لقاء سعادة السفير البابوي مع الفعاليات الشبابية في إيبارشية أربيل
ألتقي سعادة السفير البابوي سيادة المطران ألبرتو أورتيغا الفعاليات الشبابية في إيبارشية أربيل الكلدانية مساء يوم الثلاثاء الموافق 8 آذار 2016.
تضمن برنامج اللقاء الذي أشرف عليه ألب ريّان عطّو النائب ألأسقفي للشؤون الثقافية كلمة ترحيبية لسيادة المطران مار بشار متي وردة رئيس أساقفة إيبارشية أربيل
ومشهد تمثيلي حول الرحمة التي تقبل الجميع قدّمها نخبة من شبيبة الإيبارشية وكلمة لسعادة السفير إضافة إلى تراتيل أداها أعضاء الجوقات بإشراف ألأخت نرجس قلب يسوع.
كلمة سعادة السفير البابوي في لقاء الشباب في اربيل
8 آذار 2016
احبتي الشباب :
إنه لفرح عظيم لي ان التقي بكم ، وأنا ممتنّ جدا على استقبالكم الحار. وأحيّ بشكل خاص رئيس الأساقفة المطران بشار وردة وأشكره على تنظيم هذه الفرصة للقاء بكم.
بصفتي ممثلا للبابا في العراق والأردن، كنت افكر مع نفسي ماذا يمكن لي أن أقوله للشباب الذيين سألتقي بهم في أربيل؟ فقلت مع نفسي : ساقول لهم كلاما جميلا ومفيدا قاله قداسة البابا. ومن بين الكثير من تعاليم البابوات الذين قد عرفتهم، قد اخترت أن اشاركم في وثيقتين كمرجع، احداها للقديس البابا يوحنا بولس الثاني والأخرى لقداسة البابا فرنسيس.
والوثيقة الأولى حديث جميل للقديس البابا يوحنا بولس الثاني أثناء لقاء له مع شباب كازاخستان في سنة 2001. وقد خطرت ببالي لأنها تضم فكرة جميلة ترافقني منذ اللحظة التي سمعتها للمرة الأولى. ساقولها لكم حالا.
وحين بدأ البابا كلامه قال شيئا لا بد أن يكون ذات صلة بالعراق، وإن لم يكن ذلك قابلا للتطبيبق في هذه اللحظة مع الأسف. إن التاكيد على ذلك في هذا الموقف تحدي اكبر لابد من ادراكه بسرعة.
لقد قال القديس البابا يوحنا بولس: إن بلدكم بحق بلد يمكن أن يجد فيه العالم الوفاق والإنسجام بين الشعوب المختلفة كعلامة بليغة لدعوة جميع الشعوب كي تعيش معا في سلام ومعرفة متبادلة وإنفتاح، وإكتشاف وتثمين أعمق أبدا للتقاليد المتميزة لكل شعب...
وإدراكا مني لذلك،إيها الشباب الأعزاء فإنني أحي كل واحد منكم. وأقول لكم جميعا كصديق: السلام معكم، ليملأ السلام قلوبكم! واعلموا بأنكم مدعوون لتكونوا بُناة عالم افضل. كونوا بُناة سلام، لأن المجتمع القائم على السلام بصورة راسخة هو مجمتع له مستقبل.
إن هذا الكلام المهم يعكس واحدا من اكبر التحديات للمجتمع العراقي الذي يمكن لكم انتم أيها الشباب بصورة خاصة أن تقدموا له إسهاما مهما.
وقد أجاب البابا يوحنا بولس في الخطاب آنف الذكر على تلك التساؤلات الأساسية التي تهم الشباب، " من أنا ...؟ ما معنى حياتي...؟ إلى أين أنا ذاهب...؟. وكان جواب البابا جميلا للغاية، وهو توكيد قد رافقني دائما: لقد قال القديس يوحنا بولس : " جوابي ، يا أعزائي الشباب ، بسيط لكنه على قدر كبير من الأهمية: أنتم فكرُ الله، انتم نبض قلب الله. وقول هذا الكلام أشبه بالقول أن لكم قيمة مطلقة من ناحية، وبأنكم تهمون الله في فرديتكم الفذة."
