عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - نافــع البرواري

صفحات: [1]
1
سلام المسيح اخي وردا مقال رائع عن المحبة في الكتاب المقدس
المسيحية قائمة على ثلاثة أركان هي: ألأيمان ، الرجاء، المحبة. وأعظم هذه الثلاثة هي المحبّة.
نعم المحبة هي محور الكتاب المقدس وجاء المسيح ليختصر كل الكتاب المقدس بوصية الله «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ»." (لو 10: 27).
 ويعبّر الله عن محبّته لشعبه على لسان النبي هوشع بأروع تعبير فيقول:
"وأنا الذي علّمهم المشي وحمَلَهم على ذراعه...جذبتهم اليَّ بحبال الرحمة وروابط المحبة، وكنتُ لهم كأب يرفعُ طفلا على ذراعهِ ويحنو عليهم ويطعمهم".
"يقول الرسول يوحنا تلميذ يسوع المسيح:"هكذا أحبّ الله العالم حتّى وهب أبنه الأوحد, فلا يهلك كُلِّ من يؤمن به , بل تكون له الحياة ألأبدية"يوحنا 3 :16".
محبتي

2
سلام المسيح اخي وردا
 
عندما خلق الله آدم، قال الله بأنّ كل ما صنعه "هو حسن" ثم خلق المرأة لتكون معينا للرجل، لانّه رأى أن "ليس جيدا أن يكون آدم وحده "تكوين 2 :18". هذا سرٌّ عميق: الرجل والمرأة، الذكر والأنثى ينتميان معا كصورة لشخصية الله، وكلاهما يمكن ان يوجد في الله ، ومعا يصيران كيانا لايمكن ان ينفصل او يتجزأ
لاشيء على الأطلاق أكثر صعوبة على المرء من ان يتحمل الوحدة. فقد قيل أنّ المساجين في السجن الأنفرادي يفرحون لدى رؤيتهم للعنكبوت فقد رأوا على الأقل شيئا ينتمي الى عالم الأحياء.
لقد خلقنا الله لنكون كائنات إجتماعية متقاسمة. في حين أنّ عالمنا المعاصر مجرد من العلاقات وبشكل فظيع.. لقد تمخَّض التقدم التكنولوجي عن افساد المجتمع في مجالات متعددة من الحياة، وبشكل متزايد، فقد جعلت الآلة الناس يبدون غير ضرورين.
نعم الزواج مكرم ومقدّس. وفي العهد القديم يستخدم الأنبياء الزواج لوصف علاقة الله مع شعبه. "وأخطبك لنفسي الى الأبد. وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والأحسان والمراحم. أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الربّ "هوشع 2 :19-20". هنا يُعلن الله محبّته بطريقة خاصة لجميع الناس، ممثلا في الرباط الفريد بين الزوج وزوجته. هذا في العهد القديم. أمّا في العهد الجديد يُستخدم الزواج كرمز للوحدة بين المسيح وكنيسته. ففي انجيل يوحنا يُشبّه المسيح بالعريس، وفي سفر الرؤيا نقرأ انّ " عُرس الحمل قد جاء، وأمرأته هيّأت نفسها" رؤيا 19 :7". وتحويل المسيح للماء الى خمر في عرس قانا، لم يكن امرا بلا مغزى، فمن الواضح انه كان لديه فرحا عظيما بمسألة الزواج. لكن من الواضح أيضا انّ الزواج في نظر المسيح امر مقدّس، وينظر اليه بجدية ويتحدث بصرامة بلا مساومة ضد ادنى خطوة ترمي الى تدمير الزواج او التحلل من رباطه، اسمعه يقول : "إذا  ليس بعدُ أثنين بل جسدٌ واحدٌ. فالذي جمعه الله لايفرقه انسان "متى 19 :6"
محبتي

3
سلام المسيح اخي وردا
المسيحي الحقيقي هو من يعيش يوميا وفقا لوصايا الإنجيل -بحيث يتضامن كليا مع اخوته - كما عاش يسوع المسيح مع تلاميذه، لأن طريق المسيح ليس طريقا فردانيا، وإنما طريق الجماعة والتضامن، والكنيسة المتّحدة، والتوكل الكامل على إرشاد الروح القدس، والاقتداء بحياة الكنيسة الرسولية، التي تعتبر منهل الحياة المسيحية. جهادنا هو جهاد روحي لنشر المحبة والسلام والتبشير ببشارة الخلاص بيسوع المسيح الذي غلب الموت بقيامته ليقيمنا نحن ايضا لنعيش في ملكوته الأبدية.نحن اخوة باتحادنا مع المسيح الذي اختارنا لابسبب استحقاقنا الخاصة ، بل بنعمة مجانية منه من أجل رسالة (تسالونيكي 1 :4)
يقول المطران ميشال قصارجي في مقالة له بعنوان "نحن الكلدان، شهودٌ للكلمة وشهداء الحق” :
"الشاهد الأوَّل والشهيد الأكبر، الذي غلب الموت بسلطان الحب وسلّمنا كلام الحياة زاداً لطريق السماء، ان نبقى بنعمته شهوداً لكلمته فنعيشها ونتّخذها لنا مصباحاً يُنير خُطانا ويهدي سبيلنا الى الحياة، ولئن هبّت علينا عواصف الدهر العاتية، له المجدُ مع ابيه وروحِه القدوسِ الى الأبد.”
لقد شهدت بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان موقفاً هامّاً لقداسة البابا فرنسيس في يوم الأحد 12 نيسان 2015، هو بمثابة علامة رجاءٍ جديدةٍ لنا؛ إذ اعترف قداستُه علناً بالإبادة الأرمنيّة، ولكن أيضاً السريانيّة والأشوريّة والكلدانيّة… مؤكّداً على كون كنيستنا كنيسةَ الشهادة الرافعة لواءَ الإنجيل ببسالةٍ. “
 أضاف “الكنيسة الكلدانية هي “كنيسةُ الشهداء” وبهذا الاسم عُرِفَت. لقد استشهد مبشّرها القديس توما الرسول دفاعاً عن إيمانه بالرب يسوع، وعلى خُطى الشهادة سار البطريرك يوحنا سولاقا وقبله شمعون برصبّاعي(انتهى الأقتباس).”
نعم تاريخ الكنيسة -سواء الكنيسة الشرقية او الغربية- شاهد حي على الشهادة والأستشهاد ، تطبيقا لقول المسيح :" إذهبوا الى العالم كُلّه ، وأعلنوا البشارة الى الناس أجمعين "مرقس 16: 16"
وكما يقول بولس الرسول:" وانا لا استحي بإنجيل المسيح، فهو قدرة الله لخلاصِ كُلِّ من آمن .."رومة 1 :16"




4

الأخ وردا إسحاق
شكرا اخي وردا على ما اضفته من المعلومات عن جريمة قاعة الهيثم في بغديدا والتي راح ضحيتها اكثر من 120 شهيد
نعم هناك مخطط تهجير وافراغ الشرق الأوسط من المسيحيين ،وهذا المخطط لن يتم الا بالترهيب والقتل والأختطاف واحتلال الأراضي والممتلكات للمسيحيين خاصة في العراق وبالذات في سهل نينوى . والمخطط برأيي الشخصي هو قديم قدم احتلال ارضنا ومقدساتنا وكان اخرها دولة الخلافة الأسلامية (داعش) وبعدها الميليشيات الشيعية والحكومات الفاسدة التي تعيث في الأرض فسادا وتحاول احتلال سهل نينوى وهو اخر معقل للمسيحيين في العراق .
نعم حريق قاعة العرس في بغديدا هو ليس الأول في تاريخ الجرائم بحق المسيحيين ولن يكون الأخير طالما هناك ايدولوجية تريد القضاء على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة
رحم الله شهداء بغديدا فدمهم لن يذهب هباءا والعدالة الإلهية لايمكن الا ان تسود في النهاية والحق يجب ان يظهر ولو طال الزمن
تعازينا الحارة لعوائل الشهداء طالبين من الرب ان يعطي الصبر والسلوان للعوائل التي فقدت اعز أبنائها صلاتنا وطلباتنا للرب ان يغمرهم بمحبته وحنانه ، فهم احياء ولم يموتوا بل انتقلوا من الموت الى الحياة الأبدية

5

من يتحمّل مسؤولية شهداء حريق "قاعة الهيثم" في الحمدانية؟
نافع شابو
مقدمة
التقرير الصادر في 127 صفحة، "دبحونا من جوا": تحقيق في انفجار 4 أغسطس/آب في بيروت"، يعرض أدلة على السلوك الرسمي، في سياق الفساد وسوء الإدارة منذ زمن طويل في المرفأ، الذي سمح بتخزين أطنان من المركّب الكيميائي القابل للانفجار نيترات الأمونيوم عشوائيا وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريبا. تسبَّب انفجار المادة الكيميائية بأحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ، ودمّر المرفأ، وألحق أضرارا بأكثر من نصف المدينة.
•   تشير الأدلة إلى تورط مسؤولين لبنانيين كبار في انفجار 4 أغسطس/آب 2020 في بيروت، لكن المشاكل البنيوية في النظامين القانوني والسياسي تسمح لهم بتجنب المساءلة.
•    قالت "هيومن رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في 3 آب 2021 إن الأدلة تشير إلى تورط مسؤولين لبنانيين كبار
•   بعد مروراكثر من ثلاثة سنوات، ما زالت آثار الانفجار، الذي قتل 218 شخصا وأصاب 7 آلاف وهجّر أكثر من 300 ألف شخصا، محفورة في المدينة، وما زالت عائلات الضحايا بانتظار الإجابات. (1)
. وما بعد مأسات تفجير ميناء بيروت الى يومنا هذا هناك عراقيل لأجراء التحقيق في سبب هذا الأنفجار
عندما نرجع الى حدث انفجار ميناء بيروت   ونقارنه بحريق قاعة الهيثم في الحمدانية سنكتشف انهما وكانهما وجهان لعملة واحدة. حيث أدى اشتعال حدث خلال عدة دقائق في مرفأ بيروت إلى انفجار كبير وهائل هز بيروت العاصمة اللبنانية والمناطق المحيطة، وترددت أصداؤه في المدن والبلدات المحيطة على مسافة 40 كيلومتراً. هكذا كذلك يروي شهود عيان لحريق قاعة الهيثم الى اشتعال القاعة خلال عدة دقائق وحصول ما يشبه انفجار، مما يطرح تساءلات عديدة حول ماهي أسباب هذه الحادثة -وغيرها كثيرة طبعا -؟ وهل هناك من يقف وراء هذه الجرائم البشعة؟ وهل انتشار الفساد والرشوى وسيطرة الميليشيات على مؤساست الدولة في هذه الدول هي المسؤولة المباشر لهذه الحوادث؟
هناك أيضا هدف وراء هذه الحوادث هو تهميش المسيحيين وتهجيرهم - سواء في العراق ولبنان، وسوريا - وإحدى تلك الوسائل هي تفجير ميناء بيروت وحريق قاعة الهيثم في الحمدانية. حيث أشارت تقارير عن تهجير 300 ألف لبناني (غالبيتهم مسيحيين متضررين من الأنفجار) وهكذا ما حدث في سوريا ويحدث في سهل نينوى. الهدف منه هو تهجير ما تبقى من المسيحيين في المنطقة لكي تسيطر الميليشيات والحشد العميلة لأيران على هذه المناطق وخاصة سهل نينوى، التي كان يقطنه الغالبية من المسيحيين عبر الاف السنين 
  إنّ التغيير الديموغرافي للأستيلاء على سهل نينوى هو جاري على قدم وساق وما قرار رئيس الجمهورية الحالي بشأن نزع صلاحيات البطريرك لويس ساكو الا مؤشر خطير لبدايات تنفيذ مخطط إيران في البلدان الثلاثة (العراق سوريا ولبنان) ومن خلال عملائها التي على راسها الحكومة الموالية الحالية وميليشياتها وخاصة حزب الله في لبنان وسوريا والعراق. ولا ننسى السبب الأهم وهو انتشار الفساد والرشوى الذي ينخر بهذه الدول.
جاء في نشرة الكترونية لصحيفة   "اندبيندت" INDEPENDENT    موضوع بعنوان: الفساد في العالم العربي: انتشار سراً وعلناً مايلي:
ان الفساد ليس مرضا عابرا، أو وعكة صحية يمكن الشفاء منها ببعض المسكنات. فقد أصبح انتشاره يشبه الآفة، أو الوباء بعدما توغل في المؤسسات الحكومية، ليخرج من الدواوين الرسمية إلى الشارع، ومن ثم يتحول إلى ثقافة عامة، تعتبر الوسيلة الأنجع في قضاء المصالح، وإنجاز المهمات.
مؤشر مدركات الفساد 2021، الذي أصدرته "منظمة الشفافية الدولية" كشف عن أرقام صادمة، تدق ناقوس الخطر في الوطن العربي، فكُرة كرة ثلج الفساد التي تكبر وتتدحرج، على الرغم من القوانين التي سنتها أغلب الدول لمكافحتها والهيئات التي دشنت تحت مسميات براقة نحو مكافحة، ونزاهة، والوقاية، ألقت بظلالها على ملفات عدة، إذ تسرب الفساد إلى الاقتصاد والسياسة والمجتمع. (2)
دول عربية سجلت أسوأ الدرجات.. تقرير عالمي يؤكد ارتباط الفساد والعنف
خلص مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، إلى أن "الحكومات الفاسدة تفتقر إلى القدرة على حماية الشعوب، بينما من المرجح أن يتحول السخط العام هناك إلى أعمال عنف". (3)"
حريق قاعة الهيثم في الحمدانية
اندلع حريق في قاعة زفاف بقضاء الحمدانية، التابع لمحافظة نينوى في 26 سبتمبر 2023، وكانت نتائج هذا الحريق موت أكثر من 120 شخص الى الآن ولازال الرقم مرشح للزيادة مع إصابة المئات بمختلف دراجات الأصابة.
نعم يتهمون الدفاع المدني وصاحب القاعة وموظفين مامورين في حين الحيتان الكبيرة هي التي تتحكم بمصير الشعب، وهي المسؤولة عن هذه الجرائم ويجب ان تحاسب.
 التحقيقات الأولية مع مالك "قاعة الهيثم" تثبت تورط "بابليون" في الفاجعة. "نار الفساد" تحرق أهالي الحمدانية ...اسامة الكلداني زعيم مافية مسلّحة تتحكّم بمصير مسيحيي سهل نينوى. وكل الفصائل الموالية (لأيران) والحشد الشعبي هي تتحمل المسؤولية. هذه الفصائل لها حصص في جميع المشاريع في العراق. لذا هناك خشية من التأثيرات السياسية على سير التحقيق في حادث حريق الحمدانية. (4)
حريق بغديدا في قضاء الحمدانية وروايات الناجين..
الأدلة التي تم الحصول عليها في كون حريق "قاعة الهيثم" في الحمدانية قد يكون مفتعل ومخطط له:
1-   فيديو متداول لشاب يرفع "علامة النصر" أثناء الحريق - في حفل زفاف في قاعة الهيثم في "الحمدانية"- يثير شكوكا وتساؤلات .(5)
2- احد المدعوين يقول: صاحب القاعة فكّك جهاز حفظ معلومات كامرات المراقبة وفرّ هاربا
3   - شهود يقولون الكارثة لم تكن بسب الألعاب النارية (لأنها مصممة خصيصا لهذه المناسبات وهناك ادلة من خلال مشهد لمصور قبل الحريق وهو يمر من خلال شعلة الألعاب النارية ولم يصب باي حريق)
-يقول شاب عراقي عاش الحدث: الحريق مفتعل ومتفق عليه ومرتب قبل ان يذهبوا العرسان للعرس
والدليل هو هذا الجهاز للألعاب الناري (ويقوم الشاب بتشغيله) لايحرق الورق ولا حتى كيس النايلون. لأن الجهاز مصمم خصيصا للأعراس. يضيف الشاب ويتسائل: الى من توجه أصابع الأتهام؟ فيجاب بالتأكيد هو ريان الكلداني. يا للأسف هو كلداني لأنه بدل ان يكون سندا للمسيحيين فهو باعهم وضحى بهم
4- شهود: شخص ابلغ صاحب القاعة أن أجهزة التبريد قد أُطفئت دون أن يعلم انها كانت تحترق لحوالي نصف ساعة دون ان ينتبه لها احد ، والذي اشعل جدران القاعة من الخلف
5- شهود: صاحب القاعة قطع التيار الكهربائي عن القاعة فزاد التدافع وعدد الضحايا حيث سادت العتمة والظلام فظلّ الحاضرون طريق النجاة وكثر التدافع 
يقول شاهد عيان الذي فقد طفله وأصبح رمادا!!!!!: في اللحظات الأولى من اندلاع الحريق أطفأ صاحب القاعة التيار الكهربائي عن كامل صالة الحفلة، وعندما اردت حمل قواطع الكهرباء مجددا اخبرته ان القاعة مظلمة والمحتفلون ليس بإمكانهم من الرؤيا، منعني وطردني من الغرفة وقال لي لاعلاقة لك بالأمر. لقد فكّك نظام حفظ معلومات كامرات المراقبة، كما ترون هنا (إشارة الى موقع نظام حفظ معلومات كامرات المراقبة) واخذ الأموال التي كانت في الخزنة وجميع اغراضه الشخصية وهرب من الشباك بعد ان كسر زجاج النافذة بالكرسي وخرج هاربا.
ويضيف الشاهد فيقول: اريد ان اسأل هذا الأنسان (صاحب القاعة) كيف يطاوعك قلبك ان تهرب هكذا وتترك هؤلاء الأبرياء داخل القاعة تلتهمهم النيران. ويضيف فيقول: لقد انقذت لوحدي عشرين سيدة واخرجتهن خارج القاعة ومن بينهن زوجتي أيضا كانت احدى تلك النساء وكانت حاملا.
ويضيف الشاهد فيقول: بعد ان خرج صاحب القاعة من النافذة اشتدت النيران بسبب دخول الهواء الى الداخل
6 - قال غاندي بشار، طبال «عرس الحمدانية» بالعراق: «خلال 10 ثواني كانت القاعة مشتعلة كلها والكهرباء انطفت وصار ضباب والناس اتخنقت ووقعت بالنيران». وقُتل بالحريق 107. وأعلن العراق الحداد 3 أيام وأرجعته الشرطة لـ«الألعاب النارية».(6)
7- وان نيوز تكشف حقيقة حريق الحمدانية. "قاعة الهيثم" تعود لأسامة الكلداني وغير خاضعة لمعايير السلامة والأمان. (7)
8- الأعلامي قحطان عدنان يكشف احداث جديدة عن فاجعة الحمدانية بادلة مصورة بفيديوهات تكشف عن حريق غير عادي وكانه مطر من النار (دخان ونار وكأنه بركان نازل من السقف. يجب على المختصين في التحقيقات عن أسباب الحريق التحقق من هذا الحريق الغير العادي).
ويضيف فيقول: انّ الحريق ليس بسبب الأهمال لان القاعة منذ سنة 2017 تستغل للأحتفالات والأعراس ولم يحدث خلالها أي حادث حريق. إنّه عمل مدبّر (أي هناك وراء هذا الحريق من قام به). ومن المستحيل ان يكون تماس كهربائي او العاب نارية كما رأينا المصور وهو يقفز فوقها برجليه دون ان يحدث له حرق
9 – العرافة المشهورة في الوطن العربي " ليلى عبد اللطيف" التي تتنبا بالمستقبل بكوارث طبيعية -والتي تم كشف حقائق عن استلامها مبلغ 150 الف دولار بصك - لاحداث قد تحدث في المستقبل. يقول الأعلامي قحطان ان ليلى عبد اللطيف تعمل عند سياسيين وتحصل على الاف الدولارات وباعترافها في أحد اللقاءات على احدى القنواة الفضائية. ليلى عبد اللطيف "تنبات" عن حريق الحمدانية.
أسئلة يطرحهها الأعلامي قطحان فيقول: لماذا تستلم هكذا أموال من السياسيين التي تلتقي بهم اليس هذا لكي يتم تبرير الحوادث المدبرة مثل حريق الحمدانية لكي يقتنع المواطن بانها كوارث طبيعية تنبات بها ليلى عبد اللطيف؟ (8)
ليلى عبد اللطيف لا تتوقع احداث فلكية، بل تروج لمخططات ما وهذه تحدث. قالت عن العراق قبل أسابيع:
".. ستكون مغلقة بسبب أحداث طارئة وحرائق ولهب وحصر الناس. ستتحول أجواء الفرح الى حزن وعزاء!!!!!!!
هل هذا الكلام عن الحريق صدفة ام معلومة مطبقة؟
تساؤل يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي حول ليلى عبد اللطيف المعروفة ب “سيدة التوقعات". وهناك من يقول ان ما قالته ليلى عبد اللطيف عن حريق الحمدانية هو حريق مدبّر ومفتعل. (9)
10- الحريق لم يبدأ من السقف فقط بل بدأ من جوانب القاعة أيضا وكأن الأمر مدبر وهذا ما سنلاحظه في فيديو مصور منشور
وان المدخل اشتعل فيه النار سريعا بعد ثواني او دقائق!!!. (10)
11 - اعتراف رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني بوجود "تقصير وإهمال" وراء مأساة حريق الحمدانية.
وتعهد بـ "محاسبة جميع المسؤولين عن التقصير". (11)
12- المنشاْ المدني مقام على أرض زراعية مملوكة للدولة تسقى مطرا. لايجوز تحويل ارض زراعية الى سكنية الا بموافقة عشرة وزراء. القائمقام والدائرة المدنية يعرفون ان هذا المشروع قائم على أرض متجاوزعليها،علما ان القاعة هذه قريبة من الضغط العالي للكهرباء ولا يجوز قانونيا (قانون دولي) انشاء ابنية تحت خطوط الضغط العالي واقرب منشا مدني او تجاري او صناعي يجب ان يبعد مالايقل عن 40 من من خطوط الضغط العالي، الذي يحمل 132 الف فولت.دائرة زراعة نينوى هي التي غضَط النظر عن هذا التجاوز. لايجوز تحويل ارض زراعية الى سكنية الا بموافقة عشرة وزراء.(12)
سؤالين مطروحين اليوم عن مأساة شهداء حريق “قاعة الهيثم في بغديدا" قضاء الحمدانية وهما:
1.   من يتحمل مسؤولية شهداء بغديدا الذين احترقوا وماتوا في قاعة الأعراس؟
2.   وهل هو عمل مفتعل أم هو نتائج الفساد المستشري في مؤسسات الدولة وحتى المجتمع؟
الجواب لهذين السؤالين -وغيرهما من التسائلات - سنسمعها باختصار، من المطران نيقوديموس داود رئيس الكنيسة السريانية في كركوك ونينوى وإقليم كوردستان، إذ يقول:" انّ الفساد هو سبب كل الكوارث بالعراق وعلى المسؤولين الأستقالة".
 يضيف قائلا: " هناك مئات القاعات والأبنية تمنح اجازات بدون وجه حق ودون المواصفات الفنية ولا شروط السلامة. موضوع خطير على الحكومة الأستقالة وحتى البرلمان وكل من لديه القرار ومسؤول في هذه الدولة لأنهم لم يستطيعوا الحفاظ على أرواح الناس 120 شهيد والعدد في تزايد. لايوجد شرف ولاناموس ولا إنسانية هل نحن نعيش في قانون الغاب. العرس يتحول الى إبادة. ويضيف فيقول: حريق مستشفى بغداد والعبّارة في الموصل ووووالخ أصبح الموت بالجملة. إن ما حدث في الحمدانية لم يحدث في عهد داعش، مبيناً أن مطالب المسيحيين في العراق غير معلومة المصير.
وأردف: أي مسؤول ذو كرامة يجب أن يستقيل بسبب حادثة الحمدانية، مشدداً على أن زيارة المسؤولين لا تخفف من معاناة أهالي الحمدانية. (13)
أمّا الأب بطرس شيتو وفي مؤتمر صحفي يعلّق على تقرير اللجنة التحقيقية في فاجعة الحمدانية فيقول:
"التحقيق غير شفاف بالمطلق هذا التقرير او النتائج الأولى للتحقيق اتضح انه مسيس من قبل سياسيين لانعترف به سنذهب الى اعتصام مفتوح وبالتالي نذهب الى خطوات أخرى قد تكون تحقيقات دولية لأنه من ظمن الأشخاص الذين كانوا موجودين توفوا في الحادث ومنهم اختي أمريكية الجنسية فسناتي بالأمريكان ليحققون وليس العراقيين لن نقبل بان نبرر الجريمة بالمس الكهربائ او سندويج بنل، بل تحقيق مهني والقضاء يحضر الموقع ويحقق بواقعية ويحترمون مشاعر المنكوبين. (14)
في كلمة لغبطة الكاردينال البطريرك لويس ساكو تعليقا على ماسات حريق الحمدانية يقول:
” هذه النكبة سوف تبقى حية ليس في ذاكرة أهالي قره قوش، وانما في ذاكرة العراقيين المسيحيين.انها مأساة كيف في لحظة تحولت الحياة الى الموت والفرح الى حزن موجع…على الحكومة ان تضع ضوابط للمستثمرين في مشاريع البناء، فحياة الناس ليست لعبة بيدهم.. كيف يمكن ان تمنح الحكومة اجازة بناء من دون أن يراعي المستثمر ضوابط البناء واعتماد مواد جاهزة كالساندويش بانل ولاوجود لشروط السلامة وعدم تزويد القاعة بمنظومة إطفاء الحريق. (15)
لاننسى مرسوم أصدره الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد بسحب المرسوم الجمهوري الخاص بالبطريرك ساكو بتاريخ 3 يوليو 2023 والذي سحب بموجبه قرار تعيين غبطة أبينا الكاردينال البطريرك لويس ساكو بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 147 لعام 2013 الذي يمنح صلاحيات قانونية للبطريرك بإدارة أوقاف الكنيسة الكلدانية، والذي كان قد صدر سنة 2013 من قبل الرئيس الراحل جلال الطالباني، بحجة عدم استناده للدستور العراقي.
تحدث شهود عيان لـبي بي سي من موقع الحدث عن لحظة اندلاع الحريق أثناء حفل الزفاف:
على الحكومة ان تضع ضوابط للمستثمرين في مشاريع البناء، فحياة الناس ليست لعبة بيدهم.. كيف يمكن ان تمنح الحكومة اجازة بناء من دون أن يراعي المستثمر ضوابط البناء واعتماد مواد جاهزة كالساندويش بانل ولاوجود لشروط السلامة وعدم تزويد القاعة بمنظومة إطفاء الحريق. (16)
ألأعلامي المشهور "قحطان عدنان" (الذي صدر بحقه منع السفر بقرار من "مجلس القضاء الأعلى العراقي") يكشف تفاصيل حريق قاعة الهيثم في الحمدانية. وينصح الأعلاميين الحقيقيين ان يكشفوا الحقائق للمواطنين، وما حدث في حادث حريق قاعة الحمدانية هناك ادلة ووثائق يجب كشفها: ماذا حدث في حريق الحمدانية؟ ومن هم الذين يستخدمون دم المسيحيين بالأنتخابات؟
يقول هذا الأعلامي- بعد صلاته لشهداء الحمدانية والعراقيين وطلب الرحمة والغفران من الله -: 
"دم شهداء الحمدانية أصبح انتخاب سياسي. المفروض الكل يتحاسب بدم الشهداء في حريق الحمدانية، من صاحب القاعة الى اعلى مسؤول، والى أعلى حزبي والى اعلى ميليشياوي. أسباب الكوارث في العراق هو ان العراق سُلّم لقتلة ومجرمين خاضعين لأوامر إيران. (17)
-------------------------------------------------------------

المصادر
راجع المواقع التالية
1-
https://www.hrw.org/ar/video-photos/interactive/2021/08/02/379408#:~:
2-
 https://www.independentarabia.com/node/332246
3-
https://www.alhurra.com/arabic-and-international/2023/01/31
4-
https://www.youtube.com/watch?v=Ug6zci-wXxU
5-
شاب يرفع "علامة النصر" أثناء حريق حفل زفاف الحمدانية يثير ...
https://www.youtube.com/watch?v=3PqqsHU-Vak
6-
https://www.youtube.com/watch?v=3PqqsHU-Vak
7-
https://www.youtube.com/watch?v=0s9HjZ7VJVk
8-
https://www.youtube.com/watch?v=ogcEan-HQQA
9-
https://www.youtube.com/watch?v=kkczbS1fnFs
-10
https://youtu.be/pTUUrY-A-Uk?t=70
11-
https://www.bbc.com/arabic/articles/cw039600wndo
12-
https://www.youtube.com/watch?v=TVewzlyJ3vs
13-
https://www.youtube.com/watch?v=qTHFnJvPn7s
14-
https://www.facebook.com/RudawArabi/videos/832893648539165
15-
https://de.search.yahoo.com/search?fr=mcafee&type=E210DE91082G0&p=
16-
https://www.bbc.com/arabic/articles/c84k7mzkgv2o
17-
https://www.youtube.com/watch?v=eSn0u1Bxg4c











6
سلام المسيح اخي وردا
مقال رائع عن رمز الصليب في المسيحية
يوحنا البشير يصوِّر المسيح على الصليب كالملك على عُرشه"يوحنا 19: 19 ". كان الصليب رمز الذُلِّ والهوان، والخُذلان والأحتقار والأستهزاء والتعييرات ، وأداة اللعنة ، والعار، والخسران "اشعيا 53 : 3 ". ولكن يسوع المسيح حوّل هذا الرمز، رمز الصليب، عند اليهود والرومان، الى رمز الأنتصار والخلاص والغفران والعطاء، ورمز التألُّم لأقرار الحق والبر والسلام ، ورمز بذل الذات والتضحية من أجل الآخرين ، وهو رمز المحبة والرجاء والحياة ، بقهر الموت بالموت وتحرير الأنسان من عبودية الشر والخطيئة
الصليب ببعده العمودي هو رمز المصالحة بين الله والبشرية

بشخص المسيح(الطبيعة الالهية) الذي علق بين السماء والأرض

والصليب ببعده الأفقي(يسوع المسيح فاتحا ذراعيه ليحضن البشرية)

هو رمز المحبة الفائقة بين يسوع المسيح(الطبيعة البشرية)واخوته البشر .
وكما تفضلت اخي وردا فنحن لا نعبد خشبة الصليب، بل نحن نعبد المصلوب ونسجد له. يسوع المسيح حمل خطايانا التي ترمز الى الشر "الحيّة القديمة" وسمّرها على خشبة الصليب. وهو يقول لنا: " وكما رفع موسى الحيّة في البريِّة فكذلك يجب ان يُرفع ابن الأنسان لينال كُلِّ من يؤمن به الحياة ألأبدية "يوحنا 3 : 14 ، 15 "
عندما نحمل الصليب على صدورنا فهذا رمز وليس تمثال نعبده بل نحن نحمل هذا الرمز لقول المسيح :  إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي (لوقا 9 : 23).

7

الأخ سامي ديشو
شكرا اخي  على ما تفضلت به في تعليقك على المقالة وثناءك  ومداخلتك المختصرة والعميقة المعاني المستمدة من تعاليم المسيح ومحبته التي لاتفرّق بين الناس مهما كان لونهم وجنسهم وخلفيتهم ، بل هو جاء من اجل الخطات وليس فينا من يفتخر بكونه بريئا فكلنا خطاة . لهذا علينا ان لاندين الآخرين مهما كانوا، بل ان نحبهم. وهذا هو نهج البابا الحالي فرنسيس، حتى للمثليين جنسيا
  ولكن البابا لم يشجع او يدعو يوما الى زواج المثليين ولا الى توحيد الأديان كما يدعي البعض بل ذهب بعضهم الى اتهامه بالماسونية دون ان يقدموا دليلا واحد ا وأخيرا وليس اخرا اتهموا البابا بانه استقبل "ريان الكلداني " في الفاتيكان " وطبلوا وزمروا لهذا اللقاء المزعوم ، ولكن في الأخير ظهرت الحقيقة ان البابا لم يكن له أي موعد او لقاء خاص مع ريان الكلداني ، بل كان ريان ضمن الكثيرين الذين كانوا في ساحة الكنيسة في الفاتيكان وحياهم البابا حاله حال الأخرين دون موعد خاص معه .
اخي العزيز سامي ، ختاما نحن كمسيحيين نؤمن ان الحق سينتصر في النهاية مهما طال الزمن

8
شكرا اخي وردا على تعليقك على مضمون المقالة الخاصة باتهامات وطعن في قداسة الباب فرنسيس
عزيزي وردا اعتقد ان الكثيرين من اخوتنا لايعرفون حقيقة البابا فرنسيس وحرصه على كل كلمة يقولها ولكن احيانا كثيرة ترجمة كلامه الى اللغات الأخرى قد يكون خطأ ولهذا هؤلاء الذين يطعنون بما يقوله البابا لا يفتشون عن الحقيقة ما كان يقصده البابا وخاصة في ما قاله عن المثليين وحرصه على احترامهم ومحبتهم لأنهم خليقة الله ويحملون صورة الله كونهم بشر مثلنا ولكن لايعني هذا سماحه بزواج المثليين كما فهم الكثيرون للأسف
هكذا ايضا في موضوع التهمة الموجه له كونه ماسوني ويريد توحيد الأديان ولايقبل التبشير  و...الخ
شكرا على الشرح الذي تفضلت به عن هؤلاء الذين يطعنون في قدسية البابا اما لانهم جهلاء في معرفتهم حقيقة البابا وهذه مصيبة واما هم يسمعون من وسائل اعلامية معادية للكنيسة الكاثوليكية وعلى راسها قداسة البابا فرنسيس وهذه مصيبةاعظم
تحياتي ولرب يبارك جهودك

9
نعم اخي أبو اوجين  تجارب الشيطان لايوب هي تمثل تجاربنا نحن في كل زمان ومكان حيث الشيطان يجرب حتى القديسين لابل ازيدك قولا لاحد القديسين ان الشيطان لايهتم بالساقطين في فخاخه بل هو يركز على المؤمنين والقديسين
شكرا لهذا المقال عن تجارب الشيطان والذي لم يستثنى يسوع المسيح منها لكنه انتصر على الشيطان بحوار  ليدحض اقوال الشيطان الذي يتكلم بانصاف الحقائق مستشهدا بالكتاب المقدس ورد عليه المسيح من الكتاب المقدس أيضا
وانا في احد مقالاتي بعنوان "الموت باب الحياة" استشهدت بايوب عندما يقول
وهو يصوّر الفداء الذي سيكون بيسوع المسيح فيقول: “أعرف أنّ شفيعي حيٌّ، ويقومُ آجلا على التراب، فتلبسُ هذه الأعضاء جلدي، وبجسدي أُعاين الله ” (أيوب 19/ 25-26). فما أعظم الأيمان الذي كان لأيوب حتى عرف ان الله لن يتركه، وسيقيمه من الموت الى الحياة الأبدية.

10
الحملات التشكيكية والتُهم الباطلة بحق قداسة البابا فرنسيس الأول
نافع البرواري
مقدمة :
ما أشيع مؤخرا بين وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية عن تعاليم وأقوال للبابا فرنسيس ليس لها اي مرجعية من الفاتيكان أو توثيق لما قيل عنه ، حيث يتعرّض قداسة البابا فرنسيس الأول منذ تنصيبه على كرسي الرسول بطرس الى انتقادات لاذعة وصلت الى حد التجريح ووصف بانه يدعو الى بدعة "توحيد الأديان" و"الماسونية " وتشجيع الزواج المثلي " ومنعه التبشير" كما وصَّى المسيح ..وتنازله واذلاله لأنّه يقبل ارجل الناس ...الخ من الطعونات والأتهامات .
هذه الحملة الشعواء ،غير مسبوقة ولا تمتُّ بالصلة الى المسيحية الحقيقية ، بحق الكنيسة الكاثوليكية عامة و شخصية قداسة البابا الحالي خاصة ، والذي يمثّل أب روحي لأكثرمن مليار ونصف مسيحي في العالم
يقول احد الآباء:
لانعرف هل لأن هذا البابا متواضع وفقير وقريب من شعبه ، لهذا عليه هذه الحملات وهناك متشككين يشكّون به كونه مسيحي وزادت عليه الهجمات؟
إنّها حملات هدم وليس بناء وتجريح والمس برمز من رموز الكنيسة وليس نقدا بناء ، بل طعنا بقداسته. يقول الرب يسوع المسيح " من غضب على اخيه استوجب حُكم القاضي ، ومن قال لأخيه : ياجاهل استوجب حكم المجلس ، ومن قال له : يا أحمق استوجب نار جهنّم ..أحبّوا اعدائكم ، وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم ، فتكونوا ابناء أبيكم الذي في السمّاوات"متى 5 : 21-22، 44-45"
"انَّ هذه الحملات النابعة من الحقد والكراهية هي بعيدة كل البعد عن وصية الله المحبة وتعاليم المسيح ، بل انها حملات للشهرة وتمجيد الذات . و بهذا العمل فإنَّ هؤلاء يقسّمون الكنيسة بدل ان يوحّدوها كما ارادها المسيح "كونوا واحدا كما انا والآب واحد". ويقول الرسول بولس في رسالته الأولى الى كورنثوس :
إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئ
الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤءَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدا ا(كورنثوس 13 : 1-8)ً
من انت أيّها ألأنسان لكي تُدين اخوك الأنسان ؟ الم يقل الرب يسوع المسيح :"لاتُدينوا لكي لاتُدانوا "
هؤلاء للأسف بدل ان يوحّدوا الكنيسة فهم يمزقونها ، وبدل ان يجمعوا فهم يفرّقون
هؤلاء الذين يصفون البابا فرنسيس بانه عدو المسيح او ضد المسيح وماسوني ويشجع الزواج المثلي ويمنع التبشير اصبحوا قضاة يدينون و يحكمون على الآخرين حسب ما هم يعتقدون دون ان يبحثوا عن الحقيقة ، في كون هذا البابا بالذات- وبشهادة الملايين من غير المسيحيين - معروفا في كونه بابا الفقراء والمهمشين والمساكين واللاجئين والمنبوذين والمتألمين ..الخ
نحن كمؤمنين مسيحيّين لانستغرب ان تكون هذه التهم تأتي من غير المؤمنين بالمسيح اوالمنتسبين الى الديانات الأخرى لأنّ حتى المسيح في ايامه تعرض للتجريح والأهانات والتعيير من قبل اليهود ومن الأمم حتى اتهم بالتجديف على الله وكان سبب صلبه ،لكن الألم والحزن ، والمرارة والأسف ان يأتي هذا التجريح وتوصيفه بانه ملعون ، وضدّ المسيح ، عندما يأتي من بعض الذين يدّعون انهم ينتمون للمسيح، فهذا ما يُحزن ويدمي القلوب . ولكن نحن لانستغرب فحتى المسيح رفض من اقرب الناس له ، رفض من اهله واقاربه ووطنه كما جاء في انجيل مرقس (6 : 1- 6) حينها قال الرب يسوع:
"لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهه "
ولكُلّ هؤلاء الذين اساءوا ويسيئون الى قداسة البابا فرنسيس نقول لهم :"الرب يغفر لكم ويسمامحكم والروح القدس يُرشدكم الى معرفة الحق ، ونصلي من اجلكم ، كي تبصروا نور المسيح الذي يزيح عن قلوبكم هذا الحقد والكراهية ويفتح عيونكم لكي تبصروا واذانكم لكي تفهموا وترجعوا الى تعاليم المسيح الذي احب الجميع بلا محابات ." لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16 )
يقول الرسول بولس في رسالته الأولى الى كورنثوس :
"إذا كان لأحدكم دعوى على أحدِ ألأخوة ، فكيف يجرؤُ أن يُقاضيه الى الظالمين ، لا الى ألأخوة القديسين؟ أما تعرفون أنَّ القدّيسين هم الذين سيدينون العالم؟...وإذا وقع خلافٌ بينكم على مثل هذه القضايا ، أتعرضونه على من تحتقرهم الكنيسة للحكم فيه ؟ أقولُ هذا لتخجلوا " 1كورنثوس 6 : 1-4"
اي ان الخصومات بين الأخوة المؤمنين يجب ان تقدم للكنيسة للحكم فيه وليس بانفراد والحكم دون وجود شهود واخوة .اي معالجة المنازعات بين بعضنا البعض وليس التشهير والتجريح والأدانة عبر المنابر والقنواة الفضائية ووسائل التواصل الأجتماعي، كما يفعل البعض اليوم .
ولناتي ببعض ألأتهامات التي يروّج لها البعض عبر وسائل التواصل الأجتماعي والفيس بوك ..الخ:
أولا: اتهام البابا بانه يحاول توحيد الأديان. اي ديانة واحدة شمولية وان ذلك يوافق ما تعمله الماسونية العالمية
اتهم البابا من قبل الكثيرون بانه رسول لوسيفر (الشيطان ) في الكنيسة الكاثوليكية وانه يتبع الماسونية العالمية وانه يدعو الى ديانة عالمية واحدة وو...الخ
هل فعلا البابا فرنسيس يحاول توحيد الأديان كما يدَّعي بعض المنسوبين الى المسيحية ؟ أم ان البابا يريد وحدة الأديان للتعايش السلمي والأخوّة ألأنسانية ؟ وهناك فرق بين المفهومين. فالدعوى ليس الى دين واحد بل الهدف هو توحيد رأي الأديان للسلام والمحبة والعيش المشترك والأخوّة ألأنسانية .هذا هو هدف البابا فرنسيس واساس حوار الأديان الذي انطلق من المجمع الفاتيكاني الثاني . وهدف المجلس البابوي للحوار بين الأديان هو:
تعزيز التفاهم، والاحترام، والتعاون المتبادل بين الكاثوليك، وأتباع التقاليد الدينية الأخرى
وتشجيع دراسة الأديان ، و تعزيز تكوين الأشخاص المتفانين في الحوار.
لايوجد اي دليل او وثيقة تصريح من الفاتيكان او من البابا الحالي فرنسيس ألأول حول ما يقوله البعض ، دون وجه حق ، عن انّ البابا يريد "توحيد الأديان". وكُلُّ ما يقال هو تشويه للحقائق وتشهير بقداسة البابا ، واتهامه بانه يريد توحيد الديانات لتصبح دين واحد . وكُلّ ما قاله البابا يمكن تلخيصه في خطاباته وكلماته التي قالها في زيارته الأخيرة للعراق (5-7 مارس 2021
يقول البابا مخاطبا الرئيس العراقي برهم صالح وسياسيين ودبلوماسيين ومن مختلف اطياف المجتمع العراقي:
"إذا استطعنا نحن الآن أن ننظر بعضنا إلى بعض مع اختلافاتنا، وكأعضاء فى العائلة البشرية الواحدة، يمكننا أن نبدأ عملية إعادة بناء فعالة، ويمكننا تسليم عالم أفضل للأجيال القادمة، أكثر عدلا وأكثر إنسانية، فى هذا الصدد فإن الاختلاف الدينى والثقافى والعرقى الذى ميز المجتمع العراقى، مدة آلاف السنين، هو عون ثمين للاستفادة منه، وليس عائقا للتخلص منه، والعراق اليوم مدعو إلى أن يبين للجميع، خصوصًا فى الشرق الأوسط، أن الاختلافات، بدلا من أن تثير الصراعات، يجب أن تتعاون فى وئام فى الحياة المدنية"(1).
نحن نحتاج الى حوار خالص صريح كنفه الأحترام المتبادل ، العدل ، هذه التحديات صعبة يجب ان نضاعف من جهودنا ...كلنا بنات وابناء نفس الخالق "
"كُلِّ الأطراف ذات الصلة ان يقدّموا ألأحترام ، ألأعتراف ، الحماية لكل ألأديان وأتباعهم "
نحن الأخوة والأخوات من جميع ومختلف الأديان ، نحن هنا في بيت واحد ونعمل سوية لنحقق احلام العائلة الأنسانية ، عندها سننظر الى السماء سوية
صلاة البابا في اورمسقط راس ابينا ابراهيم هي رسالة الى التعددية والحوار والتفاهم بين جميع اطياف الشعب العراقي وهي دعوى عالمية لنشر السلام.(2)
– يؤكد قداسة البابا فرنسيس على الحوار والتواصل مع مختلف الثقافات ورسالة مصالحة مع جميع الطوائف المختلفة ، وعدم السماح للتفرقة بين الطبقات و الطوائف ومختلف الديانات ، وعدم السماح بوجود نظام طبقي يجعل من الأقليات درجة ثانية او ثالثة او رابعة.
زيارات البابا للدول العربية والأسلامية هي لتحقيق رؤيته حول التعايش بين المسلمين والمسيحيين
هذه هي الرسالة التي يريد البابا فرنسيس ايصالها الى جميع الأديان والمجتمعات الأنسانية وليس ، كما يقول البعض ان البابا يريد ديانة عالمية واحدة
يقول البابا :"نحن جميعا أبناء الله بغض النظر عن الأديان أو المعتقدات الدينية”وكما قال في احد المناسبات.
وعن اتهام البابا بانه ينتمي الى الماسونية العالمية
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية صور ومقاطع مصوّرة على أنها تُظهر البابا فرنسيس وهو يقبّل يد يهود أثرياء من عائلة روتشيلد (باعتبار هذه العائلة هي قادة الماسونية )، لكن هذا الادعاء خطأ وهذه المشاهد تُظهره في الحقيقة وهو يقبّل يد يهود ناجين من محرقة النازيين في الحرب العالمية الثانية.
خلال زيارة البابا فرانسيس إلى اسرائيل عام 2014، وقد قابل خلال الزيارة ستة ناجيين من المحرقة النازية ومنهم صاحب الصورة الذي ادعت المنشورات أنه روتشيلد،والستة هم Avraham Harshalom (Friedberg) Chava (Eva) Shik Joseph Gottdenker Moshe Ha-Elion Eliezer (Lolek) Grynfeld Sonia Tunik-Geron
وكما هو واضح من الأسماء لا يوجد بينهم اسم روتشيلد سواء كان الاسم الأول أو اسم العائلة، وصاحب الصورة هو أليعازر غرينفيلد.(3).
البابا فرنسيس لاعلاقة له بالماسونية ، ولايوجد اي دليل لهؤلاء الذين يريدون تشويه صورة البابا . والأدلة كثيرة في كون البابا يطبق اقوال وافعال المسيح في حياته عندما يقبّل ايادي ضحايا النازية ويدعو الى محاربة الأرهاب والدعوة الى صنع السلام والمحبة في العالم اجمع هو خيردليل وتاكيد على حقيقة شجبه للظلم والقهر وألأستعباد وشجب الأرهاب والفساد وقهر الشعوب الضعيفة والفقيرة ،في كل مكان .
ثانيا : أُتُّهم البابا فرنسيس بالخنوع والأذلال عندما يقبَّل ارجل الناس .
هؤلاء الذين لايعرفون رمز ومقاصد البابا ،لأنهم لايعرفون تعاليم المسيح والمغزى العميق لهذا العمل:
يقول الرب يسوع في الموعظة على الجبل :
هنيئا للمساكين بالروح .. هنيئا للودعاء.. هنيئا لصانعي السلام .."انجيل متى الأصحاح 5"
قال البابا فرنسيس لرئيس جنوب السودان ونائبه، قبل ان يُقبل أرجلهما :
""أسألكم من كل قلبي أن تحافظا على السلام
البابا يطبّق اقوال واعمال المسيح، وما قام به المسيح عندما غسل ارجل التلاميذ ليعلمنا التواضع والخدمة والفقر الروحي عندما يقول لتلاميذه " ليكن ألأكبر فيكم كالأصغر ، والرئيس كالخادم " لوقا 22 : 26".
وقد قبّل قداسة البابا أقدام رئيس جنوب السودان ونائبه، لمساعدتهم على تعزيز اتفاق السلام الذي يهدف لإنهاء الحرب الأهلية في أحدث دولة في العالم ويتوسّل لرئيس السودان ونائبه لوضع حد للقتل والموت في جنوب السودان . هذا دليل على ان البابا ينظر الى كُلّ انسان بأنه صورة الله ، وهو تاج الخليقة . وعندما يهدر دم الأنسان فان دمه غالي عند الله ، يصرخ الى الله كما جاء في سفر التكوين عندما قتل قابيل اخوه هابيل يقول الله :"ماذا فعلتَ ؟ دم أخيك يصرُخُ اليَّ من ألأرض "تكوين 4 :10" .
فما قام ويقوم به البابا هو قمة التواضع والمحبة ومشبعا بروح التواضع والفقر والتجرد من اجل خدمة الأنسان .
يسوع المسيح غيَّر وقلَبَ مفاهيم السُلطة والحُكم والرئاسة والقيادة والرعاة . فهو يدعوهم جميعا ليكونوا هم أيضا خُدَاما لشعوهم ويضحُّون بأنفسهم من اجلهم. يسوع المسيح لم يكن ضعيفا او جبانا ،ولم يتنازل عن الحق حتى دفع ثمن ذلك حياته .
يقول جبران خليل جبران، عن السيد المسيح ، في كتابه العواصف: "الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضّعفاء فتبكيه وترثيه وتندبه، وهذا كل ما تفعله لتكريمه. منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضّعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّا ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة. ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، بل عاش ثائراً وصلب متمرداً ومات جباراً.
ثالثا: إتهام ، البعض ، لقداسة البابا فرنسيس أنّه سمح بالزواج المدني للمِثليين
اوردت العناوين الرئيسية العالمية ان البابا فرنسيس يؤيد الزيجات المدنية للمثليين ..
وللأسف طبّل وزمّر الكثيرون من الأخوة على منابر القنواة الفضائية والأعلامية انّ قداسة البابا الحالي قد سمح بالزواج المدني للمثليين ،وذلك بتحريفهم وتلاعبهم بكلمات التي نطق بها قداسته عن موضوع المثليين جنسيا
التلاعب بالكلام وترجمة غير صحيحة للغة الأنكليزية حول اقوال البابا عن المثليين
هي السبب الحقيقي للهجوم على البابا واتهامه عندما يقولوا ان البابا قال:
"أنّ المثليين الجنسيّين عندهم حق ان يعملوا عائلة ويتزوجوا وان يكون لهم اولادا ايضا "
في مقابلة قديمة (حتى المقابلة ليست جديدة) سألوا البابا فرنسيس عن هذا الموضوع وفي حينها البابا رد عليهم . اليوم ايضا حدث شيء جديد ، وهي انّ احدى العائلات لها ابن مثلي الجنس ، فسالوا البابا فرنسيس ياترى ماذا نفعل بامره ، هل نطرده خارج البيت ؟ هنا ياتي رد البابا فرنسيس عليهم ونأتي بالرد كما هو:
" المثليين لهم الحق ان يكونوا جزء من عائلاتهم "
They have the Right to Family
وليس كما ترجمت الجملة بالخطأ الى اللغة الأنكليزية بالقول ان البابا قال لهم الحق لتكوين عائلة
They have the Right to make family
كان البابا يجاوب على سؤال العائلة ان هؤلاء المثليين هم جزء من عائلتكم فكيف تطردوهم ؟ يجب ان تهتموا بهم حالهم حال الأبناء الطبيعيين ، مهما كانت توجهاتهم ، او افكارهم .هؤلاء اولادكم . ويقول للعائلة حرفيا:"إنّهم أبناء الله ولهم الحق ان يكونوا في عائلة ، لايجب ان نرمي احد خارجنا:
هذا واضح لالبس عليه. اما بخصوص الزواج المدني قالوا :
ان البابا فرنسيس يشرع لهم الزواج المدني (وباللغة الأنكليزية
)Marage (
بينما البابا قال :
اي اجتماع مدني. اي الدولة تشرع لهم و تعطيهم صفة مدنية Savel Unian
وكما رئيس الكهنة يسوع المسيح احتضن المرضى والفقراء والمحتاجين و ذوي الأحتياجات الخاصة واحبهم هكذا الكهنة في المسيحيية يعتبرون آباء ونحن اولادهم روحيا وليس حرفيا (طبيعيا )بل مجازيا ويرعوا شعبهم المؤمنين ،هكذا يجب على العائلة والدولة ان ترعي المثليين لأنهم ابنائنا واخوتنا . وهؤلاء بحاجة أكثر لنا لرعايتهم والأهتمام بهم . وهذا ما قاله البابا فرنسيس أنا راعي الكنيسة والكل
ابنائي.
هنا نقول كل شخص له الحق ان يعمل مايريد وهذا لايعني احنا راضين عن ما يعمله هذا الشخص ولا يعني نحن نفكر مثله . ياتي واحد ويقول انا لا اريد ان اتزوج ، فله الحق ان لايتزوج ، وليس معناه ان اقول له يجب ان تتزوج ،أو انا معك ان لاتتزوج ، يجب ان نفرق بين الفكرتين.(4)
ولتاكيد حقيقة نفي الفاتيكان عن ان البابا يشجع زواج المثليين جاء تصريح من متحدث باسم البابا فرنسيس في 15– 3 - 2021:
"أنَّ الكنيسة الكاثوليكية وكهنتها لايمكن لهم مباركة زواج المثليين". وجاء في بيان في صفحتين نشره الفاتيكان ،أنَّ هذا التاكيد مترجما بسبعة لغات ،ردّا على سؤال عن راي البابا بزواج المثليين . واضاف البيان انّه لايمكن قبول ومباركة زواج المثليين بشكل رسمي وشرعي من قبل الكنيسة ، ولاتوجد هناك أي اسباب للأعتراف بالزيجات ، التي لاتشبه باي حال من الأحوال الزواج الذي اراده السيد المسيح والذي يقود الى نعمة الحياة الزوجية".
وجاء صدور هذا البيان بعد عن تردّد على لسان قداسة البابا فرنسيس ، قبل حوالي ستة اشهر، من انه يبارك زواج المثليين ، حيث كان حينها يقول : "إنّ المثليين هم ابناء الله ، لهم الحق في تكوين عائلة .
وجاءت تعليقات البابا هذه ، أثناء مقابلة له مع محطة تلفزيونية مكسيكية ، كانت جهات في الفاتيكان قد حذفت اجزاء منها ، وقامت لاحقا بنشرها كاملة .
وأكَّد بيان الفاتيكان "أنّ الرب لايمكن له استثناء أحد من نعمته ، ومن ضمن من ينعم ويتمتع بنعمة الرب المثليّون . لكن الفاتيكان لا ولن يبارك الخطيّة ومرتكبيها ".
واضاف : "إنّ الكنيسة الكاثوليكية لاتمتلك الصحلايات لتبارك ألأشخاص المثليين "
قال البابا فرنسيس:
" إن كان شخص ما له ميول جنسية مع شخص آخر مثله ، ويحاول التقرُّب من الرب ، من أنا لأحكم عليه "(5).
نعم حتى لو قاله البابا فإن الدينونة هي لله . وهذا ما قاله الرب يسوع المسيح :
""لا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم
(متى 7 :1،2)
الله يحبُّ الخاطئ ولكنه يكره الخطيئة . يقول يسوع المسيح :
لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ»." مرقس 2: 17".
بابا الفاتيكان يرفض زواج المثليِّين..."لا نبارك الخطيئة""
"الخطيئة لا تبارك" لذا ترفض الكنيسة الكاثوليكية مباركة زواج المثليين. هو حسم من البابا فرانسيس للجدل الذي أثير حول الموضوع
"من أنا حتى أحكم على المثليين" عبارة قالها البابا فرنسيس عام 2013، عرضت في وثائقي من إخراج أفجيني أفينفيسكي، وهو روسي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، حيث تعمد أفينفيسكي عدم إيضاح توقيت المقابلة ، ما أدى إلى استهدافه في حملة إعلامية ممنهجة
البابا فرانسيس تعرّض لهجوم إثر تحريف كلامه أكثر من مرة، وهو ينطلق من عقيدة أن اللين وليس الصلابة، النعومة وليس الجلافة، والحب والحنان والعطاء والرحمة، مفاهيم تعتبر جوهر الرسالة المسيحية، لكن لا يمكن أن تمتد المباركة إلى زواج المثليين.(6)
تصريح من الفاتيكان إن التعليقات التي أدلى بها البابا فرنسيس بشأن قوانين الارتباط المدني، تم إخراجها من سياقها ولا تشير لتغيير في عقيدة الكنيسة بشأن المثليين أو دعم الزواج من نفس الجنس
وقالت المذكرة: "من الواضح أن البابا فرنسيس كان يشير إلى بعض أحكام الدولة وبالتأكيد ليس عقيدة الكنيسة، التي أعاد تأكيدها عدة مرات على مر السنين".(7)
رابعا: اتهام الباب بأنه مَنَعَ التبشيراثناء زيارته للمغرب .
جاء في موقع الباطريكية اللاتينية في القدس مقال نشر بتاريخ 3 ابرل 2019 توضيحا لما قاله البابا فرنسيس للمسيحيين في اثناء زيارته للمغرب مايلي :
"حذر البابا فرنسيس مسيحيي المغرب من القيام بأية أنشطة تبشيرية أثناء خطاب ألقاه في كاتدرائية الرباط ضمن فعاليات اليوم الثاني لزيارته المملكة بدعوة من الملك محمد السادس.وقال البابا متوجهًا إلى الحاضرين في هذه الكاتدرائية الواقعة وسط العاصمة الرباط :“إن دروب الرسالة لا تمر من خلال أنشطة التبشير التي تقود دوما إلى طريق مسدود“.وخرج عن نص خطابه المكتوب ليؤكد ’رجاءً لا تبشير!‘، مذكرًا الحاضرين أن رسالتنا كمعمدين وكهنة ومكرسين لا يحدّدها بشكل خاص العدد أو المساحة التي نشغلها، وإنما القدرة على خلق التغيير والدهشة والتعاطف" انتهى الأقتباس
حديث البابا نابع من قرارات مجمع الفاتيكاني الثاني، ولا يتكلم البابا الا ضمن قرارات هذا المجمع . جاء في موقع البطريكية اللاتينية في القدس:
"أن رسالتنا كمعمّدين وكهنة ومكرّسين لا يحدّدها بشكل خاص العدد أو كميّة المساحة التي نشغلها وإنما القدرة التي نملكها على خلق التغيير والدهشة والتعاطف؛ من خلال الأسلوب الذي نعيش فيه كتلاميذ ليسوع وسط الذين نشاركهم الحياة اليومية والأفراح والآلام والمعاناة والرجاء (راجع.المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور الرعائي فرح ورجاء، عدد ١). بمعنى آخر، إنَّ دروب الرسالة لا تمرُّ من خلال أنشطة ’الضم البغيض"‘ (proselitismo)
. من فضلكم، لا تمرُّ من خلال أنشطة ’الضم البغيض‘ ! لنتذكرالبابا بندكتس السادس عشر: “إن الكنيسة لا تنمو من خلال أنشطة ’الضم البغيض‘ بل بواقع الجذب والشهادة“. لا تنمو من خلال أنشطة التبشير، التي تقود دومًا إلى طريق مسدود، وإنما من خلال أسلوبنا في التعاطي مع يسوع ومع الآخرين.وبالتالي فالمشكلة ليست في أن يكون عددنا قليلًا وإنما في أن نكون غير جادين ونصبح ملحًا لا طعم للإنجيل فيه
أو نورًا لا ينير شيئًا أبدًا (را.متى ٥، ١㿟١٥
عدم الدقّة في الترجمة
ماذا قصد البابا فرنسيس بكلمة
؟ لم يقصد التبشير حتما prosolotysm
لا يقصد البابا فرنسيس في خطابه أمام الإكليروس المحلي بالمغرب، التبشير كعمل إرسالي.فكيف ينفي وصيّة السيد المسيح الأخيرة للرسل قبل صعوده إلى السماء؟
وكيف له نفي رسالة الكنيسة الجوهرية؟ بالتأكيد ليس هذا هو المقصود.حتى أن البابا فرنسيس خصص شهر تشرين أول ليكون شهرًا خاصًا ترفع فيه الصلوات من أجل المرسلين والإرساليات
ما لا يرغب به البابا هو النشاط الذي يهدف إلى استقطاب الآخرين واستمالتهم إلى المسيحية بوسائل منافية لحرية الإنسان في اختيار معتقده، أو نتيجة استغلال لأوضاع مادية أو نفسية أو اجتماعية…وبالتالي، يرغب قداسته في التأكيد على أن المسيحي هو مسيحيًا نتيجة لقاء حقيقي مع السيد المسيح، وليس ثمرة استقطاب أو استمالة أو اقتناص، تهدف فقط إلى زيادة الأعداد .
وبمعنى آخر، فرّق البابا فرنسيس أمام الإكليروس المحلي في المغرب بين “عرض الإيمان للآخرين“ من خلال الأعمال وشهادة الحياة، وبين “فرض الإيمان على الآخرين“.وبالتالي، فإن تصريحات البابا فرنسيس تأتي متوافقة مع تعليم الكنيسة الكاثوليكية الرسميّ وتعليم البابوات السابقين في هذا الشأن(البابا بندكتس السادس عشر والبابا القديس يوحنا بولس الثاني).
بدورها، قالت الزميلة هالة الحمصي في جريدة النهار اللبنانية :
"المسألة برمتها تتعلق بترجمة تعبير بابوي إلى العربية، والترجمة لم تصب المعنى كما يجب".
هاجم مستخدمون مسيحيون البابا فرنسيس على صفحاتهم وحساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية تعبير ورد في خطابه امام الكهنة والمكرسين والمجلس المسكوني للكنائس في كاتدرائية الرباط في ٣١ آذار ٢٠١٩، وتسببت ترجمته الى العربية بحملة تجن على الحبر الاعظم".
ولكن ما حصل هو ان التعبير الذي استخدمه في خطابه اسيئت ترجمته إلى العربية، في وقت لم تكن هي الحال في الإنجليزية والفرنسية…ما دعا اليه البابا فرنسيس هو “عدم الاقتناص"
)proselytism)
"وليس " عدم التبشير
كما نشر . (Evangelization)،
ماهو ال
(بالأيطالية) ـproselytism، أو proselitismo
ترجم“معجم الايمان المسيحي“للاب صبحي حموي اليسوعي (دار المشرق) إلى“نزعة دخيلية“. وفي الشرح، هذا التعبير يعني “مواقف أو وسائل تخالف الروح الإنجيلي، يحاول بعضهم أن يستميلوا بها الناس إلى جماعتهم، مستغلّين جهلهم أو فقرهم".
ويوضح المدير الوطني للاعمال الرسولية البابوية في لبنان الخوري روفايل زغيب لـ“النهار“ان“الترجمة
لتعبير "ألأقتناص " ، ومعناه يختلف كليّا عن التبشير proselytism او prosélytisme الأفضل
". Evangelization
ويتعمق في الشرح قائلا: “الاقتناص يعني العمل على استمالة الناس الى المسيحية باستغلال فقرهم وجهلهم لتغيير دينهم.وهذا ما ترفضه الكنيسة الكاثوليكية، على رأسها البابا، وتندد به وتعارضه.اما البشارة التي تدعو اليها الكنيسة، ويؤكدها البابا في رسالته “فرح الانجيل“، فهي عمل مجاني.
انها رسالة فرح لا يمكن المسيحي ان يحفظها لنفسه، بل عليه ان ينشرها مجانا، ولكن ليس من أجل اقتناص الاشخاص، بل من اجل مشاركتهم في فرحه.ولهذا السبب يتكلم البابا على الجذب والشهادة، وليس الذهاب للتبشير بالمسيح بطريقة اقتناصية. نعم، على المسيحي ان يتكلم على المسيح، ولكن ليس بالاقتناص "، بل بالجذب والشهادة".(8)
وهذا ما لمسناه في بعض الكنائس في اوربا عندما استغلوا اللاجئين ، باغراءات مادية او بمحاولات الضغط على الحكومات لمنح اللاجئين اقامة دائمية في هذه الدول، مقابل تحوّل اللاجئين الى الدين المسيحي بغض النضرعن ايمانهم او عدم ايمانهم بالمسيحية ، وهذا بالضبط ما يقصده البابا فرنسيس.
يقول البابا فرنسيس في احدى المناسبات:
"إنّ شموليّة الإنجيل(الخبر السار) ضمن لغة تصل إلى كلّ إنسان هي من المفاتيح الأساسيّة:" مع أنّني كتبت هذه الرسالة انطلاقاً من قناعاتي المسيحيّة التي تدعمني وتغذّيني، حاولت فعل ذلك بطريقة تسمح للتأمّل بالانفتاح على الحوار مع جميع أصحاب الإرادة الحسنة".
البابا ينطلق في كل خطواته بالرجوع الى الكتاب المقدس كمصدر ومنبع لكل قول او عمل يقوم به . بالأضافة الى التزامه بقرارات مجمع الفاتيكاني الثاني.
جاء في الدستور الرعائي في الكنيسة في عالم اليوم وهو نتائج مجمع الفاتيكاني الثاني الذي يركّز على حرية الدين والمعتقد حيث جاء نص بعنوان "عظمة الحرية" مايلي :
".. أن الإنسانَ يتجه نحو الخيرِ بملءِ حريته. هذه الحرية التي يعتبرُها معاصرونا إعتباراً عظيماً ويبحثون عنها بكل حماسٍ، وهم في ذلك على حق. ولكن غالباً ما يعززونها بطريقةٍ منحرفةٍ إذ يعتقدون أنها إستباحةٌ لكلِّ شيءٍ يجلب السرورحتى وإن كان شراً. غير أن الحريةَ الحقيقيةَ هي في الإنسانِ علامةً مميزة عن صورةِ الله فيه. لأن الله أرادَ أن "يتركه لمشورته الخاصة" حتى يتمكن بذاتِهِ من أن يبحث عن خالقِهِ، ويلتحقَ به بحريةٍ، ويبلغ هكذا إلى تمام سعادتِهِ الكاملة. إنَّ كرامةَ الإنسانِ تتطلَّبُ منه أن يتصرَّفَ إستناداً إلى إختيارٍ حرٍّ وواعٍ مدفوعاً بإقتناعٍ شخصيٍّ يُحدِّدُ موقفَهُ، لا تحت الدوافعِ الغريزية أو الضغط الخارجي" انتهى الأقتباس
في رسالة البابا فرنسيس بمناسبة الذكرى المئوية لإصدار الرسالة الرسولية "المهمة العظمى“ حول نشاط، عمل، كرازة المرسلين في العالم.
يقول البابا فرنسيس :
إنه يجيب على دعوة يسوع الدائمة:"اذهبوا الى العالم كلّه ،وإعلنوا البشارة الى الخلق أجمعين"مرقس 16 :15"
الكرازة هي النعمة الموهوبة للكنيسة ودعوتها الخاصة، وذاتيتها وهويتها
إنَّ الكنيسة التي ارسلها المسيح كي يظهر محبة الله وتوصّلها للخلق اجمعين وللشعوب كافة ، تُدرك أنّه ما يزال عليها القيام بعمل تبشيري ضخم "...يجب علينا ان لا نفقد التوق الى اعلان البشارة (التبشير)" الى اولئك الذين هم بعيدين عن المسيح ،لأن هذه هي المهمة الأولى للكنيسة ..والقضية التبشيرية يجب ان تكون الأولى.(9)
وكما يقول الأب بولس فغالي :
"كُل مسيحي مؤمن عليه ان يمتلئ من الأنجيل و يحمل الكلمة ويكون رسولا للمسيح ، وهذا يبدأ من قراءة الأنجيل يوميا ليشبع من محبة المسيح وعشقه حتى يشع المسيح في أعماله واقواله وحياته، لتكون شهادة للآخرين ...حضور المؤمن وشهادة حياته بين الجماعة بصمت وبتواضع ومحبة ، ليكون مثل الملح في الطعام ومثل سراج على الجبل ، اي نورا للآخرين ومثل الخميرة في العجين ، اي يترجم اقواله باعماله كما فعل المسيح ،ليكون فعالا في المجتمع الذي يعيش فيه ، بهذا يستطيع ان يكسب الآخرين ويغيّر حياتهم لينجذبوا الى المسيح " . هذا هو التبشير الحقيقي
-------------------------------------------------------------------------------------------
(1)
https://www.mobtada.com/details/1024799
(2)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712385
(3)
موقع مسبار
البابا فرنسيس لم يقبل يد زعيم الماسونية
(4)
https://www.facebook.com/bkhggjkjg/videos/356531688751407
(5)
بيان هام من الفاتيكان حول زواج المثلين.
https://www.youtube.com/watch?v=DkgtZUJVIrQ
(6)
موقع الميادين بابا الفاتيكان يرفض زواج المثليين ...لانبارك الخطيئة
(7)
RT موقع
الفاتيكان يوضح تصريحات البابا فرنسيس حول المثليين جنسيا : تم اخراجها من سياقها
(8)
البطريركية اللاتينيةفي القدس مقال بعنوان ماذا قصد البابا بكلمة
PROSOLOTYSM
(9)
http://www.october2019.va/content/dam/october2019/documenti/formazione/riflessioni-dal-mondo/approfondimenti-/Guida%20MMS%20AR.pdf
(10)
برنامج الكلمة سلسلة لقاءات الأب بولس فغالي على اليو تيوب

11
المسيح الثائر هو المحرِّر الحقيقي للأنسان من قيود العبودية
نافع البرواري
بعيدا في الخوض في سر الثالوث واللاهوت ، يمكن معرفة شخصية يسوع المسيح من خلال تعاليمه وأقواله وحياته على هذه الأرض . في الحقيقة تتوقّف حياة ألأنسان الروحية على معرفة شخص يسوع المسيح ، فها هو يوحنا المعمذان ، وهو أعظم ألأنبياء ، يشهد للمسيح فيقول : "من جاء من فوق ، فهو فوق الناس جميعا . ومن كان من ألأرض ، فهو أرضيٌ وبكلام أهل ألأرض يتكلَّم ....فمن أرسلهُ الله يتكلَّم بكلام الله ، لأنَّ الله يهب الروح بغير حساب " يوحنا 3 : 31 -34 " . حين بدأ المسيح خدمته على الأرض، وجمع حوله تلاميذه الاثنى عشر، وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله، ويشفوا المرضى، التفَّت الجماهير حوله وصارت تتبعه في كل مكان، وأحدث ذلك هزة أخافت رؤساء الكهنة والشعب والقادة. ويقول الكتاب المقدس ، إن المسيح عندما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة : من هو هذا ؟ وما تزال حتى اليوم المدن ترتج ... وما تزال العقول ترتج ... وما يزال العالم كله يرتج ويقول " من هو هذا ؟....من هو هذا ؟ . أمَّا هيرودس الملك أهتز عرشه عندما سمع أنّ جموع الناس تتبعهُ فخاف على سلتطه السياسية فقال : " يوحنا أنا قطعتُ رأسه فمن هو هذا ؟ "لوقا 9 : 9 "
لم يرد في التاريخ من يشبهه ... يدعى إسمهُ عجيباً مشيراً إلهاً قديراً .." إشعياء 9: 6 " . لم يكن له عبيد ولكنه سُميّ السيد ، وهو يحرِّر ألأنسان من الداخل حتى لوكان ذلك الأنسان عبدا في هذا العالم أو سجينا أو فقيرا أو منبوذا من المجتمع . لم يكن له جيوش ولكن أعدائه كانوا ولا يزالون يخافون منهُ ، ولم يكن له سلطة سياسية أو دينية ولكن الساسة ورجال الدين يهابونه ويرتعبون عند سماع اسمه لأنَّ " شريعة الحق كانت في فمه ولا جور في شفتيهِ " ملاخي 2 : 6 ". لم يكن له تاج ملكي ولكن الملوك سجدوا ولا زالوا يسجدون له . لم يكن له أراضي أو أملاك أو مال ، ولم يكن له موضع ليضع عليه رأسه ، ولكن ذاع أسمه في اقاصي الأرض المسكونة وبنيت آلاف الكنائس في العالم أجمع لتمجيد اسمه. لم يكن معروفا في العالم عندما ولد في قرية صغيرة نائية ولكن اليوم هواشهر انسان في الوجود وأصبح اسمه ممجدا في العالم كله فشهرته انتشرت في الآفاق ، وغزى قلوب الناس وأسَّرهُم بمحبّته . مات على خشبة الصليب كمجرم وملعون ، ولكن الملايين من المؤمنين باسمه يعلقون الصليب على صدورهم علامة ألأنتصار على الموت وافتخارا باسمه . لم يكن له ابناء أو بنات أو أخوة أو خوات بل كان وحيدا لأهله وأبيه ، ولكن اليوم جميع المؤمنين باسمه صاروا له أبناء وبنات وإخوة وأخوات " أما الذين قبلوه ، المؤمنون بإسمه ،فأعطاهم ُسلطانا أن يصيروا أبناء الله".يوحنا1: 12 "
لم يكن له شهادة دراسية ولكن دعي بالمعلم وكان يتكلم كمن له سلطان . لم يكن كاهنا أو عالم للشريعة ولكنه هو نفسه واضع الشريعة ومُعلمها . عاش في هذه ألأرض فقيرا مكتفيا بالخبز اليومي ، ولكنه يطعم الملايين بالخبز الحي النازل من السماء ويروي العطاشى الى الحياة ألأبدية . لم يكن له شهادة جامعية في الطب ، ولكنَّه لقِّبَ بالطبيب ألأعظم ، وكان ، ولا يزال ، يشفي المرضى ويقيم الموتى . لم يرتكب خطيئة واحدة في حياته ومع ذلك كان يُغفر للخاطئين ويطلقهم من عبودية الخطيئة ، وهو يقول لنا في كُلِّ حين " تعالوا إليَّ ياجميع المُتعبين والرّازخين تحتَ أثقالكُم وأنا أُريحُكم . إحملوا نيري وتعلَّموا منّي تجدوا الرّاحة لنُفوسِكم ، فانا وديعٌ متواضِعُ القلبِ ، ونيري هيِّن وحملي خفيف "متى :11 : 28 – 30 " . يسوع المسيح
حمل خطايا البشرية جمعاء على خشبة الصليب "حمل عاهاتنا وتحمَّلَ أوجاعانا ، حسبناهُ مصابا مضروبا من الله ومنكوبا ، وهو مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل خطايانا ، سلامُنا أعدَّه لنا ، وبجراحهِ شُفينا " اشعيا 53 : 4 – 5 ". فصرخة يسوع المسيح على خشبة الصليب ، وهو في قمة ألآلام ، هي صرخة كُلِّ متروك وصرخة كُلِّ المهمشين والمقهورين والمظلمومين والمشردين والمستعبدين سواء بقيود الخطيئة أو قيود السلاطين والحُكَام ، أو المستعبدين بقيود الشر وألأرواح النجسة . انَّ الظُلمة والزلازل وقيامة الكثيرين من الناس من القبور، عند ما سلَّم يسوع المسيح حياته الى أبيه السماوي ، هي رموز تُنذِر العالم أنَّ المسيح ابن الله جاء الى خاصته وخاصته لم تقبله ، وهي رمز لكل انسان لكي يقوم من النوم العميق (الموت) لينتقل الى الحياة الأبدية .
لم يدعو يسوع المسيح الى الثورة ولا الى قلب الأنظمة الدكتاتورية ولكنه دعى الى الثورة على الذات ، فتحرير ألأنسان يبدأ من الداخل ، لأنَّ الجراحات هي تأتي من الداخل وكل شر ينبع من القلب . وأعدَ لنا سلاما وبشّر بالسلام والمحبة والغفران "سلاما أترك لكم ، سلامي أُعطيكم ، لا كما يُعطيه العالم أُعطيكم أنا " يحنا 14 : 27 " . جاء للعالم بالسلام والبهجة والفرح ، فهو ينعش النفس ويهدينا سبيل الحقَّ وينشر العدل والبر والرحمة ، وهو شافي للقلوب وجاء" ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي اقدامنا في طريق السلام " لوقا 1 79 "
كلام يسوع المسيح هو كلام من له سلطة سماوية فبكلمة منه يستطيع أن يهب الحياة حتى للموتى إذ يقول" أنا القيامة والحياة .......لي سلطان أن أضع ذاتي ولي سلطان أن آخذها "، وقام من الموت في اليوم الثالث " ، ويقول " أنا نور العالم " وفتح عيون الملايين ليعرفوا من هو الله الحقيقي . كان يسوع يُدهش سامعيه بتعاليمه التي لم يستطع حتى ألأعداء ان يواجهوه نظرا لقوة الحق التي تحمُلها كلماته .
يسوع المسيح لم ياتي ليفرض قوانين السماء على الأرض بالقوة أو بالأكراه بل قال قوله المشهور " اعطو ما لقيصر لقيصر وما لله لله "متى 22 : 21 " فهنا أعطى يسوع الحرية الدينية والحرية السياسية ، فليس الناس على دين ملوكهم كما كان يحدث أيّام القرون الوسطى . فملكوت الله ، ليس مملكة تُنافس أو تُزاحم مملكة قيصر (السلطة السياسية) ، لأنَّ ملكوت الله من نظام آخر ويقف على مستوى آخر . المسيح لاياتي ليحلَّ محلَّ قيصر(الذي يمثل كلِّ سُلطات أرضية ) ويحقق مسيحانية سياسية ودينية (كما كان اليهود يعتقدون وكما يعتقد الكثيرون من الأحزاب ألأسلامية اليوم ) ، بل قد أتى ليؤسِّس ملكوت الله وهو الذي يقول " ليست مملكتي من هذا العالم" يوحنا 18 : 36 " . وهكذا أكَّد أنّ ملكوت الله لا يتداخل مع مملكة البشر.
يسوع المسيح هو طريق الثوابت . ثبات في المبادئ والقيم والمثل العليا ، وثبات في الحق والعدالة والمحبّة ، وألأمانة ، والصدق وألأخلاص والرحمة والحنان والتواضع ، والتماسك والوضوح والبساطة وبذل الذات ، وثبات في مجابهة كل المخاطر وألأهوال ، حتى دَفعَ أغلى ثمن في سبيل ألحفاظ على هذه الثوابت والقيم والمبادئ ، و كانت منهج حياته وتعليمه ، فلم يكن في تعليمه تناقض مع حياته ولا تعارض ، ولا أزدواجية بين التعليم والحياة ، وبين القول والعمل ، ومثال على ذلك عندما يقول "احبّوا أعدائكم .." فهو صلى على صالبيه وقال " يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يعرفون ماذا يفعلون " وكذلك عندما يتكلم عن المحبة فهو عاشها ومات مضحيا بحياته من أجل محبيه "هكذا أحبَّ الله العالم حتَّى وهب إبنهُ ألأوحد ، فلا يهلك كُلِّ من يؤمن به ، بل تكون له الحياة ألأبدية "يوحنا3 : 16 " . مبادئ المسيح لم تهزُّ يوما ما نتيجة الظروف أو الخوف أو ألتهديد أو اليأس أو نتيجة الشعور بالمرارة أو الغضب . طريق المسيح كان واضحا ونهج تعاليمه ومبادئه ثابة وبسيطة وفيها شفافية ، ففي حياته ، كما في تعليمه ، لانجد أيُّ غموض أو تعقيد بل وضوحا وبساطة ، ولم تكن هناك عقد أو مفاهيم غير واضحة للناس ، بل العكس كان كلامه لا لبس فيه ولا ضبابية بل يفهمه كل انسان أراد معرفة الحق ، وفي نفس الوقت عينه كان كلامه عميقا ومتجددا ويأسر القلوب . كان الطريق الذي انتهجه يسوع المسيح ايضا هو السهولة والصعوبة في آن واحد ، فهو سهل لأنّ المسيح يخاطب قلب ألأنسان ومشاعره وعقله وروحه ونفسه ، فهو كصديق واخ وحبيب وأب يخاطب محبيه بمحبة وحنان ويصف ذلك بقوله " ها أنا واقفٌ على الباب أقرعه فإن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب دخلتُ اليه وتعشيتُ معهُ وتعشّى هو معي" رؤيا 3 : 20 ". وطريق المسيح ضيِّق وصعب وشائك والقليلون يستطيعون السير فيه ، لأنَّ السير في طريق الحق هو كمن يسير عكس التيار .
يسوع المسيح قام بثورة ضد قوات الشر الروحية وكان سلاحه هو سلاح الكلمة فلم يكن له جيوش ولا أسلحة الدمار والهلاك ، بل جاء ليحرر ألأنسان من قيود قوات الشر الروحية"زكريا 12 : 3 – 4 " . فيسوع المسيح يحفظنا من الشر ويحطَّم كل اسهم ألأشرار وسيوف الغدر . إنَّ سلطان المسيح هو على السماء وعلى ألأرض وعلى كُلِّ المخلوقات ، وهو مع المؤمنين به الى انتهاء العالم "متى 28 : 18 – 20 " جاء الى هذه ألأرض ليقيم الجسور بين ألأنسان وخالقه ويصالح السماء مع ألأرض .
لقد حررنا يسوع المسيح من اعتى أعدائنا ألا وهو الموت , وأعطانا الحياة الأبدية " اين شوكتك ياموت واين غلبتُكِ ياهوية ؟ " ونقلنا من الظلمة الى النور ومن التعاسة الى السعادة ومن النجاسة الى الطهارة والقداسة ، ومن العبودية للشهوات الجسدية الى الحرية الروحية ومن الخوف الذي يجعل ألأنسان مرتعبا ومشلول ألأرادة ، الى السلام الذي يفوق الوصف . وهو الذي نقلنا من اليأس الى الرجاء والأمل ، ومن الفقر الروحي الى الغنى الروحي ، وفتح عيوننا لكي نبصر وآذاننا لكي نسمع ونصغي الى الحقائق الألهية ، وغيّر قلوبنا الحجرية الى قلوب تنبض بالمحبة والحياة ، وعلّمنا كيف نختار الطريق الذي يؤدي الى الكمال والتسامي والحياة الأبدية .
نعم يسوع المسيح علّمنا في هذه الحياة ماهي أولوياتنا وكيف نسير لبلوغ الهدف والحصول على أكليل الفوز في مملكة الله

"وما من أحدِ يَضَعُ خمرا جديدا في أوعيةِ جِلدٍ عتيقةٍ لئلاّ تنشقُّ ألأوعيةُ فَتَسيلَ الخمرُوتَتلَف ألأوعية ، بل توضعُ الخمرُ الجديدة في أوعية جديدةٍ ، فتسلمُ الخمرُ وألأوعيةُ"متى 9 : 17 " .
ثورة المسيح أحدثت صراع وحرب بين المفاهيم القديمة قبل مجيئ المسيح ومفاهيم جديدة بعد المسيح فتعاليمه تشبه الخمرالجديد الذي يوضع في القرب(الوعاع) الجديد ، فقد حرّرنا من قيود الشريعة , وأعطانا شريعة المحبّة وشريعة الروح ، هذه الشريعة الحيّة هي شريعة الحياة الجديدة في العهد الجديد " ..والله بكلامه على "عهد جديدٍ" جعل العهد الأول قديما ، وكُلِّ شيئٍ عَتَقَ وشاخَ يقترِب من الزوال"عبرانيين 8 : 13 ".
إنَّ شريعة الحلال والحرام والمسموح والمحظور غير موجودة بالنسبة الى ألأنسان البالغ ، الأنسان الروحاني الناضج ، لأنَّه تجاوزها ، فالشريعة ضرورية حتى مرحلة معيَّنة من نموُّنا، وينتهي زمنها عند من أستولى الروح القدس عليه"غلاطية 5 :16 -18 " . فحين يتكون الضمير(الذي هو قبس من الروح القدس) ، يصبح ألأنسان قادرا على الحكم بنفسه بين الخير والشر وفقا لما هو خير وما هو شر. فالممنوع لايأتيه من الخارج ، بل ينبعث من الداخل ، لايفرضه الله عليه بل يولد من تَطلُّبٍ داخليَ يقبلهُ بكُلِّ حريّة . فيسوع المسيح فتح ، للأنسان ، الذي يحييه الروح القدس ، آفاقا جديدة وحريّة لنعبد الله بالروح والحق "روميا 7 :6 " ولكننا ألآن تحرَّرنا من الشريعة ِ ، لأنّنا مُتنا عمّا كان يقيُّدنا ، حتى نعبدَ الله في نظام الرَوح الجديد ، لا نظام الحرف القديم " ، نعم "الحرف يَقتُل أمّا الروح يُحيي". يسوع المسيح يطلب من الأنسان أن يتخطّى الشرائع المكتوبة ليصبو ويتطلع الى ما هو أبعد منها ، فالوصايا العشرة ليست الاّ الحد ألأدنى ، انّها تُعبِّر ، وبطريقة فظَّة عن جزء صغير جدا من شريعة كياننا. فهل نحن نتبع يسوع المسيح الذي حرّرنا بسلطانهِ السماوي ، أم نتبع مئات القوانين والتشريعات التي وضعها الفريسيّون قبل الفي سنة ، ولا زال الكثيرون من رجال الدين يضيفون اليها المزيد في عصرنا الحاضر ؟.
المسيح أعطانا الشريعة ألأخلاقية ( نستطيع أن نسميّها شريعة الضمير)، وهي شريعة ديناميكية متغّيرة منفتحة للتقرب أكثر فاكثر نحو مصدر النور( يسوع المسيح) ، بينما الشريعة القديمة ،المكتوبة ، ساكنة ومنغلقة لا تعترف بالتغيير . فمثلا في العهد القديم و في العهد الجديد لم يكن هناك مفاهيم متبلورة عن مشكلة تلوث البيئة أومسألة الغنى الفاحش والظلم ألأجتماعي وتجارة المخدرات والتجارة بالأطفال والعلوم الحديثة التي تشجِّع البعض على اجراء تغييرات وراثية في جينات ألأنسان أو المخلوقات ، وهكذا مسالة ألأجهاض . بينما اليوم هذه أصبحت خطايا مميتة تشجبها الكنيسة الجامعة ، فليس كُلِّ شيئ مكتوب في الكتاب المقدس ، ولكن الرب يسوع المسيح أعطانا شريعة الروح ، لأنّ الروح القدس الذي يسكن في المؤمنين ، يرشدهم الى الحق ، وبه نستطيع أن نحكم على ما هو خير وما هو شر . وهكذا نستطيع أن نقول مع كاتب العبرانيين ، عن العهد الجديد :" هذا العهد هو الذي أُعاهدهم إيّاهُ في ألأيّام ألآتية ، يقول الرب :ساجعلُ شرائعي في قلوبهم وأكتبها في عقولهم " .
يسوع المسيح قلب مفاهيم هذا العالم ، الذي كان يؤمن بالعدالة في الفعل ورد الفعل المساوي له ، حتى في جرائم القتل ، لهذا يدعونا المسيح في عِظَّتهِ على الجبل ، الى البحث عمّا هو اعمق والسعي الى ماهو أسمى ، فهو جاء ليضع مفاهيم جديدة عن العدالة ليقول للمؤمنين بشريعة العين بالعين والسن بالسن (تلك الشريعة التي تحاول الحد من سفك دم ألأخوة في ألأنسانية ، ولكن هي شريعة لا تعالج لب وجذور المشكلة ألأنسانية ) أنَّ القتل هو من نتائج الغضب ، فحتى الغضب هو خطيئة يستحق من يغضب على أخيه ألأنسان المحاكمة "متى 5 :21، 22".
وهو الذي غيّر مفهوم العالم عن الطهارة والنجاسة ، فالطهارة تكون من الداخل وليس من الخارج ، اي طهارة القلب "مرقس 2 :23 –28
هكذا بالنسبة للزنى في مفهوم العهد القديم الذي كان ينص على أنَّهُ من الخطأ أن يمارس أحدٌ الجنس مع أيُّ شخص غيرُ شريك الحياة بينما جاء المسيح ليقول : حتى الشهوة الجنسية مع شخص آخر غير الشريك فهو زنى فكري ، وبذلك هو خطية ، فاذا كان الفعل خطية ، فالنية أيضا خطية ، وألأمانة مع شريك الحياة بالجسد ، ولكن ليس بالفكر ، أيضا هي خيانة للثقة الحيوية للزواج السليم "من نظر الى أمرأةٍ ليشتهيها ، زنى بها في قلبه "متى5 : 28
عندما يتمرّض الأنسان عليه أن يذهب الى الطبيب لكي يعالجه ، هكذا يسوع المسيح هو الطبيب ألأعظم ، كما هو الثائر ألأعظم ، يعالج جذورأمراضنا الجسدية والنفسية والروحية . فكما الطبيب الحكيم عندما يشخص الأنسان المريض عليه أن لا يعالج مرضه دون التفتيش عن أسباب وجذور هذا المرض فيسال المريض أسئلة عن الأمراض الوراثية للمريض التي أنتقلت من الأب او ألأم أو حتى الأجداد لكي يعرف جذور المرض ، هكذا سيسأل عن البيئة التي يعيش فيها المريض وعن ألأمراض التي عانى منها هذا المريض في مراحل حياته .....الخ ، عندها سيقوم هذا الطبيب الحكيم بمعالجة المرض بعد اطِّلاعه على جذور الأسباب التي أدت الى اصابة المريض بهذا المرض . وهذا عينه ما فعله ويفعله يسوع المسيح في حياة الناس فهو يقلع الخطيئة من جذورها فيعالج الخطيئة وليس نتائجها ، هذه الخطيئة التي تجذَّرت في الطبيعة الأنسانية عبر التاريخ وقادت الأنسان الى الموت الروحي.

فعندما يقول : " قيل لكم ...... أمّا أنا فأقول لكم" (هذه الجملة التي تختصر الموعظة على الجبل بطريقة جوهرية) ... لاتُقاوموا من يسيء أليكم ....أحبّوا أعدائكم ، وصلّوا لأجل الذين يضطَهدونكم .....فاذا أحسنت الى أحد ، فلا تُطَبِّل ولا تُزمِّر مثلما يعمل المراؤون في المجامع والشوارع حتى يمدحُهم الناس ....أمّأ أنت فاذا أحسنت الى أحد فلا تجعل شمالك تعرف ما تعمله يمينك ... ، فاذا صليّت فادخل غرفتك وأغلق بابها وصلِّ لأبيك....أغفروا يغفر لكم ....لا تُدينوا لكي لا تُدانوا....الحياة خيرٌ من الطعام والجسد خيرٌ من اللباس.....لا يَهمُّكم أمر الغد ، فالغد يهتم بنفسه ..كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السماوي كامل...الخ(راجع الموعظة على الجبل )( متى :5).
ثورة المسيح هي ثورة ضد التقاليد والعادات التي تجعل الأنسان يعيش في كهوف الماضي المتخلف وضد ألأستبداد والطبقية والعنصرية والأنانية . هي ثورة
ضد المفاهيم الخاطئة التي كانت تقيّم الأنسان على اساس الغنى والمقام الرفيع والمعرفة والعلم والفكر المتعالي . بينما المسيح جعل الكل سواسية لا فرق بين أُميّ ومتعلم ولا فرق بين فيلسوف وجاهل ولا فرق بين ملك وجندي أو بين سيد وعبد فالكل سواسية في مملكة المسيح . جاء المسيح ليوقض البشرية من سباتها الطويل عبر آلاف السنين ، ليعطي قيمة حقيقية للأنسان كونه صورة الله على هذه ألأرض وله سلطة من الخالق ليكون سيد هذا الأرض لا بل أعطى المسيح قيمة للأنسان لا يصدقه العقل ولم تسمع به اذن ولم تراه عين ، عندما وعد البشرية بارض جديدة وحياة جديدة فيها يغمرنا بحبه وحنانه لنكون إخوته في مملكة أبيه السماوي التي لا تنتهي حيث لا يوجد فيها الم ولا بكاء ولا ظلام ولا ظُلم . فيسوع المسيح أعطانا نعمة لا نستحقها وأعطانا حياته لكي نتشبه به في حياتنا ويكون قدوة لنا بل مثالا نحتذي به لنستطيع أن نسمو الى العلى والى الأنفتاح على الكون لأنّه هو مركز هذا الكون وهو يدعونا الى وليمته الأبدية . ثورة المسيح لا تنتهي في زمان او مكان فهي ثورة مستمرة طالما الأنسان يشدو الى الكمال الى المجد الى السعادة الى السلام الى الأبدية . ثورة المسيح هي ثورة متجددة تسعى الى الجمال الذي لا يزول والى الديمومة والأستمرارية في التغيير نحو الحياة ألأفضل . "ثورة المسيح كما قال جبران خليل جبران:"هي عاصفة جاءت تزعزع كُلِّ شيئ لترده الى أُسُسِه ألأصلية".
يقول جبران خليل جبران في كتابه "يسوع ابن ألأنسان" :
الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضعفاء مصلوباً كالمجرمين فتبكيه وترثيه وتندبه وهذا كلّ ما تفعله لتكريمه.
منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّاً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة.
ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً ولم يمت شاكياً متوجّعاً بل عاش ثائراً وصُلِبَ متمرّداً ومات جبّاراً.
لم يكن يسوع طائراً مكسورَ الجناحين بل كان عاصفةً هوجاء تكسر بهبوبها جميعَ الاجنحةَ المعوجةَ.
لم يجئ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحريّة.
لم يخف يسوع مضطهديه ولم يخشَ اعداءَه ولم يتوجّع أمام قاتليه بل كان حُرّاً على رؤوس الأشهاد جريئاً أمام الظلمِ والاستبدادِ، يرى البثور الكريهة فيبضعها، ويسمع الشرّ متكلّماً فيخرسه، ويلتقي الرياء فيصرعه.
لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الاديرة والصوامع، ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوساً ورهباناً، بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحاً جديدة قويّة تقوّض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم وتهدم القصور المتعالية فوق القبور وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين.
لم يجئ يسوع ليعلّم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعلَ قلبَ الإنسانِ هيكلاً ونفسَه مذبحاً وعقلَه كاهناً.
هذا ما صنعه يسوع الناصري وهذه هي المبادئ التي صُلب لأجلها مختاراً، ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهلّلين منشدين أهازيج الغلبة والانتصار.
وأنت أيّها الجبّار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبديّة، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألفِ ملكٍ على ألفِ عرشٍ في الفِ مملكةٍ. بل انت بين النزع والموت أشدّ هولاً وبطشاً من ألفِ قائدٍ في ألفِ جيشٍ في الفِ معركةٍ.
كان يسوع المسيح إنسانا حرا متمردا على التقاليد الدينية والاجتماعية، يعشق الفرح ويحمل إلى الناس رسالة الغفران والمحبة والجمال .
يسوع المسيح أخلى ذاته صائرا بشرا مثلنا وعاش بيننا وتالّم معنا وقاس معنا ظلم العالم الذي يعيش في وحل الخطيئة وذاق مرارة كأس الموت مصلوبا من أجل البشرية ليكون نموذجا ومثالا حقيقيا للقائد الثائر مضحيا بنفسه من أجل أن يفتح لنا الطريق الذي يقودنا الى ألأنتصار على الموت ، وليحررنا ويطلق سراحنا من عبودية الشهوات والغرائز التي أستعبدتنا وجعلتنا عبيدا للخطيئة . لتكون للأنسان الحياة الأفضل بعد تحريرنا من قيود الخطيئة وسحقه للروح الشريرة وأنتصاره على الموت بالقيامة التي هي محور ألأيمان في المسيحية.


12
عزيزي وردا
المقال رائع وفي الصميم حيث نحن في القرن الواحد والعشرين وبسبب الحرية الخارجة من حدود المسؤولية  في الدول الغربية وخاصة في امريكا طهرت المثلية بصورة علنية بتشريعات قاونونية من هذه الدول
إتهام ، البعض ، لقداسة البابا فرنسيس أنّه سمح  بالزواج المدني للمِثليين 

اوردت العناوين الرئيسية العالمية ان البابا فرنسيس يؤيد الزيجات المدنية للمثليين ..

