عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - ضياء نافع

صفحات: [1] 2
1
  شولوخوف في قارب بشوارع موسكو
أ.د. ضياء نافع
سألني زملائي الروس القدامى – هل شاهدت شولوخوف وهو يجلس بالقارب في شارع  غوغول بموسكو ؟ ضحكت أنا من طبيعة هذا السؤال , وقلت لهم , لقد تذكرت كيف كنّا نمزح ونضحك عندما كنّا طلبة و ندرس معا في جامعة موسكو قبل ستين سنة , ولكن هل يمكن ان نمزح بهذا الشكل السريالي الغريب الان , وقد بلغنا من العمر عتيا ؟ فضحكوا جميعا على اجابتي , وقالوا لي , هيا لنذهب الى هناك , كي ترى بنفسك اننا لا نمزح ولا نضحك , ولكي تقتنع , بانك لم تعد تعرف موسكو اليوم كما كنت تعرفها سابقا في الايام الخوالي , لانك ( بلغت من العمر عتيا!) . اندهشت انا من اجابتهم الحاسمة تلك وقلت لهم انني حتى لم اسمع , ان شولوخوف يجلس في قارب و(يتنزه!!!) بشوارع موسكو , فقالوا لي ,لا يمكن للانسان ان يرى كل شئ ولا ان يسمع كل شئ , فهل نسيت هذه الحقيقة البسيطة في حياتنا ؟ فاضطررت ان اقول لفولوديا , وهو الذي كان ولازال اكثرنا جديّة وصرامة – حتى انت يا فولوديا ؟ فضحك  فولوديا وهو يقول – نعم نعم , حتى أنا , هيا لنذهب معا , هيا لنذهب , وهكذا توجهنا جميعا الى هناك , وكنت لاازال بين مصدّق لتلك الاقوال او غير مصدّق لها ...
وها انا ذا امام هذا النصب الهائل والغريب لشولوخوف وروايته ( الدون الهادئ) , هذا النصب الذي لم اشاهد سابقا شيئا مماثلا له بتاتا , حيث يجلس شولوخوف فعلا – كما قالوا لي - في قارب , وهو رافع الرأس بشموخ , وعن يمينه مجذاف , ويجري (نهر الدون ) تحت القارب هادئا كما أسماه في روايته , واسفل هذا القارب تحاول عشرات الحصن ان تعبر النهر سباحة وهي متعبة , ورؤوسها تبدو واضحة فقط ليس الا , اذ انها غاطسة باكملها في النهر , وامام هذا النصب المدهش تقف مصطبتان متلاصقتان ببعض من الظهر وبينهما جدارية تعلو حوالي المتر , ومحفور على تلك الجدارية مشاهد من المعارك التي كانت تحدث بين (البيض!) و(الحمر!) في الحرب الروسية الاهلية آنذاك, والتي تناولتها رواية شولوخوف الشهيرة ( الدون الهادئ ) , وكل ذلك مصنوع طبعا بشكل باهر , فماء نهر الدون الذي يجري هادئا فعلا , والقارب الذي يعلو النهر حيث يجلس شولوخوف شامخا من البرونز , والحصن التي تسىبح في ماء النهر متعبة وهي تحاول عبوره بعناد واصرار, و المصطبتان المتلاصقتان والجدارية الجميلة التي تفصل بينهما , و المليئة بالنحت البارز لاحداث الحرب الاهلية الروسية آنذاك. لقد أدهشني هذا النصب بافكاره الرمزية العميقة جدا وحجمه الهائل و غير الاعتيادي بتاتا وتصميمه الرائع المتناسق الجميل وتنفيذه بهذا الشكل الفني الحيوي المدهش, وفهمت بما لا يقبل الشك , ماذا يعني نصب تقوم الدولة بانجازه تخليدا وتكريما لأحد اعلامها الكبار مثل شولوخوف ...
بعد ان مكثنا عند النصب اكثر من ربع ساعة ونحن نتأمّله من كل جوانبه بامعان واهتمام , قررنا الجلوس في مقهى قريب لتناول القهوة , وهناك بدأنا ندردش حول انطباعاتنا حول هذا النصب , فقال لي احد الزملاء , انه لاحظ باني لم انبس بكلمة واحدة بتاتا عندما كنّا هناك , فاجبته ضاحكا , نعم لاني كنت مندهشا أشد الاندهاش امام هذا الانجاز الفني الكبيبر لدرجة لم استطع فيها ان اقول اي شئ بتاتا, اذ اني طوال حياتي اهتم بالتماثيل والنصب , واطلعت على الكثير منها في مدن العالم التي سافرت اليها ( وما اكثرها !) , وحتى بادرت بتنفيذ عدة تماثيل نصفية في روسيا والعراق لشخصيات عراقية ( وحسب امكانياتي المتواضعة ) , ولكني لم اشاهد ابدا مثل هذا النصب العملاق في اي مكان كنت فيه بالعالم . وأخذ الجالسون يحدثوني عن هذا النصب , وقد تبيّن من احاديثهم , ان الدولة السوفيتية اعلنت مسابقة عام 1980 لاقامة نصب لشولوخوف , وشارك طبعا عشرات النحاتين بتلك المسابقة , وفاز النحات روكافيشنيكوف بها , الا ان الدولة آنذاك لم تستطع تنفيذه , اذ كانت اوضاعها الاقتصادية والعامة في ثمانينيات القرن العشرين متدهورة , وليس عبثا ان الاتحاد السوفيتي نفسه قد انهار عام 1991 , وهكذا بقي هذا المشروع الفني العملاق بلا تنفيذ , ولكن ابن النحات استطاع ان ( يعيد الحياة الى هذا النصب !) لانه مشروع والده , وتمكّن من تحقيقه عام 2007, بعد اضافة بعض التعديلات عليه , وذلك بعد ان استقرت الاوضاع نسبيا في الدولة الجديدة , التي حلّت مكان الاتحاد السوفيتي , وهي - روسيا الاتحادية . امتدحنا جميعا موقف ابن النحات هذا , وقلنا يا له من ابن بار لذكرى والده . وتحدث بعض الزملاء ايضا عن اهمية هذا النصب مؤكدين , انه يجسّد موقف الدولة الروسية تجاه شولوخوف , اذ حاولت بعض الاوساط السياسية في خارج روسيا وحتى في داخلها تشويه سمعته الادبية والطعن بمكانته في مسيرة الادب الروسي , وقد جاء تنفيذ هذا النصب الكبير في موسكو لشولوخوف ولروايته الشهيرة ( الدون الهادئ ) جوابا حاسما على كل ذلك , اذ كانت تلك الحملة تدور بالذات حول هذه الرواية , ولهذا نرى شولوخوف في النصب يجلس بقاربه شامخا , وهو يعبر (نهره الهادئ )...       

2
مفتش غوغول سينمائيا 
أ.د. ضياء نافع
صدرت مسرحية غوغول – (المفتش) عام 1835 في روسيا , وتم عرضها على المسرح في مدينة بطرسبورغ الروسية لاول مرة عام 1836 بحضور قيصر روسيا نفسه آنذاك , ومنذ ذلك الحين والى وقتنا الحاضرتعرض ( بضم التاء) في مسارح روسيا و العالم , بعد ان ترجموها الى لغات عديدة . ان وصول مسرحية (المفتش) لغوغول الى مكانتها العالمية تعني انها لا تجسّد مشكلة روسية موجودة في النظام القيصري الروسي تحديدا كما كانوا يقولون ويؤكدون في الزمن السوفيتي انطلاقا من الانتقاد الدائم للنظام القيصري في روسيا السوفيتية والحديث عن سلبيات ذلك النظام , وانما تعني ان هذه المسرحية تجسّد مشكلة اجتماعية عالمية متأصلة في اعماق الانسان , كل انسان , ويمكن لهذه الموضوعة ان تظهر وتتبلور وتنطلق حسب الموقف الملائم لها بغض النظر عن طبيعة المجتمع والنظام السائد فيه , وليس عبثا , ان هذه المسرحية انتقلت بعدئذ الى الفنون الاخرى , مثل الفن التشكيلي ( رسما ونحتا ) , ثم الى الفن السينمائي , ونظن , انه من المهم والمناسب جدا ان نشير هنا , الى ان المرحومة أ.د. حياة شرارة كتبت مقالة في جريدة الجمهورية البغدادية في الربع الاخير من القرن العشرين حول مسلسل تلفزيوني مصري عرضه التلفزيون العراقي آنذاك عنوانه ( غريب في المدينة ) وتابعه المشاهدون في العراق باهتمام كبير ولافت للنظر , وهو مسلسل مقتبس من مسرحية غوغول ( المفتش) , وجعلوا احداثه تدور في مصر آنذاك , ولازالت المصادر المختلفة عن حياة شرارة تتحدث عن اهمية تلك المقالة في تراثها الفكري حول الادب الروسي وارتباطه بالعالم العربي وتفاعله معه وتأثيره عليه , وغوغول ومفتشه طبعا هو المحور المباشر لكل ذلك الارتباط والتفاعل هنا قبل كل شئ , والذي تناولته المرحومة حياة شرارة في مقالتها تلك بعد قرنين تقريبا من ظهور مسرحية غوغول ( المفتش ) في روسيا نفسها , والحليم تكفيه الاشارة طبعا .
 مقالتنا هذه  تتناول تاريخ مسرحية (المفتش) لغوغول في الفن السينمائي , وظهور افلام سينمائية لمفتش غوغول تعني ( فيما تعنيه ) , ان هذه المسرحية لازالت تتعايش مع عصرنا الحاضر وتتفاعل بحيوية معه , وهذا تأكيد واضح و جديد على عدم دقّة تلك الاقوال , التي أشرنا اليها حول علاقة المسرحية بنظام سياسي معيّن ومحدد . ومن الطريف والمهم ايضا ان نشير , الى ان اول فلم سينمائي لمسرحية غوغول لم يكن فلما روسيّا, اي ان ( المفتش) الروسي في مدينة روسيّة لكاتب مسرحي روسي لم يبتدأ سينمائيا في روسيا , وانما ابتدأ في اوروبا , اي خارج روسيا , لان موضوعة المسرحية تعتبر ظاهرة عالمية فعلا , اما في السينما الروسية فتوجد في بعض المصادر اشارة الى فلم صامت ظهر عام 1912 ولكن لا توجد منه الان اي نسخة ولم نجد مراجع عنه بتاتا , ولكن الانتاج الحقيقي لاول فلم روسي لهذه المسرحية ظهر عام 1952 فقط , بعد ان خرجت روسيا من الحرب العالمية الثانية عام 1945 وتنفست الصعداء قليلا, وبدأت تضع لمسات حياتها الاجتماعية الاعتيادية , وكان من الطبيعي ان تنتبه – قبل كل شئ - الى ادبها العملاق في القرن التاسع عشر , وهكذا ولد ( مفتش) غوغول في روسيا من جديد , ولكن ليس في المسرح , وانما في السينما هذه المرّة , لأن الفن السينمائي اصبح سيّد الفنون في القرن العشرين , ان صحّ التعبير. لقد التزم فلم عام 1952 حرفيا بالنص كما كتبه غوغول لدرجة , ان احد المعلقين قال عنه ساخرا , ان تلاميذ المدارس يمكن ان يشاهدوا هذا الفلم بدلا من قراءة النص المطلوب حسب المناهج الدراسية , وربما هكذا كانت خصائص وصفات الافلام السينمائية السوفيتية في تلك المرحلة بالذات من مراحل مسيرتها , الا ان الانتاج الثاني سينمائيا للمفتش قد تحرر من (..ذلك الالتزام الحرفي بالنص الغوغولي..) في الفلم الذي تم انتاجه عام 1977 , و حتى بالنسبة لعنوان  الفلم , اذ  جاء الفلم بعنوان – ( متنكر من بطرسبورغ ) , وليس ( المفتش ) كما هو عند غوغول , والعنوان الجديد قول مقتبس من نص تلك المسرحية ولا يتعارض بتاتا معها , بل بالعكس , فهو يؤكد على جوهرها , اذ ان المفتش كان يجب ان يكون متنكرا فعلا ومن بطرسبورغ بالذات . لقد حاز هذا الفلم على نجاح باهر في حينه , ولازال يشغل مكانة متميّزة بين الافلام الروسية لهذه المسرحية , بل ولازال مطلوبا من قبل المشاهدين لحد الان , اذ انهم يجدون فيه ( كما قال احد اصدقائي معلّقا على هذا الفلم!!!) بقايا تلك المظاهرالواضحة والصارخة – بعض الاحيان - في مسيرة حياتهم اليومية بروسيا المعاصرة في الوقت الحاضر , وهي مظاهر (معشعشة!) هنا وهناك , والتي تجعل مفتش غوغول (حيّا يرزق !) في الحياة الروسية .
الانتاج الثالث لمسرحية ( المفتش ) ظهر عام 1982 في السينما الروسية , وهو في الواقع مسرحية قدمتها فرقة مسرح ( ساتيرا ) الروسي بموسكو, وعلى الرغم من تحويل هذا العرض المسرحي الى فلم سينمائي , الا ان الاجواء المسرحية بقيت واضحة المعالم في هذا الفلم , اما الانتاج السينمائي الاخير للمسرحية فقد تمّ في عام 1996 , ولم يكن هذا الفلم تنفيذا حرفيا للمسرحية تلك , وانما جاء ( حسب موضوعها العام ) فقط , رغم انه لم يبتعد عن الاحداث الرئيسية للمسرحية .
مفتش غوغول لازال يعيش بيننا , ويمكن له ان يظهر في كل مكان ,عندنا وفي اجواء  عالمنا العربي خصوصا, وعندهم ايضا , والا لماذا يعودون اليه لحد الان في فنونهم المتنوعة ؟   
من كتاب – ( خمسون مقالة عن غوغول ) , الذي سيصدر قريبا عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ضياء نافع   

3
شئ عن  كتاب ترويا حول غوغول
أ.د. ضياء نافع
ولد هنري ترويا ( واسمه الحقيقي ليف ارسينوفيتش تاراسوف) في الامبراطورية الروسية عام 1911 بموسكو في عائلة غنية منحدرة من اصول شركسية وارمنية , وهاجر مع عائلته الى فرنسا عام 1920 ( اي بعد ثورة اكتوبر 1917) , وتوفي في فرنسا عام  2007 , واصبح هناك اديبا فرنسيا كبيرا , واصدر اكثر من مئة كتاب بالفرنسية بين روايات وقصص ودراسات تناولت السيرة التاريخية والفكرية لشخصيات بارزة, ومن بينها مجموعة من الكتب عن الادباء الروس الكبار , ومن جملة تلك الاصدارات كتاب عن غوغول صدر بالفرنسية وتمت ترجمته الى الروسية بعد اكثر من ثلاثين سنة على اصداره في فرنسا (  بعد انهيار الدولة السوفيتية) , وليس عبثا ان هنري ترويا حاز على تسمية ( اكثر الادباء الفرنسيين روسيّة ) , وان ابنته اهدت لروسيا بعد وفاته كل ارشيف والدها ووثائقه الفريدة , واعلنت , ان تراث والدها الفكري ( ..قد عاد الى الوطن الام ..) .
لم استطع في حينها ان اطلع على كتاب هنري ترويا عن نيقولاي غوغول , ولكني وجدت في احدى الاعلانات حول غوغول مقطعا من ذلك الكتاب , وقد ادهشني ذلك المقطع بصورته الفنية غير النمطية , اذ يؤكّد ذلك المقطع على جوانب غير اعتيادية بتاتا حول حياة غوغول وابداعه , منها مثلا , انه كان (... أغرب شخصية في تاريخ الادب الروسي...) وانه ( ....كانت و لازالت توجد اساطير عن حياته ومماته اكثر مما توجد وقائع محددة... ) , وهذا ما جعلني انتبه الى هذا الكتاب , وان ابدأ باليحث عنه فعلا كي اطلّع عليه بدقّة وامعان .
 اصدر هنري ترويا كتابه عن غوغول عام 1971 في باريس , اما الترجمة الروسية , فقد صدرت عام 2004 ( واعيدت طبعاتها عدة مرات لاحقا) , وتقع طبعة 2004 في( 640) صفحة من القطع المتوسط , وبعد الاطلاع على كتاب هنري ترويا عن غوغول فهمت طبعا , لماذا لم يترجم ( بضم الياء ) هذا الكتاب في الفترة السوفيتية , اذ ان الصورة الفنية التي رسمها هنري ترويا لغوغول تختلف تماما وكليّا عن المفهوم السوفيتي ( ان صح التعبير) لصورة غوغول الفنية ودوره في مسيرة الادب الروسي وتاريخه ,  فالمنظّرون السوفيت كانوا يعتبرون غوغول  واضع اسس الواقعية الانتقادية ( او الواقعية النقدية وفق بعض المصادر) في الادب الروسي , والتي انتهت بانتصار منهج  الواقعية الاشتراكية في آداب شعوب الاتحاد السوفيتي قاطبة حسب تلك المفاهيم , وقد لاحظنا كل ذلك في دراستنا للادب الروسي في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين , اذ كان التأكيد دائما يدور حول واقعية غوغول وانتقاده للجوانب السلبية في المجتمع المحيط به , اي مجتمع الامبراطورية الروسية القيصرية , دون الاشارة الى ان هذه الانتقادات موجهة ضد الجوانب السلبية في الحياة الانسانية عموما , وبالطبع , دون الاشارة  الى غرائبية بعض نتاجاته الفنية وخياله الجامح في مضمونها , الا انه يجب القول رأسا , ان هذه المفاهيم قد اختفت تقريبا في النقد الادبي السوفيتي منذ اواسط سبعينيات القرن العشرين في الاتحاد السوفيتي نفسه , ولكننا كنّا نرى بعض انعكاساتها في بعض اوساط عالمنا العربي ليس الا , وذلك لان تلك الاوساط كانت بعيدة ومنعزلة تقريبا عن الوقائع السريعة الجديدة التي كانت تحدث في المجتمع السوفيتي آنذاك , ولهذا فانها كانت تكرر –  بعناد يرفض حتى النقاش - نفس المعلومات السابقة لديها ليس الا , بينما الوقائع الجديدة كانت واضحة المعالم جدا لمن يتابع مسيرة المجتمع السوفيتي واحداثه ويعرف طبيعة ذلك المجتمع وصراع التيارات الفكرية في اعماقه, هذه الوقائع التي ادّت في بداية التسعينيات الى تلك النتائج المعروفة من الظواهر الجذرية والحاسمة وظهور دولة  روسيا الاتحادية واختفاء الدولة السوفيتية وتحوّلها الى مجموعة كبيرة من الدول المستقلة والمتنافسة- بعض الاحيان - حتى فيما بينها , اذ ان تلك الظواهر الجوهرية الكبرى لا تحدث في المجتمعات بين ليلة وضحاها كما يقول التعبير العربي المعروف , وانما تنضج تحت نار هادئة وتستغرق زمنا طويلا , والادب هو احدى المؤشرات المهمة في تاريخ ومسيرة تلك المجتمعات , التي تحدث فيها التغييرات الجذرية الكبرى .
كتاب هنري ترويا عن غوغول هو نتاج فني ووثائقي في آن , فني لانه مكتوب باسلوب ترويا الحيوي وكأنه رواية يلتهمها القارئ بمتعة , ووثائقي لانه يعتمد على رسائل غوغول وابداعه الادبي وسيرة حياته, والكتاب باختصار كلمة جديدة بالنسبة للدراسات حول هذا الكاتب الكبير , اذ تناول ترويا حياة غوغول الذاتية متجانسة مع  خصائص نتاجاته , واستطاع ان يرسم للقارئ لوحة فنيّة لغوغول في مزيج هارموني يوحّد ابداعه ومسيرة حياته , لوحة تساعد القارئ ان يتفهم اسرار غوغول ولماذا اصبح اكثر الادباء الروس محاطا بالاسرار والاساطير عن حياته وابداعه , ومن الطريف ان نختتم مقالتنا هذه بالاشارة الى ان الترجمة العربية لهذا الكتاب قد صدرت في مصر عام 2010 بعنوان – ( غوغول سيرة حياة ممزقة ) , ويمكن القول ان هذا العنوان للترجمة العربية صحيح وملائم فعلا لمضمون الكتاب , ولم استطع ان اطلع على هذه الترجمة مع الاسف , وبالتالي , لا استطيع ان احدد , هل ان هذا العنوان موجود في النص الفرنسي للكتاب ام هو اجتهاد المترجم ليس الا, اذ ان عنوان الترجمة الروسية لا يشير الى تلك التسمية , وفي كل الاحوال , فان ظهور الترجمة العربية لكتاب هنري ترويا هو دليل آخر على اهمية هذا العمل الابداعي عن السيرة الذاتية لكاتب روسي وعالمي كبير مثل نيقولاي فاسيليفتش غوغول ... 




4
مئوية حمزاتوف في ليتيراتورنايا غازيتا
أ.د. ضياء نافع
ولد رسول حمزانوف في 8 ايلول / سبتمبرعام 1923 في داغستان , وتحتفل الاوساط الادبية الروسية منذ  بداية ايلول عام 2023 بالذكرى المئوية لميلاد الشاعر الداغستاني الكبير , وقد خصصت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا)  الاسبوعية كثيرا من صفحات عددها الصادر في 6-12 ايلول 2023 للحديث عن الذكرى المئوية لميلاد رسول حمزاتوف هذه لدرجة يمكن القول , ان هذا العدد من ( ليتيراتورنايا غازيتا ) خاص تقريبا بهذه الذكرى , ونعرض في مقالتنا هنا  للقارئ العربي قراءة وجيزة جدا ( او بتعبير أدق نظرة سريعة ليس الا ) للمواد العديدة والمتنوعة التي نشرتها هذه الصحيفة , وهي تحتفل بهذه المناسبة , لاننا نرى في تلك المواد وقائع جديدة وطريفة عن هذا الشاعر , الذي يعرفة القراء العرب حق المعرفة ويتقبّلون ابداعه باهتمام واعجاب كبيرين .
في الصفحة الاولى لذلك العدد من الصحيفة توجد صورة كبيرة للشاعر رسول حمزاتوف وهو يلقي قصائده على ما يبدو , وفوق الصورة مانشيت عريض عن الذكرى المئوية لحمزاتوف ومقطع من مقالة منشورة باكملها على الصفحة 22 حول تلك الذكرى , وتبدأ الصفحات المكرسّة لحمزاتوف في العدد المذكور من الصفحة 18 و19 و 20 و 21 و22 و23 و24 و 25 و26 و27 , اي(10) صفحات باكملها ( نكرر باكملها ) عدا الصفحة الاولى , التي أشرنا اليها .
يكتب محمد محمدوف , وهو بدرجة بروفيسور وحاصل على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) ورئيس شعبة الادب الافاري في اتحاد ادباء داغستان , يكتب مقالا ( وهو واقعيا بحث علمي واسع و عميق ) وعلى صفحتين اثنتين ( 18 و19 ) بعنوان – ( داغستان مهد الشعر لرسول حمزاتوف) , وتحته يأتي عنوان اصغر وهو – (... جيد النظر الى العالم , عندما تشعر بارضك الحبيبة تحت قدميك ...) , وهو مقطع من قصيدة لحمزاتوف , واختيار هذا المقطع لم يكن عفويا ابدا , اذ ان جوهر هذا البحث الكبير يكمن بالذات في هذا المقطع , فالباحث اثبت بما لا يقبل الشك , ان رسول حمزاتوف وصل الى مكانته العالمية في دنيا الفكر لانه كان يقف بثبات على ارض وطنه داغستان , ولانه كان يتحدث في ابداعه عن مشاعره الجيّاشة حول شؤون شعبه الانسانية الاعتيادية ليس الا. لقد جاء هذا البحث عن حمزاتوف في اول تلك الصفحات عن مئويته , اذ ارادت الصحيفة ان تتكلم عن الشئ الاهم والاكبر في مسيرة حمزاتوف , وهو الموقف من الوطن ( اي داغستان ) , اذ ان حمزاتوف اصبح الان رمزا لداغستان , فعندما نذكر حمزاتوف نتذكر داغستان , وعندما نذكر داغستان نتذكر حمزاتوف , وما أعظم هذا التمازج بين الفن والوطن , والذي استطاع حمزاتوف ان ينجزه عن طريق ابداعه . 
في الصفحتين 20 و 21  نجد ملحمة في سونيتات بعنوان ( ازمان وطرق) لرسول حمزاتوف مع صورة كبيرة له وهو يجلس قرب والده عام 1983 عندما كان رسول شابا , علما ان والده شاعر داغستاني شهير ايضا , وتشغل هذه الملحمة كل الصفحتين 20 و21 وتحتوي على 33 سونيت , ومضمون تلك الملحمة الكبيرة يتناول موضوع انهيار الدولة السوفيتية ويعبّر بشكل واضح وصريح عن موقف حمزاتوف الرافض لتلك الاحداث رفضا قاطعا , وهذه مسألة معروفة في الاوساط الثقافية الروسية , والتي ازداد الحديث عنها في الوقت الحاضر بالذات ,  لان هذا الموضوع يرتبط الان بالوضع الحالي للدولة الروسية , اذ غالبا مانسمع بين الناس الرأي القائل , ان هذه الاحداث المأساوية التي تجري الان( بما فيها الحرب الروسية – الاوكرانية) لم تكن ممكنة الوقوع في اطار الدولة السوفيتية الموحدة آنذاك , وغالبا ما يذكرون هذه الآراء محبو حمزاتوف بفخر شديد.
لا يمكن الاستمرار حتى بهذا العرض الوجيز لكل ما جاء في صفحات ( ليتيراتورنايا غازيتا ) عن مئوية حمزاتوف , ولكننا لا يمكننا ايضا عدم التوقف عند صفحة رقم 23 , والتي نشرت في نصفها الاعلى وبترجمة مراد أحمدوف مقاطع من كتابات رسول حمزاتوف تحت عنوان ( المسموع  و المبتكر ) , وهي كتابات نثرية قصيرة و مليئة بالحكمة والرشاقة والابتكار , وكلها صفات امتاز بها ابداع حمزاتوف ,وتذكرنا بالقصة القصيرة جدا , وتذكرنا بقصيدة النثر , وتذكرنا بالحكم والامثال عند الشعوب ,وباختصار , فانها لوحات فنية مرسومة بالكلمات تعبّر عن مواقف الشاعر الكبير حول شؤون الحياة عموما , ونقدم للقارئ نماذج مختارة منها –
 الانسان الشرير لا يرى حبيبته  في الاحلام .
+++
  لا توجد جروح اكثر ألما , من الجروح التي تؤلمنا اليوم .
+++
 الشجرة الكبيرة القديمة تحمينا من الشمس ومن الثلوج ومن المطر . وكذلك الانسان العجوز .
+++
 ما فائدة الكراسي الكثيرة حولي , اذا كنت لا اقدر ان اجلس على اي كرسي منها .
+++
   عندما يبكي الطفل يصبح أكبر , وعندما يبكي العجوز يصبح أصغر .
+++
اطلق تسمية بابا و ماما حتى على مئة شخص , فانك لن تجد ابا و اما بينهم , وكذلك لا يمكن ان يصبح البلد الغريب وطنا .
+++
الذهب , حتى عندما يبقى لمدة عشرين سنة في الاوساخ , يبقى ذهبا برغم ذلك, والقصائد الجيدة مهما تبقى مجهولة طوال سنين عديدة , فانها تبقى رائعة برغم ذلك .
+++
     لا يمكن حلاقة اللحية من قبل اثنين رأسا , فواحد يحلقها بشكل قصير , والثاني يريد ان يحلقها أقصر, وهكذا الامر بالضبط مع القصائد في ايدي المحررين والنقاد .
+++
تحية للذكرى المئوية لميلاد رسول حمزاتوف , وتحية لصحيفة ليتيراتورنايا غازيتا على احتفالها الابداعي بذكرى الشاعر الداغستاني والعالمي رسول حمزاتوف......

