عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - ضياء نافع

صفحات: 1 [2]
501
أدب / في غرفة الشاعر
« في: 10:22 10/03/2018  »
في غرفة الشاعر
قصيدة للشاعر سيسار كالفو (1940 -2000 )// بيرو
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


خمسون درجة من الفقر..
وصولا الى قلبي –
اصعدوا عليها,
بعدئذ –
الى اليسار...
.......
واذا قابلتم في الطريق
امي ,
التي تحوك لي قطعة من الرقّة
كي أضعها على كتف أحزاني,
اسألوها-
كيف الوصول الى غرفة الشاعر...
.......
واذا قابلتم ايفلين
التي توقف نظرها
على الربيع الذي مات..
اسألوها-
اين تعيش روحي
وكيف الوصول الى غرفة الشاعر ....
.......
واذا قابلتم الفرح
الذي يبكي,
او بحر الرمال,
فاسألوا
حبات الرمال
الى اين تذهبين ...
وعندها ستدخلون الى غرفة الشاعر..
.......
ها هي ذا الغرفة والمصباح
ومحبرة فيها دماء
واخرى فيها فراق,
وفي الزاوية – نسيج عنكبوت
اختلط فيه
 الغبار والدموع ,
وعلى المنضدة – ورقة
انحنى عليها
 رأس الزمان الثقيل..
تأملوا
 غرفة الشاعر,
لا تتكاسلوا,
تأملوا
   غرفة الشاعر....
........ ....
...........
 واذا لا تجدوني
هناك ,
اسألوا
اين انا اليوم
اوقد
الشعل و الحرائق.

502
أدب / رقص تحت المطر
« في: 17:26 04/03/2018  »
رقص تحت المطر
==============

قصيدة من شعر الهنود الحمر
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
========================


نرقص
تحت قطرات
 المطر -
فرحا
 بهطول
المطر,
وبداية سقوط
  المطر
 الغزير.

المطر الغزير-
يروينا,
المطر الغزير-
يملأ
انهارنا
و بحيراتنا.
المطر الغزير-
يمنحنا
الماء
والغذاء.
بالمطر الغزير-
نبقى
احياء.

503
كنت في المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا
أ.د. ضياء نافع
استلمت دعوة كريمة من اتحاد ادباء روسيا لحضور المؤتمر الخامس عشر للاتحاد , والذي انعقد بتاريخ 15 شباط / فبراير من هذا العام (2018) في موسكو , وذلك باعتباري عضو شرف في ذلك الاتحاد , وقد حضرت طبعا – وبكل سرور - جلسات هذا المؤتمر , واستمعت طوال اليوم باكمله الى كلمات المشاركين في اعماله ونقاشاتهم المتشعبة حول مشاكل اتحاد ادباء روسيا و مسيرة اعماله وآفاق مستقبله لاحقا و انتخاب رئاسته ...
 انعقد المؤتمر في ( دوم  ليتيراتروف ) ( بيت الادباء ) , وهي بناية ضخمة تقع في قلب موسكو وذات مدخل مهيب جدا , وموجودة منذ العهد السوفيتي , حيث تضم قاعة كبرى للاجتماعات وقاعات اخرى خاصة للمطاعم ومعارض الكتب واكشاك مفتوحة بشكل فني بديع لبيع مختلف الكتب والمجلات والصحف , وتوجد على جدرانها صور كثيرة جدا للادباء الروس تم التقاطها في مناسبات متنوعة ومختلفة , اذ ان هذه البناية قد شهدت الكثير من الفعاليات الادبية والفكرية خصوصا في العهد السوفيتي , ولهذا فهي تضّم – وليس ذلك من باب الصدفة – تماثيل نصفية جميلة وفنية وفي غاية الاتقان مصنوعة من المرمر الابيض لكل من ماياكوفسكي وغوركي وتولستوي , وهم ادباء روس كبار كانت الآراء السوفيتية مستقرة في حينها حول اهميتهم ودورهم في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , ولم أجد تماثيل لادباء روس آخرين , كانت الاوساط الادبية السوفيتية مختلفة بشأنهم مثل دستويفسكي , ولكن الشئ الجديد في تلك البناية بالنسبة لي كان ينعكس على جدار السلّم المركزي , والذي يؤدي الى الطابق الثاني حيث القاعة الكبرى, اذ وجدت هناك صورا لخمسة ادباء روس بحجم كبير مع اشارة الى سنين حياتهم (الحائزين  على جائزة نوبل للاداب) وهم كل من بونين وباسترناك وشولوخوف وسولجينيسن و برودسكي , وهكذا شاهدت اخيرا - وبامّ عيني - الاعتراف الرسمي لروسيا بهؤلاء الادباء الكبار, وتذكرت طبعا ( وانا ابتسم حزنا !) تلك المواقف المتشنجة والمتطرفة وغير الموضوعية التي رافقت تلك الاحداث في حينها في الاتحاد السوفيتي وفي الاوساط اليسارية في كل انحاء العالم , وكيف انعكست على مواقف الادباء والنقاد العرب وكتاباتهم , وتذكرت حتى قصيدة لعبد الوهاب البياتي (يلعن !) فيها رواية ( دكتور زيفاغو) لباسترناك , ويهدد بتحويل جماجمهم الى منافض للسجائر .
النقاشات التي دارت في جلسات المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا كانت تتمحور بالطبع حول شؤون هذه المنظمة , وقد تم افتتاح المؤتمر بالنشيد الوطني الروسي حيث وقف الجميع بخشوع واحترام واضح , ولاحظت ان بعض المندوبين يتمتمون بكلمات هذا النشيد بهدوء , وقد اخبرتني مندوبة شبه جزيرة القرم التي تحدثت معها في الممر في اثناء الاستراحة انها لا تقدر ان تصمت عندما تستمع الى النشيد الوطني , وانها تبدأ رأسا بالانشاد وبشكل واضح مع كلماته اعتزازا بروسيا وعودة القرم اليها, فقلت لها مبتسما اني لاحظت ذلك فعلا . من الواضح تماما , ان الاجواء التي كانت سائدة في هذا المؤتمر هي الروحية الوطنية , فقد تكلم في البداية أحد المندوبين المشاركين في الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس الحرب الوطنية الكبرى , وقال انه مرّ وهو في طريقه الى المؤتمر بتمثال بوشكين وتذكّر مقطعا من قصيدته , وهو - ( تحيا الشمس !) , ثم مرّ بتمثال غوركي الذي أسماه ( أكبر وأعظم اديب في القرن العشرين !) , ثم مرّ بتمثال ماياكوفسكي الذي أسماه ( قيصر الشعراء ) , واختتم كلمته بالتذكير , ان اتحاد ادباء روسيا هو- ( اتحاد غوركي ! ) , وقد تذكرت انا تسمية اتحاد الادباء عندنا – ( اتحاد الجواهري !) ...ولا مجال هنا لذكر كل الجوانب الاخرى لانعكاس هذه الروحية الوطنية في المؤتمر المذكور .
ختاما لهذا العرض المقتضب والوجيز لاحداث المؤتمر الخامس عشر لاتحاد ادباء روسيا , يجب الاشارة الى بعض الارقام التي جاءت في كلمات المندوبين , منها ان عدد اعضاء الاتحاد يبلغ اكثر قليلا من 8000 عضوا , وهو عدد قليل نسبيا بالنسبة لعدد سكان روسيا وعدد الادباء فيها, وان اكثر من 20% من اعضاء الاتحاد هم في اعمار تجاوزت السبعين عاما , وان عدد الشباب قليل جدا , وكان ذلك واضحا جدا حتى عند القاء نظرة واحدة فقط على قاعة المؤتمر . اما انتخاب الهيئة الجديدة للاتحاد , فقد تمت في نهاية المؤتمر , وقد كان المشاركون يتهامسون وهم يبتسمون عندما كان رئيس الاتحاد فاليري غانيشيف ( مواليد 1933) يظهر وهو على كرسي متحرك بين الجالسين على منصة القاعة , ويقولون هل سيرشح نفسه مرة اخرى ؟ اذ ان غانيتشيف قد شغل منصب رئيس الاتحاد منذ عام 1994 ولحد الان ( اي على مدى 24 سنة !) , ولكنه لم يرشح  - والحمد لله - هذه المرة , وهكذا انتخب المؤتمر رئيسا جديدا لاتحاد ادباء روسيا وهو –  نيقولا ي ايفانوف (مواليد عام 1956 ) , بعد ان نافسه اديب شاب, وايفانوف شخصية محترمة جدا من قبل معظم الادباء , وقد أشادت وسائل الاعلام الروسية بمكانته الادبية واستحقاقه ان يكون رئيسا لاتحاد ادباء روسيا.   

504
أدب / انانيّة
« في: 22:44 27/02/2018  »
انانيّة
=====

قصيدة للشاعر الاذربيجاني حميد خيريسجي (مواليد 1961)
=================================

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================
استند الى نفسي ,
كي
لا اسقط .
+++
احب نفسي ,
كي
 اواسي نفسي.
+++
وكل صباح -
احيي نفسي ,
كي
اسمع صوتي.
+++
كم هو جيد –
لاني موجود,
والا,
لكان الامر مملّا
فعلا.


505
تشيخوف الكويتي على مسرح اردني
أ.د. ضياء نافع
اهدى لي أحد الاصدقاء قبل ايام العدد الاخير من مجلة ( العربي ) الكويتية العتيدة ( العدد 711 الصادر في فبراير / شباط 2018 ) , وقال لي , انه يعرف حبي القديم لهذه المجلة العتيدة , وقد شكرته جزيل الشكر على هذه الهدية القيّمة الجميلة , وبدأت رأسا – وبكل شغف وحب - بالتعرّف على فهرسها , كما كنت افعل في الايام الخوالي , واستوقفني عنوان غريب في هذا الفهرس عن مسرحية ( العطسة ) , التي قدمتها فرقة مسرحية  كويتية على خشبة المسرح الدائري في المركز الثقافي الملكي بالعاصمة الاردنية , أقول ( استوقفني ) هذا العنوان , لأنه ذكّرني رأسا بقصة  معروفة كتبها تشيخوف بعنوان - ( موت موظف ) , وهي قصة مشهورة جدا لدى القراء في العالم العربي , اذ تم ترجمتها عدة ترجمات وعن اللغات الروسية والفرنسية والانكليزية على مدى السنوات الثلاثين الاخيرة ( انظر مقالتنا بعنوان – حول قصة تشيخوف القصيرة  موت موظف), والتي تتحدث عن عطسة موظف بائس اثناء عرض مسرحي على شخص كان يجلس امامه, وكيف أدّت هذه العطسة اللعينة الى موته في نهاية القصة تلك , ولكني طرحت على نفسي سؤالا محددا وهو – لماذا جاءت هذه التسمية , اي العطسة , اذا كانت هذه المسرحية مقتبسة من قصة تشيخوف ( موت موظف ) ؟ وهكذا بدأت أقرأ تلك المقالة مسرعا لمعرفة الاجابة عن سؤالي هذا , ووجدت الجواب فعلا , وقلت مبتسما لصديقي الذي أهدى لي المجلة – سأكتب مقالة حول ذلك بعنوان – تشيخوف الكويتي على مسرح اردني ( وها انا ذا احقق ما وعدت به صديقي !), لأنني اتابع الادب الروسي وانعكاساته في الحياة الثقافية العربية , واعتقد جازما , ان الموضوعة الروسية في آدابنا تستحق هذه المتابعة الدقيقة من قبل المتخصصين في كلا البلدين , لانها تعني دراسة التفاعل الثقافي والفكري بين روسيا والعالم العربي , و لاني اعتقد جازما ايضا ان الثقافة أفضل سبيل للتفاهم بين الشعوب.
وبعد مطالعتي لتلك المقالة , وهي بقلم الباحث الاردني رسمي الجراح , فهمت , ان مخرج  هذه المسرحية الاستاذ عبد الله التركماني قد اختار تقنية ( المسرح داخل المسرح ) , وعرض مسرحية تشيخوف المعروفة – ( الدب ) , ولكنه اثناء عرض تلك المسرحية , جعل أحد ممثليها يعطس على مؤخرة رأس احدهم , ونتيجة لهذه العطسة , يتوقف عرض مسرحية ( الدب ) , وتصبح العطسة محور العرض , وهكذا يمزج المخرج الاحداث اللاحقة لعرضه بجوهر قصة تشيخوف – ( موت موظف ) , ويحاول استخدامها بشكل ذكي جدا وابداعي , اذ انه يتحدث عن خوف ورعب الناس البسطاء امام السلطة ( في بلداننا طبعا !) بغض النظر عن كونهم ليسوا مذنبين امامها , وهو نفس الهدف الذي طرحه تشيخوف في قصته بشكل ساخر جدا وغير مباشر, ولكن المعالجة الابداعية للمخرج جعله ينطلق في اجواء اخرى , رغم انه استخدم نفس العناصر التشيخوفية , مثل موقف زوجة العطاس ورعبها من هذه العطسة, او تفكير العطاس بالاعتذار عن عطسته , او ضرورة ارسال رسالة اعتذار بالبريد للشخص الذي عطس على مؤخرة رأسه ...الخ تلك التفصيلات الصغيرة والنموذجية طبعا , التي تعكس الخوف والرعب الذي يعاني منه الانسان البسيط الاعتيادي في مثل هذه المجتمعات .
تحية للفنانين المسرحيين في الكويت على هذا المزج الفني الابداعي لمسرحية تشيخوف ( الدب ) مع القصة القصيرة ( موت موظف ) لنفس هذا الكاتب , وتحويرها بهذا الشكل الجميل والرائع , وجعلها تعالج مشاكل مجتمعاتنا , هذا التحوير الذي يدّل - بما لا يقبل الشك-على تفهّم الفنانين الكويتين لاعماق الادب الروسي وروحيته.
ختاما , اود ان اهدي مقالتي الوجيزه هذه الى زملائي المتخصصين الروس , الذين يدرسون – وطوال سنين كثيرة –  موضوع انتشار الادب الروسي خارج روسيا , ويؤكدون دائما على دول الغرب , ولا يلاحظون ما يجري في بلداننا في هذا الخصوص , وقد سبق لي ان كتبت حول هذا الموضوع المؤلم بالنسبة لنا ,  واقول ( المؤلم ) لاننا لا يمكن ان نبرر هذا الموقف من قبلهم , لدرجة , ان بعض الزملاء العرب المتخصصين في الادب الروسي بدأوا يتحدثون عن هذه الظاهرة , معتبرين ان موقف الزملاء الروس هو موقف متعمد . دعونا نأمل ان ذلك الموقف هو نتيجة لعدم معرفتهم فعلا لما يجري في بلداننا من دراسات وترجمات وكتابات حول الادب الروسي , وان علينا ايضا تقع مسؤولية اعلامهم بذلك . 






506
جلال فاروق الشريف والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
جلال فاروق الشريف (1925 – 1983 ) – اسم سوري معروف في الاوساط الثقافية السورية خصوصا والعربية عموما , وقد ارتبط اسمه قبل كل شئ بالسياسة , فقد كان رئيسا لتحرير عدة صحف رسمية حزبية في سوريا ترتبط بحزب البعث السوري , ولكن هناك جانب آخر في نشاطه الثقافي ينعكس في كتاباته حول الادب الروسي , وهو ما نحاول في هذه المقالة  التوقف عنده و عرض ملامحه الاساسية , اذ اننا نرى ان هذا النشاط متميز فعلا في موضوعة الادب الروسي في العالم العربي , ويعتبر جزءا في مجمل ما قام به المثقفون العرب في عملية تعريف القارئ العربي بخصائص الادب الروسي واعلامه في النصف الثاني من القرن العشرين , وان جلال فاروق الشريف – هو اسم يستحق ان يكون ضمن تلك الاسماء  التي ندرس مساهماتها في هذا المجال, وتحديد مكانتها ودورها في مسيرة هذه العملية الابداعية. 
تخرّج الشريف في كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1948 , اي انه ليس متخصصا في الادب الروسي بتاتا , ولا علاقة له به , وان مساهماته في الكتابة حول هذا الادب جاءت انطلاقا من هوايته الثقافية  ليس الا ( وهذا شئ رائع ) , وقد ساعدته على ذلك معرفته الجيدة للغة الفرنسية , والتي اطلع على هذا الادب عن طريقها , اذ نجد ان كل مصادره التي يستشهد بها في كتاباته حول الادب الروسي هي فرنسية .
 بدأ جلال فاروق الشريف بنشر نتاجاته حول الادب الروسي عام 1952 , حيث صدر كتابه بعنوان – ( مقابلات مع مكسيم غوركي ) في دمشق , ثم صدر كتابه الثاني عام 1953 بعنوان – ( غوركي وتشيخوف – مراسلات ) في دمشق ايضا وعن دار اليقظة المعروفة ( والتي لعبت دورا متميّزا في عملية نشر الادب الروسي ) , وصدر كتابه الثالث عام 1964 في دمشق بعنوان – ( علم الادب السوفيتي ) , وفي عام 1972 صدر في بغداد كتابه الرابع بعنوان – ( ماياكوفسكي شاعر الثورة الاشتراكية ) , واخيرا صدر كتابه الخامس عام 1983 بعنوان – ( في الادب السوفيتي ) عن وزارة الثقافة السورية . اما مقالاته حول الادب الروسي , فقد نشر مقالة عام 1953 في مجلة الاديب اللبنانية بعنوان – ( بين غوركي والقيصر ) , وفي عام 1954 ظهرت له مقالة في مجلة الاداب اللبنانية بعنوان – ( انطون تشيخوف ). هذه هي النتاجات البارزة في الادب الروسي لجلال فاروق الشريف , وربما فاتنا الاشارة الى نتاجات اخرى لا نعرفها,  و لكن من الواضح تماما , انها – بمجملها - لا ترسم صورة متكاملة لهذا الادب الكبير , وانما تعكس بعض ملامحه ليس الا , وتركز على فترة محددة من تاريخ الادب الروسي , وترتبط بالذات باسماء تشيخوف وغوركي وماياكوفسكي بالاساس, رغم ان الشريف ذكر في نتاجاته تلك اسماء ادباء روس آخرين طبعا وتحدث عنهم بشكل عام .
المقالة التي نود ان نتوقف عندها قليلا هنا ( وليس ذلك من باب الصدفة , وانما لانها تجسّد فعلا مفاهيمه نحو الادب الروسي ) هي – ( بين غوركي والقيصر ) والتي شغلت (4 ) صفحات  باكملها من مجلة  الاديب, وقد كتبها بعد صدور كتابه الاول بعنوان – ( مقابلات مع غوركي ) , وهو كتاب مترجم عن الفرنسية . مقالته عن غوركي كانت ذات نكهة سياسية قبل كل شئ عن المناضل غوركي وليس عن الكاتب غوركي (رغم انه حاول ان يرسم صورة عامة عن سيرة حياته ) , اذ انه طرح الموضوع وكأن هناك صراع مباشر بين غوركي من جهة وبين القيصر الروسي من جهة اخرى , ويشير الشريف الى ان القيصر قد انتصر على (غريمه!) عندما سحب منه عضوية اكاديمية العلوم الروسية , ولكن غوركي اعاد له الصاع صاعين كما يقول التعبير العربي , و انتصر على القيصر بعد قيام ثورة اكتوبر 1917 , وهو طرح يتميّز بالسذاجة طبعا, وبعيد جدا عن النظرة العلمية والموضوعية, ولكن روحية تلك المقالة كانت تتناغم وتنسجم مع العقلية العربية السائدة آنذاك في الاوساط السياسية اليسارية في العالم العربي عموما , والتي كانت لا تعرف الادب الروسي على حقيقته , وانما كانت تنظراليه على انه ادب يساري ثوري يؤيد افكار ثورة اكتوبر منذ بداياته , و لا يهدف سوى الى تحقيق الثورة ضد القيصرية, وان كل ما عدا ذلك لا يستحق أخذه بنظر الاعتبار.
اود ان اشير هنا ايضا الى اني نشرت عام 1972 مقالة في صفحة ( آفاق ) بجريدة الجمهورية في بغداد ( والتي كانت بادارة الصحافي العراقي الكبير محمد كامل عارف )  حول كتاب جلال الشريف بعنوان – ( عشر ملاحظات حول كتاب ماياكوفسكي شاعر الثورة الاشتراكية) , ولا توجد لديّ  هذه المقالة مع الاسف الان , ولكني اتذكر اني كتبت ان ( عنوان الكتاب يسيل اللعاب ) , ولكن لا يمكن اعتباره بحثا علميا حقيقيا حول ماياكوفسكي ( لم يكن في الكتاب حتى فهرس !!), وانما تجميع مواد من اربعة مصادر فرنسية ليس الا, وانتقدت المؤلف لانه ابتدأ كتابه بالاستشهاد بكلمة ستالين عن ماياكوفسكي ( باعتباره اعظم شاعر سوفيتي !), وقلت له , انه لا يجوز لكاتب عربي يصدر كتابا عن الادب الروسي في سبعينات القرن العشرين دون ان يعرف تلك الوقائع الكبيرة التي حدثت في روسيا. وقد التقيت بالمؤلف في مؤتمر المربد في بغداد , واخبرني انه سمع بمقالتي , فحاولت ( تخفيف !) الوقع  طبعا, وقلت له انه توجد في كتابك ( هفوات ) , وانه بحاجة الى اعادة صياغة . واكرر الان , ان النظرة السياسية الى الادب الروسي تقلل من قيمة اي عمل ابداعي في هذا المجال , وهي الصفة الاساسية  في كتابات جلال فاروق الشريف حول الادب الروسي .
ختاما لهذه السطور , اود ان أشير الى كتاب ( مراسلات غوركي وتشيخوف ) الذي ترجمه جلال فاروق الشريف , وان أشيد به ايضا , لانه عمل وثائقي مهم جدا لتعريف القارئ العربي بخصائص هذين الاديبين الكبيرين , وان هذا الكتاب لا زال – ولحد الان – يمتلك اهميته وقيمته , وليس عبثا ,  اعادة طبعه في دمشق عام 1983 , اي بعد ثلاثين سنة من صدوره.
جلال فاروق الشريف – ابن من ابناء النصف الثاني من القرن العشرين , ونحن بحاجة الى دراسة تراثه في اطار عصره حتما, وانطلاقا من تلك المفاهيم التي كانت سائدة آنذاك .

507
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (13)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – كن حذرا مع الذي يصمت.
التعليق – يقول المثل الطريف باللهجة العراقية في نفس المعنى – من السكوتي طكي وموتي ومن الورواري خلي وفوتي . ( السكوتي – الصموت // طكي – انفجري // الورواري – الثرثار ). المثل الياباني واضح وصارم ودقيق .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا أردت ان تعرف نفسك اسأل الاخرين .
التعليق – مثل طريف جدا , ورغم انه غير واقعي بالمرّة (اذ كيف يسأل الآخرين عن رأيهم به ؟) , الا انه صحيح فعلا , اذ ان الرأي الذي يتبلور عن الشخص عند الآخرين يأتي نتيجة تصرفاته الشخصية عبر فترة طويلة من الاختلاط معهم.
+++++
الترجمة الحرفية – عند النهار توجد عيون , وعند الليل توجد آذان.
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل الياباني جميلة جدا  , وهي تذّكر طبعا بالمثل العالمي المشهور – للحيطان آذان , الا انها أكثر وضوحا ومنطقية .
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف الانسان عند الكوارث.
التعليق – ونحن نقول الصديق وقت الضيق , ولكن المثل الياباني أوسع  كثيرا في صورته الفنية , اذ انه يتناول الانسان بشكل عام وليس الصديق فقط .
+++++
الترجمة الحرفية –  كلامه كلام بوذا , ولكن قلبه قلب حيّة.
التعليق – اضفنا الى الترجمة الحرفية كلمتي ( كلامه + قلبه ) ليكون المعنى أوضح للقارئ العربي . المثل الياباني ساطع طبعا , وهو يصّور المنافق اللئيم , الذي يتناقض كلامه مع احاسيسه الحقيقية. توجد أمثال كثيرة ومعروفة  عند الشعوب حول هذه الحالة , بما فيها شعوبنا العربية طبعا , ولنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا –
يعطيك من طرف اللسان حلاوة   ويزوغ عنك كما يزوغ الثعلب.
 الصورة الفنية في هذا المثل الياباني متميّزة فعلا , اذ انها تقارن بين ( بوذا !) و ( الحيّة !) .
+++++
الترجمة الحرفية – في البداية العناية , بعدئذ الدواء.
التعليق – يقول المثل العربي والعالمي ايضا -  الوقاية خير من العلاج , وهو في نفس المعنى بشكل عام طبعا , الا ان المثل الياباني هذا اكثر دقة , اذ انه يشير الى ( العناية ) وهي تختلف  بالتاكيد عن ( الوقاية ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الريح وزهور الكرز لا يمكن ان يكونوا اصدقاء.
التعليق – لان الريح عندما تهب تقتلع الزهور من اغصانها , ولهذا فان الريح والزهور لا يطيقان بعضهما البعض , اي انهما مثل ( حيّة وبطنج !) كما نقول نحن بلهجتنا العراقية .
+++++
الترجمة الحرفية – وفي الكذب توجد حقيقة.
التعليق -  يوجد  بالعربية مثل معروف يؤكد هذا المعنى فعلا , وهو – يفوتك من الكذاب صدق كثير.
+++++
الترجمة الحرفية – يجب مراعاة الاتيكيت حتى في الصداقة.
التعليق – مثل دقيق جدا , فالصداقة تحتاج الى الرعاية مثل اي علاقات اخرى بين البشر , و(الميانة الزائدة التي تتخطى الحدود) كما نقول بلهجتنا العراقية قد تفسد هذه العلاقة , وهناك قول يشير الى ان  - ( المزاح لا يكسب عدوا , ولكن كثيرا ما يفقدك صديقك)
+++++
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر قريبا في بغداد عن – ( دار نوّار للنشر ).

508
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (12)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الخصومات في البيت تزرع الفقر.   
التعليق – مثل صحيح جدا. يوجد مثل روسي يقول – جدر العائلة يفور دائما , وربما يمكن القول ان المثل الياباني هنا يبين الوجه الاخر للقمر , اي الوجه المظلم له , اذ ان (جدر العائلة يفور) يعنى ان التضامن والوئام يسودان في تلك العائلة , والعكس صحيح طبعا.
+++++
الترجمة الحرفية – التابع المخلص لا يخدم سيّدين.
التعليق –  لنتذكر القول العظيم للسيد المسيح – لا يقدر أحد ان يخدم سيّدين , لانه اما ان يبغض الواحد ويحب الآخر , او يلازم الواحد ويحتقر الآخر , لا تقدرون ان تخدموا الله والمال .
+++++
الترجمة الحرفية – الاخوة يتخاصمون فيما بينهم , لكنهم يدافعون عن انفسهم ضد الغرباء.
التعليق –  يقول المثل العربي المعروف - انا واخوي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب , وهو في نفس المعنى طبعا. 
+++++
الترجمة الحرفية – المرح , الذي يصل الى أقصاه , يولد الشجن.
التعليق – لكل شئ حدوده ,  وكل شئ يزيد عن حده ينقلب ضده كما يقول المثل بمختلف  اللهجات العربية, اي يصبح  كما قال المتنبي العظيم , وذهب قوله مثلا  - ضحك كالبكا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحاجة للطعام أقوى من الحب .
التعليق – مثل واقعي جدا , فالجوع كافر كما يقول المثل العربي  , والبطن الجائعة صماء امام كل شئ كما يقول المثل الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية – يستند الانسان على عقله مثلما يستند الطير على جناحيه.
التعليق – العقل عند الانسان مهم جدا مثل الاجنحة عند الطيور , والرأس بلا عقل هو رأس بصل كما يقول المثل الروسي . يوجد مثل روسي آخر يذّكر بهذا المثل الياباني  وهو - الطير جميل بريشه والانسان بعقله .
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد أدوية ضد العشق.
التعليق – مثل طريف وحقيقي فعلا , ويمكن ان يتداوى الانسان من هذا (المرض!!) ,  حسب الوصفة الخالدة -  ( داوني بالتي كانت هي الداء !) .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحتقر العدو الذي يبدو ضعيفا , ولا تخاف من العدو الذي يبدو قويا.
التعليق – مثل حكيم من شعب مرّ في تاريخه عبر الحروب , ويمتلك خبرة طويلة فيها.
+++++
الترجمة الحرفية – من القوة السابقة لا توجد فائدة.
التعليق –  كلام صحيح , فالمجد السابق يتفاخر به الضعفاء فقط . لنتذكر بيت الشعرالعربي الذي ذهب مثلا , وهو –
ان الفتى من يقول ها انا ذا     ليس الفتى من يقول كان ابي.
+++++
الترجمة الحرفية –                  الهموم – سم للصحة .
التعليق – مثل صحيح جدا . يقول المثل الروسي – العث يأكل الملابس , والحزن يأكل الانسان.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما كان ضروريا عملوا منه نمرا , وعندما انتفت الحاجة اليه حولوه الى فأر.
التعليق – مثل طريف يسخر من المنافقين وتقلبات وجهات نظرهم حسب مصالحهم, وما أكثرهم في المجتمعات كافة. يوجد مثل عربي بمختلف اللهجات العربية في نفس المعنى , وهو باللهجة العراقية – اذا حاجتك عند الجلب سميّه حجي جليب ( الجلب – الكلب /// سميّه – اطلق عليه تسمية /// حجي - الحاج )   
+++++
الترجمة الحرفية -  جالسا على جذع لن تصطاد الارنب.
التعليق – ويقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة.  الصورة الفنية طريفة في هذا المثل الياباني .
===================================
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوّار للنشر ).

509
محاضرات نابوكوف حول الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
صدر كتاب – ( محاضرات حول الادب الروسي )  في  موسكو باللغة الروسية عام 1999 ليس الا , ويقع في ( 440) صفحة من القطع المتوسط (واعيد طبعه عام 2012 ايضا في  448 صفحة ) , ويتضمن محاضرات الكاتب الروسي الشهير فلاديمير نابوكوف ( 1899 روسيا – 1977 سويسرا) التي ألقاها امام الطلبة الامريكان في الجامعات الامريكية باللغة الانكليزية , عندما كان يعمل هناك استاذا محاضرا , وهي محاضرات في الادب العالمي بشكل عام , والروسي بالذات طبعا . لم يطبع نابوكوف هذه المحاضرات في كتاب خاص اثناء حياته, وقد تم نشر تلك المحاضرات باللغة الانكليزية بعد رحيله, و بمبادرة من المؤرشف فريدسون بادرس وبمساعدة ودعم ارملة نابوكوف وابنه , وصدرت بثلاثة كتب هي – ( محاضرات حول الادب ) 1980 /// ( محاضرات حول الادب الروسي ) 1981 /// ( محاضرات حول دون كيخوته ) 1983 , والكتاب الذي نعرضه هنا هو الثاني , اي – محاضرات حول الادب الروسي , وقد أصدرته في موسكو صحيفة ( نيزافيسيمايا غازيتا ) ( الجريدة المستقلة ) عام 1999 كما أشرنا أعلاه , وأضافت اليه بعض مقالات نابوكوف حول فن الترجمة , و عن بعض الادباء الروس , ومنهم بوشكين وليرمنتوف , وهي مقالات تنسجم مع طبيعة الكتاب ومضامينه.
يبتدأ الكتاب بمحاضرة عنوانها – ( الادباء والرقابة والقراء في روسيا ) , ويمكن القول ان هذا الفصل بمثابة المقدمة النظرية لهذا الكتاب ,  اذ يتناول نابوكوف فيه الخصائص العامة للادب الروسي و موقف الدولة الروسية القيصرية والسوفيتية تجاه اعلام هذا الادب كما هو واضح من طبيعة عنوان هذا الفصل , وتنعكس في هذا الفصل طبعا آراء  نابوكوف العامة حول بنية النظام وعلاقته بالادباء الروس , وهو فصل يحمل سمات كل المحاضرات اللاحقة في ذلك الكتاب من امثلة تفصيلية وصور فنية مرسومة باسلوب نابوكوف وملاحظاته الدقيقة  و التفصيلية ومعرفته المعمقة لتاريخ بلده و مسيرة الادب فيها .
      ينتقل الكاتب بعد هذا الفصل الى سلسلة محاضرات عن غوغول , وتتوزع هذه المحاضرات على اربعين نقطة فرعية, حيث يتناول حياة غوغول منذ شبابه الى موته , ثم يتوقف بعدئذ و بالتفصيل عند خصائص الدولة الروسية آنذاك و في خمس نقاط باكملها و بعنوان غريب هو – ( شبح الدولة ) , وينتقل بعد ذلك الى بطل رواية ( الارواح الميتة )( يرد عنوان الرواية بالعربية بعض الاحيان – النفوس او الانفس الميتة ) , ويكرس له تسع نقاط وبعنوان واحد  – ( السيد جيجيكوف) وهو بطل تلك الرواية (يكتبون اسمه بالعربية بعض الاحيان تشيتشيكوف ) , ويختتم تلك النقاط بنقطة قبل الاخيرة بعنوان – ( تمجيد الاقنعة ) , ويكرس النقطة الاخيرة للتعليقات والهوامش حول غوغول وما ورد بالذات في تلك النقاط  التفصيلية عنه.
ينتقل  نابوكوف بعد ذلك الى تورغينيف , وتتوزع هذه المحاضرات على اربع عشرة نقطة , وتتركز على رواية تورغينف الشهيرة ( الاباء والبنون ) . ثم ينتقل الى دستويفسكي , ويتحدث المؤلف عنه في ست عشرة نقطة تبتدأ من تفصيلات سيرة حياته وتتوقف عند مرض الصرع والهستيريا عنده وخصائص سايكولوجيته وانعكاس كل تلك الامراض على نتاجاته الادبية , ثم يتوقف في نقاط منفصلة  عند بعض تلك النتاجات , وهي  - رواية الجريمة والعقاب ومذكرات من البيت الميت ( يرد العنوان في الترجمة العربية – بيت الموتى او ذكريات من منزل الاموات ) والابله والابالسة ( يرد العنوان في الترجمة العربية الشياطين ) والاخوة كارامازوف , وينعكس في هذه النقاط طبعا رأي نابوكوف السلبي تجاه دستويفسكي , اذ من المعروف ان علاقته به كانت دائما مضادة , وقد تناول الباحثون في تاريخ الادب الروسي هذا الموقف وأشاروا , الى ان نابوكوف لم يفهم فلسفة دستويفسكي ولم يحاول ان يستوعب افكاره , بل ان بعض  النقاد اتهموا نابوكوف بالغيرة الشديدة منه , وهي ( تهمة !) كبيرة طبعا وتتطلب اثباتات وبراهين مادية دقيقة لا توجد واقعيا ,  وهناك من يقول ان نابوكوف كان يمثّل رأي تلك الشريحة من المثقفين الروس الغاضبين على وطنهم روسيا , هذا الوطن الذي تركهم خارجه ولم يلتفت اليهم ولم يرعاهم , بينما دستويفسكي تمسّك به رغم وضعه الصعب ولم يتركه, وهذا الرأي ذاتي بحت طبعا ولا يؤيده  الكثير من الباحثين . ان موقف نابوكوف من دستويفسكي هو موضوع كبير ومعقد ومتشابك في تاريخ الادب الروسي ويقتضي الدراسة والتحليل المعمق لنتاجاتهما الادبية والمقارنة بين مواقفهما الفلسفية والسياسية والفكرية بشكل عام بلا شك , ولا يمكن لنا تحديد موقف معين هنا  حول هذا الموضوع الكبير في اطار هذا العرض السريع لكتاب نابوكوف عن الادب الروسي واعلامه.
ينتقل نابوكوف بعدئذ الى تولستوي , ويوزع محاضراته عنه ضمن ( 128) نقطة تفصيلية باكملها , تبتدأ من حياته ثم يتوقف عند رواية ( آنّا كارينينا ) ورواية ( الحرب والسلم ) , ويختتم تلك النقاط بالحديث عن ( موت ايفان ايليتش ). من المعروف في النقد الادبي الروسي والعالمي ايضا اهتمام نابوكوف الكبير بتولستوي , اذ انه يعتبره قمة الادب الروسي , وواحدا من أعاظم ادباء العالم وفنانيه .
يختتم نابوكوف محاضراته  بالتوقف عند اسمين من اسماء الادباء الروس وهما تشيخوف وغوركي , حيث يتحدث ضمن( 11 ) نقطة عن تشيخوف تبتدأ بحياته , ثم يتوقف تفصيلا عند قصته الطويلة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , والتي كان نابوكوف معجبا بها جدا, و يعدّها واحدة من أبرز القصص في الادب العالمي عموما وليس في الادب الروسي وحسب, ثم يتوقف اخيرا عند مسرحيتة - ( النورس). الاسم الاخير في هذه المحاضرات هو غوركي , وقد تحدث نابوكوف عنه بشكل سلبي , اذ من المعروف انهما يتناقضان مع بعض سياسيا وفكريا , وان مواقفهما بعيدة عن بعض بشكل جذري .
ان كتاب ( محاضرات حول الادب الروسي ) لنابوكوف هو عمل علمي هائل الاهمية , يستحق القراءة من قبل الذين يريدون ان يتعمقوا في معرفة الادب الروسي واعلامه اولا , و كذلك من قبل الذين يريدون ان يفهموا موقف نابوكوف الفكري و طبيعة عبقريته في النقد الادبي والبحث العلمي ثانيا.

510
ليليا ماياكوفسكي وشقيقتها  الزا  اراغون 
أ.د. ضياء نافع
 ليليا ( او ليلي حسب بعض المصادر العربية ) وشقيقتها الزا - روسيتان دخل اسمهما في تاريخ الادب الروسي و تاريخ الادب الفرنسي في القرن العشرين , الاولى ( ليليا بريك 1891 - 1978 ) حبيبة الشاعر الروسي فلاديمير ماياكوفسكي , والثانية شقيقتها الصغرى ( الزا تريوليه 1896 - 1970 ) زوجة الشاعر الفرنسي لوي اراغون.
تناولت المصادر العربية هذا الموضوع هنا وهناك ولكن بشكل غير واسع وغير معمق  وغير شامل ايضا , ولعل أبرز من كتب حول ذلك هو الكاتب المصري عماد ابو صالح , الذي نشر مقالة شغلت خمس صفحات باكملها في مجلة (الفيصل ) السعودية المعروفة, والتي جاءت بعنوان – ( ليلي بريك من عشيقة ماياكوفسكي الى عميلة في الشرطة السّرية ) , وقد ذكر الكاتب في تلك المقالة معلومات تفصيلية كثيرة عن حياة ليلي و سيرتها الشخصية قبل كل شئ وطبيعة علاقاتها مع ماياكوفسكي و مع رجال آخرين ,  وعدا ذلك , فان الكاتب ركّز ايضا في مقالته تلك على الموقف السياسي لبريك وزوجها , و أشار الى انها كانت عميلة للسلطة السوفيتية آنذاك ( كما هو واضح حتى من عنوان تلك المقالة المثير) , بل انه ذكر ان بعض الادباء الروس الكبار ( مثل يسنين وأخماتوفا ) كتبوا على باب شقتها كلمات مضادة لها تشجب تعاونها مع الشرطة السوفيتية السرية , لكن الكاتب لم يكتب , بل حتى  لم يشر بشكل مباشر او غير مباشر الى المصدر الذي اعتمده بشأن  كل هذه المعلومات الخطيرة والغريبة  و الفنتازية اصلا بالنسبة للوضع السوفيتي المتشدد جدا في موسكو , و الذي كان سائدا في عشرينات القرن العشرين آنذاك بعد ثورة اكتوبر 1917 كما هو معروف .
لم تتوقف المصادر العربية كافة عند تأثير هاتين الشقيقتين على ابداع ماياكوفسكي وأراغون , او الى التفاعل الحيوي الكبير لهما مع  تلك القصائد المهمة في تراث الشاعرين الكبيرين , وهو موضوع يقتضي التعمق في دراسة ابداع ماياكوفسكي واراغون طبعا, واذا كان اراغون قد أبقى لنا دواوين و قصائد ترتبط باسم الزا ( مثل عيون الزا او مجنون الزا ) , فان الامر أصعب بالنسبة لماياكوفسكي . المصادر العربية ركّزت على العلاقات العاطفية الشخصية بين هؤلاء بالدرجة الاولى , اذ نظرت ب ( عيون شرقية جدا !!!) الى الموضوع  (والحليم تكفيه الاشارة !), وبالغت فيه , وأضافت اليه طبعا ( كثيرا من التوابل !!!) , ولم تأخذ  تلك المصادر بنظر الاعتبار بتاتا انهم ابناء مجتمع آخر يختلف اخلاقيا – وبشكل جذري – عن الاخلاقيات السائدة في مجتمعاتنا , ولم يخطر في بال هؤلاء الذين كتبوا حول ليليا وشقيقتها الزا اسئلة من قبيل – ( كيف استطاعت امرأة روسية ان تصل الى باريس وتتزوج من شاعر فرنسي كبير مثل اراغون , وان تتحول هي نفسها بعدئذ الى اديبة فرنسية  يشار اليها بالبنان كما يقول تعبيرنا الشهير , وان تكتب نتاجات بلغة فرنسية شفافة ؟؟؟) , او –  ( لماذا كتب شاعر فرنسي بمستوى أراغون تلك الدواوين والقصائد المليئة بالعواطف والاحاسيس الجيّاشة حول هذه المرأة بالذات , والتي لازال القراء وفي كل انحاء العالم يطالعونها بكل حب وتعاطف ولهفة ؟؟؟ ) , او  - ( كيف استطاعت امرأة روسية ان تكرس حياتها في موسكو بعد انتحار ماياكوفسكي لمسألة حفظ تراث الشاعر هذا  من الضياع  , والاشراف على متابعة طبع نتاجاته , وكيف كتبت بشجاعة وثقة الى ستالين نفسه - وفي تلك السنوات العجاف - حول عرقلة البيروقراطية الروسية  لخططها بشـأن هذا الموضوع , وكيف تعاطف ستالين معها فعلا ؟؟؟) , او - ( لماذا كتب ماياكوفسكي اسمها في وصيته قبل ان ينتحر , طالبا من الدولة ان تعتبرها ضمن افراد عائلته؟؟؟).....وهناك الكثير من المواضيع ,  التي ترتبط باسم هاتين الشقيقتين في تاريخ الادبين الروسي والفرنسي , والتي تقتضي البحث والتأمل والتقصي من قبل باحثينا .
موضوع ليليا وشقيقتها الزا ينتظر الباحثين العرب وموضوعيتهم.       

511
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (11)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – سبع مرّات دقّق قبل ان تسئ الظن بانسان او تشكك به.
التعليق – مثل حكيم جدا , لأن ( بعض الظن اثم ) كما تشير الآية الكريمة . المثل الياباني هنا يذّكر بالدقة اليابانية , اذ انه يدعو الى التدقيق ( سبع مرّات !!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – نهاية الثرثرة – بداية العمل.
التعليق –  مثل صحيح , لأن الثرثرة تعرقل العمل , والعمل والثرثرة يتعارضان , بل ويتناقضان مع بعض . يقول المثل الروسي – كل الوقت للعمل , وساعة واحدة للهزل.
+++++
الترحمة الحرفية – لا توجد أسلحة ضد البراهين العقلانية.
التعليق –  مثل رائع , لان البرهان العقلاني أقوى من اي سلاح  بالفعل.
+++++
الترحمة الحرفية – الذي يتاجر بالملح , يداه مالحتان.
التعليق – مثل صحيح, اذ ان كل مهنة  يمارسها الانسان تنعكس على خصائصه . الصورة الفنية في هذا المثل الياباني طريفة و منطقية جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – تنحّى عن الطريق للحمقى والمجانين.
التعليق – يوجد حديث شريف يقول – أمرت ان اخاطب الناس على قدر عقولهم  , وهذا يعني بالطبع  صحة ودقّة هذا المثل الياباني , اذ يجب التنحي عن الطريق لهؤلاء الذين بلا عقل اصلا كالحمقى والمجانين .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة يمكن ان تقتل الانسان.
التعليق – يقول المثل الروسي – الكلمة ليست سهما , لكنها تتوجه نحو القلب. هناك قول معروف في تراثنا العربي يشير الى نفس المعنى وهو – احذروا اللسان فانه سهم يخطأ . المثل الياباني هنا أكثر دقّة ووضوحا وحسما. 
+++++
الترجمة الحرفية – القلب الطيب أفضل من الوجه الجميل.
التعليق – مثل صحيح جدا ,وهو يذكرنا بالمثل الطريف باللهجة العراقية -  بالوجه مرايه وبالكفه سلايه . المثل الياباني واضح المعالم , والصورة الفنية فيه دقيقة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يكذب – هو الذي يسرق.
التعليق – لأن الكذب هو اساس كل الخطايا , وليس عبثا ان كل أمثال الشعوب وحكمهم تحذّر من الكذابين وتصرفاتهم .
+++++.
الترجمة الحرفية – اختلط مع العجوز وكأنه والدك.
التعليق – نبرة احترام الكبير موجودة في حكم وامثال الشرق عموما, والمثل الياباني هنا يعتبر نموذجا واثباتا لهذه الحقيقة الساطعة  .  لنتذكر الآية الكريمة –
فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما ..
+++++
الترجمة الحرفية – مرحلة الشباب لا تتكرر مرتين.
التعليق – كل مراحل الحياة لا تتكرر مرتين طبعا , الا ان الانسان يركّز دائما على مرحلة الشباب , ونجد ذلك واضحا  في أمثال كل الشعوب , لانها المرحلة الاجمل في عمر البشر. لنتذكر بيت الشعر المشهور لدينا –
الا ليت الشباب يعود يوما ......
+++++
الترجمة الحرفية – التعلّق الشديد يمكن ان يتحول الى كراهية شديدة.
التعليق – يقول المثل العربي – الفرق ( او الفاصل ) بين الحب والكراهية شعرة , وهناك مثل روسي في نفس المعنى يقول – تعيش الصداقة قرب اللاصداقة . المثل الياباني اكثر دقة .
+++++
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر في بغداد قريبا عن ( دار نوّار للنشر ).

512
أدب / اريد أنا
« في: 20:29 06/02/2018  »
اريد أنا
=====

قصيدة للشاعرة الفونسينا ستورني // الارجنتين
===========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

 أن أعود الى الوراء
الى حيث الاصالة والنقاء,
وأن أصبح مثل العشب ,
ومثل الازهار التي
تتفتح لتوّها كالضياء,
وأن أصل الى
منابع الجمال...
وأن أرتوي
هناك
 من الرحيق ,
دون ان أحطّم
كأسها الغميق
 الرنّان.
========================================================================
ألفونسينا ستورني ( 1892 – 1938 ) – شاعرة وكاتبة مسرحية معروفة ومشهورة في الارجنتين وفي كل أمريكا اللاتينية عموما /// أصدرت عدة دواوين شعرية وكتبت مسرحيات لا زالت تعرض على مسارح امريكا اللاتينية , وحائزة على عدة جوائز ادبية  مهمة/// تعد واحدة من أبرز الاديبات في مجال ما بعد الحداثة في امريكا اللاتينية /// ماتت منتحرة (رمت بنفسها في البحر) , ويوجد لها هناك تمثال عند البحر , في نفس المكان الذي انتحرت فيه .

513
ملحقية ثقافية أم ادارة شؤون الطلبة ؟
أ.د. ضياء نافع
--------------------------


اطلعت قبل فترة على كتاب جميل جدا باللغة الروسية يضم مئات من قصائد الهايكو اليابانية المعاصرة مع تعريف وجيز و متكامل بالشعراء الذين كتبوها , وقد قامت الملحقية الثقافية اليابانية في سفارة اليابان بموسكو باصداره وتوزيعه في روسيا. وعندما زرت مرة سفارة سلطنة عمان في موسكو لاحظت عدة كتب انيقة وفخمة بالروسية عن مسقط وعمان تحتوي على صور جميلة جدا لتلك السلطنة وشرح تفصيلي بالروسية حول تلك المناظر الرائعة , وعندما سألت الموظف هناك عن كيفية الحصول عليها أخبرني انها معدّة لكل من يزور سفارتنا, وانهم يقدموها بكل امتنان لكل من يرغب بأخذها . وتكرر هذا الموقف معي عندما كنت في سفارة جمهورية الجبل الاسود  في موسكو قبل فترة , وهي دولة صغيرة وليست غنية بمواردها , ويبلغ عدد سكانها أكثر من نصف مليون نسمة ليس الا , ووجدت هناك عدة كتب بالروسية جميلة وفخمة جدا حول معالم مدنها وثقافتها . لكني لا استطيع قول ذلك – ومع الاسف الشديد – بالنسبة لسفارتنا في موسكو , اذ اني لم أجد فيها اي كتاب حول العراق لا بالروسية او باي لغة اخرى طيلة مراجعاتي لها . واذكر مرة ( قبل عدة سنوات ) ان اتصل احد المستشرقين الروس بي هاتفيا وقال لي انه قابل الملحق الثقافي العراقي و طلب دعما بشأن كتاب أعده هذا المستشرق حول الادب في العراق , ويتضمن قصصا مترجمة من العربية الى الروسية لمجموعة من الادباء العراقيين , وكان طلبه ينحصر بشراء مجموعة من النسخ ليس الا تشجيعا لدار النشر التي أصدرت الكتاب, لكن الملحق الثقافي أخبره ( كما قال لي هذا المستشرق ) ان ذلك لا يدخل ضمن واجباته , وقد سألني المستشرق هل صحيح انه لا يدخل ضمن واجبات الملحقية الثقافية مساندة  كتب تصدر بلغة ذلك البلد الذي تعمل به  تلك  الملحقية الثقافة عن ثقافة بلدها ؟ وقد حاولت طبعا أن أخفف من وقع ذلك , وقلت لهذا المستشرق ( في محاولة من قبلي لايجاد تبرير ما لذلك الموقف ) ان الملحقية الثقافية  على ما يبدو لا تمتلك الحق الاداري بالصرف على تلك الابواب نتيجة الوضع الصعب الذي يمر به البلد في الوقت الحاضر, ولكني في اعماقي تذكرت حادثة شخصية مرّت بي , اذ التقيت مرة بالملحق الثقافي الفرنسي في بغداد في عام 1972 , ولا زلت اتذكر اسمه لحد الان , وهو المسيو لوزغاردي , وكانت بيدي جريدة الجمهورية , حيث نشرت صفحة (آفاق) المشهورة في تلك الجريدة مقالة مترجمة لي عن الكاتبة الفرنسية فرنسواز ساغان مع صورة جميلة لاحدى رواياتها , وقد أهديت نسخة الجريدة تلك له للذكرى , وتحدثت معه لدقائق قليلة ليس الا حول ساغان والمقالة  المترجمة عنها , وتقبل الملحق الفرنسي تلك الهدية بكل امتنان , وجاء في اليوم التالي خصيصا اليّ ليقدم لي هدية هي عبارة عن كتاب فخم حول حضارة فرنسا مع رباط عنق فرنسي جميل , وشكرني شكرا جزيلا لاني ( اساهم بشكل فعّال في نشر الثقافة الفرنسية خارج فرنسا وفي عملية تعريف القارئ العراقي بها !!!).
 الملحقية الثقافية - تسمية كبيرة و رنّانة جدا , وقد توارثنا هذه التسمية منذ عهود تأسيس الدولة العراقية الحديثة , ولكنها  في الواقع لا ترتبط بالثقافة لا من قريب ولا من بعيد, وانما هي كانت شعبة ادارية بحتة في وزارة المعارف ( هل تذكرون هذه التسمية الجميلة؟) تتابع دراسة الطلبة العراقيين في ذلك البلد الاجنبي او ذاك ليس الا , وبعض الاحيان حتى لا تتابعهم اصلا , بل ترسل البريد الى بغداد وتستلم البريد من بغداد وتوزعه , اي انها مركز ارسال و توزيع الرسائل البريدية والالكترونية . واعتقد , انه آن الاوان الآن ان نعيد بنية هذه المؤسسة المهمة في مجال العلاقات الدولية , وأن نجعلها تعكس وجه العراق الحضاري امام العالم ولو حسب سياسة الخطوات البطيئة في البداية , أليس كذلك يا سيداتي وسادتي الكرام في وزارة الثقافة والسياحة والآثار والتعليم العالي والبحث العلمي والتربية والخارجية ووو  ؟؟؟

514
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (10)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أنياب الفيل العاجية لا تنمو عند الكلب.
التعليق – لكل مخلوق خصائصه التي يتميّز بها , ويجب الانطلاق من هذه الحقيقة الواضحة في التعامل مع جميع المخلوقات, اي حسب خصائصهم هم وليس حسب رغباتنا نحن . الصورة الفنية في هذا المثل الصيني طريفة جدا , وهي بلا شك ترتبط بواقعهم . يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى ايضا , وهو – أكلّه ثور يكلّي احلبوه ( أكلّه – أقول له // يكلّي- يقول لي ).
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الحكيم يطلب كل شئ من نفسه, والانسان التافه يطلب كل شئ من الآخرين.
التعليق – مثل رائع يبين  جوهرالفرق بين الانسان الحكيم والتافه فعلا , اذ ان الاعتماد على النفس في كل متطلبات الحياة هو المقياس الواضح والدقيق بينهما. يوجد قول عربي في هذا الخصوص وهو – أعز الناس استغناؤه عن الناس.
+++++
الترجمة الحرفية – من السهل رسم الشيطان , رسم النمر صعب.
التعليق – لان الشيطان موجود بيننا وحولنا ولا يمكن تجنبه في حياتنا اليومية, ولهذا يمكن لاي انسان ان يرسمه بسهولة , اي كما يراه او يتصوره , اما النمر فهو حيوان وحشي وشرس وخطير , ولكن يمكن للانسان ان يتجنبه في حياته اليومية , وبالتالي فان رسمه صعب , لانه لا يتعامل معه في حياته اليومية . المثل الصيني هذا رمزي جدا وعميق جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يرتفع الماء سيكون القارب أعلى.
التعليق – وعندما ينخفض الماء يكون القارب ادنى , اي ان الماء هو الاهم , وهو الذي يتحكّم بالقارب . يجسّد هذا المثل الصيني من هو الجانب الاقوى بين جانبين تربطهما علاقات قريبة ووثيقة ومتبادلة. يقول المثل الروسي في نفس هذا المعنى - المفتاح اقوى من القفل . المثل الصيني أكثر وضوحا. قال لي أحد الاصدقاء العراقيين, ان هذا المثل الصيني يصوّر العلاقة المتبادلة بين الشعب والحاكم , وانه يذّكر في نهاية المطاف بالقول العربي الشهير – كيفما تكونوا يولى عليكم , ولم نصل في نقاشنا مع هذا الصديق ( الذي ينظر الى كل شئ بعيون السياسة) الى قرار نهائي وحاسم بشأن ذلك.
+++++
الترجمة الحرفية – الطيور الكبيرة لا تتغدى بالحبوب.
التعليق –  ونحن نقول مع شاعرنا العظيم المتنبي –
 على قدر اهل العزم تاتي العزائم .....
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يموت الارنب , فان الثعلب يتأسف عليه وكأنه قريب له.
  التعليق - الصورة الفنية للمثل الصيني طريفة جدا ومرحة طبعا , وترسم بشكل واضح وصريح موقف الثعلب الذي يفقد  امكانية اصطياد الارنب . يذكرنا هذا المثل الصيني ب (الجانب الآخر !!!) لشطر بيت الشعر الذي ذهب مثلا , وهو –
مصائب قوم عند قوم فوائد .
+++++
الترجمة الحرفية –  عند الانسان العجوز توجد خبرة دائما.
التعليق – يقول المثل المشهور ( اسأل مجرب ولا تسأل حكيم) , والانسان الذي عاش طويلا واصبح عجوزا قد مرّ بالتأكيد بتجارب كثيرة في حياته, ولهذا فيمكن - بلا شك - توجيه الاسئلة له باعتباره واحدا من ( المجربين ) كما يشير المثل المذكور.
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان تعرف كيف تصغي , من ان تعرف كيف تتكلم.
التعليق – لان  ( اللسان عدو الانسان ) و ( لسانك حصانك ....) كما تقول أمثالنا العربية ,  و زلة اللسان قد تؤدي بالانسان الى كارثة في مجتمعاتنا , اما الاصغاء فأقل خطورة , ويقول المثل العربي في هذا الشأن – الندم على السكوت خير من الندم على الكلام , وهناك ايضا بيت شعر ذهب مثلا في هذا المعنى ايضا , وهو –
ما ندمت على سكوتي مرة    لكني ندمت على الكلام مرارا
+++++
الترجمة الحرفية – الثروة تبدأ من الاشياء الصغيرة.
التعليق –   يقول المثل الروسي -  التدبير افضل من الثروة , والمثل الصيني يؤكد هذا المفهوم , و يشير الى ان الثروة تبدأ بالحفاظ على الاشياء الصغيرة وعدم تبذيرها . لنتذكر الآية الكريمة – ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين .. .
==================================
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوّار للنشر ).

515
عود على الذكرى الستين لتأسيس كلية أللغات
أ.د. ضياء نافع
استلمت كثيرا من الرسائل والتعليقات حول مقالتي بعنوان – ( ستون عاما على تأسيس كلية اللغات في جامعة بغداد ) , واود هنا ان اتوقف  عند بعض هذه الرسائل , اذ اني اعتقد ان تلك النقاط التي أثارتها هذه الرسائل مهمة جدا ويمكن لها ان توسّع الافكار حول ذلك المقترح , وتجعله أكثر تكاملا . وتلخيصا لكل هذه المقترحات وبلورتها , نحاول في أدناه وضعها على شكل نقاط محددة , ومن المؤكد ان  تبرز مقترحات اخرى عند تنفيذها, وهي كالآتي-
1 – تعليق صور التدريسيين الراحلين كافة في أقسامهم العلمية .
2 – تعليق صور العمداء السابقين كافة في غرفة عميد الكلية , بما فيهم عمداء معهد اللغات وكلية اللغات قبل القرار غير العلمي بتاتا  بدمجها مع كلية الآداب .
3 – تعليق صور معاوني العميد السابقين كافة في غرفتي معاوني العميد.
4- تعليق صور رؤوساء الاقسام العلمية السابقين كافة في غرفة رئيس القسم المعني .
5- تكريم التدريسيين المتقاعدين كافة الباقين على قيد الحياة في حفل خاص تقيمه عمادة الكلية بالتعاون والتنسيق مع الاقسام العلمية , وان يكون هذا الحفل كبيرا ومهيبا , ويحضره رئيس الجامعة او من يمثّله وممثل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي , وتقديم هدايا رمزية لكل واحد منهم.
6- يطلق على قاعات كل قسم اسماء التدريسيين الراحلين من ذلك القسم.
7- يعقد كل قسم مؤتمرا علميا يتناول تاريخ القسم واعلامه , ويبحث المشاكل العلمية فيه والمقترحات لحلها , ويطرح فيه التدريسيون آفاق مستقبل القسم , بما فيها آفاق التعاون العلمي اللاحق مع الاقسام المناظرة في جامعات العالم العربي بشكل خاص , وبقية جامعات العالم بشكل عام .
8- يعقد كل قسم ندوة خاصة تتناول مستقبل خريجي ذلك القسم , واتخاذ قرارات وتوصيات محددة بشأن هذه القضية المهمة , و المطروحة بشكل حاد جدا امام الخريجين بشكل خاص و المجتمع العراقي بشكل عام , وان يشارك الطلبة وبصورة فاعلة في اعمال هذه الندوة .
9 – تصدر مجلة كلية اللغات العلمية عددا خاصا بهذه المناسية , تشارك فيها الاقسام العلمية كافة , ويتم نشر فهارس الاعداد السابقة لتلك المجلة منذ تأسيسها , اذ توجد هناك البحوث العلمية للتدريسيين السابقين والحاليين , وذلك احتراما للجهود العلمية التي بذلوها في تاريخ الكلية واقسامها العلمية كافة .
10– تعقد الكلية بعد الانتهاء من تنفيذ الفقرات تلك مؤتمرا علميا واسعا وكبيرا تشارك فيه الاقسام العلمية كافة , والمتخصصون العراقيون والعرب والاجانب وحسب الامكانيات المتاحة في حينها.
اننا نعتقد ان تنفيذ هذه النقاط لا تستوجب امكانيات مادية ضخمة لتحقيقها , ولكنها تتطلب همّة عالية ووقتا لازما وعملا تنظيميا دقيقا ومتابعة ادارية حازمة , واننا على ثقة كاملة , ان كل هذا العناصر متوفرة في عمادة كلية اللغات وادارتها وأقسامها العلمية .

516
أمثال سومرية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –                   المصير – كلب يسير خلفك.
التعليق – مثل رمزي طريف جدا , فمصير الانسان يتبعه دائما مثل كلب, اذ ان لكل انسان مصيره , وليس واضحا هنا ما يقصده هذا المثل السومري بتشبيه المصير الانساني بالكلب , وهل هو تشيبه ايجابي ( اي الكلب بمعنى الوفاء والاخلاص ) , ام سلبي ( بمعنى التعبير المعروف - كلب ابن كلب ), على الرغم من ان أحد أصدقائي الذين اثق بهم قال لي ان المعنى السلبي واضح جدا في بنية هذا المثل , لان الكلب الذي يسير خلف الانسان يعني , انه يتحين الفرصة للهجوم عليه وليس لحمايته .
+++++
الترجمة الحرفية – الايام التعيسة لا عدد لها , لكن الحياة أفضل من الموت.
التعليق – ما أجمل هذا المثل الشاعري وما أصدقه , ويذكّرنا رأسا بقصيدة المعري , وبالذات بالبيت الشعري فيها,  والذي ذهب مثلا , وهو –
تعب كلها الحياة فما اعجب الا من طالب بازدياد.
المعري متشائم طبعا , لهذا يتعجب من ذاك الذي يطالب بازدياد , اما المثل السومري فانه يقول بشكل واضح ودقيق وحاسم – ( الحياة أفضل من الموت ) رغم كل تعاساتها. لا زال هذا المثل السومري يمتلك قيمته وحيويته في مجتمعاتنا لحد الآن .
+++++
الترجمة الحرفية – الصداقة - ليوم واحد , التعاون – للابد.
التعليق – هناك ترجمة اخرى بالعربية لهذا المثل تشير الى ( القرابة ) بدلا من ( التعاون ) وكما يأتي – تدوم الصداقة يوما لكن القرابة تدوم الى الابد .  يوجد فرق كبير طبعا بين (القرابة) و بين (التعاون) , رغم ان كلاهما يتناسب والمعنى العام للمثل , الا ان ( القرابة ) أكثر منطقية من ( التعاون ) , ويتطلب كل ذلك التدقيق حتما , وذلك بالرجوع الى النص الاصلي . المثل بحد ذاته واقعي جدا وينسجم مع طبيعة كل المجتمعات الانسانية والى يومنا هذا .
+++++
الترجمة الحرفية –          لا تعرف البيرة – لا تعرف السرور.
الترجمة الحرفية لمثل آخر قريب من هذا المثل – السرور في البيرة , الشر في الانحراف .
التعليق – وحّدنا هنا مثلين اثنين , لاننا نرى انهما يكمل احدهما الآخر , وان التعليق عليهما معا أفضل وأكثر وضوحا من التعليق على كل واحد منهما على حدة .
تشير المصادر التاريخية الى ان البيرة كانت موجودة في حضارات وادي الرافدين , والمثل السومري هنا دليل يثبت ذلك , والموقف منها واضح ايضا في ذلك المجتمع , و يمكن ايجازه كما يأتي -  القليل منها يمنح السرور, والانحراف عن ذلك , اي الكثير منها والادمان عليها يجسّد الشر والضرر. 
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب المدلل يصبح جروا.
التعليق – مثل حكيم جدا , وصحيح جدا , فالدلال يفسد المدلل , وهي ملاحظة دقيقة جدا ومعروفة  ضمن مبادئ التربية الصحيحة والسليمة , وهذا المثل السومري دليل لا يقبل الشك على تطور مجتمعهم . لا زال هذا المثل يمتلك اهميته وانعكاساته في مختلف المجتمعات وعبر مختلف العصور .
+++++
الترحمة الحرفية – الثورالغريب يأكل العشب , وثورك يرقد جائعا.
التعليق –   الصورة الفنية غريبة في هذا المثل السومري , ومن المؤكد انه يرتبط بحالات اجتماعية محددة كانت موجودة لديهم , ولكن المعنى العام للمثل واضح  تماما, وهو يؤكد طبعا على مبدأ سليم جدا , ف ( الاقربون أولى بالمعروف ) .
+++++
الترجمة الحرفية –  يجب على الراعي الا يسعى ليصبح مزارعا.
التعليق – كل مهنة تتطلب تفرّغا لها , وطبيعة عمل ترتبط بها  , حتى لو كانت تلك المهن قريبة من بعضها , مثل الرعي والزراعة ,  فكيف للراعي الذي يجب ان يتنقل مع المواشي حيثما يوجد العشب , ان يصبح مزارعا يعمل في قطعة محددة من الارض ويرتبط بها ؟
====================================
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوّار للنشر).

517
روسيا تحتفل بذكرى سولجينيتسن وغوركي وتورغينيف
أ.د. ضياء نافع
تصادف في هذا العام (2018) ذكرى مرور 100 سنة على ميلاد الكساندر سولجينيتسن ( ولد عام 1918) , و 150 سنة على ميلاد مكسيم غوركي ( ولد عام 1868 ) , و 200 سنة على ميلاد ايفان تورغينيف ( ولد عام 1818) , و اتخذت الاوساط  الرسمية والادبية الروسية عدة خطوات  للاحتفالات بهؤلاء الادباء الكبار منذ فترة, والخطوة الاولى والاساسية التي اتخذتها الدولة الروسية في هذا الاتجاه هو تثبيت ذلك على الصعيد العالمي, وذلك ضمن احتفالات منظمة اليونسكو  بذكرى ميلاد هؤلاء الادباء , اذ دخل اسمهم والاحتفالات بهم في القائمة التي نشرتها المنظمة الدولية لعام 2018 وكما يأتي – في 28 مارت / آذار ميلاد غوركي , وفي 9 تشرين الثاني / نوفمبر ميلاد تورغينيف , وفي 11 كانون الاول / ديسمبر ميلاد سولجينيتسن . هذا وقد أضاف بعض المعلقين الروس على صفحات التواصل الاجتماعي اسم ليف تولستوي الى هذه القائمة , وذلك لان تولستوي ولد عام 1828 , اي  ستحل في هذا العام الذكرى 190 على ميلاده , الا ان الاحتفالات الرسمية لا تأخذ ذلك بنظر الاعتبار طبعا . 
ان النظرة الاولى على هذه الاسماء الكبيرة تجعلنا نصل الى استنتاج مهم جدا , وهو نضوج الدولة الروسية , اذ انها تحتفل بسولجينيتسن الذي أسقط الاتحاد السوفيتي الجنسية عنه ونفاه الى خارج حدوده لانه كان معاديا لايديولوجية ذلك النظام بشكل علني في تلك الفترة السوفيتية , وعاد الى روسيا فقط بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبعد ان توجه النظام الروسي الجديد اليه معتذرا, والذي ترتبط باسمه عدة نتاجات ادبية تتناول حياة المعتقلين السوفيت ومعاناتهم في السجون , اولها ( يوم واحد من حياة ايفان دينيسوفتش ) , واهمها هو كتابه الشهير - ( ارخبيل كولاغ) ,  وتحتفل الدولة الروسية بغوركي الذي يرتبط اسمه بالواقعية الاشتراكية وعلاقات وطيدة جدا مع لينين وستالين , ويعدّ حتى أحد أركان الدولة السوفيتية بشكل عام , والذي كرّس مسيرة حياته من اجل انتصار النظام  السوفيتي داخل روسيا وخارجها ايضا لدرجة انه يعتبر ولحد الان رمزا واضحا للقوى الاشتراكية في العالم , وترتبط باسمه رواية – ( الام ) التي يعرفها القراء العرب حق المعرفة , وتحتفل الدولة الروسية بتورغينيف الذي يجسّد النموذج الروسي الساطع للنزعة الغربية وفكرها في صراعها مع النزعة السلافية المضادة لها بالقرن التاسع عشر في روسيا القيصرية , وترتبط باسمه الموضوعة الخالدة حول صراع الاجيال في المجتمع , والذي انعكس في روايتة الشهيرة – ( الاباء والبنون ) . ان هؤلاء الادباء يمثلون اتجاهات فكرية متنوعة و متضاربة و متناقضة , وحتى متصارعة فيما بينها , ولكن وطنهم روسيا وحبها واخلاصهم لها و تاريخ ادبها يجمعهم سوية , ولهذا تحتفل بهم الدولة الروسية الحالية بغض النظر عن كل تلك المواقف الفكرية المتباينة جدا التي تميّزوا بها , وكل ذلك طبعا يعدّ موقفا مشرفا لهذه الدولة ودليلا لا يقبل الشك على نضوجها وعقلانيتها وعلمانيتها وتحررها من النظرة الايديولوجية الضيقة , التي كانت سائدة في السابق و كما أشرنا اعلاه .
وانطلاقا من ذلك , فقد صدرت اوامر ادارية عليا و بتوقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه و منذ فترة طويلة تنص على تشكيل لجان روسية واسعة و متخصصة برئاسة شخصيات رسمية وفكرية معروفة لتنظيم هذه الاحتفالات على مستوى روسيا وخارجها رسميا وشعبيا , وبكل تفاصيلها وصلاحياتها , وبدأت تلك اللجان فعلا بالعمل الواسع من اجل تنفيذ مهامها وكما يجب . لقد تم الان اعلان الفقرات التي خططت هذه اللجان لتنفيذها بهذه المناسبات , ولا  يمكن عرضها تفصيلا في اطار هذه المقالة طبعا, ولكننا نحاول هنا الاشارة الى اهمها فيما يخص سولجينيتسن ليس الا كنموذج لتلك الفعاليات- 
تم اعداد أكثر من ثمانين فعّالية لدراسة ونشر ابداع سولجينيتسن في مختلف المدن الروسية , وابرزها هو تدشين تمثال له في موسكو , وبالذات في الشارع الذي يحمل اسمه . لقد قدّم النحاتون الروس سبعين مشروعا لهذا التمثال وتم اختيار 51 منها وتم عرضها في معرض خاص للجميع , ومن ثم تم اختيار التمثال // تم افتتاح لوحة تذكارية على البناية التي عاش في احدى شققها الكاتب في موسكو , والتي تم اعتقاله فيها قبل تسفيره من الاتحاد السوفيتي بعد نشره كتابه الشهير أرخبيل كولاغ , وستتحول هذه الشقة الى متحف // يتم الان اعداد فلم سينمائي بعنوان – يوم واحد من حياة ايفان دينيسوفيتش ..
تحية للدول التي تتذكر رجالاتها العظام , اذ هكذا تبني الامم تاريخها وحاضرها ومستقبلها , وما أحوجنا نحن ان نتأمل هذا الحدث وان نتعلم منه ...

 

518
أدب / لا توجد أدوية
« في: 15:37 28/01/2018  »

لا توجد أدوية

قصيدة للشاعر التركي اورهان ولي (1914 – 1950 )

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


لا توجد أدوية
 ضد
تساقط الشعر
ولا ضد
الشيخوخة
ولا ضد
 التجعدات
ولا ضد
 الموت
ولا ضد
 الدموع -
هذه أشياء مفهومة
 لنا
و نعرفها
منذ طفولتنا
ولكن -
ضد الجوع
لا توجد ايضا ؟
وضد البطالة
لا توجد ايضا؟
هذا
غير مفهوم لنا.


519
أمثال سومرية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الى روح استاذنا العالم العراقي الكبير المرحوم طه باقر , الذي عرّفني به في قسم الآثار بكلية الآداب في جامعة بغداد في سبعينات القرن الماضي  صديقي المرحوم الاستاذ الدكتور وليد الجادر , والذي كان وليد يسميه وهو يبتسم – عمو طه.
ض.ن.

الترجمة الحرفية – اذا كنت حذرا – ربك معك.
التعليق  - أليس ذلك المثل السومري هو أصل مثلنا المشهور -   العبد في التفكير والرب في التدبير,  ومثلنا الآخر , الذي يقول – يساعد الله الذين يساعدون أنفسهم ؟ وجدت ترجمة عربية ( دون ذكر عن اي لغة ترجمت) لهذا المثل وكما يأتي – شد حزامك يكون آلهك معك , وهي ترجمة جميلة وذات روحية عراقية تنعكس باستخدام تعبير ( شد حزامك ). الصيغة الروسية في نفس المعنى طبعا ولكنها اوضح للقارئ العربي.
+++++
الترجمة الحرفية - يبدأ الشعور بالواجب عندما يشعر الانسان بالخجل.
التعليق  - مثل رائع وعظيم . لنتذكر الحديث الشريف - اذا لم تستح فاصنع ما شئت .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس القلب , وانما الكلمة – ام الكراهية.
التعليق – مثل واضح وصحيح جدا . كم توجد لدينا من أمثال مشتقة من المفهوم العام لهذا المثل السومري , منها -  ربّ كلمة جلبت نقمة // ربّ كلمة سلبت نعمة // اللسان عدو الانسان... توجد ترجمة اخرى لهذا المثل ( دون ذكر عن اي لغة ترجمت ) وهي – (القلب لا يؤدي الى العداوة , انما اللسان يؤدي الى العداوة) , وهي في نفس المعنى العام طبعا , الا ان الصيغة الروسية تورد كلمة ( الكراهية ) بدلا من ( العداوة ) , وهي مسألة تستحق التأمل والتدقيق .
+++++
الترجمة الحرفية – القلب لم يلد الكراهية , الكلمة ولدتها.
التعليق – صيغة اخرى وتأكيد آخر للمثل السابق  – ( ليس القلب , وانما الكلمة – ام الكراهية ).
+++++
الترحمة الحرفية – القويّ و الفخور لا يتعايشان معا.
التعليق –  يقول مثلنا باللهجة العراقية - حصانين على مربط واحد  ما تنربط , ويقول المثل العربي - سيفان في غمد واحد لا يجتمعان , ويقول المثل الروسي – دبّان لا يعيشان في مأوى واحد , وهناك امثال في نفس هذا المعنى عند شعوب اخرى , وكل هذه الامثال تذّكر بهذا المثل السومري , وهو الاصل طبعا.
+++++
الترجمة الحرفية – البئر لم يجف , والعطش يمكن تحمّله.
التعليق – الصورة الفنية بسيطة في هذا المثل السومري وبنفس الوقت في غاية الجمال والشاعرية . ان هذا المثل يزرع الثقة في النفس , ويدعو الى الصبر والصمود والامل ,  و – (لولا الامل لبطل العمل). 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعمل شرّا – لن تكون في خوف دائم.
التعليق – مثل  اخلاقي وفلسفي عميق نجده  بصيغ متنوعة عند مختلف الشعوب, اذ ان لكل فعل رد فعل , ولنتذكر الامثال العربية في هذا الشأن , ومنها – قابل الصنيع بمثله // رد الصاع صاعين // رد الكيد الى نحره // رد الاساءة بمثلها , ويقول المثل الروسي في نفس المعنى – يدفع بنفس قطعة النقد ... والاصل طبعا من هذا المثل السومري, الذي يؤكد على المستوى الثقافي والفكري والاجتماعي الرفيع لتلك الحضارة. توجد ترجمة اخرى ( دون ذكر عن اي لغة ترجمت) تقول – (لا تفعل شرا فلن يمتلكك عندئذ حزن وألم ) , والفرق واضح بين (الخوف الدائم) وبين ( الحزن والالم) , و نظن , ان الصيغة الروسية للمثل أكثر دقّة  و منطقية,  اذ ان الذي يعمل الشر للآخرين يخاف من ردود فعلهم تجاهه.
+++++
الترجمة الحرفية – بكى الذئب وقال للرب شاكيا – كم أنا وحيد.
التعليق – مثل رمزي جميل وساخر . لنتذكر المثل الطريف بمختلف اللهجات العربية , وهو باللهجة العراقية -  ضربني  و بجه وغلبني واشتكه ( ضربني وبكى وغلبني واشتكى ).
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يأكل أكثر مما يجب لا يقدر ان ينام.
التعليق – المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء.
+++++
الترجمة الحرفية – بال الثعلب في البحر وقال – أنا عملت البحر كله.
التعليق – مثل مرح جدا وطريف جدا وعميق جدا يرسم صورة كاريكاتيرية وواقعية في نفس الوقت عن ( الانا) المتضخمة لدى الكثير من البشر حولنا , و يبين حقيقة غرورهم و تبجحهم الفارغ.  وكم ينطبق هذا المثل على الكثيرين من حولنا . توجد ترجمة اخرى لهذا المثل ( دون ذكر عن اي لغة ترجمت) وكالآتي – الثعلب الذي يبول في البحر يقول ان البحر من بولي.  ونترك للقارئ حق اختيار الترجمة الافضل.
+++++
الترجمة الحرفية – ثوري سيجلب لك الحليب.
التعليق – مثل ساخر جدا , ويذكرنا بامثالنا العراقية الطريفة التي تستخدم نفس الصور الفنية تلك , مثل -  من يبيض الديج ( الديج – الديك)// او //  نكول ثور يكول احلبوه ( نكول – نقول // يكول – يقول )...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يستحق ان تختار واحدا من بين الشّرين .
التعليق –  من الافضل الا نختار (أهون الشّرين) فعلا كما يقول هذا المثل السومري , لأن – ( كلا الاخوين ضرّاط  ) رغم ان – ( شهاب الدين أضرط من أخيه) , فهل يجب علينا ان نختار بينهما ؟ المثل السومري على حق , فهو يحلّ المسألة بشكل جذري.
+++++



520
ستون عاما على تأسيس كلية اللغات بجامعة بغداد
أ.د. ضياء نافع
تأسست كلية اللغات الحالية عام 1958 ,  وذلك بمبادرة من المرحوم الدكتور حمدي يونس – مدير التعليم الثانوي في وزارة المعارف العراقية آنذاك , والذي اقترح تأسيس (معهد اللغات المسائي) , وقد أقرّت وزارة المعارف هذا المقترح واستحصلت الموافقات اللازمة على تأسيسه , وهكذا تم افتتاح المعهد المذكور بجامعة بغداد وفق الامر الوزاري بتاريخ  الاول من كانون الاول عام 1958 , وتم تعيين الدكتور حمدي يونس عميدا للمعهد, وتم تخصيص بناية دار المعلمين العالية لذلك المعهد الجديد , وكانت الدراسة فيه لمدة سنتين دراسيتين , وفيه يمكن للطلبة ان يدرسوا واحدة من ست  لغات اجنبية هي – الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية والصينية, وعلى الرغم من عدم وجود امكانيات لتأسيس أقسام علمية متكاملة لدراسة تلك اللغات في العراق عندئذ طبعا , ولكن عمادة المعهد استعانت بما هو موجود في العراق من كوادر علمية في تلك الاختصاصات آنذاك . وهكذا بدأ العمل وتطور بالتدريج وتحول الى كلية اللغات بشكلها الحالي . لقد احتفلنا في كلية اللغات عام 1998 بذكرى مرور 40 سنة على تأسيسها, وجرى آنذاك تكريم عشرات من الاساتذة والموظفين القدامى في احتفال جميل حضره رئيس الجامعة ومجموعة من ضيوف الشرف , ومن المؤكد ان هناك في كلية اللغات حاليا من يتذكر ذلك الحفل , الذي جرى في قاعة بلاط الشهداء ( قاعة الشهيد الدكتور فؤاد ابراهيم البياتي حاليا).
اكتب هذه الكلمات متوجها الى زملائي في كلية اللغات من العمادة الى رؤوساء  الاقسام العلمية والتدريسيين فيها , والى الادارة وموظفيها , متمنيا ان تبدأ كلية اللغات الحبيبة من الان  بالاستعداد و التحضير لاحتفالية تليق بمستوى كلية اللغات باعتبارها مؤسسة علمية فريدة في العراق , وان  تقدم احتفالا مهيبا بالذكرى الستين لتأسيسها في الاول من كانون الاول عام 2018 الحالي , وان يكون هذا الاحتفال مرتبطا بفعاليات علمية وبحثية يقوم بها التدريسيون في الاقسام كافة , يتناولون فيها تاريخ اقسامهم ويحددون النجاحات التي حققوها والاخفاقات التي جابهتهم في مسيرتهم العلمية , ويقدمون الاقتراحات الواقعية والعملية للنهوض بالعملية العلمية مستقبلا , ويتذكرون أسماء التدريسيين الرواد الراحلين ودورهم في عملية التدريس وبحوثهم العلمية في الاقسام العلمية كافة مثل الدكتور حمدي يونس والاستاذ فراس عواد والدكتور خليل حماش ( من قسم اللغة الانكليزية) و الدكتور قنبر الطويل والسيدة ماري القطيفي ( من قسم اللغة الفرنسية ) والدكتور الشهيد فؤاد ابراهيم البياتي ( من قسم اللغة الالمانية ) والدكتور حكمت الاوسي والدكتور محسن جمال الدين ( من قسم اللغة الاسبانية ) والدكتورة حياة شرارة والدكتور محمد يونس والدكتور جليل كمال الدين والدكتور أدهام يحيى سليم ( من قسم اللغة الروسية) والدكتور حسين محفوظ ( من قسم اللغة الفارسية ) , ومن المؤكد ان هناك أسماء اخرى يتذكرها التدريسيون في كل قسم من تلك الاقسام لا يمكن لي ان أتذكرها وانا في العقد الثامن من عمري.
هذه رسالة مفتوحة لزميلتي  السيدة عميدة كلية اللغات في جامعة بغداد الدكتورة مي اسطيفان ولزملائي اعضاء مجلس الكلية وللتدريسيين في الاقسام العلمية كافة , واتمنى أخذها بنظر الاعتبار وطرحها كمقترح امام مجلس الكلية لدراستها وبلورة الافكار بشأن تنفيذها , اذ انها مناسبة مهمة تستحق فعلا ان تحتفل بها كلية اللغات , مناسبة نتوقف فيها لنتأمل ما تم تحقيقه وما نتمنى ان نحققه في المسيرة اللاحقة لكلية اللغات في المستقبل.
لنتذكر تاريخ 1/12/1958 – يوم تأسيس كلية اللغات في جامعة بغداد , ولنحتفل في 1/12/2018 بذكرى مرور 60 سنة على يوم تأسيس كليتنا الحبيبة.

521
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (9)
أ.د. ضياء نافع
الترحمة الحرفية – لا تنشر خارج البيت الاعمال المخجلة داخل البيت.
التعليق – البيوت اسرار , وتشير كل الامثال والاقوال الى ضرورة الحفاظ عليها وعدم الثرثرة حولها , ولكن المثل الصيني هنا يحدد ( الاعمال المخجلة) حصرا , ولهذا يمكن القول ان المثل الصيني اكثر دقة و حسما في هذا الموضوع الحساس , اذ ( لا توجد عائلة دون مسخ) كما يقول المثل الروسي , او( ماكو زور يخلى من واوية ) كما يقول المثل باللهجة العراقية ( ماكو – لا يوجد // زور – مكان مزروع بشكل كثيف // واوية – جمع , والمفرد واوي – ابن آوى) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تعرف التدابير سوف تحزن حتى عندما تمتلك الثروة.
التعليق –  يوجد مثل طريف وسريالي البنية (ان صحّ التعبير) باللهجة العراقية في نفس المعنى, وهو – ( الما يعرف تدابيره حنطته تاكل شعيره) ( الما – الذي لا ) . هناك مثل روسي في نفس المعنى ايضا يقول  – حسن التدبير افضل من الثروة . المثل الصيني أوضح وأكثر دقة .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تعترف بالخطأ الاول ستقترف الخطأ الثاني.
التعليق –  لنتذكر القول الشهير في تراثنا – (الاعتراف بالخطأ فضيلة). المثل الصيني يؤكد هذا المعنى العميق للقول العربي ,  اذ انه يبيّن ان عدم الاعتراف بالخطأ يؤدي الى ارتكاب الخطأ اللاحق , وهكذا دواليك , اي ان الاعتراف بالخطأ يوقف الاخطاء اللاحقة , وهنا تكمن ال ( فضيلة) التي يشير اليها القول العربي.
+++++
الترجمة الحرفية – العشب اليابس لا يحترق بلا نار.
التعليق –  لا شئ يحدث تلقائيا , وانما يجب ان يكون هناك سبب – ما  حتما .  لنتذكر - وجعلنا لكل شئ سببا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تنظر الى وجه الكاهن , انظر الى وجه بوذا.
التعليق – مثل فلسفي عميق يؤكد على ضرورة التفريق و التمييز بين الدين و بين رجل الدين , وتتفهم شعوبنا العربية في هذا الزمن الردئ معنى هذا المثل الصيني . يوجد مثل أفغاني في هذا المعنى يقول -  اعمل ما يقوله الملاّ ولكن لا تعمل ما يفعله .
+++++
الترجمة الحرفية – بيد واحدة لا يمكن ان تصطاد ضفدعتين.
التعليق – المثل الصيني المناظر للمثل العربي حول البطيختين , والتي حوّلها العراقيون الى رمانتين باللهجة العراقية , وهو – رمانتين بفد ايد ما تنلزم . المثل العربي أكثر طرافة , لكن المثل الصيني أكثر دقة ووضوحا.
+++++
الترحمة الحرفية – احترم الانسان وليس ملابسه.
التعليق – يقول المثل الروسي في نفس هذا المعنى – حسب الملابس يستقبلون وحسب العقل يودعون. المثل الصيني دقيق جدا وحازم وواضح , اي (يضع النقاط على الحروف) كما نقول.
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان النبيل لا يتذكر الشر القديم.
التعليق –  مثل صحيح , ونحن نقول -  المسامح كريم .
+++++
الترجمة الحرفية – الصداقة المبنية على المصلحة ليست وطيدة.
التعليق – مثل صحيح , فعندما تنتهي المصلحة تنتهي تلك الصداقة , ولن يتذكر احد عندها ان ( الصديق وقت الضيق ), و ( عند الشدائد تعرف الاخوان ).
+++++
الترجمة الحرفية – لا نهاية للمعرفة.
التعليق – ولهذا يجب ان (نطلب العلم من المهد الى اللحد), ولهذا ايضا يقول المثل الروسي – ( عش قرنا , تعلّم قرنا) . يجسّد هذا المثل الصيني خلاصة هذه الحقيقة الساطعة والسبب المنطقي لها .
========================================================================
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوّار للنشر).

522
أدب / الجملة الاخيرة
« في: 23:04 18/01/2018  »
الجملة الاخيرة
=========

قصيدة للشاعر المكسيكي خوسيه ايميليو باجيكو
===========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

توجد عدوى
في التاريخ –
تذكروا
نينوى وامبراطوريتها,
وتأملوا
بلاد فارس وامبراطوريتها,
وخذوا بنظر الاعتبار
روما وامبراطوريتها -
ولا امبراطورية
في التاريخ
كان بامكانها
ان تستمر
الى الابد,
لأنه لا يمكن
أن تجد مظلومين
قادرين
ان يتحمّلوا الظلم
الى الابد.
========================================================================
خوسيه ايميليو باجيكو ( 1939 – 2014 ) – شاعر مكسيكي وروائي وقاص وكاتب مقالات ومترجم واستاذ جامعي ( عمل في جامعات مكسيكية وامريكية وبريطانية ) . أصدر حوالي عشرين مجموعة شعرية , وهو حائز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة بابلو نيرودا وجائزة فيديريكو غارسيا لوركا...

523
لميعة عباس عمارة و لطفية الدليمي في جامعة بطرسبورغ
أ.د. ضياء نافع
نشرت المجلة العلمية لجامعة بطرسبورغ الروسية بحثين للمستعربة الروسية الدكتورة موكروشينا عن دور المرأة العربية ومساهمتها الكبيرة في عملية الابداع الادبي العربي , وقد اختارت المستعربة موكروشينا الشاعرة العراقية لميعة عباس عمارة انموذجا في مجال الشعر والروائية العراقية لطفية الدليمي انموذجا في مجال النثر.
الدكتورة أماليا أناتوليفنا موكروشينا مستعربة روسيّة , وهي في الوقت الحاضر تدريسية  في قسم - (نظرية التطور الاجتماعي لبلدان آسيا وأفريقيا) في الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورغ ( لينينغراد سابقا ) , وتساهم – بنشاط وحيوية – في اعمال المؤتمرات العلمية للمستعربين الروس  , والتي تجري عادة في مختلف المدن الروسية وجامعاتها , وقد التقيتها في المؤتمر الثاني عشر للمستعربين في معهد الاستشراق بموسكو ( انظر مقالتنا – حول مؤتمر المستعربين في معهد الاستشراق بموسكو ) , حيث ألقت بحثا متميّزا حول مسرحية مصطفى محمود ( الانسان والظل ) , والتي اختارتها هي بنفسها و قامت بترجمتها من اللغة العربية الى الروسية ونشرتها في بطرسبورغ بدعم من المركز الثقافي الروسي – العربي في تلك المدينة. تحدثّنا اثناء هذا اللقاء السريع عن طبيعة نشاطاتها العلمية في مجال حركة الاستعراب الروسية , وكان العراق  طبعا حاضرا في تلك الاحاديث , وعلمت منها انها قد نشرت بحثين حول الادب العراقي الحديث في مجلة ( فيسنك  بيتربورسكوفو  اونيفرسيتيتا ) ( اخبار جامعة بطرسبورغ ) , وهي مجلة متخصصة بنشر البحوث العلمية للتدريسيين الروس في تلك الجامعة وكذلك في الجامعات الروسية الاخرى , وأثار هذا الموضوع اهتمامي الشديد طبعا, اذ انه يقع  في صلب متابعاتي للعلاقات الروسية – العراقية في مجال الثقافة بشكل عام والادب بشكل خاص , وحاولت التوقف عند هذا الموضوع و الاستفسار منها حول ذلك بشكل اوسع , لكن طبيعة ذلك اللقاء السريع في اروقة المؤتمر المذكور لم تسمح لنا بالطبع ان نتحدث بالتفصيل عن هذين البحثين , فطلبت منها ان ترسلهما لي للاطلاع عليهما اذا كان هذا ممكنا , وقد نفّذت موكروشينا وعدها فعلا , واستلمت البحثين بالبريد الالكتروني كما اتفقنا, ووجدت انهما يستحقان ان نعرضهما للقارئ العربي حتما لكي يطلع عليها , اولا , لان هذا الشئ بحد ذاته يعد حدثا مهما وبارزا وغير اعتيادي بتاتا في مسيرة العلاقات الفكرية ( ان صحّ التعبير ) بين روسيا والعراق و التي جاءت بمبادرة من الجانب الروسي بالذات ودون اي تنسيق او دعم او تخطيط من الجانب العراقي , وثانيا , لأن الكتابة عن المبدعين العراقيين من قبل باحثين أجانب, ومن خارج العراق , و نشرها  في مجلة علمية خاصة بالبحوث والدراسات في جامعة مهمة وعتيدة مثل جامعة بطرسبورغ , كل ذلك يعني الكثير الكثير ويمتلك اهمية استثنائية جدا, خصوصا اذا كان هؤلاء المبدعين من (العيار الثقيل!!!) مثل لميعة عباس عمارة ولطفية الدليمي , (رغم انهما يعتبران طبعا رمزا للرشاقة والجمال في ادبنا الحديث).
ترسم المستشرقة موكروشينا في بحثيها صورة متكاملة عن لميعة عباس عمارة ولطفية الدليمي , حيث تبدأ بالحديث عن ميلادهما ودراستهما الجامعية , ثم تتوقف عند ابرز النتاجات الادبية لهما , وتعرض مواقفهما الفكرية , وتتوقف عند مكانتهما الآن في عالم الادب المعاصر عراقيا وعربيا....
في البحث الذي تناول لميعة عباس عمارة , والذي جاء بست صفحات من المجلة المذكورة , توجد ترجمات لعدة قصائد من شعرها , واول تلك القصائد هي قصيدة - ( عراقية ) الشهيرة , هذه القصيدة الغريبة للقارئ الاجنبي بلا شك بمضمونها المعروف وبشكلها الفني المتميّز , اذ انها مكتوبة على شكل حوار مباشر بين الشاعرة مع رجل , حيث ترفض كل ما يقترحه عليها , والسبب  لانها ( عراقية!) , وهذه القصيدة مثيرة للقارئ الاجنبي بلا شك , وهناك اربع قصائد اخرى مترجمة في ذلك البحث , وهذه الترجمات تظهر للمرة الاولى بالروسية , وهي تكمل طبعا الصورة المتكاملة للشاعرة امام القارئ الروسي , وقد اخبرتني المستشرقة موكروشينا انها حاولت الاحتفاظ بتلك الاجواء الشعرية عند الترجمة , وان ذلك لم يكن سهلا بتاتا, فقلت لها انني اترجم الشعر ايضا على مدى اكثر من اربعين سنة , وبالتالي فانني اتفهم ما كنت تعانيه اثناء ترجمتها لشعر لميعة عباس عمارة.
اما البحث الخاص بلطفية الدليمي فقد جاء بسبع صفحات في المجلة المذكورة , وتناول ايضا سيرة حياة لطفية الدليمي وبداية نشاطاتها الابداعية في مجال القصة والرواية , وتحدثت عن مكانتها المرموقة في هذا العالم الابداعي , وتوقفت بالتفصيل عند روايتها – ( سيدات زحل ) , واشارت الى الطبعات الثلاث لهذه الرواية باعتبارها ظاهرة متميّزة في مسيرة الادب بشكل عام في العراق , وان ذلك يعد نجاحا باهرا لهذه الروائية , وتأسف الباحثة لأن القارئ الروسي لا يعرف ابداعها , اذ لم يقدمها المترجمون الروس الى هذا القارئ , ما عدا قصة لها ضمن كتاب ( لؤلؤة الشرق ) الذي ظهر عام 2015 في بطرسبورغ ( انظر مقالتنا بعنوان – النثر العراقي المعاصر باللغة الروسية ), وان ذلك لا يمكن بتاتا ان يرسم صورة متكاملة لمكانتها الابداعية في الادب المعاصر عراقيا وعربيا .
ان العمل العلمي الذي قدمته المستشرقة موكروشينا في بحثيها عن لميعة عباس عمارة ولطفية الدليمي يعد كلمة جديدة في مسيرة الدراسات الروسية عن الادب المعاصر في العراق , وستدخل حتما ضمن البيبلوغرافيا الروسية حول الادباء العراقيين ومكانتهم في تاريخ  دراسة الادب العربي المعاصر في روسيا .
 لنصفق للمستشرقة الروسية أماليا أناتوليفنا موكروشينا ( وهذا أضعف الايمان ) تعبيرا عن شكرنا لها لتعريف القارئ الروسي بادبنا المعاصر واعلامه , وهو الشئ الذي يجب ان تقوم به مؤسساتنا الثقافية طبعا , ولكن.....  .

524
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (8)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – في الوجه ابتسامة , لكن في القلب خنجر.
التعليق – المثل الصيني المناظر للمثل المشهور باللهجة العراقية -  (بالوجه مراية وبالكفة سلاّية) ( مرايه – مرآة // الكفه – الجانب الآخر ), لكن الصورة الفنية في المثل الصيني أكثر قسوة وشديدة الوقع على الانسان , اذ ان الفرق كبير جدا بين ( السلّاية , التي يمكن ان تنغز الانسان ليس الا )  وبين ( الخنجر , الذي يمكن ان يجرح الانسان او يقتله ).
+++++
الترجمة الحرفية – من الصعب على الانسان الجيد و الانسان السئ ان يتخلصا من اشاعات الناس.
التعليق –  هناك قول أصبح شائعا في عصرنا يقول  - (لا تطلق على عدوك رصاصة , بل اطلق عليه اشاعة) , ولا يوجد انسان في المجتمع بلا اعداء  بغض النظر عن كل شئ , لأن – ( رضا الناس غاية لا تدرك) كما يقول المثل العربي المعروف , او (لا يمكن ان تكون حبيبا للجميع) كما يقول المثل الروسي , ولهذا فان هذا المثل الصيني صحيح جدا مع الاسف الشديد في كل المجتمعات.
+++++
الترجمة الحرفية – غرس الشجرة صباحا , ويريد بعد الظهر ان يتمتع بظلها.
التعليق –  يوجد قول ساخر باللهجة العراقية يصف العراقيون به تلك الحالة وهو – ( عباس مستعجل ) , ولكن في كل الاحوال , لا يمكن مقارنة هذا القول - لا من قريب ولا من بعيد - بالصورة الفنية الساخرة والساطعة والباهرة و اللاذعة جدا , التي يتميّز بها هذا المثل الصيني الطريف .
+++++
الترجمة الحرفية – السمكة الكبيرة تتخلص دائما من سنّارة الصيد.
التعليق - يقول المثل الروسي – لن تخدع العصفور العجوز بالخبز اللّين , ويقول المثل الاذربيجاني - الثعلب العجوز لا يقترب من الفخ . المثل الصيني يتحدث عن السمكة الكبيرة , التي تمتلك طبعا خبرة الحياة وتجربتها مثل العصفور العجوز والثعلب العجوز... لنتذكر مثلنا الجميل حول اهمية التجارب في مسيرة الحياة – اسأل مجرب ولا تسأل حكيم .
+++++
الترجمة الحرفية – ثلاثة أشياء لا يمكن اخفاءها – الحب والحمل وركوب البعير.
التعليق – مثل في غاية الطرافة والمرح , وهو حقيقي بكل معنى الكلمة فيما يخص (الحمل و ركوب البعير ) , اما اضافة ( الحب ) الى هذه الاشياء فيجعل هذا المثل طريفا وشيّقا وقريبا من قلوب العشّاق بلا أدنى شك ومفهوما لديهم . يوجد مثل روسي يقول – (الحب والنار والسعال لا يمكن كتمانها) ,اي ان المثل الروسي يجعل ( الحب ) ايضا ضمن تلك الاشياء مثل النار والسعال , وفي كل الاحوال , اضافة (الحب) في تلك الامثال مسألة تثير النقاش , الا انها طريفة فعلا. الامثال العربية في هذا المعنى لا تشير الى (الحب) , و لنتذكرالمثل العربي المشهور – (وهل يخفى القمر).
+++++
الترحمة الحرفية – الكلمات تتطاير مثل الرياح , اما المكتوبة فتبقى.
التعليق – التوثيق مهم في حياة الانسان , وكم ضاعت وعود وكلمات لم توثق في حينها, وتحولت الى ثرثرة ليس الا . يوجد مثل طريف بالروسية عن الثرثرة يقول – انها كتابة على الماء .
+++++
الترجمة الحرفية – عند البستاني الجيد كل الزهور ذات عطر, وعند صانع الادوية العارف كل الادوية تداوي.
التعليق –  يقول المثل باللهجة العراقية في هذا المعنى – ( الما يعرف يركص يكول الكاع عوجه) ( يركص – يرقص // يكول – يقول // الكاع – الارض ).
+++++
الترجمة الحرفية – رأسان أكثر حكمة من رأس واحد.
التعليق – مثل صحيح , ولنتذكر القول العربي الحكيم -  ما خاب من استخار وما ندم من استشار.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تقرر الشجرة ان تقف, فان الريح  لا تنقطع .
التعليق – مثل رمزي جميل يؤكد ان الارادة أقوى من كل العناصرالتي تقف ضدها او العوامل التي لا تساعدها , وانها تنتصر رغم كل ذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتكلم , اذا  كان الكلام لا يغير الهدوء نحو الاحسن.
التعليق – يقول المثل العالمي الشهير –  اذا كان الكلام من فضة , فالسكوت من ذهب . هناك مثل روسي قريب من هذا المعنى وهو – الصمت ليس مخجلا عندما لا يوجد ما تقوله. المثل يتميّز بالشاعرية.
====================================من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) الذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوّار للنشر) .

525
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الفأر الجوعان مستعد ان يفترس القط.
التعليق – الجوع كافر كما يقول مثلنا الشهير , ويمكن ان يقلب المفاهيم ومنطقها رأسا على عقب . الصورة الفنية في هذا المثل الصيني ساطعة ومعبّرة جدا, اذ ان بطلها  هو الفأر الضعيف والمسكين الذي يمكن ان يفترس القط عندما يجوع , مقارنة بالقط الشرس الذي يفترس الفأر طوال حياته حتى اذا كان شبعانا. الفأر والقط والعلاقة بينهما هي صورة  تعبيرية و رمزية مشهورة في فلكلور العديد من شعوب العالم.
+++++
الترجمة الحرفية – افتح العينين بسرعة , وافتح الفم ببطء .
التعليق – العين تعني الرؤية والفم يعني تحديد واعلان الرأي حول تلك الرؤية , والمثل الصيني يدعو الى متابعة ومشاهدة الوقائع بسرعة و لكن عدم التسرّع بابداء الرأي حولها , وهو مثل حكيم بكل معنى الكلمة. لنتذكر أمثالنا العربية في هذا المعنى العام –  لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك / رب كلمة سلبت نعمة / اللسان عدو الانسان / عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان....
+++++
الترجمة الحرفية – الملح والسكّر بلون أبيض , لكن لا تتوهم بينهما عند تحضير الحلوى.
التعليق – مثل طريف جدا , و يذكرنا بمثلنا الطريف ايضا و بلهجتنا العراقية , وهو - ( مو كل مدعبل جوز ) , رغم ان المثل الصيني  أكثر دقة ووضوحا , فالحلوى لا تتحمل ابدا ( التوهم بين الملح والسكّر !!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – الفئران لا تعض القطط.
التعليق – تلك هي القاعدة الطبيعية , و التي يجب علينا ان نتذكرها و ننطلق منها ونتصرّف على أساسها في حياتنا, وليس العكس  .
+++++
الترجمة الحرفية – الشيطان يعرف كيف يختبأ في ظل الصلبان.
التعليق – وهذا هو جوهر الصراع الدائم بين الخير والشر في حياة الانسان , لهذا يجب على الانسان ان يكون حذرا جدا و دائما في مسيرة حياته اليومية , خصوصا في مجتمعاتنا العربية وفي هذا الزمن بالذات , حيث يعرف ( الشيطان !) الذي يختبأ تحت ظلال ( الرحمن !) كيف يؤدّي دوره , والحليم تكفيه الاشارة كما يقول مثلنا العربي المشهور  . الصورة الفنية حاذقة ودقيقة وطريفة جدا في هذا المثل الصيني.
+++++
الترجمة الحرفية – قطعة الخبز الكبيرة تغلق الفم.
التعليق – مثل طريف جدا في المعنى الحرفي للكلمات و المعنى المجازي لها ايضا , فقطعة الخبز الكبيرة تقدر فعلا ان تغلق الفم الذي يتناولها , وهي في نفس الوقت تقدر ان تغلق الفم  الذي يثرثر , والفم الذي يعترض , والفم الذي يطالب , والفم الذي يحرّض , والفم الذي يطلب الرشوة ...
+++++
الترجمة الحرفية – القنفذ يعتبر جلد أطفاله ناعما.
التعليق –  يقول المثل  العربي و العالمي ايضا  - القرد بعين امه غزال . المثل الصيني يعطينا صورة جديدة ومبتكرة و طريفة  ولاذعة جدا لنفس ذلك المعنى .
+++++
الترجمة الحرفية – الغزال والنمر لا يمشيان سوية .
التعليق –  يقول المثل الروسي في نفس هذا المعنى - القش والنار لا يتصادقان . المثل الصيني والمثل الروسي  واضحان وساطعان ومفهومان جدا من حيث المنطق , رغم الاختلاف الجذري للصورة الفنية بينهما.
+++++
الترجمة الحرفية – عند الشجرة توجد جذور , وعند النهر – منبع.
التعليق – ولا يمكن للشجرة ان توجد بلا جذور ولا يمكن للنهر ان يوجد بلا منبع , ولا يمكن للانسان ان يوجد بلا ذلك ايضا . ما أجمل هذا المثل وما أعمقه واروعه , فنحن - البشر- مثل الاشجار والانهار, لا يمكن لنا ان ننفصل عن جذورنا ومنابعنا واصولنا في حياتنا اليومية .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تحجب الشمس بالكف.
التعليق –  ويقول المثل العربي - الشمس لا تحجب بغربال. الصورتان جميلتان وساطعتان ومنطقيتان في المثل الصيني و المثل العربي معا .
+++++


526
أدب / الحب
« في: 18:33 09/01/2018  »
الحب
=======

قصيدة للشاعر المكسيكي سلفادور نوفو (1904- 1974 )
==================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

الحب يعني -
عندما انت معي
 تكونين,
وانا في حالة وجل,
و في حالة صمت,
وعندما تذهبين
أتذكر صوتك,
واحتفظ بدفء يدك
في راحة يدي.
+++
الحب يعني –
ان انتظرك,
وانت حتما ستأتين,
مثل الغروب,
ليس قبله
وليس بعده,
وعندها
وحدنا سنكون ,
في عالم الاساطير والحكايات والجنون,
على الارض التي
يبست
 خلال النهار.
+++
الحب يعني –
عندما انت لست معي,
وانا أستنشق
 في تنفسات الريح
عطر شعرك,
وأنا أحدّق
في النجمة
التي
 كنت اليها تنطلقين,
عندما تخرجين,
وتغلقين
بوابة الليل.

527
الاختصاص العام والاختصاص الدقيق في جامعاتنا
أ.د. ضياء نافع
تحدّثت مرة مع بروفيسور روسي في كليّة الاداب بجامعة موسكو حول موضوعة الف ليلة وليلة في الادب الروسي وترجماتها الى الروسية وتفاعلاتها وتأثيرها وردود فعل الادباء و القراء الروس تجاهها ...الخ , وهو متخصص في الادب الروسي في القرن الثامن عشر, وقد أجابني بشكل تفصيلي عن كل أسئلتي العديدة عندها وبكل رحابة صدر , وعندما سألته كيف تعامل المترجمون الروس مع الشعر العربي الموجود في الف ليلة وليلة , قال لي من الافضل ان تطرح هذا السؤال على البروفيسور فلان لأن اختصاصه الدقيق هو الشعر الروسي في القرن الثامن عشر , أمّا هو فان اختصاصه الدقيق هو النثر ( السرد) الروسي في القرن الثامن عشر , ولازلت لحد الان أتذّكر جملته التي قالها لي – ( من المؤكد انه سيعطيك جوابا اكثر دقّة وموضوعيّة وشموليّة منّي).
تذكرت هذه الحادثة (التي جرت قبل اكثر من خمسين سنة تقريبا ) عندما اطلعت قبل أيام على جداول الدروس , وعلى قوائم التدريسّيين الذين يقومون بتدريسها في عدة أقسام علمية بكليّة اللغات في جامعة بغداد (وهي الكليّة التي عملت فيها اكثر من ثلاثين سنة من حياتي , وتدرجت علميا فيها وصولا الى درجة الاستاذية) , فوجدت هناك خللا و تراجعا الى الوراء مقارنة مع الوضع الذي كان سائدا فيها بالنصف الثاني من القرن العشرين, وتذكرت كيف كنّا نلتزم وبشكل صارم بهذه التقاليد العلمية العريقة والثابتة في قسم اللغة الروسية مثلا ونحترمها ونخضع لها بمحض ارادتنا , ولهذا أصابني الاحباط – ان صحّ التعبير - عندما قرأت , ان تدريسيّا متخصصا بالادب الروسي يقوم بتدريس مادة تتعلق بعلم اللغة الروسية او بالعكس , اي انه تمّ خرق تلك التقاليد العلمية الثابتة التي تستند الى مفهوم الاختصاص العام والاختصاص الدقيق ( وهو المبدأ العلمي السائد في كل جامعات العالم المتقدّم طبعا ) , والذي يحدد بالتالي اناطة مسؤولية التدريس للمدرسين في الجامعات حسب اختصاصهم الدقيق بشكل صارم  . ان هذا المفهوم العلمي السليم كان يتم خرقه في قسم اللغة العربية بجامعة بغداد عمدا , وذلك عندما كانوا يرسلون الى اقسام علمية اخرى مدرسي اللغة العربية لتدريس مادة اللغة العربية العامة في تلك الاقسام , اي لتدريس مادة اللغة العربية لغير المختصين بها , ونجد عند استفسارنا من هؤلاء التدريسيين عن مواضيع اطاريحهم , بان اختصاصهم الدقيق هو الادب العربي وليس اللغة العربية , وكنّا غالبا ما نثير معهم في اقسامنا هذا الجانب العلمي الدقيق , فيخبروننا بانهم من (المغضوب عليهم!!!)  في قسم اللغة العربية , ولهذا كانوا يبعدونهم عن القسم كي لا يقوموا بتدريس المواد المرتبطة باختصاصهم الدقيق في قسمهم . ومع ذلك , فمن الممكن التساهل بشكل او بآخر بالنسبة لمدرسي اللغة العربية , اذ كان يجري تدريس  تلك المادة في اقسام غير الاختصاص حسب كتاب منهجي محدد ومطبوع ومتوفر عند كل الطلبة , لهذا , كان مدرس المادة لا يخرج بتاتاعن اطار الكتاب المنهجي هذا , ولا يحتاج الى الاجتهاد والتوسع , خصوصا ان تلك الكتب المنهجية كانت تتناول مواضيع لغوية تقليدية ومتكررة في كتب قواعد العربية العامة في المدارس , ومع ذلك , فان هذا العمل يعدّ خرقا لمفاهيم العلم ومتطلباته , ولكن الحالة تختلف تماما في اقسام اللغات الاوربية , فتدريس الادب الروسي مثلا من قبل متخصص باللغة الروسية وخصوصا في الصفوف الثالثة والرابعة مسألة مرفوضة تماما من الناحية العلمية , لأن هذا التدريسي لا يستطيع التوسع في محاضرته امام الطلبة , ولا يمكن له حتى ان يشرح المادة العلمية تلك كما يجب , خصوصا وانه لا يوجد كتاب منهجي محدد في تلك المواد , وان مسيرة الدرس تعتمد بالاساس على محاضرة الاستاذ قبل كل شئ . 
ختاما لهذه الملاحظات السريعة عن الاختصاص العام والاختصاص الدقيق وعلاقتهما المتبادلة والمتشابكة واهمية ذلك في مسيرة حياة الانسان , اود ان احكي للقارئ هذه الحكاية –
 طلب منّي أحد أقاربي مرة ان ارافقه في موعد له مع طبيب متخصص في احدى العيادات الاستشارية , وقال لي هذا القريب , انه يرجوني ان استمع الى ملاحظات الطبيب وارشاداته لانه دائما ما ينسى او لا يستوعب كل مايقولونه الاطباء  له , وذهبت معه طبعا , وبعد ان اطلع الطبيب على وثائق المريض وفحصه سألني– لماذا أتيت بمريضك الى عيادتي؟ فقلت له الحقيقة , فقال  – ان الطبيب المختص بمرض اقاربك يحمل نفس لقبي , وقد توهم مريضكم وحجز موعدا عندي , لهذا ساحوّلكم الى ذلك الطبيب لان اختصاصه الدقيق هو الذي يؤهّله لفحص مريضكم وعلاجه , أما أنا فان اختصاصي الدقيق لا يؤهّلني لذلك , وقد شكرت الطبيب في حينه على هذا الموقف العلمي السليم , وخرجنا من عيادته ممتنين له.
كل العلوم تنطلق من قاعدة الاختصاص العام والاختصاص الدقيق , بما فيها طبعا العلوم الانسانية , ايها الزملاء الاعزاء !

528
أدب / القرية الصغيرة
« في: 23:41 05/01/2018  »

القرية الصغيرة


قصيدة للشاعر تودور أرغيزي (1880 – 1967)// رومانيا

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


امتزجت القرية الصغيرة
 بمقبرتها,
فالمقبرة
 لم تعد
تستوعب قبورها,   
وهكذا
وصلت الصلبان قرب بيوتها,
و في كل يوم جديد,
 يتلامع
 صليب جديد
 فوق قبورها,
والصلبان
مثل آلآت الكمان ,
تخضع لمن يقودها.
الطرق ميّتة,
الشوارع فارغة,
وصلبان , صلبان , صلبان..
في كل مكان.
+++
هنا -
درب ترابي ضيّق وطويل,
ملئ بالعشب و الشوك,
تسير فيه وتهذي,
مثل الاعمى.
كن حذرا,
 لا تلتفت الى الخلف,
هنا -
الاموات يحرسون
هذا
الدرب الطويل..
...........
وفي المطرالغزير -
الحذاء ثقيل ,
لانه يمتلأ
بالماء و الطين,
وستصطدم
-وانت في هذه العتمة-
بمزالج يعلوها
 الصدأ القديم,
-وعندها -
ورغم ارادتك,
ستطلب من الاموات -
المأوى ألامين.

529
قراءة في كتاب (سماء بغداد القرمزية) بترجمة د. الحمراني
أ.د. ضياء نافع
هذا كتاب مهم جدا في تاريخ العلاقات الروسية – العربية عموما وتاريخ العلاقات الروسية – العراقية خصوصا, وذلك لأن مؤلف هذا الكتاب الراحل فيكتور باسوفاليوك كان خبيرا كبيرا في شؤون الشرق العربي واللغة العربية و الترجمة من الروسية الى العربية وبالعكس , وعاش سنوات طويلة في العراق واليمن ومسقط و سوريا وتدرّج في العمل بالسفارة السوفيتية ومن ثم الروسية في تلك البلدان كل هذه الفترة الطويلة اولا , وثانيا , لانه كتب هذا الكتاب على شكل سيرة ذاتية تفصيلية وليس كدراسة اكاديمية  لاحداث سياسية معينة , اي انه كتب سطورا وصفحات لم يتوجه بها الى قارئ محدد , وانما كتبها على شكل خواطر ووصف لاحداث عايشها ( ..اعود مرة بعد اخرى الى احداث اعوام 1990 – 1991 . وها اني اجلس اخيرا لاقوم بوصفها , لكني  لا اعرف متى سأستطيع نشرها . ان قول الحقيقة بصورة سافرة دائما محفوف بالخطر , والاكثر خطورة ما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط ... )ص. 23 , ولم يسمح له القدر ان يكمل تلك الصفحات او يعدّلها او يصلحها او يشذبها او يجعلها ملائمة لهذا الطرف او ذاك , ولهذا فانها رسمت بشكل مباشر وطبيعي وغير مصطنع بتاتا وبصورة حقيقية وواقعية ومطابقة تماما لكل ما رآه وسمعه من كل العرب والروس  الذين كانوا يحيطون به طوال هذه الفترة الطويلة , منذ سفرته الاولى للعمل مترجما في السفارة السوفيتية باليمن عام 1964 والى حين وفاته عام 1999 في موسكو , عندما اصبح وكيلا لوزارة الخارجية في روسيا وممثلا آنذاك للرئيس الروسي يلتسين لشؤون الشرق الاوسط .
يقع هذا الكتاب في 302 صفحة من القطع الكبير , ويضم في بدايته مقدمة خاصة بالطبعة العربية كتبها بوغدانوف ممثل الرئيس الروسي بوتين الى الشرق الاوسط و نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية الآن , وهذه المقدمة بحد ذاتها تعني وتؤكد الاهمية المتميزة لهذا الكتاب , والقيمة الخاصة التي توليها الدولة الروسية الحالية لما كتبه باسوفليوك باعتباره ( .. تصور شخصي عميق لرجل لم يفهم وحسب – بوضوح ودقة – تلك الاحداث , ولكنه بالدرجة الاولى عايشها بعقله وقلبه وروحه .) كما جاء في مقدمة بوغدانوف تلك . وكتبت ارملة المؤلف في  بداية الكتاب ايضا كلمة أشارت فيها الى وقائع مهمة جدا حول الكتاب , منها, ان مخطوطة الكتاب ( ..بقيت فترة طويلة ملقاة على المنضدة ..بعد رحيل زوجي في الاول من اغسطس 1999 ..وعدت الى المخطوطة عام 2008 ..) , وتذكر , ان زوجها ( ..كان يشك هل بوسعه نشر ما كتبه ..).
يتناول الكتاب عدة مواضيع كبيرة ومتشعبة جدا في تاريخ العلاقات العربية – الروسية بشكل عام , ولكن العراق يشغل المكان الاوّل في تاريخ تلك العلاقات , وذلك لان المؤلف عمل على مدى سنوات في السفارة السوفيتية في بغداد , ثم أصبح سفيرا لبلاده بعدئذ , وبالتالي فقد عاصر احداث العراق الجسيمة وتعايش معها . ان المواضيع التي يتناولها هذا الكتاب  لم يسبق ان كتب حولها لا المؤرخ العراقي ولا المؤرخ الروسي , منها مثلا , الصورة التي رسمها باسوفاليوك لصدام حسين , ولنقرأ  في ص. 25 ما يأتي – ( كنت أنظر لصدام طيلة سنوات تعرفي عليه اي منذ بداية 1969 , بهدوء. وبدوره تعامل معي بمودة . وعلى كل الاحتمالات ابتسم لي , وخاطبني باسمي , ومن وقت الى آخر ربّت على كتفي . ولكني في هذه المرّة في 25 يوليو 1990 لم أشعر فقط – وبشكل مفاجئ– بعدم ارتياح شديد تجاهه , وانما شعرت بالخوف منه. كانت عيونه في هذه المرّة مرعبة , ولاح فيها شرّ خارق للعادة . بعد ذلك أدركت انه في تلك الساعات بالذات تبنى أصعب قرار في حياته , وعانى من الشكوك , هل سينجو من العقاب على المغامرة الكبرى التي يخاطر بها ) . او لنقرأ جملة اخرى حول صدام في ص. 28 – ( .. وللأسف حتى أنا الذي عرفته سنوات طويلة , لم أقيّم فيه روح المغامرة المنحرفة التي لا تستأصل) . او لنقرأ هذه الكلمات في ص. 92 – ( وأنا لست من محبي عبقرية ستالين كقائد عبقري , فضلا عن هتلر , ولكن خلفهما انتصارات عسكرية , اما صدام فخلفه فقط الهزائم  او الانتصارات المشكوك بها , مثل النصر على ايران . وعلى العموم  ان صدام كان     (فذّا) بسطحيته,  فهو لم يعرف اي شئ على مستوى مهني .... وأتذّكر حينما كان صدام يدرس ( يقصد المؤلف عندما كان صدام يؤدي الامتحانات في كلية القانون بجامعة بغداد ) , نشرت الصحف المحلية مقالاته حول .... دور حزب البعث العربي الاشتراكي وبناء الدولة والعلاقات الدولية . لقد كانت نقاشات مدهشة بتفاهتها وبسطحيتها وابتذالها ) . او لنقرأ في ص. 94 – ( اي كلام يمكن ان يدور عن اداء عمل مهني بشكل حسن اذا كانت الوسيلة الوحيدة – تمت بافضل تقاليد الستالينية – تعتمد على اغتيال الزملاء والرفاق). او لنقرأ في ص. 95 – ( انه برز كشخصية فاشلة كبيرة ومتغطرسة بلا حدود ). او لنقرأ في ص. 96 – ( ان صدام وحش لا يمكن تدجينه ) . او لنقرأ في ص. 101 – ( ..واؤكد بمسؤولية ان صدام  ..لم يفهم شعبه ومزاجه وميوله الحقيقية ومستوى حيويته ) . لقد كتب باسوفاليوك كل هذا الكلام في زمن صدام وحكمه , اذ انه توفي عام 1999 . ولا يمكن التوسع أكثر بالاستشهاد حول هذا الموضوع الذي لم يتبلور لحد الان لا في الوعي الاجتماعي الروسي ولا في الوعي الاجتماعي العربي ايضا , والامثلة على ذلك كثيرة جدا ويعرفها العراقيون اثناء اختلاطهم بالروس او العرب , ولا مجال في اطار هذه المقالة طبعا حتى الاشارة الى تلك الامثلة  او اسبابها , بما فيها طبعا الفشل الذريع للنظام الطائفي الحالي في العراق . ان التقييمات الموضوعية للمؤلف حول صدام تجسّد فصلا صغيرا ليس الا في هذا الكتاب المهم , اذ توجد مواضيع اخرى كبيرة هناك ,  بل يوجد فصل باكمله في الكتاب بعنوان – ( تأملات حزينة عن العراق ودكتاتوره وعن العلاقات السوفيتية – العراقية ) من ص 88 الى ص 128  , وهو فصل يحتاج الى دراسة معمقة بلا شك. اضافة الى ان باسوفاليك قد تناول في هذا الكتاب مواضيع تخص روسيا و الاتحاد السوفيتي وبيروقراطية أجهزته وقادته والوضع في وزارة الخارجية الروسية وووو..
وبدل الخاتمة لهذا الكتاب توجد كلمة ليفجيني بريماكوف رئيس الحكومة الروسية السابق يتحدث فيها بكل حب وتقدير عن باسوفاليوك , وقد ذكرتني جملته عنه – ( .. وعموما , علي ان أقول, اني لم التق طيلة حياتي مترجما متألقا من العربية مثله , لقد تمتع بموهبة خاصة كأنه اختفى خلال المحادثة التي يترجمها – وهيّأ للمتحدثين التصور بانهما يتحدثان بلغة واحدة , وبهذا بالتحديد يظهر المستوى الرفيع للمترجم ) , أقول , ذكرتني هذه الجملة بمقالتي , التي كتبتها عن باسوفليوك في بغداد عندما سمعت بخبر وفاته عام 1999 , واتصلت بالراحل أمير الحلو وكان آنذاك رئيسا لتحرير مجلة ألف باء وسألته – وبحذر – عن امكانية نشر تلك المقالة هناك , فأجابني أمير بشجاعته المعروفة بانه سيحاول باخلاص نشرها , ونشرها فعلا في الصفحات الاولى لمجلة ألف باء , وحازت تلك المقالة على اعجاب الاصدقاء كافة , ولا امتلك الآن نسخة منها مع الاسف , الا اني أذكر, اني تحدثت فيها كيف عملنا – باسوفليوك وانا – لثلاثة ايام في ترجمة المباحثات العراقية – السوفيتية الثقافية في عام 1972 بوزارة الاعلام , وكيف التقيت به صدفة في احدى الحفلات الموسيقية بعد فترة طويلة عندما اصبح سفيرا لبلاده في بغداد , ولم اقترب منه طبعا , ولكنه القى نظرة على الجالسين في القاعة وشاهدني , فرفع يديه تحية وهو يبتسم , واضطررت طبعا ان انهض واتوجه اليه , وقلت له بالروسية – ( مساء الخير يا سيادة السفير) فقال لي مبتسما- ( وهل نسيت اسمي يا ضياء ؟) , فاجبته – (لا طبعا يا فيكتور , ولكنك الان سفير ) فقال لي ما معناه , ان المناصب لا تجعلنا ننسى الاصدقاء...
 الشكر الجزيل للدكتور فالح الحمراني , الذي اختار هذا الكتاب وترجمه عن الروسية بمهارته الدقيقة والعلمية المعروفة , وقدّم بذلك الى المكتبة العربية مصدرا مهما وكبيرا جدا من مصادر المعرفة .

530
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  قبل ان تمسك النمر من ذيله , انظر اي أسنان عنده.
التعليق – مثل في غاية الطرافة , يدعو بشكل مرح ورشيق وذكي جدا الى ضرورة التفكير بعواقب اي عمل يقوم به الانسان قبل تحقيقه وليس بعده. توجد امثال عربية عديدة في هذا المعنى , منها –من لم يتحسب للعواقب لم يكن الدهر له صاحب // الحذر افضل من التهور // ولآت ساعة مندم // الحذر يقيك الضرر ... وهناك امثال في نفس المعنى عند الشعوب الاخرى طبعا , منها المثل الياباني – المظلة ضرورية قبل ان تبتل , الا ان الصورة الفنية للمثل الصيني تبقى متميّزة وطريفة وفريدة فعلا بكل معنى الكلمة.
+++++
الترجمة الحرفية – من الدورق يمكن ان تصب في الكأس فقط الشئ الموجود في الدورق.
التعليق – هذا هو المنطق , ولا يمكن خرق هذه القواعد المنطقية الصارمة في الحياة مهما كانت الرغبات , و ( الجود من الموجود ) كما يقول مثلنا العربي الجميل .
+++++
الترجمة الحرفية – من يشرب الماء يجب ان يتذكر هؤلاء الذين حفروا البئر.
التعليق – مثل نبيل ومهم وحكيم جدا, وما أحوجنا ان نتذكره في مسيرة حياتنا اليومية , اذ  اننا كثيرا ما ننسى تلك الوقائع والاشياء الرائعة التي تحيطنا , و التي نتمتع بها , دون ان نتذكر هؤلاء الذين وفّروها لنا بفضل جهودهم وعملهم الدؤوب. لنتذكرعظمة هذه الكلمات وعمقها في تراثنا – بالشكر تدوم النعم. 
+++++
الترجمة الحرفية – من يتحدث بكلمات طيبة لا يعني انه طيّب.
التعليق – يقول المثل العربي - حلاوة لسان وقلة احسان . المثل الصيني يدور حول نفس المعنى تقريبا , ولكن بشكل اكثر دقة وبصورة اوضح .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان المضئ لا يقوم باعمال معتمة .
التعليق – ما أجمل هذا المثل الصيني الدقيق , فالانسان المضئ يعني الانسان الواضح والصريح والجيّد , وبالتالي , فانه لا يمكن ان يقوم باعمال تتعارض مع مفاهيمه وصفاته الايجابية تلك.
+++++
الترجمة الحرفية – مهما ترتفع الى الاعلى , لن تكون أعلى من السماء.
التعليق – مثل رائع جدا . لنتذكر الآية الكريمة – ولا تمش في الارض مرحا انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تخطأ بالطريق يمكن ان تعود, اما اذا تخطأ بالكلمة فلا يمكن عمل اي شئ.
التعليق –  توجد أمثال عربية عديدة في نفس هذا المعنى , منها - عثرة القدم احسن من عثرة اللسان واسلم // سلامة الانسان في حفظ اللسان....
+++++
الترجمة الحرفية – ما تراه العينان حقيقة , ما تسمعه الاذنان مشكوك فيه.
التعليق – مثل صحيح فعلا . يقول المثل العربي باللهجة العراقية – شفت بعيني محّد كلّي ( محّد – لا احد // كلّي – قال لي ) , ويقول المثل الروسي – افضل ان ترى مرة واحدة من ان تسمع مئة مرة .
+++++
الترجمة الحرفية – من الممكن تفادي ضربة السيف , ولكن لا يمكن تفادي ضربة اللسان.
التعليق – لنتذكر بيت الشعرالعربي في هذا المعنى , والذي ذهب مثلا -
 وقد يرجى لجرح السيف برء // ولا برء لما جرح اللسان.
+++++
الترجمة الحرفية – فقط المشاكل الكبيرة تعطي امكانيات و فرصا كبيرة.
التعليق – مثل صحيح , اذ عندها فقط تتبين قابلية الانسان ومواهبه في معالجة هذه المشاكل وايجاد الحلول لها .
+++++
الترجمة الحرفية – في الطريق الطويل لا توجد حمولة سهلة.
التعليق – مثل رمزي جميل يجسّد مسيرة الحياة الانسانية الطويلة , حيث ( لا توجد حمولة سهلة ) فيها , ومع ذلك فان الانسان يتشبث بها . لنتذكر المعري وبيت الشعرالعميق الذي ذهب مثلا –
تعب كلها الحياة فما أعجب الا من راغب في ازدياد
+++++

531
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (10 )
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الناس الذين يتكلمون كثيرا , يعرفون قليلا.
التعليق – مثل صحيح , فالشخص الذي يثرثر حول كل المواضيع يعني انه لا يعرف محتواها بعمق وانما يعرفها بشكل عام , اوسطحي , او لا يعرفها أصلا, وانه يحب ان يبرز بين الآخرين , ويبين ( عضلاتهّ !) ليس الا.
+++++
الترجمة الحرفية –  عندما تخطأ , لا تخجل من تصحيح الخطأ .
التعليق –  مثل واضح و رائع , وما أكثر الناس الذين يرتكبون الاخطاء في مجتمعاتنا ولا يريدون الاعتراف بذلك , دون ان يدركوا , ان الاعتراف بالخطأ فضيلة , لأن هذا الاعتراف يحرر الروح الانسانية من الضغط المعنوي الهائل لتلك الاخطاء. لنتذكر الحديث الشريف – كل بني آدم  خطّاء, وخير الخطائين التوابون  .
+++++
الترجمة الحرفية – كل طعام للجائع لذيذ.
التعليق –  يقول المثل الروسي الطريف في هذا المعنى - الجوع أفضل طبّاخ , فالجائع يتناول - وبكل شهية و سرور- اي طعام يعدّونه له و يقدمونه اليه .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتخذ قرارا وانت تستمع الى طرف واحد.
التعليق – مثل حكيم جدا , فكل جانب يمتلك وجهة نظر تعّبر عن موقفه ومصلحته , ولهذا يجب الاستماع الى الطرفين من أجل اتخاذ القرار الموضوعي والسليم والعادل ..
+++++
الترجمة الحرفية – أسهل من ان تكسر بيضة بالحجر.
التعليق –  مثل واضح تماما لوصف المهمة السهلة التنفيذ جدا . الصورة الفنيّة  في هذا المثل الياباني طريفة جدا و معبّرة جدا وذات روح ابتكارية بكل معنى الكلمة , وجماليتها تكمن في انها مفهومة لجميع البشر , اذ لا يوجد انسان لا يعرف الحجر والبيضة .
+++++
الترجمة الحرفية – ترى الظهر الغريب ,لكنك لا ترى ظهرك.
التعليق – يذكرنا هذا المثل الياباني بمثلنا العربي الطريف – الجمل لا يرى سنامه , وهو طبعا في نفس المعنى الحرفي والمعنوي للمثل الياباني.
+++++
الترجمة الحرفية – قليل ان نقول متشابهين , انهما ببساطة مثل قطرتين من الماء.
التعليق –  يقول المثل باللهجة العراقية  وفي نفس المعنى - حباية ومفشوكة بالنص (حباية  - حبّة // مفشوكة – مقسومة ). الصورة الفنية في المثل الياباني دقيقة ومنطقية و جميلة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – اعرف حدودك.
التعليق – مثل صارم و دقيق وصحيح جدا , وما أكثر الذين يتصرفون او يثرثرون حولنا دون ان يعرفوا حدودهم ! . لنتذكر القول العربي الجميل والرائع  -  رحم الله امرأ عرف قدر نفسه .
+++++
الترجمة الحرفية – يتميّز مثل القمر عن السلحفاة.
التعليق – مثل طريف وغريب البنية , اذ ان مقارنة القمر بالسلحفاة أمر لا يخطر على البال , وفي نفس الوقت , فان الصورة الفنية في هذا المثل تثبت بما لا يقبل الشك فعلا حالة التميّز هذه.
+++++
الترجمة الحرفية – النقود تؤدي الى الخصام بين الآباء و الابناء.
التعليق –  توجد أمثال عربية عديدة في هذا المعنى , منها - الفلوس تخرب ( او تغيّر ) النفوس // الفلوس على كل شي تدوس .. . وهناك أمثال عند الشعوب الاخرى حول ذلك ايضا , منها المثل الروسي – النقود تعمي العيون ...
+++++
الترحمة الحرفية – عندما تكون عنابر الحبوب مليئة , تعرف الناس ماذا تعني المجاملة و دماثة الخلق.
التعليق –  الجوع كافر , وعندما يحل بمكان , فان الناس تنسى دماثة الاخلاق وتبدأ بالصراع العنيف من اجل البقاء دون مراعاة لتلك الاعتبارات والمجاملات بين البشر.
+++++
الترجمة الحرفية – الطاعة المتناهية لا تعني الاخلاص.
التعليق –  مثل صحيح . يقول المثل باللهجة العراقية  -  كل شي يزيد عن حده ينقلب ضده , والطاعة المتناهية والمطلقة هنا حتى قد تعني نوعا من اشكال النفاق الاجتماعي ليس الا.
+++++

532
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – ليس من كل بيضة يفقس كتكوت.
التعليق – مثل طريف ومرح , ولكنه يدعو- وبشكل جدّي- الى ضرورة الاعتماد على التفكير الواقعي بشأن الحياة , والابتعاد عن الحسابات الخيالية والتخطيطات الساذجة , و التي تؤدي حتما الى الفشل الذريع في مسيرة الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – الضعيف مذنب دائما.
التعليق – يقول المثل باللهجة العراقية -  السطرة بعلبة الفقير ( السطرة – الضربة // علبة – رقبة ) , ويقول المثل الروسي في نفس هذا المعنى – على المسكين ماكار تتساقط كل كيزان الصنوبر.  الضعيف لا يستطيع العيش في مجتمع الاقوياء , فهو مذنب امامهم في كل شئ وفي كل الاحوال , اذ انهم  ذئاب , و ( ان لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب ) كما يقول المثل العربي.
+++++
الترجمة  الحرفية – لا يمكن ان تقطع الشجرة بضربة واحدة.
التعليق –  يقول المثل الروسي -  دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة , فكيف بقطع شجرة ؟ . تحقيق الاشياء الكبيرة يتطلب جهدا متواصلا ووقتا طويلا.
+++++
الترجمة الحرفية – الثعلب العجوز لا يقترب من الفخ.
التعليق –  يقول المثل الروسي في هذا المعنى -  لن تخدع العصفور العجوز بالخبز اللّين  . الصور الفنية في المثلين المذكورين جميلة جدا , الا ان المثل الاذربيجاني أكثر منطقية , فالثعلب مراوغ بطبيعته وهو رمز الدهاء والحيلة وليس مثل العصفور , فكيف اذا كان هذا الثعلب ايضا عجوزا , اي انه قد اكتسب خبرة الحياة الطويلة وتجربتها ؟
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان تكون خادما للحكيم, من ان تكون سيّدا للاحمق.
التعليق – مثل صحيح , فالانسان الحكيم يبقى حكيما حتى بالنسبة لخادمه , والاحمق يبقى أحمقا حتى لسيّده , ف ( الحماقة أعيت من يداويها ) كما يقول المثل العربي .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا بدأت الاخفاقات , فان الاسنان تتكسّر حتى عند أكل الحلاوة.
التعليق – يقول المثل العربي في هذا المعنى – المصائب لا تأتي فرادى , وهو مثل عالمي يتكرر عند الكثير من الشعوب بصيغ مختلفة , وصيغة المثل الروسي هي – لا تأتي المصيبة بمفردها ابدا. الصورة الفنية للمثل الاذربيجاني مبتكرة جدا ومتميّزة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية  -  ليس مهما للثعلب كم  سعر الديك.
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه غير اعتيادية تماما , وهو عميق في نفس الوقت , اذ انه يصّور بصدق الموقف الحقيقي للجانب الذي يهاجم ضحيته دون ان يأخذ بنظر الاعتبار الخسائر التي يلحقها هذا الهجوم بالجانب الآخر.
+++++
الترجمة الحرفية – الالم نفسه , عندما تقطع اي اصبع.
التعليق – لنتذكر الحديث الشريف حول المؤمنين , الذين هم (.. مثل الجسد , اذا اشتكى منه عضو , تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى ). يرسم المثل الاذربيجاني صورة فنية واقعية ومعبّرة ودقيقة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يحترم صاحب البيت يعطي الخبز لكلبه.
التعليق – يقول المثل باللهجة العراقية – يحشمون الجلب لخاطر اهله, ( يحشمون – يحترمون / الجلب – الكلب / لخاطراهله – من اجل اهله , اي احتراما لهم ) , وهو في نفس معنى المثل الاذربيجاني بالضبط .هناك مثل روسي قريب ايضا من المثل الاذربيجاني  هذا , وهو– تحبني , اذن  لاتضرب كلبي .
+++++

533
حول اول معجم روسي – عربي للامثال الروسية في العراق
أ.د. ضياء نافع
الكلمة التي ألقيتها باللغة الروسية في المؤتمر الثاني عشر للمستعربين الروس العاملين في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية , والذي انعقد بتاريخ 27 - 29 / 11 / 2017 بموسكو , وكانت بعنوان – ( كلمة حول اول معجم روسي – عربي للامثال الروسية في العراق ) .
ض.ن.
==========================
احييكم – ايها الزملاء – واشكركم على دعوتكم للمشاركة باعمال  مؤتمركم في هذا المعهد العلمي العريق , واعتبر هذه الدعوة شرفا كبيرا لي ولزملائي العراقيين المتخصصين باللغة الروسية وآدابها , والذين يعملون في العراق لدراسة اللغة الروسية وآدابها ونشرها في العراق مثلما انتم تعملون في روسيا لدراسة اللغة العربية وآدابها ونشرها في روسيا .
اودّ ان أتحدّث لكم اليوم عن أول معجم روسي – عربي ظهر في العراق للامثال الروسية , وهو من تأليفي , والذي أصدرته (دار نوّار للنشر) في بغداد هذا العام (2017 ).
لقد أسسّت دار النشر هذه في بغداد بعد رحيل ابني قبل عامين تقريبا كي تحمل اسمه , وذلك تخليدا له , وبما ان الراحل ( نوّار ) كان يوحد العراق وروسيا ويجسّد رمز تفاعلهما , فقد خططنا ان يكون الكتاب الاول الذي يصدر عن دار النشر هذه باللغتين العربية  والروسية معا , وكان هذا هو الهدف الاول من اصدار هذا المعجم الروسي – العربي .
عندما نقول هنا , ان هذا هو أول معجم روسي – عربي للامثال الروسية في العراق , فان ذلك لا يعني , ان المتخصصين العراقيين لم يتنالوا هذه الامثال في مسيرتهم غير القصيرة في دراسة اللغة الروسية وآدابها ( تأسس قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد عام 1958 وسيحتفل عام 2018 بالذكرى الستين لتأسيسه), فقد أصدر الدكتور جليل كمال الدين ( 1930– 2014 )
, التدريسي في قسم اللغة الروسية آنذاك ( والاستاذ البروفيسور في القسم المذكور لاحقا) كتابا مهما وقيّما جدا في بغداد عام 1978 بعنوان – ( دراسة مقارنة في الامثال الروسية والعربية ) , وقد ترجم المؤلف  في كتابه هذا الكثير من الامثال الروسية الى العربية وصنّفها حسب مواضيعها وقارنها بالامثال العربية المناظرة لها من حيث المعنى , ولا زال هذا الكتاب لحد الان يعد مصدرا عربيا مهما حول الامثال الروسية في المراجع العربية حول ذلك , الا ان هذا الكتاب كان بالعربية فقط . وعدا ذلك , فقد كتب عدة طلبة من خريجي قسم اللغة الروسية في بغداد أطاريح ماجستير باشراف أساتذة القسم المذكور حول الامثال الروسية ومقارنتها بالعربية عموما وحتى بالامثال باللهجة العراقية ايضا , و أنجز بعض هؤلاء أطاريحهم للحصول على شهادات الدكتوراه  في الجامعات الروسية فيما بعد في نفس تلك المواضيع . الا انه لم يصدر في العراق – رغم كل تلك الجهود العلمية الكبيرة – معجم روسي عربي يضم الامثال الروسية , ولهذا فاننا يمكن ان نقول – وليس دون فخر – ان معجمنا هو المحاولة العراقية الاولى في هذا المجال , وقد أشرنا الى ذلك في مقدمتنا للمعجم . 
وربما يمكن القول ايضا , ان هذا المعجم هو المحاولة الاولى في العالم العربي ايضا حسب علمنا المتواضع , اذ اننا لا نعرف باصدار مثل هذا المعجم من قبل زملائنا العرب في البلدان العربية الاخرى . أما بالنسبة للساحة الروسية , فاننا لا نعرف سوى قاموس التعابير والامثال السائرة الذي صدرت طبعته الثانية عام 1989 بموسكو , من تأليف فلاديمير شكلياروف و فوزي عطية محمد ( المصري الجنسية) , وهو قاموس روسي – عربي تعليمي يمتلك اهمية علمية وتاريخية كبيرة ومتميّزة في مجال القواميس الروسية العربية بلا شك , الا انه يختلف طبعا عن المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية الذي نتحدّث عنه هنا , رغم التقارب الواضح بينهما.
وبناء على ما مر أعلاه, فاننا يمكن ان نعلن هنا , ان المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية , الذي نتحدّث عنه اليوم هو اول محاولة في عالم العلاقات الثقافية الروسية – العربية , ويسرّنا الاعلان عن ذلك بالذات في مؤتمركم هذا وفي معهدكم الشهير  , باعتباره أحد  أهم مراكز البحث العلمي في مجال العلاقات الثقافية الروسية – العربية في العالم .
يقع المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية في ( 150 ) صفحة من القطع المتوسط , ويضم اكثر من ( 550 ) مثلا روسيّا مرتّبة حسب حروف الهجاء الروسية , ويعقب كل مثل الترجمة  العربية الحرفية له , ثم تعليق حر بالعربية حول ذلك المثل ومجال استخدامه, و يحتوي التعليق ايضا على المثل العربي المناظر او القريب له بالعربية او كيف ترجمته او تعاملت معه القواميس الروسية العربية ( بالاساس قاموس بوريسوف وقاموس جابر أبي جابر ). ان مبدأ المعجم هذا ( اي الترجمة الحرفية ثم التعليق عليها ) – في رأينا – هو بنية جديدة وصحيحة جدا لايصال المعنى الكامل للمثل الروسي الى القارئ العربي , اذ ان القواميس السابقة قد أعطت وركّزت في ترجمة الامثال الروسيّة على الامثال العربية المناظرة ليس الا بالاساس مما أدّى الى عدم الفهم الدقيق من قبل القارئ العربي للمثل الروسي وبنيته وصوره الفنية التي يمتاز بها ولا المجال او الموقف الذي يضرب به .
ختاما لهذه الكلمة الوجيزة اعرض هنا مثلا روسيّا واحدا ليس الا وترجمته الحرفية والتعليق عليها كما جاء في المعجم المذكور ص ( 91 ) –
الترجمة الحرفية – الاعادة ام المعرفة.
التعليق – يضرب في ان الاعادة والتكرار تساعد على تعميق استيعاب المعلومات المختلفة وتثبيتها في أذهان الاخرين. يوجد مثل عربي  شهير في هذا المعنى بشكل عام , وهو – في الاعادة افادة . يترجم جابر ابو جابر هذا المثل في قاموسه كما يأتي – التكرار يعلّم حتى الحمار / التكرار يعلّم الشّطار , ولا نريد التعليق على الترجمة الاولى غير الموفقة بتاتا , والتي تتعارض اصلا مع المعنى العام لهذا المثل الروسي .
المصادر
=====
1-   بوريسوف ف. م. قاموس روسي – عربي . موسكو 1967
2-   جابر ابي جابر. القاموس المعاصر الكبير / روسي –
عربي. موسكو 2012
3-   جليل كمال الدين . دراسة مقارنة في الامثال الروسية. بغداد 1978
4-   شكلياروف ف. و فوزي عطية محمد . قاموس التعابير والامثال السائرة . موسكو 1989
5-   ضياء نافع . معجم الامثال الروسية . روسي – عربي . دار نوّار للنشر  . بغداد 2017

534
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (9)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – والصياد يمكن ان يقع في الفخ.
التعليق – هذا مثل عالمي من حيث المعنى , ولنتذكر امثالنا العربية في هذا الخصوص -  لكل جواد كبوة / لكل عالم هفوة / ...الخ , وهناك امثال عند الشعوب الاخرى ذات صور فنية تختلف في الشكل , الا انها تتطابق من حيث المضمون , منها - والسبّاحون المهرة يغرقون ...
+++++
 الترجمة الحرفية - في الخصام كلا الجانبين مذنبان.
التعليق – مثل حكيم وعادل جدا , ولهذا ينطلق الحكماء من ضرورة الاستماع الى الجانبين قبل اصدار الحكم القطعي في اي خلاف بين طرفين.
+++++
الترجمة الحرفية – غدا تهب رياح الغد .
التعليق – لهذا يجب التعامل اليوم مع رياح اليوم فقط , وترك رياح الغد للغد . لنتذكر الخيام بترجمة وصياغة احمد رامي الرائعة –
غد بظهر الغيب واليوم لي/// وكم يخيب الظنّ بالمقبل...
+++++
الترجمة الحرفية – والنسر يطير والذبابة تطير .
التعليق – ليس كل (طيران !!! ) يجسّد العظمة والجبروت . يقول المثل الطريف باللهجة العراقية – مو كل مدعبل جوز.
+++++
الترجمة الحرفية – دون فائدة مثل المصباح في النهار.
التعليق – كل شئ مفيد ومهم عندما يكون في وقته ومكانه . يقول المثل العربي في هذا المعنى – لا يحتاج الصباح الى مصباح , وليس فقط الشئ , بل حتى الانسان نفسه يخضع لذلك المفهوم , وليس عبثا ما يقوله المثل العربي و العالمي ايضا , وهو - الرجل المناسب في المكان المناسب .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يطفئون الحريق بالحطب.
التعليق –  الحطب يزيد النار اشتعالا طبعا , ويقول المثل العربي في نفس هذا المعنى  – يصب الزيت في النار . تتطلب عملية اطفاء الحرائق والنيران في كل جوانب الحياة وسيلتها الملائمة والمناسبة لها , بعيدا عن مواقف (الصيد في الماء العكر!) او ( زاد الطين بلّة !) كما تشير أمثالنا العربية .
+++++
الترجمة الحرفية – من السهل ان تكون نمرا شجاعا , ولكن حاول ان تكون أرنبا شجاعا.
التعليق – النمر شجاع بطبعه و الارنب جبان بطبعه , و ( الطبع يغلب التطبع ) كما يقول المثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – تجربة الحياة الطويلة أكثر ضمانة من درع السلحفاة.
التعليق –  الخبرة التي يكتسبها الانسان من مسيرة حياته تحصنه امام صعاب الحياة ومشاكلها , والمثل العربي يقول – اسأل مجرب ولا تسأل حكيم . الصورة الفنية طريفة جدا في هذا المثل الياباني .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تنكوي بالحساء الحار تنفخ على الخضراوات الباردة .
التعليق –  ويقول المثل العربي الشهير في نفس هذا المعنى -  من لسعته حيّة يخاف من الحبل . يتكرر هذا المثل عند الكثير من الشعوب بصيغ واشكال مختلفة, منها المثل الروسي – الغراب المذعور يخاف حتى من الشجيرة .
+++++
الترجمة الحرفية – سامح الآخرين ولكن لا تسامح نفسك.
التعليق – مثل فلسفي عميق , ف ( المسامح كريم ) كما نقول بالعربية , ولكن الانسان يجب ان يتذكر الاخطاء والذنوب التي ارتكبها هو نفسه  كي يتعلّم منها , اي كي لا يكررها .
+++++
الترجمة الحرفية – الغراب الذي يقلّد طير الماء يغرق.
التعليق – كل مخلوق يؤدي دوره في الحياة وحسب امكانياته وقواه  وقابلياته وخصائصه, انسانا كان او حيوانا .
+++++
الترجمة الحرفية – العيون تتكلم بلغة فصيحة مثل الشفاه.
التعليق –  مثل صحيح  , ف ( العيون – مرآة الروح ) كما يقول المثل الروسي , و يعرف الانسان – و طوال تاريخه - لغة العيون . لنتذكر بيت الشعر الجميل لاحمد شوقي –
 وتعطلت لغة الكلام وخاطبت /// عيني في لغة الهوى عيناك
+++++

535
حول مؤتمر المستعربين في معهد الاستشراق بموسكو
أ.د. ضياء نافع
استلمت بالبريد الالكتروني دعوة كريمة للمشاركة في اعمال المؤتمر الثاني عشر للمستعربين الروس في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية , والذي انعقد في موسكو بتاريخ 27 – 29 تشرين ثاني / 2017 , واعلمتهم بموافقتي على ذلك , فطلبوا عنوان الموضوع الذي سأتحدّث بشأنه في المؤتمر , وقد حددته كما يأتي – ( كلمة حول اول معجم روسي – عربي للامثال الروسية في العراق) , وهو المعجم الذي صدر لي هذا العام ( 2017 ) في بغداد عن دار( نوّار) للنشر , وقد استلمت بعدئذ الموافقة عليه من رئاسة المؤتمر باعتباره ( عنوانا لبحث يتناسب وينسجم تماما مع أهداف المؤتمر وطبيعته...) , واخبروني لاحقا , ان هذا البحث سيدخل ضمن جلسة يوم 29 تشرين الثاني المخصصة لبحوث اللغة العربية وآدابها ( الفيلولوجيا العربية ), واستلمت فعلا البرنامج الشامل للمؤتمر , ووجدت الوقت المحدد لالقاء البحث هناك , ولدى اطلاعي تفصيلا على برنامج المؤتمر, ادهشتني سعة المواضيع وتنوعها , اذ انها توزعت على خمسة محاور , وهي كما يأتي – ( المشاكل الحاليّة لتطور الشرق الاوسط السياسي – ويتضمن  17 بحثا ) , و ( تاريخ البلدان العربية و علم الاسلاميات- ويتضمن 11 بحثا ) و ( اقتصاد البلدان العربية- ويتضمن  12 بحثا) و ( الشرق الاوسط في نظام العلاقات الدولية – ويتضمن ستة بحوث ) و ( اللغة العربية وآدابها ( الفيلولوجيا العربية) - ويتضمن 16 بحثا) اي ان المجموع الكلي للبحوث هو – 62 بحثا , عدا مناقشات الطاولة المستديرة, التي يناقش فيها المشاركون في المؤتمر مجمل البحوث التي تلقى في بعض المحاور المشار اليها أعلاه و يعلّقوا على الاستنتاجات التي يستخلصها الباحثون من بحوثهم.
من الواضح تماما انه لا يمكن لنا – في اطار هذه المقالة – سوى الاشارة الى بعض الخطوط الفكرية الاساسية , التي تناولتها هذه البحوث العديدة والمتشعبة ليس الا , واودّ ان اتوقف هنا  قليلا عند عدد من البحوث التي جاءت في المحور الخاص بالفيلولوجيا العربية , باعتباري قد ساهمت بها , وحضرت جلساتها بالطبع .  اتوقف اولا عند محاضرة الدكتورة يافعة يوسف جميل , وهي امرأة عراقية الاصل و تقيم في روسيا منذ أكثر من خمس و أربعين سنة , و حصلت على شهادة الدكتوراه في علم اللغة العربية المقارن , وأصبحت منذ زمن طويل تدريسية في القسم العربي بالكلية الشرقية  في جامعة بطرسبورغ , وهي الان  بدرجة استاذ مساعد هناك. لقد كان عنوان بحثها هو – (دلالة جذر( دقّ) في اللهجة البغدادية ) , ولم يكن عنوان البحث مثيرا للانتباه اول الامر , ولكن ما ان بدأت الباحثة بالقاء كلمتها , حتى أثارت اهتمامات المؤتمرين وانتباههم , اذ انها أعدّت وسائل ايضاح جميلة ومدهشة عرضتها على الشاشة امام المؤتمر شرحت فيها كل الاشتقاقات من تلك المفردة التي تبدو وكأنها بسيطة للوهلة الاولى , ولكنها تحولت باللهجة البغدادية الى دلالات متشعبة وعديدة وواسعة , وقد عززت كل ذلك بامثلة حيّة وحيوية وطريفة جدا , وخصوصا للمستمع الروسي , الذي لم يكن حتى ان يتصورها , مثل ( دكّة رشيد عالي عام 41 – وعرضت صورة له مع شرح وجيز بالروسية لذلك الحدث ) او ( المدكوكة – وصورة لتلك الحلوى العراقية وشرح وجيز بالروسية لعملها ) او ( دكّ اصبعتين – مع صورة وشرح بالروسية لذلك ) او ( ابو الدكايك – مع توضيح وجيز) ...الخ تلك الاشتقاقات العديدة وغير المتوقعة والطريفة جدا . لقد صفّق المؤتمرون لهذه الباحثة عند انتهاء كلمتها المبتكرة والاصيلة بكل معنى الكلمة . ويجب القول , ان هذه الباحثة تستحق ان نكتب عنها مقالة خاصة يعرّف القارئ العراقي خصوصا والعربي عموما بنشاطها الفكري الواسع في الساحة الروسية , والذي يصب في تعزيز سمعة الثقافة العراقية والعربية ومكانتها المتميّزة في روسيا . أودّ ان اشير هنا الى بحث الدكتورة أليوخينا , التي تناولت فيه كتاب جورج حنّا ( قصّة الانسان ) وجوانبه الفكرية المختلفة. لقد أولت الدراسات السوفيتية عندها اهتماما خاصا لهذا الكاتب اللبناني الشهير انطلاقا من مواقفه السياسية المعروفة آنذاك , اما الان , فان الكلام عنه اصبح اوسع وأعمق واكثر شمولا وموضوعية. لابد من الاشارة والاشادة ايضا ببحث الدكتورة كوخاريفا حول موضوعة الوطن في الفلكلور العربي والابداع الشعري العربي , حيث توقفت الباحثة عند المصطلحات العربية في هذا المجال ومسيرة بلورتها في الوعي الاجتماعي العربي. اودّ ان اشيد ببحث الدكتورة بيليك , الذي تناولت فيه مسرحية نذير العظمة ( اوروك يبحث عن جلجامش ) . لابد من الاشارة ايضا الى الباحثة الجديدة في دنيا الاستشراق الروسي وهي الدكتورة موكروشينا من الكلية الشرقية بجامعة بطرسبورغ , والتي قدمت بحثا بعنوان – ( قضايا الضمير والاخلاق في مسرحية مصطفى محمود – الانسان والظل ) , علما انها قد ترجمت هذه المسرحية الى اللغة الروسية ونشرتها في كتاب خاص بمدينة بطرسبورغ . لا يمكنني هنا طبعا ان اتوسع اكثر , رغم اني اودّ ان اشيد واشير  – وبشكل خاص –الى دور الدكتور فالح الحمراني , الباحث والمترجم العراقي المعروف , في المداخلات الواسعة والعميقة مع الباحثين والتعليق عليها , والتي دلّت على سعة مطالعاته و معلوماته وموضوعية مواقفه الثقافية, ويؤسفني جدا اني لم استطع – نتيجة وضعي الصحي – ان ابقى الى نهاية الجلسة الاخيرة للاستماع الى محاضرته حول ترجمة نتاجات تولستوي الى العربية – حجي مراد انموذجا , ولا الى محاضرة الدكتوره الميرا علي زاده , والتي كانت ترأس وتدير جلسات محور الفيلولوجيا العربية بكل مهارة وموضوعية وروح أكاديمية عالية .
لقد كان المؤتمر الثاني عشر للمستعربين الروس في معهد الاستشراق بموسكو التابع لاكاديمية العلوم الروسية فرصة رائعة لكل المهتمين ( الروس والاجانب) بشؤون العالم العربي سياسيا واقتصاديا وتاريخيا وثقافيا , ويشكّل هذا المؤتمر بلا شك نجاحا كبيرا في المسيرة العلمية لمعهد الاستشراق العتيد في موسكو.

536

سبع قصائد هايكو

ا. د. ضياء نافع

ترجمة لقصائد هايكو

من القرن السابع عشر

للشاعر الياباني باسيو (1644 – 1694)

 

سبع قصائد هايكو / ترجمة: ضياء نافع

 

الربيع والدموع

يرحل الربيع.

تبكي الطيور. عيون الاسماك

مليئة بالدموع.

***

 

روح شجرة الصفصاف

شجرة صفصاف منحنية ونائمة،

وبلبل على غصنها..

انه روحها.

***

 

عش اللقلق

عش اللقلق في مهب الريح،

وخارج حدود العاصفة

اللون الهادئ لشجرة الكرز.

***

 

غفت الفراشة

آه، انهضي، انهضي،

كوني رفيقتي

ايتها الفراشة الغافية .

***

 

البرق في العتمة

كأنما مسك البرق بيديه

عندما أضرم الشمعة

في العتمة.

***

 

الغيمة تنتظر البرق

لا تتحرك الغيمة السوداء

في منتصف السماء،

يبدو انها تنتظر البرق.

***

 

القمر وقطرات المطر

كم مسرعا يطير القمر

على الاغصان الثابتة

التي تعلقت بها قطرات المطر.

 

ترجمها عن الروسية: أ.د. ضياء نافع

.............

** القصائد في الاصل بلا عناوين، والعناوين هنا من وضعنا.

537
العودة الى مكتبة لينين بموسكو من اجل هاشم جواد
أ.د. ضياء نافع
كان دستويفسكي جالسا وهو متوتر وقلق وحزين امام مكتبة لينين بموسكو عندما خرجت من محطة المترو المسماة - ( مكتبة لينين ), وتوجهت للدخول الى المكتبة من جديد بعد أربعين سنة منذ آخر مرّة كنت فيها. توقفت طبعا كي أتأمل تمثال دستويفسكي , الذي يقف منذ عام 1997 امام المكتبة التي تحمل اسم غريمه الفكري , وفهمت عمق الاحداث التي مرّت بها روسيا, وكيف يجسّد هذا المكان صورة رمزية فريدة لكل هذه التحولات الجذرية التي وضعت هذا التمثال الضخم لمؤلف رواية ( الابالسة )( شبه الممنوعة في الاتحاد السوفيتي , والحليم تكفيه الاشارة!!! ) امام المكتبة الاولى في روسيا , والتي تحمل اسم لينين , قائد الثورة الاشتراكية ومؤسس دولتها.
دخلت الى  بناية المكتبة عبر الاعمدة المرمرية الداكنة , وسألت عن كيفية تنظيم هوية السماح بالدخول , وقلت لهم , باني جلبت معي صورتي لعمل تلك الهوية , فابتسمت الموظفة المسؤولة وقالت لي – اجلس امامي واعطني وثيقتك ليس الا , وبعد دقائق منحتني هوية الدخول الالكترونية الى المكتبة وعليها صورتي , التي التقطتها لي باجهزتها, وهي تحت رقم 100000819168 ونافذة الى نهاية  عام 2022 وتمنت لي ان أجد في المكتبة الروسية الحكومية ( هذه هي تسميتها الرسمية الآن , ولكن الناس يسمونها لحد اليوم – مكتبة لينين !) كل ما ارغب بالاطلاع عليه من مصادر. شكرتها جزيل الشكر , وتوجهت الى القاعة رقم 1 والتي كنت اقرأ فيها كل ما اطلبه من كتب ومجلات , وانا أتذكر ايامي الخوالي في القرن الماضي , عندما كنت التقي مع الراحلة أ.د. حياة شرارة في تلك القاعة , بل اني تذكرت حتى كيف دردشنا معا عندما كنّا نشرب القهوة مرة , عن رغبتنا بالاقتراب من مولوتوف ( وزير الخارجية السوفيتية الشهير ) الذي كان يجلس وحده في نفس تلك القاعة وهو يطالع الكتب بهدوء , والتحدّث معه , ولكننا لم نتجاسر طبعا على القيام بذلك, اذ انه كان في تلك الفترة من المغضوب عليهم .
اقتربت من الموظفة المسؤولة واخبرتها باني ارغب بالاطلاع على كتاب باللغة العربية صادر في بغداد عام 1946 كنت قد وجدته هنا قبل اربعين سنة, فقالت لي وهي تبتسم – لقد تغيّر الزمن , ويوجد لدى المكتبة الآن فرع خاص بالمصادر الشرقية , وطلبت منيّ ان اسير معها نحو النافذة , وأشارت الى ذلك الفرع عبر الشارع , وهكذا اضطررت ان أذهب الى هناك , وعندما دخلت استقبلني موظف الاستعلامات ورافقني الى حيث الارشيف , وبدأنا نبحث معا عن كتاب بعنوان – ( مقدمة في كيان العراق الاجتماعي ) بقلم هاشم جواد , والصادر في بغداد عام 1946 , وسألني الموظف – هل انت متأكد من وجود هذا الكتاب في مكتبتنا ؟ فقلت له نعم , وانني شاهدته بنفسي قبل اربعين سنة . وهكذا وجدناه . طلب مني الموظف ان انتظر في القاعة المخصصة للبلدان العربية , و ذهب لجلب الكتاب . جلست في القاعة وشاهدت هناك مئات الكتب العربية والانكليزية والفرنسية والفارسية عن مختلف البلدان العربية , و التي ارسلتها لهم تلك البلدان , عدا العراق , اذ لم أجد أي كتاب ارسله العراق لهم , وكم تألّمت لذلك ! عاد الموظف الى القاعة وأخبرني , ان الكتاب الذي طلبته قد تم ارساله الى الحفظ الدائم , وتوجد فقط نسخة من المايكروفيلم له , وان المكتبة ستجهزه لي غدا في الرابعة عصرا في القاعة الخاصة بعرض تلك الافلام النادرة. وهكذا عدت في اليوم التالي , ووجدت الفلم جاهزا طبعا , ووضعوه في الجهاز الخاص وبدأت بمطالعته .انه صادر ضمن مطبوعات جمعية الرابطة الثقافية , ومطبوع في مطبعة المعارف / بغداد 1946 , وعنوانه – ( مقدمة في كيان العراق الاجتماعي ) , ومؤلفه هاشم جواد , هذا المثقف العراقي الكبير , الذي أصبح وزيرا لخارجية الجمهورية العراقية في وزارة عبد الكريم قاسم منذ عام 1959 الى 8 شباط 1963 , والذي انتقل للعمل في منظمة الامم المتحدة في بيروت , حيث تم اغتياله هناك كما هو معروف ( انظر مقالتنا بعنوان – حوار مع هاشم جواد ) .لقد أخبرت هاشم جواد في ذلك الحوار باني وجدت كتابه هذا في مكتبة لينين , ولكني لم استطع الاطلاع عليه ,  فقال لي انه يعتز بهذا الكتاب , وانه لا توجد لديه اية نسخة منه , وقد فهمت الآن سبب اعتزاز هاشم جواد بهذا الكتاب المهم فعلا في دراسة الواقع الاجتماعي للعراق , حيث نقرأ في مقدمته ما يأتي – ( أضع اليوم بين يدي القارئ هذا الكتيب في موضوع يستوعب البحث فية مجلدات كثيرة , يستغرق وضعها سنين طويلة وجهود عدد كبير من المشتغلين بالشؤون الاجتماعية , ومع اني اقدّر اهمية الموضوع والصعوبات التي تكتنف شتى فروعه و تفصيلاته , ومع قلّة المواد العلمية والاحصائيات المضبوطة اللازمة لخوض غماره. مع هذا كله , فقد أقدمت على وضع مقدمة فيه , لا رغبة في النشر ولا سعيا وراء المكسب , بل حبّا في انارة البحث والنقاش , وخلق الرغبة عند الجيل الجديد من ابناء شعبنا في معالجة أحوال بلادهم بطريقة علمية...).
يتناول هذا الكتيب كما يسميه مؤلفه مواضيع في غاية الاهمية , اذ يبدأ بنظرة حول ارض العراق قديما وحديثا , ثم يتحدث عن أحوال البلاد الطبيعية , ويتوقف عند سكان العراق ويعطي احصائيات تفصيلية من ولادات ووفيات في المدن العراقية وحسب السنين ويستخلص الاستنتاجات العلمية الدقيقة من هذه الاحصائيات , ثم ينتقل الى اقتصاد الكيان الاجتماعي , حيث يتوقف عند التجارة والنقل والخدمات والاعمال الاقتصادية الاخرى , ويتناول كفاءة العمل الصناعي ونشأة الصناعة الحديثة في العراق , وحتى الصنائع اليدوية عند مختلف الفئات مثل سكان الاهوار وغيرهم , ويتحدث عن دخل الفلاح ومجاله المعاشي ونظام اللزمة وواقع الفلاح ودور السركال وطرق الحراثة والري وعوامل قلّة الانتاج الزراعي , ويعطي جداول احصائية متنوعة وشاملة جدا حتى بعدد انتاج كيلوغرامات الحنطة والشعير في مدن العراق المختلفة, ويتوقف عند تشريع العمل ومستوى الاجور عند الفلاحين والتباين بينها مقارنة بمستوى اجور الصناعات الاخرى , ويدعو العمال الى تشكيل النقابات للعناية بشؤون العمال ورفع مستواهم الثقافي والصحي والاجتماعي والاخلاقي ومنع تشغيل النساء والمراهقين ليلا وعدم تشغيل الاحداث الذين هم دون الثانية عشرة في الصناعة , ويتناول العوامل المؤثرة في المحافظة على الصحة , ويعطي جداول احصائية تفصيلية وعديدة حول عدد المرضى في المستشفيات الحكومية ونوع الامراض السارية وحسب السنوات , ويتوقف عند الخدمات الصحية في العراق تفصيلا , ويعطي جداول عن مخصصات الدولة العامة للخدمات الصحية , وينتقل الى دراسة التغذية في العراق , ثم يتناول موضوع التعليم وعلاقته بالكيان الاجتماعي واهميته الكبرى , ويعزز كل ذلك بجداول احصائية فريدة , ويتوقف عند علاقة انتشار التعليم بوضع المجتمع  الطبقي و ارتباط كل ذلك باسس الكيان الاقتصادي ( وهذه نقطة جوهرية يجب ان لا تغيب عن بال الباحث في القضايا الاجتماعية ) كما يشير المؤلف...
ان هذا العرض السريع لمضمون الكتاب يبين بما لا يقبل الشك الاهمية الكبيرة له , ويؤكد ضرورة اطلاع القارئ المعاصر عليه كي يقارن ويتأمل ويستنتج.... وشكرا لمكتبة لينين لانها حفظت للعراقيين هذا الكنز الثقافي الذي لا يقّدر بثمن.   

538
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية ( 8 )
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تثق بالانسان الذي يمدح نفسه.
التعليق –  مثل صحيح , اذ يقول المثل العربي من مدح نفسه فهو كذّاب , فكيف يمكن ان نثق بكذّاب؟
+++++
الترجمة الحرفية – المواظبة - ام النجاح.
التعليق – يؤكد المثل العربي – من سار على الدرب وصل , و  يقول المثل الصيني – لا تخافوا من التباطؤ بل من التوقف , ويشير المثل الروسي الى ان  – النملة ليست كبيرة لكنها تحفر الجبال . المثل الياباني يوحّد معاني المثل العربي والصيني والروسي , ويعطينا خلاصة موجزة ودقيقة جدا , فما أجمل ذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – الماضي مرآة الحاضر.
التعليق – لنتذكر بيت شعر رائع للجواهري في هذا المعنى , وهو –
ومن لم يتعظ لغد بامس // وان كان الذكي , هو البليد.
+++++
الترجمة الحرفية – الرب يعيش في القلب الشريف.
التعليق – مثل صحيح جدا , فالقلب الشريف يمنح الخير للآخرين , مثل الرب . يقول المثل العربي باللهجة العراقية – الله ما يسوّي الا الزين , ( يسوّي – يعمل // الزين - الجيّد ). الصورة الفنية في هذا المثل الياباني جميلة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعمل الشئ الذي يجب ان تخفيه.
التعليق –  الشئ الذي يجب ان تخفيه يعني - الشئ الذي تخشى منه او تخجل منه , فلماذا تعمل شيئا تخشى او تخجل منه؟ مثل عقلاني ومنطقي .
+++++
الترجمة الحرفية – والقرد يمكن ان يسقط من الشجرة.
التعليق – طبعا , اذ ان - ( لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة ) كما يقول المثل العربي المشهور, فلماذا لا يسقط القرد من الشجرة ؟
+++++
الترجمة الحرفية – أكثر التعاسات تأتي من اسباب صغيرة.
التعليق – مثل صحيح فعلا , ويقول المثل العربي تأكيدا لهذا المعنى – ( ان الحرائق تاتي احيانا من مستصغر الشرر ), وهناك مثل روسي يقول – ( احترقت موسكو من  شمعة بكوبيكات).
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد طرق قصيرة في العلم.
التعليق – ويؤكد المثل العربي ذلك , وهو – ( العلم يؤتى ولا يأتي ) , والمثل الروسي يقول – ( لا علم دون معاناة ) .  لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا , وهو –
 ومن طلب العلا من غير كد /// اضاع العمر في طلب المحال, 
وهل يمكن الوصول الى ( العلا) بدون علم؟           
+++++
الترجمة الحرفية – الهرب بعض الاحيان يعني الانتصار.
التعليق –  يقول المثل الطريف باللهجة العراقية  -  الهزيمة ثلثين المراجل. ( المراجل جمع مرجلة اي الرجولة ).
+++++
الترجمة الحرفية –عندما يسود الغباء , يضطر العقل ان يختفي.
التعليق – ولهذا يقول المثل الروسي - (الشقاء بسبب العقل ) , وهو بالضبط يجسّد قول المتنبي الذي ذهب مثلا –
ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله /// واخو الجهالة بالشقاوة ينعم.
+++++
الترجمة الحرفية – الماء من بعيد لا يطفئ الحريق .
التعليق – معنى هذا المثل الجميل واضح تماما , فلا يمكن الوصول الى حل لاي مشكلة دون التغلغل في اعماقها عن قرب , وليس من بعيد .
+++++

539
بدري حسون فريد و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
 هذه خاطرة سريعة ليس الا , وهي تحتاج الى معلومات اوسع و بحث اعمق في سيرة حياة الفنان المسرحي الكبير الراحل بدري حسون فريد بلا شك, ولكني اود ان أطرحها فقط لانها – من وجهة نظري – تشكّل ركنا مهما جدا في اطار موضوعة الادب الروسي في العراق , وهي موضوعة اهتم بها بحكم اختصاصي ونشاطي الفكري منذ ان كنت تدريسيّا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد طوال اكثر من ثلاثين سنة , و التي لا زلت متابعا لها بعد تقاعدي .
 ابتدأت فكرة هذه المقالة عندي عن علاقة بدري حسون فريد بتشيخوف عندما كنت مشرفا علميا على اطروحة ماجستير بعنوان – (الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية) , والتي انجزها طالب الماجستير آنذاك هاشم الموسوي في تسعينات القرن الماضي في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , اذ وجدنا عندها , ان الراحل بدري حسون فريد قد أعدّ مسرحية ذات فصل واحد ونشرها في مجلة الاقلام العراقية بعنوان – ( الحرباء ), وهي في الاصل  قصة قصيرة معروفة للكاتب الروسي تشيخوف , ولا اذكر – مع الاسف الشديد – عدد تلك المجلة ولا حتى التاريخ التقريبي لصدورها , وقد حاولت ان اجدها الآن عبر البحث في (غوغل) , والاستفسار هنا وهناك , ولكني لم أصل الى  نتيجة  , رغم اني أتذكر بشكل دقيق , ان الراحل بدري حسون فريد قد حافظ على روحية تشيخوف وخصائص بنيته الفنية في قصته تلك , واستطاع بمهارة فائقة ان يحولها الى مسرحية , مستخدما طبعا خبرته الطويلة في المسرح تمثيلا واخراجا ودراسة اكاديمية عميقة. ان العمل الذي قام به الراحل بدري حسون فريد  في هذا الاعداد المسرحي لقصة تشيخوف تجعله يقف – وبجدارة واستحقاق عاليين – مع طليعة الفنانين المسرحيين العالميين الكبار , الذين فهموا بعمق طبيعة قصص تشيخوف و خصائصها , والتي يمكن بالتالي تحويرها وتحويلها الى مسرحيات في حالة معالجتها مسرحيا من قبل مسرحيين موهوبين ويمتلكون تجربة مسرحية كبيرة وعميقة فعلا مثل الراحل بدري حسون فريد .
لقد وجدت في المقالات التي نشرها العديد من الادباء والصحفيين والمسرحيين العراقيين بمناسبة رحيل بدري حسون فريد نقطتين ترتبطان بتشيخوف ايضا , وهما , ان الراحل اثناء دراسته للمسرح في امريكا قد اشترك مع زملاء مسرحيين له في تمثيل مسرحية ( الدب ) لتشيخوف , والنقطة الثانية , ان الراحل قد أعدّ قصة تشيخوف ( ردهة رقم 6 ) مسرحيا وقدّمها في مسارح بغداد في تسعينات القرن الماضي .
ان النقاط الثلاث , التي ذكرتها أعلاه , تجعل من طرحنا لهذه المسألة صحيحا جدا ,  بل وتجعلنا نستنتج , ان بدري حسون فريد قد تعامل مع تشيخوف بشكل علمي دقيق جدا , اذ انه اختار جوانب تتلائم وتنسجم , بل و حتى تعالج القضايا الاجتماعية العراقية بالذات , فقصة تشيخوف ( الحرباء ) التي حوّرها بدري حسون فريد ترتبط بشكل مباشر بموضوعة النفاق الاجتماعي البليد والخطير في نفس الوقت امام السلطة الغاشمة , وكيف ( يتلوّن !) رجل البوليس و ( يتنقل !) من موقف الى موقف آخر يتناقض تماما تبعا للظروف السائدة , أما قصة ( ردهة رقم 6 ) , فانها تعتبر واحدة من قصص تشيخوف الشهيرة عالميا , والتي صوّر بها الواقع الروسي الرهيب , والتي أشار اليها او استشهد بها الكثيرون من الادباء والمفكرين الروس والاجانب ( انظر مقالتنا بعنوان – لينين والادباء الروس , ملاحظات اولية // ومقالتنا بعنوان – أخماتوفا وماياكوفسكي ) .
ختاما لهذه الخاطرة السريعة , أتمنى ان يحوز هذا الموضوع  على الاهتمام اللائق به من قبل المتخصصين العراقيين في مجال الادب الروسي عموما , والعلاقات الثقافية العراقية – الروسية بشكل خاص , هذا الموضوع الحيوي, الذي يقتضي  التعمق بدراسة السيرة الفكرية للراحل, اذ ان هذا الفنان المسرحي العراقي الكبير يستحق فعلا هذا الاهتمام به وهذه العناية الشاملة بتراثه الرائع .

540
أدب / كان يحب ثلاثة أشياء
« في: 04:04 26/11/2017  »


كان يحب ثلاثة أشياء

قصيدة للشاعرة الروسية الكبيرة آنّا أخماتوفا

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


كان يحب في العالم ثلاثة أشياء -
التراتيل في صلاة المساء ،
 و الطواوويس البيضاء ،
والخرائط المتهرّئة لامريكا.
ولم يكن يحب -
بكاء الاطفال ،
ولم يكن يحب -
شرب الشاي ...
ولا
 هستيريا النساء.
... اما أنا
فقد كنت زوجته.


..............

كتبت آنّا أخماتوفا هذه القصيدة ( وهي بالاصل بلا عنوان , وقد وضعنا لها العنوان من شطرها الاول ) عام 1910 وكان عمرها آنذاك (21) سنة  , وهو العام الذي تزوجت به من زوجها الاول الشاعرالروسي الشهير غوميليوف ( ولد عام  1886 وتم اعدامه رميا بالرصاص من قبل السلطة السوفيتية عام 1921)( انظر مقالتنا بعنوان – الشاعر الروسي المخضرم غوميليوف ). زواج غوميليوف وأخماتوفا انتهى بالطلاق عام (1918 ) . لازالت هذه القصيدة تثير القراء الروس لحد الآن , وغالبا ما يعلقون عليها , فقسم منهم يدافع عن غوميليوف والقسم الآخر يؤيد أخماتوفا , وفي كل الاحوال , يتكلم الجميع , ان هذا الزواج لم يكن موفقا منذ بدايته , لانهما لم يكونا منسجمين مع بعضهما , ودليلهم على ذلك هذه القصيدة الصغيرة والغريبة والطريفة في آن. لقد تحولت هذه القصيدة الى وثيقة من وثائق حياة شاعرين كبيرين من شعراء روسيا في القرن العشرين , لعبا دورا متميّزا جدا في تاريخ الشعر والادب  والفكر الروسي الحديث.

541
جورج اورويل يكتب عن تولستوي وشكسبير
أ.د. ضياء نافع
كل الادباء الروس – منذ نهاية القرن الثامن عشر وصعودا - كانوا يؤكدون دائما , ان شكسبير  هو واحد  من أعاظم الكتّاب المسرحيين في العالم , بل ان بوشكين نفسه أسماه – ( أبونا شكسبير), ما عدا تولستوي , فانه لم يتقبل شكسبير بتاتا, وكتب ضده مقالة مشهورة جدا  بعنوان – ( عن شكسبير والدراما ) عام 1903 , ونشرتها جريدة ( روسكويه سلوفه) (الكلمة الروسية ) في حينها, ثم صدرت هذه المقالة عام 1907 في كتيب خاص , ودخلت بعدئذ طبعا ضمن المؤلفات الكاملة لتولستوي ( في الجزء 35 / من صفحة رقم 216 الى صفحة رقم  272 ), اي ان هذه المقالة المهمة في تراث تولستوي تقع في( 56) صفحة باكملها في المؤلفات الكاملة له.
نشر الكاتب البريطاني الكبير جورج اورويل ( 1903 -  1950) مقالة خاصة حول رأي تولستوي هذا وبعنوان – ( تولستوي و شكسبير), والتي جاءت اولا في حديث له بثته اذاعة البي بي سي الشهيرة عام 1941 ضمن برامجها الثقافية الموجهة الى الخارج آنذاك , ثم نشرته هيئة الاذاعة البريطانية فيما بعد , واعيد نشر المقالة تلك في كتاب صدر  عام 1968 ضم مجموعة من مقالات اورويل الصحفية والادبية , اما الترجمة الروسية لهذه المقالة , فقد صدرت عام 1989 ليس الا في كتاب نشرته دار نشر ( بروغريس) ( التقدم ) ضم روايته المشهورة ذات التسمية الغريبة والمتميزة فعلا وهي -  (1984) ومقالات مختلفة اخرى له.
يشير اورويل في مقالته تلك , الى ان تولستوي قد انتقد بشدة شكسبير ولم يعتبره ( كاتبا عظيما ) كما يصفوه في العالم , وعلى الرغم من ان مقالة تولستوي أثارت ردود فعل كبيرة , الا انه لم يجرأ او يتجاسر أحد على الرد عليها, ويضيف اورويل رأسا , الى انه لا يمكن الرد له في مقالته هذه على كل ما جاء عند تولستوي من آراء حول شكسبير , لانها مقالة فكرية واسعة جدا ومتشعبة جدا . يتحدث اورويل بعدئذ عن المقالة بتفصيل وجيز , ويقول , انه توجد فيها – بشكل عام - آراء صحيحة , و هناك جوانب ذاتية جدا ترتبط ب (الذوق الخاص) لتولستوي نفسه , وبالتالي , لا يمكن طبعا مناقشتها لانها ترتبط بذوق تولستوي الخاص به, وتوجد ايضا مقاطع يتناقض تولستوي نفسه مع نفسه فيها , وهناك جوانب لم يفهمها او يستوعبها الكاتب الروسي بشكل صحيح ودقيق باللغة الانكليزية لشكسبير لانه لم يستطع التوغل في اعماقها وتفهم ظلال كلماتها كما يجب باعتبارها لغة اجنبية بالنسبة له , ويشير اورويل ايضا الى انه ربما يوجد جانب آخر في مقالة تولستوي يرتبط بما يسميه الكاتب الانكليزي بشعور تولستوي تجاه شكسبير ب ( النفور او شكل من اشكال  الكراهية ), وذلك نتيجة الغيرة الكامنة في اعماقه من الشهرة الكبيرة التي تحيط باسم شكسبير, وان تولستوي اراد ان ( ينزع منه مجده) كما يعبّر اورويل , وهذا بالطبع رأي ذاتي خاص جدا بارويل نفسه , و يمكن الاتفاق او عدم الاتفاق معه , ولكن مع ذلك يمكن  الاستماع اليه ومناقشته بشأنه , خصوصا وانه يذّكرنا – بشكل او بآخر - برأي زوجة تولستوي (صوفيا اندرييفنا ) الذي قالته له عند خصامها معه مرة حول حقوق التأليف , في انه ( يبحث في تصرفاته عن مجده الشخصي !), وغالبا ما يكون الرأي, الذي يطلقه الانسان اثناء حالات الغضب , دقيقا . لكن اورويل يذكر بعد كل هذا العرض الوجيز لاراء تولستوي , ان هذه المقالة منحتنا فائدة كبيرة , اذ انها (صححت !) ذلك (الاعجاب الاعمى !) بشكسبير , الذي كان سائدا في روسيا وفي العالم ايضا , بغض النظر عن كل شئ , اي عندما أصبح (الاعجاب الاعمى ) بشكسبير مثل ( المودة ) ليس الا .
يحاول اورويل لاحقا مناقشة تولستوي في بعض افكاره , التي جاءت  في تلك المقالة , اذ ان تولستوي قد أشار هناك الى الكثير من الجوانب السلبية عند شكسبير,  منها  - ( ان شكسبير لا يمتلك فلسفته الخاصة به ... ولا افكاره ... ولا توجد لديه اهتمامات بالمشاكل الاجتماعية او الدينية ... ولم يعكس طبيعية الشخوص ولا نموذجية الاحداث والاوضاع ... وانه وضع مسرحياته دون ان يهتم بالحقيقة ... وأقحم  فيها احداثا مفتعلة ... وأجبر أبطاله ان يتكلموا بلغة غير طبيعية, لغة لا يتكلم الناس بها عادة ... وان مسرحياته مقتبسة , وملصوقة بها مونولوجات مطولة  واساطير ونقاشات ونكات ... وان شكسبير لم يفكر كيف  يجب ان تسير الاحداث في تلك المسرحيات ....) , بل ان تولستوي وصل الى استنتاج خطير ( ان صح التعبير), اذ اتهم شكسبير في مقالته تلك, بانه ( ليس مفكرا ). لقد عرض اورويل كل آراء تولستوي هذه بهدوء وموضوعية واتزان , وقد حاول ان يفنّد بعض تلك الآراء , وان يثبت مثلا , ان شكسبير ( كاتب أخلاقي ) , وانه شغل موقعه العالمي بجدارة واستحقاق , واستشهد بآراء وأقوال بعض مشاهير الادب والفكر في العالم , ولا يمكن هنا طبعا عرض كل ذلك حتى بايجاز , ولكن من المؤكد ان آراء تولستوي حول شكسبير وجواب اورويل بشأنها , هو موضوع يستحق – بلا شك – الاطلاع الكامل عليه وتأمله بامعان .

542
أدب / اغنية أطفال للكبار
« في: 20:46 19/11/2017  »
اغنية أطفال للكبار
===========

قصيدة للشاعر الفيتنامي نغوين جونغ تاو
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

توجد غابة,
كأنما
يبست,
 وتلاشت,
وماتت,
لكنها
- في اعماقي –
لازالت
تستمر بالاخضرار,
يوجد انسان
لا زال على قيد الحياة
رغم انه تلاشى ومات,
يوجد جواب
تحوّل
 الى سؤال,
توجد امرأة
 ترقص بمجون,
 وتتصور انها,
لازالت
 في حفلة عرسها,
يوجد أب , توجد أم ,
لكن الطفل يتيم,
يوجد قمر كامل
في السماء,
مثل طبق,
لكنه ليس طبق
رز وطعام,
توجد أرض وسماء,
لكن لا يوجد بيت
ولا يوجد دار,
يوجد بصيص هناء,
ويوجد شقاء
بلا انتهاء,
لكن القارب يسير,
والخضرة تستمر
 بالاخضرار,
والروح تستمر
 بالازدهار,
توجد رأفة وشفقة وحنان,
وتوجد ذكريات,
ويوجد جلّاد,
وتوجد ابتسامات,
وتوجد رمشة عين,
يمرّ بها ألف عام..

543
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (3 )
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – تكلم  ليس عن الشئ الذي قرأته, بل عن الشئ الذي فهمته.
التعليق – كم نحن بحاجة الى استيعاب هذا المثل في عالمنا العربي المعاصر , الذي اصبح لا يطاق تقريبا من طنين و ثرثرة هؤلاء من حولنا , الذين يتكلمون – وبصوت عال – عن الاشياء التي لم يفهموها .
+++++
الترجمة الحرفية – بسبب برغوث واحد لا يحرقون البطانية.
التعليق –  مثل طريف جدا وحكيم في نفس الوقت , اذ انه يدعو الى ايجاد الحل الذي يتناسب وينسجم مع حجم المشكلة بلا (عنتريات !!) ومواقف متطرفة ومزايدات فارغة.
+++++
الترجمة الحرفية – المرأة بلا زوج مثل الفرس بلا لجام.
التعليق – والرجل بلا زوجة مثل لجام بلا فرس ولا حصان – هكذا علّقت احدى النساء على هذا المثل , وربما يمكن القول , ان المثل نفسه وتعليق المرأة عليه – متطرفان , رغم ان المثل هذا يحمل سمات المجتمع الشرقي بالذات وخصائصه المحافظة عموما ونظرته الى المرأة غير المتزوجة. 
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يجمع الورود لا يخاف من الشوك.
التعليق – تتحدث الامثال عند الكثير من الشعوب عن ظاهرة  هذه الثنائية , فالمثل العربي يقول – ( لابد دون الشهد من ابر النحل) , والمثل العالمي تقريبا يقول – (لا ورد بلا اشواك) , ولكن المثل الاذربيجاني يذهب أبعد , ويشير الى عدم الخوف من ذلك , وهو يذكرنا بمثلنا العربي – ( من يركب البحر لا يخشى من الغرق ), وربما هنا بالذات تكمن خصوصية هذا المثل الاذربيجاني و جماليته وروحيته , فهو يتحدث عن (الخوف ) , و لا يشير الى ( الغرق!).
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يحترم امه لا يلعن الام الغريبة.
التعليق –  احترام الام صفة من صفات كل البشر , وخصوصا عند الشعوب الشرقية بالذات . لنتذكر القول العربي الجميل – (الجنة تحت اقدام الامهات) . صيغة المثل الاذربيجاني طريفة جدا , اذ انها تربط بين ام الشخص والام الغريبة بشكل متجانس ومنطقي و ذكي جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – كل عشب ينمو معتمدا على جذره.
التعليق –  الصورة الفنية جميلة جدا في هذا المثل , وهي رمزية طبعا وتتناغم مع  الحياة الانسانية,  فكل انسان يجب ( مثل العشب ) ان يعتمد على (جذره !) , وليس على (جذور!) الآخرين الذين يقفون حوله في مسيرة حياة الانسان المتشابكة .
+++++
الترجمة الحرفية – الطريق يمر عبر الجبل , مهما كان الجبل عاليا.
التعليق – مثل رمزي عميق جدا , و ينطبق على كل انسان مغرور في كل المجتمعات.
+++++
الترجمة الحرفية – اليد التي تعطي دائما أعلى من اليد التي تستلم.
التعليق – مثل صحيح . يقول المثل الروسي – (الذي يدفع هو الذي يحدد الطلب) , او كما يقول المثل العربي – (من ينقد الزمّار يحدد اللحن).
+++++
الترجمة الحرفية – احترم الآخرين اذا تريد ان يحترموك.
التعليق –  مثل عالمي , وقد استقر بالعربية بشكل وجيز ودقيق و كما يأتي – (احترم تحترم).
+++++
الترجمة الحرفية – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك.
التعليق – مثل طريف جدا ورائع , فلا يمكن ارجاع الكلمة بعد ان تخرج من الفم , اذ ان – ( الكلمة ليست عصفورا – تطير ولن تصطادها ) كما يقول المثل الروسي , و ( الندم على السكوت خير من الندم على الكلام ) كما يقول مثلنا العربي العميق . المثل الاذربيجاني هنا هو  عصارة حكيمة وصحيحة جدا لكل تلك الامثال وخلاصة لها.
+++++
الترجمة الحرفية – تذكّر دائما , ان المسافة بين الفم والاذن اربع اصابع.
التعليق – مثل ذكي جدا وطريف ايضا, اذ انه يربط بشكل واضح تماما بين اللسان الذي ينطق بالكلمة وبين الاذن التي تلتقط  تلك الكلمة رأسا , وكل هذا تأكيد طبعا على اهمية اللسان ودوره في اطار المجتمعات الانسانية , وما اكثر الامثال هنا وهناك عن تلك الظاهرة , ويكفي ان نشير الى  مثلنا العربي المشهور- ( لسانك حصانك  ... الخ ) , والى المثل العالمي الطريف و المعروف – (للحيطان آذان)  ...
+++++


544
أدب / زهرة في البرية
« في: 21:33 15/11/2017  »
زهرة في البرية
===========

قصيدة للشاعر موهانك  سينك / الهند
======================
ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع
=======================

رائع ان أكون
 انسانا,
ولكن
من الافضل,
لو ان الرب
خلقني
بهيئة اخرى,
وحوّلني
الى
زهرة
في البريّة,
لكانت حياتي
عندها
ستمضي
بعيدا
عن ذنوب البشر,
وكنت سأحيا
عندها
مبتسما للشمسِ
ليس الا,
وكنت سأموت
بعدها
في هدوء
وسكينة
 و صمتِ..

545
أدب / ديمقراطية
« في: 21:07 12/11/2017  »
ديمقراطية
=======

قصيدة للشاعر الارمني المعاصر اوانيس  كريكوريان
===============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

الدب يقود الدرّاجة الهوائية,
الببغاء يلقي القصائد,
القرود تسبّل - غزلا- عيونها
لمدرّبتها,
البهلوان يقفز بخفة بين الحبال.
بعدئذ,
 كل شئ تغيّر فجأة ,
والآن -
الدب يلقي القصائد,
الببغاء يقود الدرّاجة الهوائية,
القرود تقفز بين الحبال,
البهلوان يتغزّل بمدرّبته.
+++++
شئ ما تغيّر في مدينتنا –
لاحظ المهرّج
 ضاحكا..
شئ ما قد غيّر هذا المهرّج -
لاحظ الشعب
 ضاحكا...
========================================================================
اوانيس كريكوريان ( 1945 – 2013 ) – شاعر ومترجم وناقد أدبي وشخصية اجتماعية كبيرة في أرمينيا. ترجمت الكثير من قصائده الى العديد من اللغات الاجنبية , بما فيها لغتنا العربية. سبق ان ترجمنا له قصيدتين, هما- ( تحدّث بصوت خافت ) و ( أرمينيا).

546
أدب / الامهات والابناء
« في: 20:35 10/11/2017  »
الامهات والابناء
===========

قصيدة للشاعر التركي المعاصر سيزاي كاراكوج
=============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================


عندما ماتت الام -
اختبأ الطفل
في أبعد زاوية
 بالحديقة.
كان بيده غليون اسود,
وعلى شفتيه بقعة صغيرة
ذات لون داكن اسود.
+++
عندما مات الطفل
اضحت الشمس
 للام
أكثر سوادا
من السخام.
كان بيدها حبل
ولم تكن تعرف
 اين وكيف تربطه.
+++
هروب من المكان..
هروب من الزمان -
للطفل
 عندما تموت الام ,
وللام
عندما يموت الطفل.
ولد سيزاي كاراكوج عام 1933 /// أصدر مجلة – ( فن الشعر) /// نشر العديد من المجاميع الشعرية , منها – كلمات مهداة للحياة / ليلى والمجنون / صلاة للنار / أصوات .....

547
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – حتى اذا كان العدو ضعيفا , كن على استعداد.
التعليق –  مثل صحيح جدا , ف ( الحذر يقيك الضرر) كما يقول المثل العربي المعروف , خصوصا اذا كان الامر يتعلق بالوطن والدفاع عنه ضد الاعداء , اما على صعيد العلاقات الانسانية العامة , فلنتذكر مثلنا الطريف باللهجة العراقية , وهو في نفس المعنى بالضبط – ( تحزم للواوي بحزام سبع) ( الواوي – ابن آوى // سبع – أسد ), اي استعد للمعركة مع ابن آوى وكأنك تقابل اسدا.
+++++
الترجمة الحرفية – الشجر بلا ثمر – حطب , الغيوم بلا مطر – دخان , الانسان بلا عقل – حيوان.
التعليق –   مثل حكيم وذكي وواسع وحاسم حقا , اذ انه يؤكد على اهميّة المحصلة الاجمالية الاخيرة للشجر والغيم و البشر معا  وسوية , ف ( الامور بخواتمها ) كما يقول المثل العربي العميق . يقول المثل الروسي بخصوص الجزء الثالث من هذا المثل الاذربيجاني -  (رأس بلا عقل – رأس بصل).
+++++
الترجمة الحرفية – تسقط القشة حتى في عيون الانسان الحذر.
التعليق – يقول المثل الروسي  في هذا المعنى ايضا – ( وفي قدح القيصر تسقط ذبابة). يخضع البشر لظواهر الطبيعة الصغيرة والكبيرة وليس العكس – هذا  هو جوهرالمثل ومعناه .
+++++
الترجمة الحرفية – والحجر الصغير يمكن ان يشق الرأس.
التعليق –  توجد امثال عربية عديدة في نفس هذا المعنى , ولعل أقربها لهذا المثل الاذربيجاني هو المثل الطريف باللهجة العراقية – (الحجاره الما تعجبك تفشخك) ( تفشخ – تجرح او تشق الرأس ), وهناك امثال اخرى طبعا , منها – (شرارة تحرق حارة) ,  ( معظم النار من مستصغر الشرر) ...  ويقول المثل الروسي في هذا المعنى ايضا – (احترقت موسكو من شمعة بكوبيكات).
+++++
الترجمة الحرفية – قطرة الندى للنملة – فيضان. 
التعليق- مثل رشيق البنية وبروح ابتكارية و يتضمن صورة فنية  رومانتيكية في غاية الجمال فعلا , ويؤكد – بما لا يقبل الشك -  على صحة النظرة النسبية للاشياء والظواهر في الحياة. يوجد مثل افغاني يكرر نفس الصورة الفنية هذه عن النملة , ولكن بشكل آخر , والمثل هو- (ملعقة الماء للنملة – محيط). الصورة الفنية للمثل الاذربيجاني اكثر رومانسية , فهو يتحدث عن ( قطرة الندى !).
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يبصق ضد الريح يرجع البصاق على وجهه.
التعليق – مثل طريف جدا , ومعناه الرمزي واضح طبعا , فالوقوف الانفرادي ضد التيارالعام العاصف والجارف يؤدي الى (رجوع البصاق على الوجه ليس الا !!!).   
+++++
الترجمة الحرفية – لا يخفون القوس عندما يرمون السهام.
التعليق – مثل عميق جدا يدعو الى الصراحة والصدق والشجاعة عند التعامل بين البشر, وليس العمل في الخفاء , او كما يقول المثل الطريف باللهجة العراقية – ( بالوجه مرايه وبالكفه سلايّه) ( مرايه – مرآة //  الكفه – الجانب الآخر // سلايّه – شوك )
+++++
الترجمة الحرفية – من يبحث عن خطيبة بلا نواقص , سيبقى بلا زوجة.
التعليق – لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا وهو- 
 اذا كنت في كل الامور معاتبا صديقك لن تلق الذي لا تعاتبه .
هذا المثل بالنسبة للصداقة , فكيف اذا كان الامر يخص الزواج ؟
+++++
الترجمة الحرفية – الشوك في الوطن افضل من الورد في الغربة.
التعليق – حقيقة تعرفها الشعوب التي اضطرتها ظروف الحياة للهجرة ( ومنها شعوبنا العربية طبعا ) , وتوجد صيغ عديدة لمعنى هذا المثل , ولعل اشهرها بالنسبة لنا هو – بلادي وان جارت عليّ عزيزة ...الخ بيت الشعر المعروف , والذي ذهب مثلا . توجد امثال كثيرة عند معظم الشعوب حول الوطن والغربة في هذا المعنى , وكلها تؤكد نفس هذا المفهوم.
+++++


548
أدب / الانسان الذي احبه
« في: 22:14 06/11/2017  »
الانسان الذي احبه
===========

قصيدة للشاعر الكوري جونغ هو سينغ
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================


لا احب الانسان
الذي بلا ظل,
لا احب الانسان
الذي لا يحب الظل,
احب الانسان
الذي اصبح نفسه ظلا
 لاحدى الاشجار,
وضياء الشمس شفاف و رائع
 عندما يوجد له ظلال.
اجلس في ظل احدى الاشجار
وانظر الى اشعة الشمس
عبر ظلال الاغصان –
يا له من عالم  مدهش
 ورائع
 وجميل !
=====
لا احب الانسان
 الذي بلا دموع,
لا احب الانسان
 الذي لايحب الدموع,
احب الانسان
 الذي تحوّل الى دموع,
والسعادة ليست سعادة
 اذا كانت بلا دموع ,
والحب ؟
 هل يوجد حب بلا دموع ؟
اجلس في ظل احدى الاشجار
وانظر
 كيف يمسح الانسان
 دموع الانسان –
يا له من مشهد مذهل
 و رائع
ومثير!


549
قراءة في كتاب د. أحمد النعمان - (الحوت والقمر)
أ.د. ضياء نافع
أصدرت السيدة ليلى النعمان , ابنة المرحوم د.احمد النعمان هذا الكتاب في الذكرى الرابعة لرحيله ( بالتعاون مع صديقه د. ماجد الزامل) , ووزعته على الحاضرين في الجلسة التي نظمتها في مرسمها بموسكو بهذه المناسبة , و لم استطع ان احضر تلك الجلسة مع الاسف الشديد , ولكني استلمت نسخة من هذا الكتاب الرشيق والجميل و الرائع شكلا و مضمونا, واحاول هنا التعريف به والتوقف عند بعض جوانبه الغنية جدا بالاحداث والافكار .
يقع كتاب مذكرات د. احمد النعمان ( الحوت والقمر) في 203 صفحة من القطع المتوسط , ويكتب د. فالح الحمراني مقدمة موضوعية وجميلة جدا للكتاب , ويشير- بتواضع العلماء - الى ان المقدمة هذه كان يجب ان يكتبها احد اصدقاء مؤلف المذكرات, الذين أشارالنعمان اليهم في ثنايا  كتابه المذكور, مثل غائب طعمه فرمان او جلال الماشطة او سعود الناصري , لكنهم قد رحلوا جميعا مع الاسف ..., ويشير الحمراني في مقدمته تلك , ان مذكرات النعمان ترسم صورة حقيقية شاملة لكل ما شاهده وما عانى منه هذا الفنان المتميز , وبالتالي , فان هذه المذكرات هي - ( شاهد على العصر ),  والحمراني على حق طبعا.   ونفهم من الكلمة التي اعقبت المقدمة , والتي كتبتها ليلى النعمان و د. ماجد الزامل سوية , ان د. فلاح محمد مهدي الجواهري ( ابن الجواهري الكبير ) هو الذي جمع هذه المذكرات وقام بتحريرها وطبعها بعد رحيل النعمان , وان د . الحمراني قد قام بتنظيمها واعدادها للطباعة وفاء لذكرى صديقهما الراحل , وهي مهمة نبيلة , و ليست باليسيرة طبعا.
يتضمن الكتاب اربعة فصول , يستعرض النعمان فيها حياته منذ ميلاده في الموصل عام 1939 من اب عربي وام ارمنية الاصل هربت (بعد المذبحة التركية الرهيبة ضد الارمن ) الى العراق , والتي ( ...زوجوها بابي عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها اثر مراسيم اعلنت فيها اسلامها...) كما يكتب النعمان نفسه , وتنتهي مذكراته هذه عام 1968 عندما رجع النعمان الى موسكو مرة اخرى لاكمال دراسته  العليا في معهده , بعد عودته الى العراق و سفرته للعمل في المملكة العربية السعودية .
يتضمن الفصلان الاول والثاني وقائع و احداثا تفصيلية رائعة عن حياة العراقيين في الموصل و بغداد في ذلك الوقت,  وقد استطاع النعمان ان يرسم  في هذين الفصلين صورة اجتماعية واقعية وموضوعية للمجتمع العراقي و مشاكله آنذاك فعلا , ولا يمكن لي التطرق  الى هذين الفصلين في اطار هذه المقالة , وذلك لاني اريد ان اتوقف هنا فقط عند موضوعي الاثير, الذي جاء في الفصل الثالث , وهو –  (الموضوعة الروسية في الوعي الاجتماعي العراقي) , والذي ينعكس طبعا وقبل كل شئ في انطباعات النعمان عن الحياة الروسية بعد ان وصل الى موسكو للدراسة فيها عام 1960 , وبقي فيها الى ان انهى دراسته الاولية وحصل على شهادة الماجستير وسافر عائدا الى بغداد عام 1967 ( وهي الفترة التي تناولها هذا الكتاب كما أشرنا في اعلاه , اذ ان هذه المذكرات لم  تشمل مرحلة الدراسات العليا للمؤلف بعد عودته مرة اخرى الى موسكو ) . لقد أثار النعمان في كتابه هذا ( وفي الفصل الثالث بالذات ) قضايا فكرية طريفة وكبيرة  ترتبط بالحياة اليومية السوفيتية في ستينات القرن العشرين من وجهة نظر طالب عراقي يدرس هناك , قضايا مثل نظرة البوليس السوفيتي الى اي اجنبي , والذي كان يعتبره ( جاسوسا او عميل مخابرات دون اية مستمسكات او وثائق ...) (ص 124) , او النظرة الى الفن والادب انطلاقا من مفهوم الواقعية الاشتراكية حسب التفسير السوفيتي لها , ويشير النعمان الى وجود ( .. فرق تفتيش للاقسام الداخلية للمعهد (الذي كان يدرس الفن التشكيلي فيه) للوصول  الى اعمال كل من لا يتفق والتعاليم الديماغوغية المتحجرة . وفي أحد الايام زارنا في القسم الداخلي فريق تفتيش  تابع للمعهد  بحثا عن لوحات لا تؤيد الاتجاه العام الرجعي في الفن , وكان  بصحبتي طالب ارمني اسمه فاروس يحاول بتجاربه التشكيلية ربط الفن التجريدي بالفن السرويالي , فسألونا لمن هذه اللوحات ؟ فقلت هذه لوحاتي , وبذلك نجا زميلي من قرار  الطرد من المعهد . اما  بالنسبة لي  ولامثالي  الاجانب  فكان التضييق علينا أقل من زملائنا السوفييت  بكثير , الا انهم منعونا بشكل صارم من العرض في اي معرض كان باعتبار ان فننا بورجوازي وليس تحت سقف الواقعية الاشتراكية ) (ص 128) واود ان أشير في نهاية هذا العرض السريع الى  مقطع جاء في  نهاية الفصل الثاني كمدخل للفصل الثالث من الكتاب,   والذي يرسم – وبشكل دقيق وحاذق – انطباعات النعمان وافكاره تلك -
 ( .. ما ان دخلنا اراضي الاتحاد السوفيتي حتى كنا نمر بضواحي موسكو باكواخ خربة تشبه الصرايف ما قبل الثورة في بغداد, وقال كوركيس لعل هذه بيوت ريفية مؤقتة للعمال في المناطق القريبة من محلات شغلهم في محطات القطار. الا ان الصورة التي كانت مرسومة في اذهاننا نحن الشيوعيين الشباب عن موسكو ( الجنة) بدأت تتشوش وبدا الشك يتسرب الى اذهاننا... ماذا!؟ هل كنا على خطأ ؟ هنا تذكرت ذلك الفلاح الشيوعي البسيط الذي كان يريد اقناع الفلاحين من حوله في العراق – بأن  البيضة في الاتحاد السوفيتي(ها كبرها), وكان يشير بحفنة كفيه الكبيرتين ليصور البيضة الشيوعية! اماالبيوت الصرائف فكانت تفشي الى ان الفقراء موجودون هنا ايضا في الاتحاد السوفيتي كما في الدول النامية مثل بلداننا المتأخرة , ولكننا لم نستطع تفسير او تبرير ذلك الا بالحسرات التائهة الحيرى ) ( ص 109 – 110).
في نهاية الكتاب نجد مقطعا من مقالة أ.د. عبد الاله الصائغ بعنوان – ( احمد النعمان قارة فنية ونضالية وانترنيتية ) , وهي مقالة جميلة جدا وشاملة نشرها الصائغ قبل رحيل النعمان ,وقد جاء هذا المقطع تحت عنوان – ( بدل الخاتمة ) , وهو اختيار موفق جدا لاختتام هذا الكتاب الممتع حقا , رغم اني كنت اتمنى ان يكون في ختام هذا الكتاب قائمة تضم  اسماء العراقيين الذين جاء ذكرهم في صفحات الكتاب وتعريفا بسيطا ومكثّفا بهم , او في الاقل , اسماء العراقيين الذين كانوا يدرسون معه في الاتحاد السوفيتي آنذاك والذين تحدث عنهم احمد النعمان نفسه في مذكراته تلك , و أشير هنا الى بعض هذه الاسماء ,  مجردة من  التعريف بهم ( والذين اصبحوا معروفين في مسيرة العراق المعاصر) , وهم كل من ( حسب حروف الهجاء طبعا ) - 
-  برهان الخطيب / ثائر ذنون ايوب / حسب الشيخ جعفر / جلال الماشطة / خليل الجزائري / سعود الناصري / سلوى زكو / شمس الدين فارس / عبد القادر رحيم / عبد الوهاب الجواهري / غائب طعمة فرمان / فخري رشيد / كوركيس يوسف / ماهود احمد / محسن السعدون /  محمد علي الماشطة / محمد كامل عارف. 

550
أدب / العاشقة المسكينة
« في: 19:25 03/11/2017  »
العاشقة المسكينة
===========

قصيدة للشاعر برانكو راديجيفج / صربيا
=========================
ترجمتها الى الروسية – آنّا أخماتوفا
=====================

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================
  الرياح تهب,
شجرة الزيزفون
تذوب,
مثلما
عندها..
+++
خرير
مياه النهر,
صمت
الغابة,
مثلما
عندها..
+++
شابة أنا,
انتظر هنا,
مثلما
عندها..
+++
الشمس غابت,
الحبيب لم يأت,
مثلما
عندها..
+++
لا شمس اخرى
لا حبيب..

551
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أفضل صديق – الام , أفضل بلاد – الوطن.
التعليق – هل يحتاج هذا المثل الواضح والرقراق والعميق الى تعليق؟ ومع ذلك , لنتذكر قول المتنبي , الذي ذهب مثلا , وهو-
شر البلاد مكان لا صديق به ...
 وفي هذا المثل الاذربيجاني يوجد تحديد وتوحيد ل (افضل صديق !) و ل ( افضل بلاد !) , فما أجمل ذلك وما أروعه !
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يوجد رعاة كثيرون , فان الذئاب تأكل الخراف.
التعليق – معنى المثل واضح تماما , وهو يتكرر بمختلف الصيغ الفنية عند العديد من الشعوب , وقد استقر بالعربية كما يأتي – ( من كثرة  الملاحين غرقت السفينة ), ويقول  المثل الروسي في نفس هذا المعنى – (الطفل بلا عناية عندما يكون عند  سبع مربيات). الصيغة الاذربيجانية لهذا المثل ترتبط طبعا بالبيئة المحيطة بهم.
+++++
الترجمة الحرفية – في عيون البومة , أطفالها  أكثر جمالا من الطاووس.
التعليق – مثل عالمي طريف جدا . لنتذكر المثل المعروف لدينا , ولدى الكثير من الشعوب , وهو – ( القرد بعين امه غزال). الصورة الفنية في هذا المثل الاذربيجاني جديدة فعلا ومبتكرة بكل معنى الكلمة.
+++++
الترجمة الحرفية – كل مصائب الانسان من لسانه.
التعليق – مثل صحيح ومتفق عليه عند مختلف الشعوب , وما أكثر الامثال العربية في هذا الخصوص , ومنها مثلا وليس حصرا – (اللسان عدو الانسان) /// (لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك ) /// ( رب كلمة سلبت نعمة ) .....
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن اخفاء البعير تحت السجادة.
التعليق – صورة فنية في غاية الرشاقة والخيال المرح , وهي تذكّر بصورة فنية اخرى في مثل اندونيسي , وهو -  (لا يمكن اخفاء أثر الفيل)  , الا انه يجب الاقرار , ان المثل الاذربيجاني اكثر خيالا ورشاقة و مرحا.
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب لا يصلح ان يكون راعيا للغنم.
التعليق –  مثل طريف , وهو عالمي طبعا , ونجد كثيرا من الصيغ الفنية المتنوعة له في نفس المعنى , ومنها باللهجة العراقية – ( سلّم البزون شحمة ) ( البزون – القط), وهناك مثل مشهور جدا بمختلف اللهجات العربية يصوّر نفس الموقف وهو – (  حاميها حراميها )...
+++++
الترجمة الحرفية – تقع الشهية بين الاسنان.
التعليق – الصيغة الاذربيجانية لهذا المثل العالمي طريفة ومتميزة فعلا . يقول المثل  باللهجة العراقية – ( الياكل يبلش ) ( الياكل – الذي يأكل // يبلش – يستمر بالاكل بشهية) ومعناها – ( ذق تشتهي), و المثل الروسي يقول – ( تأتي الشهية عند تناول الطعام ) , وهي صيغة عالمية عند الكثير من الشعوب .
+++++
الترجمة الحرفية – البقرة تشرب الماء وتعطي الحليب , الحيّة تشرب الماء وتفرز السم.
التعليق –  يقول المثل الروسي في هذا المعنى  - (الايقونة والمسحاة من نفس الخشبة) . المثل الاذربيجاني جميل جدا و حكيم وذكي , وهو انعكاس حي للبيئة القروية , المفهومة والواضحة للناس كافة.
+++++
الترجمة الحرفية – لو كانت اللحية دليل التقوى , لاصبحت العنزة من رجال الدين .
التعليق –  مثل ساخر وطريف جدا . يقول المثل الروسي  -  (اللحية لا تصنع فيلسوفا) , وهو مثل عميق طبعا , الا ان المثل الاذربيجاني أكثر حيوية ومرحا .
+++++
الترجمة الحرفية – الفئران يحتفلون عندما لا توجد قطط.
التعليق –  المثل العالمي هذا استقر بالعربية كم يأتي -  (غاب القط العب يا فار) .الصيغة الاذربيجانية حولت اللعب الى احتفال !, وهي , بالتالي , أجمل .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يسقط الانسان , حتى العنكبوت على الجدار يشهد ضده.
التعليق –  يقول المثل العربي المشهور في هذا المعنى  – (عندما يسقط الثور تكثر السكاكين) , والصورة الفنية للمثل هذا قاسية ودموية بما فيه الكفاية, اما الصورة الفنية للمثل الاذربيجاني فطريفة جدا وذات خيال خصب.
+++++


552
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع

الترجمة الحرفية – تعيش الشياطين جوار المعبد.
التعليق –  يقول المثل الروسي في هذا المعنى ( تكثر الشياطين في المستنقع الهادئ) ,  وهناك مثل عربي جميل يذكّرنا بنفس المعنى ايضا , ولكن بصورة فنية مغايرة تماما , وهو – (تحت السواهي دواهي) . المثل الياباني أكثر دقة وصراحة و وضوحا .
+++++
الترجمة الحرفية – ومن الاحمق توجد فائدة .
التعليق – توجد امثال عربية في هذا المعنى حول الكذابين - ( يفوتك  من الكذاب صدق كثير ) , وحول المجانين – ( خذوا الحكمة من افواه المجانين), ولكن المثل الياباني يتناول الاحمق , وهي مسألة جديدة , و تقتضي التأمل بشأنها.
+++++
الترجمة الحرفية – يموت الانسان , لكن اسمه يبقى .
التعليق – ما  أعمق هذا المثل  الفلسفي الياباني وما أجمله!.
يوجد في تراثنا حديث شريف معروف ورائع حول ذلك , وهو – ( ينقطع ابن آدم الا من ثلاث – صدقة جارية , او علم ينتفع به , او ولد صالح يدعو له.. ), لكن المثل الياباني يتحدث عن بقاء اسم الانسان بعد موته بشكل عام . لنتذكر بيت الشعر الجميل للجواهري حول هذا الموضوع , وهو  –
يموت الخالدون بكل فج /// ويستعصي على الموت الخلود.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تنطلق الكلمة , لا تقدر اربعة جياد على اللحاق بها.
التعليق –  مثل طريف جدا  , وصورة فنية في غاية الرشاقة و الجمال و الابتكار ,  و يذكرنا بمثل روسي طريف ايضا  , وهو -  (الكلمة ليست عصفورا – تطير ولن تصطادها). توجد في تراثنا الكثير من الامثال الخاصة بالكلمة ودورها واهميتها في حياتنا, ومنها هذا المثل , القريب بشكل او بآخر من حيث المعنى لهذه الحالة , وهو  – (عثرة القدم أسلم من عثرة اللسان ).
+++++
الترجمة الحرفية – الاشجار يزرعها الاجداد, ويستظل بظلها الاحفاد.
التعليق – ونحن نقول – ( زرعوا فأكلنا , ونزرع فيأكلون). المثل الياباني أكثر رومانتيكية وجمالية  طبعا, اذ انه يتحدث عن الاشجار و ظلالها .. , لكن مثلنا العربي أكثر تحديدا وواقعية وفائدة ايضا, اذ انه يتحدث – وبشكل مباشر -  عن الزرع والأكل.
+++++
الترجمة الحرفية – في مختلف الاماكن توجد عاداتهم و تقاليدهم.
التعليق – دعوة جميلة لتقبّل الآخر, و الاعتراف بتنوع المجتمعات الانسانية واختلافاتها ,  وبالتالي , للتعايش السلمي بين الجميع . ما أحوج مجتمعاتنا العربية ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين – وهي تمر بهذه المرحلة الحرجة في تاريخها – الى استيعاب هذا المثل الواقعي , و الرائع , والعميق , والحكيم.
+++++
الترجمة الحرفية – اراد تعديل قرون الثور فقطع رقبته.
التعليق – مثل طريف وساخر جدا ,  وصورته مرسومة بشكل كاريكاتيري ذكي , وهو يذكرنا طبعا بالمثل الطريف المعروف باللهجة العراقية  -  ( راد يكحلها عماها ) , رغم التباعد الكبير في الصورة الفنية بينهما.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعيش السمكة في الماء الشفاف.
التعليق – السمكة تعيش في المياه الطبيعية للانهار والبحار ...الخ , والمياه الشفافة اصطناعية على الاغلب . معنى المثل واضح , فالسمكة وكل الاحياء, بما فيهم الانسان طبعا , يحتاجون الى البيئة الطبيعية للحياة, وليست الى البيئة الاصطناعية او المصطنعة ( حتى اذا كانت شفافة !)..... 
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمات لا تخضع للضريبة.
التعليق –  يقول المثل العراقي - الحجي بلا كمرك ( الحجي – الكلام // كمرك – ضريبة الجمرك ) , وهو بالضبط ما يقوله المثل الياباني. من الذي أخذ من من ؟
+++++
الترجمة الحرفية – التواضع – زينة الحكمة.
التعليق –   مثل جميل وعميق . يوجد تعبير عربي في تراثنا , وهو  - (تواضع العلماء) , اي ان التواضع صفة العلماء , والمثل الياباني يؤكد نفس المعنى , ولكنه يذهب بشكل أبعد و اوسع واكثر شمولية, اذ انه يستخلص  لنا  قاعدة منطقية وجميلة  في مجال العلاقة المتبادلة  بين التواضع والعلم .
+++++
الترجمة الحرفية – فكّر عندما تقرر , وعندما تقرر لا تفكّر.
التعليق –  اي يجب التفكير بالامر قبل  القيام به , وبعد ذلك  - لا تتردد في التنفيذ بعد ان قررت , اي ابدأ بالتنفيذ . لنتذكر جوهر الحديث الشريف – ( اعقلها وتوكل).
+++++


553
محمد كامل عارف ويسينين

أ.د. ضياء نافع

 استلمت بالبريد الالكتروني رسالة نادرة جدا , ترتبط بموضوعة (الادب الروسي في العراق) ( وهي موضوعة مهمة جدا بالنسبة لاهتماماتي العلمية ) , و هذه  الرسالة – النادرة او اللقطة ان صح ّ التعبير-  هي مقالة محمد عارف في مجلة الآداب البيروتية الشهيرة لمناسبة الاحتفالات في روسيا بمرور ( 75 ) سنة على ميلاد الشاعر يسينين آنذاك بعنوان – ( يسينين ... والغربة ) , والمقالة  منشورة عام 1966  , اي  قبل اكثر من خمسين سنة !!! (من ص 47 الى ص49 في عدد المجلة المذكورة) ,  وهي هدية من كاتبها الصحافي العراقي الكبير محمد عارف لي لمناسبة ارسالي له مقالتي بعنوان (120 سنة على ميلاد يسينين) , وقد كتب عارف في الاهداء ما يأتي –
( ضياء , مقالتك الجميلة عن يسينين لذكرى حياة شرارة ذكرتني بمقالة لي عن يسينين منشورة في مجلة الاداب البيروتية باسمي الادبي – محمد كامل عارف , ارسلها لك تحية لجهدك الذي لا يكل في متابعة الادب الروسي الرائع...)  .
قبل كل شئ , اود ان اتوقف هنا عند بعض النقاط المهمة في هذا الخصوص , منها اولا , ان هذه المقالة تعدّ – حسب علمي المتواضع  -  اول بحث علمي وموضوعي ومتكامل يقوم به باحث عراقي عن المبدع الروسي يسينين , الشاعر الذي لم يكن يعرفه آنذاك أحد في العراق ( وربما في العالم العربي ) كما يشير الباحث   نفسه – وهو على حق -  في ثنايا سطور مقالته تلك , وثانيا , اود ان اشير ايضا الى مسألة طريفة ومهمة  جدا من وجهة نظري  و ارى انها تستحق الاشادة بها فعلا وهي ,  ان محمد كامل عارف كتب مقالته تلك ونشرتها مجلة الاداب البيروتية الشهيرة عام 1966 , عندما كان عارف لايزال طالبا في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) ليس الا , اي ان المقالة قد فرضت مكانتها وقيمتها العلمية , وبالتالي تم نشرها في مجلة باهمية (الاداب) البيروتية في ذلك الزمان , المجلة التي كان يسعى ( بل ويحلم ) كل باحث واديب عربي ان ينشر فيها  . ثالثا , ان الكاتب قد قام شخصيا بترجمة عدة قصائد شهيرة ومعروفة جدا للشاعر يسينين في مقالته تلك لم يسبق لأحد من المترجمين العراقيين او العرب ان قام بترجمتها ,  بل انه استهل مقالته تلك بمقطع من شعر يسينين الرقراق وبترجمة (رقراقة !) ايضا وكما يأتي –
لن آسف , لن اندب , لن أبكي
فكل شئ سيمضي,
مثل غيمة فوق أشجار تفاح أبيض.
رابعا , تحمل تلك المقالة خصائص اسلوب محمد عارف , والذي تبلور الان واصبح واحدا من اهم سماته , وهو الاستشهاد باقوال الادباء والفلاسفة وبقية المشاهير في ثنايا مقالاته وبشكل ذكي وحاذق جدا وربطها بمهارة مع صلب الموضوع, وهي صفة تدل على سعة قراءآت عارف وثقافته الموسوعية الواسعة بلا شك , اذ اننا نجد في مقالته  تلك عن يسينين استشهادا باحدى اقوال الكاتب الامريكي همنغواي , والتي استطاع عارف بمهارة فائقة ان يربطها بابداع يسينين . خامسا , لقد كتب عارف مقالته تلك عام 1966 وكان حينئذ – كما أشرنا اعلاه – طالبا في الاتحاد السوفيتي  بجامعة لينينغراد, وبالتالي , لم تكن متوفرة آنذاك معلومات واسعة عن يسينين مثل المتوفرة في الوقت الحاضر ( اي بعد خمسين سنة من كتابة تلك المقالة ) . ولهذا فهو أمر طبيعي  جدا ان  نجد في تلك المقالة بعض المعلومات التي تعتبر الآن غير دقيقة او تحتاج الى اعادة صياغة ...الى آخره ( خصوصا ما يتعلق بموضوع انتحار يسينين ومكانته في تاريخ الادب الروسي عموما ) . سادسا واخيرا , اود ان أشير في ختام هذه النقاط السريعة الى ان موضوعة الادب الروسي في العراق قد فقدت الكاتب والباحث العراقي المبدع محمد كامل عارف لأنه لم يستمر في طريق مسيرته تلك, اذ كان يمكن ان يمنحنا الكثير الكثير من البحوث والدراسات المهمة في هذا المجال الفكري الحيوي , وذلك لأن الصحافة قد كسبته الى صفوفها منذ عودته الى العراق في النصف الثاني من ستينات القرن العشرين وبعد اضطراره للسفر نتيجة اوضاع العراق الرهيبة المعروفة , والاستقرار في لندن والى حد الآن  .
 نعم , لقد أصبح محمد عارف نجما منيرا وساطعا في عالم الصحافة العراقية والعربية , نجما نفتخر به جميعا ونتابع نجاحاته بكل حب , ولكني اكرر ان يسينين , الذي كتبت عنه مقالة رائعة قبل خمسين سنة , و بقية الادباء الروس ( ومحبيهم العرب وأنا طبعا من بينهم)  يفتقدوك يا أبا جاسمية الورد.