وللأسف  طبّل وزمّر الكثيرون من الأخوة على منابر القنواة الفضائية والأعلامية انّ قداسة البابا الحالي قد سمح بالزواج المدني للمثليين ،وذلك  بتحريفهم وتلاعبهم بكلمات التي نطق بها قداسته عن موضوع المثليين جنسيا  وشكرا لك لانك اوضحت ما قاله البابا بخصوص المثليين
مع شكري وتقديري


13

اتهام وقرار غير مسبوق بحق غبطة الكاردينال البطريرك -لويس روفائيل ساكو- بطريرك الكلدان في العراق والعالم

نافع شابو


مقدمة
انَّ غبطة الكاردينال البطريرك لويس ساكوا الذي اختير لكي يكون على رأس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم ، في زمن لا يمكن ان يوصف الا بكونه من أصعب الأوقات واكثرها اضطهادا لمسيحي العراق خاصة والشرق الأوسط عامة ، حيث واجه هذا البطريرك تحديات وصعوبات على مستوى داخل الكنيسة وخارجها لم يواجها اي بطريرك سابق منذ القرون الأولى للمسيحية الى يومنا هذا،عدى زمن الأضطهاد الكبير في عهد الملك شابور الثاني ( 339 -379 ) م والذي راح ضحية تلك الحقبة التاريخية مئات الالاف من شهداء شعبنا المسيحي بسبب الاضطهادات التي قام بها هذا الملك وبعض الملوك الآخرين .
ان كنيستنا اليوم تمر في ظروف قد تبدو اقل اضطهادا ووحشية من زمن الشهداء في عصر الشهيد البطريرك مار" شمعون برصباعي" ،هذا ما يبدو للكثيرين من المؤمنين , ولكن في الحقيقة هناك ما هو اخطر من ما حدث عبر تاريخ الكنيسة يحدث اليوم ،في عصر غبطة الكاردينال البطريرك لويس ساكو،الا وهو الحرب الخفيّة والناعمة التي هدفها الرئيسي القضاء التام على تواجد المسيحيين في المنطقة. وهذه الحرب تعتبر بمثابة إبادة جماعية حسب مفهوم الأبادة الجماعية(*).
..(راجع مقال للكاتب كما في الموقع التالي)
https://www.ishtartv.com/viewarticle,59122.html
من هو البطريرك لويس روفائيل ساكو
مار لويس روفائيل الأول ساكو (بالسريانية: ܠܘܝܣ ܪܘܦܐܝܠ ܩܕܡܝܐ ܣܟܘ)‏ (ولد 4 تموز 1948) هو بطريرك للكلدان الكاثوليك منذ شباط 2013م.
ولد في مدينة زاخو في 1948م، وسيم كاهنا في أبرشية الموصل الكلدانية في عام 1974م. حصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة البابوية في روما عام 1983م، وماجستير في الفقه الإسلامي سنة 1984م، كما حاز لاحقا على شهادة دكتوراه من جامعة السوربورن في المانيا سنة 1986. عُيّن رئيسا لدير "شمعون الصفى " في بغداد- الدورة وفي نفس الوقت أستاذا في كليّة بابل للفلسفة واللاهوت في عهد المرحوم "يوسف حبي" مدير كلية بابل للفلسفة واللاهوت ، في تسعينيات القرن الماضي. انتخب مطرانا على أبرشية كركوك في عام 2002م، وسيم على هذا المنصب العام التالي. وتم انتخابه بطريركا على الكنيسة الكلدانية في سينودس الكنيسة بروما خلفا للبطريرك المستقيل عمانوئيل الثالث دلي في 1 شباط 2013م. و تم تعيينه عضوًا في المجلس الاقتصادي الفاتيكاني في 4 يناير 2022. وعضو في مجمع التربية الكاثوليكية الفاتيكانية .
وحازغبطة البطريرك لويس ساكو على عدة أوسمة وتشريفات منها وسام الدفاع عن الايمان من إيطاليا، ووسام "باكس كريستي" الدولية ووسام القديس "إسطيفان"عن حقوق الإنسان من ألمانيا. كما ألف ونشر ما يزيد عن 200 مقال و20 كتاب في مجالات اللاهوت والدين. (1)
يذكر أن بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، منح يوم 28 حزيران 2018، رتبة الكاردينالية للبطريرك لويس روفائيل ساكو، و13 مرشحاً آخر للمنصب، وبهذا الخصوص صرح ساكو لإذاعة الفاتيكان بأنه "سيظل أباً وراعياً للناس".(2)
الكاردينال البطريرك لويس ساكو عضو في مجمع الفاتيكاني العالمي أي له الحق في انتخاب بابا الفاتيكان في روما، ويمكنه ان يترشح ليكون بابا روما . هو مستشار لأربعة وزارات في دولة الفاتيكان . ودولة الفاتيكان هي الرئاسة الدينية للكاثوليك حول العالم، وهي أيضا دولة لها سفراء ووزراء. يشرف على اوقاف تتمثل في 1500 كنيسة ودير ومؤسسة ومدرسة حول العالم. بالأضافة الى الأراضي والبيوت التي تمتلكها الكنيسة، 85% منها موجودة في العراق و25% خارج العراق( وهذا هو السبب الأساسي فيما قام به الحشد الشعبي ومن وراءه ضد البطريرك كما سنوضح ذلك لاحقا).(3)
في مؤتمر صحفي عقده غبطة الكاردينال البطريرك لويس روفائيل ساكو، السبت (6 أيار 2023) لغرض شرح أسباب الهجمة التي شنت عليه وعلى الكنيسة الكلدانية. ذكر غبطته ان الاتهامات التي وجهها له الأمين العام لحركة بابليون "ريان الكلداني" غير صحيحة.
يشار الى ان الأمين العام لحركة بابليون ريان الكلداني، صرح في وقت سابق ان "الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو خاض معارك انتخابية وباع واشترى بالسياسة على حساب القرار والأمن والمستقبل المسيحي في العراق فضلاً عن اتهامه ببيع ممتلكات عائدة للكنيسة".
و في هذا المؤتمر الصحفي قال البطريرك : بعد عملية تحرير الموصل صدرت عن الكلداني سلوك "غريبة وعجيبة" وتصريحات "طائفية كادت ان تخلق الفتنة في نينوى"، منوهاً الى انه "لا يمثلنا، وتصرفاته تتقاطع مع المسيحية".
وفي سابقة خطيرة مجلس القضاء العراقي يوجه تهمة باطلة الى غبطة البطريرك بتاريخ 13 -7 2023 ويبلغه بالحضور خلال 48 ساعة والتهمة بخصوص جريمة (القذف).
وبحسّب وثيقة صادرة عن “محكمة استئناف بغداد”، فإن: “قرار استقدام ساكو، هو (تكليف بالحضور)؛ خلال مدة أقصاها 48 ساعة من تاريخ التبليغ، بناءً على شكوى من ريان سالم”(ريان الكلداني رئيس ميليشيات بابليون ). ووفق الوثيقة، ما لم يحضر “ساكو” إلى المحكمة، سيتم إصدار أمر قبض بحقه وفق القانون. ويمثل الاستدعاء لشخصية مسيحية عرفت باعتدالها على مستوى العراق والعالم، الانهيار الذي انحدر إليه القضاء في العراق وخضوعه لسطوة الميليشيات وزعمائها المدانين بعمليات القتل والسرقة المكشوفة.ويعكس مجلس القضاء الأعلى صورة مشوهة للقضاء العراقي لم يمر بها منذ تأسيس الدولة العراقية، حيث قام بتفسير القرارات وفق مصالح أصحاب النفوذ في الأحزاب الحاكمة.وفي سابقة خطيرة مجلس القضاء العراقي يوجه تهمة باطلة الى غبطة البطريرك بتاريخ 13 -7 2023 ويبلغه بالحضور خلال 48 ساعة والتهمة بخصوص جريمة (القذف). ووفق الوثيقة، ما لم يحضر ساكو إلى المحكمة، سيتم إصدار أمر قبض بحقه وفق القانون.(4)(انتهى الأقتباس)
كشفت أمر الاستدعاء القضائي لبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق والعالم لويس روفائيل ساكو، خضوع القضاء لسطوة الميليشيات بعد أن مهد لذلك مرسوم أصدره الرئيس الحالي عبد اللطيف رشيد بسحب المرسوم الجمهوري الخاص بالبطريرك ساكو بتاريخ 3 يوليو 2023 والذي سحب بموجبه قرار تعيين غبطة أبينا الكاردينال البطريرك لويس ساكو بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 147 لعام 2013 الذي يمنح صلاحيات قانونية للبطريرك بإدارة أوقاف الكنيسة الكلدانية، والذي كان قد صدر سنة 2013 من قبل الرئيس الراحل جلال الطالباني، بحجة عدم استناده للدستور العراقي.
انه تصعيد خطير وتدخل سافر بإدارة الكنيسة الكلدانية في العراق واستهدافها من قبل السلطات الحكومية وميليشياتها. لقد فاجأ "رئيس الجمهورية " الحالي مسيحيي العراق والعالم بإصدار هكذا قرار. انه قرار مجحف، ليس ضد شخص البطريرك ساكو، المعروف داخلياً وخارجياً بمواقفه الوطنية ونزاهته، وإنما ضد المقام البطريركي العريق في العراق والعالم (حيث يُمثّل أحد رؤساء الكنيسة المشرقية عبر التاريخ ،والذي كانت كنيسة "كوخي" قرب بغداد حاليا ،بمثابة فاتيكان روما بالنسبة لمسيحي الشرق عبر التاريخ ) بل هو قرار سياسي له تبعات خطيرة على مستقبل المسيحيين في العراق ، واعتداء على حقوقهم وممتلكاتهم ومقدساتهم التي ستصبح رهينة بيد الحكومات المتعاقبة.
يقول مجدي خليل ناشط حقوق إنسان ومحلل سياسي مصري
"قرار 2013 هو كاشف للمنصب وليس منشأُ له . المنصب البطريركي هو باختيار المطارنة وقبول الشعب المسيحي لهذا الأختيار ثم البابا (هنا بابا الفاتيكان ) يصدّق على هذا الاختيار لانّ بطريرك الكنيسة الكلدانية يمثل جزء من الكنيسة الكاثوليكية العالمية. هذه هي الشرعية الدينية.
هذه المراسيم (الرئاسية)، من الناحية الدينية، معدومة القيمة. اي انّ البطريرك اكتسب شرعيته بانتخابه من المطارنة(20 مطران يتبعونه) وقبول الشعب المسيحي لهذا الاختيار . هذه المراسيم بسحب الاعتراف هي إهانة للأقلية المسيحية واعتداء على الحرية الدينة والحقوق الدينية في العبادة، هي نوع من فرض السطوة والاعتداء على الأقلية المسيحية في العراق. هي عمليا الغاء الحقوق الدينية للمسيحيين في العبادة واختيار البطريرك الذي يمثلها، وتصوير منصب البطريرك في العراق على انه شاغر (ليتم تعيين بدله ما يناسب الميليشيات التي تتحكم بامور الدولة العراقية). منصب البطريرك لا يمكن حتى بقرار رئاسي الغائه. القرار أيضا هو سوء استخدام للسلطة لمنع المواطنين من ممارسة حقوقهم في المواطنة بقوة السلطة القهرية الغير الشرعية، لأنه تدخل في شؤون الكنيسة.
وكما جاء في بيان البطريرك الكلدانية: “هذا قرار غير مسبوق في تاريخ العراق منذ الدولة العباسية ". وبالطبع رفضت البطريركية الكلدانية هذا المرسوم الجمهوري شكلا ومضمونا، جملة وتفصيلا هذه المراسيم اعتداء واضطهاد للمسيحيين هي موجهة ضد كل مسيحي العراق . وما حدث للبابا شنودة في عهد السادات سنة 1981 هو نفسه حرفيا ما حدث للبطريك لويس ساكو وهو موجه لكل مسيحيي الشرق الأوسط. وما حدث لغبطة البطريرك لويس روفائيل ساكو هو موجه ضد الكنيسة الكاثوليكية عالميا، حيث لها أكبر مرجعية على مستوى العالم كلّه. (5)
وفي ما يلي نص رسالة غبطة الكاردينال البطريرك لويس ساكو، وهي رسالة مفتوحة معنونة الى رئيس الجمهورية والى رئيس مجلس الوزراء والى الشعب المسيحي والعراقي بتاريخ 10 تموز 2023 .
نص الرسالة :
" امام حملتي كتائب بابليون المتعمدة والمهينة لي والكل يعلم نزاهتي ووطنيتي، وللمكون المسيحي الذي عانى الكثير، وغياب أي قوة رادعة لهم، وصمت الحكومة واقدام رئيس الجمهورية على سحب المرسوم الجمهوري عني، وهي سابقة لم تحصل في تاريخ العراق، قررت الانسحاب من المقر البطريركي ببغداد، والتوجه من إسطنبول (حيث اني موجود لمهمة كنسية)، الى أحد الأديرة في إقليم كردستان العراق. كل هذه الأحداث الثقيلة والمصيرية والتي لا تعرف بعد نهايتها ولا مالها واستقدامي الى المحكمة مستمر. وبصفة المتهم في حين المسيء معروف وهو حر طليق ومحمي.
واضاف في رسالته: هذا القرار اتخذته ليحقق حامي الدستور وحافظ النسيج العراقي الجميل (قصده رئيس الجمهورية) رغبة "بابليون بإصدار مرسوم تعيين "ريان سالم دودا" (بابليون) متولياً على أوقاف الكنيسة، وشقيقه أسوان نائبا له، وشقيقه سرمد مسؤولا للمال، وشقيقه اسامة مسؤول الحماية اذا (وافق) بسبب تضخم أمواله من اتاوات بلدات سهل نينوى وبيوت المسيحيين في تلكيف، والوزيرة المسيحية التي تحمل الصليب فوق ثوبها ،امينا عاما للبطريركية وصهره نوفل بهاء رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى، وتكتمل اللعبة القذرة.
وأضاف ليقول:
"من المؤسف اننا في العراق نعيش وسط شبكة واسعة من المصالح الذاتية والفئوية الضيقة، والنفاق انتجت فوضى سياسية ووطنية واخلاقية غير مسبوقة، والتي تتجذر أكثر فأكثر.
وختم رسالته قائلا: ليكن الله في عون المسيحيين والعراقيين الذين لا حول لهم ولا قوة. ادعو المسيحيين الى البقاء على إيمانهم الذي هو لهم تعزية وقوة ونور وحياة، وعلى هويتهم الوطنية إلى أن تعبر العاصفة بعون الرب".(6)(انتهى الأقتباس)
انها رسالة تكشف كُل المستور عما يجري في العراق في زمن الميليشيات التي تقودها ايران والتي تتحكم على مؤسسات الدولة والحكومة الحالية وعلى مصير الشعب العراقي عامة والمسيحيين خاصة. هذا بالإضافة الى ان الرسالة تكشف حجم الجرائم والأعمال غير الأخلاقية والفساد المستشري في مؤسسات الدولة الذي وصل الى السلطة القضائية. كما ان هذه الرسالة تكشف معاناة المسيحيين وهجرتهم بسبب استيلاء الميليشيات على أراضيهم في سهل نينوى لابل حتى في المحافظات العراقية .
وقد أصدرت هيئة علماء المسلمين البيان التالي:
...المتعارف عليه وفق سياقات حرية الأديان أنّ البطريرك تختاره الكنائس بمحض ارادتها وتقوم الرئاسات في الدول المعنية بالمصادقة على هذا الاختيار ... وقد جاء هذا القرار(قرار رئيس الجمهورية) بعد الخلافات بين البطريرك من جهة ( وريان الكلداني ) زعيم ميليشيا بابليون "المسيحي" المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في مناطق سهل نينوى، وهي احدى الميليشيات المنضوية في الحشد الشعبي ، والمتهمة من قبل البطريرك والطائفة المسيحية في العراق بسرقة أملاك المسيحيين وتشريدهم ...واننا في هيئة علماء المسلمين إذ نرفض هذا القرار غير المسؤول من رئيس الجمهورية الحالي وتدخله السافر، فإننا ندعوه هو وغيره ممن تسلط على رقاب العراقيين ان يكفوا عن تدخلهم في الشؤون الداخلية للأديان ، وتسييسها لمصالح أشخاص وجهات يعرف القاضي والداني مشاريعها الخطيرة والمضرة بالعراق وشعبه . والتوجه لمعالجة المشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد من الفساد المستشري وانهيار البنية التحتية وارتكاب المجازر بحق العراقيين، وتشريد المواطنين وانتشار الفوضى وسرقة ثروات العراقيين والتلاعب بالقوانين وتسييسها لصالح دول عدوة للعراق وشعبه "(6).انتهى الاقتباس "
وقد صدر بيان مهم من مكتب إعلام البطريركية فيما يلي نصه :
"من المؤسف ان تقوم كتائب بابليون التابعة للحشد الشعبي بتزوير التصريحات بعد الحملة الكبيرة والمستمرة من الداخل والخارج وعلى كافة المستويات، للتضامن مع الكاردينال ساكو. قامت كتائب بابليون بحملة تشويه دنيئة لسمعة الكاردينال ساكو وكشفها العالم واستنكرها مسيحيون ومسلمون وعبَّروا عن تضامنهم مع الكنيسة الكلدانية ورأسها.
ومن بين أكاذيبهم أن البطريرك يشجّع المثلية في حين أصدر عدة بيانات عن موقف الكنيسة. هذا ديدنهم. لكن الباطل يقع عاجلاً أم آجلاً.
البطريرك لم يهرب الى تركيا وإنما جاء لتنصيب مطران كلداني على تركيا ثم لجوئه الى إقليم كردستان جاء احتجاجا على شكاوى بابليون المتكررة واستقدام نيافته الى الشرطة والضغط على رئيس الجمهورية وكأنه قرر الوقوف باطلا الى جانبهم. البطريرك بكل شجاعة وثقة بالنفس ذهب الى المحكمة ببغداد وفنَّد ادعاءات ريان وايفان واسوان ودريد وهِبة أي فريق بابليون الذي يريد الاستحواذ على مقدرات المسيحيين وأملاكهم ودفعهم الى الهجرة. هؤلاء يشوّهون صورة وطنهم وعلى الحكومة ان تعرف كيف تتعامل مع الكنيسة والمسيحيين، صمتها صادم!"(انتهى الأقتباس).
اما بخصوص قرار رئيس الجمهورية يعلق البطريرك لويس ساكو على القرار فيقول في حديثه الخاص لرووداو، يوم الثلاثاء، (11 تموز 2023)حيث عبر نيافة الكاردينال مار لويس ساكو عن استغرابه لإصدار رئيس الجمهورية هذا المرسوم، وقال: "هذا شيء غريب كثيراً.. فخامة الرئيس كان كبير مستشاري مام جلال، رئيس الجمهورية الأسبق جلال طالباني، عندما أصدر هذا المرسوم الذي سحبه بنفسه اليوم"، موضحاً ان "هذا المرسوم مجرد عرف معنوي وقديم جداً منذ العصر العباسي والعثمانيين مرورا بالعدين الملكي والجمهوري في العراق، حيث كان يصدر فرمان من السلطان العثماني او مرسوم ملكي او جمهوري فيما بعد، وهو إجراء تقليدي معنوي فأنا ليس موظفاً عند رئيس الجمهورية"، مضيفاً "هذا العرف، وأعني المرسوم الجمهوري او الملكي، معمول به في سوريا ولبنان والأردن ومصر".
ونبه الكاردينال لويس ساكو قائلا: "انا عندي مرسوم من بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، وانا أكبر شخصية دينية مسيحية تمثل الكلدان في العالم وليس في العراق أو الشرق الأوسط فحسب وليس رئيس كنيسة الكلدان الكاثوليك في العالم فقط، بل انا كاردينال أهم شخصية دينية بعد البابا ويحق لي الترشيح على الكرسي البابوي وخوض الانتخابات لمنصب البابا.. انا كاردينال كل الكلدان في العالم، على الأقل كان على فخامة رئيس الجمهورية احترام مرسوم البابا" انتهى الأقتباس).(7)
تابعونا في في المقالات التالية عن تبعات قرار رئيس الجمهورية العراقية والذي سحب قرار تعيين غبطة أبينا الكاردينال البطريرك لويس ساكو بموجب المرسوم الجمهوري المرقم 147 لعام 2013
المصادر
(1)
راجع ويكيبيديا كما في الموقع التالي
https://ar.wikipedia.org/wiki
(2)
راجع الموقع التالي
https://www.rudawarabia.net/arabic/kurdistan/300620182
(3)
ماذا حدث للبطريرك العراقى لويس روفائيل ساكو؟ولماذا؟ - YouTube

https://www.youtube.com/watch?v=C_nIK1cFvqY
(4)
راجع الموقع التالي
https://aliraqnews.com/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%8A-%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%AF%D8%A7/
(5) المصدر (3) أعلاه
(6) رسالة غبطة البطريرك لويس ساكو الى رئيس الجمهورية
https://www.zowaa.org/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D9%83-%D8%B3%D8%A7%D9%83%D9%88-%D9%8A%D8%A8%D8%B9%D8%AB-%D8%A8%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%81%D8%AA%D9%88%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%81/
(7)
https://www.rudawarabia.net/arabic/middleeast/iraq/110720239
(*)
الإبادة الجماعية] تعني ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:
(أ) قتل أعضاء الجماعة.
(ب) إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
(ج) إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليًا أو جزئيًا.
(د) فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.
(هـ) نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى.

http://www.ushmm.org/wlc/ar/article....uleId=10007043

14
كتاب -القضية....الخالق - أدلة علمية على وجود الله

نافع شابو

المقدمة
"لي ستروبل " صحفي امريكي مشهور كان ملحدا ولكنه بحث عن الحقيقة -حقيقة وجود خالق للكون- من خلال ادلة علمية تؤيد هذه الحقية ، وقام بجهود مضنية في لقاءاته مع العلماء في مختلف الأختصاصات العلمية ، واستغرق ذلك سنوات طويلة ، ليؤلف بعد ذلك كتابه " القضيّة ... الخالق" . وفي كتابه "القضية ... المسيح " يقول لي ستروبل : "أستعدتُ وتوسّعت في رحلتي الخاصة من ألألحاد الى المسيحية بين 1980- 1981 بمحاورة 13 خبيرا بارزا حول البرهان التاريخي ليسوع المسيح . أمّا كتابه الثالث هو " القضية ..الأيمان " وفيه يرد على كُلّ التساؤلات للمتشككين والملحدين عن حقيقة وجود الله الخالق . هذه الكتب الثلاثة منشورة على الأنترنت ويمكن لكل متابع قراءتها .
يقول في كتابه " القضيّة ... الخالق " عن موضوع "شكوك حول الداروينية ":
كان هناك مائة عالم منهم علماء احياء ، وعلماء كيمياء، وعلماء حيوان، وعلماء طبيعة ، وعلماء علم ألأنسان ، وعلماء أحياء جزيئية وخلوية ، وعلماء هندسة حيوية ، وعلماء كيمياء عضوية ، وعلماء جيولوجيا ، وعلماء فيزياء فلكية ، وغيرهم . وقد حصلوا على درجات الدكتوراه من جامعات مرموقة مثل كمبرج ، وستانفورد ، وكورنل ، وييل ، وروتجرز ، وتمبل ، وبيركلي.
كان من ضمنهم أساتذة من كلية ييل ، ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا ، وتولين ، ورايز ، وايموري ، وجورج ماسون ، ولاهاي ، وجامعات كاليفورنيا ، وواشنطن ، وتكساس وفلوريدا ، وكارولينا الشمالية ، وويسكونسن ، واوهايو ، وكولورادو ، ونبراسكا ، وميسوري ، وأيوا ، وجورجيا ، ونيو مكسيكو ، ويوتا ، وبنسلفانيا ، وغيرها.
وقد أرادوا ان يعلم العالم شيئا واحدا:أنّهم متشككين.
بعدما أكد المتحدثون الرسميون عن الحلقات التلفزيونية عن " التطور" ، أنّ "كل الدلائل العلمية المعروفة تؤيد [الداروينية] ، كما يؤيدها كل عالم محترم في العالم" نشر هؤلاء الأساتذة ، وباحثو المعامل ، وعلماء آخرون إعلانا من صفحتين في مجلة قومية تحت شعار " إنشقاق علمي حول الداروينية ".
كانت حجّتهم مباشرة وجريئة . قالوا "نحن نشك في إدّعاءات القدرة على التحول العشوائي وأختيار الطبيعي كسبب لتعقُّد الحياة .ويجب تشجيع إجراء فحص دقيق للأدلة المؤيدة للداروينية "
لم يكن هؤلاء العلماء اصوليين ضيقي الأفق ، أو متشددين دينيين ثائرين ، بل علماء عالميين محترمين مثل "هنري شافر" الذي رُشّح لجائزة نوبل ، وثالث اشهر كيميائي على مستوى العالم "جيمس تور" من مركز جامعة رايز لعلم Nanoscale والتكنولوجيا ،و"فريد فيجوورث" أستاذ علم وظائف ألأعضاء الجزيئية والخلوية في جامعة ييل .
ورغم شبح ألأضطهاد المهني ، إلّا إنّهم طرقوا جميعا الرأي الغير لائق إجتماعيا بأنّ إمبراطور نظرية التطور عاري !!!.
ويتسائل " لي ستروبل في مقدمة كتابة فيقول :
-هل مقدّر لكل من العلم والأيمان أن يظلّا في حرب دائمة ؟
-هل ألأنسان ذي التفكير العلمي يجب أن يتجنّب المعتقدات الدينية ؟ أم هناك أساسا طريقة مختلفة لرؤية العلاقة بين ماهو روحي وما هو علمي ؟
-هل الأدلة العلمية ألأخيرة تميل لتأييد أم معارضة وجود الله ؟
-هل ما زالت صور التطور تلك التي دفعتني للألحاد صالحة في ضوء أحدث ألأكتشافات العلمية ؟
يضيف فيقول : دفعني كُلّ هذا لان أطرح سؤالا جديدا :
-هل الكم الأعمق والأثري من البحث العلمي المعاصر يعارض ام يؤيد النتائج التي توصلت اليها منذُ عدّة سنوات ؟
والسؤال بطريقة أخرى : الى أين يشير سهم العلم الحديث : نحو داروين أم نحو الله ؟
قال "لينوس باولنج " الحاصل على جائزة نوبل مرتين : "العلم هو البحث عن الحقيقة"
وهذا ما قررت عمله : رحلة استكشافية جديدة وتجدد البحث الأصلي الذي قمت به في مجال العلم منذ عقدين من الزمن وذلك باستجواب قيادات في فروع علمية عديدة حول أحدث المكتشفات في ابحاثهم .. وآثرت أن آخذ موقف المتشكّك طارحا الموضوع من كافة جوانبه وموجها أقسى ألأعتراضات المثارة .
والأهم من كل ذلك ، قرّرتُ أن أسأل الخبراء نفس ألأسئلة التي عصفت بتفكيري عندما كنتُ مُلحدا .
ويضيف فيقول للقارئ المتشكّك : "ربما هي نفس الموضوعات التي واجهتك أنت في رحلتك الروحية . وربما تكون قد تساءلت أيضا ما إذا كان ألأيمان باله خارق للطبيعة يتناغم مع ما كشف عنه العلم عن العالم الطبيعي .
إذا كان ألأمر هكذا ، أرجو أن تشاركني بحثي .
كتب عالم الطبيعة النظري " جورج ستانشيو" وفيلسوف العلم " روبرت أوجرو" :
"إنَّ القصة القديمة للعلم هي المادية العلمية التي تنادي بأنّ المادة وحدها هي الموجودة ، وأنّ كُلِّ ألأشياء يمكن شرحها من خلال المادة وحدها ". لكنهم قالوا إنّه في السنوات ألأخيرة : "إجتاز العلم سلسلة من الثورات الدرامية غيّرت المفهوم الحديث للأنسان ومكانه في العالم ".
ويقول "لي ستروبل " في كتابه "القضية ...الخالق":
بعد لقاءاتي مع خبراء في احدث الأكتشافات العلمية ، جلستُ في مكتبي مرة أخرى وراجعت احدث دليل واجهته .واندهشت عندما عرفت كيف ان الأكتشافات الحديثة في الفيزياء وعلم الفلك والكيمياء الحيوية بالأضافة الى مجالات أخرى كثيرة جدا ،الى المعرفة العلمية . وبينما افكر في هذه الأدلة ، حاولت ان افاضل أي ألأفتراضات – الداروينية أم التصميم- هو الأفضل ليفسر لنا أحدث المعلومات العلمية
الأحتمال ألأول : فرضية داروين
تقييم نظرية داروين في التطور يجب مقارنته باستمرار مع الأدلة . وإذا كان لايسايرها يجب ان يعاد تقييمه ويُترك – وإلا فلن يكون علما بل اسطورة (او فلسفة)
وعندما نظرت الى مبادئء نظرية داروين ، التي دفعتني للألحاد لعدة سنوات ، لم امضي وقتا طويلا لكي استنتج انها كاذبة ولا يمكن تصديقها . وأدركت انني اذا آمنت فعلا بهذه النظرية فعليّ ان اثق فيما يلي :
- العدم (لاشيء) ينتج عنه كل شيء
- ما لا حياة فيه يعطي حياة
- العشوائية ينتج عنها ضبط دقيق
- الفوضى تعطي معلومات
- فقدان الوعي ينتج عنه الوعي
- الخطأ ينتج عنه الصواب
وبناء على كل هذا ، كنت مضطرا لان استنتج انّ نظرية داروين تحتاج الى الأيمان ألأعمى بها ، ولم أكن مستعدا ولا راغبا في هذا
وانهارت الأعمدة الأساسية لنظرية التطور عندما تعرّضت للتفكير العميق والدقيق . فمثلا فشلت تماما كل العمليات الطبيعية في تفسير ان المواد الكيمياوية غير الحيّة يمكنها ان تتجمّع ذاتيا الى الخلية الحية الأولى . إذ لايوجد أيّة نظرية قابلة للتصديق بل وأيضا لاتوجد نظريات على الأطلاق . وقال عالم الكيمياء الحيوية "كلاوس": "كل المناقشات الحالية عن النظريات ذات المبادئ والتجارب في هذا المجال إمّا انتهت الى مأزق او اعتراف بالجهل".
وتحدّث الكاتب العلمي "روبرت روي بريت" عن هذه المشكلة فقال : هل حدث مرة وحلمت بانك كنت تحاول ان تجري للهروب من وحش وتعثرت قدماك ولم تتمكن للذهاب لايّ مكان ؟. إنّ البحث لمحاولة فهم أصل الحياة لايختلف كثيرا عن هذا الحلم".....إنّ العلماء الذين يبحثون في اصل الحياة لم يستيقضوا من الكابوس الذي يعيشون فيه . وكما قال عالم الكيمياء الحيوية "مايكل دينتون":"إنّ فكرة العمليات غير الموجّهة قد يكون بإمكانها تحويل المواد الكيمياوية الميتة الى كل التعقيدات الغيرعادية للكائنات الحية فإنّ هذا بكل تأكيد " لا أكثر ولا اقل من الأسطورة العظيمة للجينات الوراثية الكونية في زماننا "
بالأضافة الى هذا ، فإنّ سجل الحفريات رفض بكل إصرار أن يؤكّد ألأدعاءات الكبيرة للتحولات الموجودة في نظرية داروين . وبالرغم من الأكتشافات الكثيرة ، منذ أيام داروين يقول العالم دينتون : "إنّ الأكتشافات المتوسطة ظلت محيرة كالعادة " . وبدلا من ان تندمج في نظرية داروين أصبحت الحفريات نغمات شاذة ومتعارضة حتى انه لايمكنها ان تفسر القفزات ألأثرية الموجودة في نظرية التطور ، مثلا بين السمك والبرمائيات وبين البرمائيات والزواحف ".
أمّا النقص الخطير في سجل الحفريات فهو الأنفجار الهائل البيولوجي والأنفجار الكوني . وغالبية ، إن لم يكن كل ، ألأربعين شعبة العالمية ، وأعلى فئة في المملكة الحيوانية ، قفزت بخطط جسمانية متفردة منذ اكثر من 500 مليون سنة . والظهور المفاجئ لاشكال الحياة الجديدة ، قد قلبت شجرة حياة داروين رأسا على عقب ... وعندما فحصت كل هذه الأمور ونقائص أخرى في نظرية داروين بكل موضوعية تأكدت تماما أنّ التطورهو حقيقة مؤكدة طالما انه يُعرف على انه اختلافات تطويرية صغيرة نراها في عالم الحيوان والنبات . وبلا شك ،فإنّ كمية كبيرة من التغيير والتباين حدثت على مدار الزمن . ومع ذلك فهناك ادلة وإن كانت غير كافية اوصلتنا الى استنتاج جوهري يقول بان انتقالات تطورية كبيرة وعلى نطاق واسع قد حدثت ...وباختصار فإن كمية الأيمان التي تحتاجها لكي تُبقي على ثقتنا أمام ألأدعاءات الكاسحة والمضادة لنظرية داروين ، تفوق ما أعتقد ضمانات ألأدلة العلمية . وفوق كل هذا ، فإن مبدأ الطبيعة التي هي مصدر كل شيء لايمكن تصديق تفسيره عن كيف ظهرالكون في المقام ألأول . وهذا الفشل لنظرية مبدأ الطبيعة ونظرية داروين فتح الباب للتفكير في الفرضيات الأخرى وان كل من الكون والحياة التي فيه هي من نتاج مصمم ذكي.
الأحتمال الثاني : فرضية التصميم
قال عالم الفيزياء الذي اصبح فيما بعد لاهوتيا جون بولكينغورن :" إنّ سؤالا أساسيا وكبيرا مثل الأيمان بالله(او عدم الأيمان ) لا يمكن انهائه بمناقشة واحدة . إنّه معقد للغاية . وما على الشخص ان يفعله هو التفكير في قضايا مختلفة ويرى ما اذا كانت الأجابات التي سيحصل عليها توضح الصورة التي تعطي للموضوع معنى ".
يقول لي ستروبل :" وعندما فتحت ذهني لتفسير غير مبدأ الطبيعة ، وجدت ان افتراضية التصميم تفسّر بكل وضوح ادلة العلم "فالقوة التفسيرية " لفرضية التصميم تفوقت على كل نظرية أخرى . وما يلي بعض الحقائق التي وردت في ابحاثي واستفساراتي :
أولا : دليل علم الكونيات
إنّه بفضل الأكتشافات العلمية في الخمسين سنة الأخيرة اخذت مجادلة الكلام kalam الكونونية القديمة قوة جديدة . وكما وصف ذلك العالم "وليم لين كريج " فقال : " رغم ان هذه المجادلة بسيطة الا انها ممتازة : "تقول أولا: كل ماهو موجود له سبب " . وحتى الشكاك المشهور ديفيد هيوم لم ينكر هذه الأثفتراضية . كما قال الملحد "كوينتن سميث" انّ التعبير الذي يقول : "إننا جئنا من لاشيء وبواسطة لا شيء من أجل لاشيء" تعبير سخيف ومثير للسخرية.
ثانيا : "إنَّ الكون له بداية " . وبناء على المعلومات فإن كل علماء الكون يوافقون على أنّ الكون بدأ بالأنفجار الهائل في نقطة محددة في الماضي. كما أكَّد كريج على القول بأن النظريات البديلة عن أصل الكون تحتاج الى بداية . فمثلا ، إستخدام "ستيفن هوكنج" للأرقام الخيالية" يحجب نقطة البداية في نموذجه ، والذي يصرح هوكنج عنه بالقول بأنه ليس وصفا للحقيقة *.
ويأتي الأستنتاج بكل وضوح من مقدمتين منطقيتين : " ولهذا فللكون سببا . وحتى روبرت جاسترو الذي كان سابقا لاادري سلّم بأن العناصر الأساسية للمسيحية وعلم الكون الحديث يلتقيان : "إنّ سلسلة الأحداث التي تقود الأنسان بدأت فجأة وبحدة ، وفي لحظة محددة من الزمن ، في ومضة ضوء وطاقة ".
ثانيا : دليل الفيزياء
احدى اكثر الأكتشافات المميزة للعلم الحديث هو ان قوانين وثوابت الفيزياء تتعاونان بطريقة غير متوقعة لجعل هذا الكون مكانا صالحا للسكن والحياة . فمثلا قال عالم الطبيعة والفيلسوف "روبن كولنس " ، ان الجاذبية قد ضبطت بكل دقة على جزء من مائة مليون بليون ، بليون ، بليون ، بليون
والثابت الكوني ، الذي يُمثل كثافة طاقة الفضاء ، محددة باحكام مثل القاء سهم من الفضاء ليضرب عين ثور بنسبة تريليون تريليون من البوصة في قطر الكرة الأرضية . وقال احد الخبراء انه يوجد اكثر من ثلاثين من القوانين الكونية الثابة تحتاج الى تقويم محدد حتى ينتج عنها كونا يمكن ان يكون فيه حياة .
ثالثا : دليل علم الفلك
وما يشبه الضبط الدقيق لعلم الفيزياء ، هو مركز الأرض في الكون وتعقيداته الجيولوجية والعمليات الكيمياوية كلها التي تعمل معا بكفاءة عظيمة لكي تخلق مكانا آمنا حتى يمكن للبشر ان يعيشوا.
مثلا ، قال كل من عالم الفلك "جيليرمو جونزاليس " والفيلسوف "جاي ويزلي ريتشاردز" حتى يكون لنجما بيئة صالحة للعيش عليه يحتاج الى ان يكون له الخواص الغير عادية لشمسنا – الكتلة الصحيحة ، الضوء الصحيح ، العمر الصحيح ، المسافة الصحيحة ، المجرة الصحيحة ، الموضع الصحيح -. لكي يغذي الكائنات الحية على كوكب دوّار . وعوامل كثيرة تجعل نظام مجموعتنا الشمسية وموقعنا في الكون هو الصحيح لكي يكون بيئة صالحة للسكن فيه .
وما هو اكثر من ذلك ، الحالة الغير عادية التي تجعل الحياة ممكنة هي أيضا التي تحدث لكي تجعل كوكبنا في موقع جيد لرؤية وتحليل الكون والبيئة . وكل هذا يوضح بان كوكبنا قد يكون نادرا ان لم يكن فريدا وان الخالق ارادنا ان نكتشف الكون.
وقال الفيزيائي الفلكي المتعلم في هارفارد "جون أ . اوكيف" من ناسا :"لو لم يكن الكون قد صُنع بأقصى دقة ما كنا موجودين فيه . ومن وجهة نظري ان هذه الظروف تبين ان الكون خلق للأنسان ليعيش فيه ".
رابعا : دليل الكيمياء الحيوية
قال داروين : "إذا امكن توضيح أنّ أي عضو معقّد موجود ولم يتكون من تعديلات عديدة ومتتابعة وطفيفة ، فسوف تنهار نظريتي " وقد أوضح المتخصص في الكيمياء الحيوية مايكل بيه هذا تماما من خلال وصفه "للتعقيد المتعذر اختزاله " في مكائن جزيئية .
هذه ألأدوات الميكروسكوبية المعقدة مثل الهُدب والبكتيريا الشبيه بالسوط لايمكن ان تكون قد وجدت قطعة قطعة من خلال عمليات داروين لانها يجب ان توجد كاملة حتى يمكنها ان تؤدي وظيفتها . وامثلة أخرى تشتمل على النظام الذي يصعب تصديقه عن نقل البروتينات داخل الخلايا والعملية المعقدة لتجلط الدم .
وما هو اكثر من مجرد تحدي مدمر لاصحاب نظرية داروين هي تلك الأنظمة البيولوجية المدهشة – التي تفوق القدرة البشرية في التكنولوجيا – وكلها تشير الى خالق علوي . وقال بيه :" ويمكن تلخيص استنتاجي في كلمة واحدة هي : التصميم . وأقول هذا بناء على العلم . وأقول ان نظام " التعقيد المتعذر اختزاله " هو دليل قوي على تصميم هادف بواسطة مصمم ذكي ".
خامسا : دليل المعلومات البيولوجية
الستة اقدام من حامض DNA
في داخل كل خلية في اجسادنا التي بها 100 تريليون خلية تحتوي على أربعة حروف من الرموز الكيمياوية التي تقذف تعليمات مجمعة ومحدّدة لكل البروتينات التي تتكون منها اجسادنا . وقد أوضح العالم"ستيفن مير" المتعلم في كامبردج انه ولا فرضية علمية واحدة تمكنت من توضيح كيف يمكن للمعلومات ان تدخل المادة البيولوجية بوسائل طبيعية .
وعلى العكس من ذلك ، قال " حينما نجد ترتيبات متتابعة ومعقدة وتتماشى مع نمط او وظيفة مستقلة فان هذا النوع من المعلومات هو دائما ناتج عن الذكاء . فالكتب وشفرة الكومبيوتر والحامض النووي كلها تتمتع بهذه الخواص . ونحن نعلم ان الكتب وشفرات الكومبيوتر مصممة بذكاء ، ووجود هذا النوع من المعلومات في الحامض النووي يشير الى مصدر ذكي .
وبالأضافة الى ذلك قال مير :"إنّ انفجار كامبريان الكوني الذي نتج عنه اشكال جديدة من الحياة ، والذي ظهر فجأة مكونا تكوينا كاملا في سجل الحفريات ، بدون سابق تحول ، كان سيحتاج الى كميات هائلة من المعلومات الحيوية . والمعلومات هي الماركة المسجلة للعقل . ومن دليل الجينات وعلم الأحياء يمكننا ان نستنتج وجود عقل اكبر كثيرا جدا من عقولنا ، مصمم ذكي حكيم وله هدف وهو مبدع بدرجة مذهلة ".
خامسا : دليل الوعي
توصل الكثير من العلماء الى ان قوانين الكيمياء والطبيعة لا يمكنها ان تفسر لنا اختبارنا للوعي . وقد عرف البروفيسور " جي . بي . مورلاند " الوعي على انه ألأستبطان والأحساسات والأفكار والعواطف والرغبات والمعتقدات والأختيارات الحرة التي تبقينا أحياء ومتنبهين . والروح هي التي تحتوي على الوعي وتبعث الحياة في جسدنا .
وطبقا لما وضحه أحد الباحثين ، من أن الوعي يمكن ان يستمر بعد ان يقف مخ الأنسان عن العمل ، فإنّ الأبحاث العلمية الحديثة أيّدت وجهة النظر التي تقول بأنّ "العقل" و "الوعي" و "الروح " هي كيان منفصل عن المخ .
وكما قال "مورلاند" : لأ يمكنك ان تحصل على شيء من لاشيء . فإذا كان الكون نشأ من مادة ميتة لا وعي فيها كيف يمكنك إذا ان تحصل على شيء مختلف تماما – وعي ، حياة ، تفكير ، مشاعر، مخلوقات حيّة – على المادة التي ليست بها مثل هذه الأشياء . ولكن اذا كان كل شيء بدأ من فكر وعقل الله ، فليست لدينا مشكلة في تفسير مصدر واصل عقولنا .
إنّ الفيلسوف "مايك روس" الذي يؤمن بنظرية داروين ، اعترف بصراحة : " لايوجد أحد لديه إجابة على قضية الوعي . وقال " جون سي . غكليس " الحاصل على جائزة نوبل :"هناك ما يمكن ان نسميه ألأصل الغير عادي لعقلي الواعي ولروحي المتفردة ".
هوية المصمّم
ويضيف" لي ستروبل" فيقول:
"راجعت سيل المعلومات مما قمت به من بحث وتقصي ، ووجدت ُ أنّ الدليل على وجود مصمم ذكي امر مصدّق ومقنع وقوي . ومن وجهة نظري فإنّ ربط ما وجدته من علم الكونيات وعلم الطبيعة كافيين تماما لتأييد افتراضية وجود مصمم لهذا الكون . وكُلَّ المعلومات الأخرى التي تكون قضية تراكمية قوية انتهت بانها غمرت كل اعتراضاتي (لانه كان سابقا ملحدا). .
ولكن من هو هذا المصمم ألأعظم ؟ ومثل لعبة توصيل النقط فإنّ كل واحد من الستة فروع العلمية التي بحثتها أعطت المفاتيح لأزالة القناع عن هوية الخالق .
وكما شرح العالم " كريج" أثناء لقائنا ،قال إنّ ادلة علم الكونيات توضح ان سبب هذا الكون يجب ان لايكون له سبب ولا بداية ولا زمن وغير مادي وله إرادة حرة وقوة هائلة . وفي مجال الفيزياء قال "كولنس" إنّ الخالق ذكي واستمرت مشغوليته بعد الأنفجار الهائل ألأولي .( «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعمل." (يو 5: 17"
ودليل علم الفلك يوضح ان الخالق كان مبدعا ودقيقا في خلق مكان يصلح لمعيشة مخلوقاته التي صمّمها وأنّه يعتني ويهتم بها .
كما قدم كل من "جونز اليز " و "ريتشاردز " الدليل على أنّ الخالق قد وضع على الأقل هدفا واحدا في مخلوقاته وهو اكتشاف العالم الذي صمّمه ومن خلال ذلك يكتشفونه هو (أي الخالق).
ولا تؤكّد الكيمياء الحيوية وجود المعلومات البيولوجية نشاط الخالق بعد الأنفجار الهائل فقط ، ولكن أيضا تظهر مدى ابداعه العظيم . وكما قال العالم "مير" إنّ الدليل على وجود الوعي يؤكد أنّ الخالق كائن عاقل وحكيمم ، وهذا يساعدنا على فهم هذه القوّة كلية القدرة ، كما توضح أنّنا يمكن ان نصدق فكرة الحياة بعد الموت .
*إنّ هذه ليست صورة لأله الربوبية (مذهب فكري يدعو الى دين طبيعي مبني على العقل لا على الوحي) الذي كوّن هذا الكون ثم تخلى عنه(أي ان الله لم يترك الكون بل لازال يخلق) .
ويضيف لي ستروبل فيقول :وكما شرح العالم "مير" في لقائي معه ، إنّ التخلي عن دليل لوجود نشاط مستمر للخالق في الكون بعد بداية خلقه يكذّب مذهب الربوبية كاحتمال يمكن تصديقه .
*ومذهب وحدة الوجود ، الخالق والكون موجودان معا ، يعجز أيضا عن تفسير الدليل ، لأنّه لايستطيع أن يوضح كيف ظهر الكون للوجود .وإذا كان اله مذهب وحدة الوجود غير موجود قبل الكون المادي فلن يستطيع احضار الكون للوجود.
*كما وضّح العالم "كريج" كيف أنّ المبدأ العلمي"لشفرة أوكهام"** الذي قضى على تعدد الآلهة والشرك بالله ، تاركا ايانا مع اله واحد.
وبالأضافة الى ذلك ، فإنَّ الطبيعة الشخصية للخالق تتناقض مع القوة الإلهية الغير شخصية التي هي في مركز عقائد "العصر الجديد".
على النقيض من ذلك ، فإنَّ صورة الخالق التي بزغت من المعلومات العلمية تتوافق بقوّة مع وصف الله الذي وضحت شخصيته على صفحات الكتاب المقدس :
- الخالق :"من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك "مزمور 102:25"
- فريد :"إنّك قد أريت لتعلم أنّ الرب هو الأله . ليس آخر سواه" تثنية 4 : 35"
- موجود بذاته وسرمدي :" من قبل أن تولد الجبال أو أبدأت ألأرض والمسكونة منذ الأزل الى الأبد أنت الله " مزمور 90 :2"
- روحي غير مادي :" الله روح" يوحنا 4 : 24"
- شخصي ذاتي :"....ظهر الرب لابراهيم وقال له : "أنا الله القدير سر أمامي وكن كاملا "تكوين 17 :1"
- له إرادة حُرّة : "وقال الله ليكن نور فكان نور " تكوين 1 :3"
- ذكي وعقلاني : " ما أعظم أعمالك يارب . كلها بحكمة صنعت . ملآنة الأرض من غناك" مزمور 104 : 24"
- عظيم القوّة :"الربُّ عظيم القدرة " ناحوم 1 : 3"
- مُبدع : "لأنّك قد اقتنيت كليتي نسجتني من بطن أمّي . أحمدك من أجل أني قد امتزت عجبا . عجيبة هي اعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا "مزمور 139 : 13-14"
- يرعى ويهتم :"امتلأت ألأرض من رحمة الرب "مزمور 33 :5"
- كُلّي الوجود:"هوذا السماوات وسماء السماوات لاتسعك"ملوك الأول 8 : 27"
- أعطى البشرية هدفا : "فإنَّه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض ما يرى وما لايرى ... الكل به وله قد خُلق" كولوسي 1 :6"
- يعطينا الحياة بعد الموت :"يبلع الموت الى الأبد" "اشعيا 25 :8".
وكما كتب الرسول بولس منذ الفي عام قال: "لأنَّ أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنّهم بلاعُذر(أي غير المؤمنين بالله الخالق)"روميا 1 :20".
ويتسائل لي ستروبل فيقول
"والسؤال عما إذا كانت هذه الصفات قد تصف ألوهية أية ديانة أخرى في العالم أصبحت موضع نقاش عندما أضفت الدليل الذي اكتشفته من خلال دراسة التاريخ القديم وألآثار القديمة .
وكما وصفتُ في كتابي "القضيّة ...المسيح " إنّ الدليل المقنع يقيم أساسا يعول عليه للعهد الجديد ، وهذا يوضح تحقيق نبوات العهد القديم في حياة يسوع الناصري ضدَّ كُلِّ ما هو غريب ويؤيد قيامة المسيح كحادثة فعلية ظهرت في الزمن المحدّد وفي الفضاء . كما أنّ قيامته من ألأموات هو عمل فذ وغير مسبوق وأعطى سلطانا وقوة وتوثيقا لقوله انه ابن الله الوحيد.وكثير من هذه الأدلة كان يختص بالحقائق الخاصة بحياة ، وتعاليم ، ومعجزات ، وموت ، وقيامة يسوع الناصري . والأجابات على "الثمانية اعتراضات الكبيرة : على المسيحية كم رويتها في كتابي "القضيّة ...ألأيمان ". وبامكاني ان اتذكؤ تحليل البحث العلمي والوصول الى الأستنتاج المذهل بأن معلومات العالم المادي تشير بقوة الى وجود خالق .
وبالنسبة لي فإن المدى والتنوع والعمق والقوة المثيرة والمقنعة للأدلة من العلم والتاريخ أكدت صدق المسيحية الى الدرجة التي ازالت بها كل شكوكي . وأنا لست مثل الذين يؤمنون بنظرية داروين ، فإن ايماني يسبح ضد تيار قوي من الأدلة المضادة ، واضعا ثقتي في الله اله الكتاب المقدس وهو قرار حكيم وطبيعي وقد اتخذته فعلا . وكنت فقط اسمح بسيل الحقائق ان تجرفني نحو نتائجها المنطقية .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------

المصدر : كتاب "القضية .... الخالق " للكاتب "لي ستروبل
(*)
اي ان هوكنك يستخدم نظرية ليس متاكدا منها بل من عالم الخيال والفلسفة حتى انه في كتابه مع روجر بنروز يتراجع ويقول "انه لا يتظاهر بانه يصف الحقيقة ، لأنه اي هوكنج لايعرف ماهي الحقيقة ، ولهذا فان هوكنج بنفسه يدرك ان هذا ليس وصفا واقعيا للكون او اصله ، لكنها مجرد طريقة رياضية لنمذجة بداية الكون بطريقة لا تظهر فيها الخصوصية فرغم ان موقع هوكنج الألكتروني يقول بان نظريته تتضمن أن الكون كان مقررا تماما بقوانين العلم الا انه لم يتمكن بنجاح من استبعاد الله من الصورة ) (راجع تحدي هوكنج والرد عليه ص 152-154 كتاب "القضية الخلق" وكيف يرد العالم وليم كريج على نظرية هوكنج
**
نصل أوكام أو شفرة أوكام (باللاتينية: novacula Occami) أو قانون التقتير (باللاتينية: lex parsimoniae) هو مبدأ لحل المشاكل ينص على أنه «لا ينبغي الإكثار من شيء إذا لم تقتضي الضرورة ذلك»، أو بعبارة أخرى، أبسط الحلول هو الحل الصحيح في أغلب الأحوال. تُنسب تلك الفكرة إلى الراهب الفرنسيسكاني الإنجليزي وليام الأوكامي (
" إذا كان لدينا فرضيّتين متنافستين ُتعطيان التّوقعات ذاتها فعلينا أن نأخذ بالفرضيّة الأبسط "

15

اللاهوت المعاصر بين الأيمان والعلم
نافع شابو البرواري

يقول العالم "تيار دي شاردن" في كتابه "الجو الإلهي ":
"العالم الحديث الذي ابتدأ مع مجموعة إنسانية جديدة لاتخضع للكنيسة مباشرة ، لم يعد الكلام يدور حول الهرطقات ، بل تيارا جديدا يسمى ألأنسانية ويتطلب منا أن نستعمل طرقا جديدة لنعيده الى الأيمان . فمن الوجهة النظرية كان بإمكان هذا العالم أن يولد ويكبر مؤمنا . فلماذا تحرّر الى هذا الحدّ ، ولماذا حاول الولد أن يفتك بوالدته ويبتعد عنها؟
أولا: كيف نعيش الدعوى الى العلم والدعوى الى ألأيمان في نفس الوقت؟
اليوم هناك مسيحيّون وغير مسيحيّون الذين وعوا قيمة الثورة الروحية التي يتمخَّض بها عالم اليوم ، واكتشفوا معا عالما جديدا لا تنسجم مبادئه والمعطيات التقليدية للمسيحية . وأمام هذا الأمر طرح البعض ألأسئلة التالية : هل يكتفي ألأنسان المعاصر بدينٍ يُعبِّرعنه بلغة وبعادات وبطقوس هي صورة عن ماضٍ مرَّ عليه الزمن؟ هل يكتفي ويقبل بدينٍ يحتقر أمور ألأرض ويعتبر أنَّ هذا العالم هو عالمٌ فاسد وما علينا إلاّ الصبر والخضوع أمام ما يقدّمه للبشرية من متناقضات
مستدندين الى المثل القائل" مُزارع متواضع خيرٌ من عالم متكبِّر، متناسين أنّ هناك عُلماء متواضعين ومزارعين متكبرين" في قلب الكنيسة نفسها؟ كيف بأمكاننا تبرير التطوّر العلمي بالنسبة الى معطيات ألأيمان ، والعكس بالعكس؟ كيف بأمكاننا تحقيق دعوة ألأنسان ودعوة المسيحي في عمل واحد؟ هل بالأمكان الجمع بين "هدف أعلى ديني – انساني " ، وهدف أعلى "ديني – مسيحي" اذا لم يكن ذلك في إطار التطّور العلمي الحقيقي؟.

إنَّ الذين حاولوا ويحاولون التوفيق بين معطيات ألأيمان ومعطيات العلم عاشوا حياة ملؤها العذاب وحتى العلماء المؤمنون ، الى حد أنَّ كثيرين نُبذوا، فعاشت الكنيسة حالة عزلة ٍ ثقافية ، بالأحرى على هامش المجتمع المعاصر ، وزاد الصراع بينها وبين العلماء والباحثين .
مشكلة الكثيرين من مسيحيّي عصرنا يهمُّهم أن يعيشوا أيمانهم بعمق وأن يساهموا ، في الوقت نفسه ، بتطوّر العالم . إنّها مشكلة وجودنا كمسيحيّين وكأناسٍ عاديين على حدّ سواء .
أمام هذه الطروحات ، فما هي العلاقة القائمة بين المسيحية من جهة ، والحضارة ألأنسانية بعلومها الوضعيّة والسياسية وألأقتصادية والفنيّة من جهة ثانية ؟ . هل على المسيحي أن يعتبر أنَّ الحضارة ألأنسانية لامعنى لها بالنسبة الى المؤمن؟ .وهل بأمكان المسيحي أن يتنكر لها، بكل بساطة ، أو بالأحرى عليه أن يساهم بتطوّرها بكلِّ قواه ، دون أن يخون دعوته السماوية ؟ وهذه الحضارة ، التي نعتبرها حضارة دنيويّة ، هل لها مكان في مسيرة تاريخ الخلاص ، أم ننفي عنها كُلِّ قيمة دينيّة؟ وهل العمل ألأنساني والجهد البشري ينتميان الى العالم الذي أحبَّه الله وأفتداهُ ، أم هما ضدَّ هذا العالم ويعرقلان مسيرتهُ ؟"(1) .
إنَّ المسيحي ، في عصرنا ، يطلب جوابا واضحا على هذه ألأسئلة . والكلام غير الواضح ، في هذا الموضوع ، لا يشفي غليله . فمن جهة إنَّ المسيحية تشيد بالعلم وبالتقنية وبالنشاط ألأقتصادي والسياسي ، ومن جهة ثانية تقف حذرة أمام الذين يغوصون في أعماق التطوُّر العلمي وتُنبِّههم من أن يكون عملهم ضدّ مسيرة الخلاص وتعليم ألأنجيل . لذلك، انَّه أصبح من الضروري طرح الموضوع بعمقه من وجهة النظر ألأنسانية ومن وجهة النظر المسيحية على حدٍّ سواء(2)
في الحقيقة ألأنسان يتوق الى المعرفة وأكتشاف ما هو مجهول ويريد ألأجابة على كل التسائلات لكشف سر الوجود(الواقعي) سواء كشف سر الكون وسر الحياة (الكائنات الحية) . فنحن جميعنا نؤمن أنّه في مكان ما حولنا ، وهذا الشيئ متاصل في أذهاننا ، تختبئ نارٌ خفية ، وإنَّ عقلنا ينزع مبدئيا الى التنقيب والغوص في قلب العالم وهذا الكون الشاسع ، للوصول الى المعنى الحقيقي للحياة (3).
السر ليس لغز ، فاللغز هو أمر غامض ومكتوم ، طريق مغلق ، يطرق ألأنسان على بابه ولايتلقى ايُّ رد . بينما السرُّ في المفهوم المسيحي ، فهو مختلف تماما ، هو حقيقة إيمانية يستطيع ألأنسان أن يفهمها على وجه افضل يوما بعد يوم ، دون أن يصل الى نهايتها . ليس السر ُّ حائطا أصطدم به ، بل هو محيط ، اتعمق فيه وأزداد تبحرا فيه . وكُلُّ يوم أكتشف أبعادا جديدة لهذه الحقيقة ، من دون أن اصل الى نهايتها (لأنَّ الله غير محدود) (4) .
ماهو هدف او غاية العلم ؟
إنَّ العلم هو وعي لما نكتشفه من معلومات جديدة في الخليقة . هو ، أي العلم ، نتاج عقل يريد إكتشاف ماهو موجود اصلا في الخليقة لأضافته الى سجلاّت إكتشافاتنا السابقة لتستفاد منها ألأجيال القادمة كمعلومات لخدمة الأنسانية . أي أنَّ المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال فروع العلم المختلفة، يمكن ان نوضِّحها بمثل بسيط :
الطفل الصغير يكتشف في كُلِّ لحظة ، في البيت والمدرسة، معلومات جديدة تنطبع في خلايا الدماغ ، لتصبح خزين للمعلومات يمكن الرجوع اليها . وكُلّما كبر الطفل ونضج زادت معرفته ومعلوماته وزاد وعيه واكتشافاته لهذا العالم الذي يحيط به . هكذا جيلا بعد جيل تتراكم المعلومات لتكون في خدمة ألأنسانية .وهكذا يمكن ان نشبّه التطور عبر التاريخ في جميع المعارف والعلوم الوضعية .
ولكن السؤال المطروح هو : هل ألأنسان يكتفي بأن يكتشف فقط المعلومات الموجودة فعلا في الخليقة ، أم له مهمة أُخرى واسمى واشمل من العلوم الطبيعية في الخليقة ؟. الجواب بكل بساطة هو نعم ، بالطبع له مهمات أخرى.
ألأنسان يختلف عن بقية المخلوقات في الوعي ، بالأحرى التفكُّر وطرح ألأسئلة الوجودية(الروحية ) ، مثلا: من الذي خلقني؟ ما هو هدف وجودي في هذه الحياة ؟ لماذا الموت؟
وهناك اسئلة حياتية ( الواقعية المادية) مثلا : كيف ظهر الكون والمجرات والنجوم وكيف تطورت الحياة على هذا الكوكب ؟
الفلاسفة اليونانيون ، وبعد تطور تدريجي للأفكار، كانوا يطرحون ألأسئلة العقلية ، أي أنَّهم إنطلقوا من العقل لأكتشاف المطلق ، فهم عرفوا أنَّ هناك مطلق أو خالق له قيَّم مُثلى من الجمال والخير والقداسة والعدالة ، وكانت ألأسئلة تُطرح ولكن دون ألأجوبة في أحيان كثيرة ، لأنَّهم إنطلقوا من أفكارهم من ألأسفل الى ألأعلى ، وهكذا العلم اليوم ، ينطلق من النضريات وبعدها يكتشف ما هو بنضره مجهول .
العالم اليوناني (الغربي بصورة عامة ) كان يفصل العقل عن الروح ، ولهذا كان إكتشافه لوجود الله يسير ببطئ . إنَّ فكرة أنَّ العلم هو الذي يوصلنا الى المطلق فكرة قديمة مصدرها الرئيسي هو الفكر اليوناني المستمد من الشرق ، وسُمّيت في المسيحية " بالغنوصية " (*)التي كانت تؤكد المعرفة الخاصة ، تعتمد على العلم والمعرفة ، وظهرت في التاريخ ولازالت تظهر حتى في يومنا هذا عند اشهر علماء اليوم أمثال "ستيفن هوكنج وريتشارد دوكنز ...الخ الذين يؤمنون بالوصول الى عقل الله وكيف يفكر الله .
العقل قد يصل بالأنسان الى حب الخير للأنسانية ، ولكن هذا العقل قد يتمرد اذا لم يكن هناك من يؤهّل هذا العقل ، لأنَّ العقل قد يخرج عن سلوك الطريق الصحيح ، وهذا ما نلمسه عبر التاريخ ، فقد قادت العقول الكبيرة المجتمعات ألأنسانية ولكن النتيجة كانت في أغلبها كوارث ، لأنَّ العقل ينسب لنفسه الفهم وألأنانية . الأكتشافات العلمية ، احيانا كثيرة ، قد تقود البشرية الى استغلال هذه الأكتشافات لتدمير البيئة والمناخ وحتى في تهديد البشرية (كالتجارب النووية واستخدامها فعلا في تدمير مدينتي هوراشيما ونكازاكي في اليابان وقتل عشرات الملايين من البشر في حربين عالميتين خلال قرن واحد من الزمن ، وكذلك ما يشهده العالم هذه ألأيام عن الحرب الروسية الأوكرانية ونتائجها المرعبة على العالم اجمع) .
انَ العلم عاجز عن الولوج الى عالم اللامنظور (الفوق الطبيعي) ، إنَّه بحاجة الى التكامل مع قوَّة الروح المعرفية وقدرتها للغوص في سر الله ، ليستطيع ألأنسان معرفة الله وليس أدراكه . العلم يفتش عن حقائق في الكون وهو يحاول أكتشافها ، ولكن لا يستطيع أن ينطق أو يتكلم عن الحقيقة المطلقة ، ولهذا السبب لايستطيع العلم التفاعل معها . للعلم إخلاقيات عائدة له وهو الذي يحددها ، أمّا القيم هي نتجت من المنظور المسيحية للكون وأدخلت هذه القيم في منهج العلوم مثلا القيم التي نتلمسها في الطب ، في الفيزياء ، في الكيمياء .
فالطبيب أو الفيزيائي أو الكيمياوي لايستطيع ألأعتماد على العلم فقط لخدمة ألأنسانية بل قد تحدث كوارث لولا الضميرالذي هو قبس الخالق زرعه في اعماق ألأنسان ، لأنَّ ألأنسان هو صورة الله على ألأرض (راجع سفر التكوين 1 :26). ولهذه ألأسباب لايمكن أن تحل ألأخلاقيات العلمية محل إخلاقيات القيم الدينية . فاخلاقيات الصحة مثلا ، لايمكن أن تحلُّ محل ألأخلاقيات التي تدعو الى محبة ألأنسان لأخيه ألأنسان بكل ما لهذه الكلمة من المعاني ألأشمل ، لأنَّ ألأخلاقيات التي تدعو الى المحبّة فهي لا تعرف ألأنانية وحب الذات . العلم دون ألأيمان كالطير الذي يريد الطيران بجناح واحد ، والأيمان دون العقل والعلم ايضا لايصل بألأنسان الى الحقائق ألألهية . لأنَّ ألأيمان بجهل قد يولِّد أصولية** ، وهذه الأصولية قد تلجأ الى العنف في أحيان كثيرة .

هكذا العلم فهو يوازي الأيمان في بحثه عن سر حقائق الكون والوجود والخليقة ، ولكن ، مع احترامنا لبعض العلماء (الغير المؤمنين بالخالق ) والباحثين عن هذه الحقائق ، سوف لن يصلوا ، بمعرفتهم العقلية ، الى حقيقة ألأشياء التي يكتشفوها بالتحليل والتفكيك(تكيف المادة الى ذرات والكترونات ..الخ ) أو باكتشافات فلكية لنشوء الكون ، لأنّهم هم ايضا مخلوقين . فكما يقول الكتاب المقدس (ايسال الطين لجابله لماذا تصنعني؟) .فالمعرفة هو العلم بوجود الشيئ مع الوضوح والتحقق ، كمعرفتنا أنَّ الشمس هي مصدر النور والحرارة ، وأمّا ألأدراك ، فهو فهم الشيئ فهما تاما بكماله . ولذلك يُقال أننا نعرف الله ، ولا يقال أننا ندركه . ولهذا يحق لنا أن نؤمن بوجود شيئ ولو لا ندرك علة وجوده أو كيفيته( حتى في العلم ) ، وهذا لا يحط من شان ألأنسان العاقل ، لأنَّه لا يُطلب منه التسليم بصدق ما لا يعرف معناه (5).
فنحنُ (كمؤمنين) لانتكلم عن فراغ ولا بضلال ، ولا بالكلام وحده ، بل بقوة الله ، والروح القدس، واليقين التام (تسالونيكي1 : 4- 5)


ثانيا : اللاهوت المعاصر والعلم بمفهوم العالم "تيار دي شاردن" : كعالم مؤمن ، قد أمضى حياته يتأمَّل بمعطيات ألأيمان وبمعناها . فاللاهوت ، في نظر "تيار دي شاردن " ، رغم كونه يتناول مواضيع ما ورائية ، يبقى عِلما ً انسانيا ومحاولة انسانية لفهم الوحي ألإلهي وللتعبير عنه بشكل مقنع عقلياً .والفكر اللاهوتي ككل فكر إنساني ، هو متأثّر أصلا بكلّ المظاهر الأجتماعية والثقافية .
من هنا ، ونظرا لأنّه مرتبط بالأنسان ، فإنَّ الفكر اللاهوتي عليه أن يتجدَّد كما يتجدَّد ألأنسان في كُلِّ مراحل حياته اليوميّة وفي كُلِّ عصر . وفي نظر "تيار دي شاردن" فإنّ التجربة الأنسانية تفرض اليوم ثلاث متطلبات أساسية على الفكر اللاهوتي
فاللاهوت عليه أن يجعل حقيقة ألأيمان مدركة من انسان اليوم ، وهو يحرّره من كُلِّ المفاهيم التي تخطّاها الزمن ، لذلك علينا ان نوجّه أنتباهنا الخاص الى مشكلة العلاقة بين الله والعالم ، كما يحدّد العلم المعاصر هذا العالم [أي بعد الأكتشافات الكونية والفلكية ونظرية الكم والثورة الرقمية ..الخ ]

ويستند هذا العالم على مسلمات ثلاثة وهي:
المسلَّمة ألأولى : هي أن الوحي قد أعلن في مرحلة تاريخية كان الكون فيها يعتبر كعالم مغلق وغير متغيّر (حيث الشمس تشرق ثم تغرب وهكذا يتكرر الليل والنهار كاننا في دائرة مغلقة بحسب مفهوم العالم اليهودي واليوناني القديم ) . لذلك عُبِّر عن هذا الوحي بمفاهيم كانت تتوافق ورؤيا العالم آنذاك(مثال سفر التكوين الأصحاح الأول والثاني) . كذلك فإنَّ آباء الكنيسة واللاهوتيّين المدرسين قد أكدوا على تلك المفاهيم لأنَّ العالم لم يكن يومها قد كشف عن معطيات جديدة . واللاهوت التقليدي قد تاثّر بهذه المفاهيم طوال أجيال . كذلك فانَّ آباء الكنيسة ولاهوتيّي القرون الوسطى قد تعمّقوا بمفاهيم المسيحية من خلال الوضع الثقافي الذي كان سائدا في أيّامهم .
ويذهب تيار دي شاردن الى ضرورة الغاء كُلِّ ما يذكِّر بمفهوم العالم القديم في صياغة جديدة لمفهوم ألأيمان بعبارات تناسب هذا المفهوم بالذات . وكُلِّ ألأقتراحات التي عرضها حول مفهوم الخلق والخطيئة ألأصلية والفداء وعودة المسيح المنتصر على الموت تلفت نظريا وتكون مادة جديدة لبناء صرح لاهوتي يتناسب وألأكتشافات العلمية والرؤيا الجديدة للعالم .

المسلمة الثانية : هي العلاقة بين الله والعالم ، ففي دراسته عن " المسيح الكونيّ " يقول "تيار دي شاردن" : " لقد آن ألأوان ، ولوقليلا ، في عصر يحاول فيه الفكر البشري أن يعترف بوحدة الكون بذاته ، وبالعلاقة التي تربط هذه الوحدة الكونية بالله". كما يؤكد أيضا على أنَّ جميع فروع العلم المقدس تدعونا للصلاة وللتأمُّل لنرى اين يتلاقى الله والكون. وأنطلاقا من مفهوم الخلق بالذات فأنَّ هذا التلاقي لم يتم الاّ في شخص المسيح نفسه . المسيح هو الذي كشف لنا عن هذه العلاقة المميِّزة بين الله والعالم . لذلك على اللاهوتي أن يحلل ويؤكد اليوم على العلاقة الموجودة بين المسيح والكون ، كما كان اللاهوت في الماضي يحلّل ويثبت العلاقة بين المسيح والثالوث ألأقدس . فقد آنَ ألأوان ، يقول "تيار" ، للتعمق بدراسة هذه العلاقة بين المسيح والعالم ، انطلاقا من تحديد المسيح في اطار الرؤيا الجديدة للعالم لأنَّه كان يسعى الى عرض مسيحانية تكون بحجم الزمان والمكان ...أعني أن يكون للمسيح الدور العضوي بالمعنى الحصري للكلمة ، بحيث انّه يحرك ويدفع ويكلّل التطوّر .
والقديس بولس الرسول نفسه قد أكَّد ، في رسالته من سجنه ، على أنَّ التجسُّد والفداء لهما البعد الكوني المطلق . كذلك اللاهوت الكاثوليكي نرى تأكيدا على أنَّ العالم هو مرتبط بالمسيح وموحِّد به . وبهذا المعنى يقول " تيار " ايضا :
"إنَّني لا أفعل سوى نقل التعابير القانونيّة التي وضعتها الكنيسة عن ألأيمان بتعابيرعلمية واقعية"

المسلمة الثالثة التي يفرضها "تيار دي شاردن"على اللاهوت فهي التفكير والتأمُّل بالقيم الدينيّة للعمل ألأنساني وللجهد البشري ، وخصوصا التفكير بقيمة البحث العلمي والتقني .
انَّ عمل ألأنسان في بحثه العلمي والتقني لايكون رسالة مقدسة الاّ اذا ساهم في تحقيق التطور وايصاله الى غايته ألأخيرة . فالعمل والعلم والتقنية هم بالضرورة ما يجعل ألأنسان يتقدّم ويترقى في اتجاه الوحدة من خلال روحانية تتكامل يوما بعد يوم . أمّا على صعيد المسيح فأنَّ التطور لايصل الى كماله الاّ اذا كان هدفه الوصول الى المسيح ألأوميغا الذي يكلِّلُه ويجعله منفتحا على الكون بأجمعه ، والعمل والعلم والتقنية وحدهم يحققون ملكوت الله .وهكذا يفهم المسيحي ان عمله هو الذي يقدّسه أكثر ويجعله يتجاوب مع دعوة المسيح الى خدمة البشرية والعالم .
فمهما تكن التطورات العلمية مسيطرة على المادة وعلى فن تحويل القوى الحيويّة ، فما علينا أن نخشى بان هذا التقدم سيحملنا دائما ، وبشكل منطقي ، الى أن ندع جانبا نوابض الجهد ألأخلاقي والديني . لكن علينا أن نتأكّد أن ذلك التطور سيكون لتقوية تلك النوابض ودعمها .(6)

اليوم الكثيرون من العلماء باتوا يعتقدون أن العلم والإيمان قريبين من بعضهم البعض جدا ويساعدان بعضهما البعض في اكتشاف الحقيقة. ويتجلى هذا التعاون بأن يقدم الدين أجوبة شافيه للعلم عن أمور تتعلق بسر هذا الكون، فالعلم والفلسفة أكتشفا أن للكون موجد ما وعلة، ولم يستطيعا كشف هذه العلة، ثم أتى دور الدين والوحي فقدما الكثير الكثير عن تلك العلة الغامضة وهنا يلتقى عمل العقل مع الوحي في اظهار طبيعة الله، لأن العلم مهما حاول فلن يعرف بمفرده مثلا أن الله محبة، أو حقيقة وجوهر الثالوث الأقدس.(7)

اهتم العالم الكبير انشتاين بالإنسان أكثر من اهتمامه بالعلم، حتى أنه حذر الناس من أن يصبح العلم أهم ما في الحياة، لأن العلم وإن امتلك القوة والعضلات فهو لا يملك القلب، وكان يؤمن أن الإنسان لا يحيى بالفعل إلا عندما يخرج من ذاته.
وعن سؤال وجه اليه : كيف خلق الله الكون؟ فيقول: لا أهتم بهذه الظاهرة أو تلك، أو هذا العنصر أو ذاك، أريد أن أعرف تفكير الله ."العلم بدون الدين هو أعرج ، والدين بدون العلم هو أعمى ، فالأثنان يهدفان لأكتشاف الموضوع ولكن يطرحان اسئلة مختلفة ، وبأختلاف ألأسئلة تختلف ألأجوبة" . لم يكن آينشتاين ملحداً ولكنه رفض الدين الذي يفرق بين البشر ويرفض صورة الله البعيد عن الكون والمخلوقات. ( 8)
يقول احد اللاهوتيين
ليس الكتاب المقدس كتابا علميا (أي ليس اختاصه العلم ) . ولايستخدم الكتّاب الملهمون العلم الا كاطار للحقيقة الدينية ، فهم يذكرون الأشياء بحسب مظهرها في عقلية زمانهم . فهم يرون الله في كل شيء وينسبون اليه كل شيء . لذا يروون أمورا لاتوافق مفهومنا العلمي الحالي . ولعلّ ما يلفت النظر الى ذلك رواية الخلق (كما وردت في الكتاب المقدس سفر التكوين الأصحاحات الثلاثةالأولى ) .إنّها رواية صحيحة ولكن يجب ان لاتفهم فهما ماديا وحرفيا . أي علينا تفسيرها بالمعنى الرمزي .
إنّ العلم لايستطيع مناقضة الكتاب المقدس ، لأنّ الخالق هو مصدر العلم والوحي . ومن ناحية أخرى ان حقيقة الوحي تبحث في اللامنظور ، في حين ان الحقيقة العلمية تبحث في الكون المنظور .ومهمة العلم هو عرض كيف ومتى ؟ ولا يستطيع ان يجيب على أسئلة : من اين ولماذا؟ . فعلى سبيل المثال الكتاب المقدس وحده يستطيع ان يجيب عل ألأسئلة التالية : من خلق العالم ؟ ولماذا ؟ومن اين اتى الأنسان وما هو مصيره ؟ ومن اين يأتي الشر؟ والألم ؟ والخطيئة ؟ والموت ؟
فلا يحق للمؤمن ان ينكر ما توصل اليه العلماء استنادا الى الدين، ولا يحق للعلماء انكار معطيات الدين استنادا الى العلم . فعلى سبيل المثال يعلّم الكتاب المقدس ان الله هو الذي خلق الكون وجميع الكائنات وما يرى وما لايرى"في البدء خلق الله السماوات والأرض "تكوين 1 :1" . وأما العلم فيقول ان الكون بدا بانفجار عظيم قبل حوالي 14 مليار سنة . لا تناقض بين التاكيدين لان المهم ان الكون هو نتيجة قرار الخالق بغض النظر ان كان الخلق مباشرا او غير مباشر.
تثير اكتشافات العلوم والأبحاث ألأخيرة بما فيها التاريخية والفلسفية مشاكل جديدة تتطلب من اللاهوتيين انفسهم ابحاثا جديدة . وعليه فان اللاهوتيين مدعون للبحث دون توقف لايصال وديعة الأيمان بطريقة افضل. فحقائق الأيمان شيء والتعبير عنها شيء آخر.(انتهى الأقتباس).

اليوم أليس من حق المؤمن المسيحي أن يتسائل
بماذا يتميّز المسيحي (بالولادة) عن غير المسيحي ، عندما نرى حولنا ألكثيرون من آباء الكنيسة والمؤمنين ، لا يبذلون جهدا في ايصال البشارة الى ألأنسانية بطريقة معاصرة تتوالم مع التقدم العلمي في جميع مجالاته وخاصة بعد أكتشاف الكون الواسع؟
اليس من حق المؤمن المسيحي أن يتسائل عن ماهو ألأختلاف بين رعاة تلك الكنائس الذين يركّزون على التقليد والطقوس والفرائض كأنّها واجبات . في حين هناك من المتالمين والجياع والمضطهدين ، يحتاجون الى خدمات أنسانية وعلماء يخترعون لهم الدواء وتكنولوجية متطورة زراعيا تقدم لهم الغذاء واختراعات طبية لمعالجة امراضهم ، وعلماء الفيزياء والكيمياء والفلك يقدمون لهم الكثير من الخدمات كالأتصالات والأدوية ....الخ وكلِّ من يخدم الأنسانية ويسعى الى سعادتها ؟.
لا يمكن للمسيحي أن يكون منعزلا عن هذا العالم مهما كانت الأسباب ، لأن المسيح تجسّد لخلاص العالم كله ، فعلى كل مسيحي أن يعرف فكرة التجسد ، بذهن منفتح في كل زمان ومكان ، وكذلك الأنخراط في البحوث العلمية والتقنية والمساهمة في كل مجالات العلم ، ليستطيع أن يقدم إيمانه للأخرين بطريقة علمية معاصرة ، كما فعل مشاهير العلماء في اوربا عبر التاريخ وكانو غالبيتهم مؤمنين .
يقول العالم " تيار دي شاردن":" فأنتم الذين تتبجّحون بانكم تستطيعون أن تعيشوا بالنور وحسب ، إنّما تقتاتون ، دون أن تشعروا ، من النُسغِ الغليظ الذي يقطِّره آخرون بتواضع في اعماق المادة . إنَّ جسد المسيح يقتات من الكون .(9)
ويقول في كتابه "العلم والمسيح ": "إنّ تاريخ العاطفة الدينية الحالي عند البشر ، مهما كان وضعهم ، يبدو وكأنّه خاضع لنوع من الوحي ، في الضمير ألأنساني ، ناتج عن الكون الواحد والكبير ... المسيح هو محور الكون .... هذا المسيح الكوني هو المسيح الذي تُقدّمه الأناجيل ، وخصوصا القديسان بولس الرسول ويوحنا ، وهو المسيح الذي عاشه كبار المتصوّفين. فمن سيكون الأكبر ، أمام العالم والذي يستحق العبادة؟ المسيح أم الكون ؟
ويجيب تيار دي شاردن على السؤال فيقول :إنَّ الكون ينمو باطراد ، لذلك يجب ، حتما ، أن يكون المسيح رسميا وبكل وضوح ، فوق كل قياس ....علينا نحن المؤمنين ان نرفع ،أمام جميع البشر ، صورة المسيح الكوني (اللوغز).. وإبراز المفهوم الكاثوليكي للمسيح ، "ألألف والياء البداية والنهاية " كُلِّ شي فيه وبه كان ".
{ أيهـا الخـالق. أباركك لأنك سمحت لى أن أعجب بأعـمالك. لقـد أتممت رسالة حـياتى بالعـقـل الذى أنت وهبتنيه. أذعـت للعـالم مجـد أعـمالك. فإذا كنت بأعـمالى التى كان يجب أن تتجه نحوك طلبت مجـد الناس فاعـف عـنّى لصـلاحك وحـنوك. أيتها الانسجامات السماوية باركى الرب. يا نفسى باركى الرب }
الخلاصة:
انَّ العلم والأيمان ليسا نقيضين الواحد ضد ألآخر وكذلك ليسا منفصلين الواحد عن ألآخر وليسا منصهرين الواحد في ألآخر ، بل هما اتِّجاهان اساسيان في الحياة ألأنسانية يخدمان بهدفهما المشترك ألأنسان ومسيرته الحياتية ، سواء الحياة الروحية(الميتافيزيقية ) أو الجسدية (المادية) ، فلكل منهما هدفا واحدا هو البحث عن الحقيقة . ..فالأنسان العالم يجب أن يبحث ويكتشف ويجتاز الصعوبات ، ولا بُدَّ في النتيجة أن ينتصر روحُ ألأكتشاف .
فليمُت رجُل العِلم على صليب عمله ، كما ماتَ يسوع المسيح على الصليب"(10)

--------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) كتاب الجو الآلهي ص 16 للأب "تيار دي شاردن"
(2) كتاب العلم والمسيح للأب "تيار دي شاردن"
(3) نفس المصدر السابق ص 39
(4) ألأب بولس الفغالي في سلسلة الكلمة على قناه النور الفضائية

(5). الأب "بولس فغالي" نفس المصدر السابق

(6) العلم والمسيح للأب " تيار دي شاردن "ص 13-16

(7) http://slayman14.almountadayat.com/t439-topic
(8) http://slayman14.almountadayat.com/t439-topic
(9)نفس المصدر 6 أعلاه " العلم والمسيح" للأب " تيار دي شاردن
(10) كتاب "العلم والمسيح " للأب تيار دي شاردن
(*) الغنوصية

الغنوصيين " أي العارفين بالأسرار", اصحاب هذه البدعة هم الذين يعتمدون على العقل والأسرار الباطنية والأرواح السفلى والذين أدعو أنَّ الخلاص يأتي عن طريق المعرفة التأملية وعن طريق الحدس الخاص بألأصغاء, وممارسة السحر وليس عن طريق ألأيمان بيسوع المسيح والوحي ألألهي.فدعاة الغنوصية نادوا باستخدام العقل للتمييز بينهم وبين أصحاب المعارف ألأخرى ، وبنوع خاص المعرفة الدينية المستندة الى الوحي ، معتبرين أنَّ ألأيمان ألأعمى بالتعاليم السماوية لاقيمة له، وخصوصا ألأيمان بتعاليم المسيح في ألأنجيل . فالعقل هو المرجع ، وكُلِّ تعليم يجب أن يخضع لحكم هذا العقل ، والاّ فلا أدراك لجوهرالحقائق التي أتى بها المسيح وألأنبياء من قبله ......آباء الكنيسة أعتبروا الغنوصية بدعة دخيلة على الكنيسة من العالم الوثني الذي أراد أن يضرب المسيحية في مهدها(راجع رسالتي الرسول بولس الى الكورنثيين والكولوسيين) . فالتفسير العقلي لمعطيات ألأيمان لم ترفضه الكنيسة طوال تاريخها ، شرط أن يكون متوافقا مع معطيات ألوحي ألألهي . لكن آباء الكنيسة وعوا ، منذ البداية أخطار الغنوصية الملحدة التي تمتزج أفكارها بالمعتقدات الوثنية، خصوصا تلك المستمدة من الفلسفة الأغريقية ، وحذَّروا منها ، وحاربوها في جميع
مؤلفاتهم الدفاعية عن العقيدة ألأنجيلية الحقيقية
http://mangish.com/forum.php?action=view&id=3140


16

اللاهوت المعاصر بين الأيمان والعلم
نافع شابو البرواري
يقول العالم "تيار دي شاردن" في كتابه "الجو الإلهي ":
"العالم الحديث الذي ابتدأ مع مجموعة إنسانية جديدة لاتخضع للكنيسة مباشرة ، لم يعد الكلام يدور حول الهرطقات ، بل تيارا جديدا يسمى ألأنسانية ويتطلب منا أن نستعمل طرقا جديدة لنعيده الى الأيمان . فمن الوجهة النظرية كان بإمكان هذا العالم أن يولد ويكبر مؤمنا . فلماذا تحرّر الى هذا الحدّ ، ولماذا حاول الولد أن يفتك بوالدته ويبتعد عنها؟
أولا: كيف نعيش الدعوى الى العلم والدعوى الى ألأيمان في نفس الوقت؟
اليوم هناك مسيحيّون وغير مسيحيّون الذين وعوا قيمة الثورة الروحية التي يتمخَّض بها عالم اليوم ، واكتشفوا معا عالما جديدا لا تنسجم مبادئه والمعطيات التقليدية للمسيحية . وأمام هذا الأمر طرح البعض ألأسئلة التالية : هل يكتفي ألأنسان المعاصر بدينٍ يُعبِّرعنه بلغة وبعادات وبطقوس هي صورة عن ماضٍ مرَّ عليه الزمن؟ هل يكتفي ويقبل بدينٍ يحتقر أمور ألأرض ويعتبر أنَّ هذا العالم هو عالمٌ فاسد وما علينا إلاّ الصبر والخضوع أمام ما يقدّمه للبشرية من متناقضات
مستدندين الى المثل القائل" مُزارع متواضع خيرٌ من عالم متكبِّر، متناسين أنّ هناك عُلماء متواضعين ومزارعين متكبرين" في قلب الكنيسة نفسها؟ كيف بأمكاننا تبرير التطوّر العلمي بالنسبة الى معطيات ألأيمان ، والعكس بالعكس؟ كيف بأمكاننا تحقيق دعوة ألأنسان ودعوة المسيحي في عمل واحد؟ هل بالأمكان الجمع بين "هدف أعلى ديني – انساني " ، وهدف أعلى "ديني – مسيحي" اذا لم يكن ذلك في إطار التطّور العلمي الحقيقي؟.

إنَّ الذين حاولوا ويحاولون التوفيق بين معطيات ألأيمان ومعطيات العلم عاشوا حياة ملؤها العذاب وحتى العلماء المؤمنون ، الى حد أنَّ كثيرين نُبذوا، فعاشت الكنيسة حالة عزلة ٍ ثقافية ، بالأحرى على هامش المجتمع المعاصر ، وزاد الصراع بينها وبين العلماء والباحثين .
مشكلة الكثيرين من مسيحيّي عصرنا يهمُّهم أن يعيشوا أيمانهم بعمق وأن يساهموا ، في الوقت نفسه ، بتطوّر العالم . إنّها مشكلة وجودنا كمسيحيّين وكأناسٍ عاديين على حدّ سواء .
أمام هذه الطروحات ، فما هي العلاقة القائمة بين المسيحية من جهة ، والحضارة ألأنسانية بعلومها الوضعيّة والسياسية وألأقتصادية والفنيّة من جهة ثانية ؟ . هل على المسيحي أن يعتبر أنَّ الحضارة ألأنسانية لامعنى لها بالنسبة الى المؤمن؟ .وهل بأمكان المسيحي أن يتنكر لها، بكل بساطة ، أو بالأحرى عليه أن يساهم بتطوّرها بكلِّ قواه ، دون أن يخون دعوته السماوية ؟ وهذه الحضارة ، التي نعتبرها حضارة دنيويّة ، هل لها مكان في مسيرة تاريخ الخلاص ، أم ننفي عنها كُلِّ قيمة دينيّة؟ وهل العمل ألأنساني والجهد البشري ينتميان الى العالم الذي أحبَّه الله وأفتداهُ ، أم هما ضدَّ هذا العالم ويعرقلان مسيرتهُ ؟"(1) .
إنَّ المسيحي ، في عصرنا ، يطلب جوابا واضحا على هذه ألأسئلة . والكلام غير الواضح ، في هذا الموضوع ، لا يشفي غليله . فمن جهة إنَّ المسيحية تشيد بالعلم وبالتقنية وبالنشاط ألأقتصادي والسياسي ، ومن جهة ثانية تقف حذرة أمام الذين يغوصون في أعماق التطوُّر العلمي وتُنبِّههم من أن يكون عملهم ضدّ مسيرة الخلاص وتعليم ألأنجيل . لذلك، انَّه أصبح من الضروري طرح الموضوع بعمقه من وجهة النظر ألأنسانية ومن وجهة النظر المسيحية على حدٍّ سواء(2)
في الحقيقة ألأنسان يتوق الى المعرفة وأكتشاف ما هو مجهول ويريد ألأجابة على كل التسائلات لكشف سر الوجود(الواقعي) سواء كشف سر الكون وسر الحياة (الكائنات الحية) . فنحن جميعنا نؤمن أنّه في مكان ما حولنا ، وهذا الشيئ متاصل في أذهاننا ، تختبئ نارٌ خفية ، وإنَّ عقلنا ينزع مبدئيا الى التنقيب والغوص في قلب العالم وهذا الكون الشاسع ، للوصول الى المعنى الحقيقي للحياة (3).
السر ليس لغز ، فاللغز هو أمر غامض ومكتوم ، طريق مغلق ، يطرق ألأنسان على بابه ولايتلقى ايُّ رد . بينما السرُّ في المفهوم المسيحي ، فهو مختلف تماما ، هو حقيقة إيمانية يستطيع ألأنسان أن يفهمها على وجه افضل يوما بعد يوم ، دون أن يصل الى نهايتها . ليس السر ُّ حائطا أصطدم به ، بل هو محيط ، اتعمق فيه وأزداد تبحرا فيه . وكُلُّ يوم أكتشف أبعادا جديدة لهذه الحقيقة ، من دون أن اصل الى نهايتها (لأنَّ الله غير محدود) (4) .
ماهو هدف او غاية العلم ؟
إنَّ العلم هو وعي لما نكتشفه من معلومات جديدة في الخليقة . هو ، أي العلم ، نتاج عقل يريد إكتشاف ماهو موجود اصلا في الخليقة لأضافته الى سجلاّت إكتشافاتنا السابقة لتستفاد منها ألأجيال القادمة كمعلومات لخدمة الأنسانية . أي أنَّ المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال فروع العلم المختلفة، يمكن ان نوضِّحها بمثل بسيط :
الطفل الصغير يكتشف في كُلِّ لحظة ، في البيت والمدرسة، معلومات جديدة تنطبع في خلايا الدماغ ، لتصبح خزين للمعلومات يمكن الرجوع اليها . وكُلّما كبر الطفل ونضج زادت معرفته ومعلوماته وزاد وعيه واكتشافاته لهذا العالم الذي يحيط به . هكذا جيلا بعد جيل تتراكم المعلومات لتكون في خدمة ألأنسانية .وهكذا يمكن ان نشبّه التطور عبر التاريخ في جميع المعارف والعلوم الوضعية .
ولكن السؤال المطروح هو : هل ألأنسان يكتفي بأن يكتشف فقط المعلومات الموجودة فعلا في الخليقة ، أم له مهمة أُخرى واسمى واشمل من العلوم الطبيعية في الخليقة ؟. الجواب بكل بساطة هو نعم ، بالطبع له مهمات أخرى.
ألأنسان يختلف عن بقية المخلوقات في الوعي ، بالأحرى التفكُّر وطرح ألأسئلة الوجودية(الروحية ) ، مثلا: من الذي خلقني؟ ما هو هدف وجودي في هذه الحياة ؟ لماذا الموت؟
وهناك اسئلة حياتية ( الواقعية المادية) مثلا : كيف ظهر الكون والمجرات والنجوم وكيف تطورت الحياة على هذا الكوكب ؟
الفلاسفة اليونانيون ، وبعد تطور تدريجي للأفكار، كانوا يطرحون ألأسئلة العقلية ، أي أنَّهم إنطلقوا من العقل لأكتشاف المطلق ، فهم عرفوا أنَّ هناك مطلق أو خالق له قيَّم مُثلى من الجمال والخير والقداسة والعدالة ، وكانت ألأسئلة تُطرح ولكن دون ألأجوبة في أحيان كثيرة ، لأنَّهم إنطلقوا من أفكارهم من ألأسفل الى ألأعلى ، وهكذا العلم اليوم ، ينطلق من النضريات وبعدها يكتشف ما هو بنضره مجهول .
العالم اليوناني (الغربي بصورة عامة ) كان يفصل العقل عن الروح ، ولهذا كان إكتشافه لوجود الله يسير ببطئ . إنَّ فكرة أنَّ العلم هو الذي يوصلنا الى المطلق فكرة قديمة مصدرها الرئيسي هو الفكر اليوناني المستمد من الشرق ، وسُمّيت في المسيحية " بالغنوصية " (*)التي كانت تؤكد المعرفة الخاصة ، تعتمد على العلم والمعرفة ، وظهرت في التاريخ ولازالت تظهر حتى في يومنا هذا عند اشهر علماء اليوم أمثال "ستيفن هوكنج وريتشارد دوكنز ...الخ الذين يؤمنون بالوصول الى عقل الله وكيف يفكر الله .
العقل قد يصل بالأنسان الى حب الخير للأنسانية ، ولكن هذا العقل قد يتمرد اذا لم يكن هناك من يؤهّل هذا العقل ، لأنَّ العقل قد يخرج عن سلوك الطريق الصحيح ، وهذا ما نلمسه عبر التاريخ ، فقد قادت العقول الكبيرة المجتمعات ألأنسانية ولكن النتيجة كانت في أغلبها كوارث ، لأنَّ العقل ينسب لنفسه الفهم وألأنانية . الأكتشافات العلمية ، احيانا كثيرة ، قد تقود البشرية الى استغلال هذه الأكتشافات لتدمير البيئة والمناخ وحتى في تهديد البشرية (كالتجارب النووية واستخدامها فعلا في تدمير مدينتي هوراشيما ونكازاكي في اليابان وقتل عشرات الملايين من البشر في حربين عالميتين خلال قرن واحد من الزمن ، وكذلك ما يشهده العالم هذه ألأيام عن الحرب الروسية الأوكرانية ونتائجها المرعبة على العالم اجمع) .
انَ العلم عاجز عن الولوج الى عالم اللامنظور (الفوق الطبيعي) ، إنَّه بحاجة الى التكامل مع قوَّة الروح المعرفية وقدرتها للغوص في سر الله ، ليستطيع ألأنسان معرفة الله وليس أدراكه . العلم يفتش عن حقائق في الكون وهو يحاول أكتشافها ، ولكن لا يستطيع أن ينطق أو يتكلم عن الحقيقة المطلقة ، ولهذا السبب لايستطيع العلم التفاعل معها . للعلم إخلاقيات عائدة له وهو الذي يحددها ، أمّا القيم هي نتجت من المنظور المسيحية للكون وأدخلت هذه القيم في منهج العلوم مثلا القيم التي نتلمسها في الطب ، في الفيزياء ، في الكيمياء .
فالطبيب أو الفيزيائي أو الكيمياوي لايستطيع ألأعتماد على العلم فقط لخدمة ألأنسانية بل قد تحدث كوارث لولا الضميرالذي هو قبس الخالق زرعه في اعماق ألأنسان ، لأنَّ ألأنسان هو صورة الله على ألأرض (راجع سفر التكوين 1 :26). ولهذه ألأسباب لايمكن أن تحل ألأخلاقيات العلمية محل إخلاقيات القيم الدينية . فاخلاقيات الصحة مثلا ، لايمكن أن تحلُّ محل ألأخلاقيات التي تدعو الى محبة ألأنسان لأخيه ألأنسان بكل ما لهذه الكلمة من المعاني ألأشمل ، لأنَّ ألأخلاقيات التي تدعو الى المحبّة فهي لا تعرف ألأنانية وحب الذات . العلم دون ألأيمان كالطير الذي يريد الطيران بجناح واحد ، والأيمان دون العقل والعلم ايضا لايصل بألأنسان الى الحقائق ألألهية . لأنَّ ألأيمان بجهل قد يولِّد أصولية** ، وهذه الأصولية قد تلجأ الى العنف في أحيان كثيرة .

هكذا العلم فهو يوازي الأيمان في بحثه عن سر حقائق الكون والوجود والخليقة ، ولكن ، مع احترامنا لبعض العلماء (الغير المؤمنين بالخالق ) والباحثين عن هذه الحقائق ، سوف لن يصلوا ، بمعرفتهم العقلية ، الى حقيقة ألأشياء التي يكتشفوها بالتحليل والتفكيك(تكيف المادة الى ذرات والكترونات ..الخ ) أو باكتشافات فلكية لنشوء الكون ، لأنّهم هم ايضا مخلوقين . فكما يقول الكتاب المقدس (ايسال الطين لجابله لماذا تصنعني؟) .فالمعرفة هو العلم بوجود الشيئ مع الوضوح والتحقق ، كمعرفتنا أنَّ الشمس هي مصدر النور والحرارة ، وأمّا ألأدراك ، فهو فهم الشيئ فهما تاما بكماله . ولذلك يُقال أننا نعرف الله ، ولا يقال أننا ندركه . ولهذا يحق لنا أن نؤمن بوجود شيئ ولو لا ندرك علة وجوده أو كيفيته( حتى في العلم ) ، وهذا لا يحط من شان ألأنسان العاقل ، لأنَّه لا يُطلب منه التسليم بصدق ما لا يعرف معناه (5).
فنحنُ (كمؤمنين) لانتكلم عن فراغ ولا بضلال ، ولا بالكلام وحده ، بل بقوة الله ، والروح القدس، واليقين التام (تسالونيكي1 : 4- 5)


ثانيا : اللاهوت المعاصر والعلم بمفهوم العالم "تيار دي شاردن" : كعالم مؤمن ، قد أمضى حياته يتأمَّل بمعطيات ألأيمان وبمعناها . فاللاهوت ، في نظر "تيار دي شاردن " ، رغم كونه يتناول مواضيع ما ورائية ، يبقى عِلما ً انسانيا ومحاولة انسانية لفهم الوحي ألإلهي وللتعبير عنه بشكل مقنع عقلياً .والفكر اللاهوتي ككل فكر إنساني ، هو متأثّر أصلا بكلّ المظاهر الأجتماعية والثقافية .
من هنا ، ونظرا لأنّه مرتبط بالأنسان ، فإنَّ الفكر اللاهوتي عليه أن يتجدَّد كما يتجدَّد ألأنسان في كُلِّ مراحل حياته اليوميّة وفي كُلِّ عصر . وفي نظر "تيار دي شاردن" فإنّ التجربة الأنسانية تفرض اليوم ثلاث متطلبات أساسية على الفكر اللاهوتي
فاللاهوت عليه أن يجعل حقيقة ألأيمان مدركة من انسان اليوم ، وهو يحرّره من كُلِّ المفاهيم التي تخطّاها الزمن ، لذلك علينا ان نوجّه أنتباهنا الخاص الى مشكلة العلاقة بين الله والعالم ، كما يحدّد العلم المعاصر هذا العالم [أي بعد الأكتشافات الكونية والفلكية ونظرية الكم والثورة الرقمية ..الخ ]

ويستند هذا العالم على مسلمات ثلاثة وهي:
المسلَّمة ألأولى : هي أن الوحي قد أعلن في مرحلة تاريخية كان الكون فيها يعتبر كعالم مغلق وغير متغيّر (حيث الشمس تشرق ثم تغرب وهكذا يتكرر الليل والنهار كاننا في دائرة مغلقة بحسب مفهوم العالم اليهودي واليوناني القديم ) . لذلك عُبِّر عن هذا الوحي بمفاهيم كانت تتوافق ورؤيا العالم آنذاك(مثال سفر التكوين الأصحاح الأول والثاني) . كذلك فإنَّ آباء الكنيسة واللاهوتيّين المدرسين قد أكدوا على تلك المفاهيم لأنَّ العالم لم يكن يومها قد كشف عن معطيات جديدة . واللاهوت التقليدي قد تاثّر بهذه المفاهيم طوال أجيال . كذلك فانَّ آباء الكنيسة ولاهوتيّي القرون الوسطى قد تعمّقوا بمفاهيم المسيحية من خلال الوضع الثقافي الذي كان سائدا في أيّامهم .
ويذهب تيار دي شاردن الى ضرورة الغاء كُلِّ ما يذكِّر بمفهوم العالم القديم في صياغة جديدة لمفهوم ألأيمان بعبارات تناسب هذا المفهوم بالذات . وكُلِّ ألأقتراحات التي عرضها حول مفهوم الخلق والخطيئة ألأصلية والفداء وعودة المسيح المنتصر على الموت تلفت نظريا وتكون مادة جديدة لبناء صرح لاهوتي يتناسب وألأكتشافات العلمية والرؤيا الجديدة للعالم .

المسلمة الثانية : هي العلاقة بين الله والعالم ، ففي دراسته عن " المسيح الكونيّ " يقول "تيار دي شاردن" : " لقد آن ألأوان ، ولوقليلا ، في عصر يحاول فيه الفكر البشري أن يعترف بوحدة الكون بذاته ، وبالعلاقة التي تربط هذه الوحدة الكونية بالله". كما يؤكد أيضا على أنَّ جميع فروع العلم المقدس تدعونا للصلاة وللتأمُّل لنرى اين يتلاقى الله والكون. وأنطلاقا من مفهوم الخلق بالذات فأنَّ هذا التلاقي لم يتم الاّ في شخص المسيح نفسه . المسيح هو الذي كشف لنا عن هذه العلاقة المميِّزة بين الله والعالم . لذلك على اللاهوتي أن يحلل ويؤكد اليوم على العلاقة الموجودة بين المسيح والكون ، كما كان اللاهوت في الماضي يحلّل ويثبت العلاقة بين المسيح والثالوث ألأقدس . فقد آنَ ألأوان ، يقول "تيار" ، للتعمق بدراسة هذه العلاقة بين المسيح والعالم ، انطلاقا من تحديد المسيح في اطار الرؤيا الجديدة للعالم لأنَّه كان يسعى الى عرض مسيحانية تكون بحجم الزمان والمكان ...أعني أن يكون للمسيح الدور العضوي بالمعنى الحصري للكلمة ، بحيث انّه يحرك ويدفع ويكلّل التطوّر .
والقديس بولس الرسول نفسه قد أكَّد ، في رسالته من سجنه ، على أنَّ التجسُّد والفداء لهما البعد الكوني المطلق . كذلك اللاهوت الكاثوليكي نرى تأكيدا على أنَّ العالم هو مرتبط بالمسيح وموحِّد به . وبهذا المعنى يقول " تيار " ايضا :
"إنَّني لا أفعل سوى نقل التعابير القانونيّة التي وضعتها الكنيسة عن ألأيمان بتعابيرعلمية واقعية"

المسلمة الثالثة التي يفرضها "تيار دي شاردن"على اللاهوت فهي التفكير والتأمُّل بالقيم الدينيّة للعمل ألأنساني وللجهد البشري ، وخصوصا التفكير بقيمة البحث العلمي والتقني .
انَّ عمل ألأنسان في بحثه العلمي والتقني لايكون رسالة مقدسة الاّ اذا ساهم في تحقيق التطور وايصاله الى غايته ألأخيرة . فالعمل والعلم والتقنية هم بالضرورة ما يجعل ألأنسان يتقدّم ويترقى في اتجاه الوحدة من خلال روحانية تتكامل يوما بعد يوم . أمّا على صعيد المسيح فأنَّ التطور لايصل الى كماله الاّ اذا كان هدفه الوصول الى المسيح ألأوميغا الذي يكلِّلُه ويجعله منفتحا على الكون بأجمعه ، والعمل والعلم والتقنية وحدهم يحققون ملكوت الله .وهكذا يفهم المسيحي ان عمله هو الذي يقدّسه أكثر ويجعله يتجاوب مع دعوة المسيح الى خدمة البشرية والعالم .
فمهما تكن التطورات العلمية مسيطرة على المادة وعلى فن تحويل القوى الحيويّة ، فما علينا أن نخشى بان هذا التقدم سيحملنا دائما ، وبشكل منطقي ، الى أن ندع جانبا نوابض الجهد ألأخلاقي والديني . لكن علينا أن نتأكّد أن ذلك التطور سيكون لتقوية تلك النوابض ودعمها .(6)

اليوم الكثيرون من العلماء باتوا يعتقدون أن العلم والإيمان قريبين من بعضهم البعض جدا ويساعدان بعضهما البعض في اكتشاف الحقيقة. ويتجلى هذا التعاون بأن يقدم الدين أجوبة شافيه للعلم عن أمور تتعلق بسر هذا الكون، فالعلم والفلسفة أكتشفا أن للكون موجد ما وعلة، ولم يستطيعا كشف هذه العلة، ثم أتى دور الدين والوحي فقدما الكثير الكثير عن تلك العلة الغامضة وهنا يلتقى عمل العقل مع الوحي في اظهار طبيعة الله، لأن العلم مهما حاول فلن يعرف بمفرده مثلا أن الله محبة، أو حقيقة وجوهر الثالوث الأقدس.(7)

اهتم العالم الكبير انشتاين بالإنسان أكثر من اهتمامه بالعلم، حتى أنه حذر الناس من أن يصبح العلم أهم ما في الحياة، لأن العلم وإن امتلك القوة والعضلات فهو لا يملك القلب، وكان يؤمن أن الإنسان لا يحيى بالفعل إلا عندما يخرج من ذاته.
وعن سؤال وجه اليه : كيف خلق الله الكون؟ فيقول: لا أهتم بهذه الظاهرة أو تلك، أو هذا العنصر أو ذاك، أريد أن أعرف تفكير الله ."العلم بدون الدين هو أعرج ، والدين بدون العلم هو أعمى ، فالأثنان يهدفان لأكتشاف الموضوع ولكن يطرحان اسئلة مختلفة ، وبأختلاف ألأسئلة تختلف ألأجوبة" . لم يكن آينشتاين ملحداً ولكنه رفض الدين الذي يفرق بين البشر ويرفض صورة الله البعيد عن الكون والمخلوقات. ( 8)
يقول احد اللاهوتيين
ليس الكتاب المقدس كتابا علميا (أي ليس اختاصه العلم ) . ولايستخدم الكتّاب الملهمون العلم الا كاطار للحقيقة الدينية ، فهم يذكرون الأشياء بحسب مظهرها في عقلية زمانهم . فهم يرون الله في كل شيء وينسبون اليه كل شيء . لذا يروون أمورا لاتوافق مفهومنا العلمي الحالي . ولعلّ ما يلفت النظر الى ذلك رواية الخلق (كما وردت في الكتاب المقدس سفر التكوين الأصحاحات الثلاثةالأولى ) .إنّها رواية صحيحة ولكن يجب ان لاتفهم فهما ماديا وحرفيا . أي علينا تفسيرها بالمعنى الرمزي .
إنّ العلم لايستطيع مناقضة الكتاب المقدس ، لأنّ الخالق هو مصدر العلم والوحي . ومن ناحية أخرى ان حقيقة الوحي تبحث في اللامنظور ، في حين ان الحقيقة العلمية تبحث في الكون المنظور .ومهمة العلم هو عرض كيف ومتى ؟ ولا يستطيع ان يجيب على أسئلة : من اين ولماذا؟ . فعلى سبيل المثال الكتاب المقدس وحده يستطيع ان يجيب عل ألأسئلة التالية : من خلق العالم ؟ ولماذا ؟ومن اين اتى الأنسان وما هو مصيره ؟ ومن اين يأتي الشر؟ والألم ؟ والخطيئة ؟ والموت ؟
فلا يحق للمؤمن ان ينكر ما توصل اليه العلماء استنادا الى الدين، ولا يحق للعلماء انكار معطيات الدين استنادا الى العلم . فعلى سبيل المثال يعلّم الكتاب المقدس ان الله هو الذي خلق الكون وجميع الكائنات وما يرى وما لايرى"في البدء خلق الله السماوات والأرض "تكوين 1 :1" . وأما العلم فيقول ان الكون بدا بانفجار عظيم قبل حوالي 14 مليار سنة . لا تناقض بين التاكيدين لان المهم ان الكون هو نتيجة قرار الخالق بغض النظر ان كان الخلق مباشرا او غير مباشر.
تثير اكتشافات العلوم والأبحاث ألأخيرة بما فيها التاريخية والفلسفية مشاكل جديدة تتطلب من اللاهوتيين انفسهم ابحاثا جديدة . وعليه فان اللاهوتيين مدعون للبحث دون توقف لايصال وديعة الأيمان بطريقة افضل. فحقائق الأيمان شيء والتعبير عنها شيء آخر.(انتهى الأقتباس).