5
للاطلاع غلى الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي

https://ankawa.com/sabah/fifty.pdf

6
المنبر الحر / حوار عن غوركي
« في: 17:08 07/09/2023  »
حوار عن غوركي 
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على حوار مع سفيتلانا ديومكينا – مديرة متحف مكسيم غوركي في معهد الادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية , وجرى هذا الحوار بمناسبة الذكرى ( 155) لميلاد غوركي , والتي احتفلت به الاوساط الادبية الروسية في مارت / آذار عام 2023 , وقد وجدت في هذا الحوار الحيوي جوانب طريفة و مهمة حول مكسيم غوركي , وأظن , انها ربما ستكون ممتعة ومفيدة وجديدة للقارئ العربي بالذات , اذ ان غوركي هو واحد من أشهر الادباء الروس بعالمنا العربي , بل انه كان في فترة ( مالئ الدنيا وشاغل الناس في عالمنا العربي !!! ), وكان رمزا كبيرا يحتذي به بعض الادباء العرب باعتباره مؤسس منهج جديد في الادب هو الواقعية الاشتراكية , وكلنا نتذكّر (سيل!!!) الكتابات العربية النظرية والتطبيقية في اواسط القرن العشرين عن هذا المنهج الادبي الجديد وكيف انعكس – كما كانوا يكتبون - في نتاجات ادباء عرب كبار مثل عبد الرحمن الشرقاوي وحنا مينا وغيرهم , وكيف ان هذا المنهج سينتصر لاحقا ويسود في دنيا الادب العربي , ويمكن القول طبعا ان هذه ( الموّجة!) قد انحسرت الان بشكل عام , رغم ان ( بقايا و آثار !) هذه الكتابات لازالت لحد الان  تظهر هنا وهناك احيانا في الدوريات العربية دون الأخذ بنظر الاعتبار , ان الكلام عن منهج الواقعية الاشتراكية قد اختفى واقعيا في الساحة السوفيتية نفسها منذ سبعينيات القرن العشرين تقريبا .
ولهذه الاسباب و العوامل بمجملها ارتأينا عرض المضمون العام لهذا الحوار حول غوركي في مقالتنا هذه , خصوصا وان الحوار يجري بالذات في وقتنا الحاضر (  اي في عام 2023) مع مديرة متحف غوركي في اكاديمية العلوم الروسية , اي مع شخص اكاديمي روسي يعمل من أجل الحفاظ على تراث غوركي ومكانته, وكي يطلع عليه الناس في متحف خاص بهذا الكاتب الروسي الكبير , ولا يمكن لهذا الشخص طبعا ان يكون مضادا لغوركي ( وما أكثرهم بيننا وحتى بين الروس ايضا !!!) , ويجب ان تكون افكار هذا الشخص حول غوركي بعيدة عن الشعارات الطنانة وهادئة و موضوعية ( وهذا هو المهم جدا ) بعد اكثر من قرن ونصف على ميلاد غوركي واكثر من ثمانين سنة على وفاته.
السؤال الاول الذي نود ان نتوقف عنده في هذا الحوار كان يدور حول منهج الواقعية الاشتراكية  في الادب , باعتبار ان غوركي  -  قبل كل شئ – هو , كما جاء في نص السؤال  (...واضع اسس هذا المنهج...) , فقالت مديرة المتحف في اجابتها عن هذا السؤال , ان هذا المفهوم الذي تنطلقون منه في سؤالكم  ( .. عتيق وغير دقيق ..) , واوضحت , ان منهج الواقعية الاشتراكية لا يرتبط بغوركي , وانما يرتبط بافكار ستالين حول الادب,  هذا الزعيم السوفيتي الذي كان متابعا دقيقا  للادب الروسي المعاصر له ويتفهمه بعمق, ولهذا فانه ( اي ستالين ) كان يعرف الدور الكبير و الحاسم  للادب في توجيه الرأي العام , وبالتالي في بلورة الوعي الاجتماعي للشعب, وكان يضع آماله حول هذا الادب وتوجيهه , وتستشهد مديرة متحف غوركي بقول ستالين الشهير حول تعريفه للاديب بانه - مهندس الروح الانسانية , وقالت ديومكينا , ان ستالين كان بحاجة الى ربط هذه الافكار باسم اديب كبير وبارز مثل غوركي , والذي كان اكبر الادباء الروس شهرة داخل روسيا وخارجها آنذاك , والذي كان مقبولا ومعترفا به من جميع الاطراف الادبية الروسية رغم خلافاتها و عدم انسجامها , اي ان غوركي لم يكن ( واضع اسس مفهوم الواقعية الاشتراكية) , وانما ربطوا هذا المفهوم باسم مكسيم غوركي ليس الا , علما , ان رواية (الام) , التي استشهدوا بها واعتبروها ( النموذج !) لهذا المنهج قد أصدرها غوركي عام 1906 , اي قبل ميلاد هذه المفهوم باكثر من ربع قرن , وقبل الافكار عن الاتحاد السوفيتي نفسه , وتضيف مديرة المتحف الى ان مكسيم غوركي واسلوبه ومنهجه في الكتابة الابداعية و مكانته الادبية في مسيرة الادب والفكر الروسي قد تبلورت كلها قبل ثورة اكتوبر بمدة طويلة , وانه لم يكتب اي شئ يتناسب او يتطابق مع مفهوم الواقعية الاشتراكية بعد المؤتمرالاول لاتحاد الادباء السوفيت (1934 ) , الذي اقر منهج الواقعية الاشتراكية . تختتم مديرة متحف غوركي اجابتها عن هذا السؤال قائلة , ان الحديث عن منهج الواقعية الاشتراكياة الان هو ( ... شئ شكلي وبلا حياة ...) , اذ يعني البحث في زوايا بعض النتاجات الادبية آنذاك , ومحاولة ايجاد بعض المقاطع فيها , وهي مقاطع تتناول الواقع عندها لا اكثر .   
الحوار مع مديرة متحف غوركي طويل ومتشعب , اذ تحدثت فيه عن الطريق الذاتي العصامي الصعب , الذي اخترقه غوركي , واستطاع ان يصل به الى مكانته المتميّزة في روسيا والعالم , وتوقفت عند قيصر روسيا آنذاك وعلاقته السلبية تجاه غوركي , لأنه اصبح في روسيا رمزا للحركة الثورية , وكيف تدخّل القيصر في قضيّة اخراجه من اكاديمية العلوم وكيف تضامن معه تشيخوف و كورولينكو, وتحدثت بتفصيل عن مواقف غوركي تجاه الادباء الروس وكيف حاول حمايتهم في بداية السلطة السوفيتية , وكيف عرض افكاره بكل شجاعة امام السلطة ...الخ ...الخ , وكم اتمنى ان يقوم أحد المترجمين بترجمة هذا الحوار باكمله الى العربية , لأن مديرة المتحف رسمت صورة حقيقية لمكانة غوركي واهميته في تاريخ الادب الروسي , صورة لغوركي كما هو في الواقع و دون رتوش واضافات من هذا الطرف او ذاك , وكم يحتاج القارئ العربي ان يطّلع على هذه الصورة الموضوعية , كي يعرف قيمة غوركي الحقيقية ومكانته في مسيرة الادب الروسي والعالمي .   

7
تولستوي وجامعة قازان
أ.د. ضياء نافع
تأسست جامعة قازان ( وقازان عاصمة تتارستان  ضمن روسيا الاتحادية ) عام 1804 حسب أمر اداري أصدره قيصر الامبراطورية الروسية آنذاك الكساندر الاول ( الذي يرتبط اسمه بالانتصار على نابليون في حربه ضد روسيا عام 1812 ) , وعندما كنت قبل اكثر من عشر سنوات في زيارة رسمية لجامعة قازان لاحظت لوحة كبيرة جدا لهذا القيصر تتصدّر القاعة الكبرى في تلك الجامعة , ولدى سؤالي عن ذلك , اوضحوا لي , ان هذه اللوحة كانت منسية ايام الاتحاد السوفيتي , ولكنهم اعادوها بعد ترميمها , وتبدو وكأنها مرسومة الان , وذلك احتراما لمؤسس جامعة قازان في الامبراطورية الروسية آنذاك , علما , ان هذه الجامعة تحمل اسم لينين ايضا , والذي اطلقوه عليها بالاتحاد السوفيتي في عام 1924 , عندما توفي قائد ثورة اكتوبر الاشتراكية , وذلك لان لينين كان طالبا بكليّة القانون في تلك الجامعة , وهكذا , فان جامعة قازان ترفع صورة الكساندر الاول قيصر الامبراطورية الروسية , وتحمل اسم لينين مؤسس الدولة السوفيتية في نفس الوقت التزاما بمسيرتها التاريخية واحتراما لتلك المسيرة عبر اكثر من قرنين من الزمان وبغض النظر عن النظام السياسي السائد في روسيا ( وكم يبدو ذلك الامر غريبا و مدهشا ورائعا بالنسبة لنا , نحن العراقيين , مقارنة مع واقعنا الاليم !!!) , علما ان هذه الجامعة تعدّ الان واحدة من الجامعات العشر الاولى بين الجامعات الروسية كافة , وهو موقع علمي متميّز فعلا في مسيرة التعليم العالي بدولة كبرى مثل روسيا الاتحادية , الدولة المتعددة القوميات والاعراق والثقافات والتي يوجد فيها المئات من الجامعات العامة و المتخصصة , اضافة الى مؤسسات التعليم العالي المتشعبة  الاخرى من معاهد ومدارس عليا...الخ.
من جملة ما تفخر به جامعة قازان , هو ان الكاتب الروسي تولستوي كان طالبا لديها في القرن التاسع عشر ( التحق بالجامعة عام 1844), ورغم انه قضى سنتين دراسيتين فقط في صفوفها ليس الا, حيث  كان في البداية طالبا يدرس اللغات الشرقية ( درس اللغتين التركية والعربية) , ثم انتقل للدراسة في كليّة القانون , و ترك تولستوي الدراسة الجامعة بعدئذ نهائيا , الا ان جامعة قازان لا زالت تحتفظ بوثائقه وتعتزّ طبعا  ان تولستوي كان طالبا لديها في فترة ما , ولهذا , فان الجامعة تقيم بين حين وآخر ندوات علمية ومحاضرات وسمنارات حول هذا الاديب الروسي الشهير , باعتباره  كان احد طلبتها , اضافة الى انها اطلقت اسمه على عدة مؤسسات داخل الجامعة , ونود ان نعرض للقارئ العربي في مقالتنا هذه بعض جوانب تلك الفعّاليات الثقافية في جامعة قازان حول تولستوي , اذ اننا نرى في جوهر هذه النشاطات جانبا مشرقا ورائعا للتعبير عن وفاء الجامعة تجاه طالب سابق لديها درس سنتين دراسيتين فقط , وكم يذكّرنا هذا الوفاء بواقعنا المرير عن ( عدم الوفاء , ولا اريد استخدام كلمة اخرى !!! ) لمؤسساتنا الجامعية العراقية تجاه اعلام عراقيين كبار درسوا في صفوفها  ( لم نشاهد مثلا في مئوية الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة اي مشاركة حقيقية لجامعة بغداد في تلك المناسبة المهمّة , وكأن نازك الملائكة ليست خريجة تلك الجامعة , ولم نسمع بأي مبادرة حول خريج جامعة بغداد  بدر شاكر السياب ايضا , وهناك الكثير الكثير من اسماء المبدعين العراقيين طبعا في هذه القائمة !!! ) . ان المؤسسات الجامعية لدينا لا تتذكر خريجيها او الذين درسوا فيها من هؤلاء المبدعين العراقيين بتاتا مع الاسف , بل ولا تشير الى ذلك نهائيا حتى في اصداراتها و ادبياتها , ولهذا لا تعرف الاجيال العراقية الجديدة الجذور و الاسس الفكرية و الحضارية لهؤلاء المبدعين . لقد اطلعت على محاضرة تم تقديمها لطلبة الكورس الاول في جامعة قازان عن دراسة تولستوي في تلك الجامعة , وتحدّث المحاضر بالتفصيل عن مسيرة (الطالب تولستوي) , وكيف انه لم يتقبّل نظام التعليم الجامعي بشكل عام , ويشير المحاضر الى تفصيلات طريفة , منها , ان تولستوي لم يكن يستسيغ المحاضرات (الجافة!) , التي كان بعض الاساتذة يلقوها على الطلبة بالطريقة الاملائية , وكان الطالب تولستوي في هذه الاثناء يجلس في الصفوف الخلفية ( ..ليقرأ الجرائد ..) , وذكر المحاضر ايضا , كيف ان تولستوي كتب في مذكراته عن تلك الفترة , حيث جاء في تلك المذكرات السبب الذي قرر على اساسه ترك الدراسة الجامعية , وقال تولستوي في تلك المذكرات , ان  أحد الاساتذة طلب منه مرّة كتابة تقرير علمي , واستهوى تولستوي الموضوع فذهب الى القرية , وهناك اندمج مع قراءة مونتيسيكيو , وفتحت هذه القراءة المعمقة لتولستوي آفاقا واسعة , فانتقل لقراءة جان جاك روسو , واستمرّ في القراءة و البحث العلمي , وقرر بعد ذلك ترك الجامعة ( ...كي يتعلّم ..) , ويوضّح المحاضر للطلبة , ان هذا القرار كان يتناغم مع نفسية تولستوي ( الانسان الحر, والانسان المتمرد ) منذ ان كان في ذلك العمر اليافع , وانه استمر هكذا طوال حياته , ويشير المحاضر , الى ان روايته ( الحرب والسلم ) هي في الواقع ( .. نقاش مع علم التاريخ , الذي كان سائدا في عصره ...) , وان موقفه المعروف من الكنيسة الروسية هو تعبير آخر من مظاهر ايمانه المطلق بالحرية , وصولا الى حادثة هروبه الغريب من البيت قبيل وفاته,  ويصل المحاضر الى استنتاجه المنطقي الاخير عن سبب تركه  الجامعة , وهو ان تولستوي كان يجب ان يترك الجامعة , لأنه لا يمكن ان يخضع دون نقاش لقوانينها الصارمة .
تولستوي وجامعة قازان موضوع واسع جدا في الدراسات الروسية عن تولستوي , اذ توجد العديد من الكتب والبحوث حول ذلك , حيث يجد الباحثون في ثنايا التفاصيل الدقيقة لتلك المرحلة المبكرة ملامح و خصائص تولستوي الكاتب والمفكّر , والتي سوف تتبلور في مسيرته اللاحقة .
متى نرى بحوثا علمية عندنا بعناوين مثل – نازك الملائكة ودار المعلمين العالية , بدر شاكر السياب ودار المعلمين العالية , غائب طعمه فرمان وكلية الآداب ......   

8
المنبر الحر / غوغول والمأمون
« في: 11:59 27/08/2023  »
غوغول والمأمون
أ.د. ضياء نافع
كتب الباحثون العرب كثيرا حول التأثير العربي الاسلامي على بعض الادباء الروس , وانعكاس هذا التأثير في نتاجاتهم الادبية المتنوعة , مثل بوشكين وليرمنتوف وتولستوي وبونين ...الخ , وتوسّع الباحثون العرب في كتاباتهم هذه جدا وأضافوا لها اجتهادات ذاتية اكثر مما يجب ( وبعض تلك الاضافات لا يعرفها حتى هؤلاء الادباء الروس انفسهم , كما علّق احدهم مرّة ضاحكا !) , ولا مجال هنا للحديث تفصيلا عن هذه الاضافات طبعا, ولكننا نود ان نشير , الى ان غوغول – ويا للغرابة -  لم يكن بين هؤلاء الادباء الروس , الذين كتب عنهم الباحثون العرب في هذا المجال , رغم ان غوغول هو الاديب الروسي الوحيد عبر تاريخ الادب الروسي كله , الذي ترتبط باسمه محاضرة ألقاها شخصيا عن الخليفة العباسي المأمون , ولم يخطر ببال هؤلاء الباحثين طرح سؤال مهم في هذا الخصوص ,و هو - لماذا اختار غوغول هذه الشخصية من التاريخ العربي بالذات  , ولم يتحدث عن شخصية اخرى من الشخصيات الكبيرة, التي يزخر بها تاريخ العالم الواسع ؟ , ولماذا ألقى غوغول محاضرة عن المأمون في جامعة بطرسبورغ , والتي استمع اليها كبار المثقفين الروس آنذاك مثل بوشكين وجوكوفسكي ؟. ولازال هذا الموضوع غير واضح المعالم  في اذهان القراء العرب عموما لحد الان , وحتى بالنسبة لهؤلاء القراء العرب الذين يتابعون اخبار الادب الروسي , رغم بعض الكتابات العربية ( القليلة نسبيا ) عن ذلك الموضوع , التي ظهرت هنا وهناك في بعض بلدان عالمنا العربي .
 نود في مقالتنا هذه الكلام عن محاضرة غوغول حول الخليفة العباسي الشهير المأمون وانعكاساتها في الاوساط الروسية آنذاك قبل كل شئ , اذ لم تكن روسيا آنذاك تمتلك علاقات واسعة مع العالم العربي ( الذي كان اصلا تحت السيطرة العثمانية , كما هو معروف ) , وذلك كي نرى , كيف تقبّل المثقفون الروس انفسهم محاضرة غوغول عن خليفة عباسي ,  هذه المحاضرة الفريدة في تاريخ الادب الروسي , و التي بدأت الاوساط العربية تتحدث عنها في القرن العشرين ليس الا , اي بعد مرور اكثر من قرن ونصف على القاء غوغول لمحاضرته تلك في جامعة بطرسبورغ .
ألقى غوغول محاضرته تلك عام 1834 , عندما كان يريد ان يصبح استاذا جامعيا لمادة التاريخ , ولكن غوغول لم يستطع - في نهاية المطاف - تحقيق خططه في هذا المجال , ونشر تلك المحاضرة في كتاب له صدر عام 1835 . لقد حاولنا البحث في بعض المصادر الروسية حول تلك المحاضرة , و اندهشنا , اذ تبيّن ان هذا الموضوع لازال ينتظر الباحثين الروس انفسهم , ولم نجد – مثلا – جوابا محددا في تلك البحوث الروسية عن سؤال – لماذا اختار غوغول بالذات الخليفة المأمون موضوعا لمحاضرته آنذاك ؟   بل وجدنا اشارات صريحة تؤكد , ان موضوع (غوغول المؤرّخ) , و الذي  يدخل ضمن موضوع اكثر شمولية , وهو ( غوغول المفكّر )  تتطلب الدراسة الواسعة و العميقة لها في روسيا لحد الان , وان هذا الجانب في مسيرة غوغول لم يدرس ( بضم الياء) كما يجب سابقا في المصادر الروسية , ولم نعثر على ( بقايا !) الرأي السوفيتي , الذي كنّا نسمعه اثناء دراستنا للادب الروسي في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين , والذي كان يقول . ان سبب اختيار غوغول لشخصية الخليفة العباسي يكمن في رغبة غوغول بانتقاد القياصرة الروس , لانهم لم يقوموا بتحقيق تلك الجوانب الثقافية الرائعة , التي قام بها المأمون , وان غوغول اراد ان يقول للقياصرة الروس ( عبر محاضرته تلك ) كيف يجب على القياصرة ان يتصرّفوا , اي انه اراد انتقاد القياصرة الروس ولكن بشكل غير مباشر , وهو اجتهاد سياسي قبل كل شئ , اذ كانت وجهة النظر السوفيتية عموما ترى , ان كل الادباء الروس الكبار قبل ثورة اكتوبر 1917,  من بوشكين الى بقية الاسماء اللامعة الاخرى بعده , هم ( معارضون !) للنظام القيصري بشكل او بآخر , ونظن ان هذا الرأي ( رغم منطقية صياغته , ولهذا كنّا نتقّبله عندما كنّا طلبة في جامعاتهم ) لا يتناسق ولا ينسجم واقعيا مع مسيرة الادب الروسي وأعلامه عموما في تلك الفترة , وكذلك لا يتناغم هذا الرأي ايضا مع واقع غوغول بالذات ومواقفه الفكرية , اذ انه ( اي غوغول ) كان ارثذوكسيا متشددا جدا, وبالتالي فانه كان ينظر الى القياصرة ( مثل بقية هؤلاء المتشددين ) باعتبارهم حماة تلك المفاهيم الدينية اصلا . هذا وقد اوضح احد الاساتذة الروس لنا مرّة , ان سبب اختيار غوغول لشخصية المأمون يمكن تفسيره , بان غوغول كان مثقفا كبيرا , وانه اطلع على دور المأمون في تعزيز الثقافة , وكان معجبا جدا به , ولهذا اراد في محاضرته التعبير عن اعجابه الكبير بهذه الشخصية , ولم يرغب ان ينتقد القياصرة الروس بذلك , ولم يرد هذا التفسير السوفيتي عن سبب اختيار غوغول للمأمون الا في بدايات العصر السوفيتي فقط , اذ ان كل انسان يرى الشئ الذي يريد ان يراه , ويمكن القول , ان هذا الرأي قد اختفى بالتدريج وبمرور الزمن مثل الشعارات المتطرفة الاخرى في مجالات الحياة كافة , ونظن , ان كلام الاستاذ الروسي هذا هو ألاقرب الى المنطق السليم .
ختاما لهذه السطور نرى , انه من الضرورة الاشارة الى ان هذه المحاضرة قد ترجمها  عن الروسية المترجم الكبير كامران قره داغي في سبعينيات القرن العشرين ونشرها في مجلة ( آفاق عربية ) ببغداد , وبهذا , فان محاضرة غوغول عن المأمون كانت ولازالت ترتبط في العراق باسم كامران قره داغي , هذا المترجم الموهوب الذي كان يمكن ان يعطي لنا مكتبة عربية متكاملة حول الادب الروسي لو استمر بعمله الترجمي هذا , الا ان ( السياسة !!!) جذبته , وانغمر في مدّها وجزرها , وكم اتمنى ان يجمع كامران تلك المقالات حول الادب الروسي , التي ترجمها آنذاك , في كتاب , اذ ان تلك المقالات ( بما فيها محاضرة غوغول عن المأمون) لازالت تمتلك اهميتها للقارئ العربي لحد الان  . 