554
أدب / الشراع /// الحفر الصغيرة
« في: 18:55 27/10/2017  »
الشراع /// الحفر الصغيرة   
================

قصيدتان للشاعر الاذربيجاني المعاصر راسم غاراجا
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

الشراع
+++++
+++++
على رمال الشاطئ
فرشنا
الشراع القديم ..
وجلسنا
لنأكل ..
الشراع القديم
ذو اللون الاصفر و القرمزي,
لا تتلاعب به
الان,
لا الرياح
ولا تيارات
 الهواء,
و الماء,
انه عامر
 الان,
بمأكولات
ومشروبات
وقهقهات
الناس الاحياء.
============================================================================================================
الحفر الصغيرة
+++++++++
+++++++++
انظر !
حتى هذه الحفر الصغيرة,
المليئة
بالمياه الوسخة
في شوارع المدينة,
تعكس
ضياء الشمس.
============================================================================================================
ولد الشاعر راسم غاراجا في أذربيجان عام 1960 , ويعد في الوقت الحاضر واحدا من الشعراء المعاصرين المعروفين في أذربيجان . سبق وان قدمنا للقراء ترجمة لقصيدة له بعنوان – ( الانسان , الذي تنتظره).

555
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – الانسان السئ  يبرر الخطأ , والجيد يصلحه.
التعليق – مثل صحيح فعلا , وغالبا ما نرى هذه الظاهرة في مسيرة الحياة اليومية, ولا يرغب الانسان السئ ان يستفاد من جوهر مثلنا الجميل (تعلّم من اخطائك واخطاء الآخرين !)  ولا من القول الاجمل – ( الاعتراف بالخطأ فضيلة ).
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تداوي الاحمق باي دواء.
التعليق – لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا-
لكل داء دواء يستطب به   الا الحماقة أعيت من يداويها.
+++++
الترجمة الحرفية – المظلة ضرورية قبل ان تبتل.
التعليق –  وليس بعد ان تبتل , اذ عندها   سيكون  الوقت  متأخرا و سينطبق القول العربي الشهير – (ولآت ساعة مندم !) . المثل الروسي يدعو الى تحضير الزلاجة الشتوية بالصيف والعربة الصيفية بالشتاء.
+++++
الترجمة الحرفية – من السهل ان تكون نمرا شجاعا ,ولكن حاول ان تكون أرنبا شجاعا.
التعليق – مثل ساخر و طريف جدا,  والصورة الفنية التي يرسمها في غاية الذكاء والمنطق , فالشجاعة ترتبط بالامكانيات الموجودة فعلا وليس بالرغبات . مثل يدعو الى ان يراعي الانسان واقعه وينطلق منه ,  والمثل يقول بكافة لهجاتنا العربية -  (مد رجلك على قدر لحافك )
+++++
الترجمة الحرفية – الزهرة التي تسقط من الغصن , لا يمكن ان تعود اليه.
التعليق – مثل جميل وحزين معا , وهو قبل كل شئ واقعي وصحيح, رغم روحيته الرومانسية , اذ كيف يمكن للزهرة التي سقطت من الغصن ان تعود اليه ؟  وهل يمكن للانسان الذي يسقط من (غصنه !!!) ان يعود اليه ؟؟؟؟؟ 
+++++
الترجمة الحرفية – الماء يجري ويحفر القنوات له.
التعليق –  مثل رمزي و دقيق جدا, يصّور مسيرة الحياة الانسانية , اذ هكذا هي فعلا سنّة الحياة , فالانسان يسير في دروب الحياة ويعبّد طريقه  فيها بعمله.
+++++
الترجمة الحرفية – التعاسة مثل البدلة الممزقة , يجب تركها في البيت.
التعليق – معنى المثل واضح , اذ انه يدعو الانسان ان يتخلص من التعاسة ويبدأ الحياة من جديد , وهي دعوة نبيلة للتشبث بالحياة والاستمرار بها رغم كل صعابها و مشاكلها و تعاساتها. بنية المثل الياباني والصورة الفنيّة فيه طريفة وغير اعتيادية جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – الرياح لا تكسر الشجرة المرنة.
 التعليق – يقول المثل العربي لا تكن صلبا فتكسر ولا ليّنا فتعصر, لكن المثل الياباني هذا يشير الى صفة ثالثة  لا توجد في المثل العربي , وهي المرونة, والمرونة غير الليونة , واظن ان المثل الياباني اكثر دقة , اذ ان ( خير الامور اوسطها ) .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تكون القوة على حق , فالحق هناك بلا قوة.
التعليق – يقول المثل الروسي في نفس المعنى (توجد قوة – لا حاجة للعقل) , فالقوة تحسم الامور دون الرجوع الى الحقوق , وكم شاهدنا هذه الظواهر في عالمنا العربي !!!
+++++
الترجمة الحرفية – والطريق البعيد يبتدأ من الطريق القريب.
التعليق –  لنتذكرالمثل الصيني المشهور -  طريق بالف ميل يبدأ بخطوة واحدة.
+++++
الترجمة الحرفية – الرياح تهب , لكن الجبال لا تتحرك.
التعليق – مثل رمزي رائع يجسّد الصمود امام صعاب الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – في الاعمال الكبيرة ,  لا يراعون النواقص الصغيرة.
التعليق –  يوجد في تراثنا قول طريف في هذا المعنى ذهب مثلا وهو – لابد دون الشهد من ابر النحل , والمثل الروسي يقول -  يقطعون اشجار الغابة – الشظايا  تتطاير.
+++++
الترجمة الحرفية – النقود تجعل الناس غرباء.
التعليق – المثل العربي يقول ذلك وبشكل أوضح وأكثر دقة - الفلوس تغير النفوس.
+++++
الترجمة الحرفية – يوكلون حراسة المطبخ للذئب الجائع.
التعليق –  ومثلنا الطريف في نفس المعنى يقول ( باللهجة العراقية ) - سلّم  البزون شحمه (البزون – القط ).
+++++
الترجمة الحرفية – الدواء الجيد مرّ الطعم.
التعليق – والمثل الفلسفي العربي في هذا المعنى يذهب أبعد, اذ انه يقول -  الحقيقة مرّة.
+++++

556
أمثال اندونيسية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – كل ضفدعة تمدح مستنقعها.
التعليق – وطن الضفدعة مستنقعها , ولذلك فهو عزيز عليها طبعا وتمدحه, كما  اننا ايضا نحب بلادنا و نمدحها ونعتبرها (عزيزة!) حتى اذا ( جارت علينا..... !), أليس كذلك؟
+++++
الترجمة الحرفية – في مكان الحرق تبقى بقايا النار.
التعليق – لا يمكن ان تختفي بقايا النّار كليّا من مكان الحرق , سواء في الجسم من جراء النار الفعلية, او في الروح من جراء النار(الافتراضية !) , التي يؤججها الآخرون بعض الاحيان حولنا حسدا او طمعا او حقدا او كراهية ... الخ ,  اذ  اننا , بمرور الزمن (يمكن ان نسامح او نتغاضى , ولكن لا يمكن ان ننسى ).
+++++
الترجمة الحرفية – لا بحر دون أمواج.
التعليق -  المثل الاندونيسي الرمزي هذا جميل البنية شكلا ومضمونا, ومن الواضح ان البحر هنا يرمز الى الحياة , اما الامواج فانها ترمز الى صعاب الحياة ومشاكلها , ولا حياة دون مشاكل , وهذا هو المنطق الذي يجب ان يتقبله الانسان شاء أم أبى ,  رغم ان الانسان يتشبث - مع ذلك- بالحياة , كما يصف ذلك المعري في بيت شعر شهير في احدى قصائده الفلسفية الجميلة, والتي ذهبت مثلا  –
تعب كلها الحياة  فما اعجب الا من راغب في ازدياد.
+++++
الترجمة الحرفية – عدد الرغبات بعدد الناس.
التعليق – مثل صحيح جدا و غالبا ما نصطدم به ونراه في مسيرة حياتنا اليومية , فما اكثر هؤلاء الذين ( لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب !!!) كما يقول المثل العربي الطريف .
+++++
الترجمة الحرفية –   والكلب في شارعه – أسد.
التعليق –  يؤكد هذا المثل على ارتباط الشجاعة بالمكان , وهي ظاهرة واضحة فعلا عندما يشعر الكلب بوجود من يسانده في تصرفاته وردود فعله , اي كما يقول المثل باللهجة العراقية – ( ظهره قوي ) , وقد اثبتت الوقائع ايضا ان الانسان يدافع  فعلا عن وطنه وهو في داخله ببطولة وشجاعة , ولكنه لا يعمل الشئ نفسه عندما يكون خارج اطاره .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد مقص او طبر أكثر حدة من لسان البشر.
التعليق – مثل صحيح جدا. يوجد لدينا  مثل  و بمختلف اللهجات العربية يقول ايضا ذلك , وهو - ( لسانه  زي المنشار !),  بل , والمثل هذا (باللهجة العراقية) يذهب ابعد , اذ يصف بتفصيل عمل هذا المنشار ويقول – لسانه منشار ياكل صاعد نازل !!!
+++++
الترجمة الحرفية – لا يفترقان مثل النار والدخان.
التعليق – صورة فنية جميلة عن التلازم  و التلاحم بين الاشياء او الظواهر او البشر .  ربما ( واؤكد على ربما !)  يمكن ان نستشهد هنا في وصف هذه الحالة الخاصة , بمثلنا العراقي الطريف جدا عن ( الجدر) الذي (ادهتر ولقى قبغه ) (ادهتر – انحدر//  القبغ – الغطاء )
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تخفي أثر الفيل.
التعليق – يمكن محاولة اخفاء بعض الآثار الصغيرة هنا وهناك بعض الاحيان , ولكن لا يمكن اخفاء آثار الفيل  , – و هل يخفى القمر ؟ كما يقول مثلنا المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – يجلس مثل قطة , لكنه يقفز مثل نمر.
التعليق –  يقول المثل العربي ( باللهجة العراقية ) في هذا المعنى ما يأتي - من السكوتي طكي وموتي ومن الورواري خلي وفوتي .
+++++
الترجمة الحرفية – الريح لا تهب , الشجرة لا تتأرجح.
التعليق – يوجد سبب معيّن لكل الظواهر في الطبيعة , و كذلك الامر في الحياة الانسانية ايضا, ويجب علينا دائما ان نحدد ونجد تلك الاسباب كي نفهم تلك الظواهر .  والمثل العربي يقول – اذا عرف السبب بطل العجب.
+++++
الترجمة الحرفية – والوردة التي ذبلت يمكن مرة اخرى ان تتفتح.
التعليق – ما أجمل هذا المثل الرمزي الشاعري الشفاف, الذي يزرع الامل في النفوس , و ( لولا الامل لبطل العمل ) كما يقول مثلنا العربي الجميل.
+++++


557
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – بالحب وحده لن تكون شبعانا.
التعليق – يقول السيد المسيح ليس بالخبز وحده يحيا الانسان , والمثل الياباني يقول بالحب وحده لن تكون شبعانا , الا يعني هذا , ان الانسان يجب ان يوحّد الخبز والحب معا كي يحيا بشكل انساني؟ محمود درويش في احدى قصائده الجميلة يقول –
انّا نحب الورد , لكنّا نحب الخبز أكثر...
+++++
الترجمة الحرفية -  التاجر عدو التاجر.
التعليق –  غالبا ما يكون زملاء المهنة الواحدة المتنافسة مضادين لبعضهم البعض في مختلف المجتمعات. يوجد مثل طريف بمختلف اللهجات العربية في هذا المعنى , وهو ( باللهجة العراقية) يقول – (المجدّي ما يحب المجّدي ) ( المجّدي – المتسول )
+++++
الترجمة الحرفية – داوي السم بالسم.
التعليق –  والشاعر العربي الذي ذهب شعره مثلا يقول  -
داوني بالتي كانت هي الداء.
+++++
الترجمة الحرفية – عند الغصن الاعوج و الظل اعوج.
التعليق –   لنتذكر بيت  الشعرالطريف الذي ذهب مثلا في نفس المعنى رغم البعد الشديد جدا جدا بين بنيتيهما -
 اذا كان رب البيت بالدف ضاربا /// فشيمة اهل البيت كلهم الرقص.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يعمل الوالدان والاطفال يتمتعون بالحياة , فان الاحفاد سوف يتسولون.
التعليق – مثل تربوي عميق وصحيح جدا يؤكد على ضرورة تربية الاطفال على حب العمل منذ الصغر وليس الاتكال على الآخرين . يقول المثل الصيني المعروف عالميا – لا تعطيني سمكة , ولكن علّمني كيف اصطادها.
+++++
الترجمة الحرفية – غضبك عدوك.
التعليق – يوجد حديث شريف يقول – ( لا تغضب ) , وهي واحدة من الوصايا الانسانية العامة في المجتمعات كافة . توجد أمثال وحكم كثيرة حول تلك الظاهرة , منها – ( اول الغضب جنون وآخره ندم), ( من أطاع غضبه , أضاع أدبه ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – الزمان لا ينتظر الانسان.
التعليق – ومثلنا العربي الجميل يؤكد هذا المفهوم الصحيح كذلك وبشكل اكثر  وضوحا ودقة و فصاحة , اذ يقول – الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك .
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن ان نتحّمل الشاي البارد والرز البارد , ولكن لا يمكن ان نتحّمل النظرة الباردة ولا الكلمة الباردة.
التعليق –  مثل رائع , لان النظرة الباردة والكلمة الباردة تمس الكرامة الانسانية وتعني التعالي وعدم احترام الانسان, والكرامة طبعا اغلى من الطعام والشراب بلا ادنى شك .
+++++
الترجمة الحرفية  - عندما تنكوي بالحساء الحار , ستنفخ على الخضراوات الباردة.
التعليق –  مثل عالمي بشكل عام , ونجده في مختلف الصيغ عند مختلف الشعوب . لنتذكر مثلنا المعروف وبمختلف لهجاتنا العربية –من لسعته حيّة يخاف من الحبل  , وهناك مثل  روسي قريب جدا من هذا المثل الياباني  وهو  - الذي ينكوي بالحليب ينفخ على الماء.
+++++
الترجمة الحرفية – يبحث عن ابرة في قاع النهر.
التعليق –  صورة فنيّة جميلة . يقول المثل الروسي في هذا المعنى - ابحث عن الريح في البرية, وهو نفس معنى المثل العربي التعبيري الجميل – اصبح أثرا بعد عين.
+++++
الترجمة الحرفية – الغريق يتشبث حتى بقشة.
التعليق –  يوجد مثل باللهجة العراقية يتطابق حرفيا مع هذا المثل الياباني وهو - الغركان يجلّب بكشّايه ( الغركان – الغريق // يجلّب – يمسك , يتشبث // بكشّايه – بقشّة ) , والسؤال الذي يطرح نفسه هنا –  هل هذا التطابق جاء بمحض الصدفة ام لا ؟ واذا كان الجواب لا , فكيف تم ذلك, ومن الذي قال هذا المثل اولا, ومن الذي استعاره؟
+++++
الترجمة الحرفية – لم يحدث ان العاري فقد شيئا ما.
التعليق –  مثل طريف جدا , وهو يذكرنا بالمثل العربي المعروف -المفلس في القافلة أمين .
+++++
الترجمة الحرفية – الشر الذي تعمله للآخرين سيعود اليك.
التعليق –  وهل يمكن لنا ان ننسى مثلنا الذي تحول الى اغنية شعبية عراقية مشهورة وهي-
 يا حافر البير لا تغمج مساحيها // خوفي الفلك يندار وانت التقع بيها
,وأصل المثل هو – من حفر بئرا لاخيه وقع فيه.
+++++


558
أدب / ايها الوطن , ايها الوطن
« في: 14:28 15/10/2017  »
ايها الوطن , ايها الوطن
===============

قصيدة للشاعر الكبير ناظم حكمت
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

 ايها الوطن ,
 ايها الوطن -
لم يبق عندي
حتى
 ولا قبعة
من صنعك,
ولا حتى
حذاء
 كنت اسير به على دروبك,
وآخر رداء من قماشك
تمزق و اهترى
منذ زمن
على ظهري,
 لم يبق لدي الان
منك
ياوطني ,
سوى
هذا التغصّن
على جبيني,
و أثر الجرح العميق
في قلبي,
يا وطني.

559
أمثال اندونيسية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان يكون قبطانان على باخرة واحدة.
التعليق- يقول المثل العربي -  سيفان في غمد واحد لا يجتمعان , ويقول المثل الروسي- لا يعيش دبّان في مأوى واحد, ويقول المثل بلهجاتنا العربية المختلفة - حصانين على مربط واحد ما تنربط , وهناك امثال كثيرة اخرى في نفس هذا المعنى عند مختلف الشعوب...
+++++
الترجمة الحرفية – من البحيرة النظيفة لا يجري ماء وسخ.
التعليق –  معنى المثل واضح ,ويؤكد على نقاء المنبع واهميته , ويعني , فيما يعنيه الانسان طبعا, فاذا كان منبع الانسان( نظيفا ), فلا يمكن ان يتصّرف بشكل ( وسخ)..
+++++
الترجمة الحرفية – يلاحظ النملة في العين الغريبة ولا يلاحظ الفيل في عينه.
التعليق – من الواضح ان هذا المثل ينطلق من قول السيد المسيح – (لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك , وأما الخشبة في عينك فلا تفطن اليها ). المثل الاندونيسي يعتمد المبالغة ويستخدم  الصور الفنية المتجانسة مع الطبيعة هناك , وفي هذا الجانب بالذات تكمن جماليته.
+++++
الترجمة الحرفية – الشعر أسود عند الجميع , لكن القلوب مختلفة.
التعليق – والقلوب هي التي تتصرف في علاقات الناس ببعضهم , بغض النظر عن لون الشعر.
+++++
الترجمة الحرفية – الحفنة تتحول الى جبل, والقطرة الى بحر.
التعليق –  ما اجمل هذا المثل الاندنوسي, والذي يؤكد القول العربي المعروف -  تفاءلوا بالخير تجدوه , رغم المبالغة الكبيرة جدا جدا فيه.
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن تغيير مظهر الانسان الخارجي, لكنه يحمل صفاته الى قبره. 
التعليق –  يقول المثل العربي – الطبع الذي في البدن لا يغيره غير الكفن , وهناك مثل آخر بنفس المعنى وهو – الطبيعة التي في الجلود لا تغيرها سوى اللحود , اما المثل الروسي فيقول – القبر وحده يصلح الاحدب.
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد الكثير من النحل في الاماكن التي تتفتح فيها الزهور.
التعليق   مثل عالمي يتحدث عن هؤلاء الذين يحيطون الاماكن  المفيدة لهم , وهناك مثل روسي في نفس المعنى ولكن بشكل اكثر دقة وهو - حيثما يوجد عسل فهناك ذباب . لنتذكر المثل العربي  الطريف باللهجة العراقية – يا كثرة احبابي يوم ظرفي دبس ويا قلة احبابي من ظرفي يبس.
+++++
الترجمة الحرفية – يتلامع الالماس حتى في ساقية المجاري.
التعليق – نجد هذا المثل عند شعوب كثيرة , منها ,المثل الروسي - يتلامع الذهب حتى في الاوساخ.معنى المثل واضح , فهو يؤكد على ان الانسان المتميّز ( يتلامع!) بغض النظر عن موقعه ومكانته.
+++++
الترجمة الحرفية – من الخارج يتلامع , من الداخل يعلوه الصدأ.
التعليق  -  هناك امثال عديدة وطريفة جدا باللهجة العراقية في هذا المعنى , منها - الفوك هاللة هاللة والجوا يستر الله // من بره رخام ومن جوه سخام // من فوك هندي ومن تحت بابنجي.....
++++++
الترجمة الحرفية – لا ينهار التل من نباح الكلاب.
التعليق –  معنى المثل واضح جدا , وهو يذكّرنا بامثالنا المعروفة , ومنها - القافلة تسير ولا يهمها نباح الكلاب // لا يضر السحاب نباح الكلاب // والمثل الروسي يقول  – نباح الكلاب تحملها الرياح.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يأكل الفلفل هو الذي يحس بطعمه اللاذع.
التعليق – لنتذكر بيت الشعر العربي الجميل , الذي ذهب مثلا-
لا يعرف الشوق الا من يكابده / ولا الصبابة الا من يعانيها.
+++++


560
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الصقر القوي يخفي مخالبه.
التعليق – لا يحتاج القوي الى استعراض عضلاته ولا الى التبجح بقوته . ما احوج قادة عالمنا العربي الى استيعاب هذا المثل الياباني العميق.
+++++
الترجمة الحرفية – الهاربون لا يختارون الطريق .
التعليق – مثل صحيح ودقيق , ف ( للضرورة أحكام ) كما يقول مثلنا العربي.
+++++
الترجمة الحرفية – الانهار القديمة لا تجفّ.
التعليق –  ما أجمل هذا المثل الياباني وما أعمق رمزيته, اذ ان الانهار القديمة لا تجف فعلا , ولا الحضارات القديمة تموت , ولا الحب القديم يختفي من قلب الانسان , ولا الذكريات وووو , اذ ان ( المادة لا تفنى ولا تستحدث .. !)
+++++
الترجمة الحرفية – الذي تجده بسهولة تفقده بسهولة .
التعليق –    كل شئ في الحياة يتطلب جهدا وثمنا , وكما يقول المثل باللهجة العراقية – ( بلاش ما ينحاش ) ( بلاش – مجانا /  ينحاش – يمكن حصده ) , ويحرص الانسان على كل ما حصل عليه بجهد وصعوبة حرصا شديدا  ,  ولا يبذل الانسان  نفس هذا الحرص اذا كان حصوله عليه سهلا .
+++++
الترجمة الحرفية – من اجل ان تسبح يجب ان ترمي نفسك بالنهر.
التعليق –المثل الاغريقي يقول – النظرية بلا تطبيق ميّتة , والمثل الياباني هنا يؤكد ذلك المعنى وبشكل بسيط وواضح , ف (نظرية) السباحة لا معنى لها دون (ان ترمي نفسك بالنهر ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الحيّة العمياء لا تخاف من اي شئ .
التعليق – لانها لا ترى  مكامن الخطر باشكاله المختلفة , ولهذا لا تخاف من اي شئ . المثل الياباني يدعو الانسان - طبعا- الى تجنّب تلك المكامن كي لا يكون مثل ( الحيّة العمياء).
+++++
الترجمة الحرفية – التفاحة ( المتفحة) تمدح نفسها بنفسها .
التعليق –  ويقول المثل العالمي بصيغته الروسية , ان ( البضاعة الجيدة تمدح نفسها بنفسها).
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد عدو اخطر من الاحمق.
التعليق- يقول المثل العربي – عدو عاقل خير من صديق جاهل , (وهو مثل عالمي يرد بمختلف الاشكال) , فكيف اذا كان عدو واحمق في نفس الوقت !
+++++
الترجمة الحرفية – لا أحد يعثر وهو مضطجع على السرير.
التعليق – مثل عالمي , وقد استقر بالعربية كما يأتي – ( من لا يعمل لا يخطئ ) . الصورة الفنيّة طريفة جدا في هذا المثل الياباني , اذ كيف يمكن للانسان ان يعثر وهو مضطجع على السرير؟ .
+++++
الترجمة الحرفية – بالنار لا يمكن اطفاء النار.
التعليق – ولا يمكن اخماد الحرب بالحرب ولا الاساءة بالاساءة ولا النميمة بالنميمة ....,  بل يجب اخماد الحرب بالسلم , والاساءة و غيرها بالتسامح والعفو .....,  ولنتذكّر  -  ( العفو عند المقدرة ).
+++++
الترجمة الحرفية – الحلاق لا يحلق نفسه.
التعليق – مثل طريف ودقيق فعلا , يضرب في ان الانسان يحتاج الى التعاون مع الاخرين مهما كان, اذ ان ( اليد الواحدة لا تصفق ) كما يقول المثل المعروف.
+++++
الترجمة الحرفية – ضروري مثل المروحة اليدوية ( المهفّة) في الشتاء.
التعليق – مثل ساخر وطريف  , وهو واضح المعنى طبعا , وما أكثر هؤلاء (البشر – الضرورة!!!) في حياتنا .
+++++

561
أدب / اتلاشى رقة أنا
« في: 20:07 04/10/2017  »

اتلاشى رقة أنا


قصيدة للشاعرة الروسية المعاصرة عايده سوبوليفا

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



أتلاشى رقة أنا
ما ان اسمع صوتك،
مستعدة أنا
 ان انظر بلا انتهاء
في عينيك
اللتين
بلون الجوز.
لا اعرف انا
 ماذا اعمل
عندما اجدك بعيدا
عن شؤوني،
واحاول جاهدة
ان تصبح
 شؤونك –
 شؤوني..
...............
بالنسبة لي
لا توجد سعادة اخرى ،
سوى
ان اجعل حياتك جميلة،
اذ انت
– دون ان تعرف هذا-
جعلت حياتي جميلة،
فكل يوم أقضيه معك
يدخل في سجل
 قلبي ،
الذي
لم ينبض بكامل قواه
قبل ظهورك...
...............
لكني أعرف –
سيأتي اليوم
وستبدأ بالاختفاء
 من حياتي
.....................
.....................
....................
يا الاهي
كيف شعرت انا،
و بهذه السرعة
باني  ساكون
بعيدة عنك
 هكذا !
...............
لكني لن اسقط من هذه الصدمة،
وستكون رايتي-
خيبة املي،
وساعمل كل شئ
من اجل ان تتشرب روحي
بالتعالي
 فوقك ،
وستصرخ كل الحماقات
التي قلتها
في ذاكرتي.
...............
لكني لن اتخلى عنك،
بل ساحاول التغلغل
في عالمك الجديد
والمغلق بالنسبة لي،
وعندها
 ستتحول الى
ذكريات
 ليس الا،
والى
نجمتي المنطفئة
 ليس الا،
و ستبدو عندها-
اكثر روعة
وسطوعا
مما عرفتك انا.

***

ولدت عايده سيرغيفنا سوبوليفا في موسكو عام 1961 وتخرجت في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وتعمل في التلفزيون الروسي المركزي ( القناة الاولى ) في مجال اعداد واخراج الافلام الوثائقية .
عايده سوبوليفا – عضو في اتحاد الشعراء العالمي بموسكو.
القصيدة المنشورة هنا من ديوانها – ( كل شئ يبقى ), الصادر عام 2017 في موسكو , والقصيدة في الاصل بلا عنوان , وقد اخترنا العنوان من الشطر الاول للقصيدة.

562
لكل عنوان لونه ///// آه لو كان يعرف
===================

قصيدتان للشاعر التركي المعاصر ازدمير عساف
===========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

لكل عنوان لونه
+++++++++++
+++++++++++
الزمن
 والنار
  والموت-
ذات لون أبيض.
+++
الحب
 والكذب
 والغيرة –
أحمر.
+++
رداء الاحلام
 والاحترام –
اصبغها بالازرق .
+++
أما أغطية الفقر
 واليأس
والفراق –
فارسمها بالاسود .
============================================================================================================
آه لو كان يعرف
+++++++++
+++++++++
ثمن القصيدة الواحدة –
ليلة واحدة,
ثمن القصيدة الواحدة –
غفوة واحدة,
ثمن القصيدة الواحدة –
استيقاظ من الغفوة,
ثمن القصيدة الواحدة –
سجائر,
ثمن القصيدة الواحدة –
خمر,
ثمن القصيدة الواحدة –
اغنية حزينة,
ثمن القصيدة الواحدة –
معاناة.
هكذا
 تبيّن الآن,
وهذا ما اتضح
الآن...
...............

563
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الريشة أقوى من السيف .
التعليق – هناك رأيان بشأن معنى هذا المثل في تراثنا, الاول قاله ابو تمّام وذهب مثلا وهو – ( السيف أصدق أنباء من الكتب ...) , والرأي الثاني قاله المتنبي وهو – ( الرأي قبل شجاعة الشجعان ...). المثل الياباني يؤيد رأي المتنبي.
+++++
الترحمة الحرفية – أفضل ربّ هو الذي نعبده نحن.
التعليق – معنى هذا المثل واضح ودقيق وصريح , وهو يتناسق فعلا  مع كل المجتمعات . لنتذكر الصورة الفنيّة التي رسمها المعرّي في تراثنا – ( هذا بناقوس يدق وذا بمئذنة يصيح ) , والتي يختتمها الشاعر والمفكر الكبير بالسؤال الفلسفي الخالد – ( ليت شعري ما الصحيح ؟).
+++++
الترجمة الحرفية – الانتظار طويل دائما.
التعليق –  هذا المثل صحيح جدا , اذ ان الانتظار طويل مهما كان قصيرا . يقول المثل الروسي  في هذا المعني - لايوجد أسوأ من ان تنتظر او تلحق بشئ.
++++ +
الترجمة الحرفية – يعرفون الحصان بالسفر والانسان بالاختلاط.
التعليق –  مثل منطقي جدا ودقيق , لأن -  (التجربة احسن (او اكبر) برهان),  كما يشير مثلنا العربي المعروف, فالسفر يكشف امكانية الحصان وخصائصه , وكذلك يبّين الاختلاط بالانسان طبيعته  وخصائصه.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يقطعون رأس البرغوث بالطبر.
التعليق – امثال مختلف الشعوب تناولت هذه الحكمة البسيطة والعميقة في آن واحد حول ضرورة استخدام الشئ ( او الشخص) المناسب في المكان المناسب والا فان النتائج ستكون وخيمة. المثل الياباني هنا يرسم صورة كاريكاتيرية فيها مبالغة طبعا , ولكنها جميلة ومعبّرة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية -  لا يمكن لأي مخفر ان يوقف مسيرة الزمن.
التعليق – مثل فلسفي عميق وجميل وصحيح جدا , فقد فشلت المخافر كافة وفي كل مكان ( والمخفر هو رمز السلطة طبعا ) ان توقف حركة الزمن الى الامام .
+++++
الترجمة الحرفية – الفم سبب امراضنا وتعاستنا.
التعليق – يلخّص هذا المثل الياباني معاني مثلين عربيين بدقة وبساطة ووضوح  رغم التباعد بينهما, وهما – المعدة بيت الداء + اللسان عدو الانسان.
+++++
الترجمة الحرفية – جروح السيف تشفى, جروح اللسان تبقى.
التعليق – لنتذكر بيت الشعر العربي الجميل الذي ذهب مثلا في هذا المعنى بالضبط وهو - 
جراحات السهام لها التئام   ولا يلتأم ما جرح اللسان .
+++++ 
الترجمة الحرفية – عندما تشاهد نواقص الأخرين , صلّح نواقصك.
التعليق – من الصعب على الانسان بشكل عام ان يشاهد نواقصه او يعترف بها, ولكن من السهل جدا عليه ملاحظة هذه النواقص عند الآخرين والحديث عنها والتشهير بها . يدعو المثل الياباني هنا الى ( استغلال !) هذه الظاهرة والاستفادة منها كي يصلح الانسان ذاته , وما أجمل هذه الدعوة النبيلة وما أروعها .
+++++
الترجمة الحرفية – القرد يبقى قردا حتى لو كان التاج على رأسه.
التعليق – مثل طريف جدا . يمكن لنا هنا ان نستشهد بمثل عربي يشمل هذا المعنى بشكل عام وهو  – الطبع يغلب التطبع . وما أكثر مثل هذه القرود في عالمنا العربي مع الاسف  !


564
أدب / نهاية الفلم
« في: 18:13 15/09/2017  »

نهاية الفلم

قصيدة للشاعر الأذربيجاني المعاصر أكشين (ولد عام 1987)

ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع


أود ان اسافر
في العربة الاخيرة
للقطار,
العربة الفارغة
تماما,
او التي
ستصبح فارغة
تماما,
وفجأة
تدخل العربة
امرأة جميلة,
فأنهض أنا
وأترك لها
مكاني,
فتجلس فيه
وتقول لي-
أعطني يدك
كي أمسكها.

565
أدب / هايكو من اليابان
« في: 17:41 12/09/2017  »
هايكو من اليابان
===========

للشاعر الياباني المعاصر هينو سودزيه (1901- 1956 )
=============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


البحر والقمر
+++++++++
عاصفة في البحر,
وحده لا يغرق -
القمر.
+++++++++++
+++++++++++

مساء الخريف
+++++++++
ملعقة فضيّة
غطست في الشاي,
الخريف. المساء.
+++++++++++++
+++++++++++++

قراءة على ضوء القمر
+++++++++++++++
 ميناء,
أقرأ أسماء البواخر
على ضوء القمر.
+++++++++++++
+++++++++++++

الغيمة والجبل
+++++++++
غيمة
تنفصل بهدوء
عن الجبل.
========================================================================
قصيدة الهايكو عادة بلا عنوان , والعناوين هنا من وضعنا .
المترجم

566
المنبر الحر / ليرمنتوف مترجما
« في: 22:33 10/09/2017  »
ليرمنتوف مترجما
أ.د. ضياء نافع
الكاتب الروسي ميخائيل يوريفيتش ليرمنتوف , الذي عاش ( 27)  سنة ليس الا (1814 - 1841) , والذي  نشر كل ابداعة خلال اربع سنوات فقط , و اصبح شاعرا كبيرا وروائيا كبيرا وكاتبا مسرحيّا كبيرا في روسيا والعالم ايضا وهو في هذا العمر اليافع , ليرمنتوف هذا كان مترجما ايضا ( كان يتقن الفرنسية والانكليزية والالمانية) , الا انه لم يركّز جهوده في هذا المجال الابداعي .  ومع ذلك يشير الباحثون الى ان ليرمنتوف قد ترجم حوالي (30) قصيدة من مصادر معلومة ومحددة , منها ترجمات لشعراء مثل غوته و شيللر وبايرون وميتسكيفتش وغينيه وغيرهم ,  وتوجد كذلك ترجمات اخرى عنده من مصادر غير معلومة لحد الان  , اذ ان شعراء روسيا منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى اواسط القرن التاسع عشر تقريبا لم يشيروا الى مصادر ترجماتهم , بل لم يذكروا انها ترجمات أصلا ( بما فيهم بوشكين وليرمنتوف ...) . و تتناول مقالتنا هذه قصة ترجمة احدى قصائد الشاعر الالماني  الكبيرغوته الى اللغة الروسية  من قبل المترجم ليرمنتوف , وعنوانها – ( من غوته ) .
قبل كل شئ نقدم للقراء ترجمتنا الشخصية لتلك القصيدة عن الروسية كما جاءت عند ليرمنتوف , وهي كما يأتي –
من غوته
=======
قمم الجبال الشاهقة
تغفو في ظلام الليل,
وديانها غارقة
في عتمة ذاك الليل,
الطرقات بلا غبار
وساكنة أوراق الاشجار.
انتظر قليلا
وسترتاح انت ايضا.
================

جاءت القصيدة هذه في مؤلفات ليرمنتوف بعنوان – ( من غوته) كما ذكرنا, والتي كانت موجودة ضمن قصائده في الكتاب المنهجي المقرر لمادة -  ( الشعر الروسي ) للصف الثالث في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , ولا يشير الكتاب المنهجي ذاك الى ان هذه القصيدة هي ترجمة لاحدى قصائد غوته , وقد كان الطلبة معجبين بها جدا , بل وكانت مادة طريفة للنقاش بينهم , خصوصا نهايتها ( الراحة تعني الموت! والتي نشرها ليرمنتوف عام 1840 , اي قبل سنة واحدة من وفاته !) , والتي تتناغم مع طبيعة ليرمنتوف وعوالمه الشعرية حول الموت والحزن واليأس ...الخ , اضافة الى رسمها لصورة الطبيعة المدهشة الجمال.
 تحدثّت مرة مع صديقي أ. د.علي يحيى منصور في كليّة اللغات بجامعة بغداد ( وكان آنذاك رئيسا لقسم اللغة الالمانية ) حول هذه القصيدة وعنوانها المرتبط بالشاعر الالماني الذي تخصص بنتاجاته , فاخبرني د. منصور انها قصيدة مشهورة لغوته , والتي يصف فيها احدى الامكنة التي زارها في وطنه ( والتي اصبحت الان نتيجة لتلك القصيدة مكانا يزوره السيّاح !!!) , وجلب لي النص الالماني لتلك القصيدة ( والتي حاول ليرمنتوف الالتزام بها ) , بل وجلب  لي ايضا ترجمتها الجميلة الى العربية , والتي قام بها أحد المترجمين المصريين من جامعة فؤاد الاول في النصف الاول من القرن العشرين كما أتذكّر , وهي ( الترجمة ) مصاغة على وفق قواعد العروض في الشعر العربي وبحوره , وقد قرأت تلك الترجمة لطلبتي آنذاك , وناقشناها بالتفصيل باعتبارها عملا عربيا ابداعيا في مجال الترجمة الادبية يجب ان نتعلم منه, وقارنّاها بنص تلك القصيدة لليرمنتوف, ويؤلمني اني نسيت الان اسم هذا المترجم , وقد حاولت البحث عن  تلك الترجمة ومترجمها, لكني لم افلح مع الاسف , وما أكثر المصادر المهمة التي فقدناها اثناء مسيرة حياتنا العراقية العاصفة ! 
ختاما لهذه السطور , نود ان نشير الى ان الادباء الروس قد ترجموا هذه القصيدة عدة مرات بعد ليرمنتوف , ولا يمكن الحديث طبعا - في اطار هذه المقالة الوجيزة والمحددة - عن تلك الترجمات , اذ ان ذلك يتطلب – بلا شك - مقالة خاصة حول  موضوعة الترجمة المقارنة للشعر .

567
المنبر الحر / بوشكين وتشيخوف
« في: 21:45 07/09/2017  »
بوشكين وتشيخوف

أ.د.ضياء نافع


ولد بوشكين في العام 1799, وهو من عائلة نبلاء, وبرز عندما كان في المدرسة, وتنبأ له الجميع بمستقبل ادبي زاهر,اما تشيخوف فقد ولد في العام 1860, وكان جده من الاقنان , الذين استطاعوا شراء حريتهم , وكان ابوه تاجرا صغيرا افلس واضطر ان يغادر مدينته تاغنروغ هربا من الدائنين, وترك ابنه انطون وحيدا هناك, واستطاع الابن ان ينهي المدرسة ويلتحق في كلية الطب في جامعة موسكو بجهوده الفردية وعمله وكفاحه, وبدأ انطون تشيخوف منذ عام 1880 بنشر قصصا فكاهية صغيرة في مجلات الدرجة الثانية الروسية كي يحصل على بعض النقود التي تعيله في الدراسة والمعيشة.
لم يحلم تشيخوف يوما- ما ان يكون اسمه جنب اسم بوشكين , اذ ان الاخير اصبح ومنذ ظهوره الاسم الاول والاكبر في مسيرة الادب الروسي وتاريخه ,وقد اعترف كل ادباء روسيا الكبار بهذا ابتداء من ليرمنتوف وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي ووو..,ولكن بعد وفاة تشيخوف في العام 1904, اطلق تولستوي جملة بسيطة وعميقة في آن واحد ,قال فيها ان تشيخوف هو – بوشكين في النثر, واوضح تولستوي فكرته هذه كما جاء في شهادة الناقد لازاريفسكي في احدى مقالاته التي نشرها في موسكو عام 1909 تحت عنوان (عن تولستوي) هكذا – ( كل شخص يقدر ان يجد  في قصائد بوشكين شيئا – ما عاشه هو نفسه او عاناه, وفي قصص تشيخوف يجد القارئ حتما نفسه وافكاره) . ان اقوال تولستوي لم تأت طبعا من فراغ, وانما جاءت مستندة الى خبرته وتجربته الغنية في الابداع الفكري.
لقد حاول النقاد والباحثون تطوير هذه الافكار, واخذوا يقارنون بين نتاجات تشيخوف وبوشكين, واكتشفوا ان الشئ الرئيسي والاساسي الذي يوحدهما هو مفهومهما للادب بشكل عام,فمن المعروف ان بوشكين لم يعلن نفسه معلما اخلاقيا للاخرين , ولم يوظف مؤلفاته لتوجيه القراء واقناعهم بافكاره ومثله العليا كي يحذوا حذوه, ولم يحول ادبه الى تعاليم فلسفية واجتماعية كما فعل ذلك كبار الادباء الروس من بعده مثل غوغول  وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي. ان هدف الشعر بالنسبة لبوشكين – هو الشعر نفسه ,الذي ينطلق من (الدقة والايجاز) , كما عبر بوشكين نفسه مرة ,وكل هذه الصفات تنطبق على تشيخوف ايضا, الذي كان يؤكد بانه يريد ان يكون(فنانا حرا فقط) ولم يرغب ابدا ان يحول مؤلفاته الى محكمة تصدر الاحكام على ابطاله,  بل كان يصر على ان يكون شاهدا موضوعيا لما يجري حوله, ويترك الحكم للقارئ ليس الا.
يتميز بوشكين وتشيخوف ايضا في كونهما قد طرحا في ادبهما الحوادث البسيطة والاعتيادية دون اطار فلسفي معمق وحوارات فكرية مطولة بين الابطال, وهي الصفات التي تميٌز بها بقية كبار الادباء الروس كما هو معروف, ولعل التوقف قليلا عند رواية بوشكين – (يفغيني اونيغين )الشعرية , حيث البساطة في المضمون ,والاسلوب الشفاف وتقنيته , ومقارنتها بقصة تشيخوف – ( السيدة ذات الكلب الصغير ) , والتي تتضمن نفس تلك الخصائص , يمكن ان توضح هذه التشابه والتناغم الفكري بين بوشكين وتشيخوف.
ان رواية ( يفغيني اونيغين) هي العمل الفني المركزي عند بوشكين وهي قمة ابداعه الادبي, هذه الرواية التي اسماها الناقد الادبي الكبير بيلينسكي – (موسوعة الحياة الروسية ) , والتي يمكن القول ان الشعب الروسي لحد الان يعرفها ويطالعها ويتغنى بها ويستشهد بابيات منها بغض النظر عن المستويات الثقافية والفكرية المختلفة . ان مجمل مضمون هذه الرواية يكمن في قصة حب فتاة شابة كتبت لحبيبها يفغيني اونيغين رسالة ,تفصح فيها عن حبها له, ولكنه لم يتقبل ذلك, وتمضي السنوات ويلتقيان مرة اخرى,فيبدأ هو بملاحقتها ,ولكنها تجيبه بشجاعة وامانة انها لا تزال تحبه لكنها متزوجة الان وبالتالي ترفضه. ولم يضع بوشكين لهذه الرواية اي نهاية, وابقاها هكذا (مفتوحة) ليس الا. وهذا كل شئ في تلك الرواية, والسؤال هو – لماذا اصبحت هذه الرواية ( موسوعة ) الحياة الروسية؟ والجواب – لأن بوشكين كتب فيها باسلوبه السهل الممتنع عن كل تفاصيل الحياة اليومية الروسية,واذكر مرة اندهاشي, عندما كنت اتحدث مع امراة روسية مسنٌة اعطتني نوعا من انواع المربى وقالت لي انها مذكورة في رواية يفغيني اونيغين, واذكر ايضا ما قاله لي احد المترجمين الروس مرة, مجيبا على اعتراضي لاستخدامه مفردة انكليزية في سياق الجملة الروسية  قائلا , ان بوشكين استخدم كلمة انكليزية في سياق روايته تلك, وقرأ مقطعا من الرواية ,حيث يخاطب بوشكين شخصا اسمه شيشكوف, كان لغويا روسيا متزمتا, ويعتذر منه بمرح لانه استخدم مفردة انكليزية لا يعرف كيف يترجمها, وقال لي المترجم الروسي – اذا كان بوشكين قد عمل ذلك فلماذا لا اعمل انا ذلك؟ ولا اريد الاستطراد اكثر في هذه المجال المتشعب والكبير, ولكني اود الانتقال الى الحديث عن  القصة الطويلة ( السيدة ذات الكلب الصغير )لتشيخوف. ان مضمون هذه القصة يتناول لقاء رجل متزوج بامرأة متزوجة , وقصة حبهما  فيما بعد,وتنتهي القصة ببكاء مرير من البطلة التي لا تجد مخرجا لهذا الحب وكلمات باهتة للبطل ليس الا,اي ان تلك القصة ( كما هو الحال في قصصه الكثيرة الاخرى) تبقى دون نهاية محددة, بل تمتلك نهاية مفتوحة لكل الاحتمالات( مثل نهاية يفغيني اونيغين), ولكن هذا المضمون البسيط لهذه القصة لم يمنعها ان تصبح واحدة من اجمل نماذج الادب العالمي والتي تحولت الى فيلم سينمائي شهير وترجمت الى عشرات اللغات الاخرى ولا زالت واحدة من القصص التي تطبع وتنتشر بين القراء, ومن الطريف ان نشير هنا الى انها قد  تحولت الى نصب في مدينة يالطا ,التي تعارفا فيها البطل والبطلة اثناء عطلة الصيف, ويقف هذا النصب الان على كورنيش المدينة واصبح معلما من معالم مدينة يالطا. ولا يمكن الاستطراد اكثر في هذا المجال,ولكن يمكن الاستنتاج, ان اسلوب البساطة المتناهية بالمضمون والشكل في الادب الروسي ,الذي بدأه بوشكين قد انبعث واستمر – بعد انقطاع في مسيرة هذه الادب – عند تشيخوف بالذات,وان خطا فكريا وفنيا واضحا قد تبلورفي هذا الادب , ويمثله ويجسمه بحق بوشكين وتشيخوف.
هناك بالطبع صفات مشتركة اخرى بينهما, لعل اهمها هو التقارب في اسلوب الكتابة وتقنيتها, فكلاهما كانا يؤكدان على استخدام التفاصيل الدقيقة والصغيرة لابطالهما, كي يوصلا للقارئ صفات هؤلاء الابطال,متجنبين الوصف التفصيلي والشرح الفائض للمزاج الروحي لهؤلاء الابطال,وكل ذلك كان يتطلب استخداما واسعا جدا للمفردات اللغوية واشتقاقاتها, لدرجة جعلت مكسيم غوركي يشير ,الى ان مؤرخي الادب الروسي سيقولون ,ان هذه اللغة قد وضع اسسها كل من بوشكين وتورغينيف وتشيخوف.
ان موضوعة بوشكين وتشيخوف متشعبة جدا في دنيا النقد الادبي الروسي ,ومن الطريف ختاما ان نشير هنا الى مقالة كتبها اندريه بيتوف – رئيس نادي القلم في روسيا بعنوان مثير هو (جدي تشيخوف وجد جدي بوشكين), يتناول فيها التناغم الجميل بين الاديبين, ويعتبر بوشكين ممثلا لظاهرة  المستوى الثقافي العالمي في الانسان الروسي, اما تشيخوف فانه يجسد ظاهرة التحضٌر في المثقف الروسي ,مؤكدا عدم وجود ( افكارا عارية) لديهما, وان اسلوبهما هو رمز الحفاظ على نظافة البيئة الادبية واللغوية.


568
أدب / الكاهن ومعاونته الشابة
« في: 19:47 04/09/2017  »
الكاهن ومعاونته الشابة
================

قصيدة من شعر الهنود الحمر
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


معاونة الكاهن الشابة
تساعدني للمشاركة
 في مراسم الطقوس,
انها ترسم باناملها
 مختلف الصور
 على جسدي
بعصير الثمار البارد,
أناملها الرقيقة
وتنّفساتها
-وهي تنحني -
 فوق جسدي ,
تجعلني
لا أقدر على
التفكير-
لا
 بالكاهن,
ولا
بالطقوس ,
ولا
بمراسم
 تلك الطقوس.


569
أدب / ألاشجار العظيمة
« في: 18:45 31/08/2017  »
ألاشجار العظيمة
=====================

قصيدة من شعر الهنود الحمر
==================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================


الطيور-
على أغصانها,
والنمور-
عند سيقانها,
والثعابين-
بين جذورها.
الاشجار العظيمة
تدافع عنّا,
وتمنح الطعام
للانسان
والحيوان,
ولا تطلب منّا
سوى
 العيش بيننا
 بسلام.
ايتها الاشجار العظيمة
يجب علينا نحن
ان ننحني لك,
ايتها الاشجار العظيمة
يجب علينا نحن
ان نقول لك
شكرا .


570
أدب / الارق والحنين
« في: 18:36 28/08/2017  »
الارق والحنين

قصيدة للشاعرة – آنّا أخماتوفا
==================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
======================


لم أسدل ستارة النافذة ,
وأنظر الآن
الى ذاك المكان
بمتعة...
لانك
لا تستطيع الرحيل...
قل عنيّ-
لقيطة,
قل عنيّ -
ما تريد...
لكنني
أنا التي
جعلتك
في الليل تأرق,
وأنا التي
جعلتك
في الحنين تغرق.
1916
+++++++++++++++
القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان من وضعنا.
المترجم

571
أدب / السماء والارض
« في: 17:16 15/08/2017  »
السماء والارض
قصيدة للشاعر الفيتنامي – نغوين جونغ تاو
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

الى الشاعر المبدع الكبير يحيى السماوي, الذي أرسل لي حديقة من زهور كلماته , والتي لا زلت أرتشف الرحيق من زهرها العطر الندي....
المترجم
========================================================================
 
 
تمدّ الارض
 يديها
نحو السماء,
لكنها
لا تقدر ان تنهض
 وتعانقها...
عالية
هي السماء..
وتئن السماء
حزنا..
والارض لا تقدر
ان تمسّها...
بعيدة
هي السماء.
+++++
مئات مئات القرون
والارض والسماء
لا يمسّان بعضهما,
لكننا
-أنت و أنا –
قريبان من بعضنا,
هذه أنت,
وهذا أنا,
مدّي
فقط يديك
لي,
فقط مدّي
يديك...


 

572
الشعر أعلى من السياسة

أ.د. ضياء نافع
هذا عنوان لمقالة كتبتها ناتاليا ميخايلوفا الحاصلة على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا ( اللغة وآدابها) ونشرتها جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية بتاريخ 5 - 11 تموز عام 2017 , وشغلت اكثر من ¾ الصفحة باكملها , وتصدرت تلك الصفحة صورة لبوشكين وفوقها اشارة الى سنوات ( 1837 – 1937) مأخوذة من عدد نفس تلك الجريدة الصادرة عام 1937 , وصورة كبيرة اخرى لبوشكين معلقة على جدار احدى الكنائس في موسكو مع الاشارة الى نفس تلك السنين , ومن الواضح تماما , ان المقالة تتناول الذكرى المئوية الاولى لوفاة بوشكين , والتي صادفت عام 1937 , وهو العام الذي شهد قمة حملة القمع الستالينية في تاريخ الاتحاد السوفيتي , حيث جرت المحاكمات الصورية والاعتقالات العشوائية واعدامات الكثير من القادة السياسيين والعسكريين ورجال الفكر , وقد حاولت الباحثة ان تربط بين تلك الاحداث والذكرى المئوية لوفاة بوشكين , وهو طرح متميّز ويمتلك نظرة فريدة الى حد ما في تاريخ الادب الروسي , لهذا فاننا نحاول هنا ان نقدم للقارئ العربي خلاصة وافية لهذة المقالة المهمة , والتي جاءت متزامنة بشكل او بآخر مع احتفالات روسيا بالذكرى ال (  218) لميلاد بوشكين ( انظر مقالتنا بعنوان – ندوة في موسكو عن بوشكين بكل اللغات ).
تستهل الباحثة مقالتها بابيات لبوشكين يشير فيها الى ان جيله قد رأى (..دماء الامجاد ..ودماء الحرية ..) , وتستنتج – ( ان ذلك يتتطابق مع روحية الاحداث في روسيا منذ الحرب العالمية الاولى وثورة فبراير 17 واكتوبر 17 والحرب الاهلية والمجاعة والنيب ( مختصر مصطلح السياسة الاقتصادية الجديدة ) ووو وصولا الى سياسة القمع الستالينية في النصف الثاني من الثلاثينات ..) , بل ان الباحثة أشارت الى ان بوشكين في مسودات تلك القصيدة استخدم مصطلح ( الدماء الحيّة ) , ولهذا , فان بوشكين من وجهة نظر الباحثة ( اصبح ضروريا لكل الفئات الروسية في تلك السنين لانه كان لسان حال جميع القوى السياسية والاجتماعية رغم كل خلافاتها.) . تتوقف الباحثة بعدئذ عند موقف السلطة السوفيتية من بوشكين , وكيف انها بدأت بالتعامل مع بوشكين رأسا , اذ قررت دار النشر الحكومية عام 1919 ان تطبع مختارات من مؤلفات بوشكين بواقع 750 الف نسخة وبسعر رمزي للنسخة الواحدة , رغم الحرب الاهلية والدمار والمجاعة وازمة الورق ..الخ , وازداد طبع تلك النتاجات بمرور الزمن , اذ بدأت تظهر بلغات الشعوب السوفيتية  الاخرى, وكذلك ازدادت الكتب التي تتناول نتاجات بوشكين وسيرة حياته, والتي خلقت الاساطير السياسية المتنوعة عنه في ذلك الوقت, فهو ( صديق الديسمبريين .. وثوري ..وعدو القيصرية ..وملحد..وهو الذي بشّر بثورة اكتوبرفي ثنايا قصائده... الخ ..الخ..)  . تتوقف الباحثة بعدئذ عند الاسماء الكبيرة التي كتبت عن بوشكين في تلك الفترة وتذكر ماياكوفسكي
و أخماتوفا وتسفيتايفا واسماء المتخصصين في ادب بوشكين مثل بوندي وفينوكور وتينيانوف وغيرهم , وتتحدث عن الرسامين  الروس الذين ساهموا بلوحاتهم في كتب بوشكين او في ابداع بورتريتات جميلة له , وكذلك تتوقف عند تحويل روايته الشعرية ( يفغيني اونيغن ) الى اوبرا , ثم الى فلم سينمائي مشهور , وتحويل بعض نتاجاته الى عروض باليه , وتستعرض الباحثة العديد من الافلام السينمائية التي اعتمدت قصص بوشكين , وتشير الى حملة اطلاق اسم بوشكين على الشوارع و الساحات والمكتبات العامة والمدارس في مختلف المدن السوفيتية , بل وحتى على الدفاتر المدرسية والطوابع البريدية واغلفة الشوكلاته والبسكويت !!! وتصل الباحثة الى استنتاجها الاساسي في مقالتها تلك  وهو – ( ان في عصر عبادة شخصية ستالين جرت عملية زرع عبادة شخصية بوشكين ) , وهو استنتاج جديد وجرئ جدا في تاريخ الاتحاد السوفيتي وتاريخ الادب الروسي , ولكنه – من وجهة نظرنا – بحاجة الى مناقشات واسعة ومشاركة مختلف الخبراء من اجل بلورته و الحكم بصحته , رغم ان هذا الرأي يستحق التأمّل فعلا.
تختتم الباحثة مقالتها بالتوقف عند نشاط اللاجئيين الروس في الخارج لمناسبة مئوية وفاة بوشكين عام 1937 , وتشير الى هؤلاء أقاموا احتفالات في(42) دولة شملت( 231) مدينة في العالم , وتتوقف عند لجنة الاحتفالات في باريس , وهي مركز تجمّع اللاجئين الروس كما هو معروف , وتذكر أعضاء تلك اللجنة , ومن بينهم – بونين وكوبرين وميرشكوفسكي والموسيقار الروسي راخمانينوف وغيرهم, وتؤكد الباحثة , ان الشعب الروسي باكمله وبغض النظر عن اختلافاته ينظر الى بوشكين باحترام كبير , وان بوشكين بالذات هو الذي يوحدهم جميعا , وتقول في نهاية مقالتها – ( يجب علينا ان نستنبط الدرس ) , وتعيد مرة اخرى عنوان مقالتها وهو – الشعر أعلى من السياسة.
مقالة الدكتورة ناتاليا ميخايلوفا تستحق التصفيق فعلا , رغم ان استنتاجها الاساسي قد  يثير مختلف الآراء حوله , وقد لا يتفق معه جميع القرّاء .

573
سيريوجا الروسي وانا في الردهة رقم (4)
أ.د. ضياء نافع
أشار الرئيس الروسي بوتين في احدى مؤتمراته الصحفية الاخيرة الى ان هناك (25) مليون روسي أصبحوا بلا وطن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , وهم الروس الذين كانوا يعيشون بشكل دائم في جمهوريات الاتحاد السوفيتي . هذا رقم كبير جدا , وقد حاولت روسيا الاتحادية ان تستوعبهم , الا ان الموضوع لا زال مطروحا .
لم اصطدم – ان صحّ التعبير – بهذه المشكلة الاجتماعية الكبيرة طيلة الاحد عشر سنة الاخيرة (وهي فترة مكوثي في روسيا منذ عام 2006 ولحد الان) الا مرة واحدة , عندما كنت مديرا لمركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش قبل سبع سنوات , اذ بينما كنت متوجها الى مكان عملي قرب الجامعة , اقترب رجل وسألني ان كنت اعرف اين يقع مركز اختبار كفاءة اللغة الروسية , فقلت له اني متوجه الى هناك , اذ ان مركزنا كان في نفس الطابق , واثناء سيرنا معا عرفت منه انه روسي ولد وعاش في اوكراينا واضطر ان يتركها مع عائلته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , وانه يسكن الان في فارونش عند اقرباء له كي ينتهي من معاملات التجنس (الطويلة العريضة ) كما قال , وانهم الان يطالبونة بوثيقة اتقان اللغة الروسية وانه قلق جدا من عدم الحصول عليها لانه درس قواعد اللغة في المدرسة قبل اربعين سنة وقد نساها كليا الان .. قلت له انك روسي وان الروسية لغتك الام ولا ضرورة للقلق , وان معرفة اللغة لا تكمن بالقواعد فقط , وحاولت ان ارفع معنوياته كما كنت اعمل مع طلبتي قبل الامتحانات , وقد شكرني جدا على هذا الموقف , وعلى تعاطفي معه .
الان ونحن في منتصف صيف 2017 , التقيت وبمحض الصدفة مواطنا روسيّا قلبا وقالبا, ولكنه لا يزال- ولحد الوقت الحاضر - يحاول الحصول على الوثائق الرسمية لروسيا الاتحادية , انه – سيرغي او سيريوجا كما ينادونه دلعا وتحببا .  اللقاء كان في الردهة رقم (4) بالمستشفى , حيث اضطرتني اوضاعي الصحية ان أرقد لمدة عشرين يوما باكملها , والتقيت هناك به. كانت الليالي طويلة في الردهة , وكان سيريوجا يحب ان يدردش عن سيرة حياته طوال المساء . انه روسي أب عن جد كما يقال , ولد وعاش في قرغيزيا السوفيتية , وبعد ان انهى المدرسة الروسية هناك ( كان عمره 18 سنة ) تم استدعاء مواليده لاداء الخدمة العسكرية الالزامية , وبعد تدريب مكثّف ومركّز وقصير, ارسلوه الى افغانستان للالتحاق بالقوات السوفيتية , التي كانت تحارب هناك , وبقي هناك طوال عامين , وعاد بعد ان سقطت قذيفة قربه وقتلت رأسا صديقه بعد اصابته بقلبه , اما هو فقد اصيب بجروح كثيرة أدّت الى ارجاعه الى الوطن للعلاج . تحدّث سيريوجا كثيرا عن الاحداث التي عاصرها وشاهدها اثناء تلك الحرب , منها منظر الاسرى الافغان وهم يعيشون في الحفر , والذي لا يمكن ان ينساه , اذ كان هؤلاء الاسرى يسكنون هناك دائما , وياكلون ويشربون وينامون ويتغوطون...الخ , ويتذكر كيف كان الجنود السوفيت يحرسون تلك الحفر وينزلون لهم الاكل والشرب  بواسطة الحبال , وحكى لنا كيف حاولوا التخلص منهم , اذ جاء  أحد الجنرالات السوفيت بملا وأخذوا يقسمون امامه وهم يضعون يدهم على القرآن الكريم بانهم لن يعودوا الى مقاتلة الجيش السوفيتي , وهكذا أطلقوا سراحهم , ولكن بعد فترة قصيرة نسبيا وجدوا بعضهم وقد عادوا الى القتال , وهكذا قرروا عدم تكرار ذلك وأخذوا يتخلصون منهم بقتلهم اثناء المعارك وعدم أسرهم . وحكى لنا سيريوجا عن السوق السوداء لبيع الفودكا  للجنود والضباط هناك , وتبين انه توجد مافيا بين العسكريين انفسهم تتفق مع الطيارين السوفيت الذين ينقلون التموين من روسيا الى جبهات القتال في افغانستان وباسعار خيالية لجلب صناديق الفودكا معهم سرّا , وعندما سألناه عن الاسعار , قال انهم يبيعونها بالذهب , الذي يحصل عليه الجنود عندما يقتلون الافغان , اذ يجب تجريد هؤلاء القتلى من وثائقهم واسلحتهم وتسليمها الى القيادة , اما النقود او قطع الذهب الموجودة لديهم فيأخذها الجنود انفسهم . وحدثّنا سيريوجا كيف اكتشف الجنود سوق الحشيشة الافغاني , وكيف تعوّد بعضهم على تدخينها , وكيف كانت القيادة العسكرية تتخذ الاجرآءات الصارمة والحازمة جدا ضد هؤلاء الجنود عند اكتشافها لهم.
 بعد عودته الى قرغيزيا السوفيتية, اصبح سيريوجا يمتلك هناك دارا متواضعة وقطعة أرض ملحقة به , وكان يستطيع تدبير شؤون حياته بزراعة قطعة الارض هذه , والعمل في النجارة , وهي المهنة التي تعلمها اثناء مسيرة حياته . ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي قلب حياته رأسا على عقب, اذ بدأت مظاهرات الشباب القرغيزي تخرج ضد الروس , وحاول الروس ان يصدّوا  تلك الاعمال ضدهم , ونظموا خفارات حماية , ولكن الشباب أخذوا يحرقون بيوتهم , ولم تستطع حكومة جمهورية قرغزستان الجديدة والضعيفة ان تحميهم , وهكذا اضطروا ان يتركوا بيوتهم وان يرحلوا الى روسيا . وفي روسيا لم يكن ينتظرهم أحد , وهكذا حاول سيريوحا ان يتدبر حياته , وحاول الحصول على جنسية روسيا الاتحادية , ولا زال لحد الان  - رغم مرور 20 سنة  تقريبا على محاولاته – لم يحصل عليها , وهو يعيش الان في قسم داخلي خاص بوزارة الداخلية لهؤلاء الذين لم يحصلوا لحد الان على الجنسية , وكله أمل بالحصول على الجنسية الروسية قريبا , وعندها كما قال – ( سيبدأ حياته من جديد !!!).   

574
أدب / الديكة
« في: 10:58 09/07/2017  »
الديكة
=====

قصيدة للشاعر البلغاري المعاصر أتاناس موتشوروف
==============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

 في طفولتي ,
كان عندي
روضة من رياض الجنان –
وكان هناك ديكة
تغني
 ليل نهار,
ومنذ ذلك الزمان
ولحد الان
أغانيهم
تصدّ عني
كل الشجون والاحزان.
+++++
في طفولتي ,
كان عندي
روضة من رياض الجنان –
و كان فيها
 ملاكان-
هما
عجلان كسولان..
ويمضي مسرعا الزمان,
ولكنهما
 لحد الان
يمنحاني
 الفرح والامان.
+++++
في طفولتي ,
كان عندي
روضة من رياض الجنان –
وكان ربّ الروضة -
جدّي
ذو الشعر الاشيب
والصارم والانسان,
وسيبقى هو ابدا
-ولا أحد غيره -
ربّ تلك الروضة
من رياض الجنان.

575
أدب / السنونو
« في: 13:17 01/07/2017  »
السنونو
=======

قصيدة للشاعر مانوئيل بانديرا / البرازيل
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


يغني السنونو
وراء النافذة-
عشت يومي
أنا
باكمله
دون جدوى
وفائدة.
+++++
ايها السنونو
اغنيتي
أكثر حزنا,
فأنا
عشت حياتي
كلها
دون جدوى
وفائدة.
====================================================================================
مانوئيل بانديرا ( 1886 – 1968) – شاعر برازيلي معروف وناقد ادبي واستاذ جامعي , وهو الاب الروحي للحداثة والشعر الحر في تاريخ الشعر البرازيلي الحديث. عضو الاكاديمية البرازيلية للاداب. حائز على عدة جوائز ادبية .

576
أدب / رثاء
« في: 22:42 25/06/2017  »

رثاء
=====

قصيدة للشاعر بالدوميرو  فيرناندس  مورينو / الارجنتين

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

يشدو الطير
-ربما -
لاغصان الاشجار
العالية الكبيرة.
+++
خرير النهر
-ربما –
للاحجار
العملاقة غير الصقيلة.
+++
تبكي الرياح
-ربما -
للصلبان
 على سطوح الكنائس القديمة.
+++
أما نحن
 فنلوذ بالصمت,
-ربما -
لانك
لا تسمعنا.

بالدوميرو فيرناندس مورينو  ( 1886 – 1950 ) – شاعر ارجنتيني معروف من اصول اسبانية . أصدر العديد من المجاميع الشعرية . حائز على جائزة الدولة للادب . عضو اكاديمية العلوم الارجنتينية.

577
مع ضياء العكيلي في موسكو
أ.د. ضياء نافع
تعارفنا في موسكو قبل أكثر من نصف قرن , عندما كنّا طلبة ندرس في معاهدها العليا ونحلم ( بل و نخطط !) أن نغّير العراق ونبنيه كما نريد وعلى وفق ما نرى ونعتقد, ثم ( طشّرنا ) الزمان , كما تقول انعام كجه جي الرائعة في روايتها ( طشاري) , رغم اننا لم نفقد روابط الاتصالات مع بعضنا البعض في السبعينات والثمانينات والتسعينات في بغداد .. ثم جمعتنا من جديد ( الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية , والتي كان المهندس ضياء العكيلي اول رئيس لها ) , بعد ان انتهت مرحلة ( رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , والتي كان ثالث رئيس لها 1962- 1964) , ومع هذا ومع كل ذلك , فاننا لم نلتق منذ عشر سنوات باكملها , و ها نحن ذا نلتقي مرة اخرى في موسكو وتحت امطارها الصيفية في حزيران 2017, وتحدثنا وتحدثنا وتحدثنا...وكان يوما جميلا ومشرقا لكلينا رغم غيومه وامطاره...
كانت مواضيع الاحاديث تتزاحم , الا ان رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي لا زالت في المقدمة طبعا , اذ انها ترتبط بمرحلة الشباب , الذي نريد له ان يعود لنخبره ....
قلت له , ان دعوته الجميلة لكتابة تاريخ الرابطة كانت دقيقة وضرورية جدا , اذ انها جزء لا يتجزأ من تاريخ الحركة الطلابية العراقية المعاصرة بكل ايجابياتها وسلبياتها , ويمكن لهذا العمل التوثيقي ( لو تم انجازه ) ان يكون درسا مهما ومفيدا للعراق في هذا الوضع الحالي المتشابك , اذ اننا عملنا آنذاك سوية انطلاقا من عراقيتنا فقط ,  الا ان الزملاء لم يعملوا اي شئ  من أجل تنفيذ هذا المقترح  الجميل, رغم التأيدات ( النظرية !!) التي جاءت من بعضهم , ولهذا فقد انسحبت انا ايضا رغم كتابتي ونشري لخمس مقالات بعنوان – ( رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفييتي ) , اذ لا يمكن لشخص واحد ان ينجز ذلك . قال العكيلي انه لا يزال يدعو الى انجاز هذا المشروع المهم , وقد نشر رأيه عدة مرات في هذا الخصوص , وأكّد على سلسلة مقالاتي نموذجا , وكبداية لذلك , فقد اقترح اصدار كتاب يكمل مقالي الخامس عن الراحلين من اعضاء الرابطة . قلت له اني قرأت مداخلاته حول تلك المقالة , وكذلك اطلعت على التعليقات والاضافات المهمة التي كتبها كامران قرة داغي والدكتور حاجم والدكتور عادل الجبوري وغيرهم ,وكل ذلك يؤكد ضرورة العمل الجماعي لاعداد هذا الكتاب التاريخي احتراما  وتخليدا للزملاء الراحلين وتكريما لاقاربهم , وتثبيتا لدورهم في الحياة العراقية المعاصرة (اذ ان هذا يعني دور خريجي الجامعات الروسية آنذاك ), و يجب علينا ان نكتب عدة سطور تعريفية عن كل واحد منهم , ويا حبذا لو تكون هناك صورة فوتوغرافية له.
جرّنا الحديث عن الرابطة وذكرياتنا عنها الى موضوع يرتبط بمسيرة ضياء العكيلي نفسه وذكرياته , وقد علمت منه – وبكل سرور – انه قد أنجز تقريبا كتابة مذكراته الشخصية , وانها تقع في حوالي 200 صفحة , وانه يتوقع ان ترى النور قريبا. قلت له ضاحكا , من المؤكد انها تتمحور حول الحزب الشيوعي العراقي بالاساس , وحكيت له كيف علّق أحدهم مرة حول عيد ميلاد ضياء العكيلي قائلا – انه اختارنفس  تاريخ ميلاد الحزب الشيوعي متعمدا. ضحك ابو رسل ولم يعلّق , والسكوت من الرضا كما يقول المثل. تحدّث العكيلي باسهاب عن ارتباطه بالحزب منذ شبابه واقتناعه بافكاره ودوره الرائد في مسيرة الحياة العراقية , وحكى لي قصة طريفة حدثت معه , وهي , انه استلم أمرا من الحزب مرة ( وكان آنذاك طالبا في معهد الطاقة بموسكو قبل شهرين من انهاء الدراسة ليس الا ) بضرورة الالتحاق فورا بتنظيمات الحزب السريّة داخل العراق , وترك العكيلي الدراسة فعلا , والتحق فورا بدورة خاصة في براغ لاعداد الرفاق لذلك , وجلس بالصدفة جنب عزيز الحاج – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي أنذاك , وسأله الحاج عن اختصاصه , فقال له العكيلي انه لم يكمل دراسته , وانه بقي شهران لاكمالها , فتعجب الحاج وأمر رأسا بالغاء التحاقه في الدورة والرجوع الى موسكو فورا لاكمال الدراسة , وهكذا عاد العكيلي الى معهده في موسكو وأكمل دراسته واصبح مهندسا في مجال الطاقة بفضل هذا الموقف العلمي الصحيح لعزيز الحاج.
تحدثنا اخيرا حول الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتة والروسية , وتذكرنا اجتماعنا التأسيسي الاول في كلية اللغات بجامعة بغداد عندما كنت عميدا لها آنذاك , فأخرج ضياء العكيلي من جيبه هاتفه المحمول وعرض الصور التي التقطها لذلك الاجتماع , وقال انه يحمل هذه الصور معه دائما , وشاهدنا هناك على المنصة ضياء العكيلي وأنا و المرحوم د . عباس الدباغ والمرحوم د. سعد الجوهر وطارق الدرويش , وشاهدنا ايضا في الصفوف الاولى زياد العزاوي و زوجته ماركريت كانيكانيان وعاصم القاضي و صلاح الماشطة ووو.
آه , ما أجمل هذه الاحاديث مع ضياء العكيلي وما أحلاها.
 أردت بالطبع ان احكي له عن ذكرياتنا عندما انجزنا التمثال النصفي للجواهري في جامعة فارونش الروسية , والتمثال النصفي لبوشكين في كلية اللغات بجامعة بغداد , والتمثال النصفي لابن فضلان في جامعة فارونش , ونصب مسلّة حمورابي بحجمه الطبيعي , والذي لا زال يقف في القاعة الكبرى بسفارة العراق في موسكو بانتظار انتقاله الى مكانه الطبيعي في كلية القانون بجامعة موسكو , واردت ان احدثه عن رسالتي الى الرئيس الروسي بوتين باسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية حول تأسيس الصندوق الروسي – العراقي في موسكو لتعزيز التعاون الثقافي الروسي – العراقي , والذي يعتمد على استقطاع سنت واحد من  ثمن كل برميل نفط عراقي تستخرجه الشركات النفطية الروسية من العراق , وذلك لتحقيق خمس نقاط في مجال التعاون الثقافي الروسي – العراقي وهي –
اولا- تأسيس جامعة روسية – عراقية للدراسات العليا في موسكو تكون الدراسة فيها باللغتين الروسية والانكليزية / ثانيا- تأسيس دار نشر خاصة في  موسكو لترجمة الادب الروسي الى العربية والادب العربي الى الروسية / ثالثا – تأسيس معهد خاص شبه مجاني في بغداد لتدريس اللغة الروسية للراغبين بدراستها / رابعا – تأسيس هيئة لتشجيع السياحة بين البلدين / خامسا – تأسيس هيئة للمشاريع السينمائية المشتركة . وكل ذلك يمكن تحقيقه اذا تم استقطاع سنت واحد لا غير من كل برميل نفط عراقي تستخرجه الشركات النفطية الروسية, ولكن العين بصيرة واليد قصيرة يا ا خي ضياء العكيلي.

578
أدب / اضاءة
« في: 18:35 23/06/2017  »
اضاءة
=======

قصيدة للشاعرة الكساندرا بيسارنك / الارجنتين
=============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================


عندما تنظر اليّ,
عيناي
 تصبحان
مثل المفاتيح
التي
تخترق الجدران,
حيث تسكن الاسرار,
ويتحول خوفي
الى كلمات
واشعار,
وذاكرتي المسحورة
المليئة بالوجدان
تتبعك
في كل طرقات
الزمان والمكان,
مثل النيران
التي
لهيبها
لا ينطفي.
========================================================================
الكساندرا بيسارنك ( 1936 – 1972 ) – شاعرة ارجنتينية من اصول روسية , عاشت طوال حياتها في الارجنتين. سبق لنا ان ترجمنا لها عدة قصائد .

579
أدب / الموت مثلما يموت العشب
« في: 18:43 20/06/2017  »
الموت مثلما يموت العشب
================

قصيدة للشاعر خوسيه مارتي / كوبا
=====================
ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع
=========================

اريد أن أموت
ببساطة هكذا,
مثلما
يموت العشب
في الحقول,
وبدل الشموع –
نجوم
فوقي
 ستكون,
والارض مرقدي
ستكون.
..........
ليرقد بلا ضياء
 الخائنون,
تحت قباب الحجر والبرد والسكون,
أما أنا,
فقد كنت عفيفا,
ومكافأة على هذا,
سأموت
ووجهي
نحو الشروق متوجها
سيكون.
====================================
خوسيه مارتي ( 1853 – 1895 ) – شاعر كوبا وكل أمريكا اللاتينية وبطلها القومي. القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا.

580
المنبر الحر / تولستوي وتشيخوف
« في: 19:09 18/06/2017  »
تولستوي وتشيخوف
أ.د.ضياءنافع


ولد تولستوي عام 1828, اما تشيخوف فقد ولد عام 1860, واصدر تولستوي روايته العظمى  الحرب والسلم ( والتي لازالت تعد واحدة من اعظم روايات الادب العالمي) عام 1869, عندما كان تشيخوف تلميذا في المدرسة الابتدائية,وتوفي تولستوي عام 1910 ( كان عمره 82 سنة), اما تشيخوف الاصغر منه ب 32 سنة, فقد توفي قبله, عام 1904 ( كان عمره 44 سنة فقط),و  مع كل هذه الفروقات الهائلة بينهما , لا زال النقاد والباحثون يتناولونهما معا ويحللون نتاجاتهما ومواقفهما الفكرية والفنية ويقارنونها. يبتدأ هؤلاء عادة بالكلام عن موقف الاديب الشاب تشيخوف في ثمانينيات القرن التاسع عشر تجاه تولستوي, وهذا شئ منطقي,فقد ابتدا تشيخوف مسيرة ابداعه عام 1880 بنشر قصص هزلية قصيرة في مجلات  الدرجة الثانية الروسية, وفي احدى تلك الاصدارات التي نشرها عام 1886 بعنوان (قائمة ادبية حول المناصب ) وضع تولستوي في مقدمة الجميع,وكتب في نهاية الثمانينيات رسالة الى جايكوفسكي كرر فيها ان تولستوي يشغل المكان الاول بين ادباء روسيا, وفي تلك السنين بالذات كان تشيخوف يكتب تحت تأثير تولستوي, بل ان بعض النقاد يسمون تلك المرحلة من ابداع تشيخوف ب ( القصص التولستوية), على الرغم من ان تشيخوف لم يكن يدعو الى اعتناق الاراء الفلسفية والاخلاقية لتولستوي مثل عدم مقاومة الشر او الشك بشأن التقدم العلمي والتقني ...الخ, ولكنه كان يدعو الى احترام آراء هذا ( العملاق) واخذها بنظر الاعتبار , وعدم رفضها مطلقا باعتبارها سلبية ليس الا كما كان يتحدث عنها في ذلك الوقت المضادون لها. لكن تشيخوف  تخلص بعد فترة قصيرة من هذا التأثير واعترف هو نفسه بذلك , خصوصا بعد سفرته الى جزيرة سخالين , بل انه حذف من تلك القصص, عندما اعاد نشرها, تلك المقاطع ( التولستوية) منها في نهاية التسعينيات من القرن التسع عشر. لقد سافر تشيخوف الى جزيرة السجناء سخالين عام 1890, وشاهد هناك الواقع الروسي المرير,واصدر كتابه المعروف عن هذه الجزيرة, وبعد تلك السفرة تغيرت علاقته تجاه افكار تولستوي والتولستوية ان صح التعبير , وكتب كلماته المعروفة في رسالته الى سوفورين عام 1894 – ( ...في اعماقي الآن شئ- ما يحتج, والعدالة تقول لي ,  بانه يوجد في الكهرباء والبخار حب للانسان أكثر مما هو موجود في الامتناع عن أكل اللحوم) ويضيف في تلك الرسالة ايضا ان ( تولستوي  لم يعد موجودا في روحي ), الا ان هذا الموقف لم يؤثر بتاتا على نظرة تشيخوف الى تولستوي باعتباره عبقرية هائلة ,وكان معجبا جدا برواية آنا كارينينا, وقال عنها, انه عندما يقرأ كل صفحة فيها فانه يصبح (أغنى وأقوى وأعلى) مما كان في السابق, لكن هذا لم يمنع تشيخوف من ان يسجل بعض الملاحظات بشأن نتاجات تولستوي, فقد انتقد مثلا كيف رسم تولستوي شخصية نابليون في رواية ( الحرب والسلم), معتبرا انه أضفى عليها صفة غير واقعية وانه قلل من شأنه, وكذلك انتقد تشيخوف بعض مقاطع من رواية  ( البعث), وخصوصا نهايتها,واعترض تشيخوف على قول تولستوي الذي اشار الى ان الانسان يحتاج الى مترين من الارض ليس الا قائلا ,ان الجثة تحتاج الى مترين اما الانسان فانه يحتاج الى العالم كله, الا ان كل ذلك لم يغير من موقف تشيخوف تجاه شخصية تولستوي كانسان وقيمته ومكانته, وقد كتب عام 1900 انه يخاف ان يموت تولستوي لان موته يعني ولادة فراغ لن يشغله اي انسان ( اولا لاني لا احب اي انسان اكثر من حبي له,وثانيا لانه عندما يوجد تولستوي فانه من السهل ان تكون اديبا , لانه يعمل كل شئ من اجل الادباء وان نشاطه يبرر وجودنا كادباء, وثالثا لانه يقف صلدا وقويا, وما دام تولستوي على قيد الحياة , فان الادب سيخلو من التفاهة ).
اما تولستوي, فقد بدأ بملاحظة تشيخوف في نهاية الثمانينيات, وكان يثمن فيه روحه المرحة, وقد اختار 30 قصة من قصصه, وكان يقرأ نماذج منها في الحلقات العائلية, وكتبت ابنة تولستوي في احدى رسائلها الى تشيخوف حول ذلك, وتوجد اشارة الى ان تولستوي قرأ ( مئة مرة) احدى قصص تشيخوف امام الاخرين, واصبحت مشهورة كلمات تولستوي التي قالها مرة حول تشيخوف وهي – (لا يمكن مقارنة تشيخوف كفنان مع الادباء الروس السابقين له, مع تورغينيف ودستويفسكي, ومعي. عند تشيخوف يوجد نمط خاص به, كما عند الانطباعيين, عندما تنظر الى نتاجاته تعتقد بان هذا الانسان يلطخ الالوان دون اي تمييز, ويستخدم اي لون يقع تحت يديه بدون اي علاقة بين الالوان, ولكن ما ان تبتعد لمسافة قصيرة وتنظر من جديد, فستجد انطباعا متكاملا بشكل عام, وتتكون امامك صورة للطبيعة ساطعة لا تنسى ). لقد تحدث النقاد كثيرا عن هذه الكلمات واستنتجوا منها ان تولستوي كان يريد ان يقول, ان تشيخوف هو فنان الانطباعية في الادب الروسي , وانه يجسد مرحلة اعلى في الاتجاه الواقعي الذي يسود الادب الروسي عموما, وهذه بالطبع افكار كبيرة لا يمكن التوقف عندها في اطار هذه المقالة.
من الضروري ايضا , عند الكلام عن العلاقات المتبادلة بين تولستوي وتشيخوف, الاشارة الى ان تولستوي رفض رفضا قاطعا وتاما مسرح تشيخوف ولم يعترف به, بل انه بدأ بكتابة مسرحيته الشهيرة ( سلطة العتمة) بعد ان شاهد مسرحية تشيخوف (الخال فانيا), وذلك جوابا على تلك المسرحية شكلا ومضمونا, وهذا موضوع كبير يتطلب التوقف عنده تفصيلا في اطار تاريخ الادب المسرحي الروسي, وما آل اليه الآن, اذ اصبح من الواضح ان روسيا والعالم قد تقبلا مسرح تشيخوف, وان هذا المسرح قدتفوق  في الصراع مع افكار تولستوي. ونختتم هذه الملاحظات السريعة بكلمة كتبها ابن تولستوي بشأن العلاقات بينما – (كان ابي يشعر بان انطون بافلوفيتش يتعاطف معه بشدة, لكنه لم يكن يشاركه بارائه, لهذا كان يدعوه الى المناقشة, لكنه لم يفلح بذلك, اذ ان تشيخوف لم يستجب لهذه الدعوة .يبدو لي, ان ابي كان يريد ان يكون تشيخوف اقرب اليه وان يخضعه لتأثيره, لكنه وجد فيه رجلا عنيدا صامتا. لقد كانت هناك حدود-ما تعرقل تقاربهما اللاحق).

581
أدب / جاهز أنا
« في: 19:31 14/06/2017  »

جاهز أنا

قصيدة للشاعر أنطونيو بوربيتا / اسبانيا

ترجمها عن الروسيّة – أ.د. ضياء نافع



 كل الامور نظمتها,
الاوراق رتبتها,
بعض القصائد
التي لم تطاوعني- -
مزقتها,
طلبت الصفح والغفران
 من أصدقائي,
وأعترفت لهم –
كان يجب عليّ
أن أحبهم
أكثر..
مسّدت
على أغلفة كتبي الحبيبة
برقّة وحنان,
توادعت
مع البحر,
ومع الفجر,
ومع الجدران....
بلّغت  تحياتي
لاناس الماضي,
الذين
تجري
قطرات من دمائهم
في شراييني,
ولاناس المستقبل,
الذين
 سيستلمون ميراثي.
ألقيت نظرة
 هادئة,
وشاكرة,
على الاشياء الصغيرة
والعديدة
التي تحيطني ,
وباخلاص ترافقني.
ثم قبّلت
تلك الشفتين,
اللتين
منحتاني هناء الحياة.
ثم صليّت
احتياطا ,
و في اعماق روحي الآن
تسودان
السكينة
والطمأنينة.
وهكذا,
أصبح كل شئ
كما يجب أن يكون,
كل شئ
............
أنا جاهز
 الان ,
ويمكنكم
أن تطلقوا عليّ النيران.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
ولد أنطونيو بوربيتا في اسبانيا عام 1936 , وهو شاعر مشهور جدا, وقد تم ترجمة الكثير من قصائده الى عدة لغات اجنبية , بما فيها العربية.  حاز  بوربيتا على بعض الجوائز الادبية منها جائزة بابلو نيرودا .


582
ندوة في موسكو عن بوشكين بكل اللغات
أ.د. ضياء نافع
استلمت دعوة كريمة من اتحاد الشعراء العالمي والمكتبة الوطنية الروسية بموسكو ( مكتبة لينين سابقا) للمشاركة في ندوة  طاولة مستديرة حول بوشكين , والتي تنعقد في 6 حزيران 2017 ( وهو يوم ميلاد بوشكين والذي اعلنته ايضا روسيا رسميّا - يوم اللغة الروسية العالمي ) وذلك بمناسبة مرور 218 سنة على ميلاد الشاعر الروسي الكبير بعنوان – ( بوشكين بكل اللغات ) في قاعة الاجتماعات بالمكتبة المذكورة .
افتتح الندوة المدير العام للمكتبة الوطنية فلاديمر غنيزديلوف , مشيرا الى ان هذه الفعالية ليست عفوية في مكتبة تعد واحدة من اعظم وأكبر مكتبات العالم ,اذ انها تحتوي على عدة ملايين من الدواوين والمجاميع الشعرية, وان نتاجات بوشكين وحدها تصل الى عشرات الاف الكتب وبمختلف اللغات. اعلن غنيزديلوف في ختام كلمته عن شكره لاتحاد الشعراء العالمي على مبادرته هذه , وكذلك عن استعداد المكتبة للتعاون العلمي اللاحق بينهما.
تحدثت بعده رئيسة اتحاد الشعراء العالمي السيدة أرايدا فينوغرادوفا , حيث توقفت عند أهمية الشعر , لانه – ( يمكن ان يكون جوابا على القضايا الروحية الكبرى للانسان المعاصر ) , وانه بالتالي ( يمكن أن يوحّد البشر ), وأشارت الى انه ليس عبثا قرار اليونسكو باعلان (اليوم العالمي للشعر), ولهذا فان الشعر يجب ان يبدأ الان وفورا ( بتأجيج قلوب البشر !) , وتوقفت فينوغرادوفا عند موضوعة ترجمة الشعر وضرورتها واهميتها في تعريف القارئ بالشعر العالمي  و توسيع اطاره ومكانته , مؤكدة على ان الترجمة هي عملية ابداعية يقوم بها اما شاعر او مترجم يتحسس بعمق جمالية الشعر ويحافظ على تلك الصفة المدهشة فيه. اختتمت رئيسة الاتحاد كلمتها بقراءة قصيدة لها عن بوشكين .
تحدثت بعد ذلك استاذة الادب الانكليزي في جامعة اللغات بموسكو عن بوشكين باللغة الانكليزية بشكل وجيز وقرأت قصيدة ( النبي ) بترجمة أحد الشعراء الانكليز, وأجادت الاستاذة بالقاء تلك القصيدة , و صفق الحاضرون لها بشكل واضح.   
عرضت عريفة الحفل السيدة عايدة سرغييفنا سوبوليفا بعد ذلك فديو (على شاشتين كبيرتين مثبتين في أعلى بداية القاعة ونهايتها ) يتضمن قراءة بالروسية لقصيدة  ( النبي) يلقيها الفنان الروسي الراحل سموكتونوفسكي بطريقة تعبيرية مدهشة الجمال مع ترجمتي لتلك القصيدة بالعربية في أسفل الشاشة , وبعد الانتهاء من هذا العرض أشارت عريفة الحفل , الى ان مترجم هذه القصيدة الى العربية حاضر في ندوتنا , وقدمتني لقراءة الترجمة والحديث عن تاريخها وسبب اختيار تلك القصيدة بالذات للترجمة الى العربية. قرأت النص العربي لقصيدة ( النبي) وتحدثت عن تاريخ تلك الترجمة بايجاز , اذ اني شاركت عام 1999 بمسابقة اعلنتها منظمة اليونسكو لترجمة قصيدة ( النبي) الى ثماني لغات , من بينها العربية , لمناسبة مرور قرنين على ميلاد بوشكين,  ولم تحصل تلك الترجمة على جائزة المسابقة , ولكن منظمة اليونسكو رفضت الاجابة عن استفساري بشأن الترجمة الفائزة آنذاك , مما اضطرني لنشر مقالة بعنوان – ( بوشكين واليونسكو وجواد الحطاب وأنا ) , حيث تحدثت  هناك عن كل تلك الملابسات التي ارتبطت بهذه المسألة , ونشرت  في نهاية المقالة - النص العربي للترجمة , واكتشفت بعد فترة ان هذا النص قد تحول الى فديو منشور في الانترنيت لتلك القصيدة مع نصها الروسي بقراءة الفنان الروسي الراحل سموكتونوفسكي . عرضت عريفة الحفل بعد ذلك صورة  التمثال النصفي لبوشكين في كليّة اللغات بجامعة بغداد , وتحدثت عن جهود الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية باقامته بعد تدشين التمثال النصفي للجواهري في جامعة فارونش الروسية بمبادرة من مركز الدراسات العراقية – الروسية في تلك الجامعة ( انظر مقالتنا بعنوان – قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد ).
تحدّث بعد ذلك الدكتور فريد منوروفيتش كارايف رئيس قسم العلوم الانسانية في المعهد الاسلامي في موسكو عن قصيدة بوشكين الشهيرة – ( محاكاة القرآن ) , وتاريخ ترجمتها الى اللغة التتارية ,  وأشار في نهاية كلمته , الى انه يعتبر بوشكين ( أكبر وأعظم شاعر روسي اسلاميّة ) لانه استطاع في قصيدته ( محاكاة القرآن) ان يعكس عمق الاسلام وفلسفته .
توالى المتحدثون في هذه الندوة , واستمعنا الى قصائد بوشكين باللغة الكورية , والتي ألقتها عميدة كليّة الترجمة في جامعة اللغات بموسكو , و ثم باللغات الفرنسية و الصينية والفارسية والاوردو والاذربيجانية والطاجيكية ( قارنت الاستاذة الطاجيكية قصيدة ( التمثال ) لبوشكين باحدى قصائد الفردوسي , وهي ملاحظة في غاية الطرافة والتي تثير الدهشة فعلا وتصلح ان تكون موضوعا متميّزا في علم الادب المقارن), واستمعنا الى كلمة شائقة جدا لمندوبة مركز سولجينيتسن في موسكو عن دور بوشكين في توحيد اللاجئين الروس , الذين هاجروا بعد اكتوبر 1917 الى خارج روسيا , واستمعنا ايضا الى كلمة مهمة ألقاها البروفيسور بيللي من اكاديمية العلوم الروسية عن موقف بوشكين من حركة الديسمبريين , وتضمنت الكلمة افكارا جديدة جدا بشأن هذا الموضوع الكبير في تاريخ الادب الروسي , ولا يسمح المجال هنا للحديث عنها.
في نهاية الندوة زرنا معرض الكتب عن بوشكين بمختلف اللغات , والذي أعدته ادارة المكتبة , وكان كتاب ( ابنة الضابط) لبوشكين بترجمة سامي الدروبي من ضمن معروضاته , وهو كتاب صادر في دمشق عام 1953 عن دار النهضة المشهورة.
ندوة – ( بوشكين بكل اللغات) هي هدية روسيا الى بوشكين في ذكرى ميلاده  , وهي كلمة جديدة تضاف الى مكانة بوشكين واهميته في تاريخ الادب الروسي , والادب العالمي ايضا.
 

583
أدب / رسالة
« في: 13:36 03/06/2017  »
رسالة
=====

قصيدة للشاعر مارتين سفيتليتسكي / بولندا
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

استلمت اليوم رسالة
من الدولة,
يستدعوني فيها
الى مؤسسة ما,
أمر وليس رجاء,
اذ لا تعرف الدولة
معنى الرجاء.
لكني متوفي.
لقد توفيت..
...........

صحيح
أنا لم أذهب
الى الانتخابات,
أنا مذنب..
...............
لم أستلم استمارات
للحصول على
سجائر من الدولة,
ولا طحين من الدولة..
لم استلم استمارات,
والتي على اساسها
يمنحون الكوبونات,
أنا مذنب...
...........
أقرّ وأعترف
اني استخدمت
-وبما فيه الكفاية –
مواصلات الدولة.
لكني متوفي.
لقد توفيت,
وتوجد تسهيلات
للاموات..
..............
صحيح اني
كنت أحلق لحيتي
بعض الاحيان,
وكنت أذهب
الى بعض النساء
للنوم معهن
بعض الاحيان,
وكان يمكن حتى
 أن يلدن,
ولكني توفيت...
.........
صحيح اني
كنت أكتب القصائد
بعض الاحيان,
رغم اني أعرف
ان الدولة
لا يعجبها ذلك,
لكن
اذا كان سبب استدعاء الدولة لي
لاني
كتبت القصائد,
فانا لا اقدر على تبرير ذلك,
لان الشعراء الاموات
لا يقدرون أن يوضحوا
لماذا كانوا
يكتبون القصائد..
.............
ما العمل؟
لا استطيع ان أموت
 مرتين.
========================================================================
ولد مارتين سفيتليتسكي في بولندا عام 1961 , وهو شاعر وروائي وصحافي . أصدر( 15) مجموعة شعرية.

584
أدب / الصمت
« في: 19:16 01/06/2017  »
الصمت
+++++

قصيدة للشاعر موهانك سينك / الهند
+++++++++++++++++++++++++
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
+++++++++++++++++++++++++

البلبل سأل النرجس-
لماذا
يا صديقي
انت محبوب هكذا,
بينما
 انا
وحيد  دائما
هكذا؟
....
أجاب النرجس-
لانك لا تقدر
ان تكبح لسانك
 الثرثار,
أما أنا,
فاني-
متواضع و صامت,
وعوّدت نفسي
أن أحفظ
الاسرار.

585
أدب / أرمينيا
« في: 20:33 23/05/2017  »
أرمينيا
=====

قصيدة للشاعرالارمني المعاصر اوانيس كريكوريان
=============================
ترجمها عن الروسيّة – أ.د. ضياء نافع
=====================


هذه بلادي,
انها صغيرة
لدرجة,
اني آخذها معي
-عند سفري –
دون جهد,
انها صغيرة
مثل طفل ولد لتوه,
انها صغيرة
مثل ام طاعنة في السنّ,
وعلى خارطة العالم
تتلألأ بالكاد
بحيرتي سيفان
مثل دمعة
رقراقة.
هذه بلادي ,
انها صغيرة
لدرجة,
اني
في قلبي
أضعها,
كي لا
اضيّعها.
========================================================================
ولد اوانيس كريكوريان في ارمينيا عام 1945 وتوفي فيها عام 2013. شاعر مشهور ومترجم وناقد ادبي , وقد ترجمت قصائده الى الكثير من لغات العالم , بما فيها العربية. شغل منصب رئيس اتحاد ادباء ارمينيا لفترة طويلة.

586
ستانسلافسكي و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع


ستانسلافسكي(1863- 1938) ولقبه الحقيقي اليكسييف – مخرج وممثل مسرحي روسي وعالمي معروف, وهو احد مؤسسي فرقة مسرح موسكو الفني, التي لازالت تعمل في موسكو لحد الآن, واصدر ستانسلافسكي العديد من الدراسات في فن المسرح, منها كتابه المشهور – (حياتي في الفن ) والذي تمت ترجمته الى الكثير من اللغات الاجنبية , ومنها لغتنا العربية, وترتبط باسمه مدرسة مشهورة في الفن المسرحي تعرف ب – (طريقة ستانسلافسكي ).
ابتدأت الاوساط الثقافية الروسية بالاحتفال في بداية عام 2013 بذكرى مرور (150) سنة على ميلاده, وكتبت وسائل الاعلام الروسية المختلفة حول ذلك, ومنها صحيفة – ليتيراتورنايا غازيتا ( الجريدة الادبية ) في عددها الصادر بتاريخ 16 – 22 كانون الثاني /يناير 2013 مقالة بعنوان – أحقا ستانسلافسكي مرة اخرى ؟ والتي شغلت صفحة كاملة تقريبا من الجريدة, تناولت فيها ريما كريجيتوفا (طريقة ) ستانسلافسكي وكيف ان هذه المفردة اللغوية ارتبطت به واصبحت مرادفة له وصولا الى الوقت الحاضر, ورغم ان التقنيات الحديثة اخذت تسود المسرح,الا ان ( طريقة ستانسلافسكي) وانعكاساتها عند بعض المسرحيين المعاصرين لا زالت تتعايش مع كل تلك التقنيات, مشيرة الى ان التجديد في الافكار الجمالية للمسرح لا زال يجد الاجابات في  ( صندوق الجدات). هذا وقد وعدت جريدة ليتيراتورنايا غازيتا الاستمرار في اعدادها القادمة بنشر حوارات مع اساتذة باحثين في فن ستانسلافسكي. ومن جانب آخر , تم عرض خاص في مسرح موسكو الفني بهذه المناسبة كتبت عنه الصحف الروسية تفاصيل طريفة , وتحدثت عن الفنانين الكبار الذين ساهموا في اعداد هذا العرض وتنفيذه, معتمدين على وثائق عن ستانسلافسكي والرسائل المتبادلة بينه وبين كبار الادباء والفنانين , ونشر الاستاذ عبد الله حبه, الفنان والصحفي العراقي المعروف والمقيم في موسكو منذ اكثر من خمسين سنة, مقالة ممتعة جدا بعنوان – (عودة الى ما وراء الطريقة...ستانسلافسكي في يوبيله ال 150) تناول فيها بالتفصيل كل جوانب ذلك العرض الخاص في مسرح موسكو الفني.
ساهم ستانسلافسكي مع رفيق دربه المخرج نيميروفتش- دانجنكو في اخراج مسرحيات تشيخوف في مسرح موسكو الفني, وادٌى ادوار عدة شخصيات فيها,وبمناسبة الاحتفالات بالذكرى ال (150) على ميلاده نقدم للقراء خلاصة لمقالة بعنوان – ( ستانسلافسكي وتشيخوف ) كتبها البروفيسور ف.ب. كاتايف , استاذ الادب الروسي في جامعة موسكو, ونشرها في كتاب صدر بموسكو عام 2011 عن تشيخوف,ويعد البروفيسور كاتايف في الوقت الحاضر واحدا من ابرز المتخصصين الروس في ادب تشيخوف.
يشير الباحث الى ان ستانسلافسكي وتشيخوف قد التقيا في نهاية عام 1888, اي قبل تأسيس مسرح موسكو الفني, في مناسبات متباعدة ليس الا,وان ستانسلافسكي بدأ واقعيا بالتعرف على نتاجات تشيخوف عندما قرر صديقه نيميروفتش – دانجنكو ان يعرض مسرحية ( النورس) بعد ان اقتنع بذلك تماما, وهي المسرحية التي فشلت فشلا هائلا اثناء عرضها في مسرح بطرسبورغ, واضطر تشيخوف ان يهرب من المدينة بسبب  ذلك. ويتوقف الباحث عند اعتراف ستانسلافسكي شخصيا, الى انه لم يفهم المسرحية عندها, ولكنه – (اثناء العمل فقط, وبشكل لم الاحظه انا نفسي بدأت اتعايش معها, وبدون وعي احببتها..واصبحت معجبا بعبقرية تشيخوف ومتحمسا له )( ستانسلافسكي, المؤلفات الكاملة في 8 اجزاء.موسكو 1954-1961, الجزء الخامس, ص. 331-335).
كان تشيخوف يحضر تمارين المسرحية, وقد لاحظ رأسا كيف تتعمق انطباعات المخرج ستانسلافسكي, وفهم ايضا القيمة الحقيقية لمسرح موسكو الفني واهميته التاريخية, ولهذا فقد طرح امام هذا المسرح متطلبات صارمة وحازمة وجدٌية جدا.
اثناء عملية الاعداد لعرض المسرحيتين الاولى والثانية لتشيخوف, لم يختلط الاثنان واقعيا, ولم تعكس رسائلهما الى بعض ذلك ( تم الاحتفاظ ب 17 رسالة من تشيخوف الى ستانسلافسكي, و 37 رسالة من ستانسلافسكي الى تشيخوف. انظر مراسلات تشيخوف في ثلاثة اجزاء. موسكو 1996, الجزء الثالث, ص.116-138), ولكن هذه المراسلات اصبحت منتظمة فقط  عند الاعداد لمسرحية ( الاخوات الثلاث), وقد اختلفا في الرؤية تجاه بعض المشاهد فيها, رغم ان تشيخوف كان راضيا بشكل عام بشأن عرض تلك المسرحية في مسرح موسكو الفني , وقد تبلور التناغم الفكري بين تشيخوف وستانسلافسكي حول اهداف المسرح واهميته ومضامينه .
يتوقف البروفيسور كاتايف بعدئذ عند ستانسلافسكي ,الذي كان يعتبر نفسه المخرج المعبر والمجسم لروحية تشيخوف على خشبة المسرح بواسطة اساليبه الجديدة في مجال استخدام العناصر والتأثيرات الصوتية والضوئية. لقد كان ستانسلافسكي يؤكد على انه المخرج الذي استطاع ان يجعل الممثلين يعبرون عن مزاج تشيخوف, وان يعكسوا ذلك للمشاهدين ايضا, رغم ان نيميروفتش- دانجنكو ( وتشيخوف نفسه ) لم يتقبلا في اخراج ستانسلافسكي هذه  ( الاشكال الساطعة ) للتعبير, وبالذات الوسائل الصوتية المتنوعة والاضاءة على خشبة المسرح, لان هذه الوسائل لا تستطيع الكشف بدقة عن افكار الكاتب المسرحي .
يتناول كاتايف فيما بعد الرسائل المكرسة لمسرحية تشيخوف الاخيرة وهي – (بستان الكرز ) مشيرا الى انها عكست التقارب الكبير والعلاقات الحميمة التي تبلورت بين ستانسلافسكي وتشيخوف, اذ ناقش تشيخوف اثناء العمل على عرض هذه المسرحية بشكل تفصيلي مع ستانسلافسكي حتى قضية توزيع الادوار على الممثلين والخصائص المرتبطة بذلك, مؤكدا على الدور المهم لعمل المخرج بشأن العرض الفني للمسرحية, وقال تشيخوف لستانسلافسكي- ( لا تتحرج بشأن الديكورات) واشار الى انه يجلس اثناء التدريبات في المسرح (فاغرا فمه),وتحدث بتفصيل عن دور لاباخين المهم, واشار الى انه يثق بستانسلافسكي لاداء هذا الدور, معتبرا انه الوحيد الذي يستطيع ان يعكس ( تعقيد هذه الشخصية في المسرحية ). اما ستانسلافسكي, فقد كان شديد الاعجاب بمسرحية ( بستان الكرز ), وكتب في رسائله الى تشيخوف عن ( انبهاره) بها, وارسل برقية الى تشيخوف جاء فيها – (اعتبر مسرحية بستان الكرز العمل المسرحي الافضل بين كل الاشياء الرائعة التي كتبتموها, وابعث بتهاني القلبية لك ايها الكاتب المسرحي العبقري. اني اتحسس واقٌدر كل كلمة فيها.), وكتب ستانسلافسكي لتشيخوف في رسالة اخرى يقول – ( الانطباع عظيم... وكل الادوار فيها رائعة دون استثناء... ولو اقترحوا عليٌ ان اختار دورا لنفسي, وحسب ذوقي, فانني ساحتار, اذ ان كل دور يجذبني اليه...واخشى ان كل هذا سيكون صعب التقبل من قبل الجمهور, وانه لن يستطيع استيعاب كل هذه التفصيلات الدقيقة رأسا.آه, كم من الغباءات سنكون مضطرين ان نقرأ ونسمع عن هذه المسرحية,ومع هذا فان النجاح سيكون مدويا ...), واشار ستانسلافسكي ايضا الى ان المسرحية متكاملة الى حد,بحيث لا يمكن ان نحذف منها اي كلمة, وانه لم يجد اي نقص فيها, وان الشئ السلبي الوحيد هو انها تتطلب ممثلين كبار وعمالقة اكثر مما ينبغي, من اجل الكشف عن كل جماليتها. وتحدث ستانسلافسكي بعدئذ , كيف ان القراءة الاولى لهذه المسرحية اثارته وسيطرت عليه, وان هذا الاحساس لم يحدث مع مسرحيتي ( النورس) و(الاخوات الثلاث ), اما  بالنسبة ل (بستان الكرز), فيقول ستانسلافسكي انه سيطرت عليه لدرجة (باني بكيت, مثل امرأة, وحاولت ان اتمالك نفسي, ولكني لم استطع..),ويصف لاحقا احساسه المرهف وحبه الكبير تجاهها, ويعلن ان هذه المسرحية (خارج التنافس, وانها لا تخضع للنقد, وان الذي لا يفهمها هو احمق) , مؤكدا ان هذه هي قناعته الحقيقية, وانه مستعد لاداء كل الادوار فيها (اذا كان ذلك ممكنا) دون استثناء.لكن عندما بدأ الاعداد لعرض المسرحية ظهرت بينهما المواقف المتباينة,خصوصا بشأن الصفة العامة للمسرحية , وهل هي ( كوميديا) كما كتب تشيخوف ,ام ( تراجيديا), ولم يكن تشيخوف راضيا على العرض المسرحي ذاك,بل انه اشار الى ان ستانسلافسكي قد اودى بها, ولكن العرض الذي قدمه ستانسلافسكي في مسرح موسكو الفني اصبح الان نموذجا كلاسيكيا, ولا زال تأثيره على المشاهدين كبيرا, رغم ان تشيخوف لم يتفق مع تفسيراته في الاخراج و التمثيل,ولم يستطع تشيخوف المشاركة في التمارين الاساسية بسبب مرضه وابتعاده الاجباري عن موسكو, ولكن من المهم الاشارة- كما يؤكد البروفيسور كاتايف – الى ان ستانسلافسكي نفسه كتب بعد عقدين من موت تشيخوف تقريبا,في كتابه (حياتي في الفن ) ان تشيخوف قد أغنى تطور المسرح لانه كان ( متطلعا ابدا الى امام ), واوصى ستانسلافسكي المخرجين والممثلين في المستقبل, ان الفصل عن تشيخوف لا يزال مطروحا ولم ينته بعد, ولم تتم عملية القراءة كما يجب ان تكون, ولم نتعمق في جوهره, واننا اغلقنا الكتاب قبل الآوان, مؤكدا على ضرورة فتح الكتاب من جديد ودراسته كي تكتمل القراءة حتى نهايتها.
   

587
أدب / التأرجح
« في: 19:22 13/05/2017  »
التأرجح
=====

قصيدة للشاعرة الروسية المعاصرة لاريسا ميلر
=========================
ترجمة – أ.د.ضياء نافع
===============


اني أتأرجح على شئ ما,
شئ مجهول,
بين -
(مللت من كل شئ),
وبين-
( الحياة ممتعة في كل شئ),
بين-
( بلهفة انتظر),
وبين-
(لا شئ انتظر),
بين-
(ها هي ذا السعادة),
وبين-
( لا توجد سعادة),
بين-
(فقط ليبزغ الفجر بسرعة),
وبين-
( يكفي اني متعبة)...

588
أدب / من جديد
« في: 14:26 06/05/2017  »
من جديد
=======

قصيدة للشاعرة  تامار رادنسينير
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

ألد طفلا من جديد,
كأني لا أعرف,
كم من السهولة
سحق
جمجمته.
...
أبني بيتا من جديد,
كأني لا أعرف,
كيف يمكن
 الاختناق
تحت ركامه.
...
ارتبط مع البشر من جديد,
كأني لا أعرف,
كم من السهولة
تمزيق
روابطه.
...
لم أتعلّم اي شئ
وأنا احافظ على
 الامل,
تحت حطام الزمن.
==================================================================
ولدت الشاعرة تامار رادنسينير في بولندا عام 1935 , وانتقلت عام 1959 الى النمسا , وتوفيت في فيينا عام 1991. تكتب باللغتين البولونية والالمانية.

589
أدب / حكاية الحكايات
« في: 19:55 03/05/2017  »
حكاية الحكايات
قصيدة للشاعر الكبير ناظم حكمت
====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

نقف عند الماء-
جينارا وأنا.
تنعكس في  هدوء الماء
 صورنا-
جينارا وأنا.
يتلامع الماء
والتماعه يضرب
 وجوهنا-
جينارا و أنا.
.......
نقف عند الماء-
القطة وجينارا وأنا.
تنعكس في هدوء الماء
صورنا-
القطة وجينارا وأنا.
يتلامع الماء
ولمعانه يضرب
 وجوهنا-
القطة وجينارا و أنا.
.......
نقف عند الماء-
الشمس و القطة وجينارا وأنا.
تنعكس في هدوء الماء
صورنا-
الشمس والقطة وجينارا وأنا.
يتلامع الماء
  ولمعانه يضرب
وجوهنا-
الشمس والقطة وجينارا وأنا.
.......
نقف عند الماء-
الشمس والقطة وجينارا وأنا ومصيرنا.
تنعكس في هدوء الماء-
صورنا-
الشمس والقطة وجينارا وأنا ومصيرنا.
.......
.......
نقف عند الماء-
القطة ذهبت,
وانعكاسها اختفى,
بعدئذ
 ذهبت أنا
وانعكاسي اختفى,
بعدئذ
جينارا ذهبت
وانعكاسها اختفى,
بعدئذ
ذهب الماء,
والشمس بقت,
وبعدئذ
ايضا ذهبت.
.......
نقف عند الماء-
الشمس والقطة وجينارا وأنا ومصيرنا.
بارد الماء,
جينارا طويلة,
أنا أكتب القصائد,
القطة نائمة,
و الشمس تمنح الدفء
-والحمد لله-
لنا....
.........
.........
 


590
أدب / الديك الاسود
« في: 23:04 29/04/2017  »
الديك الاسود
=========

قصيدة للشاعر اليوناني ميلتوس ساختوريس
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================


لقد ضحك
الديك الاسود
عندما
قالوا له
انهم
سيذبحونه,
لكن عندما
حلّت الساعة,
تلك الساعة
الرهيبة,
بكى
الديك الاسود,
بكى
 الديك الاسود.
==================================================================
ولد الشاعر مالتوس ساختوريس في أثينا عام 1919 وتوفي هناك عام 2005 , وهو واحد من شعراء اليونان البارزين في القرن العشرين.

591
أدب / صورة فوتوغرافية
« في: 19:12 26/04/2017  »
صورة فوتوغرافية
============
=
قصيدة للشاعر جمال سيوريا / تركيا
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================


رجل وامرأة وطفل
يقفون
بانتظار السيارات.

يضع الرجل يديه
 في جيبيه,
المرأة تحمل الطفل
بيديها.

الرجل حزين,
حزين
مثل الاغاني الحزينة.

المرأة رائعة,
رائعة
مثل الذكريات الرائعة.

الطفل,
حزين
مثل الذكريات الرائعة,
وحزين
مثل الاغاني الحزينة.


592
   
الاديب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي
أ.د. ضياء نافع
ولد ميرشكوفسكي ( ويكتبون اسمه ميرجكوفسكي او ميرزكوفسكي) في روسيا القيصرية عام 1865, وهاجر من روسيا بعد ثورة اكتوبر 1917 مثل معظم المثقفين الروس آنذاك , وتوفي في فرنسا عام 1941, وهو الكاتب الروسي  الوحيد الذي تم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للآداب  عشر مرّآت ابتداء من عام 1914 فصاعدا , وكان اسمه رسميّا ضمن عدة مرشحين  روس عام 1933 مع غوركي وبونين وكوبرين عندما فاز بالجائزة بونين كما هو معروف ( انظر مقالتنا بعنوان – بونين يتسّلم جائزة نوبل ).
ميرشكوفسكي – كاتب وشاعر وفيلسوف ومؤرخ ومترجم , ويعد في تاريخ الادب الروسي مؤسسا للرمزية وواضع اسس جنس جديد في مسيرة الادب الروسي وهو – الرواية التاريخية الفلسفية ,وباختصار, فانه أحد الاسماء البارزة في عالم الادب والفلسفة الروسية في القرن العشرين , ومن الطريف ان نذكر هنا , ان والده استطاع  - عبر معارفه – ان يقدّم ابنه الى الكاتب الروسي الكبير دستويفسكي عام 1880 ليقرأ امامه احدى قصائده ( كان عمره 15 سنة ليس الا ) , وقد استمع دستويفسكي له ثم قال – ( ضعيف ..ضعيف.. لا يصلح لأي شئ ) وأضاف – ( ان الكتابة الجيدة تحتاج الى المعاناة ) , فقال الاب – (عدم الكتابة عندئذ أفضل من المعاناة) , ولم تتحقق لا نبوءة دستويفسكي ولا قول والده , اذ اصبح ميرشكوفسكي اديبا كبيرا , و عانى الكثير في مسيرة حياته الفكرية, خصوصا في نهايتها , اذ اضطر رفاقه من الادباء الروس اللاجئين في باريس ان يجمعوا له تبرعات كي يتمكن من تدبير امور حياته و سكنه مع زوجته هناك.
لا يمكن رسم صورة قلمية متكاملة لكاتب في حجم ميرشكوفسكي واهميته , ولهذا فاننا سنتوقف في مقالتنا هذه عند بعض النقاط البارزة في مسيرة حياته الابداعية ليس الا. النقطة الاولى , التي نتناولها في هذا المجال هي كتابه بعنوان – ( تولستوي ودستويفسكي ) , الذي بدأ بنشره في مجلة (عالم الفنون) الروسية عام 1900 , ثم نشره في كتاب عام 1902 . انه كتاب فلسفي مهم في تاريخ الفكر والادب الروسي , ولا زال يمتلك قيمته التاريخية لحد الان , اذ انه تناول الجانب الفلسفي عند اديبين كبيرين طرحا فلسفتهما الدينية المعمقة عبر نتاجاتهم الادبية , وهي ظاهرة جديدة كليّا في دنيا الادب الروسي والعالمي ايضا. لقد ظهر هذا الكتاب بالذات عندما انتقدت الكنيسة الارثذوكسية الروسية تولستوي وهاجمته هجوما عنيفا نتيجة موقفه من الكنيسة , وهو موقف معروف أشار فيه – من جملة ما أشار - الى ان العلاقة بين الانسان والرب هي علاقة مباشرة و لا تحتاج الى وسيط بينهما ,اي الى رجال الدين ( ما أعظم هذه الفكرة وما أحوجنا اليها لحد الان!), وغيرها من الافكار الفلسفية الكبرى . لقد اعلن ميرشكوفسكي انه ليس ضد تولستوي بل انه حتّى يتعاطف معه , وقد تفهّم تولستوي ذلك الموقف ودعاه مع زوجته الى ضيعته في ياسنايا بوليانا للتعبير عن امتنانه له , الا ان زوجة ميرشكوفسكي كتبت حول هذا اللقاء بعد فترة, ان زوجها لم يتقبّل طوال حياته ( دين تولستوي!). ومن المعروف ان تولستوي حاول ان يمزج ( ان صحّ هذا التعبير المبسّط) خلاصات أديان وفلسفات عديدة, ولكنه لم يستطع ان يخلق سوى مفهوم ( التولستوية) ( انظر مقالتينا بعنوان – تولستوي والتولستويون  و بعنوان - غاندي وتولستوي ) . النقطة الثانية , التي تستحق ان نتوقف عندها ايضا هي كتابه بعنوان – (المسيح وضد المسيح) , والذي بدأ باصداره في نهاية القرن التاسع عشر وانتهى منه في بداية القرن العشرين. هذا الكتاب هو رواية ثلاثية تاريخية جسّدت كل افكار ميرشكوفسكي , وهو كلمة جديدة في مسيرة الادب الروسي , ويشير نقاد الادب الى انه قد وضع في هذا الكتاب اسس الرواية الفلسفية التاريخية في الادب الروسي . يتناول الكتاب موضوعة الصراع الدائم بين الخير والشر عبر التاريخ الانساني , وقد طرح ميرشكوفسكي هذا الموضوع بشكل حاد وصارم بعد هجرته من روسيا بعد ثورة اكتوبر 1917 واستقراره في باريس , مؤكدا ان البلشفية تجسّد قوى الشر المضادة للفكر المسيحي  والديني بشكل عام , وان على قوى الخير ان تتوحّد ضدها , وقد استغّل ميرشكوفسكي دعوة موسوليني له لتأليف كتاب عن دانتي في ثلاثينات القرن العشرين وطرح هذا الموقف عليه , وتحدث معه حول ذلك بشكل صريح وعلني. ان الموقف السياسي البحت لميرشكوفسكي يتطلب مقالة خاصة بلا شك , اذ ان الكاتب قد انحدر اكثر مما يسمح به الصراع الفكري بين القوى السياسية الروسية المتصارعة آنذاك , ووصل الى حد التعاون مع اعداء الوطن بشكل مباشر, و نأمل العودة الى هذا الموضوع المهم والخطير, والذي لا زال يتكرر في عصرنا الحاضر مع الاسف بصيغ مختلفة.
ميرشكوفسكي باختصار- شخصية كبيرة ومتميّزة جدا في تاريخ الفكر و الفلسفة  و الادب الروسي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , ويستحق الدراسة العميقة بالنسبة لنا – نحن العرب – ويتطلب التأمّل الفكري الجاد واستنباط الدروس في مسيرة الادب ودوره في الحياة الثقافية والسياسية.   

593
أدب / تعالي
« في: 17:26 23/04/2017  »

تعالي


قصيدة للشاعر آشوك فاجبيي / الهند
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


تعالي
توحّدي معي
 واندمجي
كما الظلام
مع الظلام
وماء النهر
مع شمس النهار..
...........
تعالي
التفّي حولي
مثل القشور 
حين تلتفّ
على سيقان الاشجار
وامنحيني الجمال
كما العشب الاخضر
يمنح الغابات
ذاك الجمال..
.......
تعالي
ضميّني
مثلما تضّم الارض
جذور الشجر
ومثلما يعكس النهر
ضوء القمر
ومثلما الخلود يعانق
الدهر

594
قصائد للشاعرة الكساندرا بيسارنك / الارجنتين
==========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

بعيون مفتوحة
+++++++++
شخص ما
يقيس
-وهو يبكي -
فضاء الفجر.
شخص ما
يمزق الوسادة
بالسكين,
بحثا
عن السكينة
المستحيلة...
========================================================================
فجر آخر
+++++++
أرى
 كيف تقترب
علامات
خيبة أملي..
وأنا أصغي
الى أصوات
التوتر الرمادي,
في الزاوية العتيقة
من قلبي.
========================================================================
كيف أسميّكَ؟
+++++++
بدل القصائد عن غيابك –
رسم,
شقوق في الجدار,
شئ ما في الرياح,
طعم مرّ..
========================================================================
ألحان صغيرة
+++++++++
-اللحن الثاني –
---------------
فقط كلمات -
كلمات الطفولة
كلمات الموت
كلمات الليل
كلمات الاجساد.
========================================================================
بحث دائم
+++++++
الى اكتافيو باس
-----------------
زهرة البنفسج دائما
و ابدا ,
على تلك الضفة
من النهر,
وعندما تسأل الروح-
أين
تلك الضفة؟
يجيبونها
دائما وابدا-
ليس على هذه الضفة,
وانما
على تلك الضفة
من النهر.
====================================================================================
الكساندرا بيسارنك – شاعرة ارجنتينية من اصول روسيّة , ولدت في الارجنتين عام 1936 وتوفيت هناك عام 1972.

595
أدب / الكلمة الاخيرة
« في: 19:21 19/04/2017  »
الكلمة الاخيرة
=========

قصيدة للشاعر المعاصر اوليفير فيريجييري / مالطا
===============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=======================

كل ما كتبته بشكل مستقيم
ظهر متعرجا,
كل ما حاولت ان أنفّذه
 تضمّن نواقصا,
    كل تخطيط رسمته
جآء مشوّها,
كل اسطورة كتبتها
أصبحت واقعا,
كل نكتة ألقيتها
أثارت أدمعا,
كل قصيدة كتبتها بالحبر
تحوّلت دما,
وها أنا ذا أقف امامكم
مندحرا,
وأرفع يداي الى أعلى
مستسلما.
==============================
ولد اوليفير فريجييري في مالطا عام 1947 , وهو شاعر وكاتب مسرحي وناقد ومترجم.

596
عراقيون مرّوا بموسكو(21)
أ.د. ضياء نافع
وصل نصرت الاعظمي الى موسكو في العام الدراسي 1959/1960 , وبعد دراسة اللغة الروسيّة لمدة سنة دراسيّة كاملة في الكليّة التحضيرية التحق في معهد بليخانوف الاقتصادي(اصبح هذا المعهد الان جامعة بليخانوف الروسيّة الاقتصادية), وتخرج هناك وحصل على شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية, بعد خمس سنوات من الدراسة . كان نصرت يعرف ان العراق لا يعترف بشهادة الماجستير السوفيتية هذه آنذاك , ولهذا سافر الى انكلترا واستطاع ان يحصل هناك على وثيقة انكليزية تعادل شهادته بالماجستير , وهكذا عاد الى العراق وتم تعينه تدريسيّا في الجامعة المستنصرية . وتشاء الصدفة ان يكون سمير عبد الوهاب الشيخلي طالبا لديه في الكلية . كان نصرت الاعظمي انسانا مرحا ومحبا للنكتة , ومرّة , عندما كان يجري عملية تدقيق حضور الطلبة ونادى اسم سمير الشيخلي , أجاب الطالب سمير بكلمة – نعم كما هو معتاد , نظر نصرت اليه وقال مازحا – ( انت شكل سمير؟ كان على اهلك ان يطلقوا عليك اسم عبود). ضحك الجميع طبعا على هذا التعليق, اذ ان شكل سمير الشيخلي كان ينسجم فعلا مع هذا التعليق القاسي ( يجب القول هنا ان هذا التعليق غير تربوي وغير لائق من جانب اي تدريسي , وقد شعر نصرت رأسا بالخطأ الذي ارتكبه , ولكن سبق السيف العذل كما يقول المثل) .
مرّت الايام والاعوام , ورجع حزب البعث الى السلطة عام 1968 واصبح سمير الشيخلي كما هو معروف وزيرا للتعليم العالي في تلك الفترة , وحدث مرّة ان زار الجامعة المستنصرية , واستقبله بالطبع رئيس الجامعة والعمداء , واثناء هذه الزيارة سأل الشيخلي عن نصرت الاعظمي وهل لازال تدريسيا في الجامعة, وأجابوه – نعم هو موجود عندنا , فطلب ان يستدعوه للحضور امامه. لم يكن رئيس الجامعة او العمداء يعرفون بالطبع سبب هذا الاستدعاء , وظنوا ان الوزير ربما يعرفه , أما نصرت فقد فهم سبب الاستدعاء طبعا , و( مات من الخوف !) كما أخبرنا بعدئذ, اذ انه ظن ان الوزير سيحاسبه على ذلك الحدث حسابا عسيرا , و لكن لم يكن امامه الا ان يذهب الى رئاسة الجامعة حيث يجلس الوزير, اذ لم يكن هناك اي مخرج آخر. عندما دخل نصرت الى القاعة , ضحك الشيخلي رأسا وقال – هذا هو الشخص الوحيد الذي حدد بأني ابن الشعب , وحكى للجميع قصة نصرت حول اسمه عندما كان طالبا لديه وهو يضحك , وضحك الجميع طبعا , وتبدد خوف نصرت ورعبه وساهم بالضحك مع الآخرين . قال الشيخلي لنصرت – ( انا الان وزير التعليم العالي فهل لديك اي طلب من الوزارة كي ارد لك ما قدمته لي من فضل ؟) , فقال له نصرت, متشجعا وسط هذه الاجواء الضاحكة – أتمنى أن أرجع الى موسكو ملحقا ثقافيّا للعراق , ففي موسكو قضيت مرحلة شبابي , فقال له الشيخلي – قدّم طلبا الى الوزارة بذلك وساوافق عليه حسب التعليمات المتبعة , اذ انك تمتلك المؤهلات المطلوبة فعلا لهذا المنصب الرفيع.   
وهكذا تقدّم نصرت الاعظمي بعريضة الى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي  يطلب فيها تعيينه ملحقا ثقافيا بموسكو , واحيلت تلك العريضة الى الوزير طبعا , ووافق عليها , وكان على نصرت ان يؤدي امتحانا  - حسب التعليمات - في مادة اللغة الروسيّة بقسم اللغة الروسيّة بجامعة بغداد. استلم القسم الامر الاداري بذلك , وتم تأليف لجنة خاصة لاجراء الامتحان المذكور , وكنت أنا أحد أعضاء تلك اللجنة , ووضعنا الاسئلة حسب التعليمات دون ان نعرف اسم الشخص الممتحن ولا حتى موعد الامتحان , وعندما وصلت الاجابة , تبين ان الممتحن قد نسي تماما في الواقع معرفته السابقة للغة الروسيّة , وهكذا رسب في ذلك الامتحان.
 زارنا نصرت بعدئذ , وتذكرنا أيام الدراسة في روسيا , وكان من الواضح انه قد نسى  اللغة الروسية لأنه ابتعد عنها سنوات طويلة و كثيرة وتركها واقعيا , وقلنا له ان القسم مستعد لتدريسه من جديد , فتقدم بطلب الى وزارة التعليم العالي للسماح له باداء الامتحان مرة اخرى , وقد تم كل ذلك فعلا , الا ان النتيجة كانت سلبية ايضا  رغم كل عواطفنا معه, وقد ترك نصرت محاولة تعيينه بعد ذلك , لانه فهم ان اعادة دراسة اللغة بهذه المرحلة من العمر مسألة صعبة جدا , ولم يشأ ان يعود الى الوزير و يطلب استثناء منه لتعيينه بغض النظر عن نتيجة امتحان اللغة الروسيّة.
رحم الله نصرت الاعظمي , الذي انتقل للعمل في احدى جامعات كردستان العراق عندها وتوفي ودفن هناك.
من كتاب – ( عراقيون مرّوا بموسكو ) , الذي سيصدر قريبا في بغداد عن دار نوّار للنشر.
 

597
أدب / الانسان الذي تنتظره
« في: 19:47 13/04/2017  »
 
الانسان الذي تنتظره


قصيدة للشاعر الاذربيجاني المعاصر راسم غاراجا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


لم يستطع الطفل ان يفهم
ماذا يعني
موت الاب
لانه لم يكن يفهم
ماذا يعني
 الموت.
....
البكاء في البيت
نحيب الام
لم يكن يعني
موت الاب
بالعكس
كانت هناك أشياء غريبة -
ضيوف وصلوا الى البيت
وطبخ الرز  و اللحوم في البيت..
...
الطفل غرق بالانتظار-
اليوم متأخرا سيرجع من العمل الاب
وبالدموع تذّكر عدم وجود الاب
وفي اليوم الثاني لم يعد الاب
وحتى في اليوم الثالث
والطفل
 لا زال غارقا بالانتظار..
...
وبمرور الوقت
فهم الطفل
  معنى الموت-
الموت
 يعني
ان الذي
تنتظره
لن يعود...

 



598
أدب / الميراث
« في: 19:25 03/04/2017  »
الميراث
قصيدة للشاعرالتركي مليح جودت انداي
==========
ترجمها عن الروسيّة – أ.د. ضياء نافع
=========================


من الحب الاوّل
حزن يبقى,
ومن النجم الذي يهوى
أثر يبقى,
ومن الشاعر الذي يموت
بعض أبيات
 تبقى.

599
أدب / يقولون انك لا زلت تحبيني
« في: 04:04 26/03/2017  »


يقولون انك لا زلت تحبيني 


قصيدة للشاعر الروسي المعاصر فيدور سفاروفسكي

ترجمة – أ.د. ضياء نافع


 
يقولون,
انك,
لازلت تحبيني,
وانك,
-عندما لا اكون في البيت -
تهاتفيني,
وتقرأين كتبي,
من أجل أن
تفهميني..
وانك,
-في بعض الاحايين –
تتابعيني...
ويقولون,
انهم
-بمطعم مشويات في الربيع
بعيدا عن المدينة –
معك
رأوني,
وحتى
في مؤتمر باريس
معك
شاهدوني.
..........
...........
رغم اننا
-انا وانت –
لم نتحدث معا
طوال سنين....
.................
.................
تريدين ان تعرفي لماذا؟
لأنك
في الطريق الى ريغا...
تمزقت,
تبعثرت,
واختلط في كتلة واحدة-
شعرك
ولحمك,
وعظامك,
وتهشم حتى
رأسك...
.........
ولأني
كنت في مراسم الدفن,
وباكاليل الورود
غطيتك...
..........
..........
ولكن,
هناك حقيقة اخرى-
لا زال عطرك
في بيتنا..
.........
وعندما
ادخل الى المطبخ
في الصباح الباكر
أرى,
ان الصحون
كلها
مغسولة,
وايضا أرى,
ان الحلوى
كلها
قد تمّ التهامها...









600

قصيدة لآنّا أخماتوفا بترجمتين

أ.د. ضياء نافع

كتبت الشاعرة الروسية المعروفة آنّا أخماتوفا هذه القصيدة عام 1924 وكان عمرها آنذاك (35) سنة . عنوان القصيدة بالروسية ( مووزا), وهو اسم ربّة الالهام في الاساطير الاغريقية , وقد دخلت هذه الكلمة الى اللغة الروسية منذ زمن بعيد واصبحت مفهومة للقارئ الروسي بمعنى الالهام او آلهة الالهام , ونجد هذه الكلمة حتى في شعر بوشكين وبقية شعراء القرن التاسع عشر . يترجم  د. جابر مؤلف القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير هذه الكلمة كما يأتي – الهة الشعر والغناء عند الاغريق / مصدر الهام , وهي ترجمة صحيحة طبعا , رغم ان مؤلف القاموس جعل هذه الكلمة مرتبطة بالشعر والغناء قبل كل شئ , بينما هي اوسع من ذلك.
السبب الذي دفعني لكتابة هذه المقالة هو انني وجدت في مجلة ( الاقلام ) العراقية ترجمة لهذه القصيدة بقلم الشاعر المصري محمد عفيفي مطر ( الاقلام / العدد 8 / سنة 1980) , والتي جاءت بعنوان – (ربّة الشعر ) , وهذا نصها –
كما أترقب مجيئها اذا جن الليل
تتنزل على شعاع, فان الحياة تبدو لي هكذا,
رخيصة هي الامجاد والشباب والحرية , حينما
تقترب الزائرة العذبة من سريري بارغولها
انظروا...ها هي تأتي وترفع الحجاب
تنظر اليّ بلطفها الآسر.
أقول لها – هل أمليت الجحيم
على دانتي؟عندئذ تجيب (نعم).
بعد القراءة , لم افهم بعض المقاطع , مثلا ( تتنزل على شعاع  /// رخيصة هي الامجاد والشباب والحرية ... ), وهكذا قررت العودة الى النص الروسي لقصيدة أخماتوفا , وبدأت اقارنه مع نص الترجمة , وفهمت عندها ان المترجم  نفسه ربما لم يفهم تلك المقاطع كما جاءت عند أخماتوفا , او انه تصرّف كما أراد بغض النظر عن النص الاصلي . عندها بدأت أبحث عن ترجمة أخرى لهذه القصيدة , ووجدتها فعلا في موقع ( المسيرة) الالكتروني, وهي للمترجم د. ثائر زين الدين وبعنوان – ( ربّة الالهام ), وهذا نصها –
عندما أنتظر قدومها في الليل
تبدو الحياة معلّقة بشعرة.
ما الشرف, ما الشباب, ما الحرية؟
امام ضيفة غالية تحمل المزمار في يدها
ها هي ذي تدخل, تنظر اليّ باهتمام
وقد كشفت النقاب عن وجهها.
أقول لها- ألست أنت من أملى على دانتي
صفحات الجحيم؟ فتجيبني – (أنا).
كل مترجم طبعا يمتلك الحق بالاجتهاد , وبالتالي , يمكن ان يعبّر عن اجتهاده كما يرى ويرغب , شريطة عدم ارتكاب الاخطاء .
لنتأمل الترجمتين –
العنوان يختلف عندهما , الا انه دون اخطاء. ايهما الاكثر دقة ؟ الجواب – ربما ربّة الالهام , وليس ربّة الشعر , ايهما الاكثر جمالا ؟ الجواب – ربما ربّة الشعر ( التي أملت على دانتي صفحات الجحيم !) . // الجملة الاولى – (اترقب مجيئها اذا جنّ الليل) عند عفيفي مطر أجمل وأكثر شاعرية من ( انتظر قدومها في الليل ) عند ثائر زين الدين . //  الجملة الثانية – ( تتنزل  على شعاع ...) عند عفيفي مرتبكة وغير مفهومة وتمثّل اجتهادا غير دقيق وغير صائب ولا يتجانس مع النص الاصلي , أما عند ثائر ( تبدو الحياة معلقة بشعرة) فهي أوضح , وتنطبق حرفيا مع النص الاصلي , اي انها ترجمة حرفية جميلة وصحيحة. //  الجملة الثالثة – ( رخيصة هي الامجاد.... ) عند عفيفي , مقارنة مع – ( ما الشرف ....) عند زين الدين , تقتضي التوقف والتأمل . كلمة ( رخيصة) أضافها عفيفي من عنده , ولا توجد عند أخماتوفا , وقد أساءت الى النص , واختلف المترجمان في كلمتي- ( الامجاد) عند عفيفي و( الشرف) عند زين الدين , وهي عند أخماتوفا التشريف او مراسم الاحترام . وضع زين الدين علامة السؤال بعد ( ..ما الحرية ؟)  وهي لا توجد عند أخماتوفا. واختلف المترجمان في - (الزائرة  العذبة )عند عفيفي , و(ضيفة  غالية) عند زين الدين  , وهي ( ضيفة حبيبة او عزيزة)  عند أخماتوفا  , ويمكن ان تكون (غالية) طبعا, ولكن لا يمكن ان تكون ( عذبة !). وأضاف عفيفي من عنده – ( من سريري ) , وحوّل ( المزمار ) كما عند أخماتوفا وعند زين الدين ايضا الى ( ارغول ) وهي آلة موسيقية تشبه الناي عند المصريين القدماء و ليست معروفة تقريبا للقارئ العربي المعاصر, وأضاف من عنده ايضا – ( بلطفها الآسر ) , ولا ضرورة لكل  ذلك بتاتا . نهاية القصيدة عند زين الدين أكثر دقة وأجمل من نهايتها عند عفيفي , الذي أضاف ايضا من عنده كلمة ( عندئذ ) , وهي لا تتناسق حتى مع النص العربي .
محمد عفيفي مطر – شاعر مصري معروف ( 1935 – 2010 ) وأصدر العديد من المجاميع الشعرية وساهم في حركة الترجمة ايضا , أما د. ثائر زين الدين فهو اسم مجهول بالنسبة ليّ , ولم يسبق ان قرأت له نتاجات ادبية او ترجمات ( ومن المحتمل جدا انني لم اتابع نشاطه الادبي ليس الا , ولهذا لا أعرف عنه أي شئ ) , ومع ذلك , فان ترجمته كانت بشكل عام أفضل من ترجمة شاعر له مكانته المتميزة في تاريخ الشعر العربي الحديث , وهذه المقارنة السريعة بين ترجمتيهما تبين بلا شك , ان ترجمة الشعر تعتمد على موهبة الشخص الذي يقوم بالترجمة وامانته العلمية ودقّته , وليس على كونه مشهورا او شاعرا معروفا ليس الا , وان هذه الشهرة لا تسمح له ان يتصرف كما يشاء في الترجمة .


601
خيري الضامن وبلاتونوف
أ.د. ضياء نافع
استلمت هدية رائعة لا تقدر بثمن و هي - ثلاثة كتب مترجمة عن الروسية للكاتب بلاتونوف بترجمة الاستاذ خيري الضامن – المترجم العراقي المبدع المعروف , وهذه الكتب هي روايات الكاتب الروسي السوفيتي بلاتونوف ( الحفرة // بحر الصبا // الاشباح) , الصادرة  في بيروت عن دار (سؤال) للنشر, وبدعم مادي من معهد الترجمة في روسيا الاتحادية, وهي ظاهرة جديدة وخطوة صحيحة من هذا المعهد تشجيعا ودعما  لمسيرة ترجمة روائع الادب الروسي عن الروسية مباشرة الى عدة لغات اجنبية بما فيها اللغة العربية .
 لقد جاءت كل هذه الروايات بتقديم رائع كتبه الاستاذ عبد الله حبه, والتي هي في الواقع دراسة عميقة وشاملة لابداع الكاتب بلاتونوف ومكانته في تاريخ الادب الروسي و تفصيلات عن سيرة حياته , وقد نشرت هذه الدراسة كاملة في تقديم رواية ( الحفرة ) , ولكن مسؤول دار النشر - على ما يبدو - قرر ان يكرر امام روايتي (الاشباح) و(بحر الصبا) تلك المقاطع الخاصة بهما من تلك الدراسة , وحسنا فعل , اذ ان الصورة الفنية عندها اصبحت اكثر تكاملا فعلا امام القارئ العربي مع تلك المقاطع . لقد نشر عبد الله حبه دراسته هذه تحت عنوان ( بلاتونوف كافكا الروسي ومحنة الانتلجينسيا الثورية الروسية ) قبل سنوات , وحظيت عندها باعجاب القراء , لانها تعد واحدة من الدراسات العربية النادرة جدا حول هذا الاديب الروسي شبه المجهول للقارئ العربي , اذ تناولت سيرة حياة بلاتونوف الحافلة بالصعوبات الهائلة اثناء تلك الفترة المتشابكة من تاريخ روسيا في بداية العشرينات بعد ثورة اكتوبر 1917 وما رافقها من أحداث جسام . توقفت هذه الدراسة طبعا عند النتاجات الاساسية لبلاتونوف وخصائصها, وجاءت هناك آراء تثير نقاشات متعددة ومتنوعة حولها , بل وحتى خلافات فكرية و سياسية بشأن بعض جوانبها , اذ ان الصورة عن الواقع السوفيتي كانت مظلمة وسوداوية فيها لدرجة ان احد الاصدقاء قال لي , ان كلمة ستالين عن هذا الكاتب , والتي جاءت على الغلاف الاخير لرواية الحفرة , هي صحيحة , وكلمة ستالين هذه كما يأتي – ( هذا كاتب خبيث. فهل يعقل ان رواد حركتنا التعاونية بهذا القدر من الخسّة والدناءة كما يصورهم؟ ), ولا مجال للتوقف تفصيلا عند كل ذلك ضمن هذه المقالة , ولكن  مع ذلك يمكن القول اجمالا و بلا أدنى شك , ان الصورة العامة التي رسمها عبد الله حبه في مقالته تلك للكاتب الروسي بلاتونوف كانت صائبة ودقيقة تماما , وكانت تتناسق وتنسجم فعلا مع تلك الروايات شكلا ومضمونا وتساهم في اكمال الصورة الفنية لهذا الكاتب امام القارئ العربي.
تذكرت - عندما بدأت بقراءة هذه الروايات -  مقالة طريفة كتبها الدكتور فالح الحمراني  قبل فترة قريبة , وكانت بعنوان (الحفرة ام الاساس ؟ في ترجمة اندريه بلاتونوف) , والتي تناول فيها عنوان رواية بلاتونوف ( الحفرة ) كما جاءت بترجمة الاستاذ خيري الضامن (دون ان يذكر اسم المترجم). ومقالة الحمراني هذه كانت موضوعية وهادئة بشكل او بآخر, الا انها تحمل وجهة نظر تختلف نوعا ما  بشأن  ترجمة عنوان الرواية , اذ انه يرى ان العنوان يجب ان يكون ( حفرة الاساس ) كما هو عند بلاتونوف حرفيا , او ( الاساس ) في الاقل , وليس (الحفرة ) كما جاء بالترجمة العربية. ان عنوان ( الحفرة) – كما جاء في ترجمة الضامن وفي مقدمة عبد الله حبه ايضا - أرشق وأجمل كما يبدو لي من ( حفرة الاساس) رغم انه العنوان الاصلي عند بلاتونوف , اضافة الى انه  يعبّر عن المعنى المطلوب والصحيح  بشكل عام  , الا ان المترجم , من وجهة نظري , كان يمكن له  فعلا ان يشير الى ذلك ولو بهامش صغير  في الكتاب المذكور, خصوصا وان العنوان الاصلي بالروسية مثبّت على الصفحة الثانية. وعلى الرغم من ان مقالة الحمراني  تلك كانت تؤكد على هذه النقطة بالذات  قبل كل شئ مع بعض الملاحظات الاخرى , الا انها ( اي المقالة ) أشادت – في نهايتها - بالعمل الذي قام به المترجم , واعتبرته اضافة جيدة ستشغل مكانتها الجديرة بها في الحياة الثقافية العربية . لقد ترجم شيخ المترجمين العرب الدكتور سامي الدروبي عنوان رواية ليرمنتوف ( بطل من هذا الزمان ) بدلا من عنوانها الاصلي ( بطل زماننا ) , ولا زال هذا الاجتهاد الجميل سائدا في( زماننا !) ولحد الآن , وهذا ما اتوقعه لرواية بلاتونوف ( الحفرة ) عنوانا ونصا ادبيا بترجمة الاستاذ خيري الضامن, لأنها تتناول الحقيقة المرّة حول نظام الكلخوزات والسفخوزات في الفترة السوفيتية , وما صاحبها من خروقات انسانية رهيبة عانى منها كل المجتمع السوفيتي , وكم اتمنى ان يقرأ هذه الرواية – وبامعان -  هؤلاء الذين لا زالوا يتحدثون ( ولا اريد استخدام فعل يثرثرون ) في مجتمعاتنا عن (المزارع التعاونية !) , اذ انها ( اي الرواية)  شهادة تنطبق عليها بالضبط  الآية الكريمة  – وشهد شاهد من أهلها !
تدور احداث الرواية الاخرى ( بحر الصبا ) عن نفس الموضوع ايضا , اي نظام السفخوزات , وذلك عبر حياة مديرة السوفخوز بوستالويفا ومفاهيمها الاخلاقية وتصرفاتها من اجل (تمشية الامور!) . وكم تبدو الصورة الفنيّة (سريالية وغريبة ورهيبة!) في تلك الرواية للقارئ العربي الذي لا يتفهم التفاصيل ولا يمكن حتى ان يتصورها , لانه لا يعرف واقع تلك السنوات العجاف كما يجب.
الرواية الثالثة ( الاشباح ), والتي يشير عبد الله حبه في مقدمته التي أشرنا اليها اعلاه , الى ان عنوانها الاصلي ( الجان ) , وهو مثبّت بالروسية على الصفحة الثانية فعلا . تتناول هذه الرواية موضوعا آخر لا علاقة له بنظام الكلخوزات والسفخوزات , وهو واقع الحياة السوفيتية في جمهوريات آسيا الوسطى  بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917  في الامبراطورية الروسية , وكيف سارت وتيرة الحياة  السوفيتية الجديدة  في عشرينات وثلاثينات  القرن الماضي  في تلك الجمهوريات الشرقية, وكيف تفاعل بطل الرواية نزار شاغاتايف في اجواء الحياة في موسكو و اوزبكستان ... الرواية هذه مليئة بالمقاطع الشاعرية المدهشة الجمال(بعضها يكاد ان يكون قصائد نثر) , والمرسومة باسلوب بلاتونوف الرائع والمتميّز بكل معنى الكلمة , والتي أبدع خيري الضامن بترجمتها الى العربية بشكل أمين وحافظ على نكهتها العطرة الفوّآحة , ولا مجال هنا – مع الاسف – لتقديم نماذج منها . يفهم القارئ ( ربما بعد هذه الرواية بالذات ) معنى كلمة ارنست همنغواي (بكل قامته الادبية) حول بلاتونوف وعمقها   وهي كما يأتي – ( بلاتونوف من الكتّاب القلائل الذين ينبغي ان نتعلم على أيديهم), هذه الكلمة المثبّتة (وليس ذلك عبثا على ما يبدو) على غلاف تلك الرواية.
لقد قام خيري الضامن بعمل ابداعي هائل الاهمية والقيمة عندما قدّم لنا وبدفعة واحدة ثلاث روايات لبلاتونوف , وهو عمل قلّما يجود به المترجمون المبدعون . خيري الضامن كان ولا يزال في طليعة اسماء المترجمين العراقيين الكبار طوال اكثر من نصف قرن من الزمان , منذ ان قرأنا له في مجلة ( الآداب ) اللبنانية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين , وعبر كل ترجماته في دور النشر السوفيتية في السبعينات والثمانينات , وخلال كل نشاطاته  في مجال الترجمة الادبية بشكل خاص وفي مجمل مسيرته الابداعية بشكل  عام .
تحية للمترجم العراقي المبدع الكبير خيري الضامن وتصفيق حاد له .

 

602
بوشكين بين الترجمة والاقتباس
أ.د. ضياء نافع
لا توجد بالعربية دراسات او حتى اشارات الى  هذا الموضوع حسب معلوماتنا , ونحاول هنا ان نطرحه في خطوطه العامة ليس الا , على أمل العودة اليه لاحقا بشكل أوسع , اذ انه موضوع يستحق التأمل والدراسة المعمقة في مسيرة الادب الروسي وتاريخه اولا , وفي مجال دراسة الادب المقارن ثانيا, رغم ان معظم القراء الروس - بشكل عام-  لا يتقبلون بتاتا , بل و يرفضون رفضا قاطعا القول , بأن بوشكين قد (ترجم!) بعض نتاجاته عن لغات اجنبية, و هم يعتبرون نتاجاته روسيّة بحتة شكلا ومضمونا حتى لو كانت مقتبسة او جاءت على وفق المحاكاة. سنحاول في مقالتنا هذه ان نتوقف عند حكاية واحدة من حكايات بوشكين وهي – ( حكاية الصياد والسمكة ) باعتبارها انموذجا بين نتاجات بوشكين المرتبطة بموضوع الترجمة والاقتباس , اذ لا يسمح المجال في اطار مقالتنا بالتوسع  اكثر .
  ض.ن.
كان بوشكين - مثل كل النبلاء الروس آنذاك – يعرف اللغة الفرنسية بشكل جيد جدا منذ طفولته , بل ان بعض الباحثين يشيرون الى ان بوشكين كتب اول قصيدة له بالفرنسية , وعدا اللغة الفرنسية كان يعرف عدة لغات اخرى . هناك ايضا لغات اجنبية عديدة حاول بوشكين  اثناء مسيرة حياته   ان يتعرّف عليها و يدرسها – بشكل او بآخر -لاغراض ابداعية , بما فيها العربية , وقد تم طبع الاوراق والمسودات التي كانت موجودة لدى بوشكين , ويرى القارئ فيها كل محاولات بوشكين للتعرف على تلك اللغات , وتوجد هناك بعض الحروف العربية ولفظها بالروسية بخط يده . لقد بلغ مجموع هذه اللغات التي يتقنها بوشكين او التي تعرّف على خصائصها العامة (16) لغة وهي – الفرنسية / و الفرنسية القديمة / والايطالية / والانكليزية / والالمانية / واليونانية القديمة / و اللاتينية / و الروسية القديمة / والسلافية الكنسية / و الصربية / والبولونية / والاوكرانية / والعبرية القديمة / والعربية / والتركية . الا ان بوشكين كان يتقن اللغة الفرنسية بشكل  متميّز قبل كل اللغات الاجنبية الاخرى , ثم تاتي الانكليزية ثانيا , اما الالمانية فقد أشار نفسه الى انه كان يتعلمها ثم ينساها وقد حدث ذلك عدة مرات في حياته.
لم يذكر بوشكين في كتاباته انه قام بترجمة نصوص  من لغات اجنبية الى الروسية كما يفعل المترجمون عادة, ولكنه اقتبس بعض المضامين و المواضيع من النصوص الاجنبية وقام بصياغتها من جديد بلغة روسية مدهشة الجمال والوضوح (لدرجة  ان القارئ الروسي ولحد الآن  لا يمكن ان يتصور ان هذا النص قد اقتبس  بوشكين مضمونه من لغة اجنبية , او كتبه نتيجة محاكاة لتلك النصوص الاجنبية ). توجد نتاجات عديدة عند بوشكين اقتبسها من الادب العالمي , ولا يمكن في اطار هذه المقالة  عرض كل تلك النتاجات  , ولكننا نود الاشارة هنا , على سبيل المثال وليس الحصر الى مسرحيته الشعرية ( وليمة في زمن الطاعون ), والتي جاءت ضمن كتابه الشهير – ( تراجيديات صغيرة ) او ( مآس صغيرة  كما وردت في بعض الترجمات العربية) , وهي مقتبسة من مسرحية ملحمية كتبها الكاتب الانكليزي جون ويلسون بعنوان – (مدينة الطاعون ), وهناك امثلة اخرى كثيرة طبعا , ولكننا – التزاما بما أشرنا اليه في مقدمة مقالتنا – سنتناول فقط حكاية مشهورة من حكايات بوشكين وهي – ( حكاية عن الصياد والسمكة ) ليس الا, وهي حكاية معروفة للروس , اذ انها تحولت حتى الى باليه , وهذه الحكاية معروفة ايضا للقارئ العربي , لأنها مترجمة الى العربية منذ زمن طويل , بل انها تحولت الى فلم سينمائي روسي بالرسوم المتحركة ( كارتون ) مترجم ايضا الى العربية.
    لقد اطلع بوشكين حتما على حكاية الاخوين غريم بعنوان – ( عن الصياد وزوجته ) , او ربما حتى قرأ هذه الحكاية باللغة الالمانية, وأعاد صياغتها شعرا بالروسية , ومزج معها اجواء حكاية روسية اخرى وهي -  ( العجوزة البخيلة ) , واطلق على تلك الحكاية تسمية اخرى وهي – (حكاية عن الصياد والسمكة) , اي انه قام بترجمة حرة لا ترتبط بتاتا  بالنص الاصلي ( ان صح هذا التعبير ) دون ان يذكر ذلك , ولكنه صاغها شعرا في اطار اجواء روسية بحتة , حيث تجري الاحداث في بيت خشبي روسي وطريقة حياته , وتنتقل الى حياة الاغنياء الروس ثم الى حياة الحكام الروس , حيث يعرض بوشكين كل صفاتهم وعاداتهم وطباعهم من مأكل ومشرب وملابس...الخ . كان هذا الذي صاغه بوشكين في حكايته يعد شيئا ممكنا في ذلك الزمان البعيد , اذ قام به بعض الادباء الروس الكبار مثل كريلوف , الذي ترجم - بالاساس - اساطير وحكايات الكاتب الفرنسي لافونتين عن الفرنسية بصياغة روسية بحتة – انظر مقالتنا عنه بعنوان – كريلوف ابن المقفع الروسي ). وهكذا اصبحت  ( حكاية عن الصياد والسمكة ) الشعرية مرتبطة باسم بوشكين في تاريخ الادب الروسي و في الوعي الاجتماعي الروسي ايضا , وتعد هذه الحكاية  لحد الان واحدة من اشهر الحكايات الشعبية في روسيا للقراء , سواء كانوا كبارا او صغارا , اذ يجد فيها كل واحد من هؤلاء ذلك الجانب الطريف والممتع الذي يستهويه شكلا ومضمونا. تتناول هذه الحكاية حياة صياد سمك يعيش مع زوجته عند ضفاف البحر, ويقتات على اصطياد السمك ليس الا , وقد اصطاد مرة سمكة ذهبية , ولكنها تكلمت معه وطلبت اعادتها الى الماء مقابل تحقيق امنياته و رغباته , فاطلقها واعادها الى الماء دون اي طلب, بل كان حتى متعاطفا معها, وعندما حكى كل ذلك لزوجته , طمعت تلك الزوجة وأخذت تطالبه بالعودة الى السمكة الذهبية كي يطلب منها تحقيق رغبات زوجته أكثر وأكثر , الى ان تصبح هذه الزوجة حاكمة بأمرها , ولكنها لم تكتف بذلك , بل طلبت ان تكون السمكة خادمة لها , وعندما يقول الزوج ذلك للسمكة , فان السمكة تغوص في اعماق المياه ليس الا , وهكذا يرجع الى زوجته فيراها وقد عادت الى كوخها العتيق , وتنتهي الحكاية باضاعة كل شئ نتيجة طمع هذه الزوجة , اي كما يقول المثل العربي المعروف – ( طمعه قتله ).
 لقد صدرت هذه الحكاية في المانيا بقلم الاخوين غريم قبل ان ينشرها بوشكين بسنوات,  وقد جاءت ( عند بوشكين ) متوافقة من حيث المضمون العام مع النص الالماني  , ولا يمكن لمربيّة بوشكين ان تحكي له هذه الحكاية ثم يبدأ بوشكين بكتابتها كما تروي المصادر الروسية  حول حكايات بوشكين بشكل عام . وتشير المصادر الروسية طبعا الى ان الحدث الاساسي لهذه الحكاية يرتبط بتلك الحكاية الالمانية , ولكنها تشير ايضا الى الاجواء الروسية التي تجري بها حكاية بوشكين . لكني اطلعت مرّة على حوارمنشور بالروسية مع مدير متحف الماني حول هذا الموضوع , وكان عنوان هذا الحوار قاسيا وحادّا جدا , وجاء كما يأتي – (لقد سرق بوشكين حكاية الاخوين غريم ). ولا يمكن ان نتفق مع هذا الرأي بتاتا , اذ ان صياغة بوشكين الروسية شعرا لتلك الحكاية  وفي اجواء روسية بحتة , جاءت بشكل يختلف اختلافا جذريا و جوهريا عن نثر الاخوين غريم , وبالتالي , فان بوشكين لم يأخذ سوى الفكرة العامة للحكاية , وهي بالطبع ليست ( سرقة !) كما أشار مدير المتحف الالماني , فليس كل من يتحدث او يكتب عن روميو وجوليت او قيس وليلى مثلا هو (سارق !).   


603
أمثال اندونيسية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – مطر الاحجار في الوطن افضل من مطر الذهب في الغربة. 
التعليق – موضوع الغربة وعذاباتها وقسوتها ينعكس في امثال مختلف الشعوب , وكلها تصب في معنى واحد, وهو- ان الغربة تعيسة مقارنة مع الوطن حتى ولو كان (مطرها من الذهب !)كما يقول المثل الاندونيسي هنا.  كلنا نتذكر - 
بلادي وان جارت عليّ عزيزة ....
+++++
الترجمة الحرفية – الثمار يأكلها ليس دائما ذاك الذي زرع الشجرة.
التعليق – يقول مثلنا العربي في هذا المعنى المباشر -  زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون , و ربما هناك معنى مجازي لهذا المثل الاندونيسي وهو ان (الثمار يأكلها) – في كثير من الاحيان – اناس آخرون غرباء عن الذي (زرع!) الشجرة المثمرة وبذل جهدا في رعايتها , اما هؤلاء فلم يبذلوا أي جهد في زراعتها.
+++++
الترجمة الحرفية – بعد موت النمر يبقى جلده , وبعد موت الانسان يبقى مجده.
التعليق – لا شئ يبقى عند موت النمر سوى جلده , اما الانسان فيبقى عمله الجيد , والذي يجمله الحديث الشريف (صدقة جارية اوعلم ينتفع منه او ولد صالح يدعو له) , وكلها تعني طبعا مجد الانسان.
+++++
الترجمة الحرفية – ضفاف بحر العسل من السكّر.
التعليق –  الصورة الفنية في هذا المثل جميلة جدا وذات خيال مدهش. من الواضح تماما ان هذا المثل يؤكد على التفاؤل والانشراح , ف (بحر العسل) يجب  ان  يحيطه  ( ضفاف السكّر) , في الخيال وفي الطبيعة وفي قوانين الحياة الاجتماعية ايضا.  لنتذكر الآية الكريمة - فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ...
+++++
الترجمة الحرفية – في الثغر الحلو سم أفاعي.
التعليق –  يقول مثلنا باللهجة العراقية – ( بالوجه مرايه وبالكفه سلايه) ( مرايه – مرآة // الكفه – الجانب الآخر الداخلي للشئ // سلايه – اشواك ). الصورة الفنية للمثل  الاندونيسي هنا  جميلة جدا  و واضحة بكل معنى الكلمة  ودقيقة وحاسمة.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا كان الماء هادئا , لا تظن انه لا توجد فيه تماسيح.
التعليق – يقول المثل الروسي  - المظهر الخارجي خدّاع , ويؤكد المثل العربي ان ( الحذر يقيك الضرر ). المثل هنا يرتبط ارتباطا وثيقا بالطبيعة الاندونيسية بلا شك.
+++++
الترجمة الحرفية – وفي عاج الفيل توجد شقوق.
التعليق –  يوجد مثل باللهجة العراقية يقول – حتى الكمر بيه لوله ( الكمر – القمر // بيه – به // لوله – عيب او نقص ).
+++++
الترجمة الحرفية – النار الصغيرة – صديق , النار الكبيرة – عدو.
التعليق – توجد امثال عربية عديدة في هذا المعنى , منها – الزائد كالناقص // كل شئ يزيد عن حده يصير ضده... . الصورة الفنية  في هذا المثل الاندونيسي ترتبط بالنار , و الصورة هذه – بالتالي - واضحة المعالم  ومفهومة جدا لكل انسان.
+++++
الترجمة الحرفية – اجلسته على كتفي , فأراد ان يجلس على رأ سي.
التعليق –  يقول المثل باللهجة العراقية -  كعدته وراي مد ايده بالخرج  ( اجلسته ورائي فمد يده بالخرج اي  بكيس النقود ).
+++++
الترجمة الحرفية – الخداع يؤدي الى الهلاك.
التعليق – الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر, هكذا يقول مثلنا العربي . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا يفترقان مثل النار والدخان.
التعليق – تستخدم امثال الشعوب ظواهر الطبيعة لتجسيد صفة الارتباط الوثيق بين البشر , وهناك صور عديدة في هذا المجال , منها مثلا – ( الابرة والخيط  في المثل الروسي – اينما تسير الابرة يتبعها الخيط //, الدلو والحبل في المثل العربي ...
+++++
الترجمة الحرفية – تخلّص من اسنان التمساح ووقع في فم النمر.
التعليق-  امثال عربية عديدة في هذا المعنى  , منها  - هرب من المطر ووقع تحت المزريب // هرب من الدخان وسقط في النيران // ....الا ان الصورة الفنية في المثل الاندونيسي هنا أكثر قسوة ورعبا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لن يصبح الغراب ابيضا  حتى لو يغتسل بماء الورد.
التعليق – يقول المثل العربي  - كثرة الغسيل ما تبيض الفحم , ويقول المثل الروسي -   الكلب الاسود لا يصبح ابيضا بالغسل .
+++++

604
حول مسرحية تشيخوف – بستان الكرز
ترجمة – أ. د . ضياء نافع
كتب المخرج الفرنسي جان- لوي بارو هذه الكلمة خصيصا لمجلة تياتر (المسرح) الروسية اثناء زيارته لموسكو في نهاية ثمانينات القرن الماضي , ولا تزال هذه الافكار – من وجهة نظرنا – مهمة وصحيحة وتستحق الاطلاع عليها.
ض. ن.   
++++++++++++++++++++++++++++++++++++


اني اعتبر مسرحية ( بستان الكرز) قمة ابداع تشيخوف.ان هذه المسرحية تمثل النتاج الاكثر شمولية بين المسرحيات الاربع الكبرى التي كتبها تشيخوف للمسرح , المسرحية التي تعبر بدقة متناهية عن الروح الروسية , والتي تنسلخ فجأة عن تلك الروح وتجوب العالم وتوقظ الاصداء في اعماق النفس الانسانية في كل مكان. الحدث في  ( بستان الكرز) يسير بشكل بطئ , مثل الحياة نفسها , مثل جدول رقراق تسمع خرير مياهه , كما لو ان النفس الانسانية تتحدث بهمس. هناك مسرحيات قليلة جدا تثير مثل هذه الاحاسيس الملموسة لمسيرة الزمن...كل القضية تكمن في ان هذه المسرحية  توقظ الحاضر في الذاكرة وبشكل استثنائي.المسرح هو بالذات الحاضر.وهنا يكمن جوهر المسرح.ان الحاضر هو اكثر الاشياء التي لا ندركها في الحياة, ولهذا ليس غريبا اننا لا ندرك (بستان الكرز ) ايضا.
ان الحدث في المسرحية يدور في (السكوت) وفي الملاحظات حول الحوار, ما عدا المقاطع الشعرية التي تقف متفردة...من اجل اجبارنا ( كما في الموسيقى) على الاحساس بالحياة المليئة بالصراع مع الزمن الذي يتحول امام اعيننا وبلحظة واحدة الى مستقبل – مستقبل و ماضي – ذكريات.
هذه مسرحية عن زوال الزمن.لهذا فلا يوجد فرق للانسان, اذا كان محورها روسيا او يابانيا.
(بستان الكرز) ابداع انساني شمولي, ولانها كذلك , يجب ان تصبح  ملكا لجميع الشعوب, جنبا لجنب مع ابداع شكسبير ومولير. لكن , مهما تكن عالمية (بستان الكرز) فاننا لا يمكن الا ان نعطي للروح الروسية حقها, لانها شقٌت لنا الطريق امام هذا التقبل الرهيف للزمن الذي يمضي...
البناء الدراماتيكي للمسرحية موسيقي بشكل عميق, والحاضر هناك سريع وعابر لدرجة ان الكاتب لا يستطيع ان يلحق بتطوير الموضوع الذي يتناوله, وينتقل الى الموضوع الذي يليه بدون ان ينتهي منه...ان هذا (اللااكتمال) لكل لحظة هناك, هو الذي يخلق احساسا بالقلق الاصم وهو الذي يشكل بالنهاية محور المسرحية.
الآن من الشائع التحدث عن وجود الاحداث القليلة في مسرحيات تشيخوف...نعم , فعلا مواضيع مسرحيات تشيخوف بسيطة, ولا يوجد فيها احداث مترابطة, والعقدة فيها غير متشابكة, لكن هذا لا يعني ابدا, ان الاحداث قليلة عند تشيخوف. لا يجوز خلط الحدث والعقدة. في مسرحية (بستان الكرز) الحدث لا ينقطع, انه متوتر ومتكامل, وذلك لان كل لحظة من لحظاته مليئة حتى الاشباع. كل لحظة تمتلك اشباعها الخاص بها. لكن , ليس الحوار هو الذي يخلق ذلك, وانما الصمت والحياة التي تمضي. وهذه الحياة المليئة بالسكوت, وهذه الوحدة المخفية لمواضيع الحدث الزائل , وهذا البطء الحزين ...كل هذا يخلق للممثلين مشاكل مقلقة.
(بستان الكرز) هي واحدة من تلك المسرحيات النادرة جدا التي يمكن للفرقة المسرحية ان تتولع بها, وتنسى بانها على خشبة المسرح, وتصدق بانها عائلة واحدة وان هذا البيت موجود فعلا, وان الحياة الحقيقية تحيط بهم.
هذه الاجواء الساحرية يمكن الوصول اليها فقط بالوسائل الفنية العالمية, اذ ان هذه المسرحية لا ترتبط بالمدرسة الطبيعية كما كان القول سائدا عام 1904, ولا ترتبط حتى بالواقعية بالمعنى الضيق للكلمة. انها ترتبط بالحقيقة , التي تتناسب مع الجانبيين ( الحقيقة دائما ذات جانبين ) تضم في اعماقها الواقعي والشاعري, المرئي والمخفي . واذا شاء القارئ , فانها واقعية شاعرية, كما هو الحال عند شكسبير... ان المحور الذاتي بعمق والاعتيادي للمسرحية يتطور بشكل منتظم من الخاص الى العام...وبطريقة لا يلاحظها القارئ او المشاهد يتحول الاعتيادي واليومي ويصل الى الاجواء الفلسفية.
والشئ الذي يدهشنا اكثر, هو ان هذه المسرحية وهي تبدأ من الذات الانسانية مع عالمها المبتذل, تصل بسرعة الى نطاق المجتمع باكمله. وليس هذا كل شئ – انها تحلٌق , ومن جديد تنعطف نحو الذات الانسانية وتعود اليها, الى الذات الانسانية بالمعنى الاكثر سعة وفلسفة وانسانية وشمولا وهذا بالذات هو الذي يجعل منها مسرحية عظيمة.
(بستان الكرز) مسرحية تتخطى ( الظاهرة الروسية ) البحتة ويتجاوب معها المشاهد بشكل قوي جدا, انها تؤثر فينا من وجهة نظر ( المكان), اذ انها  تصل الى قلب كل انسان على الكرة الارضية, وكذلك من وجهة نظر ( الزمان) , اذ يتحسس كل انسان ان الافكار التي تعبر عنها المسرحية عادلة لكل زمان.
( بستان الكرز) ليست فقط اجتماعية,اذ ان تشيخوف كان استاذا باهرا وكبيرا , لهذا لا يمكن ان يحدد نفسه بالتعبير عن الوسط الاجتماعي وحسب. انها مسرحية شاعر عظيم, ساعدته رهافة الاحاسيس غير الاعتيادية وعمق الروح في الوصول الى منابع الحياة نفسها.
ويوجد هناك درس آخر لبستان الكرز. فعندما كتب تشيخوف هذه المسرحية اراد ان يعرض لنا وبشكل جلي – كيف يجب ان يكون الفنان.اننا نتجنب هذه الكلمة عادة نتيجة للتواضع الكاذب. ان الفنان هو – قبل كل شئ –شاهد لعصره . والفنان , بالتالي, يجب ان يكون خادما مخلصا للعدالة, وانه لا يستطيع ان يخونها من اجل اي هدف من الاهداف... تشيخوف – مثل نادر للفنان العادل بصدق, والذي يستحق بجدارة الاعتراف الشامل من قبلنا جميعا بمكانته تلك...
ويعط ويفوح من مسرحية ( بستان الكرز) التجرد وعدم المحاباة. ان فن تشيخوف هو فن العدالة, وهو الفن الذي يصلح للمسرح الكبير.
وتشيخوف فنان ايضا , لانه يعطينا درسا في ادب السلوك والذوق والعاطفة, وبكلمة واحدة – درسا في العفاف, ولا يمكن ان يكون الفنان عظيما الا اذا تميز بذلك.
ان تشيخوف يعلمنا الحرص على كل كلمة نكتبها, اذ اننا لا يمكن ان نحذف كلمة واحدة من (بستان الكرز). كل شئ يمكن ان يتغربل, غربله تشيخوف. لقد تخلص من كل ما هو فائض...تماما كما كتب معلمنا راسين – (كل ما تقدموه على المسرح, كل شئ يجب ان يكون ضروريا وعلى احسن وجه ).
واخيرا,فان تشيخوف – هو الفنان النموذج ايضا, لأن كل شخصياته مزدوجة, كما هو الحال عند شكسبير...لا يوجد عند تشيخوف بطل نمطي. عند جميع ابطاله توجد صفات معقدة. لا يوجد عنده انسان آلي , ففي كل شخصية من شخصياته يوجد قلب حي ينبض.هذه مسرحية تمس القلب, والقلب اقوى من العقل.

605
أمثال الهنود الحمر مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – قبل أن تأكل اشكر الطعام .
التعليق –  مثل عميق يرتبط  بقيمة الطعام واهميته  في مسيرة الحياة الانسانية. يقول المثل العربي – الجوع كافر , وهناك قول عربي شهير في تراثنا  حول الفقر وهو – لوكان الفقر رجلا لقتلته , وتشير بعض المصادر اليه باضافة كلمة ( الجوع ) بدلا من الفقر, والمفهومان قريبان من بعض طبعا , فالفقر يؤدي الى الجوع.
+++++
الترجمة الحرفية – لن يكون ( قوس قزح) عند الروح ان لم تكن هناك دموع في العيون.
التعليق – يعد قوس القزح رمزا للجمال والفرح في الطبيعة , وهو يرتبط بشروق الشمس بعد المطر مباشرة , ويحل قوس القزح للروح بعد المعاناة المليئة بالدموع  حسب مثل الهنود الحمر هذا . ما اجمل هذه المقارنة وما اعمقها . يقول المثل العربي في اطار هذا المعنى ايضا  – من يتعذب كثيرا يتعلم كثيرا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تخافوا  من الدموع , اذ انها تحرر عقولكم من الافكار الحزينة.
التعليق – يشير القول العربي الجميل , الى ان الدموع هي - ( مطافئ الحزن الكبير) . مثل الهنود الحمر هنا اكثر سعة وشمولية وعمقا , اذ انه يقول    ان الدموع  تحرر عقل الانسان من الافكار الحزينة. يوجد قول باللهجة العراقية في هذا المعنى , وهو– ( الانسان  يرتاح  لمّن يبجي) ( لمّن – عندما // يبجي – يبكي )
+++++
الترجمة الحرفية –                 عدم الجواب  -  جواب ايضا.
التعليق –  يوجد مثل عربي في هذا المعنى تقريبا , وهو – من قال لا اعرف فقد أفتى.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تُقلق( بضم التاء) الناس بالسؤال  عن دياناتهم.
التعليق –   يتحدد اسم الانسان ودينه وقوميته رأسا عندما يولد , ولهذا     يدعو هذا المثل العميق الى عدم السؤال عن ذلك . كم نحن بحاجة – في بلداننا العربية -  الى هذا المثل  في زماننا  الردئ .
+++++
الترجمة الحرفية – الحقيقة هي الشئ الذي يؤمن به الناس.
التعليق – مثل فلسفي بحت . هل ان الحقيقة موجودة  في الحياة بغض النظر عن آراء الناس حولها, ام  ان تلك الآراء هي التي تصيغها وتصنعها؟  يوجد مثل جورجي يقول – اذا اثنان من الناس قالا لك انك أعمى فاغلق عينيك .
+++++
الترجمة الحرفية – ليكن عدوي قويا ومرعبا, كي لا أشعر بالخجل عندما أنتصر عليه.
التعليق –  يوجد مثل عربي في هذا المعنى تقريبا , وهو - الانتصار على الضعيف هزيمة.
+++++
الترجمة الحرفية – يجب على الانسان ان يعمل سهامه بنفسه.
التعليق –  يجب على الانسان ان يعرف تفاصيل سلاحه وخصائصه كي يستخدمه بشكل صحيح ودقيق , اذ لا  ( يحك جلدك مثل ظفرك ) كما يقول مثلنا العربي المشهور .
+++++
الترجمة الحرفية – في أعماق كل انسان يجري صراع بين الذئب الشرير والذئب الطيب. ينتصر دائما ذاك الذئب الذي انت تطعمه.
التعليق –  يجسّد هذا المثل الصراع الدائم في اعماق كل البشر بين الخير والشر , والصورة الفنية هنا ترتبط ارتباطا وثيقا بطبيعة حياة الهنود الحمر وخصائصها , وفي هذا الجانب بالذات تكمن جمالية هذا المثل.
+++++
الترجمة الحرفية – حتى السمكة الميّتة يمكن ان تسبح مع التيار.
التعليق –  السباحة مع (التيار!) أمر سهل يمارسه الكثيرون من المنافقين في كل المجتمعات. يسخر مثل الهنود الحمر هنا (وفي اطار صورة فنية قاسية وصارخة وحادة جدا) من هذه الظاهرة الاجتماعية. يوجد مثل عربي ساخر (بمختلف اللهجات العربية)  في هذا المعنى تقريبا  وهو – كلمن ياخذ امي اسميه عمي.
+++++
الترجمة الحرفية – من أجل ان تفهم نفسك اختلط مع الاحجار في الجبال.
التعليق –  يدعو هذا المثل الشاعري الجميل الى التأمل بصمت والانعزال عن المجتمع لفترة محددة كي ( يفهم الانسان نفسه !). مثل فلسفي عميق  يساعد الانسان  فعلا على مراجعة نفسه كي يستوعبها ويتفهمها بكل ابعادها.
+++++
الترجمة الحرفية – عند الرجل الابيض مدراء أكثر مما يجب.
التعليق – مثل ذكي و ساخر  حول بيروقراطية (الرجل  الابيض !) , الذي خاض حروبا ضد الهنود الحمر. من الواضح ان الهنود الحمر كانوا يراقبون  حياة هؤلاء الذين حاربوهم ودمّروا حياتهم وهم في عقر دارهم .
+++++



606
تشيخوف و الفيلسوف شيستوف
أ.د. ضياء نافع
كتب الفيلسوف الروسي شيستوف حول ابداع تشيخوف مقالة شهيرة له في تاريخ النقد الادبي الروسي عنوانها – ( ابداع من لاشئ), ولازال هذا القول (الغريب او غير المفهوم للوهلة الاولى!) قائما في النقد الادبي الروسي ( وغير الروسي ايضا ) حول  تشيخوف بشكل او بآخر. نحاول في مقالتنا هذه التوقف عند هذه النقطة وتوضيحها- من وجهة نظرنا – للقارئ العربي انطلاقا من ضرورة التعمق في دراساتنا لاديب عالمي كبير مثل تشيخوف واهميته في تاريخ الادب الروسي والعالمي.                                                ض.ن.         
تشيخوف   – كاتب معروف طبعا لنا ( رغم اننا لا نعرفه بشكل متكامل الابعاد , ولا نستوعب مثلا سبب استمرار مسيرته  في العالم لحد الان ),
أمٌا شيستوف فانه يكاد ان يكون مجهولا  تقريبا لنا, رغم ان المهتمين العرب بالشأن الفلسفي وتاريخه واعلامه تحدثوا عنه هنا وهناك , لهذا فاننا نبتدأ مقالتنا اولا بالكلام الوجيز عن شيستوف , ثم ننتقل الى  فحوى مقالته ذات العنوان المشار اليه  اعلاه.
ولد ليف شيستوف عام 1866 في الامبراطورية الروسية , وهرب من روسيا السوفيتية مع عائلته بعد ثورة اكتوبر 1917 كما هو حال الكثير من المثقفين آنذاك , واستقر في فرنسا , وتوفي فيها عام 1938 ودفن هناك .
شيستوف فيلسوف قبل كل شئ , وقد وضع بصماته الفكرية والفلسفية حتى على مسيرة الفلسفة الوجودية في اوربا , ولكنه كان لصيقا بالادب ان صح التعبير . اول كتاب اصدره بروسيا في هذا المجال ( اي الفلسفة والادب) كان عام 1898 و بعنوان – (شكسبير وناقده برانديس) , وصدر كتابه الثاني بعد سنتين (في عام 1900) وكان بعنوان – (الخير والشر في تعاليم تولستوي ونيتشه) , ثم بدأ بنشر فصول في مجلة ( عالم الفن ) الروسية  حول علاقة دستويفسكي ونيتشه واصدرها في ما بعد بكتاب مستقل تحت عنوان – (دستويفسكي ونيتشه) . تشير المصادر الروسية الى ان شيستوف كان مهتما بتشيخوف ويتابع ابداعه , وان تشيخوف نفسه ايضا كان يتابع نشاط شيستوف الفكري , وقد انعكس كل ذلك في مراسلات مدونة ومنشورة بين الاصدقاء المعاصرين لهما ( لا مجال لذكرها هنا ), الا انهما لم يلتقيا معا , رغم ان ذلك اللقاء كان يمكن ان يحدث على وفق تلك الرسائل في عام 1902 ( كان تشيخوف آنذاك مريضا و كان مضطرا ان يعيش في مدينة يالطا بالقرم)  , حسب هذه المراسلات المتبادلة بين هؤلاء الاصدقاء. لقد كتب الفيلسوف شيستوف مقالته التي أشرنا اليها عام 1905 , اي بعد وفاة تشيخوف عام 1904 مباشرة , اذ كانت هذه المقالة جاهزة في ذهنه واقعيا, وهو ما يؤكد اشارتنا في اعلاه على اهتمامه ومتابعته لنتاجات تشيخوف. لقد  تم نشرالمقالة في كتاب شامل صدر عن تشيخوف  عام 1905 في الذكرى الاولى لرحيله .
مقالة شيستوف تتوزع ضمن ثمانية اجزاء , كل جزء منها يقف تحت رقم خاص به . في الجزء الاول يشير شيستوف – (  الى ان وفاة تشيخوف تسمح لنا ان نتكلم عنه  بحرية ) , ويقصد طبعا الكلام عنه بشكل كامل بغض النظر عن تعددية آراء النقاد حول ابداعه , ثم يستعرض تلك الآراء التي تحمل تناقضات واختلافات حادة بشأن ابداع  تشيخوف , ويتوقف تفصيلا عند آراء وافكار الناقد الروسي ميخايلوفسكي , الذي كان آنذاك من أبرز النقاد الروس , ويتحدث بعدئذ عن المقارنة بين تشيخوف وموباسان , ويختتم هذا الجزء بالاشارة الى ان تشيخوف ( ذهب ابعد جدا من موباسان ) , رغم ان ابطال تشيخوف ( كانوا يموتون ), بينما ابطال موباسان ( كانوا يبقون على قيد الحياة) . يكتب شيستوف في الجزء الثاني من مقالته تلك عن انتقال تشيخوف من مرحلته المبكرة الساخرة , عندما ( كان يكتب مثل الطير ) الى قصته ( تاريخ ممل ) ومسرحيته ( ايفانوف ) , والتي كتبهما عندما كان عمره يتراوح بين 27 – 28 سنة ليس الا , ويتوقف الفيلسوف تفصيلا عندهما , مشيرا الى انه يرى , ان ( تشيخوف كان يبكي في كل سطر من سطورهما ), ويستنتج شيستوف , ان بكاء تشيخوف لا يمكن ان يكون منطلقا فقط من رؤيته لمعاناة الآخرين وحسب , وانما من معاناته الشخصية في اعماق روحه , والتي لم يتمكن النقد الادبي االروسي من ملاحظتها . يختتم شيستوف هذا الجزء بالحديث عن تأثير تولستوي على ابداع تشيخوف في تلك المرحلة . في الجزء الثالث يستمر الحديث عن ( تاريخ ممل ) بشكل معمق , حيث يؤكد الفيلسوف شيستوف على فكرته الاساسية وهي ان تشيخوف يجسّد اليأس في روحيته الجديدة , ويشير في الجزء الرابع ايضا الى نفس الفكرة ويقول ان ( ابطال تشيخوف وحيدون ) في عالمهم الشخصي والروحي . في الجزء الخامس يحاول شيستوف ان يصل الى الاستنتاج نفسه ويشير الى ان الانسان عند تشيخوف ( بلا أمل ) . في الاجزاء المتبقية , وهي - الجزء السادس والسابع والثامن يتوقف شيستوف طويلا عند الحوار المشهور بين كاتيا والبروفيسور في ( تاريخ ممل), والتي يصف فيه تشيخوف كيف تتعذب كاتيا وهي تلح باكية بالسؤال وكيف يجيب البروفيسور بانه لا يعرف الاجابة وهو يكرر جملة – ( لا اعرف ) , ويختتم شيستوف مقالته تلك بالاشارة الى ان تشيخوف ايضا قال للقارئ نفس الجملة – ( لا اعرف ).
لا يمكن لهذا العرض السريع لمقالة  شيستوف ان يرسم صورة متكاملة لكل الجوانب العميقة لها , وان الاستيعاب الحقيقي لافكارها يقتضي ( للقارئ العربي ) قراءة الترجمة الكاملة لهذه الدراسة  الى العربية بلا شك . لقد أثارت هذه المقالة في حينها ضجة كبيرة في اوساط النقد الادبي الروسي , اذ أشار البعض الى انها ( كلمة جديدة تمجّد تشيخوف وابداعه) , بينما قال البعض الآخر انها أساءت الى تشيخوف معتبرة اياه ( كاتب اليأس والموت ) , واعتبر النقد الادبي السوفيتي اسم شيستوف رمزا لعدم استيعاب الباحثين في مرحلة ما قبل ثورة اكتوبر 1917 لابداع تشيخوف وانسانيته , بل واعتبروا عنوان الدراسة هذه نفسها , اي ( ابداع من لاشئ), اساءة لتشيخوف وابداعه , بينما أكّد الاخرون , ان شيستوف اراد ان يقول في صياغته للعنوان , ان عبقرية تشيخوف استطاعت ان تعطينا ابداعا من لاشئ , وان هذا الابداع قد جعله في مصاف الادباء الكبار في روسيا وفي خارجها ايضا , وانه يمتلك خصائصه الفنية والابداعية.
ان هدف  مقالتنا هو الاشارة – قبل كل شئ -  الى دراسة شيستوف واهميتها في تاريخ النقد الادبي الروسي ( والتي تكاد ان تكون مجهولة للقارئ العربي ) , والتأكيد – مرة اخرى – على مكانة تشيخوف في مسيرة الادب الروسي خصوصا والادب العالمي بشكل عام .
اتمنى ان ( يتطوع !) مترجم عراقي او عربي بترجمة هذه الدراسة العميقة للفيلسوف الروسي شيستوف عن تشيخوف , وذلك لاغناء مكتبتنا العربية , اذ لا مجال لي شخصيا القيام بذلك مع الاسف . هل من مجيب؟



 





607
رسالتان من آنا أخماتوفا الى ستالين
من وثائق الادب الروسي
ترجمة – أ. د. ضياء نافع

 
الرسالة الاولى
 1935
1 تشرين الثاني/ نوفمبر

يوسف فاسيريونوفيتش الموقر
قررت ان أتوجه اليكم بهذه الرسالة, لاني اعرف موقفكم تجاه القوى الثقافية للبلاد, وبالاخص تجاه الادباء. لقد اعتقلت قوميسارية الشؤون الداخلية في 23 تشرين الاول/ اكتوبر في لينينغراد زوجي نيقولاي نيقولايفتش ( البروفيسور في اكاديمية الفنون) وابني ليف نيقولايفتش غوميليوف( الطالب في جامعة لينينغراد الحكومية).
يوسف فاسيريونوفيتش – انا لا اعرف بماذا يتهمونهما, لكني اعطيكم كلمة شرف , بانهما ليسا من الفاشست ولا من الجواسيس ولا من المشاركين في الجمعيات المضادة للثورة.
اني اعيش في اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية منذ بداية الثورة, ولم أرغب بتاتا بمغادرة البلاد التي يشدني اليها عقلي وقلبي, على الرغم من ان اشعاري لا يطبعونها, والتقييمات النقدية تجاهي تسبب لي الكثير من اللحظات المريرة , لكن عزيمتي لم تنهار,وانا مستمرة  بالعمل في ظروف معنوية ومادية في غاية الصعوبة, واصدرت عملا عن بوشكين, والعمل الثاني معد للطبع. اني اعيش في لينينغراد بانعزالية تامة, وغالبا ما اتمرض ولفترات طويلة. ان اعتقال أقرب اثنين لي هو ضربة لا استطيع ان اتحملها.
أرجوكم, يا يوسف فاسيريونوفيتش , اعادة زوجي وابني اليّ, وانا متأكّدة, انه لن يأسف أحد بخصوص ذلك ابدا.
آنا أخماتوفا


++++++++++++++++++++++++++

الرسالة الثانية

6 نيسان/ابريل – 1939
يوسف فاسيريونوفيتش الموقر
أتوجه اليكم برجاء حول انقاذ ابني الوحيد ليف نيقولايفتش غوميليوف, الطالب في الصف الرابع بكلية التاريخ في جامعة لينينغراد الحكومية. ان ابني معتقل منذ ( 13) شهرا, وهو في السجن. لقد حكموه, ثم الغي الحكم بعدئذ, والان عادت القضية الى مرحلتها الاولية من جديد( وقد مضى على ذلك خمسة اشهر).
ان الاعتقال الطويل لابني سيؤدي به وبي الى عواقب وخيمة. اني في الوقت الحالي أعيش بعزلة تامة, واصبت بمرض شديد ( سرطان الوجه), وقد انفصلت عن زوجي. ان عدم وجود ابني, وهو أقرب انسان لي, يسلبني كل امكانيات الحياة.
ابني مؤرخ موهوب, ويمكن للاكاديمي ستروفه وللبروفيسور ارتامونوف ان يشهدا بان عمله المقبول للنشر يستحق الانتباه.
اني واثقة, ان ابني غير مذنب بتاتا امام الوطن والحكومة, وقد كان يحاول دائما بعمله ان يبرر تلك الثقة العالية التي اوليتموها لنا, عندما أعدتم اليّ ابني في عام 1935.
بارتباك هائل , وانا اشعر بضخامة طلبي, اتوجه اليكم مرة اخرى.
يوسف فاسيريونوفيتش- انقذوا مؤرخا سوفيتيا, وامنحوني امكانية ان احيا واعمل من جديد.
آنا أخماتوفا

ننشر الوثيقتين بلا تعليق , ونترك للقارئ بلورة الرأي بشأنهما,لكننا نود ان نشير هنا فقط , الى انهما ينشران – حسب علمنا المتواضع – لاول مرة بالعربية.

608
تولستوي يرفض حقوق التأليف
فيكتور شكلوفسكي
ترجمة أ.د. ضياء نافع


فيكتور بوريسوفيتش شكلوفسكي (1893- 1984) – اديب روسي معروف وناقد ادبي ساهم في مسيرة الادب الروسي منذ عام 1914 الى وفاته, والمقالة التي نقدمها للقارئ هنا مترجمة –بتصرف- من كتابه الموسوم (تولستوي) والذي صدر بعدة طبعات, وهي تتناول بعض افكار تولستوي الفلسفية . 
ض.ن.
++++++++++++++++++++++++++++

كانت واقعية تولستوي – واقعية فلاح جاء الى المدينة وشاهد الحياة الصاخبة, وتحولت الى خطوة جديدة في تطور الفن في روسيا والعالم ايضا...لقد وطٌد تولستوي واقعيته عبر صراع مع شكسبير,الذي كان يرى فيه عبقرية كبيرة, ويمتلك تجربة عظيمة , ولكنه-مع ذلك- يصٌور اشياء غريبة وغير اعتيادية –(ان ابطاله لا يتكلمون كما يتكلم الناس الذين نعرفهم, وما يفعلونه لا يشبه ابدا ما نجده في القرية الروسية)...
لكن واحدة من كبريات المعجزات التي خلقها العقل الانساني –هي تلك الاهمية الخالدة للنتاجات الفنية,هذه النتاجات التي خلقها الفنانون بفعل ظروف محددة, ثم اخترقت تلك الظروف, وبقيت تعيش بعدها ايضا, ودخلت مرحلة الخلود.
...لقد سخر تولستوي من الملك لير- (هذا لا يحدث في الواقع ) هكذا كان يفكر تولستوي- ملك يتكلم بكلمات غريبة, ويوزع المملكة بين اطفاله,ثم يطرده هؤلاء الاطفال, ويذهب مع خادمه الى مصير عاصف.
الممثل ميخوليس, الذي كان يستعد لتمثيل دور الملك لير, قرأ مقالة تولستوي عن شكسبير, واعجب بها جدا, ولكنه قال – (تولستوي رفض الملك لير...ولكنه يقوم بتمثيل دوره, اذ انه وزع ثروته وذهب الى المنفى ...)
من المستحيل (خروج) الانسان من الحياة, الا ان انصار تولستوي حاولوا ذلك...أسسوا مستعمرات زراعية, مارسوا الاعمال اليدوية, وترك بعض اساتذة الجامعة اماكن عملهم وكذلك فعل بعض المثقفين وذهبوا ليحرثوا الارض, وحرثوها بشكل سئ طبعا...وتولستوي(الذي كان يحلم بالماضي, ويؤمن به,لكنه يعيش في الحاضر )كتب يقول –(ان الذهاب الى الكومونة, والكومونة نفسها ,والاحتفاظ بها في هذا النقاء – كل هذا خطأ وخطيئة...ان الانفراد بهذا الشكل من اجل ان يحتفظ الانسان بنقائه – قذارة كبيرة وهائلة)
وفعلا استمرت هذه العملية حوالي ثلاث سنوات لا اكثر, وكان المشاركون فيها يكتبون عن تجربتهم كما لو كانت معجزة... وفي هذا لم تكن هناك اية حقيقة... وكتب تولستوي نفسه يقول – (ان العمل الحقيقي هو العمل الاعتيادي, وليس العكس.)
ولكن اولاد تولستوي وزوجته بدأوا يطالبون بتقسيم الارض عليهم...ما العمل,حين يحيط بك الاقرباء الغرباء, حين يناقشونك كل يوم, حين ينظرون اليك بعيون الماضي, وهم يشبهونك لانهم اطفالك...ما العمل؟ قال تولستوي لاحد اصدقائه- (يجب علي ان اوقع الوثيقة, التي ستنقذني من الملكية, ولكن التوقيع يعني – التراجع عن المبدأ... ومع هذا فاني ساوقع لاني ان لم افعل- ساجلب الشر...)
ويوقع تولستوي وثيقة تقسيم الارض والثروة بين اولاده وزوجته ويكتب بعد فترة يقول –( لقد جلبت بذلك التوزيع شرا عظيما للاطفال. ان هذا يناقض افكاري ورغباتي وكل شئ اعيش من اجله.)
بعد تقسيم الارض والثروة, كان على تولستوي ان يقرر مسألة اخرى- حقوق التأليف.
في عام 1891 يقول تولستوي لزوجته,انه سيكتب رسالة الى الصحف يعلن فيها رفضه حقوق تأليف مؤلفاته كلها. صوفيا اندرييفنا تصمت... وتمر ايام اخرى ويعود تولستوي الى الكلام عن هذا الموضوع نفسه ... وتكتب صوفيا في مذكراتها – ( في هذه المرة لم اكن مستعدة ... شعرت بكل الاجحاف الذي تعنيه هذه الخطوة بالنسبة للعائلة, وشعرت لاول مرة, ان هذه الاحتجاج سيكون اعلانا جديدا عن الخلافات مع العائلة والزوجة, وكان هذا يقلقني اكثر من اي شئ آخر... ولقد ناقشنا بعضنا وكلانا خاطب آلاخر بما لم يكن لائقا... اذ اني اتهمت تولستوي بالتعطش للمجد والتكالب في البحث عنه, اما هو فقد اتهمني باني احتاج الى الروبلات, وانه لم يقابل في حياته امرأة اكثر مني غباءا وبخلا, ثم قلت له, كيف انه كان ينتقص مني طوال حياتنا, وانه لم يتعود التعامل مع النساء الشريفات, فاتهمني بدوره, باني لا افسد الاطفال الا بتلك النقود التي استلمها...ثم أخذ يصرخ في النهاية – اخرجي ... اخرجي...)
كان الموضوع حتى الآن يدور عن رفض تولستوي لحقوق تأليف النتاجات الادبية الاخيرة, اما الاجزاء الاحد عشر فقد كانت لا تزال تعتبر ثروة كبيرة للعائلة...لكن النقاش كان يدور في الوقت نفسه عن قوانين الحياة بشكل عام, وعن حق التملك بالنسبة لصوفيا, اما بالنسبة لتولستوي فقد كان جوهر الحوار عن – (ضعف تلك الاعمال التي كانت قادرة على ان تخدم الحقيقة...)
صوفيا اندرييفنا كانت تبكي, وتقرر (الهروب) الى الغابة وتخجل من الحارس الذي رأى دموعها, وتصل الى (حديقة التفاح) وتجلس لتكتب تلك المقاطع في دفتر مذكراتها, تكتب بقلم رصاص كان معها في تلك اللحظة, وتنهي تلك المقاطع بتلك الجملة – ( الحياة مع ليف نيقولايفتش تعذبني.)
في شبابها, ايام الخلافات الحادة, كانت صوفيا تفكر بالانتحار, اما الآن , فانها اكتفت ب(الهروب) الى حديقة التفاح.
وتقرر صوفيا ان هذه هي ارادة الرب...ولكنها مع هذا ارادت ان (تدفن) نفسها في اعماق الحديقة... وكتبت كل هذا يوم 21 تموز/يوليو, اما تولستوي نفسه, فقد كتب في دفتر مذكراته يوم 22 من الشهر نفسه ما يأتي- ( امس, كان حديثي مع زوجتي عن الرسالة الخاصة برفض حقوق التأليف. من الصعب ان اتذكر, ولكن الشئ الرئيس هو وصف كل شئ,كما حدث) بعد هذه الجملة يظهر (19) سطرا مشطوبا, ثم يقول –( بدأت الحديث بانها قالت مساء, ونحن نتهيأ للنوم, بانها موافقة. لقد حزنت عليها )
ويمضي الوقت...ثم يبدأ تولستوي مرة اخرى في مراسلة الصحف... وكان الحديث هذه المرة يدور حول رفض كل الحقوق الخاصة بالمؤلفات جميعها...الموضوع يسير ببطء,وفجأة بدأت اشاعات مخيفة عن الجوع الذي سيهاجم روسيا...وتمر فترة قصيرة وتتحقق فيها تلك الاشاعات. ويمضي وقت آخر, ويأتي يوم 16 ايلول / سبتمبر 1891, ويكتب تولستوي الرسالة الآتية ويبعث بها الى الصحف-
السيد المحترم..
كثيرا ما استلم طلبات حول السماح بنشر مؤلفاتي او ترجمتها او مسرحتها, ولهذا, ارجوكم ان تنشروا في جريدتكم ما يأتي –
اخول جميع الراغبين في روسيا او في خارجها حق طبع جميع مؤلفاتي وترجمتها ومسرحتها, التي طبعتها في (11) جزءا عام 1886, وتلك التي طبعتها في (12) جزءا عام 1891,وما طبعت منها هذه السنة(1891) في (13) جزءا, وما لم يطبع من المؤلفات في روسيا,فضلا عن تلك المؤلفات التي يمكن ان تظهر بعد اليوم.






609
المنبر الحر / غوركي ومراد غالب
« في: 00:24 27/01/2017  »
غوركي ومراد غالب
أ.د. ضياء نافع

احتفلت الجزائرالشقيقة بذكرى استقلالها من الاستعمار الفرنسي , وقد ذكرتني هذه المناسبة بما حدث في موسكو عام 1962 عندما كنت طالبا في جامعة موسكو. كنا نتابع – بالطبع - اخبار الجزائر وثورتها, وعندما نالت استقلالها, قررت جمعيات وروابط الطلبة العرب كافة تنظيم حفل مشترك في القاعة الكبرى لجامعة موسكو تحية لهذا الحدث الجليل, وهكذا بدأت استعداداتنا جميعا لانجاح هذا الحفل المهيب, وكنت انا ضمن وفد طلابي تم تكليفه لايصال بطاقات الدعوة الى السفراء العرب في موسكو, ومن بينهم الدكتور مراد غالب السفير المصري آنذاك. استقبلنا الدكتور مراد غالب خير استقبال , وجلسنا في القاعة المخصصة للضيوف في السفارة, وتكلم معنا بكل احترام وسأل كل واحد من اعضاء الوفد عن بلده واختصاصه, وقد اخبرته باني من العراق وادرس الادب الروسي في كلية الآداب بجامعة موسكو, فقال الدكتور مراد ان هذا الاختصاص مهم جدا للعرب, اذ انه من الضروري دراسة الادب الروسي من قبلنا وفي روسيا وبالروسية بالذات, اذ لا يوجد لدينا متخصصين عرب في الادب الروسي بهذه المواصفات, وان الحوار مع الجانب الروسي يقتضي ذلك, وسألني عن الكاتب الذي ارغب بدراسته تحديدا, وكنت آنذاك اخطط لدراسة مكسيم غوركي, فأخبرته بذلك طبعا, وقلت له اني اريد ان ادرس اديب الواقعية الاشتراكية الكبير, اجابني ان غوركي اديب كبير فعلا ويستحق الدراسة, اذ ان طريقه الابداعي والفكري مرٌ بمراحل عديدة كان يبحث فيها عن افكار وقيم مختلفة , وان هناك خلافات جذرية بينه وبين الحركة الاشتراكية ومع لينين بالذات , وان لديه عدة اصدارات تبين ذلك, وانه يختلف عن الصورة الرسمية التي يعلنون عنها. لم اتفق مع هذه الاراء ,واجبت رأسا وبشكل مباشر وحاد بان غوركي هو رمز للمناضل الاشتراكي , وانه مؤسس الواقعية الاشتراكية في الادب الروسي والسوفيتي عموما , وانه بالنسبة لي يمثل قمة الواقعية الاشتراكية وانتصارها على المفاهيم والاتجاهات الادبية الاخرى .لقد كنت عندها طالبا في الصف الثاني في كلية الاداب ليس الا, ولم ادرس غوركي بشكل معمق , وكنت استشهد بروايته (الام) مستخدما كلمات عامة جدا حول الاشتراكية وحتمية انتصارها. استمع الي الدكتور مراد غالب بهدوء دبلوماسي رفيع وابتسامة لطيفة وكرر كلامه المعمق حول مكسيم غوركي ومكانته في تاريخ الادب الروسي وخلافاته مع لينين والقيادة السوفيتية وخروجه من الاتحاد السوفيتي آنذاك , مستشهدا بكتاباته الدقيقة حول كل هذا.واشهد الآن ان كلامه كان صحيحا جدا وموضوعيا ودقيقا,ولكني – في غمرة حماس الشباب- لم استوعبه آنذاك مع الاسف.وقد سبق لي قبل اكثر من عشرين سنة ان نشرت مقالة صغيرة في مجلة ( الف باء ) العراقية , اشرت فيها الى هذه الحادثة دون تفاصيل مسهبة, وسجلت اعتذاري العلني للدكتور مراد غالب ,وقد كان عندها على قيد الحياة, ولا ادري اذا كان قد اطلع عليها ام لا, واكرر اليوم اعتذاري لروح المرحوم الدكتور مراد غالب (1928-2007). لقد عمل هذا الرجل الكبير في سفارة مصر بموسكو من 1953 الى 1958 موظفا, ثم عاد اليها سفيرا عام 1961 ولغاية 1972 , وهو من اوائل العرب الذين درسوا اللغة الروسية واتقنها واستخدمها في عمله, وبهذا اصبح واحدا من ابرز سفراء العالم في موسكو ثقافة واختلاطا برجالات السياسة الروس ومثقفيهم, وقد اشارت عدة مصادر روسية رفيعة الى ذلك ,منها ابنة ستالين سفيتلانا الولويفا,التي هربت من الاتحاد السوفيتي نهاية ستينيات القرن الماضي,وكتبت ذلك في كتابها المعروف والموسوم (سنة واحدة فقط) , وتحدثت عن التقدير العالي الذي كان يحظى به الدكتور مراد غالب في اوساط السياسيين والمثقفين الروس, باعتباره واحدا من الدبلوماسيين الذين يتقنون اللغة الروسية ويعرفون عمق ثقافتها وحضارتها, وقد تذكرت مقابلتي معه عندما كنت اقرأ تلك الصفحات من كتاب ابنة ستالين.
رحم الله الدكتور مرا د غالب ,الدبلوماسي المصري الكبير,والذي شغل فيما بعد منصبي وزير الاعلام و الخارجية , ثم استقال احتجاجا على زيارة أنور السادات لاسرائيل في حينه, واصبح رئيسا لمنظمة التضامن الافرواسيوية حتى تاريخ وفاته عام 2007.

610
أدب / وضحكت , وضحكت , وضحكت ..
« في: 22:00 26/01/2017  »
وضحكت , وضحكت , وضحكت ..
قصيدة للشاعر اوكارا /// نيجيريا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


...قارنت اغنيتي
بسيّارة عتيقة..
وضحكت , وضحكت , وضحكت..
أسميت عاداتي
وحشية
وغير مفهومة,
وضحكت , وضحكت , وضحكت ..
وعندما رقصت
على ايقاع الطبول..
أغمضت عينيك
وضحكت , وضحكت , وضحكت ..
وعندما كشفت روحي
-ومثل السماء روحي –
جلست أمامي
وضحكت , وضحكت , وضحكت..
انت على رقصي ضحكت,
وعلى قلبي ضحكت,
وضحكت , وضحكت , وضحكت ..
لكن ضحكك من جليد,
والجليد
كبّل روحك,
وعينيك,
واذنيك,
وصوتك,
ولسانك..
والآن
جاء دوري,
آن الاوان
ان اضحك أنا,
لكن ضحكي
لا يشبه الجليد,
لا من قريب
ولا من بعيد,
لأني
-ومنذ ولادتي –
لا أعرف معنى الجليد,
ضحكي
لهيب,
لهيب العين النارية
لمنتصف النهار,
لهيب الارض,
لهيب السماء,
لهيب البحار,
لهيب الوحوش والقرى والانهار..
وهكذا
بدأ يذوب
جليد روحك,
وجليد الكلمات,
وجليد قلبك,
وجليد النظرات..
وعقدت الدهشة لسانك
وهمست –
كيف حدث هذا؟
فاجيبك –
لأنّي
مثل أجدادي,
استنشق
دفء الارض العاري.

611
معجم شخصيات دستويفسكي
ترجمة – أ.د. ضياء نافع

أصدر الناقد الروماني فاليريو كريستيا كتابا عن دستويفسكي بعنوان – ( معجم شخصيات دستويفسكي ) في بداية ثمانينات القرن العشرين , وعلى الرغم من ذلك ,لازال هذا الكتاب يعد مصدرا مهما في دراسة ابداع دستويفسكي لحد الان. نقدم للقارئ عرضا لهذا الكتاب بقلم الباحث الروماني البيرت كوفاج , والذي كتبه خصيصا آنذاك لمجلة ( الادب الاجنبي) الروسية.
ض.ن.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++


صدر كتاب ( معجم شخصيات دستويفسكي ) للناقد الادبي الروماني المعروف فاليريو كرستيا في بخارست وحاز على نجاحات باهرة لدى القراء,وبالطبع فانه أثار نقاشات واسعة ايضا كما هو حال كل ما يرتبط بابداع هذا الكاتب العالمي المتميز. لقد أشار احد النقاد مثلا الى ان هذا الكتاب ليس معجما وحسب , والا فانه سيتحول بالتالي الى كتاب منهجي مبسط ليس الا, رغم انه من المناسب هنا ان نتذكر, ان الموسوعة الفرنسية الشهيرة كانت معجما ايضا , الا ان هذا لم يمنعها من ان تصبح ظاهرة مهمة جدا في الثقافة العالمية . اما الناقد الادبي نيقولا مانويسكو, فانه يعتبر هذا المعجم – ( دراسة نقدية أصيلة ومبتكرة وعميقة, تضم 500 مقالة غنية المضامين ومليئة بالوقائع وممتعة جدا ), وبتعبير اكثر دقة, يمكن لنا ان نقول, ان مزج عناصر المعجم مع طبيعة وخصائص الدراسات النقدية هوالذي جعل هذا الكتاب مبتكرا واصيلا.
مؤلف المعجم فاليريو كريستيا هو واحد من أبرز نقاد الادب في رومانيا القرن العشرين, وقد اصدر مجموعة من الدراسات التي تتناول مختلف جوانب الادب , ومن ضمنها كتاب صدر عام 1921 بعنوان – ( دستويفسكي – مرحلة الشباب), وكتاب نقدي آخر صدر عام 1979 بعنوان – (الفضاء في الادب ) والذي تحدث فيه عن نتاجات غوغول وتشيخوف وتولستوي ودستويفسكي وغيرهم.
ينظر كريستيا الى دستويفسكي على انه –( اديب يميل للطيبة على الاغلب) و ليس – (عبقرية شريرة او عبقريا قاسيا ) كما كانوا يسمونه عادة, ويؤكد على الحب تجاه الناس والقدرة على التضحية بالنفس من اجل سعادة الاخرين,والقدرة ايضا على الابتهاج بالحياة والجمال, اما عالم دستويفسكي فانه لا يخلو ابدا من التراجيدي والعبثي, ويتناسق عنده السمو مع البطولي ولا تتحول كوميديته ابدا الى مبالغة فنية ساخرة. ان مؤلف رواية  ( الابله) يضع امام الشر – الخير اللانهائي. فاليريو كريستيا بالطبع لا يرفض او ينفي تعايش الاحاسيس المتأججة المتناقضة بعضها مع بعض في الروح الانسانية, لكنه ينطلق من ان دستويفسكي كان يهتم بالنسبة لموضوع التصادم بين الخير والشر في روح الانسان ( وكذلك بالنسبة للعلاقات بين الانسان والمجتمع وبين الانسان والطبيعة وما شاكل ذلك ), كان يهتم بالاختيار الذي يقرره الانسان, اي الحل او القرار الاخلاقي الذي يختاره الانسان. ان دستويفسكي – في رأي كريستيا – يتابع ويؤكد بشكل دائم على القيم الانسانية الاصيلة في عملية صراع الخير والشر,  ولا يقسم الناقد – وهو يدرس ويحلل شخصيات دستويفسكي ومصائرهم – الى ملائكة وشياطين, وانما يكشف جوهرهم الواقعي. وهكذا فهو لا يجعل من بطل رواية – ( الابله ) ميشكين مثالا, هذا البطل الذي كان دستويفسكي يحلم ان يصوره ( انسانا ايجابيا رائعا). لقد عرض الناقد صراع ميشكين الداخلي مع الازدواجية, ومع شيطان الشك الرهيب, ويذكرنا كيف ان ميشكين في صالون آل بيانجين ( كأنما في لحظة عمياء يعطي تقييما خاطئا كليا للواقع المعاصر) ويستنتج كريستيا بان بطل الابله هو – (أقوى الاقوياء بين الضعفاء, وأضعف الضعفاء بين الاقوياء).
يستند الناقد في معجمه على مبدأ التغلغل العميق في افكار دستويفسكي والكشف الدقيق لدور كل شخصية من شخصيات رواياته ومكانها في نسيج النتاج الفني, سواء بالنسبة للابطال الرئيسيين او الشخصيات الثانوية او العرضية, بالرغم من ان الناقد يرى, بانه لا توجد شخصيات ثانوية كبيرة مثل (ايفولغين). ويحلل كريستيا العلاقات المتبادلة بين الشخصيات و الصراعات بينها بمختلف اشكالها, سواء بتصادمات العواطف المتأججة الجيٌاشة ,او الافكار ووجهات النظر, او المصالح المادية , او الازدواجية, او في تجسيد بعض صفات هذا البطل في الابطال الاخرين, وصولا – بعض الاحيان – الى الشخصيات الفنتازية. ويراعي مؤلف المعجم ايضا الاشكال المختلفة للكتابة مشيرا الى انها مكتوبة بلسان المؤلف او الشخص الثالث او الراوي او بطل مستعار وما شاكل ذلك .
ومن بين كافة المتخصصين في رومانيا, يمتاز مؤلف المعجم بمفرده بانه استطاع ان يكشف لنا عن التنوع الرائع في اسلوب دستويفسكي, هذا الاسلوب الذي يعتمد على نقاط محددة, واستخدام المفردة ( بلا اكتراث ), وعلى التعبير المتميز الذي يشمل الاجواء الشيئية والروحية, والواقعية والاسطورية, والاصناف الفلسفية وما تحت الوعي...
وهناك ميزة اخرى للمعجم تكمن في تأكيد المؤلف على التنوع الواسع لصفات الشخصيات التي ابدعها دستويفسكي, وهو بذلك يرفض- وبشكل قاطع – الرأي الذي ثبته بعض النقاد حول ضآلة النماذج عند دستويفسكي والاعادة الدائمة في مختلف رواياته لنفس الصفات.
يتناول المعجم 650 شخصية لخمس روايات كبيرة, ابتداء من الجريمة والعقاب وانتهاء ب الاخوة كارامازوف, ويجب ان نضيف الى هذا العدد ايضا مجموعة من الشخصيات بدون تسميتهم, والذين نراهم في مختلف المقالات, وهكذا تظهر لنا صورة كاملة لعالم ملئ بالناس والاشياء وهم في حركة زاخرة بالمعاني والافكار.
ونريد هنا ان نتحدث – كمثل – عن بناء واحدة من تلك المقالات التي جاءت في المعجم. انها تقسم الى الاجزاء التالية –
اولا – طرح السيرة العاطفية للبطل ( دميتري كارامازوف) وابراز اللحظات التي ساهمت في تكوينه الروحي, ودوافعه النفسية الخاصة, وتأثير الوضع الاجتماعي عليه وما شاكل ذلك. ويولي المؤلف عناية خاصة بعلاقات دميتري مع اخوته ووالده وكاتيرينا ايفانوفنا وغروشينكا.
ثانيا – على اساس هذه المادة المحددة تبرز صفات البطل, والتي يراها المؤلف على انها ليست مزيجا غير متبلور من الخير والشر, وانما تكمن فيه بشكل واضح ,وهي ( البداية الايجابية ), اما جوانبه السلبية , فان ( سعة روحه في نهاية المطاف تطغي عليها وتكفٌر عنها).
ثالثا- بعدئذ,صفات البطل تسمح لنا باظهار الافكار الفلسفية للروائي. ويشير المؤلف الى ان دستويفسكي ( اكتشف اثناء نفيه, ان اخطر شئ بالنسبة للروح الانسانية والذي يمكن ان تشعر به هذه الروح ليس الجريمة بحد ذاتها, وانما موت الاحساس الاخلاقي عند الانسان ), ويحدد الناقد بشكل دقيق فكرة دستويفسكي هذه في قصة دميتري عن حلمه , الذي يتنبأ بموضوع الطريق المغلق, وبعدئذ يتكشف موضوع القضاء والقدر, والذي يذكٌر بنفس الموضوع في تراجيديات الاداب القديمة.
رابعا – ومن هنا يستخلص الناقد, بانه حتى البطل نفسه,والذي يبدو من النظرة الاولى وكأنه بعيد جدا عن اي نظرة فكرية- كما هو حال كل آل كارامازوف -  هو فيلسوف بالولادة. ويلفت دستويفسكي انتباهنا الى افكار دميتري, والتي توجد في ثناياها افكار الكاتب نفسه, ويستشهد الناقد بكلمات دميتري هنا, والتي تبدو وكأنها ( نشيد الفرح ), هذه الكلمات التي تؤكد على حاجة الانسان للسعادة والجمال, ويرى الناقد في هذا النشيد – ( النقطة القصوى الجديدة للرواية... ان دميتري هو البطل الشامل- فهو بلا دين ومسيحي في آن واحد, وهو انسان القرون الوسطى وانسان العصر الحديث في آن واحد ايضا).
خامسا – ان المواد التي يتناولها الناقد ترتبط ايضا مع منشأ الشخصية الفنية , والتي يمكن ان نطلق عليها تسمية ( الاصول الواقعية) , وقد تناولها الناقد في الفصول السابقة من الكتاب.
ان  صفات الشخصيات الرئيسية مكتوبة وفق نظام البحث العلمي في موضوع واحد, وتقع في حدود خمسين صفحة من الكتاب, اما الشخصيات الثانوية, فانها ايضا تشكل بحوثا علمية مصغرة ورائعة. ولا يعرض الناقد تفسيراته وشروحه لشخصيات دستويفسكي الفنية بوتيرة واحدة , اي انه يستخدم نفس طريقة الكاتب الذي ابدع شخصيات ذات صفات متنوعة ومختلفة. وهكذا نرى, مثلا, ان كريستيا يميل عند الكلام عن شخصية ليزا في رواية الاخوة كارامازوف الى الاخذ بالاستنتاج الاتي – وهو ان الشر في هذه الشخصية شئ مختلف, وانه وسيلة لتنقية الروح الانسانية, اي ان الناقد يرفض اخضاع هذه الشخصية للتفسير المباشر.
توجد في الكتاب , بالطبع, تفسيرات وآراء يمكن ان تخضع للنقاش, ومع ذلك, فان اثبات خطأ الناقد في تفسيره لبعض الشخصيات الفنية مسألة ليست بسيطة بتاتا, اذ ان الناقد يستخدم دائما نظاما منسقا من الادلة ويمتلك القدرة على الاقناع, ويستند بشكل متمكن على الدراسات العلمية التي تتناول ابداع دستويفسكي, بما فيها اعمال العلماء الروس امثال دولينين وغروسمان وباختين وكيربوتين وآخرين.
 يرفض مؤلف المعجم بشكل قاطع الفكرة السائدة, والتي تشير الى ان دستويفسكي هو – ( الاديب الذي يعبٌر عن الشر ), ويؤكد- وهو على حق- بانه من الضروري ان نركز انتباهنا على ابطال دستويفسكي الرئيسيين والثانويين, وليس على ابطال من طراز سفيدريغالوف او ايفان كارامازوف وحسب, وعندها سيكون من السهولة ان نرى, كيف ان روايات دستويفسكي مليئة باناس طيبين, وعندئذ سنفهم الحقيقة المهمة جدا في ابداع هذا الاديب وهي ان هذه الشخصيات سلبية بالنسبة لدستويفسكي نفسه, وبالتالي فانه لا ينعكس فيهم بتاتا, بل بالعكس, فهو الذي ينزل فيهم حكمه الواضح وغير المزدوج.
ان قوة كتاب كريستيا تكمن قبل كل شئ في تشديده على نبرة الخير والطيبة, التي يراها دستويفسكي مرسومة على شفير السماء الحرة وهو في (بيت الموتى). لقد عرض لنا الناقد في كتابه هذا العالم الفني لروايات دستويفسكي بكل اصالته.

