الاصطفاف في سوريا حاليا يلغي نظريات "فايروس الكرسي" و "الحماية الدولية" وكتابة الرسائل الى منظمات الأمم المتحدة ويرسل رسالة الى شعبنا ان اللعبة انتهت
أظن أن اغلبنا يتسمر امام شاشات التلفزيون او الأجهزة الرقمية التي نملكها متابعا الوضع في سوريا حاليا.
الوضع مقلق للغاية وقد يخرج عن السيطرة.
من طرف هناك رئيس دولة عظمى او رئيس ما يسمى بالعالم الحر يتصرف كالثور الهائج وينشر رسائل مفزعة على مواقع التواصل الاجتماعي عن صواريخ ذكية وجميلة وبديعة في طريقها الى روسيا في سوريا.
وهناك في الطرف الأخر رئيس روسيا، زعيم كي. جي. بي. في الاتحاد السوفيتي السابق. اعصابه باردة مثل جليد القطب الشمالي يرسل إشارات عكسية تقول ان الصواريخ هذه ومصادر اطلاقها ستدمر وليكن ما يكن.
كل هذا ليس بيت القصيد بالنسبة لي.
بين القصيد هو الاصطفاف. أمريكا مع حليفتيها بريطانيا وفرنسا يبدو حتى كتابة هذه السطور على استعداد لشن غارات كاسحة على سوريا لدكّ منشأتها العسكرية وإخراجها من الخدمة وتمكين المجموعات المسلحة اخذ زمام الأمور بعد ان أصبحت قاب قوسين او أدنى من الهزيمة.
هناك مسألة او حجة استخدام الأسلحة الكيمياوية. بالطبع استخدام هكذا أسلحة من أي طرف كان أمر مروع ولكن قتل الأبرياء بصورة عامة وباي وسيلة كانت أمر مروع أيضا.
بيد أن المسألة تعبر استخدام الأسلحة الكيمياوية وهذا واضح. أمريكا وحلفائها هالهم خسارة المجموعات المسلحة منطقة الغوطة الشرقية القريبة من دمشق.
ولكن من كان يسيطر على هذه المنطقة؟ كانت هناك ثلاث مجاميع وهي: هيئة تحرير الشام (القاعدة)، وجيش الإسلام (منظمة جهادية سلفية)، وفيلق الرحمن (منظمة جهادية سلفية).
الغرب ينتفض لخسارة هؤلاء لأنه يرى في هذه الخسارة بروزا لنجم روسيا وإيران وبشار الأسد وحزب الله وهذا خط أحمر. ولهذا جرى تسليح هؤلاء من قبل الغرب بأحدث الأسلحة بعد ان تعهدت دول الخليج الغنية بالنفط دفع فاتورة التسليح.
أنظر مثلا كيف يغض الغرب الطرف عن الأكراد وفجيعتهم بعد ان دخلت تركيا الصراع وسحقت الأكراد حلفاء الغرب في عفرين وهجرها مئات الالاف من الأشخاص وعاث فيها الجيش التركي وحلفاؤه فسادا؟
أنظر كيف تستقطب تركيا أغلب مقاتلي داعش وتشكل منهم جيشا جرارا أمام أنظار الغرب وتحت تسمية جديدة وتقاتل بهم الأكراد وحال ان تقوى شوكتهم سيزحفون على سوريا ولبنان والعراق وأبعد من العراق في حملة مروعة قد تفوق اضعاف المرات وحشية داعش في عام 2014.
الغرب له مصالح ومصلحته تقتضي احتواء او هزيمة إيران وحزب الله وبشار الأسد وروسيا ايضا في سوريا كي تنكفئ موسكو وتعود الى دولة ضعيفة كما كانت في مستهل التسعينيات من القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وليكن ما يكن.
أن يقصف أردوغان العراق والأكراد بأسلحة غربية متطورة جدا تصله بسعر بخس لكونه عضو امتياز في حلف الناتو ويعيث جيشه فسادا في سوريا من خلال بطشه بحلفاء الغرب من الأكراد هذا أمر حميد.
ولكن ان تبطش روسيا ومعها حلفائها "بالإرهابيين والجهاديين" في الغوطة الشرقية فهذا امر غير مقبول، حسب موقفهم.