اليوم أليس من حق المؤمن المسيحي أن يتسائل
بماذا يتميّز المسيحي (بالولادة) عن غير المسيحي ، عندما نرى حولنا ألكثيرون من آباء الكنيسة والمؤمنين ، لا يبذلون جهدا في ايصال البشارة الى ألأنسانية بطريقة معاصرة تتوالم مع التقدم العلمي في جميع مجالاته وخاصة بعد أكتشاف الكون الواسع؟
اليس من حق المؤمن المسيحي أن يتسائل عن ماهو ألأختلاف بين رعاة تلك الكنائس الذين يركّزون على التقليد والطقوس والفرائض كأنّها واجبات . في حين هناك من المتالمين والجياع والمضطهدين ، يحتاجون الى خدمات أنسانية وعلماء يخترعون لهم الدواء وتكنولوجية متطورة زراعيا تقدم لهم الغذاء واختراعات طبية لمعالجة امراضهم ، وعلماء الفيزياء والكيمياء والفلك يقدمون لهم الكثير من الخدمات كالأتصالات والأدوية ....الخ وكلِّ من يخدم الأنسانية ويسعى الى سعادتها ؟.
لا يمكن للمسيحي أن يكون منعزلا عن هذا العالم مهما كانت الأسباب ، لأن المسيح تجسّد لخلاص العالم كله ، فعلى كل مسيحي أن يعرف فكرة التجسد ، بذهن منفتح في كل زمان ومكان ، وكذلك الأنخراط في البحوث العلمية والتقنية والمساهمة في كل مجالات العلم ، ليستطيع أن يقدم إيمانه للأخرين بطريقة علمية معاصرة ، كما فعل مشاهير العلماء في اوربا عبر التاريخ وكانو غالبيتهم مؤمنين .
يقول العالم " تيار دي شاردن":" فأنتم الذين تتبجّحون بانكم تستطيعون أن تعيشوا بالنور وحسب ، إنّما تقتاتون ، دون أن تشعروا ، من النُسغِ الغليظ الذي يقطِّره آخرون بتواضع في اعماق المادة . إنَّ جسد المسيح يقتات من الكون .(9)
ويقول في كتابه "العلم والمسيح ": "إنّ تاريخ العاطفة الدينية الحالي عند البشر ، مهما كان وضعهم ، يبدو وكأنّه خاضع لنوع من الوحي ، في الضمير ألأنساني ، ناتج عن الكون الواحد والكبير ... المسيح هو محور الكون .... هذا المسيح الكوني هو المسيح الذي تُقدّمه الأناجيل ، وخصوصا القديسان بولس الرسول ويوحنا ، وهو المسيح الذي عاشه كبار المتصوّفين. فمن سيكون الأكبر ، أمام العالم والذي يستحق العبادة؟ المسيح أم الكون ؟
ويجيب تيار دي شاردن على السؤال فيقول :إنَّ الكون ينمو باطراد ، لذلك يجب ، حتما ، أن يكون المسيح رسميا وبكل وضوح ، فوق كل قياس ....علينا نحن المؤمنين ان نرفع ،أمام جميع البشر ، صورة المسيح الكوني (اللوغز).. وإبراز المفهوم الكاثوليكي للمسيح ، "ألألف والياء البداية والنهاية " كُلِّ شي فيه وبه كان ".
{ أيهـا الخـالق. أباركك لأنك سمحت لى أن أعجب بأعـمالك. لقـد أتممت رسالة حـياتى بالعـقـل الذى أنت وهبتنيه. أذعـت للعـالم مجـد أعـمالك. فإذا كنت بأعـمالى التى كان يجب أن تتجه نحوك طلبت مجـد الناس فاعـف عـنّى لصـلاحك وحـنوك. أيتها الانسجامات السماوية باركى الرب. يا نفسى باركى الرب }
الخلاصة:
انَّ العلم والأيمان ليسا نقيضين الواحد ضد ألآخر وكذلك ليسا منفصلين الواحد عن ألآخر وليسا منصهرين الواحد في ألآخر ، بل هما اتِّجاهان اساسيان في الحياة ألأنسانية يخدمان بهدفهما المشترك ألأنسان ومسيرته الحياتية ، سواء الحياة الروحية(الميتافيزيقية ) أو الجسدية (المادية) ، فلكل منهما هدفا واحدا هو البحث عن الحقيقة . ..فالأنسان العالم يجب أن يبحث ويكتشف ويجتاز الصعوبات ، ولا بُدَّ في النتيجة أن ينتصر روحُ ألأكتشاف .
فليمُت رجُل العِلم على صليب عمله ، كما ماتَ يسوع المسيح على الصليب"(10)

----------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) كتاب الجو الآلهي ص 16 للأب "تيار دي شاردن"
(2) كتاب العلم والمسيح للأب "تيار دي شاردن"
(3) نفس المصدر السابق ص 39
(4) ألأب بولس الفغالي في سلسلة الكلمة على قناه النور الفضائية

(5). الأب "بولس فغالي" نفس المصدر السابق

(6) العلم والمسيح للأب " تيار دي شاردن "ص 13-16

(7) http://slayman14.almountadayat.com/t439-topic
(8) http://slayman14.almountadayat.com/t439-topic
(9)نفس المصدر 6 أعلاه " العلم والمسيح" للأب " تيار دي شاردن
(10) كتاب "العلم والمسيح " للأب تيار دي شاردن
(*) الغنوصية

الغنوصيين " أي العارفين بالأسرار", اصحاب هذه البدعة هم الذين يعتمدون على العقل والأسرار الباطنية والأرواح السفلى والذين أدعو أنَّ الخلاص يأتي عن طريق المعرفة التأملية وعن طريق الحدس الخاص بألأصغاء, وممارسة السحر وليس عن طريق ألأيمان بيسوع المسيح والوحي ألألهي.فدعاة الغنوصية نادوا باستخدام العقل للتمييز بينهم وبين أصحاب المعارف ألأخرى ، وبنوع خاص المعرفة الدينية المستندة الى الوحي ، معتبرين أنَّ ألأيمان ألأعمى بالتعاليم السماوية لاقيمة له، وخصوصا ألأيمان بتعاليم المسيح في ألأنجيل . فالعقل هو المرجع ، وكُلِّ تعليم يجب أن يخضع لحكم هذا العقل ، والاّ فلا أدراك لجوهرالحقائق التي أتى بها المسيح وألأنبياء من قبله ......آباء الكنيسة أعتبروا الغنوصية بدعة دخيلة على الكنيسة من العالم الوثني الذي أراد أن يضرب المسيحية في مهدها(راجع رسالتي الرسول بولس الى الكورنثيين والكولوسيين) . فالتفسير العقلي لمعطيات ألأيمان لم ترفضه الكنيسة طوال تاريخها ، شرط أن يكون متوافقا مع معطيات ألوحي ألألهي . لكن آباء الكنيسة وعوا ، منذ البداية أخطار الغنوصية الملحدة التي تمتزج أفكارها بالمعتقدات الوثنية، خصوصا تلك المستمدة من الفلسفة الأغريقية ، وحذَّروا منها ، وحاربوها في جميع
مؤلفاتهم الدفاعية عن العقيدة ألأنجيلية الحقيقية
http://mangish.com/forum.php?action=view&id=3140


17

الله -الكون - الحياة . الجزء الثاني :علماء من مختلف الأختصاصات آمنوا بوجود الله الخالق !!!
نافع شابو البرواري

مقدمة
في كتاب - صدر قريبا في فرنسا لعشرين عالما من مختلف الأختصاصات - بعنوان: هذه براهين العلم على وجود الخالق""
ثلاث سنوات من العمل مع عشرين عالمًا واختصاصيًا رفيعي المستوى يقولون في كتاب: "هنا تنكشف ألأدلة الحديثة على وجود الله"
لما يقرب من أربعة قرون، من كوبرنيكوس إلى فرويد مرورا بجاليليو وداروين، تراكمت الاكتشافات العلمية بطريقة مذهلة، ما أعطى الانطباع بأن من الممكن شرح الكون من دون الحاجة إلى اللجوء إلى إله خالق . بلغة في متناول الجميع، يتتبع مؤلفا كتاب "الله،العلم ، والبراهين" بشكل رائع تاريخ هذه التطورات ويقدمون بانوراما صارمة للأدلة الجديدة على وجود الله.
(راجع مقال للكاتب كما في الموقع التالي)
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=744241
جاء في كتاب"الحياة المنطلقة نحو هدف ...لماذا انا موجود" -الذي حقٌق أعلى مبيعات في العالم –للكاتب المشهور" ريك وارين " ،نقلا عن:
*"الروائي الروسي "أندري بيتوف "مايلي :
" ليس للحياة معنى بدون الله ، كَرَّرتُ هذه العبارة في ذهول حتى أشرقت في ذهني وحملتني الى آفاق بعيدة وخرَجتُ من (الظلمة) ومشيتُ نحو ( نور ) الله ".
ويضيف الكاتب "ريك وارين " في كتابه فيقول: "لقد خلقني الله بدافع المحبَّة.إنّ الله لايفعل شيئا عشوائيا ، لكنه خطَّطَ كُلِّ شيء بدقّة كبيرة . فكُلَّما تعلّم الفيزيائيون ، وعلماء الأحياء ،والآخرون عن الكون ، كُلَّما فهمنا أفضل كيف أنَّه يلائم وجودنا بطريقة منفردة ، كما أنّه مفصّل بحسب المواصفات المضبوطة التي تجعل الحياة البشرية ممكنة " . لقد استنتج.
*"الدكتور مايكل دانتون" ، الزميل المتقدم في بحوث الهندسة الوراثيّة الجزيئيّة البشرية
بجامعة أوتاجو بنيوزيلندة : "أنّ كُلِّ الدلائل المتاحة في العلوم البيولوجية تُساند فرضية الجوهر ....إنّ الكون كَكُل مصمّم خصيصا بحيث تكون الحياة البشرية هدفهُ وقصده ألأساسي ، وهو كُلٌّ يحمل فيه جميع وجوه الحقيقة معنى وشرحا للحقيقة المركزية".(1)
جاء في كتاب"الخلق والتطور ...حوار بين الدين والعلم " لمجموعة من العلماء واللاهوتيين مايلي:
"الخبرة الروحية ، بإمكانها وحدها أن تتيحُ لنا فرصة تمحيص حضور الله ، الخلَاق الذي لانراهُ وإنّما نتائج أفعاله وحدها هي التي نراها....فالله هو ذلك الكائن الذي يسمح في كُلِّ لحظة لكُلِّ كائن حتى للكون نفسه ُ بأكملهِ بأن يبقى في الوجود ، إذ بدونهِ لايمكن ان يكون شيء مما هو موجود. وهنا نلتقي بسهولة تأكيد مار يوحنا بشأن "الكلمة"(اللوغس) :"كُلُّ شيء به كوّن َ وبغيرهِ لم يكن شيء مما كوِّن" يوحنا 1 : 3 "
بدون هذا التأكيد يبقى مع ذلك ممكنا ان يكون لنا إستيعاب شامل ومعقول لظهور ألأنسان في الكون ، ولكن ينقصنا مفتاح أساسي : ذلك المفتاح الذي يُقلِّدنا أيّاهُ سرّ الكون ، وحي بنوره يضيء ظلماتنا ويظهر حيثما وكلما يتجلّى في أعمال المسيح الكائن الذي هو مصدرها بمعية أبيه.إنكار هذا يعني إعجابنا بلوحة جميلة مع جهلنا محل توقيع الرسّام"(2)
جاء في الكتاب المقدّس
لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَر". اشعيا 45 :18"
"لقد حاول العقل ويحاول باستمرار البحثَ عن الحقيقة، فانطلق من ماذا ؟ وكيف ؟ إلى لماذا؟. فشرح الوجود إنطلاقًا من الموجود. وأَغرق في التأَمُّل وصولاً إلى سبب الوجود وعلَّته. وهنا بدأَت رحلة التيه والشرود. فشكَّك بعض المفكِّرين في كلِّ شيء، وظلَّت مداركهم خلف ستار عدم اليقين وضلَّت. وحاول البعض الآخر أَن يجعل من الوجود فيضًا عن واجب الوجود، أَي ذاك الكائن الأَسمى الذي هو السبب الأَوَّل والذي بدونه لا يمكن لكلِّ كائن أَن يكون"انتهى الأقتباس".(3)
نعم
يقول "لي ستروبل " في كتابه "القضيّة ...الخلق":
لسوء الحظ هناك الكثير من سوء الفهم حول ألأيمان . فالبعض يعتقدون بأنَّ ألأيمان يتناقض مع الحقائق .ويقول "مايكل شيرمير":"إنَّ هدف ألأيمان هو أن تثق بصرف النظر عن الأدلة ، وهذا أمر مضاد للعلم ". ومع ذلك ، فهذا بالتأكيد ليس هو فهمي لهذا الأمر . فإنني أرى ألأيمان على أنّه خطوة عاقلة نحو نفس الأتجاه الذي يشير اليه الدليل .أي أنّ ألأيمان يتخطّى مجرد الأعتراف بأنَّ حقائق العلم والتاريخ تشير نحو الله . إنّه يُجيب على تلك الحقائق بالأستفادة من الثقة في الله ، خطوة مضمونة تماما وذلك لتأييد الدليل لها .
كيف نعرف أنّه لايوجد إله ؟ والحقيقة البسيطة في ألأمر كله هو أنَّ الألحاد هو نوع من الأيمان يصل الى نتائج تتخطى الأدلة المتاحة . ومن الناحية ألأخرى ،فإنّ ألأدلة من أحدث الأبحاث العلمية تُقنع مزيدا من العلماء بأنَّ الحقائق تؤيد ألأيمان أكثرمن أي وقت مضى ".(4).
العالم فرانسيس كولينز لايعتقد فقط أن التوفيق بين النهجين (العلم والأيمان) ممكن فقط بل هو ضروري أيضاً. يقول: "ليس هناك تناقض بين أن يكون المرء عالماً عقلانياً وبين أن يؤمن بالله. فالعلم هدفه إستكشاف الطبيعة، والإيمان هدفه إستكشاف العالم الروحي الذي لاتستطيع ادوات العلم الوصول إليه. فالعلم يقف لاحول له ولاقوة أمام أسئلة مثل " لماذا بزغ الكون إلى الوجود؟ " و "ما معنى الوجود البشري" و"ماذا يحدث بعد موتنا؟. ومثل هذه الأسئلة تقود مباشرة إلى الإيمان بوجود قوة إلهية لايحدها الزمان أو المكان او المادة. قوة تهتم شخصياً بالجنس البشري
أن الإيمان بالله يمكن ان يكون خياراً منطقياً وعقلياً بالكامل" ، وان " الإيمان مكَمل لمباديء العلم "(انتهى الأقتباس).
كتاب فرانسيس كولينز، رئيس الفريق الذي فك رموز التركيبة الجينية البشرية، المعنون
لغة الله "(5).

يقول الباحث والعالم نضال قسوم
لماذا كوننا هذا هو في ثلاثة ابعاد فضائية وبعد زمني واحد؟
لماذا لانعيش في اربعة ابعاد فضائية ومثلا بعدين زمنيين ؟
او ثلاثة ابعاد فضائية او ثلاثة ابعاد زمنية
لماذا ثلاثة ابعاد فضائية وبعد واحد زمني؟ هل هي الصدفة ان تكون غير ذلك ؟
اكتشف الفيزيائيون والعلماء انه في اي كونٍ من اي نوع من الأبعاد ما عدا ثلاثة ابعاد فضائية وبعد زمني واحد لايمكن لأيِّ مدارات ان تستقر . لايمكن لأيِّ كواكب ان تدور حول النجوم . ولايمكن لأيِّ نجوم ان تدور حول مجرّة . بل لا يمكن لأيِّ جزيئات ان تدور او تتشكّل حول بعضها البعض . ولا يمكن للأمواج الكهرو مغناطيسية (هذا الضوء الذي نتبادله نحن الآن لرؤية بعضنا البعض ، ولنقل المعلومات ..الخ لايمكن ان ينتقل بالشكل المناسب الذي يحمل المعلومات من مكان الى مكان آخر .لا يمكن لأيُّ كونٍ أن يحمل اي شيء مفيد وان يكون موجودا الّا في ثلاثة ابعاد فضائية وبعد زمني واحد!!!.
هل كوننا هذا هو صدفة يحمل كُلِّ هذه المعطيات وكُلُّ هذه الدقة المتناهية في كُلِّ جوانبه ام هناك شيء وراء ذلك ؟
المؤمنون يقولون طبعا لاغرابة في ذلك ألأمر .لأنّ َ الله الخالق هو الذي خلق هذا الكون هو الذي صمّمه ،هو الذي اوجده بهذه الطريقة وكان يعلم قبل خلقه وبعد خلقه انه يجب ان يكون بهذا الشكل المضبوط(مثل مصمم ساعة).
الملحدون يقولون لا ليس بالضرورة ،لأنّه
اولا: يمكن او ربّما في المستقبل القريب او البعيد يمكن هذه المعطيات ان يفسرها العلم في المستقبل ، ولا يحتاج الأنسان ان يعود الى خالق او مصمم .
ثانيا : هناك فرضية ثالثة ظهرت في الآونة الأخيرة تقول بوجود اكوان متعددة ، وكوننا ليس الا كون من مليارات المليارات من الأكوان . وكل هذه الأكوان لها معطيات ولها قوانين ولها اشكال مختلفة ولها ابعاد مختلفة . ومن خلال هذه الأكوان المليارات وجد كون بالصدفة فيه ضروف لوجودنا . فكوننا موجودين في هذا الكون الغريب العجيب ليس بالصدفة لوجود مليارات المليارات من الأكوان .
يبقى السؤال وهو ماهو الدليل على وجود هذه الأكوان ؟ هذا لايعني انها غير موجودة ولكن لايوجد اي دليل . ممكن الأنسان ان يصدق ان العلم سيثبت يوما ما في المستقبل وجود هذه الأكوان ،او ربما سيثبت عدم وجود هذه الأكوان وان كوننا هو الوحيد ، وبالتالي يجب تفسير هذه الظاهرة العجيبة الغريبة ،هذا الكون الخارق للعادة ،أو ان يسلّم في الأخير انَّ هناك ضبطٌ وتصميمٌ دقيقٌ جدا ،,أنَّ هناك مغزى (هدف) لكلِّ هذا الوجود ، وان الأنسان ، حتى لو لم يكن مركزيا، جغرافيا وفضائيا ، ليس مركزا للكون ، ولكن مكانته مكانة هامة جدا ، وانّ وجود الحياة في الكون شيءٌ عظيم جدا وهامٌ للأنسان وباقي الحياة ، ووجود كًلِّ هذه الدقة المذهلة المتناهية في الكون ، شيءٌ يدعو الى التأمُّل ويدعو الى الخشوع حقيقة (6).

يقول كاتب المزمور:"من قَبلِ ان تولدَ الجبالُ وتَنشأ الأرضُ وساكنوها ، منذ الأزل الى الأبد أنت الله " (مزموؤ 90: 89"
8:05 لا بد ان يكون كائن عاقل غير مادي خالق الكون
اذا طرحنا سؤال ماهو هذا السبب ؟ وطبيعة هذا السبب؟ من خلال التحليل النظري اي من خلال التفكير النقدي يقودنا الى خلاصة مذهلة
وفقا لمعظم العلماء هذا السبب غير مادي لايخضع لزمان او مكان . فالمادة والزمان والمكان خلقت ابان خلق الكون وبداه (7)

اليوم يواجه العلماء صعوبات كثيرة في تفسير سر هذا الكون ، وهذه الصعوبة تزداد تعقيدا يوما بعد يوم
يقول العالم كارل ساغان فلكي امريكي وهو من أبرز المساهمين في تبسيط علوم الفلك والفيزياء الفلكيه وغيرها من العلوم الطبيعية
السؤال المركزي الغير مجاب عنه (قصده لايستطيع العلم الأجابة عنه ) والذي ربما ظل هكذا هو:
: من اين أتت طاقة المادة ؟ ماذا كان الكون قبل الأنفجار الكبير ؟ ومن اتى بمن اتى به (بالكون) ؟ لماذا ينوجد شيء ما بدلا من لا شيء ؟ ما الحياة والوعي والعقل والذكاء والتفكير ؟ فيجاوب هذه العالم عن هذه الأسئلة فيقول معترفا عن عجز العلم على ألأجابة عليها فيقول : " وبالطبع تراجع (علمي ) لانهائي وراء هذا ".(8)

العلم هو طريقة للتفكير فهناك علماء ، ومن مختلف ألأختصاصات ، عبر تاريخ العلم غالبيتهم كانوا مؤمنين بوجود الله الخالق للكون والحياة ولم يتركوا ايمانهم بل زادوا ايمانا في اكتشافاتهم العلمية.
وعن العلماء الذين تخصصوا في مختلف أختصاصات العلوم مثل: علم الكون والفلك والفيزياء والأحياء الخلوية والجينات والوعي الأنساني نذكر بعضا منهم :
*البروفيسور "فلاديمير ليبنوف " عالم سوفيتي وروسي معروف في علم الفيزياء الفلكية ويحمل شهادة دكتوراه دولة في العلوم الفيزيائية الرياضية . حضي باعتراف وتقدير على الصعيد الدولي بعد عام 2002 عندما باشر مع زملائه من مختبرالرصد الفضائي في معهد علم الفلك التابع لجامعة موسكو الحكومية باقامة شبكة ماستر الكونية للمراصد ذاتية الحركة او الريبورتات التلسكوبية.
له كتاب بعنوان "ألأنفجار العظيم الى الصمت الكبير " ومقال بعنوان "ألإله الذي
يكتشفه العلم"يقول:
"إنّ الدين والعلم ليس بينهما تناقضا ذو شأن ... ومع ذلك يظهر باستمرار مغفّلون من اللادينيين والمُتديّنين ، بعظهم يدحض الكتاب المقدس ملوحا بعظام الديناصورات (اي اللادينيّون المؤمنون بنظرية داروين بالنشوء والأرتقاء) ، والبعض ألآخريدحض نظرية داروين في النشوء والأرتقاء استنادا الى الكتب والنصوص المقدّسة (المتديّنين المؤمنين بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس). يظهر باستمرار أمثال هؤلاء الذين لايتصفون بالمعرفة والحكمة ، ولكن هناك أناس حكماء يدركون القيمة الحقيقية لهذه التهجّمات المتبادلة السخيفة".
يضيف فيقول:
عدد هائل من العلماء ساهموا في حل رائع لهذه المسألة ولن يشعروا بالحرج من ذلك لأنّ نجاحاتهم العلمية وإكتشافاتهم أودت بهم الى ألأعجاب بربّانية هذا العالم ...وووجود عقل أسمى (او وجود خالق لهذا الكون).. فما أن يشعر العالم بالغرور ويكفُّ عن التطور روحيا حتى يتلقى الضربة الجوابية من الطبيعة" انتهى الأقتباس".
* "كارل ساغان " عالم فلكي يقول:" العالم مُنظَّم (الكون مُنظَّم) . وهذا التنظيم لكي يصبح معروفا - وهذا كان معروف بالفلسفة ب "اللوغس" - أي تلك
القوّة’ المُنَظَّمة للكون . أرسطو أراد معرفة سرّ " اللوغس " الذي يجعل الأشياء مُنظّمة " في البدء كان المنطق والمنطق صار جسدا" .هذا المنطق ليس قوّة مجهولة للكون في المسيحية . منطق الكون كُلُّهُ شخص أبدي . وهذا هو الأسهام في الدفاع في البداية . وهذا كان حوار بولس الرسول مع الفلاسفة اليونان ،"لأنَّ به وله ومنه كل شيء".(9)
اسحق نيوتن (1642-1727)(Sir Isaac Newton)*
*"اسحق نيوتن" ، مؤسس النظرية الكلاسيكية للفيزياء في "الجاذبية "
كان اسحق نيوتن من اعاظم العلماء، وصاحب اكتشافات كثيرة، كقوانين الجاذبية مثلا، وقوانين الحركة، والرياضيات. كما ان نيوتن ساهم في تقدم العلوم، ولا سيما في حقول الفيزياء، والرياضيات، وعلم الفلك يقول:
"بناء الكون المُدهش والأنسجام الذي فيه يُمكن أن يُفسّرا فقط بأنّ الكون خُلِق بخطّة كائن كُلّيُّ العلم والقدرة . هذه هي كلمتي الأولى والأخيرة ".ويقول في مناسبة اخرى :
" لايمكن لهذا النظام الرائع (الكون ) أن ياتي الاّ من ارادة السلطة المطلقة للكائن الذكي والأسمى ".


*"أندري ماري أمبير" ، فيزيائي وعالم في الرياضيات .إكتشف القانون الرئيسي للديناميكية الكهربائية . يقول:
" البرهان الأكثر إقناعا على وجود الله هو : تناغم الوسائل التي يتمُّ بمساعدتها الحفاظ على النظام في هذا الكون . وبفضل هذا النظام تجد الكائنات الحيّة في أجسادها ، كُلِّ ما هو ضروري لتطوير وزيادة إمكانيّاتها البدنية والروحية ".
*"اللورد كليفون" الذي يُعرف بإسم "وليم تومسُن" ،أوَّل من صاغ القانون الثاني للديناميكية الحرارية يقول:"لاتَتَوجَّسوا من أن تكونوا أُناسا ذوي أفكارٍ مُتحرِّرة . فإنّ فكَّرتُم بعمق ستكسِبون عبر العِلم ألأيمان بالله ".
اشتهر"كليفون" بإرسائه مبادئ الطاقة الحرارية، وبصياغته الدقيقة لكل من قانونها الأول الذي كان العالم جول قد عرضه أولا، ولقانونها الثاني. وهذان القانونان يظهران نظرية "داروين " في النشوءْ والأرتقاء لا تستند إلى أيه أسس علمية. وهو مكتشف قياس الحرارة المطلقة ، والتي أطلق اسمه على وحدتها، لتكريمه. كما أنه سجل نحو تسعين اختراعا خلال حياته.
وكليفون،كان لديه إيمان قوي باللَه. وقد صرح قائلا: "كل ما حولنا يشير، بوضوح تام إلى خطة حكيمة وصالحة... أما فكرة الإلحاد فهي بعيدة كل البعد عن المنطق السليم بشكل أعجز عن التعبير عنه بالكلمات ".وهكذا صرح بالقول: "في ما يتعلق بأصل الحياة، يأتي العلم ليثبت، بشكل إيجابي، حقيقة القوة الخالقة
*"جيمس جووي" : أثبت تجريبيا القانون الأول للديناميكية الحرارية يقول :
"معرفة قوانين الطبيعة هي معرفة الله ".
*"جوزيف طومسون" ، إكتشفَ الألكترون حائز على جائزة نوبل في الفيزياء ، يقول : "لا تخشوا أن تكونوا مفكِّرين مستقلّين ! إنَّ فكَّرتم بقوّة كبيرة فإنَّ العِلم سيقودكم دون شكّ الى الأيمان بالله .ألأيمان الذي هو أساس الدين . وستجدون أنّ العلم ليس عدو للدين بل هو مساعد له ".
*"ماكس بلانك"، مؤسِّس نظرية الكم يقول:" أنَّى وكيفما رحنا ننظُر بعيدا فإنَّنا لن نجد نُعارضات بين الدين والعلوم الطبيعية ، بل على العكس ،فإنَّ أفضل مزيج هو في نقاطهم الرئيسيّة . الدين والعلوم الطبيعية لايلغي أحدها الآخر ، كما يعتقد البعض . هذان المجالان يُكمِّلان بعضهما بعضا ، ويرتبطان واحدهما بالآخر ".
*"البرت انشتاين" . واضع النظرية النسبية ،حائز على جائزة نوبل في الفيزياء يقول : " يَكمُل ديني في الشعور بالأعجاب المتواضع أمام العقلانية التي لاحدودَ لها . والتي تُعبِّر عن نفسها في التفاصيل الدقيقة (الضئيلة ) لِلوحة العالم هذه . اللوحة التي نحنُ مؤّهلون فقط أن نُحيطَ بها ، ونستوعبها بشكل جزئي بعقلنا . هذه الثقة المشاعرية بأعلى تكوين منطقي لبُنية الكون، هي تصوري عن الإله".
*"ماكس بور" حائز على جائزة نوبل في الفيزياء يقول:" لقد أبقى العلم مسألة الأله مفتوحة تماما . والعِلم لايملك الحق بالحكم في هذه المسألة ".
*"آرثر كونتون " حائز جائزة نوبل في الفيزياء يقول :"بالنسبة لي يبدأ ألأيمان من إدراكٍ أنَّ العقل ألأعلى خَلَقَ الكون وألأنسان . ليس صعبا على الأيمان بذلك لأنَّ وجود الخُطَّة، وبالتالي العقل لايمكن دحضها . إنَّ النظام في الكون الذي نراهُ بأعيُنِننا يُبَرهي بنفسِهِ على حقيقة أعظم وأرفع تأكيد وهو :" في البدء كان الله ".
*"بيرنر هايزن بيرك "،أحدُ مبتكري أُسُس الفيزياء الكمية ، وحائز على جائزة نوبل في الفيزياء ، يقول:" إنَّ أوَّلَ جُرعَةٍ من وعاء العلوم الطبيعية تجعلنا مُلحدين . ولكن هناك في قعر الوعاء ينتظرنا الله "(10).

جوهانس كبلر (1571-1630 (Johannes Kepler) *
استحق "جوهانس كبلر" بفضل إنجازاته العظيمة واكتشافاته في مجال علم الفلك، أن يوصف (بالرجل الذي باشر العملية التي اعتمدت المنطق بدل الخرافات) . فقوانينه الثلاثة حول مسار الكواكب، هي التي أرست أسس علم الفلك الحديث
لخّص جوهانس كبلر إيمانه بقوله:
أن الله هو إله ترتيب وليس اله تشويش. وهكذا فإن كتابه تحت العنوان (انسجام العالمين)، والذي اصدره في العام 1619 لتدوين مبدأه الثالث المتعلق بمسار الكواكب، وردت فيه هذه الكلمات: "عظيم هو الله ربنا، وعظيمة قدرته، ولا نهاية لحكمته". وقال كبلر ايضا: "كنت انوي أن أصبح لاهوتيا ... لكني أرى الآن أن الله تمجّد أيضا من خلال نشاطي في مجال علم الفلك، ذلك لان السماوات تحدّث بمجد الله".
روبرت بويل) (1627-1691)(Robert Boyle) *
بالإضافة إلى كون " روبرت بويل " رائد الكيمياء الحديثة، ساهم ايضا في تقدم التفكير العلمي. ومن جملة اكتشافات بويل الشهيرة، نذكر مثلا، جهوده بشأن علاقة ضغط الغازات بحجمها، والتي لا تزال تعرف في ايامنا بقانون بويل.
لم ير روبرت بويل اي تضارب بين العلم وايمانه المسيحي. وقد ألّف بعض الكتب الدينية التي ضمّنها مجموعة من التأملات الروحية التي فيها انطلق من عالم الطبيعة لتوضيح حقائق مسيحية. كان ايمان بويل قويا بيسوع المسيح مخلّصه وربه. وهكذا ذكر في كتاباته عن (آلام المسيح، وموته، وقيامته، وصعوده، وعن كل تلك الاعمال المدهشة التي صنعها ابان وجوده على الارض، بهدف التاكيد للجنس البشري بانه إله وانسان في آن.
) مايكل فاراداي (1791-1867 (Michael Faraday) *
كان مايكل فاراداي رائدا في حقل الكهرباء الذي كان مغمورا في ذلك الوقت. وهو المسؤول عن اختراع كل من المولد الكهربائي والمحول الكهربائي. كما انه كان من اوائل صانعي المحركات الكهربائية. وتقديرا لجهوده في حقل الكهرباء، اطلقوا التسمية فاراد على وحدة المواسعة الكهربائية.
كان مايكل فاراداي مسيحيا مؤمنا، وكانت حياته مليئة قوة من الله. لقد استمر فاراداي متواضعا على الرغم من تناوله طعام الغداء الى مائدة الملكة فكتوريا، وإقدام اعضاء من البلاط الملكي على حضور محاضراته. كان واحدا من الشيوخ في كنيسته المحلية، وغالبا ما كان يكرز للناس بالانجيل. وعندما سأله احدهم عن تخميناته بشأن ما يحصل بعد الموت، اجاب فاراداي: (انت تحدثني عن تخمينات؟ ليس عندي اية تخمينات. بل انا مستند الى امور يقينية واكيدة. لاني عالم بمن آمنت وموقن انه قادر ان يحفظ وديعتي الى ذلك اليوم).
) صموئيل مورس (1791-1872 (Samuel Morse)*
اخترع صموئيل مورس التلغراف، ونظام مورس الذي دعي باسمه.
كان صموئيل مورس مسيحيا حريصا على اعطاء المجد لربه. وهكذا وصف عمله الذي انجزه في حياته بهذه الكلمات: ((انه عمل الرب... ليس لنا، يا رب، ليس لنا، لكن لاسمك اعط مجدا)) . لم يجد اي صراع بين العلم والمسيحية..
متى موري (1806- 1873 (Mathew Maury)*
(oceanography) كان متى موري رائدا في مجالي علم المحيطات
(Hydrography) و علم وصف المياه
لقد اصبحت بعض مقالات موري وكتبه من اشهر المراجع في هذين الحقلين. دعم موري بقوة مشروع مدّ خط اتصال عبر المحيط الاطلسي، والذي يعتبر اول انجاز عظيم في حقل الاتصالات الدولية.
كان متى موري مسيحيا مكرسا وقابلا بسلطان الله على حياته. وهكذا استعان بإنجازاته العظيمة لاعطاء المجد لله، على اعتبار انه الرب على كل الخليقة، (سواء ما على الارض، او ما في البحار)..
) جيمس جول (1818-1889 ) James Joule)*
اشتهر جيمس جول بإنجازه في حقل الفيزياء، حيث بيّن جول العلاقة بين الحرارة والحركة الميكانيكية، وهكذا دعيت وحدة الطاقة باسمه: الجول. وهو يقف ايضا وراء قانون جول، بالاضافة الى كونه احد مؤسسي العلم الحديث العهد في ذلك الوقت، والذي عرف بالطاقة الحرارية .وذلك بفضل تقديمه اساسا اختباريا للقانون الاول المختص بالديناميكا الحرارية، والذي يشير ضمنا الى ان الكون عاجز عن خلق نفسه بنفسه
كان جيمس جول مسيحيا مشهودا لايمانه. لقد تمكن من رؤية الانسجام العظيم القائم بين عمله وبين حق الكتاب المقدس. كما ان العديد من زملائه العلماء شاركوه في نظرته هذه، وفي رفضه لتيار الداروينية الذي كان يكتسح انجلترا في ذلك الوقت. وعلى اثر ذلك، قام 717 عالما، في العام 1864 ، بالتوقيع في لندن على بيان عظيم تحت عنوان (اعلان تلاميذ العلوم الطبيعية والفيزيائية)، يؤكدون فيه ثقتهم الكاملة بمصداقية الكتاب المقدس. فالعالم "جيمس جول" كان لديه ايمان ثابت بان الله هو الخالق، وعلى هذا الاساس، رتّب اولوياته: ((بعد التعرف بإرادة الله واطاعتها، يجب ان يكون هدفنا التالي هو الاطلاع على خصائص الحكمة والقدرة والصلاح لديه، كما تبرزها اعماله)).
لويس باستور (1822-1895 ) (Louis Pasteur)*
هو مؤسس الصنف الجديد من العلوم والمعروف بعلم الاْحياء المجهري وعلم الجراثيم كما أنه اقترح التلقيح وتحصين المناعة والبسترة والتي ساعدت على انقاذ ارواح العديد من الناس. وهو صاحب القول المأثور: "كلًما أمعنت في دراسة الطبيعة، كلًما ازدادت دهشتي أمام عمل الخالق"
وهو أيضا صاحب قانون النشوء الاْحيائي ، والقائل إن الحياة لا تأتي إلّا من الحياة، داحضا بذلك فكرة التولد التلقائي والتي كانت رائجة في ذلك الحين.
لم يرى باستور أي تناقض بين العلم والمسيحية. بل كان يؤمن إيمانا راسخا بأن "العلم يعمل على تقريب الناس من اللًه". وبصفته عالما بارعا، استوقفه ما في الكون من أدلة على الترتيب والنظام أكثر منها على التشويش والفوضى أمام عمل الخالق".
ويقول في مكان اخر :"الإيمان لا يمنع أي ارتقاء كان ، و لو كنت علمت أكثر مما أعلم اليوم ، لكان إيماني بالله أشد وأعمق مما هو عليه الآن
ثم عقب هذا بقوله : "إن العلم الصحيح لا يمكن أن يكون مادياً و لكنه على خلاف ذلك يؤدي إلى زيادة العلم بالله ،لأنه يدل بواسطة تحليل الكون على مهارة و تبصرّ، وكمال عقل الحكمة التي خلقت الناموس المدبّرة للوجود ، كمالاً لا حدَّ له"(11).
* الفيزيائي بول ديفيز" يقول:
إنَّ حقيقة الكون المبدع بحدِّ ذاتها، وأنَّ القوانين قد سمحت بظهور بنى معقَّدة وتطوُّرها لدرجة الوعي - بمعنى أنَّ الكون قد نظَّم وعيه الخاص - هي بالنسبة لي دليلاً قويًا على أنَّ هناك "شيئًا ما" يجري خلف كل ذلك. فهذا الإحساس بوجود تصميم ذكي غامرٌ بشدَّة" (12)
*"ويرنر فون براون" هو عالم صواريخ عمل في مشروع ناسا الفضائي وهومصمم صاروخ نقل أول رائد فضاء إلى القمر. يقول هذا العالم:
"إن الأسرار الغامضة الكثيرة الموجودة في الكون يجب أن تؤكّد إيماننا بخالق الكون . وأجد صعوبة في فهم عالم لايعترف بوجود قوّ’ عاقلة خارقة للطبيعة وراء وجود هذا الكون تماما مثلما يصعب عليَّ فهم عالم لاهوت ينكر التقدم العلمي ".
*" السير جون تيمبيلتن "يقول:
"ألأيمان لايتضمّن ولايعني إنغلاقا ، بل عقلا منفتح تماما كنقيض للعمى ، يُقدِّر الحقائق الروحية العظيمة التي يتغاضى عنها ويهملها الماديّون عندما ينحصرون فيما هو مادي فقط".
*"البروفيسور جي . بي مورلاند"
"لايمكنك أن تحصل على شيء من لاشيء ، فإذا كان الكون نشأ من مادة ميتة لاوعي فيها كيف يمكنك إذا أن تحصل على شيء مختلف تماما – وعي ، حياة ، تفكير ، مشاعر مخلوقات حيّة’ – عن المادة التي ليست بها مثل هذه الأشياء . ولكن إذا كان كل شيء بدأ من فكر وعقل الله فليست لدينا مشكلة في تفسير مصدر واصل عقولنا ".
*" اليستر مكجراث" .يتسائل فيقول:
"في تأملنا للكون والنجوم ألا يجعل هذا وجودنا الحالي امر غريب ورائع في ذات الوقت ؟. غريب ، لأن هذا ليس هو مصيرنا ورائع لانه يشير للأمام الى حيث رجاءنا الحقيقي .إنّ جمال السماوات بالليل ، او روعة غياب الشمس هي مؤشرات هامة لتلك الأصول وتحقيق كامل لرغبات قلوبنا العميقة ".
*العالم " باتريك جلين"
إنّ المعلومات المتناغمة تشير بقوة تجاه فرضية وجود الله .إنّه أسهل وأكثر الحلول وضوحا للغز ألأنساني "
*الفيزيائي الفلكي "هارفارد جون " من ناسا يقول:" لو لم يكن الكون قد صُنع بأقصى دقّة ما كنا موجودين فيه . ومن وجهة نظري أنَّ هذه الظروف تبين ان الكون خُلِقَ للأنسان ليعيش فيه ".
*العالم "جي . بي . مورلاند" يقول:" لايُمكِنُكَ أن تحصل شيء من لاشيء. فإذا كان الكون نشأ من مادة ميتة لا وعي فيها كيف يمكنك إذاُ أن تحصل على شيء مختلف تماما – وعي ، حياة ، تفكير ، مشاعر مخلوقات حية – عن المادة التي ليست بها مثل هذه الأشياء . ولكن إذا كان كُلِّ شيء بدأ من فكر وعقل الله ، فليست لدينا مشكلة في تفسير مصدر وأصل عقولنا "(13).
إنَّ الوقائع تُشيرُ الى وجود مصمم او خالق لهذا الكون والحياة ، بل بعض العلماء ذهبوا
ابعد من ذلك الى تشكُّكُهم بمصداقية زملائهم .
* العالم جون باول كاردنر " يقول:"كيف يمكن لعالم يتحلّى بذرة من المصداقية ان ينسب التعقيد الذي نراه في الكائنات الحيّة الى التفاعلات العشوائية ، مع العلم إنّ إمكانية حدوث ذلك ضئيلة جدا .إنَّ ذلك برايي خرق خطير للمصداقية العلمية ".
التكوين 4 الحية بين الحقيقة والأيمان
*"جون لنكس " عالم الرياضيات الذي ناظر العالم الملحد"ريجارد دوكينز"يقول :
"لدينا معالج معلومات هائل اسمه الخلية ، هل يمكنني أن اصدق أنَّ آلية معالجة المعلومات هذه ظهرت من خلال قوانين الطبيعة والعمليات العشوائية بدون عقل؟ ويجاوب قائلا : انا اجد هذا مستحيل التصديق ، كعالم ، من أنّ العقل يأتي من المادة . يضيف جون لنكس فيقول: بالنسبة لي ، تفسير الكتاب المقدس هو:" في البدء كانت الكلمة وكان اللوغس ، وهذا منطقي تماما ...وهو يجعل قدرتنا على استخدام العلم منطقية .... اللوغوس ازلي وان الكون وقوانينه والقدرة على التفسير الرياضي ، انَّ هذه الأشياء مشتقة ، بما فيها العقل البشري من اللوغوس".(14)
*"تيار دي شاردن " عالم الحفريات والجيولوجي والمتصوف والفيلسوف واللاهوتي
لاقى الصدى العجيب لابحاثه المقترنة باشعاع شخصيته وبغنى فكره ، وشهادة حياة تغلغل المسيح في أعماقه ، والذي ترك اثرا بالغ في عصرنا . ومن اهم كتبه : "القوّة الروحية للمادة "و"ظاهرة الأنسان " و "نشيد الكون" و" الجو الإلهي " و " العلم والمسيح ".
يقول هذا العالم عن المسيح الكوني :
"لاينبغي للعلم أن يُقلق إيماننا بتحاليله ، بل بالعكس ، ينبغي له أن يساعدنا لنزداد معرفةُ وفهما وتقديرا لله . أمّا بالنسبة لي ، فأنا مقتنع أنّه ليس هنالك من مغذِّ طبيعي للحياة الدينية أعظم من الأحتكاك بالحقائق العلمية المفهومة على الوجه الكامل . إنّ الأنسان الذي يعيش في هذا الكون والذي يختبر بنفسه رحابة الأشياء الساحقة وتعنُّتها المزري ، إن هذا ألأنسان ، أقول ذلك موقناً ، يستطيع ان يحصل على مفهوم أدقّ من أيِّ إنسان آخر ، وذلك لأنّه يحصل على مفهوم أوضح عن حاجته الشاسعة الى الوحدة التي تدفع الكون الى الأمام والمستقبل العجيب الذي ينتظره ولا أحد يفهم أكثر من ألأنسان الذي ينحني على المادة كما
المسيح ، بتجسّده ، هو في قلب العالم ، ومتجذّر في العالم حتى أصغر الذرّات(15) .
نختم بحثنا بمقولة العالم واللاهوتي والفيلسوف "تيهار دي شاردن":
"لايمكن أن نتصوَّر الكون متماسكا تمام التماسك مع متطلبات نشوء ألأنسان الخارجية والداخلية ،إلّا وقد إتَّخَذَ هذا الكون شكل محيط نفسي متوافق . وإنّه يكتمل بالضرورة الى ألأمام ، في قطب من أقطاب الوعي ألأعظم حيثُ تبقى وتتنامى كُلُّ ذرَّة عاقلة واعية .
وهكذا فإنَّ الكون يبلغ الذروة في نقطة النهاية "(16)

المصادر
(1)
كتاب"الحياة المنطلقة نحو هدف ولماذا انا موجود
(2)
كتاب"الخلق والتطور ...حوار بين الدين والعلم "
(3)
مقال للأب كميل مبارك
العقل البشري ومداركه

(4)
كتاب "القضيّة ...الخلق":
(5)
راجع الموقع التالي
http://smehio.blogspot.de/2013/02/blog-post_22.html-

(6)

هل خلق الكون من أجل الإنسان؟ راجع الموقع التالي

https://www.youtube.com/watch?v=8juN96Wshfs
(7)
http://www.youtube.com/watch?v=T5kiOnEJEuI

(8)
مقابلة خاصة على قناة
CNN

(9)
رحلة في الذاكرة - خالد الرشد - الفزياء الفلكية الحديثة. عدم تعارض العلم والدين

https://www.youtube.com/watch?v=_ha7N4K2zgc&t=1228s
(10)
Khaled Al Rushd رحلة في الذاكرة - خالد الرشد - الفزياء الفلكية الحديثة. عدم تعارض العلم والدين
https://www.youtube.com/watch?v=_ha7N4K2zgc&t=1228s.

(11)
من كتاب "وقال الله.. العلم يثبت سلطان الكتاب المقدس" د. فريد حنا
http://www.kalimatalhayat.com/outlines/300-and-god-said/4370
-scientists-believe.html
(12)
http://www.maaber.org/issue_november13/spotlights4.htm

(13)
كتاب القضية ...الخالق
(14)
راجع المناظرة بين جون لنكس وريجارد دوكينز
https://www.youtube.com/watch?v=s8LFywgj-4E
(15)
راجع كتاب "العلم والمسيح" للأب تيهار دي شاردن
(16)
كتاب" الخلق والتطور " حوار بين الدين والعلم

18
الله - الكون – الحياة .
الجزء الأول :اسئلة وجودية تحتاج الى اجوبة
نافع شابو البرواري
مقدمة
منذ أن وعى الأنسان العاقل طرح ويطرح تساؤلات فلسفية وجودية مثل:
هل لهذا الكون من إله ؟ هو سؤال العصر وسؤال في كُلِّ زمان ، ولكن القليلون من لديهم الأجابة الشافية على هذا السؤال
من أين يأتي فهم ألأنسان للكون؟ من أين له أن يسأل عن أصل الحياة نفسها؟ من خلق الحياة؟ ومن الذي أوجدها؟ كيف ؟ هل وجدت بالصدفة ؟
لماذا يتطلّع الأنسان على نفسه ويعي نفسه بعد اطلاعه على الكون ومحاولته فهمه ؟
لماذا يكون تفاعل عقل الأنسان مع الواقع ممكنا في الوقت الذي كان بامكان هذا العقل البشري أن يبقى أعمى أمام الأضطراب ألأعظم والفوضى الكونية ، أو غائصا في عالم يتعذر كليا فهمه وتوقعه ؟
هل وجود هذا الكون والمخلوقات هي عبثية وصدفة وليس لها هدف ؟ أم انّ الخليقة كُلّها تتَّجه في صيرورة نحو غاية وهدف ؟
هل من المعقول أنَّ هذا الكون مجرد حادث غريب وإنّه لايوجد عقل ورائه ؟
لماذا يوجد شيء بدل عدم وجودها؟
هل بدأ هذا الكون، منذُ ألأنفجار العظيم ، وله بداية ونهاية ؟ ام وجوده دلالة على بقائه ؟
هل النظام المبدع في جسم الأنسان وحركة الأفلاك والمجرات والنجوم والكواكب ، التي تسير بنظام بديع حدّ المستحيل، هو من أجل لاشيء ، وصدفة ام أنّ وراء الكون والحياة ، خالق مُبدع وضع كُلِّ شيء بترتيب وأخضعها لقوانين الطبيعة ؟
هل عقولنا تُصدّق أنَّ الفوضى تَخلق النظام ، بينما في قرارة نفسي وعقلي يُخبرني ، على أساس المنطق ، أنَّ هذا الوجود غير ممكن إلّا إذا كان وراءه من أوجدهُ؟.
لماذا أومن بالله ؟ وهل يقود العلم الى الأيمان بوجود الله (الخالق)؟.
هل هناك حقائق علمية وتاريخية تدعم الأيمان بالله ؟
الأجابة على هذه الأسئلة ستاتي من المتخصصين في فروع العلوم من "الكيمياء " الى "الفيزياء" وعلم "ألأحياء" والرياضيات والطب ..الخ
وستكون الأجابة بالعقل والمنطق والوعي والعلم حيث سيستطيع الأنسان ان يصل الى ادلّة تقودهُ الى أنّ هذا الكون والحياة كُلّها ليست صدفه بل هناك عقل سامي وخالق لها وعلى راس الخليقة هو الأنسان الواعي بهذا الكون والخليقة .
وجود الكون يجب ان يكون له تفسير . فإذا كان هناك وجود لابدَّ أن للكون الواحد "خالق "، ويكون أعظم من الكون ,. وجود بداية للكون دليل على انّ كلِّ شي اتى من لاشيء اي الزمان والمكان للكون .
ظهرت في السنوات الخمسين ألأخيرة ادلة ، إن جُمعت معا ، تُقدم دفاعا قويا عن ألأيمان . والأيمان وحده فقط هو الذي يمكنه أن يقدم اجوبة مُرضية من الناحية العقلية لكل هذه الأدلة
مثلا ، إنَّ كان صحيحا أن هناك بداية للكون – كما يتفق علماء الكونيات المحدثين الآن – فهذا يتضمن وجود علة تفوق الكون. وان كانت قوانين الطبيعة معدَّلة لتسمح بالحياة – كما يكتشف علماء الطبيعة المعاصرون – فربما يكون هناك مصمم قام بتعديلها . وإن كانت هناك معلومات في الخلية- كما توضح البيولوجيا الجزيئية – فهذا يثبت وجود التصميم الذكي. وللأبقاء على سير الحياة في المقام الأول يتطلب معلومات بيولوجية ، والتضمينات تشير الى ما وراء المملكة المادية الى علة ذكية قبل ذلك.
العالم "فيجو أولسين"بعد بحثه عن دليل لوجود الله الخالق توصل الى النتائج التالية:
اولا : عرف على اساس علمي ان الكون ليس ازليا . بل بالحري ظهر في نقطة معينة .إذن لابد من قوّة هائلة اوجدته .
ثانيا : نظرا الى الخُطَّة الواضحة للكون ، والجسم الأنساني بكل اعضائه وخلاياه ، اذن انّ القوة التي خلقت هذا الكون يجب ان تكون قوة ذكيّة.
ثالثا : بالرغم من عظمة القوّة العقلية لدى ألأنسان ، فهناك
من هو أعظم ، القدرة على الحب والتعامل بالمشاعر او العاطفة ، ولأنَّ الخالق يجب أن يكون أعظم من خلائقه ، فلابُدَّ وأنَّ له نفس هذه الصفات".
كتب " فيجو أولسين" ثلاثة كتب عن اختباراته الشخصية وأحد هذه الكتب بعنوان "اللا أدري الذي جرؤَ عن البحث عن الله "يقول : بوجود مخاطرة مع البحث عن دليل لوجود الله : وعند نقطة معيّنة فإنَّ الحق الذي تكشف عنه سيتطلَّبُ إجابة . وهذا يمكنه أن يغيّر كلّ شيء .
كيف تكتشف علميا وعمليا وجود الله ؟ .إذا كنتَ شكّاكا روحيّا أرجو ان تتمكن من اكتشاف الدليل بنفسك . وفي الحقيقة ، فإنّ سلوك اولسين ذات الثلاث جوانب قد يساعدك إذا اتّبعته .
يقول "لي ستروبل" كاتب كتاب بعنوان " القضيّة ...الخالق " وهو الذي بحث عن ادلة لوجود الخالق من خلال جوانب ثلاثة في بحثه وهي:
أولا : هل هناك اله خلق هذا الكون ؟
ثانيا :هل كشف الله عن ذاته للبشرية من خلال الكتاب المقدّس أو أيّ كُتب مقدَّسة أُخرى ؟
ثالثا : هل يسوع هو ابن الله – متحدا بالبشرية – ويمكن ان يساعنا كما إدّعى
وسوف تكتشف أنّ الكون محكوم بقوانين طبيعية وقوانين روحيّة . والقوانين الطبيعية تقودنا الى الخالق ،أمّا القوانين الروحية تعلمنا كيف نعرفه شخصيا اليوم والى الأبد .
يقول العالم الكيمياوي "مايكل .جي . بيه":
"بالنسبة لي أنّ غرض العلم هو كيف جاءت ألأشياء الى هنا ، وكيف تعمل ، ويجب على العلم ان يبحث عن الحقيقة ، وليس فقط مُجرّد البحث عن تفسيرات مادية – إنّ علماء التاريخ العظام – مثلا نيوتن واينشتاين ، لم يعتقدوا على ألأطلاق ،أنَّ وظيفة العلم هي ان يأتي ببعض التفسيرات الذاتية للطبيعة . وهذا إبتكار حديث وليس جيداً ، وخاصة في ضوء ألأكتشافت التي حدثت في السنوات الخمسين الأخيرة والتي اشارت الى الأتجاه المعاكس".
إدِّعاءات الحقيقة للألحاديين لايمكن إثباتُها . كيف نعرف أنّه لايوجد إله ؟ والحقيقة البسيطة في الأمر كله هو أنّ الألحاد هو نوع من الأيمان يصل الى نتائج تتخطى الأدلة المتاحة. ومن الناحية الأخرى ، فإنّ ألأدلة المتاحة من أحدث الأبحاث العلمية تُقنع مزيدا من العلماء بأنَّ الحقائق تؤيد الأيمان أكثر من اي وقت مضى....إنّ الفكرة القديمة التي تقول انه هناك الكثير في الوجود أكثر مما تراه العين تبدو كما لو انها فكرة حديثة ظهرت ثانية . وإننا ندخل أعظم مرحلة للتداخل بين العلم والأيمان منذ حركة التنوير التي حاولت ان تُصلح الأثنين معا ..هذا تطورغير متوقع وسبب للكثيرين من العلماء بالصدمة . قد يكون ذلك أمرا غريبا ولكن العلم يقدم طريقا مؤكدا نحو الله اكثر من العقيدة .الشخص الذي لايعرف شيئا عن العلم سيقول إنّ العلم يقوده بعيدا عن الأيمان . وإذا درست العلم بجدية فسوف يقربك الى الله. ... فوجود الله يعطي معنى لكثير من جوانب معرفتنا واختباراتنا مثل : نظام وثمار العالم المادي ، الوجوه المختلفة للحقيقة ، الأختبارات الأنسانية في العبادة والرجاء ، ظاهرة يسوع المسيح (بما فيها قيامته) ....إنّ حقائق العلم والتاريخ يمكنها فقط أن تأخذنا بعيدا . فبعد نقطة معينة تتطلب الحقيقة إجابة . وعندما نقرر ان لا نتأمل فقط في الفكرة المجردة يمكننا ان نلتقي به شخصيا ونتصل به يوميا ونقضي ألأبدية معه كما وعدنا بذلك . وهذا يُغيِّر كل شي. (1)
يوصف عصرنا الحالي بأنه عصر العلم، حيث أصبح العلم جزء من حياتنا اليومي، نحتاجه في معظم أعمالنا. لكن في بعض الأحيان يحدث أن تصطدم الحقائق العلمية بالدين، ترى هل يمكن أن يصل الاثنان أخيراً إلى اتفاق؟
كثيراً ما تصطدم الحقائق العلمية بالدين، ويختلفان، ويحار العلماء أنفسهم في هذا الأمر. فيرى البعض في الاكتشافات الحديثة عن لا محدودية الكون واتساعه المستمر مبرراً لشعور الإنسان بالاكتفاء الذاتي، وبعدم احتياجه إلى "إله". بينما يرفض البعض كل ما يقوله العلم ويتناقض مع الدين. ولكن هل من الممكن فعلاً أن يكتمل العلم بدون دين؟ أو هل من الممكن أن يستمر الدين في رفضه للعلم، في زمن العلم والتكنولوجيا؟ ربما حان الوقت أخيراً للتعاون بين هذين الطرفين المتباعدين(2).
هل العلم يعارض الأيمان؟
يقول"جون لنكس" عالم الرياضيات الذي ناظرالعالم الملحد" ريتشارد دوكنز ":
"ألأيمان المسيحي عبارة عن تجاوب مع الدليل ، وليس ابتهاجا بغياب الدليل ، وإنّ الطبيعة نفسها تمثل جزءا من الدليل على وجود الله"
وفي كتابه "هل دفن العلم الله ؟" يقول عالم الرياضيات "جون لنكس" نقلا عن مؤرخ العلم "كولن روسيل": Colin Russel
"ألأعتقاد الشائع انّ العلاقة الفعلية بين الدين والعلم على مدى القرون القليلة الماضية تميّزت بعداء عميق ومستديم ..هو اعتقاد خاطئ تاريخيا بل إنّه مبالغة عبثية في منتهى السخافة لدرجة انَّ ما حُظي به هذا الأعتقاد من احترام أمر مثير للأندهاش".
العلم والدين صديقان يبحثان عن المعرفة (الحقيقة) ولكن عندما يصبح العلم فلسفة وينكر وجود الخالق (الله ) فعندها يخرج العلم من اختصاصه المتعلق بالظواهر والمحسوسات الطبيعية والتجربة والنظريات المبرهنة لقوانين الطبيعة . وبهذا الخروج يصبح العلم حاله حال الفلسفة الوجودية (المادية)
"إنّ الصراع "الوهمي" بين العلم والأيمان يُستثار ويُستخدم على نحو مُخجل في معركة أُخرى ، ألا وهي المعركة بين " الفلسفة الطبيعية " والأيمان بالله الخالق ، وهذه هي المعركة الحقيقية .إنّه بالفعل يوجد صراع ، وهو صراع حقيقي جدا ، ولكنه ليس صراعا بين العلم والدين على ألأطلاق. لأنّهُ لو كان الأمر كذلك ، فالمنطق البسيط يقول :"إنَّ كُلِّ العلماء لابُدَ أن يكونوا مُلحدين ، وغير العلماء فقط هم المؤمنين بالله ". ولكننا رأينا أنّ الواقع يخالف ذلك . ولكن الصراع الحقيقي هو بين منظورين متناقضين تماما :"الفلسفة الطبيعية ، والأيمان بالله الخالق ، وهما فلسفتان لابدَّ أن تكونا في حالة صدام ..إنّ الفلسفة الطبيعية ترتبط بالفلسفة المادية ولكنها ليست مرادفا لها ، وإن كان احيانا يصعب الفصل بينهما. ومن الخطأ أن ننكر أنّ العلماء الماديين أو الطبيعيين يمكنهم أن يُنتجوا علما جيدا . والأكثر من ذلك ، حتى لانفقد قدرتنا على رؤية الأشياء في حجمها الطبيعي ، علينا أن نأخذ في إعتبارنا عموما :"أنَّ العلم الذي يتمُ بناًءً على افتراضات مسبقة إلحادية يسفر عن نفس النتائج التي يسفر عنها العلم الذي يتمُّ على ألأيمان بالله ... وهو ماحدث في الأطاحة بالنموذج ألأرسطي (كون الأرض مركز الكون عند العلماء قديما) . فالمعتقدات المترسخة قد تستلزم وقتا طويلا حتى تتراكم ألأدلة التي تؤيد نموذجا جديدا يحل محل النموذج القائم .
عندما اكتشف السير اسحق نيوتن قانون الجاذبية الكوني ، لم يقل :"لقد اكتشفتُ آلية تشرح حركة الكواكب .لذا فليس هناك إله فاعل صمَّمَها ". بل على العكس ،فهمهُ لكيفية عملها زاده إعجابا بالله الذي صمّمها على هذا النحو "(إنتهى الأقتباس)(3).
يقول الدكتور بطرس الحلو عالم الكيمياء اللبناني واستاذ في الجامعة اليسوعية :
"قليل من العلم يبعدنا عن الله ، وكثير من العلم يقرِّبنا من الله ".
تاريخياً تطورت تحت قيادة الكنيسة مختلف أنواع العلوم خصوصاً الفلك، والرياضيات، والفيزياء الميكانيكية ، إلى جانب العمارة والكيمياء والجغرافيا والفلسفة وعلوم النبات والحيوان . بعض العلماء المسيحيين المشاهير وهم: إسحاق نيوتن وروبرت بويل ويوهانس كيبلر وفرانسيس بيكون...الخ.
العديد من مؤرخي العلم، بما في ذلك باحثين غير مسيحيين امثال جون ل.هلبرون، وديفيد ليندبرغ، إدوارد غرانت، توماس جولدشتاين، وتيد ديفيس، فقد جادلوا بأن الكنيسة كان لها دورًا كبيرًا، وتأثير إيجابي على تطور العلوم في الحضارة الغربية. فالكنيسة لم تكتف فقط بحفظ وصيانة ما تبقى من الحضارة القديمة أثناء الغزوات البربرية داخل الاديرة، ولكن أيضا فالكنيسة شجعت على التعلّم والعِلم من من خلال رعايتها لكثير من الجامعات التي كانت قد نمت بسرعة في أوروبا تحت رعايتها، في القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر. وقد جادل توما الأكويني، العالم اللاهوتي والفيلسوف، بان الايمان والعلم في تناغم تام، ومن خلال هذا السبب يمكن أن تساهم في فهم أعمق للوحي الديني، ويشجع ذلك على التطور الفكري.
في قائمة الثمانين شخصية الأكثر تأثيرًا في العلوم من الحاصلين على جائزة نوبل، ذكرت 65 شخصية مسيحية. وفي قائمة المائة شخصية الأكثر تأثيراً في العلوم، ذكرت 75 شخصية مسيحية من مختلف المجالات العلمية.
كما وجد الخبير الاقتصادي جون هوللي الذي عمل مع البنك الدولي في كتابه مذنب، يهود ومسيحيون أنّ حوالي 75% من جوائز نوبل بين الأعوام 1901 و1990 كانت من نصيب المسيحيين على الرغم من أنَّ نسبهم في العالم هي 33.2%..
نعم هناك علماء مؤمنين عبر تاريخ العلم وغالبيتهم كانوا مؤمنين ولم يتركوا ايمانهم بل زادوا ايمانا في اكتشافاتهم العلمية . (وسوف نذكر في الجزء الثاني من المقال بعض من هؤلاء المشاهير من العلماء الذين ساهموا في ما وصلنا اليه اليوم من التقدم - تابعونا) (4).
(1)
كتاب "القضيّة ...الخلق.)- ( اراء مجموعة علماء مؤمنين)
(2)
العلم والدين: تصادم أم تكامل؟
http://www.dw.de/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%85-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84/a-1678815-1
(3)
كتاب "هل دفن العلم الله" لعالم الرياضيات المشهور جون لنكس
(4)
قائمة المفكرين المسيحيين في العلم
https://ar.wikipedia.org/wiki/


19

-الله موجود، وهذه براهينه العلمية- – الكتاب الذي احدث ضجة في فرنسا

نافع البرواري

مقدمة
الحقاقا بسلسة مقالاتنا بعنوان "الخلق والتطور ...بين العلم والأيمان " وكان اخر مقال للكاتب بعنوان:" وجود خالق للكون -شهادات لكبار علماء ملحدين سابقين-" راجع الموقع التالي "
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=680900
تكلمنا باختصار عن انَّ العلماء ، منذ منتصف القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين ، بدأوا ، الكثيرون منهم ، يعيدون النظر في الحادهم ، بسبب الأكتشافات الحديثة ، وخاصة بعد اكتشاف نظرية ألأنفجار الكوني ، واعتراف العلماء ان الكون لم يكن ازليا ، كما كان شائعا في السابق ، بل له بداية ، وكذلك اخفاق العلماء عمليا وتجريبيا في تفسير سر الحياة والتعقيدات الهائلة في الشفرات الوراثية للخلية الحية وكذلك عدم وجود ادلة اثرية في علم الأحاثة عن كيفية تطور الحياة وتعقيداتها عبرملايين السنين وخاصة قبل العصر الكمبري بالأضافة الى اسئلة كثيرة لم يستطع العلم ألأجابة عليها ، فمثلا نظرية التطور لازالت نظرية لم يتمكن العلماء من التحقق فيما قاله تشارلس داروين في القرن الثامن عشر في كتابه "النشوء والأرتقاء"."
الأكتشافات العلمية الجديدة ماهي الا صيحة اندهاش واعجاب بهذا الكون والخليقة التي تدل كل الحقائق العلمية المكتشفة على وجود عقل عظيم وراء خلق هذا الكون والحياة ، ولايمكن أن يكون ، كما يقول البعض من الملحدين، عملية صدفة عشوائية ، بل العقل والمنطق والعلم والوعي عند الأنسان المتأمل ، تقوده حتما الى حقيقة واجب الوجود لكائن ابدي ازلي خالق ولا يزال يخلق ، وكما يقول صاحب المزمور " السمّاوات تَنطق بمجد الله،والفلك يُخبر بعمل يديه .فيُعلِنُهُ النهار للنهار، والليل يُخبر به الليل" مزمور19 ".
في تقرير حول مؤتمر "العلم والبحث الروحاني" المنعقد في مركز اللاهوت والعلم " ب"بيركلي" صيف 2007 ظهر على غلاف صحيفة نيوزويك (20 تموز/يوليو) عنوان: "لقد عثر العلم على الله". كان هناك عدَّة مئات من العلماء ورجال الدين الذين أجمعوا على الاتفاق بأنَّ كِلا العلم والدين الآن في مرحلة تحوُّل كبرى، أمَّا موضوع التحوُّل هو الله. عبَّر عالم الكونيات الجنوبي الإفريقي وأحد أعضاء كنيسة الكواكر جورج إيليس عن هذا الإجماع بالقول: "هناك كمٌّ هائل من البيانات التي تدعم وجود الله. والسؤال الآن يدور حول كيفية تقييمها . بالنسبة لعدد كبير ومتزايد من العلماء، فإنَّ هذه الاكتشافات تقدِّم دليلاً وبرهانًا قويين لوجود خالق وتمنحنا بعض الأدلة والإشارات حول طبيعة الله .(1).
وللرد على الكثيرين ، من أنصاف المتعلمين والعلماء والمثقفين ،الذين يتشدقون بالقول :" أنَّ العلم يقود الأنسان الى انكار وجود الله "، دون أن يعتمدوا على حقيقة علمية ومنطقية وعقلية ، بل اعتمادهم الوحيد على نظرية التطور ، واقوال بعض العلماء الذين لايستطيعون أن يقبلوا حقائق جديدة من الأكتشافات العلمية التي تؤيد بل تقود ألأنسان الى الأعتراف بحقيقة وجود خالق عظيم للكون :
جاء في مجلة "إيلاف " ألألكترونية مقال بعنوان:
"20عالمًا في كتاب: هذه براهين العلم على وجود الخالق"
ثلاث سنوات من العمل مع عشرين عالمًا واختصاصيًا رفيعي المستوى يقولون في كتاب: "هنا تنكشف ألأدلة الحديثة على وجود الله.
لما يقرب من أربعة قرون، من كوبرنيكوس إلى فرويد مرورا بجاليليو وداروين، تراكمت الاكتشافات العلمية بطريقة مذهلة، ما أعطى الانطباع بأن من الممكن شرح الكون من دون الحاجة إلى اللجوء إلى إله خالق . بلغة في متناول الجميع، يتتبع مؤلفا كتاب "الله،العلم ، والبراهين" بشكل رائع تاريخ هذه التطورات ويقدمون بانوراما صارمة للأدلة الجديدة على وجود الله.
وهكذا، في مطلع القرن العشرين، انتصرت المادية فكريا. بشكل غير متوقع كما كان مفاجئًا، تأرجح البندول العلمي في الاتجاه الآخر بقوة لا تصدق. اتبعت اكتشافات النسبية، وميكانيكا الكم، وتوسع الكون، وموته الحراري، والانفجار العظيم، والضبط الدقيق للكون أو تعقيد الكائنات الحية، فأتت هذه المعرفة الجديدة لتنشيط اليقينات الراسخة في الروح الجماعية للقرن العشرين، إلى الحد الذي يمكننا فيه اليوم أن نقول إن المادية، التي لم تكن أبدًا مجرد اعتقاد مثل أي اعتقاد آخر، في طريقها إلى أن تصبح غير عقلانية.
"هاهي البراهين الحديثة لوجود الله"، بهذه الجملة يعلن الغلاف الخلفي لكتاب "الله، العلم والبراهين.. فجر الثورة" عن مضمونه المثير للجدل. ساهم في الكتاب 20 فيلسوفاً وعالماً فرنسياً واضعين نصب أعينهم إثبات وجود الله بالدليل العلمي، ليشددوا على فكرة عدم اختلاف العلم والدين، وبأن الجدال الذي دار لقرون، يمكن حسم إجابته من خلال العلم.
صدر الكتاب في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021 في فرنسا، من قبل دار نشر
، وهو حصيلة جهود استمرت أكثر من 3 سنوات، واستطاع أن يتصدر Guy Tridaniel Editions
مبيعات الكتب منذ طرحه ،وأثار ضجة كبيرة في فرنسا. وهو كتاب من تاليف "ميشال إيف" و" اوليفييه بوناسيس"..
يتتبع مؤلفا كتاب "الله ، العلم ، والبراهين " ، بلغة في متناول الجميع ، بشكل رائع تاريخ هذه التطورات ويقدمون بانوراما صارمة للأدلة الجديدة على وجود الله
مع بزوغ فجر القرن العشرين، بدا أن الإيمان بإله خالق يتعارض مع العلم . اليوم ، أليس العكس صحيحاً؟ إنها دعوة للتأمل والنقاش، وهو سؤال عمره ألف عام يتعارض على ما يبدو مع العلم والإيمان: هل يوجد إله خالق؟.
يعتمد هذا الكتاب المؤلف من 500 صحفحة و المقسم إلى 24 فصلاً مستقلاً، على أحدث التطورات العلمية. يقول مؤلفا الكتاب:
" كل ما نوضحه من وجهة نظر العلم يعرفه المتخصصون بالفعل، لكن كل منهم في مجاله. أردنا كتابة يكشف عن الأسباب المنطقية للإيمان بالله
يقول مؤسس موقع الأخبار المسيحي ومركز مريم الناصرية الدولي في إسرائيل:
"كانت بداية عملية طويلة لاختيار الموضوعات التي سيتم تناولها، والقراءات والمقابلات، مع البحث العقلاني. يقول بوناسيس: "اعتقدنا أننا سنكرس عامًا لهذا المشروع، لكن تطلب المشروع أكثر من ثلاثة أعوام، وأصبحت مسألة وجود الله مثيرة للاهتمام لأنها لم تعد غير قابلة للنقاش ".
يعتمد هذا الكتاب على أحدث التطورات العلمية. يقول المؤلفان: " كل ما نوضحه من وجهة نظر العلم يعرفه المتخصصون بالفعل، لكن كل منهم في مجاله. أردنا كتابة كتاب موجز لعامة الناس يوضح كل شيء".
يخبر المؤلفان كيف يمكن الاكتشافات العلمية، التي طالما تعارضت مع الإيمان، أن تتماشى مع وجود الله في العديد من مجالات المعرفة. وهكذا فإن مسألة أصل الكون، أو الانتقال من الخامل إلى الحياة، والتعقيد الهائل للشفرة الجينية والتعديل البيولوجي الدقيق للغاية الضروري لتكوين البروتينات والريبوزومات والأحماض الأمينية، تصير مسائل مفهومة، ومردودة إلى الصدفة(اي لايمكن ان تكون قد وجدت بالصدفة بل ورائها مصصم عظيم )..
واستشهد المؤلفان بعالم الوراثة الفرنسي دانيال كوهين الذي ندين له بأول خريطة جينية بشرية، وهو انتقل من ملحد إلى لا أدري في مواجهة الجينوم.(2)
ويحطم المؤلفان الرئيسيان الحدود بين العلم والإيمان للإجابة عن السؤال: "هل وجود إله خالق للكون هو حقاً الخيار الأكثر عقلانية علمياً؟
Le Figaro وبحسب تقرير طويل نشرته صحيفة
فقد ركز الكاتبان في كتابهما الجديد على مسار نشوء الكون الذي بدأ بـ "الانفجار
العظيم" قبل نحو 14 مليار سنة، والتراكمات العلمية التي تبعت هذه النظرية المثبتة علمياً
ويؤكد عالم الفيزياء الفلكية البوذي "ترين جوان توان "– أحد العلماء الذين استشهد به الكاتبان ووصفاه بـ "عالم فلك مؤمن" أنه "في الثلاثين عاماً القادمة سيكون لدينا اكتشافات مثيرة حول علم أصول الكونيات تثبت وجود مهندس عظيم خلف الوجود كله وقبل حدوث الانفجار العظيم".
وإيمان العلماء بالله ليس طرحاً جديداً، إذ تطرقت إليه دراسة أمريكية في العام 2009 من قبل مركز
للأبحاث، كشفت فيها أن غالبية العلماء الأمريكيين (51٪) يؤمنون "بشيء ما" مقارنة بأقلية (41٪) لا يؤمنون بشيء. PEW
كما استشهد الكتاب بدراسة أجراها عالم الوراثة باروخ أبا شاليف عام 2003 حول معتقدات الفائزين بجائزة نوبل منذ إنشائها تحت عنوان "100 عام من جائزة نوبل"، أظهرت فيها أن 90٪ من الفائزين بجائزة نوبل مرتبطون بدين، وثلثيهم من المسيحيين، وأن نسبة الملحدين من الفائزين بجائزة نوبل للأدب 35٪ مقابل 10٪ فقط بين العلماء
بدوره يقول المؤلف بوناسيز: "ساعدتنا المئة عام الأخيرة كثيراً" وخصوصاً الاكتشافات العلمية في العقدين الأخيرين في رؤية جمال الكون وعظمته ونظامه وحتى انسجامه.(3)
الكتاب احدث ضجة علمية وفكرية وشعبية ومدنية ، وفقدت النسخ من الأسواق ، وموضوعه يهم كل انسان . بزوخ ثورة فكرية . الكتاب يتبنى ان الله خلق كل ماهو موجود في الكون والنظريات العلمية والمادية سقطت . وكُلّ ما كتب اثبته العلم
حتى قبل فترة وجيزة كان الأيمان بالله متناقضا مع العلم . اما اليوم يبدو ان العلم اصبح حليفا للأيمان بوجود الله . المادية صارت عند البعض ايمان واليوم تترنح بسقوطها .
يقول الكاتبان ايضا :إنّ الفكرة ليست فيه بداية ، وانَّ الصدفة هي التي نظّمت الكون او أنّه انتقل من العدم الى الحياة كظاهر طبيعية بدَّدها العلم اليوم ، الذي اثبت وجود الله الخالق
إن النظرية النسبية التي اسسها اينشتاين بين عامي 1905، 1915 والتي اكدها علماء كثيرون بعده ، تؤكد ان الزمن والفضاء والمادة مترابطون ، وانه لايمكن لاحد هذه العناصر ان يوجد بلا العنصرين الآخرين ، وهو ما يعني انه لو وجد سبب لأصل هذا الكون وترابط ما فيه ، فهو حتما سبب غيرُ زمني ولا فضائي ولا مادي.
إنّ التنظيم الدقيق لهذا الكون طرح مشكلة كبيرة امام علماء الكونيات الماديين لم يستطيعوا حلّها ، فتحايلوا عليها باختراع نماذج غير قابلة للبرهنة حيال ما وضفوه بالأكوان المتعددة والمتتالية والمتقابلة . وهذه كلها سقطت الآن وانهارت النظرية المادية المهرطقة الى غير رجعة .
إن علم البيولوجيا او علم الأحياء الذي اقرّ في نهاية القرن العشرين حتمية التنظيم الدقيق لهذا الكون ، قال بالأنتقال من العدم الى الحياة ، لكن هذا لايمكن تفسيره مطلقا بفعل الصدفة ، وإذا ما كنّا حتى اليوم لانعرف كيف حصل فاننا عرفنا بالمقابل الكثير من الأمور التي تجعلنا نؤكدعدم احتمال الصدفة .
هذا الكتاب من أفضل الكتب مبيعاً في فرنسا حالياً على الرغم من ضخامته وسعره المرتفع نسبياً. وقد تم تأليفه بالاشتراك مع عشرين شخصية من كبار العلماء والفلاسفة. وبالتالي فهو كتاب جماعي، إذا جاز التعبير. هذا وقد كتبت عنه جريدة «الفيغارو» فور صدوره قائلة: هذا حدث هائل. أخيراً العلم الفيزيائي الفلكي يتوصل إلى البرهنة على وجود الله. هذا الكتاب يقلب كل قناعاتنا السابقة الراسخة. هذا الكتاب يروي لنا ملحمة العالم الكبرى. إنه الكتاب الذي يوضح لنا كيف خلق الله الكون لأول مرة عن طريق الانفجار الأعظم أو ما يُدعى باللغة الإنجليزية: البيغ بانغ. وهو الانفجار الذي حصل قبل نحو 14 مليار سنة فقط! من اللاشيء خُلق كل شيء.
ما الأطروحة الأساسية للكتاب؟ بالمختصر المفيد إنها تقول لنا ما معناه: طيلة أربعة قرون من كوبرنيكوس وحتى فرويد مروراً بغاليليو وداروين، تراكمت علينا الاكتشافات العلمية بشكل صارخ ومذهل. وأوهمتنا بأنه يمكن تفسير العالم من دون اللجوء إلى فكرة وجود إله خالق للكون. ألم يقل لابلاس لنابليون عندما سأله: وأين مكانة الله في كل هذا؟ فأجابه ذلك الجواب الشهير: «جلالة الإمبراطور هذه فرضية ما عدنا بحاجة إليها»! عندئذ وصلت غطرسة العلم إلى درجتها القصوى. وعلى هذا النحو انتصرت الفلسفة المادية الإلحادية في الغرب على الفلسفة الإيمانية. بل تفرعنت واستفحلت واحتلت الساحة كلياً بدءاً من أوائل القرن العشرين. وأصبح كل شخص غير مادي أو غير ملحد يُعد شخصاً متخلفاً من الناحية العقلية وربما بحاجة إلى معالجةٍ سيكولوجية نفسانية! .
والآن أصبحنا نشهد حركة معاكسة للعلم: حركة تبرهن على وجود الله الخالق. لقد انعكست الآية. فمعظم الاكتشافات التي تتالت في القرن العشرين تميل إلى ذلك. نذكر من بينها نظرية النسبية لأينشتاين، وعلم الميكانيكا الحرارية، ونظرية البيغ بانغ أو الانفجار الأعظم الذي أدى إلى تشكل الكون، وعلم الفلك الكوني، وعلم الميكانيك الكمي والموجي، أي الفيزياء التي تدرس اللامتناهي الصغر، وعلم الأحياء البيولوجية واكتشاف الجينوم الوراثي للإنسان، والتعيير العلمي للكون عن طريق قوانين دقيقة صارمة لا يحيد عنها قيد شعرة... يقول المؤلفان ما معناه: كل هذه الاكتشافات العلمية تخلص إلى النتيجة التالية: أن للكون بداية محددة تماماً، أي أنه مخلوق في لحظة ما، وإذا كانت له بداية فهذا يعني وجود سبب أو مسبب لهذه البداية. وبالتالي فالخلاصة الأكثر منطقية تدفعنا إلى الاعتقاد بوجود روح ذكية تقف خلف الظواهر، أي وجود عقل عُلوي أعظم يحرك كل شيء من خلف الستار. مَن الذي أعطى النقرة الأولى للانفجار الأعظم وخلق العالم؟ باختصار شديد، كل هذا دليل على وجود خالق أعظم للكون. كل هذه الاكتشافات والنظريات تتالى بعضها وراء بعض على مدار القرن العشرين. وهذه المعارف الجديدة لغّمت من الداخل اليقينيات المادية الإلحادية المسيطرة على العقلية الجماعية للغرب. على هذا النحو حصل انقلاب كبير في الفكر إلى درجة أنه يمكن القول إن الفلسفة المادية الإلحادية هي التي تبدو الآن كأنها لاعقلانية وليس العكس! أخيراً انتصر الإيمان على الإلحاد. ولكنه الإيمان بالمعنى الفلسفي الواسع لا الأصولي الضيق. أنه إيمان واسع سعة الكون.
الخلاصة في بداية القرن العشرين وعلى مدار مائة سنة كان الإيمان بوجود إله خالق للكون يبدو كأنه خرافة مضادة للعلم والعقل في الغرب. كانوا يضحكون عليك إذا ما ذكرت ذلك. وأما الآن في بدايات هذا القرن الحادي والعشرين فقد انعكست الآية. الآن أصبح الإيمان بوجود الله هو السائد. والدليل على ذلك أن 90% من العلماء الكبار الحائزين على جائزة نوبل هم من المؤمنين بوجود إله خالق للكون. فقط 10% بقوا ملاحدة. أما الأدباء والفلاسفة الحاصلون على جائزة نوبل في مجال الآداب فهم مؤمنون بنسبة 65% فقط وملاحدة بنسبة 35%(4).
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)
راجع مقال للكاتب بعنوان
هل العلم يقودنا الى ألأيمان ؟

http://www.maaber.org/issue_november13/spotlights4.htm
(2)
مقال بعنوان
إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
20 عالمًا في كتاب: هذه براهين العلم على وجود الخالق
https://elaph.com/Web/book-review/2021/12/1458793.html
(3)
مقال بعنوان
الله موجود، وبالأدلة العلمية”.. علماء وفلاسفة فرنسيون يثبتون أنّ المادية غير عقلانية
(4)
كتابُ مثير: الله موجود، وهذه براهينه العلمية
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,801885.0.html

20

المسيح الثائر هو المحرِّر الحقيقي للأنسان من قيود العبودية
نافع البرواري
بعيدا في الخوض في سر الثالوث واللاهوت ، يمكن معرفة شخصية يسوع المسيح من خلال تعاليمه وأقواله وحياته على هذه الأرض . في الحقيقة تتوقّف حياة ألأنسان الروحية على معرفة شخص يسوع المسيح ، فها هو يوحنا المعمذان ، وهو أعظم ألأنبياء ، يشهد للمسيح فيقول : "من جاء من فوق ، فهو فوق الناس جميعا . ومن كان من ألأرض ، فهو أرضيٌ وبكلام أهل ألأرض يتكلَّم ....فمن أرسلهُ الله يتكلَّم بكلام الله ، لأنَّ الله يهب الروح بغير حساب " يوحنا 3 : 31 -34 " . حين بدأ المسيح خدمته على الأرض، وجمع حوله تلاميذه الاثنى عشر، وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله، ويشفوا المرضى، التفَّت الجماهير حوله وصارت تتبعه في كل مكان، وأحدث ذلك هزة أخافت رؤساء الكهنة والشعب والقادة. ويقول الكتاب المقدس ، إن المسيح عندما دخل أورشليم ارتجت المدينة كلها قائلة : من هو هذا ؟ وما تزال حتى اليوم المدن ترتج ... وما تزال العقول ترتج ... وما يزال العالم كله يرتج ويقول " من هو هذا ؟....من هو هذا ؟ . أمَّا هيرودس الملك أهتز عرشه عندما سمع أنّ جموع الناس تتبعهُ فخاف على سلتطه السياسية فقال : " يوحنا أنا قطعتُ رأسه فمن هو هذا ؟ "لوقا 9 : 9 "
لم يرد في التاريخ من يشبهه ... يدعى إسمهُ عجيباً مشيراً إلهاً قديراً .." إشعياء 9: 6 " . لم يكن له عبيد ولكنه سُميّ السيد ، وهو يحرِّر ألأنسان من الداخل حتى لوكان ذلك الأنسان عبدا في هذا العالم أو سجينا أو فقيرا أو منبوذا من المجتمع . لم يكن له جيوش ولكن أعدائه كانوا ولا يزالون يخافون منهُ ، ولم يكن له سلطة سياسية أو دينية ولكن الساسة ورجال الدين يهابونه ويرتعبون عند سماع اسمه لأنَّ " شريعة الحق كانت في فمه ولا جور في شفتيهِ " ملاخي 2 : 6 ". لم يكن له تاج ملكي ولكن الملوك سجدوا ولا زالوا يسجدون له . لم يكن له أراضي أو أملاك أو مال ، ولم يكن له موضع ليضع عليه رأسه ، ولكن ذاع أسمه في اقاصي الأرض المسكونة وبنيت آلاف الكنائس في العالم أجمع لتمجيد اسمه. لم يكن معروفا في العالم عندما ولد في قرية صغيرة نائية ولكن اليوم هواشهر انسان في الوجود وأصبح اسمه ممجدا في العالم كله فشهرته انتشرت في الآفاق ، وغزى قلوب الناس وأسَّرهُم بمحبّته . مات على خشبة الصليب كمجرم وملعون ، ولكن الملايين من المؤمنين باسمه يعلقون الصليب على صدورهم علامة ألأنتصار على الموت وافتخارا باسمه . لم يكن له ابناء أو بنات أو أخوة أو خوات بل كان وحيدا لأهله وأبيه ، ولكن اليوم جميع المؤمنين باسمه صاروا له أبناء وبنات وإخوة وأخوات " أما الذين قبلوه ، المؤمنون بإسمه ،فأعطاهم ُسلطانا أن يصيروا أبناء الله".يوحنا1: 12 "
لم يكن له شهادة دراسية ولكن دعي بالمعلم وكان يتكلم كمن له سلطان . لم يكن كاهنا أو عالم للشريعة ولكنه هو نفسه واضع الشريعة ومُعلمها . عاش في هذه ألأرض فقيرا مكتفيا بالخبز اليومي ، ولكنه يطعم الملايين بالخبز الحي النازل من السماء ويروي العطاشى الى الحياة ألأبدية . لم يكن له شهادة جامعية في الطب ، ولكنَّه لقِّبَ بالطبيب ألأعظم ، وكان ، ولا يزال ، يشفي المرضى ويقيم الموتى . لم يرتكب خطيئة واحدة في حياته ومع ذلك كان يُغفر للخاطئين ويطلقهم من عبودية الخطيئة ، وهو يقول لنا في كُلِّ حين " تعالوا إليَّ ياجميع المُتعبين والرّازخين تحتَ أثقالكُم وأنا أُريحُكم . إحملوا نيري وتعلَّموا منّي تجدوا الرّاحة لنُفوسِكم ، فانا وديعٌ متواضِعُ القلبِ ، ونيري هيِّن وحملي خفيف "متى :11 : 28 – 30 " . يسوع المسيح
حمل خطايا البشرية جمعاء على خشبة الصليب "حمل عاهاتنا وتحمَّلَ أوجاعانا ، حسبناهُ مصابا مضروبا من الله ومنكوبا ، وهو مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل خطايانا ، سلامُنا أعدَّه لنا ، وبجراحهِ شُفينا " اشعيا 53 : 4 – 5 ". فصرخة يسوع المسيح على خشبة الصليب ، وهو في قمة ألآلام ، هي صرخة كُلِّ متروك وصرخة كُلِّ المهمشين والمقهورين والمظلمومين والمشردين والمستعبدين سواء بقيود الخطيئة أو قيود السلاطين والحُكَام ، أو المستعبدين بقيود الشر وألأرواح النجسة . انَّ الظُلمة والزلازل وقيامة الكثيرين من الناس من القبور، عند ما سلَّم يسوع المسيح حياته الى أبيه السماوي ، هي رموز تُنذِر العالم أنَّ المسيح ابن الله جاء الى خاصته وخاصته لم تقبله ، وهي رمز لكل انسان لكي يقوم من النوم العميق (الموت) لينتقل الى الحياة الأبدية .
لم يدعو يسوع المسيح الى الثورة ولا الى قلب الأنظمة الدكتاتورية ولكنه دعى الى الثورة على الذات ، فتحرير ألأنسان يبدأ من الداخل ، لأنَّ الجراحات هي تأتي من الداخل وكل شر ينبع من القلب . وأعدَ لنا سلاما وبشّر بالسلام والمحبة والغفران "سلاما أترك لكم ، سلامي أُعطيكم ، لا كما يُعطيه العالم أُعطيكم أنا " يحنا 14 : 27 " . جاء للعالم بالسلام والبهجة والفرح ، فهو ينعش النفس ويهدينا سبيل الحقَّ وينشر العدل والبر والرحمة ، وهو شافي للقلوب وجاء" ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي اقدامنا في طريق السلام " لوقا 1 79 "
كلام يسوع المسيح هو كلام من له سلطة سماوية فبكلمة منه يستطيع أن يهب الحياة حتى للموتى إذ يقول" أنا القيامة والحياة .......لي سلطان أن أضع ذاتي ولي سلطان أن آخذها "، وقام من الموت في اليوم الثالث " ، ويقول " أنا نور العالم " وفتح عيون الملايين ليعرفوا من هو الله الحقيقي . كان يسوع يُدهش سامعيه بتعاليمه التي لم يستطع حتى ألأعداء ان يواجهوه نظرا لقوة الحق التي تحمُلها كلماته .
يسوع المسيح لم ياتي ليفرض قوانين السماء على الأرض بالقوة أو بالأكراه بل قال قوله المشهور " اعطو ما لقيصر لقيصر وما لله لله "متى 22 : 21 " فهنا أعطى يسوع الحرية الدينية والحرية السياسية ، فليس الناس على دين ملوكهم كما كان يحدث أيّام القرون الوسطى . فملكوت الله ، ليس مملكة تُنافس أو تُزاحم مملكة قيصر (السلطة السياسية) ، لأنَّ ملكوت الله من نظام آخر ويقف على مستوى آخر . المسيح لاياتي ليحلَّ محلَّ قيصر(الذي يمثل كلِّ سُلطات أرضية ) ويحقق مسيحانية سياسية ودينية (كما كان اليهود يعتقدون وكما يعتقد الكثيرون من الأحزاب ألأسلامية اليوم ) ، بل قد أتى ليؤسِّس ملكوت الله وهو الذي يقول " ليست مملكتي من هذا العالم" يوحنا 18 : 36 " . وهكذا أكَّد أنّ ملكوت الله لا يتداخل مع مملكة البشر.
يسوع المسيح هو طريق الثوابت . ثبات في المبادئ والقيم والمثل العليا ، وثبات في الحق والعدالة والمحبّة ، وألأمانة ، والصدق وألأخلاص والرحمة والحنان والتواضع ، والتماسك والوضوح والبساطة وبذل الذات ، وثبات في مجابهة كل المخاطر وألأهوال ، حتى دَفعَ أغلى ثمن في سبيل ألحفاظ على هذه الثوابت والقيم والمبادئ ، و كانت منهج حياته وتعليمه ، فلم يكن في تعليمه تناقض مع حياته ولا تعارض ، ولا أزدواجية بين التعليم والحياة ، وبين القول والعمل ، ومثال على ذلك عندما يقول "احبّوا أعدائكم .." فهو صلى على صالبيه وقال " يا أبتاه اغفر لهم لأنّهم لا يعرفون ماذا يفعلون " وكذلك عندما يتكلم عن المحبة فهو عاشها ومات مضحيا بحياته من أجل محبيه "هكذا أحبَّ الله العالم حتَّى وهب إبنهُ ألأوحد ، فلا يهلك كُلِّ من يؤمن به ، بل تكون له الحياة ألأبدية "يوحنا3 : 16 " . مبادئ المسيح لم تهزُّ يوما ما نتيجة الظروف أو الخوف أو ألتهديد أو اليأس أو نتيجة الشعور بالمرارة أو الغضب . طريق المسيح كان واضحا ونهج تعاليمه ومبادئه ثابة وبسيطة وفيها شفافية ، ففي حياته ، كما في تعليمه ، لانجد أيُّ غموض أو تعقيد بل وضوحا وبساطة ، ولم تكن هناك عقد أو مفاهيم غير واضحة للناس ، بل العكس كان كلامه لا لبس فيه ولا ضبابية بل يفهمه كل انسان أراد معرفة الحق ، وفي نفس الوقت عينه كان كلامه عميقا ومتجددا ويأسر القلوب . كان الطريق الذي انتهجه يسوع المسيح ايضا هو السهولة والصعوبة في آن واحد ، فهو سهل لأنّ المسيح يخاطب قلب ألأنسان ومشاعره وعقله وروحه ونفسه ، فهو كصديق واخ وحبيب وأب يخاطب محبيه بمحبة وحنان ويصف ذلك بقوله " ها أنا واقفٌ على الباب أقرعه فإن سمع أحدٌ صوتي وفتح الباب دخلتُ اليه وتعشيتُ معهُ وتعشّى هو معي" رؤيا 3 : 20 ". وطريق المسيح ضيِّق وصعب وشائك والقليلون يستطيعون السير فيه ، لأنَّ السير في طريق الحق هو كمن يسير عكس التيار .
يسوع المسيح قام بثورة ضد قوات الشر الروحية وكان سلاحه هو سلاح الكلمة فلم يكن له جيوش ولا أسلحة الدمار والهلاك ، بل جاء ليحرر ألأنسان من قيود قوات الشر الروحية"زكريا 12 : 3 – 4 " . فيسوع المسيح يحفظنا من الشر ويحطَّم كل اسهم ألأشرار وسيوف الغدر . إنَّ سلطان المسيح هو على السماء وعلى ألأرض وعلى كُلِّ المخلوقات ، وهو مع المؤمنين به الى انتهاء العالم "متى 28 : 18 – 20 " جاء الى هذه ألأرض ليقيم الجسور بين ألأنسان وخالقه ويصالح السماء مع ألأرض .
لقد حررنا يسوع المسيح من اعتى أعدائنا ألا وهو الموت , وأعطانا الحياة الأبدية " اين شوكتك ياموت واين غلبتُكِ ياهوية ؟ " ونقلنا من الظلمة الى النور ومن التعاسة الى السعادة ومن النجاسة الى الطهارة والقداسة ، ومن العبودية للشهوات الجسدية الى الحرية الروحية ومن الخوف الذي يجعل ألأنسان مرتعبا ومشلول ألأرادة ، الى السلام الذي يفوق الوصف . وهو الذي نقلنا من اليأس الى الرجاء والأمل ، ومن الفقر الروحي الى الغنى الروحي ، وفتح عيوننا لكي نبصر وآذاننا لكي نسمع ونصغي الى الحقائق الألهية ، وغيّر قلوبنا الحجرية الى قلوب تنبض بالمحبة والحياة ، وعلّمنا كيف نختار الطريق الذي يؤدي الى الكمال والتسامي والحياة الأبدية .
نعم يسوع المسيح علّمنا في هذه الحياة ماهي أولوياتنا وكيف نسير لبلوغ الهدف والحصول على أكليل الفوز في مملكة الله

"وما من أحدِ يَضَعُ خمرا جديدا في أوعيةِ جِلدٍ عتيقةٍ لئلاّ تنشقُّ ألأوعيةُ فَتَسيلَ الخمرُوتَتلَف ألأوعية ، بل توضعُ الخمرُ الجديدة في أوعية جديدةٍ ، فتسلمُ الخمرُ وألأوعيةُ"متى 9 : 17 " .
ثورة المسيح أحدثت صراع وحرب بين المفاهيم القديمة قبل مجيئ المسيح ومفاهيم جديدة بعد المسيح فتعاليمه تشبه الخمرالجديد الذي يوضع في القرب(الوعاع) الجديد ، فقد حرّرنا من قيود الشريعة , وأعطانا شريعة المحبّة وشريعة الروح ، هذه الشريعة الحيّة هي شريعة الحياة الجديدة في العهد الجديد " ..والله بكلامه على "عهد جديدٍ" جعل العهد الأول قديما ، وكُلِّ شيئٍ عَتَقَ وشاخَ يقترِب من الزوال"عبرانيين 8 : 13 ".
إنَّ شريعة الحلال والحرام والمسموح والمحظور غير موجودة بالنسبة الى ألأنسان البالغ ، الأنسان الروحاني الناضج ، لأنَّه تجاوزها ، فالشريعة ضرورية حتى مرحلة معيَّنة من نموُّنا، وينتهي زمنها عند من أستولى الروح القدس عليه"غلاطية 5 :16 -18 " . فحين يتكون الضمير(الذي هو قبس من الروح القدس) ، يصبح ألأنسان قادرا على الحكم بنفسه بين الخير والشر وفقا لما هو خير وما هو شر. فالممنوع لايأتيه من الخارج ، بل ينبعث من الداخل ، لايفرضه الله عليه بل يولد من تَطلُّبٍ داخليَ يقبلهُ بكُلِّ حريّة . فيسوع المسيح فتح ، للأنسان ، الذي يحييه الروح القدس ، آفاقا جديدة وحريّة لنعبد الله بالروح والحق "روميا 7 :6 " ولكننا ألآن تحرَّرنا من الشريعة ِ ، لأنّنا مُتنا عمّا كان يقيُّدنا ، حتى نعبدَ الله في نظام الرَوح الجديد ، لا نظام الحرف القديم " ، نعم "الحرف يَقتُل أمّا الروح يُحيي". يسوع المسيح يطلب من الأنسان أن يتخطّى الشرائع المكتوبة ليصبو ويتطلع الى ما هو أبعد منها ، فالوصايا العشرة ليست الاّ الحد ألأدنى ، انّها تُعبِّر ، وبطريقة فظَّة عن جزء صغير جدا من شريعة كياننا. فهل نحن نتبع يسوع المسيح الذي حرّرنا بسلطانهِ السماوي ، أم نتبع مئات القوانين والتشريعات التي وضعها الفريسيّون قبل الفي سنة ، ولا زال الكثيرون من رجال الدين يضيفون اليها المزيد في عصرنا الحاضر ؟.
المسيح أعطانا الشريعة ألأخلاقية ( نستطيع أن نسميّها شريعة الضمير)، وهي شريعة ديناميكية متغّيرة منفتحة للتقرب أكثر فاكثر نحو مصدر النور( يسوع المسيح) ، بينما الشريعة القديمة ،المكتوبة ، ساكنة ومنغلقة لا تعترف بالتغيير . فمثلا في العهد القديم و في العهد الجديد لم يكن هناك مفاهيم متبلورة عن مشكلة تلوث البيئة أومسألة الغنى الفاحش والظلم ألأجتماعي وتجارة المخدرات والتجارة بالأطفال والعلوم الحديثة التي تشجِّع البعض على اجراء تغييرات وراثية في جينات ألأنسان أو المخلوقات ، وهكذا مسالة ألأجهاض . بينما اليوم هذه أصبحت خطايا مميتة تشجبها الكنيسة الجامعة ، فليس كُلِّ شيئ مكتوب في الكتاب المقدس ، ولكن الرب يسوع المسيح أعطانا شريعة الروح ، لأنّ الروح القدس الذي يسكن في المؤمنين ، يرشدهم الى الحق ، وبه نستطيع أن نحكم على ما هو خير وما هو شر . وهكذا نستطيع أن نقول مع كاتب العبرانيين ، عن العهد الجديد :" هذا العهد هو الذي أُعاهدهم إيّاهُ في ألأيّام ألآتية ، يقول الرب :ساجعلُ شرائعي في قلوبهم وأكتبها في عقولهم " .
يسوع المسيح قلب مفاهيم هذا العالم ، الذي كان يؤمن بالعدالة في الفعل ورد الفعل المساوي له ، حتى في جرائم القتل ، لهذا يدعونا المسيح في عِظَّتهِ على الجبل ، الى البحث عمّا هو اعمق والسعي الى ماهو أسمى ، فهو جاء ليضع مفاهيم جديدة عن العدالة ليقول للمؤمنين بشريعة العين بالعين والسن بالسن (تلك الشريعة التي تحاول الحد من سفك دم ألأخوة في ألأنسانية ، ولكن هي شريعة لا تعالج لب وجذور المشكلة ألأنسانية ) أنَّ القتل هو من نتائج الغضب ، فحتى الغضب هو خطيئة يستحق من يغضب على أخيه ألأنسان المحاكمة "متى 5 :21، 22".
وهو الذي غيّر مفهوم العالم عن الطهارة والنجاسة ، فالطهارة تكون من الداخل وليس من الخارج ، اي طهارة القلب "مرقس 2 :23 –28
هكذا بالنسبة للزنى في مفهوم العهد القديم الذي كان ينص على أنَّهُ من الخطأ أن يمارس أحدٌ الجنس مع أيُّ شخص غيرُ شريك الحياة بينما جاء المسيح ليقول : حتى الشهوة الجنسية مع شخص آخر غير الشريك فهو زنى فكري ، وبذلك هو خطية ، فاذا كان الفعل خطية ، فالنية أيضا خطية ، وألأمانة مع شريك الحياة بالجسد ، ولكن ليس بالفكر ، أيضا هي خيانة للثقة الحيوية للزواج السليم "من نظر الى أمرأةٍ ليشتهيها ، زنى بها في قلبه "متى5 : 28
عندما يتمرّض الأنسان عليه أن يذهب الى الطبيب لكي يعالجه ، هكذا يسوع المسيح هو الطبيب ألأعظم ، كما هو الثائر ألأعظم ، يعالج جذورأمراضنا الجسدية والنفسية والروحية . فكما الطبيب الحكيم عندما يشخص الأنسان المريض عليه أن لا يعالج مرضه دون التفتيش عن أسباب وجذور هذا المرض فيسال المريض أسئلة عن الأمراض الوراثية للمريض التي أنتقلت من الأب او ألأم أو حتى الأجداد لكي يعرف جذور المرض ، هكذا سيسأل عن البيئة التي يعيش فيها المريض وعن ألأمراض التي عانى منها هذا المريض في مراحل حياته .....الخ ، عندها سيقوم هذا الطبيب الحكيم بمعالجة المرض بعد اطِّلاعه على جذور الأسباب التي أدت الى اصابة المريض بهذا المرض . وهذا عينه ما فعله ويفعله يسوع المسيح في حياة الناس فهو يقلع الخطيئة من جذورها فيعالج الخطيئة وليس نتائجها ، هذه الخطيئة التي تجذَّرت في الطبيعة الأنسانية عبر التاريخ وقادت الأنسان الى الموت الروحي.

فعندما يقول : " قيل لكم ...... أمّا أنا فأقول لكم" (هذه الجملة التي تختصر الموعظة على الجبل بطريقة جوهرية) ... لاتُقاوموا من يسيء أليكم ....أحبّوا أعدائكم ، وصلّوا لأجل الذين يضطَهدونكم .....فاذا أحسنت الى أحد ، فلا تُطَبِّل ولا تُزمِّر مثلما يعمل المراؤون في المجامع والشوارع حتى يمدحُهم الناس ....أمّأ أنت فاذا أحسنت الى أحد فلا تجعل شمالك تعرف ما تعمله يمينك ... ، فاذا صليّت فادخل غرفتك وأغلق بابها وصلِّ لأبيك....أغفروا يغفر لكم ....لا تُدينوا لكي لا تُدانوا....الحياة خيرٌ من الطعام والجسد خيرٌ من اللباس.....لا يَهمُّكم أمر الغد ، فالغد يهتم بنفسه ..كونوا كاملين كما أنَّ أباكم السماوي كامل...الخ(راجع الموعظة على الجبل )( متى :5).
ثورة المسيح هي ثورة ضد التقاليد والعادات التي تجعل الأنسان يعيش في كهوف الماضي المتخلف وضد ألأستبداد والطبقية والعنصرية والأنانية . هي ثورة
ضد المفاهيم الخاطئة التي كانت تقيّم الأنسان على اساس الغنى والمقام الرفيع والمعرفة والعلم والفكر المتعالي . بينما المسيح جعل الكل سواسية لا فرق بين أُميّ ومتعلم ولا فرق بين فيلسوف وجاهل ولا فرق بين ملك وجندي أو بين سيد وعبد فالكل سواسية في مملكة المسيح . جاء المسيح ليوقض البشرية من سباتها الطويل عبر آلاف السنين ، ليعطي قيمة حقيقية للأنسان كونه صورة الله على هذه ألأرض وله سلطة من الخالق ليكون سيد هذا الأرض لا بل أعطى المسيح قيمة للأنسان لا يصدقه العقل ولم تسمع به اذن ولم تراه عين ، عندما وعد البشرية بارض جديدة وحياة جديدة فيها يغمرنا بحبه وحنانه لنكون إخوته في مملكة أبيه السماوي التي لا تنتهي حيث لا يوجد فيها الم ولا بكاء ولا ظلام ولا ظُلم . فيسوع المسيح أعطانا نعمة لا نستحقها وأعطانا حياته لكي نتشبه به في حياتنا ويكون قدوة لنا بل مثالا نحتذي به لنستطيع أن نسمو الى العلى والى الأنفتاح على الكون لأنّه هو مركز هذا الكون وهو يدعونا الى وليمته الأبدية . ثورة المسيح لا تنتهي في زمان او مكان فهي ثورة مستمرة طالما الأنسان يشدو الى الكمال الى المجد الى السعادة الى السلام الى الأبدية . ثورة المسيح هي ثورة متجددة تسعى الى الجمال الذي لا يزول والى الديمومة والأستمرارية في التغيير نحو الحياة ألأفضل . "ثورة المسيح كما قال جبران خليل جبران:"هي عاصفة جاءت تزعزع كُلِّ شيئ لترده الى أُسُسِه ألأصلية".
يقول جبران خليل جبران في كتابه "يسوع ابن ألأنسان" :
الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضعفاء مصلوباً كالمجرمين فتبكيه وترثيه وتندبه وهذا كلّ ما تفعله لتكريمه.
منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّاً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة.
ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً ولم يمت شاكياً متوجّعاً بل عاش ثائراً وصُلِبَ متمرّداً ومات جبّاراً.
لم يكن يسوع طائراً مكسورَ الجناحين بل كان عاصفةً هوجاء تكسر بهبوبها جميعَ الاجنحةَ المعوجةَ.
لم يجئ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحريّة.
لم يخف يسوع مضطهديه ولم يخشَ اعداءَه ولم يتوجّع أمام قاتليه بل كان حُرّاً على رؤوس الأشهاد جريئاً أمام الظلمِ والاستبدادِ، يرى البثور الكريهة فيبضعها، ويسمع الشرّ متكلّماً فيخرسه، ويلتقي الرياء فيصرعه.
لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الاديرة والصوامع، ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوساً ورهباناً، بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحاً جديدة قويّة تقوّض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم وتهدم القصور المتعالية فوق القبور وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين.
لم يجئ يسوع ليعلّم الناس بناء الكنائس الشاهقة والمعابد الضخمة في جوار الأكواخ الحقيرة والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعلَ قلبَ الإنسانِ هيكلاً ونفسَه مذبحاً وعقلَه كاهناً.
هذا ما صنعه يسوع الناصري وهذه هي المبادئ التي صُلب لأجلها مختاراً، ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين متهلّلين منشدين أهازيج الغلبة والانتصار.
وأنت أيّها الجبّار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبديّة، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألفِ ملكٍ على ألفِ عرشٍ في الفِ مملكةٍ. بل انت بين النزع والموت أشدّ هولاً وبطشاً من ألفِ قائدٍ في ألفِ جيشٍ في الفِ معركةٍ.
كان يسوع المسيح إنسانا حرا متمردا على التقاليد الدينية والاجتماعية، يعشق الفرح ويحمل إلى الناس رسالة الغفران والمحبة والجمال .
يسوع المسيح أخلى ذاته صائرا بشرا مثلنا وعاش بيننا وتالّم معنا وقاس معنا ظلم العالم الذي يعيش في وحل الخطيئة وذاق مرارة كأس الموت مصلوبا من أجل البشرية ليكون نموذجا ومثالا حقيقيا للقائد الثائر مضحيا بنفسه من أجل أن يفتح لنا الطريق الذي يقودنا الى ألأنتصار على الموت ، وليحررنا ويطلق سراحنا من عبودية الشهوات والغرائز التي أستعبدتنا وجعلتنا عبيدا للخطيئة . لتكون للأنسان الحياة الأفضل بعد تحريرنا من قيود الخطيئة وسحقه للروح الشريرة وأنتصاره على الموت بالقيامة التي هي محور ألأيمان في المسيحية.