9
  جامعة العلوم الانسانية في روسيا
أ.د. ضياء نافع
توجد جامعات متخصصة لدراسة العلوم الانسانية فقط في العديد من بلدان العالم , بما فيها طبعا في بعض بلدان عالمنا العربي , ولكننا نريد التوقف في مقالتنا هذه عند جامعة العلوم الانسانية في روسيا بالذات , لاننا نتابع مسيرة التعليم العالي الروسي بكل ظواهره الايجابية والسلبيه , وذلك لأننا نظن , ان هذه المتابعة الدقيقة مفيدة لنا ,  اذ ربما ( نكرر – ربما) نستطيع ان نستخلص منها بعض الدروس والاستنتاجات المفيدة في حياتنا الجامعية العراقية , فالاطلاع على تجارب الاخرين في مسيرة التعليم العالي ضرورة  ( ونحن بشكل عام لازلنا مبتدئين في هدا المجال ,  فمسيرة التعليم العالي عندنا ترتبط زمنيّا ببداية القرن العشرين ليس الا) , والاطلاع على تجربة التعليم العالي في دولة مثل روسيا يعني , امكانيّة ان نأخذ بنظر الاعتبار ايجابيات تلك التجربة الجامعية ( ولكن ليس بشكل تلقائي اعمى , وانما حسب واقعنا و ظروفنا وامكانياتنا طبعا ) , وان نتذكّر دائما  سلبياتها و نتجنب تلك السلبيات قدر ما نستطيع , وهذه السلبيات ليست قليلة مع الاسف في الجامعات الروسيّة عموما ( رغم كل ما قيل ويقال من هذا الجانب المؤيد او من الجانب الآخر المعاكس له , فالاقوال كثيرة ولكن الوقائع هي التي تحدد و تتكلم في نهاية المطاف , وهي التي يجب ان نستند عليها  عند التقييم الموضوعي العام  لمستوى تلك الجامعات ) .
 بدأ التفكير بتأسيس جامعة للعلوم الانسانية في روسيا في تسعينيات القرن العشرين من قبل بعض اعضاء اكاديمية العلوم الروسية , اذ لاحظ اعضاء الاكاديمية الوهن والضعف ( ان صحّ التعبير) الذي اصاب المجتمع الروسي تجاه العلوم الانسانية حصرا , وقرروا معالجة هذا الجانب في المجتمع عن طريق تأسيس جامعة متخصصة تدرس العلوم الانسانية بالذات , وتحاول – بالتالي - الارتقاء بتلك العلوم وتوسيعها , كي تشغل هذه العلوم مكانتها الطبيعية في وعي المجتمع وتؤدي دورها المهم في مسيرته اللاحقة , وهي ملاحظة علمية صحيحة ودقيقة جدا في تلك المرحلة من تاريخ المجتمع الروسي وتشخيص موضوعي للخلل المرعب الذي اصاب الاوساط الاجتماعية الروسية , اذ انهارت الدولة السوفيتية عام 1991( وهو حدث هائل جدا محليا وعالميا !) , ولم تنهض بعد الدولة الجديدة و البديلة ( اي روسيا الاتحادية ) محلها كما يجب , وهي ظاهرة طبيعية في مثل تلك التحوّلات الاجتماعية الكبرى في تاريخ الامم والشعوب . وهكذا حققت اكاديمية العلوم الروسية افكارها تلك عام 1994 ضمن الامكانيات المتاحة لها آنذاك , واعلنت حكومة روسيا الاتحادية وفق أمر اداري رسمي  تأسيس - (جامعة العلوم الانسانية ) , وقد تم تسجيل عدة صفات محددة في نفس التسمية تلك , منها – ( الجامعة الحكومية الاكاديمية ) , فهي ( حكوميّة ) , اي انها جامعة رسمية تكون  الدراسة فيها مجانا , وليست جامعة اهلية خاصة تعتمد على اجور الدراسة وتهدف للحصول على الربح من تلك الاجور ( كما يحدث عندنا مع الاسف , وكذلك في بلدان اخرى في العالم , بما فيها روسيا ) , وان هذه الجامعة ( اكاديميّة ) , اي تديرها اكاديمية العلوم الروسية وتابعة لها و وهي التي تشرف عليها , ولا علاقة لها مع اي مؤسسة اخرى . لقد اثبتت تجربة السنوات الاخيرة نجاح هذه الجامعة فعلا , فاعداد طلبتها كانت غير كبيرة , ويستمع طلبتها منذ البداية الى محاضرات يلقيها عليهم اكاديميون كبار متخصصون في تلك العلوم الانسانية , ولا تهدف الجامعة الى (تخريج!) موظفين هنا وهناك , وانما تسعى الى خلق متخصصين شباب في العلوم الانسانية , يعرفون قيمة تلك العلوم وكيفية استخدامها في مسيرة المجتمع الروسي واهميتها لهم ولمجتمعهم .
 السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا التعريف الوجير بجامعة العلوم الانسانية في روسيا هو الآتي – هل يمكن للمجمع العلمي العراقي ان يقيم مثل هذه الجامعة في بغداد ؟ والجواب عن هذا السؤال – نعم ( حسب اجتهادنا المتواضع ) , فالمجمع العلمي العراقي يضم شخصيات علمية رفيعة المستوى , ويمتلك بناية كبيرة في قلب بغداد يمكن ان تستوعب المشروع , وليكن هذا المشروع في بدايتة مقتصرا على الدراسات العليا فقط , اي ان تكون هذه الجامعة مخصصة للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه ليس الا , وان تكون اعداد طلبة الدراسات العليا هؤلاء ضمن الحد المعقول وفي اطار الاختصاصات المتوفرة  في المجمع العلمي العراقي , مثل اللغة العربية , او الادب العربي , او التاريخ , او الفلسفة , او الاقتصاد , او علم الاجتماع . او علم النفس ...الخ , ومن المؤكّد , ان ادارة المجمع العلمي (ذات التجربة الغنيّة) تستطيع تنظيم هذه الدراسة حسب الضوابط الجامعية المعمول بها في العراق من طريقة قبول الطلبة واعداد كورسات دراسية وامتحانات شاملة واشراف علمي على الاطاريح من قبل المتخصصين المرتبطين بالمجمع ومناقشة تلك الاطاريح .... .
  ان خطوة تأسيس جامعة خاصة للعلوم الانسانية باشراف المجمع العلمي العراقي ستكون الاجابة العلمية الحقيقية على هذا ( السيل !) من الجامعات الاهلية , التي ( غمرت!) العراق في السنين الاخيرة , والتي زادت من مشاكله المتشابكة , اضافة الى ( السيل الهائل الآخر !!!) , الذي غمرنا ايضا من جامعات تجارية او شبه وهميّة تأتينا الى بيوتنا عبر اجهزة الكترونية ( ليلا ونهارا !) .
يا رجالات العلم في المجمع العلمي العراقي العتيد , اتمنى ان تحاولوا دراسة هذا المقترح واتخاذ قرار مناسب بشأنه , فجامعة مثل تلك ستؤدي الى بناء جسر فكريّ صلب بين المجمع العلمي والمجتمع العراقي يربط علومكم بابناء مجتمعكم  , ويمكن له ان يساهم في اصلاح مسيرة التعليم العالي في العراق .

10
عن اول كتاب اصدره غوغول
أ.د. ضياء نافع
عندما زرت معهد بوشكين للغة الروسية بموسكو قبل عدة سنوات , فوجئت بمقطع من كتابات غوغول حول بوشكين منقوشة بحروف بارزة على الجدار اليمين في مدخل المعهد , وقد وقفت طبعا وقرأت ذلك النص الغوغولي المتميّز والعميق عن بوشكين , ثم استفسرت عن تلك الظاهرة الجديدة بالنسبة لي ( اذ اني من روّاد هذا المعهد منذ تأسيسه !) , فقال لي رئيس المعهد مبتسما , انه لم يجد أفضل من تلك الكلمات لغوغول عن بوشكين واهميته للغة الروسية وآدابها , وقد اتفقت معه في الرأي , واليوم , ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين , لازال غوغول فارس الساحة الثقافية الروسية بلا منازع , فهو (الاوكراني!) العتيد والكاتب (الروسي!) الكبير في آن واحد, ومن يمكن له في اجواء الحرب الروسية – الاوكرانية ( التي بدأت في شباط ( فبراير) عام 2022 , ولازالت مستعرة لحد الان , ونحن في آب ( اغسطس) من عام 2023) ,من يمكن ان ينافس غوغول في موقعه المتميّز والخاص جدا بالساحة الثقافية الروسية المعاصرة ؟ اذ ان غوغول يجسّد اوكرانيا وروسيا معا وسويّة , ويرمز الى وحدتهما الطبيعية جغرافيا وتاريخيا وثقافيا و انسانيا ايضا  منذ انطلاق بداياتهما في القرن العاشر عند تأسيس دولتهما المشتركة - ( كيفسكايا رووس! والتي يمكن ترجمتها بلغة عصرية – روسيا الاوكرانية ) , ودون امكانية الانفصام بينهما لاحقا و ابدا , فلا يمكن ( تقسيم!) غوغول الواحد ( الكاتب والمفكّر والفيلسوف ) على كاتبين ومفكرين وفيلسوفين , واحد روسي والثاني اوكراني !!! .
مؤلفات غوغول المختارة والكاملة طبعوها عشرات المرات في الامبراطورية الروسية ( منذ ان كان غوغول على قيد الحياة ) والاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية ( طبعت مؤلفاته الكاملة ب 23 مجلدا , وانجزت عام 2013) , اضافة الى طبع نتاجاته الادبية من قصص ومسرحيات وروايات بكتب منفصلة بحد ذاتها كانت تلاقي الرواج آنذاك دائما , ولازالت كل هذه الكتب والمؤلفات مطلوبة من القراء لحد الان . غوغول كاتب قصص قصيرة وطويلة وكاتب مسرحي وروائي , ولكنه ابتدأ بالنشر شاعرا , واصدر كتابه الاول عام 1829 (وكان عمره 20 سنة) , والكتاب هو مجموعة شعرية باسم مستعار , ولكن غوغول شعر رأسا بالفشل الذريع لذلك الكتاب , فقرر رأسا شراء كل النسخ التي جرى طبعها وتوزيعها آنذاك من هذا الديوان , وحرقها باجمعها , وهذا يعني , ان عملية (حرق!) مؤلفاته ليست ظاهرة جديدة في مسيرته الادبية ابدا , اذ انه كررها مرّة اخرى في نهاية حياته – كما هو معروف -  وأحرق كليّا الجزء الثاني من روايته ( الارواح الميتة ) , والتي كتبها لفترة طويلة جدا , ولكن , والتزاما بعنوان مقالتنا هذه , لنبتدأ بالحديث عن  الكتاب الاول الذي أصدره غوغول , وهو الكتاب الذي يرتبط لحد الان بظهور نجم ساطع في دنيا الادب الروسي , والادب العالمي ايضا .
الكتاب الحقيقي الاول لغوغول صدر في بطرسبورغ , وعنوانه حسب الترجمة الحرفية هو – (امسيات في بيت ريفي منعزل قرب ديكانكا) . اصدر غوغول الجزء الاول من كتابه هذا عام 1831, وكان عمره آنذاك (22) سنة فقط , وصدر الجزء الثاني عام 1832 . نجح الكتاب بشكل ساطع و باهر جدا , اذ انه عكس خصائص غوغول الادبية التي سيتميّز بها لاحقا – العنوان الطريف ( والذي خلّد به قرية ديكانكا المجهولة , وهكذا اصبحت هذه القرية معروفة وليس فقط في اطار روسيا , وانما عالميا ايضا بفضل كتاب غوغول هذا , وقد تذكّرت رأسا قصيدة عبود الكرخي – قيّم الركاع من ديرة عفج , التي خلّد فيها الشاعر (ديرة عفج) بالنسبة لنا , نحن العراقيين !) وانعكست في الكتاب ايضا الروح الشعبية الاوكرانية والواقعية الممزوجة بالخيال الغرائبي والمرح والضحك و السخرية, وكل ذلك باسلوب جميل أخّآذ و بلغة روسية ذات مستوى رفيع جدا , وتكاد ان تكون لغته الخاصة به , فهي لغة روسية شاعرية مطعّمة بالاسماء والاماكن الاوكرانية ,  وقبل كل شئ بالفلكلور الاوكراني  طبعا بخرافاته واساطيره وحكاياته المثيرة . لايزال كتاب غوغول هذا مطروحا وبشكل واسع بين القراء الروس صغارا وكبارا , لدرجة , ذكر فيها رئيس اتحاد الادباء الروس في مدينة بطرسبورغ ( ما معناه ) انه عاد لقراءة ذلك الكتاب في بداية الحرب الروسية – الاوكرانية , لأنه لم يجد افضل من غوغول رمزا لانهاء هذه الحرب . ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان ناشر الكتاب في بطرسبورغ آنذاك ( اشتكى !!!) قائلا , ان عمّال المطبعة كانوا يقرأون كتاب غوغول هذا ويقهقهون , وان تلك القهقة قد عرقلت عملهم اثناء طبع الكتاب , ويا لها من شهادة رائعة وحقيقية وعفوية عن عبقرية الكاتب غوغول , شهادة أعمق كثيرا من (مقالات !!!) يكتبها بعض نقّاد الادب .
تم ترجمة هذا الكتاب الى الكثير من لغات العالم , ومن بينها طبعا لغتنا العربية ,  وبعناوين متعددة , منها – امسيات قرب قرية ديكانكا , الامسيات في قرية قرب ديكانكا , امسيات في قرية قرب ديكانكا ....
مؤلفات غوغول العديدة والواسعة المعالم تنتظر الباحثين العرب , فما اكثر العناصر الانسانية  المشتركة بيننا..................   

11
تماثيل  لقصص تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
 اقامة تماثيل لابطال النتاجات الادبية - ظاهرة طريفة في تاريخ الادب العالمي بشكل عام , وهي ترتبط – مثلا – في ادبنا العربي بنتاجات شعبية واسعة الانتشار, مثل الف ليلة وليلة , وليس بادباء محددين , ومن لا يعرف – بين العراقيين -   كهرمانة والاربعين حرامي في قلب بغداد , او  شهرزاد  وهي تروي حكاياتها المثيرة لشهريار , ولكن هذه الظاهرة ( اي المرتبطة بنتاجات ادباء محددين بالذات ) لا توجد – حسب علمنا المتواضع - في ادبنا العربي , وهي نادرة جدا  في تاريخ الادب العالمي بشكل عام , وتاريخ الادب الروسي خصوصا , اذ اننا نجدها هنا وهناك بعض الاحيان ليس الا ,  فيوجد مثلا تمثال شهير لبوشكين في روسيا وهو يجلس على مصطبة وينظر بتأمّل وهدوء واعجاب الى بطل روايته الشعرية المعروفة يفغيني اونيغين , الذي يقف – وبغرور - ليس بعيدا عنه , وهناك ايضا تمثالان ( وليس تمثالا واحدا !) في مدينة بطرسبورغ  لقصة غوغول الطويلة - ( الانف ) , وتوجد كذلك تماثيل مصغّرة ( وفي غاية الجمال والاتقان) لابطال النتاجات الادبية على قواعد تماثيل بعض الادباء الروس الكبار , مثل تمثال غريبويديف الضخم في موسكو( لابطال مسرحيته الشعرية المعروفة – ذو العقل يشقى , او المصيبة من العقل حسب الترجمة الحرفية ) , او تمثال غوغول ( تم افتتاحه عام 1909 في الامبراطورية الروسية بمناسبة مرور قرن على  ميلاد الكاتب ) , والذي نقلوه من مكانه الاصلي ,وهو يقف الان امام متحفه بموسكو ( لابطال مسرحيته الشهيرة – المفتش ) ...الخ..الخ , ولكن تماثيل ابطال قصص تشيخوف في روسيا اصبحت عديدة ومستقلة بحد ذاتها ولا ترتبط بتماثيل تشيخوف الشخصية بتاتا , وهي منتشرة في عدة مدن روسية , وتعني هذه الظاهرة - بلا شك - شعبية هذه القصص الواسعة , وتقبّل القراء الروس لابطال تلك القصص لدرجة , ان هذه التماثيل اصبحت تجسّد ظاهرة واضحة ومتكاملة و ملموسة ومقبولة جدا  في الحياة الثقافية الروسية المعاصرة , ويتعاطف معها جمهور كبير من المشاهدين والمعجبين , بل واصبحت تمتلك حتى بعض (التقاليد!) المحددة والطريفة , مثلا , ان لمسها باليد يعني ان ذلك اللمس يمنح  للشخص التفاؤل بالنجاح والتوفيق في اداء مهمته , التي يتوّجه لتنفيذها ( وخصوصا يقومون بلمس تلك التماثيل الطلبة الروس قبل اداء الامتحانات بالاساس !!! )  ....الخ...الخ .
نحاول في مقالتنا هذه التحدّث للقارئ العربي عن هذه الظاهرة الغريبة , والفريدة فعلا , ونحاول ان نتوقف قليلا عند تلك التماثيل الجميلة , التي ترتبط بابطال قصص تشيخوف , اذ ان تلك التماثيل تعدّ حقا علامة حقيقية مادية محددة لشهرة تشيخوف وابداعه بين الاوساط الشعبية الروسية , والتي تؤكّد الحقيقة الكبيرة عن تشيخوف , وكيف انه اصبح يقف الان  - وبكل جدارة - جنبا لجنب مع تولستوي ودستويفسكي , اذ ان هؤلاء الثلاثة يجسّدون الادب الروسي  بكل عظمته محليّا ( اي في روسيا نفسها ) , ويعتبرون رمزا رائعا  لهذا الادب العملاق في كل بلدان العالم ايضا .
   توجد لقصة تشيخوف الشهيرة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , مثلا , عدة تماثيل في مدن روسيّة مختلفة,  واول هذه التماثيل - النصب الطريف والفريد من نوعه في مدينة يالطا , والذي اصبح الان (مرادفا!) لبطلي تلك القصة وهما يقفان ( دون منصّة ) على ارض شارع في مركز تلك المدينة , حيث يتكأ البطل على حافة سياج , وتقف السيدة مع كلبها الصغير غير بعيدة عنه , ومن الواضح تماما , ان النحّات درس نص القصة بعمق , وحاول التعبير عن جوهرها بعمله النحتي هذا , اذ انه جسّد بطل القصة ( وهو محاكاة لتشيخوف نفسه) و يقف حائرا ومتأمّلا , ولكن قريب من البطلة , أما هي , فقد جسّدها واقفة مع كل ماضيها ( ملابسها الجميلة وتسريحتها وكلبها الصغير) , ولكنها لا تستطيع ان تنطلق مع حبها الحقيقي , اذ انها لا تستطيع الانفصال عن ماضيها , ويقف هذا النصب غير الاعتيادي في شارع عام وبين الناس الذين يعبرونه ( كل حسب جهته) , وحتى مكان النصب تم اختياره بدقة ورمزية واضحة , اذ انه يذكّر الناس كافة , ان الحب الحقيقي والمتأخر يقف في طريق عبورهم الابدي بين جوانب الحياة , وهم لايستطيعون (التوقف عنده !) ولايستطيعون – في نفس الوقت - عدم رؤيته والاحساس به . وقد اقيم هذا التمثال الجميل في المدينة , التي جرت فيها بداية احداث تلك القصة , و هي القصة التي اعتبرها نابوكوف ( وهو على حق من وجهة نظرنا ) واحدة من أهم القصص في الادب العالمي عموما , وليس في الادب الروسي وحسب . التماثيل الاخرى , المرتبطة بهذه القصة تقع في مدن روسية اخرى  , وتجسّد بطلة تلك القصة وحدها مع كلبها الصغير , فهي تقف مثلا في الشارع المحاذي للبحر في مدينة غيلينجيك على البحر الاسود في ساحة صغيرة قائمة بين الاشجار والزهور , وهو تمثال في غاية الرشاقة والجمال , وفي مدينة ليبتسك تقف تلك السيدة وكلبها الصغير في مدخل مسرح الدراما , و هناك تمثال جميل آخر لهذه القصة في مدينة آستراخان , حيث تقف السيدة حزينة وجنبها كلبها الصغير  . القصة الاخرى لتشيخوف , والتي اقيم لها تمثالين , هي قصة ( البدين والنحيف , والتي كتبها تشيخوف عندما كان طالبا يدرس الطب !) , اذ يوجد تمثال في مدينة تاغنروك ( المدينة التي ولد فيها تشيخوف ) يجسّد النحيف منحنيا وزوجته وطفله خلفه من جهة ويقف امامهم صديق طفولته البدين , اما التمثال الثاني لهذه القصة , ففي مدينة يوجنوسخالينسك , حيث يقف البدين وامامه النحيف مرتعدا , ويمكن القول ايضا عن هذين التمثاليين , ان النحّاتين حاولا – وبعمق – التعبير عن الجوهر الحياتي العميق في تلك القصة القصيرة , اذ رسم فيها تشيخوف رعب الانسان البائس من الوقوف امام انسان آخر يعلوه في المناصب , بغض النظر عن علاقاتهما القديمة عندما كانا يدرسان في المدرسة معا , وصداقتهما الحقيقية آنذاك , وكم قابلنا في مسيرة حياتنا مثل تلك النماذج الجبانة , التي كانت ترتعد خوفا وهلعا امام هؤلاء الذين يشغلون مناصب عليا  !
هناك تماثيل اخرى لقصص تشيخوف لا يسمح المجال للتوقف عندها , مثل قصته الشهيرة بعنوان ( كاشتانكا) , وهي القصة التي لازال القراء الصغار والكبار ايضا ( يلتهمونها !) لحد الان , القصة التي كتب ايرنبورغ عنها مرة , انه لا ينسى , ان والدته قالت له في طفولته بجزع وحزن حول وفاة تشيخوف – لقد مات مؤلف قصة كاشتانكا , وهناك تمثال لقصة ( انسان في علبة ) , و..و..و...
تماثيل ابطال قصص تشيخوف تشغل الان المكان الاول بين الادباء الروس , وهي ظاهرة فريدة تؤكّد ان تشيخوف لازال يتعايش – وبشكل حيويّ -  مع الحياة الروسية لحد الآن , رغم انه رحل عام 1904 في الامبراطورية الروسية , ورغم التغيّرات الاجتماعية والسياسية الجذرية  الهائلة , التي مرّت بها روسيا بعد رحيله ... 

12
عن بعض (الغوغوليين) العراقيين 
أ.د. ضياء نافع
الغوغولي – نسبة الى اسم الكاتب الروسي نيقولاي غوغول , و نعني به في مقالتنا هذه الشخص الذي ساهم باي شكل من الاشكال بنشر مؤلفات غوغول بالعربية او الكتابة عنه , وواقعيا , فان كل المتخصصين العرب في الادب الروسي هم كذلك تقريبا , ولكننا نود ان نتوقف في مقالتنا هذه عند بعض الاسماء , التي تميّزت في هذا المجال , وأصدرت ( تأليفا او ترجمة) كتبا لغوغول او حوله بالعربية , ونؤكد , ان اختيار الاسماء هنا هو اجتهاد شخصي بحت من قبلنا , وكأي اجتهاد شخصي , يمكن ان يكون صائبا او غير صائب جزئيا او حتى كليّا , والامر متروك للقراء وآرائهم واجتهاداتهم ايضا , اذ لا يمكن لاي اجتهاد ذاتي ان يكون متكاملا , ومن المؤكد ان هناك اسماء اخرى في هذا المجال لا نعرفها او لم نتذكرها , وسنكون ممتنين لهؤلاء الذين سيذكّروننا  بتلك الاسماء . هذا  و قد تم ترتيب الاسماء طبعا حسب الحروف الابجدية , والاسماء هي كما يأتي , وسنتوقف عند كل اسم من تلك الاسماء بشكل وجيز , ونتحدّث عن العمل الذي انجزه حول غوغول بالعربية, تأليفا او ترجمة .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الاسماء
=======
د.تحسين رزاق عزيز – مترجم عراقي قدير عن اللغة الروسية , وقد قدّم للمكتبة العربية أكثر من اربعين كتابا مترجما , ويمكن القول , انه الان واحد من أبرز المترجمين العراقيين عن الروسية . يرتبط د. تحسين رزاق عزيز بغوغول بترجمته لكتاب غوغول – مختارات من مراسلات مع الاصدقاء , الذي أصدرته دار المدى في بغداد هذا العام (2023) , وقد وضع هذا الكتاب النقاط على الحروف (كما يشير التعبير العربي العتيد ) بشأن غوغول ومواقفه الفكرية الكبرى حول تقدميته او رجعيته , والتي (تراكمت !!!) في الذهن العربي ( وليس فقط العربي ) بعد الانتقاد الحاد والمتطرّف ضد الكتاب المذكور , دون الاطلاع عليه ودراسته .
أ.د. جليل كمال الدين ( 1930 -  2014 ) -  اسم معروف في مسيرة الثقافة العراقية منذ اواسط القرن العشرين , وقد كتبت عنه عند رحيله مقالة بعنوان – وداعا ايها العبقري الذي لم يعرف قدر نفسه , وذكرت في تلك المقالة مجموعة من المواضيع , التي يقتضي الكتابة عنها , ومنها موضوع بعنوان – جليل كمال الدين وغوغول , اذ نشرت له دور النشر السوفيتية عندما كان طالب دراسات عليا في جامعة موسكو عدة كتب مترجمة عن الروسية , ومن ضمنها كتاب يتضمن قصصا طويلة لغوغول , وهي قصص مشهورة له , ومن بينها قصة ( المعطف ) , التي كانت ولازالت لحد الان مادة يتناولها النقد الادبي الروسي والعالمي , وتعدّ هذه الترجمة واحدة من أفضل الترجمات العربية العديدة جدا لتلك القصة الشهيرة . هذا , وقد أعاد د.جليل كمال الدين نشر الكتاب المذكور في بغداد بعد أكثر من عشر سنوات على اصداره  في موسكو.
غائب طعمه فرمان ( 1927 – 1990) – شيخ المترجمين العراقيين للادب الروسي في القرن العشرين بلا منازع , ويرتبط اسمه طبعا بغوغول , اذ انه ترجم او راجع ترجمة مؤلفات غوغول الرئيسية من قصص ومسرحيات وروايته الكبيرة ( الارواح الميتة ) والتي جاءت عند غائب بعنوانها الذي استقر اخيرا باللغة العربية , وهو ( الانفس الميتة ) , وقد صدرت كل تلك الكتب بموسكو من قبل دور النشر السوفيتية آنذاك , ولا زالت تصدر بطبعات جديدة في بغداد . غوغول بترجمة غائب طعمه فرمان – موضوع واضح المعالم لاطاريح الماجستير والدكتوراه في اقسام اللغة الروسية وآدابها في الجامعات العربية كافة, وهو ما سيحدث في المستقبل حسب وجهة نظرنا , فغائب طعمه فرمان شخصية ثقافية مهمة في مسيرة الثقافة العربية , وفي تاريخ الترجمة الادبية بالذات .
أ.د. محمد يونس ( 1937 - 2009) – اسم كبير في تاريخ قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , وساهم بنشاط ملحوظ في حركة الترجمة والتاليف من موقعه الاكاديمي , وهو يعدّ الان واحدا من الاسماء البارزة في مجال العلاقات الثقافية العربية – الروسية . يرتبط اسم د. محمد يونس بغوغول ارتباطا وثيقا , اذ انه العراقي المتخصص الوحيد بيننا , الذي اصدر كتابا كاملا عن حياة غوغول وابداعه ضمن سلسلة ( اعلام الفكر العالمي ) في بيروت , واعيد طبع هذا الكتاب لاحقا . يتميّز كتاب د.محمد يونس في كونه يعرض وجهة النظر السوفيتية حول غوغول , والتي كان مقتنعا بها قناعة تامة , وفي هذا الجانب بالذات تكمن الاهمية التاريخية لهذا الكتاب .
د. منذر ملا كاظم -  أحد التدريسيين النشطين حاليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , والذي اسميناه في احدى مقالاتنا  –  مؤرشف الادب الروسي في العراق , وهو يستحقها فعلا . يرتبط اسم د. منذر بغوغول في كونه المتخصص العراقي الوحيد , الذي أصدر بالروسية كتابا عن غوغول , وقد صدر هذا الكتاب ضمن منشورات جامعة فارونش الحكومية الروسية , وهي الجامعة التي حصل فيها د. منذر على درجة الدكتوراه في الادب الروسي حول غوغول , علما انه كان (غوغوليا !) ايضا عندما حصل على درجة الماجستير في جامعة بغداد .  مساهمات د.منذر ملا كاظم الواسعة في مجال نشر الادب الروسي عموما تستحق التقدير والاشادة  والثناء  .....