هذا أول شيء أود أن أقوله لكل واحد منكم. أنتم فكرُ الله، أنتم نبض قلب الله. لكم قيمة مطلقة، انتم تهمون الله في فرديتكم الفذة.
أنا أعلم بان ظروف الحياة صعبة بالنسبة الى الكثيرين منكم، فالكثيرون منكم خسروا كل ما كانوا يملكون، بما في ذلك الأقارب والأصدقاء، لكن الظروف ليست هي التي تحدد حقيقة حياتكم ومن تكونون. إنكم تكتشفون هويتكم الحقيقية أمام الله. ولكل واحد منا قيمة مطلقة في عين الله. فحتى الأخطاء التي نقترفها لا تحددنا، لأنها ليست الكلمة الأخيرة في حياتنا، لأن الله رحيم. إن الكلمة الأخيرة والحاسمة تأتي من الله، من محبته ورحمته اللامتناهيتين.
لقد خُلقنا " على صورة الله ومثاله." لهذا فإن القلب البشري لا يشبع أبدا: أنه يريد المزيد والأفضل، إنه يريد كل شيء. ما من واقع محدد يرضي ويشبع لهفته. وقد كتب القديس إوغسطين، أحد آباء الكنيسة الأوائل يقول: " لقد خلقتنا لذاتك، أيها الرب، وقلوبنا لا تعرف الإستقرار حتى تستقر فيك."
ألله وحده هو الذي يحقق رغبات قلبنا، لأننا قد خُلقنا بيده ولأجله. نحن مدعوون لكي نستجيب لمحبته. نعم " مدعوون". حياتنا " دعوة" وإستجابة، وجواب لمحبة الله.
لقد قال البابا يوحنا بولس الثاني: يوجد الله قد فكّر بكم ومنحكم الحياة. إنه يحبكم شخصيا ويسلم العالم بيدكم . إنه هو الذي يحرك فيكم العطش إلى الحرية والرغبة في المعرفة.
وأضاف قائلا وهو يتحدث أمام عدد كبير من المسلمين: أسمحوا لي لكي اعترف أمامكم في تواضع وفخر بإيمان المسيحيين: إن يسوع الناصري، إبن الله ، الذي صار إنسانا قبل الفي عام، جاء لكي يشكف لنا هذه الحقيقة في شخصه وتعليمه. ففي مصادفته ، وهوالكلمة التي صار جسدا، نجد فعلا ملىء تحقيق الذات والسعادة.
إن مصادفة يسوع مهمة جدا وهي التي تغير كل شيء ويجب ان نكون ممتنين لذلك.
وأسمحوا لي أن أقتبس جملة مليئة بالمعنى للبابا بندكتس في رسالته العامة " ألله محبة" . أن تكون مسيحيا ليس نتيجة خيار أخلاقي أو فكرة شامخة، بل مصادفة مع حدث، مع شخص، تمنح الحياة أفقا جديدا وإتجاها حاسما.
وقد قال البابا يوحنا بولس الثاني في نفس الحديث: إن الدين بحد ذاته، ومن دون تجربة الإكتشاف العجائبي لإبن الإنسان والإتحاد به والذي صار لنا أخا، يغدومجرد مجموعة من المبادىء التي تصبح بإستمرار صعبا للفهم، وقوانين تغدو صعبة للقبول بإزدياد.
إن اللقاء بيسوع مهم غاية الأهمية ونحن محظوظون جدا في اللقاء به إنه كنزنا، أنه الوحيد الذي يستطيع أن يجدد حياتنا ويبلغ بها إلى كمالها.
ويقول في إنجيل يوحنا:"جئت لتكون لهم الحياة، بل ملىء الحياة".
والوثيقة الثانية التي أخترت أن أشارككم بها هي رسالة البابا فرنسيس إلى مسيحي الشرق الأوسط في كانون الأول 2014.
