الأمن فتح تحقيق في فضيحة اختلاسات ضخمة تورط فيها موظفو البرنامج من دول كبرى، كروسيا... الطريف أن الغرض من إنشاء البرنامج، كان الحد من تبذير نظام صدام أموال العراق على قصوره ومنتجعاته، منذ فرض العقوبات الدولية عليه، بعد طرد قواته العسكرية من الكويت في عام 1991 بشكل مخزي ومُذل. أن التقديرات الأميركية  لقيمة رشى صدام حسين  بلغت 10.1 مليار دولار، تلك التي تمكن من «سرقتها » فقط من أصل 67 مليار دولار أنفقها البرنامج منذ إنشائه في عام 1996 / 1997، إلى توقفه مع نشوب الحرب (2003). أعود إلى صحيفة «نيويورك تايمز» التي تقول إن الرئيس بوش بدأ فور علمه، بوجود أموال العراق المجمدة، بشحن مبالغ منها تتراوح نقدا بين 12 و14 مليار دولار، إلى الحكومة العراقية التي كان يشرف عليها منسق الاحتلال الأميركي بول بريمر. ثم حوَّل أيضا خمسة مليارات دولار، كأموال إلكترونية سائلة، ليصل المبلغ المعلن فقط، إلى 19 مليار دولار. المثل الشعبي يقول: «المال (السائب) يعلم الناس السرقة». فقد كانت المفاجأة الكبرى لإدارة بوش، اكتشافها أن الأموال المحوَّلة لم تنفق على الإدارة العراقية، ولا على إعاشة ملايين العراقيين. ولا لتسديد الرواتب المتأخرة. بل تواصل فقدان المال المحوَّل، بعد تشكيل الحكومة العراقية الثانية (برئاسة إبراهيم الجعفري وزير الخارجية الحالي). ثم الثالثة (حكومة نوري المالكي)  الأكثر فسادا في التاريخ !، وبدلا من تكليف المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) أو مكتب التحقيقات الفيدرالي (المباحث الجنائية إف بي آي)، عمد بوش إلى تكليف صديق شخصي له، من رجال الأعمال في تكساس (ستيوارت باون) وكان يشغل منصب  المفتش العامَّ الأميركيَّ لإعادة إعمار العراق ، للتحقيق لمعرفة أين اختفت الأموال العراقية، وتم عقد أجتماع سري مع الدكتور إبراهيم الجعفريّ رئيس التحالف الوطنيِّ العراقيِّ . أبقى باون تحقيق لجنته سريا طيلة عشر سنوات تقريبا! لم يتكلم قط، إلا في الأشهر القليلة الماضية، ليعلن أنه أصيب بالذهول عندما اكتشف أن مليارات من الدولارات جرى تحويلها، بمعرفة الحكومات العراقية المتعاقبة في السنوات العشر الأخيرة، إلى لبنان. وبدلا من إيداعها في المصارف رسميا. فقد أودعت في مستودع محصن وضخم، تحت الأرض في الريف اللبناني!  مفاجأة من العيار الثقيل ، باون يملك الآن مستمسكات ووثائق حصل عليها في التحقيق، لنقل 1.2 إلى 1.6 مليار دولار فقط إلى لبنان. لكنه لا يملك إثباتات عن المليارات الأخرى التي تم نقلها، وذلك «لأسباب خارجة عن إرادتنا»!حسبما قال ،  أبلغ باون المخابرات الأميركية الداخلية والخارجية نتائج تحقيقاته، طالبا منها مواصلة التحقيق. ويقول إن هذه الأجهزة المخيفة لم تحرك ساكنا. وتذرعت بأن «المال عراقي». وأضيف أن المخابرات الأميركية تعرف أن نهب النظام الشيعي العراقي لموارد العراق النفطية يفوق بكثير سقف النهب المروع في عهد صدام حسين. ينوه باون أيضا بأنه تحدث إلى المالكي بخصوص «الكنز» الذي نقل إلى لبنان. فلم يقم بأي تدبير لاستعادته. بل أبدى، في صدِّه وجفائه، استياءه من الطريقة العلنية التي نقلت بها أميركا المال إلى العراق! أكثر من ذلك، فقد رفضت السفارة الأميركية في بيروت التعاون مع محققي باون، لمعرفة مكان المستودع! وحذرتهم من البحث عنه. ربما لأنها تعرف من دون أن تقول هي وباون - إنه موجود في أرض يسيطر عليها «حزب الله» ورجال إيران في لبنان.
لقد ضاعت ( الحسبة) على  النَّاس، ويجب أن تنفضح  سياسة المالكي والجعفري ومن قبلهم الأمريكان  الذين تَرَكُوا الحبل على الغارب للقادة والزعماء السياسيين لكي ينهبوا ما أستطاعوا لذلك سبيلَ ونبين الى اين وصلت الأمور،   وكيف استفحل  الفساد ونخرْ  المجتمع العراقي . ويعرف الناس كيفْ يتعامل الكبار والقادة مع الشعب.

196
الى مزبلة التاريخ 
ذهب المالكي الى مزبلة التاريخ دون رجعة ، ذهب بعد ٨ سنوات قضاها  في حكم استبدادي  دكتاتوري ، وفساد نخر كل مؤسسات الدولة وجعلها تترنح تحت وطأة المحسوبية والمحُاصصة الطائفية المقيتة. 
في انتخابات ٢٠١٠ حين أغتصب نوري المالكي السلطة عنوة من المرشح الفائز اياد علاوي ، تكاتفت كل قوى الشر الظامئة لدماء العراقيين الأبرياء  من ايران  وأمريكا معه وساندته ، من اجل تخريب العراق وتدمير البنية التحتية للبلاد ، وإقصاء الشركاء الحقيقيين المخلصين في العملية السياسية ، ونجحوا في ذلك نجاح باهر والتي قطفوا ثمارها في سنة ٢٠١٤ حيث سقطت محافظة نينوى بشكل مذل وهرب الجيش الذي صُرف عليه مليارات الدولارات بشكل مهُين ومذل . ولكن لا يصح ألا الصحيح في اخر المطاف ، فهذا هو نوري المالكي مكروه ومرذول من قبل الشعب الذي منحه ثقته على أمل ان يكون كفئا لها ، ولكنه خان الأمانة وفقد الثقة . فكل هذه المأسي والدمار التي تمر على الوطن هو السبب الرئيسي به ، فمنذ ٨ سنوات وهو يحكم بالطائفية والمذهبية ، والمحاصصة  والرشوة والمليشيات المسلحة التابعة لحزبه ،لقد تم  أبعاد السنة متعمدا من العملية السياسية واعتقالهم  وألصاق التهم بالشرافاء منهم والتحرش بالاكراد طول حكمه  ، الى ان أدخل البلد في نفق مظلم لابصيص نُور في أخره  وحرب أهلية تطرق كل باب  . و هو كان السبب الرئيسي في سقوط الموصل قبل أكثر من سنة هو وقادته العسكريين الفاسدين والفاشلين مثله ، وما جرتّ تلك الأحداث على العراق من ويلات وتهجير وقتل ونزوح جماعي واغتصاب للعرض والأرض . وكل هذا وهو متشبث بالسلطة  ويدعي انه نائب رئيس الجمهورية ، ولا يريد ان يترك المناصب ، يالك من مجرم لعين بعت العراق لأسيادك الإيرانيين بأبخس الاثمان.
اذهب الى جهنم وبأس المصير يا مالكي ، فهؤلاء أطفال سنجار الذين ماتوا بين احظان أمهاتهم من العطش والجوع  ، في رقبتك ، وهذه العوائل النازحة من المسيحين واليزيدين والمسلمين ، الذين تركوا  بيوتهم وفروا  في هذا الحر الشديد الى جهة مجهولة لا يعرفون أين يذهبون بعد ان ضاقت بهم السبل ، سوفة يحاسبونك يوم القيامة ، وهذه النسوة التي ترملت ، والعذارى التي اغتُصبت، والنساء التي سبُيت والرجال التي قُتلت ، والشيوخ التي سقطت  من الذل والمهانة التي تكبدوها وهم في أواخر الايام . هم ودمائهم  وأعراضهم  ومأساتهم انت وزبانيتك وحاشيتك من اللصوص والسراق  تتحملون  وزرهم .
قديما يقُال ان أم القاتل لا تنام ولكن أم القتيل تنام 
لعنك الله يا جواد المالكي انت و حاشيتك ولصوصك وزمرتك الخبيثة التي دمرت البلاد والعباد.

197
المنبر الحر / بديل العقل العربي
« في: 03:53 03/08/2015  »
بديل العقلْ العربي 
لو كتبنا مئات المقالات وعشرات الكتب والدراسات حولة تركيبة العقل العربي لما أوفينا الموضوع حقه. حيث تدخل كل الصيرورات المادية الأولية البدائية  في بنية التفكير ذاته وماهيته في هذا الوجود الواسع  والمزدحم. 
خذّ مثلاً عزيز القارئ ،  شخصاً  ميسور الحال،  وهو بالأصل لاجئ وكان مُشَرَّد في الشوارع يبحث عن دولة تحتويه هو وعائلته ، جاء من  العراق أو الصومال أو لبنان، أو أي بلد عربي مزقته الحروب ، تمكن من الوصل الى استراليا بفضل برنامج  الهجرة  واللجوء  بعد صعوبات بالغة  تكبّدها،  تحركت عجلة الحياة معه  في الأتجاه الصحيح وحقَقَ إنجازات جيدة  على الصعيد المادي  العلمي والشخصي بفضل الخدمات  التي توفرها الحكومة  ، يفكر هذا الانسان الناكر للمعروف ،  بعد كل هذا أن ينخرط في أحدى الجماعات الاسلامية المتطرفة ، لا بل ما هو اسوء من هذا حيث يوظف ثروته في تحقيق مآربه ، ويعزز أفكار الجهاد والتطرّف لدى  أولاده المولودين  في الدولة المضُيفة ، أو شخص أخر مطرود من الكويت آي   ( جماعة البدون) لم تقبله أي دولة غير كندا، وبعد حصوله على الجنسية والحقوق الكندية  ، يراوده التفكير في الالتحاق في صفوف تنظيم داعش الإرهابي ،  حتى من الناحية المذهبية  هو غير  منضبط تماماً  فداعش حركة أصولية إسلامية سنيَة بامتياز،  وهو أي هذا البدون على المذهب الشيعي،  فكيف يستقيم الأمر؟. والمثير في الموضوع انه في نهاية التفكير يلتحق فعلاً .
 ونأخذ هُنا  بما قاله إرڤن شرودنغر:(1886 - 1961 ) إذ نبلغ المستوى العقلي الذي نعاين فيه الحقيقة ندرك أننا العقل الواحد. فإذا كان أي شيء، بما فيه أنفسنا، هو هذا العقل الواحد فإنما يعني هذا أنه لا يمكن أن يكون "الواحد والكلِّي والكامل والمطلق".
وحتى مسألة العقل البديل ، هو كيف يتم تغير العقل العربي المغيُب أصلاً  الى عقل غربي مُنفتح ، أعتقد أن الصعوبة تكمُن في سُبل تطوير هذا العقل الذي  لم يتلمس طُرق التغير الفعلي بعدَ ، وظل في دهاليز المحظور والعيب والحلال والحرام  ، سواء كان في الدين أو السياسة أو الجنس. فهو معزول عن باقي الثقافات الحية وداخل شرنقة لا يحاول الخروج منها ، يقول فريمان دايْسون: 1923 "إننا، إذ نعترف بوجود هذا المكوِّن العقلي للكون، نعترف، في الوقت ذاته، بأننا أجزاء صغيرة من الجهاز الكوني الذي يشير إلى حقيقة الوعي الكوني. بمعنى أوضح هل العرب يفكرون بطرق بدائية لا تتلائم مع روح العصر الحديث  بحيث كبلوا أيديهم  وضلوا محبوسيين رهنْ أفكار ونصوص دينية  عاف عليها  الزمان ومضت في حال سبيلها،  من الاتجاه الثاني أطلق الغرب  العنان في تفكيرهم اللامحدود والمتحرر ،  بحيث أصبحوا يهشمَون  الحواجز  والمعوقات في سبيل تفكير أفضل مع التصحيح  المستمر  للأخطاء والنصوص  حتى  وأن كانت تتعارض مع الأخلاق والدين. والاخلاق هنُا ليس الجنس أبدا، وهذه مشكلة ايضاً تدخل ضمن الأخطاء الفادحة عند العربي حيث  يحصر الأخلاق في الجنس فقط ولم يتخلص خلال آلاف سنة الماضية من الفكرة  أبداً ، الأخلاق  عند الشعوب الغربية  هي الحق والضمير.  وبحسب كانط، فإن الإنسان ليس مجرد حيوان يسعى نحو إشباع ميوله وحاجاته من أجل المحافظة على بقائه، بل هو أيضا «كائن أخلاقي» يحاول توجيه سلوكه والعمل بمقتضى هذا الواجب.
هل نظرة الشعوب  العربي الى أنفسهم كيف وقف الزمان يُراوح  وكيف توقفت عجلت التطور والحداثة،   والآن ما بعد الحداثة  وزمن العولمة والنيتّ، وظلت الأمم العربية تتصارع في ما بينها على شيء أسمه  فلسطين  القومية العروبة والعروبيين   وكلها أوهام  وسراب  وتغيَبَ للعقل المغُِيبْ أصلاً من قبل الحكومات المستفيدة والفاسدة ،  وفي المحصلة النهائية ذهب كل هذا في مهب الريح ، وهو أي العربي الخاسر الأكبر. 
ويبقى القول أن إصلاح العقلية العربية  صعب جداً أن لم يكن مستحيل ما لم تتخلص من الفرامل التي استنزفت طاقته وجعلته واقف عند القِيَم  ذاتها بدون تحديث update  أو تجديد Renewal  لا يفكر غير في الطعام  والجنس.     

198
الطريق الى البيت الأبيض
على ما يبدو من سعيرّ الانتخابات الامريكي المقبلة 2016 أن حضوض المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون هي الأوفر حظاً بالفوز  ، بالمقارنة مع مرشحيين الحزب الجمهوري .  تاجر العقارات الكبير دونالد تراب  حسب ما يراه الشعب الامريكي غير مؤهل لقيادة الولايات المتحدة ، فهو رجل أعمال اكثر منه سياسي  ويفتقر الى الدهاء والحنكة التي يجب أن يتمتع به أي سياسي،  وبالتالي فهو بعيد عن السدة الرأسية في البيت الابيض . والمرشح الأخر  للجمهوريين هو جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا السابق (1999- 2007)، والابن الثاني لجورج بوش والأخ الأصغر لجورج ولكر بوش ، وأسم عائلته العريق في السياسية ، وقيادتهم  لأمريكا  في أكثر المراحل مفصلية في التاريخ.  لكن هذا لا يمنع ان الإقبال عليه  ضعيف نسبيا ، حيث  يبدو ان انتماء جيب بوش الى عائلة معروفة، ليس بالضرورة عاملا ايجابيا، بل يمكن اعتباره عاملا سلبيا نظرا للانتقادات القاسية التي تعرض لها اسم العائلة في السنوات الاخيرة عقب الحرب الكارثية في العراق التي بدأها شقيقه والتي لا تزال مستمرة منذ 2003  ونتائجها المأساوية الى اليوم ، مما يجعل الوصول الى المكتب البيضاوي  صعب للغاية. 
أما المرشحة الديمقراطية  السناتورة  السابق عن ولاية نيويورك هيلاري  كلينتون 69 عام الحائزة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة ييل العريقة عام 1971. فلها الحظ الأوفر، فهي قضت اكثر من 50 عام في عالم السياسة ، حيث كانت جمهورية  في بداياتها ثم تحولت الى الليبرالية بعد لقاء بينها وبين مارتن لوثر كينغ عام 1962 ، فتركت الجمهوريين وانخرطت في صفوف الديمقراطيين. وأصبحت نجما سياسيا مع اعتلائها منصب الدبلوماسية الامريكية بنجاح 2009 - 2013 . كل هذا الأرث والنجاح  يجعل الطريق أمامها الى البيت الابيض مَعُبد ومرصوف من كلا الجانبين.
الشهور القليلة القادمة سوفة تحتدم معركة الانتخابات الأمريكيا وسوفة تفرز نتائج غير متوقعة هذه المرة.

199
سَنابل الحقلْ الحَمراء
قصة قصيرة
صيف 2005 الجمعة ظهراً في مطار الملكة علياء الدولي ، كانت نور تنتظر بفارغ الصبر نزول خطيبها علاء على الطائرة الآتية من ألمانيا. حاملة بيدها باقة ورد حمراء . تُذكرني هذه الباقة بتلك التي إهُديت الى جاكلين كينيدي حين نزلت من سُلمْ الطائرة برفقة زوجها جون إف كينيدي في يوم الجمعة عام ١٩٦٣ في ولاية دالاس ، وبعدها بدقائق تم اغتيال الرئيس وأمست كل أيامها ولياليها مصبوغة بالدم الأحمر مثل تلك الباقة ، في ذلك اليوم المشؤوم.
علاء شاب في العقَد الثالث من العمر طويل القامة حنطي البشرة بيضوي الوجه . يوحى بالثقة لمن ينظر إليه . تنقل بين عدد من دول العالم وفي أخر المطاف استقر به المقام في ألمانيا مدينة شتوتكارت وحصل بعد عناء طويل على الجنسية الألمانية. يعمل في شركة لبيع اللحوم الطازجة. تعرف على نور عن طريق خالتها التي تعمل في نفس الشركة والتي تعيش في المدينة ذاتها ، وبعد اتصالات متعددة قررا الاثنان الألتقاء في العاصمة الاردنية عمان.
نور فتاة جميلة ومرهفة المشاعر ، لديها أخُتان هي أكبرهم . أختها الصّغُرى أمل، حين أتت الى هذا العالم سحبتها الممرضة بشدة من رحم أمها ففقدت الفتاة بصرها وأصبحت كفيفة ، أسموها أمل على أمل تُشفى من العمى ، حين حملها العَرابْ عند جرنْ المعمودية أطلُقوا عليها أسم كاترين تيَمناً بأسم القديسة لتشفعْ لها . البنت الوسطى أسموها مريم لأنه كان يشع من وجَّهها ضياء حين جائت للدنيا . والدها السيد زهير موظف في شركة التأمين الوطنية ، أمها أمرأة طيبة القلب . تخرجت نور من الجامعة المستنصرية في بغداد قبل الغزو الامريكي للعراق بسنة تحمل شهادة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي التي سوفة تصبح في ما بعد سبب نهايتها.
المطار يعجْ بالمسافرين في هذا الوقت من السنة فموسم السياحة على الأبواب ، وأن قل نسبياً بسبب الحرب الدائرة في العراق وضطرابات المنطقة ، ولكن مع هذا كانت حركة الطائرات كثيرة.
خرج علاء من بوابة الصالة ونور تحمل بيدها لوحة صغيرة مكتوب عليها اسمه بلغتين عربي - إنكليزي ، شاهد علاء الأسم والفتاة الجميلة التي تحمله فزداد غروراً وسعادة ، أصطنع أبتسامة وأتجه إليها ، حين شاهدته مُقِبلاً أبتسمت ببراءة فتاة يطرق الحب قلبها للمرة الاولى ، تبادلت السلام معه بخجل يصبغ الخدين بحمرة خفيفة. وبعد كلام عادي عن الرحلة ومتاعب السفر ، دفعا معاً عربة الحقائب الى سيارة الأجرة ، قالت نور للسائق توجه الى منطقة جبل النظيف فقد كانت تسكن هناك مع أمها وأختها مريم على أمل ان يلحق بهم الوالد هو وأمل الصغيرة بعد أن يستكمل إجراءات معاش التقاعد والفحوصات الطبية لإبنته لعرضها على أمهر الأطباء في عمان. في البيت جهزت الأم وجبة غداء مُعتبرة للضيف الغالي، فسيصبح صهرهم عما قريب. أثناء تناول الطعام تساءلت أم نور عن والدة ووالد علاء والاهل وهل الكل بخير ، أجاب الشاب بإجاز الكل بخير ويسلمون عليكم ، بعد الانتهاء من الغداء وشرب الشاي طلب علاء من نور أن ينزلان الى وسط البلد ويحجز له في أحد الفنادق ، في البداية رفضت الام وقالت لماذا لا تنام هنُا ولكن هو رفض ، ونزل الاثنان معا الى قلب المدينة الى ان أستقر به المقام في فندق المدرج الروماني فهو قريب من السوق ومن بيت نور.
عادت نور الى البيت والفراشات تحملها على أجنحتها الغضة من فرط سعادتها ، فأخيرا وجدت فارس أحلامها الَّذِي يأخذها على حصانه الابيض ويطير به عالياً نحو قوس قزح تُعانق عنان السماء. ولكن سوفة تكتشف في الوقت الغير مناسب انه يركب الحصان دونها ويرحل، وأنها كانت تطير بتجاه الهاوية.
في صالة البيت وجدت أمها جالسة مع جارتهم أم خالد الفلسطينية، أمرأة في الستين من العُمر خطوط زمن الشقاء والألم مرسوم على محايها، يقولون عنها أهل الحي انها أفضل من يفتح البخت والنصيب وقراءة الكف ، وهي تنكر ذلك ، حين رأتها أمها داخله وابتسامتها العريضة على ثغَرها قالت لها تعالي أجلسي سوفة تقرأ لكِ خالتكِ أم خالد الفنجان ، قالت العرافة ببطء دعيها يا أم نور فهي عروس ولا يصح التبصر في فنجانها، ولكن من شدة فرح الفتاة بهذا اليوم ترجت منها أن ترى ما في الفنجان من طلاسم وأخبار تنقلها بقايا القهوة السوداء . جلست نور قرب المرأة وتشبثت في ساعدها الأيمن مثل الأطفال ، فقالت أم خالد حسنا ينور عيني ، وطلبت من الأم أن تعد قهوة جديدة ، وفي أثناء ذلك تبادل الاثنتين أطراف الحديث عن تجهيزات الحفلْ الى أن حضرت القهوة وأرتشفت نور منها قليلاً وقلبت الفنجان على الطبق وأعطته الى المرأة ، بعد دقيقتين نظرت أم خالد في قعر الفنجان وهي تبرمه بين أصابعها بهدوء رزين ، وفجأة تجهمت وتغير وجههُا وقطبت مابين حاجبيها وقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ما هذا الفنجان لم أرى في حياتي مثله أبدا ، وهنُا تدخلت الأم وقالت خير يا ستيْ ، ماذا رايتي أجبتها أم خالد ، بعد سكوت خلاْ دهرا ونظرها متجه صوب المجهول كما تتحدث من عالم أخر، أن الفنجان ينضح دما وتمتمت في سرها يا الله أستر يا الله أستر، وقالت لأم الفتاة اذهبي وغسلي الفنجان فهو لا يبُشر بخير، وسحبت نور وقبلتها من جبينها وتمتم بعض الادعية والصلوات . كأنها قرأت المستقبل كله في ثواني ، نور وأمها ينظران الى العرافة دون أن يفهمان شيء ، نهضت أم خالد متثاقلة وقالت اعذروني انا مجهدة اليوم وأريد العودة الى البيت ،قبل أن تخرج من الباب قالت بقلب مُنكسر وحزن عميق كوني حذرة يا أبنتي ، وخرجت.
في صباح اليوم التالي رِن هاتفها الجوال وكان علاء يطلب منها ان يتقابلان في ساحة المدينة عند الدوار ، اتفقا ان يكملان اجراءات الزواج. في ذلك النهار تكلم هو عن نفسه و نسب عائلته العريق وهي تستمع له مُفعما بالفرح والسرور ، العالم من حولها يرقص لفرحها، ترى انها ترتدي فستان الزواج الابيض وتراقص الأمير، ومن حولها تدور الملائكة والعصافير يعزفون لها لحن الجنة ، وهي تمسك بذراع والدها واقفين على باب الكنيسة وأحمرار خفيف يطبع الوجنتين من الخجل قبل أن يسُلمها الى عريسها المُنتظر . عالم جميل ومشاعر جياشه تفيض من قلبها والدنُيا كلها لا تسع فرحتها. هكذا رسمت الصورة في مخيلتها البريئة بألوان مائية ، مع أولى قطرات الندى تسيل الأصباغ ويظهر الوجه الحقيقي دون قناع.
جاء موعد الزفاف في أقل من أسبوعين ولم يحضر والدها بسبب الظروف الأمنية التي تعصف بالبلد، لم يكن في الكنيسة سوى عدد قليل من الأصدقاء، تمت المراسيم وانتهت الحفلة سريعاً . أخذ علاء عروسته تلك الليلة الى الفندق ، وهنُالَكَ أصبحت نور أمرأة، وتدفق نهر الحياة الخالد على وسائد الحب الدافئ ، وتأوهات الشبَقْ ، وصرخات الغرام المكتومة، والأنفاس المصهورة بين ثنايا جسدين يحترقان ، لقد أشعل الفتيل ومضى.
مرة يوم وأسبوع وشهر، والزوجين ينعمان بالحب وسعير الرغبة وأشتهاء الملقى. ذهبا معا الى حمامات ماعين وقصر البتراء ومعبد هرقل وقلعة عجلون ، وأين ما يذهبان يسبقهم الغرام ونيران بدون دُخَان.
وبعد أيام الخوالي والليالي الجميلة جاء موعد الرحيل الابدي والصمت الدائم ، حيثُ عادة علاء الى ألمانيا، وقال لها انه سوفة يستكمل أجراءات الزواج والسفر عن طريق السفارة في عمان ، في الطريق الى المطار كانت نور وعلاء في المقعد الخلفى للسيارة وهي مائلة تغَفوهَ على صَدْرَه وهو يداعب خصلات شعرها دون حديث، فقد توقف الكلام المبُاح وعزم شهريار على قتل شهرزاد.
في صالة الانتظار تبادلا القُبل وودعها على أمل أن يلتقيها عما قريب ، على السُلم الكهربائي الصاعد لوح بيده لها للمرة الاخيرة . وانتهت سمفونية الملائكة ، وبدأت أوركسترا الغربُان تعزف نشيدْ الموتى الخالد .
رحلَ النهار وجاء المساء ومر يوم ويومين وأسبوع وشهر وأنقطعتْ أخبار علاء ونور تنتظر بفارغ الصبر وعيونها على الجوال شاخصة تريد ان تسمع تلك النغمة المخصصة له ، ولكن لم يرِنْ، ولن تدق تلك النغمة بعد الأن . أتصلت به على هاتفه الخاص مرارن ولكن صوت نسائي كان يرد عليها ، وعلمت بعد ذلك ان شركة الموبايل تعلمها أن الرقم المطلوب مغلق حالياً ، ودائماً. اتصلت بخالتها وقالت لقد سألت عنه اكثر من مرة ولا أحد يعرف شيء عنه ، كَأَنَّ زلزال أرضي فتح فمه وأخذه الى القاع السحيق وحين لم يرى أحد سواه أطبق عَلَيْه ومضى. ونور تنظر مثل فراشة خرجت من شرنقتها دون طعام ولا شراب وبعد أن تستكمل دورة حياتها القليلة تموت على أحدى الزهور ، نور مع أنقطاع الوصل مع زوجها ماتت روحها وبقى الجسد يحمل بقايا العَظام الذي أصبح كَاَلرمَيَّم .
والسياب يُخاطبها من جيكور :
و جلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار
و البحر يصرخ من ورائك بالعواصف و الرعود
هو لن يعود
أو ما علمت بأنه أسرته آلهة البحار
في قلعة سوداء في جزر من الدم و المحار
هو لن يعود
رحل النهار
فلترحلي هو لن يعود
الأفق غابات من السحب الثقيلة و الرعود
الموت من أثمارهنّ و بعض أرمدة النهار
الموت من أمطارهنّ وبعض أرمدة النهار
الخوف من ألوانهنّ وبعض أرمدة النهار
رحل النهار
رحل النهار
و كأنّ معصمك اليسار
و كأنّ ساعدك اليسار وراء ساعته فنار
في شاطئ للموت يحلم بالسفين على انتظار
رحل النهار
الفصل الثاني :
أردات نور أن تستفيق من هذا الحلم المزعج ، ولكن لم يكن حلم بل كان حقيقة ، والواقع والمجتمع يقولان انه تزوجها وبعد شهر هرب دون رجعة ، قضى برفقتها الوقت، مستمتع بها وستنشق رحيقَها وفضَ بكارتها وسرق عُمُرُها وغاب .
مع عصر هذا اليوم ، وهي جالسة في شرفة البيت تنتظر، يكون قد تم على أختفاء علاء ثلاثة شهور وسبعة أيام وتسع ساعات ، وأمها تجلس كل يوم تبكي وتندب حضّ ابنتها العاثر في الحياة .الوالد كل ما يتصل بهم يطلب منهم العودة ويسبْ ويلعن كل من كان السبب في هذا الزواج الفاشل . فقرروا اخيراً العودة الى العراق تسبقهم على الطريق السريع جروحهم المقروحة، ما يمنع الدمع من النزول ما كفكفوا منه سابقاً.
العبور بين دولتين عربيتين دائما محفوف بالمخاطر والتكهُنات ، فلا تعرف ماذا سوفة يقول لك عنصر الجوازات ومتى يوجه لك تهمة التأمر على الدولة، فله السُلطة المُطلقة في تحديد مصيرك خاصة بين دول تدور رحى الحرب به .
في سيارة الجي أم سي العابرة للحدود الأردنية بتجاه العراق ، نظرت نور من حوّلها في أولى خيوط الشمس فلم ترى غير فيافي الصحراء الشاسعة والقاحلة من كل صوب ، رأسها مائل على زجاج النافذة ومسَدولًْ على مُقلتيها ستائر النُعاس المحروم ، على هذه الحالة غفتْ ورأت ما يشبه الحلم ، رأت نفسها في بداية درجات مسرح للباليه، وهي في أوج أناقتها وجمالها واقفة تنتظر شخص ولكن هذا الشخص لم يأتى ، وأقُِفلت الأبواب ولم يبقى أحد في المكان ، وحدها الأن بين عناصر الطبيعة والرياح العاتية والظلام صار حالك وأصبح للهواء عويل وطار شالها ثم طار معُطفها ، وكل ما تعصف بها الريح تطير قطعة من ثيابها الى أصبحت عارية تماماً دون ملابس وملتفة حول نفسها كيرقه تخبئ نفسها من شدة البرد والخجل . لم تستفيق ألا على نقر شخص مُلثم الوجه على النافذة الزجاجية يطلب منها بعصبية الهوية. كانت الأن في مدخل بوابة عاصمة الرشيد .
متغيرات كثيرة عصفت بها وأصاب العطب روحها ، وأيام قضتها في البيت لا تفعل شيء غير الجلوس والتفكير بما حصل لها والتأمل في مصيبتها وجترار الماضي. ومحاولة تفسير ما حصل، الى أن أصبحت على حافة الجنون، حاول الأب مساعدتها واخراجها مِنْ كآبتها ولكن لم يفلحْ ، وظلت على هذه الحالة أيام وشهور، في غرفتها معزولة عن العالم الخارجي تحمل ذاكرة تأبى أن تنساها.
هنُا بهذه الفترة كانت بغداد تحت سيطرة القوات الأمريكي بعد أن إحتلوا العراق كله وأطاحوا برأس النظام، وحُل الجيش وكل والمؤسسات الأمنية وأصبحت العاصمة تسبح في بركة من الدماء، فالأحزاب تريد أن تصل الى السلطة بأي ثمن ، وخاصة تلك التي تنضوي تحت لواء الدين . الاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية والخطف وألابتزاز والفوضى تعمْ كُل المناطق ما عدا الخضراء منها ، والجثُث تُترك على قارعة الطريق الى أن تتفسخ وتتحلل وتنهشها الكلاب السائبه. أصاب الناس تعطش للأنتقام لمَجرد القتل فَقَط ورياح الشر تعصف من كل الجهات وأصبحت المدينة تغلى على برُكان من الحقد والغَل كأنة فايروس القتل ضربهم، وفُقِدت بوصلة الأخلاق والقيم ، وخيم شبح الحرب الأهلية على السكان، وانتهى دور الدولة ورجال الشرطة والأمن ، وأصبح البلطجية والأشقياء واللصوص، هم من يتحكمون بالحياة وفرض إتاوات على التجار تحت شعار الجهاد و التكفير ، والجميع يَقتل ويُقَِتل بأسم الدين ومحاربة المُحتل الأجنبي.
في يوم شتائى ماطر والسماء مليئة بالغيوم السوداء ، رِن هاتف المنزل وكان صديق قديم مع نور في الكلية ، يعمل الأن مع القوات الامريكية بصفة مترجم ، عرفَ عن طريق الصدفة حكايتها فأراد مساعدتها بالعمل معه ، ترددت نور في البداية لما ينطوي عليه العمل من مخاطر ، ولكن مع حالة الانهيار العاطفي والهزة القوية تساوت الحياة مع الموت وزال الفاصل بينهما ، وأصبح كل شيء سيّان في نظرها. لا بل رأت في المخُاطرة المحدقة بها خروج من عزلتها ، فوافقت على العرض ، يوميين من ذلك الأتصال وتكون في القاعدة العسكرية ، برغم رفضْ والديها العمل في هذا المكان .
تنقلت نور بين السجون والمعتقلات ومديريات الشرطة تتُرجم للمحتجزين الأرهابيين والجهاديين التكفيريين وعناصر المليشيات المسلحة واللصوص والمجرمين ، وباتت معروفة ومكشوفة ومُراقبة لجميع هؤلاء الرعَاعَ.
الى أن جاء اليوم المشؤوم والقدر اللعين وتغير كل شيء في حياة نور الى الأبد فقد وشَى بها أحد زملائها، حيث جاَءَت سيارتان مُحملة بأشخاص ذو ملابس عادية مع غُرةُ الفجر وكسروا الأبواب وأقتحموا البيت ، أراد الوالد المسكين منعهم من أقتياد ابنته ولكن لم يسطيع فقد كانوا كثيرين أراد أن يعرف الجهة التي تعتقل نور ، فَقَال له أحدهم بغلاظة لا تخف عليها سوفة نحُقق معها وتعود غداً ، وأخذوا نور بالملابس التي كانت عليها وخرجوا مع صراخ الأم وبكاء البنات.
في بيت حديث البناء خارج بغداد ، وفي غرفة شبه مُظلمة يكسو أرضيتها بقايا دماءً قديمة ورائحة موت مُعلن تعم المكان ، ادخلوا نور.
بقت هناك مشلولة عن التفكير فاقدة جميع الحواس حتى غريزة الخوف والبقاء لم تعد تمتلكهم ، فهي بحكم عملها تعرف مدى وأجرام هؤلاء الناس ولا مفر من بطْشِهِم.
عند حلول ليل ذلك اليوم كان قد جمعوا معها في نفس الغرفة ستة أخرين بتُهم مختلفة ، أحدهم كان ينقل الماء المعدني لمعسكرات الأمريكان والآخر عمل لفترة وجيزة ميكانيكي لتصليح السيارات المصفحة والثالث وجده يتحدث مع الأمريكان صدفة فعتقله ، والبقية لا أحد يعرف ماذا تهُمهم. في ساعة مأخرة من تلك الليلة أشُعلت الأنوار القوية في الغرفة ودخلت مجموعة من الرجال ووقفوا في الوسط وعيونهم تقدح شر ، ونظروا حولهم ثم نادوا على المكيانيكي وقرأ أحدهم بسرعة لائحة الأتهام وحُكم عليه بقطع الرأس، سحبوه من وسطهم وهو يرتعد من الخوف وطلبوا من الباقي ان ينظروا أليه ، جرَ أحدهم سكين وجز الرقبة من العنق فأصبح الرأس في يده والجسد مرمي على الارض يسبح بالدماء، مع أنقطاع الشريان السباتى أصبح الدم يفور ويرشق الواقفين والجميع يشاهد المنظر البشع ، رمى الذباح بالرأس المقطوع على بقية السجناء وهو يصرخ هذا جزاء كل خائن وسوفة تلاقون نفس المصير، والأخرين من العناصر تكُبر بأسم الله بصوت مرتفع ، خرجوا تاركين الجثة والرأس بينهم قاطعين الضوء عليهم . على صراخ المحتجزين وعويلهم مع الدماء التي بدأت تسيل بين الارجل من الجثة الهامدة التي في وسطهم ، أصاب نور مَس من الجنون وأنتابها حالة هستيرية وقامت تضرب على خديها وتجر شعرها وتصرخ، الى أن فقدت الوعي.
في صباح اليوم الثاني وهي على تلك الحالة ادخلوها الى صالة بها كرسي واحد يجلس عليه رجل ستيني قصير القامة يرتدي الزِّي العربي مع يشماغ أحمر يلف الرأس ، ينادونه ابو أبرار حين رأها قال لها بصوت أجش انتِ نور زهور لم ترد فقد كانت بعالم أخر الأن ، وبينما هو يتحدث معها ويسألها لم تسيطر نور على أعضائها الداخلية فتغوطت وهي واقفة ، حين رأى ابو أبرار الغائط يسل بين قدميها صرخ على شخص كان خلف الباب وقال له أعيدوها الى بيتها لقد تعلمت الدرس جيداً.
عند باب البيت دفعها أحدهم بقوة خارج السيارة فوقعت على الرصيف ونطلقوا مسرعيين. بقت نور جاثمة على الرصيف لا تقوى على الحركة، الى أن رأها سامري صالح كان مارا من هناك فساعدها على النحوض ودقّ الباب فخرج والدها وأدخلها وشكر الرجل على المساعدة .
أصبح وعى نور بعد هذه الحادثة كورقة بيضاء ، وذهبَ العقل بعيداً وتبَلدَت الحواس وأصاب الوجدان والمشاعر الوهن والخمول ، وأصبحت تصُرخ كل ليلة وتعتريها الهلوسات وتمزق ثيابها الى أن أصبح الوضع صعب جداً فأدخلوها بعد عناء مرير مستشفى الأمراض النفسية والعقلية.
سنابلَ حقلاً حمراءَ
وبقايا قهوةً سوداء
تشربُ مْنهَا فتاةً عَذراء
وترىَ العرافة طعنةً نَجَلاء.

200
أطباء على جيَاد خشبية   
يذهب شخص ما  لعيادة طبيب العائلة  لإجراء الفحوصات الدورية فيجدها  مغلقة  فيسأل عن السبب،  يقولون له أن الطبيب قد ألتحق في  صفوف  تنظيم الدولة  الاسلامية  داعش ، يضرب  كفّ  بكفْ وينصرف.   
يتوافد من فترة ليست بقليلة على منطقة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية داعش عشرات الأطباء من كل نواحي العالم تقريباً امريكا ، بريطانيا ، كندا، استراليا ، سعودية ، مصر ،  الخ . للانخراط في صفوف التنظيم  ومستشفياته  ومعالجة الجرحة في ميادين القتال ، في وضع شاذ غير منطقي تنُم عن حالة  فوضوية  وعالم  أصبح  فيه  الخطأ  هو الصحْ .
فطبُيبَنا الأسترالي الشاب طارق الكاملة (29) سنة يترك عمله ووظيفته وعياتده لطب الأطفال  ويغادر الى سوريا في مارس 2015  ، وينضم لداعش للجهاد والقتل  . وهذا هو  البريطاني تامر احمد ابو صباح يترك هو الاخر لندن ويتوجه الى كلية الطب في ولاية الرقة اكبر معقل للتنظيم وعاصمتهم الفعلية . أما طبيب الأسنان "الانتحاري" وسام محمد العطل (37 سنة) ففجر نفسه بسيارة مفخخة أمام أحد الحواجز الأمنية في مخيم جباليا شمال غزة.  انضمام ما يقارب 18 طبيبا من أصول  سودانية برفقتهم  ابنة المتحدث  الرسمي باسم  وزارة الخارجية  السودانية، السفير علي الصادق مؤخراً لتنظيم "داعش. 
ليست القضية  العدد ولكن المشكلة الاساسية تكُمن   في العقل والتفكير الذي يتعامل به هؤلاء الأطباء الذين يفترض بهم أن يكونوا صفوة المجتمع ومن حملة الشهادات العليا ومثل يحتذي به الناس،  ليست المسألة استبدال مئزَر الطب الابيض بواحد أسود ، ولكن المشروع الذي  يبنونه  في عقولهم المريضة والذي هو خارج الزمان والمكان والحداثة.  انظر ماذا تقول  مجلة "دابق" التابعة لتنظيم "داعش" والصادرة باللغة الإنجليزية،  فقد استقبلت كلية الطب بـ"الرقة" والتابعة لـ"ديوان الصحة" 300 متقدم، تم قبول 100 منهم، نصفهم من المهاجرين، مشددة على حاجتها لمهاجرين ذوي خبرة في ممارسة الطب، حيث قالت: "هذه الهجرة واجبة ولاتزال حتى اليوم سهلة". السؤال المطروح هنُا مالذي يدعْ  طبيب شاب له عيادة خاصة  في بلد مُستقر مثل استراليا وكندا  ويذهب ليوظف طاقته وخادمته  لتنظيم أرهابي دموي أجرامي،  هل يعُقل أن تكون المادة ؟  أم فريضة الجهاد في سبيل الله حسب معتقداتهم ،  أم هو هوس وكبت جنسي ،  ام تكون  كل  هذه العوامل في داخل  شخص مريض لم يرى متنفس له غير رجال داعش ونساء حورّ العين . على ما يبدو القصة أكبر من ذلك بكثير ويجب طرحها ومناقشتها بجدية وتُمعن.

201
أطباء على جيَاد خشبية   
يذهب شخص ما  لعيادة طبيب العائلة  لإجراء الفحوصات الدورية فيجدها  مغلقة  فيسأل عن السبب،  يقولون له أن الطبيب قد ألتحق في  صفوف  تنظيم الدولة  الاسلامية  داعش ، يضرب  كفّ  بكفْ وينصرف.   
يتوافد من فترة ليست بقليلة على منطقة سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية داعش عشرات الأطباء من كل نواحي العالم تقريباً امريكا ، بريطانيا ، كندا، استراليا ، سعودية ، مصر ،  الخ . للانخراط في صفوف التنظيم  ومستشفياته  ومعالجة الجرحة في ميادين القتال ، في وضع شاذ غير منطقي تنُم عن حالة  فوضوية  وعالم  أصبح  فيه  الخطأ  هو الصحْ .
فطبُيبَنا الأسترالي الشاب طارق الكاملة (29) سنة يترك عمله ووظيفته وعياتده لطب الأطفال  ويغادر الى سوريا في مارس 2015  ، وينضم لداعش للجهاد والقتل  . وهذا هو  البريطاني تامر احمد ابو صباح يترك هو الاخر لندن ويتوجه الى كلية الطب في ولاية الرقة اكبر معقل للتنظيم وعاصمتهم الفعلية . أما طبيب الأسنان "الانتحاري" وسام محمد العطل (37 سنة) ففجر نفسه بسيارة مفخخة أمام أحد الحواجز الأمنية في مخيم جباليا شمال غزة.  انضمام ما يقارب 18 طبيبا من أصول  سودانية برفقتهم  ابنة المتحدث  الرسمي باسم  وزارة الخارجية  السودانية، السفير علي الصادق مؤخراً لتنظيم "داعش. 
ليست القضية  العدد ولكن المشكلة الاساسية تكُمن   في العقل والتفكير الذي يتعامل به هؤلاء الأطباء الذين يفترض بهم أن يكونوا صفوة المجتمع ومن حملة الشهادات العليا ومثل يحتذي به الناس،  ليست المسألة استبدال مئزَر الطب الابيض بواحد أسود ، ولكن المشروع الذي  يبنونه  في عقولهم المريضة والذي هو خارج الزمان والمكان والحداثة.  انظر ماذا تقول  مجلة "دابق" التابعة لتنظيم "داعش" والصادرة باللغة الإنجليزية،  فقد استقبلت كلية الطب بـ"الرقة" والتابعة لـ"ديوان الصحة" 300 متقدم، تم قبول 100 منهم، نصفهم من المهاجرين، مشددة على حاجتها لمهاجرين ذوي خبرة في ممارسة الطب، حيث قالت: "هذه الهجرة واجبة ولاتزال حتى اليوم سهلة". السؤال المطروح هنُا مالذي يدعْ  طبيب شاب له عيادة خاصة  في بلد مُستقر مثل استراليا وكندا  ويذهب ليوظف طاقته وخادمته  لتنظيم أرهابي دموي أجرامي،  هل يعُقل أن تكون المادة ؟  أم فريضة الجهاد في سبيل الله حسب معتقداتهم ،  أم هو هوس وكبت جنسي ،  ام تكون  كل  هذه العوامل في داخل  شخص مريض لم يرى متنفس له غير رجال داعش ونساء حورّ العين . على ما يبدو القصة أكبر من ذلك بكثير ويجب طرحها ومناقشتها بجدية وتُمعن.

202
المنبر الحر / سياسيون من ورقّ
« في: 02:39 06/07/2015  »
سياسيون من ورقّ   
  - في الحرب الأهلية اللبنانية 1975- 1990، كانت موازين القوة أنذاك متوازية بين كل الأطراف المتصارعة ،  اليسار والجنرال ميشل عونَ مدعومين من قبل اجهزة البعث  والمخابرات  العراقيّة ، والشيوعيين  وحركة أمل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( القيادة العامة أحمد جبريل ) مدعومين من سوريا الأسد  ، والكتائب والقوات وجزء من الموارنة من قبل اسرائيل والموساد . وكل المليشيات لها سلاح تقاتل به ، المسيحين اللبنانيين لهم أجندة يعملون على ضوئها ويأتيهم السلاح والمال من اكثر من جهة ومدعومين من دول قوية في المنطقة ، والدرزي له اجندة والشيعي والسني ايضا  . وعلى هذا الأساس استمرت الحرب قرابة 15 سنة أكلت الأخضر واليابس ، وحين جلسَ الماروني والسني والشيعي والدرزي في مؤتمر الطائف كان الكل على الطاولة المستديرة  بمبادرة من المملكة العربية السعودية وكانت جميع الأطراف متساوية ، وعلى مسافة واحدة ، وكل الإخوة  ملطخة أيديهم  بدماء بعض دون استثناء ، وضمير واحدهم يقول للاخر  هذه هي الحرب ياصديقي .  وأصبحت لبنان وقتذاك  دولة محاصصة طائفية بامتياز  وتوزعت مراكز القوة بين الجميع ، رئاسة الجمهورية  ماروني ، رئاسة مجلس  الوزراء سني ، ورئاسة  مجلس النواب  شيعي ، وانتهت الحرب، ولكن ظَهَر جيل جديد لا يعرف غير لغة  الحديد  والدم ولا يؤمن بغير القوة ، ودخل البلد في أتون الاغتيالات والتصفيات الجسدية والأحداث الاخيرة اكبر دليل،  وأصبحت  دولة في بيروت ودولة أخرى في الجنوب (حزب الله).
   في شباط عام  1968، استلم البعثيين السلطة في العراق مرة ثانية بعد تجربة عام 1963 الفاشلة ،  على أثر انقلاب يدعون انه ابيض ، ولكن  لوائه ملطخ  بالدماء،  ومن تلك الفترة  أنفرد الحزب بالسلطة لا يقبل أي  شريك،  فقمع كل الأحزاب السياسية  الموجودة  في الساحة العراقية يسارية ويمنية وقومية  وأخوان وغيرهم ، واعتقل الكثير من الكوادر الحزبية الشيوعية ، واعدم منهم أيضاً الكثير ، وسافر وهرب الباقي . ومع نهاية  حقبة السبعينيات  وبالتحديد سنة ١٩٧٩ وفي مؤتمر قاعة الخُلد الذي أسس صدام  لدولته الدموية،  واصبح البعث وصدام حسين  المسيطرين الفعليين على كل مقدرات  ومؤسسات الدولة العراقية، ومع بداية الحرب العراقية الإيرانية كان العراق بين فكيّ كماشة صدام والبعث . 
اما ان تكون بعثي او لا تكون شيء مطلقا. 
هُنا وفي هذه الفترة تقريبا كانت نوة حزب مسيحي تتشكل ، يدعى الحركة الديمقراطية الآشورية ( زوعا)  تأسست الحركة في 12 أبريل 1979، بعد اجتماعات لطلاب آشوريين في بغداد وكركوك ودهوك. أهداف الحزب منذ بداياته كانت الأعتراف بالوجود القومي الآشوري والدفاع عن حقوقهم في العراق. قام نظام البعث كالعادة بملاحقة و إعدام عدد من قادته المؤسسين وهم يوسف توما ويوبرت بنيامن ويوخنا ججو واضُطهد ولُحق كادره حاله حال بقية الأحزاب والحركات ، ولم  يحقق شعبية تذُكر، فظل حركة سياسية مغمورة . وهذه كانت حجر العثرة بين الإخوة الاشوريين والحكومة المركزية  والاجهزة  الأمنية ، والتقارير التي كانت تصل رئيس الجمهورية .
من جهة ثانية انتبه الأخوة الأرمن العراقيين مبكرا لهذه الحقيقة الخطيرة  ، وهذا ذكاء حاد  منهم يحسدون عليه حقاً ، فقد عقدوا اتفاق عرفى غير مكتوب بينهم  وبين السلطة الحاكمة في بغداد ، مفادها أن  يسمح  للأرمن بمزاولة  كل نشاطاتهم الدينية والثقافية والرياضية  وفتح  مدارس خاصة وتدريس  لغتهم الأرمنية،  وفتح  نوادي  ترفيهية   حكرا خاص لهم ، دون تعرض او مساس او تدخل من قبل الدولة ، الا ضمن الإطار العام.  ولم يلعبوا في الملعب السياسي العراقي الخطير  ، اكتفوا فقد في أعمالهم  وشؤنهم الخاصة . ولم يشكلوا اي حزب او اي حركة سياسية تُذكر ، وهذا شكل رأس الزاوية في العلاقة  بينهم  وبين  السلطة المتُِمثلة  بشخص صدام حسين . وفي أرشيف مدرسة الأعداد الحزبي في القيادة القومية في بغداد يوجد  نسخة من قرار وقعْ من قبل صدام حسين ، مفاده ( يرُحل كل من يثبت تبعيته الإيرانية او من أصول إيرانية  الى ايران ماعدا الأرمن ) . وعاش الأرمن في سلام  يقع عليهم ما يقع على إي مواطن  عراقي أخر من واجبات وحقوق .
حذا حذوهم الكلدان، ولكن بصورة مختلفة ،  وهم اكبر طائفة مسيحية في العراق ، ورأوا  أن هذه لعبة سياسية كبيرة و محفوفة بالمخاطر ولا تجدي نفعاً مع هكذا نظام دكتاتوري ، فحافظوا على  حياتهم المدنية العامة ، واتجه نحوَ  الطب فنبغوا فيه والهندسة والتجارة  والمهن  الحرة .
وشاركوا في كل الحروب ، من العراقية الايرانية الى معركة الحواسم ، وذهب منهم الكثير من الشهداء وأُسر  الكثير .  وسارت الامور بين مدَّ وجزر ، وفي كل هذه الحقبة الزمنية كانت الهجرة مستمرة ماعدا  سنوات الحرب مع ايران ، وكانت العوائل المسيحية تبيع ما تملكه من ممتلكات أو عقار وتهاجر أما  الى الأردن أو تركيا على أمل الوصول الى أرض جديدة.
في ٢٠٠٣  احُتل العراق وتغيرت أحوال البشر ،  وبرزت مصطلاحات  جديدة على السطح ، نقول هذا لتعريف الأجيال الآتية بعض ما خفي عليها من سياسات وأخطاء.
مع قوات التحالف والأمريكان الغازيين،  جاء الكثير من المعارضيين الذين كانوا في الخارج ينفذون رغبات أسيادهم من الإنكليز والأمريكان وكان ضمن هؤلاء، بعض كوادر الحركة الديمقراطية زوعا، وفي مقدمتهم يونادم كنا الذي اصبح نائب في البرلمان العراقي من ٢٠٠٣ والى حد الان ،
ونزل بعض من شبان تلك الحركة من شمال العراق الى قرى سهل نينوى ، على أساس ضبط الأمن ورعاية المجتمع ، ولكن لم ينجحوا في هذا ، لعدم شعبيتهم في تلك الأوساط . فتقوقعوا على ذاتهم ،  والدم المسيحي يسّيل في الطرقات وذهبت كل القرى المسيحية لقمة سائغة في حلق داعش  ولا أحد يهمه الامر .
 هُنا وفي هذه المرحلة الحرجة من التاريخ الحديث   ، لم يكن  المسيحيين يمتلكون تجربة سياسية سابقة ، بسبب عزوفهم  عنها  في السابق ولا يملكون رجال لديهم  ناصية الحنكة والدهاء والمكر المطلوب في عالم السياسية .  في عالم تغير بين ليلى وضحاها  ، فبقوا هكذا تضربهم الأمواج بين لجة بحر مالح أمواجه عالية . كل هذه الأسباب ضيقت مدى الرؤية  لدى المسيحين ، لأن المشكلة أعمق وأشمل، إنها في «العقل» المهيمن على الأفعال .
مع الحاكم المدني بول بريمر  أعطى خمسة  مقاعد كوتا (أي حصة)  في البرلمان العراقي ( للمكون  ) المسيحي وهنُا تغير المصطلح وأصبحنا مكون لا شعب اصيل عاش قبلهم  مئات السنين . من أصل ٣٢٥ مقعد . وهؤلاء النواب الخمسة يمثلون هذا  المكُون ، وهو على المثل الدارج ( على عينك يا تاجر ) لا أكثر ولا اقل ، ووجودهم  وعدم وجودهم  لا يغير في  المعادلة  شيء ، بالعكس كانوا في بعض الحالات يحملون معاول هدم لا بناء . وهكذا مع مرور السنوات  فقد الشعب إيمانه بهم ، وأصبحوا مثل حجر عثرة  في الطريق لا هم لهم  سوى  أنفسهم   ورواتبهم الضخمة ، والدائرة  المحيطة حولهم.   
وأصبح المسيحيين مع الأيام  مكسر عصة ، في كل العراق من  زاخو الى البصرة لا قوة  لا مليشيات ، لا رجال حكماء  تقود المركب نحو شاطئ الأمان ، وفي نهاية الامر ارتطمت المركبة بصخرة  كبيرة ، وأحداث الموصل أكبر دليل.
 في بداية  المقال ذكرت الحرب الأهلية اللبنانية ، وكيف كان بيار الجميّل له قواته ( قوات الكتائب ) وقادة ميدانين يؤمنون بقضية الشعب الماروني مثل سمير جعجع و إيلي  حبيقة ، و الكثير من قادة المليشيات ، صحيح قتُل وعتُقل الكثير منهم  ولكن سجلوا  موقف سواء كان  سلبي أم إيجابي لهم في التاريخ الحديث . يحسب لهم في النهاية .
سياسيون  العراق مع الأسف من ورق ، لا يصلحون لشيء سوى السرقة  والنهب  والتزوير لهم أجندات خاصة بمصالحهم ، و عوائلهم  خارج العراق وهم في المنطقة الخضراء . يسرقون من قوت الشعب ويتحدثون بأسمه ،  ذئاب يرتدون جلود الحملان .
 الكل الأن داخل دائرة الاتهام والشك ، وكل نواب  البرلمان  ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي صاحب ( دولة القانون )   ومسؤولي الأحزاب الدينية والسياسية يجب محاكمتهم بتهمة خيانة الأمانة والتلاعب بمصالح الشعب ، الذين صرعوا الناس  قبل الانتخابات الأخيرة بشعارات فارغة جوفاء ، سوفة يرذلهم الناس والتاريخ ،  ويذكرونهم بهذه الأيام التي وقفوا بها  صامتين دون فعل ، أمام  شعب مُهجر مطرود من أرضه  .

203
عبءْ  التكفير  والجهِادْ 
شاب يدرس في الجامعات الامريكية ويتخرج من كلية نبراسكا ،  هو أنور العولقي لأب وأم من اليمن في مدينة نيو ميكسيكو, والد أنور العولقي ناصر العولقي حصل على الماجستير في الاقتصاد الزراعي في جامعة ولاية نيو مكسيكو في عام 1971, وحصل على الدكتوراة في جامعة نبراسكا, وعمل في جامعة مينيسوتا عام 1975-1977, عادت عائلة العولقي إلى اليمن حيث درس أنور العولقي في مدارس آزال الحديثة, والده شغل منصب وزير الزراعة ورئيسا لجامعة صنعاء, رئيس وزراء اليمن منذ آذار / مارس 2007 علي محمد مجور، هو أحد أقرباء العولقي.
عاد العولقي إلى كولورادو في عام 1991 بمنحة دراسية من الحكومة اليمنية و حصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة ولاية كولورادو 1994 ، حصل أيضا على شهادة الماجستير في القيادة التربوية من جامعة ولاية سان دييغو. وقد عمل على درجة الدكتوراه في تنمية الموارد البشرية في واشنطن جورج وكلية الدراسات العليا جامعة التربية والتعليم والتنمية البشرية من يناير إلى ديسمبر 2001. يترك أنور كل هذا ويلتحق في تنظيم القاعدة الإرهابي فرع اليمن  ، في بداية انضمامه الى التنظيم تشكك به قادته حتى اسامة بن لادن نفسه ، وضنوا انه جاسوس من قبل المخابرات الامريكية ، الى ان قتل العولقي في 30 سبتمبر 2011 بعد قصف سيارته بطائرة بدون طيار على يد القوات الأمريكية في الأراضي اليمنية.
مطرب لبناني مشهور ذوّ صوت جميل غنى للحب وغنى للعشاق وغنى للطبيعة ، فجأة يتحول الى ارهابية مجرم ، ويعتزل الفن ويلحق في ركاب إرهابي اخر هو الشيخ السلفي أحمد الأسير ويصدر القضاء اللبناني حكم إعدام غيابي بحقه ويضل هارب من وجه العدالة الى حد الان ، انه الفنان فضل شاكر .
اندهش الأستراليون حين شاهدوا شخص أسترالي الجنسي من أصول لبنانية ، يسكن في احدى مقاطعات سدني ، يترك البلد ويلتحق في صفوف تنظيم داعش الإرهابي هو وزوجته الأسترالية وطفله ويصبح الذباح الرئيسي في هذا التنظيم ، ويبث صوره على الموقع الاجتماعي الفيس بوك يحمل ابنه الطفل راس شخص مقطوع وهو اي الأب يبتسم بفرح. 
كشفت صحيفة دايلي ميل البريطانية أن تحريات مكثفة أجراها مسؤولون بريطانيون حول هوية سيدة بريطانية تسمّي نفسها على موقع تويتر باسم ‘أم حسين البريطاني’، تمكنت من الوصول إلى مدينة الرقة السورية، وأعلنت في تغريدة أنها ستقوم بقطع رقاب الكفار بيدها، لتعلق رؤوسهم على أسوار الرقة. وكشفت هذه التحريات أن أم حسين هذه ليست سوى مغنية مغمورة، كانت تدعى سالي جونز، غنّت مع إحدى فرق الروك البريطانية. وأضاف تقرير دايلي ميل: ‘عند قيام بعض المحققين بسؤال جيرانها عنها، تبين أنها غادرت المنطقة بشكل مفاجئ منذ خمسة أعوام، وهي الفترة التي يرجح المحققون أنها تعرفت خلالها إلى زوجها البريطاني المسلم جنيد حسين، وهو عضو في تنظيم الدولة الاسلامية.
محل لبيع الحلويات في ولاية ملبورن ، حين تذهب لتدفع الحساب عند الكاشير تلاحظ في أقصى  الزاوية علبة معدنية من النوع المتوسط مكتوب عليها بالعربية صندوق دعم المجاهدين.
ثلاث شبان يتجولون في منطقة فوكنر السكنية ضمن بلدية مورلند ستي ملبورن ، ويجمعون التبرعات اللأخون المجاهدين في سوريا والعراق.
الأمثلة كثيرة لا عد ولا حصر لها  . وبعيدا عن التشنجات والسلبية الفكرية والتسطيح المتعمد،  والمزايدات الكاذبة والتسويف والتزوير للحقائق ، والمجاملة والنفاق الاجتماعي والسياسي  والديني ، حيث لم يعد ينفع حين يظهر كاهن يمسك بيد شيخ او ملا ، ولا رجل دين كبير بدرجة باطريرك ، يذهب الى مسجد او حُسينية او جامع ويجلس القرفصاء مع الأمام ، ولا جارك المسلم في الحي يشكرُك في العيد لأنك أعطيته طبق ( كليجا) . او فلم عادل امام  حسن ومرقس وكذبة اتحاد الصليب مع الهلال  ، كل هذا لم يعد يجدي نفعاً في هذا الوقت  خاصة ، بعد ان تحركت المياه الراكدة وخرج لنا عفريت الخطاب الديني من القمقم ، لنرفع الان  العصابة عن أعيننا ونرى بوضوح اكثر وأدق القضية الاساسية وهي  الجهاد ، الذي أصبح عبء على المسلم قبل غيره. فهو مثل جبل الجليد لا نرى منه سوى الجزء الظاهر ، أما المطمور منه  تحت المحيط السحيق  من التراكمات السياسية و الاجتماعية والدينية  فهو الاخطر كثيرا .
لو طرحنا الموضوع في سياقه المنطقي والتاريخي البحت ،  سوفة نجد ان الجهاد هو فرض على كل مسلم ؟، فالجهاد في سبيل الله فرض، وهو في الإسلام كما يقول الراغب في مفرداته يغطي ثلاث ميادين أو هو على ثلاثة  حسب عبارته :
1-  مجاهدة العدو الظاهر.  2- مجاهدة الشيطان.   3- مجاهدة النفس . الجهاد كلمة لها مدلولها الواسع في الإسلام؛ فهي مشتقة من (الجهد) ومعناه في اللغة: المشقة وبذل الطاقة والوسع؛ أي إنه يطلق على كل ما يستفرغ الإنسان فيه وسعه وطاقته، وبذلك صرحت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿والذين جاهَدُوا فِينا لَنَهدِيَنَّهم سُبُلَنا وإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ﴾ [العنكبوت:69].قال الإمام أبو حيان في "البحر المحيط": [أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمتعلق؛ ليتناول المجاهدة في النفس الأمّارة بالسوء والشيطان وأعداء الدين، وما ورد من أقوال العلماء فالمقصود بها المثال، قال ابن عباس: جاهدوا أهواءهم في طاعة الله وشكر آلائه والصبر على بلائه]. لقوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) [البقرة: 216]، وقوله سبحانه: (انفروا خفافا وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) [التوبة: 41].1- قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحجرات: 15].   : قلت: يارسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله.، حديث صحيح   
  : قال رسول الله : لغزوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها.، حديث صحيح.
وهو فرض كفاية: إذا جاهد بعض المسلمين وكان عددهم كافياً لملاقاة العدو، فيسقط الإثم عن الباقين، قال تعالى: (فضّل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى..) [النساء: 95] . انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ   وقال تعالى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ   . لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ  .  وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا  .
 وهنُا  أتذكر مشهد ارسله  لي صديقي الأخ رحيم لمجزرة قاعة سبايكر في تكريت حيث كان عناصر داعش يعدمون الجنود وهم بالمئات ويرددون هتافات الله اكبر . في حالة هستيريا همجية بدائية .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً المفهوم العام للجهاد ما نصه:«فالجهاد تحقيق كون المؤمن مؤمناً، ولهذا روى مسلم في صحيحه عن النبي  انه قال: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق، وذلك أن الجهاد فرض على الكفاية، فيخاطب به جميع المؤمنين عموماً، ثم إذا قام به بعضهم سقط عن الباقين. ولابد لكل مؤمن من أن يعتقد أنه مأمور به، وأن يعتقد وجوبه، وأن يعزم عليه إذا احتيج اليه، وهذا يتضمن تحديث نفسه بفعله، فمن مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو نقص من إيمانه الواجب عليه بقدر ذلك، فمات على شعبة نفاق. وفي الشرع قال  رسول الله  فيما رواه عنه الإمام أحمد في مسنده، عن عمرو بن عبسة قال: قال رجلٌ: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: (أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك)، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: (الإيمان)، قال: وما الإيمان؟ قال: (تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت)، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: (الهجرة)، قال: فما الهجرة؟ قال: (تهجر السوء)، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: (الجهاد)، قال: وما الجهاد؟ قال: (أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم)، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: (من عقر جواده وأهريق دمه)،
اما شروط وجوب الجهاد فهي:
1/ الإسلام: فلا يصح الجهاد في سبيل الله من كافر، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر فتبعه رجل من المشركين، فقال له: "تؤمن بالله ورسوله؟" قال: لا. قال: " فارجع فلن أستعين بمشرك" رواه مسلم.
2/ العقل: لأن المجنون غير مكلف، قال صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل" رواه أبو داود والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم.
3/ البلوغ: فلا يجب الجهاد على من هو دون البلوغ، قال عبد الله بن عمر: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يُجزني في المُقاتلة" متفق عليه، وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم ردّ يوم بدر: أسامة بن زيد، والبراء بن عازب، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعرابة بن أوس، فجعلهم حرساً للذراري والنساء.
4/ الذكورة: فلا يجب الجهاد على النساء، قالت عائشة: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: "جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" رواه ابن ماجه، وصححه ابن خزيمة. كما لا يجب الجهاد على خنثى مشكل، لأنه لا يُعلم كونه ذكراً.
5/ القدرة على مؤنة الجهاد: من تحصيل السلاح، ونفقة المجاهد وعياله وغيرها، قال تعالى: (ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج...) [التوبة: 91]. وقال تعالى: (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع...) [التوبة: 92].
6/ السلامة من العجز: فلا يجب الجهاد على العاجز غير المستطيع بسبب علة في بدنه تمنعه من الركوب أو القتال، قال تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج).
فأذن يوجد بين حديث وأية اكثر من ٣٠ الف نص يتحدث عن الجهاد وأنواعه وأغلبها تنص على قتال الكفار والمشركين ، فهي مشكلة ليست مع الناس بل مع النص والخطاب الديني بحد ذاته ، وكيفة تطبيقه،  وهل يتماشى مع روح العصر ويصلح في كل زمان ومكان ومع هذا التحولات الكبيرة في القرن الواحد والعشرين ؟  و من ثم المراجعة التامة للنصوص التي تمليها التحولات العميقة في بنية المجتمع و عقليات أهله ومتطلبات المرحلة، وهي التحولات التي لم تعد مواجهتها ممكنة في ظل هكذا عقلية منغلقة على ذاتها ، كما يفعل النعام عندما يحدق به الخطر من كل جانب فإنه يدس رأسه في التراب ظنا منه أن صرف النظر عن واقع الخطر منجاة من وقوع البلاء.