13
  280 عاما على ميلاد درجافين
أ.د. ضياء نافع
     درجافين اسم كبير في تاريخ الادب الروسي , ولكنه يكاد ان يكون شبه مجهول للقارئ العربي عموما , وحتى للقارئ الذي يتابع  الادب الروسي , اذ لا يعرف هذا القارئ المتابع ماذا تعنى القصيدة التي يسمونها بالروسية - ( اودا ) , واين ظهرت وكيف وصلت الى روسيا , وماهي مكانتها واهميتها في تاريخ الشعر الروسي , وهي القصائد التي ابدع فيها درجافين في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في روسيا , واصبح – ولحد الان ونحن في عام 2023 – واحدا من ابرز روّادها الاوائل , وهذه القصائد هي التي اوصلته الى الاوساط العليا , وجعلته يشغل تلك المناصب الكبيرة الاهمية في الامبراطورية الروسية ( منها وزير العدل في تلك الامبراطورية الواسعة !) , وذلك بعد ان اطلعت على تلك القصائد الامبراطورة يكاترينا الثانية  بنفسها , وجعلته قريبا من الاوساط الحاكمة العليا آنذاك , وهذه ظاهرة نادرة جدا في تاريخ الادب الروسي ( والادب العالمي ايضا) , وتستحق هذه الظاهرة الدراسة المعمقة من قبل المتخصصين العرب لتحديد ابعادها كافة واستخلاص دروسها  .
تحتفل روسيا رسميّا هذه الايام بمرور 280 سنة على ميلاد درجافين , ونود ان نتحدّث في مقالتنا هذه عن ابرز نقاط هذه الاحتفالات , والتي تعني – فيما تعنيه – ان روسيا تتذكر مبدعيها كافة ولا تنساهم , وتحتفل في كل مناسبة من مناسبات مسيرة حياتهم بشكل حضاري واسع النطاق , وتربط حتما تلك الاحتفالات بواقعها المعاصر ومشاكل عصرها الحالي , و شئنا ام أبينا , تبرز امامنا رأسا ( عندما نرى هذه الاحتفالات في روسيا او غيرها من البلدان المتقدمة ) ما يحدث بالنسبة لمبدعينا كافة في العراق او عالمنا العربي الكبير بشكل عام , هؤلاء المبدعين المنسيين – مع الاسف الشديد - حتى اثناء حياتهم بيننا ,  والذين لا يذكرهم أحد بعد رحيلهم , ونظن , انه لا توجد ضرورة لذكر الاسماء طبعا , اذ يعرف جميع القراء مأساة هؤلاء المبدعيين المنسيين في بلداننا ..... 
ولد غافريل  رومانوفيتش درجافين عام 1743 , ومرور 280 عاما على ميلاده لا تعتبر مناسبة تقتضي الاحتفالات الواسعة بها , اذ ان ذلك يحدث عادة عند مرور قرن او قرنين ...الخ على ميلاد المبدعيين , ولكن الاوساط الثقافية الروسية , مع ذلك , تحدثت عن هذه الذكرى بشكل لافت للانتباه , مؤكدة على الجانب الوطني في شعره , فهو , مثلا , اول شاعر روسي استخدم كلمة ( الوطن ) بالمفهوم المعاصر لهذه المفردة في ابداعه , وربما يوجد من يقول  , ان الصحافة الروسية تريد ان ( تستخدم!) درجافين لاهداف سياسية معينة ترتبط بالاحداث الروسية اليوم , ويقصد هذا القائل طبعا  الحرب الروسية – الاوكرانية ونتائجها الواضحة المعالم على المجتمع الروسي , ويمكن اجابة هذا القائل هكذا -  وهل في ذلك ضير ؟ أليس من حق روسيا ان ( تستخدم !) مناسبات ترتبط باسماء مبدعيها لتتحدّث عن تاريخها وعن حاضرها , وتخطط لمستقبلها عبر تلك الاحتفالات ,المرتبطة بمبدعيها ؟ والجواب واضح عن هذا السؤال - طبعا من حقها , ويقول البعض - لكن الحديث عن درجافين اصبح مباشرا جدا , اذ يؤكدون في هذه المناسبة على اسم الامبراطورة يكاترينا الثانية , وكيف انتصرت على اتباع الامبراطورية العثمانية في حرب القرم , وكيف اصبح القرم منذ ذلك الانتصار في ذلك الزمن البعيد  جزءا من الامبراطورية الروسية , وان القرم الان هو احدى القضايا المطروحة بحدّة عالميا في احداث اليوم بين روسيا واوكرانيا , والتركيز على ذلك واضح  في مثل هذه الاحتفالات , وكل ذلك صحيح , وكل ذلك مقبول ومفهوم  في هذه الظروف المتشابكة والصعبة , فدرجافين يرتبط بشكل مباشر بهذه الاحداث  .
ختاما لهذه السطور ,  نرى , انه من الضروري الاشارة الى عمل جميل وفريد ضمن هذه الاحتفالات , وهو ما قامت به المكتبة العامة في بطرسبورغ , اذ نظّمت تلك المكتبة العامة المعروفة معرضا خاصا بهذه المناسبة للكتب التي أصدرها درجافين اثناء حياته والمصادر التي تناولت  ابداعه وتحدّثت عن مسيرته ومناصبه الرفيعة العديدة , وقد نشرت جريدة ( ليتيراتورنايا  غازيتا ) الروسية الاسبوعية خبر هذا المعرض  تحت عنوان  -  ( المحافظ والوزير والعبقري ) , وهو عنوان يلخّص فعلا مكانة درجافين في تاريخ روسيا وفي تاريخ أدبها ايضا , وتوقفت الجريدة بتفصيل عند بعض تلك المعروضات ونشرت صورا عديدة لها.     
 

14
فهرس بالروسية لكتابي – ( سبعون مقالة عن تشيخوف )
أ.د. ضياء نافع
صدر كتابي الموسوم – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) في حزيران / يونيو 2023 عن دار نوّار للنشر , وهو الطبعة الثانية المزيدة لكتاب ( احدى واربعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي صدر عام 2019 , وكما هو الحال بالنسبة للكتب كافة , الصادرة عن دار نوّار للنشر , فان الغلاف الاخير ( الايسر ) يكون عادة باللغة الروسية , وهكذا كان الامر- طبعا - مع كتاب ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الا ان الاضافة الجديدة  في هذا الكتاب , هو ان الفهرس صدر ايضا بالروسية , وذلك باقتراح من الاصدقاء الروس حولنا , الذين غالبا ما كانوا يبدون اعجابهم بالغلاف الروسي , ولكنهم لا يستطيعون الاطلاع غلى مضامين تلك الكتب بنصها العربي , وهكذا قررنا ( بالنسبة لكتابنا المذكور ) اضافة الفهرس باللغة الروسية , كي يتسنى للقارئ الروسي – في الاقل –  معرفة عناوين المقالات تلك , وذلك ( أضعف الايمان!) , كما علّق احد الاصدقاء مبتسما  , وقد اطلع بعض القراء الروس على ( أضعف الايمان!) هذا فعلا , وطرحوا استفسارات واسئلة عديدة حول عناوين تلك المقالات ومضامينها , وهي استفسارات واسئلة طريفة حقا وتستحق التأمل في رأينا , ونود هنا ان نتوقف عند بعضها , اذ انها تعكس وجهات نظر روسيّة حول كيفية تناولنا للادب الروسي , وربما ( ونؤكّد على كلمة ربما !) تؤدي هذه الاستفسارات والتعليقات حول هذا الموضوع المحدد جدا الى توسيع الحوار بصورة عامة بين ثقافتنا العربية وثقافتهم الروسية , وبالتالي , بين حضارتنا وحضارتهم عموما , هذا الحوار الذي يجري لحد الان بشكل عشوائي وعفوي و غير متكافئ بتاتا بين الجانبين العربي والروسي مع الاسف رغم مرور حوالي القرن  منذ ان ابتدأ هذا الحوار , وكلنا  , اي الروس والعرب , مذنبون في ذلك بلا شك , اذ اننا ( واكرر - نحن وهم ) لا نتفهّم واقعيا اهمية هذا الحوار وقيمته المادية والمعنوية , ولا ضرورته الحيوية لروسيا وللعالم العربي على حد سواء في الوقت الحاضر وفي المستقبل ايضا , ولا نتصوّر آفاق هذا الحوار بين روسيا العملاقة (الاورآسيوية) والعالم العربي الكبير (الاسيوافريقي)  .
نتوقف قليلا عند مقالة أثارت الاستفسارات والتعليقات من قبل هؤلاء القراء الروس وهي بعنوان – ( تشيخوف وخادمته المغفلة والوضع في العراق ) , اذ قالوا وهم يضحكون , لم تكن لتشيخوف خادمة اصلا , لا مغفلة ولا ذكية , ولم يكتب قصة او مسرحية بهذا العنوان ابدا , فمن أين جاء هذا العنوان الغريب في كتاب عربي حول تشيخوف ؟ , وكل هؤلاء القراء لم يفهموا طبعا, ما هي علاقة تشيخوف بالوضع في العراق , وأشاروا  الى ان تشيخوف كان يتجنب المواقف السياسية حتى في وطنه روسيا , اضافة الى ان تشيخوف قد توفي عام 1904 , اي قبل تأسيس الدولة العراقية اصلا , فكيف يقدر ان يؤثّر على الوضع في العراق هذا , وهو الذي عاش في روسيا وبرز مبدعا في نهاية القرن التاسع عشر ؟ . اضطررت طبعا الى توضيح عنوان تلك المقالة , وقلت لهم , ان الترجمة العربية لاحدى قصص تشيخوف القصيرة جاءت بعنوانين , هما (المغفلة) و (الخادمة) , لان عنوانها الروسي كلمة عسيرة على الترجمة العربية , واوضحت لهم , ان القراء في العراق ربطوا مضمون تلك القصة حول مدبّرة شؤون المنزل , التي يسرقون حقوقها وهي صامتة ولا تحتج او تعترض , بالوضع السياسي في العراق , حيث يسرقون حقوق الشعب العراقي وهو ايضا صامت ولا يحتج , ومن هنا جاء عنوان هذه المقالة . وبعد مناقشات تفصيلية طريفة جدا مع هؤلاء القراء الروس , تفهّموا عنوان تلك المقالة ومضمونها , بل انهم اقترحوا ترجمتها الى الروسية , لأن مضمونها يضيف الى تشيخوف اهمية جديدة للقراء الروس , وتكمن هذه الاهمية - حسب رأيهم – في ان ابداع تشيخوف يمكن ان يكون رمزا يستخدمه القارئ الاجنبي في مجالات مبتكرة بكل معنى الكلمة ولا تخطر على بال القارئ الروسي بتاتا , وان ذلك يدخل في موضوعة (تشيخوف والادب العالمي) , وفي موضوعة (انتشار الادب الروسي ومكانته خارج روسيا) .
استمرت المناقشات التفصيلية مع هؤلاء القراء الروس حول عناوين مقالات اخرى في الكتاب المذكور , منها مثلا , المقالات التي ترتبط باسماء عراقية مثل بدري حسون فريد وعادل كاظم , وتعجبوا , كيف استطاعا ان يحوّلا قصتين لتشيخوف الى مسرحية ذات فصل واحد , واعتبروا عملهم هذا ابداع كبير يستحق الاشادة والتقدير والثناء , واشاروا , الى ان القارئ الروسي يجب ان يعرف هذه الوقائع المجهولة لمكانة تشيخوف في الادب العالمي , ولا مجال للتوقف عند مقالات اخرى حول تشيخوف أثارت اعجابهم , وقد اقترحوا عليّ – في ختام تلك المناقشات - ان اترجم هذا الكتاب الى اللغة الروسية , وان اطلق عليه تسمية ( الموسوعة العراقية حول تشيخوف ) , وقد فوجئت طبعا بهذا المقترح , وشكرتهم جزيل الشكر , وقلت لهم – لا تعليق لديّ على هذا الاقتراح الغريب ...     

15
للاطلاع على الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي
https://ankawa.com/sabah/sabon.pdf

16
من كليّة اللغات الى جامعة اللغات في بغداد
أ.د. ضياء نافع
عندما كنّا تدريسيّين في قسم اللغات الاوربية بكليّة الاداب في جامعة بغداد في سبعينيات القرن العشرين , كنّا نحلم ( نعم نحلم!) ان ننفصل عن الكلية المذكورة , ونرجع الى كليّة اللغات السابقة , التي ألغوها و دمجوها مع كليّة الاداب حينئذ بقرار ارتجالي بعيد عن الموضوعية العلمية , أقول ( كنّا نحلم) , لاننا كنّا نشعر , ان قسم اللغات الاوربية لا يمنحنا حريّة الانطلاق والتطور اللاحق لفروعنا , اذ كان فرع اللغة الانكليزية هو المسيطر , ونحن , فروع اللغات الفرنسية والالمانية والروسية والاسبانية (تابعين!) له ليس الا , او كما علّق أحد الزملاء مرة – نحن (ملحق مجاني !) لقسم اللغة الانكليزية , ولهذا كنّا ( نحلم ) بالخروج من تبعيّة (لغة الجنرال مود ) كما قلت لهم ضاحكا مرة في احدى اجتماعات القسم (بالشقه وغلّ ايدك ) حسب مثلنا العراقي العتيد , اذ عبثا كنّا نحاول ان نقنع التدريسيين في فرع اللغة الانكليزية , ان اللغات كافة وتدريّسها ودراستها مهمّة لمسيرة تطور بلدنا وثقافتنا الوطنية , وانه لا توجد لغة أعلى او أدنى في تسلسل تلك اللغات , ولكن بلا جدوى , بل ان فروعنا اقترحت مرّة ( من اجل توسيع مدارك الطلبة وتعريفهم باسس الاداب الانكليزية و الفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية ونحن في قسم واحد اسمه قسم اللغات الاوربية وفي كليّة واحدة اسمها كليّة الاداب ! ) , اقترحنا تدريس مادة (الادب العالمي) في قسم اللغات الاوربية لفصل دراسي واحد في الصف الثالث والرابع باللغة العربية و بمعدل ساعتين بالاسبوع  ليس الا في كل فروع تلك اللغات, مادة تتناول بايجاز المعالم الاساسية لتلك الآداب واهم اعلامها , فاقترحوا في فرع اللغة الانكليزية عندئذ ان نقدم لهم المادة كاملة وجاهزة , وكانت متبلورة بالنسبة لفروعنا الفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية وباللغة العربية , وبعد تقديمنا للمواد ,فانهم سيقومون بترجمتها و تدريسها باللغة الانكليزية في فرعهم , وقد قلت لأحد التدريسسن آنذاك , انه يلفظ حتى اسم دستويفسكي بشكل غير صحيح , فكيف يمكن له ان يقوم بتدريس أدبه وفلسفته ويشرح مكانته في الادب الروسي و العالمي , علما انه كان مختصا بقواعد الجملة الانكليزية , ولا علاقة له بتاتا بآداب فرنسا و المانيا واسبانيا وروسيا , ولم يسمع حتى ببعض أعلام تلك الآداب , وكاد هذا المقترح العلمي المهم ان يتلاشى نتيجة لموقف فرع اللغة الانجليزية  , وقد (أنقذ!) هذه الخطوة  العلمية  آنذاك عميد كليّة الاداب , واقترح – كحل وسط - ادخال مادة ( الادب العالمي ) ضمن مناهج قسم اللغة العربية في كليّة الآداب , باعتبار ان لغة التدريس في ذلك القسم هي العربية , وهذا ما حدث فعلا ...
استمر الوضع بهذا الشكل غير الطبيعي الى عام 1987 , حيث صدر ألامر الوزاري باعادة كليّة اللغات ( بعد التي واللتيا طبعا , ولا مجال هنا للكلام عن ذلك !), وهكذا انتقلنا الى كليّة اللغات , بيتنا الطبيعي كما أسمينا تلك الكليّة عندئذ , واصبح لكل لغة من اللغات قسم مستقل خاص بتلك اللغة , وهو الشئ الاكاديمي و الموضوعي والصحيح , وكانت هناك في بداية مسيرة تلك الكليّة اقسام للغّات الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية والتركية والعبرية والفارسية , واضيفت اليها بالتدريج أقسام اللغات الايطالية والكردية والسريانية , وهكذا اصبحت كلية اللغات تضمّ ( 11) قسما علميا متكاملا باساتذته ومكتبته وخططه العلمية من دراسات اولية وعليا...الخ . 
الان , وقد مضى على عودة كليّة اللغات ( 36 ) سنة بالتمام والكمال , وبعد ان اثبتت اهميتها و جدارتها في الحياة العلمية والثقافية بالعراق , بدأ بعض  الزملاء بالكلام عن الانتقال الى مرحلة لاحقة أعلى , وهي ان تتحول كليّة اللغات هذه الى جامعة اللغات , جامعة يمكن ان تضمّ (11) كليّة باكملها , وهكذا يكون فيها كليّة اللغة الانكليزية وآدابها , وكلية اللغة الفرنسية وآدابها , وكلية اللغة الالمانية وآدابها , وكلية اللغة الروسية وآدابها , وكلية اللغة الاسبانية وآدابها , وكلية اللغة الايطالية وآدابها , وكلية اللغة التركية وآدابها , وكلية اللغة العبرية وآدابها , وكلية اللغة الفارسية وآدابها , وكلية اللغة الكردية وآدابها , وكلية اللغة السريانية وآدابها , وسيكون في كل كلية من تلك الكليات اقسام علمية خاصة بتلك اللغة وتاريخها , وآدابها , وحضارتها , والترجمة منها الى العربية , ومن العربية اليها , واقسام علمية اخرى مساعدة لتعميق الدراسات اللغوية , و ستكون هذه الجامعة مركزا حيويا ضروريا  للحوار بين مجتمعنا و الحضارات الاخرى وبلغات تلك الحضارات , اذ ان العلوم كافة تستخدم اللغات للتعبير عن نفسها , اي ان اللغات ضرورية لحياة العلوم وازدهارها , ولهذا يجب رعاية اللغات من اجل رعاية كل العلوم الاخرى .
قال صاحبي المتحمّس لتحويل كلية اللغات في جامعة بغداد الى جامعة اللغات في بغداد , ان الافكار مثل البذور , نزرعها في التربة الصالحة و نسقيها ونرعاها , فتبدأ بالنمو ,ثم تقف بشموخ على الارض وتمنحنا الثمار بعدئذ , فقلنا له - ولكن التربة الان غير صالحة اصلا لزراعة هذه الفكرة , اضافة الى أزمة (الجفاف !!!) , التي تخنق الزرع والضرع في بلاد (الرافدين !!!), فقال –  مع ذلك زرعوا فأكلنا , ويجب ان نزرع ليأكلون  , فقلنا له – هذه فكرة كبيرة وتحتاج الى ارض فسيحة وجهود هائلة , فقال -  طريق بالف ميل يبدأ بخطوة واحدة ...   

17
  غوغول ممنون يا تحسين 
أ.د. ضياء نافع
 اريد ان اسجّل – قبل كل شئ - شكري وامتناني وتقديري لدار المدى الرائدة في بغداد , لأنها قامت باصدار آخر كتاب في سلسلة مؤلفات نيقولاي غوغول و الموسوم – (مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) بترجمة المترجم العراقي الكبير د. تحسين رزاق عزيز عن الروسية , وارتباطا بهذا الاصدار المهم جدا - من وجهة نظري- اكتب هذه السطور عن الكتاب المذكور واهميته الاستثنائية الكبرى بالنسبة لابداع غوغول اولا , وبالنسبة لتاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بشكل عام , ثانيا .
 اصدار هذا الكتاب في بغداد بالعربية يعني , ان مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة ستبدأ لدى القراء العرب ( ونؤكد على القراء العرب بشكل عام وليس العراقيين فقط ) باستيعاب و توضيح واحدة من القضايا (العالقة!) منذ اكثر من قرن ونصف في تاريخ الادب الروسي و مسيرته , عالقة في أذهان البعض من القراء العرب وافكارهم التبسيطية والساذجة حول (تقدميّة !) غوغول في بداية مسيرته الابداعية , ثم حول ( رجعيته!) في نهاية تلك المسيرة . توضيح هذه القضية الفكرية الكبيرة بشكل موضوعي وصحيح , استنادا للوقائع والوثائق , وليس لاي شئ آخر, وهذه خطوة تعني تغييرا نوعيا في النظرة العامة الى الادب الروسي وموقع ومكانة غوغول واهميته الكبرى في هذا الادب خصوصا . والمرحلة التي نتحدث عنها هنا يمكن ان نطلق عليها مجازا تسمية - مرحلة اطلاق الاحكام الصارمة والحاسمة والنهائية دون الاطلاع بتاتا على اوليّات الامور , وانما نتيجة لما قاله فلان او رأيّ الجهة الفلانية حول الموضوع المحدد ليس الا , وكم عانينا من ذلك المفهوم التبسيطي الساذج و(الخطير  جدا بالطبع!) في كل مجالات الحياة ( نعم , في مجالات الحياة كافة) , عندما كان الجميع مضطريّن ان يستمعوا صامتين الى تلك الاحكام النهائية ويوافقوا عليها (بالاجماع!!!) دون ان يمتلكوا الحق بمعارضتها , او مناقشتها او حتى الطلب بالاطلاع عليها ولو بشكل بسيط !!! وقضية الكاتب باسترناك وروايته الشهيرة (دكتور زيفاغو) ليست ببعيدة , واظن , انه لا يمكن ان ننسى قصيدة الشاعر العراقي  المشهور فلان الفلاني , الذي قال فيها (...فليخلقوا ألف زيفاغو ...) دون ان يقرأ او يطلع على تلك الرواية اصلا !!!
أصدر غوغول هذا الكتاب ( وهو آخر كتبه) عام 1847 , اي قبل اكثر من قرن ونصف , وقد أثار الكتاب آنذاك ردود فعل كبيرة ومتباينة لدى القراء في روسيا , اذ انه لم يكن متوقعا بتاتا من مؤلف (امسيات عند قرية ديكانكا) و(الانف) و(المعطف) و (المفتش) و (الارواح الميتة) ...الخ تلك الروائع الادبية , لم يكن متوقعا ان يصدر غوغول مثل هذا الكتاب , الذي يعكس افكاره في شؤون فكرية عديدة , ولهذا جاءت الآراء متنوعة جدا حول الكتاب , اذ قال البعض انه قمّة جديدة في ابداع غوغول الواقعي والغرائبي في آن , وانتقد البعض الآخر هذا الكتاب , وأشهر هؤلاء طبعا كان بيلينسكي , الذي كتب رسالته الشهيرة الصارمة والحادة ضد الكتاب , اذ ان  كتاب غوغول من وجهة نظر هذا الناقد , الذي كان يؤكّد على الجانب الاجتماعي للادب والفن قبل كل شئ وبعد كل شئ , ونتيجة لهذه الرسالة تبلورت المواقف تجاه الكتاب في الاوساط السوفيتية لاحقا , وانعكست طبعا على موقف هؤلاء القراء العرب ايضا , والحديث التفصيلي عن كل ذلك , حديث ذو شجون كما يقولون .         
وعلى الرغم من ان معظم مؤلفات غوغول الاساسية قد تم ترجمتها الى العربية عن الروسية او عن لغات اخرى وسيطة, الا ان كتاب ( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) لم يترجم الى العربية طوال هذه الفترة الطويلة من السنوات , وليس ذلك من باب الصدفة ابدا , اذ ان ترجمة هذا الكتاب كان يعني (خرق !) الحظر المفروض على هذا الكتاب المهم في تاريخ ابداع غوغول , هذا الحظر الذي لمسناه بشكل واضح حتى اثناء سنوات دراستنا في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن الماضي .
الآن , سيطّلع القارئ العربي على هذا الكتاب بترجمته الدقيقة والامينة , التي يتميّز بها المترجم الكبير د. تحسين رزاق عزيز , وسيجد فيه , انه كتاب فكري عميق وطريف , ويحمل كل سمات غوغول المفكّر وتأملاته حول مواضيع متنوعة جدا  . 
  ختاما اريد ان احيي المترجم الشجاع د. تحسين رزاق عزيز على عمله الترجمي الرائد في مسيرة الادب الروسي بالعالم العربي , اذ انه هو الذي اختار هذا الكتاب وقرر ترجمته , وبذلك العمل , فقد أضاف الى منجزاته الترجمية انجازا نوعيا جديدا ورائعا, واريد ان اقول له , ان غوغول سيكون ممتنا له , لانه ترجم اخيرا هذا الكتاب ( شبه المنبوذ !) للقراء العرب رغم انهم لم يطلعوا عليه , واريد ان اقول له , ان امتنان غوغول يكمن بالذات , في كونه  يستطيع الان ان يعلن لهؤلاء الذين كانوا يثرثرون عن (رجعيته وتقدميته!) وهو مبتسما – اطلعوا ايها السادة على الكتاب قبل ان تصدروا احكامكم بشأنه , ويستطيع غوغول الان ايضا ان يقول لهم ببساطة – كش ملك !