612
حول خطاب دستويفسكي عن بوشكين
أ.د .ضياء نافع
 

تم افتتاح تمثال بوشكين بموسكو في 6 حزيران/ يونيو 1880, وهو التمثال الذي لا يزال شاخصا في قلب موسكو لحد الان ,وكان هذا الحدث كبيرا في تاريخ روسيا وادبها , خصوصا ان تنفيذه قد تعثر كثيرا في حينه, ولا مجال هنا للتوقف عند هذه النقطة . ومن الطبيعي جدا ان يحتفل الادباء الروس بتمثال بوشكين – رمز الادب في روسيا , وقد اقامت جمعية محبي الادب الروسي احتفالية كبرى بهذه المناسبة في 8 حزيران/ يونيو, شارك فيها ادباء روسيا الكبار , والقى دستويفسكي في تلك الاحتفالية خطابا شهيرا دخل في تاريخ مسيرة الادب الروسي لما تضمنه من تحليل لنتاجات بوشكين ومكانته واهميته في الادب الروسي بشكل خاص, والفكر الروسي بشكل عام. ومن الغريب ان يصبح هذا الخطاب –واقعيا- آخر نشاط ادبي وفكري لدستويفسكي , اذ انه نشره في كتابه الدوري الشهري الموسوم ( يوميات كاتب ) للسنة الثالثة,والذي صدر في شهر آب/ اوغسطس عام 1880,وقد وعد دستويفسكي القراء ان يصدر الجزء اللاحق لهذه اليوميات عام 1881 (اذا سمحت صحتي بذلك) , ولكن المنية عاجلته, اذ انه توفي في شباط / فبراير من عام 1881. هذا وقد ضمت المؤلفات الكاملة لاعمال دستويفسكي هذا الخطاب في الجزء السادس والعشرين (لينينغراد 1984) من صفحة 129 الى صفحة 149. يشير معظم المتخصصين في ادب دستويفسكي الى ان هذا الخطاب هو في الواقع وصية دستويفسكي الادبية والفكرية,اذ انه لخٌص فيه جوهر مفاهيمه الفلسفية بشأن الادب والتاريخ وحدد موقفه تجاه التيارات الفلسفية والفكرية التي كانت سائدة في روسيا آنذاك. وقد كتب دستويفسكي في (يوميات كاتب) مقدمة توضيحية للخطاب, اسهب فيها بالحديث عن بوشكين ومكانته في تاريخ الادب والفكر الروسي,وتوقف تفصيلا عند اربع نقاط.النقطة الاولى , وهي الاساسية, تشير الى ان بوشكين هو اول من حدد الظواهر المريضة للمجتمع الروسي ومثقفيه بالذات ( المنعزلين تاريخيا عن تربة المجتمع والمتعالين على الشعب) كما اسماهم دستويفسكي , ويؤكد ان بوشكين هو اول من اشار الى هذا الجانب السلبي , ويعتبر بطل رواية بوشكين الشعرية المشهورة ( يفغيني اونيغين ) اي يفغيني نفسه نموذجا لهذا الطراز من المثقفين , الذي خلق من بعده ابطالا يشبهونه في هذا الاتجاه , مثل بيجورين عند ليرمنتوف (بطل من هذا الزمان) وجيجيكوف عند غوغول ( الارواح الميتة) ورودين عند تورغينيف (رودين) وبولكونسكي عند تولستوي ( الحرب والسلم). ويتناول دستويفسكي في النقطة الثانية بمقدمته تلك عبقرية بوشكين الذي حدد مرض مجتمعه , ولكنه حدد في الوقت نفسه طريقة الخلاص والتعافي من هذا المرض , وذلك برسمه وتصويره للبطل النموذجي للجمال الروسي المنطلق من الروح الروسية, ويتمثل هذا البطل ويتجسد في تاتيانا لارينا- بطلة رواية يفغيني اونيغين نفسها, هذه المرأة الروسية البسيطة التي حافظت على نفسها من الكذب والرياء , فهي التي قالت لاونيغين الحقيقة عندما احبته ,وهي التي رفضت حبه في نهاية الرواية ليس لانها لم تعد تحبه وانما انطلاقا من الحفاظ على النقاء الروحي لها , لانها تريد ان تبقى مخلصة لزوجها.ان دستويفسكي يرى في هذه الشخصية تجسيدا للجمال بمعناه الفلسفي ,تجسيدا يعبر خير تعبير عن الانسان الروسي وروحه . لقد كان دستويفسكي يؤكد دائما على مفهوم الجمال الفلسفي , وهناك قول معروف له في هذا المجال وهو  - (الجمال ينقذ العالم ). وينتقل الكاتب في مقدمته تلك الى النقطة الثالثة, حيث يتوقف طويلا عند صفة يتميز بها بوشكين –في رأيه- الا وهي التعاطف الانساني مع الاخرين بغض النظر عن الانتماء القومي لهم , ويعتقد دستويفسكي ان هذه الخاصية يتميز بها بوشكين بمفرده فقط ليس في الادب الروسي وحسب بل وحتى في الادب العالمي, ويؤكد بانه يعكس بذلك روح الشعب الروسي عموما. ومن هنا ينطلق بالحديث عن الشعب الروسي ويكرس النقطة الرابعة والاخيرة لخصائص هذا الشعب ومكانته بين الشعوب الاوربية الغربية, ويسهب بتحليل الصراع بين الفكرتين الكبيرتين اللتين كانتا  سائدتين في روسيا  وهما- النزعة السلافية والنزعة الغربية ,ولا يخفي دستويفسكي عواطفه مع النزعة الاولى.ومن الطريف ان نشير هناالى ان هذه المقدمة قد جاءت تقريبا بحجم الخطاب عن بوشكين . ويبتدأ الكاتب نص خطابه بالاستشهاد بما قاله غوغول عن بوشكين , وهي جملة شهيرة تقول – (ان بوشكين هو ظاهرة استثنائية ومن الممكن ايضا الوحيدة للروح الروسية) , ويضيف دستويفسكي الى هذه الجملة قائلا – (واضيف انا من عندي – وتنبؤية).
لا نعرف اذا كان هذا الخطاب مترجما الى لغتنا العربية , اذ اننا لم نعثر عليه عند بحثنا عنه, ولكن حتى لو كان مترجما فاننا نتمنى ان تسمح ظروفنا بترجمته, اذ ان كل ترجمة تعد اجتهادا ذاتيا لذلك المترجم , خصوصا ان هذا الخطاب يتضمن خلاصة مركّزة ورائعة لافكارالكاتب العملاق- دستويفسكي , والتي قد نتفق او لا نتفق معه , الا ان الاطلاع عليها ضروري جدا بلا شك.

613
تولستوي في رأي الاديب الفرنسي اندريه موروا
=================================

ترجمة - أ.د. ضياء نافع


يقال, ان ابداعات شكسبير وبلزاك وتولستوي هي ثلاثة نصب في غاية العظمة , شيدتها الانسانية من اجل الانسانية كلها, وهذا قول صحيح. في نتاجات هؤلاء العمالقة الثلاث (والذين اضيف اليهم هوميروس) يوجد كل شئ – الميلاد والموت, الحب والكراهية,العظمة والتفاهة,السادة والعبيد, الحرب والسلم..., لكن تولستوي يرسم الناس ببساطة وطبيعية لم يستطع الوصول اليها اي روائي آخر.ان بلزاك ودستويفسكي كانا يمسخان الناس دائما , اما تولستوي فانه مثل مرآة صافية تماما تعكس عمق الوجود كله, انه تيار متحرك لنهر ملئ بالماء الرقراق, انه الحياة نفسها في حركة انسيابها.
من اجل استهواء القراء والتأثير في قلوبهم يجب على الروائي ان يكون متعاطفا معهم باخلاص, ويجب عليه  ايضا ان يخلق نظاما للتقييم , ومع ذلك كله, فان رواياته يجب ان لا تكون اخلاقية – تعليمية . ان الادب – مثل البحث العلمي تماما –يجب عليه ان يرى العالم كما هو موجود في الواقع,ولكن الصفات الطيبة والخيرة تشكل جزءا (لا غير) من هذا العالم الكبير.ان عدم المحاباة لا تعني ابدا عدم الاحساس, ولا يمكن ان تعتبر قسوة. وفي الواقع, فان نجاح كل الادباء العظام , ابتداء من سرفانتس والى تولستوي, يمكن توضيحه بامكانيتهم خلق ابطال يحبهم القراء , بكل ما يحملون من صفات ايجابية وسلبية, و بكل ما فيهم من جدارة ونواقص معا, وحتى اضعف الضعفاء بين هؤلاء الابطال لا يستسلمون كما هو حال الابطال المهزومين في ادبنا هذه الايام. بروست نفسه حافظ على الايمان ببعض تلك القيم- في فهمه لتطور الفن, وفي الفضيلة المتواضعة والرفيعة التي جسمتها جدته.
روايات تولستوي- هي اكبر  من كونها روايات, اذ توجد على الارضية الخلفية ل (آنا كارينينا) ,كما في (الحرب والسلم) و(موت ايفان ايليتش ) ايضا – دراما فلسفية , كونستنتين ليفين والامير اندريه بولكونسكي واخرون يعبرون عن حياة تولستوي الروحية, اذ انه كان يتقاسم مع ابطاله خيبة الامل, وتأنيب الضمير وكل الامال. لقد كان مثلهم يتعلم الحكمة من بلاتون كاراتايف في (الحرب والسلم) , اما في (موت ايفان ايليتش) فكان يتعلم من غيراسيم الرائع, هذا الانسان الطيب والبسيط. هؤلاء هم الذين يستحقون ان نحذوا حذوهم, ولكن كيف؟ الجواب – ان نحب الناس مثلما كانوا يحبونهم هم, وهذا يكفي. ان ليفين يعرف مقدما, كما هو حال تولستوي, بانه سيغضب نتيجة نقاشاته مع ايفان, ومع ذلك فانه يقول – ( ...لكن حياتي الان, كل حياتي, بغض النظر عن كلما يمكن ان يحدث معي, كل دقيقة منها, تمتلك معنى اكيدا يكمن في الطيبة ).كثيرون سيقولون, ان هذه مسألة غير واضحة بما فيه الكفاية, ولكن لا داعي بتاتا لان تكون واضحة, المهم هو انه قرر الاختيار.
ما هي الاشياء التي يدين بها تولستوي لبلزاك وفلوبير؟ لقد كان يقرأ نتاجاتهم, ولكن الا يبدو لنا انه اقتبس منهما تكنيك الكتابة؟ . معاصرو تولستوي في روسيا كانوا يسمونه واقعيا, ولكن واقعية تولستوي لا تشبه واقعية ( الطبيعيين) في فرنسا. ان الوصف التفصيلي للوضعية ولزينة النساء, والتي كان بلزاك مولعا بها , تبدو لتولستوي مسائل مملة, اما اناقة فلوبير الادبية فقد كانت قضية غريبة بالنسبة له. ان تولستوي يسير في طريق خاص به, طريق ملئ باحاسيس وافكار ابطاله فقط, هؤلاء الابطال الذين لا يدينهم. بلزاك يدين يولو, ويدين اكثر فيردنيا دي مييه... فلوبير يكره البرجوازيين الذين يخلقهم في نتاجاته... تولستوي وحده يضئ الجميع بضياء واحد فريد.
عندما نترك هذا العالم الحي الواسع الذي خلقه تولستوي , يبرز سؤال يطرح نفسه دون ارادتنا, وهو – كيف استطاع هؤلاء النقاد الابالسة ان يؤكدوا ان الرواية اصبحت شيئا عتيقا في الادب؟ لا توجد اشياء اكثر روعة واكثر انسانية واكثر ضرورة من روايات    تولستوي(الحرب والسلم),و( آنا كارينينا) و....
اعتقد ,انه من الضروري جدا ان يبحث الروائيون الجدد عن اشكال جديدة, وتوجد عندهم فعلا- بعض الاحيان- اكتشافات شيقة, ولكنهم لن يستطيعوا ابدا ان يخلقوا اي شئ افضل من هذا العملاق البدائي ,والذي لم يهتم حتى في اكثر فترات عطائه خصبا باية قواعد ادبية. اننا نجد عنده كل ما يسمونه في ايامنا هذه تجريدا- الاحساس بالتغرب, والوحدة, والقلق الروحي...الخ . من الذي كان يعاني ذلك الاحساس بشكل اعمق من ليفين الذي كان يتساءل( وهو يعمل لعدة ايام مع الفلاحين) –(اين انا؟ماذا انا؟ ولماذا انا هنا؟) اما فرويد ونظريته عن (الوعي الباطن) ,فهاكم هذه الفقرة من تولستوي- (ستيبان اركاديفتش اخذ القبعة وتوقف متذكرا,هل نسي شيئا ما, وتبين بانه لم ينس اي شئ ما عدا الشئ الذي اراد ان ينساه- زوجته)...
في الواقع , ان كل شئ نحبه في الادب كان موجودا عند تولستوي.

614
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – المتكلم يحتاج الى المستمع.
التعليق – كلاهما ( المتكلم والمستمع) يحتاجان الى بعضهما ويكملان بعضهما, ولا قيمة لاي واحد منهما بدون الاخر, و بالتالي ,لا يوجد بينهما من هو الاهم . ما هي فائدة هؤلاء ( المتكلمين !!) حولنا دون ان يستمع اليهم أحد ؟ مثل يعكس حالات عامة من الثرثرة لدى الكثير من الشعوب, بما فيهم شعوبنا العربية طبعا.
+++++
الترجمة الحرفية – الفقير يتفهم الفقير الاخر دائما.
التعليق –  يقول المثل العربي الشهير - الطيور على اشكالها تقع , وخصوصا اذا كانت هذه الطيور( فقيرة !) , اذ انها تحتاج الى تضامن أكثر بينها من اجل مواجهة صعوبات الحياة ومتطلباتها.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تمسك الماء بالكفين.
التعليق – هذا هو المنطق , اذ يجب على الانسان ان يعرف خصائص الاشياء التي يتعامل معها وان يخضع لتلك الخصائص.
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب لا يعرف الحساب.
التعليق – ولذلك فان الذئب يكرر هجماته على الاهداف الضعيفة بغض النظر عن عدد تلك الهجمات. ذئاب البشر ايضا يهجمون على الضعفاء دائما دون ان يعرفوا معنى الحساب وجوهره , فالضعفاء ( حايط نصيص ) كما يقول المثل باللهجة العراقية ( حايط – حائط // نصيص – واطئ , منخفض ).
+++++
الترجمة الحرفية – في العصيدة الغريبة حبة القمح اكبر .
التعليق –  مثل عالمي يتكرر عند مختلف الشعوب بصيغ مختلفة , و تجسّد هذه الصيغ معنى الحسد عند الانسان تجاه الآخرين ,ونفهم بالتالي, لماذا ( الحسود لا يسود) . يقول المثل العربي في نفس المعنى( باللهجة العراقية)  – جدره على ناره وعينه على جاره.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يطعمون الجمل بالملعقة.
التعليق – مثل طريف جدا يؤكد وبشكل ساخر على ضرورة معرفة اصول التعامل الصحيح (دون فخفخة مضحكة ومظاهر فارغة!) مع  كل ما يحيط الانسان في مسيرة حياته .
+++++
الترجمة الحرفية – الحيّة تعمل السم والنحلة تعمل العسل من نفس الزهرة.
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى ايضا  -  من نفس الخشب يصنعون الايقونة والمسحاة . الانسان ايضا يعمل الخير والشر وهو يتعايش مع نفس الشرائح الاجتماعية التي تحيط به .
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان الشرير اكثر حدة من الشفرة.
التعليق – يستخدم تعبير باللهجة العراقية فعل ( يكص)اي ( يقص بالمقص او بالسكين) عند الحديث السئ عن الاخرين .
+++++
الترجمة الحرفية – المريض ليس المريض نفسه وانما القريبون منه.
التعليق – مثل حقيقي ودقيق فعلا , فمعاناة المحيطين بالمريض اكثر من المريض نفسه في بعض الاحيان .
+++++
الترجمة الحرفية – سعداء بضيوفنا مرتين , عندما يأتون وعندما يغادرون.
التعليق – لا يرحبون بالضيوف الذين يمكثون طويلا , وهي قاعدة سائدة بشكل عام  , لهذا يعد هذا المثل الارمني الطريف صحيحا فعلا وفي كل مكان وزمان.
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب لا يكون شبعانا ابدا.
التعليق – طبيعة الذئب هي الهجوم  من اجل الحصول على الطعام دائما , والطبع يغلب التطبع كما يقول المثل العربي المعروف.
+++++
الترجمة الحرفية – يحتاج الفقير الى الخبز, ويحتاج الغني الى كل شئ.
التعليق –  يجسّد هذا المثل بساطة الفقراء وجشع الاغنياء, وهي ظاهرة واضحة تماما في الحياة الانسانية.
+++++
الترجمة الحرفية – في بيت العريس لا يعرفون اي شئ بعد , وفي بيت العروس يتحدثون عن حفلة العرس.
التعليق – معنى هذا المثل الطريف واضح تماما , وهو يتناغم فعلا مع خصائص النساء والرجال في كل المجتمعات.
+++++
الترجمة الحرفية – صوت الشعب أقوى من دوي المدافع.
التعليق – ما أجمل هذا المثل وما أعظمه . لقد عانى الشعب الارمني الكثير من (دوي المدافع!) ولكنه مع ذلك حافظ على وجوده ومسيرته , ولهذا فان هذا المثل يرتبط فعلا بتاريخ هذا الشعب. ما أحوجنا نحن - في زماننا الردئ هذا - الى ان نتأمل هذا المثل وان نتذكره وان نتمسك به ايضا.
+++++



615
باسترناك يتحدث عن ماياكوفسكي
ترجمة- أ.د.ضياء نافع

النص الكامل لكلمة باسترناك في الحفل الخاص بماياكوفسكي,الذي اقامته جامعة موسكو بتاريخ 12/4 /1933 ,وقد كان هذا النص محفوظا في الارشيف المركزي للادب الروسي ,ونشر للمرة الاولى في 4/10/1989 في صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا (الجريدة الادبية) الروسية الاسبوعية. يمكن القول ان هذه الكلمة تعد الآن وثيقة من وثائق الادب الروسي في القرن العشرين , وثيقة تستحق ان نعيد الاطلاع عليها ,كي نستنتج – بعد كل هذه السنين- مدى دقتها وصحتها وواقعيتها بالنسبة لتاريخ الادب الروسي الحديث بشكل عام, وبالنسبة للقارئ العربي المتابع للادب الروسي بشكل خاص , الذي يعرف ان ماياكوفسكي قد انتحرعام 1930, وان باسترناك قد حاز على جائزة نوبل للاداب عام 1958...

ضياء نافع
++++++++++++++++++++++++++++++++++++


ايها الرفاق سأتكلم ارتجالا,في الواقع لم اكن أرغب بحضور هذا الحفل,وذلك لان المهمة السامية التي تقف امام الانسان هنا غير متناسقة, وهي احتضان كل الذكريات في خمس دقائق او عشر , او حتى ساعة او يوم او يومين, والتحدث عن الشئ الذي كان يمثله ماياكوفسكي كما عرفته, لكنهم أجبروني على المجئ الى هنا. دعونا لا نأسف على ذلك.احذركم باني سأتكلم بصورة غير منتظمة, لقد خططت لنفسي ما الذي يجب علي ان اتناوله, لكن من اجل ان تكون كلمتي ممتعة, من الضروري ان اتذكر بعض الخصوصيات , وانا لم افعل اي شئ في هذا المجال.وضعت امامي مرة تلك المهمة في كتابي الموسوم (صك الامان) وحددت بعض صفات ماياكوفسكي, تلك الصفات التي لم تكن مصطنعة حتى ولا بمقدار قطرة, اي اني لم اضع امام نفسي مهمة اختلاق اشياء غير طبيعية, وانما اكدت بالذات على الشئ الذي كان يمثله ماياكوفسكي في حياتي. لقد صورت في ذلك الكتاب خصائص ماياكوفسكي وفي الوقت نفسه اشرت الى تلك الاشياء التي تجعلنا نطلق عليه تسمية (شاعر عصره), الشاعر الاكبر وفق التقاليد الروسية. لقد قدمت بنية تلك الظاهرة التي تسمى ( الشاعر) .
غالبا ما تتعالى افكار صحيحة جدا حول الشئ الذي يتميز به الشاعر عن الفنان الآخر, عن الناثر والرسام...الخ, وتذهب  تلك الافكار أبعد, اذ تتحدث عن الشئ الذي يميز صانع الشعر عن المهندس والطبيب والكيميائي... وسأبين الآن بأي شئ يتميز.
ان القضية تكمن في انه اذا ما جمعنا كل ما يكتبه الشاعر بغض النظر عن عبقريته فان ذلك لن يكون مساويا ابدا لذلك الدور الذي يؤديه الشاعر نفسه.ان هذا الدور يكون دائما اكبر وذلك لان ظاهرة الشعر من بين كل الفنون, هي الاكثر نسبية.ان هذه الظاهرة ترسل الينا الاشارات وتخبرنا عن تلك القيم التي نجد فيها صدى الشئ الذي نسميه, بين قوسين-(الخلود ), والذي يعتبرمن حيث الجوهر , العلامة الاصلية لجنسنا البشري. اذا كنا نريد ان نبحث عن الجذور الفيزيولوجية للثقافة, فانها تكمن في الانسان, والشاعر هو التعبير الاكثر اصالة عن تلك الصفات النسبية, لكن هذا لا يعني انه يستطيع ان يعرض شيئا- ما خاصا, كلا, لكنه يكرس حياته كلها للتركيز على تلك الصفات ويهب نفسه لذلك...
من هذا المنطلق, ومن وجهة النظر هذه,اعطيت تقييما لماياكوفسكي في كتابي الذي ذكرته آنفا, ولم اكن بحاجة للبحث عن وجهة النظر هذه عندما التقيته, لان ذلك أذهلني فيه رأسا. كنت اقف امام ضرورة ألتأمل في هذه المعجزة.ماهو الشئ الخاص في ابداع ماياكوفسكي؟ لقد وصلت الى استنتاجات معروفة في هذا المجال, لكن يجب الاقرار بان تلك الاستنتاجات بلا نظام وغير مترابطة.
وصفت في كتابي اللقاء الاول مع ماياكوفسكي, وما الذي ادهشني في هذا الشاعر الشاب. كان هذا اللقاء عدائيا بشكل مسبق, اذ التقى ممثلو مجموعتين متعاديتين. لقد جئنا من اجل ان نتخاصم ونصطدم ونشتبك, وحتى اننا كنا نعتقد,انه سيحدث عراك بالايدي , بل ان الشخص الذي رافقنا كان يظن انه يجب علينا ان نذهب وبايدينا عصي...وهكذا تقابلنا كاعداء. كان هذا ( عصر المستقبلية ) , هذا الاتجاه الادبي الذي اعطى الكثير من المعنى الفارغ والنسبي والكاذب ونصف الاحمق. مجموعتنا كانت من محبي القيم الارشيفية. من الممكن انكم سمعتم انه كانت هناك دار نشر  في فترة- ما بهذا الاسم في مجموعتنا. كان آسييف هو الشاعر الوحيد , لكنه لم يكن حاضرا معنا, لن اذكر لكم بقية الاسماء. كان يجب ان نلتقي بممثلي مجموعة معادية تتكون من عدة اشخاص, ومن بينهم ماياكوفسكي. التقينا في مقهى, وجلسنا حول الطاولة بشكل عدائي ومتوتر. كانوا يعرفون مقدما اننا يجب ان نكون سفلة, ونحن – من جانبنا- كان يجب  ان نعتبرهم كذلك ايضا, ولكني كنت مفتتنا بماياكوفسكي, بهذا العدو.انا, في الحقيقة لم اشارك في النقاش, وكنت اجلس فاغرا فمي بتأثير الانطباع الذي اثاره هذا الانسان. ان تأثير هذا اللقاء, على ما يبدو ما يزال موجودا في اعماقي, لاني عندما اتحدث عن ذلك اشعر بالصعوبة, ويبتدأ صوتي بالارتجاف ( ضحك في القاعة ) ان هذا ليس مضحكا ابدا. انكم لم تفهموني.لا اذكر كيف افترقنا, ويبدو لي ان هذا الشئ حدث بالامس ليس الا.منذ تلك الامسية بدأت احس بالحنين لرؤية هذا الانسان مرة اخرى. لم يكن باستطاعتي ان انتظر متى سوف اراه. والتقينا في اليوم التالي,وقرأ لي في ذلك اللقاء اول تراجيديا له, واثارت لدي انطباعا هائلا. اني آسف لاني اتكلم امامكم بشكل عفوي وعرضي تماما وسريع, وانا مضطر للاختصار. انتقل الان الى موضوع اكبر. ما الذي  اريد قوله عن ماياكوفسكي؟ لقد ارتقى ماياكوفسكي بالنسبة لي, وتحول الى جوهر شمولي بدون اضفاء صفة الكمال عليه. وانا على ثقة باني اتكلم بشكل واقعي, اكثر من كل الذين تحدثوا هنا عن ماياكوفسكي , لاني منذهل ومعجب بالذات بصفة العبقرية التي لا يمكن ان استشهد بها او اسردها, والواضحة في حياته وفي كل شئ اعطاه, وبالاساس في ذلك التأثير الذي ابداه علينا وتركه في حياتنا.
يعرف الكثيرون منا, على الارجح , ان ماياكوفسكي ويسينين كانا متضادين فيما بينهما , وبرغم تجربة يسينين الهائلة, فان تلك المسحة التراجيدية  التي تميز بها...هذه الصبغة التراجيدية, مسحة الانتحار, أخذها يسينين عن ماياكوفسكي... نحن نرى في ابداعه بصمات ماياكوفسكي. ان هذا الموضوع مرعب جدا, عندما نتكلم عن الانتحار, ومن الممكن ان نطلق عليه تسمية الانتحار.
لكن عندما نستشهد بماياكوفسكي, فان موضوع الانتحار موجود في كل النصوص, ومن الممكن القول بدون تفكير مسبق- لقد كان الانتحار يهدده, هذا الانسان كان ( يلعب ) بحياته, اما يسينين, فانه انعكاس لماياكوفسكي. ربما تريدون ان تحددوني بالنسبة للوقت؟ (ضحك وتصفيق )
من السهل علي التحدث عن ماياكوفسكي.عندنا,في تاريخ شعرنا,
توجد مجموعة اخرى- مجموعة الرمزيين- مجموعة بلوك وبيللي. بيللي انسان كبير, وكان يحب بلوك, لكنه الآن, عندما يتذكر بلوك ويتكلم عنه, فانه يبلور موقفا- ما , ويخاصمه, وذلك لان العلاقة بينهما تمثل مزيجا من التكافؤ, اما انا, فاني ببساطة, كنت اعبد ماياكوفسكي, كما انظر الى غيمة مرعدة كبيرة والتي لا يمكن عدم الاقرار بها, ولهذا, وتمييزا عن الذكريات حول بلوك , فانه من السهل علي التحدث عن ماياكوفسكي.
ماذا يمثل ماياكوفسكي في حياتي؟ ماياكوفسكي كان بالنسبة لي رسولا كبيرا جدا,وعندما اتحدث عن ماهية هذا الشاعر وما هو اروع شئ فيه, فاني اشير الى الاصالة الهائلة.ان ضخامة هذه الاصالة كانت لدرجة بحيث انها لم تكن تؤثر على الانسان الغريب حسب, او على الناس المحيطين به, ولكنها كانت تصعق الرأس,وتشغل مكانا متميزا في الوعي الذاتي للانسان لدرجة يصبح فيها عبدا لذلك التأثير, كما يصبح الانسان عبدا للواجب, او عبدا للظروف التي لا مخرج منها...واذا كان هناك من يهتم بمعرفة خصائص ماياكوفسكي كانسان فان ماياكوفسكي كان انسان الارادة. لقد كان يسير, وبشكل مباشر نحو الهدف. ظاهريا كان يشبه الانسان الذي يخطط- وبشكل عاصف – من اجل ان يصنع مكانته ومستقبله, وتميزه في العمل, لكن هذا ليس كذلك بتاتا, لم تكن لديه مطلقا حتى ولا قطرة من النفعية والاثرة والانانية...عندما جئت الى هنا كنت اظن انكم في الجزء الاول من هذا الحفل ستعطوني وريقات تتضمن الاسئلة والموضوعات حول ماياكوفسكي والتي تريدون ان اتحدث لكم عنها,وهكذا استطيع ان اكسب كثيرا من الوقت , على الرغم من انني استطيع التحدث اكثر عن ماياكوفسكي ( تصفيق).
يجب علينا ان نعترف بوجود اجنة المستقبل في اعماق ماياكوفسكي,اكثر مما في اعماق مجموعة من العباقرة الاخرين,اي اني اريد القول انه كان كذلك في فترة ما قبل الثورة, الى جانب تاريخ حياته الثوري عندما كان في الحزب والسجن...الخ. لقد كان ماياكوفسكي- ببساطة- خلية حيٌة للثقافة الانسانية وكان قد رسم مستقبله.وفي هذا المعنى فان ثوريته ثورية مستقلة تماما, ولم تلد نتيجة الاحداث التاريخية فقط, وانما نتيجة طرازه وتكوينه وفكره وصوته. لقد كان ماياكوفسكي يحلم بالثورة قبل ان تحدث. ان ثوريته ثورية فطرية اصيلة وذاتية تماما وحتى انني لااخشى من الاعلان هنا- انها ذات طابع فردي وبمقدورها ان تتنافس مع الطراز المعترف به لثورتنا. ومن الممكن ان ينوه المؤرخون في المستقبل بهذا كله, واضعين ثورية ماياكوفسكي مثل تمثال كبير. ان ثورية ماياكوفسكي – وهذا شرف كبيرلنا- ستعلن في وقت ما باعتبارها طرازا عاما لنا,هذا الطراز الذي لم نصل بعد الى مستواه في الوقت الحاضر, وبهذا اختتم كلمتي.   

616

العشق وحركة النجوم
قصائد هايكو للشاعرة اليابانية ياسويو اونيشي

ترجمها عن الروسية - أ.د. ضياء نافع


العشق وحركة النجوم

عندما اكون عاشقة،
النجوم التي تحمل اسماء الالهة
تكون متحركة.

+++
 

التكاثر

في شباط
تموت بشكل رائع
اعضاء التكاثر.

+++

عجيب
 
في كل موعد سري،
كل الماء
يتجمع في السماء.

+++


الاشياء التي تبقى بعد موتي


اطلس النباتات يبقى
بعد موتي
والمطر.

++++


فقط للرجل الذي ينتحب

 اسحب ورائي
الرجل الذي يبكي وينتحب
واوصله الى (هذا) الشاطئ.

+++

يهتز التاج
 
ياللمتعة،
لمدة طويلة طويلة يهتز
تاج الشجرة العالية.

+++


مسرعة تتفتح الازهار


ما ان تقف وتلتفت
واذا بزهرة جديدة
قد تفتحت.


لا توجد عناوين لقصائد الهايكو في الاصل ، وكل العناوين هنا من وضعنا.
ض.ن.

617
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – الفشل اساس النجاح.
التعليق – يوجد مثل عربي طريف في هذا المعنى وبمختلف اللهجات العربية وهو -  الخسارة تعلم الشطارة , وهناك امثال عربية عديدة في هذا الشأن منها – الانسان يتعلم من اخطائه // من يتعذب كثيرا يتعلم كثيرا ... , وبشكل عام فان هذا المثل عالمي ويمكن ايجاده  - وبصيغ مختلفة - عند الكثير من الشعوب.
+++++
الترجمة الحرفية – والسباحون الماهرون يغرقون.
التعليق – كل شئ جائز في الحياة , ولا توجد ضمانة مطلقة ابدا في كل شئ , ف ( لكل حصان كبوة) , و (لكل عالم هفوة) , وكل ( سبٌاح ياباني ماهر قد يغرق!).
+++++
الترجمة الحرفية -  الكذب اول خطوة للسرقة.
التعليق – الكذب اساس كل خطيئة في الحياة , ومن يكذب يمكن ان يقترف الخطايا الاخرى ايضا , ومنها السرقة طبعا , و ( اللي يسرق البيضة يسرق الجمل) كما يقول المثل العربي الطريف باللهجة المصرية .
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان تكون عدوا لانسان جيد, من ان تكون صديقا لانسان سئ.
التعليق –  مثل عالمي , وقد استقر بالعربية كما يأتي - عدو عاقل افضل من صديق جاهل.
+++++
الترجمة الحرفية – مرحلة الشباب لا تتكرر مرتين.
التعليق – كل مرحلة من مراحل العمر لا تتكرر مرتين , الا ان الانسان يتذكر دائما مرحلة الشباب  بالذات لانها الاجمل من كل المراحل الاخرى , ويوجد بيت شعر نعرفه جميعا في هذا المعنى وهو –
الا ليت الشباب يعود يوما    لاخبره بما فعل المشيب .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تثق بالشخص الذي يمدحك.
التعليق –  مثل ذكي وصحيح جدا , وهو يدعو الى  طرح السؤال الآتي – لماذا يمدحك الشخص ؟ والجواب عن هذا السؤال يستوجب الحذر من هذا الشخص الذي ربما يريد تحقيق مصلحته الشخصية بهذه الوسيلة.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تكون ألاقدم منذ البداية.
التعليق – كل شئ يتطلب وقتا ضروريا لتنفيذه , ولا يمكن للانسان عدم الاعتراف بهذه الحقيقة البسيطة والخالدة ابدا .
+++++
الترجمة الحرفية – البذرة التي لا تبذرها  لا تنبت.
التعليق – كل شئ يحتاج الى عمل و جهد كي تكون هناك نتائج , ولا يمكن اخراج حتى السمكة الصغيرة من النهر دون جهد حسب المثل الروسي , فكيف بالبذرة التي لا نبذرها؟ .
+++++
الترجمة الحرفية – العلاقات المفروضة لا تستمر طويلا.
التعليق – العلاقات الانسانية  الحقيقية طوعية . يوجد مثل عربي في هذا المعنى  وهو -  كل شئ بالسيف الا المحبة بالكيف , وهناك مثل روسي يقول – لا يمكن ان تكون بالاكراه حبيبا .
+++++
الترجمة الحرفية – كيس الرغبات بلا قعر.
التعليق –  توجد العديد من الامثال العربية في هذا المعنى منها  باللهجة العراقية – ركبته ورايه مد ايده بالخرج , ( الخرج – بضم الخاء , مكان حفظ النقود والاشياء الثمينة )// ايدهم بالماعون واصابعهم بالعيون // ..., و على الرغم من ان هذين المثلين يضربان – قبل كل شئ -  لنكران الجميل  , الا انهما يصلحان ايضا ان نقارن بهما المثل الياباني هنا.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يرتدي معطفا من القش لا يطفئ النار.
التعليق – المثل الروسي يقول - القش مع النار لا يتصادقان.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تضع بابا على كل فم.
التعليق –  يوجد مثل روسي في نفس المعنى بالضبط , ولكنه يستبدل ال( باب) في المثل الياباني ب ( المنديل ). الصورة الفنية في المثل الياباني اكثر تعقيدا وغضبا وحزما وجذرية.
+++++
الترجمة الحرفية – بعض الاحيان الهروب يعني الانتصار.
التعليق – يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى يقول  -  الهزيمة ثلثين المراجل , ( المراجل – جمع مرجلة اي الرجولة )
+++++
الترجمة الحرفية – قبيل العيد افضل من العيد نفسه.
التعليق – اجواء استقبال العيد وانتظاره  تمنح للانسان فرحا وبهجة واملا ومزاجا خاصا قد يفوق فعلا الواقع في العيد نفسه.
+++++
الترجمة الحرفية –                    غصن اعوج – ظل أعوج.
التعليق –  الظل هو انعكاس للواقع , ولا يمكن ان يختلف عنه , فاذا كان الاصل اعوجا ف (الظل!) سيكون كذلك بلا شك . يؤكد المثل العربي هذه الحقيقة , ويقول -  لا يستقيم الظل والعود اعوج.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يشرب الخمر لا يعرف مضاره , والذي لا يشربه لا يعرف فوائده.
التعليق – كل شخص  يحاول ان يبرر عمله , وكل ( يبكي على ليلاه !)
+++++
الترجمة الحرفية – الاسماك الكبيرة لا تعيش في المستنقع.
التعليق – ولا يمكن للناس الكبار ان يعيشوا في (مستنقع الحياة !) ايضا.


618
أدب / الشك
« في: 02:31 15/01/2017  »


الشك


قصيدة للشاعر مارين سورسكو / رومانيا
ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع


هذه المرأة
تتكلم معي,
تحبني,
ولكن
يوجد شخص
يتحرك في روحها.
اقرأ
في عينيها,
في خصلات شعرها,
في خطوط الحياة على راحتي يديها,
بانها
تخفي شخصا  ما
في البيت المجاور,
او
في البيت الاخر
او
في مدينة اخرى
او
في الغابة
او
في قعر البحر...
شخص ما يكمن هناك,
يتابع افكاري
ويصغي ..
وينظر
الى
عقارب الساعة.

619
حول موت غوغول. هل دفنوه حيٌا؟
أ.د. ضياء نافع
 
هناك اقاويل كثيرة حول موت الكاتب الروسي الكبير غوغول ( 1809-1852), وانه تم دفنه حيٌا, وانه استيقظ في قبره وحاول الخروج, ولم يستطع , وهكذا اختنق هناك...الخ, ولازالت هذه الاقاويل شبه شائعة لحد الآن, ولا توجد في المصادر العربية اشارات جديٌة الى هذا الموضوع المثير, رغم ان بعض الباحثين العرب قد كتبوا عن ذلك بشكل وجيز ( جريدة الحياة اللندنية وموقع ايلاف مثلا), ونود ان نتناول هذا الموضوع في مقالتنا هذه.
نبدأ من قصة والده, الذي رأى مناما حول فتاة – ما, وحكى هذا المنام للاخرين, فاخبروه انه سيتزوج من فتاة ولدت في ذلك اليوم بالذات , وعرف ان فتاة قد ولدت فعلا في ذلك اليوم, وهكذا قرر ان ينتظرها, وعندما اصبح عمرها 14 سنة, أصرٌ على ان يتزوجها, وتزوجها فعلا. كل اطفالهم كانوا يموتون رأسا بعد الولادة, فتوجهت الزوجة الى القديس نيقولا وطلبت منه ان يمنحها طفلا , ونذرت ان تسميه باسمه, وهكذا  ولد نيقولا غوغول وعاش. مات والده مبكرا, اما والدته فقد كرٌست نفسها لابنها. لقد كانت متدينة بشكل متطرف, وكانت تحكي له حكايات وأساطير دينية, وقد أثٌرت تلك الحكايات على حياته , وبالطبع , على ابداعه فيما بعد. لقد تميٌز غوغول منذ طفولته بصفات ذاتية متفرٌدة, واشار الى ذلك حتى زملاؤه في المدرسة, واتهمه بعض معارفه حتى بالجنون , وانه مصاب بمرض ازدواجية الشخصية ( الشيزفرينيا) , ولكن الاطباء الذين عالجوه لا يؤيدون ذلك , وقد وصل الامر الى ان أحد الاطباء الروس درس وحلل 439 وثيقة طبية تناولت أمراض غوغول وعلاجه, والتي كتبها وسجلها اطباء مختلفون عالجوه, وأكد هذا الطبيب عدم وجود مرض الشيزفرينيا عند غوغول , ولكنه أشار الى ان غوغول كان يعاني من مرض الكآبة, والذي انعكس بوجود مزاج فرح غير اعتيادي لديه بعض الاحيان, وكذلك مزاج حزن غير اعتيادي في أحيان اخر. لقد عرض غوغول نفسه على أطباء كثيرين في روسيا وخارجها, وعالج هؤلاء الاطباء غوغول من مختلف الامراض, مثل امراض المعدة والاعصاب ولكن هذه العلاجات لم تصل الى نتائج ملموسة. وتحدٌث هذا الطبيب عن اصابة غوغول بمرض الغيبوبة او السبات أثناء النوم , مؤكدا ان مصدر كل تلك الاشاعات عن دفنه حيٌا يرتبط بذلك , ومن المعروف ان غوغول كان يخشى ذلك اثناء حياته , لهذا  فانه لم يرقد في سريره أكثر من عشر سنوات , بل كان يغفو في الليالي وهو جالس او نصف راقد على كرسيه , وقد كتب غوغول جملة في كتابه الاخير الموسوم – ( مقاطع مختارة من المراسلات مع الاصدقاء ), ذكر فيها الى انه يوصي ( بعدم اجراء مراسيم دفن جسده الى ان تبدو عليه علامات التفسخ).
لقد توفي غوغول بتاريخ 21 / 2 / 1852 وتم دفنه بتاريخ 24/ 2 / 1852 حسب التقاليد االروسية الارثذوكسية, اذ انهم يدفنون الميت بعد ثلاثة أيام من  وفاته, حيث يضعونه في تابوت ببيته وهو يرتدي أحسن ملابسه, ويأتي اليه الاقارب والاصدقاء لتوديعه, ومن ثمٌ, وفي اليوم الثالث يدفنوه, وبما انه لم يكن لدى غوغول بيت او عائلة, فقد وضعوا تابوته في كنيسة جامعة موسكو, ومن ثمٌ تم دفنه في مقبرة دانيليفسكايا, حيث توجد في تلك المقبرة التابعة لكنيسة قديمة قبور روس مشاهير. لقد حملوا نعشه بالايدي وساروا به الى تلك المقبرة في ذلك الشتاء الروسي القاسي البرودة حيث كانت شوارع موسكو مغطاة بالثلوج في شهر شباط / فبراير.
لقد تم تكليف النحات الروسي رمدانوف بعمل قناع له, وتردد النحات في البداية من عمل القناع لانه كان يعرف بوصية غوغول , الا انه قام بعمل ذلك,وهذا يعني عزل الوجه عن الاوكسجين كليا, وتكفي دقائق قليلة للموت, وهذا يثبت بالطبع ان غوغول قد مات فعلا, اذ ان النحات عمل القناع كما يجب, ولا زال هذا القناع موجودا لحد الآن.
قررت الحكومة السوفيتية الغاء تلك المقبرة عام 1937, وتقرر نقل بعض الجثامين منها واعادة دفنها, ومنها جثمان غوغول. وهكذا تم في 31/3/ 1937 نقل جثمان غوغول من مقبرة دانيليفسكايا الى مقبرة العظماء, وعندها ظهرت تلك الاقاويل عن دفنه حيٌا, وانهم وجدوا ان جسده قد تحرٌك, وان التابوت كان مخرمشا من الداخل, وانه قد مات في قبره لعدم كفاية الاوكسجين ولعدم استطاعته الخروج من القبر ...الخ.
عندما فتحوا قبر غوغول عام 1937, كانت هناك مجموعة من الادباء والفنانين, وكل واحد منهم – فيما بعد- قال شيئا مختلفا, وكلهم حاولوا ان يأخذوا ( شيئا – ما ) من قبره, مثل قطعة من ملابسه او من حذائه ..الخ, وهناك حكاية تقول ان احدهم أصرٌ على فتح قبره ثانية كي يعيد ذلك الجزء الذي اخذه من حذائه, وذلك لان غوغول كان يظهر في منامه ويطالبه بذلك, ويقال انه ذهب الى المقبرة وحفر قرب القبر واعاد دفن ذلك الجزء من الحذاء, وهكذا تخلص من ذلك الكابوس المرعب. ومن المهم الاشارة هنا الى ان الذين حضروا تلك العملية وجدوا ان جمجمة غوغول قد اختفت , ويقال ان احد الاغنياء الروس قد أخذها عام 1909, في الذكرى المئوية الاولى لموته, عندما جرى ترميم قبره وتنظيفه, وان هذا المليونير الروسي كان مولعا بجمع غرائب الاشياء, وقد ضم جمجمة غوغول الى مجموعته تلك,ويقال ايضا, ان لينين قد أصدر امرا – بعد ثورة اكتوبر 1917 – بتحويل بيت هذا المليونير الى متحف , وان يكون هذا المليونير مديرا له, وقد ضاع كل شئ , بما فيها جمجمة غوغول بعد وفاة هذا المليونير.
عرضت احدى قنوات التلفزيون الروسية ( في الذكرى المئوية الثانية لميلاد غوغول 2009) مقابلة مع حفيد أحد  الذين حضروا فتح قبر غوغول, واسمه تروفيموف, وقال انه سأل جده عن ذلك, الا ان الجد كان خائفا وحاول التهرب من الجواب, وقال انه لا يتذكر, وقد ذكر هذا الحفيد ان المخابرات السوفيتية آنذاك قد استدعت جده ولكنها ألغت هذا الاستدعاء قبل يوم واحد من تاريخه فقط, وان جده كان يخشى التحدث عن ذلك, وقد اختتم الحفيد كلامه قائلا , ان المخابرات السوفيتية قررت غلق هذا الموضوع. ومن الطريف ان نشير هنا, الى ان أحد الاساقفة قد اعلن – في ما بعد – ان غوغول ما زال مدفونا في مكانه القديم, اذ ان التابوت قد غاص في الارض لدرجة ان الذين فتحوه لم يجدوه واقعيا, وانهم قد وجدوا بقايا لا علاقة لها بجثمان غوغول, ودفنوها في قبره الجديد بمقبرة العظماء. لقد أوصى غوغول الا يضعوا تمثالا على قبره, الا انهم وضعوا تمثالا عند قبره في مقبرة العظماء وكتبوا عليه انه ( من الحكومة السوفيتية), ويشير البعض ان وصية غوغول قد تم تنفيذها فعلا, اذ ان الذي يرقد هناك ليس غوغول, والله أعلم.

620
أمثال جورجية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أصعب شئ للانسان أن يعرف نفسه.
التعليق – ما اعمق هذا المثل , وهو مناظر شكلا ومضمونا لمثلنا العربي العميق ايضا – رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
+++++
الترجمة الحرفية – الغنى ذنب امام الرب , والفقر ذنب امام الناس.
التعليق –الاغنياء يجمعون ثروتهم بطرق غير نظيفة في الغالب , ولهذا هم مذنبون امام الرب, والفقراء ذنب من ذنوب المجتمع وقوانينه غير العادلة . مثل يلخص بدقة مسيرة الانسانية وعبر كل تاريخها .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا  كنت قادرا  على ان تذنب , فكن قادرا على ان تندم.
التعليق – ما أجمل هذا المثل الجورجي, الذي يدعو الى الندم على الذنوب التي ارتكبها الانسان , والندم هو ( نصف الصلاح ) كما يقول المثل الروسي الطريف. لنتذكرالحديث الشريف –  كل ابن آدم خطاء , وخير الخطائين التوابون.
+++++
الترجمة الحرفية – افضل مما ان تجلس دون جدوى , اعمل دون جدوى.
التعليق – مثل ساخر وجميل و منطقي ومفيد فعلا. الجلوس دون جدوى لا معنى له , ولكن العمل دون جدوى يؤدي في نهاية المطاف الى نتائج ملموسة و محددة , ولا يمكن لهذه النتائج ان تكون بلا فائدة للشخص نفسه وللمجتمع ايضا .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي سرقوه ارتكب  مئة ذنب, اما الذي سرق فذنب واحد.
التعليق – لان المسروق شك بالجميع من حوله , والشك بالاخرين (وهم ابرياء ) هو ذنب كبير يتحمل وزره الشخص نفسه, اما السارق فانه يعرف ذنبه المحدد, وهو السرقة. مثل طريف يدعو الى التأمل الفلسفي العميق , واستخلاص العبر.
+++++
الترجمة الحرفية – لساني الثرثار صفعني على خدي.
التعليق – مثل في غاية الطرافة , اللسان عدو الانسان كما يقول المثل العربي , ولكن المثل الجورجي جعل هذا العدو يصفع الانسان على خده , وهنا بالذات تكمن طرافة الصورة الفنية في هذا المثل.
+++++
الترجمة الحرفية – ارقد بلا عشاء كي تستيقظ صباحا بلا ديون.
التعليق – من الافضل ان تبقى جائعا من ان تقع في هموم الديون ومشاكلها الكثيرة. لنتذكر القول المشهور في تراثنا لعلي بن ابي طالب (ع) , الذي  حمل الحديد والصخر , ولكنه ( لم يجد أثقل من الدين...).
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لم تر الظلام لا تعرف قيمة الضياء.
التعليق – مبدأ المقارنة لفهم جوهر الاشياء نراه في امثال شعوب كثيرة , بما فيها  طبعا الامثال العربية. 
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يسير في الامام - جسر للذي يسير في الخلف.
التعليق – السائر في الامام هو طليعة , وبالتالي فهو يقدر ان يحدد هدف المسيرة كلها , ويعرف اين يبني ( الجسر ) الذي يسير عليه الآخرون من بعده. 
+++++
الترجمة الحرفية – الثرثار يتعب من الاخرس.
التعليق – لأن الاخرس لا يمكن ان يتجاوب مع الثرثار . كل علاقة بين البشر يجب ان تكون متوازية – هذا هو المعنى الجوهري للمثل الجورجي.
+++++
الترجمة الحرفية – في البحر نجا, وفي قطرة ماء غرق.
التعليق – خرج سالما من مشاكل كبيرة , ولم يخرج سالما من مشاكل تافهة صغيرة. غالبا ما يحدث ذلك في مسيرة الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – تأتي الدموع دائما بعد الضحك.
التعليق – يوجد ( ضحك كالبكا) كما يقول المتنبي , ويوجد (ضحك عبر الدموع ) كما يقول التعبير الروسي المرتبط  بنتاجات غوغول , ولكن المثل الجورجي يتحدث هنا عن الدموع التي تأتي بعد الضحك بالذات , وهي مأساة يعاني منها الانسان في كل زمان ومكان.
+++++
الترجمة الحرفية – غبي واحد رمى الالماس في البحر, والف ذكي لم يستطع  ارجاعه.
التعليق – يقف الانسان الذكي عاجزا فعلا امام حماقة الانسان الغبي وتصرفاته . الصورة الفنية للمثل الجورجي  هنا معبٌرة حقا ومقنعة فعلا وطريفة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان جبار بقلبه والشجرة بجذورها .
التعليق – القلب والجذور مخفيان  في الاعماق عن الانظار , ولهذا فانهما يمنحان الجبروت للانسان وللشجرة . مثل رمزي وفلسفي جميل .


621
حوار في نيويورك مع ماياكوفسكي
ترجمة- أ.د. ضياء نافع

جرى هذا الحوار اثناء زيارة ماياكوفسكي للولايات المتحدة الامريكية في العام 1925,ونشرته جريدة (نيويورك ورلد) تحت العنوان المثير الاتي- الشاعر الروسي الديناميكي ماياكوفسكي يعتبر نيويورك مدينة متخلفة, ونحن في رأيه اناس الاذواق العتيقة وغير المنظمين.
يمكن اعتبار هذا الحوار في وقتنا الحاضر – وثيقة من وثائق الادب الروسي السوفيتي في تلك المرحلة العاصفة من تاريخ الفكر الروسي , ونعتقد جازمين ان اطلاع المثقف العربي عليها لا يخلو من فائدة , اذ ان هذه الوثيقة تجبرنا ان نتأمل وان نستنتج,علما ان ماياكوفسكي قد انتحر عام 1930 اي بعد 5 سنوات من تاريخ هذا الحوار.
ض. ن.



وصل الى نيويورك قبل ايام فلاديمير ماياكوفسكي, اشهر شاعر في روسيا السوفيتية ,وصوت عاصفتها الجديدة وبنائها وبشير تكنيكها ورسول تصنيعها ...
قصائده, التي تطبع بملايين النسخ في روسيا السوفيتية, مشبعة بالنداءات للتصنيع,بالمعامل,بالطائرات, بالعمل ,بالعمل ,بالعمل... شعره- هو ايقاع المدينة العصرية الكبيرة, بكل ما فيها من مزيج غير متجانس بين الصلب والحجر, بجماهيرها غير المتناسقة,المنهكة دائما بالعمل الصعب , والخالقة –وسط هذه الاحداث العظيمة- روح المستقبل الحقيقية...
مدينة نيويورك ,بضجيجها وصراعها وقياساتها, كان يجب ان ترضي هذا الشاعر المستقبلي المتوهج, لكنه قال لي في غرفته قرب واشنطن سكوير وهو يذرع ارض الغرفة-
لا , نيويورك ليست مدينة عصرية, انها مدينة غير منظمة, سيل السيارات, المترو, ناطحات السحاب, وما شابه ذلك, كل هذا لا يخلق الثقافة الصناعية الحقيقية. ان هذه سمات خارجية لتلك الثقافة لا غير. امريكا قطعت شوطا كبيرا في مجال التطور وغيٌرت الوجه المادي لهذا الجزء من العالم, لكن سكان اميركا تأخروا عن هذا التقدم ,انهم خاملون, يعيشون في اطار الماضي السحيق.
النيويركيون- قرويون روحيا, لم يستطع عقلهم ان يتقبل كليا اهمية القرن الصناعي ولهذا فانني اقول ان نيويورك غير منظمة. نيويورك – سوء فهم, نكتة, حادث يمكن ان يحدث مع الاطفال,انها ليست نتاجا ناضجا لابداع اناس ناضجين, يفهمون ما يريدون, ويعملون بصرامة وفق خطة...
عندما سيأتي قرننا الصناعي في روسيا, فانه سيكون مختلفا تماما, ستكون هناك خطة , سيكون نتاج الابداع الواعي.
عندكم مترو, هواتف, محطات اذاعية, ومختلف اشكال المعجزات التقنية, ولكني ذهبت الى السينما ورأيت جمهورا غفيرا يشاهد بمتعة ولذة فيلما بليدا و فارغا يتحدث عن قصة حب – ما. لو عرض هذا الفيلم في ابعد قرية في روسيا الجديدة, لصفر له الجمهور...ما هو الشئ الجيد الذي تقدمه لعقول الامريكيين كل هذه السيارات الفارهة؟ يبدو لي ان العلم وحقيقة القرن الآلي – ليسا ملككم.
ويستمر ماياكوفسكي قائلا –
لنأخذ مثلا الفنانين. يوجد عندهم كهرباء, وتحيطهم الآف المواضيع المعاصرة متجسمة في الصلب والحجر, ويستطيعون رؤية ذلك حتى عندما يسيرون في الشوارع, لكنهم يشعلون الشموع في ستوديوهاتهم, مثل الفلاحين الروس. انهم يعتقدون, ان هذه شئ جميل, انهم يكتبون قصائد منمقة وصغيرة ورقيقة, قصائد صالونية, ويرسمون لوحات في نفس هذا الاطار. الهامهم يتوهج بضوء تلك الشموع, بهذا الضوء الخافت الرقيق, بينما الالهام في عصرنا يجب ان يتوهج مثل النار في الافران.
خذ ناطحات السحاب نفسها, انها تمثل الانجاز المجيد للهندسة المعمارية الحديثة. لم يعرف التاريخ ابدا شيئا مماثلا لها , وحتى اعظم عباقرة عصر النهضة لم يحلموا بمثل هذه البنايات العالية, والتي تتأرجح في الهواء, متحدية قانون جاذبية الارض. ان هذه البنايات بكل طوابقها الخمسين,المنطلقة نحو الاعالي, يجب ان تكون عصرية ونظيفة ورشيقة وجامحة... ولكن المعماريين في امريكا, على ما يبدو,لم يستوعبوا المعجزة التي خلقوها. لقد (لطخوا) ناطحات السحاب بزخارف غوطية او بيزنطية عتيقة وباهتة. ان هذا
يشبه تماما وضع شريط  وردي اللون على جرار, او وضع دميةعلى قطار. يمكن ان  يكون هذا جميلا, الا انه ليس فنا ابدا. هذا ليس فن القرن الصناعي.
نعم, ان نيويورك – ليست نتاج الفن الصناعي, لقد بناها الفوضويون, ولا تحس فيها بوجود تعاون ابداعي بين العلماء والعمال والفنانين والمعماريين.
كان ماياكوفسكي يدخن تلك السجائر التي جلبها معه من موسكو, يدخن بلا انقطاع وهو يذرع الغرفة ذهابا وايابا, ويتكلم بصوت جهوري رنان... ان الطاقة الكامنة فيه- غير اعتيادية. لقد كان ذلك يختلف تماما عما يتوقع الانسان رؤيته في الشاعر...
ويستمر ماياكوفسكي قائلا –
ان المبدأ الرئيسي للفن الصناعي هو – بدون تعابير فائضة, بدون اي تنميق, بدون اي تصنع, بدون اي ثرثرة, بدون اي تصوف وحنين للماضي. نحن في روسيا انهينا – ومنذ زمن بعيد – عالم المثقفين الليبراليين المتصوفين, هذا العالم الضيق جدا, عالم الليمون المعصور وابتلاع عظام الدجاج..... الى الشوارع , ايها المستقبليون والضاربون على الطبول والشعراء – هكذا كنت ادعو انا في الايام الاولى للثورة, ان الفن الوقور والنقي اكثر مما ينبغي يصبح متعفنا ,ويجب على الفن ان يخرج من الاستوديوهات المبطنة بالمخمل ومن الغرف المنسقة, وان (يأخذ الدنيا غلابا)...
يجب ان يتضمن الفن دائما رسالة ما, وقانون الفن الجديد – لا تعابير فائضة, لا شئ بدون رسالة. لقد حررت انا الشعر من البلاغة, ووصلت الى الجوهر.انني اختبر كل كلمة وكذلك التأثير الذي اريد ان احدثه بوساطة تلك الكلمة على المستمع, اي بروح الناس الذين يكتبون الاعلانات عندكم. انهم لا يضيعون اية كلمةو ان كل شئ يجب ان يمتلك دورا فعالا...
ثم صمت ماياكوفسكي قليلا , واضاف –
 وبشكل عام يجب ان يكون كل نتاج القرن الصناعي فعالا, ضد التصوف , ضد الهيام بالطبيعة حتى العبودية, ضد الكسل الارستقراطي وكل اشكال الكسل الاخرى, ضد سكب الدموع والعواطف والتأملات. نحن نقف مع التكنيك, مع التخطيط, مع التنظيم العلمي للعمل, مع الادارة القوية, مع السرعة, مع الضبط والالتزام, ومع الانسان الجديد المسلح بكل هذا...اين فنانوكم الذين يؤمنون بمثل هذه الافكارو التي تعبر عن وجهة نظر الانسان؟ اين هي البواعث الاجتماعية التي تقف وراء نظامكم الصناعي؟نيويورك ليست لها خطة. انها لا تعبر عن اية فكرة. ان نظام نيويورك الصناعي هو صدفة, اما نظامنا الصناعي في روسيا فانه نتاج الابداع الناضج.
هنا اوقفت سيل كلمات الشعر , وطرحت عليه سؤالا يبدو انه لم يعجبه-
هؤلاء الصوفيون الليبراليون انفسهم, الذين تكلمت عنهم, انهم يهربون بعيدا عن الماكنة’ انهم يعتقدون, ان الماكنة تدمر روح الانسان, الا يوجد عندكم في روسيا مثل هذه التخوفات من ان يصبح الانسان ميكانيكيا اكثر مما ينبغي؟
اجاب ماياكوفسكي بثقة-
كلا.نحن انفسنا خلقنا الماكنة,ولهذا فاننا لا نخشاها ابدا.ان الحياة القديمة, الصوفية او العاطفية المبتذلة, هذه الحياة ستموت, وستحل محلها حتما حياة جديدة. لماذا نخاف ابداع التاريخ؟لماذا التخوف في ان يصبح الانسان ميكانيكيا اكثر مما ينبغي؟ هذا غير ممكن.
قلت له –
لكن, الا تدمر هذه المكائن مفاتن الحياة وبهجتها؟
اجابني-
كلا.كل ما يمكن ان يتدمر بسهولة, يستحق ان يتدمر, اما في المستقبل, فستظهر حتما قيم اكثر في الحياة. عندي في موسكو صديق طيار يقول , انه عندما يخترق الفضاء بسرعة مئة ميل في الساعة, فان دماغه يعمل اسرع بخمسة اضعاف. ان قرن المكائن سينشط شجاعة الفكر وحريته.
سألته-
فيما يخص بقية الشعراء والكتاب الروس, هل هم ايضا متأثرون بهذه الافكار,ومن هم افضل الادباء الشباب؟
اجابني –
ان روسيا كلها متأثرة بهذه الافكار. اما تسمية افضل الادباء فلا ضرورة لها, اذ ان هذه مسألة غير مهمة. والاهم من ذلك هو ان ملايين النساء والرجال الذين كانوا بالامس فقط لا يعرفون القراءة والكتابة, استطاعوا ان ينفصلوا عن التصورات القديمة للفن, وان يتعرفوا اليوم على نتاجات اكثر الشعراء تقدمية, وان هذا النهوض الجماعي اكثر اهمية –بالف مرة- مما لو ظهر عندكم فجأة عشرة ادباء مثل تولستوي او دستويفسكي. وعلى مثل هذه التربة لا يمكن للفن الا ان يزدهر ...

622
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – البداية الجيدة نصف النجاح.
التعليق – يقول المثل الروسي في نفس المعنى  – البداية الطيبة تشفط نصف العمل .
+++++
الترجمة الحرفية – الهدية غير المتوقعة تمنح سرورا اكثر.
التعليق – يوجد مثل ايطالي قريب من معنى هذا المثل الهندي وهو  – الهدية التي تقدم دون طلب تكون أجمل مرتين .
+++++
الترجمة الحرفية -  في روح المجرم يوجد خوف دائم.
التعليق – مثل عالمي, وتوجد صيغ عديدة له وفي نفس المعنى عند مختلف الشعوب , فنحن نقول-  (كاد المريب ان يقول خذوني), ويقول المثل الروسي الطريف – تتوهج القبعة على اللص... 
+++++
الترجمة الحرفية – يعطي مرآة للاعمى.
التعليق – والمثل باللهجة العراقية يقول – (ينطي الجوز للماعنده سنون ) ( ينطي – يعطي // للماعنده- للذي ليس عنده // سنون – أسنان). المثل الهندي في نفس المعنى , ولكن الصورة الفنية فيه اكثر وضوحا و دقة وربما يمكن اعتبارها اكثرمرارة و قسوة ايضا , بينما المثل العراقي اكثر طرافة وأقل مرارة .
+++++
الترجمة الحرفية – توجد مبالغة دائما عند حديثك عن عقلك و عن ثروة الغرباء.
التعليق – مثل حقيقي وصادق فعلا , وهو يوحد ظاهرتين – الاولى هي مرض ال( الانا) النفسي , الذي يعاني منه الكثير من الناس في مجتمعاتنا مع الاسف , و الظاهرة الثانية هي الحسد تجاه نجاح الآخرين.
+++++
الترجمة الحرفية – فقط الارجل التي تسير يمكن ان تتزحلق.
التعليق –  مثل عالمي بصيغ كثيرة , وقد استقر عندنا كما يأتي - من لا يعمل لا يخطأ , والمثل الروسي يستخدم فعلين هما - (يسير و يقع) , و في المثل الصيني يوجد فعل - (يتسلق) بدلا من ( يسير) , اما  المثل الهندي فيستخدم فعل - (يتزحلق) , وربما هو الاكثر طرافة.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تثرثر الضفادع , من الافضل السكوت.
التعليق – حكمة عميقة فعلا , اذ ماذا يمكن ان يقول الانسان وسط ثرثرة ونقيق (الضفادع !)التي تحيطنا في المجتمع من كل جانب , وهي تثرثر وتثرثر و تثرثر...
+++++
الترجمة الحرفية – لا شئ يمكن ان ينعش الانسان مثل الكلمة الطيبة .
التعليق – الكلمة الطيبة صدقة حسب الحديث الشريف , والكلمة تداوي كما يقول المثل الروسي . المثل الهندي هنا يحدد للكلمة الطيبة دورا جديدا ويقول انها (تنعش!) الانسان افضل من اي شئ آخر, وهي ملاحظة طريفة و صحيحة فعلا. 
+++++
الترجمة الحرفية – حتى لو كانت الاحذية من ذهب , يلبسونها بالقدمين.
التعليق – الحذاء يبقي حذاءا حتى لو كان من الذهب, وما  احوج الانسان ان يأخذ هذه الحكمة العميقة بنظر الاعتبار. تستخدم معظم الشعوب كلمة ( الحذاء) تحقيرا للاشياء والاشخاص , بما فيها طبعا شعوبنا العربية.
+++++
الترجمة الحرفية – ليس صعبا لذاك الذي عبر البحر ان يعبر القناة.
التعليق – معنى المثل واضح , فالشخص الذي مر بتجارب قاسية وصعبة في مسيرة حياته , يستطيع ان يتعامل ايضا – وبنجاح - مع تجارب ابسط من تلك التي اجتازها.
+++++
الترجمة الحرفية – دون معاناة لا تحصل على السعادة.
التعليق –  يوجد بيت شعر ذهب مثلا وهو –
ومن طلب العلا من غير كد     اضاع العمر في طلب المحال.
ويوجد مثل باللهجة العراقية في نفس المعنى يقول – ماكو راحة الا بعد تعب ( ماكو – لا يوجد).
+++++
الترجمة الحرفية – العين الحولة افضل من العين العمية.
التعليق –  يوجد مثل عالمي في هذا المعنى  يقول – الاعور ملك في بلاد العميان , وهناك مثل باللهجة العراقية في نفس المعنى يقول -  التبربش ولا العمى ( التبربش – الرؤية بالكاد).
+++++
الترجمة الحرفية – على الطبيب ان يمتلك عين صقر وقلب اسد ويد امرأة.
التعليق – وصف دقيق ورائع للطبيب الماهر والحاذق والناجح , فعين الصقر رمز للنظرة الثاقبة , وقلب الاسد رمز للشجاعة والاقدام , ويد المرأة رمز للرحمة و الحنان والرعاية , ويحتاج الطبيب الى كل هذه الصفات فعلا لمعالجة مرضاه.
+++++
الترجمة الحرفية – الاشياء التي يعملونها بسرعة لا يمكن ان تكون جيدة.
التعليق –  توجد امثال كثيرة بالعربية حول العجلة , ولعل اشهرها هو  - (في العجلة الندامة...) , او  -  (اياك والعجلة بالامور قبل اوانها ...) الا ان المثل الهندي هنا محدد , و يذكٌر بمثل  باللهجة العراقية , وهو  – (جفيان شر ملا عليوي) ( اي العمل بسرعة و كيفما يكون العمل بغض النظر عن النتائج ) , او ما يعنيه التعبير العراقي الساخر, والذي يعرفه العراقيون جيدا وهو – ( شلح واعبر).
+++++
الترجمة الحرفية – الذيل في كل مكان يسير وراء الفيل.
التعليق – لا يمكن للذيل ان يسير في المقدمة ابدا , حتى ولوكان ذيل الفيل, وكذلك لا يمكن لل(ذيلية !) ايضا ان تشغل مكانا  مهما او طليعيا في مسيرة حياتنا , حتى لو كانت مرتبطة ب ( اكبر فيل في المجتمع ! )


623
أدب / لوحة محفورة على النحاس
« في: 13:10 05/01/2017  »
لوحة محفورة على النحاس
للشاعر ريتسوس / اليونان
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



الذكريات تحفر
تحت ظلال الشجر,
النواقيس تتكلم
في الصمت والسكون,
بقرة حزينة تجلس
في ظل اليوم الذي انتهى,
وبعيدا,
وراء الرعاة الصغار,
غيمة
تمتص الغروب.

624
الشاعر الروسي ماندلشتام بترجمة د. برهان شاوي
أ.د. ضياء نافع

ولد الاديب العراقي الدكتور برهان شاوي في الكوت عام 1955 , وحصل على شهادة الدكتوراه في فن السينما عام 1986  في موسكو, ويساهم في الحياة الفكرية العراقية بنشاط كبير,فقد أصدر العديد من المجاميع الشعرية والدراسات الاعلامية والادبية, اضافة الى مقالاته وكتاباته في الصحف والمواقع الالكترونية المختلفة, وصدرت له قبل فترة رواية أثارت ردود فعل واسعة في الاوساط الادبية. و ساهم د. برهان شاوي كذلك في عملية ترجمة الشعر الروسي  المعاصر من الروسية الى العربية, وقد اصدر كتابا يضم قصائد للشاعرة الروسية آنا أخماتوفا , وكتابا آخر يضم قصائد للشاعر اوسيب ماندلشتام, وهو الكتاب الذي نتناوله في مقالتنا هذه.
صدر هذا الكتاب بطبعته الاولى عن دار نشر ( الجمل ) في المانيا, وأذكر باني استطعت الحصول عليه في بغداد وتحدثت عنه بشكل سريع وعابر في محاضرة القيتها بكلية اللغات في جامعة بغداد عنوانها ( الشعر الروسي بترجمة الدكتورة حياة شرارة), واعود اليوم, وبعد مرور حوالي 15 سنة, للحديث عن هذا الكتاب في طبعته الثانية, التي صدرت عام 2009 عن دار الاصداء للطباعة والنشر والتوزيع, ولا توجد اشارة الى مكان هذا الاصدار.
يعد هذا الديوان – حسب علمنا – أول كتاب بالعربية للشاعر الروسي اوسيب ماندلشتام, ويقع الكتاب في 151 صفحة من القطع المتوسط ويضم – مقدمة وتعريف بالشاعر ومختارات نثرية ومختارات شعرية. يشير د. شاوي في المقدمة الى طبيعة شعر ماندلشتام, الذي – ( يصقل الحجارة الصغيرة الناعمة), ويؤكد – وهو على حق – بان شعره صعب جدا, وبالتالي فهو عصي على الترجمة, ويختتم مقدمته  مشيرا الى ( عبثية أية ترجمة لاشعار ماندلشتام ونقلها الى غير لغتها الروسية الاصلية), ومع ذلك, فان  د. شاوي حاول واستمر في محاولته بترجمة اشعاره, ونعتقد بانه قد نجح في محاولته تلك.ينتقل المترجم بعد المقدمة الى تعريف وجيز جدا بالشاعر ومسيرته,منذ ولادته في عام 1891 الى وفاته في معسكر الاشغال الشاقة في سيبيريا عام 1938, حيث رميت جثته مع بقية جثث السجناء الميتين ( في قمامة المعسكر).ونود هنا ان نشير فقط الى مسألة غير دقيقة (ربما تكون خطأ مطبعياعلى الاغلب )ورد ت في ذلك التعريف الوجيز, وهو ما جاء في النقطة الخامسة حول التحاقه في قسم اللغة الرومانية بجامعة بيتربورغ, اذ ان هذا القسم هو قسم اللغات الرومانو- جرمانية وليس قسم اللغة الرومانية,وهو قسم يختص بدراسة مجموعة من اللغات الاوربية بشكل عام , ولا زال هذا القسم العلمي موجودا لحد الان في تلك الجامعة , وفي جامعات روسية عديدة اخرى.
في الجزء الخاص بالمختارات النثرية, يقدم لنا د. شاوي ترجمة لمقالين من مقالات ماندلشتام, الاول بعنوان ( حول طبيعة الكلمة) والثاني بعنوان ( عن المحاور ). المقال الاول نشره ماندلشتام في كراس صغير عام 1922 بعنوان – (عن النهلستية الداخلية في الادب الروسي), ثم نشره في ما بعد بعنوان ( حول طبيعة الكلمة), وهو مقال رائع يتناول الادب الروسي, وهل هو أدب معاصر  ومتفرد, وما هو وجه التفرد فيه, وما هي السمات الجوهرية ( او ما يسمى بالمقاييس) لهذا التفرد, ولا يمكن لنا ان نعرض موجزا لتلك الطروحات الفلسفية التي جاءت في ثنايا  ذلك
المقال المعمق, والذي يتوقف ماندلشتام فيه عند اسماء كثيرة في الادب الروسي والعالمي ويحللها ويتناول ( سحر اللغة ) و ( سلطة الكلمة ) وعلاقة الادب بهما, الادب الذي ينظر اليه ماندلشتام باعتباره – ( درس, وشارع, بينما علم اللغة هو محاضرة جامعية). ان قراءة ذلك المقال من قبل القارئ غير المتخصص هي عملية صعبة  ومعقدة تماما , وحسنا فعل د. شاوي , عندما كتب بعد ذلك المقال هوامش بلغت ( 61) نقطة, أعطى للقارئ فيها شروحا تفصيلية ومعلومات وافية عن كل اسماء الادباء الذين تناولهم ماندلشتام وعن كل المفاهيم التي جاءت في متن ذلك المقال, بما فيها المدارس الفكرية الروسية والعالمية. ان تلك الهوامش التي جاءت من الصفحة رقم 33 والى  الصفحة رقم 43 تمثٌل واقعيا عملا علميا كبيرا قام به د. شاوي متطوعا لخدمة القارئ والتعريف بمضمون مقال ماندلشتام, و في الوقت نفسه يعد هذا العمل اغناء للمكتبة العربية بشكل عام.
اما المختارات الشعرية, فقد بدأت بقصائد من ديوان ( الحجر ) , ثم من ( قصائد من بريستيا), ثم مختارات من اشعار 1921-1925, ثم من الاشعار الموسكوفية 1930-1937, ومن اشعار فارونش ( المدينة التي تم ابعاده اليها في آخر سنوات عمره) والتي ارسلوه منها الى معسكرات الاشغال الشاقة ( والتي افتتح فيها قبل سنوات قليلة تمثال رائع له ).
نقدم للقارئ فيما يأتي قصيدة من ديوان ( الحجر) بترجمة د. شاوي, ونعقبها بترجمة نفس تلك القصيدة ( وعن الروسية ايضا) للباحث السوري د. ابراهيم استنبولي,وهو من الباحثين المعروفين في مجال ترجمة الادب الروسي, ويمكن للقارئ ان يقارن الترجمتين, وهما يمثلان اجتهادين مختلفين لنص واحد, ويبينان صعوبة ترجمة الشعر بشكل عام , وترجمة شعر ماندلشتام بشكل خاص. ونترك للقارئ الحكم النهائي.

القصيدة بترجمة د. برهان شاوي

أرقٌ من الرقة
وجهك,
أشدٌ بياضا من الابيض
يداك,
ومن العالم كله
بعيدة أنت,
 وكل شئ فيك
لا مفر منه!

لا مفر منه, ألمك,
واصابع كفك الدافئة,
وصوتك الهادئ,
وحديثك الذي لا يطوي كآبة,
وعمق عينيك.
+++++++++++++++++++++
القصيدة بترجمة د. ابراهيم استنبولي

ألطف من اللطف- وجهك,
وأكثر بياضا من الابيض- يدك,
وانت بعيدة عن مجمل العالم,
 وكل ما فيك- مما هو لا مفر منه.

ومما لا مفر منه-
حزنك,
واصابع يديك الملتهبتين,
والصوت الناعم لاحاديثك غير الشهية,
والبعد في مقلتيك.

نترك القارئ ليحكم بين الترجمتين.
اما أنا فاميل الى ...........


625
المؤرخ والكاتب الروسي كارامزين
أ.د. ضياء نافع
 ولد كارامزين بالامبراطورية الروسية في القرن الثامن عشر ( 1766) وتوفي هناك ايضا في القرن التاسع عشر ( 1826) , اي انه ابن قرنين بعيدين  جدا عن زماننا الحالي بالنسبة  لتاريخ روسيا , ولكنه مع ذلك لا يزال حيا لحد الان في ربوع الفكرالروسي , وذلك لانه وضع بصماته الابداعية  المتميٌزة  في  مسيرة هذا الفكر في مجالات التاريخ و السرد والشعر والصحافة والترجمة الادبية , لدرجة ان غيرتسن ( انظر مقالتنا بعنوان – غيرتسن الاديب والصحفي الروسي المهاجر ) أشار اليه في كتابه بعنوان – ( عن تطور الافكار الثورية في روسيا)  قائلا – (ان اهمية كارامزين  في الفكر الروسي مثل اهمية يكاترينا في تاريخ روسيا ...).
تباينت الآراء بشأن الصفة الاولى والاساسية  لكارامزين في مسيرة روسيا الفكرية , فمنهم من يؤكد اولا على مكانته المتميزة في تدوين التاريخ الروسي  , لانه مؤلف كتاب ( تاريخ الدولة الروسية ب 12 جزءا) , والذي لا زال يعد و لحد الان مصدرا اساسيا و مهما جدا في تاريخ روسيا ( تفرغ كارامزين لهذا الكتاب على مدى ال( 23) سنة الاخيرة من حياته باكملها – منذ عام 1803 الى وفاته في عام 1826) . وكارامزين هو الكاتب الوحيد في تاريخ روسيا القيصرية الذي منحه القيصر الروسي الكساندر الاول  في حينه مهمة  محددة لكتابة وتدوين التاريخ  واطلق عليها تسمية دقيقة وهي بالروسية كلمة واحدة فقط ( ايستوريوغراف) ويمكن ترجمتها الى العربية كما يأتي  – (متخصص في تدوين التاريخ) او( مدوٌن التاريخ) او ( المؤرخ  المدوٌن) ( جاءت في بعض المصادر العربية ترجمة طويلة جدا لهذه التسمية وكما يأتي – باحث متخصص في دراسة الوثائق التاريخية من أجل تدوين وقائع التاريخ الروسي , وهي ترجمة توضيحية وتفصيلية بلا شك لطبيعة العمل المرتبط بهذه الوظيفة) , و أمر القيصر ايضا  بمنحه  راتبا عاليا طيلة فترة عمله في هذه الوظيفة وتنفيذه  لمهماتها , وان تقوم الدولة بطبع مؤلفاته تلك , (وما أعظم هذا العطاء , وكم نحتاج الى مثل هذه الخطوات النبيلة في حياتنا ولحد الآن !!). لقد أصدر كارامزين عام 1818 رأسا ثمانية اجزاء من كتابه المشار اليه اعلاه هذا , اي ( تاريخ الدولة الروسية ) , وتم بيع  ثلاثة الاف نسخة منه خلال أقل من شهر واحد فقط , وهو حدث كبير ومتميٌز في تاريخ الكتاب الروسي لم  يحصل  سابقا في روسيا آنذاك , وأصدر ثلاثة أجزاء اخرى من ذلك الكتاب بعد سنة واحدة فقط , وقد تم بيعها ايضا وبنفس السرعة , بل وتم ترجمتها الى عدة لغات اوربية كذلك . ثم صدر الجزء الثاني عشر والاخير من هذا الكتاب بعد وفاته . لقد كتب بوشكين عن هذا الجهد العلمي الكبير قائلا , ان كارامزين ( اكتشف تاريخ روسيا القديم مثلما اكتشف كولومبوس أمريكا!), وكان بوشكين محقا بكلمته العميقة والدقيقة تلك , لان كارامزين استخدم  فعلا المخطوطات الروسية القديمة والوقائع الروسية القديمة ايضا , والتي لم تكن معروفة ابدا للقارئ الروسي الاعتيادي , بل كانت حتى شبه مجهولة لبقية المؤرخين الروس , وأعاد لها الحياة والحيوية من جديد . ولقد تلاقف القراء الروس آنذاك كتاب كارامزين هذا ايضا لان المؤرخ صاغ كتابه بلغة روسية جميلة وبسيطة و سلسلة لا تشبه لغة البحوث العلمية الجافة , وهو ما يميٌز هذا الكتاب عن الكتب التاريخية الاخرى . ولكل هذه الاسباب يرى الباحثون الروس ( وليس الروس فقط) ان الميزة الاولى والاساسية لكارامزين هي صفة - (  المؤرخ), ومن المؤكد انهم على حق فعلا. لكن توجد آراء مغايرة لذلك ,اذ يرى البعض من
الباحثين , ان اهمية كارامزين  تكمن - قبل كل شئ - في رواياته ونثره بشكل عام , وذلك لانه وضع هناك اسس الاتجاه الادبي الجديد في روسيا آنذاك وهو – ( السنتمنتالية ) اي  العاطفية ان صح التعبير ( يستخدم بعض الباحثين مصطلح – ما قبل الرومانسية في تاريخ الادب الروسي  وهو مصطلح غير دقيق من وجهة نظرنا) , بعد ان كانت سائدة في الادب الروسي الكتابات التي تمجد الدولة وعظمتها وسيطرتها وجبروتها , وهي الكتابات التي كانت تنطلق من الاتجاه الادبي المعروف آنذاك والذي يطلق عليه الباحثون تسمية (الكلا سيتزيم) , هذا الاتجاه الذي كانت تحتاجه الدولة وهي في طور البناء والنهوض , اما الاتجاه السنتمنتالي فقد كان يركز على الفرد ومعاناته الحياتية البسيطة بغض النظر عن الدولة ومسيرتها , وهو الذي انعكس في رواية كارامزين القصيرة – ( ليزا المسكينة ) ( تاتي في بعض الترجمات العربية هكذا – ليزا البائسة , ونظن ان التسمية الاولى هي الاصح ) التي نشرها الكاتب عام 1792 في مجلته ( موسكوفسكي جورنال) ( المجلة الموسكوفية), ثم أصدرها عام 1796 في كتاب  , وتعد رمزا لمرحلة حاسمة ومتميٌزة في تاريخ الادب الروسي ومسيرته. تتناول هذه الرواية القصيرة قصة حياة ليزا الفلاحة اليتيمة الاب , والتي كانت تعيش مع والدتها معتمدة على عملها المتواضع البسيط  من الاعمال الفلاحية اليدوية, ثم تتعرف على شاب من طبقة النبلاء اثناء بيعها للزهور, وتتطور العلاقة بينهما , ولكنه يتركها في نهاية قصة حبهما , وتكتشف ليزا انه ارتبط بامرأة اخرى, وهكذا تقرر انهاء حياتها وترمي بنفسها في البركة منتحرة  . مضمون الرواية القصيرة هذه كما هو واضح بسيط جدا وهو  مقتبس عموما من اجواء الاداب الاوربية التي كان كارمزين يعرفها حق المعرفة, ولكنه يصوره في اطار الطبيعة  الروسية  البحتة , حيث يتعرف القارئ على اجواء موسكو وضواحيها لدرجة ان القراء في ما بعد اطلقوا اسم ليزا على بركة الماء التي انتحرت فيها.  لقد انعكست هذه الرواية على مجمل مسيرة الادب الروسي , واعتبرها النقد الادبي ( كلمة جديدة ) , وهناك لوحة مشهورة رسمها فنان تشكيلي عام 1827 تحمل اسم – ليزا المسكينة , ويرى بعض النقاد انها انعكست حتى على بعض نتاجات بوشكين النثرية , وتحولت هذه الرواية القصيرة الى مسرحية غنائية , والى ثلاثة افلام سينمائية وتلفزيونية في نهاية القرن العشرين كان آخرها عام 1998 , بل ان اذاعة موسكو العربية قدمتها  ضمن المسرح الاذاعي .
 وعدا ذلك , يوجد باحثون يشيدون باهمية شعر كارامزين , و الذي جاء بلغة روسية صافية وبسيطة, وعكس فيه مفردات جديدة بكل معنى الكلمة صاغها بنفسه في اللغة الروسية ومهد الطريق بذلك لبوشكين وغيره من الادباء الروس الكبار في ما بعد , ومنهم من يشير الى مساهماته المهمة في مجال الصحافة الادبية التي ساهم بوضع اسسها في روسيا , اذ ترتبط باسمه صحيفة ثقافية للاطفال ومجلتين ادبيتين واجتماعيتين لعبتا دورا بارزا في تاريخ الصحافة بروسيا . ويوجد كذلك من يتحدث عن دور كارامزين البارز في عالم الترجمة الادبية , اذ انه  واحد من اوائل المترجمين الروس لمسرح شكسبير  (هو أول من ترجم مسرحية يوليوس قيصر الى الروسية آنذاك  , ونشرها عام 1790 ).
و كل هذه الاراء صحيحة فعلا , وكل هذا التنوع  يبين بلا شك اهمية ابداع كارامزين وقيمته في تاريخ الفكر الروسي ومسيرته بشكل عام , ويجيب عن سؤال – لماذا تحتفل روسيا الان ( في نهاية عام 2016) بذكرى  مرور (250 ) سنة على ميلاده.
 


626
الادب المقارن في جامعة بغداد
أ.د. ضياء نافع
---------------------------------------------------------
أصدر احد الزملاء في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد مرة كتابا , ونشر صورته الشخصية على الغلاف الاخير للكتاب وتعريفا بنفسه , وأشار الى انه – ( استاذ الادب المقارن في جامعة بغداد). تناقشت معه حول هذه الجملة , وقلت له اننا لا نقوم بتدريس هذه المادة العلمية في قسمنا , ولا تقوم الاقسام العلمية الاخرى في جامعة بغداد بتدريسها ايضا , فكيف سمحت لنفسك ان تكتب هذه الجملة  المنافية للواقع  وغير الحقيقية بتاتا على غلاف كتاب لك صادر في بغداد؟ ضحك صاحبنا دون مبالاة , وقال لي – ( انها كلمات عامة ولكنها تمتلك رنينا خاصا ),ثم أضاف – ( ومن الذي سيدقق مثلك في هذه الكلمات !). تذكرت  حديثنا هذا( الذي جرى  قبل حوالي ثلاثين سنة في اروقة جامعة بغداد) وانا اتناقش مع احد الاصدقاء في موسكو قبل فترة قصيرة حول ذلك الزميل المذكور , اذ أكٌد لي هذا الصديق ان فلان الفلاني هو استاذ الادب المقارن في كلية اللغات بجامعة بغداد , وعندما قلت له ان هذا الامر ليس صحيحا , اجابني انه يمتلك ( وثيقة!) حول ذلك , وال(وثيقة) هذه هي كتاب صادر في بغداد لفلان الفلاني نفسه , وهو يذكر ذلك على الغلاف الاخير من الكتاب.
مادة (الادب المقارن) لم تدخل ابدا ضمن مناهج التدريس في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد منذ تأسيسه بتاريخ 1 / 12 / 1958 ولحد الان , ولم تكن هذه المادة موجودة  ايضا في الاقسام اللغوية الاخرى لجامعة بغداد كافة  حسب علمي المتواضع , بما فيها اقسام اللغة العربية ,  رغم انه قد تم تدريس مادة ( الادب العالمي ) في بداية السبعينات في قسم اللغة العربية في كلية الاداب بمبادرة من قسم اللغات الاوربية في حينها واستمرت سنتين فقط والغيت. ولا يمكن اعتبار هذه المادة العلمية طبعا  بديلا عن مادة الادب المقارن , الذي يجري الحديث عنها في هذه المقالة . 
 كان الباحث عبد المطلب صالح ( وهو خريج الجامعات الفرنسية ) من ابرز المثقفين العراقيين في مجال الدراسات في الادب المقارن , واصدر عدة كتب( منها – مباحث في الادب المقارن / دراسات في الادب والنقد المقارن / موضوعات عربية في ضوء الادب المقارن / دراسات ادبية مقارنة ...) ونشر المقالات حوله, واقترح مرارا تدريس هذه المادة في الجامعة , الا انه لم يستطع تحقيق هذا الحلم العلمي الجميل . وكان لدينا استاذ في قسم اللغة الفرنسية اسمه الدكتور قنبر الطويل , والذي كان قد كتب بحثا ونشره في مجلة كلية اللغات حول الادب المقارن والذي تحدث عن ضرورة تدريس هذه المادة , وظل طويلا يتحدث عن ذلك ولكن دون جدوى . وبرز في قسم اللغة العربية في كلية الاداب استاذ نشر الكثير من المواد العلمية حول الادب المقارن ( منها كتاب دراسات في الادب  المقارن التطبيقي) وهو الدكتور داود سلوم , ولكنه لم يستطع ايضا ادخال هذه المادة ضمن المناهج العلمية للقسم , وربما توجد محاولات اخرى في هذا المجال , الا انها لم تنجح مع الاسف , ومنها اقتراح تقدمت به شخصيا الى كلية اللغات لتأسيس مركز او وحدة ادارية خاصة للدراسات العليا في مجال اللغات والآداب المقارنة , ووضعت النقاط الاساسية فيه , ومن جملتها ان يكون القبول لخريجي اقسام  اللغات الاجنبية حصرا , وان يكون للطالب مشرفان – واحد متخصص بتلك اللغة الاجنبية وآدابها والثاني متخصص باللغة العربية وآدابها , وان يكتب الطالب اطروحته باللغة العربية في موضوع مقارن . واذكر ان الحديث عن هذا المقترح قد توسع جدا لدرجة , اننا رشحنا الدكتور عناد غزوان كي يكون رئيسا لهذا المركز , الا ان هذا المقترح بمجمله لم يتحقق مع الاسف .
سنحت لي فرصة السفر الى كلية اللغات بجامعة صنعاء عام 2001 للتباحث معهم حول امكانية تاسيس قسم للغة الروسية , وتم تكليفي لالقاء 8 محاضرات في مادة الادب المقارن في قسم اللغة العربية هناك ( بمعدل ساعتين اسبوعيا لمدة شهر) , وكان من الطبيعي ان تتضمن محاضراتي الموضوعة  العربية في الادب الروسي وانعكاسها في نتاجات بعض الادباء الروس بحكم اختصاصي في الادب الروسي , وقد تقبل الطلبة هذه المحاضرات بحماس وساهموا في المناقشات بحيوية ونشاط بعد كل محاضرة , وذلك لان الموضوع هذا كان جديدا بكل معنى الكلمة لهم , ولكني ( اكتشفت!) في نهاية الفترة القصيرة تلك ان ادارة القسم كانت ترغب ان اتناول في محاضراتي ليس فقط الادب الروسي وانما كل الاداب العالمية في اوربا وغيرها , وهو شئ يتنافى طبعا ومفهوم الاختصاص العام و الدقيق في اطار العمل الاكاديمي في الجامعة , وقد فهمت - اثناء عملي لمدة شهر هناك - عدم وجود تفاصيل علمية واضحة و محددة لمفردات مناهج تلك المادة , ولا التخطيط الدقيق لاهدافها , ولا الاشارة الى مصادرها العلمية ...الخ , ولم ارغب الدخول  آنذاك في تفاصيل ذلك معهم انطلاقا من المثل المعروف – يا غريب كن اديب.
ان مادة ( الادب المقارن) تستحق فعلا التوقف عندها , والتفكير بادخالها ضمن مواد التدريس في الاقسام العلمية  بكلية اللغات فقط , شريطة ان يقتصر كل قسم بتدريس الجزء الخاص بقسمه , كي تكون المادة العلمية تلك محددة ومرتبطة بشكل دقيق بادب اللغة التي يقوم القسم بتدريسها حصرا , اما تدريسها بشكل عام استنادا الى كتب موجهة الى القراء ليس الا( مهما تكن هذه الكتب عميقة ورائعة وواسعة ) , فان ذلك يتعارض مع البنية العلمية في الجامعة , لان ذلك يلغي مبدأ التخصص العام والدقيق , وهو النهج الذي تقوم عليه الجامعة منذ بداياتها ولحد الان .
اتمنى ان تناقش اللجان العلمية في كلية اللغات بجامعة بغداد هذا الموضوع من كل جوانبه , وان تصل الى توصية علمية وموضوعية بشأنه.


627
أدب / ممر معتم واحد
« في: 11:44 25/12/2016  »
ممر معتم واحد
===========
قصيدة للشاعر اندرو  بواجيدزه / جورجيا
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

..الحياة – ممر معتم واحد.
عند المدخل بالكاد يضئ مصباح باهت واحد.
بوابة واحدة وقمر واحد يضئ في نافذة واحدة  .
.. الحياة – ممر معتم واحد.
السعادة – لحظة, لكنها ممزوجة بالتعاسة,
لأن الحلاوة والمرارة واحدة.
كل ما هناك – ممر معتم واحد.
انها ليست سوى كلمات – امرأة واحدة واطلاقة نار واحدة..
طريق واحد. شبح واحد...
..الحياة – ممر معتم واحد,
بوابة واحدة وقمر واحد يضئ في نافذة واحدة .
+++++++++++++++++++++++++++++++
ولد الشاعر أندرو  بواجيدزه في تبليسي عام1957 / اصدر عدة مجاميع شعرية منها – حديث في العتمة , قناديل الشوارع , ضوء الليل../ حائز على عدة جوائز أدبية / القصيدة المنشورة هنا بلا عنوان في الاصل , والعنوان من وضعنا .
ض.ن.

628
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – اسأل البحارة عن البحر.
التعليق – معنى المثل واضح تماما , فمن يعرف البحر افضل من البحارة؟. يوجد مثل عربي معروف في نفس المعنى وبكافة اللهجات يقول – (اعطي الخبز لخبازه..) . المثل يحدد الاجابة عن السؤال المطروح دائما امام الانسان  عن هؤلاء الذين يعرفون (كل شئ!) ويتدخلون في ( كل شئ !)ويعطون النصائح في (كل شئ !) , وهم واقعيا ( صم بكم عمي ..!)
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تكون هناك حقيقتان.
التعليق – الحقيقة واحدة . يمكن ان تكون حول الحقيقة آراء عديدة , ولكن تعدد الآراء حولها لا يعني ابدا  انها ليست واحدة فقط . مثل فلسفي عميق.
+++++
الترجمة الحرفية – كل ما يزهر, حتما يذبل.
التعليق – الازدهار ليس خالدا في حياتنا , فكل ازدهار مصيره الذبول , وبقاء الحال من المحال .لو يتذكر الانسان هذه الحقيقة البسيطة و الخالدة لما أصابه الغرور و التعالي على الآخرين والغطرسة ووو..
+++++
الترجمة الحرفية – لا يبصقون الى أعلى.
التعليق – مثل طريف جدا , اذ ان البصاق  في المجتمع يعني الاحتقار , والبصاق الى اعلى يرجع على الشخص نفسه . يوجد مثل جورجي في نفس المعنى يقول – من يرمي الاوساخ على الشمس فانها تسقط على رأسه .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يحفظون المفاتيح عند اللص.
التعليق – هناك مثل معروف جدا باللهجة العراقية في هذا المعنى وهو –  (سلم البزون شحمة) ( البزون – القط) , او – ( حاميها حراميها ). توجد العديد من الامثال الاخرى عند الشعوب في هذا الشأن منها  المثل الروسي –  أدخلوا الماعز الى حقل خضار...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب الجائع لا يخاف من العصا.
التعليق –  نحن نقول (الجوع كافر), ويشير المثل الروسي الى ان (الذئب الجائع اقوى من الكلب الشبعان).
+++++
الترجمة الحرفية – الدول تفنى , اما الانهار والجبال فتبقى.
التعليق – الوطن خالد والحكام زائلون . مثل رائع.
+++++
الترجمة الحرفية – اثناء الحريق لا وقت لتدفئة الايدي.
التعليق – للضرورة أحكام . الصورة الفنية في هذا المثل الياباني طريفة.
+++++
الترجمة الحرفية – تأتي السعادة الى البيت الذي فيه يضحكون.
التعليق- تفاءلوا بالخير تجدوه.
+++++
الترجمة الحرفية – الزمن لا ينتظر الانسان.
التعليق – الفرصة تمر مر السحاب.
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الالماس دون صقل لا يتلالأ.
التعليق – كل شئ في الحياة يتطلب  عملا و جهدا من اجل ان يتحقق . يقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة. يوجد مثل عربي يلخص هذه الحالة وهو – لاشئ يأتي دون عناء سوى الفقر. الصورة الفنية في المثل الياباني جميلة وساطعة.
+++++
الترجمة الحرفية – التعاسات الكبيرة تحدث من اسباب صغيرة.
التعليق – معظم النار من مستصغر الشرر , او كما نقول باللهجة العراقية -  الحجارة الماتعجبك تفشخك , او باللهجة المصرية - شرارة بتحرق حارة . المثل الياباني يوحد كل هذه الحالات في خلاصة واضحة ودقيقة.
+++++
الترجمة الحرفية – خذ المظلة قبل ان تبتل.
التعليق – المثل الروسي  يدعو الى تحضير عربة الصيف في الشتاء وزلاقة الشتاء في الصيف.
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الدواء يصبح سمٌا عند استخدامه اكثر مما يجب.
التعليق –  لنتذكر الآية الكريمة – (.. وكل شئ عنده بمقدار..) , والمثل العربي المعروف – الزائد كالناقص.
+++++
الترجمة الحرفية – تحضير الطعام للجائع ليس صعبا.
التعليق –  يقول المثل باللهجة العراقية – (اللي يشوف الموت يرضه بالصخونه) , ( الصخونه – الحمى ) .
+++++


629
أمثال صينية مترجمة عن ألروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – القنينة المليئة تصمت والقنينة نصف المليئة تلقلق.
التعليق –  يوجد بيت شعرمشهور ذهب مثلا عن
السنابل التي تنحني بتواضع , لكن (الفارغات رؤوسهن شوامخ !).
التباين بين الصورتين الفنيتين كبير في هذين المثلين , الا انهما في نفس المعنى طبعا.
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن للقارب ان ينقلب في ساقية مياه المجاري.
التعليق –  يوجد مثل طريف باللهجة العراقية في هذا المعنى على الرغم من تباعد الصورة الفنية بينهما , وهو -  (حجارة المتعجبك تفشخك) ( المتعجبك – التي لا تعجبك // تفشخ – تضرب الرأس بحجر ويسيل الدم منه).
+++++
الترجمة الحرفية – في السياج توجد شقوق , وفي الجدران توجد آذان.
التعليق – المثل عالمي حول آذان الجدران , لكن الجديد في المثل الصيني هنا-  هو الشقوق في السياج . يجب على الانسان فعلا ان يكون حذرا  في كل مكان . يقول المثل الكوري الطريف في نفس المعنى - كلمة النهار يسمعها الطير, وكلمة الليل يسمعها الفأر .
+++++
الترجمة الحرفية – والجبل العالي لا يحجب الشمس.
التعليق –  تشرق الشمس على الجميع , ولا يمكن حجبها بالغربال  ( كما يقول المثل العربي ) ولا بالجبل العالي ( كما يشير هنا المثل الصيني). الصورة الفنية في المثل الصيني واضحة وساطعة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن تحمٌل المصائب سوية , ولكن لا يمكن تقاسم الفرح سوية.
التعليق – تعاطف الناس مع مصائب الانسان تخفف من معاناته بلا شك , ولكن الفرح يحس به  فقط ذاك الانسان الذي يحصل عليه. ملاحظة صحيحة فعلا.
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن ان تجلب البعير الى الماء , لكن لا يمكن ان تجبره على ان يشرب.
التعليق – تبقى ارادة الانسان محدودة امام ارادة الحيوان. الصورة الفنية طريفة جدا هنا.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تتأمل الماضي ستعرف المستقبل.
التعليق – مثل عميق , فالمستقبل يرتبط فعلا بالماضي و منه يستنبطونه.
+++++
الترجمة الحرفية – لاشئ أبعد من الامس , ولاشئ أقرب من الغد.
التعليق – الامس انتهى في الامس ولا يمكن ل( عقارب الساعة ان ترجع الى الوراء ) ولهذا فانه بعيد جدا , والغد سيحل في اليوم التالي لا محالة , وانه ل( ناظره قريب) جدا . مثل فلسفي بامتياز, ويعكس خضوع الانسان لقواعد الزمان ومسيرته , شاء الانسان ذلك ام أبى.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يبيعون الماء عند ضفاف النهر.
التعليق –  لا يمكن تسويق اي شئ في المكان الذي يتوفر فيه هذا  الشئ بكثرة . توجد امثال مناظرة كثيرة عند العديد من الشعوب حول تلك الظاهرة , منها المثل العربي القديم  جدا حول ( التمر في البصرة ) والمثل الروسي حول ( السماور في مدينة تولا ). الصورة الفنية في المثل الصيني اكثر منطقية وسطوعا.
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الصادقة مثل الدواء, غالبا ما تكون مرٌة, الا انها تداوي.
التعليق –  يوجد مثل باللهجة العراقية يقول – (امشي ورا اليبجيك , لتمشي ورا ليضحكك)( سر وراء الذي يبكيك وليس وراء الذي يضحكك), والمثل الصيني في نفس المعنى طبعا , الا انه اكثر دقة ووضوحا, رغم ان الصورة الفنية في المثل العراقي اكثر طرافة.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تنظر الى الانسان عبر الشق, اذ ان ذلك لا يعطيك التصور الصحيح حوله.
التعليق – من اجل ان تعرف حقيقة الانسان يجب عليك ان تاكل معه رطلا من الملح – هكذا يقول المثل الروسي الطريف.
+++++
الترجمة الحرفية – ندى الصباح لا يصمد امام الشمس.
التعليق – مثل شاعري ورمزي و جميل وصحيح جدا , فكيف يمكن ل ( الندى الرقيق !) ان يصمد تحت اشعة الشمس الحارقة!
+++++
الترجمة الحرفية – القنديل الواحد لا يضئ بيتين.
التعليق – المعنى واضح تماما في هذا المثل , رغم ان الكثير من ( القناديل!) حولنا لا يقتنعون بهذه الحقيقة ويحاولون – بآن واحد-  الاضاءة في عدة بيوت سرا وعلانية. لنتذكر امثالنا العربية  العميقة في هذا المعنى , ومنها – خادم سيدين يكذب على احدهما // من أكل على مائدتين اختنق...
+++++
الترجمة الحرفية – الندى ليس مخيفا لذاك الذي ابتل تحت المطر.
التعليق –  مثلنا باللهجة العراقية يقول - المبلل مايخاف من المطر.المثل الصيني يتحدث عن الندى بعد المطر , والندى أخف وقعا من المطر . المثل الصيني  هنا طبعا في نفس المعنى.
+++++
الترجمة الحرفية – دون الصعود الى الجبل لن تشاهد السهل.
التعليق – النظرة الشاملة على السهل تقتضي (الصعود!) , ولا يقدر كل شخص ان ( يصعد !), وبالتالي ,ان ( يشاهد كل السهل !).


630
عن الترجمة الوسيطة وعن الدروبي ايضا
أ.د. ضياء نافع
  انعقد في موسكو للفترة من 9 الى 11 ايلول / سبتمبر 2016 المؤتمر العالمي الرابع لمترجمي الادب الروسي , والذي نظمه ورعاه معهد الترجمة في روسيا الاتحادية , وشارك في اعماله الكثير من مترجمي العالم , ثم أعقبه رأسا للفترة من 12 الى 14 ايلول / سبتمبر لقاء طريف بعنوان – المدرسة الروسية – العربية للمترجمين الشباب , شارك فيه الجانبان الروسي والعربي من الذين ساهموا في المؤتمر الرابع المذكور مع ضيوف جدد من المستشرقين الروس.
لا يمكن بالطبع الحديث عن خلاصة البحوث التي استمعنا اليها من مترجمي العالم في هذا المؤتمر اذ انها واسعة ومتنوعة وتحتاج الى عدة مقالات , ولكني اود التوقف قليلا هنا عند نقطة أثارت انتباهي  - قبل كل شئ - في اعمال هذا المؤتمرالعالمي واللقاء الروسي - العربي الذي اعقبه
وهي قضية الترجمة  الادبية عبر لغات وسيطة . تحدث بعض المشاركين حول هذه النقطة بالذات , وكان مجمل حديثهم بشكل عام ايجابيا بشأنها . أشار الجميع الى ان هذه الظاهرة في الترجمة تعكس الواقع الثقافي الحقيقي السائد في البلد , الذي لا توجد فيه تلك الكوادر الثقافية المتكاملة لتحقيق الترجمة المباشرة ( اي عن اللغة الاصلية مباشرة), وبالتالي فان الترجمة عبر لغة وسيطة تكون البديل الوحيد , لانها تساهم – بشكل او بآخر -  في عملية الاطلاع على الادآب العالمية الاخرى وتوسيع معرفة القارئ بالجوانب الثقافية  والحضارية الموجودة في العالم . وقد سألت أحد الذين تحدثوا في هذا الشأن بالذات عن موقف النقد الادبي عندهم تجاه هذه الظاهرة , فقال ان مستوى الترجمة باللغة القومية هو الذي يحدد الموقف الحاسم تجاهها ( اي الموهبة والكفاءة الذاتية لكل مترجم ) , و ان النقد الادبي اولا وأخيرا  ينطلق من جودة النص الذي يقدمه المترجم , اضافة الى ان هذا النقد يبحث ايضا عن اوليات تلك الترجمات باللغة الوسيطة نفسها ومستوياتها وموضوعيتها ...الخ , اذ ان هذا الجانب مهم ايضا وينعكس على العمل الترجمي نفسه بلا شك , وباختصار فان النقد الادبي يأخذ كل هذه العوامل مجتمعة بنظر الاعتبار عندما يتناول الاعمال الترجمية عبر اللغات الوسيطة .
 لقد ازدادت قناعتي بالترجمة الوسيطة فعلا عند  استماعي الى تلك الآراء حولها من قبل مترجمين عالميين لهم باع كبير وطويل كما يقال في عملية الترجمة الادبية في بلادهم , وتذكرت المواقف ( المتشنجة جدا والمحسومة مسبقا وهنا تكمن المأساة !) تجاه الترجمة الوسيطة في العراق , والتي كانت تنطلق من النظرة العامة الساذجة و السائدة نحوها هناك , حيث ( يضيع الاخضر بسعر اليابس !) كما يقول المثل الشعبي الجميل والحكيم , وتذكرت بعض حواراتي ونقاشاتي مع بعض (مسؤولي الترجمة !) في العراق في سبعينات وثمانينات القرن الماضي , وكيف انهم لم يستطيعوا الاجابة حتى عن ابسط الاسئلة التي طرحتها عليهم آنذاك  في هذا الخصوص , مثل – ( وكيف باستطاعتنا ان نتعرٌف على الادب الصيني والياباني والهندي والفيتنامي و حتى آداب حضاراتنا القديمة في وادي الرافدين ومصر و اليونان وووو..لولا الترجمة الوسيطة تلك , والتي قام بها مترجمون كبار؟), ولم يتحدثوا طبعا عن حل مقترح لكل هذه الاشكالات ولا عن البديل الواقعي الممكن لذلك .
 تحدث بعض المساهمين العرب في هذا المؤتمر حول هذه النقطة ايضا , ولكن حديثهم كان عاما جدا وبدون التعمق والدخول في التفاصيل الدقيقة للموضوع , اذ انهم ذكروا في كلماتهم ومداخلاتهم اسماء المترجمين العرب للادب الروسي مثلا عبر لغات وسيطة , مؤكدين على جانب احادي فيها وهو - عدم الدقة في بعض تلك الترجمات هنا وهناك ( مثل كتابة الاسماء مثلا ) , دون التوقف المعمق والموضوعي والشامل عند اهمية هذه الظاهرة  وقيمتها في مسيرة الثقافة العربية المعاصرة في فترة معينة من تطورها, وقد شمل ذلك الحديث ( وبنفس تلك الروحية غير الموضوعية مع الاسف الشديد ) حتى عندما كان الموضوع يدور حول مساهمات عملاق الترجمات الوسيطة في تاريخ الترجمة الى العربية وهو  الدكتور سامي الدروبي ( 1921- 1976) ودوره في ترجمة الادب الروسي الى العربية عبر اللغة الفرنسية , اذ تمت الاشارة الى بعض الامثلة غير الموفقة عنده من وجهة نظرهم طبعا, وهي امثلة نادرة جدا وسط  تلك الكمية الهائلة والمدهشة من الاعمال الترجمية التي قدمها الدروبي للادب العربي الحديث ( يكفي الاشارة الى ان من بينها المؤلفات الكاملة لدستويفسكي !!  ) , والذي جعله يشغل المكانة الاولى في عالم الترجمة الادبية العربية ولحد الان وبكل جدارة واستحقاق . كم اتمنى ان يعقد المترجمون العرب ندوة خاصة مكرسة لدراسة النتاجات الترجمية التي اعطاها لنا هذا المترجم الكبير, كي يحددوا بموضوعية وعلمية رصينة دور الدروبي في مسيرة حركة الترجمة في عالمنا العربي ويبينوا ما له وما عليه باعتباره ظاهرة كبيرة في تاريخ الترجمة في عصرنا الحديث  , اضافة الى ان مثل هذه الندوة تعني من جانب آخر وبلا شك  الاعتراف الرسمي بالترجمة الوسيطة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للعرب في الوقت الحاضر لمواصلة الاطلاع على الاداب العالمية والتفاعل الحي معها .


631
عود على تشيخوف في العراق
أ.د. ضياء نافع
 تلقيت دعوة كريمة من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية للمشاركة في مؤتمر الاستشراق في المعهد المذكور , وقد وافقت طبعا على هذه الدعوة للمشاركة في اعمال المؤتمر , فطلبوا مني تحديد عنوان البحث الذي أنوي تقديمه امام المؤتمر , فاجبتهم ان عنوان البحث سيكون – تشيخوف في العراق , واستلمت موافقتهم فعلا , وهكذا بدأت التحضير لالقاء  خلاصة هذا البحث في المؤتمر في حدود (15) دقيقة.
لقد أخذت بنظر الاعتبار طبعا الواقع الروسي بشكل عام تجاه موضوعة انتشار الادب الروسي في البلدان العربية عموما والعراق خصوصا , وتذكرت كيف تكلمت استاذة الادب الروسي  مرة في مناقشة طالبة من طالباتي السابقات بشأن اطروحتها حول تشيخوف  في احدى الجامعات الروسية وطرحت عليها السؤال الاتي -– ( وهل يعرف العرب تشيخوف كما يجب حتى قررت ان تكتبي اطروحتك عنه ؟) , وقد كنت موجودا في قاعة المناقشة تلك بصفة غير رسمية (كضيف مدعو) , فاضطررت ان اطلب الكلمة واقول لها ان الاكاديمي كراتشكوفسكي أشار في الجزء الثالث من مؤلفاته المختارة بستة اجزاء الى ان العرب في فلسطين بدأوا بترجمة قصص تشيخوف اثناء حياته في نهاية تسعينات القرن التاسع عشر, وكان في القاعة ايضا طالب آخر من طلبتي , والذي ناقش اطروحة الماجستير في كلية اللغات حول تشيخوف وباشرافي العلمي , فناديته وسألته امام الجميع – ما هو عنوان اطروحتك في جامعة بغداد ومتى ناقشتها, فأجابني امام القاعة عن سؤالي , واختتمت كلمتي قائلا , ان هذه الوقائع يجب ان يعرفها الشخص الذي يتحدث حول الادب الروسي في العراق وبقية البلدان العربية . لم تستطع تلك الاستاذة ان تجيبني بعد ذلك وبقيت صامتة , وطلب رئيس لجنة المناقشة تسجيل كلمتي في المحضر العلمي للجلسة , رغم اني لم أكن عضوا في لجنة المناقشة تلك .
تذكرت كل ذلك عندما بدأت بالتخطيط لمساهمتي في اعمال مؤتمر الاستشراق المذكور , فاخذت ابحث عن الوثائق الملموسة لتقديمها امام المؤتمرين كي لا تكون كلمتي مثل الكلمات الاخرى التي تمر مرور الكرام على ارض اللئام كما يقولون , وتذكرت مقالتي بعنوان – ( عادل كاظم وتشيخوف), والتي تحدثت فيها عن مسرحية كتبها الكاتب المسرحي العراقي عادل كاظم مقتبسا قصة تشيخوف القصيرة  وعنوانها – ( المنتقم ) وحوٌلها الى مسرحية , والمنشورة في مجلة (المثقف) العراقية في عدد تموز/ يوليو 1962 من القرن الماضي (وهو عمل رائع و مبتكر واصيل بكل معنى الكلمة قام به الكاتب العراقي) ,  والتي اكتشفتها بالصدفة بين كتبي القديمة في روسيا , وقررت ان اعرض مجلة (المثقف) العراقية تلك امام المؤتمر, وان اهديها في نهاية كلمتي الى معهد الاستشراق كي تبقى في مكتبتهم باعتبارها وثيقة عراقية مهمة جدا عمرها اكثر من خمسين سنة حول تشيخوف في العراق .
قررت ايضا ان ادعو واحدة من طالباتي السابقات , والتي ناقشت اطروحة الماجستير في كلية اللغات بجامعة بغداد عن تشيخوف وباشرافي العلمي في نهاية التسعينات من القرن الماضي (وهي تسكن في موسكو الان مع عائلتها) لكي تتحدث - اثناء كلمتي- لعدة دقائق امام المؤتمر عن اطروحتها تلك والموسومة – (تشيخوف في النقد الادبي العربي) , وقد وافقت فعلا على الحضور والتحدث امام المؤتمر المذكور, وذلك ضمن الشواهد والامثلة حول التعامل العلمي والموضوعي مع تشيخوف في العراق.
 تذكرت ايضا ان وفد جامعة بغداد( وكنت أنا من ضمنهم) قد زار جامعة موسكو في نهاية القرن الماضي و أهدى نسخة من اطروحة ماجستير تم انجازها في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات عنوانها – ( مسرح تشيخوف في العراق ) , وكيف تقبل هذه الهدية بسرور وترحاب عميد معهد شعوب آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو آنذاك واعتبرها ( هدية كبيرة من العراق ) وقال انه سيضع هذه الهدية في المكتبة المركزية لمعهدهم ليطلع عليها الاساتذة والطلبة في المعهد المذكور, و قررت الاشارة الى ذلك في كلمتي.
تذكرت ايضا انني كنت مشرفا علميا على اطروحة ماجستير عنوانها – ( الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية ) , واننا وجدنا هناك كثيرا من المواد الخاصة بالادب الروسي عندما جردنا اعداد هذه المجلة منذ صدورها في ستينات القرن الماضي , ومن بين تلك المواد وجدنا ان الفنان العراقي بدري حسون فريد قد حوٌل قصة ( الحرباء ) لتشيخوف الى مسرحية ونشرها في مجلة الاقلام , وهو عمل رائد وكبير ( مثل عمل عادل كاظم الذي أشرنا اليه اعلاه) يدل – بما لا يقبل الشك - على التعامل الابداعي والعلمي  للادباء والفنانين العراقيين مع نتاجات تشيخوف وتفهمهم العميق لتلك النتاجات .
وتذكرت الدكتور عبد الامير الورد وهو يمثٌل على خشبة المسرح في بغداد مؤدٌيا دوره في احدى مسرحيات تشيخوف, وكيف انه شرح لي عندما التقيته في جامعة صنعاء ذكرياته عن عمله هذا ولماذا اختار تشيخوف بالذات  , وتذكرت الفنان الدكتور سامي عبد الحميد وحديثه عن تقديمه لاعمال تشيخوف المسرحية عندما كان يدرس الفنون المسرحية في اوربا , وتذكرت الاديب والباحث والاكاديمي العراقي الكبير   د. شاكر خصباك , الذي أصدر ببغداد عام 1954 وفي الذكرى الخمسين لوفاة تشيخوف اول كتاب عراقي عن الكاتب الروسي الكبير ( وهو ثاني كتاب في العالم العربي عن تشيخوف بشكل عام ).
وتذكرت خليل خوري الذي ترجم عن الفرنسية كتاب هنري ترويا  الضخم عن تشيخوف وبمراجعة د. علي جواد الطاهر العلمية الصارمة الدقيقة ونشرته وزارة الاعلام في بغداد, وتذكرت د. حياة شرارة التي اصدرت كتابا في بغداد بعنوان تشيخوف بين القصة والمسرحية وقالت لي في حينها ان والدها محمد شرارة هو الذي اقترح عليها عنوان الكتاب المذكور, وتذكرت كتابي الذي ترجمته عن تشيخوف وهو من تأليف ايليا ايرنبورغ وردود الفعل الايجابية حوله , وكيف طبعته طبعة ثانية في بغداد وكيف ظهرت طبعات اخرى له في مصر دون علمي...
بدأت ايضا باعداد قائمة بمقالاتي المنشورة  في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية حول تشيخوف في السنين الاخيرة , (واكتشفت!) انها  اكثر من ثلاثين مقالة , وقررت ان اطبع عناوين تلك المقالات في قائمة واحدة باللغة الروسية مع الاشارة الى مكان نشرها وتاريخه واوزعها على المؤتمرين كوثيقة من وثائق المؤتمر المذكور اثناء القاء كلمتي تلك ...
وبدأت فعلا بتنفيذ كل ما خططت له , ولكن المرض اللعين داهمني , واضطررت ان أرقد في الفراش , وكنت اتمنى ان اتعافى واعود الى تنفيذ عملي , ولكني لم استطع مع الاسف الشديد, وهكذا اضطررت ان اتصل بمعهد الاستشراق واعتذر عن المشاركة في اعمال المؤتمر المذكور بسبب مرضي اللعين هذا , وقد تأسفوا لذلك وتمنوا لي الشفاء , واعلمني بعض الزملاء الذين شاركوا في المؤتمر ان اسمي وعنوان بحثي كانا موجودين في وثائق المؤتمر ومنهاجه . الان وقد عدت تقريبا الى وضعي الصحي السابق , وتعويضا عن كلمتي تلك , قررت أن أحكي لكم هذه القصة.

632
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من هذا الجبل يبدو ذاك الجبل عاليا.
التعليق – مبدأ المقارنة يحدد جوهر الاشياء و حقيقتها وخصائصها في امثال الكثير من الشعوب . يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى يقول – جرٌب غيري تعرف خيري , وهناك مثل أفغاني يستخدم مبدأ المقارنة ايضا في نفس هذا المعنى وهو -  تعرف معنى دماثة الخلق عند رؤية الوقاحة. الصورة الفنية في هذا المثل الصيني شاعرية جدا. 
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان هو ألاغلى قيمة  ما  بين السماء والارض .
التعليق – يبدو ان كارل ماركس كان  يعرف هذا المثل الصيني عندما قال – ( الانسان أثمن رأسمال في الوجود ), هكذا قال لي احد الاصدقاء .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تكون وحيدا فكٌر بذنوبك ,وعندما تكون في المجتمع انس ذنوب الآخرين.
التعليق – كل انسان لديه ذنوبه , ولا يوجد انسان بلا ذنوب , ومن كان بلا ذنب او خطيئة  (فليرمها بحجر) كما قال السيد المسيح يوما.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تشك بانسان لا تعمل معه, واذا تعمل معه يجب عدم الشك به.
التعليق – الشك لا يمنح السكينة للانسان ويؤدي الى عواقب وخيمة بين البشر, ويحدد هذا المثل العلاقة المتبادلة بين الانسان والشك بشكل واضح وصريح ودقيق – اما واما , ولا يوجد طريق ثالث.
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الذي استطاع ان يحرٌك الجبل , بدأ بتحريك الاحجار الصغيرة من مكان الى آخر.
التعليق – صيغة اخرى للمثل الصيني المشهور – ( طريق بالف ميل يبدأ بخطوة واحدة ) ولكن بشكل أدق وأجمل. تأكيد على قيمة العمل واهميته ,وان استمراريته توصل الى النتائج  المطلوبة حتما. لنتذكر الآية الكريمة – ( وقل اعملوا  فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون...)
+++++
الترجمة الحرفية – النوم على وسادة واحدة لا يعني رؤية نفس الاحلام.
التعليق –  مثل طريف , والصورة الفنية في بنيته رشيقة جدا . يتناول هذا المثل ظاهرة  طبيعية  و معروفة في مسيرة الحياة الانسانية وهي - اختلاف الزوج والزوجة  في تفاصيل الحياة اليومية, وفي الاحلام ايضا , رغم انهما ( ينامان على وسادة واحدة !).
+++++
الترجمة الحرفية -  الخبرة هي مشط تستلمه عندما تصبح اصلعا.
التعليق – الخبرة تاتي في نهاية العمر, اي متاخرة , وهذه مأساة انسانية عامة تنعكس في كل المجتمعات. المثل الصيني يتناول هذه المأساة بشكل ساخر جدا ومبسٌط جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحط الذبابة على بيضة دون شقوق .
التعليق – لو لم تكن هناك فائدة للذبابة لما حطٌت على البيضة , وكذلك الحال بالنسبة لكل ( انواع الذباب !) في مجتمعاتنا .
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن العلاج من المرض , ولكن ليس من الموت.
التعليق – حول حتمية الموت الذي هو واحد رغم تعدد اسبابه كما يقول شطر بيت الشعر الذي ذهب مثلا . يتكرر هذا المثل بصيغ مختلفة عند الكثير من الشعوب لانه يجسد طبيعة الحياة البشرية.
+++++
الترجمة الحرفية – القطعة الكبيرة تقف بالبلعوم.
التعليق –  يوجد مثل عربي معروف في هذا المعنى وهو -  (طمعه قتله). المثل الصيني هنا يتضمن نفس المعنى ولكن بصيغة رمزية ومنطقية أكثر .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان النبيل لا يتذكر الشر القديم.
التعليق – المسامح كريم – هكذا نحن نقول , و النبيل كما يقول المثل الصيني لا يتذكر الشر, اي انه مسامح ايضا, وهذا يعني ان كلاهما ( الكريم  العربي و النبيل الصيني)  يسامحان  , ولا يتذكران  ابدا  الشر القديم .
+++++
الترجمة الحرفية – الامراض تدخل بالفم , والمصائب تخرج منه.
التعليق – يوحٌد هذا المثل الصيني مثلين عربيين من حيث المعنى  , الاول – (المعدة بيت الداء...) والثاني  ينعكس في العديد من الامثال , منها -  اللسان عدوالانسان / رب كلمة سلبت نعمة/  لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك..الخ. البنية الفنية للمثل الصيني طريفة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – الثروة تبدأ بالحرص.
التعليق –  الحرص لا يعني البخل ولكنه يعاكس مفهوم التبذير. يقول المثل الروسي – البخل سئ والحرص جيد , والمثل الصيني واقعيا يكمل المثل الروسي من حيث المعنى , ويقول ان الحرص يؤدي الى الثروة. لنتذكر الاية الكريمة – ( ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين ...)
+++++


633
أمثال أفغانية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – البقرة سوداء لكن حليبها أبيض.
التعليق – الرمزية واضحة في هذا المثل - المهم العطاء ونوعيته وليس المظهر الخارجي للبقرة ( وليس فقط البقرة ...!)   
+++++
الترجمة الحرفية – انهما أصحاب مثل القط والفأر.
التعليق –  يصيغ هذا المثل الافغاني تعبيرا عالميا معروفا وهو – ( الاخوة الاعداء ) بشكل ساخر و بسيط  ومفهوم جدا للجميع.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد دواء ضد الموت.
التعليق –لا يمكن للانسان ان يتخلص من الموت الحتمي لكل البشر رغم كل الرغبة الجامحة لديه منذ  العملاق الرافديني كلكامش ولحد الان , ف ( كل نفس ذائقة الموت) , و ( تعددت الاسباب والموت واحد ).
+++++
الترجمة الحرفية – الضيف يأكل الشئ الذي يقدمونه له.
التعليق – اصول الضيافة في كل مكان واحدة , و(الجود من الموجود) كما يقول مثلنا , ولا يحق للضيف ان يتدلع! . مثل جميل ويمتلك اهميته في واقع مسيرة حياتنا الاجتماعية.
+++++
الترجمة الحرفية – الحجر يسقط دائما على رأس اليتيم.
التعليق –   ( فاما اليتيم فلا تقهر ) ولكننا رغم هذه الآية الكريمة نقهره , (وعلى رأسه يسقط الحجر دائما) حسب هذا المثل الافغاني , وكذلك في معظم أمثال الشعوب الاخرى , لعدم وجود من يسنده او يدافع عنه  في معترك الحياة وصعوباتها. يقول المثل بلهجتنا العراقية – ( السطرة بعلبة الفقير) ( السطرة – الضربة // علبة – الرقبة من جانب الظهر ) , بل  و يطلقون عليه تسمية – ( ابن الخايبه)
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف معنى دماثة الخلق عند رؤية الوقاحة.
التعليق – نفهم جوهر الاشياء وحقيقتها عند المقارنة.
+++++
الترجمة الحرفية – بعد الصعود يوجد دائما نزول.
التعليق –  (ما طار طير وارتفع    الا كما طار وقع) – بيت شعر ذهب مثلا عندنا , ومع ذلك يوجد اناس ينسون هذه الحقيقة , و(نزولهم!) يكون مؤلما  وتراجيديا دائما.
+++++
الترجمة الحرفية – حمار الغريب يبدو اقوى من حمارك.
التعليق – نظرة الحسود دائما هكذا, ولهذا فان ( الحسود لا يسود ) لانه غارق في حسده .
+++++
الترجمة الحرفية –       ملعقة الماء للنملة – محيط.
التعليق – كل الامور نسبية . الصورة الفنية في هذا المثل جميلة وغير اعتيادية فعلا.
+++++
الترحمة الحرفية – الجائع وفي الحلم يرى الخبز.
التعليق – يتكرر هذا المثل - بشكل او بآخر- في فولكلور عدة شعوب شرقية تعرف معنى الجوع وتعاني منه لحد الان. 
+++++
الترجمة الحرفية – اعمل ما يقوله الملا و لكن لا تعمل ما يفعله.
التعليق – من المؤكد ان هذا المثل  الافغاني ينطلق من معاناتهم و اوضاعهم , وهو الان ينطبق – مع الاسف الشديد - على اوضاعنا ايضا بشكل عام , خصوصا بعد ان بدأ هؤلاء بممارسة  الحياة السياسية واساليبها غيرالشريفة وغير النظيفة.
+++++
الترجمة الحرفية – عند الفقير لا ضرائب ولا خسائر.
التعليق –  يعكس هذا المثل روحية مثلين اثنين بالعربية , اولهما  هو – (المفلس في القافلة امين) لأنه دون نقود فينام مطمئنا, وثانيهما هو – (يحسدوني على موتي) لأن الفقر تعاسة ومع ذلك يحسدونه . 
+++++
الترجمة الحرفية – الديون مدخل الى التعاسة.
التعليق-  يوجد مثل عربي في هذا المعنى وهو -  الدين همٌ في الليل وذل في النهار.
+++++
الترجمة الحرفية – يحل الصباح ليس لأن الديكة تصيح.
التعليق –  يربط هذا المثل بين انبثاق الصباح وصياح الديك  لانهما جزء لا يتجزأ من الطبيعة المحيطة بتلك المجتمعات , وينعكس بالتالي  على الامثال  بمختلف الاشكال .  البشر يخضع لقوانين الطبيعة  ولا تخضع قوانين الطبيعة للبشر , و هكذا ينبثق الصباح كل يوم بغض النظر عن كل شئ.
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب في شارعه – نمر.
التعليق – يقول المثل العربي – كل كلب في بابه نبٌاح .
+++++
الترجمة الحرفية – المكان يكفي لمئات الضيوف المدعوين , ولكنه لا يكفي لضيف واحد غير مدعو.
التعليق –الضيف غير المدعو ثقيل جدا ولا أحد يرحب به . توجد امثال عديدة عند مختلف الشعوب في هذا المعنى , منها المثل الروسي الذي لازال يثير النقاش وهو – الضيف غير المدعو أسوأ من التتري.
+++++
الترجمة الحرفية – في الجزمة الواحدة لا يمكن حشر قدمين .
التعليق – صورة جديدة لمثل قديم عند الكثير من الشعوب. مثلنا يتحدث عن رمانتين او بطيختين لا تحملها اليد الواحدة , والمثل الصيني عن ملعقتين لا يمكن حشرهما في فم واحد , والمثل الروسي عن دبيٌن في مأوى واحد...الخ. الصورة الفنية في المثل الافغاني دقيقة ومنطقية واكثر وضوحا.





634
أمثال هندية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا يمكنك مصادقة التمساح حتى لو كنت تعيش على ضفاف النهر.
التعليق –  لا يمكن ان تصادق جارك لمجرد انه جارك , اذ ما اكثر ( التماسيح !) بينهم.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تكن حلوا  فيأكلوك ولا مرٌا فيبصقوك.
التعليق – يقول مثلنا العربي  - لا تكن لينا فتعصر ولا جافا فتكسر. الصيغة الهندية في نفس المعنى , و لكنها تمتلك شكلها الخاص و المتميٌز, وربما يمكن اعتبارها  أكثر قسوة وصرامة .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يندلع الحريق , حفر البئر يكون متأخرا .
التعليق –  زلاقات الشتاء يحضرونها في الصيف وعربات الصيف يحضرونها في الشتاء – هكذا يوصي المثل الروسي . الصورة الفنية في هذا المثل الهندي دقيقة و ساطعة وحاسمة .
+++++
الترجمة الحرفية – الحصان لا يمكن ابدا ان يصبح حمارا.
التعليق –  ولا الحمار يمكن ان يصبح حصانا , ولن يتحول ابن آوى الى أسد حتى لو ارتدى جلد الاسد كما يقول المثل الهندي الآخر ,والركض وراء مثل هذا السراب في الحياة هو أمل كاذب ليس الا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يصبح الانسان جيدا لمجرد  أنه يزور المعبد.
التعليق –  لنتذكر الحديث الشريف - المسلم من سلم الناس من لسانه ويده . يقول المثل الروسي – واللص يصلي للرب .
+++++
الترجمة الحرفية – نباح الكلاب لا يخيف الفيلة .
التعليق – القافلة تسير ولا يهمها نباح الكلاب . في المثل الهندي يشيرون الى(الفيلة) وفي المثل العربي – (قافلة الجمال) , والمعنى واحد.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تمسك الزمن بالايدي.
التعليق – مثل فلسفي عميق .  يقول المثل العربي - عقارب الساعة لا ترجع الى الوراء  , ويقول المثل الروسي –لا يمكن استرجاع الامس و لا الهروب من الغد .  الصورة الفنية في المثل الهندي تعبيرية  و جميلة .
+++++
الترجمة الحرفية – النمر يحمي الغابة والغابة تحمي النمر.
التعليق – المصالح المتبادلة  بين الجانبين تحمي الطرفين معا. النمر في هذا المثل الهندي يحمي الغابة لأن الناس تخاف من النمر, وبالتالي  لا تدخل الى الغابة وتعبث بها خوفا منه , والغابة تحمي النمرايضا , لأن ادغالها تخفي النمر بعيدا عن انظار الناس.
+++++
الترجمة الحرفية – يذرف الدمع امام الاعمى.
التعليق –  يضرب للشخص الذي يحاول عبثا الحصول على تعاطف المقابل له , ولكن هذا المقابل (أعمى!) ولا يرى ( دموعه !) وبالتالي  لن يحصل على هذا التعاطف المنشود . الصورة الفنية هنا جميلة ومؤثرة.
+++++
الترجمة الحرفية – الحفرة التي يسقط فيها الانسان , هو نفسه قد حفرها.
التعليق –  لنتذكر مثلنا الجميل, و الذي تحول حتى الى اغنية عراقية شعبية معروفة لنا جميعا , وهي  –
 يا حافر البيرلا تغمج مساحيها   خاف الفلك يندار وانت التكع بيها.
( تغمج – تجعلها اوسع  وأعمق //  تكع – تقع )
+++++
الترجمة الحرفية – الاعتدال بالطعام اكثر فائدة من مئة طبيب.
التعليق – المثل  الهندي هنا مناظر لمثلنا العربي القديم و المعروف جدا – ( المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء) , والذي يظن البعض انه حتى  من الاحاديث الشريفة.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يصمت وهو يعرف الحقيقة يشبه شاهد الزور.
التعليق – يوجد قول عربي مشهورجدا يشير الى ان  - ( الساكت عن الحق شيطان أخرس).
+++++
الترجمة الحرفية – لا أحد يهتم بالنمر الذي سقط في الفخ.
التعليق – ينطبق هذا المثل (ماديا ومعنويا!) على كل (نمر!) يسقط في فخ الحياة من نمور المجتمع , وما أكثر الحوادث المماثلة لهذه الصورة في تاريخ البشرية. يوجد مثل عربي في هذا المعنى و بمختلف لهجاتنا يذهب حتى أبعد من هذا المثل الهندي , اذ يقول – عندما يسقط الثور( او البعير ) تكثر السكاكين عليه.
+++++
الترجمة الحرفية – يد واحدة لا تكفي للتصفيق.
التعليق – يد واحدة لا تصفق – هكذا استقر هذا المثل العالمي بالعربية, الا ان الصيغة الهندية هنا اكثر وضوحا , اذ ان اليد هنا وحدها ( لا تكفي للتصفيق ).
+++++
 



635
تورغينيف والمترجمون العراقيون
أ.د. ضياء نافع
اثناء مشاركتي في أعمال المؤتمر العالمي الرابع لمترجمي الادب في موسكو ( من 8 الى 11 ايلول / سبتمبر – 2016 ) , والذي انعقد برعاية معهد الترجمة الروسي , استلمت كتابا ضخما بالروسية عنوانه – (عوالم الترجمة الادبية ) , و يقع في( 591) صفحة من القطع الكبير , ويضم  الكلمات والابحاث كافة التي القيت في المؤتمر الثالث لمترجمي الادب , والذي انعقد بتاريخ ( 4 الى 7 ايلول / سبتمبر – 2014 ) ( انظر مقالتنا بعنوان – المؤتمر العالمي الثالث للترجمة الادبية في موسكو ) , ووجدت في هذا الكتاب كلمتي , التي القيتها بالروسية آنذاك في المؤتمر الثالث هذا , وهي بعنوان – (تورغينيف بالعربية في اعمال المترجمين العراقيين ) , و اقدم فيما يأتي خلاصة وافية لتلك الكلمة للقراء , واضيف اليها مضمون تعقيب  د.  الميرا  علي زاده من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية حول تلك الكلمة وجوابي بشأنه .
أشرت في بداية كلمتي الى خمسة مترجمين عراقيين كبار ارتبط اسمهم بترجمة نتاجات تورغينيف الى العربية ,  وقلت , ان احدهم لازال حيا ويمارس الترجمة لحد الان , وهو المترجم الكبير الاستاذ خيري الضامن , اما الاربعة الاخرون فقد  رحلوا, وان واحدا منهم كان يترجم  عن اللغة الفرنسية والاخر عن اللغة الانكليزية , اما الثلاثة الاخرون فعن اللغة الروسية . المترجمون هؤلاء وحسب تسلسل الحديث عنهم في تلك الكلمة هم كل من – د.اكرم فاضل وذو النون ايوب وغائب طعمه فرمان وخيري الضامن وأ.د.حياة شرارة .
توقفت تفصيلا عند رواية تورغينيف – ( الاباء والبنون) , التي ترجمها عن الفرنسية د.اكرم فاضل وعن الانكليزية ذو النون ايوب , والتي صدرت في بغداد عام 1950 , وأشرت الى انها اول ترجمة عربية لهذه الرواية , واننا يجب ان نتحدث عن تلك الخطوة الرائدة ( والمنسية مع الاسف في الوقت الحاضر) في تاريخ العلاقات الادبية والفكرية بين  روسيا والعالم العربي , واشرت الى ردود الفعل التي ظهرت في بغداد آنذاك تجاه هذه الرواية , وتوقفت عند اطروحة الماجستير التي تم انجازها في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد حول هذه الرواية باقتراحي واشرافي العلمي ( انظر مقالتنا بعنوان – اطاريح الماجستيرالتي أشرفت عليها). ان صدور رواية تورغينيف هذه في بغداد بعد 88 سنة من صدورها في روسيا يعني عدم وجود (جسر فكري ) بين العالم العربي وروسيا – هذا هو الاستنتاج الاول الذي وصلت اليه في كلمتي تلك , وتوقفت طويلا عنده , وأشرت الى اننا لم نستطع ولحد الان ان نقيم هذا الجسر , بل و لم نستطع حتى ان نردم هذه الهوة الفكرية بين روسيا والعالم العربي , وكلانا ( العرب والروس ) نتحمل مسؤولية ذلك , واقترحت ان نبدأ ولو بالخطوة الاولى في طريق الالف ميل هذا, وذلك باصدار مجلة دورية ( ولتكن فصلية في البداية ) باللغة العربية في موسكو , ولتكن تسميتها مثلا – (اخبار الادب الروسي ) او اي تسمية آخرى ,  وذلك كي تنقل للعرب ما يحدث في الساحة الادبية الروسية , وضربت مثلا بلندن التي اصبحت الان واحدة من المراكز المهمة في عالم النشر العربي , وتمنيت ان تحذو موسكو حذوها بالتدريج , اذ ان كل المؤهلات موجودة بشكل او بآخر في العاصمة الروسية  الان , بما فيها الكوادر العربية العلمية والمؤهلة لتنفيذ هذه الخطوة.
انتقلت بعد ذلك الى المترجمين الآخرين , وتوقفت اولا عند غائب طعمه فرمان ودوره المتميز في تاريخ ترجمة الادب الروسي الى العربية , وتحدثت عن ترجماته لابداع تورغينيف بالذات هنا , وارتباط اسم هذا المبدع العراقي الكبير بالمؤلفات المختارة بخمسة أجزاء , والتي صدرت بموسكو عن دار نشر (رادوغا)( قوس قزح) السوفيتية في ثمانينات القرن العشرين ( والتي بدأت دور النشر العربية الان اعادة اصدارها ) , واقترحت على المؤسسات الاكاديمية العربية والروسية دراسة هذه الترجمات ضمن اطاريح خاصة تتناول اسلوب الترجمة لدى غائب طعمه فرمان ومقارنتها بالترجمات العربية الاخرى من اجل اغناء مثل هذه الدراسات الاكاديمية المقارنة والتعمق فيها ( انظر مقالتنا بعنوان غائب طعمه فرمان و تورغينيف ) . انتقلت بعدئذ الى خيري الضامن وترجمته الجديدة لرواية تورغينيف – (الاباء والبنون) ضمن المؤلفات بخمسة اجزاء لتورغينيف التي أشرنا اليها اعلاه ( والتي تعد افضل الترجمات العربية لهذه الرواية ) ( انظر مقالتنا بعنوان – خيري الضامن و تورغينيف و دستويفسكي), وأشرت الى ان هذه الرواية قد تم ترجمتها الى العربية عن الفرنسية والانكليزية والروسية من قبل المترجمين العراقيين اكرم فاضل وذو النون ايوب وخيري الضامن على مدى الثلاثين سنة في النصف الثاني من قرننا العشرين , وان هذه الحقيقة هي مدعاة للفخرلدى المثقفين العراقيين , وتمنيت ان يقوم الباحثون الشباب ( العرب والروس ) بدراسة هذه الجهود الترجمية العراقية في بحوثهم واطاريحهم . انتقلت في نهاية الكلمة الى أ.د. حياة شرارة والدور الكبير الذي أدٌته في مجال الترجمة من الروسية الى العربية واصدارها  لثلاثة اعمال من تاليف تورغينيف وهي - ( مذكرات صياد ) و(رودين ) و (عش النبلاء), ودعوت في نهاية كلمتي المتخصصين الروس والعرب الى التوقف بشكل اعمق واوسع عند ابداع تورغينيف المتنوع من قصائد نثر ومسرحيات وروايات ورسائل .
بعد انهاء كلمتي طلبت الكلمة د. الميرا علي- زاده من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية ( مؤلفة كتاب الادب الروسي والعالم العربي)( انظر مقالاتنا الخمسة حول هذا الكتاب بعنوان – العراقيون في كتاب الادب الروسي والعالم العربي ). أشادت السيدة الميرا بالكلمة , واشارت الى انها قد نشرت بحثا قبل فترة حول ترجمات تورغينيف الى العربية في البلدان العربية واشارت الى بعض هذه الاسماء طبعا , الا انها اعترضت على عدم ذكر اسم الكاتب العراقي محمود احمد السيد ضمن اسماء المترجمين العراقيين , وانها تعتبره (اول مترجم لنتاجات تورغينيف في العراق ). اوضحت للسيدة الميرا , اننا في العراق نعتبر الكاتب محمود احمد السيد واحدا من رواد الادب في العراق الحديث وانه يعد فعلا من اوائل الذين تكلموا عن اهمية الادب الروسي , ولكنه لم يكن مترجما لهذا الادب وانما قدٌم خلاصات مختصرة جدا لمضامين بعض تلك النتاجات ونشرها في مجلات خارج العراق, وان التلخيص الوجيز لتلك الاعمال الادبية لا يعتبر ترجمة لها بتاتا , على الرغم من اهميتها  في مجال تعريف القارئ العراقي ببعض اعلام الادب الروسي في تلك الفترة المبكرة جدا من تاريخ الادب العراقي, واختتمت جوابي قائلا , ان القارئ العراقي لا يعرف في الوقت الحاضر حتى تلك الخلاصات المبسطة التي قدمها السيد آنذاك.   


636
أمثال كورية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  عندما تكون العصافير بالمئات فانها تستطيع ان تفقأ عين النمر. 
التعليق –  توجد امثال عديدة وعند معظم الشعوب  في هذا المعنى , منها امثالنا العربية - الكثرة تغلب الشجاعة  / الاتحاد قوة / يد الله مع الجماعة...الخ, ومنها المثل الروسي  -  في القطيع المتوافق  والذئب ليس مخيفا . الصورة الفنية للمثل الكوري هنا طريفة وجميلة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يقتلون البق بالخناجر.
التعليق – المثل الروسي يستخدم (الطبر) بدلا من الخناجر, وكلاهما في معنى واحد . لا بديل ابدا من (القانون!) الذي اتفقت عليه معنويا كل المجتمعات في العالم وهو -  الشئ ( او الشخص) المناسب في المكان المناسب , والا فأن( البق!) سيضحك منٌا وعلينا.
+++++
 الترجمة الحرفية – في القرية يعرفون اخبار المدينة قبل اهل المدينة.
التعليق – يقول مثلنا باللهجة العراقية  - ولد الكرية واحد يعرف اخيه (ولد – اولاد // الكرية – القرية ), ولكن المثل الكوري يتوسع أكثر ويجعل ( اولاد القرية) يعرفون مسبقا حتى اخبار المدينة . يبالغ هذا المثل في الصورة الفنية , ولكنها مبالغة طريفة.
+++++
الترجمة الحرفية – الحصان العجوز يعرف الطريق جيدا.
التعليق – تتراكم الخبرة في الحياة عبر  تراكم السنوات في مسيرة الزمن, وهكذا تجعلنا نعرف ما لنا وما علينا.
+++++
الترجمة الحرفية – قل كلمة حلوة من اجل ان تسمع كلمة حلوة .
التعليق – لكل فعل رد فعل.
+++++
الترجمة الحرفية – النسر لا يصطاد الذباب .
التعليق –  النسر رمز الاباء والشموخ في فولكلور الكثير من الشعوب, ولهذا فانه لا يصطاد (الذباب!) . لنتذكر بيت الشعر الذي كتبه الشابي  -
ساعيش رغم الداء والاعداء    كالنسر فوق القمة الشماء.
+++++
الترجمة الحرفية -  الاشاعة تولد الاشاعة.
التعليق – مثلما السرقة تولد السرقة والكذب يولد الكذب والشر يولد الشر...
+++++
الترجمة الحرفية – كلمة النهار يسمعها الطير وكلمة الليل يسمعها الفأر.
التعليق – هذا المثل الكوري هو (ترجمة حرفية!) مرحة و طريفة جدا للمثل العالمي المشهور -  للجدران آذان.
+++++
الترجمة الحرفية – اطفالك دائما افضل من اطفال الآخرين , وزوجتك اسوأ.
التعليق –  يقول المثل العالمي - القرد بعين امه غزال , ويقول المثل الروسي -  يضع الشيطان ملعقة عسل على الزوجة الغريبة . المثل الكوري هنا  يلخٌص هذين المثلين في جملة واحدة.
+++++
الترجمة الحرفية – الشئ الجيد في الحياة لا يتكرر.
التعليق –  ويقول المثل العربي - الفرصة تمر مرور السحاب .
+++++
الترجمة الحرفية – من بذور الخيار لن ينمو الباذنجان.
التعليق – (كما تزرع تحصد) و ( كما تبذر تجني) , وهذا شئ صحيح جدا في زراعة الارض وفي (زراعة!) ارض الحياة.
+++++
الترحمة الحرفية – لا يمكن وضع سرجين على حصان واحد.
التعليق –  ومن منا لا  يعرف المثل الشهير عن ( الرمانتين او البطيختين ) اللتين  لايمكن ان تحملهما اليد الواحدة؟ وعن ( السيفين) اللذين لا يمكن وضعهما في غمد واحد ؟  وعن ( الثور) الذي لا يمكن ان تسلخ منه جلدين كما يقول المثل الروسي ؟ وعن ( الملعقتين ) اللتين لا يمكن ان يحشرا في فم واحد كما يقول المثل الصيني ؟
+++++
الترجمة الحرفية – انسان بلا وطن اسوأ من كلب بلا بيت.
التعليق – مثلنا باللهجة العراقية – اليترك داره يقل مقداره . ( اليترك – الذي يترك // مقداره – قيمته), رغم ان المثل الكوري هنا اكثر مأساوية, وربما اكثر صدقا.
+++++
الترجمة الحرفية – كبار السن يصبحون اطفالا مرة اخرى.
التعليق – دورة الحياة القاسية وضرورة رعاية كبار السن مثل رعاية الاطفال.
+++++
الترجمة الحرفية – والعسل يصبح مرا اذا كان  دواءا.
التعليق – معنى المثل واضح , فالدواء مر لكل مريض.


637
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – احيانا النمل يأكل السمك , واحيانا السمك يأكل النمل.
التعليق – وهكذا هي الحياة يوم لك ويوم عليك...
+++++
الترجمة الحرفية – والمطر الخفيف , اذا استمر طويلا , يؤدي الى فيضان.
التعليق –  توجد امثال عديدة باللهجة العراقية في هذا المعنى , منها - حبايه حبايه تصير كبايه/ فليس فليس يمتلي الكويس؟/ خاشوكه خاشوكه تمتلي البستوكه/ كطره كطره تمتلي الجرٌه /( حبايه – حبة // كبايه – كبة // فليس – فلس // الكويس – الكيس // خاشوكه – ملعقة // البستوكه – جرة الفخار// كطره - قطرة ) , والمطر الخفيف والمستمر في فيتنام يؤدي الى الفيضان. التراكم الكمي يؤدي الى تغيير نوعي – هذا هو منطق الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – وفي الغابات الكثيفة توجد ممرات.
التعليق – ولولا الممرات في الغابات الكثيفة لما استطاع الانسان ان يسير فيها ويخترقها , و (لولا الامل لبطل العمل) كما يقول المثل العربي , وهو مثل ينطبق على كل (الغابات الكثيفة !) في الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا الاب أسد , فان الابن شبل.
التعليق –   يتناول مثلنا العربي نفس تلك الحالة ولكن من جانب آخر , اذ يقول  - هذا الشبل من ذاك الاسد.
+++++
الترجمة الحرفية – والماء الحار يبرد.
التعليق – توجد أمثال عربية عديدة في هذا المعنى , منها - كل حال يزول / دوام الحال من المحال ...
+++++
الترجمة الحرفية –  اذا تعرف - تكلم , واذا لا تعرف - استمع.
التعليق –  يقول المثل العربي - لا تهرف بما لا تعرف . المثل الفيتنامي هنا في نفس المعنى طبعا , لكنه اكثر سعة واكثر دقة .
+++++
الترجمة الحرفية – من الداخل نار صغيرة  ومن الخارج شعلة كبيرة.
التعليق –  يذكرنا بالمثل العربي الطريف  -  من الخارج رخام ومن الداخل سخام . وصف دقيق للتباين والتناقض بين الواقع الحقيقي للانسان وبين مظهره الخارجي, ولهذا تشير العديد من امثال الشعوب الى عدم الاعتماد على المظهر الخارجي للانسان لأنه ( خدٌاع!) .
+++++
الترجمة الحرفية – الغني اطرش , والمشهور أعمى.
التعليق –  الاغنياء لا يستمعون الى شكاوي الفقراء و حاجاتهم ومتطلباتهم , والمتنفذون المشهورون لا يرونهم اصلا .
+++++
الترجمة الحرفية –         في البرك العميقة – الاسماك كبيرة.
التعليق – الغور في الاعماق يوصل الى نتائج افضل.
+++++
الترجمة الحرفية – والملوك يخطئون.
التعليق – (الكمال لله وحده) , ولكن معظم الملوك والقادة الكبار ينسون هذه الحقيقة الساطعة او يتناسونها , و يحاول هذا المثل تذكيرهم  بها .
+++++
الترجمة الحرفية – فقط ذاك الذي يعاني من الارق يعرف طول الليل.
التعليق –  يوجد بيت شعر جميل ذهب مثلا في هذا المعنى وهو - 
لا يعرف الشوق الا من يكابده     ولا الصبابة الا من يعانيها.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا انطلق الطير من القفص , لا تأمل انه سيرجع اليه.
التعليق – الحرية اغلى من العبودية واجمل, و لا يمكن المقارنة بينهما ابدا.
+++++
الترجمة الحرفية – المرض يحل بسرعة , والشفاء  يأتي  ببطء.
التعليق – مثل عند كثير من الشعوب - المرض ياتي مسرعا والشفاء منه  يسير بخطى بطيئة ويستغرق وقتا طويلا.
+++++
الترجمة الحرفية – في البيت لا يعرفون بعد اي شئ , لكن في الشارع يعرفون كل شئ.
التعليق – الشر يعم سريعا بواسطة الثرثرة والنميمة والنفاق والحسد و و و
+++++
الترجمة الحرفية – دون طرق طويلة لا نعرف هل الحصان جيد ام لا.
التعليق –  التجربة احسن برهان – هذه هي القاعدة العامة لكل شئ.
+++++
الترجمة الحرفية – في الحديقة المهجورة الادغال تنمو باطمئنان.
التعليق – دون رقيب وحسيب و متابعة ومسؤولية , الادغال ( تأخذ راحتها ) كما نقول بلهجتنا العراقية , وليس الادغال  فقط , بل كل الشرور.
+++++
الترجمة الحرفية –  وضع الضفدعة سئ اذا كان وضع الحية جيد.
التعليق –  والمتنبي يلخص كل هذه الظواهر و يقول لنا جميعا بعبقريته الجميلة والفريدة  -  مصائب قوم عند قوم فوائد.


638
أدب / الى أرمينيا , وطني
« في: 21:42 24/11/2016  »
الى أرمينيا , وطني
=============

قصيدة للشاعر ي. تشيرينتس / أرمينيا
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================


رأيت مئات مئات الجروح,
وستشاهديها من جديد.
رأيت قسوة المحتلين الغرباء,
وستشاهديها من جديد.
رأيت حصاد الحروب وموت الحقول,
وستشاهديها من جديد.
رأيت معاناة المنفيين في الطريق,
وهم يخترقون الرياح والعواصف,
وستشاهديها من جديد.
اين ناريغاتسي؟ اين شنورالي؟ اين اوفناتان؟
رأيت القامة المجيدة للحكماء,
وستشاهديها من جديد.
يا أرمينيا , تشيرينتس اخذ منك اللسان,
وكتب الاغاني مع الخلان,
وستستمعين اليها من جديد.


639
أمثال جورجية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –       العداوة والصداقة – شقيقتان.
التعليق – المثل العربي يقول – الفاصل بين الحب والكراهية شعرة , ويقول المثل الروسي – تعيش الصداقة قرب اللاصداقة . المثل الجورجي يجعل الصداقة والعداوة شقيقتان . كل هذه الامثال في معنى واحد رغم تباين الصور الفنية .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تختار زوجة ثق أكثر باذنيك مما بعينيك.
التعليق –  معنى المثل واضح تماما , فالجمال زائل بمرور الزمن , لكن السمعة باقية ابدا.
+++++
الترجمة الحرفية – من يرمي الاوساخ على الشمس فانها تسقط على رأسه.
التعليق – انتقاد الشئ الايجابي والجيد ينعكس سلبيا على المنتقد( بكسر القاف) ولا يؤثر-  قيد أنملة - على ذلك الجانب الايجابي الساطع والرائع  , اذ  ان (القافلة تسير ولا يهمها نباح الكلاب ) . الصورة الفنية في هذا المثل الجورجي طريفة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تقطف الثمار غير الناضجة , فهي تنضج وتسقط بنفسها.
التعليق – كل شئ في الحياة يحتاج الى وقت كي يكتمل وينضج ويصبح جاهزا , ولا ضرورة للعجلة , ففيها ( الندامة) اذ انك تقطف هنا ثمارا غير ناضجة ليس الا.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يرجع القطيع , الخروف الاعرج يكون في المقدمة.
التعليق –  الخروف الاعرج يكون عادة في المؤخرة , ولكن عندما يلتفت القطيع للرجوع يصبح في المقدمة , اي انه في الذهاب في المؤخرة وفي الاياب في المقدمة . وهكذا تتغير المفاهيم والاماكن في مسيرة الحياة حسب اختلاف الحالات والمواقف , وكم توجد في حياتنا من (خراف عرجاء!)  في المقدمة .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يأتي الجوع يذهب الحياء.
التعليق – يقول المثل العربي -  (اذا ذهب الحياء حل البلاء ), و الجوع هو قمة البلاء طبعا.
+++++
الترحمة الحرفية – المعلف لا يذهب الى البقرة.
التعليق – و (الشعير لا يمشي وراء الحصان) كما يؤكد المثل الروسي . 
+++++
الترجمة الحرفية – الطير المحنك لا يسقط في الشرك.
التعليق – يقول المثل الروسي - لن تخدع العصفور العجوز بالخبز اللين.
+++++
الترجمة الحرفية – ما دام الانسان لم يمت فان أعماله ليست مرئية.
التعليق –  يقول الحديث الشريف - اذكروا محاسن موتاكم , وهناك مثل عالمي عند الكثير من الشعوب يقول – يعرفون قيمة الانسان بعد موته .
+++++
الترجمة الحرفية – من بيوض الغربان تخرج فقط صغار الغربان.
التعليق –   مثل يؤكد على التفكير الواقعي السليم دون خداع للنفس او الركض وراء أمل كاذب . جيل الغربان يولد غربانا .
+++++
الترجمة الحرفية – يحتلون القلعة من الداخل.
التعليق –  القلاع حصينة ولا يمكن اختراقها واسقاطها واحتلالها, ولكن الخيانة في داخل القلاع هي التي تؤدي الى ذلك, وتعرف  شعوبنا جيدا معنى هذا المثل , وتتفهم سبب سقوط قلاعنا.
+++++
الترجمة الحرفية – اسأل عن الدواء من ذاك الذي شفى من المرض.
التعليق – ونحن نقول - اسأل مجرب ولا تسأل حكيم.
+++++
الترجمة الحرفية – الحبل المتوتر ينقطع بسهولة.
التعليق – التوتر – بشكل عام -  يؤدي الى نتائج سلبية , واقلها (سهولة قطع الحبال).
+++++
الترجمة الحرفية – زهرة الجيران تنغز الحسود مثل الشوك.
التعليق –  توجد العديد من الامثال عن الحسود  عند مختلف الشعوب في هذا المعنى, اذ يرى الحسود  ان (زوجة الجيران أجمل)  و (مرقة الجيران أطيب ) و(دجاجة الجيران أسمن)...
+++++
الترجمة الحرفية – افتح الباب في اعماقك و ستجد الابواب مفتوحة عند الاخرين.
التعليق – العلاقة الطيبة مع الآخرين تبدأ من الانسان نفسه.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تريد ان تتخلص من جار سئ , اعطه نقودا بالدين.
التعليق – يتهرب المدين دائما من الدائن . طريقة واقعية وطريفة , ولكنها  تكلف نقودا قد لا يمكن استرجاعها. يؤكد هذا المثل الجورجي مرة اخرى صحة مثلنا العربي الشهير – الجار قبل الدار.
+++++



640
أمثال الهنود الحمر مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – نحن فقراء لأننا شرفاء.
التعليق – يعكس هذا المثل الحالة السائدة في الكثير من المجتمعات ولحد الآن , بما فيها مجتمعات عالمنا العربي ( وكل الامور نسبية بالطبع ) , و ربما يفهم العراقيون بالذات فحوى ومعنى هذا المثل في الوقت الحاضر اكثر من غيرهم , لدرجة ( هكذا قال لي احد الاصدقاء) ان هذا المثل يصلح ان يكون شعارا دائميا – مع الاسف الشديد - في مظاهراتهم الاحتجاجية ضد الوضع الحالي في عراق العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لسعت حيٌة انسانا , فان هذا يعني انه  سبب الضرر للآخرين.
التعليق – لعبت الحيٌة في فولكلور بعض الشعوب دورا ايجابيا , وهي في هذا المثل تعاقب الشخص الذي يسبب الضرر للاخرين , اي ان الحيٌة تؤدي في فولكلور الهنود الحمر هنا دور رقيب ( السماء!) على التصرفات الشريرة للبشر في الارض. ما أجمل هذا الخيال وما أغربه في مسيرة الانسان نحو (مدينته الفاضلة !).
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا يوجد أمل بالنصر , فالقتال يكون بلا معنى.
التعليق – استنتاج ذكي جدا لمسيرة شعب كانت الحروب جزءا من تاريخ حياته اليومية , ولو تأمل ( قادتنا!) هذا الاستنتاج البسيط والعميق جدا , لما خاضت شعوبنا ( وما زالت) كل هذه الحروب العبثية .
+++++
الترجمة الحرفية – الجائع ومع الذئب يتغدى.
التعليق – وهل يوجد ما هو اكثر رهبة ورعبا من الجوع ؟ ولهذا فان الجائع في هذا المثل يمكن حتى ان يصاحب الذئب في تناول الغذاء. الصورة الفنية لبنية هذا المثل متميٌزة فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – العيون تقول أشياء لا تستطيع اللغة ان تقولها.
التعليق – مثل شاعري نتفهمه في الشرق  جيدا, اذ اننا نستخدم لغة العيون في حياتنا اليومية , وكلنا نتذكر في تراثنا (عيون المها بين الرصافة والجسر) , وكلنا نعرف  طبعا غابات النخيل التى وجدها السياب في عيني حبيبته ساعة السحر.
                   +++++
الترجمة الحرفية  - من اجل ان تستمع لنفسك تحتاج الى ايام من الصمت.
التعليق – الصمت و الامتناع عن الكلام مع الآخرين اسلوب معروف في تاريخ الافكار وتاريخ البشر. لقد قالت مريم -  (اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا).
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تقدر ان تشكر الرب على شئ ما , فالمذنب أنت وليس هو.
التعليق – لنتذكر الآية الكريمة -  وان ليس للانسان الا ما سعى.
+++++
الترجمة الحرفية – الروح العظيمة تغضب على هؤلاء  الذين يسفحون الدم البرئ.
التعليق – اراقة الدم البرئ جريمة بشعة عند كل الشعوب , وتشجبها كل الاديان والمفاهيم الانسانية كافة. ما أعظم هذا المثل ونحن نرى من حولنا كيف ان (الدم الغالي يسيل...)
+++++
الترجمة الحرفية – كل الاموات متساوون فيما بينهم.
التعليق – مثل فلسفي عميق , اذ ان الموتى فعلا متساوون , بغض النظر عن كل الصفات التي كانوا يتميزون بها اثناء حياتهم.
+++++
الترجمة الحرفية – خذ فقط الشئ الضروري لك واترك الارض كما وجدتها.
التعليق – كم أساء الانسان الى الطبيعة نتيجة حماقاته وجشعه . المثل هذا بسيط وعميق وحاسم , ويجسٌد الحل الامثل في علاقات الانسان  مع الطبيعة.
+++++
الترجمة الحرفية – ان تقول مرة واحدة (خذ) افضل من ان تقول مرتين (انا اعطي).
التعليق – مثل طريف جدا , يعكس ضرورة التخلص من مرض ال(انا) , الذي يعاني منه معظم البشر في مسيرة علاقاتهم الاجتماعية مع بعض.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحتاج الى كلمات كثيرة كي تقول الحقيقة.
التعليق – الكذب يحتاج الى اختلاق الكلمات والمواقف , اما الصدق فلا يحتاج الى ذلك , وتكفي ابسط الكلمات فعلا لقول الحقيقة . مثل واقعي يتناغم مع كل المجتمعات.
+++++
الترجمة الحرفية – يفقد العالم عظمته عندما تموت الاسطورة وتضيع الاحلام.
التعليق – مثل في غاية الجمال شكلا ومضمونا , فالحياة الانسانية بلا اساطير واحلام تصبح كئيبة ومملة  وتفقد فعلا طعمها وجماليتها و روعتها وعظمتها.
+++++

641
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا احد يرمي الحجارة على شجرة غير مثمرة.
التعليق – المثل العالمي يقول - (يرمون الحجارة على الاشجار المثمرة) , اما في هذا المثل الارمني فالصورة عكسية, و ربما يمكن القول ان ذلك ليس عبثا , اذ من الضروري ايضا تذكير ( تلك الشجرة !) انها غير مثمرة فعلا , والا فان بعض تلك ( الاشجار!) تنسى ذلك في مسيرة حياتنا الرديئة وتشابك (الحابل بالنابل) فيها.
+++++
الترجمة الحرفية – في البيت ديك, لكنه في الشارع فرخ دجاجة (كتكوت).
التعليق –  يقول المثل باللهجة العراقية -  ابوي ما يكدر الا على امي ( يكدر – يقدر ), ويقول المثل الروسي - شجاع ضد النعاج ونعجة امام الشجعان . المثل الارمني هنا في نفس هذا المعنى , وهو يمتلك ايضا نفس تلك الروحية الساخرة .
+++++
الترجمة الحرفية – الكذاب لا يصدق حتى بالحقيقة.
التعليق – مثل عالمي في وصف الكذاب الذي يعتقد ان الناس يكذبون مثله , ولهذا لا يصدق اي شئ , بما فيها الحقيقة . 
+++++
الترجمة الحرفية – كل طير يعتز بسربه .
التعليق – سرب الطير هو شعبه الذي يعيش بينه, و عشٌه الذي يطير منه واليه هو وطنه . المثل الارمني هذا رمزي وواضح جدا, اذ انه يجسٌد اعتزاز  الانسان , كل انسان , بشعبه ووطنه .
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل الادوية في البساتين.
التعليق –  هناك مقولة عربية وعالمية ايضا وهي – (الغذاء قبل الدواء). المثل الارمني هنا - وبكل وضوح ودقٌة وبساطة - يوحد الجانبين . تكمن اهمية هذا المثل وجماليته ايضا في ذلك بالذات.
+++++
الترجمة الحرفية – بدلا من الصقر , الغراب أصبح قاضيا.
التعليق –   صورة رمزية و تراجيدية جدا من واقع الحياة  الانسانية في مجتمعاتنا , والصورة هذه من جانب آخر كوميدية في نفس الوقت , ولهذا ينطبق عليها التعبير المعروف – ضحك عبر الدموع , او ضحك كالبكا .
+++++
الترجمة الحرفية – للكسول حتى ابواب الجنة مغلقة.
التعليق – يقول المثل العربي – (الكسل ما يطعم بصل), فكيف يقدر الكسول ان يفتح ابواب الجنة؟
+++++
الترجمة الحرفية –  ينموالحمار الصغير و يصبح حمارا كبيرا.
التعليق – المنطق الذي يحاول البعض ان ينكره او يتناساه او يتغاضى عنه في مجتمعاتنا , ولكن (الوقائع – اشياء عنيدة ) كما يقول المثل الاغريقي الكلاسيكي الشهير.
+++++
الترجمة الحرفية – الافضل ان تكون مع الذكي بالنار مما مع الغبي بالجنة.
التعليق – لنتذكر المثل العربي الشهير – من عاشر قوما اربعين يوما صار منهم , ولنتذكر البيت الذي ذهب مثلا وهو - 
لا تربط الجرباء حول صحيحة     خوفي على تلك الصحيحة تجرب . يقول المثل الروسي – (مع من تختلط منه تكتسب) , وهناك مثل عالمي معروف وهو – (قل لي من تصاحب اقول لك من انت) .
+++++
الترجمة الحرفية – الحب ليس حريقا , و لكن اذا ما شب لا ينطفئ.
التعليق – صيغة اخرى لمثل ارمني أشرنا اليه في الحلقة الاولى من هذه السلسلة وهو- ( الحب نار لا تنطفئ) , ونرى ان هذه الصيغة طريفة ايضا وتستحق التوقف عندها, اذ ان الحب هنا ( ليس حريقا !) ,  ولكنه  - مع ذلك - اذا شب فلا يمكن ان ينطفئ . الصورة الفنية جميلة حقا.
+++++
الترجمة الحرفية – يتساقط المطر على الاخيار والاشرار.
التعليق – ظواهر الطبيعة مفيدة لكل افراد المجتمع , لكن التباين في المجتمع نفسه والصراع الابدي بين الاخيار والاشرار فيه يؤدي الى الخصام والتنافس حول تلك الفوائد. مثل فلسفي عميق.
+++++
الترجمة الحرفية – زعل الدب على الغابة , لكن الغابة لا تعرف ذلك.
التعليق –  يوجد مثل عربي معروف وطريف جدا في هذا المعنى وهو  - زعل العصفور على بيدر الدخن . المثل الارمني اكثر دقة لانه يشير الى ان الغابة  نفسها لا تعرف ذلك!
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يرى العصفور حبة القمح فانه لا يلاحظ الفخ.
التعليق – لنتذكر المثل العربي المشهور -  (الفلوس تعمي النفوس) . والعصفور الجائع يعمى بصره طبعا عندما يرى حبة القمح, وهكذا يقع في الفخ مثلما يقع الانسان في فخ الطمع والجشع .
+++++
الترجمة الحرفية – نقود الدين ثوب من نار.
التعليق – حمل نقود الدين ثقيل جدا , ونعرف جميعا المقولة  الخالدة حول حمل الحديد والصخروالتي أشار اليها الامام علي(ع) وكيف انه لم يجد (اثقل من الدين !) . الصورة الفنية في هذا المثل الارمني ( ثوب من نار!) – متميٌزة وتعبيرية جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – الرأس كبير , لكن العقل صغير.
التعليق –  يذكرنا بمثلنا المشهور وبلهجاتنا المختلفة وهو - الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة.


642
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (2 )
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – امرأة تعمل من الشعير حنطة, واخرى تعمل من الحنطة شعيرا.
التعليق – المرأة المدبرة تدير شؤون البيت مستخدمة الاشياء الموجودة,   والمرأة غير المدبرة  لا تستطيع ذلك رغم توفر كل شئ . يوجد مثل طريف    بلهجاتنا العربية في نفس  هذا المعنى يقول – النادرة تغزل برجل حمار.                           +++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد للفأر وحش أقوى من القط.
التعليق – كل ينطلق من واقعه ومحيطه , و (كل يبكي على ليلاه).
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل ان تكون رأس ذبابة من ان تكون ذيل أسد.
التعليق –  المثل الارمني هذا غريب البنية وطريف جدا, وهو بشكل عام صحيح , فالرأس افضل من الذيل في كل الاحوال , ويذكرنا – بشكل او بآخر طبعا -  بالمثل العربي  (امارة ولو على حجارة). الرأس هو التفكير وبلورة القرار وتنفيذه بحريٌة (حتى ولو عند الذبابة), والذيل هو التبعية والخنوع (حتى ولو عند الاسد). 
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد جلاد ذو ضمير ويوجد قاض بلا ضمير.
التعليق – يرتبط الضمير بالانسان وتربيته وجذوره واخلاقه ولا علاقة له بالمنصب الذي يشغله الانسان , ولكن المثل الارمني مع ذلك  يختار منصب ( الجلاد) الذي ينفذ مهمته رغم ضميره , ومنصب ( القاضي) الذي ينفذ مهمته بلا ضمير! واختيار المنصبين في هذا المثل مسألة ليست عبثية و تدعو الى التأمل حتما. 
+++++
الترجمة الحرفية – يبدو للمذنب ان الجميع يتكلمون حوله.
التعليق – توجد امثال عربية عديدة في هذا المعنى منها  -  كاد المريب ان يقول خذوني/ اللي تحت ابطه عنز يصيح/ اللي تحت ابطه ابرة تنغزه /... ويقول المثل الروسي الطريف  -  تتوهج القبعة على اللص .
+++++
الترجمة الحرفية – الثعلب المحنك ايضا يقع بكلتا يديه في الفخ.
التعليق – لنتذكرالمثل العربي المشهور - لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة .
+++++
الترحمة الحرفية – في عناقات البصل تعبر الامراض.
التعليق – الصورة الفنية غير اعتيادية جدا  في هذا المثل . البصل فعلا يعالج الامراض في فولكلور الشعوب , وهناك تعبير ساخرفي بعض الكتابات حول ذلك يقول –  ان البصل صيدلية الفقراء . طرافة هذا المثل الارمني تكمن في استخدام كلمة - ( العناق ) مع البصل.
+++++
الترجمة الحرفية – الجائع يحلم بالخبز والعطشان بالماء.
التعليق – كل انسان يحلم بالشئ الذي يحتاجه و يريده ويتمناه , و يا بؤس ذلك المجتمع الذي يكمن (الحلم!) فيه بالخبز للجائع والماء للعطشان رغم كل رمزية الخبز والماء للحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – في المقلاة المثقوبة لا يمكن ان تقلي البيضة.
التعليق –  يقول المثل العربي (لا تنفخ في جربة / قربة  مثقوبة), ويقول المثل الروسي -  (لايمكن ان تملأ بالماء برميلا بلا قعر), والمثل الارمني في نفس المعنى  طبعا . الصور الفنية في كل هذه الامثال ترتبط بواقع تلك الشعوب و تعكس  طبيعة حياتها اليومية .
+++++
الترجمة الحرفية – في عيون الجبان والقطة في الليل تبدو وحشا.
التعليق –  يقول المثل الروسي – (عند الخوف عيون كبيرة) , والجبان ( يخاف من ظله ) كما يشير المثل العربي , ولهذا تتحول القطة في الليل الى وحش للجبان في المثل الارمني.
+++++
الترجمة الحرفية – الاحمق لا يحب الذكي والسكران لا يحب الصاحي.
التعليق –  يجسٌد هذا المثل الارمني مفهوما منطقيا  معروفا في المجتمع  وهو – مفهوم المقارنة  , فالذكي يفضح الاحمق عند المقارنة والصاحي يفضح السكران ...وهكذا..
+++++
الترجمة الحرفية – ملعون البيت بلا ضيوف, لكن ملعون ايضا الضيف الذي يأتي في المساء ولا يخرج حتى الصباح.
التعليق – الضيافة تمتلك اصولها و عاداتها وتقاليدها , وكل شئ يخرق ذلك هو ظاهرة سلبية في كل المجتمعات , و ( الزائد كالناقص ) كما يقول المثل العربي , والضيف الارمني الذي جاء في المساء ولم يخرج حتى الصباح يصبح ملعونا فعلا.
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد انسان تساوي قيمته كل العالم , ويوجد انسان قيمته اقل من قيمة الحمار.
التعليق – تباين البشر مسألة طبيعية في المجتمع , وهناك امثال عديدة عند مختلف الشعوب في هذا المعنى , ولكن بنية هذا المثل الارمني متطرفة وحادة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – مع العشب اليابس يحترق العشب الاخضر ايضا.
التعليق –  يوجد مثل معروف باللهجة العراقية يقول - احترك الاخضر بسعر اليابس . المثل الارمني في نفس المعنى طبعا , رغم انه  اكثر دقة.


643
أدب / رسالة الى شعراء المستقبل
« في: 21:59 14/11/2016  »
رسالة الى شعراء المستقبل

قصيدة للشاعر مانوئيل سكورسكا / بيرو

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


من الممكن
ان الشعراء سيسألون غدا
لماذا لم نكن نتغنى
بجمال فتياتنا,
ولماذا كانت قصائدنا
تشبه ساحاتنا
المليئة بالغضب؟
اني اجيبهم –
لقد كنا نسمع البكاء
من كل الجوانب,
وكانت تطوقنا الامواج السوداء
من كل الجوانب
...........
مادام هناك انسان يتألم
فان الوردة لا يمكن ان تكون رائعة,
مادام هناك انسان جائع
فان حقل الحنطة لا يغفو تحت ضوء القمر,
مادام البؤساء يبتلون تحت المطر
فان قلبي لن يبتسم.
...........
ايها الشعراء
ما قيمة رومانسيتكم عن السوسن؟
ان هدير الشعب الناهض
اروع من حفيف الاشجار
التي يغطيها الندى.
ايها الشعراء
حرروا الشعلة
من أسر الرماد,
ولتتوهج النيران
مضيئة
هذا العالم المعتم...

644
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  يكذب الغني ويصدقونه, ويصدق الفقير ويسمونه كذابا.
التعليق – معنى المثل واضح تماما, اذ هذا هو- مع الاسف - الموقف من الغني والفقير في كل المجتمعات . يوجد مثل باللهجة العراقية في نفس المعنى وهو -  للزنكين يكولوله بالعافيه وللفقير يكولوله هذا منين ( الزنكين – الغني / يكولوله – يقولون له / بالعافية – هنيئا / منين – من اين ).
+++++
الترجمة الحرفية – الاقرباء كثيرون في حالات الفرح.
التعليق – يوجد بيت شعر مشهور ذهب مثلا في هذا المعنى وهو –
ما اكثر الخلان حين تعدهم    ولكنهم في النائبات قليل .
 وهناك امثال عديدة في هذا الخصوص , منها – يا كثرة اصحابي يوم زرعي أخضر/ اذا كثر مالي كل الناس خلاني...
+++++
الترجمة الحرفية – الوقت أغلى من النقود.
التعليق – المثل العالمي يقول الوقت هو نقود , ولكن المثل الارمني يشير الى ان الوقت أغلى من النقود ,  وربما الامر كذلك فعلا , لأنه لا يمكن كسب النقود دون وقت.
+++++
الترجمة الحرفية –   في عين الاحمق – الذكي هو الاحمق.
التعليق – كل شخص يرى الشئ من وجهة نظره وكما يريد ان يراه, بغض النظر عن الوقائع , ويدفع العقلاء ثمن هذه الفوضى.
+++++
الترجمة الحرفية - يلتقط  العصفور حمولاته حسب قواه.
التعليق – يحتاج الانسان ان يتعلم من العصفور , وذلك لان العصفور يتصرٌف حسب قواه و ينطلق دون طمع او جشع او استحواذ او حسد. الصورة الفنية في هذا المثل طريفة جدا .
++++++
الترجمة الحرفية – يوجد لسان حلو, ويوجد لسان مرٌ.
التعليق –  ما أصدق هذا المثل وما أعمقه , اذ ان اللسان يمكن ان يطلق الكلمة (الحلوة) , وهي صدقة حسب  الحديث الشريف - ( الكلمة الطيبة صدقة ) , و يمكن ان يطلق الكلمة (المرٌة) , وهي سهم حسب القول المعروف - ( احذروا اللسان فانه سهم يخطأ ). يقول المثل الروسي – الكلمة الطيبة تداوي والكلمة الشريرة تقتل .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكنك استرجاع الحجر الذي رميته.
التعليق –  مثل حكيم جدا , وينطبق قبل كل شئ على الكلمة عندما تفلت من اللسان ولا يمكن استرجاعها ابدا, وهناك مثل عربي معروف في هذا المعنى وهو – عثرة القدم افضل من عثرة اللسان . يقول المثل الروسي – الكلمة ليست عصفورا , تطير ولا يمكن ان تصطادها.
+++++
الترجمة الحرفية – الدخان أكثر من اللحم المشوي.
التعليق –  يتناول هذا المثل ظاهرة  تحدث في كل المجتمعات حول الضجيج الذي يصاحب بداية أي عمل ولكن نتائج هذا العمل  تكون صغيرة وغير مهمة وأقل من قيمة العمل ومتطلباته . يوجد مثل عالمي في هذا المعنى وقد استقر بالعربية كما يأتي  - تمخض الجبل فولد فأرا. الصورة الفنية للمثل الارمني شائقة جدا وترتبط بشكل مباشر بطبيعة الحياة اليومية البسيطة للانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف العدو والصديق وقت الضيق.
التعليق – المثل العربي ( والعالمي ايضا ) يشير الى ان الصديق وقت الضيق , ولكن المثل الارمني يوسع ذلك المفهوم ويشمل العدو ايضا , وهي ملاحظة صحيحة .
+++++
الترجمة الحرفية – النقود لا تمتلك لسانا لكنها تجد الطريق بنفسها.
التعليق-  معنى هذا المثل صحيح ودقيق فعلا , ويؤكده مثلنا باللهجة العراقية - الفلوس تجيب العروس  (تجيب – تجلب ) , ويقول المثل الروسي  - النقود تعبٌد الطريق. 
+++++
الترجمة الحرفية – والسيف يصدأ دون عمل.
التعليق – كل شئ يحتاج الى عناية وادامة, اذ ان الاهمال يؤدي الى الاندثار, وحتى الذهب يصبح اسودا عند اهماله كما يقول المثل الروسي , بل ان  هناك مثل روسي آخر يقول - دون عمل تضعف القوة.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تشرب من قدح القيصر .
التعليق –  يدعو هذا المثل الى ان نتجنب الاختلاط بالحكام وطبقتهم و عدم مصادقتهم , اذ ان التقارب معهم خطر جدا على الانسان نتيجة غرورهم ونرجسيتهم وحماقاتهم وسلطتهم المطلقة , وكم توجد لدى شعوبنا من امثلة لغدرهم .
+++++
الترجمة الحرفية - الحب نار لا تنطفئ.
التعليق –  المثل العربي يشير الى ان الحب الاول يبقى دائما ( ما الحب الا للحبيب الاول ) , والمثل الروسي يقول ان (الحب القديم لا يصدأ ) , ولكن المثل الارمني يرسم صورة أجمل  و أوسع وأكثر شمولية  للحب ,  اذ يجعله ( نارا لا تنطفئ) .
+++++
الترجمة الحرفية – وبدون الديك ينبثق الفجر.
التعليق – يحل الفجر دون حاجة الى الاعلان عنه . الصورة الفنية في هذا المثل جميلة جدا , وتؤكد على ان قوانين الحياة تأخذ مجراها في نهاية المطاف بغض النظر عن كل شئ.
+++++
الترجمة الحرفية – المصيبة تولد العقل.
التعليق – يقول المثل العربي من يتعذب كثيرا يتعلم كثيرا , ويقول المثل الروسي - المصائب تؤلم , لكنها للعقل تعلٌم , ويقول المثل الانكليزي - تجعلنا المصائب حكماء , و لكن المثل الارمني يذهب أبعد, رغم انه ينطلق من نفس المعنى العام  , اذ انه يشير الى ان المصيبة ( تولد) العقل , وهي قضية ربما تثير النقاش و قد تتباين الآراء بشأنها . 
+++++



645
كنت في بيت تسفيتايفا بموسكو
أ.د. ضياء نافع
لم يكن لديٌ عنوان دقيق لبيتها ( والذي حولته حكومة موسكو عام 1992 الى متحف) , و هكذا اضطررت أن أسأل الناس حولي عن موقعه , وقال لي أحد المارة في الشارع , ان تمثال تسفيتايفا يقع على اليمين , وان متحفها على الاغلب قربه. وهكذا وجدت التمثال , وتبين ان المتحف يقع فعلا مقابله تماما . وقفت عند التمثال هذا طويلا وتأملته بامعان. كانت تسفيتايفا تجلس وقد وضعت كلتا يديها على الجانب الايمن من رأسها  , وكانت حزينة جدا , حزينة لدرجة اني بدأت اقترب أكثر من التمثال واحدق في وجهها عن قرب ,  لكي اتأكد , هل كانت دموعها تسيل على خدٌها ام لا ؟  اذ بدا لي و كأنها كانت تبكي . و قلت بيني وبين نفسي , ان الفنان الذي نحت هذا التمثال ربما أراد ان يجسٌدها في اللحظة التي عادت بها لتقف امام بيتها الحبيب ؟ وكيف يمكن لشاعرة رقيقة مثل تسفيتايفا ان تحبس دموعها و لا تبك  وقد عادت الى البيت الذي عاشت به مع عائلتها أجمل أيام حياتها , منذ عام 1914 الى عام 1922  ؟ ام ان النحات اراد ان يجسد تلك اللحظة الحاسمة والحزينة في حياتها, عندما قررت تسفيتايفا بها ان تنتحر ؟ لقد حدثت هذه المأساة عام 1941 بعد ان هاجرت من روسيا عام  1922, ثم عادت اليها عام 1939 , اي بعد سبع عشرة سنة من حياة الغربة وعذاباتها , ثم قررت ان تنتحر بعد سنتين ليس الا من عودتها الى الوطن , لانه ( لم يكن هناك من مخرج آخر ) كما كتبت في واحدة من ثلاث رسائل تركتها قبل ان تعلق نفسها بالحبل الذي قدمه لها باسترناك – كما تقول احدى المصادر عنها - كي تستخدمه لربط حقيبتها .
كانت باقات الورود تحيط بالتمثال , بل وكانت هناك باقة ورد وضعوها  في حضنها . كل الورود كانت بسيطة , ومن الواضح انها جاءت من حدائق الناس البسطاء وبيوتهم الصيفية المتواضعة , وليس من مخازن الورود الغالية الاسعار, وان هذه الورود قد انتقاها المعجبون بايديهم كي يجلبوها الى تسفيتايفا , بل اني لاحظت , ان احدى الباقات كانت ملفوفة بجريدة قديمة ليس الا , واكثر الاشياء التي أثارت انتباهي ودهشتي في تلك اللحظة  هي تلك التفاحة , التي قدمها لها أحد المعجبين بها , ووضعها على منصة التمثال  عند قدميها, وقد حاولت ان التقط  صورة للتمثال وركزٌت على تلك التفاحة بالذات , لانها كانت تمثٌل – بالنسبة لي – الحب والتعاطف والوصال الروحي بين تسفيتايفا والناس . لقد حكيت قصة التفاحة هذه الى الموظفة المسؤولة عن هذا المتحف الرشيق, فضحكت – وبكل سرور - وأجابتني , ان سبب هذه الهدايا هو مرور يوم ميلاد تسفيتايفا قبل ايام قلائل , وان جميع محبيها قد ارادوا ان يقدموا لها هدية ما في هذه المناسبة , ويبدو ان هذا الشخص لم يجد معه شيئا سوى هذه التفاحة , فقدمها لها تعبيرا عن حبه لها واعتزازه بها واعجابا بابداعها, والتفاحة (المتواضعة !) هذه هي  أجمل هدية  بلا شك في رأي , لأنها تعني ان تسفيتايفا لازالت تعيش بيننا , وانها بحاجة ان تأكل التفاح .
وهكذا دخلت الى هذا المتحف الفريد وانا غارق في اجواء تمثالها الحزين والازهار  التي تحيطه والتفاحة التي تقف ( شامخة!) بين تلك الازهار .
هذا المتحف هو الشقة التي عاشت بها تسفيتايفا . انها شقة غير اعتيادية تماما بالنسبة لموسكو , اذ توجد فيها ثلاثة طوابق , وفي كل طابق غرف وممرات , وقد اخبرتني احدى مسؤولات المتحف , ان تسفيتايفا نفسها لم تكن تعرف عدد الغرف الموجودة في تلك الشقة ( هكذا كتب أحد الاصدقاء في ذكرياته عنها ) . في الشقة المقابلة لها ( والتي اصبحت الان جزءا من المتحف طبعا ) وجدت كتبها ورسائلها موضوعة في واجهات زجاجية رشيقة . كتابها الاول والثاني والثالث , وكتب الشعراء الروس في تلك السنين الخوالي – بلوك وغوميليوف ويسينين وماياكوفسكي وأخماتوفا وايرنبورغ وباسترناك وبيللي ... وهناك رسائلها بخطها الجميل والناعم ,حتى بطاقات بريدية ارسلتها من تشيكيا عام 1903 عندما كانت تشارك في مخيم للصغار هناك ... ووجدت هناك الكتب التي أصدرتها مع زملاء آخرين في برلين عام 1922 , عندما هاجرت من روسيا , وصور عديدة لها ولزوجها وابنتها ولشعراء وادباء روس مهداة لها , وتاملت صور باسترناك وايرنبورغ وماياكوفسكي وبلوك وبقية ادباء روسيا في العشرينات عندما كانوا شبابا , بل اني وجدت نسخة من جريدة اسمها ( ارادة روسيا ) كان يصدرها اللاجئون الروس في براغ عام 1922. بعدئذ دخلت الى شقتها التي عاشت فيها طوال تلك السنين , وشاهدت لوحة كبيرة تتوسط الغرفة الرئيسية في الشقة وهي لوالدها بروفيسورجامعة موسكو تسفيتايف – المتخصص بالفن وتاريخه ومؤسس متحف الفنون الجميلة في موسكو ومديره الاول ( لازال هذا المتحف موجودا في موسكو واسمه الان - متحف بوشكين , ويعد من أكبر متاحف الفنون في العالم ). وهكذا بدأت بالتجول في تلك الشقة غير الاعتيادية تماما . كان الاثاث موجودا كما كان ايام تسفيتايفا , واللوحات تملأ الجدران ( وجدت نفس اللوحة التي وصفتها تسفيتايفا في كتابها عن بوشكين , وهي اللوحة التي تجسد اصابته اثناء المبارزة , وتأملتها طويلا وتذكرت المقاطع الشاعرية المدهشة الجمال التي كتبتها تسفيتايفا عن تلك اللوحة – انظر مقالتنا بعنوان تسفيتايفا وبوشكينها ) . لقد شرحوا  لي ان هذه الشقة قد تحولت الى غرف عديدة لسكن الكثير من العوائل السوفيتية في العشرينات والثلاثينات وزمن الحرب وبعدها ايضا ( كل عائلة تسكن في غرفة بنفس الشقة , وتكون الخدمات مشتركة للجميع , وهو نظام جاء نتيجة الازمات آنذاك ويكاد الان ان يتلاشى تقريبا) . ثم تم اتخاذ قرار بتهديم العمارة الا ان الحرب الثانية اوقفت القرار, وحاولوا  تنفيذه في السبعينات,   ألا ان واحدة من سكنة العمارة رفضت الاخلاء رغم كل محاولات السلطات , وهكذا اتخذت حكومة موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي قرارا بتحويل البناية الى متحف تسفتايفا , وقامت بتصليح البناية واعادتها كما كانت في السابق , ووضعت الاثاث واللوحات والكتب في الشقة حسب ذكريات معاصريها , لدرجة , ان واحدة من زوار المتحف قالت لي – ( عندما كنت اتجول في هذا المتحف شعرت بان من المحتمل ان تبرز امامي فجأة تسفيتايفا نفسها من احدى هذه الغرف ) .
لقد تحول هذا المتحف الان الى مركز ثقافي نشيط جدا , فيه منهج شهري يوزعونه مع بطاقات الدخول , وقد استلمت هذا المنهج بالطبع لشهر تشرين الاول / اكتوبرلهذا العام (2016) , واود ان اختتم مقالتي هذه بعرض سريع لبعض فقرات هذا  المنهج ليس الا ( اكرر – لبعض فقراته) , اذ ان طبيعة المقالة لا تتحمل كل تفصيلاته , وهذه المختارات  كما ياتي –
اليوم العالمي للموسيقى – حفل موسيقي ثم محاضرة بعنوان عائلة تسفيتايفا في الثقافة الروسية ///  قراءآت شعرية مختارة من تسفيتايفا وأخماتوفا وباسترناك وغوميليوف .../// مسرحية بعنوان – غريب الاطوار ( عن حياة يسينين ) ///  مسرحية مستوحاة من نتاجات تسفيتايفا ورسائلها ورسائل باسترناك ///  مسرحية مستوحاة من قصة تسفيتايفا ( تسع رسائل ) /// المؤتمر العلمي  العالمي التاسع عشر , المكرس لدراسة حياة وابداع تسفيتايفا ( لمدة يومين) بعنوان – من اجل ان يكون في العالم اثنان – أنا والعالم.///  مسرحية فنية وثائقية بعنوان – والدتي مارينا تسفيتايفا /// حفل موسيقي بعنوان – في عالم الموسيقى من كل النوافذ /// عرض فلم سينمائي فرنسي بعنوان – ( زوجة الخباز) انتاج عام 1938 .....
 

646
أمثال صينية مترجمة عن الروسية ( 3 )
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – التعاسة تدخل في ذلك الباب الذي تفتحوه  لها .
التعليق – يشير هذا المثل الصيني الى ان التعاسة هي نتيجة لتصرفات الانسان واعماله  في الحياة  , وان  الانسان   هو الذي ( يفتح لها الباب) للدخول في مسيرة حياته .
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل ان تكون انسانا ليوم واحد من ان تكون ظلا لألف يوم.
التعليق – يوجد بيت شعر ذهب مثلا في هذا المعنى وهو –
عش عزيزا او مت وانت كريم    بين طعن القنا وخفق البنود
وهناك ايضا  امثال عربية عديدة اخرى ومنها  – موت في عز خير من حياة في ذل .  المثل الصيني في نفس المعنى ,  رغم انه يمتلك  بنية تختلف عن  الروحية الصارمة والحاسمة في الامثال العربية  تلك .
+++++
الترجمة الحرفية – صعد على الشجرة وأزاح ألسلٌم.
التعليق –  كلمة حكيمة  لهؤلاء الذين (يتسلقون!) ,  وينسون ( وهم في نشوة التسلق!) ان وراء كل صعود - نزول , وان ( ازاحة السلٌم , اي الغاء طريق العودة ) تعني ان ( المتسلق) سيبقى معلقا في الاعالي الى ان يقع , اذ – (ما طار طير وارتفع الا كما طار وقع) , و (السقوط مؤلم من المكان المرتفع ) كما يقول المثل الروسي.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تشتري حصانا انظر الى والديه.
الترجمة – معنى المثل واضح جدا , ف ( الولد على سر ابيه) و ( من شابه أباه فما ظلم ) ...  كما تقول امثالنا  العربية.
+++++
الترجمة الحرفية – الحاكم مثل القارب والشعب مثل الماءالذي يقدر ان يحمله او ان يغرقه.
التعليق –  الصورة الفنية لهذا المثل الصيني جميلة  جدا , ومعنى المثل يذكرنا ببيت الشعر الخالد والمشهور للشابي , والذي ذهب مثلا  وهو-
 اذا الشعب يوما أراد الحياة     فلابد ان يستجيب القدر
+++++
الترجمة الحرفية – اجعل الذين حولك سعداء, يأتي البعيدون اليك.
التعليق – النجاح في عملك اليومي وخدمة الناس الذين يحيطوك  يجلب لك  شهرة واسعة وسمعة طيبة تتخطى  الحدود المحلية وتصل الى الناس البعيدين حتما . يقول المثل العربي المعروف – أحسن الى الناس تستعبد قلوبهم .
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد أمواج دون رياح.
التعليق – هناك سبب لكل ظاهرة من ظواهر الطبيعة وهي مترابطة مع بعضها بشكل عام وتخضع للمنطق , ولا توجد ظاهرة تحدث بالصدفة ليس الا . المثل الصيني يؤكد هذه الحقيقة  استنادا الى ظاهرة الامواج  التي تسببها الرياح . لنتذكر – (وجعلنا لكل شئ سببا). 
+++++
الترجمة الحرفية – انظر دائما الى الجوانب المضيئة , واذا لا توجد, فامسح الجوانب المعتمة الى ان تتلامع.
التعليق – التفاؤل يصنعه الانسان بنفسه , ويجب على الانسان ان يسعى اليه بعمله , لأن التفاؤل عنصرايجابي  و مهم للحياة الانسانية , وتصبح حياة الانسان أسوأ وأصعب عندما يفقده. لنمسح الجوانب المعتمة في حياتنا الى ان تتلامع !
+++++
الترجمة الحرفية – المعلمون يفتحون فقط الابواب لكم, وانتم تخرجون منها و تذهبون أبعد.
التعليق – التعليم هو الخطوة الاولى والضرورية في الحياة  , ولكنه لا يمكن ان يحل محل الموهبة الشخصية والخصائص الذاتية  لكل انسان و ظروفه و مسيرته اللاحقة في الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – لا أحد يرجع من السفر كما كان سابقا.
التعليق –  السفر يوسع آفاق الانسان دائما , و يشير المثل الصيني  الى هذه الحقيقة , والى انه لا يمكن للانسان ان يبقى على نفس حاله كما كان قبل السفر . توجد في تراثنا  عدة ابيات من الشعر ذهبت مثلا في هذا المعنى , والتي تدعو للسفر و تحدد ان (... في الاسفار خمس فوائد) وهي –
تفريج همٌ واكتساب معيشة     وعلم وآداب وصحبة ماجد...
+++++
الترجمة الحرفية – من يشير الى سلبياتك ليس دائما عدوك, ومن يتكلم عن ايجابياتك ليس دائما صديقك.
التعليق – يقول المثل العربي صديقك من صدقك وليس من صدٌقك , وهذا يعني ان الصديق الحقيقي والصادق يمكن ان يتكلم عن سلبياتك وايجابياتك في آن واحد , وهو تأكيد على صحة المثل الصيني هنا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تخافوا من التباطؤ  بل من التوقف.
التعليق – في كل مواقف الحياة هناك تباطؤ وتسريع للامور كافة وحسب ظروف الحياة , والمثل الصيني يقر بهذه الحقيقة ولكنه يحذر من عدم استمرار الفعل في تلك الامور , اذ ان التوقف هو الاخطر و الاسوأ, والذي يجب ان نخاف منه.
+++++
الترجمة الحرفية – الموقف الجبان لا ينقذ من الموت.
التعليق –  ذهب بيت للمتنبي في هذا المعنى مثلا  وهو -
 فاذا لم يكن من الموت بد     فمن العار ان تموت جبانا
 وفي بعض المصادر تأتي كلمة – (العجز ) بدلا من كلمة – ( العار) . المثل الصيني يتناول نفس هذه الفكرة , مؤكدا ان (الجبن لا ينقذ الانسان من الموت ) , وبالتالي فان استنتاج المتنبي المحدد والدقيق هو الخطوة التالية و المنطقية  و الاصح في مثل هذا الموقف الذي يشير اليه  المثل الصيني.


647
أدب / أبي
« في: 00:07 08/11/2016  »
أبي
=====
قصيدة للشاعر تاديوش روجيفيتش / بولندا
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================


عبر قلبي
يمرٌ أبي.
لم يكن مقتصدا,
ولم يجمع ألحبٌة على ألحبٌة ,
وبيتا
لم يشتر,
وساعة ذهبية
لم يقتن,
لم يدخر شيئا,
كان يحيا
مثل الطيرالذي
يغنٌي,
لكن,
أيستطيع الموظف الصغير,
ان يحيا هكذا
طوال العمر؟
+++
عبر قلبي
يمرٌ أبي
بقبعته العتيقة
ولحنه المرح الذي
كان يصفر به,
لأنه
كان واثقا
بانه
ضمن الجنة...

648
سبع  أساطيرجديدة حول غوركي
أ.د. ضياء نافع
نشرت الاستاذة المساعدة في جامعة كولومبيا الامريكية د. ناتاليا بيلاوسوفا بحثا تفصيليا عن مكسيم غوركي بعنوان – (سبع أساطير عن غوركي) , يتناول موقع غوركي في مسيرة الادب الروسي وتاريخه من وجهة نظر غير مطروقة بشكل واسع سابقا بالنسبة لمكسيم غوركي في روسيا بالذات وتاريخ آدابها , ونود هنا ان نستعرض هذا البحث للقارئ العربي ونتوقف ( قدر ما تسمح به طبيعة هذه المقالة طبعا ) عند بعض نقاطه  , ونتناقش  حولها مع الباحثة الامريكية المذكورة ( ذات الاصل الروسي كما هو واضح من اسمها ) .
نقطة الاختلاف الاساسية مع الباحثة الامريكية تكمن – من وجهة نظرنا - في عنوان بحثها , فكلمة ( اساطير ) تعني - مسبقا- موقفا واضحا و محددا ودقيقا حول تلك الجوانب , التي تناولها البحث المذكور, اذ انها ارادت ان تقول انها ( اساطير ) وليست حقائق !, وهذا الموقف او الحكم المسبق بحد ذاته يتعارض مع المفهوم الموضوعي السليم لأي بحث علمي  .
( الاسطورة) الاولى , التي تتوقف عندها الباحثة كانت بعنوان – (غوركي – كاتب ضئيل )( حاولت ان اتجنب ترجمة الصفة هنا كما جاءت في النص الروسي ( والتي تعني ايضا – تافه) , رغم معرفتي , ان صفة (ضئيل) لا يمكن ان تعبربشكل كامل عن المعنى الذي ارادت الباحثة على ما يبدو اطلاقها على غوركي , وذلك لاني لم استطع (نفسيا  قبل كل شئ) ان اكتب تلك الصفة جنب اسم غوركي , رغم علمي مسبقا ان ناقل الكفر ليس بكافر !) . تحاول الباحثة الاستشهاد بعدة اسماء روسية لامعة وتورد ما ذكروه عن غوركي , وهم  - نابوكوف وميرشكوفسكي وبونين وتشيخوف وتسفيتايفا , والاسماء الثلاثة الاولى تحدثوا سلبا عن غوركي بعد ثورة اكتوبر1917 , وكان موقفهم – بالتالي - تجاه غوركي سياسيا واضحا قبل كل شئ طبعا ( خصوصا بونين) , ولم تذكر الباحثة ذلك , بل أشارت الى تلك الآراء بشكل مجرد وعام , الا انها لم تغير او تتلاعب في رأي تشيخوف وتسفيتايفا الايجابي حول غوركي , وهذا موقف جيد من الباحثة طبعا , ولكنها توقفت عندهما بعد الاستشهاد  بآراء تلك الاسماء  , في محاولة لاضفاء الموضوعية على طرحها , وكأنها تريد ان تقول انها مع تعددية الآراء حول غوركي ( رغم انها اختارت العنوان للاسطورة الاولى بشكل واضح وصريح كما ذكرنا أعلاه ) , واظن انه يجب الاشادة هنا برأي تسفيتايفا بالذات ( اذ انها كانت ضمن اللاجئين الروس ايضا آنذاك) , والتي أشارت فيه , الى ان  غوركي هو الذي يستحق جائزة نوبل عام 1933 وليس بونين , لان غوركي يجسٌد ( العصر كله ) اما بونين فانه يمثٌل ( نهاية العصر ليس الا ).
الاسطورة الثانية بعنوان -  غوركي مؤسس الواقعية الاشتراكية , وتتناول الباحثة هنا هذا الموضوع الذي اصبح عتيقا في الدراسات الادبية داخل روسيا نفسها منذ ستينيات القرن العشرين, اي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي والمفاهيم والمصطلحات المرتبطة بتلك الفترة , وخلاصته ان غوركي نفسه لم يستخدم هذا المصطلح لا في كلماته ولا في مقالاته حول الادب, وهذا يعني ان هذه النقطة هي فعلا – (اسطورة) حول غوركي كما تسميها الباحثة - ( انظر مقالتنا بعنوان – غوركي وستالين والواقعية الاشتراكية ).
الاسطورة الثالثة جاءت بعنوان – غوركي المناضل ضد اللاعدالة الاجتماعية , وتتناول هذه الفقرة موقف غوركي من المجتمع . تطرح الباحثة هذه (الاسطورة) فلسفيا , اذ انها تعترف , ان غوركي ( انتفض ضد الواقع المحيط به ) , ولكنه من وجهة نظرها ( مجٌد الشئ الذي اراد ان يلعنه , ولعن الشئ الذي اراد ان يمجٌده ). تطرح الباحثة هنا موقف غوركي من الانسان وصراعه مع الموت وطموحه بالخلود والدور الذي تلعبه التضحية بالنفس في هذا المجال , وكيف ان غوركي أراد ان يغير النظم الاجتماعية كافة وحياة الانسان بشكل عام , رغم انها تشير , الى ان غوركي ( عكس - في الواقع - الانسان وكأنه وحش , بل حتى اسوأ من الوحش ) . ان هذه ( الاسطورة) تستحق التأمل والقراءة المعمقة رغم كل الآراء المتنافرة ( ان صح التعبير )  التي تتضمنها, القراءة المعمقة والموضوعية هذه ستؤدي الى مناقشة الآراء الواردة فيها وتحديد تناقضاتها ووضع النقاط على الحروف كما يقول التعبير المعروف .
الاسطورة الرابعة جاءت بعنوان – (غوركي – كاتب مضاد للحداثة ) . تتناول الباحثة في هذا الجزء موقف غوركي من كل الاتجاهات الادبية المتنوعة في عصره , وخصوصا تلك التي ارتبطت ب ( العصر الفضي ) في تاريخ الادب الروسي , وهي فترة بداية القرن العشرين , وسنوات العشرينات بالذات من ( الرمزية ) و ( المستقبلية )...الخ.  تؤكد الباحثة هنا , ان واقعية غوركي تختلف عن واقعية غانجيروف وأستروفسكي وغيرهم من الادباء الروس الكبار في القرن التاسع عشر, وتتحدٌث عن النظرة السوفيتية الى هذه الواقعية  (والتي كانوا يعتبرونها استمرارا  لما طرحه القرن التاسع عشروتطويرا  لها) وتشير الى انها نظرة ساذجة  وسطحية وغير دقيقة , بل انها ترى ان واقعية غوركي تكاد تقترب من ملامح ( الرمزية ). هذا الجزء من البحث يستحق – كما الجزء السابق – القراءة المعمقة فعلا , اذ توجد فيه آراء جديدة حول غوركي يمكن متابعتها بدقة وموضوعية في ثنايا نتاجاته الادبية خصوصا والفكرية عموما , وما بين سطورها ايضا.
الاسطورة الخامسة في هذا البحث جاءت بعنوان – ( غوركي ولينين ). تشير الباحثة الى سعة هذا الموضوع ( وهي على حق ) , وكيف تناولته النظرة السوفيتية في وسائل اعلامها كافة , بما فيها انعكاس الموضوع في الفن التشكيلي , وتنشر مع البحث لوحة مشهورة لغوركي ولينين وهما يجلسان في قارب و يصطادان السمك في ايطاليا . ترى الباحثة ان غوركي نفسه ساهم في هذه ( الاسطورة ) بمقالاته عن لينين . تؤكد الباحثة في هذا الجزء من بحثها على الوقائع التي أعقبت ثورة اكتوبر 1917 , وكيف ان غوركي تحدث عن الجوانب السلبية للثورة الاشتراكية في كتابه ( افكار في غير وقتها ) , الذي لم ينشر في روسيا السوفيتية آنذاك ( تم نشره عام 1990 ليس الا) , وتتوقف عند علاقة غوركي المتوترة مع زينوفييف ( رئيس مجلس بيتروغراد عندئذ , والذي أعدمه ستالين عام 1937 ) , ثم تشير الى ان غوركي قد اضطر ان يترك روسيا ويسافر الى الخارج , حيث بقي هناك أكثر من عشر سنوات , وتستنتج - ( ان مغني الثورة وبشيرها  لم يجد له مكانا بعد انتصار الثورة ! ) .
الاسطورة السادسة بعنوان – ( غوركي وستالين ) , وهو جزء حيوي جدا في هذا البحث , وتتناول الباحثة هنا عودة غوركي الى الاتحاد السوفيتي واحتضان ستالين له , والذي اعاده الى صدارة الحياة الثقافية في روسيا ( وهي المكانة التي لم يستطع الحصول عليها زمن لينين ) .  تقول الباحثة ضمن استناجاتها هنا , ان ستالينية غوركي كانت حقيقية وواضحة , ولكن علاقته الشخصية بستالين كانت محايدة , رغم انها تشير الى مختلف الاشاعات حول هذا الموضوع , بما فيها الاشاعة حول تهديدات ستالين له وحتى المشاركة في قتله .  ان علاقة غوركي بلينين وبستالين ( الاسطورة الخامسة والسادسة ) موضوعان يستحقان ان يتناولها المتخصصون العرب في الادب الروسي بتفصيل موضوعي اوسع , لانهما مهمان فعلا للقارئ العربي المعاصر , ولازالا غير واضحين تماما لهذا القارئ , وكذلك بالنسبة للاسطورة السابعة , والتي جاءت بعنوان – غوركي والشعب الروسي واليهود , والتي تناولت الباحثة فيها موقف غوركي منهما .
بحث الاستاذة المساعدة في جامعة كولومبيا الامريكية د. ناتاليا بيلاوسوفا يستحق الترجمة الى العربية كاملا ليطلع عليه القراء العرب ودراسته بامعان وموضوعية رغم كل الملاحظات عنه , لانه محاولة جديدة وشاملة في  طبيعة الدراسات حول اديب باهمية غوركي ومكانته في الادب الروسي اولا والادب العالمي ثانيا .




649
أمثال صينية مترجمة عن الروسيٌة (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الحبر السئ احسن  من أفضل ذاكرة .
التعليق – كم ضاعت وقائع وأحداث في تاريخ الانسان لأنه لم يسجلها في حينها للتاريخ وللاجيال اللاحقة . هذا المثل الصيني يدعو الى ضرورة كتابة الاحداث باي شكل من الاشكال ( حتى بالحبر السئ !) كي لا تضيع , اذ لا يمكن الاعتماد على الذاكرة , فالانسان ينسى تلك الاحداث بمرور الزمن , ونسيان الاحداث و الدروس التي رافقتها يؤدي الى ضياع تلك الدروس , واحتمال  تكرار نفس تلك الاخطاء  في الحياة لاحقا .
+++++
الترجمة الحرفية – احذر من النار في النهار ومن اللصوص في الليل .
التعليق –  يقول المثل العربي – الحذر يقيك الضرر, وهو قول شامل جدا  , اما  المثل الصيني فيحدد الحذر من خطرين اساسيين هما -  من النار نهارا (لأن الانسان يستخدمها بكل اشكالها وانواعها اثناء مسيرة حياته اليومية , وما أخطرها اذا تندلع وتتحول الى حريق ), ومن اللصوص ( بكل اشكالهم وصورهم والوانهم ) وهم يمارسون جرائمهم  سرا  في ظلام الليل وعتمته.
+++++
الترجمة الحرفية – يرى المتفائل امكانية في كل خطر , ويرى المتشائم خطرا في كل امكانية .
التعليق – مثل فلسفي عميق ينعكس في حياتنا اليومية, ويجسٌد الصراع الدائم بين التفاؤل والتشاؤم  في مسيرة كل البشر. ما أروع ان نتفاءل بالخير كي نجده كما يقول مثلنا العربي الجميل – تفاءلوا بالخير تجدوه .
+++++
الترجمة الحرفية – في اللعبة الطويلة لا يوجد منتصر .
التعليق –  يفهم الناس في كل مكان وزمان معنى هذا المثل واهميته  عندما تحدث الحروب العبثية الطويلة  والمصادمات المسلحة بين البشر , والتي يختلقها الحكام فيما بينهم تنفيذا لمصالحهم , وتدفع الشعوب حياتها ثمنا لها.
+++++
الترجمة الحرفية – اسرعوا  ببطء.
التعليق –  المثل العربي يقول في التأني السلامة وفي العجلة الندامة , والمثل الروسي يقول – ببطء تسير أبعد ستكون , و لكن المثل الصيني يوحٌد الجانبين , مؤكدا على ضرورة السرعة واهميتها , و في نفس الوقت ضرورة  التأني ايضا عند تنفيذها .
+++++
الترجمة الحرفية – الفطور الجيد لا يحل محل الغداء الجيد .
التعليق – كل شئ في الحياة يمتلك قيمته واهميته  و خصوصيته , ولا يمكن – باي حال من الاحوال -  لاي انسان او لاي شئ ان يحل محل الآخر , حتى اذا كانا كلاهما جيدين .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يلتئم الجرح تنسى الالم.
التعليق – يقول المثل العربي ( لا يوجد حزنا مهما كان لايخففه الزمان) , ويقول المثل الروسي (الزمان يداوي) , الا ان هذا المثل الصيني ( رغم كونه ينطلق من نفس المعنى) فانه يذهب أبعد ويصل الى  استنتاج  حاسم وهو - نسيان الالم , وهي مسألة تثير النقاش.
+++++
الترجمة الحرفية -  الاولاد من ام واحدة , لكنهم مختلفون .
التعليق – لنتذكر المثل المشهور بلهجتنا العراقية  - مو كل اصابعك سوه (ليس كل اصابعك متساوية ).
+++++
الترجمة الحرفية -  اعرف حدودك دائما .
التعليق - مثلنا العربي المعروف – (رحم الله امرءا عرف قدر نفسه) يؤكد نفس المعنى.
+++++
الترجمة الحرفية – الارجل العارية لا تخاف من اي شئ .
التعليق –  يقول مثلنا باللهجة العراقية  - المبلل ما يخاف من المطر , ويقول المثل الروسي - الفقير لا يخاف من الموت , ويؤكد المثل الصيني نفس المعنى . الصور الفنية  متنوعة  في كل هذه الامثال .
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن مسامحة القاتل , لكن من المستحيل مسامحة الخائن.
التعليق – يقول الحديث الشريف  - (من غشنا فليس منٌا) , ويؤكد المثل الروسي – ان ( السوط الاول للواشي ). المثل الصيني في هذا المعنى ايضا , ولكنه واضح ودقيق وصريح وحاسم.
+++++
الترجمة الحرفية – من  يغتابني سرا, فانه يخاف مني, ومن  يمدحني علنا امامي , فانه يحتقرني .
التعليق –  يوجد مثل روسي يقول – ( امام العيون لا تمدح , وراء العيون لا تقدح) , الا ان المثل الصيني يذهب أبعد من ذلك , اذ يستنتج ان الذي ( يقدح وراء العيون ) يعني انه يخاف من ذلك الشخص . وان الذي ( يمدح امام العيون ) يعني انه يحتقر ذلك الشخص , وهو استنتاج تتباين بشأنه الآراء وتختلف.
+++++
الترجمة الحرفية - مهما تكن قوة الرياح , فان الجبل لن ينحن لها.
التعليق –  معنى هذا المثل الصيني واضح تماما , فالانسان الثابت على مبادئه ومواقفه لا يمكن للمشاكل والضغوط ان تؤثر عليه او تقتلعه من جذوره او تجعله ينحني او يخضع لها . الصورة الفنية في هذا المثل جميلة وشاعرية جدا. توجد بالعربية تعابير مشابهة حول  الثبات والصمود منها –  كن جبلا راسخا لا تهزه العواصف...
+++++


650
أمثال صينية مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  العين ترى الحقيقة, الاذن تسمع الكذب .
التعليق – يقول المثل العربي – ليس الخبر كالعيان , ونقول باللهجة العراقية – الحجي مومثل الشوف  ( الحجي – الكلام / مو – ليس / الشوف – المشاهدة ) , ويقول المثل الروسي - افضل ان ترى مرة واحدة من ان تسمع مئة مرة , ولكن المثل الصيني – مع ذلك - أكثر دقة , فالعين لا يمكن ان ترى الكذب , بينما الاذن يمكن ان تسمعه .
+++++
الترجمة الحرفية – بعد المرض الطويل تصبح طبيبا ماهرا .
التعليق –  لنتذكر مثلنا الشهير - اسأل مجرب ولا تسأل حكيم .
+++++
الترجمة الحرفية – الفراق مع الاحياء اسوأ من الفراق مع الاموات .
التعليق – حكمة حقيقية ومريرة حقا, اذ ان فراق الاحياء اكثر ايلاما وأشد ألما من فراق الذين يرحلون الى الابد.   
+++++
الترجمة الحرفية – الاخوة الذين ينعزلون عن بعض يصبحون بعد ثلاث سنوات مجرد جيران .
التعليق –  يقول المثل الروسي – (جدر العائلة يفور دائما ) , و ( الحليم تكفيه ألاشارة ) كما يقول المثل العربي.
+++++
الترجمة الحرفية – العجلة تدمٌر الافكار العظيمة .
التعليق –   في العجلة الندامة , هكذا يقول المثل العربي بشكل عام , ولكن المثل الصيني يحدد ,  اذ ان الافكار العظيمة بالذات تحتاج  فعلا الى التأني والرعاية والنفس الطويل كي يمكن تنفيذها .
+++++
الترجمة الحرفية – الاقرب الى النار هو أوٌل من يحترق .
التعليق –  هذا هومنطق الحياة ,و لهذا يحذر المثل العربي ماديا ومعنويا  من (اللعب بالنار).
+++++
الترجمة الحرفية – افتح عينيك بسرعة وافتح فمك ببطء.
التعليق –رؤية الموضوع وتأمله ودراسته من كافة جوانبه ضرورية جدا قبل ابداء الرأي بشأنه والكلام حوله, ف ( لسانك حصانك , ان صنته صانك ...)
+++++
الترجمة الحرفية – الوجه أبيض لكن القلب أسود .
التعليق – بالوجه مراية وبالكفه سلايه , هكذا يقول المثل باللهجة العراقية , و( المرايه – المرآة // الكفه – الجانب الخلفي // سلايه – شوك ). 
+++++
الترجمة الحرفية – يتسرب الماء من الاعلى , ويعانون من ذلك في الاسفل.
التعليق – (الناس اللي تحت) هم الذين يتلقون دائما نتائج اعمال ( الناس اللي فوق ).
+++++
الترجمة الحرفية – تخجل الازهار الجميلة عندما يغرزونها في شعر النساء المتقدمات بالسن.
التعليق – الشئ المناسب في المكان المناسب . الصورة الفنية في هذا المثل طريفة جدا . يوجد مثل انكليزي يقول – النساء القبيحات اذا تانقن في اللباس يصبحن اكثر قبحا.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تتسلق  لن تسقط.
التعليق –  مثل عالمي معروف , وقد استقر بالعربية كما يأتي - من لا يعمل لا يخطئ , وبالروسية – من لا يسير لا يسقط , ولكن المثل الصيني يشير الى ان الذي يسقط هو الذي يتسلق , وربما هو الاصح .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يلفٌون النار بالورق.
التعليق – يقول المثل الروسي -  القش والنار لا يتصادقان . المثل الصيني في نفس المعنى طبعا , لكنه أكثر طرافة ووضوحا .
+++++
الترجمة الحرفية – في فم واحد لا يحشرون ملعقتين.
التعليق –  يقول المثل العربي – بطيختان في يد واحدة  لا تحمل ( بضم التاء) , وفي اللهجة العراقية نستخدم كلمة - (رمانتين) بدل البطيختين – (رمانتين  بفد ايد ما تنلزم ), الا ان المثل الصيني  واضح ودقيق اكثر. 
+++++
الترجمة الحرفية – الفأر الجائع مستعد ان يأكل القط.
التعليق –  (الجوع كافر ), وقد يؤدي الى نتائج وخيمة وغير متوقعة فعلا . يوجد مثل روسي يقول -  الذئب الجائع أقوى من الكلب الشبعان , وهو في نفس المعنى . الصورة الفنية في المثل الصيني غير اعتيادية تماما .
+++++
الترحمة الحرفية – لا تندس الذبابة في البيضة الكاملة.
التعليق – الذي يحصن نفسه لا يمكن ان يخترق .
+++++
 الترجمة الحرفية – المصباح العالي يضئ أبعد.
التعليق – كلما ترتفع مكانة الانسان الجيد ( الذي يضئ ! ) تزداد فائدته للاخرين.
+++++
الترجمة الحرفية – الاطرش يعلٌم الاخرس – واحد لا يقدر ان يسمع , والآخر لا يقدر ان يتكلم.
التعليق – كاريكاتير حول بعض جوانب الحياة حولنا , الا انه يذكٌر بقول المتنبي الذي ذهب مثلا , وهو – ضحك كالبكا.
+++++


651
أدب / الحرب
« في: 02:48 30/10/2016  »


الحرب


قصيدة للشاعر موليسكيس / قبرص

ترجمها عن الروسيٌة – أ.د. ضياء نافع


سجى الليل.
وفي العتمة هبٌت الريح ,
وهطل المطر ,
وتمركز العالم
-وهو يموت –
في خمسة جنود
كانوا في كمين يختبؤن.
أطلقت الاسلحة نيرانها,
ودفنت
في خمسة قبور
خمسة عوالم كبيرة,
مليئة
بالحب والنور.
+++
في الفجر
نعق بوم,
مخيفا اولئك الذين
بالخرافات يؤمنون..
+++
وحل الصباح,
نفس ذلك الصباح
الذي حل بالامس ..
آه...
متى ستصمت
اطلاقات النار يا صاح؟

652
أدب / آفاق
« في: 20:14 28/10/2016  »
آفاق
=====
قصيدة للشاعر سوريسكو / رومانيا
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

لو انها ابتعدت قليلا,
لأصبح احساسي أكبر-
كالفضاء,
الذي يفصل بيننا الآن.
+++
لو انها رحلت بعيدا,
لأحببتها مع المدن والبحار
والجبال,
التي تفصل بيننا الآن.
+++
لو انها ابتعدت اكثر ,
-على بعد افق واحد –
لأضفت الى ملامحها
الشمس,
والقمر,
والسماء..