204
زاوية خواطر / مطر بلِا ألوان
« في: 12:27 21/06/2015  »

قصة قصيرة
مطرّ بلِاْ ألوان .
أسُمها غادة
كانت مُفعمة بالحياة
سعيدة ، مرِحة ، محبوبة من قبل الجميع ، في مقتبل العمر ، شبابها الناضج يصرخ معُبراً عن نفسه ، تقفز بين الزهور كفراشات الربيع ، جميلة ، اين ما تذهب تَخَلَّق جواً من المتعة والمرح ، ذات كاريزما وظل خفيف ، كل أمالها أن تعيش للحبْ و الجمال وتستنشق عطر متعة الحياة من زهور ربيع العُمر .
بعد ما انتهت من الدراسة الإعدادية ، ذهبت الى معهد التمريض وهناك تعرفت على شاب وسيم في مقتبل العمر ورَيعْان الشباب ، بعد أن أخذهم شغف الهوى وهيام الوَجد ، اتفقا على ان يتوّجا هذا الولِه والحب الى خطوبة ثم زواج . هكذا كانا ينسجان خطوط حياتهما معاً في عالم وردي خالي من أعين الوشاة . كان يخرجُان خلسة خوفاً من ألسنة الناس ، يتقابلان في الحديقة القريبة ويتهامسان بحميمية ، ويتبادلان القبل الحارة والاحضان الدافئة . هكذا كانت تجري الحياة معهم ببساطة وعفوية. وفي يوم كانت المشاعر في قمتها قررا ان يذهبان الى المصور الأرمني القريب من المنطقة ويلتقطان صور معاً، وقفت غادة بجانب حبيبها وحُمرة خفيفة تصبغ الخدين بحياء . صورة جميلة كانت في زمن اجمل بنسبة لهم ، ومن شدة إعجاب المصور ذوّ الوجه الدقيق والنظارات السميكة بجمال غادة طلب ان يسحب لها صورة وحدها و يضع نسخة من الصورة في واجهة المحل الأمامي ، فوافقت ولكن بشرط ان يلتقط الصورة بالاسود والابيض ، فقد كانت تعتقد ان الألوان تفسد الصور ، فوافق .
وسارت أمور الحبيبين على خُطْى العشق والهيام الذي يرتشفون منه رحيق الغرام وشهد الأيام .
الى ان جاء يوم وكانت عائدة من معهد التمريض الذي كانت تداوم به، فاستقبلتها اختها الأصغر منها رجاء وقالت لها أتاكِ عريس وأمي تنتظركِ ، استغربت وأرتسمت علامات الدهشة على محيّاها، حين دخلت الى صالون البيت ، بملابس المعهد ، القميص الأبيض والتنورة النيلي حاملة حقيبة الكتب في يدها اليسرى وعلى الساعد الأيمن علقت مئزر التمريض الأبيض . رأت شخص ضخم الجسم ، ذو شاربين كثيفين ، يبدو عليه التقدم في السن ، ولكن لا يظهر كم عمره الحقيقي فقد كان يخفي شيبّ شَعره بصبغ اسود فحمي داكن ، قالت لها أمها أهلن حبيبتي سلمي على الاستاذ حكمت ، فذهبت وأخذت يده بتردد ، تسأل نفسها من هذا الاستاذ الذي كان ينظر لها نظرة رغبة واشتهاء ، حين رأها الرجل نهض من على الأريكة بخفى فبان انه أضخم مِمَّا عليه وهو جالس ، في لحظتها تصورته مثل نسر جارح كاسر وهي أنثى عصفور طنان ضعيفة الجناح . أخذ يدها وهزها بعنف وحرارة شعرت غادة بها ، وأبقى كف يدها في يده اكثر من الطبيعي مع نظرات مباشرة على عينيها . شعرت بخجل كبير ، وضيق في الصدر ، وشدة في ضربات القلب كاد أن ينخلع من مكانه ، الى ان تدخلت الأم وقالت لها اذهبي يا عزيزتي وغيري ملابسكِ أنتِ مُرهقة من الدوام .
حين دخلت غادة الى غرفتها كان العالم كله من حولها يدور ، وأسئلة مُحيّرة ومقلقة ، من هو هذا الشخص ، وأين رأها ،ومن دَلَّهُ عليها ، وكيف يقتحم البيت هكذا دون موعد مًُسبقْ ، وماذا قالت له أمها ، وهل اعطته الموافقة دون أن مشورتي ، حسنا اين دور الأخ الأكبر هل يعلم بهذه الزيارة ، المُفاجئة ، أسئلة كثيرة .
انهارت على سريرها وأخذت تبكي بحرقة الى ان دخلت عليها اختها وهي على هذه الحالة ، وضعت يدها على شعرها وقالت بحنان كبير هل أنتِ تبكين ، فلم تجاوب غادة ، لا تبكي لقد ذهب هاذا الشخص الشرير أني لم احبه أبداً ، في هذه الأثناء دخلت الوالدة عليهم وأشارت بعينها بحزمْ الى الفتاة الصغيرة ان تخرج من الغرفة . سحَبت الأم كرسي الدراسة الخشبي القديم ، وبدون مقدمات قالت، حين مات أباكم في ذلك الحادث المريع ورحل عنا الى ديارِ الخُلد ، ترك لي ألم كبير ، اثاره باقية الى حد الان في نفسي ، وحَمل ثقيل أنوء تحته ، وحزن بالغ محفور على خطوط وجهي. فقد خطفته يد الشّر والَغدر مبكرا، وترك أمانة في عنقي كان يجب أن أتحملها، أشق طريق الحياة الوعر من أجل تربيتكم وتعليمكم ، بعد صمت مصحوب بحسرة قالت ، الله وحده يعلم كم عانيت من اجل أعالتكم أنا بمفردي ، فأخاكِ كان صغير لم يتجاوز العشر سَنَوات بعد ، وانت طفلة في السادسة بالكاد تبلغين ، واختكِ لم تتجاوز السبعة شهور ، حين حصل ذلك الحادث المألم ، كان ذلك قبل سبعة عشر عام ، وسكتتْ كما تذكرت شيء يعتصر قلبها ،ادخلوه علينا وهو في الرمق الأخير فقد كانت طعنة السكين بليغة فمزقت أحشائه من الداخل ، استجمعت ذكرياتها البعيدة وقالت ،كان يُريدْ أن يقول شيء ، أو أسم الشخص الذي طعنه ، ولكن كان للقدر كلمة الفصل ، لم نستطيع أن ننقله الى المستشفى فقد فارق الحياة هنُا في هذا المنزل بين يدي ، وسددتّ نظرة الى الماضي البعيد وقالت ، لاتزال اثار الدم بين كفوف يدي ، وملابسه الملطخة ببقع الدم الحمراء عندي في الخزانة . لم نعرف الى حدْ الان من طعنه ولماذا كان ذلك .
كانت غادة تستمع وغصات البكاء والنِشيج يقطع انفاسها بين الحين والأخر . وأكملت الأم بشيء من الهدوء قائلة السيد حكمت جاء لكي يخطبكِ وهو رجل جيد وميسور الحال وقد سأل علينا الجيران ، فنظرت لها غادة بطرف عينيها وقالت بدون مقدمات انا لن اتزوجه أبدا ، ظلت الأم محافظة على هدوأها، وقالت يا أبنتي ارُيد أن افرح بكِم قبلا ما أموت ، وهُناك أرى والدكِ وحين يسألني عنكم سوفة أجاوبه وأنا مرتاحة الضمير . انا متأكدة ياغادة من هذا الشخص سوفة يسُعدكِ ، قالت غادة ولاتزال الدموع تسيل على الخدين لا أريده اريد ان اكُمل دراستي ، قالت الأم مبتسمة انا اتفقت معه ان يدعكِ تكملي المعهد فهذه اخر سنة لكِ ، وهنُا صرخت الفتاة والكلمات تتحشر بين الدموع لا أريده انه كبير بعمر والدي ، إجابتها الوالدة العمر لا يهم المهم أن يُغنكِ ، فكري بالأمر جديا ولا تتعجلي في ابداء الرأي ، وأخذ القرار ، والأن غيري ملابسكِ وارتاحي. لم يغفى لغادة جفن تلك الليلة ، ولن ترى الراحة بعد الأن .
في اليوم التالي جلست غادة حزينة في باحة المعهد و قَصتِ على سمير كل ما دار من احداث أمس ، بعدة فترة سكوت بانت طويلة قال سمير أنتِ تحبيني ياغادة ! ، فأجابت أنتَ تعرف مُقدار الحب الذي أكنه لَكَ ، فقال سمير فجأةً تعالي نهرب معاً ، فقالت غادة وعلامات التعجب على وجهها ، الى اين نذهب ، قال عند أقاربي في القرية نذهب عندهم مؤقتاً وهناك نعقد القران ، أجابت بخجل ملحوظ ، وأهلي كيف ؟، قال سمير اهلكِ يريدون أن يزوجوكِ عنوة من رجل اكبر منكِ بكثير ، هل هؤلاء تسمينهم أهل ، قالت غادة لا أعرف ماذا أقول ، اخاف على أمي ان تموت من الخوف والجَزعَ ، قال سمير بعد ان أشعل سجارة وأخذ نفس عميق وطرد الدخان من صدره بقوة ، أنتِ يا حبيبتي تقرري مصيرنا كلّ شيء الان بيدكِ أما أن نشق طريقنا رغم الصعاب أو أهلكِ مع خطيب الغفله هذا ، سوفة نتقابل بعد يومين في نفس المكان أرجو أن تأخذي القرار الصائب . نهض سريعا وأخذ كتبه ورحل ، وتركها تغوص في لجة افكارها وبين نارين ، نار حبها الاول ونار أهلها ، بين خيارين أحلاهما مرْ . ضَلتّ غائبة عن العالم ، لم تحضر ذلك النهار الدروس وانتهى الدوام وهي جالسة الى أن انتبهت الى انه لم يعد أحد في باحة المعهد ، فأخذت طريق العودة الى البيت.
في المنزل كانت الأم جالسة مع اخيها الكبير رعد تنتظر ابنتها بفارغ الصبر ، حين دخلت غادة لاحظت علامات القلق والتوجس بعين أمها وأخيها ، أحست بأن شيئا ما سوف يحدث ، على الفور صاحت الأم عليها لماذا تأخرتي كل هذا الوقت فقد كان السيد حكمت ينتظركِ لتحديد موعد الخطوبة ، ذهلُت غادة من الحديث المطروح ، ومن شدة حنقهَا لم تجيب بشيء ، فقال رعد أخاها الكبير ، اسمعيني ياغادة جيداً ولا تُقاطعين ، لقد تحدثنا انا وأمكِ بالموضوع كثيراً ، ومن جهتي وأفقت ، فالأستاذ حكمت رجل مقتدر وغني وصاحب نفوذ ، وانا اتفقت معه ان تسُكَناَ في بيت لوحدكم ، سوف تعيشين معه حياة كريمة صدقيني . صرخت غادة بكل قوة انا لا احبه لا اريد الزواج من هذا الرجل ، اريد ان اكُمل مسيرة حياتي مع من اختاره انا بنفسي ، انتم لا يهمكم سوا مصلحتكم انتم أنانيون كم اكره....... ولم تكمل الجملة ، حين سمع رعد هذه الكلمات تتطاير الشَّر من عينيه ، فمد كفه وضربها بقوّة فأصاب صُدغها الأيمن وصرخ بها انت فتاة متُمردة قليلة التربية افسدتكِ الدراسة . هنُا تدخلت الأم وصاحت على الابن ان لا يضربها ، وقالت بحزم كفى شجار ونظرت الى ابنتها بتحدي وأشارت لها أن تدخل الى غرفتها وبدون نقاش ، انصاعت الابنة وذهبت والدموع تملأ مقلتيها . أخذت الأم يدّ رعد وقالت بهدوء لا تُحلْ مسائل الزواج هكذا ، دعَْ عنك هذا واترك الامر لي ، أذهب انت الان الى عملكَ .
قبل منتصف الليل بقليل دخلت الام عند غادة حاملة قصعة بها شطيرة جبنْ وزبدة مع قدح حليب ساخن ، كانت غادة تتظاهر انها نائمة ، جلست الام عند حافة السيرير، وقالت اعرف أنكِ لستِ نائمة ، ومدة يدها تُلاعب خصلات شعرها الأسود الفحمي ، نحن نريد مصلحتكِ ياعزيزي ، انا أمرأة مريضة اوشكت على الموت وأريد الاطمئنان عليكم يا أبنتي ، أعرف ان العريس اكبر منكِ ولكن سوفة يزول هذا الفارق في المستقبل حين تعيشون معا، نهضت غادة وتكأت على مقدمة السرير المعدني ، وقالت لكن لا أحبه ، مشاعري نحوه باردة وجامدة ، قالت الام الحب يأتي بعد الزواج والمشاعر تتقد بعد المعاشرة والعيش معاً ، وانا أن لم أكن واثقة به لما كنت وافقت عليه أصلاً ، انظري يا حبيبتي نحن أُناس فقراء لا نملك شيء، تقاعد اباكِ وعمل رعد هو الذي يسد مصاريف المعيشة والبيت ، لقد ترك رعد المدرسة مبكراً وكان من المتفوقين ، واتجه للعمل عند ميكانيكي سيارات لكي يوفر لقمة العيش ، يا ابنتي الحياة صعبة ولا احد يعرف ماذا يخبئ المستقبل لنا ، اريد ان أضمن لكم مستقبلكم لا تُعاندي دون أسباب . اعرف في النهاية سوفة تأخذين القرار الصحيح ، قالت غادة لا أعرف شيء انا مشوشة التّفكير، ووضعت رأسها في حضن أمها الدافئ وقامت تبكي وتنشج ، وأمها ترُبتّ على ظهرها ، وراحت تغني لها أغنيتها المفضلة حين كانت تريد ان تنام وهي صغيرة والدموع تنهمر من عينا الام الحزينة المكلومة .
في اليوم التالي لم تذهب غادة الى المعهد وظلت لا تبارح غرفتها ، وبين الفترة والاخرة تدخل أمها عليها حملا الطعام وتتحدث قليلاً ثم تخرج ، في اليوم الثاني نهضت باكاراً وذهبت الى المعهد لم تدخل الى المحاضرة بل انتظرت خارجاً عند مدخل الحديقة حين رأها سمير وهي جالسة على هذا الشكل ذهب اليها وجلس بقربها ، وبدون مقدمات قال يظهر ان اليومين الماضين كانا مرهقين ، وعلى ما يبدو انكِ اتخذتي قرار ، بعد برها قصيرة قالت غادة ، سمير..... وسكتت ، لا أستطيع ان اهرب معكَ ، لقد انتهى كل شَيْء وقُطع حبل الوصل الذي كان بيننا ، أستجمعت انفاسها اللاهثة وأكملت ، هذه أخر مرة نتقابل ونتحدث بها ، لقد خِضعت لإرادت اهلي وسوفة اتزوج من ذلك الانسان ، ليس لي القدرة على مواجهتهم، قالت بنكسار انا مهيضة الَجناَح يا سمير . كان الشاب يستمع بكل جوانحه الى حديثها ، وحين طأطأت غادة رأسها للأسفل ، قال سمير ولكن نحن نحب بَعضُنَا ولا توجد قوة على هذه الارض تقدر أن تفرقنا ، أجابت الفتاة بيأس لا أظن ذلك فهؤلاء بالنهاية أهلي ، صاح سمير بغضب ، أهلي أهلي ماذا حصل لكِ اريد ان أعرف ، أحساسي يقول لي انكِ لا تعودي تحبينني مثل السابق ، أم عجبكِ العريس الجديد ، وثروته، أشاحت غادة نظرها عنه وقالت بصوت خافت متوسل سمير أرجوك افهمني لا تظلمني بظنك و تقسي عليّ ، الموضوع فوق طاقِتي . نهض سمير واقفاً بعصبية مما استرعا انتباه الجالسين على المقعد المجاور ، وقال احزمي امركِ الان و بدون تردد هل تقفين بجانبي أم بجانب أهلكِ وعريسهم الجديد ، ظلت غادة ساكتة وشمس الصباح تُكحل عينيها والدمع بدء ينهمر ، لم تقدر أن تتحكم في الألفاظ ولم تخرج الكلمات من فمها . أبتسم سمير بتهكم وسخرية ، وقال لقد عرفتْ الجواب لا داعي للمزيد أنتِ بعتي حُبنا بأبخس الاثمان ، تركها ومضى.
كان تفكيره انها فظلت حكمت عليه . ارادت ان تُناديه ولكن لم تقدر فقد كانت منهارة نفسياً . ظلت جالسة، مرة من أمامها بائع الشاي الجوال ينادي ولم تحس به ، ومّر من جانبها البُستاني، الرجل الكبير وسلم عليه ولم تشعر به ايضاً، كأنها أصبحت في عالم اخر ، لقد تخلى عنها الجميع ويجب ان تواجه مصيرها الان بُمفردها. الشمس كانت مشرقة ورأحة التراب المقلوب على يد الفلاح تفوح ، والوان الفرشات الزاهية تتنقل بين الزهور، لا جمال لها الان فُكل هذا اصبح من الماضي . هي أنسانة اخرى غير تلك التي عرفها الناس ، مكسورت الخاطر غمامة من الحزن يكسوا وجُهها يعتصر قلبها ألم داخلي لا أحد يشعر به سواها.
لم تذهب الى حصتها ذلك النهار ، بل سلكتْ طريق العودة الى البيت ، وهي شاردة ، وقفت أمام المصور الأرمني الذي كان قد التقط صورة لها مع سمير، وصورة لوحدها ، وقفت تنظر الى صورتها بالاسود والابيض التي وضُيِعت في واجهة المحل ، وقفت طويلاً، مما استرعا انتباه المصور فخرج وقال هل من خدمة آنسة، لم يعرف انها هي صاحبة الصورة ، فنظرت له دون أن تتكلم وأدرات رأسها ومشت في طريقها .
في البيت كان السيد حكمت في جالساً في أنتظارها يروم في شرب القهوة مع أمها وأخيها ، حين دخلت غادة الى غرفة الضيوف استقبلها السيد حكمت بغبطة وفرح ، قالت الام على وجه السرعة خذي يدّ خطيبكِ يا عروس . سلمت غادة بيد باردة ، وأضافت الوالدة اذهبي وغيري ملابسكِ عزيزتي فاليوم سنتناول الغداء معناً ، لم تنطق ببنس شفة ولكن في سمطها أجابت. دخلت الى غرفتها ونزعت عنها ملابس المعهد للمرة الاخيرة، وعرفت انها لن ترتديها بعد اليوم ، غسلت وجهها بماء بارد ، وغيرت الملابس بأخرى سوداء ولم تتبرج أو تتزين وخرجت . حين رأوها على هذه الحالة دهشوا من علامات الحزن البادية عليها ، سألتها أمها هل من خطبْ ما ، أجابت لا فقط أنا متعبة من المعهد ، بعد قليل أكون بحال أحسن. العريس الجالس هادِئُ البِال لم يهمه الامر كثيرا ، بالعكس رأى انها علامات خجل البنات وأضطرابات الحياءِ. بعد دقائق نسي الحضور حالة الحزن التي تمر بها غادة وبدأ الجميع بتناول الاكل والحديث عن الخطوبة والعرس . أتفقت العائلة على ان تكون الخطوبة يوم الخميس القادم محصورة بين الأقرباء فقط ، والزواج يكون بعدها بشهر ، فقد كان السيد حكمت متُعجل ، لقد اضاع فترة طويلة من حياته عَبَثًا حسب ما يقول هو ، ولا يريد ان يُضيع الباقي ، اتفقا على البيت والذهب وشهر العسل وكل شيء ، وغادة تهزْ رأسها فقط بالموافقة ، لا تدري ما يدور حولها ، كأنها مسلوبة الروح فقط الجسد حاضر . بعد الانتهاء من التكلم في مستلزمات الحفلة ومتطلباتها ، نهض السيد حكمت يريد المغادرة ، فَهُو مشغول كثيراً هذه الأيام . قبل الخروج من البيت طبع قبلة على خدّ غادة شعرت بها مثل ثعبان لدغها ، وأخرج رزمة من النقود وأعطاها الى أمها وقال هذه مصاريف العروسة اصرفي منها كما تشائين، ورحل .
دخلت غادة الى مخدعها ووضعت رأسها على والوسادة وبكت بحرقة وألم .
مرت الخطوبة وجاء الزواج وأنتقلت غادة الى بيت عريسها ومرت الأيام وثمٓ الشهور وهي تعيش معه بجسدها أما روحها ففي بُعد ثاني غير منظور، وهو ينهش من هذا الجسد الغض والفاتن بحرية وأشتهاء.
في الفترة الاول تحملته على مضضّ ، ولكن بعد مرور فترة لاحظْ برودها في السرير ، فلم يبُالي في بادء الامر ولكن مع توالي الليالي أخذ في تقريها وأصبح يستعمل الكلام البذيء معها ، ويقول اين كانتِ في بيت اَهلكِ في ذلك الفقر المدقع والآن في هذا البيت الكبير والنظيف . أنتِ لا تستحقين هذه العيشة . اشتد الشرخ بينهما مع مرور الأيام فأخذ يضربها ، بعد ذلك يمارس معها الجنس عنوة ، الى أن حبلت منه في أخر المطاف ، وأحست ان مخلوق بدء يتحرك داخل أحشائها ، فهدأ قليلاً حين عرف انها حامل ، وتوقف عن ضربها ، ولكن هي لم تهدأ ، ولم يهدأ لها بال ، لا تريد من هذا الوحش المفترس ذكرى ، لا تريد منه جزء يختلط بدمها ، لا تريد خيط فيه حياة يربط بَيْنهمَا، فقررت ان تتخلص من الجنين.
في ظهيرة يوم مشؤوم لم يكون حكمت في المنزل ، جربت إسقاط الطفل فحاولت حمّل كيس السكر الموضوع في غرفة المؤونة ، لم تقدر في البداية ولكن مع المحاولة الثانية استطاعات حمله ، وكررت العملية مرة ومرتان ......الى ان لاحظت مادة لازجة تخرج من تحت الثوب عند الفخذين ، كررت اكثر وبأصرار كما تريد الانتقام من شخص أو الانتقام لنفسها ، الى ان اعيها التعب وأصبحت الدماء تسيل منها كثيرا ، وسال على ارضية البيت وعبر من غرفة المعيشة الى غرفة الاستقبال ، في خط احمر داكن ، حين رأت الدم لا يتوقف أرادت ايقافه ، ولكن محولاتها ذهبت هباءا ، فقد كانت حَبُلىْ في الأسبوع الخامس وهي صغيرة لا تتحمل الجهد ، فأصبح لها نزيف حاد في بيت الرحم على اثره فقد الوعي وغطت في بركة دمائها الحارة ، من سوء حظها العاثر تأخر زوجها ذلك اليوم أكثر من المعتاد .
حين دخل حكمت البيت حامل بيده علبة حلوة ، وهو يصفر نغم مشهور ، ذهل من منظر الدماء على أرضيت الصالون وصاح بقوة على غادة لكن لا مجيب، بحث عنها مثل شخص اصابه الجنون صارخا بقوة الى ان وجدها مرمية على الارض تسبح في دمائها وفاقدة الوعي تماماً ، حملها بين ذراعيه ووضعها على الأريكة واتصل بالإسعاف فوراً ، كانت قد فقدت كمية كبيرة من الدم ، حاول إيقاظها بضربها على خديها بشكل خفيف ، على وقع الضربات استعادت بعضً من وعيها وفتحت عينيها ببطء حين رأها وضع يده في كف يدها وقال بألم بالغ لماذا كل هذا . سحبت غادة ريقها بصعوبة بالغة وقالت وهي في سكره من سكرات الموت ، لأَنِّي لم أحبكَ قطْ أموت فداءً لكم ، وذهبت في غيبوبة عميقة لم تستفيق بعدها ، حين وصلت سيارة الإسعاف ونقلوها الى المستشفى كانت قد فارقت الحياة .
في مجلس العزاء الذي اقامه زوجها وأخيها رعد ، جائت أمرأة في خريف العمُر ، متشحَة بالسواد وأخذت يدّ حكمت تعزيه في مصابه ، ثم أخذته على جنبْ وهمست في أذنه اليسرَى ، وقالت ، لا تقلق سوفة ابحث لك على عروس اخرى ، وابتسمت بخبث ظاهر ورحلت .
علامات الحزن والأسى بادية الجميع وخاصة على السيد حكمت ولكن في داخله كان يعتمر شيء اخر وأحساس من نوع غريب لما قالته هذه المرأة فقد كان يعرفها.

205
المنبر الحر / Cappuccino الصباح
« في: 07:46 17/06/2015  »
 Cappuccino الصباح
على قمة جبال الألب في منطقة تيلفس النمساوية وتحت حراسة 2100 رجل أمن إضافة الى 25 طائرة عامودية عسكرية تحلق فوقهم ، وعلى مدى أربعة أيام انتهت يوم الأحد الماضي ، أجتمع زعماء وقادة العالم الغير رسميين  ، في  أشهر مؤتمر وأكثرها سرية  مؤتمر (بيلدربيرغ) السنوي الذي تأسس عام 1954 بهدف ترسيخ العلاقات الامريكية الأوربية . شاركت  في هذا الاجتماع 140 شخصية عالمية من صناع القرار وخبراء في السياسة والاقتصاد وشركات الأسلحة وشركات الطيران الكبيرة من 22  دولة. الولايات المتحدة   ممثلة ب 33  شخصية من الوزن الثقيل برئاسة عراب الدبلوماسية الامريكية والمؤسس لها هنري ألفريد كيسنجر ، و12 شخصية من بريطانيا و11 سخصية من  فرنسا وممثلين كل من ألمانيا والنمسا وباقي الدول  يناقشون أهم القضاية المعاصرة  ،  أبرزها الانتخابات الأمريكيا المقبلة  2016 ، الارهاب العالمي ، ديون اليونان المتراكمة ، طلب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ، ملف ايران النووي ، ملف سوريا والعراق ، قضية الأكراد وطلب البرزاني من الأمريكان  أعلان الدولة الكردية  . كل هذه المسائل الكبيرة والمعُقدة والحساسة  على جدول اعمال المؤتمر . أعرف ان البعض  سوفة يقول  انها نظرية المؤامرة والماسونية  والصهيونية العالمية  ، يمكن أن تكون بعض الاّراء صحيحة أو حتى النظرية نفسها،  ولكن ليست بهذه البساطة والسذاجة التي يتم طرحها والتعاطي معها في هذه الفترة  ، نعم هناك تخطيط عميق للأحداث  ومن الغباء في مكان أن نُسلم في ما يحدث اليوم  من حروب وصراعات  ومتغيرات  هو محضْ صدفة لا غير .
 العالم مُقبل على مُتغيرات كبيرة وهائلة سوفة تبدأ مع وصول هيلاري كلنتون الى سدة الرئاسة في البيت الأبيض بعد هزيمة جيب بوش المرشح الجمهوري ، ويصار بعد ذلك الى  تعميق هاجز الخوف والرهبة لدى شعوب العالم من التنظيمات الإرهابية تحت أي مُسمة كانت فهذا لا يهم ، المُهم هو تجسيد الرعب من خلالهم  وأظهارهم بمظهر الوحوش المفترسة ويتم بعد ذلك صيغة الأحداث كيفما تم الاتفاق عليها مسبقا .

206
البُعد الخامس ( الأخلاق ) 
على سنوات 1994- 1995 كنُت أدي خدمة العلم (العسكرية) في بغداد ، وفي إحدي اجازاتي الدورية   وقعت هذه الحادثة  في الباص المنُطلق من (علاوي الحلة)  الى الموصل حيث أسكن.  جلستُ حسب ما أتذكر في المقعد الثاني  أو الثالث بعد السائق وفي المقعد الاول جلس شاب مع فتاة جميلة ترتدي ملابس Modern في ذلك الزمان ، وتبين لاحقاً  انها زوجته  ، وهو أي الشاب مرتدي الزِّي المدني وهي كانت أنيقة بما يكفي . المهم سار بِنَا  الباص  مسافة لا بأس بها،  والجنود  المجازين أو الملتحقين في كل مقعد والحر في أشده في فصل الصيف.  في ذلك الوقت  كانت توضع  (ثلاجة ماء ) على شكل Box  في مقدمة الباص والركاب تشرب منها . ولكون هذا الشاب وزوجته  جالسان في المقدمة  أصبحا على مقربة من ( ثلاجة الماء)   . جنُدي يرتدي البزة العسكرية اصبح كل  مايذهب ليشرب ماء  ينظر الى الفتاة الجالسة قرب زوجها بستفزاز  ، كرر العملية اكثر من خمس أو ست مرات،  لا بل أصبح ينقل الماء لزملائه الجنود في مؤخرة الباص وفي كل مرة ينظرة إليها. وحين وصل السيل الزوبى نهض الزوج الشاب من مكانه وقال له بتهكم مستهتراً  لماذا لا تجلس قرب زوجتي احسن لك ، فما كان من هذا الجُندي ألا أن صرخ عليه ونكر انه ينظر لها ،  وقال له كيف تجرأ على مخاطبتي هكذا وانا أرتدي الملابس العسكرية  وكادت تحصل مشادة بالايدي بين الاثنين لولا تدخل الركاب ، وجلس كُل واحد في مكانه ، الى أن  وصل الباص الى نقطة تفتيش تكريت وهنُا طلب الشاب ( المدني)   من السائق أن يتوقف قليلاً ، فترجل من المركبة  وذهب وتحدث مع أحد العناصر وأظهر  له على ما يبدو هوية ما يثبت انه ضابط في جهة أمنية أو ما شابه ذلك ، توثب العنصر وأمر السائق بعصبية أن يركن السيارة جانباً ،   من خلال زجاج النافذة  كنُت أراقب الموقف ، صعد العنُصر الى الباص  برفقة الشاب وأشار بيده  الى الجندي ، طلب العنصر منه النزول فنصاع هذا العسكري مذعوراً مثل فأر وقع في المصيدة ، ومن لا يخاف في ذلك الوقت  من ( سيطرة تكريت ) ،عند الحاجز طُلب من العسكري  خلع ( البيريه) والقميص الخاكي ، وحين خلعهما علاجه العنصر بضربه على صدغه ، نقلها  لنا الأثير من خلف الزجاج العازل لقوتها ، أبقوه عندهم  ورجع الشاب الى الباص وجلس قرب زوجته واستكملنا المسير . 
في برنامج المُسامح كريم الذي تعرضه قناة ابو ظبي الاول ويقدمه المذيع المخضرم جورج قرداحي ، عُرضَ في الأسبوع الماضي حكاية شاب عراقي اسمه ( بكر الباشا) يسكن في سوريا ، وفتاة سورية من الزبداني اسمها (هبة) ، تعمل في احدى القنوات الفضائية حسب ما قالت ، تعرف بكر على هبة في مقر القناة واراد ان يخطبها ، فقالت له الفتاة هات اهلك وتعال لخطيبتي حسب الشرع والاصول ، في البداية حاول بكر  المراوغة وقال لها انه ينتظر ان يأتي أهله من العراق وبعد ذلك يتقدم الى خطبتها ، والى أن يتم ذلك يكونان معاً ، طبعا هبة بذكائها الحاد اكتشفت انه كاذبَ ومخادع ويريد علاقة غير شرعية للتسلية وقضاء الوقت معها فقط ،  فرفضت الطلب وأوقفته عند حده ، وبما انه إنسان جاهل  ومريض  تصور انه امتلكها وأصبحت ضمن أملاكه الخاصة  راحَ يفرض عليها منطقه الغبّي واللامسؤول.
 في البرنامج  أظهر بكر نفسه   كم هو مضحك  وسخيف ، حين قال لها عبر الحاجز الفاصل ( أني متأكد سوفة نخرج معاً ونتصالح  وأعرف انتكِ تحبيني  ولا تستطيعين بدوني ) ، ولكن هبة  بكل جراءة وثقة صدته وأفشلته أمام ملايين المشاهدين،  وخرج منُكس الرأس يجر أذيال الخيبة والمرارة . طبعاً هنا لم نتحدث عن ركاكة اللغة وأسلوب الطرح اللامنطقي،  الذي تحدث به بكر فهذا لا يهم الان .
من حالات كثيرة كهذه وغيرها تواجهنا خلال مسيرتنا  في الحياة التي تسلط الضوء على مدة فداحة  الحروب الكبيرة والكثيرة  التي مر به  العراق  والتي ما يزال يمر بها والتي تركت  اثر بليغ في نفس الفرد  العراقي يُعاني منها وأن حاول  أن يخفيها مرة بقناع الدين ومرة اخرى بقناع الأخلاق وهو يجهل الامرين معاً   . الحروب ليست  فقط تدمير البنية التحتية للبلد مثل  الكهرباء والماء والمؤسسات الخدمية  ..الخ.  ولكن هي تدمير  البنية  العقلية للفرد الواحد والجماعات، وهذا أخطر شيء  يحصل  أن بفقد المرء بوصلة التوجيه ، فرغم أن الشعب الألماني فقد كل شيء خلال الحرب العالمية الثانية ألا أنه لم يفقد الشعور بذاته ووعيه وعقله وأنتمائه لنفسه.
   ما تمحوه الحرب ليس المباني فهذه يتم اعادة بنائها في وقت لاحق ، ولكن المحو الحقيقي  هو الاعراف والاخلاق والأفكار البنيوية للمجتمع.  والدليل على  ما يحصل الان في الموصل وتكريت والرمادي سواء من داعش او الجيش النظامي أو الحشد الشعبي كلهم في خط واحد لا يختلفون على شيء سوى من يقتل اكثر ويفتك بالاخرين أكثر من سواه ، كلُهم جردهم السلاح والحديد والدم من الأخلاق والقيم النبيلة  وأصبحوا مفترسين لا يتوانون عن فعل أي عمل قبيح في سبيل أنتصار وهميّ  أو الموهومين  به. ولكن في الحقيقة في أصفى تجلياتها لا يوجد منتصر في الحرب الكل خاسر والكل مخدوع ،  والشباب يدغدغهم  أمل كاذب في بلوغ عنِان السماء بين حورّ العين التي حرموا منها في الارض ، الكل يمشي  وهم نائمون في غفلة عما يحصل لهم مسيرين من قبل أشخاص سرقوا منهم  الحلم والامل  وزجوهم في معارك خاسرة  وأيديهم ملطخة بالدماء. 

207
إين يُدفن طارق عزيز
لم يفعل حسناً رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي  حين قال أنه يسمح  بدفن  طارق عزيز في الأردن شرط ألا يقام له مجلس عزاء .فهذا الشرط مخزي ومحزن من رئيس حكومة يمُثل العراق في المحافل الدولية  .  فبرغم  كل شيء ورغم كل الأخطاء الكارثية  التي حصلت ايام حُكم صدام حسين والبعث ، وأكيد هو يتحمل جزء من تلك الأخطاء بحكم منصبه كوزير للخارجية وعضو في القيادة  ، ألا أنه من الإجحاف وعدم الانصاف  أن يُعامل شخص كبير في السن ومبتلي بأمراض العصر وكان يمثل صورة العراق في الخارج طوال ٣٠ عام  بهذه الطريقة ، وبهذه العنصرية المقيتة التي لن يتخلص منها ساسة العراق أبداً وهم  بعيدين كل البعد عن روح الانسانية والتسامح ، التي يجب أن ينبني على أساسها العراق الجديد الذي يجب أن يكون حاضن للكل  . 
 في محاكمة الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسفيتش في ٢٦ / يونيو / ٢٠٠١ في لاهاي التي أتسمت بالحرية  والقضاء النزيه والاستقلالية الكاملة ، وتم تشكيل  هيئة دفاع
عن المُتهم من أكثر محامين كفاءة في العالم  . ورغم خطورة لائحة الاتهام بجرائم كوسوفو التي حدثت عام ١٩٩٩ والمجازر ضد المسلمين في سيربرنيتشا ومحاصرة سراييفو ، رغم كل هذا احترمت المحكمة المتهم وأعطته المجال الواسع للمرافعة عن نفسه وفي أحدى الجلسات قبل الوفاة بفترة قصيرة طلب ميلوسفيتش  شهادة كل من الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون وكذلك وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت ووزير الخارجية البريطاني الأسبق روبن كوك لضطلاعهم  في حرب  البوسنة والهرسك. وكادت المحكمة أن تستدعيهم لو موت ميلوسفيتش المُفاجئ في ١١ مارس ٢٠٠٦.
 في مرحلة من زمن المحاكمات المسرحية الكوميدية    طلب طارق عزيز أن يتم محاكمته خارج العراق وبالتحديد في لاهاي بهولندا عن طريق محاميه بديع عارف عزت  لعدم ثقته بالحكومة  العراقيّة   ، ولكن جوبه طلبه بالرفض . 
المرحوم طارق عزيز ١٩٣٦ أو ( ميخائيل حنا  ) كان قد توسل  من حكومة نوري المالكي ان تُسرع في تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر بحقه في ٢٦/ ١٠/ ٢٠١٠ ولكن لم ينفذ لأسباب بقيتْ مجهولة ، أو لنقل بعبارة أوضح إهانة لهذا الرجل المُسن والمثقف والانتقام منه  داخل حكومة ( دولة القانون ) و خارج الحكومة .
 المهم أن الرجل قد مات وهو في أدنى مرتبة يصل لها الانسان مع المرض والمهانة بعد أن كان يُجالس الرؤساء والملوك،   في سجن بارد وبعيد مع سجان يكره ويمقت  كل شيء يرمز الى المرحلة السابقة ومن كانوا في ركابها.
فصل أخر ينطوي من التراجيدية السوداء  التي ألفتها أمريكي وقام  بأداء الأدوار به العراقيين الغيارة الذين جائوا على متن  دباباتهم  .

208
المنبر الحر / فضائح ال FIFA
« في: 14:42 05/06/2015  »
فضائح ال FIFA
مرة اخرى فاز العجوز السويسري جوزيف بلاتر (Joseph Blatter) ٧٩ سنة ، في رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا) الذي استلم المنصب الرفيع تموز عام  ١٩٩٨ ، وأنسحاب منافسه الأمير علي بن الحسين نائب الرئيس . ولكن الأخبار الاخيرة من مقر المكتب في زيورخ سويسرا يقول ان بلاتر قد استقال من منصبه تحت ضغوطات كبيرة التي  مارسها عليه منافسيه ومنتقديه . هُنَا لن ادخل في تفاصيل الأندية الرّياضيّة مثل  ريال مدريد أو برشلونة أو تشيلسي يوفينتوس ولا شهرة ميسى أو سواريز  ، ولا صخب المُشجعين  الشباب وتعصبهم  في التنافس الجميل فيما بينهم أثناء فوز أحد الفرق والذي أسمعهم منهم صباح كل يوم في العمل.       
 ولكن لفت نظري في هذه الايام روائح الفساد المنبعثة  من هذه  المنظمة  العريقة وتلقي الرشى، وبيع الأصوات، وشبهات حول حقوق البث التلفزيوني، واعتقالات في سويسرا، قبل الانتخابات بيومين، لأعضاء قياديين في الفيفا، كل هذا يلقي بظلاله الثقيلي على أغنى دائرة  في العالم . و ال FIFA  التي تأسست سنة ١٩٠٤ في باريس ويضم ٢٠٧ اتحادات لكرة القدم في العالم ، هي عملاق مالي عالمي يفوق الوصف تملك مئات المليارات من الدولارات ، ولها حقوق البث والنشر والدعاية وبيع مباريات كؤوس العالم ، وهي صناعة معقدة يدور في فضائها السياسة  والمال  والمافية والمساومات وألعاب  القمار ،   كل هذا  تحت اسم  واحد هو الرياضة .
حسب قول المحللين الرياضين فأن بلاتر فاز بأصوات الاتحادين الآسيوي والأفريقي أما الاتحاد الأوربي وأمريكا وأستراليا فقد كانوا بجانب الامير علي ولكن لم يستطيعوا أن يرجحون  كفة الميزان لصالح الأمير العربي .
تبقة اشكالية الأخلاق قائمة في مكان كان يحب ان يكون بعيداً عن هذه المسارات المتعرجة  ناءَىً  بنفسه عن مجال السياسة الضيق  وفي هذه الدهاليز المُعتمة التي يُخيمْ عليها  نسيج العنكبوت،   والمكان الوحيد الذي يجب أن يكون نظيف من المراهنات الرخيصة والبروباجندا الإعلامية الكاذبة  . هل يكون الرئيس الجديد للفيفا بقدر المسؤولية ويقضي على الفساد والرشاوي ، أم لا يقدر فعل شيء لأنّ هنالك  حسبات معقدة تحكم اللُعبة.   

209
صياغة  العقل الأمريكي 
أبان الحكم النازي لألمانيا من سنة  1933- الى 1945، والدول الأوربية التي احتلوها في هذه الحقبة المظلمة من التاريخ البشري والتي شكلت منُعطفاً حاداً في كتابة المستقبل بعد ذلك وكانت كفيلة بتغير وجه  العالم الى الأبد. في هذه الفترة  أنتقل وهرب عدد كبير من البشر  الى دول العالم من جراء الاضطهاد والقمع والمضايقات من رجال أدولف هتلر وهنريش هملر وهيرمان غورينغ ،  وغيرهم  .  وكان من ضمن هؤلاء عُلماء وفلاسفة ألمان كبار ،  من جيل ما قبل الحرب وبعد الحرب  ، والذين ألهموا بفكرهم النّير فلاسفة  ومفكرين جاءوا من بعدهم والتي احتضنتهم  ورعتهم وأغدقت عليهم  الولايات المتحدة الأمريكيا ، وبالتالي أرفدوها بتيار فكري واسع الاطياف  في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والنفسية والفلكية بحيث أصبحوا مع الايام معين لا ينضب ومنهل  معرفي  كبير تنهل منه الأجيال  ،  منهم ألبيرت أينشتاين وهربرت هوفر  وفيرنر فون براون   بالاضافة لأخرين طبعاً . لقد تم إعادة تأهيلهم لصالح أمريكا، من خلال برنامج "السي آي إي" إذ وظف الجيش الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية نحو 1600 من العلماء والأطباء النازيين الألمان، من خلال مشروع عرف باسم "مشبك الورق"،  مما أسس لقيام وأرتقاء أمريكا التي نراها الان . وأن كانت على حساب دول اخرى فهذا لا يهم بنسبة لهم  مدام الرؤية المستقبلية في المجال الصحيح والسهم  ينطلق نحو الهدف . وبين الفترة والأخرى يبرز شخص من  نخبة النخبة تكون أرائه أبجدية توظف لنشوء جيل يؤمنون بأفكاره العميقة  ويتم  بالتالي تسييسها لصالح طبقة معينة. ومن أهم هؤلاء المفكرين الفيلسوف الألماني الأصل ليو  شتراوس 1899- 1973 . الملهم لأيديولوجية المحافظين الجدد، مثل ديك تشيني وجون أشكروفت ورتشارد بيرل ودانييل بايبس وروبرت كاغان وأمبراطور الاعلام روبيرت مردوخ وما سواهم ، في زَمَن جورج دبليو بوش يبدأ التدشين الفعلي لبلوغهم أعلى هرم السلطة ووضع تصوراتهم على أرض الواقع . وباتوا المسيطرين على عَصّب الدولة من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي السلطة والمال والإعلام .
وليو شتراوس ليس كاتب مقالات في جريدة نصف شهرية أو ناقد أو باحث في الوضع الاجتماعي ، انه مشروع فكري متكامل تستلهم منه الأجيال اللحقة في مجال المعرفة المجردة الى عالم التطبيق الفعلي على أرض الواقع .
يؤسس مشروع شتراوس على فكرتين جوهريتين فكرة النخبة العالمية المالكة للتفوق المعرفي وفكرة مكافحة النسبية الأخلاقية، ( على اعتبار أن الحقيقة الفلسفية لا تقبل التسويات ) . ويضيف في هذا الجانب ( أنه لمن السخافة حقاً أن نعيق الانسياب الحر للحكمة بالقوانين . يجب أن يكون حكم الحكماء مطلقا ، كما أنه من السخافة وبالقدر ذاته أن نعيق الانسياب الحر للحكمة عبر أخذنا بعين الاعتبار رغبات غير الحكماء . لهذا يجب ألا يكون للحكماء العاقلين مسؤوليات على رعاياهم غير العاقلين.  ويضيف الفيلسوف الكبير ( أن الديمقراطية الحقة هي فعل يتعارض مع أحكام الطبيعة ، لذا يجب منعه كائنة ماتكن التكاليف على اعتبار أن القانون الطبيعي وضمنه الدين هو شيء سماوي يبرهن على نفسه بنفسه . أذا أدت هذه الأفكار الى بروز تيار المحافظين الجدد ، الذي لعب دور كبير  في الأحداث  التي غيرت مجرى التاريخ بدءاً من تفجيرات  ١١ سبتمبر   وغزوة  أفغنستان واحتلال العراق والحرب الشرسة التي تدور رحاها في سوريا ألان   ، والفوضى الخلاقة التي أطلقتها كوندوليزا رايس سنة 2006.  إزاء الاستراتيجية الامريكية بالعراق وصولاً الى الربيع العربي الأسود. طبعا هُنَا نبتعد عن نظرية المؤمرة السخيفة والمبُتذلة التي يتم طرحها الان بكثرة ، ذات الابعاد الضيقة.  ولكن يوجد  هناك مخُطط  متُقن  يحبك في اروقة صُناع القرار  برواية وحكمة وسرية كبيرة.   
فشتراوس نفسه كان يميل بقوة نحو السرية لأنه كان يؤمن بأن الحقيقة قاسية جدا بحيث لا يمكن لأي مجتمع أن يتحملها وأن أنصار الحقيقة سوف يتعرضون للاضطهاد من جانب المجتمع وبخاصة المجتمعات الليبرالية لأن الديموقراطية الليبرالية أبعد ما تكون عن قول الحقيقة كما يراها شتراوس.
ويرى ايضا أن أمريكا بنخبتها العالمة وسيادة الحقيقة إنما تملك دعوة أخلاقية كبرى باسم فكرة الحقيقة ولا يصح التنازل عنها في الداخل أو الخارج بل هي مطالبة على الدوام بضرورة التدخل لتحقيق العادلة المطلقة دون تردد وأن كان ذلك بالقوة العسكرية وتجاوز القوانين.
 أن خريطة ما ينتج عن هذه الأفكار والأيدلوجية المستقبلية  هو عينْ ما يحدث في المنطقة العربية،  العراق سوريا ليبيا اليمن لبنان  تمهيداً الى تقسيمهم الى دويلات  صغيرة  وتهميشهم  ولكن  تحتَ (الكنترول ) ، ويتم خلق نوع من التوازنات في القوى المتصارعة لإبقاء النار مشُتعلة والذي سينتج عنه صراع أعمق وأعنف مما يُشرع  لدخول  الجيوش الغربية  بقيادة أمريكا مرة ثانية ورسم حدود سايكس بيكو جديد ، ولكن بعد ان يكون باراك اوباما قد غادر البيت الأبيض ، ورجوع جيل المحافظين الجدد مرة ثانية الى المكتب البيضاوي وفق رؤيا ليو شتراوس. 

210
ذهبَ صاحبْ العقّل الجميل   
حين أبصرت النور عينا جون ناش في 13ينويو 1928 كانت عبقريته الفذة تسمح له برؤية ما لا نستطيع نحن البشر العادي رؤيته،  ورسم  خطوط الوعي اللامحدود للإنسان الحَالم في أرقام الكون العشوائية من  مساحات فضائية  لا مرئيّة . وهذا كان  دليل أنفصام في الشخصية  وهستيريا مرضية  فَسرها أهله وأصدقائه ومحيطه على انها جنون  .
  إقاع الأفكار والحسابات والرؤيا عند الدكتور جون ناش ووقوعها  يختلف في بنيان جوهرها  ، فهو على الدوام كان يرى  أشخاص متواجدين قربه ، ويتحدث معهم ،  لا يراهم احد غيره،  مما أدي الى أتهامه بمرض الشيزوفرينيا  ، وأدخل الى مستشفى الأمراض العقلية في أيار سنة 1959 وظل يدخل ويخرج من مستشفيات الأمراض العقلية حتى عام 1970, حيث يتم إعطاءه العلاج النفسي بصدمة الانسولين وأدوية للمعالجة النفسية, عادة بدافع الالتزام وليس باختياره.  ومنذ سنة 1970, لم يعد يتعاطى ادوية للمعالجة النفسية مرة أخرى. في سن الثانية عشر كان يقوم بالتجارب العلمية في غرفته الخاصة في البيت. كان واضحاً أنه منذ نعومة أظفاره لا يحبّ أن يقوم بالأعمال بمساعدة الآخرين بل كان يفضل أن يقوم بها بمفرده.
لقد حول الرفض الاجتماعي الذي يتعرض له من قبل زملائه في الدراسة إلى التعمق بالدراسة والى عملياّت فكرية إيمانا منه أن الرياضة والرقص تصرفه عن تجاربه العلمية وعن دراساته.

حصل على شهادة البكلوريوس والماجستير في الهندسة والكيمياء والرياضيات عام 1948 وشهادة الدكتوراه من جامعة برنستون في نيوجرسي عام 1950 في بحثه على الألعاب غير التعاونية .  وضع ناش نظريات في الألعاب والهندسة وعلم المكان والمعادلات التفاضلية الجزئية مكنته كلها من احتلال مركز مرموق في تاريخ الرياضيات. ويجب أن نقول ما يميز النظريات الرياضية هو أنها لابد أن تكون غاية في الدقة حتى تستخلص منها النتائج ، ومرنة بما فيه الكفاية لتعالج مجموعة واسعة من المشكلات .

في فلم (عقل جميل) الذي يقوم فيه كلا من راسل كرو وجينفير كونولي بأداء رائع ومبهر، حيث يتصور عالم الرياضيات العبقري أن ضابط مخابرات أميركيا يزوره ويجنده في زمن الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتيويعيش البطل مع شخصياته الوهمية في النصف الأول من الفيلم، ثم يفاجئنا بحقيقة المواجهة بين البطل وذاته، ويبدأ بعد اكتشافه للحقائق علاجا نفسيا يمكنه من استعادة التوازن وممارسة حياته بشكل طبيعي إلى حد ما.‏ فاز الفلم بأربعة جوائز أوسكار سنة 2001 وحقق أكثر من 300 مليون دولار في شباك التذاكر. 

عام 1978 كرم جون ناش بجائزة نظرية جون فون نيومان لاختراعه في التوازنات الغير متعاونة, التي تسمى الآن توازنات ناش. وفاز بجائزة ليروي ستيلعام 1999. وفي عام 1994 حصل على جائزة البنك السويدي في علوم الاقتصاد في ذكرى الفريد نوبلنتيجة لنظريته نظرية الألعاب كطالب متخرج من برنستون. وفي اواخر الثمانينات, بدأ جون ناش باستخدام البريد الاليكتروني لكي يتصل بالتدريج مع علماء الرياضيات الذي ادركوا انه (جون ناش) وان عمله الجديد له قيمة. الذين شكلوا جزءا من نواة مجموعة التي قامت بالاتصال بلجنة جائزة نوبل في بنك السويد وأصبحوا قادرين على ان يشهدوا قابلية ناش للحصول على جائزة نوبل عام 1994 للاقتصاد لوضعه ( نظرية الألعاب ) التي تساعد في معالجة مشكلات المجتمعات المعاصرة وهي توصيل الكهرباء النظيفة باقل الأسعار وبصورة منتظمة .

 اعمال ناش الحديثة تتضمن مشاريع في نظرية الألعاب المتقدمة بضمنها وكالة جزئية والتي تبين, كما في وظيفته الأولى, انه يفضل ان يختار طرقه ومعادلاته الخاصة. وفي سنة 2015، فاز بجائزة أبيل مُشاركةً مع لويس نبيرغ لِعملهما على المُعادلات التفاضُليَّة الجُزئيَّة.

 لا يقل جون ناش عن  براند رسل وأنشتاين  وستيفن هوكينغ ، ولكن هؤلاء كان التصاقهم بالواقع اكبر وأكثر ،  وأقترابهم من المجال المحيط بهم جعلهم اقرب الى الناس ، وفي دائرتهم  وغير منفصلين  عن المجتمع بنسبة كبيرة  مثل ناش الذي خلق له عالم خاص داخل قوقعة هو ماهيتها . فقد كان لديه شعور من نوع خاص أن شريكاً يسكن في غرفته ، لكن الوثائق بينت أنه كان يسكن لوحده. 

بعد عمر ناهز 86 عام قضاها ناش في العلم والدراسة والمرض النفسي والوهم والخيالْ  وفي اخر المطاف ذهب ضحية حادث مروري في 23 من هذا الشهر  2015، لقي ناش وزوجته أليشيا مصرعهما في في نيوجرسي، وقال مسؤول شرطة الولاية غريغوري ويليامز إن الحادث وقع عندما حاول قائد سيارة الأجرة تخطي سيارة أخرى على الطريق السريع، إلا أنه فقد السيطرة على السيارة، لتصطدم بحاجز الطريق، قبل أن ترتطم بالسيارة الأخرى.

ذهب أذن صاحب نظرية الألعاب الذي يقول ان ثروة أحد اللاعبين مرتبطة بعمل أخرين وكل واحد من اللاعبين يسعى لتحقيق النجاح لنفسه.  وهو صنع أيضا لعبتين شائعتين: لعبة هكس, التي صنعت عام 1942 من قبل بيت هين), ولعبة (So Long Sucker), صنعها عام 1946 مع م.هوسنر ولليود س. شابلي.

سوفة أعود الى البيت اليوم  وأعاود مشاهدة فلم عقل جميل ، أكراماً للعَالمِ الجليل جون ناش.   

 

211
أدب / من حكايات جديّ
« في: 00:54 25/05/2015  »
من حكاياتْ جدّي / إعداد سلوان ساكو
قصة قصيرة 
 الرابية المُطلة على القرية وقف هشام ينظر بكأبه وحزن بالغ ، وصوت المزمار والطبل يصمْ الاذان ، فقد اخذوا حبيبته شيرين منه  وزوجوها لشاب  اخر عنوة وَغَصب .
وبين حلم  ويقين  وسراب وحقيقة ، وهو  على تلك الحالة البأسة اقتربت أفعى سوداء  نحوه  تَفحُ فحيحاً وقالت أراكَ تحمل من الهم والكربْ الشيء الكثير  ، فقص هشام لها حكايته ، فقالت له لا عليك فقط انتظر هنُا وشاهد ماذا سوفة  أفعل ، نزلت تتلوى بين الصخور وبعد مسافة اخذت شكل أمرأة عجوز تتشح بالسواد ، وصلت  أول الأمر  الى سوق القرية ،  وسألت دباغ  الجلود بلطفْ ،  عرسُ من هذا،  فقال الدباغ  وهو منشُغل عنها  ،  انه عرس ابنة المختار على ابن أمير المنطقة،  فقالت حسنا  ، وبينما كان الدباغ  يقوم  بترقيع ألأجْلاَد  لطخة العجوز كفّ يدها في إناء الصبغ  وذهبت الى بيت العروسة قبل ان تغادر الى بيت زوجها ابن الامير ، دخلت الى غرفة الحريم ، وبمُكر نسائي وصلتَ الى العروس  الحزينة  ، وسلمتْ عليها وقبلتها وتمنّت لها الخير والسعادة وهي على هذه الحالة  لطخَت يده المدبوغة أسفل ظهر شيرين العذراء دون أن تشعر  ومضت .  أزفت ساعة الرحيل الى بيت العريس فسار الكل بموكب كبير يتقدمهم عازفين الطبول والخيول ترقص على الايقاع،  والعيارات النارية تمزق الفضاء في كرنفال  ضخم  ، وصلوا الى بيت الامير ودخلوا الى الساحة الكبيرة التي ُعدة سلفاً ، وذهبت العروس بصحبة النساء  الى غرفتها.
 وقفت المرأة العجوز بين رجلان من علية القوم وقالت لهم ، آه ... ان العروس حسناء جداً ، فأجابها احدهم نعم ، لهذا اخذها  الامير لإبنه عروس ، فقالت العجوز  نعم  نعم  ولكن ....كانت عشيقة  ابن الدباغ وعلامة كفه على ظهرها ، قال احدهم  ماذا تقولين يا أمرأة ما هذا الكلام ، أجبتهم انا متأكدة من قولي ، أن لم تصدقوني انتم أحرار ،  وانسحبت ببطئ  وسارت نحوَ الشاب الحزين الواقف على الرابية مُتَّخِذا شكلها الأصلي وقالت راقب  الأن ما سوفة يحصل  .
 ذهب الرجلان الى الامير وإبلاغه ما قلته العجوز استشاط الامير غضباً  وأمر زوجته ان تذهب الى غرفة العروس وترى  بنفسها ما يؤكد مزاعم هذه المرأة العجوز ، حين  ذهبت ورأت زوجة الامير الكف الملطخة على ظهر الفتاة ذهبت على الفور وأبلغت زوجها ما شاهدت  ، صاح الامير بغضب على حراسه اين المختار اللعين ، فقد كانت عادات ذلك الزمان أن لا يذهب أهل العروس الى بيت العريس ، وأرسل رجاله لأحضار المختار على عجل، حين  وقف الرجل المسكين يرتجف من الخوف . قال الامير له كيف تخدعني يا أحمق ابنُتكَ كانت عشيقة ابن الصّباغ ، ذُهل الأب من الكلام  المسموع ، وذهب فوراً الى غرفة ابنته فرأها تبكي ورأى اثار الكف  المدبوغة  على ظهرها ، وفي ردة  فعل سريعة  حمل مسدسه وأرداها  قتيلة على الفور . العريس  كان مع أصحابه  يرقص ويفرح ، لا يعرف ماذا هناك ، جاء من اخبره أن زوجته قُتلت ، ذهب كالمجنون يُِركض شاهر سلاحه ، في غرفته وجد ثوب زوجته الأبيض ملطخ  بالدم  وأبآهآ واقف بجانبها والمسدس بيده  ، من شدة حنقه وغَضَبُهُ تناول سلاحه وقتل المختار ، أبن المختار كان قريب من الغرفة  فذهب هناك  وحين شاهد أباه  مقتول  أمام ناظره تناول سلاحه وصوبه نحو العريس وعلى الفور أرداه قتيلاً  ، الحَرس  حين رأوْا ابن الامير يقتل امام اعينهم  قتلوا أبن  المختار ، وهاجت القرية في هرج وفوضى كبيرة وتحول العرس الى مذبحة مريعة .
وعلا عويل النساء ولولات النائحات  يذرفون الدموع بوجع وحزن . عند حلول  المساء كان قد قُتل من الطرفان  سبعة أشخاص مع بيت العريس وبيت والعروس، وباتت البلدة تلك الليلة على مجزرة سوفة يتناقلها النَّاس من جيل الى أخر  ويتحدثون بها طويلاً  .
 ضحكة خبث ومُكر شيطانية   صدرت من  العجوز الأفعى ، استدار هشام  في ذهول  لمصدر الضحكه وأراد أن يقول للعجّوز  لماذا كل هذا القتل ، لماذا فعلتِ كل هذا الشر؟ أنتِ أكيد شيطان أتخذ  شكل إنسان ،فجائه صدى صوتً بعيَد يتردد في الأفق يقول هذا ناموس البشر  ، نظر  هشام فلم  يجد أحد  كانت العجوز  قد تسللت  بين الصخور مختفية .

212
المنبر الحر / خروقات فاضحة
« في: 10:01 20/05/2015  »
خَروقاتْ فاضَحة 
ليستّ هذه المرة الاولى التي يتم بها اختراق حدود دولة كان لها سيادة . فدخول قوات الكوماندوز الأمريكية في  تصفية عناصر من  تنظيم داعش في العمليّة التي تمت في شرق سوريا ليل الجمعة السبت إلى 32، بينهم 4 قياديين بينهم ابو سياف  ، بعد أن كانت واشنطن أعلنت مقتل 12 عنصرا،  وعتقال زوجة ابو سياف  وأقتيادها  الى داخل الحدود العراقية .  هذا الهجوم الجوي مع إنزال بري  يحُيلنا الى عام ٢٠٠٨ حين دخلت مروحيات الجيش الامريكي على مزرعة السكرية في منطقة البو كمال شرق سورية وقتلت ٨ إشخاص من تلك المنطقة وعادت الى قواعدها في العراق . ولا ننسى التوغل التركيا قبل عشرة ايام متمثلة هذه المرة  في زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو للموقع الجديد لضريح سليمان شاه جدّ مؤسس الدولة العثمانية داخل الأراضي السورية من دون إذن من دمشق أو تشاور معها. وقبلها دخول الجيش التركي الى العمق السوري ونقل رفات المذكور.
هذه الخروقات الكبيرة وغيرها  تعطي دلالة على أن النظام في سوريا بات على أبواب الرحيل أكثر من أي وقت مضى ، وحكم بشار الأسد لا يتعدى أسوار قصر المزة  ، أن تسارع الأحداث بهذه الوتيرة  سوفة  تفرز مرحلة  جديد خلال  الأشهر القليلة القادمة  ، فمعركة القلمون الكبيرة  بين عناصر حزب الله وجيش النظام من جانب وجبهة الفتح التي أنضوى تحت لوائها الكثير من الحركات المسلحة السورية المعارضة  ، التي كبدت حزب الله والنظام خسائر كبيرة ، سوفة  تكون في  دمشق خلال فترة وجيزة ، وتطبقّ على ما تبقى من الحكومة المنهارة .
القمة العربية الأمريكية بين الرئيس اوباما ودوّل التعاون الخليجي الستْ برئاسة السعودية ، في منتجع كامب ديفد ، لا بدا  قد تناقشوا مع ملف ايران النووي القضية السوريا ومرحلة ما بعد الأسد والأسرع في حسمْ ودعم المعارضة هناك. 
العالم العربي مقُبل على تغيرات جوهرية  كبيرة لا تقل عن ايام الربيع العربي ، تفضي الى نوع من موازنات إقليمية جديدة  ، مثل تقسيم العراق الى ثلاث دويلات ( مشروع بايدن ) ، وحسم القضية الكردية وأعلان دولتهم خاصة بعد زيارة مسعود البرزاني لواشنطن الاخيرة  قبل مؤتمر كامب ديفد ، ولا يُستبعد ايضاً  ان يتم  التطبيع مع تنظيم داعش وأدخالهم في العملية السياسية كمشروع شراكة وطنية هذا  اذا طالت المعركة  خاصة وانهم قد فرضوا سيطرتهم على ثانية اكبر محافظة  وها هي الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار ، بعد نحو عام فقط من سقوط الموصل، عاصمة محافظة نينوى ، التي أستنزفت  الكثير من القدرات المادية والبشرية دون نتائج تذكر ، وها هو العبادي يصرخ مستغيثا بالحشد الشعبي ان ينقذه من الهزائم التي منِيُة به الجيش العراقي في الأنبار الذي رغم التسليح المتطور والعتاد الجيد ألا انه ولى هارباً  أمام حفنة مقاتلين جبناء لصوص،   وهذا وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان أول الواصلين الى بغداد لينصح أتباعه ماذا يفعلون في تمدد داعش الذي يهدد العاصمة بغداد التي باتت بعُد مرمة حجر عن نيرانهم.
 العراق وسوريا الان من أكثر الدول فوضى وخراب وتقسيم  وتهجير ونزوح داخلي  في المنطقة بعد اليمن الغير سعيد طبعاً.

213
أخلاق الأمم / بقلم سلوان ساكو
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا....  صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس بالأخلاق تستقيم.....  إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً. 
كُنّا في المدرسة نسمعْ دائماً هذه الأبيات  الجميلة  لي أحمد شوقي  وتُرددها الطلبة والتلاميذ على الدوام دون التدقيق  في معانيها وإحاءاتها التعبيرية ، ولم يقول لنا أحد المعنى الحقيقة للأخلاق وهل هي نسبية ام مطلقة  . وهل هي ذات قيمة فلسفية مرتبطة بجوهر الحق والخير والجمال في صيرورة كاملة وفقْ الأسُس الرئيسية للحياة.  وإذا كانت الامم الأخلاق كَما يقولون  ، والعراق بطبيعة الحال  واحد من هذه الامم  فلماذا ليس له أخلاق ولماذا السياسي العراقي والبرلماني العراقي والمسؤول العراقي يسرقون  دون محاسبة أو متابعة ، أم هي شعارات طنانا جوفاء نرددها فقط مثل البغبغاء حالها حال الكثير من الكلمات  التي كانت تُستعمل وتستهلك من أجل فكر وأيدولوجية وبقاء الطبقة الحاكمة .
هل نسأل صدام حسين كيف أسس لدولته الشامخة  وبدأها بتصفية كل اعوانه ورفاقه في الحزب والحكومة ،  في مسرحية  مؤتمر قاعة الخُلد في بغداد تموز  سنة ١٩٧٩ الذي أرسا قواعد حكومة دموية فاشية قمعية  ،هل نسأله عن الأخلاق حين ضرب وقمعْ الأكراد بالكيماوي  بوحشية قلْ نظُيرها  في احداث قُرى حلبجة.  حسنا ، هل من الأخلاق ان نعتدي على دولة جارة  لنا ونحتلها بأسم النفط تارة وبأسم المصلحة العليا للبلد  تارة اخرة ، ولم  يقل لنا احد ماهي تلك المصلحة العليا   ، التي بعد ذلك  أرخت للعديد من المصائب والاحداث الجِسام التي تلمسنه تبعاتها وذقنا مرارتها .
هل نسأل جورج دبليو بوش عن أحتلَال العراق بذريعة سلاح الدمار الشامل الذي لا يبقي ولا يذر، وفي نهاية  الفلم الهوليودي لم يجدْ  شيء يذكر،  لا أسلحة دمار شامل ولا أسلحة لصيد السمك .  ولم  يعتذر الأبن الصغير  على افعاله الشنيعة ولم يُِظهر عُريه السياسي بالديمقراطية الكذابة   ولكن ظهرَ عُري أجسام مساجين ابو غريب التي سقطت عنهم ورقة التوت .
هل نسأل  المالكي والجعفري والعبادي والعلاوي والبطيخي عن قيمة الأخلاق حين استباحوا العراق بأسم الوطنية وفق اجندة اجنبية ومصالح ضيقة ادخلت البلاد والعِباد في وحَل الطائفية والمذهبية والحرب الأهلية،  وقسمتْ وطنا كان اسمه العراق. 
ونسأل نفس المُدرس والمُعلمْ الذي كان يُدرس هذه الأبيات لنا وهو متحمس  ، لماذا تحَول من بعثي علماني الى داعشي أرهابي ؟ هل بين البعثيين والداعشيين شعرة معاوية فقط لا غير .
ونسأل الخليفة البغدادي لماذا قتل وهَجَرَ وأغتصب كل هذه  البشرية ،  هل بأسم الدين أم بأسم الأخلاق؟.
نسأل ونسأل وتبقى القيمة الحقيقية للأخلاق مفقودة في بلد يكتب مبادئ الأخلاق على صبورة صف المدرسة  فقط .
ظني لو أن شوقي عرف ما آلت عليه أبياته من ابتذال وكذبْ  لماَ كتبها أصلاً .
من الأفضل لنا أن نردد في أدبياتنا قول الشاعر والكاتب الإنكليزي صامويل جونسون ( الوطنية هي الملجأ الاخير لكل نذل ).