18
   
دردشة عفوية عن التشيخوفية
أ.د. ضياء نافع
...... وقالت نتاشا ( وهو اسم الدلع طبعا , اذ انها نتاليا ) -  ليس عبثا عدم وجود مفردة تشيخوفيزم ( اسم تشيخوف + لاحقة ... يزم) باللغة الروسية , (اي التشيخوفية ), وانما توجد فقط بالروسية كلمة ( تشيخوفيانا ) , وتعني الدراسات والآراء المختلفة عن حياة تشيخوف وابداعه , فعلّق فانيا ( وهو ايضا اسم الدلع , اذ انه ايفان ) معترضا على ذلك و بنبرة احتجاج واضحة  - ولكن لا توجد بالروسية ايضا مفردات مثل – بوشكينيزم , او تولستويزم , او دستويفسكيزم ...الخ , ومع ذلك فانني لم أجد في الادب الروسي , ولا في الادب العالمي حسب اطلاعي , على شئ يشبه او يوازي او حتى يقترب من قصة تشيخوف ( السيدة ذات الكلب الصغير ) , فهناك قال لنا تشيخوف بشكل بسيط ومقنع ورائع حقيقة هائلة في الحياة الانسانية تكمن في ان الحب المتأخّر للانسان هو الحب الحقيقي , رغم انه الحب المستحيل , وانا غالبا ما اعيد قراءة نهاية تلك القصة , التي تلخّص تلك الحقيقة الحياتية وتؤكّد عليها , وأظن , انها واحدة من خصائص التشيخوفية كظاهرة ادبية , اي انه يحدد لنا حقائق موجودة في مسيرة حياتنا دون ان يلاحظها الانسان , او – ببساطة - لا يريد ان يراها او الاعتراف بها , رغم انها موجودة  . انتبه الحاضرون الى هذا النقاش الفكري والذي انبثق بشكل عفوي بينهما , وانقسموا الى فريقين تقريبا , الاول يؤيد نتاشا , والثاني يؤيد فانيا , وكان هناك بعض الصامتين ( وربما هم الاكثرية !!!) , ولكنهم كانوا يتابعون بدقة وامعان وانتباه شديد ذلك النقاش الفكري حول تشيخوف , الذي بدأ في لقاء (ما تبقى على قيد الحياة !!!) من خريجي كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين , اللقاء النادر جدا جدا , والذي ننتظره دائما بشغف كبير , لأنه يعيدنا الى حلاوة ذكرياتنا عندما كنّا طلبة شباب في كليتنا الحبيبة قبل اكثر من نصف قرن من الزمان .
صمتنا جميعا بعد تعليق فانيا , وهو صمت ضروري طبعا للتفكير والتأمّل وتحديد موقف واضح ومحدد تجاه هذا النقاش الغريب والطريف جدا بين زميلتنا نتاشا وزميلنا فانيا حول التشيخوفيزم , او التشيخوفية , وخرقت فيرا اخيرا هذا الصمت وقالت – أما أنا , فاعيد دائما قراءة قصص تشيخوف القصيرة , اذ انني بحاجة ماسة في حياتي الصعبة و المعقّدة الى الضحك , او في الاقل , الى الابتسامة , وقصص تشيخوف تلك تمنحني ذلك , اي انها (الدواء!!!) بالنسبة لي , هذا اولا , وثانيا , لأني أجد فيها عبقرية تشيخوف الشاب , العبقرية العفوية والنقيّة والخالية من اي تعقيد وتقعير , عبقرية طبيعية ونظيفة جدا وتنساب بهدوء وسكينة وتتغلغل رأسا في اعماق الروح , اذ انه كتب تلك القصص بسرعة ودقّة ودون اي ( مكياج!!!) عندما كان شابا يافعا , وطالبا مشغولا بدراسة الطب صباحا . أجابت نتاشا معلّقة على هذا الكلام – لم أقل أنا شيئا يتناقض مع ما ذكرتما من كلمات عن تشيخوف , بل , اني اؤيد ذلك , وانا ايضا اطالع نتاجاته دائما ومعجبة بها مثلكم , ولكن هذا لا يعني بتاتا , ان هناك ظاهرة متكاملة في علم الادب يمكن ان نسميّها التشيخوفية في الادب الروسي والعالمي , فطرح فانيا عليها رأسا سؤالا ( صارما وحادّا!) , وهو – وماذا يمكن ان نسميها في رأيك ؟ فابتسمت نتاشا وقالت – فانجكا , نحن في جلسة سمر لنستعيد ذكرياتنا الجميلة , وليس هدفنا الان صياغة دقيقة لمصطلحات علم الادب كما كنّا نفعل ايام الدراسة في الكليّة , فضحكنا جميعا تأييدا لها , ولكن فانيا قال وبنفس النبرة الغاضبة – ان تهربك من الجواب ذكي جدا يا نتاشا , ولكن التهرب بشكل عام  يعني انك لا تعرفين الاجابة الدقيقة عن سؤالي . قال ساشا – فانيا , لا ضرورة لاطلاق مثل هذه الاحكام المتوترة , نحن ندردش ليس الا , وقد نختلف وقد نتفق في دردشتنا , وهذا أمر طبيعي جدا , ولو كان تشيخوف حاضرا معنا الان لما سمح لك ان تتصرف هكذا , اذ ان تشيخوف نفسه كان وديعا و مسالما جدا , ويتجنب بالذات التصادمات الفكرية مع الآخرين , فضحكنا مرة اخرى , وقال اليوشا وهو يضحك  - فكرة رائعة يا ساشا , اذ يجب دعوة تشيخوف في اللقاء القادم  والاستفسار منه مباشرة حول التشيخوفية , فهو الذي سيحسم الموضوع , فعلّقت فيرا قائلة – لقد قال لنا تشيخوف في رسائله الى اصدقائه ماذا تعني التشيخوفية , ولعل اهم عناصرها يكمن في الايجاز , الا تتذكرون جملته التي اصبحت مثلا معروفا في روسيا , وهي – الايجاز شقيق العبقرية ؟ فتعالت الاصوات من هنا وهناك تأييدا لفيرا , وقال اليوشا – نعم , نعم , هذا  صحيح جدا ,  فالاطناب بالكلام والكتابة ظاهرة مملّة فعلا للمستمع والقارئ , خصوصا , وان عصرنا هذا باحداثه المتلاحقة السريعة لم يعد ملائما ابدا للاطناب , واريد ان اضيف , ان تشيخوف قال مرة في احدى رسائله لاديبة ناشئة – احذفي نصف القصة , وجاءت التعليقات من هنا وهناك مثل امواج البحر المتلاطمة , فهذا يصرخ – لا تنسوا اسلوب البساطة والوضوح والشفافية , وذاك يضيف – والكتابة عن المواضيع الانسانية الخالدة دون كلمات طنانة ورنانة , وثالث يقول – ولهذا فان الانسانية تتقبّله لحد اليوم , فصاحت نتاشا وهي تضحك مقهقهة – انا معكم ايها الزملاء الاعزاء , انا معكم فعلا وقولا , ودعونا نعود الى طبيعة جلسة السمر هذه , الجلسة النادرة واللذيذة , فتشيخوف يوحدنا ولا يفرقنا.......       

19
جوائز نوّار للعام 2023
اجتمعت لجان جوائز نوّار للعام 2023 واتخذت التوصيات الآتية –
اولا – جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي
قررت اللجنة منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي الى الاكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية لروسيا الاتحادية , تقديرا لموقفها في السنوات الاخيرة بدعوة مجاميع من موظفي الخارجية العراقية للمساهمة في دورات دبلوماسية تعقد بموسكو , وقد ساهمت مشاركتهم بتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وهو الهدف الذي تسعى اليه جائزة نوّار . علما , ان هذه هي المرّة الاولى , التي يتم منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي الى مؤسسة وليس الى افراد , كما جرت العادة طيلة السنوات الست منذ تأسيس الجائزة , وقد رحبت الاكاديمية الدبلوماسية بهذه الخطوة .
 هذا وقد تمّ – فعلا - منح الجائزة يوم 9 حزيران / يونيو 2023 من قبل سعادة سفير جمهورية العراق في روسيا الاتحادية الدكتور قحطان طه الجنابي الى رئيس الاكاديمية الدبلوماسية السيد ياكوفينكو , وبحضور رئيس لجان جوائز نوّار وممثلي عمادة الاكاديمية الدبلوماسية والسفارة العراقية بموسكو .
ثانيا - جائزة نوّار للمترجمين العراقيين
قررت اللجنة منح جائزة نوّار للمترجمين العراقيين الى المترجم العراقي الكبير الدكتور بسام البزاز , تقديرا لمساهماته الترجمية المتميّزة عن اللغة الاسبانية , والتي أغنت – وبكل معنى الكلمة - المكتبة العربية  في السنوات الاخيرة . وبذلك يكون الدكتور بسام البزاز الاسم الثالث ضمن المترجمين العراقيين الحاصلين على جائزة نوّار للمترجمين العراقيين , وهم كل من –
 تحسين رزاق عزيز ولطفية الدليمي وبسام البزاز .
ثالثا –  حول التماثيل النصفية للشخصيات الثقافية العراقية
قررت اللجنة الاستمرار بتحويل جائزة نوّار للمتميزين من خريجي مدرسة الموسيقى والبالية الى اقامة تماثيل نصفية للشخصيات الثقافية العراقية , علما انه سبق اقامة تماثيل للشهيد فؤاد ابراهيم – رئيس قسم اللغة الالمانية وعالم الآثار طه باقر وللفنان الكبير عزيز علي , وتفرر في العام 2022 اقامة تمثالين لانستاس الكرملي وعبود الكرخي , الا ان ظروف العراق قد حالت دون انجازهما في نفس ذلك العام, و تمّ انجازهما الان فقط   , وافتتح فعلا تمثال انستاس الكرملي يوم 9 حزيران / يونيو 2023 في مؤسسة ايشان ببغداد , وسيتم افتتاح تمثال عبود الكرخي قريبا , وهو التمثال الخامس في سلسلة هذا المشروع الحضاري . هذا وقد تمّ امام اللجنة طرح عدة اسماء من هؤلاء الشخصيات لاقامة تماثيل لهم مستقبلا , وسيتم تحديد الاسم لاحقا بعد انجاز التمثال الخامس المذكور .
أ.د. ضياء نافع
رئيس لجان جوائز نوّار
رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر
حزيران / يونيو 2023

20
  مسرح تشيخوف في رأي بروك
أ.د. ضياء نافع
 مقاطع من حوار مع المخرج المسرحي الانكليزي بيتر بروك ( 1925 – 2022 ) , الذي قدّم على خشبة مسارح باريس أعمال تشيخوف المسرحية .... .

..... يتميّز مسرح تشيخوف بالدقة والبساطة والاصالة ... كان تشيخوف يريد ان يكون الاخراج شفافا , وكذلك التمثيل , شفافا مثل الحياة نفسها , لكن عندما نحاول التعبير عن أجواء المسرحية , فاننا نعاني – بلا ارادتنا – من منح الجمل طابعا أدبيا , بينما هي بالروسية تجسّد البساطة بعينها , ان لغة تشيخوف مركّزة ومكثّفة جدا , وهي تذكّر بلغة بينتر او بيكيت , اذ كما هو الحال لديهما , يعتبر بناء الجملة مهما جدا , وكذلك ايقاعها والشعر المسرحي للمفردات , التي تشغل مكانها المحدد وتمتلك نبرتها الدقيقة والصحيحة , فعندما يقول شخص ما كلمة ( نعم ) مثلا , فانها تعتبر الكلمة الوحيدة التي تعبّر عن الموقف بشكل كامل , ولا يمكن ان تكون هناك كلمة اخرى ...
لم يستخدم شكسبير علامات الترقيم , وتلك التي نجدها في نتاجاته جاءت بعد فترة طويلة . ان مسرحيات شكسبير مثل البرقيات , ويجب على الممثلين انفسهم ان يقسموا كلماتهم الى مجاميع , أمّا  عند تشيخوف , فاننا نجد العكس تماما , فالنقطة والفارزة وتعدد النقاط , كل ذلك مهم وبشكل غير اعتيادي , وعندما لا نراعيها او نلتزم بها , فان المسرحية تفقد ايقاعها وتوترها . ان الفواصل بين الكلمات عند تشيخوف تؤدّي نفس أدوار علامات البرقيات السريّة , اذ انها تعبّر عن علاقات واحاسيس الشخصيات , وتسجّل لحظات امتزاج افكارهم وتلاحمها او الحركة الخاصة بتلك الافكار . ان علامات الترقيم تكشف الشئ الذي لزمت الكلمات الصمت عنه .
تشيخوف – استاذ مثالي في مجال المونتاج , فبدلا من الانتقال من مشهد الى آخر , ومن الممكن حتى من مكان حدث الى آخر , ينتقل تشيخوف من احساس الى آخر , وهو يقوم بذلك رأسا بعد لحظة من التعبير الكامل عن هذا الاحساس او ذاك , ففي تلك اللحظة , عندما تستحوذ شخصية ما على الانتباه كليّا , يظهر فجأة موقف غير متوقع . كل شئ عند هذا الكاتب المسرحي غير ثابت وغير مستقر . ان تشيخوف يعرض الناس والمجتمع في وضعية متغيّرة بلا توقف , انه كاتب الحياة المتحركة دائما , الحياة الجدّية والمرحة في آن واحد , المضحكة والمريرة معا . يجب ان ننسى الكآبة السلافية , الموجودة فقط في موسيقى المطاعم الليلية , وهذا هو الموضوع الذي غالبا ما كان يثير الخلافات بينه وبين ستانسلافسكي , اذ ان تشيخوف لم يكن يتحمّل تلك النبرة الدراماتيكية التي يضعها المخرج على تلك المسرحيات . ان هذا لا يعني بالطبع , اننا يجب ان نقدم مسرحية ( بستان الكرز ) مثلا , على اعتبارها مسرحية هزلية . ان تشيخوف هو مراقب دقيق جدا لكوميديا الحياة الانسانية . انه طبيب , ومن ثمّ , فانه يعرف مكنونات حياتنا وجوهرها , ويستطيع ان يشخّص الحالة المرضية .
توجد في أعماق تشيخوف الرقّة ويوجد الانتباه والحنان , ولكن لا توجد في أعماقه تلك العواطف الجيّاشة . هل يمكن ان  نتصور طبيبا يذرف الدموع على آلآم مراجعيه ؟ ان هذا سيكون منتهى السخف . لكنه مقابل ذلك , حتى عندما كان تشيخوف عاشقا , فانه كان يلاحظ عدم وجود التكامل وعدم الرضى الداخلي في كيان حبيبته , ولم يمتعض منه , وانما كان يستطيع ان يتعامل معه مبتسما .
يوجد الموت في مسرحيات تشيخوف دائما , الموت الذي نعرفه جيدا , لكن لا يوجد هنا شئ مؤلم , كما يحدث في المغالاة الفنية عند الآخرين . ان الاحساس بالموت مرتبط عنده بالتشّوق تجاه الحياة والموت . لقد جاب تشيخوف الحياة طويلا , وشارك في جوانبها الاجتماعية , وكتب , وأحب , ومات شابا , وعندما كان يموت طلب كأسا من الشمبانيا , اما جثمانه , فقد نقلوه في عربة قطار مكتوب عليها ( محّار طازج ) ... ان هذه الفكرة عن الموت وعن اللحظات الثمينة التي بقيت لديه في الحياة , هي التي كانت تمنحه دائما الوعي , بان كل الاشياء نسبية , وبتعبير آخر , هي التي ساعدته ان يحافظ على تلك المسافة الكافية , كي لا يغيب عن باله ابدا الجانب الكوميدي للدراما.....
-----------------------------------------
من كتاب – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر قريبا في بغداد وموسكو .
ضياء نافع

21
عن مكتبة لينين سابقا ولاحقا
أ.د. ضياء نافع
لا زال الروس يطلقون عليها تسمية – مكتبة لينين ( ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين !) , ولازال الوصول الى تلك المكتبة يعني  الذهاب الى محطة مترو تسمى ( مكتبة لينين ) , رغم ان الامر الاداري بتغيير تسمية المكتبة قد صدر عام 1992 عند انتهاء (العصر!) السوفيتي وولادة دولة روسيا الاتحادية, اذ انها اصبحت منذ ذلك الحين رسميا - المكتبة الوطنية . اختلف المترجمون العرب بترجمة تسميتها الجديدة , فمنهم من يقول – مكتبة الدولة , او , المكتبة الحكومية , او, المكتبة الرسمية , او , المكتبة العامة ... الخ....الخ , ولكننا نميل الى استخدام مصطلح المكتبة الوطنية , التسمية المستقرة في اذهاننا – نحن العراقيين – طوال النصف الثاني من القرن العشرين ولحد الان , اما بالنسبة للروس في الوقت الحاضر , فليس مهمّا كيف تسمّى مكتبتهم الاولى رسميّا , اذ انها بالنسبة لهم كانت وستبقى على ما يبدو – مكتبة لينين , والامر كذلك حتى بالنسبة للاجيال الجديدة من الروس , وقد وقف أحد العراقيين المرحين مرّة في مركز موسكو ( اي ليس بعيدا عن تلك المكتبة ) وأخذ يسأل الروس – اين تقع ( مكتبة الدولة ) ؟ وكانت الاجابات قاطبة تتوزع بين اجابتين لا غير , وهما - ( لا أعرف ) او ( تقصد مكتبة لينين؟ ) , وهي تجربة ضاحكة طبعا ضمن تجارب الشباب المرحة, ولكنها حيوية وفريدة في آن واحد , اذ انها تعني ما تعنيه في مفاهيم علم الاجتماع .
وعندما وصلنا في بداية الستينيات الى موسكو للدراسة في جامعاتها , لم تكن مكتبة لينين تخطر ببالنا اصلا , ولكن عندما ازدننا معرفة وعمقا في دراستنا , بدأنا نشعر بضرورة الذهاب الى المكتبات العامة ( اذ لم تكن في تلك الفترة الاتصالات الالكترونية كما هو الحال في الوقت الحاضر ) , واكتفينا في البداية باستخدام المكتبات العامة , التي كانت موجودة ومتوفرة في جامعاتنا ليس الا , ولكننا بالتدريج وصلنا الى القناعة بضرورة الانتقال الى مكتبة لينين واستخدام مصادرها المتنوعة والغنيّة , والاستفادة من تنظيمها الدقيق و المدهش , ولا زلت اتذكّر (الانبهار!!!) عندما دخلتها لاول مرّة , اذ اكتشفت عالما خاصا , مليئا بملايين الكتب والدوريات, ويخضع لتنظيم صارم وانسيابية دقيقة , خصوصا وان الادارة قد منحتنا – نحن الاجانب – حق استخدام القاعة رقم (1 ) في تلك المكتبة , وهي القاعة المخصصة للعلماء وكبار الشخصيات , وكنّا نرى بينهم , مثلا , مولوتوف , وزير خارجية الاتحاد السوفيتي السابق ايام ستالين , وكان يواظب يوميّا تقريبا على الجلوس في تلك القاعة بمفرده ويطالع بانتباه الكتب الموجودة امامه على الطاولة , وكان النظام السائد في المكتبة يمنع ادخال الحقائب , وكان هناك مكان خاص عند المدخل نضع فيه حقائبنا ونأخذ رقما خاصا , وعندما نخرج نستلم الحقيبة وفق الرقم , وكانوا يسمحون فقط بادخال دفاتر الملاحظات , وعند الخروج كانوا يلقون نظرة بشكل سريع ومؤدب على تلك الدفاتر ( ربما خوفا من وجود وريقة مقطوعة من الكتب ) , وقد لاحظت , ان مولوتوف كان يخضع ايضا – وبكل روح رياضية – لهذا النظام العام عندما يخرج من المكتبة. وتوجد في المكتبة كل وسائل الخدمات للقراء من مطعم ومقهى ...الخ , اذ ان المكتبة تعمل منذ الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا .
كل هذه الانطباعات كانت قبل اكثر من اربعين سنة مضت , وعندما عدت الى هذه المكتبة العتيدة قبل سنوات قليلة , وجدت انها قد ارتدت حلّة جديدة زادتها جمالا وتألقا , اذ اصبحت الكتب الشرقية – مثلا - في بناية مستقلّة تقع مقابل المكتبة , وهي بناية تاريخية جميلة , وعندما طلبت منهم كتابا عراقيا صدر في بغداد عام 1945 , ساعدني الموظف المختص بالعثور عليه في الفهارس الخاصة , ثم اخبرني بعد حوالي نصف ساعة ان هذا الكتاب دخل في خزانات خاصة للحفظ , وانني اقدر ان اطلع على الفلم المستنسخ منه في قاعة خاصة معدّة لتلك العروض , وحدد لي موعدا دقيقا لذلك . ويسود المكتبة الان نظام الكتروني في الدخول لها والتسجيل والخدمات الادارية الاخرى , وهناك برامج ثقافية ومعارض كتب متنوعة جدا في قاعاتها العديدة ....
في الستينيات كانوا يقولون لنا , ان مكتبة لينين تشغل المكان الثاني عالميا بعدد كتبها ودورياتها , وهو (33) مليون , وذلك بعد مكتبة الكونغرس الامريكية , التي كانت تحتوي على (40) مليون , ولكن هذه الارقام قد تغيّرت في الوقت الحاضر , وهناك الان خمس مكتبات تقف في الصدارة  عالميا , ومنها طبعا المكتبة الوطنية لعموم روسيا , اي مكتبة لينين كما يسميّها الروس , وقد اطلعت قبل مدّة على احصائية تشير , الى ان عدد الكتب والدوريات الموجودة بهذه المكتبة حاليا أكثر من (44) مليون , وان هذه الكتب و الدوريات ب ( 367 ) لغة من لغات العالم .
المكتبات العامة دليل حضارة الامّة , والحفاظ عليها والاعتناء بها وتطويرها دليل حيوية تلك الامّة , والحليم تكفيه الاشارة يا اولي الالباب ...