هل نسيتم استخدام الأسلحة الكيمياوية في الحرب العراقية الايرانية ومنها حلبجة؟ التقارير الموثقة تشير ان صدام حسين استعملها على نطاق واسع ضد الأكراد وإيران.
ولكن هل سمعتم ان دولة غربية واحدة في حينه قالت إنها ستشن حربا عليه لاستخدامه هذه الأسلحة وعلى نطاق واسع؟
حتى في محاكمته لم تكن مسألة استخدامه للأسلحة الكيمياوية تهمة ابدا لأن الغرب وعلى الخصوص أمريكا التي زودته بمكونات هذه الأسلحة بحجة مكافحة الحشرات الزراعية الضارة كانت تخشى فتح هذا الملف.
أعدم صدام حسين بتهم لا علاقة لها باستخدامه الأسلحة الكيمياوية التي قتل فيها الالاف من الأطفال والنساء دون ان يرف لأمريكا وحلفائها في الغرب جفن في حينه. صدام حسين كان عند ذاك رجلهم الشهم وأمدوه بالمال والسلاح لأنه وقف سدا منيعا في وجه "التوسع" الفارسي وولاية الفقيه.
أما اليوم فالغرب على استعداد لدخول معركة قد تتطور الى حرب عالمية ثالثة بسبب ما يقولون هم أنفسهم إنها حتى الأن مزاعم استخدام النظام في دمشق للأسلحة الكيمياوية، بمعنى أنه لم يتم التحقق حتى الأن من مصادر نزيهة ومستقلة أن هذه الأسلحة استخدمت ومن استخدمها.
وهل تتذكرون كذبة العصر حول امتلاك العرق للأسلحة النووية والكيمياوية، الكذبة الكبيرة التي استخدموها لغزوه في عام 2003 وما جرى بعدها من الويلات على البلد زادت على الويلات وألماسي التي الحقها به صدام حسين ونظامه؟
وهل تتذكرون الحصار الظالم الذي فرضه الغرب على العراق. النظام كان مجرما ولكن هل يجوز سحق شعب بأكمله بأطفاله ورضعه وشيوخه ونسائه وهدم نسيجه الاجتماعي والأخلاقي من خلال فرض حصار شامل مدمر عليه كان يرقى الى عقوبة جماعية وليس معاقبة المجرم نفسه؟
كل هذا جزء من الحاضر ومن التاريخ اسوقه كي اضع عنوان مقالي ضمن السياق.
في السياق أقول لنكف عن جلد الذات ولعبة العتاب لمنظماتنا ومؤسساتنا ولنكف عن حلم اليقظة ونلوم "فايروس الكرسي" لأن لا كرسي لنا أساسا، او ان الغرب سيمنحنا حماية دولية لأن لا مصلحة له فينا ابدا ونحن في نظره وزنا أقل من وزن نملة وكذلك ان نكف عن ديباجة المقالات البيانية والخطابات الطنانة مثل "رسالة الى الأمم المتحدة" او "الى أنظار المنظمة الفلانية" او "المسؤول الفلاني" ننشرها في منتدياتنا التي لا صدى لها.
لنعرف قدر أنفسنا. ليس هناك من يضعنا في الحسبان ابدا وعلينا بالخطة باء إن كان لدينا خطة.
ونكف عن التلاعب بمشاعرنا كشعب أولا ومن ثم مشاعر أهلنا وأحبابنا من الذين لم يتمكنوا من الهرب من الجحيم الذي مر عليهم والجحيم المخيف الذي ينتظرهم.
وهنا أتي الى رأي الشخص وأقول يا شعبنا الأبي العزيز صاحب الجذور المغروسة في أقدم وأكثر الحضارات البشرية تقدما وازدهارا ورقيا لا تصدق ما نأتي به من مقالات بيانية وخطابات طنانة.
والى هذا الشعب أقول لا تصدق ما يقوله المسؤولون من سياسيين ورجال دين. لا تصدق سفراتهم وترحالهم وبياناتهم. إن مفعولها لا يعدو مواقع شعبنا ولا أثر يذكر لها ابدا.
ولهذا الشعب الأبي أقول، حاول الخلاص بجلدك لأن القادم لا يرحم. إن بقي بعضنا ومعنا الأقليات الأخرى على قيد الحياة بعد موجة داعش الأولى، الآتي سيكون تسونامي داعشي او حريقا لا يبقي ولا يذر.