214
هُمومْ السفرّ بينَ الناس  والبطريرك.              بقلم سلوان ساكو
سال  ويَسيل  خلال الفترة  القليلة الماضية حبر كثير عن السفر والهجرة واللجوء والاغتراب والهروب والهربْ ، وكلها تأتي في سياق  واحد هو الرحيل عن الوطن  الأم اذا كان هنُاك وطنْ باقي أصلاً .  مما أدى في النهاية إلى هذه الوضع المهترئ والاّراء والمقالات الصفراء التي تُكتب بشكل يومي ودوري في مواقع الإنترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي  وفتحت طريقا نحوا التأويل الخاطئ والسفسطة الغير مُجدية ، أن حالة الفوضى والتطورات الدراماتيكية التي تسود العراق  عقب تقدم  تنظيم داعش الإرهابي في الموصل وباقي المحافظات  قدمت مناخاً  ملائماً  للأقلام الصفراء في التحدث بهذا الشأن  والذي لا يبدو أن له نهاية  قريبة ،  والاحداث أرخت للعديد من التكهنات المغلوطة. 
من الصعب تحديد مكمن العلّة ، وكلّما تعمّق المرء في سعيه لمحاولة فهم ظاهرة السَّفَر ، زادت الأسئلة المحيرة . الثابت الوحيد هو أن مشروع الهجرة هو مشروع تفتيت وتهميش شعب كان له الدور الريادي 
في مواكبة عجلة التقدم  والحضارة  . وبعيداً عن التشنجات والمهاترات  الكلامية التي لا تجدي نفعاً،  وتتجاوز القشرة الهشة  لقضية أصبحت مع الأيام موضع جدل واسع ، فَتيِلُ  أشتعالها الظرف الصعب  الذي  يمر به الشعب العراقي  عامة والمسيحين خاصة .  ولعدم التوغل في تفاصيل من شأنها أن تُضيع جوهر القضية  وتنفي أسُسه من الأصل ، وهذا ما نَحْنُ  ليس  في حاجة له الان . وفي هذا الوقت بالذات . يجب علينا أن ندرك أن للعقل منطقْ يهتدي أليه الباحث عن الحقيقة ،  والتفكير الصحيح  يحتاج الى تحريك هذا المنطق  وطرق الاستدلال السليم بعيدا عن العواطف والمواقف السلبية والخروج من هذه القوقعة.  التي كانت سببا في تضييق مجال الرؤية.
وهذا المقال  لم أرد به دفاعاً عن سيادة البطريرك مار لويس ساكو ، فهو  كفيل أن يُدافع عن نفسه ، وله من قوة الكلمة وبيان اللغة وإلايمان الراسخ ،والشفافية في التعاطي مع الأحداث  مما يجعله قادر على دحضَ كل ادعاء كاذب وتفنيد كل حجة بحجة اكبر منها ، كما انه  شخص  واقعي وصريح وصاحب قرار ومطلع على ادق تفاصيل ما يجري  في خارج العراق  وداخله . وإذا يوجد كلمة  حق  يجب أن تقُال  الأن ، لأن الذين  يرددونها، لو كانوا أمناء مع أنفسهم حقاً، لقالوا  لنا أيعقل ان سيادة البطريرك مار لويس ساكو يترك عمله ومشاغله   وموجة النزوح  الغير طبيعية التي تشهدها البلاد في الآونة الأخير بسبب داعش  والإرهاب  ،  ومشاكله الكنسية الداخلية والخارجية الكثيرة والكبيرة ،  يترك كل هذا ويلاحق ملف عائلة قدمت اوراق طلب توطينها  الى أمريكا او كندا او استراليا  ليمنعها من السفر، أيعقل هذا  ؟؟؟
 حدث العاقل بما لا يعقل فان صدق فلا عقل له .
   نعم يوجد علاقة جدلية بين الكنيسة وبين موضوع الهجرة على أساس ان الكنيسة هي جماعة من  المؤمنين وبدون هذه الجماعة تصبح الكنيسة حجر فقط ، دون حياة ، والشواهد على ذلك كثيرة ، فهذه كنائس تركيا مغلقة لا يدخلها أحد من عشرات السنين ، وهنُا في استراليا ملبورن تباع بعض الكنائس  القديمة بسبب المصاريف ، وعدم تسديد الفواتير ، وتُصار بعد ذلك الى بارات ليلية ونوادي . دور رجل الدين هو ابقاء هؤلاء المؤمنين  في إطار الكنيسة قدر المستطاع دون فرض الرأي او الفكرة . طبعا هذا شيء وأخذ قرار السفر والهجرة شيء آخر، فالهجرة موجودة من زمن بعيد  ، والعراقي  سافر الى  الولايات المتحدة الأمريكيا  من ثلاثينيات القرن المنصرم ،  ويوجد من همّ من الجيل الثالث او الرابع  هناك ، حيثُ كانت الناس تسافر على متن السفن  والبواخر . ومنطقتنا العربية شهدت هجرة ونزوح كثيف خاصة مع بدية القرن العشرين  ، والحربان العالميتان  والتغيرات الدولية والجيوسياسية  الكبيرة التي عصفتْ بالعالم مما دعا الى تغير ديمغرافي كبير   وتهجير قصري للسكان ، تبعاتها  مستمرة الى حدْ الأن ، وشعوب هذه المنطقة مثل رمال الصحراء المتحركة طور في الشمال وطور أخر في الجنوب . حسبما  ما تعصف بهم رياح الحرب  القاسية . 
هذا من جانب أم من جانب أخر مهم،  يجب والتوقف عندها بكل جدية ولكن بعيدا عن تحميل الكنيسة المسؤولة المباشرة التي يلجأ إليها البعض لتسويغ وتسويق أمور لا يمكن تسويغها أو تسويقها.  فمسألة السفر ظل حلم يدغدغ الوجدان والشعور الفردي والجَمعيْ على حدّ سواء مع قناعة بأن هذا الحلم لا يتحقق سوى  بالهجرة  والسفر الى الخارج ، ولكن مع كل هذا تبقى مسألة الرحيل مسألة شخصية يتخذ اصحبها القرار وهم وحدهم  يتحملون المسؤولية في تبعاتها الإيجابية  والسلبية،  النجاح  أو الفشل، الوصول الى بر الأمان أو الغرق عند حافة اليمْ.
 لا تتحمل الكنيسة ولا   البطريرك  وزرَ  أي احد أراد السفر ولم  ينجح  في الوصول الى المكان المنشود والدليل  هذه دول الجوار من تركيا الى الأردن الى سوريا ولبنان  يوجد  عشرات الآلاف من العراقيين  ينتظرون الفرج . والمسيحين  الذين هم  في خارج البلد  اكثر  من هُمْ  في الداخل  بأضعاف ، والجاليات الكلدانية   في أمريكا وأستراليا وكندا  وأوربا بلغت من العدد  مما يستوجب أستحداث  أبرشيات وخورنات جديد لهم،  على سبيل المثال لا الحصر هنُاَ في ولاية ملبورن الأسترالية كل يوم  أحد ألاحَظْ في الكنيسة عوائل جديدة وافدة من تركيا أو لبنان أو الاْردن  .  فهل يعُقل التحدث عن عرقلة الكنيسة  للسفر، ومن السذاجة في تحميل شخص البطريرك المسؤولية عن توقيف برنامج الهجرة واللجوء وأعادة التوطيين.
هناك أسباب كثيرة تحتاج إلى دراسة ومراجعة متعمقة ، حولة الهجرة ، وكيف اصبحْ السفر بعدَ عام ٢٠٠٣ أسرع وأسهل بكثير عما كان عليه قبل هذا العام ، فكان الواحد منا  يمُكث في عمان أو تركيا سنين طويلة الى أن توافق عليه دولة مثل استراليا وأمريكا ، وفي بعض الحالات تضطر العائلة  الى الانتقال من دولة الى اخرى من كثرة الرفوضات التي جائتهم فتعمل على تغير الأسماء والعناوين على أمل ان يقبلوهم في برنامج التوطين.
حرب ٢٠٠٣  لم تبقي ولم  تذر على شيء وسقوط بغداد لها اسبابها وأبعادها وما تركته من ظلال قوية على المواطن العراقي بصورة عامة والمسيحي بصورة خاصة ،  وقد أدرك المسيحيون في الشرق الأوسط  أنهم مجرد ورقة يلعب بها الغرب   ولا احد ينكر ذلك طبعا ، ولكن هناك أيدي خفية وخبيثة  تعمل في الخفاء لتفريغ العراق من مكون أساسي واصيل ، كان له الفضل في قيام ونشوء وتأسيس الدولة العراقية الاولى ووضع النوة الاولى ، والأسماء حاضرة  في التاريخ المعاصر أمثال بيت خياط وبيت بطيْ  وبيت فتح الله  وبيت سرسم ، والأستاذة  والأطباء والمهندسين من ذوي الكفاءات والاختصاص . وطبعا لا ننسى دور الكنيسة المؤثر في المجتمع المدني والعلماني  ، فكثير من المدارس كانت تدار من قبل الراهبات ، والتعليم بها على اعلى  مستوى .وايضاً وبيت الحكمة الذي كان الإسهام الأكبر في تأسيسه وأرتقائه في مجال الثقافة والترجمة  يعود للمسيحين . 
يجب الاعتراف أن هذه الأيادي الخفية نجحت في ازاحة هذا المكون الأصيل من لوحة الفُسيفساء العراقية ، ولم يتبقى سوى القليل الذين هم ينتظرون الفرصة المناسبة لشدّ الحقائب والسفر .
هل  من الانصاف  تحميل سيادة البطريرك تبعة ما جرى وما يجري وما سوفة يحصل في المستقبل .
أليسَ بالحريِ بِنَا أن نكتب ونقول ما يمليه الواقع والظرفْ والضمير فالتاريخ دروسه قاطعة لا ترحم .

215
علامات الانهيار . بقلم سلوان ساكو 
يبدو من المشهد السوري أن علامات الانهيار بادية بشكل لا يقبل الطعن  على ملامح الحكومة،  وبشار الأسد . فهذه أركان الحكومة في دمشق تتزعزع ، فهذا  رستم غزالة المسؤول الكبير في الأمن والاستخبارات  قُتِل قبل ايام ، والأخبار الاخيرة من هناك أن علي مملوك مسؤول الأمن الوطني قيد الاحتجاز . وقبلهم قُتِل غازي كنعان اكبر مسؤول أمني في لبنان إبان الاحتلال السوري لبيروت . ولا ننسى تفجير مكتب الأمن القومي  قبل ثلاثة سنوات الذي ذهب ضحيته هشام بختيار وأصف شوكت  وداود راجحة وغيرهم ،  هؤلاء هم من كبِار الشخصيات في النظام السوري وقد تم تصفيتهم بأشكال عدة والحقيقة هي أن الأمثلة كثيرة ولكن يصعب ذكرها.
يبقى سؤال في غاية الأهمّية هل يرحل الأسد ، الجواب نعم : فَقَد تغيرت  موازين القوة على الارض  فالتقارب الإيراني الامريكي ملحوظ ،  وتدريب وتسليح المعارضة السورية من قبل الأمريكان في تركيا على قدم وساق ،  وتراجع الدعم الروسي للاسد في الفترة الاخيرة ، ومحاصرة دمشق من قبل الثوار  والإخفاقات التي يُمنا به الجيش النظامي  ، وعدم خضوع الكثير من المحافظات لسيطرة المركز . كل هذا يعطي مؤشر أن الحلقة قد ضاقت على بشار الأسد ، وأنه مع نهاية العام الحالي ٢٠١٥ يكون ساقط لا محالة ، ومع سقوط دمشق تكون الدائرة قد أكتملت من بيروت الى بغداد مروراً بعدن. وبعد ذلك الانتقال الى الدائرة الأكبر وهي تغيير الشرق الأوسط برمته ورسم حدود جديدة .

216
في  دجُىّ الليلْ . إعداد سلوان ساكو
قصة قصيرة 
أراد جون ان يبلغ  بيته في القرية  بوقت أقصر ، لكن عليه  في هذه الحالة  أن يسلك الطريق الذي يمر عبرة الغابة . فقد كان يومه متُعب وشاق حيث ظلَ يعزف على آلة الكمان في البلدة الكبيرة  من بعد الظهر   الى ساعة متأخرة من الليل ، ولا بد ان يعود الى البيت الى زوجته وطفليه، حيث كان يحبهم حباً جماً، ولا يرى  في هذه الدنيا سواهم . فقررا  اخر الأمر دخول  الغابة ،  ذات الأشجار الكثيفة وعتمة الليل تغرق المكان في ظلام  حالك  وحفيف أوراق الشجر يعلو مع هبوب  الريح ، والقمر مُنحجب وراء سحاب  ابيض  من الرَّبابُ .  سار  ولحظة القدر له بالمرصاد . ففي وسط الغابة انقشع من  دُجىَ الليل ضوء ذهبي باهر يعمي البصر  ويشتت  الحواس ، وظهر من وسط الضياء فتاة شقراء جميلة ذات شعر ذهبي يغطي الاكتاف ، وعيون نجلاء  زرقاء مثل زراق مياه البحر ، وفم دائري وشفتان مكتنزتان وقامة رشيقة . حين رأى جون العازف النور  خاف كثيرا ، وارد الهربْ  ، ولكن حين شاهد  هذا الجمال الأخاذ توقف وتريث قليلاً ، خف النور المنبعث من الفتاة وقالت بصوت خافت ،  ساحر،  رقيق لا تخاف لن أئذيكَْ ، فقال جون  وقد وارتعدت فرائصه ماذا تريدين مني ، فقالت الفتاة  هدء من روعك  فأنت ترتجف  من الخوف  .  وأضافت برقة  اليوم هو عيد ميلادي   وأريدك ان تعزف لي في كوخي القريب ، قال العازف ولكن اريد العودة الى البيت فزوجتي وأطفالي ينتظروني،  والوقت قد تأخر كثيراً  ، قالت الفتاة لن أدعك تمُكث طويلاً ، وكوخي ليس بعيد من  هُنَا أرجوك  أن تقبّل طلبِ  ، اجاب جون  لا أستطيع  انا مُتعب من طوالَ  العزف من  النهار ، قالت الفتاة سأعطيك ماَلٍ  وفيراً ، وأخرجت صُّرة مملوئ ذهبً وأعطتها له وقالت  خذ ْهذه الان وبعد الانتهاء من العزف  لَكَ  واحدة اخرى مثلها. حين فتح  جون  قطعة القماش القرُمزية  ورأى لمعان النقود الذهبية والوعد الذي قطعته له ، انصاع  للأمر وذهبَ معها.  الكوخ لم يكن بعيداً  كما قالت . فتحتْ الباب دخلت هي قبله  وهو ورأها،  وقُفل الباب ورأهم  وحده.  شعور غريب انتابه  وأحساس مجهول  ، ولكن فسَر ذلكْ انه مجهود عمل ذلك  النهار  ، فلم يقلق على شيء.  دخل الكوخ  ليجد نفسه  بين مجموعة من العذارى الواحدة اجمل من الاخرى يلعبن ويرقصن ويشربن، قالت  إحداهن بدلال بالغ وهي تمسك بمعصمه اعزف لنا لحن مُفرحاً أرجوكَ  ، فأخرج  الكمان وعزف لهم،  على هز الاوتار تراقصن  الفتيات بغنج.  لم يعير للوقت انتباه ولا يعرف كم مضى  منه ، الى ان جائت فتاة الغابة وقالت لقد انتهت الحفلة شكرًا لَكَ استمتعنا بعزفكَ الشجيّ، وأخرجت صَُرةْ الذهب الاخرى وأعطتها آيها وأوصلته الى الباب . حين اصبح خارج عتبة الكوخ كان الفَجْر قد انبلج  والديجورُّ قد ولىَ ، وزقزقت العصافير تصدحُ في الأفقِ .اخذ المسار السريعْ الى قريته .كان مغبوط جداً  بصُرتان الذهب اللتان معه يتحسسها بسرور وفرح.   
عند مدخل القرية كان كل شيء  يبدو  طبيعي  من الوهلة الأولى ، ولكن مع الاقتراب شاهد أن الناس قد تغيرت ،وصلَ  أولاً الى محل البقالة  الذي على ناصية الشارع ،نظر من الخارج فلم يرى  نفس الشخص الذي كان  يوم  أول أمس  يعمل به ، هذا الان  شخص كبير في السن  ، عند الركن الاخر من سوق البلدة  كان الحداد يعمل والكُورُ مشعولة ولكن الحداد كان كبير في السن حين سلم عليه يوم أمس قبل مغادرة القرية هذا الان الذي يضرب المطرقة على السندان  شاب  في ربيع العمُر، استغرب ، فعزا هذا الهذيان الى التعب والعمل المتواصل  . اتجه الى البيت مسرعٍ الخُطى لكي ينام ويصحوا بعد ذلك نشيط  . البيت كما تركه، فقط الطلاء الخارجي  بدء يتساقط ، اخذُه العَجَبْ،   وقطب حاجبيه . جرب المفتاح الذي كان معه فلم يُفتحْ الباب ، استغرب !! ليلة أمس كان يعمل ، طرق على الباب ولكن لم يجب احد ، طرق مرة اخرى الى ان فتُح الباب ومن ورائه بان شاب جميل  الطلعة مليح الوجه رشيق القوام ، قال الشاب تفضل   سيدي ، هل تسأل عن شيء ، كيف أسطيع  ان أسُاعدك ، نظر له جون بتمعّن عميق  وقال هذا بيتي ، ضحكَ الشاب ببراءة وقال لا يا سيّدي انت مخطأ   ، يبدو عليكَ  غريب عن هذه البلدة ، حين سَمِعَ جون ذلك  ذهل ، هل يحلم أم هو في عالم اخر ام  ماذا،  وقال بصوت مبحوح رجاءاً من يسكن في هذا  البيت ، اجاب الشاب انا وأختي وأمي. قال جون اقصد ما اسم أباكْ ، قال الشاب بحزن  آه  انه جون كان عازف كمان وقد ضاع  في الغابة  قبل عشرين عام .  في هذه الأثناء وحين اطال الابن الوقوف  عند الباب صاحت الام  من الداخل، آرثر  من في الباب مع من تتحدث ، اجاب الشاب انه شخص يسأل عن اصحاب البيت ، فخرجت الأم مُتكئة على عُكاز  وتسير ببطأ وقد احنى الدهر ظهرها ، وتقول  من هذا الذي يسأل عنا، عند الباب وقبلة ان تنظر الى جون جيدا قالت بعصبية تفضل  ماذا تريد، نظر العازف الى المرأة وعرفها على الفور ولكن لماذا شاخت بهذه الصورة،
ناداها بأسمها ، فنتفظت حين سمُعته ، وانتظرت قليلاً وخلعت نظارتها السميكة الدائرية وتقدمت خطوة الى الامام حيث أصبحت على مقربة منه، وقالت برواية انت من ، اجاب العازف وهو مشدوه انا جون زوجكِ ، سكتت المرأة وظل الشاب واقف لا يِحرك ساكن مسُتغرب من هذا الحِوار ، قالت السيدة بعد أن استجمعتْ شتات أفكارها جون آه أكيد انكَ مجنون ، أجاب العازف نعم انا جون ألم تعرفيني يا ليانا  . قالت ليانا وهي تجر الحديث من فمها جراً،  جُون حقاً !! اين كنت كل هذا الزمن ،  لقد تركتنا منذو عشرين عام اين اختفيت، قال جون  بنكسار لم اختفي غير يوم  واحد ، وهنُا ارتفع صوت ليانا  ماذا تقول  يوم  واحد آه ياإلهي، لقد بحثنا وبحثنا  عنكَ في كل المعمورة  وفي البلدات المجاورة  وفي  الغابة  ولم نجد لك  أثر ، تركتني  وحيدا  أئن من حمل أعباء البيت والأطفال لقد كنتُ أعمل ليل ونهار لإعالتهم وتربيتهم وانتَ تقول لم اغبْ عنكم  غير يوماً  واحد ، وتكلمت  الزوجة  ألفاظ  غير مفهومة .
 دارت الأفلاك  في رأس جون أرادا  ان يُعقب ولكن لم تخرج الكلمات، آرثر الشاب أراد ان يفهم ماذا يحدث فلم تدعه أمه يقول شيء وصرخت عليه صّه لا تتحدث معه .  وستأنفت قائلة  أتعرف من هذا انه ابنك آرثر لقد  اصبح شاب ولكَ أيضا فتاة شابة بعمر الورد هي الان في المدرسة.
شَرد بعيدا جون وعاد مرة اخرى الى الواقع الغريب الذي هو به .  أيقن انه في حلم  ما من طريق لتحسس طريق الواقع غير صُرة الذهب فمد يده أليهما فوجدهما ، عرف انه لم يكن في حلم .  أخرج القطع النقدية البراقة وبحركة غير متوقعة اخرجها  واعطاه الى زوجته وقال خُذي هذا الذي أخرني كل هذا الزمان  .
حين  شاهدت النقود مع الحركة ، فقدت رباطة جأشها وتملكتها حالة من العصبية وصاحت بنفعال ، لا نريد نقودكَ اغرب عن هذا البيت انت بنسبة  لنا قد مُت الى الأبد  اذهب هي، وجرت ابنها الى الداخل وأغلقت الباب بقوة . أرواد آرثر الشاب  قول شي،  فقالت له امه صَهْ انه رجل مجون وأحمق. جُون واقف الان عند الباب والذهب في يده لا يعرف ماذا يفعل ، صوت الرعد في السماء منذّرا بهطول الأمطار ، مد يده ليطرق الباب من جديد ولكن تردّد، كأنة سِكّين انغرزت في قلبه.
 سار  نحوا البحيرة  القريبة من القرية ووقف أمام الحافة،  فعكس ماء البحيرة الرقراق وجه جُون الأجعد  والشعر الابيض، حين رأى السحُنا معكوسة على سطح الماء صُعق وأصابه الذهول.  إيقن الان الشعور الذي انتابه حين سُدَ الباب ورأه في بيت تلك الفتاة   ، للتو علمَ انها ليست  أنسانة عادي وإنما مخلوقات اخرى تعيش بين  الأبعاد التي لا يراها الإنسان ،  ادرك بعد فوات الاوان أن الوقت الذي قضاه برفقتهم يختلف عن الزمن الذي يعيشه الناس ، لقد ذهب كل شيء ادراج الريح ، الزوجة،  أبناؤه ، عمره  الذي ذهبَ هباءاً  منثورا ، لم يبقى غير القطع  الذهبية معه . 
بدء الغيث يهطل  وتلاشت صورته المعكوسة على ماء البحيرة وأصبحت  شبها مسخ ، فأخرج الصُرتان وألقاهم في وسط الماء بقوة وصرخ صرخة قوية ، وبكى،  وسالت الدموع و  وجَثَم على ركبتيه ويديه ، والمطر الغزير يَصْب على ظهره كأنما  يُريد أن يطهره ، بعد أن تبلل بالكامل ، وتوقف هطول المطر  ، نهض من كبوته ودخل  الغابة من جديد ولم يخرج منها  قطْ.

217
الفصل الثاني :-
تدرج احمد في الرتب العسكرية  وتزوج ، وظل التواصل بين الاثنين قائم ومتواصل ،في كل خميس من الشهر الذي يكون فيه احمد مجاز  كانا يذهبان الى احد المطاعم ويشربان ويتسامران ويقضيان وقت ممتع.  ولكن مع مرور الأيام قلت اللقاءات  واصبح التواصل صعب  بسبب الحرب العراقية الإيرانية حيث ُنقل احمد الى الخطوط الأمامية لجبهات القتال . وأصيب أصابة مميتة  في معركة الحصاد الأكبر  بأحدى القذائف وبُترت ساقه اليسرى  وفقد عينه اليمنى وتشوه  وجهه من جراء الشظايا .  تم إعفاءه  من الخدمة  مع الإبقاء على راتبه التقاعدي ورتبته العسكرية . اصُيب أحمد بعد الحادث  بنكسة نفسية حادة واصبح اكثر انطواء وأكثر عزلة ،يجلس ساعت طويلة ساهم في المجهول ، ويصرخ على أتفه الأسباب ويتشاجر مع أهل البيت أو مع الجيران حتى ، أردا الانتحار اكثر من مرة ولكن لم يكن يملك الشجاعة الكافية. زيارات يوسف له لم تنقطع حاول ان يخرجه من أزمته الحادة فكان يزوره في الأسبوع مرتين  . خفت اثار الصدمة تدريجيا ، وأتفقا ان يذهبان الى البار القديم   ، جلس الاثنين في البار وطلبا المشروب والمقبلات  وعادت  بهم الذاكرة الى الوراء والى الأيام الخوالي وتذكر احمد كيف كان يدافعان عن بعض في المدرسة وفي الحي ، وضحكا على بعض المواقف الطريفة التي حصلت في الماضي البعيد ، مع توالي الكؤوس فعلت الخمرة فعلتها ، واصبح الحديث  ذات شجن محزن  وأيقاع مؤلم ، قال احمد  وهو ينظر  الى الكأس لقد أصبحت الان معاق مُقعد لا أنفع لشيء  الناس تنظر لي بنظرة عطف ، واصبح  يبكي مما استرعا انتباه الناس الجالسين على  الطاولة المجاورة. أخذ يوسف يهدئه  قائلاً له انت تمر بتجربة صعبة ويجب ان تتحمل وتشد من ازرك وهذا قدرك  انتٓ خدمة الوطن وأعطيت جزء من جسدك له وهذه هي حال الحروب   ،  هدأ احمد ونظر طويلاً الى الشخص الواقف خلف البار وقال ، لعنة الله على الحرب ومن أشعلها ومن تسبب  في أطالتها فقد ذهب خيرة الشباب على شيء تافه ، قال يوسف له أترك  الماضي ، الان انتٓ  في الحاضر الماضي ذهب ولن يعود ابحث عن حاضرك ، ضحك احمد مُستهزئ  وقال حاضر ! اين هو الحاضر ! ألا تعرف ان لا وجد للحاضر ألا في اذهاننا انه وهم نحن من اخترعناه ، والحقيقة المطلقة هي وجود ماضي ومستقبل ونحن على عبور متواصل بين الاثنين  ، خُذ مثلاً هذه اللحظة ان معك جالس أحتسي الخمر هو الملموس المادي ، الوقت القدم  من الجلسة بعد قليل يكون مستقبل فأين هو الحاضر نحن في عبور مستمر يا صديقي . اجاب يوسف هذه فلسفة عميقة معك كل الحق ولكن يجب أن تستمر الحياة وقطار العمر لا يتوقف عند محطة واحدة ، نحن في حركة مستمرة ، السكون يعني الموت ، المقابر فقط ساكنة وهادئة لأن لا وجود للحياة بها ، اسمعني جيداً  يجب أن تعبر من هذه المِحنة انت بعدك شاب ، ما ذنب أمك وزوجتك المسكينة  يجب أن لا تدع اليأس يُسيطر عليك . طأطأ احمد رأسه  في حركة تدل على الانهيار ، بعد قليل   طلب  من النادل المصري زجاجة خمر  اخرى  فعارض يوسف قائلاً لقد شربت كثيرا الليلة ماذا دهاك ، لم يعير احمد اهتمام ليوسف وظل يشرب الى ان تمكن الكحول منه. طلب يوسف الْحِسَاب  وحين اردا القيام ترنح احمد وسقط أرضا حاول احد الجالسين مساعدته بالنهوض فدفعه احمد بقوة الى الخلف وكاد أن  ينشب شجار بين الاثنين لولا تدخل الحاضرين . سحبَ يوسف بصعوبة احمد وأصعده الى السيارة المركونة جانبن ، حين سارت السيارة بهم وضرب الهواء العليل رأس احمد أصابه الدوار وطلب من يوسف ان يوقف السيارة على جنب فاستجاب يوسف له وأركن ، نزل المخمور من العربة وتقيء ما  كان في جوف المعدة ، وأستراح بعض الشيء ، قال له يوسف تريد ان أنقلك الى المستشفى فرفض احمد وقال أوصلني الى البيت ، عند باب بيته تقيء مرة اخرى ، وظل واقفين عدة دقائق  بعد ذلك فتح الباب بصعوبة بالمفتاح الذي كان معه ودخلا معا ، حين رأت الأم العجوز سليمة ابنها مترنح وسكران ، واضعا يده اليسرى حولة عنق صديقه مُحاولاً بذلك عدم السقوط ، جفلت الام المسكينة  ، ولكن يوسف استدرك الموقف وقال انه  ثمل قليلاً وسوفة ينام،  غدا صباحاً يكون بخير لا تخافي  ، لم تعلق سليمة على شيء ، ولكن أصبحت الان تبكي على وضع ابنها. وما هو به الان . ادخله يوسف الى مخدعه وخلع عن  قدمه السليمة الحذاء  وغطاه بشرشف كان على جنب وخرج ، وقال  لسليمة  لا تقلقي عليه فهو على ما يرام أنتِ ادخلي ونامي ، وقبل أن يخرج صاحت به يوسف  استدار وقال نعم ، قالت سليمة بسوط مُتهدج لا تترك أخاك أبدا هذه وصيتي قبل ما أموت . رجع يوسف وقبل رأس سليمة  ، وأحس شيء في صدره غامض يعتريه للمرة الاولى  وقال لن أدعه ،  وخرج .
في اليوم التالي استيقض احمد بعد الظهر وقد اصابه صداع شديد حاول ان ينهض من السرير فلم يقدر صاح على زوجته فلم ترد تذكر انهم تشاجرا قبل يومين وهي غضبانا عند أهلها، فنادى على  أمه فجائت مسرعة ، طلب  ان يذهب الى الحمام أوصلته الى الحمام وأجلسته على كرسي التغوط الخاص به ، أفرغْ كل ما كان موجد في المعدة من حمل ، وشعَر انه الان احسن ، ارتكز على عكازه الموضوعة جانبن ودخل وأستحم بماء دافئ ، ظل  يستحم اكثر من المعتاد حتى أمه قلقت عليه ، وطرقت باب الحمام فأجاب انا بخير لا تقلقي . خرج من باب الحمام الحديدي وهو مصم على شيء معُين  وأصبح اكثر اتزان وهدوء . طلب من أمه ان تعد له القهوة فأعته له ، وهو يشرب القهوة سمع صوت المنادي يرفع اذان الظهر، بدل ملابسه وأخذ عكازه وخرج سألته  أمه اين يذهب اجاب الى الجامع . اصبح يتردد الى المسجد كثيراً لا يترك فرض ولا صلاة ، ترك لحيته فنمت بشكل كثيف ، في البداية فرحت أمه بذلك وقالت مع نفسها ان الله قد هداه ، ولكن مع مرور الوقت أصبحت تخاف عليه فقد اصبح يعقد ندوات في البيت مع حلقة صغيرة من الشباب ويلقي عليهم محاضرات حولة الاسلام وتطبيق شرع الله في المجتمع ونشر الدعوة  . استمر على هذا النحو الى أن  داهم رجال الأمن البيت وفتشوه رأى الأمن  كتب محضورة مثل (المستقبل لهذا الدين  ومعالم في الطريق)  لسيد قطب وآلة طباعة قديمة واوراق فصادروا كل المحتويات واقتادوه  الى المديرية ، هناك تم التحقيق معه ، وأحيل للقضاء وصدر عليه حكم بالإعدام شنقا ، طلبت  سليمة مرحمة من المحكمة  قدمها المحامي بأسمها لتخفيف الحكم  لكونه ضابط سابق  في الجيش واصيب اثناء تأدية الواجب فقررت المحكمة   تخُفف الحكم الى المؤبد . قضى في السجن اثنا عشر عام  ، خلال هذه المدة التي قضاها في السجن   اصيبت أمه بأزمة قلبية حادة تركتها مقعدة لفترة  بعد ذلك  ماتت ، لم يوافق القاضي على طلب  قدمه احمد لحضور مراسيم دفن أمه  فلم يودعها قبل ان توارى تحت الثرى. كان من بين الحاضرين في التشيع  يوسف وأمه مرتا . خلال هذه المدة أصبحت القطيعة كلية بين الصديقين ولم يزر يوسف احمد في سجنه أبدا ،وأصبحت الذكريات الماضية طَي النسيان .
مع حلول الثاني من شهر أغسطس عام تسعين دخلت القوات العراقية دولة الكويت  واحتلتها معلنة انها المحافظة التاسعة عشر بعد سبعة شهور تخرج هذه القوات مهزومة ومذلولة ، واحمد قابع في سجن ابو غريب المركزي.
مع تقدم العمر اصيبت مرتا بمرض السكري من النوع الاول مِمَّا جعله ضريرة لا ترى ، ولكن تحتفظ بذاكرة حادة ، السيد اسحق زوج مرتا بعد ان تقاعد من العمل اصبح يقضي النهار بطوله في البيت  ، وافته المنية يوم احد وهو راجع من قُداس الصباح حيث أعد الشاي والفطور له ولزوجته ، بعد الانتهاء من وجبة الفطور جلس يقرأ في الإنجيل1 وَكَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضًا وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضًا، هِيَ الَّتِي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَاسَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». على هذا الفصل ظل الكتاب المقدس مفتوح ومات السيد إسحق وهو جالس ، مرتا زوجته شعرت ان رياح غامضة تضرب البيت  فصاحت على زوجها ولكن لم يرد،  الان هو في عالم أخر ، عند العصر  جاء الأولاد لزيارة الوالدين فشاهدوا أباهم على هذه الحالة، عند صباح يوم التالي كان جسد اسحق مُسجى داخل  تابوت خشبي في الكنيسة والكاهن يُصلى عليه . انتقلت مرتا بعد وفاة زوجها للعيش مع ابنها البكر يوسف الذي اصبح الان مساعد عميد كلية الهندسة ، بعد سنتان ونصف من الشقاء الذي كانت  به تموت،  وصيتها أن تدفن قرب زوجها فحقق يوسف وصية امه الطيبة .     
مع نهاية عام سبعة وتسعين اطُلق سراح احمد بعفو رئاسي أطلقه  الرئيس صدام حسين بمناسبة عيد ميلاده الستون . خرج احمد من السجن أشد تطرفاً وأكثر تشدداً من ذّي قبل ، ناقم على الحكومة وعلى المجتمع ، ولكن اكثر حذرا وهدوء يُفكر  قبل ان يفعل أي  شيء،  قليل الكلام ، يُحسب لكل صغيرة  وكبيرة لا يفوته شيء .
 في سجن ابو غريب تعرف على جماعة من المتطرفين الإسلاميين وجماعة تنتمي الى حزب التحرير والجهاد   وجماعة تنتمي الى الاخوان المسلمين ، في المستقبل سوفة تجمعهم  مصالح مشتركة .
ظل احمد يواصل الذهاب الى المسجد واصبح معرف بالحجي احمد وأصبح اكثر احتراما وتقديرا  بين الجماعة  ، الان هو يقود مجموعة مِنْ الشباب يحرضهم على الدولة ونظام الحُكم ،  وكل فترة يعقدون ندوة في بيت احدهم كل مرة في بيت،  تحسباً لعدم اثارت الشبهات . سارت الامور على هذا النحو الى أن سقط  العراق وحلُت مؤسسات الدولة  وتفشة الاٍرهاب والتطرف واصبح المجال مفتوح للتيارات الجهادية الاسلامي المتشددة  وأصبحت هناك   عصابات للقتل والابتزاز و مقاومة مسلحة لضرب الأمريكان، ودخل البلد في دوامة الارهاب ، وكان احمد احد اقطاب هذه التيارات وزعيم إسلامي كبير يُجند  الشباب من اجل مقاومة المُحتل ، يُكفر من  يتعامل مع قوات الاحتلال ، يقود عمليات تفجير وتفخيخ  في امكان تواجدهم  يضع الخطط العسكرية لضربهم . بوشاية من احد أنصاره ألقت القوات الامريكي القبض على حجي احمد  سجنته أولاً في مطار الموصل بعد ذلك رُحل الى مُعتقل بوكا في البصرة ، بعد سنة ونصف اطلق سراحه  مع مجموعة من الإرهابيين المتطرفين ، في سجن بوكا تعرف على جماعة أنصار السنة ،  وجماعة تنظيم القاعدة وجماعة بيت المقدس  ، وصبح له شبكة واسعة من الإرهابيين والأصوليين .  اختفى احمد عن الأنظار لمدة من الزمان لا أحد يعرف اين اصبح حتى أقاربه ومعارفه  .  الى أن عاد مرة ثانية الى الموصل  بعد أن سقطت الموصل  بيد تنظيم الدولة الاسلامي  داعش واصبح هو احد أمراء التنظيم الكبار ، مسؤول عن تصفية المعارضين . في هذه الفترة كان يوسف قد اصبح  شخصية  مرموقة  وذو شأن ، عارض بقوة  تنظيم داعش وتواجدهم في المحافظة وطريقة تعاملهم  مع الناس وأسلوب القمعْ والترويع في الحكم ، وكان يصرح يذلك علناً وأمام الطلبة والأساتذة  في الجامعة  . وفي يوم مشؤوم جائت مجموعة من عناصر داعش الى منزله وهجموا عليه  أمام زوجته وأبنائه ووضعوا على رأسه قطعة قماش سوداء واقتادوه ، بعد مسيرة نصف ساعة وصلت السيارات رباعية الدفع الى مكان أشبه بكنيسة ، ادخلوه وهو مربوط الرأس الى داخل غرفة متوسطة الحجم به مكتب جميل ، أجلسوه  على الارض  ونزعوا  عن رأسه الغطاء. حين فتح عَينَاه  لم يرى  شيء من  حوله من شدة الضرب الاهانة ، بعد أن تعود النظر على الإضاءة، رأى أن المكان كبير ونظيف ذات اثاث راقي ولكن ثمة يد قذرة قد عاثت بالمكان، في أقصى الزاوية عند النافذة إطار خشبي لصورة ممزقة زجُاجه مهشم، قرأ بصعوبة عند أسفل الإطار عبارة سيادة ابينا البطريرك ، ولم يستطع  قراءة باقي الجملة ، فقد حجب السلاح النصف اوتوماتيكي  الموضوع  عند الزاوية مجال الرؤية ، فأيقن أما انه في كنيسة أو دير .   سمع سوط مألوف يقول له أهلاً استاذ يوسف في البداية لم يتعرف على المتكلم  ولكن مع استرسال الشخص الجالس وراء الطاولة أيقن ان هذا السوط قد سمعه من قبل، اجاب يوسف ماذا تريدون مني ، قال له  انت لم تعرفني بعد ؟ وهنُا صعق يوسف حين عرف ان الجالس وراء المكتب هو احمد نفسه ، صرخ يوسف احمد !!!، واحد من العناصر كان واقف على مقربة منه فصرخ عليه حيوان قل الامير احمد وضربه بكفه الثقيلة على قفاه  ، وقع الصدمة والكف الثقيل كان كبيرا  على يوسف توقع كل شيء ألا أن يأتي يوم يصبح فيه متهم واقف أمام الجلاد ، ومن هو الجلاد انه صديقه القديم  أو اخوه بالرضاعة ، سنوات الطفولة والدراسة والصُحبة كلها الان في  ماضي . والان هو واقف في حضرة الامير وهو يقرر مصيره ، دارت كل الحوادث والسنوات الماضية في رأسه أصابه الغثيان وكاد أن يغمى عليه ولكن تماسك . قال احمد للعنصر الواقف عند الباب اخرج ودعنا وحدنا فستجاب الرجل على الفور وخرج واغلق الباب ورأه ، نهض احمد من وراء المكتب  وسار  نحو يوسف على رجلتين ببطأ  دون عكاز ، دُهشَ يوسف وتوقع أن يكون متوهم في أن يكون هذا صديقه القديم ، ولكن حين اصبح احمد على مسافة قريبة منه ، قال أنا احمد ،  ورفع عن ساقه المقطوعة الجلباب الذي كان يرتديه فبانت الساق الاصطناعية التي وضعها مكان ساقه المقطوعة ،وقال لقد وضعو لي ساق مكان التي بُترت ، قال يوسف مُنكسر الخاطر من تقصدي وضعو لي ، اجاب احمد لقد سافرت الى دولة عربية عالجوا جروحي الداخلي والخارجي ،  وضحك بتهكم ، لم يستغرب يوسف من الحديث فقد كان يعرف ان الكثير من الحواث الكبيرة والغامضة كان ورأئها دائما خيانة عربية . ذهب احمد امام النافذة ونظر الى الأفق واصبح يوسف خلف ظهره وقال تعرف بين حين وأخر أتذكر الماضي والى ايام الصِبة والدراسة ، لم يتكلم يوسف ، وأكمل احمد زمان كُنتَ  تقول لي سوفة تخرج من محنتك وتتجاوزها فأنت ذو عزيمة ، تتذكر ؟ صحيح  ما قلت أني  تجاوزت المِحنة وخرجت أقوى  بكثير من قبل،  والآن انا أمير مجموعة ومسؤول كبير في دولة الخلافة وأملك النساء والمال والرجال .  جاوب يوسف بكلمات ثقيلة ، ولكن انتم تقتلون الأبرياء  وتهَجرون الناس وتفرضون قانون الغاب على المجتمع ، اجاب احمد نحن نُطبق شرع الله حسب ما جاء في تعاليم الاولين من السلف الصالح  ونضع نظام جديد يقوم  على دولة الخلافة وأمارة ألأسلام . أجاب يوسف  انتم جزء  من مشروع كبير تقوده دول  كبيرة منها  أمريكا لتفتيت وتغيير خارطة المنطقة وأضعاف دول كانت قوية ، انتم تفرضون على السكان  الأصلين الهجرة ، أتستطيع ان تقول لي ما ذنب هؤلاء الناس الذين رحِلوا  وهِجروا  قسرا من مساكنهم ومناطقهم دون جريرة وذنب . اجاب احمد وقد اصبح الان اكثر حدة ، نحن طبقنا حد الله  عليهم خيرناهم اما البقاء ودفع الجزية أو الدخول في الاسلام ، ففضلوا الهروب . يوسف : انتم لستمْ اكثر من عصابة لصوص ومجرمين اجتمعت فيكم كل الصفات الرديئة ومصالح قذرة انت تنفذونها بدقة ،  أخبرني من أين جاء ابو بكر البغدادي ألمْ يكن معتقل لدى قوات الاحتلال في سجن بوكا وأطلق سراحه  وجُند  وأصبح الخليفة المنتظر . وهنُا استشاط الامير غضبا وصرخ في وجه يوسف بقوة وقال احمق قل الخليفة أمير المؤمنين ابو بكر البغدادي ، وأصبحت عينه تقدح شرارة وغضب ، انت بأفكارك هذه سوفة تعرقل نشوء وقيام دولتنا يجب أن نتخلص من الجيل السابق  ونصنع جيل جديد يؤمن بقيام الخلافة وتطبيق الشريعة  ، يوسف : لا تتصور أبدا ان ترى دولتكم البائسة هذه  النور يوما تعرف لماذا لكونكم تعيشون خارج الزمان في عصر التخلّف عصر الظلام  انتم جهلة وفاسدون  همكم المال والنساء . وصرخ احمد به اخرس ، صاح على احد عناصره الذي كان ينتظر خلف الباب وقال له خذه الى الغرفة السفلية لحين صدور قرار حكمه من المحكمة الشرعية . فأخذه العنصر وانزله الى غرفة سُدت بأحكام ، حين أغلق الباب ورائه اصبح الظلام دامس ، تلامس يوسف الممسكين  طريقه بصعوبة الى ان وصل الى زاوية الغرفة وجلس هناك والالم  والذلة والمصير المجهول  واليأس  يمزق أحشائه . لا يعرف كم مضى عليه من الوقت وهو على  هذه الحالة .
 في احدى الليلي تراءت له من شقّ الظلام أمرأة جميلة وعارية ، وذات نهدين كبيران واحد يدرّ حليب طازج وعذب والآخر يدرّ حليب فاسد ، أعطت المرأة بكفها من الحليب العذب وقالت اشرب حاول  ان يأخذ منها ويشرب لأنه كان ظمآن ، حين وصلت يده الى يدها  اختفت المرأة خلف الظلام ، لم يعرف هل كان يحلم أم انه سراب أو سكرى من سكرات الموت ،  وذهب في غيبوبة  .
 عند أول خيط من ضياء الشمس  دخل ثلاثة من عناصر داعش يغطيهم السواد من الرأس الى اخمص القدمين  وأقتادوه خارجا أصعدوه  في سيارة رباعية الدفع   في خانة الوراء وصعدا معه اربع عناصر على كل جنب أثنان ،   لم يضعوا غطاء على رأسه هذه المرة ، وكأنمة يقولون له شاهد الحياة للمرة الاخيرة ، على الجسر الحديدي القديم الذي يربط بيت الساحلين  ، وإيقاع  فواصل الجسر المعدنية يدق في  رأسه  اخذه طيف عاد به الى الوراء تذكر ذلك الشعور الغامض الذي انتابه عندما قبل رأس سليمة في تلك الليلة ، الأن فقط عرفةَ معنى ذلك الشعور ، وتذكر ايضاً حين كان يذهبان  هو وصديقه احمد وينزلان الى النهر  يسبحان وكاد مرة ان يفرق  فساعده احمد ، تحولت الذكريات الى كابوس وتحول نهر دجلة الى دماء  وبانت الجثث تطفوا  فوق سطح الماء . في ساحة لبيع الخضار والفواكه  نصُبت المشانق وعلقت الحبال ، حين وصلوا الى المكان لم تكن الحركة قد دبت بعد ولكن مع مضي الوقت اصبح الموقع يعج بالناس ، أنزلوه من حوض السيارة واقتادوه الى منصة الإعدام ووضعو الحبل على رقبته دون غطاء  ، وقرأ واحد من عناصر داعش التهمة ، وكانت تقويض أركان دولة الخلافة  . في ركن وقف ثلاثة من قادة التنظيم   وكان احمد واحد منهم ، في لحظة خاطفة من لحظات ما قبل الموت  تقابلت النظرات   تحمل كل معاني الحياة من الولادة  الى لحظة الموت ، قبل ان يصرخ بصديقه يا جبان  دفع الإرهابي برجله  الخشبة التي كانت تسند يوسف فمزق الحبل الغليظ أنسجة رقبته  واسلم الروح .
طلبتْ مجموعة من الأساتذة معه في الجامعة جثته فلم يوافق تنظيم الدولة ، وقالوا  دعوه هناك معلق تنهش الكلاب جثته انه خائن ، ومن يحاول أن ينزله يعُلق مكانه. ظل  يوسف هناك أربعة ليالي  الى تعفنت الجثة وأصبحت نتنة ،  جائت مجموعة من الدواعش الاوغاد وأنزلتها ، في  وادي لا يبعد كثيراً عن المنطقة  فتح العنصر الداعشي   باب الحوض الخلفي ورفس الجثة فتدحرجت الى أن وصلت القاع ، أغلقوا باب السيارة وذهبوا. قبل غروب الشمس جائت مجموعة الأصدقاء والطلبة  كانت تتابع المشهد من لحظة تنفيذ الإعدام الى رمي الجثة فأخرجوها من ذلك الوادي بصعوبة بالغة  وغسلوها ثمة دفنوها ، حضر مراسيم الجناز والدفن عدد قليل من الأشخاص كان بينهم زوجته وابنه الكبير  وأثنان من أصدقائه في الكلية . رحل يوسف عن  هذا العالم  وصورة صديقه الخائن يبتسم  بحقد مطبوعة في  وعيه ، أراد أن  يَقُول  كلمة واحدة  قبل الإعدام  (لماذا كل هذا)   ولكن كانت عقدة  المشنقة أسرع من الكلمات ،  وساعة  المنون أتتْ  مسرعة.
 بوشايا من  أحد اعوان احمد استهدفت غارة أمريكيا مقر زعماء تنظيم  الدولة   حيث كانوا مجتمعين،  من عدد العشرة المتواجدين في المكان   قُتل سبعة ، الثلاثة الباقي اصيبوا بجروح خطيرة نقلوا  على وجه السرعة الى مقر أمارة الدولة الاسلامية في ولاية الرقةّ ، كان احمد من ضمن المصابيين  ، بعد فترة  تعافة من جروحه ، وأختفى عن الأنظار مرة اخرى .

218
أدب / زقاق الحي القديم
« في: 08:20 04/04/2015  »


زقاق الحي القديم


سلوان ساكو
الفصل الأول 
صُراخ المولود الجديد يمزق سكون  الغرفة القديمة من شدة الْجُوع ، يريد أن يرضع  حليب أمه الدافئ من صدرها الحنون ، الأم مرتا تحاول أن تضع حلمة صدرها الناشف في فم الطفل على أمل أن يهدأ قليلاً ، ولكن دون جدوى فقد كان الثديين يابسان مثل نهران قد تركهم الماء في فصل الصيف . جارتها سليمة كانت تعد الطعام في المطبخ الملاصق لغرفة مرتا فسمعتْ صُراخ الطفل وهو يبكي بحرقه ، تحركت غريزة الأم  في داخلها فهي ايضاً لديها طفل بعمر ابن مرتا  تقريبا،  ولكن كان نائم الأن ومطمأن ، تركت سليمة المطبخ وأطفأت ما كان تحت النار، حيث كانت تحضر وجبة الغداء لزوجها، توجهت الى بيت جارتها الذي يفصل بينهما حائط قديم متداعي ،  يحجب  بين الباب الخشبي و صالون بيت مرتا  قطعة  قماش مثبتة من الأعلى بمسامير ، فأزاحتها سليمة  ودخلت الى غرفة الجلوس  . البيت مكون من غرفتين  واحدة على اليمين والأخرى على الشمال يفصل بينهما حوش كبير، في طرف الباحة توجد درجات تفظي الى سرداب تحت البيت كانت مرتا تضع فيه مؤونة  الشتاء ، البيت لم يكن ملك السيد اسحق  زوج مرتا بل استأجره مع عائلة اخرى بعد أن نَزَحَا من قريتهم  في شمال العراق ، ولكن العائلة  الثانية تركت البيت وسافرت الى البصرة.  واستقر هو في الموصل بعد أن اشتغل  في بهو  مطبخ مستشفى الموصل العام وبعد ذلك رقي الى مساعد طباخ ، وكان مساءاً يذهب الى فصول  محو الأمية . 
دخلت سليمة فوراً  الى غرفة مرتا ، فشاهدة الطفل في حضن أمه تعصره الى ثديها محاوله استخراج  نقطة حليب واحدة  والطفل يصرخ  وكاد أن يختنق من شدة البكاء، بحركة  سريعة من يد سليمة وهي تقول لمرتا  اعطيني أياه ،  انت صدركي الان ناشف انا أرضعه فقد أرضعتْ أبني قبل قليل ، لم تفهم الأم  الكلام لأنها لا تتقن اللغة العربي ، ولكن شعرت ان هذه المرأة تريد مساعدتها ، فأعطته لها برفق ، على الفور أخرجت سليمة ثديها الأيمن من تحت ثوبها ووضعت رأس الحلمة في فم الطفل الباكي ورضع الصغير بنهَم كما لم يرضع من ولادته استمر على هذه الحالة الى أن ارتوى  ، على صدر سليمة المرضعة غفى الطفل  برفق شديد سحبت الثدي من فمه وأعطته الى أمه ، نظرت له مرتا فأحست كأنه عاد للحياة  من جديد ، فهو الان نائم بسلام ومبتسم . ارادت أن تُعبر عن امتنانها لجارتها ولكن اللغة لم تسعفها فهي لا تعرف غير اللهجة الكلدانية وبعض الكردية ، سليمة  عرفتْ ما تريد مرتا منها فقالت  أعرف انك لا تتكلمين العربي ولكن لابأس  لاتشكريني  فنحنُ جيران والله قد أوصى على سابع الجار، اغرورقت عينا مرتا بالدموع  وتفوهت بكلام غير مفهوم  يُعبر  عن الشكر والامتنان،  سألت سليمة عن عمر الطفل فحرّكت مرتا أصابعها علامة الإثنين ففهمت سليمة انه في الشهره  الثاني وقالت أبني احمد ايضا في نفس العمر وسألت  عن أسمه  فقالت مرتا بصعوبة  يوسف  من تلك اللحظة أصبحت المرأتان صديقتان  وجارتين حميمتين وربط القدر بين الطفلين ورضعا من ثدي واحد فأصبحت صلة الإخوة الانسانية تشد الواحد نحوا  الآخر في طريق الحياة  المتعرج. 
عند  المساء عاد أسحق  من العمل فحكت له مرتا ما حصل لها أبتسم الرجل بدون تعليق وأشعل سجارة وهو يشرب الشاي وبدأ  يفكر الى أن ذهب في سبات عميق . قصت  سليمة أيضا ما حصل لزوجها غانم فقال حسناً  فعلتيِ  فهؤلاء ناس مساكين فقراء  قد رحِلو من  قراهم في الشمال من جراء حركة الأكراد  والقتال الحاصل  بين الحكومة والبرزانين  الذين يريدون الاستقلال .
مرت الأعوام  ودخل احمد ويوسف الى نفس المدرسة بل نفس الصف يدرسان معاً ويذهبان ويعودان  معاً ، وإذا حصل شجار مع احدهم يتدخل الآخر للمساعدة ، في أحد الأيام حيث كانا خارجين من باب المدرسة تجمع عدد من الأولاد حولة احمد تحاول ان تضربه ، حين رأى يوسف الزمرة  هرع للمساعدة  وضَرب المعتدين وضُرب  هو ايضاً وسال الدم من انفه ، ولم تنتهي المعركة ألا حين خرج المدير وصرخ على التلاميذ فتراكض الكل كالجرذان ، احمد وَيُوسُف ركضا معن الى الزقاق المجاور وهناك وقف الاثنين، نظر احمد بحزن  الى أنف زميله الممتلئ  دم ، فمزق كم قميصه ومسح الدماء من عليه  وقال تعال معي الى البيت واغتسل ، كي لا تراك أمك هكذا. هرعت سليمة راكضة حين رأت بقع الدم على قميص يوسف وكف يده  اليسرى ممسكة   برأس انفه محاولن ووقف سيل الدم ، وكم قميص ابنها احمد ممزق ، غسلت وجه الاول وداوته ببعض المكركروم المطهر،  وبدلت ملابس الثاني وغسلته ايضا ، بعد ذلك أخذت يد يوسف وأوصلته الى البيت . حين دخل يوسف الى البيت وهو ممسك بيد سليمة وأثار المطهر الأحمر  على وجهه خافت أمه كثيراً ، ولكن هدئتها سليمة وقالت انه شجار بسيط في المدرسة بين الأولاد لا تقلقي . ومرت عجلة الأيام الى أن اصيبت عائلة السيد غانم بحادث كبير .
ففي آذار سنة  ١٩٥٩ قامة ثورة الشواف في الموصل وتُهم الكثير من الناس جورا وظلما وبهتانا وكان من بينهم  غانم والد احمد حيث اتهمه  الشيوعيين بمناصرة القوميين  فسُحل وضُرِب وعُلقت جثته على عامود الكهرباء. وأصيبت العائلة بصدمة حادة سوفة  تؤثر  على حياة احمد في ما بعد . 
بعد سنوات عديدة قضتها عائلة السيد اسحق في ذلك الزقاق القديم  في صحبة جيرانهم  قررا  أن ينتقل   الى حي أخر،  فقد رأى  السيد اسحق عمل مع سكن  في معمل غزل  ونسيج  الموصل،
والبيت الذي يقطنه اصبح  قديم وصغير عليهم فقد أنجبت مرتا خلال هذه الفترة ثلاث بنات وولد اخر . 
انتقلت الاسرة الى البيت الجديد وتفرق الأخوين بالدم كل واحد يشق طريقه في الحياة . احمد بعد ان أنتهى من الإعدادية دخل الى الكلية العسكرية وتخرج بعد اربع سنوات برتبة ملازم أول ، اما يوسف فقد أكمل دراسته ودخل كلية الهندسة وأصبح من الاوائل وأرسلته الدولة الى الاتحاد السوفييتي في بعثة دراسية  ، وعاد الى الوطن وتبوء مناصب رفيعة وكان خط المستقبل مرسوم  له بماء الذهب، هكذا تصور و تزوج من فتاة كان قد تعرف عليها  في إدارة الجامعة فكون عائلة وأنتقل للعيش في شقته الجديدة .

219
أدب / عجزْ الأنسان الشاعر
« في: 11:14 12/03/2015  »


عَجز الانسان الشاعرْ


سلوان ساكو


من على مقاعد مكتبة الأسد في دمشق حين كُنَّا نستمع الى قصائد نهر العراق ، الشاعر بعد الرزاق عبد الواحد في احدى ندوات تكريمه من قبل وزارة الثقافة السوريا ، بعد أن لجأ إليها مثله مثل كثيرين من الأدباء  . بعد هذه الندوة قرر بعض من الشعراء الشباب الذهاب الى الشقة التي يقطن به الأديب الراحل يوسف الصائغ  للاطمئنان على صحته حيث كانت  حالته قد تدهورت في بداية ٢٠٠٥ ،  حين دخلنا الى الشقة الصغيرة ، رأيت شخص مكسور مقُعد قد جار عليه الزمن بعد عهد ذهبي  ولى ولن  يعود . 
فهذا اليساري الماركسي  الشيوعي القديم ، الذي قضى ردحاً من الزمان في سجن نقرة السلمان بسبب نشاطه السياسي ونضاله من اجل مجتمع عادل تحكمه الطبقة العاملة ،  الأن يئن من وطأة الالم والغربة ، بعد ان كانت اضواؤه تملأ  فضاءات الادب والمسرح ورائحة صوته  تعبق في الامكنة واسمه يلمع بتوهج يحسده عليه الكثيرون، وقد حقق مكانة مميزة لا يختلف اثنان عليها. 
كان يوسف الصائغ واحدا من المبدعين العراقيين الكبار الذين اسهموا بجدارة في صياغة الثقافة العراقية، ولن تستطيع اية قوة مسطحة أن تمحو ذكره من ذاكرة العراق الثقافية مهما كان موقفها من سلوكه . فهو صاحب سيدة التفاحات الأربع
 ، ومسؤول مهرجان المربد للشعر ، ومدير السينما والمسرح في وزارة الثقافة والإعلام  وصاحب مكانة متميزة بين المثقفين والشعراء العرب ، يرقد الان في سرير الغربة ، دون رفيق أو معين في شيخوخته القاسية ، كتب قبل الموت يقول"زرني، أخافُ،/ تكاد يائسة تفلّ عزيمتي. والموت كل الموت عندي أن أهون/ ولا ترى الميقات عيني/ رؤيا الرجال الصادقين..." .وبعد عدة شهور في ١٢ /١٢ ٢٠٠٥ يموت ويوار الثرى في مقبرة الغرباء حاله حال الكثير من الشعراء العراقين من بدر السياب والجواهري ونازك الملائكة واخرين . كتب في قصيدة سفر الرؤيا ("اصغوا/ هذا تعبي:/ مهرٌ يضرب طول الليل حوافره في الأرض/ ويصهلْ/ جمّعتُ فمي لصراخٍ يوقظكم/ لكني الليلة حتى الصرخة تُعوِزُني/ ويظل كلامي/ يتمزّق بين الفك الأعلى/ والفك الأسفل/ وكمثل نبيٍّ أنكرهُ أهل مدينته/ أحمل زادي وعصايَ وأرحل...".
وفي سيدة التفاحات الأربع، أو ديوان المراثي الخفيضة والمخيفة من شدة رهافتها ورؤيوتها وبرقيتها وأعماقها وحزنها الذي يجعلك جزءاً من عالم أسطوري من الموت في الحب والحب في الموت، والتفاف الحياة على الموت من خلال بلاغة ابداعية معاصرة، قلّ مثيلها في شعرنا الحديث... أقول إن يوسف الصائغ في مراثيه لزوجته جولي التي كانت معه في حادث سيارة في أضنة في تركيا، وكانت قد اشترت أربع تفاحات، انتثرت على التراب بعد موتها، فرثاها في قصائد"سيدة التفاحات الأربع"هو يوسف صائغ آخر حقيقي يقول في  قصيدة  بعنوان"قرنفلة سوداء":
"نائمة بين ذراعيَّ/ ومستيقظةٌ فيّ/ وفي شفتيَّ/ يصير الحب قرنفلة سوداء/ ممنوعٌ عنها الماء./ عارية فوق فراشي/ دافئة الشفتين/ يا سيدتي/ إني أحببتكِ عاريةً/ أجمل عريكِ في القدمين.
ولكي لا يموت يوسف الصائغ مرتين، علينا أن  نكتب عن شعره الجميل، وأن نحييه في شعره المبدع.
دواوينه الشعرية: قصائد غير صالحة للنشر 1957 ـ اعترافات مالك بن الريب 1972 ـ سيدة التفاحات الأربع 1976 ـ اعترافات 1978 ـ المعلم 1985 ـ قصائد يوسف الصائغ (مجموعة كاملة) 1993.
أعماله الإبداعية الأخرى: الروايات: اللعبة1972 ـ المسافة 1974, والمسرحيات: الباب 1986 ـ العودة 1987 ـ ديزايمونة 1989.
مؤلفاته: الشعر الحر في العراق (رسالة ماجستير) ـ الاعتراف الأخير (سيرة ذاتية).
حصل على جائزة أفضل نص مسرحي في مهرجان قرطاج ووسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الجمهورية التونسية.
عنوانه: دائرة السينما ـ بغداد ـ العراق.
أهــذا إذن كــل مــا يتبــقــى..?
إذا انتصف الليل.. واسودَّ....

ليل بلا قمرٍ أو نجوم،

وصار الندى مبهماً في الحديقة...

سيدتي،

ستجيء كعادتها،

ستعبر هذا الممر الكئيب،

وتمشي على العشب حافيةً،

لحظةً،

وأرى وجهها ، ملصقاً، في زجاجة نافذتي،

من هنا،

حيث ينكسر الضوء والوهمُ:

عينان ذاهلتان،

وشعرٌ من الأبنوس, قد اخضرَّ من بلل الليل،

والتمعت خصلة منه،

فوق الجبين،

ومن دونما كلمة،

وبصمْت المحبين،

سوف تمد أصابعها

وتشير إلى بنصرٍ نزعوا خاتم الحب عنه،

فموضعه أبيض مثل جرح قديم،

وتبسم لي..

220
جريمة الأثار في الموصل / بقلم سلوان ساكو 
ما حدث في الموصل من تدمير للآثار كان محزن للغاية وله وقعْ  كبير على كل العراقيين ، وحدث جللْ لا يفعله غير الجاهل .  ولكن الموضوع له زاوية اخرى لا بأس  ان نُجليها  للقارئ الكريم ، أولاً كل التحف الموجودة تقريبا  في متحف الموصل ليست اصلية بل هي من مادة الجص  ، وتظهر من خلال الفلم المعروض لداعش مادة الجص  بشكل ملحوظ وجلي  . أما تمثال سرجون الاكدي الذي يعود تاريخه إلى فترة القرنين الثاني والعشرين أو الثالث والعشرين قبل الميلاد. و الثور المجنح ( لاماسو) وهو تمثال ضخم يبلغ طوله 4.42 م ويزن أكثر من 30 طناً. وهو فرداً من زوج يحرس باباً من أبواب سور مدينة (دور شروكين) التي شيدها الملك الاشوري سرجون الثاني (721- 705 ق.م) .   اللذان تم تحطيمهم  بالكامل فهما مع الاسف الشديد حقيقيان.و لم يتم سرقتهما لصعوبة نقلهم أولا ولأنهم معروفان عالمين  وبالتالي لا يمكن بيعهم أو اقتنائهم. 
ولكن الذي حدث   بالضبط  ومن مصادر موثوقة من داخل المدينة ، انه تم  سرقة و تهريب الاف القطع الاثرية الحقيقية والنادرة  والرقم الطينية والألواح القديمة التي لا تقدر بثمن ، التي كانت موجودة في احدى المخازن  القريبة من نينوى القديمة من قبل عناصر داعش وأبناء العشائر القريبة من الموقع  وبعض أهالي الموصل ، الى مركز قيادة التنظيم في الرقة ومن هناك عبر وسيط الى الاْردن ومن عمان يبدء التوزيع الى العالم وجامعي الاثار والتحف عبر شبكة واسعة من سماسرة المافية ، التي تتعامل الان بالمليارات الدولارات . ولكون هذه النفائس العراقية  الثمينة غير مرقمة ومصورة  فقد ضاعت ولا يمكن استردادها أبدا. وما عرض من تدمير في الفلم المُفبرك ، هو للتغطية على ما تم سرقته وتهريبه ، حتى لا يتم المطالبة به لاحقنا اذا ما وجدت قطعة أثرية في مكان ما.
لم يصدقْ رئيس الوزراء العبادي حين قال سوفة نستعيد  القطع المسروقة ونلاحق الفاعل  ،لقد تسربت هذه الاثار مثل ما تتسرب المياه الى جوفْ الأرض وبعدة فترة تظهر في مكان لاحق ، ولم يقول محافظ نينوى المطرود اثيل النجيفي الحق حين قال لقد عرفنا ثلاثة من المجرمين الذين دمروا الاثار ، لأن هذه شبكة واسعة  ونظام كبير مرتبط بشخصيات نافذة داخل البلد وخارجه. وليس ثلاثة اغبياء. 
خلاصة الكلام  لقد تم  سرقة الاثار التي كانت موجودة في احد أهم  المخازن الكبيرة  في الموصل  بتواطؤ محلي من أبناء عشائر المنطقة  ودولي عبر تزويد هذه المجاميع بخرائط  أماكن تواجد هذه   الاثار ، ولن تعود مطلقا . وعلى الحكومة العراقية المحافظة على الباقي.

221
جريمة الأثار في الموصل / بقلم سلوان ساكو 
ما حدث في الموصل من تدمير للآثار كان محزن للغاية وله وقعْ  كبير على كل العراقيين ، وحدث جللْ لا يفعله غير الجاهل .  ولكن الموضوع له زاوية اخرى لا بأس  ان نُجليها  للقارئ الكريم ، أولاً كل التحف الموجودة تقريبا  في متحف الموصل ليست اصلية بل هي من مادة الجص  ، وتظهر من خلال الفلم المعروض لداعش مادة الجص  بشكل ملحوظ وجلي  . أما تمثال سرجون الاكدي الذي يعود تاريخه إلى فترة القرنين الثاني والعشرين أو الثالث والعشرين قبل الميلاد. و الثور المجنح ( لاماسو) وهو تمثال ضخم يبلغ طوله 4.42 م ويزن أكثر من 30 طناً. وهو فرداً من زوج يحرس باباً من أبواب سور مدينة (دور شروكين) التي شيدها الملك الاشوري سرجون الثاني (721- 705 ق.م) .   اللذان تم تحطيمهم  بالكامل فهما مع الاسف الشديد حقيقيان.و لم يتم سرقتهما لصعوبة نقلهم أولا ولأنهم معروفان عالمين  وبالتالي لا يمكن بيعهم أو اقتنائهم. 
ولكن الذي حدث   بالضبط  ومن مصادر موثوقة من داخل المدينة ، انه تم  سرقة و تهريب الاف القطع الاثرية الحقيقية والنادرة  والرقم الطينية والألواح القديمة التي لا تقدر بثمن ، التي كانت موجودة في احدى المخازن  القريبة من نينوى القديمة من قبل عناصر داعش وأبناء العشائر القريبة من الموقع  وبعض أهالي الموصل ، الى مركز قيادة التنظيم في الرقة ومن هناك عبر وسيط الى الاْردن ومن عمان يبدء التوزيع الى العالم وجامعي الاثار والتحف عبر شبكة واسعة من سماسرة المافية ، التي تتعامل الان بالمليارات الدولارات . ولكون هذه النفائس العراقية  الثمينة غير مرقمة ومصورة  فقد ضاعت ولا يمكن استردادها أبدا. وما عرض من تدمير في الفلم المُفبرك ، هو للتغطية على ما تم سرقته وتهريبه ، حتى لا يتم المطالبة به لاحقنا اذا ما وجدت قطعة أثرية في مكان ما.
لم يصدقْ رئيس الوزراء العبادي حين قال سوفة نستعيد  القطع المسروقة ونلاحق الفاعل  ،لقد تسربت هذه الاثار مثل ما تتسرب المياه الى جوفْ الأرض وبعدة فترة تظهر في مكان لاحق ، ولم يقول محافظ نينوى المطرود اثيل النجيفي الحق حين قال لقد عرفنا ثلاثة من المجرمين الذين دمروا الاثار ، لأن هذه شبكة واسعة  ونظام كبير مرتبط بشخصيات نافذة داخل البلد وخارجه. وليس ثلاثة اغبياء. 
خلاصة الكلام  لقد تم  سرقة الاثار التي كانت موجودة في احد أهم  المخازن الكبيرة  في الموصل  بتواطؤ محلي من أبناء عشائر المنطقة  ودولي عبر تزويد هذه المجاميع بخرائط  أماكن تواجد هذه   الاثار ، ولن تعود مطلقا . وعلى الحكومة العراقية المحافظة على الباقي.