22
  .. و تذكّرت اصدقائي التورغينفيين .. 
أ.د. ضياء نافع
 تم افتتاح تمثال للكاتب الروسي ايفان سرغييفتش تورغينيف ( 1818 -1883) في موسكو , وذلك بمناسبة مرور قرنين على ميلاده , وقد افتتح التمثال في حينها الرئيس الروسي نفسه , وهو آخر تمثال لتورغينيف في روسيا , و يختلف هذا التمثال عن التماثيل الاخرى له تماما , اذ ان النحّات قدّم لنا تورغينيف في شبابه , عندما كان عمره 30 عاما فقط, وهو تمثال في غاية الرشاقة و الجمال , ويقف تورغينيف الشاب في حديقة بيت والدته , ويمسك بيديه عدة اوراق , وخلفه البيت الروسي الارستقراطي للوالدة , حيث كان لتورغينيف هناك غرفة خاصة يسكن فيها , اذ انه غالبا ما كان  يزور البيت ويبقى فيه عدة أيام .
تذكرت الاسماء العزيزة على قلبي وانا أتأمل هذا التمثال غير الاعتيادي للشاب الرشيق تورغينيف , الاسماء التي ترتبط بتورغينيف نفسه , اي اصدقائي (التورغينفيين !) الراحلين , ولكنهم دائما وابدا في وجداني وتفكيري , ومنهم الدكتور محمد يونس , استاذ الادب الروسي في جامعة بغداد , وزميل العمر كله , منذ معهد اللغات العالي في الوزيرية , وعبر القسم الداخلي لجامعة موسكو والدراسة معا في كليّة الفيلولوجيا هناك , الى العمل معا بعد التخرّج في قسم اللغة الروسية في كليّة الاداب اولا , ثم في كليّة اللغات بجامعة بغداد , هذه المسيرة المشتركة , والتي استمرت منذ ( الشباب الى المشيب !) , و من (فجر الحياة حتى المغيب!) يا أبا جاسم الحبيب ...
  كتب محمد يونس اطروحة الماجستير في جامعة موسكو عن تورغينيف في الستينيات , وأصدر كتابا بالسبعينيات في بيروت عن تورغينيف , وهو اول كتاب عراقي شامل عن هذا الكاتب الروسي الكبير حسب علمنا المتواضع , ولا يزال هذا العمل العلمي الرائد – ولحد اليوم - واحدا من المصادر العربية المهمة حول ادب تورغينيف , بغض النظر عن كونه قد صدر قبل حوالي نصف قرن تقريبا , وليس ذلك بالقليل . وبالرغم من ان محمد يونس ابتعد قليلا عن تورغينيف وكتب اطروحة الدكتوراه في جامعة موسكو عن تولستوي , الا انه كان مشرفا علميا لاول شهادة ماجستير يمنحها قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , والتي كتبها آنذاك طالب الدراسات العليا حسين عباس ( الدكتور حاليا والقائم باعمال سفارتنا في كييف باوكرانيا , ونحن في اواسط عام 2023 ) , وكانت هذه الاطروحة عن الادب المقارن بين الكاتب الروسي تورغينيف والكاتب المصري محمد عبد الحليم عبد الله , ولم يكن هناك تدريسي آخر في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , يمكن ان يكون مشرفا على اطروحة تتناول هذا الموضوع عدا محمد يونس.
 ومن بين الاسماء العراقية العزيزة ايضا , والتي تذكرتها امام تمثال تورغينيف , اسم الدكتورة حياة شرارة , زميلة العمر كله كذلك , وهي البروفيسورة الاولى في تاريخ قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , فقد خططت حياة شرارة لترجمة المؤلفات الكاملة لتورغينيف عن الروسية , واستطاعت فعلا ان تنجز ثلاثة اعمال كبيرة من تلك المؤلفات واصدرتها في بغداد رغم كل الصعوبات الهائلة آنذاك , التي كانت امامها في ذلك الزمان الجهم , وتذكرت طبعا اصرارها على انجاز تلك الترجمات , وتذكّرت ايضا , انني لم أؤيدها في ذلك , و قلت لها , ان هذه الاعمال مترجمة , فقالت ضاحكة , انها ستطلّع على تلك الترجمات بعد انهاء العمل ( ..كي لا تؤثّر تلك الاعمال على ترجمتي ..) , واستمرّت ام مها فعلا في تنفيذ خططها , ولكن.....
 ومن بين الاسماء الحبيبة لي اسم غائب طعمة فرمان , التورغينفي العتيد والاصيل , لأن اسمه يرتبط بترجمة المؤلفات المختارة لتورغينيف بخمسة اجزاء , والتي صدرت في موسكو بالنصف الثاني من القرن العشرين , وتذكرت كيف تعجب غائب عندما حكيت له قصة حياة شرارة واصرارها على ترجمة مؤلفات تورغينيف , ولكن تواضعة العظيم منعه آنذاك من ان يقول لي , انه يترجم مؤلفات تورغينيف المختارة بناء على تكليف من دار رادوغا للترجمة والنشر في الاتحاد السوفيتي . 
وتذكّرت طبعا الدكتور أكرم فاضل , الذي ترتبط باسمه اول ترجمة عربية لرواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) , والتي صدرت في بغداد عام 1950 , وتذكرت نقاشي ( الحاد!) مع المستشرقة الميرا علي زاده في المؤتمر الثالث لمترجمي الادب ( موسكو 2014 ) حول ذلك , اذ انها اعلنت امام اعضاء المؤتمر بعد ان القيت كلمتي عن المترجمين العراقيين وتورغينيف  , ان محمود احمد السيد وليس اكرم فاضل هو  اول عربي ترجم رواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) , وقد قلت لها , ان المستشرقين السوفيت يشيرون الى هذه المعلومة , ويقولون , ان محمود احمد السيد قد نشر في احدى الصحف المصرية خلاصة لتلك الرواية في عشرينيات القرن الماضي , وان القارئ العراقي لم يطّلع حتى على هذه الخلاصة ولا يعرف طبيعتها , وأضفت , ان نشر رواية تورغينيف تلك ( وليست خلاصتها ! ) قد صدرت كاملة ولاول مرة بالعربية في بغداد عام 1950 , وان هذه حقيقة كان يجب على المستشرقين السوفيت ان يعترفوا بها في حينها , وان الاستشراق الروسي المعاصر يجب ان يصحح الان تلك النظرة غير الدقيقة للمستشرقين السوفيت ...
  الرحمة والذكر الطيب لاصدقائي التورغينفيين -  محمد يونس وحياة شرارة وغائب طعمه فرمان وأكرم فاضل .....

23
المنبر الحر / أخماتوفا و تشيخوف
« في: 16:47 11/05/2023  »
أخماتوفا و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع   
ولد تشيخوف عام 1860 , وولدت أخماتوفا عام 1889 , وتوفي تشيخوف عام 1904 , عندما كان عمرها 15 سنة ليس الا , ولهذا لا يمكن القول انهما عاصرا بعضهما البعض في مسيرة الابداع الادبي الروسي , ومن المؤكد , ان تشيخوف لم يسمع باسمها بتاتا . ومع ذلك  - وياللغرابة -  يمكن تلخيص موقف الشاعرة الروسية الكبيرة أخماتوفا تجاه تشيخوف بكلمة واحدة فقط , وهي – ( اللاحب ) , ولكن مما يخفف من وقع تلك الخلاصة , انها تمثّل موقفا عاما من قبل جماعة تيّار ( الذروة ) الادبي , الذي ظهر في بداية القرن العشرين , وكان على رأسه زوج أخماتوفا الاول , الشاعر والناقد الادبي والمترجم غوميليوف ( انظر مقالنا عنه بعنوان غوميليوف الشاعر الروسي المخضرم ) , هذه الجماعة التي ظهرت بالذات في فترة التحولات والاحداث المصيرية الكبيرة , التي مرّت بها روسيا ( الثورة الروسية الاولى والحرب العالمية الاولى وثورة اكتوبر الاشتراكية وانهيار الامبراطورية الروسية وبدايات بناء دولة الاتحاد السوفيتي ..الخ ..الخ ) , ولم يكن تشيخوف في تلك الاحداث الجسام نجما ساطعا طبعا , اذ لا توجد عنده – كما هو معروف – موضوعات تتناغم مع طبيعة تلك الاحداث الساخنة جدا , ولا يمكن لابطاله الذين يتحدثون عن شؤونهم ومعاناتهم الحياتية اليومية ان يثيروا ادباء وقراء ذلك الزمان العاصف , او ينسجموا او يتعاطفوا معهم , حتى تروتسكي نفسه ( الرجل الثاني في ثورة اكتوبر عندها ) كتب في كتابه المعروف ( الادب والثورة ) الصادر عام 1923 حول فرقة مسرح موسكو الفني ما يأتي – ( ... اناس يعيشون لحد الان في اجواء مسرح تشيخوف من الاخوات الثلاث والخال فانيا ونحن في عام 1922 .. وانهم لحد الان يعرضون للاوربيين والامريكان كيف كان رائعا بستان الكرز في روسيا الاقطاعية العتيقة ..) . آنا أخماتوفا ايضا كانت ضمن هؤلاء الذين لم يتقبّلوا تشيخوف , ولكن موقفها لم يكن بالطبع منطلقا من موقف تروتسكي تجاه تشيخوف ولا متطابقا معه ولا حتى قريبا منه ,  اذ انها لم تعتبر تشيخوف ممثّلا لروسيا العتيقة كما هو حال تروتسكي , وانما انطلقت من مواقف منها مثلا موضوع الفن ودوره الانساني وقيمته الاجتماعية , لانها تعتبر الفن ( ..ظاهرة سامية ..وان الفنان يتقبّل الفن من قوى روحية عليا ..وانه يميّز النص الشاعري العالمي المطلق ..) , وهذه بالطبع آراء جماعة تيار الذروة , وكانت تؤكد ان تشيخوف لم يكن فقط بعيدا عن تلك الافكار حول الفن , بل انه لم يكن يعترف بها اصلا , وانه بالتالي أساء لدور الفنان وقيمته – حسب رأيها – لانه أخذ يكتب كما اراد القارئ منه ان يكون . لقد كتب الكثيرون ممن كانوا يعرفون أخماتوفا ويختلطون معها أقوالها حول تشيخوف في مذكراتهم , ومنها – ( ..تشيخوف يتناقض مع الشعر ..) و ( ..لا اصدّق الذين يقولون انهم يحبون تشيخوف ويحبون الشعر ايضا ..) و ( .. ابطاله يثيرون الملل وهم باهتون وقرويون ..) الخ .. وبشكل عام كان من الواضح تماما , ان أخماتوفا لم تكن تحب قصص تشيخوف ومسرحياته , ولكن بعض النقاد والباحثين الذين كتبوا حول موقف اخماتوفا هذا توقفوا عند نقاط كانت – مع ذلك – تجمع بين خصائص ابداع اخماتوفا وتشيخوف حسب رأيهم , ومن بين هذه النقاط مثلا , آراء باسترناك حول تشيخوف , التي تحدّث عنها في اربعينيات القرن العشرين , اذ انه لم يتفق فيها مع أخماتوفا بشأن تشيخوف , معتبرا اياه  الكاتب الروسي الوحيد الذي لم يرشد القراء او ينصحهم او يعظهم , وبالتالي , فانه بقي فنانا (..نقيّا وخالصا..) , بل ان باسترناك اعتبره ( ..جوابا على فلوبير..) , وربط هؤلاء النقاد ملاحظات باسترناك بموقف غوميليوف وأخماتوفا , اذ انهما كانا يحلمان معا بتطبيق تلك المواقف والمبادئ نفسها لدرجة ان غوميليوف كان يقول لها مازحا ( ..اسقيني السمّ..) عندما ترين باني بدأت بارشاد الناس او نصحهم ووعظهم . وأشار هؤلاء النقاد ايضا الى مسألة في غاية الاهمية , وهي ان تروتسكي في كتابه الذي أشرنا اليه اعلاه قد ذكر , ان عبقرية أخماتوفا ترتبط بروسيا العتيقة , مثلما يرتبط موقف فرقة مسرح موسكو الفني بأدب تشيخوف المسرحي ( ..لروسيا الاقطاعية العتيقة ..) , ويستنتج هؤلاء النقاد ان أخماتوفا تناولت واقعيا في شعرها نفس تلك الموضوعات الانسانية والصور الخالدة في الادب , التي تناولها تشيخوف لدرجة  انهم وجدوا في شعرها بعض الاحيان (..تنفّسات بستان الكرز التشيخوفية ..) , كما كتب احدهم , وان تروتسكي كان محقا – من وجهة نظره طبعا – عندما اعتبرها تمثّل روسيا العتيقة مثلما كان تشيخوف يمثلها ايضا . وهذه كلها ملاحظات صحيحة من وجهة نظرنا . ومن الطريف ان ننهي هذه السطور الوجيزة عن هذا الموضوع الجديد تماما للقارئ العربي بالاشارة الى ما كتبته أخماتوفا نفسها مرّة , عندما كانت محاربة من قبل النظام وممنوعة من النشر في حينها , اذ انها لم تجد افضل من تشيخوف للحديث عن اوضاعها آنذاك . وهكذا قالت , انها تعيش وكأنها في ( ردهة رقم 6 ) , وهو عنوان لقصة تشيخوف المعروفة والمشهورة جدا , هذه القصة التي كتب عنها حتى لينين مرّة قائلا , انه ترك الغرفة متضايقا نفسيا عندما انتهى من القراءة , لانه شعر وكأنه كان في تلك الردهة . لينين استخدم القصة في روسيا القيصرية رمزا لها , وأخماتوفا استخدمتها في روسيا السوفيتية رمزا لها ايضا , وما أبعد روسيا تحت حكم القياصرة عن روسيا السوفيتية , ولكن كلاهما ( لينين وأخماتوفا) كانا على حق , ولا نظن ان هناك أروع واعظم من هذا المثل للتأكيد على ان تشيخوف قد رسم في ثنايا ابداعه كل معاناة الانسان في مسيرة حياته بغض النظر عن النظام السياسي القائم في بلاده , وهذا ما يفسّر سر استمرار حب القراء له الى الوقت الحاضر , وليس فقط في وطنه , وان أخماتوفا ( التي لم تكن تحبه ) قد ساهمت ايضا بالاقرار بذلك .
وختاما لهذه الملاحظات , نريد الاشارة الى ان اللاجئين الروس في الغرب قد اسسوا دار نشر كبيرة في نيويورك , والتي قامت بنشر الكثير من الكتب الروسية وتم توزيعها في اوروبا الغربية بالاساس طبعا وعلى نطاق واسع , وكانت تسمى دار تشيخوف للنشر , وقد طبعت دار النشر هذه مجموعة من قصائد أخماتوفا عام 1952 , وهكذا صدر كتاب يحمل اسمها واسم تشيخوف معا على غلاف ذلك الكتاب  , وقد أشار احد النقاد الروس المعاصرين الى ذلك واعتبره رمزا  للتقارب الروحي بين أخماتوفا وتشيخوف رغم كل مواقفها تجاهه , وهي اشارة جميلة ورشيقة جدا .
------------------------------------
من كتاب – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ضياء نافع

24
حول مسرحية تشيخوف – الخال فانيا     -     42
أ.د. ضياء نافع
قررت كتابة الملاحظات الوجيزة الآتية عن مسرحية تشيخوف هذه بالذات لأني مازلت أرى عنوانها بالعربية في بعض الاحيان – ( العم فانيا ) لحد الان , وليس (الخال فانيا ) كما كتبها مؤلفها تشيخوف عام 1897 , وسبب ذلك بالطبع يكمن في ان هؤلاء الذين يحوّلون (الخال) الى ( العم) في هذه المسرحية يترجمون عنوانها عن لغات توجد فيها كلمة واحدة فقط تطلق على الخال والعم معا , بما فيها اللغة الروسية – لغة تشيخوف نفسه . عندما ارى , ان عنوان المسرحية قد تحوّل الى ( العم فانيا ) استنتج رأسا , ان كاتب المقالة او مترجمها لم يطلع على نص المسرحية ولم يشاهدها طبعا على خشبة المسرح , وابتسم , ومن ثمّ اضطر ان اعتذر همسا لروح تشيخوف على هذه الهفوة ( كدت استخدم كلمة اخرى!) العربية , التي تؤكّد عدم الاحساس بالمسؤولية عند بعض كتّابنا , عندما يسطرون الكلمات وينشرونها , وقد اعتذرت بهذه الطريقة آخر مرة , عندما قرأت خبرا تفصيليا جدا عن هذا ( العم !) في جريدة الشرق الاوسط اللندنية الشهيرة .
ونعود الى المسرحية تلك . مضمونها تشيخوفي بحت , اذ توجد فيها افكار يطرحها الابطال اثناء مسيرة حياتهم الاعتيادية ليس الا . وعن هذه المسرحية بالذات قال تولستوي كلمته الشهيرة عندما شاهدها , وخرج من المسرح غاضبا – ( ...قولوا لتشيخوف وستنسلافسكي , انه لا يمكن ان تكون هناك مسرحية لمجرد ان يرقد شخص على الاريكة وينظر الى الحديقة  عبر النافذة ويتحدّث...) . وقد كتب المسرحي الروسي نيميروفيتش – دانتشينكو بعدئذ لتشيخوف عن زيارة تولستوي للمسرح ومشاهدته لتلك المسرحية قائلا – ( .. تولستوي معجب بعبقريتك , لكنه لا يستوعب مسرحياتك . لقد حاولت ان اوضح له ذلك ( المركز ) الذي كان يبحث عنه ولم يجده ...وقال انه توجد في مسرحية الخال فانيا اماكن مدهشة , لكن لا توجد فيها تراجيدية الوضعية ...) , ويقصد تولستوي بذلك المصطلح الحدث الاساسي الذي يتمحور حوله البناء المسرحي , اي ما اطلق عليه دانتشينكو ( المركز ) , ويختتم رسالته تلك الى تشيخوف ويقول – ( .. ولكن من الطريف ان نقول , ان تولستوي كتب مسرحيته ( الجثة الحيّة ) بتأثير من الخال فانيا ..) . وفي الواقع , فان تولستوي لم يكتب مسرحيته ( بتأثير) من مسرحية الخال فانيا , وانما ( جوابا ) عليها , لأن تولستوي لم يعترف بمسرح تشيخوف الخالي من الاحداث , والذي يعتمد على الافكار والمزاج , او كما قال أحد النقاد الفرنسيين المعاصرين عن هذا المسرح – ( ..كل دقيقة فيه مليئة , ولكنها ليست مليئة بالحوار , وانما بالصمت وبالاحساس بالحياة ..) . ولا مجال في اطار هذه المقالة بالطبع الاسترسال في الكتابة عن هذا الصراع بين مفاهيم بنية المسرح عند تولستوي وتشيخوف , وكيف ان الزمن اثبت صمود وازدهار واستمرار الانتشار عالميا للمسرح التشيخوفي ( مسرح الافكار والاحاسيس الانسانية الاعتيادية ) مقارنة مع المسرح التولستوي ( مسرح الاحداث الدراماتيكية ) , ان صحّت كل هذه  التعابير والتعريفات والصفات . والاستشهاد بموقف تولستوي هذا يوجب علينا الاستشهاد بموقف مكسيم غوركي المعاكس تماما لرأي تولستوي تجاه هذه المسرحية , والذي كتب الى تشيخوف بعد ان شاهدها على خشبة المسرح قائلا – ( .. شاهدتها وبكيت مثل امرأة ..) . ويطرح السؤال نفسه تلقائيا , وهو – كيف ولماذا استطاعت هذه المسرحية ان تجعل تولستوي يكتب مسرحيته الشهيرة ( الجثة الحّية ) معارضا لها وحوابا عليها , ولماذا بكى غوركي مثل النساء عندما شاهدها ؟
الفكرة المركزية في مسرحية الخال فانيا تتجسّد في ( الخيبة ) , التي يحسّها الانسان عند نهاية مسيرة حياته , هذه الخيبة المريرة والخانقة , لأن الانسان لا يستطيع ان يلغيها او يغيّرها , اذ لا يمكن ان يعيد مسيرة حياته من جديد ( وما أكثر خيبات الامل التي تعرضّنا لها جميعا !) , وفي هذه الفكرة ذات الابعاد الانسانية الشاملة لكل المجتمعات تكمن عظمة تشيخوف الفنية والابداعية , والتي تجعل من فلسفة مسرحه مفهومة من قبل الانسان , كل انسان , بغض النظر عن مجتمعه وقوميته . وهكذا نرى في هذه المسرحية كيف ان زوج اخت فانيا المتوفية البروفيسور سيريبريكوف – العالم الجليل , الذي كان فانيا ينظر اليه طوال حياته باحترام وتبجيل مع ابنة تلك الاخت واسمها سونيا , وكيف كانا يعملان معا – وبكل اخلاص وتضحية – على خدمته , ولكنه اكتشف اخيرا انانيته , وانه  لا يفقه شيئا , وبالتالي , فان الحياة قد ضاعت هباء . وتحاول سونيا ( والتي تناديه طوال وقت بالخال فانيا , ومن هنا جاءت تسمية المسرحية ) تحاول ان تدخل الطمأنينة على تلك الاجواء المريرة من خيبة الامل هذه , وتقول لخالها فانيا , ان السماء والملائكة ستمنح الراحة له ... وهكذا نرى ان هذه المسرحية تنتهي بعدم انتصار أحد , وان الجميع هنا خاسرون ليس الا , وان تشيخوف يرسم كل هذه الامور ببساطةأ واعتيادية ودون احداث دراماتيكية متشابكة , وهو ما جعل مكسيم غوركي يبكي وهو يشاهدها , وهو ما جعل تولستوي يحتج عليها لانها لا تتضمن احداثا وصراعات بين ابطالها , وهو شئ يتناقض ومفهومه للمسرح , ولهذا قرر ان يكتب مسرحيته الاخيرة – الجثة الحية جوابا عليها , كي يثبت وجهة نظره حول بنية الفن المسرحي .
مسرحية ( الخال فانيا ) تدور حول فكرة الخيبة في حياة الانسان , وهذه المسرحية ما زالت تعرض على مسارح روسيا والكثير من مسارح العالم منذ ان كتبها تشيخوف عام 1897 ولحد الان , بل انها انتقلت من المسرح الى السينما , حيث تمّ انتاجها (11) مرة في مختلف البلدان , ومن الطريف ان نشير في نهاية مقالتنا حول مسرحية الخال فانيا الى قائمة الافلام السينمائية تلك , وهي كما يأتي – 1 –عام 1957 في امريكا // 2 – عام 1962 في فرنسا // 3 – عام 1963 في بريطانيا // 4 – عام 1967 في السويد // 5 – عام 1970 في يوغسلافيا // 6 – عام 1970 في روسيا // 7 – عام 1986 في روسيا // 8 – عام 1994 في امريكا // 9 – عام 1994 في السويد // 10 – عام 1996 في بريطانيا // 11 – عام 2004 في المانيا .
ختاما اكرر الرجاء الى زملائي الباحثين والمترجمين ان يكتبوا ما يريدون عن ( الخال) فانيا , دون ان يحولوه الى ( العم ) فانيا .


25
عن أدب الاطفال في روسيا
أ.د. ضياء نافع
 عندما وصلنا الى موسكو في ستينيات القرن العشرين , أدهشتنا ظواهر عديدة , لأنها كانت جديدة بالنسبة لنا , ومن بين تلك الظواهر الواضحة تماما كانت العناية الفائقة جدا بالاطفال من قبل الروس ,  لدرجة , ان أحد طلبتنا المرحين أطلق على الاطفال حينها تسمية  – ( أصحاب الجلالة في المجتمع الروسي !!!) , وعندما ازدادت معرفتنا باللغة الروسية (بعد دراستنا الاكاديمية لها) , اكتشفنا , ان هناك أدب متنوع جدا (لاصحاب الجلالة هؤلاء!!!) , أدب يرتبط حتى بمراحل أعمارهم منذ السنوات الاولى , اذ  تبيّن , ان هناك (أدب خاص!) لهم يستمعون اليه ( اي قبل تعلّمهم القراءة ) , ويتقبلونه بحب واهتمام وهم في بدايات حياتهم , وقد شاهدت ( بام عيني !) اطفالا روس يكررون تلك الحكايات الشعبية ويعرفون أبطالها ووقائعها , ويطالبون آبائهم وامهاتهم باعادتها امامهم قبل ان يخلدوا للنوم , وعمرهم أقل من ثلاث سنوات !!! , وهذا النوع من الادب يساهم طبعا – وبشكل دقيق و واضح جدا - في تربية الطفل وبلورة افكاره المستقبلية و شخصيته لاحقا , وغالبا ما أتذكّر قول استاذنا في مادة (علم التربية) باول محاضرة له ( وكنّا في الصف الثاني بكلية الفيلولوجيا في جامعة موسكو للعام الدراسي 1961/ 1962) , حول سيدة جاءت اليه وقالت له , ان ابنها بلغ خمس سنوات من عمره , وسألته - متى ابدأ بتربيته ؟ فقال لها رأسا – لقد تأخّرت خمس سنوات ياسيدتي .
أدب الاطفال موجود عند الشعوب كافة , بما فيها طبعا شعوبنا العربية , ولكن الاهتمام بهذا الادب وتدوينه و رعايته وتطويره يختلف عند مختلف تلك الشعوب , والظاهرة التي نود الاشارة اليها والتأكيد عليها بالنسبة لادب الاطفال في روسيا تكمن بالذات في الاهتمام الكبير وغير الاعتيادي هذا , وكذلك في التقسيم الدقيق جدا لادب الاطفال حسب اعمارهم ومداركهم , لدرجة , اننا لاحظنا كتابة ذلك حتى على أغلفة كتب الاطفال تلك , اذ توجد على الاغلفة كتابات واضحة تشير , مثلا , الى ان هذا الكتاب للاطفال ( قبل المدرسة !) , وذاك الكتاب للاطفال في المراحل الاولى بالمدارس , وهذا الكتاب للاحداث ....الخ , اضافة الى ان هذا الادب يرتبط باسماء ادباء كبار في تاريخ الادب الروسي ( لأن ادب الاطفال يتقبله الصغار والكبار , وفي هذا تكمن اهميته وروعته ودوره , فكل واحد من الصغار والكبار يجد في هذا الادب جماليته وعمق معانيه ! ), فكريلوف , مثلا , الذي أسميناه مرّة في احدى مقالاتنا عنه ( ابن المقفع الروسي ) كان ولايزال ( منذ نهاية القرن الثامن عشر ولحد الان , ونحن في العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين) واحدا من تلك الاسماء الادبية اللامعة للقراء الروس الصغار والكبار على حد سواء , وتحولت الكثير من المقاطع في حكاياته حتى الى أمثال وحكم روسية ترد في احاديث الروس , ويمكن القول نفس الشئ كذلك بالنسبة لبوشكين , فحكاياته , التي كتبها شعرا , لا زالت ( ولحد الان ) في طليعة الكتب المطلوبة  للقراءة في روسيا, ولجميع القراء من صغارهم الى كبارهم , وغالبا ما تعيد دور النشر الروسية طباعة تلك الحكايات باشكال جذّابة , وتزيّنها بلوحات فنية جديدة , يرسمها فنانون تشكيليون روس معاصرون , وتعتبر هذه الكتب أجمل هدية يقدمها الروس للاطفال في مختلف المناسبات , وكم تمنينا ( نحن العرب الذين شاهدنا هذه الظاهرة الرائعة  ان  نحذوا حذوهم , ونتخلص من عادة منح النقود للاطفال !) , وقد التقيت جارتي قبل ايام , وكانت فرحة جدا , وعندما سألتها عن السبب , فقالت لي , انها وجدت في مخزن بيع الكتب طبعة جديدة في غاية الجمال لحكاية بوشكين عن الصياد والسمكة , واشترتها , وستقدمها قريبا هدية الى حفيدتها بعيد ميلادها , وقد ضحكت انا , وقلت لها , انك أخبرتيني مرة , ان حفيدتك تحب هذه الحكاية و تعرفها  عن ظهر قلب , فقالت , نعم , هذا صحيح , ولكن هناك رسومات ملوّنة رائعة في هذه الطبعة الجديدة , وانا متأكدة , ان حفيدتي ستفرح كثيرا عندما تشاهدها .
يستحق أدب الاطفال اهتماما كبيرا , لانه يرتبط بمستقبل الامة باكمله , ويؤسفني ان اشير في نهاية هذه الخواطر السريعة جدا , الى ان أدب الاطفال في روسيا بقي مجهولا بالنسبة لنا , نحن العرب , رغم بعض الترجمات التي ظهرت هنا وهناك , ولم يحاول اي طالب عربي ان يدرسه في روسيا ويتخصص به حسب معرفتي المتواضعة , رغم ان هذا الادب يمتد من القرن الثامن عشر ولا زال يتفاعل بحيوية وازدهار وتطور في المجتمع الروسي الى حد الان , ويؤدي دورا متميّزا في مسيرة هذا المجتمع ...   