653
عن بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو( 20)
أ.د. ضياء نافع
هذه الحلقة من سلسلة مقالاتي خاصة بالدكتور اسماعيل شفيق محسن – سفير جمهورية العراق في موسكو منذ عدة سنوات, و الذي قلدته وزارة خارجية روسيا الاتحادية بتاريخ 21/10 /2016 ( لمناسبة انتهاء مهام عمله بموسكو ) وسام ( التعاون المتبادل) , وهو أعلى وأرفع وسام تقدمه الخارجية الروسية للسفراء والدبلوماسيين الاجانب , تقديرا لمساهماتهم في تعزيز العلاقات وتطويرها  بين بلدانهم وروسيا ( ارتفع حجم التبادل التجاري بين العراق وروسيا عشرة أضعاف خلال فترة توليه مهامه سفيرا للعراق في موسكو ) . وهكذا اصبح السفير الدكتور اسماعيل شفيق محسن اول سفير عراقي يحصل على هذا الوسام الروسي الرسمي الرفيع  في تاريخ العلاقات العراقية – الروسية منذ تاسيس هذه العلاقات عام 1944 ولحد الآن  , وبالتالي اصبح واحدا من العراقيين القلائل جدا, الذين حازوا على اوسمة رسمية روسية . عندما سمعت بالخبر تذكرت رأسا المرحوم عزيز شريف ( 1904 – 1990 ), الشخصية العراقية السياسية المرموقة , الذي قلدته الحكومة السوفيتية عام 1960 وسام لينين للسلام مع مجموعة من الشخصيات العالمية , وتذكرت ايضا كيف اخبرتنا مدرٌسة اللغة الروسية في الكلية التحضيرية لجامعة موسكو المرحومة فاليريا ايفانوفنا بهذا الخبر , الذي كان منشورا على الصفحة الاولى من جريدة ( برافدا ) السوفيتية آنذاك , وكانت الجريدة في يدها , وكيف كنا ننظر اليها ( ونحن في مقتبل أعمارنا ) مزهوين وبكل فخر واعتزاز, لأن عزيز شريف  - هذا المناضل العراقي الكبير قد حاز على هذا الوسام الرفيع في الاتحاد السوفيتي آنذاك .
الدكتور اسماعيل شفيق محسن كان سفيرا للعراق  في احدى دول آسيا, وكان يتوقع - في نهاية خدمته هناك - الانتقال الى اوربا الغربية , و ربما حتى الى لندن بالذات , ولكنه استلم أمر نقله الى موسكو, وتذكرالدكتور اسماعيل رأسا ثلوج روسيا وبعدها عن العالم وغرابة لغتها وعاداتها ووو... الخ تلك الصور العالقة في أذهان العراقيين عن روسيا لحد الآن , وهكذا وصل الى موسكو وهو متوجس جدا من هذه المهمة غير البسيطة ابدا, والتي انيطت به في هذا البلد البارد الغريب و البعيد . لقد سألته بشكل مباشر ودقيق  قبيل سفره من موسكو مغادرا – هل تغير رأيك حول روسيا بعد هذه السنوات من العمل فيها أم لا ؟ فضحك وقال – طبعا , وساشتاق لها حتما . طلبت منه ان يحدثني عن انطباعاته عنها بعد هذه الفترة غير القصيرة بالعمل فيها , فقال انه مندهش جدا من جغرافيتها المتنوعة وسعتها غير الاعتيادية ومن ثرواتها الطبيعية  الكثيرة , بل والهائلة فعلا , والتي تجعلها في طليعة بلدان العالم في هذا المجال  الحيوي والمهم , فاضافة الى النفط والغاز والمعادن الثمينة الاخرى , هناك المياه العذبة والغابات الكثيفة الهائلة , التي نراها ممتدة عبر مساحات واسعة جدا في طول البلاد وعرضها , وحتى الثروات غير المكتشفة اوغير المستغلة لحد الآن في مناطقها مثل سيبيريا وغيرها, وتحدث الدكتور اسماعيل عن اعجابه و اندهاشه الدائم عندما يزور مدينة بطرسبورغ , التي يعتبرها – (من اجمل مدن العالم  واغناها حضارة وتاريخا وثقافة !) . وسألته  طبعا عن الجوانب التي لم تعجبه في روسيا ايضا , فابتسم وقال – الروتين , الذي يتم تنفيذه ببطء شديد ( حكى لي كيف انه شاهد مرة أحد كبار المسؤولين العراقيين وقد كاد ان يغفو وهو جالس على كرسي بانتظار اكمال معاملة جوازه !), واستطرد قائلا – ولكننا عالجنا هذا الروتين بالمتابعة المستمرة , وغالبا ما كنا نناشد الاصدقاء الروس في وزارة الخارجية لمساعدتنا كي نذلل هذه العقبة او تلك , وأشاد جدا بوكيل وزارة الخارجية بوغدانوف ( صديقنا الذي توجهنا اليه مرارا من اجل تسهيل مهماتنا ) كما قال , وحكى لي السفير كيف اتصل به مرة حول احدى القضايا العالقة , فتبين ان وكيل الخارجية في زيارة الى أفريقيا , (ومع ذلك قال لي انه سيحاول من هناك ان يساعد في ايجاد حل لتلك القضية , وفعلا , اتصل بهم بعد ساعة واخبرهم بالحل , الذي وجده في موسكو, بينما كان هو في أفريقيا) . تحدث السفير طويلا حول بوغدانوف واريحيته وشخصيته المرنة ودبلوماسيته وعمق معرفته للغة العربية , و انه ( اي الدكتور اسماعيل ) كان شاهدا مرة , كيف  لعب بوغدانوف دورا في تقريب وجهات النظر المختلفة ( بل المتناقضة ) في بيت السفير اللبناني بموسكو عندما برز خلاف بين اللبنانيين انفسهم , او كيف قام بالدور نفسه ( اي تقريب وجهات النظر المختلفة ) عندما كان في ضيافة القادة الاكراد في كردستان العراق , وقال الدكتور اسماعيل , انه كان يرتاح دائما عند مقابلاته معه , ويخرج راضيا بعد المقابلة ( حتى ولو ان  بعض القضايا تبقى عالقة ) , بينما يكون الانطباع مختلفا عند مقابلة بعض المسؤولين الآخرين . قلت له أنا , ان المرحوم الدكتور جلال الماشطة ( سفير جامعة الدول العربية في موسكو آنذاك ) حدثني عدة مرات حول بوغدانوف وانه كان يرتاح له ايضا ويسميه عندما يتحدث عنه بكلمة - ( صديقنا ), فقال السفير – نعم , وقد حدثت اثناء علاج المرحوم الماشطة مشكلة في المستشفى الروسي الذي كان يرقد فيه , اذ طالبوه بمبالغ كبيرة وغير معقولة تماما لأنه يشغل منصب سفير , وقد اضطر الدكتور اسماعيل ان يتصل ببوغدانوف حول ذلك , و قد تدخل بوغدانوف بالموضوع رأسا , وتم تسويته فعلا .
قلت للدكتور اسماعيل شفيق محسن وانا اودعه , انني أتذكر كيف تلقيت منه دعوة لالقاء محاضرة امام موظفي السفارة , وكيف اني كنت مندهشا لهذه المبادرة التي ترتبط باسمه وباقتراح منه بالذات , وكيف انها كانت غريبة ومتفردة في مسيرة السفارة وتاريخها , والتي يمكن اعتبارها اضافة نوعية في علاقات السفارة مع المحيطين بها من عراقيين وعرب واجانب , و انها – حسب رأي الكثيرين -  علامة مضيئة فعلا في تطوير تجربة العاملين في السفارة واغناء معلوماتهم وتوسيعها , وقلت له انني لازلت اتذكر تعليقه الجميل بعد المحاضرة تلك ( انظر مقالتنا بعنوان – روسيا في الوعي الاجتماعي العراقي ) , وقلت له كذلك , انني لازلت اتذكر الدعوة التي أقامها لي شخصيا في حدائق السفارة ( وكانت مفتوحة لكل العراقيين )عندما منحني اتحاد ادباء روسيا عضوية الشرف فيه , وانني سابقى ممتنا له  دائما على ذلك الموقف المشرف.
نتمنى للدكتور اسماعيل شفيق محسن كل النجاحات في عمله الجديد – سفيرا لجمهورية العراق في العاصمة الفرنسية باريس , ونحن على ثقة من تألقه هناك , مثلما تألق في موسكو ,  ونقول له , انه يمتلك في روسيا قلوبا وعقولا  ترحب به دائما , لانه كان (وسيبقى) رمزا لبساطة  الانسان العراقي وموضوعيته واريحيته واخلاصه المتناهي لعراقنا الحبيب.

654
عن جامعة كادحي الشرق وبعض خريجيها
أ.د. ضياء نافع
 التسمية الرسمية و الكاملة لهذه الجامعة هي – جامعة كادحي الشرق الشيوعية, وقد تأسست بقرار من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي في موسكو عام 1921 , اي بعد اربع سنوات فقط من انتصار ثورة اكتوبر 1917 , ثم تم تعديل هذه التسمية في عام 1923 , اذ اضيف لها اسم ستالين , وهكذا اصبحت التسمية الرسمية لها – جامعة ستالين الشيوعية لكادحي الشرق ( ألقى ستالين خطابا مطولا فيها عام 1925 , وتم اعتماده في المناهج التدريسية  لتلك الجامعة ). الغيت هذه الجامعة نهائيا في عام 1938 نتيجة لاعادة النظر في نظام التربية والتعليم الحزبي السوفيتي آنذاك   , اي ان هذه الجامعة استمرت بالعمل على مدى سبع عشرة سنة ليس الا, وهي فترة قصيرة جدا بالنسبة لاي مؤسسة اكاديمية جامعية وتاريخها في كل زمان و مكان .
تكاد هذه الجامعة ان تكون شبه مجهولة للقارئ العربي تقريبا , اذ انها تأسست والغيت في فترة كان العالم العربي آنذاك بعيدا جدا عن اخبار الاتحاد السوفيتي وما يجري فيه من احداث بشكل عام , والتي لم تكن تمتلك تأثيرا على مسيرة الاحداث في عالمنا العربي بتاتا , ولكننا نطرح موضوعنا هذا , و نحاول في مقالتنا هنا الحديث عن هذه الجامعة والتعريف بها , لانها ترتبط  بعدة خريجين متميٌزين كبار لعبوا دورا مهمٌا  جدا في تاريخ بلدانهم خاصة , واصبحوا اعلاما  في مسيرة العالم و تاريخه  بشكل عام  في القرن العشرين بعد تخرجهم في تلك الجامعة , وهم كل من ( حسب الحروف الابجدية ) –
خالد بكداش ( سوريا ),و ليو شاوتسي ( الصين ) , و ناظم حكمت ( تركيا ), و نجاتي صدقي ( فلسطين), و هوشي منٌه ( فيتنام ) , و يوسف سلمان يوسف / فهد  ( العراق).
من الواضح تماما , ان هذه الجامعة سياسية قبل كل شئ , وانها ترتبط بالحزب الشيوعي السوفيتي مباشرة وخططه السياسية البحتة لاعداد كوادر حزبية شيوعية عالمية تنشر اهدافه في الشرق , وقبل كل شئ في الصين وفيتنام والعالم العربي ...الخ ( اكثرية الطلبة كانت من الصين ), وكان القبول في تلك الجامعة يجري عبر قنوات الحزب الشيوعي السوفيتي ولجان التنسيق مع الاحزاب الشيوعية الاجنبية . كانت مدة الدراسة في هذه الجامعة ثلاث سنوات فقط , بما فيها تعليم اللغة الروسية , وهي لغة الدراسة طبعا . ان هذه الفترة الزمنية ( اي ثلاث سنوات ) لم تكن كافية بتاتا لدراسة اللغة الروسية واستيعابها , ثم  دراسة المناهج المقررة في تلك الجامعة بشكل معمق , وقد انعكس ذلك طبعا على مستوى الجامعة , مما جعلها تكون أقرب الى مؤسسة تعليمية خاصة لاقامة دورات  سياسية مكثفة وسريعة , من  ان تكون جامعة اكاديمية تمنح شهادات جامعية متخصصة . كان الطلبة مقسمين الى مجموعتين – الاولى خاصة لطلبة الجمهوريات السوفيتية الشرقية لاعدادهم للعمل الحزبي اللاحق في فروع الحزب الشيوعي بجمهورياتهم السوفيتية تلك , اما المجموعة الثانية فانها تضم الطلبة الاجانب من البلدان الشرقية , الذين كانوا يعدوهم للنضال والعمل من اجل اقامة نظام شيوعي في بلدانهم عن طريق تنظيم الانتفاضات و الانقلابات والثورات هناك . كانت المناهج التدريسية ذات سمات سياسية عامة وبعيدة عن التخصص العلمي الدقيق , اما الاقسام العلمية الرئيسية في هذه الجامعة فكانت  كما ياتي – العمل الحزبي / التثقيف السياسي / الحركة النقابية / الاقتصاد السياسي / الادارة القانونية / ..الخ , وكان الطلبة يخضعون للتدريب العسكري في معسكرات صيفية خاصة اثناء العطلة الصيفية , و كانت الجامعة تصدر مجلة ( من عام 1927 الى عام 1938) بعنوان – الشرق الثوري .
من أبرز خريجي هذه الجامعة – هوشي منٌه , الشخصية الفيتنامية المعروفة , ومؤسس الحزب الشيوعي الفيتنامي و جمهورية فيتنام الشمالية واول رئيس لها ومؤسس حركة المقاومة ونضالها , والتي خاضت الحرب وانتصرت , والتي أدٌى انتصارها الى تأسيس جمهورية فيتنام الاشتراكية الحالية, واطلقت اسم هوشي منٌه على عاصمة فيتنام الجنوبية . يعدٌ هوشي منٌه مفكرا ماركسيا معروفا , وهو شاعر ايضا. الاسم الثاني الذي يستحق التوقف عنده هو – ليو شاو تسي , الشخصية الصينية , الذي اصبح رئيسا لجمهورية الصين الشعبية ايام ماو تسي تونغ , والذي كان يقف اسمه جنبا لجنب مع اسم  ماو , والذي اتهموه لاحقا – كما هو معروف - بانه من اعداء الثورة الثقافية وتمت تصفيته . الاسم الثالث ضمن هؤلاء الخريجين هو الشاعروالكاتب المسرحي التركي الكبير ناظم حكمت ( انظر مقالتنا – ناظم حكمت وروسيا ) . توفي ناظم حكمت في موسكو , بعد ان عاد اليها لاجئا سياسيا , ودفن فيها. الاسماء الاخرى في قائمة خريجي جامعة كادحي الشرق تستحق – بلا شك – التوقف عندها طويلا وتفصيلا ( ولا مجال لذلك في اطار مقالتنا هذه) , فنجاتي صدقي ( اول طالب فلسطيني في هذه الجامعة ) هو واحد من كبار المثقفين العرب في القرن العشرين , والذي كان يتقن اللغات الفرنسية والاسبانية والروسية , والذي اختلف مع الكومنتيرن قبل الحرب العالمية الثانية حول اتفاق هتلر وستالين, ورفض هذا الاتفاق رفضا قاطعا, وانسحب اثر ذلك من الحركة الشيوعية برمتها وتفرغ للادب والصحافة , وتوفي في اثينا  . لعب  نجاتي صدقي دورا مهما جدا في تعريف القارئ العربي بالادب الروسي , وهو مؤلف أول كتاب عربي عن تشيخوف ( انظر مقالتنا – نجاتي صدقي والادب الروسي ) , اما خالد بكتاش (اول طالب سوري في الجامعة) فقد كان – بشكل عام -  أبرز الاسماء في الحركة الشيوعية في العالم العربي , وتشير المصادر الروسية الى انه كان يتقن اللغة الروسية بشكل جيد جدا , وقد ترجم فعلا كتاب – البيان الشيوعي لكارل ماركس الى العربية . نختتم مقالتنا هذه بالتوقف قليلا عند القائد الشيوعي العراقي الكبير - يوسف سلمان يوسف ( فهد) (اول طالب عراقي في الجامعة ) , والذي قضى سنتين دراسيتين في هذه الجامعة بدلا من ثلاث سنوات , وذلك بناء على طلبه الشخصي كما تشير بعض المصادر العراقية , (وهذا يعني ان نظام الدراسة في  تلك الجامعة كان يسمح بمثل هذه الطلبات ), وتشير تلك المصادر الى ان فهد  طلب تقليص مدة دراسته لانه كان يرغب بالعودة السريعة الى العراق لمواصلة نضاله , رغم ان تلك المصادر تحدثت ايضا عن زواجه من فتاة سوفيتية , وانه لم ينتظر ولادة ابنته الوحيدة منها , اذ انه سافر من موسكو عندما كانت زوجته حاملا. لا تتناول المصادر بالتفصيل الجوانب الشخصية في حياة فهد عندما كان طالبا في جامعة كادحي الشرق بموسكو , ولازالت تلك الجوانب شبه مجهولة عن القائد الشيوعي العراقي الكبير , عدا شذرات هنا وهناك , منها انه لم يكشف لزوجته مركزه الحزبي ولا مهامه الحزبية , ولا حتى اسمه  الحقيقي . لقد سنحت لي الفرصة في احدى حفلات رابطة الطلبة العراقيين في جامعة موسكو عام 1961 التحدث مع ارملة فهد ومع ابنته ايضا , وسألت ارملته عن الاصدقاء الذين كان يلتقي بهم , فقالت انها لا تعرفهم بتاتا, بل انها لم تكن تعرف حتى الجهة التي سافر اليها آنذاك , اما ابنته , فقد قالت لي عندما سألتها عن سبب عدم موافقتها على الزواج ( بعد ان طلب يدها واحد من ابرز طلبة الدراسات العليا العراقيين ) انها لا ترغب بتكرار تجربة والدتها المريرة.     


655
أدب / أغان الاسماك الخرساء
« في: 18:28 18/10/2016  »
أغان الاسماك الخرساء
===============
قصيدة للشاعر شوتا  ايتاشفيلي / جورجيا
========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
========================


في الميناء
يسكبون الاسماك
التي
تطبق فمها الغائر..
البحارة يقفون
على سطح الباخرة
المليئة بالماء,
وهم ينظرون
الى الطيور
التي
تترجم لهم
ألاغاني الخرساء
لتلك
الاسماك
.........

656
تماثيل بوشكين في موسكو

أ.د. ضياء نافع

 سألت بعض الاصدقاء الروس مرة عن عدد تماثيل الادباء الروس في موسكو , فقالوا لي ضاحكين , انها كثيرة جدا جدا ,  ولكنهم لا يعرفون احصائية دقيقة حول عددها . واقترحت مرة على طالبتين عراقيتين من طالباتي السابقات ( واللتان كانتا تدرسان لاحقا في موسكو) , ان يقوما بجولات في العاصمة الروسية والتقاط  صور  شخصية عند تماثيل الادباء الروس , و من ثم جمع تلك الصور والمعلومات حول تلك التماثيل والتعليق عليها ونشرها في كتاب خاص للقارئ العربي , و قلت لهما اني مستعد لكتابة مقدمة له, اذ ان هذا الكتاب سيكون مبتكرا وطريفا ومفيدا في عالمنا العربي باكمله , لانه سيتحدث - وبعيون عراقية بحتة - عن تاريخ ذلك التمثال وقيمته الفنية واهمية ذلك الكاتب في مسيرة الادب الروسي , وبقية المعلومات الاخرى حوله...الخ , وكل ذلك مفيد و جميل ومهم وشائق , وعلى الرغم من اقتناعهما بالفكرة في حينها الا انهما لم ينفذانها مع الاسف لصعوبة تحقيقها واقعيا , لانها تتطلب حركة واسعة وطويلة وعملا كبيرا وجهدا غير اعتيادي ... .
لا زالت هذه الفكرة الكبيرة والمهمة والجميلة ( تدغدغ !) خيالي , ولازلت أبحث عن (متطوعين !) لتنفيذها , وبما انني لم أجد لحد الآن هؤلاء المتطوعين , فقد قررت ان احققها بنفسي , ولكن  ب (الاقساط المريحة !) وباسلوب هاديء يعتمد طريقة التنفيذ ( عن بعد ! ) , وهكذا قررت ان أبدأ ببوشكين – (بداية كل البدايات!) حسب تعبير مكسيم غوركي.
التمثال الرئيسي لبوشكين في موسكو هو طبعا ذاك الذي يقف – ولحد الان - بشاعرية وجمالية ورشاقة في شارع تفارسكايا التاريخي ( شارع غوركي  في الاتحاد السوفيتي ولكن روسيا الاتحادية اعادت اسمه السابق الان) وامام سينما ( راسٌيا) ( روسيا) . قصة هذا التمثال اصبحت جزءا من تاريخ الادب الروسي  برمٌته , اذ انها ترتبط  بدستويفسكي  وتورغينيف واكساكوف وجوكوفسكي وغيرهم من ادباء روسيا ومفكريها. ابتدأ الحديث عن تمثال بوشكين هذا عام 1860 , عندما اقترح أحد خريجي المدرسة التي تخرج بوشكين فيها ان يجمعوا نقودا لاقامة هذا التمثال , وقد استمرت هذه الحملة حوالي ( 20 ) سنة باكملها بعد تعثرات وثغرات هنا وهناك , وهكذا تم تدشين هذا التمثال الرائع عام 1880 , وقد استمرت الاحتفالات هذه  ثلاثة ايام باكملها , وقدم كل من تورغينيف ودستويفسكي وادباء آخرون كلمات ( بل ودراسات  معمقة ) حول اهمية بوشكين ومكانته في مسيرة الادب الروسي بهذه المناسبة , وكلمة دستويفسكي تعد آخر عمل فكري عملاق قام به دستويفسكي , ويعتبرها  النقاد وصيته للاجيال اللاحقة, اذ انها كانت فعلا خلاصة افكار دستويفسكي بشأن مكانة الادب الروسي ومستقبله وفلسفته وموقع بوشكين واهميته في مسيرة هذا الادب  ( انظر مقالتنا بعنوان – خطاب دستويفسكي حول بوشكين ), ومن الطريف ان نذكر  هنا , ان الشاعرة الروسية الكبيرة آنٌا أخماتوفا ( والتي تعد واحدة من عشاق بوشكين و اهميته الكبيرة  و الاسثنائية  في الشعر الروسي ) قالت مرة حول هذا التمثال , ان بوشكين لم يقف هكذا طوال حياته  .
التمثال الآخر لبوشكين في موسكو يقف في شارع أربات القديم ( الذي منعوا سير المركبات  فيه منذ فترة طويلة وخصصوه  للمشاة  فقط  , ويعد من أجمل شوارع موسكو , ونسميه نحن العراقيين همسا فيما بيننا  ب – شارع المتنبي ) وتقف مع بوشكين زوجته الحسناء نتاليا غانتشيروفا , وهو تمثال في غاية الطرافة , اذ ان منصة التمثال واطئة  , اي ان بوشكين وزوجته  يقفان تقريبا في الشارع ليس الا , وغالبا ما نرى الناس حولهما وهم يلتقطون الصور التذكارية معهما . تم تدشين هذا التمثال عام 1999 في الذكرى 155 لميلاد الشاعر , ويقع مقابل الشقة التي عاش بها بوشكين في موسكو عندما تزوج من نتاليا غانتشيروفا وقضيا هناك في تلك الشقة ( شهر العسل!), ويجسد التمثال لحظة مجئ العريس والعروس الى البيت بعد عقد القرآن في كنيسة  ليست بعيدة عن ذلك المكان , وقد تحولت هذه الشقة التي عاش فيها بوشكين وزوجته (حوالي ثلاثة أشهرفي موسكو) الى متحف خاص طبعا ببوشكين في الوقت الحاضر.
التمثال الثالث لبوشكين مع زوجته يقع قرب تلك الكنيسة التي عقدا فيها زواجهما , اذ توجد امام الكنيسة قبة مذهبة عالية نسبيا , وهناك قررت تلك الكنيسة وضع تمثال لبوشكين وقربه تمثال زوجته , في اشارة الى انهما عقدا الزواج هنا بالذات , اذ تفخر هذه الكنيسة بالحدث التاريخي هذا , وغالبا ما تزور المجاميع السياحية هذه الكنيسة لهذا السبب . تمثال بوشكين هذا يبدو صغيرا لانه يقف عاليا و تحت تلك القبة , واذكر اني عندما كنت اقف امامه متأملا , قالت لي امرأة روسية مسنة كانت تقف جنبي وتتأمل التمثال ايضا , ان بوشكين هنا صغير الحجم وشتان بينه هنا وبين التمثال في شارع تفارسكايا , فقلت لها ضاحكا هنا جاء يتزوج ليس الا , وهناك يقف بشموخ الشاعر العظيم امام روسيا كلها , وقد وافقتني في الرأي بشكل عام ولكنها كررت –  ان حجمه - مع ذلك - اصغر مما يجب ان يكون .
التمثال الآخر ( الرابع ) , والذي غالبا ما كنت اشاهده عند زياراتي لموسكو يقف في مدخل معهد بوشكين للغة الروسية , ويقف على الارض مباشرة دون منصة تقريبا, وكم رأيت الطلبة الاجانب يلتقطون الصور له وهم يقفون حوله , بما فيهم طلبة من العراق والعالم العربي . لقد تم ارسال صورة هذا التمثال الى اكثر من عشرات البلدان , اي بعدد طلبة تلك البلدان التي يدرس طلبتها اللغة الروسية في معهد بوشكين المعروف عالميا باعتباره المركز العلمي الاول في العالم لدراسة لغة بوشكين ( يدرس في المعهد المذكور طلبة من اكثر من مئة بلدا وهو المركز المسؤول عن اللغة الروسية في روسيا ورابطة الدول المستقلة ويصدر مجلتين عالميتين الاولى – اللغة الروسية في الخارج والثانية  - اخبار المنظمة العالمية لمدرسي اللغة الروسية وآدابها  , وهو المعهد الذي زاره الرئيس الروسي آنذاك مدفيديف واعلن فيه ان يوم 6 حزيران / يونيو من كل سنة هو يوم اللغة الروسية في روسيا والعالم , علما انه يوم ميلاد بوشكين نفسه , ويا لهذا التوحيد بين بوشكين واللغة الروسية من رمز مهيب وعظيم  ) . لقد تم افتتاح معهد بوشكين عام 1974 ولم يكن هناك تمثال لبوشكين في مدخله آنذاك , ولكن هذا التمثال ظهر لاحقا وكان يجب ان يكون في مؤسسة علمية تحمل اسم بوشكين و تدرس لغته , ولكن تمثال نصفي آخر( الخامس ) ظهر في ما بعد لبوشكين امام المعهد وسط حديقة غنٌاء , واصبح الان من  التقاليد الجميلة ان يلتقط الخريجون صور التخرج وهم يجلسون حوله وامامه ويحيطون باساتذتهم .
لا يمكن الاسترسال بالحديث عن تماثيل بوشكين الاخرى في موسكو , اذ ان عددها 12 تمثالا , وهي تتوزع في شوارع موسكو وساحاتها , وكل منها يمتلك قصة وتاريخا يستحق ان نتوقف عنده , الا ان المجال  هنا لا يسمح بالاستطراد , لهذا اختتم هذه السطور بالاشارة الى التمثال الذي يقف في شارع باومنسكايا ,  في مكان البيت الذي ولد فيه بوشكين  بموسكو.
تحية لبوشكين وللامة التي تعرف كيف تمجٌد رجالاتها.               


657
أدب / الابداع
« في: 16:51 15/10/2016  »
الابداع
=====
قصيدة للشاعر اوغستينو نيتو/ أنغولا
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

اريد أن ابدع ,
أن ابدع,
أن أكتب عن تدنيس الغابات ,
وعن قسوة السوط الذي لا يخجل,
وعن عبير الاشجار المقطوعة.
اريد أن ابدع ,
 أن ابدع ,
ساخرا من التعذيب والجلد,
وغارسا الصلابة في الضعفاء ,
وموقظا القوة ضد القوة ,
والثبات في الدم المتردد.
اريد أن ابدع ,
أن ابدع ,
أن ازرع الحرية في طرقات العبودية,
والحب في دروب الحب المدنٌسة,
وفوق الاجساد المتأرجحة
على المشانق.
اريد أن تنتصر الحياة,
اريد أن يسود الحب.

658
ابراهيم استنبولي – العاشق السوري للشعر الروسي
أ.د. ضياء نافع

الطبيب السوري ابراهيم استنبولي يذكرني بالطبيب الروسي انطون تشيخوف, الذي قال مرة ان مهنته الطبية هي زوجته  , وان الآداب عشيقته , فمهنة ابراهيم استنبولي الطبية هي زوجته الشرعية فعلا , واللغة الروسية وآدابها هي عشيقته , (وهي –  مثلما عند تشيخوف - عشيقته العلنية والتي تكاد ان تكون الشرعية ايضا ! ). ولا يمكن لي ان أتصور الطبيب تشيخوف دون عشيقته , وكذلك لا يمكن لي ان اتصور هذا  الطبيب السوري دون الشعر الروسي ابدا , اذ اني تعرفت عليه عبر كتاباته عن الشعر الروسي وترجماته لهذا الشعر قبل ان اعرف ما هي مهنته , وكنت اظن انه ( طبيب في الادب الروسي بشكل عام , واختصاصي في تشريح الشعر الروسي بشكل خاص ودقيق ). ولنبدأ من اول   الحكاية .
ولد الدكتور ابراهيم استنبولي في سوريا عام 1957 , ودرس بعدئذ في موسكو وتخرٌج هناك , واصبح طبيبا , ولكنه وقع هناك  ايضا في حب الادآب الروسية , بل واصبح عاشقا متيما بها  , ورجع الى وطنه سوريا طبيبا وعاشقا للادآب الروسية في آن واحد, وأخذ يترجم مختلف اجناس الادب الروسي مباشرة عن اللغة الروسية  , وهذه ظاهرة رائعة و جديدة و غريبة و نادرة جدا جدا جدا في عالمنا العربي , وذلك استنادا  الى بيت الشعر الذي ذهب مثلا , وهو –
و ما اكثر (الاطباء!) حين تعدهم ... ولكنهم في (الترجمات!) قليل.
انتبهت شخصيا الى اسم ابراهيم استنبولي قبل اكثر من عشر سنوات , اذ اثارت اهتمامي ترجماته الجميلة والجريئة جدا للشعر الروسي بشكل عام و المعاصر بشكل خاص , وفهمت من خلال هذه الترجمات ان ابراهيم استنبولي يعرف اعماق مسيرة الشعر الروسي واسراره واهميته للشعب الروسي , ويعرف ايضا كيف يتقٌبل القراء الروس اعلام هذا الشعر بغض النظر عن كل العوامل الرسمية والسياسية الشائكة المحيطة بالشعر والشعراء في روسيا عبر كل تاريخ الادب الروسي , وقد أدهشتني هذه الخاصية عند استانبولي بكل معنى الكلمة , اذ ان هذا يعني انه كان يتعايش مع هؤلاء القراء الروس ومزاجهم من خلال معرفته العميقة للغة الروسية, وهو الطالب الاجنبي بينهم , وهذا موقف موضوعي رائع وشجاع جدا في الظروف الروسية , ويؤكد على ذكاء خاص ولامع وموهبة متميزة من طالب اجنبي يدرس العلوم الطبية في بلدهم , ولم اشاهد مثل تلك الظاهرة اثناء دراستي في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن العشرين حتى بين طلبتنا العراقيين او العرب الذين كانوا يدرسون الادآب الروسية بالذات , ما عدا بعض الحالات الاستثنائية والنادرة والقليلة جدا مثل الطالب المصري المرحوم ماهر عسل , الذي كان يدرس العلوم ولكنه كان عاشقا للغة الروسية ولآدابها واصبح في ما بعد مترجما عن الروسية يشار اليه بالبنان كما يقولون ( ماهر عسل وابو بكر يوسف والمرحوم نجيب سرور كانوا يشكٌلون ثلاثيا مصريا في موسكو متناسقا فكريا , و لكني لا استطيع ان استطرد اكثر حول  ذلك ضمن هذه المقالة , واتمنى ان أعود لاحقا الى هذا الموضوع  المهم في تاريخ العلاقات الفكرية بين العرب وروسيا).
الاشياء التي تثير اهتمام القراء في النشاط الفكري للدكتور ابراهيم استنبولي ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين هي الموضوعة الروسية بشكل عام ,وترجمات  متنوعة مختارة من الشعر الروسي المعاصر بشكل خاص , اذ نجد هناك اسماء تسفيتايفا وأخماتوفا ومندلشتام وغوميليوف ويسنين ( كمنجة روسيا الحزينة كما يسميه , وقد أشرت في مقالتي  عن ذكرى ميلاد يسينين الى اسم استنبولي ومساهماته في ترجمة شعر يسينين – انظر مقالتنا بعنوان – 120 سنة على ميلاد يسينين ), اضافة الى بوشكين طبعا والذي يعده استنبولي معاصرا ايضا ( وهي ملاحظة جديرة بالاعتبار حقا , اذ ان بوشكين هو الشاعر الحي لحد الان لكافة افراد الشعب الروسي فعلا , ومن الواضح ان استنبولي اكتسب هذا الرأي وتشبٌع به نتيجة اختلاطه العميق بالشعب الروسي وتفهمه لروحية هذا الشعب ونفسيته وخصائصه )
 ابراهيم استنبولي , الذي ( يقدس العقل ولا يشرك به احدا) حسب تعبيره الجميل في تعريفه لنفسه, يرتبط بالنسبة لي بعدة مواضيع اتمنى ان احققها يوما – ما , و بعض هذه المواضيع تستحق حتى ان تكون عناوين اطاريح ماجستير في اقسام اللغة الروسية وآدابها وترجمتها , وكذلك في أقسام الادب المقارن بجامعات عالمنا العربي مثل – ( ابراهيم استنبولي وتسفيتايفا – شاعرة الحب والمعاناة كما يسميها ابراهيم , حيث ندرس ديوان شعر تسفيتايفا بعنوان- كبرياء جريح  , الذي أصدره استنبولي عام 2013 ) , و ( ابراهيم استنبولي و يسينين ) , و ( ابراهيم استنبولي وبونين ) , و( ابراهيم استنبولي وباسترناك ) , و ( ابراهيم استنبولي وبوشكين ) , و ( ابراهيم استنبولي والشعر الروسي المعاصر ) , و ( ابراهيم استنبولي والموضوعة العربية في الادب الروسي ) , ولابد من التوقف بعمق حول موضوع – ( ابراهيم استنبولي ورسول حمزاتوف  , حيث نتناول  كتابه عن حمزاتوف - (مختارات شعرية ) وملاحظاته ومتابعاته (الدائمة الخضرة!) حول الشاعر الداغستاني الكبير ) .
ختاما لهذه الملاحظات السريعة حول (العاشق السوري للشعر الروسي) اود ان اقدم للقارئ نموذجا واحدا ليس الا من ترجماته الرشيقة, وهي قصيدة لمارينا تسفيتايفا –
أشكرك يارب ,
على المحيط وعلى اليابسة,
على الجسد البديع,
على الروح الخالدة,
على الدم الحار,
وعلى الماء البارد.
أشكرك على الحب-
وعلى الطقس أشكرك!



659
مع اللاجئين الروس في باريس
أ.د. ضياء نافع
 
سمعت عن اللاجئين الروس خارج روسيا السوفيتية  قليلا جدا عندما كنت طالبا بالاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن العشرين , وكان جوهر ما سمعته سلبيا  طبعا , اذ كانوا يقولون عنهم  في الاوساط السوفيتية انهم ضد ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917 , و انهم كانوا الى جانب القيصر الروسي وجيشه (الابيض) في الحرب الاهلية مع الجيش ( الاحمر ) السوفيتي , وانهم خانوا وطنهم وانتقلوا الى صفوف الاعداء الرأسماليين وهربوا  للعيش في بلدان هؤلاء الاعداء , وانهم لازالوا ينسقون الخطط  والمشاريع المضادة للاتحاد السوفيتي ويعرقلون مسيرته وتقدمه الى امام...الخ الخ.. . وهكذا وصلت الى باريس بعد انهاء دراستي في الاتحاد السوفيتي في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي وكنت مشبٌعا بهذه الافكار والتصورات السلبية عن اللاجئين الروس هناك .
 شاهدت في الايام الاولى لوصولي الى باريس جريدة روسية تباع في اكشاك الصحف في الحي اللاتيني اسمها ( روسكايا  ميسل) ( الفكر الروسي ) , وهي تسمية لمجلة فكرية روسية شهيرة في القرن التاسع عشر بروسيا القيصرية , وقد أثارت اهتمامي بالطبع , فاقتنيتها رأسا , لاني فهمت انها ناطقة باسم هؤلاء اللاجئين الروس في فرنسا , واردت ان اعرف ماذا يكتبون في نهاية ستينيات القرن آنذاك بعد اكثر من اربعين سنة على انتصار ثورة اكتوبر في روسيا , واكتشفت طبعا – وبكل وضوح – انهم مضادون للدولة السوفيتية فعلا ولسياستها ونهجها بشكل عام , ولكني وجدت في سطورها - مع ذلك - حبهم العظيم والمتأجج  لروسيا واعتزازهم بها وبثقافتها , و هكذا بدأت بشراء هذه الجريدة  بشكل دائم و الاطلاع عليها , وحدث مرة ان اشترى احد اللاجئين الروس العدد الاخير من الكشك امامي , و لم احصل – بالتالي- على ذلك العدد , وقد لاحظ هو طبعا خيبتي عندها, وهكذا بدأنا نتكلم بالروسية , فسألته من اي مدينة هو فقال من موسكو , وانه هاجرالى باريس قبل اكثر من اربعين سنة , ولم اعرف ماذا اقول له , فسألته ( كي لا استمر بالصمت ) الا تشتاق لمدينتك موسكو؟ فاذا به ينفجر بالبكاء وهو يكرر جملة - ( كيف لا اشتاق لها) , وتحول البكاء الى عويل وذرف دموع , ثم كاد هذا الرجل ان يسقط على الارض من شدة التأثٌر والبكاء , فحاولت اسناده  كي لا يسقط على الارض , واوصلته الى سياج حديقة قريبة , وقلت له اني اعتذرعن سؤالي, واني مستعد ان اوصله الى بيته . وقف مستندا الى السياج وهدأ بالتدريج , ثم توقف عن البكاء , فودعته وغادرت المكان مسرعا , ولا زال هذا الموقف ماثلا امامي لحد الآن , واصبحت بعد ذلك حذرا جدا من طبيعة الاحاديث معهم عند الاختلاط بهم .   
اثناء حضوري في محاضرة استاذتي المشرفة في جامعة باريس البروفيسورة صوفي لافيت ( هي طلبت مني ان احضر واستمع الى محاضراتها ) , جلست في نهاية القاعة لاني لم ارغب ان انافس الطلبة الفرنسيين الشباب الذين كانوا يجلسون في المقاعد الامامية , وكانت جنبي سيدة , من الواضح انها كانت اكبر مني سنا , ومن الواضح ايضا انها كانت طالبة دراسات عليا ,  اي ان وضعها مشابه لوضعي . بعد المحاضرة سألتها بالروسية عن بعض النقاط التي لم افهمها بالفرنسية عن دستويفسكي , فاوضحتها لي  بكل رحابة صدر, وسألتني بعد ذلك – هل انت من القوقاز ؟ فقلت لها انني عراقي وقد انهيت دراستي في الاتحاد السوفيتي , ففغرت فاها ( كما يقولون) متعجبة وقالت انها ترى لاول مرة في حياتها شخصا من العراق ويتكلم الروسية , وهكذا بدأنا نتحدث قليلا عن دراسة الادب الروسي في الاتحاد السوفيتي , ثم  دعوتها لشرب القهوة في القسم الداخلي والتعرف هناك على زوجتي . بعد ذلك اللقاء الطريف , دعتنا هي  بعدئذ للتعرف على زوجها ووالدتها , وهكذا تطورت العلاقات العائلية بالتدريج , وعن طريقها دخلت مجتمع اللاجئين الروس في باريس , واكتشفت عوالمهم الثقافية الرائعة , اذ كانت لديهم عروضا سينمائية اسبوعية , ونشاطات ثقافية وادبية حول الادب الروسي ورجالاته ,  وقاعة خاصة للمناسبات المختلفة , وكانت لديهم مكتبة عامة غنية جدا بالكتب والمصادر الروسية المتنوعة, ومخزن لبيع الكتب الروسية المختلفة , ودور نشر تصدر كتبهم ومجلاتهم وجرائدهم الروسية , وكانت لديهم قاعة خاصة للعروض الموسيقية , حيث تعزف فرقهم الموسيقى الروسية الكلاسيكية و يقدمون فيها الاغاني الشعبية ايضا , وينظمون مختلف الفعاليات الفنية بالمناسبات المرتبطة بتاريخ روسيا واعلامها وفنانيها , وكانوا بشكل عام بعيدين عن السياسة وعوالمها, رغم انهم كانوا يرتبطون روحيا بتاريخ روسيا القيصرية واحداثها التي عاشوها  اثناء ثورة اكتوبر 1917 والسنوات التي اعقبتها , وكان كل واحد منهم يمتلك قصتة الخاصة به , تتناول كيفية خروجه من روسيا وسفره عبر بلدان العالم , والمخاطر التي تعرض اليها, وكيف وصل الى باريس , وكيف بدأ بشق طريق الحياة الجديدة هذه ووو ..الخ ..., وكانوا يحبون الحديث التفصيلي عن كل ذلك , وكانوا يثقون بانهم سيعودون الى بلدهم عاجلا ام آجلا , وكنت بعض الاحيان اتناقش معهم حول هذه النقطة بالذات , وأقول لهم  , ان الاتحاد السوفيتي دولة قوية عظمى وتقف بثبات على الارض , الا انهم كانوا لا يتقبلون مني تلك الافكار , بل أذكر ان الدكتور نيكيتا ستروفه – الاستاذ في جامعة باريس آنذاك قال لي مرة , انهم يتوقعون انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن العشرين , لان هذه الدولة , حسب رأيهم , مبنية على اسس غير واقعية و ليست علمية دقيقة وتتعارض مع طبيعة الحياة الانسانية ( الحديث عام 1968 تقريبا ), ولم اتفق معه بتاتا حول ذلك , بل رفضت تلك الاقوال جملة وتفصيلا , فقال لي مستخدما المثل الروسي , الذي يمكن ترجمته باللهجة العراقية –  (نعيش ونشوف ) , وقد تحدثت طويلا بعدئذ مع زملائي حول ذلك النقاش معه , معتبرا هذا الحديث نموذجا لعدم فهم اللاجئين الروس للواقع السوفيتي , ونسيت هذا الحديث بعد فترة , ولكني تذكرته في عام 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي فعلا وبمثل تلك السهولة. ولا مجال هنا – بالطبع – للخوض في هذا الموضوع المعقد والشائك , والذي لازال يثير نقاشات حادة بين المواطنين الروس انفسهم لحد الان في الصحف والندوات التلفزيونية ووسائل الاعلام الروسية المختلفة حتى بعد مرور ربع قرن على ذلك الحدث التاريخي الكبير. لقد ذكرت هذا المثل هنا , كي أقول , ان الآراء التي سمعتها من بعض اللاجئين الروس في باريس آنذاك كانت صحيحة فعلا , وانها لم تكن عاطفية او سريعة كما كنت أظن  عندها, او انها جاءت رد فعل للهجرة من الوطن ليس الا , وانما كانت تعتمد على تحليل علمي سليم وطويل النفس , ولم نستطع نحن في مقتبل عمرنا ان نتلمسه او نحس به  عندما عشنا في روسيا ودرسنا في جامعاتها , خصوصا وانه كان لدينا رأي ايجابي مسبق  حول نظامها السياسي السوفيتي , رغم اننا لم نكن نعرف – كما يجب - خفاياه وشعابه وصفاته والصراعات المخفية في اعماقه ...الخ , اذ ان ذلك كله  كان يقتضي خبرة طويلة في معترك الحياة لم نكن نمتلكها في ذلك العمر اليافع , ولم نمتلك ايضا معرفة عميقة في تاريخ روسيا وخصائص شعبها والصعوبات التي كانت تعاني منها , بل اننا كنا نشاهد في مسيرة الحياة السوفيتية بعض الظواهر السلبية الواضحة , ولكننا كنا نحاول تبريرها  بشتى المفاهيم الساذجة .
موضوع اللاجئين الروس خارج روسيا يستحق التأمل الهادئ والدراسة العميقة وتبادل الآراء المتنوعة بشأنه مع الآخرين من الذين تعايشوا مع هذه الظاهرة  , خصوصا وان الهجرة اصبحت – ومع الاسف الشديد -  جزءا من حياتنا اليومية في هذا الزمن الردئ .



660
أدب / لون العينين والاسئلة
« في: 19:45 05/10/2016  »

لون العينين والاسئلة


قصيدة للشاعر تاديوش  روجيفتش/ بولندا

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



 عند حبيبتي
عينان زرقاوتان
ذات شرارات فضيٌة ؟
-كلا.
+++
عند حبيبتي
عينان سوداوان
دون شرارات نارية ؟
-كلا.
+++
عند حبيبتي
عينان غريبتان
تتزاحمان
كالمطر الرمادي
في الخريف...

661
رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي (5)
قائمة باسماء بعض الراحلين 
       
أ.د. ضياء نافع
   استمرارا لسلسلة مقالاتي الاربعة حول رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , والتي لم يشاركني بها أحد مع الاسف الشديد , رغم النداء الذي وجهه الزميل المهندس ضياء العكيلي ( الرئيس الثالث للرابطة ) لجميع اعضاء الرابطة للمساهمة بكتابة تاريخها ومسيرتها ومساهمتها في حياتنا العراقية المعاصرة , قررت اختتام هذه السلسلة بقائمة باسماء الراحلين , وأضفت لها كلمة ( بعض ) , لأني متأكد تماما اني لا أقدر بوحدي , وعلى وفق ذاكرتي وانا في العقد الثامن من عمري , ان أذكر او اتذكر او اعرف كل اسماء هؤلاء الزملاء الذين رحلوا , وأدعو الجميع ان يكملوا هذه القائمة , احتراما لذكراهم بالاساس , وحفاظا على تاريخ رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , التي تأسست عام 1960 في موسكو  , ولعبت دورا هاما وطليعيا في مسيرة الحركة الطلابية العراقية آنذاك , والاشارة ايضا الى المكانة التي شغلها خريجو الجامعات الروسية في ما بعد في المجتمع العراقي بشكل عام.
الاسماء طبعا حسب الابجدية , وقد حاولنا فيها – قدر المستطاع – تقديم تلخيص وجيز جدا لبعض المعلومات حول كل واحد منهم .
ض.ن.
======================================
د. احسان فؤاد – دكتوراه في الاداب , شغل منصب مدير عام الدراسات الكردية في وزارة الاعلام والثقافة . استاذ جامعي . شاعر وباحث ومترجم. /// د. أحمد النعمان –  دكتوراه في تاريخ الفن , فنان تشكيلي وروائي وباحث ومترجم. توفي في لندن ودفن هناك /// د. ادهام يحيى سليم – دكتوراه في الاداب . استاذ جامعي . شغل منصب رئيس قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد . /// آزا الدوغرمجي –  ماجستير في الهندسة . توفي في لندن ودفن هناك ./// د. أمين الشيخلي – دكتوراه في الطب . /// د. توفيق رشدي – دكتوراه في الفلسفة . تم اغتياله سياسيا في اليمن ودفن هناك ./// جبار حاجم – ماجستير في القانون. توفي في موسكو ودفن هناك. انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو./// د. جبار الدباغ – دكتوراه في الهندسة المعمارية . توفي في موسكو ودفن هناك . انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو . /// د. جلال الماشطة – دكتوراه في الصحافة . شغل منصب سفير الجامعة العربية في روسيا الاتحادية . سياسي و صحافي ومترجم . توفي في موسكو ودفن هناك ./// د. جليل كمال الدين – دكتوراه في الاداب . استاذ جامعي . باحث ومترجم. انظر مقالتنا بعنوان –  وداعا جليل كمال الدين , العبقري الذي لم يعرف قيمة نفسه. /// د. حامد الشيباني – دكتوراه في الجيولوجيا. تم اعدامه لاسباب سياسية بالعراق في سبعينيات القرن العشرين./// حسام خالص – ماجستير هندسة . /// حسن كريمي – ماجستير هندسة . /// د. حسين قاسم العزيز- دكتوراه في التاريخ . استاذ جامعي . سياسي وصحافي . انظر مقالتنا بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو ( 10) /// حميد البكري -  ماجستير في الكيمياء./// حميد الدجيلي – ماجستير هندسة . عضو بارز في اتحاد رجال الاعمال العراقيين./// د. حياة شرارة – دكتوراه في الاداب. استاذة جامعية . روائية وباحثة ومترجمة. انظر مقالتنا بعنوان – حياة شرارة والادب الروسي في العراق / ومقالتنا بعنوان – ثلاث نقاط حول كتاب بلقيس شرارة – هكذا مرت الايام ./// خالد الزبيدي – ماجستير في الهندسة المعمارية .  /// د. خليل الجزائري – دكتوراه في الاقتصاد . رابع رئيس رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي . تم اغتياله لاسباب سياسية بالعراق في التسعينات. /// خليل الطائي – دكتوراه في القانون . استاذ جامعي./// د. زاهد محمد – دكتوراه في الاقتصاد. شاعرشعبي مشهور وناقد ادبي وباحث . توفي في لندن ودفن هناك . /// د. سامي السعد – دكتوراه في القانون ./// د. سعد البدري – طبيب . /// د. سعد الجوهر – دكتوراه في القانون . /// سعود الناصري – ماجستير في الصحافة . سياسي وصحافي وفنان (عازف ومغني) . توفي في سوريا ودفن هناك. /// شاكر السامرائي – ماجستير في الهندسة المعمارية . توفي في موسكو ودفن هناك . انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو . /// د. شمس الدين فارس – دكتوراه في الفن الجداري . استاذ جامعي . تم اعدامه لاسباب سياسية في الثمانينات . لوحاته الجدارية لازالت موجودة في بغداد وموسكو. باحث ./// د. عباس الدباغ – دكتوراه في الاقتصاد . استاذ جامعي . شغل منصب عميد كلية في اليمن . باحث. /// د. عبد الله العامري – دكتوراه في الهندسه. /// د . عبد الجبار عطيوي – دكتوراه في التاريخ . توفي في المانيا ودفن هناك ./// د. عبد الرزاق مسلم – دكتوراه في الفلسفة . استاذ جامعي . باحث . تم اغتياله في البصرة في السبعينات . انظر مقالتنا بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو (1)/// د. عبد الرضا الهر – دكتوراه في الفيزياء .توفي في مسقط ودفن هناك . /// د . عبد العزيز وطبان . دكتوراه في الاقتصاد . سياسي . توفي في المانيا ودفن هناك ./// د. عبد الوهاب الجواهري – دكتوراه في الفيزياء . توفي في موسكو ودفن هناك . انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو . /// د. عدنان شفيق الزبيدي –دكتوراه في الزراعة. انظر مقالتنا بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو (9)  /// عزيز حداد – ماجستير في فن السينما . توفي في السويد ودفن هناك .///  عدي عجينه – ماجستير هندسه . توفي في موسكو ودفن هناك ./// غازي العبادي – ماجستير في الاداب . روائي وقاص وصحافي ومترجم . انظر مقالتنا – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو (12)/// غريب رياح – ماجستير في الجيولوجيا ./// فايق ابو الحب – مترجم . توفي في موسكو ودفن هناك. انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو ./// د. فتاح العاني – دكتوراه في البايولوجي. استاذ جامعي. /// فريد الله ويردي - موسيقار. توفي في ايرلندا ودفن هناك. مؤلف اول سيمفونية عراقية . /// قاسم محمد – ماجستير في الفن المسرحي . مخرج مسرحي مشهور وممثل وكاتب مسرحي. انظر مقالتنا بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو(11)/// د. كاوس  قفطان – دكتوراه في التاريخ . استاذ جامعي. قاص وباحث . /// كريم الراوي – ماجستير في الاداب . توفي في موسكو ودفن هناك. انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو ./// د. ماجد علوش – دكتوراه في الفيزياء . توفي في موسكو ودفن هناك . انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو ./// د. ماجدة عبد الرضا – دكتوراه في البايولوجي . /// د. محمد علي الماشطة – دكتوراه في الاقتصاد . اول رئيس لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي ومن مؤسسيسيها الاوائل . /// د. محمد يونس – دكتوراه في الاداب . استاذ جامعي . شغل منصب رئيس قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد . باحث ومترجم. انظر مقالتنا بعنوان – محمد يونس والادب الروسي في العراق./// د. مجيد بكتاش- دكتوراه في الاداب . استاذ جامعي . باحث./// د. معروف خزندار – دكتوراه في الاداب . استاذ جامعي . باحث ومترجم . انظر مقالتنا بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو (1) /// د. مكي عبد الكريم المواشي . دكتوراه في الاداب . استاذ جامعي . باحث ومترجم ./// نوار أحمد الاوقاتي – ماجستير في الفيزياء . توفيت في لندن وتم دفنها هناك. /// د. نوري السامرائي – دكتوراه في التاريخ. استاذ جامعي. باحث./// د. هادي عوض – دكتوراه في الكيمياء . استاذ جامعي . شغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية , وكذلك منصب رئيس جامعة صلاح الدين في السليمانية.

662
أدب / لو اني متُّ
« في: 20:57 27/09/2016  »


لو اني متُّ


قصيدة للشاعر عزة سارايلوفج / البوسنه والهرسك
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



لو اني متُّ يوم الجمعة في باريس,
فمن الذي كان سيرسل برقية عن موتي؟
ولتطلب الامر ثلاثة أيام باكملها,
ليثبتوا للشرطة,
اني كنت حيٌا
 قبل فترة.
+++
لو اني متُّ يوم السبت في وارشو ,
فان تلك السيدة الرائعة
لم تكن قد أسرعت للموعد..
تلك السيدة الرائعة !
+++
لو اني متُّ يوم ألاحد في بطرسبورغ,
لكان ذلك أسوأ,
فالليالي البيضاء ستظهر,
وشريط أسود حول يديها ,
وكيف يمكن لليالي البيضاء ان تظهر
والشريط الاسود حول يديها؟
+++
لو اني متُّ يوم الثلاثاء في برلين,
لاعلنت الاخبار ان شاعرا اجنبيا
مات فجأة في برلين.
 أما أنا , فيجب
-وليست هذه جملة مفيدة فحسب –
أن أموت على أرضي,
وفي وطني.
+++
لهذا فانه لرائع حقا اني لم أمت,
وها انا ذا بينكم من جديد.
تستطيعون ان تصفقوا  لي,
تستطيعون أن تصفروا  لي
مستهجنين,
 لكنه شئ رائع اني لم أمت,
واني بينكم من جديد.


663
مع عبد الله حبه في موسكو
أ.د. ضياء نافع
تعارفنا عام 1961 في موسكو( حيث جاء اليها للدراسة و بقي فيها لحد الان) , و في عام 2016 , اي بعد خمس وخمسين سنة من تعارفنا, سنحت الفرصة ان نلتقي  معا مرة اخرى, وان نتنزه سوية في شوارع موسكو, و ان نتحدث بهدوء عن شذرات من الماضي والحاضر والمستقبل , وقد حدث هذا اللقاء اثناء مشاركتنا معا في اعمال المؤتمر الدولي الرابع لمترجمي الادب برعاية معهد الترجمة الروسي , والذي انعقد في موسكو ( من 8/9 الى 11/9 – 2016).
قال لي عبدالله انه – لو بقي في بغداد – كان سيصبح فنانا تشكيليا او قاصا , قلت له - لقد شاهدت مرة عدة لوحات جميلة له منشورة في احدى مقالاته , ولكني لم أقرأ اي قصة له , اجابني ضاحكا – عندما زرت بغداد قبل عدة سنوات وجدت في بيتنا القديم قصة كنت قد كتبتها وكان عمري 17 سنة. قلت له – انني أشعر وكأنك نادم الآن لانك بقيت في موسكو طوال حياتك ؟ قال مبتسما - لا ابدا , ولكنه نادم فعلا – قلبا وقالبا - لانه أضاع كثيرا من سنوات  عمره في موسكو بترجمة نصوص سياسية و تعليقات اخبارية عامة في وكالة انباء (تاس) وغيرها من المؤسسات الاعلامية السوفيتية آنذاك , وذلك من اجل كسب ( فلوس !) المعيشة ليس الا . ذكرني هذا الموقف بما قاله لي مرة الروائي الكبير والمترجم المرحوم غائب طعمه فرمان حول ذلك الموضوع ايضا , وقلت هذا لعبد الله , فاجابني مؤيدا – نعم , لقد عانى غائب من ذلك طبعا , بل اني شاهدت كيف كان غائب ( يجبر نفسه) ان يترجم تلك النصوص البعيدة كل البعد عن عوالمه ونفسيته واهتماماته الثقافية والفكرية , ومن اجل نفس الهدف . الكلام عن غائب جرٌنا الى الحديث عن مخطوطته التي ترجمها ولم يمهله الموت كي ينشرها , وهي رواية أليكسي تولستوي - ( بطرس الاول ) . تحدث عبد الله عن هذه المخطوطة , وكيف انه أراد ان ينقحها ويشرف على نشرها باعتبارها خاتمة أعمال غائب الترجمية , وقال بأسى ان أرملة غائب لم تتفهم موقفه بتاتا , وأخذت تتحدث عن حقوق مالية ومبالغ خيالية تطالب بها ( لم يطلبها حتى ورثة همنغواي! كما قال عبد الله ) , وشرح لي بالتفصيل – وهو متألم جدا – معاناته من جراء موقف ارملته الساذج هذا وتخبطها العشوائي وثرثرتها الفارغة ايضا , وقال انه يريد الانسحاب من هذه القضية برمتها حفاظا على ذكرى المرحوم غائب . حاولت تغيير موضوع  الحديث المؤلم هذا ( لاني أعرف طبيعة العلاقات  الحميمة والصادقة لعبد الله بالمرحوم غائب والاحترام المتبادل بينهما طوال حياتهما معا في موسكو , بل واعرف ان عبد الله كان شاهد زواج غائب آنذاك) , وقلت له انني معجب جدا بنشاطه الترجمي الاخير, و الذي بدأه في مجال تاريخ العراق المعاصر في الوثائق الروسية , وان ذلك موضوع مهم جدا , اذ لم يسبق لاحد من العراقيين ان تناوله بهذا الشكل سابقا, وهو يذكرني بما قام به المؤرخ العراقي نجدة فتحي صفوة بالنسبة للعراق في الوثائق البريطانية . قال عبد الله ان التقرير الذي ترجمه عن الروسية ونشره لقاسم حسن  هو بداية لنشاط يريد القيام به في هذا المجال شبه المجهول للقارئ العراقي تقريبا . قلت له انني اؤيده تماما , وسألته عن الخطوة اللاحقة في هذه المسيرة , فقال انه عثر على وثيقة لخالد بكداش يطالب فيها من منظمة (الكومنتيرن) ان يكون هو ( اي بكداش) مسؤولا عن كل الاحزاب الشيوعية العربية , ولكن ديميتروف ( المسؤول الاول في تلك  المنظمة آنذاك ) اعترض على هذا الطلب ولم يوافق عليه , واخبرني عبد الله انه يخطط للقيام بترجمة الوثائق الخاصة بالعراق والموجودة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ( وفيها اسرار كثيرة ! ) , و كذلك الوثائق الخاصة بالعراق في وزارة الخارجية الروسية , فتمنيت له الموفقية بانجاز هذه العملية الكبيرة والمهمة للتاريخ العراقي الحديث, والتي ارى انها بحاجة الى مساندة الدولة العراقية نفسها , او في الاقل بعض الجهات العراقية الرسمية, وانها بحاجة ايضا الى جهود لجان علمية متخصصة باكملها , رغم قناعتي التامة ان الحماس الشخصي يبقى هو العنصر الاول والاهم في تنفيذها , فقال لي عبد الله , ان هناك جهات عراقية مستعدة لنشر هذه الوثائق فعلا , ومنها دور نشر محترمة مثل ( دار المدى) في بغداد وغيرها.
تحدثنا ايضا عن زملاء لنا درسوا معنا في الستينات من القرن العشرين , وتوقفنا عند المرحوم الفنان والكاتب المسرحي قاسم محمد , الذي قال عنه عبد الله حبه انه كان ألاقرب روحيا له بين كل الفنانين المسرحيين العراقيين الذين درسوا معه في موسكو (تذكرت طبعا انني كتبت حلقة خاصة عن قاسم محمد ضمن سلسلة مقالاتي بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروٌا بموسكو ) , وذكرنا المرحوم عزيز حداد , الذي توفي في السويد , وقال لي عبد الله اننا كنا ندعوه – عزيز سينما , نتيجة تعلقه واندماجه بفن السينما , وذكرنا مقالاته المترجمة في الصحف والمجلات العراقية آنذاك , و تحدثنا عن عبد القادر رحيم , الذي لا نعرف – كلانا- ما مصيره واين هو الآن , وتذكرنا ادوا ره  الشعبية المعروفة في المسرحيات التي قدمتها فرقة المسرح الفني الحديث في بغداد , وخصوصا مسرحية (النخلة والجيران)... تحدث عبد الله حبه ايضا عن علاقاته الواسعة مع الادباء العرب , الذين مروا بموسكو في عهدها السوفيتي مثل محمود درويش ومواهب الكيالي وغيرهم , وكيف التقى ببعضهم خارج الاتحاد السوفيتي , وهي حكايات تستحق التسجيل والتحليل ايضا , لأنها تعكس واقعنا العربي الثقافي بكل ما فيه من وقائع مريرة  وتعيسة وتراجيدية .
انهي هذه المقالة بما ابتدأنا به من ذكريات عبد الله حبه حول حياته في بغداد قبل السفر الى موسكو , اذ انني سألته عن تلك الفترة , التي لا اعرفها عنه , فقال لي , انه كان تلميذا في الاعدادية المركزية , وانه ساهم برمي الحجارة  مع تلاميذ آخرين ( منهم الصحافي العراقي الكبير محمد كامل عارف ) من على سطح المدرسة , على موكب الملك فيصل الثاني عندما كان يمر من قرب المدرسة في طريقه الى البرلمان لالقاء خطاب العرش ( يعرف العراقيون اين تقع الاعدادية المركزية ولحد الآن , واين كان يقع البرلمان الملكي آنذاك , الذي تحول الى المحكمة العسكرية الخاصة ( المهداوي).. ثم ..ثم.. ثم , واخيرا اصبح – بيت الحكمة ) . تم اعتقال التلاميذ طبعا من قبل الشرطة, وتدخل وزير المالية ( وهو زوج شقيقة عبد الله حبه ) و أنقذه من التوقيف , ولكن ادارة الاعدادية المركزية فصلته لمدة سنة , فاخذ يعمل في احدى المصارف الاهلية في بغداد , وعاد بعد سنة الفصل تلك الى الاعدادية , واكملها , وتم قبوله في قسم اللغة الانكليزية بكلية الآداب في جامعة بغداد , والتحق في الوقت نفسه في قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة / القسم المسائي , وساهم في الحركة المسرحية العراقية آنذاك بشكل او بآخر , واختلط برموز تلك الحركة وتعامل معها مثل حقي الشبلي وجاسم العبودي وغيرهم من الاسماء الكبيرة في عالم المسرح العراقي ...وحدثني عبد الله عن كلية الآداب ومرسمها الذي كان يمارس فيه هوايته , وهي الرسم , وتوقف عند بعض طلبة تلك المرحلة في كلية الآداب , و كان من بينهم طارق عزيز , وخالد طبره  الذي انقذه عبد الله حبه من موت محقق , عندما طاردوه اعضاء من اتحاد الطلبة في كلية الآداب بالمسدسات , وكيف احتمى خالد طبره بعبد الله حبه في المرسم , وكيف قام عبد الله بتهريبه من شباك المرسم بمساعدة شقيقة الشاعر الفريد سمعان , وكيف شكره طارق عزيز بعدئذ على ذلك , وكيف أراد خالد طبره في ما بعد ان يقتل شقيق عبد الله حبه باطلاق الرصاص عليه ...
الحديث مع عبد الله حبه ممتع ومتشعب وواسع جدا, اذ انه يتناول تاريخ العراق الحديث في نهاية العهد الملكي وبداية العهد الجمهوري الاول , و كذلك  تاريخ العراقيين الذين يقطنون  في روسيا ومشاكلهم العديدة والمتشابكة جدا وتاريخ علاقاتهم الواسعة والمتناقضة مع بعضهم البعض ومع الادباء والسياسيين العرب  الذين مروا بموسكو في الفترة السوفيتية وما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي   , ولا يمكن لي في أسطر قليلة ان اعرض ابعاد هذا الحديث الشائق كله والوقائع التي تناولها , لهذا فانني مضطر ان اتوقف الآن , واتمنى ان اعود اليه في يوم- ما ...     


664
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية(42)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثانية والاربعون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – جيد هناك , حيث لا وجود لنا.
التعليق – يضرب للانسان الذي يعتقد ان كل شئ خارج نطاق حياته الشخصية  يبدو له افضل واكثر تألقا من واقعه الذي يعيشه , وهو نوع من امراض التشاؤم النفسي عند البشر في كل مكان .
+++++
الترجمة الحرفية – يجب ان تخاف من العنزة من امام ومن الحصان من الخلف , اما الانسان فمن كل الجوانب.
التعليق - يضرب للتحذير من غدر الانسان وخطره ومكره , واتخاذ الحيطة والحذر منه دائما , لانه أشد فتكا و خطرا ومكرا من جميع ( الحيوانات  الاخرى !).
+++++
الترجمة الحرفية – السكوت – علامة الموافقة .
التعليق – مثل عالمي معروف ومعناه مفهوم تماما وهو كثير الاستخدام بين الناس في مجرى الحياة اليومية لدى مختلف الشعوب, وقد استقر بالعربية ايضا وكما يأتي -  السكوت علامة الرضا .
+++++
الترجمة الحرفية – ضجيج كثير من لاشئ.
التعليق –  يضرب عندما تتحول مسألة تافهة الى مشكلة كبيرة نتيجة التضخيم والثرثرة من قبل الآخرين . يوجد بالعربية مثل طريف مناظر لهذا المثل وهو – زوبعة في فنجان , وتوجد مسرحية لشكسبير ذهبت مثلا وفي هذا المعنى ايضا وهي – جعجعة بلا طحن او كثير من اللغط حول لاشئ.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تولدي جميلة بل سعيدة .
التعليق – يوجد هذا المثل الروسي بالمفرد المذكر ايضا , ومعناه واضح , اذ ان الجمال ظاهرة وقتية وتتلاشى بمرور الزمن , اما السعادة فانها ترافق الانسان طوال حياته. يضرب للتأكيد على اهمية السعادة والتوافق والانسجام في الحياة الانسانية. 
+++++
الترجمة الحرفية – تحب ان تكون ضيفا , فيجب ان تحب دعوة الناس اليك.
التعليق – معنى المثل واضح , ويضرب لضرورة مراعاة مبدأ - ألاخذ والعطاء في العلاقات الاجتماعية بين البشر, والا فان هذه العلاقات سيكون مصيرها الفشل حتما .
+++++
الترجمة الحرفية – سئ ذلك الجندي الذي لا يريد ان يصبح جنرالا.
التعليق –  يقال انه قول لنابليون وذهب مثلا , ويضرب للتأكيد على ضرورة سعي الانسان نحو السير الى امام دائما والاصرار على تحقيق النجاحات القصوى في الحياة , بغض النظر عن موقعه في مسيرة تلك الحياة.
+++++
الترجمة الحرفية – صعب لذاك (الانسان) الذي يتذكر الشر.
التعليق –يضرب في ان الانسان الذي يتذكر الشر ولا ينساه يكون دائما في موقف صعب ومتشنج ويثير لديه الألم والمعاناة , لانه ينطلق طوال الوقت من موقف الانتقام وعدم التسامح تجاه الآخرين , الذين عملوا له الشر والاشياء السيئة له يوما – ما . لنتذكر هذين البيتين المشهورين من الشعر العربي -
اذا كنت في كل الامور معاتبا     صديقك لن تلقى الذي لا تعاتبه
فعش واحدا او صل اخاك فانه     مقارف ذنبا مرة ومجانبه
+++++
 الترجمة الحرفية – استمع للآخرين ولكن اعمل عملك.
التعليق – يضرب للدعوة الى استشارة الآخرين بشأن القضايا المصيرية ولكن القرار الاخير – مع ذلك -  يجب ان يتخذه الانسان نفسه بغض النظر عن آراء الناس كافة . لنتذكر الحديث الشريف والرائع – استفت نفسك وان افتاك الناس وافتوك.
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان يوصل الى كييف.
التعليق –  مثل روسي قديم يضرب في ان سؤال الناس والاستفسار منهم عن المكان المطلوب – وباللغة التي يفهمونها -  يؤدي بالانسان للوصول الى هدفه مهما يكن هذا الهدف بعيدا. 
+++++
الترجمة الحرفية – ليس بالخبز وحده يحيا الانسان.
التعليق – قول للسيد المسيح وقد ذهب مثلا واصبح معروفا عند مختلف  الشعوب , بما فيها شعوبنا العربية طبعا  وبنفس هذه الصيغة . يضرب في ان الحياة الانسانية متنوعة وتتضمن جوانب عديدة ومختلفة الاهداف , ولا يمكن ان تتمركز في جانب واحد ابدا حتى لو كان ال (خبز) , اي الطعام الضروري  ابدا  للانسان.
+++++
الترجمة الحرفية – تصادق مع الدب ولكن تمسك بالطبر.
التعليق –  مثل عميق المعنى , و يضرب لضرورة ان يتخذ الانسان الحيطة و الحذر من العلاقات مع الاقوياء , الذين لا يولون اية اهمية للجوانب الآخرى في علاقاتهم معه .
+++++
الترجمة الحرفية – من ثور واحد لا يسلخون جلدين.
التعليق – يضرب في ضرورة عدم المطالبة بالدفع مرتين بعد عملية شراء او اتفاق بين طرفين , وكذلك  في عدم تكرار العقاب مرتين بشأن اي انسان على نفس العمل الذي قام به تجاه الآخرين .
+++++
الترجمة الحرفية – نادرا ولكن بدقة.
التعليق – يضرب للشخص الذي نادرا ما يسبب مشاكل , ولكن عندما يعمل مشكلة ما فانها غالبا ما تكون كبيرة ورهيبة . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – قليل الكمٌ وكثير الكيف , وهي ترجمة صحيحة بشكل عام ولكنها ليست واضحة تماما و بما فيه الكفاية.
+++++
الترجمة الحرفية -  دخلت في القطيع , انبح او لا تنبح , لكن هزٌ ذيلك.
التعليق – يضرب عندما يقع الانسان في أجواء غريبة عنه , فيجب عليه ان يخضع للعادات السائدة في تلك الاجواء كي ينسجم ويتناغم معها , شاء ذلك أم أبى .
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدر في بغداد قريبا عن – ( دار نوٌار للنشر ) .







665
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (41)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الواحدة والاربعون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية -  الحكمة في الرأس وليست في اللحية .
التعليق – يضرب للسخرية من بعض الناس الذين يستخدمون اللحية لاضفاء الحكمة والمعرفة والوقار على انفسهم وهم في واقع الحال ليسوا كذلك بتاتا, بل وبعيدون كل البعد عن تلك الصفات , وما أكثر هؤلاء في كل المجتمعات ! .
+++++
الترجمة الحرفية – رجل واحدة هنا , والاخرى هناك.
التعليق – يضرب عند الطلب للاسراع  بانجاز المهمات وعدم التلكؤ المتعمٌد بتنفيذها , وغالبا ما يستخدم المدراء هذا المثل  لحث موظفيهم على تسريع الاعمال .
+++++
الترجمة الحرفية – مرة واحدة ليست في الحساب.
التعليق – معنى المثل واضح , و يضرب في التقليل من اهمية وقيمة اي شئ يحدث لمرة واحدة ليس الا , وبالتالي فأن هذا الامر لا يستحق ان نأخذه بنظر الاعتبار . 
+++++
الترجمة الحرفية – ولهذا فان الكوسج في البحر , كي لا يغفو السمك.
التعليق – يضرب   لضرورة الحيطة والحذر الدائم , اذ ان الاخطار يمكن ان تظهر فجأة وبشكل غير متوقع . ارتأينا في الترجمة الحرفية للمثل استخدام كلمة ( الكوسج) بدلا من كلمة ( سمك الكركي) , واستخدام كلمة  ( السمك) بشكل عام بدلا من كلمة ( نوع خاص من سمك الشبوط) كما جاء في النص الروسي , وذلك لتقريب المثل للقاريء العربي . يترجم جابر هذا المثل كما ياتي – (اذا غاب القط لعبت الفئران) , وهي ترجمة صحيحة طبعا , ولكنها بعيدة بعض الشئ عن بنية المثل الروسي . نظن ان المثل العربي – (الحذر يقيك الضرر) هو الاقرب – بشكل او بآخر – للمعنى العام والشامل لهذا المثل الروسي.
+++++
الترجمة الحرفية – ليست السعادة بالنقود.
التعليق – معنى المثل واضح , ويضرب في عدم ربط سعادة الانسان بامتلاك الثروات وانما بعناصر كثيرة اخرى في الحياة , وهو مفهوم واسع الانتشار عند العديد من البشر  .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعرف اين تجد واين تفقد.
التعليق – يضرب لعدم معرفة الانسان متى يحصل على مكاسب له , او متى تحدث خسائر غير متوقعة بتاتا في مسيرة حياته .  لنتأمل الآية الكريمة والعميقة –  (..وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ..).
+++++
الترجمة الحرفية -  بيتي على جانب , ولا اعرف اي شئ.
التعليق – يضرب عندما يتجنب الانسان اتخاذ اي موقف محدد (سلبا او ايجابا) تجاه اي شئ يحدث حوله . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – (لا شأن لي بذلك) , وهي ترجمة تفسيرية صائبة لمعنى المثل.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تبصق في البئر , اذ  تحتاجه للارتواء بالماء.
التعليق – معنى هذا المثل العالمي واضح , ويضرب في عدم الاساءة الى الى كل شئ يحتاجه الانسان في الحياة ومن اجل الحياة . يترجم جابر هذا المثل هكذا – لا تبزق في الصحن الذي تأكل منه, وهي ترجمة تفسيرية صحيحة. استقر هذا المثل العالمي بالعربية كما يأتي – لا تبصق في البئر فقد تشرب منه يوما .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تبحث في القرية , بل ابحث في اعماق نفسك.
التعليق – يضرب للشخص الذي اخطأ ولا يريد الاعتراف بهذا الخطأ ويحاول ان يجد التبريرات هنا وهناك, متناسيا ان - ( الاعتراف بالخطأ فضيلة) .
+++++
الترجمة الحرفية –  النقود تحب الاذكياء.
التعليق – معنى المثل واضح على الرغم من التورية في بنيته , ويضرب للتأكيد على ان الانسان الذكي فقط هو الذي يقدر ان يحصل على النقود والثروة ويحافظ عليها , اما الانسان غير الذكي فهو الذي لا يقدر على ذلك , وبالتالي فان ( الحب متبادل فعلا !) بين الاذكياء والنقود !.
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة ليست حجرا , وفي مكان واحد لا ترقد , وانما تركض الى أمام.
التعليق – مثل فلسفي جميل ,  يضرب في طبيعة الحياة المتحركة ابدا , وان الانسان يجب ان يأخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار دائما , اذ (لا يستطيع الانسان ان يسبح في نفس ماء النهر مرتين) .
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , والذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوٌار للنشر).
 

666
نابوكوف بين روسيا وامريكا 
أ.د. ضياء نافع
 
ولد فلاديمر فلاديميروفتش نابوكوف في عائلة ارستقراطية غنية بروسيا عام 1899, وهاجر منها مع عائلته عام 1919 ( بعد ثورة اكتوبر 1917 ) ولم يعد لها ابدا , وتوفي عام 1977 في سويسرا وتم دفنه هناك . عاش نابوكوف في المانيا اولا مع اكثر الادباء والمثقفين الروس بعد 1917 , وهناك ظهرت اولى رواياته بالروسية ,  ثم هاجرمن المانيا الى فرنسا هروبا من النازيين الالمان , وقبيل سقوط باريس بايدي هؤلاء الالمان  هاجرالى امريكا, واصبح مواطنا امريكيا في اواسط الاربعينات ( قال نابوكوف عن نفسه  - انا كاتب امريكي ولدت في روسيا وتعلمت في انكلترا , حيث درست الادب الفرنسي ...) , وعندما برز امام الادباء اللاجئين الروس في اوربا بعد ثورة اكتوبر 1917 السؤال المصيري  الكبير وهو – هل يستمرون بالكتابة بالروسية للقراء الروس المهاجرين معهم ليس الا , ام  ينتقلون الى الكتابة  بلغات الدول التي يعيشون فيها , وبالتالي , ينشرون نتاجاتهم بين مواطنيها ؟ , وقد  اختار نابوكوف الكتابة بالانكليزية دون اي تردد , وهو الذي قال عن نفسه – ( رأسي يتحدث بالانكليزية وقلبي بالروسية واذني بالفرنسية ) , اذ انه خريج
جامعة كامبريدج الانكليزية الشهيرة , حيث درس وتخصص في الادب الروسي و الادب الفرنسي وعلم الحيوان ( الاسماك والحشرات ) , وكانت هوايته لعبة الشطرنج , وقد برز ونشر بشكل متألق ومبدع في كل هذه المجالات المتنوعة واثبت بما لا يقبل الشك انه رجل متعدد المواهب. ولهذا , فعندما يريدون تعريف نابوكوف الان يقولون عنه انه – شاعر وروائي واختصاصي في علوم الحيوان وخبير في لعبة الشطرنج ومترجم وكاتب مسرحي وكاتب سير ذاتية وكاتب سيناريو واستاذ جامعي وناقد ادبي وصحافي وكاتب خيال علمي , وكل تلك الجوانب متفق عليها بين جميع الذين يهتمون بدراسة سيرته الذاتية واعماله الادبية والعلمية في العالم كله , الا ان هناك موضوع كبير بشأن نابوكوف يثير الخلافات حوله و يثير النقاشات الحادة بشأنه, وهو – هل يعتبر نابوكوف كاتبا روسيٌا ام امريكيا ؟ اذ يؤكٌد الروس انه كاتب روسيٌ ويدخل اسمه ضمن تاريخ الادب الروسي والكتب المنهجية في روسيا , بينما يؤكٌد الامريكان انه كاتب امريكي لدرجة انه توجد في امريكا جائزة ادبية كبيرة باسمه تمنحها جمعية تحمل اسمه , وذلك باعتباره رمزا للادباء الاجانب الذين احتضنتهم امريكا واصبحوا فيما بعد ادباء كبار يكتبون بالانكليزية.
نابوكوف روسي القومية بالطبع , ولد في روسيا وترعرع لمدة عشرين سنة في احضانها , و هو روسي الثقافة بكل ما تعني هذه الكلمات من معنى , و هو ابن الامبراطورية الروسية , التي مزقتها احداث القرن العشرين الهائلة من ثورة 1905 والحرب العالمية الاولى 1914 وثورة اكتوبر 1917, ومن ثٌم الحرب الاهلية داخل روسيا نفسها والجوع والقحط بعد ذلك...الخ.. , هذه الاحداث التي أدٌت الى هجرة الملاين من الروس الى اصقاع العالم كافة ( والذين وصلوا حتى الى بغداد في عشرينيات القرن الماضي) . لكن نابوكوف اصبح امريكيا منذ اواسط الاربعينات وأخذ يكتب بالانكليزية , واشتهر عالميا باعتباره كاتبا امريكيا , بل ان اشهر رواية نشرها وهي ( لوليتا ) ظهرت بالانكليزية في باريس , وعلى الرغم من عدم الاعتراف بها في امريكا في البداية , الا انها تحولت فيا بعد الى اوسع نتاجاته واشهرها عالميا (وحتى مادة لدراسة علم النفس !) , وتم ترجمتها الى العديد من لغات العالم , بما فيها الى لغتنا العربية , واصبحت معروفة لدرجة ان الشاعرالسوري نزار قباني كتب قصيدة عنها بعنوان – لوليتا , دون اي اشارة الى اسم كاتبها , وهناك رواية بعنوان ( اصابع لوليتا) بقلم الجزائري واسيني الاعرج , وترجمت العراقية ريم قيس كبة ( لوليتا في طهران / سيرة في كتاب) بقلم الايرانية آذر نفيسي , بل ان الكثير من القراء في العالم يعرفون الان اسم لوليتا اكثر من معرفتهم باسم مؤلفها , الذي تم ترشيحه مرتين لجائزة نوبل للآداب وكاد ان يفوز بها , ومن الجدير بالذكر هنا الاشارة الى ان الكاتب الروسي العالمي الشهير سولجينيتسن هو الذي رشحه لنيل تلك الجائزة . ومع ذلك , اود القول الى اني كنت حاضرا  مرة في نقاش بين مجموعة من القراء الروس حول نابوكوف بشكل عام , وحول هذه الرواية بالذات , حيث هاجموها بشدة واعتبروها رمزا للانحطاط والتفاهة و حتى الشذوذ  الجنسي غير اللائق بالانسان , ولهذا السبب – كما قالوا – اشتهرت هذه الرواية ليس الا من وجهة نظرهم , الا انهم جميعا تحدثوا عن نابوكوف باعتباره استاذا جامعيا ناجحا ومتميزا جدا لمادة تاريخ الادب الروسي في الجامعات الامريكية , وأشادوا جميعا بذكائه وعمق معرفته وروحه الابتكارية في هذا المجال  , وتحدثوا باعجاب عن مؤلفاته المنشورة في كتب منهجية جمعت تلك المحاضرات  , وقد أعجبتني جدا ( وسائل الايضاح !) التي قدمها نابوكوف عندما ألقى محاضرته حول الادب الروسي مرة و بالشكل المبتكر الجميل و كما يأتي -
عندما دخل نابوكوف الى قاعة المحاضرات في احدى الجامعات الامريكية لالقاء محاضرته حول تاريخ الادب الروسي , أمر باطفاء كل الانوار واسدال كل الستائر في تلك القاعة , وعندما تم تنفيذ ذلك  و حل الظلام الدامس في القاعة , أمر بفتح مصباح واحد فقط وقال – هذا بوشكين , ثم امر بفتح مصباح آخر وقال – وهذا غوغول , ثم امر بفتح كل المصابيح الاخرى وفتح كل الستائر باجمعها وقال – وهذا تولستوي , وقد اندهش الطلبة جميعا طبعا من (وسائل الايضاح هذه ! ) , والتي استطاع نابوكوف ان يوضح للطلبة – بهذه الطريقة البسيطة والمتميزة والجميلة والمدهشة فعلا -  قيمة هؤلاء الادباء الروس الكبار واهميتهم في تاريخ الادب الروسي و دورهم الكبير في مسيرته . ولا زالت كلمات أحد اساتذتي الروس الكبار ترن في اذني و قلبي وعقلي عندما قال لي مرة , ان نابوكوف هو رمز لتعاسة الادباء الروس في القرن العشرين ومأساتهم , لانه اضطر ان يتجرع الغربة , و ان يكون مواطنا لدولة اجنبية , وان يكتب بلغة اجنبية  , لان الاحداث التراجيدية الهائلة في بلده روسيا دفعته الى هذا المصير , وقد تذكرت طبعا مصائر الكثير من الادباء والفنانين و المفكرين العراقيين العظام والكبار , والادباء والفنانين والمفكرين العرب العظام و الكبار ايضا , وما حل بهم نتيجة قسوة الاحداث ومرارتها في بلداننا , هذه الاحداث التراجيدية العاصفة التي مرٌت ولا تزال تمرٌ في  عراقنا الحبيب وعالمنا العربي المعاصر  ... 
 

667
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية(40)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الاربعون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – كل شئ مفيد اذا كان للفم مفيدا.
التعليق – طعام الانسان يرتبط بالبيئة المحيطة به , لهذا فان الطعام في العالم متنوع جدا و حسب البيئة المتنوعة لارضنا, ومن هنا جاء هذا المثل الطريف , والذي يضرب في ان كل شئ يؤكل هو مفيد للانسان بغض النظر عن اية مفاهيم وعادات وتقاليد متنوعة ومتعددة عند مختلف الشعوب حول الطعام .
+++++
الترجمة الحرفية -  عندما يصفر السرطان.
التعليق – يضرب للسخرية من استحالة  حدث معين ينتظرون حصوله في مسيرة الحياة . يوجد مثل ساخر باللهجة العراقية ( وربما باللهجات العربية الاخرى ) في هذا المعنى بالضبط , وهو -  من يبيض الديج ( عندما يبيض الديك ).
+++++
الترجمة الحرفية – الفأر لا يخاف من الكدس ( الكومة).
التعليق –  يضرب للشخص الذي يعرف كنه الموضوع وخواصه و اسراره , وبالتالي فانه لا يخاف منه ولا يتردد من الاقدام عليه والتعامل معه .
+++++
الترجمة الحرفية – اينما توجد اليد فهناك الرأس.
التعليق – يضرب عندما يوقع الانسان بيده على الشئ المكتوب , فيجب عليه عندئذ تنفيذ ذلك والالتزام به وتحمل المسؤولية تجاهه , لأن التوقيع باليد يعني ان الانسان فكٌر بالموضوع واعلن خطيا  الموافقة عليه , اي استخدم يده بعد ان استخدم فكره وعقله ( رأسه ).
+++++
الترجمة الحرفية – ابحث ولا تتحدٌث , وعندما تجد لا تعلن.
التعليق –  يضرب للحث على كتمان الامور الشخصية عن الآخرين منعا للثرثرة والتأويل والقيل والقال من قبل الفضوليين الذين يتدخلون في شؤون الغير,  والتي قد تؤدي بعض الاحيان  الى الاساءة  لتلك الامور وعرقلتها . لنتذكر – (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ..), و– (لا تدع يدك اليسرى تعلم بما تصنعه يدك اليمنى) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تخدع لاتبيع.
التعليق – يضرب للتعبير الساخر عن الخداع في التجارة , وخصوصا عندما يبيع التاجر بضاعته للزبائن . يوجد مثل عربي طريف في هذا المعنى (وبمختلف اللهجات) وهو – التجاره شطاره.
+++++
الترجمة الحرفية – أحدث الطير ضجيجا, لكنه لم يحرق البحر.
التعليق – يضرب للمتبجح الذي يدٌعي بالكثير او يتوعد او يهدد ...الخ , ولكنه لا يقدر ان ينفذ اي شئ من هذه الاقاويل . يوجد تعبير باللهجة العراقية حول هذه الحالة وهو –  (فاشوشي) (اي فارغ او لا قيمة له ) . ارتأينا في الترجمة الحرفية لهذا المثل استخدام مفردة عامه وهي - ( الطير ) , بدلا من نوع محدد من الطيور الجميلة جدا وهي اكبر من العصفور واصغر من الحمامة ويترجمها القاموس ب ( سن المنجل او زمير ) , وذلك لتقريب المثل الى القارئ العربي .
+++++
الترجمة الحرفية -  الضيف غير المدعو أسوأ من التتري.
التعليق – هذا مثل روسي قديم منذ ايام الصراع الروسي – التتاري في تلك القرون البعيدة , ولكنه (هذا المثل) لا زال حيٌا لحد الآن باللغة الروسية, ويضرب للضيف الذي يحضر في وقت غير مناسب او للضيف غير المدعو اصلا . يوجد مثل عربي (بمختلف اللهجات) في هذا المعنى وهو – اللي يروح بليا عزيمة يرقد بليا فراش ( يروح – يذهب / بليا – بدون / عزيمة – دعوة ).
+++++
الترجمة الحرفية – حسب ملابسك مد رجليك.
التعليق –  مثل عالمي  يضرب لاستخدام الانسان امكانياته على وفق قدراته . يترجم بوريسوف هذا المثل هكذا – على مدى البساط مد رجليك , ويترجمه جابر – مد بساطك على قد رجليك , وكل هذه الترجمات صحيحة طبعا باستخدام المثل العربي المشهور جدا , وهو – مد رجليك على قدر غطاك ( او لحافك ) , او , مد رجليك على قدر فراشك  .
+++++
الترجمة الحرفية -  للسكران حتى البحر عند الركبة.
التعليق – يضرب في ان السكران لا يعي الخطورة ولا يتصورها , لانه فاقد الوعي  نتيجة سكره . يترجم بوريسوف هذا المثل كما يأتي – هو طائش متهور , وهي ترجمة غير دقيقة بتاتا لهذا المثل .
+++++
الترجمة الحرفية – غرق فوعد بالطبر , وعندما انقذوه , اصبح يتأسف على الطبر.
التعليق – يضرب للشخص الذي  يعد الآخرين  بالكثير عند وقوعه بالخطر , ولكنه ينكث بوعده عند زوال الخطر , وتصبح مواعيده مثل ( مواعيد عرقوب )  .
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , والذي سيصدر قريبا في بغداد عن – ( دار نوٌار للنشر ).

668
آراء جديدة في روسيا حول رحلة ابن فضلان
أ.د. ضياء نافع

صدر في مدينة قازان – عاصمة تتارستان في دولة روسيا الاتحادية كتاب بثلاث لغات , وهي - ( الروسية والتتارية والعربية ) عن رحلة احمد بن فضلان الشهيرة  في القرن العاشرالميلادي . أصدرت الكتاب دار نشر (سلوفه) ( الكلمة) عام 2013 , و يقع هذا الكتاب في ( 511) صفحة من القطع الكبير, وقد صدر بطباعة جميلة وترفة جدا وبتصميم مهيب بكل ما تحمل هذه الكلمات من معنى . مؤلف الكتاب – باحث تتارستاني كبير ومشهور ومعاصر هو أنور خيري , واسمه الكامل بالروسية  - (أنور نازيبوفيتش خيرولين) .  هذا الباحث مجهول تماما للقارئ العربي مع الاسف الشديد , رغم انه يعد من أشهر العلماء والباحثين المتخصصين في تتارستان  في الوقت الحاضر - (أصدر  ثلاثة وثمانين كتابا , ونشر في الصحف والمجلات التتارستانية  والروسية  حوالي 800 مقالة وبحثا , وحاز على عدة مداليات واوسمة وجوائز تكريمية في جمهورية  تتارستان خصوصا ,  وفي روسيا الاتحادية عموما , و منها على سبيل المثال وليس الحصر الميدالية الذهبية في تتارستان والشهادة الفخرية لحركة التراث الاسلامي الروسي وغيرها ... ).
لقد كتب انور خيري في بداية اصداره هذا عن ابن فضلان ثلاث كلمات قصيرة , اولها , انه يهدي كتابه هذا الى مدرسٌتة التي قامت بتدريسه اللغة العربية في جامعة قازان  والتي ( أخذت بيدي وأوصلتني الى عالم الكتب العربية الساحر ) , والكلمة الثانية هي تعبير عن شكره  الى رئيس جمهورية تتارستان على تبنيه لهذا الكتاب وتمويل طبعه بهذا الشكل المتميز والجميل ( لاحظوا كم هو رائع هذا التسلسل  -  الشكر للمعلم اولا ولرئيس الجمهورية ثانيا ! ), والكلمة الثالثة هي مقطع من بحث كتبه غوميليوف , العالم المتخصص في تاريخ الشرق وحضارته, وهو ابن الشاعرة الروسية المعروفة آنٌا أخماتوفا من زوجها الاول الشاعر غوميليوف ( انظر مقالتنا بعنوان غوميليوف الشاعر الروسي المخضرم ) , والتي يشير فيها الباحث الى خطورة تلك المفاهيم الخاطئة بشكل متعمد والمتراكمة عبر زمن طويل حول ثقافات الشعوب الشرقية بشكل عام , والتي جاء بها وثبتٌها ونشرها على نطاق واسع اعداء تلك الثقافات في اوربا الغربية بالاساس وعلى مدى سنوات عديدة.
يشير المؤلف في مقدمة هذا الكتاب الى ان رحلة ابن فضلان قد تم نشرها باللغة الروسية لاول مرة  في الاتحاد السوفيتي عام 1939 باشراف المستشرق الاكاديمي المشهور كراتشكوفسكي بعنوان – ( رحلة ابن فضلان الى الفولغا ), ثم اعيد نشرها مرة اخرى عام 1956 بعنوان – ( كتاب أحمد بن فضلان عن رحلته الى الفولغا في سنتي 921- 922 ). يؤكد انور خيري في مقدمته تلك الى ان كل الذين ساهموا بترجمة هذا الكتاب الى الروسية وبطبعتيه الاولى والثانية  قد حرٌفوا وشوٌهوا بعض فقراته وكتبوا هوامش توضيحية خاطئة او ناقصة او غير دقيقة للنص العربي , وذلك لانهم كانوا ينطلقون من مواقف ايديولوجية محددة , وبالتالي فانهم أخضعوا هذا المصدر التاريخي المهم لوجهات نظرهم تلك وعلى وفق تلك المنطلقات الايديولوجية, وقد انعكس ذلك حتى على عنوان الكتاب نفسه , والذي نشره  انور خيري في الصفحة الاولى لكتابه وكما يأتي – (سرد عن رحلة احمد بن فضلان الى دولة البلغار , والتي كتبها اثناء سفرته في عامي 921- 922) , ومن الواضح تماما الفرق بين العنوانين . لقد وصل الباحث الى استنتاج مهم جدا وهو ان كتاب ابن فضلان لم يتم ترجمته الى اللغة الروسية بشكل صحيح وعلى وفق المتطلبات العلمية الدقيقة للنص الاصلي , وهذا الاستنتاج يشمل ايضا الهوامش والتعليقات التي جاءت مرافقة لتلك الترجمات . وعلى هذا الاساس , فقد نشر خيري في كتابه المذكور نص المخطوطة الكامل التي وجدوها في مشهد عام 1924 , وكذلك النص العربي الكامل مطبوعا  على الكمبيوتر , ثم الترجمات المختلفة باللغة الروسية , ثم ترجمة انور خيري نفسه الى الروسية , ثم الهوامش والتعليقات عليها, ثم قاموس بثلاث لغات هي التتارية والروسية والعربية لكافة التسميات والمصطلحات التي جاءت عند ابن فضلان بالنص العربي, ثم نص القسم الاول من كتاب (مستفاد الاخبار في احوال قزان وبلغار) للمرجاني باللغة التتارية , والذي أشار الى كتاب ابن فضلان , ثم ترجمة ذلك الفصل الى اللغة الروسية, ثم صورة لمخطوطة باللغة التتارية لترجمة كتاب ابن فضلان  قام بها رضا الدين فخر الدين , والمحفوظة في ارشيف معهد التاريخ واللغة والادب في مدينة (اوفا) , وهو معهد تابع لاكاديمية العلوم الروسية, ثم الترجمة الروسية  لتلك المخطوطة, ثم صور متنوعة تقع في 16 صفحة بالالوان وتضم لوحات رائعة لكتاب ابن فضلان والمدن والشخصيات التي وردت في الكتاب , وكذلك صورا متنوعة لغلاف هذا الكتاب بلغات متعددة ومنها طبعا غلاف الطبعة التي أصدرها المجمع العلمي العربي بدمشق , والتي حققها وعلق عليها وقدم لها الدكتور سامي الدهان – عضو المجمع العلمي العربي بدمشق والتي جاءت بعنوان -
 ( رسالة ابن فضلان / احمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمٌاد / في وصف الرحلة الى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة / سنة 309 ه – 921 م/ ) , ثم تاتي قائمة المصادر التي اعتمدها الباحث في كتابه هذا وتقع في 8 صفحات  وتضم مجموعة هائلة من الكتب و المعاجم والموسوعات العالمية ,  ويختتم انور خيري كتابه هذا بخلاصة مختصرة وجيزة باللغة الانكليزية تقع في 4 صفحات تتحدث عن مجمل ما جاء في هذا الكتاب.
يعجز القارئ لهذا الكتاب عن وصفه والحديث عن علميته وموضوعيته وشموليته  والجهود الهائلة التي بذلها هذا العالم الجليل لاخراجه وتقديمه للقراء  , وكم اتمنى ان ينتبه الى هذا الجهد الموسوعي علماء التاريخ العربي في عالمنا العربي الواسع , وكم اتمنى ايضا ان يأخذ المجمع العلمي العراقي( وبقية المجامع العلمية العربية ) هذا الكتاب بنظر الاعتبار وان يتم الاتصال بالمؤلف وعقد الندوات المشتركة حول هذه المحاولة ذات الابعاد العلمية العميقة الغور في تراثنا, والتي تمتلك اهمية قصوى في حاضرنا الثقافي المعاصر ايضا .
تحية للعالم التتارستاني الجليل العلامة انور خيري , وشكرنا له, واعتزازنا بهذا الكتاب الموسوعي الكبير حول رحلة أحمد بن فضلان .




669
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (39)
أ.د. ضياء نافع
 الحلقة التاسعة والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
 الترجمة الحرفية – يتزوج ويتغير .
التعليق – يضرب للامل بامكانية تغير الشاب الطائش الاعزب  بعد زواجه واستقراره مع زوجته وعائلته الجديدة .  يوجد مثل مناظر وطريف باللهجة العراقية وهو  -  يتزوج ويعقل.
+++++
الترجمة الحرفية – الزوجة تلاطف , بينما الام تشفق.
التعليق – يضرب في ان الام تبقى منبع الحنان والشفقة والحب النقي تجاه الابن , ولا يمكن للزوجة ابدا ان تقوم بدورها او تحل محلها.
+++++
الترجمة الحرفية – نعيش ونمضغ.
التعليق - يضرب لرتابة الحياة وكآبتها ,  والتي لا يوجد فيها فرح او سعادة او أمل . توجد مقولة فلسفية مشهورة بالعربية تعالج هذه الحالة بالذات, وهي – نحن نأكل لنعيش ولا نعيش لنأكل .
+++++
الترجمة الحرفية – العيش في الحياة – ليس عبور حقل.
التعليق – يضرب للتاكيد على صعوبات الحياة وتعقيداتها المتنوعة والكثيرة. يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – الحياة ليست طريقا مفروشا بالورود , وهي ترجمة موفقة جدا.
+++++
الترحمة الحرفية – مثل كلب يرقد على العلف, لا هو ياكل منه ولا يسمح بذلك للآخرين.
التعليق -  يضرب لهؤلاء الذين يمتلكون الامكانيات ولا يستخدموها بانفسهم للاستفادة منها , ولا يسمحون بذلك للناس الآخرين ايضا .  يوجد مثل عربي في نفس المعنى وهو ( باللهجة العراقية ) -  لا ارحمك ولا اخلي رحمة الله تنزل عليك.
+++++
الترجمة الحرفية – يحطمون الاسفين بالاسفين.
التعليق – مثل عالمي يضرب في ضرورة استخدام الانسان نفس الطريقة التي يعاملونه بها . استقر هذا المثل بالعربية كما يأتي – لا يفل الحديد الا الحديد , وقد استخدم بوريسوف ( وكذلك جابر ) هذا المثل في ترجمتهما للمثل , الا ان جابر اضاف ترجمة اخرى ايضا وكما يأتي – ( وداوها بالتي كانت هي الداء ), وهي اضافة طريفة وموفقة.
+++++
الترجمة الحرفية – القانون لم يكتب للاحمق.
التعليق – يضرب للحمقى ( وما اكثرهم !) الذين يتصرفون حسب هواهم ودون مراعاة للاصول والقواعد والقوانين . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – لا يعرف الحمقى اي قاعدة او قانون , وهي ترجمة صحيحة طبعا من حيث المعنى.
+++++
الترجمة الحرفية – انت نفسك طبخت العصيدة, وانت نفسك تناولها.
التعليق – يضرب في انه يجب على الانسان نفسه ان يتحمٌل مسؤولية اعماله التي يقوم بها, ويضربون هذا المثل عادة عند عدم الاستجابة لمساعدة هذا الشخص للخروج من ازمته. يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – ( انت لخبطت الامور بنفسك, فعليك اعادتها الى نصابها ) , وهي ترجمة تفسيرية صائبة.
+++++
الترجمة الحرفية – السمكة تفسد من رأسها.
التعليق –  يضرب في ان اصل الفساد يكمن في قادة المجتمع , فاذا هم فسدوا – فسد المجتمع , واذا هم صلحوا – صلح المجتمع . يوجد مثل عربي مناظر بالضبط , وهو باللهجة العراقية ( وربما باللهجات العربية الاخرى ) – السمجه تجيف من راسها  ( السمجه – السمكة / تجيف – تفسد , تتفسخ ).
+++++
الترجمة الحرفية – شرب الشاي ليس تقطيع حطب.
التعليق – يضرب في ان الشئ السهل والممتع ليس مثل الجهد الصعب الذي يبذله الانسان في الحياة . الصورة الفنية في هذا المثل تستند الى الواقع الروسي البحت .
+++++
الترجمة الحرفية – ساعة بعد ساعة ليس أسهل .
التعليق – يضرب عندما ترد اخبار سيئة تلو اخرى سيئة ايضا . يترجم بوريسوف هذا المثل كما يأتي – يتدرج الحال من سئ الى أسوأ, وهي ترجمة سليمة ودقيقة .
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , والذي سيصدر قريبا في بغداد عن – ( دار نوٌار للنشر ).



670

من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (38)
أ.د. ضياء نافع

الحلقة الثامنة والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية .


الترجمة الحرفية – كل شئ يمتلك بداية.
التعليق – يضرب عندما يلومون الانسان نتيجة اهماله او عدم فهمه لتلك الاشياء التي تؤدي الى نتائج وخيمة وتراجيدية في حياته , اذ يذكروه بان ل ( كل شئ بداية ) , وانه كان يجب ان يلاحظ تلك البداية و لكن – ( لآت ساعة مندم ) كما يقول المثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – يعطون – خذ , يضربون – اهرب.
التعليق – مثل ساخر يضرب لشجب موقف الانسان الانتهازي و غير المبدئي تجاه ظواهر الحياة المختلفة , فان كانت تلك المواقف لفائدته - فيتعامل معها  , اما اذا كانت ضد مصالحه  -  فيهرب منها ليس الا. 
+++++
الترجمة الحرفية – عش ودع الآخرين يعيشون.
التعليق – مثل عالمي معروف , وقد استقر هكذا ايضا بالعربية . يضرب للدعوة الى التعايش الانساني بين جميع البشر على اساس الاعتراف المتبادل بضرورات الحياة وقيمها .
+++++
الترجمة الحرفية – ونمدح الرب ونذنب.
التعليق- مثل فلسفي عميق يضرب لموقف الانسان المزدوج تجاه الاديان كافة بشكل عام ,  الانسان الذي يعرف متطلبات تلك الاديان وتعاليمها الخيرة  في الحياة , ومع ذلك يخرقها ويخالفها متعمدا من اجل مصلحته الشخصية واهدافها الشريرة.
+++++
الترجمة الحرفية – موسكو لم يبنوها رأسا .
التعليق –  مثل عالمي يستخدم اسماء المدن الكبيرة والمشهورة عند الكثير من الشعوب , ويضرب للتاكيد على ضرورة واهمية عناصر العمل والمثابرة و الصبر والزمن من اجل تحقيق الاهداف الكبيرة للانسان في  مسيرة حياته.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعرف الخوض , لا تدخل ( تحشر نفسك ) بالماء.
التعليق –  يضرب لعدم الاقدام على عمل دون معرفة ابعاده ونتائجه. يترجم بوريسوف هذا المثل كما ياتي – جرٌب فافعل , ويكرر جابر نفس الترجمة تقريبا – جرٌب ثم افعل , لكنه يترجمه في مكان آخر بقاموسه هكذا – لا تقدم على عمل دون خبرة , وكل هذه الترجمات تفسيرية و صحيحة بشكل عام , الا انها لا ترسم الصورة الدقيقة لهذا المثل دون ترجمته الحرفية. 
+++++
الترجمة الحرفية – الاصدقاء يعرفون بالشدة .
التليق – مثل عالمي معروف , ومعناه واضح تماما . استقر بالعربية كما يأتي – الصديق وقت الضيق .
+++++
الترجمة الحرفية – السمكة تبحث عن المكان الاعمق , والانسان عن المكان الافضل.
التعليق – يضرب في ان كل البشر يريدون ان يعيشوا بشكل احسن وافضل , وان هذا البحث الدائم عن الاحسن هو ظاهرة طبيعية وصحية وسليمة .
+++++
الترجمة الحرفية –   حساء الكرنب ( الملفوف / اللهانه ) والعصيدة – هي طعامنا.
التعليق – مثل روسي بحت يشير الى الطعام الشائع والمفضل والملائم جدا للطبيعة الروسية والمرتبط بها. يضرب للحث على البساطة في الطعام خصوصا وتجاه الحياة ومتطلباتها بشكل عام .
+++++
الترجمة الحرفية – كلابنا يتعاركون , الغريب لا يتدخل.
التعليق – يضرب للدعوة الى عدم تدخل الغرباء في خصام الاقرباء ومشاكلهم , هذا التدخل الذي غالبا ما يؤدي الى تأجيج المواقف وتعقيدها بالنسبة لكلا الجانبين .
+++++
الترجمة الحرفية - عيني الماس , العين الغريبة زجاج.
التعليق – يضرب للحث والتاكيد على ان الانسان يجب ان يدير اموره ويشرف عليها بنفسه ولا يرجو او يطلب ذلك من الاخرين . لنتذكر المثل العربي الطريف – ما حكٌ جلدك مثل ظفرك , اذ انه في نفس المعنى , رغم التباعد الكبير في بنيته مقارنة بالمثل الروسي  .
+++++
الترجمة الحرفية – العجل الرقيق يرضع من والدتين.
التعليق – يضرب في ان الانسان الذي يتعامل مع الاخرين برقة وودٌ وحنان يحصل على التاييد والاسناد من الجميع . الصورة الفنية لهذا المثل جميلة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يضربون المضطجع .
التعليق – يضرب  للتعاطف مع الشخص الذي اصابته مصيبة  واضطر ان يستسلم نتيجة ذلك , ويضرب كذلك لمسامحة الشخص الذي يعلن ندمه ويعترف بالخطأ , (ويذكٌر ذلك بامثالنا العربية مثل – الاعتراف بالخطأ فضيلة / الاعتراف يخفف الاحكام ...ألخ ), وتشير بعض المصادر الروسية,  الى ان هذا المثل  يتطابق  مع الموقف تجاه الشخص الذي يسقط على الارض في تصادم بين جانبين ( بما فيها المسابقات الرياضية) , وقد ترجم جابر هذا المثل (انطلاقا من هذا المفهوم على ما يبدو) وكما يأتي -  (لا يجوز ضرب الميٌت), ونظن ان هذه الترجمة غير موفقة بتاتا وغير دقيقة.
+++++
الترجمة الحرفية – الاتفاق أغلى من النقود.
التعليق – معنى المثل واضح , ويترجمه بوريسوف ( وكذلك جابر) كما يأتي – الشرط عند الحرث ولا القتال في الحصيدة , وهي ترجمة صحيحة من حيث المعنى العام للمثل رغم ابتعادها عن المعنى المحدد فيه.
+++++
الترجمة الحرفية – كل شخص يتحدث عن الشئ الذي يؤلمه.
التعليق – يضرب في ان الانسان يتكلم دائما عن الموضوع الذي يقلقه ويهمه او الذي يعاني منه , بغض النظر عن انسجام او عدم انسجام هذا الحديث مع الموقف العام لاجواء تلك الاحاديث.
+++++
الترجمة الحرفية -  التعليم نور واللاتعليم ظلام.
التعليق – مثل عالمي واضح المعنى , وقد استقر بالعربية بصيغة جميلة ودقيقة و كما يأتي – العلم نور والجهل ظلام.
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , والذي سيصدر قريبا في بغداد عن – ( دار نوٌار للنشر ).[/b]

671
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (37)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة السابعة والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – المكان المقدس لا يمكن ان يكون خاليا.
التعليق- القدسية ترتبط بالانسان والمجتمع, ولا قيمة لها بدون ذلك , ويضرب هذا المثل تأكيدا على هذا الارتباط  العضوي و الحيوي و الوثيق بين الانسان والاماكن المقدسة , اذ بما انها مقدسة فلا يمكن ان تكون خالية من البشر.
+++++
الترجمة الحرفية – سعيد من كان في شبابه سعيدا .
التعليق – يضرب في ان أجمل مرحلة في حياة الانسان هي مرحلة الشباب , فاذا كان فيها الانسان سعيدا فانه سيبقى سعيدا طوال حياته , لانه يتذكر سعادته ايام شبابه. يوجد مثل طريف باللهجة العراقية ( وربما ببقية اللهجات العربية) في هذا المعنى بشكل عام وهو – اذا ضاك خلكك اذكر ايام عرسك, (اذا ضامك الضيم تذكر ايام عرسك).   
+++++
الترجمة الحرفية – تشريف أكثر – جهود أكثر.
التعليق – يضرب في ان تقدم الانسان وترقيته في مسيرة عمله تلقي على عاتقه مسؤوليات اكثر وأصعب , وانه بالتالي يجب ان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار. 
+++++
الترجمة الحرفية – المياه الهادئة عميقة .
التعليق – يضرب لاحترام الانسان الهادئ وغير الثرثار والذي يقل كلامه اينما يكون ولا يتدخل في شؤون الآخرين ولا يوجههم في كل شئ , او يمطرهم بالنصائح والارشادات الفارغة...الخ , اذ ان ذلك كله دليل التفهٌم العميق للحياة الانسانية وطبيعتها. 
+++++
الترجمة الحرفية – البخل أعمى.
التعليق – يضرب في ان البخيل يغرق في بخله ولا يقدر ان يميٌز اي شئ حوله , لان كل الظواهر و  الاشياء في حياته تخضع بالنسبة له الى مقاييس هذا البخل ومفاهيمه .
+++++
الترجمة الحرفية – كل سر بمرور الزمن يصبح معروفا.
التعليق –  يضرب في ان الاسرار تفقد اهميتها وقيمتها وتصبح عتيقة عندما تمر سنوات عديدة وطويلة عليها , وبالتالي تفقد سريتها , وخصوصا تلك الاسرار ذات الصفات الاجتماعية العامة .
+++++
الترجمة الحرفية – اللحية كالاعشاب ويمكن حشٌها.
التعليق – يضرب للسخرية من اللحية التي يطلقها البعض من  الناس الفارغين  في محاولة للتأكيد على مكانتهم الاجتماعية او الثقافية ...الخ , ويستغلونها في المجتمع لاغراضهم ومنفعتهم الشخصية ليس الا.
+++++
الترجمة الحرفية – من الاغنية لا يمكن ان تحذف ولا كلمة.
التعليق –  يضرب لضرورة قول الحقيقة كلها كاملة دون محاولة اخفاء بعض الجوانب التي لا يرغب الانسان بذكرها , والا فان الامر يتشوه ويفقد انسجامه المنطقي.
+++++
الترجمة الحرفية – الصدأ يأكل الحديد , والكذب يأكل الروح.
التعليق – مقارنة فنية جميلة بين الصدأ في الطبيعة والكذب في الحياة الانسانية , وهو مثل يضرب لتصويرفظاعة الكذب والكذابين في المجتمع والتأثير السلبي والسئ لهذه الظاهرة . يوجد قول بالعربية يشير الى ان – ( الكذاب لص , لان اللص يسرق مالك والكذاب يسرق عقلك .)
+++++
الترجمة الحرفية – العين بالعين والسن بالسن.
التعليق – مثل عالمي دخل الى معظم اللغات منذ شريعة حمورابي وعبر الكتب السماوية كافة , ويضرب - كما هو واضح - للعقاب المماثل الذي يلحقه المذنب .
+++++
الترجمة الحرفية – هو و من الحجر يصلخ الياف.
التعليق – يضرب للشخص الذي يحاول الحصول على اي شئ من الآخرين (حتى لو يعرف مسبقا انهم لا يمتلكوه) لمنفعته الذاتية ومصلحته الشخصية البحتة . يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى بالضبط وهو -  يطلب من الحافي نعال.
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب الصغير  يبقى حتى الشيخوخة جروا.
التعليق – يضرب في ان الانسان الصغير الحجم يبدو دائما أصغر من عمره الحقيقي .
+++++
الترجمة الحرفية -  العصيدة جهزت.
التعليق – يضرب في ان الامور قد اختلطت وتشابكت. يترجم بوريسوف ( وكذلك جابر) هذا المثل كما ياتي – اختلط الحابل بالنابل, وهو استخدام صحيح في ترجمة معنى هذا المثل الروسي.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما سنموت سوف نحزن.
التعليق – يضرب لدعوة الانسان المتشائم ان يحيا حياته الطبيعية والتمتع بمسراتها , وعدم التاكيد فقط على جوانب الحزن والنوح في الحياة قبل الآوان .  يوجد مثل باللهجة العراقية  حول الانسان المتشائم في هذا المعنى وهو – ايبس الشط ( اي يجفف الماء من النهر )
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , والذي سيصدر قريبا في بغداد عن – ( دار نوٌار للنشر )

672
أدب / الاستيقاظ
« في: 17:15 20/08/2016  »
الاستيقاظ
+++++++
قصيدة للشاعر ليوبولد  ستاف / بولندا
++++++++++++++++++++
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
+++++++++++++++++++++

يستيقظ الضياء,
لكني لا أرى شيئا.
انني لم استيقظ تماما,
وحولي فوضى.
يجب ان أجمع شيئا- ما,
يجب أن أربط شيئا- ما,
يجب أن اقرر شيئا- ما,
لا اعرف اي شئ,
لا استطيع ان أجد حذائي,
لا استطيع ان أجد نفسي,
ويؤلمني
رأسي..

673
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (36)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة السادسة والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – لا قرابة بالنقود.
التعليق – يضرب في ان القرابة بين البشر لا  تمتلك اي تأثير او علاقة بدخل الفرد ونقوده او ثروته بشكل عام , اذ ان ذلك الامر يعد مسألة شخصية بحتة, وهي قاعدة عامة تقريبا في كل المجتمعات .
+++++

الترجمة الحرفية – لا تجلس في غير زلاقتك.
التعليق – يضرب لحث الانسان على ان يشغل مكانه الملائم , ولا يأخذ على عاتقه تنفيذ أمر لا يقدر ان ينجزه . استخدم الكاتب المسرحي الروسي أستروفسكي (1823- 1886) هذا المثل عنوانا لاحدى مسرحياته الشهيرة. يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – لا تشغل مقاما لا يناسبك , وهي ترجمة سليمة . لنتذكر القول العربي الجميل – رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.
+++++
الترجمة الحرفية - اذا تحب التزحلق , فيجب ان تحب حمل الزلاقات.
التعليق – يضرب في انه يجب على الانسان ان يتحمل تبعات تمتعه بما يحب من اعمال. يترجم جابرالمثل هذا  بشكل طريف وشيق جدا ( رغم ابتعاده الكبير عن بنية المثل الروسي ) وكما يأتي – من يلعب مع القط يتحمل خرابيشه.
+++++
الترجمة الحرفية -  توجد قوة – لا حاجة للعقل.
التعليق – يضرب للسخرية من الانسان الذي يمتلك القوة و يستخدمها لحسم الامور, بينما يحتاج الامر الى التفكير والتروي والاحتكام الى العقل والمنطق .
+++++
الترجمة الحرفية -  الكلمة – فضة , الصمت – ذهب.
التعليق – مثل عالمي يضرب في تفضيل السكوت على الكلام في بعض المواقف , وقد استقر هذا المثل بالعربية كما يأتي –
اذا كان الكلام من فضة , فالسكوت من ذهب.
+++++
الترجمة الحرفية – بايدي الآخرين يجرف اللهيب.
التعليق – يضرب للانسان الذي يستغل الآخرين لمصلحته . الصورة الفنية لهذا المثل جميلة. يترجم بوريسوف هذا المثل هكذا – حرٌك النار بايدي الغير , وهي ترجمة ليست خاطئة ولكنها تكاد ان تكون حرفية وغير واضحة المعالم , اما جابر فيترجمه بصيغتين وهما – استغل الآخرين لبلوغ مآربه / استغل جهود غيره لمنفعته الشخصية  , وترجمة جابر أكثر وضوحا و دقة بلا شك.
+++++
الترجمة الحرفية – اي بقرة اخرى لتجأر , لكن بقرتك لتصمت .
التعليق – يضرب لشجب الانتقادات الصادرة من شخص هو نفسه ليس بلا ذنوب . يذكٌر هذا المثل طبعا بالقول المشهور للسيد المسيح – من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
+++++
الترجمة الحرفية – لا لحم ولا سمك.
التعليق – يضرب في انعدام السمة المميزة والمحددة والذاتية الخاصة لكل الظواهر والاشياء. يترجم بوريسوف هذا المثل كما يأتي – لا هذا ولا ذاك, اما جابر فيترجمه – عادي لا ميزة له , ونظن ان ترجمة جابر أكثر دقة.
+++++
الترجمة الحرفية – الشعير لا يسير وراء الحصان .
التعليق – يضرب في ان الانسان  بجهوده وعمله يجب ان يحصل على الشئ الذي يريده ويحتاجه , ولا يمكن حدوث ذلك تلقائيا .  الصورة الفنية للمثل الروسي هذا طريفة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – الفرد من اجل الجميع , والجميع من اجل الفرد.
التعليق – يضرب للدعوة من اجل التكاتف والتعاضد بين البشر , وذلك لان العمل معا هو الذي يحقق النتائج الكبيرة . يوجد مثل عربي معروف في هذا المعنى وهو – الاتحاد قوة.
+++++
الترجمة الحرفية – بين المطرقة والسندان .
التعليق – تعبير شهير في روسيا دخل من اللغة الالمانية و قد ذهب مثلا , ويضرب لوصف حالة الانسان عندما يقع بين  شيئين سيئين او شرٌين او نارين ...الخ . استقر هذا التعبير في لغات عديدة اخرى , ومنها العربية .
+++++
الترجمة الحرفية – تحت الحجر الراقد حتى الماء لا يجري.
التعليق – يضرب لحث الانسان على النشاط والعمل , اذ بدون ذلك لا يمكن ان يتحقق اي شئ . يوجد بالعربية مثل جميل في هذا المعنى بشكل عام وهو – في الحركة بركة / كل حركة فيها بركة.
+++++
الترجمة الحرفية – يدي هي ربٌة الامر.
التعليق – يضرب للشخص الذي يتصرف على وفق رغبته ليس الا , وبالتالي يعمل ما يحلو له فقط . يترجم بوريسوف هذا المثل كما يأتي – انه حرٌ بتصرفاته , ويكرر جابر هذه الترجمة , الا انه يضيف ترجمة اخرى وهي – انه سيٌد نفسه.
+++++
الترجمة الحرفية -  ثوبي أقرب لجسمي.
التعليق – يضرب في ان المصلحة الشخصية أغلى من مصلحة الآخرين . يترجم بوريسوف هذا المثل ( وكذلك جابر ) كما يأتي – كل يجر النار لقرصه , وهي ترجمة صحيحة (من حيث المعنى العام طبعا ) باستخدام هذا المثل العربي الطريف و المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية -  حملك ليس عبئا عليك .
التعليق – يضرب في ان كل شئ يعمله الانسان لصالحه ليس عملا ثقيلا او صعبا بالنسبة له, ما دام يصب في مصلحته.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تبك الغابة على شجرة واحدة.
التعليق – يضرب في ان الحياة ومسيرتها لا تتوقف عند وفاة شخص ورحيله الابدي من الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – التفاحة لا تسقط بعيدا عن شجرة التفاح.
التعليق -  يضرب في ان الابناء يرثون خصائص والديهم , وان ( الولد على سر أبيه ) كما يقول المثل العربي المعروف . هناك مثل عربي طريف وبمختلف اللهجات العربية في هذا المعنى وهو – الذيب ما يخلٌف واوي .
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدر قريبا في بغداد عن - (دار نوٌار للنشر ).

674
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (35)

أ.د. ضياء نافع

الحلقة الخامسة والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – الذي يتكلم كثيرا يعمل قليلا.
التعليق –  معنى المثل واضح , وقد أشرنا ضمن هذه الامثال الى مثل روسي مناظر له وهو - عمل اكثر – كلمات اقل , وكلاهما في نفس المعنى , فالثرثرة تعرقل الاعمال, و ( اذا تم العقل نقص الكلام ) كما يقول المثل العربي الجميل.
+++++
الترجمة الحرفية – العيون تخاف لكن الايدي تعمل .
التعليق- يضرب في ان الانسان يخاف ويقلق قبل بداية الاعمال الصعبة او المعقدة , ولكنه ينفذها رغم تلك الاحاسيس.   
+++++
الترجمة الحرفية – صديق مخلص افضل من مئة خادم.
التعليق – يضرب في ان الصديق المخلص هو (الصديق وقت الضيق ) , وبالتالي فهو افضل من ( مئة خادم ) للانسان في محنته . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي جميلة رغم ما فيها من مبالغة .
+++++
الترجمة الحرفية – المعدة الجائعة صماء امام  كل شئ.
التعليق – يضرب في ان الانسان الجائع لا يستمع الى الكلمات بتاتا , اذ انها ( لا  تغني ولا تسمن من جوع ) ,  و (الجوع كافر) .
+++++
الترجمة الحرفية –     التوغل في العلم – هو الصبر تجاه المعاناة.
التعليق –  (دون معاناة لا يوجد علم) , هذا ما يشير اليه مثل روسي جاء ذكره ضمن هذه الامثال , واحدى هذه المعانات هي ضرورة الصبر عند التعمق في العلم .
+++++
الترجمة الحرفية – وعند العجوز توجد اخطاء.
التعليق –  يضرب في انه لا أحد دون اخطاء وحتى كبار السن الذين يمتلكون الخبرة  والتجربة في مسيرة الحياة , وهو مثل عالمي . يترجم جابر هذا المثل بعدة صيغ و كما يأتي -  العصمة للنبي / لا احد بدون اخطاء/ الكمال لله / وهي ترجمات صحيحة طبعا رغم ابتعادها – بشكل او بآخر - عن الترجمة المحددة والدقيقة  للمثل الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية – ما تبذر تحصد .
التعليق –  مثل عالمي مشهور, وهو واضح المعنى , ويترجمه جابر كما يأتي -  حصد ما زرع  , وهي ترجمة سليمة تعتمد على الصيغ العديدة الموجودة لهذا المثل ( من زرع حصد / كما تزرع تحصد / انت تحصد ما تزرع / كما تبذر سوف تحصد ...). يضرب في ان الانسان ( يحصد ) حتما نتائج ما يقوم به من أعمال في مسيرة حياته .
+++++
الترجمة الحرفية – عند كل حكيم ما يكفي من السذاجة .
التعليق – يضرب في ان الانسان الذكي قد يكون بعض الاحيان ساذجا وقصير النظر, و يقوم باعمال ساذجة و غير حكيمة لا تتناسب مع مكانته . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – لكل جواد كبوة , وهو استخدام صحيح للمثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – الاماكن الرهيفة هي التي تتمزق.
التعليق – يضرب في ان الاماكن الضعيفة والمنخورة وغير المحصنة هي التي تنهار وتسقط قبل غيرها . يترجمه بوريسوف كما يأتي – لا يحصل الضرر الا في اماكن الضعف , وهي ترجمة سليمة.
+++++
الترجمة الحرفية – من النار الى اللهيب .
التعليق – يضرب للشخص الذي يحاول التخلص من مشكلة صغيرة  فيقع في مشكلة أكبر . يترجم جابر هذا المثل بصيغتين عربيتين وكما يأتي – كالمستغيث بالرمضاء من النار / هرب من الدب فوقع في الجبٌ. يوجد مثل روسي مناظر أشرنا اليه ضمن هذه الامثال وهو – هرب من الدخان فسقط في النيران , و أشرنا فيه الى مثلنا العربي (بمختلف لهجاتنا) في هذا المعنى وهو – هرب من المطر فوقع تحت المزريب.
+++++
الترجمة الحرفية – من الشباب , لكنه مبكٌر.
التعليق – يضرب  لشجب ذاك الشخص الذي يحاول الحصول على المناصب العليا مسرعا (وهو لا زال غض العود) دون تجربة وخبرة ودراية , والتي غالبا ما تنتهي بالفشل.
+++++
الترجمة الحرفية –      جاءت المصيبة – افتح البوابة.
التعليق – يضرب في ان ( المصائب لا تأتي فرادى) كما يشير المثل العربي المعروف , و يترجم بوريسوف هذا المثل هكذا- المصائب لا تاتي منفردة , ويترجمه جابر- لاتاتي المصائب فرادى . يوجد مثل روسي آخر  ذكرناه وهو - لا تاتي المصيبة لوحدها ابدا , لكن الصورة الفنية هنا تختلف ,  اذ انها اوسع خيالا .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان  ينوي والرب يدبٌر.
التعليق – يضرب في ان الرب يساعد الانسان الذي يخطط و يعمل. يترجم  جابر هذا المثل مستخدما المثل العربي المعروف وفي نفس المعنى وهو  – الانسان بالتفكير والله بالتدبير.
+++++
الترجمة الحرفية -  اعتمد على الرب , ولكن انت نفسك لا تتقاعس.
التعليق – يضرب لحث الانسان على العمل والاعتماد على النفس بعد الاتكال على الرب , اذ ( يساعد الله الذين يساعدون أنفسهم ) كما يقول المثل العربي .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما لا توجد اسماك , فالسرطانات اسماك.
التعليق – يضرب للاقتناع بما هو موجود عند عدم الحصول على الشئ المطلوب . يوجد مثل جميل بالعربية في المعنى الواسع جدا لمفهوم القناعة, و ربما يمكن الاستشهاد به هنا باعتباره  يشمل المعنى العام نفسه وهو - القناعة كنز لا يفنى.
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدر في بغداد قريبا عن – ( دار نوٌار للنشر ).

675
حديث مع المترجمة الفورية كاترين
أ.د. ضياء نافع

التقيتها اثناء دراستي في القسم الروسي بجامعة باريس عام 1967 . كانت كاترين تكتب بحثا عن يسينين , وقد ادهشتني بعمق معرفتها للغة الروسية آنذاك . وهكذا تطورت اللقاءآت في اجواء ذلك القسم الذي كان بادارة البروفيسورة صوفي لافيت مشرفتي العلمية , وظهور نجوم  فرنسية ساطعة متخصصة آنذاك في الادب الروسي مثل نيكيتا ستروفه وغيره ...
واستمر الحوار مع كاترين اثناء اللقاءآت في النشاطات الثقافية  العديدة والمتنوعة للجالية الروسية في باريس , واللذين كانوا يصرون على تسميتها بالروسية يكاترينا وليس بالفرنسية كاترين , بل وكانوا يستخدمون – بعض الاحيان -  اسم الدلع بالروسية , اي كاتيا , ليس الا .
انقطع هذا التواصل عام 1971 عندما انهيت دراستي في باريس وعودتي الى بغداد . بعد عدة سنوات ( في اواسط السبعينات ) استلمت فجأة رسالة من كاترين تقول فيها انها ستكون في فندق ميليا منصور ببغداد بصفة مترجم فوري في مؤتمر عالمي حول الاتصالات السلكية واللاسلكية . والتقينا في بغداد مرة اخرى , وعرفت منها اخبارها , وكيف انها اصبحت تعمل في منظمة الامم المتحدة مترجمة فورية , حيث تجلس في كابينة صغيرة وتضع السماعات على اذنيها وتستمع الى كلمات الوفود وتترجمها الى لغة اخرى فورا ( تعمل في اطار لغات ثلاث هي الفرنسية والانكليزية والروسية ). دخلت الى فندق ميليا منصور وزرت قاعة المؤتمر وشاهدت كابينات المترجمين الفوريين , ولاحظت كيف يعملون بتوتر شديد , وكيف يغيرون المترجم بعد كل نصف ساعة من العمل , وتعرفت على الوثائق التي كانت بحوزتهم وهي  تضم معظم المصطلحات الخاصة بموضوع المؤتمر وبخمس لغات , والتي اعدٌتها لجنة علمية خاصة في الامم المتحدة قبل انعقاد المؤتمر بفترة , وتم توزيعها على المترجمين الفوريين في حينها لتسهيل مهمة الترجمة الفورية , وعرفت ايضا ان المترجم الفوري يحصل على بطاقة الطائرة والسكن في نفس الفندق مجانا , ويستلم 250 دولارا يوميا اجورا لعمله .
عادت كاترين بعد لقاء بغداد - الذي استمر ثلاثة أيام – الى مقر عملها في جنيف , ولم نلتق طوال اكثر من اربعين سنة . وفجأة استلمت منها رسالة الكترونية قبل ايام ( تموز / يوليو 2016) , تقول فيها انها ستمر بموسكو لمدة يومين , وهكذا التقينا مرة اخرى . وسنحت الفرصة لي اخيرا ان اتحدث معها عن تفاصيل حياتها المهنية باعتبارها مترجمة فورية في الامم المتحدة ترتبط بثلاث لغات , واخبرتها باني اود الكتابة عن مسيرة  حياتها , خصوصا واني عملت طوال حياتي في مجال اللغات , فوافقت بكل سرور.
حدثتني كاترين انها كانت تعشق لغتها الفرنسية , ثم بدأت تدرس اللغة الانكليزية في المدرسة الابتدائية , وعندما كان يجب ان تختار لغة اجنبية ثانية , اختارت اللغة الروسية , ولكن اهلها اختاروا لها اللغة الاسبانية لانهم كانوا يعتقدون انها اسهل لها وان الروسية لغة صعبة جدا , ولكنها أصرت على الروسية , بل واضربت عن الطعام لثلاثة ايام احتجاجا , وهكذا وافق اهلها على اختيارها . ضحكت انا وسالتها لماذا كل هذا العناد , فقالت لانها قررت ان تكون مترجمة , ولما شاهدت ان معظم التلاميذ اختاروا اللغة الاسهل , فقررت ان تختار اللغة الاصعب كي تكون المنافسة لاحقا اسهل في مجال الترجمة . عندما لاحظ اهلها عشقها للغات وانها تريد ان تكون مترجمة , أخذوا يساندونها , وهكذا ارسلوها في العطلة الصيفية الى لندن لقضاء شهرين في بيت عائلة انكليزية يعرفونها , واستمرت كاترين بالسفر الى لندن كل صيف وتطوير لغتها الانكليزية اثناء دراستها في المدرسة , واستمرت كذلك بدراسة اللغة الروسية ايضا في المدرسة وعند معلمة خصوصية من اللاجئين الروس في باريس . عندما انهت كاترين المدرسة , كانت تتقن بشكل جيد جدا لغتين اجنبيتين , فالتحقت بالقسم الروسي في جامعة باريس , وتخرجت هناك متخصصة باللغة الروسية وآدابها . وجدت فرصة عمل بالصدفة في باريس مع وفد روسي كان يصور فلما سينمائيا عن حياة الكاتب الروسي اليكسي تولستوي , الذي عاش فترة في الغرب , ونجحت نجاحا باهرا في عملها مترجمة , وهكذا فهمت انها تستطيع تحقيق حلمها للعمل في مجال الترجمة , فالتحقت بمعهد الترجمة في باريس لتطوير مهاراتها الترجمية . وهذا المعهد يعد من اشهر معاهد الترجمة في العالم , اذ يقبل فقط طلبة يتقنون لغتين اجنبيتين , ويجري امتحانا صعبا لكل الراغبين بالدراسة في اللغتين اضافة الى امتحان في اللغة الفرنسية . وهكذا التحقت كاترين في هذا المعهد العتيد ودرست سنتين فيه ونجحت في صقل موهبتها واصبحت جاهزة لتحقيق حلمها والعمل في مجال الترجمة . بدأت تترجم تحريريا , ولكنها انتقلت الى الترجمة الشفهية بالتدريج . سألتها عن السبب في هذا الانتقال , فقالت انها كانت تستيقظ من النوم عدة مرات يوميا لانها كانت ترى في منامها انها لم تترجم الكلمة تلك كما يجب وانها كان من الافضل ان تضع كلمة اخرى  بدلا عنها اكثر دقة , وتنسى تلك الكلمة في الصباح , ولهذا وضعت دفترا وقلما قرب سرير النوم وكانت تكتب الكلمة البديلة , ولكنها لم تقدر ان تفهم ما كتبته في الصباح , وهكذا قررت الانتقال الى الترجمة الشفهية للتخلص من هذه الكوابيس , واضافت كاترين , انها فهمت الان ان قرارها كان صائبا , وانها خلقت للترجمة الشفهية , ووصلت الى قمتها – وهي الترجمة الفورية . سألتها الا تجدين صعوبة في تنوع المواضيع عند الترجمة الفورية , فقالت نعم بالطبع ولكنني الان امتلك تجربة كبيرة تساعدني على تذليل الصعوبات . قلت لها اظن ان الترجمة التقنية هي الاصعب , فقالت لا , بل الترجمة السياسية . تعجبت انا من ذلك القول , فاجابت , ان الترجمة التقنية محددة ومحدودة , ويمكن الاستفسار عن مفرداتها عند الضرورة, اما الترجمة السياسية , فانها تعتمد على  مفردات غير محددة للوصول الى اهداف متباينة باسلوب غير مباشر , وغالبا ما تعتمد على الضبابية , وقالت انها كانت شاهدة لعدة مواقف في مجلس الامن تم ايقاف الجلسات فيه نتيجة اعتراضات على عمل المترجمين الفوريين .
سألتها اخيرا عن رواتبهم هناك وهل هي مجزية وتتناسب مع هذا العمل الفكري المتوتر, فقالت انهم يستلمون اجورا عن كل يوم عمل مقدارها 650 دولارا , وان يوم العمل هو 6 ساعات ( ثلاث ساعات صباحا وثلاث ساعات بعد الظهر, والاستراحة بعد كل نصف ساعة عمل ) , وانهم لا يستلمون اي شئ عن اليوم الذي لا عمل فيه . سألتها – وهل انت راضية عن هذه الاجور وشروطها , فقالت نعم , وكذلك بقية الزملاء . قلت لها ألم تتعبي من مسيرتك الطويلة في هذه المهنة الصعبة ؟ فضحكت وقالت – ابدا , انني لحد الان اذهب كل صباح للعمل بكل سرور ونشاط , ولا استطيع ان اتصور حياتي بدون عملي في الترجمة الفورية . 

676
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (34)

أ.د. ضياء نافع

الحلقة الرابعة والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية .
ض.ن.
الترجمة الحرفية – لا يمكن شراء صديق بالنقود.
التعليق – يضرب في ان النقود ليست كل شئ في الحياة , وانها لا يمكن ان  تلعب دورا في مجال العلاقات الانسانية مثل الصداقة وغيرها .
+++++
الترجمة الحرفية – ثق ولكن دقق.
التعليق – معنى المثل واضح طبعا, ويضرب في ان الانسان يجب ان يكون حذرا ويقظا بتعامله مع الآخرين حتى في حالات الثقة . المثل واسع الاستخدام بين الناس في روسيا , ويقال ان الرئيس الامريكي ريغان استخدمه – وبالروسية - في خطابه بموسكو.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا أردت أن تعيش اعرف كيف تراوغ.
التعليق – يضرب في ان الحياة تتطلب ( الكرٌ والفرٌ) كما يقولون , وان مشاكل المجتمع تقتضي من الانسان التعامل المباشر وغير المباشر لحلها.
+++++
 الترجمة الحرفية – اطرق الحديد ما دام ساخنا.
التعليق –  يضرب في ضرورة الاستمرار بالعمل و حسم الامور كليٌا في حينها ,اي ما دامت هناك ظروف مناسبة لانجازه ,لان (الحديد يجمد عندما يبرد!). هذا المثل عالمي وقد استقر بالعربية ايضا بهذه الصيغة.
+++++
الترجمة الحرفية – دون عمل جيد لا توجد ثمار.
التعليق –  معنى المثل واضح , وهو بشكل عام مثل عالمي . يضرب للحث على اداء كل عمل بشكل جيد ومتقن كي تكون هناك نتائج جيدة له . توجد بالعربية امثال عديدة في هذا المعنى , منها – من سعى جنى.
+++++
الترجمة الحرفية – ثق اكثر بالاعمال مما بالاقوال.
التعليق – مثل عالمي واضح المعنى , ف ( الاعمال تتكلم اعلى من الاقوال) وبمعظم اللغات , والثرثرة هي ( كتابة على الماء ) كما يقول المثل الروسي  الآخر , الذي أشرنا اليه ضمن هذه الامثال .
+++++
الترجمة الحرفية – لا نوافذ  في القلب.
التعليق – مثل شاعري جميل يشير الى ان الاحاسيس في القلب لا يمكن ان ( تتسرب ! ), بل تبقى هناك الى الابد, و( ما الحب الا للحبيب الاول ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الشفة ليست حمقاء .
التعليق – يضرب في ان الانسان يعرف دائما ما يريد قوله وبلسانه  عندما يعبٌرعن رغباته بشكل دقيق ومباشر , اذ ان الانسان يختار – بالطبع - الافضل و الاحسن  لنفسه.
+++++
الترحمة الحرفية – النقود تعبٌد الطريق .
التعليق –  يضرب في ان المال يؤدي دورا مهما في تذليل صعوبات الحياة وحل مشاكلها , ويذكٌر بمثل روسي آخر جاء ضمن هذه الامثال وهو - النقود تفتح كل الابواب . يوجد مثل طريف باللهجة العراقية في هذا المعنى وهو – الفلوس تجيب العروس ( تجيب – تأتي ب ) .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الرأس ألذكي مئة ذراع.
التعليق – يضرب لتمجيد الذكاء , اذ ان الانسان الذكي يمتلك وسائل عديدة لايجاد حلول للمشاكل الصعبة التي تواجهه في الحياة. الصورة الفنية لهذا المثل جميلة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية -  اللحية كبيرة والروح شابة.
التعليق – يضرب للرجل الكبير في السن ومع ذلك يتصرف بشكل لا يتناسب مع عمره وشكله . يوجد تعبير شائع باللهجة العراقية ( وربما باللهجات العربية الاخرى ) في هذا المعنى وهو - روحه خضره .
+++++
الترجمة الحرفية –         كل العائلة سوية – الروح في مكانها.
التعليق – يضرب للقلق الذي ينتاب العائلة ( وخصوصا الوالدين ) عندما يتأخر الابناء بالرجوع الى البيت , وهي حالة عامة عند الجميع.
+++++
الترجمة الحرفية –       الابجدية – درجة نحو الحكمة .
التعليق – يضرب للتاكيد على اهمية التعليم , الذي يبتدأ بالابجدية , وينتهي في نهاية المطاف بالمعرفة  التي تؤدي الى الحكمة , ولنتذكر المثل الخالد – العلم نور...
+++++
الترجمة الحرفية -  المحتاج داهية في الابتكار.
التعليق – يضرب في ان الحاجة تدفع الانسان الى ان يجد حلولا جديدة ومبتكرة . يوجد مثل مناظر عند الروس أشرنا اليه هنا , وهو – (الحاجة تعلٌم كل شئ ) . هناك امثال عربية عديدة في هذا المعنى منها – الحاجة ام الاختراع / الحاجة تفتح باب المعرفة / الضرورة تفتح باب الحيلة / الحاجة تفتق الحيلة ...
+++++
الترجمة الحرفية – يشتري قطٌا في الكيس.
التعليق- يضرب عند عملية شراء  اشياء غير محددة وغير واضحة المعالم , والمثل العربي المناظر هو – يشتري سمكا في الماء ( وهكذا يترجمه جابر ) , ونظن ان المثل العربي اكثر دقة , رغم طرافة المثل الروسي.
+++++
الترجمة الحرفية –          سبع مصائب – الجواب واحد.
التعليق – يضرب عندما يواجه الانسان عدة حالات من التجاوزات او الاخطاء او المجازفات ...الخ , والتي تقتضي الاجابة عليها وتحمل مسؤلياتها مجتمعة . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – تتعدد المصائب والموت واحد , مستخدما بيت الشعر الذي ذهب مثلا وهو – تعددت الاسباب والموت واحد , وهي محاولة طريفة رغم الابتعاد قليلا عن المعنى المحدد للمثل الروسي. 
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدر قريبا في بغداد عن ( دار نوٌار للنشر ).

677
حوار خيالي مع افكار صديقي تشيخوف
أ.د. ضياء نافع

ض.ن. – هل نبدأ بالسؤال التقليدي عن حياتك في مدينة تاغنروغ,ام انك ستصاب بالملل؟
تشيخوف(مبتسما)- كلكم هكذا, تلحون بالاسئلة عن حياتي اولا, ولكن لماذا؟
ض.ن.- لاننا نرى , ان الكاتب هو تعبير عن عصره, ولهذا فاننا نحاول معرفة وضعه الاجتماعي, لنستشف موقفه من العصر ومدى تعبيره عنه, ثم ان
تشيخوف(مقاطعا)- اني لا افهم هذه الكلمات ( تعبير عن العصر), و (اانعكاس الامال)...الخ...الخ, ومن الافضل دراسة التاريخ والاقتصاد وغيرها من الاختصاصات اذا اردتم ان تفهموا العصر والعلاقات الاجتماعية فيه...
ض.ن.-ولكن الفن يعكس العلاقات الاجتماعية ويساهم في ايجاد حلول لقضايا العصر,أليس كذلك؟
تشيخوف- جزئيا, نعم, ولكن الفن اعمق من ذلك, اعمق من ان يعكس روح العصر والعلاقات الاجتماعية فيه, انه يعكس المعاناة الانسانية قبل كل شئ,يعكس الاحاسيس الانسانية من ألم وملل وفرح وحزن وانتصار واندحارو..و..و, وهنا بالذات تكمن اهمية الفن في رأي.
ض.ن.- هل يمكنك توضيح ذلك؟
تشيخوف – خذ مثلا ( آنا كارينينا), فتولستوي في روايته تلك لم يقرر مشاكل عصره , وانما تكلم بصدق وفنية رائعة عن جانب من العلاقات الاجتماعية, ولا زالت هذه الرواية تثير القراء لحد الآن ليس لانها تعكس فقط جانبا من العلاقات الاجتماعية وانما لانها تعكس ايضا – وقبل كل شئ- المعاناة الانسانية المشتركة لكل العصور, معاناة كارينينا وبقية ابطال الرواية.
ض.ن.- ولكن ماذا بشأن ايجاد الحلول للقضايا الاجتماعية ؟
تشيخوف – ان الاديب, في رأي, شاهد موضوعي فقط وليس حاكما. يكفي للانسانية ما عندها من محاكم وقوانين صارمة, ويجب عدم تحويل الادب والفن الى محاكم وقوانين جديدة.
ض.ن.- ألا ترى ان ذلك يمكن ان يؤدي بالاديب والفنان الى مواقف لا مبدئية؟
تشيخوف- كلا. لقد كتبت مجلة (روسكايا ميسل) (الفكر الروسي) مرة ,ان تشيخوف كاتب بلا مبادئ, واظنك تعلم , باني لم اكتب ردٌا على اي نقد تعرضت اليه,على الرغم من كثرة النقاد الذين كتبوا ضدي, ولكني لم استطع السكوت عندما قرأت ما كتبته المجلة المذكورة عنٌي. لقد اخبرتهم في رسالتي باني لم اكن ابدا كاتبا لا مبدئيا, لاني مع الحرية ومع العدالة ومع الصدق, واني افهم الفرق بين الحرية والعبودية وبين العدالة والظلم وبين الصدق والكذب.
ض.ن.- ولكن كيف يمكننا ان نرى بوضوح موقف الكاتب هذا؟
تشيخوف – كتب لي احد الاصدقاء بعد قراءة قصة ( النيران) يقول , انه لم يجد في تلك القصة اي اتجاه, وقد تعجبت انا, واجبته باني من بداية القصة الى نهايتها احتج ضد الكذب, وان هذا هو الاتجاه المبدئي بعينه, ولكن الصديق المذكور اصٌر قائلا انه اعاد قراءة القصة ولم يجد فيها اتجاها ما,وقد شرحت له بعدئذ اني لا استطيع ان اكتب ان فلانا يسرق, وان السرقة عمل سئ,اذ اني ساقتل بهذا روح النتاج الابداعي , واني اعتمد دائما على القارئ الذكي والذي يفكر, وارفض القارئ الكسول الذي يجب ان اذكره بين الحين والحين ان السرقة عمل سئ, اني اريد من القارئ ان يساهم معي, وان لا يكون فقط اداة تقٌبل,وانما ان يكون اداة مشاركة ايضا.اني اعطي للقارئ ايماءات هنا وهناك واطلب منه, نعم ,اطلب منه ان يبلور الصورة المطلوبة بنفسه. اني اعاني كثيرا عندما اكتب, ولكني لا اظهر هذه المعاناة للقارئ, لان هذا يفسد العمل الفني ويحوله الى فكرة منتهية ما على القارئ الا الاقرار بها.
ض.ن.- هل استطيع ان استنتج من كل ما قلته , انك ضد الالتزام في الادب؟
تشيخوف – كلا. هذا استنتاج غير صحيح. اني ضد الفهم الخاطئ للالتزام. الالتزام – من وجهة نظري – يكمن في الحرية, وكل اديب حر هو بالتالي وبالضرورة اديب ملتزم. الكاتب الحر- اي الملتزم هو الذي يكتب بصدق عن كل شئ يراه ويعرفه ويفهمه بعمق, ويستطيع ان يتصرف في حياته ايضا انطلاقا من هذا الالتزام.
ض.ن. – كيف؟
تشيخوف – لقد قدمت انا مثلا استقالتي – مع كارولينكو- من اكاديمية العلوم احتجاجا على طرد مكسيم غوركي منها – بعد قبوله- بتأثير من السلطة, وايٌدت مطالب الحركة الطلابية. ان اعمالي هذه تنطلق من ايماني باني كاتب ملتزم, ولا يمكن النظر اليها بشكل آخر بتاتا.
ض.ن. – لننتقل الآن الى سؤال آخر, ربما يبدو قديما, ولكني اظنه مهما – من هو كاتبك المفٌضل, او كتابك المفضلون, وهل تأثرت بأحد منهم؟
تشيخوف – هذا سؤال مهم فعلا, على الرغم من قدمه. انه سؤال متشعب جدا, واتناوله من الجزء الاخير وهو – هل تأثرت باحدهم؟ الجواب – كلا. لقد تأثرت بتولستوي لفترة قصيرة, ولكني استطعت التخلص من هذا التأثير, نعم, التخلص, اذ اني انسان عنيد, لا استطيع تقٌبل الاراء بشكل جاهز, لقد حاولت طوال حياتي ان أصل الى كل شئ بنفسي. عندما اكتب, فاني اختار دائما المواضيع التي فهمتها فعلا,ولكن هذا لا يعني بتاتا اني لم اكن اقرأ. لقد بدأت بالقراءة منذ طفولتي, ولا زلت أقرأ وأقرأ, ولكني لست متأثرا باحد.
ض.ن.- هل تستطيع تسمية بعض هؤلاء الذين تحب ان تقرأ نتاجاتهم؟
تشيخوف – ليرمنتوف مثلا. اني اتعلم من ليرمنتوف كيفية الكتابة, ولا زلت مندهشا كيف استطاع ان يكتب ( تامان) وهو في هذا العمر اليافع.والحقيقة, اني احلم ان اكتب شيئا- ما يشبه (تامان), واضيف اليه مسرحية فكاهية ذات فصل واحد, وعندها استطيع ان أموت مطمئنا. اما بوشكين, فانا اعود اليه بين الحين والحين, خاصة الى كتاباته النثرية, اذ اني أجد هناك انفاس الشاعر,وهذه خاصية فريدة ورائعة,اضافة الى انه استطاع ان يتعامل مع الاشياء والقضايا الاعتيادية والبسيطة  ويحولها الى مادة جمالية مدهشة.
ض.ن.- ماذا تقصد بذلك؟
تشيخوف – هذه مسألة كبيرة بدأها بوشكين في الادب الروسي,وهي تعني الكتابة عن الشئ الاعتيادي الذي لا يلاحظه الانسان عندما يمرٌ به,ولكن الفنان يجد فيه شيئا يجلب الانتباه, ثم يحوله الى مادة جمالية.
ض. ن. – وهل انعكس هذا في نتاجاتك الادبية؟
تشيخوف – نعم, وفي كل نتاجاتي. لقد اقترح عليٌ احد الاصدقاء ان اكتب عن موضوع انتحار صبي كان له من العمر سبع عشرة سنة, وتكلم طويلا حول هذا الموضوع, ولكني رفضت هذا المقترح. اني احاول ان اتجنب في نتاجاتي الحوادث الهائلة والتعقيدات المفتعلة. اذكر, ان مجموعة من الادباء كانت عندي مرة,وأكٌد احدهم بانه لا توجد الآن مواضيع للادب, اذ ان كل شئ قد تناوله الادباء, ولكني سخرت منه, وكانت امامي منفضة مليئة باعقاب السجائر, فرفعتها بيدي وقلت- هل تريدون ايها السادة قصة بعنوان ( المنفضة)؟ اني سأكتبها لكم غدا. وتكرر الكلام نفسه في احدى المقاهي, فأشرت عندها الى جدار المقهى وقلت انه موضوع رائع لنتاج ادبي. اني اكتب ببساطة عن حوادث صغيرة واعتيادية, وحتى متكررة, ولكني اكتب عنها بحب كبير بعد فهمي لاعماقها. ان البساطة في الفن هي اقصى ما يستطيع ان يحققه الفنان الاصيل.
ض.ن.- دستويفسكي لم يكتب بهذا الشكل...
تشيخوف – نعم, هذا صحيح, ولهذا فانا لا اميل اليه كثيرا. لقد قرأت ( الجريمة والعقاب), ولا يمكن ان أقول انها ليست عملا ادبيا وفكريا متميزا, ولكن بالنسبة لي ,فانها مليئة بالاجواء الفخمة والادعاءات, وبالتالي فانها لا تتلائم مع طبيعتي ومفاهيمي .
ض.ن. – يشير بعض النقاد الى تأثير سلتيكوف- شيدرين على نتاجاتك الساخرة.
تشيخوف – لا, لا. لقد قلت لك باني لست متأثرا باحد, ولا يمكن اعتباري متأثرا حتى بغوغول. انت تعلم ان بوشكين هو الذي اعطى لغوغول فكرتي ( المفتش) و ( الارواح الميتة), وحتى في هذه الحالة , وانا متأكد من ذلك ,لو ان بوشكين نفسه كتب حول هذين الموضوعين , فان الكتابة عندها ستكون بغير تلك الروحية التي كتب بها غوغول,فكيف يريدني هؤلاء النقاد ان اكون متاثرا بشيدرين؟
ض.ن. – وماذا بشأن تولستوي؟
تشيخوف – اني احبه كثيرا. انه الاديب الاول في روسيا ولا ادري ماذا باستطاعتنا – نحن الادباء الروس – ان نعمل بدون تولستوي؟ انه يرعانا كلنا, وما دام تولستوي على قيد الحياة, فان الادب الروسي بخير.
ض. ن. – ولكن تولستوي لا يحب مسرحياتك.
تشيخوف ( مبتسما)- نعم, هذا صحيح. لقد اخبرني مرة انه لا يحب مسرحيات شكسبير, ولكنها مع ذلك افضل من مسرحياتي. يؤكد تولستوي ان المسرحية يجب ان تدور حول حوادث ما, حوادث معينة فيها بداية ونهاية, اما انا, فاني اعتقد ان كل شئ متشابك في الحياة, ولهذا فان كل شئ يصلح ان يكون موضوعا لمسرحية. لقد شاهد تولستوي مسرحية ( الخال فانيا) وخرج غاضبا من المسرح وهو يقول – اخبروا تشيخوف وستانسلافسكي, انه لا يمكن ان تكون هناك مسرحية بمجرد ان يرقد انسان ما بكسل وينظر الى الحديقة. اما انا, فاعتقد بامكانية ذلك.
ض.ن. – ولكن لماذا قررت الكتابة بهذا الشكل؟ هل حاولت الكتابة عن احداث- ما؟
تشيخوف – اعتقد انه من الضروري جدا على كل فنان ان يحاول دائما خلق اشكال ادبية جديدة, وانطلاقا من هذا, حاولت ان اخلق هذه الاشكال الجديدة في مجال القصة والمسرحية, خاصة في عالم المسرح. ان حالة المسرح الروسي سيئة, وقد حاولت ان امنحه مسرحية جديدة, مسرحية المزاج النفسي – ان شئت – ولكن هذا لم يعجب تولستوي.
ض.ن. – وهل تعتقد انك نجحت في خلق الاشكال الجديدة هذه ؟
تشيخوف – هذه سؤال محرج, خصوصا واني لا احب الكلام عن نتاجاتي, ولا اريد ان اضعها مثلا اعلى في الادب. كل ما استطيع قوله بهذا الشأن, هو اني حاولت, وباخلاص. اود ان اضيف هنا شيئا آخر- لا تصدق اذا سمعت فنانا يقول انه لا يحب ابداعاته . نحن نحب نتاجاتنا, ونعيش معها حرفا حرفا, ونحميها, ونتابع كل كلمة تقال فيها, ولكن عندي احساس دائم, لا اعرف مصدره,يسيطر علي طوال الوقت وهو اني في كل كتاباتي لم استطع ان احقق الشئ الذي كان باستطاعتي ان احققه, وهناك شعور يغمرني دائما, وهو اني سأكتب في المستقبل اشياء احسن وافضل من تلك التي كتبتها سابقا,وانا أتألم كثيرا عندما انظر الى نتاجاتي المطبوعة واقارنها بنتاجاتي الموجودة في ذهني, والتي اود كتابتها, واقول لنفسي- ياللحسرة, الشئ السئ مطبوع , والشئ الرائع لا زال في ذهني.
ض.ن. – سؤال اخير.. ما رأيك بالمستقبل؟
تشيخوف – لست سياسيا ولا مصلحا اجتماعيا, ولكني اعتقد ان الحياة ستكون رائعة جدا بعد مرور 200 او 300 سنة, وانها ستختلف عن حياتنا الكئيبة هذه.


678
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (33)
أ.د. ضياء نافع

 الحلقة الثالثة والثلاثون من مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – يضع الشيطان ملعقة عسل على الزوجة الغريبة.
التعليق- مثل ساخر يضرب لشجب (نظرات!) أعين الازواج على الزوجة الغريبة .
+++++
الترجمة الحرفية – ألاكثر فقرا – اكثر كرما.
التعليق-  عادة ما يكون الاغنياء بخلاء لانهم تعودوا على جمع الثروة طوال حياتهم , و يضرب هذا المثل لشجب صفة البخل عند الاغنياء والتذكير, بان الفقراء اكثر كرما منهم .
+++++
الترجمة الحرفية – الدجاجة عند الكريم تبيض بيضتين.
التعليق – مثل طريف يضرب للحث على الكرم , وان الله يعوض الكريم من حيث لا يدري , ويفتح امامه آفاقا غير منتظرة او متوقعة. 
+++++
الترجمة الحرفية – حافظ على الحاجب وستكون العين عندها سليمة .
التعليق – يضرب في ضرورة الحفاظ على الاشياء الثمينة عن طريق الحفاظ على ما يوجد حولها احتياطا وحرصا.
+++++
الترجمة الحرفية – ليس حبيبا لانه جيد , وانما لانه حبيب فهو جيد.
التعليق – يضرب في ان المحب يبرر كل شئ , ولنتذكر شطر البيت العربي الشهير الذي ذهب مثلا وهو – عين الرضا عن كل عيب كليلة.
+++++
الترجمة الحرفية – ابن واحد ليس ابنا, ابنان نصف ابن , ثلاثة ابناء ابن.
التعليق –  مثل طريف , يضرب للحث على التكاثر في العائلة الواحدة من اجل ان تسير الحياة بشكل طبيعي جيد واستمرارها.
+++++
الترجمة الحرفية – الاعمال تتكلم اعلى من الكلمات.
التعليق – يضرب للسخرية من الثرثرة الفارغة , والتأكيد على اهمية العمل وقيمته , وهو مثل عالمي استقر بهذه الصيغة في العديد من اللغات , بما فيها العربية.
+++++
الترجمة الحرفية – من كلمة شكرا لا تخيط معطفا.
التعليق –  مثل ساخر يضرب لضرورة  ان يقدٌم الانسان اجورا ملموسة للتعبير عن شكره للآخرين مقابل خدماتهم له و تسهيل اعماله  ,  اذ لا فائدة من كلمات الشكر والامتنان فقط. 
+++++
الترجمة الحرفية -  لساني – عدوي.
التعليق – يضرب للانسان الذي لا يفكر بعواقب اقواله , وهو مثل شائع في كثير من اللغات , ومنها العربية , اذ يوجد مثل مطابق له وهو – اللسان  عدو الانسان . توجد ايضا العديد من الامثلة العربية في هذا المعنى منها – لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك / ربٌ كلمة سلبت نعمة / الجرح يطيب والكلمة ما تطيب ( باللهجات العربية المختلفة) , واصوله من بيت شعر ذهب مثلا وهو –
وقد يرجى لجرح السيف برء    ولا برء لما جرح اللسان ....
+++++
الترجمة الحرفية – كثير النوم لا يرى خيرا.
التعليق – معنى المثل واضح , ويضرب للحث على العمل والنشاط لان الكسل والخمول وكثرة النوم تتناقض مع متطلبات الحياة الطبيعية. يعد هذا المثل الوجه الآخر المضاد للمثل العربي الشهير – الصباح رباح.
+++++
الترجمة الحرفية – المهم وجود الرقبة , اما اللجام فيمكن ايجاده.
التعليق – يضرب في ان المهم ان يكون هناك الشخص المستعد والمؤهل للعمل , اما العمل نفسه الذي يناط به فيمكن ايجاده دائما .
+++++
الترجمة الحرفية – الموعود ينتظرونه ثلاث سنوات.
التعليق – يضرب في عدم امكانية انتظار الموعود ابدا , وان لكل شئ  يجب ان تكون نهاية .
+++++
الترجمة الحرفية – نحيا ونرى.
التعليق – يضرب في ان الايام القادمة ستبين الحقائق والوقائع , وهو مثل عالمي في مختلف اللغات , واستقر بالعربية ايضا – (من يعش – ير) , وباللهجات العربية المختلفة – (عيش وشوف).
+++++
الترجمة الحرفية – بعد العراك لا يلوحون  بقبضات الايدي.
التعليق – يضرب في عدم الجدوى من التهديد والوعيد الفارغ بعد انتهاء الحدث وحسم الموضوع .
+++++
الترجمة الحرفية -  مثلما النداء هكذا الرد .
التعليق – يضرب في  ان لكل فعل رد فعل يتناسب معه , حسب القاعدة المعروفة لكل فعل رد فعل يوازيه . يترجمه جابر كما ياتي – عامل الناس كما تريد ان يعاملوك , وهو اجتهاد صحيح لتوضيح استخدام هذا المثل في مواقف حياتية معينة .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تقفز اعلى من الرأس.
التعليق – يضرب في ان الانسان لا يستطيع ان يقوم بعمل اكبر من قدراته وامكانياته , وان على الانسان ان ( يعرف قدر نفسه ) كما يشير المثل العربي المعروف.
+++++
الترجمة الحرفية -  دون رب البيت – يتيم البيت .
التعليق- يضرب في ان الحياة الطبيعية في اي بيت او عائلة يقتضي ان يكون رب البيت موجودا , وبدونه فان هذا البيت يكون يتيما.
+++++
من كتاب –
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدرقريبا في بغداد عن (دار نوٌار للنشر ).

 

679
أدب / عشب في الماء
« في: 23:00 06/08/2016  »
عشب في الماء
+++++++++++

قصيدة للشاعر كنساني/ الارجنتين
+++++++++++++++++++++
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
+++++++++++++++++++++

طبعا
كنت أنا عشبا
في الماء
-اخضر أو أزرق –
في واحدة من الحيوات
السابقات,
والٌا
لما كنت الآن
أعشق البحر,
بمثل هذا الدفء
والعنفوان,
حد الالم في القلب.

680
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (32)

أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثانية والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية
ض.ن.
-----
الترجمة الحرفية – النقود  جذر كل انواع الشر .
التعليق –  يضرب في ان المصالح المادية هي هدف  الصراع بين البشر وهي التي تخلق كل انواع الشر في الحياة الانسانية . يوجد بالعربية مثل معروف في هذا المعنى وهو - الفلوس تخرب النفوس.
+++++
الترجمة الحرفية – بكاء لا ابكي , لكن الدموع تجري.
التعليق – يضرب عندما يكون الانسان في حالة  مأساوية ولا يقدر ان يسيطر على دموعه بسبب الحزن الشديد .
+++++
الترجمة الحرفية – يقولون ان الابقار تبيض وانهم يحلبون الدجاج .
التعليق – يضرب للسخرية والاستهزاء من الاكاذيب و المبالغات   التي يطلقها البعض في احاديثهم.
+++++
الترجمة الحرفية – لا دخان بلا نار.
التعليق – مثل عالمي واضح المعنى, وقد استقر هكذا في مختلف اللغات بما فيها العربية.
+++++
الترجمة الحرفية – الصباح اكثر حكمة من المساء.
التعليق –  يضرب في ان الصباح هو اكثر الاوقات صلاحا لاتخاذ القرارات الصائبة , لان الانسان في بداية نشاطه . يترجمه بوريسوف - الصباح رباح , وهي ترجمة صحيحة باستخدامه للمثل العربي المعروف . يوجد بالعربية مثل آخر في هذا المعنى وهو – اصبح تربح.
+++++
الترجمة الحرفية – العيون مرآة الروح.
التعليق – مثل واسع الانتشار في روسيا , ويستخدمونه حتى في مناهج المدارس كموضوع من مواضيع مادة الانشاء . يضرب في ان العيون تعكس الروح الحقيقية للانسان , وانها لا تكذب مثل الكلمات .
+++++
الترجمة الحرفية – أطفئ الشرارة قبل الحريق وابعد المصيبة قبل الضربة.
التعليق - يضرب في ان الانسان يجب ان يحسم الامر في بداية المشاكل , اي قبل وقوع المصائب واستفحالها , اذ ان ( الحذر يقيك الضرر ) كما يشير المثل العربي.
+++++
الترجمة الحرفية – من (يذهب) الى الغابة ومن (لجمع) الحطب.
التعليق – يضرب عندما يكون هدف الناس مختلفا حتى اذا كانوا يسيرون في اتجاه واحد. يترجمه بوريسوف – بتنافر / ليس باتفاق , وفي مكان آخر في نفس القاموس – كيفما اتفق ( ويكرر جابر هذه الترجمة), وكل ذلك صحيح بشكل عام , ولكن تلك الترجمات لا توضح بدقة هذا المثل دون اعطاء الترجمة الحرفية له.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تمتلك مئة روبل, بل امتلك مئة صديق.
التعليق – يضرب في ان الاصدقاء اثمن من النقود , وانهم يأتون للمساعدة عند الحاجة , ولا يمكن للنقود ان تحل محلهم ابدا.
+++++
الترجمة الحرفية – سالت على الشوارب , لكن في الفم لم تدخل.
التعليق – يضرب للسخرية من عدم تحقيق الاحلام رغم انها كانت قريبة جدا من الانسان.
+++++
الترجمة الحرفية – يد تغسل اليد الاخرى.
التعليق – يضرب لتصرفات الناس غير الشريفة, وكيف ان الشخص يغطي عيوب الشخص الآخر من اجل المنفعة الشخصية المتبادلة. يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى وهو – واحد يغطي( او يطمطم) للآخ. ( يطمطم – من الفعل طمٌ اي دفن / للآخ- للآخر).
+++++
الترجمة الحرفية – الشبعان لا يتفهم الجوعان.
التعليق – يضرب للشخص الذي يمتلك كل شئ , وبالتالي لا يمكن ان يتفهم احتياجات الفقير. يوجد بالعربية مثل مطابق وهو – الشبعان لا يعرف حال الجوعان.
+++++
الترجمة الحرفية – لا وردة بلا اشواك.
التعليق- مثل عالمي واضح المعنى . يترجمه جابر حرفيا , لكنه يضيف ترجمات اخرى طريفة وجميلة له وهي – لا كسب بلا تعب / لا حلاوة بلا نار, وهي اجتهادات ذكية فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية –          مرة واحدة كذب – اصبح كذابا للابد.
التعليق -  الناس يفقدون الثقة بالانسان الذي يكذب (حتى ولو مرة واحدة) . يضرب لحث الانسان على المحافظة على سمعته من الكذب لانه سيكون كذابا الى الابد ويفقد احترام الناس له وثقتهم به.
+++++
الترجمة الحرفية – تسافر وحدك – والطريق ( يصبح) طويلا.
التعليق – معنى المثل واضح , ولنتذكر جمالية المثل العربي المعروف ومعناه – الرفيق قبل الطريق  .
+++++
الترجمة الحرفية – وراء بعوضة ليس بالطبر.
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل طريفة جدا . يضرب في ان الانسان يجب ان يستخدم الادوات اللازمة والمناسبة للقيام باي عمل يقدم عليه , والا فان ذلك ينعكس سلبا على العمل نفسه .
+++++
الترجمة الحرفية – ربيع واحد في الوطن أفضل من مئة ربيع في الغربة.
التعليق – يضرب في الحنين الى الوطن عندما يعيش الانسان في الغربة , وتكون الصور الفنية ذات مبالغات في مثل هذه الامثال , ونجد صفة المبالغة هذه في كل الامثال المشابهة عند بقية الشعوب , ومنها طبعا الامثال العربية.
+++++
الترجمة العربية – البضاعة الجيدة تمدح نفسها بنفسها.
التعليق – يضرب للشئ الجيد الذي لا يحتاج الى دعاية للاعلان عن نفسه. يوجد مثل عربي مناظر وهو – البضاعة الجيدة تبيع نفسها .
+++++
الترجمة الحرفية – يرغب ويشتكي.
التعليق – يضرب عندما يريد الانسان تحقيق شيئا – ما ولكنه يتردد في الافصاح عن ذلك او يتخوف من الصعاب ...الخ . يوجد مثل عربي معروف في هذا المعنى وهو - يشتهي ويستحي.
+++++
من كتاب –                                   
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدر باللغتين الروسية والعربية في بغداد عن ( دار نوٌار للنشر ) قريبا.

681
أدب / الحدود
« في: 21:18 31/07/2016  »
الحدود

+++++++

قصيدة للشاعرة بلانديانا / رومانيا

+++++++++++++++++++++

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

+++++++++++++++++++++++++

أبحث عن حدود الشر,

كما كنت أبحث في طفولتي

عن حدود المطر.

كنت أنطلق بكل قواي

كي أجد المكان,

الذي يمكن لي فيه الجلوس على الارض ,

بحيث يكون نصف جسمي

تحت المطر,

ونصفي الآخر

تحت الشمس,

لكن المطر

كان ينتهي دائما

قبل ان أجد حدوده,

وقبل ان استطيع معرفة

حدود السماء الصافية.

عبثا اصبحت كبيرة,

اذ اني لازلت حتى الآن

أبحث عن ذلك المكان,

الذي يمكن لي فيه الجلوس على الارض,

كي استطيع أن اتحسس

ذلك الخط,

الذي يفصل

بين الخير

والشر.

682
أدب / عندما تحزنين
« في: 18:04 29/07/2016  »
قصيدة للشاعر فيتزلاف نيزفال / تشيكيا

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

عندما يداهمك الحزن
تعالي
عندما تظهر
دموع الاسى والالم
لا تنتظري
تعالي
لم يتبق من الليل شئ
وتكاد تنطفئ النجوم
والنهار الجديد
سينهض من جديد
هل ستأتين؟
تعالي .

683
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية ( 31)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الحادية والثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
 
الترجمة الحرفية -  في الحب وفي الحرب كل الوسائل جيدة .
التعليق – مثل عالمي , يضرب لتبرير استخدام كل الوسائل في الظروف الاستثنائية مثل الحرب , ولكن المثل الروسي هذا يجعل الحب ايضا ظرفا استثنائيا ويجعل كل الوسائل متاحة ومسموح بها, وهو أمر قد لا يتفق معه البعض , وربما تكمن طرافة هذا المثل في هذه النقطة بالذات . 
+++++
الترجمة الحرفية – الايادي البيضاء تحب جهد الغرباء.
التعليق -  الايادي البيضاء تعني هنا تلك الايادي التي لا تمارس العمل اليدوي الضروري في الحياة اليومية , ولهذا يحافظ هؤلاء الناس على بياض ايديهم ونعومتها, لانهم يستخدمون جهد الغرباء . يضرب لشجب استغلال الاخرين. 
+++++
الترجمة الحرفية – مضطجعا لن تحصل على الخبز .
التعليق – يضرب للحث على العمل باعتباره وسيلة ضرورية للحياة الانسانية . الصورة الفنية في هذا المثل جميلة . توجد امثال عديدة بالعربية في هذا المعنى , منها مثل طريف سبق وان أشرنا اليه  هنا وهو – الكسل ما يطعم بصل .
+++++

الترجمة الحرفية – لا تكن ديكا ما ان يحل الصباح.
التعليق – يضرب للسخرية من هؤلاء الذين يدعون بما لا يتميزون به من خصائص . يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى  وهو -  الما ينكر ليش يعوعي . ( ينكر – ينقر / ليش – لماذا / يعوعي – يصيح كالديك ).
+++++
الترجمة الحرفية – من يكذب , فانه لا يصدق الآخرين .
التعليق – يضرب للكذاب , الذي يعتقد ان الاخرين يكذبون مثله ولهذا فانه لا يصدقهم بشكل عام .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن اخفاء الخرز في الكيس.
التعليق –  يضرب في انه لا يمكن اخفاء الشئ الذي يعلن عن نفسه .  يترجم بوريسوف هذا المثل كما اشرنا اليه في الترجمة الحرفية , اما جابر فيترجمه كما يأتي -  لا بد للسر ان ينكشف , وهي ترجمة تفسيرية صحيحة واكثر وضوحا  و  دقة من ترجمة بوريسوف , رغم ابتعادها كثيرا عن النص الروسي وبنيته .
+++++
الترجمة الحرفية – نمت اللحية , لكنها لم تجلب العقل.
التعليق –  معنى هذا المثل واضح  طبعا  , وهناك مثل عربي  مناظر بل ومطابق تماما , وربما يمكن اعتباره  حتى اكثر دقة  من  هذا المثل الروسي  وهو -  شابت لحاهم والعقل ما جاهم.
+++++
الترجمة الحرفية – دون القيصر – الارض أرملة .
التعليق – يضرب في ضرورة وجود الرأس او المركز اوالقائد  لتنظيم الحياة على الارض , والا فان الحياة لن تسير بشكل طبيعي.
+++++
الترجمة الحرفية –الايادي تعمل , لكن الرأس يطعم .
التعليق – يضرب للتأكيد على دور الفكر ( الرأس ) في ادارة الامور الاساسية للحياة الاجتماعية رغم ضرورة العمل بالايادي .
+++++
الترجمة الحرفية – عند التوغل في الغابة ابعد , يكون الحطب اكثر.
التعليق – يضرب في ان الاستمرار في العمل والتعمق فيه يؤدي الى نتائج افضل .
+++++
الترجمة الحرفية -  وفي قدح القيصر تسقط  ذبابة .
التعليق – يضرب في ان جميع البشر يخضعون للظواهر الاعتيادية في الحياة  بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية . يوجد في هذا المثل ايضا نوع من السخرية تجاه الطبقات العليا في المجتمع , وانهم لا يتميزون عن الاخرين رغم مواقعهم تلك .
+++++
الترجمة الحرفية –        اشاعة الناس – موجة بحر.
التعليق – يضرب للاستهزاء من الاشاعة والاكاذيب , اذ ان اشاعات الناس وثرثرتهم ليست سوى موجة من امواج البحر تصطدم بالشاطئ وتتلاشى , وبالتالي لا قيمة لها امام الواقع  .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تأتي المصيبة بمفردها ابدا .
التعليق – يضرب عند تلاحق المصائب تباعا , وهو مثل موجود عند العديد من الشعوب , وقد استقر بالعربية  هكذا  – المصائب لا تاتي فرادى .
+++++
الترجمة الحرفية – الابجدية علم لكنها للصغار عبء .
التعليق – يضرب لمن يبدأ بدراسة مواضيع جديدة قد تثير لديه الخوف والهلع في بداية الامر .
+++++
الترجمة الحرفية – الفقر ليس عيبا , لكنه تعاسة .
التعليق –  يؤكد المثل العالمي ان الفقر ليس عيبا , والاضافة هنا تعني ان الفقر مع ذلك شئ تعيس وسئ . يضرب لوصف الفقر وتحديد مكانته في الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الغني لا ينام الليل لانه يخاف من اللصوص .
التعليق – يضرب في ان الثروة تؤدي بمالكها الى الخوف الدائم من ضياعها وسرقتها , وبالتالي فان هذه الثروة تؤرقه وتصبح همٌا يسيطر عليه. يوجد مثل باللهجة العراقية في نفس المعنى وهو – الزنكين ما ينام الليل . ( الزنكين – الغني ).
+++++
الترجمة الحرفية – الرب وهب والرب  استرد .
التعليق –  يضرب للتعزية عند رحيل انسان او عند فقدان الاشياء الغالية والثمينة , تاكيدا على انه لا اعتراض على أمر الله وارادته . استقر هذا المثل العالمي بالعربية هكذا – الله اعطى والله أخذ .
+++++
الترجمة الحرفية – الرب يفضح المحتال .
التعليق – يضرب في ان المخادع او المحتال يكون مفضوحا امام الناس لأن الرب يفضحه . يوجد مثل بالعربية مناظر تماما وهو باللهجة العراقية – اللي يدٌور وره الناس الله يفضحه ( يدٌور – يبحث / وره – وراء )
+++++
الترجمة الحرفية – الرأس الاحمق لا يعطي الراحة للسيقان .
التعليق –  يضرب في ان الانسان الاحمق لا يستطيع الوصول الى الاستنتاجات الصحيحة في مسيرة الحياة  وحل مشاكلها عن طريق التفكير السليم , وبالتالي فانه يبحث عنها مستخدما ساقيه , ولهذا فانه يفقد الراحة. 
+++++
من كتاب –                                                                   
معجم الامثال الروسية / روسي – عربي , الذي سيصدر قريبا عن ( دار نوٌار للنشر ) / بغداد - موسكو

684
أدب / الازدواجية
« في: 13:11 26/07/2016  »
الازدواجية
=========
قصيدة للشاعر مارين سورسكو / رومانيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

 
ننظر الى السماء والغيوم
ونقارنها
بقطعان الاغنام.
+++
نرى
في الكتاب المدرسي للحيوان
ذئبا,
فنرتجف رعبا.
+++
بعض الاحيان
يسيطر علينا الحنين
الى الحقول والجبال
لدرجة
ينمو العشب فيها امامنا,
على مكاتب اعمالنا.
+++
بعض الافكار
لازالت تصل الينا
على العنوان السابق
العتيق,
لاننا,
دون وعينا -
رعاة
أضعنا قطعاننا .

685
المنبر الحر / تشيخوف ومسرح العبث
« في: 21:50 24/07/2016  »
تشيخوف ومسرح العبث
أ.د. ضياء نافع
 
علاقة تشيخوف بمسرح العبث لا زالت لحد الآن غير متبلورة بشكل واضح المعالم في النقد الادبي والمسرحي في داخل روسيا بشكل خاص وخارجها بشكل عام , بل توجد اجتهادات هنا وهناك اطلقها بعض الباحثين والنقاد ليس الا.
لقد برز تشيخوف كما هو معلوم في دنيا المسرح نهاية القرن التاسع عشر ( توفي عام 1904),ووضع بصماته الواضحة في مسيرة المسرح ,هذه البصمات التي أخذت تتبلور وتتفاعل تدريجيا في روسيا اولا ,ثم اصبحت سمات تشيخوفية ذات طابع عالمي, ولا زالت هذه السمات تتجدد في التطبيقات المسرحية المعاصرة سواء في داخل روسيا او خارجها. اما مسرح العبث ( او المسرح المضاد او اللامعقول اواللاوعي او الطليعي او الاحتجاجي او التجريبي او الكوميديا السوداء..الخ التسميات ) فانه ولد بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة  ظروف  اجتماعية وفكرية محددة في اوربا بالذات , ويرتبط كما هو معروف باسماء يونسكو وبيكيت وآداموف وبنتير وجينيه وآخرين, ولا زالت مسرحياتهم تعرض على مسارح اوربا والعالم عموما بشكل محدود, ولم تصبح تلك المسرحيات جزءا من الوعي الاجتماعي والثقافي لجمهور المسارح مثلما دخلت واستقرت مسرحيات تشيخوف بلا شك. ان تشيخوف يجسٌد الظاهرة الاكثر شمولية وانسانية للمسرح العالمي , اذ اننا نجد عنده كل عناصر المسرح المتألق والمعاصر, ويستطيع كل شخص ان يجد فيه ما يريد ويكتشف في ثنايا مسرحه كل ما يرغب باكتشافه, وفي هذه الخاصية بالذات تكمن عظمة مسرح تشيخوف , وقد قال احد المهتمين بهذا المسرح من اصدقائي العرب مرة – مازحا- ان مسرح تشيخوف ( حماٌل اوجه), وبالتالي يجب عدم السماح للنقاد والباحثين ان يحتكموا به ويتحاججون على اساسه, وقد تذكرت قول صاحبي هذه عندما قرأت رأيا لاحد الباحثين العرب وهو يتكلم عن ارتباط مسرح العبث بتشيخوف مشيرا الى ان مواقف هؤلاء الادباء المسرحيين تنطلق من موقف تشيخوف في طرح المسألة فقط دون ايجاد حلول لها, ولا اظن ان هذا الرأي الفضفاض والعام جدا يستحق المناقشة المستفيضة والمعمقة, وتكلم بعض الباحثين ايضا عن تأثير تشيخوف على مسيرة هذا المسرح لأنه( اي تشيخوف ) كان يؤكد على تفاهة الوجود الانساني عبر مسرحياته , وان هذا هو نفس هدف ( العبثيين), واكرر عدم استحقاق هذا الرأي ايضا للمناقشة, ومن المعروف ان الناقد المسرحي الانكليزي مارتين اسلين , الذي اصدر عام 1962 كتابه الموسوم ( مسرح العبث), وذلك بعد صدور مسرحية يونسكو الشهيرة ( المغنية الصلعاء) ومسرحية بيكيت الاشهر ( في انتظار غودو) ( وهو الباحث الذي ثبٌت هذا المصطلح في النقد الادبي عالميا) ,لم يتناول تشيخوف بتاتا ولم يتحدث عن احتمالية تاثيره على هذا المفهوم الجديد في مسيرة المسرح العالمي, رغم انه حاول ان يجد جذور هذا المسرح وتأثيرات الادباء العالميين فيه, وتوقف عند اسماء كثيرة منها البير كامو وكتابه المعروف ( اسطورة سيزيف)  واستعرض مفهوم عبثيته, وجان بول سارتر وافكاره الوجودية, وتناول الدادائية وفلسفتها وتحدث عن (الشعر دون كلمات). ولكن كل هذه الافكار و الامثلة والاراء المتعددة لا تعني ابدا عدم وجود التناغم  بين مسرح تشيخوف وهذه الظاهرة المسرحية . لقد أشار يونسكو نفسه – مثلا- الى ذلك , وتكلم عن مسرح تشيخوف ,الذي تناول ( المجتمع الذي يموت) في اشارة الى مسرحية ( بستان الكرز) الشهيرة , رغم اننا نرى ان تشيخوف تحدث في تلك المسرحية عن مجئ (وليس موت) طبقة اجتماعية اخرى بدلا من الطبقة السابقة.وهناك اشارة دقيقة في النقد الادبي الروسي الى موضوع تأثير تشيخوف على مسرح العبث وهي مقالة كتبتهاالاديبة الامريكية جويس كيرول اوتس عام 1966 بعنوان ( تشيخوف ومسرح العبث), وتم نشرها في الاتحاد السوفيتي آنذاك,وقد تناولت اوتس في مقالتها تلك نقاط التماس بين مسرح تشيخوف وتناغمه مع روحية مسرح العبث, وربطت بين حنين الشقيقات الثلاث للسفر (المستحيل) الى موسكو, وبين انتظار (غودو) عند بيكيت.
هناك بالطبع عدة جوانب اخرى يمكن تحديدها بين مسرح تشيخوف واجواء مسرح العبث منها مثلا موضوعة عنصر الصمت عند تشيخوف, الذي كاد ان يجعله ضمن شخوص مسرحياته, وقد استخدمه جماعة مسرح العبث بشكل واسع ويحتاج هذا الموضوع الى الباحث المتخصص لدراسته تفصيلا وتحديد دقائقه وتفصيلاته, وهناك نقطة اخرى ربما يمكن ايجاد القاسم المشترك بينهما ايضا وهي – استخدام تشيخوف لجمل مفاجئة تاتي على لسان ابطال مسرحياته لا ترتبط  بتاتا بالموقف القائم , كأن ينظر البطل الى خريطة معلقة على الجدار ويقول ان الطقس حار الان في افريقيا, رغم ان الحديث لا يدور حول ذلك لا من قريب ولا من بعيد, وقد استخدم مسرح العبث هذه الاسلوب ايضا.ولكن هذا لا يعني ( واكرر ذلك) ان مسرح تشيخوف قد ( أرسى مسرح العبث) كما يشير البعض من الباحثين والنقاد.
مسرح العبث هو ظاهرة اوربية انطلقت بعد الحرب العالمية الثانية في اوربا وهو يرتبط بثقافتها ومسيرة مسرحها , ومن الطبيعي ان يستفاد من تاريخ المسرح فيها ومن اعلام ذلك المسرح, ومنهم انطون بافلوفيتش تشيخوف, ولكن تشيخوف يبقى متفردا وشامخا في تاريخ المسرح الروسي والعالمي , والذي اثبت الزمان مكانته الدائمة فيهما ,, اما اعلام مسرح العبث فان التاريخ لم يقل بعد كلمته بشانهم ,رغم كل نجاحاتهم وشهرتهم في اوساط المثقفين . لقد سألوا الكاتب الفرنسي الكبير ستندال مرة عن رأيه باحد الادباء فقال – لننتظر في الاقل مئة سنة ثم نتحدث عندها .

686
أدب / الجسر / البحر / البكاء
« في: 02:27 24/07/2016  »


الجسر / البحر / البكاء


ثلاث قصائد للشاعر ديزدار / البوسنة والهرسك

ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع


الجسر
+++++++
كنت أحلم
مرة
بأني
سأبني
جسرا
حتى الشمس،
لم يبق
من هذه الرغبة
سوى الاساس
في اعماق
القلب.

 
البحر
+++++++
على راحة اليد
وردة،
على راحة اليد
يهطل المطر،
على راحة اليد
ثلج،
وانت
لازلت
تتموج وتضطرب..
لماذا؟
لست أدري..


البكاء
+++++++
أبكي أنا
من الحب الذي
حوٌلني
الى عبد ،
تبكين انت
لانك
لا تستطيعين
ان تمنحي الحرية
لهذه العبد.

687

اطاريح الماجستير التي أشرفت عليها
أ.د. ضياء نافع
 ابتدأت دراسة الماجستير في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد عام 1992 . لقد فاتحتنا جامعة بغداد مرة في اواسط الثمانينات حول ذلك , ولكن اللجنة العلمية في القسم لم توافق على المقترح , واقترحنا نحن بدورنا تحقيق هذه الدراسة بالتعاون مع احدى الجامعات الروسية , حيث يدرس طالب الماجستير سنة في قسمنا وسنة في تلك الجامعة الروسية , وان يكون  للطالب هذا مشرفان ( عراقي وروسي ) يتعاونان معا , وان يتم انجاز الاطروحة بالروسية وتتم مناقشتها من قبل لجنة عراقية – روسية مشتركة في بغداد . لم توافق الجامعة والوزارة على مقترحنا في حينها واغلق الموضوع . اما في عام 1992 فقد صدر امر بافتتاح دراسة الماجستير دون مفاتحة الاقسام العلمية في الجامعات ( بعد حرب الكويت وبداية الحصار على العراق ), وقد جاء هذا الامر من أعلى السلطة العراقية آنذاك وبعد اجتماعات كان يعرضها تلفزيون بغداد برئاسة رئيس الجمهورية ومجموعة من الوزراء !!!
عندما استلمنا هذا الامر الاداري وبدأنا بتنفيذه , انقسمت الآراء في اللجنة العلمية الى قسمين. القسم الاول يؤيد كتابة الاطاريح حول مواضيع ترتبط بالاختصاص البحت ( اي اللغة الروسية وآدابها ) , ويؤيد القسم الثاني كتابة الاطاريح المرتبطة بعلوم اللغات والآداب المقارنة والترجمة . كنت انا ضمن القسم الثاني من تلك الآراء والمتحمسين لها ولعلميتها , ولا مجال هنا لعرض تفاصيل النقاشات التي جرت عندئذ في اللجنة العلمية , وربما تسنح الفرصة يوما لنشر تلك التفاصيل . 
لقد أشرفت خلال مدة عملي في قسم اللغة الروسية على العديد من اطاريح الماجستير , وكانت كلها ترتبط بالادب الروسي مع واقعنا , وكيف كان يتقبله المجتمع العراقي خصوصا والعربي عموما , وما الذي تم انجازه في حياتنا الفكرية بشأن هذا الادب , والمشاكل المرتبطة بذلك ...الخ.
الاطروحة الاولى التي بدأت  بها مسيرتي العلمية آنذاك كانت بعنوان – ( مسرح تشيخوف في العراق ) , والتي انجزها طالب الماجستير خلف الموسوي ( وهو الان احد تدريسي القسم بدرجة استاذ ) , وقد أشرت في مقالتي – ( تشيخوف في العراق ) الى ان وفد جامعة بغداد اهدى نسخة منها الى جامعة موسكو اثناء احدى زياراته الرسمية , وكيف تقبلها الجانب الروسي بترحاب , واسماها – ( هدية كبيرة ).
الاطروحة الثانية كانت بعنوان – ( تشيخوف في النقد الادبي العربي ) , والتي انجزتها طالبة الماجستير هديل اسماعيل خليل ( وهي الان احدى تدريسيات القسم بدرجة ا .م. د. بعد ان حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة بطرسبورغ الروسية ) .
الاطروحة الثالثة كانت بعنوان – ( قصص تشيخوف المبكرة في الترجمات العربية ) , والتي انجزها طالب الماجستر تحسين رزاق عزيز ( وهو الان احد تدريسي القسم بدرجة ا.م. د. بعد ان حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة فارونش الروسية , ويعد الان واحدا من المترجمين العراقيين البارزين عن اللغة الروسية ).
الاطروحة الرابعة كانت بعنوان – ( المصطلحات الادبية في المعجمات الروسية – العربية والعربية الروسية ) , والتي انجزتها طالبة الماجستير نهلة جواد هادي ( وهي الان احدى تدريسيات القسم بدرجة ا.م. د. بعد ان حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة فارونش ).
الاطروحة الخامسة كانت بعنوان – ( دراسة تحليلية لبيبلوغرافيا الادب الروسي في المجلات العراقية ) , والتي انجزها طالب الماجستير أثير زهير توفيق ( ولا اعرف الان مصيره مع الاسف الشديد ).
الاطروحة السادسة كانت بعنوان – ( حكايات تولستوي في الترجمات العربية –  ترجمة كاظم سعد الدين نموذجا ) , والتي انجزتها طالبة الماجستير نعيمة ابراهيم محمد ( ولا اعرف الان مصيرها مع الاسف الشديد ).
الاطروحة السابعة كانت بعنوان – ( الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية – دراسة تحليلية ) , وقد انجزها طالب الماجستير هاشم صاحب الموسوي ( وهو الان احد العاملين العراقيين البارزين في تلفزيون روسيا اليوم في موسكو ).
الاطروحة الثامنة كانت بعنوان – (ترجمة شعر بوشكين في العراق – ترجمة أ.د. جميل نصيف التكريتي نموذجا ) , وقد انجزتها طالبة الماجستير غادة طارق العاني ( وهي الان احدى تدريسيات القسم بدرجة ا.م. د. بعد حصولها على شهادة الدكتوراه من الجامعة التربوية في مدينة فارونش ).
الاطروحة التاسعة كانت بعنوان – (تدريس اللغة الروسية وآدابها في العراق . المشاكل والآفاق .) , وقد انجزها طالب الماجستير ياسين حمزة عباس ( وهو الان احد تدريسي القسم بدرجة أ. م. د. بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة بطرسبورغ )
الاطروحة العاشرة كانت بعنوان -  ( غوغول في العراق من السبعينات وحتى وقتنا الحاضر ) , وقد انجزها طالب الماجستير منذر ملا كاظم ( وهو الان احد تدريسي القسم بدرجة أ.م. د. بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة فارونش ).
لقد اعتمدت  في مقالتي هذه على كتاب – ( دليل الدراسات العليا ) الذي اعدته الدكتورة أحلام حنش كاطع مديرة شعبة الدراسات العليا في كلية اللغات , والصادر عن مجلة كلية اللغات عام 2001 / 2002  , ولكني لم أجد فيه الاطروحة التي انجزتها  طالبة الماجستير ابتسام احمد حمزة بعنوان – ( الادب الروسي في مجلة الثقافة الاجنبية  العراقية ) , وهي الان احدى تدريسيات القسم وطالبة دكتوراه في احدى الجامعات الروسية , وكذلك لم أجد في هذا الدليل الاطروحة التي انجزها طالب الماجستير ميثاق محمد وكانت  حول ترجمة عبد الله حبه لمسرحيات استروفسكي , وهو الان احد تدريسي القسم بدرجة أ .م. د. بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من جامعة فارونش , ولم اجد ايضا اطروحة طالبة الماجستير آيات يوسف حول ترجمة رواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) في العراق , وهي الان م.د. في القسم بعد حصولها على شهادة الدكتوراه من الجامعة التربوية في موسكو  . واظن ان سبب ذلك كله هو ان الدليل قد تم طبعه قبل اكمال المناقشات اللازمة لتلك الاطاريح ليس الا .
واختتم هذه السطور بالاشارة الى اني لم استطع اكمال المشوار مع احدى طالبات الماجستير التي اخترت لها اطروحة بعنوان – ( كتب عراقية حول الادب الروسي ) , وعملت معها فترة من الزمن , وذلك نتيجة لظروف عملي آنذاك و سفري و تفرغي العلمي في روسيا , وقد أكمل الاشراف أحد زملائي التدريسيين في القسم .
اتمنى ان يحاول كل هؤلاء نشر اطاريحهم باللغة العربية , اذ انها لازالت تمتلك اهميتها لتدوين الحركة الفكرية في العراق والعالم العربي حول الادب الروسي بالنسبة للقراء العراقيين والعرب عموما , وبالنسبة للباحثين الروس ايضا الذين لا يعرفون – مع الاسف الشديد - مستوى الدراسات العراقية والعربية للادب الروسي وما استطاع باحثونا ومترجمونا ان يحققوه في هذا المجال .

688
مسرحية غريبويديف الشعرية – ( ذو العقل يشقى )
أ.د. ضياء نافع

شاهدت خبرا ثقافيا بثته قناة ( روسيا اليوم ) باللغة العربية حول تقديم مسرحية غريبويديف الشعرية من قبل مجموعة من الفنانين الشباب الروس , واطلقت القناة تسمية ( ذو العقل يشقى ) على تلك المسرحية,و قد سررت جدا بذلك, اذ ان هذا يعني ( الاعتراف الرسمي  !) برأينا , الذي يؤكد ان هذه التسمية هي افضل وأصح ترجمة عربية لعنوان هذه المسرحية الروسية الشهيرة . لقد سبق لي ان نشرت مقالتي الموسومة – ( غريبويديف والمتنبي ) في عدة مواقع وصحف , ودافعت في تلك المقالة عن هذا الرأي الذي تبلور في اجواء قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد اواسط سبعينيات القرن العشرين الماضي ,عندما رفضنا كل الترجمات المختلفة لتلك المسرحية مثل –( المصيبة من العقل / مصيبة من الذكاء/ الويل من العقل / البؤس من العقل/ الشقاء من العقل / ويل من الفطنة / محنة العقل/  الخ ...)وثبتنا ترجمتنا – (ذو العقل يشقى ) , مستخدمين شطر البيت الشعري من قصيدة المتنبي الشهيرة  باعتباره العنوان الاصح والاجمل عربيا .
لم تترجم هذه المسرحية الشعرية الى العربية مع الاسف رغم مرور حوالي القرنين تقريبا على ظهورها في روسيا , وموضوع ترجمتها ليس أمرا بسيطا ابدا  اذ ان ذلك يتطلب جهودا استثنائية , اما  اهميتها ومكانتها في تاريخ الادب الروسي ومسيرته فتكاد ان تكون شبه مجهولة للقارئ العربي , وسنحاول في هذه المقالة الحديث  قليلا عن هذه المسرحية بشكل عام ونتمنى العودة لاحقا اليها وتناول جوانبها المختلفة بالتفصيل.
يقف في مركز المسرحية بطلها جاتسكي , النبيل الشاب الذي يعود الى وطنه من السفر ويذهب رأسا الى بيت حبيبته صوفيا فاموسوفا, التي لم يرها لمدة ثلاث سنوات , وهما اللذان تربيا منذ الطفولة معا وكانا يحبان بعضهما بعضا منذ ذلك الحين , الا ان صوفيا غضبت منه لانه تركها فجأة وسافر الى بطرسبورغ ,و ها هو الان يرجع الى بيت والدها فاموسوف بشوق ولهفة وفي اعماقه قرار لتقرير وحسم علاقته بها , ولكن صوفيا تقابله ببرود لم يكن يتوقعه , ويبدو له انها الان تحب شخصا آخر وهو سكرتير والدها الشاب مولجانين , والذي يسكن في دار والدها نفسه , ولم يستطع بطل المسرحية جاتسكي ان يستوعب هذا الموقف من قبل حبيبته السابقة صوفيا , خصوصا وانه فهم طبيعة وخصائص حبيبها هذا واكتشف انه شخص تافه و منافق ومستعد لخدمة كل من يشغل منصب كبير ومتميز , وبالتالي فانه لا يليق بصوفيا وحبها له , وعندما اقتنع جاتسكي بذلك كليا فان أمله قد خاب بالطبع بها وباخلاقية المجتع المحيط بها , وكان والد صوفيا قد دعى في ذلك اليوم مجموعة كبيرة من وجوه المجتمع الارستقراطي لحفل كبير في بيته, وهكذا ( انفجر ) جاتسكي امامهم و بدأ يتصرف انطلاقا من موقفه هذا وأخذ يفضح خصائص ذلك المجتمع الارستقراطي وأخلاقياته ومفاهيمه بشكل صريح ومباشر وأخذ يتناقش مع بعض الحاضرين نقاشا حادا حول عدة قضايا مهمة و ساخنة في ذلك الزمان , والتي كانت مطروحة امام المجتمع الروسي باكمله لدرجة ان هذا المجتمع لم يستطع استيعاب كل هذه الافكار التي تحدث عنها جاتسكي وبدأ باثارة اشاعات وأقاويل عن جنونه  ليس الا, وهكذا اضطر جاتسكي ان يترك ذلك الحفل ويترك حتى موسكو باكملها. وتوجد اشارة في تاريخ الادب الروسي الى ان غريبويديف نفسه قد تعرض عام 1816 الى حادث مشابه في حفل بمدينة بطرسبورغ , عندما شاهد كيف ان احد الفرنسيين الثرثاريين التافهين  قد حاز على اعجاب جميع الروس الذين كانوا حاضرين في الحفل  لمجرد انه اجنبي ليس الا, ولم يتحمل غريبويديف ذلك واضطر ان يعبٌر عن آرائه حول كل هذا بخطاب حاد وحاسم لدرجة ان احد الحاضرين قال ان هذا الشخص مجنون, وهكذا سرت الاقاويل والاشاعات في بطرسبورغ حول ذلك , وقد خطط غريبويديف منذ تلك الحادثة ان يكتب مسرحية يسخر فيها من ذلك المجتمع , الذي ينبهر امام ثرثرة الاجانب لمجرد انهم اجانب ليس الا دون ان يتعمق بتأمل مشاكله التي يعاني منها فعلا, ويحاول ايجاد حلول لها تنطلق من واقعه الحقيقي وامكانياته. وهكذا بدأ غريبويديف بتأليف مسرحيته الشعرية تلك متأملا مسيرة حياة المجتمع الروسي آنذاك وحفلاته وما يجري فيها من احاديث وطروحات فكرية متنوعة , وفي عام 1823 قرأ بعض مقاطع من تلك المسرحية الشعرية امام مجموعة من الاصدقاء , ثم نشر مقاطع منها عام 1825 , واجبرته ظروف عمله الدبلوماسي ان يسافر الى القوقاز ومنها الى بلاد فارس ,  اذ تم تعينه في سفارة الامبراطورية الروسية آنذاك, وهناك لقي مصرعه في عام 1829 بطهران على ايدي مجاميع من الغوغاء المتطرفين بمؤامرة حاكتها السفارة البريطانية هناك ضد مصالح روسيا مستغلة تأجيج النعرات الدينية في بلاد فارس . وهكذا تم قتل غريبويديف دون ان يستطيع نشر مسرحيته الشعرية تلك , رغم انه حاول مرة ان يعرضها باشرافه عام 1825 في معهد بطرسبورغ المسرحي الا ان الرقابة منعته من ذلك.
ظهرت الطبعة الاولى للمسرحية بعد وفاة مؤلفها وذلك في عام 1833, ولم تكن كاملة نتيجة حذف الرقابة لمقاطع كثيرة منها , واستمر ت طبعاتها وعروضها على خشبات المسارح بحذف مقاطع من هنا وهناك,ويمكن القول ان الطبعة الاولى الكاملة لها  ظهرت فقط في عام 1862, بل ان هناك بعض المصادر الروسية تشير الى ان الطبعة الكاملة ظهرت عام 1875  , ولم استطع تحديد تاريخ تلك الطبعة مع الاسف لان هذا يقتضي ان احصل على الطبعتين القديمتين واقارنهما بالنص الكامل وتلك مهمة ليست بسيطة مع الاسف, وفي كل الاحوال فان مسرحية غريبويديف هذه تعد ظاهرة فريدة في تاريخ الادب الروسي باكمله, اذ انها واقعيا العمل الادبي الوحيد لهذا الكاتب ( رغم وجود بعض النتاجات الادبية الاخرى له قبلها ولكن لا يمكن اعتبارها سوى تمارين على الكتابة الابداعية ليس الا), وبالتالي فان غريبويديف يقف متفردا في مسيرة هذه الادب باعتباره مؤلف نتاج ادبي واحد لا غير ( المسرحية الشعرية تلك فقط  )ومع ذلك شغل وبجدارة مكانة متميزة في تاريخ الادب الروسي واصبح اسما لامعا بين اعلام هذا الادب, ويعد الان واقعيا مؤسس المسرح الشعري في تاريخ الادب الروسي , ولا زالت هذه المسرحية تعرض على مسارح روسيا لحد الان ويتابعها الجمهور بكل سرور وحماس, اضافة الى ان الكثير من تعابير تلك المسرحية وجملها قد تحولت الى اقوال مأثورة وحكم لا يزال الروس يستخدموها في حياتهم اليومية بما فيها عنوان المسرحية نفسها , وقد روى لي احد اساتذة الادب الروسي في جامعة موسكو قبل فترة ليست بعيدة حكاية عن احدى طالباته , والتي سألها عن رأيها الشخصي بالمسرحية فقالت له انها معجبة بها الا ان عيبها يكمن في ان مؤلفها يستخدم كثيرا من الامثال والحكم الروسية المتداولة في نص المسرحية لدرجة انه لم يستطع ولم ينجح في بلورة اسلوبه الخاص به !!! وقد قلت له انها نكتة بالطبع , فضحك وأجابني ان النكات تعكس دائما  السمات  الواقعية  لحياة المجتمع الانساني .

689
حول مسرحية تشيخوف الكوميدية – ( الدب)
أ.د. ضياء نافع

مسرحية تشيخوف الكوميدية – ( الدب ) هي سادس مسرحية لهذا الاديب المسرحي الروسي الشهير حسب التسلسل الزمني لمسرحياته, وقد كتبها في شباط / فبراير عام 1888 ونشرها في جريدة ( نوفويه فريميا) ( الزمان الجديد ) في 30 آب / اوغسطس عام 1888 ولم تظهر باسمه الصريح, بل تم نشرها بتوقيع أ. ب. وهما الحرف الاول من اسمه ( انطون )  والحرف الاول من اسم الاب ( بافلوفيتش), رغم ان تشيخوف في تلك الفترة كان اديبا معروفا, وقد ترك الاسماء المستعارة والتي كثيرا ما استخدمها اثناء مسيرة حياته الادبية منذ ان ابتدأ بالنشر عام 1880 , وربما يعني هذا ان تشيخوف اراد عدم الاعلان عن تلك المسرحية الكوميدية ذات الفصل الواحد,والتي عاد مرة اخرى لكتابتها بعد مسرحية ( ايفانوف )المتعددة الفصول , وهي المسرحية الخامسة حسب التسلسل الزمني لمسرحياته , ومما يؤيد رأينا هذا, ان تشيخوف نفسه كتب بتاريخ 22 شباط / فبراير عام 1888 الى صديقه بولونسكي( اي في نفس الوقت الذي كتب فيه مسرحيته تلك ) ما يأتي – ( لقد كتبت فودوفيل فرنسي صغير وتافه بعنوان الدب لاني لا اقدر ان اعمل اي شئ , اذ استهلكت كل طاقتي عندما كتبت قصة السهب, بحيث اني لن استطيع – ولفترة طويلة – ان ابدأ بشئ – ما جدٌي...ما العمل اذا كانت ( يدي تحكني) وارغب  بكتابة (ترللا ),وانا لا اقدر – مهما حاولت – ان اكون جديٌا , وتختلط عندي دائما وابدا الجدية مع التفاهة. يبدو ان ذلك هو قدري) ( مداخلة – كلمة فودوفيل التي استخدمها تشيخوف اعلاه تعني مسرحية هزلية ذات فصل واحد وهي كلمة فرنسية الاصل وقد دخلت الى اللغة الروسية بهذا المعنى في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ), وفي ايلول/ سبتمبر من نفس العام وافقت رقابة المسرحيات بصعوبة كبيرة على السماح لهذه المسرحية بالعرض, بل كادوا يمنعونها,اذ كتب الرقيب عنها قائلا – (تثير هذه المسرحية انطباعا سيئا, وموضوعها اكثر من غريب, وتسودها الفظاظة, والاجواء فيها غير طيبة..), وكذلك كان الموقف تجاهها شبه سلبي من قبل الادارة العامة لشؤون المطبوعات , والتي اشارت الى تفاهتها, ولكنهم سمحوا بنشرها لانها لا تتضمن ( الاساءة الى احد).
تم العرض الاول لهذه المسرحية في 28 تشرين الاول / اكتوبر عام 1888 في مسرح كورش بموسكو, وقد كتب تشيخوف عن ذلك العرض قائلا – ( كانت القهقهة سائدة ومتواصلة اثناء العرض, وقوطعت بعض المشاهد بالتصفيق, وبعد انتهاء العرض صفق الجمهور لها وطلب ظهور الممثلين مع المؤلف وصفقوا لهم ايضا), اما شقيق تشيخوف, ميخائيل فقد كتب الى شقيقه بعد فترة من الزمن رسالة اخبره فيها ان هذه المسرحية يجري عرضها في المسارح البيتية لبعض الشخصيات الرسمية الروسية مثل وزير المالية ووزير الخارجية , وان افراد المجتمع الراقي هذا من المعجبين بها وانهم يقهقهون وهم يشاهدونها في تلك العروض,  كذلك تحدث شقيق تشيخوف عن عرض هذه المسرحية في مسرح الدراما في موسكو والمسرح الامبراطوري, وكتبت زوجة تشيخوف الممثلة المسرحية اولغا كنيبر مرة , ان الكاتب الروسي الكبير ليف تولستوي قد شاهد هذه المسرحية عام 1900 في جمعية الفن والادب واعجب جدا بها , وانه كان ( يقهقه ويضحك اثناء العرض ). ومن الوقائع المهمة حول هذه المسرحية انها ترجمت الى 8 لغات اثناء حياة تشيخوف نفسه , وهذه اللغات هي – البلغارية والهنغارية والالمانية والبولونية والرومانية والصربية والجيكية والسلوفاكية. اما بالنسبة للغتنا العربية فقد تم ترجمتها عن لغتين وسيطيتن وهما الانكليزية والفرنسية , وترجمها عن اللغة الروسية فيما بعد المترجم المصري المعروف الدكتور ابو بكر يوسف ( الحائز على ميدالية بوشكين لنشر الادب الروسي في العالم العربي) وصدرت ضمن الجزء الرابع من مؤلفات تشيخوف المختارة والتي نشرتها دار النشر السوفيتية المعروفة ( التقدم) في بداية ثمانينات القرن الماضي باربعة اجزاء,و التي تعد افضل ترجمات تشيخوف الى العربية , وقد قرأت قبل فترة خبرا جاء في احدى الاصدارات عن ترجمة لعدة مسرحيات لتشيخوف قام بها المترجم العراقي تحسين عبد الجبار اسماعيل وصدرت عن دائرة الثقافة والاعلام بالشارقة, ومن ضمنها مسرحية ( الدب ) هذه , ولكني لم اطلع – مع الاسف – على هذه الترجمة.وهكذا تحولت هذه المسرحية الكوميدية التي اطلق عليها تشيخوف نفسه صفة (ترللا )الى مسرحية تطوف العالم بمختلف لغاته, بل من الطريف ان نشير الى انها تحولت الى فيلم سينمائي انتجته ا لسينما السوفيتية عام 1938 وكررته عام 1984 وعام 1988, وتحولت المسرحية كذلك الى اوبرا كتب موسيقاها كبار المؤلفين الموسيقين وانها لازالت تعرض لحد الان , وآخر عرض لها تم بجهود مشتركة من فناني مدينتي بطرسبورغ وكراسنادار.
مضمون هذه المسرحية بسيط جدا رغم انه غير اعتيادي فعلا , فهناك ارملة لا زالت حزينة على وفاة زوجها وتقف في الصالة تناجي صورته ,ويتوسل اليها خادمها ان تتفاعل مع الحياة وان تنسى المصاب الاليم هذا, والذي مرٌت عليه فترة طويلة, ولكنها ترفض باصرار, وتؤكد انها ستبقى محافظة على ذكراه الى الابد , وفي هذه الاثناء يأتي جارها في الضيعة المجاورة ويطالب بايفاء دين لزوجها الان لانه بحاجة ماسة للنقود, وتطلب منه الارملة ان يمر بعد ايام عندما يعود الشخص المسؤول عن شؤونها المالية , ويتطور النقاش بينهما ويتشعب, وبعد كلام حاد بينهما يقرران اجراء مبارزة بالمسدسات  لحسم هذا الاختلاف, ويندهش هذا الجار لشجاعة هذه الارملة وتصميمها على المبارزة رغم انها لا تعرف حتى كيفية اطلاق الرصاص من المسدس, ويبدا بالاعجاب بها , بل يقع في حبها, وتنتهي هذه المسرحية بقبلة بين الاثنين وسط دهشة الخدم والفلاحين الذين اسرعوا وهم يحملون كافة ادواتهم المنزلية لحماية سيدتهم الحزينة من هجوم هذا الجار الفظ والشرس.