222
أدب / مأساة سماح الجزء ٢
« في: 03:14 01/03/2015  »


مأساة سماح الجزء ٢



سلوان ساكو


رأت سماح في الحلم انها في بيت قديم من الطين جدرانه متداعية ، وفي كل زاوية منه بيت للعنكبوت،  وفي باحة البيت وهَيِّ واقفة في وسط البيت ، رأت أمرأة تخبز فصاحت سماح على المرأة فدارت وجهها ولكن كانت المرأة  دون ملامح أشبه بمسخ ، فخافت وركضت الى الشارع ، وستمرت لاهثة في الجري الى ان لاح أمهما شخص يشبه أباها على بعد أمتار منها ، فتوقفت وسارت ببطئ شديد نحوه ، وحين أصبحت بمقربة أكثر أبتسم لها ببراءة  مادا يده اليمنة لها برفق وحنان  ، حين رأته هكذا استراحت انفاسها ووضعت يدها في يده ، حين أصبحت اليدان متشابكتان سحبها بقوة وعنف الى صدره واخرج سكين من وراء ظهره كان يحملها في يده اليسرى وغرسه عميقاً  في صدرها الى أن سالت الدماء مدرارا على اساملها البالية ، في لحظة الموت هذه رأت الوجه ، لم يكن وجه ابيها بل وجه شخص شرير ذو ملاح شيطانية، صرخت بكل قوة  وصار العرق يتصبب  منها ، ولم تصحوا من هذا الكابوس إلا على صوت أمرأة تهزها ، فستيقضت وقد أصبحت كتلة من العرق ، فتحت عينيها  فرأت امرأة في العقد الرابع تنظر اليها بحزن بالغ وتجفف بثوبها الممزق وجُهها ، ارادت ان تتحدث ولكن الكلام كان محبوس في حنجرتها لا يقوى على الخروج ، ارادت ان تنهض فساعدتها المرأة وأتكتْ ظهرها الى الحائط بصعوبة بالغة ، حين تعودت عينيها على الضوء الخافت  الذي يلف المكان شاهدت غرفة متوسطة الحجم مملوءة  نساء يتحدثن بسوط خافت يكاد يسمع ، قالت سماح بجمل متقطعة للمرأة التي ساعدتها اين انا ومن هؤلاء الناس ، إجابتها الامرأة بلغة عربية ركيكة اننا نساء مخطتفات لدى أفراد داعش وهؤلاء النساء جميعهن سبايا لديهم  ، وسوفة يتم بيعهن في سوق السبايا  في الموصل . وسكتت المرأة ولف المكان هدوء غريب مثل هدوء المقابر . بعد قليل قالت لها ايضا ليلة البارحة كنتي تصرخين وتهذين بكلام غير مفهوم ، ونزفتي كمية من الدماء ، فنظرت سماح حولها وقالت اريد ماء فأخرجت المرأة قنينة بلاستيكية بداخلها ماء قذر ، وقالت هذا الذي يعطونه لنا اشربي قليلا ، وحين احتست منه سماح بصقته على الفور لمرارة مذاقه  ، وطأطأت رأسها كما احد يكسر لها عنقها .
 العالم كله يدور حولها،  الكرامة والشرف الذي انتهك،  الالم الفضيع الذي تحس به،  الجروح والقروح على جسمها بقع الدم السوداء على ثيابها، روحها المعذبة تتوق الى ترك هذا الجسم الهزيل ، لا تقوا حتى على البكاء ،  فوضعت المرأة المجهولة يدها حول رأسها  وضمتها الى صدرها وبكت بحرقة وألم. 
لم تمر فترة طويلة ، فتُح باب الغرفة ودخل عناصر داعش وقتادوا مجموعةً من النساء دون تشخيص. ورحلوا ، بعد فترة  دخلت مجموعة اخرى وأخذت خمس فتيات ورحلوا  .  بعد ساعة فتح عنصر واحد من داعش الباب وصار ينظر للكل كأنما يبحث عن شخص  معين ، وحين وقعت عينيه على سماح أشار بأصبعه ان تأتي ولكن لم يكن بمقدورها أن تتحرك  فقد خارت قواها نهائيا.  فصرخ  الإرهابي بها بقوة ارتعدت أركان الغرفة من شدة الصوت ، ولكن كانت هي بغير عالم ، عالم اكثر هدوء وسكينا اكثر طمأنينة  اكثر راحة،  حين رأها لا ترد قفز عليها وحملها مثل حمامة مهيضة الجناح .
ادخلها الى غرفة وأغتصبها من جديد ولكن هذه المرة كان على عجل ، وهي بين الحياة والموت لا تشعر بشئ مطلقاً ، انزل ثوبها ورش عليها ماء بارد وخرج واقفل الباب ورائه ، بعد اقل من نصف ساعة دخل عليها نفس الشخص الذي كانت قد جرحته في وجهه ، أراد ان يفعل بها مجددا ولكن هذه المرة كانت جثة هامدة  فاقدة الروح ، حركها قليلا ولكن كانت قد فارقت الحياة ، جرها من شعرها وبمساعدة واحد من الإرهابيين وألقوا  بها في حوض سيارة إلبيك أب ، وسارت السيارة بجثة سماح ، وكان العصر قد حل ، وصلوا الى ارض فارغة وألقوا الجثة بها ، ورحلوا ، عند المساء جائت الكلاب ونهشتها . في صباح اليوم التالي كان راعي اغنام يمر من هناك فرأى بقايا الجسد فأزاح عليه التراب  ما أستطاع ورحل . 
عانقتْ روح سماح السماء ، مخلفة ورأها الألم والشقاء الذي تكبدته خلال هذه الفترة القصيرة من عمرها الطري . بقى الجسد مُسجى ومُدما على قارعة الطريق ، أما الروح فظلت نظيفة تدعو باريها الى إنزال العقاب الى كل من سبب لها هذه الآلام .

223


مأساة سماح
( الجزء ١)

سلوان ساكو
 


لم تكن تتوقع سماح في يوم من الأيام أن يحصل لها ما حصل ، فقد كانت تنتظر جواز سفرها بفارغ الصبر لتلتحق بزوجها في كندا ، حيثُ جاء بسام قبل سبعة شهور الى قرية باطنايا يبحث عن عروس له قبل ان يفوته قطار العمر فقد بَلَغَ الأربعين قبل سنة ، فنصحه أهله وأقاربه ان يذهب الى العراق والى هذه القرية بالذات ، حيث أن جدته لأبيه من نفس البلدة  ، وبالفعل وفقْ في اختيار الفتاة الحسنة ، بفضل أقارب له من بعيد ، حيث كانت سماح في عمر الخامسة والعشرين ، وتكبر أخاها سامر بعامين ولها أخ صغير لم يتجاوز  الست سنوات  ولها اخت اكبر منها تعيش في أمريكا في ديترويت . الأب كان يعمل في حراسات الكنيسة في نفس المنطقة والام ربة بيت . حين جاء بسام الى القرية لم يكن يتوقع ان الاقدار سوفة تكون متربصة به الى هذا الحد، وحمقاء الى هذه الدرجة . فحين دق باب بيت سماح طالبن يدها للزواج مانع أباها في بداية الأمر بسبب فارق السن بينهما ، ولكن تحت ضغط الام  وتوسط الأقرباء وافق على مضض ، حيث كان يحبها كثيرا اكثر من باقي الأبناء بما تتسم به من هدوء ووقار وتشبه الى حد كبير والدته ، التي ماتت بسرطان القولون قبل ثلاث سنوات . وأشترط ان يعمل لها حفلة كبيرة ويدعو كل أهل البلدة  وتستمر من  الظهر الى اخر الليل ويتوفر بها اجود انواع المشروبات الكحولية وأنواع الأكل ، ففعل بسام ما طلب منه الأب ، وزاد عليه ، فقد دخلت الفتاة الشقراء الجميلة قلبه من أول نظرة وأصر عليها مهما كلّف الامر. وسارت الامور في يسر ، وتمت المراسيم في كنيسة القرية وذهبوا بعدها الى القاعة القريبة واستمر الاحتفال الى ساعات الفجر الاولى ، وبعد الانتهاء من الحفلة ذهبوا مباشرة الى  فندق راقي في دهوك ، وقضى الليلة الاولى هناك وأصبحت سماح من هذه الليلة  أمرأة . واتفق الاثنين ان يكملا معا الحياة في السراء والضراء.  وأتفقا على إجراءات معاملة  الزواج من أوراق مطلوبة الى حين تأتي الموافقة وبعد ذلك الفيزا وترحل الى كندا،  الى بيتها الجديدة ، الى عالمها الحالم الوردي  . هكذا كان المخطط المرسوم .
 وانتهت اجازة العريس وعاد الى كندا ينتظر بفارغ الصبر وصول زوجته التي تركها في بيت أهلها ، على أمل ان تكون المعاملة كاملة خلال ٦ أو ٨ شهر وبعد ذلك تذهب الى العاصمة التركيا انقرة وتأخذ الفيزا ، ويكون هو في انتظارها  في مطار توروينتو  كندا ، هكذا كان الاتفاق.  ولكن لا اتفاق مع القدر ، والحياة اصعب ان نضعها في قالب واحد . فقد تغير كل شي في أيام وساعات واصبح الحل مأساوي ، فبعد أن سافر بسام بثلاث شهور فَقَط سقطت مدينة الموصل بيد تنظيم الدولة الاسلامي داعش خلال فترة وجيزة  ، وبدأ المرض الخبيث ينتشر في الجسم بسرعة فائقة فسقطت أقضية ونواحي وقرى ما بين ساعات الصباح الأولى  والظهر . وهُجر الناس  من بيوتهم  وطِردوا في غفلة من الزمان لم يكونوا يتوقعونها ان تأتي هكذا وفي هذا الجيل ، فكثير من القصص والروايات كانت تُحكىْ وتتردد على الالسن ، ان اليهود قد خرجوا يوم السبت ونحن اي المسيحين يوم الأحد ، ولكن جاء الأحد على عجل كثيراً ولم يمهل أحد وقت .
دخل عناصر داعش الإرهابي الى قرية سماح في سيارات رباعية الدفع سوداء يعلوها الإعلام في فوضى وارتباك كبير.   قبل ان يصلوا بوقت قصير دخلت القرية في حالة هسترية من الخوف والرعب حيث وصلت الى مسامع الناس اخبار عن المذابح المروعة التي يرتكبونها في حق الأبرياء وأغتصاب النساء وسبي الفتيات ، هذا ما زاد الهلع والخوف أضعاف ، الكل يريد ان ينجو بنفسه وعائلته ، الكل يحاول الهرب الى  جهة الشمال ، وغريزة البقاء تتصارع مع الطبيعة  لتعيش ،  الناس تركض وتركب سيارتها  وتلوذ بالفرار فالتنظيم  الإرهابي قتلى ، لا مجال بمحاورتهم ، هم مثل كلاب مسعورة تريد أن تنهش.
 في هذا الهيجان المرعب والفوضى العارمة رحل أهل سماح دونها حيث  أعتقد  الأب ان تذهب مع بيت خالها سعد فهوا يملك سيارة خصوصي يعمل  بها  بالأجرة ، ولكن  أخذ هو  أسرته المكونة من ثلاثة افرد وأمه العجوز وأنطلق بأتجاه دهوك ، أهل سماح الباقين  اخذوا  سيارة جي أم سي مع أسرة اخرى وانطلقوا هم ايضا في نفس الاتجاه والاعتقاد السائد هو ان الفتاة برفقة خالها. وخلال ساعات قليلة فرغت البلدة  من الأشخاص ألا من بعض العجائز الذين لم يوافقوا على الخروج المذل هذا ، وبعض المرضى والمعوقين ، والباقي هرب . ظلت سماح واقفة مشدوها  في حالة رعب  لا توصف لا تعرف كيف تتصرف أو أين تذهب ، غريزتها دلتها أن تسلك طريق  الكنيسة من الجهة الغربية  على أساس ان يوجد الكاهن أو بعض من بقى من أبناء القرية ، ولكن في الطريق رأها احد أفراد التنطيم الإرهابي تركض مسرعة ، فلحقها وقبل ان تصل بوابة الكنيسة كانت تحت رحمة من ليس لهم رحمة ، فأقتادوها  الى الموصل مكبلة بالأغلال ، في آخر سيارة البيك أب . وفوهة البندقية  مسلطة على رأسها ، وغبار الطريق يعمي البصر .
وصلوا الى بيت متروك كان يملكه أحد المسيحين المهزومين  في منطقة  حي المهندسين . ادخلو سماح الى  احدى الغرف التي تحتوي على سبايا من كل الطوائف أزيدية شيعية تركمانية  كردية . حين أدُخلت الى الغرفة  الصغيرة الحارة والمحتقن جوها بروائح كريهة ، أرادت أن تستوعب الحالة فلم تقدر ، فوقعت مُغمى عليها  فاقدة الوعي عند عتبة الباب  .
استيقضت على صوت أجش مزعج ،  يصرخ بها انهضي  ياكافرة ، ويهزها بعنف  . وحين فتحت عينيها رأت وجه شيطاني ذوّ لحية كثيفة وحاجبان أسودان طويلان  وعينان تقدحان شرارة مملوئتين شهوة  ورغبة في الهتك والاغتصاب . دارت رأسها قليلاً فوجدت ان الغرفة فارغة تماماً ومسدولة الستائر  ، وهي مرمية على سرير من حديد ، حركت يدها اليسرى  فوجدتها متحررة من الأصفاد ، ارادت أن تقول اين هي الان ، وتسأل عن أبيها ، ولكن الوجه القبيح كان ينظر أليها برغبة جامحة ، امرها الداعشي أن تخلع ملابسها،  فلم تفهم عليه ماذا يريد فقد كان يتحدث بلهجة  جزائرية ، فعاد الكلام مرة اخرى ولم تفهم ايضاً ، فعالجها على الفور بكفه الثقيل وارتما فوقها ، دفعته هي بما تملك من قوة باقية ، ومدت اظافرها الى وجهه فغرزتها بعمق  فسال  الدم على خده الأيمن  ، وهنُا جن جنونه وخلع كل ملابسه تقريبا ، وارتما عليها مثل وحش هائج ، يضربها بقسوة بالغة ، حاولت  في البداية ان تصده ولكن مع الضرب الموجع والجسم الثقيل انهارت قواها وأستسلمت ، وأتم له ما أراد فأغتصبها   بوحشية وتركها مرمية على السرير تأنُّ من الالم ، وهي تريد ان تستيقض من هذا الكابوس المرعب ، ولكن لم يكن كابوس مع الأسف . بعد نصف ساعة دخل عليها  شاب داعشي اخر ذو ملابس سوداء قذرة ، وفعل بها ما فعل الاول ، ولكن اكثر شدة وقساوة الى ان سالت الدماء من بين فخذيها، حارّة تشق طريقها الى أسفل  السرير . وخرج الداعشي القذر من الغرفة وقفل الباب خلفه  وتركها تلوج في أحزانها  ودمائها اللزجة ، أرادت ان تصرخ مستغيثة  ولكن لم تقدر.  فغيمة سوداء داكنة  كانت تلوح فوق رأسها ، وسرب من الغربان يطير بقربها . غابت عن الوعي ونزلت الى  بئر عميق ليس له قرار .
   
ملاحظة مهمة : كل الأسماء و الأماكن وأن جائت مطابقة للواقع هي من وحي الكاتب .
يتبع.

224
همومْ السفرّ بينَ الناس  والبطريرك.              بقلم سلوان ساكو
سال خلال الفترة  القليلة الماضية حبر كثير عن السفر والهجرة واللجوء والاغتراب والهروب والهرب ، وكلها تأتي في سياق  واحد هو الرحيل عن الوطن  الأم اذا كان هنُاك وطنْ أصلاً .  مما أدت في النهاية إلى هذا الوضع المهترئ والمحزن، والذي لا يبدو أن له نهاية قريبة .
وبعيداً عن التشنجات والمهاترات  الكلامية التي لا تجدي نفعاً،  وتجاوز القشرة الهشة  لقضية أصبحت موضع جدل واسع ، ولعدم التوغل في تفاصيل من شأنها أن تُضيع جوهر القضية  وتنفي أسُسه من الأصل ، وهذا ما نَحْنُ  ليس  في حاجة له الان . وفي هذا الوقت بالذات .
وهذا المقال  لم أرد به دفاعا عن سيادة البطريرك مار لويس ساكو ، فهو  كفيل أن يُدافع عن نفسه ، وله من قوة الكلمة وبيان اللغة وإلايمان الراسخ ، مما يجعله قادر على دحضَ كل ادعاء كاذب وتفنيد كل حجة بحجة اكبر منها ، كما انه  شخص  واقعي وصريح وصاحب قرار ومطلع على ادق تفاصيل ما يجري  في خارج العراق  وداخله . وإذا يوجد كلمة  حق  يجب أن تقال  الأن ، لأن الذين يرددونها، لو كانوا أمناء مع أنفسهم حقاً، لقالوا  لنا أيعقل ان سيادة البطريرك مار لويس ساكو يترك عمله ومشاغله   وموجة النزوح  الغير طبيعية التي تشهدها البلاد في الآونة الأخير بسبب داعش والارهاب ، ومشاكله الكنسية الداخلية والخارجية الكثيرة والكبيرة ،  يترك كل هذا ويلاحق ملف عائلة قدمت اوراق طلب سفرها الى أمريكا او كندا او استراليا ليمنعها من السفر، أيعقل هذا  ؟؟؟
 حدث العاقل بما لا يعقل فان صدق فلا عقل له . والذي أراته من هذا المقال هو تحكيم العقل والتفكير بشكل  منطقي ووضع الامور في نصابها الصحيح ويكفي تحميل البطريركية والبطريرك ما لا ذنب لهم به.   نعم يوجد علاقة جدلية بين الكنيسة وبين موضوع الهجرة على أساس ان الكنيسة هي جماعة من  المؤمنين وبدون هذه الجماعة تصبح الكنيسة حجر فقط ، دون حياة ، والشواهد على ذلك كثيرة ، فهذه كنائس تركيا مغلقة لا يدخلها أحد من عشرات السنين ، وهنُا في استراليا ملبورن تباع بعض الكنائس  القديمة بسبب المصاريف ، وعدم تسديد الفواتير ، وتصار بعد ذلك الى بارات ليلية ونوادي . ودور رجل الدين هو ابقاء هؤلاء المؤمنين  في إطار الكنيسة قدر المستطاع دون فرض الرأي او الفكرة . طبعا هذا شيء وأخذ قرار السفر والهجرة شيء آخر، فالهجرة موجودة من زمان ، والعراقي  سافر الى  الولايات المتحدة الأمريكيا  من ثلاثينيات القرن المنصرم ،  ويوجد من همّ من الجيل الثالث او الرابع  هناك ، حيثُ كانت الناس تسافر على متن السفن  والبواخر . ومنطقتنا العربية شهدت هجرة ونزوح كثيف خاصة مع بدية القرن العشرين  ، والحربان العالميتان  والتغيرات الدولية الكبيرة التي عصفتْ بالعالم مما دعا الى تغير ديمغرافي كبير بالسكان  وتهجير قصري ،تبعاتها  مستمرة الى حدْ الأن ، وشعوب هذه المنطقة مثل رمال الصحراء المتحركة طور في الشمال وطور أخر في الجنوب . حسبما  ما تعصف بهم رياح الحرب  القاسية .
هذه مسألة ، أما المسألة الأخرى، التي لا بد من التطرق إليها والتوقف عندها بكل جدية ولكن بعيدا عن تحميل الكنيسة المسؤولة المباشرة التي يلجأ إليها البعض لتسويغ وتسويق أمور لا يمكن تسويغها أو تسويقها فمسألة السفر تبقى مسألة شخصية يتخذ اصحبها القرار وهم وحده يتحملون المسؤولة في تبعاتها الإيجابية والسلبية النجاح أو الفشل الوصول الى بر الأمان أو الغرق عند حافة البحر . لا تتحمل الكنيسة ولا البطريرك وزرَ أي احد أراد السفر ولم  ينجح في الوصول الى المكان المنشود ، وهذه دول الجوار من تركيا الى الأردن الى سوريا ولبنان يوجد  عشرات الآلاف من العراقيين  ينتظرون الفرج . والمسيحين  الذين هم في الخارج اكثر  من هُمْ  في الداخل بأضعاف ، والجاليات من الكلدان  في أمريكا وأستراليا وكندا واوربا بلغت من العدد مما يستوجب أستحداث  أبرشيات جديد  لهم  .  فهل يعُقل التحدث عن عرقلة الكنيسة  للسفر، ومن السذاجة في تحميل شخص البطريرك المسؤولية عن توقيف برنامج الهجرة واللجوء  .
هناك أسباب كثيرة تحتاج إلى دراسة ومراجعة متعمقة ، حولة الهجرة ، وكيف اصبحْ السفر بعدَ عام ٢٠٠٣ أسرع وأسهل بكثير عما كان عليه قبل هذا العام ، فكان الواحد منا  يمكث في عمان أو تركيا سنين طويلة الى أن توافق عليه دولة مثل استراليا وأمريكا ، وفي بعض الحالات تضطر العائلة  الى الانتقال من دولة الى اخرى من كثرة الرفوضات التي جائتهم فتعمل على تغير الأسماء والعناوين على أمل ان يقبلوهم في برنامج التوطين.
حرب ٢٠٠٣  لم تبقي ولم تذر على شيء وسقوط بغداد لها اسبابها وأبعادها وما تركته من ظلال قوية على المواطن العراقي بصورة عامة والمسيحي بصورة خاصة ،  وقد أدرك المسيحيون في الشرق الأوسط  أنهم مجرد ورقة يلعب بها الغرب   ولا احد ينكر ذلك طبعا ، ولكن هناك أيدي خفية وخبيثة  تعمل في الخفاء لتفريغ العراق من مكون أساسي واصيل ، كان له الفضل في قيام ونشوء وتأسيس الدولة العراقية الاولى ووضع النوة الاولى ، والأسماء حاضرة الى حد الان في التاريخ المعاصر أمثال بيت خياط وبيت بطيْ وبيت فتح الله  ، والأستاذة  والأطباء والمهندسين من ذوي الكفاءات والاختصاص . وطبعا لا ننسى دور الكنيسة في المجتمع ، فكثير من المدارس كانت تدار من قبل الراهبات ، والتعليم بها على اعلى  مستوى . وبيت الحكمة الذي كان الإسهام الأكبر في تأسيسه يعود للمسيحين . 
يجب الاعتراف أن هذه الأيادي الخفية نجحت في ازاحة هذا المكون الأصيل من لوحة الفسيفساء العراقية ، ولم يتبقى سوى القليل الذين هم ينتظرون الفرصة المناسبة لشدّ الحقائب والسفر .
هل  من الانصاف  تحميل البطريرك تبعة ما جرى وما يجري ،  أليسَ بالحريِ بِنَا أن نكتب ونقول ما يمليه الواقع والظرف والضمير فالتاريخ دروسه قاطعة لا ترحم .

225
المضحك المبكي مع العرب - بقلم سلوان ساكو   
استراليا بلد جميل جداً ومتعدد الثقافات كما ذكرت في وقت سابق ، ويرقد على كمْ هائل من التعددية العرقية والإثنية والدينية من كل حدب وصوب اقبلوا ومن جميع اصقاع الارض ، الكل يحترم الاخر ، والكل يتعايش  مع الاخر في تعاطف وانسجام ، يقل هذا الانسجام  في كثير من  الدول !!!. طبعا انا هنا لا اقصد مجتمع طوباوي خالي من المشاكل ولا المدينة  الفاضلة في  جمهورية أفلاطون ، بل مجتمع أسس له وفق منهج عِلْماني ليبرالي .   يحزم  ويربط  هذا  المجتمع مجموعة قوانين وتشريعات منها عرفي ومنها مكتوب ، والكل على مسافة واحدة من هذه القوانين والمخالف يعاقب ويحاسب كل واحد على ما رتكبه من جنح وجنايات . وهكذا  تسير الامور في سلاسة وانسيابية  وتطور من جيل الى اخر. فقد الاستثناء الوحيد في هذه المعادلة هم مع الأسف العرب او من مناطق عربية او من أصول عربية ، او من ثقافات عربية. 
في سفرتي الاخيرة الى مقاطعة Colt Coast. التابعة الى ولاية Queensland ، حيث ذهبتُ برفقة زوجتي لقضاء  Honeymoon هناك في اجواء جميلة وطبيعة خلابة على شواطئ وقلوعْ ورمال حارة ،  وشمس تسلب الالباب وتنعش النظر وتستريح النفوسْ لما لها من سحر أخاذ ، ويشبهونها  الناس بجزر هواي أو الكاريبي،  ولا يوجد ما يعكر صفاء  الجو سوا مجموعة من الشباب العراقيّين جائت الى المدينة لمشاهدة المبارة بين العراق والأردن ضمن تصفيات كأس اسيا المقامة في استراليا . وبعد انتهاء المبارة على ما يبدو نزلت الى المدينة وخاصة شارع surfers paradise  المشهور ، وهو عبارة عن شارع يشمل  كل شيء من مقاهي الى مطاعم  الى بارات الى نوادي ليلية،  الى مهرجين وبهلوانيين  فتيات شبه عريات ، عشاق يسيرون على ضوء القمر  ، وهذا حال الشارع من يوم تأسس الى حد الان  . ويطل الشارع من الجهة الاخرى الى البحر ، والنَّاس تسير به في امواج متلاطمة الكل في حاله  ، فقط هذه الزمرة من ( الزعران ) تارة تنظر الى الفتيات بوقاحة فجًّا وتارة اخرى  تتحرش بالمارة في تصرفات رعناء ، الى ان وصل الامر ان تدخل احد رجال الشرطة المرابط هناك وصرخ بهم ، ولكن لم ينصاعوا فتدخل واحد من هؤلاء الشباب وصرخ على الشرطي ثم دفعه الى الوراء، فما كان من الشرطي ألا أن استدعى دعم على عجل ، ولم تمضي سوا دقائق وجائته مجموعة من الدوريات واحطوا باشباب ورشو عليهم مسيل للدموع واقتادوهم بعد ذَلِك ، في حالة من الارتباك والفوضى قلمةْ تشهدها هذه المنطقة.   
من الصعب تحديد مكمن العلّة ومن الصعب تحديد ماهو الإجراء  المناسب من الناحية السيكولوجية ، هل هي عقلية المواطن العربي التي لا تتحمل هكذا  صور من حياة عادي بالنسبة للغير ، فترجع الى الحالة الهمجية الاولى قبل آلاف السنين حين كانت الغريزة تتحكم بالتصرفات ، أم هو احتياج فطري كامن في أعمق النفس البشرية لتخريب كل ما هو جميل ، كما يحدث الان في دولهم  الأصلية ، ام هو مرض نفسي استعصى على الزمان ان يهذبها. فتظهر على شكل سلوكيات وتصرفات حيوانية. 
كلّما تعمّق المرء في سعيه لمحاولة فهم ظاهرة الأخلاق والتصرفات المسيئة ، زادت الأسئلة. الثابت الوحيد الان  هو الحاجة إلى مقاربة شاملة للموضوع وفهم شخصية المواطن العربي الذي لم يتمدن بعد ،  تقوم على اتخاذ مواقف جريئة. مع العلم ان هذا الموضوع الشائك طرحه بشكل مميز الدكتور عابد الجابري في كتابه نقد العقل العربي، ولكن من يقرأ ؟.
ما ينبغي الانتباه إليه هنا الطريقة التي آلت اليه هذه الشعوب الغربية ،  في التعامل مع الآخرين ، على أُسُس إنسانية ترفع من مستوى التعامل مع المواطن بغض النظر عن اللون او الجنس او العرق او الهوية ، ولكن على ما يبدو أن المواطن العربي لا يقدر هذه المزايا  أبدا .

226
عذرا استراليا / بقلم سلوان ساكو
حلاَّ نهار الاثنين المشئووم على الأمة الأسترالية ،والشعب الأسترالي المسالم  ، حيث قامة مجموعة آثمة ارهابية اصولية متطرفة ،  على عمل إجرامي شنيع ، بقيامها بخطف مجموعة من الناس الأبرياء العزل كانت تروم الذهاب الى عملها ومزاولة نشاطها اليومي المعتاد ، وهؤلاء الناس مثلهم مثل جميع شعوب الغرب ارادت ان تشرب القهوة أو الكابتشينو  ،  بعد عطلة نهاية الأسبوع السعيدة مثلا ما تعودت طوال سنين ، وأصبحت عادة يتمتعون  به . ولكن كان القدر الأسود مثل  القهوة المرة ، لهم بالمرصاد،  فخطفتهم  يد الاشرار عن ساعة غفلة ، وادخلت الخوف والرعب في قلوبهم الأمنة .
استراليا ماذا يريد هؤلاء الاوغاد  منكِ ؟ ماذا فعلتيِ  لهم كي يكافئوكي بهذا الشكل المهين ؟ ! ، ألم  تستقبليهم  بعدَ ان ضاقت بهمّ السبلُ ، وأحتظنتيهم بعد ان رذلتهم اوطانهم ، وعالجتيهم بعد ان اصبح الدواء عنهم شحيح ، والمرض في بيتهم قريب ، يتعلمون مجاناً ، ويأخذون من إعانات الدولة دون مقابل ودون تعب  ، في عز وكرامة لَمْ  ولنْ  يروها في بلادهم الأم  ما  دامو يَرَوْن الشمس .
اليوم مع الأسف  تفيضَُ المقلوا على حال من محالّ
ماذا يريد منكِ هؤلاء  الرعاع الذين لم يكتفو بخراب اوطانهم بل نقلوا معهم خرابهم اين ما حلو . ثقافتهم  ثقافة العنف والفوضى والقتل يعيشون  الى حد الان في الحالة البدائية الاولى الحيوانية ، ولم تمر رياح الحضارة والتقدم على عقولهم . 
انا أسف :-
تَفِيضُ عُيُونِي بِالدُّمُوعِ السَّوَاكِبِ *** وَمَالِي لا أَبْكِي عَلَى خَيْرِ ذَاهِبِ

عَلَى عُمْرِي إِذْ وَلَّى وَحَانَ انْقِضَاؤُهُ***بِآمَالِ مَغْرُورٍ وَأَعْمَالِ نَاكِبِ

عَلَى غُرَرِ الأَيَّامِ لَمَّا تَصَرَّمَتْ *** وَأَصْبَحْتُ مِنْهَا رَهْنَ شُؤْمِ الْمَكَاسِب

عَلَى زَهَرَاتِ الْعَيْشِ لَمَّا تَسَاقَطَتْ *** بِرِيحِ الأَمَانِي وَالظُّنُونِ الْكَوَاذِبِ

عَلَى أَشْرَفِ الأَوْقَاتِ لَمَّا غُبِنْتُهَا *** بِأَسْوَاقِ غَبْنٍ بَيْنَ لاهٍ وَلاعِبِ

عَلَى أَنْفَسِ السَّاعَاتِ لَمَّا أَضَعْتُهَا*** وَقَضَّيْتُهَا فِي غَفْلَةٍ وَمَعَاطِبِ

عَلَى صَرْفِيَ الأَيَّامَ فِي غَيْرِ طَائِلٍ *** وَلا نَافِعٍ مِنْ فِعْلِ فَضْلٍ وَوَاجِبِ

عَلَى مَا تَوَلَّى مِنْ زَمَانٍ قَضَيْتُهُ *** وَرَجَّيْتُهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ وَصَائِبِ

عَلَى فُرَصٍ كَانَتْ لَوْ أَنِّي انْتَهَزْتُهَا *** لَقَدْ نِلْتُ فِيهَا مِنْ شَرِيفِ الْمَطَالِبِ

وَأَحْيَانَ آنَاءٍ مِنْ الدَّهْرِ قَدْ مَضَتْ ***ضَيَاعًا وَكَانَتْ مُوسِمًا لِلرَّغَائِبِ

227
اعلام وأسماء منسيه / بقلم سلوان ساكو
سوف أتناول في هذا المقال المتواضع ، اسماء قلمة يتداولها الناس ، وأصبحت مع مرور الأيام منسية لا احد يذكرها تقريبا ، وان ذكرها كاتب في مقال او تحدث عنها محاضر في ندوة اثارت السؤال والاستغراب ، مع العلمْ ان هذه الأسماء نشرت من الكتب والمواد العلمية الكثير وكان لها الإسهام الكثير في الأدب والسياسة والدين والفلسفة والفكر بصورة عامة ، وتركت هذه الشخصيات مناهل من دراسات وبحوث ومقالات ، نستقي منها الى حد الان بعد مرور عشرات السنين على رحيلها . وسوفة اطرح في هذه السلسلة اسمان فقط على أمل ان أتناول في مقالات قادمة اسماء اخرى تركت اثر في هذا العالم ورحلت بسكوت دون ضجة . الاول هو الفيلسوف د. اسماعيل ادهم ، والثاني الكاتبة والباحثة أبكار السقاف.
إسماعيل أحمد إسماعيل إبراهيم أدهم ( 1911 - 1940 م) كاتب مصري ولد بالإسكندرية وتعلم بها، ثم أحرز الدكتوراه في العلوم من جامعة موسكو عام 1931، وعُيِّنَ مدرسًا للرياضيات في جامعة سانت بطرسبرج، ثم انتقل إلى تركيا فكان مدرساً للرياضيات في معهد أتاتورك بأنقرة، وعاد إلى مصر سنة 1936. وهو من الكُتاب المسلمين الذين أعلنوا إلحادهم وكتبوا فيه ودافعوا عن أفكارهم بالعلم والمنطق والحجة. وله في ذلك كتيّب بعنوان "لماذا أنا ملحد؟". وقد أعلن في هذا الكتيب أنه سعيد مطمئن لهذا الإلحاد، تماما كما يشعر المؤمن بالله بالسعادة والسكينة.
ولد لأب مسلم وأم مسيحية ألمانيه تعاهد زوج عمته تعليمه وتربيته تربيه اسلاميه فحفظ القرآن قبل أن يبلغ العاشره من عمره فقال في كتابه عن هذه التجربه ...غير أني خرجت ساخطا على القرآن لأنه كلفني جهدا كبيرا كنت في حاجة إلى صرفه إلى ما هو أحب إلى نفسي، وكان ذلك من أسباب التمهيد لثورةٍ نفسيةٍ على الإسلام وتعاليمه. ولكني كنت أجد من المسيحية غير ذلك، فقد كانت شقيقتاي، وقد نالتا قسطا كبيرا من التعليم في كلية الأمريكان بالأستانة، لاتثقلان عليّ بالتعليم الديني المسيحي. وكانتا قد درجتا على اعتبار أن كل ما تحتويه التوراة والإنجيل ليس صحيحا. وكانتا تسخران من المعجزات ويوم القيامة والحساب، وكان لهذاكله أثر في نفسيتي ".
يقول إسماعيل أدهم:-وفي هذه الفترة قرأت لداروين أصل الأنواع وأصل الإنسان وخرجت من قرائتهما مؤمنابالتطور. وقرأت مباحث هكسلي وهيكل والسر ليل وبيجهوت وانكببت أقرأ في هذه الفترة لديكارت وهوبس وهيوم وكانت ، وأنا لم أتجاوز الثالثة عشرة من سنى حياتي .ولكني لم أكن أفهم كل ماأقرأه لهم . وخرجت من هذه الفترة نابذا نظرية الإرادة الحرة ، وكان لسبينوزا وأرنست هيكل الأثر الأكبر في ذلك. وقد عرَّف أدهم الإلحاد على النحو التالى: "الإلحاد هو الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم"، ومن رأيه أن "فكرة الله فكرة أولية، وقد أصبحت من مستلزمات الجماعات منذ ألفي سنة، ومن هنا يمكننا بكل اطمئنان أن نقول أن مقام فكرة الله الفلسفية أو مكانها في عالم الفكرالإنساني لا يرجع لما فيها عناصر القوة الإقناعية الفلسفية، وإنما يعود لحالة يسميها علماء النفس التبرير . ومن هنا فإنك لا تجد لكل الأدلة التي تقام لأجل إثبات وجودالسبب الأول قيمة علمية أو عقلية. ونحن نعلم مع رجال الأديان والعقائد أن أصل فكرة الله تطورت عن حالات بدائية، وأنها شقت طريقها لعالم الفكر من حالات وهم وخوف وجهل بأسباب الأشياء الطبيعية. ومعرفتنا بأصل فكرة الله تذهب بالقدسية التي كنا نخلعها عليها
وحين يتكلم عن الإلحاد الذى انتهى إليه بعد دراسته للرياضيات فى روسيا يقول: "وكانت نتيجة هذه الحياة أني خرجت عن الأديان وتخليت عن كل المعتقدات وآمنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي، ولشد ما كانت دهشتي وعجبي أني وجدت نفسي أسعد حالا وأكثر اطمئنانا من حالتي حينما كنت أغالب نفسي للاحتفاظ بمعتقد ديني. وقد مكَّن ذلك الاعتقادَ في نفسي الأوساطُ الجامعيةُ التي اتصلتُ بها إذ درستُ مؤقتا فكرتي في دروس الرياضيات بجامعة موسكو سنة 1934... فأنا ملحد، ونفسي ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه،فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف في إيمانه.
إنه اي اسماعيل أدهم ناقد ولد كبيراً ومات عبقرياً. وتحول إلى مجموعة من الأعمال الكاملة صدرت بما يقارب الألفين صفحة بالعربية عن دار المعارف (1984-1986)غير ألف أخرى بالتركية والألمانية والانجليزية والروسية بعضها مطبوع وأكثرها مخطوط. كل هذا كان في أقل من عقد.
مات الساعة الثانية صباح الثلاثاء 23 يوليو 1940، على شاطئ البحر بالإسكندرية، كان إسماعيل أدهم ماشي بجانب الشاطئ وفي يده شوكولاته يأكلها ويفرق منها على الاطفال الذين يقابلهم في طريقه، وفجأة لقاه الناس بيرمي نفسه في البحر، حاول بعض الناس أن ينقذوه لكن كل المحاولات فشلت. بعد بضع ساعات نجح البوليس والمطافي باخراج جثته من الماء وعثر البوليس في جيبه رساله شخصية منه لرئيس النيابة يقول فيها أنه انتحر لزهده في الحياه وكرهه لها.
في عدد مجلة الرسالة المصرية رقم 366 بتاريخ 8 يوليو 1940، نُشر لإسماعيل أدهم مقال علمي في أربع صفحات مليء بمعادلات فيزياء معقدة سماه (البنية الكهربية للذرة) THE ELECTRICAL STRUCTURE OF THE ATOM ، بيقول فيه إن الذي توصل إليه العالم الألماني «هايزنبرگ» هو أثبته قبلها بسنين فى معامل البحث العلمي في موسكو. وإن الذي أعلنه البروفسور الروسي «سكوبلزن» سنة 1938 ينسجم مع مبادئ الفيزياء الحديثة التي أثبتها سنة 1933.
بعد ايام قليله من نشر هذا المقال، أعلنت وفاة د.إسماعيل أحمد أدهم غرقا على شاطئ «جليم» بالاسكندرية، وقيل لهم أنهم عثروا في جيبه على رسالة يقول فيها أنه انتحر ويطلب تشريح جثته ومخه وحرق جثمانه بدلاً من دفنه. ومعروف أن دعوى الانتحار هي أقدم وأشهر طرق الاغتيال عند المخابرات. والغريب إن الرسالة لم تبتل من ماء البحر مع أنها كانت فى جيبه حين غرق. كما أن من يطلب تشريح جثته ودماغه لن يرمى نفسه فى البحر كي يأكله السمك أو تختفى جثته.
من أبرز مؤلفات أسماعيل أدهم :
- الرياضيات والفيزيقا *1– مجلدين باللغة الروسية
- تاريخ الأسلام – ثلاث مجلدات باللغة التركية
- أضاءة الدرب – باللغتين العربية والأنكليزية – دراسة عن الشاعر أحمد زكي أبو شادي .
- توفيق الحكيم الفنان الحائر – دراسة عن توفيق الحكيم -
- خليل مطران شاعر العربية الأبداعي – دراسة عن خليل مطران
- دراسة عن الاديب ميخائيل نعيمة
- دراسة عن الأديب والمفكر طه حسين
- دراسة عن المفكر المصري أسماعيل مظهر
- دراسة عن الشاعر التركي عبد الحق حامد
- بحث في النظرية النسبية – مجلة الرسالة . والكثير من الإسهامات والدراسات والكتب . كل هذا في اقل من ١٠ سنوات .
اما الثانية فهي الكاتبة والباحثة والمفكرة ابكار محمد السقاف / ولدت سنه 1913م لأب يمني وأم تركية والدها محمد السقاف من عائلة ظلت تشارك في مسار السلطة بحضرموت ردحاً من الزمن شارك في ثورة العرب الكبرى على الإحتلال بقيادة الشريف حسين عام 1916م ولم يكن السقاف يطمح الى الوحدة بين اليمنيين الشمال والجنوب فحسب، بل كان يسعى إلى أن يربط بين العالم العربي من شرقه الى غربه وتمثل ذلك في محاولته تزويج ابنته أبكار لأمير برقة السنوسي ملك ليبيا فيما بعد .. في كنف هذا الأب العروبي عاشت ابكار ورضعت أفكار الحرية والنضال.
كانت تنتمي إلى أسرة مرفهه وتلقت تعليماً مميزاً حيث أجادت اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.
تمت خطبتها في سنة 1929 م على الأمير محمد إدريس السنوسي أمير برقة ، قبل أن يصبح ملكاً على ليبيا، إلا إن الخطبة تم فسخها سنة 1930 م لأسباب غير معلومة.
تزوجت من مصطفى الخربوطلي الذي توفي بعد زواجه منها بثلاثة أشهر فقط إثر إصابته بالزائدة الدودية.
ثم تزوجت سنة 1960 م من عمر بسين وهو تركي الأصل، وقد توفي بعد زواجه منها بثلاث سنوات.
*-----------------*
تناولت أبكار في مؤلفاتها موضوعات لم يكن من السهل نشرها في مصر في الخمسينات وقد رفض معظم الناشرين مساعدتها إلى أن وافقت مكتبة الأنجلو المصرية على نشر الجزئين الأول والثاني من كتابها "نحو آفاق أوسع" إلا إن الرقابة صادرت النسخ المطبوعة.
و أتهمت أبكار السقاف بالكفر من قبل متشددين وما زال هؤلاء يهاجمونها حتى بعد وفاتها بعشرين عاماً.
مؤلفاتها
كتاب (نحو آفاق أوسع المراحل التطورية للإنسان في ثلاثة اجزاء صدر منه الجزء الاول والثاني ثم صودرا والجزء الثالث لم يصدر بعد .. وقد تحمس لنشر هذا الكتاب الكاتب الكبير عباس العقاد، نشرت الجزء الأول والثاني مكتبة (الانجلوا المصرية).
> كتاب إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة صدر في طبعته الأولى سنة 1965م عن دار الكاتب ثم صدر في طبعة ثانية سنه 1997م عن مكتبة مدبولي وقد أهدت هذا الكتاب لأستاذها عباس العقاد.
> كتاب (الحلاج) صدر سنة 1995م بمقدمة للباحث المصري مهدي مصطفى .
> كتاب (محمد النبي) لم ينشر بعد.
> كتاب (المسيح) لم ينشر بعد.
> كتاب (النبي موسى) ماتت قبل إتمامه وما تم منه لم يصدر بعد.
> كتاب (السهر وردي) ماتت كذلك قبل إتمامه وما تم منه لم ينشر .
> كتاب (مقدمة اللغات) كذلك لم يكتمل ولم ينشر ما تم منه.
> كتاب (همسة في أذن إسرائيل ) كتبته باللغة الإنجليزية وصدر بها ولم يترجم الى العربية.
> كتاب (أصداء متفرقة - سيرة ذاتية - نشرته دار العصور الجديدة سنة 2001م بمقدمة للكاتب والباحث مهدي مصطفى بعد أن ظل غائباً منذ عام 1962م حين اتمت كتابته.
> كتاب الليل والقلم ديوان شعر لم ينشر بعد.
إضافة الى العديد من المقالات التي كتبتها لصحف مختلفة في مصر وربما كانت لها كتب أخرى قد فقدت أو مازالت حبيسة عند (البعض)..
ممن لم ترق لهم كتاباتها....
وظلت ابكار رفيقة للقلم وللكتاب حتى توفيت بـ الكويت سنة 1989م عن عمر ناهز السادسة والسبعين عاماً..
وأخيراً يقول الكاتب (مهدي مصطفى): (والعجيب) ان أبكار السقاف التي نضجت تماماً في أربعينيات القرن الماضي مع نضج العقل المصري والعربي غابت بالرغم من حفظ التاريخ لكل الحركات السرية الثقافية وغير الثقافية حتى الهامشي منها مثل جماعتي (الخبز والحرية) و(الفن والحرية) والجماعات الأقل شأناً وهو موقف لا يزال غامضاً تجاه مفكرة في حجم أبكار)..
توفيت أبكار السقاف بالكويت أثناء زيارتها لشقيقتها سنة 1989 م.

228
بقعة ضوء سياسية / بقلم سلوان ساكو
قد يختلف البعض حول تقييم الأحزاب الرئيسية التي تمثل شعبنا المسيحي في البرلمان العراقي الحالي من المجلس الشعبي والحركة الديمقراطية الآشورية ( زوعا)، وقائمة الوركاء التي استطاعت أن تحصد مقعد برلماني من خمسة مقاعد أصلا ، ولكن بدون شكْ هي ليست بالمستوى المطلوب ، ومرة ثانية تثبت أحزابنا السياسية فشلها وضيق أفقها ، وقصر نظرها ليس في السياسة فقط بل حتى في المجال الاجتماعي والانساني ، فهي لم توفق في استحقاق وزاري واحد وذهبت الحقيبة الوزارية الى شخص اخر بعيد عن الكتلتين الرئيسيتان فالسيد فارس يوسف ججو ينتمي الى الحزب الشيوعي العراقي الذي اختير وزيرا للعلوم والتكنولوجيا في الوزارة العراقية الجديدة ، وفي المقابلة التي اجراها سيادة البطريرك مار لويس ساكو مع مندوب موقع عينكاوة قبل أسبوع ، قال ان الاستحقاق الوزاري كان سيذهب الى كتلة اخرى لو اتصالي مع رئيس الوزراء القديم والجديد . قائلا لهم "داعش هجرنا والحكومة تريد تغييبنا في الحكومة الجديدة هذا غير مقبول سنضطر للنزول الى الشارع ونرفع صوتنا أحتجاجا على ذلك"، ولكنني لم أسمِِ اي شخص لشغل الوزارة فهذا ليس من شأني ويبقى هذا الاستحقاق مهم بالنسبة لنا . هذا يُبين مدى هشاشة السياسيين المسيحين وضعفهم في التمثيل الحكومي . هذا يجرنا الى الوراء قليلا ، حيث من ايام الحاكم المدني في العراق بول برايمر في ٢٠٠٣ ، لم يستطيع نواب المكون المسيحي فعل الكثير ، وكانت المصالح الشخصية وجمع المال والرواتب والمخصصات والحراسات والحماية في سلم أولوياتهم فالنائب يونادم كنا مثلا لم يسجل له منجز واحد يستحق الذكر على فترة تزيد عن ١٠ سنوات ، ويجب برأي ان يحاكم مرتين أولاً بسبب غبائه السياسي ومرة اخرى بسبب تقاعسه في اداء وجبه الوطني المكلف به اتجاه الشعب المسيحي الذي فوضه كمندوب  عنه في المحافل الدولية والمحلية، ولم يكن بقدر المسؤولية المنوطة له فسببْ خيبة آمل لدى طيف واسع ممن وثقوا به . والكتلة الثانية بعد الحركة الديمقراطية الآشورية ، هي كتلة المجلس الشعبي هي الآخرة لم تفعل او تقدم خدمة ترتقي الى مستوى نواب في البرلمان العراقي ، اكثر ما يستحقونه هو أعضاء في مجلس بلدي في ناحية نائية .
هذا الامور وغيرها تفسر وتوضح وتبدد الضباب عن جزء غامض من المشهد السياسي المسيحي العراقي وكيف أن ضيق في الرؤية ولد عدم ثقة بين المواطن وبين المسؤول ،الذي لايزال هذا المسؤول مراهق في عالم السياسة ،
من هذا المنطلق، ما نشهده اليوم في العراق هو في غاية الخطورة في ظلّ هذا التهجير القسري والتغير الديمغرافي لشعب عاش من آلاف السنين ، وخاصة اذا توقعنا ان الحرب على الارهاب سوفة تطول حسب ما قال الرئيس الامريكي بارك اوباما الى سنوات ، والشتاء قادم وعلى الإبواب ، ومشاكل كثيرة مثل التعليم والمدارس والصحة وتحديات المعيشة اليومي والرواتب .... الخ ، فلا يعُقل ان يظل اكثر من ١٥٠ الف نازح بدون مسكّن الى فترة طويلة في ظل غيب ابسط وسائل الراحة .
لا يمكن تجاهل أنّ الأوضاع في غاية التعقيد. لذلك هناك حاجة أكثر من أيّ وقت لدور قيادي يضع كلّ طرف في المنطقة، أو من الذين يتدخّلون في شؤونها في حجمها الحقيقي.

229
بداية النهاية وتصفية الحسّاب - بقلم سلوان ساكو
كنُت قد كتبت عن الأحداث الاخيرة في محافظة الموصل وقلت أن تسمية داعش( دولة العراق والشام الاسلامية) هو خطأ كبير فهؤلاء المقاتلين ، وأن وجد بينهم أجانب من جنسيات عربية أو غير عربية ، فيقودهم قيادات بعثية وعسكري وأستخبارية سابقة ، كانت تقود العراق في زمن صدام حسين . حين أحتل العراق في سنة 2003 لم تجد هذه القيادات مكان لها في الخارطة السياسية العراقية ، وفر العديد منها الى دول اخرى أهمها ، سوريا واليمن. واستحوذت القيادات الشيعة بعد السقوط 2003على السلطة بين ليلة وضحاها ، وبالتالي أصبح السنة خارج اللعبة السياسية ، بعد فترة طويلة جدا من الحكم . هنا تشكلت في هذه الفترة نوة المقاومة العراقية ( السنية ) وبدء تسلسل الاحداث المتتالية من الفلوجة والرمادي في زمن اياد علاوي ، 2003-2004 وقمع الانتفاضة بشكل وحشي وتهجير الناس الأمنة ، وكل ذلك بمباركة ودعم امريكي ، في نفس السنة اي 2004 الشهر التاسع سقطت الموصل بيد الارهابين ، هنُا كانت هذه المجاميع من خليط متنوع من لصوص، مقاومة ، اجانب من شيشان وافغان ومغاربة ،اكراد لهم اجندتهم الخاصة .... الخ . وانا كنت في المدينة في تلك الأحداث وشاهدت القتل ومجاميع يحرقون مراكز الشرطة ويعيثون في الارض فسادا الى ان تم ضبط الامن نوعا ما من قبل الحكومة والامريكان . هنا كانت قيادات البعث العراقي مبعثرة ومتخبطة، ويتم البحث عنها والقاء القبض عليها وزجها في السجون ، ولكن خرج أو فر كبار البعثيين الى الخارج ، وهنا صار تحول كبير في التنظيم واصبح هناك قيادتين واحدة في اليمن بقيادة عزت ابراهيم الدوري والأخرى في سوريا بقيادة يونس الاحمد عضو قيادة قطرية سابق مجمد في زمن صدام ، والتحق في قيادة اليمن أعضاء كبار من القيادة القومية مثل شبلي العيسمى ، ولكن الرفيق العيسمي رأى أن القضية كبيرة ولها أبعد خطيرة وعميقة ليس له طاقة عليها وهو الرجل المسن ، فترك الحزب في اليمن وذهب الى الولايات المتحدة الامريكيا ، عن أبنائه ، بعد أن منحته السلطات اليمنية جواز سفر دبلوماسي . في سنة 2011 ذهب العيسمى الى بلدة عالية بجبل لبنان حيث كان في زيارة لأبنته المتزوجة ، خطف من تلك البلدة وبقا مصيره مجهول الى حد الان . وانتهت صفحة الرفيق شبلي العيسمى الى الابد .
شكل عزت ابراهيم الدوري قيادة جديدة للحزب تتضمن المجاميع المتطرفة أمثال انصار السنة وعصائب الحق والتوحيد والجهاد والطريقة النقشبندية .... الخ وحصل تنسيق بين تلك الجهات وبين البعث بقيادة الدوري ، وبدعم مالي كبير من السعودية وقطر تحت المظلة الامريكيا ، وهو كان نفسه قد شكر الحكومة السعودية والملك عبدالله بن عبد العزيز ، في إحدى خطاباته ، وألا كيف نفسر رجل كبير في السن ومريض ومطلوب من الامريكان ، يتجول في المنطقة ومن مطار الى أخر دون أن يلقي القبض عليه ؟ . سوفة يطرُح هنُا سؤال مهم هو كيف أمريكا أسقطت الحكومة العراقية وفي نفس الوقت تدعم القيادة السابقة، وأقول أن السياسة الامريكية والجيش يختلفان عن دور المخابرات والس إي أيه والمصلحة هي تحتم الاولويات ، وكل شيء مباح في زمن الحرب . في هذا الوقت تشكلت مقاومة عراقية أخرى بقيادة البعث ايضا ولكن في سوريا ، ولأن الحرب في العراق طائفية ومذهبية ودينية بمتياز لاقت هذه المقاومة رواج في الشارع العراقي وأنظم اليها الكثير من المقاتلين والرفاق السابقين ، واصبحت مع الايام قوة ضاربة قوية ، ولأن الأفكار القومية والعلمانية انتهت واصبحت من الماضي وليس لها رواج في العراق ، أتخذ حزب البعث عدة اسماء دينية( اسلامية ) تُدغدغ الشعور عند المواطن ، ولعب على الوتر الطائفي ونجح فيه بشكل كبير كل هذا كان تحت الدعم السوري وكان للحزب فروع في حلب وحمص ودمشق ومعسكرات للتدريب المقاتلين في دير الزور ، وكان في حلب الأمام محمود قول أغاسي ( ابو القعقاع ) اغتيل في 2007- يجند المقاتلين ويضعهم تحت تصرف السوريين ثم ترسلهم الى العراق ، في زيارة خاطفة لكولن باول وزير الخارجية الأميركي لدمشق يوم الجمعة 2 أيار 2003، في اليوم التالي لإعلان الرئيس جورج بوش على ظهر بارجة حربية أميركية أنّ «المهمة قد أُنجزت في العراق»، وعند عودة باول إلى واشنطن أوضح أكثر ما جرى في دمشق: «ما قلته للرئيس الأسد هو أنك تستطيع أن تكون جزءا من مستقبل إيجابي، أو أن تبقى في الماضي مع السياسات التي تتبعها… الخيار لك» (السفيرـ 3 ـ 5 أيار 2003) وأصبحت أمريكا (دولة جوار) وبات على الأسد أن يدرك هذا جيدا، ولكنه أدركه بطريقته الخاصة، فاستعمل حاجة الولايات المتحدة إلى نظام الأسد لضبط الأمور في العراق، ورقة ضغط كبيرة على واشنطن، مدعوما بالعقل الإيراني الذي أراد أن يرث الأرض ومن عليها في عراق ما بعد صدام حسين، مستغلا الهلع الأميركي من تنظيم القاعدة، ولم يكن أمام الأسد سوى خلق الظروف المناسبة للأميركيين، كي يعدّوه أحد أهم محاربي القاعدة في المنطقة، وما الظرف المناسب إلا التغلغل أكثر في التنظيم ذاته، وتقديم الدعم اللوجستي والمخابراتي له، والعدّة والعتاد، والرجال الذين عبروا الحدود السورية العراقية بالآلاف. ولكن كل هذا تغير مع بدء الانتفاضة في سوريا 2011 وبتالي توقف الدعم اللوجستي للقيادات العراقية فأنتقلت من سوريا الى شمال العراق في دهوك و أربيل بتنسيق امريكي كردي تركي كورقة ضغط على حكومة المالكي في أي فرصة .وعلى طول التاريخ يوجد علاقة جدلية بين الاكراد والبعثين ونتذكر حين هرع مسعود البرزاني الى صدام حسين في سنة 1996 ليقف الى جانبه ضد جلال الطالباني . المسألة ليست مصادفة ولاهي حالة عبثية بل ثمة أستراتيجية وعدة على أعلى المستويات في العالم . والقضية أكبر بكثير مما نتصور ، هي أعادة رسم خريطة للمنطقة بأسرها ، فقد دخلت تركيا الان على خط المواجهة ويحتمل ان تدفع قواتها الى الدخول في شمال العراق بعد ان خُطف القنصل العام و الموظفين في الموصل البالغ عددهم 48 فرد ، ايران ايضا دخلت الى المواجهة بشكل مباشر ، الاحداث المتسارعة في الموصل سوفة تلقي بظلالها الثقيلة على المنطقة بأسرها وسوفة تكون نقطة تحول جذري . المرحلة التالية هي الأكثر خطورة مرحلة مابعد السقوط المدوي للموصل وباقي المحافظات العراقية

230
مُقاربات أجتماعية – بقلم  سلوان ساكو
 يقول ابن خلدون ، المؤرخ وعالم الاجتماع العربي الفذ، هذا العالم هو الذي ينفي، ليس فقط بعد البدو عن الحضارة وعدم امتلاكهم لها، وفاقد الشئ لايعطيه ، وانما أيضا عدم علاقة الشرع بالعقل، الامر الذي لم يفهمه الكثير من الناس . يقول ابن خلدون (320 هجري) في هذا الصدد واصفا أحوال قبائل البدو الغازية:" لم تكن لهم معرفة بالعلوم " لمقتضى احوال السذاجة والبداوة" ولان القوم عندئذ لم يعرفوا امر التعليم والتأليف والتدوي"،  (المقدمة، طبعة بولاق، ص13-12). وبصدد الحالة الحضارية للعرب في ذلك الوقت فيقول:" العرب أمة وحشية، أهل نهب وعبث ، وإذا تغلبوا على أوطان أسرع اليها الخراب ، يهدمون الصروح  والمباني ليأخذوا حجارتها أثافي للقدور، ويخربون السقوف ليعمروا  بها  خيامهم ، وليست لهم عناية بالأحكام وزجر الناس عن المفاسد ، وأنهم أبعد الناس عن العلوم والصناعات".وابن خلدون هو العملاق الذي لاحظ عدم وجود علاقة بين العرب  والحضارة  ( مقدمة ابن خلدون، دار الكتاب اللبناني، ص 892).
كل يوم جمعة من الأسبوع أذهب الى أحد النوادي الصحية (جيمْ ) بعد العمل . وفي أحد الأيام وبينما أنا في المسبح جائت مجموعة من الشباب أعمارهم بين 20-25 سنة تقريباً وكانوا 4  يتحدثون الانكليزية وبين الحين والأخر يتكلمون العربية  بلكنة  دولة عربية معينة ، المهم أن هؤلاء الشباب قاموا يتصرفون  بشكل مزعج ويصرخون بصوت عالي وينظرون الى الفتيات بشكل وقح وحركات فوضوية غير لائقة . مما أثار أستياء الناس الموجدة في (الجَيمْ) ، وعلى إثره أستدعة  تدخل رجل الأمن (السّكيورتي) ، وأبلغهم أن لم يلتزموا  بنظام  النادي  سوفة يخرجهم لأنه مكان عام ، ولكن لم ينصاعوا ،  بل  أزدادوا  في الكلام  والتعليق حتى على رجل الأمن ، وأصبح هنا الوضع لا يطاق . بعد ذلك ذهبوا هؤلاء الشباب  الى المنازع ودواليب التبديل والحمامات  وقاموا بضرب عليها  بشدة ، مما ترك أثر سيئ  في نفوس الأجانب من الاسترالين وغيرهم ، وهنا وفي هذه الأثناء تجمع حولهم جميع كادر النادي من موظفين وحاصروهم  دون أن يكلمونهم  الى أن خرجوا من النادي ، بعد حوالي  نصف ساعة أتت الشرطة الى الموقع وأخذت الإفادات  ، وقال رجل الأمن (السّيكورتي ) أنهم أخذوا  أي الشرطة رقم سيارة الشباب . وذهبت الشرطة وتفرق الباقي .
ملاحظة هامة ، هذه ليست أول مرة يحدث بها مثل  هذه الاشكالات والاستفزازات  ، ويكون  الابطل فيها عرب أو من أصول عربية اذا جاز التعبير .
في المجتمعات المتقدمة من العالم ، يكون هناك أدوات ضبط ،و أول هذه الادوات هو الرسمي متمثلاً في القانون أي القضاء وله جهاز تنفيذي هو الشرطة والاجهزة  الامنية  الاخرة ، وأذا حصل خرق في هذا القانون  يصبح هناك خلل في المجتمع ، وتحصل مشاكل عديدة منها الرشوى ، وتبرئة المجرم وتجريم البريئ ، وأستغلال الضعيف ، والضلم الجائر على الشعوب دون وجه حق يذكر . هذا من طرف ، ولكن هناك في المجتمع أدوات ضبط غير مكتوبة  أي ( عرفية)  تسمى  بالعامية  ( عيِبْ) وهذا يتمثل بالاخلاق والعادات والقيم ، في كل مجتمع . وهذا العيب  هو قانون غير مشروط ، كيف  لنظرب مثل على ذلك  ؟ ، أذا دخل شخص ما في أحدى المقاهي وتشاجر مع النادل لسبب أو لآخر واثناء المعركة كَسر  الواجهة الامامية للمقهى ، فعلى  الفور يتصل صاحب المقهى بالشرطة ويتم القبض على الرجل  ويحول الى القضاء  ، ويعاقب ويغرم على فعلته الغير مقبولة . ولكن ... ! لنفرض أن نفس هذا الشخص دخل الى نفس المقهى وجلس على الطاولة وطلب شاي وقام يضحك بصوت عالي ، ويتكلم في الموبايل بشكل مزعج ، بختصار يتصرف بصورة غير حضارية مما يثير حفيظة الجالسين ، هُنا يتدخل  صاحب المقهى ويقول له  راجياً منه أن يخفض صوته لأن هذا  مكان عام ، وليس خاص به . هذا هو القانون الغير مشروط أي لا يتطلب أستدعاء الشرطة لنزال  العقاب . وهذه تسمى أخلاق وعادات وسلوكيات عامة ، أداب التصرف , أداب الكلام  و أداب التعامل ، وهذه لها حزمة من الاخلاقيات ، أذا اسيئ التصرف بها والعمل بها تصبح هناك فجوة  في المجتمع ، مثلًا تقول الأم الى أبنتها المراهقة عيِب تجلسين بين الناس وساقيكي مفتوحة ، ويقول الأب الى أبنه عيِب عندما يتحدثون الناس اليك ، وأنت منشغل في جهاز الموبايل أو عيب هذه الملابس غير محتشمة تقول الأم ...... الخ  .
إن طرح الواجهة الثقافية للمجتمع  ، يؤشر على بؤس الحياة التي تعيشها الجالية العربية في دول المهجر ،وهذا يعطي دلالة على أنه نحن خارج سياق الحداثة  ، والذي يعنينا من هذا ؛ أنَّه لا انفكاك للسلوك عن الأخلاق في جميع المعاني التي استعمل لها لفظ الأخلاق أو لفظ السلوك ، فلا بدَّ من وجود صلة ورباط بينهما ، ولهذا كان كلُّ كلام عن الأخلاق لا بدَّ أن يتصل بالسلوك بوجه من الوجوه أو أكثر ، وكذلك العـكس ؛ فكل كـلام عن السـلوك لا بدَّ أن يتصل بالأخـلاق بوجه من الوجـوه أو أكثر .  وهُنا في استراليا يوجد االكثير  من السلوكيات الغير مقبولة لا أخلاقياً ولا عرفياً وتنبع من مستوى ضحل من التفكير . فهذا البلد متعدد الجنسيات ومتعدد الثقافات ومتعدد الديانات ومع الأسف الشديد أن المواطن العربي لا ياحمل مسؤولية هذا البلد المتقدم والمتحضر  الذي فتح أحضانه للكل دون تميز، ومارسنا كل  حقوقنا بحرية لم نكن نحلم أن نمارسها في بلدنا الأم ، حيث الكثير من الأحيان تتولد في داخل هذا العربي صراعات ومضادات لعدم الخضوع لفكرة او رؤية جديدة ، ويجب أن نعرف ونعي  أنه يوجد هناك مراكز دراسات وأبحاث متخصصة و محايدة عملها هو  تقييم كل جالية على حدى ، وفق آلية خاصة ، وتبحث في شتا دوائر  الدولة من المحاكم الى مراكز الشرطة الى دائرة الضرائب ( التهرب الضريبي ) ، الى  شركات التأمين و البنوك والمؤسسات الخدمية الاخرة ، وترفع تقاريرها ودرستها  الى الجهات الحكومية  ودوائر الهجرة ، وعلى ضوء هذا  التقيم  تقرر نسبة منح تأشيرة الدخول الى أو منح حق اللجوء الى البلد . فلا يوجد شيء أعتباطي في البلدان الكبيرة . كل  شئ  له حساباته وله ثمنه .   
 قال أحد الفلسفة الكبار أخطر  شيء على العقل البشري هو عندما تنكفئ البديهيات ،  فالمرء لا يغير أفكاره  بسهولة .

231
ضمن برنامج الزيارات التي قام بها السيد فهمي يوسف منصور رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري والوفد المرافق له، الى دولة استراليا ولاية ملبورن، نظمة لجنة المجلس الشعبي في الولاية سلسلة لقاءات، حيث زار الوفد الأب كوركيس توما راعي كنيسة المشرق الاشوري في ولاية ملبورن.

بعد ذلك زار الوفد الرسمي كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع للكلدان وكان في استقبال الوفد راعي الخورنة الاب كمال وردة بيداويد والقس الفاضل ماهر كوركيس، وتبادل الحضور أهم الاحداث الجارية في الوطن والاوضاع الاجتماعية والثقافية في الساحة العراقية.

وفي يوم السبت زار الوفد الأب أسكندر أفرام راعي كنيسة السريان الأرثوذكس في ملبورن في مقر اقامته، وبين الأب أفرام أهم الاحداث التي تعصف بالمنطقة خاصة في هذه الفترة، طالبا من الله والسيد المسيح ان يعم الاستقرار والأمان سوريا والعراق.

 وبعد ذلك زارالوفد بيت السيد سمير نيسان مسؤول لجنة ملبورن للمجلس الشعبي في زيارة قصيرة اتسمت بالحب والمودة. وزار الوفد ايضا بيت السيد فرات بطرس نائب مسؤول اللجنة ومن حهته ثمن السيد فهمي يوسف جهود لجنة المجلس الشعبي في ولاية ملبورن داعياً لهم بذل المزيد من الجهود من اجل ابناء شعبنا المسيحي متمنيا لهم النجاح والتوفيق في مسيرتهم من اجل العراق .

 

 

                  لجنة الاعلام والمتابعة للمجلس الشعبي

                            مكتب ملبورن





232
من نشاطات المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، مكتب ملبورن، تم نشرّ وتوزيع اعلانات قوائم الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة 2014 للمرشحين في قائمة  المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري (302)، وذلك في ولاية ملبورن ( استراليا ) حيث تم وضع اعلان في طريق كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع للكلدان، وواحدة في قاعة عشتار، وتم وضع اعلان اخر في كلارو، وفي منطقة روس  برابارك، وفي منطقة كنبل فيلد حيث تواجد الجالية العراقية من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، للتعريف على أبرز المرشحين والمستحقين للفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة، وأعطاء الصوت لمنْ يستحق بكل أمانة وصدقّ.

 

 لجنة الاعلام والمتابعة

 للمجلس الشعبي مكتب ملبورن




233
برعاية السيدة تريزا ايشو مروكي مرشحة قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري للأنتخابات البرلمانية العراقية القادمة  2014 رقم القائمة (302) القادمة من العراق الى دولة استراليا ولاية ملبورن، عقد مكتب ملبورن للمجلس الشعبي ندوة مفتوحة يوم الاحد المصادف 13/4/2014 في قاعة عشتار، وتناول الحضور أهم القضاية  في الساحة العراقيةوجرت خلال الندوة مناقشات ومداخلات تركزت حول محاورها والموضوعات والأفكار التي أثارتها، واجابت السيدة تريزا  على أسئلة الحضور.

كما زارت السيدة تريزا مروكي ايشو مرشحة قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري  203 القادمة من العراق الى دولة استراليا ولاية ملبورن. بتاريخ 12/4/2014 كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع ولتقت الاب الفاضل كمال وردة بيداويد راعي الاخورنة وتم طرح اهم القضاية في الساحة العراقي وخاصة في هذه الفترة من الانتخابات البرلمانية القادمة 2014. وبعد ذلك انتقل الوفد في زيارة رسمية الى الأب فاضل القس أسحق راعي أرسالية الروح القدس للسريان الكاثوليك في ملبورن في مقر اقامته، وقد رحب لأب فاضل بهذه الزيارة المهمة داعياًم الله ان يستقر العراق ويعم الأمن والامان وبعد ذلك زار الوفد الرسمي  الأب كوركيس توما راعي كنيسة المشرق الاشوري في ملبورن. وتضمن وفد المجلس الشعبي مكتب ملبورن السيد سمير نيسان مسئول المكتب والسيدة رندة كوركيس  والسيد  كيلاردوس بطرس والسيد فرات بطرس.  وبعد ذلك زارت السيدة تريزا  أيشو كنيسة ا مريم العذراء القديمة ، التقت مع الأب نسطورس هرمز.