لقد أراد بوثيقته هذه أن يشارككم قربه وتضامنه الشخصي، إضافة إلى قرب وتضامن الكنيسة كلها، وأن يمنحكم كلمة عزاء ورجاء:
يقول: أخوتي وأخواتي الأحبة الذين يشهدون ليسوع بشجاعة في الأرض التي باركهاالرب، إن عزائنا ورجاءنا هو المسيح ذاته. إشجعكم إذن أن تبقوا قريبين منه، مثل أغصان الكرمة،متيقنين من أنه لا يمكن لمحنة أو ضيق او إضطهاد أن يفصلنا عنه (قارن رومة 8: 35). فلتعزز التجارب التي تتحملونها اليوم إيمان وإخلاص كل واحد منكم وجميعكم!
ولأن البابا يريد فقط أن يمنحنا الرجاء فإن أول شيء يذكرنا به هو أهمية أن نكون قريبين من يسوع. هذا أهم شيء: أن تبقوا قريبين من يسوع. فإن المرء سيجد في كونه قريبا منه عونا كبيرا في الصلاة والأسرار.
أنتم مدعوون لأن تكونوا ملتصقين بيسوع، وأن تعيشوا الدعوة لأن تكونوا قديسين.
إن الموقف الذي تعيشونه، يقول البابا، لهو دعوة قوية إلى القداسة في الحياة، كما شهد على ذلك كل القديسين والشهداء في كل مجتمع مسيحي.
وعليّ ان أقرّ بأنني متأثر بالشهادة التي قدمها الكثيرون منكم، دون أن تفكروا جيدا من أنكم قد خسرتم كل شيء يوما بعد آخر للحفاظ على إيمانكم.
إن هذه الشهادة لهي كنز ليس فقط لكم، بل للكنيسة كلها. لقد ساعدت هذه الشهادة الكثيرين من الناس في الغرب. لي الكثير من الأصدقاء في إسبانيا وإيطاليا من الذين قد تأثروا تأثيرا عميقا بما قد جرى في الموصل ونينوى. وهم يصلون من أجلكم وهم إلى جانب آخرين كثيرين يساعدونكم في إرسال الأموال والإعانات المالية التي تصل من بلاد مختلفة.
لقد قلتم نعم للرب في ظروف صعبة للغاية، وهم ، بالإقتداء بكم، مدعوون أيضا ليقولوا نعم للرب في ظروف كل يوم.
وفي الرسالة آنفة الذكر، يقول البابا مشيرا إلى معاناتكم: أسأل الله أن يجلب كل هذا الألم المتحد بصليب الرب الخير الكثير للكنيسة ولكل الشعوب في الشرق الأوسط.
ولكم أن تتساء لوا كما أتساءل أنا: لماذا حدثت كل هذه الأشياء؟ لماذا يعاني المسيحيون وجماعات أخرى كل هذا الشقاء؟ ولا جواب لي. وكما تعرفون اكثر مني، هناك العديد من الظروف التي ادت إلى هذا الموقف. لكني أود أن أشارككم بأنني مقتنع من أن كل شيء يحدث يكون ، وبطرق عجيبة، لصالحنا وأحاول أن أقرأ كل ظرف عليّ مواجهته بأنه دعوة من الله لكي أهتدي إليه، وأن أكون قريبا منه ، وأن أضع كل ثقتي فيه. لقد أرسل الله إبنه لكي يعلمني ذلك . ففي لقاء يسوع تجد حياتي معناها، بل حتى أن الألم والصعوبات حين تتحد بصليب المسيح يمكن لها أن تحقق لي الكثير من الخير، وللكنيسة والناس من حولي.
لذلك من المهم أن نكون قريبين من يسوع، وأن نعيش بعمق اللقاء معه. وإلى جانب الصلاة والأسرار المقدسة، من المهم العيش في مشاركة الأفخارستيا حتى نعيش اللقاء مع يسوع، وأن نعيش معا في مشاركة مع إخوتنا الذين قد تلقوا نفس الهبة ونفس الإيمان الذين قد قبلناهما. ومهما تحدثنا عن أهمية الوحدة ، وعن كوننا نعيش معا ونعمل معا لن يكون كافيا.
ويكتب البابا فرنسيس في نفس الرسالة: وسط العداوة والنزاع، فإن المشاركة التي تختبرونها في الأخوة والبساطة هي علامة على ملكوت الله. إن الآلام التي يتحملها المسيحيون تسهم إسهاما كبيرا في قضية الوحدة. إنها مسكونية الدم، التي تتطلب الإتكال الواثق على عمل الروح القدس.