690
محمد يونس والادب الروسي في العراق
أ.د. ضياء نافع

الى روح الفقيد الدكتور محمد يونس – استاذ الادب الروسي في جامعة بغداد.
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++


تعارفنا عام 1958 في الصف الاول( ب )بقسم اللغة الروسية في معهد اللغات بجامعة بغداد, وهي الدورة الاولى في ذلك القسم , وسافرنا معا الى موسكو عام 1959 لاكمال دراستنا في كلية الاداب بجامعة موسكو, وعشنا معا في نفس القسم الداخلي , وفي بعض الاحيان في نفس الغرفة ايضا, وافترقنا نهاية الستينات ثم التقينا مرة اخرى في بداية السبعينات للتدريس في قسم اللغة الروسية بكلية الاداب في جامعة بغداد, واستمرت علاقات الصداقة والود بيننا الى حين رحيله عام 2009, عندما سمعت بوفاته في ماليزيا اثناء زيارته لابنه بشارالذي يعمل هناك, كتبت رأسا بعض السطور عنه ونشرتها في بغداد , وكنت املي تلك السطور على احد الطلبة العراقيين في مركز الدراسات العراقية- الروسية في جامعة فارونش الروسية وانا ابكي , واخذ الطالب يبكي معي وهو يطبع تلك الكلمات التي كانت تنطلق من اعماق قلبي, والتي اختتمتها بالاعتذار عن الاستمرار بها الى حين جفاف دموعي, وها انا ذا اعود للكتابة عن صديقي الاستاذ الدكتور المرحوم محمد يونس جبر الساعدي ( 1937- 2009) ودوره الرائد الكبير في مسيرة الادب الروسي في العراق رغم عدم جفاف تلك الدموع.
ناقش المرحوم محمد يونس اطروحة الدكتوراه في جامعة موسكو عام 1972 وكانت حول تولستوي في الادب والفكر العربي, وهي من اوائل اعمال الباحثين العرب في هذه المجال آنذاك, وتناول فيها علاقات تولستوي مع اسماء عربية كبيرة , ولقد تحدث الكثيرون في السنوات العشرين الاخيرة حول هذا الموضوع , دون ان يذكروا – مع الاسف – اطروحة محمد يونس تلك , ورغم ذلك لازالت هذه الاطروحة مهمة لانها تتضمن موادا غير معروفة في موضوعة الادب الروسي في العراق وتقبٌله من قبل الادباء والنقاد العراقيين لادب تولستوي , اذ توجد هناك –مثلا – رسالة وجهها محمد يونس الى غائب طعمة فرمان وعبد المجيد لطفي وجوابهما حول تاثير تولستوي على نتاجاتهما ورأيهما الشخصي بشأن ابداع تولستوي عموما , وتوجد في تلك الاطروحة اجابة وافية حول موقف تولستوي من الاسلام , وهو موضوع كثر الحديث عنه في الاونة الاخيرة واصبح يخضع لاجتهادات شخصية وسياسية بعض الاحيان مع الاسف , وباختصار , فان اطروحته لا زالت حيوية لحد الان , واتجاهها هو الذي حدد مسيرة محمد يونس اللاحقة في هذا المجال والتي أدٌت الى تأليفه لابرز كتبه في موضوعة الادب الروسي في العراق , واقصد بالطبع مؤلفه القٌيم الموسوم – ( الكلاسيكيون الروس والادب العربي ) الذي اصدرته دار آفاق عربية في وزارة الاعلام العراقية عام 1985 والذي يشغل - ولحد الان - مكانته المتميزة في المكتبة العراقية خصوصا والعربية عموما, اذ عرض الدكتور محمد يونس في هذا الكتاب عشرات المصادر العربية حول الادب الروسي وناقشها من وجهة نظره , بما فيها المصادر الاجنبية المترجمة الى العربية , والتي كتبها اساتذة متخصصون كبار في الجامعات الغربية, وبغض النظر عن تلك الاراء التي جاءت في مناقشات محمد يونس مع هؤلاء ( واؤكد على ذلك) , تبقى شاخصة امام القارئ شجاعة الباحث العراقي واقتداره في موضوع كنا نؤدي فيه دائما تقريبا دور المتلقي وليس دور المشارك على قدم المساواة في عملية تناول تلك المواضيع وتحليلها , وفي هذه النقطة بالذات تكمن – في رأي- اهمية الكتاب وقيمة الدكتور محمد يونس العلمية , اذ انه اعطانا كلمة شجاعة و مبتكرة وجديدة واصيلة كليا في موضوعة الادب الروسي في العراق, لم يسبق ان قالها اي واحد منٌا سابقا. لقد كان محمد يونس متواضعا غاية التواضع , وهو تواضع العلماء النابع من القلب وغير المصطنع ابدا, ولم اسمع منه بتاتا ضمير ال (انا ) طوال عشرات السنين التي كنٌا فيها معا, ولم اسمع منه بتاتا ايضا اي كلمة فخر حول كتابه المهم هذا سوى مرة واحدة حكى لي فيها موقف جرى له عندما كان يعمل في جامعات اليمن, وفحواه ان احد الزملاء هناك قال في جلسة حول الادب الروسي , دون ان يعرف ان مؤلف الكتاب يقف امامه , انه يعتبر كتاب ( الكلاسيكيون الروس والادب العربي) لمؤلف عراقي نسي الان اسمه افضل دراسة عربية حول الادب الروسي, ولم يكرر محمد يونس هذه الحكاية امام الآخرين من الاصدقاء والمعارف , وما اكثرهم, ولكنه حكاها لي خصيصا بحكم صداقتنا الوطيدة ليس الا. واود هنا ان اعلن باني اؤيد رأي ذلك الزميل من اليمن بشأن هذا الكتاب, والذي اعتبره المصدر رقم واحد في المكتبة العراقية حول موضوعة الادب الروسي في العراق , رغم انه يعبر عن آراء محمد يونس وافكاره المقتنع بها والتي يمكن ان نختلف بشأنها بعض الاحيان. ( هل كان هذا الكتاب وصيتك يا ابا جاسم الورد؟؟؟؟؟)
انجز الدكتور محمد يونس ثلاثة كتب اخرى تتناول الادب الروسي, اثنان منهما صدرا ضمن سلسلة اعلام الفكر العالمي في بيروت وهما –عن الاديبين غوغول وتورغينيف , ورسم فيهما صورة قلمية متكاملة لحياة وابداع هذين الاديبين , ولا زالا يعدان من المصادر الاساسية عنهما للقارئ العربي,اما الكتاب الثالث فقد انجزه سوية مع المرحومة الاستاذة الدكتورة حياة شرارة وعنوانه – ( مدخل الى الادب الروسي في القرن التاسع عشر) والذي اعادت طبعه قبل سنتين دار المدى , وهو الان مطروح في الاسواق من جديد,وقد عاصرت فكرة هذا الكتاب , اذ ان تلك الفكرة ولدت في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد, عندما كنٌا ندرس مادة تاريخ الادب الروسي باللغة الروسية لطلبة القسم, ولم نكن نستطيع عبر المعرفة المحدودة لتلك اللغة عند الطلبة ان نوصل لهم عمق ذلك الادب وقيمته واهميته , وهكذا ولدت فكرة تاليف كتاب منهجي مساعد للطلبة باللغة العربية كي يطلعون بلغتهم القومية على هذا الادب ومكنوناته, وقد كان من المفروض ان يقوم بتاليف هذا الكتاب المنهجي المساعد كل من الدكتورة حياة شرارة والدكتور محمد يونس والدكتور جليل كمال الدين وانا , الا ان ظروف القسم لم تسمح بالاستمرار بتنفيذ ذلك آنذاك, وبقي محمد يونس الوحيد المتحمس لتنفيذ تلك الفكرة وساندته حياة شرارة وهكذا استطاعا تحقيق هذا المصدر التدريسي المهم على غرار بنية الكتب المنهجية الروسية , وقد نجح هذا الكتاب فعلا بتأدية ذلك الدور الذي رسمناه له عند ولادة فكرته, اذ ساعد طلبة قسمنا على استيعاب مادة تاريخ الادب الروسي بشكل علمي اثناء دراستهم لها باللغة الروسية, وكذلك استخدمناه كمصدر اساسي في توجيهاتنا للطلبة من اجل كتابة بحوثهم, اضافة الى انه اصبح مصدرا مهما للقارئ المهتم بتاريخ الادب الروسي عموما, وقد لاحظ بعض الذين كتبوا عنه ذلك , واذكر من بينهم القاص العراقي عبد الله نيازي الذي ادهشه تثبيت عدة مصادر بعد كل فصل من فصول الكتاب, وهي طريقة تقليدية وعلمية متبعة في معظم الكتب المنهجية الروسية بشكل عام , والتي اشاد بها نيازي كثيرا في عرضه للكتاب المذكورلانه يراها على ما يبدو لاول مرة في هذا الكتاب . واخيرا يجب التوقف حتما عند كتاب مهم جدا قام المرحوم محمد يونس بترجمته عن اللغة الروسية ونشرته ايضا دار آفاق عربية في حينه واعيد نشره ثانية في مصر ولاقى اقبالا كبيرا وواسعا لدى القراء  وعنوانه  -  ( فن الادب الروائي عند تولستوي ) وهو من تأليف الباحث الروسي السوفيتي ادينوكوف, ويعد هذا الكتاب الان واحدا من المراجع والمصادر المهمة في دراسة تولستوي.
الاستاذ الدكتور المرحوم محمد يونس جبر الساعدي – اسم كبير في عالم الادب الروسي في العراق وهو ينتظر الباحث العراقي الذي يجب ان يكتب عنه – في الاقل – اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , هذا القسم الذي عمل فيه محمد يونس طوال حياته واحبه ومنحه عصارة فكره وعلمه, وفي حالة الموافقة على مقترحي هذا فاني اعلن استعدادي التام للتعاون مع طالب الماجستير هذا ومشرفه العلمي, كما سبق لي ان اعلنت عن استعدادي للتعاون بشأن اطروحة عن المرحومة الاستاذة الدكتورة حياة شرارة.


691


قصيدتان للشاعر الاسباني   لوركا

ترجمها عن الروسية - أ.د.ضياء نافع

الفرح الحزين

اكثر الافراح حزنا
ان تكون شاعرا..
كل الاحزان الاخرى
أقل منها
حتى الموت..

****

الاشجار

رقد الشجر
باكيا
من المطر،
اه من ضوء القمر
راقدا
فوق اغصان الشجر.


692
غوركي وستالين والواقعية الاشتراكية

أ.د. ضياء نافع
الى روح استاذ جيلنا المرحوم الدكتور علي جواد الطاهر.

انعقد المؤتمر الاول لاتحاد الادباء السوفيت في 17 آب/اوغسطس 1934 بموسكو, و تأثير هذا المؤتمر معروف على مسيرة الاداب السوفيتية طوال كل تلك السنين وانعكاس مفهوم الواقعية الاشتراكية سوفيتيا وعالميا, بما فيها عالمنا العربي,واذكر مرة, ان المرحوم الاستاذ الدكتور علي جواد الطاهر هاتفني وقال لي, انه يريد ان يعرف مني اجابة دقيقة عن اسئلة محددة بشأن الواقعية الاشتراكية ودور مكسيم غوركي فيها, وامطرني بأسئلة متفرعة من تلك القضية لدرجة اضطرتني ان اقول له, ان ذلك مستحيل في اطار هذه المكالمة الهاتفية, اذ ان ذلك يقتضي الرجوع الى عدة مصادر بشأن ذلك. وقد رجعت فعلا الى كتاب كان موجودا في مكتبتي ببغداد عنوانه – ( المؤتمر الاول لاتحاد الادباء السوفيت) , والذي يحتوي على وقائع كل ما جرى في ذلك المؤتمر, ولكني لم استطع ان أجد الاجابات الشافية لكل تلك  التساؤلات التي طرحها عليٌ استاذنا المرحوم الطاهر, وبالذات بشأن ما يتعلق بموقف مكسيم غوركي من كل ذلك. وهكذا حالت الظروف العراقية المتشابكة المعروفة من الاجابة عن كل هذه الاسئلة. لقد كان واضحا من كلام المرحوم الطاهر بانه لم يكن مقتنعا بالاجابات الموجودة لديه في نهاية ثمانينات القرن العشرين حول كل تلك المواضيع, واحاول الان , بعد مرور اكثر من ربع قرن على تلك المكالمة الهاتفية ان اجيب عن تساؤلات استاذنا المرحوم علي جواد الطاهر, ولهذا السبب اهديت هذه المقالة لروحه الطاهرة.
ارتبط مكسيم غوركي بمصطلح الواقعية الاشتراكية , واشارت الكثير من المصادر, بما فيها المصادر العربية, الى ذلك, والى انه هو بالذات من صاغ هذا المصطلح الادبي المشهور, ولكن البحوث الجديدة التي ظهرت الان تشير الى عدم دقة هذه المعلومات.لقد ذكرت المصادر التي تم نشرها في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين , اي زمن ما يسمى ب ( البيرسترويكا)والتي تعني ( اعادة البناء), وهي الفترة التي ابتدأت بمجئ غورباتشوف الى السلطة عام 1985 وانتهت في نهاية الاتحاد السوفيتي عام 1991,الى غير ذلك. لقد انتقدوا –في تلك الفترة – غوركي ولاموه,لانه (كما اشاروا) كان يدافع عن السياسة الستالينية في الادب وينفذ ارادة السلطات السوفيتية في هذا المجال ويؤدي دور الرقيب على الادباء السوفيت الذين ( حشروهم وأجبروهم على اعتناق مبادئ الواقعية الاشتراكية )كما كانوا يقولون , وعليه, فان الدور الذي قام به غوركي في المؤتمر الاول للادباء السوفيت كان سلبيا. ان الموقف قد تغير الان, بعد ان صدرت في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين المواد غير المعروفة وغير المنشورة سابقا, والموجودة في الارشيف الادبي لغوركي, هذه المواد التي ألقت الضوء على النشاطات الحقيقية له في تلك الفترة الزمنية.
لقد اوضحت تلك المواد اولا , ان فكرة الرقابة الحزبية على العملية الادبية لم تكن تعود الى ستالين اصلا, وانما الى تروتسكي, والذي كتب الى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عام 1922 حول الامزجة لدى مختلف التجمعات والتكتلات الادبية, مشيرا الى ( ضرورة بلورة امزجة التعاطف معنا, وجلب المترددين الى جانبنا, وان ذلك يمكن عن طريق تأسيس مركز موحد يضم هذه المجاميع من الادباء... وان هذا المركز يمكن ان يصبح اتحاد ادباء عموم روسيا ), وهكذا, وخلال العشر سنوات اللاحقة, أخذ الحزب الشيوعي بسياسة الاهتمام بالادباء, وأصدر عدة وثائق مهمة حول ذلك, منها – ( المهمات الاساسية للحزب في مجال المطبوعات) 1924  , و ( عن سياسة الحزب في مجال الادب الفني ) 1925 , و ( عن اعادة بناء المنظمات الادبية – الفنية) 1932, الا ان  العملية الادبية سارت بمعزل عن كل تلك الوثائق والتوجيهات, وقد أغضبت بعض الاحيان السلطات السوفيتية . ومن الطبيعي جدا ان يؤدي ستالين دورا محددا ومهما في كل تلك المسيرة. لقد كان ستالين يفهم ويدرك بشكل دقيق وواضح, ان غوركي هو الشخص الذي يمكن ان يكون رئيسا للادباء في ذلك الوقت الحسٌاس, وان غوركي هو الشخص الوحيد الذي يمكن ان يوقف النقاشات الحادة والعنيفة بين  المجاميع والتكتلات الادبية آنذاك, ولهذا , وليس من باب الصدفة بتاتا, ان ستالين أجرى لقاءات عديدة وفي غاية الاهمية مع أبرز الشخصيات في مجال الثقافة والادب في بيت غوركي بالذات, وهناك أطلق جملته الشهيرة حول الادباء , والذين اسماهم ( مهندسو  الروح الانسانية), وهي الجملة التي كان يستشهد بها الماركسيون طوال عدة عقود من القرن العشرين ,بما فيهم ماركسيو العالم العربي, ويتفاخرون بعظمتها. لقد حاول ستالين ان يؤسس تنظيما بيروقراطيا لقيادة الحياة الثقافية عموما, وفرض بعض الاسماء التي كانت تنفذ ارادته مثل غرونسكي ويودين وميخليس, والذين صاغوا بعدئذ الاسلوب ( الاحادي ) للاداب السوفيتية, والذي تبلور لاحقا , وهو  مصطلح ( الواقعية الاشتراكية ), وهم الذين نشروا بالذات في آذار  عام 1932 لاول مرة مبادئ هذا المفهوم, والذي تم تثبيته في النظام الداخلي لاتحاد الادباء السوفيت بعد المؤتمر الاول لهم.
اما مكسيم غوركي فقد كان بلا شك يؤيد فكرة تأسيس اتحاد للادباء, وقد أشار في رسالته بتاريخ 24 اذار 1932 الى ستالين الى ان النقاشات بين مختلف التجمعات الادبية تنطلق بالاساس من المصالح الذاتية البحتة, ولا يوجد فيها اسسا ايديولوجية, الا ان ذلك لا يعني ابدا , ان التجمع الادبي – الحزبي سيكون مفيدا للتطور اللاحق لهذا الاتحاد. وكان من الواضح تماما , ان تأييد غوركي لتأسيس اتحاد الادباء لا يعني بتاتا تأييده لتأسيس تنظيم بيروقراطي حزبي يسعى الى اخضاع الادباء للتنظيم الحزبي, وانما كان يدعو الى خلق اتحاد يؤكد على التطور المتنوع للشخصية الابداعية و استقلالها, علما ان غوركي لم يستخدم ابدا مصطلح (الواقعية الاشتراكية) في كل كلماته ومقالاته في تلك الفترة, بل كان يستخدم مصطلح ( الرومانسية الاشتراكية) بعض الاحيان.
لقد عاد مكسيم غوركي نهائيا الى روسيا في صيف عام 1933, وازداد نشاطه التنظيمي والاجتماعي, وأجرى الكثير من اللقاءات مع مختلف ممثلي الاوساط الادبية والثقافية الروسية, وكانت هذه الاجتماعات تؤكد على ضرورة عقد مؤتمر للادباء , ينبثق عنه تنظيم لهم, وكانت الخطة المعلنة, ان ينعقد هذا المؤتمر عام 1933, الا انه اصبح من الواضح ان الوقت لا يكفي للقيام بكل التحضيرات اللازمة, وهكذا برزت فكرة تأجيل عقد المؤتمر الى العام التالي, اي 1934.
لقد تأسست لجنة تحضيرية للمؤتمر في حينها, وعقدت عدة اجتماعات بشأن التحضير للمؤتمر, وقد شارك غوركي وستالين في بعض تلك الاجتماعات, وحاول غوركي ان يتخلص من رئاسة المؤتمر, وعرض على ستالين عدة اسباب صحية لا تسمح له بذلك, الا ان ستالين لم يوافق على ذلك,وعلى الرغم من انه وافق على اقتراح غوركي بتأجيل المؤتمر الى عام 1934, الا انه كان يفهم ويستوعب بدقة , ان غوركي هو المرشح الوحيد لرئاسة المؤتمر والاتحاد المقترح للادباء. لقد أشار غوركي بشكل مباشر الى عدم قناعته بقيادة اتحاد الادباء من قبل ( الصفوة الحزبية )تنفيذا لارادة ستالين, ولكن يجب – بلا شك – ان نتفهم موقف غوركي في هذا الوضع المعقد والشائك والمزدوج. ويمكن ان نتابع هذا الموقف وخطوطه الدقيقة في كلمة غوركي وانعكاساتها على الاخرين , وخير مثال على ذلك الموقف من ماياكوفسكي وثوريته ( وهو موضوع لا يتحمل هذا المقال الخوض فيه).
ان موضوعة مصطلح الواقعية الاشتراكية في الاداب السوفيتية وفي الادب العالمي عموما- مسألة معقدة ومتشعبة وواسعة جدا, ولا يمكن بالطبع لمقالة واحدة ان تختزلها, ولكن هذه المقالة – بلا شك – تطرح هذا الموضوع الكبير على بساط البحث, على الرغم من ان مصطلح الواقعية الاشتراكية يكاد ان يكون منتهيا ( في اطاره الايديولوجي الكلاسيكي المعروف ) في الادب الروسي والعالمي بشكل عام, بما فيه الادب العربي الحديث, وانه اصبح جزءا من الماضي ليس الا, مع الاقرار , ان هذا الموضوع يحتاج الى مساهمة الاخرين بلا ادنى شك .

693
سليم يوسف قبعين - عاشق الادب الروسي الاول
أ.د. ضياء نافع

بدأ تشيخوف دراسته في كلية الطب بجامعة موسكو عام 1880 وتخرج فيها عام 1884 واصبح طبيبا, ولكنه لم يستمر بعمله في مجال الطب وانتقل الى الادب الذي عشقه وكرٌس حياته له , وهكذا اصبح اديبا عالميا كبيرا, وقال تشيخوف مرة – وكان يمزح كعادته – ان مهنة الطب هي ( زوجته ) اما الاداب فهي ( عشيقته ),واجابة على التساؤلات التي أمطرني بها الاصدقاء والزملاء عن سبب نشري في السنة الماضية عشرات المقالات حول الادب الروسي, اود ان اقول لهم ما قاله تشيخوف( مع الفارق الكبير والشاسع طبعا بيني وبين المبدع الكبير تشيخوف ) ,ان العراق امي وابي وروسيا زوجتي وادابها عشيقتي, واود ان اقول لهم ايضا , باني بدأت بحملة للبحث عن زملائي في مهنة ( العشق ) هذه , ووجدت ان الفلسطيني سليم يوسف قبعين ( 1870 فلسطين – 1951 مصر ) هو واحد من رجالات هذا العشق للادب الروسي وانه يعد بحق من اوائل عشاق هذا الادب في عالمنا العربي , واريد ان اقدمه للقارئ  واتحدث عنه قليلا , كي لا يتهمني الاصدقاء والزملاء باني ( العاشق الوحيد) في هذا المجال, علما ان هناك عشاق آخرون كبار, يستحق كل واحد منهم ان نقدمه للقراء ونتحدث عن انجازاته.
ولد سليم يوسف قبعين عام 1870 في مدينة الناصرة بفلسطين, ودرس في المدرسة الروسية الفلسطينية الارثذوكسية في تلك المدينة , ثم أكمل دراسته بعدئذ في دار المعلمين الروسية في الناصرة ايضا , ثم بدأ بالعمل في المدرسة الروسية الفلسطينية مدرسا, وانتقل عام 1897 الى القاهرة , وأصدر هناك صحفا ومجلات مختلفة , وقام بنشر سلسلة من الكتب وأسس مطبعة للنشر, واستمر في نشاطه الفكري هذا في مصر الى حين وفاته في القاهرة عام 1951
لقد اعطت المدارس الروسية الارثذوكسية في فلسطين , والتي تم تأسيسها في القرن التاسع عشر, مجموعة من المتخصصين في اللغة الروسية وآدابها, والتي ساهمت بترجمة هذا الادب الى اللغة العربية مباشرة عن اللغة الروسية (وكم هو مؤسف ان هذه المدارس قد توقفت بعد ثورة اكتوبر 1917) , ولعل ابرز تلك الاسماء هو الاديب اللبناني الكبير ميخائيل نعيمه , ويعد سليم يوسف قبعين ايضا واحدا من تلك الاسماء بلا شك,الذي اصدر العديد من الكتب حول الادب الروسي , ويرتبط اسم قبعين قبل كل شئ بتولستوي, والذي كان اكثر من معجب به, اذ يمكن القول انه كان من انصار افكاره وفلسفته لدرجة انه حاول ان يؤسس في مصر مزارع تعاونية على غرار ما كان يحدث في روسيا آنذاك من قبل أنصار تولستوي , الذين حاولوا تطبيق آرائه بالحياة في القرية وتأمين احتياجاتهم الحياتية عن طريق العمل اليدوي في الارض مباشرة , وهكذا اصبح قبعين اول عربي يصدر كتابا عن تولستوي وكان بعنوان – ( مذهب تولستوي )عام 1901, وهو عنوان مثير يوحي للقارئ ان تولستوي قد جاء بمذهب جديد محدد الابعاد , ولكن هذا الكتاب في الواقع كان يتضمن ترجمة لثلاثية تولستوي – ( الطفولة / الصبا / الشباب ), ولكن تلك الترجمة كانت بتصرف كبير جدا قام به المترجم انطلاقا من حبه لتولستوي واعتزازه به  ومحاولة لنشر افكاره وفلسفته ورسم صورة مثالية له , واصدر قبعين بعد ذلك كتابا آخر لتولستوي بترجمته وهو قصة تولستوي المعروفة – ( لحن كريتسر) عام 1904 ومارس نفس التصرٌف في ترجمته تلك حتى في العنوان اذ انه اضاف اليه كلمتي- ( الوفاق والطلاق)     لدرجة  ان المستشرقة الروسية آنٌا اركاديفنا    دولينينا كتبت مقالة عن ذلك واعتبرت هذا التصرف غير صحيح من قبل المترجم لنص تولستوي, ولم تأخذ هذه المستشرقة بنظر الاعتبار منطلق سليم يوسف قبعين  في تلك السنوات , عندما كان العالم العربي يرزح تحت حكم الامبراطورية العثمانية , وانه كان بأمسٌ الحاجة الى أصوات تتكلم عن مبادئ جديدة و كان المترجم وغيره من المثقفين يحاولون – كل حسب امكانياته وموقعه – ان يبشربها وينشرها بين القراء العرب آنذاك وخصوصا الموقف من المرأة وتحريرها وقضايا الزواج والطلاق في الشرق العربي. لقد استعان سليم يوسف قبعين بتولستوي من اجل ان يقول كل تلك الآراء ويعلنها        , ولكن المستشرقة اعتبرت ذلك خرقا لقواعد الترجمة وامانتها الاكاديمية, وربما يمكن القول الآن, ان قبعين كان على حق فيما ذهب اليه انطلاقا من روح عصره , وان المستشرقة كانت على حق ايضا عندما انتقدت هذا التصرف في ترجمته تلك انطلاقا من روح عصر آخر. أستمر سليم يوسف قبعين في مسيرته تلك , واصدر عام 1904 كتابا آخر عن تولستوي بعنوان – ( انجيل تولستوي وديانته) وهو ترجمة ايضا لمواقف الكاتب الروسي تجاه الكنيسة وطقوسها واحكامها , والتي عارضها تولستوي كما هو معروف لدرجة ان الكنيسة الروسية اعلنت موقفها الصريح ضده , والتي ادٌت في نهاية المطاف الى رفض الكنيسة دفن تولستوي حسب تعاليمها وطقوسها,وعاد قبعين الى هذا الموضوع مرة اخرى عام 1909 واصدر كتابا جديدا حول موقف تولستوي وافكاره الدينية بشان جهنم , وفي تلك السنة ايضا اصدر ترجمة لمسرحية تولستوي – ( سلطة الظلمة ) , وبعد 3 سنوات ترجم كتابا آخر لتولستوي بعنوان (حكم النبي محمد ) , وهو كتاب شهير ترجمه تولستوي  نفسه عن الانكليزية للباحث الهندي عبد الله السهروردي, وتكمن اهمية هذا الكتاب قبل كل شئ للقارئ الروسي طبعا , اذ توجد هناك مجموعة مختارة من الاحاديث الشريفة لنبينا الكريم محمد (ص), والتي ادهشت تولستوي بعمق مضامينها , والتي اراد ان يعرضها للقارئ الروسي ويبين له سبب احترامه الكبير والهائل لشخصية الرسول العربي ومكانته المتميزة , وقد انتبه قبعين الى ضرورة ان يقدم هذا الكتاب للقارئ العربي كي تكون الافكار الدينية لتولستوي متكاملة امام هذا القارئ , وهو موقف موضوعي وعلمي رائع من قبله. واصدر المترجم عدا تلك الكتب اصدارات اخرى في الادب الروسي , منها – ( انشودة الحب ) لتورغينيف , و ( ربيب بطرس الاكبر ) لبوشكين, و ( قصص روسية ) لغوركي, و ( قصص ) لتولستوي, و(من اعلام القصة الروسية ), ولم يقتصر نشاط قبعين على الادب الروسي وحسب, بل شمل ايضا التاريخ الروسي, واصدر عدة كتب في هذا المجال منها كتاب بعنوان ( تاريخ آل رومانوف ) وكتاب آخر بعنوان ( مصرع القيصر نيقولا آخر قياصرة روسيا).
سليم يوسف قبعين – واحد من رواد المثقفين العرب, الذين درسوا اللغة الروسية واتقنوها , وترجم عنها الى العربية , وقدٌم للقارئ العربي تولستوي  فيلسوفا ومفكرا وفنانا قبل كل شئ, وعرض لهذا القارئ كذلك صورة واسعة لادب روسيا وتاريخها وحضارتها في زمن لم يكن هناك اي تصوٌر لدى العرب عن ذلك تقريبا, ولهذا فانه  يستحق ان ندرس ترجماته وتراثه ونحدد مكانتها اللائقة بها ونقدمها للقارئ المعاصر حسب ابعادها الحقيقية التي تتلائم مع روحية ذلك العصر البعيد وخصائصه, ومن حقه علينا ان نؤرشف تراثه ونعيد نشره مع شرح وهوامش تشير الى تلك الاضافات التي ادخلها بين سطور ترجماته , كي تتعرف الاجيال الجديدة على هذا الجهد الفكري لهذا المثقف الكبير, الذي كان يجسد تلك المرحلة المبكرة في مسيرة ثقافتنا وتفاعلها مع ثقافة العالم من حولنا.

694
سلامه موسى وتولستوي
أ.د. ضياء نافع

لقد أشرنا في مقالتنا التي نشرناها سابقا بعنوان – ( سلامه موسى ودستويفسكي) الى ان موقف وآراء الكاتب المصري الكبير سلامه موسى ( 1887- 1958) حول سمات ومكانة الادب الروسي واعلامه بشكل عام تستحق التوقف عندها وتأملها ومناقشتها بلا شك , ووعدنا القارئ بالعودة اليها, وذلك لانها تجسٌد افكار شريحة رائدة من المثقفين العرب ظهرت وتبلورت في النصف الاول من القرن العشرين ,  عندما بدأت عملية  تحرر الفكر العربي من نير وتسلط العقلية العثمانية ومفاهيمها المعروفة والتي كانت سائدة آنذاك ,  وبالتالي فانها تعد واحدة من ابرز سمات وخصائص النهضة العربية الحديثة في مرحلتها المبكرة , والتي حاولت – وبشجاعة – ان تتعامل مع افكار ومفاهيم الادب العالمي واعلامه وتتفهمه بشكل عام ,  بما فيه الادب الروسي طبعا , ونحاول الآن في مقالتنا هذه ان نتناول علاقة سلامه موسى بالكاتب الروسي المعروف ليف تولستوي ( 1828 – 1910 ) , عبر قراءة تحليلية لمقالته بعنوان – ( تولستوي – فيلسوف الشعب ) التي جاءت في كتابه الشهير – ( هؤلاء علموني ).
يتحدث سلامه موسى في مقالته هذه عن فلسفة تولستوي كما هو واضح من العنوان , ويتوقف عند مواضيع واسعة جدا و مختلفة ومتنوعة مثل الحرب والثورة و معنى الدين ودور الكنيسة وموقفها تجاه القضايا الاجتماعية وتحرير العبيد وتاريخ الصراعات الفكرية في روسيا ودور الادب في المجتمع وتأثيره على مسيرة الاحداث..الخ , ويمر الكاتب على كل هذه المواضيع الكبيرة والمتشعبة ويعرضها بايجاز شديد جدا دون ان يحاول التوغل في اعماقها وتفاصيلها, ويؤدي هذا الموقف – بعض الاحيان – الى تبسيط لتلك المواضيع اولا, و الى خلط مربك جدا وتشابك فيما بينها ثانيا , الا ان القارئ – مع ذلك – يخرج بحصيلة واضحة المعالم بشكل او بآخر حول موقف تولستوي من معظم هذه المواضيع الفكرية البالغة الاهمية ومفاهيمه الفلسفيه تجاهها, وهو هدف كبير جدا استطاع سلامه موسى ان يحققه فعلا وبشكل صائب – عموما- في مقالته تلك, وسنحاول فيما يأتي ان نعرض بعض هذه الآراء لمقالته المذكورة.
 يتوقف الباحث اولا عند موضوعة الحرب ويشير الى مشاركة تولستوي في الحرب الروسية – العثمانية في شبه جزيرة القرم عام 1854 المشهورة ويحدد موقف الكاتب من وحشية الحرب وطبيعتها وكيف انها تعتبر ( بؤرة لمشكلات عديدة ) , ثم ينتقل الى موضوعة ( تحرير العبيد ) كما يسميها سلامه موسى , ويقصد بالطبع القانون المهم جدا في تاريخ روسيا والذي صدر عام 1861 من قبل القيصر الكساندر الثاني ( يسمونه القيصر المحرر في الكثير من المصادر الروسية التاريخية ) والذي ألغى بموجبه حق القنانة في روسيا , ويقول ان تولستوي ( حرر عبيده قبل ان يسن قانون 1861 ) , ولكن سلامه موسى لا يوضح كيف تم ذلك ولا اهمية هذا القانون في مسيرة التاريخ الروسي ولا موقف تولستوي منه , وبالتالي فان القارئ لا يستوعب هذه النقطة المهمة والكبيرة في فلسفة تولستوي بكل ابعادها وتبقى مبهمة تقريبا بالنسبة لهذا القارئ , وينتقل سلامه موسى الى موضوعة اخرى معقدة وكبيرة ايضا وهي - العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع , ويشير الى ان تولستوي قد فشل في تفسير هذه العلاقة لانه كان يرى ان اصلاح الفرد يؤدي الى اصلاح المجتمع , بينما يعتقد سلامه موسى العكس تماما , ويقول في هذا الشأن , ان ( تولستوي لم يفقه ان الفرد لن يتغير الا اذا غيٌره المجتمع او هيٌأ له اسباب التغيير ) , ويقتضي هذا الاستنتاج الشخصي البحت من قبل سلامه موسى جهدا فكريا اوسع واعمق بلا شك من اجل اثبات هذا الرأي حول ( فشل تولستوي في تفسير هذه العلاقة ) . يتوقف الباحث بعدئذ عند موضوعة الصراع الفكري الكبير الذي شهدته روسيا بين كل من أنصار النزعة الغربية وأنصار النزعة السلافية في اواسط القرن التاسع عشر , ويطلق عليها تسمية ( الصراع بين المستغربين والمستشرقين ) , وهي تسمية ليست صائبة تماما و غير دقيقة من وجهة نظرنا, واذا كان اطلاق تسمية ( المستغربين ) مقبولة الى حد ما باعتبارها تشير – بشكل أو بآخر -  الى انصار النزعة الغربية , فان تسمية ( المستشرقين ) غير مقبولة هنا ولا تعبر عن الواقع الروسي الذي كان سائدا آنذاك , بل هي تكاد تذكر  القارئ العربي بمفهوم حركة الاستشراق المعروفة والمشهورة في عموم البلدان الاوربية ليس الا , على الرغم من ان سلامه موسى يحاول بعدئذ ان يوضح للقارئ خصائص الاتجاهين والمبادئ التي يدعو اليها كل طرف في هذا الصراع قائلا , ان فريق يقول بالتزام روسيا لمبادئها الشرقية والفريق الآخر يقول بأخذها بالاساليب الغربية , ويكتب فيما بعد الاستنتاج الآتي - ( ان هذا التردد كسب منه الرجعيون اي القيصريون والكنسيون , لأن القيصرية والكنيسة مؤسستين شرقيتين يجب المحافظة عليهما, ولذلك كان القول بتحرير العبيد من الرق الزراعي وتعليم المرأة في الجامعات ..بل البرلمان نفسه كان من بدع المستغربين الذين يعدون خونة للمبادئ الشرقية الروسية , وكان من الجانب الآخر دعاة الحضارة الغربية العصرية الذين أخذوا بالمذهب الماركسي في الاشتراكية والذين كانوا يطالبون بالغاء القيصرية واحتضان الثقافة العلمية الاوربية ) , وهذا الاستنتاج – في الواقع -  ما هو الا  تفسيرذاتي بحت و مرتبك جدا وغير دقيق  من وجهة نظرنا,  اذ انه لا يأخذ بنظر الاعتبار الوقائع (و اؤكد على كلمة الوقائع ) التي تحققت في المجتمع الروسي آنذاك , اضافة الى ان سلامه موسى هنا ينتقل للحديث عن سمات عصر آخر في تاريخ روسيا , عندما برزت الاحزاب الاشتراكية وانتهت بانتصار ثورة اكتوبر عام 1917 على مشارف نهاية الحرب العالمية الاولى , وكل ذلك بالطبع يكون  خارج اطار الصراع بين انصار النزعتين الغربية والسلافية في اواسط القرن التاسع عشر والتي كان يدور الحديث عنها في اعلاه , وهذا يعني بالتالي , ان هذا الاستنتاج يبتعد كليا عن مفاهيم تولستوي وفلسفته وخصائص عصره, اضافة الى ان هذا التقسيم الذي طرحه سلامه موسى للمجتمع الروسي آنذاك , مشيرا الى انه يتكون من – ( رجعيين  ) وهم  (القيصريون والكنسيون) , و ( دعاة الحضارة الغربية العصرية الذين أخذوا بالمذهب الماركسي ) هو تقسيم بعيد جدا عن النظرة الموضوعية  وتبسيط للموضوع يتعارض مع الواقع الروسي الذي كان سائدا في تلك الفترة , ولا مجال هنا للتوقف عند هذا الرأي ومناقشته تفصيلا بالطبع لانه خارج الموضوع اصلا , ولكن قدر تعلق الامر بتولستوي وفلسفته , اود ان اشير فقط الى ان تولستوي لم يكن ينظر الى القيصرواتباعه او الى الكنيسة وانصارها على انهم ( رجعيون ) , بل ان هذه المفردة غريبة جدا بالنسبة الى طبيعة اسلوب تولستوي اصلا , كما ان تولستوي كان بعيدا جدا عن ( دعاة الحضارة الغربية الذين أخذوا بالمذهب الماركسي ) كما كتب سلامه موسى . يتناول الباحث بعد ذلك عدة مواضيع اخرى في مقالته تلك مثل موقف تولستوي من الثورة , ويشير بشكل صائب الى ان تولستوي لم يكن يعتبر الثورة مخرجا من ازمة المجتمع الا ان واقعيته قد أدٌت الى ما يطلق عليه سلامه موسى ب ( ايحاء للثورة ) , وهي وجهة نظر موجودة فعلا عند بعض الاوساط الفكرية الروسية , وتذكرنا بطروحات لينين الشهيرة التي جاءت في مقالته المعروفة عن تولستوي بعنوان – ( تولستوي – مرآة الثورة الروسية ) , ولكن سلامه موسى لم يستشهد بمقالة لينين هذه ولم يذكرها في مقالته تلك . يتوقف الباحث عند مواضيع كبيرة اخرى لا مجال لمناقشتها في اطار هذه السطور مثل موقف تولستوي من الكنيسة الروسية الارثذوكسية ومن المسيحية بشكل عام , وهو موضوع في غاية الاهمية ولا زال حيويا لحد الان , او علاقة تولستوي بغاندي وجان جاك روسو , وهو موضوع كبيرجدا بالطبع يدخل ضمن مسألة التأثير والتأثر بين أعلام الفكر , وختاما نود الاشارة الى ان سلامه موسى تناول الحديث عن ابطال روايات تولستوي , ومن الممكن تبرير ذلك باعتبار ان هؤلاء الابطال كانوا يعبرون عن افكار تولستوي الفلسفية التي تناولتها المقالة , لكننا لم نستطع تفسير السبب الذي جعل سلامه موسى يقارن هؤلاء الابطال بابطال روايات دستويفسكي , علما انه استرسل واستطرد كثيرا عند الكلام عن هذه المقارنة , وعلى الرغم من صحة تلك الملاحظات بشكل عام الا اننا نرى بانها لم تكن منسجمة ومتناغمة مع طبيعة تلك المقالة , وهي تصلح ان تتحول الى مقالة منفصلة في الادب المقارن بلا أدنى شك .
مقالة سلامه موسى عن فلسفة تولستوي هي– حسب رأينا المتواضع - رؤوس نقاط فكرية عديدة وكبيرة تجمعت وتراكمت لدى الباحث المصري الكبير و تتطلب عدة مقالات تفصيلية ومعمقة و منفصلة عن بعضها , ورغم كل الملاحظات التي جاءت في هذا العرض الوجيز , الا ان ذلك لا يقلل ابدا من اهميتها التاريخية في مسيرة الفكر العربي الحديث , وهي تمتلك بلا ادنى شك مكانتها العلمية الرائدة في موضوعة الادب والفكر الروسي و دراسته واستيعابه في عالمنا العربي الحديث .


695
كامران قره داغي والادب الروسي في العراق

أ.د. ضياء نافع

درس كامران قره داغي في كلية الاداب بجامعة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا) في ستينيات القرن الماضي, وتخرج منها حاصلا على شهادة الماجستير في اللغة الروسية وآدابها, وكانت اطروحته عن الكاتب
الروسي ليونيد نيقولايفتش اندرييف ( 1871- 1919), وهو قاص وكاتب مسرحي وناقد ادبي وصحفي بارز في بداية القرن العشرين, ساهم بشكل ابداعي كبير في مسيرة الادب والفكر الروسي, وقد سانده مكسيم غوركي ولوناجارسكي وآخرون في بداية نشاطه الادبي , الا انه اختلف معهم لاحقا, عندما بدأ يكتب انطلاقا من مفاهيم التيارات الاوربية التجريبية والانطباعية وغيرها ,وعندما بدأت الحرب العالمية الاولى عام 1914,كتب مقالات عديدة تختلف جذريا عن مواقفهم منها , اذ كان يعتقد ان انتصار روسيا في تلك الحرب على المانيا سيؤدي الى تغيرات جوهرية كبرى في روسيا نفسها, وعندما حدثت ثورة اكتوبر 1917 لم يتقبلها , وكان آنذاك في فنلندا التي انفصلت عن الامبراطورية الروسية , وهكذا وجد اندرييف نفسه ضمن اللاجئين الروس , وقد توفي في فنلندا عام 1919 , واندرييف يكاد ان يكون مجهولا للقارئ العراقي والعربي عموما ,وكامران قره داغي العراقي الوحيد الذي تخصص في ادب اندرييف , الا ان ذلك لم ينعكس مع الاسف على نشاطاته اللاحقة بعد عودته الى العراق نهاية الستينات , ولم تكن الشهادة السوفيتية آنذاك مرحب بها في الدوائر العراقية, وهكذا اضطر كامران  ان يعمل في الصحافة وبالذات في مجال الترجمة, ونظرا لموهبته المتميزة في هذا المجال ( يتقن كامران  بشكل رائع اربع لغات هي العربية والكردية والروسية والانكليزية), فقد برز رأسا هنا وهناك , وهكذا اصبح بعد وقت قصير واحدا من المع المترجمين عن اللغة الروسية في العراق , وكان يعمل بنشاط في عدة اماكن بآن واحد, فهو يترجم في الجرائد والمجلات المختلفة صباحا وفي اذاعة بغداد بالروسية ظهرا وفي المركز الثقافي السوفيتي مساء,وكان الادب الروسي بالطبع ضمن نشاطاته تلك, وقدم ترجمات في غاية الاهمية في هذا المجال ونشرها في الصحف والمجلات العراقية آنذاك ,واذكر منها  على سبيل المثال وليس الحصر ترجمته لمحاضرة الكاتب الروسي الكبير غوغول حول الخليفة المأمون, والتي القاها غوغول في جامعة بطرسبورغ  بحضور بوشكين, وهي محاضرة مهمة في تاريخ العلاقات الروسية – العربية , والتي لم ينتبه اليها العرب بشكل عام لحد الان,ولم يستطيعوا الاجابةعن سؤال مهم وهو – لماذا اختار الاديب الروسي غوغول بالذات الخليفة المأمون موضوعا لمحاضرته في جامعة بطرسبورغ عندما اراد ان يتخصص في علم التاريخ ؟وترجم كامران ايضا مقالة مهمة حول الاستشراق الروسي بعنوان ( ليوث الاستشراق الروسي الثلاث) ولا زالت هذه المقالة التي نشرها في احدى المجلات الجامعية المتخصصة  تمتلك اهميتها في تعريف القارئ العراقي والعربي عموما بمسيرة حركة الاستشراق الروسية, وهناك مقالة مهمة  اخرى ترجمها كامران حول تشيخوف الفنان والانسان بقلم افيلوفا, المرأة التي عشقت تشيخوف وكتبت عنه واحدة من اجمل المقالات في تاريخ الادب الروسي, وقدم مقالة مهمة ايضا حول ماياكوفسكي وقضية انتحاره, ومقالات اخرى لا استطيع الان ان اتذكرها واسجلها , اذ اني اكتب من الذاكرة ليس الا, ولكن من المهم جدا الاشارة الى ان كامران ترجم – وفي خضم حياته الزاخرة بالنشاطات المتعددة هذه- كتابا مهما جدا في تاريخ الادب الروسي المعاصر وهو – كتاب الباحث السوفيتي بوريسوف الموسوم – ( الواقعية اليوم وابدا ) والذي يتضمن نظرة جديدة ومهمة جدا حول الادب الروسي في حينه والقضايا النظرية المرتبطة به, وقد وافقت وزارة الاعلام العراقية على نشره ضمن اصداراتها آنذاك, و احالته الى المرحوم الدكتور محمد يونس لمراجعته كما كان متبعا في الوزارة المذكورة, وقد تمت كل الاجراءات لنشره , الا ان كامران ترك بغداد فجأة والتحق بصفوف الحركة الكردية في حينها , فغضبت وزارة الاعلام طبعا عليه, وارادت ان تلغي الكتاب المذكور ,الا ان الكتاب كان في مراحله النهائية, ولهذا قررت الوزارة اصدار الكتاب ولكن بحذف اسم المترجم المغضوب عليه , واضطرت ايضا الى حذف اسم المراجع الدكتور محمد يونس ايضا, اذ من غير المعقول ان يجري حذف اسم المترجم وتثبيت  اسم المراجع فقط, وهكذا صدر الكتاب ( وهو الكتاب المترجم الوحيد في تاريخ الوزارة حسب علمي ) دون ذكر اسم المترجم, وقد اثارت هذه القضية  القراء اكثر تجاه الكتاب وجذبتهم اليه, ومن الطريف ان اشير الى مقالة كتبها الاستاذ مهدي شاكر العبيدي حول ذلك الحدث بالذات عام 2007 واعاد نشرها قبل فترة قصيرة في جريدة الزمان اللندنية بعنوان – (كامران قره داغي واستطرادات شتى) ,عند تعليقه على تعيين كامرا ن في منصب بمكتب السيد رئيس الجمهورية , واذكر ان المرحوم الدكتور محمد يونس اضطر ان يتوجه الى وزارة الاعلام بطلب للحصول على كتاب تاييد معنون الى كلية الآداب في جامعة بغداد في كونه قد راجع الكتاب المذكور وان اسمه قد ( سقط سهوا !).
ان ابتعاد كامران عن المساهمة في مجال الادب الروسي في العراق امر يؤسف له , اذ كان باستطاعته ان يعطي الكثير الكثير في اغناء موضوعة الادب الروسي في العراق نظرا لمعرفته العميقة للغة الروسية وآدابها ومتابعته الدائمة لها ولموهبته الفذة في مجال الترجمة وكيفية اختيار والتقاط المواد الثقافية المطروحة فعلا في الساحة الفكرية والثقافية الروسية , الا ان السياسة اللعينة  قد جذبته اليها وتفرغ لها كليا, وهكذا خسره الادب الروسي في العراق , وكم اتمنى اليوم ان يعود كامران الى الادب الروسي وان يجمع – في الاقل- تلك المقالات التي كتبها وترجمها ونشرها في حينه , بما فيها مقالات زوجته السيدة اولغا قره داغي والتي ترجمها كامران نفسه من الروسية الى العربية ونشرها في حينه في جريدة الجمهورية حول دستويفسكي ونكراسوف حسبما اتذكر الان عندما كانت تصدر صفحة آفاق التي اسسها واشرف عليها الصحفي المبدع محمد كامل عارف في سبعينيات القرن الماضي, وان ينسقها وينشرها في كتاب واحد , اذ ان ذلك العمل سيكون مفيدا وطريفا ومهما للقارئ العراقي خاصة والعربي عامة, , اضافة الى اهمية ذلك في تدوين تاريخ الحركة الثقافية العراقية وموضوعة الادب الروسي في العراق بالذات,  اذ  ليس بالسياسة وحدها يحيا الانسان يا كامران. أليس كذلك؟


696
أدب / لماذا ؟
« في: 04:03 26/06/2016  »

لماذا ؟

قصيدة للشاعر شاينير / تشيكيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


أسئلة ( لماذا ) تولد الغد،
مثلما الليل يولد الشمس ،
والغيمة – المطر،
والحب – الحياة.
لكن ، مع ذلك ،
لماذا انت والوردة
متشابهتان ؟
ولماذا امامي هنا سنبلة ؟
واغنية الشحرور في الغابة ؟
وخطوط النجوم في السماء ؟
+++++
أسئلة ( لماذا ) تولد الغد،
لكن لا أحد يعرف الشئ،
الذي سيحدث في الغد.
...........
النحلة سألت النحلة -
لا تعرف شيئا،
الشجرة سألت الشجرة –
لا تعرف شيئا ،
الطفل سأل ألاب-
لا يعرف شيئا ،
...........
ومع ذلك ،
لن اكف عن طرح الاسئلة
على العالم،
وعليك –
لماذا ، أخبريني،
لماذا انت وحدك
في قلبي وعيوني؟
والفراشة ؟
والسعادة ؟
والاغنية ؟
والصمت ؟
والربيع ؟
وهذا الطير
على أغصان الشجر
وسبع بقع خضر
على جناحيه،
لماذا ؟
+++++
ليس مهما
ان المطر لا يعرف شيئا،
لكنه يسقي الاشجار،
والاشجار لا تعرف شيئا ،
لكنها تمنح الظلال،
وانت لا تعرفين شيئا،
لكن نظراتك ملتهبة،
والعالم لا يعرف شيئا ،
لكنه رائع...

697
أدب / صوت أخضر
« في: 19:02 07/06/2016  »

صوت أخضر


قصيدة للشاعر فيليكس دي غوارانيا / البارغواي
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

 
بكت عيونهم الخضراء
سيل دموع أخضر,
اي خضرة, اي خضرة ,
اي فيضان أخضر!
............
ياللصمت ألاخضر!
يا  للسكينة ألخضراء!
الريح المذعورة زرعت
بذورا  خضراء.
.........
حب أخضر عند الطيور,
وهي تدور
فوق جبل أخضر,
في حزن أخضر.
.........
أي صمت أخضر,
ويأس أخضر
في قلبي...

698
يكاترينا الثانية والادب الروسي / ملاحظات أولية
أ.د. ضياء نافع
يسمونها  في المصادر العربية  بشكل عام – الامبراطورة  الروسيٌة كاترين الثانية , او كاثرين في بعض المصادر الاخرى , وذلك ترجمة عن اللغتين الانكليزية والفرنسية  طبعا, ولكن اسمها في المصادر الروسية كافة – يكاترينا , او الامبراطورة يكاترينا الثانية , لهذا فاننا احتفظنا في مقالتنا  هذه باسمها كما هو بالروسية لأنها امبراطورة  روسيٌة  قبل كل شئ , ولا نظن ان هناك ضرورة بتاتا عند الحديث عن هذه الامبراطورة  الروسيٌة بلغتنا العربية ان نغيٌر اسمها  و نضع اسما آخر لها  , لمجرد ان  هذا الاسم قد استخدمه المترجم الانكليزي ( س ) او المترجم الفرنسي ( ص ) في زمن ما , لأن ذلك الاسم  يتناغم , اوينسجم , او يتطابق  مع هذه اللغة الاوربية او تلك , مثلما استخدم الكثير من المترجمين العرب  - مع الاسف الشديد طبعا - اسم ( ليو ) او( ليون ) للكاتب الروسي العظيم  تولستوي,  بدلا من اسمه الروسي الحقيقي والاصيل  باللغة الروسية  ,  وهو  -  ( ليف ) بفتح الياء.
                          ض.ن.
++++++++++++++
 حكمت الامبراطورة  يكاترينا الثانية  روسيا  اربع وثلاثين  سنة باكملها  في القرن الثامن عشر ( علما انها ليست روسٌية اصلا!!!).  تعد هذه السنوات أطول فترة حكم لامرأة  في تاريخ الامبراطورية الروسيٌة عبركل التاريخ الروسي, وقد ابتدأت فترة الحكم هذه عام 1762 وانتهت برحيل يكاترينا الثانية  من الحياة عام  1796  .
يرتبط اسم هذه الامبراطورة في التاريخ الروسي بالكثير من الاحداث الكبيرة والمصيرية لروسيا , وفي المجالات  كافة , ومنها طبعا الحياة الثقافية الروسيٌة  بشكل عام , ويكفي فقط ان نشير الى ان يكاترينا الثانية  قد  وضعت اسس متحف (الارميتاج) في مدينة بطرسبورغ الروسية , الذي يعد الآن واحدا من أعظم متاحف العالم , وكذلك وضعت اسس المكتبة العامة في نفس تلك المدينة, والتي اصبحت في الوقت الحاضر ايضا واحدة من أشهر وأكبر المكتبات العامة في روسيا , و كانت يكاترينا تقول عن نفسها انها فيلسوفة جلست على عرش روسيا , ومن الطريف هنا ان نشير ايضا , الى ان الحكومة الحالية في دولة روسيا الاتحادية  قد أعلنت في اواسط ابريل / نيسان من هذا العام ( 2016) عن قرارها باعادة نصب تمثال يكاترينا الثانية في جزيرة القرم , وهو التمثال الذي ازالته السلطة السوفيتية  عندها , والذي تم تدشينه عندما انتصرت يكاترينا في حربها مع الامبراطورية العثمانية , واصبحت جزيرة القرم عندئذ جزءا من الامبراطورية الروسية .
 نود ان نتناول بايجاز في مقالتنا هذه مساهمات الامبراطورة يكاترينا  في مسيرة  الثقافة  عموما والادب الروسي بالذات. المقالة هذه ليست سوى ملاحظات أولية حول هذا الموضوع  الكبير والمهم جدا , اذ لا يمكن لهذه السطور  ان تتحدٌث – وكما يجب – عن  تلك المساهمات المتعددة كافة ليكاترينا الثانية في مجال الثقافة الروسيٌة  من أدب و مسرح وموسيقى وفن تشكيلي و معماري ...الخ , او حتى ان ترسم – بشكل عام -  صورة متناسقة و متكاملة لدور تلك النشاطات الثقافية المتعددة  و قيمتها واهميتها في تاريخ روسيا الفكري.
النقطة الاولى التي تستحق التوقف عندها هنا قبل كل شئ من وجهة نظرنا –  هي مساهمة يكاترينا الشخصية  في  المراسلات  الواسعة مع كل من الاديبين الفرنسيين الكبيرين - فولتير وديدرو  , وهذه ظاهرة جديدة  بكل معنى الكلمة في التاريخ الروسي   وفي عملية  التفاعل  الفكري بين روسيا والغرب الاوربي , والتي يتوقف عندها كل الذين كتبوا عن يكاترينا او تناولوا تاريخ تلك المرحلة في مسيرة روسيا , وذلك لانها خطوة بارزة ومتميزة فعلا حققتها هذه الامبراطورة . لقد كانت هناك بالطبع  اتصالات متنوعة وواسعة مع اوربا الغربية في مسيرة التاريخ الروسي , ولكن لم تكن هناك مراسلات فكرية  وشخصية كما قامت بها الامبراطورة يكاترينا  مع فولتير وديدرو. لقد اصبحت يكاترينا ( نتيجة  مجمل اصلاحاتها ومسيرتها في تاريخ روسيا طبعا ) واحدة من اعمدة (حركة  التنوير المطلقة ) كما يسمونها في تاريخ اوربا  القرن الثامن عشر , و هكذا أطلق عليها فولتير عبارته المشهورة  عالميا وهي – ( مستبد عاقل خير من مستبد جاهل ) .
النقطة الاخرى التي تستحق التوقف عندها , والتي يمكن ان نسميها ايضا -( النقطة الاولى مكرر ) هي – المساهمات الشخصية للامبراطورة يكاترينا في حركة التأليف الادبي الروسي . لقد أبقت يكاترينا للاجيال الروسية اللاحقة مؤلفات عديدة تتضمن مذكراتها ويومياتها , وترجمات قامت بها , وحكايات و اساطير , ومجموعة من المسرحيات الكوميدية ( منها – آه يازمن / السيدة فيستنيكوفا وعائلتها / العروس غير المرئية ...) , ومقالات عديدة , ونصوصا لخمس عروض للغناء الاوبرالي ( تم تقديمها في مسارح بطرسبورغ في تلك السنوات وبشكل مهيب و ديكورات فخمة جدا تليق بامبراطورة روسيا طبعا ) . ساهمت يكاترينا ايضا في الكتابة للصحافة الروسية , وبالذات في المجلة الاسبوعية الفكاهية ( فسياكيه فسياجنه ) والتي لم  أجد تعبيرا افضل من ترجمتها باللهجة العراقية الى ( كل شي وكلاشي / كشكول .. ) , اذ ان ترجمتها بالعربية الفصحية لا  يمكن ان تعطي نكهتها وجوهر معناها , وهي - ( اشياء متنوعة / منوعات مختلفة / شئ من كل شئ .. ) . لقد حاولت الامبراطورة ان تساهم عبر هذه المجلة بتوجيه الرأي  العام الروسي  والتأثير عليه , واطلقت على هذه المجلة تسمية – (هجاء بروح مبتسمة ) , وهو تعريف دقيق وجميل فعلا لهذه المجلة ودورها في المجتمع الروسي آنذاك .
لا يعرف تاريخ روسيا قيصرا ساهم في حركة التأليف الادبي  والفني الروسي مثل يكاترينا , رغم ان هناك رأي في مسيرة التاريخ الروسي مضاد لها بشكل خاص , ومضاد لكل القياصرة عموما ( ولهذا أزالوا تمثالها من القرم ! ), و يشير انصار هذا الاتجاه الى قضية حدثت في عهدها , وهي - اضطهاد الكاتب الروسي راديشيف – مؤلف كتاب ( رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) وعزله وسجنه ...الخ تلك الاجراءآت التعسفية , التي اتخذت ضده ( انظر مقالتنا بعنوان – راديشيف وكتابه رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ).  يتحدث انصار هذا الرأي ايضا حول مسألة اخرى , وهي ان يكاترينا لم تكتب كل هذه النتاجات شخصيا , وانما استخدمت الادباء الروس الآخرين للكتابة باسمها , و يحاول هؤلاء اثبات رأيهم هذا , ويشيرون في هذا الخصوص الى ان هناك اختلافات واضحة في اسلوب تلك الكتابات , ويستنتجون بالتالي , ان هناك عدة اشخاص ( وليس شخصا واحدا ) كتبوا هذه النتاجات , ولكن هذا الامر لا زال غير محسوم في التاريخ الفكري الروسي  لحد الان, وهو يحتاج بالطبع الى دراسة موضوعية هادئة ودقيقة ومحايدة تعيد من جديد تقييم كل هذه الاراء وتنقيتها من النظرة الاحادية السياسية الضيقة , ولكن حتى لو كان هذا الامر صحيحا كما يقولون , فانه يعني من جانب آخر ايضا , ان الامبراطورة يكاترينا كانت تولي هذا الموضوع اهتمامها الخاص , وانها كانت تتمنى وتحاول وتهدف الى ان تساهم شخصيا في حركة الادب الروسي وتفعيله .


699
من المعجم الروسي – العربي للأمثال الروسية (30)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثلاثون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية .
 ض.ن.

 الترجمة الحرفية – الصمت ليس مخجلا عندما لا يوجد ما تقوله .
 التعليق – هذا مثل عالمي من حيث المعنى . يضرب في المواقف التي لا يعرف الانسان كيف يتصرف فيها ,  ويضطر- بالتالي -  ان يقول كلمات تتناقض او لا تتناغم او لا تتناسب مع تلك المواقف الدقيقة . توجد بالعربية مقولة مشهورة وعميقة جدا في هذا المعنى بشكل عام ويمكن الاشارة اليها هنا , وهي  -
من قال لا اعرف فقد افتى.
+++++
الترجمة الحرفية -  لا تقاس الريح بالسطل ( بالدلو ) .
التعليق – يضرب في ان لكل شئ مقياسه الخاص به في الحياة الانسانية , ويجب على الانسان حتما الخضوع لذلك المنطق الواقعي .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يهدد كثيرا , يخافون منه قليلا .
التعليق – مثل عالمي  , والمعنى فيه واضح تماما . توجد امثال وتعابير عربية عديدة في هذا المعنى منها  تعبير – ( العنتريات ) بمعنى التباهي والتبجح الفارغ .  لنتذكر المثل العربي المعروف عن – (الكلب الذي ينبح كثيرا  لا يعض).
+++++
الترجمة الحرفية – كل الاصابع متساوية في قبضة اليد .
التعليق –  يضرب في ان كل  واحد  يمتلك اهميته عندما يجتمع الجميع معا بغض النظر عن خصائص وامكانيات كل واحد من المجتمعين ,  اذ انهم يؤدون -عندها- دورهم سوية , وفي - ( الاتحاد قوة )  كما يقول المثل العربي.
+++++
الترجمة الحرفية -  للرب المجد , وللقس شريحة الشحم .
التعليق – معنى المثل واضح طبعا , ويضرب للسخرية من بعض رجال الدين , الذين يستغلون الاديان جميعها  ويشوهونها من اجل مصالحهم الانانية الذاتية البحتة , وهو ما نراه بوضوح في الوقت الحاضر-  مع الاسف -  في  بلداننا. 
+++++
الترجمة الحرفية – الحساب لا يسئ الى الصداقة.
التعليق – مثل عالمي يدعو الى العلاقة الصريحة والدقيقة والواضحة بين الناس .  استقر المثل بالعربية في هذا المعنى كما يأتي - تعاشرو ا  كالاصدقاء و تحاسبوا كالغرباء , او تحابوا كالاخوان وتحاسبوا كالغرباء , وحتى يوجد من يظن ان هذه الامثال هي  احاديث شريفة .
+++++
الترجمة الحرفية – العثٌ ياكل الملابس , والحزن يأكل الانسان.
التعليق – يضرب في ان الهموم والاحزان تنعكس على شكل الانسان ووضعه وتؤثٌر بوضوح عليه ولا يمكن اخفاء ذلك , مثل تأثير العث  على الملابس.
+++++
الترجمة الحرفية – تصل الاخبار حتى الى الاطرش .
التعليق – يضرب في ان الاخبار تنتشر و تصل الى الجميع بغض النظر عن كل شئ , وحتى لو كان الانسان اطرشا  . ربما يمكن الاشارة هنا الى بيت المتنبي الذي ذهب مثلا في هذا الاطار( بشكل عام وشامل طبعا ) وهو –
انا الذي نظر الاعمى الى أدبي...واسمعت كلماتي من به صمم
+++++
الترجمة الحرفية – المفتاح أقوى من القفل.
التعليق –المفتاح يستطيع ان  يقفل القفل و يستطيع ان يفتحه , وبالتالي فان المفتاح  هو الذي يتحكم بالقفل , اي انه اقوى من القفل . يضرب هذا المثل في ان الذي يتحكم بالامور هو الاهم والاقوى رغم العلاقات القريبة جدا و المتبادلة و الوثيقة بكل معنى الكلمة بين كلا الجانبين.
+++++
الترجمة الحرفية – الاعمى ليس دليلا للاعمى.
التعليق – يضرب في ان الدليل ( وبالتالي القائد) يجب ان يتميٌز عن الاخرين وان يمتلك صفات اخرى افضل منهم كي يشغل هذا الموقع , والا فانه لا يصلح ان يكون دليلا او قائدا , وكم ابتلت بلداننا بمثل هؤلاء (الادلاء!!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – الكذبة الصغيرة تؤدي الى الكذبة الكبيرة .
التعليق – يضرب في ان الكذب لا يرتبط بحجمه بل في فلسفته قبل كل شئ , وان الذي يكذب في شئ صغير يكذب في شئ كبير. هناك مثل عربي طريف عن السرقة يذٌكر بفلسفة وروحيٌة هذا المثل الروسي وهو - من يسرق بيضة يسرق جملا.
+++++
الترجمة الحرفية – يهب الرب النهار , ويهب الطعام.
التعليق – يضرب في انه لا ضرورة للقلق بشأن الغد , اذ ان الرب هو الوهٌاب . هناك امثال كثيرة بالعربية في هذا المعنى منها – لا تفكر لها مدبر / الله ما ينسى عباده / يوم جديد رزق جديد / الله الرزٌاق ...
+++++
الترجمة الحرفية – دون عمل تضعف القوة .
التعليق –  لا قيمة للقوة دون ممارسة دورها في الحياة  الانسانية, بل انها تضمحل وتضعف بالتدريج عندما تفقد عملها اواداء دورها . يضرب هذا المثل  للحثٌ على استخدام قوة الانسان وحيويته في الوقت المناسب والاستفادة منها.
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الذهب يصبح اسودا .
التعليق – يضرب لضرورة الاعتناء بكل شئ في الحياة بغض النظر عن خصائصه وسماته , وذلك لأن كل شئ يتغيٌر نحو الادنى عند عدم الاعتناء به او مراعاته او اهماله.
+++++
الترجمة الحرفية -  الايقونة والمسحاة من نفس الخشبة .
التعليق –  يضرب في ان الهدف هو الذي يحدد النتيجة النهائية في نهاية المطاف , وليست العناصر او المواد التي يستخدمها الانسان من اجل الوصول الى  ذلك الهدف.
+++++
 الترجمة الحرفية – والذئاب شبعانة والنعاج كاملة .
التعليق –  مثل عالمي يضرب في ضرورة  وحتمية الخيار النهائي والحاسم  بين شيئين محددين ومتناقضين جدا, وان الجمع بينهما  مستحيل , اي – ( امٌا وامٌا .. ).
+++++
الترجمة الحرفية – مئة صديق – قليل , عدو واحد – كثير .
التعليق – مثل عالمي واضح المعنى . يوجد مثل مقارب  له باللهجة العراقية ( ومن المحتمل جدا باللهجات العربية الاخرى ) وهو -  الف صديج ( صديق ) ولا عدو, وهناك مثل عربي آخر  يتناسق مع هذا المثل الروسي من حيث المعنى وهو – الشر قليله كثير. 
+++++
الترجمة الحرفية – يعمل من الذبابة فيلا.
التعليق – مثل عالمي حول المبالغة وضررها في التعامل مع ظواهر الحياة وعدم النظرة الموضوعية الى تلك الظواهر . يترجم جابر في قاموسه هذا المثل كما يأتي – جعل من الحبة قبة , وهي ترجمة صائبة.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب – ( المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية ) المعدٌ للطبع , والذي سيصدر باللغتين الروسية والعربية عن (دار نوٌار للنشر) / موسكو – بغداد.


700
محمد عارف يكتب عن زهاء حديد بالروسية
أ.د. ضياء نافع
نشرت مدونة روسية متخصصة في الفن المعماري مقالا تفصيليا يقع في عدة صفحات  مع صور عديدة متنوعة للمعمارية العراقية العالمية الراحلة زهاء حديد وانجازاتها المدهشة في مجال الفن المعماري ,  وكذلك نشرت المدونة صورة للصحافي العراقي الكبير محمد كامل عارف ( كاتب المقال ) مع تعريف واف به  وبمكانته واهميته في عالم الصحافة العراقية و العربية والانكليزية , واشارت الى انه خريج كلية الصحافة في جامعة لينينغراد الروسية آنذاك ( بطرسبورغ) حاليا  .
لقد شعرت ب ( الزهاء !) حقا وانا أقرأ ذلك المقال بالروسية حول زهاء حديد بقلم محمد عارف , اذ كان الاستاذ محمد كعادته  (يغرٌد ! ) فعلا في مقاله ذاك  باسلوبه المعروف الشفاف و المعمق  و الرشيق , الاسلوب الذي تنعكس فيه دائما  تلك الثقافة الواسعة والمكثفة للكاتب وذلك الحب الصوفي النقيٌ  للعراق , واستطاع – وبمهارة رفيعة جدا -  ربط فن زهاء حديد وابداعها المعماري بجذور حضارتنا الرافدينية العريقة  من اوروك واريدو وبابل ..الخ  و صولا الى المعالم العربية العظيمة لتلك الحضارة , وكل هذا المزيج المتنوع والمتناغم (اردت ان استخدم كلمة الخبطة باللهجة العراقية ولكنني ترددت ) قدٌمه لنا محمد عارف بشكل ممتع ومنطقي وعلمي , ويمكن القول – وبكل ثقة – ان هذا المقال هو كلمة جديدة للقارئ الروسي في عالم الفن المعماري وتاريخه بشكل عام, وفي عالم الفن المعماري الخاص بزهاء حديد , وبالتالي فان محمد عارف استطاع - وبنجاح منقطع النظير حقا - عبر بحثه هذا ان يقدم صورة مشرقة وجميلة جدا للعراق في ماضيه الحضاري العريق , وحاضره المرتبط بابداع الفنانة المعمارية زهاء حديد المتميز والمدهش .
قررت ان اكتب حول ذلك المقال المهم جدا في الصحافة الروسية من وجهة نظري , لاني اهتٌم بموضوعة العلاقة المتبادلة بين ثقافتنا العربية والثقافة الروسية  واتابعها دائما, واحاول ان اسجل وقائعها البارزة ودراسة  تاثيراتها المتبادلة بين  العالم العربي والروس بشكل عام , وبين العراق وروسيا خصوصا . وهكذا وضعت العنوان وبدأت التخطيط لكتابة هذه المقالة , وما ان بدأت بالكتابة , واذا بي اسمع  وبالصدفة ( في نشرة ألاخبار المسائية في التلفزيون الروسي  لذلك اليوم بالذات ) النبأ الحزين  والرهيب , وهو رحيل زهاء حديد المفاجئ وغير المتوقع بتاتا, وتوقفت طبعا عن الاستمرار بكتابة المقالة تلك من هول هذا الخبر , اذ لم يكن من المناسب بتاتا الاستمرار بالكتابة .
الان قررت الرجوع الى هذه المقالة, بعد ان هدأت الخواطر قليلا , وبعد ان استقرت افكار الجميع على ان رحيل زهاء حديد هو رحيل الجسد  ليس الا , وان فنها المعماري سيبقى خالدا على الارض , سواء الذي  استطاعت انجازه , او الذي خططت لتنفيذه , انطلاقا من المبدأ الانساني العظيم , الذي تلخصه  باعجاز مدهش الآية الكريمة  - ( فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض ).
ومما شجعني للعودة الى ما خططت الكتابة عنه و اكمال ما بدأت بكتابته  هو مقال محمد عارف نفسه بعد رحيل زهاء , اذ نشر مقالا بعنوان – ( زهاء حديد..تحية وداع بالروسية ), والذي كتب فيه محمد ما يأتي – ( وكما يحدث مع الشخصيات التاريخية , ستؤثر زهاء بعد رحيلها بقوة أكبر مما في حياتها . فبناياتها المشيدة حول  العالم لا تغيب عنها الشمس , وبنايات تنتظر الانشاء ...وستكتشف الاجيال الجديدة الابعاد السياسية والفلسفية لعمارتها , التي قامت بمغامرة لا مثيل لها في تاريخ الفكر والفن والسياسة ) , ويستطرد محمد قائلا – ( ... ولم أدر ان بحثي عن زهاء بالروسية ..سيكون تحية الوداع ..) , ويشير الى انه ترجم لزهاء بعض مقاطع من بحثه ذاك , وخصوصا  كلمات الناشر الروسي في تقديمه لمحمد عارف , والذي يقول فيه – ( ...قد يبدو اننا نعرف كل شئ عن زهاء , لكن هناك من يعرف عنها أكثر بكثير ..) , ويعلق محمد على ذلك قائلا – ( ... ولا فضل لعراقي ان يعرف العراقية أكثر بكثير , فهو يعرفها بقلبه. وهل غير حدس القلب العراقي جعلني استشهد في بحثي بالروسية عن زهاء بموال / ونيٌت ونٌة حزن , جبل حمرين هزٌيته/ .)   

701
رسالة غوغول الى قيصر روسيا
أ.د. ضياء نافع
   حضرت مرة ندوة حول الادب الروسي في نهاية ستينات القرن العشرين في القسم الروسي بجامعة باريس . لقد شارك  في  تلك  الندوة  الادبية وفد سوفيتي ومجموعة من الباحثين والمتخصصين الفرنسيين في الادب الروسي ( معظمهم من اصول روسية او من المهاجرين الروس بعد ثورة اكتوبر 1917 في روسيا ) . تحدٌث اعضاء الوفد السوفيتي بالطبع من وجهة النظر السوفيتية الرسمية في ذلك الزمن البعيد جدا , واختلفت الآراء والمفاهيم  - في تلك النقاشات  - حول عدة نقاط  في تاريخ الادب الروسي ومسيرته واحداثه , ومن بينها , موقف الاديب الروسي العالمي الشهير نيقولاي  غوغول من النظام القيصري في روسيا  آنذاك . لقد أكٌد الوفد السوفيتي على ان غوغول كان معارضا ومضادا للنظام القيصري هذا  , واستشهد الوفد بمقاطع من نتاجات غوغول الادبية  ( خصوصا رواية الارواح الميتة ومسرحية المفتش العام بالذات ) , التي كانت تنتقد – وبشدة ووضوح وبشكل مباشر  -  بنية ذلك النظام  السياسي الروسي من رشاوى وفساد اداري وتباين واضح و رهيب بين الطبقات ...الخ ,  وكان رأي الجانب الآخر يؤكٌد على ان هذه الانتقادات لم تكن موجهة ضد النظام السياسي الذي كان قائما في روسيا  عندها , وانما ضد النواقص السلبية الانسانية في كل مجتمع ومرحلته التاريخية , بغض النظر عن النظام السياسي السائد في ذلك المجتمع , والدليل على ذلك , ان تلك النتاجات الادبية  لغوغول لا زالت حيوية , وان المجتمعات الانسانية في العالم تتقبلها لحد الآن , بما فيها المجتمع الروسي السوفيتي المعاصرآنذاك   .
 كنت اتابع هذا النقاش الفكري الجميل بكل جوارحي كما يقولون , وفجأة قامت سيدة روسية من هؤلاء المهاجرين  ( وكانت في حوالي العقد السادس او السابع من عمرها ) وقالت للوفد السوفيتي  بابتسامة ولكن بحدة وقوة  ايضا, ان غوغول نفسه كتب الى القيصر طالبا مساعدته , لأن وضع غوغول كان صعبا , بل وحتى حرجا عندما كان يعيش في ايطاليا بدون مورد مالي ثابت ودائم , وان القيصر استجاب لطلبه ذاك , وأمر بمساعدته , فكيف كتب غوغول رسالة الى القيصر وهو ضده  وضد نظامه, وكيف استجاب القيصر لطلبه وساعده في محنته  وهو يعرف ان غوغول معارض له و ضد نظامه السياسي؟ .
بعد انتهاء تلك الندوة والنقاشات المفتوحة والمتناقضة  جدا  حول ما جاء فيها من افكار وآراء, توجهت أنا الى تلك السيدة وسألتها , هل توجد لديها مصادر تثبت ما قالته حول رسالة غوغول و طلبه المساعدة المالية من القيصر , فاجابتني – وبثقة - انها اطلعت مرة على رسالة  ( منشورة في احدى المصادر الروسية ) كتبها غوغول نفسه بهذا الخصوص , الا انها لا تتذكر الان تاريخها او نص فحواها , بل حتى لا تتذكر اين قرأت كل هذه الوقائع , ولكنها متأكدة كل التأكيد من ذلك , و أضافت ان اعضاء الوفد تهربوا من الاجابة على ما قالته لهم  ومناقشتها حول ذلك , لأنهم يعرفون حق المعرفة هذه الرسالة  حتما  ومضمونها بلا شك .
عندما خرجنا من القاعة , قلت لاحد اعضاء الوفد السوفيتيي الذي كان يسير جنبي بالصدفة , ما ذكرته لي تلك السيدة  حول رسالة غوغول الى القيصر وما قالته لي بشأنها , فاجاب ساخرا , ان هذا كلام عام ليس الا , ولا يمكن مقارنته بنصوص ابداعية معروفة وواضحة كتبها غوغول نفسه ونشرها ,  ولا زال العالم يقرأ تلك النتاجات الادبية الخالدة , والتي تحدد موقف غوغول الصريح والواضح تجاه ذلك النظام الاستبدادي وطبيعته .
مرٌت اعوام  طويلة جدا ( حوالي نصف قرن !!!) على تلك الندوة  في جامعة باريس , ونسيت تماما هذه الحادثة الطريفة في تاريخ الادب الروسي ( وفي تاريخ حياتي ايضا! ), ولكني تذكرتها فجأة الان , عندما كنت أقرأ كتاب فيريسايف بعنوان - ( غوغول في الحياة ) , والذي اعتمد فيه مؤلفه الاديب الروسي فيريسايف على رسائل غوغول ليس الا في رسم لوحة قلمية عن حياة غوغول ومسيرته الادبية ( انظر مقالتنا بعنوان – غوغول بقلم فيريسايف ) , فقد عثرت  في ثنايا ذلك الكتاب على أوليٌات تلك الرسالة التي أشارت اليها تلك السيدة الروسية في باريس قبل نصف قرن تقريبا , وكدت  أصرخ في تلك اللحظة  بكلمة – ( وجدتها !) فرحا ,  مثلما فعل أرخميدس عندما غطس في الماء في تلك اللحظة  التاريخية  !!!.
لقد وجدت في الصفحتين 208 و 209 من كتاب فيريسايف ( غوغول في الحياة ) المذكور اعلاه مقطعا كبيرا جدا واساسيا  في الواقع  من رسالة غوغول الى الشاعر والمترجم الروسي جوكوفسكي , الذي كان على اتصال بالقيصر وحاشيته وبلاطه , لأنه كان يقوم بتدريس ابناء عائلة القيصر , وغالبا ما كان يحاول مساعدة الادباء الروس ومساندتهم   في اوساط  البلاط القيصري ( انظر مقالتنا بعنوان – اصدقاء بوشكين ) .  لقد كتب غوغول الى جوكوفسكي تلك الرسالة من روما في 6 نيسان / ابريل من عام 1837 ,  ويشير فيها الى تفصيلات دقيقة جدا حول وضعه المالي الحرج جدا , بل والتراجيدي فعلا هناك , و يقول له فيها – ( اني فكرت وفكرت ولم استطع ان أجد افضل من اللجوء الى القيصر . ) , ويرفق رسالته الى القيصر مع رسالته هذه الى جوكوفسكي ويرجوه ايصالها.


702
أدب / الايمان بالحرية
« في: 18:53 06/05/2016  »

الايمان بالحرية


قصيدة للشاعر اوكتاي رفعت \ تركيا
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع


ايها الايمان بالحرية,
امنحني الدفء ,
امنحني الدفء
في هذه الليلة الثلجية..
في الشارع ظلمة..
في الشارع ريح
وظلم واكراه
وقتل ونفي وقسوة.
ايها الايمان بالحرية
اقترب أكثر,
وامنحني الدفء
في هذه الليلة الثلجية,
ايها الايمان بالحرية
امنحني الدفء,
في هذه الليلة
الثلجية..



703
من رسائل الى أندريه فوزنيسينسكي
قصيدة للشاعر راينير كيرش / ألمانيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

 
في هذا العام..
الحنين الى الوطن
نفذ الى القلب..
في هذا العام..
نبتت أشواك الوردة,
لكن-
الاطفال أصبحوا أعقل وأطول قامة,
لكن-
شجرة الصفصاف منحتنا ثمارا,
لكن –
القلق اصبح اكثر هدوءا,
لكن-
السماء صارت واضحة وصافية .
+++
في هذا العام..
اطفأ الشتاء الوردة,
لكن –
ألامل لم يمت,
والخوف ليس خالدا,
والفقر ليس خالدا.
+++
 وتصمد الكرة الارضية,
والحياة جديرة بالازدهار
وبعطر ألازهار..

704
طاجكستان وصيغة الاسماء الروسية
أ.د. ضياء نافع
   
صدر في جمهورية طاجكستان بتاريخ 29 نيسان \ ابريل من هذا العام 2016 قانون بتوقيع رئيس الجمهورية ينص على الغاء الصيغة القواعدية الروسية بشأن تسجيل المواليد الجدد في طاجكستان . هذه الجمهورية كانت – كما هو معروف -  واحدة من الجمهوريات السوفيتية ايام  دولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ( 1917 – 1991 ) , وهي جزء من الامبراطورية الروسية قبل ذلك .
لقد أخضعت الامبراطورية الروسية كل الشعوب الاخرى فيها الى قواعد اللغة الروسية للاسماء باعتبار ان اللغة الرسمية الاولى والمشتركة لتلك الامبراطورية هي – اللغة الروسية , واستمر الحال هكذا فيما بعد في الاتحاد السوفيتي ايضا . والقاعدة الروسية  للاسماء هذه دقيقة  جدا, وواضحة جدا وهي كما يأتي -  يحتفظ الاسم الاول تماما بكل خواصه , ويخضع اسم الاب لقواعد محددة تبعا لذلك الاسم ( مذكر او مؤنث) , ويخضع اللقب كذلك لنفس تلك الاحكام . وهكذا , فان اسم ايفان  المذكر , ابن بيتر مثلا ,  يكون كما يأتي  –  (ايفان بيتروفيتش ايفانوف ), اي  باضافة لاحقتين الى نهاية اسم ابيه  و الى نهاية لقبه ,  اما بالنسبة للمؤنث , فان مارينا , اخت ايفان مثلا  تصبح – ( مارينا ايفانوفنا ايفانوفا) , وهناك لواحق اخرى عديدة ومتنوعة ايضا بالنسبة للالقاب . لقد خضعت اسماء الشعوب غير الروسية في الامبراطورية الروسية الى نفس هذه الصيغة الروسية كما اشرنا اعلاه , وتم  تحويرالاسماء التي تختلف كليا وجذريا عن الاسماء الروسية الى نفس الصيغة الروسية تلك .  و هكذا تحول الاذربيجاني مثلا (محمد احمد حسين)  في الوثائق الروسية بالامبراطورية  الروسية وفي الاتحاد السوفيتي ايضا  الى ( محمد احمدوفيتش حسينوف ) ,  واصبحت اخته (فاطمة احمد حسين) – ( فاطمة احمدوفنا حسينوفا).
بقيت بعض الالقاب عصيٌة عن الخضوع لهذه التحويرات اللغوية القسرية , لانها لا تتقبل تلك اللواحق , ومنها الالقاب الارمنية مثلا , لانها يجب ان تنتهي ب – (..يان ) سواء للمذكر او للمؤنث مثل – خاجوتوريان \ كانيكانيان \ وارتانيان ...الخ , وكذلك بعض الالقاب الجورجية التي  غالبا ما تكون مشتركة للمذكر والمؤنث ايضا ولا تتقبل ايضا تلك اللواحق , مثل – روستافيلي \ شيفارنادزه...الخ , وهناك امثلة اخرى لشعوب اخرى من الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي لاحقا لم تتقبل لغاتها القومية هذه التغيرات والاضافات , ولكن رغم ذلك خضع اسم الاب الى تلك الصيغة الروسية دون اللقب , وهكذا اصبح والد الارمني او الجورجي المذكر ينتهي باللاحقة - ( ..يتش) ووالد الارمنية او الجورجية باللاحقة-(..نا).
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت 15 دولة جديدة , ولكن اسماء مواطنيها بقيت تحمل نفس تلك الصيغ و السمات اللغوية التي كانت موجودة سابقا . وهكذا بقي ( علييف ) رئيسا لجمهورية اذربيجان و( رحمانوف ) رئيسا لجمهورية طاجكستان و و و.
لقد جاء قرار طاجكستان المشار اليه اعلاه بعد  الاستقرار النسبي لتلك الدول التي ظهرت قبل ربع قرن , وبدأت تعالج هذه المشكلة اللغوية والسياسية  في آن, والتي تتطلب زمنا طويلا جدا بلا شك من الجهود لحلٌها, لان هذه الظاهرة ابتدأت منذ فترة طويلة . ان هذا القانون يؤكد على المواليد الجدد فقط, وهو قرار منطقي و عقلاني جدا , اذ ان علاج هذه المشكلة يجب ان يكون بشكل هادئ وبنفس طويل جدا . وهناك من يتوقع صدور قوانين مماثلة بشكل او بآخر  في الجمهوريات الاخرى .
 وعلى الرغم من ان هذا القانون ينطبق على  تسجيل المواليد الجدد في طاجكستان , الا ان الرئيس الطاجيكي ( امامعلي رحمانوف) اصبح يسمي نفسه ( امام علي رحمن ) ومنذ فترة ليست قصيرة , اي قبل صدور هذا القانون , الا ان هناك طبعا ملايين الناس في تلك الجمهوريات العديدة لا يستطيعون ببساطة العودة الى الاسماء السابقة , التي كانت سائدة قبل ظهور الامبراطورية الروسية .
لم تستوعب جماهير القراء الروسية الواسعة فحوى هذا القانون رأسا , وقد انعكس ذلك في مختلف وسائل الاعلام الروسية , اذ تم نشر الخبر تحت عنوان – ( طاجكستان تمنع الاسماء الروسية ) او باشكال مقاربة اخرى , وحتى نشرة اخبار ( روسيا اليوم) العربية طبعت الخبر تحت عنوان – ( منع الاسماء الروسية في طاجكستان) !!!,  , بل اشارت بعض وسائل الاعلام الروسية الى ان هذا ليس قانونا وانما توصية ليس الا , وانها توصية اختيارية  فقط , اي غير ملزمة. لقد اضطرت جمهورية طاجكستان – نتيجة لكل ذلك الارتباك -  ان تنشر في اليوم التالي تعقيبا وتوضيحا لعدم التفهم الدقيق لهذا القانون, مشيرة الى انها لا تمنع الاسماء الروسية بتاتا , ولا علاقة لها بذلك , ولكنها تريد ايقاف الصيغة الروسية للاسماء ليس الا .


705
قصة تشيخوف القصيرة – ( فرحة )

أ.د. ضياء نافع

ابتدأت مسيرة تشيخوف الابداعية عام 1880 , عندما انتقل من مدينته التي ولد فيها  وهي – تاغنروغ في جنوب روسيا الى موسكو واصبح طالبا في الكلية الطبية بجامعة موسكو, وقد نشر في سنوات دراسته تلك كثيرا من القصص القصيرة في المجلات الفكاهية الروسية , التي كانت تصدر آنذاك, وهي مجلات من الدرجة الثانية ان صح التعبير , وكان الهدف من النشر هو الحصول على بعض النقود من اجل تذليل متطلبات العيش ليس الا , اذ ان وضع العائلة كان عندها صعبا.  وتمضي الايام و السنوات  ويصبح تشيخوف كاتبا معروفا ولامعا في بلده روسيا وفي ارجاء العالم ايضا ,وهكذا  بدأ مؤرخو الادب والنقاد بالبحث عن كل ما قام بنشره طبعا  في مسيرة حياته, وعندئذ رجعوا الى مجلات الدرجة الثانية تلك والتقطوا منها القصص القصيرة التي كتبها ونشرها هناك في سنوات الدراسة الجامعية  و اعادوا اصدارها  ضمن الاعمال الكاملة لنتاجاته, ونتناول في مقالتنا هذه واحدة من تلك القصص بالذات وهي بعنوان – ( فرحة ) و التي نشرها تشيخوف في عام 1883 عندما كان لا يزال طالبا في كلية الطب بجامعة موسكو, اي في بداية مسيرته الابداعية , ونحاول – عبر قراءة تحليلية وتاريخية لها – ان نحدد قيمتها الفنية وايجاد  ملامح العناصر التشيخوفية  - ان صح التعبير -  في ثناياها  , و نتكلم عن موقف الكاتب نفسه والنقد الادبي تجاهها فيما بعد .
          نشر تشيخوف قصته القصيرة ( فرحة ) في العدد رقم 3 لشهر كانون الثاني / يناير 1883 لمجلة ( زريتل ) ( المشاهد ) وكانت بعنوان – ( شرف عظيم ) وبتوقيع تشيخونتيه , وهو أحد الاسماء المستعارة العديدة لتشيخوف في بداية طريقه الابداعي , وقد أجرى عليها فيما بعد تصحيحات في الاسلوب وتم تغيير العنوان ايضا عندما قرر تشيخوف ان تدخل هذه القصة القصيرة ضمن مجموعته القصصية التي أصدرها الناشر الروسي ماركس في ثمانينات القرن التاسع عشر في مدينة بطرسبورغ , والقصة هذه هي واحدة من تلك القصص المبكرة التي أدخلها تشيخوف نفسه فيما بعد ضمن مؤلفاته المختارة  التي أصدرها  لاحقا , وكل هذه الوقائع تؤكد بلا شك اعتزاز تشيخوف بهذه القصة القصيرة , رغم انه كتبها عندما كان طالبا في الكلية ومن اجل كسب بعض النقود لتمشية امور الحياة اليومية آنذاك ليس الا .
مضمون او حدث تلك القصة بسيط جدا كما هو حال كل القصص القصيرة المبكرة لتشيخوف ذات السمات  الهزلية, والتي يمكن حتى ان نسميها ب – ( اللامضمون ) او ( اللاحدث ) , اذ يدخل البطل في الساعة الثانية عشرة ليلا الى شقة اهله وبيده جريدة ويوقظ جميع من في البيت ليخبرهم بان احدى الصحف كتبت عنه خبرا وانه بالتالي اصبح معروفا ومشهورا ( في روسيا كلها ), ويؤنبهم لانهم جهلة و لا يطالعون الصحف ولا يتابعون ما تنشره من انباء عن المشاهير, وعندما يقرأ والده الخبر المنشور في زاوية اخبار الناس في تلك الصحيفة امام أفراد كل العائلة المندهشين, يتبين انه يشير الى ان صاحبنا سقط تحت عجلات عربة امس لانه كان سكرانا مع صديق له ولم يصب بأذى , وهكذا تنتهي القصة بخروجه من بيت عائلته مسرعا وبيده الجريدة كي يذهب الى بيوت الاقارب والاصدقاء الآخرين ليعلمهم بذلك الحدث الذي اصبح نتيجته مشهورا ومعروفا , لأن الصحف تنشر فقط  اخبار المشاهير.
كتب أحد الباحثين الروس قبل فترة  مقالة طريفة عن قصص تشيخوف المبكرة الهزلية تلك بعنوان جميل وهو – ( افكار جديٌة حول قصص تشيخوف الهزلية ), وجاء فيها جملة اود ان اتوقف عندها قليلا , وهي, ان  – ( الكاتب كان يضحك أما القارئ فكان يبكي ) , واريد ان أقول لهذا الباحث باني متٌفق معه فيما ذهب اليه وهو ان الكاتب الشاب والطالب في كلية الطب بجامعة موسكو تشيخوف كان يضحك ويسخر فعلا عندما كتب هذه القصة وغيرها من القصص الهزلية , ولكني اريد ان اطرح عليه السؤال الآتي – ( هل ان القارئ هنا كان يبكي ؟ ) , و اجيب عن هذا السؤال قائلا ,  باني شخصيا – كقارئ – لم أذرف اي دمعة عندما قرأت القصة القصيرة تلك , بل ضحكت وحتى قهقهت مثل مؤلفها  تشيخوف , ضحكت من الموقف الهزلي هذا, وضحكت من تفاهة هذا الشخص وضحالته , وهكذا تحول ضحكي بالطبع  الى شجب لهذه الضحالة والتفاهة التي يمكن ان تحدث في مسيرة الحياة اليومية لاي انسان في كل المجتمعات وبغض النظر عن سمات وطبيعة تلك المجتمعات كافة, والشجب غير البكاء  - في رأي المتواضع - , اذ اني أرى ان الشجب أعمق وأعلى من البكاء , وهذا ما حققه تشيخوف في قصصه تلك , وربما , او على الاغلب , حتى دون تخطيط مسبق من قبله , بل كان كل ذلك  تعبيرا طبيعيا عما يكمن في أعماقه من أفكار . واود ان اشير هنا الى انه يوجد تعبير معروف في تاريخ النقد الادبي الروسي في القرن التاسع عشر يرتبط بالكاتب العظيم غوغول ونتاجاته الابداعية وهو – ( ضحك عبر الدموع ) , و يوجد مثل هذا التعبير بلغتنا العربية ايضا قبل مئات السنين من ميلاد التعبير الروسي هذا , واقصد به طبعا قول المتنبي العظيم الذي ذهب مثلا – ( ضحك كالبكا ) , ولكن كل ذلك لا ينطبق على تشيخوف وابداعه . ضحك تشيخوف لا يؤدي الى البكاء , بل الى المرح الحلو الفتٌان , المرح الجميل واللطيف , وقد شاهدت قبل فترة قصيرة – وبامعان - تسجيلا كاملا لحفلة فنية في احدى المدارس المتوسطة الروسية , حيث جرى تقديم تلك القصة القصيرة لتشيخوف على خشبة المسرح المدرسي من قبل التلاميذ , ورأيت كيف كان التلاميذ يضحكون ويقهقون ويصفقون ويتمتعون وهم يشاهدون احداث هذه القصة ويتفاعلون معها, ومن المؤكد طبعا , ان ضحكهم وتصفيقهم جعلهم اعلى واسمى من تفاهة وضحالة ذلك الحدث , وتذكرت ما قرأته مرة في مقالة البروفيسور الدكتور كاتايف – رئيس قسم تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بكلية الآداب في جامعة موسكو ( وهو من أبرز المتخصصين الروس في ادب تشيخوف بالوقت الحاضر ) حول هذه القصة عندما أشار الى انها تجسٌد المحاولات الاولى لفلسفة تشيخوف الابداعية وتطبيقاتها , وأشار كاتايف ايضا الى ان هذه القصة  يمكن  (مثل حال الكثير من قصص تشيخوف القصيرة الاخرى ) ان تتحول الى مسرحية كوميدية ببساطة , وفي هاتين النقطتين من هذه القصة  بالذات ( اي التعامل الفلسفي في ثنايا الابداع الفني اولا , وامكانية مسرحة القصص القصيرة ثانيا ) نرى بوضوح بدايات سمات عبقرية تشيخوف وخصائصه , و التي ظهرت في قصصه المبكرة, و تبلورت وبرزت وتجسٌمت فيما بعد اثناء مسيرته الابداعية لاحقا , و هي التي استطاع الكاتب المسرحي العراقي المعروف عادل كاظم ان يفهمها و يستوعبها ويتعامل معها تطبيقيا  قبل اكثر من خمسين سنة ويحول قصته ( المنتقم ) الى مسرحية ( انظر مقالتنا بعنوان عادل كاظم وتشيخوف ) , وكذلك قام بذلك كل من الفنان العراقي الكبير بدري حسون فريد والفنانة العراقية القديرة عواطف نعيم , عندما تعاملا مع قصص تشيخوف  الاخرى ( انظر مقالتنا بعنوان تشيخوف في العراق ). ختاما أود ان اشيرهنا الى ان المترجم المبدع المصري الكبير وزميلي في الدراسة بكلية الاداب في جامعة موسكو وصديقي الحبيب الدكتور ابو بكر يوسف قد افتتح مختاراته الرائعة والشهيرة  في اربعة مجلدات لترجمات مؤلفات تشيخوف الى العربية  بهذه القصة القصيرة بالذات , ولا اريد ان احمٌل الفرضيات اكثر من طاقاتها كما يقال, وبالتالي لا اريد ان أستنتج ان ذلك التسلسل في القصص لم يكن عفويا, ولكنني استطيع ان اقول – مع ذلك -  ان هذا التسلسل لقصة ( فرحة ) في تلك المجلدات  ينسجم ويتناغم ويتطابق مع روحية هذه المقالة الوجيزة حول قيمة ومكانة القصة القصيرة تلك واهميتها , و يؤكد الاستنتاجات التي أشرنا اليها.

706
أدب / يا للروعة
« في: 19:22 02/05/2016  »
يا للروعة
قصيدة للشاعر يانوش روجيفتش \ بولندا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


ياللروعة,
استطيع ان أجمع الثمار
في الغابة,
وكنت أعتقد,
انه لا توجد غابة
ولا ثمار.
.............
ياللروعة,
انني معك الآن
وينبض قلبي,
وكنت أعتقد,
انه لا يوجد قلب
عند الانسان.

707
أدب / حياة واحدة كسيقان العشب
« في: 20:49 27/04/2016  »
حياة واحدة كسيقان العشب
قصيدة للشاعرة  هالينا  بوسفيتوفسكايا \ بولندا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


لو كان عندي أكثر من حياة,
بقدر البالونات الملونة
التي يمسكها البائع مشدودة بالخيط,
لأطلقتها
نحو السماء,
لتتشابك,
مع الرياح
والغيوم
وأجنحة الطيور..
ولأبقيت حياة واحدة
لنفسي-
خضراء
كأوراق الشجر,
كسيقان العشب,
وكعينيك
حين تكونان جنبي.

708
كنت في بيت ليرمنتوف بموسكو
أ.د. ضياء نافع
عاش ليرمنتوف في هذا البيت الخشبي المتواضع بموسكو منذ عام 1829 ولغاية عام 1832 . سكن في هذا البيت الكثيرون فيما بعد,  بل انه اصبح شققا للكثير من العوائل ايام السلطة السوفيتية , حيث سكنت عوائل عديدة فيه , وبواقع عائلة في كل غرفة من غرف ذلك البيت الخشبي  الصغير , و كان هذا اسلوب اتخذته السلطة آنذاك لمعالجة أزمة السكن في تلك السنين العجاف , ولكن السلطة السوفيتية – مع ذلك – حولته الى متحف خاص بالاديب الكبير ليرمنتوف عام 1981 , وهو منذ ذلك الحين الى حد الان يعد – متحف ليرمنتوف في موسكو , ويقف امام البيت الان تمثال نصفي رشيق وصغير و جميل جدا يجسٌد ليرمنتوف  وقصيدته الشهيرة – ( الشراع ) التي كتبها الشاعرعام 1832 ,  والتي كان يحبها طلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , عندما كنا ندرسها ضمن مادة ( الشعر الروسي ) في الصف الثالث آنذاك, و تذكرت كيف كنت أغري بعض طلبتي الموهوبين بترجمتها الى العربية, ونتناقش معا حول تلك الترجمات , وليس عبثا  اقامة التمثال النصفي هذا هنا , اذ ان ليرمنتوف كتب هذه القصيدة  عندما كان يسكن في هذا البيت بالذات وهو في ذلك العمر المبكر جدا ( 18 سنة ليس الا ), حيث لم يكن يعرفه أحد كشاعر او كأديب روسي , و لا ادري لماذا ترتبط هذه القصيدة في عقلي وقلبي ووجداني ببيت للجواهري في قصيدته العملاقة ( يا دجلة الخير ) والتي يسميها البعض ب ( المعلقة الثامنة !) في مسيرة شعرنا العربي , والبيت هذا هو –
وددت ذاك الشراع الرخص لو كفني    يحاك منه, غداة البين يطويني.
اقتربت من بيت ليرمنتوف صباحا في حدود الساعة العاشرة كي اكون اول الزائرين , واكتشفت ان المتحف يفتتح ابوابه في الساعة الحادية عشرة , وهكذا اضطررت ان ادخل في حديقه البيت وانتظر . رأيت تمثالا لبوشكين في الحديقة , وهو يجلس على كرسي وثير ويضع كلا رجليه على كرسي وثير ايضا يقف جنبه تقريبا . لم افهم لماذا يقف هذا التمثال الغريب لبوشكين في متحف ليرمنتوف  , ولا رمزيته , ولا علاقته مع بيت ليرمنتوف, ولكني دخلت – مع ذلك -  وجلست هناك  مقابل بوشكين ( الجالس بهذه الطريقة الغريبة وهو في كامل ملابسه الرسمية ! ) انتظر موعد افتتاح بيت ليرمنتوف  و متحفه.  لاحظت مجئ الموظفات فقط , ولم الاحظ اي رجل بينهم  ( وكلهن متقاعدات على ما يبدو ) وهن يسرعن  للدوام في هذه المؤسسه المتميزة فعلا . كنت أتأمل هذا البيت الخشبي الروسي الجميل الذي يتكون من طابق واحد ليس الا ,  وطابق ثان صغير فوقه نسميه نحن في العراق ( بيتونه )  .  يقع هذا البيت الصغير جدا والمتواضع جدا وسط عمارات كبيرة و هائلة تحيط به  في شارع (أربات) الشهير بمركز موسكو, بحيث لا يستطيع الشخص للوهلة الاولى ان يميٌزه بشكل واضح , ويقتضي منه ان يتأمل المنطقة جيدا كي يجده في زحمة هذا المكان وبناياته الشامخة والكبيرة , وقد علمت فيما بعد انهم حافظوا عليه عندما بنوا هذه العمارات الهائلة لانه بيت ليرمنتوف  .
وهكذا دخلت متحف ليرمنتوف , وكنت الوحيد الذي يزوره  في ذلك الوقت. رأيت امرأة بوليس جميلة جدا في المدخل تجلس امام جهاز كمبيوتر يعرض صالات المتحف وما يوجد فيها , فسألتها عن طبيعة عملها , فقالت انها تحافظ على موجودات هذا المتحف المهم في تاريخ روسيا الثقافي . اشتريت بطاقة الدخول  ودخلت . رأيت قبل كل شئ لوحة مرمرية موضوعة بشكل بارز ومكتوب عليها – ( ولد في هذا البيت الشاعر الروسي ليرمنتوف ) , وهي اللوحة التي كانت موجودة على واجهة البيت , الذي ولد فيه الشاعر بمنطقة – ما بموسكو , والتي تم ازالته  وبناء عمارة كبيرة بدلا عنه , ويوجد امامها الآن تمثال ضخم لليرمنتوف في موسكو ( انظر مقالتي بعنوان – سبع نقاط من الذاكرة عن ليرمنتوف ), وقالت لي المسؤولة عن ذلك الجناح , انهم طالبوا بتلك اللوحة للاحتفاظ بها في متحف ليرمنتوف الوحيد في موسكو , ووضعوا خلف تلك اللوحة صورة كبيرة للبيت الذي ولد فيه الشاعر والمنطقة التي كانت تحيطه في ذلك الزمن البعيد . صعدت الى الطابق الثاني حيث غرفة ليرمنتوف نفسه , بعد ان اطلعت على غرفة جدته , التي أجٌرٌت هذا البيت , كي تسكن فيه مع حفيدها , اذ ان والداه قد توفيٌا مبكرا , وعاش الشاعر في كنف جدته واقعيا منذ طفولته . ادهشتني غرفة ليرمنتوف ببساطتها . كان هناك سرير نومه , وعليه قيثارة كان يعزف عليها , وهناك مكتبة في الغرفة تضم كتبا روسية كان ليرمنتوف يفتخر بها , وتضم مؤلفات  لبوشكين وفانفيزين وكارامزين و جوكوفسكي .. والى آخر اسماء الادباء الروس في ذلك الزمان , و تحتوي على كتب اخرى لروسو وشكسبير وغوته وبايرون ..الخ و بلغاتها الاصلية, وكانت هناك على الجدار صورتان  صغيرتان, واحدة لبوشكين , واخرى لبايرون , اما المنضدة الموجودة في تلك الغرفة فكانت عليها لوحة شطرنج ثابتة , وتوجد عليها كل ادوات لعبة الشطرنج , مما يشير الى حب ليرمنتوف لهذه اللعبة الفكرية . ان هذه الغرفة في هذا المتحف هي الاجمل هناك , وقد قرأت في احدى تعليقات زوار المتحف جملة اعجبتني تقول , انني شعرت , عندما كنت في هذه الغرفة , أن ليرمنتوف خرج لتوه من هذه الغرفة , وانه سيعود اليها بعد قليل .
تمتعت جدا باللوحات  التي رسمها الفنان التشكيلي ليرمنتوف , والتي كانت معلقة على جدران هذا المتحف (نسخ اصلية وليست مستنسخة ), لوحات رائعة للقوقاز وجباله المدهشة الجمال, وهي لوحات مشهورة لليرمنتوف ومنشورة في معظم الكتب عنه , ولكنها اصبحت الان نتاجات ثانوية مقارنة مع شعره ونثره ومسرحه , والتي دخلت في الوعي الاجتماعي الروسي والعالمي كجزء لا يتجزأ من عظمة الادب الروسي ومكانته, وكذلك ادهشتني اللوحات  المؤطرة المعلقة هناك , والتي كانت تضم مقاطع من كلمات الادباء الروس وانطباعاتهم حول شعر ليرمنتوف واهميته في مسيرة الادب الروسي , ومنها قول الكاتب الروسي ليف تولستوي, الذي توقفت عنده طويلا وتأملته اعجابا , و هو الذي يقول فيه تولستوي – (لو عاش هذا الكاتب اكثر, لما كانت هناك ضرورة لي او لدستويفسكي) ( من المعروف ان ليرمنتوف عاش 27 سنة فقط), وهناك قول للشاعرة تسفيتايفا موجود على جدران هذا المتحف ايضا يقول , ان قصيدة ( الشراع ) تؤكد , ان ليرمنتوف ولد شاعرا رأسا , وانه لم يمر مثل بوشكين  بمراحل تطور منذ البداية  في مسيرته كشاعر .
عندما خرجت من البيت كتبت بعض السطور بالعربية عن جمالية هذا المتحف واهمية ليرمنتوف , وطلبوا مني ان اترجم هذه الكلمات الى الروسية , واخبرتني المسؤولة ان أحد الزوار الصينيين قد كتب لهم قبل ايام كلمات اعجابه بالصينية , وان هذا كله اغناء لسجل المتحف , وهم يفتخرون بذلك , فكتبت لهم بالروسية ترجمة تلك الكلمات . سألتها وانا اغادر المتحف , لماذا يوجد بالحديقة هذا التمثال الغريب لبوشكين ؟ فاجابتني ضاحكة , ان ورشة النحٌات قريبة من هنا , وانه انجز هذا التمثال الجميل لبوشكين الذي يشغل مكانا كبيرا في ورشته , فجاء الى متحفنا وطلب وضع التمثال مؤقتا في الحديقة , وقال لنا ( اعتبروا ان بوشكين جاء لزيارة بيت ليرمنتوف ) , فوافقنا على هذه الفكرة الطريفة والمبتكرة من اجل تجميل متحف ليرمنتوف .


709
عن بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو ( 19)
أ.د. ضياء نافع
 الحلقة هذه من سلسلة مقالاتي عن العراقيين الذين مروا بموسكو مكرٌسة للمرحوم عطشان ضيؤول الازيرجاوي ( ويكتبون اسمه في بعض المصادر الايزيرجاوي ), الشخصية العراقية المعروفة في تاريخ الحركة الشيوعية في العراق منذ بدايات اواسط القرن العشرين والى تاريخ  وفاته ( خارج العراق ) بظروف وملابسات  لا زالت لحد الان غامضة .
التقيت عطشان الازيرجاوي  للمرة الاولى في جامعة موسكو صيف عام 1967 , عندما كنت هناك في زيارة لموسكو, قادما اليها من فرنسا , حيث كنت طالب دراسات عليا هناك. اخبرني بعض الاصدقاء العراقيين بانهم ذاهبون لزيارة شخص عراقي في غرفة المرحوم مصباح الخيرو ( طالب الدراسات العليا في كلية القانون بجامعة موسكو آنذاك ) اسمه عطشان , وهو شيوعي عراقي كبير كان (شبه محتجز!) بمستشفى للمجانين في موسكو نتيجة خلافات داخل الحزب الشيوعي العراقي معه , (وقد تم اطلاق سراحه من المستشفى بتدخل مباشر وعنيف , بل وحتى بتهديد من قبل  بعض  عناصر الحزب الشيوعي العراقي بعد الانشقاق الذي حدث في الحزب عندئذ) . ذهبت معهم طبعا , اذ ان الموضوع كان مثيرا جدا وغريبا جدا في آن . استقبلنا زميلنا مصباح الخيرو بكل لطف وترحاب , وشاهدت عطشان الازيرجاوي هناك لاول مرة وهو يتكلم بثقة مطلقة عن النهج الجديد للقيادة  المركزية الجديدة للحزب الشيوعي العراقي وسياستها وتخطيطها وتوجهها لاستلام السلطة في العراق قريبا , ومن ثم بناء الدولة العراقية  الاشتراكية الجديدة . كان حديثه عاما جدا وغير متناسق , ولم استطع في ذلك اللقاء طبعا ان أسأله عن مستشفى المجانين وكل التفاصيل الاخرى المرتبطة بهذه القضية . عرفت من الزملاء العراقيين بعدئذ, ان عطشان كان ضابطا في الجيش العراقي , وتم فصله طبعا بعد ان اصبح شيوعيا , وعاش ظروف العمل السري القاسية للحزب, وخرج الى العلن بعد اعلان الجمهورية في 14 تموز 1958 واصبح احد المسؤولين البارزين عن الخط العسكري في الحزب الشيوعي , وانه كان يطرح دائما فكرة استلام السلطة من قبل الحزب الشيوعي واعلان العراق دولة اشتراكية  , وانه كان مقتنعا تماما بامكانية تطبيق ذلك و بكل سهولة عن طريق انقلاب عسكري يقوم به الضباط الشيوعيون وانصارهم ,  ويقال ان رفاقه في الحزب اقنعوه بالسفر الى موسكو( للتخلص منه على الاغلب), وذلك بحجة الدراسة في المدرسة الحزبية هناك , وربما  لمناقشة هذه الفكرة مع السوفيت فيما بعد , هذه الفكرة التي كانت على ما يبدو مسيطرة تماما على عقله وقلبه .
عند انتهاء ذلك اللقاء العام معه في جامعة موسكو , اخبرته باني طالب دراسات عليا في باريس , فطلب عنواني هناك , و  فجأة , وبعد مرور فترة ليست قصيرة على ذلك اللقاء بجامعة موسكو , طرق عطشان باب سكني في باريس , وقد استقبلته طبعا بترحاب عراقي , واخبرني بانه سيبقى يومين هناك , وكان يسكن في فندق متواضع . وهكذا قضينا معا تلك اليومين باكملها سوية مع بعض الزملاء الآخرين . تسنى لي الحديث طويلا معه آنذاك ,  وقد سألته طبعا عن مستشفى المجانين في موسكو وقصتها , والتي سمعت بها من الزملاء العراقيين بموسكو كما ذكرت أعلاه . أخبرني عطشان , ان هذه القصة حقيقية فعلا , وانه كان نزيل مستشفى المجانين هناك . كان عطشان على قناعة تامة ,ان هذا الحدث جاء نتيجة الخلافات مع رفاقه في الحزب الشيوعي العراقي  ونكاية به , وانه لولا الانشقاق الذي حدث في الحزب لما استطاع التخلص  و التحرر من تلك التجربة الرهيبة في حياته . سألته كيف استطاع الصمود  في تلك الظروف المعروفة في هذه المستشفيات بشكل عام , فقال لي انه كان مضطرأ ان يتصرف مثل هؤلاء المجانين الروس الذين كانوا يحيطون به في تصرفاتهم وحركاتهم وطريقة عيشهم ...الخ  بعد ان درس وتأمل وضعه معهم , وذلك لأن فهم , ان  المجانين لا يطيقون وجود اشخاص يتميزون عنهم , اذ انهم عندها يكونون عدوانيين وخطرين تجاههم  حد القتل. لم ارغب طبعا ان اتحدث اكثر وبتفصيلات عن هذه الحادثة المريرة , التي مرٌت بحياته, وانكث الجراح القديمة  كما يقال , ولكني فهمت منه , انه التقى هناك باجانب آخرين , وببعض الروس المثقفين ايضا , وحتى ادباء ,  لكنه لم يستطع ان يحدد آنذاك , هل هم مثل حالته  ( اي ادخلوهم عنوة نتيجة مواقفهم السياسية ) أم انهم مرضى نفسيين فعلا , رغم انه كان يميل الى الاعتقاد انهم في وضع مشابه له , وانهم كانوا هناك ايضا نتيجة وشايات وخلافات وتناقضات فكرية مع رفاقهم المحيطين بهم  .
تحدثنا ايضا عن جوانب اخرى كثيرة , ولم اجد في ثنايا تلك الاحاديث تحليلات علمية في السياسة والتاريخ  لديه , ولا افكارا  معمقة في الثقافة عموما, ولا زلت أذكر جوابه عن سؤال طرحته عليه وهو – هل توجد لديكم خططا محددة لفترة ما بعد السيطرة على السلطة في العراق , اذ ان ادارة الدولة مسؤولية كبيرة جدا ؟ فقال نعم ( نبيع النفط ونبني الوطن الحر السعيد ) , فقلت له وماذا سيكون موقفكم مثلا من القوى السياسية الاخرى المعارضة لكم؟
فضحك باستهزاء وقال – ( نقطع العضو التناسلي لكل معارض ونضعه في فمه ) .
عندما بدأت بكتابة هذه المقالة , بحثت في بعض المصادر العراقية عن معلومات عامة حوله, فوجدت ان رفاقه بالحزب الشيوعي العراقي يشيرون الى نفس الخصائص هذه , وهي المبالغة وعدم الدقة الموضوعية و التسرع باطلاق الاحكام  وعدم امتلاكه للنظرة العلمية والفكرية العميقة...الخ . ووجدت في مصادر اخرى ايضا الاشارة الى انه ساهم – وبشكل فعٌال جدا - في عمليات تعذيب الموقوفين والمتهمين , عندما كان عضوا في لجان التحقيق في المحكمة العسكرية العليا الخاصة بعد 14 تموز 1958 , وهي المشهورة بمحكمة الشعب او محكمة المهداوي  (و تذكرت جملته التي قالها لي بشأن الموقف من المعارضة !!!) .
انقطعت اخباره  تماما بالنسبة لي , ولكني سمعت من بعض الاصدقاء بعد سنوات طويلة جدا من ذلك اللقاء الباريسي , انهم وجدوه في شقته ( في خارج  العراق)  وقد فارق الحياة . ولم استطع ان  اعرف اين كانت  هذه الشقة (قال احدهم انها كانت  في دمشق , و قال آخر انها في برلين الشرقية  ,  و قال ثالث  انها في بلغاريا ) , وسمعت ايضا انهم وجدوه مقتولا هناك , وقد سألت قبل فترة قصيرة الدكتور خليل عبد العزيز  الذي كان يعرفه شخصيا , والتقى به في المدرسة الحزبية في طاشقند عاصمة اوزبكستان السوفيتية آنذاك , وكتب عنه ( انظر- سلسلة مقالات بعنوان -  محطات وشخوص  في حياة الدكتور خليل عبد العزيز /  بقلم فرات المحسن ), فقال لي حرفيا – ( انا  شخصيا اعتقد بانه  قد انتحر ). 

710
أدب / من هو الشاعر
« في: 21:54 22/04/2016  »
من هو الشاعر
قصيدة للشاعر تاديوش روجيفيتش \ بولندا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


الشاعر
هو الذي يكتب القصائد,
والذي لا يكتب القصائد.
الشاعر
هو الذي يحطم القيود,
والذي يكبٌل نفسه بالقيود.
الشاعر
هو الذي يؤمن,
والذي لا يقدر ان يؤمن.
الشاعر
هو الذي كذب
والذي كذبوا عليه,
والذي سقط,
والذي نهض.
الشاعر
هو الذي انطلق,
والذي لا يقوى
على ان ينطلق.

711
أدب / البكاء
« في: 20:07 19/04/2016  »
البكاء
++++++++
قصيدة للشاعر راينير كيرش / المانيا
+++++++++++++++++++++
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
++++++++++++++++++++++++

عندما تسوء الاحوال
يبكي الناس
بصوت عال,
او كما يقول الشعراء
يغصون بالبكاء..
.........
يبكون
عندما يتحول الحبيب
الى امرأة اخرى,
وعندما تموت احدى القريبات
فانهم يشترون اكليلا ليس غاليا,
واذا كانت الصلة اكثر قربا,
فان الاكليل يكون أغلى,
وفي كل الحالات
يبكون عند القبر.
.........
والطبق الزجاجي المكسور
يسبب ايضا البكاء.
والرومانسيون ,
كما تقول الكتب
يبكون
في لحظات السعادة الفائقة.
هكذا كانت تجري الامور سابقا,
اما اليوم,
فان على الارض اناس
لا يستطيعون البكاء,
ويجب علينا ان نساعدهم...

712
روسيا في الوعي الاجتماعي العراقي

أ.د. ضياء نافع

استلمت دعوة كريمة من سفارة العراق بروسيا لالقاء محاضرة امام موظفيها , وهو تقليد جديد بكل معنى الكلمة وجميل جدا في سفارتنا لتطوير معلومات موظفيها حول البلد الذي يعملون به , وتوسيع مداركهم عنه , وطرح افكارهم بشأنه ,  ومناقشة آرائهم وتجربتهم حوله..الخ, وهي خطوة رائدة ومتميٌزة فعلا في مجال العمل الدبلوماسي العراقي ترتبط باسم سفيرنا بموسكو الدكتور اسماعيل شفيق محسن  , و يجب علينا ان نصفق له و لهذه المبادرة العلمية بلا شك . اعطتني السفارة الحرية الكاملة بشأن تحديد موضوع المحاضرة , والحرية المطلقة هذه هي حلم رائع لكل محاضر ( خصوصا لنا - نحن العراقيين ), رغم ان الحرية بالطبع مسؤولية كبرى من جانب آخر . لقد فكرٌت ان أتحدث في موضوع اختصاصي , وهو الادب الروسي , الذي بدأت بدراسته منذ عام 1959 ولحد الآن , سواء عندما كنت طالبا في الدراسات الاولية بالاتحاد السوفيتي , او طالبا في الدراسات العليا  بفرنسا , او  عندما عملت في مجال تدريس هذا الاختصاص في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد طوال خمس وثلاثين سنة , الا اني فكرٌت - بيني وبين نفسي - ان موظفي السفارة يعرفون – بشكل أو بآخر – من هو بوشكين وما اهمية تولستوي وماذا يعني دستويفسكي ..الخ اسماء الادباء الروس الكبار وعالميتهم , ومع هذا, فقد قررت ان اجعل اختصاصي مدخلا لتلك الكلمة. وهكذا بدأت محاضرتي بالكلام عن هؤلاء الادباء , وتناولت بشكل سريع بوشكين وموضوعاته العربية – الاسلامية وغوغول ومحاضرته عن الخليفة المأمون في جامعة بطرسبورغ وتولستوي وموقفه الفلسفي المعمق من الاديان بشكل عام والاسلام والبوذية بشكل خاص لدرجة اننا نصطدم اليوم بآراء من المسلمين والبوذيين معا تقول , ان تولستوي اصبح واحدا من معتنقي هذين الدينين . و لكني اكتفيت بهذه المقدمة عن الادب الروسي ليس الا , وأخبرت الحاضرين  بأني أرى ان اتكلم عن موضوع آخرأكثر قربا من قلوب الجميع , ومن المؤكد اننا تعايشنا معه جميعا – بشكل او بآخر - قبل الوصول الى روسيا , وهذا الموضوع هو- (روسيا  في الوعي الاجتماعي العراقي) , اذ ان هذا الموضوع قد عانى منه  كل عراقي تعامل مع روسيا , سواء كان طالبا في روسيا او موظفا فيها او حتى سائحا في ارجائها. وهكذا بدأت الكلام عن تاريخ التباعد ( ان صح التعبير ) مع روسيا بالنسبة للعراقيين , وتوقفت اولا عند المثل البغدادي شبه المجهول للكثيرين من العراقيين المعاصرين الان, وهو ( مسقوفي ), هذا المثل الذي ولد في الفترة العثمانية مع هؤلاء العراقيين , الذين ساهموا – لسوء حظهم – في التصادمات  والحروب العثمانية – الروسية العديدة  في تلك السنين البعيدة, ايام (السفر – بر) كما كان اجدادنا يسمونها آنذاك , وهي عملية تسويق للتجنيد بالاكراه وبالقوة للمشاركة في تلك الحروب العبثية التي خاضتها الامبراطورية العثمانية . والمسقوفي كانت تعني الشخص القاسي الفظ , والذي لا توجد عنده اي رحمة تجاه  الآخرين , ومن الواضح ان المفردة مشتقة من كلمة ( مسكفا ), كما يلفظ الروس اسم عاصمتهم , اي ( موسكو) كما نسميها حاليا ( اي بعد الاحتلال الانكليزي لبلادنا في  نهاية الحرب العالمية الاولى ), ومن وجهة النظر اللغوية كنا – نحن العرب – نسمي العاصمة الروسية ( مسقفا ) وهي تسمية أقرب الى تسميتها الروسية – ( مسكفا ) . جاءت الحرب العالمية الاولى والنتائج التي تمخضت عنها بالنسبة للعراق , وحدثت ثورة اكتوبر في روسيا والتي حددت مسيرتها اللاحقة , وكل تلك الاحداث الجسام  ساعدت على هذا ( التباعد) بين روسيا والعالم العربي, وهكذا بدأ موقف القوى الاجتماعية المختلفة عندنا يصيغ ويبلور – كل حسب موقفه الفكري , بل وحتى على وفق موقفه السياسي - تصوراته المختلفة  والمتناقضة في كثير من المواقف عن روسيا . لقد شارك الجميع ( كان كل شخص يدلي بدلوه) في تثبيت تلك المفاهيم المتنوعة والمختلفة حد التناقض عن روسيا في بلداننا العربية. تحدثنا بمرح وبروح جماعية عن هذا الموضوع بالذات , وذكرت للمستمعين ردود الفعل لدى الطلبة , عندما سافرنا الى روسيا لاول مرة عام 1959 , وكيف اعتقدنا ان الثلوج ستغمرنا , وكيف اجرينا استعداداتنا الساذجة والمضحكة لذلك , ثم توقفنا عند آراء وانطباعات العراقيين الذين زاروا روسيا عبر كل هذه السنوات , وكيف كانوا يتحدثون عن هذا البلد كل حسب موقفه الفكري بشكل عام والسياسي بشكل خاص , ولا مجال هنا لسرد تلك ( الحكايات والاساطير!!!) . وهكذا كان الشخص المؤيد للاتحاد السوفيتي يصف الحياة هناك وكأنها جنة الله على الارض , اما الشخص المضاد للاتحاد السوفيتي فكان يصف نفس تلك الحياة وكأنها الجحيم , والامثلة كثيرة جدا . وهكذا تبلورت - نتيجة هذه الآراء المتناقضة - وجهات نظر متنوعة حول هذا البلد , و كل ذلك كان انعكاسا لوضعنا الداخلي ليس الا . لقد ضاعت الحقيقة الموضوعية  عن روسيا بين تيارين  عراقيين متناقضين ومتصارعين , وهكذا تبلور الوعي الاجتماعي العراقي ( والعربي عموما ) تجاه روسيا , ولا زلنا نعاني – بشكل او بآخر - من سذاجة وعدم موضوعية هذه النظرة لحد الان , والحديث ذو شجون كما يقول التعبير العربي الجميل .
لقد انعكست هذه الآراء المتناقضة بالطبع على الفهم الموضوعي السليم تجاه مسألة التعامل مع هذه الدولة المهمة والكبرى في  العالم , وبالتالي على مستوى العلاقات المتبادلة بين روسيا والعالم العربي عموما , و بين روسيا والعراق خصوصا, اذ يؤكد انصارها , ان روسيا هي قمة التطور الشامل في العالم وفي كل مجالات الحياة  , بينما يؤكد انصار الرأي المضاد لها , ان روسيا هي دولة متخلفة وفي كل مجالات الحياة ايضا ليس الا مقارنة مع الغرب المتطور.
لقد آن ألاوان في الوقت الحاضر ان نتحرر من هذه النظرة الذاتية الساذجة و السطحية جدا الى  دولة كبيرة ومهمة مثل روسيا بعد اكثر من ستين سنة من التعامل المتبادل بين العالم العربي وروسيا , وآن الاوان ان نسمي الاشياء بأسمائها كما يقال , وان ننطلق لاحقا من النظرة الموضوعية والعلمية لها , اي ان نعرف انها الدولة الاولى في العالم من حيث مساحتها الجغرافية ( حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي) , وانعكاس هذه الخاصية سلبا وايجابا على مسيرة حياتها, وانها واحدة من الدول المتعددة الاجناس والاعراق والاديان وتأثير هذه البنية الاجتماعية  المتنوعة على تناغم الحياة في مناطقها الواسعة , وانها واحدة من أقوى دول العالم من حيث قوتها العسكرية والنووية وكيفية تعاملنا معها من اجل التوازن الدولي في عالمنا المضطرب, وانها دولة  غنية جدا بمصادرها الطبيعية , الا انها تعاني من مشاكل اقتصادية معقدة ومتشابكة تنعكس على مستوى حياة سكانها بشكل حاد, و ان  هذا الواقع يخلق تربة ملائمة للفساد الاداري في مختلف مجالات الحياة , بما فيها البنية التحتية للمجتمع , وانها دولة تقف بثبات في عالمنا المتنوع والمتنافر والمتصارع  باعتبارها  دولة متوسطة التطور الاجمالي عالميا, وذات خصائص وصفات لا يمكن عدم ملاحظتها , اوعدم الاعتراف بها , او عدم التعامل معها , وان معرفتنا – نحن العرب – بكل هذه الخصائص ضرورية جدا كي نعرف كيف نتعامل معها لاحقا انطلاقا من الفائدة والمصلحة المتبادلة للجانبين.

713
أدب / الارض الحبيبة
« في: 23:52 15/04/2016  »

الارض الحبيبة

قصيدة للشاعر دينيس بروتوس/ جنوب أفريقيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


سماء الليل غارقة
في حليب بلون القمر.
عانقيني يا حبيبتي..
قوس ابتسامتك النوّارة
وثبتْ من التلال العالية
على سهل صدرك المرتعش.
+++
 انني انحني فوقك
 بحنان وعذوبة.
منابعك الخفية
 تمنحني الفرح.
في العتمة المليئة بالاسرار الصامتة
اقبٌلك
يا ارضي الحبيبة،
اقبٌلك
 بغيبوبة.

714
مترجم جديد في قبيلتنا
أ.د. ضياء نافع
المقدمة التي كتبتها لديوان الشاعر الروسي ايفان بونين بترجمة حسين الشويلي عن الروسية , والذي صدر في بغداد هذا العام (2016) بعنوان- ألست أنت كنت الملاك .
ضياء نافع

 


 كانت القبائل العربية تحتفل بشكل مهيب عند ظهور شاعر في القبيلة , لانه  سيكون لسان حالها امام الشعوب والقبائل الاخرى ( ليتعارفوا ! ) . نحن ايضا – قبيلة اللغة الروسية وآدابها في العراق , يجب ان نحتفل بميلاد كل مترجم  يظهر في قبيلتنا ,  خصوصا وانهم نادرون وقليلون مع الاسف رغم ان قبيلتنا الآن اصبحت كبيرة  او حتى مترهلة  ( كما يقولون ! ) . لهذا فانا اشعر بالفرح والغبطة الان لميلاد المترجم حسين في قبيلتنا  باعتباري احد افراد تلك  القبيلة  العراقية , هذه القبيلة التي ولدت في 1/12/1958 بمعهد اللغات العالي في بناية  دار المعلمين العالية العتيدة في الوزيرية في عاصمتنا الحبيبة بغداد, باقتراح وبمبادرة من المرحوم الدكتور حمدي يونس –  استاذنا و عميد معهدنا آنذاك , العميد المحبوب والمرح والشفاف مثل الكريستال والعميق  مثل بئر الماء الصافي الذي يسقي الجميع بلا استثناء, و العميد - الشيخ المنسي حاليا مع شديد الاسف  .
لقد برز المترجم الشاب حسين في الآونة الاخيرة , ولفت اليه الانظار بمحاولاته الغريبة , اذ انه بدأ يكتب الشعر بالروسية مباشرة , محاولا محاكاة كبار الشعراء الروس , وكان الحزن العميق (والكئيب! ) موضوعه المفضل والاثير جدا , وتذكرٌت - عندئذ- الفنانين التشكيليين الشباب , الذين يحاولون محاكاة اللوحات الشهيرة لكبار الفنانين التشكيليين وتقليدها في بداية مسيرتهم الفنية . لقد كنت اتابع طريق حسين الابداعي هذا ( باعتباري احد رجالات القبيلة ! ) وحاولت ان اثنيه  - برقة وبشكل غير مباشر طبعا - عن ذلك , لأني أعتقد وأؤمن واؤكد على ان الشاعر يحتاج اولا واخيرا الى لغته الام للتعبير عن احاسيسه , ولكن حسين كان يؤكد لي دائما انه يكتب بالروسية بشكل سهل , فاقترحت عليه – كحل وسط - ان يترجم الشعر الروسي الى العربية لأنه لن يصل الى القارئ الروسي ابدا بقصائده تلك , بينما يستطيع الوصول الى القارئ العربي بترجماته حتما , وان مهمته وقيمته واهميته تكمن في ذلك , اذ لا قيمة لاي نتاج ادبي دون التفاعل الحي مع القارئ  ومع المجتمع  طبعا.  وكم انا سعيد لأن حسين  بدأ فعلا – وبالتدريج - بترجمة الشعر الروسي الى العربية , وقد اطلعت على تلك الترجمات في حينها ومنحتها ( باعتباري معلما عتيقا ! ) درجة الامتياز اعجابا بها اولا وحبا وتشجيعا له ثانيا ( يتذٌكر طلبتي باني لم أكن معقٌدا في منحي للدرجات ! ). وهكذا  بدأ حسين ينشر تلك الترجمات , وبدأ اسمه يبرز في هذا العالم الجديد والجميل رغم كل الملاحظات هنا وهناك بشأن تلك الترجمات . ومن جملة تلك الملاحظات , ان حسين متسرع بترجماته , وانه يميل في تلك العجالة الى الترجمة الحرفية بعض الاحيان ( اؤكد على ذلك , اي بعض الاحيان ) دون ان يدع القصيدة تنضج على نار هادئة , وبالتالي يبتعد عن الترجمة الفنية الرشيقة المطلوبة , التي تصيغ النص المترجم صياغة شعرية وبهدوء , كي لا تفقد القصيدة رونقها الموسيقي والبناء الشعري الجميل لها , اي ان تبقى القصيدة المترجمة قصيدة حقيقية  بكل معنى الكلمة ,  وليس مجرد ترتيب لمعاني مفرداتها ليس الا , وما أصعب هذه المهمة طبعا امام مترجمي الشعر, واعلن رأسا ان المترجم حسين قد قام بهذه المهمة هنا كما يجب , واستطاع ان يقدم للقارئ العربي - وبابداع – جوهر الشاعر بونين وصوره  الجميلة والرقيقة للطبيعة وكيف يتقبلها الشاعر  .  ولا اريد ان اطيل , واترككم مع ( .. الضباب الذي غدا اكثر بياضا في الوهاد والمروج عند نافذة بونين المليئة برائحة (اقصد عطر ) عبير الربيع , حيث ينتظر الشاعر شروق الضياء واحمرار الغروب وراء السهوب , كي يهرب وحيدا الى الغابات , من جراء الطيش والكذب , ليستنشق الهواء الرطب , ثم يذهب في منتصف الليل كي يرى كيف تحرس نجوم السماء بحار الارض  , ثم يتذٌكر الفراش الدافئ والمصباح في عتمة الزاوية وظلال المصابيح وظهور الملائكة ...).
هنيئا لقبيلتنا العراقية - الروسية بميلاد المترجم الحقيقي حسين , وهنيئا لبونين الشاعر, الذي قدمه حسين للقارئ العربي بهذه الصيغة الرشيقة . ونحن – القراء - ننتظر المزيد من ابداعاتك يا ابا علي ...



715
أدب / عند ابواب السجن
« في: 22:30 12/04/2016  »
عند ابواب السجن
قصيدة للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

يتحدث ناظم حكمت في قصيدته هذه عن لوحة زيتية بنفس العنوان رسمها الفنان التشكيلي التركي ابراهيم بالابان.
المترجم
ست نساء عند البوابات الحديدية,
في ايديهن حزن..
ثمانية أطفال
عند البوابات الحديدية,
يحدُقون كالشياطين
من وراء الاكتاف.
حصان في الجانب الآخر
من البوابات الحديدية,
على وشك أن يبكي,
والكآبة في عينيه.
ست نساء
عند البوابات الحديدية,
وخمسمائة رجل يا سيدتي
وراء القضبان..
لم تكوني انت
بين النساء الست,
لكن واحدا من الخمسمائة رجل وراء القضبان
كنت أنا.









716
كنت في بيت غوركي بموسكو
أ.د. ضياء نافع
في الطريق الى بيت مكسيم غوركي في موسكو( الذي تحول الان الى متحف) تذكرت مسيرتي الشخصية نحوه , و طريقي الذاتي اليه , منذ ان حصلت – وبصعوبة ومجازفة  وخطورة – على روايته ( الام ) عندما كنت في الصف الثاني المتوسط ببغداد قبل حوالي ستين سنة , والى نقاشاتي الحادة ( والساذجة معا ! ) مع المرحوم الاستاذ  مراد غالب سفير مصر في موسكو عام 1962 عندما أخبرته برغبتي ان أدرس واتخصص باديب ( الواقعية الاشتراكية غوركي ) في كلية الآداب بجامعة موسكو , وكيف كان السفير مراد غالب يناقشني بهدوء ودبلوماسية وهو يبتسم حول ذلك ويشرح لي موقع غوركي الحقيقي في مسيرة الادب الروسي ( انظر مقالتي بعنوان – غوركي ومراد غالب ) . وتذكرت كذلك كيف قمت بتدريس تلاميذ  الصف العاشر في احدى المدارس السوفيتية آنذاك  ضمن تطبيقات التخرج من الجامعة , وكانت مادة الدرس ذاك – (بافل فلاسوف - بطل رواية الام لغوركي ) , وكيف تعثٌر التلاميذ في اجاباتهم حول ذلك , والذي كان واضحا انهم لا يتقبلون هذا الموضوع كما يجب , وكيف اضطررت ان الومهم بشدة واحكي لهم قصة العراقيين مع هذه الرواية وبطلها وقصتي انا شخصيا عندما قرأتها في تلك السنين الخوالي . وتذكرت طبعا اسماء بعض الادباء العراقيين المعروفين, الذين كانوا يحاولون محاكاة ( ولا أقول تقليد ) غوركي وطبيعة كتاباته.....
وهكذا وصلت الى البيت المهيب , الذي أهدته الدولة السوفيتية  برئاسة ستالين الى مكسيم غوركي  , كي لا يعود الى ايطاليا , اذ لم يكن يمتلك غوركي مكانا للسكن في موسكو. لقد بنى المليونير الروسي ريابوشينسكي هذا القصر عام 1902 وسكن فيه الى عام 1917 , وترك روسيا مع عائلته عندما حدثت ثورة اكتوبر , واصبح القصر ضمن املاك الدولة السوفيتية , وشغلته عدة مؤسسات سوفيتية منها جمعية الاتصال الثقافي مع الخارج , ثم معهد علمي , ثم روضة للاطفال , واخيرا تم تخصيصه لغوركي وعائلته , وعندما توفي غوركي عام 1936 بقيت عائلته تسكن هناك , وأخذت زوجة ابنه تخطط لتحويله الى متحف خاص لغوركي والحفاظ على تراثه , وقد عرقلت الحرب العالمية الثانية طبعا تنفيذ هذه الخطة , ولكنها استمرت بتنفيذها , وهكذا تحول هذا البيت الفخم الى متحف غوركي عام 1965 , وقد كان افتتاحه مناسبة كبيرة لمجئ كل اقارب غوركي من كثير من بلدان العالم , وشارك في حفل التدشين شخصيات رسمية وادبية كبيرة .
عندما دخلت الى المتحف واردت ان اشتري بطاقة الدخول كما هو متبع في المتاحف الروسية , فوجئت ان الشخص الجالس في المدخل قال لي ان زيارة متحف غوركي مجانا للجميع , وان الشرط الوحيد لدينا هو كتابة اسماء الزائرين ليس الا , اذ ان هذا المتحف هو الوحيد بين المتاحف الروسية الذي يضم اسماء الزائرين له قاطبة ومهنهم . ابتسمت أنا لهذه المفاجأة الجميلة وقلت له , اني سأكتب اسمي بالعربية والروسية , وهذا ما فعلته , وقد فرح مسؤول الاستعلامات وقال لي انه سيعرض ذلك بكل سرور لادارة المتحف . وهكذا بدأت زيارتي لبيت غوركي . دخلت الى غرفة سكرتير غوركي الانيقة , وشاهدت مكتبه وعدة اجهزة من التلفونات القديمة والاثاث المتواضع للضيوف , ثم دلفنا الى مكتب غوركي نفسه , وشاهدت المنضدة الواسعة جدا التي كان يجلس خلفها كل يوم من الصباح لاكمال روايته الملحمية ( حياة كليم سامغين ) وبقية نتاجاته ومراسلاته في اعوامه الاخيرة . كانت تلك المنضدة نسخة طبق الاصل من تلك المنضدة التي كانت عنده في ايطاليا – واسعة وبلا مجرٌات , وعليها العديد من الاقلام وقناني الحبر , وكانت هناك ورقة عليها خط غوركي الانيق والجميل جدا . شاهدت في تلك الغرفة مجموعة هائلة جدا من التماثيل العاجية الصغيرة والتي كان غوركي يحب جمعها من اليابان والصين , وهي مجموعة لا تضمها حتى المتاحف المتخصصة بتلك الاعمال الفنية, وتشغل مكانا كبيرا في دواليب خاصة ومعروضة بشكل جميل جدا . انتقلنا بعدئذ الى غرفة منامه المتواضعة , ثم الى باحة البيت , حيث شاهدنا السٌلٌم الى الطابق الثاني . يعد هذا السٌلم تحفة فنية , اذ ان المهندس المعماري واسمه سيختيل, الذي أشرف على تخطيط البيت , بنى سياج هذا السٌلم من المرمر على هيئة موجة من امواج البحر , وقد أدهشني بجماله لدرجة ان الشخص الموجود قربه لاحظ ذلك , واقترب منيٌ وقال لي , ان هذا السٌلم قد دخل ضمن الاعمال الفنية العالمية النادرة في الفن المعماري , واوصاني ان الاحظ الابواب والشبابيك في هذا البيت , والتي خططها و أشرف على تنفيذها المهندس المعماري سيختيل بنفسه . وفعلا بدأت الاحظ الابواب والشبابيك ووجدتها تجسٌد اعمالا فنية مدهشة الجمال وكل واحدة من تلك الابواب والشبابيك تمثٌل لوحات فنية قائمة بحد ذاتها , وخصوصا غرفة الطعام وسقفها , ومكتبة غوركي الغنية جدا بالكتب الروسية , وبحثت في تلك المكتبة عن كتب اجنبية ولكني لم أجد اي كتاب بلغات اخرى , ومن الواضح ان غوركي لم يكن يتقن اي لغة اجنبية . دخلنا بعد ذلك في غرفة خاصة للضيوف ووجدنا هناك اسماء كبار الزوار الذين زاروا غوركي ومنهم ستالين و الكاتب الفرنسي رومان رولان  والكاتب الانكليزي برنارد شو وغيرهم .. ثم رأيت آخر ورقة صغيرة كتبها غوركي بيده , وهي موجودة على منضدة صغيرة ومحفوظة تحت قطعة من الزجاج , ويكتب غوركي هناك كلمات متشائمة نتيجة مرضه واحساسه باقتراب الموت , و اقدم للقارئ بعض ما جاء فيها – ( ...احساس غريب جدا...لا توجد لدي اي رغبة بالكلام , وأصل حتى الى الهذيان , وأشعر باني اتكلم دون ربط ... أشعر باني لن ابقى حيٌا ...لا أقدر ان انام او أقرأ...ولا اريد اي شئ . )
عندما خرجنا من بيت غوركي , بدأنا نتكلم عن انطباعاتنا  بعد هذه الزيارة, فقال احدهم – لقد منح ستالين لغوركي قصرا مهيبا في محاولة لاغرائه ان يكتب عنه , كما كتب غوركي عن لينين , لكن غوركي تهرب من ذلك بمختلف الحجج , ولم يستطع ستالين ان يجبره على ذلك رغم انه قدٌم له هذا القصر الفخم لمليونير روسي قبل الثورة .   
   

717
أدب / باريس بدون بول ايلوار
« في: 18:47 10/04/2016  »
باريس بدون بول ايلوار
قصيدة للشاعر فيتزلاف نيزفال / تشيكيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

 
...يوم الاحد في باريس,
نهر السين يسحب الغيوم تحت الجسور,
وأنا أبحث عنك
في حديقة ربيعية
بين الكراسي المقلوبة
والتماثيل..
اني أطلب من باريس
ان تساعدني,
لكنها خالية من البشر,
كالمقبرة صباحا,
 وأنا أسير فيها كالاعمى
مرتكزا على عصا الشروق.
اني أبحث عنك في كل مكان,
..وفي الليل ايضا
بحثت عنك,
لكن باريس أخبرتني,
ان بول ايلوار
لم يعد يسكن هنا.
ما هذا الجواب الغريب!
لقد زرعنا معا
الرايات
التي بلون الهواء,
وبلون
عينيك الزرقاوتين.
....
اني اعانقك يا ايلوار,
واعانق مدينتك,
واجدك فيها مرة اخرى,
أجد عذابك,
ورقتك,
وانفاسك,
وذكراك,
وأجد صوتك
الذي يتلاشى,
كأنما ينبعث من الذاكرة..
في نهر السين
تنطلق سفينة بخارية صغيرة,
 ويبدو لي الان,
بانك ايضا
رحلت هكذا,
وستعود
عند المساء..

 



718
حول احدى مسرحيات تشيخوف المجهولة
أ.د. ضياء نافع

  كتب تشيخوف 17 مسرحية طوال حياته , ويعد في الوقت الحاضر واحدا من اشهر كتٌاب الادب المسرحي في روسيا والعالم,  وهناك 4 مسرحيات منها ترتبط باسمه قبل كل شئ وتقف في طليعة ادبه المسرحي عالميا وهي – ( النورس ) و (الخال فانيا ) و( الاخوات الثلاث ) و ( بستان الكرز ), وهناك مسرحيات اخرى معروفة ايضا له بشكل او بآخر,الا انها أقل شهرة من تلك المسرحيات الاربعة المذكورة,و رغم ذلك فانها مهمة ايضا ,
ولكن توجد ثلاث مسرحيات تكاد ان تكون شبه مجهولة لهذا الكاتب المسرحي الروسي و لا يعرفها بالذات القارئ والمشاهد العربي بشكل دقيق ومحدد وواضح. المسرحيات الثلاثة هذه هي – ( في الطريق الكبير ) و ( تاتيانا ريبينا ) و ( ليلة قبل المحاكمة ), ولا  نريد الاشارة هنا الى مسرحية رابعة له لم يحدد تشيخوف لها عنوانا ولهذا اطلقوا عليها تسمية - ( مسرحية بلا عنوان) او يطلق عليها بعض الاحيان تسمية اخرى وهي – ( بلاتونوف) وهو اسم بطلها والتي كتبها تشيخوف في بداية حياته الادبية ولم ينشرها ابدا, وظهرت مطبوعة في روسيا عام 1923 فقط اي بعد 19 سنة من وفاته, اذ ان هذه المسرحية لم تعد بشكل او بآخر ( مجهولة ) للقارئ العربي,فقد تناولها بعض الباحثين العرب هنا وهناك  وتكلموا عنها ومنهم الصحفي العربي المعروف الاستاذ ابراهيم العريس في صحيفة ( الحياة ) اللندنية, ولعل آخروابرز من كتب حولها هو الاستاذ الدكتور أحمد علي الهمداني(من اليمن)      في كتابه الموسوم (مسرحيات تشيخوف/ من بلاتونوف الى بستان الكرز) وقد حاز الدكتور الهمداني قبل فترة وجيزة على ميدالية بوشكين الروسية لنشاطه في مجال نشر الادب الروسي في العالم العربي, وهو اول باحث عربي من اليمن يحصل على  هذا التكريم الكبير وهذه الميدالية الرفيعة.
تتناول مقالتنا هذه تعريفا أوليا ليس الا للقارئ العربي بمسرحية ( تاتيانا ريبينا ) والتي نظن ان الكثيرين من هؤلاء القراء لم يسمعوا عنها شيئا بشكل عام. كتب تشيخوف هذه المسرحية وارسلها الى صديقه وناشر مؤلفاته في حينها الصحفي والاديب سوفورين بتاريخ 6 /3/1889 مستخدما نفس عنوان مسرحيته وشخوصها,في محاولة من تشيخوف لكتابة محاكاة لمسرحية سوفورين تلك , وقد أشار تشيخوف في رسالته المرفقة مع المسرحية انها ليست للتمثيل على خشبة المسرح وليست للنشر ايضا, وانها ليست سوى – ( هدية رخيصة وبدون فائدة ) , وانه ( اي تشيخوف ) كتبها بجلسة واحدة,وطلب من سوفورين بعد الاطلاع عليها ان يرميها في الموقد, الا ان سوفورين لم ينفذ ما كتبه له تشيخوف وطبع عدة نسخ منها وارسل نسخة واحدة الى تشيخوف نفسه. وفي عام 1924, اي بعد وفاة تشيخوف بعشرين سنة وجد شقيقه ميخائيل تشيخوف هذه النسخة من المسرحية بين اوراق تشيخوف ونشرها, بعد ان أدخل بعض التصحيحات عليها وكتب بعض الهوامش والتعليقات حولها, وهكذا  عادت هذه المسرحية مرة اخرى الى الحياة ودخلت ضمن مؤلفات تشيخوف الكاملة والتي تم طبعها في ثلاثين مجلدا نهاية القرن العشرين الماضي , رغم ان تشيخوف لم يرغب بذلك بتاتا في حياته, وبدأ المسرحيون الروس بعرضها على خشبات المسارح المختلفة, و قد تم  ايضاعرضها حتى في احد مسارح نيويورك , وفي عام 1997 عرضها مخرج روسي في موسكو بعد ان وحٌدها مع مسرحية سوفورين التي حاكاها تشيخوف عند كتابته للمسرحية, وفي عام 1998 افتتح احد المهرجانات المسرحية بعرضها , ودخلت المسرحية بعدئذ ضمن سيناريو فلم روسي بعنوان ( ألحان تشيخوفية ), ولا زال الباحثون والنقاد يتناولونها في كتاباتهم عن تشيخوف ومسرحه هنا وهناك بشكل او بآخر.
مضمون المسرحية يتمحور حول قصة حقيقية عن انتحار فنانة روسية في مدينة خاركوف الاوكرانية ( والتي كانت بالطبع ضمن الامبراطورية الروسية آنذاك ) واسمها كاديمينا, وذلك بسبب فشل قصة حبها, اذ انها تناولت السم اثناء عملها في المسرح وعانت وتعذٌبت بشكل مرعب وتوفيت على أثر ذلك, وقد أثارت هذه القضية في حينها ضجة هائلة وكبيرة , الا ان بعض الباحثين يرون انه كان هناك تأثير آخر  على هذه المسرحية, ويربطوها بمسرحية فرنسية عنوانها – ( حول زواج ),والتي كتبتها الاديبة الفرنسية مارتيل دي جانفيه عام 1883 ونشرتها باسم مستعار, اذ ان المشهد الخامس من تلك المسرحية الفرنسية    يتطابق تقريبا مع مسرحية تشيخوف ذات الفصل الواحد تلك,حيث تجري مراسيم الزواج في الكنيسة وتنتحر العروس اثناء تلك المراسيم بشكل دراماتيكي, وبالتالي فان هؤلاء الباحثين يشيرون الى ان تشيخوف قد اعتمد في مسرحيته هذه على مصدرين هما – مسرحية سوفورين نفسها اولا, والمشهد الخامس من المسرحية الفرنسية التي أشرنا اليها اعلاه ثانيا,رغم انه لم يأخذ بنظر الاعتبار بالطبع تلك الاجواء الفرنسية البحتة التي كانت سائدة في المسرحية الفرنسية  تلك.
ان مسرحية –( تاتيانا ريبينا ) ذات الفصل الواحد عادت الى الحياة في نهاية القرن العشرين الماضي لانها بالطبع ترتبط باسم تشيخوف قبل كل شئ ولو لم تكن هكذا لما شغلت هذه المكانة في دنيا الادب المسرحي الروسي, و الامر نفسه كذلك بشأن عروضها على خشبات المسارح , ويرى بعض الباحثين – وهم على حق من وجهة نظري الشخصية – ان من الضروري ومن الواجب  ايضا احترام رأي تشيخوف تجاه نتاجاته, وبالتالي يجب النظر الى هذه المسرحية على انها ليست سوى كتابات قام بها تشيخوف لمداعبة احد اصدقائه, ومن الممكن طبعا( بعد ان تم نشرها و الاطلاع عليها الآن ) دراستها وتحليلها والكتابة عنها وابداء الرأي بشأنها لانها تمتلك قيمة تاريخية باعتبارها احدى مسرحيات كاتب كبير مثل تشيخوف , ولكن مع ذلك يجب عدم اعتبارها نتاجا مسرحيا مهما لمؤلف مسرحية (بستان الكرز ) العظيمة,اذ انه كتبها عام 1889 ولم ينشرها ولم يتكلم عنها منذ تاريخ كتابتها الى حين وفاته عام 1904.

719
رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي (4)
أ.د. ضياء نافع
سبق وان نشرت ثلاث حلقات حول رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي استجابة للنداء الذي وجهه الصديق المهندس ضياء العكيلي ( الرئيس الثالث للرابطة في ستينيات القرن الماضي ) , الا اني توقفت عن الاستمرار بالكتابة لعدم مشاركة الآخرين في هذا المشروع الجميل والمهم في تاريخ الحركة الطلابية العراقية بشكل خاص ومجمل تاريخ الحركة الوطنية عموما . لقد تحدثت في الحلقة الاولى عن تأسيس الرابطة ومؤتمراتها واعضائها وقياداتها ومشاكلها عموما , وتناولت في الحلقة الثانية الاجتماع  التاريخي الذي حدث مع مدير البعثات في وزارة المعارف آنذاك الدكتور محمد المشاط في موسكو, اما الحلقة الثالثة فقد كرسٌتها للحوار مع الصديق ضياء العكيلي وذكرياته عن عمل الرابطة ونشاطها.
سنحت لي الفرصة اخيرا  ان اتحدث مع الدكتور صاحب مهدي – السكرتير العام لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي في العام الدراسي 1960 – 1961 , والذي انتخبه المؤتمر الاول ( التأسيسي) للرابطة  في خريف عام 1960 , وانا على ثقة تامة ان هذا الحديث سيكون مفيدا جدا لاكمال الصورة التاريخية وابعادها , التي رسمتها للرابطة في مقالاتي المشار اليها اعلاه, هذه الصورة التي لا أزال اتمنى و احلم ان يكملها الزملاء الآخرون بذكرياتهم عن وقائعها وكتاباتهم وتحليلاتهم لكل تلك الاحداث التي عشناها معا , والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحركة الطلابية والوطنية المعاصرة في مسيرة عراقنا الحبيب .
سألت الدكتور صاحب مهدي – قبل كل شئ – عن اعضاء اللجنة التنفيذية , الذين انتخبهم المؤتمر الاول للرابطة , فلم يتذكر غير محمد علي الماشطة – رئيس الرابطة ومصطفى الجواهري – نائب الرئيس , وهو طبعا الذي انتخبوه سكرتيرا عاما للرابطة آنذاك . واود ان أضيف الى اجابة الدكتور صاحب في هذا الشأن, ان الرابطة كانت تؤكد دائما على تمثيل المرأة العراقية في قياداتها , وان السيدة ماركريت كانيكانيان كانت عضوة في تلك اللجنة على ما اتذكر .
تحدٌث د.صاحب عن الايام الاولى لوصوله الى موسكو في عام 1959 وتذكر بعض العراقيين الذين وصلوا معه مثل بشير الناشئ ( الموجود الى حد الآن في موسكو ) و أحمد السماوي وعبد القادر الجبوري وغيرهم , وكيف ساعدهم العراقيون القلائل الذين كانوا في موسكو قبل 14 تموز 1958 وهم محمد علي الماشطة ومصطفى الجواهري وفلاح الجواهري, وكيف تم بعد ذلك تشكيل لجنة (مساعدة الطلبة ) كما أطلقوا عليها ( وهي تسمية غير دقيقة ولا تعبٌر عن نشاطها ودورها ) . كانت هذه اللجنة واقعيا البداية الحقيقية للتنظيم الطلابي الذي تبلور لاحقا واصبح يحمل تسمية - ( رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي ). توقف  د . صاحب  في حديثه عند الخطوات الاوليٌة و التحضيرية , التي اتخذها العراقيون الاوائل عندما بدأت اعداد الطلبة بالازدياد , وهكذا ظهرت ( اللجنة التحضيرية للرابطة ) , والتي كان محمد علي الماشطة لولبها ومحركها الاساسي بحكم كونه الطالب العراقي الاقدم , اذ انه وصل الى موسكو عام 1957 باعتباره عضوا ضمن الوفد العراقي للمشاركة في اعمال مهرجان الطلبة والشباب العالمي الذي انعقد عندها في الاتحاد السوفيتي , وبقي بعد ذلك المهرجان هناك واصبح طالبا في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو , وكان في الصف الثاني في تلك الكلية آنذاك ( اي عام 1959) عندما بدأ الطلبة بالوصول الى موسكو. وهكذا اصبح الماشطة رئيسا للجنة التحضيرية , ثم انعقد المؤتمر الاول لرابطة الطلبة العراقيين واصبح الماشطة رئيسا للرابطة نظرا لدوره الكبير في مسيرتها وتكوينها في بداياتها ,  وأصبح صاحب مهدي السكرتير العام للرابطة .  كان صاحب مهدي شخصية بارزة بيننا , نحن الطلبة , الذين كنا بالاساس خريجي المدرسة الثانوية ليس الا, وكان بيننا طبعا بعض خريجي الكليات العراقية , الذين التحقوا بالدراسات العليا , اما صاحب مهدي فكان خريج جامعة ولاية  آيوا  في الولايات المتحدة  الامريكية , ولهذا فقد كان متميزا بين  كل  الطلبة  العراقيين فعلا ( شكلا ومضمونا !) ان صح هذا التعبير  . لقد توقفت طبعا عند هذه النقطة في حديثي مع صاحب مهدي , وسألته كيف وجد الدراسة في موسكو آنذاك بعد تجربته الطويلة في الدراسة بامريكا , فقال لي انه كان مندهشا من مستوى الدراسة في معهد الطاقة بروسيا ( تحول هذا المعهد الان الى جامعة الطاقة ), ومن الرعاية العلمية والتربوية القصوى   التي اولاها المعهد المذكور له , وان مشرفه العلمي كان شخصية علمية معروفة و عضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية . واخبرني د. صاحب ايضا – وبفخر – انه  يتواصل لحد الان مع هذه الجامعة ويستلم منها المصادر الجديدة  والدوريات المختلفة , رغم انه قد انهى دراسته هناك عام 1964 .
استمر الحديث مع د.صاحب حول الرابطة , وسألته لماذا لم يستمر بالعمل في الرابطة بعد المؤتمر الاول , فأخبرني بانه أراد التفرغ التام للدراسة , ولكن محمد علي الماشطة وبقية اعضاء قيادة الرابطة حاولوا ان يثنوه عن ذلك بعد نجاحه في عمله في صفوف الرابطة , ولهذا قرر الترشيح في المؤتمر الثاني لعضوية اللجنة التنفيذية , لكن دون العمل سكرتيرا عاما للرابطة , وهذا ما تم فعلا , وحل محله الزميل خالد الزبيدي , وهكذا استمر صاحب مهدي بالعمل في قيادة الرابطة , وفي نفس الوقت كان يكرٌس جل وقته للدراسة في ذلك المعهد العلمي المعروف . ويتذكر د. صاحب انه كان ممثلا للرابطة في مؤتمر عقده اتحاد الطلبة العالمي في مدينة كييف – عاصمة اوكراينا السوفيتية آنذاك , وان الرابطة اوفدته الى هناك لتمثيلها في هذا المؤتمر العالمي المهم , وانه سافر الى هناك وقام بتمثيل الرابطة على أحسن وجه , وانه كان رئيسا لاحدى لجان المؤتمر باعتباره مندوبا لاحدى اهم  الروابط الطلابية الكبيرة في الاتحاد السوفيتي .
سألت د. صاحب أخيرا عن رأيه برؤساء الرابطة الذين عاصرهم  وهم – محمد علي الماشطة ووجدي شوكت سري وضياء العكيلي وخليل الجزائري , فأجاب انهم جميعا أعزاء على قلبه , ويكن لهم جميعا كل الاحترام . لم استطع بعد هذه الاجابة الدبلوماسية والراقية ان أسأله عن تفصيلات رأيه هذا, اذ اننا جميعا نعتبرهم ( اعزاء على قلوبنا ! ) , لكن – مع ذلك – توجد فروقات بينهم , وان كل واحد منهم يتميٌز بخصائص ذاتية انعكست على عملهم ونشاطهم في الرابطة , وان شخصا بموقع د.صاحب مهدي ومشاركته الواسعة بعمل الرابطة وقيادتها لابد ان يكون على اطلاع تفصيلي اكثر من الاعضاء الاعتياديين الآخرين في هذا المجال , الا ان د. صاحب بنزاكته ورقته  ودبلوماسيته وسموه الروحي ارتأى ان يجيب عن سؤالي هذا حولهم بهذا الشكل , وانا احييه على موقفه النبيل هذا .

720
تماثيل بوشكين في العالم
أ.د. ضياء نافع
توجد تماثيل لبوشكين في الكثير من بلدان العالم خارج روسيا , ويقدرون عددها تقريبا بحوالي (200  تمثال ) , وهذا رقم  غير اعتيادي بتاتا بالنسبة لاديب روسي عاش ومات في روسيا طوال حياته ولم يسافر منها الى خارج بلده ابدا ( وهذه ملاحظة مهمة جدا في هذا المجال , وتعني ما تعنيه بهذا الخصوص , اذ انها تشير وتؤكد – قبل كل شئ – ان هذا الشاعر قد اصبح واحدا من رموز روسيا ) , و نتوقف في مقالتنا هنا قليلا عند هذه الظاهرة الغريبة جدا , والطريفة  والمتميزة  فعلا  في آن واحد .
نود ان نشير - اولا- الى  تلك البلدان الاجنبية التي يوجد فيها تمثال واحد لبوشكين ( او  أكثر من تمثال واحد له بعض الاحيان ),  وحسب ترتيب حروف الهجاء العربية لتلك البلدان  طبعا , وهي (48) بلدا وكما يأتي –
ابخازيا // اذربيجان // ارمينيا // اريتريا // اسبانيا // استونيا //  المانيا // اندنوسيا // اوزبكستان // اوكرانيا // ايطاليا //  بلجيكا // بلغاريا // البوسنه والهرسك // بنما // بولندا //  بيلاروس // تركيا // تركمانيا // تشيكيا // تشيلي // الجبل الاسود// جورجيا // الحبشة // رومانيا // سلوفاكيا // الصين // العراق // فرنسا // فنلندا // قبرص // قرغيزيا // كازخستان // كندا // كوبا // كوريا الجنوبية // المانيا // المغرب // مصر // المكسيك // منغوليا //  مولدافيا // النرويج //النمسا // الهند // هنغاريا // الولايات المتحدة الامريكية // اليونان // .
 توجد ثلاثة بلدان عربية – كما هو واضح اعلاه -  وهي العراق والمغرب ومصر بين تلك البلدان . نتوقف  قليلا  عند بلداننا العربية قبل كل شئ . تم تدشين التمثال النصفي لبوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد في عام 2011 باحتفال مهيب شاركت فيه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وجامعة بغداد واتحاد الادباء والكتٌاب العراقيين وسفارة  روسيا الاتحادية في بغداد . و التمثال هذا هو هدية من الرئيس الروسي مدفيديف جوابا على هدية الرئيس العراقي جلال طالباني لتمثال نصفي للشاعر العراقي الكبير الجواهري عام 2009 في جامعة فارونش الروسية , وقد خططنا( شخصيا) لاقامة هذين التمثاليين عندئذ في مركز الدراسات العراقية – الروسية في تلك الجامعة (عندما كنت رئيسا له)  بالتنسيق مع الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية , والتي كنت نائب الرئيس فيها ( انظرتفصيلات ذلك العمل الرائد في مقالتنا بعنوان - قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد ) , وكان من المفروض ان يتم تدشين تمثال بوشكين في جامعة بغداد عام 2010 , ولكن الروتين عرقل ذلك مع الاسف , لهذا فانه يعد  التمثال الثاني لبوشكين في عالمنا العربي , اما التمثال الاول فقد تم تدشينه بمصر في عام   2011 ايضا , ولكن قبل ثلاثة اشهر فقط من افتتاح التمثال في بغداد , ولم يكن هناك اي تنسيق بين الحدثين, والصدفة لعبت دورا في كل ذلك ليس الا . تم افتتاح تمثال بوشكين بمصر في مكتبة الاسكندرية الشهيرة , وذلك ضمن ايام الثقافة الروسية هناك , والتمثال كان هدية من فنان روسي ومؤسس ورئيس الاكاديمية الطبية الدولية , ويعد هذا التمثال تحفة فنية بكل معنى الكلمة ويجسُد بوشكين كاملا و واقفا وملتفتا الى جانبه الايمن , وقد تم افتتاحه في اجواء مهيبة ورائعة , وشارك بعض الطلبة المصريين بالقاء قصائد لبوشكين في اطار فني جميل و متميٌز . التمثال الثالث لبوشكين في العالم العربي تم تدشينه في المغرب في احدى مدارس مدينة اكابر المغربية عام 2015 , وقدم عضو مجلس الدوما الروسي ليخاتشوف هذه الهدية  ( محبة وتقديرا للمغاربة ...كي يفتح آفاقا اخرى من الدبلوماسية الشعبية بين المغرب وروسيا ) كما جاء في وسائل الاعلام المغربية آنذاك .
لا مجال طبعا للاسترسال هنا في الحديث عن تماثيل بوشكين في بقية بلدان العالم وقصصها بمثل هذه التفصيلات , التي تحدثنا عنها في بلداننا العربية , ولكننا نود ان نتوقف قليلا عند بعض الملاحظات البارزة في هذا الموضوع .
1 – تم تدشين اول تمثال لبوشكين خارج روسيا عام 1837( بعد وفاته مباشرة) في روما , وقد شارك الروس في روما حفل التدشين ومنهم مجموعة من الادباء والفنانين كما تشير المصادر, وان هذا التمثال قد تم نصبه بمبادرة من المثقفين الروس في روما آنذاك اعتزازا وتقديرا لبوشكين وللتعبير عن حبهم لشاعرهم الكبير, الا انه لم يبق الان اي أثر من هذا التمثال مع الاسف .
2 – شارك الرئيس الروسي فلاديمر بوتين في حفل تدشين احد تماثيل بوشكين في ايطاليا ( في الذكرى السنوية 201 لميلاد بوشكين ), وكانت رحلة بوتين  تلك الاولى الى الخارج بعد تسنمه منصبه رئيسا لروسيا الاتحادية  في ذلك الوقت, ويشير بعض المعلقين السياسيين الى هذه الحادثة ويرون فيها محاولة  من قبل الرئيس الروسي الجديد آنذاك ربط اسمه باسم بوشكين , لأن  بوشكين - رمز روسيا امام الشعب الروسي وامام العالم ايضا . وبغض النظر عن صحة  او دقٌة رأي المعلقين السياسيين هؤلاء ام لا , الا ان الموضوع – مع ذلك - يبقى مثيرا وطريفا , ومن المؤكد انه  سيكون – في نهاية المطاف وفي كل الاحوال – لصالح بوشكين ومكانته الساطعة  في تاريخ الادب الروسي والعالمي بلا ادنى شك  .
3 – يوجد تمثال لبوشكين في الحبشة ( اثيوبيا ) تم تدشينه عام 2002 , وكذلك يوجد تمثال له في اريتريا تم تدشينه عام 2015, باعتبار ان بوشكين هو واحد من احفاد هانيبال , الافريقي ( الذي ينحدر من تلك المناطق ) , والذي قدموه هدية الى القيصر الروسي بطرس الاعظم في القرن الثامن عشر , والذي اصبح جنرالا  بارزا في الجيش الروسي آنذاك , وكما هو معروف في تاريخ روسيا عموما و تاريخ الادب الروسي خصوصا .
4 – بقيت تماثيل بوشكين العديدة جدا في الدول التي انفصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 دون تغيير , ولم تنظر هذه الدول الى تلك التماثيل  بتاتا على انها رمزا  لروسيا كما هو الحال بالنسبة لتماثيل كثيرة اخرى (تم نصبها اثناء الفترة السوفيتية ), وبالتالي بدأت بازالتها من اراضيها او اهمالها او حتى التقليل من قيمتها  الحضارية , وكذلك الحال بالنسبة للدول الاشتراكية سابقا. لقد فرض بوشكين شخصيته الادبية وقيمته الفكرية على الجميع , واصبح أعلى من تناقضات السياسة والاعيبها وتغيراتها وتقلباتها , رغم انه يعد رمزا  لروسيا منذ ذلك الحين والى حد يومنا هذا .                                                                                                                                                   
 


721
أدب / تحدٌث بصوت خافت
« في: 20:24 04/04/2016  »
تحدٌث بصوت خافت
قصيدة للشاعر اوهانيس كريكوريان / أرمينيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


تحدٌث بصوت خافت
-تقول زوجتي –
كي لا يستيقظ طفلنا..
وأسير أنا
على أطراف أصابعي,
وأفتح ألابواب وأغلقها حذرا,
كابحا سعالي
كي لا يستيقظ طفلنا,
الذي يرى في المنام سخافة- ما
مبتسما,
او يحرٌك أصابعه الصغيرة
مرتعبا..
.....
اغلق التلفزيون
-تقول زوجتي –
كي لا يستيقظ طفلنا,
اجيبها قائلا-
انهم عن الحرب يتحدثون,
بشكل ممتع يتحدثون,
واريد ان استمع لهم.
حسنا
-تقول زوجتي –
استمع لهم,
لكن قل لهم
ان يتحدثوا بهدوء
ويتكلموا بسلام
كي لا يوقظوا طفلنا.


722
ابراهيم العريس والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع

يوجد تعبير جميل في الغرب دخل الى  لغتنا وعالمنا العربي وهو – ( ارفع قبعتي لك تحية واحتراما واعجابا ), وهذا هو بالذات التعبير الذي اريد ان استخدمه واسجله في بداية حديثي عن الصحفي اللبناني الكبير الاستاذ ابراهيم العريس , الذي اتابع – وباعجاب -  منذ زمن ليس بالقصير مقالاته الثقافية المعمقة في الادب العربي والعالمي, التي ينشرها في الصحافة العربية . هناك اختلافات وفروق بين البحث العلمي والمقالة , ولكن كتابات ابراهيم العريس تمزج بينهما ابداعيا بشكل يكاد يقترب من صيغة جديدة لدرجة اننا نستطيع – وبسهولة -  تطوير معظم مقالاته وتحويلها الى بحوث علمية رصينة لانها مكتوبة وفق خطة دقيقة ومحددة وواضحة المعالم , ولعل ابرز ما في هذه المقالات هي الروح المهنية الموضوعية التي تسود فيها , والنظرة العلمية الشاملة والمتكاملة والعميقة الى الموضوع, اضافة الى ان تلك المقالات لا تخضع للمواقف السياسية بشكل مباشر او غير مباشر , ولا تتعامل معها بسذاجة كما نجد – مع الاسف – عند بعض نقادنا وباحثينا هنا وهناك , رغم ان هذه المقالات تسير على حافات السياسة بعض الاحايين الا انها لا تسقط في مستنقعها ابدا . هذه صفات وسمات عامة لكتاباته, ولكننا لا يمكن بالطبع ان نحلل او حتى ان نتناول بشكل عام و في اطار هذه السطور مقالات ابراهيم العريس كافة , اذ انها  واسعة وشاملة بكل معنى الكلمة , ولهذا نود ان نسجل هنا فقط بعض الانطباعات الشخصية والملاحظات البسيطة بشأن  المقالات حول الادب الروسي ليس الا , التزاما بعنوان مقالتنا اولا واختصاصنا العام والدقيق ثانيا , اذ ان ابراهيم العريس كتب مقالات عديدة ومتنوعة عن بوشكين وليرمنتوف وغوغول ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وماياكوفسكي وشولوخوف وغيرهم , وتناول الظواهر الكبرى والاساسية في تاريخ الادب الروسي ومسيرته المتشعبة , وتحدث عن الرواية والقصة والمسرحية والشعر الروسي , وبالتالي لا يمكن لهذه المقالة ان تتناول تلك الجوانب كافة بلا ادنى شك, واتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا لكتابة سلسلة من المقالات , تتناول كل مقالة موقف العريس وعلاقته تجاه اديب روسي واحد من هؤلاء الذين مرٌ ذكرهم اعلاه ومفاهيمه حوله, اذ عندها نستطيع التحدث بعمق ونحلل مواقفه وطروحاته كافه, ولهذا فاننا نكتفي الان بملاحظات بسيطة وعامة حول بعض مقالاته ليس الا .
 اتوقف عند مقالته عن بوشكين والتي جاءت بعنوان –  (ابنة الضابط لبوشكين ..الانسان وسط زحام التاريخ العاصف ) . عنوان جميل جدا لمقالة متميزة وغنية  بملاحظاتها الدقيقة  يشير فيها ابراهيم العريس الى ان بوشكين هو ( المجتهد الاكبر في الادب الروسي ), ويعطي ترجمة اخرى لرواية ابنة الضابط هكذا- ( ابنة النقيب في شكل اكثر حرفية ) , اي انه لم يكن مقتنعا بترجمة – ابنة الضابط رغم تثبيت هذه التسمية في عنوان مقالته تلك , وهذه هي صفة الباحث العلمي الحقيقية, الذي لا يقتنع بالشئ المنجز , والذي يجتهد بصورة دائمة ويحاول الوصول الى الافضل . نعم , انا اتفق مع العريس في ان بعض عناوين الادب الروسي لم تستقر بالعربية لحد الان , وقد سبق لي ان نشرت مقالة حول هذا الموضوع في عدة مواقع بعنوان – ( ترجمة عناوين الادب الروسي ), و رواية بوشكين – ( ابنة الضابط ) خير مثال على ذلك فقد جاءت بعدة اشكال , وترجمها المرحوم غائب طعمه فرمان ب – ( ابنة الآمر ) ضمن الاصدارات العربية للادب الروسي في الاتحاد السوفيتي آنذاك , ويعطينا العريس في مقالته هذه ترجمة جديدة وهي –  (ابنة النقيب ), وتستحق هذه الترجمة مكانها اللائق  بها ضمن الاجتهادات الاخرى  بلا ادنى شك , اذ ان بوشكين استخدم كلمة ( كابتن ) في النص الروسي , وتترجم بعض بلداننا العربية هذه الرتبة العسكرية بكلمة – ( نقيب ) فعلا , رغم ان هذه الكلمة ترتبط بعدة معان اخرى في لغتنا العربية المعاصر, وفي كل الاحوال يستحق هذا الاجتهاد الجديد لعنوان رواية بوشكين  التأمل والمناقشة  .  واود ان استمر بالحديث عن هذه المسألة المطروحة امام المترجمين العرب وكيف تعامل معها العريس واتوقف عند مقالة اخرى له بعنوان –  (معطف غوغول الذي خرج منه دستويفسكي والادب الروسي كله ), اذ كتب العريس عنوانين لنتاجين من نتاجات غوغول ,  ليست دقيقة من وجهة نظرنا , العنوان الاول هو – ( ملاحظات مجنون ) و نحن نعتقد ان الاصح هو –  ( يوميات مجنون ) او ( مذكرات مجنون ) , وقد استقرت هذه التسمية بالعربية منذ فترة طويلة نسبيا, اما العنوان الثاني فقد أبقاه العريس كما جاء بالنص الروسي عند غوغول وهو- ( نفسكي بروسبيكت ) , وهو عنوان غير مفهوم للقارئ العربي بتاتا , وقد تم ترجمة هذا العنوان  الى العربية هكذا – ( شارع او جادة نيفسكي ) , وهو الاصح على ما نظن, ولم استطع ان افهم لماذا استخدم ابراهيم العريس هذه التسمية هنا وهو الذي يتعامل مع الادب الروسي ليس عبر اللغة الروسية وانما عبر لغة وسيطة, ولم استطع ايضا ان أجد تبريرا لذلك . و نترك الان موضوعة العناوين و نتوقف قليلا عند مقالة اخرى له بعنوان ساحر وجميل فعلا وهو – ( بلاتونوف لتشيكوف – حين تخون ستبقى خائنا الى الابد ) , حيث يتناول فيها اول مسرحية كتبها تشيخوف وتاريخها الطريف , ويعرض مضمونها العام بشكل مشوٌق و موضوعي وعميق , ويتوقف عند افكارها الفلسفية, وهي مقالة رائعة بكل معنى الكلمة , وقد طالعتها باندهاش واعجاب وشغف لدرجة اضطرتني ان اغمض عيني عن كتابته لاسم المؤلف المسرحي على الطريقة الانكلو – امريكية لعدم وجود حرف الخاء لديهم , اي تشيكوف ( بالكاف ) كما يلفظونه ويكتبونه هم , وليس تشيخوف ( بالخاء ) , كما يلفظه ويكتبه الروس , وكما نلفظه ونكتبه نحن العرب منذ زمن بعيد . وكان بودي ان اتوقف هنا ايضا عند مقالتين و اتحدث قليلا عنهما, الاولى عن مكسيم غوركي والتي جاءت بعنوان – ( جامعاتي لغوركي – كيف انتحر وهذا الابداع يملأ العالم ؟ ) , اذ انها مقالة مهمة تتناول موضوعا حيويا للقارئ العربي وهو العلاقة المتبادلة بين الادباء والحكام , الا ان المجال لا يسمح بالكلام حتى بايجاز عن هذه النقطة الكبيرة و الحساسة ,  والثانية عن تولستوي بعنوان – ( الحرب والسلم – حب الحياة وسط دوامة الموت والخراب )  , وتتناول فلسفة هذا الكاتب الروسي العملاق , الا ان المجال ايضا لا يسمح حتى بعرض موجز لملامح تلك الفلسفة.
 اكرر مرة اخرى في ختام هذه السطور احترامي وتقديري لهذا الباحث الكبير وجهوده العلمية الموضوعية في خدمة القارئ العربي وتنويره بكل هذه الجوانب المجهولة للادب العالمي بشكل عام والادب الروسي بشكل خاص . ما احوج امتنا العربية الى مثل هذه النماذج الثقافية المضيئة في هذه الفترة المعتمة من تاريخنا ..

723
الشاعر الروسي المعاصر اندريه ديمينتيف
أ.د. ضياء نافع

ولد اندريه دميتروفيتش ديمينتيف في مدينة تفير عام 1928, ونشر اول قصيدة له عام 1948, ثم درس في معهد غوركي للادب وتخرٌج عام 1952, وتفرٌغ للعمل في المجال الادبي من صحافة واذاعة وتلفزيون, وقد عمل لمدة 21 سنة في مجلة ( يونست) الادبية الشهرية المختصة بادب الشباب( نائب رئيس التحرير ثم رئيسا للتحرير).صدر ديوانه الاول عام 1955 وكان بعنوان ( قصائد وجدانية) , وبلغ مجموع دواوينه اكثر من ثلاثين ديوانا, منها – الطريق الى الغد / بعيون الحب / عن الفتاة مارينا وعن الطير المضحك / شمس في البيت / منفردا مع الضمير /لا توجد امرأة غير عاشقة / كل شئ يبدأ بالحب / سنوات الحب وايام الحزن / ...
وتحولت الكثير من قصائده الى اغان روسية شهيرة جدا وبلغ مجموع تلك الاغاني اكثر من مئة اغنية.
حاز ديمينتيف على العديد من الجوائز والتكريمات الادبية , منها جائزة الدولة للادب في الاتحاد السوفيتي عام 1985, هذا  وقد احتفلت الاوساط الثقافية الروسية عام 2008 بعيد ميلاده الثمانين, وبثٌت عدة قنوات تلفزيونية تلك الاحتفالية والتي شارك فيها جمع غفير من الفنانين والادباء الروس, ولا زال اندريه ديمينتيف رغم تجاوزه الثمانين يساهم في الحياة الثقافية والفنية الروسية وبنشاط متميز.
نقدم للقراء فيما يأتي مقاطع من قصيدة له بعنوان ( الى ابنتي ), والمنشورة في ديوانه الحادي والثلاثين الصادر في موسكو عام 2002
++++++
ض.ن.


الى ابنتي
-مقاطع-

عندنا نفس العيون
لكن عينيك
أكثر زرقة,
عندنا نفس العيون
لكن عينٌي
أكثر حزنا,
عندنا نفس العيون
لكن العناوين
تختلف,
والفجر
في نافذتك
ونافذتي
يختلف,
والاسرار
في قلبك
وفي اعماق روحي
تختلف..
.......
وعبر المعاناة والاحزان
يرافقك خوفي..
...
هل يسمع قلبك
انك في دمعي؟
.....
وسيل رسائلك
كالجرح في قلبي؟
...
وكأنما انت
لازلت
كما كنت
تتأرجحين
في حضني
.....
عندما رجعت
من الغربة
وانت
تلهثين
وتقولين
-مرحبا يا ابي..
.....
-مرحبا يا ابنتي...
......
ويستمر
نبض
الحياة الابدي..
........

724
الشاعر الروسي المعاصر فاسيلي بوبوف
أ.د. ضياء نافع
 
ولد الشاعر الروسي فاسيلي نيقولايفتش بوبوف في 3 نيسان – ابريل عام 1983 في مدينة أنغارسك بمحافظة ايركوتسك , وتخرج في معهد سيبيريا للقانون والاقتصاد والادارة هناك عام  2005 , ثم تخرج في معهد غوركي للادب في موسكو عام 2010 , وقد أصدر ثلاث مجاميع شعرية لحد الان , ونشر قصائده في الكثير من المجلات الادبية الروسية الكبيرة  في موسكو وبطرسبورغ  وبقية المدن الروسية  , وحاز على العديد من الجوائز الادبية , و كتب عنه بعض الادباء الروس , ومن بينهم  الكاتب الروسي الشهير فالنتين راسبوتين , الذي أشار الى انه يمتلك – (.. عبقرية جديٌة , وانه يجب ان يعمل ويعمل اذا يريد ان يصبح كاتبا روسيٌا حقيقيا. ليمنحه الرب القوة  والشجاعة والصبر في هذا الزمن غير البسيط  لروسيا .)
نقدم مجموعة من قصائده , والتي جاءت في ديوانه – ( طرق السماء والارض ) الصادر عام 2012 بموسكو عن اتحاد ادباء روسيا , وهي المرة الاولى  - حسب علمنا المتواضع -  التي يتعرف القارئ العربي  فيها على قصائد هذا الشاعر الروسي الشاب والواعد , والذي يسميه بعض المعجبين الروس به – يسينين روسيا الجديد .
ضياء نافع
================================================================================
القصائد لا ضرورة لها
في زمن – ما
-عندما
لم اكن أعرف عندها –
اني سأكتب أشعارا,
كنت على سطح دارنا
اجفف اغصانا,
وفكٌرت ان ادخنها
كما
كان جٌدي يدخنها,
وهكذا
الى سجائر – في اوراق الجرائد- حولٌتها..
السنون مرٌت
والطفولة انتهت,
وانا في الغرفة وحدي الان
لا ادخن ,
لكن القلب يريد
ان يشم ذاك الدخان.
القصائد لا ضرورة لها,
كلا
لا ضرورة لها,
لكن الرأس يصاب بالدوران
من جرائها,
وفي كل الاحوال
تتطاير كلماتها
مثل ذاك الدخان
منطلقا
الى اللامكان.
================================================================================
مثل غيمة فوق الحقول
كم هو غريب ان تحيا
وتفهم انت
ان الحياة غريبة,
وانك
مثل غيمة
فوق الحقول ,
وتذوب الآن
في بحر الكذب والنسيان.
..................
كم هو غريب ان تحيا
وتفهم انت
ان كل شئ قد لا ينتهي عندها,
عندما
تبحث انت
عن الابواب في العلا,
واذا بالسنوات فجأة
تحسمها .
================================================================================
وفي السماء غفى القمر
عندما رحلت
كل شئ تغيٌر,
وفي السماء غفى القمر..
في منامي رأيتك ,
كنت في غرفتك,
وكنت تجلسين عند النافذة وحدك..
.....................
في الفراق – نجاة..
ومرٌ اسبوع..
من الحياة..
هل يمكن فقط ان اعانقك؟

كل القصائد في الاصل بلا عنوان , والعناوين هنا من وضعنا .

725
ملاحظات حول الادب العربي في روسيا
         
بقلم اوليغ بافيكين
ترجمة أ.د. ضياء نافع

مقاطع من كلمة اوليغ بافيكين – مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد ادباء روسيا , والتي القاها في ندوة مع ادباء الكويت قبل سنة ونيٌف, ونظن انها تستحق التأمل المعمق من قبل القراء في بلداننا العربية .
ض.ن.

...تم اصدار 601 عنوانا لكتب حول الادب العربي في الاتحاد السوفيتي حسب الاحصاءات الرسمية التي نشرت في شهر يناير / كانون الثاني لعام 1987 وذلك خلال كل فترة السلطة السوفيتية , وبلغ العدد الاجمالي المطبوع لتلك الكتب 40 مليون و934 الف نسخة , وتم اصدارها ب 38 لغة من لغات الشعوب السوفيتية , ومن بين هذه الكتب 96 اصدارا للادب الكلاسيكي و المعاصر من مصر وعدد نسخها 3 مليون و942 الف نسخة , ومن الجزائر 52 اصدارا لمؤلفين جزائريين وعدد نسخها 2 مليون و 905 الف نسخة , ومن لبنان 29 اصدارا وعدد نسخها 732 الف , ومن سوريا 33 اصدارا وعدد نسخها مليون 442 الف , ومن العراق 25 اصدارا وعدد النسخ 705 الف ...الخ
كان اتحاد الادباء السوفيت يمتلك  علاقات متينة وراسخة ومتنوعة مع ادباء البلدان العربية , وفي الفترة من 1986 الى 1990 زار الاتحاد السوفيتي اكثر من 300 كاتبا من البلدان العربية , ومن الممكن القول ايضا ان نفس العدد تقريبا من الشعراء والكتٌاب والنقاد  ومن جميع جمهوريات الاتحاد السوفيتي قد قاموا بزيارات لمختلف البلدان العربية , وكذلك قام العشرات من الادباء العرب بزيارة المصايف في الاتحاد السوفيتي والتقوا بزملائهم السوفيت وقرأوا اشعارهم ونتاجاتهم امام الادباء والقراء السوفيت وفي مختلف جمهوريات الاتحاد السوفيت واصبحوا اصدقاء لهم مدى الحياة , ونحن نتذكر تلك الامسيات الابداعية الرائعة لمحمود درويش وسميح القاسم وسعدي يوسف ومعين بسيسو وغيرهم في قاعات مليئة بالمستمعين في موسكو ولينينغراد ومدن اخرى , ونتذكر المؤتمرات الادبية والندوات الابداعية حول اكثر القضايا حيوية في الاداب .
في عام 1991 لم يعد الاتحاد السوفيتي موجودا , وتوقف كذلك نشاط اتحاد الادباء السوفيت .
في عام 1996 قام اول وفد روسي للادباء برئاسة الاديب الروسي فاسيلي بيلوف بزيارة سوريا ووقع اتفاقية تعاون مع ادباء سوريا , اما اليوم , فان اتحاد ادباء روسيا يمتلك اتفاقيات تعاون متعددة مع ادباء مصر والاردن وتونس وليبيا والمغرب والسودان والعراق والامارات العربية والبحرين وفلسطين .. وفي 6 سبتمبر / ايلول من عام 2014 وقٌع السيد طلال الرميضي – السكرتير العام لرابطة الادباء الكويتيين اتفاقية تعاون مع اتحاد ادباء روسيا .
في عام 1997 اعلن اتحاد ادباء روسيا – وبحضور مجموعة من سفراء البلدان العربية – عن تاسيس مجلس للعلاقات مع الادباء العرب , وقد ضمٌ هذا المجلس اكثر الادباء الروس شهرة وبعض المستشرقين الكبار والشخصيات  العربية الثقافية المعروفة في موسكو , والذين أصدروا مجلات دورية .
في عام 1998 احتفلنا – سوية مع الادباء المصريين – بالذكرى المئوية لتوفيق الحكيم , واقمنا مؤتمرا عالميا بهذه المناسبة واصدرنا مؤلفاته المختارة , ومن المناسب الاشارة هنا , الى ان روايته المشهورة – ( عودة الروح ) كانت قد صدرت بالروسية في نهاية سنوات الثلاثينات من القرن العشرين , اما مسرحيته – ( السلطان الحائر ) فقد تم عرضها في نهاية الثمانينات على خشبة المسرح الدرامي في ضواحي موسكو .
في اعوام 1999-2000 وبمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد بوشكين , احتفلنا وبشكل مهيب في جامعتي القاهرة وحلوان ,  واقمنا – وبالتعون مع الاتحاد العام للادباء العرب – عدة احتفالات شعرية في خمس مدن كبيرة في سوريا .
تم تنظيم مهرجانات عربية – روسية ادبية وشعرية في ربيع عام 1998 بمدينة بيتيغورسك – مكرٌسة للشاعر الروسي الكبير ليرمنتوف , وكذلك للاحتفال بمئوية الشاعر ميخائيل ايساكوفسكي في يناير / كانون الثاني من عام 2000 , وفي مدينة اوفا عاصمة بشكيريا احتفلنا في خريف عام 2001 بالذكرى ال 210 على ميلاد الكاتب اكساكوف , وفي مارت / آذار من عام 2002 التقينا في الاحتفالات بيوم الشعر , وساهم الادباء والشعراء العرب باعتبارهم ضيوف شرف في المؤتمر الثاني عشر لاتحاد ادباء روسيا , وكانت هناك بالطبع لقاءات اخرى هنا وهناك , الا ان الحدث البارز في كل هذه اللقاءات الادبية العربية – الروسية يمكن ان تكون تلك الرحلة الى داغستان في ايلول 2013 للاحتفال بالذكرى التسعينية لشاعر الشرق الكبير رسول حمزاتوف , والتي شارك فيها البروفيسور العراقي في الادب الروسي ضياء نافع والاديب المصري والصحفي والمترجم احمد الخميسي والاديب الجزائري عمر ازرج .
ان الاجتماع الدوري للمكتب الدائم لاتحاد ادباء اسيا وافريقيا الذي جرى بموسكو وبدعوة من اتحاد ادباء روسيا يمكن – وبكل ثقة – ان نسميه نجاحا حقيقيا للعلاقات الادبية الروسية – العربية وتعميق الارتباطات الثقافية بينهما . في هذه الدورة , التي تم افتتاحها في 3 ايلول / سبتمبر من عام 2014 في اتحاد ادباء روسيا , ساهم 23 كاتبا من بلدان اسيا وافريقيا , بما فيهم قادة ورؤساء اتحادات ادباء مصر والهند والعراق والاردن والكاميرون وكينيا والمغرب ونيجبريا وناميبيا وعمان وباكستان والسودان وتونس واوغندا . كان الموضوع الرئيسي لهذه الدورة هو – ( ادباء اسيا وافريقيا امام تحديات العالم المعاصر ) , هذا الموضوع الذي تهتم به شعوب القارتين , والتي يسكن فيهما 65 % من سكان العالم , اما موضوع الطاولة المستديرة لتلك الدورة فقد جاء بمقترح من اتحاد ادباء الاردن وهو – ( طريق الحرير للادب العالمي ) , وقد تم مناقشته سوية مع ادباء روسيا في جلسة مشتركة  بتاريخ 4 ايلول / سبتمبر في هيئة تحرير جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الصحيفة الادبية ) الروسية , هذا , وقد زار ممثلو ادباء اسيا وافريقيا متحف وبيت تولستوي في ياسنايا بوليانا  وتعرفوا على اعمال المعرض السابع والعشرين الدولي للكتاب الذي تم افتتاحه بموسكو .
اما موضوع الترجمات المشتركة للادب العربي ,فقد تمت محاولة مع الاتحاد العام للادباء العرب على اصدار سلسلة بعنوان – (افضل مئة رواية عربية في القرن العشرين ), وفي اطار هذا المشروع تم – وخلال سنة – في روسيا ترجمة 20 رواية من الروايات العربية وحتى تم نشر واحدة منها وهي رواية ( قنديل ام هاشم ) ليحيى حقي ضمن اصدارات ( المجلة – الرواية للقرن الحادي والعشرين ).
من المشاريع الاكثر نجاحا في هذا المجال هو ما تم انجازه بشأن اصدار انطولوجيا الادب السعودي في اطار مشروع التعاون الروسي – السعودي المشترك , والذي ساهمت بتنفيذه شخصيا مع  السيد وكيل وزارة الثقافة السعودي السابق, هذا الاصدار الذي تم ترجمته بشكل رائع , الا ان استقالته من منصبه , على ما يبدو , قد أدٌى الى حفظ هذا الانجاز ومنذ عام 2001 في السفارة السعودية , ولم يستطع القارئ الروسي ان يتعرف عليه...
ان تحقيق كل هذه المشاريع , والتي لم يسبق لها ان حدثت في تاريخ علاقاتنا الثقافية والادبية قد اصطدمت بمشاكل جدٌية , اذ يوجد في روسيا مترجمون بخبرة عالية وكفاءة , لكن لا توجد – ومع الاسف – سياسة ثابتة ودائمة في مجال نشر الكتب , وانما تسود علاقات السوق , ولهذا فقد طرحت – وبشكل حاد – قضية التمويل , وانطلاقا من هذه الوضعية , فاننا نأمل بمساندة الزملاء العرب وتفهمهم لذلك , ونحن على ثقة بان الجهود المشتركة وروح التفاهم المتبادل  هي التي يمكن لها تجد الحلول الناجعة للكثير من المشاكل في اجواء التعاون الثقافي والادبي.
ان تعميق التعاون الثقافي والادبي وتعزيز جسور هذا التعاون سيؤدي ليس فقط الى بناء الصرح العلمي الثقافي لبلداننا , وانما الى تعزيزحوار الحضارات في العالم بشكل عام ....
 

726
أدب / ادب مترجم
« في: 22:07 20/03/2016  »

فقيرة كالريح ،  جدران بيتي ، كراهية بعد حب


ثلاث قصائد للشاعرة أنيز كولتس/ لوكسمبورغ

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


فقيرة كالريح
==========
اريد ان اكون فقيرة
كالريح,
وحرة
كالريح
بلا بيت...
بلا ظل...
اخترق الشوارع
بين البنايات,
اتسكع
في متاهات الاغصان.
اريد ان اكون حرة
وفقيرة
كالريح,
انطلق مسرعة الى بعيد,
واتجمٌد عند الاسوار,
وأهب نفسي
لشذى الازهار..


جدران بيتي
==========
من الاحجار التي
رميتموني بها,
شيٌدت انا
جدرانا
لبيتي.


كراهية بعد حب
=============

اسنانك
ثلج يئز
.......
ثعبان لسانك
يقتفي اثري
.......
بعد عناقك
أشعر وكأني
حيوان
سلخوا جلده.

727
أدب / عن القصائد
« في: 23:30 18/03/2016  »
عن القصائد
===========
للشاعرة الروسية – آنٌا أخماتوفا
=====================
ترجمة – أ.د. ضياء نافع
=================

 
انٌها –
عصارة ألارق,
انٌها –
شمعة مائلة تحترق,
انٌها-
دقٌات نواقيس الصباح ألاولى
لرنين مئات النواقيس الاخرى
التي بعدها تنطلق,
انٌها –
ركن النافذة الدافئ
تحت ضوء القمر,
انٌها-
النحل,
انٌها-
العشب,
انٌها-
الغبار
والعتمة
وقيظ النهار.

728
قصيدة بوشكين – (النبي ) بثلاث ترجمات عربية
أ.د. ضياء نافع

النبي
ترجمة – رفعت سلام
من كتاب – الغجر وأعمال اخرى / الكسندر بوشكين / القاهرة – 2010
ص . 72- 74
++++++++++++++++++
ظامئا قلبي الوحيد,
قطعت الاراضي البور القاحلة
حين وجدته أمامي, ساروفيم المجنٌح,
صامتا, منتصبا,
وعلى مفترق الطرق انتظرني.
على عيوني الطينية العمياء
وضع أصابعه برفق,
وكعيني نسر عند الرعب,
فتحتا وراقبتا الارض والسماء,
لمس أذني, ثم الاخرى.
وواضحة متميزة تماما,
أتتني الرفرفة الرهيفة لاجنحة الملاك,
فسمعت الكرمة
وهي تغوص في الارض, وترتفع في السماء,
وهولات أعماق البحر
تنزلق في الماء كالاسماك..
اعتصر لساني الآثم البارع من فمي,
وانتزعه بيد دامية,
مال فوقي بلا شفقة
ودسٌ ناب أفعى بين شفتيٌ الهامدتين..
ثمٌ- غارسا سيفه أللامع ببطء –
شقٌ صدري,
واقتلع قلبي المرتعش المعتم الكالح,
وغرس بتثاقل في الفجوة المفتوحة
جمرة سرت مع اللهيب..
رقدت هناك,ميٌتا,
والهي, تكلٌم يا الهي,
وهذا ما قال-
انهض ايها الحكيم, يا من تسمع دعوتي
افعل كما اطلب,يا من يعوقك العدم,
تقدم على الارض, نبيٌا,لافحا قلوب الرجال
بكلمة الحق.
+++++++++++++++++++++++
النبي
ترجمة – د. طارق مردود/ العديد من المواقع الالكترونية
مضنى بالظمأ الروحي
تعذٌبت في صحراء موحشة
وفجأة ظهر لي عند مفترق الطرق
الملاك ( سيرافيم) السداسي الاجنحة
وبأصابع خفيفة كالحلم
لمس قرٌة عينيٌ
فانفرجت مقلتايٌ النبويتان
كأنهما عينيٌ نسر مذعور
ثم لمس أذنيٌ
وملأهما ضجة ورنينا
فسمعت رعدة السماء
وتحليق الملائكة في الاعالي
وسريان حركة أغوار البحار
ونمو الكرمة النائية
وانحنى الملاك على فمي
وانتزع لساني الآثم
الخامل والمراوغ
ووضع في فمي المشدوه
بيده اليمنى المضرجة
لسان الافعى الحكيم
وشق صدري بسيفه
واقتلع قلبي المرتجف
واقحم في صدري المشقوق
جذوة متأججة النيران
فانطرحت في الصحراء كجثة
وناداني صوت –
انهض , يا نبي , وابصر
ولب ارادتي
وجب البحار والاراضي
والهب بقولك قلوب الناس.
++++++++++++++++++++++
النبي
ترجمة أ.د. ضياء نافع

ظمأ الروح اضناني
وانا في عتمة البيداء وحدي
أجرٌ بالكاد أقدامي,
وفي مفترق الطرق
الملاك سيرافيم - المعلٌى الاثير
ذو الاجنحة الستة
ظهر امامي,
وكالحلم, وبانامله الرقيقة
لمس مقلتيٌ,
فانفتحت المقلتان المتنبئتان,
كما تفعل انثى النسر المرتعبة.
لمس الملاك اذنيٌ
وملأهما بالضجيج والرنين,
واصغيت انا لارتعاش  السماء,
وتحليق ملائكة الجنان,
ومسير الاحياء في عمق البحار,
وخمول الكروم في الوديان.
انحنى الملاك على شفتيٌ
واجتث لساني الآثم
والماكر والثرثار,
ووضع بيمناه التي يقطٌر منها الدم
لسان حيٌة حكيمة
في ثغري الاصم,
وشجٌ صدري بسيفه
وانتزع القلب المرتعب
وغمد في جوفه
جمرة تلتهب.
استلقيت كالجثة في البيداء
وصوت الرب ناداني –
”قم, ايها النبي, وابصر
وانصت ,
ونفٌذ ارادتي,
واججٌ بالكلمات قلوب البشر
وانت تجوب البٌر والبحر“
+++++++++++++++++++++++++
+++++++++++++++++++++++++
توجد عشرات الترجمات العربية لهذه القصيدة, وكم اتمنى ان أجمعها سوية واقدمها للقارئ العربي , اذ ان ذلك سيكون درسا رائعا في مجال ترجمة الشعر الروسي الى اللغة العربية بشكل خاص, وترجمة الشعر من لغة الى اخرى بشكل عام,ومع ذلك فقد حاولت هنا ان أختار ترجمة عبرلغة وسيطة لهذه القصيدة( ترجمة المصري سلام) واخرى عن اللغة الروسية مباشرة ,
ولازال بوشكين يدعو المترجمين ان يدلوا بدلوهم منذ ان كتب هذه القصيدة
 عام 1826 ولحد الآن , ولا زال باب الاجتهاد مفتوحا على مصراعيه , ولكن رفقا بالقوارير...

729
أدب / ذكريات
« في: 20:23 17/03/2016  »
ذكريات
قصيدة للشاعر التركي نوزاد  استيون
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


هل تذكرين
تقاطع الطرق هناك,
عندما كنت احييك
وانا امسك قبعتي
بيدي؟
لا يمكنك ان تنسي..
كانت في عينيك
شمس ذاك النهار,
وظلال
من قلعة المدينة..
هل تذكرين؟
كنا نريد
ان نقول لبعضنا
شيئا- ما,
ولكننا
لم نستطع..
شيئا - ما
عن الحياة,
وعن الموت,
وعن الحب ...

730
كتاب بونين عن تشيخوف
أ.د. ضياء نافع

هذا كتاب فريد ومتميز في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , اذ لم يؤلف الادباء الروس الكبار كتبا مستقلة عن بعضهم البعض , بل ان البعض منهم قد  كتبوا – ليس الا -  مقالات مختلفة ومتفرقة هنا وهناك او رسائل الى الاصدقاء تضمنت ذكريات وانطباعات وملاحظات وأقوال... الخ عن بعضهم  فقط , وتوجد كلمات وتصريحات سجلها صحفيون او مؤرخون او نقاد ادب حول هذا وذاك من الادباء الروس , اما ايفان الكسييفتش   بونين ( 1870- 1953 ) , وهو أحد كبار الادباء الروس ضمن سلسلة الاسماء الكبرى في هذا الادب و التي تبدأ ببوشكين في القرن التاسع عشر , فقد أصدر كتابا خاصا حول تشيخوف و بعنوان واضح ودقيق وصريح وهو – ( عن تشيخوف ) (( و يمكن ترجمة العنوان الى العربية  ايضا – ( حول تشيخوف )) , وقد كتب بونين هذا الكتاب في فرنسا , حيث هاجر وأستقر هناك بعد ثورة اكتوبر 1917 في روسيا , وحيث توفي وتم  دفنه هناك ايضا عام 1953 , ولكن الكتاب المذكور صدر عام 1955 في نيويورك بالولايات المتحدة الامريكية , اي انه آخر كتاب لبونين , وصدر بعد سنتين من وفاته , وهذا يضفي على هذا الكتاب الجميل والمتميز في تاريخ الادب الروسي  اهمية استثنائية جدا بالطبع , وقد اشارت دار النشر الروسية  في نيويورك التي أصدرت  هذا الكتاب الى ذلك في نهايته ,  حيث كتبت انها تنشر مخطوطة هذا الكتاب كما استلمتها من ورثة بونين دون اي تعديل اوحتى اي تصحيح احتراما وتقديرا للكاتب الروسي الشهير ايفان بونين وذكراه ومكانته في تاريخ الادب الروسي على الرغم من وجود ضرورة لذلك بشأن بعض النقاط , والتي اشارت دار النشر تلك الى ان بونين – في حالة لو كان  باستطاعته مراجعة الكتاب  هذا  كان من المؤكد ان يقوم بتصليحها  , ولهذا يطلقون على هذا الكتاب ايضا في مصادر النقد الادبي الروسي وتاريخ الادب الروسي ومسيرته  تسمية – ( مخطوطة غير منتهية , او غير نهائية ) وهذا شئ صحيح ودقيق فعلا , وذلك لان وفاة بونين في باريس عام 1953 قد حالت – مع الاسف – من ان يضع مؤلف الكتاب المذكور – اي بونين -  تلك اللمسات الاخيرة والنهائية لهذا الكتاب وان يقوم بتصحيحه نهائيا قبل طباعته واصداره عام 1955 في نيويورك من قبل دار النشر الروسية هناك .
 لقد تم تعارف بونين بتشيخوف في الامبراطورية الروسية آنذاك عام  1895 , واصبحا بعدئذ قريبين في علاقاتهما وصداقتهما مع بعض في بداية عام 1900 , وهناك (14) رسالة من تشيخوف الى بونين في ارشيف بونين , و(17) رسالة من بونين الى تشيخوف في ارشيف تشيخوف , وصدرت مقالة حول ذكريات بونين عن تشيخوف في روسيا لاول مرة عام 1905 ( اي  بعد سنة واحدة من وفاة تشيخوف ) في كتاب يضم مجموعة مقالات بعنوان –  ( في ذكرى تشيخوف ), واعيد طبع هذا الكتاب في عام 1906 , وقد دخلت تلك المقالة عن تشيخوف في مؤلفات بونين الكاملة , و التي صدرت عام 1915 في روسيا , ثم ظهرت مرة اخرى ( منقحة ومزيدة ) عام 1935 في مؤلفات بونين الكاملة و التي صدرت في برلين بالمانيا , ثم في كتابه الموسوم – ( ذكريات ) الذي صدر في باريس بفرنسا عام 1950 , ثم في الكتاب الذي نحن بصدد عرضه هنا وهو  – ( عن تشيخوف ) الذي صدر بعد وفاة بونين كما ذكرنا اعلاه.
مقدمة الكتاب كتبتها ارملة بونين السيدة ف.ن. بونينا , والتي أشارت الى ان الوضع الصحي لبونين عام 1952 لم يسمح له ان ينهض من السرير , ولكنه  عندما  كان يقدر ان ينهض ويتحرك , فانه يعود رأسا الى كتبه ونشاطاته الادبية ومنها بالذات كتابه الذي كان يعدٌه عن تشيخوف , والتي كان يسميها بشكل عام ودقيق وساخر ايضا  – ( طبعات ما بعد الموت ) . لقد اطلع بونين – حسب مقدمة ارملته للكتاب -  با لذات في تلك الفترة على كتاب بعنوان – ( رسائل تشيخوف ) والذي كتب فيه  تشيخوف عن بونين ونتاجاته وافكاره لاصدقائه واقاربه , وتأثر بونين جدا باراء تشيخوف  الايجابية  والموضوعية عنه في تلك الرسائل , ثم قرأ كتابا صدر آنذاك في موسكو بعنوان –  (تشيخوف في ذكريات معاصريه ) (انظر مقالتنا حول هذا الكتاب وبنفس العنوان ) واعجبته مقالة  السيدة أفيلوفا في ذلك الكتاب عن تشيخوف والتي كانت بعنوان – ( تشيخوف في حياتي ) ( صدرت هذه المقالة بالعربية في بغداد بترجمة كامران قره داغي , انظر مقالتنا بعنوان كامران قره داغي والادب الروسي في العراق ), وهكذا قرر ان يكتب عن حياة هذه المرأة وارتباطها بتشيخوف , ثم قرأ مقالة الناقد الادبي والفيلسوف الروسي المعروف في بداية القرن العشرين شيستوف بعنوان – ( ابداع من لاشئ ) , وهي مقالة مشهورة جدا  في تاريخ النقد الادبي الروسي و أثارت ضجة كبيرة في حينها , والتي كتبها شيستوف ونشرها بعد وفاة تشيخوف , ثم بدأ بونين يطلب من زوجته ان تقرأ له كتبا اخرى بما فيها بعض نتاجات تشيخوف والتي حددها بونين نفسه او اشار اليها بقلمه عندما طالعها في حينه . لقد اشارت ارملته الى كل هذه النقاط العديدة  وتحدثت عنها - وبالتفصيل الدقيق -  في تلك المقدمة للكتاب المذكور والتي كتبتها بتاريخ 28/2/1955 كما اشارت في نهايتها, ويمكن القول - وبلا أدنى شك - ان هذه المقدمة تعد وثيقة مهمة جدا من وثائق تاريخ الادب الروسي ومسيرته .
الجزء الاول في الكتاب يتكون من معلومات وجيزة عن سيرة تشيخوف , والتي ذكرها لبونين شخصيا , ويتحدث الكاتب حتى كيف حصل على نسخة من شهادة ميلاد تشيخوف , ثم ينتقل الى تاريخ تعارفهما وبداية صداقتهما , ويتوقف عند اللقاء في يالطا مع تشيخوف وتولستوي وحديثهم عن الفن , وينتقل الى الحديث عن السيدة أفيلوفا ودورها في حياة تشيخوف وكيف تعارف معها هو شخصيا  وعن تلك اللقاءات معها في موسكو عام 1915 وعام 1917 ومراسلاته معها في اوائل سنوات الهجرة في العشرينيات ثم انقطاع تلك المراسلات , ثم يتكلم عن الكلمة التي ألقاها في مسرح موسكو الفني عن تشيخوف بمناسبة مرور خمسين سنة على ميلاده , اي في عام 1910 , وقد تحدٌث بونين عن كل ذلك باسلوب طريف وجديد ومبتكر , اذ انه وضع كل هذه الذكريات في نقاط منفصلة عن بعض , مما اعطاه الحرية المطلقة بالانتقال من موضوع الى آخر دون الضرورة لربط تلك المواضيع المختلفة في بوتقة واحدة او نص واحد متكامل , وهو اسلوب رائع وسلس ويشدٌ القارئ تماما , اذ ان هذا الانتقال السريع بين تلك النقاط التي يبدو وكأنها منفصلة عن بعض رغم انها تدور حول تشيخوف وشخصيته وتلك الآراء حول ابداعه , يجدد انتباه القارئ الى تلك  النصوص دائما , وقد جاءت تلك المقاطع – بعض الاحيان – في جملة واحدة او جملتين لا أكثر , وأضرب هنا مثلا على ذلك ليس الا  – ( سألت والدة تشيخوف واخته – هل بكى تشيخوف يوما – ما ؟ , أجابتا- كلا , ابدا وطوال حياته . ويعلق بونين على ذلك بكلمة واحدة فقط وهي – رائع ) أو هناك قول لتشيخوف يكتبه بونين بايجاز دقيق ومحدد  – ( العبقرية – هي معرفة الحياة , العبقرية – هي الشجاعة )  ,  وهناك الكثير من تلك الامثلة المشابهة لذلك  . اما الجزء الثاني من ذلك الكتاب فتتضمن ملاحظات من دفاتر مذكرات بونين لعام 1914 ثم مقاطع مطولة من رسائل تشيخوف الى ادباء كثيرين وملاحظاته حول نتاجاتهم الادبية , وهم ادباء روس كبار مثل غوركي وكوبرين وفيريسايف وغيرهم , مع تعليقات ومداخلات من بونين نفسه طبعا بشأن تلك الملاحظات .
لقد رسم بونين في كتابه هذا صورة قلمية رائعة لتشيخوف , صورة يمكن ان تكون واحدة من أجمل لوحات المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي اذا امكن لنا التعبير هكذا , اذ انه  رسم تلك الصورة لتشيخوف من عدة مواقع و زوايا مختلفة تمام الاختلاف وحسب الضياء الذي يسقط عليها , واعطى للقارئ حرية بلورة السمات الكاملة لتلك اللوحة في مسيرة النقد الادبي طبعا  , اي انه رسم لوحة تشيخوف الفنية بكل  ما يعني ذلك من معاني و احتمالات واجتهادات وحسب حزمة الضوء التي تسقط عليها كما في قوانين المدرسة الانطباعية في الفن التشيكيلي تماما. كم اتمنى ان يمتلك القارئ العربي ترجمة كاملة لهذا الكتاب المهم جدا حول تشيخوف – هذا الانسان الرائع والكاتب الجميل والرشيق والعميق فعلا قلبا وقالبا !
 

731
نصب (ألفية الدولة الروسية) والادباء الروس
أ.د. ضياء نافع
اقترح الكساندر الثاني 1818- 1881 ( قيصر روسيا في اواسط القرن التاسع عشر, والذي يسمونه القيصر المحرر لانه ألغى قانون حق القنانة للفلاحين عام 1861) اقترح اقامة نصب تذكاري متميٌز لمناسبة الذكرى الالفية للدولة الروسية , التي تأسست في القرن العاشر  / عام (962) , وكان اسمها بالروسية – ( كييفسكايا  روس ) ( لم تستقر ترجمتها بالعربية لحد الآن , اذ جاءت بصيغ مختلفة جدا , ومنها  – دولة كييف الروسية / امارة كييف الروسية / روسيا الكييفية / كييفسكايا الروسية / كييف روس ...الخ تلك التسميات ) .
اتخذت الاجراءآت اللازمة لتنفيذ هذا المقترح الحضاري الرائع , والذي حظي بتأييد وحماس معظم المثقفين الروس آنذاك وكل القوى السياسية تقريبا, وتم فعلا تدشين النصب المذكور بشكل مهيب في عام ( 1862) بمدينة نوفغورود  الروسية التاريخية  المعروفة , وبحضور القيصر نفسه , ولا زال هذا النصب الجميل و العملاق موجودا وشاخصا طبعا لحد الآن في تلك المدينة الروسية العريقة .
يضم هذا النصب الضخم 128 تمثالا , وقد تم وضعها من الاعلى الى الاسفل . يقف في اعلى النصب تمثالان. التمثال الاول يمثٌل ملاكا يمسك الصليب ( رمزا لمسيحية روسيا الارثذوكسية ) و الثاني يجسٌد امرأة جاثية قرب الملاك ( رمزا لروسيا)  .  الدائرة الاولى  حول النصب تضم ( 17 ) تمثالا, والدائرة الثانية ( الاخيرة )  تضم تماثيل ل
 (109) شخصية روسٌية عبر تاريخ روسيا باكمله تحيط هذا النصب التاريخي, باعتبارهم قد ساهموا في وضع اسس هذه الدولة وتثبيتها ونجاحاتها في هذه المسيرة الطويلة. لقد كانت هناك  طبعا لجنة خاصة تحدد هؤلاء الشخصيات المختارة , وكان هناك (في جلسات تلك اللجنة) مناقشات واسعة و متشعبة جدا و معمقة حول كل شخصية من تلك الشخصيات , وهكذا تم اختيار هذه الشخصيات باعتبارهم  ابرز الاسماء في تاريخ روسيا عبر ألف سنة من تاريخ روسيا . لقد اختارت اللجنة  قياصرة متميزين باعمالهم وانجازاتهم  ورجال دين وقادة عسكريين كبار وسياسيين بارزين ومفكرين... الخ  وقد تم تقديم خلاصات عن هذه الاسماء الى القيصر ووافق عليها بتوقيعه الشخصي, وكان من بينهم (16) اديبا وفنانا.  ونود في مقالتنا هذه ان نتناول تلك الاسماء من الادباء والفنانين , التي خلٌدها هذا النصب التاريخي المتميٌز ونتحدث عن كل واحد منهم قليلا .
نتوقف في البداية عند اهمية العدد الاجمالي لهذه الفئة من المتميزين , اي عند ال (16) اديبا وفنانا من مجموع  ال (109) شخصية روسية كبرى عبر كل تاريخ هذا البلد .  من الواضح ان هذا العدد يشٌكل نسبة  ليست صغيرة او قليلة  بلا شك من المجموع الكلي لتلك الشخصيات , وهي ( اي النسبة )  دليل مادي ملموس يجسٌد موقف الدولة الروسيٌة اواسط القرن التاسع عشر تجاه الادب والفن وقيمته واهميته ودوره  في مسيرة روسيا وتاريخها , ومن المؤكد انه موقف مشرٌف لتلك الدولة  ويعني ما يعني بالنسبة لمؤرخي الادب الروسي والفن بشكل عام . تدحض هذه النسبة  المحددة والواضحة طبعا الرأي القائل باضطهاد الامبراطورية الروسية للادباء والفنانين الروس في حينها , وهو رأي , أقل ما يقال بشأنه انه ساذج  - بشكل او بآخر - ليس الا , وينطلق قبل كل شئ من عدم المعرفة الموضوعية و المعمقة   بتاريخ روسيا  , ولكننا مع ذلك لازلنا نصطدم بهذا الرأي في بعض الاحيان – ولحد الان مع الاسف - هنا وهناك , وخصوصا في بلدان تسود فيها ما يمكن ان نسميه بظاهرة  ( دكتاتورية الافكار !) ان صحٌ التعبير , وهي دكتاتورية مقيتة  ( مثل اي دكتاتورية اخرى ) تنبع وتنبثق  في ظروف سيطرة الجهل  وتزدهر في تلك الاجواء , حيث تكون هناك دائما اجابات معلبٌة و جاهزة  وطنٌانة عن كل الاسئلة , و لا تتقبل هذه الاجابات اي نقاش علمي وموضوعي  حولها. من هذه البلدان طبعا بلداننا العربية بشكل عام مع الاسف.
نقدم فيما يأتي اسماء الادباء والفنانين الروس هؤلاء وعلى وفق موقع تماثيلهم كما جاءت في ذلك النصب التاريخي الكبير –
1 – لومونوسوف 1818 - 1881 ( يكتبون اسمه في بعض المصادر العربية لامانوسف او لامانوسوف , اي حسب قواعد التلفظ الروسي )- وهو اسم لامع ومتميز جدا  في تاريخ اللغة الروسية وآدابها وفي تاريخ علومها المتنوعة ايضا مثل الكيمياء و الفيزياء والفلك و الجيولوجيا والجغرافيا...الخ  . ( انظر مقالتنا بعنوان - لومونوسوف واللغة الروسية وآدابها ).
2 – فانفيزين  1744 – 1792 -  كاتب مسرحي ( انظر مقالتنا بعنوان – فانفيزين وبدايات المسرح الروسي ).
3 – كوكورينوف – 1726-1772 – معمار ولا زالت بعض بناياته موجودة في بطرسبورغ.
4 – ديرجافين  1743 - 1816 -  شاعر كبير يرتبط اسمه بالاتجاه الادبي (الكلاسيتزم) في تاريخ الادب الروسي . ( انظر مقالتنا بعنوان – تاريخ الادب الروسي بترجمة د.شوكت يوسف ) .
5 -  فولكوف 1729- 1763  ممثل ومخرج وكاتب مسرحي وشاعر وموسيقي.  يعد مؤسس مسرح الدراما الروسي .
6 – كارامزين 1766 - 1826 -  كاتب يرتبط اسمه بالاتجاه الادبي (السنتمنتالية )( العاطفية ) في تاريخ الادب الروسي ( انظر مقالتنا بعنوان – تاريخ الادب الروسي بترجمة د. شوكت يوسف ) . وهو مؤرخ  كبير ايضا . مؤلف كتاب تاريخ الدولة الروسية ب ( 12) مجلدا, و الذي يعد لحد الان مصدرا اساسيا  من مصادر تاريخ روسيا.
7 – كريلوف 1769 - 1844 –  شاعر وصحافي وكاتب مسرحي ومؤلف الاساطير والحكايات الشعرية المشهورة جدا ولحد الان في مسيرة الادب الروسي  ( انظر مقالتنا بعنوان - كريلوف – ابن المقفع الروسي).
8 – جوكوفسكي 1783 – 1852  -  شاعريرتبط اسمه بالاتجاه الادبي (الرومانسية) في تاريخ الادب الروسي ,  و هو مترجم كبير ( انظر مقالتنا بعنوان - اصدقاء بوشكين) 
      9 -   غنيدتش 1784 - 1833 -   شاعر ومترجم  ويكاد ان يكون مجهولا للقارئ العربي مع الاسف .
10 – غريبويديف – كاتب مسرحي وشاعر ودبلوماسي ( انظر مقالتنا بعنوان - غريبويديف والمتنبي ).           
11– ليرمنتوف 1814 - 1841 -  شاعر و روائي  وكاتب مسرحي  ( غني عن التعريف) ( انظر مقالتنا بعنوان – سبع  نقاط حول ليرمنتوف )
12 – بوشكين  1799 - 1837-  شاعر و قاص وروائي وكاتب مسرحي وصحافي . شمس الشعر الروسي . ( غني عن التعريف)
13- غوغول  1809 - 1852-   قاص وروائي وكاتب مسرحي . ( غني عن التعريف  ) . 
14 – غلينكا  1804 – 1857 -   موسيقار. بوشكين في الشعر وغلينكا في الموسيقى – هكذا يقول النقاد . 
15  – بريولوف 1799 - 1852-  فنان تشكيلي لا زالت لوحاته معروضة لحد الان في المتاحف الروسية .
16 – بورتنيانسكي 1751- 1825 -  موسيقار  وقائد اوركسترا .