21

برهان "الوعي "دليل على انّ العلم يشير الى مُصمّم ذكي ( خالق)
الجزء الأول الوعي بين الفلسفة والعلم

نافع شابو

.لابد أن نتسائل من أين يأتي فهم ألأنسان للكون ؟ هذا ألأنسان الذي هو انضج ثمار الكون ، من اين له ان يسأل عن اصل الحياة نفسها؟ لماذا يكتشف ألأنسان العاقل الذي يمتاز بوعي (عقل )تفكيري يمكنه من ان يبتعد عقليا عن الكون الذي يسبح فيه ، لماذا يطلع ألأنسان على نفسه ويعي نفسه بعد اطلاعه على الكون ومحاولته فهمه ؟ .
هل سبق ألأنسان عقل غير إنساني في تاريخ الكون ترك اثرا منظورا فيه ؟ هل كان هذا العقل موجودا يوما ؟هل هو موجود ألآن بشكل منظور ؟هل تواجه الفكرة التي طرحها الأنسان منذ العصور التاريخية عن ألألوهة او ألآلهة ؟ ألا يشير سفر الحكمة لهذا العقل في التقليد الكتابي؟(1).
عالم الرياضيات 1جون لنكس - وهو العالم الذي يتجول في انحاء العالم ويلقي محاضرات يدحض فيها الألحاد المادي والألحاد العلمي وله عدة مناظرات مع اكبر ملحدي القرن الواحد والعشرون وهو ريتشارد دوكنز.يقول هذا العالم :
نحن نواجه وجهتا نظر
اولا : وجهة النظر التي تقول في البداية كانت هناك طاقة الجسيمات (الأنفجار الكبير ) ...الخ ولقد تم انشاء كل شيء من طاقة هذه الجسيمات بما في ذلك المعلومات
وجهة نظر هذه هي ان الطاقة اولا
ثانيا وجهة النظر الثانية تقول العقل اولا والطاقة مشتقة منها
هذا هو التعارض بين وجهتا النظر المادية (الألحاد) ووجهة نظر ألأيمان بالله . هذا هو الصراع بين هذين الرايين
وعندنا معلوم ان الأشياء المجردة لا تستطيع ان تسبب اي شيء مثلا الرقم واحد لايستطيع ان يسبب اي شيء. قوانين الحساب الرياضيات 1+1يساوي 2 لاتخلق اي شي.(2
ماهو الوعي ؟
مسألة الوعي صار يعرف اكاديميا بين العلماء والفلاسفة "المسألة الصعبة".
´The Hard Problem.

ربما اصعب مسألة مطروحة في العلوم في ايّامنا هذه.لماذا؟
يجب أن نعرّف ماذا يقصد بالوعي هذا حتى نعرف لماذا يشكل اشكالية ومسألة صعبة حتى للعلماء والفلاسفة .
الوعي هو : ذلك الأحساس الذي لدينا نحن البشر، منظور داخلي ، افكار ، احاسيس ،.إنني اعرف انا مستقل عن ألآخرين وانني انا افكر ألآن واتحدث وان هذا جسمي والباقي منفصل عني وان هذا العالم مختلف . معظم العلماء والمفكرين والفلاسفة يتفقون على انّ هناك شيء اسمه "الوعي " وان هناك شيء اسمه نفس وهناك روح ..
السؤال من أين ينشأ هذا الوعي ؟ هل هو نشاط كهربائي بالدماغ يعطي هذا الوعي ؟ هل هو من اصل مادي ينتج موجات كهربائية او نشاط معين شبكات دماغية ، واعصاب متفاعلة ام شيْ مختلف ومنفصل عن المادة ؟
رينيه ديكارت الفيلسوف الفرنسي المشهور في القرن السابع عشر هو الذي طرح فكرة أنّ هناك وعي وانه منفصل عن المادة . واننا نحن البشر بعدان : البعد المادي والبعد الغير المادي (عالم ألأفكار ) وهو منفصل عن المادة وهو الذي يتحكم على البعد المادي.(3)
العلماء معتادون على التعامل مع الأشياء غير المرئية. الإلكترونات، على سبيل المثال، أصغر من أن تُرى. لكن العلماء يفترضون كيانات غير قابلة للرؤية لكي نفسر ما نراه، مثل البرق أو آثار «أعقاب» البخار في الغرف السحابية. لكن في الحالة الفريدة للوعي، لا يمكن رؤية الشيء المراد تفسيره. نحن نعلم أن الوعي لا يوجد من خلال التجارب ولكن من خلال إدراكنا المباشر لمشاعرنا وممارساتنا(4)
يقول رينيه ديكارت :"يمكن لنا ان نُشكُّ في كل شيء"...فعندما نحلم ، نعتتقد اننا نعيش شيئا حقيقيا ، فما الذي يجعل فهمنا للأمور في حالة الصحويختلف عنه في حالة الحلم ؟
"عندما أنظر الى ذلك بانتباه ، لا اجد صفة واحدة تفصل بوضوح بين الحلم واليقظة " وتابع ديكارت ليقول :" كيف يمكن لنا ان نتاكد من ان الحياة ليست حُلما"؟
لذلك يفضل ديكارت ان يشك بكل شيء ككتلةواحدة . ديكارت كان يريد ألأنطلاق من الصفر ، وكان هذا الشك الأساسي ، قناعته الثابتة الوحيدة . لكنه اذ يشك ، يتأكد من انه يفكّر ، واذ يفكر ، يتأكد من انه كائن مفكّر ،او كما قال هو :"أنا أفكّر ،إذن أنا موجود".(اي انا أُفكّر إذن انا عندي وعي ).
ادرك ديكارت أنّ هذه الأنا المفكرة ، هي أكثر واقعية من العالم المادي الذي ندركه بحواسنا (الخمسة) .ولم يتوقف هنا، بل تسائل ديكارت عما اذا كان يدرك أشياء اخرى ، بالحتمية الحدسية ذاتها التي ادرك بها كونه كائنا مفكرا . وكان يعي بوضوح كامل ، وجود كائن كامل (أنا أُفكّر إذن هناك أمكانية وجود عقل مفكّر مطلق). فكرة فرضت نفسها عليه باستمرار مما جعله يستنتج أنها لايمكن ان تأتي من تلقاء نفسها . إنّ فكرة الكمال هذه لا يمكن ان تأتي الاّ من كائن كامل ، أي الله . فوجود الله بالنسبة لديكارت حقيقة مباشرة كحقيقة وجود مخلوق مفكّر.
لايمكن لنا نحن ان نتخيل كائنا كاملا كهذا لو لم يكن موجودا ،لأننا غير كاملين ، وبالتالي غير قادرين على تكوين فكرة الكمال ، وبرأي ديكارت :ان فكرة الله فطرية ، مطبوعة في طبيعتنا ،"كما تحمل اللوحة توقيع الفنان "...هكذا لايمكن الكلام عن كائن كامل، إذا لم تتحقق اهم صفاته ، اي الوجود. إ،نّها محاجة ٌ "عقلانية " . وهو يرى ، كافلاطون وارسطو انّ هناك رابطا بين الفكر والوجود . فبقدر ما يكون الشيء واضحا للفكر ، بقدر ما نكون واثقين من وجوده .
من هناك اثبت ديكارت انه كائن مفكر(عاقل) ، واثبت وجود كائن كامل (مطلق) .
انطلاقا من هذا ،بنى المحاجة التالية :
يمكن التفكير بأنّ كلّ صور العالم الخارجي ، كالشمس والقمر ، ما هي الاّ خيالات ، لكن الواقع الخارجي يمتلك صفات نستطيع التعرف اليها بواسطة العقل ، ويتعلق الأمر بنسب رياضية : الطول ، العرض ، ألأرتفاع ، الحجم ... هذه الميزات "الكمية " واضحة لعقلي ، وضوح واقع كوني كائنا مفكرا ، من جهة اخرى ، ترتط الميزات "النوعية " كاللون ،والرائحة ، والذوق ، بجهازنا الحسي ، ولاتصف الواقع الخارجي بعمق .
-ليست الطبيعة ،إذن ، حلما؟
- لا ..وفي هذا الموضوع يعود ديكارت الى مفهوم الكائن الكامل .
فعندما يتوصل عقلنا الى معرفة شيء ما بوضوح كامل ، كما هو الحال في النسب الرياضية ، فلابد ان يكون الأمر كذلك . ويعود ديكارت ليذكر بان الها كاملا لايمكن ان يسخر منا ، بل يعطينا "ضمانات " عندما نتوصل الى معرفة الواقع بمساعدة العقل ...
هكذا توصل ديكارت الى وجود شكلين مختلفين للحقيقة ، او "مادتين " ..المادة ألأولى هي الفكر ، او "النفس" (الروح) والمادة الثانية هي "ألأمتداد" او المادة .
والروح تعي نفسها ، لذلك فهي لا تاخذ مكانا ، ولاتنقسم الى جزيئات في الفضاء ، وتنقسم الى مالانهاية ...لكنها من الله ، لأنّ الله وحده موجود بطريقة مستقلة ...فالأنسان كائن "ثنائي"(روح وجسد مادي) طالما أنّه يفكر ويحتل حيزا ، اي أنّه يمتلك روحا وجسدا...وما نفكر به بوساطة عقلنا ، لايحصل في الجسد (المادي) إنّما يحصل في الروح التي هي مستقلة تماما عن الحقيقة الممتدة .
ديكارت لم يستطع ان ينكر تقاطع التفاعل والتأثير بين الجسد والروح ..فطالما تسكن الروح الجسد تكون مرتبطة به ، بواسطة غدة موجودة في الدماغ ، ولذا يمكن لها ان تتاثر بكل انواع المشاعر والمؤثرات المتعلقة بالحاجات الجسدية . لكن الروح تستطيع ان تتخلص من كل هذه الغرائز "الدنيا" ومن المشعار كالرغبة والحقد ، والتحرك بشكل مستقل عن الجسد . والهدف هو ترك العقل يقود اللعبة . ذاك ان مجموع درجات المثلث يظل 180 درجة ، حتى لو كان بطني يؤلمني . فالعقل قادر دائما على ألأرتفاع فوق هذه الحدود المادية والعمل "بعقلانية ". من هذه الزاوية نرى العقل سلطانا . فإن ساقينا تصلان الى مرحلة تصبحان معها عاجزتين عن حملنا ، وظهرنا يتقوس . و طالما
2 + 2 يساوي  4  ، بالنسبة لديكارت هو ذاته الروح (5).
يقول العالم واللاهوتي تيار دي شاردن في كتابه" العلم والمسيح"
الوعي احيانا يطلق عليه "الضمير" . وعن اولوية الضمير يقول :"يقوم أوّل هذه المبادئ ، منطقيا ونفسيا ، على اليقين العميق بصلاح الكائن ، أعني :
أ – أن تكون ، أفضل من أن لاتكون ، ب – أن تكون أكثر، أفضل من ان نكون أقل
وإذا قبلنا بالمبدأ الذي يقول : إنّ الكائن "الكامل " هو الكائن "الواعي " استطعنا أن نُضفي على هذا المبدأ شكلا عمليا وأكثر وضوحا وهو الشكل التالي :
أ – ألأفضل أنّ نكون واعين من ان لانكون هكذا
ب – وألأفضل أن نكون أكثر وعيا من أن نكون أقل وعيا .
وقد يكون الأختيار الجوهري للقيمة المطلقة أو لنقيّضها في وعي الضمير الأكبر هو سبب القطيعة الكبرى بين الصالحين والطالحين . أو المختارين وألأشرار ، من الناس .
إنَّ الوعي المتدرج ، تصاعديا ، على هرم اوسع وأعلى من المادة المروحنة ، هو بعينه الوجود في اعمق وأبعد ما نستطيع ان ندركه بحواسنا(6)
جي .بي. مورلاند العالم المهتم بالموضوعات المرتبطة بالوعي ألأنساني ، الذي كتب عنه في كتبه بين الحين والآخر . وقد كتب وحرر وشارك في الكتابة في الكتب ألآتية:
"المسيحية وطبيعة العلم " و "الجسم والروح" مناقشة بين الحياة والموت "، "ما بعد الموت " ، "هل يوجد إله ؟" ،"المنظور المسيحي للأنسان " ، فرضية الخلق "، "تحب الرب الهك بكل فكرك " وكتب اخرى .
السؤال الذي طرح على هذا العالم هو : هل حقيقة ان المسيحية والأبحاث المعاصرة تؤيّدان بعضهما البعض بينما في نفس الوقت تتنا قض مع ألأدعاء الدارويني بان المخ هو وحده المسؤول عن الوعي؟
اجاب مورلاند ؟ "التعريف البسيط للوعي هو :إنّه ما تنتبه اليه عندما تفحص أفكارك ومشاعرك . عندما تنتبه لما يدور بداخلك هذا هو الوعي . إفترض انك اجريت عملية جراحية في فخذك ، وفجأة تنبّهت لما يقوله الناس عنك . قد يقول احدهم " أعتقد انّه بدا يتماثل للشفاء " وتبدأ تشعر بألم في ركبتك . فتقول لنفسك : أين انا ؟ وتبدأ في التذكر بأنّه قد أجريت لك عملية
وعن سؤال ماذا عن الروح ؟
اجاب مورلاند:"الروح هي ألأنا أو النفس وهي تحتوي وعينا وهي التي تحيي جسدنا . ولهذا يموت الجسد عندما تفارقه الروح . الروح غير مادية وهي مميزة عن الجسد"..
واضاف يقول : المسيحيّون فهموا ذلك لمدة عشرين قرنا . فمثلا ، عندما كان المسيح على الصليب ، قال للص المصلوب بجواره سوف يكون معه في الفردوس بعد موته وقبل القيامة ألأخيرة بالجسد
ووصف المسيح الجسد والروح على أنّهما كينونتان منفصلتان عندما قال:
"لاتخافوا من الذين يقتلون الجسد ولايستطيعوا قتل الروح " ويقول الرسول بولس عندما نُغيب عن الجسد نكون حاضرين مع الرب .

وبالرغم من كل ما يعتقد فيه البعض عن اختبارات قرب الموت ، فلدينا تاكيد بان يسوع مات وفيما بعد شوهد حيا من قبل شهود عيان موثوق فيهم . وهذا الأمر لايعطينا فقط تايدا وبرهانا تاريخيا للحياة بعد الموت ، ولكن ايضا يعطي الرب يسوع مصداقية عظيمة لما علمه بان لنا جسدا وروحا خالدة
وعن سؤال ماذا يقول غيرالمسيحيين عن ذلك ؟ هل هذه الفكرة موجودة في ثقافات اخرى؟
اجاب مورلاند: "نحن نعرف ان مبدأ الثنائية (الجسد والروح) قد دُرّست باللغة اليونانية القديمة ، مع انهم –على خلاف المسيحيين- إعتقدوا ان الجسد والروح غرباء عن بعضهما البعض . وبكلمات معاصرة ، أوافق مع ما قاله عالم الطبيعة جايجون كيم :"اعتقد ان في ألأنسان شيء ثنائي (الروح والجسد) وهذا امر موجود في معظم الثقافات والتقاليد الدينية وما زال البعض ينكرون الثنائية وبدلا من ذلك يعتقدون أننا كائنات جسدية فقط، مثلما قال عالم الجينات فرانسيز:"نحن لسنا أكثر من سلوكيات مجموعة كبيرة من الخلايا العصبية وجزيئاتتها المرتبطة بها ".
ماذا لو أنّ مبدأ الجسدانية حقيقي؟
بعض الناس ينكرون ان لنا روحا خالدة . وقال جون سيريل :"في نظرتي العالمية ارى ان الوعي هو نتيجة عمليات بالمخ". وبمعنى آخر هم يعتقدون ان الوعي هو نتاج حيوي بحت . وقال عالم الدماغ باري بيرستين :"مثلما تنتج الكليتين البول فكذلك العقل ينتج الوعي
يجيب مورلاند بثلاثة معاني منطقية تدحض هذه الأقوال:
قال: أولا ، أذا كان مبدأ الجسدانية صحيح ، فلن يكون الوعي موجودا لأنّه لن توجد حالات وعي يجب وصفها من وجهة نظر الشخص ألأول ".
"لو كان كل شيء عبارة عن مادة ، عندئذ يمكنك أن ترسم الكون كله في رسم بياني يمكنك تحديد كل نجم ، والقمر ، وكل جبل ، ودماغ الأنسان...الخ واّذا كان كل شيء جسديا عندئذ يمكن وصفه تماما من وجهة نظر الشخص الثالث ونحن نعلم أّنّه لدينا الشخص ألأول (أنا ) وجهة نظر ذاتية وشخصية ، ولهذا لايمكن لمبدأ الجسدانية ان يكون صحيحا
المعنى الثاني: هو عدم وجود ارادة حرة ، وذلك لأنّ المادة محكومة تماما بقوانين الطبيعة .ولنأخذ أي امر عادي . فمثلا ، السحابة هي شيء مادي ويحكم تحركها قوانين ضغط الهواء والرياح وما شابه ذلك . ولهذا فإذا كنت أنا شيئا ماديا ، فكل ما أفعله سيتم بواسطة البيئة المحيطة والجينات وهكذا .
" وهذا يعني انني لست حرا لأختار ما أشاء . وما سيحدث ستحركه البنية الجسدية والبيئة اذا فكيف تعتبرني مسؤلا عن تصرفاتي وانا لست حرا في اختيار ما افعل ؟ وهذه هي احدى ألأسباب التي جعلتنا نخسر حرب فيتنام
وعن سؤال مورلاند عن ماهي علاقة كل ذلك بحرب فيتنام".
قال : مورلاند:"سمعت مستشارا سابقا للرئيس (ألأمريكي ) يقول ان سلوكيات سكيننير أثرّت على استراتيجية البنتاجون . كان سكيننير يعتقد أنّنا مجرد أشياء جسدية (وهذا ما يعتقده الماديين ) ولهذا يمكنك التحكم في الناس ، تماما مثلما يتحكم في حيوان في المعمل ببعض الصدمات الكهربائية . استمر في عمل أشياء معينة مرة ومرات وعندئذ يتغيّر السلوك .ولهذا ففي فيتنام ، القينا القنابل ورجعنا ثم القينا القنابل ورجعنا ، وهكذا .
وافترضنا انه بعدما أعطينا اهالي فيتنام الشمالية صدمة بعد ألأخرى أمكننا بسرعة التحكم واستغلال سلوكياتهم . وأعتبرناهم مجرد أشياءجسدية تستجيب للدافع . وفي النهاية سيستسلمون
ولكنهم لم يفعلو ذلك ولم تنجح هذه السياسة
السؤال لماذا؟
قال مورلاند:" لأنّه كان لديهم ماهو اكثر من مجرد المخ الجسدي ليستجيب للدافع . كانت لديهم أرواح ورغبات ومشاعر ومعتقدات واختيار حر لتحمّل المعاناة والصمود من اجل ما أقتنعو به بالرغم من محاولاتنا للسيطرة عليهم بالقنابل ".
ولهذا فلو كان الماديون على صواب ، قُل على ألأرادة الحرة السلام . ففي وجهة نظرهم نحن مجرّد كمبيوتمرات معقدة تتصرف طبقا لقوانين الطبيعة والبرامج التي نتلقاها . ولكنهم مخطئون ، فلدينا ارادة حرة . ونشعر ونعلم ذلك في اعماقنا . إننا اكثر من مجرد مخ جسدي
ثالثا ، إذا كان مبدأ الجسدانية صحيحا ، فلن يكون هناك حالة متوسطة من تحرير الروح من الجسد. فطبقا للأيمان المسيحي إنّنا عندما نموت تترك أرواحنا أجسادنا وتنتظر قيامة ألأجساد من الموت . إنّنا لا نتوقّف عن الوجود عندما نموت . فأرواحنا تستمر في الحياة .
وقد حدث هذا في خبرات من كانوا على وشك الموت .بعض الناس ماتوا سريريا ، ولكن في بعض الأحيان كان لديهم غيرة وأفضلية النظر من فوق ، فتطلّعوا الى اسفل الى طاولة العمليات التي كان عليها جسدهم . وفي بعض ألأحيان حصلوا على معلومات لم يستطيعوا معرفتها لو كان هذا مجرد خداع لمخهم الجسدي. إحدى السيدات ماتت وشاهدت حذاء تنس على سطح المستشفى كيف عرفت ذلك ؟.
لو كنت أنا مجرد مخ ، عندئذ سيكون وجودي خارج الجسد مستحيلا . وعندما يسمع الناس عن إختبارات الموت هذه ، فلا يعتقدون أنهم اذا تطلعوا الى سقف المستشفى سوف يروا مخا ينبض وبه عينان تنظران الى اسفل . هل هذا صحيح ؟ وعندما يسمع الناس أختبارات الموت هذه فانهم ينسبون بالوحي لهذا الشخص روحا تستطيع ان تترك الجسد. وهذه القصص تعطي نوعا من المعنى حتى وان لم تتاكد من صدقها . إننا أكثر من مجرد جسد وإلا ستثير هذه القصص سخريتنا وضحكنا ".
وعند سؤال مورلاند هل يصدق اختبارت على وشك الموت؟ قال :
"علينا ان نكون حذرين مع هذه المعلومات ولا نحمّها أكثر مما تحتمل ، ولكنني أعتقد فعلا أنها تعطينا على ألأقل الحد ألأدنى من المعلومات عن الوعي الذي يتخطى الموت .
ورجوعا الى عام 1965 كتب الطبيب النفسي جون بيلوف في مجلة ألأنسانيين :إنّ الدليل على إختبارات القرب من الموت يوضح وجود عالم ثنائي حيث يوجد وجود منفصل لكل من الروح والجسد منفصل عن هذا العالم المادي ". وهذا يمثل نوعا من التحدي للفلسفةألأنسانية (تحقيق الذات عن طريق العقل) ومدى عمقها في حد ذاتها كتلك التي نادى بها تطور داروين ضد المسيحية منذ قرن مضى".
وبالرغم من كل ما يعتقد فيه البعض عن اختبارات قرب الموت ، فلدينا تأكيد بأنّ يسوع المسيح مات وفيما بعد شوهد حيّا من شهود عيان موثوق فيهم .وهذا ألأمر لا يعطينا فقط تأييد وبرهانا تاريخيا للحياة بعد الموت ، ولكن أيضا يعطي الرب يسوع مصداقية عظيمة لما علّمه بانّ لنا جسدا وروحا خالدة."(7)
-------------------------------------------------------------------------
المصادر

(1)
كتاب الخلق والتطور حوار بين الدين والعلم ص 115
(2) راجع مقالتين للكاتب كما في المواقع التالية
البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت العالِم -الملحد- ستيف هوكنج!!! ج1و ج2
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=707384
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=708263
(3)
الأستاذ نضال قسوم
تأمّل معي: الوعي، أكبر معضلة في العلم
https://www.youtube.com/watch?v=M4yl9pIKqPc
(4)
الكاتب عدنان أحمد الحاجي *
راجع الموقع التالي
https://juhaina.in/?act=artc&id=74438
(5)
كتاب "عالم صوفي " رواية حول تاريخ الفلسفة تاليف جوستاين غاردر.
(6)
كتاب العلم والمسيح للعالم تيار دي شاردن

المصدر (1) اعلاه .(7)

22
برهان "الوعي " دليل على انّ العلم  يشير الى مُصمّم ذكي ( خالق) – المقدّمة


نافع شابو البرواري

انا أفكّر إذا انا موجود"
 الفيلسوف رينيه ديكارت

غالبا ما يُقال ، إنّه يجب ان لانصدّق شيئا إلاّ بعد ان نراه بأم عيننا . لكن هذا خطأ.
يقول الفيلسوف افلاطون :"شيئان لاينيان يملآن قلبي(وعيي او عقلي) بالأعجاب والأحترام ، ويزداد فكري تعلقا بهما ، وتطبيقا لهما : السماء المضاءة بالنجوم فوق راسي والقانون ألأخلاقي في داخلي "
كتاب عالم صوفي  جوستاين غاردر

اما العالم الفيزيائي الأشهر اسحاق نيوتن يقول :
"لايمكن لهذا النظام الرائع (الكون) أن يأتي الاّ من ارادة السلطة المطلقة للكائن الذكي وألأسمى (عقل مطلق)
اما عالم الرياضيات المشهور "جون لينكس" في مناظرة له مع العالم  الملحد " ريجارد دوكنغ " ويقول :
"أنا اومن أن الكون مفهوم عقلانيا لأنَّ الله الخالق وراءه. فدراسة  علماء الكون والفيزياء وعلمهم يُفترض ان الكون قابلا للفهم عقلانيا . فلايمكن ان تكون ألأفكار في عقولنا هي مجرّد نتاج لعملية بلاعقل ولا دليل " ويردُّ" لينكس " على قول ريتشارد دوكنغ الذي يقول "أن الأصطفاء الطبيعي يبني أدمغة قادرة على البقاء والأدمغة القادرة على البقاء هي التي تبقى في العالم " فيقول لينكس :
"ولكن اين هو مبدأ الحقيقة ؟ كيف يمكن للأدمغة تمييز ألأشياء الحقيقية ؟ .إذا كانت تلك ألأفكار تُختزل بالفيزياء والكيمياء وفسيولوجيا ألأعصاب فكيف تُبيّن الحقيقة ؟ .
ويضيف : ما يتبين لنا ان عملية التطور راقية جدا حتى انه بذاتها تقدم دليل على عقل منطقي وراءها "(1)

في اجابته لسؤال ماهو الدافع العلمي (هدف العلم)  يقول العالم واللاهوتي " تيار دي شاردن" في كتابه العلم والمسيح "
"ألأنسان المتأمّل  والساعي الى المادة للحياة  الهانئة والرفاهية الكاملة (الرفاهية والتسلية ) هي  الدافع الأساسي للبحث العلمي
أمّا الدافع الأسمى الذي يجب أن يتخطى هذا الهدف هو طموح متاصّل في أعماق ألأنسان وهو ان يعيش بكمال أكثر من خلال روحنةالعمل(العلم) نفسه ،وبوعي كامل لهذه الروحنة. الأبحاث الحديثة تتخطى الرفاهية والتسلية  الى ماهو فوق ألأنساني  والتي تحمل النتائج التالية:
1 – إعتبار العلم دافعا أكبر لدعم ملكوت السماوات ،بقدر ماهو عالم ، بوعي ، بقدر ذلك يُبهر باكتشافات  العلم ويحوّلها الى مجد الله .
فالمسيحي المشارك بالأبحاث العلمية مؤكدا على القيمة الحقيقية لهذه الأبحاث بأن ينظر الى العالم بعين الروح التطورية الألهية . فالمسيح ذاته يجد كماله في التأكيد على العمل الخلاق يوجّه الكون اليه وذلك من خلال تطور العلم باتجاه ألأف والأوميغا . والعالِم المسيحي يتميز عن العالِم الغير المسيحي بأنّه يوجه بحثه الى قمة التطور الكوني التي نراها في المسيح القائم من القبر والمنتصر على كل شيء.
فالأنسانية الكاملة تتجه هكذا الى ماهو فوق كل شيئ ، اي المسيح ، وليس الى شيء مبهم لاقيمة له من خلال تشعباته العديدة .
وهكذا ، ففي قلب المسيحي وروحه ، الذي اصبح عاملا في ألأرض ، تتلاقى عبادة الله في بعدها الماورائي وفي بعدها الزمني".
2 – ألأيمان المسيحي يُمَسحن النشاطات ألأنسانية . فالأيمان المسيحي يلتقي بالأيمان بالأنسان  . فاكتمال السماء يكون باكتمال الأرض ، من خلال روحنة كلّ بحث علمي ، ومن خلال الكمال المسيحي ، بواسطة عمل ألأرض المروحن والمقدس في المسيح ألألف والياء(2)

في بحثه عن الله بالدليل العقلي يقول العالم الفيزيائي باتريك جرين  :
"اليوم يبدو لي انه ليس هناك سبب مقنع يمكن ان يتبناه انسان ذكي لقبول الألحاد أو اللاادرية .... لابد من وجود هدف وراء الكون ...وهذا الكون موضوع ببراعة مدهشة للغاية حتى انني لايمكنني قبوله كحقيقة صماء. ...ولا يمكننا ان نؤمن بان وجودنا  في هذا الكون مجرد دعابة قدر ، او حادث تاريخي ، او مجرد صورة عرضية في الدراما الكونية العظيمة  ".(3)
امّا المتشكك السابق بول ديفيز يقول :
"إنَّ حقيقة الكون المبدع بحدِّ ذاتها، وأنَّ القوانين قد سمحت بظهور بنى معقَّدة وتطوُّرها لدرجة الوعي - بمعنى أنَّ الكون قد نظَّم وعيه الخاص - هي بالنسبة لي دليلاً قويًا على أنَّ هناك "شيئًا ما" يجري خلف كل ذلك. فهذا الإحساس بوجود تصميم ذكي غامرٌ بشدَّة."(4)
يقول العالم ستيفن . سي . مير
" اعتقد ان ثورة المعلومات الحادثة في علم الأحياء تدق ناقوس الموت لمباديء داروين ونظريات التطور الكيمياوي ." ان محاولة تفسير اصل الحياة بمعزل عن مكوناتها الكيميائية قد مات الان .فمبدا الطبيعة لم يعد بامكانه ان  يجيب على المشكلة ألأساسية وهي كيفية ألأنتقال من المادة والطاقة الى الوظائف البيولوجية بدون ادخال معلومات ذكية . " ان المعلومات ليست شيئا ماخوذا من خواص مادية ، انها تتجاوز المادة والطاقة  لن تستطيع ان تفسر المعلومات . والذكاء فقط هو الذي يستطيع ذلك . واعتقد أن تحقيق ذلك سوف يبزغ فجره على اناس أكثر واكثر وخاصة العلماء الصغار الذين نشأوا في عصر تقنية المعلومات ." انّ المعلومات هي السمة المميزة للعقل . ومن خلال ألأدلة الجينية والحيوىة يمكننا أن نخمن بوجود عقل أعظم بكثير من عقلنا ، عقل واع ، وله هدف وحكيم ومصمم ذكي وهو خلاق مدهش ، ولا شك في هذا "(5)
في كتابه "القضية ...الخالق" ( الكتاب الذي  - سيكون موضوعنا الرئيسي  في المقالات التالية - عن دليل الوعي الذي يقودنا الى وجود خالق ) يقول لي ستروبل :
" توصّل  الكثير من العلماء الى أنّ قوانين الكيمياء والطبيعة لا يمكنها أن تفسّر لنا إختبارنا  للوعي . وقد عرف البروفيسور جي بي . مورلاند الوعي على انه ألأستبطان والأحساسات والأفكار والعواطف والرغبات والمعتقدات والأختيارات الحرة التي تُبقّينا احياء ومتنبهين . والروح هي التي تحتوي على الوعي وتبعث الحياة في جسدنا . وطبقا لما وضحّه أحدالباحثين من أنّ الوعي يمكن أن يستمر بعد ان يقف مخ ألأنسان عن العمل ، فإنّ الأبحاث العلمية الحديثة أيّدت وجهة النظر التي تقول بأنّ "العقل" و"الوعي" و" الروح" هي كيان منفصل عن المخ .
وكما قال العالم جي . بي . مورلاند: "لا يمكنك أن تحصل على شيء من لاشيء . فإذا كان الكون نشأ من مادة ميتة لاوعي فيها كيف يمكنك إذا أن تحصل على شيء مختلف تماما – وعي ، تفكير ، مشاعر ، مخلوقات حيّة – على المادة التي ليست بها مثل هذه الأشياء . ولكن إذا كان كل شيء بدأ من فكر وعقل الله ، فليست لدينا مشكلة في تفسير مصدر وأصل عقولنا ".
إنّ الفيلسوف مايكل روس الذي يؤمن بنظرية داروين ، إعترف بصراحة :"لايوجد أحد لديه إجابة على قضية الوعي . وقال جون سي . إكليس الحاصل على جائزة نوبل :"هناك ما يمكن أن نسمّيه ألأصل الغير عادي لعقلي الواعي ولروحي المتفرّدة ".
يضيف لي ستروبل فيقول :
راجعتُ سيل المعلومات مما قمت به من بحث وتقصي ، ووجدت أنّ الدليل على وجود مصمم ذكي (الخالق) أمر مصدّق ومقنع وقوي . ومن وجهة نظري فإنّ ربط ما وجدته من علم الكونيات وعلم الطبيعة كافيين تماما لتأييد إفتراضية وجود مصمّم لهذا الكون . وكل المعلومات ألأخرى التي قد تكون قضية تراكمية قوية انتهت بأنّها غمرت كل اعتراضاتي .
ولكنمن هو هذا المصمّم الأعظم؟ ومثل لعبة توصيل النقط ، فإن كل واحدةمن الستة فروع العلمية التي بحثتها أعطب المفاتيح لأزالة القناع عن هوية الخالق وهي :
اولا : دليل الوعي
ثانيا  : دليل علم الكونيات
ثالثا: دليل الفيزياء
رابعا : دليل علم الفلك
خامسا : دليل الكيمياء الحيوية
سادسا : دليل المعلومات البيولوجية
هذه ألأدلة العلمية التي تقودنا الى الأيمان بوجود مصمم عظيم للكون والحياة . إنّ الخالق وضع على ألأقل هدفا واحدا في مخلوقاته وهو إكتشاف العالم الذي صمّمه ومن خلال ذلك يكتشفونه هو (من خلال العقل او الوعي الذي ينفرد به ألأنسان )

صورة  الخالق التي بزغت من المعلومات العلمية تتوافق بقوة مع وصف الله الذي وضحت شخصيته على صفحات الكتاب المقدس :
"في البدء خلق الله السماوات والأرض " سفر التكوين 1: 1"

فالله  هو ذلك الكائن الذي يسمح في كل لحظة لكل كائن حتى للكون نفسه باكمله بان يبقى في الوجود ، إذ بدونه لايمكن ان يكون شيء مما هو موجود . وهنا نلتقي بسهولة تاكيد مار يوحنا ، كاتب الأنجيل الرابع ، بشان الكلمة:"كل شيء به كان وبغيره لم يكون شيء مما كان "يوحنا 1 :3"
يمكن ان نلخص كل ماتوصلنا اليه عن الكون والوجود بما لخصه الفيلسوف ج. س. ميل (وهو ليس مسيحي): "من الواضح جلياً أن "العقل" فقط هو ما يستطيع أن يخلق عقلاً." فالنتيجة المنطقية الوحيدة هي أن خالقاً أزلياً هو سبب وجود الحقيقة كما نعرفها (6)

ألأسئلةالمطروحة :

لماذا تمتلك مجموعة من الذرات قدرة على التفكيير ؟ لماذا – حتى وانا اكتب ألآن – استطيع ان افكر فيما افعله ولماذا انت – حتى وانت تقرأ ألآن –تستطيع ان تفكر فيما اكتبه ، قد توافق او لاتوافق بسرور او بالم ، وقد تقرّر رفض ما اكتبه وانه لايستحق المجهود الذي بُذل فيه ؟ لا احد ،ولا حتى الداروينيين ، يبدو ان لديهم اجابة على ذلك . إذ ليس هناك اجابة علمية على ذلك

..كيف يمكن لمجرّد مادة ان تنتج وعيا ؟ كيف حوّل التطور ماء الأنسجة الحيوية الى نبيذ الوعي ؟ هل سيكون هناك تفسير علمي للوعي والعقل؟
هل عقولنا هي نتاج ثانوي لمادة صمّاء. ما الفرق بين العقل(الوعي) والدماغ؟ هل الروح ألأنسانية أساس معرفتنا بعمل الدماغ ؟ ماهو الدليل ألأيجابي على أنَّ الوعي والنفس ليسا مجرد عملية جسدية للمخ ؟هل الوعي قاصر فقط على الحواس الخمسة؟
وهل الفيزياء الطبيعية كافيه لفهم الوعي ؟ وهل الوعي الأنساني يتطور وليصبح اعقد ؟
هل العقلانية تأتي من اللاعقلانية  ام يجب ان يكون هناك عقل عظيم مطلق ؟ز
هل الذكاء ربما يكون قد لعب دور في اصل الحياة ؟
هل ستكون المكائن المستقبلية قادرة على إمتلاك تجارب روحية  وان الآلات ستتفوق على الذكاءالبشري طبقا للداروينين والعلماءالطبيعيين  ؟
هل الوعي يشير الى ما اذا كان هناك حياة بعد الموت ، وما إذا كان هناك ما يسمى بالروح ألأنسانية ؟  وهل نتوقع  بان العلماء سوف يتوصلون للنتيجة بان الروح – مع انها غير مادية – هي حقيقية ؟ وهل الوعي دليل على وجود الله ؟
هل حقيقة ان المسيحية والأبحاث المعاصرة تؤيدان بعضهما البعض بينما في نفس الوقت تتناقض مع ألأدعاء الدارويني  بأنّ المخ هو وحده المسؤول عن الوعي ؟
  للأجابة على هذه الأسئلة وغيرها تابعونا في المقالات التالية

(1)
راجع مقالات الكاتب
البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت العالِم -الملحد- ستيف هوكنج!!! ج1

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=707384

 البروفيسور-جون لينكس -يكشف تهافت العالِم -الملحد- -ستيف هوكنج-!!!ج2
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=708263
(2)

محاضرة تيار دي شاردن  .نيويورك، آذار 1955
كتاب العلم والمسيح

(3) كتاب :" القضية ... الخالق " للكات لي ستروبل
(4) المصدر 3 اعلاه
(5) المصدر 3 اعلاه
(6) المصدر 3 أعلاه

23
علاقة العلم بالأيمان في الفكر المسيحي المعاصر
نافع شابو

"إنَّني مقتنع على أنَّ التفسير الصادق للأنجازات الجديدة للعلم وللفكر تؤدي بنا الى تطور روحي وليس الى تطور ماديّ....وانّ المسيح ، زيادة على صفاته ألأنسانية والألهية له صفات الكونيّة التي تجعل منه المركز الشخصاني الذي يسعى اليه علم الفيزياء وعلم الميتافيزياء وذلك من خلال تجسُّده ..وإنّه لمن الممكن أن يظهر المسيح بوضوح وكأنّه قمة
التطور الكوني ".

العالم واللاهوتي المؤمن "تيار دي شاردن" *

مقدمة
يقول الأب " ريجارد بيويز" في كتيب بعنوان صفحة جديدة:
"لايمكن البتّة ان يكون عالمنا المُتّقن قد وُجد بمحض الصدفة . ومع ذلك فلا نستطيع ان نستنتج تلقائيا انّ الها مُحبّا قد خلق هذا العالم ، وأنّه يهتم بنا شخصيا.لابدّ اولا من التطرق الى بعض ألأسئلة ألأساسية . مثلا ، الا يُناقض العلم الدين ؟
كثيرون يرون ان بين ألأمرين تناقضا . ولكن تناقضا كهذا هو غير ضروري . فمن الثابت يقينا انَّ مُعظم الكتب العلمية الجاري استعمالها ألآن سوف تحلُّ محلّها كُتب أخرى ولاتعود تُقرأ خلال سنين قليلة . وثابت بالمثل ايضا أنّ أول سفر في الكتاب المقدس ، أي سفر التكوين ، سوف يظلُّ يُطبع ويُقرأ على مدى التاريخ الى آخر الزمن . ذلك لأنّ لكل من الكتاب المقدس والعلم دورا يختلف عن دور ألآخر . ومن السخف القول إنّهما يتناولان موضوعا واحدأ ، فإنّ ذلك يكون بمثابة الزعم أنّ ألأذن تستطيع ان تذوق ، أو العين ان تشتم .
إنّ دور العلم هو تقصّى العالم القابل للملاحظة. أمّا دور الكتاب المقدس ، فهو أن يُظهر ما لايمكن إكتشافه بالملاحظة. . وينبغي للعلم ، عبرمهمّة الملاحظة الدائبة للعالم ، أن يجيب عن السؤال كيف ؟ كيف حدث ذلك كُلّه ؟
غير انَّ الكتاب المقدس لايركّز على ذلك السؤال . بل يجيب باألأحرى عن السؤال الذي لايستطيع العلم أن يجيب عنه البتة : لماذا ؟ لماذا نحنُ هنا ؟ ما الهدف من الأمر كُلّه .، وأيَّ سبب وجيه يكمن وراء كوننا أحياء؟
الكتاب المقدس إعلان مركزه الله ، يُظهر هذا العالم الذي هو مكان إقامتنا . هذا ألأعلان يخاطب بقدرِ متساو من القوّة أهل الغرب وأهل الشرق ، موسيقيّي الجاز ومبرمجي الكومبيوتر وعمال المصانع ، ألأولاد والأساتذة ، الدلوماسيين والفلاحين ، السجناء والرؤساء"(انتهى الأقتباس)

التقدم العلمي والأكتشافات العلمية التي تخدم الأنسان هي تعبير عن مقصد الله بالنسبة للأنسان . إنّه تعبير عن صورة الله التي تجعل من ألأنسان "عاملا مع الله" على حد تعبير الرسول بولس (1كورنثوس 3 :9) ، وكأن الله (بنظر المسيحية ) لم يجعل الخليقة كاملة منذ البدء ليترك للأنسان مجال المساهمة معه في خلقه .
إنّ ألأنسان مدعو ، بالتقدم العلمي والتقني ، أن يُساهم سرّيا في بناء السماء الجديدة وألأرض الجديدة مادا قوّة القيامة في الكون ....إنّ عددا غفيرا من العلماء المسيحيين عاشه ويعيشيه . ففي القرون الوسطى نفسها ، حيث أهملت الدنيا المسيحية ،الى حد ما ، شؤون الأرض ، ظهر علماء مسيحيون وضعوا بابحاثهم وتجاربهم مقدما العلم الحديث ، نذكر العالم البير الكبير والراهب ريمون لول والراهب روجيه باكون الذي اسّس العلم التجريبي ثلاثة قرون قبل الباكون الثاني .
وعندما إنطلق العلم الحديث ابتداء من عصر النهضة ، كان كل رواده مفكرين مسيحيين نذكر منهم : فينشي وغاليلي (رغم خلافه مع الكنيسة الرسمية ) والراهب كوبرنيك وديكارد وباسكال والراهب ماريوت وليبنيز ونيوتن ..الخ
وبصورة أعم ، إذا استعرضنا تاريخ العلم في القرون الثلاثة الماضية ، نرى أنّ ثلاثة ارباع اي 75% من العلماء في مختلف الفروع كانوا مؤمنين .
ألأب بيار دي شاردن ، ذلك المفكر واللاهوتي والعالم الذي استقطب الفكر المعاصر كُلّه ، فانكب على دراسته المؤمنون والماركسيون والذي جمع طيلة حياته الى ايمانه العميق تنقيبا علميا قاده الى اكتشاف احدى حلقات التطور الأنساني وتوصل الى انّ :"ألأيمان بالله وألأيمان بالعلم ، على حدّ تعبيره ، إيمانين كانا دوما يغذّيان احدهما ألآخر ."
الأيمان يتناول ماهو خارج المادة ، مقابل العلم الذي يتناول ماهو مادي
إنّ فكرة أنّ المسيحية والعلم كانا على الدوام في تصادم هو تشويه جسيم للسجل التاريخي . ففي الحقيقة آمن روبرت بويل –دارس الكيمياء ألأنكليزي العظيم- أنّ العلماء أكثر من غيرههم قد مجّدوا الله في البحث عن مهامهم لأنّه قد وهب لهم ان يُسبّحوا خليقة الله ".
السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ." (مز 19: 1) .(1)
أمّأ العالم المشهور "باستور" يقول :
إن العلم الصحيح لايمكن ان يكون ماديا ولكنه على خلاف ذلك يؤدي الى زيادة العلم بالله ،لأنّه يدلُّ بواسطة تحليل الكون على المهارة وتبصُّر ، وكمال عقل الحكمة التي خلقت
الناموس المدبّرة للوجود ، كمالا لاحدّ له "

إنَّ اولئك الذين في عصر الأصلاح أمنوا ان الله قد أعلن ذاته للبشرية بطريقتين ، في الكتاب المقدّس وفي الطبيعة ، وقد مكّنهم ذلك من ألأشتراك في التحدي التحرّي العلمي
للعالم الطبيعي (2)

أولا : منهج العلم؟

منهج العلم يبدا بالتسائل( مثلا كيف ؟ ) والشك أي طرح الأسئلة ثم الملاحظة (البحث ) ثم وضع الفروض ثم التنبؤ (التوقع) ثم التجربة ثم النتائج . فالعلم منهج تحقيق وشك بنّاء ، يبحث بالمنطق والدليل والعقل لبلوغ ألأستنتاجات . يعالج العلم موضوع أو ظاهرة محددة
وتُعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين . (3)
يقول العالِم "تيار دي شاردن " عن العلم : ص ، 83 ،82
"عندما نوّد أن نعرف ما في داخل منزل ما فاننا نفتح الباب، واذا شئنا أن نعرف ما في داخل ساعة نفكِّ أجزائها ، أو ما في داخل جوزة فاننا نكسرها . لذلك فان الحركة الأولى التي يقوم بها العقل لمعرفة ماهيَة شيئ ما هي أن يفكّك أجزاء ذلك الشيء ويحلله وأن مصدر العلم كله نابعٌ من هذه الحركة الغريزية . والعلم اساسا ، هو تحليل . أمَّا طريقة بحثه واستنتاجاته فهي قائمة على المبدأ القائل : إنِّ سرَّ ألأشياء يكمن في عناصرها بشكل أننا أذا شئنا أن نفهم العالم فانّه يكفينا أن نتوصل الى المبادئ ألأكثر بساطة التي خرج منها . وفي ص 82 يقول : "أنَّ التحليل ، وهو أداة رائعة وقادرة على تفتيت الموجود ، يلقي بين أيدينا بحدودٍ تكون دائما غيرواضحة وفقيرة الى أقصى حدِّ . إنَّه يكشف لنا عن قانون بناء ألأشياء ، ولكنَّ رواسب عمليّته نفسها ، بدل من أن تقدّم لنا الجوهر الثابت للعالم ، فانها تغدو أقرب فأقرب الى العدم .... العلم يهتم ُّ ، ضرورة ، أوّل ما يهتم ، بدراسة الترتيبات المادية ، التي تنجزها حركة الحياة ،. وعلى ذلك فأنَّ العلم لا يرى الاّ قشرة ألأشياء الخارجية " . أمّا التطوّر الحقيقي للعالم فيحصل في النفوس وفي أتحاد هذه النفوس . وإنَّ عناصر هذا التطور العميقة
ليست آلية بل هي عناصر نفسيّة وأخلاقية"ص79 .(4)

وبتعريف اكثر تحديدا للعلم يضيف فيقول :
العلم هو منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على المنهج العلمي دون سواه او مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها او نتوصل اليها بواسطة هذه الطريقة . يتميز العلم في منهجه باتخاذ الملاحظة والتجربة والقياسات الكمية والبراهين الرياضية وسيلة لدراسة الطبيعة ، وصياغة فرضيات وتاسيس قوانين ونظريات لوصفها.(5)

ثانيا : أهداف وغايات العلم
1 - العلم يلزم ان يكون له أهداف واضحة نهائية وهي محاولة فهم العالم والبيئة التي يعيش فيهما الانسان وكذلك الشخص نفسه من اجل تنظيم وتطوير وتحسين معيشته على هذه الارض ضمن هذا الكون الفسيح.
اذاً العلم ليس محاولة اكتساب المعلومة من اجل المعرفة فقط ، بل هو الحصول على المعلومة التي تحقق حياة أفضل واحسن للإنسان بواسطة تطوير المقومات والبيئة التي فيها يتمكن الكائن البشري من أن يحقق ذاته وكماله الشخصي والجماعي ..
هذه الاهداف التي للعلم تضعه في موضع الالتزام بما يخدم الانسان ويجعله يتسامى في الحياة محترما هذه الحياة والبيئة التي يعيش فيها. واية محاولة للمسّ بكرامة الانسان وحياته، من نشأتها الى ختامها، بعلة حرية العلم والتطور تعتبر انتهاكا لمعنى العلم ذاته واستخداما خاطئا لمكتسباته من اجل غايات غير سليمة. أي يجب ان يكون هدف العلم خدمة الانسان وتطويره 2 - العلم : نشاط انساني بطبيعته يعبر عن حاجة الإنسان الى معرفة وفهم ووصف وتفسير ما حوله من ظواهر بيئته ومجتمعه التي يتفاعل معها ويؤثر فيها وتؤثر فيه

ثالثا : دائرة العلم التحليلي ودائرة الدين(ألأيمان) .

كثيراً ما تصطدم الحقائق العلمية بالدين، ويختلفان، ويحار العلماء أنفسهم في هذا الأمر. فيرى البعض في الاكتشافات الحديثة عن لا محدودية الكون واتساعه المستمر مبرراً لشعور الإنسان بالاكتفاء الذاتي، وبعدم احتياجه إلى "إله". بينما يرفض البعض كل ما يقوله العلم ويتناقض مع الدين. ولكن هل من الممكن فعلاً أن يكتمل العلم بدون دين(ايمان)؟ أو هل من الممكن أن يستمر الدين في رفضه للعلم ، في زمن العلم والتكنولوجيا؟ ربما حان الوقت
أخيراً للتعاون بين هذين الطرفين المتباعدين(6).

العلم له حقيقة عائدة له ، وهذه الحقيقة محدّدة بموضوع ، أي التفتيش عن الحقيقة وليس النطق بالحقيقة . اي العلم لايخلق القيم هو يتفاعل مع القيم . والقيم من اختصاص الفلاسفة واللاهوتيين ، بينما العلم يتعامل مع المحسوسات . . والعلم يبحث فيها (المحسوسات)، بحسب قواعد وأصول مقرَّرة بهدف اكتشافها. هناك بحث عن الحقيقة في عدّة صور، والعلم
واحد من هذه الصور. (7)

"إنّ الدين والعلم ليس بينهما تناقضا ذو شأن . لنبدأ من مسألة اللغة لناخذ كلمات القاموس العلمي من قبيل المكان ، الزمان ، الكتلة ، الجاذبية ..الخ . لقد طرأ على جوهر هذه المفاهيم تغيير شامل خلال القرون الثلاثة ألأخيرة ، وخاصة خلال القرن الأخير ، ومن الصعب
التصور ماذا تعني هذه الكلمات في القرون المقبلة ، وبأيّ لغة سيدور النقاش لعِلمِه وأصله.
ومع ذلك يظهر باستمرار مغفّلون من اللادينيين والمُتديّنين ، بعظهم يدحض الكتاب المقدس ملوحا بعظام الديناصورات (اللادينيّون) ، والبعض ألآخريدحض نظرية داروين في النشوء والأرتقاء استنادا الى الكتب والنصوص المقدّسة (المتديّنين). يظهر باستمرار أمثال هؤلاء الذين لايتصفون بالمعرفة والحكمة ، ولكن هناك أناس حكماء يدركون القيمة الحقيقية لهذه التهجّمات المتبادلة السخيفة". عدد هائل من العلماء ساهموا في حل رائع لهذه المسألة ولن يشعروا بالحرج من ذلك لأنّ نجاحاتهم العلمية وإكتشافاتهم أودت بهم الى ألأعجاب بربّانية هذا العالم (او وجود خالق لهاذا الكون).
لغة العلم شيء ولغة الدين شيء آخر، يجب ان لانتوقف بالضد من الكتاب المقدس . لغة الدين (ألأيمان بوجود خالق) لغة ميتافيزيقية . فاللغتين لايتناقضان في التأملات المتعلّقة باسسرار الكون ، ولكن العلم لايستطيع اقحام ميدان الدين فليس له ألأدوات لذلك . لايوجد في لغة العلم كلمة ألأيمان ، بل في العلم كُلّ شيء يخضع للأختبار بالتجربة والبرهان ...لايُصح بتدخل العلم بالدين والعكس صحيح . الدين يجب أن يتأمّب ويعجب بالعالم الرائع الموجود حولنا (الدهشة) الذي يمكننا ان نفهم شيء ما فيه إذا اقدمنا على دراسة الكون .
ويضيف هذا العالم فيعطي مثال على ذلك :
" طالب في امتحان طرحت عليه ان يجيب عن عمر الكون حسب قانون هابل (قانون تباعد المجرات للكون) . ولكن الطالب نقل الجواب من الورقة كانت معه (اي غشّ في الأمتحان) . وهذا صحيح من وجهة نظر العلم ولكنه خدعني من جهة ثانية !!!.فمن وجهة نظر الدين هو سلك سلوكا خاطئا ،أمّا من وجهة نظر العلم فقد اعطى جوابا صحيحا . من هذا المنال يظهر انّ العلم والأخلاق يكمّل احدهما الآخر .
ويعلق هذا العالم على هذا المثل فيقول : رجل العلم يجب عليه ان لايكذب ولايسرق نتائج ابحاث غيره .للأسف أليوم يجري ذلك على قدم وساق . وفي أغلب ألأحيان المعايير ألأخلاقية في العلم تختفي للأسف .(8)
العالم السوفيتي الفلكي فاديمير ليبنوف قناة ار تي ماذا قال العلماء عن وجود الله .

انّ َالعلم الذي يدرس ظواهر ألأشياء ويبحث في خصوص ملاحظات وقياسات هذا الكون ، دائما تكون حقائقه نسبية وغير كاملة "اي ناقصة " وغالبا ما يتم أكتشاف نظريات او حقائق وأبحاث علمية متقدِّمة ، قد تلغي أحيانا كثيرة النظريات السابقة ، ويبقى القلق والشك هو السائد لدى العلماء (وخاصة في ايّامنا هذه ، بعد اكتشاف نظريات حديثة عن مادة الكون ونظرية ألأوتار ، وبوزون هيغز، الذي قلب الكثير من المفاهيم الخاصة بنشوء الكون أو ألأكوان
يقول العالم "نيلس بور" ماذا يمكننا ان نقول عن الصعوبات الكثيرة في تفسير سر هذا الكون ، وتزداد صعوبة وتعقيدا يوما بعد يوم ، فكلَّما اكتشفنا معلومة جديدة ، تزداد المسافة بيننا وبين سر حقيقة نشوء الكون والوجود".
العلماء أصبحوا بين المطرقة والسندان ، لأنَّ إكتشافاتهم تُشير لهم أنَّ هناك مصمِّم مُبدع ومهندس عظيم لهذا الكون . علماء الفيزياء لايحبّون خلط الفيزياء بالدين ، لأنَّهم خائفين من أنَّه إذا إعترفوا أنَّ سبب وجود هذا العالم له علاقة بوجودنا ، فإنَّه سيتم إستغلال هذه المعلومة من قبل المؤمنين بالخلق والخالق .
يُحضرني ، وأنا اقرأ أفكار العلماء الملحدين ، صلاة الرب يسوع المسيح وهويشكر أبيه السماوي فيقول: " أحمدكَ يا أبي ، يا ربّ السّماء وألأرض ، لأنَّك أظهرتَ للبُسطاء ما
أخفيتهُ عن الحُكماء والفُهماء[العلماء] " متى 11 : 25 ".
وكما يقول العالم اللاهوتي تيار دي شاردن في كتابه العلم والمسيح :
" العالم المسيحي يتميّز عن العالم غير المسيحي بأنَّه يتوجَّه بحثه الى قمة التطور الكوني التي نراها في المسيح القائم من القبر والمنتصر على كلِّ شيء ، وليس الى شيء مبهم
لاقيمة له من خلال تشعّباته العديدة (9).
يقول برتلاند راسل في كتابه "العلم والحياة":
"إنَّ محدودية العلم تتضح في عجزه عن اجابة ألأسئلة البدائية الطفولية التي تتعلق بالأشياء ألأولى والأخيرة مثل كيف بدا كل شيء؟
ما غرض وجودنا ؟
ما مغزى الحياة ؟

رابعا: ألأستنتاجات
إنَّ ألأنسجام العميق الذي يربط ويلحق ، في نظرنا نحن المسيحيين ، دائرة العلم التحليلي ودائرة الدين الذي يفوق التركيب ، يمكن أن تقودنا الى الأستنتاجات التالية :
1 - قبل كلِّ شيء لاينبغي لنا ، نحن المسيحيين ، أن نخشى أو نتشكك ، بسبب ، أو بغير سبب من نتائج البحث العلمي ، إن في حقل الفيزياء ، أو الكيمياء أو في علم ألأحياء ، أم في التاريخ
. إنَّ التحاليل العلمية والتاريخية صحيحة غالبا ، ولكنها لا تنقص شيئا البتة من القدرة ألإلهية ، ومن روحانية النفس ، ولا من الصفة فوق الطبيعية للمسيحية...إنَّ العناية ألإلهية ، الروح ، والحياة ألإلهية ، إنّما هي حقائق تركيبية .
2 – وعلى ذلك فلا ينبغي للعلم أن يقلق إيماننا بتحاليه ، بل ، وعلى العكس ، ينبغي له أن يساعدنا على أن نزداد معرفة وفهما وتقديرا لله .... . فلا أحد يفهم أكثر من ألأنسان الذي ينحني على المادة كما المسيح ، الذي بتجسّده هو في قلب العالم ، ومتأصل في العالم حتى داخل أصغر الذرات . ص 58
3- وعلى ذلك ، فمن العبث ، بل ومن الحيف ، أن نجعل من العلم والمسيح خصمين متقابلين ، أو أن نفصل بينهما على أنّهما قطاعان غريبٌ أحدهما عن ألآخر . إنّ العلم وحده لا يستطيع أن يكتشف المسيح ، ولكن المسيح يغمر الرغبات التي تولد في قلوبنا في مدرسة العلم . (10)

------------------------------------------------------------------------------------
*
(بيار تيار دى شردان" من أعـظم العـلماء والمفكـرين المعـاصرين وهـو متخصص فى عـلم
التطـوّر نادى فى مؤلفـاته بأن التطـوّر لا يُفهم إلا إذا اعـتبرنا الله ألفـه وياؤه...)
من كتبه " الجو الألهي " ، " العلم والمسيح" ، " نشيد الكون " وغيرها
(1)
راجع كتاب المسيحية والعلم فريق اللاهوت الدفاعي
(2)
(راجع كتاب القضية ....الأيمان )
(3)

راجع الموقع التالي
ScienceAndTechnology/Science/Science.htm
(4)

– كتاب"العلم والمسيح - ص82) للعالِم "تيار دي شاردن "

(5) راجع الموقع التالي
ttp://www.feedo.net/ScienceAndTechnology/Science/Science.htm
(6)
راجع الموقع التالي
http://www.dw.de/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%-%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%85-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84/a-1678815-1 (7)

(8)
العالم السوفيتي الفلكي فاديمير ليبنوف قناة ار تي" ماذا قال العلماء عن وجود الله"
(9)
المصدر 4 أعلاه
(10)

المصدر 4 أعلاه

24
لماذا يهاجمون  قداسة البابا فرنسيس ؟

نافع شابو 

مقدمة : 

ما أشيع مؤخرا بين وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات  الفضائية عن تعاليم وأقوال للبابا فرنسيس ليس لها اي مرجعية من الفاتيكان أو توثيق لما قيل عنه ، حيث يتعرّض قداسة البابا فرنسيس الأول منذ تنصيبه على كرسي الرسول بطرس الى انتقادات لاذعة وصلت الى حد التجريح ووصف بانه يدعو الى بدعة “توحيد الأديان” و”الماسونية ” وتشجيع الزواج المثلي ” ومنعه التبشير” كما وصَّى  المسيح ..وتنازله واذلاله لأنّه يقبل ارجل الناس …الخ من الطعونات والأتهامات . 

هذه الحملة الشعواء ،غير مسبوقة ولا تمتُّ بالصلة الى المسيحية الحقيقية ، بحق الكنيسة الكاثوليكية عامة و شخصية قداسة البابا الحالي خاصة ، والذي يمثّل  أب روحي لأكثرمن مليار ونصف مسيحي في العالم   

يقول احد الآباء: 

لانعرف هل لأن هذا البابا متواضع وفقير وقريب من شعبه ، لهذا عليه هذه الحملات وهناك متشككين يشكّون به كونه مسيحي وزادت عليه الهجمات؟ 

إنّها حملات هدم وليس بناء وتجريح والمس برمز من رموز الكنيسة وليس نقدا بناء ، بل طعنا بقداسته. يقول الرب يسوع المسيح ” من غضب على اخيه استوجب حُكم القاضي ، ومن قال لأخيه : ياجاهل استوجب حكم المجلس ، ومن قال له : يا أحمق استوجب نار جهنّم ..أحبّوا اعدائكم ، وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم ، فتكونوا ابناء أبيكم الذي في السمّاوات”متى 5 : 21-22، 44-45″

“انَّ هذه الحملات النابعة من الحقد والكراهية هي بعيدة كل البعد عن وصية الله المحبة  وتعاليم المسيح ، بل انها حملات للشهرة وتمجيد الذات . و بهذا العمل  فإنَّ هؤلاء يقسّمون الكنيسة بدل ان يوحّدوها كما ارادها المسيح “كونوا واحدا كما انا والآب واحد”. ويقول الرسول بولس في رسالته الأولى الى كورنثوس :

إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ، وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ، وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئ

الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤءَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدا ا(كورنثوس 13 : 1-8)ً

من انت أيّها ألأنسان لكي تُدين اخوك الأنسان ؟ الم يقل الرب يسوع المسيح :”لاتُدينوا لكي لاتُدانوا ”

هؤلاء للأسف بدل ان يوحّدوا الكنيسة فهم يمزقونها ، وبدل ان يجمعوا  فهم  يفرّقون

هؤلاء الذين يصفون البابا فرنسيس بانه عدو المسيح او ضد  المسيح وماسوني ويشجع الزواج المثلي ويمنع التبشير  اصبحوا قضاة يدينون و يحكمون على الآخرين حسب ما هم يعتقدون دون ان يبحثوا عن الحقيقة ، في كون هذا البابا بالذات- وبشهادة الملايين من غير المسيحيين – معروفا في كونه بابا الفقراء والمهمشين والمساكين واللاجئين والمنبوذين والمتألمين ..الخ 

نحن كمؤمنين مسيحيّين لانستغرب ان تكون هذه التهم تأتي من غير المؤمنين بالمسيح  اوالمنتسبين الى  الديانات الأخرى لأنّ حتى المسيح في ايامه تعرض للتجريح والأهانات والتعيير من قبل اليهود ومن الأمم  حتى اتهم بالتجديف على الله وكان سبب صلبه ،لكن الألم والحزن ، والمرارة والأسف ان يأتي هذا التجريح وتوصيفه بانه ملعون ، وضدّ المسيح ، عندما يأتي من بعض الذين يدّعون انهم ينتمون للمسيح، فهذا ما يُحزن ويدمي  القلوب . ولكن نحن لانستغرب فحتى المسيح رفض من اقرب الناس له ، رفض من اهله واقاربه ووطنه  كما جاء في انجيل مرقس (6 : 1- 6) حينها  قال الرب يسوع:

“لَيْسَ نَبِيٌّ بِلاَ كَرَامَةٍ إلاَّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهه ”

ولكُلّ هؤلاء الذين اساءوا ويسيئون الى قداسة البابا فرنسيس نقول لهم :”الرب يغفر لكم ويسمامحكم والروح القدس يُرشدكم الى معرفة الحق ، ونصلي من اجلكم ، كي تبصروا نور المسيح  الذي يزيح عن قلوبكم هذا الحقد والكراهية  ويفتح عيونكم لكي تبصروا واذانكم لكي تفهموا  وترجعوا  الى تعاليم المسيح الذي احب الجميع بلا محابات .” لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يو 3: 16 )

يقول الرسول بولس في رسالته الأولى الى كورنثوس :

“إذا كان لأحدكم دعوى على أحدِ ألأخوة ، فكيف يجرؤُ أن يُقاضيه الى الظالمين ، لا الى ألأخوة القديسين؟ أما تعرفون أنَّ القدّيسين هم  الذين سيدينون العالم؟…وإذا وقع خلافٌ بينكم على مثل هذه القضايا ، أتعرضونه على من تحتقرهم الكنيسة للحكم فيه ؟ أقولُ هذا لتخجلوا ” 1كورنثوس 6 : 1-4″

اي ان الخصومات بين الأخوة المؤمنين يجب ان تقدم للكنيسة للحكم فيه وليس بانفراد والحكم دون وجود شهود واخوة .اي معالجة المنازعات بين بعضنا البعض وليس التشهير والتجريح والأدانة عبر المنابر والقنواة الفضائية ووسائل التواصل الأجتماعي، كما يفعل البعض اليوم . 

ولناتي ببعض ألأتهامات التي يروّج لها البعض عبر وسائل التواصل الأجتماعي والفيس بوك ..الخ:

أولا: اتهام البابا بانه يحاول توحيد الأديان. اي ديانة واحدة شمولية وان ذلك يوافق ما تعمله الماسونية العالمية 

اتهم البابا من قبل الكثيرون بانه رسول لوسيفر (الشيطان ) في الكنيسة الكاثوليكية وانه يتبع الماسونية العالمية وانه يدعو الى ديانة عالمية واحدة وو…الخ

هل فعلا البابا فرنسيس يحاول توحيد الأديان كما يدَّعي بعض المنسوبين الى المسيحية ؟ أم ان البابا يريد وحدة الأديان للتعايش السلمي والأخوّة ألأنسانية ؟ وهناك فرق بين المفهومين. فالدعوى ليس الى دين واحد بل الهدف هو توحيد رأي الأديان للسلام والمحبة والعيش المشترك والأخوّة ألأنسانية .هذا هو هدف البابا فرنسيس واساس حوار الأديان الذي انطلق من المجمع الفاتيكاني الثاني . وهدف المجلس البابوي للحوار بين الأديان هو:

تعزيز التفاهم، والاحترام، والتعاون المتبادل بين الكاثوليك، وأتباع التقاليد الدينية الأخرى

وتشجيع دراسة الأديان ، و تعزيز تكوين الأشخاص المتفانين في الحوار. 

لايوجد اي دليل او وثيقة  تصريح من الفاتيكان او من البابا الحالي فرنسيس ألأول حول ما يقوله  البعض ، دون وجه حق ، عن انّ البابا يريد “توحيد الأديان”. وكُلُّ ما يقال هو تشويه للحقائق وتشهير بقداسة البابا ، واتهامه بانه يريد توحيد الديانات لتصبح دين واحد . وكُلّ ما قاله البابا يمكن تلخيصه في خطاباته وكلماته التي قالها في زيارته الأخيرة للعراق (5-7 مارس 2021 

يقول البابا مخاطبا الرئيس العراقي برهم صالح وسياسيين ودبلوماسيين ومن مختلف اطياف المجتمع العراقي: 

“إذا استطعنا نحن الآن أن ننظر بعضنا إلى بعض مع اختلافاتنا، وكأعضاء فى العائلة البشرية الواحدة، يمكننا أن نبدأ عملية إعادة بناء فعالة، ويمكننا تسليم عالم أفضل للأجيال القادمة، أكثر عدلا وأكثر إنسانية، فى هذا الصدد فإن الاختلاف الدينى والثقافى والعرقى الذى ميز المجتمع العراقى، مدة آلاف السنين، هو عون ثمين للاستفادة منه، وليس عائقا للتخلص منه، والعراق اليوم مدعو إلى أن يبين للجميع، خصوصًا فى الشرق الأوسط، أن الاختلافات، بدلا من أن تثير الصراعات، يجب أن تتعاون فى وئام فى الحياة المدنية”(1).

نحن نحتاج الى حوار خالص صريح كنفه الأحترام المتبادل ، العدل ، هذه التحديات صعبة يجب ان نضاعف من جهودنا …كلنا بنات وابناء نفس الخالق ”

“كُلِّ الأطراف ذات الصلة ان يقدّموا ألأحترام ، ألأعتراف ، الحماية لكل ألأديان وأتباعهم ”

نحن الأخوة والأخوات من جميع ومختلف الأديان ، نحن هنا في بيت واحد ونعمل سوية لنحقق احلام العائلة الأنسانية ، عندها سننظر الى السماء سوية 

صلاة البابا في اورمسقط راس ابينا ابراهيم هي رسالة الى التعددية والحوار والتفاهم بين جميع اطياف الشعب العراقي وهي دعوى عالمية لنشر السلام.(2)

– يؤكد قداسة  البابا  فرنسيس على الحوار والتواصل مع مختلف الثقافات  ورسالة مصالحة مع جميع الطوائف المختلفة ، وعدم السماح للتفرقة بين الطبقات و الطوائف ومختلف الديانات ، وعدم السماح بوجود نظام طبقي يجعل من الأقليات درجة ثانية او ثالثة او رابعة.

زيارات البابا للدول العربية  والأسلامية هي  لتحقيق رؤيته حول التعايش بين المسلمين والمسيحيين 

هذه هي الرسالة التي يريد البابا فرنسيس ايصالها الى جميع الأديان والمجتمعات الأنسانية وليس ، كما يقول البعض ان البابا يريد ديانة عالمية واحدة

يقول البابا :”نحن جميعا أبناء الله بغض النظر عن الأديان أو المعتقدات الدينية”وكما قال في احد المناسبات.

وعن اتهام البابا بانه ينتمي الى الماسونية العالمية 

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي باللغة العربية صور ومقاطع مصوّرة على أنها تُظهر البابا فرنسيس وهو يقبّل يد يهود أثرياء من عائلة روتشيلد (باعتبار هذه العائلة هي قادة الماسونية )، لكن هذا الادعاء خطأ وهذه المشاهد تُظهره في الحقيقة وهو يقبّل يد يهود ناجين من محرقة النازيين في الحرب العالمية الثانية.

خلال زيارة البابا فرانسيس إلى اسرائيل  عام 2014، وقد قابل خلال الزيارة ستة ناجيين من المحرقة النازية ومنهم صاحب الصورة الذي ادعت المنشورات أنه روتشيلد،والستة هم                                                                                                                                                           Avraham Harshalom (Friedberg)  Chava (Eva) Shik  Joseph Gottdenker   Moshe Ha-Elion  Eliezer (Lolek) Grynfeld  Sonia Tunik-Geron

وكما هو واضح من الأسماء لا يوجد بينهم اسم روتشيلد سواء كان الاسم الأول أو اسم العائلة، وصاحب الصورة هو أليعازر غرينفيلد.(3).

البابا فرنسيس لاعلاقة له بالماسونية ، ولايوجد اي دليل لهؤلاء الذين يريدون تشويه صورة البابا . والأدلة كثيرة في كون البابا يطبق اقوال وافعال المسيح في حياته عندما يقبّل ايادي ضحايا النازية  ويدعو الى محاربة الأرهاب والدعوة الى صنع السلام والمحبة في العالم اجمع  هو خيردليل وتاكيد على حقيقة شجبه للظلم والقهر وألأستعباد وشجب الأرهاب والفساد وقهر الشعوب  الضعيفة والفقيرة ،في كل مكان . 

ثانيا : أُتُّهم البابا فرنسيس بالخنوع والأذلال عندما  يقبَّل ارجل الناس .

هؤلاء الذين لايعرفون رمز ومقاصد البابا ،لأنهم لايعرفون تعاليم المسيح والمغزى العميق لهذا العمل:

يقول الرب يسوع في الموعظة على الجبل :

هنيئا للمساكين بالروح .. هنيئا للودعاء.. هنيئا لصانعي السلام ..”انجيل متى الأصحاح 5″

قال البابا فرنسيس لرئيس جنوب السودان ونائبه، قبل ان يُقبل أرجلهما :
“”أسألكم من كل قلبي أن تحافظا على السلام 

البابا يطبّق اقوال واعمال المسيح، وما قام به المسيح عندما غسل ارجل التلاميذ ليعلمنا التواضع  والخدمة والفقر الروحي عندما يقول لتلاميذه ” ليكن ألأكبر فيكم كالأصغر ، والرئيس كالخادم ” لوقا 22 : 26″. 

وقد قبّل قداسة البابا  أقدام رئيس جنوب السودان ونائبه، لمساعدتهم على تعزيز اتفاق السلام الذي يهدف لإنهاء الحرب الأهلية في أحدث دولة في العالم ويتوسّل لرئيس السودان ونائبه لوضع حد للقتل والموت في جنوب السودان . هذا دليل على ان البابا ينظر الى كُلّ انسان بأنه صورة الله ، وهو تاج  الخليقة . وعندما يهدر دم الأنسان فان دمه غالي عند الله ، يصرخ الى الله كما جاء في سفر التكوين عندما قتل قابيل اخوه هابيل يقول الله :”ماذا فعلتَ ؟ دم أخيك يصرُخُ اليَّ من ألأرض “تكوين 4 :10” . 

فما قام ويقوم به البابا هو قمة التواضع والمحبة ومشبعا بروح التواضع والفقر والتجرد من اجل خدمة الأنسان .

يسوع المسيح غيَّر وقلَبَ مفاهيم السُلطة والحُكم والرئاسة والقيادة والرعاة . فهو يدعوهم  جميعا  ليكونوا  هم أيضا خُدَاما لشعوهم ويضحُّون  بأنفسهم من اجلهم. يسوع المسيح لم يكن ضعيفا او جبانا ،ولم يتنازل عن الحق حتى دفع ثمن ذلك حياته  . 

يقول جبران خليل جبران، عن السيد المسيح ، في كتابه العواصف: “الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء عائشاً كالمساكين مهاناً كالضّعفاء فتبكيه وترثيه وتندبه، وهذا كل ما تفعله لتكريمه. منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضّعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويّا ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة. ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، بل عاش ثائراً وصلب متمرداً ومات جباراً.   

ثالثا: إتهام ، البعض ، لقداسة البابا فرنسيس أنّه سمح  بالزواج المدني للمِثليين 

اوردت العناوين الرئيسية العالمية ان البابا فرنسيس يؤيد الزيجات المدنية للمثليين ..

وللأسف  طبّل وزمّر الكثيرون من الأخوة على منابر القنواة الفضائية والأعلامية انّ قداسة البابا الحالي قد سمح بالزواج المدني للمثليين ،وذلك  بتحريفهم وتلاعبهم بكلمات التي نطق بها قداسته عن موضوع المثليين جنسيا 

 التلاعب  بالكلام وترجمة غير صحيحة للغة الأنكليزية حول اقوال البابا عن المثليين

هي السبب الحقيقي للهجوم على البابا واتهامه عندما يقولوا ان البابا قال:

“أنّ المثليين الجنسيّين عندهم حق ان يعملوا عائلة ويتزوجوا وان يكون لهم اولادا ايضا ”

في مقابلة قديمة (حتى المقابلة ليست جديدة) سألوا البابا فرنسيس عن هذا الموضوع وفي حينها البابا رد عليهم . اليوم ايضا حدث شيء جديد ، وهي انّ احدى  العائلات لها ابن مثلي الجنس  ، فسالوا البابا فرنسيس ياترى ماذا نفعل بامره ، هل نطرده خارج البيت ؟ هنا ياتي رد البابا فرنسيس عليهم ونأتي بالرد كما هو:

” المثليين لهم الحق ان يكونوا جزء من عائلاتهم ” 

They have the Right to Family 

وليس كما ترجمت الجملة بالخطأ الى اللغة الأنكليزية بالقول ان البابا قال لهم الحق لتكوين عائلة   

They have the Right to make family

كان البابا يجاوب على سؤال العائلة ان هؤلاء المثليين هم جزء من عائلتكم فكيف تطردوهم  ؟ يجب ان تهتموا بهم حالهم حال الأبناء الطبيعيين ، مهما كانت توجهاتهم ، او افكارهم .هؤلاء اولادكم . ويقول للعائلة حرفيا:”إنّهم أبناء الله ولهم الحق ان يكونوا في عائلة ، لايجب ان نرمي احد خارجنا:

هذا واضح لالبس عليه. اما بخصوص الزواج المدني قالوا :   

ان البابا فرنسيس يشرع لهم الزواج المدني (وباللغة الأنكليزية     

)Marage (

بينما البابا قال :

 اي اجتماع مدني. اي الدولة تشرع لهم و تعطيهم صفة مدنية  Savel Unian

وكما رئيس الكهنة يسوع المسيح احتضن المرضى والفقراء والمحتاجين و ذوي الأحتياجات الخاصة واحبهم  هكذا الكهنة في المسيحيية يعتبرون آباء ونحن اولادهم روحيا وليس حرفيا (طبيعيا )بل مجازيا ويرعوا شعبهم المؤمنين ،هكذا يجب على العائلة والدولة ان ترعي المثليين لأنهم ابنائنا واخوتنا . وهؤلاء بحاجة أكثر لنا لرعايتهم والأهتمام بهم . وهذا ما قاله البابا فرنسيس أنا راعي الكنيسة  والكل 

ابنائي.

هنا نقول كل شخص له الحق ان يعمل مايريد وهذا لايعني احنا راضين عن ما يعمله هذا الشخص ولا يعني نحن نفكر مثله . ياتي واحد ويقول انا لا اريد ان اتزوج ، فله الحق ان لايتزوج ، وليس معناه ان اقول له يجب ان تتزوج  ،أو انا معك ان لاتتزوج ، يجب ان نفرق بين الفكرتين.(4) 

ولتاكيد حقيقة نفي الفاتيكان عن ان البابا يشجع زواج المثليين جاء تصريح من متحدث باسم البابا فرنسيس في  15– 3 –  2021:

“أنَّ الكنيسة الكاثوليكية  وكهنتها لايمكن لهم مباركة زواج المثليين”. وجاء في بيان في صفحتين نشره الفاتيكان ،أنَّ هذا التاكيد مترجما بسبعة لغات ،ردّا على سؤال عن راي البابا بزواج المثليين . واضاف البيان انّه لايمكن قبول ومباركة زواج المثليين بشكل رسمي وشرعي من قبل الكنيسة ، ولاتوجد هناك أي اسباب للأعتراف بالزيجات ، التي لاتشبه باي حال من الأحوال الزواج الذي اراده السيد المسيح والذي يقود الى نعمة الحياة الزوجية”.

وجاء صدور هذا البيان بعد عن تردّد على لسان قداسة البابا فرنسيس ، قبل حوالي ستة اشهر، من انه يبارك زواج المثليين ، حيث كان حينها يقول : “إنّ المثليين هم ابناء الله ، لهم الحق في تكوين عائلة .

وجاءت تعليقات البابا هذه ، أثناء مقابلة له مع محطة تلفزيونية مكسيكية ، كانت جهات في الفاتيكان قد حذفت اجزاء منها ، وقامت لاحقا بنشرها كاملة .

وأكَّد بيان الفاتيكان “أنّ الرب لايمكن له استثناء أحد من نعمته ، ومن ضمن من ينعم ويتمتع بنعمة الرب المثليّون . لكن الفاتيكان لا ولن يبارك الخطيّة ومرتكبيها “.

واضاف : “إنّ الكنيسة الكاثوليكية لاتمتلك الصحلايات لتبارك ألأشخاص المثليين ”

قال البابا فرنسيس:

” إن كان شخص ما له ميول جنسية مع شخص آخر مثله ، ويحاول التقرُّب من الرب ، من أنا لأحكم عليه “(5).

نعم حتى لو قاله البابا فإن الدينونة هي لله . وهذا ما قاله الرب يسوع المسيح :

 “”لا تدينوا لكي لا تدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم

 (متى 7 :1،2)

الله يحبُّ الخاطئ ولكنه يكره الخطيئة . يقول يسوع المسيح : 

لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ».” مرقس  2: 17″. 

بابا الفاتيكان يرفض زواج المثليِّين…”لا نبارك الخطيئة””

“الخطيئة لا تبارك” لذا ترفض الكنيسة الكاثوليكية مباركة زواج المثليين. هو حسم من البابا فرانسيس للجدل الذي أثير حول الموضوع

“من أنا حتى أحكم على المثليين” عبارة قالها البابا فرنسيس عام 2013، عرضت في وثائقي من إخراج أفجيني أفينفيسكي، وهو روسي يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، حيث تعمد أفينفيسكي عدم إيضاح توقيت المقابلة ، ما أدى إلى استهدافه في حملة إعلامية ممنهجة

البابا فرانسيس تعرّض لهجوم إثر تحريف كلامه أكثر من مرة، وهو ينطلق من عقيدة أن اللين وليس الصلابة، النعومة وليس الجلافة، والحب والحنان والعطاء والرحمة، مفاهيم تعتبر جوهر الرسالة المسيحية، لكن لا يمكن أن تمتد المباركة إلى زواج المثليين.(6)

تصريح من  الفاتيكان إن التعليقات التي أدلى بها البابا فرنسيس بشأن قوانين الارتباط المدني، تم إخراجها من سياقها ولا تشير لتغيير في عقيدة الكنيسة بشأن المثليين أو دعم الزواج من نفس الجنس

وقالت المذكرة: “من الواضح أن البابا فرنسيس كان يشير إلى بعض أحكام الدولة وبالتأكيد ليس عقيدة الكنيسة، التي أعاد تأكيدها عدة مرات على مر السنين”.(7)

رابعا: اتهام الباب بأنه مَنَعَ التبشيراثناء زيارته للمغرب . 

جاء في موقع الباطريكية اللاتينية في القدس مقال نشر بتاريخ  3 ابرل 2019   توضيحا لما قاله البابا فرنسيس للمسيحيين  في اثناء زيارته للمغرب مايلي   :

“حذر البابا فرنسيس مسيحيي المغرب من القيام بأية أنشطة تبشيرية أثناء خطاب ألقاه في كاتدرائية الرباط ضمن فعاليات اليوم الثاني لزيارته المملكة بدعوة من الملك محمد السادس.وقال البابا متوجهًا إلى الحاضرين في هذه الكاتدرائية الواقعة وسط العاصمة الرباط :“إن دروب الرسالة لا تمر من خلال أنشطة التبشير التي تقود دوما إلى طريق مسدود“.وخرج عن نص خطابه المكتوب ليؤكد ’رجاءً لا تبشير!‘، مذكرًا الحاضرين أن رسالتنا كمعمدين وكهنة ومكرسين لا يحدّدها بشكل خاص العدد أو المساحة التي نشغلها، وإنما القدرة على خلق التغيير والدهشة والتعاطف” انتهى الأقتباس

حديث البابا  نابع من قرارات مجمع الفاتيكاني الثاني، ولا يتكلم البابا الا ضمن قرارات هذا المجمع . جاء في موقع البطريكية اللاتينية  في القدس: 

“أن رسالتنا كمعمّدين وكهنة ومكرّسين لا يحدّدها بشكل خاص العدد أو كميّة المساحة التي نشغلها وإنما القدرة التي نملكها على خلق التغيير والدهشة والتعاطف؛ من خلال الأسلوب الذي نعيش فيه كتلاميذ ليسوع وسط الذين نشاركهم الحياة اليومية والأفراح والآلام والمعاناة والرجاء (راجع.المجمع الفاتيكاني الثاني، الدستور الرعائي فرح ورجاء، عدد ١). بمعنى آخر، إنَّ دروب الرسالة لا تمرُّ من خلال أنشطة ’الضم البغيض”‘ (proselitismo)

. من فضلكم، لا تمرُّ من خلال أنشطة ’الضم البغيض‘ ! لنتذكرالبابا بندكتس السادس عشر: “إن الكنيسة لا تنمو من خلال أنشطة ’الضم البغيض‘ بل بواقع الجذب والشهادة“. لا تنمو من خلال أنشطة التبشير، التي تقود دومًا إلى طريق مسدود، وإنما من خلال أسلوبنا في التعاطي مع يسوع ومع الآخرين.وبالتالي فالمشكلة ليست في أن يكون عددنا قليلًا وإنما في أن نكون غير جادين ونصبح ملحًا لا طعم للإنجيل فيه 

أو نورًا لا ينير شيئًا أبدًا (را.متى ٥، ١٣-1١٥

عدم الدقّة في الترجمة

ماذا قصد البابا فرنسيس بكلمة 

؟ لم يقصد التبشير حتما  prosolotysm

لا يقصد البابا فرنسيس في خطابه أمام الإكليروس المحلي بالمغرب، التبشير كعمل إرسالي.فكيف ينفي وصيّة السيد المسيح الأخيرة للرسل قبل صعوده إلى السماء؟

 وكيف له نفي رسالة الكنيسة الجوهرية؟ بالتأكيد ليس هذا هو المقصود.حتى أن البابا فرنسيس خصص شهر تشرين أول ليكون شهرًا خاصًا ترفع فيه الصلوات من أجل المرسلين والإرساليات

ما لا يرغب به البابا هو النشاط الذي يهدف إلى استقطاب الآخرين واستمالتهم إلى المسيحية بوسائل منافية لحرية الإنسان في اختيار معتقده، أو نتيجة استغلال لأوضاع مادية أو نفسية أو اجتماعية…وبالتالي، يرغب قداسته في التأكيد على أن المسيحي هو مسيحيًا نتيجة لقاء حقيقي مع السيد المسيح، وليس ثمرة استقطاب أو استمالة أو اقتناص، تهدف فقط إلى زيادة الأعداد .

وبمعنى آخر، فرّق البابا فرنسيس أمام الإكليروس المحلي في المغرب بين “عرض الإيمان للآخرين“ من خلال الأعمال وشهادة الحياة، وبين “فرض الإيمان على الآخرين“.وبالتالي، فإن تصريحات البابا فرنسيس تأتي متوافقة مع تعليم الكنيسة الكاثوليكية الرسميّ وتعليم البابوات السابقين في هذا الشأن(البابا بندكتس السادس عشر والبابا القديس يوحنا بولس الثاني).

بدورها، قالت الزميلة هالة الحمصي في جريدة النهار اللبنانية :

“المسألة برمتها تتعلق بترجمة تعبير بابوي إلى العربية، والترجمة لم تصب المعنى كما يجب”.

هاجم مستخدمون مسيحيون البابا فرنسيس على صفحاتهم وحساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، على خلفية تعبير ورد في خطابه امام الكهنة والمكرسين والمجلس المسكوني للكنائس في كاتدرائية الرباط في ٣١ آذار ٢٠١٩، وتسببت ترجمته الى العربية بحملة تجن على الحبر الاعظم”.

ولكن ما حصل هو ان التعبير الذي استخدمه في خطابه اسيئت ترجمته إلى العربية، في وقت لم تكن هي الحال في الإنجليزية والفرنسية…ما دعا اليه البابا فرنسيس هو “عدم الاقتناص” 

 )proselytism) 

 “وليس ” عدم التبشير 

 كما نشر .  (Evangelization)،

ماهو ال

(بالأيطالية) ـproselytism، أو proselitismo 

ترجم“معجم الايمان المسيحي“للاب صبحي حموي اليسوعي (دار المشرق) إلى“نزعة دخيلية“. وفي الشرح، هذا التعبير يعني “مواقف أو وسائل تخالف الروح الإنجيلي، يحاول بعضهم أن يستميلوا بها الناس إلى جماعتهم، مستغلّين جهلهم أو فقرهم”.

ويوضح المدير الوطني للاعمال الرسولية البابوية في لبنان الخوري روفايل زغيب لـ“النهار“ان“الترجمة

  لتعبير “ألأقتناص ” ، ومعناه يختلف كليّا عن التبشير proselytism او prosélytisme  الأفضل 

“. Evangelization

ويتعمق في الشرح قائلا: “الاقتناص يعني العمل على استمالة الناس الى المسيحية باستغلال فقرهم وجهلهم لتغيير دينهم.وهذا ما ترفضه الكنيسة الكاثوليكية، على رأسها البابا، وتندد به وتعارضه.اما البشارة التي تدعو اليها الكنيسة، ويؤكدها البابا في رسالته “فرح الانجيل“، فهي عمل مجاني.

انها رسالة فرح لا يمكن المسيحي ان يحفظها لنفسه، بل عليه ان ينشرها مجانا، ولكن ليس من أجل اقتناص الاشخاص، بل من اجل مشاركتهم في فرحه.ولهذا السبب يتكلم البابا على الجذب والشهادة، وليس الذهاب للتبشير بالمسيح بطريقة اقتناصية. نعم، على المسيحي ان يتكلم على المسيح، ولكن ليس بالاقتناص “، بل بالجذب والشهادة”.(8)

وهذا ما لمسناه في بعض الكنائس في اوربا عندما استغلوا اللاجئين ، باغراءات مادية او بمحاولات الضغط على الحكومات لمنح اللاجئين  اقامة دائمية في هذه الدول، مقابل  تحوّل اللاجئين الى الدين المسيحي بغض النضرعن ايمانهم او عدم ايمانهم بالمسيحية ، وهذا بالضبط ما يقصده البابا فرنسيس.

يقول البابا فرنسيس في احدى المناسبات:
“إنّ شموليّة الإنجيل(الخبر السار) ضمن لغة تصل إلى كلّ إنسان هي من المفاتيح الأساسيّة:” مع أنّني كتبت هذه الرسالة انطلاقاً من قناعاتي المسيحيّة التي تدعمني وتغذّيني، حاولت فعل ذلك بطريقة تسمح للتأمّل بالانفتاح على الحوار مع جميع أصحاب الإرادة الحسنة”.

البابا ينطلق في كل خطواته بالرجوع  الى الكتاب المقدس كمصدر ومنبع لكل قول او عمل يقوم به . بالأضافة الى التزامه بقرارات مجمع الفاتيكاني الثاني. 

جاء في الدستور الرعائي في الكنيسة في عالم اليوم وهو نتائج مجمع الفاتيكاني الثاني  الذي يركّز على حرية الدين والمعتقد حيث جاء نص بعنوان “عظمة الحرية” مايلي :   

“.. أن الإنسانَ يتجه نحو الخيرِ بملءِ حريته. هذه الحرية التي يعتبرُها معاصرونا إعتباراً عظيماً ويبحثون عنها بكل حماسٍ، وهم في ذلك على حق. ولكن غالباً ما يعززونها بطريقةٍ منحرفةٍ إذ يعتقدون أنها إستباحةٌ لكلِّ شيءٍ يجلب السرورحتى وإن كان شراً. غير أن الحريةَ الحقيقيةَ هي في الإنسانِ علامةً مميزة عن صورةِ الله فيه. لأن الله أرادَ أن “يتركه لمشورته الخاصة” حتى يتمكن بذاتِهِ من أن يبحث عن خالقِهِ، ويلتحقَ به بحريةٍ، ويبلغ هكذا إلى تمام سعادتِهِ الكاملة. إنَّ كرامةَ الإنسانِ تتطلَّبُ منه أن يتصرَّفَ إستناداً إلى إختيارٍ حرٍّ وواعٍ مدفوعاً بإقتناعٍ شخصيٍّ يُحدِّدُ موقفَهُ، لا تحت الدوافعِ الغريزية أو الضغط الخارجي” انتهى الأقتباس 

في رسالة البابا فرنسيس بمناسبة الذكرى المئوية لإصدار الرسالة الرسولية “المهمة العظمى“ حول نشاط، عمل، كرازة المرسلين في العالم.

يقول البابا فرنسيس :

إنه يجيب على دعوة يسوع الدائمة:”اذهبوا الى العالم كلّه ،وإعلنوا البشارة الى الخلق أجمعين”مرقس 16 :15″

الكرازة هي النعمة الموهوبة للكنيسة ودعوتها الخاصة، وذاتيتها وهويتها

إنَّ الكنيسة التي ارسلها المسيح كي يظهر محبة الله وتوصّلها للخلق اجمعين وللشعوب كافة ، تُدرك أنّه ما يزال عليها القيام بعمل تبشيري ضخم “…يجب علينا ان لا نفقد التوق الى اعلان البشارة (التبشير)” الى اولئك الذين هم بعيدين عن المسيح ،لأن هذه هي المهمة الأولى للكنيسة ..والقضية التبشيرية يجب ان تكون الأولى.(9) 

وكما يقول الأب بولس فغالي :

“كُل مسيحي مؤمن عليه ان يمتلئ من الأنجيل  و يحمل الكلمة ويكون رسولا  للمسيح ، وهذا يبدأ من قراءة الأنجيل يوميا  ليشبع من محبة المسيح وعشقه حتى يشع المسيح في أعماله واقواله وحياته، لتكون شهادة للآخرين  …حضور المؤمن وشهادة حياته بين الجماعة  بصمت وبتواضع ومحبة ، ليكون مثل الملح في الطعام ومثل سراج على الجبل ، اي نورا للآخرين ومثل الخميرة في العجين ،  اي يترجم اقواله باعماله  كما  فعل المسيح ،ليكون فعالا في المجتمع الذي يعيش فيه  ، بهذا يستطيع ان يكسب الآخرين ويغيّر حياتهم لينجذبوا الى المسيح ” . هذا هو التبشير الحقيقي

——————————————————————————————-

(1)

https://www.mobtada.com/details/1024799

(2)

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=712385

(3)

موقع مسبار 

البابا فرنسيس لم يقبل يد زعيم الماسونية   

(4)

https://www.facebook.com/bkhggjkjg/videos/356531688751407

(5)

بيان هام من الفاتيكان حول زواج المثلين.

https://www.youtube.com/watch?v=DkgtZUJVIrQ

(6)

موقع الميادين بابا الفاتيكان يرفض زواج المثليين …لانبارك الخطيئة 

(7)

RT موقع 

الفاتيكان يوضح تصريحات البابا فرنسيس حول المثليين جنسيا : تم اخراجها من سياقها 

(8)

البطريركية اللاتينيةفي القدس مقال بعنوان  ماذا قصد البابا بكلمة 

PROSOLOTYSM

(9)

http://www.october2019.va/content/dam/october2019/documenti/formazione/riflessioni-dal-mondo/approfondimenti-/Guida%20MMS%20AR.pdf

(10)

برنامج الكلمة سلسلة لقاءات الأب بولس فغالي على اليو تيوب   

25
قداسة البابا فرنسيس الأول ، وزيارته للعراق - دلالاتها ورموزها- ج3
نافع شابو

"علينا ألا نسمح لغيوم الكراهية أن تحجب نور الحق"
(البابا فرنسيس الأول)
مقدمة
كانت كلمات البابا فرنسيس وستبقى محفورة في قلوب ومنقوشة في وجدان العراقيين وكُل انسان يريد الخير والمحبّة والسلام ان يعم العراق والمنطقة كلها بل العالم اجمع.
لأنّ دلالاتها ورموزها تتخطى الأديان والعقائد والطوائف . إنَها كلمات تمسُّ المشاعر الأنسانية في كُلِ مكان . كلمات نطق بها البابا من بلاد الرافدين حيث مهد الحضارات الأنسانية ومهد الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والأسلام . البابا فرنسيس يعود الى جذور انطلاق الحضارات والأديان ليخاطب العالم اجمع انّ بلاد الرافدين هي كالنبع الأصيل لما وصلت اليه الحضارة الأنسانية اليوم ويقول :
"من هنا حيث نشأت الحكمة في القديم"،و إنّ الأنسانية لن تعيش بسلام اذا لم يعم السلام في وادي الرافدين . وبعد رجوعه من زيارته للعراق التي استمرت ثلاثة ايام حذّر قداسة البابا العالم ، من الأنهيار اذا لم يفعل شيئا للعراق وقال : إنّ الشعب العراقي له الحق في العيش بسلام وله الحق في استعادة كرامته ،إذ تعود جذوره الدينية والثقافية الى آلاف السنين .
يقول البابا:"العراق مثل سجّادة رائعة حاكها الله بعدّدة ألوان . خلق الله التنوع ،إنّها لوحة فنية رائعة بهذا ركز البابا على المحافظة على التنوع ".
جاء البابا ليبث الأمل والرجاء للشعب العراقي بكافة اطيافه. جاء البابا نورا ليسلطه على الظلام وينور كل العراقيين ليخرجوا من عتمة الليل الذي هم فيه .
هو رسول السلام والمسيح ارسل الرسل الى انحاء العالم ولكل البشرية وليس فقط للمسيحيين
يتسائل احدهم فيقول :"الوحي عندنا والكتب عندنا والديانات انبثقت من ارضنا ولكن ايضا المصائب عندنا كلها لماذا؟
فيجاوب على سؤاله ويقول :"لأنّ الجغرافية والسياسة غيَّبوا ألأنسان وصنعوا الدكتاتور ، ليحكم ويعيش ليستعبد الشعوب ولتصبح هذه الشعوب قطعان يسوقها كما يشاء وجرّدوا الأنسان من كرامته واخلاقه حتى اصبح لايفكر بالمستقبل"انتهى الأقتباس".