حين تختبرون المشاركة وتفعمونها بالحياة تصيرون حضورا حيا ليسوع المسيح في المنطقة، انتم شهود له . هاتان هما الكلمتان اللتان رافقتا تأملات سينودس أساقفة الشرق الأوسط: المشاركة والشهادة.
ويضيف البابا فرنسيس قائلا: لتكونوا دوما شهودا ليسوع في مصاعبكم! إن حضوركم بالذات ثمين للشرق الأوسط. أنتم قطيع صغير، لكنه يحمل مسؤولية عظيمة في الآرض حيث ولدت المسيحية وانتشرت لأول مرة. أنتم مثل خميرة في العجين. إن حضوركم يفوق حتى العديد من الإسهامات التي تقوم بها الكنيسة في مجالات التربية والرعاية الصحية والخدمات الإجتماعية، التي يقدّرها الجميع، فإن اعظم مصدر للإغناء في المنطقة هو المسيحيون انفسهم، انه حضوركم. شكرا لحضوركم!
وثمة علامة أخرى على ملكوت الله التي يشير إليها البابا والتي أتفق معها هي التعاون مع جماعات أخرى ، مع جماعات من ديانات أخرى ، وهنا بوجه خاص مع المسلمين. فكلما أزداد الموقف صعوبة كلما اصبح الحوار ما بين الأديان اكثر ضروريا. وما من سبيل آخر. إن الحوار المبني على الإنفتاح والحقيقة والمحبة ، هو أيضا دواء مضاد لإغراء الأصولية الدينية، التي هي تهديد لإتباع كل دين. وفي الوقت ذاته، فإن الحوار هو خدمة للعدالة وشرط ضروري للسلام الذي يتوق إليه الكل هكذا.
ويقول البابا بطريقة مباشرة جدا: يمكنكم أن تساعدوا مواطنيكم من المسلمين لكي يقدموا في تبصر صورة حقيقية اكثر عن الإسلام كما يرغب في ذلك الكثيرون منهم، مؤكدين على أن الإسلام هو دين سلام، دين يماشى مع إحترام حقوق الإنسان ويُؤثِر التعايش السلمي من قبل الجميع. وسوف يبرهن ذلك فائدته لهم ولكل المجتمع.إن الموقف المأساوي الذي يواجهه إخوتنا وأخواتنا المسيحيون في العراق ، وكذلك الإيزيديون وأعضاء ديانات وجماعات عرقية أخرى ، يتطلب أن يعلن كل الزعماء الدينيين إدانتهم لهذه الجرائم بإجماع ووضوح، وشجبهم لممارسة إستخدام الدين في تبريريها.
ويقول البابا فرنسيس متحدثا إليكم مباشرة إيها الشباب : إلى الشباب أرسل عناقا أبويا. أصلي من اجل إخلاصكم، ومن اجل تطوركم البشري والمسيحي، وتحقيق آمالكم وأحلامكم. واكرر لكم : " لا تخافوا أو تخجلوا من مسيحيتكم. إن علاقتكم بيسوع ستساعدكم لكي تتعاونوا بسخاء مع مواطنيكم، مهما كان إنتماؤهم الديني. "
وفي الحيقيقة أنتم مدعوون ضمن المنطقة لتكونوا حرفييّن بارعين لصنع السلام والمصالحة والتنتمية، ولتعزيز الحوار ، وبناء الجسور ونشر إنجيل السلام.
ورغم قلة عديدكم، فإنكم تلعبون دورا مهما في الكنيسة والبلد الذي تعيشون فيه.
هكذا يختتم البابا فرنسيس رسالته: أخوتي وأخواتي مسيحييوا الشرق الأوسط الأعزاء، على عاتقكم تقع مسؤولية ضخمة، لكنكم لستم وحدكم في تحمل تلك المسؤولية. لذلك أردت أن أكتب اليكم، لأشجعكم وأُعلِمكم كم هو ثمين حضوركم ورسالتكم في الأرض التي قد باركها الرب. إن شهادتكم تعني لي الكثير! اشكركم ! أصلي من أجلكم ومن أجل نياتكم كل يوم
أدعوكم للصلاة من أجل البابا ونواياه كل يوم. شكرا لكم