26
حول سندباد السرد العراقي محمود البياتي
أ.د. ضياء نافع
   محمود البياتي سندباد السرد العراقي – هذا عنوان كتاب قام هيثم بهنام بردى باعداده وتقديمه , وهو عمل علمي نادر في زماننا الصعب , وقد صدر هذا الكتاب الفريد عام 2022 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر , ويقع في 269 صفحة من القطع المتوسط . هو كتاب جميل ومدهش قبل كل شئ , بدءا من لوحة الغلاف لمحمود البياتي نفسه , والتي رسمها الشاعر الكبير والفنان التشكيلي العراقي يوسف الصايغ , واستطاع الصايغ ان يجسّد في بورتريت محمود البياتي ملائكية هذا ( السندباد !) كما أسماه هيثم بهنام بردى بدقّة متناهية . مقالتنا هذه ليست عرضا للكتاب , وليست قراءة في صفحاته , فكل ذلك يتطلب مقالات تفصيلية عديدة , مقالتنا هذه عرض للاندهاش من هذا العمل الفكري النبيل , واكرر صفة ( النبيل !!!) هذه , النبيل قلبا وقالبا و بكل معنى الكلمة , والذي قدمه لنا – مشكورا - هيثم بهنام بردى .
الاندهاش الاول يكمن في الخطة العلمية المتقنة جدا لهذا الكتاب , الخطة التي قام بها (معلّم!) يعرف صنعته واسرارها وشعابها , وكل ذلك واضح جدا حتى من النظرة الاولى للكتاب . الخطة العلمية الصحيحة هي السكة الحديدية , التي سوف يتهادى عليها القطار , ويصل الى هدفه بسهولة , وهي ( المفتاح !) , الذي يفتح ( القفل!) ويغلقة متى يشاء , (وقد تذكرت كم عانينا اثناء عملنا في الدراسات الجامعية العليا من طلبتنا , الذين كانوا يريدون منّا مواضيع اطاريحهم وخططها العلمية الكاملة !!!) . هيثم بهنام بردى اختار موضوعه , لانه أحبه , واطلع بشكل معمق على اولياته كافة , ووضع الخطة العلمية الممتازة لعمله نتيجة لكل ذلك , ولهذا , فقد استطاع – وبجدارة عالية – ان يرسم صورة قلمية متكاملة لابداع محمود البياتي وبكل أبعادها .
الاندهاش الثاني يكمن , في ان بهنام قدّم لنا اسم مبدع عراقي كبير , لكنه شبه مجهول لعموم القراء العراقيين , لانه عاش (... اثنين وعشرين سنة داخل العراق , واربعة عقود وثلاثة اعوام خارج العراق....وان قريحته الابداعية نمت في تربة بعيدة عن العراق ...) اي ان ( ...جهل المتلقي العراقي في الداخل بهذا الرمز الابداعي العراقي لا يتحمله الطرفان ....)
الاندهاش الثالث – هو الاختيار الذكي والدقيق للنصوص الابداعية , التي كتبها محمود البياتي , ولنقرأ معا هذا المقطع ليس الا –
غافلتني ذات مرة وسبحت بعيدا عن الشاطئ , غابت عن مدى البصر , انتظرتها ساعتين ولم تعد , انتظرتها يومين , سنتين , لم تعد , لا أعرف كم بالضبط انتظرتها , ولما يئست أيقظني كابوس مفزع , رأيتها ترقد مهشمة الى جانبي على الفراش . آ , ماذا حدث ؟! , احتضنت كومة أحجار باردة وانتحبت , ماذا اقترفت خديجة ؟ سقطت من علو شاهق ؟ أم ضربتها مطرقة مجنون ؟ بذلت محاولات مضنية لترميمها بالعسل والدموع , أعطيتها دفقات من روحي , صرخت بالناس الذين تجمعوا – لم أقتلها , هي سقطت , قلت لهم ساعدوني , لعلها تاهت في الغابة او خطفها لصوص ...
وها أنا أنتظر مبتهلا الى الله ان يتغمدني برحمته , قد تحملها اليّ موجة أو قارب صيادين , قد يرشدها الى بيتي درويش ... لن أصنع اخرى , لقد تعبت , سألهو بالرمال وأنتظر .
بعد هذا المقطع , لم اتعجب , لأن طلال عبد الرحمن كتب مقالة بعنوان ( كافكا يلهم محمود البياتي ....) , ولم أتعجب ايضا , لأن علي عبد الامير كتب مقالة بعنوان ( رحيل كافكا العراقي محمود البياتي مسموما بذكرياته ) , والمقطع وكتابات الباحثين الاثنين ثبّتها هبثم بهنام بردى في كتابه هذا .
تصفيق حاد لهيثم بهنام بردى , لأنه قدّم اضافة جديدة نوعيا الى المكتبة العربية , رغم انه يشير , الى انه ليس ناقدا أدبيا , وان كتابه هذا هو (... رصد وأرشفة وتبويب وقراءة تاريخية لهذا الجنس السردي الجديد في العراق ...) , ونحن نقول له , تعليقا على قوله , ان ذلك هو التطبيق العملي للتعبير العربي الخالد – ( تواضع العلماء!) .
الذكرى العطرة للمبدع العراقي محمود البياتي , الذي يرقد في شغاف قلوبنا , رغم ان جثمانه الطاهر يرقد في مقبرة لندن , بعيدا جدا عن .. لوذ الحمائم ( العراقية) بين الماء (والدمع) والطين...     

27
مئوية أستروفسكي الثانية
أ.د. ضياء نافع
تحتفل روسيا هذا العام (2023) بالذكرى المئوية الثانية لميلاد كاتبها المسرحي الكبير ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي (  1823 - 1886) , شكسبير روسيا كما يطلق عليه الكثير من النقاد والباحثين في تاريخ المسرح الروسي . ومثلما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات المرتبطة بكل الاسماء البارزة في مسيرة الفكر الروسي , صدر أمر رئاسي بتوقيع الرئيس الروسي عن الاستعداد لهذه الاحتفالات عام 1920 ( اي قبل ذلك الاحتفال بثلاث سنوات !) حول  تفاصيل الاحتفالات والتهيئة لها في عموم روسيا , كي تكون تلك الاحتفالات لائقة بالمئوية الثانية لميلاد هذا الكاتب المسرحي , ومن جملة فقرات تلك الاحتفالات سيكون افتتاح البيت الذي ولد فيه استروفسكي بموسكو , ومن حسن الحظ , ان هذا البيت لازال موجودا , الا انه – طبعا - بوضع يتطلب تصليحات جذرية لاعادته الى سابق عهده  ( اي كما كان قبل قرنين من الزمان !), وقد بدأت عملية التصليحات والترميمات فعلا , ومن المفروض ان يتم افتتاح ذلك البيت في بداية الاحتفالات , وبهذا ستكسب موسكو موقعا سياحيّا جديدا وطريفا يضاف الى معالمها السياحيّة العديدة جدا , المرتبطة بأسماء أعلامها عبر التاريخ ,علما , ان البيت الذي سكنه أستروفسكي بعد ذلك , والذي كتب فيه الكثير من نتاجاته المسرحية لا زال موجودا , وقد تم نشر صورا عديدة لهذا البيت في هذه المناسبة, وهو بيت خشبي روسي جميل وواسع , وقد تمّ التقاط تلك الصور في الشتاء الروسي , حيث تحيط البيت ثلوج هائلة , الا ان البيت الحقيقي الاول والاخير لأستروفسكي هو مسرح ( ماللي تياتر ) اي ( المسرح الصغير) المقابل لمسرح ( بولشوي تياتر ) اي ( المسرح الكبير) ,والذي يقع في مركز مدينة موسكو , وليس من باب الصدفة ابدا , ذلك التمثال الضخم لأستروفسكي وهو يجلس على كرسي وثير امام مسرح ( ماللي تياتر) , اذ ان هذا المسرح كان بيته الفني قبل كل شئ وبعد كل شئ , ففيه تم عرض كل مسرحيات أستروفسكي اثناء حياته, حيث كان يشارك شخصيا بالاعداد لتلك العروض , ولهذا , فقد أعدّ هذا المسرح برامج خاصة واسعة للمساهمة في احتفالات الذكرى المئوية الثانية لأستروفسكي , وسيتم عرض الكثير من مسرحياته او مقاطع مهمة منها , وفي فروع ( ماللي تياتر) في العديد من المدن الروسية , وسيكون هناك في ختام تلك البرامج حفل موسيقي كبير في ساحة المسرح , وقد صرّح مدير مسرح ( ماللي تياتر) للصحفيين , انهم يريدون ان يحوّلوا يوبيل أستروفسكي الى مهرجان احتفالي مهيب للمسرح الروسي بشكل عام .
 تمثال أستروفسكي , الذي يقف أمام مسرح ( ماللي تياتر ) يرتبط في ذاكرتي ارتباطا روحيّا وثيقا , لدرجة , انني لازلت وبعد أكثر من ستين عاما , عندما أمرّ بالقرب منه , أتأمّله بحب وابتسم بيني وبين نفسي , وأقول له في أعماقي –  سامحنا يا ألكساندر نيقولايفتش ,   اذ انني ( مع مجموعة من الطلبة العراقيين ) وقفنا امامه منبهرين عام 1959 , وقررنا (وبكل ثقة وسذاجة مضحكة!) , انه للكاتب السوفيتي نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي , مؤلف الرواية الشهيرة ( كيف سقينا الفولاذ ) , وكل ذلك لأننا كنّا في يفاعتنا لا نعرف عن الادب الروسي سوى تلك النتف البسيطة من ألكلمات الطنانة والرنانة التي سمعناها في عراق الخمسينيات عن هذا الادب العظيم واعلامه , ولم  يكن الكاتب المسرحي استروفسكي من ضمنهم طبعا , لانه لم يكن (ملائما !!!) لتلك الكلمات المعلّبة الطنانة عندئذ , أما الان , فان أستروفسكي يرتبط في وعيّ و ذاكرتي  باسم الفنان المسرحي العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد , الذي قدّم للمسرح العراقي مسرحيّة ( الحب والربح ) , والتي أعدّها وصاغها بنكهة وروحيّة عراقية ذكية  عن مسرحية أستروفسكي الشهيرة ( مكان للربح) , والتي نالت لدى الجمهور العراقي نجاحا باهرا آنذاك , ويرتبط أستروفسكي بذاكرتي باسم المترجم العراقي المعروف عبد الله حبه , الذي قدّم لنا ترجمة لمسرحيات أستروفسكي , والتي كتب حول تلك الترجمة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية طالب الدراسات العليا آنذاك ميثاق محمد ( الدكتور والاستاذ المساعد الان في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد )  باقتراحي واشرافي العلمي , ويرتبط أستروفسكي ايضا باسم  مجموعة من الزملاء المصرين الاعزاء , الذين ترجموا الى العربية الكثير من مسرحيات أستروفسكي , و تم نشر أغلبها في سلسلة المسرح العالمي التي تصدر في الكويت , وهؤلاء الزملاء هم كل من – فوزي عطية وسميّة محمد عفيفي وهاشم حمادي ومكارم الغمري وعطية عبد الرحمن السيد , ومن المؤكد , انه توجد اسماء عربية أخرى لا أعرفها , قد ساهمت ايضا في تعريف القراء العرب بمسرح أستروفسكي وأهميته في تاريخ الادب الروسي .
تحية للذكرى المئوية الثانية لميلاد أستروفسكي ,الذي كان  ولا يزال لحد الان ( ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) الاسم الاول في مسيرة الادب المسرحي الروسي ...       

28
شئ عن تولستوي وكورولينكو
أ.د. ضياء نافع
كلاهما ( تولستوي و كورولينكو) ولدا وعاشا وابدعا في الامبراطورية الروسية بالقرن التاسع عشر , وكلاهما توفيا في القرن العشرين ,  فتولستوي ولد عام 1828 , وتوفي عام 1910 , اما كورولينكو ( الاصغر من تولستوي عمرا)  فقد ولد عام 1853 , وتوفي عام 1921 . كلاهما كانا علمين كبيرين من أعلام الادب الروسي بشكل خاص , والفكر الروسي عموما ,  وكلاهما لعبا دورا بارزا في مسيرة التاريخ الروسي واحداثه , لدرجة , قالوا عن تولستوي في اوساط المثقفين الروس , انه يكاد ان يكون القيصر الثاني في روسيا ( وحتى الاقوى من القيصر الاول !!) من حيث قوة شخصيته وتأثيرها في اوساط المجتمع الروسي , ولدرجة , تم طرح فكرة ترشيح كورولينكو رئيسا للدولة الروسية السوفيتية الفتية آنذاك بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917, ورغم انها كانت فكرة ترشيح ليس الا فقط , الا ان هذا الحدث بحد ذاته ليس بالقليل , فهو الكاتب الروسي الوحيد في التاريخ الروسي , الذي جرى الحديث عن ترشيحه لمثل هذا المنصب ( رغم ان غوركي - كما يقال - كان يحلم ايضا بهذا المنصب , ولكن لا توجد وثائق تثبت هذا القول ) ,  ولهذا يمتلك ترشيح كورولينكو لمثل هذا المنصب اهمية معنوية استثنائية كبيرة , ويعني ما يعنيه بلا شك , ويؤكّد المكانة الخاصة , التي كان يشغلها في المجتمع الروسي عندئذ.
يجب الاشارة قبل كل شئ , الى ان هذا الموضوع واسع جدا في مجال علم الادب المقارن , اذ ان هناك الكثير جدا من المصادر الروسية من مقالات وبحوث وحتى كتب باكملها , والتي تناولت العلاقات الفكرية المتناغمة – ان صحّ التعبير -  بين كورولينكو وتولستوي , ويكفي – على سبيل المثال فقط - الحديث عن موقفهما الفكري المشترك ضد قانون حكم الاعدام , الذي كان سائدا في الامبراطورية الروسيّة , وكيف ان تولستوي كان معجبا جدا بمقالة كتبها كورولينكو حول الغاء هذا الحكم , واقترح تولستوي ( في رسالة شخصية الى كورولينكو) ان يطبعوا من مقالته تلك (...ملايين النسخ ...!) وتوزيعها على نطاق واسع كي تصل هذه الافكار الى جميع افراد الشعب الروسي آنذاك , وهو اقتراح فريد من نوعه في تاريخ الفكر الروسي عموما , وفي تراث تولستوي بالذات خصوصا .
  لايمكن في سطور قليلة تناول موضوع المقارنة بين تولستوي وكورولينكو بكل ابعاده , لهذا , فاننا أضفنا الى عنوان مقالتنا ( شئ عن .. ) بمعنى الاشارة ليس الا الى بعض الافكار الاساسية حول الموضوع , اذ اننا سنشير فقط – وبايجاز طبعا – الى آراء كورولينكو حول تولستوي , لان كورولينكو أبقى لنا مجموعة من المقالات حول تولستوي , أما تولستوي نفسه , فلم يكتب مقالات حول الادباء الروس عموما , وكل آراء تولستوي المعروفة عن الادباء الروس ( الذين سبقوه او كانوا معاصرين له ) جاءت في مذكرات ومقالات ابنائه او اصدقائه اومعارفه , او انعكست – بشكل او بآخر - في رسائله الخاصة ودفاتر مذكراته وملاحظاته .
 كورولينكو كتب عدة  مقالات حول تولستوي , وتشغل هذه الكتابات الان حيّزا مهما في نتاجات كورولينكو, وطبعا في تاريخ الادب  الروسي بشكل عام . هذه المقالات موزعة في نتاجات كورولينكو الكاملة , الا ان احدى دور النشر السوفيتية جمعت و اصدرت تلك المقالات عام 1953 في كتيب خاص بعنوان ( مقالات حول تولستوي) , وقد تكرر نشر هذا الكتيب عدة مرات حتى في القرن الحادي والعشرين , وهذا عمل مفيد جدا للباحثين اولا , ولكل القراء الذين يتابعون تفاصيل الادب الروسي وشعابه ثانيا , واعادة النشر هذه - دليل مادي واضح حول اهمية هذه المقالات  , فالصورة القلمية التي رسمها كورولينكو لتولستوي في مقالاته تلك تستحق التأمّل فعلا , اذ انها تحدد بعض الخصائص الفكرية لمؤلف ( الحرب والسلم ) من وجهة نظر كاتب روسي كبير مثل كورولينكو. 
  هذه المقالات عموما لم تتناول اعمال تولستوي الادبية , ولكنها توقفت – وبتركيز – عند الافكار وتطوّرها عند تولستوي , فقد أطلق كورولينكو – مثلا - في احدى تلك المقالات تسمية لاهوتية على تولستوي , وهي ( الحاج العظيم !) اي الحاج للاماكن المسيحية المقدسة في فلسطين , علما ان تولستوي لم يقم باي زيارة لتلك الاماكن , ولكن كورولينكو أراد بهذه التسمية ان يقول , ان تولستوي ( الذي كان مغضوبا عليه من قبل الكنيسة الروسية كما هو معروف ) هو الاقرب الى جوهر المسيحية فكريا لانه (يغرف !) افكارها من مصادرها الاساسية دون وساطة رجال الدين , وفي مقالة اخرى أشار كورولينكو الى انه التقى تولستوي  ثلاث  مرات , اللقاء الاول كان عام 1886 , والثاني عام 1902 , والثالث قبل وفاة تولستوي بثلاثة أشهر , وفي كل لقاء , كان يجد افكار تولستوي تتجدد وتتفاعل مع تجدد الحياة نفسها , وباختصار , فقد رسم كورولينكو لوحة (للمفكّر !) تولستوي .
موضوعة تولستوي وكورولينكو تصلح ان تكون اطروحة ماجستير في اقسام اللغة الروسية وآدابها في جامعات عالمنا العربي , اذ ان تلك الموضوعة جديدة ومبتكرة وترتبط بشكل او بآخر مع المشاكل المطروحة في مجتمعاتنا العربية , اضافة الى ان ترجمة كتيب كورولينكو ( مقالات حول تولستوي ) تصلح ان تكون مشروعا لدبلوم الترجمة الى العربية في تلك الاقسام العلمية ( وليس فقط لمشاريع الدبلوم ) , اذ ان هذا الكتاب – في حالة انجازه - سيكون اضافة نوعية الى المكتبة العربية ....   

29
حول مقالة رشيقة عن تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
ما أجمل هذه المقالة الرشيقة عن تشيخوف , التي اطلعت عليها في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية الروسية في عددها الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني / يناير من هذا العام (2023) , والتي كانت بعنوان غريب جدا جلب انتباهي رأسا , والعنوان هذا هو – (شيلر شكسبيروفيتش غوته) . من الواضح طبعا , ان هذا العنوان يتكوّن من ثلاثة اسماء عملاقة في دنيا الادب العالمي , ومن الواضح ايضا , ان تركيب العنوان جاء حسب القواعد الصارمة لتسلسل الاسم الروسي الثلاثي , التي يعرفها الجميع , بما فيهم القراء العرب , اذ تحوّل اسم شكسبير الى شكسبيروفيتش باعتباره اسم الاب, وقد تبين , ان تشيخوف نفسه قد استخدم هذا الاسم المستعار في بداية طريقه الابداعي ( وبالمناسبة , فان لدى تشيخوف حوالي 50 اسما مستعارا في تلك الفترة !) عندما كان ينشر قصصه الضاحكة في شبابه ايام الدراسة في كلية الطب بجامعة موسكو . المقالة بقلم كاتبة شابة روسيّة اسمها يلينا سازانوفج , وصورتها منشورة مع المقالة , وهي ( اي الكاتبة ) جميلة , وترتدي في الصورة قبعة رجالية دلعا والتي زادتها جمالا, ومن الواضح جدا , انها تعرف تفاصيل حياة الانسان تشيخوف بعمق , وتعرف دقائق الكاتب تشيخوف وابداعه بعمق ايضا , وتفهم اهميته وموقعه الحقيقي والجدير به في دنيا الادب الروسي والادب العالمي معا .
كتبت يلينا سازانوفيج هذه المقالة بمناسبة يوم ميلاد تشيخوف ( ولد في 29 كانون الثاني / يناير عام 1860 ) , والمقالة مكتوبة باسلوب  جميل ورشيق ومدهش , وتكاد بعض مقاطعها ان تكون قصائد نثر , وتتضمن المقالة وقائع طريفة جدا جدا عن تشيخوف , فالكاتبة تشير مثلا , الى ان تشيخوف مع تولستوي ودستويفسكي اصبحوا الان ( الترويكا),التي تجسّد الادب الروسي وتمثّله امام العالم , فمسرحية ( النورس ) لتشيخوف قد تمّ عرضها( 74 ) الف مرّة , اكرر, (74) الف مرّة, على مسارح مختلف البلدان , وتمّ انتاج اكثر من 300 فلما سينمائيا مقتبسا من ابداعات تشيخوف في روسيا وخارجها , وفي هذا المجال ( اي الفن السينمائي) يقف تشيخوف الان جنبا لجنب مع شكسبير وديكنز, وتؤكد الكاتبة , ان كل هذه الوقائع لم تغيّر من تواضع تشيخوف في مسيرة حياته , ولكنها تستدرك قائلة , ان هذا التواضع لم يمنع تشيخوف من استخدام اسم مستعار له مثل ( شيلر شكسبيروفيتش غوته ) , وتضيف – ( ...وهذا هو تشيخوف...) , وهي اضافة ذكيّة والتفاتة حاذقة جدا , ونود ان نتوقف عندها قليلا ونعلّق حول مضمونها. لقد أشار معظم الباحثين الى ان تشيخوف كان (..يتجنّب المجد والشهرة ..) حسب تعبير ايليا ايرنبورغ , ولكن توجد عند تشيخوف – مع ذلك - جملة في مراسلاته تقول , ان الكاتب يتابع كل كلمة يقولوها الآخرون او يكتبونها حول نتاجاته , والاسم المستعار هذا  , الذي استخدمه تشيخوف , يعني ما يعنيه , فاذا وضعنا هذا الاسم المستعار تحت ( مجهر!!!) مفهوم تشيخوف حول متابعة كل جملة تقال حول الكاتب ,فان نتيجة التحليل ستقول لنا , ان تشيخوف – وهو في بداية طريقه الابداعي - كان يريد ( او يحلم) ان يكون بمستوى  شيلر وشكسبير وغوته معا , ورغم انه (.. تجنب المجد ..) , الا ان عمله الابداعي الذي لم يتوقف طوال حياته ( عاش تشيخوف 44 سنة ليس الا) , عمله الابداعي الهادئ والدائم والمتواضع جعله ( يدخل التاريخ!!! ) , وان يقف – في نهاية المطاف - جنبا لجنب مع تولستوي ودستويفسكي وشكسبير وووو..الخ , وهذا ما أشارت اليه فعلا يلينا سازانوفيج في مقالتها تلك .
تصفيق لكاتبة هذه المقالة الرشيقة والعميقة , وتصفيق لبطل هذه المقالة انطون بافلوفيتش تشيخوف , الذي لازال معاصرا لنا و يعيش بيننا , في وطنه روسيا , وفي بلدان العالم ايضا , بما فيها عالمنا العربي طبعا ...