كلمة قداسة البابا فرنسيس اثناء قدّاس في كنيسة كاتدرائية مار يوسف في بغداد لليوم الثاني من زيارته للعراق تلخّص مضمون هذه الزيارة، وكلماته مستمدّة من " الموعظة على الجبل " لأنجيل متى:5 ، عندما طوّب(هنَّأ ) الرب يسوع المسيح المساكين والفقراء والمتالمين والمضطهدين والحزانى والجياع الى الحق وانقياء القلب وصانعي السلام .
يقول البابا:
"يُكمّل يسوع الحكمة المشخّصة ، هذا ألأنقلاب في الأنجيل ،وليس في اية لحظة ، ولكن منذ البداية
في اول خطاب له في التطويبات ألأنقلاب كامل . حيث قال :
"إنّ الفقراء والباكين والمضطهدين هم مطوَّبون. كيف يكون ذلك ؟. في نظر العالم الأغنياء والأقوياء واصحاب الشهرة هم المطوّبون .اي له قيمة من يملك او من يقدر او من كان معتبرا ، ولكن ليس كذلك في نظر الله . في نظر الله ليس الكبير من يملك بل الفقير في الروح . ليس الذي يستطيع ان يفرض كل شيء على غيره ، بل الوديع مع الجميع . ليس من تهتف له الجموع ، بل من يرحم اخاه . هنا يمكن ان يراودنا شكّ وسؤال ، إن كنتُ أعيش كما يطلب ُيسوع ، ماذا أكسب من ذلك ؟ أنا أُخاطر بان ادعو ألآخرين يدوسونني تحت اقدامهم ! . عرض يسوع هل هو مناسب ام خاسر ؟ عرض يسوع ليس خاسرا لكنه حكيم . عرض يسوع حكيم لأنّ المحبة التي هي قلبُ التطويبات ، حتى لو بدت ضعيفة في نضر العالم ، فإنّها في الواقع تنتصر .
بيّن يسوع على الصليب أنّه اقوى من الخطيئة ، وفي القبرِ هزم الموت .إنّهاا لمحبة نفسها التي جعلت الشهدء ينتصرون في المحنة ، وكم كانوا كثيرين في القرن الماضي ، أكثر منهم في القرون الماضية .
المحبَّبة ُهي قوَّتُنا . وقوّة لنا كثيرين اخوة واخوات عانوا هنا ايضا من احكام مسبقة والأساءات وسوء المعاملة والأضطهاد ات من اجل اسم يسوع . وبينما تزول قوّة العالم ومجدهُ وأباطيله ، المحبّة تبقى ، كما قال لنا الرسول بولس : "المحبَّة لاتسقط أبدا " . العيش بحسب التطويبات وبالتالي ان نجعل الزمنية العابرة أبديا وأن نُنزل الساء الى الأرض .
ولكن كيف نعيش التطويبات؟ لايقتضي الأمر منا ان نقوم باشياء غير عادية أو بأعمال تفوق قدراتنا ، ما يُطلبُ منّا هو شهادة حياتنا اليومية . طوبى لمن يعيش في وداعة ، ولمن يُمارس الرحمة اينما كان ولمن يحتفظُ بقلب نقي حيثما كان ، حتى نكون مطوّبين ، ليس من الضروري ان نكون ابطالا بين الحين والآخر ، بل ان نكون شهودا كُلَّ يوم . الشهادة هي الطريقة لتجسيد حكمة يسوع ، هكذا يُغيّر العالم . ليس بالسلطان او بالقوة ، بل بالتطويبات .لأنَّ هذا ما فعله يسوع ، عاش حتى النهاية ما قاله منذُ البداية .كُلُّ شيءِ يكمنُ في الشهادة لمحبة يسوع ، تلك المحبة نفسها التي وصفها القديس بولس بصورة بليغة في القراء الثانية لهذا اليوم لنرى كيف وصفها بولس الرسول:
أولا: المحبّة تصبر . لما توقع هذه الصفة ، تبدوا المحبة مرادفة مع الصلاح والكرم واعمال الخير
ومع ذلك قال بولس : المحبّة قبل كُلّ شيء صابرة . وردت هذه الكلمة في الكتاب المقدّس في كلامه على صبر الله .ظلَّ ألأنسان عبر التاريخ يخون العهد مع الله ويقع في خطاياه المعتادة . والله لم يتعب ولم يترك الشعب بل بقي أمينا كل مرة وغفر وبدأ من جديد . الصبرُ والبدأ من جديد في كل مرة هو الصفة الأولى للمحبّة ، لأنّ المحبَّة لاتغضب بل تنطلق دائما من جديد ، ولا تحزن بل تفرح ، ولا تأيئس بل تبقى خلاّقة ، وأما م الشرّ لاتستسلم ولا ترضخ . من يُحبُّ لاينغلق على نفسه عندما تسوء ألأمور ، بل يجيب على الشرِّ بالخير ، ويتذكّر حكمة الصليب المنتصرة .إنَّ الشاهد لله يفعل هذا ، ليس انهزاميا ولايخضع للحتمية ، ولايعيش تحت رحمة الضروف والغريزة واللحظة ، بل يرجو دائما لأنه مؤسس على المحبة التي تَعذرُ كُلَّ شيء ، وتُصدّق كُلَّ شيء وترجو كُلَّ شيء وتتحملُّ كُلَّ شيء .
يُمكن ان نسأل انفُسنا ، وأنا ، كيف نتصرّفُ أمام المواقف الصعبة ؟ أمام الشدائدِ تُراودنا دائما تجربتان:
التجربة ألأولى : هي الهروب . نهربُ ونتركُ كل شيء ، ولانريد ان نعرف اي شيء بعد ألآن
والتجربة الثانية : اللجوء الى الغضب والقوّة . هذا ما حدث للتلاميذ في الجسمانية(ليلة القبض على يسوع المسيح ) ، عند ألأ رتباك. هرب الكثيرون ، وأخذ بُطرس السيف ، لكن لا الهرب ُ ولا السيف ،أفاد شيئا . أمّا يسوع فقد غيّر التاريخ ، كيف ذلك ؟ بقوّة المحبة المتواضعة ، وبشهادته الصابرة . الى هذا نحنُ مَدعوّون . هكذا يُتمّم الله وعوده . الوعود ، إنّها حكمة يسوع التي تجسَّدت في التطويبات ، تطلب الشهادة ،وتعد بالمكافئة ، التي تتظمَّنها الوعود الألهية . نرى في الواقع أنَّ كُلِّ تطويبة يتبعها وعد ، فمن عاش بحسبها كان له ملكوت السماوات ، او سيُعزّى او يُشبع او سيرى الله . وعود الله تضمن فرحا لامثيلا له ، ولاتُخيّبُ ألآمال . لكن كيف تتم ؟ من خلال ضعفنا طوَّب الله الذين يسيرون حتى النهاية في طريق فقرهم الداخلي . هذا هو الطريق ، ولايوجد طريقٌ آخر غيره .
لننظر الى أبينا ابراهيم ، وعده الله بنسل كبير ، لكنه هو وسارة زوجته ، كانا متقدمين بالسن ودون أبناء ، وفي شيخوختهما تحديدا ، وبسبب صبرهما وثقتهما بالله ، صنع الله لهما امورا عظيمة وأعطاهما ابنا . ولننظر الى موسى ، وعده الله انه سيحرر الشعب من العبودية ، ولهذا طلب الله منه ان يكلّم فرعون ، فلفت موسى نظر الله الى انه ثقيل اللسان ، ومع ذلك فإنَّ الله سيتمّم الوعد من خلال كلامه . ولننظر الى سيدّتنا مريم العذراء ، بحسب الشريعة لاتستطيع ان يكون لها ابن ، والله دعاها لتكون أُمّا . ولننظر الى بطرس ، لقد انكر الرب ويسوع دعاه هو ليُثبِّتَ اخوته .
يواصل البابا القاء كلمته فيقول :
إخوتي واخواتي الأعزاء ، في بعض ألأحيان نستطيع ان نشعر بأنّنا لانقدر ان نعمل شيئا ، ولا فائدة لنا . لانُصدِّق ذلك ،لأنَّ الله يُريد ان يصنع العجائب ، بالتحديد، من خلال ضُعفِنا !!!
إنَه يُحبُّ أن يعمل ذلك ، وقد قال لنا في هذا المساء ، ثمانية مرات طوبى ، حتى نفهم اننا طوباويّيون حقا معه . بالطبع نحنُ معرّضون للمحن ، ونقع كثيرا ، ولكن يجب ان لا ننسى مع يسوع نحنُ طوباويّون . ما يسلبه العالم منّا لايُقارن بالحب الحنون والصابر الذي به يتمّم الربُّ وعوده لنا .
اختي العزيزة واخي العزيز ، رُبّما تنظر الى يديك فتراها فارغة ، وربّما يتسرب الى قلبك عدم الثقة
ولا تشعرُ بان الحياة تعوّضك ، إذا كان الأمر كذلك فلاتخف ، التطويبات هي لك . لك انت الحزين والجائع والعطشان للعدالة والمضطهد ، وعدك الربّ واسمك مكتوب في قلبه في السماوات . واليوم انا اشكره معكم ومن اجلكم .لأنّه هنا حيث نشأت الحكمة في القديم ، ظهر في هذه الأوقات شهودٌ كثيرون ، غالبا ما تتجاهله الأخبار والأعلام ، ولكنهم اعزّاء في عيني الله .هؤلاء الشهود الذين يعيشون التطويبات ، هم اعوان الله يساعدونه في تحقيق وعده بالسلام " انتهى الأقتباس.(1)
.
وقف البابا فرنسيس ، على اطلال الكنائس الأثرية القديمة والأبنية المدمرة في الموصل ، يوم الأحد المصادف 7 مارس 2021 متاملا حجم الدمار الهائل وحجم الماسات التي مر بها كافة الطوائف وخاصة اليزيديين والمسيحيين في سنوات حكم الدولة الأسلامية (داعش) وكانت الموصل من اكثر المدن الحضارية التي شملها الدمار الشامل وقال :
"ألأرض بيتنا المشترك لنعيش بعضنا مع البعض وكل انظارنا متجه للرب لأنه خالقنا وابينا السماوي وعلينا ان نضع يدنا مع بعضنا البعض ..من يؤمن بالله ليس له هناك جماعة ليقاتلهم".
حين صلّى البابا في ساحة حوش البيعة في الموصل ، كان هناك رجلان لم تسعهما الأرض من شدة الفرحة: الراهب الفرنسي أوليفييه بوكيون المقيم في العراق، والمؤرخ العراقي ابن الموصل عمر محمد المقيم في فرنسا
يقول الراهب اوليفيه بوكيون " أن هناك جيلاً كاملاً من شباب المدينة(مدينةالموصل) لم يشهدوا الحياة المشتركة التي كانت تضجّ في أحيائها عبرالسنين، قبل تهجير جزء كبير من سكانها على دفعات، كانت أشدها بعد عام 2014 عند سيطرة داعش على المدينة، وإعلانها عاصمة لدولته.
الموصل كانت على مدى قرون جسراً يجمع الثقافات، ومن المدن القليلة خلال عهد الدولة العثمانية حيث كان يعيش أتباع الطوائف كلها في أحياء مختلطة، ولم يكن هناك حي للمسلمين وآخر للمسيحيين أو اليهود.
وخلال السنوات الماضية، "خسرت الموصل مسيحيّيها"، كما يقول الراهب الذي يعتقد أنّه من حقّ الجيل العراقي الصغير في السنّ أن يستعيد ذلك التنوّع.(2)
: "إذا كان الله هو إله الحياة - وهو كذلك - فمن الخطأ أن نقتل إخوتنا وأخواتنا باسمه. إذا كان الله هو إله السلام - وهو كذلك - فمن الخطأ أن نشن الحرب باسمه. إذا كان الله هو إله المحبة - وهو كذلك - فمن الخطأ أن نكره إخوتنا وأخواتنا"
واردف قائلا :
""نؤكد قناعتنا بأن الأخوّة أقوى من صوت الكراهية والعنف
"لايجوز أن نقتل أو نشنُّ حربا باسم الله وهو ربُّ السلام "
وختم الصلاة قائلاً: "نعهد إليكم بكل من قطعت حياتهم على الأرض بفعل عنف إخوتهم وأخواتهم. كما نصلي من أجل كل من تسبب في مثل هذا الأذى لإخوانهم وأخواتهم. عسى أن يتوبوا، متأثرين بقوة رحمتك
وقال البابا : " إنّ التناقص المأساوي في أعداد المسيحيين، ضررٌ جسيمٌ لا يمكن تقديره، ليس فقط للأشخاص والجماعات المعنيّة، بل للمجتمع نفسه الذي تركوه وراءهم. في الواقع، يضعف النسيج الثقافيّ والدينيّ الغنيّ بالتنوّع بفقدان أي من أعضائه، مهما كان في الظاهر صغيرا ".
واضاف قائلا:"ألأرض بيتنا المشترك لنعيش بعضنا مع البعض وكل انظارنا متجه للرب لأنه خالقنا وابينا السماوي وعلينا ان نضع يدنا مع بعضنا البعض ."من يؤمن بالله ليس له هناك جماعة ليقتلهم".(3)

وفي كلمة لقداسته في كنيسة الطاهرة في قرقوش ، في اليوم الثالث من زيارته(7 مارس ) مخاطبا الحاضرين في القداس :
"تذكّروا ان يسوع المسيح معكم ، لاتستسلموا ، القديسون في السماء معكم. يحلمون كبار
السن احلام ويمكن الشباب ان يأخذوا هذه ألأحلام ليسيروا في المستقبل ، لننظر الى ابنائنا ليس فقط ليستعيدون الأرض بل ثمار ألأيمان. لاتستسلموا الى اليأس بل ليكن لكم رجاء.قديسون يعيشون بيننا إنهم كثيرون ، دعوهم يوافقونكم بمستقبل افضل ، مستقبل مليء بالأمل ، صمودكم في ألأيمان والمحن سيثمر للمستقبل. هذه أرض القديسيين ، أشجّعكم ان لا تنسوا من انتم ومن اين انتم ، حافظوا على جذوركم . حافظوا على الروابط بينكم . ، دعوهم يوافقونك بمستقبل أفضل ، مستقبل مليء بالأمل . صمودكم في ألأيمان سيثمر للمستقبل"
ودعا قداسة البابا فرنسيس في كلمة له عقب اكبر قداس في اربيل ، في ملعب الشهيد فرنسيس الحريري، في اليوم الأخير لزيارته قائلا :
"في العراق كثيرون هم إخوانكم وأصدقاؤكم، يحملون جراح العنف والحرب المرئية وغير المرئية"
وأضاف: "يجب أن يكون القلب طاهرا من الكذب والازدواجية المضطربة".
وتابع: "نحن بحاجة إلى أن نزيل من قلوبنا الطمع بالسلطة".
"العراق مثل سجّادة رائعة حاكها الله بعدّدة ألوان . خلق الله التنوع ،إنّها لوحة فنية رائعة . بهذا ركز البابا على المحافظة على التنوع ".
كما حذّر قداسة البابا العالم من الأنهيار اذا لم يفعل شيئا للعراق. وكان هو سبّاقا في تحدّيه لمرض الكورونا والخطورة الأمنية ، ومع ذلك تحدى هذين العدويين وقام بزيارة العراق . يقول ايضا :" انا مقتول وأنت مظلوم علينا عدم استخدام الدين لقمع الآخرين" . وعندما ننسجم مع الجار المسلم المناهض للتعصب ، فنحن اكثرية ، عندها لن تكون هناك اكثرية واقلية . المستقبل مسؤليتنا نحن في الحاضر . المجتمعات الروحية عليها مسؤولية محاسبة القيادات السياسية وتقييمها على ضوء الأخوة الأنسانية".

في تغريدات للبابا بعد رجوعه الى الفاتيكان وبعد زيارته للعراق التي استمرت ثلاثة ايام يقول فيها :
"إذ أفكر بالعديد من العراقيين المهاجرين أود أن أقول لهم: لقد تركتم كل شيء، مثل إبراهيم، حافظوا مثله على الإيمان والرجاء، وكونوا ناسجين للصداقة والأخوة أينما حللتم، وعودوا إذا أمكنكم"
رسالة أخوّة جاءت من أربيل المدينة التي استقبلني فيها رئيس إقليم كردستان العراق
ورئيس وزرائه والسلطات والشعب. أشكر مرّة أخرى الشعب الكردي على استقباله الحار
أنا ممتنٌّ أيضًا للسلطات الدينية، بدءًا من آية الله العظمى السيستاني، الذي كان لي لقاء معه لا يُنسى. ليمنح الله، الذي هو السلام، العراق والشرق الأوسط والعالم أجمع مستقبل أخوّة!
و اضاف "بعد الزيارة إلى العراق، امتلأت روحي بالامتنان لله ولجميع الذين جعلوا هذه الزيارة ممكنة: لرئيس الجمهورية ولحكومة العراق، لبطاركة وأساقفة البلاد.
كما دعا إلى مواصلة الصلاة قائلا:"لنواصل صلاتنا من أجل العراق والشرق الأوسط. في العراق، وعلى الرغم من جلبةِ الدمار والأسلحة، استمرت أشجار النخيل، رمز الوطن، في النمو وفي أُتيان الأثمار. وهكذا أيضًا هو الأمر بالنسبة للأخوَّة: هي لا تُحدث ضوضاء، لكنها تثمر وتجعلنا ننمو"(4).



وأوضح قداسة البابا فرنسيس متحدثا إلى الصحفيين على متن الطائرة التي تقله في رحلة العودة من العراق إلى الفاتيكان، أنه يدرك أن بعض الكاثوليك المحافظين سيرون لقاء آية الله العظمى علي السيستاني بمثابة "خطوة واحدة من الهرطقة"، لكنه قال: "أحيانا تكون المخاطرة ضرورية في العلاقات بين الأديان".
وأضاف: "فكرت بشأنها(الزيارة) كثيرا وكذلك صليت كثيرا. وفي النهاية اتخذت القرار بحرية. نبع من داخلي وقلت ا‬‬لرب الذي يسمح لي باتخاذ قرار على هذا النحو سيشمل الناس برعايته".
ومضى يقول: "هكذا اتخذت القرار بعد الصلاة والوعي بالمخاطر
لكنه قال إنه شعر بأنه "ولد من جديد" بعد "الشعور كما لو أنني كنت سجيناً" بسبب قيود فيروس كورونا. وأضاف أن "84 عاماً لا تأتي دون معوقات"، مضيفاً أنه لا يمكنه الجزم ما إذا كان سيحد من زياراته في المستقبل(5).
بعد رجوعه يوم 10مارس 2021 الى الفاتيكان ، بعد زيارته للعراق ، صرّح البابا فرنسيس بان زيارته للعراق حققت مشروع القديس يوحنا بولس الثاني . سمح لي الرب بزيارة العراق ، وقد ارادت العناية الألهية ان يحدث هذا الآن كعلامة امل بعد التوبة . سنوات من الحرب والأرهاب واثناء جائحة كورونا . في رحلة الحج هذا شعرت بقوة وباحساس ،إذ لم استطع ألأقتراب من هذا الشعب المعّذب تلك الكنيسة الشهيدة دون ان احمل باسم الكنيسة الكاثوليكية الصليب الذي يحملونه منذ سنوات
إنّ الشعب العراقي له الحق في العيش بسلام وله الحق في استعادة كرامته ،إذ تعود جذوره الدينية والثقافية الى آلاف السنين . الحرب هي دائما الشبح الذي يُغيّر نفسه مع تغيير العصر ويستمر في التهام الأنسانية .ولكن ألأجابة على الحرب لاتكون بحرب اخرى ، والأجابة على ألأسلحة لاتكون باسلحة اخرى .ألأجابةهي الأخوّة . من اجل هذا التقينا وصلينا معا مسيحيين ومسلمين . مع ممثلي الديانات ألأخرى في اور ، حيث تلقّى ابراهيم دعوة الله منذ حوالي 4000 سنة . لهذا لنواصل من فضلكم الصلاة من أجل اخوتنا واخواتنا المبتلين حتى يكون لديهم القوّة للبدء من جديد . ولنسبح الله على هذه الزيارة التاريخية ولنستمر في الصلاة من اجل تلك ألأرض ومن اجل الشرق ألأوسط والعالم أجمع"(6).



بعد هذه الزيارة دعا رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى "الحوار الوطني"
وقال في كلمة له بمناسبة انتهاء زيارة البابا فرنسيس إلى العراق: "على أساس هذه المسؤولية التاريخية، وفي أجواء المحبة والتسامح التي عززتها زيارة قداسة البابا لأرض العراق، أرض الرافدين، نطرح اليوم الدعوة إلى (حوار وطني) لتكون معبرا لتحقيق تطلعات شعبنا".
وأضاف: "إننا ندعو جميع المختلفين، من قوى سياسية وفعاليات شعبية وشبابية احتجاجية، ومعارضي الحكومة، إلى طاولة الحوار المسؤول أمام شعبنا وأمام التاريخ، وندعو قوانا وأحزابنا السياسية إلى تغليب مصلحة الوطن والابتعاد عن لغة الخطاب المتشنج والتسقيط السياسي، وإلى التهيئة لإنجاح الانتخابات المبكرة، ومنح شعبنا فرصة الأمل والثقة بالدولة وبالنظام الديمقراطي"(7).

يقول رئيس مجلس الحوار الديني العراقي "جواد الخوئي " عن زيارة البابا للعراق:
ان زيارة البابا لمدينة "اور " التاريخية وصور الأستقبال الحار من جميع اطياف الشعب العراقي يلخص تاريخ الحاضر والمستقبل للعراق .لأن العراق متنوع بطبيعته ومميز بتنوعه الديني والعرقي والفكري والثقافي . هناك وعي وهناك تطوّر ونضوج لدى كُلِّ الشرائح في المجتمع العراقي .أنا متفائل ومستبشر بزيارة قداسة الباب للعراق ، ربّما هي نتيجة لجهود مكثّفة خلال سنوات . ونحن متفائلون بمستقل مشرق .
ويضيف فيقول:
"إن كانت النخلة في العراق مسلمة فجذورها مسيحيّة . والعراق بدون مسيحيين او الصابئة او اليزيديين يعني التصحُّر بعينه "
زيارة البابا لها دلالات أمنية يمكن ان تستثمر اقتصاديا . فمجرد زيارة قداسة البابا لمدينة اور يعني اعطاء رسالة واضحة لمسيحيي العالم ان العراق بلد امن يستحق زيارة هذا البلد . الكنيسة في العراق كانت تحتاج الى دعم معنوي . وان قداسة البابا طلب من المسيحين الذين هاجروا الى خارج العراق بالرجوع الى وطنهم لانهم ملح الأرض ومواطنون اصلاء".(8)
علّق الرئيس الأمريكي "جو بايدن" على زيارة البابا فرنسيس إلى العراق معتبرا أنها "زيارة تاريخية وبعثت برسالة مهمة، وهي أن الأمل أقوى من الموت، وأن السلام أقوى من الحرب.
يكتب بولس الرسول في رسالته الى اهل كورنثوس :
"فمن هو بولس؟ ومن هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما، وكما أعطى الرب لكل واحد
أنا غرستُ وأبلوس سقى ، لكن الله كان ينمي . إذا ليس الغارس شيئا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي "كورنثوس 3 :5 ،6 ، 7"
نعم وكما قال الرسول بولس ، قد لانلمس تاثير ونتائج زيارة البابا للعراق في وقتها ولكن البابا زرع بذور المحبة والسلام والأخوّة الأنسانية في قلوب العراقيين . ولايمكن الا ان يحصد العراقيون ، في المستقبل القريب ، إنشاء الرب، ثمار مازرعه قداسة البابا ، لأن الرسول بولس يقول ايضا :
"فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضا"غلاطية 6 :7"

(1)
https://www.youtube.com/watch?v=XAiapW6z5Ts

(2)
https://www.bbc.com/arabic/art-and-culture-56316729

(3)
عربي سكاي نيوز مقال بعنوان :
رسالة للبابا من الموصل: "الأخوة أقوى من صوت الكراهية"

(4)
عربي- دولي مقال بعنوانRT راجع موقع
بعد عودته من العراق ...ماذا قال البابا فرنسيس ؟

(5)
https://al-ain.com/article/pope-francis-visit-iraq-god-protect

(6)
في مقابلته العامة البابا فرنسيس يتحدّث عن زيارته الرسوليّة إلى العراق
https://www.youtube.com/watch?v=GCLDE1hlpMQ

(7)
مقال على ار تي
الكاظمي يدعو إلى "حوار وطني" يضم القوى السياسية والشبابية والمحتجين

(8)
قناة سكاي نيوز عربية




26
قداسة البابا فرنسيس الأول ، وزيارته للعراق - دلالاتها ورموزها- الجزالثاني
نافع شابو


مقدمة
زيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق للفترة (5-7 مارس 2021)

زيارة البابا فرنسيس للعراق حملت دلالات ورموز ورسائل المحبة والسلام والأخوة الأنسانية . جاء كطبيب ليضمد جراح المتالمين والمهمشين والمتروكين والفقراء والمساكين . جاء في اصعب واحلك الضروف ليتحدى الصعوبات والعراقيل التي تضعها قوات الشر . إنّ البابا فرنسيس هو رسلول السلام الحقيقي الذي اتى في الضروف التي يحتاجها كل انسان عراقي عانى سنين من القهر والظلم والتهميش والتهجير والعنف ، ولا زال هذا الشعب يتالم من جروحات غائرة في قلوب الملايين .
يسوع المسيح ترك عرشه السماوي وتجسد مثلنا كانسان ليتضامن مع آلام الأنسان ويتذوق الموت مصلوبا مضحيا بنفسه من اجل كل انسان . جاء البابا فرنسيس الى العراق ليطبق قول المسيح في المطالبة بالرحمة لكل المحتاجين بان نطعم الجياع ونأوي من لابيت لهم ، ونزور المرضى والمجروحين والمتالمين، مطبّقا قول المسيح .
"لأنّي جعتُ فاطعمتموني ، وعطشتُ ، فسقيتموني ، وكنتُ غريبا فآويتموني ، وعُريانا فكسوتموني ، ومريضا فزرتموني ، وسجينا فجئتم اليَّ ..."(انجيل متى 25 :35).
بابا الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس معروف في دعوته لأستقبال اللاجئين وإنتقد في خطاب له سياسات رفض استقبال اللاجئين والمهاجرين، معتبراً أن استضافتهم والعناية بهم "واجب مقدس .. وشدد البابا على أن استقبال المهاجرين "يستند إلى القيمة المقدسة للضيافة الموجودة في مختلف التقاليد الدينية.
وفي احد عظّاته، أشار البابا الأرجنتيني إلى أن ذلك يذكر بأنه لا يجب قضاء الوقت في "البكاء على مصيرنا، بل مسح دموع من يعاني" و"خدمة الفقراء"، مشددا أنه مبدأ مسيحي. وأضاف آسفا أن المؤمنين "المتعطشين للترفيه والنجاح والدنيوية في الأغلب يجهلون حسن المعاملة"
وقال البابا فرنسيس :"إن عيد الميلاد(ميلاد يسوع المسيح ) يجب أن يجعل الجميع يفكرون في "ظلمنا تجاه الكثير من إخوتنا وأخواتنا" بدلا من السعي وراء "رغبتنا التي لا تنتهي في الحصول على الممتلكات" والمتع الزائلة.
هذا ما فعله قداسة البابا فرنسيس . فقد ترك كل شيء وزار من يحتاجون الى تعزيته في آلامهم وجاء الى العراق في احلك الضروف سواء من الناحيةألأ منية اوا لصحية ، متحديا كل الصعوبات والمخاطر ، وهاملا كلّ الأنتقادات التي وجهت له بسبب زيارته للعراق في هذه الأوقات الصعبة . ونسى هؤلاء المنتقدين المثل القائل :"عندّ الشدائد تُعرفُ ألأخوان ".
الله خلقنا لانه يحبُّنا وأحد صفات الله في الكتاب المقدس هو "الله محبّة " فهو كُلّيُّ المحبة ، اي انه يحب بدون شروط حتى الخُطات وهو يكره الخطيئة . الله كامل في صفاته والكمال يعني كلي المحبة اي انه يحب بدون شروط وبلا محاباة . هو يحب لأنّ طبيعته المحبة (1يوحنا 4 : 8 ،9، 10" روميا 5 :8"
الذي لايحبُّ لايعرف الله :"الله بيّن محبته لنا ونحن بعد خطات . ومات ابنه الوحيد من اجلنا ". ويقول المسيح :
"إن احببتم الذين يحبونكم فاي فضل لكم ". كذلك الله كان ينتظر الأبن الظال في انجيل متى "5 : 43-48".
البابا الحالي كان ولايزال يتابع جروحات وآلام المسيحيين في الشر ق الأوسط ، والأقليات الأخرى كاليزيديين ، خاصة في العراق، لابل شمل المعانات جميع شعوب المنطقة عامة سواء مسلمين بكافة طوائفهم ، او المسيحيين والأزيديين والصابئة ، بسبب الحروب والقمع وظلم الساسة ورجال الدين وتدخلات الدول في تأجيج الصراعات الطائفية والقومية والمذهبية في المنطقة والتجارة بالدين على حساب حياة الملايين من البشر .
زيارة البابا تحمل في حقيقتها امور رمزية كثيرة نسشعرها من خلال معانيها الروحية والحضارية والثقافية وقبل هذا وذاك معانهيا الأنسانية العميقة. هذا الأنسان الذي خلقه الله على صورته كمثاله وله قيمة وكرامة لايمكن تشويهها . قال الله :"لنصنع ألأنسان على صورتنا ، كمثالنا "كما جاء في سفر التكوين 1 :26". نحن كبشر شركاء الله في الخلق والخلاص ، ونحن كُلُّنا إخوة في الأنسانية، وقتل انسان كاننا نقتل عائلة بكاملها . خلق الله الأنسان ليكون ملك الخليقة كلها فهو اسمى من كل الخليقة. ومن اجل الأنسان خلق الله كل شيء . فمن مسَّ صورة الأنسان مسّ صورة الله ، لأنّ الأنسان فيه نسمة الله، وعندما يحاول ألأنسان ان يشوّه صورة الله فعندها يخلق لنفسه الجحيم لأنه ينفصل على الله .
فيما يلي مقتبسات لكلمة البابا فرنسيس في قصر الرئاسة في بغداد في 5 مارس 2021
مخاطبا الرئيس العراقي برهم صالح وسياسيين ودبلوماسيين ومن مختلف اطياف المجتمع العراقي:

"انا سعيد جدا بان احضى بهذه الفرصة لزيارة العراق بعد انتظار طويل هذه الزيارة اردتها وارتأيتها
في جمهورية العراق ، هذه الأرض مهد الحضارات وهي مرتبطة من خلال سيدنا ابراهيم وباقي ألأنبياء بقصة
"انا اتيت هنا حاجا لكي اشجعكم على مواصلة شهادتكم باسم الأيمان والرحمة والمغفرة هنا في مجتمعكم "
"إذا نظرنا الى عائلة انسانية واحدة سننشأ عال أفضل اكثر عدلا وأنسانية ..يحتاج العيش معا الى الحوار وهذا يتطلب جهد للتغلب على روح العداء وال
"اتمنا ان نواصل هذا الطريق معا كاخوة متشبثين بقيم الدين التي تدعونا الى التمسك بقيم السلام بقيم الأعتراف المتبادل ، ألأخوة البشرية ، والتعايش السلمي "
"إنّ المتطرفين لايقبلون بتعايش المجموعات العرقية والدينية ، ولايقبلون بالتعدد الفكرية والدينية وهذا ما ادى الى الموت ، الدمار ، المجازر . ليس على الصعيد المادي فحسب بل ألأضرار اوخم عندما نتذكر جراحات القلوب . الكثير من الأفراد والجماعات سيتطلب الأمر منهم سنوات وسنوات لكي يتعافوا وتتضمّد جراحاتهم . يجب ان نتذكر الأيزيديين . هذه الجماعة التي كانت ضحية بريئة للوحشية والهمجيّة واللابشرية ، الذين اضطهدوا بسبب دينهم وبسبب هويتهم إن حياتهم وبقائهم على قيد الحياة كان محل تهديد ".
"نحن نحتاج الى حوار خالص صريح كنفه الأحترام المتبادل ، العدل ، هذه التحديات صعبة يجب ان نضاعف من جهودنا ...كلنا بنات وابناء نفس الخالق "
"كُلِّ الأطراف ذات الصلة ان يقدّموا ألأحترام ، ألأعتراف ، الحماية لكل ألأديان وأتباعهم "
"إعادة البناء أمرٌ غير كافٍ ، يجب إعادة البناء بشكل جيد ، لكي يحضى الجميع بحياة كريمة "
"يجب ان نحارب آفة الفساد ، ولكن هذا غير كاف ، يجب علينا كذلك ان نبني العدالة ونشجع الشفافية والنزاهة . يجب ان نعزز المؤسسات .إن ارتأينا ان يتعزز الأستقرار يجب ان نقود سياسات صحيحة نزيهة ، تقدم للجميع لاسيما للشباب وهم كثر هنا في هذا البلد"
"انا جئت حاجا باسم السلام ، بإسم المسيح امير السلام . صلينا وصلينا من قبل من اجل السلام في العراق . القديس البابا الراحل يوحنا بولس الثاني صلّى لهذا . الربُّ دائما يُنصت لنا ويسمعنا . والآن الوقت لنا ان نسمع الرب وان نسير في صراطه "
" لتصمت الأسلحة! ولنضع حدا لانتشارها هنا وفي كل مكان! ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين.. ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام"!!!!
"يجب ان نضع حدا للتطرف ، للعنف ، لعدم التسامح . يجب ان نضمن كل الحقوق ألأساسية للعراقيين "يجب على المجتمع الدولي ان يلعب دورا مهما كذلك في النهوض بالسلام وتعزيزه ، هنا في هذه الأرض وفي كلِّ الشرق ألأوسط
"احيّي كل المنظمات والوكالات الكاثوليكية التي تساعد وتدعم وتوافي العراقيين والمجتمع العراقي وتحاول الأستجابة لأحتياجاتهم الأساسية ، بحثا منهم عن الرحمة والعدل ، وهذا ما يساهم في السلام المستدام في العراق ".
"اسم الرب لايمكن ان يستعمل كحجة واهية لتبرير العنف ، ألأرهاب .إن الله الذي انشا الناس سواسية في دينهم وحقوقهم ، يطلب منا الحب ، الرحمة ، المصالحة . ونحن ككنيسة كاثوليكية ، هذا ما نقوم به في كل العالم ، لكي نساهم في الحوار البناء مع كل الأديان خدمة للسلام "
"إن حضور المسيحيين في هذه الأرض ومساهماتهم في حياة الشعب العراقي ، هي تراث ٌ ثريٌّ يجب ان يكون دائما في خدمة ألآخر .إنَّ مساهمة المسيحيين في الحياة العمومية العراقية ، كون هؤلاء المواطنين يحضون بحقوقهم ويوفون بواجباتهم ، هذا بفضل التعددية الدينية والثقافية والحضارية للعراق وهذا ما سيساهم في رفاه وسلام العراق ".(1)
كما زار قداسة الباب كنيسة "سيدة النجاة" وسط بغداد التي بعد 11 عاما على هجوم تنظيم القاعدة عليها وارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 100 شهيد بين قتيل وجريح . كما اقام قداسته يوم السبت المصادف 6 مارس ، قداسا في كاتدرائية ماريوسف للكلدان .
اليوم نحن ابناء العراق كأخوة بحاجة الى الرجوع الى ابينا ابراهيم ليكون بركة لنا ونكون اخوة حقيقيين ، ونترك كُلِّ احقادنا وانانيتنا وعنصريتنا وشهواتنا الى السلطة والمال ، لنعود الى العيش بسلام مع بعضنا البعض . يقول احد الآباء :"الهنا اله عائلة ليس إله واحد ، ويدعو جميع البشرية كلها الدخول الى هذه العائلة
في كلمة البابا خلال لقاء الأديان في مدينة أور التاريخية

هنا في مدينة سيدنا ابراهيم . هنا استمع ابراهيم الى صلاة الرب .وراينا ثمار هذه الصلاة وهذه الرحلة . نظر ابراهيم الى السماء ، وبدأ بحساب النجوم وفي النجوم راى الوعي لهذه
الأمة رآنا يهودا ومسيحيين ومسلمين وكافة الأديان ونظر الى السماء واستمر في رحلته .
بعد آلاف السنين والسماء لديها نفس النجوم . وهذه السماء، سمائنا جميعا ، تعطينا رسالة الوحدة وتقول لنا يجب ان لانستسلم . هذا يعزز اخوتنا يجب ان لاننسى اخوتنا . نحن احفاد ابراهيم . نحن نسمع اخواتنا واخوتنا ونصلي الى ابينا في السماء وجميعنا بحاجة الى السماء . لانعمل بمعزل احدنا عن ألآخر ، يجب نحن ان نعمر هذه الأرض لتبقى عيوننا على السماء ....يجب ان نحترم حرية الدين لأنه حق اساسي... عندما هاجم الأرهاب هذا البلد ، هاجم جزء من التاريخ ، الكنائس وغيرها ، ولكن في هذه الفترة المظلمة اشرقت النجوم ..المسيحيّون والمسلمون بدأوا في صناعة السلام وعملوا سوية .
مجيئنا لهذه الأماكن المقدسة لنحيي هذه الأماكن المقدسة ، وايماننا بالله يصبح شيء جوهري لجميعنا ..لننظر الى السماء ، وهي نفس السماء التي نظر اليها أبينا ابراهيم ، وعندما ننظر الى السماء لن نشعر بالخوف وانما نتشجع .هذه الأمور العظيمة التي استمرت طوال الأزمان .ابراهيم بدا رحلته من اور ، وعندما غادر اور قدّم الكثير من التضحيات . النبي ابراهيم ترك بيته وارضه واهله ، ولكنه اصبح ابا لجميع الأديان ، حدثت امور رائعة لنا .ألأيمان اجبرته على ترك امور كان متعلقا بها ، ولكنه حصل على حب اخوته الآخرين . يجب ان نخرج من انفسنا وان نتطلّع الى ماهو ابعد من ذلك .
لن نستطيع ان ننقذ انفسنا لوحدنا من الجائحة وانما بالعمل الجماعي ..لن يكون هناك سلام دون ناس الذين يساعدون بعضهم البعض . لويفكر الآخرون بانفسهم ولم يفكروا بنا لن يكون هناك سلام ، فقط ستزيّد الفرقة ....الله ليس له اعداء ، الله له فقط اصدقاء
رحلة ابراهيم تعطينا القوة والصبر والشجاعة اليوم لتخطي جميع العراقيل كما واجه ابينا ابراهيم مصاعب في رحلته . الأمر متروك لنا نحن البشر اليوم .
نحن الأخوة والأخوات من جميع ومختلف الأديان ، نحن هنا في بيت واحد ونعمل سوية لنحقق احلام العائلة الأنسانية ، عندها سننظر الى السماء سوية .
صلاة البابا في اور مسقط راس ابينا ابراهيم هي رسالة الى التعددية والحوار والتفاهم بين جميع اطياف الشعب العراقي وهي دعوى عالمية لنشر السلام في الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة .
يقول البابا :" يَدعونا الإلهُ العليّ، مِن فَوق، إلى عدمِ الانفصالِ أبدًا عن الأخِ الـمُقيمِ إلى جانبِنا. اللهُ الـمُتعالي من فوق، يدفعُنا نحو أخينا الـمختلف عنَّا”
والبابا ينادي بالمواطنة اكثر من الأنتماء الى الدين او الطائفة . ويدعو الى الأنسانية التي تجمعنا وليس الدين . فالدين هو لخدمة الأنسانية . وكما قال المسيح : "السبت للأنسان وليس الأنسان للسبت" . اي انَّ الشريعة وضعت للأنسان وليس الأنسان وضع من اجل الشريعة .
قال البابا فرنسيس في أور حيث ولد النبي إبراهيم "من هذا المكان ينبوع الإيمان، من أرض أبينا إبراهيم، نؤكد أنّ الله رحيم، وأن أكبر إساءة وتجديف هي أنْ ندنس اسمه القدوس بكراهية إخوتنا. لا يَصْدُرُ العداء والتطرف والعنف من نفس متدينة: بل هذه كلّها خيانة للدين.
وقال البابا: "نحن المؤمنون لا يمكن أن نصمت والإرهاب ينتهك حرمة الدين".
وأضاف: "علينا جميعا أن ندرك أي سوء فهم ... ألا نسمح لغيوم الكراهية أن تحجب نور الحق".
وضرب البابا مثلا بمعاناة اليزيديين الذين "قُتل منهم رجال كثيرون، واغتُصبت آلاف السيدات والفتيات
والأطفال، وبيعوا كعبيد، وخضعوا لأهوال من العنف الجسدي وأُجبروا على التحوّل عن دينهم".(2)

الله اعطانا نعمة الحرية والأرادة والعقل . ولايجبرنا او يكسر ارادتنا اويلزمنا على اتباع دين او عقيدة او فكر ، دون آخر، بل اعطانا الحرية الكاملة لنختار، ويقول الله ، لكل انسان ،في سفر التثنية العهد القديم:
"«"اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ،" (تث 30: 15
"قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ،"تث 30: 19"
فعلى الأنسان أن يقرّر ان يختار الحياة ليعيش مع اخيه الأنسان بمحبة وسلام والعيش المشترك
البابا يدعو الى الأهتمام بكل انسان يعاني من التهميش والفقر والأضطهاد بغض النضر عن انتمائه الديني او الطائفي. يقول يوحنا الأنجيلي :
لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16
نعم الله لايفرق بين سيد وعبد بين ابيض او اسود بين المراة والرجل فكلنا ابنائه وهو خلقنا لأنّه يُحبّنا و لنحبُّه ونعيش الفرح والسلام مع اخوتنا اينما كانوا.
كما انّ مهمة البابا هي التركيز على صناعة السلام ، فكما يقول :لا يكفي البناء بل صناعة السلام" والتآخي والمحبة والدعوى الى ما يبني الحياة والكرامة الأنسانية ، وترك صناعة السلاح الذي يقود الى الموت والدمار .
الزيارة هي الفرصة الذهبية للشعب العراقي بجميع اطيافه ليعرف تاريخه ويتجذّر في ارضه ويعيش التفاهم والحياة المشتركة .
اللقاء في اور ذهب ابعد من حريّة الدين والمعتقد بل اكّد البابا على تكامل الحضارات وتلاقحها وتنوعها حتى مع اختلافاتها ، حيث أكَّد على التعدُّدية والدولة المدنية ليكون المواطنين كلهم سواسية بمختلف دياناتهم وعرقهم وانتماءاتهم واحترام هذا التنوع واسقاط مفهوم الأقلية بترسيخ العدالة الأجتماعية وعدم التمييز، والمساوات في الواجبات والحقوق . والبابا يطالب المسؤولين في العراق وكل العالم بتطبيق هذه المبادئ الأنسانية على ارض الواقع .
كذلك زار قداسته النجف والتقى بفضيلة الشيخ علي السستاني الذي يعتبر المرجعية الشيعية في العراق والعالم الشيعي . هذا اللقاء هو لأستكمال رسالة "ألأخوة الأنسانية " التي بدأها قداسة البابا في ابوظبي عاصمة الأمارات . والتي وقع مع شيخ ألأزهر احمد الطيب كممثل للطائفة السنية في العالم ألأسلامي .
وقال متحدث باسم البابا إن رسالة زعيم الشيعة الروحي عن السلام أكدت على "حُرمة الحياة البشرية وأهمية وحدة الشعب العراقي".
نقل لنا غبطة الباطريرك لويس ساكو الحوار الذي جرى بين قداسة البابا فرنسيس وبين سماحة السيد علي السستاني المرجع الشيعي في العراق فيقول :
سماحة السيد السستاني عبّر بكلمات مؤثرة جدا عندما قال :" أنتم جزء منّأ ونحن جزء منكم "، وهو نداء للمسيحيين في النهاية . وايضا البابا قال "جميعكم اخوة ". يضيف الباطريك ساكو فيقول: امنيتي ان العراقيين لايضيعون هذه الفرصة بل يستغلوها .. البابا تحدث بشكل علني عن خطورة السلاح .. السيد علي السستاني مسك يدي البابا ورحب به وعبر عن محبته له ومعرفته عن البابا كونه صديق الفقراء ورد البابا بالمثل وقال انا احبك واقدر حكمتك . وصرح المرجعية الشيعية بقوله :" أنا خادم للأنسانية " ورد البابا وقال :"أنا حاج للسلام ". واتفق الطرفين على الحوار البناء وليس حوار المجاملات والبابا تجاوب مع كل ما طرحه السيد السستاني . وسماحة السيد السستاني ابلغ البابا بان السياسيين خيّبوا امله . ونوّه السستاني على ان الدول تستغل الشعبوب وتفتش عن مصالحها على حساب الآخرين . فاجابه البابا ساخرا نعم "الكل يفتّش ما في جيبه"
بعد هذه الزيارة دعا رئيس الوزرا الكاظمي الى "الحوار الوطني".(3)
تابعونا في الجزء الثالث والأخير
(1)
https://www.al-binaa.com/archives/290488
(2)
https://www.youtube.com/watch?v=R4PRZYbLRPM
(3)
https://www.youtube.com/watch?v=ZjVdGSYuwRg


27

قداسة البابا فرنسيس الأول ، وزيارته للعراق - دلالاتها ورموزها- الجزء الأول
نافع شابو
2021 / 3 / 13

قداسة البابا فرنسيس الأول ، وزيارته للعراق - دلالاتها ورموزها-
الجزء الأول
مقدمة
يقول جبران خليل جبران
"في قلب كل شتاء ربيع يختلج ، و وراء نقاب كل ليل فجر يبتسم"
زيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق للفترة (5-7 مارس 2021) هي زيارة تاريخية
تحمل شعار "أنتم جميعكم أخوة" (من إنجيل متى)، وقد أُخذ من عنوان رسالته الحبرية الأحدث "جميعنا أخوة"، الصادرة في خريف 2020. وفيها يكتب: "إن المساعدة المتبادلة بين الدول تعود بالفائدة على الجميع في النهاية. والبلد الذي يتقدّم انطلاقًا من ركيزته الثقافية الأصلية، هو كنز للبشرية جمعاء. يجب علينا أن ننمّي الوعي بأننا اليوم إمّا أن نخلص جميعًا أو لا يخلص أحد".
جاء في مقدمة "الوثيقة الأنسانية من اجل السلام العالمي والعيش المشترك" الذي تم التوقيع عليه بين قداسة البابا فرنسيس الأول وبين شيخ ألأزهر احمد الطيب في مدينة ابو ظبي في الأمارت مايلي:
"يحمل الأيمان المؤمن على ان يرى في الآخر أخا له ، عليه ان يؤازره ويحبه .وانطلاقا من ألأيمان بالله الذي خلق الناس جميعا وخلق الكون والخلائق وساوى بينهم برحمته ،فإنَّ المؤمن مدعوللتعبير عن هذه "الأخوة ألأنسانية " بالأعتناء بالخليقة وبالكون كله ، وبتقديم العون لكل انسان ،لأسيّما الضعفاء منهم والأشخاص ألأكثر حاجة وعوزا " .
راجع الموقع التالي
http://files1.24.ae/files/images/watheeqapope.pdf
يُشيرقداسة البابا فرنسيس إلى دور الديانات “في خدمة الأخوّة في العالم”، مُستعيداً نداء أبو ظبي، لأنّ ما يذكره البابا في المقدّمة هو الصِلة بين هذه الرسالة الحبريّة وذكرى زيارة القديس فرنسيس الأسيزي إلى السلطان المصري الملك الكامل (سنة 1219)، مع زيارته الرسوليّة إلى الإمارات العربية المتحدة التي أدّت إلى توقيع الوثيقة حول "الأخوّة الإنسانيّة " مع الشيخ أحمد الطيب إمام الأزهر.
يقول البابا فرنسيس في احدى المناسبات:
"إنّ شموليّة الإنجيل(الخبر السار) ضمن لغة تصل إلى كلّ إنسان هي من المفاتيح الأساسيّة:" مع أنّني كتبت هذه الرسالة انطلاقاً من قناعاتي المسيحيّة التي تدعمني وتغذّيني، حاولت فعل ذلك بطريقة تسمح للتأمّل بالانفتاح على الحوار مع جميع أصحاب الإرادة الحسنة”.
منذ المجمع الفاتيكاني الثاني [الأولى: /1962م، والثانية: /1963 م، والثالثة: - /1964م، والرابعة: /1965م] صدر عن المجمع أربعة دساتير، وتسعة مراسيم، وثلاث تصريحات منهم تصريح عن علاقة الكنيسة بالديانات غير المسيحية. .. وقد قرر المجمع الفاتيكان الثاني عقيدة خلاص غيرالمؤمنين في جلسته الرابعة في أكتوبر 1965
ومن ضمن القرارات الصادرة من المجمع والتي توضح إمكانية " الخلاص" (خلاص البشرية) بغض النظر عن الإيمان بالمسيح وممارسة المعمودية والانتماء للكنيسة ، جاء في الفقرة " أ " مايلي:
أ - "وحدة شعب الله الجامعة (يقصد كل البشرية) هذه يسعى إليها بطرق شتى المؤمنون الكاثوليك، أو سائر المؤمنين بالمسيح، أو جميع الناس بوجه عام المدعوين بنعمة الله إلى الخلاص.. إن الخلاص هو في متناول جميع من هم من ذوي الإرادة الحسنة.. إن الأخوة المنفصلين عن الشركة التامة مع كرسي روما، وأولئك الذين ينتمون إلى الديانات غير المسيحية، هم أيضًا يملكون حقائق وعندهم كنوز.. وهناك أناس يتجهون صوب الله من نواحي شتى من بينهم ذلك الشعب (اليهودي) الذي قبِل المواعيد وأُعطى العهود والذي ظهر المسيح منه بحسب الجسد، وأيضًا أولئك (المسلمون) الذين يعترفون بالخالق ويؤمنون إيمان إبراهيم، ويعبدون الإله الواحد الذي سيدين البشر في اليوم الأخير، وأخيرًا يقول المجمع إن الكنيسة ليست بعيدة عن أولئك (الوثنيين) الذين يفتشون عن الله من وراء الصور والظلال ويجهلون بدون قصد إنجيل المسيح وكنيسته. فهؤلاء ليس الخلاص ببعيد عنهم، وهم يحاولون أن يتمموا مشيئة الله التي وضعها في ضمائرهم".
من خلال الفقرة "أ" أعلاه فإن الخلاص للبشرية متاح لكل الناس لهم ضمير حي يحب الخير والمحبة والسلام . وهذا المجمع فتح الأبواب للأنسانية كلها في الحوار والدعوى الى السلام والأتفاق على كل ما يخدم الأنسانية للعيش كأخوة في ألأنسانية واحترام حقوق ألأنسان
كان قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني أُسقفا صغيرا (38) سنة عندما اشترك في أعمال المجع الفاتيكاني الثاني وعيّن في المجمع الحبري للعائلة ، وكان الرب يعُّده ليصبح على رأس الكنيسة الجامعة سنة 1978 لينطلق بالكنيسة لتصبح كالنسر في السماء ولينفتح على العالم كُلّه ليسير على الطريق المعبّد الذي فتحه المجمع الفاتيكاني الثاني . وفي أوّل خطاب له قال :"لاتخافوا أفتحوا الأبواب ليدخلوا الناس".
أراد أن يزور العراق سنة 2000 ، ويقوم برحلة ايمانيّة انطللاقا من اور الكلدانيين, المدينة التي انطلق منها ابونا ابراهيم في رحلته الأيمانيّة, ليقول للديانات الثلاثة(المسيحية اليهودية الأسلامية) انه يريد أن يوحّد هذه الأديان ليعم السلام بينها, ولكن للأسف حارب الشيطان مقاصد البابا السابق, لانّ العراق حينه قد ساد فيه الشرّ ولم يتحقٌق حُلمه الجميل, وحلمنا نحن ايضا ابناء ابراهيم..
اما البابا الحالي ، فرنسيس الأول ، وفي أول لقاء له مع الصحفيين من مختلف أنحاء العالم شرح حبر الفاتيكان سبب اختياره لهذا الاسم (فرنسيس ) المرتبط بالفقراء وبالزهد. وطالب البابا أن تكون الكنسية الكاثوليكية "فقيرة على الله وترعى الفقراء. حتى سميّ"بابا الفقراء".


قال البابا فرنسيس (يوم الأربعاء الثالث من آذار/مارس 2021) اي قبل زيارته للعراق بيومين : إنه ذاهب إلى العراق، الذي لم يتمكن البابا الراحل يوحنا بولس من التوجه إليه عام 2000، لأنه "لا يمكن خذل الناس مرة ثانية".
حقّق قداسة البابا فرنسيس حلم البابا الراحل وجاء الى العراق حاجا للفترة (5-7 مارس 2021) لزيارة مواقع دينية في العراق ، ولقاءه مع المسؤولين في الدولة والمراجع الدينية المسيحية والأسلامية وقام بزيارة لآثار مدينة اور التاريخية مسقط راس ابراهيم عليه السلام ، بالأضافة الى زيارته لعدة كنائس في بغداد والموصل وقرقوش في سهل نينوى وختمها بقداس احتفالي كبير في اربيل
جاء قداسة البابا فرنسيس ليعزّي المؤمنين وليشد أزرهم ليواجهوا المعركة مع قوات الشر في كل الأتجاهات. جاء ليبث فينا الأمل أنّ العهد لازال قائما ، عهد الله مع ابراهيم عليه السلام، كما جاء في الكتاب المقدس (سفر التكوين17 :1،2)
"وعندما كان أبرام في التاسعة والتسعين من عمره (قبل ان يسمّى إبراهيم ، اي اب الشعوب)، ظهر له الربُّ قائلا: "أنا هو الله القدير . سِر أمامي وكُن كاملا ، فأجعل عهدي بيني وبينك وأُكثِرُ نسلك جدّا"
قال البابا فرنسيس في رسالته للعراقيين : "آتيكم حاجاً تائباً لكي ألتمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب".
زيار قداسة البابا فرنسيس للعراق كبلد يحمل في عمقه تاريخ الحضارة البشرية وتاريخ الديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والأسلامية التي تبلورت وانطلقت من وادي الرافدين ، وكان اول شخص استجاب لنداء الله الخالق هو إبراهيم عليه السلام. وكما جاء في سفر التكوين في الكتاب المقدس عندما قال الله لأبراهيم (اب االمؤمنين):
" إرحل من أرضك وعشيرتَك وبيت ِ أبيك الى الأرض التي أُريك، فأجعلك أُمَّة عظيمة وأُبارِكُكَ وأُعظّم أسمك وتكون بركة ، وأُبارك مباركيك والعن لاعنيك ، ويتبارك بك جميع عشائر ألأرض"تكوين 12 :1 "
إذن البركة هي لأبراهيم ومن خلاله لكل البشرية . ابراهيم ابو البشرية في الأيمان ترك كل شيء وتبع الله خالقه
نعم انتقل إبراهيم بالأيمان من اور الكلدانيين الى حاران ومنها الى كنعان ، فقطع الله معه عهدا وأخبره أنّه سيكون مؤسسا لأمّة عظيمة . وقال له ايضا إنّه لن يبارك هذه الأمة فحسب ، بل ستتبارك بها أمم العالم ألأخرى ، وكلّ ذلك من اجل ابراهيم .
اليوم رسالة البابا فرنسيس الينا ، نحن ابناء العراق ، كأخوة بحاجة الى الرجوع الى ابينا ابراهيم ليكون بركة لنا ونكون اخوة حقيقيين ، ونترك كُلِّ احقادنا وانانيتنا وعنصريتنا وشهواتنا الى السلطة والمال ، لنعود الى العيش بسلام مع بعضنا البعض . يقول احد الآباء :"الهنا اله عائلة ليس إله واحد ، ويدعو جميع البشرية كلها الدخول الى هذه العائلة"
صلاة البابا في اور مسقط راس ابينا ابراهيم هي رسالة الى التعددية والحوار والتفاهم بين جميع اطياف الشعب العراقي وهي دعوى عالمية لنشر السلام في الشرق الأوسط عامة والعراق خاصة
زيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق للفترة (5- 7 مارس 2021)
ابتدات زيارة البابا في اول يوم من وصوله الى مطار بغداد (5 مارس ) بالأستقبال الرسمي له من قبل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في قاعة الشرف حيث كانت مراسيم الترحيب .ثم غادر قداسته الى القصر الرئاسي حيث اقام الرئيس العراقي برهم صالح مراسم الترحيب بالبابا فرنسيس . هناك في القصر الرئاسي اقيم مراسيم الترحيب للبابا حضره الشخصيات الحكومية والدبلوماسيين واطياف من المجتمع المدني العارقي
وقد القى السيد برهم صالح كلمة ترحيب مؤثرة ، ومن بعده القى قداسة البابا ايضا كلمة مهمة وتاريخية. ثم غادرموكب البابا لزيارة كنيسة "سيدة النجاة " للسريان الكاثوليك في بغداد . تلك الكنيسة التي شهدت مجزرة قام بها الدواعش بحق المسيحيين الذين كانوا في صلاة وراح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى . وهناك التقى الباب بألأساقفة والكهنة والمكرسين والأكليريكيين واساتذه التعليم المسيحي .
في اليوم الثاني من زيارته المصادف يوم السبت 6 مارس قام توجه الأب الأقدس الى النجف والتقى بفضيلة السيد علي السستاني ، كونه المرجعية الشيعية في العالم الأسلامي ودام لقائه 50 دقييقة . ليتوجه بعدها الى مدينة اورالأثرية مدينة ابراهيم عليه السلام .هذه المدينة تابعة اليوم الى محافظة ذي قار جنوب العراق وفي هذا الموقع المهم القى قداسة البابا كلمة تاريخية سنعود اليها في مقالاتنا التالية . بعدها رجع قداسة البابا الى بغداد واقام قداسا في كاتدرائية كنيسة مار يوسف الكلدانية ، بحضور شخصيات من الحكومة العراقية وعلى راسهم برهم صالح.
وفي يوم الأحد المصادف 7 مارس توجه الحبر ألأعظم الى اربيل عاصمة اقليم كردستان حيث استقبله في مطار اربيل الرئيس مسعود البارزاني رئيس وزراء ألأقليم ، وشخصيات عديدة من حكومة الأقليم . وتوجه بعد ذلك قداسة البابا الى الموصل حيث توقف على اطلال هذه المدينة العريقة التي دمّر الكثير من معالمها التاريخية . و زار قداستنه "حوش الكنيسة " في الموصل وصلى هناك من اجل راحة انفس ضحايا الحرب التي دمّرت المدينة خلال حكم داعش وتم هدم العديد من الكنائس والآثار العراقية . ثم زار قداسته كنيسة "الطاهرة " الكبرى في قره قوش ،التي احرقها الدواعش وهجّر سكانها، حيث تلا صلاة التبشير الملائكي مع المؤمنين . ثم عاد الى اربيل ليختم رحلته الشاقة باحتفال بالقداس ألألهي في ملعب "فرنسيس حريري".

افتتحت جريدة بي بي سي نيوز هذا الوصف لزيارة البابا للعراق بالقول:
"لسنوات طويلة اعتادت وسائل الإعلام على نقل صور الموت والدمار والتفجيرات والدماء والسبي والخطف من العراق
للمرّة الأولى منذ عقود، وبمناسبة زيارة البابا فرنسيس إلى بلاد ما بين النهرين، رأى العالم العراقيين بصورة جديدة: يدبكون، يزغردون، يهللون، ويرقصون في الشوارع.
بين استقبال البابا بدبكة الجوبي العراقية التقليدية في المطار، وبين مشاهد الأطفال يرقصون في الشوارع بأزياء تشبه ملابس العيد، وبين الزغاريد التي رافقت خطوات الحبر الأعظم أينما حلّ، ظهر أنّ الفرح ممكن في هذه البلاد، ولو كان ذلك وسط الدمار".
يصف غبطة الباطريرك لويس ساكو قداسة البابا فرنسيس بانه انسان متواضع ومحب وانسان بسيط وخادم للفقراء وشخصية متجرّدة .
وعن مظاهر ألأستقبال للبابا وصف غبطة الباطريك هذا الأستقبال بطريقة مؤثرة فيقول :انا متاثر كثيرا بحدثين :
اولا : ترحيب العراقيين الحار وبشغف للبابا فرنسيس . ثانيا : كان العراقيون كأنهم فريق واحد في فترة زيارة البابا لأنجاح هذه الزيارة من رئاسة الجهمورية ورئاسة الوزراء والمرجعيات الشيعية والسنية والكنيسة والأجهزة الأمنية والأعلام . هذه الوحدة والعمل معا هي التي انجحت الزيارة . ومن هنا استطعنا ان نفشل كل المتشكّكين بفشل الزيارة ..امنيتي ان نبقى متوحدين بالرغم من اختلافاتنا وتنوعنا . رسالة البابا معبرة جدا هي "ألأخوّة البشرية ".
البابا وهو في العراق وجه رسائل الى سوريا ولبنان واليمن ...البابا تفاجأ بهذا الأستقبال الغير المتوقع من جميع اطياف الشعب العراقي مسؤولين وشعبا والفرق الفنية
وختاما
لا بد للخير أن ينتصر على الشر لا بد للنور أن يهزم الظلام
لا بد للحق أن يهزم الباطل ، ولا بدّ للحب أن ينتصر على الحقد

تابعونا في الجزء الثاني من المقال عن زيارة البابا للعراق دلالاتها ورموزها

28
أحوال المسيحيّين في عهد المغول بعد سقوط بغداد سنة 1258م الجزء الثاني

نافع شابو
 
المقدمة

جاء في مقال لغبطة الباطريرك لويس ساكو:

في عام 1258 سقطت الخلافة العبّاسيّة تحت ضربات الغزو المغوليّ، فلم تكن أحوال المسيحيّين في حكم المحتلّ الجديد على وتيرة واحدة. فقد مال بعض ملوك المغول إلى المسيحيّة وأظهر تعاطفًا مع الكنيسة. وكان الخليفة المعتصم قد طلب من البطريرك مكيخا الثاني التفاوض مع هولاكو المغوليّ لعقد هدنة. وعندما سقطت بغداد بأيديهم سُمح للبطريرك بالمكوث في أحد قصور العبّاسيّين. فقد كانت المسيحيّة قد انتشرت بين القبائل المغوليّة في آسيا الوسطى حتى أنّ عبد يشوع الصوباوي (ت عام 1318) أعدّ قائمة بسبع وعشرين كرسيًّا متروبوليتيًّا ومئتي أسقفيّة خاضعة لجاثليق المشرق، وما يقارب ثمانية ملايين مؤمن! غير أنّ فترة التسامح لم تدم طويلاً، فقد وضع غازان خان، بعد اعتناقه الإسلام رسميًّا، قيودًا كثيرة على المسيحيّين، ودمّر بعض الكنائس وحوّلها إلى مساجد كما نهب مقرّ البطريركيّة، فبدأ نجم أهمّ كنيسة إرساليّة في العصور الوسيطة بالأفول. وفي عهد تيمورلنك (1336-1405) اعتنق معظم المغول الإسلام فبدأ اضطهاد المسيحيّين وتدمير الكنائس بشكلٍ منظّم، ممّا دفعهم إلى اللجوء نحو مناطق كردستان الجبليّة. وغدت الأبرشيّات النائية معزولة عن مركز رئاستها الأمّ، وامّحت شيئًا فشيئًا(1)
تناولنا في الجزء الأول من المقال عن سقوط الحكم العباسي على يد المغول بقيادة هولاكو سنة 1258م في عهد اخر الخلفاء العباسيين وهو المستعصم بالله ، واشرنا ، الى بعض الجرائم التي ارتكبها المسلمون بحق المسيحيين في عهد ملوك المغول [غير الجرائم التي ارتكبها المغول ] قبل ان يدخلوا ألأخيرين في الأسلام ليكون دين الدولة الرسمي(راجع الجزء الأول كما في الموقع ادناه).
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=706415
يقول البير ابونا في كتابه "تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية الجزء الثالث ": بعد سقوط بغداد حدث من الفوضى والدمارفي هذه البلاد.وبعد ذلك جاء العهد الجلائري وماخلفه من ألأرتباك والحروب في سبيل الهيمنة على مقاليد السلطة . ثم جاء اجتياح تيمور لنك وسدّد ضربة قاسية الى حكام البلاد . وعجزت سلطة القرة قوينلو ثم ألآق قوينلو عن توطيد السلام وألأستقرار في ربوع هذه البلاد التي غرقت في بحر من الحروب والثورات المتلاحقة .
حاول المسيحيّون ان يتكيّفوا مع مختلف النظم المتتابعة ، وان يبرهنوا عن كونهم عنصرا مسالما وتوّاقا الى الخير والبنيان . وإذا لم يفلحوا دوما في اكتساب تقدير السلطات ،فإنّهم استطاعوا مع ذلك ان يحافظوا على كيانهم وان يبذلوا الجهود الكبيرة في سبيل حمل مشعل الثقافة والعلم في حقبة لم يحظ فيها العلمُ برصيد كبير بين اقوام فضّلوا سلوك طريق القوة والبطش والأستغلال.
لقد ظهر علماء وأدباء سريان في هذه الحقبة الطويلة ، واستطاعوا ، بالرغم من الظروف ، القاسية التي مرّوا بها ، أن يسخِّروا امكاناتهم الفكرية في خدمة العلوم وألآداب ، لاسيما الكنسية منها ، ولو ان انتاجاتهم لم تبلغ الجودة والأصالة اللتين نلقاهما لدى كتبة العصور الذهبية .
تحوّل العراق بعد سقوط بغداد (سنة 1258 م ) بعد هذه الكارثة الى ولاية من ولايات الأمبراطورية الأيلخانية المترامية الأطراف التي شملت في اوج قوتها البلاد الواقعة ما بين نهر جيحون والمحيط الهندي ، ومن السند الى الفرات ، مع جزء من آسيا الصغرى وبعض القوقاز ، قاعدتها أذربيجان ، وتابعة من الناحية الشكلية لأمبراطورية المغولية الكبرى . واصبحت تبريز ثم السلطانية قاعدتي الأيلخانيين الرئيسيين .
المغول كانوا من خلفيات دينية عديدة وخاصة في بدايات حكمهم فمنهم بوذيين ، ومنهم ملوك وامراء مسيحيين وكان بين الجيش جنود مسيحيين وكانت داقوق زوجة هولاكو مسيحية .
لا يمكن الاّ ان نقول بأن في عصر المغول تمّ القضاء على الغالبية من المسيحيين في الشرق الأوسط والشرق الأدنى من سوريا الى الصين وهدّمت آلاف الكنائس والأديرة . وعندما قضيَّ على المسيحيين يعني ذلك القضاء على الحضارة . فقد كان العلماء غالبيتهم المطلقة من المسيحيين سواء في الطب اوالتعليم اوالهندسة وعلم الفلك ..الخ. مضايقات من الطرفين (المغول والمسلمين ) ضد المسيحيين استمرت ، هجومات لعصابات الأكراد على الكنائس والأديرة وقرى مسيحية وكمثال على ذلك ، تكريت ظلّت الى سنة 1279م كانت عامرة بالكنائس الشهيرة . اضطهادات في تكريت – بغداد- موصل - شام – مصر طرابلس. عاثوا المسلمين فسادا في مناطق زاخو نهب – أسر النساء والصبيان والفتيات
لم يكد البطريرك مكيخا (125 1265) م يُمضي سنته ألأولى على كرسي كنيسة المشرق (في كوخي قرب بغداد حاليا والى الجنوب من قطيسفون عاصمة الساسانيين)، حتى جاء الزحف المغولي واجتاح مناطق الشرق الأوسط برمتها وخلق جوّا من الرعب والهلع والفوضى، بالأضافة الى ألأبادة والدمار في المنطقة كلها
احوال المسيحيين في فترة الملوك الذين اتو بعد هولاكو:
1 – عهد "أباقا خان" (1266- 1282) م
هو ابن هولاكو ، وتولى الحكم بعد ابيه. وكان لدى وفاة والده في منطقة مازندران في آسيا الصغرى .هو اول من انفصل عن حكومة جنكيزخان ألأصلية واعلن استقلاله .
حكم اباقا خان ثماني عشرة سنة وقام باعمال كبيرة واصلاحات ..تزوج مريم ابنة ملك القسطنطينية ولكنه توفي قبل وصولها اليه ، واطلق عليها اسم "دسبينا خاتون" . وكان في ايامه وايام والده علماء كثيرون ، مثل نصير الدين الطوسي وغيره .ولدى عودة اباقا من بغداد في مطلع سنة 1282 ، توجّه الى همدان . ويقول ابن العبري أنّ اباقا خان "في يوم عيد النصارى الكبير لتلك السنة ، دخل الى البيعة في تلك المدينة وعيّد مع النصارى .ويوم ألأثنين ثاني العيد ، أقام له شخص فارسي مسيحي اسمه بهنام وليمة كبرى في داره . وليلة الثلاثاء تغيّر مزاجه وصار يروي خيالات في الهواء . ويوم ألأربعاء وهو اول يوم من نيسان لتلك السنة ، وهو العشرون من ذي العقدة سنة 681 هجرية انتقل من هذا العالم (ممكن مات مسموما).
2 – عهد " تاكودار –أحمد" (1282) م
هو ابن هولاكو من زوجته قوتاي خاتون واخو اباقا خان . وهو اول من اسلم من اولاد هولاكو ودعي اسمه "احمد". وكان السلطان احمد كريما. وحال تسلمه الحكم اخرج من الخزائن والأموال شيئا كثيرا وقسم على الأولاد والأمراء والعساكر ، واظهر الأحسان والشفقة الى جميع المغول والى الأمم الباقية وخصوصا الى اكابر النصارى ... . قتل السلطان احمد في سنة 1284
كان السلطان احمد يميل الى الأسلام ويضطهد المسيحيين . وفي زمنه كان بطريرك الكنيسة هو الجاثليق "يهبالاها الثالث المغولي(1281-1317) . وكان على صلة وثيقة بالملك والأمراء . وظهر اسقفان هم ايشوعسبران مطرافوليط تنكوت وشمعون اسقف أرنى، ودفعهما الحسد الى الوشاية بالبطريرك ، زاعمين انه موال لأرغون ابن أباقا خان الراحل . ووجدت وشايتهما اذنا صاغية عند السلطان احمد . فاستدعى مار يهبالاها والربان صوما والأمير اشموط المسيحي الى المحكمة . وانكشف كذب الوشاة ، ومع ذلك فقد أبقى البطريرك قيد التوقيف اربعين يوما ، وهو يعاني مضض ألآلام والحزن . ولكن تدخّل قوتاي خاتون والدة الملك والأمراء أنقذه ، فأعاد اليه احمد كرامته وأُطلق سراحهُ.
انقلبت الأمور على السلطان احمد ، وتمكن أرغون من ألأستيلاء على زمام ألأمور في المملكة . إذ ذاك ذهب الجاثليق بصحبة ألأساقفة والرهبان لتقديم التهاني للملك الجديد "ارغون" . فسرَّ به ارغون وغمره بهباته ، وعلم بما قاساه من الظم في عهد أحمد .
3 – عهد " أرغون" ( 1284 – 1291 )م.
هو ابن اباقا خان وحفيد هولاكو وقوز خاتون . كان ارغون بوذيا ، وعرف ان يتخلص من عمه السلطان احمد . حكم ارغون ثماني سنوات . ويقول عنه ابن الفوطي انه كان عادلا محمود السيرة رؤوفا بالرعية . ويقول عنه ابن خلدون انه كان قد عدل عن دين ألأسلام واحب دين البراهمة من عبادة الأصنام وانتحال السحر والرياضة ، ووفد عليه بعض سحرة الهند ، فركّب له دواء لحفظ صحته ودوامها ، فاصابه منه صرع ومات . وقيل ايضا انه كان شهما مقداما كافر النفس شديد البأس ، سفاكا للدماء عظيم الجبروت . ويقال انه سُمَّ ، فإتهموا بذلك وزيره سعد الدولة اليهودي بقتله ، فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسلبا ...كان هذا الملك متسامحا طيب الشعور نحو المسيحيين ، وقد واصل المفاوضات التي بدأها اباقا مع الدول الغربية بغية مساعدته على محاربة مصر . وتوفي في 6 ربيع الأول سنة 1291م
يروي ابن العبري عن ذلك الزمان (التاريخ السرياني ص 557) انّ أرغون عين في مطلع عهده مسعود بن قرطي حاكما على الموصل ونواحيها (كان مسيحي) . ففرح المسيحيون بذلك ،إلاّ أنّهم حزنوا ايضا على مقتل اشموط ألأمير الراهب ألأيغوري على ايدي ابناء جلال الدين طوران .ويروي ايضا إنّ عصابة خرجت في سنة 1285 على منطقة اربيل ونهبت قرية عمكاباد (مدينة عينكاوة الحالية) والقرى المجاورة وقتلت العديد من سكانها ، وإنَّ عصابات كردية وتركمانية وعربية ، بالتعاون مع الجيوش المصرية هاجمت الموصل وأعملت فيها الخراب والدمار ، وقتلت العديد من سكانها دون تمييز بين ألأديان ، وحتى المسيحييون الذين التجأوا الى دار نقيب العلويين لم ينجوا من هذه الكارثة . أمّا الذين إختبأوا في منازلهم فلم يلحقهم اي اذى .. وتجدر الأشارة الى ان ابن العبري توفي في مراغة ، شمال ايران حاليا ، ليلة الثلاثاء 30 تموز 1286 م وكان الجاثليق يهبالاها الثالث هناك . فامر بألا يخرج احد الى السوق ولا يفتح دكانا . وقرعت النواقيس واجتمع الشعب كله الى دار المفريانية . وارسل الجاثليق اساقفته مع شموع كبيرة . واشترك في المأتم جميع المسيحيين من الطوائف كلها وصلوا على جثمانه ودفنوه في الهيكل الصغير الذي كان فيه يصلي ويقيم القداس . وقد نقل جثمانه في وقت لاحق الى دير مار متي.
عاد الربان صوما الى المشرق (وكان قد ارسله البطريك يهبالاها بتوصية من السلطان ارغون الى روما والغرب) وقابل الملك ارغون ، وقدّم كتاب البركات مع الهدايا التي حملها من البابا والملوك الأفرنج ، وروى له ما لقيه من الحفاوة ، وكيف تلقوا التوصيات التي حملها اليهم ، والعظائم التي رآها هناك .فسُرَّ الملك أرغون وشكره ، واراد الملك ان يبقيه عنده في خدمة كنيسته المتنقلة . ولكنه إعتذر وفضَّل ان يقوم الجاثليق نفسه بهذه المهمة . وفي السنة التالية 1289 جاء الملك ارغون في شهر ايلول الى المقر البطريري في مراغة لزيارة الجاثليق ، وكان قد عمّد ابنه "خدابندة" في شهر اب ، سماه نيقولاوس تيمُّنا باسم البابا ، وناوله القربان المقدس . وهكذا سار كل شيء للمسيحيين على ما يرام . وحينما توفي الملك ارغون سنة 1291 ، خيّم الحزن على المسيحيين قاطبة بموته.
4 – عهد "كيخاتو" (1291 -1295) م
استلم زمام الأمور في المملكة كيخاتو اخو الملك الراحل ارغون، في شهر آب سنة 1291 وكان كيخاتوعادلا ولم يحد عن خطة آبائه في اقرار السلام . رفع كيخاتو الظلم وبسط العدل والرأفة بالناس ، وفتح ابواب الدفائن والخزائن ، وصار يبذل بكرم وسخاء . وفي آب ، عيد انتقال العذراء ، دخل الملك الجديد الى الكنيسة التي اقامتها طاووس خاتون (دقوزخاتون) في المعسكر الذي كان حينذاك في الجبل المدعو ألأداغ. واقام البطريرك يهبالاها القداس وحضره الملك وسرّ كثيرا واجزل العطاء للجاثليق ، وارتفع شأن الكنيسة في عيون الجميع اما الربان صوما فقد حصل من الملك على امر يسمح ببناء كنيسة في مراغة ، فبنى كنيسة فاخرة في مراغة على اسم ماري ومار كيوركيس ...لكن المرض داهم الربان صوما وتوفي في بغداد في 10 كانون الثاني سنة 1294 ، ودفن في دار الروم.
وحزن الجاثليق يهبالاها عليه حزنا عميقا ، لأنه كان ساعده الأيمن في كل شي.
وما أن استتب الحكم لكيخاتو، حتى هبّ ألأعداء ألمصريون وذهبوا وحاصروا مدينة عكا التي كانت بايدي ألأفرنج. ودافع هؤلاء عنها ببساله وقتلوا اكثر من 20 الفا من المحاصرين ولكن حينما قُتل رئيسهم الكونت الكبير،ارتخت ايديهم ، فتمكن المسلمون من اقتحام المدينة التي دارت فيها معارك رهيبة . وكان ذلك في نيسان سنة 1292 م ، ثم إقتحم المسلمون قلعة الروم وسبوا سكانها مع الجاثليق ألأرمني والرهبان الذين معه ، وقادوهم الى اورشليم ومنها الى مصير مجهول. لكن الملك كيخاتو مال الى الشرب واللهو والفسق وداوم على معاطاته واشتدت شهوته مع النساء والغلمان وخلط الحلال بالحرام وساءت سمعته بهذه الأعمال (راجع ابن العبري التاريخ السرياني ص 579).
تغيرت نياتُ ألأمراء في طاعة السلطان كيخاتو ، وارسلوا "بايدو" وكان في داقوق(قرب كركوك حاليا) ، يعرفونه انهم اتفقوا على طاعته وتمليكه. فاعاد الجواب بقبول ذلك فقبضوا على السلطان كيخاتو وقتلوه سنة 1295 ، وكان عمره آنذاك نحو ثلاثون سنة .
5 – عهد "بايدو" (1295) م
هو ابن طرغاي خان بن هولاكو . تولى الحكم بعد مقتل كيخاتو سنة 1295 ولم يستقر في المُلك ، حتى ظهر غازان بن ارغون لحربه ومقارعته . فلما علم غازان بما جرى للسلطان كيخاتو ، وكان في خراسان ، عظم ذلك عليه ، واقبل بعساكره ، ومعه ألأمير نوروز ، وقصد بايدو وهو في اذربيجان . ودارت معارك بينهما ، فقُتل بايدو وكان عمره اربعين سنة ، وقد حكم 7 اشهر فقط .
6 – عهد "غازان" (1295- 1303)
هو ابن ارغون . تولى السلطة بعد مقتل بايدو. ودخل تبريز وصلى في جامعها.واسلم بواسطة نائبه نوروز وسمُّي محمود غازان ، وبه انتشر الأسلام بين المغول . واصدر امرا في دعوة المغول الى قبول الأسلام ، وأن يحكموا بالعدل بين الناس ، وأن تُقوّض دور ألأصنام والكنايس(اليهودية) ومعابد المجوس وتحّول البيع(الكنائس) الى مساجد. وامر بالزام أهل الذمة بلبس الغيار . فكانت علامة النصارى شد الزنار في اوساطهم ، واليهود خرقة صفراء في عمائمهم .وداموا على ذلك شهورا...وفي سنة 1301 ، وضع التاريخ الأيلخاني ، وبه طبق التاريخ الهجري القمري مع الشمسي . لكن هذا الأجراء لم يدم طويلا ....وقد اشتهر في ايام السلطان ألأعظم غازان محمود شخص يُدعى فخر الدولة وهو ابو محمد ابراهيم بن عيسى بن هبة الله النصراني الموصلي . كان هذا حاكما على الموصل ، كريما سخيا ، قصده الشعراء والأدباء والعلماء ، فاحسن صلتهم وأنعم عليهم .
كانت المحن على موعد مع البطريرك والمسيحيين . فما أن قُتل بايدو ، حتى اصدر احد ألأمراء اسمه نوروز امرا بهدم الكنائس وبقتل رؤساء الدين المسيحي واليهودي . وفي تلك الليلة ، أُلقي القبض على الجاثليق في مراغة ، ونُهب المقر البطريركي . أمّا الجاثليق فعلّقوه منكس الرأس وضربوه بالعصي واهانوه وطالبوه بإعتناق ألأسلام ، ثم طالبوه بأموال.
فذهب احد تلاميذه واقترض 15 الف درهم وافتداه . ودخل الرعاع وهدموا كنيسة مار شليطا الكبيرة . اما الكنيسة التي بناها الربان صوما فقد حفظت ، إذ كان ملك الأرمن هيثم حالاّ فيها ، ودفع هذا مبالغ كبيرة في سبيل صيانتها . وقد هرب الجاثليق واحتمى عنده. وفي اليوم التالي ، جاء رسول من نوروز يطالب بتسليم الجاثليق لقتله . واستطاع ماريهبالاها الهروب من هناك ، كما تمكن الملك الأرمني ارضاء الرسول بالرشاوي ، فغادر مراغة .
وبعد ايام قلائل ، ذهب الملك الأرمني الى تبريز ، ورافعه اليها مار يهبالاها متنكرا . وكان الملك غازان قد وصل الى هناك . وأختبأ الجاثليق هناك سبعة ايام ، الى ان قابل الملك الأرمني غازان واطلعه على قصته . فاستدعاه الملك ووجه اليه سؤالين : من اين انت ؟ وما اسمك ؟ فاجاب الجاثليق على سؤاليه وباركه . ولكنه لم يحظَ بشيء من عنده سوى التجهّم . فاضطر البطريرك الى العودة الى مراغة خائبا . وبعد عيد الميلاد سنة 1296 جاءه رجال نوروز يطالبونه بعشرة آلاف دينار كان قد اخذها في عهد كيخاتو . وبعد ان دفع لهم الفي دينار،استطاع الهرب منهم ليلا.
كان القائد نوروز من وراء جميع هذه الأجراءات التعسفية ضد المسيحيين . فقد اصدر امرا بتدمير الكنائس ومعابد الأصنام وكنايس اليهود ، وبقتل الكهنة ، وبفرض ضرائب باهظة على غير المسلمين وبلبس الغيار وهو الزنار للمسيحيين وعلامة في العمامة لليهود .وبدأ الغوغاء بتدمير الكنائس في تبريز ، وامتدت الفوضى الى مناطق اخرى . واشتدت محنة المسيحيين ، خاصة في بغداد حيث لم يكن المسيحي يتجاسر على الظهور في الأسواق ...ثم اصدر الملك غازان اوامر اخرى الى جميع البلدان ، وارسل السعاة المغول الى كل المناطق لتدمير الكنائس ونهب الأديرة . لكن المسيحيين كانوا يدفعون اموالا للسعاة فيجتازون عنهم دون الحاق الأذى بكنائسهم . وحينما وصل السعاة الى اربيل ، انتظروا ان يدفع المسيحيون لهم شيئا فيرحلون ولم يتقدم احد من المسيحيين ، حتى ولا المطرافوليط . لذا فقد دمروا هناك ثلاث كنائس جليلة ، في 28 تشرين الثاني 1296 . ولما سمع اهل نينوى بذلك ، جمعوا 15 الف دينار من اموال الكنائس وآنيتها المقدسة ودفعوها للسعاة ، فسلمت كنائسهم من الدمار ...وفي 20 حزيران 1297 ، هاجم مسلمو سوريا بقيادة علاء الدين ، مدينة آمد وعاثوا فيها فسادا وسبّوا نحو 12 الف من سكانها ، وقتلوا فيها العديد من المسيحيين ، منهم غريفوريوس مطران المدينة ، ونهبوا كنيسة والدة الله الكبيرة واضرموا فيها النار التي ظلت مشتعلة فيها نحو شهر كامل. فعلوا ذلك كله بذريعة ان اهل آمد (المسيحيين) قد تمردوا على الملك الصالح صحب ماردين (راجع ابن العبري ، التاريخ السرياني ، ص 595 – 598)
في نهاية الشتاء ارسل الجاثليق شخصا الى الملك غازان في مقره الشتويى في موغان ، واطلعه على جميع الأحداث . فتأثر الملك لدى سماعه بالمعاملات السيئة التي تعرّض لها الجاثليق ، وامر بان يُعفى المسيحيون من الجزية ، وبالأّ يتخلى احد منهم عن ديانته ، وبأن يكون الجاثليق رئيسا على الكنيسة ، وبأن يعاد الى الجاثليق والأساقفة ما أخذ منهم من ألأموال . وارسل الملك خمسة آلاف دينار للجاثليق لمصرفه ، ريثما يأتي ويواجهه.
وكان دمار كبير قد لحق بالكنائس في مناطق اربيل وتبريز وهمدان والموصل وبغداد. وخلال تلك ألأضطرابات ، وبتأثير من نوروز ، استولى المسلمون على الكنيسة والبطريركية التي كان الجاثليق مكيخا قد اقامهما ، بامر هولاكو ودقوق خاتون ، في دار الدويدار في بغداد ، واضطر المسيحيون الى نبش القبور في الكنيسة وأخذ بقايا رفاة البطريركيين مكيخا ودنحا ونقلها الى كنيسة سوق الثلاثاء(راجع صليبا في كتاب المجدل ص 122و125).
وحينما عاد الشخص المرسل الى الملك غازان حاملا الى البطريرك اوامر الملك الصريحة ، تنفس الجاثليق الصعداء وفتح المقر البطريركي في مراغة ، واجتمع اليه المؤمنون ، وشرع الظالمون يعيدون ألأموال التي ابتزوها من المسيحيين . وفي تموز سنة 1296 ، الموافق لشهر رمضان ، توجه الجاثليق الى موغان وقابل الملك غازان الذي استقبله باكرام مع الأساقفة مرافقيه ، مما اثار المزيد من الحسد في قلوب الأعداء ...في سنة 1297 ، نزل الملك لقضاء الشتاء في بغداد ، ومكث الجاثليق في مراغة . فدخل الى مراغة شخص يُدعى شاخ التيمور وادَّعى ان لديه أمرا يقضي بقتل كل مسيحي لايجحد دينه . فلما سمع المسلمون هاجوا وماجو وهجموا على المقر البطريكي ونهبوا كل ما فيه ، وذلك في الصوم الكبير . ولما انكشفت خدعة هذا الشخص المنافق ، اقتضى ألأمر إعادة ألأموال المسلوبة كلها . ولكن حينما اجتمع المسلمون امام ألأمراء واعدت العصي لتأديبهم ، إذا بهؤلاء المسلمين يهاجمون معا ألأمراء بالحجارة ، حتى اضطروهم الى الهرب الى بيوتهم ، وانهالوا على المسيحيين ضربا وتعذيبا ، ووصلوا البطريركية ونهبوها ودمّروها تماما.
محنة قلعة اربيل :
لاحت بوادر الخلاف بين المسلمين والمسيحيين على اثر مقتل شخص كبير من المسلمين على ايدي القياجيين المسيحيين (قوم من سكان الجبال) . وكان نوروز السبب في ذلك . فإنه أثار اضطرابا كبيرا في المملكة كلها على اثر تمرده على الملك . واشتد حصار المسلمين على قلعة اربيل التي كانت بأيدي المسيحيين . وتمكن المحاصرون من القاء القبض على المطرافوليط ابراهيم وعلى عدد من الكهنة والمؤمنين ، فقتلوا منهم وباعوا ألآخرين بأثمان باهظة .واجتمع مختلف الشعوب لحصار القلعة ، آملين نهب المسيحيين والقضاء عليهم .واستمر الحصار من اثنين شصوم الباعوث حتى عيد الصليب من سنة 1297. وفي شهر آب ، قضي على المتمرد نوروز . لكن ازمة قلعة اربيل لم تنفرج وأذاع المسلمون أخبارا ملفقة مفادها ان المسيحيين يقتلون كل مسلم يلقونه دون رحمة ، وابلغوا تلك الأخبار الى الملك نفسه الذي كان يميل الى ألأسلام .وكان الجاثليق اذ ذاك يسير مع المعسكر اذ لم يبقى له مقام مستقر . فارسل الملك يقول للجاثليق انه يرغب في اخراج المسيحيين من القلعة واعطائهم اراضي وممتلكات في مواضع اخرى . فتنهّد البطريرك وقال للموفدين:
جميع المراكز البطريركية في بغداد ومراغة وتبريز وهمدان قد دُمِّرت وسُلبت ، ولم يبقى سوى مركز قلعة اربيل مع نفر من المسيحيين فيها.وهؤلاء ايضا تريدون تشتيتهم ونهبهم ؟. فليامر الملك بعودتي الى بلادي أو الذهاب الى بلاد الجورجيين لانهي هناك حياتي .وعندما ابلغوا هذا الجواب للملك امر بالاّ يخرج المسيحييون من القلعة .وعلى اثر تدخل السلطات المغولية تم الصلح في اربيل بين المسلمين والمسيحيين ...وفي ذلك الزمان ، استصدر ناصر الدين صاحب الديوان امرا من الملك يقضي بان يدفع المسيحيون الجزية ، وان يلبسوا الزنار ويسيروا في اسواق مدينة السلام . فاصبحوا بذلك موضع سخرية واحتملوا ألأهانة الى ان ابعد الله عنهم هذه المحنة .
توفي الملك غازان في يوم العنصرة سنة 1303م عن عمر بلغ 33 سنة ، وكانت مدة حكمه نحو ثماني سنوات
7 – عهد الملك "أُلجايتو"
تم نقل السلطة بهدوء ، إذ استدعى الأمراء الجايتو المسمّى خدابنده اخ الملك الراحل "غازان" ، وكان في مقاطعة خراسان ، واقاموه ملكا في 12 تموز سنة 103، وكان الجايتو قد نال العماد في صغره في عهد ابيه أرغون (اي كان مسيحييا) ، وكان لديه دالّة عند البطريك يهبالاها، مع امه اركو خاتون المسيحية. وسُرّ الجاثليق بجلوسه على العرش ، وكان يعقد عليه آمالا كبيرة للشعب المسيحي . ولكن خابت آماله ، إذ كان الجايتو قد أسلم وتلقى تربية اخرى . ولما التقاه الجاثليق مرتين ، ابدى له الملك اكراما ظاهريا . وشرّع الملك يساعد المسلمين في كُلِّ شيء ، حتى ارادوا ألأستيلاء على الدير وعلى الكنيسة واوقافها في مدينة تبريز .إلاّ أنّ خال الملك ، ألأمير ايرنجين ، منع الملك من ذلك .
مجزرة المسيحيين في اربيل :
عادت الأحقاد فظهرت بين المسلمين والمسيحيين في اربيل ، وعزم المسلمون على إبادة المسيحيين والأستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم . وكان ناصر الدين يذكي نيران الحقد في قلوب المسلمين ويستعد للقتال ويجلب المزيد من ألأسلحة الى البرج الذي كان يسكنه عند مدخل القلعة ، وكان يوغر صدر الملك على سكان القلعة متّهما إيّاهم بالعصيان عليه . ولما تفاقم الشر ، اصدر الملك امرا باحتلال القلعة ما لم ينزل منها العصاة . وكان الجاثليق يهبالاها في القلعة لايصدّق احتمال وقوع مثل هذه الأمور . وتغافل المسيحيون عن الذهاب الى المعسكر واطلاعه على شؤونهم .
وفي يوم الأربعاء 9 آذار سنة 1310 ، صعد الى القلعة بعض الأمراء وانزلوا منها الجاثليق وجاؤوا به الى دير مار ميخائيل ترعيل ، وقال له ألأمير الذي كان يحبه كثيرا أنّ ألأمر يقضي بنزول الجبليين (القياجيين) من القلعة وبقاء ألآخررين فيها.فتم الأتفاق بان يدعوهم الى النزول . وارسل الجاثليق من عنده شخصا من ألأساقفة يُدعى عبديشوع وهو اسقف حنيثا ، وارسل الأمير شخصا من ألأمراء يُدعى ساطي بك ، لكي يتفاوضا معهم وينزلاهم . ولكنهم رفضوا النزول . واعاد الجاثليق الكرة ، فارسل اليهم وفدا مكونا من مطرانين ورهبان ورئيس دير مار ميخائيل ترعيل ، ودخلوا القلعة وتكلموا معهم ، فرفضوا بالنزول . لكن المسلمين بزعامة ناصر الدين كانوا لهم بالمرصاد عند البرج ، ودارت معركة بين الطرفين قُتل فيها عدد من المسلمين والمسيحيين . ولما علم ألأمير سوتي ، أسرع واحاط بالقلعة بجيشه ، واحتجزوا الجاثليق والذين معه.
اما المدينة ذاتها فصارت مسرحا للقتل ، وحصد السيف كُلّ مسيحي وُجد فيها، ودُمِّرت الكنائس ألأربعة التي فيها . وأستعد المسلمون لاقتحام القلعة . فأرسل الجاثليق رسالة الى مطرافوليط اربيل الذي كان قد التجأ الى قرية بيت صيادي ، وطلب منه ألأسراع في اخبار المعسكر . ووصل بغداد في اربعة ايام واطلع المعسكر على جميع ما جرى . فكتبوا رسالة شديدة اللهجة الى الأمير سوتي . وانتقم هذا من الجاثليق وأساء معاملته ، ثم سمح للمسلمين بسلب كل ما كان عنده وبقتل الذين عنده . لكن أمرا صدر عن الملك يقضي بعقد السلام بين الطرفين المتخاصمين . واتوا بالجاثليق الى أربيل وطلبوا منه ان يأمر سكان القلعة بالنزول ، واسمعوه كلاما قاسيا . وإذ لم تكن النوايا سليمة ، حيث المسلمون قتلوا جميع الذين نزلوا من القلعة ، ونهبوا جميع اموال القلاية ، واحتالوا على الجاثليق واصعدوه الى القلقة . واضطر الأمير سوتي الى مغادرة الموضع ، وبقي فيه ألأكراد واهل المدينة .[هذه هي نهاية المسيحة في أربيل التي منذ ذلك الحين استولى عليها الأكراد وغيرهم من المسلمين بعد ان كانت قلعة المسيحيين واسمها يدل على ذلك اربيل ، اربا ايلو ، اي الآلهة الأربعة هذا هو اسمه منذ زمن الآشوريين]
استؤنف القتال في اليوم التالي، وحوصرت القلعة واشتد فيها الجوع والفاقة . وظلّ الجاثليق وثلاثة اساقفة معه وبعض الرجال في القلعة وهم يعانون من الجوع والعطش والحاجة. وأوغر المسلمون صدر الملك على الجاثليق متّهمين إياه بالتواطؤ مع المتمردين . فاصدر الملك أمرا بالحصار الشديد وشن الحرب على القلعة ... . واستطاع الجاثليق اقناع المتبقين من النزول وكانوا 150 رجلا بالأضافة الى النساء والأطفال . وخرجوا من القلعة دون سلاح . ولكنهم ما ان خرجوا حتى انقضَّ المسلمون عليهم وقتلوا الرجال وسبوا النساء والأطفال ...وكان المسلمون قد عقدوا العزم على القضاء على الجاثليق . وكان المطرافوليط يتوجس خيفة من ذلك .فالتمس من ألأمير كيجك ان يرسل من عنده شخصا الى اربيل لتجنب شر طوغائين . لكن رسول الملك وصل بعد ان تمّت المجزرة . فجاء الموفد وسلم على الجاثليق وطوغائين وابرز لهما امرالملك الذي كتبه امير ألأمراء جوبان بشأن الجاثليق . فامتقع لون طوغائين وناصر الدين وتوجسا خيفة ، ولاسيما ان الموفد قد ابصر الجاثليق . وعند غروب الشمس رافعا الموفد ميلا خارج المدينة ، في طريقه الى قرية عمكاوا(عينكاوة)
موت الجاثليق يهبالاها :
الجاثليق يهبالاها مع المغول والأساقفة الذين معه الذين جاؤوا من عند الأمير كيجك ليأخذوه ، فقد ذهبوا الى الملك . زار الجاثليق الملك " الجياتو" ، فاكرمه ، ولكنه لم يتبادل معه اي حديث. فتركه الجاثليق حزينا ، إذ لم يكترث احد بالأحداث الماساوية التي دارت في اربيل وبعد ان مكث شهرا ، عاد الجاثليق الى الدير الذي بناه بجوار مراغة ، وقد نوى الا يذهب من بعد الى المعسكر قائلا:
"لقد سئمتُ من خدمة المغول !".وامضى شتاء سنة 1311 في الدير ..وامضى الجاثليق شتاء 1312 في الدير وكذلك الصيف ، ولما بلغ خبره الى الملك ، عيّن له خمسة آلاف دينار كل سنة لقوته وخصص له بعض القرى في منطقة بغداد.
وكان عدد المطرافوليطين وألأساقفة الذين رسمهم الى ذلك الحين 75 شخصا .
وعاش مار يهبالاها (المغولي ) في الدير الذي بناه في مراغة الى ان توفي ليلة الأحد 15 تشرين الثاني سنة 1317 ، ودفن في الدير ذاته ....هكذا تنتهي قصة يهبالاها الثالث . كان الجاثليق يهبالاها الثالث وديعا ومحبا للخير ، وكانت له علاقات ممتازة مع ممثلي الكنائس
ويشيد ابن العبري بمناقب الجاثليق ، ويقول انه كان مطبوعا على الخير ومحبة الله ، وانه عامله هو وطائفته بمحبة كبيرة . وقد برهن عن ذلك في مأتم ابن العبري . إنّ هذه الأنعطاف الطبيعي لدى رجل مغولي تلقى ثقافته في الصين ، قد أبداه ايضا تجاه المرسلين اللاتين الذين قدموا الى الشرق . ويبدو أنّ هذا الأنفتاح لم يكن يرضي اساقفته النساطرة .
ويخبرنا الدومنيكي ركولدو دي مونتي كروجي على الحالة التي لاحظها لدى مروره في الشرق ومقابلته الجاثليق سنة 1290 . إنّ قصة مار يهبالاها لاتظهر لنا اي خلاف بين الجاثليق واساقفته ، ما خلا الأفتراء الذي تعرض له من اسقفين في بدء عهده .
إلاّ ان السبب الحقيقي لأنحطاط كنيسة المشرق في القرن الرابع عشر لم يكن عدم التآلف بين ألأساقفة والجاثليق يهبالاها ، بل تقلبات السياسة . فمنذ سنة1286 وقعت القطيعة بين الملك "غازان " والملك ألأكبر "طوغون" تيمور وهو حفيد قوبلاي ، مما ادى الى صعوبة العلاقات بين الكنيسة ألأم وبين المقاطعات الواقعة في آسيا الداخلية والصين . فلم يستطع المرسلون الوصول الى تلك المناطق ، في حين أنّها كانت بأمس الحاجة الى نورهم ومؤازرتهم لدعم الوجود المسيحي هناك . ظلّ ألأقليروس ينعم بشي من الرعاية من قبل السطلات الحاكمة ، حتى ان ألأمبراطور كان مايزال يهتم سنة 1335 بالطقوس الواجب اتباعها في الكنيسة النسطورية حيث يرقد جثمان والدة الخانين ألكبيرين "مانكو" و"قوبلاي" . إلاّ ان الثورات ضد السلالة المغولية الحاكمة بدأت تنتظم في مختلف المقاطعات ، وادّت سنة 1369 الى قيام سلالة اخرى هي سلالة مينغ التي اكتسحت كل النظم التي وضعها المغول. وهكذا نرى ، قبل غروب القرن الرابع عشر، أنَّ الديانة المسيحية كادت أن تتلاشى من جديد في تلك الأصقاع الصينية النائية .
وفي ذلك الوقت ايضا تلاشت الجماعات المسيحية في آسيا الداخلية .فإنّ الكتابات الجنائزية التي لدينا من منطقة سميريتجيا لا ترقى الى ما قبل سنة 1345. والجماعات المسيحية في بيشبيك وطقماق ابتُليت بالطاعون سنة 1338 و1339 ، ثمّ دُمّرت من جرّاء المضايقات المتنوعة . واحدث كتابة عُثر عليها في مقبرة الملك ترقى الى سنة 1371 . كما إنّه وُجد انجيل بالفارسية حسب الطقس النسطوري تمَّ استنساخه في سمرقند سنة 1374 . وقد قضى تزمُّت تيمورلنك للأسلام على آخر الفرق المسيحية . أمّا في بلاد فارس وبين النهرين حيث قُتل العديد من المسيحيين في تلك الفترة ، فقد جاءت الفوضى في العهد الجلائري ، بالأضافة الى التعصُّب الشيعي ، وكبَّدَت المسيحية خسائر فادحة .
وهكذا فاننا نكاد نجهل تماما تاريخ كنيسة المشرق في القرن الرابع عشر . ولدينا معلومات ضئيلة عن انتخاب طيمثاوس الثاني خلفا ليهبالاها الثالث ، وقد تم انتخابه بالنظر الى معرفته اللغات ، كما يقول عبد يشوع مطران نصيبين الذي كان احد الناخبين ، في مجموعته القانونية . وقد توفي عبد يشوع سنة 1318 ، ومجمع طيمثاوس الثاني هو آخر حدث يعرفه . وبعد هذا ، لدينا فجوة كبيرة تشمل قرنين فيها يجب النظر الى الأحداث والى لوائح البطاركة بكثير من التحفظ.
ما ان توفي البطريرك يهبالاها الثاث ، في نهاية سنة 1317 ، حتى توجهت انظار الناخبين الى يوسف ، واتفقت ألآراء على اقامته جاثليقا على كنيسة المشرق ، وذلك بالنظر الى
نشاطه وشخصيته ، والى علمه الغزير ومعرفته للغات وحكمته في ألأدارة . فسمي إذ ذاك طيمثاوس وهو الثاني بهذا الأسم بين جثالقة كنيسة المشرق . وبعد انتخابه ، انتهز فرصة وجود ألأساقفة مجتمعين ، لكي يعقد مجمعا في مطلع سنة 1318 . واسفر هذا المجمع عن سنة 13 قانونا تتعلق بالأدارة الكنسية وبالتحرض على ألألتزام بالقوانين الرسولية وبقوانين آباء كنيسة المشرق....ويبدو ان طيمثاوس الثاني مكث في اربيل حتى وفاته سنة 1332 . وقد اجتمع في هذه المدينة البقية الباقية من المسيحيين ونظموا شؤونهم ، بعد ان عاد الهدوء الى المنطقة . وفي هذا الزمان حدثت اضطرابات في مراغة ، واستولى المسلمون على الكنائس والأديرة فيها. فاضطر المسيحيون الى نقل رفات مار يهبالاها الثالث من مراغة الى اربيل والى دفنها في دير مار ميخائيل ترعيل . (2)

المصادر
(1)
https://www.radiomariam.org/patriarca-sako/
(2)
"تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية " للأب البير ابونا الجزء الثالث"



29
أحوال المسيحيّن في عهد المغول بعد سقوط بغداد سنة 1258م الجزء الأول
نافع شابو

مقدمة
جاء في مقدمة كتاب"تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية "الجزء الأول للأب البير ابونا مايلي:
"إنّ التاريخ للأمّة بمثابة العمر للأنسان . فكلما تقدّم الأنسان في سنيه إزداد خبرة الحياة ، إن هو أراد أن يعتبر بعِبَر الحياة في مراحلها السابقة .وكذا الشان مع التاريخ ، الذي قيل أنّه أكبر معلم للبشرية .أجل إنّ التاريخ تجربة البشرية وحصيلة معطياتها يتيح للأنسان استقراء الظواهر وألأحداث وتحليلها ومقارنتها وإدراك طبيعة السنن والقوانين التي تحكم نشاط الجماعات البشرية وتطور الحضارات وعوامل سقوطها . وعلى المؤرخ ان يتلافى النظر الى تاريخ العالم كاحداث عمودية وكعالم جامد مسطح ، بل أن ينظر اليه كحركة حية متطورة تاخذ شتى ألأتجاهات والأبعاد ، فيتدبرها افقيا بكل عناصرها وأبعادها . وعليه ان يعايش التاريخ أنطلاقا من تجاربه النفسية والفكرية والعقيدية لكي يدرك جوهر التاريخ ويقدم لمعاصريه عصارة هذه التجارب بعبارات تنبض حيوية وتتدفق نورا .أما المعايشة التاريخية فتعني أن المؤرخ يحيل التاريخ الى عملية حيوية ويخلصه من التجريد ويدخل الى صميم الحدث ، لا أن يقف خارج ألأسوار وينظر من بعيد . ذلك لأن التاريخ ليس حصيلة أحداث خارجية فحسب ، بل هناك القوى الداخلية والطاقات الروحية للأنسان في عملية تقييم مجرى التاريخ وتحديد مصيره (1).
يكتب غبطة الباطريرك لويس ساكو عن تاريخ الكنيسة المشرقية فيقول :
ربّما كان ينطبق على كنيسة المشرق اليوم، ومن غير مبالغة، كلامُ النبيّ أشعيا: «لا صورة له ولا بهاءَ فننظرَ إليه، ولا منظرَ فنشتهيَه» (2،53). غير أنّه يكفي أن نزيح حجاب الأحداث الراهنة لنرى جمال وجهها المشوّه! فهذه الكنيسة، التي يستهدفها اليوم مسلّحو داعش في شمال العراق وسوريا والعثمانيون في سفربرلك(1915-1919)، قد حافظت على الوجود المسيحيَ في بلاد ما بين النهرين، الذي يعود إلى عهد الرسل. فقد نشأت وسط الاضطهادات، في شبه عزلة واستقلاليَة وعرفت في القرون الوسيطة اندفاعة إرساليَة لا مثيل لها، قادتها إلى أقاصي الصين. ولم تكن أبدًا في تاريخها كنيسة قوميَة بالمعنى الإقصائيّ للكلمة، إذ جمعت تحت جناحيها شعوبًا وأممًا عديدة من بلاد الرافدين إلى الخليج العربيّ، ومن الهند إلى الصين. لذلك فإنّ محاولة تحويلها من سرّ مقدّس وُهب للعالم إلى قوميّة متقوقعة – كما يريدها البعض – يعني تحنيطها. فالكنيسة تتخطّى حدود الأعراق واللغات والقوميّات، لأنّ الكنيسة هي بشرى حياةٍ تتجسّد في كلّ الحضارات والثقافات
ازدهار واضطهاد
ثلاث خصائص أساسيّة ميّزت هذه الكنيسة عبر التاريخ: الاستشهاد تحت الحكم الفارسيّ، الحياة الرهبانيّة التي ازدهرت بعد الاضطهاد، وتشبّثها بالإيمان وبرسالتها خلال العهد الإسلاميّ
عندما جاء العرب المسلمون إلى ما يُسمّى اليوم بالعراق وهزموا الجيوش الفارسيّة، كان أكثر من نصف السكّان مسيحيّين ذوي لغة وثقافة سريانيّة. وانتشرت اللغة العربيّة بسرعة، وذلك أيضًا لأنّ الخليفة الأمويّ عبد الملك (685-705) كان قد جعلها اللغة الرسميّة للإدارة العامّة. وسهّل هذا الجوّ الاجتماعيّ الاقتصاديّ السياسيّ الجديد المسيحيّين في تبنّي لغة القادمين، في حين انحسرت اللغة السريانيّة إلى الليتورجيا والأدب(2)
يتسائل الأب جوزيف قزّي في مقدمة كتابه "بين المسيحية والأسلام" فيقول:
"ماذا بين المسيحية والأسلام ؟ حوار أم جدال؟ قبول أم رفض ؟ تسامح أم تصادم؟..لأ احد يسعهُ أن يجزم ،لأنّ تعاليم ألأثنين تعدو ، من جهة ، الى المحبة والقبول والحوار . ومن جهة ثانية ، نرى الممارسات المسلكية والتطبيقات العقادية مشحونة بالتصادم والقتل .
هناك في الحقيقة مواجهة عنيفة كانت منذ بداية ألأسلام : فكان غزو ، وتهجير، وجهاد ، وفتح وقتال ، وتصنيف للناس بين كافرين ومشركين وأهل ذمة ، وغيرذلك . والله نفسه (في ألأسلام طبعا) يدعو الى الجهاد ، حتى يدعو الناس إسلامهم ، إذ "إنَّ الدين عند الله ألأسلام "" ومن يبتغي غير الأسلام دينا فلن يُقبل منه" و" من يُرِد الله أن يُهديه يشرح صدره للأسلام .
ولايجب أن يبقى في جزيرة العرب دينان ، بحسب وصية النبي الأخيرة .....بينما في المسيحية : الله خالق الجميع ، وإله الجميع ، ويدعو الجميع الى الخلاص: الله "يُريد جميع الناس يخلصون ويبلغون الى معرفة الحق ""1طيموثاوس 2:4
(انتهى ألأقتباس)(3)
في الحقيقة منذ انتشار المسيحية في الشرق، وصولا الى الهند والصين ، كانت هذه الكنيسة مضطهدة، وفي كل عهودها وعبر عصورها. فمنذ عهد الساسانيين وبعدهم غزوات العرب المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيّين ،مرورا بعهد المغول بعد سقوط بغداد (1258)م ومن بعدهم الجلائريون والأتراك والعثمانيّون وحتى بعد سقوط الخلافة الأسلامية العثمانية في الحرب العالمية الأولى(1915-1920) ،وصولا الى يومنا هذا . عان المسيحيّون وعبرهذه الحقبات التاريخية من الأضطهاد والظلم والأستعباد والقتل وحتى ابادات جماعية وتهجير وتشريد وتدمير مقدساتهم . كان المسيحيّون في اغلب الأحيان تحت مطرقة الغزوات والحروب التي تُشن من خارج بلدانهم فكان المسيحيّون المسالمون الغير المسلحون في الغالب من اوائل الضحايا والظلم والأستعباد. بينما في الداخل ، كان المسيحيّون تحت سندان الخلفاء والسلاطين والحكام المسلمين يمارسون اشنع وابشع الوسائل الهمجية والغير الأنسانية بحق المسيحيين ، وكان آخرها هي ألأبادة الجماعية للأرمن والسريان والآشوريين والكلدان في تركيا الحالية ، والتي راح ضحيتها حوالي 2 مليون انسان . ولم يتوقف الأضطهاد والتهجير والظلم في البلدان العربية والأسلامية ،بحق المسيحيين ، بل مازال الجرح ينزف دما حتى عصرنا الحالي .هكذا اصبحت المسيحية في دول الشرق اقلية بعد ان كانوا يمثلون نسبة كبيرة خاصة في الدول العربية والفارسية والتركية .