732
مذكرات ايليا ايرنبورغ
أ.د. ضياء نافع
قال احد الباحثين الكبار في تاريخ الادب الروسي مرة ,ان نتاجات ايليا ايرنبورغ من روايات وقصص واشعار وترجمات  ستصبح يوما – ما جزءا من التاريخ ليس الا عدا مذكراته , اذ انها ستبقى حيوية ومتفاعلة مع مسيرة الادب الروسي , وسيبقى القارئ الروسي يطالعها دائما ويتمتع بها و يتعلم من احداثها ومن نظرتها الشاملة و الموضوعية والعميقة . وعلى الرغم من مرور وقت ليس بالطويل على هذه الكلمات , فانه يمكن القول فعلا ان قراءة نتاجات ايرنبورغ  قد  بدأت  تتقلص لدى القراء , ولم تعد رواياته  الشهيرة مثل ( سقوط باريس ) او ( العاصفة ) مثلا ( واللتان حازتا على جائزة ستالين في حينها , و ترجمتا الى لغات عديدة , و منها لغتنا العربية ) واسعة الانتشار بالنسبة للقارئ الروسي بشكل خاص و القارئ الاجنبي الذي يتابع الادب الروسي عموما , عدا مذكراته تلك.
مذكرات ايليا ايرنبورغ صدرت بعنوان – ( الناس , الاعوام , الحياة ) , وجاء هذا العنوان في بعض المقالات والترجمات والدراسات العربية هكذا – ( الناس والاعوام والحياة) وليس ذلك بخطأ طبعا . بدأ ايرنبورغ بالتخطيط لنشر مذكراته  في نهاية خمسينيات القرن العشرين , وبالذات , عندما استقرت الى حدٌ - ما أفكار و توجهات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي المشهورة و المضادة للستالينية وعبادة الفرد في المجتمع السوفيتي , هذه المرحلة الجديدة التي اخذت من ايرنبورغ نفسه تسميته لها , عندما نشر عام 1954 قصته الطويلة  بعنوان استقر في المصادر العربية هكذا  – (ذوبان الجليد , او,  ذوبان الثلوج ) , وهو عنوان يتكون من مفردة روسية واحدة تعني بدء الدفء , الذي يؤدي بالطبع في روسيا الى ذوبان ثلوج الشتاء , وقد دخلت هذه الكلمة الى اللغة الروسية المعاصرة بمعناها المجازي هذا لدرجة ان واضع القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير الصادر عام 2012 في موسكو الدكتور جابر قد أشار في قاموسه المذكور الى ذلك قائلا انها تعني – ( فترة انفراج نسبي في حياة البلد السياسية اثناء تزعم نيكيتا خروشوف للحزب والدولة في الاتحاد السوفيتي ) , ( وهو شرح يحمل وجهة نظر خاصة بالطبع ويحتاج الى اثباتات وتبريرات لا مجال للحديث عنها تفصيلا في اطار هذه المقالة ) . ومن الواضح , ان ايرنبورغ اراد الاستمرار بتوثيق كل ما رآه او سمع به او ساهم فيه اثناء مسيرته الحياتية الفكرية الطويلة على مدى نصف قرن تقريبا , ولهذا أخذ يكتب مذكراته تلك , ويجب القول و الاشارة والتأكيد حتما الى انه نجح نجاحا باهرا في عمله الابداعي هذا . لقد لفتت هذه المذكرات نظر القراء رأسا عندما بدأ ايرنبورغ بنشرها في مجلة ( نوفي مير ) ( العالم الجديد ) الشهرية , والتي كان الشاعر الروسي تفاردوفسكي رئيسا لتحريرها ( وهي المجلة التي قدمت قصة سولجينيتسن الشهيرة يوم واحد من حياة ايفان دينيسوفيتش  ) , وكما حدث مع سولجينيتسن , اضطر ايرنبورغ ايضا الى الاتصال بالزعيم السوفيتي خروشوف لمساندته ضد الرقابة الحزبية التي بدأت تتدخل بقوة و تشطب هذا الاسم او ذاك وتمنع نشر بعض المقاطع من مذكراته , خصوصا عندما كان يتناول الاسماء الممنوعة او شبه الممنوعة في ذلك العصر , وعلى الرغم من ان ( خبراء قسم الثقافة في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ) قد بدأوا يتساهلون نوعا – ما  مع ايرنبورغ بعد توصية خروشوف , الا ان النص الكامل لتلك المذكرات ظهر –  مع ذلك وبالرغم من ذلك -  بعد سنين طويلة من رحيل ايرنبورغ  ( توفي عام 1967) , وفي عام 2013 دخلت هذه المذكرات ضمن قائمة ال ( 100 كتاب ) التي نشرتها وزارة التعليم والعلوم الروسية  , و هي القائمة التي اوصت الوزارة ان يطلع عليها الجميع في القراءات الخارجية لاكتمال ثقافتهم وبلورتها .
تقع هذه المذكرات في سبعة كتب باكملها , وقد بدأ ايرنبورغ بكتابتها عام 1958 وقال عندها انه بدأ بكتابة كتاب سيكرس له كل سنين حياته المتبقية و سينهيه في نهاية عمره , وهذا ما حدث فعلا .
 في عام 1960 ارسل ايرنبورغ الكتاب الاول من تلك المذكرات الى مجلة ( نوفي مير ) كما ذكرنا أعلاه , ولم يستطع رئيس التحرير ان ينشر الفصل الخاص بنيقولاي بوخارين , الشخصية السياسية الكبيرة في تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي والذي أعدمه ستالين عام 1937 اثر محاكمة صورية  كما هو معروف, وذلك لان اسم بوخارين لم يرد آنذاك في قائمة الذين اعادوا اليهم الاعتبار , وان نشر اي شئ عنه يتطلب موافقة خروشوف شخصيا , وقد اضطر ايرنبورغ ان يكتب رسالة الى خروشوف وقال فيها ان بوخارين رفيقه في المدرسة , ولكن خروشوف – مع ذلك -  لم يوافق على النشر وطلب من ايرنبورغ التأني بشأن ذلك , وقد تم نشر هذا الفصل وبشكل مختصر في عام 1988 فقط , اي بعد 28 سنة من تاريخ كتابته لذلك الفصل , وبعد وفاة ايرنبورغ وخروشوف بسنين طويلة , وتم نشر الفصل هذا كاملا في عام 1990 ليس الا .
لقد أراد ايرنبورغ ان يقدم للجيل الجديد تلك الاسماء الكبيرة في الادب والفن والسياسة ...الخ , والتي لم يكن يعرفها ذلك الجيل نتيجة منعها من قبل الرقابة الصارمة ايام ستالين , مؤكدا على ان الجيل الجديد يجب ان يعرف تاريخ بلاده واعلامها. لقد طرح ايرنبورغ فعلا تلك الاسماء بكل شجاعة مثل تسفيتايفا ومندلشتام وميرخولد وأخماتوفا وبابل ...وتناول اسماء اوربية في الفن التشيكيلي  لم تكن معروفة للقارئ السوفيتي الاعتيادي بشكل واضح المعالم مثل موديلياني وبيكاسو وسلفادور دالي  وشاغال ... والذين كان يعرفهم شخصيا اثناء اقامته في باريس , وتوقف طويلا عند همنغواي وحدد شعاره – من وجهة نظره -  في الابداع كما يأتي– الحب , الموت , العمل , النضال ...وتحدث عن ذكرياته اثناء الحرب الاهلية في روسيا في عشرينيات القرن العشرين  وعن الحياة الثقافية في موسكو في تلك الفترة وعن المؤتمر الاول لاتحاد الادباء السوفيت ونقاشه مع غوركي وتناول طبعا فترة  اقامته الطويلة في المانيا و اسبانيا وفرنسا وعلاقاته الثقافية مع كبار الادباء الاوربيين ومساهماته في اجتماعاتهم ومؤتمراتهم... وباختصار فقد عرض للقارئ السوفيتي عوالم جديدة بكل معنى الكلمة والتي لم يكن يعرف عنها اي شئ , لهذا أخذ هذا القارئ ينتظر بلهفة وحماس منقطع النظير تلك المذكرات ويتلاقف تلك المجلات التي تنشرها , وقد أثار هذا الوضع بعض الصحف والمجلات السوفيتية الاخرى وبالتالي وقفوا ضد تلك المذكرات , ومنهم رئيس تحرير مجلة ( أكتيابر) ( اكتوبر ) الادبية المعروفة وغيره , معتبرين ان القضايا التي يثيرها ايرنبورغ هي ( ظواهر ثانوية  وذاتية بحتة ) , وازدادت هذه الحملة المضادة له بعد تنحية خروشوف عن السلطة عام 1964 , وقد ساهمت في تلك الحملات حتى جريدة ( ازفيستيا ) السوفيتية الشهيرة  لدرجة ان ايرنبورغ لم يستطع نشر الكتاب السابع للمذكرات كاملا, وهو الكتاب الاخير من المذكرات , واوقفت المجلات الرسمية طبع الفصول الاخيرة منه , وقد تلاقفتها طبعا المجلات والاصدارات غير الرسمية والتي بدأت في تلك الفترة بالنشر السري والتداول بين القراء ...
ان مذكرات ايليا ايرنبورغ تتعايش مع القراء الروس المعاصرين لحد الان , وقد كتب احد النقاد قبل فترة قصيرة يقول , انه حضر نقاشا حول بيكاسو وشاهد كيف ان الشباب كانوا يستشهدون بآراء ايرنبورغ في مذكراته حول بيكاسو , و يستنتج الناقد قائلا – ( ذلك يعني ان تلك المذكرات لا زالت تحيا معنا في القرن الحادي والعشرين ). 
 


733
قصيدة للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف
ترجمة – أ. د. ضياء نافع


الحسد


احسد الطيور,
لانها
لا تعرف
الاحاسيس الخسيسة
ودناءة الافعال,
احسد الاطفال,
العابهم غير حقودة
وحسدهم ليس اسودا
بل ملئ بالضياء والالوان,
احسد الحملان
في حقول البنفسج,
انهم في منتهى السعادة
ولا يفقهون كلماتنا
حول الاحزان,
احسد النسور
وهم فوق الصخور
يرفرفون,
احسد حرية النسور,
احسد في البرية الزهور,
انها مخلوقة
من اجل ان نحسدها
لانها
لا تؤمن بالموت
رغم ان قطفها
من اسهل الامور,
احسد النجوم,
لا توجد نجوم
بخيلة,
ولا تسعى النجوم
للانتقام,
احسد الحقول,
احسد الجبال
لانها لا تكذب
ولا تتملق
بشكل دنئ وحقير
رغم انها ترزح
تحت الرعود والبراكين والنيران,
....................
احسد البلابل
احباب الغابات المليئة بالزهور,
لا يوجد بينهم وصوليون
ولا متقلبون
ولا منافقون
ولا انذال,
وانت
ايتها البحار-
لو استطيع
لأخذت منكم
العمق والهيجان..
ولو استطيع
لأخذت من الحقول
عظمة ذاك السكون,
ولو استطيع
لأخذت العفة والعذرية
من ينابيع الجبال.
آه
ايتها الطبيعة
يا منتهى العبقرية والكمال
امنحيني
الالهام,
انا المغني الذي يموت,
امنحيني
القدرة على كتابة الاشعار
حول تلك الاشياء المخفية
التي لا تراها
القلوب الميتة-
قلوب الاشرار.

734
البكاء في الغربة // الصمت في الغربة
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
قصيدتان من الشعر الشعبي الاذربيجاني . تسمى هذه القصائد الشعبية ( بيات ) بالاذربيجانية , وهي رباعيات يتداولها الناس دون ان يعرفوا مؤلفيها  . القصيدتان في الاصل بلا عنوان .     ض.ن.
===================

 البكاء في الغربة               
+++++++++++++++++++++

في الغربة أخاف من البكاء أنا,
البكاء هذا أخاف منه انا ,
فمن الذي سيجفف دمعي
عندما أغرق أنا بدمعي ؟
========================================================================
 
الصمت في الغربة                   
++++++++++++++++++++++++++

احترقت عيوني – ولذت بالصمت ,
لا اعلن هذا , لذت بالصمت .
في الغربة مئات التعاسات,
لمن تحكي؟ لذت بالصمت .

735
الشاعرة الروسية اولغا بيرغولتس... تعريف وقصائد
أ.د. ضياء نافع


ولدت الشاعرة الروسية اولغا فيدورفنا بيرغولتس عام 1910 في مدينة بطرسبورغ وتوفيت في موسكو عام 1975.صدر ديوانها الاول عام 1934 بعنوان ( قصائد ) , وصدر ديوانها الثاني عام 1936 بعنوان ( كتاب الاغاني), والذي اثار انتباه القراء والنقاد. بقيت بيرغولتس اثناء الحرب العالمية الثانية في لينينغراد المحاصرة من قبل الجيش الالماني ورفضت ان تتركها, ونشرت افضل قصائدها في تلك الفترة العصيبة , ومنها  ( ملحمة لينينغراد), وساهمت في العمل اليومي باذاعة لينينغراد, وجمعت كلماتها بعدئذ في كتاب بعنوان ( هنا لينينغراد). اصدرت العديد من الدواوين الشعرية, وكذلك اصدرت كتابا عن سيرتها الذاتية بعنوان (نجوم النهار), والذي حاز على جائزة الدولة للابداع.
تعرضت بيرغولتس اثناء حياتها الى وشايات وتقارير كيدية وعانت من جراء ذلك الكثير, بما فيها اعتقالها, هذا الاعتقال الذي ادٌى الى اجهاض جنينها في حينه, رغم انها كانت تسمى ( شاعرة حصار لينينغراد), وتم بعد موتها مصادرة ارشيفها وبعض مقاطع من مذكراتها, ولكن كل ذلك قد تم – فيما بعد – نشره في مؤلفاتها الكاملة.
يوجد الان شارع يحمل اسمها في بطرسبورغ, ولوحة تذكارية على جدار بناية العمارة التي كانت تسكن فيها, ونقش بارز من البرونز عند مدخل ( بيت الراديو) حيث كانت تعمل اثناء الحرب العالمية الثانية.


الى أخماتوفا
++++++++++++++


هنا
صليب من خشب
لا مثيل له..
وفوق الهضبة
نباتات
ذات اغصان ثلاثية..
هنا انت
فقط,
انت
كما الطبيعة نفسها,
انت
وحريتك النهائية..
وبلا مأوى
-كما كنت دائما-
راحتك الابدية..


من دفاتر المذكرات
+++++++++++++++


تعلمت
ان اسامح
الخلان والاصدقاء..
وتعلمت
ان اصمت
امام الافتراء..
وتعلمت
 المكوث في البيت طويلا
دون الخروج الى الهواء..



ضاموني
+++++++++


ضاموني,
وشجبوني,
وبالافتراءات رموني.
لكنهم
لم يكرهوني..
لم يكرهوا صوتي,
ولم يكرهوا
عيوني ..

(القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا.)





أغار سرا وبمرارة.
++++++++++++++


أغار سرا وبمرارة,
كاظمة افكاري المكفهرة.
ترغب - اذن – بامرأة
نيٌرة
أكثر منٌي,
وسارٌة
أكثر منٌي..
..........
آه, كم أبقيت ورائي
من حرمانات,
وكم توجد أمامي
من قبور معتمات,
أقف امامها بحب,
وأعرف اني مذنبة
ألآن..
آه لو كنت تعرف,
لما سامحتني
ولما غفرت لي.
نادرا ما أضحك الآن,
وهزلي حاقد معظم الاحيان,
ويخاف الناس
ان يتحدثوا  معي
حول سعادتهم,
اذ اني ابقى صامتة,
وترنو عيناي
الى أثر خفي بعيد,
واغور في ذلك الفضاء
حيث لا عتمة ولا ضياء..
وانت تناديني..
ولا تعرف اني
لن استجيب لك من هناك,
لاني
لا أقدر ان أرجع من هناك
ابدا
الى الوراء.
.........
أغار سرٌا وبمرارة,
لكن انتظر, ولا تتركني,
بل اترك المرأة الاخرى تلك,
التي لا تعرف الديار الموحشة تلك,
قبل ذلك الصيف المميت
عندما التقينا معا..
.......
فكٌر وتأمٌل
في تلك الشظية
التي
ستتوهج في اعماقي..
وساصبح عندها
بسيطة وسارٌة..
قل لي
فقط
انك تحبني,
اكٌد لي
فقط
انك تحبني...


( القصيدة في الاصل بلا عنوان, والعنوان من وضعنا)

736
قصة تشيخوف (البدين والنحيف) والصراع الطبقي
أ.د. ضياء نافع
كتب انطون بافلوفيتش تشيخوف هذه القصة القصيرة عام 1883 , عندما كان طالبا في الكلية الطبية بجامعة موسكو, وكان عمره آنذاك 23 سنة . لقد كتب تشيخوف في تلك السنة الكثير من القصص القصيرة  , ونشرها في المجلات الفكاهية الروسية من الدرجة الثانية وحتى الثالثة , وذلك من اجل الحصول على  بعض النقود لتعينه في حياته و اكمال دراسته ليس الا , كما هو الحال بالنسبة لكل القصص القصيرة الاخرى , التي كتبها تشيخوف في بداية حياته الادبية آنذاك .
تقع قصة ( البدين والنحيف ) هذه في أقٌل من صفحتين فقط في مؤلفات تشيخوف الكاملة باللغة الروسيٌة ( وكذلك طبعا في مؤلفاته المترجمة الى اللغات الاخرى , بما فيها بالعربية ) , وتتحدث عن لقاء عابر- حدث بمحض الصدفة - في احدى محطات القطار بين شخصين درسا بمدرسة واحدة في بداية حياتهما  الدراسيٌة , وافترقا منذ ذلك الحين , وتذكرا  بعضهما البعض في ذلك اللقاء بعد كل هذه السنوات التي مضت , وكان هذا اللقاء طبعا حارٌا وصميميا ومليئا بالعواطف الجيٌاشة بين صديقين درسا معا ايام الصبا , وتحدٌثا بتفصيل وتلقائية عن مسيرة حياتهما وذكرياتهما اثناء فترة الدراسة تلك , ولكن ما ان عرف النحيف ( وهو موظف صغير في احدى مؤسسات الدولة) بالموقع الوظيفي الكبيرالذي يشغله صاحبه البدين , حتى اختلفت سحنته وتبدلت لهجته وأخذ يتكلم معه بصيغة رسمية وبخوف  وهلع شديدين وبشكل مصطنع جدا, على الرغم من محاولات زميله البدين بالاعتراض على هذا التصرٌف الغريب, وايقاف هذه الصيغة المفتعلة  بالحديث معه , ولكن عبثا , اذ لم يتوقف النحيف من الكلام بهذه الصيغة , وهكذا افترقا مرة اخرى , و هكذا تنتهي القصة القصيرة تلك  .
 لقد تم ترجمة هذه القصة القصيرة الى العربية منذ فترة طويلة , وقام المترجم المصري القدير الدكتور ابو بكر يوسف بترجمتها ايضا في المؤلفات المختارة لتشيخوف ب (4) أجزاء , التي اصدرتها دار النشر السوفيتية المعروفة (رادوغا )( قوس قزح )  في ثمانينات القرن الماضي  بموسكو  , و تناول المتخصصون الروس والاجانب ( بما فيهم  العرب  طبعا) هذه القصة القصيرة وتحدثٌوا عنها وعن خصائصها واهميتها ومكانتها في الكثير من الاصدارات والدراسات عن تشيخوف , وهي معروفة جدا للقراء العرب , بل انها حتى خضعت مرة الى تعليقات حرٌة  ومفتوحة للقراء العرب , والذين قالوا ما قالوا بشأنها من آراء سلبية وايجابية ( ما انزل الله بها من سلطان !) كما يقول التعبير العربي الطريف , وقد كتبت انا شخصيٌا تفصيلات  واسعة عن هذه القصة القصيرة  في احدى مقالاتي عن تشيخوف , وتناولت تعديلات تشيخوف حولها عندما أدخلها في احدى مجموعاته القصصية آنذاك - ( انظر مقالتي بعنوان – حول قصص تشيخوف المبكرة ) , ولكننا نريد في هذه المقالة العودة اليها مع ذلك  , لاننا وجدنا بعض الآراء الجديدة حولها في بعض المصادر العربية , والتي تحاول ان تطرحها باعتبارها قصة قصيرة تتناول الصراع الطبقي في المجتمع الروسي وتجسٌده , وبالتالي طبعا, ينعكس هذا الرأي ( اي الصراع الطبقي وتأثيره ودوره  واهميته) في مجتمعات انسانية آخرى , بما فيها مجتمعاتنا العربية  بالطبع .
يرتبط مصطلح ( الصراع الطبقي ) بالنسبة للوعي الاجتماعي العربي الحديث بالحركات السياسية اليسارية بشكل عام, والتي ظهرت في العالم العربي بعد الحرب العالمية الاولى ليس الا  , والتي تحاول تفسير كل الظواهر الاجتماعية على اساسها , و لا زال هذا المصطلح جديدا نوعا – ما لحد الان  بالنسبة للمسيرة الفكرية لمجتمعاتنا العربية عموما , ولا زلت اتذٌكر انطباعات المؤرخ والمؤرشف المعروف المرحوم عبد الرزاق الحسني في مهرجان المربد في سبعينيات  القرن الماضي بالبصرة عندما تحدٌثت معه حول كتاب الباحث السوفيتي كوتلوف عن ثورة العشرين في العراق ( يسميها كوتلوف بالنص الروسي – انتفاضة , وقد قام بترجمة الكتاب عن الروسية المحامي الدكتورعبد الواحد كرم , ثم اعيد طبع الكتاب ثانية بمراجعة الحسني نفسه , نتيجة بعض الاخطاء الكبيرة في اسماء العشائر العراقية  التي جاءت بالطبعة الاولى , والعشائر - كما هو معروف - هم الذين كانوا عماد تلك الثورة ضد الاحتلال ) . لقد قال لي الحسني عندها, انها المرة الاولى في حياته التي قرأ فيها, ان هذه الثورة  قد حدثت نتيجة الصراع الطبقي في المجتمع العراقي  آنذاك, وقد كان الحسني متعجٌبا جدا ومستغربا من ذلك الرأي , الذي ورد – بشكل او بآخر - في كتاب الباحث السوفيتي ذاك !!
 ليس عبثا اني تذكرت موقف الحسني  هذا  في سياق هذه المقالة , اذ اني تعجبت  واستغربت  مثله  ايضا عندما اطلعت على الرأي القائل , ان تشيخوف قد انطلق من موقف (الصراع الطبقي) في قصته تلك , والتي كتبها – كما اشرت اعلاه – في ذلك العمراليافع من اجل الحصول على قروش تعينه في معترك الحياة .
ان البدين والنحيف في هذه القصة الساخرة القصيرة هما من طبقة اجتماعية واحدة في روسيا , و انهما درسا سوية في مدرسة واحدة , وكانا صديقين حميمين اثناء دراستهما معا , ولم يكتب تشيخوف اكثر من ذلك في قصته , ولا توجد اشارة من الكاتب - لا من قريب ولا من بعيد – الى انهما من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين ( كي يتصارعا  ! ), حيث تمتلك كل طبقة خصائصها الذاتية وامتيازاتها ومصالحها المتعارضة مع الطبقة الاخرى, وكلاهما اصبحا بعد المدرسة موظفين في مؤسسات الدولة ليس الا , وان مناصبهما لم تأت نتيجة وضعهما الطبقي ابدا . لقد جسٌد تشيخوف في قصته تلك ظاهرة تناولها الادب الروسي منذ ( ناظر المحطة ) لبوشكين و( المعطف ) لغوغول و( المساكين ) لدستويفسكي , وتناولها تشيخوف في الكثير من قصصه الاخرى مثل قصة ( موت موظف ) الشهيرة . تسمى هذه الظاهرة في الدراسات النقدية الروسية  , اذا اردنا ان نترجمها حرفيا - معاناة ( الانسان الصغير ) في المجتمع الروسي , الانسان المسحوق دائما , والذي لم يتحرر من جذور العبودية في اعماقه , وقد كتبنا عن هذه الظاهرة تفصيلا في عدة مقالات حول الادب الروسي , ومنها مقالتنا بعنوان – (تشيخوف وغوغول) , واعطينا ترجمتها العربية التفسيرية وخصائصها , ولا نريد اعادة ذلك هنا , اذ ان ذلك اصبح معلوما للقارئ العربي حول وصف معاناة الانسان المسحوق وخوفه الدائم امام السلطة الغاشمة في اي مجتمع انساني.
ان اقحام مفهوم ( الصراع الطبقي ) في تفسير قصة تشيخوف القصيرة ( البدين والنحيف )- من وجهة نظرنا -  يعد محاولة مفتعلة جدا وبعيدة عن النظرة الموضوعية السليمة الى تلك القصة,  والى كل ابداع تشيخوف الجميل والرشيق بشكل عام .

737
قصيدة أخماتوفا ( النخب الاخير ) بثلاث ترجمات عربية
أ.د. ضياء نافع
الى الشاعرة المبدعة بلقيس حميد حسن
ض.ن.


سنحت لي الفرصة مرة ان أعيد قراءة ديوان الشاعرة الروسية آنا أخماتوفا في عزلة تامة اثناء تمتعي باجازة. قرأت المجموعة الشعرية بهدوء ومتعة,ولكن (لعنة) الترجمة كانت كالعادة ترافقني, وهكذا حددت سبع قصائد يمكن ان اترجمها, وكانت قصيدة ( النخب الاخير ) واحدة من تلك القصائد . بدأت بالترجمة فعلا , دون ان اعلم ان هذه القصيدة مترجمة من قبل المترجمين العرب الاخرين , وحتى لو كنت اعلم بذلك, فان هذا لم يكن يمنعني من ترجمتها, وتذكرت زميلتي المبدعة المرحومة أ.د. حياة شرارة, عندما أخبرتني بانها قررت ان تترجم الاعمال الروائية الكاملة لتورغينيف , فقلت لها ان معظمها مترجمة الى العربية, فقالت بكل ثقة انها تريد ان تقدمها للقارئ مترجمة عن الروسية, فاخبرتها ان غائب طعمة فرمان ساهم بترجمتها , فقالت ساقوم بترجمتها مع ذلك, وعندها اقترحت عليها في الاقل ان تطلع على تلك الترجمات قبل البدء بهذا العمل الترجمي الابداعي الكبير , فرفضت ذلك باصرار وقالت بالحرف الواحد ( أخشى ان تتأثٌر ترجمتي بترجماتهم) ووعدتني ان تطلع على تلك الترجمات بعد انجاز ترجمتها .
وهكذا قمت انا بترجمة تلك القصائد على طريقة الدكتورة حياة شرارة , ولكن دون تخطيط مسبق كما قامت هي به,بل حدث ذلك تلقائيا ليس الا. وعندما قمت بنشر قصيدة (النخب الاخير), لاحظت في ردود فعل القراء اشارة الى ان هذه الترجمة ( جديدة ) لتلك القصيدة, فبدأت بالبحث عن الترجمة ( القديمة) لها, ووجدتها فعلا بترجمة الشاعرة والكاتبة اللبنانية المبدعة جمانه حداد , ثم وجدت ترجمة اخرى لهذه القصيدة قام بها الشاعر السوري د. ايمن ابو شعر منشورة ضمن مقالته الجميلة والشاملة في موقع روسيا اليوم بعنوان ( مختارات من انطولوجيا الشعر الروسي ), وهي عرض لكتاب صادر في دمشق عن الشعر الروسي في العصر الحديث. وهكذا اصبح لدي ثلاث ترجمات لنفس القصيدة, وقد وجدت التباين واضحا في ترجمة النص الروسي نفسه, وهذا أمر طبيعي , اذ ان كل ترجمة تعكس الاجتهاد الذاتي للمترجم, وقررت ان اقٌدم هذه الترجمات الثلاث للقارئ, اذ اني أظن ان هذا التباين يمنحنا مادة ممتعة وطريفة في مجال فن الترجمة, ولا ارغب بتاتا ان يحدد القارئ اي ترجمة أفضل, وليس هذا هدفي  باي حال من الاحوال, ولكني أظن ( وبعض الظن اثم) ان القارئ سيحدد اي ترجمة ا جمل بالنسبة له حتما ,اما انا, فانني اؤكد ان كل الجهود التي يبذلها اي مترجم هي في نهاية المطاف – اغناء للمكتبة العربية الفقيرة نسبيا , مقارنة مع المكتبات العالمية الاخرى في مجال فن الترجمة
ض.ن.
.
الترجمات العربية الثلاث لقصيدة اخماتوفا – النخب الاخير
++++++++++++++++++++++++++++++++++
ترجمة جمانه حداد

سوف أشرب نخبا اخيرا لمنزلنا المدمٌر,
لحياتنا التعسة,
لوحدة عشناها اثنين.
وساشرب نخبك ايضا-
نخب خداع شفتيك اللتين خانتا,
نخب جليد عينيك الميت,
نخب هذا العالم الوحش,
ونخب اله لم يعرف ان يخلٌصنا.
+++++++++++++++++++++++++


ترجمة ايمن ابو شعر


اني ارفع نخب البيت الخاوي
نخب حياتي المريرة,
أشرب لان العالم قاس و فظ
ولان الله لم ينقذنا.
( لا يشير المصدر هل ان المترجم قدٌم لنا هنا مقطعا من القصيدة ام لا )

+++++++++++++++++++++++++++++++++++++

ترجمتي
 
أشرب نخب
البيت المنهار,
نخب
حياتي الرهيبة,
نخب
العزلة رغم اننا معا,
واشرب نخبك-
نخب كذب شفتيك
عندما تقبلني,
نخب
برودة الموت في عينيك,
ونخب هذا العالم القاسي
والفظ,
الذي
لم ينقذه الرب.


738
النثر العراقي المعاصر باللغة الروسية
أ.د. ضياء نافع

هذا حدث ثقافي كبير ومتميٌز وبارز في روسيا الاتحادية بالنسبة للعراق بلا أدنى شك . لقد صدر كتاب بالروسية عنوانه – ( لؤلؤة الشرق) , وبعنوان ثانوي تحته هو – النثر العراقي المعاصر  .
 يقع الكتاب في 432 صفحة من القطع المتوسط , وقد اصدره  فرع ( اتحاد ادباء روسيا ) في مدينة بطرسبورغ  نهاية عام 2015 و باشراف اندريه  أندريوشكين  و اولغا فلاسوفا .
 يتضمن الكتاب المذكور مجموعة مختارة من رواية و قصص طويلة وقصيرة  عراقية, والتي تم ترجمتها من العربية مباشرة الى الروسية لادباء عراقيين معروفين . كانت تصدر مثل هذه الكتب في الفترة السوفيتية بين حين وآخر, لكن هذه الظاهرة توقفت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 , ولم يصدر اي كتاب يتضمن نتاجات الادباء العراقيين منذ ذلك الحين حسب علمنا . والآن يصدر مثل هذا الكتاب بعد ربع قرن من الزمان وبهذه الصيغة الواسعة والمتنوعة , اذ تضمن  الكتاب نتاجات  مجموعة كبيرة من الادباء العراقيين المعاصرين, وهنا بالذات تكمن اهمية هذا الكتاب طبعا وقيمته بالنسبة للعراق وثقافته ومسيرة الحركة الادبية فيه .
 يحتوي الكتاب على ثلاثة فصول .  توجد في بداية الفصل الاول مقدمة تقع في 13 صفحة بعنوان ( روحية الادب العربي ) بقلم اندريوشكين , الذي ذكرنا اسمه اعلاه كواحد من المشرفين على هذا الكتاب. تتناول هذه المقدمة سمات الادب العربي عموما وخصائصه والعراقي بالذات طبعا وتؤكد على ( المستوى الرفيع ) لهذا الادب , و تشير المقدمة الى بعض اسماء الادباء العراقيين الكبار وتعتبرهم ( معروفين عالميا ) , وتشيد بالاسماء الادبية الجديدة , والتي تنشر نتاجاتهم في هذا الكتاب بالروسية لاول مرة . بعد هذه المقدمة تأتي رواية سامي النصراوي بعنوان (لؤلؤة الشرق )( والتي اطلق عنوانها على هذه المجموعة القصصية باكملها ) وتقع الرواية في 126 صفحة (عنوان الرواية الاصلي بالعربية  هو – ما وراء الاسوار , ولكن مترجمتها المستشرقة الروسية المعروفة اولغا فلاسوفا ( وهي احدى المشرفين على الكتاب كما أشرنا اعلاه ) ارتأت تحوير عنوان تلك الرواية بهذا الشكل على ما يبدو , ولا ادري لماذا, ولا ادري ايضا هل تمتلك الحق بذلك , وربما اعتبرت المترجمة هذا العنوان الجديد جذٌابا  للقارئ الروسي اكثر من العنوان الاصلي , ويشير كاتب المقدمة الى العنوان الاصلي للرواية, ولكنه لا يعطينا تبريرا او سببا  لتبديله بهذا الشكل) . ثم ينتهي الفصل الاول هذا  برواية سعدي المالح ( بانتظار فرج الله القهار ) ( يسميها الكتاب - رواية قصيرة ) وتقع في 72 صفحة.
الفصل الثاني  لهذا الكتاب جاء بعنوان ( القصة القصيرة العراقية المعاصرة ) ويتضمن قصصا ل (13) قاصا عراقيا , وهم حسب تسلسلهم في تلك المجموعة القصصية كما يأتي --
محمود السيد //  محمد ابراهيم محروس   // حسن بلاسم // جبار ياسين  // سلمان رشيد سلمان //  صباح الربيعي  // حسن العاني //  لطفية الدليمي  // سلوى زكو // خضير الحميري   //  هناء حسن غايب  //  محمد خضير  // يوسف الشيخ  // , وقد تم  اختيار القصص  من مصادر عديدة  ومتنوعة (انترنيت , كتب ...) منها  مجموعة القصص العراقية التي صدرت بالعربية والانكليزية في كتاب بعنوان – ( جروح في شجرالنخيل ) الصادر في بيروت عام 2007 , والذي ارسلته مشكورة في حينها زميلتي الدكتوره سلوى زكو , الصحفية والاديبة العراقية المبدعة .
 الفصل الثالث في الكتاب جاء بعنوان ( قصص كلاسيكيٌ القرن العشرين ), ويبتدأ  بادمون صبري   , ثم عبد الملك نوري ,  ثم شاكر خصباك و اخيرا  سعدي يوسف.
يختتم واضعا المجموعة القصصية هذه كتابهما  بتعريف وجيز عن كل الادباء العراقيين الذين جاءت نتاجاتهم في هذه المجموعة القصصية , ومن الواضح تماما ان تلك المعلومات الوجيزة كانت غير متناسقة وليست على وفق نظام موحد و دقيق ,  لأنها تعتمد وتستند على المصادر العراقية  , وهي كما هو معروف نادرة و مرتبكة جدا او غير موجودة اصلا بالمعنى العلمي والسليم , اذ لا يوجد لدينا مع الاسف دليل لادباء العراق او لتاريخ الادب المعاصر عندنا ( عدا محاولات شخصية قام بها بعض الباحثين , وهي محاولات علمية جادة طبعا ولكننا لم نحاول ايصالها الى المكتبات العالمية , بل لم نفكر حتى بذلك , ولم نفكر ايضا بترجمتها الى اللغات الاخرى ). والحديث عن هذا الموضوع يؤدي بنا الى نقطة اخرى مهمة جدا , وهي اننا لم نحاول ايضا تقديم ادبنا ( وليس فقط ادبنا) الى العالم , ولا يوجد بالروسية مثلا كتاب او حتى كتيب عن جواد سليم او الجواهري او او او... الخ, ولهذا كله , فاننا يجب ان نكون شاكرين وممتنين لاندريوشكين وفلاسوفا وفرع اتحاد ادباء روسيا في بطرسبورغ والى كل الذين ترجموا من العربية الى الروسية هذه المجموعة القصصية العراقية , والى كل من ساهم بانجازها ( وأخص منهم بالذكر اوليغ بافيكين – مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد ادباء روسيا , و العراقية المقيمة في روسيا الدكتورة يافعة يوسف جميل – استاذة اللغة العربية في جامعة بطرسبورغ , اذ انهما أدٌيا دورا هاما في انجاز هذا العمل الابداعي الجميل  ). لقد قام هؤلاء جميعا بعمل هائل لتقديم ادبنا الى القراء  في روسيا , واننا يجب ان نصفق لهم .
من نافل القول ان أشير , الى ضرورة دراسة هذا الكتاب في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد دراسة تحليلية عميقة وشاملة , اذ يمكن لهذه الدراسة ان تمنحنا عدة مواضيع لكتابة اطاريح ماجستير في علم الترجمة المقارن بين اللغتين العربية والروسية . وأخيرا , ربما يتبنى اتحاد الادباء والكتٌاب العراقيين لمناسبة صدور هذا الكتاب توصية بشأن وضع اسس للتعاون اللاحق مع اتحاد ادباء روسيا ( خصوصا وانه  يوجد اتفاق تعاون مشترك بينهما ) , بحيث نرى في المستقبل اصدارات بالروسية لنتاجات ابداعية عراقية في روسيا , واصدارات بالعربية لنتاجات ابداعية روسية في العراق , وذلك بشكل دوري ومنتظم ومحدد , وعلى وفق اسس  خطة علمية رصينة تبتعد عن الاجتهادات الذاتية.






739
أدب / الملح
« في: 20:39 07/03/2016  »
الملح
قصيدة للشاعر- ساؤول ايسلاس / اورغواي
ترجمها عن الروسية - أ.د. ضياء نافع




ألملح



كيف استطعت
ان تقفز
الى المائدة
والتسرب
في الخبز؟
وفي بكاء الانسان؟
واي سر
يكمن
في أعماقك ؟
...............
...............
لماذا اخترت
ايها الملح
طريق الدم
والفقر
والبؤس؟
..............
...............
اني احدق الان
في جزيئة
هشٌة
بيضاء
من الملح,
شفافة
كالهدوء
وارى –
بلوٌرا يشع
بأنوار عميقة
ومؤلمة
كالدموع...

740
أدب / السجن والنملة وانا
« في: 11:36 06/03/2016  »
السجن والنملة وانا
قصيدة للشاعر جوزيه كرافيرينيا / موزامبيق
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
====================================


كان يا ما كان,
كانت هناك نملة
في سجني الانفرادي,
تقاسمني خبزي
والمكان.
*********
مصيرنا
كان مشتركا,
ولكنهم
للتحقيق
لم يستدعوها,
رغم انهم
كانوا يقدرون
بأحذيتهم
أن يسحقوها.
***********
كانوا بأقذع الكلمات
يشتموننا,
لكنهم
لم يقدروا
ان يجبروننا
على الخضوع لهم,
او ان نجثوا
على ركبتينا
امامهم.

741
أدب / الاسس// تولستوي // اللاعدالة
« في: 20:30 04/03/2016  »
الاسس// تولستوي // اللاعدالة
+++++++++++++++++++++

3 قصائد للشاعر ليوبولد ستاف / بولندا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

 
الاسس

بنيت
على الرمال -
تهدم البناء.
بنيت
على الجبال -
تهدم البناء.
سأبدأ الان
البناء
على الدخان.
++++++++++++++++++++
++++++++++++++++++++
تولستوي
=============

هرب تولستوي من الحزن.
كان يمتلك كل شئ,
هذا يعني – لاشئ.
أنا سعيد لأني,
أتجول تحت اشعة الشمس,
مالكا ظلي.
+++++++++++++++++
+++++++++++++++++
اللاعدالة
=========
كلبي الذكي
عاش طوال حياته القصيرة
دون أن يدرك
ان العالم –
لغز...





742
أدب / وطني هو البداية والضياء
« في: 21:07 02/03/2016  »

وطني هو البداية والضياء


للشاعر رسول حمزاتوف / داغستان
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

   
ايتها العينان
اللتان
شاهدتا
كثيرا من اللحظات
الرائعات-
-ماهي اجمل الاشياء ؟
- خطوة الى الامام .
+++++
ايتها الاذنان
اللتان
استمعتا
الى كل الاصوات –
-ما هي أعز الاشياء ؟
- كلمات الصدق .
+++++
ايتها الروح
التي
منحت الحياة للاحلام –
ما هي معجزة الاشياء ؟
-الطفل في المهد .
+++++
آه , ايها القلب
الذي
عرف الكثير من الحب –
ما هي أغلى الاشياء ؟
-وطني ..
فهو البداية
وهو الضياء .

743
أدب / التتابع
« في: 23:36 29/02/2016  »
التتابع
======
قصيدة للشاعر أمارين سورسكو / رومانيا
=========================
ترجمها عن الروسيٌة – أ.د.  ضياء نافع
=========================


تتسلق الشجرة امرأة
برشاقة,
ويمسك الرجل لها
السٌلم الخشبي .
+++
تطير العصافير
نحو السماء,
ويمسك الطفل لها
الهواء.
+++
تظهر النجوم
في المساء,
وتمسك الارض لها
 السماء.

744
أدب / قلب لا يذبل
« في: 13:23 28/02/2016  »
قلب لا يذبل
قصيدة للشاعر خوسيه انطونيو مونتيرو/ المكسيك
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


في عيوني..
فتيات خرجن لتوهن
من البحر,
ونساء يتنزهن مع الاطفال,
وتنهدات أمل مرميٌة للريح,
وقلب لا يذبل
كالعالم بالضبط..
...........
في عيوني..
حريٌة تزرع الحنطة,
وميراث زالت عنه
رائحة التوابيت,
وناس بقلوب مفتوحة,
ينظرون بهدوء الى المستقبل..
...........
في عيوني ..
حقول ربيع لا مثيل له,
واولاد فرحون..
وراتب
من النوع الذي يتسلمونه
برأس مرفوع..
...........
في عيوني..
دموع
لا تتعب من الضحك,
وقلب لا يذبل..
...........
في عيوني ..
عالم
ليس ملكا لنا
بعد,
لكنه سيصبح حتما
ملكا لنا
فيما بعد.

745
يوسف حلاق والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
كنت في دمشق عام 2007 , وكان وقتي محدودا جدا , وزرت مقرٌ الجمعية السورية لخريجي الجامعات الروسية  في المركز الثقافي الروسي  آنذاك, وطلبت منهم ان يتصلوا هاتفيا  ببعض الزملاء السوريين الذين درست معهم بجامعة موسكو في ستينيات القرن الماضي لاحييهم  وادردش معهم قليلا ليس الا , وتحدثت فعلا بشكل ودٌي جدا مع الاستاذ عدنان جاموس ( انظر مقالتي بعنوان عدنان جاموس والادب الروسي ) , وتحدثت ايضا  بعواطف جيٌاشة مع الدكتور عماد حاتم , وعندما تحدثت مع يوسف حلاق , أجابني انه لا يتذكرني , وحاولت ان أذكٌره بدراستنا معا قبل اكثر من أربعين سنة  في كلية الآداب بجامعة موسكو وتفصيلات صداقتنا واساتذتنا وذكرياتنا المشتركة في القسم الداخلي ...الخ , ولكنه لم يتذكر اي شئ , وقد اضطررت ان اقطع المكالمة الهاتفية معه تلك  والاعتذار منه  طبعا , وسألت المشرفين على تلك المحادثات الهاتفية  بعد ذلك, هل انهم اتصلوا فعلا بيوسف حلاق ؟  فقالوا نعم , فاندهشت ولم استطع ان اصدق ما سمعته منه بتاتا . الآن  فهمت فقط ( عندما بدأت بكتابة هذه المقالة ) , ان يوسف حلاق قد رحل من الحياة  قبل هذه المحادثة ( لم يكن الشخص الذي قام بالاتصالات الهاتفية يعرف ذلك ) , وان الذي تحدثت معه كان اسمه يوسف ايضا ,  وهو ايضا خريج الجامعات الروسية , وقد كان اسمه موجودا في قائمة اسماء الخريجيين طبعا. وكم صعقتني هذه الحادثة عندما توضح لي الامر فيما بعد , ولازلت لحد الان متعجبا ومستغربا من تلك المصادفة العجيبة  والغريبة  فعلا , والتي ارتبطت باسم المرحوم يوسف حلاق !!!
عندما كنت في داغستان للمشاركة بالاحتفالات في الذكرى التسعين لميلاد الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف ( 2013) ( انظر مقالتي بعنوان – ( احتفالات داغستان بتسعينية حمزاتوف), قال لي اليغ بافيكين ( مسؤول العلاقات الخارجية في اتحاد ادباء روسيا ) ان يوسف حلاق هو الذي ترجم كتاب حمزاتوف الشهير – ( داغستان بلدي ) الى العربية , ولكني لم اكن متأكدا من ذلك , وقلت له اني اتذكر اسم مترجم عربي آخر لهذا الكتاب ( لم استطع آنذاك ان أتذكر اسمه ), ولكني – بعد التدقيق – عرفت , ان هذا الكتاب المهم قد صدر فعلا في بيروت  بالعربية بترجمة يوسف حلاق وعبد المعين الملوحي سوية عام 1979 , وصدرت طبعته الثانية في بيروت ايضا عام 1982, ولم انتبه في حينها الى ذلك .
يوسف حلاق - اسم كبير في دنيا الترجمة من اللغة الروسية الى العربية و وقد ترجم حوالي عشرين كتابا في هذا المجال وهي كما يأتي – ( الجمال في تفسيره الماركسي ) 1968 // ( قصص عن لينين بقلم لوناتشارسكي ) 1970//  (الكحول والاولاد )  1972 // ( عن الادب والفن ) ج.1 و ج.2 بقلم لينين //  ( دراسا ت ادبية وفكرية ) – الكساندر بلوك . 1977 // ( اسس علم الجمال الماركسي اللينيني ) 1978 // ( بلدي ) بقلم رسول حمزاتوف ( مع عبد المعين الملوحي ) . طبعة اولى 1979 , طبعة ثانية 1982 ( لست متفقا مع عنوان هذه الترجمة التي تحذف اسم داغستان من هذا الكتاب , ولا يمكن مناقشة ذلك في اطار هذه المقالة ) // نصوص مختارة . بيلينسكي . 1982 // ( المبارزة ) رواية . كوبرين . 1982 // ( مولك ) . كوبرين . 1982 //  ( علاقات الفن الجمالية بالواقع ) تشرنيشيفسكي . 1982 // ( في الثقافة ) . دراسات بقلم غوربونوف . 1982 // ( نقود لماريا ) . راسبوتين . 1984 . // (الادب والعلوم الاجتماعية)1986 // ( المعلٌم ومرغريتا ) . بولغاكوف . 1986 // ( الكلمة في الرواية ). باختين  1988// ( اشكال الزمان والمكان في الرواية . باختين  1990 // .... وهناك مجموعة اخرى من الكتب التي صدرت له , منها – ماشينكا ( نابوكوف ) // نحن. رواية ( زامياتين ) // أيام عمرنا . مسرحية ( أندرييف )...
ومن الطبيعي ان أعمال هذا المترجم الكبير لم تتوقف لحد الآن , اذ انها لازالت تصدر هنا وهناك بطبعات ثانية  وثالثة في دمشق وموسكو( قامت دور النشر السوفيتية بذلك في حينها ) وبغداد ( قامت دار المدى باصدار بعضها ) وربما صدرت هذه الكتب  في اماكن اخرى من العالم العربي  , ومن الضروري جدا ان يقوم المتخصصون العرب بدراسة هذه الاعمال الترجمية العديدة  و تحليلها , اذ انها تعد مادة غنيٌة جدا للبحث العلمي في مجالات الترجمة الادبية عن اللغة الروسيٌة واسلوبها  ومقارنتها مع النصوص الروسية الاصلية واستنباط النتائج المحددة ...الخ , وقد اقترحت مرة على أ.م. الدكتورة منى عارف جاسم  في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ( وهي واحدة من طالباتي سابقا ) مثل هذا الموضوع فعلا  ( انظر مقالتي بعنوان – بولغاكوف في جامعة بغداد ) وقد تم ذلك  وبنجاح , وقرأت مرة خبرا عن مؤتمر علمي انعقد في بغداد , ويتحدٌث الخبر عن دراسة مقارنة بين ترجمة رواية ( المعلم ومرغريتا) ليوسف حلاق مع ترجمة ابراهيم شكر من مصر لنفس تلك الرواية , وقدٌم هذه الدراسة أ.م. الدكتور سامر اكرم من قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد( وهو أحد طلابي السابقين  ايضا ) , ولكني لم اطٌلع على تلك الدراسة مع الاسف , ولهذا لا استطيع تقييمها . اطلعت كذلك على دراسة في غاية العمق و الشمولية  والموضوعية كتبها زميلي بالدراسة في كلية الاداب بجامعة موسكو عدنان جاموس   ونشرها عام 2008 بعنوان – ترجمة الرواية الروسية الى العربية – الماضي والحاضر . لقد تناول عدنان جاموس في دراسته تلك جوانب مهمة جدا ومعلومات واسعة في تاريخ ترجمة الروايات الروسية الى العربية منذ بداياتها في نهاية القرن التاسع عشر  في العالم العربي, وتوقف في ختام تلك الدراسة  بشكل  خاص وتفصيلي جدا  عند ترجمة يوسف حلاق لرواية بولغاكوف – المعلم ومرغريتا , وحدد كثيرا من الملاحظات الدقيقة بشأن الترجمة تلك مقارنة بالنص الاصلي الروسي للرواية . ان دراسة عدنان جاموس كانت وافية جدا وجاءت على خلفية كاتبها الثقافية المعمقة وتجربته الغنية في مجال الترجمة الادبية عن اللغة الروسية , واستنادا الى العديد من المصادر والقواميس الروسية المعتمدة  , رغم تشدده بعض الاحيان في تلك الدراسة, وقسوته الشديدة غير المبررة في احيان اخرى .
يوسف حلاق  مترجما عن اللغة الروسيٌة  الى العربية  -   هو موضوع كبير ومهم جدا بالنسبة لثقافتنا العربية وتاريخها  و مستقبل مسيرتها لاحقا وعلاقتها بالثقافة الروسيٌة بشكل خاص وبالثقافة العالمية والادب العالمي بشكل عام , واتمنى ( بل ومن الضروري ) ان نعود اليه مستقبلا بشكل أوسع وأعمق واكثر تفصيلا, اذ ان هذه المقالة ليست سوى ملاحظات اولية حول هذا الموضوع .   

 

746
أدب / اغنية حب صباحية
« في: 23:57 25/02/2016  »
اغنية حب صباحية
=============

للشاعر تي لآن فيين / فيتنام
=============
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
========================= 


تذهبين أنت ,
فيحلٌ المساء
وتصمت الطيور ,
تأتين أنت
فيأتي الصباح .
هكذا هو العالم
ملئ بالحكمة...
وفي الليل
حبك يتلألأ فوقي كالنجوم,
لترحل  او لتصمت الطيور
ولتحل العتمة في كل مكان...
حبك عندها
سيعيد الينا النور,
وفي السماء الداكنة
سيوقد فوقنا النجوم...
تظهرين أنت
فيأتي الصباح
من جديد...

747
تفاردوفسكي وابو بكر يوسف وترجمة الشعر
أ.د. ضياء نافع
 
نشر المترجم المصري الكبير الدكتور ابو بكر يوسف في مدونته بتاريخ 22/2/ 2016 مقالة مهمة جدا  - من وجهة نظرنا – حول قضية ترجمة الشعر الى العربية , وقد أثارت تلك المقالة ردود فعل واسعة لدى الكثير من  المتابعين لحركة الترجمة بشكل خاص والحركة الثقافية بشكل عام , منهم المستشرقة الروسية اولغا  فلاسوفا  و الدكتور أحمد الخميسي  والدكتور يحيى عبد التواب (من مصر ) وغيرهم  , ونود هنا ان نتوقف عند هذه المقالة  العلمية العميقة  لابي بكر يوسف, لأننا نرى انها تثير مسألة فكرية كبيرة وحادة و مطروحة  بشكل  واسع جدا امام القراء  في  بلداننا العربية كافة  .
 تكمن اهمية هذه المقالة – قبل كل شئ – في انها جاءت من مترجم قدير ساهم في عملية الترجمة الابداعية للادب الروسي من اللغة الروسية الى العربية بشكل مباشر منذ بداية الثلث الاخير للقرن العشرين ولحد الآن ( انظر مقالتنا بعنوان – ابو بكر يوسف والادب الروسي ) , وهو يقف واقعيا في طليعة المترجمين العرب  - بشكل عام- للادب الروسي في الوقت الحاضر بلا ادنى شك .
 النقطة الثانية في اهمية هذه المقالة وقيمتها تكمن في ان مترجما بهذا المستوى الرفيع قد عاد الى ترجمة قديمة له لقصيدة الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي ( 1910- 1971) كان قد نشرها قبل عشرات السنين , واعاد ترجمتها من جديد , لانه اقتنع ان ترجمة الشعر لا يمكن ان تكون نثرا , وانما يجب ان تكون شعرا او في الاقل بصيغة فنية اقرب الى الشعر , وهذا يعني ان الدكتور ابو بكر يوسف أخذ يقترب من مفهوم فلسفة ترجمة الشعر  الى اللغة الروسية وتقنيتها منذ جوكوفسكي وبوشكين وليرمنتوف ..الخ في القرن التاسع عشر و أخماتوفا..ألخ في القرن العشرين  و الى حد الآن , اي عبر اكثر من قرنين من الزمان في تاريخ ومسيرة ترجمة الشعر في روسيا.
النقطة الثالثة , التي تستحق التوقف عندها والاشادة بها تكمن في ان الدكتور ابو بكر يوسف لم يحاول ان يطبق هذا الاقتناع الفكري على ترجمات الآخرين من المترجمين العرب (وما أكثرهم !), بل جرٌب ذلك على نفسه اولا , وهو يذكٌرنا بعمله هذا بالعلماء المبتكرين  الكبار عبر التاريخ , الذين جرٌبوا  اختراعاتهم على انفسهم اولا , كي لا يجازفوا لا بحياة الآخرين  ولا حتى بالتأثير النفسي عليهم , وهو موقف نبيل ومتميٌز ومتفرد بكل معنى تلك الكلمات , ولا يستطيع اتخاذه وتطبيقه بلا شك الا فارس شهم كبير مثل الدكتور ابو بكر يوسف .
النقطة الرابعة والاخيرة في هذا المجال ترتبط بمسألة النقد الذاتي للاعمال الابداعية . لقد اعطانا الدكتور يوسف درسا تطبيقيا رائعا في علم الترجمة , ويجب علينا جميعا ان نحذو حذوه  .
كان ابو بكر يوسف (بعلميته وموهبته وتواضعه) قدوة للمترجمين العرب عن اللغة الروسية ونموذجا متألقا لهم , وهو اليوم بخطوته تلك يعود مرة اخرى الى الترجمة وعوالمها و يستعيد موقعه المتميٌز  والطليعي فيها. 
من اجل اكتمال الصورة , نقدم للقارئ الترجمتين للقصيدة كما نشرها د.ابو بكر يوسف , وهي كما يأتي –
الترجمة الاولى للقصيدة                                                       
انا اعرف – لا ذنب لي
في ان الآخرين
لم يعودوا
من ميدان الحرب
وظلوا هناك
من هم أكبر او أصغر منيٌ.
وليست القضية
انه كان بوسعي ان انقذهم
لكني لم اتمكن,
ليست تلك هي القضية.
ومع ذلك...
ومع ذلك...
ومع ذلك...
++++++++++++++++++++
الترجمة الجديدة للقصيدة                                           
اعرف – لست مذنبا
في ان غيري لم يعودوا
من ميادين الوغى
ظلوا هناك اذ طواهم الردى
من فاتني في العمر
او من لم يجاوز الصبا.
وليست القضية
ان كنت قادرا على انقاذهم
لكنني لم استطع...
كلا فتلك ليست القضية,
لكنما...
لكنما...
لكنما...
           
                                         

748
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (29)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة التاسعة والعشرون من مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – المياه العميقة لا تتعكر .
التعليق – يضرب للصلات والعلاقات الاصيلة والعميقة  والحقيقية  بين البشر , والتي لا يمكن ان تتأثر اثناء مسيرة الحياة بأيٌة عوارض  او  منغصات او مشاكل او وشايات قد تعترضها. يوجد بالعربية مثل , وهو – (يصطاد في الماء العكر) , ويعني ان الوشاية والنفاق والكذب ..الخ تجري ( في الماء العكر) بالذات , ويؤكد هذا المثل العربي – من الجانب الآخر - صحة المثل الروسي المذكور وفحواه.
+++++
الترجمة الحرفية – عند العامل السئ حتى المنشار سئ.
التعليق –  يضرب للتأكيد على ان الانسان هو العامل الاساسي والمهم  في عملية  تخطيط العمل وتنفيذه وليس الادوات التي يستخدمها لذلك . يوجد مثل عربي طريف - بمختلف اللهجات العربية - يذٌكر بالمعنى العام لهذا المثل الروسي - بشكل او بآخر- وهو( باللهجة العراقية ) – الما يعرف يركص يكول الكاع عوجه ( يركص- يرقص/ الكاع – الارض )
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة قصيرة والاعمال كثيرة .
التعليق – يضرب لكثرة الاعمال والمسؤوليات والاعباء في الحياة  , وان هذه الاعمال  مستمرة دائما , وان حياة الانسان لا يمكن ان تغطيها  مهما طالت .  توجد امثال عربية عديدة في هذا المعنى , منها باللهجة العراقية  - العمر يخلص والشغل ما يخلص //  محٌد مات وخلٌص شغله ( محٌد – لا احد / خلٌص – أنهى )...
+++++
الترجمة الحرفية -  يأخذ بسهولة ويعطي بصعوبة .
التعليق -  يضرب في تعامل البخلاء مع الآخرين , والمعنى العام لهذا المثل واضح . توجد بالعربية أمثال عديدة مشابهة, منها -  اقلع ضرسه ولا تخرج قرشه/ الحساب بالمثقال والهدية بالقنطار...
+++++
الترجمة الحرفية -  الفكرة الجيدة تأتي متأخرة .
التعليق – هذا مثل عالمي يضرب عندما لا يستطيع الانسان ان يجد رأسا ومباشرة  افكارا جيدة تتناسق مع المواقف المختلفة التي تصادفه في مسيرة الحياة اليومية , لأن ذلك يتطلب تفكيرا هادئا وتحليلا شاملا واستشارة الآخرين ...الخ .
+++++
الترجمة الحرفية -  الاحمق والصغير يقولان الحقيقة .
التعليق – مثل عالمي معروف , وقد استقر بالعربية هكذا - خذ الحكمة من افواه المجانين , الا ان الصيغة الروسية تضيف هنا ( الصغار) ايضا , وهي اضافة صحيحة ودقيقة  فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية -  المظهر الخارجي خدٌاع .
التعليق – مثل  مشهورعالميا ومعناه واضح تماما . توجد بالعربية العديد من الامثال في هذا المعنى ,والتي تؤكٌد على عدم اصدار الحكم  على وفق المظهر الخارجي للانسان ليس الا, منها  -  احكم على الجوهر لا على المظهر..
+++++
الترجمة الحرفية -  لا يحتاج البلبل الى قفص ذهبي , و من الافضل له غصن أخضر.
التعليق –  يضرب للتأكٌيد على ان الحياة الطبيعية والحرة أغلى وأفضل من الثروة مع العبودية.
+++++
الترجمة الحرفية -  الكلمة ليست سهما , لكنها تتوجه نحو القلب .
التعليق –  يضرب في تأثير الكلمات على العلاقات بين البشر . يوجد في تراثنا العربي الكثير من الامثال حول اللسان والكلمات ودورها  الكبير في الحياة, وقد سبق لنا الاستشهاد ببعضها ضمن هذه السلسلة. نود هنا الاشارة الى   قول مشهور ويكاد المثل الروسي ان يكون مطابقا له في نفس هذا المعنى , وهو - احذروا اللسان فانه سهم يخطأ.
+++++
الترجمة الحرفية – يتيه بين ثلاثة اشجار صنوبر.
التعليق -  يضرب  للشخص الذي لا يعرف تدبير امره عند ابسط الصعوبات. يترجم جابر هذا المثل – عجز عن حل مسألة بسيطة , وهي ترجمة تفسيرية صحيحة . يوجد مثل باللهجة العراقية ( وربما باللهجات العربية الاخرى ) شبيه لهذا المثل الروسي من حيث المعنى , وهو – يغرق  في  شبر ميٌ (مي – ماء ).
+++++
الترجمة الحرفية – حرير على الكرش , وفرقعة في الكرش.
التعليق – يضرب للانسان المتألق من الخارج والمتهرئ من الداخل . يوجد مثل عربي مناظر في هذا المعنى باللهجة العراقية وهو – من برٌه رخام ومن جوٌه سخام ( من بره – من الخارج / من جوه – من الداخل )
+++++
الترجمة الحرفية – تحبني , اذن لا تضرب كلبي.
التعليق –  يضرب في ان المحب  يجب ان  يتقبل كل الجوانب الاخرى المرتبطة بذلك الانسان  الذي يحبه وان يتغاضى حتى عن السلبيات لديه . يوجد مثل باللهجة العراقية مطابق تقريبا لهذاالمثل  الروسي  , وهو - يحشمون الجلب لخاطر اهله ( يحشمون – يحترمون / الجلب – الكلب / )
+++++
الترجمة الحرفية – النهر ليس بحرا , الحنين ليس مصيبة .
التعليق – يضرب للدعوة الى تسمية وتحديد الامور والاشياء والظواهر بدقة وموضوعية وبدون مبالغة . يوجد مثل طريف باللهجة العراقية  في هذا المعنى يسخر من المبالغة والتهويل , وهو – يسٌوي الشط مرك والزور خواشيك ( يسٌوي – يجعل , يعمل منه / مرك - مرق /  خواشيك جمع خاشوكه – ملعقة)
+++++
الترجمة الحرفية – ان تكون عند الماء ولا ترتوي؟!
التعليق – يضرب لتبرير استغلال الفرص والامكانيات التي تتاح للانسان في مسيرة حياته , و يستخدم عادة لتبرير التصرفات السلبية  بالاساس , ويطرحه الانسان الروسي بصيغة السؤال او التعجب حسب الموقف , لهذا وضعنا بعد الترجمة الحرفية كلا العلامتين.
+++++
الترجمة الحرفية -  اذا تحب فملكة , واذا تسرق فمليون .
التعليق –  يضرب في ان الانسان يجب ان يحقق اقصى ما يستطيع  في عمله  ايجابا  او سلبا . الصورة الفنية لبنية هذا المثل الروسي طريفة . يوجد مثل عربي مشهور في هذا المعنى وهو - اذا اطعمت اشبع , واذا ضربت أوجع.




749
أدب / الشجرة
« في: 19:11 19/02/2016  »
الشجرة
=======
للشاعر ج. تاكامي / اليابان
==============
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
========================

1
تعيش
وهي تذبل,
تذبل
وهي تعيش.
2
الاوراق – ناعمة,
الاغصان – خشنة,
على الاغصان الخشنة
تولد الاوراق الناعمة.
3
كل عام
تفقد الشئ
الذي تخلقه..
وكل عام
تعيد الخلق
وباندفاع
من جديد.
4
تكشف الاغصان والاوراق
للعيون,
أما الجذور
المهمة للحياة
فتخفيها
عن العيون.

750
غوغول بقلم فيريسايف
أ.د. ضياء نافع
فيكينتي فيكينتيفتش فيريسايف – كاتب روسي ولد عام 1867 وتوفي عام 1945 , اي انه اديب مخضرم – حسب مفاهيمنا ! - لأنه عاش في عصرين مختلفين جذريا مرٌت بهما روسيا , اذ انه ولد وبدأ بنشر نتاجاته في الامبراطورية الروسية اولا وعلى مدى خمسين سنة باكملها , ثم استمر هكذا  في الاتحاد السوفيتي وعلى مدى حوالي ثلاثين سنة , ولم يرفض ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917 او يقف ضدها, ولم يهاجر من روسيا السوفيتية  الى اي دولة من دول الغرب  كما فعل معظم الادباء الروس آنذاك , ولكنه – مع ذلك -  بقي محتفظا طوال حياته بمواقفه الفكرية المتميٌزة والخاصة به.
 فيريسايف – أديب متعدد المواهب , فهو روائي وقاص وناقد ادبي ومترجم كبير( حاز على جائزة الترجمة عام 1918) , ولامجال هنا للحديث تفصيلا عن كل جوانبه  الابداعية  المتنوعة  هذه . كتب فيريسايف عن دستويفسكي وتولستوي وبوشكين وغوغول كتبا تحليلية عميقة جدا لا زالت تمتلك اهميتها لحد الآن, ونود ان نقدٌم للقارئ في مقالتنا هنا عرضا – ليس الٌا-  لواحد من كتبه النقدية تلك  وهو  بعنوان – ( غوغول في الحياة ) , الذي اصدرته دار نشر ( اكاديميا ) السوفيتية الشهيرة في موسكو ولينينغراد عام 1933 , والذي اعادت دار نشر – ( موسكوفسكي  رابوتشي ) ( العامل الموسكوفي ) طبعه بموسكو عام 1990 نظرا لاهميته العلمية  الكبيرة وقيمته في مسيرة النقد الادبي الروسي , ولأنه (الكتاب ) كان مفقودا في الاسواق منذ طبعته الاولى عام 1933 رغم مكانته وتميٌزه  لدى القرآء الروس المهتميٌن بابداع غوغول وحياته .
يقع الكتاب هذا في 640 صفحة من القطع المتوسط ويتناول سيرة حياة الكاتب الروسي الكبير غوغول ( 1809 – 1852) , ويمكن القول بلا شك انه كتاب فريد فعلا في تاريخ الادب الروسي وبهذا الشكل الفني غير الاعتيادي والمبتكر حول غوغول , اذ استخدم فيريسايف في هذا الكتاب الرسائل  فقط لا غير ,  الرسائل التي كتبها غوغول للآخرين  واجاباتهم له , وكذلك استخدم رسائل  الادباء الآخرين المعاصرين له فيما بينهم  حول غوغول  , وقد استطاع فيريسايف  خلال تلك المقاطع المختارة من هذا العدد الهائل جدا من الرسائل تلك ان يرسم صورة حقيقية متكاملة وتفصيلية  وموضوعية جدا لسيرة حياة غوغول وابداعه  بصورة جميلة جدا و مدهشة وفي غاية الدقة والابتكار.                               
تحتوي طبعة موسكو الثانية للكتاب عام 1990 على مقدمتين , الاولى كتبها ايغور زولوتوسكي خصيصا للطبعة الثانية تلك وتقع في 12 صفحة وعنوانها – ( بورتريه العبقرية الغريبة) , و المقدمة الاخرى ( الثانية ) بقلم  الكاتب فيريسايف نفسه , والتي كتبها خصيصا لكتابه في نيسان / ابريل عام 1932 بموسكو , و تقع في 6 صفحات. يمكن اعتبار مقدمة زولوتوسكي بمثابة بحث علمي متكامل حول هذا الكتاب , والذي حدد في عنوانه بشكل دقيق الهدف الحقيقي لذلك النتاج , و يكمن – من وجهة نظر الباحث , وهو على حق - في رسم صورة قلمية (بورتريه  ) لعبقرية غوغول المدهشة و الغرائبية ( ان صح التعبير ) عن طريق ترتيب وتنظيم  رسائله ليس الا حسب تسلسلها الزمني , هذا الترتيب والتنسيق المرتبط  حتما , والمنطلق  طبعا من الفهم العميق لسيرة حياة غوغول وابداعه . لقد أشار زولوتوسكي الى مسألة مهمة جدا في مقدمته تلك , وهي ان هذا الكتاب يتميٌز قبل كل شئ في انه ( لا يخضع للتقييم الايديولوجي المسبق ), ولهذا فانه يمتلك ( اهمية خاصة  جدا ) , اضافة الى ان هذا الكتاب يجسٌد ( شرف الوثيقة ) و ( نموذج الاحترام والتقدير  للرأي الآخر) , اي لهؤلاء الذين يمتلكون وجهة نظر اخرى قد لا تتطابق مع رأي المؤلف او حتى تتناقض معه  بعض الاحيان, ويؤكد  زولوتوسكي  كذلك على ان هذا الكتاب هو أبرز عمل بالروسية عن غوغول في القرن العشرين في روسيا , انطلاقا من ( سعة المواد والشهادات و العمق الثقافي للمعرفة ..) , ويتوقف كاتب المقدمة عند نقطة اساسية في مسيرة الكتب النقدية والتحليلية عن غوغول , وهي ان كل تلك الكتب جاءت تحت تأثير بيلينسكي ورسالته الى غوغول بشكل او بآخر الا هذا الكتاب , اذ انه اعتمد على رسائل غوغول فقط قبل كل شئ , وفي هذا تكمن – حسب رأي زولوتوسكي – قيمة هذا الكتاب واستثنائيته في القرن العشرين ( انظر مقالتنا بعنوان رسالة بيلينسكي الى غوغول ) . اما بشأن مقدمة فيريسايف نفسه , فانه لم يستطع في فترة الثلاثينات الستالينية المعروفة ان يتطرق الى ذلك بشكل علني وصريح , ولكنه واقعيا حقق هذا الهدف على صفحات كتابه الجميل والمهم والاستثنائي ذاك وبكل معاني تلك الكلمات.
يوجد 16 فصلا في هذا الكتاب وكما يأتي – ( اسلاف غوغول ) ( نقرأ هناك مراسلات تعود لعام 1875 فصاعدا حول اجداد غوغول ووالده ووالدته  وقصة زواجهما الغريبة )// الطفولة والمدرسة // السنوات الاولى في بطرسبورغ .  الوظيفة . بداية النشاط الادبي //
 التدريس في الجامعة // المفتش العام // خارج الحدود // في روسيا // خارج الحدود // في روسيا // في الخارج . التسكع // مراسلات مع الاصدقاء // السفر الى الاماكن المقدسة // في روسيا // اوديسا // السنوات الاخيرة // المرض والموت . //  , وبعد هذه الفصول هناك فصل كامل كتبه المؤلف فيريسايف عنوانه – ملاحظات , ويقع في 18 صفحة باكملها , ويتضمن تعريفا دقيقا وتفصيليا ( وحسب التسلسل الالفبائي طبعا ) بعشرات الاسماء التي ورد ذكرها في الكتاب , ثم يأتي فصل آخر بعنوان – ملاحظات  ويقع في 42 صفحة كتبه بيزنيسوف  يتضمن تعريفا حول كل فصل من فصول الكتاب , ثم يأتي فصل خاص باسماء مختصرات المصادر المستخدمة في التعليقات يقع في 44 صفحة , ثم يأتي اخيرا دليل حسب تسلسل الحروف الروسية لكل المؤلفين والوثائق التي تمت الاشارة اليها في هذا الكتاب .
كتاب فيريسايف حول سيرة حياة غوغول واهمية  نتاجاته وابداعه  – عمل عملاق في تاريخ النقد الادبي الروسي ومسيرته , وهو عمل علمي هائل لا يمكن ببساطة تقييمه والكتا بة عنه , اذ انه فعلا يرسم صورة متكاملة وموضوعية ودقيقة جدا لغوغول وابداعه ومكانته الكبرى والمتميٌزة في تاريخ الادب الروسي والعالمي .
 

751
أدب / ربطت عيون الاشجار
« في: 19:38 13/02/2016  »
ربطت عيون الاشجار
==============
للشاعرأمارين سوريسكو/ رومانيا
====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء
نافع
=========================
الى روح المرحومة  أ.د. حياة شرارة , التي كانت معجبة جدا بهذه القصيدة.
المترجم

ربطت عيون الاشجار
بمنديل أخضر
وقلت لها
حاولي ان تجديني,
ووجدتني الاشجار..
+++++
ربطت عيون الطيور
بمنديل من الغيوم
وقلت لها
حاولي ان تجديني
ووجدتني الطيور..
+++++
ربطت عيون الحنين
بابتسامة
وفي اليوم التالي
أسقطني الحنين في الحب.
+++++
ربطت عيون الشمس
بالليالي
وقلت لها
حاولي ان تجديني
واجابتني الشمس-
ها انت ذا..
+++++
والعالم كله قال لي
لا يمكنك الاختفاء,
وكل الاحاسيس كذلك
-التي ربطت عيونها -
قالت لي ذلك...


752
أدب / يوجد هواء شفاف
« في: 20:14 12/02/2016  »
يوجد هواء شفاف
=============
قصيدة للشاعر روبير فرناندس ريتامار/ كوبا
===========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=================================



يوجد هواء شفاف بعطر عتيق,
وتوجد حديقة ذات اشجار عالية,
و توجد نافورة كبيرة
يطلق فيها الاطفال
زوارقهم الورقية
دون ان يعرفوا
ان الحزن ينظر اليهم
من الجانب الآخر.
ويوجد بحر
وجزيرة
وعشاق...
ومنتصف نهار أزرق
يسبح في اعماقه
مرمر عتيق.
وتوجد غابة
حمراء- بنفسجية – ذهبية
سيغطيها الثلج قريبا
( الثلج الذي شاهدته عبر زجاج النافذة
في تلك الليلة..)
وهناك ايضا
يوجد الآن قلبي...

753
أدب / ماذا نأخذ معنا؟
« في: 00:22 12/02/2016  »
ماذا نأخذ معنا؟
قصيدة للشاعر عزت سارايلفج / البوسنة والهرسك
ترجمها عن الروسية  – أ.د. ضياء نافع



الى الموعد –
باقة ورد.
الى جزيرة
غير مأهولة –
ذكريات
وأمل
بالعودة الى الناس.
الى القتال –
صورة الزوجة,
وورقة
سقطت
من شجرة
عند نافذة
البيت .
عندما نموت فقط
عندما نموت فقط –
لا نأخذ معنا شيئا
حتى ولا علبة سجائر.

754
أدب / في المطار
« في: 00:32 10/02/2016  »
في المطار
---------------
للشاعر  ر. فوبير / روسيا
-----------------------------
ترجمة – أ.د. ضياء نافع
=================

هبطت الطائرة
اخيرا,
خفق القلب
كثيرا..
قوس قزح في عينيك
اني ارى,
والتألق
يتألق..
بعد قليل
سأسمع صوتك..
اميٌزه  انا
وسط الضجيج المحيط بنا,
و..
في شفتيك-
طعم الامطار والرياح,
و..
في خصلات شعرك-
عطر التفاح.






755
عن بعض العراقيين , الذين مرٌوا بموسكو ( 18)
أ.د. ضياء نافع
   هذه الحلقة من سلسلة مقالاتي حول العراقيين الذين مروا بموسكو مكرٌسة للمرحوم مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي , والذي سبق لنا ان تناولناه في الحلقة رقم ( 6 ) حول موقف سفير العراق في موسكو آنذاك فاضل صلفيج العزاوي من الصورة التي كانت معلقة للحديثي على جدار السفارة العراقية بموسكو ضمن صور  السفراء العراقيين السابقين كافة . العودة الى هذا الاسم ضمن هذه السلسلة سببها صدور رواية في بغداد عنوانها (حفل رئاسي ) بقلم الدكتور سعد العبيدي , والذي استخدم الكاتب فيها بعض الاسماء الحقيقية في روايته تلك ومنهم مرتضى سعيد عبد الباقي الحديثي  , حيث أشار المؤلف هناك الى مسألة غريبة و جديدة جدا في موضوع استدعاء سفير العراق آنذاك في اسبانيا الى بغداد مرتضى الحديثي من قبل وزير خارجية العراق .
يرتبط مرتضى الحديثي في ذاكرتي الشخصية - قبل كل شئ- بمقابلتي له بالصدفة لاول مرة في بغداد عام 1972 , عندما كنت مترجما لوفد من صحفي بلغاريا في لقاء مع رئيس تحرير جريدة ( الثورة ) طارق عزيز في عصر احد الايام , واثناء هذا اللقاء دخل سكرتير مكتب طارق عزيز                             
واخبره بوصول السيد وزير الخارجية مرتضى الحديثي الى مقر الجريدة وانه الان متوجه اليه . قمت طبعا بترجمة ذلك للوفد الصحفي البلغاري , فاعلن رئيس الوفد رأسا انه مستعد للانسحاب من اللقاء نتيجة لذلك , الا ان رئيس تحرير جريدة الثورة رفض ذلك وقال انهم هنا حسب موعد محدد ومسبق , ولهذا طلب منهم البقاء هنا الى حين توضيح الموضوع , ودخل مرتضى الحديثي بعدئذ , وفوجئ بوجود الوفد الصحفي البلغاري , اذ لم يخبره السكرتير بذلك طبعا , وقال رأسا انه جاء بدون موعد , لهذا يرجو الاستمرار بالحوار , وجلس بهدوء في مكتب طارق عزيز ليس الا . أكمل الوفد البلغاري اللقاء( بشكل مستعجل طبعا) وخرجنا جميعا من المكتب , واخبرني الصحفيون البلغار انهم معجبون جدا بالموقف الديمقراطي والبسيط جدا لمرتضى الحديثي – وزير خارجية العراق آنذاك , وانهم سينقلون هذا الموقف وسيتحدثون حوله في الاوساط البلغارية حتما, وانهم سعداء جدا لانهم كانوا – وبالصدفة – في موقف أتاح لهم هذه الفرصة الفريدة .
النقطة الثانية - بالنسبة لي - حول الحديثي ترتبط بما حدثٌني به يوما صديقي حسين محمد سعيد الحسيني في موسكو (زميل الدراسة في كليٌة الآداب بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين) . لقد كان حسين واحدا من ابرز العراقيين الذين يتقنون اللغة الروسية ويعرف اغوارها واسرارها قراءة وكتابة ونطقا وقواعدا.. , اضافة الى انه مثقف كبير , ومتحدٌث رائع , ورجل مرح ومحبوب جدا من قبل الجميع , وقد  عمل مترجما في السفارة العراقية بموسكو عندما كان مرتضى الحديثي سفيرا هناك , ومن الطبيعي انه أصبح المترجم الشخصي للسفير , وقد أصبحا ( الحديثي وحسين ) قريبين من بعضهما , بل يمكن القول انهما اصبحا صديقين بشكل او بآخر . وعندما زار نائب رئيس مجلس قيادة الثورة عزت الدوري موسكو في تلك الفترة , اخبر مرتضى الحديثي المترجم حسين محمد سعيد – سرٌا - ان ينتبه كيف سيسخر منه عند اللقاء معه , وفعلا , طرح عليه عند اللقاء السؤال الآتي – ( هل أتيت الى موسكو من ألدور ؟) , فقال عزت – ( لا , لا , لقد سافرت الى بغداد , ومن هناك سافرت الى موسكو ) . نظر مرتضى الى حسين بشكل خاطف اثناء ذلك , وفهم حسين طبعا مغزى هذه النظرة الخاطفة من سفير العراق .
تذكرت هاتين الحادثتين حول مرتضى الحديثي  وأنا أقرأ مقاطع من مقالة كتبها الاستاذ خالد حسين سلطان ونشرها في موقع صحيفة ( المثقف ) الغراء  بعنوان ( ولادة في غرفة اعدام ) وتحدث فيها عن رواية الدكتور سعد العبيدي الموسومة – (حفل رئاسي  ...وقائع غير مروية من احداث مجزرة قاعة الخلد 1979 ) الصادرة في بغداد , وقد جاء في تلك المقالة ما يأتي-                           
... الرواية تخوض باحداث واقعية وباسماء صريحة ومنتحلة ( حسب رغبة الشهود الاحياء ) عن ما جرى في بغداد .... عام 1979  وتصفية الخصوم والمناوئين وبحسابات واجندات غريبة عجيبة , وهو ما يعرف ب ( مجزرة قاعة الخلد )....ويأتي بعدئذ مقطع تفصيلي مكتوب باسم الحديثي يصف كيف اتصل به هاتفيا وزير الخارجية العراقية وتأكيده على ضرورة الحضور الى بغداد فورا  لمقابلة الرئيس .. ثم يضيف ( فاتني ان أذكر – وبعد اتصال الوزير بدقائق – وصلني تلكس من الرئيس السوفيتي بريجنيف , بعبارات محددة – ( لا تذهب الى بغداد , توجه الى موسكو ضيفا عزيزا , الكي جي بي لديها علم بالتصفيات التي ستجري في البلاد ) , لم أعر الموضوع اهتماما , وان أقلقني حقا ..), ثم يشرح مؤلف الرواية بعد ذلك - كيف ان الحديثي اتصل هاتفيا بعد وصوله الى بغداد - بعزت الدوري وحامد الجبوري لجمع التفاصيل , وكيف انه ( لم يفهم منهما شيئا , وألحٌ كلاهما على ضرورة الذهاب الى الرئيس اليوم قبل الغد ..) ...وحدث الذي حدث ...
 من الطبيعي انني توجهت الى الذين تابعوا كل تلك االوقائع مستفسرا عن مسيرة تلك الاحداث , لما لها من علاقة مباشرة بطبيعة مقالاتي حول العراقيين الذين مروا بموسكو , والاستفسار منهم حول صحة ما جاء في تلك الرواية , فقال لي احد ابناء المرحوم مرتضى الحديثي انه لا يستطيع ان يؤكد , ان بريجنيف نفسه ام لا قد كتب اليه ذلك كما جاء في الرواية, ولكن في اوساط العائلة يسود هذا الرأي ولحد الآن  , وهو ان السوفيت قد أخبروه فعلا بعدم العودة الى بغداد لأن هناك  خطر تصفية جسدية , وانهم دعوه للسفر من مدريد الى موسكو ضيفا لديهم , ولكن من هو الذي ارسل له تلك الرسالة من موسكو الى مدريد , وكيف ارسلها اليه , ولماذا توجه مرتضى الحديثي الى بغداد من مدريد وليس الى موسكو ... فانهم لا يعلمون بالتفاصيل  حول ذلك .
وكم في تاريخ العراق من اسرار , ومن وقائع غريبة وعجيبة لا يمكن ان تخضع لمنطق الاحداث ومسيرتها !!!


756
أدب / دراسات انطباعية
« في: 14:40 07/02/2016  »
دراسات انطباعية

للشاعر لويس باليس ماتوس // بورتوريكو
ترجمها عن الروسية -  أ.د.ضياء نافع



لم تستطع -
لا سيارات المدينة
ولا مسارحها
ولا حتى ملاهيها,
ان تقتلع
جذور العشب
والاشجار
وغزارة الامطار,
التي تكمن
في اعماق
ذلك الانسان,
وفي ابتسامته
وعينيه
وطيٌات ثيابه...
وهو يتجٌول الان
مثل البصل الاخضر
في الشوارع الحجرية
للمدينة...

757
قصيدتان من أرمينيا بترجمةٌ آنٌا أخماتوفا
========================
ترجمة – أ. د. ضياء نافع
======================
استمرارا للحلقة الاولى لترجمات الشاعرة الروسية الكبيرة  آنٌا أخماتوفا للشعر الاجنبي , نقدم للقراء قصيدتين للشاعر الارمني أفيتك عيساكيان (1875 -1957 )  بترجمة أخماتوفا .
ض. ن.

العاشق
+++++++

مغنٌي أنا,
طير في العلى ,
ثروات ألارض كلها
لا حاجة لي بها
أنا.
+++
أعشق الزهور
والحسناوات
في ربيع العطر والشذى,
والهمس الرقيق
أعشقه أنا,
والاغاني الحزينة
في الهدوء والسكينة...
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

النجم والحب
+++++++++

مدويٌا سقط النجم
من السماء
على صدر الارض,
لكن الارض
احتضنته
بصمت وخفوت ,
وهكذا ينتهي
طريق النجم
ويموت.
+++++++
اندفعت اليك أنا
باغنية رقيقة
وحارٌة
مثل الدماء,
وحبٌي
كان ينبض بالحياة,
ولكنك
كنت خرساء
وبلا حياة .



758
أدب / اعتراف
« في: 20:52 03/02/2016  »
اعتراف
-------------------------------------
للشاعر  ارنستو  كاردينال / نيكاراغوا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع





لأني ضيٌعتك ,
كلانا خسرنا-
أنا,
لأني لم أحب أبدا
مثلما أحببتك,
وأنت,
لأنه لن يحبك أحد
مثلما احببتك
أنا.
ومع ذلك,
أنت خسرت أكثر,
اذ اني
استطيع ان أحب
واحدة اخرى
ذلك الحب
نفسه,
بينما
لن يحبك أحد هكذا
مثلما
احببتك أنا..




759
حول سفيتلانا ابنة ستالين

أ.د. ضياء نافع


قرأت قبل فترة  مقالة جميلة بقلم الاستاذ سمير عطا الله في جريدة الشرق الاوسط اللندنية بعنوان ( خارج الموضوع ..صلب القضية ) عن الصحافي اللبناني سليم نصار , وفي نهاية تلك المقالة جاء ما يأتي –
 ( ...ويروي كيف التقى ذات يوم على مدخل المبنى الذي يقع فيه منزله امرأة بائسة. سلٌم عليها وسألها ان كان في استطاعته ان يساعدها في شئ . اجل , قالت المرأة البائسة , انها في حاجة الى ألف جنيه استرليني لأن المساعدة الاجتماعية التي تتلقاها قد نفذت. السيدة كانت سفيتلانا , ابنة ستالين ).
أثارت هذه السطور اشجاني واحزاني  بكل معنى الكلمة , وأخذت أستعرض الاحداث المرتبطة بتلك المرأة في ذاكرتي مثل شريط سينمائي يعرض امامي ,منذ
اللحظات التي سمعت بها خبر هروب سفيتلانا ابنة  ستالين من الاتحاد السوفيتي حينئذ  عام 1967, حيث كنت آنذاك طالب دراسات عليا في جامعة باريس , وتذكرت كيف كانت ردود فعل اللاجئين الروس هناك وفرحهم  الكبير و العارم وغير الاعتيادي بهذا الحدث المثير جدا , اذ انه كان يعني – بالنسبة لهم – اشارة واضحة المعالم ( رغم انها جاءت متأخرة جدا ) تؤكد صحة قرارهم المصيري والحاسم حول رفضهم ثورة اكتوبر 1917 في روسيا والهجرة من وطنهم  الى الغرب , وتذكرت ايضا وجوم كل القوى اليسارية الفرنسية عموما وخيبتهم وهم يتلقون هذا الخبر ,  وتذكرت وجوم اليساريين العرب بشكل عام و من كل الاتجاهات ( الذين كانوا يحيطوننا في باريس ) عندما سمعوا بهروب ابنة ستالين الى الغرب , وتذكرت عناوين الصحف الفرنسية والصور المتنوعة المنشورة فيها حول كل ذلك , وتذكرت صحيفة ( روسكايا ميسل)( الفكر الروسي ) الروسية , والتي كانت تصدر في باريس آنذاك , والناطقة باسم اللاجئين الروس , وتذكرت ان احدى بنات تولستوي في امريكا- كما جاء في الاخبار حينها – قد استقبلتها و دعتها للعشاء هناك , وكيف كانت مواقف اللاجئين الروس حول ذلك العشاء على الارض الامريكية وتعليقاتهم  بشأن   لقاء ابنة  كاتب الارض الروسية العظيم تولستوي بابنة  ستالين , هذا اللقاء الذي لم يكن يخطر طبعا لا ببال تولستوي  او  ستالين حتى بالاحلام او الكوابيس !  وتذكرت كيف اننا - بعد فترة وجيزة نسبيا - تلاقفنا الكتاب الذي اصدرته سفتلانا بعنوان – (عشرون رسالة الى صديق ), والذي صدر بعدة لغات اوروبية , وتذكرت خيبة الامل عند معظم القراء بعد مطالعتهم لهذا الكتاب ( وانا منهم طبعا , اذ قرأته بالروسيُة ), لأننا لم نجد فيه جوابا توضيحيا شافيا ومقنعا ومنطقيا بتاتا عن سبب هروب ابنة ستالين من وطنها, وتذكرت كتابها الثاني الموسوم ( سنة واحدة فقط ) والذي صدر بعدة لغات ايضا , بما فيها العربية ( سمعت انه صدر في لبنان بالعربية في حينها , ولكني لم اطٌلع عليه ). قرأت انا هذا الكتاب بالروسية ايضا , ولكن دون حماس كبير( بعد خيبتي بشأن كتابها الاول ! ) . و اتذٌكر الان منه فقط  بعض مقاطعه ليس الا, و منها - موقفها تجاه سفير مصر آنذاك في موسكو الدكتور مراد غالب , وكيف انها مدحته وأشادت بثقافته واعتبرته عميدا للسلك الدبلوماسي بموسكو , وتحدثت عن معرفته العميقة للغة الروسية وآدابها واحترام جميع الاوساط السوفيتية الرسمية والاجنبية له , بما فيها سفيتلانا نفسها طبعا ( انظر مقالتي بعنوان غوركي ومراد غالب ) , و أتذكٌر كذلك مقطعا عن  الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت , الذي كتبت عنه انه حالم جميل اصطدم بالواقع السوفيتي الرهيب ( انظر مقالتي بعنوان ناظم حكمت وروسيا ). لقد بحثت  أنا عندئذ في ثنايا ذلك الكتاب عن اشياء جديدة في تاريخ الاتحاد السوفيتي واسراره , كنت أظن انه ربما كانت تعرفها ابنة ستالين بالذات , ولكني لم اجد تلك الاشياء , ولم أجد معلومات جديدة ومخفية عن ستالين , هذه الشخصية المتميُزة في مسيرة الاحداث الهائلة تلك , اذ اننا جميعا كنٌا نعلم انه شخصية بسيطة من حيث ثقافته ومتطلبات حياته , وقاسية وشديدة ومعقدة ودموية في آن واحد بالنسبة لادارته للدولة , وان الصراع الذي كان يجري حوله معروف , وان ( اللعنة ) التي كانت تؤكٌد عليها في كتابها ذاك تكمن  في كونها ابنة ستالين , وهي لعنة لاحقتها طوال حياتها طبعا , وان ظاهرة ابناء الكبار ليست جديدة في التاريخ الانساني, اذ ان هذا الموقع والارتباط العائلي ينعكس حتما على مصائر هؤلاء الابناء و مسيرة حياتهم .
بعد كل تلك السنوات , منذ هروب سفيتلانا من الاتحاد السوفيتي والضجٌة العالمية التي أحدثتها آنذاك, الى عودتها مرة اخرى الى موسكو زمن غاربوتشوف , والى رجوعها الى الغرب ثانية , والى تصريحات ابنتها بانها لا تعترف بها ولا ترغب ان تراها , و الى زواجها مرة اخرى واخرى في الغرب , و الى حياتها التعيسة والبائسة والمنبوذة  هناك ,و الى شجب الروس عموما  لتصرفاتها , و الى نسيانها ,و الى وصولها الى تلك الوضعية المؤلمة , و الى ان يصل الامر ان يكتب صحافي عربي عنها انها تطلب منه مبلغا من المال لان المساعدة المالية قد نفذت , و الى كل هذا البؤس والفاقة , و الى وفاتها اخيرا (2011)  في امريكا وقد طواها النسيان , وهي الابنة الوحيدة لستالين, و التي ولدت في موسكو عام 1926 ...
كم يبدو ذلك الحدث التاريخي - من بدايته الى نهايته - مؤلما ورهيبا وقاسيا  وتراجيديا بالنسبة لابنة  شخص مثل ستالين , الذي حكم الاتحاد السوفيتي لثلاثين سنة تقريبا وخرج منتصرا  في الحرب العالمية الثانية ( رغم كل ما قيل و يقال عنه  وما يرتبط به من احداث جسام ووقائع هائلة  ! ), والذي لا يزال اسمه يثير الكثير من النقاشات والصراعات  لحد الآن في روسيا وخارجها.
   وكم يبدو ذلك الحدث التاريخي ايضا درسا عظيما للانسانية ...
 

760
قصيدتان للشاعر باي هوا / الصين

ترجمها عن الروسيٌة  - أ.د.ضياء نافع



المجد لٌليل
+++++++++++++

المجد للٌيل الملئ بالعظمة,
لقد محا
كل الحدود
بين البشر,
واضرم
الكثير من القناديل
فوق البشر.



الفراشات
+++++++++++++

بين كل ألاحياء

امجٌد انا
الفراشات
التي تحلٌق فوق النار-
فهي الوحيدة بين ألاحياء
التي تموت
في أحضان الضياء.

761
المنبر الحر / أصدقاء بوشكين
« في: 23:31 31/01/2016  »
أصدقاء بوشكين
أ.د. ضياء نافع
استلمت هدية جميلة ورائعة من زملاء الدراسة بجامعة موسكو في ستينيات القرن الماضي , و هي عبارة عن كتاب روسي عنوانه – ( اصدقاء بوشكين ) من تأليف فيكتور فلاديميروفتش كونين ( والذي كتب في الصفحة الرابعة داخل الكتاب اسمه وأشار الى ان الكتاب من اعداده وتهميشه ليس الا انطلاقا من تواضع العلماء طبعا ). الجزء الاول  من الكتاب يقع في 639 صفحة من القطع المتوسط , و الجزء الثاني يقع في 639 صفحة ايضا من نفس القطع ( ويا لها من مصادفة غريبة ! اذ لا اظن انها جاءت متعمدة ) , وكلاهما صادران  في موسكو عام 1986 عن دار نشر(برافدا).
 يتناول هذا الكتاب ثلاثين صديقا لبوشكين , ويتحدث عن علاقة الشاعرمعهم , ويستند الباحث الى الرسائل المتبادلة بينهم والى قصائد محددة كتبها بوشكين حولهم والى مصادر عديدة اخرى من كتب ومجلات وصحف ومذكرات اناس عاصروا  تلك الفترة ...الخ من المراجع المتنوعة الاخرى . انه كتاب  فريد من نوعه فعلا , وهو  - حسب فكرته وصياغته الفنية هذه ومضمونه - يجسٌد بحثا علميا محددا و دقيقا ومبتكرا واصيلا وجميلا بكل معنى هذه الكلمات , و ذلك لأنه يعتمد على وثائق مدٌونة - وليس خواطر وتأملات – حول بوشكين ,  شاعر روسيا الاول عبر كل العصور , ويستخلص الباحث منها استنتاجاته العلمية الدقيقة . كم اتمنى ان أجد يوما - ما بالعربية كتبا مماثلة لهذا الكتاب تحمل عناوين مثل – أصدقاء أحمد شوقي // أصدقاء الجواهري // أصدقاء السياب // أصدقاء نزار قباني ... الخ , اذ ان ذلك سيعني اضافة نوعية ومعمقة لدراسة ادبنا وفكرنا  .
يثبٌت المؤلف في الصفحة الاولى من كتابه مقطعا من قصيدة بوشكين وهو- ...أصدقائي وموهبتي ....
هم سلوتي... 
وهو اختيار دقيق وطريف حقا , اذ ان القارئ يكتشف – بعد الاطلاع على الكتاب طبعا – ذلك الدور الكبير لاصدقاء بوشكين في مسيرة حياته وانعكاس تلك العلاقات الواسعة على ابداعه .
لا يمكن بالطبع لهذه المقالة ان تعرض هذا العدد الكبير من اصدقاء بوشكين , ولكننا نود ان نتوقف عند البعض منهم ليس الا . يبتدأ الكتاب بعرض اصدقاء الصبا والمدرسة والاقارب طبعا , ويتوقف اولا عند عم بوشكين وهو فاسيلي لفوفيتش بوشكين (1766-1830)  والذي كان شاعرا معروفا في زمانه , وعلى الرغم من الفارق الكبير في العمر بينهما ( هو أكبر من بوشكين بثلاث وثلاثين سنة ) , الا ان تأثيره على شاعرية بوشكين كانت كبيرة جدا بشهادة كل نقاد ومؤرخي الادب الروسي , لهذا يرى الباحث انه أوٌل الاصدقاء . يتوقف الباحث بعدئذ عند اخت الشاعر التي كانت أكبر منه بسنتين واسمها اولغا , والتي كتب لها بوشكين قصيدة طويلة عندما كان عمره 15 سنة ليس الا بعنوان ( الى اختي ) يتناول فيها بشكل جميل كل ذكرياتهما, وقد بدأت واضحة في تلك القصيدة خصائص بوشكين الشعرية من بساطة التعبير ورشاقة الكلمات وصولا الى ( السهل الممتنع ) , هذا الاسلوب البوشكيني الجميل .  هناك شخص آخر من عائلة بوشكين يدخل ضمن الاصدقاء وهو أخ  بوشكين الاصغر منه واسمه ليف سيرغييفتش بوشكين , الذي ولد بعد ست سنوات من ولادة الشاعر .  لقد كان بوشكين يكتب لأخيه رسائل صريحة وتفصيلية عن كل شئ يخطر في عقله  وقلبه وروحه من افكار وأحداث لدرجة , ان بعض الباحثين في أدب بوشكين يؤكدون ان هذه الرسائل هي  المصدر الاول في دراسة ابداع بوشكين وتحليله, وكان بوشكين يعرف بالطبع أهمية تلك المراسلات , لهذا أوصى زوجته ان تعطيها لابنه الاكبر عندما يبلغ عمره 18 سنة . يتوقف الباحث بعدئذ عند مربٌية بوشكين واسمها ارينا روديونفنا ياكوفليفا ( 1758 – 1828), ويعدٌها ضمن الاصدقاء الذين تأثٌر بهم بوشكين , اذ انه سمع منها الاغاني الروسية والحكايات الشعبية, وحتى ان بوشكين كتب عنها في احدى قصائده قائلا انها – ( صديقة الايام الجهمة), وذكرها عدة مرات في قصائد اخرى , بل توجد لوحة زيتية مشهورة في الفن التشكيلي الروسي تمثٌل بوشكين ومربيته ياكوفليفا , وقد تكلٌم مؤرخو الادب الروسي عن دورها في بلورة آراء بوشكين حول روسيا وابداعه , خصوصا في سلسلة حكاياته الشعبية الروسية .  الاسم الآخر الذي يتوقف عنده الباحث في هذا الكتاب هو انطون انطونفيتش ديلفغ ( 1798- 1831) , الذي أشار بوشكين في احدى رسائله الى انه  ( لم يكن احد قريب لي أكثر منه ..) , وربما توجد في هذه الكلمات مبالغة وعواطف , اذ ان بوشكين كتبها بعد موت ديلفغ مباشرة , ولكنها في كل الاحوال تعني شيئا – ما حتما , بل وانها تؤكد- بغض النظر عن كل شئ -  ان علاقتهما كانت قوية فعلا. ينتقل الباحث بعد ذلك الى اسم كبير في تاريخ الادب الروسي وهو فاسيلي اندريفتش جوكوفسكي (1783- 1852) , والذي يرتبط اسمه في تاريخ الادب الروسي بالرومانسية باعتبارها مدرسة ادبية متميزة في مسيرة ذلك الادب , اضافة الى انه يعد من أبرز المترجمين الروس , والذي ترجم ملاحم الادب العالمي الى الروسية مثل ( الاوديسيه ) لهوميروس و( الشاهنامه) للفردوسي وغيرها . لقد لاحظ جوكوفسكي عبقرية بوشكين منذ بداياتها , وأخذ يرعاه , وعندما كان شاعرا للبلاط القيصري ومعلما لابن القيصر دافع عن بوشكين دائما في تلك الاوساط , ومعروفة قصة اهداء صورته الى بوشكين , والتي كتب عليها ( الى التلميذ المنتصر من المعلم المندحر ) . لقد خصص الباحث ستين صفحة باكملها لعلاقات الصداقة بين جوكوفسكي وبوشكين , ونشر الباحث هناك قصيدتين لبوشكين الاولى بعنوان ( الى جوكوفسكي ) والثانية بعنوان ( نحو بورتريه جوكوفسكي ) , و نشر كذلك قصيدة جوكوفسكي عن بوشكين وهي بلا عنوان , يصف فيها وقفته التأملية عند جثمان بوشكين , وهناك مقاطع عديدة من الرسائل المتبادلة بينهما , وكذلك من رسائل جوكوفسكي الى اصدقاء آخرين له يتحدث فيها عن بوشكين وجمالية قصائده ويسميه ( عبقري مدهش ...) ويطلب منه في رسالة عام 1825 ان يتفرغ كليا للشعر كي يمنح الادب الروسي ( نتاجا خالدا ) . ينتقل الباحث بعدئذ الى عدة اسماء اخرى كبيرة في تاريخ الادب الروسي منها – فيازيمسكي و تشادايف وكارامزين وغيرهم . لا يمكن بالطبع ايجاز علاقات بوشكين بتلك الاسماء البارزة من الادباء وانعكاس كل ذلك في ابداع بوشكين او في النتاجات المتشعبة لهؤلاء الادباء والمفكرين الكبار, او في مسيرة الادب الروسي وتاريخه بشكل عام , وانا على قناعة تامة ان علاقة بوشكين بكل واحد من تلك الاسماء تتطلب مقالة خاصة منفصلة , واتمنى ان تسمح ظروفي لتحقيق ذلك لاحقا من اجل اغناء الدراسات العربية حول بوشكين واهميته في الادب الروسي .


762
المنبر الحر / حديث مع فيرا (2)
« في: 22:29 30/01/2016  »
حديث مع فيرا (2)
أ.د. ضياء نافع
...وانتقلنا بالتدريج من الحديث عن الشعر الروسي واعلامه الى الحديث عن وصف الطبيعة عند تورغينيف واقتراب اسلوبه من الشعر, اذ  ان تورغينيف هو الذي اطلق مصطلح – ( قصيدة بالنثر )( وهذه هي الترجمة الحرفية والدقيقة للمصطلح ) في الادب الروسي اواسط القرن التاسع عشر آنذاك وأصدر ديوانا كاملا يحتوي على تلك القصائد , فقالت فيرا ان وصف الطبيعة الروسية باسمى وارفع و أجمل صورها  الفنية موجود عند شولوخوف في روايته العملاقة – ( الدون الهادئ ) وليس عند تورغينيف , على الرغم من ديوانه – ( قصائد بالنثر ) وكتابه الشهير – ( مذكرات صياد ) . تعجبت انا من هذا الرأي الجديد بكل معنى الكلمة بالنسبة لي , وحاولت ان اعرض وجهة نظري حول ذلك , وقلت لها ان وصف الطبيعة الآٌخٌاذ عند تورغينيف – على ما أظن – قضية معروفة جدا ومشهورة في تاريخ النقد الادبي الروسي ولكل القرٌاء بشكل عام , فقالت باصرار – لا توجد امور محسومة في هذا المجال , وهناك العديد من الآراء حول هذه المسائل . اتفقت معها طبعا بشأن عدم امكانية حسم الامور في العلوم الانسانية بشكل قاطع كما هو الحال في العلوم البحتة, لكني مع ذلك ذكٌرٌتها , ان اسم شولوخوف  يرتبط في وعي القارئ ( الروسي والاجنبي) اولا وقبل كل شئ بمفهوم (حزبية الادب) في الاتحاد السوفيتي اكثر من اي شئ آخر , وهو مفهوم ايديولوجي سوفيتي بحت وقد مضى وانتهى تماما في الوقت الحاضر , فقالت ان المزج بين السياسة والادب في روسيا قد أدٌى الى نتائج سلبية و ضارٌة جدا في هذا المجال , وأشارت الى ان شولوخوف كتب روايته ( الدون الهادئ ) في بداية العشرينيات من القرن العشرين , عندما لم يكن للحزب الشيوعي السوفيتي السيطرة الايديولوجية الكاملة والمطلقة في روسيا , فقلت لها مقاطعا – و عندما كتب رواية – (الارض البكر حرثناها) ؟, فقالت نعم هذا صحيح ولكني أقول لك اني شعرت - وانا أقرأ تلك الرواية - بسخرية الكاتب بين السطور, وان شولوخوف يبقى في كل الاحوال كاتبا روسيٌا كبيرا ومتميٌزا جدا, فقلت لها طبعا هو كذلك , وانا متفق معك كليٌا , وحكيت لها عن زيارتي لمتحفه الجديد الرشيق في الطابق الاول بمقر اتحاد ادباء روسيا بموسكو .   الحديث عن ظاهرة مزج السياسة بالادب جرٌنا الى  باسترناك وروايته – ( دكتور زيفاغو ) باعتباره خير مثل عن تلك الظاهرة, وكيف منحته أكاديمية السويد جائزة نوبل للآداب , وقالت فيرا ان منحه هذه الجائزة لم يكن موضوعيا ابدا , وانه عمل سياسي استفزازي ليس الا  , وان ذلك قد تمٌ في عصر آخر تماما , واعلنت فيرا انها لا تتقبٌل أشعار باسترناك ولا تجد فيها تلك الجمالية التي يتحدثون عنها , عدا تلك القصائد الملحقة بروايته – ( دكتور زيفاغو ) , وانها بشكل عام لا تتصور ولا تفهم  كيف منحت الاكاديمية تلك الجائزة له مستندة الى كتاب واحد هو رواية ( دكتور زيفاغو ) دون الأخذ بنظر الاعتبار مجمل مسيرته الابداعية ؟ . اتفقت معها حول كل تلك الاستنتاجات , وقلت لها انني نشرت مقالة حول ذلك في الذكرى ال (120) لميلاد باسترناك , وان بعض الكتٌاب الروس تحدثوا هناك حول هذا الموضوع وطرحوا نفس وجهة النظر تلك . وتحدثٌنا في هذا الخصوص طبعا عن جائزة نوبل التي تم منحها الى بعض الادباء الروس , وكان اولهم – كما هو معروف – بونين , وقالت فيرا – لقد كان من المفروض ان يمنحوا تلك الجائزة الى مكسيم غوركي باعتباره ابرز كاتب روسي في تلك المرحلة , وانه كان يستحقها بجدارة لمكانته في الادب الروسي منذ نهاية القرن التاسع عشر  , او ان يمنحوها الى كوبرين , ولكنهم منحوها الى بونين متعمدين ( لمواقفه السياسية طبعا , وليس لابداعه الادبي) , قلت لها اني نشرت عدة مقالات حول هذا الموضوع  , ولكن ليس بهذه الروحية المتطرفة التي تنطلقين منها , اذ ان بونين كان ايضا اديبا روسيٌا متميٌزا, وانه ( آخر العنقود ) في قائمة الادباء الروس الكبار , رغم مواقفه السياسية , قالت نعم ولكن لا يمكن مقارنته بغوركي ابدا لا من قريب ولا من بعيد , و لا بدوره في تاريخ الادب الروسي ومكانته المتميٌزة فيه . وجاء دور الكاتب  سولجينيتسن في حديثنا ,  باعتباره مثل آخر حول ربط السياسة بالادب . قالت فيرا انها لا تتقبله بتاتا , وانه صحفي سياسي وليس اديبا اذ ان اهم عمل قدٌمه لنا هو – ( أرخبيل الكولاك ) وهو كتاب وثائقي مهم عن السجناء السياسيين السوفيت , و لكن لا علاقة له بالادب  , ولا تعتبر روايته – ( العجلة الحمراء ) ضمن روايات الادب الروسي اصلا , وسخرت فيرا جدا من اقوال سولجينيتسن حول مقارنة نفسه بتولستوي كما اعلن هو نفسه يوما , قلت لها ان موقفها هذا لا يتناسب ولا يتناغم مع الموقف العام تجاه هذا الكاتب العالمي الشهير , فقالت انها لا تهتم بذلك بتاتا , وان هناك الكثير من القرٌاء الروس يشاطرونها هذا الرأي . سألتني متحدٌية – هل قرأت نتاجاته ؟ قلت لها نعم , وانا معجب جدا بروايته – جناح السرطان , وحتى اني ترجمت فصلا من روايته – (في الدائرة الاولى ) ونشرتها آنذاك في مجلة ( الاقلام) العراقية, وان أجواء نتاجاته كانت تتناغم مع أجواء العراق السياسية والاجتماعية في تلك المرحلة من تاريخنا العراقي المعاصر, ولهذا حاولت التركيز على اسمه في العراق آنذاك , وترجمت الحوار الشهير, الذي  اجرته معه مجلة (تايم ) الامريكية ونشرته في مجلة ( آفاق عربية ) العراقية المعروفة والمهمة في ذلك الزمن , وأعدت نشر هذا الحوار في عدة اصدارات عربية اخرى , وادخلت اسمه في عنوان كتاب لي – ( من بوشكين الى سولجينيتسن ) الذي أصدرته في بغداد عام 2000 , والذي أردت ان أقول عن طريق هذا العنوان ان سولجينيتسن يمثٌل مرحلة محددة في تاريخ الادب الروسي , وانني قمت بتعريف طلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد بنتاجاته ودوره اثناء تدريسي لمادتي الرواية الروسية وتاريخ الادب الروسي  . سألتها – هل تعرفين مواقفه من شولوخوف ؟ وانه يتهمه بانه لم يكتب رواية – ( الدون الهادئ ) , وانما كتبها شخص آخر ؟ ضحكت فيرا وقالت – ان سولجينيتس شخص حقود جدا وكان يغار أشد الغيرة من شولوخوف ويحسده بشكل رهيب , واراد ان يطعن به ويقلل من شأنه , وان اتهامه هذا لا اساس له من الصحة بتاتا ولم يستطع اثباته ابدا , وان هذا الرأي الساذج قد نسيه الآن القراء تماما, رغم التطبيل له في اصدارات الروس خارج روسيا في حينها, وان شولوخوف لم يرد على هذه التخرصات ابدا, وهو موقف اخلاقي وفكري يعني ما يعنيه , وذكرت فيرا ان سولجينيتسن تنكٌر لفضل الكثيرين من الادباء الروس الذين ساعدوه وساندوه في بداية مسيرته الادبية , وان هذا مؤٌشر لا يقبل النقاش حول نفسيته وطموحاته المريضة , وانه عندما عاد الى روسيا من امريكا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , أخذ يتصرف وكأنه زعيم سياسي او رئيس حزب يتهيأ لخوض انتخابات قادمة , وتدخل في كثير من الامور البعيدة جدا عن مجالات معرفته وتجربته ومسيرته الحياتية , وتحدثت فيرا بعدئذ  بأسى عن موقف أرملته الآن ودورها وتدخلها غير العلمي في شؤون التربية والتعليم في روسيا , وقالت ان هناك عدم رضى بين الاوساط الاجتماعية والثقافية الروسية تجاه ذلك الدور السلبي , والذي تقوم به بأسم سولجينيتسن مع الاسف .
حديثي مع فيرا لم ينته , اذ تناولنا تولستوي ودستويفسكي وتشيخوف باعتبارهم ( ادباء الدرجة الاولى  في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) كما اسمتهم فيرا , والتي رفضت – وباصرار - اضافة تورغينيف اليهم , وتحدثنا عن تاريخ روسيا المتشابك و قياصرتها, وتوقفنا عند بطرس الاعظم ( وكيف لعنت فيرا سلف سلفاه ) و و و ..

763
أدب / الغضب
« في: 19:01 29/01/2016  »
الغضب                               

قصيدة للشاعر موليسكيس / قبرص
ترجمها عن الروسية - أ.د. ضياء نافع



لن تخيفونني ,
 كفٌوا عن ذلك,
اني لا أخافكم.
أعيدوا لي

الضحك
الذي سرقتموه,
أعيدوا لي
اخي
الذي أعتقلتموه,
او
في الاقل
أعيدوا لي
جثمانه ,
او
قولوا لي
أين دفنتموه؟


764
ثلاث قصائد للشاعر الامريكي لانكستون هيوز
ترجمها عن الروسية - أ.د. ضياء نافع
لانكستون هيوز (1902- 1967)- شاعر وقاص وروائي ومترجم وباحث في فن الزنوج وتاريخهم, ويعد من ابرز الادباء السود في الولايات المتحدة الامريكية.
ض.ن.



رائع هو الليل
+++++++++++++

رائع هو الليل,
انه
وجه شعبي.
+++
النجوم رائعة,
انها
عيون شعبي.
+++
رائعة
هي الشمس,
رائعة
روح شعبي.





الغروب
+++++++++++++
 
تغرب الشمس,
وانا اغني لها
الاغاني,
تغرب الشمس,
وانا اغني عنها
الاغاني,
وعندما يحل الغروب
يأتي الحزن
ويملأ
تلك الاغاني.


صورة لشاب ذي جلد معتم مرسومة باسلوب غوغان
+++++++++++++++++++++++++
 

تدق طبول الغابات
بعنف
في دمي,
وتتلامع اقمار الغابات
-الاقمار الحارة الوحشية-
في روحي.
اني اخاف من هذه الحضارة
القاسية         
الباردة     
القويٌة...


765
أدب / اللون الابيض – حبيبي
« في: 22:38 26/01/2016  »
اللون الابيض – حبيبي


للشاعرة الروسية - ف. سامسونفا
ترجمة – أ. د. ضياء نافع


نشرت صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا (الجريدة الادبية ) الروسية هذه القصيدة عام 2008 في صفحة (ادب الشباب ) وقدمتها قائلة – انها لطالبة في كلية الصحافة, ولا توجد لدينا معلومات اخرى عن هذه الشاعرة.
ض.ن.




احب اللون الابيض,
فيه جمال ونقاء,
وعلى الثلج الابيض
تبقى الآثار بيضاء,
والغيمة البيضاء
لا تحجب الشمس والضياء,
والازهار البيضاء
الى القلب
اقرب...
......
عند حبيبي
عينان سوداوتان
وشعر اسود,
لكن قلبه
ابيض,
لهذا احبه انا
وسارتدي له اليوم
ملابسي البيضاء
كي نسير معا
نحو تلك الاجواء
المغطاة الان
بالثلوج البيضاء...

766

قصائد كورية بترجمة آنا أخماتوفا

ترجمة – أ.د. ضياء نافع

قصائد مختارة للشاعر الكوري يون سون دو  من ديوان ( الشعر الكوري الكلاسيكي ) الذي ترجمته الى الروسيٌة الشاعرة الكبيرة  آنٌا أخماتوفا ونشرته عام 1956 في موسكو, وعليه  فانها قصائد مترجمة عن الترجمة , واهديها – استفزازا  وحُبا – الى كل الذين يقولون ان ترجمة الشعر هي خيانة , و بالتالي فان ترجمة الترجمة هي خيانة مزدوجة !!
المترجم

 
  ألقمر

ضئيل هو في السموات
لكنه يضئ كل الكائنات.
أين نجد مثل هذا القنديل
الذي يجعل الظلام الحالك – منير؟
انه ينظر الينا بصمت حزين
مثل صديق مخلص امين.
***

 ماء النهر

رائع لون الغيوم
لكنه أسود يكون
بعض الاحايين.
رائق صوت الرياح
لكنها تخفت
بعض الاحايين .
ماء النهر
متدفق ورائع
كل الاحايين.
***

ألحجر

ألزهرة
تتفتح وتزهر
ثم تذبل.
العشب أخضر
ثم الى أصفر
يتحول.
فقط الحجر
في هذا العالم
لا يتغير.
***

ألقصب

لايشبه الاشجار
بتاتا,
ولا يشبه الاعشاب
بتاتا.
أجوف- داخله,
صلب – خارجه,
ولأنه
دائم الخضرة
فاني أعشقه.

767
عن بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو ( 17)
أ.د. ضياء نافع
التقيت الرسام التشكيلي حسين الجمعان بالصدفة في موسكو قبل ايام , وتحدثنا طويلا  وتفصيلا وبشكل ممتع جدا . سألته طبعا قبل كل شئ عن انطباعاته ورأيه  بشأن مقالتي عنه بعنوان – ( العراق في معرض تريتياكوفسكي بموسكو )  والتي كانت تدور حول معرضه الفني في تلك القاعة الشهيرة , اذ اني استلمت العديد من الرسائل والاستفسارات عن تلك المقالة. ابتسم حسين الجمعان وقال انها مقالة موضوعية و جميلة و شاملة وتتضمن معلومات مفيدة  للقارئ العربي حول تاريخ تلك القاعة واهميتها في تاريخ روسيا الفني  , لكنه  لم يكن راضيا , بل وحتى اعترض على تسميته في تلك المقالة ب ( الفنان الشاب ) , فضحكت أنا وقلت له انه شاب بالنسبة لعمري وليس لعمره اولا , ثم انه لا زال (شابا من وجهة نظري ! ) في مسيرته الفنية ثانيا رغم كل النجاحات التي حققها في هذا المجال . استفسر حسين عن مضمون الرسائل التي استلمتها من القراء حول تلك المقالة , فأخبرته انهم كانوا يستفسرون كيف استطاع هذا الفنان ( الشاب !) ان يصل الى عرض لوحاته في تلك القاعة المعروفة  والمشهورة عالميا ؟ فقال ان تلك القاعة قد عرضت فعلا لوحات رساميين تشكيليين عراقيين كبار قبله مثل محمود صبري وخالد الجادر وغيرهم في زمن الاتحاد السوفيتي , وانه عرض لوحاته هناك بفضل  (الاتحاد الدولي لدعم الفنانين ), والذي اصبح عضوا فيه بعد مشاركته في معرض روسي في بيت الصداقة بموسكو في حينها , وكان رئيس هذا الاتحاد حاضرا في ذلك المعرض  واعجبته بعض اللوحات ذات الطابع الشرقي البحت وتناسق الحروف العربية  الجميلة في ثناياها , والتي اقتنى بعضها , واقترح عليه الانتماء الى هذا الاتحاد , وهكذا اصبح حسين الجمعان عضوا فيه , وقد ساعده ذلك  الاتحاد على توسيع نشاطه الفني والمشاركة في معارض عديدة في روسيا وحتى خارجها , ومنها تلك المشاركة في معرض باحدى قاعات متحف تريتياكوفسكي الشهير بموسكو , والذي كان يهدف لمناهضة الارهاب العالمي والمشاركة بالعمل ضده  , وانه اشترك بلوحة عنوانها – ( حمورابي ضد الارهاب ) , والتي فازت بالجائزة الثانية عندها , والتي كان من المفروض ان يسافر مع تلك اللوحة الى الفاتيكان للمشاركة في مسابقة عالمية  هناك ولكن مرضه – مع الاسف – حال دون ذلك .
حسين الجمعان - عراقي أصيل من منطقة الوشاش الشعبية المعروفة  في بغداد, وهو فنان متعدد المواهب  الفنية بلا شك , وأذكر انه ساهم بشكل هائل وكبير في حفل تدشين تمثال الجواهري النصفي في جامعة فارونش الروسية عام 2009 ,والذي أقامه مركز الدراسات العراقية – الروسية في تلك الجامعة  عندما كنت رئيسا لذلك المركز , وكيف انه قدٌم في تلك الاحتفالية ( اضافة الى مساهمته الفعالة والكبيرة  في معرض الفن التشكيلي العراقي المعاصر, الذي تم افتتاحه اثناء ذلك  ) كلمة حول الجواهري  , و قرأ مقطعا (على شكل اغنية على الطريقة العراقية ) من قصيدة الجواهري المشهورة  - ( حييت سفحك عن بعد فحييني ,,, يا دجلة الخير يا ام البساتين ) , وأذكر ان المواطنة الروسيٌة الموظفة في جامعة فارونش  تتيانا فاسيلفنا قد بكت وهي تستمع اليه , وسألتني بعد الحفلة , عن هذا المقطع الذي  استمعت اليه , وعن هذا الذي ألقى - وهو  يغنٌى بشجى - تلك الكلمات العربية  عن الجواهري , فترجمت  لها معاني تلك الكلمات وسالتها – لماذا بكيت وانت لم تفهي معاني تلك الكلمات , فقالت انها احست بحزنها العميق , وان طريقة الالقاء والاداء  حرٌكت في اعماقها كل الحزن المتراكم في روحها وقلبها بفضل هذا الاداء الفني الرائع لحسين الجمعان , وقد كنت مندهشا جدا لكلماتها تلك ( وفخورا  بها ايضا ) وأخبرت حسين الجمعان بها طبعا .
شاهدت الجمعان مرة اخرى في الحفل الذي أقامته السفارة العراقية بموسكو لمناسبة الذكرى ال (71) للعلاقات العراقية – الروسية ( انظر مقالتي بعنوان – العلاقات العراقية – الروسية ..71 عاما ), وكان آنذاك يقوم بدور جديد بالنسبة لي ..لقد كان عريف الحفل عن الجانب العراقي  جنبا لجنب مع الفنانة الروسيٌة , وكان متألقا وجميلا وهو  يرتدي الوردة البيضاء مع بدلته الرسمية السوداء ويعلن بالعربية اسماء الفنانين المشاركين بتلك الحفلة الجميلة المتميٌزة وادوارهم  وما سيقدموه لنا , وقد اعجبني هذا الدور الجديد له في مجال فني عراقي – روسي بموسكو وتلك الثقة الكبيرة  بالنفس وهو يؤٌدي ذلك الدور امام جمهور عراقي – روسي كبير , رغم انه ( بعض الاحيان ) كان لا يلاحظ ( وسط هذا التوتر والضجيج ) انه ينصب المرفوع ويرفع المنصوب  بعفويته وتلقائيته الجميلة , ولكن ذلك لم يعرقل ابدا  تقبٌلنا له ونحن نستمع اليه ونصفق له بكل حب.
سألني أحدهم – من هو حسين الجمعان قبل كل شئ ؟ قلت له انه عراقي موهوب استطاع ان يكتشف نفسه ومواهبه في أجواء موسكو الفنية , بعد ان كان شبه مغمور في طرقات الوشاش في بغداد , وانه استطاع ان يعلن عن موهبته المتعددة الجوانب في موسكو بالذات , ولهذا فانه ابن بغداد الذي تفتٌح في موسكو وانطلق منها فنيٌا  . كرر زميلي السؤال – ومع ذلك فمن هو قبل كل شئ ؟ قلت له هو فنان تشكيلي عراقي اصيل يتفاعل مع هواء موسكو ويتنفسه . دعونا نمنحه فرصة اثبات الوجود فنيا  , اذ ربما سيعطينا نتاجات فنية جميلة ومبتكرة عندما تتكامل عملية مزج روحه العراقية الاصيلة بالروح الروسية , وهذه تجربة جديدة وفريدة جدا في تاريخ فنوننا العراقية , وهي تتناغم مع الفنون الروسية العريقة . لقد اقتنى ملك البحرين عملا فنيا له وهو عبارة عن (ماتروشكا ) روسٌية مرسوم عليها بورتريه , والعمل هذا موجود في مكتب الملك لحد الآن , وشاهدت صورة له عند الجمعان نفسه , عندما كنا نتحدٌث معا حول تاريخ الفن التشكيلي الروسي , ودراسته له , واعجابه الشديد به , وتأملاته بشأن امكانيٌة توظيفه في مسيرة الفنون التشكيلية العراقية .
   دعونا نصفق له , ودعونا نتمنى له التألق وتحقيق النجاحات ...

 


768
أدب / الموت في الغربة
« في: 21:08 21/01/2016  »

الموت في الغربة

قصيدة للشاعر صاموئيل امبوريه / كينيا
  ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع




تجوب الغيوم
ارجاء السماء
باحثة عن ملجأ لها
في الفضاء,
وتبكي الغيوم
وتموت.
وأجوب العالم أنا
باحثا
عن الحب
والملجأ
 والهناء,
في عالم ملئ
بالغرباء...
وها انا ذا ابكي
مثل الغيوم,
ومثل الغيوم
أموت.

769
أدب / قصة حب
« في: 23:19 18/01/2016  »
     
قصة حب
قصيدة للشاعرة البلغارية المعاصرة – ليليانا ستيفانوفنا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


 
احببتك
قلقا
وغاضبا...
احببتك
رقيقا
وقلبا طيبا...
احببتك
وانت هكذا
متمردا
دون اي اعتبار...
احببت
وجهك الداكن
الذي احرقته
شمس البحار...
..........
احببتك
والكأس في يديك,
احببت
لغز ابتسامتك,
والاصابع الطويلة
ليديك,
وهجومك
المفترس,
احببت
راحتي يديك
اللتين
كنت فيهما
خوفا منك
اختبئ,
احببت
هداياك
التي
كانت
تحيط عالمي
وتغمره بالازهار,
احببت
التوهج
في نظراتك ,
التوهج الذي
لا ينطفئ,
احببت
صوتك
الخافت
الذي
كان من اعماق
دخان سجائرك
ينطلق.
+++++
كل هذا كان
.........
اما الان,
فان شيئا قاسيا
لا يلين ولا يلان
يفرق بيننا,
ولا اعرف
الان
اصلا-
هل كنت انت موجودا
حقا؟
واذا التقيك الان
فجأة
في حشد من البشر,
فهل
سأميزك فعلا
بين جموع البشر؟

770
المنبر الحر / تماثيل دستويفسكي
« في: 00:21 18/01/2016  »
تماثيل دستويفسكي
أ.د. ضياء نافع

توفي الكاتب الروسي الكبير فيودور ميخايلوفيتش دستويفسكي عام 1881 في مدينة بطرسبورغ  بروسيا ولم يكن هناك اي تمثال له اثناء حياته طبعا مثل كل الكبار والعظام من المفكرين و العلماء و الفنانين والادباء ...الخ في كل زمان ومكان , فالتماثيل تقام فقط  لمن يقف على رأس السلطة الحاكمة اثناء حياتهم وحكمهم , اما للاخرين من الذين يستحقون ذلك فعلا فان التماثيل تقام بعد مرور وقت طويل جدا من رحيلهم الابدي  , ولكن عملية نصب التماثيل لهم تستمر بعد رحيلهم حسب مسيرة عملية انتشار مجدهم بعد الموت وحسب قيمة موقعهم الفكري وتأثيرهم في مسيرة مجتمعاتهم و طبيعة تلك المجتمعات وسلطاتها الحاكمة ومستوى ثقافتها طبعا, واول تمثال اقيم لدستويفسكي في موسكو كان في عام 1918 ( اي بعد 37 سنة من وفاته ) , واستمرت عملية اقامة التماثيل له في روسيا( وخارجها ايضا) ولحد الان , وآخر تمثال اقيم له كان في عام 2010 في مدينة توبولسك الروسية ( اي بعد 129 سنة من وفاته ) , و نتناول في مقالتنا هذه قصة تلك التماثيل لمؤلف روايات الجريمة والعقاب والاخوة كارامازوف والابله وبقية الروائع الادبية المعروفة في بلده روسيا وفي العالم اجمع .
نتوقف قليلا عند التمثال الاول لدستويفسكي  في روسيا, والذي تم تدشينه عام 1918 ويجسٌد دستويفسكي واقفا ومنحني الظهر قليلا وعلامات المعاناة والآلام بادية على وجهه , ويبدو – خصوصا من بعيد - وكأنه عجوز متقدم جدا بالعمر. من المعروف ان  الامبراطورية الروسية اشتركت رسميا وفعليا  في الحرب العالمية الاولى ( 1914 – 1918 ) , وان ثورة اكتوبر الاشتراكية حدثت عام 1917 , والتي أدٌت فيما بعد  الى انهيار الامبراطورية الروسية  وانسحابها من تلك الحرب طبعا بعد انهيارها وتاسيس دولة الاتحاد السوفيتي , ولهذا فان اقامة وتدشين تمثال دستويفسكي عام 1918 يثير تساؤلات عديدة جدا في تلك الفترة التاريخية الحرجة والصعبة والانتقالية والتي تمتلك خصوصية جدا في تاريخ روسيا ومسيرة احداثها , اذ ان تاسيس الاتحاد السوفيتي وما رافق ذلك من احداث قد ادٌى الى الحرب الاهلية بين ( البيض ) و( الحمر ) اي بين انصار الجيش الامبراطوري الروسي الذي بقي مواليا للقيصر ( الجيش الابيض ) وبين انصار( الجيش الاحمر ) الذي تم تشكيله من انصار الثورة الاشتراكية  كما هو معروف , ويبدو من المؤكد ان قرار اقامة و افتتاح تمثال لدستويفسكي قد تم قبل فترة من تلك الاحداث الجسام , و تم تنفيذه ليس الا في ذلك التاريخ ( اي عام 1918 ) , علما ان افكار دستويفسكي وفلسفته – كما هو معروف -  لم تكن تنسجم ابدا وروحية الثورة الاشتراكية التي حدثت آنذاك و لا مع افكارها واهدافها , ولكن التمثال – على الاغلب - تم تدشينه فعلا لعدم استقرار الوضع العام في ذلك الحين و عدم حسم قضية السلطة , وهكذا – وبعد استقرار الوضع في روسيا  – قررت السلطة السوفيتية عام 1936 نقل هذا التمثال من موقعه في شارع من الشوارع الكبيرة والمهمة بموسكو ووضعه امام  بناية المستشفى التي كان يعمل بها والد دستويفسكي , والذي كان يسكن مع عائلته في شقة للاطباء تابع للمستشفى , وهناك في تلك الشقة ولد فيودور دستويفسكي وعاش طفولته وصباه الى ان بلغ عمره 16 سنة , وعليه فقد وجدت السلطة السوفيتية التبريرات المنطقية المناسبة لنقل التمثال الى هناك , حيث ولد وعاش دستويفسكي , وكان هذا هو التمثال الوحيد في موسكو لدستويفسكي طوال تلك الفترة غير القصيرة في تاريخ روسيا ( واذكر ان احد النقاد الروس قد كتب يقول ان دستويفسكي قد هاجر من روسيا بعد الثورة الاشتراكية كما هو حال معظم الادباء الروس آنذاك رغم انه توفي عام 1881 ! ) , اما التمثال الثاني فقد تم تدشينه في عام 1993 اي بعد سنتين من انهيار الاتحاد السوفيتي , وقد تبرع بتكاليفه احد المواطنين الروس واقامه في ضيعة بين الحقول والازهار وكتب على قاعدة التمثال  كلمات – ( الى رسول الوطن ) , ورغم اهمية هذا الحدث ورمزيته الا ان التمثال الثاني الحقيقي والرسمي له تم تدشينه في عام 1997 بموسكو  (اي بعد 116 سنة من وفاة دستويفسكي وبعد 75 سنة من اقامة التمثال الاول له ! ) وذلك قبيل الاحتفالات بالذكرى ال 850  سنة على تاسيس موسكو , وقد تم نصبه امام المكتبة المركزية ( مكتبة لينين سابقا ) قرب مركز مدينة موسكو , وهو تمثال ضخم جدا ومتميز فعلا , ويجسٌد دستويفسكي جالسا على كرسي وهو يحدٌق بتأمل وحزن دفين في الساحة المحيطة به , ويشعر الشخص الواقف امامه وكأن الكاتب يحدق في عينيه اينما يدور حول التمثال ( وهو الانطباع الموجود عند النظر الى لوحة الموناليزا الشهيرة في متحف اللوفر الباريسي ) , وقد تم نصب نفس هذا التمثال في عام 2006 في مدينة دريسدن الالمانية وافتتحه آنذاك الرئيس الروسي بوتين مع مستشارة المانيا السيدة ميركل ,  وبما اننا نتحدث عن المانيا فيجب الاشارة حتما الى انه يوجد تمثال آخر لدستويفسكي في المانيا تم افتتاحه عام 2004 بمدينة بادن  بادن , حيث خسر دستويفسكي كل امواله في صالات المقامرة هناك , والتمثال هذا فريد من نوعه بكل معنى الكلمة , اذ انه يجسٌد الكاتب وهو يرتدي معطفا ضيقا ومبعجا ويقف حافي القدمين على نموذج مصغٌر من الكرة الارضية , وتقف الكرة الارضية هذه على صحن كبير مسطح , وهو التمثال الوحيد بالعالم الذي يصور دستويفسكي حافي القدمين , ورمزيته واضحة المعالم جدا , اذ انها تشير الى خسارته  لكل شئ في القمار عندها, وهي قصة معروفة للجميع , ولكنه – مع ذلك – يقف على كل الكرة الارضية شامخا رغم انه حافي القدمين . ونعود الى قصة تماثيل دستويفسكي في روسيا , ونشير الى تمثال اقيم له في بطرسبورغ في نفس ذلك العام الذي افتتح فيه تمثاله في موسكو , اي عام 1997 , وقد تم تدشينه قرب شقته التي كان يسكن فيها في بطرسبورغ ( والتي توفي فيها , وهي في نفس الوقت ليست بعيدة عن تلك الكنيسة التي كان يزورها دائما , والتي تم الصلاة على جثمانه فيها , وقد تحولت الشقة الان الى متحف يزوروه الكثيرون من المعجبين به لحد الان ), هذا التمثال يجسٌد دستويفسكي جالسا على كرسي وهو في حالة تأمل , ومن الطريف ان نشير هنا الى ان هذا التمثال غالبا ما تكون الورود الطبيعية  موجودة بين يدي دستويفسكي , وهي ورود يقدمها المعجبون به ولحد الوقت الحاضر. اما التماثيل الاخرى له , فيجب الاشارة حتما الى تمثال اقاموه له في مدينة اومسك بسيبيريا عام 2001 ( وهو ثاني تمثال له في تلك المدينة ) , حيث كان يقضي سنوات سجنه في تلك المدينة السيبيرية  , وهذا التمثال متميز جدا , اذ انه يجسٌد دستويفسكي وهو واقف ومكبٌل بالسلاسل الحديدية , والتي ترمز بالطبع الى كونه كان سجينا هناك.
ان قصة تماثيل دستويفسكي ترتبط طبعا بمسيرة حياته ومواقف المجتمع الروسي تجاه هذا الكاتب الكبير وابداعه, و الاطلاع على قصة هذه التماثيل تمنحنا نموذجا (واكاد ان اقول درسا ) لما يمكن لنا ان نعمله  نحن مع مبدعينا المظلومين اثناء حياتهم وبعد رحيلهم الابدي .

 
 

771
أدب / ماء النهر
« في: 21:24 15/01/2016  »
ماء النهر
+++++++++++++
للشاعر ل. كراكار/ سلوفينيا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


ماء النهر
يكشف الانسان,
لأنه
لا يستطيع أن يكذب
مثل الانسان..
ماء النهر
يقول رأسا للانسان-
انظر الى نفسك في الماء,
وينظر الى نفسه الانسان
ويرى,
ان روحه صلعاء.
عند الماء
تظهر التجاعيد
على الخدود,
ويعرف الماء
كيف يسخر من الانسان,
لأن الانسان
لا يستطيع أن يصفعه,
اذ توجد عند الماء
اسنان حادة...





772
أدب / مقارنات جديدة
« في: 21:29 12/01/2016  »
مقارنات جديدة 
قصيدة للشاعر تاديوش روشيفتش / بولندا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


بم اقارن
النهار؟
- بالليل.
بم اقارن
التفاحة؟.....
بم اقارن
الجسد
في الليل؟
والصمت بين الفمين؟
وبين....؟
بم اقارن العين؟
واليد في العتمة؟
والاسنان واللسان والشفتين؟
والقبل؟
بم اقارن الوركين؟
وخصلات الشعر؟
واصابع اليدين؟
والتنهد؟
والصمت؟
والقصائد
في ضوء النهار
وفي الليل؟...

773
رأيت غائب طعمة فرمان في  المنام

أ.د.ضياء نافع


رأيت غائب طعمة فرمان في منامي.كان يرتدي بدلته الرمادية ونظاراته السميكة وهو يبتسم بأسى وسخرية كعادته دائما. قلت له اننا نتحدث الان عن اقامة تمثال نصفي له في مكتبة الاداب الاجنبية بموسكو, واني طرحت هذه الفكرة في اجتماع اقيم في جامعة الصداقة بموسكو باسم مركز الدراسات العراقية- الروسية في جامعة فارونش وباسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية, هذا الاجتماع الذي نظمه الاستاذ عبد الله حبه بالتنسيق مع جمعية العراقيين المقيمين في موسكو ورابطة الطلبة العراقيين في روسيا .ضحك غائب مقهقا وقال لي –هل تتذكر حديثنا في شرفة شقة جلال الماشطة بموسكو  صيف عام 1990؟ قلت له نعم اتذكره وقد كتبت مقطعا منه ونشرته,فسألني- وهل كتبت بأني قررت ان ارسل الى الامم المتحدة  احتجاجا ضد الاتحاد السوفيتي على تحديد راتبي التقاعدي من قبل دار نشر بروغريس ورادوغا بعد خدمة 30 سنة عندهم بمبلغ 90 روبلا شهريا,وكيف انك ناقشتني وطلبت عدم الكتابة حول ذلك؟قلت له نعم اتذكر هذا ولكني لم اكتب ذلك لأني ارى انه من غير اللائق ان يشتكي الكاتب العراقي الكبير غائب طعمة فرمان في الامم التحدة على الاتحاد السوفيتي بهذا الشكل,اجابني غائب ضاحكا وانا كذلك لم اكتب شكوى ضد الاتحاد السوفيتي الى الامم المتحدة تجنبا لتحميل هذا العمل جوانب سياسية,ولكني كنت محقا في طرحي لهذا الموضوع ,اذ كيف يمكن لي العيش بهذا التقاعد الرهيب والبائس في موسكو انذاك؟ واستطرد قائلا لم ارغب ان اكون مثل عامر عبد الله الذي نشر اواخر حياته في لندن كتابه الغريب ,والذي رفض فيه كل ارائه وافكاره السابقة.حاولت انا ان اغير الموضوع وقلت له-يا ابا سمير نحن نتكلم عن تمثال لك في موسكو,فما علاقة هذا بالتقاعد؟فقال –لأني تذكرت الروائي الفرنسي العظيم بلزاك,الذي قال لهؤلاء الذين كانوا يريدون اقامة تمثال له في باريس ويصرفون عليه كثيرا-اعطوني نصف تكاليف التمثال وانا مستعد ان اقف على المنصة بالشكل الذي تطلبونه.ضحكت وقلت له اننا لا زلنا نحاول ان نحصل على تمويل لاقامة هذا التمثال ولم نستطع ذلك لحد الان,فقال مبتسما –هل افهم من قولك هذا انك تريد مني ان اساهم بالتبرع لتمويل هذا التمثال؟فقلت له ضاحكا –كلا ابدا,لان ذلك يتعارض مع فكرتنا اصلا,فنحن نريد ان نقدم هدية لك فكيف نرضى ان نأخذ منك قسطا من ثمنها؟فضحك غائب وقال-حسنا لن اعطيكم شيئا لأني لا امتلك اي نقود اولا, ولأن اقامة تمثال لي يتعارض مع طبيعتي المتواضعة ثانياو ولأنني ثالثا لا يمكن لي ان اتصور كل هذا التكريم,ةالذي لم اره ولم اتلمسه في حياتي.وتذكر غائب باسى كيف انه راجع عدة دوائر رسمية في العراق كي يحصل على حقوقه التقاعدية ولم يحصل على شئ, حتى ان الدكتورة سلوى زكو كتبت عن ذلك في احدى الصحف العراقية في حينها.قلت له ان تقاعدك الحقيقي يكمن في حب العراقيين لك,فضحك غائب وقال ان هذا التقاعد (ميوكل خبز) فقلت له مبتسما-كل المتقاعدين في الهوا سوا.حاولت ان اغير مجرى الحديث فقلت له,ان وزارة الثفافة العراقية اطلقت اسمك على احدى قاعاتها,فتعجب غائب من ذلك وسألني –هل انت متأكد من هذا؟ قلت له نعم واؤكد لك ذلك,فهز رأسه متعجبا و سألني-ومن كان الوزير الذي وافق على ذلك؟فقلت له انه مفيد الجزائري.انتقلت بعد ذلك الى موضوع اخر,وحكيت لغائب عن ثلاثة من طلبتي السابقين ,وكيف انهم كتبوا عن ترجماته للادب الروسي ,فطلب تفصيلات عن ذلك,فقلت له  ان الاول واسمه خلف الموسوي وهو الان استاذ مساعد في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد,والذي جاء الى جامعة فارونش بدعوة من مركز الدراسات العراقية-الروسية فيها واشرفت على بحثه الموسوم-ابنة الامر لبوشكين بترجمة غائب طعمة فرمان,والثاني واسمه جاسم الدليمي وهو السكرتير الاول في سفارة جمهورية العراق في كازخستان,والذي استشارني حول اطروحة في الادب الروسي يريد ان ينجزها ,فاقترحت عليه ان يتناول ترجماتك للادب الروسي وقد وقع الاختيار على ترجماتك لروايات تورغينف,اما الثالث فهو د.كامل العزاوي المدرس في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد,والذي اعد باقتراح مني قائمة بالكتب التي ترجمتها عن الروسية,وقد انجزها ويعمل الان على وضع تعليقات عن كل كتاب من تلك القائمة الكبيرة ,والتي تضم اكثر من ثمانين كتابا,وهي ثروة ثقافية رائعة تركتها لنا ولاجيال ستأتي بعدنا.تعجب غائب من كل هذا ,وسادت لحظات صمت,واذا به يسألني بسخريته المعهودة-موسوي ودليمي وعزاوي يكتبون عن ترجماتي للادب الروسي؟قلت له –نعم.سألني-كيف يقولون ان الطائفية تسود العراق؟فضحكت من سؤاله وقلت له,ان غائب طعمة فرمان قد حل مسألة الطائفية في العراق موحدا الموسوي والدليمي والعزاوي في دراستهم لابداعك الجميل.ضحك غائب من جوابي وابدى ارتياحه الشديد من كل هذه الاحاديث,وانتقل الى موضوع اخر,وسألني ما اخبار فلان الذي كتب عني كثيرا,قلت له انه الان في الغرب,فتعجب من جوابي وقال متسائلا-كيف انتقل من موسكو الى الغرب؟ فقلت له لقد انتقل الكثيرون الى هناك ممن كنت تعرفهم في موسكو,فتعجب غائب وسألني-كيف حدث ذلك,وماذا يعملون هناك؟فقلت له انهم لا يعملون ويعيشون هناك لانهم يقولون انهم  كانوا مضطهدين في الاتحاد السوفيتي ,فتعجب واندهش واراد ان يقول شيئا ما ,الا اني استيقظت من نومي وفهمت ان كل ذلك كان في المنام,وقررت ان اكتب ما جرى في هذا المنام,رغم ان بعض زملائي لم يوافقوا على ذلك.....

774
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (28)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثامنة والعشرون لمقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.
الترجمة الحرفية – البخيل يدفع مرتين .
التعليق –  البخيل يبحث عن الشئ الرخيص , متناسيا الحكمة المعروفة – (لست غنيا كي اشتري اشياء رخيصة ), وهكذا يضطر البخيل- في نهاية المطاف - ان يشتري نفس الحاجة مرتين .
+++++
الترجمة الحرفية –لا تبقى النقود عند الاحمق طويلا.
التعليق –  يضرب في ان الاحمق  لا يعرف قيمة النقود واهميتها في الحياة , لهذا فانه يفقدها بسرعة, اما  بلا فائدة ,او نتيجة خداع  الآخرين له.
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد وجه  آخر في كل ميدالية.
التعليق – هذا مثل عالمي يتحدث عن ظاهرة عامة  يتناساها معظم البشر , و تكمن في ان كل الاشياء في الحياة نسبية, وانها تمتلك دائما جانبين – ايجابي وسلبي , مضئ ومظلم... 
+++++
الترجمة الحرفية – الذكي يحبٌ ان يتعلٌم , والاحمق يحبٌ ان يعلٌم.
التعليق –  مثل عالمي, وغالبا ما نراه ونلمسه  في الحياة , اذ  يبدأ الحمقى والجهلة بالنصائح والارشادات والتوجيه  للآخرين بمناسبة وغير مناسبة , اما الاذكياء فهم الذين ينطلقون من الحكمة العربية الخالدة  – اطلبوا  العلم من المهد الى اللحد , والتي يقابلها بالروسية – عش قرنا , تعلٌم  قرنا .
+++++
الترجمة الحرفية – مشغول مثل النحلة.
التعليق –  هذا مثل طريف جدا , يشير الى ان النحلة مشغولة دائما بعملها , وان الانسان  المشغول دائما بعمله يشبه النحلة . يضرب في حالة الاجابة عن الاستفسار حول وضع الانسان وانشغاله بالاعمال الكثيرة والمتشعبة في الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – النقود تحرق الجيوب.
التعليق – يضرب في ان الثروة تجعل مالكها  يتصرف بشكل غير منطقي في كثير من الاحيان , وبالتالي , تنتظره نهاية سيئة طبعا . سبق وان أشرنا  في هذه السلسلة الى مثل روسي مقارب من حيث المعنى  و هو –النقود تعمي العيون , والى الامثال العربية المناظرة له مثل – الفلوس تغيٌر النفوس / من كثرة امواله خربت أعماله...
+++++
الترجمة الحرفية – جيد اذا كان الحبل طويلا والكلام قصيرا .
التعليق –  يضرب في ان الكلام يجب ان يكون قصيرا ودقيقا , وهو ما  يتناسب ويتناغم  مع المثل العربي الجميل  - خير الكلام ما قل ودل , وان صفة ( الطول ) تنطبق على ( الحبل ) فقط , ليس الاٌ.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ارضاء الجميع .
التعليق – مثل عالمي واضح المعنى , وقد استقر بالعربية كما يأتي - رضا الناس غاية لا تدرك . يوجد مثل روسي قريب جدا من هذا المثل وقد سبق لنا ان اشرنا اليه في هذا السلسلة وهو – لا يمكن ان تكون حبيبا للجميع .
+++++
الترجمة الحرفية –            اريد – نصف أقدر.
التعليق – يضرب في ان ارادة الانسان ورغبته الشديدة لتحقيق اي شئ تعد عاملا مساعدا مهمٌا جدا لذلك الانسان في قدرته على انجاز ذلك الشئ فعلا. وهو مثل  يتكرر – بشكل او بآخر - عند العديد من الشعوب .
+++++
الترجمة الحرفية – الرغبة تجد السبب .
التعليق – يضرب في ان الانسان يجد دائما تبريرا  منطقيا  ومقنعا  لاي عمل يرغب بالقيام به او بتحقيقه .
+++++
الترجمة الحرفية – اللحية لا تحل محل العيون .
التعليق –  يضرب في ان الشواهد المادية المحددة  للاشياء والظواهر التي تراها العين اهم من الآراء  والاقوال  حولها لاناس يدٌعون المعرفة  و الحكمة شكليا.
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان بلا عظام .
التعليق – يضرب للشخص الذي يثرثر أكثر من اللازم , بما فيها من حماقات واختلاقات غير منطقية . يترجم بوريسوف هذا المثل هكذا – لسان ثرثار , وهي ترجمة صحيحة طبعا ولكنها غير متكاملة من حيث المعنى . يوجد مثل باللهجة العراقية قريب  من معنى هذا المثل الروسي وهو – الحجي بلا كمرك  ( الحجي – الكلام  / الكمرك - ضريبة الجمرك).
+++++
الترجمة الحرفية –  البطن الجائعة صمٌاء .
التعليق – يضرب في ان الانسان الجائع لا يسمع اي شئ ولا يستمع الى أي شئ يقال له , وذلك لأن ( الجوع كافر ) كما يقول المثل العربي الشهير.
+++++
الترجمة الحرفية - النقود تفتح كل الابواب .
التعليق –  يضرب للسخرية من اساليب الرشوة وسلطة المال وتاثير الاغنياء في مسيرة العدالة وقوانينها, وهو مثل عالمي .
+++++
الترجمة الحرفية – حتى في الشمس توجد بقعة .
التعليق –  يضرب في انه  لا يوجد شئ مثالي خالص دون نقص- ما , او كامل كليا في الحياة , وان -  ( الكمال  لله وحده ) .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتوقف في منتصف الطريق .
التعليق – يضرب للحث على التواصل بالمسيرة نحو الهدف والوصول اليه رغم كل الصعاب التي تقابلك اثناء تلك المسيرة , و ( من مشى على الدرب وصل ) كما يقول المثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – الجمال ليس خالدا.
التعليق – يضرب للتاكيد على الجوانب الاخرى الدائمة والمهمة  للانسان عند الاختيار بين البشر. يوجد بالعربية بيت شعر معروف ذهب مثلا في هذا المعنى وهو –
ليس الجمال باثواب تزيننا ....ان الجمال جمال العلم والادب.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحكم من النظرة الاولى .
التعليق – يضرب لضرورة التفكير الموضوعي والتفصيلي والشامل والهادئ  للامور  قبل اطلاق الحكم عليها. هناك العديد من الامثال العربية حول ذلك طبعا , ولعل أشهرها – في التأني السلامة وفي العجلة الندامة...


775
تأملات حول مسرح تولستوي
أ.د. ضياء نافع

تولستوي مسرحيا – موضوع ممتع وحيوي جدا في تاريخ الادب الروسي ومسيرته , على الرغم من انه ليس بالموضوع الجديد بالنسبة للقارئ العربي بشكل عام  اذ تناوله الكثير من الباحثين , ولكني اعود اليه الان لاني تحدثت هاتفيا  قبل ايام مع الاستاذ عبد الله حبه ( أحد أبرز المثقفين العراقيين المقيمين بشكل دائمي في موسكو منذ اكثر من نصف قرن والذي سبق لي ان كتبت عنه مقالة بعنوان عبد الله حبه والادب الروسي  ) حول ذلك المسرح والذي سألني  -  هل ان الدكتورة المرحومة حياة شرارة قد ترجمت مسرحيات تولستوي الى العربية  حسب علمي ؟ فقلت له كلا , انها لم تترجم مسرح تولستوي وانما قامت بترجمة مسرح بوشكين  , فاخبرني انه اتفق مع احدى دور النشر في الخليج - اثناء زيارته الاخيرة  ومشاركته بمعرض الكتاب في الشارقة  - وانه سينشر هناك  ثلاث مسرحيات مترجمة من قبله لتولستوي قريبا , ففرحت جدا بهذا الخبر و حييته على هذا العمل العلمي الجميل وقدمت له التهاني على هذا الانجاز الحقيقي فعلا لتعزيز الحركة الثقافية والمسرحية في عالمنا العربي , وسألني كذلك – وهل هذه المسرحيات مترجمة الى العربية بشكل عام ؟ فاجبته نعم , كل مسرحيات تولستوي مترجمة عن الفرنسية ومنشورة في سوريا عام 1989 من قبل وزارة الثقافة هناك و بترجمة صيٌاح الجهيم ( وريث المترجم الكبير الدكتور سامي الدروبي ان صحٌ التعبير ) مع مقدمة تعريفية جميلة  بقلم المترجم حول مسرح تولستوي, وان هناك بعض الترجمات الاخرى عن الروسية التي قام بها بعض الزملاء المصريين وتم نشرها في الكويت في حينها  ضمن سلسلة المسرح العالمي المشهورة, ولكني أكدٌت له ان هذا لا يمنع ابدا من اعادة ترجمتها للقارئ العربي مرة اخرى , لان كل ترجمة جديدة لتلك المسرحيات الى  اللغة العربية هي اجتهاد شخصي اضافي جديد ورؤية ذاتية بحتة للمترجم تجاه تلك الاعمال الابداعية  الخالدة خصوصا من قبل شخص متخصص في الفن المسرحي العراقي والروسي وبهذا المستوى الرفيع من الثقافة والخبرة مثله , ولهذا فان تعدد الترجمات هو عمل فكري جيد جدا يساهم باغناء ثقافتنا و تعميق معرفتنا  ويوسٌع مداركنا ويوقظ  فينا الاهتمام مرة اخرى تجاه هذه الاعمال الابداعية  ويدفعنا لمقارنة هذه الترجمات لنص اجنبي واحد واختيار الافضل , و قلت له انني ساكون اول  المؤيدين و المصفقين لتلك الترجمة الجديدة التي قام بها عن اللغة الروسية لمسرحيات تولستوي  عند صدورها  , واريد ان اقول له ايضا هنا , ان المترجمين العرب مثلا  قد ترجموا عنوان مسرحيتين شهيرتين من مسرحيات تولستوي باشكال مختلفة جدا , الاولى وهي – ( ثمار التنوير / ثمار التربية / ثمار التعليم / ثمار الحضارة / ثمار المعرفة) , والثانية وهي – ( قوة الظلام / سلطة العتمة / سلطة الظلمة / سلطة الظلمات / سلطة الظلام /  قوة الظلمات ) , ويكفي هذا المثل للتأكيد على صحة ما ذهبنا اليه هنا , ولكنهم اتفقوا – والحمد لله - فقط  على عنوان مسرحيته الاخيرة وهي – الجثة الحيٌة ,  والتي
سبق لنا ان تحدثنا عنها ( انظر مقالتنا بعنوان  حول مسرحيات تولستوي  , ومقالتنا الاخرى بعنوان  ملاحظات حول مسرحية تشيخوف الخال فانيا ) والتي تناولنا فيهما الخصائص الرئيسية لتلك المسرحية وبعض ظروف كتابتها  وكيف انها جاءت جوابا من قبل تولستوي على خصائص مسرح تشيخوف بالذات , والذي لا يوجد فيه احداث دراماتيكية من وجهة نظر تولستوي , وعدم اتفاقه ( اي تولستوي) مع طبيعة ذلك المسرح  وبنيته , واود هنا ايضا ان اشير حتما  الى مقالة الاستاذ ابراهيم العريض (  وان أشيد بها طبعا   )  , وهي منشورة في جريدة الحياة اللندنية ( وفي مجلة الوسط ايضا ) وعنوانها – ( الجثة الحية لتولستوي – صورة مبكرة لانسان التردد الجديد ) بتاريخ 18/ 11/ 2009 , اذ انها دراسة علمية وموضوعية جدا حول هذه المسرحية وسماتها ( وكما تعودنا دائما في مقالات هذا الباحث الموسوعي الفذ والكبير ) , والذي وجد فيها فكرة جديدة فعلا وهي شخصية الانسان المتردد في حسم الامور والنتائج الوخيمة لهذا التردد التي تؤدي اليها ,  و قد ربط الباحث هذه الفكرة الجديدة  بالادب العالمي وبالذات مع كافكا في اواسط القرن العشرين , وعلى الرغم من ان هذه الفكرة تتطلب بلا شك من الباحث المذكور قبل كل شئ ان يدافع عنها امام الآخرين ويثبت صحتها طبعا  , الا انها تبقى فكرة اصيلة و مبتكرة فعلا ,  علما اني لم اجد لها اشارة باي شكل من الاشكال في النقد الادبي الروسي حول هذه المسرحية , ومن المؤكد  طبعا ان تكون هناك مصادر عربية اخرى تناولت هذا الموضوع  بالذات ولا علم لي بها, ولكني اود ان اشير هنا الى ان مسرح تولستوي لا زال يثير الباحثين الروس انفسهم ولحد الان ( ونحن في نهاية عام 2014 ) , فقد تعرفت قبل ايام ليس الا على مضمون اطروحة روسية للحصول على شهادة دكتوراه علوم ( دوكتور ناووك بالروسية ) في مجال الدراسات الادبية , وهي اعلى شهادة اكاديمية تمنحها الجامعات الروسية كما هو معروف ,  تقدم بها باحث عام 2004 الى جامعة  (روستوف على  نهر الدون ) حول ادب تولستوي المسرحي , وينطلق هذا الباحث من ان تولستوي حاول ان يعيد بنية الادب المسرحي ويحدد طريق تطورها اللاحق,  مؤكدا ( اي تولستوي ) ان هذه البنية يجب ان ترتكز على الدراما الروحية للانسان والتشابك الدراماتيكي لحياته اليومية ويجب ان تكون شكلا من أشكال ( المحكمة ) ان صح هذا التعبير , والتي تنطلق من متطلبات ( علم الاخلاق ) بالذات , وبالتالي فان بنية المسرحية عند تولستوي ترتبط ارتباطا وثيقا بالادب المسرحي الكلاسيكي العالمي وقواعده وتقاليده ومسيرته , ولهذا فان دراسة تجربة تولستوي المسرحية  وتحليلها من جديد تعني بشكل عام دراسة الارتباطات والتناغم بين الادب الروسي من جهة والادب العالمي من جهة اخرى وتأثير الادب العالمي عليه وانعكاس ذلك في مسرح تولستوي بالذات ,وهي ظاهرة جديرة بالتأمل والتفكير وتؤدي الى استنتاجات جديدة فعلا في الوعي الثقافي للقراء والمتابعين لقضايا الادب بشكل عام وحتى في وعيهم الاجتماعي . هذا وقد اثار انتباهي في خلاصة تلك الاطروحة ايضا عدد المصادر المثبتة في نهايتها والتي اعتمدها الباحث , اذ بلغ عدد المصادر تلك 431 مصدرا , منها 394 مصدرا باللغة الروسية والبقية باللغات الانكليزية والالمانية وغيرها من اللغات , ومعظم هذه المصادر المذكورة اعلاه صادرة في النصف الثاني من القرن العشرين في روسيا واوربا الغربية , وهذا دليل آخر على حيوية هذا الموضوع بلا شك . وخلاصة هذه التأملات حول مسرح تولستوي تكمن في اننا بحاجة الى اعادة ترجمة مسرحيات تولستوي الى اللغة العربية من جديد كي ندرسها  على وفق متطلبات عصرنا .


776
125 عاما على ميلاد باسترناك
أ.د. ضياء نافع
ولد بوريس ليونيدوفيتش باسترناك في العاشر من شباط /  فبراير عام 1890 , وتحتفل الاوساط الادبية الروسية بمرور 125  سنة على ميلاده , وقد شاركت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الجريدة الادبية ) الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 11-17 شباط / فبراير من العام2015  بهذه المناسبة ,ونشرت على صفحتها الاولى صورة فنية كبيرة ملونة ومجسمة لباسترناك , وجاء تحت الصورة مقترح الصحيفة الرائع , والذي تدعو فيه الى اقامة تمثال لباسترناك في موسكو , وتفتح باب التبرع لتنفيذ ذلك الاقتراح وجمع التواقيع تأييدا له , واستمرارا لمساهمة الصحيفة بهذه المناسبة توجهت بسؤالين حول باسترناك الى مجموعة من الادباء الروس ونشرت اجاباتهم على الصفحة السادسة من عددها المذكور,   ونقدم للقارئ خلاصة لهذا الاستبيان الممتع  .
نص السؤالين –                                                         
1-ما هو دور باسترناك في حياتك ؟ 2-ما هو موقفك بشأن نشر المواد السرية التي اعلنتها وكالة المخابرات الامريكية, والتي تشير الى انه قد تم التعامل مع رواية ( دكتور زيفاغو ) بشكل متعمد ومصطنع , وان الغرب قد ساعد بشان حصولها على جائزة نوبل؟
الاجوبة –                             
يوري شيرباكوف  ( شاعر ) أجاب عن السؤالين كما يأتي -                                       
 1- استمعت لاول مرة الى قصائد باسترناك في عام 1979 عندما كنت اعمل ميكانيكيا في باخرة لصيد الاسماك . كان ذلك في بث اذاعي خاص لصيادي الاسماك والبحارة في الشرق الاقصى . لقد هزٌتني قصائده .                                                                               2- شئ واحد استطيع ان اقوله – اني معجب جدا بقصائد باسترناك , ولكن بنفس الوقت لا تعجبني نتاجاته في النثر.شاعر رائع ولكنه ناثر متوسط جدا . بالنسبة لروايته – دكتور زيفاغو , فان السياسة قد لعبت الدور الرئيس بشهرتها وليس الادب , ونشر المواد تلك  الخاصة بها يؤكد ذلك ليس الا ... اما رئيس تحرير جريدة ( زافترا ) ( الغد ) الاديب والشخصية السياسية الروسية المعروفة الكساندر بروخانوف فقد اجاب عن السؤال الاول قائلا انه قرأ معظم نتاجات باسترناك في شبابه وان هناك فعلا تاثير شعره ونثره عليه , وكان جوابه عن السؤال الثاني كما يأتي – ( موقفي طبيعي . كانت هناك حرب باردة, والتي لا زالت مستمرة. في السياسة يستخدمون كل الوسائل المتاحة , بما فيها الثقافة . المهم عدم الوقوع بالخطأ عند اختيار الوسيلة , والامريكان لم يقعوا بالخطأ هنا . وفي هذا المعنى تكمن الكارثة الشخصية لباسترناك , والتي أثٌرت على مصير الاتحاد السوفيتي )...وساهم في الاستبيان ايضا الشاعر يفغيني ريين , وجاء في اجابته عن السؤال الثاني ما يأتي – ( موقفي تجاه ذلك يكمن في عدم الاكتراث . ( دكتور زيفاغو ) – رواية رائعة , اما السياسة  فانها شئ قذر, ويجب عليها الا تمس الادب ) ...اما رئيس تحرير مجلة ( الرواية – الجريدة )  يوري كوزلوف فقد كانت اجابته عن السؤال الثاني تفصيلية جدا , اذ انه تحدث  عن الموقف تجاه باسترناك  من قبل السلطة السوفيتية  و قارنه بالموقف من الكاتب بولغاكوف من قبل تلك السلطة آنذاك , و التي كانت بقيادة ستالين , وقارن موقف ستالين وخروشوف تجاه هذين الاديبين الكبيرين مشيرا الى ان خروشوف كان ( أكثر غباءا من ستالين  واسوء منه في تفهمه للادب ) , ولهذا فقد قاد حملة هائلة ضد باسترناك في خمسينيات القرن العشرين  وتحت شعار – ( أنا لم أقرأ نتاجات باسترناك , ولكني اشجبه ...) , هذا الشعار الذي انعكس حتى على الاوساط الماركسية خارج الاتحاد السوفيتي عندها , ويستنتج كوزلوف بعد ذلك , الى ان هذا السؤال ينقسم الى شطرين , الاول يشمل الموقف تجاه باسترناك داخل الاتحاد السوفيتي , والثاني يشمل الموقف تجاهه خارج الاتحاد السوفيتي , بما فيه موقف المخابرات الامريكية , والتي يرى انها تصرفت من منطلق الحرب الباردة , ولو أعلن خروشوف ان رواية ( الارض البكر حرثناها ) لشولوخوف ممنوعة في الاتحاد السوفيتي , فان الاوساط الغربية كانت ستعلن رأسا ان هذه الرواية هي قمة الابداع الفني ... اما الشاعرات اللواتي ساهمن في هذا الاستبيان فقد كان لهن رأي خاص حول الموضوع , فقد قالت الشاعرة اينا كابيش انها تحب رواية باسترناك بغض النظر عن نوبل وجائزته , وان حصول هذه الرواية على الجائزة هو ( ارادة الرب ), وان رفع السرية عن وثائق المخابرات الامريكية بشأن الرواية لم يؤثر سلبا او ايجابا بالنسبه لها ولحبها لابداع باسترناك , اما الشاعرة الشابة ماريا مالينوفسكايا , الطالبة في معهد غوركي للادب , فانها تؤكد ان الكتاب الحقيقي يشغل مكانه اللائق به بغض النظر عن الاجراءآت التي تقوم بها هذه الجهة او تلك تجاه ذلك الكتاب , وان رواية باسترناك ( دكتور زيفاغو ) تستحق فعلا جائزة نوبل للاداب على وفق قيمتها الفنية , وان هذه الخطوات التي تتخذها هذه المنظمة او تلك وراء الكواليس هي ثانوية  ليس الا , اما الشاعرة ناديجدا كونداكوفا فقالت في اجابتها عن السؤال الثاني , ان رفع الطابع السري عن المواد الخاصة برواية باسترناك في المخابرات الامريكية لم تؤثر بتاتا على موقفها تجاه الرواية  ولا تجاه باسترناك نفسه ,( اذ اننا كنا نعرف ان منع طبع تلك الرواية داخل الاتحاد السوفيتي عندها قد أدٌى الى كل ذلك الضجيج , وان المخابرات الامريكية قد تصرفت في اجواء الحرب الايديولوجية بين بلدينا , وقد تم استغلال  منع اصدار الرواية من قبلهم ), علما ان كونداكوفا تعتبر ان الرواية تستحق فعلا جائزة نوبل للآداب , وتؤكد ان القصائد في تلك الرواية بالنسبة لها تعد – ( قمة في الشعر ).

777
أدب / السوناتا الثامنة عن الحب
« في: 23:19 08/01/2016  »
السوناتا الثامنة عن الحب

بابلو نيرودا
ترجمها عن الروسية  - أ.د.ضياء نافع



لو لم تكن عيناك
كضوء القمر,
كضوء النهار
بكل ما فيه من طين ونار,

لو لم تكوني لحظة ذات لون اصفر
ينهض فيها الخريف,
لو لم تكوني ذلك الخبز العطر
الذي يخبزه القمر
مبعثرا الطحين في السماء-
لما أحببتك
ياحبيبتي.
اني اعانق فيك
كل ما يوجد حولي-
الزمان
والرمال
وعطر الشجر
اثناء المطر..
.................

778

 بعض كلمات غوغول عن بوشكين
أ.د. ضياء نافع

كتب  نيقولاي غوغول ( 1809- 1852) مقالة مهمة في تاريخ الادب الروسي حول الكساندر بوشكين ( 1799- 1837) بعنوان – ( بعض كلمات عن بوشكين ) ونشرها اثناء حياة بوشكين نفسه, وهي ظاهرة نادرة جدا في تاريخ هذا الادب . لقد ظهرت هذه المقالة في الجزء الاول من كتاب اصدره غوغول عام 1835 في مدينة بطرسبورغ بعنوان – (آرابيسكي ) , وهي كلمة فرنسية الاصل دخلت الى اللغة الروسية وتمتلك عدة معاني, اهمها طراز خاص من النقوش والزخارف المتناسقة ذات الالوان المختلفة على وفق الاسلوب العربي في فن الزخرفة والنقوش , وهذا العنوان يتناغم مع روحية غوغول الغرائبية بالطبع, ولهذا فان ترجمة عنوان الكتاب الى العربية مسألة غير محسومة لحد الآن , فقسم  من المترجمين  العرب يترجمونه – (آرابيسك ) او (آرابيسكي) , اي كما جاء في النص الروسي و كما ترجمه الاوربيون الى لغاتهم ,ولكن الاوربيين على حق لان تلك المفردة موجودة في لغاتهم اصلا ومفهومة بالتالي من قبل القراء, اما بالعربية فانها غير مفهومة بتاتا, ولهذا فان البعض قد حاول ان  يترجم  هذه التسمية كما يأتي- ( زخرفة عربية) او حتى -( زخرفة شرقية) وهذه الترجمة غير دقيقة بالطبع , اذ انها لا تعبر عن معنى الكلمة بشمولية  ووضوح , و لا توحي للقارئ العربي بمضمون هذا الكتاب كما اراد له غوغول نفسه , فهذه التسمية  - قبل كل شئ - تعني التنوع , اي ان الكتاب لا يدور حول موضوع واحد فقط,  وانما يشمل عدة مواضيع لا ترتبط بعضها بالبعض الاخر, وهكذا نجد في هذا الكتاب مقالات متنوعة مثل – ( النحت والرسم والموسيقى ) و (عن القرون الوسطى ) و (عن تدريس التاريخ العالمي ) و (حول الفن المعماري للعصر الحالي ) و ( المأمون ) الخ... وفي هذا الكتاب كانت مقالة غوغول عن بوشكين ايضا بعنوان ( بعض كلمات عن بوشكين) كما أشرنا الى ذلك اعلاه , علما ان غوغول أصدر بعدئذ الجزء الثاني من هذا الكتاب الفريد وضم كذلك مقالات متنوعة في التاريخ والجغرافيا والادب وغيرها, و لا مجال للتوقف عندها  او الحديث عنها في اطار هذه المقالة بالطبع, وباختصار فان مسألة ترجمة عنوان هذا الكتاب الى العربية لا زالت معلقة رغم شبه استقرارها تقريبا  في كلمة – ( آرابيسكي ) , ونعود بعد هذه الاستطراد الضروري الى موضوع مقالتنا.
لا نعرف بالضبط متى كتب غوغول مقالته تلك عن بوشكين, لكن بعض المصادر  وبعض مؤرخي الادب الروسي يشيرون الى انه كتبها عام 1832, الا ان المهم هنا انها ظهرت لاول مرة مطبوعة في ذلك الكتاب عام 1835, رغم ان موافقة الرقابة على هذا الكتاب كانت بتاريخ 10 /11/ 1834 , وتشغل هذه المقالة  عدة صفحات من الكتاب المذكور, وقد كتبها غوغول باسلوبه الفخم والجزل والمعمق والجميل, وحدد فيها مكانة بوشكين الحقيقية في دنيا الادب الروسي  واطلق عليه تسمية – ( الشاعر الروسي الوطني الاعظم) , وهي تسمية جديدة ومبتكرة في تاريخ النقد والفكر الروسي لا زالت تقترن باسم غوغول لحد الآن , اذ لم يسبق ان استخدمها اي ناقد او باحث روسي قبل غوغول , ويرى بعض مؤرخي الادب الروسي ( وهم من وجهة نظري على حق ) ان الناقد الادبي الروسي الكبير بيلينسكي ( 1811 – 1848 ) قد التقط هذه التسمية التي اطلقها غوغول بالذات واستوعبها بعمق وانطلق منها بكتاباته النقدية التحليلية المشهورة عن بوشكين, والتي بلغت ( 11 )   مقالة طويلة وتفصيلية تناولت الادب الروسي قبل ظهور بوشكين و من ثمٌ  توقف عند دور بوشكين الكبير والمتميز في مسيرة هذا الادب , ولا زالت هذه المقالات تعد واحدة من اهم مصادر دراسة بوشكين واهميته في الادب الروسي سواء داخل روسيا او خارجها .لقد أكٌد غوغول ان بوشكين يجسٌد الروح الروسية في نتاجاته لدرجة ان أحد النقاد اعتبرها حدثا كبيرا في تاريخ الادب الروسي بشكل عام لانها عكست و اثبتت الرؤية العبقرية لغوغول , الذي تنبأ واقعيا بمصير بوشكين  (الذي وصل اليه  في الوقت الحاضر ) اثناء حياة بوشكين نفسه,اي ان غوغول اعطانا نبوءة مستقبلية في مقالته تلك اثبت الزمان فيما بعد صحتها , اذ اصبح اسم بوشكين رمزا لروسيا,وقد بث التلفزيون الروسي الرسمي قبل عدة سنوات برنامجا خاصا ساهم فيه كبارالسياسيين والمثقفين وممثل الكنيسة الارثذوكسية الروسية  آنذاك الاب  كيريل ( الذي اصبح الآن  على رأس الكنيسة الروسية الارثذوكسية لعموم روسيا ) وطرح كل واحد منهم اسما يمثل روسيا عبر تاريخها كله واصبح مجموع الاسماء المطروحة حوالي 100 اسم, وبعد مناقشات واسعة في عدة حلقات وتصويت المشاهدين جاء اسم بوشكين ضمن الاسماء العشرة الاوائل, وبعد تصفية تلك الاسماء عبر مناقشات حامية الوطيس ايضا وبتصويت المشاهدين جاء بوشكين رابعا بعد نيفسكي وستالين وستاليبين, وهذا يعني ان بوشكين هو الاديب الروسي الوحيد الذي استطاع ان يتنافس مع ثلاثة سياسيين كبار في تاريخ روسيا عبر كل تاريخها الطويل , والذين لعبوا ادوارا مهمة وخطيرة جدا في مسيرتها الحافلة, علما ان نتائج التصويت كانت متقاربة الى حد ما .
لا يمكن بالطبع عرض مقالة غوغول هذه عن بوشكين ضمن عدة كلمات اوبضعة سطور, وهي تقتضي  - في رأي - ان نترجمها باكملها الى العربية , اذ انها تعد ولحد الآن مقالة اساسية لفهم واستيعاب نتاجات بوشكين واهميته في تاريخ الادب الروسي ومسيرته , وقد حاولت ان ابحث عنها بالعربية في مصادر عديدة ولكني لم أجدها , ومن الممكن باني لم أعثر على ترجمتها ليس الا, ولكني في كل الاحوال اتمنى ان تكون مقالة غوغول هذه في متناول القارئ العربي المهتم بالادب الروسي عموما وبادب بوشكين خصوصا . ان هدف هذه المقالة يكمن بالذات في هذا الاستنتاج الذي أشرت اليه لتوي الآن بالذات , اي الى ضرورة ان يتعرف القارئ العربي على آراء غوغول حول بوشكين , والتي لخٌصها غوغول في مقالته تلك , وبالطبع فاني اود ان اعلن هنا عن استعدادي التام لترجمة  (او اعادة ترجمة ) هذه المقالة وكتابة الهوامش اللازمة لها , او للتعاون مع الاخرين لتنفيذ هذه المهمة العلمية الضرورية والرائعة في آن واحد.


779
أدب / قلوب جنود الحرية
« في: 20:00 07/01/2016  »

قلوب جنود الحرية

 
للشاعر راؤول كونساليس / الارجنتين
ترجمها عن الروسية: أ.د.ضياء نافع




خذوا كل شئ
كتبي،
قلمي،
قنديلي،
أنفاسي...
صادروا
من حدقات عيني
كل أشيائي...
ومن الذاكرة
تلك الوجوه الخالدات،
والشوارع
وواجهات المخازن
والقطارات...
اطلقوا النيران
على معطفي،
اخنقوا صوتي،
وليختفي
الى الابد
رنين الاجراس
والسفن الشراعية الصغيرة...
لكن قلبي
سيخفق
كما كان
دائما وابدا
جنبا لجنب
مع
قلوب جنود الحرية...

780
خروشوف والفنان نيئزفيستني
أ.د. ضياء نافع
( اعيد نشر هذه المقالة لمناسبة افتتاح المعرض الشامل للفنان نيئزفيستني في  الخامس من يناير / كانون الثاني 2016 بموسكو).  ض.ن.
================================
نيكيتا سرغييفتش خروشوف ( 1894 – 1971 ) – هو الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي بعد وفاة الشخصية العالمية المعروفة -  ستالين عام 1953 ,  و اصبح بعدئذ رئيسا لمجلس وزراء الاتحاد السوفيتي عام 1958 اضافة الى موقعه الحزبي , اي انه – باختصار -  الشخص الاول في الاتحاد السوفيتي آنذاك والى حين اقالته بالقوة من كل مناصبه التي كان يشغلها  بأمر جماعي متفق عليه من قبل قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي والدولة  السوفيتية عام 1964 كما هو معروف للقراء المتابعين لهذا الموضوع طبعا  , أما ارنست يوسيفوفيتش نيئزفيستني فهو نحات سوفيتي ( ثم حصل على الجنسية الامريكية و اصبح مواطنا امريكيا بعد هجرته الى هناك عام 1977 ), ولد عام 1925 في مدينة سفيردلوفسك بالاتحاد السوفيتي ولا زال لحد الوقت الحاضر على قيد الحياة ويعيش في مدينة نيويورك بامريكا وهو استاذ في جامعة كولومبيا ولحد الان , وغالبا ما يزور روسيا , واحتفل بعيد ميلاده الثمانيني عام 2005 في موسكو, بل ان  روسيا الاتحادية قد منحته عام  1995 وساما روسيا عاليا تقديرا لمجمل خدماته في مجال الفنون و كذلك وسام الشرف عام 1996 لخدماته امام الوطن , وقصة اللقاء الغريب والعفوي الذي حدث بين هذين الشخصين ( اي خروشوف ونيئزفيستني ) دخلت في تاريخ الفن التشكيلي السوفيتي ومسيرة الثقافة في الاتحاد السوفيتي بشكل عام , بل , ويمكن القول حتى في تاريخ الدولة السوفيتية برمتها اذ انعكست ابعاد هذه القصة  في تعليقات المحللين السياسيين عالميا , بما فيهم الصحفيين والمعلقين  العرب , حول قيادة الاتحاد السوفيتي ومستواها الفكري , وموقفها الثقافي و الحضاري بشكل عام  , وتأثير  ذلك على المسيرة السياسية بالذات  في  الاتحاد السوفيتي , بل وانعكاس كل ذلك في مجمل السياسة الدولية في العالم, وهذا ما سنحاول عرضه في مقالتنا الوجيزة  هذه .
حدث ذلك اللقاء المذكور اعلاه في الاول من كانون الاول / ديسمبر عام 1962 في قاعة المعارض المركزية  التي تقع في ساحة مانيش المعروفة في  وسط مدينة موسكو  , وهي الساحة المجاورة للساحة الحمراء الشهيرة , حيث كان هناك معرض فني كبير للفنانين الطليعيين من رسم ونحت لمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في موسكو وتحت عنوان – ( الواقع الجديد ) , وقد زار المعرض الامين العام للحزب الشيوعي السوفيتي ورئيس مجلس الوزراء خروشوف نفسه و بمرافقة  بقية قادة الاتحاد السوفيتي عندها مثل بريجنيف ( الذي اصبح امينا عاما للحزب الشيوعي السوفيتي بعد خروشوف وبقي في هذا المنصب الخطير الى نهاية حياته ) وكوسيغين وسوسلوف وميكويان ووزيرة الثقافة فورتسفا وغيرهم من الاسماء الرسمية المشهورة آنذاك , وبحضور مجموعة كبيرة من ابرز الفنانين التشكيليين والنحاتين السوفيت طبعا , و  لم ينل المعرض اعجاب خروشوف بتاتا , و عندما وصل والقادة الذين كانوا يرافقونه عند اعمال نيئزفيستني , انتبه اليها و توقف عندها  وابدى امتعاضه الشديد من تلك النتاجات الفنية,  واستدعى هذا الفنان وأخذ يتكلم معه بشكل انتقادي صارم وحاد حول ذلك , بل حتى بدأ يوبخه مستخدما كلمات سوقية مثل ( لوطي ) , وان  اعماله ليست سوى ( غائظ كلاب ) , وتكلم خروشوف بشكل عام عن الفن التشكيلي  التجريدي المعاصر آنذاك وقال , انه اذا نغمس ذيل الحمار بالالوان فانه سيرسم مثل هذه اللوحات التي تشبه طفلا يلوث بيديه غائظه دون ان يفقه اي شئ ....الى آخر تلك الجمل البذيئة بكل معنى الكلمة , وكل ذلك امام جميع القادة والفنانين والصحفيين وبقية الضيوف وزوار المعرض , وقد صرح الفنان نيئزفيستني للصحفيين - في فترة لاحقة بعد هذه الحادثة  طبعا - انه لم يقابل في حياته مثل تلك البذاءة والانحطاط في الكلام , ومثل هذا المستوى الهابط والرهيب من التعبير عن اختلاف الرأي في شؤون الفن بشكل عام , وقد اضطر الفنان التشكيلي نيئزفيستني ان يجيب عندما اعلن خروشوف انه ( لوطي ) قائلا – اعتذر من السيدة فورتسفا وزيرة الثقافة السوفيتية الموجودة امامي ولكني لست لوطيا  , وقد اشتهر هذا الخطاب في تاريخ الاتحاد السوفيتي بتسميته الغريبة والمعيبة طبعا في النقد الفني وهي  – ( خطاب عن اللوطية في الفن ) , وعندما قال نيئزفيستني لخروشوف ان الكثير من شيوعيي العالم معجبين باعماله الفنية, واعطاه بعض الاسماء من شيوعيي ايطاليا وغيرها مثلا , فسأله خروشوف – هل يهمك رأيهم لانهم شيوعيون ؟ فأجابه – نعم , فقال له خروشوف – اذن استمع الى رأيٌ لاني الشيوعي الاهمٌ في العالم .
 لقد كنت انا شخصيا في تلك الفترة طالبا في كلية الاداب بجامعة موسكو , وسمعت طبعا بهذه الحادثة رأسا في اوساط الطلبة واستمعت – مثل الطلبة الروس والاجانب آنذاك – الى نشرة الاخبار المركزية في راديو موسكو باللغة الروسية الى هذا الخبر , واطلعت في اليوم الثاني على النص الذي نشرته وكالات الانباء السوفيتية حول ذلك اللقاء والذي نشرته الصحف السوفيتية كافة كما كانت تسير الامور عندها في الاعلام المركزي , وقد تم بالطبع تشذيب كلام خروشوف بشكل او باخر , و تم حذف كل تلك الكلمات البذيئة التي اشرنا اليها (و التي لم نستطع ولم نرغب ان  نشير اليها  ايضا ! ) اعلاه, ولكن الموضوع – رغم ذلك -  بقي في نفس اطاره طبعا , وتم التاكيد على قضية ( ذيل الحمار ! ) الذي يستطيع ان يرسم مثل تلك اللوحات التشكيلية , والتي تنتمي الى الفن التشيكيلي التجريدي المعاصر في حينها , وقد اثارت تلك التعليقات الغريبة  والساذجة والباهتة والبعيدة كل البعد عن المنطق العلمي والنظرة الموضوعية ردود فعل سلبية بين اوساط الطلبة الروس والاساتذة طبعا واستهجانهم , ولكنهم لم يحاولوا التعبير عن انطباعاتهم حول ذلك بشكل تفصيلي وعلني  , خصوصا امامنا – نحن الطلبة الاجانب , ولكننا شعرنا بموقفهم السلبي بشأن هذا الحدث وعدم ارتياحهم لتلك التصرفات المتسرعة  هذه , و الشتائم الغاضبة , وغير المعقولة بتاتا  تجاه الاعمال الفنية المعروضة آنذاك , و حتى سخريتهم المريرة منها , وقد اشار احد المؤرخين الروس قبل فترة  الى ان هذا الخطاب يعد الاسوأ بين خطابات خروشوف كافة , ولا يمكن مقارنته حتى بخطابه و موقفه المعروف  في منظمة الامم المتحدة , عندما نزع الحذاء وأخذ يدق به على المنصة ويلوٌح به امام وفود الدول الاعضاء في تلك المنظمة الدولية , وقد تم الاشارة الى كل ذلك – بما فيها ذلك الخطاب - بشكل غير مباشر حتى في الاعلان الرسمي الذي تم نشره آنذاك عن تنحيته من مناصبه عام 1964 .
ختاما لمقالتنا هذه نود ان نشير الى ان اقرباء خروشوف طلبوا من النحات نيئزفيستني ان ينحت تمثالا على قبره , وقد قام فعلا بنحت رأس خروشوف وتم وضعه على القبر , وهو لا زال موجودا لحد الان , ويعد من افضل الاعمال الفنية , التي استطاعت ان تجسٌد الحيوية التي كان يتميز بها خروشوف . اما النحات نيئزفيستني نفسه فقد اصبح الان واحدا من أشهر النحاتين في العالم , واقتنى بابا الفاتيكان بعض اعماله وادخلها في متحف الفاتيكان للفنون , وتم افتتاح متحف خاص له وباسمه في مدينة يكاتيرنبورغ الروسية في الذكرى ال88 لميلاده , ويضم المتحف اعماله النحتية التي أهداها لهم شخصيا وكذلك بعض الاعمال الاخرى التي حصل عليها المتحف من مصادر اخرى .

781
أدب / أهوى الحياة أنا
« في: 15:24 05/01/2016  »
أهوى الحياة أنا
قصيدة للشاعر الروسي روبرت روجديسفينسكي
ترجمة – أ.د. ضياء نافع



 أهوى الحياة انا
بكل عنفوان,
رغم علمي
مسبقا
-عاجلا او آجلا-
ان دوري
بانتظاري.
سأتهاوى
على الاحجار,
وعندما سيغور في العتمة
كياني,
ستحتضن الارض
يداي الواهنتان...
اريد
الا يصدق
-عندما يسمعون-
خلاٌني,
اريد
ان ينطلق
تغريد البلابل...
وان يسود الربيع الطلق
كل مكان,
واريد
ياحبيبتي
ان تضحكي
ولا تحزني...

782
عدنان جاموس والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
كانت هناك مجموعة  في نهاية الخمسينيات من القرن العشرين تضم ستة طلاب من الجمهورية العربية المتحدة , واحد من مصر وهو ابو بكر يوسف وخمسة من سوريا  وهم احمد الشيخ و عدنان جاموس وعماد حاتم وفؤاد مرعي ويوسف حلاق ( حسب تسلسل الحروف العربية ), وعندما التحقت مجموعة من  الطلبة العراقيين للدراسة في كلية الاداب بجامعة موسكو للعام الدراسي 1960/1961 ( وكنت أنا من ضمنهم ) , كانت تلك المجموعة  السورية – المصرية  قد انتقلت من الصف الاول الى الصف الثاني في تلك الكلية , وكان من الطبيعي ان نصبح اصدقاء , خصوصا واننا كنا نسكن ايضا في نفس القسم الداخلي للطلبة , وقد اصبح الدكتور ابو بكر يوسف علما من أعلام الادب الروسي كما هو معروف ( انظر مقالتي بعنوان – ابوبكر يوسف والادب الروسي ) ,  واود في هذه المقالة ان اتحدث عن الاستاذ عدنان جاموس ونشاطه الثقافي , واتمنى ان تسنح لي الفرصة للتحدث عن بقية هؤلاء الزملاء والتعريف بهم وبدورهم في مجال الادب الروسي ونشره في العالم العربي , اذ ان كل واحد منهم قد أسهم فعلا في حركة الترجمة عن الروسية الى العربية في مجالات ثقافية مختلفة ومنها طبعا الادب الروسي.
كان عدنان جاموس اكثرنا  تواضعا وعمقا ولم تكن الابتسامة تفارق شفتيه , وكان يحب الهدوء والصمت والقراءة, لهذا كان محبوبا من قبل الجميع , ويبدو ان تلك الصفات رافقته طوال حياته , اذ انني عندما زرت دمشق عام 2007 وسألت في مقر الجمعية السورية لخريجي الجامعات الروسية -  ( هل تعرفون  الاستاذ عدنان جاموس ؟ ) أجابني الجميع – نعم نعرفه بالطبع , واتصلوا به هاتفيا رأسا , وتحدثت معه رغم اننا لم نلتق اكثر من اربعين سنة , وكان هذا الحديث من القلب الى القلب كما يقال  , وفهمت من طبيعة حديثه  انه لم يتغير , وكان وقتي آنذاك محدودا جدا ولم استطع رؤيته مع الاسف , ولكني أخبرته هاتفيا بمتابعتي لنشاطه الابداعي الكبير وكيف اني افتخر بذلك, ولا يمكن لي في هذا العرض السريع لشخصية عدنان جاموس  الا ان أتوقف – اولا - عند تلك الكلمات الدقيقة والموضوعية , التي كتبها الدكتور ابو بكر يوسف عنه في مقالته المشهورة عن نجيب سرور بعنوان – ( نجيب سرور ..مأساة العقل ) , اذ كتب قائلا – ( زميلي السوري عدنان جاموس , وكان أنضجنا خبرة وأكثرنا معرفة بشؤون الحياة والادب ...) حيث كان  يتحدث ابو بكر كيف ان عدنان جاموس قاده الى نجيب سرور وعرٌفه به في موسكو .
يرتبط اسم الاستاذ عدنان جاموس قبل كل شئ بكتاب مهم جدا في مسيرة الترجمة عن اللغة الروسية بشكل خاص ومسيرة الثقافة العربية بشكل عام وهو بعنوان – ( الجمالي والفني ) تأليف  الباحث السوفيتي بوسبيلوف , والذي اصدرته وزارة الثقافة السورية في حينها , وهو كتاب فلسفي عميق و صعب  جدا على الترجمة الى العربية لانه يتناول  اسس نظرية الادب وعلم الجمال وفلسفة الفن من وجهة نظر العلماء السوفيت في ذلك المجال آنذاك , ومؤلفه – غينادي نيقولايفتش بوسبيلوف ( 1899-1992 ) هو استاذنا في جامعة موسكو عندما كنا طلبة هناك في ستينيات القرن العشرين , وهو حاصل على شهادة دكتور علوم ( دوكتور ناووك ) في الآداب ( وهي كانت اعلى شهادة علمية في روسيا و لا زالت كذلك  لحد الان ) واصبح بروفيسورا  في جامعة موسكو منذ عام 1938 , ولديه مؤلفات عديدة في تاريخ الادب الروسي للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ( كتابه حول تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر كان من جملة الكتب المنهجية المقررة آنذاك في كليتنا )  اضافة الى مؤلفاته ومقالاته في نظرية الادب وعلم الجمال وجوهر الفن , ويعد كتابه ( الجمالي والفني ) الذي ترجمه عدنان جاموس من ضمن كتبه الاساسية المعتمدة آنذاك في عموم الاتحاد السوفيتي , وقد اصدره بوسبيلوف عام 1965 ويقع ب 360 صفحة من القطع المتوسط , ولم يفقد هذا الكتاب اهميته وقيمته لحد الان , رغم كل التغيرات التي طرأت في تاريخ روسيا ومسيرتها  الفكرية , وقد اطلعت قبل فترة قصيرة  جدا على مقالة بهذا الشأن حول ذلك , حيث يشير كاتبها الى ان النظرة المعمقة لبسبيلوف حول الجمالي والفني لا زالت مهمة وضرورية  للباحثين في الوقت الحاضر في روسيا ,بغض النظر عن الاطار الايديولوجي المعروف الذي كان سائدا آنذاك في هذا الكتاب نتيجة الوضع السياسي طبعا , اما من وجهة النظر العربية , فان هذا الكتاب لازال ايضا يمتلك قيمته واهميته وضرورته , لان الاستاذ عدنان جاموس حاول – و بدقة  واخلاص – ان يجد ويصيغ المصطلح العربي الملائم والمناسب لكل تلك المصطلحات الروسية التي جاءت في ذلك الكتاب الفلسفي حول تلك المواضيع الجديدة نسبيا بالنسبة للغة العربية , وكم اتمنى ان يتناول هذا الكتاب طالب دراسات عليا عربي في احدى اقسام اللغة الروسية في عالمنا العربي ويقوم  بدراسة مقارنة لهذه الترجمة مع النص الروسي للكتاب وباشراف استاذ عربي مختص في ذلك القسم , ويستخلص – بالتالي -  من تلك الترجمة قائمة من المصطلحات العربية وما يقابلها من المصطلحات الروسية  حول تلك المواضيع لازلنا – نحن العرب -  بحاجة اليها لحد اليوم ضمن موضوع المصطلحات العربية – الروسية  والروسية – العربية في علم المصطلحات  الادبية  .
اضافة الى هذا الكتاب قدٌم عدنان جاموس للمكتبة العربية عدة كتب مترجمة اخرى عن الروسية  منها كتابا عنوانه – ( السهب وقصص مبكرة ) يضم عدة قصص لتشيخوف , وقصة  ( السهب ) هذه – كما هو معروف -  هي واحدة من أشهر قصص تشيخوف وتعد بداية لمرحلة جديدة في مسيرة تشيخوف الابداعية , وهناك كتاب آخر لتشيخوف ترجمه عدنان جاموس ضمن سلسلة كتب للفتيان عنوانه – ( نصر لا لزوم له ) وهو قصة منسية لتشيخوف كتبها عام 1882 عندما كان طالبا شابا في كلية الطب بجامعة موسكو , والتي نشرها في المجلات الفكاهية الروسية آنذاك , محاولا محاكاة قصص المغامرات التي كانت سائدة في ذلك الوقت لاحد المؤلفين الهنغاريين , وقد حاول تشيخوف ان يكتب مثله ونجح نجاحا ساطعا في محاولته تلك ,وعدا هذا فقد صدرت لعدنان جاموس ترجمة لمسرحيات بوشكين الصغيرة بعنوان – ( المآسي الصغيرة ) وقد سبق لنا ان اشرنا اليها ( انظر مقالتنا – مسرحية بوشكين الشعرية موتسارت وساليري ) , و ترجم كتابا مهما جدا في تاريخ الترجمة من الروسية الى العربية للاديب الروسي الكبير كوبرين , وهي رواية له عنوانها – ( الحفرة ) , وكوبرين كما هو معروف هو احد الادباء الروس الكبار في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , والذي كان مرشحا لنيل جائزة نوبل , التي حصل عليها بونين في ما بعد ( انظر مقالتنا – بونين يتسلم جائزة نوبل للاداب ) .
ختاما لهذه السطور السريعة اود ان اشير الى ان عدنان جاموس كان أحقنا بالحصول على شهادة الدكتوراه  بعد تخرجنا , ولكنه لم يحصل عليها بل و لم يحاول ذلك اصلا , فقد عاد رأسا الى سوريا وبدأ بالعمل على وفق قوانينا العربية الساذجة والبدائية والعقيمة , واصبح مترجما ( لانه يعرف اللغة الروسية ! ) في مشروع بناء سد الفرات الذي كان ينفذه الاتحاد السوفيتي آنذاك , واضطر ان يترك الادب الروسي الذي درسه في عقر داره كما يقال , اي في موسكو نفسها , واضطر ان يستبدل بوشكين وتشيخوف وفطاحل الادب الروسي العظيم  بالسمنت وترجمة عقود العمال والمفاوضات بين مهندسي الجانبين ومشاكل العمل اليومي في ذلك السد , ولم يشعر المسؤولون المحترمون انهم اضاعوا على الثقافة العربية موهبة كبيرة كان يجب ان يكرس جهده لاغناء الثقافة العربية بترجماته للادب الروسي شبه المجهول للقراء العرب  , ولا اريد الاستطراد بالحديث عن هذا الموضوع الذي عانينا منه في عالمنا العربي جميعا ولا زلنا لحد اليوم  , لأن هؤلاء ال... لا يفهمون معنى الترجمة واهميتها وقيمتها ودورها في المجتمع والنهوض به و لا يفقهون طبعا معنى الثقافة ومعنى الحضارة ومعنى التفاهم والتعايش بين ثقافات الشعوب وضرورتها , واكرر ان هذا المشهد التراجيدي يتكرر لحد الان  في عالمنا العربي .
تحية لعدنان جاموس الذي لا اعرف مصيره ولا اين هو الان , و الذي أجبر هؤلاء ال..... ان يصبح رئيسا لتحرير مجلة تدرس وتتناول  الادب العالمي , وان يكتب خلاصات علمية رائعة  حول الادباء الروس في الموسوعة العربية , وان يكون علما من اعلام المثقفين العرب بين خريجي الجامعات الروسية, وان يعبٌد الطريق لهؤلاء الذين سيأتون من بعده .

 

783
أدب / يجب ان نعود
« في: 20:51 02/01/2016  »

يجب ان نعود


الشاعر :اوغستينو نيتو/انغولا
ترجمها عن الروسية: أ.د. ضياء نافع



يجب ان نعود
الى حقولنا الواسعة
وشواطئنا الذهبية,
يجب ان نعود
الى اراضينا الاصيلة,
الى اراضينا الحمراء
من البٌن,
والبيضاء
من ألقطن,
والخضراء
من الذرة.
يجب أن نعود
الى بحيراتنا الزرقاء
وانهارنا,
الى غاباتنا
وجبالنا
وودياننا.
يجب ان نعود
الى البرودة
تحت ظلال اشجارنا,
الى ايقاعاتنا,
الى شعلة نيراننا.
يجب ان نعود
الى رنين موسيقانا,
الى مهرجاناتنا,
يجب ان نعود
الى امنا الحنونة الرائعة
الى وطننا.
يجب ان نعود
الى بلادنا
كي نجعلها
حرة ومستقلة.
يجب ان نعود
يجب
ان
نعود.

784
غونتشاروف وروايته  اوبلوموف ومصطلح الاوبلوموفية
أ.د. ضياء نافع

ايفان الكساندروفيتش غونتشاروف ( 1812 – 1891 ) ( ويكتبون لقبه بعض الاحيان غونجاروف ) – اديب روسي كبير في القرن التاسع عشر يكاد ان يكون مجهولا للقارئ العربي تقريبا , ولا نجد اسمه مع الاسف بين اسماء الادباء الروس الكبار المعروفين للعرب , بل ولا حتى بين شبه المعروفين ايضا , و من اجل ان تكون الصورة واضحة للقارئ – بشكل أو بآخر -  فانه يجب علينا قبل كل شئ ان نتناول سيرته الذاتية و ونتحدث عن مكانته المتميزة واهميته  في تاريخ الادب الروسي ومسيرته ولو بسطور وجيزة ,  رغم اننا نريد ونهدف على التركيز في هذه المقالة – وحسب عنوانها -  على ظاهرة فذٌة ومتميٌزة جدا ترتبط باسمه فقط  لا غير بين كبار الادباء الروس في القرن التاسع عشر , وتكمن هذه الظاهرة  في المصطلح الروسي الذي دخل الى اللغة الروسية عندها( ولا زال موجودا ) اشتقاقا من عنوان روايته – ( اوبلوموف ) , والمصطلح هذا هو – ( اوبلوموفشينا ) باللغة الروسية , والذي يمكن التعامل معه وفق الصياغة العربية للمصطلحات و بالتالي ترجمته ب – ( الاوبلوموفية ), على الرغم من ان اللاحقة في نهاية المصطلح بالروسية وهي – (...شينا ) تعني  هنا ( و في بعض الحالات الاخرى ) صفة سيئة وسلبية بعيدة جدا عن كل الصفات الجيدة و الايجابية , ومن الصعب ان نجد لها الرديف او المقابل العربي الذي يمكن له ان يعبٌر عن هذا المعنى الدقيق دون شرح تفصيلي اضافي للمصطلح هذا وتفسيره, ولكننا قبل الحديث بشكل تفصيلي -  قدر الامكان طبعا -  عن هذه الرواية وقيمتها والمكانة التي شغلتها آنذاك والتوقف عند المصطلح الذي انبثق منها  , نود ان نعود الى ما ذكرناه في بداية مقالتنا هذه ونبدأ بالتعريف العام والوجيز طبعا حول هذا الكاتب الكبير ومكانته واهميته في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر .
ولد غونتشاروف عام 1912 في عائلة تجار بمدينة سينبيرسك , وهي فئة غنية في روسيا حاولت ان تشغل مكانها جنبا لجنب مع فئة النبلاء في المجتمع الروسي آنذاك رغم انها كانت أقل ثقافيا من مستوى النبلاء , وتلقى غونتشاروف تعليمه في البيت والاجواء المحيطة بالعائلة كما كانت تجري الامور عندها , ثم  درس في مدرسة بموسكو , ثم التحق في كلية الاداب بجامعة موسكو عام 1831  , وهناك بدأت شخصيته بالتبلور, اذ انه التقى بالكثيرين من الشباب المنتمي الى مختلف الجمعيات او التجمعات الفكرية المختلفة , وهي ظاهرة كانت واسعة , بل طاغية  جدا آنذاك بين الشباب الروسي , وعلى الرغم من اختلاطه وتعايشته معهم وتعامله اليومي مع اعضاء هذه المجاميع ذات الافكار المتنوعة  وصداقته القريبة  مع العديد من المنتمين اليها  ,الا انه لم يرتبط باي من هذه التجمعات  وبقي بمنأى عنهم جميعا وخارج نطاق جمعياتهم , ويمكن الان ان نطلق عليه المصطلح المعاصر –  ( المستقل ) او بتعبير اكثر دقة - ( اللامنتمي ) بالنسبة لذلك العصر العاصف في تاريخ روسيا .
 بعد التخرج رجع غونتشاروف الى مدينته لفترة زمنية  قصيرة ثم قرر الانتقال الى بطرسبورغ , وهناك تم تعيينه مترجما في وزارة المالية  , وابتدأ بالنشر والاختلاط بالاوساط الثقافية والتعامل معها واصبح  بعدئذ صحفيا شهيرا و لامعا , وصدرت روايته الاولى والتي كانت بعنوان - ( قصة اعتيادية ) عام 1846 , وقد ابدى الناقد الادبي المعروف بيلينسكي نفسه اعجابه بهذه الرواية , وكان في ذلك الوقت في قمة مجده وكان الرأي الذي يبديه مؤثرا جدا في الاوساط الفكرية  طبعا , وقد تعارفا مع بعض نتيجة لهذا الموقف , ولكنهما لم يصبحا صديقيين  حميمين , اذ لم يتقبل غونتشاروف مواقف بيلينسكي المتطرفة بشأن تأييده المطلق للافكار الثورية  الغربية  ولم يعجب بها, و من جانب آخر لم تعجب بيلينسكي كذلك  افكار غونتشاروف المعتدلة  جدا, بل والحذرة  اصلا , وأطلق عليه بيلينسكي بعدئذ تسمية ( فيليستير ) الالمانية ومعناها الانسان المحدود الافق والمرائي في تصرفاته , وهي تسمية مهينة طبعا ( رغم ان بيلينسكي حاول ان يخفي معانيها المباشرة  باستخدامه كلمة المانية ) , وتعكس هذه التسمية طبعا موقفا غير متوازن في حالة الاختلاف في الآراء بين اثنين من الكٌتاب وتبين بلا شك التطرف الذي كان يتميز به بيلينسكي بشكل عام , رغم ان غونتشاروف لم يهاجم موقفه الفكري هذا  آنذاك  ولم  يتحدث علنا عن ذلك الاختلاف في ألآراء بينهما, ويمكن القول ان هذا التباين بينهما والاختلاف في الآراء  يعد موضوعا كبيرا وطريفا في تاريخ الفكر الروسي ويقتضي بلا شك التوسع والتعمق في دراسته وتحليله والكتابة عنه , خصوصا وان غونتشاروف كتب في اواخر حياته مقالة مشهورة في تاريخ النقد الادبي الروسي عن بيلينسكي , الا ان ذلك لا يدخل ضمن اهداف مقالتنا .
 روايته الثانية صدرت عام 1859 وكانت بعنوان – ( اوبلوموف ) , والتي كتبها على مدى سنين طويلة , والتي نريد ان نتوقف عندها هنا . عنوان الرواية يحمل اسم بطلها كما هو واضح , وهو اسلوب مشهور في تاريخ الادب الروسي  استخدمه الادباء الروس منذ القرن الثامن عشر  وثبٌته بوشكين نفسه في روايته الشعرية المعروفة – ( يفغيني اونيغين ) . مضمون رواية غونتشاروف  بسيط وغريب جدا في نفس الوقت , ويتمحور حول بطلها الرئيسي اوبلوموف -  الكسول حد القرف , ويصوره غونتشاروف  في الجزء الاول من الرواية وهو مضطجع على سريره ولا يغادر البيت ابدا ولا يؤدي اي عمل سوى الثرثرة والكلام الفارغ , ويحاول احد اصدقائه ان ينقذه من هذه الوضعية و يجبره ان يخرج الى الحياة ويعرفه باناس آخرين وبفتاة تصلح ان تكون زوجة له  , ولكن كل محاولاته تفشل في نهاية المطاف , وتنتهي الرواية بزواج اوبلوموف بفتاة اخرى وبوفاته وهو يوصي صديقه برعاية ابنه الوحيد من زواجه ذاك , وهناك طبعا تشعبات ثانوية في احداث هذه الرواية ومسيرتها مثل دور خادمه في البيت وحياته وزواجه , ودور شقيق زوجته الذي اراد ان يخدعه ويسرق امواله , ودور صديقه الذي يتزوج في النهاية من الفتاة التي كانت مرشحة ان تكون زوجة اوبلوموف نفسه الى آخر هذه المشاهد والاحداث , الا ان كل ذلك لا يعني تغييرا في مسار هذه الرواية وسماتها الاساسية و خصائصها واهدافها . ان هذه الحياة الباهتة والفارغة والتافهة والكسولة والتي تسير بلا هدف لانسان لا يعرف حتى كيف يتصرف بملكيته من الارض وعبيدها و التي ورثها , هذه الوتيرة من الحياة وايقاعها التي يحياها اوبلوموف يوميا  تكاد ان تخنق القارئ , بل هي تخنقه فعلا , وتؤكد بما لا يقبل الشك بتاتا ان هذه الفئة من البشر , اي طبقة النبلاء الذين ورثوا كل هذه الثروات من الارض وعبيدها لم يعودوا صالحين للحياة والاستمرار بالتعامل مع مجتمعهم , وان زمنهم وتأثيره على حياة الآخرين , بل وحتى وجودهم نفسه قد انتهى الى غير رجعة وللابد في بلدهم  وبين افراد  شعبهم , ومن هنا انبثق المصطلح الذي اشرنا اليه اعلاه وهو – ( اوبلوموفشينا ) او  ( الابومولوفية ) والذي أشار اليه الناقد الادبي الروسي الكبير نيقولاي الكساندروفيتش دوبرولوبوف ( 1836 – 1861 ) في مقالته المشهورة عن هذه الرواية  وانطلاقا من تسمية بطلها , هذا الناقد الادبي الذي عاش ست وعشرين سنة ليس الا وتوفي بمرض السل  وترك ارثا ادبيا وفكريا هائلا في تاريخ الادب الروسي واصبح واحدا من كبار النقاد والباحثين في مسيرة هذا الادب ورواده , والذي صدرت هذه الرواية بتقديمه طوال عشرات السنين وصولا حتى في اصداراتها  بالقرن العشرين في الاتحاد السوفيتي .
رواية غونتشاروف  الموسومة -  (اوبلوموف ) تشغل مكانة مهمة وكبيرة في تاريخ الادب الروسي لانها تشكل حدثا واضحا ومتميزا في تاريخ هذا الادب , بل و تاريخ روسيا نفسها, ويربط بعض الباحثين الروس حتى بين صدورها عام 1859 وبين صدور قانون الغاء حق القنانة في روسيا عام 1861 , ويشيرون الى ان هذه الرواية هي الاعلان في تاريخ الادب الروسي عن قانون الالغاء المذكور . و الرواية هذه – وباختصار- تقتضي منا – نحن العرب – ان نترجمها , اونعيد ترجمتها , الى لغتنا العربية حتما وندرسها ونستوعبها , كي نحدد قيمتها  الفنية و التاريخية  من اجل ان تساعدنا  لاحقا على فهم تاريخ روسيا بشكل صحيح وموضوعي .

785
قصيدتان من هنغاريا
للشاعر لايوش  كاشاك

ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع
لا تحزن يا ولدي
++++++++++
لا تحزن ,
ولا تبك
يا ولدي –
اني درعك
وسلاحك,
 وعندما ساموت
ستبقى انت حيٌا
في قصائدي ..

 نيسان الساعة الخامسة صباحا
+++++++++++++++++++
والفجر من جديد
يلتهم النجوم
ويخلع
ثياب الليل
الرثٌة .
...........
بأي شئ
ابدأ هذا اليوم ؟
...........
أقف عند النافذة المفتوحة
انتظر ..
...........
أرى زوجة الخبٌاز
نصف عارية
تنشر الغسيل
في اشعاعات الشمس الاولى.
..........
يا حبيبتي
يا حبيبتي الاولى-
شكرا
لانك بقيت
بعيدة
في الماضي,
اما أنا
فاني أعيش في سلام
وهدوء,
دون الحنين الى أحد..

786
تاريخ الادب الروسي بترجمة د. شوكت يوسف
أ.د. ضياء نافع
أصدرت الهيئة العامة السورية للكتاب في وزارة الثقافة عام 2011 كتابا بعنوان – ( تاريخ الادب الروسي ) تحرير تشارلز أ. موزر وترجمة الدكتور شوكت يوسف , وهو كتاب صادر عن جامعة كامبريدج الشهيرة باللغة الانكليزية ويتضمن  عرضا شاملا  لتاريخ الادب الروسي منذ بداياته في القرن العاشر وحتى تسعينيات القرن العشرين ويقع في ( 720 ) صفحة من القطع الكبير , ويحتوي على أحد عشر فصلا بقلم احد عشر باحثا , اي مؤلف  واحد لكل فصل من فصول الكتاب , وقد تحدث المؤلفون على صفحات هذا  الكتاب عن كل  ظواهرالادب الروسي وخصائصه خلال ألف عام تقريبا , وتناولوا كل الادباء الروس في داخل روسيا وخارجها طوال تلك الفترة مع الاشارة الى مؤلفاتهم وتحليلها ومحاولة تحديد قيمتها واهميتها , وهي مهمة ليست بسيطة ابدا , وباختصار فان هذا الكتاب فريد من نوعه في المكتبة العربية  الحديثة والمعاصرة حول الادب الروسي  وتاريخه , ويمكن اعتباره فعلا واحدا من أهم مصادر التعريف العميق والشامل بتاريخ  هذا الادب في لغتنا العربية بشكل عام .
يتناول الفصل الاول  من هذا الكتاب الادب الروسي القديم منذ عام 988 وصولا الى عام 1730 , وهي الفترة التي ابتدأت واقعيا منذ اعتناق روسيا للمسيحية  في القرن العاشر . تعد هذه المرحلة أطول المراحل زمنيا في تاريخ الادب الروسي و مسيرته , ولم يتناول الباحثون العرب عموما دراسة خصائص هذه المرحلة في تاريخ الادب الروسي بشكل عام مع الاسف , بل انني لا أعرف – حسب معلوماتي المتواضعة – اي عربي متخصص في أدب هذه الفترة من تاريخ الادب الروسي , ولهذا فاننا لا نمتلك بالعربية – ولحد الان -  اية مصادر خاصة بتلك الفترة المذكورة  تتضمن دراسات تحليلية ومعمقة حولها اوعن أبرز ظواهرها او تعريفا باعلامها واهميتهم ...الخ , عدا اشارات عامة جدا ومترجمة طبعا حول ذلك هنا وهناك ليس الا . لقد توقف مؤلف الفصل  في هذا الكتاب عند شواهد مهمة في الادب الروسي الكنسي القديم , وخصوصا عند الملحمة المعروفة – ( كلمة حول فوج ايغور ) والتي اثبت المتخصصون الروس انها كتبت ما بين 1185 – 1187 , وانها تعد واحدة من انضج نتاجات الادب الروسي القديم , ويتناول هذا الفصل نتاجات كبيرة اخرى لا يعرفها القارئ العربي ولم يسمع عنها بتاتا والمكتوبة باللغة السلافية الكنسية القديمة , والتي كانت تدور حول الحروب المغولية – التتارية التي امتدٌت عبر عدة قرون في تاريخ روسيا و اخضعت الدولة الروسية الناشئة الحديثة آنذاك لسيطرتها . ينتهي هذا الفصل في القرن الثامن عشر ويبدأ الفصل الثاني بظهور بطرس الاول  (او الاعظم كما يسمونه عادة في التاريخ الروسي) . عنوان الفصل الثاني هو  -  ( القرن الثامن عشر . الكلاسيكية الجديدة والتنوير . 1730 – 1790 ) , ويتناول هذا الفصل تحرر الادب الروسي من اللغة الكنسية وظلالها على مجمل هذا الادب , وبداية الملامح الاساسية للغة الروسية الحديثة , ويتوقف بالطبع طويلا عند اسماء بارزة في مسيرة هذا الادب مثل كانتيمير وترديكوفسكي ولومونوسوف وديرجافين وغيرهم . يشير الكتاب هنا في هذا الفصل الى مصطلح – الكلاسيكية الجديدة , وهو الذي كانت تطلق عليه مصادر الادب الروسي في روسيا السوفيتية تسمية - (الكلاسيتزيم ) تمييزا عن مصطلح الكلاسيكية في الاداب الاوربية الغربية , وذلك لان الكلاسيتزيم – كأتجاه أدبي -  كان يعني في مسيرة الادب الروسي وتاريخه – التأييد المطلق لبناء الدولة الروسية في ذلك القرن العاصف , والذي شهد نتائج اصلاحات بطرس الاعظم والقياصرة من بعده , وتوجههم الى اوربا ومنهجها في بناء الدولة . ان اختلافات المصطلح في هذا الكتاب – واقعيا – لا يعني بتاتا اختلافا في التفاصيل , اذ ان مؤلف هذا الفصل ينطلق من نفس  تلك المفاهيم , وهي ان نشاط الادباء في ذلك القرن قد عكس فعلا التأييد الكبير  لبناء الدولة الروسية آنذاك وتطلعاتها بانشاء امبراطورية اوربية جديدة , وهكذا يبدأ المؤلف بالكلام عن اصدارات لومونوسوف والآخرين في هذا المجال , ويتناول دورهم في الابتعاد عن اساليب القرون الماضية واللغة الكنسية ومواضيعها , وكيف استطاعوا عبر نتاجاتهم الادبية المتنوعة  تلك من وضع اسس جديدة للغة الروسية ومسيرتها وكيف ان هذه الخطوات الاساسية قد مهدت لبوشكين لاحقا ان يكمل هذه المهمة التاريخية العظمى بشأن اللغة الروسية الحديثة فيما بعد . ينتهي الفصل الثاني  بالكلام عن ظهور اتجاه أدبي آخر في مسيرة الادب الروسي هو السنتمنتالية ( النزعة العاطفية ) والتي تركت تمجيد الدولة وعادت بالادب الى موضوعة الانسان الاعتيادي ومعاناته الذاتية المتشعبة , وهكذا يبدأ الفصل الثالث , والذي جاء بعنوان -  الانتقال الى العصر الحديث / السنتمنتالية وبواكير الرومنتتيكية 1790- 1820 . يتناول هذا الفصل قبل كل شئ تاثير الثورة الفرنسية  وتطوراتها على مسيرة الاحداث في الامبراطورية الروسية وانعكاس ذلك في الاطار الادبي , خصوصا بعد الغزو النابوليوني لروسيا عام 1812 وفشله , وتنتهي هذه الاحداث بانتفاضة الديسمبريين المعروفة عام 1825 ( رغم ان سنة 1825 لا تدخل ضمن السنوات التي حددها المؤلف لهذا الفصل من الكتاب ). تظهر في هذا الفصل اسماء ادباء روس كبار مثل راديشيف وكارامزين وديرجافين وجوكوفسكي وصولا الى بدايات بوشكين . يتوقف مؤلف هذا الفصل طويلا عند كتاب راديشيف المهم في تاريخ الادب الروسي وهو – رحلة من بطرسبورغ الى موسكو الذي اعتبرته الامبراطورة يكاترينا الثانية آنذاك أخطر من انتفاضة بوغاتشيوف ( انظر مقالتنا بعنوان راديشيف وكتابه رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) . يتحدث الفصل هذا عن موقع كريلوف في تاريخ الادب الروسي وعن تلك الاساطير والحكايات الخرافية التي كتبها مشيرا الى انها ( قد تجاوزت عصره ) وهذا رأي دقيق وصحيح فعلا ( انظر مقالتنا - كريلوف  ابن المقفع الروسي ) . يتناول هذا الفصل ايضا بدايات المسرح الروسي واعلامه آنذاك  وهذه النقطة المهمة في تاريخ الادب الروسي تتطلب وقفة تفصيلية بالطبع . يختتم مؤلف هذا الفصل بالحديث عن  اسمين كبيرين في تاريخ الادب الروسي , الاول  هو الشاعر والمترجم الروسي جوكوفسكي , الذي يرتبط اسمه يالرومانتيكية في الشعر الروسي وكذلك بحركة الترجمة عن اللغات الاوربية , وهو الذي ترجم الاوديسة لهوميروس , والاسم الثاني هو غريبويديف مؤلف المسرحية الشعرية ( ذو العقل يشقى ) , والذي يترجمها الدكتور شوكت يوسف بعنوانها الحرفي ( مصيبة من العقل ) ( انظر مقالتنا بعنوان – مسرحية غريبويديف الشعرية ذو العقل يشقى ) . وهكذا يبتدأ الفصل الرابع والذي جاء بعنوان – القرن التاسع عشر .الرومانتيكية . 1820 – 1840 . يتناول هذا الفصل طبعا ابداع بوشكين وغوغول وليرمنتوف , ولا يمكن تقديم عرض سريع لهذا الفصل , ولا الفصول التي تليه حول دستويفسكي وتولستوي ... الخ الاسماء الكبيرة في تاريخ هذا الادب , اذ ان كل اسم من هؤلاء الادباء يتطلب التوقف عنده وكتابة مقالة مستقلة حوله , وخصوصا الفصول الاخيرة بالذات التي تتناول الادب الروسي في المرحلة السوفيتية , اذ يقتضي العرض مناقشة تلك الآراء وبيان  موقف محدد بشأنها , و كم اتمنى ان تسنح لي الفرصة بتحقيق كل ذلك في مقالات لاحقة .
ان كتاب – تاريخ الادب الروسي هو باختصار مصدر مهم جدا للقارئ العربي كي يطلع على مسيرة هذا الادب وتسلسل احداثه واعلامه ونتاجاتهم رغم كل الآراء التي تتحمل النقاشات هنا وهناك , وهو – في نهاية المطاف – عمل ابداعي رائع للدكتور شوكت يوسف .