 

 

لجنة الاعلام والمتابعة

للمجلس الشعبي مكتب ملبورن


234
التقى وفد المجلس الشعبي القادم من الوطن برئاسة فهمي يوسف منصور عضو هيئة الرئاسة والسادة عدنان عوديشو مندو وساهر حنا منصور اعضاء المجلس والسيد لؤي نوئيل ميخائيل مساعد مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الشعبي، مع ممثلي الاحزاب والكيانات السياسية ورؤوساء الجمعيات وعدد من الاعلاميين والكتاب من ابناء شعبنا في المهجر، وحضور عدد كبير من ابناء شعبنا، في البداية رحب السيد سمير نيسان مسؤول لجنة المجلس الشعبي في مالبورن بالحضور الكرام والوفد القادم من ارض الوطن، وبعدها تحدث رئيس الوفد فهمي يوسف منصور ورحب بجميع الحاضرين بحرارة وود كبير وشرح مسيرة المجلس الشعبي وما حققه على ارض الواقع من انجازات كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والانسانية، وبين ما تعرض له ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري من اضطهاد بسبب التقلبات السياسية والصراعات القائمة في العراق، مما تسبب له في التهجير القسري من المناطق الساخنة وهجرتهم الى اقليم كوردستان، وحث فهمي يوسف منصور رئيس الوفد ورئيس كيان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ذي الرقم (302) الحضور للذهاب الى صناديق الاقتراع للاشتراك في انتخابات مجلس النواب العراقي القادمة التي ستجري بتاريخ 30/نيسان/2014 لدعم المرشحين من ابناء شعبنا، في ختام اللقاء تناول الحضور وجبة عشاء مع الوفد.

 

 

           لجنة الاعلام والمتابعة للمجلس الشعبي

                            مكتب ملبورن

235
بمناسبة عيد القيامة المجيد ، أردتُ هنا أن اسُلط الضوء على موضوع مهم وشيق في نفس الوقت وهو مفاتيح كنيسة القيامة في الاراضي المقدسة  ، هي بيد من الآن وأي أسرة  تحمل تلك المفاتيح المقدسة ومن يفتح الباب ، ولماذا اعطيت لها ؟ حيث مع  مرر الزمن اصبحت محور الحديث وتناقلتها الاجيال من جيل لآخر .
 اولاً  تشكل كنيسة القيامة اليوم مقر بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسيّة ، وهي كنيسة مشتركة بين 3 طوائف : الرومان الكاثوليك ، الروم الارثوذكس ، والأرمن الأرثوذكس .
القُدْس (بالعبرية: יְרוּשָׁלַיִם يِروشالَيم) أكبر مدينة في فلسطين التاريخية من حيث المساحة وعدد السكان وأكثرها أهمية دينيًا واقتصاديًا. تُعرف بأسماء أخرى في اللغة العربية مثل: بيت المقدس، القدس الشريف، وأولى القبلتين، وتُسميها إسرائيل رسميًا: أورشليم القدس (بالعبرية: יְרוּשָׁלַיִם אל-קֻדְס .
ولفظة إسرائيل مكونة حسب التوراة من كلمتين ساميتين قديمتين هما: "سرى" (بالعبرية: שָׂרָה) بمعني غلب، و"إيل" (بالعبرية: אֵל) أي الإله أو الله. في التوراة وفي التراث اليهودي يعتبر اسم "إسرائيل" اسم بديل ليعقوب، وتظهر قصة تسمية يعقوب بإسرائيل في سفر التكوين 32:25
وبقيَ يعقوبُ وحدَهُ، فصارَعَهُ رَجلٌ حتى طُلوعِ الفَجرِ. 26 ولمَّا رأَى أنَّه لا يقوى على يعقوبَ في هذا الصِّراعِ، ضرَبَ حُقَ وِرْكِه فاَنخلَعَ. 27 وقالَ لِيعقوبَ: «طَلَعَ الفجرُ فاَترُكْني!» فقالَ يعقوبُ: «لا أتْرُكُكَ حتى تُبارِكَني». 28 فقالَ الرَّجلُ: «ما اَسمُكَ؟» قالَ: «اَسمي يعقوبُ». 29 فقالَ: «لا يُدعَى اَسمُكَ يعقوبَ بَعدَ الآنَ بل إِسرائيلَ، لأنَّكَ غالَبْتَ اللهَ والنَّاسَ وغلَبْتَ».  سفر التكوين  .  تعتبر القدس مدينة مقدسة عند أتباع الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، المسيحية، الإسلام. فبالنسبة لليهود، أصبحت المدينة أقدس المواقع بعد أن فتحها النبي والملك داود وجعل منها عاصمة مملكة إسرائيل الموحدة حوالي سنة 1000 ق.م، ثم أقدم ابنه سليمان، على بناء أول هيكل فيها، كما تنص التوراة. وعند المسيحيين، أصبحت المدينة موقعًا مقدسًا، بعد أن صُلب يسوع المسيح على إحدى تلالها المسماة "جلجثة" حوالي سنة 30 للميلاد، وبعد أن عثرت القديسة هيلانة على الصليب الذي عُلّق عليه بداخل المدينة بعد حوالي 300 سنة، وفقًا لما جاء في العهد الجديد. أما عند المسلمين، فالقدس هي ثالث أقدس المدن بعد مكة والمدينة المنورة، وهي أولى القبلتين، حيث كان المسلمون يتوجهون إليها في صلاتهم بعد أن فُرضت عليهم حوالي سنة 610 للميلاد  وكنتيجة لهذه الأهمية الدينية العظمى، تأوي المدينة القديمة عددًا من المعالم الدينية ذات الأهمية الكبرى، مثل: كنيسة القيامة، حائط البراق والمسجد الأقصى . في عهد عمر بن الخطاب ، أًرسل عمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح لفتح فلسطين عامة ونشر الدعوة الإسلامية فيها، لكن القدس عصيت عليهم ولم يتمكنوا من فتحها لمناعة أسوارها، حيث اعتصم أهلها داخل الأسوار. وعندما طال حصار المسلمين لها، طلب رئيس البطاركة والأساقفة، المدعو "صفرونيوس"، طلب منهم أن لا يسلم القدس إلا للخليفة عمر بن الخطاب بشخصه.
)  فقصد عمر بن الخطاب وخادمه ومعهما ناقة إلى بيت المقدس في رحلة شاقة. وما أن وصلا مشارف القدس حتى أطل عليهما صفرونيوس والبطاركة وسألوا من هذين الرجلين فقال المسلمون إنه عمر بن الخطاب وخادمه، فسأل أيهما عمر فقيل ذاك الواقف على قدميه إذ كان خادمه ممتطيا الناقة فذهلوا بهذا لانه مذكور في كتبهم، فكان الفتح العمري لبيت المقدس. كتب عمر مع المسيحيين وثيقةً عُرفت باسم "العهدة العمرية" وهي وثيقة منحتهم الحرية الدينية مقابل الجزية، وتعهد بالحفاظ على ممتلكاتهم ومقدساتهم، وعرض صفرونيوس على عمر بن الخطاب أن يؤدي الصلاة في كنيسة القيامة بعد أن حان موعدها أثناء زيارته لها، فخرج من الكنيسة وصلى على مبعدة منها وعاد. ولمّا سأله البطريرك صفرونيوس عن السبب أجابه أنه يخاف من أن يتخذ المسلمون من فعله ذريعة فيما بعد للسيطرة على الكنيسة فيقولون من بعده "ها هنا صلّى عمر" وبالتالي يحولون الكنيسة إلى مسجد للمسلمين. سمح المسلمون لليهود بالرجوع للسكن في المدينة بعد فتحها، وطبقوا عليهم ما طبقوه على المسيحيين من حماية لمقدساتهم مقابل الجزية. أقام المسلمون مسجدًا في الموقع الذي صلّى به عمر بن الخطاب، بالقرب من مدخل كنيسة القيامة اليوم، وقال الأسقف الغالي "أركولف" الذي عاش في القدس من سنة 679 حتى سنة 688، أن مسجد عمر كان عبارة عن مبنى خشبيّ مربع الشكل بُني على أنقاض بعض المباني والمنشآت، وكان يتسع لحوالي 3,000 مصل.
كنيسة القيامة أو كنيسة القبر المقدس هي كنيسة داخل أسوار البلدة القديمة في القدس. بنيت الكنيسة فوق الجلجلة أو الجلجثة وهي مكان الصخرة التي يعتقد ان المسيح صلب عليها. وتعتبر أقدس الكنائس المسيحية والأكثر أهمية في العالم المسيحي وتحتوي الكنيسة وفق معتقدات المسيحيين على المكان الذي دفن فيه المسيح واسمه القبر المقدس. سميت كنيسة القيامة بهذا الاسم نسبة إلى قيامة المسيح من بين الأموات في اليوم الثالث من الأحداث التي ادت إلى موتة على الصليب، بحسب العقيدة المسيحية.  ويقول الكتاب المقدس أيضا أنّ المكان كان يدعى الجمجمة (بالآرامية جلجثة)، والاسم يقدّم لنا أحد تفسيرين، الأول أن الموقع كان مكان إعدام للمجرمين وسمي بالجمجمة بسبب جماجم القتلى، والثاني بكل بساطة لأنّ التلّ يشبه شكل الجمجمة أو الرأس البشري.
لم يمس الفتح العربي عام 638 القبر المقدس بسوء وتمتع المسيحيون بالحرية الدينية التي كانت تتخللها بعض أعمال العنف. أما عام 1009 م فقد أمر السلطان الحاكم بأمر الله بتدمير كنيسة القيامة. عام 1048 نال الإمبراطور البيزنطي الإذن بإجراء بعض التصليحات.
في 15 تموز (يوليو) 1099 دخل الصليبيون مدينة القدس وقرروا إعادة بناء الكنائس القديمة المتهدمة بل وإنشاء مبنى ضخم يحوي داخله جميع الأبنية الأساسية وهي موضع موت (الجلجة) وقيامة (القبر) يسوع المسيح . ( ويكيبيديا الموسوعة الحرة )
دخل المسلمون بقيادة صلاح الدين الأيبوبي القدس في 2 اكتوبر سنة 1187.وبسبب بعض الخلافات ،اعطى المفتاح الى عائلة مسلمة وهي عائلة جودة، بينما يقوم على مهمة فتح باب الكنيسة بشكل يومي عائلة مسلمة أخرى هي عائلة نسيبة.
وتقول ناريمان صلاح من صحيفة (القدسُ العربي ) :- يحمل أمانة مفتاح بوابة كنيسة القيامة عائلة مسلمة وهي عائلة 'جودة آل غضية'، تقوم بأمانة مفاتيح بوابة الكنيسة منذ أن أعطى صلاح الدين الأيوبي هذه الأمانة لهم، بعد تحرير القدس . وهذا في تقليد متوارث منذ مئات السنين، حيث يقوم أبناء 'عائلة جودة' بالاحتفاظ بمفتاح الكنيسة، فيما تقتصر مهمة عائلة نسيبة على 'البوّاّبة'، أي على فتح واغلاق بوابة كنيسة القيامة وحراستها وصيانتها، ومن ثم إعادة مفتاح البوابة لـ'عائلة جودة'، عند انتهاء اليوم.

أسباب انتقال مفتاح كنيسة القيامة للمسلمين:
(دخول أسرة آل جودة الهاشميون في سدانة الكنيسة)

وهم بنو'جودة' بن موسى بن عبدا لقادر آل غضية في القدس، شيخ المسجد الأقصى الشريف. وانتقلت إلى عائلة جودة سدانة كنيسة القيامة في عهد صلاح الدين الأيوبي عند تحريره مدينة القدس من الصليبيين. وقد عَهِدَ صلاح الدين الأيوبي إلى آل نسيبة بمهمة فتح بوابة الكنيسة وإغلاقها فقط، وأُقرّ نظامٌ لسدانة كنيسة القيامة كالتالي:
أولاً: آل جودة يحتفظون بمفاتيح أبواب كنيسة القيامة
ثانياً: آل نسيبة يفتحون ويغلقون أبواب الكنيسة فقط، ثم يعيدون المفاتيح لآل جوده.
فالأمناء على مفاتيح كنيسة القيامة وسدانتها، هم عائلة جوده؛ في حين كان البوابون هم عائلة نسيبه.
وما زالت سدانة كنيسة القيامة في أيدي آل جودة، يرثها الحفيد عن الجد، ولا يحق لأحد سواهم أخذها. ولا زال آل جودة وآل نسيبة مقيمين في القدس الشريف. كما تُجمع الطوائف المسيحية على إبقاء هذه المهمة للعائلتين المسلمتين، إذ يتم إعادة تسليم المفتاح لهما ثلاث مرات في السنة تتزامن عند الطائفة اللاتينية بـ(خميس الغسل)؛ وعند طائفة الروم بـ(الجمعة الحزينة)؛ والطائفة الأرمينية بـ(سبت النور).
يقول أديب جودة، وهو أمين مفتاح كنيسة القيامة في القدس: إن القائد صلاح الدين الأيوبي لاحظ عندما حرر مدينة القدس وجود خلافات بين الطوائف المسيحية، فقرر أن يعهد بمفتاح كنيسة القيامة إلى عائلة مسلمة بالتوافق مع جميع الطوائف المسيحية في ذلك الوقت'. ويضيف أمين مفاتيح بوابة الكنيسة: 'أن السلطات الإسرائيلية حاولت فتح بوابة أخرى لكنيسة القيامة، وذلك في محاولة لانتزاع السلطة بطرق عديدة، لكن التعايش الإسلامي المسيحي صد تلك المحاولات'. ويضيف: 'نحن حريصين على حراسة الكنيسة والحفاظ عليها، ونعتز بذلك. فتاريخ العرب والمسلمين في هذه البلاد مليء بصور الإخاء واحترام الديانات، وهو ما يجعل المسلمين يحتفظون بمفتاح الكنيسة وتولي أمانته. نحن نأسف بشدّة إذ نشعر أن أمانتنا قد أصبحت في الآونة الأخيرة تواجه بقلّة احترام وعدم تقدير لجهودنا. لقد وُجدنا وسنبقى لخلق هذا التوازن بين الطوائف المسيحية المختلفة، والحفاظ على وحدويّتها وتماسكها'.
في عهد القائد صلاح الدين الأيوبي، لقد خُصصت مصطبة يجلس عليها أمناء مفتاح وبوابة الكنيسة، وبقيت هذه المصطبة مكاناً خاصاً بهؤلاء الأمناء يجلسون عليها في الصباح ويتركونها في المساء بعد خروج آخر المصلّين منها. لكن المصطبة أزيلت منذ عشرات السنين بهدف الترميم والإصلاحات واستبدلت هذه المصطبة بكرسيّ خشبيّ لسبب مجهول حتى يومنا هذا، وهو كرسي وضيع مكان المصطبة، والتي تمثل رمزية هامة وهيبة للكنيسة، والذي من المفترض أن أمنائه يحرسونه ويحافظون عليه.


236
عقدت الندوة الجماهيرية الموسعة لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في مالبورن بمشاركة ابناء الجالية العراقية، وقبل بدء الندوة اجرى الاستاذ متي كلو رئيس تحرير مجلة مغتربون الصادرة في ولاية مالبورن لقاء صحفي مع رئيس الوفد السيد فهمي يوسف منصور، وفي بداية الندوة في بداية الندوة وقف الجميع على ارواح شهداء ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، ثم رحب السيد سمير نيسان مسوؤل لجنة مالبورن للمجلس الشعبي بالوفد القادم من ارض الوطن برئاسة فهمي يوسف منصور عضو هيئة الرئاسة والسادة عدنان عوديشو مندو وساهر حنا اعضاء المجلس الشعبي والسيد لؤي نوئيل مساعد مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في للمجلس الشعبي وكذلك رحب بالسادة الحضور، وبعدها تحدث السيد فهمي يوسف منصور للحضور بشرح نبذة مختصرة عن المجلس الشعبي ونشاطاته وانجازاته في هذه السنين القلائل ووضع ابناء شعبنا بصورة عامة وما يتعرض له في المناطق الساخنة من انتهاكات والتهجير القسري وانتقاله الى سهل نينوى واقليم كوردستان العراق، وشدد رئيس الوفد على توحيد الصفوف لغرض ايصال صوت ابناء شعبنا الى المحافل الدولية، كما حث فهمي يوسف منصور رئيس الوفد ورئيس الكيان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ذي الرقم (302) الحضور للذهاب الى صناديق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات مجلس النواب العراقي القادمة التي ستجري بتاريخ 30/نيسان/2014 لتثبيت وجودهم من خلال اعطاء اصواتهم الى مرشحي ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري، بعدها تحدث السيد عدنان عوديشو مندو عضو المجلس الشعبي ومدير ادارة لجنة شؤون المسيحيين العليا في دهوك عن وضع المسيحيين وكيفية تقديم الخدمات الضرورية ومساعدتهم من خلال اللجان الفرعية ودور السيد سركيس اغاجان الفعال والانساني في بناء القرى وفتح مجالات العمل لجميع ابناء شعبنا بدون استثناء، بعدها تم فسح المجال امام الحضور لطرح الاسئلة والاستفسارات الى الوفد الذي اجاب عنها بكل شفافية وصراحة.

وفي الختام شكر السيد سمير نيسان مسؤول لجنة مالبورن للمجلس الشعبي الوفد على صراحتهم ووضوحهم في اجابتهم المقنعة والمنطقية كما شكر الحاضرين لاصغائهم ومشاركتهم في هذه الندوة التي اتاحت الفرصة لمعرفة الكثير من الحقائق.

 

لجنة الاعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
             مكتب ملبورن -

237
المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري
                  أعلان
يستضيف المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري مكتب ملبورن  السيدة تريزا مروكي ايشو مرشحة قائمة المجلس الشعبي (302) والتي سوفة تعقد ندوة جماهيرية مفتوحة تتعلق بخصوص الأنتخابات البرلمانية القادمة 2014 وذلك يوم الاحد المصادف 13/4/2014 في قاعة عشتار(ولاية ملبورن )  الساعة 6 عصراً . والدعوة عامة للجميع وحضوركم تشريف لنا  .
                   
           لجنة الاعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
                            مكتب ملبورن

238
  المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري
 قام أعضاء مكتب ملبورن للمجلس الشعبي بتوزيع ونشر أسماء قائمة الانتخابات (302) للمرشحين عن كتلة المجلس  الشعبي للانتخابات البرلمانية العراقية القادمة  2014 ،وذلك ضمن ولاية ملبورن .   
   
                    لجنة الآعلام والمتابعة
                للمجلس الشعبي مكتب ملبورن

239
                     أعلان
المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري 
برعاية الأستاذ فهمى يوسف رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ، القادم من العراق برفقة ثلاثة من أعضاء المجلس ، يعقد مكتب المجلس الشعبي في ولاية ملبورن (استراليا) ، ندوة مفتوحة حولة الاوضاع الراهنة والأنتخابات البرلمانية القادمة ، وذلك يوم الجمعة المصادف 28/3/2014 وعلى قاعة عشتار في تمام الساعة 6 مساءاً . حضوركم تشريف لنا .
ملاحظة * رقم قائمة الأنتخابات البرلمانية القادمة في العراق 2014 للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري هي 302 .
           
             لجنة الاعلام والمتابعة
         للمجلس الشعبي مكتب ملبورن

240
برعاية  الدكتور لويس كارو عضو البرلمان العراقي عن كتلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري نظم المجلس الشعبي مكتب ملبورن ندوة مفتوحة يوم الاحد المصادف  16/3/2014  بمشاركة  أبناء الجالية العراقية في ولاية ملبورن وقبل بدء الندوة أجرى الاستاذ متي كلو رئيس تحرير مجلة مغتربون الصادرة  في ولاية ملبورن لقاء صحفي مع الدكتور لويس كارو وبعد ذلك رحب السيد سمير نيسان مسؤول مكتب ملبورن للمجلس الشعبي بالدكتور لويس كارو والحضور الكريم . وتطرق الحضور الى  الانتخابات  القادمة  في العراق وسبل فتح مراكز في الولاية وتذليل الصعوبات أمام  الناخب خاصة في المهجر . وايضا تم طرح مواضيع سياسية واجتماعية وامنية التي تخص ابناء شعبنا المسيحي بعد 2003 والى حد الان . ووعد الدكتور لويس كارو ان يأخذ كل الاراء بنظر الاعتبار ويعمل بكل جد وأمانة على فعل ما هو مناسب للجالية العراقية في استراليا . وفي نهاية اللقاء شكر الدكتور لويس كارو  الحضور مؤكداً  على  اهمية ما دار في الحوار من موضوعات تحقق الصالح العام والازدهار والرقي في الداخل والخارج .
لجنة الأعلام والمتابعة
للمجلس الشعبي
مكتب ملبورن

241
على شرف الدكتور لويس كارو عضو البرلمان العراقي عن كتلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري أقام  أبناء الجالية العراقية في ولاية ملبورن مأدبة عشاء فاخرة في قاعة أغادير أشرف عليها السيد وليد بيداويد والسيد عادل دوشا (ابو إيفان )  يوم الاثنين المصادف 17/3/2014 شارك فيها جميع المنظمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة من وجهاء ومثقفين . وتبادل الحضور كل المواضيع التي تخص الانتخابات القادمة في العراق والمواضيع ذات العلاقة التي تخص أبناء  شعبنا المسيحي ، وقد اثنا الدكتور لويس كارو على جميع الحضور وشكرهم على جهودهم المبذولة  من أجل الوصول إلى حقوقهم المشروعة  . وشارك في المأدبة وفد رسمي من المجلس الشعبي مكتب ملبورن برئاسة السيد  سمير نيسان مسؤول المكتب والسيدة رندة  مسؤولة الشؤون الخارجية  والسيد فرات بطرس نائب الرئيس  والدكتور توما أرميا عضو المكتب  والسيد كيلاردوس بطرس مسؤول العلاقات العامة والسيد بهنام حبوش أمين السر والسيد سلوان ساكو مسؤول لجنة الأعلام والمتابعة .    
         لجنة الاعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
                  مكتب ملبورن
[/url]

242
روح العدالة – سلوان ساكو
شخص ما يعمل في أحدى الشركات ، في أثناء العمل يصاب صديقه أصابة بالغة ، يضطر هذا الشخص أن ينقذ المُصاب فيحمله في سيارته الخاصة ويذهب به الى أقرب مستشفى ،  ينطلق مسرعاً  أكثر من السرعة المطلوبة  في الشارع  العام ، تلتقط الكاميرا  الموجودة في الطريق  رقم  لوحة التسجيل وتسجل مخالفة مرورية بحقه .
شخص أخر يتجول في السوق ، فجأةً  يغمى عليه ويسقط  أرضاً ، أحد المارين صدفة يحاول أن ينقذه ولكن دون جدوى ، يتصل بسيارة الأسعاف ولكن تتأخر لسبب معينْ ، فيضطرالى حمله ونقله الى المشفى العام بسيارته الخاصة ، في الطريق يخالف الاشارة الضوئية  المرورية ( ترفك لايت ) من شدةّ خوفه على المصاب ، وعلى هذا الاساس يغرم وفق قانون المرور .
من الطبيعي أن يغرم السائقين وتسحب أجازات السوق لأنهم   خالفوا القوانين المرورية  ، ولكن  في المثلين الحقيقيين والوقعيين الذين حصلا ويحصلا يذهب الشخص المنقذ أو( السائق) الى القاضي مشفوع بكتاب من المستشفى تؤيد أنه قد أنقذ حياة  أنسان من الموت ، وأن السرعة التي تجاوزها  كانت وفق الضرورات تبيح المحظورات ، وأنه حاول قدر المسطتاع أن يوصّل هذا الانسان المصاب الى المشفى، في تلك الساعة ينظر القاضي الى الأوراق التحقيقية نظرة اخرى ، نظرة العدل ونظرة الرحمة ونظرة الرأفة    فحينها يعفو عنه القاضي ويلغي  الغرامات  التي سجُلت بحقه ، وهذه تسمى روح القانون وليس القانون .
العدالة هي وسيلة أخلاقية تقوم على مبدأ حماية الضعيف ، وفي تطبيق القانون فعل أخلاقي وهي رؤية إنسانیة للمحيط الذي يعيش فیه‌ کل فرد شرط أن ینظم هذه‌ الرؤیة قانون وضعي یشارك فی صياغتها الکل بعيدا عن التحکم. والعدالة عكس الظلم والجور والتطرف , أهداف العدالة الانصاف والمساواة والتوازن وعدم التعدي وحماية المصالح الفردية والعامة وهي مفهوم أخلاقي يقوم على الحق والأخلاق، والعقلانية . كيف مثال آخر ، جار لك مزعج  بشكل كبير نبهته بلطف أكثر من مرة  أن يخفف قليلاً من الاسواط المزعجة التي تصدر من بيته ولكن لا ينصاع ، وتحذره مرة وأثنين ، ولكن تذهب تحذيراتك أدراج الريح ، فتضطر أن تذهب الى المحكمة وتشتكي عليه وهنا يكون دور العدالة وتحقيقها ، فتستدعي  هذا الجار المزعج وتنبهه وأن لم يسمع تطبق بحقه مواد القانون المنصوص عليها وتجنبك الدخول في شجار لا طائل منه . وهذا فعل أنساني أستمد قوته من القانون ومن السلطة  ويدافع عن حقوق الناس وبالتالي في تطبيق العدالة فعل أخلاقي . أعرف أن بعض الناس سوفة تقول ان القانون لا يحمي المغفلين ،إذا وضعنا التفاصيل الصغيرة جانباً تراءى لنا  أنّ قدراً من سوء الفهم العميق قد لحق بهذه الجملة     وفُهِمت في غيرسياقها الصحيح ، حيث أن القانون يحمي الكل دون أستثناء والجملة المشهورة ( أن القانون لا يحمي المغفلين )  ، هنا للدلالة على أن القانون ليس مراقب ومتفرغ على كل فرد ماذا يعمل وماذا سوفة يفعل ، بل يريد من الناس أن تعرف هي ماذا تفعل وماذا تريد وأعطتهم هذه المساحة من الحرية ليكونوا هم مراقبين على نفسهم.
هنا يبرز سؤال آخر ، حيث  يوجد بعض الناس من ذوي  النفوس الضعيفة تستغل هذه الثغرات القانونية من ليس لهم ضمير، والقانون لا يحاسبهم . الحقيقة  في تطبيق القانون والعدالة  يعُطى المتهم فرصة لكي يثبت  برأته وبكل الوسائل ، وهي وجدت  أي( الثغرات) القانونية لهذا الغرض لكيما يستفيد منها المتهم ،و هي ببساطة شديدة مواد قانونية تتعلق بالإجراءات ، تسمى الدفوع ( أي الثغرات ) يجيد استخدامها المحامي الجنائي الناجح ويقنع بها المحكمة ، وحين يصدر حكم مبرم بحق المتهم من المحكمة  لا يكون ظالم أو قاسي . ولهذا نسمع في كثير من الأحيان أشخاص يقولون أن فلان سرق أو فلان أغتصب حقوق الأخرين أوفلان قتَل ، ولم يعاقب ، أو لم يسُجن الوقت الكافي أو أنهم وضعوه في سجون خمسة نجوم أو سوفة يشتري الحكم طبعاً هنا المقصود المال ، وهذا هو بيت القصيد أي في تطبيق العدالة  فعل أنساني . والدول التي وصلت الى ربع هذا المستوى من تطبيق العدالة  أصبحت ارقى وأرفع أنواع المجتمعات الانسانية . ولكن مع الأسف الشديد الكثير من الدول تعيش الى حد الأن في قانون الغاب والبقاء للاقوى والضعيف تسُتهان كرمته وتستبيح حريته ويكون مرذول في مجتمعه . كانت هذه مجرد إضاءة سريعة على العدالة الانسانية ، ولكن تبقى هناك إشكالية بين العدالة وبين تطبيقها .

243
أعلان من المجلس الشعبي مكتب ملبورن
يعلن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مكتب ملبورن باستضافة  الدكتور لويس كارلو عضو البرلمان العراقي عن كتلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، في ندوة مفتوحة . وذلك في ولاية ملبورن لمناقشة الوضع السياسي والاجتماعي لأبناء شعبنا بعد عام 2003، يوم الاحد المصادف 16/3/2014 وعلى قاعة عشتار الساعة السادسة والنصف مساءاً والدعوة عامة للجميع ويسرنا حضوركم ومشاركتكم  .
            
 لجنة الأعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
             مكتب ملبورن

244
أعلان من المجلس الشعبي مكتب ملبورن
يعلن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مكتب ملبورن باستضافة  الدكتور لويس كارلو عضو البرلمان العراقي عن كتلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، في ندوة مفتوحة . وذلك في ولاية ملبورن لمناقشة الوضع السياسي والاجتماعي لأبناء شعبنا بعد عام 2003، يوم الاحد المصادف 16/3/2014 وعلى قاعة عشتار الساعة السادسة والنصف مساءاً والدعوة عامة للجميع ويسرنا حضوركم ومشاركتكم  .
            
 لجنة الأعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
             مكتب ملبورن

245
أعلان من المجلس الشعبي مكتب ملبورن
يعلن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مكتب ملبورن باستضافة  الدكتور لويس كارلو عضو البرلمان العراقي عن كتلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، في ندوة مفتوحة . لمناقشة الوضع السياسي والاجتماعي لأبناء شعبنا بعد عام 2003 وذلك في ولاية ملبورن ، يوم الاحد المصادف 16/3/2014 وعلى قاعة عشتار الساعة السادسة والنصف مساءاً والدعوة عامة للجميع ويسرنا حضوركم ومشاركتكم  .
            
 لجنة الأعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
             مكتب ملبورن

246
أنفاس بارده  –  سلوان ساكو
في أحدى المناسبات دعاني صديق الى شرب فنجان من القهوة في مقهى عربي واقع في أهم شارع في ولاية ملبورن ، كانت والحق يقُال الجلسة جميلة والاجواء شاعرية ، والشارع مكتظ  بالمارة ، والمقهى له مقاعد وطاولات على الرصيف كما هو الحال في شارع الشانزليزيه في باريس . وكان يعطي مع المشروبات الساخنة والباردة النرجيلة ( الشيشة) . من داخل المحل استوقفني شاب تبدو  ملامحه عربية لم يتجاوز العشرين من العمر ، يسحب بشدة من هذه الشيشة ويدفع الدخان خارجاً مما يشكل سحب كثيفة من الدخان ، وكانت المارة من الاستراليين والاجانب  تنظر اليه بستغراب كبير ، وتنظر الى هذا العمود الذي يعلوه فحم مشتعل  بعجب ، الى أن وقفت فتاة شقراء جميلة قبالته مستغربة من هذا المنظر ، وحين رأها هو أصبح يسحب أكثر، وقام يفعل دوائر في الهواء من الدخان الخارج من فمه في حركات غريبة ، والفتاة  مندهشة الى أن قالت ( آوه ماي كاتْ ) ونصرفت .
لا أحد يعرف بتحديد من أين أتت النرجيلة أو الشيشة وماهي أصولها ، يعود أصل الشيشة إلى بلاد فارس ويقال أنها من وسط الهند، ثم انتقل استخدامها إلى شبه الجزيرة العربية لكنها انتشرت عالميا من خلال الدولة العثمانية (1299-1923 ) .
تسمى النارجيلة بعدة أسماء على حسب البلد: تتعدد الدول والشعوب في تسمياتها ولكنهم يتقفون على ضررها فتسمى شيشة او جوزه في شمال افريقيا و بلاد الخليج العربي واليمن وتسمى أركيلة في سوريا و نركيله في العراق و أركيلي أو معسل في لبنان و حوكاه في شبه القارة الهندية وفي اللغه العبريه و ووتر بايب (waterpipe) أو هابل بابل (hubble buble) في الإنكليزية و قلیان في إيران.   
تعتمد الشيشة على شيئان رئسيان هم الفحم المشتعل والمعسّل ، ولكن من أين اتى المعسّل ،يقُال أن سفينة تجارية كانت تنقل البضائع وكان على متنها تبغ عادي مجفف، وكان في الرف العلوي أكياس من التمور الطازجة ومن شدة الحر سال دبس التمور  ونزل الى التبغ وتشبع من هذا الدبس ، وحين وصلو  الى الميناء وأنزلوا البضائع وجدوا أن راحة التبغ أصبحت أطيب ونكهته عند الاشتعال اخف واحسن ، واستعُمل بعد ذلك بشكل كبير وتطورت صناعته واصبحت عالمية . وأضيف إليه أطعام مثل  ، التفاح النعناع البطيخ العلكة الفراولة ....... الخ . والفحم ايضًا انواع وأصناف ، والان ومع التطور والتقدم في الشيشة أستبدل الرأس الفخاري التقليدي الذي كان يضع المعسل فيه الى تفاحة ( فريش ) تقُعر من فوق ويضع فيه المعسّل ، أو آناناس ، أو برتقالة ،ثم  ورق السلفوفان والفحم ،
 الكثير من الناس تعتقد أن الشيشة تخلو من التبغ والنيكوتين وهذا غير صحيح بالمرة.
خلطة الفاكهة الخاصة بالنرجيلة تحتوي على مولاسا (دبس السكر – سائل حلو المذاق يستخرج من السكر) وكذلك قار (زفت), , كروم ورصاص, وهذه مواد قد تؤدي إلى أنواع مختلفة من السرطان مثل سرطان الرئة, سرطان اللثة, سرطان الشفاه والمثانة
كما أكدت أبحاث مركز دراسات السرطان في مدينة هايدلبرج الألمانية وهذه المواد هي:
- النيكوتين: الذي يسبب إثارة للجهاز العصبي، وبالتالي يعتبر المسئول الأول عن إدمان التدخين
- النشادر: التي تجعل النيكوتين أكثر قدرة على الذوبان في الدم، وبالتالي تعمل على التسريع من عملية إدمانه
- النعناع: وهو موجود في كل أنواع التبغ، حتى تلك التي لا تذكره بشكل خاص، ويعمل على التقليل من السعال المصاحب للتدخين
- السكر: فأنواع السكر المختلفة تضيع الطعم المر للتبغ، وتجعل التدخين أكثر إمتاعاً، لكن حرق السكر ينتج مادة مسببة للسرطان ومضرة بالغشاء المخاطي.
إذاً  فالنرجيلة تسبب الإدمان تماماً مثل السجائر، إلى جانب آثارها السلبية الأخرى . المعتقد الخاطئ الآخر أن تدخين الشيشة أقل ضرراً من السجائر ولكن ثبت العكس، أن حجر الشيشة يعادل من بين ٣٠-٤٠ سيجارة . وأنظر الاعتقاد الآخر حيث  يعتقد الكثيرون بأن النرجيلة غير مضرة بسبب الماء الذي تحويه ونكهة الفاكهة, ولكنها الأشد خطراً ",  كما أكد نفس المركز الالماني أنه يكفي تدخين النرجيلة لمدة نصف ساعة حتى تؤدي إلى تغييرات مدمرة للصحة. أبحاث سابقة بينت أن تدخين النرجيلة يؤدي إلى ارتفاع في نسبة الإصابة بسرطان الرئة, ضيق التنفس المزمن وكذلك إلى عدوى تلوثات عديدة بسبب نقل الفوهة من فم إلى آخر. كذلك يسبب تدخينها إلى ارتفاع ضغط الدم واحتمال الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية أكثر من السجائر بكثير. على الأهل أن يفهموا بأن النرجيلة مؤذية وأن يمنعوا أولادهم من تدخينها, أمر قد يتحول إلى إدمان خطير . عموماً هناك خطر كبير على الصحة من استعمال الشيشة . ولكن تبقى متداولة  في ليالي السمر بين الاصدقاء والاحباب  ،ومهما كتب عنها يظل حبر على ورق .

247
 في إطار الزيارات التي تقوم به القنصلية العراقية في ولاية سيدني زار وفد من القنصلية  العراقية ولاية ملبورن بتاريخ 5/2/2014 الى 8/2/2014 والهادفة  لأنجاز المعاملات ، وضّم الوفد سعادة القنصل العام لجمهورية العراق في استراليا ولاية سيدني  الأستاذ باسم عباس داود المحترم  وكادر رفيع من القنصلية  ، وذلك في قاعة عشتار كما قام أعضاء من المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري مكتب ملبورن بمساعدة الكادر القنصلي .
 وتضمن برنامج الزيارة ندوة  بتاريخ 7/2/2014 شارك فيه وفد من المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري مكتب ملبورن برئاسة السيد سمير نيسان بيت تاجي مسؤول المكتب والسيد كيلاردوس بطرس مسؤول العلاقات العامة والسيد سلوان ساكو مسؤول لجنة الاعلام والمتابعة ، وذلك في قاعة أغادير أقامتها منظمات المجتمع المدني والقوة السياسية وذلك لمناقشة التطورات والمشاكل لدى أبناء الجالية العراقية في ولاية ملبورن وإيجاد الحلول المناسبة لها . واطلع السيد القنصل والوفد المرافق له بهتمام بالغ الى كل الاراء والاقتراحات ووعد بمناقشتها على أعلى المستويات . 
كما شارك في الندوة  شخصيات عامة من أبناء جاليتنا الكرام.
 وفي وقت  لاحق أقام المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري مكتب ملبورن مأدبة عشاء رسمية  على شرف سعادة القنصل العام  لجمهورية العراق في استراليا ولاية سيدني الأستاذ باسم عباس داود والوفد المرافق له في مطعم بغداد ، وكان من ضمن الحضور شخصيات من المجتمع المدني ،وشخصيات سياسية  وشخصيات عامة ولفيف من أبناء الجالية الاعزاء .


                لجنة الاعلام والمتابعة للمجلس الشعبي
                        مكتب ملبورن / استراليا 

248
جدلية العنف  – سلوان ساكو 
في العام 1967، قررت  مجموعة من الباحثين في جامعة موسكو في الاتحاد السوفيتي السابق، أنشاء سجن وهّمي لدراسة علم نفس الاستجوابات ، انتقوا أربعة وعشرين طالباً متطوعاً ،وقسموهم إلى فئتين حراس ومجرمين بعد أسبوع وأحد اضطرو إلى إيقاف التجربة . الحراس  ،وهم فتيان وشبان يتمتعون بأخلاق رفيعة تحولوا إلى وحوش حقيقين ، بات استخدمهم للعذاب أمرا رتيبا .ورأوا في الاساءة الجنسية إلى السجناء أمراً طبيعياً . عانى الطلاب الذين شاركوا في المشروع حراساً ومجرمين عذابات جمة واحتاجوا إلى مساعدة طبية طويلة ، ولم تكرر التجربة قط .
أعمل في شركة للأجبان في ولاية ملبورن ، وتعمل معى في نفس القسم فتاة نيبالية .  كل ما انظر إليها اتذكر دولة النيبال  و هي دولة تقع في جبال الهملايا، بين الهند والصين، ولاتطل على بحار خارجية. وهي جمهورية بدءاً من 28 مايو 2008. نيبال إحدى الدول الصغرى بشبه القارة الهندية، قلّما يسمع عنها العالم بسبب موقعها المنعزل ووعورة تضاريس أرضها، وبعدها عن العالم الخارجي، فنيبال دولة داخلية لا سواحل لها، وتوجد بين ثنايا جبال الهملايا الوعرة، ونتيجة هذه السمات لم تندمج جمهورية نيبال في الوحدات السياسية الكبرى بشبه القارة الهندية، فظلت بلداً شبه منعزل لعدة قرون . ولكن ليست هذه الفكرة الرئيسية ، الفكرة هي ماحصل في عام 2001 حيث حدثت أبشع مجزرة في التاريخ الحديث على الأقل ، وكان بطلها ولي عهد الدولة . المشكلة ليست في المجزرة في حد ذاتها فالتاريخ يذكر الكثير من المذابح والكثير من المجازر. ولكن الذي حدث في  القصر الملكي النيبالي يختلف عن كل هذا . مما ترك أثر كبير على البلد الى حد الان . مذبحة عرفت باسم "مذبحة القصر الملكي" حين قام ولي العهد الأمير ديابندرا بإطلاق النار على والده الملك بيرندرا والملكة ايشواريا ، وأخوه وأخته  وزوج أخته واثنان من اعمامه وزوجاتهم ، بختصار قتل كل العائلة المالكة ، كلهم قتلهم في أقل من 10 دقائق وبعد ذلك صوب المسدس على رأسه وأنتحر . لم يمت ولي العهد ديابندرا على الفور بل نقل الى المستشفى وهو مصاب ينزف ، وتعرف عزيزي القارئ أنه من سخرية الاقدار نصُب ملك على البلاد  حسب الدستور وهو على فراش الموت لمدة ساعتين قبلَ ان يفارق الحياة . وبحثتُ عن أسباب المجزرة وأتضح أنه كان يحب فتاة من اسرة نيبالية هندية فاحشة الثراء مما جعل ولده الملك  يتخوف من هذه الزيجة وعارض طلب أبنه  بشدة ، وأشتد الصراع بين أفراد الاسرة المالكة الى أن جاء اليوم المشئوم  .
 ترينا دراسة التاريخ الإنساني أمتلاء الاراضي البشرية  بالعنف الذي بدأ على نحو صراع فردي وانتهى على شكل صراع أجتماعي بين فرد ونفسه وبين أفراد وأفراد أو بين طبقات وحكومات ودول .
 أظن أن هذه الاحداث تعطي درساً على ما يعتمل داخل الانسان من شر كامن في داخله ،لأن الفترة الزمنية التي تفصله عن مملكة الحيوان ليست كافية لإزالة آثار الحيوانية كلها من العقل الباطن. ويشدد بعض علماء النفس على أن لاوعي الإنسان ما زال يحمل من اللاوعي الجمعي الذي خلَّفته له عصور الخوف والظلام الأولى، والرعب في الكهوف، ومكافحة الحيوان والهروب من عنف الطبيعة الأثر الكبير، الأمر الذي لم يساعده على التخلص منه حتى يومنا هذا. ومالا شك فيه أن هذه النظريات لا تُنكِر أن الإنسان ميّال إلى الخير المسلوب، المدعو بالشر، لأن بذرته وُجِدت فيه منذ القديم، ولأنه ما زال يعاني من نقص في تركيبه الداخلي والخارجي، الواعي واللاواعي، الذي يتمثل في صراع أو تناقض لا يقبل التوفيق أو التكامل.  فئذا اذكتها نار متقدة اصبح أسوء من الحيوان واذا وجد بيئة ملائمة كما في طلاب الجامعة أصبح يمارس سيادته ويمعن في القتل والأجرام ولم  يتخلص بعد من تلك الجينات التي كان يحملها الانسان القديم ،  حيث كان يحتاجها الى القتل والفتك والصيد لأنه في وسط غابة والبقاء للاقوى ، ولكن بعد عصر الزراعة والاستقرار تغير الحال وأصبح الانسان يتطور في صيرورة مستمرة الى ان بلغ ما بلغه، ولكن وظلت تلك الجينات قابعة في أعمق أعماقه مستترة .
ما هو العنف ،يقول الفيلسوف الفرنسي أندري لالاند (1867-1963) إنه يطلق على "كل ما يفرض على الكائن، بحيث يكون متناقضا مع طبيعته: نقول "حركة عنيفة" بالمعنى الأرسطي. وتستعمل هذه العبارة، أيضا، في اللغة الفلسفية، نسبة إلى مذهب أرسطو، لكنه استعمال نادر جدا، ويمكن أن يساء فهمه، نظرا للمعنى المخالف، الذي يأخذه في اللغة المتداولة .
.أما سيجموند فرويد (1856_1939) فإنه يعتقد أن أهم تحول عرفه العنف تاريخيا يتمثل في الانتقال من الاعتماد المطلق على القوة الجسمانية ، الى الاعتماد على العقل . فمنذ أن اصبح الإنسان يركز على استعمال الأسلحة أصبحت الحرب عقلية ، ويكون الانتصار حليف من يملك أفضل وعي للاسلحة . إلا أن التاريخ  يشهد على الإنسان نهج مسارا أخر لمقاومة كل من العنف الجسدي والعقلي من خلال الاحتكام إلى سلطة القانون ، هكذا أصبح الحق قوة جماعية ، لأنه يترجم في الحقيقة ، اتحاد قوى ضعيفة ( الاتحاد قوة ) .    أما الفيزيائي الهولندي لورنتز (1853-1902) فإنه يريد أن يبين أن السلوك الحيواني يحمل في ذاته نزوعا أصليا نحو العنف . ومع ذلك فإنه تكونت لديه تحت قانون الاصطفاء الطبيعي آليات كابحة تجعله يتجنب القتل . ذلك ايضا هو شأن الانسان ، فهو يحمل في ذاته ميلا غريزيا إلى العدوان ، وذلك ما يجعل معظم الناس ينسبون إلى العقل كل ما يحول بين الفرد وتحقيق مصالحه الموغلة في الفردانية .
وتبقى مشكلة العنف مشكلة إنسانية وجودية في رأي فلاسفة كبار مثل نيتشيه او هوبز . ولكن هل الأنسان يعرف ذاته هذه المعرفة التي تعتبر لب كل المعارف ، وبدون الوصول لهذه المعرفة لن يكون الطريق نحو الانسانية سهل ، يجب أن تتجه الانسانية الى التخلص من هذا العنف في المستقبل ويصبح المجتمع اكثر تحرراً وأكثر انسانية.

249
لعبة الاقدار – بقلم سلوان ساكو
إنه لسؤال تستعصي إجابته ، وتتعذر، لكن إثارته تكفي لإثارة العقل الفلسفي للإنسان و لإطلاق العنان لُمخيلته ، ولجعله يذهب بعيداً وعميقاً في التأمل والتفكير ،ولانتشاله من هموم حياته اليومية وأيقاعها الممل ودفعه الى التسامي عن صغائر الأمور . انها لعبة الاقدار .
شخص عادي غير مهتم ، يتجول في المدينة ليلاً يختار أن يدُخل الى أحدى الحانات ليقضي بعض الوقت لأنه أحس بالملل ، وهو في البار تدخل فتاة الى الحانة ويتبادلون النظرات وثم الكلام  ،ويطلب لها الشاب كأس من الشراب ويقرران معاً أن يقضيان السهرة سويتاً، ويذهبان الى احدى الفنادق الرخيصة . وفي الصباح يذهب كلاً منهما الى حال سبيله لايعرف أحد عن الأخر شيء ، وتنتهي تلك العلاقة مع بزوغ فجراً جديد . وتمضي الايام وتكتشف الفتاة انها حامل من ذلك الشاب المجهول ،لاترُهق نفسها في البحث عنه ، وينمو هذا الطفل ويكُبر، ويصبح مع توالي السنوات أحسن لاعب شطرنج في العالم .
مسافر عادي ،على  متن طائرة  ،تشاء الاقدار أن يجلس بقرب أمرأة  ، وفي أثناء الطريق الطويل يتحدثان عن هموم الحياة ومشاغل الدنيا  ،وخلال ساعات تنبنى علاقة أقرب منها الى العاطفة ، ويتواعدان  في اليوم التالي ويقضيان السهرة معناً ، ومرة أخرى يريد أن يكون للقدر رأي آخر ، فبعد أن يذهب الرجل الى حال سبيله  تكتشف السيدة  أنها حامل وبعد 25 سنة يصبح هذا الطفل الذي ولد بطريقة عابرة عن علاقة عابرة أشهر لاعب سلة في العالم .
سوري الأصل يسافر الى امريكا للدراسة وفي الجامعة يتعرف على فتاة كاثولكية من اصول سويسرية ، يرفض أهل الفتاة زواجها من الشاب السوري ، تثمر عن هذه العلاقة طفل لأبوين غير متزوجين ، لا الأب له الاستعداد ان يربي الطفل ولا الأم ، فتتبناه عائلة أرمنية من اصول بولندية ، ويحسنان تعليمه وتربيته ،وكان هذا الشاب متمرد يختلف عن باقي اقرانه وكان يحلم ان يصبح شيء متميز ,وأصبح فعلان  ،وغير مجرى عالم الاتصالات أنه( ستيف جوبز) مخترع ، وأحد اقطاب الأعمال في الولايات المتحدة ، مؤسس والمدير التنفيذي لشركة أبل وعضواً في مجلس إدارة شركة والت دزني وهو من اخرج للنور كلاً من جهاز الماكنتوش (الماك) بأنواعه ، وثلاثة من الاجهزة المحمولة وهم آيبود وأيفون وآي باد . وحين وفاته في 5 أكتوبر 2011 تركة شركة ،عملاقة وثروة تقدر 3،8 مليار دولار .
جندي نمساوي وأثناء الحرب العالمية الاولى تعسكر وحدته في احدى القرى الفرنسية النائية على الحدود ، يتجول هذا الشاب في القرية ويتعرف على فتاة وتتطور العلاقة بينهما الى علاقة حميمة، وبعدا فترة تتحرك وحدته المرابطة الى مكان أخر بحكم الحرب . تشعر الفتاة ان شيء يتحرك في احشائها بعد فترة تنجب طفل  من تلك العلاقة . يبقة أمر الطفل مجهول اعوام طويلة الى أن تصارحه أمه قبل ان تموت انه أبن غير شرعي لآدولف هيتلر الزعيم النازي ، وتبدأ عملية البحث والاستقصاء الشاقة  .
الامثلة كثيرة والأحداث التي حصلت أكثر ، الشيء المشترك بينهم هوا العبثية والقدرية والفوضوية حيث كل الحالات كانت بدون تخطيط مسُبق .
 في عالم الجريمة يوجد مصطلح يُستعمل مع  وقوع الحادث هو تمت الجريمة ( مع سبق الإصرار والترصد)، بمعنى ظرف يتطلب عنصر نفسي واستعداد اثر سبق الإصرار في العقوبة وهو ظرف ذو طبيعة شخصية لايمتد إلى الشركاء ،ومفهوم سبق الترصد هو ظرف يتطلب عنصر مكاني  اثر سبق الترصد في العقوبة  وهو ظرف ذو طبيعة موضوعية ويمتد إلى الشركاء . ولكن في هذه الحالات لايوجد لاسبق إصرار ولا ترصد فقط قانون واحد يربطهم هو لعبة الاقدار .

250
فوضى القيم – بقلم سلوان ساكو
القيم شيء نسبي غير ثابت ، تتغير مع تغير الظرف والزمان والمكان الذي تمر بهم ، مما يعني انها ليست ثابتة من حيث المبدأ. فمثلاً ماكان مباح في الماضي أصبح محضور الأن ، وماكان محضور في الماضي أصبح الان مباح . هذه الأمور تستدعى التوقف وتدوير الزواية الحادة وألقاء نظرة على  هذه الصورة السريالية .
مدخل:- حين كنا في الوطن الأم ( العراق) كانت حزمة القيم والأخلاق محدودة جداً لكونها في زاوية ضيقة ولا تحتاج الى تحديث، لأن التحديات كانت قليلا ، والمجتمع يفرض أسُس وواقع عام قائم بحد ذاته . مع التزام كامل من جانب افراد الاسرة بما يمليه عليهم الواقع القائم ،وفقاً لمعطيات واقع كل مجتمع. طبعاً لا ننسى الجانب القانوني والقضائي الذي يقف الى جانب الرجل في الاغلب ، ويحكم عليه وفق نصوص ومواد تتماشة مع قيم واخلاق المنطقة. مثلاً نصوص وقوانين المتعلقة بقضايا الشرف .
حسناً لنضرب مثلاً على ذلك . دخل العراق مع ايران في حرب ضروس استمرت 8 سنوات وأتت على الأخضر واليابس ، الأسباب التي من اجلها حصلت المعركة ليس موضوعنا الان ، الموضوع هو حالة الاسرة العراقية  ، حيث نرى مشهداً مميزاً حقاً في ضرف غير عادي . جندي يلتحق الى جبهات القتال ويغيب أحياناً أشهر عن زوجته وبيته وحين ينزل مجاز نرى الزوجة تستقبله بكل حب وأخلاص وقد حافظت على بيته وشرفه وهو غائب، ولديها أحساس عالي بتحمل المسؤولية اتجاه زوجها واسرتها ، وكذلك نرى كيف تنتظرالزوجة زوجها الغائب في سجون الأسر سنوات طويلة دون شكوى أو تذمُور . هذه مشاهد كثيرة مرت على الفرد العراقي بكل أطيافه وألوانه . والأمثلا لا عد لها ولا حصر ولا يسعنا سردها جميوعها .
والأن لنترك هذه الحقبة الزمني ونقفز فوق التاريخ ونذهب الى ما بعد سنة 2003 ونشاهد مالحق من ضرر نفسي ومعنوي قبل ان يكون مادي او عسكري . الحرب رسمياً هي دخول دولتين متخاصمتين في نزاع من اجل مصلحة او مصالح ويذهب ضحيتها في كل الحالات الشعب البريء . ولكن هنالك بعد اخر للحرب هو الجانب الاخلاقي من حيث الانتقال من حالة الى اخرى أو من حالة استقرار الى حالة تشتت وضياع وتشرد وتفكك وفقدان بوصلة التوجيه الصحيح وهو ما يأدي بالنهاية إلى نشوء وضع اخلاقي جديد .
كثير من العوائل هاجرت من العراق بعد احداث 2003 ، وأنتقلت الى دول مجاورة مثل تركيا وسوريا والاردن ،وبقيت  في هذه الدول فترة زمني محدودة تتراوح تقريباً بين سنة واحدة الى ثلاث سنوات ، بعد ذلك يتم توطين هؤلاء العوائل في أحدى الدول الكبيرة ، وحين تصل هذه العائلة الى الدولة المطلوبة تحاول ان تنخرط في الحياة العامة بشكل طبيعي على ما يبدو في الظاهر وأمام العلن . وكما قال جبران خليل جبران ( أن ما نراه بأعيننا ليس بأكثر من غمامة تحجب عنا ما يجب ان نشاهده ببصائرنا ) ، فالفترة الانتقالية التي قضتها هذه الاسرة في أحدى الدول الوقتية أثرت بشكل غير مباشر ، وأن لم تكن طويلة تلك الفترة ،ولكن تركت بصمة من الصعب أن تزول ، ولكن من كثرة متطلبات الحياة والزخم الحاصل تضيع هذه التفاصيل بين جنبات الواقع وبتالي لم يتم رصُدها بشكل مباشر ، وضلت قابعة في اللاوعي هناك بعيداً ، وسوفة تخرج الى الصطح بعد فترة كما سوفة نرى .يطرح هذا الموضوع سؤالاً إشكالياً هل   تحافظ هذه الاسرة على قيمها وأخلاقها وعاداتها إم تتحرر من كل ما هو قديم ؟. ولكن للواقع القائم له كلمة اخرة ، فأول شيء تواجهه هو فرق ما بين  الاجيال و ونسبية المبادئ والاخلاق من بلد الى أخر ، مبادئ العراق لاتتفق مع مبادئ استراليا وقيمها ،ومبادئ سوريا لا تتفق مع مبادئ كندا وقيمها وهكذا ، وانا لا اقول هنا ان مبادئ العراق هي احسن من مبادئ استراليا مطلقاً ، يُراعي هنا أن الحديث لايتطرق للتعميم مع أو ضد . ولكن اعني ان لكل بلد له قيمه ومبادئه الخاصة وفق التاريخ والمجتمع الذي مر بهما .
ونعود الى مرة اخرى الى رب هذه الاسرة المسكين  الذي يحاول دون جدوى ان يحافظ على بعض من هذه القيم ولكن يفشل ويحاول ان يلملم ما تبعثر منها على جنبات الطريق  ولكن مع الأسف يواجه مصاعب يصعب تحملها وترجمتها بشكل صحيح ويدرك أن الفوضى لاتعالج بالأمنيات الطيبة . مثل قانون المرأة المعمول به في  الدول العظمى، حيث يخص بشكل صريح ان كل شيء تقريباً هو من حق الزوجة والذي ايضاً تُرجم مع الاسف بشكل خاطئ من قبل بعض النساء وأستغلاله . ومواد قانون الشرف الغير معترف بها اصلاً في الدول الكبيرة . وقانون سن البلوغ ( اي فوق سن 18 سنة ) وما يترتب عليه ،وهكذا دوليك دون خارطة صحيحة للطريق وفق فوضى وضياع للبوصلة . والدليل هو كثرة المشاكل في الكنائس والمحاكم من انفصال وطلاق ، التي هي بالمحصلة تركمات ماضي ليس طويلاً وفق خبارت محدودة اعطت نتائج مع الاسف الشديد خاطئة .
ولكن من واجبي ايضاً ، وانصافاً أقول أنه مع كل هذا يبقى فسحة من الأمل للأجيال الجديدة القادمة أن تتخطى عتبت هذه التناقضات  وتعيش حياة طيبة كريمة تستحق فعلاً أن تعيش وفق مبادئ تحكمها الانسانية من أجل غدا أفضل من اليوم  .

251
نازحون أم مهاجرون ( استراليا نموذجاً)
              بقلم – سلوان ساكو
هل نحنوا نواجه العالم من حولنا بنفس الأفكار وبنفس القيم وبنفس المعتقدات التي اصبحت من المسَلمات ، أم نحنوا نحاول أن نغير من هذه الأفكار والاراء والمعتقدات وفق مايتطلب الوضع الراهن ،وتماشيا مع تطور الحياة وتبدلات الزمن . أم  العكس هو الصحيح ، بمعنى ان نظل حبيسين أفكار وقيم نعتقد أنها هي الاصح ، على مبدأ التغيير شيء صعب والقديم هو شيء مألوف ومعروف ومجرب . كل هذه الاسئلة سوفة نطرحها من مدخل هل نحن نازحين أم مهاجرين .
ولكي لا أشوش القارئ الكريم سوفة أخذ بلد مثال على الطرح هو استراليا . ولكن قبل ان ابدء اريد ان انبه ما ساكتبه هو رايي الخاص الذي لا يلزم احدا  .
تعد الهجرة الى دولة استراليا في الفترة الاخيرة من الأمور المهمة والخطيرة في نفس الوقت ، اي بعد سقوط واحتلال العراق في سنة 2003 وما افرزه الوضع من سوء في الجانب الأمني والاضطهاد والقتل الذي طال كل العراقيين ،بدون استثناء ومنهم طبعاً المسيحين ، مما ادى هذا الوضع الشاذ والمتفاقم الى طلب مكان أمن لعيش بسلام ، فكانت الهجرة التي يمكن ان يطلُق عليها ( هجرة جماعية )، فتشتت الكثير من العوائل المسيحية بين دول المهجر مثل امريكا وكندا واستراليا ، وأنا واحد من هؤلاء المهاجرين .وهو ما دعاني الى كتب هذه الاسطر .
أولاً النزوح هو ترك الشخص منطقته ليستقر في مكان آخر في نفس البلد ،وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي للنزوح بعضها أسباب سياسية واقتصادية وعسكريا ، مثل ما حدث في الستينات والسبعينات ومروراً الى حد الثمانيات من القرن المنصرم ، حيث انتقلت الكثير من العوائل من قرى الشمال الى باقي المحافظات ، موصل بغداد بصرة ...الخ . وتعايشت هذه العوائل في ظل ضروف سهلة نوعا ما وعلى ما يبدو لم يواجهون تلك الصعوبة في استمرارية العيش والتعايش ، وهكذا سارت الاوضاع ومشّت الامور وفق ما تطلبها تلك الفترة . مما يعني أنه لم يحصل اقتلاع او اجتثاث من الجذور الاصلية الراسخة في الوطن الأم .هذه الخلفية تسوغ لنا ان نقول إننا إزاء حالة مستقرة . وليس كما يحدث عادة في الهجرة ، فالهجرة  هي الانتقال من بلد الى بلد آخر وطلب من البلد المضيف الحماية والاستقرار لكون البلد الأم غير مستقر أو يمر في حالة وظرف استثنائي فيتم على هذا الأساس تقديم طلب (فورمات) الى دائرة الهجرة للبلد المعني ، وبتالي يقبل الطلب مثل ما يحصل الأن في استراليا. ولكن !!! وخط احمر تحت كلمة و لكن مع علامة استفهام.
والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل نحن  حين نصل الى البلد المضيف ننقلع عن جذورنا ؟ هل نحنوا في البلد الجديد ننصهر مع المجتمع بشكل صحيح ، هل نحنوا في البلد الجديد نترك بعض من العادات والتقاليد البالية التي لا تصلح مع روح هذا الزمان، من ثقافة وتطور وتقدم على كل الاصعدة .
 في الوضع الأول أي النزوح لم نحتاج الى تطوير قدراتنا وتغيير مفاهيمنا وكسر أصنام العادات والتقاليد، ولكوننا في نفس الموقع ولم نواجه مجتمع جديد او ثقافة جديدة وبالتالي لم نحتاج الى تغير جذري أو قلع اذا صح التعبير. ولكن في الوضع الثاني أي الهجرة يستوجب ان يحدث تغيير ،لأن كل شيء تغير من حولنا القيم والمفاهيم والعادات  والوضع الاجتماعي والثقافة العامة تماشيا مع روح العصر ، وعلى مبدأ كل شيء قابل للتغير.
 لا نبالغ إذا قلنا إننا في ظل  هذه الظروف فإن أى جمود وبقاء على نفس البديهيات ،سوفة يأتي  وقت نرى انفسنا في أخر القطار أن لم نبقة فعلاً الى حد الان .
تبقة الكثير من الاسئلة مطروحة ويبقة الباب مفتوح على كل الاتجاهات وفق معطيات كبيرة تواجهنا وسوفة توجهنا .

252
نازحون أم مهاجرون ( استراليا نموذجاً)
              بقلم – سلوان ساكو
هل نحنوا نواجه العالم من حولنا بنفس الأفكار وبنفس القيم وبنفس المعتقدات التي اصبحت من المسَلمات ، أم نحنوا نحاول أن نغير من هذه الأفكار والاراء والمعتقدات وفق مايتطلب الوضع الراهن ،وتماشيا مع تطور الحياة وتبدلات الزمن . أم  العكس هو الصحيح ، بمعنى ان نظل حبيسين أفكار وقيم نعتقد أنها هي الاصح ، على مبدأ التغيير شيء صعب والقديم هو شيء مألوف ومعروف ومجرب . كل هذه الاسئلة سوفة نطرحها من مدخل هل نحن نازحين أم مهاجرين .
ولكي لا أشوش القارئ الكريم سوفة أخذ بلد مثال على الطرح هو استراليا . ولكن قبل ان ابدء اريد ان انبه ما ساكتبه هو رايي الخاص الذي لا يلزم احدا  .
تعد الهجرة الى دولة استراليا في الفترة الاخيرة من الأمور المهمة والخطيرة في نفس الوقت ، اي بعد سقوط واحتلال العراق في سنة 2003 وما افرزه الوضع من سوء في الجانب الأمني والاضطهاد والقتل الذي طال كل العراقيين ،بدون استثناء ومنهم طبعاً المسيحين ، مما ادى هذا الوضع الشاذ والمتفاقم الى طلب مكان أمن لعيش بسلام ، فكانت الهجرة التي يمكن ان يطلُق عليها ( هجرة جماعية )، فتشتت الكثير من العوائل المسيحية بين دول المهجر مثل امريكا وكندا واستراليا ، وأنا واحد من هؤلاء المهاجرين .وهو ما دعاني الى كتب هذه الاسطر .
أولاً النزوح هو ترك الشخص منطقته ليستقر في مكان آخر في نفس البلد ،وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي للنزوح بعضها أسباب سياسية واقتصادية وعسكريا ، مثل ما حدث في الستينات والسبعينات ومروراً الى حد الثمانيات من القرن المنصرم ، حيث انتقلت الكثير من العوائل من قرى الشمال الى باقي المحافظات ، موصل بغداد بصرة ...الخ . وتعايشت هذه العوائل في ظل ضروف سهلة نوعا ما وعلى ما يبدو لم يواجهون تلك الصعوبة في استمرارية العيش والتعايش ، وهكذا سارت الاوضاع ومشّت الامور وفق ما تطلبها تلك الفترة . مما يعني أنه لم يحصل اقتلاع او اجتثاث من الجذور الاصلية الراسخة في الوطن الأم .هذه الخلفية تسوغ لنا ان نقول إننا إزاء حالة مستقرة . وليس كما يحدث عادة في الهجرة ، فالهجرة  هي الانتقال من بلد الى بلد آخر وطلب من البلد المضيف الحماية والاستقرار لكون البلد الأم غير مستقر أو يمر في حالة وظرف استثنائي فيتم على هذا الأساس تقديم طلب (فورمات) الى دائرة الهجرة للبلد المعني ، وبتالي يقبل الطلب مثل ما يحصل الأن في استراليا. ولكن !!! وخط احمر تحت كلمة و لكن مع علامة استفهام.
والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل نحن  حين نصل الى البلد المضيف ننقلع عن جذورنا ؟ هل نحنوا في البلد الجديد ننصهر مع المجتمع بشكل صحيح ، هل نحنوا في البلد الجديد نترك بعض من العادات والتقاليد البالية التي لا تصلح مع روح هذا الزمان، من ثقافة وتطور وتقدم على كل الاصعدة .
 في الوضع الأول أي النزوح لم نحتاج الى تطوير قدراتنا وتغيير مفاهيمنا وكسر أصنام العادات والتقاليد، ولكوننا في نفس الموقع ولم نواجه مجتمع جديد او ثقافة جديدة وبالتالي لم نحتاج الى تغير جذري أو قلع اذا صح التعبير. ولكن في الوضع الثاني أي الهجرة يستوجب ان يحدث تغيير ،لأن كل شيء تغير من حولنا القيم والمفاهيم والعادات  والوضع الاجتماعي والثقافة العامة تماشيا مع روح العصر ، وعلى مبدأ كل شيء قابل للتغير.
 لا نبالغ إذا قلنا إننا في ظل  هذه الظروف فإن أى جمود وبقاء على نفس البديهيات ،سوفة يأتي  وقت نرى انفسنا في أخر القطار أن لم نبقة فعلاً الى حد الان .
تبقة الكثير من الاسئلة مطروحة ويبقة الباب مفتوح على كل الاتجاهات وفق معطيات كبيرة تواجهنا وسوفة توجهنا .

253
حرب العراق بالأرقام – اعداد سلوان ساكو
ونورد فيما يلي ملخَّصا لبعض الأرقام الأساسية المتعلِّقة بتلك الحرب، ونعرض لأهم ما يُثار حولها من جدل وخلاف:
مستوى عدد القوات
لقد قادت القوات الأمريكية عملية غزو العراق في شهر مارس/آذار من عام 2003، وذلك على رأس تحالف دولي ضم بريطانيا ودولا أخرى.
وتراوح عدد القوات الأمريكية العاملة على الأرض في العراق ما بين 100 و150 ألف عسكري، إذا ما استثنينا فترة صعود موجة المسلَّحين في تلك البلاد في عام 2007.
لقد قضت خطة الرئيس الأمريكي حينذاك، جورج دبليو بوش، والتي رمت إلى تحسين الأمن في البلاد، وخصوصا في العاصمة بغداد، بإرسال 30 ألف عسكري إضافي إلى العراق.