اضطهاد المسيحيين في العهد المغولي
جاء في كاتب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثاني:
منذُ سقوط بغداد بيد هولاكو ( 1258) مرت ستة قرون تخللها الكثير من الحروب والأنقلابات ، واعتراها الكثير من الغموض والألتباس .إنها العصور المظلمة لتاريخ البلاد وتاريخ الكنيسة التي عاشت في هذه البلاد. فعلى الصعيد السياسي ، عمّت الفوضى وساد ألأستبداد وأستشرى ألأستغلال ، منذ أن اطاح الغزو المغولي بالحكم العباسي الذي كان ، رغم ضعف إدارته في العهود ألأخيرة ، يضمن للناس شيئا من ألأستقرار والنظام والأزدهار ، على الصعيدين المادي والفكري . فجاء الأجتياح المغولي ضربة قاضية على ما انشاته ألأجيال من الحضارة والثقافة بجهود جبّارة ، وعلى ما أسفرت عنه تلك الجهود المتواصلة من النتائج الباهرة . فغرقت البلاد في بحر من الذعر والدمار ، وتفكّكت النظم الجميلة التي كانت سائدة فيها ، وأحتل السيف والقتل والنهب مكان الثقافة والنظام والقانون ...
وتوالت العهود المختلفة في البلاد، من المغول الى التركمان ، الى عهد تيمورلنك الدموي ، الى العهود العثمانية ألأولى ،بالأضافة الى تدخلات شاهات الفرس الصفويين التي زادت مشاكل البلاد تعقيدا ، وكلفتها المزيد من الخراب والدمار .وحاولت كل فئة أن تستغل ثروات البلاد بجشع دون حدود.فكثرت المظالم ، وضاعت المقاييس ، وعمّت الفوضى في طول البلاد وعرضها .
أمّا المسيحيّون المنتشرون في شتى ارجاء هذه البلاد ، فلم تكن حالهم بافضل من حال أخوانهم المسلمين[خاصة العرب]،بل كانوا غالبا ما يصبحون ضحايا سهلة للغزاة الذين كانت اطماعهم تملي عليهم مواقف تعسفية تجاه الجميع ، ولاسيما تجاه الفئات المستضعفة التي كانت تحاول دوما أن تعيش في سلام في ظل مختلف الأنظمة التي سيطرت على البلاد،وأن تتعاون معهم للخير والبنيان ، دون ان تفلح دوما في اقناعهم بنزاهتها أو درء اساليبهم التعسفية عن جماعاتها المسالمة.
وفي خضمّ هذه الفوضى المتفاقمة ، كاد سراج العلم أن ينطفيء (منذ حكم المتوكل بالله في العصر العباس الأخيرعندما سيطر فكر النقل على العقل وحورب العلماء والمفكرون ) ، فقلت النتاجات الفكرية ، وارتبك المؤرخون القلائل في تدوين الأحداث فلا عجب والحالة هذه ، ان تكون في تاريخ هذه الحقبة الطويلة فجوات مؤسفة او تناقضات في الروايات نتيجة انحياز المؤرخين او عدم حريتهم في التعبير عن ألأحداث بطريقة موضوعية وتقييمها [بل تم قلب الحقائق التاريخ في الكثير من ألأحيان من قبل الحكام والسلاطين المسلمين ].
كانت كنيسة المشرق ، في شطريها الشرقي والغربي(شرق الفرات وغربه) ، تعيش في جو من القلق وتبحث دوما عن الطرق الكفيلة بحفظ كيانها واستمرارية حيويتها ونشاطها . ولقد تعرضت لكثير من الأرتباكات من جرّاء التغييرات المستمرة الطارئة على ألأنظمة السياسية . ولم يكن من السهل على الكنيسة أن تفرض احترامها على أُناس طُبعوا على الهمجية والتخلُّف ، وهم لايقيمون وزنا لما تقدّمهُ هذه الكنيسة لشعوب المنطقة كلها من المثل العليا والقيم الأنسانية والروحية الأصيلة ، وما تسهم به في رفع شان الثقافة والعلوم(4) .
كاتب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثاني
اواخر العصر العباسي:
شهدت العهود ألأخيرة من الخلافة العباسية ضعفا في الأدارة وفي السيطرة على مختلف ارجاء المملكة المترامية الأطراف ، مما ادى الى نشأة دول عديدة وامارات مستقلة في قلب الخلافة وعلى أطراف مناطقها .فالخليفة قد اضاع منذ مطلع القرن العاشرسلطته الفعلية حتى على بغداد نفسها .
أما ألأسباب الحقيقية لهذا الضعف ، الذي ادى الى الأنهيار التام للسلطة العباسية
على البلاد فهي كثيرة منها:
1 – الكثير من الفتوحات الأسلامية لم تكن الاّ اسمية
2 – لم تكن طريقة الحكم وما رافقها من اساليب ألأستغلال لموارد البلاد وجباية الخراج ضامنة لأستقرار الحال وثباتها .
3 – كما انّ الفوارق والحواجز بين طبقات الشعب- من العرب وغير العرب ، والعرب المسلمين والموالي ، والمسلمين واهل الذمة ..الخ ظلت بارزة طوال تلك العهود
4 – ظلت العصبية القبلية متاصّلة في نفوس العرب ذواتهم تثير الضغائن بين اهل الشمال والجنوب . ولم تتم عملية الأمتزاج بين الفرس ألأيرانيين والترك الطورانيين والبربر الحاميين والعرب الساميين
5 – وظهر ضمن نطاق الدين (ألأسلامي) نفسه من النزاعات المنتنافرة ، مالايقل عن ألأحزاب السياسية ، أثرا في تمزيق ألأواصر . ومن هذه النزاعات نشأت الشيعة وحركة القرامطة وجماعة الحشاشين وغيرهم ..
زحف المغول:
يجمع المؤرخون على ان غزو المغول للشرق ألأوسط هو افدح كارثة حلّت بالأنسانية . ويعود الفضل في جمع المغول وتوحيد صفوفهم الى شخصية قوية هي : شخصية "جنكيزخان " الذي استطاع ان يجتاح بجحافل المغول بلدان التمدن القديم في وحشية مدمّرة ومتعطّشة الى الدم ....انطلق من قلب اسيا (من قبائل منغولية اطلق عليهم التتار). ) وفي زحفه نحو الغرب التقى خوارزمشاه ، واراد جنكيزخان اقامة علاقات طيبة معه ، وارسل اليه ثلاثة تجار مسلمين للتفاوض معه ، حاملين له هدايا نفيسة ، .إلاّ أنّ خوارزمشاه قتل الموفدين بغباوة ، مما اثار عليه سخط جنكيز خان الذي جمع نخبة جيشه وسار بها بنفسه الى خوارزم ، يرافقه اولاده .فسقط امامه المدن والقلاع واحدة تلو الأخرى ، ودمَّر بخارى الشهيرة بعد حصار وجيز.

ثم جاء دور سمرقند وغيرها من المدن الكبرى . وسيَّربعض كتائبه لتعقب الشاه الذي فرّ من امامه والتجأ الى جزيرة في بحر الخزر . وهناك توفي سنة 1221.
حين اجتاح المغول الدولة الخوارزمية سنة 1220 قاموا بقتل جل مسيحيي المدن الكبرى كسمرقند وبخارى ومرو بدون تمييز. وهو الأمر الذي جعل الأوربيون يترددون في الدخول في حلف معهم.

على اثر هذه الفتوحات الصاعقة عاد جنكيزخان الى موطنه ألأصلي لأخذ قسط من الراحة .وهناك وافته المنية سنة 1227
واصل ابنائه فتوحات ابيهم ، فتم لهم اخضاع اوربا الشرقية ، وفتحوا عاصمة البلغار وروسيا وبولندا والمجرما بين سنة 1237،1243م . ثم أُعلن "منكو" أحد احفاد جنكيزخان ،"خانا"أعظم . فعهد منكوخان سنة 1253 م لأخيه "هولاكو" بمهمة القيام باخضاع ما تبقى من بلدان الشرق ألأوسط وفتح آسيا الغربية كلها . فغادر هولاكو بلاد المغول ، في جيش جرّار وهو يقصد القضاء على "الحشّاشين " والخلافة(العباسية) معا . فدمّر قلاع الأسماعيليين (الحشاشين)[ كانوا يشبهون دواعش اليوم ] ، واسر زعيمها خورشاه،سنة 1256 م ثم وصل الى همدان في السنة التالية . ومن هناك ارسل الى الخليفة العباسي "المستعصم " يتهدده ويتوعده مطالبا اياه بالأستسلام .لكن الخليفة رفض هذا الطلب (5).
تاب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزءالثاني

سقوط بغداد سنة 1258:
كان الخليفة المستعصم (اخرخلفاء العباسيين ) محاطا بمستشارين اردياء مثل الوزير مؤيد الدين العلقمي المتواطئ مع المغول . هؤلاء المستشارون حملوا الخليفة على اتخاذ موقف التصلب والرفض الذي ادى الى الكارثة والدمار...
في كانون الثاني سنة 1258 م اشتبكت القوات العباسية بقيادة الدويدار الصغير مجاهد الدين ايبك مع القوات المغولية عند الدُجيل(قرب بغداد).وانتهت المعركة
بتحطيم الجيش العباسي ..وتقدم هولاكو من خانقين بالجيش المغولى الرئيسي المؤلف من 200000 محارب الى بغداد. وفشلت محاولات الخليفة التوصل الى حل سلمي ، بعد فوات الأوان ، إذ أوفد الى هولاكو الوزير "إبن العلقمي" مع جاثليق النساطرة للمفاوضة بالصلح ، وكان لهولاكو زوجة مسيحية تُدعى "دقوز خاتون ". إلا ان هولاكو رفض مقابلتهما . إقتحمت عساكر هولاكو مدينة بغداد في شهر شباط 1258م . اضطر الخليفة مع 300 وقيل 3000 من خاصته وقضاته الى المجيء الى هولاكو خاضعين مستسلمين دون قيد او شرط . لكن هولاكو امر بقتلهم . وقتل الخليفة . ثم أطلق الفاتحون أيديهم ببغداد واهلها قتلا ونهبا وتمثيلا سبعة ايام او يزيد ، حتى قضوا على أكثر سكانها ، ولم يستثنوا اسرة الخليفة ، ولم يميزوا بين الرجال والنساء والأطفال ، حتى قيل ان عدد القتلى فيها بلغ 800000 نفس بل قيل الف الف (مليون )نفس ولم يبقى من اهل المدينة ومن اهل السواد الا القليل . والقيت النار في المساكن واستولى الخوف في المدينة . فتراكم القتلى في الدروب والأسواق كالتلول. عدا من أُلقي من ألأطفال في الوحل ومن هلك في القنى والآبار والسراديب ، فمات جوعا وخوفا. وثقل الهواء بما حمله من رائحة كريهة ، رائحة الجيف المنتنة واشلاء القتلى المطروحة في شوارع المدينة . بحيث اضطر هلاكو الى الأبتعاد عن المدينة اياما [ كما فعل محمد الفاتح العثماني بمسيحيي القسطنطينية (اسطنبول حاليا) عندما دخلت جيوشه المدينة سنة1453م وعمل مثل ما عمل هولاكو ولكن الفرق هو ان محمد الفاتح سمح لجنوده بالقتل والذبح وهتك الأعراض لمدة 3 ايام ]
كان هولاكو نفسه وثنيا ، ولكنه اظهر العطف على البوذيين والمسيحيين ، إبتغاء مرضاة زوجته المسيحية دقوز خاتون . وعامل جاثليق المشرق معاملة حسنة ، وابقى على بعض المدارس والمساجد.
توفي هولاكو سنة 1265 م ، بعد ان دوّخ العالم بفتوحاته ، وقضى على الكثير من معالم التمدن والحضارة .ودفنت معه غانيات جميلات ، عملا بالعادات المغولية .
وفي عهد الأليخان السابع "غازان محمود"1295-1303" تبنى المغول الديانة ألأسلامية التي اصبحت منئذ دين الدولة المغولي الرسمي .
منذ سقوط بغداد ،وما احدثه غزو هؤلاء ألأقوام من الفوضى والدمار والأبادة في بغداد العاصمة وفي المناطق الأخرى من البلاد ( في بلاد بين النهرين وما يجاورها من بلدان الشرق ألأوسط ) لم يكن هناك شعب يتمتع بالأستقلال سواء كانوا مسلمين او مسيحيين عرب او كردا او سريان او اشوريين .
فبالرغم من حماية داقوزخاتون ، زوجة هولاكو للمسيحيين ، الا ان المسيحيين لم يكونوا في وضع مستقر ، بل غالبا شاطروا مصير اخوانهم المسلمين، وتعرضوا للقتل والنهب والسلب من قبل السلطات المغولية عديمة الرحمة . فقد اصدر هولاكو امرا بابادة المسيحيين في تكريت ،بحيث لم ينجى منهم سوى القلائل من الشيوخ والعجائز.(6).
تاريخ الكنيسة الجزء الثاني الأب البير ابونا
يزودنا إبن العبري ، في التاريخ السرياني او تاريخ الزمان ، وفي تاريخ مختصر الدول بأحداث كثيرة تخص المسيحيين جرت في عهد المغول :
ففي سنة 1259 ، صعد عزالدين سلطان قونيا الى دير ماربرصوما ووعد البطريرك ديونيسيوس بكل خير ومساعدة . وفي 20 تموز من السنة نفسها ، توفي الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ ابو الفضائل صاحب الموصل(والي الموصل) ، وخلفه ابنه الملك صالح اسماعيل . ومن طريف مايروى عن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل أنّ الخليفة العباسي ألأخير المستعصم كتب اليه يطلب منه جماعة من اهل الطرب !!!. وفي تلك الحال ، وصل رسول السلطان هولاكو يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار . فقال بدر الدين: "أُنظروا الى المطلوبّين ، وأبكو على ألأسلام "[ ينطبق على الخليفة المستعصم المثل المشهور: "عرب وين وطمبورة وين "]. وما ان اقبلت سنة 1260م حتى نزل هولاكو بصحبة 400 الف جندي الى المناطق بين النهرين العليا . فاستسلمت حران والرها ، واقتحموا سروج واحتلوها عنوة . ومدوا جسورا على الفرات واجتازت العساكر الى سوريا ، مع ملك الملوك ودقوزخاتون الملكةالمسيحية . وجرت مجزرة رهيبة في منبج ، وأجتاح المغول الحصون والقلاع في تلك المنطقة . وحاصروا حلب ، فقاومهم الملك ابن صلاح الدين . ولكنه لم يصمد طويلا امام جيوش هولاكو. فدخل المغول مدينة حلب وجرت فيها مجازر قتل فيها أكثر مما قُتل في بغداد لدى استيلائهم عليها .ثم استولوا على الشام ، ورتَّب هولاكو فيها اميرا كبيرا يُدعى كتبوغا ، وهو تايماني مسيحي ، ومعه عشرة آلاف فارس . وكان ابن العبري نفسه مطرافوليطا في حلب لدى سقوطها في ايدي المغول . فذهب ليقدّم الخضوع لهولاكو . فسجنه هذا مدة في قلعة نجم . ثم عاد هولاكو الى بين النهرين ، وحاصر ماردين واستولى عليها بسبب الوباء الذي تفشّى فيها . وقد قُتل كتبوغا بعد ذلك في معركة جالوت .
ولدى اجتياز شمس بن يونس بناحية برطلي(في سهل نينوى) تشاور مع رؤوساء النصارى فيها ، وأطلعهم على ان الملك الصالح صاحب الموصل عازم على قتل زعماء النصارى في منطقة نينوى،فسارع المسيحييون في الذهاب الى اربيل .
وإثرهروب الملك الصالح من الموصل (والي موصل العباسي)، دخلها قوم من المناوئين ، وثار اهل الموصل على النصارى ، ونهبوا بيوتهم وقتلوا الذين لم يعتنقوا ألأسلام .وكثيرون من الكهنة والشمامسة والرؤساء والشعب جحدوا دينهم تجنبا للأضطهاد. ونزل الأكراد ايضا من الجبال المجاورة ودخلوا الموصل ومناطقها واقترفوا المجازر بين المسيحيين ، واستولوا على دير الراهبات في بلدة خوديدة (قره قوش) ، وقتلوا فيها خلقا كثيرا . ومن هناك صعدوا الى دير مار متي وحاصروا فيه الرهبان طوال اربعة اشهر. واقتطعوا جزءا من الجبل ودحرجوه على الدير . لكن الرهبان سدوا الثغرة التي احدثتها الصخرة في جدار الدير واستمروا في مقاومة الغزاة المعتدين . وأصيبت في المعركة عين ابي نصر رئيس الدير . في الأخير ، تفاوضوا على السلام ، وقبل ألأكراد ،لأنهم خافوا من قدوم المغول ، وأخذوا اموالا طائلة من الدير وعادوا ادراجهم . وكان مسيحيّوا آخرون قد فرّوا من الموصل واحتموا في دير الخنافس.
لكنهم غادروه وقصدوا الزاب يريدون الذهاب الى اربيل . إلا ان عصابة قوتلو بك صادفتهم وفتكت بهم وأبادتهم عن بكرة ابيهم .
واشتهر في ذلك الزمان القائد المغولي المسيحي "سمداغو" الذي لعب دورا هاما في الحروب الدائرة في منطقتي الموصل والجزيرة . فقد تمكن هذا القائد من الوصول الى الموصل سنة 1263م وأعادة النظام فيها. ثم ذهب وحاصر الجزيرة منذ الشتاء حتى الصيف . وكان حنانيشوع اسقف المدينة النسطوري خارج المدينة آنذاك .، فاخبر ملك الملوك انه يعرف صناعة الكيمياء وان بوسعه ان يطبع له من الذهب بمقدرا ما يشاء . ونال من هولاكو امرا بصيانة حياة سكان الجزيرة . فاستسلمت المدينة ودخلها الجيش المغولي بقيادة سمداغو الذي هدم اسوارها ورتّب فيها الرؤساء ، وعيّن حنانيشوع حاكما عليها .
في مطلع الصوم الكبير توفي هولاكو .ويقول عنه المؤرخ المسيحي "ابن عبري" انّه كان حكيما حليما ذا فهم ومعرفة يحب الحكماء والعلماء . وفي الصيف التالي تبعته الى القبر دقزوز خاتون ، وكانت ايضا عظيمة في رايها وخبرتها . وخيّم الحزنُ على المسيحيين بموتها لأنهما كانا يدعمان الديانة المسيحية.
وفي الثامن عشر من نيسان سنة 1265 ، توفي ايضا البطريرك الشرقي مكيخا ودفن في البيعة (كنيسة) الجديدة التي بناها بدار الخليفة ، وكانت رئاسته اكثر من ثماني سنين بقليل ، وخلا الكرسي بعده سبعة اشهر وخمسة عشر يوما .
بعض الجرائم ،التي ارتكبها المسلمون بحق المسيحيين في عهد ملوك المغول [غير الجرائم التي ارتكبها المغول ] قبل ان يدخلوا ألأخيرين في الأسلام ليكون دين الدولة الرسمي:
1 – في حزيران 1268 ، حاصر البندقدار صاحبُ مصر مدينة انطاكيا(ذات الغالبية المسيحية) واحتلتها جيوشه وأَعملوا فيها السيف والدمار واحرقوا كنائسها الشهيرة . وفي ذلك الصيف ،القي القبض على حنانيشوع اسقف الجزيرة النسطوري وصدر امر بقتله ، فقطعوا رأسه وعلقوه فوق باب مدينة الجزيرة .
2- وفي مطلع الصوم الكبير سنة 1271 هاجم بعض الرعاع المسلمين علاء الدين صاحب الديوان في بغداد وطعنوه بالسكاكين , وزعم المسلمون ان الجناة كانوا من المسيحيين الذين ارسلهم الجاثليق لهذا الغرض. فالقي القبض على الأساقفة والرهبان والرؤوساء المسيحيين في بغداد وأودعوا السجن !!!. والقى "قوتلوا بك" اميرُ اربيل القبض ايضا على الجاثليق مار دنحا وعلى اساقفته وسجنهم ، ومكثوا في هذه المحنة طوال الصوم ، الى ان جاء امر من المعسكر يقضي باخلاء سبيلهم . إذ ذاك ذهب الجاثليق المظلوم واستقر في مدينة اشنو في اذربيجان .
3- سنة 1274 م اراد مسيحيّوا اربيل ان يحتفلوا بعيد السعانين ،حسب تقاليدهم ، ولكنهم شعروا بان المسلمين سيسببون لهم المتاعب ، فاستنجدوا ببعض المغول المسيحيين الذين جاؤوا ورفعوا الصلبان فوق رماحهم ، وتقدموا موكب السعانين راكبين خيولهم ، يتبعهم المطرافوليط مع المؤمنين . وما ان وصلوا الى القلعة (قلعة اربيل) ، حتى انهال المسلمون عليهم رجما بالحجارة .فتشتت موكبهم وعادوا الى بيوتهم خائفين . وفي هذه السنة ايضا توفي نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب الرصد في مدينة مراغة ، وكان حكيما عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة .
4 – وفي سنة 1275 ، هاجم المصريون مناطق قليقية ودمروا البلاد ، وقتلوا 25 راهب في دير باقسماط ، مع الربان شليمون الشيخ الجليل وأمين سر البطريرك مار اغناطيوس السرياني ، واحرقوا الدير مع سائر الأديرة الأخرى في المنطقة .فاضطر البطريرك السرياني الى الهرب واللجوء الى قلعة بهغا .
5 – وفي 17 شباط سنة 1276 نزل غباراحمر كثيف في مناطق الموصل واربيل ، ودام ست ساعات ، واثار الرعب بين السكان . وفي ألأثنين السابق لعيد القيامة عند المسيحيين ، قتل الأتراك اسقف مدينة ارزنجان ألأرمني مع ثلاثين آخرين من الكهنة والرهبان والمؤمنين .
6 – وفي سنة 1277 ، هاجم الأكراد جبل ألألوف ، وقبضوا على عشرة رهبان من دير مار متى ، فقتلوا واحدا منهم وباعوا التسعة الآخرين باربعة آلاف درهم.
7 – وحينما رات الملكة قوتاي خاتون ، سنة 1279 م ،أنه منذ ان كفَّ المسيحيّون من تقديس ماء النهر(نهردجلة) يوم الدنح (عماد المسيح ) ، وذلك بسبب ما كانوا يتعرضون له من مضايقات المسلمين ، عمَّ البلاد بردٌ شديد ، جاءت الى مراغة ، وامرت المسيحيين بان يخرجوا كعادتهم ، مع صلبان معلقة على رؤوس الرماح . وعندما قاموا بهذه الرتبة ، منَّ الله عليه ، فتلطَّف المناخ ونبت الكلاْ وصار الشتاء معتدلا مثل الربيع ، وعمّت البهجة جميع الناس
8 - وفي مطلع عام 1282 عاد اباقا خان من بغداد الى مدينة همدان . وفي احد القيامة ، ذهب الى الكنيسة واحتفل بالعيد مع المسيحيين مبتهجا . وفي يوم ألأثنين اقام له احد كبار الفرس المسيحيين اسمه بهنام وليمة فاخرة في داره. وفي ليلة الثلاثاء تغيّر مزاجه واضطرب وصار يرى الخيالات في الهواء . ويوم ألأربعاء ، وهو اليوم ألأول من نيسان لتلك السنة ، وهو العشرون من ذي القعدة ، وافته المنية . وفي 26 نيسان توفي اخوه مانكو تيمور ايضا . وبعد موتهما ساد ألأضطراب في منطقة نينوى ، والتجأ المسيحيون الى دير مار متى ، حيث حلّ بهم الوباء وتوفي نحو 30 راهبا (6).
تابعونا في الجزء الثاني عما حدث للمسيحيين بعد تحول المغول الى الأسلام
------------------------------------------------------------------------
(1)
"تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية "الجزء الأول للأب البير

(2)
البطريك ساكو يكتب "كنيسة المشرق":الفا عام من الأضطهاد والرسالة
https://www.radiomariam.org/patriarca-sako/

(3)
الأب جوزيف قزّي في مقدمة كتابه "بين المسيحية والأسلام"

(4)
كاتب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثاني:
(5)
المصدر (4) اعلاه
(6)
تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثالث
مصادر اخرى مهمة
لمن يريد المزيد عن موجز لتاريخ الكنيسة منذ بداية عصر الساسانيين الى سقوطها على يد العرب وبداية الأسلام يمكنه مراجعة المواقع التالية .
راجع مقال للكاتب بعنوان "احوال المسيحيين في عهد الخلفاء العباسيين "
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=828275.0

الحروب الدينية بين الفرس والروم البيزنطينيّين في عهد كسرى الثاني للفترة (590-628)م ج2

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=690483
الحروب الدينية بين الفرس والروم البيزنطينيّين في عهد كسرى الثاني للفترة (590-628)م ج1
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=689146
إنتشار المسيحية في عهد كسرو الثاني قبل الحروب الساسانية البيزنطية ج3
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=652010
انتشار المسيحية في عهد الأمبراطورية الساسانية قبل ظهور الأسلام ج2
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=645449
انتشار المسيحية في عهد الأمبراطورية الساسانية قبل ظهور الأسلام ج1
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=644780
جذور ألأسلام النصرانية وأكذوبة "العصر الجاهلي" في التراث الأسلامي
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=641826



30

الخليقة الجديدة - او الولادة من فوق ، اي الميلاد الثاني بالروح. 
الجزء الأول
نافع شابو
ما يشير في العهد القديم الى  مشروع الله في سر الخلاص و الولادة الجديدة  الروحية
في البدء  خلق الله السمَوات والأرض ، وإذ كانت ألأرض مشوّشة ومُقفرة  وتكتنف الظلمة  وجه المياه ، وإذ كان روحُ الله يُرَفرف  على سطح المياه" تكوين 1 : 1 ، 2"
جاء في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس عن الصورة المرسومة لروح الله يرفرف على ألأبخرة المظلمة(أو على سطح المياة العميقة ) تُشبه روح الله بطائر يعتني بصغاره (تثنية 32 : 11،  اشعيا 31 :5) . لقد كان روح الله عاملا فعّالا في خلق العالم .
نقرأ في سفر المزامير هذه الأية "ترسل روحك فتخلق وتجدد  وجه الأرض "مزمور 104:30". انّ الروح القدس هو روح الله ....ودعي قدوسا ويقدس حياة المؤمنين . اذاً فالروح القدس يتمتع بكافة الصفات ألألهية.
قال الله :لنصنع الأنسان حسب صورتنا كمثالنا" (تكوين 1 : 26)
لم يُخلق ألأنسان عبدا ، بل هو فوق الخليقة ، فالأنسان امتلك في الأصل ، السيادة على الحيوانات فاستطاع ان يدعوها باسمائها .(تكوين 2 : 49- 52)
لماذا يستخدم الله صيغة الجمع عندما يقول : لنصنع الأنسان على صورتنا ، كمثالنا؟ هناك رأي بأنَّ هذه إشارة الى الثالوث : الله ألآب ، والله ألأبن (يسوع المسح ) ، والله الروح القدس ، والثلاثة إله واحد . ويقول راي آخر  إنّ صيغة الجمع تُستخدم هنا للتعظيم ، فاليوم يستخدم كثير من الملوك صيغة الجمع  في الحديث عن أنفسهم . وبالرجوع الى (ايوب 33:4 ومزمور 104 :30)  نجد انّ الله الروح القدس كان مشاركا في الخلق ومن رسالة الرسول بولس (كولوسي 1 : 16) نعرف أنّ المسح ، إبن الله ، كان له دوره في الخلق ايضا.
يقول يوحنا ذهبي الفم :هذا يدل على كرامة الأنسان السامية والأنسان الذي خُلق في نهاية أعمال الله ، يشبه ملكا يدخل الى مدينة هيئ له فيها كُلّ شيء. اما التوجه الأول ، فهو يتركز على الأنسان المخلوق على صورة الله ومثاله . فالكون والخلائقة صنعت لأجل الأنسان  ، هو كملك يدخل منتصرا : القواد والرؤساء والحرس الشخصي والعبيد يسيرون امامه لكي يستقبلوا الملك بكرامة عظيمة . ليس الأنسان على صورة ملاك ، بل صورة واحدة ومثالا واحدا . كما قال المسيح " فتكونوا أبناء ابيكم الذي في السماوات"متى 5 :  45"
أمّا كيف خُلقنا على صورة الله ؟ لا تعني العبارة "لنصنع ألأنسان على صورتنا كمثالنا" أنّ الله خلقنا مثلهُ تماما ، وبخاصة بالمعنى الطبيعي (الجسدي) ، بل بالحري أنّنا نعكس مجد الله .الله بلا خطية سرمدي غير محدود . لايمكن ان نكون مطلقا مثل الله تماما ،لأنّه هو خالقنا  ألأسمى  .
يقول متى المسكين في كتابه "الخليقة الجديدة للأنسان في الأيمان المسيحي":
-الله خلقنا على صورته كمثاله ، على صورة الله خلقه، ذكرا وانثى خلقهم (تكوين 1 : 26- 28)
-ونفخ في انفه نسمة الحياة (تكوين 2 :7)،أي انّ النفس والروح في الأنسان هي التي خُلقت على صورة الله كشبه كالطبيعة بالنسبة للأصل .
-الله خلق الأنسان اصلا ليكون حبيبا وصديقا ..فلما سقط آدم وحواء من أمام وجه الله (انفصلا عن الله ) وعاد الى ألأرض التي منها أُخذ (لأنك من التراب والى التراب تعود) "تكوين 3 :19". صمّم الله أن يُنفّذ خطة خلقته ألأولى للأنسان ، وبدأ بعمل على إعادة خلقته (الخليقة الجديدة او الولادة من فوق اي الميلاد الثاني بالروح).
-هذه المرة صمم الله أن يخلقه لا على صورته كشبهه فقط ،بل من روحه وجسد إبنه بحال قيامته من بين ألأموات خلقه . وليس من تراب ألأرض بل من روحه وبرّه وقداسته في الحق .
-إذن واضح للغاية أنّ خلقتنا الروحية  الكاملة والنهائية التي وضع الله خطوطها ألأولى في اصل تدبيره – قبل خلقتنا الترابية وقبل خلق الكون– هي ذات صلات وثيقة جدا بالمسيح الذي هو ألأبن الكلمة .
-بهذا نفهم أنّ خلقة ألأنسان الكاملة والروحية هي أرفع واهم وأعظم من كل خليقة اخرى..
"فنحن خُلقنا في تدبير الله قبل تاسيس العالم لنكون ابناء الله في ألأبن الوحيد وعلى صورة الأبن في البر
وقداسة الحق "روميا 8 :29"
-طبعا هذا ينطبق على روح ألأنسان وليس على جسده الترابي .
متي  المسكين كتاب " الخليقة الجديدة في الأيمان المسيحي" الجزء الأول
داوود النبي يناجي الرب  وهو يعرف انه لايستطيع الخلاص بسبب خطاياه الكثيرة الا بقلب نقي وبروح مستقيمة
الروح القدس يخلق نفسًا جديدة وروحًا محييًا وقلب نقيًا لذا صرخ داود النبي بعد سقوطه في الخطية "قلبا نقيا اخلق في يا الله وروحا مستقيما جدد في داخلي لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني رد لي بهجة خلاصك وبروح منتدبة أعضدني" (مز51) وقال أيضًا "تحجب وجهك فترتاع تنزع أرواحها فتموت والى ترابها تعود ترسل روحك فتخلق وتجدد وجه الأرض" (مزمور 104: 30)
وتنبأ حزقيال النبي عن عمل الروح القدس في المؤمنين بالله "وأعطيكم قلبا جديدا واجعل روحا جديدة في داخلكم وانزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم واجعل روحي في داخلكم وأجعلكم تسلكون في فرائضي وتحفظون أحكامي وتعملون بها وتسكنون الأرض التي أعطيت آباءكم إياها وتكونون لي شعبا وأنا أكون لكم إلهًا وأخلصكم من كل نجاساتكم" حزقيال:  26"
معرفة الله لاتكون الا بالروح القدس ، والشعب الأسرائيلي كان ميتا روحيا والنبي حزقيال يقدم لنا العهد الجديد بالنبوة الموجهة الى الروح  على العظام الرميمة ، وهي رمز الرجاء . بيت اسرائيل المحطم في منفاه ، بهدف إعادة ترميمه كشف الله وبعثه مجددا : "فقال لي الربُّ : تنبّا للروح ، تنبأ يا إبن الأنسان وقل للروح : هكذا قال السيد الرب : هلمَّ ايُّها الروح من الرياح ألأربع ، وهب في هؤلاء المقتولين فيحيوا"حزقيال 37 :9"...واضع روحي فيكم فتحيون" حزقيال 37 :14" .
التجديد هي إعادة الطبيعة التي فسدت الى طبيعة طاهرة مقدسة  فالولد الذي ولد من بطن امه في الطبيعة الجسدية يحتاج الى ولادة من فوق ، الولادة من السماء "المولود من الجسد هو جسد والمولود من الروح هو من الروح ". ليس الولادة الجديدة جنس كما يفهما البعض بل بمعنى البلاغي  ولادة النور من النار اي اخذ طبيعة الله .قلب جديد وروحا جديدة كما يقول الله على لسان حزقيال النبي: "وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ  ..... وَيَكُونُوا لِي شَعْبًا، فَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا(حزقيا 11 :18 ،19)
الله على لسان النبي اشعيا وعد بحلول الروح القدس على شعبه  اذ يقول :
أمّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي(الذي سيتحقق في العهد الجديد) مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي(الروح القدس) الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ." (إش 59: 21
وجاء في سفر يوئيل  النبي :
"أفيض روحي على كُلِّ بشر ، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويحلم شيوخكم احلاما ، ويرى شبابكم رؤى"يوئيل 3 : 1"
اما  ارميا النبي فيتنبأ عن العهد الجديد ومجي المسيح وسكن الروح القدس في قلوب المؤمنين فيقول:
هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَقْطَعُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْد(ارميا 31 :33)
-طبعا هذا ينطبق على روح ألأنسان وليس على جسده الترابي
العهد الجديد  والخليقة الجديدة – الولادة الروحية
لمّا جاء المسيح (إبن الله في الجسد)  ليعلن بدء استعلان ملكوت الله الذي هو موطن ألأنسان الروحي في كمال خلقته .بدأ – في نفس الوقت – يعلن عن ضرورة خلقة ألأنسان الثانية  التي ستاتي من طبيعة ألأبن بحال قيامته من  بين ألأموات . حتى يؤهل بها ألأنسان لدخول ملكوت الله

يخبرنا العهد الجديد ان الروح القدس كان يرافق يسوع المسيح في تجسده في بطن مريم العذراء فقد حبل بالروح القدس (متى 1 :20) واعتمد بالروح القدس (متى 3 :16) ومُسح بالروح القدس (لوقا 4 :18" ونال قوّة من الروح القدس ( لو 4 : 14" وارشد واقتيد بالروح القدس"مت 4 :1 " لوقا 4:1
وكما ذكرنا ، الله الروح القدس كان مشاركا في الخلق ومن رسالة بولس الرسول "كو 1 : 16" نعرف ان المسيح إبن الله ، كان له دوره في الخلق أيضا . فيسوع المسيح لايعكس صورة الله فحسب ولكنه يعلن الله لنا.
يقول القديس ايريناوس :
"حيث تكون الكنيسة هناك يكون ايضا روح الله وحيث يكون روح الله ، هناك تكون الكنيسة وكل نعمة"
ونحن نعرف ان الكنيسة الأولى نشأت  بعد حلول الروح القدس على تلاميذ المسيح  في عيد العنصرة
"وَعِنْدَمَا جَاءَ عِيدُ يُومِ الخَمْسِينَ، كَانُوا كُلُّهُمْ مُجتَمِعِينَ مَعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. 2 فَإذَا بِصَوْتٍ مِنَ السَّمَاءِ يُشْبِهُ هُبُوبَ رِيحٍ عَنِيفَةٍ، مَلأ جَمِيعَ أرجَاءِ البَيْتِ الَّذِي كَانُوا يَجْلِسُونَ فِيهِ. 3 وَإذَا بِألسِنَةٍ شَبِيهَةٍ بِنَارٍ تَظْهَرُ لَهُمْ، وَتَتَوَزَّعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. 4 فَامْتَلْأُوا جَمِيعًا مِنَ الرُّوحِ القُدُسِ، وَبَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ أُخْرَى، كَمَا مَكَّنَهُمُ الرُّوحُ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمُوا
(اعمال 2 : 2، 3 ) .
يقول الرسول بولس في 1كورنثوس 16:3 "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم"؟ هذه هي المسيحية الحقيقية: سكنى الروح القدس، أو سكنى روح المسيح فينا
فالروح القدس يُذكّرنا بكلام الله ومواعيده ووعوده . والروح القدس يذكرنا بتعاليم الرب وحياته . والروح القدس يُنشيء فينا ألآرادة والعمل لأجل مرضاته . والروح القدس الساكن فينا يعني اننا ناضجين روحيا فنستطيع وتصبح لنا القدرة على تناول الطعام القوي،لأن الحواس قد تدربت بالممارسة الصحيحة ، على التمييز بين الخير والشر (عبرانيين 5 :14). فقدرة المؤمن حلّ فيه الروح القدس ليتغذى بامور الله العميقة ، تتجدّد بنمونا الروحي ، فكثيرا ما نسعى الى وليمة الله قبل ان نصبح قادرين ، روحيا ، على هضمها . وكلما نما المؤمن في الرب وجد انه يتغذى على مائدته بصورة اكبر . فالمؤمن بالمسيح عليه ان يتخذ الخطوات التاليه كاساس لهذه المبادئ:
1 – التوبة  2 – الأيمان 3 – العماد  4-  التبشير .

جاء في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس:
كان العهد القديم ، عهدا للناموس  بين الله وبني  إسرائيل . أمّأ الطريق ألأفضل والأحدث فهو عهد النعمة ، التي هي تقدمة المسيح لمغفرة خطايانا وإحضارنا أمام الله بذبيحة موت المسيح . وهذا العهد جديد في حدوده فهو يمتد فيما وراء إسرائيل ويهوذا الى كل الأمم ، وهو جديد في تطبيقه فهو مكتوب في قلوبنا وأذهاننا وعقولنا ، ويقدم طريقا جديدا للمغفرة ليس من خلال الذبائح الحيوانية لكن من خلال الأيمان . (عبرانيين 8 : 7-12)
ففي ظل العهد الجديد لله نجد أنّ ناموس الله موجود داخلنا ، فالروح القدس يُذكِّرنا بكلمات المسيح ، كما أنَّه يحيي ضمائرنا وينعشها ويؤثّر في دوافعنا ورغباتنا ويجعلنا طائعين . وهكذا تحقق ما اوحى به الله على لسان ارميا النبي (إرميا 31 : 31- 34) .
الله وعد نا على لسان ارميا النبي انه سيستعيظ عن العهد القديم الذي كسره الشعب  ، بعهد جديد، واساس هذا العهد هو المسيح "عبرانيين 8 :6" وهو تغيير ثوري ، لايشمل اسرائيل ويهوذا فقط ، بل ألأمم ايضا ، ويوجد علاقة شخصية فريدة مع الله نفسه ، ومع شرائعه مكتوبة على قلوب الأفراد، عوضا عن الحجر. لقد تطلع ارميا  النبي الى اليوم الذي فيه سياتي الرب يسوع ليقيم هذا العهد. وهذا ما تححق لنا الآن ، فالعهد قائم ، إذ لنا الفرصة الرائعة  لنبدأ بداية جديدة ، ونقيم علاقة شخصية مع الله
يقول الأب هنري  بولاد اليسوعي في كتابه " لا للقدر كيف أكون حُرّا" في مقارنته بين العهد القديم والعهد الجديد:
في العهد الجديد لا يتقدم السيد المسيح كمعلم خارج عنا ، ليقدم لنا وصاياه، لكنه دخل إلينا، في حياتنا، ليغير طبيعتنا ويجددها بروحه القدوس، ويكون هو نفسه الوصية والحياة والقيامة والبرّ فينا
الوصايا في العهد القديم كانت منقوشة على لوحي حجر التي ستصبح بالعهد الجديد منقوش على قلوب الناس . في العهد القديم كان مؤسس على الناموس بينما في العهد الجديد مبني على الرغبة في حب الله وخدمته ، عهد النعمة التي هي تقدمة المسيح لمغفرة خطايانا واحضارنا أمام  الله بذبيحة موت المسيح . هو عهد جديد في تطبيقه ، فهو مكتوب في قلوبنا وأذهاننا وعقولنا ، ويقدم طريقا جديدا للمغفرة . ليس من خلال الذبائح الحيوانية لكن من خلال ألأيمان . العهد القديم كان يمثّل علاقة قانونية بالله بينما يمثل العهد الجديد علاقة شخصية بالله . في ظل العهد الجديد لله نجد أنّ ناموس الله موجود داخلنا ، فالروح القدس يُذكّرنا بكلمات المسيح ، كما أنّه يحيي ضمائرنا وينعشها ويؤثر في دوافعنا ورغباتنا ، ويجعلنا طائعين .
واصبحت شريعة الروح القدس في قلوبنا لأن الروح القدس نفسه يسكن فينا  لنصبح خليقة جديدة ، خليقة متجددة بالروح والحق "المعزي يسكب الروح القدس محبة الله في قلوبنا "روميا 5 :5" فننفذ الوصايا بحب وحرية وليس اوامر او فرض ، حلال ام حرام  . كانت العلاقة مع الله  في العهد القديم هي علاقة الموظف بمرؤوسه  ولم تكن مبنية على المحبة والعلاقة الشخصية. امّا في العهد الجديد سيكون الله نفسه
معنا (عمّانوئيل) (اشعيا 7 :14)


يقول بولس الرسول في سفر اعمال الرسل"
"فإنَّ يوحنّا عمّد الناس بالماء ، امّا أنتم فستعمدون بعد ايام قليلة بالروح القدس" (اعمال 1 : 5)
فالروح القدس 1 -  يميز بداية الأختبار المسيحي. فلايمكن ان ننتمي الى المسيح بدون روحه ، ولايمكن ان نتحد بالمسيح بدون روحه ولايمكن ان نصير جسد المسيح الا بمعمودية الروح القدس
2 – الروح القدس هو قوة حياتنا الجديدة ، فالروح يبدأ فينا عملية تغيير تمتد طوال الحياة لنصير كالمسيح. وعندما نقبل  المسيح بالأيمان نبدا على الفور بعلاقة شخصية مباشرة مع الله ، ويعمل الروح القدس فينا ليعيننا كي نصير مثل المسيح .
3 -  الروح القدس يوحّد المؤمنين في المسيح .إنّ الجميع يمكنهم ان يختبروا الروح القدس الذي يعمل في الكل .
" ... اننا جميعا ، نحن الذين تعمّدنا إتّحادا بالمسيح يسوع ، قد تعمدّنا اتحادا بموته . وبسبب ذلك دُفنّا معه بالمعمودية للموت ، حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد ألآب ، كذلك نسلك نحن ايضا في حياة جديدة" روما 6 : 3،4"
يقول الرب يسوع إنَّ من يؤمن به "فله" الحياة الأبدية ( وليس "سينال " الحياة ألأبدية) .وهكذا فإنَّ الحياة ألأبدية تبدا في لحظة الولادة الروحية .إنّ نوال الحياة ألأبدية معناه امتلاك حياة الله التي هي ابدية بطبيعتها ، إنَّ نوال هذه الحياة ألآن يضمن حياة ابدية مع الله "يوحنا 3 : 36".

وهكذا ادخل المسيح على الأنسان العادي (الخاطئ) إمكانية ولادة أخرى ثانية من الروح ، فصار ألأنسان نفسه المولود من الجسد مولودا ايضا من الروح . ولكن المسيح اعطى ألأنسان طبيعة جسدية ، إذ قال :"جسد ٌ هو " ثم عاد واعطى ألأنسان نفسه حينما يولد ثانية  من الروح طبيعة الروح ، إذ قال "هو روح".... فعندما أخفقت الخليقة ألأولى في ذاتها الترابي ، صمّم الله هذه المرّة أن يخلقها من طبيعة إبنه القائم من بين ألأموات ، الروحانية غير القابلة للموت أو الفساد ! فأرسل "كلمته" الذاتي حاملا فكر الله ، وبنوَّته ومشيئته وفعله .
عندما يحل الروح القدس على ألأنسان (المؤمن بالمسيح ) فإنّه يتغير فلا تعود شهواته القديمة تغوية ، إذ اصبح هدفه الرئيسي الآن هو ارضاء الله وطاعة الله .
"فلا حكم بعد ألآن على الذين هم في المسيح يسوع ، لأنّ شريعة الروح الذي يهبنا الحياة في المسيح يسوع حرّرتك من شريعة الخطيئة والموت  وما عجزت عنه هذه الشريعة ، لأنّ الجسد اضعفها ، حقّقه الله حين ارسل ابنه في جسد يشبه جسدنا الخاطئ ، كفارة للخطيئة، فحكم على الخطيئة في الجسد ليتم ما تتطلبه منا احكام الشريعة ، نحن السالكين سبيل الروح لا سبيل الجسد ، والذين يسلكون سبيل الروح يهتمون بامور الروح . والأهتمام بالجسد موتٌ ، واما ألأهتمام بالروح فحياة وسلام " روميا 8 : 1 – 6"
"الروح مانح ألحياة " هو الروح القدس ، كان موجودا عند خلق العالم وهو القوة العاملة في الولادة الجديدة لكل مؤمن وهو الذي يمنحنا القوة اللازمة لكي نحيا الحياة المسيحية
"أمّا انتم فلا تسلكون سبيل الجسد ، بل سبيل الروح ، لأنّ روح الله يسكن فيكم . ومن لايكون له روح المسيح ، فما هو من المسيح ..فالروح حياة لكم لأنّ الله برّركم "روميا 8 :9 : 10"
متى المسكين
قال المسيح للمرأة السامرية
"كل من يشرب من هذا الماء يعود فيعطش ولكن الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا ، لن يعطش بعد ذلك أبدا ، بل إنّ ما اعطيه من ماء يصبح في داخله نبعا يفيض فيعطي حياة أبدية ".
فكما يجوع الجسد ويعطش كذلك الروح . إلا أن الروح يتطلب طعاما وماء روحيين . وقد خلطت المراة السامرية بين نوعين من المياه ، لان احدا لم يكلمها من قبل عن عطشها وجوعها الروحيين.  اننا لانفكر في حرمان الجسد من الأكل او الماء عندما نجوع او نعطش ، فلماذا نحرمُ الروح ؟. إنّ يسوع المسيح كلمة الله الحيّة والكتاب المقدس الكلمة المكتوبة قادران على اشباع جوع وعطش نفوسنا
سَأَلَ الْفَرِّيسِيُّونَ المسيح : "مَتَى يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ؟ " أَجَابَهُمْ: "لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ وَلاَ يَقُولُونَ: هو ذَا هَهُنَا أو: هو ذَا هُنَاكَ لأنهَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ
ملكوت الله موضوع روحاني وهو يعمل داخل الناس عندما يسكن الروح القدس في قلوب المؤمنين وحياتهم جاعلاً إياهم مطاوعين لإرادة الله وراغبين في العيش حسب ارادته
ملكوت الله شخصي  وليس لشعب او لسلالة او لعرق . كما إنّ دخوله يتطلب التوبة والولادة الثانية الروحانية . نادى يسوع فيما بعد بأنّ ملكوت الله قد بدأ "بالفعل " في قلوب المؤمنين من خلال وجود الروح القدس . وسيتحقق الملكوت بكماله عندما يجيء يسوع ثانية ليدين العالم ويزيل كل شر الى ألأبد(يوحنا 3 :3).
وسوف نخوض ، في الجزء الثاني من المقال ، في سر المعمودية بالمفهوم الروحي كمدخل للخليقة الروحية الجديدة





المصادر
الكتاب المقدس " التفسير التطبيقي"
ألأب متى المسكين في كتابه "الخليقة الجديدة"
ألأب هنري بولاد اليسوعي في كتابه "لا للقدر كيف اكون حُرّا"

31
دراسات في الكتاب المقدّس : الكفّارة - الذبيحة - الفداء
    
    
نافع شابو
    
    مقدمة
لكي نفهم العهد الجديد علينا أن نعرف رموز العهد القديم و كيف كان الشعب الأسرائيلي يمارس طقوس الذبائح الحيوانية وماذا كانت مقاصد الله من هذه الطقوس وعلى ماذا كانت ترمز ، ومن خلال هذه الدراسات سنتناول طقوس الذبائح الحيوانية في العهد القديم وماذا كانت مقاصدها ومغزاها والى ماذا كانت تشير روحيا .
ولكي نعرف ما معنى كفارة و ذبيحة وفداء الرب يسوع المسيح من أجل خلاص المؤمنين به علينا أن نخوض في معنى طقوس الذبائح في العهد القديم ونتكلم عن كل طقس ، وقبل الدخول في هذه الدراسة علينا أن نعرف ماذا يعني سفك الدم في الكتاب المقدس ؟
الدم يعني "الحياة" واذا استنزف الدم من شخص حي فلابد أن يموت, وحيث أنّ الله هو الذي خلق الحياة ومنحها للأنسان, فله وحدهُ حق أخذ الحياة, لقداخطأ أبوينا ادم وحواء ضد الله, اماّ قايين فقد أخطأ ضد الله والأنسان معا ولكن مع ذلك يقول الله لقايين المُرتعب بعد قتلهِ اخيه:
"اذاَ, كلِّ من يقتل قايين فسبعةُ أضعاف يُنتقم منهُ" تكوين4:15 .
فحياتنا عند الله غالية جدا ولهذا عندما قتل قايين أخوه هابيل قال الرب لقايين: ماذا فعلت؟ دم أخيك يصرخ الي من الأرض "تكوين 9:4
ولهذا نهى الله في العهد القديم أكل أو شرب الدم
"فنفس كل جسد هي في دمهِ....لاتأكلوا دم جسد ما" لاويين 17:14
كان أكل الدم ممارسة وثنية شائعة وكثيرا ما كان يتم ذلك على أمل اكتساب خصائص الحيوان (القوّة, السرعة....الخ). وقد نهى الله عن أكل الدم وشربهِ لاسباب عديدة منها
اولا: كان يجب أن تكون ممارسات اسرائيل مختلفة ومتميزة عن ممارسات الآمم الوثنية المحيطة بهم
ثانيا: كان الدم يمثل حياة الحيوان الذي ذبح عوضا عن الخاطيء, فكان شربه يغيّر من المعنى الرمزي للذبيحة(فالدم يشرب عوضا من أن يسفك).
ثالثا: كان سفك الدم هو الثمن الذي يلزم دفعه ليصبح الأنسان مقبولاً عند الله, إذ كان برهانا على أنّ الحياة قد قدّمت ذبيحة عوضا عن الخاطيء. فكان في شرب الدم اعدام الدليل على تقديم الذبيحة, لهذا تحيّر الناس في العهد الجديد عندما قال لهم يسوع المسيح"من أكل جسدي وشرب دمي يثبت هو فيّ, وأثبت أنا فيه" يوحنا6:56 "
كانت رسالة المسيح هذه مثيرة, فقد بدت عملية أكل الجسد وشرب الدم وحشية, ولم يقدر رؤساء اليهود أن يحتملوا قول الرب, لأن الشريعة, كما قلنا تُحرّم شرب الدم ، وبالطبع هو لم يقصد ذلك حرفيا, ولكن الرب يسوع المسيح باعتباره الله المتجسد والذبيحة النهائيّة عن الخطايا. كان يطلب من المؤمنين أن يتحدوا به, فهو يريدنا أن نجعل حياته حياتنا, كما يريد أن يشاركنا حياتنا, لكن الكثيرين من اليهود( وكما اليوم) لم يقدروا أن يقبلوا هذا المفهوم. "فدم المسيح الذي هو في العهد الجديد والذي يسفك من أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا "متى 26:28

أولا: الكفارة
ما معنى الكفارة في العهد القديم؟
الكفارة هي رفع عقاب الله عن خطايانا والكلمة العبرية كفر تعني "غطّى" فكان الشعب الأسرائيلي يقدم الذبائح ويسفك الدم (دم الحيوانات) لتغطية خطايا الشعب وليس ازالة الخطايا .كان رئيس الكهنة في العهد القديم لايستطيع الدخول الى قدس الأقداس( في الطرف الأقصى من خيمة الأجتماع) الا مرة واحدة في السنة, وكان هناك يسأل الله ويطلب المغفرة للشعب. "لاويين 16:1 وكان هذا اليوم من أعظم أيام السنة عند بني اسرائيل ويسمّى "يوم الكفارة" فيه يأتي الكاهن بثور لذبيحة الخطيئة وكبش لمحرقة. وفي ذلك اليوم كان كل الشعب يعترفون بخطاياهم كاملة, وكان رئيس الكهنة يدخل الى قدس الأقداس للتكفير عن خطاياهم ونجاستهم"الخروج 30:  10" "لاويين 16:18,19".
    كان يوم الكفارة يذكرهم أنّ الذبائح اليومية والأسبوعية والشهرية, لم تكن لتستر الخطايا الأ وقتيّا, لقد كانت رمزا للرب يسوع المسيح, الكفارة الكاملة الذي يستطيع أن يمحو الخطايا الى الآبد. كان الناس في نظام العهد القديم لا يستطيعون الأقتراب الى الله الآ من خلال كاهن و ذبيحة حيوانية. أمّا الآن (في العهد الجديد) فيستطيع حميع الناس أن ياتوا الى الله مباشرة بالأيمان لأنّ موت الرب يسوع وحمله خطايانا عنا قد جعلنا مقبولين في عيني الله "رومية3"
    
فذبائح العهد القديم لم تقدر أن ترفع (تزيل) خطايا بل تغطيها فقط. ولكن بني اسرائيل, من وجهة نظرهم المحدودة لخطة الله لم يستطيعوا أن يميزوا بين الخطايا المغطّاة, والخطايا التي طُهّرت ورفعت تماما بتقديم المسيح نفسه كفارة للخطايا ويقول بولس الرسول عن عمل المسيح الكفاري: "والذي جعله الله كفارة في دمه لكلّ من يؤمن به"روميا 3 : 25
نعم اصبح الرب يسوع المسيح الكفارة البديلة حيث حمل خطايانا في جسده عندما مات مصلوبا على الخشبة لكي نموت بالنسبة للخطايا فنحيا حياة أبدية, فالله رفع عقاب خطايانا بذبيحة المسيح يسوع الكاملة"1بطرس2:24 .
فدم المسيح هو الذي يبرّرنا فهو الكفارة البديلة وهو الذي رفع عقاب الله عن خطايانا (أي حياته مقابل رفع خطايانا)" .....الذي قدّمه الله كفّارة,عن طريق الأيمان وذلك بدمه"روما "روما 3:25 .هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد"يوحنا 3:16 .
    كيف يُكفِّر الدم الخطية؟
    تفاصيل مراسيم الكفارة : "لاويين 16 :5- 28"
    كان تقديم الذبيحة والدم المسفوك منها ، عندما تُقدّم بدافع صحيح ، يجعل غفران الخطية ممكنا .فمن جانب كان الدم يُمثّل حياة الخاطيء والتي نهايتها الموت ، وفي الجانب الآخر كان الدم يُمثِّل الحياة البريئة للذبيحة التي قُدّمت عوضا عن الشخص المذنب الذي قدّمها . فموت الذبيحة (وكان الدم هو الدليل على الموت) وفَّى عقوبة الموت ، فكان الله يمنح الغفران للخاظئ اللاويين " 17: 11-14"
    
    في يوم الكفارة كان الكاهن (منذ هارون الكاهن) يأخذ من شعب اسرائيل تيسين من المعز لذبيحة الخطية ، وكبشا للمحرقة  ، وكان هذان التيسان يمثلان الطريقتي اللتين يتعامل بهما الله مع خطية اسرائيل .
    (1) كان يغفر خطيتهم من خلال التيس ألأول الذي قدم ذبيحة
    (2) ثم ينقل ويزيل عنهم ذنبهم من خلال التيس الثاني ، تيس يسمّى (عزازيل) اي كبش الفداء الذي كان الكاهن يضع يده على ظهر التيس(ليحمل خطايا الناس) ويطلق الى الصحراء. ويصور لنا هذا الطقس كيف كان الله يرفع خطايا الشعب . وكان يجب إجراء هذا الطقس كل سنة
    
    ولكن موت الرب يسوع المسيح قد حلّ محل هذا النظام مرة واحدة والى ألأبد ، ففي أيّ وقت يمكن أن تُغفر خطايانا ويرفع عنا ذنبنا باتكالنا على المسيح . فهو لنا ،على الدوام، الذبيحة للمرموز لها بالتيس الذي أطلق للصحراء "عبرانيين 10 : 1- 10 " " ولكن في عملية تقديم الذبائح المتكرّرة كل سنة تذكيرا للعابدين بخطاياهم . فمن المستحيل أن يزيل دم الثيران والتيوس خطايا هذه  الناس . لذلك قال المسيح ، عند مجيئه الى هذه الأرض :إنَّ الذبائح والتقدمات ما أردتها ، لكن أعدت لي جسدا بشريا ".[لهذا ابطلت الطقوس في العهد القديم الا الشريعة ألأدبية].
    "...ها انا آتي لأعمل إرادتك يا الله .هذا هو المكتوب عني في صفحة الكتاب "عبرانيين 10: 3-7"
    فهو (المسيح ) إذا يُلغي النظام السابق ليضع محله نظاما جديدا ينسجم مع إرادة الله .صرنا مقدسين إذ قرّب يسوع المسيح ، مرة واحدة ، جسده عوض عنا "عب 10 :10"
    كان كل كاهن يقف يوميا أمام المذبح ليقوم بهمته ، ليقدم لله تلك الذبائح عينها . مع انها لم تكن قادرة على ازالة الخطايا اطلاقا .
    ولكن المسيح رئيس كهنتنا قدّم ذبيحة واحدة عن الخطايات ، ثم جلس الى ألأبد عن يمين الله (عبر 10: 11-12)
    فلا يقدر دم الحيوان ، أبدا ان يمحو الخطية ، لكنه يزيلها أمام النظر (يغطيها)
    لكن الرب يسوع مسح الخطية تماما ودائما .
    السؤال :إذا كيف كان الشعب في العهد القديم ينال الغفران ؟
    الجواب كان ذلك ، كما هو الحال ألآن ، من خلال نعمة الله التي يقبلونها ، بالأيمان


ثانيا : الذبيحة

  عندما سقط أبوينا ادم وحواء في الخطيئة تعّروا (العري يعني في الكتاب المقدس رمز الخطيئة) ، ولهذا هربوا من وجه الله بسبب خجلهُما من الخطيئة التي ارتكباها واختبئوا في الجنّة حالما سمعا أنّ الله يقترب منهما (تكوين2:10
ولكن الله كان له مشروع لخلاص الأنسان من الموت بسبب الخطيئة ، فحتّى بعد سقوط ابوينا صنع الرب ردائين من جلد الحيوان وكسا (غطّى) عري (خطيئة) أبوينا "تكوين 3:8,9,10,21
 وهذا العمل الذي صنعه الله (سفك دم حيوان بريء ليُغطي بجلده خطايا الأنسان منذ سقوطه هو اشارة الى عمل ابنه الخلاصي في ملء الزمان عندما اتى وسفك دمه ليس ليُغطي خطيئتنا بل ليزيلها بدمه الطاهر الذي سفكه على الصليب).
في العهد القديم كان يوجد اربعة انوا ع من الذبائح  الطقسية :
أولا: ذبيحة ألأثم "لاويين 5 :16"
كانت ذبيحة الأثم وسيلة أخرى لعلاج الخطية التي اقترفت عن جهل بحق الآخرين او بحق الله . فإذا كانت الخطية ضد الله يقدم كبش بلاعيب وأما بحق ألآخرين يتم تعويضهم مع اضافة 20% ضريبة .
ثانيا : ذبيحة الخطية"لاويين 4 :3 "
كانت ذبيحة الخطية تقدم من الذين ارتكبوا خطية دون ان يدركوا ذلك او ارتكبوا خطية نتيجة ضعف او اهمال في مقابل العصيان الصريح ضد الله.(موت المسيح ابطل هذه الذبيحة ).
ثالثا : ذبيحة السلامة "لاويين 3 :1"، "صموئيل 11 :15".
كان الشخص يقدم ذبيحة شكر(او سلام) تعبيرا عن إعترافه بالجميل ووسيلى لترسيخ الشركة بينه وبين الله ."وان قرب احد ذبيحة سلام من بقر او ثورا او عجلة فليقدم قربانا للرب سليما من كل عيب "لاويين3:1"
رابعا ذبيحة المحرقة:"لاويين 1: 3-4"
للتكفير عن الخطايا . تبين تكريس الأنسان لله. وكان موت المسيح هو التقدمة الكاملة .
كان الحيوان المقدم للمحرقة بلا عيب الذي يرمز الى الكمال ألأدبي الذي يطلبه الله القدوس ، والطبيعة الكاملة للذبيح الحقيقي ألآتي :يسوع المسيح
السؤال لماذا لاينبغي تقديم ذبيحة بها عيب ؟"ملاخي 1 : 6 -8 "
"...عندما تقرّبون الحيوان ألأعمى ذبيحة أليس ذلك شرّا"؟. أو عندما تقدمون الحيوان ألأعرج والمريض اليس هذا شرّا؟"
تتطلب شريعة الله أن تقدم الذبائح الى الله من حيوانات كاملة لايشوبها عيب "لا 1:3"
 فكيف مع الله ؟. الله يريد ذبيحة كاملة ،لأنّ يسوع المسيح إبنه انسان كامل واله كامل ولاعيب فيه . يقول العهد الجديد:"إنّ حياتنا يجب ان تكون ذبائح حيّة لله "روميا 12 :1"
فإذا قدّمنا لله بقايا أوقاتنا أو أموالنا أو جهدنا ، فإننا نكرر بذلك نفس خطية أولئك المتعبدين (المتديّنين) الذين لم يريدوا أن يحضروا لله شيئا ذا قيمة . فما نقدمه يعكس بحق موقفنا الحقيقي تجاه الله .
معنى الذبيحة:
انّ معنى الذبيحة هو أنّ دما بريئا قد سفك ، ولكي ينجو أسرائيل من ضريبة الموت كان يلزم ذبح حمل بلا عيب ورش الدم على العتبة العليا والقائمتين لباب كل بيت، كان الحمل الذبيحة البديلة عن الشخص الذي كان مفروضا أن يموت (لأنّ أجرة الخطيئة هو الموت)"خروج 12:3,4
عيد الفصح:
ان عيد الفصح عيدا سنويا لتذكار الليلة التي "عبر"فيها ملاك الرب عن بيوت الأسرائيلييّن. قد نفّذ العبرانييّون تعليمات الله فرشّوا دم الحمل على الأعتاب العليا وقوائم بيوتهم ، وفي تلك الليلة مات كلّ بكرٍ في كلّ بيت لم يرش الدم على عتبة بابه العليا وقائمتيه. وكان لا بدّ من ذبح الحمل للحصول على دمه اللازم لحمايتهم (وكان صورة مسبقة لدم المسيح, حمل الله, الذي سفك دمه لأجل كل من يؤمن به)"....فيكون الدم على البيوت التي أنتم فيها علامة لكم ، فأراه وأعبر عنكم ولا أفتك بكم وأهلككم اذا ضربت أرض مصر"خروج 11:13
فالشريعة ومنذ العهد القديم  توصي بأن يتطهّر كلّ شيء تقريبا بالدم ، ولا غفران الآ بسفك دم"عبرانيين 9:22 "
وكُلُّ شَيْءٍ تَقْرِيبًا يَتَطَهَّرُ حَسَبَ النَّامُوسِ بِالدَّمِ، وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ!" عبرانيين 9 :22"
الله هو الدّيان ، مُطلق السيادة على الكون وهو قدّوس قداسة مطلقة، وكديّان للجميع ، يدين الخطية ويقضي بأنها تستحق الموت، وكان الله في العهد القديم يقبل موت حيوان بديلا عن الخاطيء، فكان دم الحيوان المسفوك دليلاً على أنّ حياة بُذلت لأجل حياة أخرى، فمن جهة كان الدم يرمز الى موت الحيوان ، ولكن من الجهة الأخرى كان يرمز الى الحياة التي نَجتْ نتيجة لذلك ومن الطبيعي أنّ موت الحيوان الذي كان يؤدي في العهد القديم ,الى الغفران, لم يكن الآ تدبيرا وقتيّا يتطلّع الى المستقبل الى موت الرب يسوع المسيح(عبرانيين9:9,10
فالدم في الذبائح يرمز الى تقديم الذبيحة، وكان الكاهن (في العهد القديم) هو الذي يجب أن يقدمها، كان الهدف من الطقوس والفرائض والذبائح هو العبادة القلبية ، فكانت هذه الطقوس والفرائض أفضل السبل التي تساعد الشعب كي يُركّزوا قلوبهم على الله ، لقد طلب الله من الشعب تقديم هذه الذبائح ليس لأنّ الذبائح في ذاتها كانت مرضيه ، بل لأنّها جعلت الشعب يدرك خطيّته ، ويعكفون للعيش لله ، وقد كانوا يقدّمون الذبائح بأمانة ، ولكنهم نسوا سبب تقديمهم لها (كما اليوم الكثيرون منا يأكل ويشرب جسد المسيح ولكن لا يعرف هدف ومغزى وما يرمز اليه هذا القربان) ، وهكذا كانوا يعصون أوامر الله .
وقد ذكّر ارميا النبي الشعب بأنّ القيام بالطقوس الدينية ، لامعنى له الآّ متى كانوا مستعدّين لطاعة الله في كل مجالات الحياة "أجمعوا محرقاتكم الى ذبائحكم وكلوا لحمها "ارميا7:21
كانت المحرقة تحرق كُلّها على المذبح ولا يؤكل لحمها (لاويين1:8,9
أمّا في الذبائح العادية فيأكل مقدم الذبيحة وأصحابه من لحم الذبيحة علامة اتحادهم بالرب. ولكن الله هنا( وعلى لسان النبي ارميا ) سيرفض كل ذبيحة تقدّم اليه ،
ولهذا ياتي العهد الجديد ليقول لنا يسوع المسيح :"هذا هو دمي ، دم العهد الذي يسفك من اجل ناس كثيرين "مرقس 14 :24"
كان موت يسوع المسيح على الصليب حتما لأتفاق جديد بين الله والجنس البشري
فبينما كان اتفاق العهد القديم يتضمن غفران الخطايا بدم ذبيحة حيوانية يقدم بلا  عيب على المذبح "خروج 24:6,7,8 "
لكن الشعب لم يستطع في العهد القديم أن يقترب الى الله (لأنّ الشخص الخاطيء لايستحق الأقتراب من اله كامل) الآ عن طريق الكهنة ونظام الذبائح"خروج 29:1-26 "
ان الذبيحة أو التضحية هي علامة خارجية للأيمان الداخلي ، كما يؤكد لنا الكتاب المقدس
ما فائدتي من كثرة ذبائحكم؟...وبتقدماتكم الباطلة لا تجيئوا اليّ ، فرائحة ذبائحكم مُعيبة عندي...ولا أطيق مواسمكم واحتفالاتكم "اشعيا 1:10,11,12 ,13,14
اما الذبيحة المقبولة فيقول الرب على لسان كاتب المزمورهي:
قدموا ذبائح البرّ ، واتكلوا على الرب"مزمور4:5 "
فالذبائح والقرابين هي أفعال خارجية ترمز لتوبة داخلية والخضوع لله بانسحاق القلب والطاعة ،كما فعل ابراهيم عندما اطاع الله في تقديم ابنه كذبيحة لأنه امن ان الله سيفدي ابنه بدم كريم كما لحمل بلا عيب  وهو يسوع المسيح (الذبيح العظيم) . إمتحن الله ابراهيم ، ولكن الهدف من هذا ألأمتحان ليس أو لم يكن سقوطه ، بل بالحري كان غرض الله الحقيقي هو تقوية قدرة إبراهيم على طاعته . هكذا تتقوّى شخصيّته وإيمانه . وكما يُنقّي النار الذهب من الشوائب ، ينقينا الله بالظروف الصعبة . وعندما نتعرّض للأمتحان ، فإمّا أن نشكو ونتذمّر ،أو أن نرى كيف يوسّع الله تخومنا لتقوية شخصيتنا .

فالتأمل في اسباب الذبيحة هي أهم من الذبيحة نفسها ، والا تصبح فارغة بلا معنى الا اذا تمت عن محبة وطاعة "فالتدين"  (الذهاب الى الكنيسة والصلاة والعطاء)" لايكفي ، ان كنا لا نعمل ذلك بدافع المحبة والطاعة لله ،
يقول الله على لسان صموئيل الأول "أبي المحرقات مسّرة الرب وبالذبائح؟ أم بالطاعة لكلامه؟" صموئيل 1  15 :22-23"
الذبيحة : هي علاقة خارجية للأيمان الداخلي (اشعيا 1 : 10-14).الله يطلب إيمانا مُخلصا وعبادة صادقة . والذبائح هي علاقة خارجية ، والهدف منها ايمان قلبي .
اليوم ايضا كثيرون يضعون ايمانهم في طقوس دينية أكثر مما في الله الذي يعبدونه .إنّ الله لايسرُّ لممارساتنا الخارجية إذا لم يكن هناك إيمان في الداخل .
جاء يسوع المسيح (حمل الله بلا عيب) ليُقدّم نفسه ذبيحة لغفران الخطيئة مرة واحدة والى الأبد ، والآن يستطيع كل واحد منّا أن يأتي مباشرة الى الله بواسطة يسوع المسيح لأنّه مزّق الحجاب الذي كان يفصل قدس الأقداس عن الشعب وهو على الصليب مذبوحا من أجلنا فكل الأنظار تتجه نحو الصليب (في العهد القديم والعهد الجديد) الى حمل الله الحامل خطايا العالم والذي بفدائه على الصليب وبموته وقيامته فتح لنا الطريق للتصالح مع الله ومشاركة ملكوته الأبدي.

ثالثا : الفداء
كيف استطاع ابن الله المتجسد ان ياخذ في جسده وفي نفسه خطايا ألأنسان وموته ولعنته؟
نعلم ، ومنذ اول خدمة المسيح ، كيف ظهرت خطة الله في تقديم ابنه حاملا جسد ألأنسان وخطيته ذبيحة على الصليب . فقد كشف المعمدان خطة الله كأول استعلان عن عمل المسيح.

الفداء هو الموضوع المحوري في الكتاب المقدس ففي العهد القديم، كان تقديم الحيوانات ذبائح، هو الوسيلة التي رسمها الله لغفران خطية الأنسان، فكان كل فرد يقدم حيوانا ثمينا ذبيحة، ليبيّن أنه لابد من دفع عقوبة الخطيئة. وفي العهد الجديد، تمم يسوع المسيح عمل الفداء على الصليب لأجل خطايانا، وهكذا لم تعد للذبائح الحيوانية ضرورة، فقد كان هو البديل. وكان دمه هو الدم الثمين الذي دفع عقابا عن خطايانا"
"عالمين أنّكم أُفتديتم لا باشياء تَفنى ، بفضة أو ذهب ، من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من ألآباء ، بل بدم كريم ، كما من حَمل بلا عيب ولادنس ، دم المسيح ، معروفا سابقا قبل تاسيس  العالم .."1بطرس 1 : 18 – 20
ماهو الفداء ؟
الفداء في الكتاب المقدس، يعني التحرّر من عبوديتنا  للخطيئة، فجميعنا قد أخطأنا وسنخطئ أيضا مما يجعلنا عبيدا للخطية، ولا نستطيع ان نُخلّص انفسنا من عواقبها.
وهنا يأتي الفداء الذي يتكوّن من جزئين:
أولا : الفدية، أي الثمن الذي يدفع عقابا عن الخطيئة.
ثانيا : البديل الذي يدفع العقوبة عنّا.

كان الحدث عن دم المسيح في القرن ألأول المسيحي هو الحديث عن موت المسيح ، فموته يشير الى حقّين رائعين :

 الفداء والغفران ، فالفداء هو الثمن الذي يُدفع لعتق العبد (لا 25 : 47-54).
فقد دفع المسيح بموته الثمن لعتقنا من عبوديتنا للخطية . وكان الغفران يمنح في العهد القديم على أساس سفك دم حيوانات (لا 17 : 11- اي موت الحيوان).
"هوذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم "يوحنا 1:29".بمعنى ان يكون ذبيحة خطية عن العالم . وقد صدّق المسيح على ذلك مرارا بقوله انه سيتألم ويصلب ويموت وفي اليوم الثالث يقوم ، بمعنى ان المسيح بحسب تدبير ألآب رضي ان يكون كفّارة عن خطايا وذنوب ألأنسان ليفديه، بأن ياخذ معه عوبة الموت واللعنة في جسده وفي نفسه على الصليب، وبهذا يكمِّل فداء ألأنسان،علما بان الخطة كانت جاهزة قبل تاسيس العالم.

والآن غفرت خطايانا على أساس سفك دم المسيح لأنّه مات وكان الذبيحة الكاملة والنهائية "ففيه لنا بدمه الفداء ، اي غفران الخطايا ، بحسب غنى نعمته التي جعلها تفيض علينا مصحوبة بكل حكمة وفهم "(افسس 1 :7)
السؤال : ماذا حدث للناس الذين عاشوا قبل مجئء المسيح وموته من أجل الخطية ؟ إذا دانهم الله فهل يكون ظالما؟وإذا خلّصهم الا يكون معنى ذلك انّ ذبيحة المسيح لم تكن لازمة ؟:
الرسول بولس يبين ان الله قد صفح عن كل خطايا البشر في صليب يسوع ، فكان مؤمنوا العهد القديم يتطلعون الى ألأمام بالأيمان الى المسيح الآتي ، وهكذا خلصوا ، ولو انهم لم يعرفوا اسم يسوع أو تفاصيل حياته على ألأرض ، أمّا مؤمنوا العهد الجديد فيتطلعون الى الوراء بالأيمان الى مخلصهم المصلوب.فأنت تعرف ما لم يعرفه مؤمنوا العهد القديم ، تعرف الله المكتوب عنه :"هكذا احبّ الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد"يوحنا 3 :16".
يقول الرسول بولس في رسالته الى مؤمني رما :" فهم يُبرّرون مجّانا ، بنعمته بالفداء بِالمسيح الذي قدّمه الله كفارة ، عن طريق ألأيمان وذلك بدمه ".(روما 3 :24-25) 

ولكن كيف كان يمكن لشخص من العهد القديم أن يدرك فكرة موت المسيح لأجل خطايانا حاملا العقاب الذي كنا ، في الواقع ، نستحقه؟
لقد كانت الذبائح تعطي هذه الفكرة ، ولكن أن تذبح حملا شيء ، وأن ترى أن عبد الله المختار هو هذا الحمل شيء اخر تماما . ولكن الله كان يزيح ستار الزمن ليجعل الناس ، في زمن اشعياء يتطلعون الى الأمام ، الى آلام المسيا في المستقبل ، والغفران الناتج عن ذلك ، والذي سيُتاح لكل البشر .
"..وعبدي البار يبررُ بمعرفته كثيرين ويحمل آثامهم ..لأنَّه سكب للموتِ نفسه ُ وأحصي مع أثمة . وهو حملَ خطيئة كثيرين ، وشفع في المذنبين "اشعيا 53 : 12،11"
حمل خطايا البشرية جمعاء على خشبة الصليب "
"..لكنه حمل احزاننا وتحمّل أوجاعنا ، ونحنُ حسبنا أنّ الربَّ قد عاقبه وأذلَّه ، إلا أنّه كان مجروحا من اجل آثامنا ومسحوقا من أجل معاصينا ، حَلَّ به تأديبُ سلامنا وبجراحه برئنا " 53 :4 ، 5"
اما في العهد الجديد يقول الرسول بولس:
"إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا" (1تى1: 15). وقال " بذل نفسه لأجلنا يفدينا من كل إثم" (تى2: 14). وقال أيضًا "المسيح افتدانا من لعنه الناموس" (غل2: 13)..
فالمسيح ، العبد البار ، هو مخلصا وربأ للمؤمنين به ، الذي برّرهم ليس باعمالهم هم ، بل بعمله العظيم الذي عمله على الصليب .
فنحن لم نقدر أن نتخلّص من الخطيئة بذواتنا بل أنّ حياة ابن الله تحرّرنا "كُلُّنا كغنم شردنا وتهنا كل واحد الى سبيله ، فاثقل الربُّ كاهله بأثم جميعنا"اشعيا 53 :6"

فنحن نسمع ونقرا عبر التاريخ أنّ الأسرى في الحروب كانوا يتحررون (يطلق سراحهم) امّا بفدية مالية(ثمن يدفع) أو بفدية نفس عن نفس ، وكما يقال فدَيته بمالي أو فديته بنفسي.
الفداء هو أن يحمل اخر آلامك واحزانك وخطاياك ويفدي نفسه من أجلك ، والسبب لأنّه يحبك حتى أنّه يُفديك بدمه ، ويسوع المسيح احبنا ومات من أجلنا على الصليب الذي يرمز الى هذه المحبة. فالمحبّة الغير المشروطة تجعل لذبيحة المسيح قيمتها الفدائية والتكفيرية فوجود شخص الأبن الألهي في المسيح ، ذلك الشخص الذي يفوق البشر وفي الوقت نفسه يشمل جميع اشخاص البشر.
والرسول بولس يقول:"والله اشتراكم ودفع الثمن، فلا تصيروا عبيدا للناس"1كورنثوس7:23
كان الرق(العبيد) أمرا شائعا في الأمبراطورية الرومانية، وكان بعض المسيحيين في كورونثوس من العبيد، ويقول الرسول بولس انّهم وأن كانوا عبيدا للناس، الآ أنّهم أحراراً من سلطان الخطيئة على حياتهم. وهذا يعني انّ الناس يبقون عبيدا للخطيئة الى أن يسلّموا حياتهم للمسيح الذي يستطيع وحده أن يقهر قوّة الخطية، فلا يعود لها سلطان على الذين اشتراهم المسيح وحررهم من العبودية للخطيئة لانّه حرر المؤمنين به . انّ كل من يعمل الخطيئة يكون عبدا للخطيئة " وماذا ينفع الأنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ وبماذا  يفدي الأنسان نفسه؟"متي 16:26 .

لقد ظنّ تلاميذ المسيح انّ حياة يسوع وقوته(معجزاته) ستخلّصهُم من سلطان روما، ولكن يسوع قال انّ موته هو الذي يخلّصهم من الخطيئة، وهي عبودية أقسى من عبودية روما

المسيح جاء ليخلصنا من الخطايا
.يقول الرب يسوع المسيح"لآنّ ابن الأنسان جاء لا ليخدِمَهُ الناس، بل ليَخدِمَهُم ويفدي بحياته كثيرا منهم"مرقس 10:45
الفداء هو غرض موت المسيح وهو الذي دفع الثمن(ثمن التحرير من الخطية والموت)وبدمه الطاهر جعل الذين قدّسهم كاملين الى الأبد"عبرانيين 9:15

لما رفع ابراهيم لذبح ابنه اسحاق قال له الله :"ابراهيم ابراهيم ، فاجاب :" نعم" فقال (ملاك الرب) لاتمد يدك الى الصبي ولا  توقع به ضُرّا  لأني علمت انك تخاف الله ولم تمنع ابنك وحيدك عني "."تكوين  22:13".
الله قدم الكبش لأبراهيم لكي يقدمه ذبيحة عن ابنه اسحاق وهكذا المسيح نفسه الذي قُدِّمَ  على الصليب عوضا عنا . وبينما منع الله ابراهيم من تقديم ابنه ذبيحة ، لم يشفق على ابنه يسوع المسيح من الموت على الصليب . فلو لم يمت يسوع لمات كل الجنس البشري  لقد ارسل الله ابنه الوحيد ليموت عنا حتى ننجو نحن من الموت الأبدي الذي نستحقه ، وعوضا عن الموت ننال  الحياة الأبدية ." فالكبش او الحمل الذي اعطاه الله لأبراهيم ليقدم ذبيحة بدل عن ابنه اسحاق هو رمز لأبن الله يسوع المسيح الذي  حمل خطايا البشرية كلها وقُدّم ذبيحة ليس بدل ابراهيم فقط بل لكل البشرية .
"هذا هو حمل الله الحامل خطايا العالم " (الذبح االأعظم)
 وليس هناك التحرر من الموت والخطيئة الآ بالأيمان بالتبرير المجاني  بنعمة المسيح
يسوع  الذي افتدانا وصار دمه كفارة لكل من يؤمن به "روميا 3:24,25

السؤال الذي يُطرح دائما: لماذا يسوع المسيح وحده فادي البشرية؟
لماذا لا يمكن أن يفدي انسان أخيه الأنسان للخلاص الأبدي؟
لو فرضنا ان انسان مُذنب وقف امام القاضي وهو مستحق الموت بسبب جريمة قام بها فهل يمكن أن يطلب من القاضي ان يدفع المال او شخص بديل عنه مقابل اطلاق سراحه؟ الأجابة طبعا لا يقبل هذا الفداء من القاضي. فما بالنا ونحن البشر وكلُّنا مذنبين نقف امام عرش الله القدوس في يوم الدينونة ونحنُ مذنبون؟
فكلنا مذنبون ومستحقون الموت امام محكمة الله
يقول كاتب المزمور"الأنسان لا يَفتدي نفسَهُ ولا يُكفِّر لله عنها. فدية النفس باهضة (غير محدودة ) ولا تكون ابدا كافية"مزمور49:8,9
كل البشر خاطئين لا يستطيعون فداء انفسهم لانّهم اسرى عبودية الخطيئة
نعم فدية النفوس باهضة وغير محدودة ولا يمكن دفعُها مدى الحياة فقط يسوع المسيح هو الشخص الوحيد والفريد والعجيب الذي تنطبق عليه شروط الفدية وهو الشخص الوحيد القادر على خلاص البشرية من حكم الموت بسبب الخطيئة اللامحدودة ضد الله
1 - فدم المسيح الطاهر يستطيع ان يُطهّرنا من الخطيئة فهو كانسان كامل لم يحمل خطيئة و لم يستطع حتى اعدائه أن يبكّتوه على خطيئة "من منكم يبكّتني على خطيئة"
ويقول الرسول بطرس"فالمسيح تألّم من أجلكم ...ما ارتكب خطيئة ولا عرف فمه المكر....وهو الذي حمل خطايانا في جسده على الخشبة حتى نموت عن الخطيئة فنحيا للحق"1بطرس2" .
اما اشعيا النبي فيقول عن المسيح:"ظُلم واُذلَّ، ولكنه لم يفتح فاه، بل كشاة سيق الى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها "اشعيا 53:7 .
2 - هو الوحيد الفريد الذي عاش حسب شريعة الله وحسب مطاليب الله واطاعة الله حتى الموت، موته على الصليب فهو وحده الذي له الحق في أن يُطلقنا "يحررنا" من" الحكم " لأنّه وحده الذي عاش حياة كاملة من كل وجه(عبرانيين7:26,27
وكما أنّه بمعصية انسان واحد صار البشر خاطئين ، فكذلك بطاعة انسان(يسوع المسيح)واحد يصير البشر ابرارا"روما 5:19 .

ولكي يحرّرنا من عواقب الخطيئة (الموت) فلا بدَّ من دفع ثمن باهظ بدل عنا وهذا مافعله المسيح على الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل لتكون له الحياة الأبدية.
" أنت الذي يحقُّ له أن يأخذ الكتاب ويفضّ ختومه، لأنّك ذُبحت وافتديت أُناسا لله بدمك من كلّ قبيلة ولسان وشعب وامّة"رؤيا5"9

3 - الخطيئة غير محدودة وعقوبتها غير محدودة " والخطيئة دخلت العالم بانسان واحد ، وبالخطية دخل الموت. وسرى الموت الى جميع البشر لأنّهم كُلّهم خطئوا" روما:5:12
ولهذا يجب أن يكون الفادي قدّوس غير محدود ولا تنطبق هذه الصفات الا على شخص يسوع المسيح الآله الغير المحدود وفي نفس الوقت هو انسان كامل يستطيع أن يمثل الأنسان كوسيط بين الله والأنسان ( انسان واله) و شفيعا لدى الله لكونه ابن الله ، لأنّ الوسيط يجب ان يحمل صفات بشرية وصفات الهية للتصالح بين الله وبين البشر(ونستطيع ان نقول يجب أن يكون الوسيط مترجم بين لغة الله ولغة البشر للتفاهم على العهد الجديد عهد المصالحة بين السماء والأرض "...فاذا كان الموت بخطية انسان واحد ساد البشر ...فبالأولى أن تسود الحياة بواحد هو يسوع المسيح أولئك الذين ينالون فيض النعمة وهبة البرِّ"روما 5:17
وها هو يوحنا المعمذان يعترف بيسوع المسيح حامل خطايا العالم فيقول
"ها هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم"يوحنا 1:
نعم كان دفع عقوبة الخطية يتم بتقديم ذبيحة وقد اختار الله أن يقدم الذبيحة بنفسه

- 4 - يجب ان لا يحمل الفادي الطبيعة البشرية الفاسدة ، لأنّ الكتاب يقول عن نسل ابوينا ادم وحواء انّهم أخطئوا واعوزهم مجد الله وليس هناك انسان بار أو صالح ولا احد الجميع زاغوا وفسدوا"روما 3:9,10,11,12 .
اما يسوع المسيح فولادته معجزيّة من ام عذراء محبولة( بلا دنس )من الروح القدس. فهو لا يحمل الطبيعة الساقطة كما نحملها نحن المولودين بالطبيعة الجسدية(من التراب) نتيجة الخطية التي شوهت صورة الأنسان فجاء المسيح ليعيد بهاء هذه الصورة ويعيد علاقتنا مع الله
وحده يسوع البار يستطيع تبريرنا فهو القاضي في المحكمة الذي يستطيع ان يقول للمتهم"غير مذنب" هكذا عندما يمحوا الله ذنوبنا وتصبح صفحتنا بيضاء ناصعة

- 5 - لا تستطيع حتى الملائكة أن تفدي البشرية لأنّها هي ايضا مُلكها لله فكيف تعطي للبشرية ما ليس لها وهكذا الأنسان لا يستطيع ان يفدي انسان اخر لأنّ حياته ليست ملكه ولأنّ الكتاب المقدس يقول "وقلّما يموت احدً من أجل انسان بار"روميا 5:7  فما بالنا من انسان بار يموت من أجل خاطيء. وحده الرب يسوع المسيح قال عن نفسه "لي سلطان أن أخذها ولي السلطان أن استردها."الأنسان لا يَفتدي نفسَهُ ولا يُكفِّر لله عنها. فدية النفس باهضة ولا تكون ابدا كافية"مزمور49:8,9
ماذا حدث في جثسيماني ؟
يقول متى المسكين
ماحدث في جثسيماني كان هو المرحلة الحاسمة من مراحل الفداء ،الخفية بين ألآب وألأبن لأنّنا راينا في ألأخلاء الذي أجراه الكلمة الذاتي في نفسه أول عمل من أعمال الفداء التي قام بها ابن الله لخلق طبيعة جديدة للأنسان سماوية ، يحيا بها في السماء.أمّأ العمل الثاني بلا منازع فكان التجسُّد ، حيث إن الكلمة ابن الله بعد ان أفرغ ذاته من مجد لاهوته (وليس من لاهوته)، إتّخذ لنفسه جسد عبد ، أي إنسان ، وإتّخذه لنفسه الى الأبد . فكان التجسّد أعظم حدث تمّ على مستوى السماء والأرض،وربط ألأنسان بالله الى الأبد.
والآن نأتي الى المرحلة الحاسمة من الفداء:
كيف يفدي المسيح ألأنسان من الموت واللعنة ؟
وهنا نسمع المسيح وهو يصلي في جثسيماني الى الآب "بصراخ شديد ودموع" كما يقول سفر العبرانيين (5 :7) . وكما تصفه ألأناجيل الثلاثة أنه كان يصلّي "باشد لجاجة ، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض" (لوقا22 :44"مصرحا امام تلاميذه ان نفسه قد بلغت من الحزن حد الموت!!"نفسي حزينة جدا حتى الموت" متى 26 : 38"، ثم انكشف السبب الذي زلزل هكذا نفسية المسيح ابن الله الكلمة المتجسّد . إذ ظهر ان محور طلبة المسيح وتوسّله الشديد الى ثلاثة مرات بصلاة وركوع هو لكي يُجيز(يعبر) ألآب عنه "هذه الكأس"!!!!

أما ماهي هذه الكأس ؟ فقد عجز علماء اللاهوت عن التعرُّف على" هذه الكاس "إذ قالوا إنّها رعبة الموت ، وأن المسيح جاء في النهاية وارتعب من الموت !!!!
وهذا التفسيير معيب لايتناسب قط مع المسيح . فالمسيح  ليس اقل من الشهداء الذين كانوا يسخرون من الموت ومن الجلادين ويقدمون اجسادهم للنار وللوحوش بفرح بسبب قوة الرجاء والحياة التي فيهم . فهل يقشعر المسيح من الموت ويتخاذل ويصرخ بدموع الى ألآب أن ينجيه من الموت ؟
فلماذا إذن اخلى ذاته ؟(وهو يعرف انه سيموت يوما) ولماذا تجسّد؟ وبحسب قوله :" لأجل هذا أتيبتُ الى هذه الساعة!!"يوحنا 12 :27".
هناك فرق بين كاس الموت وكأس  الخطايا :فأمّا كاس الموت ،فقد جاء للبشرية عن رضى اما كاس خطايا البشرية فكيف يشربه ويقف قدام ابيه كالعاصي والمجدف والزاني والشرير؟
الحقيقة فهي ان هذه الكاس تعبّر عن كيف سيشرب المسيح خطايا البشرية وعارها ، ويظهر علنا على الصليب حاملا فضيحتها من زنا وقتل وتجديف على الله . فامام حمل الصليب كان عليه ان يقرر هل يقبل ان يكون صانع كل هذه الخطايا حتى يمكن ان يصلب ويموت ؟وإلاّ لو كان المسيح تقدم بجسده على انه هو القدوس فكيف يحكم عليه بالموت؟ بل وكيف يموت ولايموت الا من كان خاطئا ، وكيف يقبل اللعنة على الصليب الا من كان مجدّفا على الله ؟
والآن كيف يقبل ابن الله المتجسد كلي القداسة والمجد ان يقف امام ابيه كانسان زان ونجس وقاتل ومجدّف ؟ كيف والعلاقة بين ألأبن والآب لاتسمح ، فسمة الأبن ألأولى والعظمى هي الطاعة لأبيه ...واضح هنا ان طبيعة الأبن وذاته القدوسة وجفت وارتعبت بحكم قداستها من ان تقف امام ألاب مجدّفة . وظل ألأبن رافضا كاس خطايا ألأنسان وفضيحته أن تُنسب ذاتيا للأبن ، فهذا يطال علاقته بالأب فكيف يقبل؟ ولن يدخل هنا عنصر التجسد ، اي وضع الأبن الجديد أمام الآب حاملا اصلا ما ليس له ، وهو جسد الأنسان . فمشيئة ألأبن يدخلها عنصر ما ليس له ،إذ يدخل فيها حال الجسد البشري الذي يلبسه ، الذي امتنع عليه قبول هذه الخطايا وهو القدّوس . وهنا بلغت المضادة اقصى توترها . وبعد رفض الآب لثلاثة مرات ايضا وهو يرفض إعتذار الأبن وتمنعه ، سلّم الأبن المتجسد المشيئة للآب وقبل المسيح أن يشرب كاس خطايا البشرية طاعة للآب فقط "لتكن لا ارادتي بل ارادتك "لوقا 22: 42" 
وكان هذا هو الفداء ألأعظم أو أعظم ما في الفداء .
الصليب عند الهالكين جهالة امّا عندنا فهو عربون الحياة الجديدة في العهد الجديد حيث تمم يسوع عمل الفداء نهائيا بتقديم حياته ذبيحة على الصليب لأجل خطايانا، بعد أن حررنا يسوع المسيح ودفع ثمن الخطيئة وهو الموت بموته على الصليب وقيامته  فالخلاص والمصالحة مع الله  لم يكن ليتم لولا ثمن باهض وفادي عظيم . الصليب هو الذبيحة الوحيدة للمسيح الوسيط الوحيد بين الله والبشر
وهنا تبدأ المضادة دخوله عمليا على حياة المسيح . كيف يمارس المسيح حكم الموت واللعنة مع (من اجل) البشرية كلها؟!!! إلاّ بحكم إدانة رسمية عالمية موثّق عليه من ألأرض كلها بكل شعوبها
اولا: من قضاة الناموس القوّامين على الناموس الذي يقضي وحده بالموت امام الله ،
ثانيا : ثم يتحتم لكي يُنفّذ حكم الموت ان يصدّق عليه كل ألأمم ممثلين في محكمة عالمية لها قاضيها الرسمي . وبعد مناقشة واتهام وثبوت التهمة حتى يموت امام العالم . وهذا ماتم . والمسيح كان صامتا لايدافع حتى عن نفسه في المحكمتين(راجع  51-52 من الكتاب)
وألآن يتضح امام القارئ ان المسيح اخذ عمليا كل خطايا الأنسان فهو مجدّف على الله ،ومفسد للأمة ، وصانع شر ، ولكن اخطرها انه يجدّف على الله التي عقوبتها الصلب كملعون ."إنه "حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة (1بطرس 2 :24" وصلب بمقتضاها ومات .
كذلك "المسيح افتدانا من لعنة الناموس ، إذ صار لعنة لأجلنا ، لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة ".(غلاطية 3:13".
هنا الفداء يأخذ اقوى معناه ، بل اقوى فعله ، إذ مات المسيح حاملا خطايا الأنسان واللعنة على الصليب ، ونزل الى القبر ودُفن وبقي في حالة الموت ثلاثة ايام ليُحسب موتا كاملا ، وذلك بجسده حاملا البشرية بكل خطاياها ولعنتها وكل عارها .
ولكن يتحتم ان ينتبه كل انسان ان الخطايا واللعنة التي حملها المسيح في جسده ومات بها ، ليست خطاياه، فهو بقي كما هو القدوس الذي بلا خطية .

لذلك تحتّم ان يقوم من بين ألأموات بجسد بشريته نفسه الذي مات به ، ولكن بعد ان اكمل  في جسد بشريته عقوبة الأنسان بالموت واللعنة .وهكذا قام بجسد البشرية وقد سقطت جميع الخطايا عنه ، وسقط الموت واللعنة ايضا [وهكذا دخلت الحياة الى البشرية بانسان واحد] فاصبح جسد بشريته جديدا طاهرا قدوسا غالبا الخطية والموت والهاوية ، واذ ارتفع عن الأرض اوضح بالبرهان المنظور نوع القوة الألهية الرافعة من الموت والتراب ..هكذا برهن بالبرهان العملي المنظور كيف بعد القيامة سيرتفع بنا المسيح لنستوطن السماء معه وفيه .