787
قصائد للشاعر البلغاري المعاصر خريستوف

ترجمها عن الروسية  – أ. د. ضياء نافع

 


جسد الليل

حملنا جسد الليل
من البيت,
وفجأة
انبثق
دم الشروق
وتدفق
مثل نهر.


طبيعة

الزهرة تفتحت
عندما اقتطفتها,
اغتبطت
لاني اخترتها
بين الكثرة الكاثرة
من زهور
الحقول...


رسالة

بدل البشرى
التي انتظرناها طويلا,
حملت الرياح
اجنحة المبشر.


الموت والاظافر

الخبر المرعب
عن موت القلب
وصل اخيرا
الى نهايات الاصابع-
فانغرست الاظافر
في الغبار.


المعرفة
 
لازلنا
لا نعرف اي شئ,
ونقدر
ان نعرف اكثر
مما نحن بحاجة اليه.


الشاعر


اعيش بشكل مغلوق
كثعبان
في صندوق...
وبدل الجسد,
المزمار دفنوه
اما الجسد
فنسوه.



سترحل عن رفاقها

تدوي ضربات الفأس
في الغابة.
شجرة من الاشجار
ستغادر رفاقها...
وتصبح صليبا
ليس الا.

وحدي

في البيداء
وحدي,
مرهق
وغارق
في همٌي,
وكأني
وسط مدينة
مليئة
بالضجة والهمٌ.




ذاكرة


عاد الالم,
وحام طويلا
فوق مكان
الجرح
الذي التئم.


عبارة مقتبسة


سيأتي يوم
يصبح فيه الحجر
اخف من الماء,
وعندها
ستعوم الصلبان
فوق الماء



رجعة


يداي
تريدان
ان يسيرا,
يداي
تريدان
-من جديد-
ان يصبحا
ساقين.

788
مارينا تسفيتايفا وبوشكينها
أ.د. ضياء نافع

أصدرت الشاعرة الروسية الكبيرة مارينا ايفانوفنا تسفيتايفا ( 1892 – 1941 ) كتيبا عنوانه ( بوشكين..ي ) , اي بوشكينها الذي يخصها , او الذي - كأنما - تعود ملكيته لها , وهو عنوان صعب بالنسبة للترجمة العربية , فاذا كتبناه هكذا – ( بوشكيني ) حسب قواعد الضمائر المتصلة  ( مثل كتابي او صديقي .. )  فانه سيعني بالعربية صفة من الاسم  (بوشكين ) , اي بوشكيني النزعة او الاتجاه ..الخ , واذا كتبناه ( بوشكيننا ) فانه سيبتعد  قليلا عن المعنى الذي قصدته  الشاعرة تسفيتايفا  نفسها, و التي ارادت ان تقول ان الشاعر الروسي الكبير بوشكين هو خاص بها فقط وليس ( بنا نحن ) , وعليه يجب على المترجم ان يجد البديل اللغوي الذي يمكن ان يعبر عن ذلك العنوان , وليست هذه بالمهمة السهلة , اذ تقتضي الاستطراد والشرح الاضافي  مع ضرورة الحفاظ في نفس الوقت على بساطة وجمالية ورشاقة هذا العنوان المتفرد  ودقته , ولهذا استعملت هنا الضمير الثالث  (الغائب ) في عنوان مقالتي هذه وجعلت من الشاعر الروسي  بوشكين – بوشكينها , للتعبير عن عنوان كتيب تسفيتايفا ذاك , واذكر ان زميلي في جامعة بغداد الدكتور جميل نصيف التكريتي طلب مني مرة في بغداد اي كتاب روسي عن بوشكين من مكتبتي الشخصية لغرض ترجمته من الروسية الى العربية ضمن منشورات وزارة الاعلام العراقية لانه حصل على موافقتها لترجمة كتاب تسفيتايفا هذا ولكنه اصطدم بصعوبة ذلك وعدم استطاعته انجاز ترجمته واقعيا , فاعطيته كتاب الباحث الروسي بيتروف عن بوشكين والذي ترجمه فعلا الى العربية ونشرته وزارة الاعلام العراقية في حينها , وقد اطلعت شخصيا   على كتيب تسفيتايفا هذا وفهمت ان الدكتور جميل نصيف التكريتي كان محقا بموقفه ذاك فعلا لانه لم يطلع  في حينها على كتيب هذه الشاعرة بدقة وبالتفصيل – قبل اقتراحه ترجمة الكتاب - , ولم يقرأ بامعان كل سطوره الذاتية البحتة , والتي كتبتها تسفيتايفا في فترة هجرتها من روسيا , والتي عكست فيها كل حنينها الى طفولتها وايامها الخوالي في وطنها روسيا وهي في هذا البعد والحنين  والغربة, وبالتالي فان هذا الكتيب لم يكن مناسبا فعلا  لترجمته الى اللغة العربية لانه صعب ومعقد جدا بالنسبة لترجمته الى العربية , و لانه لا يرسم صورة  شاملة و متكاملة لبوشكين - الشاعر والكاتب الروسي الكبير بالنسبة للقارئ العربي او حتى بالنسبة للقارئ الاجنبي بشكل عام  .
 ان كتيب تسفيتايفا عن بوشكين - قبل كل شئ - هو صورة قلمية ذاتية جدا لافكارها عن بوشكين وتصوراتها الشخصية البحتة عن هذا الشاعر العملاق ليس الا , وقد كتبته  للقارئ الروسي بالذات  فقط والذي يفقه ويتفهم بعمق اهمية بوشكين وقيمته وروعته وتميٌزه منذ نعومة أظفار هذا القارئ كما يقال , وانه بالتالي لا يمكن ان يمثٌل للقارئ غير الروسي صورة متكاملة لبوشكين ابدا , او ان يرسم لوحة  شاملة لكل ابعاد ادبه وشاعريته المتنوعة والعبقرية والتي كانت تستوعب كل جوانب الحياة الروسية آنذاك و تعكس كل تعقيداتها وتناقضاتها ومشاكلها الاجتماعية و تجسٌد كل ابعادها الانسانية في نفس الوقت طبعا .
يقع هذا الكتيب ( الذي اصدرته تسفيتايفا عام 1937 خارج روسيا , اذ انها هاجرت منها في عام 1922 وعادت اليها عام 1939 ) في صفحات قليلة نسبيا ليس الا , وهو ليس عملا ادبيا متكاملا , او بحثا نقديا لنتاجات بوشكين الهائلة والمتنوعة  جدا والمتميزة , وانما هو خواطر وذكريات كتبتها تسفيتايفا نثرا – ولكنه نثر بقلم شاعرة كبيرة ومتميزة طبعا – , والذي يمكن اعتباره  دراسة ذاتية سايكولوجية  لانطباعاتها – كشاعرة -  اثناء طفولتها  حول ابداع بوشكين , وانه كلمات شاعرة روسية في القرن العشرين عن شاعر روسي عملاق في القرن التاسع عشر, كلمات مصاغة بنثر شاعري نسائي رشيق وانيق وذاتي جدا .
 لم يتقبل النقد الادبي الروسي في حينه هذا الكتيب بشكل ايجابي  عموما واعتبره وكأنه محاولة ( للاستحواذ  الشخصي ) من قبل تسفيتايفا على شاعرية  بوشكين, مما اضطر الشاعرة ان تبدأ بالدفاع عن كتيبها هذا , مؤكدة ان لكل مبدع روسي يوجد رأي ذاتي بشأن بوشكين  لانه عظيم ومهم وكبير في مسيرة الادب الروسي , وبالتالي فان هناك حق لكل مبدع روسي ان يعبٌر عن وجهة نظره تجاه بوشكين وأن يعتبره كاتبا خاصا به ويرتبط بشكل او بآخر مع مسيرته الابداعية الذاتية  وان يسميه ( بوشكينه ), وانها لم تقصد ( الاستحواذ ! ) عليه وجعله ملكا لها كما يدعون  , وانما ارادت ان تتحدث عنه من وجهة نظرها ومن الزاوية التي تنظر اليه منها  وما الذي يمثٌله وما الذي يعنيه بالنسبة لها. ومن الطريف ان نشير الى وجهة نظر الشاعرة الروسية الكبيرة آنا أخماتوفا حول ذلك الموضوع , اذ ان أخماتوفا كانت ترى ان تسفيتايفا  (.. بعيدة عن بوشكين اكثر من ثلاثة فراسخ .. ) , ولم تكن تعترف ابدا بتناسق تسفتايفا مع شعر بوشكين وتناغمه معه , وعلى الرغم من ان أخماتوفا كتبت كثيرا عن بوشكين , الا انها – حسب ما أشار اليه نقاد الادب الروسي وهم على حق -  لم ( تتجاسر ! ) ابدا ان تكتب عنه كما كتبت تسفيتايفا , ولم تعتبره ( بوشكينها ) , رغم انها كانت تؤكد دائما على كتاباتها حول بوشكين , بل انها أشارت الى ذلك حتى في رسائلها الى ستالين , عندما طلبت منه الافراج عن ابنها من المعتقلات آنذاك ( انظر مقالتنا بعنوان - رسالتان من آنٌا أخماتوفا الى ستالين – من وثائق الادب الروسي ) .
 ختاما لهذا العرض السريع لكتيب تسفيايفا نقدم للقارئ بعض السطور منه , والتي يمكن ان تعكس طبيعة ذلك النص وذاتيته وحلاوته - 
( يبدأ فصل الرواية الموجودة على طاولة كل جداتنا وامهاتنا – وهي للروائية شارلوت برونتي  الكاتبة الانكليزية  في القرن التاسع عشر – عن سر الغرفة الحمراء ... في الغرفة الحمراء كان هناك دولاب سريٌ ...لكن قبل الدولاب السري كان هناك شئ آخر , كانت لوحة في غرفة نوم امي  وعنوانها – المبارزة .... هناك ثلج وغصينات سوداء لاشجار و شخصان بالاسود يقودان شخصا ثالثا من تحت ابطيه نحو الزلاقات , وشخص آخر بمفرده وهو يذهب وقد بدا ظهره فقط ... الذي يحملونه – بوشكين, والذي  يذهب – دانتيس . دانتيس دعا بوشكين للمبارزة , انه استدرجه الى حيث الثلج , وهناك , بين الاشجار السوداء الخالية من الاغصان , قتله .
اول شئ عرفته عن بوشكين – بانهم قتلوه , بعدئذ عرفت ان بوشكين – شاعر , وان دانتيس – فرنسي . دانتيس كان يكره بوشكين لانه لا يستطيع ان يكتب قصائد ...واستدرجه الى حيث الثلج , وهناك قتله باطلاقة مسدس أصابت بطنه..وهكذا علمت وانا في السنة الثالثة من عمري  وبصورة اكيدة  بانه توجد لدى الشاعر بطن .. وعندما استعرض كل الشعراء الذين التقيت بهم طوال حياتي – أتذكر بطونهم .. التي غالبا ما كانت شبه جائعة ...)

789
لينين والادباء الروس / ملاحظات أولية
أ.د. ضياء نافع

 فلاديمر ايليتش لينين ( 1870 – 1924 ) ولقبه الحقيقي اوليانوف – علم معروف وشهير و شخصية عملاقة وكبيرة ومؤثٌرة في دنيا السياسة في روسيا والعالم ( بغض النظر عن المواقف المتباينة تجاه افكاره ) , برز اسمه في نهاية القرن التاسع عشر بروسيا واحداثها الكبرى آنذاك ولا زال يؤدي دورا كبيرا ومهما جدا في مسيرة  الحياة السياسية الدولية وعالمها لحد الان , اي في القرن الحادي والعشرين , وليس من واجب السياسي طبعا ان يكتب ويبحث في شؤون الادب والادباء والنقد الادبي وتاريخ الادب , او يشارك في امور الادباء  الابداعية او مسيرتهم ودورهم في المجتمع ..الخ , ولكن طبيعة بعض النظم السياسية ( نظم الحزب الواحد ) في بعض المجتمعات قد خرقت هذه القاعدة المنطقية والطبيعية مع الاسف , ومن جملتها النظام السوفيتي , وهذا ما شاهدناه ولمسناه واقعيا اثناء دراستنا في الاتحاد السوفيتي  , فقد كانت الجمل العامة حول الادب والفن والثقافة معلقة في كل مكان وهي تشير الى ان القائد السياسي فلان يقول ( ان الفن يرتبط بالشعب والمجتمع ) , او (ان الكاتب الفلاني عظيم ورائع لانه يعكس آمال الشعب وارادته ) , او ( ان الادب يعكس حياة المجتمع ومشاكله ) او ( ان الاحتفال بالذكرى الفلانية للموسيقار الفلاني يؤكد عظمة النظام الاجتماعي) ...الخ هذه الجمل الطنانة و الرنانة والعامة جدا ليس الا , والتي قالها فلان او فستان من القادة في مختلف المناسبات.
 لقد حكم لينين 7 سنوات منذ انتصار ثورة اكتوبر 1917 والى حين وفاته عام 1924 , وقد كان مريضا في الفترة الاخيرة بعد محاولة اغتياله المعروفة, وانعزل واقعيا عن مواكبة احداث الحياة السياسية والاجتماعية والسلطة عموما, ولم يتناول في مؤلفاته ومقالاته اثناء فترة حكمه القصيرة جوانب تخص شؤون الفن والادب بعمق , اذ كانت الاحداث تجري بشكل عاصف جدا حوله , على الرغم من وجود كلمة هنا او تصريحات هناك يتحدث فيها عن هذا الكاتب او ذاك الفنان ليس الا, ولكن النشاط الفكري الكبيرالذي مارسه قبل ثورة اكتوبر قد شمل بعض جوانب الادب ( من وجهة نظر العمل السياسي طبعا ) , الا ان  نظام الحزب الواحد في كل مكان وطبيعته كان يحتاج الى خلق هذه الاجواء التي تؤكد على وجود القائد في المجالات كافة وتوجيهاته في كل مرافق الحياة وتشعباتها , ولا نريد الخوض هنا  في هذا الموضوع السياسي البحت و المتشابك او في ابعاده الفلسفية, ولكننا نريد ان نتناول في مقالتنا هذه الموقف العام لقائد كبير و مثقف كبير ايضا مثل لينين من الادباء الروس  فعلا وبشكل موضوعي على الرغم من قناعتنا التامة ان هذا الموضوع واسع جدا ولا يمكن ان نوفيه حقه بتاتا في عدة سطور اوحتى عدة صفحات , ولهذا أطلقنا عليه عنوان - ملاحظات اولية, ولكننا نرى – مع ذلك – ان طرحه لا يخلو من فائدة للقارئ العربي اذ ان هذا الطرح – في الاقل -  يذكر باهمية هذا الموضوع وقيمته , بل  وتأثيره المباشر على مسيرة الحياة الثقافية اليومية .
لم يكتب لينين مقالات تتناول الادباء الروس ونتاجاتهم عدا مقالاته المعروفة عن تولستوي , والتي صدرت بعدئذ في كتيب عنوانه – ( مقالات حول تولستوي ) والمعروفة ايضا بعنوان اشهر تلك المقالات وهي  – ( تولستوي مرآة الثورة الروسية) , وهو كتيب صغير صدر بعدة لغات و منها لغتنا العربية , وقد تحدث عنه الكثيرون من الماركسيين في العالم ( بما فيهم  العرب ) مدحا واشادة بالطبع , ودرسناه -  نحن الطلبة – ضمن مناهجنا عندما  كنا  ندرس الادب الروسي في المعاهد والجامعات السوفيتية في ستينيات القرن الماضي , بل وكان  هذا الموضوع موجودا حتى ضمن مناهج المدارس السوفيتية طبعا في الفصل الخاص  الذي كان يتناول ادب تولستوي ومكانته في تاريخ الادب الروسي . لقد تم بحث هذا الموضوع في الفترة السوفيتية كثيرا وبالتفصيل ولكنه انحسر في الوقت الحاضر , وهذا اكبر دليل على ان تلك المقالات تمتلك قبل كل شئ اهمية سياسية بحتة.  يحتوي هذا الكتيب على خمس مقالات كتبها لينين قبل الثورة عن تولستوي وهي كالآتي –
1-   تولستوي كمرآة للثورة الروسية , وقد كتبه عام 1908
2-   ل. ن. تولستوي  , وقد كتبه تعليقا على وفاة تولستوي عام 1910
3-   تولستوي والحركة العمالية المعاصرة , وقد كتبه عام 1910
4-   تولستوي والنضال البروليتاري , وقد كتبه عام 1910
5-   تولستوي وعصره , وقد كتبه عام 1911
وتوجد اشارات عديدة اخرى الى تولستوي في كتابات لينين هنا وهناك, ولكن كل هذه المقالات والملاحظات كانت قبل اكتوبر 1917 بالاساس كما هو واضح . لقد اهتم لينين بمكانة تولستوي في روسيا نتيجة لموقعه الفكري في المجتمع وليس الادبي طبعا , وحاول في تلك المقالات ان يوظف آراء تولستوي وفلسفته ويفسرها لخدمة اهدافه السياسية ( رغم مواقف تولستوي البعيدة جدا عن تلك الاجواء ) , وهذا واضح حتى من عناوين مقالات لينين اصلا والمفردات التي استخدمها هناك - ( الثورة الروسية / الحركة العمالية / النضال البروليتاري .) , ولا توجد في تاريخ الادب الروسي وثائق تبين ان تولستوي نفسه كان قد اطلع على مقالة لينين عام 1908 حوله ( وهي المقالة الوحيدة التي كتبها اثناء حياة تولستوي ) , اذ ان لينين آنذاك كان يعيش خارج روسيا ولم يكن معروفا بما فيه الكفاية  في الاوساط العامة الروسية , وكان عمر تولستوي عندها في حدود الثمانين , وكان بالطبع في قمة مجده .
لم يتوقف لينين عند ادباء روس كبار آخرين مثل دستويفسكي مثلا , وكان من الواضح انه لم و لن يجد لدى هذا الكاتب صدى لاهدافه السياسية كما وجدها عند تولستوي , ولكننا نجد في ثنايا اقوال لينين ورسائله وذكريات معاصريه حوله بعض الاشارات المهمة جدا بشأن الادباء الروس الاخرين ونتاجاتهم , واهمهم طبعا مكسيم غوركي وعلاقاتهما الطويلة وخلافاتهما ومناقشاتهما معا , وهذا موضوع كبير جدا في تاريخ الادب والفكر الروسي ولا يمكن ايجازه بسطور , وهناك جوانب اخرى طبعا تبدو صغيرة ولكنها طريفة وتعني الكثير , ومنها على سبيل المثال وليس الحصر كلمة لينين الشهيرة عن قصة تشيخوف ( ردهة رقم 6 ) او ( عنبر رقم 6 ) كما جاء في بعض الترجمات العربية , اذ اعتبرها لينين رمزا لروسيا القيصرية , وقال انه  خرج من الغرفة عندما قرأ تلك القصة , لانه شعر بالاختناق وكأنه كان في تلك الردهة , وهو وصف دقيق وصادق لاحدى روائع تشيخوف طبعا , او كلمته حول المقارنة بين شعر ماياكوفسكي وبوشكين , عندما سأل مجموعة من الشباب حول الشعر وكيف ان الشباب اجابوه بانهم لا يقرأون شعر ( البرجوازي ) بوشكين , وانما يقرأون شعر ( البروليتاري ) ماياكوفسكي , وقد قال لينين جملته الشهيرة  آنذاك – ( ولكن شعر بوشكين أفضل ) , علما ان لينين لم يتقبل شعر ماياكوفسكي ابدا .
ان الهدف من هذه السطور الوجيزة جدا يكمن في اننا نريد طرح هذا الموضوع المهم من وجهة نظرنا مرة اخرى امام القراء , اذ اننا نرى انه من الضروري اعادة دراسة الموضوع بعد ان تحرر القارئ والباحث من وجهات النظر الجاهزة وقوالبها المعلبة مسبقا , وان هذه الدراسة الجديدة ستعيد الحيوية الى هذا الموضوع وستؤدي الى اغناء الدراسات الفكرية حول الادب الروسي وموقف هذا المثقف الكبيرمنه.

790
المنبر الحر / تشيخوف وبرنارد شو
« في: 03:57 27/12/2015  »
تشيخوف وبرنارد شو
أ.د. ضياء نافع

كلاهما ( تشيخوف وبرنارد شو )  ولدا في القرن التاسع عشر , وكلاهما توفيا في القرن العشرين , الا ان برناردشو ولد عام 1856 , اي قبل 4 سنوات من ولادة تشيخوف , وتوفي عام 1950 , اي بعد وفاة تشيخوف ب 46 سنة , ولا توجد في الوثائق والدراسات الادبية حول تشيخوف ما يشير الى ان الاديب الروسي  قد اطلع على ابداع برنارد شو بشكل عام , او على دوره في عالم  الادب  المسرحي  اثناء حياته , اما بردنارد شو فعلى العكس تماما , اذ انه قد اطلع – وبعمق – على نتاجات تشيخوف وادبه المسرحي بالذات واهميته في هذا المجال الابداعي ودوره المتميز فيه , بل وقد انعكس هذا الاطلاع حتى على نتاجات برنارد شو المسرحية اللاحقة بشكل دقيق و مباشر , وتتناول الدراسات الروسية  في مجال الادب المقارن بين تشيخوف وبرناردشو هذه العلاقات بين الاديبين المسرحيين الكبيرين , وهذا ما سنحاول – بشكل عام -  التطرق اليه في هذه المقالة الوجيزة والتحدث عن هذا الموضوع الطريف والممتع  حقا والذي لم يسبق للباحثين العرب – حسب معلوماتنا المتواضعة – ان تناولوه في بحوثهم وكتاباتهم بشكل واسع ومعمق , رغم ان الكاتبين يعدان من اشهر المؤلفين المسرحيين لدى القراء العرب عموما .
النقطة الاولى والاساسية في هذه المقالة والتي تستوجب التوقف تفصيلا عندها في هذا المجال هي مسرحية برنارد شو ( بيت القلوب المحطمة )  (جاءت في بعض الترجمات العربية ب - منزل القلوب المحطمة ) , و قد كتبها برنارد شو عام 1917 و صدرت عام 1919 , وهي مسرحية كوميدية مشهورة عالميا , ونتوقف عندها بالذات لان النقد الادبي الروسي يربطها وبشكل واضح ودقيق بالتأثير المباشر لمسرح تشيخوف  وبنيته على مسرح برنارد شو , وقد أشار برنارد شو نفسه في العنوان الثانوي لتلك المسرحية  الى انها – ( فنتازيا على الطريقة الروسية حول موضوعات انكليزية ) , بل يوجد قول لبرناردشو نفسه في الذكرى الاربعين لوفاة تشيخوف يذكر فيه – من جملة ما يذكر - بانه  (.. كتب مسرحيته بيت القلوب المحطمة تحت تاثير تشيخوف ) , ويرى النقاد الروس ان هذه المسرحية تذكٌر فعلا بمسرحية تشيخوف – ( بستان الكرز ) بشكل او بآخر من حيث رمزيتها , اذ انها تتناول ايضا , مثل مسرحية تشيخوف , مصير البلاد في بداية مرحلة جديدة  تختلف نوعيا وجوهريا وجذريا عن المرحلة التي مضت , ف (البيت – الباخرة ) في مسرحية برنارد شو هو رمز لانكلترا التي خرجت من الحرب العالمية الاولى , اي رمز للبيت الذي لم يكن هناك من يمتلكه او يديره او يوجهه في ذلك  الزمن الجديد , وهو يذكٌر – بالتالي -  ببستان الكرز عند تشيخوف , والذي كان يرمز الى روسيا نفسها , التي كان يجري بيعها وتقسيمها في بداية قرن جديد يختلف ايضا نوعيا وجذريا عن القرن الذي مضى , وعدا ذلك , فان مسرحية برنارد  شو الكوميدية تلك كانت مليئة بالحوارات المتشابكة جدا حول احداث حياتية تخلق تلك الاجواء الفنتازية – حسب العنوان الثانوي للمسرحية – والتي تذكرنا فعلا بالاجواء الروسية الغريبة جدا. وهناك في النقد الادبي الروسي الكثير من الدراسات التفصيلية حول المقارنة بين هاتين المسرحيتين بالذات بما فيها أطاريح جامعية عديدة , بل ان هذا الموضوع يدخل حتى في منهج بعض المدارس الثانوية لتوسيع افق المعرفة للتلاميذ واعدادهم لاحقا للتخصص في دراسات العلوم الانسانية , وقد اطلعت على كتيب تفصيلي خاص أعدته احدى مدرسات الادب الروسي في الصف العاشر في تلك المدارس حول هذه المقارنة بين مسرحية تشيخوف بستان الكرز ومسرحية برنارد شو بيت القلوب المحطمة , وما الذي يجب على مدرس الادب في هذا الصف ان يركٌز عليه في شرحه للتلاميذ بشأن هذا الموضوع  والمقارنة بين الافكار والشخصيات ..الخ , ولا مجال هنا طبعا للحديث التفصيلي عن كل هذه النقاط , الا ان النقد الادبي العربي لم يتحدث عن ذلك الارتباط لهذه المسرحية بالادب الروسي بشكل محدد وواضح , على الرغم من اننا نجد بعض الاشارات البسيطة  حول ذلك هنا وهناك ليس الا , مثل  ما كتبته  ندى زين الدين في الموسوعة العربية , الصادرة بدمشق  ( الفقرة الخاصة ب جورج برنارد شو ) ما يأتي حول هذه المسرحية -  ( .. ويتضح من خلال المسرحية تأثر شو بأنطون تشيخوف وليف تولستوي ..) , ولكنها لم تبين اين انعكس هذا التأثر , ولم توضح كيف  استخلصت  ذلك الاستنتاج  الكبير والمهم فعلا , وربما لا تسمح طبيعة الكتابة التعريفية المركٌزة والمضغوطة – ان صحٌ التعبير - في الموسوعات عامة الاستطراد في هذا المجال واعطاء تفصيلات حوله , ولكن الاشارة الى هذه القضية الكبيرة كانت تقتضي – مع ذلك – اضافة جملة او جملتين  في الاقل لتوضيحها والا فانها تفقد معناها , اما الصحفي والناقد الادبي المعروف الاستاذ ابراهيم العريض فقد كتب مقالة طويلة عن هذه المسرحية في جريدة الحياة اللندنية بتاريخ 6 آب / اغسطس عام 2014 وتحت عنوان – (بيت القلوب المحطمة لجورج برناردشو – خرافات المجتمع الانكليزي وأكاذيبه ) , وهي مقالة رائعة كما هو الحال في كل ما يكتب الاستاذ العريض , ولكنه لم يذكر هناك بتاتا موضوع تأثير تشيخوف او الادب الروسي بشكل عام على برنارد شو حول اجواء هذه المسرحية  وافكارها, بل اني اندهشت لان هذا الكاتب المتميز بدراساته العميقة حول الاداب الاجنبية عموما والادب الروسي بشكل خاص ( انظر مقالتنا بعنوان – ابراهيم العريض والادب الروسي ) لم يتوقف حتى عند العنوان الثانوي الذي كتبه برنارد شو نفسه لهذه المسرحية  و هو انها -  فنتازيا على الطريقة الروسية حول موضوعات انكليزية , كما اشرنا اعلاه , وبالتالي لم يوضح لنا لماذا كتب برنارد شو هذا العنوان الثانوي لمسرحيته وما الذي اراد ان يقوله عبر ذلك , اذ لا يمكن ان يكتب المؤلف المسرحي - وباهمية ومستوى برنارد شو - هذا العنوان الثانوي لمسرحيته عبثا ودون دلالات محددة ودقيقة ترتبط بذلك فعلا.
هناك نقاط اخرى طبعا في اطار هذا الموضوع , واهمها عناصر التشابه والاختلافات بين المسرحيات ذات الفصل الواحد التي كتبها تشيخوف وبرنارد شو , و تناولها النقد الادبي الروسي في القرن العشرين وقد اطلعت على بحث معمق صدر عام 2005 حول ذلك في المجلة العلمية  لجامعة فولغوغراد الحكومية  تناولت فيه الباحثة فاسيلييفا وبالتفصيل كل هذه المسرحيات ذات الفصل الواحد مع مقارنة  تفصيلية بينهم من حيث الموضوعات والاسلوب الكوميدي والشخصيات..الخ , وبشكل عام , فان النقد الادبي الروسي يولي اهمية كبيرة جدا للنتاجات الابداعية لجورج برنارد شو ومقارنتها بنتاجات الادباء الروس , وهو موضوع كبير في علم الادب المقارن و يستحق الدراسة والتأمل بلا شك .     

791
أدب / بيت أهلي
« في: 14:41 26/12/2015  »

بيت أهلي


قصيدة للشاعر محمد حمزايف / داغستان
ترجمها عن الروسية  - أ.د.ضياء نافع





افتح الباب
في بيت اهلي,
واغلق في نفسي
روح الامي وبؤسي.
انحني
فوق الموقد العتيق القدسي,
وعندها
تتطاير الاحجار
-مثل الزغب-
من اعماق روحي وقلبي.
في ابتهالات أمي
اعرف اني
يجب ان اكون انسانا
وهذا يكفي,
وفي رقة ابي الصارم
دروس,
دروس في الصمت....
في قرى القوقاز
هدوء مطلق,
ولكن الهدير في القلب,
قلبي الذي يشدو
بترنيمة المهد...
..............
ومن جديد
ساقاي تعرفان..
طرق الطفولة
والوجد...

792
المنبر الحر / غاندي وتولستوي
« في: 14:44 24/12/2015  »
غاندي وتولستوي
أ.د. ضياء نافع

الى الصحفي العراقي المبدع الاستاذ خالد القشطيني , الذي قرأت له بتاريخ 30 / 12 / 2014 مقالة رشيقة جدا في صحيفة الشرق الاوسط ترتبط بهذا الموضوع  بالذات عنوانها  -  ( من كارل ماركس الى ليو تولستوي ).
ض.ن.

لا زال هذا الموضوع الكبير والمهم  فعلا مطروحا – وبقوة وحيوية -  امام القراء العرب لحد الان حول الكاتب الروسي الكبير ليف نيقولايفتش تولستوي ( 1828 – 1910 ) , ونحن في  اواسط العقد الثاني من القرن الحادي و العشرين  , وأذكر ان أحد الزملاء العرب من الوفد الفلاني قد تناقش مع زميل عربي آخر من الوفد الفستاني  ((في الباص الذي نقلنا من موسكو الى ياسنايا بوليانا اثناء انعقاد اجتماع المكتب الدائم لاتحاد ادباء آسيا و افريقيا في سبتمبر / ايلول 2014 لزيارة بيت تولستوي )) حول موقف هذا الكاتب الروسي من الدين الاسلامي ( وهو موضوع  كان ولايزال يثار حوله نقاش طويل وعريض في اوساطنا العربية والاسلامية ( حصرا فقط لا غير) وخصوصا في السنين الاخيرة منذ ان بدأت ( الفتاوي !!! ) تدق بابنا , عندما بانت ( ثم بدأت الان تتلامع) رؤوس الحراب!!!!! ), ولما وصل هذا النقاش الى نقطة متأزمة ومتشنجة  ومتناقضة كليا ولا رجعة فيه بين الجانبين , اقترح احدهما ان يستمع الى رأي الشخصيٌ حول ذلك الموضوع في محاولة لانهاء هذا النقاش  الفلسفي والمتشابك   باعتباري طرفا ثالثا  ومتخصصا عربيا في الادب الروسي وتاريخه و ( محايدا في هذا النقاش ) , اذ اني كنت طوال الوقت صامتا ومبتسما وأصغي بكل انتباه الى أقوالهما ونقاشاتهما الحادة و المتناقضة جدا حول ذلك , وعندما حاولا – كلاهما – الاستماع الى وجهة نظري قلت لهما فقط ( في محاولة لتهدئة الخواطر المتأججة والملتهبة جدا والمتطرفة كما هي العادة في نقاشاتنا العربية  !!) , ان تولستوي هو فيلسوف روسي ويعد واحدا من ابرز الشخصيات المؤثرة  في تاريخ هذه الفلسفة , وان العالم يعرف ان من تلاميذه الروحيين – ان صحت التسمية - هو غاندي  , وسألتهما – هل هما متفقان حول ذلك , فأجابا كلاهما – نعم , هذا صحيح , فقلت لهما وانا أبتسم , اذا كنتما متفقين بشأن ذلك , فان موضوع نقاشكما محسوم عندها , اذ من الواضح للجميع تماما من هو غاندي , وبالتالي سيكون واضحا ايضا من هو استاذه  الروحي تولستوي , ولا نريد في مقالتنا هذه الاستطراد في طبيعة ذلك النقاش الذي جرى بينهما حول موقف تولستوي من الاسلام , لان ذلك موضوع آخر في مسيرة تولستوي ومكانته في تاريخ الافكار , اذ اننا نعتقد ان القارئ العربي لا يعرف الكثير حول ذلك الموضوع  ,  ومع ذلك , وعلى الرغم من ذلك , فان بعضهم  قرر اعتبار تولستوي يقف مع هذا الجانب او ذاك دون الأخذ بنظر الاعتبار الوقائع المحددة  في حياة ومسيرة هذا الاديب والفيلسوف الروسي الكبير.
نعود الى المهاتما غاندي ( 1869 – 1948 ) ونتوقف عند علاقتة الفكرية مع تولستوي . لقد تناولت كل الدراسات والبحوث الروسية – ومنذ زمن بعيد -  هذا الموضوع وبتفصيل كبير , وعرضت حتى نصوص المراسلات المتبادلة بينهما  باللغتين الانكليزية والروسية , والتي تشير الى ان الرسالة الاولى كتبها غاندي نفسه الى تولستوي بتاريخ الاول من اكتوبر / تشرين الاول عام 1909 ووقعها ب ( خادمكم المطيع ) , واجابه تولستوي بتاريخ 7 اكتوبر / تشرين الاول  من نفس العام , ثم كتب له غاندي بتاريخ 4 ابريل / نيسان عام 1910 وبنفس التوقيع المذكور , واجابه تولستوي  بتاريخ 25 مايس / ايار عام 1910 طبعا , وكتب غاندي آخر رسالة الى تولستوي بتاريخ 15 آب / اغسطس من نفس العام واجابه تولستوي بتاريخ 7 ايلول / سبتمبر , وهي آخر رسالة له الى غاندي , اذ انه توفي بعد شهرين فقط من تاريخ تلك الرسالة . وحتى المصادر العربية تحدثت – بشكل او بآخر – حول هذا التناغم الفكري بينهما, ولكن بطريقة عرضية وبدون تعمق , وقد راجعت معظم تلك المصادر ووجدت انها تقر وتعترف بتأثير افكار تولستوي على غاندي منذ ان أطلع على كتابه الشهير ( مملكة الرب في اعماقكم ) والتي جاءت بمختلف الاجتهادات في الترجمات العربية مثل – ( الخلاص في انفسكم / الله في اعماقكم / .. الخ ) , وان غاندي وجد في تعاليم تولستوي سندا معنويا قويا وحاسما له حول المبدأ الذي آمن واقتنع به وهو مبدأ  ( المواجهة السلمية ) او ( عدم العنف ) او ( اللاعنف ) او ( المقاومة السلمية ) او ( اللامقاومة ) او ( العصيان المدني) الى آخر هذه التسميات  كما جاءت في مختلف تلك المصادر , وان غاندي استخدم هذا المبدأ في كفاحه العظيم من اجل تحرير الهند من الاستعمار البريطاني , ونجح في ذلك نجاحا باهرا كما هو معروف على الرغم من نهايته التراجيدية, ونجد في نص الرسالة الاخيرة التي كتبها تولستوي نفسه الى غاندي بتاريخ 7 ايلول / سبتمبر عام 1910 كما أشرنا أعلاه الكلمات الآتية -  ( .. المحبة ..هي شريعة الحياة الوحيدة والعليا .. وهذه الشريعة اعلنها حكماء الكون جميعا .. واعتقد ان أجلى صياغة لهذه الشريعة جاء بها المسيح ...وكل انسان عاقل يعرف ان ممارسة العنف لا تتوافق مع المحبة بوصفها قاعدة الحياة الاساسية ..) , ومن الطريف الاشارة هنا الى الرأي الذي كتبه المفكر المصري الكبير عباس محمود العقاد ( 1889 – 1964 ) حول ذلك في موسوعته الاسلامية ( المجلد الثاني ) , اذ انه اكٌد على هذه الحقائق والوقائع في حياة غاندي و كتب ما يأتي – ( ..وقيل ان غاندي قد تتلمذ في هذه الحركة على المصلح الروسي الكبير ليون تولستوي , وقيل بل هو احرى ان يعرفها من آداب البرهيميين والبوذيين التي تحرم ايذاء الحيوان فضلا عن الانسان , قبل ان يشرٌع ليون تولستوي مذهبه الجديد .) وهذه ملاحظة صحيحة ودقيقة , اذ ان افكار تولستوي فعلا كانت بالنسبة لغاندي سندا آخر كما اشرنا اعلاه , وهو سند قوي وحاسم طبعا قبل الشروع بتنفيذ افكاره والانطلاق بها  في  مسيرة التطبيق العملي والحياتي .
ان الخلاصة في هذا الموضوع تكمن في ان تولستوي قد أخذ من كل النظريات التي اطلع عليها ومن كل الاديان التي درسها بعمق نقاطا محددة واستخلص استنتاجات معينة , وان افكاره بشأن ( اللاعنف ) قد استمدها من المسيحية – قبل كل شئ -  كما يشير هو في رسالته الى غاندي , اي ان فلسفة تولستوي هي مزيج حيوي متناسق من كل النظريات و الاديان ولا يمكن – بالتالي -  اخضاع فلسفتة وافكاره تلك  الى دين واحد , و الخلاصة الاخرى في هذا الموضوع  تكمن في ان غاندي قد وصل الى فكرة (اللاعنف ) من اطلاعه على التراث الهندي العميق اولا , وانه وجد التناغم والانسجام مع افكار تولستوي في هذا المجال .



793
لقاء مع مكسيم غوركي

ترجمة – أ.د. ضياء نافع

27 كانون الأول (ديسمبر) 1927
كان النهار مشرقا ، وكان هناك خيط لانهائي من الدخان يمتد من قسم جبال فيزوفي حتى السماء...القرى أصبحت خلفنا ، والسيارة تتسلق الجبال ، وحولنا أشجار الزيتون والعنب ، وأمامنا البحر بجرفه الحجري...
رفيقي- العجوز انطونيو- ينظر الى قصاصة ورق صغيرة في يده ويهز رأسه ,في تلك القصاصة- عنوان مكسيم غوركي .
سنصل قريبا الى سورينتو ، وسنضطر للبحث...
كان انطونيو قلقا ، أما أنا فلم اتعب نفسي بذلك ,اذ عندما سافرت من موسكو ، قال لي الفنان كانجالوفسكي ، انه لايوجد في سورينتو إنسان لايعرف غوركي ، ان كل شخص هناك يستطيع ان يؤشر بإصبعه الى البيت    الذي يعيش فيه هذا الكاتب .
توقفت السيارة . هناك بيت على جانب الطريق ، وأخر في الجهة المقابلة. خرج انطونيو من السيارة لكي يسال : الى أين يجب علينا ان نتوجه؟ . ظننت إننا وصلنا ، وحاولت ان أتخيل هيئة غوركي ، الذي لم أره أبدا إلا في الصور... فتحت عيني ، وإذا بي أرى ...
-   اوووو.... غوركي !!!
صرخت هكذا ، بلا إرادتي ، وقفزت من السيارة نحوه... رأيت أنسانا طويل القامة يقف وهو يحني ظهره قليلا...كان غوركي يرتدي سترة صفراء فاتحة ، وكانت شواربه عريضة ذات لون يذكَر بالكتان ، تلك الشوارب التي تعودنا رؤيتها في كل صورة.
أدهشتني ملامح الشباب التي كانت تبدو عليه ، انه سيبلغ الستين قريبا ، والعالم يمجده باعتباره كاتبا مدهشا أكثر من بقية الأدباء الروس المدهشين ، لقد أسميته بيني وبين نفسي (العجوز غوركي) ولكن عمره كما يبدو لي ألان وكأنه لايتجاوز الخامسة والأربعين أو الخمسين على ابعد تقدير... وانتبهت رأسا الى هدوئه ، والى عينيه الهادئتين اللتين تشاهدان كل شئ على الأرض .
كان يقف- جنبا لجنب مع غوركي- رجل يقرب عمره من الأربعين ، وامرأة شابة . إنهما : كرجكوف-الذي كان يشرف على طبع مؤلفات غوركي الكاملة ، وماريا اغناتييفنا- سكرتيرة الكاتب . قال غوركي وهو يصافحني : تفضلوا أرجوكم ... لكنني اعتذرت ، وطلبت  ان يسمح لنا بالذهاب أولا الى الفندق ، الذي كان يقع امام بيت الكاتب .
عندما نزلنا- أنا وزوجتي وابنتي- من الغرفة الى صالون الفندق ، كانت ماريا اغناتييفنا تنتظر ، وتوجهنا الى بيت غوركي .
دخلنا عبر البوابة . كانت هناك ساحة تنس . صعدنا الى الطابق الثاني ، حيث مكتب غوركي . غرفة كبيرة وطويلة ، فيها شرفة تطل على الجهة الشرقية. المجلات والكتب السوفيتية على رفوف الكتب . لقد ذكرتنا الغرفة بمخازن الكتب في موسكو. كانت هناك أيضا عده تماثيل يابانية صغيرة من العاج. وعبر النافذة كان يطل البحر بزرقته. وراء منضدة كبيرة جدا كان يجلس غوركي ، وهو يقوم بتنقيح مخطوطة ما ... عندما رآنا نهض حالا ، وصافحنا ودعانا للجلوس . كانت الساعة تشير الى الثالثة بعد الظهر . حديثنا استمر حتى الساعة الثانية عشرة ليلا. واستقبلنا غوركي في اليوم التالي ، رغم أشغاله الكثيرة ، وتحدثنا عدة ساعات أيضا .
كان غوركي محدثا لبقا ورائعا . لقد كتب احد النقاد يقول : ان أحاديث غوركي أكثر طرافة وتشويقا حتى من مؤلفاته . وأنا متفق مع هذا الرأي . كنت اعرف ، ان صحة غوركي قد ساءت في الفترة الأخيرة ، لهذا عندما رايته في مكتبه وهو يعمل سألته :
-   كيف هي صحتك ، يا الكيسي مكسيموفيتش ؟
-   كما ترى ، لازلت على قيد الحياة ، إني لا أخشى الموت ألان ، لقد أنقذني العلاج في الخارج ...
 وصمت غوركي . كان يبدو بشكل عام في صحة لاباس بها . ولكنه يسعل غالبا ، وكان وجهه شاحبا. انه يستيقظ كل يوم بين السابعة والثامنة صباحا، ويقضي أكثر من عشر ساعات في هذا المكتب ز لقد انتهى توا من قراءة الجرائد والمجلات والكتب التي تسلمها من روسيا السوفيتية .
توجه نحوي سائلا :
-   كيف هي موسكو؟ ماهو مزاج الشباب هناك؟ هل زرت القرى الروسية؟
كان يهتم بكل شئ هناك . كانت روسيا بالنسبة له مثل الهواء الذي يتنفسه ، وإضافة الى المجلات والجرائد والكتب ، كان يستلم يوميا أعدادا كبيرة من الرسائل ، التي تصل إليه من أنحاء روسيا .
قال غوركي وهو يشير الى كومة الرسائل على منضدته :
-   أناس مختلفون جدا يكتبون لي كل يوم. إنني أتعجب بعض الأحيان كيف تصل هذه الرسائل من تلك الأماكن البعيدة؟! . أمرآة تعيش في قرية منسية منعزلة ، لايوجد عندها احد تكلمه ، كتبت لي رسالة ، صبت فيها كل ماتجمع عندها من كلام ... أدباء شباب من القرى يرسلون لي قصائدهم وقصصهم.
قبل فترة قصيرة استلمت رسالة من احد الأصدقاء يلومني فيها لأني اكتب الرسائل فقط، وكأن ليس ثمة من عمل أخر.
وفتح غوركي عينيه بسعة ، وقال بتأمل:- إني أحاول ان أجيب على كل رسالة أتسلمها، وعندما يلومونني على ذلك، فأنني أقول عادة :- ان كتابة الرسائل هي أفضل وسيلة لإيصال أفكارك الى الناس. قبل مدة بعثت لي شاعرة من إحدى القرى – وعمرها أربعة عشر عاما لا أكثر بقصائدها. لقد أدهشتني عبقريتها ، لكنني لم امدحها كثيرا ( أخشى ان تصاب بالغرور) وإنما شجعتها ...
انها سعادة كبيرة بلا شك ( خصوصا بالنسبة للكاتب الذي يعيش بعيدا عن وطنه) ان يستمع الى أصوات أرضه الحبيبة ويحس بأنفاسها، لكن هذه الرسائل تستنفذ وقتا طويلا وطاقة هائلة، وقد قلت لغوركي:-
-   أظن ان كل هذا شكل صعوبة كبيرة. فأجاب غوركي:-
-   كلا، بالعكس هذه الرسائل تلهمني.
وانتقل حديثنا الى الأدب الروسي، فقال غوركي:-
-   إنني أؤمن ان الروس شعب عبقري. لقد أنجبت الأرض الروسية كثيرا من العباقرة، وستنجب عباقرة آخرين.
إما عن الأدب الروسي المعاصر، فقال غوركي ان النتاجات الأدبية الجيدة أخذت تظهر بشكل متزايد، وأضاف:-
-   إنني انتظر روايات بمستوى روايات دستويفسكي وتولستوي.
-   ومن هم الشباب الذين تضع ثقتك بهم ؟
-   هناك أسماء كثيرة من الأدباء الجيدين وهم ذوو مستقبل باهر- ليونيد ليونيف مثلا، انه كاتب شيق وطريف جدا، عبقري على نحو يثير الدهشة ، كذلك فسيفولد ايفانوف. لقد أصبح يكتب - في الفترة الأخيرة – أشياء غير سيئة بتاتا. قرأت له قبل فترة قصة تبدأ هكذا:- في سيبيريا  لا ينمو النخيل ...هذا سطر واحد لاغير، لكن ايفانوف فقط هو الذي يستطيع ان يكتب هكذا. هناك أيضا بابل وفيدين وليدين. عند الأخير ترى بعض الأحيان أصداء تولستوي وتشيخوف، وهذا شئ يخدش الإذن... ياكوفليف وسيمينوف أيضا كاتبان جيدان.
وذكر غوركي عدة أسماء أخرى، ولكنه قال إنهم أكثر من ذلك، وانه من الصعب تذكر الجميع.
لقد كنت اعرف شخصيا عددا من هؤلاء الأدباء الذين تكلم عنهم غوركي، ومن بينهم فسيفولد ايفانوف، والذي حدثني مرة بما يأتي:-
( حدث هذا في عام 1916 كنت اعمل في إحدى المطابع، وأرسلت الى غوركي قصتي الموسومة
( على نهر ارتش). بعد مرور أسبوعين ، تسلمت رسالة من غوركي، يمدح فيها القصة ويعد بنشرها.
لقد كان هذا اسعد يوم في حياتي . قرأ أصدقائي الرسالة، وقرروا باني أصبحت أنسانا عظيما، واحتفالا بهذه المناسبة أعطاني المدير راتبي مقدما... وقد شرب الجميع حتى الثمالة. أنا شخصيا لم اشرب تقريبا، لكني كنت ثملا أكثر من الجميع . بعد ذلك أصبحت اكتب بكثرة ، وأرسل كل شئ الى غوركي ، وتسلمت منه رسالة يوبخني فيها على هذه الترهات ، مشيرا الى ضرورة التفرغ للدراسة...وفعلا لم اكتب اى شئ . كنت أقرا كثيرا، ولعدة سنوات... بعد ذلك ، وبنصيحة من غوركي أيضا ، سافرت الى بيتروغراد . في تلك اللحظة لم يكن غوركي موجودا هناك ، إذ سافر توا الى موسكو ، وكدت أموت من الجوع ، لكن غوركي رجع في الوقت المناسب ، وأطعمني في احد المطاعم الراقية ، وقد أكلت كثيرا حتى انني عجزت عن الحركة ! لم أكن أؤمن بشكل عام بوجود الناس الطيبين ، ولكن غوركي قلب مفاهيمي تلك...).
هذا ، وقد طلب ايفانوف مني (قبل سفري الى ايطاليا) ان ابلغ غوركي بأنه سيزوره في الربيع القادم ، وأجاب غوركي قائلا : اخبر ايفانوف ، باني سأقابله بكل سرور...
دقت الساعة الثامنة مساءا، وحان موعد العشاء. ذهبنا جميعا الى غرفة الطعام . ماريا كانت تقوم بدور (ربة البيت) ، وقد جلسنا- أنا وزوجتي وابنتي- إزاء غوركي وكرجكوف . وجاءت الأكلات الروسية: السلاطة ، الحساء ، اللحم مع البطاطا... ، وافرح الجميع الكافيار الأسود الذي جلبته معي من موسكو ، وقال غوركي الذي كان منشرحا وذا مزاج جيد :
-   في ايطاليا نتكلم مع اليابانيين باللغة الروسية ، ونشرب الفودكا الروسية مع الليمون الايطالي... ان هذا كله أمر طريف حقا .
أثناء العشاء تكلمنا كثيرا عن اليابان ، وتبين ان غوركي يعرف الكثير عنها ، ويثمن الفن الياباني عاليا ، ولقد أراني مجموعة من التماثيل اليابانية الصغيرة ، المصنوعة من العاج ، وتكلم بإعجاب شديد عن الفنانين الذين استطاعوا ان يعبروا عن روح الشعب الأصيلة . وانتقد غوركي بعض الفنانين اليابانيين المعاصرين ، الذين يحاولون تقليد  أوروبا ، وسألني كثيرا-وباهتمام- عن أخبار الأدب في اليابان ، وعبر عن أسفه لقلة الترجمات الروسية عن اللغة اليابانية ن وقال ان رواية ايفوني كانا (السجن والحب) لم تعجبه كثيرا ، لكنه مدح رواية تاكيوا (المرأة) . وكان غوركي على علم بانتحار الكاتب الياباني المبدع اكوتا غافي ، وعندما أخبرته ، بان إحدى دور النشر اليابانية ستصدر قريبا مجموعة من قصصه القصيرة ، كتب غوركي في دفتر ملاحظاته : يجب طلب نسخة من هذه المجموعة .
وحدثت غوركي عن دراسة الأدب الروسي في اليابان ، وقلت له ان معظم نتاجاته مترجمة الى اليابانية ، وقد فرح غوركي جدا بهذا ، وخصوصا عندما عرف ان مسرحيته (في الأعماق) تعرض باستمرار وبنجاح على مسارح اليابان ، جنبا لجنب مع مسرحيات تشيخوف وتولستوي .
وقلت - بدون حذر- ان الناس عندما يحبون أغنية (يكاترينا) ن التي وضعت خصيصا للمسرحية المقتبسة عن رواية (البعث) لتولستوي ن وقد أجبروني فورا ان أغنيها لهم . وكم كنت أسفا لأني لم اعرف الأغنية التي وضعت خصيصا لمسرحية غوركي( في الأعماق) .
واستمع الجميع إلي بانتباه ، وطلب مني غوركي ان اغني له بعض الأغاني الشعبية اليابانية.
ودقت الساعة الثانية عشرة في منتصف الليل. وطلبنا – وكلنا قلق على صحة غوركي – ان يعذرونا ويسمحوا لنل بالرجوع الى الفندق .
28 كانون أول (ديسمبر) 1927
النهار كان مشرقا أيضا ، استيقظت في الثامنة . خرجت الى واجهة الفندق ونظرت باتجاه مكتب غوركي . كانت النافذة مفتوحة . هذا يعني انه في الغرفة ألان.
في الثانية عشرة ظهرا توجهنا الى بيت غوركي : أمس دعانا لتناول طعام الغداء . حفيدة غوركي مارفا وابنتي أصبحتا صديقتين حميمتين ، وكانتا يتكلمان بالأيدي . (الجد) غوركي كان يبتسم طوال الوقت وهو ينظر أليهما .
وفي المساء كان  عند غوركي  ضيوف جدد : تحدث إليهم عن أرائه في العالم والثورة . أما عن القرية الروسية فقال :
-   أيام القياصرة عانى الفلاحون ظلم المدينة، إنهم لا يثقون أبدا بالمدينة.
بعد الثورة، لم يتقبل الفلاحون رأسا تلك المشاريع الكبيرة، التي قدمتها لهم حكومة الثورة، انطلاقا من ذلك العداء القديم بين القرية والمدينة.
وقد ذكرت أنا ، ان الأجانب لا يستطيعون ان يفهموا جوهر القرية الروسية وروحها إلا بصعوبة كبيرة ،ووافقني غوركي وأضاف :
-   حتى بعض الروس أنفسهم لا يفهمونها . لا اذكر متى حدث هذا في مدينة نيزني نوفغورد ، شاهد فلاح الترام لأول مرة ، ودهش لأنه لم ير أي حصان ، ومع ذلك يتحرك الترام ... ووقف على الخط الحديد أمام الترام وهو يصرخ : ماهذا الذي يحدث ، أيها الرب ! وكاد يسقط تحت عجلات الترام .
لا استطيع ان اعبر بالكلمات عن الحركات المدهشة التي كانت ترتسم على وجه غوركي وهو يتحدث: وفي إحدى المرات ظهرت إشاعة في إحدى القرى مفادها : ظهر (صندوق يغني) ، واجتمع الفلاحون حوله ، واستمعوا فعلا الى أغنية ، وكان الجميع في حيرة وارتباك ، وأعلن احد المدرسين بكل ثقة أن شيطانا يجلس في قعر هذا الصندوق ن وأثناء ذلك قلبوا الاسطوانة ، وإذا بغناء ديني كنائسي . ماهذا ؟ لقد جن البعض .
وسألت أنا :
-   هذه على ما أظن نكتة ؟
أجاب غوركي بكل جد :
-   أبدا ، هذه حقيقة . وفي هذه القرية الفقيرة الجاهلة دخلت الثورة بكل عنفوانها ، ومن الطبيعي ان الكثيرين منهم كانوا في حيرة وارتباك ...
طوال الوقت الذي أمضيته في حديثي مع غوركي ، كان يبدو لي، إن أمامي- وفي شخصية هذا الأديب- تقف روسيا كلها ، روسيا البسيطة والذكية والواسعة والعميقة على نحو لا يسبر غوره ...
الساعة كانت تشير إلى العاشرة ، وكان علينا ان نسافر صباح الغد . طلبت من غوركي ان يكتب لي عدة كلمات للذكرى ن فكتب :
- ( عندما التقي أناسا لا اعرفهم، يزداد عدد أصدقائي ). سورينتو . م . غوركي .
وتمنيت للكاتب صحة جيدة ، ودعوته - وأنا أودعه – لزيارة اليابان ، وقال غوركي وهو يصافحنا بحرارة وقوة :
- سآتي حتما....   
   

794
قصائد للشاعرة الروسية المعاصرة  يرماكوفا

ترجمة أ.د. ضياء نافع


اناستاسيا يرماكوفا – خريجة معهد غوركي للادب قبل سنوات قليلة.انها تتميز باهتمامها المعمق بالتفاصيل,وهي تسعى الى التفلسف بعض الاحيان,وتستطيع ان تعبر بشكل وجيز عن ظواهر كبيرة,واعتقد ان نجاحات ابداعية تنتظر طالبتي في مسيرتها  هذه....
     أ.د. ادوارد  بالاشوف
بروفيسور في معهد غوركي للادب
المشرف العلمي على سيمنار الشعر
   



مخاضات الحب
تزداد
مخاضات الحب
وتصبح
اكثر الما.
هذا يعني-
سيولد الفراق
قريبا.


الابنة
ترضع طوال النهار
حلاوة الشمس,
انها تحاول
ان تذوق
طعم الصيف.



السير بالاتجاه المعاكس
كنت اسير
نحو نفسي,
وطوال الوقت
كنت ارى
ظهري




هل السعادة ممكنة؟
نجلس في الشرفة معا,
ونشرب الشاي  معا.
وراء النافذة-
حزيران,
والازهار متفتحة
والاغصان...
ثق ,
او حاول ان تثق -
اننا حبيبان
وان السعادة ممكنة...
وان الحياة معقدة ورهيبة
بشكل لا يطاق
وسهلة وبسيطة
في آن...
عن جريدة ( ليتراتورنايا غازيتا) الروسية
العدد 6197 الصادر بتاريخ 6-11- 2008


795
المنبر الحر / حديث مع فيرا
« في: 00:27 22/12/2015  »
حديث مع فيرا
أ.د. ضياء نافع
التقينا ( فيرا  وانا ) في ايلول / سبتمبر عام 1960 في شعبة رقم 6 في الصف الاول بالقسم الروسي في كلية الآداب بجامعة موسكو . درسنا سوية وافترقنا عام 1964 . كنا نظن انه فراق ابدي , ولكننا التقينا – على الرغم مما كنا نظن - مرة اخرى عام 2015 , اي بعد أكثر من نصف قرن من الزمان . تحدثنا وتحدثنا وتحدثنا وتحدثنا ....., وحاولنا ايجاز الاحداث التي عشناها طوال نصف القرن هذا وضغطها في ساعات ليس الا ...و قلت لها في نهاية اللقاء ضاحكا - اريد ان اكتب مقالة عن احاديثنا هذه, فتعجبت فيرا من ذلك ,  وقالت - لكنني لا أتميز باي شئ عن الآخرين , فقلت لها نعم , هذا صحيح , و أنا  ايضا لا أتميز عن الآخرين , ولهذا السبب اريد ان اكتب ذلك, لان التاريخ يصنعه هؤلاء الذين لا يتميزون بشئ عن الآخرين , اي الناس الاعتياديون , الذين يسجلون-  بصدق- ما شاهدوه اثناء مسيرة  حياتهم , وان ذلك بالذات هو الذي يجسٌد ويمثٌل حياة ( الناس الاعتياديين الآخرين كافة ) في  كل مكان وزمان في عالمنا الواسع الكبير , و الضيق والصغير في آن , سواء كان في العراق أو روسيا أو في أي مكان آخر .
توقفنا طبعا في أحاديثا تلك  اولا عند مصائر طلبة شعبتنا في جامعة موسكو آنذاك . كان معنا اربعة طلاب من فيتنام  الاشتراكية ( كانت هناك دولة فيتنام الجنوبية ). اثنان منهما أكملا دراستهما , والاثنان الآخران  سافرا الى فيتنام عندما كانا في المرحلة الاخيرة و لكنهما لم يعودا الى موسكو لاكمال الدراسة , وانقطعت أخبارهما نهائيا . قالت فيرا انها التقت (بعد اكثر من عشرين  سنة تقريبا من انهاء الدراسة )  في موسكو بواحد من  الخريجين بالصدفة , وانه أخبرها بان الفيتنامي الآخر( الذي أكمل دراسته ايضا ) قد كتب عنهما  تقريرا الى السلطات الفيتنامية آنذاك في كونهما لم يكونا متعاونين مع سياسة الحزب الشيوعي الفيتنامي ومنظماته  في موسكو, ولهذا تم عرقلة رجوعهما لاكمال الدراسة , وان مصيرهما لحد الآن لازال مجهولا ( اي بعد عشرين سنة من ذلك التقرير ) . تألمنا بشأن هذه الحادثة التراجيدية طبعا  , وتذكرنا كيف انهما كانا من أبرز الطلبة الآخرين , بما فيهم الفيتناميين الاثنين الخريجين , ولم يمارسا اي نشاط سياسي ابدا , وكانا محبوبين ومحترمين جدا من قبل الاساتذة والطلبة جميعا , ويتقنان اللغة الروسية بشكل جيد جدا لا يمكن مقارنته ابدا مع مستوى الاثنين الآخرين , وكانا يتفاعلان  بحيوية الشباب اليافع مع الحياة الثقافية الروسية بشكل عام والحياة الجامعية بشكل خاص . قلت لها , انني أعرف  بعض الحالات المأساوية المشابهة في بلداننا , حيث كتب البعض من خريجي المعاهد السوفيتية عن زملائهم  , و ما الذي أدٌت اليه تلك التقارير المأساوية . سألتها عن مصير هذا الذي كتب التقرير , فقالت انه  قد تم تعينه  ملحقا  ثقافيا  للفيتنام في موسكو نهاية الستينات , وبقي  بمنصبه عدة سنوات , ثم عاد الى الفيتنام في بداية السبعينات من القرن الماضي . سألتها عن الطالب الايطالي , الذي كان يدرس معنا  ضمن   زمالات الحزب الشيوعي الايطالي , فقالت انه أصبح بعد تخرجه معاديا للاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية بشكل عام في بلده , ولم يتميز بمعرفته العميقة للغة الروسية وآدابها , ولم يساهم بحركة الترجمة من الروسية الى الايطالية كما كان مفروضا و متوقعا , فقلت لها ان هناك الكثير من المشابهين  له بين خريجينا في الجامعات والمعاهد السوفيتية , الذين كانوا ( يتاجرون بالافكار الاشتراكية !)  وبشكل هائل  اثناء دراستهم في الاتحاد السوفيتي , وان أحد أصدقائي المرحين كان يصف هذه الظاهرة  بانها ( تحوٌل فكري جذري يحدث في الطائرة من موسكو الى بغداد  ! )  . سألتني عن غازي العبادي وناشئة الكوتاني , اللذين كانا في شعبتنا , فقلت لها ان غازي العبادي قد توفى منذ فترة طويلة , وانه اصبح قاصا وروائيا معروفا في العراق وصحافيا مشهورا  ومترجما عن اللغة الروسية , واصدر العديد من الكتب  القصصية والروائية , وانني كتبت عنه عدة مقالات , أما ناشئة الكوتاني , فانها عادت مرة اخرى الى موسكو بعد تخرجها , و حصلت على شهادة الدكتوراة  في اللغة الروسية من جامعة موسكو, وان استاذتنا  المرحومة  البروفيسورة  فالنتينا  بروخوروفا  كانت مشرفتها العلمية  اثناء دراستها في قسم الدراسات العليا , و هكذا اصبحت ناشئة الكوتاني استاذة لامعة ومتميزة في قسم اللغة الروسية في كلية الآداب بجامعة بغداد في السبعينات , بعد حصولها على شهادة الدكتوراه من جامعة موسكو   , الا انها اضطرت ان تترك العراق مع عائلتها في بداية الثمانينات أثناء الحرب العراقية – الايرانية , والاوضاع العراقية الرهيبة والمتشابكة  آنذاك  , وسافرت الى لندن , وبقيت هناك لحد الآن واصبحت مواطنة انكليزية ولكنها احتفظت طبعا  بصفاتها  و روحيتها و شخصيتها العراقية الاصيلة والمتميزة, واحتفظت  باختصاصها ايضا , اذ انها أخذت تعمل في مجال تدريس اللغة الروسية هناك.
 سألت فيرا عن حبها المتوهج والعظيم  للشعر الروسي في تلك الايام الخوالي , وخصوصا  ليرمنتوف , وهل لازالت محافظة على هذا الحب ؟ قالت  نعم  , لكن ليرمنتوف قد تراجع قليلا في روحها وقلبها , مقارنة مع أيام الدراسة في جامعة موسكو قبل نصف قرن , عندما كانت الرومانسية مسيطرة عليها , ولكنها لازالت مندهشة امام ابداعه العظيم , ولم تفهم لحد الان كيف استطاع هذا الضابط الروسي الشاب ان يصف الارض متوهجة باللون الازرق في بداية القرن التاسع عشر في احدى قصائده , وهو ما أكٌده رجال الفضاء في نهاية القرن العشرين , عندما شاهدوا  كرتنا الارضية  وهم يحلقون في أجواء الكون و الفضاء, ولا زالت لا تستوعب كيف وصف ليرمنتوف كل احاسيس الحب الانساني واعماقه وهو في ذلك العمر , اذ انه عاش 27 سنة لا غير . قلت لها باني لم انتبه  فعلا الى تلك الكلمات , التي وصف ليرمنتوف  فيها الارض وهي تتلألأ باللون الازرق , وانني سأشير حتما الى ملاحظتها الدقيقة والعميقة والجميلة هذه حول ذلك , واعتبرها اضافة نوعية و جديدة واصيلة الى الدراسات  النقدية والتحليلية حول ابداع ليرمنتوف , واخبرتها بأني كتبت مقالة عنه ونشرتها , وأشرت  في بدايتها الى اندهاشي ايضا من كونه قد استطاع انجاز كل تلك النتاجات الابداعية ضمن هذه السنوات القصار . قالت فيرا انها كانت تحلم ان تكتب بحثا بعنوان ( بوشكين و ليرمنتوف والحرب ) , وانها ارادت ان تقارن موقفهما من ظاهرة حياتية كبيرة في تاريخ  روسيا , وانها لازالت تعتقد ولحد الآن , ان ليرمنتوف اكثر واقعية وعمقا في وصفه للحرب من بوشكين , فسألتها – ولماذا لم تكتبي هذا البحث ؟ فقالت مبتسمة , ان الحياة عرقلت كل تلك الاحلام الادبية  يا ضياء , وانا الآن – في هذا العمر -  لا استطيع تحقيق هذا الحلم , وضحكت فيرا وأضافت – ( لكني رجعت نهائيا الآن الى بوشكين – النبع الخالد والصافي للشعر الروسي , و لا زلت أقرأ بين فترة واخرى رواية بوشكين الشعرية  (يفغيني انيغين) واتمتع بها, وقد قرأت مرة الفصل الاول من تلك الرواية عن ظهر قلب امام أصدقائي , وقد اندهشوا  وهم يستمعون اليٌ وكذلك اندهشت انا ايضا , لأني لم اكن اعرف اصلا باني قد حفظتها عن ظهر قلب نتيجة تلك القراءة  شبه الدائمة ! ). سألتها  عن  ماياكوفسكي , والذي أتذكر انها كانت تتغنى باشعاره بعض الاحيان وتستشهد بها  فقالت  -  نعم , كنت معجبة به وبمواضيعه المتفردة والمدهشة والغريبة , ولكني ابتعدت عنه بالتدريج , وأعتقد انه انتحر فعلا (عندما وصل الى عمر بوشكين !) ,  وليس مثل يسينين الذي اظن انهم  قتلوه ولم ينتحر , وسألتني فجأة – هل تعرف قصائد روبتسوف الذي قتلته خطيبته؟ لقد كان ايضا بذلك العمر .  قلت لها لا اعرفه ولم اسمع به, فتعجبت من جوابي , ثم قالت متذكرة  – (ها ,  لانك تركت روسيا في ذلك الوقت) .
حديث فيرا استمر طويلا, اذ تشعب الكلام عن مسيرة الادب الروسي , وربما  يتطلب مني ان اكتب حلقة اخرى حول هذا الحديث الممتع والرشيق  , لهذا اتوقف الان , واختتم هذه المقالة بشئ ما عن روبتسوف الذي أشارت اليه فيرا .
ولد نيقولاي ميخايلوفيتش روبتسوف عام 1936 وتوفي عام 1971 / أول ديوان له صدر عام 1962 بعنوان – ( امواج وصخور) بشكل سري / أصدر بعدئذ أربعة دواوين عن طريق دور نشر رسمية وهي – ليريكا 1965 / نجم الحقول 1967 / الروح تحتفظ 1969 / ضجيج الصنوبر 1970 / ,وصدرت بعد وفاته  دواوين – الأزهار الخضراء والسفينة الاخيرة والثلج الاول والسنونو وغيرها ... كتب عنه بلاتونوف ما يأتي –
... علاقة الاحترام  والحب  تجاه  القرية , وتقبٌل الانسان للطبيعة بتناغم متكامل , والاخلاص للبيت والوطن والمٌثل الروحية للاجيال الروسية السابقة – كل ذلك جعل شعر روبتسوف استمرارا  متوازيا  لشعر يسينين  , وقد امتزج هذا الشعر بقصائد توتشيف وفيت وبونين ...


796
غريبويديف والمتنبي

أ.د. ضياء نافع

الكساندر سرغيفتش غريبويديف اديب روسي ولد في موسكو العام 1795 وتوفي في طهران مقتولا العام 1829, ودفن في مدينة تبليسي عاصمة جورجيا في القوقاز على الحدود الايرانية مع الامبراطورية الروسية آنذاك, وابو الطيب المتنبي ولد في الكوفة العام 915 وتوفي مقتولا قرب واسط  العام 965 ودفن هناك... والمسافة الزمنية بين الاثنين تسعة قرون ونيف, وهذا فارق زمني هائل, ولكن بعض الوقائع تجمعهما,فكلاهما ماتا قتلا في عمر مبكر, وكلاهما – ويا للغرابة- اغنيا  لغتيهما, وبالتالي ثقافة امتيهما ,بالامثال  والحكم التي جاءت في ثنايا نتاجاتهما, الا ان هذا –مع ذلك- لا يعني امكانية الحديث عنهما معا ,اذ اننا نقف مبدئيا ضد طرح مواضيع تتناول الادب المقارن, والتي تستند الى الاجتهادات الشخصية بشان التأثير والتأثر بين ادباء ثقافات مختلفة وفي عصور مختلفة, ولكننا نؤيد طرح  تلك المواضيع في حالة وجود وقائع محددة وثابتة, وهذا ما وجدناه في بحثنا الحالي, اذ توجد في حياة الاديب الروسي غريبويديف وقائع تسمح لنا بهذا الطرح.
لقد اطلعنا على مقالة المستشرق الروسي المعروف كراجكوفسكي الموسومة (اقتباس عربي في رسالة غريبويديف) , / كراجكوفسكي – المؤلفات المختارة في ستة اجزاء,الجزء الاول, منشورات اكاديمية العلوم السوفيتية,موسكو- لينينغراد 1953 ص. 157-161 / والتي يشير كراجكوفسكي فيها  الى ان  غريبويديف قد كتب في شباط/ فبراير 1820 رسالة الى صديقه ب.ا. كاتنين من مدينة تبريز يستشهد فيها بمقطع باللغة العربية( وينشر المستشرق كراجكوفسكي صورة لذلك المقطع في مقالته تلك) وهذا نصه (شر البلاد مكان لا صديق به) , ويكتب بالروسية بعد ذلك قائلا لصديقه –( هذا شعر عربي يعني , ان التعاسة هائلة, عندما لا يوجد لديك صديق ).
يحلل كراجكوفسكي في مقالته تلك هذه الجملة العربية,ويسجل الاخطاء التي وقع فيها بعض الباحثين الروس بشانها, ولا مجال للحديث عن ذلك هنا, ويصل الى بعض الاستنتاجات حولها, ومنها ان غريبويديف كان يعرف العربية بشكل ضعيف في تلك الفترة,  وهو استنتاج صحيح من وجهة نظرنا,اذ ان المصادر الروسية المختلفة تشير  الى ان الاديب الروسي بدأ بدراسة اللغة العربية بعد وصوله الى بلاد فارس, عندما تم تعيينه في السفارة الروسية هناك,حيث التحق في مدينة تبريز, وهكذا يمكن لنا ان نعلن ان غريبويديف هو اول اديب روسي درس اللغة العربية واطلع على كنوزها.
لم يكن المستشرق الروسي يعرف في حينها ,ان الجملة العربية تلك هي شطر من بيت شهير لابي الطيب المتنبي, وتشير المستشرقة الروسية آنا اركاديفنا دوليننا  في دراسة لها منشورة في بطرسبورغ عام 1994 / روسيا والعالم العربي ,دراسات وابحاث . كتاب صادر  عن مكتبة اكاديمية العلوم الروسية وبعثة جامعة الدول العربية في روسيا والمركز الثقافي الروسي –العربي المستقل في سانت بطرسبورغ . ص- 78 -85 / تشير الى هذه الحقيقة , وكيف ان كراجكوفسكي اجاب في حينه عن تساؤلات المشرف على طبع مؤلفات غريبويديف الكاملة بانه لا يعرف اصل تلك الجملة,وتكتب  داليننا عن مراسلات كراجكوفسكي مع المشرف المذكور, وكيف انه وجد اخيرا ان هذا شطر من قصيدة المتنبي المشهورة حول سيف الدولة- 
واحر قلباه ممن قلبه شيم    ومن بجسمي وحالي عنده سقم
مالي اكتم حبا قد برى جسدي    وتدعي حب سيف الدولة الامم
الى ان يقول –
شر البلاد مكان لا صديق به     وشر ما يكسب الانسان ما يصم
ولا يشير كراجكوفسكي (وكذلك دوليننا) الى مسألة مهمة في هذا السياق وهي- هل كان غريبويديف يعرف ان هذا الشطر للمتنبي ام لا, ولا يمكننا – مع الاسف الشديد- ان نجيب عن هذا السؤال هنا ,اذ ان الاجابة تقتضي الاطلاع على ارشيف عدة مؤسسات روسية منها- ارشيف اكاديمية العلوم الروسية والمكتبة المركزية في موسكو وبطرسبورغ وكذلك ارشيف المكتبة الشخصية لغريبويديف نفسه ,وهذا شئ يكاد ان يكون مستحيلا بالنسبة لنا, الا اننا يمكن ان نستنتج,ان المصدر الذي اطلع عليه الكاتب في بلاد فارس كان دقيقا, وان الاشارة العامة التي نجدها في بعض المصادر الروسية, ومفادها ان الجملة التي كتبها غريبويديف هي (حكمة عربية) مسالة غير دقيقة تماما.
ان غريبويديف انسان موهوب جدا, فقد كان يتكلم بالروسية والفرنسية بطلاقة عندما كان عمره (6) سنوات,وتعلم بعد ذلك اللغة الالمانية واتقنها عندما كان عمره (9) سنوات وبعدها اخذ يدرس اللغات الانكليزية والايطالية واللاتينية,ثم التحق بجامعة موسكو وانهى قسم الاداب واللغات وحصل على الشهادة ,والتحق مرة اخرى بجامعة موسكو للدراسة في قسم القانون والسياسة وكذلك في قسم الرياضيات والفيزياء,الا ان هجوم نابليون على روسيا عام 1812 حال دون استمراره بالدراسة ,اذ تطوع في صفوف الجيش الروسي وقاتل بشجاعة,وبقي في الجيش حتى عام 1816, وتم تعيينه في وزارة الخارجية عام 1817 ,وصدر الامر بتنسيبه للعمل في السفارة الروسية بايران , وحاول التخلص من هذا التنسيب ولم يفلح ,فقرر ان يبدا بدراسة اللغة الفارسية عندما التحق بوظيفته عام 1818, وفعلا بدأ بدراسة اللغات الفارسية والجورجية والعربية والتركية, اضافة الى انه كان عازفا ماهرا على آلة البيانو ومؤلفا لعدة قطع موسيقية لا زالت تعزف لحد الان , وهذه كلها مواهب غير اعتيادية لاديب عاش (34) سنة ليس الا. هناك خاصية فريدة من نوعها تميزه  في تاريخ الادب الروسي وهي- كتابته لنتاج مسرحي شعري واحد فقط والذي اصبح بفضله واحدا من كبار الادباء الروس, وتحيط قاعدة تمثاله الكبير في موسكو شخصيات تلك المسرحية الشعرية الموسومة – (ذو العقل يشقى) كما استقرت ترجمتها العربية. ان الترجمة الحرفية لتلك المسرحية الشعرية هي – (المصيبة من العقل) وقد ترجم المترجمون العرب هذا النتاج الادبي باشكال مختلفة منها – (المصيبة من العقل) او (مصيبة من العقل) او (البؤس من العقل ) او (الويل من العقل) او (الشقاء من العقل)...الخ..الخ,الا اننا ارتأينا ان تكون  الترجمة – (ذو العقل يشقى) المقتبسة من بيت المتنبي المعروف – (ذو العقل يشقى في النعيم بعقله....) وذلك لما يتميز به هذا المقطع من شاعرية وبنية لغوية جميلة  تتناسب وتتناغم فعلا مع شاعرية وجمالية التسمية الروسية, وقد تقبل الزملاء  حولنا هذه الترجمة, وهكذا اخذنا نتداولها في كلامنا حول هذه المسرحية, وثبتناها في كل ما نشرناه حولها, وهكذا جاءت في مقالة المرحومة أ.د.حياة شرارة في كتابها المشترك مع المرحوم أ.د.محمد يونس الموسوم – (مدخل الى الادب الروسي في القرن التاسع عشر (بيروت 1978 ص. 21 ,22, 23), ولم نكن قد اطلعنا , عندما اقترحنا تلك الترجمة على مقالة المستشرق كراجكوفسكي  , ولا على الجذور الثقافية للاديب الروسي, وبعد ان تم لنا ذلك, فاننا  نميل الى الراي القائل باحتمالية ان تكون تسمية المسرحية تلك متأثرة بشكل او باخر بشطر بيت المتنبي المذكور ,ودليلنا في طرح هذه الاحتمالية (واكرر –الاحتمالية)  يستند الى تحليلنا لطبيعة تسميات وعناوين النتاجات الادبية في الادب الروسي قبل غريبويديف واثناء حياته, اذ انها تختلف جذريا وجوهريا عن تلك التسمية,فمعظم تلك التسميات كانت ترتبط باسم البطل او البطلة, او تقترن بعناوين عادية عامة لا علاقة لها بهذه التسمية الفلسفية العميقة, والتي تحولت الان الى قول روسي ماثور,بما فيها تسميات نتاجات غريبويديف المبكرة نفسها,اذ انها لم تخرج عن طبيعة تلك العناوين السائدة عندها وهي – الطالب/الازواج الشباب/عائلتي/الليالي الجورجية/...الخ, وهي عناوين وتسميات لا تحمل الخلاصات الفكرية التي انعكست في تسمية تلك المسرحية الشعرية. ومما يعزز موقفنا تجاه هذه الاحتمالية ايضا هو استخدام غريبويديف لقصيدة المتنبي في رسالته لصديقه, ومن الطبيعي ان تكون دراسته للغتنا العربية اوسع واعمق من ان تكون مقتصرة على تعلم اوليات تلك اللغة وحسب,اذ ان اديبا موسوعيا مثله لا ترضيه تعلم مفردات بسيطة, بل كان يبحث حتما عن العمق الفلسفي والفكري لها,  وليس عبثا او صدفة تحول مقاطع كثيرة من مسرحيته تلك الى امثال وحكم روسية, وهو شئ تنبأ به بوشكين عندما قرأ المسرحية, اذ اعلن ان نصف تلك المسرحية سيتحول الى حكم وامثال, ولا يمكن بالطبع لاديب بهذا المستوى الفكري عدم ملاحظة ما في شعر المتنبي من حكم وامثال خالدة.
اننا نطرح هذه الاحتمالية  امام الباحثين المتخصصين عامة  ونؤكد ان هذه الاحتمالية تتطلب الدراسة الدقيقة والتفصيلية , وبعد ذلك فقط يمكن تحديد الراي الحاسم بشانها, اي ان الهدف من هذا المقال هو طرح الموضوع ليس الا,مع التأكيد مرة اخرى,ان هذه الاحتمالية لا تقلل بتاتا من عظمة مسرحية غريبويديف واهميتها, ولا تعني باي حال من الاحوال تأثير المتنبي على مضمون المسرحية لا من قريب ولا من بعيد, اذ ان تلك المسرحية تناولت القضايا الاجتماعية والفكرية الكبرى للشعب الروسي في تلك المرحلة, وتحدثت عن العلاقات الانسانية الخالدة بين البشر,ولهذا اصبحت واحدة من ابرز نتاجات الادب الروسي ,وليس عبثا ان الشعب الروسي لا زال يقرأ تلك المسرحية ويعرضها على خشبات مسارحه ويستشهد بامثالها وحكمها, لانها تجسد الصراع الخالد للانسان من اجل النقاء الروحي والصدق والحب.

797
المنبر الحر / تشيخوف في العراق
« في: 03:53 20/12/2015  »
تشيخوف في العراق
أ.د. ضياء نافع

كنت  مشرفا علميا على ثلاث اطاريح ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد حول تشيخوف في تسعينيات القرن الماضي وهي – ( مسرح تشيخوف في العراق ) و ( تشيخوف في النقد الادبي العراقي ) و ( قصص تشيخوف المبكرة في الترجمات العربية ), واقترحت على احد طلبة الماجستير اطروحة رابعة حول تشيخوف بعنوان – ( مسرحية تشيخوف بستان الكرز في ثلاث ترجمات عربية ) الا ان احد زملائي في اللجنة العلمية اعترض بشدة وعنف ضد عنوان تلك الاطروحة , وقال ان ضياء نافع يمكن ان يقترح علينا قريبا ان نكتب اطروحة اخرى بعنوان ( تشيخوف في علاوي الحلة ). ولم اكن انا حاضرا في ذلك الاجتماع مع الاسف لارتباطي بعمل اداري في حينه, ولكني عرفت بما دارفي ذلك الاجتماع واعجبتني جدا فكرة - ( تشيخوف في علاوي الحلة ) , وفعلا كتبت مقالة بهذا العنوان ونشرتها في مجلة الف باء العراقية آنذاك , وكانت لها ردود فعل ايجابية وعديدة لدى القراء , وقد تناولت في المقالة تلك كل الاشكالات التي حدثت حول الموضوع وذكرت فيها انني احلم بذلك اليوم الذي ستكون فيه مسارح عراقية في علاوي الحلة تعرض مسرحيات تشيخوف وغيره من اعلام المسرح العالمي , اذ ان ذلك يعني ان العراق سيكون في مصاف دول العالم المتقدم .
ان موضوعة تشيخوف في العراق لا زالت تنتظر فارسها , واذكر اني – مرة – تحدثت مع البروفيسور كوليشوف ( رئيس قسم الادب الروسي في القرن التاسع عشر في كلية الاداب بجامعة موسكو, وهو استاذنا جميعا في ستينيات القرن الماضي عندما كنا طلبة في تلك الكلية آنذاك) حول ذلك, وقد قال لي كوليشوف انه يعد هذا الموضوع علميا وصحيحا بشكل عام الا انه  لا يحبذه في اطاريح الطلبة العرب عندهم لان الاستاذ المشرف لا يستطيع اداء دور الاشراف الصحيح اذ انه لا يعرف اولياته ولا يستطيع الاطلاع على مصادر البحث باللغة العربية وبالتالي سيعتمد على ما يقول الطالب وما يترجمه له, وهذا يؤدي الى موقف غير سليم للاستاذ المشرف, الذي يجب ان يقود البحث ويشرف عليه لا ان يكون ( المستمع ) للطالب بشأن المصادر, وكوليشوف كان هنا على حق طبعا, وقد قلت له ذلك مباشرة, اما اذا كان المشرف العلمي عراقيا او عربيا , فان هذا يعني انه يجب ان يكون على اطلاع تام بشأن اوليات الموضوع ومصادره, وبالتالي يستطيع ان يكون مشرفا علميا حقيقيا .
 توجد لحد الان  جوانب وقضايا مهمة ترتبط بشكل او بآخر بهذا الموضوع لم يتناولها الباحث العراقي , واذكر اني طرحت على المرحوم الدكتور عبد الاميرالورد في صنعاء (عندما كنت استاذا زائرا في كلية اللغات بجامعة صنعاء) سؤالا محددا بشأن علاقته تجاه تشيخوف ولماذا قدٌم للجمهور العراقي احدى مسرحيات تشيخوف ذات الفصل الواحد وقام بالتمثيل بنفسه , فاجابني لانه شاهد تلك المسرحية بتقديم الاخرين واقتنع انهم لم يفهموا عمق تلك المسرحية ولم يستطيعوا كشف مضمونها الذي اراده تشيخوف نفسه , وقال الورد انه يعتقد جازما انه قد نجح بذلك.وهذه – بحد ذاتها- مسالة جديرة بالبحث , وعلى الباحث ان يسبر غورها ويثبت صحتها. واجريت – مرة- حوارا مع الفنان المسرحي الكبير الدكتور سامي عبد الحميد (عندما كان معنا في اللجنة الامتحانية المركزية في كلية اللغات منسبا من كلية الفنون الجميلة للاشراف على سير الامتحانات المركزية آنذاك في تسعينيات القرن الماضي ) وسألته عن موقع تشيخوف في حياته المسرحية, فأجابني انه ادٌى امتحانه امام اللجنة عندما كان يدرس المسرح في الغرب بتمثيله لمقطع من مسرحية لتشيخوف وان هذا الكاتب المسرحي الروسي رافقه طوال حياته , وحدثٌني عن اعجابه الشديد بدور الممثل العجوز في مسرحية تشيخوف ذات الفصل الواحد والذي يعتبرها قمة التعبير عن معاناة الفنان في نهاية عمره. وهناك جانب آخر في هذا الموضوع وهو موقف الفنان صلاح القصب تجاه تشيخوف, اذ ان هذا الفنان العراقي الكبير قد اخرج احدى مسرحيات تشيخوف بشكل جديد ومبتكر , وقد شاهدتها شخصيا في مسرح الرشيد في حينه, واثارت رؤيته لتشيخوف نقاشا حادا بين مؤيد لهذه الرؤية ومنتقد لها , بل ان البعض اعتبرها حتى تشويها لتشيخوف . هذه وغيرها من النقاط المرتبطة بمسرح تشيخوف في العراق لم يتناولها الباحث العراقي لحد الان ( ومنها مثلا مسرحة الفنان العراقي بدري حسون فريد لقصة تشيخوف الحرباء ومحاولات الفنانة عواطف نعيم لتقديم بعض قصص تشيخوف على خشبة المسرح العراقي وهناك سؤال كبير ومهم – في رأي – وهو لماذا لم يتعامل الفنان قاسم محمد , وهو ابن المدرسة الروسية في المسرح مع تشيخوف , وغير ذلك ),اما قصص تشيخوف , فانها عالم كبير بحد ذاته , لم نتكلم عنه كما يجب ايضا, ويمكن ايجاد روابط كثيرة تجمع بين تقنية تشيخوف الفنية وكبار الاسماء في مسيرة القصة العراقية الحديثة . وهناك جانب آخر لهذا الموضوع ايضا وهو كيف تعامل المترجم العراقي مع نتاجات تشيخوف والنقد الادبي حوله على مدى هذه المسيرة الطويلة من الزمن, واذكر ان الباحث العراقي المرحوم الدكتور عبد الاله احمد قد أشار الى هذا الجانب في كتاباته المعروفة عن القصة العراقية , وباختصار فان موضوع تشيخوف في العراق ينتظر انجازه من قبل باحثينا , وفي حالة تنفيذ ذلك , فاننا نستطيع عندها ان نقدم هذا العمل العلمي الى القارئ الروسي والاوربي ايضا باعتباره دليل نضجنا العلمي ومساهمة من قبل الباحثين العراقيين في مسيرة دراسات الاداب الاجنبية في العالم. لقد كنت ضمن الوفد العراقي لجامعة بغداد الذي زار جامعة موسكو في نهاية التسعينات في القرن الماضي , وقدمنا نسخة من اطروحة ( مسرح تشيخوف في العراق ) التي اشرت اليها اعلاه لعميد معهد بلدان اسيا وافريقيا التابع لجامعة موسكو البروفيسور ميير, واذكر اني قلت له انها ( هدية صغيرة ) من وفدنا لمعهدهم انجزناها باللغة الروسية في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , وعندما تسلمها واطلع عليها بشكل سريع اجابني , انها ليست هدية صغيرة بل هدية كبيرة لم نكن نتوقعها. 

798
أدب / قصائد من اليابان
« في: 19:05 18/12/2015  »
قصائد من اليابان
+++++++++++
للشاعر بوسيمي كوندو
ترجمها عن الروسية - أ.د. ضياء نافع

الى الشاعر المبدع الكبير يحيى السماوي.
المترجم.

ملابس الاشجار والزهور

تطرٌز الشمس
بالذهب
ملابس الاشجار
والزهور,
وبالفضة
تطرٌزها الطيور.

++++++++++++



حزن

يتلألأ القمر بين النجوم
بشجى,
وتغني الرياح
بأسى
فوق الحقول التي
تترنح فيها
السنابل...

++++++++++++++++



ليلا في القطار

نام الجميع
في القطار..
اثنان فقط
-رجل وامرأة-
كانا يتكلمان
ويتكلمان...
وحلٌت الكلمات
محل النظرات
ولمس الاصابع
والقبلات...

799

الهروب


للشاعر امارين سورسكو / رومانيا
ترجمها عن الروسية  – أ. د. ضياء نافع


في يوم ما
سانهض من وراء المكتب
وأبدأ بالابتعاد
عن الكلمات,
وعنكم
وعن كل ما في العالم
...............
سأرى الجبال
في الافق
وأسير نحوها
الى ان تصبح الجبال
ورائي,
بعدئذ
سوف أتسكع خلف الغيوم
الى ان تصبح الغيوم
ورائي,
والشمس أيضا
ستصبح ورائي,
والنجوم أيضا
والكون كله..



800
من الشعر الروسي المعاصر
------------------------------
ننصب خيمة جديدة على الثلج
للشاعر  يوري فيللا
جمهورية نينيتسكايا – سيبيريا
روسيا الاتحادية

ترجمة وتقديم أ.د. ضياء نافع





نشرت جريدة  ليتيراتورنيا غازيتا في عددها الصادر بتاريخ 24-30 \ 11\ 2010 هذه القصائد تحت عنوان = شعر روسيا الوجداني المتعدد اللغات,مع صورة للشاعر يوري فيللا وهو يرتدي ملابس الشتاء السييبيرية في تلك الجمهورية البعيدة.
يكتب شعراء تلك الجمهورية ادبهم بلغتهم القومية وباللغة الروسية ايضا,والقصائد المنشورة هنا مكتوبة بالروسية,  وهي تعبر عن ملامح  وخصائص الحياة في سيبيريا  بكل ابعادها,وتشير الجريدة الى ان الشاعرة التي يتحاور معها الشاعر ارتأت ان تكون مجهولة وترمز الى نفسها بحرف  ن.

ض.ن.






1
تعب النهار وقال للشمس
وداعا.
غفت السماء.
هيا نحزن.
ن.
2
لكن السماء
في الصباح
خفقت مرتعشة
من صياح
الوز الطائر...
والثلج الرقيق
الذي يحيط بالبحيرة
اخذ يتلامع و يتلألأ
يوري.
3
في البرميل العتيق
غفت السمكة.
الطير الذي يغني
اخذ يبكي.
فقدت انا
السكينة
والهدوء.
ن.
4
اليوم انتقلنا
من المحطة الصيفية
الى الشتوية.
ذهبت الايائل
بنفسها,
آن اوان رحيلها,
وقد شحنٌا
امتعتنا,
اما القط الصغير
فكان يقفز تحت اقدامنا,
كي لا ننساه.
يوري.
5
يطرق الحب بيتي,
لكن المزلاج في بابي
غطاه الصدأ.
اتركني.
عبثا تحاول
ان تثير
قلق
قلبي.
ن.
6
صدأ المزلاج
يمكن دهنه
بالزيت,
والقلب
لا حاجة لدهنه,
استمعي اليه-
فهو لا يخطأ ...
يوري.
7
السماء تركتني,
وانا اتجمد
في رياح الخريف,
لكني قوية,
وامسح دموعي.
وداعا
يا حبيبي.
ن.
8
ليس وداعا-
وانما
الى اللقاء.
اليوم خريف,
لننتظر-
كيف ستغنين
في الربيع.
يوري.
9
الفراشة
ذات الاجنحة الرقيقة,
تركت قلبي.
جف الحبر.
ساحتسي
الخمر الحار.
ن.
10
لا تشربي
الخمر.
افرحي
بالشمس
وبالمطر الاعمى
وغبار الناس
الذي
سيضاف الى  الارض.
الرأس الصاحي
يسير اسهل,
الرأس الصاحي
يحلم اسهل,
الرأس الصاحي
يطير ويحلق اسهل.
يوري.
11
اعدت ربط غصن العنجاص
المزهر
بقطعة من الحرير.
يا حبيبي
تعال الي,
عندما يولد القمر.
انتظرت,
والدموع اجترعت,
لكن حبيبي
تحول
الى امرأة اخرى.
ن.
12
انا في المدينة.
اقف
في محطة الباصات.
مطر.
تمرق السيارات جنبي,
ويتطاير منها
رذاذ مياه المطر....
اليوم ايضا,
ومرة اخرى
لم تهاتفينني.
يوري.
13
اخفي رقتي,
وراء نكتة الغضب
والزعل.
البحر يعرف فقط
حبي,
وكذلك
طائر النورس الابيض,
الذي يقبل بشبق
الامواج الباردة.
ن.
14
ذهبت اليوم
بالقطيع
الى المراعي.
الايائل فجأة
توقفت,
وبدهشة نظرت
اليٌ...
شئ – ما
على الارجح
تغير فيٌ,
من رسائلك
اليٌ....
يوري.
15
ساحرة الغابة
ظهرت
في بيتي.
عطر الزهور
ومرارة اوراق الشجر
بقيت
طويلا
في بيتي.
سأرى في الشتاء
احلاما دافئة.
ن.
16
وهل الايائل
التي ترعى بسلام,
لم تشاهديها
لحد الان
في الاحلام؟
واللقالق
التي تصدح
في الصبح
وراء النهر
لم توقظك
لحد الان؟
والحمامة
التي تشدو
في الغابة المجاورة
لم تعدك
بشئ
لحد الان؟
هيا اخرجي
الى الطريق....
يوري.
17
الضباب البارد للحياة
لا يسمح
بالتنفس.......
..............
اتركني
ايها السرور الهادئ.
ساحزن
وابكي,
وانا اغطي وجهي
بغشاوة المشيب.
ن.
18
احلم انا
ان يتعلم الناس
كيف يتكلمون
عن الوطن
دون ان يلفظوا
تلك الكلمة.
احلم انا
ان يتعلم الناس
كيف يتكلمون
عن الحب
دون ان يلمسوا
تلك الكلمة.
يوري.
19
اضاع الشتاء
معطفه,
وهو يحزن
ويكتئب.
الخريف
منذ زمن انتهى,
وقد ابقى
شوارع مضجرة.
انا
اشرب الشاي المعطر.
يا لها من متعة....
ن.
20
اضيف العطر
لقدح شاي.
الفناء يغطيه الثلج.
انطلق في الطريق
وراء قطيع
الايائل,
الى الغابة....
يوري.
21
يسير الزمان
برتابة.
رقصة النيران-
رائعة.
الجرو الذي رموه
يبكي
وراء النافذة.
يا صاحب الذيل القصير
ادخل
ستكون صديقي.
ن
22
آخر مطر الخريف
الاشجار تبكي
فعلا.
الايائل
تنظر الي
بحزن...
كأنما
تقول لي-
اتركنا,
ولا تجبرنا
ان نذهب الى المراعي....
عندما
سيختفي الثلج
نحن بانفسنا
سننطلق الى هناك
بكل سرور....
يوري.
23
مصيري-
امرأة عمياء
تغزل....
ن.
24
تمرغ الكلب
اليوم
بالثلج.
يقولون
هذا نذير
العاصفة الثلجية....
يئن عظم
اصبعي الاوسط....
................
يوري.
25
وهكذا
يقول النهار للارض
وداعا,
وهكذا
ينمو الاطفال
في الاحلام.
السرور
يترك قلبي,
لكن الحب
على ما يبدو
يجذب قلبي
اليه
ن.
------------------------------

801
تولستوي والتولستويون
أ.د.ضياء نافع

نشرت مجلة ( نوفي مير) (العالم الجديد ) الروسية في عددها الثالث لعام 1989 هذه المقالة للباحث الامريكي ويليام اجيرتون, البروفيسور في جامعة انديانا, والتي كتبها  خصيصا للمجلة المذكورة, وعلى الرغم من مرور أكثر من ربع قرن على نشر هذه المقالة الا انها لم تفقد قيمتها, اذ ان موضوعة التأثير الاجتماعي لافكار تولستوي لا زالت تمتلك اهميتها في تاريخ الثقافة الروسية والعالمية. لهذا ارتأينا ان نقدم للقارئ فيما يأتي خلاصة وافية لمقالة البروفيسور الامريكي.
يبتدأ اجيرتون مقالته بالاشارة الى مذكرات بوريس فاسيليفتش مازورين التي نشرتها مجلة ( نوفي مير) حول ( الكومونة التولستوية), ويعتبر هذه المذكرات ( خطوة مهمة جدا لاعادة تقييم التأثير الاجتماعي لتولستوي), والتي حان الوقت – ومنذ زمن – لضرورة دراستها وتحليلها باعتبارها ( فصلا حيويا مجهولا) في تاريخ الثقافة الروسية الحديثة , والتي لم يكن يعرفها تقريبا القارئ في الاتحاد السوفيتي آنذاك .
ينتقل الباحث بعدئذ الى الحديث عن ظاهرة التولستوية , والتي لا يمكن ايجاد مثيل لها – حسب رأيه – في تاريخ الثقافة والاداب الاوربية كافة , ويشير الى انها ولدت عند تولستوي في نهاية سبعينيات القرن التاسع عشر, عندما حدثت أزمته الروحية – الدينية, والتي يسميها اجيرتون- (الانقلاب الروحي في اعماقه) , ويتحدث عن انعكاساتها على ابداعه, ثم يتناول ردود فعل القراء على تلك الافكار, وكيف انها ادٌت الى ولادة مجاميع مؤيدة لهذه الافكار ليس فقط في روسيا, وانما في الكثير من بلدان العالم, التي كانت تتابع آراء الكاتب الروسي الكبير وابداعه. وهكذا تبلورت في بلدان عديدة محاولات لتجسيد افكار تولستوي الفلسفية وتطبيقها  حياتيا, وذلك عن طريق تأسيس مستوطنات تعاونية زراعية للاكتفاء الذاتي, وقد حدث ذلك  في روسيا وانكلترا وهولندا وهنغاريا وسويسرا وامريكا واليابان وتشيلي , ولكن هذه المستوطنات – بالاساس – قد فشلت لان الذين التحقوا بها هم المثقفون,الذين اقتنعوا بتلك الافكار نظريا, ولكن عمليا لم تكن لهم اية تجربة او خبرة في التعامل مع الارض وزراعتها والاكتفاء بالعيش على انتاجها.
يتوقف الباحث بعد ذلك طويلا عند افكار تولستوي الفلسفية- الدينية, وكيف انه حاول البحث عن المثال الديني, وكيف ادى هذا البحث الى ابتعاد تولستوي عن تعاليم الكنيسة الارثذوكسية الروسية, الا ان الباحث يؤكد ان تولستوي بقي – حسب رأيه – في اطار المسيحية عموما, وان موقف الكنيسة الروسية لم يكن صائبا تجاهه, ويتوجه الى المتخصصين الغربيين قائلا, انهم يجب ان يتحرروا من نظرتهم الى تولستوي , التي تؤكد فقط وبالاساس على الافكار الدينية البحتة عند تولستوي , وان مسيحيته ( الفوضوية) ليست الا تعبيرا عن ( متاهات) فنان عظيم , وفي الوقت نفسه, يتوجه  اجيرتون الى المتخصصين الروس قائلا , انهم ايضا يجب ان يتحرروا من التركيز على  التفسير السياسي- الاجتماعي لافكار تولستوي فقط , دون الاخذ بنظر الاعتبار الجوانب الدينية لديه, ويستشهد بمقالة تولستوي الموسومة ( حول الحياة), والتي يؤكد فيها على ايمانه المطلق ب ( الحياة بعد الموت ), على الرغم من ان هذه الحياة ( مخفية عن وعيٌ الان), الا ان هذه المواقف لم تكن تعني ابدا هروب تولستوي من محاولة ايجاد الحلول للمشاكل الحياتية المحيطة به, او المشاكل الموجودة ( على الارض),  رغم انه كان ينظر اليها في هذا الاطار الفلسفي ويحاول ان يصل الى حلها بمساعدة هذه النظرة الفلسفية ايضا. ان افكار تولستوي هذه توضح لنا لماذا كان اتباعه لا يخافون من الاضطهاد او حتى من التعذيب او الموت, و لكنهم في الوقت نفسه لم يكرهوا هؤلاء الذين كانوا يضطهدونهم .
يستعرض الباحث بعدئذ تاريخ التجمعات والمستوطنات التي تبلورت على اسس دينية وفلسفية, ويصل الى استنتاج مفاده , ان مستوطنات التولستويين لا تتميز عن تلك التي سبقتها, اذ انهم جميعا انطلقوا من مبدأ اساسي واحد وهو – ( اللاعنف),ابتداءا من الهندوس في الهند وعبر انصار يان غوس في تشيكيا و الحركات المماثلة لها في انكلترا و في المانيا والنباتيين في روسيا ...الخ , ويتحدث هنا عن موقف السلطات الحاكمة تجاههم , والشك الذي كان يسود النظرة الرسمية لتلك السلطات بشأن هذه الحركات, وكيف كانت تعتبر نشاطهم هذا ( يحمل سمات سياسية, خصوصا عندما يرفضون حمل السلاح والمشاركة في الحروب انطلاقا من قناعاتهم الدينية), وبالتالي فانه ( مضاد للدولة), التي تحتاج الى جيوش وحماية الحدود , وكذلك الى محاكم وقوانين صارمة وقوى لحفظ النظام ...الخ. ثم ينتقل الباحث الامريكي بعدئذ الى القرن العشرين ويشير الى ان هذا القرن قد شهد تجربتين كبيرتين وناجحتين في هذا المجال, اولهما حركة تحرير الهند برئاسة المهاتما غاندي, والتي ادٌت الى حصول الهند على استقلالها بالطريقة السلمية, ويسهب بالطبع بالحديث عن تأثر غاندي بافكار تولستوي, الذي كان يسميه ( المعلم ), ومن المعروف ان تولستوي هو واحد من الرموز الكبيرة التي اقتدى بها غاندي , وكانت هناك مراسلات فيما بينهما. اما التجربة الثانية  فهي قضية تحرير الزنوج في امريكا من العبودية والتمييز العنصري الذي كان سائدا آنذاك, ويتوقف البروفيسور  اجيرتون عند مارتن لوثر كنج وتناغم افكاره مع مواقف تولستوي وفلسفته, ويستنتج ان تحرير الهند وتحرير الزنوج في امريكا عن طريق الحركات التي تعتمد على سياسة اللاعنف هي تاكيد واضح جدا على تاثير افكار تولستوي وفلسفته عالميا. ويتناول الباحث بعدئذ النتائج التي تمخضت عنها حركة تحرير الهند بالذات , ويبين ان هناك حدود للحركة السلمية وسياسة اللاعنف, اذ انها استطاعت بالطبع ان تخلق دولة ذات حقوق, الا ان هذه الدولة قد خلقت اجهزة قمع للحفاظ على بنيتها, اي انها ايضا اضطرت الى تشكيل جيوش ومحاكم وبوليس..الخ, ويتساءل الباحث- هل هذا يعني, ان افكار تولستوي وغاندي والاخرين لا تجدي نفعا في الواقع السياسي؟ ويجيب عن هذا السؤال قائلا – كلا, ولكن يجب الاقرار بوجود الربط الديالكتيكي بين العنف ورفض العنف,اذ انهما يسيران جنبا لجنب, وان توحيد تناقضاتهما المشتركة هي التي تؤدي الى الحرية والعدالة والمساواة, وان انفراد اي من هذين المفهومين لا يمكن ان يحقق الهدف, مشيرا الى ان الدولة ضرورية للادارة, وانها لا يمكن ان تلغي القوة والعنف, الا ان استمرار حركة المقاومة السلمية وسياسة اللاعنف توقف تحولات الدولة الى الظلم والطغيان.
ينهي البروفيسور اجيرتون مقالته بالتحدث تفصيلا عن مجاميع التولستويين في بلغاريا, وكيف انهم استطاعوا منذ عام 1926 تنظيم مستوطنات زراعية, وان الحكومة البلغارية التي جاءت في اعقاب الحرب العالمية الثانية قد اعترفت بتلك المستوطنات واحترمتها, وكيف ان هذه التنظيمات قد ازدهرت واصدرت الكثير من الكتب والصحف والمجلات, ويشير الى بعض نشطاء تلك الحركة, وان من بينهم اعضاء في اكاديمية العلوم البلغارية واثنان من كبار الفنانين ومجموعة من اساتذة الجامعات وشعراء وادباء وصحفيين..الخ, ويتحدث ايضا عن دورهم في نهوض المستوى الثقافي والاخلاقي للمجتمع البلغاري.
مقالة ( تولستوي والتولستويون ) – كلمة فكرية جديدة  في تاريخ الادب الروسي , وهي تستحق التحليل والتأمل. 

802
من الشعر الروسي المعاصر
قصائد للشاعر الروسي كوفالجي
ترجمة – أ.د. ضياء نافع
 

-ولد الشاعر الروسي كيريل كوفالجي عام 1930, ولا زال على قيد الحياة لحد الان.
- صدر ديوانه الاول عام 1955 وكان بعنوان ( في الفجر)
- اصدر العديد من الدواوين الاخرى منها-خمس نقاط على الخارطة / اصوات / حوار مهيب / كتاب الشعر الوجداني / شموع في التيار /عتبة غير مرئية / تقرير معاكس .....



سامحيني ايتها الشمس

سامحيني ايتها الشمس,
لكن الارض
هي
مركز الكون,
فهي الحيوية
والمتفردة,
اذ اين يمكن ان نرى
نحلة طنانة؟
واين يمكن للعشب
ان يتكلم همسا
مع الهواء؟
واين يمكن لي ان ارقد
باسطا يداي
وانا اداعب باهدابي
زرقة السماء؟

 


صفات حبيبتي
مقاطع
 
... في الضياء-
مضيئة انت,
وفي الرياح-
عاصفة انت,
وفي ضوء القمر-
قمر انت,
وفي العقل-
الحكمة انت,
وفي الخمر-
النشوة انت,
وفي ظل المسيح-
الغموض انت ...




القناع

عندما أغفو
أنزع
قناع الشيخوخة.




الطيور

أستند اليكم
ايتها الطيور,
فانتم أملي.
كونوا
درجات سلٌمي,
عندما انسلخ
من نفسي
ومن بدني.


803
بازاروف – بطل رواية تورغينيف ( الاباء والبنون)
أ . د. ضياء نافع

طلب احد الصحفيين الروس مرة من الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف ان يعطيه تعريفا للادب الروسي, فاجاب حمزاتوف قائلا – انه أدب ( الاباء والبنون) و ( الجريمة والعقاب ) و ( الحرب والسلم ). وهكذا تقف رواية تورغينيف ( الاباء والبنون) لحد الآن في طليعة هذا الادب ليس فقط من وجهة نظر حمزاتوف وحسب, وانما هي فعلا واحدة من شواهد الادب العالمي , لانها تتناول  الصراع الابدي والدائم بين الاجيال في المجتمعات الانسانية كافة.
بطل هذه الرواية التي صدرت عام 1862 هو – بازاروف , والذي تتناوله مقالتنا هذه باعتباره ممثل الجيل الجديد , اي ال( بنون) في مسيرة الحياة والمجتمع, وهو الشخصية الرئيسة في رواية تورغينيف تلك , والتي يدور حولها الحديث في 26 فصلا من ال28 فصلا في الرواية.
 يشتق تورغينيف  لقب بطله من كلمة ( بازار), وهي مفردة فارسية الاصل دخلت الى اللغة الروسية من اللغة التتارية ومعناها ( السوق المغطى), والمعنى الثاني لها في الروسية هو – الصراخ او الضجيج او الهرج, ويرتبط هذا المعنى الثاني ايضا بالسوق الشرقي المعروف بضجيجه وحيويته , وتوجد تفاصيل كل هذه المعلومات اللغوية في قاموس التأثيل ( الايتمولوجي ) الروسي, والذي يتناول أصل الكلمات الروسية وتاريخ مسيرتها وتطورها , وعلى الرغم من ان هذا اللقب موجود باللغة الروسية , الا ان اختيار تورغينيف له واطلاقه على بطله يثير تساؤلات القارئ بلا شك, واذكر باني سألت احد اساتذتي في جامعة موسكو مرة حول ذلك , فاجابني بان النقد الادبي الروسي لم يتحدث عن ذلك , ولكن الموقف الفكري لتورغينيف الليبيرالي الغربي النزعة آنذاك يعني بانه لا يمكن ان يكون الى جانب بطله ومواقفه الفكرية , وبالتالي فمن الممكن انه اراد ان يعبر عن موقفه الفكري باطلاق هذا اللقب لبطله , ولكن التزام تورغينيف بالواقعية الفنية الموضوعية  جعلته يرسم بطله بهذا الشكل في روايته , والتي جعلت القارئ يتعاطف معه , وهكذا تراجع موضوع لقبه امام مسيرة اعماله ونشاطه في الرواية.
بازاروف نهلستي, وكلمة النهلستية دخلت الى اللغة الروسية من اللغات الاوربية , ومعناها العدمية, وعليه فان الشخص الذي يؤمن بتلك الافكار هو عدمي, اي انه يرفض كل المفاهيم المحيطة به, اذ ان النهلستية, او العدمية هي الايمان بالعدم, اي برفض كل المفاهيم السائدة في المجتمع, وهكذا فان بازاروف كان يرفض كل شئ في مجتمعه, وقد اصطدم بالطبع مع هذا المجتمع, ونتيجة لذلك فقد حاز على اعجاب كل الذين كانوا ايضا يرفضون مفاهيم مجتمعهم, اذ انهم لمسوا في افكاره تلك تعبيرا عن مكنونات كامنة في اعماقهم , ولكنهم كانوا لايستطيعون التعبير عنها لاسباب مختلفة , ومن بينهم بالطبع, القارئ العراقي, الذي استطاع ان يتعرف على هذه الرواية عام 1950 , عندما ترجمها د.اكرم فاضل عن الفرنسية مع الاديب العراقي المعروف ذو النون ايوب عن الانكليزية, وهو اول كتاب مترجم عن لغتين سوية يصدر في بغداد, ويعتبر اول ترجمة لهذه الرواية في العالم العربي حسب علمنا , وقد كانت ردود الفعل على هذه الرواية وبطلها بازاروف هائلة, لدرجة ان الرقابة العراقية آنذاك اعتبرتها عملا ثوريا يندرج ضمن ( الافكار الهدٌامة) كما كانت تسمى حينها, وبالتالي فقد منعتها في اواسط الخمسينات ,وهكذا دخل اسم تورغينيف الليبيرالي ضمن الادباء الثوريين اليساريين او حتى الماركسيين في العراق, رغم ان ماركس نفسه لم يكن موجودا في الساحة السياسية والفكرية عموما عندما كتب تورغينيف روايته تلك.
رواية (الاباء والبنون) لا تتميز باحداثها الكثيرة والمتشعبة,فهي تتحدث عن زيارة بازاروف وصديقه كيرسانوف الى ضيعة الاخيرلقضاء فترة العطلة, اذ انهما طالبان يدرسان في الجامعة, وهناك يتعرف بازاروف الى عائلة كيرسانوف ويبدأ النقاش بين الضيف وعم المضيف ويتبين عمق الاختلافات  وتباين الافكار بينهما,وتصل النقاشات تلك الى حد التصادم والقطيعة, وهكذا يعلن بازاروف انه لا يعترف بالفن والادب, ويقول ان الكيميائي اكثر فائدة ( بعشرين مرة) من اي شاعر, وان الفنان العالمي العملاق رافائيل ( لا يستحق قرشا نحاسيا ), وانه لا يعترف بالتمتع والنظر الى الطبيعة لانها ليست ( معبدا, وانما هي ورشة للعمل) ليس الا, ويعلن بازاروف عدم اعترافه بالعواطف الانسانية , بما فيها الحب, الذي ينظر اليه بشكل مادي بحت, ولكنه يقع هناك في حب آنا سيرغيفنا ادينتسوفا , ويغير هذا الحب مفاهيم النهلستية عنده , وهكذا يبدأ بالايمان بوجود الحب والعواطف, وينسى انه القائل ان تشريح العين لا يبين نظرات الوجد عند الانسان, ويتهاوى امام قوة النظرات وعاطفيتها مثل اي رومانسي عاشق, ويتصرف مثلهم بالكشف عن مكنونات قلبه دون ان يتذكر انه كان لا يعترف بالحب وكل العواطف المرتبطة به.
في نهاية الرواية يرجع بازاروف الى بيت والديه,وهناك يبدأ بالمساهمة في علاج المرضى ويجرح اصبعه ويصاب بتسمم الدم, وبالتالي يموت بسبب ذلك التسمم. وهكذا تنتهي الرواية.
لقد صاغ تورغينيف روايته بعبقرية مدهشة, اذ انه في الواقع كتب رواية فكرية بحتة في اطار ممتع وفني جميل, واستطاع ان يرسم صورة بازاروف بواقعية امينة وبعيدة عن الصور الكاريكاتورية , رغم ان الكاتب كان ضد افكار بطله, وعلى الرغم من ان تورغينيف سخر منه واقعيا عندما اسقطه في الحب وبالتالي بانت ملامحه الحقيقية, الا انه قام بذلك بكل وقار واحترام ومنطقية . لقد كتب تورغينيف عنه قائلا , بانه اراد ان يرسم شخصية تراجيدية ومعتمة ومتوحشة وكبيرة وقوية ونقية , وعلى الرغم من انها تقف على ابواب المستقبل , الا انها محكومة بالموت. وقد استطاع تورغينيف فعلا وبنجاح فني هائل ان يحقق هدفه هذا, اذ جعله يمر بتجربتين كبيرتين هما – الحب والموت. في تجربة الحب تنتصر العواطف الجياشة بشكل طبيعي ومتناغم ومنطقي وواقعي على نهلستيته ورفضه القاطع والمتطرف للحب , ويخرج بازاروف مغلوبا , اما في تجربة الموت, فقد حافظ بازاروف على بنية افكاره حتى النهاية, بل انه واجه الموت بشجاعة متناهية و برأس مرفوع ,وقد اعتبر النقاد موته موقفا قويا وتراجيديا في الرواية , وكما كتب احد النقاد قائلا , ان بازاروف كان يجب ان يموت هكذا كي يبقى بازاروف نفسه.
تناول النقد الادبي الروسي شخصية بازاروف منذ ظهور الرواية, وقد اكٌد النقاد على ان احداث الرواية جرت عام 1859 ( رغم ان الرواية ظهرت مطبوعة في احدى المجلات عام 1862 كما اشرنا اعلاه),وربط النقاد تاريخ احداثها بما حدث عام 1861, وهو العام الذي شهد حدثا كبيرا في تاريخ الامبراطورية الروسية , اذ اعلن القيصر الروسي الكساندر الثاني الغاء حق القنانة (العبودية) ,الذي كان سائدا طوال التاريخ الروسي بالنسبة للفلاحين , وتحدث النقاد ان شخصية بازاروف الروسية كانت تعني ان الاوضاع في روسيا قد نضجت للتغيير النوعي في مسيرة تطور تلك الدولة, واشار اخرون الى ان هذا البطل كان يجسد الصراع بين معسكرين في روسيا القرن التاسع عشر, معسكر يدعو الى الحفاظ على كل ما هو سائد في روسيا , وآخر يهدف الى تغيير كل البنية الاجتماعية والسياسية فيها, وهي فكرة محدودة في اطار روسيا القرن التاسع عشر ليس الا, وقد بينت الايام ان هذا الصراع مستمر في كل المجتمعات الانسانية, وفي هذه النقطة بالذات تكمن اهمية تورغينيف وخلود افكاره الانسانية اولا, وعظمة وخلود الفن وضرورته ثانيا.

804
المنبر الحر / دستويفسكي وتشيخوف
« في: 23:34 09/12/2015  »
دستويفسكي وتشيخوف
أ.د. ضياء نافع


دستويفسكي وتشيخوف – عملاقان من عمالقة الادب الروسي, وهما يمثلان بالاساس في الوقت الحاضر هذا الادب خارج روسيا , فعندما يدور الحديث عن الادب الروسي في العالم , يطرح النقاد والباحثون وحتى القراء على حد سواء اسميهما قبل كل اسماء الادباء الروس الاخرين, فهما الاكثر شهرة والاكثر ترجمة , بل انهما يشغلان مكانة خاصة ومتميزة في مسيرة آداب كثيرة في العالم, بما فيها التأثير على تلك الاداب العالمية وتطورها. وكم يبدو غريبا انهما بعيدين عن بعضهما البعض في مسيرة الادب الروسي نفسه, بل يمكن القول انه من الصعب ان نجد اديبين اكثر بعدا عن بعضهما مثل دستويفسكي وتشيخوف , فابطال دستويفسكي يجسدون الازمة الروحية المتوترة للانسان, وحياتهم دائما مفعمة بالجريمة والحوارات الفكرية والفلسفية المعمقة, اما ابطال تشيخوف فانهم اناس اعتياديون , يذهبون يوميا الى العمل ويتناولون طعامهم ولا تحدث في مسيرة حياتهم جرائم واحداث هائلة, بل حتى يمكن القول انه لا يحدث لهم اي شئ مهم وكبير.
ولد دستويفسكي عام 1821, واصدر روايته الشهيرة والمعروفة عالميا – ( الجريمة والعقاب) عام 1866, عندما كان عمر تشيخوف 6 سنوات فقط, واصدر روايته العالمية – ( الاخوة كارامازوف) عام 1880 , عندما كان تشيخوف ( الذي ولد عام 1860) قد انهى المدرسة ويحاول ان يبدأ دراسته في الكلية الطبية لجامعة موسكو, وتوفي دستويفسكي عام 1881, عندما نشر تشيخوف بعض القصص القصيرة الفكاهية في مجلات روسية هزلية من الدرجة الثانية ليس الا. ولا توجد اشارة تؤكد ان دستويفسكي قد اطلع عليها او سمع باسم تشيخوف اصلا, اذ كان في تلك الفترة واحدا من اكبر الادباء والمفكرين الروس, وفي الوقت نفسه واحدا من اشهرهم عالميا. اما تشيخوف , الذي ولد عام 1860 وبدأ النشر عام 1880 كما اشرنا في اعلاه , فانه اصبح معروفا في اواخر القرن التاسع عشر ليس الا, وليس بالشكل الذي يمكن مقارنته بدستويفسكي بتاتا.
ان الاجواء المتباينة والسمات المختلفة بين الاديبين قد ادت بالطبع الى عدم ميل تشيخوف الى دستويفسكي, ولكن هذا لا يعني بتاتا ومطلقا عدم اقرار تشيخوف بعظمة دستويفسكي والاعتراف به وبمكانته المتميزة في الادب وبشخصيته الفذٌة و تأثيره في مسيرة الثقافة والفكر.
لقد كتب تشيخوف في 5 آذار/ مارت عام 1889 الى سفورين رسالة جاء فيها ما يأتي – ( اشتريت في مخزنكم دستويفسكي, وأقرأ الآن . جيد, لكنه يكتب بشكل مطوٌل وبلا تواضع, وهناك الكثير من الادعاءات..). وجوابا على سؤال المخرج المسرحي الشهير نيميروفتش- دانجنكو عن رأيه برواية ( الجريمة والعقاب ) قال تشيخوف, انها لم تحدث لديه ( انطباعا كبيرا), وقد كان جواب تشيخوف صارما . وفي 30 كانون اول/ديسمبر من عام 1902 كتب تشيخوف الى محرر مجلة ( عالم الفن ) دياغيليف, وهي المجلة التي كانت تنشر طوال 1900- 1902 على صفحاتها اجزاء من كتاب ميرجكوفسكي ( الاديب والناقد المعروف في تاريخ الادب الروسي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, واحد ابرز شخصيات المدرسة الرمزية الروسية) الموسوم – ( تولستوي ودستويفكي), وهو كتاب نقدي كبير ويعد عملا متميزا في تاريخ النقد الادبي الروسي , كتب تشيخوف ما يأتي – ( ان الثقافة الحالية الان هي بداية عمل باسم المستقبل العظيم, عمل سوف يستمر لعدة عشرات آلاف السنين من اجل ان تعرف الانسانية في المستقبل البعيد حقيقة الرب الاصيل, دون ان تبحث عن ذلك في دستويفسكي,كي تعرفه بوضوح كما تعرف ان اثنين في اثنين تساوي اربعة).لقد كتب تشيخوف ذلك جوابا على ما كان يدعو اليه ميرجكوفسكي وبقية المناصرين للمدرسة الرمزية لتأليه دستويفسكي وعبادة شخصيته باعتباره (نبي الوعي الديني ) كما كانوا يطلقون عليه. ومن المناسب هنا الاشارة الى ان النقد الادبي في العصر الفضي ( اي عشرينيات القرن العشرين) كان يميل بشكل واضح الى جانب دستويفسكي ويفضلونه على تشيخوف, ومن بينهم ميرجكوفسكي نفسه وغيبيوس وأخماتوفا وصولا الى باسترناك ونابوكوف.
ومع كل ذلك, يؤكد الكثير من النقاد والباحثين في الادب الروسي , الى انه من الخطأ وضع دستويفسكي وتشيخوف كأديبين متضادين او مناقضين بعضهما للبعض , بل بالعكس, فانهم يعتبرون تشيخوف الوريث الشرعي لدستويفسكي , وانه استخدم هذا الميراث ليس كتلميذ يحاكي استاذه ويحاول ان يقلده, بل باعتباره فنانا حرا اصيلا, اي تعامل معه ابداعيا, ويشير هؤلاء النقاد الى قصة تشيخوف الموسومة – ( الراهب الاسود ), وهي قصة متميزة فعلا في مسيرة ابداع تشيخوف , ومليئة بالاجواء الدستويفسكية, وعدا تلك القصة, فانهم يؤكدون – وهم على حق – ان ابطال تشيخوف ايضا , مثل ابطال دستويفسكي  يبحثون عن ( الحقيقة الاصيلة) للحياة, والتي تكمن طبعا في ( الايمان ), وان الفرق بين دستويفسكي وتشيخوف هو ان ( الايمان) بالنسبة لدستويفسكي هو ايمان مسيحي ديني ليس الا, اما عند تشيخوف فانه اوسع بكثير وهو يكمن في حقيقة افكار الوجود الانساني واهدافه, اي ان ابطالهما يتوحدون في عملية البحث, الا انهم يتميزون في اساليب هذا البحث , اذ ان ابطال تشيخوف يبحثون عن اهداف العصر الحديث, عصر ما بعد دستويفسكي , العصر الذي لم يعد ملائما للانسان ان يبحث فيه عن ايمان يستند الى نصوص لا تتناغم ولا تنسجم مع متطلبات الانسان في العصر الحديث.
تشيخوف لا يقل عظمة عن دستويفسكي في طرح المشاكل الانسانية ومعاناة الروح الانسانية, ولكنه يعالجها باسلوبه الخاص به, باعتباره فنانا مختلفا عن دستويفسكي, ولهذا فان ابداعهما لا زال حيٌا ويثير الباحثين والقراء على حد سواء في داخل روسيا وخارجها ايضا, بما في ذلك عالمنا العربي.

805
الشاعرة الروسية المعاصرة فيرا بافلوفا..تعريف وقصائد
أ.د. ضياء نافع


ولدت فيرا بافلوفا في موسكو عام  1963 وتخرجت من كلية الدراسات الموسيقية , وكان اختصاصها – تاريخ الموسيقى, وحاولت – وباشراف وتأييد ورعاية من الموسيقار الارمني السوفيتي الشهير  آرام خاتشودريان- ان تكون ملحنة, ولكنها تركت الفكرة وبدأت بالعمل في متحف المغني الروسي الكبير شليابين , ثم بدأت بنشر مقالات في الموسيقى, وعملت حوالي عشر سنوات في فرقة انشاد كنائسية , وفي عام 1988 نشرت عدة قصائد في مجلة ( يونست)( الشباب), وهي مجلة واسعة الانتشار في الاتحاد السوفيتي في حينها, الا ان بدايتها الحقيقية في الشعر كانت في عام 1994 عندما نشرت جريدة ( اليوم ) 72 قصيدة لها , واصبحت (اسطورة) لدرجة ان الكثير من القراء لم يصدقوا ذلك. وهكذا استمرت بالنشر في مجلات ادبية معروفة ومركزية مثل مجلة ( نوفي مير ) ( العالم الجديد ) ومجلة (زناميا ) ( الراية) وغيرها, وصدرت مجموعتها الاولى عام 1997 وكانت بعنوان ( حيوان سمائي) , وتلتها مجاميع اخرى بلغت لحد الان 15 مجموعة شعرية.
تعد فيرا بافلوفا في الوقت الحاضر واحدة من الشاعرات الروسيات البارزات , وقد تم ترجمة قصائدها الى 21 لغة اجنبية, وحازت على عدة جوائز ادبية في روسيا, وكتبت عنها معظم المجلات والصحف الروسية الادبية باعتبارها ( شاعرة روسية ساطعة) كما اسماها الناقد غوبايلوفسكي في مجلة ( آريون ) الخاصة بالشعر المعاصر.
نقدم للقارئ فيما يأتي نماذج مختارة من قصائدها , والتي ترجمناها عن الروسية.
ض.ن.

التجاعيد

التجاعيد
حول الفم
حصرت الفم
بين قوسين.
التجاعيد
في زوايا العينين
حصرت العينين
بين قوسين.
التجاعيد
على الجبين
شطبت المكتوب
على الجبين.
+++++++++++++


التفاحة والحياة


ألتهم تفاحة
من تائها الى تائها
وقشرتها
وبذورها
ومؤخرتها..
ايتها الحياة
التهميني هكذا ايضا
ولا تبقي فيٌ
ايٌة بقية.
++++++++++++


الحب
 
الحب-
طائرة هيليكوبتر,
تنطلق رأسا,
وتهبط على الارض
متى تريد,
ولا تطير
الى بعيد..
+++++++++++

لست التي ينادونها


الشيوخ ينادونني-
ايتها الفتاة الصغيرة,
الرجال ينادونني-
ايتها الفتاة,
النساء ينادونني-
ايتها الامرأة,
الاطفال ينادونني-
ماما,
 والتفت أنا
اليهم,
 وافهم
باني لست التي
ينادونها...
++++++++++++


الاكثر روعة


-ما هو الاكثر روعة
من كتفيك؟
-ما أمام كتفي,
-والاروع من (ما امام) كتفيك؟
-راحة يدي,
-والاروع من راحة يدك؟
-اصابعي,
-والاروع من اصابعك؟
-اصابعك
وهي تضغط
على اصابعي,
وعلى راحة يدي,
وعلى
(ما امام) كتفي..
آه
ضعني مثل الخاتم
على نهاية كل اصبع
من اصابع
يديك.

كل القصائد في الاصل بلا عناوين, والعناوين هنا من وضعنا.
ض.ن.

806
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (27)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة السابعة والعشرون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية . ض.ن.
 الترجمة الحرفية -  قوة المرأة في ضعفها.
التعليق – يوجد هذا المثل - بشكل او بآخر- عند الكثير من الشعوب , ويضرب للتأكيد على قوة المرأة وسلطتها في المجتمع الانساني . توجد بالعربية امثال كثيرة حول ذلك , منها – تتسلط المرأة بدموعها وضعفها // النساء يحملن سيوفهن في أفواههن ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحب لايعرف القانون ولا يعدٌ السنين .
 التعليق – معنى هذا المثل الروسي واضح تماما , ويتناغم مع كل المجتمعات الاخرى في كل زمان ومكان . يوجد مثل بالعربية في هذا المعنى , وهو – الحب سلطان ولذلك فهو فوق القانون .
+++++
الترجمة الحرفية – كل شئ يجري , وكل شئ يتغير .
التعليق – هذا مثل عالمي يضرب  حول طبيعة الحياة ومسيرتها . توجد بالعربية العديد من الامثال المشابهة , منها -  دوام الحال من المحال // كل حال يزول// ولا تجزع لحادثة الليالي     فما لحوادث الدنيا بقاء ...
+++++
الترجمة الحرفية – خرج جافا من الماء .
التعليق –  يضرب للانسان  الذي يتمكن من الخروج سالما من كل مشكلة ( كالشعرة من العجين ) , كما يصف المثل العربي تلك الحالة . الصورة الفنية للمثل الروسي طريفة طبعا – (جاف يخرج من الماء ).
+++++
الترجمة الحرفية – السقوط مؤلم من مكان مرتفع .
التعليق –  يضرب بالاساس  للناس المرموقين في المجتمع عندما يتم تنحيتهم او ازاحتهم من اماكنهم ومواقعهم البارزة , وهم كثيرون في مجتمعاتنا العربية .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتصارع مع القوي , ولا تتحاكم مع الغني.
التعليق –  يضرب لتحذير الانسان من الصراع مع الاقوياء والاغنياء لأن النتيجة ستكون في صالحهم بغض النظر عن القوانين و العدالة . يوجد مثل باللهجة العراقية يتناغم مع هذا المثل الروسي وهو  - الما تلاويه سايسه وداريه.
+++++
الترجمة الحرفية – لن تسبق ظلك .
التعليق – يضرب في عدم امكانية الانسان تغيير الوقائع الثابتة في  طبيعة الحياة , وبالتالي يجب عليه الخضوع التام لمنطق تلك الوقائع  وقوانينها واحكامها .
+++++
الترجمة الحرفية – يحتاج الفقير الى الكثير , ويحتاج البخيل الى كل شئ .
التعليق – يضرب لشجب جشع البخيل مقارنة بتواضع الفقير . يوجد مثل بالعربية  قريب من هذا المعنى ( وربما أكثر دقٌة ) وهو – الفقير يقنع بقليله والبخيل ما يقنع بكثيره.
+++++
الترجمة الحرفية – كل واحد ينظر , لكن ليس كل واحد يرى .
التعليق –  يضرب للتمييز بين البصر والبصيرة , اذ هناك فرق كبير بين من ينظر ليس الا, وبين من يرى الاشياء بدقة وعمق وبصيرة.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتهم المرآة اذا كان الوجه مشوٌها.
التعليق –  يضرب للبحث عن جذر المشكلة وليس عن انعكاسها او ايجاد تبرير لها , وهو مثل فلسفي عميق .
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب الجوعان أقوى من الكلب الشبعان .
التعليق –  الجوع كافر, كما يقول المثل العربي الشهير , ويمنح الجوع قوة هائلة للجائع ,وهناك امثال حول الجوع عند مختلف الشعوب , ومنها المثل العربي – أجوع من ذئب .
+++++
الترجمة الحرفية – أعمال صغيرة أفضل من عطالة كبيرة .
التعليق – يضرب للتأكيد على ان البطالة وعدم ممارسة اي عمل هو شئ سئ جدا للانسان , وانه من الضروري الاقرار بنسبية ألاشياء والظواهر في المجتمع الانساني.
+++++
الترجمة الحرفية – النهاية تاج لكل عمل .
التعليق – يضرب لاهمية وصول العمل الى نهايته . يترجم جابر هذا المثل في قاموسه هكذا - تاج العمل نهايته , وهي ترجمة صحيحة طبعا ولكنها تكاد ان تكون حرفية . يوجد مثل عربي شهير في هذا المعنى وقد سبق لنا ان أشرنا اليه في هذه السلسلة من المقالات  وهو – الامور بخواتمها.
+++++
الترجمة الحرفية – مجانا والخل حلو .
التعليق –  يضرب في ان  الانسان يتقبل دائما - وبرحابة صدر - كل الاشياء التي يحصل عليها دون ثمن , بل ويعتبرها حتى افضل وأحسن مما هي في الواقع .  هذا المثل عالمي , وقد استقر بالعربية ايضا و كما يأتي  -
الخل البلاش احلى من العسل.


807
أدب / تقاسيم موسيقية
« في: 02:55 06/12/2015  »

تقاسيم موسيقية


قصيدة من جزر الرأس ألاخضر للشاعر جورجي باربوزا
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

 
يتلامع المصباح النفطي
والاضواء
باهتة صفراء
وفي الزوايا
ظلال سوداء..
جزيرتي صغيرة
والليل طويل
والليل طويل.

***

تتنزه الرياح
في الشوارع
وعبر الشقوق القديمة
تمرٌ أغانيها الحزينة..
جزيرتي صغيرة
والليل طويل
والليل طويل.

***

الورق أمامي
والهدوء
يتأزم
انه يتنبأ
بميلاد قصيدة..
جزيرتي صغيرة
والليل طويل
والليل طويل.

808
لوناتشارسكي- الفيلسوف والاديب والوزير
أ.د. ضياء نافع
اناتولي فاسيليفيتش لوناتشارسكي ولد عام 1875 في الامبراطورية الروسية  وتوفي عام 1933 في فرنسا  , وهو اول وزير سوفيتي للتعليم عام 1917 ( كانوا يسمون الوزراء في الدولة السوفيتية الناشئة آنذاك – مفوضي الشعب ) وكان واقعيا مسؤول التعليم والثقافة معا .
 كان لوناتشارسكي ثوريا وفيلسوفا و كاتبا مسرحيا ومترجما وصحفيا وناقدا ادبيا و متخصصا في شؤون الفن ...الخ , وكان يتقن بشكل ممتاز عدة لغات اجنبية منها الالمانية والفرنسية والانكليزية , وباختصار كان مثقفا كبيرا ومتميزا فعلا في تلك المرحلة الاسثنائية والصعبة جدا من تاريخ روسيا في بداية القرن العشرين , ونحاول في مقالتنا هذه ان نرسم صورة قلمية تخطيطية اولية ليس الا , ولكنها موضوعية – من وجهة نظرنا -  لهذه الشخصية السياسية والثقافية الروسية الكبيرة والتي أدٌت دورا كبيرا في مسيرة الاحداث آنذاك , وبالتالي نحاول الاجابة عن سؤال – لماذا يعتبرون لوناتشارسكي شخصية فكرية مهمة وحيوية وكأنها لا تزال  تتفاعل مع متطلبات الحياة لحد اليوم ؟ ولماذا قال عنه الكاتب الفرنسي الكبير رومان رولان هذه الكلمات  – ( كم كنت ارغب ان يكون في فرنسا شخص مثل لوناتشارسكي , وبهذه المفاهيم وهذا الاخلاص وهذا الوضوح في مجالات السياسة والفن .. ).
سافر لوناتشارسكي - بعد الانتهاء من دراسته في المدرسة بمدينة كييف – الى سويسرا عام 1895 والتحق هناك بجامعة زوريخ لدراسة الفلسفة , وحاول ان يجد الجواب الفكري والمقنع - في اثناء دراسته تلك - عن العلاقة الفلسفية بين الدين والاشتراكية , خصوصا وانه انتمى – وبشكل سري -  عام 1892 (عندما كان تلميذا في المدرسة بمدينة كييف) الى منظمة ماركسية . لقد حاول ان يحقق – بشكل او بآخر - فكرته الاساسية آنذاك وهي ربط الفلسفة المادية بالاحلام والافكار الدينية المثالية , ولكنه لم يستطع تحقيق ذلك , واقترب بالتدريج من جماعة بليخانوف الاشتراكية وتنظيمهم الذي كان يسمى  – ( تحرير العمل ) , وسافر الى ايطاليا وفرنسا بين عامي 1896 و 1898 , ثم عاد الى موسكو وبدأ بممارسة العمل الثوري مع  تنظيمات الماركسيين , و تم اعتقاله وسجنه ونفيه , وبعد انتهاء فترة النفي يعود الى جنيف عام 1904 ويبدأ بالعمل في هيئة تحرير جرائد ( البلاشفة )  بعد الانشقاق المعروف تاريخيا في صفوف الحزب , ويصبح واحدا من قادتهم جنبا لجنب مع لينين وبغدانوف , وخصوصا في صراعهم مع ( المناشفة ) , ويعود الى روسيا عام 1905 لمساندة  الثورة الروسية الاولى , ويتعرض للاعتقال ولكنه يستطيع ان يهرب ويعود الى الخارج ( بين فرنسا وسويسرا ) , وبعد فشل تلك الثورة, يبدأ الصراع الداخلي العنيف في تنظيمات الحزب , فيقف لوناتشارسكي ضد لينين , ويبقى في صفوف اليسار المتطرف الى حين ثورة اكتوبر 1917 , ويعود الى روسيا في مايس / مايو عام 1917 ويساهم في الحركات السياسية الصاخبة والمتشابكة آنذاك , ويصبح عضوا في هيئة تحرير جريدة مكسيم غوركي – ( الحياة الجديدة ) , ثم يصبح وزيرا ( مفوض الشعب ) في اول هيئة سوفيتية حاكمة في روسيا بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 وبتأييد كبير من لينين نفسه , وقد اعترف جميع قادة تلك الثورة ( بما فيهم تروتسكي الذي كان أبرز الاسماء بعد وفاة لينين عام 1924 )  بدور لوناتشارسكي باسناد الثورة والحصول على تأييد المثقفين الروس بشكل عام لها , وتم اعفاء لوناتشارسكي من منصبه بعد 12 سنة من العمل في صفوف الحكومة السوفيتية , اي في  عام 1929 , و اصبح رئيس اللجنة العلمية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي وعضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية  ومشرفا على شؤون الادب والفن فيها  ومحررا في الموسوعة الادبية . وفي عام 1933 ارسلته الحكومة السوفيتية الى اسبانيا مندوبا للاتحاد السوفيتي , وفي شهركانون الاول / ديسمبر عام 1933 توفي وهو في طريقه من اسبانيا الى المصح الفرنسي مينتون عن عمر يناهز الثامنة والخمسين ليس الا , وقد تم دفن رماد جثمانه – كما كانت العادة المتبٌعة في حينها -  في جدار الكرملين بموسكو مثل بقية القادة السوفيت الراحلين آنذاك  .
ابتدأ لوناتشارسكي باصدار مؤلفاته منذ عام  1905 والى تاريخ رحيله عام 1933, ونقدم فيما يأتي قائمة بعناوين تلك الكتب التي صدرت له خلال تلك الفترة , وهي – حسب علمنا المتواضع – تنشر كاملة ومسلسلة على وفق تاريخ صدورها لاول مرة باللغة العربية , وتبين هذه القائمة المدى الفكري الواسع لنشاطاته الفلسفية والادبية والسياسية , ولا نستطيع في اطار هذه المقالة طبعا ان نتناول مضامين هذه الكتب , ولكننا نرى ان عناوينها يمكن ان ترسم للقارئ صورة تقريبية وعامة حول تلك المضامين و اهمية هذه المؤلفات وقيمتها في مسيرة الفكر الروسي وتاريخه. 
1-    دراسات  نقدية وجدلية . موسكو . 1905 / 2 – الحلاٌق الملكي . بيتربورغ . 1906 / 3 – صدى الحياة . بيتربورغ . 1906 . / 4 – خمس مسرحيات هزلية للهواة . بيتربورغ . 1907 / 5 – افكار مقنٌعة . موسكو . 1912 / 6 – المهمات الثقافية للطبقة العاملة . بيتروغراد . 1917 / 7 – راديشيف – اول رسول وشهيد للثورة . بيتروغراد .  1918 / 10 – فاسيليسا الحكيمة . بيتروغراد . 1920 / 11 – ايفان في الجنة . موسكو . 1920 / 12 – اوليفر كرومفل – ميلودراما تاريخية . موسكو . 1920 / 13 – فاوست والمدينة . موسكو . 1921 / 14 -  الاغواء . موسكو . 1922 / 15 – دون كيخوته الذي تحرر . موسكو . 1922 / 16 – دراسات نقدية . موسكو . 1922 / 17 – نتاجات مسرحية . الجزء الاول والجزء الثاني . موسكو . 1923 / 18 -  اسس علم الجمال الايجابي . موسكو . 1923 / 19 –  الفن والثورة . موسكو . 1924 / 20 – تاريخ أدب أوربا ألغربية في مواقفه المهمة . موسكو . 1924 / 21 – لينين . موسكو . 1924 / 22 – عرس الدببة . موسكو . 1924 / 23 – مضرم النار . موسكو . 1924 / 24 – المسرح والثورة . موسكو . 1924 / 25 – تولستوي وماركس . لينينغراد . 1924 / 26 – صور خيالية ادبية . لينينغراد . 1925 / 27 – دراسات نقدية . لينينغراد . 1925 . / 28 – مصائر الادب الروسي . لينينغراد . 1925 / 29 – دراسات نقدية . ( في أدب أوربا الغربية ) . موسكو . 1925 / 30 – السم . موسكو . 1926 / 31 – في الغرب . موسكو – لينينيغراد . 1927 / 32 – تشرنيشيفسكي . مقالات . موسكو – لينينغراد . 1928 / 33 – عن تولستوي . مجموعة مقالات . موسكو – لينينغراد . 1928 / 34 – شخصية المسيح في العلم والادب المعاصر . ( عن المسيح لهنري باربوس ) . 1929 / 35 – عن الكساندر فيديفسكي . خلاصات مناقشة . موسكو – لينينغراد 1929 / 36 – مكسيم غوركي . موسكو – لينينغراد . 1929 / 37 – سبينوزا والبرجوازية . موسكو – لينينغراد . 1933 / 38 – الدين والتربية . موسكو – لينينغراد . 1933 / 39 – عن الحياة . الشباب ونظرية قدح الماء . موسكو . 1933 /  , علما ان هناك مؤلفات اخرى له , وقد أطلعت على قائمة لكتبه العديدة التي تم سحبها من المكتبات العامة السوفيتية عام 1961 نتيجة الموقف السياسي والفكري  الذي كان سائدا آنذاك في الاتحاد السوفيتي , والتي لم ترغب السلطة السوفيتية عندها ان يطلع القراء عليها حول بعض الشخصيات السوفيتية والاحداث التي ارتبطت بها في تلك الفترة ورأي لوناتشارسكي حول كل ذلك, وهي ظاهرة غالبا ما كانت تتكرر في الاتحاد السوفيتي آنذاك مع الاسف.
ختاما لهذه الملاحظات حول لوناتشارسكي , نود ان نشير الى ان المؤسسة الاكاديمية الشهيرة للفنون المسرحية في روسيا ومنذ عام  1934 ولحد الان  ترتبط باسمه, والتي تسمى في الوقت الحاضر ب (جامعة لوناتشارسكي الروسية للفنون المسرحية  – غيتيس ) , وهي المؤسسة الاكاديمية الشهيرة التي تخرج فيها مجموعة من الفنانين المسرحيين العراقيين الكبار و في مقدمتهم الفنان المسرحي الكبير المرحوم قاسم محمد ( انظر مقالتنا بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو ( 11) ).
 



809
الشاعر بولات أكودجافا ...تعريف وقصائد
أ.د. ضياء نافع

ولد الشاعر السوفيتي بولات اكودجافا في موسكو عام 1924 من أب جورجي وام ارمنية , ونتيجة للقمع الستاليني فقد والديه , اذ تم اعدام والده عام 1937 واعتقال والدته وابعادها الى المنفى , وهكذا وجد الصبي بولات نفسه وحيدا , وكان عمره آنذاك ثلاث عشرة سنة ليس الا, وهو يحمل وصمة ( ابن عدو الشعب ).
انتقل الى جورجيا للعيش عند اقارب والده, وعندما بدأت الحرب العالمية الثانية ( التي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى ) عام 1941 تطوع بولات محاربا, وخدم في صفوف الجيش السوفيتي بجبهة شمال القوقاز,واصيب بجروح, واستمر في خدمته العسكرية الى حين انتهاء الحرب عام 1945, وعاد الى مدينة تبليسي – عاصمة جمهورية جورجيا, والتحق بالجامعة , ودرس في قسم اللغة الروسية وآدابها بكلية الاداب من العام 1945 الى العام 1950, وتخرٌج, وتم تعينه مدرسا للغة الروسية, وبدأ بنشر قصائده في الصحف هناك .
بعد وفاة ستالين عام 1953, ومجئ خروشوف الى السلطة, اصبحت الظروف ملائمة لظهور اجواء ثقافية جديدة ( اطلقوا عليها فيما بعد  مرحلة ذوبان الجليد ), ولعل ابرز انعكاساتها هو ظاهرة الشعر الوجداني الغنائي,وهكذا تميز بولات اكودجافا الذي كان يكتب الشعر ويغنيه بنفسه وهو يعزف على الغيتار في اطار لحن بسيط وهادئ وفي غاية الجمال. لقد رفض اكودجافا ان يسموه مغنيا, وكان يؤكد دائما انه شاعرليس الا,شاعر يلقي قصائده بهذه الطريقة الفنية المدهشة الجمال, وهكذا وصل شعره الى الناس بشكل مباشر,لان هذا الشعر كان شفافا ورمزيا و واضحا وساخرا ومرحا ويعبٌر عن كل معاناة الناس واحاسيسهم وحياتهم الصعبة المريرة, ويؤكد على الحالات الانسانية العامة لكل شخص.
ورغم المنع الذي مارسته السلطات الرسمية  في ستينيات القرن العشرين, فان شهرة اكودجافا استمرت بالانتشار بين الناس, وأذكر باني كنت طالبا عندها في جامعة موسكو, وشاهدت كيف ان الطلبة الروس كانوا يغنون اغانيه بشكل جماعي ,ويحفظون اشعاره ويلقونها وينشدونها بكل حماس وحب في سفراتهم وحفلاتهم بالاقسام الداخلية , وبالتدريج , اضطرت السلطات الرسمية الى الاعتراف بفنه , وأخذ نجمه بالتألق والسطوع, وبالتالي صدرت له عدة مجاميع شعرية , ثم بدأ بالمشاركة في المهرجانات الشعرية الغنائية داخل الاتحاد السوفيتي وخارجه ( حضرت شخصيا حفلة اقيمت له في قسم اللغة الروسية وادابها في جامعة باريس نهاية ستينيات القرن الماضي , عندما كنت  طالب دراسات عليا هناك, وقد استقبلته القاعة بعاصفة من التصفيق ).
وهكذا اصبح اكودجافا واحدا من الاسماء اللامعة في دنيا الادب الروسي في القرن العشرين , وساهم في كتابة سيناريو لعدة افلام سينمائية وتمت ترجمة مجاميع كثيرة من دواوينه الى عدة لغات اجنبية, واقيم له  فيما بعد تمثالا في شارع أربات الشهير بموسكو, وهو الشارع الذي عاش فيه وتغنى به وكتب عدة قصائد عنه ,ويجتمع لحد الان محبيه عند هذا التمثال ويعزفون على الغيتار ويغنون اغانيه ويلقون اشعاره .
توفي بولات اكودجافا عام 1997, ولا زالت الاوساط الادبية والفنية الروسية تحتفل بذكراه في الصحف والاصدارات والندوات التلفزيونية, وتحول بيته الصيفي في ضواحي موسكو الى متحف جميل يزوره الكثيرون من المعجبين وتجري هناك فعاليات فنية ونشاطات ادبية متنوعة ,حيث تصدح قصائده واغانيه.
++++++++++++++++++++++++++++++++++

نماذج من قصائده
+++++++++++++++++




جندي من ورق
مقاطع

جندي ...
جميل وجرئ,
لعبة أطفال
من ورق.
كان يريد
بناء العالم...
من أجل
سعادة العالم,
لكنه
بالخيط كان معلقا,
لأنه
جندي من ورق.
كان يقفز فرحا
ومرحا
امام النيران
والدخان,
وكان مستعدا
للموت من اجلكم,
لكنكم
تسخرون منه,
اذ انه
جندي من ورق.
به لا تثقون
واسراركم عنه تحجبون,
لماذا؟
لانه
جندي من ورق.
ولاعنا مصيره
ورافضا حياته...
أمر باطلاق النار,
ناسيا
انه
جندي من ورق.
النار؟؟؟
حسنا,
هيا الى النار,
وهناك
من اجل لاشئ
احترق,
لانه
كان
جنديا
من ورق...







انشودة صغيرة عن مترو موسكو
قفوا يمينا وسيروا يسارا.
من تعليمات مترو موسكو


لا ازدحام ابدا
في متروي
لانه
ومنذ طفولتي
مثل اغنيتي –
قفوا يمينا
وسيروا يسارا...
+++++
نظام سرمدي,
نظام مقدسي-
هؤلاء
الذين يقفون
يمينا,
يقفون, يقفون...
اما اولئك الذين
يسيرون,
فيسارا
يسيرون...




ترنيمة صغيرة عن شارع أربات

مقاطع

انت تجري , مثل النهر..
وشفاف هو الاسفلت
مثل الماء في نهر..
آه,أربات,
يا ارباتي
انت رسالتي
وسعادتي
ومأسآتي.
+++++
مشاتك
ليسوا عظماء,
انهم يدكون الاسفلت
بكعوب احذيتهم
وهم يسرعون الى عملهم..
آه, اربات,
يا ارباتي,
انت ديني
وايماني.
+++++
...من حبك
لا يمكن لي
ان أشفى
ابدا,
رغم اني
أعشق
اربعين الفا
من الارصفة الاخرى...
آه,اربات,
يا ارباتي
انت وطني,
انت بلادي..



ملك الحيوانات

هل الاسد
ملك الحيوانات؟
-كلا,
الانسان
ملك الحيوانات,
اذ هو الذي
يخرج صباحا
من بيته..
وينظر حوله,
ويرتعد
امامه
الكون كله.

810
راسكولنكوف- بطل رواية دستويفسكي
الجريمة والعقاب
أ.د. ضياء نافع


يصيغ دستويفسكي اسم بطل روايته- ( الجريمة والعقاب ) من المفردة الروسية – ( روسكول ) ومعناها – انشقاق , والفعل هو شق/ فلق/ فلع / تصدع,  و تعني المفردة هذه تاريخيا ايضا انشقاق ديني حدث في الكنيسة الروسية في القرن السابع عشر, والصفة من هذه المفردة هي – انشقاقي, انتهازي. يفهم القارئ الروسي ذلك رأسا بالطبع, اما القارئ غير الروسي فانه لا يستوعب – للوهلة الاولى-  تلك الصفة التي اطلقها دستويفسكي على بطله. وهكذا نرى هذا البطل الذي يحمل اسم راسكولنكوف في وضع فلسفي معقد تماما. البطل ال( راسكولنكوفي) هذا لا يعرف كيف يتصرف بين ايمانه المطلق بافكاره التي ادت به الى تنفيذ جريمته, وبين الخلاص من ذلك الضغط الهائل والفظيع, الذي يشكله تسلط الافكار على الانسان لدرجة لا يستطيع معها التحرر من تلك السيطرة . لقد عانى دستويفسكي نفسه من هذا الضغط الفكري , عندما كان في شبابه عضوا في خلية اشتراكية تؤمن بالاشتراكية الطوباوية, وهي خلية  بيتروشيفسكي, التي تنطلق من افكار سان سيمون الاشتراكي الفرنسي الطوباوي, والتي تدعو الى التغيير القسري للمجتمع باسم تحقيق العدالة المطلقة على الارض. وهكذا هو حال راسكولنكوف, الذي يؤمن بالنظرية الفكرية التي تبرر كل شئ من اجل المثل العليا للمجتمع, والذي اصبح (كما هو حال دستويفسكي) ضحية لايمانه بتلك الافكار.ولهذا ليس من الصحيح بتاتا الفصل بين مؤلف رواية – الجريمة والعقاب دستويفسكي وبين بطل روايته راسكولنكوف.
يقارن بطل الرواية نفسه بنابليون, اي انه يضع نفسه اعلى من البشر جميعا, وهكذا يتصرف وينفذ جريمته من هذا المنطلق,ولكن دستويفسكي كان آنذاك رجلا متدينا بعمق, وبالتالي,  فان جوهر الحياة الانسانية بالنسبة له تكمن في تطبيق المثل الدينية والتي تؤكد على النقاء الروحي والحب المطلق للرب ولكل البشر الذين خلقهم ,ولهذا فان جريمة القتل التي ارتكبها راسكولنكوف هي خرق هائل ورهيب للقيم الاخلاقية الدينية التي يؤمن بها دستويفسكي,اي ان هذه الجريمة قبل كل شئ جريمة اخلاقية قبل ان تكون جريمة يعاقب عليها القانون, جريمة يعاقب عليها الرب وتعاليمه الاخلاقية قبل ان يعاقب عليها القانون الوضعي للبشر,لانها تجسد قبل كل شئ خرقا للتعاليم السماوية كلها, والتي تمنع مبدأ قتل النفس الانسانية.
ويذهب راسكولنكوف ابعد من ذلك , اذ انه يبدأ بالافتخار بجريمته, ويبرر احتقاره للناس انطلاقا من ايمانه ب ( تنقية المجتمع الانساني ) من تلك العناصر بواسطة قتلهم وتدميرهم . ان قتل العجوز المرابية بالنسبة له ليس سوى تطبيقا عمليا للنظرية الكارثية التي يؤمن بها .
يطرح دستويفسكي في روايته هذه فكرته الاساسية والرئيسية والتي تكمن ببساطة في ان الانسان لا يمكن ان يعلو فوق ارادة الرب مهما بلغ من علو وسمو بين البشر, ولا يتحدث دستويفسكي عن ذلك الطرح الفلسفي العميق بشكل مباشر وبطريقة القاء الوعظ, وانما عن طريق الغور في اعماق راسكولنكوف وافكاره, وصولا الى التفاصيل الصغيرة جدا,ويعرض كيف انه , انطلاقا من شعار ( الغاية تبرر الواسطة ) يرى ان قتل العجوز هو عمل يهدف الى اهداف سامية ونبيلة, وهي تخليص الكثيرين من المدينين لها من عذاباتهم ومعاناتهم, وان العجوز المرابية تلك هي انسان مقرف ولا يحتاجها احد,وان هذا على ما يبدو لراسكولنكوف يكفي لتبرير قتلها, وبما انه انسان يقف اعلى من الاخرين, وانه اعظم من الاخرين, فانه يمتلك الحق ان يحدد قوانين المجتمع , التي تبدو له غير عادلة, وبالتالي, فانه يملك الحق بتخليص المجتمع من تلك العناصر, اي قتلهم.
دستويفسكي لا يتفق بالطبع مع هذه الافكار, ومع ذلك فانه يتحدث عنها بقوة وموضوعية كما يراها بطل روايته,ويبدأ بالتدريج بعرضها وتحليلها ويجعلها تصطدم بالواقع الانساني, ولهذا فانه خصص الجزء الاول من الرواية للجريمة اما بقية الاجزاء الاخرى فتناول فيها قضية العقاب, لان تنفيذ الجريمة اسهل كثيرا من تبريرها امام المجتمع, والقاعدة معروفة طبعا, فالتدمير دائما اسهل من البناء.
من الضروري التوقف هنا عند مسألة مهمة جدا وهي خصائص راسكولنكوف وطبيعته التي اضفاها دستويفسكي عليه,اذ انه انسان طيب ورقيق وحساس جدا, لكن عمله ذاك لا ينطلق من تلك الصفات والخواص وانما من نظريته غير الانسانية التي كان يؤمن بها بشكل مطلق,والتي كان عبدا لها ليس الا. ولهذا , فان العقاب كان صعبا جدا له. انه لشئ رهيب جدا لتلك الروح الرقيقة المجروحة ان يشعر بانه , كما عبٌر هو نفسه (مقطوع بالسكين )عن الناس, وحتى عن هؤلاء القريبين منه والمحبين له.
كيف يمكن لانسان مثل راسكولنكوف ان يصل الى قناعة بخطأ نظريته؟ والجواب عن هذا السؤال واضح- هكذا , مثل دستويفسكي نفسه, اي عبر طريق المعاناة والعذابات , ومن ثمٌ – العودة الى الايمان. يقول المحقق في الرواية جملة اصبحت شهيرة وهي – المعاناة شئ عظيم.وهذا ما اراد دستويفسكي ان يقوله لنا, وهو ان الانسان يستطيع ان يصبح نقيا وطاهرا بواسطة المعاناة, ولهذا أجبر الكاتب بطله في البداية ان يتخطى المفاهيم الدينية وتعاليمها ,  ويتصرف وفق افكار يؤمن بها بشكل مطلق , وبعدئذ يبدأ بالشعور بالذنب, ومن جديد يعود – وبالتدريج – الى منابع تلك الافكار الاخلاقية السماوية, ولا يستخدم دستويفسكي مبدأ القسوة تجاه بطله من اجل اجباره على تلك العودة, ولكنه يجعله يتعذب عذابا هائلا, ويصل نتيجة هذا العذاب وهذه المعاناة الى انبعاث شعور العودة الى الحياة الانسانية الحقيقية. ان ارادة دستويفسكي  الفلسفية وافكاره الانسانية في رواية ( الجريمة والعقاب ) تعبر عنها بلا ادنى شك البطلة سونيا مارميلادفا, اذ يجعلها الكاتب تجسد مفهوم الخشوع والتضحية بالنفس , والتي كان دستويفسكي يؤمن بها. لم تكن سونيا تنطلق بتاتا من النظريات ولا من الافكار ولا من الخلاصات العقلانية والمنطقية, وانما كانت تنطلق فقط من الحب والايمان العميق تجاه الاخرين, وبالذات تجاه الاقربين من الناس. لقد كانت تحمل في اعماقها – ومنذ البداية – تلك الحقيقة الساطعة, التي يصل اليها راسكولنكوف بعد معاناة رهيبة وطويلة جدا. ان كل ما تقوله سونيا لراسكولنكوف في الواقع هو ما كان يريد ان يقوله دستويفسكي نفسه, اي ان الكاتب كان واقعيا وبشكل دائم موجودا جنبا لجنب مع بطله راسكولنكوف , ولكنه كان موضوعيا ومنطقيا وعادلا,لهذا فانه لم يتدخل بشكل مباشر بمصيره ولم يحاول ان يخفف من معاناته, لانه اراد ان يبرهن – وهذا مهم جدا بالنسبة له – ان راسكولنكوف وصل بنفسه وبقناعته الى هذه النتيجة وفهم واستوعب خطأ نظريته وتوهماته الفكرية, وانه بدأ يصدق ويتقبل كل هذه الاستنتاجات, اما سونيا فانها كانت تعاونه على استيعاب ذلك عن طريق سموها الروحي وطيبتها الصادقة المطلقة , وبالطبع عن طريق حبها له. كل هذه العوامل والعناصر عرضها دستويفسكي بمنطقية رائعة, وهي التي ادٌت الى اقتناع راسكولنكوف ( والقارئ بالتالي ) الى ان طريق الانبعاث الروحي الذي وصل اليه راسكولنكوف كان طريقا صحيحا وصائبا, وعندما يفتتح دستويفسكي امام بطله الطريق نحو الحياة الجديدة والحقيقية , فانه يؤكد نظرته الفكرية والتي تبين ان الوصول الى ذلك يجب ان يمر عبر مسيرة الالآم الرهيبة والمعاناة القاسية.
لماذا تبدو لنا الرواية بهذا الشكل المدهش والرائع, ولماذا نتعاطف معها ؟ الجواب ببساطة – لأن الكاتب كان الى جانب الحقيقة الحياتية, ولانه كان ينطلق من حبه لراسكولنكوف, الذي يجسد افكاره ويعبر عنها.لقد وصف دستويفسكي لنا كل طريقه في الحياة, وكيف كان يعاني من ضغط الافكار عليه وعبوديته لها, وكيف تحرر من هذه العبودية, وكيف وصل الى الحب والطمأنينة الروحية عبر الاعتراف بذنبه رغم كل المعاناة والعذابات. 

811
من المعجم الروسي – العربي للأمثال الروسية (26)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة السادسة والعشرون من سلسلة مقالاتي حول الأمثال الروسية . ض.ن.
 الترجمة الحرفية – لا علم دون معاناة.
التعليق –  يشير المثل العربي الى ان – ( العلم يؤتى ولا يأتي ) , ويشير المثل العربي الآخر الى ان – ( من طلب المعالي سهر الليالي ) ,  و في هذا المعنى يصب المثل الروسي ايضا , والذي يضرب للتأكيد على انه لا يمكن  الوصول الى المعرفة دون جهود ومعاناة. يمكن لنا ,  ان نستشهد هنا ببيت شعر ذهب مثلا في هذا المعنى ايضا وهو –
ومن طلب العلا من غير كد    أضاع العمر في طلب المحال. 
+++++
الترجمة الحرفية – الحرص جيد , و البخل سئ .
التعليق – يضرب لضرورة التمييز الدقيق  بين ظاهرتين في المجتمع الانساني , وهما - الحرص والبخل والفرق الشاسع والهائل بينهما , رغم انهما يقتربان من بعضهما البعض . توجد بالعربية امثال كثيرة تتناغم مع الجزء الاٌول من هذا المثل الروسي , ومنها -  التدبير نصف المعيشة, وكذلك توجد امثال حول شجب البخل , وقد سبق لنا ان أشرنا الى بعضها , ومنها – أذلٌ البخل أعناق الرجال , أغنى ألاغنياء من لم يكن للبخل أسيرا...
+++++
الترجمة الحرفية –      الثرثار – لٌقطة للجاسوس .
التعليق – يضرب لشجب الثرثرة وخطورتها الكارثية بعض الاحيان , خصوصا عندما تحدث امام اناس يستغلونها لاهدافهم الرديئة واللئيمة .
+++++
الترجمة الحرفية – اللحية لا تصنع فيلسوفا .
التعليق –  المعنى واضح في هذا المثل الطريف, وهو  يتناول هؤلاء الذين يحاولون التباهي شكلا- دون مضمون طبعا - بالمعرفة .  يؤكد هذا المثل ,  في ان المعرفة لا ترتبط بشكل الانسان ومظهره . لنتذكر المثل العربي المعروف بكل لهجاتنا وهو ( باللهجة العراقية ) -  الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة.
+++++
الترجمة الحرفية – الورقة تتحمل كل شئ .
التعليق – يضرب للسخرية مما يكتب البعض وينشر من افكار و آراء بعيدة عن الواقع  وعن التفكير الموضوعي السليم .  يوجد مثل باللهجة العراقية (ومن المحتمل باللهجات العربية الاخرى) في هذا المعنى وهو - حجي جرايد ( حجي – كلام).
+++++
الترجمة الحرفية – في البيت حتى الجدران تساعد.
التعليق – يضرب في ان الشخص في بيته يستطيع بهدوء ان يعيش و يفكر ويتصرف ...الخ . يترجم جابر هذا المثل الروسي في قاموسه هكذا - الانسان في مكانه عزيز  //  كل انسان في بيته سلطان , وهي ترجمة تفسيرية صحيحة .
+++++
الترجمة الحرفية-  كن في البيت رب بيت.
التعليق – يضرب للتأكيد على ان رب البيت يجب ان يكون الرأس المدبٌر لشؤون البيت , والا فان الامور تفلت . يوجد باللهجة العراقية تعبيرحول ذلك وهو , ان رب البيت يجب الا يكون - ( خركه ).
+++++
الترجمة الحرفية – في كل نكتة يوجد جزء من الحقيقة.
التعليق –  لا تنفصم النكتة عن واقع حياة الانسان , ولهذا جاء هذا المثل الروسي و العالمي طبعا . يوجد مثل باللهجة العراقية في هذا المعنى وهو - بالشقه وغل ايدك , ( الشقه – المزاح  / غلٌ اليد – اي شدد وبقسوة على ما تريد ان تقوله للمقابل من آراء)
+++++
الترجمة الحرفية – في العتمة كل القطط رمادية .
التعليق –  يضرب في ان وجهات النظرالمتنوعة والصفات المختلفة للاشياء والظواهر تتلاشى عند عدم وضوح الرؤية , وهو  مثل فلسفي بكل معنى الكلمة  .
+++++
الترجمة الحرفية – بعض الاحيان والاحمق يتكلم بذكاء.
التعليق – يضرب لضرورة الاستماع الى كل الاجتهادات والآراء قبل اتخاذ القرار النهائي . يوجد مثل عربي في هذا المعنى وهو -  خذوا الحكمة من افواه المجانين ( وفي مصادر اخرى – من افواه البسطاء).
+++++
الترجمة الحرفية – اكذب ولكن تذكُر.
التعليق – الكذاب ينسى كذبه , لهذا ترى كلامه يتناقض في معظم الاحيان مع مسيرة الزمن . والمثل الروسي يضرب للسخرية من الكذابين وتناقضات كلامهم . توجد امثال عربية كثيرة حول الكذب والكذابين منها – شر الحديث الكذب // لا رأي لكذوب // اجتنب مصاحبة الكذاب , فان اضطررت  اليه فلا تصدقه ..
+++++
الترجمة الحرفية – كل شئ جيد ضمن الاعتدال .
التعليق –  يضرب في ضرورة الاعتدال والوسطية في تقييم كل الاحوال والتصرفات , وهو مثل عالمي طبعا . يوجد بالعربية العديد من الامثال في هذا المعنى , ومنها -  خير الامور اوسطها // - الزائد كالناقص ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذهب لا يتكلم , لكنه يعمل الكثير.
التعليق –  يضرب لقيمة الثروة ودورها ( الايجابي والسلبي ) في الحياة والعلاقات الاجتماعية .
+++++
الترجمة الحرفية – واللص للرب يصلي .
التعليق – يضرب في ان ممارسة الشعائر الدينية الشكلية من قبل الانسان امام الآخرين لا تعني البراءة من الاعمال السيئة والذميمة التي يمارسها فعلا, والتي تتعارض طبعا, بل وتتناقض مع جوهر كل الاديان . 
+++++
الترجمة الحرفية –         الندم الحقيقي – نصف الصلاح.
التعليق – يضرب في ان الندم الحقيقي يؤدي بالانسان الى التوبة عن الاخطاء التي ارتكبها , وبالتالي السير في طريق الصلاح .
+++++
الترجمة الحرفية – كل جيل يعتبر نفسه اذكى من الجيل السابق واكثر حكمة من الجيل اللاحق.
التعليق –هذا مثل عالمي , وقد انعكس في تراث كثير من شعوب العالم , ومنها شعوبنا العربية طبعا .
+++++
الترجمة الحرفية – كل شخص يرى الشئ الذي يريد ان يراه.
التعليق – رؤية الاشياء لا ترتبط بالعين المجردة , وانما بالتفكير حولها والموقف تجاهها , ولهذا فان الرؤية تختلف حسب الافكار بشأنها , وهذا هو جوهر المثل الروسي . 

 

812
من أعلام النقد الادبي الروسي  / روزانوف
أ.د. ضياء نافع
النقد الادبي الروسي وتاريخه وأعلامه لا زال في بداياته الاولية ليس الا  في مصادرنا العربية بشكل عام , ولا زال غير واضح المعالم رغم الكتابات عنه هنا وهناك بالعربية , وأخص منها بالذكر كتابات المرحومة أ. د. حياة شرارة ( كتابها  المعروف عن بيلينسكي  الذي اصدرته ضمن اصدارات سلسلة أعلام الفكر العالمي في بيروت وأعادت اصداره في بغداد مؤسسة المدى اخيرا ) والمساهمات الكبيرة لكل من  د . جميل نصيف التكريتي وكامران قره داغي  والمرحوم أ. د. محمد يونس و المرحوم أ. د . جليل كمال الدين والاخرين في هذا المجال الحيوي الكبير ,  والكتاب الشامل الذي ترجمه عن اللغة الروسية الى اللغة العربية بشكل رائع الاستاذ الدكتور رؤوف موسى الكاظمي الذي اصدرته دار المأمون عام  2010  بعنوان– ( تاريخ النقد الادبي الروسي ) , والذي يعد – من وجهة نظرنا  – اول واكبر محاولة علمية في مجال الترجمة عن اللغة الروسية في العراق , والكتاب هذا هو خطوة رصينة جدا وموضوعية وشاملة بكل معنى الكلمة حول هذا الموضوع المهم والكبير والجديد فعلا في لغتنا العربية ( تناول الكتاب حركة النقد الادبي الروسي خلال ثلاثة قرون باكملها في روسيا  منذ بدايات القرن الثامن عشر الى نهايات القرن العشرين ) .
 نحاول في هذه السلسلة من  المقالات تسليط الضوء بشكل عام على عدة اسماء من أعلام هذا النقد الادبي غير المعروفين كما يجب للقارئ العربي – حسب معلوماتنا المتواضعة - ونتمنى ان تسنح لنا الفرصة والظروف بالاستمرار  في ذلك  العمل واكمال هذه السلسلة المهمة  حول أعلام النقد الادبي الروسي , والذي نأمل ان تضيف معلومات جديدة فعلا و معمقة في هذا العالم الجديد بشكل عام في سماء النقد الادبي الروسي عندنا. الاسماء في هذا المجال كثيرة هنا بالطبع بلا شك , ونبدأ بالناقد الادبي والفيلسوف الروسي روزانوف ليس الا , دون اي تحديد او اعتبار محدد , اذ اننا يمكن ان نتناول النقاد الآخرين لاحقا .
ولد فاسيلي فاسيلوفيتش روزانوف عام 1856 في الامبراطورية الروسية وتوفي عام 1919 في روسيا السوفيتية , وهو فيلسوف قبل كل شئ , واستطاع ان يربط – وبابداع كبير – الفلسفة بالنقد الادبي , واصبح في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين واحدا من ألمع المثقفين الروس في هذين  المجالين المذكورين .
درس روزانوف في كلية الاداب بجامعة موسكو وتخرج عام1882 
 , ولم يرغب ان يستمر بدراسته العليا  ,  ورفض أداء امتحان الماجستير , وقرر ان يعمل كما يريد وبشكل حر , وهكذا ابتدأ بمسيرة حياته و اصبح مدرسا في المدارس الثانوية الروسية , وانتقل بالعمل  بين العديد من المدن الروسية , وكان في ذلك الوقت يخطط ويفكر بشان مشاريعه الثقافية اللاحقة  في مجال الابداع الفكري , وفعلا أصدر كتابه الاول عام 1886 , وكان يتناول طبيعة وحدود العلم باعتباره تجسيدا للمعرفة المتكاملة للانسان واعماقه , وهو كتاب فلسفي بحت بكل معنى الكلمة , ولكن هذا الكتاب لم ينل النجاح الذي كان يطمح اليه المؤلف  , وهكذا توصل روزانوف - بعد تأملات فكرية عميقة طبعا  - الى الفكرة التي سيكرس لها بقية حياته , وهي ضرورة المزج بين الفلسفة والنقد الادبي و الكتابة في الصحافة , انطلاقا من جوهر الفلسفة المسيحية التي كان يؤمن بها ايمانا راسخا , والذي سيصبح لاحقا واحدا من أعمدتها , ووجد روزانوف في دستويفسكي ضآلته كما يقال ( اذ ان دستويفسكي هو كاتب وفيلسوف مسيحي في آن واحد كما هو معروف ) , وأصدر عام 1891 كتابا بعنوان – ( اسطورة المفتش الاعظم عند دستويفسكي ) ( يسمونه في بعض الترجمات ب  المحقق الاعظم / المفتش العظيم / المفتش الكبير ..الخ ) , والذي تناول الفصل المشهور في رواية دستويفسكي – ( الاخوة كارامازوف ) , وهو الموضوع الذي أثار اهتمام الفلاسفة الروس جميعا ( وليس الروس فقط ) , وهذا هو  الكتاب الذي أعلن فيه روزانوف - وبشكل ساطع – ميلاده باعتباره فيلسوفا  و ناقدا ادبيا جديدا , وكان من الطبيعي ان يقترب من الفيلسوف والمفكر الروسي الشهير بيرديايف ومدرسته الفلسفية ( انظر مقالتنا بعنوان – بيرديايف ودستويفسكي ) , واستطاع روزانوف في بداية القرن العشرين , وبالذات في اعوام 1901 – 1903 ( وبالتعاون مع الناقد الادبي والفيلسوف ميرشكوفسكي و الناقدة والاديبة المعروفة ناديجدا غيبيوس) ان يشكٌل جمعية دينية – فلسفية في روسيا , خصوصا وانه أصبح صحفيا بارزا نتيجة عمله ونشاطه الفكري المتنوع بمجلتين اساسيتين في روسيا آنذاك وهما – مجلة ( روسكي فيستنك ) ( البشير الروسي ) ومجلة ( روسكويه أبروزافانيه ) ( التعليم الروسي ) و في جريدة (نوفويه فريميا ) ( الزمن الجديد ), اذ انه نشر في كل هذه الاصدارات الدورية  العديد من المقالات المهمة , والتي اثارت انتباه القراء الروس الى افكاره المتميزة والاصيلة في هذه المجالات الفكرية الكبيرة , ومن الضروري الاشارة هنا الى مقالاته  المهمة والحيوية فعلا حول التعليم في روسيا في مجلة ( روسكويه أبرزفانيه ) ( التعليم الروسي ) , واصداره عدة كتب في هذا المجال  , ومنها  كتابا بعنوان – ( التربية والثقافة ) عام 1899 , وكتابا آخر بعنوان – ( الطبيعة والتاريخ ) عام 1900 , ولا يمكن لنا التوقف تفصيلا عند هذه النقطة , اذ اننا نهدف الى التحدث عن النقد الادبي الروسي ودور روزانوف في مسيرته .
منذ الكتاب الذي أشرنا اليه اعلاه حول دستويفسكي , بدأت مساهمات روزانوف تبرز في مجالات النقد الادبي , وقد كان يتناول بالاساس نتاجات غوغول ودستويفسكي وتولستوي وذلك لان هناك في ابداعات هؤلاء توجد دائما ملامح فلسفية واضحة المعالم, وكان يبحث عنها ويجدها ببساطة , بل انه أصدر كتابا خاصا بعنوان – ( تولستوي والكنيسة الروسية ) بعد وفاة تولستوي بسنتين ( اي عام 1912 )  , ولكن هذا لا يعني ان روزانوف لم يكتب عن بقية الادباء , ويوجد قول له أصبح مأثورا في الاوساط الادبية الروسية وهو – ( بوشكين في السجن سيكون وضعه جيدا . ليرمنتوف في الجنة سيكون وضعه سيئا ) , وهو قول صحيح  ودقيق حول طبيعة نتاجات هذين الاديبين الكبيرين . ختاما لهذه الملاحظات العامة حول روزانوف نود الاشارة الى ان هذا الفيلسوف والناقد الادبي كان بعيدا عن اجواء ثورة اكتوبر الروسية عام 1917 , ولكنه لم يترك روسيا كما فعل معظم المثقفين الروس آنذاك , وانعزل عن الاحداث وتوفي في روسيا عام 1919 , وكان بوضع تعيس جدا , ولم يطبعوا مؤلفاته اثناء الحكم السوفيتي طبعا , ولكن هذه المؤلفات تم طبعها من جديد في تسعينيات القرن العشرين وظهرت ب 29 مجلدا منذ عام 1994 الى عام 2010 , واعيد طبع الكثير من كتبه بشكل مستقل , واسمته الموسوعة الكبرى للشعب الروسي ب ( المفكر الروسي ومؤرخ الادب ) , وقدٌمه القاموس البيبلوغرافي على اعتباره ( ناقدا ادبيا كبيرا ) , وكتب عنه القاموس التربوي عام 2010 مشيرا الى انه كان ( فيلسوفا وكاتبا وتربويا ) , وأشاد الجميع بحواراته ومراسلاته مع كبار الفلاسفة والادباء الروس امثال بيرديايف وبلوك وميرشكوفسكي والآخرين .
روزانوف باختصار – علم من أعلام النقد الادبي الروسي , ويستحق ان ندرس كتاباته ونترجمها الى العربية , وان نوليها مكانتها اللائقة بها في تاريخ هذا الادب.   

813
أخماتوفا وماياكوفسكي
أ.د. ضياء نافع


ولدت آنا أخماتوفا عام 1889,اما ماياكوفسكي فقد ولد عام 1893, وتوفيت اخماتوفا عام 1966 وكان عمرها 77 سنة, اما ماياكوفسكي فقد توفي منتحرا عام 1930 وكان عمره 37 سنة ليس الا. كلاهما عاشا في روسيا الامبراطورية القيصرية وفي روسيا السوفيتية, وكلاهما نشرا نتاجاتهما قبل ثورة اكتوبر 1917 وبعدها, وكلاهما لم يتركا وطنهما بعد الثورة كما فعل الكثيرون من مثقفي روسيا وعاشا وماتا هناك, ولكنهما كانا يجسدان مدرستين فكريتين مختلفتين تماما. كانت اخماتوفا تمثٌل روح الشعر الروسي الذي ابتدأ به بوشكين , والتي كانت طوال حياتها مفتتنة بابداعه , اما ماياكوفسكي فكان على الضد تماما , اذ كان يمثٌل التمرد على تلك الروح الروسية البوشكينية السمات. أخماتوفا هي رمز روسيا المثقفة العتيقة, اما ماياكوفسكي فانه رمز روسيا السوفيتية الثورية المتفجرة. أخماتوفا – همس الشعر الروسي, اما ماياكوفسكي فهو ضجيج هذا الشعر وخطابه الطنان والرنان. وباختصار, فانهما شاعران كبيران يجسمان التضادات الحادة في مسيرة الشعر الروسي في القرن العشرين, وقد استطاع كل واحد منهما ان يؤسس ويبلور اسلوبه وطريقته الخاصة بكل ابعادها وبوضوح ساطع.
حاول النقد الادبي الروسي الحديث طرح موضوع المقارنة بين أخماتوفا وماياكوفسكي وايجاد وتحديد نقاط التشابه والاختلاف بين ابداعيهما, بل حاول بعض النقاد ان يجد سمات ماياكوفسكية في شعر أخماتوفا وسمات اخماتوفية في شعر ماياكوفسكي, ولم يؤيد الكثيرون هذه المحاولات, والتي بقيت في اطار اجتهادات خاصة لا تكاد ان تكون مقنعة للقراء, الا ان هذا النقد قد استخدم بعض الوقائع في علاقات أخماتوفا وماياكوفسكي, مثل اشارة عشيقة ماياكوفسكي ليلي بريك في مذكراتها, الى ان الشاعر استقبلها مرة – بعد انقطاع – وقرأ لها رأسا مقطعا من شعر أخماتوفا, ويستنتج النقاد – وهم على حق – ان ماياكوفسكي كان يعرف ويحفظ عن ظهر قلب شعر أخماتوفا لدرجة انه استخدمه في تلك اللحظة الخصوصية جدا, ويشير النقاد ايضا الى ان اخماتوفا كتبت عام 1940 قصيدة بعنوان ( ماياكوفسكي 1913) , اي بعد عشر سنوات من انتحاره, وهذه القصيدة تتناول ماياكوفسكي, ويتحدث النقاد ايضا حول رفض اخماتوفا الكتابة لدار نشر ( الارث الادبي) عن ذكرياتها حول ماياكوفسكي وذلك عام 1956,وكيف ان أخماتوفا قالت – مبررة عدم الكتابة- انها تعرف ماياكوفسكي بشكل قليل جدا وعن بعد ليس الا,واشارت الى انها لا تريد ( الركض) وراء عجلة ماياكوفسكي , بينما ( توجد عندي عجلتي ). ويربط النقاد هذا الموقف بقصيدتها عنه عام 1940, التي أشرنا اليها آنفا, ويستشهدون بمقطع من تلك القصيدة وهو – ( لم أعرفك اثناء مجدي..), اي انها كانت شاعرة معروفة وشهيرة ومحاطة بالمجد آنذاك, اما ماياكوفسكي فلم يكن عندها معروفا ومشهورا, اذ انه اصدر ديوانه الاول الموسوم – ( أنا) عام 1913 ليس الا,ويستنتج النقاد من كل ذلك, ان رفض اخماتوفا الكتابة عنه جاء نتيجة التنافس بينهما, اذ ان ماياكوفسكي حاز على شهرة ساطعة وتكريما اسطوريا في الاتحاد السوفيتي اثناء حياته, بينما عانت أخماتوفا من جراء اضطهاد السلطة السوفيتية لها من اعدام زوجها الاول الشاعر غوميليوف واعتقال ابنها الوحيد منه وزوجها الاخر( الذي توفي في معسكر الاعتقال ), وطردها من اتحاد الادباء السوفيت, ومنعها من النشر ..الخ. لقد حصلت اخماتوفا على التقدير والاعتراف بها بشكل متأخر جدا , وتوجد عندها قصيدة تتناول هذه الحالة وهي –
وجاء المجد للبجعة
سابحا,
عبر الدخان الذهبي,
أما انت
-ايها الحب-
فقد كنت
دائما
خيبة أملي.
والقصيدة في الاصل بلا عنوان.
واخيرا نقدم للقراء الاستبيان الذي قمنا به في اوساط روسية محيطة بنا حول هذا الموضوع, ونعتقد ان الاراء التي وردت فيه تعبر – بشكل طريف وعميق ايضا – عن الموقف تجاه هذين الاسمين الكبيرين في مسيرة الادب الروسي في القرن العشرين, وساهم في هذا الاستبيان متقاعدون وطلبة وموظفون روس.

ماياكوفسكي كان طوال الوقت ينفخ في بوق الثورة, ولا يمكن للانسان ان ينفخ دائما وابدا في البوق, ولهذا فانه انتحر, أما اخماتوفا فانها نشيج الشعب الخافت, ولا توجد علاقة بين النفخ في البوق والنشيج.
+++++++++++++++++
ماياكوفسكي شاعر عظيم ورنٌان,اما اخماتوفا فانها شاعرة عظيمة ايضا ولكنها خافتة الصوت, وهما على الضد من بعضهما البعض, ولا يمكن مقارنتهما معا.
++++++++++++++++++
ماياكوفسكي بالنسبة لي هو التمثال الفخم الذي يقف في شارع تفارسكايا بموسكو, وهو محطة المترو الجميلة المجاورة للتمثال, اما أخماتوفا فانني أقرأ اشعارها بعض الاحيان واتمتع بها, ولا يمكن مقارنة التمثال بمتعة القراءة.
++++++++++++++++++
كلاهما رائع, ولكن طعم الروعة مختلف جدا.
++++++++++++++++++
ماياكوفسكي شاعر يصرخ بشعارات الثورة والحزب, ولا اتقبل انا هذا النموذج من الشعر, اما أخماتوفا فانها شاعرة رقيقة ظلمتها السلطة السوفيتية.
+++++++++++++++++++++
ماياكوفسكي نشيد الثورة ولسان حالها, وربما جاء انتحاره بعد ان فهم خطأ اعماله ومسيرته. شعره معقد ولا توجد فيه جمالية الفن الشعري الرقيق والسلس. أخماتوفا شاعرة سلسة ورقيقة جدا.
++++++++++++++++++++++
ماياكوفسكي شاعر عملاق لعصر عاصف, واصبح الآن جزءا من تاريخ مضى وانتهى. اخماتوفا يحبها هؤلاء الذين يحبون الشعر, وهم اقلية.
+++++++++++++++++++++++
يهزني ماياكوفسكي بشعره الفخم الرنان, وأخماتوفا شاعرة رقيقة وشعرها جميل جدا.
++++++++++++++++++++++++++
أخماتوفا – ماضي الشعر الروسي وحاضره ومستقبله, أما ماياكوفسكي فانه يجسد الماضي فقط, رغم انه يقف الان شامخا في شارع موسكو الرئيسي, بينما لا توجد تماثيل كبيرة وبارزة لاخماتوفا.
+++++++++++++++++++

814
من المعجم الروسي – العربي للأمثال الروسية ( 25)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الخامسة والعشرون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية. ض.ن.
 الترجمة الحرفية – الحب القديم لا يصدأ .
التعليق – المعنى واضح في هذا المثل , ويضرب للتأكيد على حيوية الذكريات في أعماق كل انسان. يوجد بالعربية بيت شعر ذهب مثلا في هذا المعنى وهو –
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى   ما الحب الا للحبيب الاول.
+++++
الترجمة الحرفية –     نقود أكثر – هموم أكثر .
التعليق –  يضرب في ان الثروة ترافق دائما القلق للحفاظ عليها , وان ازدياد الثروة يعني ازدياد القلق . يوجد مثل عربي طريف في هذا المعنى ( سبق وان استشهدنا به في حلقات سابقة ) وهو - المفلس في القافلة امين.
+++++
الترجمة الحرفية – جدر العائلة يفور دائما .
التعليق – يضرب للحث على العيش المشترك للعائلة  الواحدة , والتضامن بين افرادها, اذ ان ذلك يسهٌل عليهم  دائما ايجاد حلول لمشاكل الحياة.
+++++
الترجمة الحرفية – دون العمل لا يأكلون العسل .
التعليق –  يضرب لتمجيد العمل الانساني باعتباره اساس الحياة , وبدونه لا يمكن الحصول على اي شئ من ملذات الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الحب والنار والسعال لا يمكن كتمانها عن البشر .
التعليق –الصورة الفنية جميلة في هذا المثل الروسي , اذ جاء الحب ضمن تلك الظواهر التي لا يمكن كتمانها . توجد بالعربية امثال عديدة في هذا المعنى , منها – وهل يخفى القمر / هيهات تكتم في الظلام المشاعل ... , ولكن الحب في المثل الروسي أضفى عليه طرافة جميلة ورائعة وصادقة فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – الصداقة المتينة لا تتحطم حتى بالطبر.
التعليق –  يضرب في ان الصداقة الحقيقية بين البشرتصمد ابدا , ولا يمكن لاي شئ ان يدمرها او يلغيها.
+++++
الترجمة الحرفية – انظر الى القرى بثمارها , والى الناس بأعمالها .
التعليق – يضرب للتأكيد على ان نتائج الاعمال - بغض النظر عن الثرثرة حولها-  هي الاهم في حسم الموضوع . سبق وان أشرنا في هذه السلسلة من المقالات الى العديد من الامثال العربية في هذا المعنى  , منها مثلا – الافعال ابلغ من الاقوال ...
+++++
الترجمة الحرفية – الغني البخيل أفقر من الفقير .
التعليق – يضرب في  عدم ارتباط الفقر والغنى بامتلاك الثروة, وانما بالعلاقة تجاهها . يوجد العديد من الامثال العربية في هذا المعنى ,  منها - البخيل غناه فقر وطبيخه قفر , أغنى الاغنياء من لم يكن للبخل اسيرا ...
+++++
الترجمة الحرفية – يجب التحدٌث بصوت مسموع عندما يوجد اكثر من شخصين.
التعليق – يضرب في ان الاصول والمنطق والاخلاق تقتضي ان يكون الامر مكشوفا وواضحا  للجميع عند الحديث بين مجموعة من الناس , والا فان الامر قد يثير الشكوك والارتياب .
+++++
الترجمة الحرفية – الشئ الجيد اذا كان جديدا , والصديق الجيد اذا كان عتيقا .
التعليق – يضرب للتأكيد على قيمة الاصدقاء القدامى .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد عندك صديق – ابحث عنه , وعندما تجده – حافظ عليه .
التعليق –  يضرب لاهمية الاصدقاء في الحياة وضرورة التمسك بهم و الحفاظ عليهم , فالصديق عنصر مهم جدا  في الحياة , وخصوصا ( وقت الضيق ) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تخاف من التعاسة , لن تكون لديك السعادة .
التعليق – التفاؤل عنصر نفسي مهم في مسيرة الحياة الانسانية , ويؤكد هذا المثل الروسي على ذلك . يوجد  قول معروف في هذا المعنى وهو -  تفاءلوا بالخير تجدوه , وهناك  امثال عربية بمختلف اللهجات حول ذلك  , منها هذا المثل الطريف - اللي يخاف من الجنٌي يطلعله.
+++++
الترجمة الحرفية – (كل) الوقت للعمل , وساعة  ( واحدة ) للهزل.
التعليق – يضرب في ضرورة الالتزام بالعمل وضوابطه  واوقاته, لكن من الممكن – مع ذلك -  تخصيص وقت قصير للهزل والراحة اثناء العمل.
+++++
الترجمة الحرفية – الى العمل آخر المتأخرين , والى ألاكل اوٌل المتقدمين .
التعليق – يضرب للشخص غير الملتزم باداء عمله وواجباته ولكنه اول المطالبين بحقوقه ومكتسباته.
+++++
الترجمة الحرفية –          اذا قطعت  شجرة  – ازرع شجرتين ( بدلا عنها ) .
التعليق – يضرب للحث على المحافظة على الطبيعة و زرع الاشجار فيها , وضرورة مضاعفتها دائما, حتى عند الاضطرار لقطع بعض الاشجار .
+++++
الترجمة الحرفية – الاحتياط لا يضر بالانسان .
التعليق – يضرب  لدعوة الانسان على الاخذ بكافة الاحتياطات دائما في الحياة لكل طارئ ,لأن تلك الخطوات  مفيدة , وفي نفس الوقت فانها لا تعرقل مسيرة الحياة في كل الاحوال.
+++++
الترجمة الحرفية – تضعف القوة بلا عمل.
التعليق –  يضرب لاهمية استخدام قوى الانسان دائما , و ان تركها وخمولها يؤدي الى اضعافها, وحتى  الى تلاشيها. يوجد مثل عربي معروف في هذا المعنى بشكل عام وهو –  في الحركة بركة .
+++++
الترجمة الحرفية –                   رأس بلا عقل – رأس بصل.
التعليق – يضرب لتمجيد العقل الانساني باعتباره اساس الحياة و ركيزتها.   
+++++
الترجمة الحرفية – ارقد كالدجاج واستيقظ  كالديك .
التعليق –  يضرب للحث على النوم المبكر والاستيقاظ المبكر. توجد أمثال عربية عديدة  مناظرة ( وسبق ان أشرنا الى بعضها في هذه السلسلة  ) , و  منها - الصباح رباح...
+++++
الترجمة الحرفية – الغراب لا يفقأ عين الغراب الآخر.
التعليق – يضرب في  ان تصرفات الحيوان مع الحيوان أرحم من تصرفات الانسان مع الانسان .


815
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (24)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الرابعة والعشرون لمقالاتي حول الامثال الروسية .
 ض.ن.
 الترجمة الحرفية – من القذارة الى الامارة .
التعليق – يضرب في حالة انتقال شخص من موقع أدنى الى موقع أعلى وأكبر من طاقته وامكانياته وعقليته, وبالتالي يبدأ  التصرف بشكل وقح وفظ وتهور.  يوجد مثل شهير باللهجة العراقية  في هذا المعنى وهو  - شاف وما شاف...الخ هذا المثل المعروف للعراقيين .
+++++
الترجمة الحرفية -  الفقير يعرف الصديق واللاصديق .
التعليق – معنى المثل واضح تماما , اذ ان  اصدقاء الفقير يعلمون انه فقير, واللااصدقاء  يعرفون ذلك ايضا . يضرب لوصف الصداقة الواضحة والخالية من الرياء والنفاق .
+++++
الترجمة الحرفية – العين صغيرة لكنها ترى بعيدا .
التعليق – يضرب في ان البصيرة البعيدة والعميقة والمتأنية تأتي بغض النظر عن رؤية العين المجردة. ربما يمكن اعتبار الجزء الاول من المثل العربي الشهير – (العين بصيرة واليد قصيرة) متناغما مع المعنى العام لهذا المثل الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية – صقر بشكله وغراب بصوته
التعليق – يضرب لضرورة التمييز بين شكل الشخص ومضمون تصرفاته , اذ ان المظهر الخارجي لا يدل  ابدا على جوهر الاشياء . يوجد مثل باللهجة العراقية طريف جدا ويمكن القول انه قريب لمعنى هذا المثل الروسي  وهو – الفوك هندي والتحت بابنجي.
+++++
الترجمة الحرفية – من يحب لا يتغاضى .
التعليق – يضرب في ان العاشق ( او العاشقة ) يلاحظ ويتابع كل تصرفات الطرف الآخر بشكل دقيق جدا , و لا يمكن ان يتغاضى عن اي شئ ابدا مهما كان صغيرا او غير مهم بتاتا.
+++++
الترجمة الحرفية – بالسوط لن تذهب بعيدا.
التعليق – يضرب في ان سياسة القوة والقمع لا تؤدي الى نتيجة حاسمة في كل الاحوال . توجد امثال عديدة باللهجة العراقية ( وربما باللهجات العربية الاخرى ايضا ) حول ضرورة التعامل مع الناس بلين ولطف ومنها  -  بالعيني والاغاتي/ خد وعين/ اللي ما يجي وياك تعال وياه...
+++++
الترجمة الحرفية – يتذكر الكلب من الذي يطعمه .
التعليق – يضرب لوفاء الكلب , الذي يعرف من الذي يرعاه و يداريه ويطعمه وبالتالي يبقى مخلصا له ومتعلقا به , ومقارنة ذلك مع الانسان الناكر للجميل بعض الاحيان , حسب مفهوم المثل العربي الشهير والمثير للنقاش وهو – اتق شر من أحسنت اليه .
+++++
الترجمة الحرفية – الزوبعة الرعدية تضرب الاشجار العالية .
التعليق – يضرب في ان الاذى يلحق الناس البارزين قبل الآخرين . يوجد مثل عالمي في هذا المعنى وقد استقر بالعربية  كما يأتي – يقذفون بالاحجار على الاشجار المثمرة . 
+++++
الترجمة الحرفية – الموت ليس مخيفا للفقير .
التعليق – المعنى واضح في هذا المثل , فالفقير يتعايش مع الموت دائما ولهذا فانه مستعد نفسيٌا لمواجهته , وبالتالي فانه لا يخشاه .
+++++
الترجمة الحرفية - ستشيب سريعا اذا تعرف كثيرا.
التعليق – يضرب في ان معرفة الحقيقة تؤدي بالانسان الى المعاناة و بالتالي الى  المشيب نتيجة لذلك.
+++++
الترجمة الحرفية – النكتة الطيبة لا تقوٌض الصداقة .
التعليق – يضرب في ان النكتة الطيبة لا تؤذي الصداقة بين البشر, اي على عكس النكتة اللئيمة التي تقوض تلك الصداقة .
+++++
الترجمة الحرفية – البداية الطيبة تشفط نصف العمل.
التعليق – يضرب في ان البداية الجيدة للعمل مهمة جدا وانها تؤدي الى انجاز ذلك العمل بسرعة.
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب وحش بطبيعته , والانسان بحسده .
التعليق – يضرب في وصف طبيعة الحسد عند الانسان وان ذلك شئ ملازم له دائما.
+++++
الترجمة الحرفية – يجب الانحناء من أجل ان تشرب من الجدول .
التعليق – يضرب لضرورة الخضوع كليا  لقوانين الطبيعة ومنطقها عند التعامل معها.
+++++
الترجمة الحرفية –         وداعات اطول  – دموع اكثر .
التعليق –  يضرب في ان الوداع الذي يستغرق وقتا طويلا يزيد من ألم الفراق ليس الا .
+++++
الترجمة الحرفية – من يعرف كثيرا , يصدٌق قليلا .
التعليق – يضرب في ان المعرفة تمنح الانسان القوة في مناقشة كل شئ يقابله استنادا الى تلك المعرفة. 
+++++
الترجمة الحرفية – حسن التدبير افضل من الثروة .
التعليق – الثروة يمكن ان تنضب ولكن حسن التدبير لا ينضب. يضرب في مدح حسن التدبير وقيمته في الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – الثروة وسخ , والعقل ذهب .
التعليق –يضرب في اهمية العقل الانساني باعتباره اساس التدبير و بالتالي اساس الثروة . يوجد مثل بمختلف اللهجات العربية يتطابق مع الجزء الاول من هذا المثل الروسي , وهو ( باللهجة العراقية ) – الفلوس وسخ الدنيا.
+++++
الترجمة الحرفية – الشئ الجيد لا يمكن أن تشتريه رخيصا .
التعليق –  يضرب في ان الاشياء الجيدة تقتضي  من الانسان ان يدفع ثمنا غاليا , وان يبذل – بالتالي - جهدا كبيرا من اجل الحصول عليها .

816


نوبل للآداب في رأي الادباء الروس

أ.د. ضياء نافع

نشرت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا) ( الجريدة الادبية ) الروسية الاسبوعية في عددها الاخير , الصادر في 14- 20 / 10/ 2015 آراء خمسة ادباء روس حول منح جائزة نوبل للآداب للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا الكسييفتش, التي تكتب باللغة الروسية , ونقدٌم للقارئ العربي مقاطع من تلك الآراء , والتي يعبر فيها هؤلاء الادباء بالطبع عن افكارهم الشخصية  ومواقفهم الذاتية  تجاه هذه الجائزة و تجاه الكاتبة  البلاروسية التي حصلت عليها , ولكن هذه الآراء بمجملها - وبشكل او بآخر -  تعبر طبعا عن موقف عام  لتلك الصحيفة بلا شك تجاه الجائزة , و كذلك تعبر عن آراء الكثيرين من الاوساط الادبية الروسية  .
ض.ن.
+++++++++++++
سيرغي يسين –
ان منح جائزة نوبل للآداب لسفيتلانا الكسييفتش يبدو عادلا فقط من وجهة نظر انها تكتب باللغة الروسية, كما هو حال العديد من الادباء السلاف ... و اقول مخلصا باني لا اتابع ما تكتبه منذ زمن بعيد . ان التحيٌز الذي ابدته واعلنته في فترة – ما اصبح واضحا بالنسبة لي . وبشكل عام , فان كل شئ يرتبط بجائزة نوبل ليس بعيدا عن السياق السياسي طبعا , بل وبتعبير أدق , يوجد هناك سياق سياسي لا غير . انا حتى لا أتذكر متى منحوا هذه الجائزة آخذين بنظر الاعتبار النتاجات الفنية . باسترناك لم يمنحوها له من اجل شعره البديع , بل من اجل روايته المتوسطة ... وشولوخوف منحوه بعد قصارى جهود بذلتها الدولة  السوفيتية آنذاك ...ويجب ان اشير ايضا الى ان معظم الجوائز الادبية الروسية , الموجودة عندنا في روسيا تمتلك نفس التحيٌز الموجود في جائزة نوبل .
فاليري كازاكوف –
اولا , اريد تقديم التهاني لسفيتلانا الكسييفتش باسمي وباسم جميع محبي الادب السلافي لحصولها على هذه الجائزة الرفيعة . انا اعتبر انه - ولاول مرة- وطوال فترة طويلة وصلت هذه الجائزة الى  الادباء السلاف. من الممكن بشكل مختلف تقييم الافكار والقناعات تجاه هذه الجائزة , لكن لا يمكن عدم الاعتراف بعدالة اختيار لجنة جائزة نوبل..
الكسييفتش كانت دائما كاتبة مقالات صحفية غير مريحة, وكل كتبها كانت في غير اوقاتها , لكن تلك الكتب والكتابات كانت دائما حقيقية .  ومع ذلك فان حقيقة عن حقيقة تختلف . توجد حقيقة عند بونداريف في ( الثلج الحار ).. وعند بيكوف في ( البقاء حيا حتى الفجر / او/ سأعيش حتى ارى الفجر حسب ترجمة غائب طعمه فرمان ) ..وعندالكسييفتش .. وعند ايفانوف ...الخ .
هناك نظرتان الى نفس تلك الاحداث ونفس تلك الحرب... وانا اعتقد انه بفضل كتب الكسييفتش قد تغيرت اشياء كثيرة في الحياة , اذ انها عرضت الحقيقة الهائلة , والتي جمعتها في الشوارع واوصلتها الى القارئ .
محمد احمدوف ( رئيس اتحاد ادباء داغستان ) –
هناك الكثير من الادباء الروس العظام ألذين لم يخونوا انفسهم ووطنهم لا بالكلمات ولا بالاعمال من اجل سعر الاسواق , وهؤلاء لم يستلموا جوائز نوبل . في السابق تم عمل الكثير لصالح السياسة , والان يحدث الشئ نفسه .الكسييفتش شغلت المكان المناسب في الزمن المناسب . انها ضد روسيا .., ولهذا الموقف اعطوها الجائزة . افضل منها كتبوا ويكتبون باللغة الروسية , لكن لا البيلوروسي فاسيلي بيكوف , ولا الروسي فالنتين راسبوتين , ولا القرغيزي جنكيز آيتماتوف حصلوا على هذه الجائزة , مع الاسف ...
------------------------------------
فلاديمر ليجوتين –
سفيتلانا الكسييفتش تعمل في الوسط الادبي ...  وتشغل مكانة متوسطة في  مجال عملها , وهي ايضا كاتبة مقالات وتحقيقات صحفية .. ولكنها لم تكتب – حسب ذاكرتي - نتاجات فنية بحتة  . لقد منحوها جائزة نوبل للآداب قبل كل شئ على موقفها وعلاقتها الانتقادية تجاه روسيا. في تاريخ جائزة نوبل للآداب كان هناك الكثير من الامثلة السياسية المماثلة ... واذا ما تكلمنا عن الادب بالمعنى الخالص للكلمة , فهل يمكن ان نضع الكسييفتش في مستوى واحد مع بونين او برودسكي  , اللذان حصلا على هذه الجائزة ؟ وهل لم يكن مثلا أحق منها للحصول على هذه الجائزة الاديب  فالنتين راسبوتين , الذي رحل عن عالمنا قبل فترة قصيرة؟
سيرغي شارغونوف –
سفيتلانا الكسييفتش كاتبة  اعلامية وصحفية عبقرية . بالنسبة لي كان من الممتع جدا قراءة كتابها الموسوم – (لا وجه نسائي عند الحرب ) ( جاءت تسمية هذا الكتاب بعدة ترجمات عربية منها – الحرب بلا وجه نسائي / الوجه غير الانثوي للحرب / الوجه غير النسائي للحرب ), و غيره من كتبها.. . ان قصة التراجيدية الانسانية وهي تروى باسم الضحية نفسها- هو ادب باهر بلا اية مجازفة لامكانية الفشل . في نفس الوقت يوجد هناك  احساس بشوائب سياسية – ففي الفترة الاخيرة اصبحت الكاتبة تتميٌز بمواقفها الحادة بشأن صراعها مع السلطة ورئاستها في بيلاروسيا  , او تقريع روسيا وانتقادها , والتي اتهمتها باحتلال القرم , وما شابه ذلك . يوجد عندنا ادباء احياء , وهم رواد  واساتذة بحق في مجال الادب الابداعي مثل – اسكندر, او,  بيتوف . انهم بلا شك جديرون بالحصول على نوبل . ان فالنتين راسبوتين الذي رحل قبل فترة وجيزة كان ايضا يستحق جائزة نوبل , هذا الكاتب الذي لم يكن باستطاعته حتى ان يعتبر نفسه ضمن قائمة الذين يكونون قريبين من تلك الجائزة . لماذا؟ لأنه لا يخفي موقفه  الوطني  تجاه روسيا .

 

817
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية ( 23)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثالثة والعشرون لمقالاتي حول الامثال الروسية .
ض.ن.
الترجمة الحرفية -  الحقيقة المرٌة أفضل من الكذب الحلو .
التعليق –  المعنى واضح في هذا المثل.  يوجد بالعربية مثل مشهور يؤكد على ان الصديق  المخلص هو الذي يقول الحقيقة لصديقه , وهذا المثل هو - صديقك من صدقك وليس من صدٌقك . يمكن القول – بشكل او بآخر - ان الهدف العام لهذا المثل يصب في نفس المعنى للمثل الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية – مذنبون بلا ذنب .
التعليق –  يضرب في حالة خرق العدالة وقوانينها , واتهام اناس ابرياء . هذا المثل مشهور جدا لان الكاتب المسرحي الروسي المعروف أستروفسكي (1823- 1886) استخدم كثيرا من الامثال الروسية عناوينا لمسرحياته , ومنها هذا المثل عنوانا لاحدى مسرحياته الشهيرة  , والتي  لا زالت تعرض في المسارح  الروسية لحد الان ( انظر مقالتنا بعنوان استروفسكي - شكسبير روسيا). 
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد في عصرنا ما يكفي من الحمقى .
التعليق – يضرب عندما يجد الانسان كيف يتصرٌف الحمقى حوله , خصوصا  عندما يدور الحديث عن تقريرمصير الناس في مسيرة الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – الرأس لا ينتظر الذيل .
التعليق – يضرب عند اتخاذ قرارات حاسمة يتطلبها موقف محدد ومهم في الحياة لا يقبل التأجيل , او التشاور بشأنه مع الآخرين .
+++++
الترجمة الحرفية – تاج القيصر لا يمكن ان يحميه من الصداع .
التعليق – يضرب في ان المرض لا يفرق بين البشر حسب طبقاتهم ومواقعهم , اذ انهم جميعا سواسية امامه.
+++++
الترجمة الحرفية – الزوج هو الرأس , لكن الزوجة هي العنق .
التعليق – يضرب في ان الزوجة هي التي تدير الامور في العائلة, اذ انها الرقبة التي تدير الرأس كما تريد, رغم الاعتراف ان الزوج هو الرأس . توجد تعليقات ساخرة كثيرة حول هذا المثل في المجتمع الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تحب ان تكون ضيفا , يجب ايضا ان تحب دعوة الناس اليك .
التعليق –  يضرب في ان الحياة هي أخذ وعطاء , ومن الضرورة  جدا الاقرار بذلك , و التنسيق المتوازن بين  الجانبين .
+++++
الترجمة الحرفية – دهاء الثعلب في غباء الدجاج .
التعليق – يضرب في ان الغباء – بعض الاحيان - هو السبب  الاساسي والحاسم في عملية انتصار الدهاء.
+++++
الترجمة الحرفية – ليس حسب واجب الخدمة , وانما على وفق الصداقة .
التعليق –  يضرب عند تقديم طلب او رجاء للآخرين بغض النظر عن الموقع الاجتماعي لهم . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي -  ليس خدمة  بل صداقة / أخ لأخ , وهي ترجمة سليمة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – بايدي الآخرين يجرف اللهب .
التعليق – يضرب للشخص الذي يستغل جهود الآخرين لمنفعته . يترجم بوريسوف وجابر هذا المثل كما يأتي – حرٌك النار بايدي الغير , وهي ترجمة حرفية صحيحة لكنها لا توضٌح جوهر المثل ومعناه , الا ان جابر يضيف الى ترجمته تلك – استغل الآخرين لبلوغ مآربه , وفي مكان آخر من قاموسه يترجمه هكذا – استغل جهود غيره لمنفعته الشخصية , وهي ترجمات تفسيرية صحيحة ودقيقة .
+++++
الترجمة الحرفية – السوط الاول للواشي .
التعليق – يضرب في ان الواشي هو المتهم الاول , و هو الخائن الاول الذي يستحق العقاب الشديد . 
+++++
الترجمة الحرفية – من يبحث عن اصدقاء دون نواقص , سيتصادق فقط مع خيبة الامل .
التعليق – يضرب في ان لكل انسان نواقصه , ولا يوجد انسان كامل الاوصاف . يوجد في هذا المعنى بالذات بيت شعر معروف بالعربية ذهب مثلا وهو-
 اذا كنت في كل الامور معاتبا   صديقك لن تلق الذي لا تعاتبه.
+++++
الترجمة الحرفية – الصديق غير المجرٌب مثل الجوزة غير المفلوقة .
التعليق – يضرب في اهمية تجربة الصداقة قبل اعتمادها والاقرار بها  . توجد أمثال عديدة لدى مختلف الشعوب في هذا المعنى , وقد سبق لنا ان عرضنا بعضها في هذه الحلقات.
+++++
الترجمة الحرفية –               عمل أكثر – كلمات اقل .
التعليق – يضرب في ان الثرثرة والكلمات الفارغة تصبح أقل في سياق العمل الحقيقي. 
+++++
الترجمة الحرفية – فكٌر في المساء ماذا ستعمل في الصباح .
 التعليق –  يضرب لضرورة التخطيط المسبق والدقيق للعمل بغض النظر عن اهميته.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن قلع المسمار بالاسنان .
التعليق – يضرب لضرورة الخضوع للمنطق والقواعد الطبيعية للاشياء في الحياة والتصرٌف على اساسها.
+++++
الترجمة الحرفية – النملة ليست كبيرة لكنها تحفر الجبال .
التعليق – يضرب لقيمة العمل و المثابرة و بذل الجهود في تحقيق الاهداف الكبيرة رغم كل الامكانيات الضعيفة.
+++++
الترجمة الحرفية – الشمس تجمٌل الارض , والعمل يجمٌل الانسان .
التعليق –  توجد صورة فنية جميلة في هذا المثل الروسي , خصوصا وان الطبيعة الروسية تفتقد الشمس اصلا في بعض فصول السنة , ولهذا فان هذا المثل يؤكد على ان العمل يشغل مكانة كبيرة ومتميٌزة فعلا . يضرب في اهمية العمل في حياة الانسان وقيمته الحيوية والضرورية .





818
120 عاما على ميلاد يسينين
أ.د. ضياء نافع
الى روح المرحومة الدكتورة حياة شرارة , التي حصلت على مرتبة الاستاذية ( بروفيسور) في جامعة بغداد لبحوثها التي تقدٌمت بها آنذاك, ومنها بحث بالعربية عنوانه – ( يسينين في الربوع العربية ).
ض.ن.
 ولد الشاعر الروسي سيرغي يسينين في الثالث من تشرين الاول / اكتوبر عام 1895 وتوفي في عام 1925 ( اي انه عاش 30 سنة ليس الا), وتحتفل الاوساط الادبية الروسية بذكرى مرور 120 سنة على ميلاده في هذه الايام , واكتب انا الان هذه الكلمات تحت تأثير الانطباعات الهائلة لتلك الاحتفالات التي تجري حولي , وابرزها بالطبع  هو اعادة عرض المسلسل التلفزيوني حول يسنين في القناة الاولى الروسية , والذي قام أحد الممثلين  الروس المعروفين باداء دور يسنين فيه , هذا المسلسل الجميل والرائع , الذي يشير بشكل واضح و مباشر وصريح الى ان يسنين لم ينتحر ابدا كما جاء في وسائل اعلام الدولة السوفيتية آنذاك ( وهو الرأي الذي يمكن القول انه لازال سائدا لحد الان  بشكل او بآخر في روسيا نفسها وفي خارجها ايضا  ) , وانما جرت تصفيته واغتياله  عمدا  وبتخطيط  دقيق و لئيم وحاقد, اذ ان مفهوم الانتحار يتناقض كليا وجذريا مع روحية يسينين الحالمة والشفافة و مع نتاجاته وافكاره ومسيرته , ولا مجال للحديث ضمن المقالة الحالية عن هذه النقطة المهمة والكبيرة جدا في تاريخ الادب الروسي , وتاريخ روسيا عموما , وتاريخ حياة يسينين وابداعه خصوصا , هذه النقطة التي تستحق بحد ذاتها مقالة تفصيلية حولها بلا شك اذ انها لا زالت غامضة وشبه مجهولة  خصوصا  للقارئ العربي . الانطباعات الاخرى المحيطة حولي بهذه المناسبة هو مهرجان الشعر الروسي في قرية ( قسطنطينوفو ) بمحافظة ريزان في قلب روسيا حيث ولد يسينين, اذ يجتمع الشعراء الروس وجمهور واسع وكبير من محبٌي يسينين وعشاٌق ابداعه الخالد وهم يتذكرون  قصائده  ويترنمون بها ويلقونها عن ظهر قلب, ويغنون  تلك القصائد  التي حوٌلها الموسيقيون الروس الى أغان, ويجتمعون عند التمثال الكبير له هناك ويضعون عند قاعدته باقات الزهور اكراما وتحية له ولذكراه , ويزورون المتحف الخاص به هناك والاماكن المرتبطة بمسيرة حياته, وكل ذلك تنقله طبعا وسائل الاعلام الروسية المختلفة  . ومن الانطباعات التي تحيطني حول هذه الذكرى هو النشاط الفيسبوكي الهائل والجميل للشاعر والمترجم الكبير للشعر الروسي الكلاسيكي و الحديث والمعاصر الدكتور ابراهيم استنبولي – العاشق السوري لشعر يسينين , ونشره – بهذه المناسبة - عدة قصائد مترجمة الى العربية مع نصوصها الروسية وصور متناسقة ورائعة معها  ليسينين والطبيعة الروسية الجميلة  التي الهمته تلك القصائد , وردود فعل القراء العرب تجاه ذلك واعجابهم ( وانا من ضمنهم طبعا ) , ولا يفوتني ان اتوقف عند طلبتي السابقين في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , اذ نشر منذر الملا كاظم ( الدكتور و التدريسي الان في القسم المذكور- انظر مقالتنا بعنوان - غوغول في العراق ) عدة مقاطع من قصيدة يسينين ( شاغانيه) بثلاث ترجمات عربية قام بها العراقي حسب الشيخ جعفر و المصري عبد الرحمن الخميسي والسوري مسوح مسوح , وكان رد الفعل جميلا وهائلا على هذا العرض الممتع و الاختيار الجميل لواحدة من اجمل قصائد يسينين واشهرها بترجمة ثلاثة فطاحل من المترجمين العرب , وتذكرت كيف كان الطلبة يتقبلون هذه القصيدة بحب وتعاطف واعجاب , عندما كنت اقوم بتدريس مادة الشعر الروسي عندئذ في القسم المذكور, ولا زلت ابتسم كلما اتذكر احد الطلبة الذي قال عندها , انه يتأسف كثيرا لأن يسينين التقى آنذاك فتاة فارسية و ليس فتاة عراقية , والا لكان عندنا الان قصيدة غزل جميلة في الشعر الروسي حول فتاة عراقية  مثل قصيدة ( شاغانيه ) ( يسميها حسب شاهانا والخميسي ش-ج- نيه ومسوح شاغاني ) حول تلك الفتاة الفارسية  , وكذلك تذكرت العميد الطيار  جبار - احد اصدقائي العسكريين الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي  في الايام الخوالي وتعرف على شعر يسينين وعشقه , و الذي كان يترنم بقصائده عندما نلتقي معا , وكان يصر دائما ان نزار قباني استوحى قصيدته ( رسالة الى امي ) من قصيدة يسينين وبنفس العنوان المذكور , وتذكرت أمجد (خريج الاتحاد السوفيتي ايضا ) والذي كان يعشق يسينين , ودرس اللغة الروسية مرة اخرى في القسم المسائي بكليتنا , واصدر كتابا في بغداد  يتضمن ترجمة لبعض قصائد يسينين مع مقدمة جميلة عنه, واصبح محاضرا في الكلية وحصل بعدئذ على الدكتوراه  من روسيا في اللغة الروسية , وتذكرت ايضا العامل الروسي ساشا , الذي حكى لي كيف اوقفته الشرطة السوفيتية مرة مع مجموعة اصدقاء كانوا يحتسون الفودكا بضجيج وعربدة , وكيف قضوا ليلتهم في موقف مركز الشرطة وهم يستمعون طوال الليل الى قصائد يسينين , اذ كان هناك واحد من هؤلاء  الاصدقاء يعشق  شعر يسينين ويحفظ  عن ظهر قلب كل دواوينه , وقد قال لي ساشا – ( انها كانت أجمل ليلة في حياتي !!!) ...  .
  اريد ختاما – وارتباطا بهذه المناسبة - ان استعرض مع القراء  العدد الخاص من صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الجريدة الادبية ) الروسية الاسبوعية  حول يسينين , والصادر بتاريخ 2 اكتوبر بهذه المناسبة , هذا العدد الجميل والذي استمتعت جدا وانا اطالعه.
 تصدرت الصفحة الاولى من تلك  الجريدة صورة كبيرة جدا وجميلة ليسينين بالابيض والاسود وهو يرتدي القبعة والمعطف الروسي الشتوي , وهي صورة رائعة للشاعر بوجهه الطفولي الجميل والمندهش ابدا, وفوق الصورة مقطع بحروف كبيرة باللون الازرق من قصيدة له ,  وتحتها جملة –  قبل 120 عاما ولد سيرغي يسينين , ثم تأتي كلمات بحروف بارزة , منها – ( في كل توهج اسماء الادباء الروس العباقرة ..., يتميٌز اسم سيرغي يسينين لانه يهدي للقلب الروسي رحيقا خاصا من السعادة ...ان الفن الرفيع هو معجزة دائما بهذا الشكل أو ذاك ..ومعجزة يسينين تكمن , في ان اسمه اصبح معروفا – وبدون مبالغة – لكل انسان روسي ..) . وفي الصفحة الرابعة نجد ثلاث مقالات عنه , الاولى (والتي شغلت ثلاثة ارباع الصفحة) بقلم رئيسة المجموعة الخاصة لدراسة نتاجات يسينين في معهد الادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية أ.د. نتاليا شوبنيكوفا - غوسييفا. تتناول هذه الدراسة جوانب جديدة ووقائع مجهولة في حياة يسينين وابداعه وتتحدث عن بداية الاعداد للموسوعة اليسينينية , مع التأكيد على ان روسيا ( تقف – ليس الا - على شاطئ ذلك المحيط الابداعي العميق بلا قعر  والمتناهي بلا حدود ... المحيط الذي يحمل اسم سيرغي يسينين ...). المقالة الثانية تتناول الفترة التي قضاها يسينين في الولايات المتحدة الامريكية مع زوجته الامريكية وموقف الصحافة الامريكية تجاهه , اما المقالة الثالثة فتتحدث عن اكتشاف مخطوطة لاحدى نتاجات يسينين في مكتبة لندن العمومية اثناء جرد الكتب الروسية فيها , والتي وصلت عن طريق احد الصحفيين الانكليز , الذي كان في زيارة الى موسكو في عام 1921 , وهي قصة في غاية الطرافة والغرابة . توجد في هذا العدد من جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ايضا مقالة اخرى حول يسينين في صفحة رقم 11 تتناول عرضا  لكتاب بعنوان ( يسينين والفن ) , والذي يقع في 567 صفحة والصادر عن اكاديمية العلوم الروسية عام 2014, وهو مجموعة مقالات لعدة مؤلفين , يتناولون فيها علاقة يسينين بالفنانين التشكيليين الروس في تلك المرحلة الغنية بالمدارس الفنية..
هذه نقاط عامة من هنا وهناك حول ذكرى ميلاد يسينين , هذا الشاعر الذي لا زالت روسيا تسعى الى اكتشاف اعماقه الابداعية , والذي لازال  شبه مجهول  في عالمنا العربي. 