لكن السناتور الديمقراطي باراك أوباما جعل من قضية الانسحاب من العراق التعهُّد الرئيسي في حملته للانتخابات الرئاسية في عام 2008، وهكذا انخفض عدد القوات باضطِّراد منذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني من عام 2009.
وفي التاسع عشر من أغسطس/آب 2010، غادر آخر تشكيل أمريكي مقاتل العراق، تاركا وراءه 50 ألف عنصر من العسكريين المشاركين بالعملية الانتقالية التي كانت تشهدها البلاد.
أمَّا القوات البريطانية في العراق، فقد وصل عددها خلال فترة الغزو إلى 46 ألف عسكري، ليأخذ العدد بعدها بالتناقص التدريجي عاما بعد عام، حيث وصل العدد في شهر مايو/أيار من عام 2009 إلى 4100 عسكري، وذلك عندما سحبت بريطانيا رسميا قواتها من تلك البلاد.
لكن القوات البحرية الملكية البريطانية واصلت تدريب القوات البحرية العراقية حتى مايو/أيار 2011.
والتواجد البريطاني في العراق هو الآن مجرَّد جزء من بعثة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التدريبية، وقد أسهمت بريطانيا بتلك البعثة بـ 44 عنصرا عسكريا، بما في ذلك وحدة متواجدة في الأكاديمية العسكرية العراقية.
الخسائر
عدد القتلى في صفوف العسكريين الامريكيين في العراق بين مارس اذار  2003ويوليو تموز عام 2010
وفقا لآخر أرقام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فقدت الولايات المتحدة 4487 عنصرا في العراق منذ غزو تلك البلاد في ما بات يُعرف بـ "عملية حرية العراق" في التاسع عشر من شهر مارس/آذار من عام 2003.
وفي 31 أغسطس/آب من عام 2010، أي مع انسحاب آخر من دفعة من القوات الأمريكية القتالية من العرق، بلغ عدد القتلى في صفوف القوات الأمريكية 4421 عسكريا، قضى 3492 منهم خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما بلغ عدد الذين أُصيبوا جرَّاء العمليات 32000 شخص.
وقُتل منذئذٍ 66 عسكريا، قضى منهم 38 خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية خلال مشاركتهم في ما بات يُعرف بـ "عملية الفجر الجديد".
أمَّا عدد من أُصيبوا خلال مشاركتهم بالأعمال القتالية منذ الأول من شهر سبتمبر/أيلول 2010، فقد بلغ 305 شخصا.
وفقدت بريطانيا 179 من عسكرييها، من رجال ونساء في العراق، قضى منهم 136 خلال مشاركتهم في الأعمال القتالية، بينما قُتل 139 عنصرا من قوات الدول الأخرى المشاركة بالتحالف الدولي، حسب موقع آي كاجولتيز (icasualties).
عدد القتلى في صفوف المدنيين العراقيين بين مارس آذار 2003ويوليو تموز 2010.

وبينما نلاحظ أنه قد جرى التوثيق بشكل معقول للضحايا الذين سقطوا في صفوف القوات للدول الأخرى المشاركة في التحالف، نرى أنه من الصعوبة بمكان رصد عدد من سقطوا من بين المدنيين والعسكريين العراقيين، وذلك نظرا لغياب الأرقام الرسمية التي يمكن الاعتماد عليها. فهنالك ثمَّة خلاف شديد بشأن كافة الرويات والتقديرات المتعلِّقة بعدد الضحايا في العراق.
وقد دأبت "هيئة إحصاء القتلى العراقيين" خلال الفترة الماضية على جمع وتدقيق وتمحيص أعداد القتلى المدنيين، مستخدمة بذلك أسوبا يعتمد على مقاطعة المعلومات الواردة في العديد من التقارير الإعلامية والأرقام الأخرى الصادرة عن جهات مثل سجلاَّت المشارح.
فوفقا للهيئة المذكورة، فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا في العراق حتى شهر يوليو/حزيران من عام 2010 يتراوح ما بين 97461 و106348 شخصا.
وكان الشهر الذي وقه فيه غزو العراق، أي مارس/آذار من عام 2003، أكثر الفترات دموية، وذلك إذا ما أخذنا بالاعتبار عدد القتلى في صفوف المدنيين، إذ تقول "هيئة إحصاء القتلى العراقيين" إن 3977 مواطنا عراقيا عاديا قضوا في ذلك الشهر، و3437 قُتلوا في شهر أبريل/نيسان من ذلك العام.
وتقول الهيئة إن الفرق بين أعلى وأدنى الأرقام الصادرة عنها بشأن عدد القتلى في العراق مردّه التناقضات الواردة في التقارير المتعلِّقة بعدد القتلى الذين سقطوا جرََّاء أحداث معيَّنة، سواء كان أولئك الضحايا مدنيين أم عسكريين.
وقد أدَّى بعض التقارير والاستطلاعات إلى وجود طيف واسع من التخمينات والتقديرات المتعلِّقة بعدد القتلى الذين سقطوا في العراق، فقد قدَّر "استطلاع صحَّة الأسرة العراقية"، الذي دعمته الأمم المتحدة، عدد من قضوا في العراق جرَّاء أعمال عنف في الفترة الممتدة ما بين شهري مارس/آذار من عام 2003 ويونيو/حزيران من عام 2006 بـ 150 ألف شخص.
ّأمَّا مجلَّة "لانسيت" الطبية، فقد نشرت في عام 2006 دراسة قدَّرت عدد العراقيين الذين قضوا جرَّاء الحرب بـ 654965 قتيلا، منهم 601027 قُتلوا نتيجة أعمال العنف في البلاد.
وتضمَّن كل من "استطلاع صحَّة الأسرة العراقية" ودراسة "لانسيت" إحصائيات للقتلى الذين سقطوا في صفوف المدنيين والعسكريين والمقاتلين.
وقد لقي عدد غير معروف من المقاولين المدنيين في العراق حتفهم، إذ ينشر موقع "آي كاجولتيز" ما يصفها بقائمة جزئية لأولئك الضحايا، ضمَّنها أسماء 467 متعاقدا.
الكلفة
الكلفة المالية للحرب هي منطقة أخرى جرى التطرُّق إليها وتحليلها على نطاق واسع.
فقد قدَّرت وحدة البحوث في الكونغرس الأمريكي، وهي هيئة بحثية مرموقة وتتجاوز الأحزاب، أن تكون الولايات المتحدة قد أنفقت مع نهاية العام المالي 2011 مبلغا قدره 802 مليار دولار أمريكي على تمويل الحرب، وقد جرى بالفعل تخصيص 747.6 مليار دولار منها.

التمويل الامريكي للعملية العسكرية في العرق :-
إلاَّ أن كلاًّ من الاقتصادي الأمريكي جوزيف ستيغليتز، الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد لعام 2001، وليندا جي بيلميز، كبيرة المحاضرين في شؤون السياسة العامة والتمويل والموازنات في جامعة هارفارد الأمريكية، يعتقدان أن تكون الكلفة الحقيقية لحرب العراق قد بلغت ثلاثة تريليونات مليار دولار، وذلك في إذا ما أخذنا بالاعتبار الآثار الإضافية لتلك الحرب على الميزانية والاقتصاد الأمريكيين.
وقد موَّلت بريطانيا حصَّتها من تكلفة الحرب من صندوق احتياطيي الخزينة، وتلك المبالغ هي أموال إضافية تُخصَّص لدعم الميزانية العادية لوزارة الدفاع.
فوفقا للأرقام الصادرة عن مقر رئاسة الحكومة البريطانية في شهر يونيو/حزيران من عام 2010، فإن تكلفة المشاركة البريطانية في حرب العراق بلغت 14.32 مليار دولار، ذهب معظمها لتمويل العمليات العسكرية، وأُنفق مبلغ 861 مليون دولار على المساعدات.
وفي شهر يناير/كانون الثاني من عام 2010، قُدِّم للجنة التحقيق البريطانية في الحرب على العراق ملخَّص يظهر كيفية تمويل الحرب على العراق.

المُهجَّرون:
بدأت أعمال العنف الطائفي في العراق بالتصاعد منذ أوائل عام 2005. إلاَّ أن تفجير مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء، والمقدَّسين لدى الشيعة، في شهر فبراير/شباط من عام 2006 تسبب بتصاعد موجة الهجمات المتبادلة بين السنة والشيعة على نحو متزايد.
وقد أرغم ذلك العديد من الأسر العراقية على هجر منازلهم والانتقال إلى مناطق أخرى في البلاد، أو ببساطة هربوا إلى الخارج.
من جانبها، تقدِّر المنظمة العالمية للهجرة، والتي ترصد أعداد الأسر المهجَّرة، أن حوالي 1.6 مليون عراقي أُبعدوا عن ديارهم داخل العراق في الفترة الممتدة ما بين عامي 2006 و2010، ويشكِّل هذا العدد 5.5 في المئة من عدد سكان البلاد.
وقد عاد حوالي 400 ألف من أولئك المهجَّرين إلى ديارهم حتى أواسط عام 2010، إذ عاد معظمهم إلى العاصمة بغداد ومحافظات ديالى ونينوى والأنبار، وفقا للمنظمة المذكورة.

254
شيء من الدراما العراقية – بقلم سلوان ساكو
الربط بين احداث مسلسلين في حقبة زمنية وسياسية وحكومية مختلفة ليس أمراً سهل لكون الأدوار تتغير. ليسَ على الصعيد الشعبي والجماهيري  ، ولكن على الصعيد الفكري والاجتماعي  والايدلوجي ، ومحاكاة واقع صعب نعيشه بين مختلف الاتجاهات وصراعات شرسة لا تبقي ولا تذرعلى شيء صالح .
فمثلاً يعرض الأن مسلسل رباب على قناة العراقية من اخراج علي أبو سيف والكاتب باسل شبيب وبمشاركة نخبة من نجوم الفن العراقي . حيث يتحدث هذا المسلسل عن المرحلة الزمنية التي عمل فيها النظام السابق على ترحيل شريحة مهمة من شرائح المجتمع العراقي . حيث نرى هنا أحداث مأساوية وانسانية يفتعلها النظام تحت اسم حماية  العراق والثورة والحزب، مع مجموعات غير منسجمة مع تطلعاتهم فيتم في اخر المطاف ترحيلهم الى ايران ومصادرة املاكهم . ويُظهر المخرج كم هية وحشية النظام ،حيث جهاز الامن متمثلاً  بشخصية العقيد مؤيد والحزب متمثلاً في شخصية الرفيق صبري ، في مرحلة من الثمانينات حيث الحرب مع ايران ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة . ومن طرف أخر نرى الاكراد يظهرون كشعب يريد العيش ويريد الاستقلال والحرية في وطن يخلوا من الحرية ،وليسوا عصابات ومتمردين ومخربين ضد الدولة كما سوفة نرى في مسلسل (ملاذ آمن)    . وهكذا تسير الاحداث بعد ان زال الرقيب وانكشف المستور .
والمسلسل الثاني هو الملاذ الآمن الذي انتج في سنة 2001 وايضأ من قناة العراقية في دائرة الاذاعة والتلفزيون، وهذا العمل الذي كتب السيناريو له عبد الوهاب الدايني ومن اخراج فلاح زكي وبطولة الفنان عبد الخالق المختار  يتناول محاولات التخريب الاقتصادي خلال فترة من الفترات التي مر بها العراق.  وايضاً تدور الاحداث في كردستان العراق ولكن بصورة معكوسة  حيث يظهر في هذا المسلسل ان الكرد هم من يحاولون تخريب الاقتصاد العراقي ودعم العصابات المسلحة عن طريق شركاء لهم في الاقليم وباقي المحافظات العراقية  ونشاهد هنا دور الحكومة أي الحكومة المركزية الأمن الحزب المخابرات تحاول حماية الوطن على حد قولهم من (المخربين ). وكل هذا تحت أسم واحد وعنوان واحد هو الوطن كم أنت مسكين ياوطني ؟ .

255
شيء من الدراما العراقية – بقلم سلوان ساكو
الربط بين احداث مسلسلين في حقبة زمنية وسياسية وحكومية مختلفة ليس أمراً سهل لكون الأدوار تتغير. ليسَ على الصعيد الشعبي والجماهيري  ، ولكن على الصعيد الفكري والاجتماعي  والايدلوجي ، ومحاكاة واقع صعب نعيشه بين مختلف الاتجاهات وصراعات شرسة لا تبقي ولا تذرعلى شيء صالح .
فمثلاً يعرض الأن مسلسل رباب على قناة العراقية من اخراج علي أبو سيف والكاتب باسل شبيب وبمشاركة نخبة من نجوم الفن العراقي . حيث يتحدث هذا المسلسل عن المرحلة الزمنية التي عمل فيها النظام السابق على ترحيل شريحة مهمة من شرائح المجتمع العراقي . حيث نرى هنا أحداث مأساوية وانسانية يفتعلها النظام تحت اسم حماية  العراق والثورة والحزب، مع مجموعات غير منسجمة مع تطلعاتهم فيتم في اخر المطاف ترحيلهم الى ايران ومصادرة املاكهم . ويُظهر المخرج كم هية وحشية النظام ،حيث جهاز الامن متمثلاً  بشخصية العقيد مؤيد والحزب متمثلاً في شخصية الرفيق صبري ، في مرحلة من الثمانينات حيث الحرب مع ايران ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة . ومن طرف أخر نرى الاكراد يظهرون كشعب يريد العيش ويريد الاستقلال والحرية في وطن يخلوا من الحرية ،وليسوا عصابات ومتمردين ومخربين ضد الدولة كما سوفة نرى في مسلسل (ملاذ آمن)    . وهكذا تسير الاحداث بعد ان زال الرقيب وانكشف المستور .
والمسلسل الثاني هو الملاذ الآمن الذي انتج في سنة 2001 وايضأ من قناة العراقية في دائرة الاذاعة والتلفزيون، وهذا العمل الذي كتب السيناريو له عبد الوهاب الدايني ومن اخراج فلاح زكي وبطولة الفنان عبد الخالق المختار  يتناول محاولات التخريب الاقتصادي خلال فترة من الفترات التي مر بها العراق.  وايضاً تدور الاحداث في كردستان العراق ولكن بصورة معكوسة  حيث يظهر في هذا المسلسل ان الكرد هم من يحاولون تخريب الاقتصاد العراقي ودعم العصابات المسلحة عن طريق شركاء لهم في الاقليم وباقي المحافظات العراقية  ونشاهد هنا دور الحكومة أي الحكومة المركزية الأمن الحزب المخابرات تحاول حماية الوطن على حد قولهم من (المخربين ). وكل هذا تحت أسم واحد وعنوان واحد هو الوطن كم أنت مسكين ياوطني ؟ .

256
لا أعرف ما الذي دعاني أن  أربط بين هؤلاء الاشخاص ، ولكن على ما يبدو أن هنالك شيء خفي أو أيادي خفية تريد النيل من هذه الشخصيات لأسباب نجهل عمقه . وكما هوا واضح يشترك كل هؤلاء بنفس الاتهام وهو الاعتداء الجنسي على الفتيات .
نبدء من اخر خبر حيث اصدرت محكمة ايطالية حكما بالسجن سبع سنوات على رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني ، ومنعه من تولي اي منصب رسمي مدى الحياة بعد ان اتهامه بممارسة الدعارة مع قاصر المغربية كريمة المحروق الملقبة ( روبي ).حيث قالت الراقصة المغربية كريمة المحروق المعروفة باسم روبي إنها كذبت في عام 2010 على هيئة المحكمة التي تنظر في قضية رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو برلسكوني، بشأن الاتهامات الموجهة إليه بممارسة الجنس مع قاصر مقابل تلقي مبلغ من المال.
وأضافت المحروقي التي كانت تبلغ من العمر 17 عاما آنذاك أنها "لفقت" تفاصيل الاتهامات بشأن تنظيم برلسكوني حفلات ماجنة في مسكنه عندما كان رئيسا للوزراء في إيطاليا.
الثاني جوليان أسانج (3 يوليو 1971، تاونسفيل، كوينزلاند) هو صحفي وناشط في الإنترنت ومبرمج أسترالي، معروف بمشاركته في موقع ويكيليكس. حصل على جائزة من منظمة العفو الدولية في 2009.[1] وكان أسانج هاكر عندما كان مراهقا، ثم مبرمج الكمبيوتر قبل أن يصبح معروفا لعمله مع ويكيليكس ، وجعل ظهوره العلني في جميع أنحاء العالم للتحدث عن حرية الصحافة، والرقابة، والصحافة الاستقصائية. أصبحت ويكيليكس معروفة عالميا في عام 2010 عندما بدأ في نشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة بمساعدة من شركائها في وسائل الإعلام. ومنذ ذلك الحين تم اعتقال برادلي مانينغ للاشتباه في توريد الكابلات إلى ويكيليكس. ورد وثائق سلاح الجو الاميركي أن العسكريين الذين يجرون اتصالات مع ويكيليكس أو "مؤيدي ويكيليكس" معرضون لخطر اتهامه ب "التواصل مع العدو"، ووزارة العدل في الولايات المتحدة نظرت فى مقاضاة أسانج لعدة الجرائم. خلال محاكمة مانينغ قدم ممثلو الادعاء أدلة يدعون أن مانينغ وأسانج تعاونوا لسرقة ونشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة. منذ نوفمبر 2010، وكان أسانج الذي صدر بحقه أمر الاعتقال الأوروبي في استجابة لطلب الشرطة السويدية لاستجوابهم فيما يتعلق بتحقيق فى تهمةالاعتداء الجنسي. وفي عام 2006، أسس أسانج موقع «ويكيليكس»، والذي يزعم أنه «يهدف إلى نشر الأخبار والمعلومات المهمة إلى الجمهور من خلال نشر وثائق سرية، لا سيما حول الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق . ادرجته الشرطة الدولية "الإنتربول" على لائحة أكثر المطلوبين لدى منظمة الشرطة الدولية، بناء على طلب من محكمة سويدية تنظر في جرائم جنسية مزعومة.[2]
وكانت محكمة ستوكهولم الجنائية قد أصدرت مذكرة اعتقال دولية بـ"سبب محتمل" بدعوى أنه مشتبه به في جرائم اغتصاب، وتحرش جنسي والاستخدام غير المشروع للقوة في وقائع حدثت في أغسطس .
الثالث -  هو شخصية مهمة تتحكم في أهم  مؤسسة في العالم وتولى مناصب كثيرة وخطيرة انه دومينيك ستراوس كان (بالفرنسية: Dominique Strauss-Kahn)؛ (25 أبريل 1949 في نويي سور سين بالقرب من باريس، فرنسا) هو اقتصادي[1] ومحامي[1] وسياسي فرنسي اشتراكي من أصل يهودي مغربي. تولى التدريس كبروفيسور في جامعة غرب باريس نانتير لاديفونس، ثم التحق بالسياسة كنائب اشتراكي منذ عام 1986، عمل كرئيس للجنة المالية للجمعية الوطنية الفرنسية من عام 1988 حتى 1991. تولى وزارة الصناعة والتجارة الخارجية في حكومة إديث كريسون وبيار بيريقوفوي. تولى عمادة سارسيلس الواقعة في منطقة إيل دو فرانس من 1995 إلى 1997. شارك في تأسيس حلف جمع اليسار وهو عبارة عن اسم حلف يضم الأحزاب اليسارية الفرنسية المتضامنة، وأصبح بعد ذلك وزير الاقتصاد، والمالية، والصناعة في حكومة ليونيل جوسبان. غادر المسرح السياسي الفرنسي بعد فشل اليسار في الانتخابات الرئيسية، إضافة إلى عدم توفيقه في الانتخابات التمهيدية الاشتراكية في 2006 وذلك بسبب هزيمته من قبل منافسته سيغولين روايال بفارق كبير[1]. تولى رئاسة صندوق النقد الدولي من 1 نوفمبر 2007 إلى 18 مايو 2011 تاريخ استقالته من الصندوق[2] بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي على عاملة فندق[3] في نيويورك.
والتاريخ مملوء بكثير من هذه الاحداث ، حتى الكتاب المقدس يسرد لنا قصة شمشون الجبار ودليلة . وحسب التقارير الاخيرة يقال أن صدام حسين حين تم القبض عليه كان الامريكان ( السي اي ايه ) يتجسسون على كل مكلامات زوجته سميرة االشهبندر  وعن طريق هذه الاتصالات تم  رصد وتحديد مكان صدام حسين وبالتالي  تم القاء القبض عليه .
 ولكن يبقى السؤال المُحير هل هذه الاحداث هي صدفة أم مرتبة من قبل قوة خفية تدير هذا العالم حسب ما تريد و ترغب .



257
لا أعرف ما الذي دعاني أن  أربط بين هؤلاء الاشخاص ، ولكن على ما يبدو أن هنالك شيء خفي أو أيادي خفية تريد النيل من هذه الشخصيات لأسباب نجهل عمقه . وكما هوا واضح يشترك كل هؤلاء بنفس الاتهام وهو الاعتداء الجنسي على الفتيات .
نبدء من اخر خبر حيث اصدرت محكمة ايطالية حكما بالسجن سبع سنوات على رئيس الوزراء الايطالي السابق سيلفيو برلوسكوني ، ومنعه من تولي اي منصب رسمي مدى الحياة بعد ان اتهامه بممارسة الدعارة مع قاصر المغربية كريمة المحروق الملقبة ( روبي ).حيث قالت الراقصة المغربية كريمة المحروق المعروفة باسم روبي إنها كذبت في عام 2010 على هيئة المحكمة التي تنظر في قضية رئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو برلسكوني، بشأن الاتهامات الموجهة إليه بممارسة الجنس مع قاصر مقابل تلقي مبلغ من المال.
وأضافت المحروقي التي كانت تبلغ من العمر 17 عاما آنذاك أنها "لفقت" تفاصيل الاتهامات بشأن تنظيم برلسكوني حفلات ماجنة في مسكنه عندما كان رئيسا للوزراء في إيطاليا.
الثاني جوليان أسانج (3 يوليو 1971، تاونسفيل، كوينزلاند) هو صحفي وناشط في الإنترنت ومبرمج أسترالي، معروف بمشاركته في موقع ويكيليكس. حصل على جائزة من منظمة العفو الدولية في 2009.[1] وكان أسانج هاكر عندما كان مراهقا، ثم مبرمج الكمبيوتر قبل أن يصبح معروفا لعمله مع ويكيليكس ، وجعل ظهوره العلني في جميع أنحاء العالم للتحدث عن حرية الصحافة، والرقابة، والصحافة الاستقصائية. أصبحت ويكيليكس معروفة عالميا في عام 2010 عندما بدأ في نشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة بمساعدة من شركائها في وسائل الإعلام. ومنذ ذلك الحين تم اعتقال برادلي مانينغ للاشتباه في توريد الكابلات إلى ويكيليكس. ورد وثائق سلاح الجو الاميركي أن العسكريين الذين يجرون اتصالات مع ويكيليكس أو "مؤيدي ويكيليكس" معرضون لخطر اتهامه ب "التواصل مع العدو"، ووزارة العدل في الولايات المتحدة نظرت فى مقاضاة أسانج لعدة الجرائم. خلال محاكمة مانينغ قدم ممثلو الادعاء أدلة يدعون أن مانينغ وأسانج تعاونوا لسرقة ونشر وثائق عسكرية ودبلوماسية عن الولايات المتحدة. منذ نوفمبر 2010، وكان أسانج الذي صدر بحقه أمر الاعتقال الأوروبي في استجابة لطلب الشرطة السويدية لاستجوابهم فيما يتعلق بتحقيق فى تهمةالاعتداء الجنسي. وفي عام 2006، أسس أسانج موقع «ويكيليكس»، والذي يزعم أنه «يهدف إلى نشر الأخبار والمعلومات المهمة إلى الجمهور من خلال نشر وثائق سرية، لا سيما حول الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق . ادرجته الشرطة الدولية "الإنتربول" على لائحة أكثر المطلوبين لدى منظمة الشرطة الدولية، بناء على طلب من محكمة سويدية تنظر في جرائم جنسية مزعومة.[2]
وكانت محكمة ستوكهولم الجنائية قد أصدرت مذكرة اعتقال دولية بـ"سبب محتمل" بدعوى أنه مشتبه به في جرائم اغتصاب، وتحرش جنسي والاستخدام غير المشروع للقوة في وقائع حدثت في أغسطس .
الثالث -  هو شخصية مهمة تتحكم في أهم  مؤسسة في العالم وتولى مناصب كثيرة وخطيرة انه دومينيك ستراوس كان (بالفرنسية: Dominique Strauss-Kahn)؛ (25 أبريل 1949 في نويي سور سين بالقرب من باريس، فرنسا) هو اقتصادي[1] ومحامي[1] وسياسي فرنسي اشتراكي من أصل يهودي مغربي. تولى التدريس كبروفيسور في جامعة غرب باريس نانتير لاديفونس، ثم التحق بالسياسة كنائب اشتراكي منذ عام 1986، عمل كرئيس للجنة المالية للجمعية الوطنية الفرنسية من عام 1988 حتى 1991. تولى وزارة الصناعة والتجارة الخارجية في حكومة إديث كريسون وبيار بيريقوفوي. تولى عمادة سارسيلس الواقعة في منطقة إيل دو فرانس من 1995 إلى 1997. شارك في تأسيس حلف جمع اليسار وهو عبارة عن اسم حلف يضم الأحزاب اليسارية الفرنسية المتضامنة، وأصبح بعد ذلك وزير الاقتصاد، والمالية، والصناعة في حكومة ليونيل جوسبان. غادر المسرح السياسي الفرنسي بعد فشل اليسار في الانتخابات الرئيسية، إضافة إلى عدم توفيقه في الانتخابات التمهيدية الاشتراكية في 2006 وذلك بسبب هزيمته من قبل منافسته سيغولين روايال بفارق كبير[1]. تولى رئاسة صندوق النقد الدولي من 1 نوفمبر 2007 إلى 18 مايو 2011 تاريخ استقالته من الصندوق[2] بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي على عاملة فندق[3] في نيويورك.
والتاريخ مملوء بكثير من هذه الاحداث ، حتى الكتاب المقدس يسرد لنا قصة شمشون الجبار ودليلة . وحسب التقارير الاخيرة يقال أن صدام حسين حين تم القبض عليه كان الامريكان ( السي اي ايه ) يتجسسون على كل مكلامات زوجته سميرة االشهبندر  وعن طريق هذه الاتصالات تم  رصد وتحديد مكان صدام حسين وبالتالي  تم القاء القبض عليه .
 ولكن يبقى السؤال المُحير هل هذه الاحداث هي صدفة أم مرتبة من قبل قوة خفية تدير هذا العالم حسب ما تريد و ترغب .



258
أوراق نيسان المبعثرة _ بقلم سلوان ساكو        ( خلال أوقات الخداع العالمي ، يُصبح الجْهرُ بالحقيقة عملاً ثورياً ) جورج أورويل
منذ فترة ليست قليلا وأنا أتابع واقرأ عن تشكيل وتأسيس النوة الاولى لحزب البعث عندما انعقد مؤتمره الاول في دمشق في 7 نيسان 1947،وانتخب ميشيل عفلق عميدا له ،والى الاندماج مع الحزب الاشتراكي على يد الزعيم السياسي اكرم الحوراني 1911-1996 الذي أسس الحزب العربي الاشتراكي عام 1950، وعندما سيطر اديب الشيشكلي حليف اكرم على الحكم عام 1951، وأخذ يكمم الافواه ويُلقي القبض على معارضيه هرب الحوراني عبر الجبال الى لبنان وهناك انضم الى إليه ميشيل عفلق وصلاح البيطار اللذان هربا هما أيضاً من اضتهاد الرئيس أديب الشيشكلي( أغتيل في البرازيل عام 1964) ، وفي منفاهم عام 1953 قرر الثلاثة دمج حزب البعث العربي والعربي الاشتراكي ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي وذلك لتصليب الجبهة المعارضة للشيشكلي ، وكان هذا الحزب بمثابة تجمع موظفي المدينة والمعلمين والفلاحين .
وبيعدا عن الافكار والايدلوجيات التي رافقت تلك الفترة من تاريخ الحزب استوقفني شيء مهم هو أن أغلبيت الزعماء الرئيسيين تم تصفيتهم بشكل مباشر او غير مباشر فواحد من الصف الاول في الحزب هو صلاح البيطار  تم اغتياله بمسدس كاتم للصوت في باريس في 21 تموز 1980. حيث ساهم في وصول البعث الى الحكم في سوريا في  8 اذار 1963 في و تولى البيطار رئاسة الوزراء أربع مرات وإثر قيام حركة 1966 الت قام بها صلاح جديد اعتقل البيطار لكنه استطاع الفرار الى لبنان . فصدر حكم غيابي بإعدامه عام 1969.
أم في العراق فكان أول مؤسس للقيادة القطرية لحزب البعث في العراق هو فؤاد الركابي . هو أول أمين قطري لحزب البعث. عين وزيراً للإعمار بعد ثورة يوليو 1958 إلا أنه استقال من منصبه في فبراير 1959 تضامناً مع مجموعة من الوزراء احتجاجاً على عدم تلبية المطالب التي تقدموا بها، ومنها إتاحة المجال أمام أحزاب جبهة الاتحاد الوطني بممارسة نشاطاتها السياسية.
لجأ إلى  سوريا في نوفمبر 1959 بعد إصدار أوامر بالقبض عليه، وحكم عليه غيابياً بالإعدام في مارس من عام 1960 بسبب تخطيطه لمحاوله اغتيال عبد الكريم قاسم الفاشلة. منع من دخول العراق بعد حركة 8 فبراير 1963، بسبب انشقاقه عن حزب البعث جناج عفلق وتحالفه مع عبد الناصر بالتعاون مع البعثي الأردني الريشاوي. ليعود بعد تسلم عبد السلام عارف السلطة بمفرده وقضائه على البعثيين من جناح علي السعدي بعد حركة 18 نوفمبر 1963. شغل منصب وزير الشئون البلدية والقروية من أكتوبر 1964 إلي يوليو 1965 حيث استقال احتجاجاً على سياسة عبد السلام عارف التي راّها البعض سياسة فردية. ساهم سنة 1965 مع قوى قومية أخرى في تأسيس الحركة الاشتراكية العربية.  .إعتقل بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في 17 يوليو 1968 وسجن، وقتل في النهاية في السجن سنة 1971 قبل أنتهاء محكوميته بأسبوعين وذلك بطعنة سكين من قبل أحد السجناء قيل إنه أحد أعضاء المخابرات .
ايضاً شاعر الحزب شفيق الكمالي فقد ولد في بلدة البوكمال (شرقي سورية - قرب الحدود العراقية) وتوفي في بغداد.
رجل سياسة وشاعر أديب.
عاش صدرًا من طفولته في البوكمال، ثم انتقل إلى بغداد حيث أكمل مراحل دراسته الابتدائية فالمتوسطة فالثانوية. وتخرج في كلية الآداب بجامعة بغداد (1955)، ثم حصل على درجة الماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة (1962) عن رسالة بعنوان: «الشعر عند البدو»، وكان آنذاك لاجئًا سياسيًا في القاهرة.
بدأ حياته العملية مدرسًا بمدينة الموصل (1955) ثم فصل وسجن لنشاطه السياسي، وبعد إعلان الجمهورية أعيد إلى التدريس ببغداد، ثم اضطر إلى الهرب إلى
سورية، ومنها انتقل إلى مصر (الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة).
بعد تغيير انقلابي في العراق عاد إلى وطنه فعين بوزارة الإرشاد، ثم مدرسًا في كليتي الآداب بجامعتي بغداد والمستنصرية (1964)، وفي العام 1968 اختير وزيرًا للشباب، ثم سفيرًا (1970) ثم وزيرًا للإعلام.
كان رئيسًا لاتحاد الأدباء في العراق، وأمينًا عامًا لاتحاد الأدباء العرب.
أسس دار «آفاق عربية»، ورأس مجلس إدارتها وتحرير مجلتها (1976) وأقام مهرجانًا عربيًا ضخمًا لألفية أبي تمام بمدينة الموصل.
كان عضوًا مؤثرًا (فكريًا وإنسانيًا) في حزب البعث العراقي والمنظمات التابعة له. قتل في بغداد عام 1985.
حردان التكريتي _1925- 1971  قائد سلاح الجو العراقي ونائب رتيس مجلس قيادة الثورة في العراق .
ولد في مدينة تكريت وكان أحد كبار الضباط الطيارين البارزين في العراق. وكان من الشخصيات المهمة في ثورة 17 تموز 1968. وتقلد عدد من المناصب كان آخرها وزير الدفاع ونائب رئيس الجمهورية حتى تم اغتياله في الكويت عام 1971 .
عبد الخالق السامرائي ولد في بغداد الكرخ عام  1937من أهم قادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق. يعده كثير من البعثيين مفكر ومنظر الحزب في العراق واحد مناضليه وشخصية قل نظيرها على مستوى البعثيين ويحظى باحترامهم . كان المسئول الحزبي للرئيس السابق صدام حسين في خمسينات القرن الماضي.
عضو القيادتين القطرية والقومية لحزب البعث العربي الاشتراكي والمسؤل فيها عن نشاط الحزب الثقافي والإعلامي ومسؤول عن النقابات العمالية. كان عضو مجلس قيادة الثورة وهي أعلى سلطة في العراق بعد عام 1968.
اختير ليكون نائب لرئيس الجبهة العربية المساندة للثورة الفلسطينية التي يتزعمها كمال جنبلاط في لبنان.
ألف العديد من الكتب وخصوصاً في الاشتراكية، عرف بزهده وتواضعه الشديد وعدم استغلاله لمنصبه وللسلطة لذلك لقب بدرويش الحزب. في تموز 1979 وبعد تولي صدام حسين السلطة حدث ما يسمى بمؤامرة محمد عايش ليتم مرة اخرى زج اسم عبد الخالق السامرائي في هذه المؤامرة مع العلم انه كان في سجن انفرادي فاعدم رمياً بالصاص في يوم 8/8/1979.
عدنان الحمداني  موليد1940   انتمى الى حزب البعث في الخمسينات ، اتصل بعد دخوله كلية الحقوق بعدد من المعجبين بعبد الناصر وجمد من الحزب لخروجه على تعاليم ميشيل عفلق عام ١٩٦١ أعيد الى التنظيم في الأيام الأولى من انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ وعين مديراً لناحية المدائن ولم تمض سوى أربعة أشهر حتى حدث انقلاب عبد السلام عارف على حزب البعث وفصل عدنان من وظيفته وانقطع عن الحزب ثم عاد اليه بعد انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨ وبجهود شقيق زوجته الموصلية الذي كان عضواً في المكتب العسكري للحزب والذي قتل في حادث طائرة مدبر. وكامتحان ومقدمة لتصعيده أرسل عدنان الحمداني عضواً في القيادة القطرية المؤقتة التي شكلت في الأردن داخل معسكرات الجيش العراقي المرابط هناك..وعاد الى بغداد بعد مجازر أيلول وصار من المقربين الى صدام حسين وانتقل بسرعة من موقع حزبي ورسمي الى أخر حتى وصل الى عضو قيادة قطرية ووزيراً للتخطيط والمسؤول الأول عن تسويق النفط العراقي والرجل الثاني بعد صدام حسين في مجلس التخطيط وقد أثبت جدارة عالية في مسؤولياته فوصفه صدام حسين وهو يقدمه الى جاك شيراك رئيس الوزراء الفرنسي بقوله هذا هو عقل الحزب الأقتصادي . اعدم في عام 1979.  والقائمة طويلة لا تنتهي مثل غانم عبد الجليل موليد 1938- اعدم 1979 . الدكتور فاضل البراك اعدم
عام 1993 ، وعبد الكريم الشيخلي ولد 1935 اغتيل عام 1980.واخر شيء حسب المصادر والمعلومات كان الاختطاف او الاغتيال  من نصيب شبيلي العيسمي الامين العام السابق لحزب البعث العربي الاشتراكي، سوري من محافظة السويداء موليد 1925 من مؤسسي حزب البعث وعضو القيادة القومية للحزب وتولى عدة مناصب رفيعة منها الامانة العامة للحزب بالوكالة.
لجأ إلى العراق بعد وصول حافظ اسد ونظامه إلى السلطة بانقلاب 1966 وبقي مقيما في بغداد حتى دخول القوات الأمريكية للعراق عام 2003 حيث انتقل إلى مصر واقام فيها
في ربيع العام 2011 وبعيد اندلاع الثورة السورية قامت مخابرات النظام السوري باختطاف شبلي العيسمي ابن 88 عاما من بلدة عاليه بجبل لبنان حيث كان في زيارة لأبنته المتزوجة والمقيمة هناك وقامت المجموعة المكلفة بخطفه بنقله إلى أحد الأماكن المسيطر عليها من قبل حزب الله اللبناني قبل نقله إلى دمشق. والى حد كتابة هذا الاسطر مصيره مجهول .
من العسير على المواطن العادى ان يقدر الأعماق التي قد ينحدر إليها أولئك المشتركون في هذه الاعمال هل هي من اجل السلطة ام من اجل تحقيق غايات خفية لم تنكشف بعد كل خيوطها التي تحاك في الخفاء  ، المهم من كل هذا السرد انه كان يوجد بعض الابرياء التي لا ناقة لهم ولا جمل ذهبوا ضحية تطلعاتهم بمفهوم ليبرالي، وامل بفجر جديد زائف لم يأتي ولنْ يأتي .


المصادر
أوكار الهزيمة – الفكيكي / هاني
في سبيل البعث – عفلق / ميشيل
الموسوعة الحرة

259
أوراق نيسان المبعثرة _ بقلم سلوان ساكو        ( خلال أوقات الخداع العالمي ، يُصبح الجْهرُ بالحقيقة عملاً ثورياً ) جورج أورويل
منذ فترة ليست قليلا وأنا أتابع واقرأ عن تشكيل وتأسيس النوة الاولى لحزب البعث عندما انعقد مؤتمره الاول في دمشق في 7 نيسان 1947،وانتخب ميشيل عفلق عميدا له ،والى الاندماج مع الحزب الاشتراكي على يد الزعيم السياسي اكرم الحوراني 1911-1996 الذي أسس الحزب العربي الاشتراكي عام 1950، وعندما سيطر اديب الشيشكلي حليف اكرم على الحكم عام 1951، وأخذ يكمم الافواه ويُلقي القبض على معارضيه هرب الحوراني عبر الجبال الى لبنان وهناك انضم الى إليه ميشيل عفلق وصلاح البيطار اللذان هربا هما أيضاً من اضتهاد الرئيس أديب الشيشكلي( أغتيل في البرازيل عام 1964) ، وفي منفاهم عام 1953 قرر الثلاثة دمج حزب البعث العربي والعربي الاشتراكي ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي وذلك لتصليب الجبهة المعارضة للشيشكلي ، وكان هذا الحزب بمثابة تجمع موظفي المدينة والمعلمين والفلاحين .
وبيعدا عن الافكار والايدلوجيات التي رافقت تلك الفترة من تاريخ الحزب استوقفني شيء مهم هو أن أغلبيت الزعماء الرئيسيين تم تصفيتهم بشكل مباشر او غير مباشر فواحد من الصف الاول في الحزب هو صلاح البيطار  تم اغتياله بمسدس كاتم للصوت في باريس في 21 تموز 1980. حيث ساهم في وصول البعث الى الحكم في سوريا في  8 اذار 1963 في و تولى البيطار رئاسة الوزراء أربع مرات وإثر قيام حركة 1966 الت قام بها صلاح جديد اعتقل البيطار لكنه استطاع الفرار الى لبنان . فصدر حكم غيابي بإعدامه عام 1969.
أم في العراق فكان أول مؤسس للقيادة القطرية لحزب البعث في العراق هو فؤاد الركابي . هو أول أمين قطري لحزب البعث. عين وزيراً للإعمار بعد ثورة يوليو 1958 إلا أنه استقال من منصبه في فبراير 1959 تضامناً مع مجموعة من الوزراء احتجاجاً على عدم تلبية المطالب التي تقدموا بها، ومنها إتاحة المجال أمام أحزاب جبهة الاتحاد الوطني بممارسة نشاطاتها السياسية.
لجأ إلى  سوريا في نوفمبر 1959 بعد إصدار أوامر بالقبض عليه، وحكم عليه غيابياً بالإعدام في مارس من عام 1960 بسبب تخطيطه لمحاوله اغتيال عبد الكريم قاسم الفاشلة. منع من دخول العراق بعد حركة 8 فبراير 1963، بسبب انشقاقه عن حزب البعث جناج عفلق وتحالفه مع عبد الناصر بالتعاون مع البعثي الأردني الريشاوي. ليعود بعد تسلم عبد السلام عارف السلطة بمفرده وقضائه على البعثيين من جناح علي السعدي بعد حركة 18 نوفمبر 1963. شغل منصب وزير الشئون البلدية والقروية من أكتوبر 1964 إلي يوليو 1965 حيث استقال احتجاجاً على سياسة عبد السلام عارف التي راّها البعض سياسة فردية. ساهم سنة 1965 مع قوى قومية أخرى في تأسيس الحركة الاشتراكية العربية.  .إعتقل بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في 17 يوليو 1968 وسجن، وقتل في النهاية في السجن سنة 1971 قبل أنتهاء محكوميته بأسبوعين وذلك بطعنة سكين من قبل أحد السجناء قيل إنه أحد أعضاء المخابرات .
ايضاً شاعر الحزب شفيق الكمالي فقد ولد في بلدة البوكمال (شرقي سورية - قرب الحدود العراقية) وتوفي في بغداد.
رجل سياسة وشاعر أديب.
عاش صدرًا من طفولته في البوكمال، ثم انتقل إلى بغداد حيث أكمل مراحل دراسته الابتدائية فالمتوسطة فالثانوية. وتخرج في كلية الآداب بجامعة بغداد (1955)، ثم حصل على درجة الماجستير من كلية الآداب بجامعة القاهرة (1962) عن رسالة بعنوان: «الشعر عند البدو»، وكان آنذاك لاجئًا سياسيًا في القاهرة.
بدأ حياته العملية مدرسًا بمدينة الموصل (1955) ثم فصل وسجن لنشاطه السياسي، وبعد إعلان الجمهورية أعيد إلى التدريس ببغداد، ثم اضطر إلى الهرب إلى
سورية، ومنها انتقل إلى مصر (الإقليم الجنوبي من الجمهورية العربية المتحدة).
بعد تغيير انقلابي في العراق عاد إلى وطنه فعين بوزارة الإرشاد، ثم مدرسًا في كليتي الآداب بجامعتي بغداد والمستنصرية (1964)، وفي العام 1968 اختير وزيرًا للشباب، ثم سفيرًا (1970) ثم وزيرًا للإعلام.
كان رئيسًا لاتحاد الأدباء في العراق، وأمينًا عامًا لاتحاد الأدباء العرب.
أسس دار «آفاق عربية»، ورأس مجلس إدارتها وتحرير مجلتها (1976) وأقام مهرجانًا عربيًا ضخمًا لألفية أبي تمام بمدينة الموصل.
كان عضوًا مؤثرًا (فكريًا وإنسانيًا) في حزب البعث العراقي والمنظمات التابعة له. قتل في بغداد عام 1985.
حردان التكريتي _1925- 1971  قائد سلاح الجو العراقي ونائب رتيس مجلس قيادة الثورة في العراق .
ولد في مدينة تكريت وكان أحد كبار الضباط الطيارين البارزين في العراق. وكان من الشخصيات المهمة في ثورة 17 تموز 1968. وتقلد عدد من المناصب كان آخرها وزير الدفاع ونائب رئيس الجمهورية حتى تم اغتياله في الكويت عام 1971 .
عبد الخالق السامرائي ولد في بغداد الكرخ عام  1937من أهم قادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق. يعده كثير من البعثيين مفكر ومنظر الحزب في العراق واحد مناضليه وشخصية قل نظيرها على مستوى البعثيين ويحظى باحترامهم . كان المسئول الحزبي للرئيس السابق صدام حسين في خمسينات القرن الماضي.
عضو القيادتين القطرية والقومية لحزب البعث العربي الاشتراكي والمسؤل فيها عن نشاط الحزب الثقافي والإعلامي ومسؤول عن النقابات العمالية. كان عضو مجلس قيادة الثورة وهي أعلى سلطة في العراق بعد عام 1968.
اختير ليكون نائب لرئيس الجبهة العربية المساندة للثورة الفلسطينية التي يتزعمها كمال جنبلاط في لبنان.
ألف العديد من الكتب وخصوصاً في الاشتراكية، عرف بزهده وتواضعه الشديد وعدم استغلاله لمنصبه وللسلطة لذلك لقب بدرويش الحزب. في تموز 1979 وبعد تولي صدام حسين السلطة حدث ما يسمى بمؤامرة محمد عايش ليتم مرة اخرى زج اسم عبد الخالق السامرائي في هذه المؤامرة مع العلم انه كان في سجن انفرادي فاعدم رمياً بالصاص في يوم 8/8/1979.
عدنان الحمداني  موليد1940   انتمى الى حزب البعث في الخمسينات ، اتصل بعد دخوله كلية الحقوق بعدد من المعجبين بعبد الناصر وجمد من الحزب لخروجه على تعاليم ميشيل عفلق عام ١٩٦١ أعيد الى التنظيم في الأيام الأولى من انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣ وعين مديراً لناحية المدائن ولم تمض سوى أربعة أشهر حتى حدث انقلاب عبد السلام عارف على حزب البعث وفصل عدنان من وظيفته وانقطع عن الحزب ثم عاد اليه بعد انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨ وبجهود شقيق زوجته الموصلية الذي كان عضواً في المكتب العسكري للحزب والذي قتل في حادث طائرة مدبر. وكامتحان ومقدمة لتصعيده أرسل عدنان الحمداني عضواً في القيادة القطرية المؤقتة التي شكلت في الأردن داخل معسكرات الجيش العراقي المرابط هناك..وعاد الى بغداد بعد مجازر أيلول وصار من المقربين الى صدام حسين وانتقل بسرعة من موقع حزبي ورسمي الى أخر حتى وصل الى عضو قيادة قطرية ووزيراً للتخطيط والمسؤول الأول عن تسويق النفط العراقي والرجل الثاني بعد صدام حسين في مجلس التخطيط وقد أثبت جدارة عالية في مسؤولياته فوصفه صدام حسين وهو يقدمه الى جاك شيراك رئيس الوزراء الفرنسي بقوله هذا هو عقل الحزب الأقتصادي . اعدم في عام 1979.  والقائمة طويلة لا تنتهي مثل غانم عبد الجليل موليد 1938- اعدم 1979 . الدكتور فاضل البراك اعدم
عام 1993 ، وعبد الكريم الشيخلي ولد 1935 اغتيل عام 1980.واخر شيء حسب المصادر والمعلومات كان الاختطاف او الاغتيال  من نصيب شبيلي العيسمي الامين العام السابق لحزب البعث العربي الاشتراكي، سوري من محافظة السويداء موليد 1925 من مؤسسي حزب البعث وعضو القيادة القومية للحزب وتولى عدة مناصب رفيعة منها الامانة العامة للحزب بالوكالة.
لجأ إلى العراق بعد وصول حافظ اسد ونظامه إلى السلطة بانقلاب 1966 وبقي مقيما في بغداد حتى دخول القوات الأمريكية للعراق عام 2003 حيث انتقل إلى مصر واقام فيها
في ربيع العام 2011 وبعيد اندلاع الثورة السورية قامت مخابرات النظام السوري باختطاف شبلي العيسمي ابن 88 عاما من بلدة عاليه بجبل لبنان حيث كان في زيارة لأبنته المتزوجة والمقيمة هناك وقامت المجموعة المكلفة بخطفه بنقله إلى أحد الأماكن المسيطر عليها من قبل حزب الله اللبناني قبل نقله إلى دمشق. والى حد كتابة هذا الاسطر مصيره مجهول .
من العسير على المواطن العادى ان يقدر الأعماق التي قد ينحدر إليها أولئك المشتركون في هذه الاعمال هل هي من اجل السلطة ام من اجل تحقيق غايات خفية لم تنكشف بعد كل خيوطها التي تحاك في الخفاء  ، المهم من كل هذا السرد انه كان يوجد بعض الابرياء التي لا ناقة لهم ولا جمل ذهبوا ضحية تطلعاتهم بمفهوم ليبرالي، وامل بفجر جديد زائف لم يأتي ولنْ يأتي .


المصادر
أوكار الهزيمة – الفكيكي / هاني
في سبيل البعث – عفلق / ميشيل
الموسوعة الحرة

260
تراجيديا مواطن عراقي – بقلم سلوان ساكو
               الجزء الثاني
وحين سألني عن الاسئلة المطروحة سابقاً قلت نعم ، اعرف اياد علاوي واحمد الجلبي وغيرهم من المعارضة العراقية ، واعطيت تواريخ من بنات افكاري ومواعيد الاجتماعات من مخيلتي، ليس من سبب سوى التخلص من هذا الجحيم الذي انا فيه الان . وكان كل ما اقوله يسجل ويكتب . ومرة التحقيق على هذا المنوال حوالي 4 أو 5 ايام ، الى أن تفاجأت في أحد أيام الاستجواب ينهض الضابط  من وراء مكتبه ويصرخ في وجهي أنت كذاب وانت كلب أبن---------) واستمر يصرخ كأنه أصيب بجنون ،وقال ان كل التواريخ والأماكن التي قلتها غير صحيحة وغير دقيقة انت تضحك علينا .فمثلاً تقول أجتمعت بهم في مدريد بتارخ كذا وهم في نفس الوقت حسب المعلومات التي لدينا في لندن فكيف ذلك  ، وقال أنت مراوغ كبير .
وعرف الضابط أنه يوجد أمرا خطأ بالموضوع ،وارجعوني الى السجن في نفس الدائرة ،ولكن دون ضرب هذه المرة .
وأستمر يحكي هذا الغريب كما احب أن اسميه ، وقال أرسلوا في طلبي من جديد وادخلوني الى مكتب مسؤول كبير وكان جالس خلف المكتب وقال لي تفضل بجلوس يا ابني فجلست وانا مستغرب من التحول الكبير الذي حصل ، وكان يقرأ  في ملف موضوع على المكتب وبعدة فترة قصيرة قال يبدو أن الاخوان قد أخطئوا معك ( متوهميين وياك ابني )، وانا ساكت لا أعرف ماذا يدور في الغرفة ، وقال المسؤول( لا تزعل راح نصلح كل شي). وانتهت المقابلة ودق الجرس فأسطحبوني مرة اخرى الى السجن ، وفي نفس ذلك اليوم ليلاً  نقلوني الى مكان أخر ولكن اصغر اشبه بمنزل وكان به سجن صغيرة بها 8مساجين . وبقيت هناك دون أي سؤال او مراجعة أو أي استفسار (منسي الى الابد) . ومرت الاعوام وانا في نفس البناية ونفس المساجين ونفس الطع وأيقنت ان نهايتي سوفة تكون هنا .
الى أن فوجئنا في يوم من الايام وفي سنة لا اعرفها ، بجندي يتحدث الأنكليزية يقول مامعنه هي اذهبوا لقد سقط النظام العراقي وانتم الان احرار ، وتركونا ورحلوا، ولكن ليست المشكلة انه سقط او لم يسقط ، ولكن اين اذهب وانا لا اعرف بغداد من أيام الثمانينيات . وكنت ارتدي (دشداشة) ممزقة ونعال ، وتجولت في شوارع بغداد وسألت اين أنا وفي اية سنة الان نحن ، وكانت الفوضى عارمة لا أرى غير ناس مسرعيين ، وذهبت الى اقرب جامع استعطي وأنام اينما اتفق مثل (الكلب) وبقيت على هذه الحالة فترة تارة استجمع ما تبقة من عقلي وذاكرتي وطورا اخر افقد كل احساس واصاب بنوع من الجنوان  الى ان جمعت مبلغ بسيط من المال عن طريق التسول .وعن طريق الصدفة البحتة حيث دخلت احد البنوك  مع الجموع التي كانت  هناك  وسط الانفلات الامني واخذت من المال ما استطعت  . وبعدا فترة قظيته في بغداد استفسرت عن الجوازات والسفر وكيف الخروج من العراق ... الخ . المهم اخرجت جواز سفر مزور  واخرجت فيزا من السفارة التركية وذهبت فعلاً  الى أسطنبول على أمل ان اذهب الى السفارة الاسبانية في انقرة أو الامم المتحدة او اية منظمة انسانية ولكن ولا واحدة من هؤلاء استقبلوني لكوني لا احمل غير جواز سفر عراقي مزور ، وطرت من السفارة الاسبانية ، وكادوا يبلغوا الشرطة وتبعثر ذلك الأمل هباءً منثوراً، وعدت ادراجي الى أسطنبول أجر ورائي اذيال الخيبة . ونفذت نقودي ونمُت في الحدايق وأقتات على فضلات المطاعم ، وفي خضم هذه المأساة ضاع جوازسفري ايضاً  فقررت ان انتحر والقي بنفسي في الماء واخلص . الى ان اوقفتني في احد الايام وأنا نائم في أحدى الحدائق الشرطة التركيا وقالوا لي لا يسمح لك النوم هنا اذهب الى بيتك فقلت ليس عندي بيت فقال هيا ارينا هويتك او جوازك فقلت لا احمل اي مستمسك وقتادوني الى المركز ثم الى هنا وها انا معك في نفس المكان هذه حكيتي او مأساتي. فقلت له بدوري هذه فرصتك الذهبية انت لا تحمل اي مستمسك يثبت انك عراقي  وقول لهم انك اسباني واطلب ممثل من السفارة فهم الاولى بك لابد لديهم بعض الاوليات  وسئل عن زوجتك عن طريقهم ،يمكن ما حصل معك في الحديقة واضاعت جوازك هوا في مصلحتك  المهم لا تخرج من هنا ابداً واصر على أنك أسباني .
بعدا ذلك بأسبوعين رحلونا نحن الى العراق ولم أعرف ماذا حصل لي هذا الغريب .       وأتمنى أن أكون من خلال هذا الجهد المتواضع قد أوفي بعضاً مما لحق بهذا الغريب من ظلم وحيف على أمل ان تنتهى معانته ويعود الى بيته وأسرته .

261
تراجيديا مواطن عراقي – بقلم سلوان ساكو
               الجزء الثاني
وحين سألني عن الاسئلة المطروحة سابقاً قلت نعم ، اعرف اياد علاوي واحمد الجلبي وغيرهم من المعارضة العراقية ، واعطيت تواريخ من بنات افكاري ومواعيد الاجتماعات من مخيلتي، ليس من سبب سوى التخلص من هذا الجحيم الذي انا فيه الان . وكان كل ما اقوله يسجل ويكتب . ومرة التحقيق على هذا المنوال حوالي 4 أو 5 ايام ، الى أن تفاجأت في أحد أيام الاستجواب ينهض الضابط  من وراء مكتبه ويصرخ في وجهي أنت كذاب وانت كلب أبن---------) واستمر يصرخ كأنه أصيب بجنون ،وقال ان كل التواريخ والأماكن التي قلتها غير صحيحة وغير دقيقة انت تضحك علينا .فمثلاً تقول أجتمعت بهم في مدريد بتارخ كذا وهم في نفس الوقت حسب المعلومات التي لدينا في لندن فكيف ذلك  ، وقال أنت مراوغ كبير .
وعرف الضابط أنه يوجد أمرا خطأ بالموضوع ،وارجعوني الى السجن في نفس الدائرة ،ولكن دون ضرب هذه المرة .
وأستمر يحكي هذا الغريب كما احب أن اسميه ، وقال أرسلوا في طلبي من جديد وادخلوني الى مكتب مسؤول كبير وكان جالس خلف المكتب وقال لي تفضل بجلوس يا ابني فجلست وانا مستغرب من التحول الكبير الذي حصل ، وكان يقرأ  في ملف موضوع على المكتب وبعدة فترة قصيرة قال يبدو أن الاخوان قد أخطئوا معك ( متوهميين وياك ابني )، وانا ساكت لا أعرف ماذا يدور في الغرفة ، وقال المسؤول( لا تزعل راح نصلح كل شي). وانتهت المقابلة ودق الجرس فأسطحبوني مرة اخرى الى السجن ، وفي نفس ذلك اليوم ليلاً  نقلوني الى مكان أخر ولكن اصغر اشبه بمنزل وكان به سجن صغيرة بها 8مساجين . وبقيت هناك دون أي سؤال او مراجعة أو أي استفسار (منسي الى الابد) . ومرت الاعوام وانا في نفس البناية ونفس المساجين ونفس الطع وأيقنت ان نهايتي سوفة تكون هنا .
الى أن فوجئنا في يوم من الايام وفي سنة لا اعرفها ، بجندي يتحدث الأنكليزية يقول مامعنه هي اذهبوا لقد سقط النظام العراقي وانتم الان احرار ، وتركونا ورحلوا، ولكن ليست المشكلة انه سقط او لم يسقط ، ولكن اين اذهب وانا لا اعرف بغداد من أيام الثمانينيات . وكنت ارتدي (دشداشة) ممزقة ونعال ، وتجولت في شوارع بغداد وسألت اين أنا وفي اية سنة الان نحن ، وكانت الفوضى عارمة لا أرى غير ناس مسرعيين ، وذهبت الى اقرب جامع استعطي وأنام اينما اتفق مثل (الكلب) وبقيت على هذه الحالة فترة تارة استجمع ما تبقة من عقلي وذاكرتي وطورا اخر افقد كل احساس واصاب بنوع من الجنوان  الى ان جمعت مبلغ بسيط من المال عن طريق التسول .وعن طريق الصدفة البحتة حيث دخلت احد البنوك  مع الجموع التي كانت  هناك  وسط الانفلات الامني واخذت من المال ما استطعت  . وبعدا فترة قظيته في بغداد استفسرت عن الجوازات والسفر وكيف الخروج من العراق ... الخ . المهم اخرجت جواز سفر مزور  واخرجت فيزا من السفارة التركية وذهبت فعلاً  الى أسطنبول على أمل ان اذهب الى السفارة الاسبانية في انقرة أو الامم المتحدة او اية منظمة انسانية ولكن ولا واحدة من هؤلاء استقبلوني لكوني لا احمل غير جواز سفر عراقي مزور ، وطرت من السفارة الاسبانية ، وكادوا يبلغوا الشرطة وتبعثر ذلك الأمل هباءً منثوراً، وعدت ادراجي الى أسطنبول أجر ورائي اذيال الخيبة . ونفذت نقودي ونمُت في الحدايق وأقتات على فضلات المطاعم ، وفي خضم هذه المأساة ضاع جوازسفري ايضاً  فقررت ان انتحر والقي بنفسي في الماء واخلص . الى ان اوقفتني في احد الايام وأنا نائم في أحدى الحدائق الشرطة التركيا وقالوا لي لا يسمح لك النوم هنا اذهب الى بيتك فقلت ليس عندي بيت فقال هيا ارينا هويتك او جوازك فقلت لا احمل اي مستمسك وقتادوني الى المركز ثم الى هنا وها انا معك في نفس المكان هذه حكيتي او مأساتي. فقلت له بدوري هذه فرصتك الذهبية انت لا تحمل اي مستمسك يثبت انك عراقي  وقول لهم انك اسباني واطلب ممثل من السفارة فهم الاولى بك لابد لديهم بعض الاوليات  وسئل عن زوجتك عن طريقهم ،يمكن ما حصل معك في الحديقة واضاعت جوازك هوا في مصلحتك  المهم لا تخرج من هنا ابداً واصر على أنك أسباني .
بعدا ذلك بأسبوعين رحلونا نحن الى العراق ولم أعرف ماذا حصل لي هذا الغريب .       وأتمنى أن أكون من خلال هذا الجهد المتواضع قد أوفي بعضاً مما لحق بهذا الغريب من ظلم وحيف على أمل ان تنتهى معانته ويعود الى بيته وأسرته .

262
  تراجيديا مواطن عراقي  – الجزء الأول   بقلم- سلوان ساكو
  والآن ،وعلى الرغم من مظى عدة سنوات على الحادثة أجدها تولد في دماغي من جديد وفي شخص بطلها ، فنجحت ذاكرتي أن تعيد حياكة هذه المشاهد الحقيقية .
حينما كنت في أسطنبول في سنة 2005 حصل لي بعض الاشكالات مع دائرة الاقامة والجوازات ، وبعد التدقيق الدقيق قالوا لي لا يمكن لك ان تبقة داخل الاراضي التركيا يجب ان تُغادر، وعلى هذا الاساس قاموا بحجزي داخل نفس الدائرة الى حين يتم تسفيري الى العراق عندما يكتمل العدد المطلوب .
بعد دخولي الى الحجز بيوم أو يومين استوقفنى رجل يبلغ من العمر حوالي الستين او يزيد قليلاً ،صامت كئيب ،يكاد يخلو وجهه من أيَّة تعابير.
المُهم بعد أن القيتُ السلام عليه ورّد ببرود واضح ، سئلته عن سبب مجيئه الى هنا من باب قتل الوقت لا أكثر .لم يجيب في بادئ الأمر ولكن بعد فترة من الصمت والنظر الى المجهول أجاب وحكة قصته الغريبة . قال إنها أمور لايمكن للمرء أن ينساها ولا أن يغفرها ابداً.وأكمل الحديث انا عراقي من أصول ايرانية وقد عشتُ  في بغداد ودرستُ في جامعاتها وتزوجت بها ،ومع بداية الحرب العراقية الايرانية 1980 قررتُ أن أخرج من العراق مع عائلتي ،زوجتي وابنائي الاثنين . وفعلاً اتجهنا الى الاردن وبقينا في عمان حوالي ثلاث او اربع أشهر ، وبعد ذلك انتقلنا الى اسبانيا في العاصمة مدريد واستقر بي المقام بها وعملتوا وتيسرت احوالي نوعاً ما ، وبعدة فترة رزقنا الله بمولود ، ومشت اموري على أحسن ما يرام ،وكنت خلال هذه الفترة أراجع السفارة العراقية مثل اي مواطن عراقي عادي ، مثل تجديد الجواز او بيان الولادة او أي مراجعة اخرى ولا يوجد اي اشكال بيني وبين السفارة العراقية على الاطلاق. الى أن حصل ما لم يكن في الحسبان ،حيث اتصلوا بي من السفارة ، وكان هذا في سنة 1993 ، يطلبوني لأمر مهم ولم أكن في البيت في ذلك الوقت ،فقالت زوجتي أن زوجي يرجع من العمل بعد الساعة الرابعة ، وفعلاً بعد الساعة الرابعة اتصلوا بي  وكنت في البيت فتحدثت معهم وكان موظف ادعى انه من القسم الثقافي في السفارة العراقية في اسبانيا ، وتكلم معي بكل أدب وكل لباقة وقال يطلب سعادة السفير ان يراك ، فستفسرت عن الموضوع، فقال انشاء الله خير ويمكن ان تعين في الملحقية الثقافية، وللمزيد من التفاصيل سوفة تعرفها من خلال المقابلة ، فقلت طيب دون ان يساوروني ادنى شك . فرتب لي موعد بتاريخ فلان والساعة الفلانية ،وذهبت على نفس الوعد المحدد، استبشر خيراً ،واستقبلوني داخل السفارة بكل ترحيب وحرارة وأدخلوني الى شخص قالو لي انه سعادة السفير ، وعند دخولي قام من وراء المكتب ورحب بي وتحدث عن عملي حيث قال لقد درسنا ملفك وبعد اخذ الموافقة من بغداد سوفة يتم تعينك معنا في الملحقية الثقافية ،وتحدث عن العمل وعن الراتب وانعطف بعد ذلك الى الاسرة والاولاد بكل لطف وبشاشة ، وستمر الحديث بيننا الى ان طلب الشاي لنا على العادة العراقية ، وحين انتهيت من شرب الشاي لم اشعر بنفسي ألا وشخص يضربني بقوة ويقوال لي انهض(كلب). فصعقت من هذا المكان ومن الاشخاص ومن كل شئ حولي ،فقلت لهم اين أنا ولماذا انا هنا فلم يجبني احد ، وبقيت على هذا المنوال 5 او 6 أيام طعام قليل وضرب كثير .و بعد اليوم السادس على ما اظن ، ادخلوني الى غرفة التحقيق وكان هناك ضابط شاب وسيم قال لي انت الان داخل مبنى المخابرات العراقية في بغداد . وانذهلت وكاد يصيبنى الاغماء فكيف جئت الى هنا، فأيقنت انه في السفارة في مدريد قد وضعوا مخدر داخل الشاي ولم اشعر او استيقظ ألّا وأنا داخل بغداد ،ولكن كيف وصلت الى هنا ظل هذا السر غامض الى حد الان  وهذه أحدى اقذر الخطط المخابراتية .
بعد ذلك تم التحقيق معي فقالوا من أين تعرف اياد علاوي واحمد الجلبي وغيرهم من أسماء المعارضة العراقية في الخارج واين اجتمعتْ معهم والتواريخ والاماكن وفي أي بلدان، والاف الاسئلة التي ليس عندي جواب لها والتي لا تنتهي . فقلت أنا لا اعرف احد من هؤلاء ولا اجتمعتُ بهم ابداً ولا قد سمعتوا حتى اسمائهم في ذلك الوقت ، ولكن لم يصدقني الضابط ،ومرة اخرى حولني الى غرفة التعذيب . تعذيب بشع مقزز وحيواني ، لقد هشموني معنوياً وحطموني بأسلوب مشين مدفوعين بشراهة جامحة لتدميري نفسياً ، ومن كثرة الضرب لم اعد أحس بشئ من أعضائي . وبعدة فترة من الأيام لا أعرف مدتها ، رجعتوا الى نفس الضابط وقال لي لماذا لا تحكي وترحم نفسك من هذا  العذاب انت لم تفعل شيء وسوفة يطلق سراحك بعد ان يكتمل التحقيق اعدك بذلك ، فقلت سوفة احكي سيدي .                         