هكذا يسوع المسيح قدّم نفسه لله بروح ازلي ذبيحة لا عيب فيها يُطّهر ضمائرنا من ألأعمال الميّتة لنعبد الله الحي ، فموته يشير الى الفداء والغفران ، فبالفداء دفع ثمن تحريرنا من موت الخطية وبسفك دمه على الصليب غفر خطايانا ومسحها فكان الذبيحة الكاملة والنهائية.
اعظم امتياز عجيب هو ان تستطيع مشاركة الله في توصيل بشارته للآخرين ، بشارة الله بالفداء والخلاص والسلام . اشعيا 52 : 7"
لقد حررنا يسوع المسيح من اعتى أعدائنا  ألا وهو الموت , وأعطانا الحياة الأبدية " اين شوكتك ياموت واين غلبتُكِ ياهوية ؟ " ونقلنا من الظلمة الى النور ومن التعاسة الى السعادة ومن النجاسة الى الطهارة والقداسة ، ومن العبودية للشهوات الجسدية الى الحرية الروحية  ومن الخوف  الذي يجعل ألأنسان مرتعبا ومشلول ألأرادة ، الى السلام الذي يفوق الوصف
"وسمعت كلّ خليقة في السماء والأرض وتحت الأرض وفي البحر والكون كلُّه تقول:"للجالس على العرش وللحمل الحمد والأكرام والمجد والجبروت الى أبد الدهور"رؤيا 5:13
فهل آمنت بالمسيح وأتكلت عليه ؟
 19 : 9""  هنيئا للمدعوِّين الى وليمة عُرس الحمل!"رؤيا
-------------------------------------------------------------------------------------------------
المصدر
التفسير التطبيقي للكتاب المقدس

32
البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت العالِم -الملحد- ستيف هوكنج!!! ج2

نافع شابو البرواري
مقدمة

علماء الألحاد يؤمنون بقاعدة :
أن المادة تخلق العقل . بينما المؤمنون (ومنهم العلماء بالطبع ) فيعتقدون أنّ العقل هو الذي يخلق المادة "
جون لينكس
جاء في مقدمة كتاب جون لينكس" هل دفن العلم الله " ؟
"قبل بداية القرن العشرين ، لم يكن هناك تشكيك في حقائق ألأيمان المسيحي ، بل وفي الأيمان بحقيقة وجود الله ، كان التشكيك موجود وبقوّة ، لاسيما في عصر التنوير ، لكنه كان دائما من جانب الفلاسفة وليس من جانت العلماء . وبالطبع ليس كل الفلاسفة . فهناك على الجانبين أسماء بارزة من عمالقة الفلسفة . لكن ما الذي أقحم العلم في صراع مع ألأيمان ؟
يقول جون لينكس : تفسيري لهذا أنَّه مع بداية القرن العشرين ،تزعَّمت الفلسفة الطبيعية الفكر ألألحادي ، وكان وراءها "جون ديوي" و"سيدني هوك " وغيرهم.
تَرى هذه الفلسفة (الطبيعية) أنّه لاشيء حقيقي خارج هذه الطبيعة المادية ، وأنّ الطريقة الوحيدة لمعرفة الحق هي بالعلم .
للأسف التحفت هذه الفلسفة بثوب العلم ، بل ,ادّعت بالكذب أنَّها زوجتهِ الوحيدة لكي تخفي ضعف حججها من ناحية ، ولكي تَتَربَّح من وراء صيت العلم الحسن من ناحية أخرى ، وبالتالي تكتسب أرضا من وراء أدّعائها هذا الزواج .
لايعني قولي هذا قط أنّه لا يوجد علماء ملحدون ، كلا هناك بلا شك علماء ملحدون لكن الحادهم لم يكن بسبب عِلمَهم ، بل بسبب آخر بسيط للغاية ، هو أنَّهم أختاروا ألألحاد كفلسفة حياتية يعيشون بها ..لم يكن العلم هو سبب الحاد من الحد ، لم يكن ايضا هو سبب ايمان من آمن (وهم كثر) لكن لكل من الألحاد وألأيمان أسباب أخرى لا دخل للعلم فيها".
واستكمالا للجزء ألأول من المقال كما في الموقع التالي :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=707384
نكمل محاضرة العالم الرياضي ، والمختص بفلسفة العلوم " جون لينكس " ، في ردّه على كتاب العالم الفيزيائي وعلم الكون " ستيف هوكنج " وكتابه "التصميم العظيم"
يقول فيتغانشتاين
"أنّ خداع وتدليس الحداثة هي فكرة أنَّ قوانين الطبيعة تُفسّر لنا العالم فيما أنّ جُلَّ ما تفعله في الحقيقة هو وصف إنتظامات".
يقول جون لينكس:
بالمناسبة اتمنى انكم انتهيتم أنّ العلماء ليسوا هم من وضع الكون هناك وكثيرا ما أميل الى التفكير –لأنه مما يولد ألأحساس بالتواضع لدى المرء- أنَّ أيِّ عالم إنّما يدرس مُعطى بمعطى الكون أُعطيه ، العقل البشري أعطيه (هبة ) لذا يجب ان نتحلَّى بقدر كاف من التواضع يؤهلنا لأدراك انَّ ما نقوم به في الحقيقة ما هو إلاّ دراسة شيء أُعطيناهُ – وُهِبناهُ- شيء تمّ إعطاؤه لنا (دراسة هبة مُعطاة بهبة أخرى معطى ).
وكما أنّ العلماء لم يضعوا الكون هناك ، فلا نظرياتهم ولاقوانين الفيزياء فعلت ذلك ، ومع ذلك يبدو ان "هوكنج" يشير الى أنّ أنَّها فعلت !!.
هل النظرية الموحّدة (نظرية " أم ") مفروضة بقوّة كما يقول في كتابه "تاريخ موجز للزمن"؟ لدرجة انها سبَّبت في أيجاد نفسها مرّة أخرى تناقض ذاتي وإحالة ذاتية ولدرجة أنّي أجد صعوبة في تصديق ألأمر .
هوكنج " يدّعي أنَّ كُلِّ ما يستدعيه خَلَقَ الكون هو قانون الجاذبية . وعندما تمَّ "
سؤاله "على الهواء مع لاري كينغ"
وهو برنامج أمريكي على ما أعتقد على قناة تي في
من أينَ أتت الجاذبية ؟ ردّ "هوكنج " قائلا : من النظرية " أم "
. إذن الجاذبية ناتجة عن نظرية . من هنا جاءت .M
يُعلّق جون لينكس على " هوكنج" ويقول:
"القول أنّ نظرية أو قانون طبيعي بإستطاعته إخراج شيء للوجود هو سوء فهم لماهية مفهوم النظرية . العلماء يبنون نظريات تشتمل على قوانين رياضية لوصف ظاهرة طبيعية ، لكن هذه النظريات والقوانين بذاتها لاتستطيع أن تَتَسبَّب بشيء فضلا عن خَلقِهِ .
إنّه لمن المفارقات المثيرة للسخرية هو أنَه "وليم بالي"
William Paley
أشارة الى هذا الكلام منذ زمن بعيد. فقد قال ، مُعلّقا على الشخص الذي عثر على ساعة وسط الحشائش – القصة المعروفة- إنّ هذا الشخص ستعتريه دهشة كبيرة لو تمَّ إعلامه ،أنَّ الساعة التي في يده ليست سوى نتاج قوانين الطبيعة المعدنية ، وإنَّه لتحرف لغوي أن نصف أيِّ قانون بأنَّه المسبب الفاعل والفعّال لأيِّ شيء . فالقانون يفترض (يستلزم) فاعلا ،لأنَّه لايمثِّل سوى النسق الذي يتحرك الفاعل وفقا له . وينطوي على قوَّة لأنّه يُشكّل النظام الذي تتصرف تلك القوّة وفقا له ومن دون هذا الفاعل ومن دون هذه القوّة وكلاهما متمايز عن القانون. فالقانون لايفعل شيئا وهو نفسه لاشيء ، وهذا ظاهر للعيان من أمثلة هوكنج نفسه المثال ألأول الذي ذكرناه قدمه لنا.
القانون الطبيعي هو كالتالي:
الشمس تطلع من المشرق وتغيب في المغرب ،هذا قانون وهو إنتظام مرصود ومشاهد ، لكن قانون الشمس تطلع من المشرق وتغيب في المغرب لايحرك الشمس من مكانها. وبلا شك لم يخلق الشمس إبتداء ، أليس كذلك ". وكذلك المثال نفسه الذي أعطاه إيّاه الرجل "هوكنج" .
قوانين نيوتن للحركة لم يحدث يوما في تاريخ الكون أنَّ حركة كرة البلياردو من على الطاولة شخص بعصا هو من يفعل ذلك .
القوانين هنا تصف ما سيحدث ، على ألأقل في الخطوات الأولى للكرة قبل ان تتدخل عوامل خارجية عشوائية لكن القوانين لاتتسبب في شيء ولاتخلق شيئا .
إذن ياتُرى ماهو مقصد هوكنج بقوله الكون نتاج قانون طبيعي ؟
يضيف لينكس فيقول:
مناظرة يقول: "ليس هنالك ما يدعو الى أقحام الذي كان لي معه Paul Davis
أيّ شيء فوق طبيعي في أصل الكون والحياة، لم أُحبِّذ يوما فكرة الترقيع ألألهي"(يقصد التدخل ألألهي).
يرد لينكس فيقول: بالنسبة لي ما أجده أكثر إلهاما هو ألأيمان بأنَّ مجموعة من القوانين الرياضية يمكن أن تكون ذكية لدرجة تُمكِّنُها من إخراج كُلِّ هذا الوجود.
حسنا ، لم أحبّذ فكرة "الترقيع ألألهي". هذا لايعتبر تقييما علميا ، لم أستسغ بالمناسبة
مارتن ريس والذي أوردنا كلامه سابقا يقول: Martin Rees
"أُناس ك"جون يولكنغهورن " يحبّذون التفسير بالخالق ، أمّا أنا فأُفضّل ألأكوان المتعددة" .
يعلّ لينكس على هراء بعض العلماء مُخاطبا الحاضرين فيقول :
أصبحنا خارج دائرة العلم ، أيُّها السادة ، نتحدَّث هنا عن تفضيلات شخصية وسوف تُلاحظون أنَّ "بول ديفيس " قال :"لا أحبّ فكرة الترقيع ألألهي".
إذن تُعطى توصيفا للشيء بطريقة تجعله محط إزدراء ويَظهر بشكل سلبي وتافه ثم ترميه وراء ظهرك . هذا ليس عِلما . شيء عجيب يقول: أنَّه يُفضّل فكرة كيف ان مجموعة من القوانين الفيزيائية يمكن ان تكون على درجة من الذكاء .
يضيف لينكس : مرّة كُنتُ في نقاش مع
"بيتر اتكينس" Peter Atkins
قُلتُ له : بيتر أخبرني في نظرك ما المسؤول عن خلق الكون ؟
اجاب "بيتر" :آه "الرياضيات".!!!!!!!!!!!!!!
يرد لينكس : فبدأتُ أُقهقه ، فقال "بيتر" ما يُضحكُكَ ؟ . فرد لينكس قائلا ل "بيتر": أنا رجل رياضيات ، وهذا أسخف شيء سمعتهُ في حياتي .
قال "بيتر" لماذا ؟
أجاب لينكس : "بيتر" واحد+ واحد يعطي اثنان . هل حدث (1+1) وضع جُنيهان في جيبك يوما ؟.طبعا لستُ بذلك الذكاء لأُفكّر في جواب كهذا بنفسي في الحقيقة أخذتهُ من
سي . إس . لويس . رأى ألأمر بوضوح قلَّ نظيرهُ بخصوص C.S. Lewis
قوانين الطبيعة . كتب يقول:
"إنّها لآتنتج أيَّة أحداث فيه تُعبّر عن النموذج الذي يجب ان يتَّبِعُهُ كل حدث –إن كان ممكن الحدوث – تماما كما أنّ قوانين الحساب تعطي نموذجا يجب ان تتَّبعُهُ كُلِّ عمليات تبادل ألأموال – هذا إن كان في حوزتك مال أولا وأصلا – وهكذا ، وفق أحد المعاني : تُغطّي قوانين الطبيعة حيزا كاملا من الزمكان . وبمعنى آخر: ما تتركه هو بالضبط الكون الحقيقي كُلَّهُ . فالسيل الدؤوب للأحداث الحقيقية هو ما يصنع التاريخ الحقيقي ، والزاما هذا ياتي من مكان آخر.
فالتفكير بأنَّ القوانين قادرة على خَلقه يماثل التفكير بأمكانية خلق نقود حقيقية ببساطة عبر إجراء عمليات الجمع(+) ،لأنَّ ايِّ قانون في نهاية المطاف يقول :
"إن كان لديك (أ) فستحصل على (ب) ولكن عليك أن توجد (أ) بنفسك لأنَّ القوانين لن تفعل ذلك لأجلك . ثم ختم هذا الوصف الرائع بقوله : المحاسبة (المالية)، وإن استمرت للأبد ألآبدين لن تنتج (تخلق) أتفه عملة نقدية"انتهى ألأقتباس من سي . اس .لويس .
يضيف لينكس فيخاطب الحاضرين بالقول:
لذا أطرح بين ايديكم مايلي : إنَّ عالما ذو طبيعانيّة مَحضة ، حيث قوانين ذكية مستقلة بذاتها أخرجت الكون والحياة الى الوجود هو محض خيال علمي . ولو لا تَعنُّت "هوكنج" وحرصه على إقصاء الفلسفة لربما سمع بمقولة فيتغانشتاين. "أنّ خداع وتدليس الحداثة هي فكرة أنَّ قوانين الطبيعة تُفسّر لنا العالم فيما أنّ جُلَّ ما تفعله في الحقيقة هو وصف إنتظامات".
كتاب "هوكنج"يرمي الى أنَّه يُجيب على سؤال لماذاهنالك شيء بدلامن لاشيء ؟. والظاهر بالنسبة لي أنّه لم يجب على هذا السؤال تحديدا. كتابه سمّاهُ "التصميم العظيم ".وما بدا لي فيه مثير للأهتمام .إنَّه وجَدَ في نفسه وقعا شديدا للتصميم وبقوّة ، لدرجة أنَّهُ خصَّص فصولا من كتابه لذلك . ثم قرّر تقزيم الموضوع عن طريق محاولة تفسيره على غير ذلك. كتب : كوننا وقوانينه يُظهران أثرا للتصميم ، وكأنّهما قد فصلا على خيّاط ماهر لكي يسمح باحتوائنا . إن كُنّا سنظهر للوجود مما يترك هامش تعديلها ضئيلا ليس مما يسهل تغيره ، ويفتح المجال بداهة أمام سؤال : لماذا هي إذن بذلك التصميم ؟ ألأكتشاف الحديث نسبيا للضبط الدقيق المحكم للعديد من قوانين الطبيعة، قد يؤدي – بطائفة منا على الأقل - الى النكوص الى الفكرة العتيقة المبتذلة التي مفادها ان هذا التصميم العظيم نتاج مصمّم أعظم . تلكم ليست إجابة العلم الحديث وإنّما كوننا هذا واحد من عدة
اكوان كل منها له قوانينه المختلفة .
ألآن ما أمامه علامات تعجُّب !!!! أنّ "هوكنج" استغرق وقتا ليس بالهين في ألأتيان بادلّة تدعم التصميم العظيم ، من ثم أُدرجت تحت مسمى "الفكرة القديمة" طبعا هذا ليس إلاّ مغالطة وخدعة فلسفية .
هو قديم إذن فهو خاطئء ولاصلة له بالموضوع وهذا محض هراء ، فهو لم يعتبر الأمر حقيقة في الأصل بل فقط نعته بالقديم . ثم يعلق لينكس قائلا: تلكم هي إجابة العلم الحديث ، لقد شط الركب بعيدا فكان ألأجدر به قول ربما أنّ هذه ليست إجابة بعض العلماء المعاصرين
يقول جون لينكس : وعلى حد علمي فالعلم ليست عنده وجهة نظر موحدة في الموضوع . العالم "بيل كريغ " أسدى اليّ معروفا كبيرا بحديثه التفصيلي عن ألأكوان المتعددة والعجيب في الأمر أنَّ هوكينج وضع فرضية ألأكوان المتعددة ونظرية "أم" وما جاورهما كبديل عن الله ، وبذلك مرة اخرى يعيد نفس خطئه السابق ، الله او ألأكوان المتعددة . لكن إذا كان هناك أكثر من كون فكيف يكون ذلك حجة على عدم وجود الله ؟. اليس الله بقادر على أن يخلق أكوانا متعدّدة ؟.
في الحقيقة هناك تلميحات خفيفة في الكتاب المقدس أنَّ هذا العالم قد لايكون مملكة الوجود الوحيدة ، فكيف يكون هذا حجّة على عدم وجود اله ؟.
مرة اخرى حيلة اشبه بخدعة النصب بعد كسب الثقة . طبعا كل هذا ونظرية ألأكوان المتعددة شيء فائق وجذّاب . لستُ متخصصا في الموضوع لكني احاول فقط تحريك أفهامكم قليلا . ما أحاول الفت ألأنتباه اليه ان الأيمان بالله إختيار أميل الى العقلانية . إذا كان البديل هو ألأيمان انَّ إيِّما كون ممكن الوجود موجود بما في ذلك كون يكون فيه " ريجارد دوكنز " اسقف كاتدرائية كانتربري ، البابا هو كريستوفر هيتشنز وبيلي كراهام ، ثم التصويت عليه ك "ملحد العالم".
تزامنا مع صدور كتاب هوكينج ، كانت هناك رسالة من أحد أقرانه الموقرين يُدعى "دون بيج" . وهو بروفيسور في الفيزياء النظرية وتشارك Done Page
مع هوكنج في عدة ورقات علمية وهو ألآن يُدرِّس في"جامعة البررتا " بكندا ، ولقد راسلته لأنّه كان حريصا أن يبقى بعيدا عن إستنتاجات هوكينج.
حقيقة "دون بيج " مسيحي وقد أرسل الي تلك الرسالة وأعطاني موافقته بنشرها ونسبتها اليه ، يقول فيها :
"إنَّني أوافق بالتأكيد على أنَّه حتى لو أصبحت النظرية "إم" نظرية مؤسسة بالكامل ، وهي شيء لانعلمه بعد فإنَّه لايمكن إعتبارها نفيا لخلق ألأله للكون".
يعلق لينكس على الرسالة فيقول:
ولذلك فإنَّ النقاشات حول نظرية "إم " حاليا ليست ذات أهمية تُذكر . الشيء الوحيد الذي يُمكنني ان اشير اليه هنا هو أنَّ :"روجر بينروز"
عالم الرياضيات المرموق بجامعة أكسفورد قد قال بصراحةRogrr Penrose
أنّ نظرية "إم " بعيدة جدا عن أي إمكانية للأختيار ، إنّها فقط مجرد مجموعة من ألأفكار الطموحة (أماني).
أمّا بالنسبة لكتاب "هوكينج" وملودينوف فيقول : "إنَّ الكتاب مُضلل الى حد ما فهو يُعطيك إيحاء أنّه على وشك الكلاام عن النظرية التي تُفسِّر كل شيء رغم أنّها بالتأكيد ليست كذلك ، ولايمكن حتى تسميتها نظرية" !!!!!
فعلا إنّ كلام "بينروز" يوضح أنَّ النظرية (إم ) لايمكن إعتبارها علمية . ولاحظ أنَّ "روجر بين روز " هو عضو في "منظمة ألأنسانية البريطانية ".
هناك أيضا مراجعة رائعة منشورة لكتاب هوكنج للكاتب العالمي
يقول فيها:Tim Radford
"إنَّ هذا التاريخ القصير لفيزياء الكونيات الحديثة وقوانين الكم والنسبية تُقدّم لنا إشياء تصيبنا بالدهشة ولكنه أشياء مقبولة عامة ، اشياء تُشبه معجزات الكتاب المقدس . نظرية "إم " تستدعي شيئا مختلفا مُحدثا ومحركا أول قوّة مبدعة في كل مكان وليست في مكان محدّد . هذه القوّة لايمكن رصدها بالأجهزة ولايمكن ألتنبأ بها بالنماذج الرياضية المعقدة ولكنها مع ذلك على كل ألأحتمالات إنها كُلّية الوجود وكلية العلم ، وكلية القدرة !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! " انتهى الأقتباس"
يُعلّق جون لينكس على ما قاله العالم"تيم رادفورد" فيقول:
هل تُذكِّرُكَ هذه الصفات بأحد ما ؟
أود أن أوضح نقطتان إضافيتان ، لقد بدأنا متأخرا ولذلك فانني سانتهي متأخرا .
إنّ الكثير من منطق هوكينج في الكتاب يعتمد على أنَّ هناك تعارض عميق بين العلم والدين (ألأيمان).أنا لا اعترف بهذا التعارض . ما أعترف به هو أنّنا في هذا العام، يجب ألاّ ننسى أهمية تذكُّر الماضي . إنَّ فكرة وجود "مُصمِّم عظيم " هي أبعد ما تكون عن مجرّد فكرة عرضية حمقاء .إنّها في الحقيقة الفكرة التي أعطتنا العلوم الحديثة كما نعرفها .
ويضيف لينكس فيقول:أنا اتكلم عن العلوم الحديثة . يُلخّص هذا المفهوم "سي.أس . لويس".بقوله:
"لقد اصبح في البشر علماء لأنَّهم آمنوا أنَّ هناك قوانين في الطبيعة وقد آمنوا بوجود تلك القوانين ،لأنَّهم ببساطة آمنوا بوجود واضع لهذه القوانين ".
يقول لينكس : إنَّ أحد الأسباب الذي يجعلني لا أخجل ابدا من كوني متدينا عالما هو أنَّ الدين هو ما يعطيني هدفي أن أكون علميا وإنّها تلك القناعة أنَّ هناك الها خلق الطبيعة هي ما مدفع عجلة العلم . والأفتراض أنَّ ألأثنين (العلم والدين) في جوهرهما تعارض ، هو ما لا أستطيع إستيعابه . أنَّ "هوكينج" في نهاية كتابه يسعى الى تقويض فكرة ألأله تماما ، حينما يتكلم عن طبيعة ألأدوات العلمية .
العلم هو نشاط منطقي إنساني ، لكن هوكينج ألآن يحاول وضع البيولوجيا على أنّها مجرد معادلات فيزيائية وكيميائية .
ويُلخِّص (هوكنج) ذلك في أنّه لايمكننا تخيّل وجود للأرادة الحرة مع القوانين الطبيعة لذلك بالنسبة له نحن لسنا إلاّ آلات بيولوجية وألأرادة الحرة مجرّد وهم .
وبالتالي يمكن إعتبار كتابه "التصميم العظيم " هو مجرّد عمل صادر عن آلات بيولوجية . وبالتالي فهوغيرُ ذي بال ويمكننا طرحهُ فورا !!!!
يبدو مثيرا للدهشة ، كيف إنَّ إختزاله ألألحاد الجديد تُقوّض – لايقوّض الدين في الحقيقة- لكنه يهدم المبدأ ألأساسي الذي يجب أن نمسَّك به جميعا للبحث العلمي .
ألأيمان أولا :أنَّ الكون قابل للأدراك والفهم .
وثانيا : ألأيمان بالقدرة على ألأحاطة بالكون وأستيعابه (لوجود التنظيم).
إنّ العقل البشري الى درجة ما يمكنه سبر أغوار الكون وفهمه .
يقول إنشتاين :" لايمكن تصوّر ايّ عالم بدون هذا الأعتقاد (ألأيمان)".
يعلق لينكس فيقول :الفيزياء لاتُعطينا تلك القدرة كما يقول :
. إنّ الفيزياء عاجزة عن شرح قابلية ألأنسانJohn Polkinghorne
لفهم الكون عقليا بسبب بسيط: لأيمكنك البحث عن القوانين الفيزيائية إذا لم تكن مؤمنا بوجود تلك القوانين . لذا ايّها السادة ، فإنَّ إعتراض على ألألحاد الجديد ، ليس مدفوعا بكوني متديّنا (مسيحيا) وإنّما الدافع كوني عالما .
إنَّ إختزاليتهم للأفكار وتصويرها على انها مجرد إنبعاثات في التشابكات العصبية في المخ تُدمِّر اي اساس لعقلانية وأي منطق الذي عماد الوجود وينفي قدرة عقولهم على تطوير النظريات . إنهم ببساطة يقفون في منتهى التناقض .
نقطتي ألأخيرة إنني اندهشت صراحة من اختيار هوكينج ودوكينز واندهشت اكثر
Peter Singer حين ناظرت
من قريب في "ملبورن" حول وجود الله. فأدَّعى أنَّه قد جاء بالفكرة التي تهدم فكرة ألأله تماما . إذا كنت تقول انَّ الله هو خالق للكون ، فمنطقيا عليك أن تسأل فمن خلق الخالق؟!!. وبذلك تكون قد وقعت في التسلسل اللانهائي وهي فكرة سخيفة وإنتهت الحكاية .
وهذه هي حجة دوكينز الرئيسية ايضا في كتابه "وهم ألأله".
يقول لينكس:لا أصدّق هذا صراحة. دعونا نحلل ألأمر،وستكون هذه آخر فقرة لي
"إن سألت من خلق الخالق "؟
هذا يستدعي إفتراض (مسبق) أنَّ الخالق مخلوق في نفس الوقت . الفلاسفة عندهم تعريف لذلك النوع من ألأسئلة يسمّونه "السؤال الملغوم".
يقيّد ألأجابة بفروض مضمّنة مسبقا في مقدمات السؤال – بدون علمك
من خلق ( أ ) ؟ يُفترض مسبقا أنَّ ( أ ) مخلوق ولايمكن إعتباره غير مخلوق
ولذلك فسؤال دوكينز لايعد سؤالا منطقيا ،لأنّه كما تعلمون في المسيحية ، ألأله خالد وليس مخلوقا محدّثا (لم ياتي الى الوجود)
ألأله هو المحدث ألأول لكل حادث لكنه هو ذاته ليس محدثا ، ولذلك فهو لايقع في نطاق سؤال دوكينز . لقد قلت له صراحة : لو سميّت كتابك "وهم ألأله المخلوق"لما اشترى. لأنّنا نعلم لقرون أنَّ ألآلهة المخلوقة بالعقل وهم ، ونعرفها عادة باسم ألأوثان (اصنام) سؤاله له أختبار بسيط ، وقد وضعته لريتشارد في احدى حواراتنا : إذا كنت تعتقد أنّ هذا سؤالا منطقيا وربما في عالمك أنت هو سؤال منطقي . لأنّك تعتقد أنك فقط من صنع الطبيعة ،ألآن دعني أسألك نفس سؤالك :فمن خلق الطبيعة التي خلقتك ؟
وما زلتُ أنتظر الجواب .
اترككم ألآن مع هذه الفكرة : في حوار ستيفن هوكينج مع صحيفة "الجارديان" قال: "الجنة هي مجرد حكاية خرافية لأولئك الذين يخشون الظلام . وطلب مني
التعقيب ، فقلت ُ:" أمّا ألألحاد فهو حكاية خرافيه لأولئك الذين يخشون من النور"
شكرا لكم سيداتي سادتي -------------------------------------------------------------------------- ا
المصدر
محاضرة للبروفيسور جون لينكس بعنوان :
البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت الملحد ستيفن هوكينج
https://www.youtube.com/watch?v=LALhUZiZg5s

33
البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت العالِم "الملحد" ستيف هوكنج!!! ج1
نافع شابو
"الهراء يبقى هراء حتى لو صدر من مشاهير العلماء"
جون لينكس*
مقدمة
يقول الفيلسوف الفرنسي " فرانسيس  بيكون"(1561-1626) :
إنّ الله " قد أعطانا كتابين لايشوبهما اي خطأ :
الأول : الكون المادي ، وتفسيره "العلم "
والثاني : "الكتاب المقدس " وتفسيره "العقيدة اللاهوتية "
Theology
وان كان الكتابان معصومين من الخطأ إلا أنّ تفسيرهما ، لانهما عمل بشري ، قد يقبلان الخطأ .من هنا يبدو سبب الخلاف الظاهري ، بين علم الكون المادي وعلم اللاهوت (الكتاب المقدس ).
ويضيف فيقول : إن أردنا حل هذه المشكلة نهائيا . علينا ان نعي أنّ العلم ليس اختراعا بشريا ، بل هو إكتشاف الحق الذي في الكون (الحقائق الموجودة اصلا ويتم اكتشافها).
فالعلم يشرح لنا في نهاية الأمر : كيف خلق الله ، اي أنّه يشرح لنا الكيفية الحرفيه  للحق  . ولكن ليس في مقدرة العلم أن يصف لنا الخالق ، فهو لاThe Method 
يرى ولا يحتوى بوسائل ألأستقصاء العلمية .
أمّا الكتاب المقدس (التوراة والأنجيل) والعقيدة اللاهوتية التي تفسّره ، فهم    .  .
Why?يدرسان لماذا خلق الله
ومن هو الله ؟.
اي انهما يشرحان لنا معنى الوجود وسببه وصانعه. إن أدركنا هذا الفارق بين الكيفية والمعنى تلاشت المشكلة نهائيا . .
ولكن للأسف ياتي العالم البيولوجي ريجارد دوكنز ليقول :
"إن العلماء سيتفهمون يوما أعمال الكون ومن ثم ستخمد الحاجة للتفسيرات ألأعجازية "
(كتاب العلم والأيمان لي ستروبل).
اي ان ريجارد دوكنز وغيره من العلماء الملحدين امثال ستيف هوكنج يختزلون العلم والفلسفة والمنطق واللاهوت والميتافيزيقية بقولهم ان العلم فقط هو الذي يوصلنا الى الحقيقة فقط دون الحاجة الى المعارف الأخرى .
واستكمالا لمقالاتنا السابقة  بعنوان (مناظرة القَرن - بين العالم ريتشارد دوكنز و جون لينكس - ج1،ج2 ،ج3) كما في المواقع التالية :
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=670755
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=671291
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=676184
استطاع لينكس في مناظرته مع ريتشارد دوكنز ان يجعل الأخير يعترف بوجود ربوبية .
ومنذ ذلك الحين ريجارد دوكنز قال لن اتحاور مع المدافعين عن المسيحية . ستيفن هوكنج انضم الى الملحدين (بعد ان كان يؤمن بوجود الله الخالق)
يقول جون لينكس :
"العلم بدون محبة خطر  والثقافة بدون محبة لاشيء".مات ستيفن هوكنج وترك رسالة قبل وفاته يقول فيها :
"الجنس البشري ليس الا حثالة كيمياوية على سطح كوكب متوسط الحجم يدور حول نجم متوسط الحجم على طرف مجرة من مليارات المجرات.نحن من التفاهة ان نتخيل ان الكون كله خلق من اجلنا ".
يرد البروفيسور جون لينكس فيقول : هذه النظرية المادية البحتة للبشر والحياة يسوقها ، علماء في الفيزياء والفلك والبيولوجيا،  بضاعتهم للأسف. العبرة ليس بالحجم لكنه بالعقل . مثلا ماهي المقارنة بين صحراء مترامية ألأطراف وبين ألأنسان؟
لأ شك انّ الصحراء تخسر اذا كانت المقارنة بالفكر والعقل وألأبداع والخيال .

في هذه المقالة نقدم للقارئ ، والمتابع لهذا الموضوع المهم  والخطير، رد البروفيسور جون لنكس على العالم المعروف "ستيف هوكنج" وهي محاضرة بعنوان : " البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت الملحد ستيفن هوكينج".
. البروفيسور "جون لينكس" ، وهو يكشف تهافت الملحد ستيفن هوكينج يرد على كتاب ستيفن هوكينج "التصميم العظيم " بكتاب بعنوان "ستيفن هوكينج والتصميم العظيم".
يتسائل جون لينكس  لماذا يخطئء الملاحدة الجدد الهدف؟
"الفيزياء لم تترك مكانا للأله !!!". اصبح كتاب "التصميم العظيم " لهوكنج  اكثر الكتب مبيعا وطبعا التصريح المعني بالألحاد لرجل بمكانة هوكنج الفكر كان له تاثير اجتماعي فوري ادى الى تصعيد الصراع القائم من اكثر زاوية .سواء شئنا ام ابينا فالعلم له سلطة ثقافية هائلة في مجتمعاتنا اليوم .
يردُّ جون لينكس على قول الملحد ستيف هوكنج فيقول:" للأسف العلماء المختصين يعتبرون انفسهم هم من يقرّروا مصير البشر في اختصاصاتهم . أنا متخصص رياضي صرف ذاك هو اختصاصي ، لكن هذه الأمور خارج نطاق العلم أصلا (اي ما قاله هوكينج) ، وهو ذات المنصب الذي يشغله السير اسحاق نيوتن .
كتاب "هوكنج" ألأكثر مبيعا "تاريخ موجز للزمن " تم وصفه مرة كأكثر الكتب التي لم تُقرأ في التاريخ ، وذلك لأن الأكثرية لم يوفق في تجاوز الصفحة الثانية (ومع ذلك كان من  اشهر الكتب !!!).
ستيف هوكنج في هذا الكتاب" كان قد ترك مسألة وجود الخالق مفتوحة للأخذ والرد . بعبارته الأكثر إقتباسا :"إذا اكتشف الفيزيائيون نظرية كُلِّ شيء ، والتي توحِّد  القوى الأساسية الأربعة للطبيعة (القوة النووية القوية ، والقوة النووية الضعيفة  ، التاثر الكهرومغانطيسي ، وقوة الجاذبية) ، عندها سوف نعرف كيف يُفكِّر الله ". غير ان كل هذه التحفظات إختفت في كتابه "التصميم العظيم". تحدى هوكنج ألأيمان بوجود خالق للكون وحسب مايرى هو : فإنها القوانين الفيزيائية وليس ألأرادة ألألهية يُعطي التفسير الحقيقي لكيفية خروج هذا الكون للوجود .فالأنفجار العظيم عنده كان النتيجة الحتمية لهذه القوانين .
اما التصريح المحوري للكتاب هو كالآتي :"بسبب وجود قانون كقانون الجاذبية فالكون يستطيع خلق وسيخلق نفسه من لاشيء".
العنوان "التصميم العظيم"يوحي لك في اول وهلة ان هنالك مصمما عظيما (للكون والخليقة) . ولكن في الحقيقة هذا ما صُمّم الكتاب لنفيه  . أكبر استنتاج خلص اليه هوكنج هو: "أنّ الخلق الذاتي هو السبب في وجود شيئ بدلا من لاشيء".
اما لماذا الكون موجود ، ولماذا نحن موجودون فليس من الضروري إقحام الأله ليخلق الكون ويبدأ العمل .
يرد لينكس فيقول : إني لن ادخل  في نقاش علم هوكينج ، هذا خارج اختصاصي ما يعنيني إذن هو : ما استنبطه هوكنج من عِلمه وهذا بالضبط ما يمسنا جميعا الكتاب (قصده كتاب هوكنج التصميم العظيم) ترك ألأمر مفتوحا فيما يخصُّ لائحة ألأسئلة الكبرى التي طالما طرحها البشر :
كيف نفهم الكون الذي وجدنا أنفسنا فيه ؟ كيف يعمل الكون؟ . ماهي طبيعة الوقائع ؟ من اين أتى كل هذا ؟.هل أحتاج الكون الى خالق؟
وعندما تطالع لائحة أسئلة كهذه  كتبها عالم مرموق تصبح متحمسا . ها نحن سنستمع الى عالم فيزيائي ورياضيات من الدرجة ألأولى وهو يعطي نظرته عن أعمق ألأسئلة الفلسفية والميتافيزيقية . هذا ما تتوقعه (من هوكينج) .، لكن سوف نصاب بصدمة ، ففي كلماته التالية يُلغي هوكنج الفلسفة فيقول مشيرا الى قائمته من الأسئلة ، عادة هذه الأسئلة فلسفية ، لكن الفلسفة ماتت (حسب مفهوم هوكنج ) لم تواكب التقدم العلمي الحديث خصوصا في الفيزياء ، كنتيجة صار العلماء هم حملة مشعل ألأكتشاف في مسعانا لتحقيق المعرفة .ألآن هذا التصريح غير معقول من أيِّ كان فما بالك ليصدر من عالم لأنَّه ما عليك الا ان تقرأ الكتاب لتدرك أنّه كتاب عن الفلسفة وكتاب عن الفلسفة والميتافيزيقيا ، يورد في اوّله ان الفلسفة ماتت (يذكرنا هوكنج بالفيلسوف نيتشه الذي قال: الله مات)، ففي الحين إقرع جرس ألأنذار ان كان عندك أدنى المام بأبجديات القضايا الفلسفية .
إنّها لغطرسة غير مبرّرة طرح ألأسئلة والتي هي فرع من فروع المعرفة المحترم جدا والمُتَمثِّل في جامعة هوكينج نفسه "كامبرج". كما في جامعة "ملودينوف"، هو ألآخر .كما ارغب الى الأشارة : أنّ هذا الكتاب ثمثّل  دليلا مزعجا على ان عالمان على ألأقل هوكنج وملودونيف لم يواكبا الفلسفة وحسب ، بل يظهر انهما لايفقهان الكثير منها ، مؤكدين نظرة إنشتاين الثاقبة :"أنّ  العالِمَ فيلسوف سيء (اي فهمهم في الفلسفة محدود)".
أنا على دراية : "أنّ الذين يعيشون في بيوت من الزجاج لايجدر بهم رشق الناس بالحجارة". وهذا الوصف ربما قد ينطبق عليَّ......إن العلماء صاروا جملة مشعل ألأكتشاف هذا قريب جدا للنظرة التي نسميها "العلموية" . الرؤية التي تقرر ان العلم هو السبيل الوحيد للحقيقة ". وهذه القناعة تميّز الكثير من الملاحدة الجُدد ، بصفة خاصة ريتشارد دوكنز ، والآن ما يبدو ستيفن هوكنج
ميداوار ، الحائز على جائزة نوبل ، اشار الى خطر هذه النظرة  "العلموية" في كتابه الرائع "نصيحة الى عالم الشباب" فقال:
 "لايوجد طريق أسرع لجلب العالم العار على نفسه وعلى مهنته من أن يعمل وبكل جرأة – وبألأخص عندما لايكون هناك داع لذلك – أنّ العلم يعرف اوسيعرف قريبا اجوبة كلّ الأسئلة التي تستحق ان تُطرح ، وأنَّ تلك الأسئلة التي لاتتحمل اجابة علمية هي بطريقة أو اخرى اسئلة زائفة أو ليست اسئلة اصلا لايطرحها إلّا السذج ويدّعي البلهاء أنّ بأستطاعتهم إجابتها "
ويستطرد "ميداوار" قائلا:
إلّا أنّ محدودية العلم تتضح في عجزه عن إجابة ألأسئلة البدائية ألأساسية التي تتعلق بالأشياء ألأولى والأخيرة .أسئلة من قبيل :
كيف بدأ كلِّ شيء؟ لماذا نحنُ هنا؟ ماهو الهدف من الحياة ؟.
ثم يضيف : أنّه لابد من اللجوء الى ألأدب التخيّلي والى الدين ، للأجابة على مثل هذه الأسئلة ".إنتهى ألأقتباس"
 Francis Collinsأمّا  فرانسيس كولينز
كان واضحا حول حدود"العلم " بقوله :"العلم عاجز عن إجابة بعض ألأسئلة من قبيل : لماذا خرج الكون للوجود؟ ماهيّة الوجود ألأنساني ؟ ماذا يحدث بعد أن نموت؟.
من المعلوم أنّ العالم "ميدار" وكولينز" عالمان شغوفان لذا من الواضح أنّه لايوجد أدنى تناقض بين ان تكون عالما على أعلى المستويات وفي نفس الوقت تعترف أن العلم لايستطيع ألأجابة على جميع ألأسئلة التي يمكن ان يسألها ألأنسان . لذا يبدو أنّ هوكينج ليس على دراية بهذا .
وأود التطرق مباشرة الى صلب كتاب :التصميم العظيم" الى حجة الكتاب الرئيسية :
"لأنّ هناك قانون جاذبية فالكون يستطيع وسيخلق نفسه من لاشيء!!"
يرد لينكس على هذه المقولة فيقول: ألآن ربما أول سؤال يُطرح هو ماذا يقصد هوكنج عندما يستخدم كلمة "لاشيء"؟. فالكون يسستطيع وسيخلق نفسه من لاشيء!!.
لاحظوا ألأفتراض في الجزء ألأول من هذا الأدعاء "بسبب وجود قانون الجاذبية ".
هذا تأكيد على وجود شيء. فبسبب وجود"شيء" فإنّ الكون سيخلق نفسه من "لاشيء".!
إنّها لطريقة غريبة جدا للبدء اليس كذلك ؟
هوكنج يفترض أنّ هناك قانون جاذبية ولكن يمكن للمرء أن يتفضّل ويضيف على ذلك : "أنّه (هوكنج) يفترض أن الجاذبية موجودة كذلك وذلك لسبب بسيط :
يرد لينكس فيقول:
أنّ وجود اي قانون رياضي (حسابي) مجرّد سيكون بلا معنى إذا لم يكن هناك شيء ليصفه  المشكلة الرئيسية كالتالي: "الجاذبية أو قانون الجاذبية ليس "شيء"هذا اذا كان هوكنج يستخدم هذه الكلمة بمعناها الفلسفي الصحيح وهو عدم الوجود، وإلاّ فكان يجب عليه إعلامنا بذلك .
إذن : صلب الكتاب يبدو عليه التنصيص على أنّ الكون مخلوق من "شيء" ومن "لاشيء"في نفس الوقت [وهذا مخالف للمنطق ومبدأ عدم التعارض] وهذا ما لا أعتبره بداية واعدة .
وبالطبع فأنا على دراية أنّه عندما يتكلم الفيزيائيون عن "العدم" فهم غالبا يقصدون به الفراغ الكمومي ، وهذا كما هو واضح لايعد "لاشيء" (عدما) وهوكينج يشيرالى ذلك لاحقا في الكتاب ويقول :
"نحن نتاج تذبذبات كموميّة في الحالة ألأولى المبكرة للكون "
يرد لينكس فيقول: ما أراه الوجه ألأول من التناقض الذاتي في مقولة هوكنج ، لكني أعتقد بان هناك ثلاثة أوجه تناقض وقد حاولت ان آتي بجملة مشابهة في اللغة الأنكليزية تتضمن بدورها ثلاثة مستويات ذاتية التناقض ولم استطع ألأتيان بمثلها لذا فأني اوجه اليكم التحدي
بان تحاولوا تقليد هوكنج وتاتوا بمثال مواز له . دعونا نحلل الأمر : الكون يستطيع وسيخلق "نفسه".
إذا قلتُ  إنَّ " أ " يخلق " ب " فأنا أفترض مقدما أنّ " أ " موجود " مسبقا " لكي يقوم بأخراج " ب " الى الوجود .وهذا ما تعنيه تلك الكلمات ، ولذا إن قُلتُ " أ " يخلق " أ " فأنا استلزم وجود " أ " مسبقا (ضمنيا) ،لكي يتمكن من إيجاد " أ " .
حسنا هذا تناقض ذاتي ومنطقيا  غير مترابط حتى لو جعلنا " أ " مساوية للكون ، أن نفترض مقدما وجود الكون لكي يؤدي الى ايجاد نفسه فإنَّ هذا يبدو وكأنّه صادر من "أليس من بلاد العجائب "!!! وهذا ثاني وجه تناقض .
ألأول كما قلنا كان : "الكون خُلقَ من " شيء " والذي هو " لا شيء ".
والثاني هو : "أنّه خَلَقَ نفسَهُ ".
ولكن هناك أيضا فكرة أنّ قانون الجاذبية (القانون الطبيعي ) ، يُفسِّر وجود الكون هو أيضا تناقض ذاتي . حيث انَّ القانون الطبيعي في اصله يعتمد وجوده بلا شك على الوجود القبلي للطبيعة التي من المفترض أنّه سيصفها. وسوف أعود الى هذه النقطة لاحق.
لذلك اطرح بين ايديكم مايي ، بغض النظر على أنَّه قد يبدوا مستفزا بالنسبة لكم أنَّ الأستنتاج الرئيسي لكتاب "التصميم العظيم " تبنّى أنّه ثلاثي التناقض !!!!!
والفلاسفة قد يستحثهم هذا لأن يعلقوا : هذا ما يحصل عندما يُقال "الفلسفة ماتت".
....هذا ما يوضح ان الهراء يبقى هراء حتى لو صدر من مشاهير العلماء . لكن ما يساعد على تمويه اللامنطق وجعله مبهما هو حقيقة أن المقولات تصاغ من قبل العلماء لأنّه يظهر لي في خضم مجمل الجدل المعاصر من المخاطر ، وهو خطر حقيقي هو :"أنّه تخلط بين " مقولة عالِم " و" مقولة ألعِلم " (تصريحات عالِم وتصريحات العِلم ). ليس كُلِّ تصريح لعالِم تصريحا للعِلم . (ليست كُلِّ مقولات العلماء مقولات علمية ). لذا فهي لاتُحظى باية سُلطة تنسيها للعِلم نفسه ُ. ولكن ما يؤرقني حيال كل هذا "أنّ هذه النظرة اللامنطقية للكون عن القانون الجاذبية كان موجودا بدون جاذبية ".ليست من النقاط الجانبية لكتاب "التصميم العظيم " وإنّما الحجة المحورية . وإذا كانت الحجة المحورية باطلة فلن يكون هناك الكثير ليقال بعد ذلك ولكن بما أن قوانين الطبيعة لها دور في حجة هوكينج ربما سيكون من المهم التعليق على ذلك أيضا . لأني أكتشفتُ – على ما يبدو- بعض ألأخطاء الفضيعة في فهم طبيعة وإمكانيات قوانين الطبيعة . وإمكانيات قوانين الطبيعة . وللتعاطي مع هذا اود لفت ألأنتباه الى سمة أخرى من الكتاب والتي في الحقيقة لها صلة بقضية تواجه العديد من الناس وخصوصا الشباب اليوم وهو الخطأ الصادر عن دوكنز  وهيتشنز والبقية بعرض الخيار أمام الناس بين الأله والعِلم والقول بأنك ملزم بأن تختار بينهما وفي قضية هوكينغ هنا . 
ألأختيار بين الله أو قانون الجاذبية ولكنكم ستفهمون القصد بالحديث عن النظرية   
مثلا :  M
 كتب هوكنج:"إنّ نظرية " ام " تتنبأ بان العديد من الأكوان العظيمة تكونت من لاشيء". إذ أنَّ خلقهم لم يحتاج الى تدخل قوّة خارقة او إله بل إنّ تلك ألأكوان المتعددة نشأت بشكل تلقائي عن طريق قوانين الفيزياء . 
إذا الخيار المعروض هنا هو : "إمّا الله أو القانون الطبيعي". ثم يتحدث عن تدخل  كائن خارق وما لاحظته في كل منهم هو مايلي : " ليس لأنّي لدي مشاكل مع أفكارهم حول مفهوم العِلم بالرغم أنّهُ في الواقع هناك مشاكل .
يبدو لي أنّ هناك مشكلة منهجية في هذا الجدال تبرز عند الملاحدة الجدد في تعاطيهم المفهوم خاطئء عن الله. ما نوع الأله الذي تتكلمون عنه ؟ ؟
دعونا نستمع جيدا لمفهوم هوكنج عن ألأله الجهل بطرق الطبيعة – هوكنج – وملودينون يكتبان .أدى بالناس في الزمن القديم الى إختراع آلهة لكي تهيمن على كل جانب من جوانب حياة البشر ويقترحان بعد ذلك أن هذا بدأ يتغيّر مع ظهور مفكرين عظام أمثال طاليس الملطي قبل  2600 عام .
الفكرة نشأت عن أنّ الطبيعة تتبع مبادئء ثابتة يمكن فك شفرتها وهكذا بدأت العملية الطويلة باستبدال مفهوم حكم ألآلهة بمفهوم فكرة أنَّ الكون تَحكمه قوانين الطبيعة . وقد وُجِد بناء على مخطط ما وسوف تستطيع قراءة هذا المخطط في يوم من الأيام . بعبارة أخرى إنّ أردت أن تعيد صياغة فكرة هوكنج عن الأله ستكون عبارة عن "إله الفجوات " والذي من الممكن إزاحته مع تقدم العلوم . اهمية ذلك هو أنّه لايمكن المبالغة في التقدير والتشديد لسبب بسيط إذا كان تصورك للأله هو تصور إله الفجوات ، فبالطبع سوف تختار بينه وبين العلم . لأن فكرة اله الفراغات هو أنك إذا لم تستطع شرح ظاهرة معينة: إذن ألأله هو فعلها . وكلما ملأ العلم فراغات أكثر كلما تضاءلت الفراغات التي يمكن ملؤها بالأله . ولهذا لابد لك أن تختار بينهما هذا أمر منطقي .إستغرق الأمر مني وقتا لكي أدرك أن هذا هو الحال . فما يحاولون مهاجمته هو فكرة مغلوطة عن الله . ولهذا فإنَّ هذه الفكرة لها صدى في اوساط العامة . لأنّ هناك الكثير من الناس من يحمل نفس الفكرة وهي أنَّ أناس أمثالكم وأمثالي على ألأقل من وجهة نظر – مسيحيين هنا- يؤمنون بإله الفجوات ولكننا بالطبع لانؤمن بهذا نحن نؤمن باله ليس فقط اله الفراغات بل اله المشهد كاملا . بالطبع هو ليس اله الربوبيّين الذي اشعل الفتيل ألأول بل هو الذي خلق الكون ويحافظ على استقراره  أيضا . بدونه لن يكون هنالك شيء للفيزيائيين أمثال هوكنج لدراسته. فهذا هو الخالق - بالنسبة للمسيحيين على ألأقل – خالق الجزيئات التي نجهلها في الكون والجزيئات التي نفهمها . وبالطبع فإنّ الجزيئات التي نفهمها هي التي تعطينا الدليل ألأكبر على وجود الله وقيّوميَّتِهِ . والمنطق وراء ذلك بسيط جدا .
إعجابي بعبقرية عمل المهندس أو الفنان يزداد بازديات فهمي للصفوية والكفاءة التي انتجت هذا العمل . لذلك فكلما إزداد فهمي للعلوم أزدادت عبوديتي للخالق . وما فعله هوكنج وملودينوف هنا هو الوقوع في خطأ تقليدي هو الخلط بين نوعين مختلفين تماما من التفسيرات .
1 – التفسير من خلال قوانين الطبيعة مع إضافة آليات العمل
2 – والتفسير بالعمالة الشخصية (الفاعل أو العامل)
لذا فإنّ دعوتنا للأختيار بين الأله والعلم لايعتمد كذلك على خطأ فادح بخصوص ما يعد تفسيرا مقبولا . ألأله يعد تفسيرا للكون ولكن ليس من نفس النوع الذي ينتمي اليه . تفسير الفيزيائية (القوانين ) فرضا ، وحتى نجعل ألأمور أوضح . لنقم بتعويض الكون بالمحرك النفاث ومن ثم طلب منا تقديم تفسير وشرح للمحرك .
حسنا نستطيع أن نشرحه من خلال قوانين الفيزياء هندسة الميكانيكا الجوية ...الخ أو نستطيع تفسيره بقولنا : إنّه كان من اختراع
 سيصبح كلاما فارغا .Sir Frank Whittle
إذا طلبنا من الناس ان يختاروا بين هذين التفسيرين : هل تقبل ان هذا المحرك قد نشا عن طريق عمليات طبيعية غير موجّه (عشوائية) نتجت عن قوانين الفيزياء؟.
أو عن طريق عبقرية واختراع السير فرانك ويتل ؟
ولأعطاء تفسير متكامل ، والذي لايعتمد فقط على التفسير العلمي فأنت طبقا تحتاج التفسيرين معا .
أنا أجد أنّ أطفال المدارس يستوعبون هذا بسهولة . وفي المقابل أجد دوكنز لايستوعبه !!!
وأتساءل لماذا هنالك فرقا بينهم ؟؟
والآن ينتابني بعض الخوف حين علمت أنّه ينوي تاليف بعض الكتب لأطفال المدارس ، ولكن على اي حال ، هذا بالنسبة لي أمر مهم للغاية ، ألا وهو : أنّ ألأله عبارة عن تفسير من نوع مختلف أعتقد أنّه :
Richard Swinburne
 الذي قال مرة : " انا لا أتكبر أن العلم يُفسِّر ولكنني أُسلّم بأن ألأله يُفسّر لماذا"
العلم يستطيع أن يفسّر وأله من هذا المنطق هو الأساس لكل التفسيرات . لذا فإنّ بقية التفسييرات مكمّلة له وتجدر الأشارة الى ان هذا الخطأ التصنيفي الذي يقع فيه هوكينج ودوكينز لم يقع فيه نيوتن ، على ألأقل فيما يخص قانون الجاذبية لأنّ نيوتن حينما اكتشف القانون . لم يقل : ألآن وقد صار لدي قانون الجاذبية فلاحاجة لي لله . ولكن ما قام به نيوتن هو تأليف كتاب "ألأصول الرياضية " الكتاب الأشهر في تاريخ العلوم معبرا عن أمله في اقناع ألأنسان المفكّر عن طريقه للأيمان بالله .
ولكن هناك المزيد ليقال : قوانين الفيزياء قد تشرح كيف يشتغل المحرك النفاث لكنها لاتُفسّر كيف جاء الى الوجود إبتداء . من البديهي أنّ قوانين الفيزياء ليس بمقدورها خلق المحرك النفاث  لوحدها ، عدا أنّ تلك المهمة تحتاج لذكاء ، خيال وألأبداع العلمي .ل
    وبالطبع ، فحتى قوانين الفيزياء بالأضافة الى عبقرية Frank Whittle
فراك ويتّل لم يكونا كافين لأنتاج المحرك النفاث إذ يجب أن يكون هنالك مواد تخضع لتلك القوانين ويمكن ل ويتل ان يعمل عليها .
المادة قد تبدو شيئا بسيطا متواضعا لكن قوانين الفيزياء لايمكن أن تخلقها . ومثال المحرك النفاث يمكن أن يفيدنا أكثر لأنه يساعدنا في معرفة بعض جوانب حدود العلم . ومن بين النقاط المجملة التي كثيرا ما يتم طرحها : هو قول الناس ان العلم يطرح سؤال ال "كيف"؟
كيف يعمل المحرك النفاث ؟ أو سؤال ال لماذا ؟ المتعلق بالوظيفة .
لماذا هذا الأنبوب هنا ولماذا ألآخر هناك لكنه لايسال او يجيب عن أسئلة لماذا ؟ المتعلقة بالغاية (الهدف). ولهذا بطبيعة الحال شخص فرانك ويتل  لن يظهر في أيّ من المحاضرات حول الديناميكا الهوائية . كرجل رياضيات كثيرا ما يتم مواجهتي بمقولة
  الشهيرة لنابليون عندما اهدى العالم الفرنسي كتابه الى نابليونLaplace
"فبادرهُ ألأخير بقوله : واين الله في هذا كُلّه ؟ ردّ لابلاس قائلا :
لستُ بحاجة لتلك الفرضية وهو محق قطعا فيما قاله إذا كنتُ أشرح حركة قذيفة على مدار
شلجمي في الفراغ تحت جاذبية فانا لا آتي على ذكر الله ايضا لكن أن تم سؤالي أو إذا تم سؤال لابلاس : لماذا يوجد كون من ألأساس والذي يخضع ويطبع هذه القوانين ربما كان ليأتي ذكر الله هنا . اليس كذلك ؟.
فهو هنا بالطبع يجيب السؤال المناسب .أما علاقة السؤال بوجود الله فليس هناك علاقة .
وهذا نفس ما يفعله ثلة من العلماء ، وغيرهم مع الله . حدّدوا مجال ألأسئلة المسموح للعلم بطرحها ، بحيث تم استبعاد الله من البداية من ثم راح بعضهم يدعي ان العلم اثبت ان الله غير ضروري (لأأهمية لوجوده) منطق عجيب  أليس كذلك ؟ وكثيرا ما يفشلون في ألأعتراف بأنّها محض تكهُّناتهم وأدعاءاتهم رؤيتهم ألألحادية للعالم هي من استبعدت الله وليس العلم من فعل .
تابعونا في الجزء الثاني والأخير
*

جون ليونكس
عالم بريطاني في الرياضيات وهو كاهن اختص في فلسفة العلوم ومناظر مؤيد للمسيحية ويعمل كبرفسور في الرياضيات في جامعة أكسفورد. وهو عضو في زمالة في الرياضيات وفلسفة العلوم في كلية تمبلتون الخضراء، جامعة أكسفورد. وهو أيضا مستشار الرعوي في كلية تمبلتون الأخضر وقاعة يكليف، ومحاور وكاتب معروف في قضية العلاقة بين العلم والإيمان

ستيف هوكنج**
و من أبرز علماء الفيزياء النظرية وعلم الكون على مستوى العالم، درس في جامعة أكسفورد وحصل منها على درجة الشرف الأولى في الفيزياء، أكمل دراسته في جامعة كامبريدج للحصول على الدكتوراه في علم الكون، له أبحاث نظرية في علم الكون وأبحاث في العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، كما له أبحاث ودراسات في التسلسل الزمني.
المصدر
محاضرة  للبروفيسور جون لينكس بعنوان :
البروفيسور جون لينكس يكشف تهافت الملحد ستيفن هوكينج
https://www.youtube.com/watch?v=LALhUZiZg5s

34

أحوال المسيحيّن في عهد المغول بعد سقوط بغداد سنة 1258م الجزء الأول
نافع شابو
مقدمة
جاء في مقدمة كتاب"تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية "الجزء الأول للأب البير ابونا مايلي:
"إنّ التاريخ للأمّة بمثابة العمر للأنسان . فكلما تقدّم الأنسان في سنيه إزداد خبرة الحياة ، إن هو أراد أن يعتبر بعِبَر الحياة في مراحلها السابقة .وكذا الشان مع التاريخ ، الذي قيل أنّه أكبر معلم للبشرية .أجل إنّ التاريخ تجربة البشرية وحصيلة معطياتها يتيح للأنسان استقراء الظواهر وألأحداث وتحليلها ومقارنتها وإدراك طبيعة السنن والقوانين التي تحكم نشاط الجماعات البشرية وتطور الحضارات وعوامل سقوطها . وعلى المؤرخ ان يتلافى النظر الى تاريخ العالم كاحداث عمودية وكعالم جامد مسطح ، بل أن ينظر اليه كحركة حية متطورة تاخذ شتى ألأتجاهات والأبعاد ، فيتدبرها افقيا بكل عناصرها وأبعادها . وعليه ان يعايش التاريخ أنطلاقا من تجاربه النفسية والفكرية والعقيدية لكي يدرك جوهر التاريخ ويقدم لمعاصريه عصارة هذه التجارب بعبارات تنبض حيوية وتتدفق نورا .أما المعايشة التاريخية فتعني أن المؤرخ يحيل التاريخ الى عملية حيوية ويخلصه من التجريد ويدخل الى صميم الحدث ، لا أن يقف خارج ألأسوار وينظر من بعيد . ذلك لأن التاريخ ليس حصيلة أحداث خارجية فحسب ، بل هناك القوى الداخلية والطاقات الروحية للأنسان في عملية تقييم مجرى التاريخ وتحديد مصيره (1).
يكتب غبطة الباطريرك لويس ساكو عن تاريخ الكنيسة المشرقية فيقول :
ربّما كان ينطبق على كنيسة المشرق اليوم، ومن غير مبالغة، كلامُ النبيّ أشعيا: «لا صورة له ولا بهاءَ فننظرَ إليه، ولا منظرَ فنشتهيَه» (2،53). غير أنّه يكفي أن نزيح حجاب الأحداث الراهنة لنرى جمال وجهها المشوّه! فهذه الكنيسة، التي يستهدفها اليوم مسلّحو داعش في شمال العراق وسوريا والعثمانيون في سفربرلك(1915-1919)، قد حافظت على الوجود المسيحيَ في بلاد ما بين النهرين، الذي يعود إلى عهد الرسل. فقد نشأت وسط الاضطهادات، في شبه عزلة واستقلاليَة وعرفت في القرون الوسيطة اندفاعة إرساليَة لا مثيل لها، قادتها إلى أقاصي الصين. ولم تكن أبدًا في تاريخها كنيسة قوميَة بالمعنى الإقصائيّ للكلمة، إذ جمعت تحت جناحيها شعوبًا وأممًا عديدة من بلاد الرافدين إلى الخليج العربيّ، ومن الهند إلى الصين. لذلك فإنّ محاولة تحويلها من سرّ مقدّس وُهب للعالم إلى قوميّة متقوقعة – كما يريدها البعض – يعني تحنيطها. فالكنيسة تتخطّى حدود الأعراق واللغات والقوميّات، لأنّ الكنيسة هي بشرى حياةٍ تتجسّد في كلّ الحضارات والثقافات
ازدهار واضطهاد
ثلاث خصائص أساسيّة ميّزت هذه الكنيسة عبر التاريخ: الاستشهاد تحت الحكم الفارسيّ، الحياة الرهبانيّة التي ازدهرت بعد الاضطهاد، وتشبّثها بالإيمان وبرسالتها خلال العهد الإسلاميّ
عندما جاء العرب المسلمون إلى ما يُسمّى اليوم بالعراق وهزموا الجيوش الفارسيّة، كان أكثر من نصف السكّان مسيحيّين ذوي لغة وثقافة سريانيّة. وانتشرت اللغة العربيّة بسرعة، وذلك أيضًا لأنّ الخليفة الأمويّ عبد الملك (685-705) كان قد جعلها اللغة الرسميّة للإدارة العامّة. وسهّل هذا الجوّ الاجتماعيّ الاقتصاديّ السياسيّ الجديد المسيحيّين في تبنّي لغة القادمين، في حين انحسرت اللغة السريانيّة إلى الليتورجيا والأدب(2)
يتسائل الأب جوزيف قزّي في مقدمة كتابه "بين المسيحية والأسلام" فيقول:
"ماذا بين المسيحية والأسلام ؟ حوار أم جدال؟ قبول أم رفض ؟ تسامح أم تصادم؟..لأ احد يسعهُ أن يجزم ،لأنّ تعاليم ألأثنين تعدو ، من جهة ، الى المحبة والقبول والحوار . ومن جهة ثانية ، نرى الممارسات المسلكية والتطبيقات العقادية مشحونة بالتصادم والقتل .
هناك في الحقيقة مواجهة عنيفة كانت منذ بداية ألأسلام : فكان غزو ، وتهجير، وجهاد ، وفتح وقتال ، وتصنيف للناس بين كافرين ومشركين وأهل ذمة ، وغيرذلك . والله نفسه (في ألأسلام طبعا) يدعو الى الجهاد ، حتى يدعو الناس إسلامهم ، إذ "إنَّ الدين عند الله ألأسلام "" ومن يبتغي غير الأسلام دينا فلن يُقبل منه" و" من يُرِد الله أن يُهديه يشرح صدره للأسلام .
ولايجب أن يبقى في جزيرة العرب دينان ، بحسب وصية النبي الأخيرة .....بينما في المسيحية : الله خالق الجميع ، وإله الجميع ، ويدعو الجميع الى الخلاص: الله "يُريد جميع الناس يخلصون ويبلغون الى معرفة الحق ""1طيموثاوس 2:4
(انتهى ألأقتباس)(3)
في الحقيقة منذ انتشار المسيحية في الشرق، وصولا الى الهند والصين ، كانت هذه الكنيسة مضطهدة، وفي كل عهودها وعبر عصورها. فمنذ عهد الساسانيين وبعدهم غزوات العرب المسلمون في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيّين ،مرورا بعهد المغول بعد سقوط بغداد (1258)م ومن بعدهم الجلائريون والأتراك والعثمانيّون وحتى بعد سقوط الخلافة الأسلامية العثمانية في الحرب العالمية الأولى(1915-1920) ،وصولا الى يومنا هذا . عان المسيحيّون وعبرهذه الحقبات التاريخية من الأضطهاد والظلم والأستعباد والقتل وحتى ابادات جماعية وتهجير وتشريد وتدمير مقدساتهم . كان المسيحيّون في اغلب الأحيان تحت مطرقة الغزوات والحروب التي تُشن من خارج بلدانهم فكان المسيحيّون المسالمون الغير المسلحون في الغالب من اوائل الضحايا والظلم والأستعباد. بينما في الداخل ، كان المسيحيّون تحت سندان الخلفاء والسلاطين والحكام المسلمين يمارسون اشنع وابشع الوسائل الهمجية والغير الأنسانية بحق المسيحيين ، وكان آخرها هي ألأبادة الجماعية للأرمن والسريان والآشوريين والكلدان في تركيا الحالية ، والتي راح ضحيتها حوالي 2 مليون انسان . ولم يتوقف الأضطهاد والتهجير والظلم في البلدان العربية والأسلامية ،بحق المسيحيين ، بل مازال الجرح ينزف دما حتى عصرنا الحالي .هكذا اصبحت المسيحية في دول الشرق اقلية بعد ان كانوا يمثلون نسبة كبيرة خاصة في الدول العربية والفارسية والتركية .

اضطهاد المسيحيين في العهد المغولي
جاء في كاتب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثاني:
منذُ سقوط بغداد بيد هولاكو ( 1258) مرت ستة قرون تخللها الكثير من الحروب والأنقلابات ، واعتراها الكثير من الغموض والألتباس .إنها العصور المظلمة لتاريخ البلاد وتاريخ الكنيسة التي عاشت في هذه البلاد. فعلى الصعيد السياسي ، عمّت الفوضى وساد ألأستبداد وأستشرى ألأستغلال ، منذ أن اطاح الغزو المغولي بالحكم العباسي الذي كان ، رغم ضعف إدارته في العهود ألأخيرة ، يضمن للناس شيئا من ألأستقرار والنظام والأزدهار ، على الصعيدين المادي والفكري . فجاء الأجتياح المغولي ضربة قاضية على ما انشاته ألأجيال من الحضارة والثقافة بجهود جبّارة ، وعلى ما أسفرت عنه تلك الجهود المتواصلة من النتائج الباهرة . فغرقت البلاد في بحر من الذعر والدمار ، وتفكّكت النظم الجميلة التي كانت سائدة فيها ، وأحتل السيف والقتل والنهب مكان الثقافة والنظام والقانون ...
وتوالت العهود المختلفة في البلاد، من المغول الى التركمان ، الى عهد تيمورلنك الدموي ، الى العهود العثمانية ألأولى ،بالأضافة الى تدخلات شاهات الفرس الصفويين التي زادت مشاكل البلاد تعقيدا ، وكلفتها المزيد من الخراب والدمار .وحاولت كل فئة أن تستغل ثروات البلاد بجشع دون حدود.فكثرت المظالم ، وضاعت المقاييس ، وعمّت الفوضى في طول البلاد وعرضها .
أمّا المسيحيّون المنتشرون في شتى ارجاء هذه البلاد ، فلم تكن حالهم بافضل من حال أخوانهم المسلمين[خاصة العرب]،بل كانوا غالبا ما يصبحون ضحايا سهلة للغزاة الذين كانت اطماعهم تملي عليهم مواقف تعسفية تجاه الجميع ، ولاسيما تجاه الفئات المستضعفة التي كانت تحاول دوما أن تعيش في سلام في ظل مختلف الأنظمة التي سيطرت على البلاد،وأن تتعاون معهم للخير والبنيان ، دون ان تفلح دوما في اقناعهم بنزاهتها أو درء اساليبهم التعسفية عن جماعاتها المسالمة.
وفي خضمّ هذه الفوضى المتفاقمة ، كاد سراج العلم أن ينطفيء (منذ حكم المتوكل بالله في العصر العباس الأخيرعندما سيطر فكر النقل على العقل وحورب العلماء والمفكرون ) ، فقلت النتاجات الفكرية ، وارتبك المؤرخون القلائل في تدوين الأحداث فلا عجب والحالة هذه ، ان تكون في تاريخ هذه الحقبة الطويلة فجوات مؤسفة او تناقضات في الروايات نتيجة انحياز المؤرخين او عدم حريتهم في التعبير عن ألأحداث بطريقة موضوعية وتقييمها [بل تم قلب الحقائق التاريخ في الكثير من ألأحيان من قبل الحكام والسلاطين المسلمين ].
كانت كنيسة المشرق ، في شطريها الشرقي والغربي(شرق الفرات وغربه) ، تعيش في جو من القلق وتبحث دوما عن الطرق الكفيلة بحفظ كيانها واستمرارية حيويتها ونشاطها . ولقد تعرضت لكثير من الأرتباكات من جرّاء التغييرات المستمرة الطارئة على ألأنظمة السياسية . ولم يكن من السهل على الكنيسة أن تفرض احترامها على أُناس طُبعوا على الهمجية والتخلُّف ، وهم لايقيمون وزنا لما تقدّمهُ هذه الكنيسة لشعوب المنطقة كلها من المثل العليا والقيم الأنسانية والروحية الأصيلة ، وما تسهم به في رفع شان الثقافة والعلوم(4) .
كاتب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثاني
اواخر العصر العباسي:
شهدت العهود ألأخيرة من الخلافة العباسية ضعفا في الأدارة وفي السيطرة على مختلف ارجاء المملكة المترامية الأطراف ، مما ادى الى نشأة دول عديدة وامارات مستقلة في قلب الخلافة وعلى أطراف مناطقها .فالخليفة قد اضاع منذ مطلع القرن العاشرسلطته الفعلية حتى على بغداد نفسها .
أما ألأسباب الحقيقية لهذا الضعف ، الذي ادى الى الأنهيار التام للسلطة العباسية
على البلاد فهي كثيرة منها:
1 – الكثير من الفتوحات الأسلامية لم تكن الاّ اسمية
2 – لم تكن طريقة الحكم وما رافقها من اساليب ألأستغلال لموارد البلاد وجباية الخراج ضامنة لأستقرار الحال وثباتها .
3 – كما انّ الفوارق والحواجز بين طبقات الشعب- من العرب وغير العرب ، والعرب المسلمين والموالي ، والمسلمين واهل الذمة ..الخ ظلت بارزة طوال تلك العهود
4 – ظلت العصبية القبلية متاصّلة في نفوس العرب ذواتهم تثير الضغائن بين اهل الشمال والجنوب . ولم تتم عملية الأمتزاج بين الفرس ألأيرانيين والترك الطورانيين والبربر الحاميين والعرب الساميين
5 – وظهر ضمن نطاق الدين (ألأسلامي) نفسه من النزاعات المنتنافرة ، مالايقل عن ألأحزاب السياسية ، أثرا في تمزيق ألأواصر . ومن هذه النزاعات نشأت الشيعة وحركة القرامطة وجماعة الحشاشين وغيرهم ..
زحف المغول:
يجمع المؤرخون على ان غزو المغول للشرق ألأوسط هو افدح كارثة حلّت بالأنسانية . ويعود الفضل في جمع المغول وتوحيد صفوفهم الى شخصية قوية هي : شخصية "جنكيزخان " الذي استطاع ان يجتاح بجحافل المغول بلدان التمدن القديم في وحشية مدمّرة ومتعطّشة الى الدم ....انطلق من قلب اسيا (من قبائل منغولية اطلق عليهم التتار). ) وفي زحفه نحو الغرب التقى خوارزمشاه ، واراد جنكيزخان اقامة علاقات طيبة معه ، وارسل اليه ثلاثة تجار مسلمين للتفاوض معه ، حاملين له هدايا نفيسة ، .إلاّ أنّ خوارزمشاه قتل الموفدين بغباوة ، مما اثار عليه سخط جنكيز خان الذي جمع نخبة جيشه وسار بها بنفسه الى خوارزم ، يرافقه اولاده .فسقط امامه المدن والقلاع واحدة تلو الأخرى ، ودمَّر بخارى الشهيرة بعد حصار وجيز.

ثم جاء دور سمرقند وغيرها من المدن الكبرى . وسيَّربعض كتائبه لتعقب الشاه الذي فرّ من امامه والتجأ الى جزيرة في بحر الخزر . وهناك توفي سنة 1221.
حين اجتاح المغول الدولة الخوارزمية سنة 1220 قاموا بقتل جل مسيحيي المدن الكبرى كسمرقند وبخارى ومرو بدون تمييز. وهو الأمر الذي جعل الأوربيون يترددون في الدخول في حلف معهم.

على اثر هذه الفتوحات الصاعقة عاد جنكيزخان الى موطنه ألأصلي لأخذ قسط من الراحة .وهناك وافته المنية سنة 1227
واصل ابنائه فتوحات ابيهم ، فتم لهم اخضاع اوربا الشرقية ، وفتحوا عاصمة البلغار وروسيا وبولندا والمجرما بين سنة 1237،1243م . ثم أُعلن "منكو" أحد احفاد جنكيزخان ،"خانا"أعظم . فعهد منكوخان سنة 1253 م لأخيه "هولاكو" بمهمة القيام باخضاع ما تبقى من بلدان الشرق ألأوسط وفتح آسيا الغربية كلها . فغادر هولاكو بلاد المغول ، في جيش جرّار وهو يقصد القضاء على "الحشّاشين " والخلافة(العباسية) معا . فدمّر قلاع الأسماعيليين (الحشاشين)[ كانوا يشبهون دواعش اليوم ] ، واسر زعيمها خورشاه،سنة 1256 م ثم وصل الى همدان في السنة التالية . ومن هناك ارسل الى الخليفة العباسي "المستعصم " يتهدده ويتوعده مطالبا اياه بالأستسلام .لكن الخليفة رفض هذا الطلب (5).
تاب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزءالثاني

سقوط بغداد سنة 1258:
كان الخليفة المستعصم (اخرخلفاء العباسيين ) محاطا بمستشارين اردياء مثل الوزير مؤيد الدين العلقمي المتواطئ مع المغول . هؤلاء المستشارون حملوا الخليفة على اتخاذ موقف التصلب والرفض الذي ادى الى الكارثة والدمار...
في كانون الثاني سنة 1258 م اشتبكت القوات العباسية بقيادة الدويدار الصغير مجاهد الدين ايبك مع القوات المغولية عند الدُجيل(قرب بغداد).وانتهت المعركة
بتحطيم الجيش العباسي ..وتقدم هولاكو من خانقين بالجيش المغولى الرئيسي المؤلف من 200000 محارب الى بغداد. وفشلت محاولات الخليفة التوصل الى حل سلمي ، بعد فوات الأوان ، إذ أوفد الى هولاكو الوزير "إبن العلقمي" مع جاثليق النساطرة للمفاوضة بالصلح ، وكان لهولاكو زوجة مسيحية تُدعى "دقوز خاتون ". إلا ان هولاكو رفض مقابلتهما . إقتحمت عساكر هولاكو مدينة بغداد في شهر شباط 1258م . اضطر الخليفة مع 300 وقيل 3000 من خاصته وقضاته الى المجيء الى هولاكو خاضعين مستسلمين دون قيد او شرط . لكن هولاكو امر بقتلهم . وقتل الخليفة . ثم أطلق الفاتحون أيديهم ببغداد واهلها قتلا ونهبا وتمثيلا سبعة ايام او يزيد ، حتى قضوا على أكثر سكانها ، ولم يستثنوا اسرة الخليفة ، ولم يميزوا بين الرجال والنساء والأطفال ، حتى قيل ان عدد القتلى فيها بلغ 800000 نفس بل قيل الف الف (مليون )نفس ولم يبقى من اهل المدينة ومن اهل السواد الا القليل . والقيت النار في المساكن واستولى الخوف في المدينة . فتراكم القتلى في الدروب والأسواق كالتلول. عدا من أُلقي من ألأطفال في الوحل ومن هلك في القنى والآبار والسراديب ، فمات جوعا وخوفا. وثقل الهواء بما حمله من رائحة كريهة ، رائحة الجيف المنتنة واشلاء القتلى المطروحة في شوارع المدينة . بحيث اضطر هلاكو الى الأبتعاد عن المدينة اياما [ كما فعل محمد الفاتح العثماني بمسيحيي القسطنطينية (اسطنبول حاليا) عندما دخلت جيوشه المدينة سنة1453م وعمل مثل ما عمل هولاكو ولكن الفرق هو ان محمد الفاتح سمح لجنوده بالقتل والذبح وهتك الأعراض لمدة 3 ايام ]
كان هولاكو نفسه وثنيا ، ولكنه اظهر العطف على البوذيين والمسيحيين ، إبتغاء مرضاة زوجته المسيحية دقوز خاتون . وعامل جاثليق المشرق معاملة حسنة ، وابقى على بعض المدارس والمساجد.
توفي هولاكو سنة 1265 م ، بعد ان دوّخ العالم بفتوحاته ، وقضى على الكثير من معالم التمدن والحضارة .ودفنت معه غانيات جميلات ، عملا بالعادات المغولية .
وفي عهد الأليخان السابع "غازان محمود"1295-1303" تبنى المغول الديانة ألأسلامية التي اصبحت منئذ دين الدولة المغولي الرسمي .
منذ سقوط بغداد ،وما احدثه غزو هؤلاء ألأقوام من الفوضى والدمار والأبادة في بغداد العاصمة وفي المناطق الأخرى من البلاد ( في بلاد بين النهرين وما يجاورها من بلدان الشرق ألأوسط ) لم يكن هناك شعب يتمتع بالأستقلال سواء كانوا مسلمين او مسيحيين عرب او كردا او سريان او اشوريين .
فبالرغم من حماية داقوزخاتون ، زوجة هولاكو للمسيحيين ، الا ان المسيحيين لم يكونوا في وضع مستقر ، بل غالبا شاطروا مصير اخوانهم المسلمين، وتعرضوا للقتل والنهب والسلب من قبل السلطات المغولية عديمة الرحمة . فقد اصدر هولاكو امرا بابادة المسيحيين في تكريت ،بحيث لم ينجى منهم سوى القلائل من الشيوخ والعجائز.(6).
تاريخ الكنيسة الجزء الثاني الأب البير ابونا
يزودنا إبن العبري ، في التاريخ السرياني او تاريخ الزمان ، وفي تاريخ مختصر الدول بأحداث كثيرة تخص المسيحيين جرت في عهد المغول :
ففي سنة 1259 ، صعد عزالدين سلطان قونيا الى دير ماربرصوما ووعد البطريرك ديونيسيوس بكل خير ومساعدة . وفي 20 تموز من السنة نفسها ، توفي الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ ابو الفضائل صاحب الموصل(والي الموصل) ، وخلفه ابنه الملك صالح اسماعيل . ومن طريف مايروى عن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل أنّ الخليفة العباسي ألأخير المستعصم كتب اليه يطلب منه جماعة من اهل الطرب !!!. وفي تلك الحال ، وصل رسول السلطان هولاكو يطلب منه منجنيقات وآلات الحصار . فقال بدر الدين: "أُنظروا الى المطلوبّين ، وأبكو على ألأسلام "[ ينطبق على الخليفة المستعصم المثل المشهور: "عرب وين وطمبورة وين "]. وما ان اقبلت سنة 1260م حتى نزل هولاكو بصحبة 400 الف جندي الى المناطق بين النهرين العليا . فاستسلمت حران والرها ، واقتحموا سروج واحتلوها عنوة . ومدوا جسورا على الفرات واجتازت العساكر الى سوريا ، مع ملك الملوك ودقوزخاتون الملكةالمسيحية . وجرت مجزرة رهيبة في منبج ، وأجتاح المغول الحصون والقلاع في تلك المنطقة . وحاصروا حلب ، فقاومهم الملك ابن صلاح الدين . ولكنه لم يصمد طويلا امام جيوش هولاكو. فدخل المغول مدينة حلب وجرت فيها مجازر قتل فيها أكثر مما قُتل في بغداد لدى استيلائهم عليها .ثم استولوا على الشام ، ورتَّب هولاكو فيها اميرا كبيرا يُدعى كتبوغا ، وهو تايماني مسيحي ، ومعه عشرة آلاف فارس . وكان ابن العبري نفسه مطرافوليطا في حلب لدى سقوطها في ايدي المغول . فذهب ليقدّم الخضوع لهولاكو . فسجنه هذا مدة في قلعة نجم . ثم عاد هولاكو الى بين النهرين ، وحاصر ماردين واستولى عليها بسبب الوباء الذي تفشّى فيها . وقد قُتل كتبوغا بعد ذلك في معركة جالوت .
ولدى اجتياز شمس بن يونس بناحية برطلي(في سهل نينوى) تشاور مع رؤوساء النصارى فيها ، وأطلعهم على ان الملك الصالح صاحب الموصل عازم على قتل زعماء النصارى في منطقة نينوى،فسارع المسيحييون في الذهاب الى اربيل .
وإثرهروب الملك الصالح من الموصل (والي موصل العباسي)، دخلها قوم من المناوئين ، وثار اهل الموصل على النصارى ، ونهبوا بيوتهم وقتلوا الذين لم يعتنقوا ألأسلام .وكثيرون من الكهنة والشمامسة والرؤساء والشعب جحدوا دينهم تجنبا للأضطهاد. ونزل الأكراد ايضا من الجبال المجاورة ودخلوا الموصل ومناطقها واقترفوا المجازر بين المسيحيين ، واستولوا على دير الراهبات في بلدة خوديدة (قره قوش) ، وقتلوا فيها خلقا كثيرا . ومن هناك صعدوا الى دير مار متي وحاصروا فيه الرهبان طوال اربعة اشهر. واقتطعوا جزءا من الجبل ودحرجوه على الدير . لكن الرهبان سدوا الثغرة التي احدثتها الصخرة في جدار الدير واستمروا في مقاومة الغزاة المعتدين . وأصيبت في المعركة عين ابي نصر رئيس الدير . في الأخير ، تفاوضوا على السلام ، وقبل ألأكراد ،لأنهم خافوا من قدوم المغول ، وأخذوا اموالا طائلة من الدير وعادوا ادراجهم . وكان مسيحيّوا آخرون قد فرّوا من الموصل واحتموا في دير الخنافس.
لكنهم غادروه وقصدوا الزاب يريدون الذهاب الى اربيل . إلا ان عصابة قوتلو بك صادفتهم وفتكت بهم وأبادتهم عن بكرة ابيهم .
واشتهر في ذلك الزمان القائد المغولي المسيحي "سمداغو" الذي لعب دورا هاما في الحروب الدائرة في منطقتي الموصل والجزيرة . فقد تمكن هذا القائد من الوصول الى الموصل سنة 1263م وأعادة النظام فيها. ثم ذهب وحاصر الجزيرة منذ الشتاء حتى الصيف . وكان حنانيشوع اسقف المدينة النسطوري خارج المدينة آنذاك .، فاخبر ملك الملوك انه يعرف صناعة الكيمياء وان بوسعه ان يطبع له من الذهب بمقدرا ما يشاء . ونال من هولاكو امرا بصيانة حياة سكان الجزيرة . فاستسلمت المدينة ودخلها الجيش المغولي بقيادة سمداغو الذي هدم اسوارها ورتّب فيها الرؤساء ، وعيّن حنانيشوع حاكما عليها .
في مطلع الصوم الكبير توفي هولاكو .ويقول عنه المؤرخ المسيحي "ابن عبري" انّه كان حكيما حليما ذا فهم ومعرفة يحب الحكماء والعلماء . وفي الصيف التالي تبعته الى القبر دقزوز خاتون ، وكانت ايضا عظيمة في رايها وخبرتها . وخيّم الحزنُ على المسيحيين بموتها لأنهما كانا يدعمان الديانة المسيحية.
وفي الثامن عشر من نيسان سنة 1265 ، توفي ايضا البطريرك الشرقي مكيخا ودفن في البيعة (كنيسة) الجديدة التي بناها بدار الخليفة ، وكانت رئاسته اكثر من ثماني سنين بقليل ، وخلا الكرسي بعده سبعة اشهر وخمسة عشر يوما .
بعض الجرائم ،التي ارتكبها المسلمون بحق المسيحيين في عهد ملوك المغول [غير الجرائم التي ارتكبها المغول ] قبل ان يدخلوا ألأخيرين في الأسلام ليكون دين الدولة الرسمي:
1 – في حزيران 1268 ، حاصر البندقدار صاحبُ مصر مدينة انطاكيا(ذات الغالبية المسيحية) واحتلتها جيوشه وأَعملوا فيها السيف والدمار واحرقوا كنائسها الشهيرة . وفي ذلك الصيف ،القي القبض على حنانيشوع اسقف الجزيرة النسطوري وصدر امر بقتله ، فقطعوا رأسه وعلقوه فوق باب مدينة الجزيرة .
2- وفي مطلع الصوم الكبير سنة 1271 هاجم بعض الرعاع المسلمين علاء الدين صاحب الديوان في بغداد وطعنوه بالسكاكين , وزعم المسلمون ان الجناة كانوا من المسيحيين الذين ارسلهم الجاثليق لهذا الغرض. فالقي القبض على الأساقفة والرهبان والرؤوساء المسيحيين في بغداد وأودعوا السجن !!!. والقى "قوتلوا بك" اميرُ اربيل القبض ايضا على الجاثليق مار دنحا وعلى اساقفته وسجنهم ، ومكثوا في هذه المحنة طوال الصوم ، الى ان جاء امر من المعسكر يقضي باخلاء سبيلهم . إذ ذاك ذهب الجاثليق المظلوم واستقر في مدينة اشنو في اذربيجان .
3- سنة 1274 م اراد مسيحيّوا اربيل ان يحتفلوا بعيد السعانين ،حسب تقاليدهم ، ولكنهم شعروا بان المسلمين سيسببون لهم المتاعب ، فاستنجدوا ببعض المغول المسيحيين الذين جاؤوا ورفعوا الصلبان فوق رماحهم ، وتقدموا موكب السعانين راكبين خيولهم ، يتبعهم المطرافوليط مع المؤمنين . وما ان وصلوا الى القلعة (قلعة اربيل) ، حتى انهال المسلمون عليهم رجما بالحجارة .فتشتت موكبهم وعادوا الى بيوتهم خائفين . وفي هذه السنة ايضا توفي نصير الدين الطوسي الفيلسوف صاحب الرصد في مدينة مراغة ، وكان حكيما عظيم الشأن في جميع فنون الحكمة .
4 – وفي سنة 1275 ، هاجم المصريون مناطق قليقية ودمروا البلاد ، وقتلوا 25 راهب في دير باقسماط ، مع الربان شليمون الشيخ الجليل وأمين سر البطريرك مار اغناطيوس السرياني ، واحرقوا الدير مع سائر الأديرة الأخرى في المنطقة .فاضطر البطريرك السرياني الى الهرب واللجوء الى قلعة بهغا .
5 – وفي 17 شباط سنة 1276 نزل غباراحمر كثيف في مناطق الموصل واربيل ، ودام ست ساعات ، واثار الرعب بين السكان . وفي ألأثنين السابق لعيد القيامة عند المسيحيين ، قتل الأتراك اسقف مدينة ارزنجان ألأرمني مع ثلاثين آخرين من الكهنة والرهبان والمؤمنين .
6 – وفي سنة 1277 ، هاجم الأكراد جبل ألألوف ، وقبضوا على عشرة رهبان من دير مار متى ، فقتلوا واحدا منهم وباعوا التسعة الآخرين باربعة آلاف درهم.
7 – وحينما رات الملكة قوتاي خاتون ، سنة 1279 م ،أنه منذ ان كفَّ المسيحيّون من تقديس ماء النهر(نهردجلة) يوم الدنح (عماد المسيح ) ، وذلك بسبب ما كانوا يتعرضون له من مضايقات المسلمين ، عمَّ البلاد بردٌ شديد ، جاءت الى مراغة ، وامرت المسيحيين بان يخرجوا كعادتهم ، مع صلبان معلقة على رؤوس الرماح . وعندما قاموا بهذه الرتبة ، منَّ الله عليه ، فتلطَّف المناخ ونبت الكلاْ وصار الشتاء معتدلا مثل الربيع ، وعمّت البهجة جميع الناس
8 - وفي مطلع عام 1282 عاد اباقا خان من بغداد الى مدينة همدان . وفي احد القيامة ، ذهب الى الكنيسة واحتفل بالعيد مع المسيحيين مبتهجا . وفي يوم ألأثنين اقام له احد كبار الفرس المسيحيين اسمه بهنام وليمة فاخرة في داره. وفي ليلة الثلاثاء تغيّر مزاجه واضطرب وصار يرى الخيالات في الهواء . ويوم ألأربعاء ، وهو اليوم ألأول من نيسان لتلك السنة ، وهو العشرون من ذي القعدة ، وافته المنية . وفي 26 نيسان توفي اخوه مانكو تيمور ايضا . وبعد موتهما ساد ألأضطراب في منطقة نينوى ، والتجأ المسيحيون الى دير مار متى ، حيث حلّ بهم الوباء وتوفي نحو 30 راهبا (6).
تابعونا في الجزء الثاني عما حدث للمسيحيين بعد تحول المغول الى الأسلام
------------------------------------------------------------------------
(1)
"تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية "الجزء الأول للأب البير

(2)
البطريك ساكو يكتب "كنيسة المشرق":الفا عام من الأضطهاد والرسالة
https://www.radiomariam.org/patriarca-sako/

(3)
الأب جوزيف قزّي في مقدمة كتابه "بين المسيحية والأسلام"

(4)
كاتب تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثاني:
(5)
المصدر (4) اعلاه
(6)
تاريخ الكنيسة للأب البير ابونا الجزء الثالث
مصادر اخرى مهمة
لمن يريد المزيد عن موجز لتاريخ الكنيسة منذ بداية عصر الساسانيين الى سقوطها على يد العرب وبداية الأسلام يمكنه مراجعة المواقع التالية .
راجع مقال للكاتب بعنوان "احوال المسيحيين في عهد الخلفاء العباسيين "
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=828275.0

الحروب الدينية بين الفرس والروم البيزنطينيّين في عهد كسرى الثاني للفترة (590-628)م ج2

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=690483
الحروب الدينية بين الفرس والروم البيزنطينيّين في عهد كسرى الثاني للفترة (590-628)م ج1
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=689146
إنتشار المسيحية في عهد كسرو الثاني قبل الحروب الساسانية البيزنطية ج3
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=652010
انتشار المسيحية في عهد الأمبراطورية الساسانية قبل ظهور الأسلام ج2
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=645449
انتشار المسيحية في عهد الأمبراطورية الساسانية قبل ظهور الأسلام ج1
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=644780
جذور ألأسلام النصرانية وأكذوبة "العصر الجاهلي" في التراث الأسلامي
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=641826



35


النظرة العقلانية والفلسفية للأيمان بخالق للكون
نافع البرواري
مقدمة
" السماوات تَنطق بمجد الله والفلك يُخبر بعمل يديه ِ، فيعلنه النهار للنهار والليل يُخبربه الليل بغير قول ولا كلام ولاصوت يسمعهُ أحد "مزمور 19 :1

كان التقليديون من الفلاسفة المؤمنين ،عبر تاريخ الكنيسة ، يعتقدون بألأثباتات التاريخية ، منذُ يسوع المسيح الى ظهور عصر التنوير ، إبتداءً من "عمانوئيل كانت " الذي أراد إثبات وجود الله بالعقل والمنطق . ولكنه أخطئ في الكثير من آرائه وبهذا فتح ، هذا الفيلسوف، المجال للفلسفة بمناقشة هذا الموضوع بالعقل والمنطق . وهكذا نشات مدارس فلسفية مختلفة ومنها فلسفة ألألحاد ، التي يمكن اختاصرها كما يلي:
1 – عدم وجود أيِّ أدلة أو براهين على وجود ألله
2 – وجود اله متّصف بصفات الكمال منذُ ألأزل هو أكثر صعوبة وأقل احتمالا من نشوء الكون والحياة . لأنَّهما لايتصفان بصفات الكمال .
بمعنى أوضح : إنّ أفتراض وجود اله حسب رايي الملحدين يستبدل معضلة وجود الكون بمعضلة أكبر وهي كيفية وجود ألأله الكامل منُذ ألأزل ؟ .(1)

هناك الكثيرون من الفلاسفة المعاصرون ، يؤمنون بان الفكر الفلسفي نفسه يجب اخضاعه الى النسبية الدينية ،ولا توجد حقيقة مطلقة(الله الخالق بحسب المفهوم المسيحي )، بل توجد حقائق ، والحق البشري هو فوق كُلِّ شيء ، وحتى القيم الأخلاقية أصبحت نسبية ،بنظر هؤلاء . هناك اتجاها تعبّر بعمق عن إقصاء المُثل الكونية العليا لا بل يتم اخضاع الفكر الفلسفي نفسه الى نسبية تاريخية – ثقافية.إ
بعض الجامعات ، لابل التعليم في أمريكا والغرب لم يعد يُعتبر مادة المنطق الزامية ، فلا يدرِّس في الجامعات ، لكن لايمكنني أن أتخيّل أن يتخرّج أحدهم ، في مجال الفلسفة من دون أن يتابع على ألأقل دورة تمهيدية في المنطق وقانون عدم التناقض
في دراسة لعالم أمريكي أنَّ 95% من طلبة المدارس الثانوية في أمريكا يحملون ألأعتقاد بالنسبية *عند دخولهم للجامعات ، لأنَّ المجتمع ألأكاديمي في أمريكا الحديثة لديه ذهن منغلق على الحق الموضوعي . والآن يُنظر الى الحق على أنّه ذاتي وأنّه مسألة "أفضلية
بعض الجامعات لابل التعليم في امريكا والغرب لم تعد تعتبر مادة المنطق الزامية فلا يُدرّس في الجامعات .
يعلق ار سي سبرول على هذه الظاهرة فيقول:
ولكن مع أنَّ نسبة 95% من الناس يقولون نحنُ نسبيّون ، لكن لأ أحد يبقى نسبيا لأكثر من اربعة وعشرين ساعة ، لأنّه لايمكنك أن تعيش في هذا العالم ثابتا على مبدأ النسبية . لأنَّه لايمكنك قيادة سيارتك والوصول الى تقاطع طرق ورؤية شاحنة قادمة نحوك والقول :"كُلُّ شيء نسبي " ، وأنا أختار بكلِّ ذاتية أن أُومن بأنَّه لاتوجد شاحنة على الطريق السريع
فاتوقّف أمام وهمي الذاتي هذا وأموت ".
اذن ، يُفترض الناس ، وعلى الرغم من إنكارهم للأمر نوعا من ألأطار المنطقي للعالم الذي يعيشون فيه .
اليوم هناك الملايين من الجهات الذين ينتهكون قانون عدم التناقض ومباديء علم المنطق في محاولة لنسف ألأيمان المسيحي. في حين أنّ المنطق يتطلب منهم ، وأنطلاقا من المقدمات المنطقية على ألأعتراف بوجود الله ". في الواقع ، إنَّ افتراض إطار منطقي وموضوعي للواقع ، هو إفتراض ضروري لأيّ نوع من العلوم ، وارسطو في بحثه الفلسفي هو من وضع نظريات الفيزياء والكيمياء والدراما والأخلاقيات وعلم ألأحياء وهو كان مذهلا في نطاق تعلُّمه ، لكن الى جانب تطوير هذه العلوم التي تفرَّد بها وضع أيضا ما يعرف الآن ، وبما أنَّه عمله ، ب "المنطق ألأرسطي ".
الكثيرون من العلماء الملحدون لايؤمنون بالبراهين وقواعد المنطق .ألأمر الأكثر خطورة في ايامنا هو انتصار عدم العقلانية لا على الذهنية العلمانية فحسب بل على المجتمع المسيحي ايضا ، حيث نرى الفلسفة الوجودية تتغلغل داخل الفكر المسيحي بحيث انه حتى معاهد اللاهوت اليوم ، حيث الطلاب عندما يدخلوا معاهد الفلسفة واللاهوت يحملون فكر العلمانيين ، بانه يمكن للحق أن يكون غير منطقي وبانه يمكن للكتاب المقدس ان يكون متناقضا وان يبقى كلمة الله.
ان كان التناقض هو السمة المميزة للحق ، . فما من سبيل لك للتمييز بين الحق والباطل وبين الحقيقة والكذب وبين الخير والشر. (2)
قبل بداية القرن العشرين لم يكن هناك تشكيك في حقائق ألأيمان المسيحي ، بل وفي ألأيمان بحقيقة وجود الله ، كان التشكيك موجود وبقوّة ، لاسيّما في عصر التنوير ، لكنه كان دائما من جانب الفلاسفة وليس من جانت العلماء .وبالطبع ليس كل الفلاسفة . فهناك على الجانبين أسماء بارزة من عمالقة الفلسلفة .
مع بداية القرن العشرين تزعَّمت الفلسفة الطبيعية الفكر ألألحادي ، التي تؤمن أنَّه لاشيء حقيقي خارج هذه الطبيعة المادية ، وأنَّ الطريقة الوحيدة لمعرفة الحق هي بالعلم . (3)
الحق اصبح نسبي عند اللذين سيّسوا العلم (والفلسفة) ليصبح دينا في هذا العصر ويخطف منهج العلم لأغراض واهداف سياسية ، ويزرعوا الشك في عقول الطلبة في المدارس . إنَّ ما يحدث للطلبة اليوم هو تلقينهم عبر الخلط بين المصطلحات ، وهناك نهج لخطف كلمة العلم واختطاف كلمة التطوُّر. إن المناهج الدراسية تُفرض على الطلاب الديانة المادية . كلمة التطور اختطف لصالح العلمانيين بواسطة اسلوب الذوق والتبديل ، لتعليم الطلاب قبول الأيمان بالتطور الدارويني ، وكأنّه شيء منظور وعلم يرى بالأعين .(4)
النظرة العقلانية للفلاسفة العقلانيين تستند في استدلالاتها على مبدأئين :
أولا :مبدأ التناقض يتمثل بكون ألأدعاء كاذب إذا أحتوى على تناقض ، وأنّه صحيح إذا لم يحتوي على تناقض
ثانيا : مبدأ العلة الكافية وهو أن لايمكن لواقعة أن تحدث ، ولا اي أدعاء يكون صحيح ألاّ اذا وجد سبب كافي لذلك ، لاشيئا آخر . (5)
أولا : المنطق
-المنطق هو قانون الهوية أو (الذاتي)
• ورمزه [ أ هو أ ]
ومعناها أن الشيء هو نفسه بصفاته الأساسية الجوهرية مهما اختلفت صفاته العرضية . مثل "سقراط هو سقراط" و"ألأنسان هو ألأنسان".
عندما وضع، أرسطو ، نظريات المنطق الخاص به ، حيث أعلن أنَّ المنطق هو ما يسميّه
Organon
"الوسيلة لأكتساب المعرفة في كُلّ عِلم "...وهو اي المنطق شرط ضروري للتواصل الهادف
C ommunication
فعندما أقول "هذه الطبشورة ليست طبشورة " فهذا الكلام فارغ لامعنى له وكلام لاعقلاني ويخالف المنطق و ينتهك قانون عدم التناقض .
ارسطو لم يخترع المنطق مثلما ان كولمبس لم يخترع امريكا . كل ما فعله ارسطو هو اكتشاف القوانين التي كانت قائمة أصلا والمعززة بالفكر البشري ، وهي شروط ، ضرورية للبشر لكي يكون حديثهم معتبرا ، لقد اكتشف وحدّد
مبادئ المنطق التي وضعها في البشرية الخالق اي الله الذي لايخلق تشويشا وهو ليس غير منطقي ولا منافيا للعقل وانما الله الذي يكلمنا هو اله يتكلم بطريقة مترابطة منطقيا ومعبرة وواضحة ، وكلمة الله موضوعة لتفهمها خليقة الله والشرط الضروري للفهم ، هو ان الله لايكلمنا بكلام غير صادق او متناقض ".
وياتي الللاهوتي" ار سي سبرول" بمثال من الكتاب المقدس ونستطيع ان نطبقها اليوم على ما نقوله فيقول:
" نعود الى الأصحاح الثالث من سفر التكوين حيث يكلم الله ادم وحواء في الجنة ويضع الله بعض المبادئ أمام ادم وحواء قائلا:" من جميع شجر الجنة تأكلان اكلا " لكن وضع لهم حدودا قال : "ان أكلتما من هذه الشجرة موتا تموتان .ان ترجمنا ذلك الى معادلة منطقية نرى ان الله قال لآدم وحواء :"ان فعلتما كذا يحصل كيت " ان اكلتما تموتان " هذا هو التفسير ، ثم اتت الحية ، وبعد ان استجوبت حواء باسئلتها المغرية والتي كانت خادعة نوعا ما ، دخلت في صلب الموضوع وقالت لحواء "لن تموتا. بل تكونان كالله . "فلنفرض ان ادم وحواء تعلما في مدرسة ارسطو ففكر ادم في الأمر وفكرت حواء في ألأمر قائلة " : مهلا ايتها الحية هذا متناقض مع ما قاله خالقي منذ بعض الوقت ، لكني تعلمت درسا وهو : بما ان الحية هي من تعلن هذا التناقض وبما ان التناقض هوالسمة المميزة للحق فلا بد ان تكون الحية سفيرة للحق ولا بد ان تكون مماثلة لله . اذا ان كانت هذه الحال وان اردت حقا ان اكون ابنة ناضجة لله .قابلة ان تتقبل طرفي النقيض. لايمكنني فحسب ان آكل من هذه الشجرة بل ماذا ايضا ؟ يجدر بي ان اكل من هذه الشجرة لأكون مسيحية مطيعة وناضجة . ما حاولت فعله هنا هو تحويل هذا المبدا الى سخافة مطلقة. (6)
- المنطق علم يضبط قوانين الفكر ، ويميز صوابه من خطئه ، وينمي في العقل ملكة النقد والتقدير . احيانا كثيرة نقول لنناقش بالمنطق او نقول هذا الكلام منطقي او هو ليس له منطق .(7)
- المنطق هو دراسة مناهج الفكر وطرق ألأستدلال السليم . وفي المقام ألأول يُدرس في تخصصات الفلسفة والرياضيات وعلم الدلالة وعلم الحاسوب .(8)
- -المنطق يتناول بالدراسة مبادئء وطرائق المحاكمة العقلية ،فهو يستكشف كميات التمييز بين المحاكمة القويمة والمحاكمة السقيمة . ويسمّى المثال المستخدم في المحاكمة البرهان أو ألأستدلال . يتمثَّل البرهان في جملة من الحجج تُسمّى مقدمات ، وهذه تقترن بحجة أخرى تُسمّى النتائج التي من المفروض ان تستند الى المقدمات أو تنبثق عنها . إنَّ البرهان القوي يكون سندا للنتائج، بعكس البرهان الضعيف .(9)
- -المنطق هو جزء من الفلسفة . فهو علم وفن بل هو الجزء الصلب في الفلسفة . هو اللوجيك ، واللوجيك له علاقة ب"اللوغوس " الذي يعني العقل الذي به نستطيع أن نفرز وننميّ. به ونستدل به ونستنتج به . وفي المسيحية ، المسيح هو اللوغوس ألأعلى أي العقل ألأعلى .(10)
ثانيا :قانون عدم التناقض
يوضح قانون عدم التناقض أنَّ: الشئ لا يمكن أن يكون ( أ ) ولا – ( أ ) في نفس الوقت
• ومعناه أن الشئ لا يمكن أن يتصف بصفة ونقضيها في نفس الوقت
(11)• الشئ أما أن يكون ( أ ) أو- لا - ( أ ) ولا توجد حالة ثالثة
يُفيد قانون عدم التناقض ببساطة بأنَّه " لايُمكن للأمر أن يكون نفسه وخلافه في الوقت نفسه وبالطريقة نفسها في ألأطار نفسه" ... تاريخيا التعارض بين القوانين والتناقض متساويان ، إنّهما مشتقان من لغتين مختلفتين . كلمة "تناقض " أو "كونتراديكشن" تاتي من اللاتينية
"كونترا " :هي البادئة ومعناها "ضدَّ" و"ديكو" contra
تعني التكلُّم أو القول dicu
اذن ، حرفيا "التناقض يعني التكلم ضد أمر ما " . (12)
قانون عدم التناقض (او عدم التعارض) يقوم على اساس أنّه لايمكن أن أقول الشيء ونقيضه او عكسه . مثال لايمكن أن أقول : الشمس مشرقة وفي نفس الوقت اقول الشمس هناك ظلام دامس . أو الرب محب وفي نفس الوقت اقول الرب قاتل .فهذا ينافي المنطق ، فهو ضد المنطق . لا ينفع أن أقول أنا مُذنب و في نفس الوقت اقول أنا بريء . "نعم نعم ، لا لا ، ومازاد عن ذلك فهو من الشرير " كما يقول الرب يسوع المسيح . فكيف نُسبِّح الله الخالق وفي نفس الوقت نُلعن به ألآخرين ؟
الحيّة لها لسان مشقوق الى نُصفين ، وهي رمز للشيطان الشرير الذي يتكلّم بلسانين ( فهويقول كلام باطل يُراد به حق). فالشيطان يقول الشيء وضِدّه .
فكرة الهويّة أي عدم التناقض قائمة عليها المسيحية ، وقائم عليه المنطق تاريخيا كُلُّه . والمسيحية تطالب المسيحي بامتحان كُلِّ شيء "امتحنوا كل شيء ، تمسّكوا بالحسن " . فلولا المسيحية ديانة معقولة ، تقوم على العقل والمنطق ، كيف استطاعت أن تنتشر في العالم الأغريقي والروماني التي بنت حضارتهما على الفلسفة والمنطق ؟. فالعقل وزنة من وزناة نعمة الله . العقل يمارس التفكُر والوعي . فبالعقل يستطيع ألأنسان أن يفهم ويعي ويستنتج ويفحص ويستقصي ويمحّص ....الخ
وأهم وصية الهية وهي على رأس الوصايا العشرة في الكتاب المقدس تقول:
"أحب الهك .... من كل عقللك" فالعقل هو اساس معرفة الأنسان لخالقه وما يجري حوله في الطبيعة . وكُلِّ دين لايستغل هذه النعمة التي منحها الخالق فهو سيكون بعيدا عن معرفة الله "الحقيقي" .(13)
أنّ مبدأ عدم التناقض هو المبدأ الأساسي العامّ الذي لم يتجرّد عنه التفكير البشري ، حتّى في لحظة التحمّس للجدل والديالكتيك

وقد كان من نتاج التناقض الديالكتيكي (الجدلية المادية ** ) أن أسقط مبدأ الهوية (أ، هي، أ - ولا يمكن أن تكون إلا أ) من قاموس الجدل أيضاً، واُجيز أن يكون الشيء غير نفسه، بل التناقض الديالكتيكي العامّ يحتّم ذلك؛ لأنّ كلّ شيء متضمّن لنقيضه، ومعبّر عن نفيه في لحظة إثباته، فليست (أ، هي، أ) بصورة مطلقة، بل كلّ كائن هو نقيض ذاته ونفيها، كما يكون إثباتاً لها؛ لأنّ كيانه متناقض بالصميم، ويحتوي على النفي والإثبات المتصارعين دائماً، والمفجّرين للحركة بهذاالصراع.
والواقع ،أنّ مبدأ عدم التناقض هو أعمّ القوانين وأكثرها شمولا لجميع مجالات التطبيق، ولا تشذّ عنه ظاهرة من ظواهر الوجود والكون مطلقاً. وكلّ محاولة ديالكتيكية تستهدف الردّ عليه، أو إظهار الطبيعة بمظهر تناقض، فهي محاولة بدائية، قائمة على سوء فهم لمبدأ عدم التناقض، أو على شيء من التضليل.(14)
"البرهان المنطقي يضطر ألأنسان المنطقي الى الرضوخ أو الأذعان لذلك البرهان" .
يجب أن نميّز بين البرهان وألأقناع
البرهان أمر موضوعي
Objective
أمّا ألأقناع أمر شخصي
Subjective
ويمكن لأحدهم أن يقدِّم برهانا نظريا قاطعا وقاهرا منطقيا وأكيدا عقليا ولكن قد يرفض أحدهم قبوله .
يمكنني أن أُبرهن أنَّه ، إن كان جميع الناس مائتين ، وكان "سقراط" انسانا ، فمن دون شك نستنتج من هذا القياس المنطقي أنّ "سقراط" مات . هذا ألأستنتاج قاطع منطقيا نظرا للمقدمات المنطقية المتوافرة . هكذا الكتاب المقدّس يُقدِّم أدلَّة موضوعية لسد أفواه ألأشخاص ألأكثر مشاكسة . فكلمة الله واضحة لطيفة وجليّة ، و كُلِّ المؤشرات و الأدلة تدلُّ على أصلها الفائق للطبيعة . لكن بما أنّ ألأنسان عدائي تجاه أمور الله ومتحيّز ضد حق الله بحيث إنه لن يقتنع أبدا بما يكفي مالم يُغيّر الله "الروح القدس" حالة قلبه ، فليست المشكلة فكرية على قدر ما أنّها معنوية . هذا ما نواجههُ نحن المؤمنون مع الملحدون عندما نتناول مسألة وجود الله . ومسالة وجود الله ليست مسالة مستقلة بذاتها , ثمّة أمور كثيرة على المحك هنا ، لأننا إن أستطعنا أن نثبت أنَّ الله موجود ، وبأنّ اله الكون السرمدي موجود من دون أدنى شك ، فهذا يعني ، وكما يدرك الجميع " سوف أقدّم حسابا عن سلوكي وحياتي " . وأحد ألأسباب (الرئيسية ) التي تجعل الناس يرغبون في التخلُّص من فرضية وجود الله هو التحرّر من الذنب والمسؤولية(***) . لهذا يرغب غير المؤمن ويرجو بشدّة ، ألاّ يكون البرهان قاطعا . إذا حتى إن كان البرهان قاطعا ، مثل البرهان الذي قدّمه الله كما في رسالة بولس الرسول الى اهل روميا ، حيث أعلن الله نفسه عن وجوده لكل إنسان ( روما 1 : 20 ) . ولكن هذا لايعني أنَّ الكل مستعد للأعتراف بذلك لكن لاتقضي مهمتي بأن أُقنع أيّ أحد بأنَّ الله موجود . فنحن "المؤمنون" لسنا مدعويين لأقناع الناس وإنّما مدعويين لتقديم سبب الرجاء الذي فينا .(15)
ثالثا :قانون السببية
أُستخدم مبدأ السببية بطريقة مذهلة على مر تاريخ الفكر النظري الغربي لتقديم براهين وجود الله عبر التحليل إنطلاقا من هيئة هذا العالم رجوعا الى سبب مقبول أو كافي يقدّم تفسيرا لوجود هذا العالم او هذا الكون ...انطلاقا من القاعدة السببية رجوعا الى الله باعتباره السبب الأول . في الواقع نرجع الى ارسطو ، الذي حاول أن يُبرهن أن الله هو السبب ألأول ،لأنَّ ألأمور تستلزم سببا ولكن ، منذ عصر التنوير ،منذ القرن الثامن عشر ، برز تشكيك كبير في قانون السبب والتأثير ، أو قانون السببية . يقول الفيلسوف الوجودي "برتراند راسل " في كتابه " لماذا لستُ مسيحيا؟" يُخبر فيه عن شهادته الخاصة برحتله الطويلة . فيما يتعلق بايمانه بالله . انه عندما كان فتى أعجب كثيرا بالبرهان الذي يثبت وجود الله، والذي كان مبنيا الى الحاجة الى السبب ألأول ومبنيا على قانون السببية ، اي انّه تقبل وجود الله ،الى أن قرا كتيب "جون ستيوارت ميل" الذي اثار هذا الأعتراض ألأساسي على التفكير السببي . قال "ميل " ما يلي:
"إن كان كُلِّ شي يستلزم سببا فمن الواضح أنَّ وجود الله يستلزم سببا " وكُلّ من سبب في وجود الله ، لابُدَّ من وجود مسبِّب له .
اذا حججهم أنّه لايمكنك تقديم براهين رجوعا الى الله ، على أساس المبدأ الذي يقول :
" لابد من وجود سبب لكُلِّ شيء ". عندما قرأ "راسل " هذا الكتاب أدرك جوهر ألأمر فجأة وفهم أنَّ قانون السبب والتاثير لن يقودك الى إستنتاج أول سبب ، بل سيقودك الى تراجع لن ينتهي لايوصلك الى الله في نهاية المطاف بل الى اللامكان ، وبالتالي هو انكرضرورة المجادلة بشان وجود الله على اساس قانون السببية .
إقترف "راسل " خطأ جوهريا وأساسيا في فكره المتعلق بالسببية والخطأ ألأساسي هو الخطأ في التعريف .
يقول الملحدون :" لابدَّ من وجود سبب لكُلِّ شيء". أي أنّ الله خاضع لهذا القانون ،ولكن قانون السببية لم يُفد أبدا بأنّه لابد من وجود سبب لكُلِّ شيء وإنّما يقول ، قانون السببية الصحيح :
"كُلِّ تأثير ، لابدَّ من وجود سبب سابق له " . فقانون السببية لايعني أنَّ لابد من وجود سبب لكُلِّ شي ، لأنّه إن كان يوجد سبب لكل شيء فبالتالي ، لابد من وجود مسبب لله . لكن القانون يقول ببساطة " كُلِّ تأثير ، لابدَّ من وجود سبب سابق له "
وإن استطعنا إيجاد شيء ليس تاثيرا بل يملك قوّة "الكينونة " في داخله وهو كائن منذُ ألأزل ، فمن الواضح أنَّ هذا الكائن ليس تاثيرا . وعندما نحدّد صفات الله ، نقول إنَّ الله كائن موجود بذاته وأبدي ، وهو مستقل وغير مشتق وغير مرتبط بشيء لكن أبدي لامسبب له ليس تأثيرا . فالأشياء الموجودة وحدها هي تاثيرات . إن نظرنا الى هذا التعريف ، نرى هذا التعريف : "كُلِّ تأثير لا بد من وجود سبب له " هذه هي "الحقيقة الشكلية " هي حقيقة صحيحة تحليليا ....إنَّ التأثير ، بحكم تعريفه هو أمر سببه أمر آخر . وماهو السبب؟ . ما الذي يفعله السبب ؟. إنّه يؤدي الى نتيجة ما . وماذا نسمي هذه النتيجة ؟ الجواب تاثير .
فما يسببه السبب هو تاثير . اذا ، بالمعنى الحقيقي عبارة "لابدَّ من وجود سبب لكل تاثير هي إمتداد ذهني لقانون عدم التناقض لأنّه لايمكن لأمر ما أن يكون تأثيرا وألا يكون كذلك في الوقت نفسه وفي الأطار نفسه لايمكن أن يكون هناك سبب من دون تاثير ولايمكن أن يكون هناك تاثير من دون سبب وإلا هناك تناقض .إذا ، القول إنَّ شيئا ما صار حيّز الوجود من العدم وبقوّته الخاصة هو قفز في بحر السخافة البحتة....هكذا "كُلِّ شي يمكن أن نسأل عن سبب وجوده ، لأننا نُدرك أيضا أنّه لايمكن لأيِّ شيء أن يأتي من اللاشيء (وهذا ما تعلمناه من قانون الطاقة في علم الفيزياء) ....لايوجد في الكون تاثير لامسبب له
إن كان شيء ما موجودا اذن الله موجود فلابد لشيء ما أن يكون موجودا بالضرورة ، أي ان يملك قوّة الوجود في ذاته . قوّة’ الله الغير المنظورة
إن كان شيء ما موجودا فإنَّ المنطق يتطلب في نهاية المطاف أن يقول بوجود
كائن واجب الوجود .(16)
وهذا برهان متوافق مع ألأيمان المسيحي ، أي لايمكن وجود أيِّ قوّة من دون الله ، وإنَّ الله هو الذي يمدُّ كل حركة بالقوّة .
إذا الله واجب الوجود وهو الكائن الخالق للوجود .(17)
المشكلة التي نعالجها فلسفيا هي حين تتطرق الى المسائل اللاهوتية في العلاقة بين ما يُعرف بالسببية ألأولية :
Primary Causality
والسببية الثانوية
Secondary Causality
الفرق بينهما هو : أن السببية ألأولية تشير الى مصدر القوّة ،’ ألأساس لكُلِّ عمل ، وكلاسيكيا وتاريخيا يؤكِّد ألأيمان المسيحي على أنَّ القوة ألأساسية في الكون، التي تعتمد عليها كُلِّ قوّة ،اخرى ، ليست اساسا فحسب ، بل لحظة بعد لحظة ، هي قوّة’ الله . تذكَّروا أنَّ الرسول بولس ، حين تجادل مع الفلاسفة ألأثينيين قال :" إنَّنا بالله نحيا ونوجد ونتحرّك" .
إحدى المسائل ألأساسية في الفلسفة ، في بداياتها ، التي كان الفلاسفة يناقشونها هي مسالة الحركة . ما الذي يجعل شيء يتحرّك ؟
هذه فعلا مسالة متعلقة بالسببية . اذا الرؤية المسيحية تفيد دائما ، بأنَّ الله ليس المحرك ألأساسي فحسب ، بمعنى أنّه المحرّك ألأول ، وإنّما ما من حركة تتم في هذا العالم لايمكن ممارسة أيِّ قوّة في أيِّ وقت كان بمعزل عن قوّة الله . الله لايخلق كونا يعمل أو يشتغل بمعزل عن ذلك المصدر الذي يمنحه القوّة لحظة بعد لحظة . تُفيد النظرة المسيحية بأنَّه لاتوجد قوّة كامنة في الطبيعة بل قوّة الطبيعة تتوقف دائما على المصدر ألأساسي للقوّة وهو الله .
لايُفكِّر الناس بهذه الطريقة في القرن العشرين ، فالرؤية العلمانية للعالم قد أسَّرت فعلا تفكير الناس اليوم.
إتَّفق اللاهوتيون عبر التاريخ على أنَّ الله يمارس قوَّته وإنّما ليس وحدهُ . هم لم يعتبروا أنَّ الله يرجعها الي وإنّما أنا أمارس قوّة فعلا ، أنا عامل مسبّب ، لكن قوَّتي والقوّة المُسبّبة التي أنقلها هنا هي ثانوية .(18)