819
من المعجم الروسي – العربي للأمثال الروسية (22)
--------------------------------------------------------------------
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثانية والعشرون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.ض.ن.
-------------------------------------------------------------------
الترجمة الحرفية – الغراب العجوز لا ينعق عبثا .
التعليق –  يضرب للحث على  ضرورة الاستماع الى ذوي الخبرة والتجربة في الحياة ونصائحهم وتحذيراتهم .
+++++
الترجمة الحرفية -  لكل صبر توجد نهاية.
التعليق –  هذا مثل عالمي طبعا , ويترجمه جابر هكذا – تحطم اناء الصبر/  او/  بلغ السيل الزبى , وقال لي احد الاصدقاء مازحا ان المقطع المعروف من اغنية ام كلثوم – (انما للصبر حدود يا حبيبي ) هو الاقرب الى هذا المثل في الوعي الاجتماعي العربي  , وربما هو على حق.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تتكلم النقود يصمت الضمير .
التعليق – يضرب في حالات الرشوة والفساد الاداري , وهي ظواهر تعرفها معظم المجتمعات الانسانية. توجد بالعربية امثال عديدة في هذا المعنى منها - عندما يتكلم المال يصمت الصدق ...
+++++
الترجمة الحرفية – سئ للنعاج اذا كان الذئب هو الراعي .
التعليق –  المعنى واضح هنا , وهو يذٌكر بالمثل العربي المعروف بكافة اللهجات العربية ( وباللهجة العراقية ) - حاميها حراميه .
+++++
الترجمة الحرفية – لتصل كلماتك الى اذن الرب.
التعليق – يضرب اجابة وتاكيدا  عند الدعاء لشخص جيد وطيٌب . توجد بالعربية امثال مناظرة وفي نفس المعنى , منها مثلا ( باللهجة العراقية ) -  الله يسمع من حلكك / من حلكك لباب السماء ( الحلك – الفم )..
+++++
الترجمة الحرفية –لا يمكن استرجاع الامس ولا الهروب من الغد.
التعليق –  يضرب لضرورة الخضوع لمنطق الاشياء وصيرورتها ومسيرتها بغض النظر عن رغبات الانسان.  يوجد مثل عربي معروف حول ذلك وهو - عقارب الساعة لا ترجع الى الوراء .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يستبدلون الخيل عند الاجتياز .
التعليق –  يضرب في حالات تنفيذ المهمات , اذ يجب التركيز على تلك المهمة  وليس طرح اقتراحات وتبديلات ..الخ . يترجم جابر هذا المثل هكذا -  لاتستبدل الاحصنة عند العبور , وهي ترجمة حرفية جدا , الا انها صحيحة طبعا .
+++++
الترجمة الحرفية –الحصان العجوز لا يفسد الاخاديد.
التعليق –  يضرب للاشادة بالشخص المحنٌك , الذي صقلته التجارب , وبالتالي لن يسئ الى اي عمل يناط  به , رغم ان بعض المصادر الروسية تضيف لهذا المثل جملة – ( لكنه لا يحرث عميقا ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الحاجة أقوى من القانون .
التعليق –  هذا مثل عالمي وهو واضح من حيث المعنى . توجد بالعربية امثال مناظرة له ومنها – الضرورات تبيح المحظورات / للضرورة احكام.
+++++
الترجمة الحرفية – نقف على الذهب , لكننا نتكاسل ان ننحني لالتقاطه .
التعليق –  يضرب لشجب الكسل الانساني الذي يؤدي الى ضياع فرص الحصول على المكتسبات.
+++++
الترجمة الحرفية – الطيبون يموتون لكن أعمالهم تبقى حيٌة.
التعليق –  معنى المثل واضح تماما . يوجد حديث شريف معروف وهو – اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث – صدقة جارية , او علم ينتفع به , او ولد صالح يدعو اليه .
+++++
 الترجمة الحرفية – لا يضربون الذئب لانه رمادي اللون , وانما لانه أكل النعجة .
التعليق – يضرب في ان العقاب يجب ان يكون نتيجة العمل الذي اقترفه المتهم  فقط , بغض النظر عن خصائص  ذلك المتهم  و صفاته . يوجد مثل باللهجة العراقية ( واظن انه موجود باللهجات العربية الاخرى ) قريب من حيث المعنى لهذا المثل الروسي وهو – كلمن ذنبه على جنبه .
+++++
الترجمة الحرفية – عش هكذا بحيث لا تذنب امام الرب ولا تخجل امام البشر.
التعليق – يضرب للحث على العيش الشريف والنظيف.
+++++
الترجمة الحرفية – البخلاء مثل النحل , يجمعون العسل ويموتون .
التعليق – يضرب لحرص البخلاء على ثروتهم وعدم التمتع بها. توجد امثال عديدة حول البخل بالعربية في هذا المعنى , منها – بشٌر مال البخيل بحادث او وارث ...
+++++
الترجمة الحرفية –  تشبع السمكة من السمك , والانسان من الانسان .
التعليق –  يقتات السمك على بعضه البعض , والمثل هنا يشير الى نفس العملية بالنسبة للانسان . يضرب لاستغلال الانسان لاخيه الانسان في المجتمع.
+++++
الترجمة الحرفية –     في الالوان والاذواق - لا يوجد رفاق .
التعليق – يضرب في ان لكل انسان ذوقه الخاص به شخصيا ولا علاقة لذلك مع رفاقه الآخرين  بتاتا.
+++++
الترجمة الحرفية – عند الذهاب الى الصيد يجب اطعام الكلاب .
التعليق – يضرب في ان الاستعدادات والتهيئة للعمل يجب ان تتم قبل العمل وليس في اللحظات الاخيرة .
+++++
الترجمة الحرفية – على كل فم غريب لا يمكن ان تضع منديلا .
التعليق – يضرب في عدم امكانية كم افواه كل الناس ومنعهم من الثرثرة والقشب .
+++++
الترجمة الحرفية – المكان لا يجمٌل الانسان , بل الانسان يجمٌل المكان .
التعليق – يضرب في ان الانسان الذكي والموهوب , والذي يتقن عمله , يكون مفيدا  وبارزا في كل مكان , بغض النظر عن منصبه او موقعه , وان الانسان أهم من موقعه الاجتماعي .
+++++
الترجمة الحرفية – جهٌز الزلاقة في الصيف وعربة الخيل في الشتاء.
التعليق –  يضرب للحث على اجراء  الاستعدادات مسبقا . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي -  جهٌز ما تحتاج اليه قبل موسمه , وهي ترجمة تفسيرية صحيحة ودقيقة .



820
هنري ترويا والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
ولد ليف ارسينوفيتش تاراسوف عام 1911 بموسكو في عائلة غنية من التجٌار ذات الاصل القوقازي والمنحدرة من الشركس والارمن, و بقي في روسيا  تسع سنوات لا غير , اذ هاجر عام 1920  مع  عائلته الى فرنسا (لأن تلك العائلة لم تتقبل ثورة اكتوبرالاشتراكية  عام 1917 , كما هو حال  الكثير من  مواطني الامبراطورية الروسية  الاثرياء آنذاك ), واستقرٌ مع عائلته  في فرنسا  منذ ذلك الحين  الى وفاته عام 2007  في باريس , اي انه بقي في فرنسا اكثر من خمس و ثمانين سنة , ولكن باسم آخر اختاره بشكل سريع  وعفوي  وهو -  هنري ترويا , واصبح كاتبا فرنسيا شهيرا و معروفا و مرموقا و حتى عضوا في الاكاديمية الفرنسية عام 1959 , وحاز على العديد من الجوائز الادبية ( منها جائزة غونكور المعروفة عن رواية بعنوان ( العنكبوت ) التي نشرها باللغة الفرنسية  في باريس وكان عمره آنذاك 27 سنة ليس الا ) , و لكنه – مع ذلك -  لم ينس وطنه الام  ابدا , اي روسيا ,  وهكذا , وعلى الرغم من انه اصبح  يمٌثل ويجسٌد ظاهرة ثقافية متميزة  متكاملة بحد ذاتها في تاريخ الثقافة الفرنسية ومسيرتها في القرن العشرين , ولكنه بقي متميزا  في مجال العلاقات الثقافية الروسية – الفرنسية بشكل عام طبعا , وكانوا يسمونه اكثر الادباء الفرنسيين روسيٌة , لأن الموضوعة الروسية تغلغلت في اعماق معظم نتاجاته الابداعية وانعكست بشكل واضح ومباشر وصريح في رواياته وكتاباته حول السيرة الذاتية للكثير من الشخصيات الروسية, وليس من باب الصدفة ابدا ان ابنته قد اهدت كل ارشيف والدها الى روسيا عام 2009 , اي بعد وفاته بسنتين ليس الا ( بما فيها وثائق روسيٌة اصلية استطاع ترويا الحصول عليها - بصعوبة كبيرة و دفع من اجل الحصول عليها  أموالا طائلة - ترتبط حتى بعصر بوشكين , ومخطوطات كثيرة  لم يسبق له ان نشرها ) , واعلنت ابنته امام وسائل الاعلام  الروسية والعالمية , ان تراث والدها هنري ترويا  قد عاد الى الوطن - الام الآن , وان روسيا جديرة بذلك الارشيف قلبا وقالبا كما يقولون  .
 أصدر هنري ترويا  اكثر من مئة كتاب بالفرنسية بين روايات وقصص ودراسات لشخصيات تاريخية وادبية فرنسية وروسيٌة ,  تتناول سيرتهم الذاتية والغور في اعماق افكارهم وتحليل اعمالهم وتسجيل مآثرهم ...الخ, وكانت المواضيع الروسية من التاريخ  والادب الروسي في مقدمة تلك الكتب , اذ انه نشر العديد من السير الذاتية للقياصرة الروس امثال يكاترينا  وبطرس الاعظم  وايفان الرهيب ونيقولا الاول...الخ , و بينها ايضا  عشرة كتب عن الادباء الروس الكبار في القرنين التاسع عشر و العشرين ( ويوجد كتاب شبه جاهز في مسوداته لم ينشره في حينه حول الكاتب الروسي الكبير غونتشاروف ), وقد اصبحت تلك الكتب مصادر مهمة جدا حول هؤلاء الادباء الروس , و تم أخذها بنظر الاعتبار وشغلت مكانتها العلمية الجديرة بها  حتى  في روسيا  نفسها , وفي العالم بشكل عام  ايضا , و تم ترجمتها من اللغة  الفرنسية الى العديد من اللغات الاجنبية , بما فيها لغتنا العربية . (( تحتاج الترجمات العربية لكتب ترويا دراسة  موسٌعة  ومعمٌقة خاصة  بها, اذ انها كثيرة جدا وتشمل  اعمالا ابداعية  مختلفة من روايات وسير ذاتية لادباء روس وفرنسيين  , واتمنى ان يتناولها يوما – ما  أحد المتخصصين في اللغة الفرنسية  وآدابها وبالتعاون مع متخصصين باللغة الروسية وآدابها, ونذكر هنا – على سبيل المثال وليس الحصر طبعا -  ان  وزارة الاعلام العراقية  نشرت عام 1987 كتاب هنري ترويا عن تشيخوف , وقد قام  بترجمته  عن الفرنسية خليل الخوري وبمراجعة الدكتور علي جواد الطاهر , وهناك ترجمة اخرى لهذا الكتاب نفسه  قامت بها حصة منيف وصدرت في القاهرة عام 2000 ,( ومقارنة الترجمتين تصلح – بلا شك – لكتابة اطروحة ماجستير شيٌقة يتعاون في انجازها  قسما اللغة الفرنسية و الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد ), علما ان حصة منيف قد ترجمت ايضا كتابا آخر لترويا حول غوغول بعنوان – غوغول سيرة نفس ممزقة , وصدر عام 2010 , وهناك ترجمات اخرى لكتب ترويا حول دستويفسكي وتولستوي وبوشكين ساهم بانجازها  المترجمون العرب  -  بهيج شعبان وفؤاد ايوب وخليل الخوري في اواسط القرن العشرين , عدا الاعمال الروائية العديدة له والتي تمت ترجمتها الى العربية , وبعض تلك الروايات ترتبط بالموضوعة الروسية ايضا .)) .
 الادباء الروس الذين كتب عنهم  هنري ترويا  مؤلفاته  باللغة الفرنسية – وحسب تواريخ اصدار تلك الكتب  -  هم  كل من –
دستويفسكي (1940 ) و بوشكين ( 1946 ) وليرمنتوف (1952) و تولستوي ( 1960 ) و غوغول ( 1971 ) و تشيخوف ( 1984 ) و تورغينيف ( 1985 ) و غوركي ( 1986 ) و تسفيتايفا ( 2001 ) و باسترناك ( 2006) .
كتب ترويا كل هذه الكتب في فرنسا  ,   و هذا يعني طبعا انه كانت لديه امكانية الاطلاع  بسهولة على الوثائق اللازمة والضرورية وباللغات الروسية والفرنسية وبقية اللغات الاجنبية عن حياة وابداع هؤلاء الادباء دون اي (تحفٌظ ) ايديولوجي  , ودون ( اطارات ) سياسية محددة  , اي انه كان يمتلك حرية التصرف والاختيار والكتابة كما يشاء ,  بغض النظر عن التحديدات الرسمية والايديولوجية التي كانت سائدة في تلك الفترة بروسيا امام باحثيها وناقديها  , وهذا هو الاختلاف والتباين الحقيقي و الاساسي والجوهري والمهم جدا بينه وبينهم , والتي جعلت تلك الكتب متميزة نوعيا عن كل الدراسات النقدية والتحليلية , التي صدرت عن هؤلاء الادباء في روسيا السوفيتية آنذاك , واود ان أشير الى ان معظم تلك الكتب قد تم ترجمتها و صدرت بالروسية  في روسيا في الفترة الاخيرة – نسبيا - ليس الا, وهذه مسألة اساسية ومهمة جدا وتمتلك معاني واضحة و محددة, اذ انها تعني – قبل كل شئ -  ان تلك النظرة الذاتية لهنري ترويا الى هؤلاء الادباء لم تكن تتلائم او تنسجم  او تتناغم - بشكل او بآخر - مع النظرة السوفيتية اليهم  عندما ظهرت تلك الكتب في فرنسا في تلك السنين كما أشرنا أعلاه  , فلم يتناول النقد الادبي الروسي  في تلك الفترة هذه الجوانب الشخصية والذاتية  – ولكن المهمة والمؤثرة   جدا – لهؤلاء الادباء, بل ان بعض نقاد الادب والباحثين السوفيت في هذا المجال  قد تهجموا على هنري ترويا بشأن حديثه عن تلك الجوانب الذاتية  والشخصية لهؤلاء الادباء , معتبرين ايٌاها  فضولا ليس الا  , ولكن الواقع يؤكٌد ان تقبٌل القارئ الروسي  المعاصر لتلك الكتب بصورة حماسية هائلة  ومذهلة , لانها تناولت -  بالذات - و بشكل انساني وطبيعي تلك الجوانب الشخصية المخفية – والحقيقية طبعا - حول هؤلاء الادباء اثناء حياتهم  , والتي كان الحديث عنها شبه ممنوع , او  بتعبير أدق غير مرغوب  في حينها , وقد أضفت هذه الجوانب الذاتية والشخصية  على تلك الكتب بالطبع حيوية كبيرة جدا .
موضوعة هنري ترويا والادب الروسي تنتظر الباحثين والمترجمين العرب لسبر اغوارها وتقديمها للقارئ العربي كما يجب وكما تستحق رغم كل الملاحظات التي تدور حولها في الاوساط  الادبية الروسيٌة.   


821
وفد اتحاد ادباء روسيا يزور فلسطين
أ.د.ضياء نافع
----------------------------------------------
الى الشاعر والمترجم المبدع الاستاذ نزار سرطاوي.
ض.ن.
زار فلسطين وفد من اتحاد ادباء روسيا للمشاركة في اعمال الملتقى الثقافي التربوي السابع في رام الله  للفترة من 28 تموز/ يوليو  الى 4 آب / اوغسطس من هذا العام 2015 , وقد  نشر الاديب الروسي  فلاديمير كروبين مقالة جميلة ومهمٌة بعنوان – ( فلسطين ) ((و هي في الواقع  تكاد ان تكون بحثا علميا معمٌقا جدا يقع في أكثر من  تسع صفحات , و قد استخدم فيه العديد من المصادر العلمية المهمة والمعتمدة )) , و  تتضمن  هذه المقالة معلومات هائلة  و دقيقة وفي غاية الاهمية – من وجهة نظرنا - حول فلسطين وتاريخها وماذا يعني كل ذلك للانسان الروسي و كيف ينعكس ذلك في اعماق الوعي الاجتماعي لروسيا بشكل عام , و كذلك تناولت  المقالة خصائص  الشعب الفلسطيني  وصفاته الطيٌبة والعلاقات الروسية – الفلسطينية عبر التاريخ  , وموقف اتحاد ادباء روسيا تجاه هذه العلاقات , والانطباعات الذاتية الخاصة  التي خرج بها الوفد بعد هذه الزيارة  التاريخية ...الخ  , ونود في هذه السطور ان نعرض تلك المقالة ( او بالاحرى - البحث العلمي )  للقارئ العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص , لأننا نرى فيها وقائع ومواقف  فكرية مهمة جدا بالنسبة  لفلسطين والقضية الفلسطينة والعلاقات العربية – الروسية الفكرية بشكل عام , و انا على قناعة تامة بان علينا – نحن العرب – ان نطلع على هذه المقالة  بامعان وتفصيل , ونأخذها بنظر الأعتبار حتما بالنسبة للقضية الفلسطينية وموقف روسيا منها , وذلك باعتبارها وثيقة من الوثائق المهمة التي يمكن الاعتماد عليها لاحقا والاشارة الى ما جاء فيها  في هذا المجال الحيوي الكبير والمهم جدا لنا , خصوصا في هذا الزمن الردئ , الذي تجري فيه الان  - كما هو معروف – محاولات دولية مريبة  - هنا وهناك - لنسيان القضية الفلسطينية  او التقليل من قيمتها و اهميتها بالنسبة لعالمنا العربي بمجمله و تأثيرها على مصيره وارتباطها العضوي بهذا المصير.
عنوان  المقالة  كما أشرت اعلاه هو – ( فلسطين ) , ويضع  الكاتب الروسي  كروبين عنوانا ثانويا  لها وهو مثل روسي معروف, والترجمة الحرفية  لهذا المثل  هي كما يأتي – (عش كما تشاء , لكن اياك ان تتنفس ) , وهو يذكرنا بالمثل العربي بمختلف اللهجات العربية   – ( قرصة < كرصة> خبز لا تكسرين واكلي الى ان تشبعين) ( باللهجة العراقية ) , وعند قراءة تلك  المقالة بدقة وعمق وتأمل ,  نفهم فحوى الاستشهاد بهذا المثل الروسي في  العنوان الثانوي لتلك المقالة ورمزيته الفذٌة , اذ ان الكاتب اراد ان يلخٌص و يعرض و يصف – وبشكل مركٌز جدا -  موقف اسرائيل تجاه فلسطين والشعب الفلسطيني , ويرسم وصفا مضغوطا و واقعيا و صحيحا ولاذعا فعلا وبكل  ما تعني  كل مفردة من هذه المفردات من معنى محدد ودقيق حول ذلك.
       تبتدأ المقالة بتعريف كلمة ( فلسطين ) نفسها , والتي يعتبرها  الكاتب - (.. عتيقة    ..ورائعة..وخالدة ..وهي بالنسبة لأرثذوكس روسيا كانت تعني دائما ..الارض المقدٌسة ..) , ثم ينتقل الى الاستشهاد بالقاموس الموسوعي الارثذوكسي الكامل ,  والصادرفي روسيا عام 1903 , والذي يسميٌ فلسطين (.. أرض الرب ..التي ذكرها الكتاب المقدٌس ..) , ويذكر عدد سكانها من المسلمين والمسيحيين  العرب آنذاك , والذين كانوا يشٌكلون النسبة شبه المطلقة في فلسطين , ويشير الى انه بدأ في روسيا عام 1997 اصدار الموسوعة الارثذوكسية , وانها وصلت لحد الان الى 36 مجلدا , وعلى الرغم من انها لم تصل بعد الى مفردة - ( فلسطين ) , الاٌ انه متأكد ان الارقام عن عدد سكانها ونسبتهم  ستكون مختلفة طبعا عن أرقام القاموس الموسوعي لعام 1903 المشار اليه اعلاه , ولكن (.. الشئ الوحيد الذي سيبقى دون تغيير هو هذا الشغف الارثذوكسي من روسيا تجاه فلسطين , وكذلك حب الفلسطينيين لروسيا..). ويتوقف الكاتب بعدئذ عند تفاصيل تاريخية طويلة ويعرضها بشكل ممتع وجذٌاب ويستند الى مصادر دينية وتاريخية لا يمكن الشك بصحتها وصوابها , ولا مجال هنا وفي اطار هذا العرض السريع للمقالة التوقف عند تفاصيلها وموضوعيتها وعلميتها .
تتحدٌث المقالة لاحقا عن تلك الانطباعات وتفصيلاتها و التي خرج بها الكاتب كروبين وهو يشاهد الحياة الفلسطينية اليومية  مشاهدة حيٌة امامه, بل ويلمسها لمس اليد كما يقال ,ويصل الى استنتاج رهيب وكبير جدا( ولكنه  منسي من قبل العالم مع الاسف نتيجة التعتيم الاعلامي المتعمد والمخطط له طبعا ) وهذا الاستنتاج هو , ان الفلسطيني يعد مواطنا من الدرجة الثانية في اسرائيل , مواطنا منبوذا ومحكوما  - بلا محاكمة -  بانه ارهابي , ويستشهد بتصريح ل ( وزير العدل !!!) الاسرائيلي الذي يقول فيه ان ( الاطفال الفلسطينيين هم ثعابين صغيرة ويجب عدم الشفقة عليهم ), ويشير كروبين  - من جانب آخر - الى شئ شاهده وتلمٌسه ايضا هناك , وهو ان الاسرائيليين يخافون من الفلسطينيين , رغم انهم مدججون بمختلف انواع الاسلحة امامهم , بينما الفلسطيني لا يمتلك اي سلاح , ويستنتج – وهو على حق – ان هذا هو شعور واحساس المحتلين في كل مكان وزمان دائما وابدا , و يا لها من ملاحظة ذكية ودقيقة ورائعة ومهمة من قبل الكاتب الروسي  كروبين وهو يتجول في المدن الفلسطينية الان ويشاهد بعيون فاحصة وثاقبة كل هذه الظواهر المخفية بالنسبة للعالم , وحتى بالنسبة لنا نحن العرب , ومن وجهة نظرنا , فان هذا الاستنتاج يعد نقطة جوهرية جدا في هذه المقالة , نقطة تمتلك فعلا قيمة كبيرة بالنسبة لنا جميعا في العالم العربي , لأنها جاءت على لسان اديب اجنبي كان يشاهد ما يجري في الواقع على الارض دون رتوش اعلامية , وكم اتمنى من وسائل الاعلام العربية بشكل عام والفلسطينية بشكل خاص ان تؤكد على هذه النقطة المهمة في توجهها الى المتلقي العربي ( لأنه يخضع لعملية نسيان هذه الحقيقة ) , والى المتلقي الاجنبي ( لأنه لا يعرف أصلا هذه الحقيقة ) .
يختتم كروبين مقالته الممتعة هذه بمقاطع من قصيدة كتبها في فلسطين الشاعر الروسي المعاصر وعضو وفد اتحاد ادباء روسيا  غينادي ايفانوف, والقاها في الحفل الختامي لاعمال الملتقى الثقافي التربوي السابع في رام الله, ومنها هذه الابيات -                                                   
اناس الحقيقة والعدالة والارض –  هذه هي فلسطين ,
اناس الشعر والثقافة والشرف – هذه هي فلسطين  ,
اناس الجمال الروحي والجسدي  - هذه هي فلسطين ,
اناس قريبون لي , واقرباء لروسيا  - هذه هي فلسطين .
مقالة الكاتب الروسي فلاديمر كروبين تستحق الترجمة الى العربية حتما , كي يطلع عليها القارئ العربي لما تتضمن من معلومات وثائقية ومواقف موضوعية تجاه فلسطين , ويستحق كاتبها طبعا التصفيق الحاد...

822
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (21)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الحادية والعشرون من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية .
ض.ن.

الترجمة الحرفية – الدموع سوائل لكنها مرٌة .
التعليق –الماء سائل  بلا طعم ولون ورائحة , لكن الدموع تعني المرارة  رغم كونها من  السوائل . يضرب هذا المثل عند الاحساس بالمعاناة والالم, وبالتالي , البكاء جراء ذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الزوج السئ الزوجة حمقاء دائما .
التعليق –  هذا مثل يدافع عن الزوجات ضد أزواجهن بشكل عام , اذ ان الزوج هو السئ او الاحمق  عندما يشير دائما الى ان زوجته سيئة او حمقاء . يضرب هذا المثل للتأكيد ان كلا الطرفين مسؤولان عن حياتهما الزوجية المشتركة, لكن الزوج  - مع ذلك - هو المسؤول الاول   .
+++++
الترجمة الحرفية – ثق أكثر بالاعمال وليس بالاقوال .
التعليق –  يضرب لاهمية الاعمال مقارنة بالاقوال والثرثرة الفارغة والتي لا قيمة لها , وهو مثل عالمي طبعا . توجد امثال عربية عديدة في هذا المعنى , منها المثل العربي المعروف الذي استشهدنا به عدة مرات في هذه السلسلة  وهو  -  الافعال أبلغ من ألاقوال / او / – العمل أبلغ خطاب...
+++++
الترجمة الحرفية – الزمن يداوي .
التعليق –  مثل عند معظم الشعوب , ومعناه واضح جدا , وبالعربية نقول -  لا يوجد حزنا مهما كان لا يخففه الزمان...
+++++
الترجمة الحرفية – السعادة أفضل من الثروة .
التعليق –  يضرب في ان السعادة بالذات هي هدف الحياة  الانسانية وليس الثروة والغنى  . 
+++++
الترجمة الحرفية –       رجاء الاغنياء – أمر صارم .
التعليق –  يضرب في ان الاغنياء دائما أقوياء بسبب ثروتهم , ولهذا فان كل ما يطلبونه يخضع لقوة ثروتهم حتى ولو كانوا يرجون ذلك, لأن هذا الرجاء لا يمكن ان يرفض .
+++++
الترجمة الحرفية – النقود ذات أجنحة وتطير.
التعليق –  مثل روسي ساخر يضرب عندما يجري صرف النقود دون مسؤولية و دون الاخذ بنظر الاعتبار اهميتها وقيمتها الحقيقية. 
+++++
الترجمة الحرفية – دون ان تبتل الايدي لا يمكنك ان تغتسل.
التعليق –  يضرب للتأكيد على الحلول الواقعية والبديهية والمنطقية  لكل شئ, والتي لا يمكن التغاضي عنها او عدم الاعتراف بها  في مسيرة الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الصديق المخلص  لا ثمن له .
التعليق –  يضرب لقيمة الاصدقاء المخلصين الصادقين , والذين لا يمكن ان تشتريهم بأي ثمن مهما كان .
+++++
الترجمة الحرفية -  اصبر ايها القوزاق , ستصبح قائدا .
التعليق - يترجم جابر في قاموسه هذا المثل كما يأتي - من صبر ظفر / الصبر مفتاح الفرج , وهي ترجمة سليمة بلا شك , الا انها  عامة جدا و غير كافية لترجمة ابعاد هذا المثل الروسي الخاص بفئة المقاتلين القوزاق  وصفاتهم التي يتميٌزون بها , واظن ان الاحتفاظ بالترجمة الحرفية  لهذا المثل أفضل من اجل توضيحه.
+++++
الترجمة الحرفية -  عش قدر ما تريد , لكن اياك  ان تتنفس.
التعليق –  مثل روسي يذٌكر بالمثل العربي  ( باللهجة العراقية ) – كرصة ( قرصة ) خبز لا تكسرين واكلي الى ان تشبعين . يضرب للتناقض الرهيب وغير المنطقي بين الواقع والوقائع المضادة له .
+++++
الترجمة الحرفية – الملعقة غالية عند الغداء.
التعليق – الملعقة ذات قيمة كبيرة عندما يحل موعد الطعام. يضرب هذا المثل للتأكيد على ان لكل شئ ضرورته و قيمته واهميته عندما تحين ظروف استخدامه , مهما يكن هذا الشئ صغيرا او منسيا او بلا اهمية .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الكذب أرجل قصيرة .
التعليق –  مثل عالمي يضرب لوصف الكذب ,و استقر بالعربية كما يأتي - حبل الكذب قصير.
+++++
الترجمة الحرفية – القوة ليست بالقوة وانما بالحقيقة .
التعليق – يضرب لتمجيد الحقيقة في الحياة الانسانية وقوتها وانتصارها .
+++++
الترجمة الحرفية – العين ترى بعيدا , لكن العقل يرى أبعد .
التعليق – يضرب للتأكيد على دور العقل والحكمة والتفكير السليم .
+++++
الترجمة الحرفية – فجأة لن تصبح صديقا.
التعليق – الصداقة تتطلب الزمن الكافي والضروري لها كي تتبلور وتتوطد بين البشر . يضرب لضرورة مراعاة شروط الصداقة وعدم التسرع باعلانها . 
+++++
الترجمة الحرفية – دون ضيق لن تعرف الصديق.
التعليق – الوجه الآخر للمثل العربي والعالمي طبعا – الصديق وقت الضيق . يضرب للتأكيد على قيمة التجربة الواقعية والحقيقية للصداقة اثناء الازمات والضيق . يذٌكرنا ايضا ببيت الشعر الذي ذهب مثلا وهو –   
وما أكثر الاخوان حين تعدٌهم     ولكنهم في النائبات قليل .


823
الشاعر الداغستاني محمد أحمدوف
ترجمة و تقديم – أ.د. ضياء نافع
 
محمد أحمدوف – شاعر وناقد ومترجم , يكتب باللغتين الأفارية والروسية. ولد أحمدوف عام 1955 في داغستان , وتخرٌج عام 1979 في معهدغوركي للادب في موسكو , وعمل في داغستان في مختلف المؤسسات الثقافية من دور نشر ومجلات وصحف ومنظمة اتحاد الادباء واصبح رئيس تحرير احدى الصحف الداغستانية ...الخ , وفي عام 2004 تم انتخابه رئيسا لفرع اتحاد ادباء روسيا في داغستان .
بدأ أحمدوف بنشر قصائده باللغة الأفارية منذ السبعينات من القرن الماضي في الصحف والمجلات المختلفة , وظهر اول ديوان له عام 1979 بعنوان ( رسائل ليٌليٌة ) , وهكذا أصدر بعد ذلك مجاميع شعرية عديدة منها – ساعة الخريف  // انشودة الزمان // الايام // قصائد المدينة // السنوات // الشاعر //الشاعر والشعب // الشاعر والوطن // ... , ثم بدأت تصدر له دواوين باللغة الروسية , منها – نبي الحب // الشيب // صلاة واغنية // نجوم كلاسيكية // ...وقد ترجم أحمدوف من اللغة الروسية الى الأفارية كثيرا من قصائد بوشكين وبلوك و  يسينين والعديد من الشعراء الروس المعاصرين.. وهو حائز على عدة جوائز ومداليات ادبية منها – مدالية ليرمنتوف وجائزة الدولة في مجال الادب والجائزة الاولى من صندوق رسول حمزاتوف ...
نقدم للقراء قصيدتين من قصائده وهي – حسب علمنا المتواضع – تنشر لاول مرة باللغة العربية .
+++++++++++++

 
نجم الحب لا يخفت               
 
على تلك الأرض , حيث ولدت أنا
نجم الحب لا يخفت .
على تلك الأرض ,حيث ولدت أنا
قلق القلب لا يخفت.
أنا ,
عند الموقد هنا ,
أنقذ نفسي
من وحدتي,
ومن هذه النيران أنا
أجمع – من أجل الحياة – قوٌتي.
القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا .
========================================================================================================================
زهرة الليل                               

احترقت شمس النهار وانطفأت,
والزهور كلها غفت,
والنوم والاحلام فقط
على الارض بقت .
ولكن زهرة واحدة فقط
خلال الاحجارنمت ,
وحتى الفجر متوهجة
طوال الليل بقت.
كالنجم في السماء,
كالشمعة في ظلام الفضاء
كانت تغني,
والآخرون يلوذون بالصمت.
ومن هذا الجمال,
بين المنام والخيال,
كل نجوم الارض
كانت تنهض من جديد.
.....................
....................
.....................

 

824
كنت في بيت غوغول بموسكو
أ.د. ضياء نافع
لأن غوغول لا يمتلك بيتا ولا عائلة في روسيا (رغم انها جارت عليه فهي عزيزة طبعا !), كان الاصدقاء يفتحون له أبواب بيوتهم ويستضيفونه فيها بكل رحابة صدر وحب ولأي فترة يشاء, وهكذا استقر غوغول في الثلاث سنوات الاخيرة من حياته في هذا البيت , الذي تحول الان الى متحف في غاية الروعة و الجمال والرشاقة والروح الابتكارية  الابداعية , ( المتحف الذي يساعد الناس على فهم غوغول بشكل أعمق ) كما قال عنه أحد النقاد .
 عندما اقتربت من سياج ذلك البيت, هذا السياج الذي رأيته عشرات  السنوات وعشرات المرات في الصور الموجودة في الكتب والمصادر الروسية العديدة حول غوغول ,( والذي كنت أحلم ان ازوره يوما كي أشاهد تلك الجدران التي احتضنت غوغول أواخر ايام حياته ), أقول , عندما اقتربت من ذلك السياج بدأ القلب ينبض بشكل غير اعتيادي , و تذكرٌت شاعرنا العربي العاشق, الذي كان ( يقٌبل ذا الجدار وذا الجدارا)...,  و لاح تمثال غوغول في الفناء أمام ذلك البيت , هذا التمثال الذي افتتحوه في موسكو عام 1909 لمناسبة الذكرى المئوية الاولى لميلاده , والذي لم يكن يحبه ستالين عندما كان يمر يوميا جنبه عندما كان يذهب للعمل في الكرملين , والذي – بسبب هذا اللاحب – رفعوه  و وضعوا بدلا عنه تمثالا آخر لغوغول يتناغم مع مفاهيم ستالين وافكاره , ( انظر مقالتينا بعنوان قصة  تمثال غوغول في موسكو / و/ عود على قصة تمثال غوغول في موسكو ) . وقفت عند هذا التمثال الخالد للنحات الروسي أندرييف , الذي صبٌ فيه كل أفكار غوغول وابعادها المضحكة والمبكية و الحزينة والغرائبية والعميقة والمتنوعة والواقعية والخيالية ....الخ.. وتأملته بامعان   وهو جالس و يرتدي (معطفه ) العتيد ملتفتا قليلا الى اليسار ويحدٌق فيما يجري حوله بحزن شديد (و كدت أقول برعب هائل ), وفي اسفل  قاعدة هذا التمثال وجدت كل أبطال غوغول يحيطون به من كل الجوانب , وتأملتهم بدقة وتحدثت اليهم ( وعنهم ) مبتسما, اذ انهم اصدقائي . ها هو ذا خليستيكوف – المفتش المزيٌف متحدٌثا مع بوبتشينسكي ودوبيشينسكي المرعوبين منه , وها هو تشيتشيكوف يشتري ألارواح الميٌتة  للفلاحين الاقنان من الاقطاعيين هنا وهناك وملامح الخداع والحيلة واضحة في عينيه , وها هو تاراس بولبا بخصلة شعره الغريبة  شاهرا سيفه العتيد في تلك المعارك الرهيبة, وها هو الموظف المسكين اكاكي اكاكيفتش مرتديا معطفه الذي طاف به بلدان العالم ولا يزال , وها هو بطل  قصة الانف يركض مندهشا وراء الانف في شوارع بطرسبورغ  , وها هو ذاك الذي يحمل اطار لوحته التي سيخرج منها البطل حيا , وها هوذاك وها هوهذا وها هو ...آه ما أكثرهؤلاء الابطال الغرباء  الاطوار والمجانين و لكنهم – مع ذلك - يحيطوننا في كل مكان وزمان ويعيشون معنا لحد الان ويشاركوننا – شئنا أم أبينا - كل الهموم والمعاناة والمصائب في حياتنا اليومية الكئيبة والمعقدة والصعبة...
أترك التمثال وتلك ألاجواء المحيطة به وأفتح باب البيت - المتحف وأدخل. أدفع ثمن البطاقة . في الغرفة الاولى أرى معطفا معلقا عند المدخل . انه طبعا نفس ذاك المعطف الغوغولي الشهير. أنظر اليه بامعان وتأمٌل وابتسم . امام المعطف يوجد صندوق حديدي يحتوي على تلك الحاجيات البسيطة للموظف (العالمي!!!) المسكين . انتقل الى الغرفة الاخرى , واسمها غرفة المفتش . هناك نفس تلك المنضدة التي جلس خلفها غوغول وهو يقرأ نص مسرحيته الشهيرة . نجلس على مصطبة امام تلك المنضدة وفوقنا صورة القيصر الروسي الذي حضر العرض الاول لتلك المسرحية عام 1836 , ونستمع الى جملة غوغول في بداية تلك المسرحية الخالدة عن دعوته لاعلامهم بالنبأ الاكثر ازعاجا وهو الخبرعن امكانية وصول المفتش الى بلدتهم ... ثم ننتقل الى الغرفة الاخرى حيث سرير غوغول والمنضدة التي كان يكتب عليها واقفا . كم هي متواضعة تلك الغرفة , والتي كان يستقبل فيها اقرب الاصدقاء .جنبها كانت الغرفة الرهيبة , والتي تحتوي على موقد التدفئة , وامامها الكرسي الذي جلس عليه غوغول امام  ذلك الموقد وأخذ يحرق الجزء الثاني من روايته العظيمة – ( الارواح الميتة ) وبقية أوراقه الاخرى وهو يحدٌق فيها بحزن . واجتمعنا هناك , وأغلقوا الستائر , وأشعلوا المدفأة كهربائيا , وبدت الاوراق تحترق امامنا . آه يا له من منظر مؤلم ورهيب وحزين . ثم ننتقل الى الغرفة المرعبة , والتي توفي فيها غوغول. يجلسوننا على مصطبة وامامنا مرآة قديمة على واجهة دولاب قديم , وخلفنا القناع الذي عمله نحات لوجه غوغول عندما توفي . يوجهون حزمة ضوء ( بروجكتور ) على القناع بعد ان يسدلوا الستائر وتصبح الغرفة معتمة , ووراء القناع تلك الاريكة التي توفي عليها غوغول , ونرى في المرآة وكأنه راقد هناك وقناع وجهه وكأنه يضطجع على الوسادة  وقد فارق الحياة , ويصدح مع هذا المنظر الرهيب غناء كنسي حزين يصاحب عادة تلك الاحداث . يستمر هذا العرض عدة دقائق ويتحسس المشاهد كل تلك الاجواء الرهيبة والحزينة عندما رحل غوغول عن الحياة  , وبعد ان ينتهي العرض نرى تمثالا من البرونز عنوانه – غوغول الذي يموت , يجسٌد الكاتب وهو شبه جالس على كرسي والالم ينعكس على وجهه بشكل واضح وعنيف . ننتقل بعدئذ الى الغرفة الاخيرة , حيث يعرض هذا المتحف لوحات مجسٌمة لنتاجات غوغول مع موسيقى تتناسب وتلك النتاجات , وهناك شاهدنا لوحات مجسمة و مدهشة جدا لتلك الاعمال الابداعية له . لقد وقفت طويلا عند لوحة مجسمة لقصة شارع نيفسكي وقد صورها الفنان رأسا على عقب , لدرجة ان احد المشاهدين لم يستوعب الفكرة وسأل – ( لماذا الشارع بالمقلوب ؟ ) فضحكت المشرفة على تلك الغرفة وقالت له – ( اسأل غوغول ) ,أما اللوحة التي تجسٌد قصة يوميات مجنون فقد كانت تصوٌره وهو يبحلق في الفراغ ويعلق قلما في منتصف جبينه شامخا أعلى من رأسه  رمزا  للتاج , اذ ان المجنون يعلن في نهاية القصة انه ملك اسبانيا , لكن الجميع لا يعترفون به , وكانت اللوحات الاخرى لا تقل روعة وجمالا ,وخصوصا تاراس بولبا والمفتش والارواح الميتة ...الخ تلك النتاجات الابداعية الخالدة لغوغول .لقد وقفت طويلا وأنا اتامل هذه الاعمال الفنية لدرجة ان مسؤولة المتحف انتبهت الى ذلك وسألتني – من أي بلد انت ؟ ولما قلت لها انني عراقي اندهشت بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى وقالت لي انني أول عراقي تراه يزور متحف غوغول ويتأمل المعروضات بهذا الشكل ويهتم بكل تفاصيلها ويتفحصها بدقة , وطلبت منٌي أن أكتب في دفتر الزيارات شيئا – ما عن انطباعاتي , فكتبت بالعربية جملة حول هذا المتحف واهميته بالنسبة للكاتب العظيم والذي يعرفه القارئ العراقي والعربي عموما , والذي نقرأ نتاجاته الخالدة بلغتنا العربية منذ سنين طويلة ونتفهمها بعمق .
ان هذا المتحف الفريد بكل معنى الكلمة من نوعه  فعلا  يستحق ان يكون رمزا ونموذجا لمتاحف الادباء  في العالم ( وكم نحن بحاجة الى تلك المتاحف في العراق, رغم ان التمني رأس مال المفلس !!!), اذ ان هذا المتحف لا يعرض فقط ما بقي من كتب و وثائق وأثاث  لغوغول , وانما يعرض تاريخ نتاجات الكاتب وتجسيدا تحليليا فنيٌا وعميقا لتلك النتاجات  ,وضعتها أيادي فنانين متخصصين كبار درسوا بدقة ابداع غوغول , اضافة الى مسيرة حياته , وكل ذلك يؤدي  طبعا  الى التغلغل في أعماق تلك النتاجات و استيعاب قيمتها الفنية الحقيقية .

825
عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو (16 )
أ.د. ضياء نافع
انطلقنا معا من بغداد الى موسكو عام 1959  , ودرسنا مبادئ اللغة الروسية واولياتها  في نفس الكلية التحضيرية بجامعة موسكو  , ثم افترقنا بعد انهاء الكلية التحضيرية  للدراسة في جامعات روسية  مختلفة  كل حسب اختصاصه, وكنا نلتقي بعض الاحيان في موسكو طبعا  اثناء اجتماع الطلبة  العراقيين في مؤتمراتهم المتنوعة  , ثم بدأنا نتابع بعضنا البعض في بغداد في السبعينات عن طريق مقالاتنا التي بدأنا بنشرها هناك , اذ أصبح هو تدريسيٌا في الجامعة المستنصرية وانا تدريٌسيا في جامعة بغداد , ثم فرقٌتنا ظروف العراق المتشابكة والرهيبة  مرة اخرى , وهكذا وجدته اخيرا وهو يعيش في الدنمارك وانا في روسيا , وعدنا – من جديد -  نتابع بعضنا البعض عن طريق مقالاتنا هنا وهناك في المواقع العراقية الالكترونية المختلفة  . انه الاستاذ الدكتور عبد الجبار منديل .
تذكرت انه كتب ونشر رواية عن الطلبة العراقيين في روسيا , وتذكرت اني اطلعت عليها في حينها  ,  ولكن في زحمة حياتنا الصاخبة في بغداد الثمانينات من القرن الماضي  , عندما لم نكن نستطيع ان نفكر بعمق  ونتأمل بهدوء ما الذي يجري حولنا بسبب تلك الاحداث الكبيرة الجسام التي كانت تجري امامنا  بعنف وتحيط  حياتنا اليومية  ,  وهكذا لم نلتق في بغداد معا ولم نقدر ان ندردش معا حول تلك الرواية واهميتها ومكانتها في دنيا الادب العراقي آنذاك  ولا عن ذكرياتنا حول دراستنا معا في الاتحاد السوفيتي  في تلك الفترة , وافترقنا من جديد ... وبعد سنوات طويلة من حياتنا  العراقية الجديدة و الصاخبة في بقاع العالم  المختلفة , وجدت عنوانه وكتبت اليه وطلبت منه ان يرسل لي روايته تلك , وارسلها اليٌ مشكورا . انها رواية – ( كيف حال الفرات ؟) , والتي كتب على غلافها – ( رواية عن الطلبة العراقيين في الخارج ) , ومن الواضح انه لم يستطع ان يكتب على غلافها آنذاك في العراق  بدلا من تعبير - (في الخارج ) تعريفا أكثر دقٌة وهو - ( في الاتحاد السوفيتي ) , رغم ان  مكان الاحداث كان واضحا منذ السطور الاولى لتلك الرواية حول ذلك , اذ نقرأ في سطرها الاول ما يأتي – ( في مساء خريفي من عام 1959 كانت طائرة فايكاونت تطير على ارتفاع 7000 م فوق أراضي الاتحاد السوفيتي ... ). ويمكن القول – حسب معلوماتي المتواضعة حول ذلك -  انها الرواية الوحيدة فعلا ( وبشكل مباشر ودقيق ومحدد) عن حياة الطلبة العراقيين في  الاتحاد السوفيتي آنذاك و روسيا الحالية , منذ تلك الايام الخوالي في الستينات الى حد الان , واريد ان اتوقف عندها في هذه الحلقة من سلسلة مقالاتي ( حول بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو) , اذ انها تشكٌل فعلا – من وجهة نظري -  علامة متميٌزة جدا في مسيرة الادب المعاصر في العراق و طبعا في حياة العراقيين الذين درسوا في الاتحاد السوفيتي آنذاك .
تقع الرواية في 136 صفحة من القطع المتوسط , وقد صدرت في بغداد عام 1988 بمقدمة وجيزة جدا يشير فيها المؤلف أ.د. عبد الجبار منديل  الى انه كتبها قبل ( اكثر من سبعة عشر عاما ثم طويتها بين اوراقي ...وعندما عدت اليها وجدت انها لا تستحق ...الاهمال , وها انا اضعها بين يدي القارئ بدون أن اغيٌر فيها ولا كلمة واحدة .. .).
جمالية هذه الرواية تكمن بالذات  في بساطتها الرقراقة , اذ لا توجد فيها حوادث دراماتيكية معقدة , وهي تنساب بهدوء وبشكل عميق وسلس وهادئ جدا , وتتناول الحياة اليومية للطلبة العراقيين في الاقسام الداخلية التي كانوا يسكنون بها , وعلاقاتهم مع بعضهم البعض , ومع الطلبة الروس الذين يحيطون بهم , و تتحدث طبعا عن همومهم اليومية و حنينهم الى العراق...الخ , وبالتالي فانه يمكن القول انها رواية فكرية بسيطة وشفافة تتناول حياة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن العشرين و تعكس فلسفة كل واحد من هؤلاء الطلبة ليس الا, رغم ان البطل المحوري في تلك الرواية هو احمد , الذي يجسد مؤلف تلك الرواية , او اي طالب عراقي آخر كان يعرض افكاره وهو يعيش في احضان الطبيعة الروسية . اقدٌم هنا مقطعا واحدا من تلك الرواية , والذي يمكن ان يرسم – من وجهة نظرنا – صورة عامة لطبيعة هذا النتاج الفني الرشيق  وخصائصه  –
( منذ ان تركوا القطار الكهربائي في قرية بتروفسكايا قطعوا اكثر من خمسة عشر كيلومتر. كان فولكوف قائد المسيرة يتقدمهم بقامته المديدة وشعره الاحمر وهو يسير في غابات التايغا الروسية ويوجه المجموعة بنفس الثقة التي يوجه بها الفلاح العراقي مشحوفه في الهور . كانت غابات التايغا تبدو كبحر بلا ضفاف . لم يتصور احمد ان الغابات يمكن ان تكون بهذا العمق وهذه السطوة. الطبيعة الروسية تبدو في ايام عرسها ... الاولاد والبنات الروس يبدون مسحورين بجمال الطبيعة, ولكن لا احمد ولا نبيل ولا سليم شاركوهم هذا الانجذاب الغريب نحو الطبيعة . كانت الفتيات ..يستلقين على الارض ويعانقنها بنشوة وهكذا كان يفعل الفتيان . الارض مغطاة بالاوراق الرائعة الالوان الندية.أشجار السرو والبتولا والصنوبر كانت تبدو ساحرة بتطاولها نحو السماء. كانت عالية رشيقة ومستقيمة ساحرة. كان الفتيان الروس يسمونها باسمائها ويعرفون عشرات الانواع منها, واذا كان أحمد لم يشاركهم فرحهم بطبيعتهم وغاباتهم الروسية فانه يستطيع ان يفهمهم. ما الذي يمكن ان يحدث لو سجن في شوارع مدينة حديثة بين صفائح الفولاذ والاسفلت , ثم اطلق سراحه بعد ذلك على طبيعة عراقية فيها نخيل وفي ظل ظليل وفيها الفرات وفيها المروج الخضراء!..ماذا كان يمكن ان يحدث؟ انه يفهمهم تماما .
اقتربت منه أكسانا وكانت تختلق المناسبات لمحادثته :
-هل تصدق ما يقال في الغرب من ان الروسي فلاح بطبعه..لذلك يحب الطبيعة ؟
-كلا بالطبع ..
-ان الروسي فنان بطبعه لذلك يحب الطبيعة !
لم يجب , فهي لا تعرف الحقيقة كلها.) ( ص. 53-54 )
هذا مقطع واحد من الرواية كما أشرت أعلاه , وهو ليس وحيدا بالطبع , ولكنه – كما نظن – يمكن ان يعكس طبيعة مضمون رواية ( كيف حال الفرات ؟), للروائي ( المنسي !) عبد الجبار منديل , ولا اريد التوغل في عمق هذا المضمون الجميل للرواية , ولا في جوهر البنية الابداعية الرشيقة لها , ولا في اسلوبها الساحر , اذ ان كل هذه العناصر تقتضي دراسة معمقة واتمنى ان تسمح ظروفي بتحقيقها يوما . ختاما لهذه المقالة استشهد بالسطور الاخيرة لرواية الكاتب المبدع أ.د. عبد الجبار منديل –
( ثم ابتعد القطار عن ( روستوف  ) , وعن الدون الهادئ. شعر أحمد انه ترك خلفه كل ما يذكٌره بالفرات. ألقى نظرة أخيرة الى الدون ..ثم فجأة قفزت الى مخيلته عينا ليديا بفورتهما الفراتية , فعدل من استلقائته ونظر بأتجاه القطار....!)

   

826
 
العلاقات العراقية – الروسية...71 عاما
أ.د. ضياء نافع
الى روح  المواطن العراقي الذي قاد الجانب العراقي في المفاوضات العراقية – السوفيتية عام 1944 في طهران المرحوم عباس مهدي  ( 1898 - 1961 ), والذي تم تعينه  بعدئذ  وزيرا مفوضا ( اي سفيرا ) لاول سفارة عراقية افتتحت في موسكو عام 1945 .
ض.ن
+++++++++
اقامت سفارة جمهورية العراق في موسكو امسية ثقافية رائعة يوم 3 ايلول / سبتمبر من هذا العام تحت شعار مهم وكبير ويتناغم مع روح عصرنا ويتجاوب مع متطلبات كل الشعوب ويصلح ان نتوجه به الى تلك الشعوب ونتحدث معها حوله بالذات في هذا الوقت , و الشعار الذي تم صياغته بشكل ناجح ودقيق وملائم فعلا هو – (من أجل السلام نحارب الارهاب ) , وجاءت هذه الامسية بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية ( 1944- 2015 ) .
يتذكر المتابعون لنشاطات السفارة العراقية بموسكو انها اقامت مثل تلك الاحتفالية في العام الماضي ( انظر مقالتنا  المنشورة حول ذلك بعنوان – سفارتنا تحتفل بالذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية ) . يجب الاشارة هنا - قبل كل شئ - الى ان السفارة العراقية بموسكو قد اقامت تلك الحفلة لاول مرة في تاريخها بمناسبة الذكرى السبعين لتلك العلاقات , وان اقامة الامسية الثقافية هذه الآن يؤكد ان السفارة العراقية ارادت الاستمرار بهذا التقليد الحضاري الجميل والمهم سياسيا في مسيرة العلاقات العراقية – الروسية وتعزيزها , وهو موقف سياسي عراقي واضح المعالم ودقيق جدا تجاه روسيا الاتحادية وآفاق التعاون اللاحق معها اولا , و ثانيا , فان هذه الفعٌالية تمتلك امام روسيا وقادتها كثيرا من المعاني السياسية المهمة  في هذا الشأن , ولهذا يمكن القول بكل تأكيد ان السفارة قد نجحت في تحقيق هذا الهدف نجاحا باهرا, وليس من قبيل الصدفة بتاتا حضور وكيل وزارة الخارجية الروسي بغدانوف ( ممثل الرئيس الروسي بوتين في جولاته المهمة و المتعددة الاطراف في الشرق الاوسط في الآونة الاخيرة ) , والذي قدمه السفير العراقي الدكتور اسماعيل  شفيق محسن عند افتتاح الامسية المذكورة  ليلقي كلمة الجانب الروسي بعد عزف النشيدين الوطنيين العراقي والروسي . تناولت كلمة بغدانوف  تطور العلاقات العراقية الروسية طبعا,  وكيف ان موسكو قد استقبلت كبار القادة العراقيين  في الآونة الاخيرة وتباحثت معهم , وكيف اتفق الجانبان على عدة خطوات لاحقة, وقد اشار السفير العراقي الدكتور اسماعيل شفيق محسن  في كلمته الجوابية الى تلك العلاقات ايضا, وقال ان العلاقات الاقتصادية بالذات  بين العراق وروسيا قد تضاعفت عشر مرات في الفترة الاخيرة  , واستشهد بكلمة بغدانوف نفسه  و  الذي قال عن تلك العلاقات – انها تمرٌ بمرحلة الربيع والازدهار .
انعقدت هذه الامسية الثقافية في واحدة من أجمل قاعات موسكو والتي تسمى ( دار الموسيقى ) , وهو مجمع متكامل  يقع في بناية جميلة ومتميزة في قلب موسكو تضم العديد من الصالات الخاصة لمختلف الفعاليات . كان برنامج الامسية متنوعا جدا , وابتدأ بافتتاح معرض اللوحات التشكيلية لفنانين عراقيين , وقد توقفت طويلا عند صور لوحات فنان تشكيلي شاب وصل الى موسكو من كردستان العراق اسمه امانج امين , وكانت لوحاته تجسٌد الاوضاع الحالية في عراقنا الجريح وتتحدٌث عنها , و قد نفٌذها بشكل فني رفيع المستوى  - بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى – وعرض فيها ( بمهارة وبالوان مناسبة ومتناغمة لروحية تلك اللوحات ومضامينها ) المآسي التي تحدث الان على يد الارهاب ضد ابناء الشعب العراقي بكل قومياته واديانه وطوائفه . لقد كانت تلك اللوحات تجسٌد فعلا  مضمون شعار الامسية و الذي أشرت اليه في مقدمة هذه المقالة وهو - ( من أجل السلام نحارب الارهاب ) . تحدثت طويلا مع هذا الفنان التشكيلي المبدع حول لوحاته  وتقنيتها, وشرح لي بكل تواضع وادب ورقٌة  مضامين تلك اللوحات ورمزيتها , وقمت بترجمة ما قاله لي الى الروسية للزملاء الروس الذين كانوا يحيطون بنا اثناء ذلك , وقد ابديت أسفي لاني لا استطيع  ان أتأمل تلك اللوحات الاصلية التي ابدعها , واتمتع بالتأمل  بها, فقال لي انه أعدٌ شريطا سينمائيا تفصيليا  لتلك اللوحات سيتم عرضه على الجمهور اثناء الحفل الموسيقي لتلك الامسية , وهذا ما تم فعلا , اذ تم العرض السينمائي على شاشة كبيرة مثبٌتة على الجدار الخلفي لخشبة المسرح , وكان هذا العرض السينمائي الجميل متناسقا  ومنسجما -  وبشكل هارموني رائع - مع تلك الموسيقى العراقية والعالمية التي قدمها عازفون فنانون عراقيون قادمون من العراق ومن بعض الدول الاوربية ايضا , وساهم معهم بالطبع بعض العازفين الروس ( واحدة منهم ذات أصل عراقي , اذ انها ابنة احد العراقيين الذين تزوجوا من روسية  , وعزفت على البيانو بشكل مدهش الجمال و الروعة والاتقان. والعازفة هذه ولدت في موسكو , وكانت تجسٌد امام الجمهور طبعا العلاقات العراقية – الروسية بابهى صورها وأجمل معانيها .)
كان العزف  الذي قدمه العازفون العراقيون على آلة العود جميلا وممتعا جدا , وخصوصا ان أحد العازفين قدٌم مقطوعات  متتابعة ومتناسقة لاغان روسيٌة مشهورة جدا لدرجة , ان الجمهور الروسي اندمج معها كليا واخذ يصفق  انسجاما مع عزفه لتلك الاغنيات , وكان هذا العزف بمثابة تحية للجمهور الروسي الذي حضر في تلك الامسية  , وكذلك الحال مع العازف الذي قدٌم مقطوعات لاغان عراقية مشهورة لدرجة , ان الجمهور العراقي اندمج معها وأخذ يصفق مع عزفه لتلك الاغنيات العراقية , وخصوصا الاغنية  الكردية الشهيرة – (  هره ليلي ) , والاغنية  الاخرى (المصلاوية  ) المعروفة  , والتي تقبلهما الجمهور العراقي بحماس منقطع النظير   ,  بل و حتى بعشق , وصفق لهما طوال العزف بانسجام واعجاب شديدين , باعتبارهما رمزا لوحدة العراق الحبيب من  شماله الى جنوبه  ,  اي من كردستانه و موصله  الى بصرته.
الامسية العراقية هذه بموسكو – باختصار – عمل رائد ومهم جدا وجميل في تاريخ العلاقات العراقية – الروسية  , قامت به السفارة العراقية بموسكو برئاسة سفيرها الدكتور اسماعيل شفيق محسن ( لولب الامسية من بدايتها الى نهايتها )  الى الاعضاء في السفارة  ( شاهدتهم كيف  كانوا يركضون باهتمام طوال فترة الامسية وهم يحاولون تنفيذ كل ما يجب القيام به ) الذين ساهموا – كل حسب اختصاصه  وموقعه – في تنظيم تلك الامسية ونجاحها الباهر , والتي تعني – بلا شك – اشارة عميقة وصريحة الى رغبة العراق لتطوير العلاقات العراقية – الروسية وتعزيزها , لأنها مهمة وضرورية لجمهورية العراق ولروسيا  الاتحادية  في آن .
 شكرا جزيلا للسفارة العراقية في موسكو على هذا النشاط الكبير والمهم والممتع من اجل  تقديم الوجه المشرق للعراق. 


827
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (20)
أ.د. ضياء نافع
 الحلقة العشرون في سلسلة مقالاتي عن الامثال الروسية .
ض.ن.
الترجمة الحرفية – الانسان بلا صديق مثل شجرة بلا جذور .
التعليق -  يضرب لاهمية الصداقة وقيمتها  وضرورتها  في  مسيرة الحياة الانسانية, اذ ان الشجرة بلا جذور يمكن ان تسقط – مثل الانسان بلا اصدقاء -  في لحظة من لحظات الزمان المتقلب .   
+++++
الترجمة الحرفية – الدم ليس ماء .
التعليق –  هذا مثل عالمي يضرب للعلاقة الحميمة بين الاقارب رغم كل الخلافات بينهم  .  يوجد مثل مناظر له تماما بالعربية وهو -  الدم لا يصير ماء . هناك مثل باللهجة العراقية ( وربما يوجد باللهجات العربية الاخرى ) في هذا المعنى تماما  وهو – الدم يحنٌ .
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة لا تقاس بالسنوات , و انما بالاعمال.
التعليق – يضرب في اهمية العمل الذي يقوم به الانسان اثناء حياته بغض النظر عن  سنوات عمره , فالعمل  الذي ينجزه الانسان هو العلامة  الاساسية  في  مسيرة حياته , وليس عدد سنوات  عمره.
+++++
الترجمة الحرفية -  ماء عند الصديق أفضل من عسل عند العدو.
التعليق – يضرب للحذر والحيطة  من الاعداء بكافة  اشكالهم  وانواعهم واساليبهم  , و الذين يحاولون استخدام كل وسائل  الخداع  و المراوغة  والاغراء  للايقاع  بالخصم .
+++++
الترجمة الحرفية – لن تكون بالاكراه حبيبا .
التعليق –  هذا مثل عالمي طبعا , اذ ان علاقة  الحب والتعاطف الانساني بين البشر  لن تكون ابدا بالقوة او الاكراه . يوجد مثل عربي مشهور في هذا المعنى وهو -  كل شئ بالسيف الا المحبة بالكيف.
+++++
الترجمة الحرفية – من يسير يقهر الطريق.
التعليق –  يضرب للاصرار والتواصل وضرورتهما  للوصول الى الهدف. يوجد مثل عربي مناظر و في نفس المعنى تماما وهو -  من سار على الدرب وصل.
+++++
الترجمة الحرفية -  الديون لا تجهش بالبكاء لكنها لا تجعلك تغفو.
التعليق –  يضرب في الهموم التي تصاحب الديون , وهو مثل عالمي في هذا المعنى . توجد بالعربية العديد من الامثال حول ذلك , منها -  الدين همٌ بالليل وذلٌ بالنهار , وهناك قول  شهير ومعروف  في تراثنا  العربي  للامام علي بن ابي طالب (ع) ,  ومنه هذا المقطع  -
... ذقت المرارات كلها فلم اجد أمر من الحاجة الى الناس , ونقلت الحديد والصخر فلم أجد اثقل من الدين...
+++++
الترجمة الحرفية – بالمجد السابق للمعركة لن تفوز بالنصر .
التعليق –   يضرب في انه لا يمكن الانتصار بالمعارك استنادا الى التفاخر بالانتصارات في المعارك السابقة ليس الا , وهو مثل يتناسق ويتناسب جدا مع  مسيرة امتنا العربية بشكل عام في الفترة الاخيرة مع الاسف.
+++++
الترجمة الحرفية -             لصان يتخاصمان – للشريف فائدة.
التعليق – يضرب في ان خصام اللصوص يؤدي الى كشف الحقيقة امام الناس . يوجد مثل عربي  قريب جدا في هذا المعنى وهو – السرقة تنكشف عندما يتخاصم اللصوص.
+++++
الترجمة الحرفية – الشروع بالعمل اهم من العمل.
التعليق - يضرب في ان البدء بالعمل يؤدي الى ان يأخذ العمل مجراه , اي ان الشروع بالعمل يوصله الى هدفه , وبالتالي فانه يكاد ان يكون اكثر اهمية من العمل نفسه .
+++++
الترجمة الحرفية – الاماكن الرهيفة هي التي تتمزق .
التعليق – يضرب في ان الضرر يحصل في الاماكن السلبية  و الضعيفة. يترجمه بوريسوف في قاموسه هكذا -  لا يحصل الضرر الا في اماكن الضعف , وهي ترجمة سليمة وصحيحة .
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف القطة من هو صاحب اللحم الذي أكلته.
التعليق – يضرب للمذنب الذي يعرف ذنبه وتفاصيله واسراره , ولكنه – مع ذلك -  ينكرهذا الذنب , ولا يعترف به , و يحاول التغاضي عنه .
+++++
الترجمة الحرفية – من اجل التضامن مع المجموع حتى الكاهن يمكن ان  يتزوج .
التعليق – يضرب في  تاثير المحيطين بالشخص على تصرفاته , وهو مثل عالمي من حيث المعنى , وتوجد بالعربية امثال عديدة حول ذلك سبق وان أشرنا الى بعضها في هذا المجال ومنها  البيت الشعري الذي ذهب مثلا وهو –
لا تربط الجرباء حول صحيحة     خوفي على تلك الصحيحة تجرب .
+++++
الترجمة الحرفية – بيد واحدة لا يمكن ان تربط حتى العقدة.
التعليق – يضرب في انه لا يمكن للانسان بمفرده ان يقوم باي عمل يتطلب مساعدة الاخرين له وتضامنهم معه . سبق لنا في هذه السلسلة ان تحدثنا عن المثل الروسي المشابه لهذا المثل وهو  – الواحد في الساحة ليس محاربا , واشرنا الى الامثال العربية المماثلة  له من حيث المعنى , و منها - يد واحدة لا تصفق ...
+++++
الترجمة الحرفية – البخار لا يهشٌم العظام .
التعليق – يضرب لضرورة الحذر من تأثير البرد وخطورته على صحة الانسان حتى لو ادٌى ذلك الى المبالغة , ويتناسب هذا المثل مع الطبيعة الروسية القارسة البرودة طبعا .
+++++
الترجمة الحرفية –           المجازفة - عمل نبيل.
التعليق – يضرب لتأييد و مساندة  الناس الشجعان والاشداء , الذين يقومون باعمال طيبة وخيٌرة من اجل المصلحة العامة  للمجتمع , و التي  تتطلب المجازفة  - بعض الاحيان - حتى بحياتهم .




828
فرانسواز ساغان وروسيا
أ.د. ضياء نافع
 نشرت جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الصحيفة الادبية ) الروسية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 8-14 / 7 / 2015 مقالة بقلم الباحثة الروسية نتاليا كاوليانا بعنوان غريب جدا ومثير فعلا وهو – ( الاحاسيس الروسية المتأججة لفرنسواز ساغان ) , وبعنوان ثانوي هو – ( الكاتبة الفرنسية المشهورة كان سيكون عمرها الآن 80 عاما ), و نود ان نستعرض للقارئ العربي بعض ما جاء في هذه المقالة الطريفة  والمتميزة  بكل معنى الكلمة عن الكاتبة الفرنسية , اذ اننا نرى ان المقالة تحمل معلومات جديدة فعلا ووجهة نظر روسيٌة بحتة تجاه هذه الكاتبة لم يطٌلع عليها القارئ العربي سابقا- حسب علمنا - حول فرانسواز ساغان  .
 تتوقف الباحثة في مقالتها تلك و قبل كل شئ عند الاهمية الكبرى لساغان بالنسبة لموضوعة حقوق المرأة و حريتها واستقلاليتها في فرنسا واوربا والعالم بشكل عام , وتطلق مصطلحا جديدا لم يسبق ان استخدمه الباحثون  حول مؤلفة الرواية القصيرة الشهيرة – ( صباح الخير ايها الحزن ) ( وجاءت في بعض الترجمات – مرحبا ايها الحزن او مرحبا يا كآبه ), وهذا المصطلح هو – (جيل فرنسواز ساغان) , الذي ظهر بعد صدور تلك الرواية  في فرنسا وترجماتها الى مختلف لغات العالم بما فيها لغتنا العربية. تحاول المقالة بعدئذ ربط اسم ساغان ( بل و حتى مقارنتها ايضا ) بالكاتبة الفرنسية الكبيرة جورج صاند ( 1804 – 1876 ) في القرن التاسع عشر و التي  تميٌزت كما هو معروف بنضالها من اجل حقوق المرأة ايضا , وهي القائلة – ( ...دعوني أهرب من وهم السعادة الكاذب ..امنحوني المزيد من العمل والانشغال والتعب والالم والحماسة والشغف ...), بل ان الباحثة تشيرالى ان ساغان قد تخطت جورج صاند - وبشكل  نوعي ومتميٌز -  في هذا المجال , ولا يمكن التوسع في الكلام عن هذه النقطة المهمة جدا ضمن اطار هذه المقالة ...
تنتقل الباحثة بعد ذلك الى مقارنة ساغان بالشاعرة الروسية الكبيرة آنٌا أخماتوفا (1889 – 1966 ) , و التي تستشهد بمقطع من قصيدتها المشهورة - ( أنا علٌمت النساء ان يتكلمن ...) لتأكيٌد دورها في مسيرة النضال من اجل حقوق المرأة في روسيا خاصة والعالم بشكل عام  , وتحاول ان تستعرض مسيرة أخماتوفا ونضالها المستتر( او ببساطة غير المعلن للناس آنذاك ) من أجل حقوقها الانسانية والابداعية  , وكيف انها صمدت  – وبثبات -  امام كل تلك الاجراءات المعروفة التي اتخذتها السلطات السوفيتية  عندئذ ( اثناء حكم ستالين ) ضدها طوال عشرات السنين . ان مقارنة ساغان بالشاعرة الروسية أخماتوفا هي كلمة جديدة بكل معنى الكلمة في دنيا الادب المقارن , ولم يسبق لاي باحث ان طرحها باي شكل من الاشكال  , اذ ترى الباحثة  ان هناك تشابه في مسيرة الاديبتين في نضالهما من اجل حقوق المرأة ومكانتها في مسيرة المجتمع  رغم الاختلافات الجذرية جدا بين المجتمعين ( السوفيتي والفرنسي ) والعصرين وطبيعة المشاكل التي كانت تقف امام كل منهما , بل ان الباحثة وجدت في شعر أخماتوفا مقطعا بالروسية  يقول – ( مرحبا ايها الحزن... ) كتبته الشاعرة قبل ساغان طبعا, واستشهدت به  , ولكنها لم تتوقف تفصيلا عند هذه النقطة ولم تذكر ابدا وبتاتا  ان ساغان أخذت من أخماتوفا هذا المقطع عنوانا  لروايتها القصيرة المشهورة تلك , ولكن الاشارة هذه – مع ذلك – تعزز ما طرحته الباحثة بشأن المقارنة  والتقارب  بينهما من حيث الاجواء النفسية التي كانت تحيط بهما والمواضيع العامة  عندهما. يمكن بالطبع الاتفاق او عدم الاتفاق مع الباحثة في هذا الشأن , ولكن وجهة النظر هذه تعد فكرة مبتكرة وجديدة  فعلا بكل  المقاييس وتمتلك – في رأينا - بلا شك عناصر منطقية مشتركة تستحق – من قبل اي متابع لمسيرة الادب والادباء  - التأمل العميق والموضوعي  رغم كل المواقف المتباينة و  المتنوعة بين ساغان وأخماتوفا  حول كل تلك المواضيع , وفي كل الاحوال نتمنى ان تثير هذه النقطة الباحثين من الجانبين الروسي والفرنسي ( وغيرهم طبعا ) كي يدرسوا بسعة وعمق ما جاء في هذه المقالة حول أخماتوفا وساغان , اذ ربما  يصلوا الى استنتاجات علمية محددة في مجال الدراسات الادبية المقارنة   .
 تنتقل الباحثة بعدئذ الى نقطة طريفة وجديدة  قلبا وقالبا كما يقال حول الكاتبة الفرنسية , اذ تذكر ان جدة فرنسواز ساغان هي امرأة  روسٌية ,  وان فرنسواز ساغان نفسها أشارت الى هذا و ذكرت ذلك في كتاباتها , ولكن الباحثة لا تتوسع بشأن هذه النقطة ولا تتناول هذا الموضوع بتفصيل ولا تشير الى مصادر هذه المعلومة  ( الجديدة والطريفة لدى القراء فعلا ) عند ساغان نفسها , ولكنها تستطرد قائلة ان ذلك انعكس في اهتمامات ساغان ونظرتها تجاه روسيا والموضوعة الروسية بشكل عام , وتشير نتاليا كاوليانا الى مقالة ساغان التي نشرتها حول غورباتشوف عام 1989 وتستشهد بالمقطع الآتي من تلك المقالة – ( ...تتمثٌل روسيا والروح الروسية بالنسبة لنا في ابطال دستويفسكي وابطال تولستوي وآلة البالالايكا الموسيقية  وكل ما كنٌا نحبه في اعماق روحنا دون ان نعرف هذا الشعب القريب منٌا .... آه كم كنا بعيدين عن الدفء الروسي العظيم وعن الروح الروسية ...), وتشيرالباحثة الى ان فرنسواز ساغان نفسها تحدثت عن ان عشق السفر والترحال  والمقامرة والمدى المنطلق و غير المحدود لطبيعتها , و كل الصفات الاخرى لديها جاءت اليها لان الدم الروسي يجري في عروقها ,وحتى الحادث المروٌع الذي كاد يودي بحياتها لم يوقفها عن الاستمرار بالعيش وفق تلك الطريقة العاصفة  والمتمردة في الحياة.
تختتم الباحثة الروسية مقالتها عن ساغان بالاستشهاد بما كتبه عنها كبار الادباء الفرنسيين و غيرهم  في القرن العشرين حولها مثل فرانسوا مورياك الفرنسي و تينيسي وليامز الامريكي ووو...لانها استطاعت ان تعبٌر عن احاسيسها وما كان يكمن في اعماقها ببساطة و دون وجل وخضوع.
المقالة جميلة بكل معنى الكلمة , وتحتوي على معلومات جديدة وآراء وافكار تستحق فعلا القراءة والتأمل ...

829
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (19)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة التاسعة عشرة من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن.

الترجمة الحرفية – الكلمة الطيبة تداوي , و الشريرة تقتل .
التعليق – يضرب في اهمية الكلمة الطيبة وقيمتها المعنوية العميقة  للانسان. يوجد  حديث شريف معروف حول ذلك - الكلمة الطيبة صدقة.
+++++
الترجمة الحرفية – تعضٌ الحية ليس من اجل الشبع وانما من اجل المهارة.
التعليق – يضرب للتأكيد على ان العمل الشرير الذي يقوم به  بعض الناس يعبٌر عن طبيعتهم الشريرة  الكامنة في اعماقهم ليس الا, وهو مثل يتطابق ويتناغم جدا مع كل المجتمعات. 
+++++
الترجمة الحرفية – القش والنار لا يتصادقان.
التعليق – يضرب لاستحالة التوافق والتجانس  بين جانبين متناقضين تماما في كل شئ ,  احدهما أقوى من الثاني و يتربٌص بالآخر و يريد تدميره . يوجد مثل بالعربية في هذا المعنى وهو – لا يجتمع الذئب والحمل .       
+++++
الترجمة الحرفية –              الكذٌاب - صديق غير مخلص دائما.
التعليق – يتعارض الكذب والاخلاص دائما , وبالتالي لا يمكن للكذٌاب ان يكون صديقا مخلصا ابدا . يضرب لعدم امكانية الصداقة مع شخص يتميز بالكذب قبل كل شئ .
+++++
الترجمة الحرفية – دون صديق , الحياة ضيق .
التعليق – يقول المثل العربي المعروف الصديق وقت الضيق , اما هذا المثل الروسي فانه يؤكد الجانب الآخر لذلك الموقف , وهو - ان الحياة نفسها تكون صعبة و تضيق بدون الصديق . يضرب لاهمية الصديق والصداقة في حياة  كل انسان. يوجد بالعربية بيت شعر للمتنبي ذهب شطره مثلا في هذا المعنى وهو – شر البلاد مكان لا صديق به ...
+++++
الترجمة الحرفية – تعيش الصداقة قرب اللاصداقة  .
التعليق – يضرب في حالات التحول من موقف الصداقة الى العداوة .   يوجد مثل عربي مشهور في هذا المعنى وهو  -  الفرق ( او الفاصل ) بين الحب والكراهية شعرة .
+++++
الترجمة الحرفية – يعمل الغني كما يريد , أما الفقير فكما يقدر و يستطيع .
التعليق – يضرب للفرق بين الاغنياء الذين يتصرٌفون كما يرغبون ويتمنون ,  وبين الفقراء الذين بالكاد يدبٌرون شؤون الحياة.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تفلع الجوزة لن تأكل اللٌب .
التعليق –  يضرب للتأكيد على ضرورة التصرٌف حسب منطق الظواهر والاشياء وطبيعتها دون اللف او الدوران عبثا حول ذلك .
+++++
 
الترجمة الحرفية – انسان بلا أصدقاء , طير بلا أجنحة .
التعليق- يضرب لاستحالة الحياة الانسانية دون اصدقاء , والصورة الفنية في هذا المثل الروسي جميلة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – كوبيك العمل يذهب للادخار.
التعليق – الكوبيك أصغر عملة روسيٌة ( مثل الفلس او المليم ..) . يضرب في ان الاجور ( مهما تكن قليلة ) التي يحصل عليها  الانسان نتيجة عمله تسنده في مسيرة حياته . يوجد مثل عربي في هذا المعنى وهو - المال الحلال لا يحرق ولا يغرق ولا يسرق .
+++++
 الترجمة الحرفية – البغيض حتى في الحقل يشعر بالضيق .
التعليق – البغيض يشعر دائما بالضيق حتى في الاجواء المفتوحة مثل الحقول . يضرب هذا المثل للانسان المتبرم والسوداوي النظرة  للحياة , والذي يعبٌر عن موقفه من الحياة سلبا بغض النظر عن كل شئ ايجابي حوله. يوجد بيت شعر ذهب مثلا بالعربية , و يذٌكر عجز البيت بهذا المثل الروسي من حيث المعنى وهو :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة    ولكن عين السخط تبدي المساويا.
+++++
الترجمة الحرفية – نقود العمل تطعم قرنا .
التعليق –  يضرب لحث الانسان على العمل والحصول على الاجور , اذ بغض النظر عن كميتها, فان تلك النقود  تكفي لاطعام الانسان دائما لانها ( فلوس حلال ) كما يطلقون عليها بالعربية , اي انها جاءت نتيجة جهد الانسان وعمله. يوجد مثل بكل اللهجات العربية في هذا المعنى , وهو ( باللهجة العراقية ) – اللي يعمل بيده الله يزيده.
+++++
الترجمة الحرفية – فائدة العيون ضئيلة اذا كان القلب أعمى .
التعليق –  توجد صورة فنية جميلة في هذا المثل الروسي , اذ ان الذي يرى ويتعاطف هو القلب قبل كل شئ , فاذا كان القلب اعمى فان فائدة الرؤية بواسطة  العيون تتلاشى  . 
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الانسان الحكيم يحتاج الى النصيحة .
التعليق – يضرب لضرورة ان يستشير الانسان الآخرين ويستمع الى نصائحهم في بعض الامور المهمة قبل اتخاذ القرار النهائي . يوجد العديد من الامثال العربية في هذا المعنى , وقد سبق الاشارة الى بعضها في هذه السلسلة مثل -  ما خاب من استشار / لكل عالم هفوة, ولكل جواد كبوة / ان الجواد قد يعثر ...
+++++
الترجمة الحرفية – النقود تعمي العيون .
التعليق –   يضرب لدور المال في عملية ابتعاد الانسان عن النظرة الموضوعية والعدالة والقيم الاخلاقية... . توجد بالعربية العديد من الامثال حول ذلك منها - الفلوس على أحسن شئ تدوس  / من كثرة امواله خربت اعماله / الفلوس تغٌير النفوس ...


830
العراقيون في كتاب – الادب الروسي والعالم العربي (3)
أ.د. ضياء نافع
تناولنا في الحلقتين الاولى والثانية اسماء (( بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وجميل نصيف وجليل كمال الدين وعبد الملك نوري وغائب طعمه فرمان وخيري الضامن ومحمود احمد السيد وعبد الآله أحمد )) , ونستمر في عرض اسماء العراقيين في الحلقة الثالثة هذه من سلسلة مقالاتنا عن كتاب الادب الروسي والعالم العربي بقلم الاستاذه الدكتورة الميرا علي زاده  .
نتوقف اولا هنا عند اسم كبير في دنيا الفكر والادب في العراق وهو ذو النون ايوب , والذي جاء اسمه خمس مرات وعلى خمس صفحات في هذا الكتاب . تحدثت المؤلفة في ص.107 عن سنوات حياته وترجماته  لبعض نتاجات غوغول ودستويفسكي عن الانكليزية , واستشهدت بكتاب يوسف عز الدين بعنوان – ( القصة في العراق . جذورها وتطورها ) الصادر في القاهرة عام 1974 حول ايوب وكيف انه كان يميل الى الاتجاه الواقعي ويرى ان الادب الروسي قريب من الادب العربي لانه يتناول مشاكل اجتماعية مشابهة لمشاكل المجتمع العربي واهمها التناقض الاجتماعي والفكري والتصادم بين الثقافة الجديدة والتفكير التقليدي العتيق . وفي ص.108 تتوقف المؤلفة عند مجلة ( المجلة ) , التي صدرت في الموصل عام 1938 , والتي ساهم ذو النون ايوب بتحريرها , ومن المعروف ان هذه المجلة قد ساهمت في نشر الكثير من نتاجات الادباء الروس , ولكن المؤلفة  لا تتناول طبيعة الدور المحدد الذي أدٌاه ذو النون ايوب في المجلة بهذا الخصوص  . ((سبق لقسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد ان انجز اطروحة ماجستير حولها عام 2000 بعنوان – ( دور مجلة  المجلة في نشر الادب الروسي في العراق ) قام بها كامل العزاوي ( الدكتور التدريسي الان في قسم اللغة الروسية ) باشراف الاستاذ  الدكتور جليل كمال الدين))
تنتقل الميرا علي زاده في كتابها بعدئذ الى الحديث عن ترجمة رواية تورغينيف – ( الاباء والبنون ) , التي قام بها اكرم فاضل عن اللغة الفرنسية  وذو النون ايوب عن اللغة الانكليزية , والتي صدرت عام 1950 في بغداد , وتذكر ان هذه الترجمة العربية كانت الاقرب الى النص الروسي الاصلي وهذه ملاحظة صحيحة ودقيقة , الا انها لا تشير الى انها الترجمة الاولى الكاملة في العالم العربي لتلك الرواية الروسية  ( انظر مقالتي بعنوان – اكرم فاضل وتورغينيف ),  (وبالمناسبة فقد سبق لقسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد ان انجز اطروحة ماجستير قامت بها آيات يوسف ( الدكتوره التدريسية الان في قسم اللغة الروسية ) حول هذه الترجمة لرواية تورغينيف باقتراحي واشرافي العلمي ) . يمكن القول بلا شك ان الباحثة الميرا علي زاده استطاعت ان ترسم صورة موضوعية  ومتكاملة لايوب ودوره في نشر الادب الروسي في العراق . اما بالنسبة لاكرم فاضل نفسه , فقد جاء اسمه في هذا الكتاب اربع مرات في اربع صفحات . المرة الاولى في ص.155 حيث توجد الاشارة الى سني حياته ( 1918 – 1987 ) باعتباره واحدا من الذين نشروا نتاجات تورغينيف بشكل واسع  في العراق و العالم العربي وهي وجهة نظر صحيحة ودقيقة ,اذ يرتبط اسم اكرم فاضل باسم تورغينيف فعلا , ثم يأتي اسمه في ص.179 باعتباره قد نشر في مجلة الاقلام  ( العدد العاشر لعام 1979 ) عرضا لكتاب تاتيانا تولستايا  ابنة تولستوي عن والدها . ان هذا العرض الوجيزلنشاط اكرم فاضل في هذا الكتاب ودوره في نشر الادب الروسي في العراق و بالعالم العربي يتناسب واقعيا – رغم الاختزال الشديد - مع مكانته الحقيقية ودوره المتميز في هذا المجال عراقيا وعربيا  .
 نتوقف الان عند اسم عراقي كبير في دنيا الثقافة العراقية وهو نعيم بدوي , ويرتبط هذا الاسم بالنسبة للعراقيين  قبل كل شئ بتشيخوف , اذ انه ترجم عدة نتاجات له , وقد سبق لي ان كتبت مقالة قصيرة عنه في مجلة الف باء في التسعينات بعنوان ( نعيم بدوي والادب الروسي ) ولا امتلك نسخة منها  الان مع الاسف . جاء اسم نعيم بدوي مرة واحدة فقط في هذا الكتاب ص.409 باعتباره مترجما لمقالة عن تشيخوف بعنوان (شخوص في حياتي ) بقلم افيلوفا نشرت في مجلة الاقلام لعام 1986 (العدد4) , ولا توجد هناك تعليقات او هوامش او تعريف به من قبل المؤلفة, وهذا شئ مؤسف حقا بالنسبة لهذا العلم الكبير في دنيا الثقافة العراقية .
الاسم التالي في مقالتنا هذه حول الاسماء العراقية في هذا الكتاب هو عامر عبد الله . لقد فوجئت  شخصيا بالاشارة الى هذا الاسم السياسي الكبير عندما تصفحت الكتاب لاول مرٌة , اذ انني لم اكن اعرف بمساهمة عامر عبد الله بموضوعة الادب الروسي في العراق , ولكني وجدت هناك انه قد ترجم كتابا مهما في الادب الروسي عام 1946 بعنوان – ( اربع قصص عالمية ), وقد ضمٌ قصصا مختارة من نتاجات ادباء روس هم كل من  –  كوبرين وغوركي وغوغول وتولستوي , ويؤسفني انني لم أطٌلع على هذا الكتاب سابقا , بل لم اكن اعرف به أصلا , وأود ان احيي الميرا على زاده على هذه المعلومة المهمة والقٌيمة والجديدة بالنسبة لي ( وأظن ايضا انها معلومة جديدة بالنسبة للكثيرين من القراء ) في اطار موضوعة الادب الروسي في العراق. لقد جاء اسم عامر عبد الله ثلاث مرات في هذا الكتاب , الاولى في ص.115 والثانية في ص. 227 والثالثة في ص.234 , ولم تتحدث الباحثة عن تفصيلات وملاحظات وآراء بشأن هذا الكتاب والمستوى الفني بشأن  ترجمته  , الا انها أشارت الى اسم الشخص الذي كتب مقدمة لهذا الكتاب وهو عبد الجبار وهبي ( ابو سعيد ) , والذي اود ان اتوقف عند اسمه هنا , ضمن الاسماء العراقية التي وردت في هذا الكتاب . لقد جاء اسم عبد الجبار وهبي مرة في ص.227 , ومرة اخرى في ص. 235  , حيث أستشهدت بقوله في تلك المقدمة الى اعتبار قصة غوغول في ذلك الكتاب  نموذجا متميزا  للفن الواقعي المرتبط بحياة الشعب ( وهو موقف ايديولوجي واضح طبعا وينطلق من الموقف الفكري والسياسي لعبد الجبار وهبي  و يتطلب اثباتا دقيقا وواقعيا بلا شك  ). ان الاشارة الى اسمي عامر عبد الله وعبد الجبار وهبي ضمن الاسماء العراقية المرتبطة بالادب الروسي في العراق هي ظاهرة جديدة وطريفة ومهمة في مسيرة وتاريخ الثقافة العراقية وتاريخها , ولم يسبق لنا ان تحدثنا حولهما , واود هنا ان اعبٌر عن شكري و امتناني للباحثة الميرا علي زاده لانها ذكٌرتنا بهذين الاسمين الكبيرين  في هذا المجال , واتمنى ان يبحث المهتمون بهذا الموضوع عن هذا الكتاب المنسي وان يجدوه وان يعيدوا نشره لاهميته التاريخية والفكرية , ولكي يتسنى لنا دراسته من جديد,  وتحديد قيمته الادبية والفنية  في ضوء المستوى العلمي الحالي لمتطلبات الترجمة  والنقد الادبي المعاصر وضوابطه , وهذه مسألة مهمة جدا بالنسبة لنا جميعا في الوقت الحاضر, وانا على قناعة تامة بامكانية كتابة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية ببغداد عن هذا الكتاب التاريخي المهم , اذ يمكن دراسة تلك المقدمة ومقارنة النصوص المترجمة مع النص الروسي للقصص .


 

831
بولغاكوف في جامعة بغداد
أ.د. ضياء نافع

استلمت رسالة من احدى طالباتي سابقا في نهاية القرن العشرين  (وهي الان  دكتورة  واستاذة مساعدة في قسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد)  تطلب مني رأيا استشاريا محددا بشأن مسألة علمية  حول كتابة اطروحة ماجستير في القسم المذكور باشرافها  تتناول  ترجمة المصطلحات باللغة الروسية  الى اللغة العربية واختيار نص روسي من الادب الروسي الحديث مترجم الى العربية  واعتماده  كنموذج لهذه الدراسة , و كنت انا في تلك اللحظة  اعيد قراءة  رواية  بولغاكوف ( المعلم ومارغريتا ) بترجمة  المترجم السوري المبدع الاستاذ  يوسف حلاق ( زميلي في الدراسة بكلية الاداب في جامعة موسكو في الستينات ) وبمراجعة  صديقي العراقي المبدع والمقيم بشكل دائم في موسكو الاستاذ عبد الله حبة , والتي أصدرتها دار نشر رادوغا ( قوس قزح ) السوفيتية عام   1990, فرشحت لها رأسا هذه الترجمة للرواية  المذكورة  نموذجا لتحقيق تلك الاجابة عن الاسئلة المرتبطة  بموضوع    الاطروحة المذكورة  , ونسيت الموضوع بعدئذ  برمٌته  في زحمة مسيرة الحياة واحداثها الصاخبة والعاصفة  .  وفجأة , وبعد مرور فترة طويلة نسبيا, استلمت من الدكتورة رسالة تفصيلية تحتوي على عمل علمي متبلور ورائع قامت به طالبة ماجستير وباشرافها العلمي طبعا , وكم كنت سعيدا بهذه الاطروحة العلمية وعمقها , والتي أثبتت لي – قبل كل شئ -  ان الوضع العلمي السائد في قسم اللغة الروسية الحبيب في جامعة بغداد لا زال بخير  رغم الظروف الصعبة المعروفة  للجميع  حول المستوى العلمي  العام للدراسة الجامعية في العراق واشكالاتها الهائلة. اود في هذه المقالة ان  اتوقف عند هذه النقطة واتحدث قليلا عن هذه الاطروحة التي كتبتها طالبة الدراسات العليا وباشراف الدكتورة منى عارف جاسم – الاستاذة المساعدة في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد  .
عنوان الاطروحة هو – العبارات الاصطلاحية ذات المغزى الثقافي الشعبي بين العربية والروسية / رواية بولغاكوف (المعلم ومرغريتا) انموذجا / , وقد كتبتها طالبة الدراسات العليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد - هبة حسين محمد باشراف الاستاذة المساعدة الدكتورة منى عارف جاسم . تقع الاطروحة ب ( 147) صفحة, وتتكون من مقدمة وفصلين وخاتمة وقائمة المصادر التي استخدمتها الباحثة ( باللغة الروسية 41 مصدرا , والقواميس الروسية 14 قاموسا , و9 مصادربالانكيزية ). لقد أدهشتني اللغة الروسية السليمة لهذه الاطروحة قبل كل شئ , وتذكرت معاناتنا – نحن اساتذة قسم اللغة الروسية في حينها – من جرٌاء ذلك , اذ ان طالب الدراسات العليا في العراق لا يستطيع ولا يمكن لتحصيله  العلمي  ان يصل الى هذا المستوى الذي يجعله  يكتب اطروحته كما يجب باللغة الروسية , وبالتالي فان المشرف يضطر ان يجد محررا للاطروحة كي يكتبها باللغة الروسية , وكم تحدثنا عن هذا الموضوع في حينها ولكن دون جدوى, اذ ان تحرير الاطروحة يمتلك اهمية قصوى لا تقل عن اهمية البحث عن المصادر وترتيبها وعرض الافكار المرتبطة بها واستخلاص النتائج منها و..الخ متطلبات الدراسات العليا. وقد وجدت المشرفة حلٌا دقيقا وصحيحا جدا عندما ثبٌتت في تلك الاطروحة اسم استاذة روسيٌة باعتبارها مستشارة علمية لتنفيذ هذا العمل العلمي المهم , ويشعر قارئ هذه الاطروحة رأسا بالجهد الكبير الذي بذلته هذه المستشارة في التحرير المتقن للنص الروسي , والذي جعلته سلسلا فعلا وخاليا من الاخطاء في مجال القواعد والاسلوب وغيرها , والتي يقع فيها الاجنبي مهما كانت معرفته عميقة  في مجال اللغة الروسية  , واتمنى ان تكون هذه المبادرة الشجاعة خطوة في تثبيت هذا التقليد العلمي السليم لاحقا ( اي ان يكون هناك مستشارعلمي جامعي لكل اطروحة باللغات الاجنبية من بلد تلك اللغة ) , اذ انه يجسٌد الحل العلمي الوسط بين كتابة الاطروحة باللغة القومية للبلد كما هو معمول به في معظم بلدان العالم بغض النظر عن موضوع الاطاريح واختصاصاتها وبين ما هو قائم في بلدنا حول ضرورة كتابة الاطروحة بلغة الاختصاص حصرا, لان الاطاريح هي عمل علمي جماعي يحتاج الى جهود مجموعة من الباحثين ابتداء من طالب الدراسات العليا وانتهاء بالمشرف العلمي للاطروحة , وهذا ما تحقق فعلا في هذه الاطروحة , اضافة الى ان الأخذ بهذا المبدأ السليم سيؤدي الى تعميق التعاون العلمي بين جامعاتنا من جهة وبين جامعات العالم , هذا التعاون الذي نحتاجه نحن بالذات قبل تلك الجامعات الاجنبية  لما له من فائدة علمية اولا ولتعميق وتوسيع االعلاقات العلمية المتبادلة والحوار الفكري بيننا وبين العالم الخارجي المتقدم , واكرر باننا نحن الذين نحتاج اليهم قبل كل شئ وليس هم الذين يحتاجون الينا.
ختاما لهذه الملاحظات السريعة أود ان اتوقف عند بعض صفحات هذا العمل العلمي المهم  . لا اريد هنا بالطبع ان أفرض نفسي  عضوا في لجنة المناقشة لهذه الاطروحة , اذ يكفي ان ثلاثة من أفضل طلبتي سابقا قد ناقشوها (وهم الان دكاترة وتدريسيون لامعون في قسم اللغة الروسية) -  د. عقيل يحيى ود. نهلة جواد و د.تحسين رزاق عزيز  , ولكني – مع ذلك – اود ان اسجل هنا بعض  الآراء , منها - ان الفصل الاول  في الاطروحة كان يتميٌز  بالروح العلمية العميقة, وكان الجهد الذي بذلته الباحثة في اعداده هائلا , وكذلك كان واضحا جهد المشرفة العلمية في اعداده سواء في الشرح والتحليل او في المصادر الاصيلة والغنية والعديدة  في هذا المجال اللغوي الحيوي ( يقع الفصل الاول ب 78 صفحة من تلك الاطروحة , واظن انه كان يجب ان يختزل قليلا رغم اهميته النظرية ) . اما الفصل الثاني (يقع ب46 صفحة , والذي أظن انه كان يجب ان يكون اوسع ) و الذي تناول رواية بولغاكوف والمصطلحات التي جاءت هناك ومقارنتها مع المصطلحات العربية , وأرى انه لم يكن شاملا لكل الرواية مقارنة بالفصل الاول المعمق , رغم رشاقة الاشارات الذكيٌة والملاحظات الدقيقة والصارمة وحيويتها بلا شك , ولا مجال هنا للاشارة الى كل تلك الامثلة والملاحظات الصحيحة والممتازة  حول الترجمة والبدائل الجميلة  فعلا التي قدمتها الباحثة هناك بشأن النص العربي الذي ترجمه يوسف حلاق , دون التقليل طبعا من جهوده المتميزة بلا شك , اذ ان تلك الملاحظات كانت تنطلق ايضا من الاجتهادات الذاتية و الشخصية ليس الا.
 شكرا لقسم اللغة الروسية بجامعة بغداد على هذا العمل العلمي المتميز , والذي أظن انه تناول بولغاكوف لاول مرة في تاريخ القسم , وشكرا ليوسف حلاق الذي قدم لنا هذه الترجمة الجميلة , وشكرا لعبد الله حبه على مراجعته لها , وشكرا لكل من ساهم في هذا العمل العلمي الممتع من الباحثة هبة حسين محمد والمشرفة العلمية د.منى عارف جاسم والمستشارة العلمية من جامعة فارونش الروسية نتاليا مروتس وزملائي اعضاء لجنة المناقشة . ننتظر منكم جميعا انجازات ابداعية اخرى.

832
العراقيون في كتاب.. الادب الروسي و العالم العربي (5)
أ.د. ضياء نافع
هذه هي الحلقة الخامسة في سلسلة مقالاتي حول العراقيين في كتاب – الادب الروسي والعالم العربي , الذي اصدرته أكاديمية العلوم الروسية عام 2014 بقلم الاستاذة الدكتورة الميرا علي زاده . نتوقف في هذه الحلقة عند بعض الاسماء التي تناولتها الباحثة في هذا المجال والتي أشرنا اليهم في الحلقة الاولى من هذه المقالات.
 نتناول اولا  اسم عباس خلف , الذي جاء مرة واحدة فقط  في ص. 181 باعتباره مترجما لمقالة بعنوان ( دستويفسكي والمسرح ) المنشورة في مجلة الاقلام عام 1987 ( في العدد الخاص بالمسرح ), وتشير الباحثة الى  الهامش الذي كتبه المترجم حول المقالة تلك وانها مستلة من كتاب صادر في لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا )  عام 1983 بعنوان - دستويفسكي والمسرح . لا توجد غير هذه الملاحظة عن عباس خلف في  هذا الكتاب . لقد  اصدر عباس خلف  عدة كتب مترجمة عن الروسية في بغداد ( منها مجموعة من القصائد الروسية ورواية لجنكيز آيتماتوف  ) ونشر الكثير من المقالات المترجمة في مجلة الاقلام بالذات حول الادب الروسي اثناء دراسته العليا  في جامعة فارونش الروسية  قبل تفرٌغه للعمل السياسي في تسعينيات القرن العشرين في رئاسة جمهورية العراق  ( اصبح آخر سفير للعراق في موسكو قبل عام  2003 ), ومن نافل القول ان نشير هنا الى ان تلك الكلمات القليلة جدا و التي جاءت في هذا الكتاب حوله لا تعبر بشكل متكامل  ودقيق عن دوره في هذا المجال  .
الاسم التالي الذي نتوقف عنده في عرضنا هذا هو غازي العبادي , والذي جاء اسمه ايضا مرٌة واحدة لا غير في ص.179 باعتباره مترجما لمقالة عنوانها – ( دستويفسكي وكانط – من الذي قتل العجوز كارامازوف ؟ ) والتي نشرها في مجلة الاقلام عام1979 العدد 12 . غازي العبادي اسم كبير في دنيا الثقافة العراقية , فهو واحد من اوائل الخريجين العراقيين في كلية الآداب  بجامعة موسكو , وساهم في حركة ترجمة الادب الروسي الكلاسيكي والمعاصر  في العراق عن اللغة الروسية  مباشرة , خصوصا اثناء عمله في الصحافة العراقية  ( انظر مقالتنا عنه بعنوان – عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو – 12 ) , ولا يمكن طبعا اختزال مكانته في هذا المجال بتلك الاشارة فقط في هذا الكتاب  .
الاسم الثالث الذي نتوقف عنده في هذه الحلقة هو حسن البياتي , وجاء اسمه ايضا مرة واحدة فقط في ص.182 , لكن الباحثة أشارت في سبعة سطور عنه  الى  تفصيلات حول مكانة حسن البياتي في دنيا الثقافة في العراق والى انه احد خريجي  جامعة موسكو وانه شاعر ومتخصص في الادب , والى ان دار المأمون قد أصدرت بترجمته رواية  ايفان اوخانوف - ( زبد الحديد ), وانه قد ترجم عن اللغة الروسية العديد من الدراسات ونشرها في مجلات بغدادية ( هكذا تسميها المؤلفة ) مثل آفاق عربية و الثقافة الاجنبية والتراث الشعبي , ولكنها لم تذكر اي مثل محدد لذلك , وعلى الرغم  من انها لم تشر الى ترجماته العديدة الاخرى ( وخصوصا لترجماته من الشعر الروسي المعاصر ) , الا انه يمكن القول بلا شك ان الصورة التي رسمتها المؤلفة  لحسن البياتي في مجال ترجمة الادب الروسي في العراق كانت صحيحة و موضوعية وشبه شاملة تقريبا لمكانته في الحياة الثقافية .
الاسم التالي الذي نتناوله هنا هو علي الشوك , الذي جاء اسمه مرتين في هذا الكتاب  , الاولى في ص.177 باعتباره مترجما لاحدى قصص دستويفسكي المنشورة في مجلة الاقلام عام 1970 العدد التاسع , والثانية في ص.380 باعتباره مترجما لمقالة بعنوان – ( تولستوي وتورغينيف ) , المنشورة في مجلة – (الثقافة الجديدة ) لعام 1995  العدد 6-7 , وهي مقالة مستلة من كتاب هنري ترويا في كتابه بعنوان – (تولستوي ) الصادر عام 1965 في فرنسا. لا يوجد تعريف في ذلك الكتاب لعلي الشوك , هذا الاسم  المتميٌز والمتفرٌد  والكبير بكل معنى الكلمة في دنيا الثقافة العراقية , وبالذات حول  دوره في نشر الادب الروسي في العراق , فقد كتب علي الشوك  مقالات ودراسات عميقة جدا حول ليرمنتوف وأخماتوفا وغيرهم من الادباء الروس وساهم مع امجد حسين وغانم حمدون بترجمة رواية شولوخوف المعروفة -  ( الدون الهادئ ) , ولا توجد – مع الاسف الشديد – اي اشارة الى كل تلك الوقائع   المهمة في مسيرة الثقافة العراقية .
نتوقف الان عند شاكر نوري , والذي جاء اسمه ايضا مرة واحدة فقط  في ص.176 باعتباره  قد نشر مقالة بعنوان – ( بوشكين – الممثل الاول للواقعية ) في مجلة الاقلام عام 1973 العدد الخامس . لا تكفي هذه الاشارة للتعريف بشاكر نوري طبعا , الروائي والمترجم والصحفي  , والذي غالبا ما نجد في كتاباته الاشارة الى الادباء الروس واهميتهم العالمية ,  وهو مترجم كتاب حول الشاعر برودسكي عن الفرنسية بعنوان –  (محاكمة برودسكي ).
نتناول  الكاتب نجيب المانع في هذا العرض , و الذي جاء اسمه مرة واحدة فقط في ص.205 من ذلك الكتاب . لقد أشارت المؤلفة الى ان سلسلة (الالف  كتاب ) قد اصدرت بترجمة نجيب المانع كتابا بعنوان – ( تولستوي ) , وهو مجموعة من المقالات النقدية من اعداد وبمقدمة من المتخصص الامريكي ميتلو . وهذا كل ما جاء في هذا الكتاب حول نجيب المانع  ليس الا, دون الاشارة الى أهمية هذه السلسلة وقيمتها في دنيا الفكر العربي , وان اصدار هذا العدد في مسيرتها لكاتب عراقي يعني الكثير من الاهتمام  باسم هذا الكاتب واهميته  . ان نجيب المانع هو اسم كبير جدا في عالم الثقافة العراقية , وقد أصدرهذا الكتاب الذي تشير اليه الباحثة دون اي  تعليق منها , وهو كتاب مهم جدا جدا في مجال الادب الروسي في العالم العربي و يمكن القول انه لا زال - و لحد الان -  يمتلك اهميته  , علما  ان نجيب المانع  قد  ترجم كتابا آخرا و مهما جدا في الادب الروسي بعنوان – ( دستويفسكي ) بقلم ويليك رينيه وتم نشره  عام 1967, والذي لا زال ايضا يمتلك اهميته لحد الان  , ولم تشر اليه – مع الاسف -  مؤلفة الكتاب بتاتا . ان نجيب المانع هو أحد الاسماء المتميزة والكبيرة  في مسيرة الثقافة العراقية المعاصرة , وقد استطاع ان يؤدي دورا كبيرا  في تلك الثقافة ومن جملتها  -  موضوعة الادب الروسي في العراق وفي كل  العالم العربي  بشكل عام , ولا يمكن ابدا اختزال دوره واهميته وقيمته  في تلك السطور القليلة جدا, التي جاءت حوله في هذا الكتاب . انه جدير ان تتوقف عنده الباحثة وان تتحدٌث عن اهميته الكبيرة وقيمته في مسيرة الثقافة العراقية المعاصرة. 
   
 

833
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (18)
أ.د. ضياء نافع
الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية.
ض.ن
الترجمة الحرفية – القياصرة والفقراء دائما بلا اصدقاء.
التعليق –  المعنى العام لهذا المثل واضح تماما , فمن يمكن له ان يكون صديقا للقياصرة والملوك ,  وفي نفس الوقت  -  من يتطوع  او يرغب  ان يكون صديقا للفقراء والمعدمين ؟؟ لهذا فأن هذا المثل ينطبق على كل المجتمعات الانسانية , ويضرب في عدم امكانية الصداقة مع كبار القوم , ومع بؤساء القوم ايضا. 
+++++
الترجمة الحرفية – نحلة واحدة لا تعطيك عسلا كثيرا.
التعليق – يضرب في ان العمل الذي ينتج بشكل مفيد ومتكامل يجب ان يكون جماعيا وتعاونيا , وان جهد الشخص الواحد – مهما يكن -  لا يمكن ان يعطينا  نتائج ذات قيمة كبيرة  للمجتمع .
+++++
الترجمة الحرفية – المجد الطيٌب يركض , أما السئ فانه يطير .
التعليق – مثل عالمي مشهور- من حيث المعنى - عند الكثير من الشعوب , ويضرب في ان الاخبار السيئة تنتشر بسرعة كبيرة بين البشر مقارنة بالاخبار الجيدة . سبق وان أشرنا في هذه السلسلة الى مثل روسي في هذا المعنى وهو -  الاخبار السيئة لا ترقد في مكانها, والى الامثال العربية المناظرة لذلك ومنها المثل المشهور – الخير يخص والشر يعم ....
+++++
 الترجمة الحرفية –       تكلٌم أقل – تسمع أكثر .
التعليق –  يضرب في ضرورة التقليل من الكلام بشكل عام امام الناس وان الفائدة والسلامة للانسان تكون اكثر عند الاستماع لهم . توجد امثال عديدة بالعربية في هذا المعنى منها -  قلل كلامك تأمن سلامتك...
+++++
الترجمة الحرفية – المزاح خطرمع الحمقى .
التعليق – يوجد مثل عربي حول المزاح يقول - كثرة المزاح تذهب المهابة, وهو مثل صحيح بشكل عام فعلا , اما مع الحمقى  , فانهم  لا يستوعبون ابعاد المزاح وطبيعته , وبالتالي قد يكون رد فعلهم خطيرا. يضرب هذا المثل  للتحذير من المزاح مع الحمقى .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يبذرون الحقول بالكلمات .
 التعليق –  يضرب لعدم جدوى الثرثرة والاقوال المعسولة . الصورة الفنية لهذا المثل الروسي جميلة . يوجد مثل عربي معروف وسبق وان استخدمناه في هذه السلسلة يتطابق من حيث المعنى العام مع هذا المثل الروسي  وهو -  الافعال أبلغ من ألاقوال.
+++++
الترجمة الحرفية -  لا فائدة من الدموع امام المصيبة .
التعليق – معنى هذا المثل الروسي واضح تماما . يترجمه جابر كما يأتي -  لا تخفف الدموع من المصيبة // لا فائدة من التحسرعلى اللبن المسكوب ( و يأتي هذا المثل  في مصادر اخرى كما يأتي – لا جدوى من البكاء على اللبن المسكوب ) , وهي ترجمة صحيحة  ودقيقة , خصوصا الترجمة الثانية باستخدامه المثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية –            المديح للشاطر  – هلاك  .
التعليق – يضرب للحذر من المديح  المبالغ به للشخص الموهوب  خوفا من اصابته بالغرور , و الذي يمكن أن يؤدي به الى الضياع .
+++++
الترجمة الحرفية – لن تخدع العصفور العجوز بالخبز اللٌين.
التعليق – يضرب في صعوبة الايقاع بشخص يمتلك خبرة الحياة وحنكتها. يترجم بوريسوف هذا المثل كما يأتي – كل محنٌك يصعب خدعه, وهي ترجمة سليمة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – ينام الجندي والخدمة تجري .
التعليق – يضرب للسخرية من اختلال القيم وسيطرة الفساد الاداري في المجتمع .
+++++
الترجمة الحرفية – ما يوجد في عقل الصاحي ينعكس على لسان السكران .
التعليق – يضرب في ان الناس يثرثرون بمكنونات قلوبهم في حالة السكر . يترجم بوريسوف وكذلك جابر هذا المثل هكذا – الخمر حلاٌل لعقدة اللسان , وهي ترجمة صحيحة بشكل عام , الا انها لا تعكس المعنى الكامل للمثل بكل ابعاده. 
+++++
الترجمة الحرفية – هرب من الدخان وسقط في النيران.
التعليق –  يضرب في ان الهرب من مشكلة دون تفكيروتخطيط  قد يؤدي الى السقوط في مشكلة أكبر . توجد بالعربية العديد من الامثال في هذا المعنى منها ( باللهجة العراقية وربما باللهجات العربية الاخرى ) وهو – انهزم من جوٌه المطر وكع جوٌه المزريب ( جوٌه – تحت/ وكع – وقع ).
+++++
الترجمة الحرفية –   أضعت النقود – لم تضع شيئا , أضعت الوقت – أضعت كثيرا , أضعت الصحة – أضعت كل شئ.
التعليق – يضرب لاهمية الصحة  عند الانسان باعتبارها العنصر الاهم في الحياة .
+++++
الترجمة الحرفية – كيفما تكون الاعمال تكون الثمار.
التعليق – مثل عالمي من حيث المعنى , وتوجد بالعربية العديد من الامثال المناظرة له , ومنها - كما تزرع تحصد / من يزرع الريح يجني العاصفة..
+++++
الترجمة الحرفية – حساب اكثر , صداقة أطول .
التعليق – يضرب في ضرورة اجراء الحساب الدقيق والدائم بين الاصدقاء من اجل المحافظة على استمرار الصداقة . يوجد حديث شريف في هذا المعنى وهو - تعاشروا كالاخوان و تعاملوا كالغرباء , وهناك مثل مشهور باللهجة العراقية ( وفي اللهجات العربية الاخرى ايضا ) حول ذلك وهو - تريد صاحبك دوم حاسبه كل يوم .
+++++
الترجمة الحرفية –   في القطيع المتوافق , حتى الذئب ليس مخيفا .
التعليق –  يضرب لاهمية التضامن بين الناس من اجل الدفاع عن مصالحهم المشتركة . توجد بالعربية أمثال مناظرة عديدة في هذا المعنى منها - الاتحاد قوة / لا يعجز القوم اذا تعاونوا / يد الله مع الجماعة / وهناك بيت شعر ذهب مثلا وهو –
تأبى العصي اذا اجتمعن تكسٌرا   واذا افترقن تكسٌرت احادا
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتعرٌف على الصديق  بثلاثة أيام , تعرٌف عليه بثلاثة أعوام .
التعليق – يضرب في عدم معرفة حقيقة الانسان الا عند التجربة وان ذلك يتطلب زمنا طويلا . سبق وان ذكرنا في احدى حلقات هذه السلسلة مثل روسي في هذا المعنى وهو – من اجل ان تعرف الانسان يجب ان تاكل معه رطلا من الملح , وأشرنا الى المثل العربي المقارب له وهو – خالطه وبعد سنة جرٌبه.



834
العراقيون في كتاب -  الادب الروسي والعالم العربي ( 4)
أ.د. ضياء نافع
 نستمر في هذه الحلقة الرابعة من سلسلة مقالاتنا عن كتاب الادب الروسي والعالم العربي بعرض اسماء العراقيين التي جاءت في ذلك الكتاب, ونتوقف  هنا عند اسم اديب عراقي كبير هو  شاكر خصباك , حيث تحدثت المؤلفة في ص.444 حوله باعتباره -  ( قاصا وروائيا وكاتبا مسرحيا ), وهو تحديد دقيق وصحيح بلا شك , ثم اشارت الى كتابه بعنوان تشيخوف , الذي صدر في بغداد عام 1954 , وذكرت الميرا علي زاده العنوان الثانوي للكتاب وهو – دراسات ونصوص , وان هذا الكتاب قد صدر لمناسبة الذكرى الخمسين لوفاة تشيخوف , ثم تذكر بعض عناوين تلك النتاجات التي ترجمها خصباك بالعربية  اولا  ثم بالروسية كما جاءت عند تشيخوف ومنها قصته الشهيرة , التي ترجمها خصباك بعنوان – ( النطاٌطة) , وهي ترجمة لم تتكرر عند المترجمين  العرب الآخرين فيما بعد , والتي استقرت الان هكذا – (الطائشة او اللعوب ), على الرغم من انه يمكن القول ان ترجمة خصباك هي الترجمة الحرفية وبالتالي هي الاقرب الى نص تشيخوف, اذ ان ( الطائشة او اللعوب ) هي تسمية مجازية وتفسيرية من قبل المترجمين العرب ليس الا وتحمل وجهة نظر عربية بحتة , وصحيح ان هذه الترجمة تتناغم مع مضمون القصة  ولكنها تبتعد عن تسمية تشيخوف الطريفة والتي صاغها بالروسية وفق روحيته الابتكارية ( ان صحٌ التعبير )  لعناوين نتاجاته , والتي تحولت فيما بعد الى تعبير سائر محدد المعنى في اللغة الروسية المعاصرة . وتذكر المؤلفة ان شاكر خصباك اطلق على تشيخوف صفة ( الكاتب الانساني العظيم , الذي كان هدف حياته خدمة الانسانية ) وهو اختيار موفق جدا من المقدمة التي كتبها خصباك لكتابه ذاك . ويتكرر اسم خصباك في ص,477  في ذلك الكتاب عندما تشير المؤلفة الى مقالتي حوله والتي كانت  بعنوان ( شاكر خصباك وتشيخوف ) . لا تشير المؤلفة الى ان هذا الكتاب هو الاول في العراق حول تشيخوف ولا كونه الكتاب الثاني بالعربية حول تشيخوف بعد كتاب نجاتي صدقي عن تشيخوف وكل ذلك يمتلك اهمية تاريخية بالنسبة لموضوعة الادب الروسي في العراق والعالم العربي بلا شك, ولكن يمكن القول ان حديث المؤلفة عن شاكر خصباك بشكل عام جاء في اطار من النظرة العلمية والموضوعية تجاه هذه الشخصية الادبية العراقية الكبيرة .
الكاتب التالي الذي نود التوقف عنده في هذه الحلقة هو أنور شاؤول , الذي جاء اسمه في ص.109. ذكرت المؤلفة اسمه في اواسط تلك الصفحة باعتباره مترجما لقصة غوركي (ليلة الخريف) ( عنوانها عند غوركي مٌرة في الخريف ) في مجلة - (الحديث ) التي كانت تصدر في مدينة حلب السورية  وذلك في عام 1936 , ثم تكتب في هامش اسفل تلك الصفحة سيرة حياته بشكل وجيز جدا وغير متكامل بالمرٌة , ولا تشير المؤلفة في تلك السطور الى اهمية هذا الاديب العراقي بالنسبة للقصة العراقية ومسيرتها ولا باعتباره واحدا من روادها ولا لدوره  بالنسبة لموضوعة الادب الروسي في العراق و لا تتطرق الى دور مجلة (الحاصد ) بالذات و التي اسسها انور شاؤول واشرف على تحريرها والتي بقيت تصدر في بغداد من سنة 1929 الى سنة 1938 , و هي مجلة ثقافية رائدة ترتبط باسمه وجهوده طوال تلك الفترة والتي نشرت الكثير من ترجمات الآداب الاجنبية بالنسبة للعراقيين و للعرب, والادب الروسي كان طبعا من ضمنها. ان أنور شاؤول واهميته الفكرية يستحق بلا شك انارة اوسع و نظرة اعمق في هذا الكتاب مما جاء عنه هناك .
نتوقف الان عند ص. 155 , حيث جاءت هناك مجموعة من اسماء العراقيين ومنهم – ادمون صبري وعبد الرزاق الشيخ علي وخليل حسني . تتوقف المؤلفة عند ادمون صبري (1921- 1975 ) , والتي تسميه ( الاديب والكاتب المسرحي ) وتذكر انه جاء الى الادب  في تلك السنوات بتأثيرمن الادباء الغربيين ( كما كان يقول هونفسه ) ومنهم الادباء الروس مثل غوركي وتشيخوف وغوغول وتولستوي ودستويفسكي , وانه قد تعرٌف على نتاجاتهم عبر اللغتين العربية والانكليزية ,ولكن الباحثة لا تتحدٌث كيف حصل هذا واين انعكس هذا التأثير في نتاجاته , وكيف يمكن اثبات كل ذلك ...الخ هذه النقاط المهمة جدا عند اطلاق مثل هذه الاحكام والاستنتاجات الكبيرة عن تأثير الادب الروسي على ادمون صبري , وتبقى هذه الاستنتاجات عائمة دون جواب محدد في تلك السطور عنه , ويتكرر هذا الموقف بالنسبة لادمون صبري في ص.441 حيث تذكر المؤلفة تأثير تشيخوف على نتاجاته ونتاجات بعض الادباء العرب بشكل عام دون اي مثل محدد  ودقيق بهذا الخصوص , على الرغم من الهامش الذي يأتي في نهاية الصفحة حول ضرورة العودة الى ما كتبه الباحث الروسي تشوكوف في عدة كتب ودراسات له حول ذلك  .
 تنتقل الباحثة بعدئذ الى رواية غوركي ( الام ) وتكتب ان اسم هذه الرواية  موجود عند بعض القصاصين العراقيين  ومنهم عبد الرزاق الشيخ علي في قصته بعنوان - ( كان ما كان ) التي صدرت عام 1959 , وتشير الى ان احد ابطالها كان معجبا برواية غوركي ( الام ), وهذا كل ما جاء حول عبد الرزاق الشيخ علي  , وتشير الى اسم عراقي آخر هو خليل حسني وتذكر انه اصدر كتابا لمكسيم غوركي بعنوان ( حياتي ) , وان هذا الكتاب قد أصدرته دار نشر تسمى ( مكتبة المنار )  وانه يخلو من الاشارة الى سنة الاصدار , دون تعريف بهذا المترجم  , والذي يؤسفني ان اقول بانه غير معروف من قبلي ايضا . ان  كل هذه المعلومات المبسٌطة و الوجيزة والعامة جدا  تبدو مرتبكة وغير متناسقة بشكل جيد ولا يمكن اعتبارها تسجيلا موضوعيا وعلميا متكاملا ودقيقا  لموضوعة الادب الروسي في العراق , وانها بلا شك بحاجة ماسة الى التوسع في المصادر و اضافة التفصيلات المعمقة والامثلة المحددة لاغناء هذه المواد وجعلها اكثرواقعية و اقناعا ومنطقية . واستمرارا  لوجهة النظر هذه  وتأكيدا  لما اريد قوله هنا حول هذا الموضوع الكبير – من وجهة نظري -   اود ان اتوقف قليلا عند  اسم عدنان سليم (ص.309), والذي اسمته المؤلفة – ( الكاتب
العراقي المعاصر والناقد الادبي والمترجم ), وكتبت هامشا حوله في اسفل تلك الصفحة , وهو واقعيا ليس كاتبا عراقيا معاصرا وليس ناقدا ادبيا طبعا , وربما يمكن تسميته مترجما في اطار العلاقات العراقية – الروسية الرسمية , اذ انه عمل في السفارة العراقية في سبعينات و ثمانينات  القرن العشرين . لقد وصل عدنان سليم من العراق الى باكو عاصمة أذربيجان في الاتحاد السوفيتي آنذاك هاربا مع عائلته من انقلاب 8 شباط 1963 الاسود باعتباره يساريا متطرفا , ثم انتقل ( بالتدريج!!) للعمل مترجما في السفارة العراقية بموسكو ايام فاضل البراك في السبعينات  ( والحليم تكفيه الاشارة  !!) كما يقول المثل المعروف , وحصل على الشهادات التي تذكرها المؤلفة في هامشها بنفس الصفحة 309 كما اشرنا اعلاه  , وهي كانديدات  ناووك (دكتوراه فلسفة) عام 1981 ثم دكتوراه   ناووك (دكتوراه علوم )    حول تورغينيف عام 1985 , قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي ( مستغلا – كما هو حال الكثيرين من (المتدكترين !!)-  الوضع المعروف الذي كان سائدا آنذاك  بما فيها اصدار اطروحته عن تورغينيف بكتاب بالروسية )  , ثم اختفى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي  , ولا اعرف مصيره  ولا اين هو الان , ولم يترك اي أثر فكري في مسيرة الثقافة العراقية داخل العراق او خارجه , ولهذا فان تسميته بهذا الشكل  والكلام عنه في هذا الكتاب ليس دقيقا ابدا .     

835
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (17)
أ.د. ضياء نافع
هذه هي الحلقة السابعة عشرة من سلسلة مقالاتي عن الامثال الروسية. ض.ن.
------------------
الترجمة الحرفية -        الصديق غير الوفي - عدو خطير.
التعليق – يضرب في ان الصديق غير الوفي يمكن ان يتحول الى عدو , وبما انه يعرف عنك الكثير باعتباره صديق فيمكن ان يستخدم تلك المعلومات ضدك . يوجد بالعربية مثل مناظر يتطابق تماما مع هذا المثل الروسي  وهو -  احذر عدوك مرة وصديقك الف مرة فان انقلب الصديق فهو أعلم بالمضرة .
+++++
الترجمة الحرفية -           تعرف كثيرا – تنام قليلا .
التعليق –  يضرب في ان استيعاب المعارف يتطلب جهودا كبيرة واوقاتا اضافية للعمل . يوجد مثل عربي مشهور وقريب له  في هذا المعنى وهو -  من طلب المعالي سهر الليالي.
+++++
الترجمة الحرفية – الخبز لا يسير وراء البطن.
التعليق – يضرب في ان المبادرة يجب ان تبدأ من قبل الشخص او الجانب المهتم بالمسألة والمعنيٌ بالموضوع وليس العكس وان كل شئ يتطلب عملا و جهدا من اجل الحصول عليه . الصورة الفنية للمثل الروسي هذا طريفة و جميلة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية-            الثروة  - مياه تأتي وتذهب .
التعليق –  يضرب في ان المال يأتي ويذهب  , اي انه ليس دائميا ابدا . يوجد مثل قريب بعض الشئ  للمعنى العام لهذا المثل الروسي تجاه الثروة وعدم الاهتمام او الاكتراث  بها , وهو( باللهجة العراقية )  -  الفلوس  وصخ الدنيه. ( وصخ – اوساخ , الدنيه – الدنيا )
+++++
الترجمة الحرفية – كبير بجسمه وصغير بفعله.
التعليق – يضرب في اهمية عمل الانسان وفعله تجاه كل شئ بغض النظر عن عمره ومكانته وشكله ...الخ . يوجد بيت شعر ذهب مثلا بالعربية في هذا المعنى العام وهو-
لا خير في حسن الجسوم وطولها     ان لم يزن طول الجسوم عقول
+++++
الترجمة الحرفية – يلمع الذهب حتى في الاوساخ .
التعليق – يضرب للانسان المتميز او للعمل المتميٌز الذي يلاحظه الناس دائما بغض النظر عن موقعه ومكانته .
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة ليست فرسا ولا يمكن ان تضربها بالسوط .
التعليق – يضرب في انه لا يمكن توجيه مسيرة الحياة من قبل الانسان بالقوة والسوط .
+++++
الترجمة الحرفية – في البيت الغريب لا يوجهون .
التعليق – كل بيت له قواعده وتقاليده ومسيرته الخاصة به , والضيوف لا يمتلكون حق تغييرها حسب ما يرغبون , وانهم يجب ان يحترموها ويتقبلوها كما هي ويخضعون لها ليس الا . يوجد مثل عربي معروف في هذا المعنى وهو -  يا غريب كن اديب.
+++++
الترجمة الحرفية-     حيثما ولدت – هناك جدواك.
التعليق – يضرب في انه من الافضل للانسان ان يعيش ويعمل في المكان الذي ولد فيه , اي بين اهله وفي وطنه . يوجد مثل باللهجة العراقية ( ومن الممكن باللهجات العربية الاخرى ايضا ) وهو -  الترك داره قلٌ مقداره . ( الترك – الذي ترك )
+++++
الترجمة الحرفية –                 تنام كثيرا – تعيش قليلا.
التعليق –  يضرب في ان النوم لا يعني ابدا  العيش طويلا . توجد بالعربية امثال كثيرة حول ذلك  , منها - النوم شقيق الموت / في الحركه بركه ....
+++++
الترجمة الحرفية – وجيز وواضح  , و لهذا هو رائع .
التعليق – يضرب في مدح الكلام عندما يكون بشكل وجيز ومحدد ودون اطناب وواضح المعاني... يوجد بالعربية مثل معروف جدا ودقيق وجميل في هذا المعنى وهو -  خير الكلام ما قل ودل .
+++++
الترجمة الحرفية –            نادرا  تراه – اكثر تحبه.
التعليق – يضرب في ان ندرة اللقاءآت بين الاصدقاء  أفضل من كثرتها , وان اللقاءآت الكثيرة تؤدي الى  تأجيج التباين والخلافات و التناقض...الخ . يوجد حديث شريف معروف جدا في هذا المعنى بشكل عام وهو  -  تزاوروا  ولا  تتجاوروا.
+++++
الترجمة الحرفية – عاقب الاطفال بالخجل وليس بالسوط .
التعليق –  يضرب في ضرورة استخدام الاساليب التربوية في عقاب الاطفال عند الخطأ وليس باستخدام الاساليب القسرية , والتي تبقي آثارا نفسية في اعماقهم.
+++++
الترجمة الحرفية – وبالقبعة أحمق وبدون القبعة احمق .
التعليق – يضرب في ان الاحمق يبقى احمقا دائما بغض النظر عن شكله وملابسه وموقعه وتصرفاته....
+++++
الترجمة الحرفية – لا يسرق اللص دائما , لكن كن حذرا دائما .
التعليق – يضرب في ضرورة الحذر دائما من السرقة بغض النظر عن كل العوامل الاخرى المحيطة بالانسان.



 



836
العراقيون في كتاب - الادب الروسي في العالم العربي ( 2 )

أ.د. ضياء نافع
 استمرارا للحلقة الاولى من  سلسلة المقالات هذه والتي توقفنا فيها عند السياب والبياتي وجميل نصيف وجليل كمال الدين وعبد الملك نوري , نتوقف فيما يأتي عند اسماء الادباء والباحثين والمترجمين العراقيين الآخرين في كتاب – الادب الروسي في العالم العربي لمؤلفته الاستاذه الدكتورة الميرا علي زاده , و الذي اصدره معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية عام 2014 كما أشرنا في الحلقة الاولى.
الاسم الاول الذي نود التوقف عنده في هذه الحلقة هو غائب طعمه فرمان . جاء ذكر هذا الاسم الكبيرفي عالم الثقافة العربية مرة في ( ص.270 ) باعتباره مترجما لمسرحية غوغول ( المفتش العام ) الصادرة في موسكو عام 1987 , ثم في (ص.346 ) باعتباره مساهما اساسيا بترجمة نتاجات تورغينيف بخمسة أجزاء والصادرة عن دار نشر ( رادوغا ) ( قوس قزح ) السوفيتية , وهذا كل ما جاء حول الاديب والمترجم الكبير غائب طعمه فرمان في هذا الكتاب ليس الا .
من المعروف ان غائب طعمه فرمان قد ترجم أكثر من (80 ) كتابا من الادب الروسي بشكل عام , ولا مجال هنا بالطبع  للحديث التفصيلي عن تلك الكتب التي ترجمها غائب لكل من الادباء الروس الكبار مثل  بوشكين وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وغوركي ...الخ , وانه واقعيا قد كرٌس الثلاثين سنة الاخيرة من حياته في موسكو للترجمة ,  ( ولد غائب في بغداد عام 1927 وتوفي في موسكو عام 1990 وتم دفنه هناك ), ويعد غائب طعمه فرمان واحدا من أبرز واشهر المترجمين العراقيين في مجال الادب الروسي في القرن العشرين , بل اني اقترحت في الذكرى العشرين لوفاته  عام 2010 بموسكو - وباسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية - اقامة تمثال نصفي له في موسكو وتأسيس جائزة تسمى - ( جائزة غائب طعمه فرمان للترجمة عن الروسية ) تمنح للمترجمين العراقيين سنويا ( انظر مقالة عبد الله حبه بعنوان – موسكو تحيي الذكرى العشرين لرحيل الكاتب المبدع غائب طعمه فرمان ), ولم ينعكس دور غائب واهميته الكبرى بل والاستثنائية فعلا  في نشر الادب الروسي في العراق و العالم العربي – مع الاسف الشديد – على صفحات هذا الكتاب , ولا استطيع ان أجد تبريرا منطقيا لذلك ابدا, اذ ان الكتب العربية التي ترجمها حول الادب الروسي موجودة لحد الآن في موسكو وفي كل المكتبات المركزية في روسيا, اضافة الى ان بعض تلك الكتب قد اعيد نشرها في العالم العربي في ايامنا هذه ( وهذا دليل آخرلا يقبل الشك على اهميتها وقيمتها ) , وليس مهما ابدا انها صدرت في موسكو وليس في العالم العربي  في حينه, اذ انها صدرت للقارئ العربي حصرا وساهمت فعلا بنشر الادب الروسي في العالم العربي والتعريف به .
الاسم الثاني الذي نريد التوقف عنده هنا هو خيري الضامن , المترجم العراقي الكبير والذي قدم  ( ولا يزال يقدم ) الكثير من الترجمات العربية الراقية وذات المستوى الفني الرائع من  الادب الروسي ( انظر مقالتنا بعنوان خيري الضامن ودستويفسكي وتورغينيف )  . لقد جاء اسم هذا المترجم المتميٌز مرة واحدة فقط ( ص .346 ) في هذا الكتاب باعتباره مترجما مساهما بترجمة نتاجات تورغينيف بخمسة أجزاء , التي صدرت في موسكو, وذلك بترجمته لروايتي ( في العشية )  و (الآباء والبنون ). ان خيري الضامن هو واحد من كبار المترجمين العراقيين في مجال الادب الروسي في السنوات الخمسين الاخيرة  تقريبا , منذ  اواسط الستينات من القرن العشرين الى حد الان , ولا يمكن اختزال مسيرته الثقافية الطويلة  في هذا المجال بهذه الكلمات المختصرة والوجيزة فقط .
الاسم الثالث الذي نريد التوقف عنده هنا هو الكاتب العراقي محمود احمد السيد (1903-1937 ) . لقد تناولته مؤلفة هذا الكتاب بشكل تفصيلي  واطلقت عليه تسمية ( واضع اسس النثر الفني العراقي ) باعتباره مؤلف قصة  (جلال خالد )1928  , وتوقفت عند دوره بالنسبة للادب الروسي في العراق باعتباره  قد ترجم بعض نتاجات الادباء الروس من اللغة التركية الى العربية , واستندت في استنتاجاتها هذه الى ما جاء به الدكتور عبد الآله أحمد في كتابه ( نشأة القصة وتطورها في العراق ) والصادر في بغداد عام  1969, والى كتاب سامي الكيالي ( الادب العربي المعاصر في سوريا ) الصادر في القاهرة عام 1959 , والى ما ذكره الباحث الروسي تشوكوف في كتابه (تاريخ الادب العربي في المملكة العراقية والجمهورية العراقية ) الصادر في موسكو عام 2006 .  لقد اشارت المؤلفة الى ان محمود احمد السيد نشر خلاصة وجيزة لرواية تولستوي ( البعث ) عام 1925 , ثم ترجم فصلين من تلك الرواية عام 1926 ونشرها في جريدة ( المعرض ) البغدادية , ثم نشرتلك الخلاصة عام 1927 في المجلة الاسبوعية المصرية ( الساعة ) التي كان الكاتب المصري المعروف محمد حسين هيكل رئيسا لتحريرها , وتشير ايضا الى ان محمود احمد السيد نشر مقالتين عن تولستوي . لم تتحدث المؤلفة عن طبيعة  وسمات  تلك الاعمال التي قدمها محمود احمد السيد ولا المستوى الفني لتلك الخلاصة لرواية البعث , ولا يوجد هناك اي تحليل لتلك الاعمال ولكن هذا لا يقلل ابدا من اهمية تسجيل هذه الوقائع التاريخية و المهمة جدا في هذا الكتاب. يؤسفني القول انني شخصيا لم اطلع على هذه النتاجات المهمة لمحمود احمد السيد في مجال الادب الروسي  , والتي  - كما اظن - لا يعرفها  في الوقت الحاضر  القراء في العراق او العالم العربي عموما , وادعو هنا المهتمين بذلك الى البحث عنها واعادة نشرها ليتسنى لنا تحليلها و دراستها  وتحديد موقف موضوعي تجاهها لانها جزء من تاريخ الفكر العراقي الحديث المرتبط بموضوعة الادب الروسي في العراق . لقد حاولت انا العودة الى قصته الطويلة - ( جلال خالد) ووجدت فيها مقطعا يخص الادب الروسي  , واود ان اقدٌمه هنا اسهاما في هذا الموضوع  –
(..وأتى على ذكر تولستوي فوصف قصصه واحدة واحدة , وأتبعه بتورغينيف , فتحدث طويلا عن قصته ( الارض العذراء ) وقصصه الاخرى , وبحث في الاقصوصة فذكر أعلامها ورجالها ومنهم انطون شيخوف الروسي , وذكر ماكسيم غوركي كاتب العمال , ومقالاته التصويرية البارعة , التي هزأ فيها بقيصر المانيه , وهتك فرنسة لانها أقرضت روسية الملايين من الفرنكات سنة 1905 فاعانتها على تجنيد الجنود واطفاء نار الثورة بهم , فتأخرت النهضة الروسية الى الحرب الكبرى. ولم يفته ان يذكر من أعاظم الادباء الرفيق لينين).
 ان هذا المقطع مهم بلا شك , اذ انه ظهر في عام 1928 في العراق ويمتلك قيمته التاريخية و الفكرية آنذاك , رغم انه – مع ذلك – يعني ما يعني حول الادب الروسي اجمالا. ان ما جاء في هذا الكتاب بشكل عام حول محمود احمد السيد هو موقف ايجابي وموضوعي وشامل ودقيق للمؤلفة بلا شك , ومن الواضح تماما الجهد الكبير الذي بذلته الميرا علي زاده للوصول الى رسم هذه الصورة المشرقة و المتكاملة للاديب  العراقي محمود احمد السيد , واود ان احييها على ذلك .   

837
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية ( 16)
أ.د. ضياء نافع
 
الحلقة السادسة عشرة من مقالاتي حول الامثال الروسية . ض. ن.

الترجمة الحرفية -  الطحين الغريب أكثر بياضا من الحليب .
التعليق –  يضرب هذا المثل حول ظواهر الحسد والطمع عند  الكثير من الناس . توجد امثال عربية عديدة مناظرة لهذ المثل الروسي منها - اللي ما يقنع ما يشبع / دجاجة الجيران وزه / مركة ( مرقة ) الجيران طيبه / جدره على ناره وعينه على جاره ...
+++++
الترجمة الحرفية – على المسكين ماكار تتساقط كل كيزان الصنوبر .
التعليق – يضرب في ان الانسان البسيط المسكين تقع عليه كل الضربات وكل المصائب , اذ لا أحد يدافع عنه . توجد بالعربية العديد من الامثال في هذا المعنى منها ( باللهجة العراقية ) – السطره بعلبة الفقير ( السطره – الضربة / علبة – رقبة ) , الفقير فوك الجمل والجلب عضٌه ( فوك – فوق / الجلب – الكلب ) , ابن الخايبه ... الخ . يترجم بوريسوف هذا المثل هكذا – التعيس يغرق في كأس من الشاي , ويكرر جابر هذه الترجمة و لكنه يغٌير كلمة (كأس) الى ( فنجان ) ليس الا , وهي ترجمة غير موفقة بشكل عام ولا تعبر عن معنى هذا المثل الروسي  ومضمونه .
+++++
الترجمة الحرفية – سلم ردئ افضل من خصام جيد  .
التعليق – يضرب في انه من الافضل للانسان ضبط النفس والعيش بسلام مع الآخرين - رغم كل الخلافات معهم - , وان ذلك أحسن  من ان تطلق العنان للاحاسيس الشخصية  وتدخل في خصام وعداوة مباشرة وصريحة مع الآخرين . يوجد بالعربية مثل مناظر وهو – سلام هزيل افضل من حرب عادلة , وهناك مثل بمختلف اللهجات العربية  قريب من هذا المعنى ايضا وهو ( باللهجة العراقية ) – ألف صديج ( صديق ) ولا عدو .
+++++
الترجمة الحرفية – فرس مع ذئب ( او  دب ) تخاصمت , فقط الذيل وفروة الرأس بقت .
التعليق – يضرب هذا المثل  للتحذير من الخصام مع القوي , لأن النتائج تكون وخيمة وخطيرة  جدا, وانه من الافضل دائما تجنب الصدام مع القوي. 
+++++
الترجمة الحرفية -         خيط من كل شخص – للعريان ثوب .
التعليق – يضرب للحث على التعاون بين الناس والذي يؤدي دائما الى نتائج ايجابية للانسان . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي جميلة  جدا. توجد امثال عربية كثيرة للحث على التعاون منها – يد الله مع الجماعة / الاتحاد قوة / ...
+++++
الترجمة الحرفية – البخل عدو السكينة اللدود .
التعليق –   يضرب في ان البخل يؤدي بالبخيل الى حياة بائسة وبعيدة عن الهدوء والسكينة  . يوجد مثل عربي مناظر في هذا المعنى وهو -  البخيل ناكر نعمته وخادم ورثته . هناك مثل عربي ( باللهجة العراقية ) طريف  وفي هذا المعنى ايضا وهو -  من ينطي يندهش ومن ياخذ ينتعش ..
+++++
الترجمة الحرفية – المعارف كثيرون , لكن ألاصدقاء قليلون .
التعليق – هذا مثل عالمي بلا شك , ويضرب للتمييز بين الصديق الحقيقي , حسب المثل العربي المشهور – الصديق وقت الضيق , وبين الآخرين الذين ( يختفون وقت الضيق ) . توجد امثال عربية عديدة في هذا المعنى طبعا , وقد استشهدنا ببعضها عند كلامنا عن الامثال الروسية  سابقا , ونود الاشارة هنا الى البيت الشعري العربي الخالد و الذي ذهب مثلا في هذا المعنى  وهو-
و ما اكثر الاخوان حين تعدهم    ولكنهم في النائبات قليل.
+++++
الترجمة الحرفية – الموت أفضل من ألعار .
التعليق –  هذا مثل عالمي يضرب في ان الموت مع الشرف والكرامة افضل من العيش في ذل وهوان . يترجم بوريسوف هذا المثل باستخدام المثل العربي المعروف  – النار ولا العار, وهو استخدام سليم . توجد امثال عربية كثيرة في هذا الخصوص ومنها -  المنية ولا الدنيٌه / الموت ولا المذله / عش كريما او مت وانت كريم /...
+++++
الترجمة الحرفية – الجوع ليس عمٌة ( أو خالة ).
التعليق – يضرب في ان الجوع لا يرأف  بالانسان مثل العمة أو الخالة (وضعناهما  معا  لان الكلمة الروسية لا تفرق بينهما مثل بعض اللغات الاخرى ). يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – الجوع لا يعرف الرحمة / الجوع لا يرحم , وهي ترجمة صحيحة / هناك مثل عربي مشهور في هذا المعنى  وهو  - الجوع كافر .
+++++
الترجمة الحرفية – حيثما يوجد عسل , فهناك ذباب .
التعليق -  هذا مثل عالمي من حيث المعنى . يضرب في انه يوجد دائما منافقون يركضون وراء اشخاص  كي يستفيدوا منهم  لمصلحتهم ومنفعتهم الشخصية ليس الا. توجد امثال كثيرة بالعربية مناظرة لهذا المثل منها – يا كثرة أصحابي يوم زرعي خضٌر / اذا كثر مالي كل الناس خلاني /
 يا كثرة احبابي يوم ظرفي دبس    يا قلة احبابي من ظرفي يبس / ...
+++++
الترجمة الحرفية – طار الغراب الى قصور عالية .
التعليق – يضرب حول هؤلاء ( الغربان !) الذين يشغلون مكانات عالية في المجتمع على الرغم من انهم لا يستحقونها , وما اكثرهم  (اي الذين يخرقون القاعدة الانسانية  المعروفة – الرجل المناسب في المكان المناسب).
+++++
الترجمة الحرفية – وعتمة الليل ليست أبدية .
التعليق – يضرب للتاكيد على الامل مهما كانت الصعاب متشابكة  في مسيرة الحياة . توجد امثال عربية كثيرة في هذا المعنى منها -  كل همٌ مهما طال فان مصيره الزوال / دوام الحال من المحال / ما أضيق العيش لولا فسحة الامل / ...
+++++   
الترجمة الحرفية – العين بلا روح عميٌة والاذن بلا قلب طرشة .
التعليق – يضرب للتأكيد على اهمية التعاطف الانساني بين البشر وضرورته  تجاه مختلف الظواهر في الحياة التي يراها الانسان او يسمع بها, وهو مثل في غاية الجمال والعمق .
+++++
الترجمة الحرفية -  الشجاعة تأخذ المدن .
التعليق –يضرب في تمجيد الشجاعة وانها عنصر مهم لانجاز المهمات الصعبة . يترجم بوريسوف هذا المثل هكذا – الشجاعة تفتح المدن , وهي ترجمة صحيحة رغم انها تكاد ان تكون حرفية . يوجد بالعربية شطر من بيت شعري ذهب مثلا في هذا المعنى وهو - على قدر اهل العزم تاتي العزائم.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تمسٌد على الحيوان باليد بل بالطحين .
التعليق – يضرب للحث على المساعدة المادية الملموسة للذين يتعاطف الانسان معهم , اذ ان المساندة المعنوية وحدها ليست كافية . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي طريفة وواقعية  جدا.


838
العراقيون في كتاب – الادب الروسي والعالم العربي (1)
أ.د. ضياء نافع

أصدر معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية  عام 2014 كتابا يقع في 524 صفحة من القطع المتوسط  بعنوان – الادب الروسي والعالم العربي , وهو الكتاب رقم 1 والذي سيعقبه الكتاب رقم 2 . مؤلفة الكتاب هي الاستاذة الدكتورة الميرا علي زاده الباحثة في معهد الاستشراق , وهي باحثة روسية ( من أصل أذربيجاني ) ولدت في لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) , وسبق لها ان أصدرت العديد من الكتب و نشرت الكثير من الدراسات والمقالات في المجلات الاكاديمية  الروسية المتخصصة حول هذا الموضوع , والتي كانت - ولا زالت -  تتابع بدقة ومثابرة موضوعة الادب الروسي في عالمنا العربي وكيفية تعامل الادباء والباحثون والمترجمون العرب  معه .
يتناول هذا الكتاب الفريد والطريف والمتميز والممتع  حقا ما نشره الادباء و الباحثون والمترجمون العرب حول مختلف جوانب الادب الروسي و الادباء الروس, ويحتوي على فصلين . الفصل الاول يتناول طرق انتشار الادب الروسي في العالم العربي , والفصل الثاني يتناول آراء العرب وكتاباتهم حول غوغول وتورغينيف وتشيخوف بشكل خاص .
 نظرا  لسعة  هذا الموضوع فاننا نود ان نكرس سلسلة مقالاتنا هذه للادباء و الباحثين والمترجمين العراقيين فقط الذين تحدثت عنهم  مؤلفة الكتاب , ونتمنى ان نتوقف في مقالات اخرى لاحقا عند الادباء و الباحثين والمترجمين من البلدان العربية الشقيقة الاخرى , وخصوصا من مصر وسوريا ولبنان والجزائر .
 العراقيون , من ادباء و باحثين ومترجمين , و الذين جاء ذكرهم في هذا الكتاب ( حسب تسلسل حروف اللغة العربية) هم كل من –
ادمون صبري // اكرم فاضل // انور شاؤول // ايمان احمد // بدر شاكر السياب //  جليل كمال الدين // جميل نصيف // حسب الشيخ جعفر// حسن البياتي // حياة شرارة // خليل حسني //  خيري الضامن // ذو النون ايوب // سامي محمد // سعيد الحكيم //  شاكر خصباك // شاكر نوري // صباح الربيعي //   ضياء نافع // عادل العامل// عامر عبد الله  // عباس خلف //  عبد الآله أحمد // عبد الجبار وهبي // عبد الرزاق الشيخ // عبد الملك نوري // عبد الوهاب البياتي // عدنان سليم // علي الشوك // غائب طعمه فرمان // غازي العبادي // غانم محمود // فاروق عبد القادر //  كاظم السلطاني //  كامران قره داغي // محمد يونس// محمود احمد السيد // مرتضى الشيخ حسين // مرزوق بقتاش // نازك الملائكة // نجيب المانع // نعيم بدوي //  يوسف عبد المسيح ثروت // يوسف عز الدين .
الاسماء كثيرة جدا كما هو واضح اعلاه ( وربما توجد اسماء اخرى فاتني ايجادها و الاشارة اليها ), ولا يمكن لمقالة واحدة طبعا ان  تعرض مساهماتهم في عملية نشر الادب الروسي في العراق , اذ ان هذا موضوع واسع جدا,  ابتدأ في اوائل القرن العشرين ولا زال يتفاعل مع مسيرة الحركة الادبية العراقية لحد الان  , ويحتاج – من وجهة نظري - الى لجان متابعة مستمرة ودائمة من اجل جمع مواده و ترتيبها بلا شك و   لهذا فاني ساحاول هنا  ان اسجل رؤوس نقاط اولية في كل حلقة حول عدة اسماء فقط , اذ ان طبيعة كل حلقة من الحلقات لا تسمح بالاستطراد أكثر , وسأعود الى هذا الموضوع لاحقا لأهميته الثقافية والتاريخية في مجال العلاقات الفكرية بين العراق وروسيا من وجهة نظرنا . الاسماء التي وردت في هذا الكتاب والتي أودٌ التوقف عندها في هذه الحلقة هي ما يأتي -
•   1- اثار اهتمامي  الاشارة الى اسمي بدر شاكر السياب ونازك الملائكة في فهرس الاعلام في هذا الكتاب , اذ اني لا
•   اعرف – حسب معلوماتي المتواضعة – مساهمتهما في مجال الادب الروسي في العراق , وعندما دققت الموضوع تبين ان هناك اشارة واحدة اليهما في هذا الكتاب (ص.177) جاءت في هامش حول دورهما الرائد والمتميز في حركة الشعر العربي الحديث ليس الا , ولا علاقة لهذا الهامش – بالتالي - بالادب الروسي في العراق
2 - جاء اسم عبد الوهاب البياتي في هذا الفهرس ايضا , ولدى التدقيق تبين ان المؤلفة اشارت اليه في نفس الهامش حول حركة الشعر الحديث , اما المرة الثانية فقد جاء اسمه ( ص.154) باعتباره مترجما لقصيدة الشاعر الروسي السوفيتي سوريكوف عن الحرب العالمية الثانية والمنشورة في مجلة (الطريق ) البيروتية ( العدد 2-3 لعام 1959 ), ولا توجد اشارة هناك عن اي لغة ترجمها البياتي , علما ان هذه القصيدة تكاد ان تكون شبه مجهولة للقراء تقريبا و لم تشغل مكانتها في مؤلفات البياتي الشعرية اللاحقة . 
•    3- جاء اسم جميل نصيف في (ص.176) باعتباره خريج جامعة
•   موسكو وتدريسي في جامعة بغداد , وفي( ص. 180) باعتباره مترجما لمقالة منشورة في مجلة الاقلام ( لعام 1984 عدد 12) حول ما كتبه بيلينسكي عن ( موجالوف بدور هاملت ), وهذا كل ما جاء عنه.
يعرف القارئ العراقي والعربي طبعا اسم هذا الباحث العراقي الكبير ونشاطاته  الثقافية الواسعة والمهمة في مجال الادب الروسي تأليفا وترجمة , هذا النشاط الذي ابتدأ منذ عودة جميل نصيف الى بغداد بعد انهاء دراسته العليا في كلية الآداب بجامعة موسكو في نهاية الستينات من القرن العشرين والى سفره الى لندن في بداية القرن الحادي والعشرين . لقد اصدر جميل نصيف العديد من الكتب الضخمة والمترجمة عن اللغة الروسية بالذات في العراق, و اعيد طبعها في بلدان عربية اخرى فيما بعد , والتي اصبحت في الوقت الحاضر مصادر اساسية لدراسة الادب الروسي في العراق والعالم العربي ايضا , واشير الى بعضها هنا على سبيل المثال وليس الحصر وهي – (  في سبيل الواقعية ) , ( موسوعة نظرية الادب "عدة اجزاء " ) , ( بوشكين ) , ( قضايا الفن الابداعي عند دستويفسكي )....الخ , اضافة الى البحوث الكثيرة التي قدمها جميل نصيف في مجال الادب الروسي في المجلات والاصدارات الاكاديمية المتخصصة والمؤتمرات العلمية في العراق والعالم العربي ايضا , ومنها مثلا دراسته الشهيرة عن قصيدة بوشكين ( النبي ) ( انظر - الاستشراق – سلسلة كتب الثقافة المقارنة / دار الشؤون الثقافية العامة / بغداد 1991 ) , ونشر الكثيرمن المقالات المترجمة حول الادب الروسي , وباختصار فان جميل نصيف يعد واحدا من أبرز الاسماء العراقية  في مجال الدراسات حول الادب الروسي في العراق في النصف الثاني من القرن العشرين , ولم ينعكس كل ذلك في هذا الكتاب , ويتطلب هذا الامر – من وجهة نظرنا -  توضيحا بلا أدنى شك .
4- الاسم الآخر الذي ذكرته المؤلفة ايضا لمرة واحدة ليس الا هو جليل كمال الدين (ص.178) , باعتباره مترجما لمقالة عن دستويفسكي منشورة في مجلة الاقلام لعام 1971 , ومن المعروف ان جليل كمال الدين نشر طوال حياته ( 1930 – 2014 وليس 2011 كما جاء في الكتاب ) الكثير من الكتب والدراسات والمقالات حول الادب الروسي تأليفا واعدادا وترجمة مثل كتابه المعروف عن  مكسيم غوركي ( ضمن سلسلة اعلام الفكر العالمي – بيروت ), وترجمته لمجموعة من قصص غوغول الشهيرة والتي صدرت طبعتها الاولى في موسكو والثانية في بغداد ..الخ , ولم ينعكس كل ذلك النشاط الابداعي المتميز في هذا الكتاب مع الاسف.
5- جاء ذكر الاديب العراقي الرائد عبد الملك نوري مرة واحدة ( ص.156) باعتباره  قد عرض مضمونا وجيزا لكتاب صادر باللغة الانكليزية عن ماياكوفسكي في مجلة ( الثقافة الوطنية ) البيروتية لعام 1954, وهي ملاحظة دقيقة وذكية وطريفة فعلا .
نتابع الموضوع في الحلقة القادمة حول الاسماء العراقية الاخرى .
•   
•   

•   

839
من المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية (15)

أ.د. ضياء نافع

  الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة مقالاتي حول الامثال الروسية .ض.ن.
+++++++++
الترجمة الحرفية – يفرش بنعومة لكن المنام بخشونة .
التعليق – يضرب عندما يكون كلام الشخص جميل وحلو بينما اعماله قبيحة . يترجم جابر هذا المثل كما يأتي – حلاوة لسان وقلة احسان , وهي ترجمة سليمة وفيها اجتهاد بديع .
+++++
الترجمة الحرفية – الذكي غنيٌ حتى دون نقود .
التعليق –  معنى هذا المثل الروسي واضح , وتوجد بالعربية العديد من الامثال في هذا المعنى منها - الغنى غنى النفوس وليس غنى الفلوس / الغنى غنى القلب لا غنى المال ...
+++++
الترجمة الحرفية – العقل الكبير أفضل من قوة الجاموس.
التعليق – يضرب لتمجيد العقل الانساني باعتباره قوة حاسمة في مسيرة الحياة الانسانية , وهناك امثال كثيرة بالعربية تمجٌد العقل منها هذا المثل الطريف -  اصحاب العقول في نعيم ...
+++++
الترجمة الحرفية – اينما يوجد الذنب , يوجد الضحك .
التعليق – هذا مثل عالمي تقريبا , و قد استقر بلغتنا العربية كما يأتي -  شر البلية ما يضحك ...
+++++
الترجمة الحرفية -  الجار القريب أفضل من القريب البعيد .
التعليق –  يضرب في اهمية الجار . توجد بالعربية العديد من الامثال حول الجار  لعل أشهرها هو المثل المعروف – الجار قبل الدار , وتوجد امثال اخرى قريبة جدا في هذا المعنى بالذات منها - الجار القريب خير من الاخ البعيد / ربٌ بعيد انفع من قريب / ربٌ أخ لك لم تلده امك / ...
+++++
الترجمة الحرفية –           ثروة دون عقل – جذع  دون رأس .
التعليق – يضرب في ان العقل ضروري لتمشية امور الثروة والا فانها تضيع بلا فائدة او حتى تسئ الى اصحابها. يوجد مثل عربي مقارب من حيث المعنى وهو -  أشدٌ الفاقة عدم العقل.
+++++
الترجمة الحرفية -            غضبك – عدوك .
التعليق – يضرب عندما يتخذ الانسان الغاضب قرارا مباشرا وهو في فورة الغضب  , وغالبا ما يؤدي هذا القرار الى نتائج سلبية . يوجد مثل عربي في هذا المعنى وهو - رأس الخطايا  الحرص والغضب .
+++++
الترجمة الحرفية –  بدون لسان الناقوس أخرس .
التعليق –  يضرب في اهمية اللسان ( اي الكلام ) وضرورته و قيمته المهمة للتعبير , والصورة الفنية في هذا المثل الروسي جميلة , اذ انه يربط حتى الجماد ( اي الناقوس ) باللسان .
+++++
الترجمة الحرفية – انقذ رفيقك حتى لو تفني نفسك.
التعليق –  يضرب في ضرورة الدفاع عن الصديق في شتى المواقف وحتى لو يؤدي ذلك الى الاضرار بالنفس . يترجم جابرهذا المثل الروسي كما يأتي - حافظ على الصديق ولو في الحريق , وهي ترجمة موفقة جدا. توجد بالعربية امثال كثيرة في هذا المعنى منها -  ابذل لصديقك دمك ومالك.
+++++
الترجمة الحرفية –  الكذب الذكي افضل من الصدق الغبي .
التعليق – يضرب في ضرورة العرض المنطقي للكلام بغض النظر عن صدقه او كذبه . يوجد مثل باللهجة العراقية ( وربما يوجد في اللهجات العربية الاخرى ) مطابق لهذا المثل الروسي تماما وهو -  الكذب المصفٌط احسن من الصدق المخربط .
+++++
الترجمة الحرفية -        العقل دون تعقٌل – مصيبة .
التعليق – يضرب في ضرورة التناسق بين العقل والتعقٌل عند الانسان. توجد  امثال عربية عديدة في هذا المعنى منها  - الحلم أجلٌ من العقل / دعامة العقل الحلم ...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة ليست عصفورا – تطير ولن تصطادها.
التعليق – يضرب في اهمية التفكير العميق قبل اطلاق الكلمات والاحكام. توجد الكثير من الامثال العربية حول ذلك منها - الكلمة التي تقولها تمتلكك والتي لا تقولها انت تمتلكها / الندم على السكوت خير من الندم على القول ( او الكلام )/  سلامة الانسان في حفظ اللسان . يترجم بوريسوف هذا المثل بتحوير بسيط للمثل العربي الشهير هكذا – خن لسانك خانك , صن لسانك صانك , وهو اجتهاد صحيح .
+++++
الترجمة الحرفية – ينحشر بين الذئاب , لكنه يمتلك ذيل كلاب .
التعليق – يضرب للانسان الذي يريد ان يبدو بشكل مختلف عن واقعه وحقيقته لكن خصائصه تفضحه . يوجد مثل عربي مناظرتقريبا من حيث المعنى وهو – الحمار حمار ولو بين الخيول سار.
+++++
الترجمة الحرفية – ملعقة قطران في برميل عسل .
التعليق – يضرب في ان الشئ الصغير السئ او القبيح يمكن ان يفسد الاشياء الجيدة الكبيرة والجميلة .
+++++
الترجمة الحرفية -  الذي ينكوي بالحليب ينفخ على الماء .
التعليق -  هذا مثل عالمي  يضرب للحذر الزائد عن اللزوم نتيجة تجربة مريرة . يستخدم بوريسوف في ترجمته المثل العربي الشهير – من لسعته حيٌة يخاف من الحبل , وهو استخدام صحيح .
+++++
الترجمة الحرفية -  سنونوة واحدة لا تصنع الربيع .
التعليق – يضرب في ان الحالات الفردية لا يمكن ان تؤدي الى تغير جوهري في مسيرة الحياة . يترجم جابر هذا المثل الروسي بثلاثة أمثال وهي -  سنونوة واحدة لا تجلب الصيف / زهرة واحدة لا تصنع بستانا / يد واحدة لا تصفق  , وكلها صحيحة .
+++++
الترجمة الحرفية – دون نقود النوم أعمق .
التعليق – يضرب في ان النقود والثروة بشكل عام تجعل الانسان  قلقا دائما وبالتالي لا يقدر ان ينام بعمق واطمئنان . يوجد مثل عربي مشهور و طريف في هذا الخصوص وهو -   المفلس في القافلة امين.
+++++
الترجمة الحرفية – الكلام دون عمل مثل الكتابة على الماء .
التعليق –  يضرب في ان اطلاق الكلام   دون تطبيق او تنفيذ لا قيمة له , وانه ليس سوى ثرثرة . توجد امثال عربية كثيرة في هذا المعنى منها – الافعال أبلغ من ألاقوال ...
+++++
الترجمة الحرفية – من لا يسير لا يقع .
التعليق – يوجد هذا المثل باشكال عديدة في كثير من اللغات, ويكاد ان يستقر بمعظمها ( بما فيها العربية ) بالشكل الآتي -  من لا يعمل لا يخطأ , والمعنى العام لهذا المثل واضح ومفهوم .
+++++
الترجمة الحرفية – يعدون  فراخ الدجاج (الكتاكيت) في الخريف .
التعليق – يضرب في ان الاعلان عن النجاح يتم فقط بعد تحقيق الخطة وليس اثناء التخطيط لها او الاحداث المتوقعة بشأنها عند بداية العمل . يترجم جابر هذا المثل – لا تستبق الاحداث / لا تستعجل الامور , وهي ترجمة موفقة . يترجم بوريسوف هذا المثل حرفيا هكذا – الكتاكيت تعد في الخريف , وهي ترجمة لا توضح ابعاد هذا المثل ومعناه . يوجد مثل عربي عام في هذا المعنى وهو – الامور بخواتمها .
+++++
الترجمة الحرفية – احذر من المصائب ما دامت غير موجودة .
التعليق –  يضرب في ان  المصائب غالبا ما ترافق مسيرة الحياة , لهذا يجب الحذر دائما من وقوعها . يوجد مثل عربي شهير في هذا المعنى وهو-  الحذر يقيك الضرر .




840
حول مصطلح (الادب السوفيتي )
أ.د. ضياء نافع
غالبا ما اطالع  مقالات باللغة العربية حول مصطلح ( الادب السوفيتي ) هنا وهناك , بل اني قرأت قبل أيام ليس الا مقالة , يتحدث كاتبها عن هذا الموضوع , و يشير الى كتب ظهرت اثناء الفترة السوفيتية لم يعد يعرفها القارئ العربي المعاصر – من وجهة نظره  طبعا - , ويذكر نتاجات لمؤلفين سوفيت كتبوها  بلغات شعوبهم وتم ترجمتها الى اللغة الروسية او نتاجات ادباء روس دون تحديد ,  وجاء  كل ذلك بشكل مرتبك ومبهم ومتشابك ولا يتناسب بتاتا مع الوقائع المحددة والدقيقة لمسيرة آداب الشعوب السوفيتية  اثناء الفترة من 1917 الى 1991 , اي الفترة الزمنية لدولة الاتحاد السوفيتي في القرن العشرين منذ ثورة اكتوبر 1917 الى تاريخ انهيار الدولة السوفيتية عام 1991 .
 نعم , يمكن لنا ان نستخدم مصطلحات وتعابير ومفردات عديدة مع هذه الصفة ( اي سوفيتي او سوفيتية )  مثل  - ( الصناعة السوفيتية ) او ( الجيش السوفيتي ) او ( الحدود السوفيتية ) او (السياسة السوفيتية ) او ( التاريخ السوفيتي ) او ( الحكومة السوفيتية ) او ( العاصمة السوفيتية ) او ( الدولة السوفيتية ) او( الموسوعة السوفيتية ) او  او او ...الخ العشرات من  هذه المصطلحات الصحيحة والمحددة , لكننا لا يمكن ان نستخدم تلك الصفة مع كلمة الادب . وأذكر اننا درسنا هذه المادة العلمية عندما كنا طلبة بكلية الاداب في الاتحاد السوفيتي في الستينات  وكانت تسمى – ( آداب شعوب الاتحاد السوفيتي ) وليس ( الادب السوفيتي ) وهي تسمية علمية دقيقة صاغها - بشكل موضوعي ومحدد - المتخصصون السوفيت الكبار في حينها , وكان هناك قسم علمي مستقل و متخصص يضم اساتذة  معروفين عالميا  , ويشرف  هذا القسم على تدريس تلك المادة العلمية الواسعة جدا, وكان هناك كتاب منهجي نستلمه من مكتبة الكلية بهذه التسمية  ايضا لمساعدتنا على استيعاب هذه المادة اضافة الى محاضرات الاساتذة . بعض رجالات الفكر الروسي واوساطه آنذاك كانوا يستخدمون مصطلح ( الادب السوفيتي ) بشكل عام بمعنى الادب الصادر في تلك الفترة السوفيتية و الذي يترجم الى اللغة الروسية من آداب الشعوب السوفيتية , بل كانت هناك مجلة سوفيتية بهذه التسمية تصدر بعدة لغات اجنبية خاصة بتلك النتاجات ,  وكانت توزع في العديد من بلدان العالم بما فيها بلداننا العربية , وكان هدفها بالطبع ايديولوجي بحت , الا ان هذا كله لا يعني ان هناك مصطلح محدد ودقيق بهذه التسمية .
ان الامبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفيتي  ثم روسيا الاتحادية – كانت و ما تزال لحد الان – دولة  متعددة القوميات والشعوب بشكل كبير جدا, و ليس من باب الصدفة ابدا ان انهيار الاتحاد السوفيتي قد أدٌى الى ولادة 15 دولة جديدة ,  ومع ذلك فان روسيا الحالية ( اي الاتحادية ) لا زالت اكبر بلدان العالم مساحة كما كانت سابقا , ولا زالت تضم عشرات القوميات والشعوب غير الروسية , بل ان المواطن في هذه الدولة لا يسمى ( روسٌيا ) وانما ( روسيانين ) , وهي كلمة عصيٌة على الترجمة في كل اللغات الاخرى , وتعني مواطن تلك الدولة الروسية بغض النظر عن قوميته , فالروسي في روسيا الاتحادية هو روسيانين ( وهم الاكثرية ) , والتتاري هو ايضا روسيانين , والاوكراني والاذربيجاني والشيشاني والجورجي والصيني والفيتنامي والفرنسي ( والان ظهروا  افارقة ) ووووو بما فيهم العراقيون المتجنسون في روسيا  هم جميعا روسيانيون , مثلما كانوا ( سوفيت ) زمن الاتحاد السوفيتي , ولكن النتاجات الادبية التي ابدعها هؤلاء ( الروسيانيون او السوفيت ) بلغاتهم القومية لم تكن ضمن ( الادب السوفيتي ) او ( الادب الروسياني ) , بل بقيت تلك الابداعات ضمن آداب شعوبهم نفسها لانهم كتبوها بلغاتهم القومية تلك , والا فاننا يمكن ان نصل حتى الى ان  رواية ( النخلة والجيران ) لغائب طعمه فرمان , والتي كتبها في موسكو ستكون رواية سوفيتية  كما هو الحال بالنسبة لكل رواياته الخالدة الاخرى , ويمكن بالطبع الاشارة الى امثلة كثيرة اخرى مماثلة لذلك , ويكفي ان نذكر اسم ناظم حكمت ليس الا , رمز الادب التركي الحديث , والذي اضطر ان ينتقل الى موسكو وبقي فيها سنوات عمره الاخيرة وتوفي فيها وتم دفنه هناك كما هو معروف , او اسم الشاعر المبدع الكبير رسول حمزاتوف رمز الادب الداغستاني في العالم وووو...الخ .
ان هذا المصطلح ( اي الادب السوفيتي ) غير الدقيق وغير العلمي ايضا يمكن ان يؤدي بنا الى استنتاجات و مصطلحات غير دقيقة مماثلة اخرى مثل القول بوجود ( الادب العثماني ) مثلا , او الادب النمساوي - الهنغاري ( نسبة الى الامبراطورية النمساوية - الهنغارية ) , ويمكن بالطبع الاستشهاد بامثلة اخرى كثيرة جدا في هذا المجال .
الادب هو فن من الفنون يرتبط بلغة محددة , وذلك لأن اللغة هي اداة  التعبير في هذا الفن , ولا يوجد أدب دون لغة محددة يرتبط بها , والادب الروسي يرتبط بالشعب الروسي وباللغة الروسية بغض النظر عن نظام الحكم السياسي في روسيا , ولا توجد ( لغة سوفيتية ) , ولهذا – وبالتالي - لا يوجد ( أدب سوفيتي ) , وان آداب الشعوب التي كانت ضمن اطار الامبراطورية الروسية او ضمن اطار الاتحاد السوفيتي او ضمن دولها المستقلة في الوقت الحاضر -  تبقى ( اي تلك الآداب ) مرتبطة بتلك الشعوب ولغاتها القومية بغض النظر عن النظم السياسية السائدة في تلك الدول في مراحل تاريخية معينة , ولهذا كانت عندنا  مادة علمية ندرسها في جامعة موسكو في الستينات عدا مادة -  ( آداب شعوب الاتحاد السوفيتي )  وهي مادة  – (الادب الروسي في القرن العشرين ) , ويعني هذا المصطلح العلمي الدقيق دراسة الادب الروسي ضمن الظروف التي استجدت عندها  في روسيا السوفيتية, ولازالت هذه المادة العلمية تثير نقاشات حادة بين الباحثين والمختصين ونقاد الادب الروس والاجانب ( وخصوصا الغربيين ) على حد سواء , اذ انها تتناول النشاط الكبير للادباء الروس خارج روسيا بعد ان تركوا بلدهم احتجاجا على ثورة اكتوبر  , الا انهم يستخدمون بالطبع في نقاشاتهم تلك مصطلحات علمية صحيحة و دقيقة.


841
عن بعض العراقيين الذين مروا بموسكو(15)
أ.د. ضياء نافع
 
سنحت لي الفرصة ان التقي الدكتور خليل عبد العزيز الذي كتبت عنه في الحلقة (13) من هذه السلسلة . تحدثنا في البداية عن رأيه فيما كتبت عنه في تلك الحلقة , فقال لي ان المقالة كانت جميلة وموضوعية رغم قصرها وعنوانها العام وغير المحدد ,  قلت له ان المقالات الطويلة مملة في زماننا الصاخب هذا, وقارئ تلك المقالات الطويلة يتابعها ( بين سطر وسطر ! ) , اما حكاية العنوان فقد اسثنيت فقط (دميتري عبد الحسين ) وأشرت الى سبب ذلك في مقدمة تلك المقالة, اذ اني اكتب هذه السلسلة عن العلاقات العراقية – الروسية  بغض النظر عن الاشخاص , رغم اني لاحظت ان بعض الذين أعادوا نشر تلك المقالات ( ومنها المقالة عن د. خليل عبد العزيز بالذات ) أضافوا الى عناوينها  فعلا اسماء ابطالها ( انظر مدونة الدكتور ابراهيم العلاف مثلا والذي ذكر اسم د. خليل عبد العزيز في عنوانها  فعلا ) وهم احرار طبعا  فيما يكتبون ويفعلون بلا شك , وانا لا اعترض على ذلك بتاتا , ولكن الدكتور خليل لم يتفق معي بالنسبة لهذا الموضوع ,( ولكن ماذا افعل مع بعض الحلقات من تلك السلسلة والتي تتناول عدة اشخاص في آن واحد يا اخي د. خليل ؟؟؟؟)  .
سألته ان كان يريد ان يصحح او يضيف الى ما سبق لي ان نشرته في مقالاتي ضمن هذه السلسلة حول الاشخاص الذين يعرفهم , فقال انه يتابع بحرص و بدقة كل تلك المقالات , وان فلسفتها  و مضمونها بشكل عام صحيح ومحدد وموضوعي ويمتلك اهمية متميزة جدا بالنسبة لموضوعة العلاقات العراقية - الروسية وتاريخها الانساني رغم بعض النقاط هنا وهناك والتي لا يتفق معي حولها, وجرٌنا الحديث بشأن تلك  العلاقات حول اسمين محددين هما صالح مهدي عماش ( الحلقة 2 )  مؤلف كتاب ( موسكو عاصمة الثلوج ) ,  وفاضل البراك  واطروحته  , والتي حصل بموجبها  على شهادة الدكتوراه من معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية آنذاك .
توقف الدكتور خليل طويلا عند اللقاء الاول لعماش مع الاكاديمي غفوروف – مدير معهد الاستشراق , و الذي استقبله ك ( صديق وليس كسفير ) عندما وصل عماش الى موسكو قبل تقديم اوراق اعتماده الى الحكومة السوفيتية  , وكيف تكلم عماش عن موقفه المضاد تجاه صدام حسين , وانه ( اي عماش ) مع رفاقه العسكريين ( بما فيهم احمد حسن البكر رئيس الجمهورية) لا يمكن ان يخضعوا له . لقد أخبره غفوروف في ذلك اللقاء انه الان سفير العراق في موسكو , و (نصحه !) بعدم الكلام هكذا , وان ذلك خطر عليه , ولكن عماش أجاب انه لا يخاف من صدام حسين ولا يخشاه , وانه سيستمر باعلان ذلك الموقف ضده . لقد تبين فيما بعد , ان صدام حسين دعى عماش الى حفل عشاء في مطعم خاص ببغداد, وفي نهاية تلك الدعوة أخبره بقرار القيادة بنقله من منصبه ( كان عماش نائبا لرئيس الجمهورية عندئذ ) الى منصب سفير العراق بموسكو , وانه يجب ان يلتحق بمنصبه الجديد الان و فورا , وان طائرة خاصة تنتظره غدا ولا اعتراض على ذلك مطلقا  , وهذا ما تم فعلا .
تحدث د. خليل عن موقف معهد الاستشراق تجاه عماش اثناء عمله سفيرا للعراق في موسكو , وكيف جاء بكتابه – ( موسكو عاصمة الثلوج ) الى المعهد , وكيف تم تعديله من قبلهم , وكيف عمل هو نفسه ( اي د.خليل ) في هذا المجال مع الآخرين من موظفي معهد الاستشراق لتعديله , وقال لي ان عماش رجع الى مصادر انكليزية كثيرة  واعتمد عليها عندما قام بتأليف الكتاب المذكور , الا ان د. خليل  يستطيع ان يقول ان 90% من ذلك الكتاب قد تم تغييره في نهاية المطاف , وان عماش كان موافقا من اجل ان يظهر الكتاب ليس الا , وان هذا ماحدث فعلا , وان عماش اراد ان يطبعه مرة اخرى عندما كان طارق عزيز وزيرا للاعلام والثقافة  , الا ان موقف صدام تجاه الكتاب الذي اعتبره  دعاية  للاتحاد السوفيتي حال دون ذلك , كما ذكرنا في الحلقة ( 2 ) من سلسلة مقالاتنا تلك.
استطرد  د. خليل بحديثه عن عماش وصراعه مع فاضل البراك في السفارة العراقية بموسكو آنذاك ( كان البراك مسؤول حزب البعث في موسكو ومنصبه الرسمي هو معاون الملحق العسكري ) . لقد اتصل رئيس الجمهورية احمد حسن البكر هاتفيا  بعماش مرة وقال له انه صرح بكذا وكيت , وانه ينصحه ان يكون حذرا من تلك الاقاويل . تذكر عماش انه قال تلك الجملة فعلا في مكتبه الشخصي , وبحث ( بعد انتهاء الدوام ) في كل زوايا مكتبه عن اي دليل للتسجيل او التنصت له , ولم يستطع الوصول الى اي شئ , وتجنب التعاون مع المخابرات العراقية في السفارة طبعا حول هذا الموضوع لانها ترتبط بالبراك نفسه , وسافر الى المانيا , وهناك اتصل بأحد خبراء التنصت , وجلبه معه الى موسكو , واستطاع هذا الخبير الالماني ان يجد في مكتب عماش سماعة صغيرة جدا جدا مركٌبة بشكل فني دقيق  في اطار صورة رئيس الجمهورية احمد حسن البكر المعلقة في مكتب السفير عماش , وان هذه السماعة كانت تنقل مباشرة الى مكتب البراك كل ما يجري ويقال في مكتب السفير عماش .
 حدثني د. خليل بعدئذ عن قناعته التامة  في  ان موت عماش في هلسنكي ( بعد نقله الى هناك ) لم يكن طبيعيا ابدا , وانه على الاغلب مات مسموما .
اما بشأن فاضل البراك نفسه , فقال عنه  د. خليل بانه حاذق جدا بحياكة خيوط التآمر والدسائس وبسرية عالية وحذر شديد ,  ويعتبرنفسه جديرا ان يشغل أعلى المناصب في العراق .
 سألته عن اطروحة البراك وحصوله على شهادة الدكتوراه من معهد الاستشراق , فقال د. خليل ان احمد حسن البكر طلب من الاتحاد السوفيتي اثناء زيارته له ان يمنحوا للبعثيين امكانية القبول في  الدراسات العليا والحصول على شهادات الدكتوراه اسوة بالشيوعيين لان اعداد البعثيين الحاصلين على الدكتوراه قليلة جدا جدا, و ذكر اسم البراك من ضمن هؤلاء , وقد وافق الاتحاد السوفيتي آنذاك على مقترح البكر , وهكذا اتصل   البراك بمعهد الاستشراق  واقترح موضوع اطروحته ووافق المعهد على ذلك واصبح الاستاذ كوتلوف ( مؤلف كتاب ثورة العشرين في العراق ) مشرفا علميا , وكان د. خليل يساهم اداريا في الاعداد للاطروحة وتنسيق العلاقة بين البراك ومعهد الاستشراق والمشرف العلمي ...الخ المتطلبات الخاصة بالاطروحة , وهكذا أخبره البراك ان الفصل الاول من الاطروحة كان جاهزا  لديه , وبعد فترة قصيرة نسبيا جاء بالفصل الثاني , والذي وجد فيه الدكتور خليل رسالة قصيرة  من قبل الدكتور الياس فرح الى البراك  يقول فيها انه يرسل الفصل الثاني له وسيتبعها بالفصول الاخرى , اي انه ( الدكتور الياس فرح )  هو الذي كان يكتب هذه الاطروحة ويرسلها الى البراك . وهكذا استطاع البراك ان ينهي اطروحته تلك وبهذه الطريقة ( العلمية !!!!! ), ووجد المشرف العلمي ان هذه الاطروحة مكتوبة من وجهة نظر تختلف عن وجهة النظر السوفيتية , فوافق البراك على اي اضافة من قبل المعهد على نص الاطروحة , وقد  تم اضافة الكثير جدا من التعديلات و المصادر السوفيتية  على تلك الاطروحة كما يتطلب الوضع الايديولوجي في الاتحاد السوفيتي آنذاك . وهكذا حصل فاضل البراك على شهادة الدكتوراه بفترة قياسية جدا جدا, وكان ممتنا بالطبع للمعهد  على ذلك , وللدكتور خليل شخصيا لدرجة انه اراد ان يهدي له سيارة كاديلاك ( وكان ذلك بامكانه  طبعا  عندئذ ) , وقد رفض الدكتور خليل رسميا هذه الهدية  وامام مسؤولي المعهد مباشرة . وعندما عاد البراك الى بغداد نشر اطروحته بالعربية هناك وحذف كل تلك الاضافات والتعديلات التي وافق نفسه عليها في حينه , وأشاد الباحثون العرب بهذا الكتاب ومدحوه كثيرا وكتبوا اكثر من اربعين مقالة وبحثا عن تلك الاطروحة ( كان البراك يشغل منصبه الامني المعروف ), وقد كان معهد الاستشراق يتابع ذلك طبعا ولكن لم يحاول ان يصحح او حتى ان يعلق بشكل او بآخر  على ذلك لحساسية  هذا الموضوع  عراقيا  و عربيا و عالميا . 




842
هل كان ايفان الرهيب رهيبا ؟

أ.د. ضياء نافع
ايفان الرابع هو اول قيصر روسي في تاريخ روسيا , والذي اصبح أمير موسكو العظيم عندما كان عمره ثلاث سنوات فقط , ثم  قيصرموسكو و عموم روسيا عندما بلغ ست عشرة سنة من عمره , واستمر يحكم روسيا الى نهاية حياته وهو يقاتل ويناضل بعناد من اجل توسيع حدودها  , والقضاء على الاعداء الذين كانوا يتربصون بها, و لا يريدون لها ان تتحول الى دولة واسعة و كبرى ذات تأثير مهم وكبير في مسيرة الاحداث التاريخية , وهو الذي ضمٌ سيبيريا  الى روسيا , وهو الذي انتصر على التتار في عقر دارهم , وهو الذي وضع القوانين و التعليمات و الاصلاحات لدولته, و هو الذي جعل من موسكو عاصمة لامبراطورية جديدة ...الخ من الاعمال الجليلة الاخرى . كل ذلك جرى في القرن السادس عشر , مابين عام 1530 (سنة ميلاده ) وعام 1584 ( سنة وفاته), اي انه كان على رأس السلطة الروسية – بشكل أو بآخر -  حوالي نصف قرن تقريبا في ذلك الزمن المعقد والصعب والمتشابك والمكفهر, عندما كانت الاحداث تتبلور وتتفاعل وتتصارع  وتتطلب – في كل مكان من عالمنا - موقفا حازما وصارما  وحاسما, وعندما بدأت الامبراطورية الروسية خطواتها الاولى في مسيرتها اللاحقة الطويلة .
لا تهدف هذه المقالة الى الحديث عن اعمال هذا القيصر وانجازاته الكبيرة في تاريخ الدولة الروسية ووضع اسسها ودوره الهائل بتثبيت أركانها, وانما نريد ان نتناول هنا مسألة اخرى تماما وهي الكنية التي ارتبطت باسم هذا القيصر وهي – ( الرهيب ) , وهل هي ترجمة صحيحة فعلا لكنيته باللغة الروسية  , ولهذا وضعنا لها هذا العنوان  وهو– ( هل كان القيصر الروسي ايفان الرهيب رهيبا فعلا وحقا ؟) , والموضوع هذا – من وجهة نظرنا – يدور قبل كل شئ حول الترجمة ( فنا وعلما ) عن اللغة الروسية الى اللغات الاخرى , وكيف يمكن للترجمة - بعض الاحيان-  ان تؤدي ادوارا غير دقيقة , بل وحتى تكاد ان تكون غير صحيحة  في مسيرة الاحداث وتسجيلها عبر التاريخ الانساني .
الكلمة الروسية لكنية هذا القيصر الروسي هي - ( ايفان غروزني ) او (جروزني حسب اللفظ المصري لحرف الجيم ) , وتمتلك هذه الكلمة الروسية العديد من المعاني المختلفة عند ترجمتها الى اللغات الاخرى . اساس الكلمة هو مفردة ( غروزا) او ( جروزا ) ومعناها الاولي والمباشر هو - الزوبعة الرعدية , اي التي ترافقها الرعود والبرق والامطار, ومنها انبثقت المعاني الاخرى من هول وخوف وهلع ...الخ , والصفة من هذه الكلمة هي – ( غروزني ) او (جروزني ) التي اطلقها الروس على هذا القيصر , ومعناها  بالعربية هو كما يأتي – الشديد / او الصارم  / او المرعد / او الحازم  بقوة  / او شديد البأس / او الهصور ( كما الاسد ) / او القوي المخيف / او الخطير / او المتجهم / او الرهيب ( بمعنى الشدة  والحزم ) / او كما يقول المثل الشهير باللهجة العراقية – ( كلمته متصير اثنين ) ...الخ هذه المعاني المتنوعة والقريبة من بعض من حيث المعنى العام , ولكن – مع ذلك - فان كل صفة من تلك الصفات تمتلك ظلالها الخاصة بها طبعا , ولو أراد الروس ان يطلقوا على هذا القيصر لقب ( الرهيب ) كما نقول ونعلن نحن الان , لما سموه ( غروزني ) , اذ توجد عندهم كلمة اخرى هي ( الرهيب ) وبشكل مباشر ودقيق طبعا كما في اللغات الاخرى , وأذكر مرة ان أحد الطلبة العرب ترجم من اللغة العربية الى اللغة الروسية اسم هذا القيصر حسب الترجمة الحرفية للكلمة , فضحك الروس الذين كانوا يستمعون لنا وقهقهوا وقاموا بتصليح الترجمة الحرفية تلك , وقالوا له  ان هذا القيصر ليس ( رهيبا ) , وانما هو ( غروزني ) اي ( صارما او حازما او شديد البأس ... ) كما مرٌ ذكره أعلاه .   
 لا نستطيع ان نحدد في الوقت الحاضر من هو المترجم الاجنبي الذي اطلق على هذا القيصر صفة ( الرهيب ) لاول مرة وباي لغة , ولكن على الارجح هو واحد من المترجمين الاوربيين الذين كانوا قريبين من مسيرة روسيا وتاريخها آنذاك من فرنسا مثلا او انكلترا او المانيا  او السويد ...الخ , ومن المؤكد ان هذه التسمية وصلت الى اللغة العربية عن طريق واحدة من تلك اللغات الثانية ليس الا , او ربما – والله أعلم - عن طريق لغة ثالثة اخرى , اذ ان العرب كانوا بعيدين جدا عن روسيا وما يجري فيها من احداث في تلك القرون .
من الطريف ان نشير هنا , الى ان هذه التسمية ارتبطت ايضا مع  حادثة  معروفة في تاريخ روسيا والعالم ايضا ( ولازالت تروى لحد الان ) وهي ان القيصر  ايفان الرابع هذا قد  قتل ابنه بيده , و بالتالي فان هذه الحادثة تؤكد انه كان ( رهيبا ) فعلا , و قد كتب عن هذه الحادثة حتى المؤرخ والكاتب الروسي كارامزين في كتابه  (الذي يقع في 12 مجلدا) بعنوان – تاريخ الدولة الروسية , والذي صدر في بداية القرن التاسع عشر , بل ان هناك رسام روسي شهير اسمه ريبين قد رسم لوحة زيتية كبيرة في القرن التاسع عشر تبين كيف ان ايفان الرابع هذا قتل ابنه بيده , ثم احتضنه والدم يتدفق منه , وهو ( اي القيصرنفسه ) مرتعب من فعلته هذه وعيناه جاحظتان , ولازالت هذه اللوحة موجودة في المتحف الروسي , وكيف ان أحد المشاهدين قد طعنها مرة بسكين عندما شاهدها وتأٌثر بها لدرجة انه أراد ان ينتقم من ايفان غروزني فطعنه بسكين ( شاهدت هذه اللوحة شخصيا عام 1960 واستمعت الى حكاية طعن احد المشاهدين لايفان الرابع بالسكين تأثرا وانتقاما ) . لقد تبين الان  - و عن طريق  المناقشات الواسعة في اوساط المؤرخين الروس - ان ايفان غروزني لم يقتل ابنه كما تروي الحكاية هذه , وان كل هذه الحكاية غير دقيقة ولا توجد حولها وثائق محددة رغم محاولات المختصين البحث عنها , ولهذا يرى البعض انها يمكن ان تكون ملفقة من قبل اعداء هذا القيصر, وما أكثرهم عندها في روسيا , هؤلاء الذين وقف ايفان غروزني – وبقوة -  ضد مصالحهم الطبقية وأوقف - بل وألغى - حدود سلطتهم المطلقة على رقاب الناس البسطاء , وانعكس هذا التلفيق  فيما بعد حتى على  القياصرة الذين أتوا بعده , وهم من سلالة اخرى غير سلالته ( لقبها- رومانوف ), وان هؤلاء القياصرة من آل رومانوف – كما يقال - شجعوا بعض المؤرخين الروس والرساميين كي يكتبوا  تلك الحكاية ويبرزوها في الفن التشكيلي ويوسعوا انتشارها لمصلحة سلالتهم ليس الا ومناصرتهم في صراعهم ضد سلالة آل ريوريك من اجل الاحتفاظ بالسلطة , ولهذا فاننا لا نجد هذه الحكاية عند مؤرخين روس آخرين أكثر موضوعية وأعمق علما .
هذا موضوع جديد كليا - وبكل معنى الكلمة- في التاريخ الروسي وشعابه , ولم ينته بعد , ويتطلب الغوص في اعماق هذا التاريخ ودهاليزه ( ان صح التعبير ) , والتحليل العلمي والموضوعي الدقيق لمسيرته واحداثه , وكذلك يقتضي دراسة موقف الاتحاد السوفيتي لاحقا بشأنه, وهو موضوع  يستحق التأمل والتفكيرمن قبلنا – نحن العرب -  بلا شك , اذ ان موقفنا تجاهه ومعرفتنا بتفاصيله  يعني اننا نتابع – وبدقة – تاريخ دولة كبيرة ومهمة نتعامل معها منذ عشرات السنين , ونعرف اخبارها واسرارها , وبالتالي نستحق ان ننال احترامها واستجابتها لنا في علاقاتنا المتشعبة والكبيرة معها , والتي نحتاجها من اجل توازن مصالحنا في هذا العصر ( الرهيب  ! ) , الذي تمرٌ به شعوبنا العربية كلها .
لنفكر معا من اجل تحديد الكنية الصحيحة لهذا القيصرالروسي , ولنخطط معا من اجل دراسة دقيقة وموضوعية لتاريخ روسيا و بلدان العالم كافة .



843
المنبر الحر / بوشكين صحفيا
« في: 13:16 03/06/2015  »
بوشكين صحفيا

أ.د. ضياء نافع
من الوقائع التي لا زلت مندهشا امامها -  منذ ان عرفتها و لحد الان -  في تاريخ الادب الروسي , هو ان بوشكين في يوم مبارزته مع خصمه الضابط الفرنسي دانتيس ذهب الى عمله الاعتيادي , وكان رئيس تحرير مجلة سوفريمينك ( المعاصر ), وهناك مارس عمله اليومي الاعتيادي , اذ قام بتصحيح بعض المقالات كما يجب وكتب بعض الهوامش  اللازمة عليها هنا وهناك , ثم ذهب بعد ذلك الى المبارزة , والتي – كما هو معروف – اصيب بها وتوفي على أثرها  بعد يومين من المعاناة وكان عمره آنذاك 38 سنة . من الممكن – عند تأمٌل هذه الواقعة الحقيقية – ان نصل الى العديد من الخلاصات و الاستنتاجات المرتبطة بها , منها مثلا شجاعة بوشكين وقوة اعصابه ورباطة جأشه والاصرار على حفظ كرامته الشخصية وايمانه القوي والعميق بحقه ...الخ , و لكن يمكن ان نضيف الى كل ذلك ايضا حبه واحترامه لعمله الصحفي والتزاماته تجاهه وارتباطه الحيوي والروحي بهذا العمل وطبيعته .
بوشكين – ظاهرة ثقافية وفكرية كبيرة في تاريخ روسيا , فهو قبل كل شئ شاعرها الوطني الاول , وواضع اسس لغتها المعاصرة , ولا يمكن بالطبع ألكتابة باختصار عن مكانته الفكرية واهميته التاريخية لروسيا , وأظن ان كلمات الناقد الروسي  ابولون غريغوريف حول بوشكين تختصر ذلك , اذ انه قال عن بوشكين كلمة اصبحت مشهورة جدا في تاريخ الادب الروسي وهي  – ( بوشكين – هو كل شئ ), وهذا ينطبق ايضا – وبلا شك - على تاريخ الصحافة الادبية الروسية طبعا . لقد بدأ بوشكين بنشر نتاجاته في تلك الصحف والمجلات التي كانت موجودة في روسيا بداية القرن التاسع عشر , وهناك احصائية طريفة في تاريخ هذه الصحافة تشير الى ان بوشكين نشر 50 نتاجا من نتاجاته في تلك الصحف , بما فيها في جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الصحيفة الادبية ) التي كانت تصدر في ذلك الحين , والتي لازالت تصدر لحد الان في روسيا وهي تحمل في عنوانها صورتين لاديبين  هما الكساندر بوشكين الذي ساندها بقوة ونشرنتاجاته الادبية  فيها وساهم في دعمها , و مكسيم غوركي الذي أعاد اليها الحياة بعد ثورة اكتوبر 1917.
كان بوشكين يحلم ان تكون له جريدة او مجلة خاصة به , يستطيع من خلالها ان يطرح وجهة نظره الخاصة  به في شؤون الادب والفكر بشكل عام , وهكذا استطاع الحصول على الموافقات الاصولية اللازمة  باصدار مجلة فصلية تصدر اربع مرات بالسنة عنوانها – ( سوفريمينك ) اي ( المعاصر ) وذلك عام 1836 , وقد أصدر فعلا في ذلك العام أربعة أعداد منها . لم تستطع مجلة بوشكين – كما هو الحال بالنسبة لمعظم الصحف والمجلات الروسية في ذلك العصر – ان تكسب المردود المالي اللازم لضمان استمرارية صدورها , اذ انها حصلت على 600 مشترك ليس الا , وهو رقم متواضع جدا لا يمكن ان يموٌل تكاليف الاصدار , مما اضطر بوشكين في العددين الثالث والرابع ان يكتب اكثر من نصف موادها وباسماء مستعارة ليخفف ويقلل من مصروفاتها  المالية . لقد كانت مجلة المعاصر ذات مستوى ثقافي رفيع جدا , اذ انها نشرت العديد من نتاجات غوغول مثل قصتة الطويلة المشهورة – ( الانف ) , ومقالتة النقدية حول حركة المجلات الادبية , وساهمت اسماء لامعة في دنيا الادب الروسي فيها مثل الشعراء جوكوفسكي و توتشيف وكولتسوف وغيرهم , وحاول بوشكين ان يجذب بيلينسكي للكتابة فيها , ونشرت المجلة موادا متنوعة من شعر ونثر ودراسات ومقالات نقدية وتاريخية واثنوغرافية متنوعة جدا, ونشر بوشكين نفسه نتاجاته فيها ايضا مثل - ( التاجر البخيل ) و ( رحلة الى ارضروم) و ( ابنة الآمر ) وغيرها.
بعد المبارزة التراجيدية ووفاته, قرر اصدقاء بوشكين الاستمرار باصدار تلك المجلة , وهكذا صدرت المجلة عام 1837 باشراف مجموعة من اصدقاء بوشكين وبنفس الحجم والشكل وكتبوا على غلافها – ( سوفريمينك / مجلة بوشكين الادبية / تصدر لدعم عائلة بوشكين /  يحررها فيازيمسكي واسماء ادباء آخرين.. ..) , وقد استمرت المجلة بنفس النهج السابق لها , ونشرت بعض نتاجات بوشكين التي لم يستطع نشرها في حينه , واستطاعت ان تتحول الى مجلة شهرية . توقفت هذه المجموعة من الادباء الروس عن اصدار هذه المجلة عام 1846 وباعتها الى الشاعر الروسي نكراسوف , الذي استمر باصدارها واستطاع ان يكسب اليها مساهمة ادباء روس كبار مثل تورغينيف وغانجروف وغيرتسن وتولستوي و أستروفسكي...الخ , ثم جاء الى المجلة الناقد والمفكر الروسي الثوري تشرنيشيفسكي وزميله الناقد الادبي دوبرالوبوف وتحولت المجلة الى لسان حال الديمقراطيين – الثوريين , وحدث بسبب ذلك انشقاق في هيئة تحريرها وانسحب منها تولستوي وتورغينيف وغريغورفيتش , ثم تم غلقها من قبل السلطة القيصرية عام 1866 . هذا هو التاريخ المختصر جدا والوجيز جدا لمجلة بوشكين سوفريمينك ( المعاصر ) منذ اصدارها من قبله عام 1836 حتى اغلاقها عام 1866 .
لا توجد – حسب معلوماتي المتواضعة – دراسات تفصيلية شاملة حول تاريخ الصحافة الروسية باللغة العربية , واظن انه من الضروري جدا كتابة  ذلك بلغتنا العربية كي ندرس هذا التاريخ الحيوي والمهم جدا لاستيعاب وفهم خصائص دولة كبرى مثل روسيا وتاريخها الفكري  , والذي يقتضي – قبل كل شئ – ان يستعرض الوقائع  التاريخية الخاصة بهذه المادة بشكل عام , والوقائع التاريخية بالصحافة الادبية بشكل خاص , اذ ان هذا التاريخ يعني – بالنسبة لنا -  دراسة وتحليل المجتمع الروسي بمختلف جوانبه الفكرية بلا أدنى شك , وكم اتمنى ان يأخذ أحد الباحثين العرب الشباب هذه المهمة , ويدرس تاريخ الصحافة الادبية الروسية , ويقدمها للقارئ العربي , وفي مقدمتها مجلة بوشكين الادبية – سوفريمينك ( المعاصر ) , وذلك باشراف احد المتخصصين العرب في هذا المجال في احدى الجامعات العربية التي يوجد فيها قسم خاص بالادب الروسي وتاريخه , وهذا يقتضي بالطبع – وفي ألاقل - تقديم فهارس كاملة لتلك المجلات وخلاصات وافية لمحتوياتها وآراء تحليلية وموضوعية  لتلك المحتويات, وهي مهمة ليست بسيطة  في كل الاحوال .
دعونا نتمنى تحقيق ذلك .

 

844
عن بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو(14)
أ.د. ضياء نافع
استلمت رسالة كريمة من الدكتور كامل عباس مهدي تعليقا على هذه السلسلة من مقالاتي يشير فيها الى الحلقة الثانية منها بالذات , والتي تحدثت فيها عن اول سفير عراقي في موسكو للجمهورية العراقية بعد 14 تموز 1958 وهو المرحوم عبد الوهاب محمود, ويعتبر الدكتور كامل عباس مهدي ان هذه المعلومة غير دقيقة , اذ ان اول سفير عراقي في موسكو هو والده المرحوم عباس مهدي (1898- 1961 ) , الذي وصل الى موسكو عام 1945 وبقي فيها الى عام 1947 ممثلا للمملكة العراقية آنذاك . لقد أشرت في مقالتي تلك الى ان العلاقات العراقية – السوفيتية قد بدأت طبعا في عام 1944 , وان مقالاتي عام 2014 قد انطلقت بالذات لمناسبة الذكرى السبعين لاقامة هذه العلاقات , لكنها لم تصل الى مستوى السفراء الا بعد اعلان الجمهورية العراقية, لكن الدكتور كامل يشير الى ان والده كان ( وزيرا مفوضا ومندوبا فوق العادة ) لتمثيل المملكة العراقية في الاتحاد السوفيتي , وانه كان – بالنسبة لمفاهيم تلك المرحلة الزمنية - بمثابة السفير , واود ان اسجل اعجابي الشديد بملاحظة الدكتور كامل الدقيقة واحييه على ذلك خدمة للحقيقة وتسجيلا للتاريخ وتوثيقا له, وأظن اننا لم نختلف كثيرا , اذ ان المرحوم عباس مهدي كان فعلا يقوم بتلك المهمة في حينه رغم كونه لم يحمل العنوان الوظيفي المشار اليه اعلاه وهو (السفير). لقد بدأت بكتابة سلسلة مقالاتي هذه انطلاقا من تجربتي الشخصية البحتة ليس الا , اذ اني وصلت الى موسكو للدراسة فيها عام 1959 عندما كان المرحوم عبد الوهاب محمود سفيرا للجمهورية العراقية , وعلى هذا الاساس كتبت تلك المعلومات التي كنا نتداولها – نحن الطلبة – آنذاك , وكانت مناسبة الذكرى السبعين لتلك العلاقات السبب المباشر لذلك كما أشرت اعلاه , أما الشرارة ( ان صح التعبير ) التي دفعتني لكتابة هذه السلسلة فكانت الوقفة التأملية عند الجدار الخاص بصور السفراء العراقيين في السفارة العراقية بموسكو , وهو جدار تاريخي بكل معنى الكلمة يضم صورا  لسفراء العراق في موسكو كافة وهم يقدمون اوراق الاعتماد الى القادة السوفيت والروس فيما بعد , وتحت كل صورة اسم السفير وتاريخ بداية ونهاية عمله في موسكو واسم الزعيم الروسي الذي يتسلم منه اوراق الاعتماد, والصورة الاولى هناك لعبدالوهاب محمود , وانا احاول في كل مرة ازور بها السفارة لانجاز معاملاتي الرسمية ان ألقي نظرة على هذا الجدار واحاول ان اسجٌل بعض الملاحظات بشأن الاسماء الكاملة للسفراء و تواريخ عملهم في موسكو للاستفادة منها لاحقا في كتاباتي ,  { بل اني سألت مرة العاملة الروسية التي مرٌت بالصدفة من قرب الجدار ( وهي التي عملت اكثر من ثلاثين سنة في السفارة ) عن انطباعاتها عنهم , فأشارت الى احدى تلك الصور حيث كان فاضل البراك يقف وقالت انها كانت تخاف منه لانها كانت تعلم انه (أقوى من السفير) , ولهذا كانت تلبي رأسا كل اوامره وطلباته !!! }, ولا توجد الان على هذا الجدار – مع الاسف – صور الذين عملوا قبل 14 تموز 1958 , ولكني أذكر مرة اني شاهدت بعض صور هؤلاء معلقة على هذا الجدار , وقد استفسرت عن تلك الصور في حينها وعرفت ان السفارة حصلت عليها اكمالا لتاريخ العلاقات العراقية – الروسية , الا اني لم اجدها بعد فترة , ولا اعرف سبب ذلك , وربما يعود السبب الى ان الصور كانت شخصية ليس الا ولا تتناسب مع الصور الاخرى التي تمثٌل السفراء وهم يسلمون اوراق اعتمادهم الى القادة الروس , واتمنى ان تعيد السفارة تلك الصور الى ذلك الجدار- رغم ذلك - في ركن خاص , اذ انها صور تاريخية فعلا , ومن المؤكد ان صورة المرحوم عباس مهدي كانت من ضمنها .
تشير رسالة الدكتور كامل ايضا الى ان والده كان الوزير المفوض في طهران قبل تسنمه المنصب نفسه في موسكو , وهذا يؤدي بنا الى الاستنتاج بانه هو بالذات الذي أجرى اتصالات مع السفير السوفيتي بطهران لاقامة العلاقات الدبلوماسية العراقية – السوفيتية في حينها ( بناء على تعليمات الحكومة العراقية والتي كانت تنسق مع الجانب البريطاني طبعا اثناء الحرب العالمية الثانية ) كما تؤكد المصادر والوثائق حول تاريخ اقامة هذه العلاقات , وبالتالي فان تكليفه بالسفر الى موسكو وافتتاح السفارة العراقية هناك هو واقعيا استمرار لتلك المهمة التي بدأها في طهران , وهي نقطة جديرة بالانتباه , وخطوة ذكية جدا من قبل الدبلوماسية العراقية بلا شك بتكليف شخص يعرف اوليات الموضوع وساهم في حياكة تفاصيله .
توجد في رسالة الدكتور كامل كذلك اشارة الى مصدر مهم حول هذا الموضوع بالذات , وهذا المصدر هو رسالة ماجستير قام بها الاستاذ محمد عبود الساعدي في قسم التاريخ بكلية التربية في الجامعة المستنصرية عام 2013 حول هذا الموضوع  بعنوان – ( عباس مهدي ودوره السياسي في العراق حتى عام 1961) , ولكني – مع الاسف – لم استطع ان أطلع عليها ,  الا اني قرأت لنفس هذا الباحث مقالة واسعة وتفصيلية في جريدة المدى الغراء ( ملحق ذاكرة عراقية بتاريخ 19/1/2014 )  عن هذا الموضوع بعنوان – ( حكاية أول سفارة عراقية في موسكو سنة 1945 واول سفير عراقي فيها ) , ووجدت في تلك المقالة تفصيلات رائعة فعلا عن نشاط المرحوم عباس مهدي في موسكو ومتابعة دقيقة وذكية من قبله للاحداث السياسية السوفيتية آنذاك و الخاصة بالعراق والعالم العربي , ومن المؤكد ان الباحث قد استند الى مصادر محددة بشأن ذلك ( رغم انه لم يذكرها في مقالته مع الاسف ) , ومنها استقبال ستالين له بتاريخ 13 كانون الاول عام 1945 , وان صحت تلك المعلومات ( واظن ان الامر كذلك ) فانه يمكن القول ان عباس مهدي هو اول شخصية عراقية رسمية قابلت ستالين وتحدثت معه – حسب معلوماتي المتواضعة - , وهي معلومة تاريخية طريفة .
شكرا للدكتور كامل عباس مهدي على رسالته المهمة فعلا , وشكرا للباحث الاستاذ محمد عبود الساعدي على دراسته المبتكرة والاصيلة في تاريخ العراق الحديث .

845
عن بعض العراقيين الذين مرٌوا بموسكو (13 )
أ.د. ضياء نافع

بدأت بنشر هذه السلسلة من مقالاتي قبيل الذكرى السبعين لاقامة العلاقات العراقية – الروسية ( ايلول / سبتمبر 1944 – ايلول/ سبتمبر 2014 ) , الا انني استلمت الكثير من الرسائل التي أشارت الى ضرورة  الاستمرار بهذه السلسلة ( بغض النظر عن تلك المناسبة  المحددة ) لانها تؤرٌخ  بشكل عام العلاقات العراقية – الروسية من وجهة نظر مبتكرة وفريدة , ولأن هناك العديد من الاشخاص الآخرين الذين يستحقون ان نكتب عنهم في اطار هذا الموضوع , وانا اتفق مع هذه الآراء فعلا  , ولهذا فانني قررت ان اقدم حلقات جديدة من هذه السلسلة , و هذه واحدة منها والتي ستكون مكرٌسة للدكتور خليل عبد العزيز .
سبق لي ان ذكرت اسم الدكتور خليل عبد العزيز في حلقة سابقة من هذه السلسلة تحت رقم (2 ), عندما تحدثت عن كتاب سفير العراق الاسبق في موسكو صالح مهدي عماش والذي صدر في بغداد عام 1972 بعنوان – ( موسكو عاصمة الثلوج ) , وأشرت هناك الى انه كان يعمل في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , واود ان اضيف هنا انه كان اول عراقي عمل في هذا المعهد , وثاني أجنبي بعد الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت , ولا اعرف  لحد الان – حسب علمي المتواضع - عراقيا آخرا  عمل في هذا المعهد الاكاديمي العتيد .
لقد وصل خليل عبد العزيز الى موسكو في بداية الستينات من القرن الماضي , بعد ان ساهم – وبشكل واسع وفعٌال -  في الاحداث المتشابكة والمعقدة في الموصل عام 1959 والمرتبطة بحركة التمرد التي قام بها الشواف , وقد صدر ضده حكما بالاعدام آنذاك, وقام الحزب الشيوعي العراقي بترتيب اخراجه ( او بالاحرى تهريبه ) من العراق وارساله الى موسكو لاكمال دراسته الجامعية , وهكذا ظهر فجأة عراقي شاب بيننا في جامعة موسكو في بداية الستينات اسمه يوسف الياس , وكنا نسميه طبعا ( ابو يعقوب ) , ولكن الاسرار – مع الاسف -  في اوساط العراقيين لا تصمد طويلا كما هو معروف , وهكذا كان العراقيون في جامعة موسكو - بعد فترة قصيرة - يتهامسون فيما بينهم عندما يمر يوسف الياس امامهم قائلين - انه (خليل عبد العزيز) وليس ( ابو يعقوب ) ...
درس ( ابو يعقوب ) بشكل مثابروملتزم و جديٌ وناجح جدا , وحصل على شهادة الدكتوراه في الصحافة بعد دراسة دامت سنوات طويلة , وتم تعينه عام 1971 في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , وكان رئيس هذا المعهد آنذاك الاكاديمي السوفيتي المعروف غفوروف , المستعرب الشهير , واصبح خليل عبد العزيز مساعدا له فيما يخص شؤون الشرق العربي بحكم كونه عراقي عربي وحاصل على شهادة الدكتوراه  من جامعة موسكو, وقد كان يحضر طبعا كل اللقاءات التي تحدث بين غفوروف والسفراء العرب والوفود العربية الرفيعة المستوى في المعهد , ومن أبرزها تلك التي حدثت بمناسبة الاحتفالات العالمية لمناسبة الذكرى الالفية  للفارابي. لقد اقترحت ايران آنذاك ان تتبنى هذه الاحتفالية تحت عنوان – الفيلسوف الفارسي الفارابي , واقترح العراق ان يتبنى تلك الاحتفالية تحت عنوان – الفيلسوف العربي الفارابي , أما الاتحاد السوفيتي فقد اقترح ان يكون الاحتفال تحت عنوان – فيلسوف الشرق الفارابي . كان السفير العراقي صالح مهدي عماش يتفاوض مع غفوروف باسم الرئيس العراقي أحمد حسن البكر , وكان الاتحاد السوفيتي يميل الى عقد هذه الاحتفالية في بغداد لاسباب سياسية بالطبع ايام ايران زمن الشاه  , وهكذا قرر معهد الاستشراق ان يرسل خليل عبد العزيز الى العراق للتفاوض حول التفصيلات باسم المعهد , اي باسم الاتحاد السوفيتي واقعيا , وقد حاول عماش ان يقنع خليل عبد العزيز بعدم الموافقة على قبول هذه المهمة والاعتذار عنها , ولكنه لم يستطع اقناعه بذلك , اذ أصرٌ المعهد على اقتراحه هذا بتنسيق دقيق ومحدد مع الجهات السوفيتية العليا بالطبع , وهكذا اضطر سفير العراق ان يفاتح الجهات العراقية برأي الجانب السوفيتي حول ذلك , وقد وصل الموضوع طبعا الى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر , اذ ان الموافقة على ذلك المقترح كان يقتضي اولا وقبل كل شئ الغاء احكام الاعدام الصادرة في العراق بحق خليل عبد العزيز عام 1960 , والاعتراف بان هذا المواطن العراقي يمثٌل الان الاتحاد السوفيتي , وبالتالي يتمتع بكافة حقوق المواطن السوفيتي وحصانته امام المفاوض العراقي في بغداد نفسها. استجاب العراق لتلك الشروط التي وضعها معهد الاستشراق السوفيتي , وحضر السفير العراقي عماش الى المعهد واخبرهم بذلك بصورة  رسمية  وارسل صورة من القرار الذي نشر في صحيفة الوقائع العراقية للامر الرئاسي بالغاء احكام الاعدام على خليل عبد العزيز, وتم اتخاذ كافة الاجراءآت  اللازمة في سفارة العراق  بموسكو بشأن سفره رسميا  الى بغداد باسم الاتحاد السوفيتي . وهكذا عاد المواطن العراقي الدكتور خليل عبد العزيز الى بغداد ( الذي تركها عام 1960 بعد صدور الحكم بالاعدام ضده نتيجة مشاركته باحداث الموصل عام 1959)  ليتفاوض مع  رئيس الجمهورية العراقية أحمد حسن البكر باسم الاتحاد السوفيتي , وهو شئ حدث لاول مرة في تاريخ العراق - حسب علمنا المتواضع – و الذي لم يتكرر لحد الآن في تاريخ العلاقات العراقية - الروسية. لقد سألت الدكتور خليل عن ردود فعل احمد حسن البكر عندما استقبله في بغداد , فقال انه أشار في اللقاء الاول الى أحداث الموصل ومساهمتي بها وموقفي المضاد تجاه البعثيين , وقد اضطر الدكتور خليل طبعا ان يدافع عن موقفه وذكر له بعض الارقام الرسمية حول الضحايا من الجانبين وقد كان الاجتماع متوترا , اذ ان البكر أشار الى استغرابه ( بقيامي بمهمة التفاوض باسم السوفييت وانا العراقي , فقلت له انني موظف في المعهد وأنفذ اوامره ), ولكن البكر لم يكرر هذا الحديث في اللقاءآت الاخرى . لقد كانت المهمة محددة للدكتور خليل من قبل الاكاديمي غفوروف وهي – عدم الخوض مع البكر في مواضيع تخص مهرجان الفارابي , وانما طرح أسئلة سياسية تتعلق بمدى صدقية التعاون مع القوى الوطنية العراقية وبالذات مع الشيوعيين والاكراد , أما فيما يخص مهرجان الفارابي , فيجب عليه طرحها تفصيلا مع وزير الثقافة والاعلام طارق عزيز , وقد تم عقد أربعة اجتماعات مع البكر على مدى اربع ساعات كل يوم . لقد سألت الدكتور خليل عن انطباعاته حول البكر , فقال انه كان صريحا , وانه لم يكن مخلصا في التعاون مع الشيوعيين وتلبية الحقوق القومية للاكراد وانه كان يطمح في بسط نفوذ حزب البعث في العالم العربي .
هناك جوانب اخرى كثيرة في حديثي مع الدكتور خليل عبد العزيز ( الذي يسكن الان في السويد ) حول عمله في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , منها اللقاء مع هيكل – رئيس تحرير جريدة الاهرام المصرية آنذاك , وسفره الى القاهرة واللقاءات مع الشخصيات المصرية الرسمية مثل جمال عبد الناصر وبقية أعضاء القيادة المصرية , ومنها متابعة رسائل الدكتوراه لبعض الشخصيات العربية في موسكو مثل رفعت الاسد ومكرم الطالباني وفاضل البراك وغيرهم وعلاقة ذلك بالسياسة السوفيتية بشأن اعداد الكوادر الوطنية في العالم العربي .. واتمنى ان تسنح لي الفرصة للحديث عن ذلك لاحقا...   

صفحات: 1 [2]