263
  تراجيديا مواطن عراقي  – الجزء الأول   بقلم- سلوان ساكو
  والآن ،وعلى الرغم من مظى عدة سنوات على الحادثة أجدها تولد في دماغي من جديد وفي شخص بطلها ، فنجحت ذاكرتي أن تعيد حياكة هذه المشاهد الحقيقية .
حينما كنت في أسطنبول في سنة 2005 حصل لي بعض الاشكالات مع دائرة الاقامة والجوازات ، وبعد التدقيق الدقيق قالوا لي لا يمكن لك ان تبقة داخل الاراضي التركيا يجب ان تُغادر، وعلى هذا الاساس قاموا بحجزي داخل نفس الدائرة الى حين يتم تسفيري الى العراق عندما يكتمل العدد المطلوب .
بعد دخولي الى الحجز بيوم أو يومين استوقفنى رجل يبلغ من العمر حوالي الستين او يزيد قليلاً ،صامت كئيب ،يكاد يخلو وجهه من أيَّة تعابير.
المُهم بعد أن القيتُ السلام عليه ورّد ببرود واضح ، سئلته عن سبب مجيئه الى هنا من باب قتل الوقت لا أكثر .لم يجيب في بادئ الأمر ولكن بعد فترة من الصمت والنظر الى المجهول أجاب وحكة قصته الغريبة . قال إنها أمور لايمكن للمرء أن ينساها ولا أن يغفرها ابداً.وأكمل الحديث انا عراقي من أصول ايرانية وقد عشتُ  في بغداد ودرستُ في جامعاتها وتزوجت بها ،ومع بداية الحرب العراقية الايرانية 1980 قررتُ أن أخرج من العراق مع عائلتي ،زوجتي وابنائي الاثنين . وفعلاً اتجهنا الى الاردن وبقينا في عمان حوالي ثلاث او اربع أشهر ، وبعد ذلك انتقلنا الى اسبانيا في العاصمة مدريد واستقر بي المقام بها وعملتوا وتيسرت احوالي نوعاً ما ، وبعدة فترة رزقنا الله بمولود ، ومشت اموري على أحسن ما يرام ،وكنت خلال هذه الفترة أراجع السفارة العراقية مثل اي مواطن عراقي عادي ، مثل تجديد الجواز او بيان الولادة او أي مراجعة اخرى ولا يوجد اي اشكال بيني وبين السفارة العراقية على الاطلاق. الى أن حصل ما لم يكن في الحسبان ،حيث اتصلوا بي من السفارة ، وكان هذا في سنة 1993 ، يطلبوني لأمر مهم ولم أكن في البيت في ذلك الوقت ،فقالت زوجتي أن زوجي يرجع من العمل بعد الساعة الرابعة ، وفعلاً بعد الساعة الرابعة اتصلوا بي  وكنت في البيت فتحدثت معهم وكان موظف ادعى انه من القسم الثقافي في السفارة العراقية في اسبانيا ، وتكلم معي بكل أدب وكل لباقة وقال يطلب سعادة السفير ان يراك ، فستفسرت عن الموضوع، فقال انشاء الله خير ويمكن ان تعين في الملحقية الثقافية، وللمزيد من التفاصيل سوفة تعرفها من خلال المقابلة ، فقلت طيب دون ان يساوروني ادنى شك . فرتب لي موعد بتاريخ فلان والساعة الفلانية ،وذهبت على نفس الوعد المحدد، استبشر خيراً ،واستقبلوني داخل السفارة بكل ترحيب وحرارة وأدخلوني الى شخص قالو لي انه سعادة السفير ، وعند دخولي قام من وراء المكتب ورحب بي وتحدث عن عملي حيث قال لقد درسنا ملفك وبعد اخذ الموافقة من بغداد سوفة يتم تعينك معنا في الملحقية الثقافية ،وتحدث عن العمل وعن الراتب وانعطف بعد ذلك الى الاسرة والاولاد بكل لطف وبشاشة ، وستمر الحديث بيننا الى ان طلب الشاي لنا على العادة العراقية ، وحين انتهيت من شرب الشاي لم اشعر بنفسي ألا وشخص يضربني بقوة ويقوال لي انهض(كلب). فصعقت من هذا المكان ومن الاشخاص ومن كل شئ حولي ،فقلت لهم اين أنا ولماذا انا هنا فلم يجبني احد ، وبقيت على هذا المنوال 5 او 6 أيام طعام قليل وضرب كثير .و بعد اليوم السادس على ما اظن ، ادخلوني الى غرفة التحقيق وكان هناك ضابط شاب وسيم قال لي انت الان داخل مبنى المخابرات العراقية في بغداد . وانذهلت وكاد يصيبنى الاغماء فكيف جئت الى هنا، فأيقنت انه في السفارة في مدريد قد وضعوا مخدر داخل الشاي ولم اشعر او استيقظ ألّا وأنا داخل بغداد ،ولكن كيف وصلت الى هنا ظل هذا السر غامض الى حد الان  وهذه أحدى اقذر الخطط المخابراتية .
بعد ذلك تم التحقيق معي فقالوا من أين تعرف اياد علاوي واحمد الجلبي وغيرهم من أسماء المعارضة العراقية في الخارج واين اجتمعتْ معهم والتواريخ والاماكن وفي أي بلدان، والاف الاسئلة التي ليس عندي جواب لها والتي لا تنتهي . فقلت أنا لا اعرف احد من هؤلاء ولا اجتمعتُ بهم ابداً ولا قد سمعتوا حتى اسمائهم في ذلك الوقت ، ولكن لم يصدقني الضابط ،ومرة اخرى حولني الى غرفة التعذيب . تعذيب بشع مقزز وحيواني ، لقد هشموني معنوياً وحطموني بأسلوب مشين مدفوعين بشراهة جامحة لتدميري نفسياً ، ومن كثرة الضرب لم اعد أحس بشئ من أعضائي . وبعدة فترة من الأيام لا أعرف مدتها ، رجعتوا الى نفس الضابط وقال لي لماذا لا تحكي وترحم نفسك من هذا  العذاب انت لم تفعل شيء وسوفة يطلق سراحك بعد ان يكتمل التحقيق اعدك بذلك ، فقلت سوفة احكي سيدي .                         

264
كم اضحكني هذا الرجل   _   بقلم- سلوان ساكو
كم من مرة أتذكر أمي حينما كانت تضحك بعفوية ويرتسم على محياها ابتسامة عريضة من دون تكلف ، اتذكر جيداً هذه الشخصية الكوميدية الفكاهية البسيطة . فنان دخل الى قلوب الكثير من الناس بدون استئذان ،وشخصيته الفنية التي لعب بها دور الساذج .
انه الفنان السوري العربي ياسين بقوش، حيث قُتل يوم الاحد 24 /2 في العاصمة السورية دمشق اثر سقوط قذيفة هاون قرب سيارته في حي العسالي . حسب ما أفاد بيان للمرصد السوري لحقوق الانسان ، واعتبرو الفنان ( شهيداً للثورة السورية ).
ينتمي بقوش الى جيل مؤسسي الكوميديا السورية أمثال دريد لحام ورفيق سبيعي وناجي جبير (ابو عنتر) ونهاد قلعي هذا الجيل الذي انطلق في بداية ستنيات القرن الماضي . وعرف بشخصيته المحبوبة في مسلسلات مثل ( صح النوم و ملح وسكر ) . وله العديد من الافلام السينمائية منها ( عنتر فارس الصحراء وعروس دمشق وشقة ومليون مفتاح ).
ياسين او( ياسينو)  ترك بصمة قوية في الشاشة العربية  و ذكرى جميلة  لا تزال باقية في الكثير من الناس فهوا مرآة نقية تعكس ما في داخلها من الحب والحنان والوداعة ، كان شخصية تحب النكتة النظيفة والفكاهة المعبرة في وقت اصبح كل شيء مصطنع .
يذكر أن ياسين بقوش من أصول ليبية ، وولد في دمشق عام 1938، وانضم إلى نقابة الفنانين السوريين عام 1967. ولديه 11 ولد . الرحمة للفنان ياسين بقوش

265
بلعيد شهيد الحرية   - أعداد سلوان ساكو
المناضل السياسي المعارض التونسي شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين وقيادي حزب الجبهة الشعبية .
ولد شكري في نوفمبر / تشرين الثاني سنة 1964 في منطقة جبل جلود جنوبي العاصمة التونسية ودرس الحقوق في العراق ثم عمل محاميا في تونس ابتداء من سنة 2004 حيث عرف بدفاعه عن المتهمين في قضايا الرأي خلال حكم الرئيس السابق بن علي .
بعد نشاط سري دام ثلاثين عاما ، حصل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ( الوطد ) على الاعتماد عقب الثورة وقد شغل بلعيد منصب منسقه العام . وعرف الحزب بتوجهه اليساري وبتبنيه المبادىء الماركسية – اللينينية ،كما عرف رئيسه بمعارضته الشديدة لحزب النهضة الحاكم وبانتقاداته  الشديدا لها حيث الفه التونسيون بعد ثورة 14 كانون الثاني( يناير ) 2011 من اطلالاته الإعلامية ، عبر الإذاعة والتلفزيون ،وبالكاد كان يمر يوم لايكون بلعيد على موعد مع وسيلة إعلامية لاجراء حوار سياسي ،الإ ان كثرة إلا طلالات الاعلامية لبلعيد ، وتصريحاته السياسية الحارة اغضبت الاسلاميين . وخصوصاً  أنه لم يوفر فرصة الاووظفها لتوجيه نقده اللاذع إليهم ، وإلى حركة النهضة بشكل خاص ، بما يعبر عن قناعاته ومرجعياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية .
كان اغتيال بلعيد صدمة  مضاعفة  إذهلت مختلف التونسيين وكثير من دول العالم ، وأفزعتهم باعتبار أن هذه النقلة النوعية من عملية الاغتيال وفي هكذا توقيت ليست من عمل جماعة صغيرة ، ففي 6 فبراير 2013 قتل الشهيد شكري بلعيد أمام منزله بأربع رصاصات كانت واحدة بالرأس وواحدة بالرقبة ورصاصتين بالصدر . قتل بلعيد ولكن لم تموت ارائه الجريئة ، قتُل وباقية مواقفه البطولية وعلى قول الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابّي (إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة   فلا بدِّ أن يستجيبَ القدَر              ولا بد َّ لليل ِ أن ينجلي       ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسرْ                  ومن لم يعانقه شوق الحياة    تبخّبر في جوَّها  واندثرْ
      فويل لمن لم تشقه الحياة     من صفعة العدم المنتصرْ              كذلك قالت لي الكائنات     وحدَّثني روحُها  المستتِرْ .

266
بلعيد شهيد الحرية   - أعداد سلوان ساكو
المناضل السياسي المعارض التونسي شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين وقيادي حزب الجبهة الشعبية .
ولد شكري في نوفمبر / تشرين الثاني سنة 1964 في منطقة جبل جلود جنوبي العاصمة التونسية ودرس الحقوق في العراق ثم عمل محاميا في تونس ابتداء من سنة 2004 حيث عرف بدفاعه عن المتهمين في قضايا الرأي خلال حكم الرئيس السابق بن علي .
بعد نشاط سري دام ثلاثين عاما ، حصل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ( الوطد ) على الاعتماد عقب الثورة وقد شغل بلعيد منصب منسقه العام . وعرف الحزب بتوجهه اليساري وبتبنيه المبادىء الماركسية – اللينينية ،كما عرف رئيسه بمعارضته الشديدة لحزب النهضة الحاكم وبانتقاداته  الشديدا لها حيث الفه التونسيون بعد ثورة 14 كانون الثاني( يناير ) 2011 من اطلالاته الإعلامية ، عبر الإذاعة والتلفزيون ،وبالكاد كان يمر يوم لايكون بلعيد على موعد مع وسيلة إعلامية لاجراء حوار سياسي ،الإ ان كثرة إلا طلالات الاعلامية لبلعيد ، وتصريحاته السياسية الحارة اغضبت الاسلاميين . وخصوصاً  أنه لم يوفر فرصة الاووظفها لتوجيه نقده اللاذع إليهم ، وإلى حركة النهضة بشكل خاص ، بما يعبر عن قناعاته ومرجعياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية .
كان اغتيال بلعيد صدمة  مضاعفة  إذهلت مختلف التونسيين وكثير من دول العالم ، وأفزعتهم باعتبار أن هذه النقلة النوعية من عملية الاغتيال وفي هكذا توقيت ليست من عمل جماعة صغيرة ، ففي 6 فبراير 2013 قتل الشهيد شكري بلعيد أمام منزله بأربع رصاصات كانت واحدة بالرأس وواحدة بالرقبة ورصاصتين بالصدر . قتل بلعيد ولكن لم تموت ارائه الجريئة ، قتُل وباقية مواقفه البطولية وعلى قول الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابّي (إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة   فلا بدِّ أن يستجيبَ القدَر              ولا بد َّ لليل ِ أن ينجلي       ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسرْ                  ومن لم يعانقه شوق الحياة    تبخّبر في جوَّها  واندثرْ
      فويل لمن لم تشقه الحياة     من صفعة العدم المنتصرْ              كذلك قالت لي الكائنات     وحدَّثني روحُها  المستتِرْ .

267
بلعيد شهيد الحرية   - أعداد سلوان ساكو
المناضل السياسي المعارض التونسي شكري بلعيد أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين وقيادي حزب الجبهة الشعبية .
ولد شكري في نوفمبر / تشرين الثاني سنة 1964 في منطقة جبل جلود جنوبي العاصمة التونسية ودرس الحقوق في العراق ثم عمل محاميا في تونس ابتداء من سنة 2004 حيث عرف بدفاعه عن المتهمين في قضايا الرأي خلال حكم الرئيس السابق بن علي .
بعد نشاط سري دام ثلاثين عاما ، حصل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد ( الوطد ) على الاعتماد عقب الثورة وقد شغل بلعيد منصب منسقه العام . وعرف الحزب بتوجهه اليساري وبتبنيه المبادىء الماركسية – اللينينية ،كما عرف رئيسه بمعارضته الشديدة لحزب النهضة الحاكم وبانتقاداته  الشديدا لها حيث الفه التونسيون بعد ثورة 14 كانون الثاني( يناير ) 2011 من اطلالاته الإعلامية ، عبر الإذاعة والتلفزيون ،وبالكاد كان يمر يوم لايكون بلعيد على موعد مع وسيلة إعلامية لاجراء حوار سياسي ،الإ ان كثرة إلا طلالات الاعلامية لبلعيد ، وتصريحاته السياسية الحارة اغضبت الاسلاميين . وخصوصاً  أنه لم يوفر فرصة الاووظفها لتوجيه نقده اللاذع إليهم ، وإلى حركة النهضة بشكل خاص ، بما يعبر عن قناعاته ومرجعياته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية .
كان اغتيال بلعيد صدمة  مضاعفة  إذهلت مختلف التونسيين وكثير من دول العالم ، وأفزعتهم باعتبار أن هذه النقلة النوعية من عملية الاغتيال وفي هكذا توقيت ليست من عمل جماعة صغيرة ، ففي 6 فبراير 2013 قتل الشهيد شكري بلعيد أمام منزله بأربع رصاصات كانت واحدة بالرأس وواحدة بالرقبة ورصاصتين بالصدر . قتل بلعيد ولكن لم تموت ارائه الجريئة ، قتُل وباقية مواقفه البطولية وعلى قول الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابّي (إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة   فلا بدِّ أن يستجيبَ القدَر              ولا بد َّ لليل ِ أن ينجلي       ولا بدَّ للقيدِ أن ينكسرْ                  ومن لم يعانقه شوق الحياة    تبخّبر في جوَّها  واندثرْ
      فويل لمن لم تشقه الحياة     من صفعة العدم المنتصرْ              كذلك قالت لي الكائنات     وحدَّثني روحُها  المستتِرْ .

268
أدب / شيئ من جُبران خليل جُبران
« في: 07:19 05/01/2013  »



شيئ من جُبران خليل جُبران


ملابس .
تلاقى الجمالُ والقُبحُ ذاتَ يوم على شَاطىِء البَحر فقال كُل منُهما للآخر (هل لكَ أن تسبحَ ؟) .ثم خَلعا مَلابسهما ، وخاضَا العُباب َ ، وبعد بُرهة ٍ عادَ القُبحُ إلى الشَاطىءِ وارتدَى ثيابَ الجَمال ومضَى قي سبيلِهِ . وجاءَ الجَمالُ أيضاً مِنَ البحَر ، ولم يَجِد لباسه ،وخَجِلَ كُل الخَجِل أن يكونَ عَارياً ولذلك لبِسَ ردَاَءَ القُبح ، ومضَى في سبيلِه. ومنذُ ذلك اليومِ ، والرجالُ والنساءُ يخطئون كُلمَا تلاقَوا في مَعرفَةِ بعضِهم البعضَ . غيرَ أن هنالك نَفَراً مِمن يَتَفرسُونَ في وَجهِ الجَمال ، ويعَرفُونَه رُغمَ ثيابِهِ ، وثَمةَ نَفَر يَعرِفُونَ وَجه القبُحِ، والثوبُ الذي يلبسُه لا يخُفيه عن أعيِنهم .
الصيادان .
التقُى السُرُور والحُزنُ ، في يومٍ من أيام نوار ، بجانبِ إحدَى البُحيراتِ ،فتبادَلا التحيةَ ،وجَلسَا على مَقربُةٍ منَ المياهِ المُطمئنةِ يتطارَحَان الأحاديثَ ..
تحدثَ السُرور عَنِ الجمالِ الذي يغَمُرُ الأرضَ وعن ألروعةِ اليوميةِ التي تُفعمُ الحياةَ في الغابةِ وبينَ الهضَابِ ، والأغاني التي تُسمَعُ في الفَجرِ والأصيلِ .وتكلمَ الحُزن ،ووافَقَ على كل ما قالهُ السُرورُ لأن الحُزن كانَ يُدركُ سِحرَ الساعةِ والجمالَ المنبعثَ فيها ،والحُزنُ بليغُ حين يخُوضُ في حَديث نوّار وسَطَ الحُقولِ وفَوقَ الهضابِ .وتحدثَ الحُزنُ والسُرورُ طَويلاً ، وكان الوِفاقُ بينهما تاماً حولَ جميعِ الاشياءِ التي يعرِفانها .   ثم مرَّ بهما صيادان على الضِفةِ الأُ ُخرَى منَ البُحيرةِ .وفيما هُما ينظُرانِ إليهما عَبرَ الماءِ ،قال أحدُهما ( إني لأعجَبُ من عسَى هذان ِ الشخصانِ أن يكُونا؟) وقال الآخرُ (قلتَ اثنان ؟ أنا لا أرَى إلاواحِداً ) . قال الصيادُ الأولُ : ولكن هناكَ ،اثنانِ . وردَالثاني قائلاً : ليسَ هناك إلا شخص واحد أستطيع أن أتبينهُ وانعكاسُ صُورتهِ في الُبحيرةِ واحدُ أيضاً . قال الصيادُ الأولُ : لا هناك ،اثنان ، وانعكاسُ الصورة في الماءِ الهادىء ، إنما لشخصينِ أيضاً . ولكن الرجلَ الثاني قال ثانيةً (أرى واحداً بمفردِهِ) . وقال الآخرُ للمرةِ الثانية أيضاً ( ولكني أرَى اثنينِ بوُضوحٍ ) .
ولا يزالُ أحدُ الصَيادين يقولُ حتى اليومِ إن الآخرَ رأى شخصاً مُضاعفاً ،بينما الآخرُ يقول : صَديقي أعمَى على نحوٍ ما .

269
 قامة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مكتب مالبورن ،وبالاشتراك مع جمعية بيجوايي بسفره عائلية ترفيهية يوم الاربعاء المصادف 26/12/2012 على احدى حدائق ولاية مالبورن الخلابة . وتخلل الحفل كلمات ترحيبية من السيد سمير نيسان مسؤول المكتب للمجلس الشعبي ،هنأ بها الحضور بمناسبة حلول الاعياد وراس السنة الميلادية متنين من الله أن يعم الأمن والامان في وطننا الحبيب وان يعيش ابناء شعبنا بخير ومحبة وسلام . كما ألقى السيد فارس ابو فاروق ممثل جمعية بيجوايي كلمة ترحيبية اشاد به بالضيوف والجالية العراقية بمناسبة الاعياد ورأس السنة الجديدة. وكما وزعت الجوائز على اعضاء المجلس الشعبي، واعضاء جمعية بيجوايي والى لجنة التنسيق المشترك والى كل من ساهم وشارك بي انجاح هذا الحفل .
وبهذه الايام السعيدة والمباركة يهنئ المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري م/ مالبورن  كل العراقيين من ابناء شعبنا من هم بالداخل او الخارج، راجيين من الله القدير ان ينعم بركاته عليكم امين .

        لجنة الاعلام للمجلس م/مالبورن
            n    

270
قام المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ، مكتب مالبورن ، بحضور دعوة عشاء في قاعة اغادير يوم الاحد المصادف 7/8/2012  والتي اقامه الاخ وليد بيداويد على شرف القنصل العراقي في استراليا الاستاذ يعرب العنبكي وذلك بمناسبة انتهاء عمله كقنصل للسفارة العراقية . وقدم الاستاذ سمير نيسان مسؤول المكتب مالبورن ، هدية تقديرية وكذلك ثمن الاستاذ سلوان ساكو مسؤول العلاقات الخارجية للمجلس الدور الذي قام به القنصل خلال عمله والذي اسهم بشكل ملحوظ في بناء علاقات طيبة بين ابناء الجالية مؤكدا أن هذا الدور يستحق التقدير والاحترام ،متمنين له الموفقية والنجاح في مسيرته لبناء العراق الجديد . كما حظر اللقاء الاستاذ كيلاردوس بطرس مسؤول العلاقات العامة للمجلس .



لجنة الاعلام للمجلس الشعبي

271
قام المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ، مكتب مالبورن ، بحضور دعوة عشاء في قاعة اغادير يوم الاحد المصادف 7/8/2012  والتي اقامه الاخ وليد بيداويد على شرف القنصل العراقي في استراليا الاستاذ يعرب العنبكي وذلك بمناسبة انتهاء عمله كقنصل للسفارة العراقية . وقدم الاستاذ سمير نيسان مسؤول المكتب مالبورن ، هدية تقديرية وكذلك ثمن الاستاذ سلوان ساكو مسؤول العلاقات الخارجية للمجلس الدور الذي قام به القنصل خلال عمله والذي اسهم بشكل ملحوظ في بناء علاقات طيبة بين ابناء الجالية مؤكدا أن هذا الدور يستحق التقدير والاحترام ،متمنين له الموفقية والنجاح في مسيرته لبناء العراق الجديد . كما حظر اللقاء الاستاذ كيلاردوس بطرس مسؤول العلاقات العامة للمجلس .



لجنة الاعلام للمجلس الشعبي

272
وادي الذئاب مسلسل تركي بدء عرضه منذو حوالي اربع سنوات بعدة اجزاء (اكثر من اللازم ) فرغم مشاهد التحريض على العنف والقتل والمشاهد المبالغ فيها والتي لا تنطلي إلا على السذج . إلا أنه وما إن بدء عرضه في 2008 حتى شاع سيطه كالنار في الهشيم على المستوى العالمى ، كما إنه قد لاقى  رواجاً كبيراً وسط المشاهدين في العالم العربي .
يقول الكاتب الصحفي فهمي هويدي في الدولة العميقة
الدولة العميقة ليست اكتشافا جديدا، لأن المصطلح متداول في دول عدة، بعضها في أميركا اللاتينية، ثم إنه مشهور وله رنينه الخاص في تركيا بوجه أخص منذ أكثر من نصف قرن. ويقصد به شبكة العملاء الذين ينتمون إلى تنظيم غير رسمي، له مصالحه الواسعة وامتداداته في الداخل والخارج. ونقطة القوة فيه أن عناصره الأساسية لها وجودها في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية. الأمر الذى يوفر لتلك العناصر فرصة توجيه أنشطة مؤسسات الدولة الرسمية والتأثير في القرار السياسي. وللدولة العميقة وجهان، أحدهما معلن وظاهر يتمثل في رجالها الذين يتبوؤون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة والجيش والبرلمان والنقابات إلى جانب مؤسسات الإعلام ونجوم الفن والرياضة. الوجه الآخر خفي غير معلن يتولى تحريك الأطراف المعنية في مؤسسات الدولة لتنفيذ المخططات المرسومة.
المتواتر في أوساط الباحثين أن المخابرات المركزية الأميركية هي من غرس بذرة الدولة العميقة في تركيا عام 1952. واستهدفت من ذلك ضمان التحكم في قرارات قيادات الجيش وصناع القرار وغيرهم من السياسيين الكبار في مختلف مواقع وأجهزة السلطة. وبمضي الوقت استشرت الدولة العميقة وتطورت، حتى أصبحت كيانا موازيا للدولة الرسمية، وقادرا على الضغط على الدولة الأخيرة وابتزازها.
يطلقون عليها في تركيا اسم "أرجنكون". وللكلمة رنينها الخاص في الذاكرة الشعبية. إذ تقول الأسطورة إن الصينيين حين هاجموا القبائل التركية أثناء وجودها في وسط آسيا، موطنها الأصلي، فإنهم هزموهم وطاردوهم، بحيث لم يبق من الجنس التركي سوى قلة من الناس احتموا بواد عميق باسم أرجنكون، فتحصنوا فيه وظلوا مختفين بين جنباته سنين عددا.
وبمضي الوقت تكاثروا وضاق بهم المكان ولم يعرفوا كيف يخرجون منه، وحين ظهر في حياتهم الذئب الأغبر فإنه دلهم على طريق الخروج من الوادي، ومن ثم أتيح لهم أن ينفتحوا على العالم ويقيموا دولتهم الكبرى. لذلك أصبح الذئب الأغبر رمزا للقوميين الأتراك، وغدت كلمة أرجنكون رمزا للحفاظ على الهوية وبقاء الجنس، إذ لولاه لاندثر الأتراك ولم يعد لهم وجود. وحين حملت المنظمة ذلك الاسم فإنها أرادت أن توحي للجميع أن رسالتها هي الدفاع عن تركيا ضد كل ما يهددها.  حين يستعرض المرء على مهل تفاصيل انشطة منظمة أرجكون ،فقد يجد خيوط قوية او تشابه كبير بين الاثنين ليس فقط بين الاسم الاسطورة ولكن في اعمق اعماق التفاصيل مبتعدين قدر الامكان عن الاكشن والسيارت الفارهة والمناظر الجميلة في تركيا ، سوفة نرا الصورة بشكل واضح ،ومدى تأثير هكذا نوع من المسلسلات على المشاهد والمجتمع .


273
وادي الذئاب مسلسل تركي بدء عرضه منذو حوالي اربع سنوات بعدة اجزاء (اكثر من اللازم ) فرغم مشاهد التحريض على العنف والقتل والمشاهد المبالغ فيها والتي لا تنطلي إلا على السذج . إلا أنه وما إن بدء عرضه في 2008 حتى شاع سيطه كالنار في الهشيم على المستوى العالمى ، كما إنه قد لاقى  رواجاً كبيراً وسط المشاهدين في العالم العربي .
يقول الكاتب الصحفي فهمي هويدي في الدولة العميقة
الدولة العميقة ليست اكتشافا جديدا، لأن المصطلح متداول في دول عدة، بعضها في أميركا اللاتينية، ثم إنه مشهور وله رنينه الخاص في تركيا بوجه أخص منذ أكثر من نصف قرن. ويقصد به شبكة العملاء الذين ينتمون إلى تنظيم غير رسمي، له مصالحه الواسعة وامتداداته في الداخل والخارج. ونقطة القوة فيه أن عناصره الأساسية لها وجودها في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية. الأمر الذى يوفر لتلك العناصر فرصة توجيه أنشطة مؤسسات الدولة الرسمية والتأثير في القرار السياسي. وللدولة العميقة وجهان، أحدهما معلن وظاهر يتمثل في رجالها الذين يتبوؤون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة والجيش والبرلمان والنقابات إلى جانب مؤسسات الإعلام ونجوم الفن والرياضة. الوجه الآخر خفي غير معلن يتولى تحريك الأطراف المعنية في مؤسسات الدولة لتنفيذ المخططات المرسومة.
المتواتر في أوساط الباحثين أن المخابرات المركزية الأميركية هي من غرس بذرة الدولة العميقة في تركيا عام 1952. واستهدفت من ذلك ضمان التحكم في قرارات قيادات الجيش وصناع القرار وغيرهم من السياسيين الكبار في مختلف مواقع وأجهزة السلطة. وبمضي الوقت استشرت الدولة العميقة وتطورت، حتى أصبحت كيانا موازيا للدولة الرسمية، وقادرا على الضغط على الدولة الأخيرة وابتزازها.
يطلقون عليها في تركيا اسم "أرجنكون". وللكلمة رنينها الخاص في الذاكرة الشعبية. إذ تقول الأسطورة إن الصينيين حين هاجموا القبائل التركية أثناء وجودها في وسط آسيا، موطنها الأصلي، فإنهم هزموهم وطاردوهم، بحيث لم يبق من الجنس التركي سوى قلة من الناس احتموا بواد عميق باسم أرجنكون، فتحصنوا فيه وظلوا مختفين بين جنباته سنين عددا.
وبمضي الوقت تكاثروا وضاق بهم المكان ولم يعرفوا كيف يخرجون منه، وحين ظهر في حياتهم الذئب الأغبر فإنه دلهم على طريق الخروج من الوادي، ومن ثم أتيح لهم أن ينفتحوا على العالم ويقيموا دولتهم الكبرى. لذلك أصبح الذئب الأغبر رمزا للقوميين الأتراك، وغدت كلمة أرجنكون رمزا للحفاظ على الهوية وبقاء الجنس، إذ لولاه لاندثر الأتراك ولم يعد لهم وجود. وحين حملت المنظمة ذلك الاسم فإنها أرادت أن توحي للجميع أن رسالتها هي الدفاع عن تركيا ضد كل ما يهددها.  حين يستعرض المرء على مهل تفاصيل انشطة منظمة أرجكون ،فقد يجد خيوط قوية او تشابه كبير بين الاثنين ليس فقط بين الاسم الاسطورة ولكن في اعمق اعماق التفاصيل مبتعدين قدر الامكان عن الاكشن والسيارت الفارهة والمناظر الجميلة في تركيا ، سوفة نرا الصورة بشكل واضح ،ومدى تأثير هكذا نوع من المسلسلات على المشاهد والمجتمع .


274
كانت العادة أن ينقل البريد من أنجلترا ،بواسطة البواخر الى سائر أنحاء الامبراطورية ، ثم ينقل بالعرابات التي تجرها الخيول الى سائر المدن ، ثم يقف عامل البريد ليتلو على أهل القرية أو المدينة أسماء أصحاب الرسائل ،فيتقدم كل منهم ليتسلم رسالته مقابل (شلنين ) يدفعهما لعامل البريد. وفي أحد الايام وصلت عربة البريد إلى إحد قرى اسكتلندا ، والتف حولها الأهالى وأخذوا يتسلمون رسائلهم ثم نادى عامل البريد باسم فتاة ، فتقدمت متعثرة الخطى وتناولت الخطاب الوارد باسمها ، وأخذت تقلبه في لهفة ، ثم ردته والحسرة تشيع في قسمات وجهها الجميل .فلما سألها عامل البريد عن سبب رد الخطاب قالت بارتباك (اعذرني فأنا فقيرة ولا املك أجر الخطاب ) وهنا تأثر شاب كان بين الحاضرين ، فدفع ( شلنين) وتسلم الرسالة وأعطاها للفتاة ، فشكرته وهي مرتبكة .وانفض الجمع ، فتقدمت الفتاة من الشاب الذي دفع عنها أجر الرسالة وقالت له (لم تكن هناك ضرورة لدفع ما تفضلت بدفعه ياسيدي ) ودُهش الشاب الذي وقال لها لقد أرتُ ألاتحرمي من قراءة هذا الخطاب ) ولكنني قرأته ياسيدي ، اجابت الفتاة ( لقد اتفقت مع خطيبي وهو جندي في المعسكرات ويلز على رموز يضعها على الغلاف ، أفهم منها كل مايُريد، وليس في الرسالة غير ورقة بيضاء ) .دهش الشاب لذكاء الفتاة وسعة حيلتها ، وعاد يسألها : (لم َ فعلت ذلك ؟قالت إنني اتقاَض ثلاثة شلنات في الاسبوع ولا يمكن أن أدفع منها شلنين ولو كان الأجر قليلا لدفعته بسهولة ) .
كان هذا الشاب هو رونلاند هل ، مُدرس الرياضة ، الذي ذهب ليقضي إجازة قصيرة في احدى قرى أسكتلندا.أما الفتاة فلم يهتم أحد بذكر اسمها ،على الرغم من أنها ألهمته. لقد دفعه هذا الحادث إلى إطالة التفكير في مصير البلاد فلو أن فكرة الفتاة انتشرت ، واتفق المعدمون وهم كثيرون على اتباعها ، لنشأت أزمة اقتصادية وهداه تفكيره الى فكرة أسرع يعرضها على الوزير المسؤول، وفحواها ،إلصاق ورقة صغيرة على كل خطاب يُكتب فوقها مدفوع الأجرة ، وتدفع مقُدما، وقيمتها شلن واحد بدلاً من شلنين . رفض الوزير الفكرة ،ولم ييأس رولاند بل عرضها على تلاميذه وتحمسوا لها ، وبمساعدتهم طبع كتابا يشرح فيه أفكاره ودعمها بالإحصاءات والأرقام .قاومت الحكومة هذه الفكرة وتحمس لها الكثيرون ، حتى وصل الامر الى قيام مظاهرات تؤيد الاقتراح ،وعلمت الملكة فيكتوريا بالأمر فاستدعت (هل) ،وسمعت منه حججه وبراهينه ،فاقتنعت بها ، وازدادت اقتناعا عندما قدم لها نموذج أول طابع بريد وعليه صورة لها ، ونبهت عليه أن يُعاد رسم صورتها ليُظهرها بشكل جميل ، وفي عام 1840ظهر أول طابع بريد في العالم ، حاملا صورة الملكة فكتوريا ، وكان الفضل لظهوره لتلك الفتاة الأسكتلندية المجهولة ، وأطلق عليه ( البنس الأسود ) للونه وقيمته .أما ثاني طابع بريد ظهر يحمل صورة امرأة ، فقد كان لمارثة واشنطن ، زوجة جورج واشنطن .

275
ذكرت مواقع الكترونية المفارقة التالية :
الرئيس جمال عبد الناصر ولد سنة 1918 وحكم 18 سنة من عام 52 الى  عام 70 وجاء الى الحكم بإنقلاب عام 52 ومات عمره 52سنة .
الرئيس حافظ الاسد ولدة سنة 1930 وحكم 30سنة من عام 1970الى عام 2000 وجاء الى الحكم بإنقلاب عام 1970 ومات عمره 70سنة .
العقيد القذافي ولدة سنة 1942 وحكم 42 سنة من عام 1969 الى عام 2011 وجاء الى الحكم بإنقلاب عسكري سنة 1969 وقتل عمره 69 سنة .

276
ذكرت مواقع الكترونية المفارقة التالية :
الرئيس جمال عبد الناصر ولد سنة 1918 وحكم 18 سنة من عام 52 الى  عام 70 وجاء الى الحكم بإنقلاب عام 52 ومات عمره 52سنة .
الرئيس حافظ الاسد ولدة سنة 1930 وحكم 30سنة من عام 1970الى عام 2000 وجاء الى الحكم بإنقلاب عام 1970 ومات عمره 70سنة .
العقيد القذافي ولدة سنة 1942 وحكم 42 سنة من عام 1969 الى عام 2011 وجاء الى الحكم بإنقلاب عسكري سنة 1969 وقتل عمره 69 سنة .

277
لقد اخطأت حين لم اكتب عن البند السابع وادركتُ خطئي عندما اثير هذا الموضوع الحساس بين العراق والكويت بين فترة واخرى . ماهو البند السابع ولماذا تصر الكويت على ابقاء العراق فيه

بداية لابدّ من أن نذكر أن ميثاق الأمم المتحدة قام على أساس حرية كل شعوب الأرض ... وأن لا تنتهك دولة حدود دولة أخرى أو تعتدي عليها إلاّ إذا كانت دفاعاً عن النفس.
وهذا الميثاق يتكون من 111 مادّة تنتظم في 19 فصلاً وتعتبر الفصول الثلاثة 5، 6 ، 7 هي أهم الفصول وأخصّها هو البند السابع ... وفي هذا البند الأخير يتحدث عن مجلس الأمن واختصاصاته، ويضم 39 ـ 51 مادة من الميثاق ـ وهذا البند ـ أي السابع يحمل عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقع العدوان» ـ علماً أن أهمية هذه المواد تنبع من أنها تتضمن صفة القسرية في تطبيقها على الدول المخاطبة.
خصائص البند السابع:


لابدّ أن نشير إلى المواد المهمّة في البند السابع وهي 39 ، 41 ، 42، وفحواها هي:
المادة 39 : هي مرحلة إصدار القرار من مجلس الأمن الدولي، فهي تقرر فيما كان قد وقع تهديداً للسلم أو الإخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان.
المادة 41: في هذه المادة يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة والتي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ـ فقط إصدار العقوبات كأن قطع الصلاة الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية وغيرها، وقفاً جزئياً أو كلياً.
المادة 42: في حال أن المادة 41 لا تفي بردع من أخلّ بالسلم أو حاول العدوان على دولة أخرى، ففي هذه المادة جاز لمجلس الأمن أن يتخذ التدابير بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال الحصار والعمليات الجوية والبحرية.
ملاحظات:
1 ـ لا تطبق هذه المادة على الدول دائمة العضوية أو حليفها، ولو استخدمت فمن حق الدولة دائمة العضوية استخدام حق النقض «الفيتو» لمنع إصدار قرار من مجلس الأمن يستند إلى البند السابع.
2 ـ في حالة إصدار أي قرار من مجلس الأمن لابدّّ أن يحوز على أصوات تسعة من أعضاء المجلس على الأقل. بمن فيهم أصوات الأعضاء الخمسة الدائمين، ويجب أن يصوتوا هؤلاء الخمسة إيجاباً، وفي حالة امتناعهم عن التصويت أو التغييب، فلا يعتبر التصويت سلباً.
3 ـ يمكن لمجس الأمن أن يوصي توصيةً غير ملزمة في حالة وجود حالة مهدّدة للسلم. والتوصية غير القرار لأن القرار ملزم على الدولة المخاطبة.
4 ـ في حالة إصدار القرار فحينها يكون مُلزماً على الدولة المخاطبة.
5 ـ إن الدولة الضعيفة تعتبر هذا البند ـ البند السابع ـ جاء لحمايتها من احتلال الدولة الكبرى، بينما الواقع هو العكس حيث أن الدولة الكبرى هي المستفيدة من هذا البند ـ حيث أنها تسخّر مجلس الأمن والبند السابع لخدمة مصالحها وأهدافها.
والدليل على ذلك أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الواقع تحت البند السادس والذي ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي جرى احتلالها في 22/تشرين الثاني / 1967 يعتبر غير ملزماً رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية من الدولة التي صوتت لصالح هذه التوصية.
ولأن هذا القرار واقع تحت البند السادس وليس السابع، فهو توصية، وليس قراراً ملزماً، وإن أمريكا تعي جيداً أن القرار الذي يقع تحت البند السابع فهو ملزم على الدولة المخاطبة، أما غيره فهو مجرد توصية ليس إلا، لذلك صوتت عليه أمريكا.
فأمريكا لا تحترم القانون الدولي، فلو صوت مجلس الأمن ضد إسرائيل بإجماعه على إدانتها فستجدها تسارع إلى استخدام حق النقض «الفيتو».
وإن كثيراً ما استخدمت أمريكا البند السابع، فهي استخدمته في البلقان وأفريقيا وآسيا وبخاصّة الدولة النفطية.
وبما أن أمريكا مسخّرة لخدمة الصهيونية العالمية، إذن فالبند السابع مسخّر لخدمة الأهداف الصهيونية بدرجة كبيرة جداً.
لذا نجد مجلس الأمن يتخذ القرارات تلو القرارات بحق العراق وأفغانستان وإيران ـ رغم أنها إلى اليوم لم يتخذ أي قرار مُلزم ضد إسرائيل رغم إخلالها بأمن والسلام العالميين، والعدوان على الدولة الإسلامية وبالخصوص فلسطين ولبنان.
خطورة البند السابع
منذُ عام 1990 وخاصّ بعد غزو القوات العراقية للكويت كثُر استخدام البند السابع في القرارات الخاصّة بالعراق فصدر ما يزيد على 60 قراراً، واستمرت القرارات إلى ما بعد استعادة الكويت وكل القرارات كانت ضمن البند السابع أي أنها مُلزمة ـ باستثناء قرار واحد وهو 688 الذي يضمن تأمين حقوق الإنسان السياسية والإنسانية لجميع المواطنين والكف عن الإبادة والقمع الذي كان يمارسها النظام السابق بحق أبناء الشعب العراقي. ... فقط هذا القرار ـ 688 ـ غير مُلزم ... والقرارات التي فيها إذلال العراق بأكمله فهي قرارات مُلزمة.
وأخطر القرارات الملزمة التي صدرت بحق العراق هو قرار 678 الصادر بتاريخ 3/نيسان/ ابريل/ 1991 ويعتبر أبو القرارات كلها، حيث احتوى هذا القرار على 34 مادة كلها وضعت العراق أمام خطر البند السابع ، فكان العراق تحت الوصاية الأمريكية تحت مظلّة الأمم المتحدة.
لذلك أعلنت القوات الأمريكية حين دخولها العراق في نيسان/2003 أنها غازية وفق القرار الأُممي 1483 وبعدها عدلت عن هذا القرار، فأطلقت على نفسها قوات متعددة الجنسية بقرار 1546

278
لقد اخطأت حين لم اكتب عن البند السابع وادركتُ خطئي عندما اثير هذا الموضوع الحساس بين العراق والكويت بين فترة واخرى . ماهو البند السابع ولماذا تصر الكويت على ابقاء العراق فيه

بداية لابدّ من أن نذكر أن ميثاق الأمم المتحدة قام على أساس حرية كل شعوب الأرض ... وأن لا تنتهك دولة حدود دولة أخرى أو تعتدي عليها إلاّ إذا كانت دفاعاً عن النفس.
وهذا الميثاق يتكون من 111 مادّة تنتظم في 19 فصلاً وتعتبر الفصول الثلاثة 5، 6 ، 7 هي أهم الفصول وأخصّها هو البند السابع ... وفي هذا البند الأخير يتحدث عن مجلس الأمن واختصاصاته، ويضم 39 ـ 51 مادة من الميثاق ـ وهذا البند ـ أي السابع يحمل عنوان «فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقع العدوان» ـ علماً أن أهمية هذه المواد تنبع من أنها تتضمن صفة القسرية في تطبيقها على الدول المخاطبة.
خصائص البند السابع:


لابدّ أن نشير إلى المواد المهمّة في البند السابع وهي 39 ، 41 ، 42، وفحواها هي:
المادة 39 : هي مرحلة إصدار القرار من مجلس الأمن الدولي، فهي تقرر فيما كان قد وقع تهديداً للسلم أو الإخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان.
المادة 41: في هذه المادة يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة والتي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته ـ فقط إصدار العقوبات كأن قطع الصلاة الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية وغيرها، وقفاً جزئياً أو كلياً.
المادة 42: في حال أن المادة 41 لا تفي بردع من أخلّ بالسلم أو حاول العدوان على دولة أخرى، ففي هذه المادة جاز لمجلس الأمن أن يتخذ التدابير بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال الحصار والعمليات الجوية والبحرية.
ملاحظات:
1 ـ لا تطبق هذه المادة على الدول دائمة العضوية أو حليفها، ولو استخدمت فمن حق الدولة دائمة العضوية استخدام حق النقض «الفيتو» لمنع إصدار قرار من مجلس الأمن يستند إلى البند السابع.
2 ـ في حالة إصدار أي قرار من مجلس الأمن لابدّّ أن يحوز على أصوات تسعة من أعضاء المجلس على الأقل. بمن فيهم أصوات الأعضاء الخمسة الدائمين، ويجب أن يصوتوا هؤلاء الخمسة إيجاباً، وفي حالة امتناعهم عن التصويت أو التغييب، فلا يعتبر التصويت سلباً.
3 ـ يمكن لمجس الأمن أن يوصي توصيةً غير ملزمة في حالة وجود حالة مهدّدة للسلم. والتوصية غير القرار لأن القرار ملزم على الدولة المخاطبة.
4 ـ في حالة إصدار القرار فحينها يكون مُلزماً على الدولة المخاطبة.
5 ـ إن الدولة الضعيفة تعتبر هذا البند ـ البند السابع ـ جاء لحمايتها من احتلال الدولة الكبرى، بينما الواقع هو العكس حيث أن الدولة الكبرى هي المستفيدة من هذا البند ـ حيث أنها تسخّر مجلس الأمن والبند السابع لخدمة مصالحها وأهدافها.
والدليل على ذلك أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الواقع تحت البند السادس والذي ينص على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي جرى احتلالها في 22/تشرين الثاني / 1967 يعتبر غير ملزماً رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية من الدولة التي صوتت لصالح هذه التوصية.
ولأن هذا القرار واقع تحت البند السادس وليس السابع، فهو توصية، وليس قراراً ملزماً، وإن أمريكا تعي جيداً أن القرار الذي يقع تحت البند السابع فهو ملزم على الدولة المخاطبة، أما غيره فهو مجرد توصية ليس إلا، لذلك صوتت عليه أمريكا.
فأمريكا لا تحترم القانون الدولي، فلو صوت مجلس الأمن ضد إسرائيل بإجماعه على إدانتها فستجدها تسارع إلى استخدام حق النقض «الفيتو».
وإن كثيراً ما استخدمت أمريكا البند السابع، فهي استخدمته في البلقان وأفريقيا وآسيا وبخاصّة الدولة النفطية.
وبما أن أمريكا مسخّرة لخدمة الصهيونية العالمية، إذن فالبند السابع مسخّر لخدمة الأهداف الصهيونية بدرجة كبيرة جداً.
لذا نجد مجلس الأمن يتخذ القرارات تلو القرارات بحق العراق وأفغانستان وإيران ـ رغم أنها إلى اليوم لم يتخذ أي قرار مُلزم ضد إسرائيل رغم إخلالها بأمن والسلام العالميين، والعدوان على الدولة الإسلامية وبالخصوص فلسطين ولبنان.
خطورة البند السابع
منذُ عام 1990 وخاصّ بعد غزو القوات العراقية للكويت كثُر استخدام البند السابع في القرارات الخاصّة بالعراق فصدر ما يزيد على 60 قراراً، واستمرت القرارات إلى ما بعد استعادة الكويت وكل القرارات كانت ضمن البند السابع أي أنها مُلزمة ـ باستثناء قرار واحد وهو 688 الذي يضمن تأمين حقوق الإنسان السياسية والإنسانية لجميع المواطنين والكف عن الإبادة والقمع الذي كان يمارسها النظام السابق بحق أبناء الشعب العراقي. ... فقط هذا القرار ـ 688 ـ غير مُلزم ... والقرارات التي فيها إذلال العراق بأكمله فهي قرارات مُلزمة.
وأخطر القرارات الملزمة التي صدرت بحق العراق هو قرار 678 الصادر بتاريخ 3/نيسان/ ابريل/ 1991 ويعتبر أبو القرارات كلها، حيث احتوى هذا القرار على 34 مادة كلها وضعت العراق أمام خطر البند السابع ، فكان العراق تحت الوصاية الأمريكية تحت مظلّة الأمم المتحدة.
لذلك أعلنت القوات الأمريكية حين دخولها العراق في نيسان/2003 أنها غازية وفق القرار الأُممي 1483 وبعدها عدلت عن هذا القرار، فأطلقت على نفسها قوات متعددة الجنسية بقرار 1546

279
يرحب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري في استراليا  فرع مالبورن ، بقرار ضم فلسطين إلى العضوية الكاملة في منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) بعد سنوات طويلة من وضعها كعضو مراقب ،فهو لايقل أهمية عن السعي نحو الحصول على العضوية الكاملة في الامم المتحدة لأنه يؤكد من جديد اصطفاف شعوب العالم ودوله المحبة للسلام الى جانب الحق الفلسطيني مشددا على ضرورة ان ينسحب ذلك التصويت المعبر عن الارادة العادلة والحقيقية للمجتمع الدولي على الطلب الفلسطيني في مجلس الامن الدولي .




                                                                                                         
                                                                                                            سلوان نوئيل ساكو
                                                                                                   مسؤول العلاقات الخارجية / م مالبورن

280
يرحب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري في استراليا  فرع مالبورن ، بقرار ضم فلسطين إلى العضوية الكاملة في منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) بعد سنوات طويلة من وضعها كعضو مراقب ،فهو لايقل أهمية عن السعي نحو الحصول على العضوية الكاملة في الامم المتحدة لأنه يؤكد من جديد اصطفاف شعوب العالم ودوله المحبة للسلام الى جانب الحق الفلسطيني مشددا على ضرورة ان ينسحب ذلك التصويت المعبر عن الارادة العادلة والحقيقية للمجتمع الدولي على الطلب الفلسطيني في مجلس الامن الدولي .




                                                                                                       سلوان نوئيل ساكو
                                                                                         مسؤول لجنة العلاقات الخارجية /م مالبورن




281
تقدمت السلطة الفلسطينية برئاسة السيد محمود عباس يوم الجمعة 23/9/2011  رسميا الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بطلب انضمام فلسطين  كدولة مستقلة الى عضوية المنظمة الدولية للامم المتحدة .
يدعم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري، مكتب مالبورن استراليا،طلب فلسطين تشكيل دولتها المستقلة والمتساوية وأنضمامها للامم المتحدة كدولة كاملة العضوية وعن مساندته لقيام دولة فلسطينية حره ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .



    
                                                                                                          سلوان نوئيل ساكو
                                                                                      مسؤول العلاقات الخارجية م / مالبورن

282
تقدمت السلطة الفلسطينية برئاسة السيد محمود عباس يوم الجمعة 23/9/2011  رسميا الى الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بطلب انضمام فلسطين  كدولة مستقلة الى عضوية المنظمة الدولية للامم المتحدة .
يدعم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري، مكتب مالبورن  استراليا،طلب فلسطين تشكيل دولتها المستقلة والمتساوية وأنضمامها للامم المتحدة كدولة كاملة العضوية وعن مساندته لقيام دولة فلسطينية حره ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .




                                                                                                      سلوان نوئيل ساكو
                                                                                       مسؤول العلاقات الخارجية  م / مالبورن

283
هذه قصة  أسطورة أ حكيها وانقلها لكم مع تمنياتي لكم بأن تقظوا اطيب الاوقات وانتم تقرأون هذه الاسطورة التي جسدها رجل صنع تاريخ العبيد وحولهم الى أخطر جيش يهدد الامبراطورية الرومانية ،كيف هذا وماذا فعل وكيف انتهت الاسطورة .
من هو سبارتكوس ؟
سبارتكوس هو روح الحرية النابضة وشعلتها التي يعلو نورها ويخبو لكنها لا تنطفئ ابداً.
سبارتكوس هو عبد عرف معنى الكرامة وعشقها اكثر مما تمتع بها السادة الاحرار .
سبارتكوس هو رمزلنضال شعوب عاشت وبادت ولكن ذكراها خالدة لن تموت وستبقى ملهمة لدينا على مر السنين .
يعود أصل سبارتكوس الى تراقيا وبما أن العبيد كانوا يعاملون معاملة أشنع من الدواب فقد ضاعت اجزاء مهمة من السيرة الشخصية وبدايات هذا الرجل العظيم وجل ما نعلمه عنه أنه كان صاحب مكانة رفيعة في قومه الا ان روما بجبروتها طغت على كل الشعوب واستولت على مقدرات الامم واستعبدت الرجال والنساء والاطفال وتقود الأقدار ذلك السيد العبد ليعمل في مناجم الذهب في صحراء النوبة وهناك يشتريه باتيانوس صاحب معهد المقاتلون ،ويصبح سبارتكوس وجيهاً بين المقاتلين بما عرف عنه من تواضع وحكمة ممزوجة بوداعة تؤكدها قامته المتوسطة وشعره الاسود المجعد وأنفه المكسور الذي يضفي على وجهه العريض منظراً اشبه بالأغنام فكان محبوباً بين العبيد يقصدونه للرأي السديد وعندما يقرر امراً يعملون بما يقول وهو رافع الرأس لم يطأطئه يوماً وذلك امر غريب على العبيد ولهذا كله فضل بانيانوس أن يتخلص منه فقرر أن يقيم قتالاً بينه وبين زنجي يفوقه قوة وحجماً. وفي انتظار بدء القتال سأل الزنجي سبارتكوس بماذا تؤمن فأجابه بك وبنفسي فقال له الزنجي لن اقتلك . وفي ذلك الصباح تغير التاريخ فقد قررا أن لا يقتل أحدهما الاخر من اجل متعة اثنين من السادة الرومان ، وهجم الزنجي على احد النبلاء ولكن رماح الحراس كانت أسرع منه فسقط والدم ينفجر من جسده ونظر لسبارتكوس وقال لماذا يولد الانسان ،ومات، كانت هي اللحظة التي بدأ يدرك سبارتكوس ما يجب عليه ان يفعل ، ويصرخ قائلاً ( هل انتم معي ) فأزدادوا التفافاً حوله ثم قال للشعب ( سنصبح رفاقاً  ،كلنا شخص واحد سنخرج ونقاتل ونتحرر من العبودية ). وهزم العبيد حامية كاموا ( المقاطعة التي تضم معهد المقاتلين ) ولكن روما لم تسكت وأرسلت كتائب من حراس المدينة وضباطها من المرفهين والنبلاء والتي لاعمل لها الاالقيام بالاستعراضات العسكرية وشرب الخمر وبيع الاصوات  في الانتخابات وبعد ستة أيام كان فيها العبيد قد قتلوا اكثر من ثلاثة ألاف جندي وأبقوا على جندي واحد محملً سبارتكوس أياه برسالة لمجلس الشيوخ جاء فيها :
قل لهم إنهم أرسلوا كتائبهم ضدنا وأننا قد حطمناها . ارو لهم أننا نحن العبيد قد ضقنا بمجلس شيوخكم العفن وبروماكم العفنة التي اغرقتكم بالثروة التي اعتصر تموها من دمائنا وعظامنا ، قل لهم اي جماعة انتم فاسدة انتم ، والى أي فوضي قذرة أحلتم الحياة ، إن مواطنيكم يعيشون على دماء الضحايا ويمضون أيامهم في ميادين السباق وساحات المصارعة .قل لهم أنتم تقتلون حباً في القتل ، ومتعتكم هي رؤية الدماء تتدفق وقد شيدّتم عظمتكم على سرقة العالم بأسره ، الان انتهى كل هذا. لم يكن يخفى على سبارتكوس أنه أصبح يقاتل  إمراطورية بأكملها ، وأن رجاله لا يسطيعون أن يصرفوا شؤن العاصمة بل الإمبراطورية كلها إذا استولوا عليها .
فلم يعرج في زحفه الى روما وواصل السير حتى بلغ ثوريان مخترقاً إيطاليا من شمالها إلى جنوبها لعله يستطيع نقل رجاله الى صقلية أو إلى افريقيا ، وظل سنة ثالثة يصد الهجمات التي يشنها عليه الرومان ولكن جنوده نفذ صبرهم وسئمو القتال فخرجوا عليه وعصوا أوامره وأخذوا يعيثون فساداً في كل مكان ، والتقى كراسوس بجماعة من أولئك الهاربين النهابين وفتك بهم . وكانوا اثني عشر الفاً وثلاثمائة ظل يقاتلون الى اخر رجل فيهم . في هذه الاثناء ، كان جند بومبي قد عادوا من اسبانيا وأرسلوا لتقوية جيوش كراسوس ، وأيقن سبارتكوس أن لاأمل له في الانتصار على هذه الجيوش الجرارة فانقض على جيش كراسوس وألقى بنفسه في وسطه مرحباً بالموت وقتل بيديه ضابطين من ضباط القوة . ولكن النهاية كانت قد اقتربت حين أصابته طعنة ألقته على الارض وأعجزته عن النهوض، وظل يقاتل وهو راكع على ركبتيه الى أن مات وتمزق جسمه حتى لم يكن من المستطاع أن يتعرف عليه احد . وهلك معظم اتباعه وفر بعضهم إلى الغابات وظل الرومان يطاردونهم فيها .
وتحقق النصر لكراسوس ، واحتفالاً بانتصاره، صلب ستة ألاف من الاسرى على طول الطريق من كابوا الى روما وتركت اجساههم المصلوبة لتتعفّن على هذه الحال شهوراً عدة تطميناً لجميع السادة وإرهاباً لجميع العبيد .

284
هذه قصة  أسطورة أ حكيها وانقلها لكم مع تمنياتي لكم بأن تقظوا اطيب الاوقات وانتم تقرأون هذه الاسطورة التي جسدها رجل صنع تاريخ العبيد وحولهم الى أخطر جيش يهدد الامبراطورية الرومانية ،كيف هذا وماذا فعل وكيف انتهت الاسطورة .
من هو سبارتكوس ؟
سبارتكوس هو روح الحرية النابضة وشعلتها التي يعلو نورها ويخبو لكنها لا تنطفئ ابداً.
سبارتكوس هو عبد عرف معنى الكرامة وعشقها اكثر مما تمتع بها السادة الاحرار .
سبارتكوس هو رمزلنضال شعوب عاشت وبادت ولكن ذكراها خالدة لن تموت وستبقى ملهمة لدينا على مر السنين .
يعود أصل سبارتكوس الى تراقيا وبما أن العبيد كانوا يعاملون معاملة أشنع من الدواب فقد ضاعت اجزاء مهمة من السيرة الشخصية وبدايات هذا الرجل العظيم وجل ما نعلمه عنه أنه كان صاحب مكانة رفيعة في قومه الا ان روما بجبروتها طغت على كل الشعوب واستولت على مقدرات الامم واستعبدت الرجال والنساء والاطفال وتقود الأقدار ذلك السيد العبد ليعمل في مناجم الذهب في صحراء النوبة وهناك يشتريه باتيانوس صاحب معهد المقاتلون ،ويصبح سبارتكوس وجيهاً بين المقاتلين بما عرف عنه من تواضع وحكمة ممزوجة بوداعة تؤكدها قامته المتوسطة وشعره الاسود المجعد وأنفه المكسور الذي يضفي على وجهه العريض منظراً اشبه بالأغنام فكان محبوباً بين العبيد يقصدونه للرأي السديد وعندما يقرر امراً يعملون بما يقول وهو رافع الرأس لم يطأطئه يوماً وذلك امر غريب على العبيد ولهذا كله فضل بانيانوس أن يتخلص منه فقرر أن يقيم قتالاً بينه وبين زنجي يفوقه قوة وحجماً. وفي انتظار بدء القتال سأل الزنجي سبارتكوس بماذا تؤمن فأجابه بك وبنفسي فقال له الزنجي لن اقتلك . وفي ذلك الصباح تغير التاريخ فقد قررا أن لا يقتل أحدهما الاخر من اجل متعة اثنين من السادة الرومان ، وهجم الزنجي على احد النبلاء ولكن رماح الحراس كانت أسرع منه فسقط والدم ينفجر من جسده ونظر لسبارتكوس وقال لماذا يولد الانسان ،ومات، كانت هي اللحظة التي بدأ يدرك سبارتكوس ما يجب عليه ان يفعل ، ويصرخ قائلاً ( هل انتم معي ) فأزدادوا التفافاً حوله ثم قال للشعب ( سنصبح رفاقاً  ،كلنا شخص واحد سنخرج ونقاتل ونتحرر من العبودية ). وهزم العبيد حامية كاموا ( المقاطعة التي تضم معهد المقاتلين ) ولكن روما لم تسكت وأرسلت كتائب من حراس المدينة وضباطها من المرفهين والنبلاء والتي لاعمل لها الاالقيام بالاستعراضات العسكرية وشرب الخمر وبيع الاصوات  في الانتخابات وبعد ستة أيام كان فيها العبيد قد قتلوا اكثر من ثلاثة ألاف جندي وأبقوا على جندي واحد محملً سبارتكوس أياه برسالة لمجلس الشيوخ جاء فيها :
قل لهم إنهم أرسلوا كتائبهم ضدنا وأننا قد حطمناها . ارو لهم أننا نحن العبيد قد ضقنا بمجلس شيوخكم العفن وبروماكم العفنة التي اغرقتكم بالثروة التي اعتصر تموها من دمائنا وعظامنا ، قل لهم اي جماعة انتم فاسدة انتم ، والى أي فوضي قذرة أحلتم الحياة ، إن مواطنيكم يعيشون على دماء الضحايا ويمضون أيامهم في ميادين السباق وساحات المصارعة .قل لهم أنتم تقتلون حباً في القتل ، ومتعتكم هي رؤية الدماء تتدفق وقد شيدّتم عظمتكم على سرقة العالم بأسره ، الان انتهى كل هذا. لم يكن يخفى على سبارتكوس أنه أصبح يقاتل  إمراطورية بأكملها ، وأن رجاله لا يسطيعون أن يصرفوا شؤن العاصمة بل الإمبراطورية كلها إذا استولوا عليها .
فلم يعرج في زحفه الى روما وواصل السير حتى بلغ ثوريان مخترقاً إيطاليا من شمالها إلى جنوبها لعله يستطيع نقل رجاله الى صقلية أو إلى افريقيا ، وظل سنة ثالثة يصد الهجمات التي يشنها عليه الرومان ولكن جنوده نفذ صبرهم وسئمو القتال فخرجوا عليه وعصوا أوامره وأخذوا يعيثون فساداً في كل مكان ، والتقى كراسوس بجماعة من أولئك الهاربين النهابين وفتك بهم . وكانوا اثني عشر الفاً وثلاثمائة ظل يقاتلون الى اخر رجل فيهم . في هذه الاثناء ، كان جند بومبي قد عادوا من اسبانيا وأرسلوا لتقوية جيوش كراسوس ، وأيقن سبارتكوس أن لاأمل له في الانتصار على هذه الجيوش الجرارة فانقض على جيش كراسوس وألقى بنفسه في وسطه مرحباً بالموت وقتل بيديه ضابطين من ضباط القوة . ولكن النهاية كانت قد اقتربت حين أصابته طعنة ألقته على الارض وأعجزته عن النهوض، وظل يقاتل وهو راكع على ركبتيه الى أن مات وتمزق جسمه حتى لم يكن من المستطاع أن يتعرف عليه احد . وهلك معظم اتباعه وفر بعضهم إلى الغابات وظل الرومان يطاردونهم فيها .
وتحقق النصر لكراسوس ، واحتفالاً بانتصاره، صلب ستة ألاف من الاسرى على طول الطريق من كابوا الى روما وتركت اجساههم المصلوبة لتتعفّن على هذه الحال شهوراً عدة تطميناً لجميع السادة وإرهاباً لجميع العبيد .

285
   شخصيتان مميزتان ذات دور قوي وفعال ، لا يمكن ذكر بديات حزب البعث العراقي دون ذكرهما، ليس فقط على الصعيد الداخلي العراقي ولكن ايضاً على الاتجاه الخارجي الذي يحيط به الكثير من الغموض .
انه النمو والتطور الفعلي  للبعث العراقي  وثم استلام السلطة والصعود السريع وبعد ذلك الصقوط المدوي .
فؤاد الركابي ( 1931- 1971) هو أول امين قطري لحزب البعث العراقي وأول وزير بعثي في ثورة 14 تموز ، ولد بمدينة الناصرية ، ودرس الهندسة في جامعة بغداد .عين وزيراً للإعمار بعد ثورة يوليو 1958 إلاانه استقال من منصبه في فبراير 1959 تضامناً مع مجموعة من الوزراء احتجاجاً على عدم تلبية المطالب التي تقدموا بها، ومنها إتاحة المجال امام احزاب جبهة الاتحاد الوطني بممارسة نشاطاتها السياسية .
لجأ الى سوريا في نوفمبر 1959 بعد إصدار أوامر بالقبض عليه ، وحكم عليه غيابياً بالاعدام في مارس من عام 1960 بسبب تخطيطه لمحاوله اغتيال عبد الكريم قاسم الفاشلة .
ولعل كثيرون لايعرفون ان المقدم عبد الرزاق النايف ، مدير الاستخبارت العسكرية ورئيس وزراء انقلاب 17 تموز 1968 ، عرض على الركابي رئاسة الدولة ومجلس الوزراء ، اذا وافق على التعاون معه ولكن فؤاد رفض ، كان هذا قبل فترة وجيزة من تحالف حزب البعث مع النايف وجماعته .
يبدو ان حركات فؤاد كانت مرصودة ومخترقة بشكل كبير حيث اعتقل مع مجموعات من العراقيين من مختلف المذاهب والمشارب بتهمة  التجسس ، لا احد يعرف لمن ومع من . بالرغم من اصدار تعميم على منتسبي الحزب بعد الحكم عليه بأنه لم تثبت عليه تهمة التجسس وسوفة يطلق سراحه فقد تم اغتياله حيث كلف سجين بقتله مقابل وعد باطلاق سراحه  فهاجمه بسكين زودته به ادارة السجن ونقل الركابي الى المستشفى ويقال أنه لم يسعف وترك مسجى على النقالة ليموت بأمر من صدام حسين شخصياً ، صفحة مهمة انطوت بي موت فؤاد الركابي وبدأت صفحات اخرة اكثر خطورة.
ام علي صالح السعدي (1928-1977) صاحب { اننا جئنا الى الحكم بقطار امريكي } فهو احد القيادات التاريخية الأولى لحزب البعث في العراق ، خريج كلية التجارة والاقتصاد جامعة بغداد 1955، كان يمثل التيار المتشدد داخل الحزب . قاد الانشقاق داخل البعث الذي تسبب بأحداث الحرس القومي والتي نجم عنها اقصاء البعث في حركة 18نوفمبر 1963من قبل رئيس الجمهورية عبد السلام عارف .
لقد جاءت حركة 8 شباط واصبح علي السعدي نفسه يتولى اخطر مناصب في الدولة والحزب . امين سر القيادة القطرية ورئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة ونائب رئيس الوزراء ووزيرا للداخلية . كما تركزت الاضواء عليه باعتباره الرجل الذي قاد الحزب وخطط للثورة واسقاط عبد الكريم قاسم . ساهم بعد حركة فبراير 1963 بقمع المليشيات الشيوعية بشكل وحشي لا مثيل له . تم تسفيره مع مجموعة قيادات الى اسبانيا ثم تم فصله من عضوية الحزب من قبل القيادة القومية بسبب تزعمه لحركة الانشقاق . توفي في 19 سبتمبر 1977 بلندن .
لقد رحل السعدي عن الدنيا بعد أن كان قبلها قد ترك التنظيم البعثي وأتجه الى أفكار سياسية اخرى مبتعداً عن البعث ، ولكن عقدة الاسرار بقيت تلاحقه وتربك حياته فأفقدته التوازن والشخصية وتوفي حاملاً اسراره واسرار الكثيرين من رجالات البعث وتاريخه معه .



286
   شخصيتان مميزتان ذات دور قوي وفعال ، لا يمكن ذكر بديات حزب البعث العراقي دون ذكرهما، ليس فقط على الصعيد الداخلي العراقي ولكن ايضاً على الاتجاه الخارجي الذي يحيط به الكثير من الغموض .
انه النمو والتطور الفعلي  للبعث العراقي  وثم استلام السلطة والصعود السريع وبعد ذلك الصقوط المدوي .
فؤاد الركابي ( 1931- 1971) هو أول امين قطري لحزب البعث العراقي وأول وزير بعثي في ثورة 14 تموز ، ولد بمدينة الناصرية ، ودرس الهندسة في جامعة بغداد .عين وزيراً للإعمار بعد ثورة يوليو 1958 إلاانه استقال من منصبه في فبراير 1959 تضامناً مع مجموعة من الوزراء احتجاجاً على عدم تلبية المطالب التي تقدموا بها، ومنها إتاحة المجال امام احزاب جبهة الاتحاد الوطني بممارسة نشاطاتها السياسية .
لجأ الى سوريا في نوفمبر 1959 بعد إصدار أوامر بالقبض عليه ، وحكم عليه غيابياً بالاعدام في مارس من عام 1960 بسبب تخطيطه لمحاوله اغتيال عبد الكريم قاسم الفاشلة .
ولعل كثيرون لايعرفون ان المقدم عبد الرزاق النايف ، مدير الاستخبارت العسكرية ورئيس وزراء انقلاب 17 تموز 1968 ، عرض على الركابي رئاسة الدولة ومجلس الوزراء ، اذا وافق على التعاون معه ولكن فؤاد رفض ، كان هذا قبل فترة وجيزة من تحالف حزب البعث مع النايف وجماعته .
يبدو ان حركات فؤاد كانت مرصودة ومخترقة بشكل كبير حيث اعتقل مع مجموعات من العراقيين من مختلف المذاهب والمشارب بتهمة  التجسس ، لا احد يعرف لمن ومع من . بالرغم من اصدار تعميم على منتسبي الحزب بعد الحكم عليه بأنه لم تثبت عليه تهمة التجسس وسوفة يطلق سراحه فقد تم اغتياله حيث كلف سجين بقتله مقابل وعد باطلاق سراحه  فهاجمه بسكين زودته به ادارة السجن ونقل الركابي الى المستشفى ويقال أنه لم يسعف وترك مسجى على النقالة ليموت بأمر من صدام حسين شخصياً ، صفحة مهمة انطوت بي موت فؤاد الركابي وبدأت صفحات اخرة اكثر خطورة.
ام علي صالح السعدي (1928-1977) صاحب { اننا جئنا الى الحكم بقطار امريكي } فهو احد القيادات التاريخية الأولى لحزب البعث في العراق ، خريج كلية التجارة والاقتصاد جامعة بغداد 1955، كان يمثل التيار المتشدد داخل الحزب . قاد الانشقاق داخل البعث الذي تسبب بأحداث الحرس القومي والتي نجم عنها اقصاء البعث في حركة 18نوفمبر 1963من قبل رئيس الجمهورية عبد السلام عارف .
لقد جاءت حركة 8 شباط واصبح علي السعدي نفسه يتولى اخطر مناصب في الدولة والحزب . امين سر القيادة القطرية ورئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة ونائب رئيس الوزراء ووزيرا للداخلية . كما تركزت الاضواء عليه باعتباره الرجل الذي قاد الحزب وخطط للثورة واسقاط عبد الكريم قاسم . ساهم بعد حركة فبراير 1963 بقمع المليشيات الشيوعية بشكل وحشي لا مثيل له . تم تسفيره مع مجموعة قيادات الى اسبانيا ثم تم فصله من عضوية الحزب من قبل القيادة القومية بسبب تزعمه لحركة الانشقاق . توفي في 19 سبتمبر 1977 بلندن .
لقد رحل السعدي عن الدنيا بعد أن كان قبلها قد ترك التنظيم البعثي وأتجه الى أفكار سياسية اخرى مبتعداً عن البعث ، ولكن عقدة الاسرار بقيت تلاحقه وتربك حياته فأفقدته التوازن والشخصية وتوفي حاملاً اسراره واسرار الكثيرين من رجالات البعث وتاريخه معه .