* كان لنظرية انشتاين النسبية تأثير كبير على أصول الوضعية المنطقية. عني فلاسفة الوضعية المنطقية في تبيان الأهمية الفلسفية للنظرية النسبية..
من وجهة نظر الوضعية المنطقية فإن كل المقولات ذات المعنى يمكن تقسيمها إلى صنفين: الأول يتضمن مقولات قد تكون صحيحة أو خاطئة اعتماداً على أشكالها المنطقية أو معناها (تسمى هذه المقولات تحليلية قبليه)، والثاني يتضمن مقولات يمكن التحقق من صحتها أو خطأها فقط من خلال
(تسمى تركيبية بعدية).التجربة

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B6%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D9%8A%D8%A9
**
الديالكتك : أي الجدال والحوار بين طرفين للوصول الى اتفاق . والوصول الى نظريات وقواعد التي تحكم الناس (مثال الفلسفة الشيوعي بنيت على فلسفة الديالكتك المادية )
المنطق الديالكتي
أنه علم الفكر الذي يرتكز على الطريقة الماركسية المميّزة بهذه الخطوط الأساسية الأربعة: بالترابط العامّ، وبحركة التطوّر، وبقفزات التطوّر، وبتناقضات التطوّر
قال ماو تسي تونغ

"إنّ قانون التناقض في الأشياء، أي: قانون وحدة الأضداد، وهو القانون الأساسي الأهمّ في الديالكتيك المادّي...
قال ستالين

"إنّ نقطة الابتداء في الديالكتيك -خلافاً للميتافيزية- هي وجهة النظر القائمة على أنّ كلّ أشياء الطبيعة وحوادثها تحوي تناقضات داخلية؛ لأنّ لها جميعها جانباً سلبياً وجانباً إيجابياً، ماضياً وحاضراً، وفيها جميعها عناصر تضمحلّ أو تتطوّر. فنضال هذه المتضادّات... هو المحتوى الداخلي لحركة التطوّر، هو المحتوى الداخلي لتحوّل التغيّرات الكمية إلى تغيّرات كيفية".
قال لينين: الديالكتيك بمعناه الدقيق هو: دراسة التناقض في صميم جوهر الأشياء... وكثيراً ما كان لينين يدعو هذا القانون بجوهر الديالكتيك، كما كان يدعوه بلبّ الديالكتيك
***
في المقالات التالية سوف نتكلم عن اسباب ألألحاد المعاصر
()
(1)
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A5%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%AF
جددوا فكركم"الفلاسفة الحديثون"آر سي سبرول حلقة35
https://www.youtube.com/watch?v=6kA25r065Qc
(2)
قانون التناقض أر سي سبرول الحلق -5-
https://www.youtube.com/watch?v=srr3vJPvtTQ
(3)
راجع كتاب جون لينكس "هل دفن العلم الله ؟"

(4)

: مناظرة نظرية الخلق أم نظرية التطور - بيل ناي ضد كين هام 2014 مترجم عربي
http://vb.almahdyoon.org/showthread.php?t=29065

(5)
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=333552796740114&id=134405539988175
(6)
جددوا فكركم"قانون التناقض"آر سي سبرول حلقة5

http://www.youtube.com/watch?v=srr3vJPvtTQ
(7)
http://sehroyon.ahlamontada.com/t12562-topic
http://forum.brg8.com/t221540.html
(8)
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82
(9)
- https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9

(10)
راجع سؤال جرئء – مقدمة الدين والمنطق دكتور عصام عبدالله جامعة عين الشمس
https://www.youtube.com/watch?v=P-zN36xDp-4

(11)
http://elmonshahschoolforgirls.blogspot.de/2008/11/blog-post_19.html


(12)
راجع
جددوا فكركم"الجنون هو اعتناق المسيحية"مع آر سي سبرول

https://www.youtube.com/watch?v=VKwENtkeXW0
(13)
راجع سؤال جرئء – مقدمة الدين والمنطق دكتور عصام عبدالله جامعة عين الشمس .
(14)
http://allah-materialism.blogspot.de/2010/11/blog-post_25.html

(15)
راجع "اثبات وجود الله "ارسي سبرول .
https://www.youtube.com/watch?v=o2gSL-UWsZU
(16)
جددوا فكركم"قانون السببية"آر سي سبرول حلقة6
https://www.youtube.com/watch?v=aRW96LV5m1A

(17)
راجع "اثبات وجود الله "ارسي سبرول .
https://www.youtube.com/watch?v=8kiRhsqSkWA
(18)
Secondary
ديكارت السبب والتاثير
https://www.youtube.com/watch?v=m486qeaiOT0



36

 "ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت " مزمور 104 : اية 24"
نافع البرواري

مقدمة
هذه الدراسة هي جهد صديق طلب مني نشرها وهو لايريد ذكر اسمه الحقيقي .أرجو أن تستمتعون وتتأملون في حقيقة لايمكن إلا ان نمجد الله الخالق من خلال خليقته ونقول مع صاحب المزمور:
"اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ." مز 19: 1
نعم السماوات والأرض تُمجِّد هذا الخالق العظيم الذي خلق الكون العجيب ليكون ألأنسان هو تاج هذه الخليقة. وما العلم الا وسيلة لأكتشاف عجائب هذه الخليقة التي لايمكن ان تكون صدفة ابدا ، بل أنَّ العقل والمنطق يشيران الى مصمم عظيم للكون والحياة . العلم يكشف لنا معجزة الخالق من خلال مخلوقاته ويعطينا ادلّة عن نظام دقيق وجمال وروعة المخلوقات، وحقائق لايمكن ان نعزوها الى الصدفة والعشوائية ابدا.
يقول عالم ألأحاثة والمتصوّف واللاهوتي " تيار دي شاردن " في كتابه "الجو ألأِلهي" :
"العلوم الوضعية حولنا تكشف باستمرار روابط جديدة بين عناصر الكون. وفي داخلنا نحنُ تستيقض وتثبت عوالم متجانسة موحَّدة ، وإنَّ التوق نحو الواحد ألأوسع ، وألأكثر تنظيما ، هو بذاتهه معرفةٌ مُعلمة ٌ عند المفكّرين الحقيقيين ، وسذاجة مُدَّعية عند أنصاف المثقفين ".
كتب الدكتور جورج رشيد خوري في مقال بعنوان :" الخلية العجيبة وأنواعها في ألأحياء " .
" دليل بالي وهو فيلسوف انكليزي اثبت وجود الله من خلال العقل ، فكتب: "انَّ كل آلة لها صانع . وان دراسة تشريح العين مثلا يبين لنا غاية واضحة وقصدا بيِّنًا, وهي انها صنعت للنظر. ودراسة تشريحها يبين لنا انها صنعت على مثال عجيب. ولا يعقل وجود آلة, أو آلاة معقدة كهذه, لها مثل هذه الدقة في الغرض الذي تؤديه, دون ان يكون لها صانع صممها بحكمته ونفذها بقدرته حتى تأتي بمثل هذه الدقة بالاعمال "

مقارنة الحواس الخمسة عند الحيوانات مع الحواس الخمسة عند الأنسان :
عند الحيوانات
أولا : الرؤية واستشعار الضوء(الإحساس البصري) (العيون) عند الحيوانات
12 عدد العيون .....نجم البحر لديه ثمانية عيون - قنديل البحر(جيللى فيش) لديه ثمانية عيون - العقرب لديه
عين - يوجد نوع من الاسماك لديه اربعة عيون (اوعينان فقط ، لكن كل واحدة منهما منقسمة) تستطيع ان ترى ما فوق سطح الماء وماتحت سطح الماء فى وقت واحد.
حجم العيون ..... أكبر العيون هي عين الحبار العملاق (قطرها
38 سنتيمتر) اي حجم كرة السلة او حجم رأس الإنسان - أكبر
اي حجم كرة السلة او حجم رأس الإنسان - أكبر
العيون فى الثدييات هي عين الخيول - عين النعامة أكبر من دماغها
# حدة الابصار..... أقوى حدة الابصار في جميع المخلوقات هى عيون الصقرو النسر...تستطيع رؤية فريستها من مسافة 3 كيلومترات
# مجال الابصار..... مكان العينين في رأس بعض الحيوانات تسمح لها برؤية مجال ابصار اوسع من الانسان قد تصل الى 300 درجة في وقت واحد(اى رؤية ما خلفهم دون تحريك راسا).. مثلا الحصان – الحمار – الاغنام – الحوت – الأرانب - الببغاوات -
الرؤية بكل عين مستقلة (اى يمكنها النظر فى اتجاهين مختلفين في نفس الوقت )...مثلا الحرباء (شاميليون)
يدير دورة الرأس دورة كاملة دون أن تحرك جسمها ..... البومة
بصر فائق التطور(عيون معقدة جداً) .... الحشرات(مثلا الذباب) لديهاعيون سداسية تتكون من آلاف العدسات الصغيرة بحيث تلتقط كل عدسة جزء من الصورة... ثم تتجمع الصور مع بعضها لتكون الرؤية الكاملة
200# حركة العيون و الاشياء..... الذباب قادرعلى إدراك شئ متحرك بسرعة كبيرة...تستطيع التقاط
لقطة في الثانية... مما يسمح لهم بالهروب السريع( لذا لا تستطيع قتلها بسهولة)
عيون مثل التيليسكوب..... = تستطيع ان تعمل فوكاس (زووم ) على جزء ما من شئ تراه(تشبه كاميرا السينما)...مثلا
النسور وهى فى الجو تستطيع تركيز نظرها (تعمل زووم)على كائن يسير على الأرض ...لكي ترى تفاصيله بوضوح
الجفن الثالث..... لحماىة العين من وهج الشمس و من الغبار والتراب و الرمال ....مثلا عيون الطيور والحيوانات
أهداب العين (الرموش) الطويلة..... وقد تكون ثلاث مجموعات لحماىة العين من الغبار والتراب و الرمال.. مثلا الجمل
حدقة العين(الننى)(البؤبؤ)... عند الانسان هى مستديرة ....لكنها مستطيلة عند الماعز والأخطبوط (غير معروف السبب , قد تكون وقائية للعين ).
0,5 مم .# البقعة الصفراء فى شبكية العين (الماكيولا - الفوفيا).....عند الانسان هى دائرة قطرها
...بعض الحيوانات مثلا الفهد ( شيتا) هى عبارة عن شريط ضيق طويل أفقي= يمكنها اكتشاف الفريسة في أي مكان داخل شريط الرؤية
ملاحظات
-1
الحواس الخمس عند بعض الحيوانات افضل (اكثر تطورا) من حواس الانسان (فى التركيب الفسيولوجى والكفاءة ) لتلاءم طريقة معيشتها و ظروفها البيئية... هذا يعنى ان الحواس الخمس عند الإنسان قاصرة و قد تكون خادعة و قد تخطئ (أخطاء فى الإدراك الحسي)... ...مثلا عدم رؤية الشىء (حاسة البصر) بالعين المُجردة لا يعنى عدم وجود الشىء
-2
75% من البصر 13% من السمع 6% من اللمس 3% من الشم استقاء المعلومات عن طريق الحواس
3% من التذوق
حواس خاصة (بصرية) لدى بعض الحيوانات وليست لدى البشر
رؤية الأشعة فوق البنفسجية(الترا فايلوت),تسبب رؤية الاشياء ازهى (اكثر تألقا) مما يراها الانسان..... مثلا الطيور والحشرات وألأيائل.
الطيور مثل الصقور وطيور العوسق تسنطيع تحديد موقع الفئران بسهولة ...ذلك لان بول وبراز الفار يحتويان على مواد
كيميائية تمتص الاشعة فوق البنفسجية
الحشرات(النحل مثلا يرى الزهور ازهى مما نراه)
الرنة (ايائل) في جبال ألاسكا الثلجية.. فى موسم الثلوح فرائسها تتوهج بلون أرجواني على ارضية من الثلج الابيض بينما ترى
الذئاب تبدو سوداء على ارضية من الثلج الابيض (شئ مدهش جدا)
) استشعار الأشعة تحت الحمراء(انفرا ريد) = (حساسية كشف درجة حرارة فرائسها
إدراك عندما يكون كائن حي آخر في مكان قريب مثلا بعض الثعابين (الأفاعى) خاصة السامة لديها حفر في الجزء العلوي (مثلا بين العينين) هذة الحفر تحتوي على مستقبلات ... يمكنها اكتشاف الحرارة المنبعثة من شخص حولها ...إنشاء صورة متعددة الأبعاد.تراها باللونين الأحمر و الأزرق.... تتيح لها تحديد مكان الفريسة في جميع مستويات الإضاءة درجة من الدقة بحيث تتمكن الأفعى استهداف أجزاء الجسم الضعيفة من الفريسة (شئ مدهش جدا)
ملحوظة... الخنافس لديها أجهزة استشعار تكشف عن الأشعة تحت الحمراء الناتجة عن حرائق الغابات على بعد 50 ميل
# الرؤية بالحركة البطيئة.....= رؤية العالم كانه يتحرك حركة بطيئة = يرى أسرع الحركات فوراً وكأنها حركة بطيئة(كأنه يراها بالتصوير البطيء)...مثلا اليعسوب (فرس النبي) - الذباب اليعسوب (فرس النبي).... يرى 500 صورة في الثانية يمكنه تحديد وتتبع اى شئ في 1 - 500 من الثانية (الانسان يرى 60 صورة في الثانية)
ملحوظة...هذه الحشرة المفترسة تصطاد 95٪ من فرائسها، بينما يصطاد الأسد 40٪ فقط الذباب يستطيع رؤية الاشياء المتحركة و كأنها بطيئة (مثل التصوير البطئ فى الأفلام)
# اكتشاف الضوء المستقطب.... = اى ان الضوء فقط يتأرجح في اتجاه واحد= تستطيع ان تكشف عن الأنماط الدقيقة خاصة فى الأيام الملبدة بالغيوم....مثلا النحل - الحبار - بعض الخنافس - روبيان(جمبري) السرعوف الأخطبوطات...تحتوي بشرتها على أنماط (غير مرئية للعيون البشرية) تعمل على استقطاب الضوء = مثل النظارات الشمسية المستقطبة روبيان(جمبري) السرعوف ...يمكنه استقطاب الضوء استقطاب دائري = (في اتجاه أو عكس عقارب الساعة)
ملحوظة... روبيان السرعوف هو الحيوان الوحيد على وجه الأرض...يمكنه استقطاب الضوء استقطاب دائري(شئ مدهش جدا)
التلؤلؤ الذاتى..... = يمكن أن تنتج ضوءها من خلال التفاعلات الكيميائية التي تخلق توهج...مثلا بعض الحشرات – بعض القشريات - الأسماك الكاردينالية ربما لهذا السبب تخشى الحيوانات التى تفترسها من اكلها حتى لا تتلألأ - وبالتالي تصبح هى مرئية للحيوانات المفترسة الاخرى
الرؤية الليلية ..... = تستطيع الرؤية فى درجة اضاءة منخفضة... مثلا الحيوانات الليلية التى تصطاد في الليل البومة تستطيع الرؤية فى درجة اضاءة منخفضة مائة مرة عما يحتاج إليه الإنسان للرؤية و رؤيتها ثلاثية الابعاد(3 دى) الضفادع تتمتع بقدرة رائعة على الرؤية الليلية، لتتفوق على جميع الحيوانات الأخرى و قادرة على رؤية الالوان في الظلام
الأسماك في اعماق البحار المظلمة مزودة بمصابيح تعكس الضوء الذي يسقط لرؤية الأشياء ملحوظة....النمل ..حاسة الرؤية عنده ضعيفة جدا (لا يرى الأشياء) ولكنه يفرق فقط بين الضوء والظلام # عيون تلمع في الظلام ..... مثلا عيون النمر - الشيتا - الأسد - القطط - الكلاب تحتوي شبكية العين عندها على طبقة تسمى (تابيدم ليوسيدم)..... تعمل كالمراه وهى مسؤولة عن حدوث بريق عيون(هذه الطبقة لا توجد في الإنسان).
ملاحظات
-1
) الطيف الكهرمغناطيسي ....المرئى للانسان(الاشعة المرئية
-2
الطيف الكهرمغناطيسي ....غير المرئى للانسان(الاشعة غيرالمرئية)....الاشعة فوق بنفسجية - الأشعة تحت الحمراء - إشعاع ميكروويف وموجات الراديو.
-3
الحيوانات العمياء( التى تعيش تحت الارض او فى اعماق البحار المظلمة) لا تحتاج لحاسة البصر على الأطلاق.... تستخدم مجموعة أخرى من الحواس حتى تتمكن من الحياة
مثلا...حيوان الخلد ذو الأنف النجمي - أسماك اعماق البحار - أسماك الكهف العمياء - سمكة الكهف المكسيكية العمياء (التتر المكسيكية)
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
ثانيا : حاسة السمع( ألأحساس السمعي)(ألأذان) عدد الحيوانات.
سماع الموجات تحت الصوتية (انفرا سونيك).....مثلا الفيل - الزرافة – التمساح تستخدمها للتواصل عندما يكونون بعيدين عن بعضهم
الفيل الأفريقي .... تتصل بعضها ببعض من مسافة تتعدى 4 كيلومترات ، يمكنهم سماع عواصف رعدية بعد 500كم
سماع الموجات فوق الصوتية (الترا سونيك)..... مثلا الكلب(يدرك اقتراب العاصفة او الزلزال قبل الانسان) - الحصان – الحمار - تارسيوس(قرد صغير) - البومة
استخدام خاصية الصدى(السونار) لتحديد الموقع.....مثلا الحوت – الدولفين- الخفاش(الوطواط) تنبعث من حنجرة الخفافيش موجات فوق الصوتية (لا يسمعها البشر) ، تبعث من خلال فمهم أو أنفهم... تنتشر موجاتها أمام الخفاش الطائر....اذا ارتطمت بأي عائق في طريقه... ترتد بعد ذلك ... تستقبلها الخفافيش بأذنيها الفائقة التطور ... يترجمها بسرعة ويقدر المسافة بينه وبين هذا العائق وسرعته-...تحديد (تحديد مسافة، و سرعة) الأشياء الموجودة حولها ...تشبه جهاز سونار اكثر تعقيدا من كل الاجهزة الموجودة في الغواصات الاكثر تطورا الدلافين: تصدر الموجات فوق الصوتية (سونار) من جهاز فى الانف ....تستطيع الدلافين تعديل قوة انبعاث السونار منه يمكنها تفقد الأطفال الجنين داخل رحم النساء الحوامل (سونار)
ملاحظات
-1
20 و 20000هيرتز (دورة في الثانية )) تستطيع اذن الانسان ان تسمع تردد ذبذبات الصوت بين
-2
(10 كيلومترات ) اقصى مسافة يسمع منها الانسان(اعلى شدة صوت.. انفجار مثلا) حوالى
-3
20000 هيرتز موجات فوق الصوتية كثير من الحيوانات قادرة على سماع ترددات صوتية اعلى من
-4
كثير من الحيوانات قادرة على سماع ترددات صوتية
اقل من 20 هيرتز موجات تحت الصوتية (انفرا سونيك)
اى آذان أكثر تعقيدًا وحساسية من آذان الانسان
-5
) بعض الحيوانات لديها قدرات سمعية اخرى ليست عند الانسان مثلا اصدار السونار الحيوى - تحديد الموقع بالصدى
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
ثالثا : حاسة الشم(الشم ) عند الحيوانات
7 مرات من الكلاب (حوالي 70000 مرة الدببة..... قدرة الدببة على الشم(خاصة الدب الأسود) أكثر حساسية
أكثر من حساسية من البشر).
الكلاب البوليسية..... قادرة على شم أي شيء من العقاقير إلى السرطان
الكلاب..... قدرة الكلاب على الشم أكثر حساسية 10000 مرة من ألأنسان ...أي انها تستطيع شم ما يشمُه ألأنسان إذا خفف 10000 مرة .
سمك القرش..... لديه حاسة شم قوية و حوالى 40 % من دماغ القرش مكرس للأحساس بالرائحة والشم .
الخلد ذو الانف النجمية ( حيوان اعمى)..... لديه حاسة شم قوية جدا جدا تستخدمها لإيجاد الطعام
الفئران..... لديها حاسة شم قوية جدا تستخدمها لإيجاد الطعام ، قدرتها على عزل المعلومات من كل منخر على حده (=كل انف تعمل بشكل مستقل )... يمكن استخدامها للمساعدة في الكشف عن السل والسرطان و الألغام الأرضية
الشامات(موول) (الخلد)..... ذات الأنف النجمي تعيش تحت الأرض ، هي عمياء - كل انف تعمل بشكل مستقل ... يمكن
استخدامها للمساعدة في الكشف عن الألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى
# الخفاش مصاص الدماء..... هذه الثدييات تتغذى على دم فرائسها - أنوفها تحتوي على أعصاب حساسة تكتشف للحرارة تسمح لهم بإيجاد فرائسهم في الظلام – تشم الأوردة
الحشرات..... لديها مستقبلات حاسة الشم على هوائياتها(الانتينا)
ملحوظة.... انثى البعوض انوفيليس تتبع مسار اوردة الانسان لامتصاص الدماء (ترى الاوردة سوداء داكنة واضحة) لانها تحتاج الكالسيوم لتكوين البيض.. و هنا من الممكن ان يصاب الانسان ب الملاريا
ملحوظة.... ذكر البعوض انوفيليس نباتى لذا لا يقرص الانسان و لا يحتاج الدم
النحلة القاتلة..... عندما تتعرض للتهديد ، فإنها تطلق فرمون ...يصل الى المستعمرة بأكملها .... يأتي باقى النحل للمساعدة
الديدان الطفيلية..... تستخدم حاسة الشم للعثور على المضيف الذى ستتطفل عليه (لها روائح جذابة)
ملاحظات
-1
حاسة الشم عند الانسان هي أضعف حواسنا الخمس
-2
لدى الأنسان 6 مليون جهاز استشعار للرائحة .
حواس خاصة (شمية ) لدى بعض الحيوانات وليست لدى البشر :
عضو جاكوبسون....العديد من الحيوانات (الثدييات - الزواحف - الثعابين – السحالي - عث دودة القز) لديها عضو جاكوبسون(عضو مجهري) فى الانف اوتجويف الفم ...... يستخدمه الذكر للكشف عن الفيرومونات التى يفرزها الجهاز التناسلى للانثى لجذب الذكور للتتكاثر
ملحوظة....الثعابين والسحالي .... لسانها المشقوق يلتقط جزيئات الرائحة ...و يوصلها اإلى عضو جاكوبسون
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .......ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
رابعا حاسة اللمس (الحسيّة الجسدية عند الحيوانات):
-1
. تحتوي بشرتنا على العديد من مستقبلات عصبية تكشف عن الضغط - الحرارة - البرودة - الملمس - الألم
-2
) اكثر المناطق التي تحتوي على مستقبلات اللمس هي الشفاه وأطراف الاصابع(= اكثر حساسية
-3
تشوش الحس .....هو إحساس بالوخز أو وخز أو التنميل في الجلد قد يكون ناتج عن تلف الأعصاب الطرفية
-4
فقدان أو ضعف قدرة الاحساس بشيء نلمسه يسمي التخدير اللمسي قد يكون ناتج عن تلف الأعصاب الطرفية
حواس خاصة (لمسية) لدى بعض الحيوانات وليست لدى البشر:
الشامات(الخلد) ذات الأنف النجمي ....تعيش تحت الأرض ، هي عمياء .... لديها 22 زوائد صغيرة – تحتوي على ما يقارب 1000000 من ألألياف العصبية – (أي ستة أضعاف عدد مستقبلات اللمس التي توجد على يد الانسان)
تتحرك المخالب مثل المكنسة السريعة جدا(أسرع من ان تستوعبها العين البشرية).. تساعدها فى العثورعلى الطعام
التمساح.......المطبات التي تغطي جسام التمساح تساعده على إدراك التغيرات الطفيفة في الضغط والاهتزاز من حوله
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
خامسا :حاسة التذوّق عند الحيوانات
الفئران ... لسان الفأر به مستقبلات تذوق أكثر من الإنسان.
الأفاعي ...لسانها (مشقوق – متشعب) يستخدم للتذوق و الشم ... تلتقط جزيئات الرائحة وتنقلها عبر قنوات متخصصة في الفم ، إلى عضو جاكوبسون
سمك السلور ....يعيش في المياه الموحلة (= صعوبة الرؤية )..... لديه ما يقرب من 100000
برعم تذوّق في جميع أنحاء الجسم ... تساعده على اكتشاف نكهة الفريسة
الذباب والفراشات.... لديها أعضاء تذوق على أقدامها (= تستطيع الفراشة ان تتوق بارجلها
دودة الأرض .... المستقبلات الكيميائية تغطي جسمها بالكلمل... للتذوق و لتكتشف التغيرات الكيميائية
الدجاج......اقل حيوان لديه براعم التذوق
ملاحظات
-1
براعم التذوق فى اللسان تستطيع ان تميز خمسة حواس تذوق أساسية ... حلو - مر - مالح - حامض - لذيذ
-2
حاسة النكهة ، وهي مزيج من إدراك الذوق والشم
حواس اخرى خلاف الحواس الخمسة موجودة لدى الحيوانات وليست موجودة لدى البشر
-1

الاستقبال الكهربائي - الاستقطاب الكهربائي - التدفّق الكهربائي
2 –
الاستقبال الكهربائي : اكتشاف الحقول الكهربائية في الماء باستخدام المستقبلات الكهربائية.....مثلا أسماك القرش – الدلافين - العناكب - خلد الماء (منقار البط) – النحل
أسماك القرش.... تمتلك أسماك القرش أفضل موصل بيولوجي للكهرباء فى العالم يطلق عليه (لورين زيني جيللى) ، ويملأ شبكة من المسام حول وجه القرش .
النحل.... تتكون شحنة صغيرة موجبة أثناء طيران النحل، والزهور لها شحنة سالبة - يحدث انجذاب بين هذه الشحنات المعاكسة – وتتغير شحنة الزهرة – لذا لا تذهب النحلات الاخرى الى نفس الزهرة و تبحث عن زهرة اخرى سالبة الشحنة
الاستقطاب الكهربائي
الدلافين.... الثدييات المائية الوحيدة المعروفة بإثبات الاستقطاب الكهربائي
خلد الماء(منقار البط) (بلاتي بوس) ....:.... لا يشابهه أي حيوان ثديي آخر في العالم فى حدة الإحساس بالانحراف الكهربائي
التدفق الكهربائي
ثعبان البحر(الأنقليس الكهربائي).......... ينطلق منه شحنات كهربائية
بعض الاسماك (السمك الكهربائي).... ينطلق منه شحنات كهربائية تصل الى (300 فولت) يمكن ان يقتل حصانا – تتدفق الكهرباء إما دفاعا عن النفس او لالتقاط الفريسة
داخلية) الشعور المغناطيسي.(تشبه بوصلة -حاسة التوجه المغناطيسي )
-2
حاسة التوجه المغناطيسي – الشعور المغناطيسي (تشبه بوصلة داخلية)
مثل ...النحل - السلاحف البحرية - الحمام الزاجل - الطيور المهاجرة -سمك التونة –السلمون - أسماك القرش
كيفية شعور هذه الحيوانات بالحقل المغناطيسي للأرض غير معروفة
اذا اخذنا بيضة مخصبة من اوربا الى مصر و فقست البيضة ...يستطيع الفرخ ان يرجع وحده الى اوربا (ربما يعتمد على المجال المغناطيسى او حركة النجوم او ؟؟؟
ربما يمتلك النحل (الشغالات) معادن مغناطيسية في بطنه ... تخلق شيئا يشبه البوصلة ( تخبرهم عن اتجاه الشمال).
ربما يمتلك الحمام تراكيب معدنية ضمن مناقيرهم ...يسمح لهم بتحديد موقعهم الجغرافي
ربما تمتلك الدودة الدائرية(طولها 1مليمتر ) عصب واحد ....يكتشف المجال المغناطيسي للأرض
ربما تمتلك البكتيريا المغنطيسية بناء مغناطيسى داخلها .... لتحديد اتجاهها بالنسبة للحقل المغناطيسي للأرض
3-
إدراك الرطوبة... القدرة على اكتشاف التغيرات في محتوى الرطوبة في البيئة
4-
ادراك ألأهتزازات .. أقدام وجذع الفيل حساسة لألتقاط ألأهتزازات على مسافة تصل الى 10 أميال تستخدم الفيلة هذه الخاصية للتواصل مع بعضهم البعض .
-5
حاسة الكشف عن التيارات المائية والدوامات ... خط جانبي للأسماك وبعض البرمائيات حساس أيضا للأهتزازات منخفضة التردد
6-
حاسة اكتشاف التغييرات في الضغط وتوقع وضع الطقس ....سمك الشبوط.
7-
حاسة استقبال ميكانيكية ...تستخدم العناكب هذه الخاصية في تقدير حجم – وزن – حركة ألأشياء
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
أعضاء فريدة موجودة لدى الحيوانات وليست موجودة لدى البشر:
1-
الهُلب الحساسة قشرة كيتينية عند معظم الحشرات واللافقاريات لها حساسية عالية و تستجيب لأي تذبذبات أو تيارات هوائية خارجية
-2
قرون الاستشعار (الانتينا)( الزبانيات) على رأس الحشرات والقشريات تستخدم فى تحسس الاشياء والشم وكشف التغيرات في التيارات الهوائية .
سلوكيات فريدة لدى الحيوانات :
1-
ألوان التخفي (كيموفلاج).... لتشابة الوان البيئة المحيطة بها
-2
التظاهر (ميميك).... تتظاهر بعض الحيوانات لتشبه الحيوانات السامة لكي تخدع الحيوانات المفترسة
-3
تغيير لونها.... الحرباء تستطيع تغيير لونها بسرعة فى دقائق معدودة
الرأس قدميات القدرة على تغيير لونها باستخدام كروماتوفورس في بشرتها
-4
افراز مادة حبرية زرقاء... الحبار
-5
البحث عن الزوج كثير من الحيوانات تتزواج فقط في أوقات معينة من السنة
-6
التغيرات الموسمية
-7
الغرائز والأفعال المنعكسة ...مثلا العث و الفراشات تطيربعد خروجها من شرنقتها مباشرة دون احتياج وقت لتتعلم الطيران
-8
مغازلة او صراع التزاوج
الطاووس الذكر يفتح ذيله بشكل مروحة جذابة ليلفت نظر الأنثى
العصافير تغرد والضفادع
إطلاق روائح خاصة(من الذكور او من الإناث) لاجتذاب الأزواج
طريقة مشي أو رقصة خاصة لاجتذاب الأزواج
مبارزة بين ذكرين والفائز هو من يفوز بالزوجة
-9
لغات التواصل بين الحيوانات... التواصل بين المفترس والفريسة - التواصل بين الفريسة و المفترس - التواصل بين افراد النوع الواحد.
وسائط.التواصل..... سمعية(الغناء او الاصوات) - بصرية(طريقة المشى او الرقص) - شم (افرازات كيميائية) - كهربائية لمسية - حرارية - لغة الجسد(التعبير بالوجه وبالجسم )
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
ظواهر فريدة لدى الحيوانات :
-1
تجديد أجزاء من أجسادهم
السحالي(تجديد الذيل اذا قطع).
الحبار والأخطبوط (تبتر زوائدها عندما تتعرض للتهديد).
خيار البحر يتخلص من أعضائه الداخلية ، ويطردها من فتحة الشرج(كوسيلة للهروب من الحيوانات المفترسة)
-2
النمل المتفجر في ماليزيا تخفي السم في أجسامها .... عندما يهدد حيوان مفترس مجتمعهم...تخرج السم ... تنفجر....للحفاظ على المستعمرة
-3
سحلية تكساس ذات القرون في حالات الخطر القصوى ..تخرج الدم من عينيها ، من أجل إحباط و اخافة عدوها
-4
) تطفل الحضانة بعض الطيور تخدع الطيور الأخرى و تضع بيضها او فراخها فى عش طيور اخرى لرعاية فراخها مع فراخ الام ألأصلية
-5
) شعور الملعب... كثير من الطيور و الحيوانات تشعر إذا كان نظامهم الغذائي يفتقر إلى عناصر غذائية .. تتوحم على هذا الطعام وتبجث عنه
ملحوظة... ربما يكون توحم الحمل هو (شعور الملعب) و ربما يكون قئ الحمل للتخلص من غذاء غير مفيد او ضار على الام الحامل
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
رؤية الألوان عند الحيوانات :
-1

لدى ألأنسان 3 انواع من المخاريط (كوون) فى شبكية العين تستطيع رؤيه الالوان الثلاثه، الاحمر والاخضر
والازرق(رؤية ثلاثية الألوان)
-2
رؤية ثنائية اللون رؤيه لونين فقط (غياب المخاريط الخاصه باحد الالوان).
حوالي ا من كل 12 من الذكور و 1 من كل 200 من ألأناث لديهم عيوب في رؤية ألألوان (يرون اللون لكن بصعوبة ) وغالبا ما يجدون صعوبة في تحديد الفرق بين ألألوان
-3
عمى الالوان الكلي أمر نادر الحدوث فى الانسان ( يرى العالم كما ترى في فيلم أبيض وأسود)( رؤية أحادية اللون) نوع مخروطي واحد
-4
) رؤية ثلاثية الألوان موجودة عند البشر والقرود(قرده النسناس والقردة العليا
ملحوظة......فقط رؤية الألوان البني و الازرق و الاصفر.. الكلاب - القطط
-5
رؤية ثنائية اللون موجودة لدى العديد من الثدييات غير الرئيسيات مثلا الكلاب والقطط ومعظم حيوانات الحقل المستانسه
البقرة لا ترى مراعيها خضراء بل تراها حمراء وبرتقالي و تضخم الأشياء بنسبة بسيطة عن حقيقتها
-6
رؤية أحادية اللون نوع مخروطي واحد
يري العالم بدرجات من اللون الرمادي، إلى جانب بعض درجات الأبيض والأسود... - الحصان – الحمار
ترى العالم باللونين الأبيض و الأسود فقط.... اسماك القرش
يري العالم وكل شئ اما باللون الأزرق أوالأخضر ....الغزلان - الفئران
-7
) هناك العديد من الحيوانات المصابة بعمى الألوان وفقا لما ذكرته صحيفة "الديلى ميل" البريطانية على موقعها الرسمى
الذئاب - القيوط - الثعالب - الثيران - الكلاب - القطط - الغزلان - أسماك القرش - الماشية
الحيوانات الليلية بشكل عام ليست في حاجة إلى التمييز بين الألوان لأنها تصطاد في الليل... لديها قوة شم كبيرة
في رياضة مصارعة الثيران، تثار الثيران من الحركة وليس من اللون الأحمر(عمى الوان)
-8
) رؤية لونية رباعية الألوان .... اربع اقماع(مخاريط) ...القمع الرابع لرؤية الاشعه فوق البنفسجيه .... العديد من فروع مملكة الحيوان ، وخاصة الحشرات و الطيور)
-9
رؤية لونية خماسية الألوان .... الحمام (أفضل المخلوقات على وجه الأرض في رؤية الألوان) ...يرى الملايين من ظلال الألوان المختلفة
-10
12 نوعا مختلفا من مستقبلات ألألوان . روبيان السرعوف(جمبرى) لديه
من نظم هذا الابداع الدقيق؟؟ من ابدع هذا النظام الدقيق؟؟ .........ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت
الاستنتاج
حواس الانسان الخمسة قاصرة و خادعة و قد تخطئ
اذا المعلومات الواصلة الى المخ عن طريق الحواس الخمس هى قاصرة ايضا
عدم رؤية (حاسة البصر) الشىء بالعين المُجردة لا يعنى عدم وجود الشىء ....مثلا عدم رؤية الكهرباء او المغناطيسية او البكتريا او االفيروسات.... الخ لا يعنى عدم وجودها - عدم رؤية النفس او الروح او الافكار بالعين لا يعنى عدم وجوده
يختلف فهمنا وتأويلنا لما نستقبله بالحواس (أخطاء فى الإدراك الحسى)
حواس الحيوانات تفوق الانسان احيانا - وجود حواس فى الحيوانات غير موجودة فى الانسان
لماذا لا يمكننا رؤية في الاشعة فوق البنفسجية ؟
لان الاشعة فوق البنفسجية ضارة على شبكية العين
لان العين البشرية تقوم بتصفية الضوء فوق البنفسجي لتحسين حدة البصر (لهذا يرتدي المتزلجين نظارات صفراء التي تمنع الاشعة فوق البنفسجية أثناء التزلج لتحسين الرؤية )
ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت -- عجيبة هي أعمالك، ونفسي تعرف ذلك يقينا
اشكر حضراتكم و اتمنى ان اكون قد وفقت فى تقديم هذا الموضوع اليكم
اراكم قريبا ان اعطانى الله عمرا فى موضوع اخر
ALL IN ONE

37



من هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
نافع شابو البرواري
"إنّ يسوع بهاء مجد ألآب : "لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله ، لكنه أخلى نفسه آخذا
صورة عبد"فيلبي 2 :6،7"

يقول فيليب يانسي في كتابه "يسوع الذي لم أكن أعرفُهُ":
منذُ أكثر من 1900 سنة قال المؤرخ ه. ج ويلز:"إنَّ مؤرخا مثلي ، لايسمّي نفسهُ مسيحيا ، يجد أنَّ كُلِّ التركيز، وبشكل لايُقاوم ، موجّه الى حياة شخصية أهم إنسان . إنَّ المؤرّخ يقيس عظمة ألأشخاص بما تركوهُ لينمو ويكبر.هل جعل الناس يُفكِّرون فيه بحماس أو بالقدر الذي يَتَذَكّرون بعد موتِهِم ؟. وبهذا المقياس يكون يسوع في المُقدِّمة ". ويمكنك َ قياس حجم السفينة التي عبرت عندما ترى قدر المياه وألأمواج الذي تحرّكها خلفها .
وبالرغم من ذلك ، فأنا لا أكتب كتابا عن يسوع لأنّه رجل عظيم غيّر التاريخ . فليست لدي أي رغبة للكتابة عن يوليوس قيصر، أو أمبراطور الصين الذي بنى السور العظيم . ولكنني مُنجذب الى يسوع بطريقة لاتُقاوم،لأنَّه هو الذي أحدث نقطة التحول في حياتي .قال يسوع :
" مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ النَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضًا بِهِ قُدَّامَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ،"متى 10 :32". وطبقا لذلك، فإنَّ إعتقادي عنه ، وكيفية تجاوبي معهُ سوف يُقرّران مصيري ألأبدي.
إنَّ تصريحات يسوع الجريئة عن نفسه تُمثِّل المشكلة الرئيسية في كُلِّ التاريخ . وهي النقطة التي تفصل بين المسيحيين وألأديان ألأخرى . وبالرغم من أنّ المسلمين واليهود يحترمون المسيح كمعلم ونبي عظيم ، فلا يمكن لمسلم أن يتخيَّل أنّ محمدا يدّعي أنَّه ُ الله ، ولا ايِّ يهودي يتخيّل أنَّ موسى يدّعي أنّه يهوه . وبالمثل فإنَّ الهندوس يؤمنوا بالتجسّد ، ولكن ليس في تجسد المسيح ، في حين أنَّ البوذيين ليس لهم أي مقولة تدعي أنَّ الله أصبح إنسان .
إنَّ التلاميذ كما تصورهم ألأناجيل قاوموا فكرة إلوهية المسيح . وعندما كان يسوع معهم في ألليلة ألأخيرة ، وبعد أن سمعوا كُلِّ ما قاله ، ورأوا كُلِّ المعجزات ، قال أحدهم : "يا مُعلم أرنا ألآب ". حتى تلك اللحظة لم يستطيعوا فهم أنّه هو والآب واحد ، ولم يكن المسيح أكثر وضوحا عندما قال لهم :"من رآني رأى ألآب ".
إنّها حقيقة تاريخية لاتقبل الجدل إنّ اتباع المسيح الذين كانوا يحكّون رؤوسهم لدى سماعهم كلماته في العشاء ألأخير . هم انفسهم بعد أسابيع قليلة من قيامته اعلنوا أنّه هو "القدوس البار"، "والرب خالق الحياة" ، وفي إنجيل يوحنا "وكان الكلمة الله "،"خالق كُلِّ ألأشياء بكلمة قُدرته ". وعبّر يوحنا في رسالته قائلا :" الذي كان من البدء ، الذي سمعناهُ ، ورأيناهُ بعيوننا ، والذي شاهدناهُ ، ولمستهُ ايدينا من جهة كلمة الحياة "1يوحنا 1 :1".
لماذا قال تلاميذ المسيح هذه ألأنطباعات الشخصية ؟
إنَّ أتباع محمد وبوذا الذين كانوا على استعداد أن يضحّوا بحياتهم من أجل سيّدهم ، لم يقوموا بهذه الطفرة المنطقية . فلماذا يُطالبنا تلاميذ المسيح – الذين قبلوا افكاره ببطء- بالأيمان بامور يصعب تصديقها ؟ لماذا يصعّبون ألأمر، ولا يُسهِّلونه، لكي نقبل المسيح ؟
عندما يقول المسيح :"أنا الطريق والحق والحياة.لأ أحد يأتي الى ألآب الاّ بي" يو 14 :6 ". هنا المسيح لايترك لنا خيارات ،فإذا لم يكن المسيح هو الله عندئذ فإنه يكون قد خدعنا وضلّلنا .
يقول سي .اس . لويس في هذا الصدد :"إنَّ التناقض الواضح بين العمق والدهاء في تعاليم يسوع المسيح ألأخلاقية والأفراط في جنون العظمة التي لابد وأنّها هي التي كانت وراء كُلِّ تعاليمهُ اللاهوتية ما لم يكن هو الله حقا . إن ألأنسان الذي يقول مثل هذه الأشياء التي قالها المسيح لن يكون معلما عظيما للأخلاق فحسب . فهو إمّا ان يكون مجنونا أو شيطانا . وعليك أن تختار ، إمّا أن ذاك الرجل هوابن الله ، وإلا فإنّه يكون رجلا مجنونا او اسوأ من ذلك "....ما قاله سي .أس . لويس ، إنَّ يسوع لم يتهاون في إثبات شخصيَّته. وفهم الناس في عصره أنّه إمّا أن يكون إبن الله الذي جاء ، ليُخلّص الناس في عصره أو أنَّهُ دجال ومحتال يستحق الصلب .(1)
جاء في كتاب "القضيّة .....المسيح للكاتب لي ستروبل
عن "بن ويزنجتون الثالث" مؤلف كتاب
The Christology of Jesus
"..كان يسوع لديه وعي بالذات سامٍ وفائق . وبناء على الدليل
"هل آمن يسوع أنّه كان إبن الله ، مسيح الله ؟والأجابة نعم قال وبزنجتون :
" هل رأى نفسهُ بإعتباره المسيا ألأخير؟ نعم، هذه هي الطريقة التي رأى بها نفسهُ. هل آمنّ أن اي إنسان أقلُّ شأنا من الله يمكنه خلاص العالم ؟ لا ، لستُ أؤمن بذلك ". قال الباحثون إن ّ إشارة يسوع المتكررة الى نفسه بإعتباره إبن ألأنسان لم تكن تأكيدا على الناسوت ، بل كانت إشارة الى دانيال "7 : 13-14"، حيثُ يُرى إبن ألأنسان وهو له السلطان الكلي والمُلك ألأبدي ، والذي يقبل عبادة كُلِّ ألأمم . قال باحث :" وهكذا ، فإنَّ تأكيد أنَّ يسوع إبن ألأنسان هو تأكيد على ألألوهية ".
قال إدوبن باموسب من جامعة ميامي – وهو خبير بارز في التاريخ القديم :" لدينا توثيق تارخي عن يسوع أفضل مما لدينا عن مؤسس أيّة ديانة قديمة أُخرى ". فالمصادر من خارج الكتاب المقدّس تؤيد أنَّ كثيرون آمنوا أنّ يسوع أجرى مُعجزات شفاء ، وأنَّهُ كان المسيا ، وأنَّهُ صُلِبَ ، وأنَّهُ رغم موته المخزي ، فإنَّ أتباعهُ الذين آمنوا أنَّهُ كان لايزال حيا قد عبدوهُ كالله .وثّقَ أحد الخُبراء 39 مصدرا قديما أكَّدت أكثر من مائة حقيقة حول حياة يسوع ، وتعاليمهُ ، وصلبِهِ ،وقيامَتِهِ. فهناك سبعة مصادر مدنية ، والعديد من القوانين المسيحية المبكرة تخص لاهوت يسوع ، وهو تعليم "حاضر تماما في الكنيسة ألأولى" وفقا للدكتور جاري هابيرماس الذي كتب "يسوع التاريخي ".
أمّا جاري كلولنز – أُستاذ علم النفس لمدة 20 عاما ، ومؤلف 45 كتابا متعلقا بعلم النفس – قال :"إنَّ يسوع لم يُبيّن مشاعر غير مناسبة ، بل كان متصلا بالواقع ، وكان لامعا ذات افكار مدهشة في الطبيعة ألأنسانية ، وقد تمتع بعلاقات مستمرة عميقة . واستنتج كولنز :" لا ارى علامات أنّ يسوع كان يعاني من ايِّ مرض عقلي معروف." وبالأضافة الى ذلك ، فقد دعّم يسوع تأكيده بأنَّه الله من خلال ألأعمال ألأعجازية للشفاء ، والأظهارات المدهشة لسلطانه على الطبيعة ، والتعليم الذي لايُنافس ، والفهم ألألهي للبشر ، وقيامته التي كانت الدليل الجوهري لألوهيّته .(2)
يقول فيليب يانسي :"إنني ارى الآن أنّ حياة يسوع تواصل سيرها ، أو تُهاجم بناء على إدِّعائه أنَّهُ إبن الله . ولا أستطيع أن أثق في غُفرانه الذي وعد به ما لم تكن له السلطة التي تُدعم هذا الوعد. ولايمكنني أن اثق فيما قاله عن الجانب ألآخر من الحياة : "أنا ذاهب لأعد لكم مكانا ". ما لم أؤمن بما قاله أنَّهُ جاء من عند ألآب ، وسيعود الى هناك .
ومن المهم للغاية- ما لم يكن هو الله – أن انظر الى الصليب على أنّهُ عمل إلهي قاس أكثر منه محبّة وتضحية . ويقول الرسول بولس :"إنَّ الله في المسيح صالح العالم لنفسه".، وبطريقة يصعب فهمها إختبر الله في الصليب بنفسه . وإلاّ فإنّ الجُلجُثّة تُسجِّل في التاريخ على أنَّها إساءة لأنسان كوني ، وليس ما نسميه بالجمعة العظيمة (يوم صُلِبّ المسيح) ".
يسرد لنا فيليب يانسي قصة حدثت بجامعة هارفارد فيقول:
"يتذكّر جورج بتريك القس السابق بجامعة هارفارد عندما كان الطلبة يحضرون الى مكتبة ، ويعلنون:"أنا لا أؤمن بالله "، ويرد عليهم جورج بتريك بكلمات تُعطِّل فعالية هذا الأعلان: "إجلس واخبرني اي اله لاتؤمن به . من المحتمل أنني أيضا لا أؤمن بالله ". ثُمَّ يبدا القس بتريك يتحدث إليهم عن يسوع الذي يُصحِّح كُلِّ إدّعاءاتنا عن الله .
وتميل كتب اللاهوت لتعريف الله بتعريفات احيانا تكون خاطئة :" الذي لايموت ، الذي لانراه ُ ، غير المحدود ". ولكن ماذا يُشبه الله ؟ بالنسبة للمسيحي ،فإنّ يسوع أجاب على مثل هذه ألأسئلة الهامة . لقد قال الرسول بولس عن يسوع أنَّهُ :"صورة الله غير المنظور " لقد كان يسوع هو نسخة طبق ألأصل من الله : لأنَّ الله سُرَّ أن يُعطيهِ كُلِّ الملء . واقول كلمة واحدة :إنَّ الله هو شبه المسيح . لقد قدَّم لنا المسيح الله مجسَّدا الذي إمّا أن نأخُذُهُ أو نتركهُ، نُحبُّهُ أو نتجاهَلَهُ. ففي هذا النموذج المجسَّم يُمكِنُنا أن نرى ملامح الله بوضوح أكثر ...يجتمع الذين يؤمنون بالله في منازلهم الخاصة ، فيرنمون ، ويتحدّثون مع الله على أنّهُ اباهم (وهي الصلاة التي علمها يسوع المسيح لتلاميذه وتُسمّى الصلاة الربانية ) . لم يعد هناك خوف ، ولا طقوس معيَّنة تُتَّبع ، لا داعي للذبائح ، والموت غير موجود في العبادة فيما عدا فريضة العشاء الرباني. بهذه الطريقة أدخل يسوع تغييرات عميقة في رؤيتنا لله . فقد اصبح الله قريب منا . ولليهود الذين لايجرؤون أن ينطقوا باسم الله ، جاء يسوع بالكلمة الآرامية " آبا " ، إنّها كلمة مالوفة للآراميين للتعبير عن العواطف الأسرية ، فكلمة بابا أوّل كلمة يطلقها الطفل ، ولكن قبل المسيح لم يفكر احدٌ على ألأطلاق بالنطق بكلمة (أبانا) ليهوة إله الكون العظيم . وبعد المسيح اصبحت كلمة التخاطب المتداولة حتى في المجتمعات اليونانية ، وهم في ذلك يقلِّدون المسيح ، فاستعاروا الكلمة ألأجنبية ، ليعبّروا عن علاقتهم الوثيقة بالآب . يسوع المسيح أظهر تغييرات عميقة في رؤيتنا لله . فقد اصبح الله قريب مِنّا . واليهود الذين يعرفون إلها بعيدا عنهم . جاء المسيح برسالة تقول بأنَّ الله يهتم بِعُشب الحقل ويُطعِم عصافير السماء ويُحصي شعور رؤوسنا .إنّ يسوع يكشف لنا عن إله جاء يبحث عنا ، اله منحنا الحرية حتّى كلَّفهُ هذا حياة إبنهِ .إله يحب ويشتاق أن نُحبُّهُ.وهو يقول لنا :" لوكُنتم عرفتموني لعرفتم أبي أيضا"يوحنا 14 :6"
حادثة حدثت عندما كان يسوع معلقا على الصليب صادقت على ألألفة الجديدة بالكنيسة الوليدة .يقول البشير مرقس :أنّ يسوع عندما كان يلفظ أنفاسه ألأخيرة :" إنشقَّ حجاب الهيكل الى نصفين من أعلى الى اسفل.كان هذا الحجاب بمثابة لقدس الأقداس حيث حضور الله . وكما كتب الرسول للعبرانيين : إنَّ شق الحجاب يبين بما لايدع مجالا للشك ما حقّقه موت المسيح . لم يعد هناك حاجة الى ذبيحة ، ولم يعد رئيس الكهنة يرتعش ، وهو يدخل قدس الأقداس (سقط الحاجز بين الله والأنسان بذبيحة المسيح الفادي للبشرية ).ونحنُ الذين في العصر الحديث قد عشنا في ظلِّ علاقة وثيقة جديدة مع الله لمدة طويلة حتى ان الأمر أصبح عاديا بالنسبة لنا . فنرنّم لله ، ونتحادث معه في الصلاة . وفكرة الذبيحة بالنسبة لنا تبدو شيئا بدائيا . إنَّنا ننسى بسهولة كم كلَّف هذه الأمر المسيح لكي ياتي بنا الى ألأقداس ، لنستمتع بالحضور ألدائم في حضرة الله . نحنُ نعرف الله على أنّه ابونا المحب على اساس عمل المسيح (أمّا الذين قبلوه ، المؤمنونَ بإسمِهِ ، فأعطاهم سُلطانا أن يصيروا أبناء الله "يوحنا 1 :12" ...إنَّ يسوع يكشف لنا عن إله يبحث عنا ، إله منحنا الحرية حتى كلَّفهُ هذا حياة إبنهُ . إله حسّاس وسريع التاثير . وفوق كل هذا فإن يسوع كشف لنا عن الله الذي هو محبّة.
"لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." يوحنا 3 : 16" (3)
أمّا كوستي بندلي في كتابه "الله والشر والمصير " يقول:
"إنَّ يسوع ، على هذه الشفافية الناصعة لنور الله ، كشف لنا حقيقة الله كاملة ، إن بسلوكه أو بتعليمهِ
1 – بسلوكه :
أ – جواب يسوع عن سؤال يوحنا المعمدان الذي كان ينتظر شأنه شأن فرقة "ألأسينيّين " وهم رهبان يهود عاشوا في ذلك العصر (راجع مخطوطات قمران)، الذين كانوا يؤمنون أن يأتي الله بقوّة ساحقة ليبيد أعدائه ويقيم على أشلائهم مملكة البرّ "متى 3 : 10-12"هاهي الفاسُ على أُصول الشجر.." وقد إعترف ، يوحنا المعمذان ، بالروح على أنّ يسوع هو المسيح المُنتظر ."متى 11 :2،3" .
عندما سمع يوحنا المعمذان ، وهو في السجن ، بأعمال المسيح ، أرسل إليه بعض تلاميذه ، يسألهُ :"أأَنتَ هو ألآتي (اي المسيح المنتظر)، أم ننتظر غيرك؟. أدرك يسوع قصد يوحنا من سؤاله فما كان جوابه اليه؟:
"إذهبو أخبروا يوحنا بما تسمعون وترون : العُميُ يُبصرون ، والعُرجُ يَمشون ، والبُرصُ يطهَّرُون ، والصُم يَسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشِّرون . وطوبى لِمَن لايشكُّ فيَّ". وكأنّه يقول له : إنَّك تنظرأن يُعلن الله عن نفسه بالغضب الساطع المُدّمِر : ولكنه بالفعل إنّما يكشف إقترابه بالرحمة المُحبّة والمحرّرة الممنوحة لمسحوقي ألأرض والتي سبق للنبي أشعيا ان تحدث عن بزوغها في يوم مجيء الرب "اشعيا 26 :19 ،29 :18 ، 35 :5 ،16 : 1"
يوحنا المعمذان شهد على حقيقة كون يسوع المسيح جاء من السماء اذ يقول :"من جاء من فوقُ، فهو فوقَّ الناس جميعا . ومن كان منَ ألأرض ِ ، فهو أرضيٌّ وبكلام أهل ألأرض يتكلَّم . من جاء من السماء ، فهو فوق الناس جميعا ، يشهد بما رأى وسَمِعَ ولا أحد يقبلُ شهادَتُه . من قبل شهادتَهُ شهد أنَّ الله صادق .."يوحنا 3 :31- 33".
وهذا ما قاله يسوع المسيح لنيقاديمس رجل الدين اليهودي :
"ما صعَدَ أحدٌ الى السماء الاّ إبنُ ألأنسان الذي نَزل مِنَ السماء ."يوحنا 3 : 13".
وقال يسوع للفريسون والعلماء اليهود:"...أنتم من أسفل أمّا أنا من فوق .. أنتُم مِن هذا العالم . وما أنا من هذا العالم " يوحنا 3 : 23 "
أمّا شهادة الحق فلن تُفرض نفسها بالقوة الساحقة بل بشق طريقها عبر إخلاص حتى الموت ...والقيامة .
بهذا البرنامج الذي رسمه وحققه المسيح لرسالته ، قلب المفاهيم الشائعة عن نمط تدخل الله في ألأرض ليقيم فيها مملكته . وإنّنا لنجد ذات البرنامج في تلك الخطبة التي القاها يسوع في مجمع الناصرة ودشن بها رسالته :"روح الربَّ علي لأنّهُ مسحني لأْبشّر المساكين ، أرسلني لأنادي للأسرى بالحريّة ، وللعميان بعودة البصر اليهم ،لأحرِّر المظلومين,وأُعلن الوقت الذي فيه يقبلُ الربُّ شعبه "لوقا 4 :18"
ب – جواب يسوع على طلب وجّهَهُ اليه يعقوب ويوحنا إبنا زبدي ، اللذان طلبا من يسوع المسيح ان يُنزل النار على قرية للسامريين لأنهم رفضوا استقبال المسيح والتلاميذ ، فانتهرهما يسوع (لوقا 9 :51-54) ووصفهما ب"اولاد الرعد" وقال لهمها ": لستما تعلمان من أيّ روح أنتما ،" فإنَّ إبن ألأنسان لم يأتي ليهلك نفوس الناس بل ليخلّصها"."الله ارسل إبنه الى العالم لا ليدين العالم ، بل ليُخلِّص به العالم " يوحنا 3 :17"
ج- تصرف يسوع عند القاء القبض عليه كانت صورة المسيح (ألآتي) مقترنة في الذهنية اليهودية التي نشا عليها التلاميذ وتشبَّعوا منها ، كانت مقترنة بصورة ألأقتدار الكلي والجبروت . فالمسيح ، بموجب هذه الذهنية ، وإن لم يكن قد إتَّضح جليا بعد أصله ألألهي، إنَّما كان يُعتَبَر بحق ممثل الله في ألأرض ، والمُنفّذ ألأسمى لمقاصده في التاريخ . من هُنا ألأعتقاد الشائع بأنَّهُ سيسود في ألأرض دون مُنازع ،لأنَّ قُدرة الله ستسحق ألأعداء تحت قدميهِ . لذا لم يكن يؤبه لتلك المقاطع الغامضة من نبؤءة إشعيا النبي المتعلقة بشخصية "خادم الرب " المتألم " وبغيرها من النبؤاة المماثلة ، التي تُصوّر المسيح على أنَّهُ "رجل اوجاع"راجع اشعيا 53"، وبالعكس كانت تُبرز الى الواجهة نصوص تؤخذ بمعناها الحرفيّ وهي تتحدَّث عن عزَّة المسيح وإقتداره الساحق " قال الربُّ لربّي : إجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئا لقدميك "مزمور 110" ."عصا قوّة يرسل لك الرب من صهيون فتسود وسط اعدائك ... معك الرئاسة في يوم قوّتك .."..الخ
تلك هي بالضبط الصورة التي قفزت الى أذهان التلاميذ عندما تيقّنوا بأنَّ يسوع هو مسيح الله .يسوع خيّب آمالهم واحلامهم ، فيُعلن المرّة تلو المرة عن قُرب آلامه وموتهه ، والتلاميذ لايفهمون . وكيف لهم أن يفهموا أن يفشل المسيح في إقامة ملك ظاهر في ألأرض . بمجرَّد التفكير بفشل المسيح كان يُزعزع مُجمل تصوّرهُم عن الله ، إذ كيف يُعقَل أن يقبل الله بفشل ممثّلُهُ ومُنفّذ أوامره دون أن يُزلزل ألأرض بالمتآمرين ويسحقهم سحقا ويبيدهم من أمام وجههِ ...لقد كان إنباء يسوع عن إقتراب آلامه ، وما تراءئ لهم عبر هذا ألأِنباء من ضعف ظاهري لله نابع من إحترامه المُذهل لحُرّية المخلوق . لقد كان هذا ألأعلان بمثابة طعنة عنيفة للتلاميذ ، فثار بطرس وزجَر يسوع على كلامه هذا ، فنال منه جوابا قاسيا وبَّخَهُ فيه المُعلّم على إنقياده الى "أفكار الناس" (الناس الذين تشوّهت فيهم صورة الله فلم يعودوا قادرين على تصوّره بغيرصورة ألأله الساحق الماحق) دونَ "افكار الله "
يقول الله على لسان إشعيا النبي :
«"لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ." إش 55: 8"
لقد صعقوا التلاميذ حين أتى الجُند ليلا ووضعوا اليد على مسيح الله دون أن تنشقُّ ألأرض وتَبتَلِعَهم . وكأنّى ببطرس ، في تلك اللحظة الرهيبة ، يقوم بحركة يائسة يُعبِّر فيها عن مرارة إنهيار أحلامِهِ ، فيستلّ سيفهُ ويضرب به أحد خُدام رئيس الكهنة فيقطع أذُنِهِ . وإذا بيسوع يُعاتِبُهُ في هذه المرّة ايضا فيقول له :
"إغمد سيفك ّ ، فمن يأخُذ بالسيف يهلُك. أو تظُنّ إنّي لا أستطيع أن اسال ابي فيمدُّني في الساعة بأكثر من إثني عشر فيلقا من الملائكة ؟ (متى 26 :52)
وكأنّ المسيح يقول له : إنّ الله كُلّي ألأقتدار فعلا ليبيد أعدائي واعداءهُ ...ولكن الله يعلو على إقتدارهِ هذا لأنّهُ محبّة "حنونيّة " ،(ذلك هو "الحب الجُنوني " الذي تحدّث عنهُ مكسيموس المعترف ونقولا كاباسلاس ) يحترم حُرّية المحبوب ، الى حدّ القبول بمعاناة رفضهِ الكامل ، القاتل ، لها . من هُنا إنَّني لم أسأل أبي أن يتصرَّف خلافا لحقيقته ، وهذا هو معنى هُتافي "لا كما أنا أشاء ، بل كما أنتّ تشاء" .ذلك الذي أطلقتهُ في بستان الجسمانيّة حيث عُشتُ المخاض العسير الذي عبره سطعت في إنسانيّتي صورة الله على حقيقتها الناصعة العجيبة .إنّ سلوك يسوع المسيح هذا عبّر عن وجه الله الحقيقي المُتجلّي في إنسانيّة المسيح . من هنا لايُمكن أن تكون لنا معرفة صحيحة عن الله ، معرفة لاتشوبها اسقاطاتنا ، إلاّ تلك التي نجنيها من رؤيتنا لأنسانية يسوع . بهذا المعنى قال السيّد :"من رآني فقد راى الآب"يوحنا 14 :9" وايضا:"لايعرف ألآب إلاّ ألأبن ومن أراد ألأبن ان يكشف له "متى 11 :27". وعن المسيح قال الرسول بولس إنّهُ "صورة الله الذي لايُرى"كولوسي 1 : 15": "الله واحد والوسيط واحد بين الله والناس وهو ألأنسان يسوع المسيح "1تيموثاوس 2 : 5"
2- بتعليمه
ومما يؤكّد كون يسوع أيَّد بتعليمه عن الله صحّة صورة الله التي تتجلّى في سلوكه ألأنساني . فمثلا نرى أنّ محبة ألأعداء التي نادى يسوع بها إتّخذت نموذجا لها سلوك الله نفسه ،بحيث تبيّن بأن الله ليس ألأله المنتقم الذي يقابل الشرَّ بالشرّ ، بل هو ذاك الذي يُنعم بخيراته على ألأخيار وألأشرارعلى حدّ سواء ، ذلك الذي هو "رحيم "أي واسع القلب الى حدّ أنّه يشمل برحابة حُبِّه ألأبرار والأثمة . "أحبّوا أعداءكم ......فتكونوا بني ابيكم الذي في السماوات ،لأنّه يطلع شمسه على ألأشرار والأخيار ، وينزل غيثه على ألأبرار والفُجّار "مى 5 : 44-45". ...كونوا رُحماء كما أنَّ أباكم رحيم "لوقثا 6 : 35 -36 "(2)
هكذا يسوع المسيح وهو مسمّر اليدين والرجلين على الصليب ، أشفق على صالبيه الذين كانوا يستمتعون بتعذيبه وتعييره وإذلاله والأستهزاء به ، فطلب من أبيه السماوي ان يغفر لهم قائلا:" إغفر لهم يا ابي لأنَّهم لايعرفون ماذا يعملون "لوقا 23 :34 ".
المصادر
تم اقتباسي للموضوع من خلال قرائتي للكتب التالية:
( 1) كتاب "المسيح الذي لم اكن اعرفهُ " للكاتب فيليب يانسي
(2) كتاب "القضية...المسيح " للكاتب لي ستوبل
( 3 ) المصدر (1) اعلاه
(4)كتاب "الله والشر والمصير" كوستي بندلي

38
مناظرة القَرن - بين العالم ريتشارد دوكنز و جون ليونكس – ج3 والأخير
نافع البرواري
ذكرنا في الجزء الأول والجزء الثاني من المناظرة ان هذه المناظرة جرت في جامعة اكسفورد - بحضور جمهور كبير من الطلبة - بين ريتشارد دوكنز وجون ليونكس
موضوع المناظرة يدور حول ثلاث مواضيع
أولا "موضوع العلم نفسه .. راجع الجزء الأول كما في الموقع التالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=670755
ثانيا : الثغرات والعقيدة والبراهين راجع الجزء الثاني والملحق بالجزء الثاني في مقالتين كما في الموقعين التاليين:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=671291

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=673316

ثالثا :وفي الختام انتقلوا الى موضوع ألأخلاق والغاية ..إن لم يوجد اله فما هي العواقب ؟ وهذا هو الجزء الثالث وألأخير من المناظرة
المناظرة اعطيت لها 50 دقيقية وبعدها تلقي العالمان اسئلة الحاضرين للأجابة عليها

"معنى الحياة والغاية وألأخلاق".

هنا يتدخّل مقدم البرنامج ليقول :
"اسمحوا لي أنَّ استوقفكم هنا أيّها السادة ... علينا أن ننتقل الى آخر موضوع لدينا اليوم . وهو موضوع معنى الحياة والغاية وألأخلاق .
لقد تناولتم موضوع ألأخلاق بإختصار ، فأرجو ان ننتقل لهذا ثم بعدها لأسئلة الجمهور.
دوكنز : لقد تحدثنا قليلا عن ألأخلاق ... وتحدثنا عن المعنى ايضا...
المعنى هو شيء يستهوي فضول العلماء ، فنحن نحب البحث عن معنى ألأشياء وفهمها . وكما قُلتُ سابقا، ألأدمغة مصطفاة طبيعيا بناء على قدرتها في العمل جيدا في العالم الحقيقي..وأحد اشياء العمل الجيد من منظور بقائي هي القدرة على ايجاد المعنى الصحيح...مثلا من خلال ترجمة حقائق العالم بناء على التنبؤ بما يحصل لاحقا .
فمثلا أنت لاتقفز عن هاوية جبل لأنَّك تعي ان معنى القفز عن الهاوية أنَّك ستموت ..فالمعنى هو شيء تدركه الأدمغة البشرية وهو شيء يدركه العلماء بشكل اكثر تطورا .
ليونكس :فما المعنى النهائي بالنسبة لك (موجها كلامه الى دوكنز)؟.
دوكنز: ، يعتمد هذا على قصدك بالمعنى النهائي. كل منا قادرعلى صناعة معنى نهائي.كلنا قادر على صناعة معنى وغاية لحياتنا من خلال ما نرغب بإنجازه .او من وجهة نظر بيلوجية ، المعنى النهائي هو تكاثر الجينات وهذا شكل مختلف جدا للمعنى وكلاهما صحيح .
ليونكس :السؤال ألأساسي بالنسبة لي ، ماطبيعة الحقيقة المطلقة؟إن كانت الحقيقة المطلقة هي الكون ببساطة ... او الأكوان المتعددة بشكل ما.. وأنا يصعب علي فهم كيفية الوصول من ذرات بسيطة وحزيئات بدائية الى دماغ وليس مجرد عقل .."ألأنا"..او ...الشخص .ونحن لانفهم ماهو الوعي . لايُمكنُني ولا أظنُّ يُمكن للعلماء أن يستوعبوا كيفية الوصول لشيء يُفهم مبدأ "المعنى". ولكني يمكن فهمها لو لم تكن الحقيقة المطلقة مُجرّد طاقة صمّاء أوجدت كُلِّ هذا من أسفل لأعلى ...يمكنني فهمها من أعلى لأسفل ، واسفل لأعلى أيضا. أي أنَّ هناك إله شيخصيا خيِّرا ، وهو مصدر الحياة والمعنى، وهو يتواصل معي كشخص ، ويُدعمني في البحث بالعلوم ، بواسطة العقل الذي اعطاني إيّاهُ . لذا فإنَّ للمعنى بالنسبة لي أبعاد كثيرة كما تقول مع عائلتي وفي عملي وخلافه .. ولكن هذا المعنى ليس محدودا بالعمر الأرضي ، ولا بنهاية الكون . بل لديه افق متوسع من ألأمل .
وهذا بالنسبة لي هو الشيء الوحيد المأمول من ألأله الذي خلق هذا الكون الرحيب . بأنَّ حياتنا لاتنقضي بالموت وحسب، بل يوجد ما وراءها .ويمكنني ان اثق بهذا ال"ماروراء"من خلال علاقة قويّة بالخالق .بالتالي ارى المعنى الذي يقدِّمه اللاربوبيين ألأختزاليون ضيّقا جدا . وطبعا ستقول لي ان الأهم هو حقيقته من عدمها ..وهذا صحيح ، ولكن علينا ان نستعرض المنظورين المختلفين للعالم اللذين نحملهما . هل تشعر بالأغراء أحيانا بهذا الكلام ومصداقيَّته ؟
دوكنز: لقد قُلتُ لك من قبل أنَّ هناك أشياء جميلة فيه ولكن مثل لما ذكرت الجمال لايجعلها حقيقة .أعني انك تعتقد بحياة بعد الموت ؟
ليونكس :نعم
دوكنز:إذن تعتقد انَّهُ بالرغم من موت دماغك... في أيِّ مرحلة من التطور ظهرت هذه القدرة الهائلة ؟
ليونكس :لأ أعلم ..إنّها جزء من خلق الله الناس على صورته ..
دوكنز : ماذا يعني هذا ؟!هذا ؟!على صورته ؟! هل يُشبهنا ؟!
ليونكس : لالا . بل انّ لديه شخصية ، فالله شخص ونحنُ أشخاص ، ولذلك يُمكننا التقارب
دوكنز: هل كان "ألأنسان الحاذق" شخصا أو "ألأنسان المنتصب"؟
ليونكس : لاتُمكِّنُني الملاحظة من خلال ألأحافيز ّ!
دوكنز: هل تعتقد أنَّ هذا حدث بالتدريج ،أم هل كانت هناك لحظة وجد فيها "شخص" وأبواهُ ليس أشخاص ؟.
ليونكس : شعوري هو أنَّ الله فعل شيئا خاصا في مرحلة ما يصعب فحصهُ علميا ..
دوكنز :إذا قفز الله فجأة في العملية التطورية وقال : من ألآن وصاعدا سيصبحون أشخاصا ؟
ليونكس : حسنا سواء تدخل الله في التطور او فعلها خصيصا .
دوكنز : أنت لاتقبل التطور ؟!.
ليونكس: أنا أقبل بالتطور كمارآهُ داروين ، ألأختلافات والتعديلات التي تحدَّثنا عنها ، أنا لستُ متأكِّد ولكن ..
يتدخل مقدم المناظرة فيقول :
أيُّها السادة أعتقد أنّنا انحرفنا عن الموضوع وهو الغاية
دوكنز: أريد ان اسمع ما سيقول ، وإن كان يقبل بالتطور
ليونكس :أنا أومن بمراقبات داروين ، ولكني لستُ متأكِّدا من أنَّ آلية ألأصطفاء الطبيعي تتحمل "جميع" ألأمور.
دوكنز :اها
ليونكس : مثل ظهور الوعي وما شابه ، وأظنُّ وجود بضعة مراحل من تاريخ الكون حين فعل الله شيئا خاصا . ولكن لا اريد ان اكون دوغمائيا ، ولكن هذه ليست نقاطا مركزية بالنسبة لعقيدتي .
يتدخل المقدم فيقول:
لاتزال لدينا بضع دقائق، هل تعتقدون انكم ناقشتم موضوع الغاية البشرية بشكل كاف؟.
انت(مخاطبا دوكنز) لديك محاضرة حول الموضوع بعد يومين وكذلك موضوع الأخلاق.افضل نتحول الى ألأسئلة
سؤال مقدم المناظرة للبروفيسور جون ليونكس
كيف تُفسِّر نقاط الشبه بين ألأديان ، ولماذا تعتقد أنّ المسيحية متفوق على غيرها؟
يجاوب ليونكس فيقول : كيف اشرح التشابهات ...اعتقد عندما ننظر حول العالم نجد ابعادا مختلفة لدى كُلِّ دين ، وأحد أهمّها هو البعد ألأخلاقي ...وكما هو متّفق لدى الكثير ، ستجد منظومات إخلاقية مشتركة ...وأنت (مخاطبا دوكنز) ذكرت هذا في كتابك وهو اتفاق اخلاقي بين الناس دينيين او لادينيين ...بالنسبة لي ، التفسير هو ان كل انسان يُعتبر كائنا إخلاقيا ، مصنوعا على صورة الله ..لذا حين أنظر حول العالم ، ساتوقّع من المؤمنين وغيرهم أن يكون لديهم حس إخلاقي متشابه على ذلك المستوى . ولكنك ستلاحظ الفرق بينهم في اساس العلاقة مع الله. والأختلاف أنَّ بعض ألأديان ترى اعتماد العلاقة مع الخالق مبنية على ألأكتساب البشري(اي ان تحصل على رضى الله بعملك فقط) ...بينما المسيحيةتقول عكس هذا ، وهو انّ العلاقة مع الله تاتي من الوثوق بالمسيح ، لما قدّمه خلال صلبه وبعثه(قيامته). وهذه نعمة وليس اكتسابا ..ولن اطيل في هذا
ماهو الجزء الثاني من السؤال ؟ ما المميز في المسيحية ؟ ما الذي يجعلها اقدر على البقاء ؟
يجاوب ليونكس: أعتقد انَّ السؤال بالنسبة لي ، وأنا أعلم أنَّ ريتشارد يجلس بجانبي ! السؤال هل المسيحية على حق ام لا؟وانَّ المسيح ادّعى أنَّه الطريق والحق والحياة ..ولا أعلم إن كان هذا حقيقة أم خرافة محضة ...ولكني مقتنع بصحته ، فلماذا؟
لو أخذنا الأديان التوحيدية الثلاث وموقفها تجاه المسيح . سنجد أحد ألأديان يؤمن أنَّه مات ولم يُرفع (ويقصد الديانة اليهودية)...وألآخريؤمن أنَّه لم يمت (يقصد الديانة ألأسلامية التي تؤمن انّ المسيح لم يُصلب بل رُفع الى السماء )
والمسيحية تؤمن أنّ المسيح مات وبُعِث(قام ). وأعتقد يُمكن فحص هذا من خلال التاريخ ... والنقطة الثانية وألأهم ..يبدو لي أنَّ المسيحية لاتتنافس مع ألأديان ألأخرى لأنّ رايي هو ان ما يعرضه علي المسيح في الكتاب المقدس لايعرضه اي دين اخر .فأغلب الديانات تعرض علي منهجا اخلاقيا لأتَّباعها وقد يكون هذا ممتازا .. ولكن ما تقدّمه المسيحية ، هو تشخيص مُبدع قد يرفضهُ البعض وهو أنّني أجد نفسي مُفكِّكا عاجزا عن ألألتزام بمقاييسي (الأخلاقية)، ثم أجد ايضا أنَّ العلاقة مع الله قد انقطعت .. وأنَّ هناك حاجة للأصلاح وللغفران . وأجدُ في موت المسيح وبعثه (قيامته) مرجعية مناسبة للغفران . ويمكنني ان اكون متيقنا من علاقتي مع الله ، ولا أجد هذا في اي دين آخر . قد أجد أخلاقا حميدة وما شابهها .. واععتقد بوجوب احترام أتباع ألأديان ألأخرى. وما ذكرته هو الفرق ألأساسي بين المسيحية وباقي ألأديان .
يطرح مقدم المناظرة على دوكنز السؤال التالي:
حسنا بروفيسور دوكنز ، هل تعتقد أنّه ، لاتوجد "غاية" في الدين؟
دوكنز: كما قُلتُ سابقا ، ألأفراد لديهم غايات ..وهناك الكثير من ألأفراد تكون غاياتهم مرتبطة بالدين . وهناك عدد كبير من البشر يحكم الدين حياتهم بالكامل ..كلِّ شيء يفعلونه محكوم بالدين . فالجواب بالطبع : نعم توجد غايات في الدين ، وأعتقد أنَّه من المأساوي أن يُهدر بعض الناس حياتهم ، مُكرّسينها لغايات خيالية ..ولكن هذا لايُنكر وجودهم .
سؤال للبروفيسور ليونكس: إذا أفترضنا أنَّ خالقا عليما خلقنا فكيف نُفسّر العيوب في الخلق ؟.
ليونكس : السائل يفترض وجود عيوب ، ولكن كُلّ التصميمات تشتمل على التنازلات ...بسبب وجود المحدوديات وغيرها ، لذلك قبل أن أدَّعي أنَّ هناك عيوبا في التصميم ، سأُفكِّر بالغاية المطلقة للمصمم. من الصعب جدا ألأجابة على هذا السؤال . لكني مؤمن انّ المصمم المطلق هو الله..ولكني أومن ايضا أنّنا نعيش في كون متضرّر. لذلك نرى حولنا اشياء ناتجة عن الشر ألأنساني ناتجه (او ونتائجه) عن تفكك الخلق..وخلافه . ولكن هذا يقودنا الى لمشكلة اخرى أعمق ، وهي الشر ألأخلاقي وألآلام .
سؤال من مقدم المناظرة الى البروفيسور دوكنز :كيف تُفسّر اصل القوانين الفيزيائية ؟
دوكنز:أنا لا أعرف أصل القوانين الفيزيائية كما قلتُ مرارا وتكرارا..ما اعرفه هو ،انّه مهما كان ألأصل ،فليس من النافع استجلاب مصمم عبقري .لأنّ هذا يطرح سؤال أكبر من ذاك الذي يجيبه ..يفترض العلماء أنَّ قوانين الفيزياء مؤلفة بدقّة، ولو كان التوليف مختلفا قليلا ، لما وجد الكون كما نعرفه ،ولا النجوم ولا الكيمياء ولا ألأحياء ولا نحن ..ويطيب للدينيين ان يقولوا لا بُدّ من مصمم لقوانين الفيزياءحتى تكون بهذا التوليف الدقيق ، مما اتاح لنا الوجود ؟ وهذا ليس بتفسير ،لأنّه يتطلب تفسير المصمم . وهناك الكثير من الفيزياويين يستخدمون مبدا(ألأنثروبي) بقولهم: وجودنا مستحيل في كون غير ذاك الذي يحمل القوانين المناسبة لأتاحة وجودنا ...وبالتالي كوننا نستطيع "التحدث"عن الكون يعني ضرورية صفات هذا الكون لوجودنا. هذا هو مبدا(ألأنثروبي)، وهناك نسخ منه معقول اكثر ، مثلا نظرية الأكوان المتعددة ، القائلة باكوان كثيرة مختلفة ،وأنّنا نعيش في رغوة من فقاعات الأكوان.. وكل فقاعة في الرغوة لها تشكيلة مختلفة من قوانين الفيزياء. واغلق القوانين في تلك الأكوان لاتفضي الى نشاتنا .. واقلية ضئيلة تفضي الى انشاء اشكال حيوية متقدمة . ومن ثم يعود المبدا (ألأنثروبي):
لايمكن لنا ان نوجد سوى في احد تلك ألأكوان او الفقاعات التي تحمل القوانين الفيزيائية اللازمة . وبالتالي بما اننا موجودون ويمكننا الحديث عن الكون فلا بد اننا في احد تلك الأكوان .أنا لم اجب على السؤال ، ولكن ما اتمنى اني بيّنته هو انّه ايا كان الجواب فلايمكن ان يكون الها .
مناظرة علمية بين ريتشارد دوكنز و جون لينكس
https://www.youtube.com/watch?v=l8NlkApYVjs

39
مناظرة القَرن - بين العالم ريتشارد دوكنز و جون ليونكس ملحق ج2
نافع البرواري
كما ذكرنا في مقالنا السابق ان هذه المناظرة جرت في جامعة اكسفورد - بحضور جمهور كبير من الطلبة - بين ريتشارد دوكنز وجون ليونكس
موضوع المناظرة يدور حول ثلاث مواضيع
أولا "موضوع العلم نفسه ..
ثانيا : الثغرات والعقيدة والبراهين
ثالثا :وفي الختام سينتقلون الى موضوع ألأخلاق والغاية ..إن لم يوجد اله فما هي العواقب ؟
المناظرة اعطيت لها 50 دقيقية وبعدها تلقي العالمان اسئلة الحاضرين للأجابة عليها
والحاقا بالجزء الثاني من المناظرة عن : الثغرات والعقيدة والبراهين
راجع الموقع التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=671291
التكملة :
يقول ريتشارد دوكنز : ، ولكنك (موجها كلامه الى العالم جون ليونكس) فجأة إنحدرت من نقاش راقٍ حول اصل الكون حيث كنا نناقش إحتمال تاسيس عبقرية كونية لقوانين الفيزياء ، ثمَّ فجأة قفزت الى رجل عاش قبل الفي سنة (يقصد المسيح) وولد من عذراء وبُعث من الموت.
يرد ليونكس : ذكرته (المسيح ) لأنَّك تناولته في البداية .
ريتشارد: أعتقد أنّ هذا كلام تافه !! مقارنة بجلال الكون .
سأعيد نقطتي مرة أخرى . هل تعتقد فعلا ان الذي صمَّم هذا الصرح الكوني العظيم ...بتوسّعه ومجراته لم يجد وسيلة أفضل من تخليص الخطايا على ذرة الغبار هذه ..من أن يُسلّم نفسه للتعذيب ؟
هو الذي يصفح الخطايا بكل حال فلماذا لميصفح وحسب ؟
يرد ليونكس : لأنّ هذا كونٌ أخلاقي يا ريتشارد وألأصح وحسب ليس منطقيا .
دوكنز : هل تعني أنَّه وجب عليه أن يقتل نفسه؟
ليونكس: إنَّه لم يقتل نفسه .
دوكنز: او يسلّم نفسه للقتل والتعذيب
ليونكس : الله ارسل إبنه للعالم ، لكي يقدم الغفران ، ولكي يقدم أرضية بناء عليها يمكن أن يجلب الغفران لي بالعدالة
دوكنز: كان عليه أن يُقتل من أجل هذا ؟
ليونكس : علينا ان نتجاوز هذا للحظات ...ولدي موضوع ذو صلة في عالمك(مخاطبا دوكنز) أين توجد العدالة ؟
دوكنز : العدالة مفهوم إنساني ذا أهمية عالية في العلاقات البشرية .. وهو شيء يحمل أغلبيتنا حُسّا له ... وأعتقد أنّه يمكن تفسيره بالتطور الدارويني ولكني لا أستوعب ما تريد أن تصل اليه.
ليونكس: سؤالي هو : هل توجد عدالة مطلقة ؟ أنت تقول أن هذا تافه ، وأنا أقول أني أجد نفسي في عالم محطّم ...عالم فيه ظُلم كبير .الكثيير من الناس لايجدوا حقّهم ، ونحن محظوظين إذ نعيش في أكسفورد ، ولدينا الكثير من المال لنعيش ..الخ ولكن ...إن لم يكن هناك إله ، فلا توجد عدالة مطلقة . وأحد ألأشياء التي تنقل بعث يسوع بالنسبة لي من التفاهة الى ألأهمية المركزيّة ،هو أنَّهُ كان البعث (قيامة المسيح)
حقيقيا فهناك أمل حقيقي بالتقييم العقلاني والعدالة في نهاية العالم .
واللاربوبية (ألألحادية) تفتقد لهذا (اي تفتقد بوجود عدالة مطلقة).
دوكنز: حسنا ...فلنفترض أنّه لايوجد أمل ولا عدالة ، فلنفترض أنّه لايوجد ما نتطلع لهُ أو تأمل من أجله ياخسارة ... ولكن هذا لايجعله حقيقيا ، لمجرَّد أنَّ ألأله يجعلنا نشعر أفضل.
ليونكس :بالطبع لاتجعله حقيقيا !
دوكنز: لماذا تذكر هذه الحجة إذا ؟
ليونكس : لأنّني أومن بوجود دلائل على صحة البعث .أنا لأأُومن بالبعث هكذا وحسب ....لأنَّ العقيدة مبنية على ألأدلة .
دوكنز: أنت تُغيَّر الموضوع مرة أخرى ،كنتَ تقول أنَّه لا أمل بدون اله
ليونكس :هذا صحيح بالتأكيد بإعترافك!.
دوكنز: أنا لم أعترف بهذا ، بل قُلتُ "لة" كان صحيحا فهو غير مهم ، ولم أقل أنَّهُ صحيح !!!.
ليونكس: السؤال الواجب طرحهُ هو هل يوجد إله ؟وهل كشف عن نفسه لنا ؟. وهنا أعيدُ ،أنَّهُ يجب تجنّب كلمة :التفاهة". ،لأنَّهُ لايمكنني أن أتعرَّف عليك كشخص بالعلم وحدهُ ، لستَ مُجرَّد موضوع علمي (ياريتشارد) يمكنني دراستك بالمنظار ، والمكبر ، ويمكنني حتى تشريحك ...الخ ...ولكن بما أنَّك شخص ، لايمكنني أن أتعرَّف عليك إلاّ لو كنت َ مستعدا عن كشف نفسك لي .إذا ، إدّعاء يسوع المسيح أنَّهُ الحق وتجسيد الله ، هذا منطقي بالكامل بالنسبة لي ، لأنَّهُ لو وُجدَ إله وقد خَلَقَ كُلِّ هذا الكون البديع بكل ما فيه من عِلم وخلافهُ، إذا فقد أخذَ المبادرة بالتعرف علينا والكشف عن نفسه لنا . وقد كشف عن نفسه ِ لنا بالمستوى الذي نستطيع فهمهُ نحن أشخاص وهو شخص ...وهذا منطقي على ألأقل . إذا أحد المسائل المهمة ، هل هذا حقيقي ام مجرّد خرافة وأسطورة ؟
دوكنز: خُرافة واسطورة بالنسبة لي !!.
ليونكس: يزعجني للسبب التالي :أثناء قراءة كتابُكَ "وهم ألأِله" ،أنتَ تقول:"أنَّ هناك خلاف بين المؤمنين القُدامى حول وجود يسوع من عدّمِه" . وانا تأكَّدتُ من كُتب المؤرخين القُدامى ، وكلامك خطأ!!!! وهذا يزعجني ... فالتاريخ ليس من العلوم الطبيعية [اي لكل علم له اختصاص واختصاص دوكنز هو علم ألأحياء وليس التاريخ] . وما لا أفهمهُ: لماذا تكتبُ شيئا كهذا ؟
دوكنز: لا أعتقد أنَّ مسالة وجود يسوع مُهمّة !!! أغلب المؤمنين يقولون بوجوده ، وبعضهم ..
يقاطعهُ ليونكس: بالتاكيد يقولون بوجوده
دوكنز:[وهو في موقف حرج] يقول: يوجد واحد أو أثنين ،[يقصد دوكنز هناك مؤرخ او اثنين فقط لايؤيدون تاريخية يسوع المسيح ]...خصوصا أنَّه موضوع تافه !!![رجع دوكنز الى استفزاز ليونكس "المؤمن" بهذه الكلمة "تافه" وكررها اكثر من مرة ،وهذا خروج من ادب الحوار ]. أعني..رُبّما يمكنك أن تقنعني بوجود قوّة خالقة في الكون !!![وأخيرا اقتنع دوكنز بوجود قوّة خلّا قة في الكون]....بوجود عبقري في الرياضيات والفيزياء ، خلف كُلِّ شيء ، بما فيه الكون المتوسّع ، ووضع نظرية الكمِّ والنسبية وغيرها ...رُبَّما يمكنك أن تُقنعني بهذا ...ولكن هذا يختلف جذريا وجوهريا عن ألأله الذي يهتم بالخطايا ، والأِله الذي يهتم بما تفعل بأعضائك التناسلية (يقصد اليهود والمسلمين )،أو ألأله الذي يحمل إهتمام بافكارك الداخلية وذنوبك وما شابه. بالتأكيد لايمكنك أن تتصور أنَّ ألأله الذي بلغَ من العظمة أن يخلق الكون ، سيهمّهُ بايِّ حال ما تُفكِّر وخطاياك وما شابه ..
ليونكس : إذا تعتقد أنَّ ألأخلاق غير مُهمّة؟
دوكنز: بالطبع لا ، أنا إنسان ، وأعيش في مجتمع بشري ، وفي المجتمعات البشرية تُعتَبر ألأخلاق مهمّة بالتاكيد، ولكننا ، في كوكب واحد من مليارات الكواكب على مقياس هائل ، وألأله الكوني الذي ينشغل بهذا المستوى البشري لايتوافق مع منظور علمي للكون ، بل مع منظور من العصور الوسطى .
ليونكس :هل تعتقد (ياريتشارد) أنَّ الحجم مقياس للأهمية؟ على المقياس اللوغارتمي أنت بالمنتصف بين الذرة والكون كُلُّهُ
دوكنز:أعلم ...اعلم ..
ليونكس: فإن كان الله يُفكِّر باللوغاريتمات ، فحُجّتُكَ تفشل
دوكنز: هذا أصبح جدالا عاطفيا أعتقد..
يُقاطعه ليونكس: أنا لا أعتقد ذلك ياريتشارد .
دوكنز: إن كُنتُ ساحترم إله ، فسيكون مثل ألأله الذي عَبَدَهُ "كارل ساغان" وليس إله العصور الوسطى الذي تشغُلهُ الخطايا ... هذا الهوس بالخطايا والورع ..أعود الى كلمة "تافه" وأتمسكل بها !!
ليونكس : إنَّهُ تصور لله أجدهُ غريبا ، سمعتُ في قناة اليوم
أنّك تقوم بحملة إعلامية على حافلات لندن ، وتقول فيها :BBC
" لاي وجد إله على ألأرجح ، فلا تقلق وأستمتع بحياتك !!". ولقد أثار هذا اهتمامي ، فلماذا تقول :"لا تَقلَقق". هل تربط فكرة الله بالقلق؟.
دوكنز : [ريتشارد محرج والقى اللوم على دور النشر]. لقد طالبتُ بشعار آخر . هذا الشعار إختارته مرأة من صحيفة الغارديان . وأرادت جمع تبرعات من أجل هذه الحملة .
ولقد عرضتُ دفع ضعف التبرُّعات ..وأقترحتُ تغيير الشعار من "من المرجح الاّ إله"ن الى "من شبه المؤكد ألاّ إله". ولم أرغب بقول "لاتقلق وأستمتع بحياتك" بل "عش حياتك الى أقصاها ". ولكن ألأقتراح كان متاخرا، خصوصا أنَّ التبرعات جُمعت كُلُّها في اليوم ألأول وتجاوزت ال 23 الف جنيه استرليني . وهي كانت تتمنى خمسة آلاف فقط . سوف يكون لي دور في إختيار الشعار القادم ولن يكون مماثلا للشعار الحالي .
ليونكس : ولكن وجهة نظري فإنَّ علاقتي مع الله هي الشيء الذي يوقف القلق .. ويشعرني بمتعة الحياة ..ولكن نعود الى موضوع "التفاهة" ،لأنَّهُ لو كان الله موجودا وكشف عن نفسه ، فيمكننا أن نستمتع بحياة غنيّة بما فيها العلم .
دوكنز : لا اجد هذا مقنعا ابدا ..أعتقد بوجود شيء نبيل في الوقوف والعزم في كونٍ يزداد فهمنا فيه ..وأن نتخلّى فيه عن الهواجس الطفولية ، وأن نتخلّى عن "الصديق الوهمي"الذي يريّحنا ، ونحنُ اطفال نحتاج الى شخصية ابوية نلتجئ لها ، واعتقد ،أنَّ علينا حين نكبر أن نتجاوز هذا ألأمر ، وأن نقف منتصبي القامة في الكون ...ونحنُ نعلم أنّنا سنموت ..ونواجه هذا .. وأعتقد أنَّ هذه طريقة أكثر نُبلا في عيش الحياة من أن تُعلِّق حياتُكَ على أوهام طفولي .
ليونكس : ولكن كلامُكَ يعتمد على أنَّهُ لايوجد إله وإنّها أوهام طفولية ، ويمكنني أن اعكس هذا .. هذا تفسير فرويدي وإعتيادي..ويمكن إعتبار اللاربوبية نفس الشيء ..هروب من حقيقة وجود إله ، فنعود حتما للسؤال -نحتاج للأدلّة-
دوكنز : نعود الى ألأله.
ليونكس : نعود الى ألأدلة . وما أفترضهُ لك هو أنّنا نمتلك ألأدلة . موجودة في العلم وفي وحي الله . وأعتقد أنَّ هذا المبنى مُكرِّس لتمجيد الله .
دوكنز : لا لم يكن مُكرِّسا لهذا .
ليونكس : حقأ؟
دوكنز : لا ..بل العكس !!
ليونكس : حسنا أوكسفورد كانت كذلك
دوكنز : نعم قبل بضعة قرون
ليونكس : "الله نوري وضيائي" كان أساس الجامعة حيث كان "كمال الحياة" . ويبدو لي أنَّه من خلال جمعك كُلِّ شيء ووضعه في سلة العالم ، بأنَّك لاتأخذ التاريخ بجديّة ..وإلا لتفاعلت معهُ.. وهذا لأنَّك تعتبر يسوع وما فعلهُ أمرا تافها ... وأجد تناقضا بين الوقوف منتصف القامة في كون بارد وصامت بلا أمل ، وأن تؤمن بأنَّ الحسُّ ألأخلاقي مُجرَّد وهم ، وأن العدالة لن تتحقَّق لأنَّ الموت يُنهي كُلِّ شيء .. التناقض بين هذا ، وبين التمتع بالصاقة الشخصية مع الله ، والعلم بأنَّ العدالة المُطلقة ستَتَحقَّق هو تناقض كبير ..
دوكنز : (مُنفعلا) بالطبع !!!
ليونكس : والسؤال ألأساسي هل هي صحيحة أم باطلة ؟
دوكنز : بالضبط .إنَّ كون الفكرة تجلب لك الراحة وألأمل والسعادة لا علاقة له بكونها حقيقة .
ليونكس :أتَّفق معك في هذا .
دوكنز : إذا نريد ان نفحص حقيقتها . حين تنظر للتاريخ ، رُبَّما أكون أشرتُ الى أنَّ بعض المؤرخين شكَّكوا في وجود يسوع ، ولكني أتراجع ..يسوع كان موجودا!. ولكن إن كنتَ ستقول أنَّ يسوع وُلد من عذراء وأنَّهُ مشى على الماء، وأنَّهُ حوَّل الماء الى نبيذ...فهذا خطأ علميا .. لايوجد دليل على هذا ... ولو وُجِدَ دليل أعني ...لا ...لايوجد دليل على هذا ابدا ولا يمكن لعالم أن يأخذ هذه الفكرة بجديَّة ..
ليونكس : يمكنني أن أجعل الموضوع أسوأ .
دوكنز : أعرف ذلك .
ليونكس : " لأنَّ يسوع أدّعى أنَّهُ اللوغوس أوجدَ الكون. وإن كان هو تجسيد الخالق ، فإنَّ تحويل الماء الى نبيذ يُعتبر أمرا هامشيا ". ألأمر ألأكثر جوهرية هو أنَّه أدَّعى وقدَّم الدليل على أنَّهُ هو الله . حين تقول (يا ريتشر) أنَّهُ على العكس تماما .
العلم : لايستطيع أن ينفي المعجزات ، ولكن يُمكن أن يقول بأنَّها بعيدة ألأحتمال جدا، ولكن لم يَدّعي أحدٌ أنّ المعجزات حدثت بعمليات طبيعية .بل حدثت لأنَّ الله إستخدم طاقته حتى الكون كما تراهُ لم ينشأ وفق عمليات طبيعية بل الله خلقَ العمليات الطبيعية التي ندرسها فيه . فحين تقول أنَّها ضدَّ العلوم فأعتقد أنَّك مخطئ .
دوكنز :ما أعنيه هو أنَّنا حين نشتغل بالعلوم ، ونتوقع أنَّهُ يمكن تسلّل خدع سحرية فجأة ، فهذا يُدمّر منهج العلوم تماما !.
ليونكس : أتّفق معك – ولكن هذا ما تدّعيه
دوكنز : لالا لستُ أدّعي هذا أبدأ –فحتى نُدرك ما يقصد ألأنجيل بالمعجزات ، فعلينا أن نعيش في كون فيه إنتظام ، أنا أتّفق معك تماما – وإلاّ لم تكن لتلاحظ أنّها معجزات .
ليونكس :بالضبط . فلو كان الموتى يخرجون من قبورهم في كل مكان فلن تطنَّ أنَّ هذا أمر مُميّز ..ولكنك تحتاج شيئين ، لا واحدا .
1 - لديك النمطيات التي نسمّيها "قوانين الطبيعة" وهي ليست أسباب بل هي أوصاف يمكننا أستخدامها.
2 – ونحتاج أن تكون قادرين على تمييزها على سبيل المثال ...حين أكتشف يوسف النجار أنَّ زوجته مريم حُبلى ، لم يصدّقها وكاد أن يطلقها ، لأنّهُ يعرف نمط الطبيعة وتطلب ألأمر منه الكثير ليقتنع بأنَّ شيئا مميّزا قد حدثَ ، والعلم لايمكنه إيقاف هذا .
السؤال هو : هل حدث هذا الشيء فعلا؟ والتركيز في ألأنجيل ليس على ولادة العذراء بل على بعث المسيح . والمؤرخين القدماء ، الذين يعتبر مجالهم مُبجّلا ولا أقصد المسيحيين منهم ، الكثير من المؤرخين القدماء ،حتى الشكوكيين منهم يقولون : "أنَّ الدليل على بعث المسيح قوي جدّا"
التوسّع السريع للكنيسة مع أفراد قلائل في بداية القرن ألأول .
والقبر الفارغ ..وغيرهُ
وهذا قد أدّى ب(جيزا فيرمش) وهو من أهم باحثي التاريخ القديم في اوكسفورد ليقول :"نعم كان الضريح (القبر) فارغ.." وأنَّ التفسيرات القائمة على فكرة الهلوسة ليست قوية .
إذا علينا أن نسأل أنفسنا : هل نحنُ مهتمين لتصديق الشهادة التاريخية أم لا ؟
دوكنز : "لابُدَّ أنَّك تتخاطب مع مؤرخين غير الذين أتخاطب معهم !! ولكن على أيّة حال أعود الى أنَّهُ من غير الممكن أن نشتغل بالعلم ...لعلك شاهدتَّ ذاك الكاريكاتير حيث العالم يكتب معادلة ثم في منتصفها يكتب: وحدثت معجزة ...هذا مضادر لروح العلم جدا. ولا أعتقد أنَّهُ بإمكاني ممارسة العلم ...إن كان من الوارد ان يتم إقحام شيء مثل البعث أو ولادة العذراء في أي لحظة ، بسبب "نزوة إلهية ".
تابعونا في الجزء الثالث والأخير

40
-أعوذ بالله من كلمة -أنا-!!
نافع شابو
في لقاء قناة الرشيد مع السيدة " أفراح محمد علي" مديرة مصرف الرافدين.
جرى الحوارحول الراتب التقاعدي للعراقيين وعلاقة الراتب التقاعدي باسعار النفط المنخفضة والتي تؤدي الى عجز في الموازنة(لأيرادات والنفقات)
وردت كلمة "آني"حوالي (92) مرة على لسان السيدة افراح في اللقاء الذي استمر حوالي (47) دقيقة
هناك قول مشهور يردده العرب:
"أعوذ بالله من كلمة "أنا"!!
من هو ألأناني؟
اسم منسوب إلى (أنا)(راجع الهامش): على غير قياس.
من لا يضع نُصْب عينيه إلاّ