287
قبل فترة نقلت احدى المواقع ان سعدون شاكر  رئيس جهاز المخابرات ووزير الداخلية واحد رموز صدام حسين من العالم السري الخاص في حكومة البعث قد دخل الى احدى  المستشفيات  ويعاني من عجز شديد في القلب ويعاني ايضا من نزف حاد في المعدة افقده اغلب ما بجسمه من دماء ، لسوء حالته الصحية دخل في غيبوبة . وقد كانت المحكمة الجنائية العليا ببغداد قد اصدرت احكاما بالاعدام شنقا حتى الموت على المسؤولين العراقيين السابقين بينهم سعدون شاكر بعدا ادانتهم في قضية تصفية الاحزاب الدينية .
بين عام 1964و1966 انيط بالرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان في وقته عضواً شابا في حزب البعث مسؤولية الجهاز الخاص لأمن الحزب والذي كان يسمى جهاز حنين ، بعد عام 1968 ومجيئ حزب البعث الى السلطة بعد الطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف ، طور صدام حسين جهاز حنين ليشمل اختصاصه الامن الداخلي للدولة وسماه بالجهاز الخاص ، وفي عام 1973 وبعد محاولة اغتيال فاشلة للرئيس احمد حسن البكر من قبل ناظم كزار الذي كان بمنصب مدير الامن العام في ذلك الوقت قام صدام حسين بتغيرات جذرية في الجهاز الخاص الذي تغير اسمه الى رئاسة المخابرات ومن ثم تم تغير الاسم في عام 1983 الى رئاسة المخابرات وارتباطه بمجلس قيادة الثورة .
وفي عام 1979طرأت على جهاز المخابرات العراقي تغييرات كبيرة حين كان في ذلك الوقت يترأس من قبل سعدون شاكر ، لكن عملية الاغتيال الفاشلة التي قام بها اعضاء من حزب الدعوة الاسلامي اثناء مرور موكب صدا حسين في مدينة الدجيل عام 1982 ما حدى بصدام حسين تعيين شقيقه برزان ابراهيم التكريتي لهذا المنصب .ومن الجدير بالذكر ان قضية الدجيل كانت أول قضية حوكم بها صدام حسين في عام 2006 .
 سعدون شاكر يملك كل اسرار الدولة العراقي من قبل وصول صدام الى السلطة والى وصوله ومن ثم سقوطه ، كم أتمنى ان يفوق سعدون شاكر ويستعيد عافيته ، عله يشعر بعذاب الضمير ، ويتذكر السجناء الذين كانوا يموتون في اقبية المخابرات ، أو في سجون الداخلية والدوائر الامنية الكثيرة في العراق ، دون ان تلامس شفاهم قطرة ماء ، كانوا يموتون وهم في عمر الورد ، دون ان يحظوا بالرعاية الطبية او الانسانية ، عندما كان سعدون شاكر يترأس اخطر الجهزة الامنية القمعية .

288
قبل فترة نقلت احدى المواقع ان سعدون شاكر  رئيس جهاز المخابرات ووزير الداخلية واحد رموز صدام حسين من العالم السري الخاص في حكومة البعث قد دخل الى احدى  المستشفيات  ويعاني من عجز شديد في القلب ويعاني ايضا من نزف حاد في المعدة افقده اغلب ما بجسمه من دماء ، لسوء حالته الصحية دخل في غيبوبة . وقد كانت المحكمة الجنائية العليا ببغداد قد اصدرت احكاما بالاعدام شنقا حتى الموت على المسؤولين العراقيين السابقين بينهم سعدون شاكر بعدا ادانتهم في قضية تصفية الاحزاب الدينية .
بين عام 1964و1966 انيط بالرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي كان في وقته عضواً شابا في حزب البعث مسؤولية الجهاز الخاص لأمن الحزب والذي كان يسمى جهاز حنين ، بعد عام 1968 ومجيئ حزب البعث الى السلطة بعد الطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف ، طور صدام حسين جهاز حنين ليشمل اختصاصه الامن الداخلي للدولة وسماه بالجهاز الخاص ، وفي عام 1973 وبعد محاولة اغتيال فاشلة للرئيس احمد حسن البكر من قبل ناظم كزار الذي كان بمنصب مدير الامن العام في ذلك الوقت قام صدام حسين بتغيرات جذرية في الجهاز الخاص الذي تغير اسمه الى رئاسة المخابرات ومن ثم تم تغير الاسم في عام 1983 الى رئاسة المخابرات وارتباطه بمجلس قيادة الثورة .
وفي عام 1979طرأت على جهاز المخابرات العراقي تغييرات كبيرة حين كان في ذلك الوقت يترأس من قبل سعدون شاكر ، لكن عملية الاغتيال الفاشلة التي قام بها اعضاء من حزب الدعوة الاسلامي اثناء مرور موكب صدا حسين في مدينة الدجيل عام 1982 ما حدى بصدام حسين تعيين شقيقه برزان ابراهيم التكريتي لهذا المنصب .ومن الجدير بالذكر ان قضية الدجيل كانت أول قضية حوكم بها صدام حسين في عام 2006 .
 سعدون شاكر يملك كل اسرار الدولة العراقي من قبل وصول صدام الى السلطة والى وصوله ومن ثم سقوطه ، كم أتمنى ان يفوق سعدون شاكر ويستعيد عافيته ، عله يشعر بعذاب الضمير ، ويتذكر السجناء الذين كانوا يموتون في اقبية المخابرات ، أو في سجون الداخلية والدوائر الامنية الكثيرة في العراق ، دون ان تلامس شفاهم قطرة ماء ، كانوا يموتون وهم في عمر الورد ، دون ان يحظوا بالرعاية الطبية او الانسانية ، عندما كان سعدون شاكر يترأس اخطر الجهزة الامنية القمعية .

289
هي نظرية أخذت  شهرتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 وبروز الولايات المتحدة الاميركية كقوة عظمة أولى ووحيدة في العالم .
نشر صموئيل هانتغتون مقالته (( صدام الحضارات )) في مجلة شؤون خارجية الامريكية في عددها المؤرخ بصيف 1993 وهي مجلة معروفة بقربها من مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة الامريكية . والبرفسور هانتنغتون أمريكي من اصل يهودي وهو متخصص في الإدارة العامة ومدير لمعهد جون أو لين للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفرد الشهيرة. وقد كرس حياته المهنية لموضوع الاستراتيجية العسكرية ، بحثاً وتدريساً ،واهتم بصورة مباشرة بالدراسة المقارنة في مجال السياسة الأمريكية وسياسات دول العالم الثالث . وقد أسندت إليه ما بين عامي 1977و1978 مسؤولية قسم التحليل والاستشراف بمجلس الأمن القومي الأمريكي
ويقول الدكتور محمد عابد الجابري
يحاول هانتغتون البرهنة على دعواه السابقة ، أعني ادعاءه بأن الصراع في المستقبل سيكون عبارة عن (( صدام الحضارات )) فيقول : (خلال الحرب الباردة كان العالم ينقسم إلى أول وثاني وثالث ، وهذه الحدود لم تعد ذات دلالة .ولعل من الأفضل الآن تصنيف الدول،ليس من خلال شروط أمظمتها السياسية والاقتصادية أو شروط تطورها ألاقتصادي،بل من خلال شروط ثقافتها وحضارتها)) .
السؤال الذي يفرض نفسه ، بادئ ذي بدء هو :ما الذي يجعل اليوم تصنيف الدول حسب (شروط ثقافتها وحضارتها ) أفضل من أي تصنيف آخر؟ فإذا كان العالم بالأمس يصنف إلى أول وثان وثالث ،وكان الثاني (الكتلة الشيوعية ) قد انحل وتفكك . فإن العالم الأول الغرب والعالم الثالث (البلدان التي كانت مستعمرة) باقيان . ذلك لأن سقوط الكتلة الشيوعية ( العالم الثاني ) لم يكن له أي تأثير على الثقافات والحضارات إلا في بلدان تلك الكتلة نفسها التي كان النظام الشيوعي قد حرم القوميات  فيها من التبلور ككيانات سياسة مستقلة .
ولكن ، ماذا يعني هانتغتون ب(( الحضارة )) في عبارته صدام الحضارات ؟ يلعب صاحب المقالة على الغموض الذي يكتنف مصطلحي (( ثقافة )) و((حضارة )) في اللغات الأوربية كما في الاصطلاح السياسي  الأنتروبولوجي المعاصر ، وهكذا فعن سؤال ماذا نعني عندما نتحدث عن الحضارة ؟ يجيب قائلاً : ((الحضارة هوية ثقافية )) . هذا تعريف يمكن ان يقبل إذا عرفنا أولاً معنى  : (( هوية ثقافية ))  وبالتحديد معنى  ((الثقافة )) في هذه العبارة . هل الثقافة هي شؤون الفكر وحدها أم تشمل الجوانب ألأخرى  التي لها علاقة بالعمران والاجتماع والاقتصاد ... الخ .وهنا يتناقض هانتنغتون تناقضاً  صارخاً : فهو من جهة يقول : (( إن ثقافة قرية في جنوب إيطاليا قد تكون مختلفة عن ثقافة قرية في شمالها )) ، مما يفهم منه أن مغهوم الثقافة عنده ينصرف إلى العادات والتقاليد والفكر والسلوك والاقتصاد ... الخ . ومن جهة أخرى يؤكد أن (( الحضارة هي أعلى تجمع ثقافي )) وأنة محدداتها هي (( اللغة والتاريخ والدين والعادات والمؤسسات )) ، ولذلك فهي تمثل حسب عبارته ((أوسع مستويات الهوية )) كالحضارة الأوربية  والحضارة العربية والصينية . وهكذا نجد أنفسنا أمام تعريفين للحضارة ، تعريف يجعل منها (( هوية ثقافية ))وتعريف يجعل منها (( أوسع مستويات الهوية )) ولكن دون تحديد المستويات الأخرى التي لا تدخل ضمن (( الهوية الثقافية )) .
 يتضح الهدف من هذا الخلط في الأوراق ، على مستوى التعريف ، عندما ننتقل إلى العبارة التالية يخرج بها  ك (( نتيجة )) من التعريف السابق : فهو اي ( هانتنغتون ) إذ يميز بين الثقافة على مستوى القرية ، والثقافة على مستوى القطر والدولة ، كإيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية التي (( تشترك في ملامح حضارية تجعلها متميزة )) عن الأقطار والدول غير ألأوربية ، يضيف قائلاً : (( إلاأن العرب والصينين والغربيين ليسوا جزءاً من أي كيان حضاري أوسع بل هم يمثلون أوسع مستوى من مستويات الهوية الثقافية التي يمتلكها الكائن  البشري وتميزه عن الكائنات ألأخرى )) .
هنا إذن بيت القصيد . فالهدف من التمييز بين الثقافة والحضارة على أساس أن هذه الأخيرة هي أوسع مستوى من مستويات تلك هو الوصول إلى تصنيف البشرية إلى ثلاث مجموعات  تمثل أوسع المجموعات الحضارية بحيث لا يمكن جمعها في أي كيان حضاري أعلى . وبالسهولة نفسها يمكن أن نقفز إلى النتيجة التالية ،وهي أنه بما أن (( التاريخ العسكري )) ، تاريخ الحروب ، قدمر بمراحل متدرجة في اتساع دائرة المتحاربين ، من مستوى الأمراء الى مستوى الملكيات ، إلى مستوى الدول القومية ثم الى مستوى المعسكرات  الإيديولوجية ، فإن منطق هذا التدرج في الاتساع يقتضي عندما ننقله من دائرة الثقافة على مستوى القرية إلى مستوى الدولة ثم إلى دائرة (( الحضارة )) على مستوى مجموعة من الدول ، يقتضي أن تكون الحروب المقبلة على هذا المستوى ألأخير ، مستوى الحضارة ، الشيء الذي ينتج عنه ( حتماً ) أن الصدام المقبل سيكون بين المجموعات التي تصنف على هذا المستوى الأخير ، أي بين الحضارة الغربية والحضارتين الإسلامية والصينية . ولما كان الغرب متقدماً ومسيطراً وكان كل العرب والصينيين يطمحون إلى التقدم والرقي ، فإن الصراع سيكون ثنائي الأطراف : الحضارة الغربية من جهة والحضارتان الإسلامية والكونفوشية ( الصينية ) من جهة أخرى .

 المراجع
الجابري ، محمد عابد ((قضايا في الفكر المعاصر ))

290
هي نظرية أخذت  شهرتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990 وبروز الولايات المتحدة الاميركية كقوة عظمة أولى ووحيدة في العالم .
نشر صموئيل هانتغتون مقالته (( صدام الحضارات )) في مجلة شؤون خارجية الامريكية في عددها المؤرخ بصيف 1993 وهي مجلة معروفة بقربها من مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة الامريكية . والبرفسور هانتنغتون أمريكي من اصل يهودي وهو متخصص في الإدارة العامة ومدير لمعهد جون أو لين للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفرد الشهيرة. وقد كرس حياته المهنية لموضوع الاستراتيجية العسكرية ، بحثاً وتدريساً ،واهتم بصورة مباشرة بالدراسة المقارنة في مجال السياسة الأمريكية وسياسات دول العالم الثالث . وقد أسندت إليه ما بين عامي 1977و1978 مسؤولية قسم التحليل والاستشراف بمجلس الأمن القومي الأمريكي
ويقول الدكتور محمد عابد الجابري
يحاول هانتغتون البرهنة على دعواه السابقة ، أعني ادعاءه بأن الصراع في المستقبل سيكون عبارة عن (( صدام الحضارات )) فيقول : (خلال الحرب الباردة كان العالم ينقسم إلى أول وثاني وثالث ، وهذه الحدود لم تعد ذات دلالة .ولعل من الأفضل الآن تصنيف الدول،ليس من خلال شروط أمظمتها السياسية والاقتصادية أو شروط تطورها ألاقتصادي،بل من خلال شروط ثقافتها وحضارتها)) .
السؤال الذي يفرض نفسه ، بادئ ذي بدء هو :ما الذي يجعل اليوم تصنيف الدول حسب (شروط ثقافتها وحضارتها ) أفضل من أي تصنيف آخر؟ فإذا كان العالم بالأمس يصنف إلى أول وثان وثالث ،وكان الثاني (الكتلة الشيوعية ) قد انحل وتفكك . فإن العالم الأول الغرب والعالم الثالث (البلدان التي كانت مستعمرة) باقيان . ذلك لأن سقوط الكتلة الشيوعية ( العالم الثاني ) لم يكن له أي تأثير على الثقافات والحضارات إلا في بلدان تلك الكتلة نفسها التي كان النظام الشيوعي قد حرم القوميات  فيها من التبلور ككيانات سياسة مستقلة .
ولكن ، ماذا يعني هانتغتون ب(( الحضارة )) في عبارته صدام الحضارات ؟ يلعب صاحب المقالة على الغموض الذي يكتنف مصطلحي (( ثقافة )) و((حضارة )) في اللغات الأوربية كما في الاصطلاح السياسي  الأنتروبولوجي المعاصر ، وهكذا فعن سؤال ماذا نعني عندما نتحدث عن الحضارة ؟ يجيب قائلاً : ((الحضارة هوية ثقافية )) . هذا تعريف يمكن ان يقبل إذا عرفنا أولاً معنى  : (( هوية ثقافية ))  وبالتحديد معنى  ((الثقافة )) في هذه العبارة . هل الثقافة هي شؤون الفكر وحدها أم تشمل الجوانب ألأخرى  التي لها علاقة بالعمران والاجتماع والاقتصاد ... الخ .وهنا يتناقض هانتنغتون تناقضاً  صارخاً : فهو من جهة يقول : (( إن ثقافة قرية في جنوب إيطاليا قد تكون مختلفة عن ثقافة قرية في شمالها )) ، مما يفهم منه أن مغهوم الثقافة عنده ينصرف إلى العادات والتقاليد والفكر والسلوك والاقتصاد ... الخ . ومن جهة أخرى يؤكد أن (( الحضارة هي أعلى تجمع ثقافي )) وأنة محدداتها هي (( اللغة والتاريخ والدين والعادات والمؤسسات )) ، ولذلك فهي تمثل حسب عبارته ((أوسع مستويات الهوية )) كالحضارة الأوربية  والحضارة العربية والصينية . وهكذا نجد أنفسنا أمام تعريفين للحضارة ، تعريف يجعل منها (( هوية ثقافية ))وتعريف يجعل منها (( أوسع مستويات الهوية )) ولكن دون تحديد المستويات الأخرى التي لا تدخل ضمن (( الهوية الثقافية )) .
 يتضح الهدف من هذا الخلط في الأوراق ، على مستوى التعريف ، عندما ننتقل إلى العبارة التالية يخرج بها  ك (( نتيجة )) من التعريف السابق : فهو اي ( هانتنغتون ) إذ يميز بين الثقافة على مستوى القرية ، والثقافة على مستوى القطر والدولة ، كإيطاليا وألمانيا وغيرها من الدول الأوربية التي (( تشترك في ملامح حضارية تجعلها متميزة )) عن الأقطار والدول غير ألأوربية ، يضيف قائلاً : (( إلاأن العرب والصينين والغربيين ليسوا جزءاً من أي كيان حضاري أوسع بل هم يمثلون أوسع مستوى من مستويات الهوية الثقافية التي يمتلكها الكائن  البشري وتميزه عن الكائنات ألأخرى )) .
هنا إذن بيت القصيد . فالهدف من التمييز بين الثقافة والحضارة على أساس أن هذه الأخيرة هي أوسع مستوى من مستويات تلك هو الوصول إلى تصنيف البشرية إلى ثلاث مجموعات  تمثل أوسع المجموعات الحضارية بحيث لا يمكن جمعها في أي كيان حضاري أعلى . وبالسهولة نفسها يمكن أن نقفز إلى النتيجة التالية ،وهي أنه بما أن (( التاريخ العسكري )) ، تاريخ الحروب ، قدمر بمراحل متدرجة في اتساع دائرة المتحاربين ، من مستوى الأمراء الى مستوى الملكيات ، إلى مستوى الدول القومية ثم الى مستوى المعسكرات  الإيديولوجية ، فإن منطق هذا التدرج في الاتساع يقتضي عندما ننقله من دائرة الثقافة على مستوى القرية إلى مستوى الدولة ثم إلى دائرة (( الحضارة )) على مستوى مجموعة من الدول ، يقتضي أن تكون الحروب المقبلة على هذا المستوى ألأخير ، مستوى الحضارة ، الشيء الذي ينتج عنه ( حتماً ) أن الصدام المقبل سيكون بين المجموعات التي تصنف على هذا المستوى الأخير ، أي بين الحضارة الغربية والحضارتين الإسلامية والصينية . ولما كان الغرب متقدماً ومسيطراً وكان كل العرب والصينيين يطمحون إلى التقدم والرقي ، فإن الصراع سيكون ثنائي الأطراف : الحضارة الغربية من جهة والحضارتان السلاميةوالكونفوشية(الصينية )من جهة أخرى .

 المراجع
الجابري ، محمد عابد ((قضايا في الفكر المعاصر ))

291
وفاة المفكر العربي محمد عابد الجابر :حياة حافلة بالعطاء الفكري المشع .( حق الانسان في الكلمة هو الحق الذي من دونه يفقد الانسان هويته كإنسان) عابد الجابري
عن خمس وسبعين عاما ، فارق الحياة المفكر الغربي الكبير محمد عابد الجابري بعد حياة حافلة بالعطاء ، الذي تجاوز إشعاعه المغرب الى البلاد العربية بأجمعها ، خصوصا في مجالات دراسة التراث ونقد العقل العربي والديمقراطية والدولة الوطنية والهوية .
من أهم مؤلفات المفكر الراحل . مبتكر مصطلح ( العقل المستقل) وهو العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى(( نقد العقل العربي )) في اربعة اجزاء ( تكوين العقل العربي – وبنية العقل العربي والعقل السياسي العربي والعقل الأخلاقي العربي ودراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية .
ومن خلال دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت منذ عصر التدوين خلص الجابري إلى ان العقل العربي بحاجة اليوم الى إعادة  الابتكار .
ومن مؤلفاته أيضاً (العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ الاسلامي 1971 ) (ونحن والتراث :قرات معاصرة في تراثنا الفلسفي  1980 )و ( الديمقراطية وحقوق الانسان) و(مسألة الهوية ومدخل إلى فلسفة العلوم وتطور الفكر العلمي ) و( المثقفون في الحضارة العربية )و (محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد ).
وتمثل النشاط الاعلامي للمفكر الراحل في اشتغاله بجريدة (العلم ) ثم جريدة (المحرر) و(الاتحاد الاشتراكي) وساهم في أصدار مجلة ( أقلام ) .
وكان الجابري المولود عام 1935 قد نال دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة عام 1967 بالدار البيضاء ودكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الاداب والعلوم الانسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط .
بدأ نشاطه الوطني في الخلايا الناهضة للحماية الفرنسية منذ بداية خمسينات القرن المنصرم ، وواصل نشاطه الحزبي عضواً قياديا بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل ان يعتزل العمل السياسي في السنوات الأخيرة ويتفرغ للإنتاج الفكري والنشاط الاكاديمي منذ عام1981 .
وقد حصل الجابري . عضو مجلس امناء الؤسسة العربية للديمقراطية ،على العديد من الجوائز المغربية والدولية .
من بين هذه الجوائز ، جائزة بغداد للثقافة العربية الينسكو 1988 والجائزة المغاربية للثقافة بتونس 1999 وجائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي 2005 وجائزة الرواد لمؤسسة الفكر العربي ببيروت2005 وميدالية ابن سينا من اليونيسكو في حفل تكريم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة 2006 وجائزة ابن رشد للفكر الحر2008 .
اعداد- سلوان ساكو

292
كان يثر تساؤلي،عند متابعة قنوات الأطفال ،لما تحتفظ بعض القنوات بالنسخة الأصلية لمسلسل مثل (عدنان ولينا )الذي يبدأ منذ الحلقة الأولى بالحديث عن قيام حرب عالمية مدمرة عام 2008،رغم المشاهد الخطيرة على وعي الطفل الذي قد يرغب بالقفز من برجٍ عالٍ ليهبط بسلام على أرض صلبة حاملاً لينا بين ذراعيه،بينما تعُاد دبلجة بعض مسلسلات الكرتون مثل مسلسل ( السنافر)، الذي ورغم نسخته الأولى الأكثر جمالاً من حيث أصوات مؤديها، إلا أنها إما ازيحت عن القنوات الفضائية أو أعيدت دبلجتها بأداء أقل تأثير ؟.
ما يجيب على هذا التساؤل مقالات تحليلية نشرت بلغاتٍ أوروبية عُدة حول على مضمون الرواية الأصلية لمسلسل (السنافر). والسنافر،كما  هو معرف مجموعة أقزام ابتكرها عام 1958 كاتب  بلجيكي  يدعى (بيو). وهم أقزام بينهم النجار والمزارع والطباخ .....الخ،و كلهم يعيشون في قرية تمارس نظاماً اقتصادياً شيوعياً ، حيث يمتلك الجميع الأرض ووسائل الإنتاج ويتساون في توزيع الفرص والميزات ، ومصلحة الجماعة أهم من مصلحة الفرد، وتنعدم فيها الطبقية واحتكار رأس المال ولا وجود فيها حتى للمعاملات المالية . ويتبادل السنافر ألقاب تبدأ بكلمة سنفور : سنفور نائم ، سنفور غضبان.....الخ على غرار مصطلح (رفيق) الشيوعية .ولايوجد بينهم (سنفور قسيس) فالشيوعية فكر ملحد لايؤمن بالله . ويشبه (بابا سنفور ) في هيئته (كارل ماركس ) مؤسس الماركسية  أصل الشيوعية وسنفور فيلسوف يشبه تروتسكي  وهو الوحيد الذي يجادل (بابا سنفور ) ويتم نفيه عن القرية حيث يتجاوز في أرائه .
في المقابل تظهر الشخصية  الرأسمالية الوحيدة في المسلسل المجسدة في (شرشبيل ) المشعوذ العظيم الذي يكرر جملته المعهودة أنا أكره السنافر . وحسب المواقع التحليلة ، اسم شرشبيل ينحدر من الموروث الألماني اليهودي ، ويجسد شرشبيل صورة اليهودي بشعره الأسود ،  وظهره المائل وأنفه الكبير المعقوف للاسفل ،وثيابه الرثه ، كما أنه يمثل  الصورة النمطية للخيميائي اليهودي الموروثة منذ العصور الوسطى ، وهي صور معروفة ومنشورة بعدة لغات في أبحاث غربية كثيرة  فإذا علمنا أن( بيو) هو مبتكر الرسوم المتحركة المعروفة باسم ( جون وا بيوت)، وهي شخصيات مقتبسة عن العصور الوسطى والتي تتطلب من مبتكر الرسومات الكرتونية القراءة في تاريخها قبل تقرير ملامح الشخصية التي يسعى الى ابتكارها ، والتي ظهرت عام 1947 ،اي قبل احد عشر عاماً من ابتكار السنافر فذلك يفسر كيف توصل (بيو) الى رسم ملامح يهودي من العصور الوسطى ،وهي شخصية يدفعها طموحها للسعي جاهدة لتدمير المدينة الفاضلة حيث يعيش السنافر بسلام فرحين متعاونين، ويحاول مدفوعاً بجشعه وحبه للمال ،الامساك بهم لتحويلهم بتركيبته  الخيمائية إلى ذهب كما أن عرّابه يدعى( بالتسار) وهواسم يهودي أيضاً. أما اسم قطه في النسخة الأصلية فهو أزرائيل ، أما ( سنفورة ) فقد صنعها ( شرشبيل ) على هيئتة اليهود سمراء و بأنف كبير إلى أن حولها (بابا سنفور ) الى طيبة شقراء بتقاسيم صغيرة .
عندما يحاول (شرشبيل ) أكل السنافر فإن ذلك يشبه رغبة الرأسمالية بالقضاء على الشيوعية ،وكثّير من اليهود قدموا إلى أمريكا وإسرائيل من الاتحاد السوفيتي . أما في الأدب الروسي فقد حظيت الشخصية  اليهودية على اهتمام واضح ، فانتقدت سياستها وتصرفاتها المبنية على التعصب والسيطرة والجشع ، واستطاع كبار الكتاب الروس تصوير العديد من جوانب الشخصية اليهودية ، خصوصاً تلك المرتبطة بتعاليم التورة والأساطير ، التي تدفعها  دائماً الى التعالي النابع اساساً من الاحساس بالدونية والنبذ مثل ما نراه في قصة اليهودي لإيفان تورجنيف ، والمسألة اليهودي لدستيوفسيكي .
هذه المقالة من موقع خفايا الإعلام في العالم العربي فسرها ايها القارئ الكريم وافهمها كما تريد !!!.

                               

293
كان يثر تساؤلي،عند متابعة قنوات الأطفال ،لما تحتفظ بعض القنوات بالنسخة الأصلية لمسلسل مثل (عدنان ولينا )الذي يبدأ منذ الحلقة الأولى بالحديث عن قيام حرب عالمية مدمرة عام 2008،رغم المشاهد الخطيرة على وعي الطفل الذي قد يرغب بالقفز من برجٍ عالٍ ليهبط بسلام على أرض صلبة حاملاً لينا بين ذراعيه،بينما تعُاد دبلجة بعض مسلسلات الكرتون مثل مسلسل ( السنافر)، الذي ورغم نسخته الأولى الأكثر جمالاً من حيث أصوات مؤديها، إلا أنها إما ازيحت عن القنوات الفضائية أو أعيدت دبلجتها بأداء أقل تأثير ؟.
ما يجيب على هذا التساؤل مقالات تحليلية نشرت بلغاتٍ أوروبية عُدة حول على مضمون الرواية الأصلية لمسلسل (السنافر). والسنافر،كما  هو معرف مجموعة أقزام ابتكرها عام 1958 كاتب  بلجيكي  يدعى (بيو). وهم أقزام بينهم النجار والمزارع والطباخ .....الخ،و كلهم يعيشون في قرية تمارس نظاماً اقتصادياً شيوعياً ، حيث يمتلك الجميع الأرض ووسائل الإنتاج ويتساون في توزيع الفرص والميزات ، ومصلحة الجماعة أهم من مصلحة الفرد، وتنعدم فيها الطبقية واحتكار رأس المال ولا وجود فيها حتى للمعاملات المالية . ويتبادل السنافر ألقاب تبدأ بكلمة سنفور : سنفور نائم ، سنفور غضبان.....الخ على غرار مصطلح (رفيق) الشيوعية .ولايوجد بينهم (سنفور قسيس) فالشيوعية فكر ملحد لايؤمن بالله . ويشبه (بابا سنفور ) في هيئته (كارل ماركس ) مؤسس الماركسية  أصل الشيوعية وسنفور فيلسوف يشبه تروتسكي  وهو الوحيد الذي يجادل (بابا سنفور ) ويتم نفيه عن القرية حيث يتجاوز في أرائه .
في المقابل تظهر الشخصية  الرأسمالية الوحيدة في المسلسل المجسدة في (شرشبيل ) المشعوذ العظيم الذي يكرر جملته المعهودة أنا أكره السنافر . وحسب المواقع التحليلة ، اسم شرشبيل ينحدر من الموروث الألماني اليهودي ، ويجسد شرشبيل صورة اليهودي بشعره الأسود ،  وظهره المائل وأنفه الكبير المعقوف للاسفل ،وثيابه الرثه ، كما أنه يمثل  الصورة النمطية للخيميائي اليهودي الموروثة منذ العصور الوسطى ، وهي صور معروفة ومنشورة بعدة لغات في أبحاث غربية كثيرة  فإذا علمنا أن( بيو) هو مبتكر الرسوم المتحركة المعروفة باسم ( جون وا بيوت)، وهي شخصيات مقتبسة عن العصور الوسطى والتي تتطلب من مبتكر الرسومات الكرتونية القراءة في تاريخها قبل تقرير ملامح الشخصية التي يسعى الى ابتكارها ، والتي ظهرت عام 1947 ،اي قبل احد عشر عاماً من ابتكار السنافر فذلك يفسر كيف توصل (بيو) الى رسم ملامح يهودي من العصور الوسطى ،وهي شخصية يدفعها طموحها للسعي جاهدة لتدمير المدينة الفاضلة حيث يعيش السنافر بسلام فرحين متعاونين، ويحاول مدفوعاً بجشعه وحبه للمال ،الامساك بهم لتحويلهم بتركيبته  الخيمائية إلى ذهب كما أن عرّابه يدعى( بالتسار) وهواسم يهودي أيضاً. أما اسم قطه في النسخة الأصلية فهو أزرائيل ، أما ( سنفورة ) فقد صنعها ( شرشبيل ) على هيئتة اليهود سمراء و بأنف كبير إلى أن حولها (بابا سنفور ) الى طيبة شقراء بتقاسيم صغيرة .
عندما يحاول (شرشبيل ) أكل السنافر فإن ذلك يشبه رغبة الرأسمالية بالقضاء على الشيوعية ،وكثّير من اليهود قدموا إلى أمريكا وإسرائيل من الاتحاد السوفيتي . أما في الأدب الروسي فقد حظيت الشخصية  اليهودية على اهتمام واضح ، فانتقدت سياستها وتصرفاتها المبنية على التعصب والسيطرة والجشع ، واستطاع كبار الكتاب الروس تصوير العديد من جوانب الشخصية اليهودية ، خصوصاً تلك المرتبطة بتعاليم التورة والأساطير ، التي تدفعها  دائماً الى التعالي النابع اساساً من الاحساس بالدونية والنبذ مثل ما نراه في قصة اليهودي لإيفان تورجنيف ، والمسألة اليهودي لدستيوفسيكي .
هذه المقالة من موقع خفايا الإعلام في العالم العربي فسرها ايها القارئ الكريم وافهمها كما تريد !!!.

                               

294
ان فوضى القيم هي السمة البارزة التي تميز المرحلة الراهنة ،مرحلة عولمة الاستبداد الخارجي . وهي سمة شديد الوضوح على ملامح القوى السياسية العربية ، اليسارية منها خصوصاً . إن فوضى القيم جزء حيوي من منظومة عمل جهاز الاستعباد الدولي ، ظهرت عوارظه واضحة في التطبيق لدى القوى السياسية في مجتمعاتنا في هيئة فوضى في المعايير والمبادئ ومنظومات الأخلاق والمواقف . ولم يكن مستغربا حدوث ذلك .فهشاشة الجوهر النظري والتطبيقي لهذه القوى ، جعلتها مشلولة وعاجزة عن تبديل اتجاهاتها السلوكية والفكرية في عالم تبدلت فيه أوراق اللعبة السياسية تبدلاً سريعاً وحاسماً وجذرياً .إن التحجر وفقدان الأصالة النظرية والتطبيقية ، الذي طبع هذه القوى في مرحلة صراع القطبين الدوليين ، يظهر الآن في صورة تمزق سلوكي وفكري وأخلاقي ، يتطابق تماماً مع جوهر سياسة فوضى القيم ، التي تنشدها القوى المستبدة عالميا . لقد أفادت الدولة الاستبداية الكبرى من خدمات فئات كانت ولا تزال وستظل موضع عداء معها ، بحكم التناقض الايديولوجي ، كالأصوليين والإسلاميين سابقاً ولاحقاً ،والشيوعيين الآن، ولم تبد حرجا من امكان الاستفادة من خدمات تلك الجماعات ،حينما تمارس هذه الخدمات لصالح مشروعها الاستبدادي الدولي ، هذه المفارقة السياسية التاريخية المحزنة تجعلنا نعود مرغمين إلى بدايات الأسئلة ، إلى البحث عن رؤى جديدة وبحث وسائل جديدة ، لاعن مثل جديدة . لقد تغيرت المعايير والآسس النضال الرامية إلى فكفكة الاستبداد ، ولايستطيع أي مشروع سياسي أن يكون طليعياً ما لم يحقق التوازن الدقيق بين معادلة مواجهة المستبد المحلي بكل أشكال تجلياته الحزبية والأبوية والعسكرية ،وفي الوقت نفسه مواجهة المستبد  الدولي بكل تجلياته السافرة والمستترة ،الحرب ، الغزو ، الاحتلال ، الهيمنة السياسية والاقتصادية والروحية ،والعقاب الجماعي . إن مواجهة الاستبداد لا تحتاج إلى ذرائع بقدر ما تحتاج إلى استنباط معايير جديدة لتقويم الواقع . أن حقائق الحياة ترغمنا على العودة إلى الأسئلة التقليدية المتعلقة بالنضال من أجل مواجهة الاستبداد ، التي ضاعت في ظل الفوفضى السياسية وما رافقها من فوضى القيم ، والتي ولدت بسبب التخلخل التاريخي الناشئ من جراء سقوط قوة دولية عظمة وتسّيد أخرى بقيادة العالم سياسياً ،وأبرز هذه الأسئلة السؤال المتعلق ببدائل الديكتاتورية السياسية والتنظيمية ،وببدائل الديكتاتورية الروحية والعقلية والأخلاقية.
إن فوضى القيم والمفاهيم ما هي إلاعناصر مرحلية عابرة وسلبية في سلّم إعادة تجمع الفكر والمواقف تاريخياً. وهي عناصر قلق واضطراب تفيد منها القوى الاستبدادية الكبرى  والمحلية أكثر مما يفيد منها المتنورون الإنسانيون الساعون إلى ايجلد مجتمعات عصرية حيةّ ومتوازنة داخليا وفاعلة عالميا ، مجتمعات قابلة لأن تقود نفسها باستقلال تام عن هيمنة المستبد الكبير ، وأن تصون خصوصياتها الوطنية وتحمي سياسياً وقانونياً واقتصادياً وثقافياً حقوق المواطن الفرد بقدر حميتها لمصالح المجتمع بأسره .  فلم يعد هناك متسع في عالمنا المعاصر لبناء تايوان أخرى في مواجهة العدو الصيني ،أو بناء يابان أو ألمانيا أوكوريا في ماجهة الخطر السوفياتي وتقسيمات الحرب العالمية الثانية . ما يحدث الآن هو العكس .ما يحدث الان هو جر البلدان التي خرجت من محور الشر التاريخي (اليابان وألمانيا)،والتي دانها التاريخ ، وإعادة ترتيب لمحاور الشر التاريخية . إن أزهى ما يمكن تقديمه الآن هو النموذج العراقي والافغاني ، وهما نموذجان يذكرانى ببداية ولادة النماذج الاستعمارية القديمة الفوقية ، المشوهة ، التي خلقتها الدول الاستبدادية الكبرى في عصرالفتوحات الاستعمارية ، في مرحلة ما قبل اكتشاف الصورة التلفزيونية والانترنيت : جنوب اليمن والهند والسودان وغيرها .

المصادر : سلام عبود / من يصنع الديكتاتور

295
تروتسكي   طائر الألم – بقلم/  سلوان ساكو
                الجزء الثاني
وانظم تروتسكي الى الحزب البلشفي عام 1917 وعرف الى جانب لينين، بهجومه الصاعق البارع على نظم حكم فبراير . فسجنته حكومة كرنسكي في آب عام 1917. انتخبه عمال بتروغراد رئيسا لسوفييت مدينتهم .وخلال وجوده في هذا المنصب  نظم ثورة أكتوبر وقادها .عين أول مفوض للشعب للشؤون الخارجية وقاد وفد بلاده الى مفاوضات "بريست ليتوفسك" غير أنه رفض شروط ألمانيا وطالب بانتهاج سياسة (لا حرب ولا سلم) واستقال من مفوضية الشؤون الخارجية .عين مفوضا لشؤون الحرب بين عام 1917و1923 فأسس (الجيش الأحمر ) وقاده بنجاح خلال أعوام الحرب الأهلية .وكان عضوا في المكتب السياسي وفي اللجنة المركزية طوال هذه المدة. خلال هذه الفترة كتب "من ثورة فبراير الى مفاوضات بريست ليتوفسك"،" الشيوعية والارهاب"وكتبا أخرى ، كما حرر جميع بيانات المؤتمرات الخمسة الأولى اللأممية الشوعية وأهم بلاغاتها ومقرراتها السياسية .
وفي عام 1923 ، قاد تروتسكي أول حركة معارضة لستالين مستنكرا تهشيم الديموقراطية السوفييتية وتفاقم البيرقراطية في الحزب والدولة مطالبا بالتصنيع الثقيل في الاتحاد السوفييتي . وبعد أن تحالف عليه ستالين وزينوفييف وكامنييف وبوخارين وغيرهم استقال من مفوضية الحرب عام 1925. خلال هذه الفترة كتب " الأدب والثورة "،اوربا وامريكا "،ومشاكل الحياة اليومية "،ومؤلفات أخرى . تحالف تروتسكي عام 1926 مع زنوفييف وكامنييف ضد ستالين فأسسوا " المعارضة الموحدة " . وبعد صراع عنيف حول جميع القضايا الأساسية المتعلقة بالسياسة الشيوعية ، طرد تروتسكي من الحزب في أواخر عام 1927 ونفي من موسكو الى  ألما-آتا على الحدود الروسية – الصينية حيث استنر في توجيه المعارضة وفي نقده نظرية ستالين عن " الاشتراكية في بلد واحد" والطريق التي يعالج بها الشؤون الشيوعية وخاصة سياسته تجاه الثورة الصينية عام 1925-1927 وفي ألما- آتا كتب تروتسكي  "نقد مشروع برنامج الكومنترن" ومؤلفات أخرى.
أبعد تروتسكي الى تركيا فسكن  جزيرة (برينبيكو) حتى صيف 1933 فشرع في تنظيم مؤيديه في بلدان عديدة وأصدر نشرة المعارضة وكتب       (تاريخ الثورة الروسية )، ( حياتي )ومؤلفات اخرى . ابتداء من عام 1929 شن حملة خاصة لتعبئة الحركة الشيوعية ضد خطر النازية ،فلم تلق تحذيراته الاهتمام الكافي .  سحبت منه الجنسية السوفييتية عام 1932 ، وذهب أتباعه وأقاربه ضحية حملة ارهاب عنيفة  بقيادة ستالين . وتفيت احدى بناته ( نينا ) عام 1928 ، وانتحرت الأخرى (زينا ) عام 1933 في برلين بعد مرض مزمن وبعد أن سحبت منها الجنسية السوفييتية ومنُعت من رؤية عائلتها في روسيا .سمح لتروتسكي بدخول فرنسا ،بعد ان رفضت جميع دول أوروبا تقريبا منحه اللجوء اليها ، فدعا هناك الى تأسيس " الأممية الرابعة ".طرد تروتسكي من فرنسا عام 1935فالتجأ لفترة قصيرة الى النرويج حيث كتب ( الثورة المغدورة ) .وبعد محاكمة زينوفييف وكامنييف والقيادات البلشفية القديمة واعدامها في آب / أغسطس1936 ،رضخت الحكومة النروجية لضغط ستالين فاحتجزت تروتسكي لمنعه من فضح مهزلة التصفيات الكبرى . في ذلك الحين كانت حملة ستالين الشعواء على التروتسكية قد بلغت ذروتها . فاتهم تروتسكي في ( محاكمات موسكو) بتحضير مؤامرات عديدة لا غتيال ستالين  وفوروشيلوف وكاغانوفيتش وغيرهم ، وبالتحالف السري مع هتلر وامبراطور اليابان بغية تقويض النظام السوفييتي وتجزئة الاتحاد السوفييتي .و في عام 1937 ، سمح لتروتسكي بدخول المكسيك حيث مثل أمام ( محاكمة مضادة ) ترأسها الفيلسوف الأمريكي جون ديووي . فدحض تروتسكي ، بوصفه الشاهد الأساسي في هذه المحاكمة ، جميع الاتهامات الموجهة اليه ، وأصدرت المحكمة حكمها ببراءة تروتسكي من التهم الموجهة اليه وفي السنة التي تلت أعلن تأسيس ( الأممية الرابعة ) كتب  ( البرنامج الانتقالي للأممية الرابعة ). وقد تنبأ بوقوع الحرب العالمية الثانية  وحلل نتائجها المتوقعة في عدد ضخم من الدراسات والمقالات . ذهب ابنه الأصغر سيرجي ضحية حملة الارهاب الواسعة في الاتحاد السوفييتي التي تم تقتيل عدد كبير من أتناع تروتسكي وعوائلهم . ومات ابنه الأكبر ليون في فبراير عام 1938 في باريس ، وتشير ظروف موته الى أن رجال منظمة الشرطة السرية  السوفييتة قد اغتالوه . وبالاضافة الى ذلك ، قضى العديد من أتباع تروتسكي نحبهم على يد عملاء هذه المنظمة في اسبانيا وفرنسا وسويسرا .
وفي أيارمن عام 1940 ، هاجمت عصابة ستالينية مسلحة تروتسكي نفسه .وبعد ذلك بمدة قصيرة ، أقدم ( رامون ميركادار جاكسون) في 20 آب/ اغسطس  1940على اغتيال تروتسكي في منزله في المكسيك . بينما كان على وشك الانتهاء من كتابة سيرة حياة ستالين .

296
تروتسكي  طائر الألم      بقلم – سلوان ساكو  
 ___________      الجزء الأول
ولد ليون تروتسكي ( لالسم الحقيقي :ليف دافيدفيتش برونشتاين) في مقاطعة خريسون في أوكرانيا يوم السابع من أكتوبر عام 1879 في عائلة من المزارعين اليهود . وأمضى السنوات التسع الأولى من حياته في مزرعة العائلة ثم التحق بالمدارس الثانوية في (أوديسا) و(نيكولاييف) بين الأعوام 1888و1897.وقبل أن يتخرج من مدرسة(نيكولاييف) كان تروتسكي  انظم الى حلقة ثورية سرية تابعة للنارودنيين الشعبيية ، ثم ما لبث أن اعتنق الماركسية بعد عام من ذلك فانضم الى الحركة الاشتراكية –الديموقطية وكان أحد مؤسسي وقادة الاتحاد العمالي لجنوب روسيا . اعتقل في أوائل عام 1898 مع أعضاء اخرين في الاتحاد بتهمة الاشتراك في قيادة عدد من التظاهرات والاضرابات العمالية وطبع الكتابات الممنوعة في نيكولاييف . احتجز في السجن مدة سنتين ثم نفي الى سيبريا لمدة أربع سنوات بدون محاكمة.تزوج في المنفى من ألكسندرا  سوكولوفسكايا وولد لهما طفلتان، نينا وزينا ، في سيبريا . وفي المنفى أيضا انضم تروتسكي الى الاتحاد الاشتراكي- الديموقراطي في سيبريا واشتهر باسمه المستعار "انتيد –أوتو" كمعلق سياسي ومحلل اجتماعي وناقد ادبي.هرب من المنفى عام 1920 ولبى دعوة لينين في الذهاب الى لندن حيث التحق بالمجموعة من الدعاويين الماركسيين التي كانت تصدر صحيفة ايسكرا (الشرارة)الى جانب لنيين وبليخانوف واكسلرود وزاسوليتش ومارتوف. اشترك في المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي-الديموقراطي الروسي  الذي عقد في بروكسل ولندن عام 1903  والذي حدث فيه الانشقاق التاريخي بين البلاشفة والمنشفيك .انظم تروتسكي الى المنشفيك لفترة ثم انفصل عنهم واتخذ موقفا مستقلاعن كلا الجناحين .تعرف في باريس عام1904 على ناتاليا سيدوفا التي أصبحت فيما بعد زوجته الثانية . عاد الى روسيا في فبراير عام 1905 بعد اندلاع الثورة الروسية الأولى فكان قائد الحركة الاشتراكية وخطيبها ورئيس مجلس مندوبي العمال في بطرسبرغ،اول سوفييت في التاريخ .
ألقى القبض على تروتسكي عام 1907 بعد فشل الثورة وأصدرت المحكمة حكمها بنفيه الى سيبريا وبتجريده من جميع حقوقه المدنية ،غير أنه مالبث أن هرب الى أوروبا الغربية .وخلال وجوده في السجن انتهى من صياغة نظريته عن "الثورة الدائمة" في مقالة بعنوان (نتائج وتوقعات) .أمضى الفترة مابين عام 1907و1914مع ناتاليا سيدوفا وولديها ليون وسيرجي في فيينا .حيث أصدر مجلة برافدا (الحقيقة) مكرسا وقته للنشاط الصحفي والسياسي . نزح تروتسكي الى سويسرا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى ومنها الى فرنسا حيث عمل مراسلا لصحيفة يومية يصدرها الليبراليون في روسيا. كما أصدر صحيفة  "ناشيه سلوفو".وكان أحد موجهي المعارضة الاشتراكية الثورية للحرب وأحد الداعين الى مؤتمر زيمروالد عام 1915 وهو كاتب البيان الشهير عن المؤتمر .
فأدت دعوته لمعارضة الحرب ولتأسيس " الأممية الثالثة " الى تقارب في وجهات النضر بينه وبين لينين بعد سنوات طويلة من الخلاف بينهما .طرد من فرنسا ،فالتجأ الى الولايات المتحدة عام 1917 ثم عاد الى روسيا عند اندلاع ثورة فبراير .

297
 زواية حادة    بقلم - سلوان ساكو
في الانسان دافع الى المزيد من الكمال ,واضح دؤب حيث لايهدأ ابدا" وهذا سر عظمته . وفي سبيل تحقيق هذا الهدف يستوي لديه ان يسلك سبيل الممكن اوسبيل المستحيل ,ان امكنه ما هو طبيعي فالأمر حسن ,والافليخذ وسائل خارجة عن الطبيعة عالية عليها او أدنى منها فالأمر في النهاية سيان. لان العبرة هي بلوغ الهدف . فالمستقبل مجهول ,والانسان يريد معرفة ما سيجئ به, والقوى الطبيعية الميسورة له قاصرة ,فليبحث عن قوى خارجة كي يسخرها لتنفيذ ما يصبو اليه وتلك مهمة السحر .
والايمان بالسحر قديم قدم الانسان ,اذ نجده لدى معظم الشعوب البدائية .وهؤلاء ينسبون اسباب الامراض او الجنون او الكوارث الى الجن وللتخلص من هذا التأثير الضار للجن كانوا يلجأون الى تقديم الاضاحي او القيام بعمليات سحرية. كذلك نجد الاعتقاد في الجن في الحضارات القديمة في مصر والصين ومابين النهرين , وساعد على ذلك الاعتقاد في وجود سبع طبقات تحت الارض.
وفي العهد القديم من الكتاب المقدس جاء على ذكر السحر والسحرة في الكثير من الايات والمواقف مثل . ( فاستدعى فرعون حكماءه وسحرته فصنع سحرة مصر على غرار ذلك بسحرهم) خروج 7 :11 , وايضا" ( لاتدع ساحرة تعيش ) خروج 22 :18 . وكانت عقوبة السحر هي الموت لانها جريمة ضد الله نفسه فاستخدام القوى الشريرة كان كسرا" للوصية الاولى (لايكن لك ألهة اخرى سواي ) فكان السحر تمردا" ضد الله وسلطانه فهوا في جوهره تحالف مع الشيطان عوضا" عن التحالف مع الله . حيث نجد في سفر اللاويين 19: 31 (لاتضلو وراء مستحضري الارواح , ولا تطلبوا التوابع فتتنجسو بهم ) وأيضا"  (اي رجل او امرأة يمارس الوساطة مع الجان او مناجاة الارواح ارجموه ويكون دمه على راسه ) اللاويين 20: 27 .
وقد اخذت المسيحية بما اعتقده اليهود في الجن والسحر في العصر الذي ظهرت فيه المسيحية , اي في اليهودية المأخرة السابقة مباشرة من مجئ المسيح . بيد  اننا لانجد في الانجيل اثر للجن الافيما يتصل بالجنون ويربط القديس بولص بين عبادة الاوثان وبين الجن  (اهربو من عبادة الاصنام ). (ان ما يذبحه الوثنيون فانما يذبحونه للشياطين وليس لله )كورنثوس الاولى . ويظهر الجن لنا في  رؤيا يوحنا ( وعند هذا رأيت ثلاثة ارواح نجسة تشبه الضفادع تخرج من فم التنين ومن فم الوحش ومن فم النبي الدجال ) رؤ 16: 13 . (ولكن الناس الذين نجوا من هذه البلايا , لم يتوبوا عن اعمالهم وظلوا يسجدون للشيطان والاصنام التي صنعوها من الذهب والفضة والنحاس والحجر والخشب مع انها لاترى ولا تسمع ولا تتحرك ولم يتوبوا عن  القتل والسحر والزني والسرقة ) رؤ20 :21 .
 والان ماهو دور الكنيسة ودرجة سلطانه في هذا الصراع , نقرأ في بشارة القديس لوقا هذا النص ( ورجع الاثنان والسبعون رسولا" فرحين وقالوا ليسوع يارب حتى الشياطين تخضع لنا بأسمك فقال لهم رأيت الشيطان يسقط من السماء مثل برق وها أنا أعطيكم سلطانا" تدوسون به الافاعي والعقارب وكل قوة للعدو , ولا يضركم شيء ) لو10: 17-20 . والسحر محرم في الديانة المسيحية تحريما" قاطعا" على اختلاف انواعه وذلك لاننا بواسطة عمل السحر ننجس اسم الله ونستعين بالشيطان للقيام بالاعمال التي نهنا الله عنها في كتابه المقدس .  ويجب ان نذكر ايضا ان الفداء الذي اتمه الرب على الصليب حطم قوة ابليس  واضعف مملكته الى اقصى الحدود  فيقول القديس بولص اذ المسيح محا الصك الذي علينا , والحقيقة الدامغة الغير قابلة للنقاش ان الشيطان يضعف جدا امام كل ما يرتبط بطبيعة الله وبتعليم الكنيسة . واسرار الكنيسة تعد من اقوى الاسلحة في مواجهة اعمال  ابليس وبناءعلى الفداء أعطي الرب سلطان الحل والربط للكنيسة , وهوا سلطان قوي كما نرى (الحق اقول لكم كل ما تربطونه في  الارض يكون مربوطا في السماء , وما تحلونه في  الأرض يكون محلولا" في السماء ) متى18 :18 .
 ان كشف باطن السحر ومحتوهه الداخلي مهمة وغاية اساسية من غايات هذه الكلمات وهدفها فتح باب العقل وتحريره وابعاده عن معايير الشر ومنطقه وشروطه القاتلة , وحث التفكير على الوصول الى لحظة تنوير مرتقبة , تربط حاجات الانسان الجوهرية بأفق الخير والعدل والسلم والجمال والحب .
(وليدخلوا المدينة من ابوابها أما الذين في الخارج فهؤلاء هم الكلاب والسحرة والفجار والقتلة وعبدة الاوثان وكل من يكذب ويحب الكذب )رؤ22: 14-15 .

298
أمعان في تجربة وفكر البعث       اعداد - سلوان ساكو
تضع تجربة البعث العراقي أمام الدارسين اسئلة عسيرة ,بسبب طابع هذه التجربة الشاذة , المغرقة في السلبية والقسوة ,والمشحون بالممارسات التاريخية الكارثية , التي تجاوزت,لضخامتها ,حدود البعث نفسه,وحدود العراق كقطر,لتتحول الى مؤثر قومي,بل عالمي عظيم الخطر .خلال عمر البعث انتجت تجربة البعث العراقي تطويرات قومية خاصة سعت الى الانفصال عن جسد البعث تنظيما",ليس كأجنحة متعددة لحزب واحد ,وانما كتيارات مستقلة,نزعت عن جسدها ثوب البعث,وسعت الى خلق تيار سياسي يقوم بدور البديل القومي.أبرز هذه التجارب تجربة القائد البعثي فؤاد الركابي (وهوا اول امين قطري للحزب قتل في السجن سنة 1971 بطعنة سكين من قبل احد السجناء قيل ان الشخص هوا احد اعضاء المخابرات بينما قالت الحكومة في تلك الفترة ان حادث القتل نتيجة شجار داخل السجن.) الذي لم يجدفي البعث بنية صالحة للتطوير,فسعى الى انشاء كيان سياسي يحتفظ ببعض صيغ التوجه القومي , وقد سعى قائد بعثي اخر للسير في خط الركابي,ببريق واصالة ونجاح اقل,هو علي صالح السعدي.(1928-1977وهواحد القيادات التاريخية الاولى للحزب خريج كلية التجارة والاقتصاد جامة بغداد وكان يمثل التيار المتشدد داخل البعث قاد الانشقاق داخل الحزب الذي تسبب بأحداث الحرس القومي والتي نجم عنها اقصاء البعث في 18نوفمبر 1963.من قبل عبد السلام عارف .تم تسفيره مع مجموعة قيادات تياره الى اسبانيا .توفي في 19 سبتمبر 1977 بلندن.)  هذان المثلان يؤشران الى املا واحد هوا أن بنية البعث,في نظر قياداته الاساسيين,الميدانيين,لاالنظريين,لاتقوى على احداث تطوير حقيقي يبني على كيان البعث التنظيمي والنظري ,ويفترض هذا الاجتهاد,من خلال التجربة,ان تطويرا" جديا" في نهج وفكر البعث يتطلب القطيعة التامة مع البعث كتنظيم وكخط سياسي ايديولوجي.
وصل حزب البعث الى السلطة للمرة الثانيةعام 1968 بعد مرور خمس سنوات على تجربته القصيرة الفاشلة الأولى,التي لم تمكنه من الاحتفاظ بالسلطة سوى بضعة اشهر , من شباط الى تشرين الثاني 1963.ان نجاح البعث في الوصول الى السلطة رافقته من جانب اخر عقدة كبيرة لازمت البعثيين طوال فترة وجودهم في السلطة وخارجها وأضحت مع مرورالأيام قدرهم المرعب وقدر الشعب العراقي المأسوي, ألاوهي مسألة الاحتفاظ بالسلطة. ففي عام 1963جمع حزب البعث اربع اصناف من اساليب ممارسة السلطة ,سلطة الحزب ,الجيش, قاعدة تحالف مفتوح مع القوميين,الميليشا(الحرس القومي).ورغم ذلك خرََ البعث صريعا"بعد تسعة اشهر. اللافت,انه كان في مقدور البعث أن يبقى أيظا",لهذه الفترة أو اطول منها ,في حال الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والطبيعية,في بلد يملك مقومات جيدة للتطوير كالعراق .لكن ذلك لم يحدث.حينما وصل الحزب الى السلطة عام 1963 لم يكن احد من القيادات البعثية المدنية الأساسية التي شاركت في قيادة السلطة والحزب في الحكومة البعثية الاولى,وهنا نرى عزوفا" واضحا" لدى القياديين المدنيين ,سببه الاحساس بعدم مقدرة هذا الكيان الحزبي على حمل شعارات كبيرة فارغة.وهذا امر يشير الى تشكيك جدي من هذه القيادات في البعث كتنظيم وكعقيدة سياسية.لكن القيادات العسكرية البعثية الأساسية الموروثة من انقلاب 1963كانت هي نفسها في الاغلب, موجودة في شخص البكر,الذي شغل منصب رئيس الوزراء وعماش الذي كان وزيرا" للدفاع وحردان الذي تولى قيادة القوة الجوية.خلال تلك الفترة الغامضة جدا" من تاريخ العراق ,منذ انقلاب 1968حتى رحيل البكر,تم ترتيب الأرض ترتيبا" تاما" على جميع المستويات لصالح رجل واحد هو صدام حسين .فعلى المستوى البعثي تم التخلص بوحشية من القيادات السياسية المدنية,الوارثة للفكر البعثي ,في اعتباره فصيلا" سياسيا" يحمل أفكار الاشتراكية-القومية,ممثلة في شخص عبد الخالق السامرائي (احد المشاريع النظرية والفكرية لتطوير البعث بتلقيحه ماركسيا",اي الجمع بين الشيوعية والاشتراكية الوطنية) وثم التخلص من ابرز مراكز الخطر في الدولة والعمل الحزبي والجماهيري . لقد ورث البعث مع تسلمه الحكم عقدة (فقدان السلطة) التي شكلت هاجسا" مرعبا للقيادة البعثية, وكل عضو من اعضاء حزب البعث , ولصدام حسين شخصيا".لذلك لم يكن العمل بشعار (جئنا لكي نبقى ) محض الفاظ. كان تصميما جديا على البقاء بكل السبل وايا" يكن الثمن .لقد وصف عبد الامير معلة ذلك الاحساس وصفا" صادقا" ودقيقا" وهو يتحدث عن سيرة القائد. وصف عقدة البعث بالقول (ولئن لم تسطع ثورة الثامن من شباط 1963 ان تحتفظ بالسلطة طويلا" لأسباب معروفة شخصها الحزب في تحليلاته السياسية المنشورة فانها كانت من الناحية الاخرة تمرينا" عاما" افاد منه الحزب كثيرا"  عندما استرد مكانه الطبيعي كقائد للدولة والمجتمع بثورة السابع عشر من تموز 1968).
كان تحالف عارف-البعثي في انقلاب رمضان 1963 درسا" بليغا" للطرفين فمن المعروف  ان الصدام الاساسي بين عارف والبعثيين قد تمحور في حزيران عام1963 في نقطة(متفجرة) واحدة هي السيطرة على الاجهزة شبه العسكرية ,الحرس القومي,او بالاحرى تحديد قيادة السلطة .لمن السلطة,للجيش ام للحرس القومي؟ وكانت النتيجة المباشرة فوز الاتجاه العسكري بقيادة عارف مدعوما بالقوميين وحتى ببعض العسكريين البعثين ايضا". ان تجربة البعث مع عبد السلام عارف جعلت الحزب يعجل من تصفية حليفيه الذين اوصلاه الى السلطة عام 63.فحينما تسلم البعث السلطة كان يعاني بشدة من الدرس الاكبر ,خيانة العسكريين له . ولما كان الحزب يخشى من اعادة تجربة فشل ميليشاته السابقة, فلم يكرر تجربة بناء الحرس القومي علنا" , وانما جرى تحويل مؤسسة البعث بكاملها مؤسسة عسكرية .اسخبارية بثياب مدنية ,ثم جرى بعد ذلك عقب التخلص من العسكريين التقليديين البعثين ,تحويل المجتمع بأسره مجتمعا" محاربا" مؤسسا" على القوانين العسكرية. التعبئة العامة , قوات الاحتياط,الجيش الشعبي, الفدائيون ,الاشبال جيش القدس , اضافة الى ما صاحب تلك الجراءات من ترتيبات اجتماعية واقتصادية وثقافية وامنية ,القرى العصرية او البيوت النموذجية,تجفيف الاهوار التهجير القومي , الصناعة العسكرية,أدب القوة, وهذا ما عنيناه بعسكرة الحياة.هذا عرض مقتضب ,مركز لسبل ادارة الحياة السياسية في العراق البعثي, وهو لمحة ضرورية لأنها تكشف لنا أن خيارات العمل الديموقراطي كانت أكثر من بعيدة عن اهداف  القوى السياسية العراقية كافة .وحتى الفترات التي سميت (ديموقراطية) كانت مجرد فترات الاقتسام للسلطة ضمن(خندق واحد )لالتداولها ديوقراطيا. بيد أن السؤال الكثر اهمية هنا هو : هل كانت تجربة صدام حسين  البعثية تطورا"طبيعيا"في بنية حزب البعث,أم انها شذوذ عن التجربة ,كما يرى البعض بعد سقوط هذه التجربة.؟  وهل يملك البعثيون المعارضون لصدام, حظا" واقعيا" في تطوير التجربة البعثية من داخلها الى صيغة ديوقراطية,كما يدعون؟ وبدقة اكبر ,هل يملك البعث اسسا" سياسية صالحة للتطبيق في الواقع , من دون تكرار تجربة صدام حسين أو البعث الخرى,التي رغم اختلافها الجدي عن تجربة صدام, تحتوي على مشتركات عميقة مع تجربة صدام , قومها الارث البعثي الواحد؟ واذا كانت تجربة البعث صيغة من صيغ الاشتراكية القومية , التي جوهر ما يعرف بالفاشية ألايعد تطور هذه التجربة, للتلاؤم مع الواقع ,ضربا من الفاشية الجديدة ,حالها كحال التطورات الاوربية لتيارت الاشتراكية الوطنية؟ هذه الأسئلة وغيره, جزء من قائمة طويلة من المعضلات السياسية واضحة وحاسمة . بيد  ان الاجابة عنها تتطلب جدلا" عنيفا" . فما زالت هذه الاسئلة مغروسة في حياتنا لاكأسئلة نظرية ,بل هي موجودة كبنى ومؤسسات فكرية وتنظيمية وادارية, تفعل فعلها في مجرى النشاط اليومي وتؤثر تأثيرا" سلبيا" في مجرى الجدل السياسي والاجتماعي ويزيد من تأثيرها اضطراب الواقع الاجتماعي العربي وهشاشته ,الذي جعل الادارة العربية الحاكمة لقمة سهلة في يد القوى الاجنبية .     
المصادر  :من يصنع الديكتاتور : سلام عبود

299
علم الجمال           

اعداد - سلوان ساكو

يثير علم الجمال مشكلات لا تدخل تحت عنوان اي علم من العلوم المختلفة وان كان يستفيد من الدراسات العلمية للفن في علوم مثل علم النفس وعلوم الاجتماع ودراسة الانسان ، الاان علم الجمال  يختص وحده في بحث قيمة الفن وطبيعة العمل الفني .فليس كل ما يلذ لحاستي اللمس والشم دائما جميلا" فلا شيء من الجمال في فاكهة لذيذة عند اكلها، فالسمع والبصر هما اعظم الطرق الى العقل اللذان يوصلان الى المخ او المراكز العصبية كل التأثيرات التي تحدث من التأمل في اللون والشكل والهيئة والحركة ، اوفي سماع اصوات خاصة ،ويكون هذه التأثيرات  مصحوبة عادة بشعور بلذة او الم، وتسمى (لذة الجمال ) . ففرع الفلسفة الذي يبحث في هذه الذائذ ومايثير من عواطف هوعلم الجمال .والانسان العادي يحس بسرور ولكنه لايعرف علته، وقلما يبحث وينقب ويححد ذلك .فعلم الجمال هو علم يبحث في الشعور والاحساس وللذائذ التي تبعثها مناظر الاشياء الجميلة  ويضع المستويات التي يقاس بها الشيء الجمال اي يبحث فيها الجميل والقبيح .
الجمال موضوعي ام ذاتي ،او ما طبيعة الجمال؟عم ينبعث الشعور بالجمال هل هناك جمال قائم بنفسه ،او ان الشعور بالجمال يعتمد على ما نجده في انفسنا في الشي وعلى ما يظهر به الشيء امام اعيننا ؟.
توجد هنا اراء كثيرة  أهمها مدرستان : الاولى تعتبر الجمال صفات او خصائص موضوعية موجودة في الاشياء  الجميلة نفسها، ومستقلة عن العقل الذي يدركها ،والا لما اتفق في تذوقه والاستمتاع به جميع الناس في كل زمان ومكان فالجمال موجود في  الاشياء حتى لو لم يوجد عقل يدركه .
اما المدرسة الثانية فلا ترى للجمال وجودا" موضوعيا" ، بل ترده الى القوى التي تدركه ،فالجمال معنى عقلي وليس صفة عينية تقوم في الشيء الجميل مستقلة عن كل ادراك.
المدرسة الاولى تعتبر الجمال مطلقا" بينما حسب المدرسة الثانية هو نسبي ويتوقف على المدرك ، والانفعال الشخصي والتكوين النفسي  والثقافي وهناك رأي يجمع المدرستين يقول بان الشعور بالجمال موضوعي وذاتي معنا"،فالجمال هو علاقة بين الشيئ الجميل والعقل الذي يدركه ، فمع ان الجمال موجود في الاشياء ،كان لوعي الانسان وثقافته ،وتكوينه الخ ما هنالك من اثر في استيعاب  الجمال والشعوربه وتصوره،فمثل" يتضاءل تذوق الافراد للجمال متى كان تفكيرهم او مستواهم الحضاري ادنى،وقد أيدت التجارب في علم النفس التجريبي ، والدرسة التجريبية عموما" لأذواق الناس ، وجود جانب موضوعي مشترك من جهة ، وجانب فردي يخص كل فرد من جهة اخرى ،واجتماعي ،يخص جماعة او زمان معين .
مقايس الجمال ،اوكيف وبماذا نميز الجمال او تصور الجمال ان القوة التي بها نميز الجمال تسمى بالذوق وهي ملكة بها يشعر الانسان بلذة الجمال ، منحها الناس على التفاوتفيما بينهم ، ويرقبها التهذيب والثقافة في الفرد وفي المجتمع بدرجات متفاوتة . ان الصوت الواحد او المنظر الواحد لايؤثر في السامعين والناظرين اثرا" واحدا" ، وسبب ذلك اولا":  ان الاوتار العصبية ليست سواح في التركيب عند الناس ، مع اختلافهم في المزاج والتربية والعادات  وثانيا": اختلاف الناس في درجة القي العقلي، فالحواس لا تعمل وحدها في ادراك الحركات، والاشكال والاصوات والالوان بل معها الفكر والشعور يربط  بينهما وينسقها ، ويدرك علاقاتها وهذا سر ميل البدئيين الى الالوان الصارخة بخلاف ميل المتحضرين الى الالوان الخفيفة مثلا" .
خلاصة القول ان الجمال يضم جميع المشاعر  الطيبة والرائعة الناتجة عن امتلاك ذهن صاف والشعور بسلام  داخلي والاحساس بغاية سامية .بكلمة اخرى، يمكن للجمال الطبيعة ان ينعكس على  وجوهنا فقط عندما نشعر
بأننا على ما يرام  على جميع المستويات اي من الناحية الجسدية والنفسية والروحية .


المصادر
مدخل الى الفلسفة – حسام الألوسي

صفحات: [1]