30
هديتي لعام 2023 - كتاب صادرعام 1963
أ.د. ضياء نافع
ما أجمل هديّة زملائي الروس في الدراسة بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو بمناسبة حلول العام الجديد 2023 , اذ قدّموا لي كتابا صادرا عام 1963 , وقالوا لي , انهم اختاروا هذا التاريخ بالذات , باعتباره رمزا  لتلك السنوات الطلابية الجميلة التي قضيناها معا قبل اكثر من 60 عاما بالتمام والكمال , عندما كنّا ندرس اللغة الروسية وآدآبها في كليّتنا الحبيبة . لقد تقبّلت طبعا هذه الهدية الرمزية الرائعة بحب كبير وامتنان , واريد ان اتحدث لكم قليلا عن هذه الهدية الثمينة جدا وقيمتها الجمالية بالنسبة لي , وأظنّ ( رغم ان بعض الظنّ اثم) , ان الهدية ذات الطبيعة الثقافية المرتبطة بالادب الروسي يمكن ان تكون – بعض الاحيان - موضوعا طريفا للقارئ العربي , الذي يتابع هذا الادب  وشعابه و تفرعاته العديدة . 
عنوان هذا الكتاب – الهديّة هو ( المعاصرون ) ,  وتحت ذلك العنوان يوجد عنوان ثانوي هو ( بورتريتات و دراسات ) , والكتاب صادر عام 1963 ضمن سلسلة كتب ( حياة الاعلام , او , حياة المشاهير , او , حياة الناس الرائعين حسب الترجمة الحرفية) , ويقع الكتاب في( 700) صفحة من القطع المتوسط , وقد تمّ طبع( 100 ) الف نسخة منه في حينها ( كما تشير الى ذلك الصفحة الاخيرة ) , ومؤلف الكتاب هو الاديب الروسي و السوفيتي والناقد الادبي والمترجم والصحافي كورني ايفانوفيتش تشوكوفسكى ( ولد في القرن التاسع عشر عام 1882 بمدينة بطرسبورغ في روسيا الامبراطورية  وتوفي في القرن العشرين عام  1969 بمدينة موسكو في الاتحاد السوفيتي ) , والمؤلف معروف بشكل جزئي للقراء العرب من خلال بعض كتبه المترجمة الى العربية في ادب الاطفال ( وهو طبعا أحد عمالقة هذا الادب في الاتحاد السوفيتي , وفي روسيا الاتحادية و لحد اليوم ) , وعلى غلافي الكتاب ( اي الغلاف الاول والاخير) عدة صور لمجموعة من الادباء والفنانين الروس المعاصرين للمؤلف , والذين يرسم تشوكوفسكي صورا  قلمية لهم ( بورتريتات) ويكتب دراسات طريفة وعميقة وتفصيلية عنهم كما يشير العنوان الثانوي , وهم ( حسب فهرس الكتاب )  كل من-
  تشيخوف // كورولينكو // كوني // غارين // بوريس جيتكوف //  كوبرين // ليونيد أندرييف // غوركي // سوبينوف // ساشا تشورني // لوناتشارسكي // ألكساندر بلوك //  ماياكوفسكي // يوري تينيانوف // كفيتكو // ماكارينكو // ايليا ريبين .
 أكثرية هذه الاسماء معروفة – بشكل او بآخر وبمستويات مختلفة -  للقارئ العربي المتابع للادب الروسي , وكل تلك الاسماء طبعا معروفة – وبكافة أبعادها الفكرية – للقارئ الروسي , ولكن كورني تشوكوفسكي رسم صورهم القلمية بشكلل جديد ومبتكر , ولهذا , فقد جاءت هذه (البوريتريتات ) تنبض حيوية , اذ انه تناولها من جوانب اخرى , ورسمها ( على غرار الرسّامين في الفن التشكيلي) وهم تحت شعاع شمسه الخاصة به , اي , وجهة نظره الذاتية وآرآئه النقدية ومعرفته المعمقة عنهم , ولا يمكن طبعا التوقف عند كل اسم من هذه الاسماء اللامعة والتحدث عن خصائص الصورة الجميلة التي رسمها تشوكوفسكي له , الا اننا نود هنا ان نشير الى ملامح وجيزة عن تشيخوف وغوركي ليس الا , اذ ربما يمكن لتلك الملامح الخاطفة والملاحظات الدقيقة والصغيرة عنهما ان تقدّم للقارئ صورة تقربية لهذه البوريتريتات الفنية المدهشة , التي رسمها تشوكوفسكي لمجموعة كبيرة من هؤلاء الاعلام الذين عاصرهم في حياته الطويلة ( اذ انه عاش حوالي 90 سنة تقريبا) .
نبتدأ بتشيخوف , الذي كتب المؤلف عنه  اربعة فصول باكملها ( من ص 5 الى صفحة 122 ) , فقد ربط , مثلا , وقائع طريفة ومحددة من سيرة حياة تشيخوف ببعض نتاجاته الادبية , واستشهد بمقاطع من رسائل تشيخوف نفسه لاثبات تلك الوقائع , وتحدّث بعمق عن تواضع تشيخوف , وأشار الى رسالته , التي ذكر فيها , ان الرقم واحد بين مشاهير الادب والفن الروسي يرتبط بتولستوي , والرقم الثاني بالوسيقار تشايكوفسكي , اما هو ( اي تشيخوف ) فقد حدد لنفسه الرقم( 887) في سلسلة هؤلاء المشاهير.
ونتوقف قليلا عند غوركي , الذي كتب تشوكوفسكي عن ذكرياته الشخصية حوله , اذ تحدّث كيف كان غوركي يلقي كلمة عن تولستوي , وعندما وصل الى جملة (... ومات تولستوي... ) , لم يستطع غوركي لفظ هذه الجملة , فتوقف وترك المنصة , فذهب اليه تشوكوفسكي ووجده يقف عند النافذة وهو يبكي , ويسرد مؤلف الكتاب كيف عمل مع غوركي في عشرينيات القرن العشرين بمشروع ترجمة مختارات من مكتبة الادب العالمي , وهو مقترح غوركي , الذي تبنته الحكومة السوفيتية آنذاك , كي يطلع القارئ الروسي على افضل مصادر الادب العالمي , وكان غوركي يرأس اجتماعات لجنة انتقاء الكتب ومترجميها اسبوعيا , وكان تشوكوفسكي احد اعضاء تلك اللجنة ( عن المكتبة الانكليزية والامريكية ) , وكان من جملة اعضاء اللجنة الاكاديمي المستشرق الكبير كراتشكوفسكي (عن المكتبة العربية ) , والشاعر والمترجم غوميليوف ( عن المكتبة الفرنسية ) , وغيرهم , علما ان هذا المقترح الرائع لغوركي لا زال قائما لحد الان , وتنفّذه اكاديمية العلوم الروسية .....
شكرا لزملائي الروس على هديتهم الثمينة , والتي يجب ان ارجع لها حتما , اذ ان الافكار الموجودة على صفحاتها حول الادب الروسي تتماوج فكرة بعد فكرة مثل امواج البحار.....     

31
عن مسرحية غوركي – ( الحضيض)
أ.د. ضياء نافع
تمّ العرض الاول لمسرحية مكسيم غوركي ( الحضيض) في مسرح موسكو الفني وباخراج ستانسلافسكي بتاريخ 18 كانون الاول / ديسمبر من عام 1902 , وفي الذكرى السنوية ( 120) على هذا الحدث الثقافي (الروسي اولا , والذي تحوّل بعدئذ الى نقطة انطلاق عالمية) , نشرت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية مقالة شغلت الصفحة الثالثة باكملها في عددها الصادر بتاريخ 21 - 27   ديسمبر   2022 ,  وهي مقالة مثيرة حول هذه المسرحية وجاءت بعنوان غريب , وهو – هل الحقيقة ضرورية في القعر ؟ , وتعبير ( في القعر) هو عنوان هذه المسرحية بالروسية حسب الترجمة الحرفية كما جاءت عند غوركي (  العنوان الذي استقر بالروسية بفضل الكاتب الروسي أندرييف , صديق غوركي , بعد عدة عناوين اقترحها غوركي نفسه) , ولكن المترجم العربي لم يلتزم بالترجمة الحرفية ( وحسنا فعل !) , واعطى عنوان ( الحضيض ) لتلك المسرحية , والتي صدرت بترجمتين عربيتين بمصر في حينها وبنفس العنوان , وتهدف مقالتنا الى تعرّيف القارئ العربي ( الذي يعرف منذ فترة طويلة هذا العمل المسرحي الرائد ) بالافكار الجديدة التي طرحها كاتب المقال في (ليتيراتورنايا غازيتا) حول مسرحية غوركي الشهيرة بعد مرور 120 عاما على عرضها الاول في مسرح موسكو الفني , وهذا المقال يعدّ بحدّ ذاته ظاهرة طريفة و غير اعتيادية وتستحق التأمّل العميق , اذ نجد هناك عدة آراء متنافرة بعض الشئ ( ان صحّ التعبير) , رغم ان الكاتب يحاول ان يجيب عن سؤال مهم , والسؤال تحديدا هو - لماذا يعود النقد الادبي الروسي المعاصر الى مسرحية غوركي هذه من جديد ؟ , ولكن المقال هذا في الوقت نفسه يتحدث عن غوركي بشكل غير مباشر , في انه كان ( ضد الحقيقة !) في مسرحيته تلك , وانه لم يكن يعتقد بضرورتها  لهؤلاء , الذين ( في القعر) , وقد انعكس رأي الكاتب حتى على العنوان الاساسي للمقال , ولهذا السبب , فاننا نعرض هذا المقال للقارئ العربي ونحاول التوقف عند جوانبه المختلفة حول غوركي ومسرحيته ( الحضيض) والتعليق حولها في اطار معلوماتنا المتواضعة , اذ ان المقال منشور في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , وهي صحيفة تمتلك اهميتها وقيمتها في عالم الصحافة الروسية المعاصرة , ومن المهم للقارئ العربي متابعتها والاطلاع على آرائها وتوجهاتها .
مقال الكاتب بلاتون بيسيدين يبدأ بالاشارة الى الشهرة العالمية لمسرحية غوركي ( الحضيض) , ويعطي الكاتب نموذجا لهذه العالمية قائلا - ( انها المسرحية التي تم عرضها وبنجاح كبير في برلين , مثلا , مئات المرات !) , ويؤكد الكاتب ان هذه المسرحية لازالت ولحد الان واسعة الانتشار عالميا لدرجة ( وهنا يصل الكاتب الى استنتاج غريب !) ويقول , ان هذه المسرحية اصبحت (اكثر شهرة من غوركي نفسه !!!) , ويوضّح هذه الفكرة قائلا , ان شهرة غوركي بدأت بالانحسار عالميا مقارنة مع تلك المسرحية , خصوصا في روسيا المعاصرة , بينما هذه المسرحية لازالت تعرض وبنجاح على مسارح اجنبية عديدة , وفي اوروبا بالذات , ولا يأخذ الكاتب بالاعتبار الموقف تجاه غوركي في بقية الدول , ومنها عالمنا العربي . يرى الكاتب , ان السبب الرئيسي لشهرة هذه المسرحية يكمن في انها عمل فكري بحت قبل كل شئ , عمل يعكس صراع الافكار في اعماق غوركي نفسه , و لا تعتمد على احداث معينة , ويؤكد , ان حلاصة هذه المسرحية الفكرية يمكن اختصاره , في ان هؤلاء الناس اما ( قتلوا ) الرب في اعماقهم , او ( اضاعوه ) , وهم الان يبحثون عبثا عن البديل , ولهذا , فان الافكار التي يطرحها ابطال المسرحية لازالت تتفاعل مع روح عصرنا الحاضر بشكل مثير , اذ ما أكثر هؤلاء النماذج في كل العصور وفي المجتمعات الانسانية كافة . يتوقف كاتب المقال , مثلا , عند النقاش بين بطلين من ابطال هذه المسرحية هما ( لوكا) و(ساتين) , ويرى الكاتب , ان هذا الحوار في الواقع هو نقاش حاد يجري بين الفيلسوف الالماني نيتشه و الفيلسوف الروسي سولوفيوف , او بتعبير أدق , كما يضيف كاتب المقال , بين غوركي نفسه وتولستوي , ويشير الى كلمات تولستوي الشهيرة حول غوركي , والتي قال فيها , ان ( ...ربّ غوركي مشوّه....) , وهي كلمات تعبّر بشكل دقيق عن الموقف الديني لتولستوي , الذي كان يدعو الى ان العلاقة بين الانسان والرب ّ يجب ان تكون مباشرة ودون اي وسيط بتاتا , وكان يقصد الكنيسة طبعا . الا ان أغرب هذه الآراء التي جاءت في المقال تنعكس في ان الكاتب يرى , ان غوركي كان يعتقد , ان هؤلاء الناس الذين يقفون في الحضيض لا يحتاجون للحقيقة , وان الحقيقة غير ضرورية لهم , وقد انعكست هذه الفكرة في عنوان المقال كما أشرنا في بداية مقالتنا , ويحاول الكاتب تعزيز رأيه هذا بالاستشهاد بجملة قالها غوركي عام 1929 , الا اننا نرى , ان المسيرة العامة لغوركي لا تتوافق مع هذا الرأي , وليس عبثا , ان غوركي يشغل مكانته الخاصة به في تاريخ الادب الروسي بشكل خاص, وفي تاريخ الادب العالمي بشكل عام , وان هذه المكانة يعترف بها هؤلاء الذين يقفون ضده , قبل هؤلاء الذين يقفون معه , ويكفي ان نتذكر كلمات الشاعرة تسفيتايفا ( وهي كانت في هجرتها هربا من ثورة اكتوبر 1917 ) معلقة على منح جائزة نوبل لبونين ( وهوكان مهاجرا ايضا ) , اذ قالت , ان غوركي هو الذي يستحقها.       

32
عن صحيفة (كولتورا) الروسية
أ.د. ضياء نافع
 عندما اشتريت من الكشك صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا) اليوم صباحا ( ونحن في ديسمبر / كانون اول من عام 2022) , قالت لي البائعة هناك وهي تبتسم برقّة واضحة – انك قارئ دائم لصحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , فلماذا لا تأخذ ايضا صحيفة ( كولتورا) ( الثقافة ) , فهي قريبة من اهتماماتك ؟ لم استطع ان اقول لها , انني لا اعرف هذه الصحيفة بتاتا, بل وافقت رأسا على شراء صحيفة ( كولتورا ) كما اقترحت عليّ تلك البائعة وانا ابتسم ايضا لها , اذ انها في نفس مرحلة عمري تقريبا , اي اننا معا ( زملاء !)  في فترة  ( ما بعد التقاعد !) , وهكذا عدت الى البيت , وبدأت بتصفّح هذه الصحيفة ( الجديدة بالنسبة لي بشكل مطلق !) , وفوجئت رأسا بجملة مذكورة تحت التسمية تقول , ان هذه الصحيفة تصدر منذ عام 1929 , اي انها موجودة على مدار (93 ) عاما بالتمام والكمال , وتعجبت جدا , لاني لم الاحظها طوال هذه الفترة الطويلة من متابعاتي للادب الروسي في روسيا وخارجها , ولهذا تركت الصحيفة رأسا وعدت الى المصادر الروسية عنها , كي أعرف وادقق هذه الجملة المثيرة جدا تحت تسمية الصحيفة , و( اكتشفت !) , انها صدرت فعلا عام 1929 , ولكن بعنوان – ( العامل والفن ), والتسمية هذه تعكس بشكل واضح المعالم روح السنوات الاولى للدولة السوفيتية , واستمرّت بهذه التسمية حتى عام 1931 , حيث اصبح عنوانها - ( الفن السوفيتي ) , وفي عام 1942 ( سنوات الحرب العالمية الثانية ) توحّدت مع صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) وأخذت تصدر بعنوان ( الادب والفن ) الى عام 1953 , حيث بدأت تصدر تحت تسمية  ( الثقافة السوفيتية ) , ومنذ عام 1991 ( اي عندما تفككت الدولة السوفيتية ) اصبحت تصدر بعنوان ( الثقافة ) ,ثم توقفت عام 2011 لصعوبات مالية , ثم عاودت الصدور بعدئذ , ولكنها اصبحت شهرية منذ عام 2020 ولحد الان . لقد تذكرت وانا استعرض التسميات العديدة لهذه الصحيفة جريدتنا العراقية ( الاهالي ) و ( صوت الاهالي ) و ( صدى الاهالي ) لرائد الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي , وتذكرت ايضا صلاح خالص ومجلته ( الثقافة ) , التي أصدرها على غرار ( الثقافة الجديدة ) , المجلة الرائدة العتيدة للحزب الشيوعي العراقي , ولكن , ويجب الاشارة الى ذلك حتما , فان هيئة تحرير الصحيفة الروسية ( كولتورا ) أصدرت عام 2017 ارشيفا الكترونيا كاملا لها منذ عام 1929 , وتحت كل التسميات التي مرّت بها , وهذا عمل رائع وكبير حقا , يساهم بتدوين تاريخ هذه الصحيفة اولا , وتاريخ الفن السوفيتي والروسي طوال هذه الفترة الطويلة والمهمة فعلا في تاريخ الفكر الروسي , وكم نحن بحاجة لمثل هذه الخطوة المهمة في تاريخنا بالنسبة لصحفنا ومجلاتنا , اذ ان الاجيال العراقية التي جاءت في نصف القرن العشرين ولحد الان لا تعرف شيئا عن مسيرة تلك الصحف والمجلات العراقية الرائدة , ولا يتذكّر العراقيون في الوقت الحاضر الدور السياسي الكبير والرائع للجادرجي , الذي كان يؤديّه في تلك السنوات , ولا يتذكرون صلاح خالص , الذي كان يمكن ان يكون عندئذ النجم الساطع في دنيا النقد الادبي العراقي في خمسينيات القرن العشرين لولا عالم السياسة , الذي انغمر في امواجه المتلاطمة.
بعد ان اطلعت على التاريخ الحافل لهذه الصحيفة الروسية , عدت اليها وبدأت بتصّفحها . انها بحجم متوسط , وعدد صفحاتها 32 صفحة , وصفحاتها مليئة بالصور الملونة الجميلة , اما مواضيعها , فهي متنوعة ومثيرة جدا للقارئ , فعلى الصفحة الخامسة باكملها تقرير تفصيلي عن خطاب وزيرة الثقافة الروسية في مجلس الدوما حول الوضع الثقافي في روسيا الاتحادية , وهناك ارقام دقيقة , منها مثلا , ان 1140 مدرسة روسيّة خاصة بالفنون قد استلمت حاجياتها من الآلات الموسيقية لطلبتها . وفي الصفحتين السادسة والسابعة حوار مهم جدا حول المتاحف الروسية المعاصرة لا يمكن اختصاره ابدا , وعلى الصفحة الثامنة حديث ممتع جدا عن الباليه في روسيا , هذا الفن الساحر , الذي امتازت به روسيا وتألّقت, وكيف تتهيأ روسيا الان للاحتفال بالذكرى 250 عاما على تأسيس فن الباليه لديها , وهناك حديث ممتع آخر عن السيرك الروسي المدهش في الصفحة التاسعة , وتوقفت طويلا عند الصفحة 24 , حيث كان الحديث عن متحف الانطباعية الروسية , وهو موضوع حيوي وطريف وجديد بالنسبة لي , وهناك عدة صفحات تتناول الادب الروسي الحديث ورجالاته , وباختصار , فان صحيفة ( كولتورا ) تتطلب منّي ان ادرسها بامعان ودقّة , وان اسجل في دفاترتي ملاحظات عديدة وجديدة بالنسبة لي حول جوانب تخص الحياة الثقافية في روسيا المعاصرة , ولهذا كله , قررت ان اقدّم في الاسبوع القادم شكري وامتناني لتلك البائعة , التي اقترحت عليّ شراء صحيفة ( كولتورا ) , وقررت ايضا , ان اطلب منها – لاحقا - حجز نسخة لي من تلك الصحيفة الشهرية الغنية جدا بموادها الثقافية المتنوعة .

33
(دبّ) تشيخوف في مصر يتحوّل الى ( الجلف)
أ.د. ضياء نافع
اطلعت في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بعددها الصادر بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الاول 2022 على عرض لكتاب عنوانه ( نزهة في أرض المسرح ), الذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب, وهو من تأليف الشاعر والناقد المسرحي المصري يسري حسان , ويتناول المؤلف روائع مسرحية عالمية تم عرضها على خشبة المسارح المصرية ( برؤية مصرية بحتة !) , ويتحدّث العرض بشكل وجيز عن كل مسرحية من تلك المسرحيات العالمية الشهيرة , ومنها مسرحية ( الدبّ) للكاتب المسرحي الروسي انطون تشيخوف , والذي جاء اسمه بشكل صحيح وباللفظ الروسي في متن ذلك العرض الوجيز , الا ان اسمه في العنوان كان (تشيكوف) بدلا من (تشيخوف) , ولكن ليس عن ذلك (التباين باللفظين الانكليزي والروسي للكاتب الروسي !!!) نود الكلام هنا ( رغم ان هذا التباين بين ما جاء في متن العرض وعنوان العرض , غالبا ما يتكرر بالصحف والمطبوعات العربية في بلداننا - وهي ظاهرة معيبة جدا في وسائل الاعلام العربية المختلفة في عالمنا العربي ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ) , وانما نريد ان نتكلم قليلا هنا عن هذا (التحوير!) الغريب وغير الملائم بتاتا من وجهة نظرنا لعنوان مسرحية شهيرة جدا لتشيخوف ومعروفة للمشاهدين العرب في عالمنا العربي ومترجمة الى العربية منذ زمن طويل , اذ تحوّل هذا العنوان على خشبة مسرح الاسكندرية في مصر من ( الدبّ) عند تشيخوف الى ( الجلف) بكسر الجيم , وكما أشرنا في عنوان مقالتنا هذه .
حاولت – وباخلاص - ان اطلع على كتاب ( نزهة في أرض المسرح ) بشكل تفصيلي , قبل التعليق عليه , اذ قلت بيني وبين نفسي , ربما أجد على صفحاته تبريرا منطقيا ومقنعا لهذا التحوير ( الجذري !!!) في عنوان مسرحية معروفة في عالمنا العربي , ولكني لم استطع – مع الاسف – العثور على نسخة من الكتاب المذكور , ولهذا , فانني مضطر ان استند الى ما جاء في ذلك العرض الوجيز في صحيفة الشرق الاوسط حول مسألة تحوير عنوان مسرحية تشيخوف هذه .
 يشير العرض المشار اليه , الى ان عنوان ( الجلف ) للمسرحية بدلا من ( الدبّ) كما في الاصل عند  الكاتب الروسي يعتبر (... أفضل واوقع واكثر اتساقا مع بيئتنا ...) , وقد طرح هذا التبرير امامي رأسا السؤال الآتي - وهل مضمون المسرحية بشكل عام يتناسق فعلا مع واقعنا و بيئتنا وطبيعة حياتنا ؟  اي بتعبير أدق , هل يمكن ان يحدث ( في بيئتنا ) ان يأتي رجل غريب الى بيت ارملة توفي زوجها قبل فترة قصيرة ( كما حدث في تلك المسرحية ) , ويطلب مقابلتها , وتستقبله هذه الارملة في بيتها , وتتناقش معه حول ديون زوجها المرحوم , وتصل تلك النقاشات الحادة جدا الى درجة متأزمة , بحيث تدعو تلك الارملة الحزينة هذا الرجل الغريب الى مبارزة بالمسدسات لحسم هذه الخلافات الهائلة ؟ ثم ينتهي هذا الخصام والتوتر الشديد بينهما بعد (التي واللتيا!!!) الى غرام وعناق وقبل ؟ واظن , ان الاجابة عن هذا السؤال واضحة لكل عربي , ولا تحتاج الى اي تعليق او توضيح ,  فالمضمون العام لهذه المسرحية لا يتناسق بتاتا وكليّا مع واقعنا لا من قريب ولا من بعيد , ولا يمكن له ان يحدث في مسيرة حياتنا واخلاقيتها وواقعها الواضح المعالم , حتى دون ان نذكر تفاصيل اخرى في مضمون هذه المسرحية الروسية , فهل هذا يعني , اننا يجب ان ( نحوّر!!! ) مضمون المسرحية بحيث يتطابق مع ( البيئة العربية وتقاليدها وعاداتها !!!) كي نعرضها على خشبة مسارحنا ؟ واذا كان مبدأ التعامل مع الادب العالمي يقتضي بضرورة ان يتناسق هذا الادب الواسع جدا ( مع بيئتنا وطبيعة حياتنا وتقاليدنا ) , فان هذا يعني في نهاية المطاف , اننا لن نقدر حتى الاطلاع على الاوليات الاساسية لهذا الادب ولا على روائعه , التي ما زالت تتعايش معنا , ولا زلنا نرتوي من جداولها الرقراقة . ان التعامل الحيوي والموضوعي مع الادب العالمي يتطلب معرفة عميقة ودقيقة وشاملة  لخصائصه .
ختاما , ماذا سيقول انطون تشيخوف نفسه اذا عرف , ان الدبّ الروسي قد تحوّل الى جلف , والدبّ هو رمز للسلوك الطبيعي عند الروس ؟ وماذا سيقول تولستوي , الذي كان لا يعترف بمسرح تشيخوف , ولكنه – مع ذلك – حضر عرضا لمسرحية ( الدبّ) وكان يقهقه وهو يتابع احداثها ( ذات الروح والسمات التشيخوفية !) البسيطة والعميقة والرمزية ؟ واخيرا , ماذا سيقول طلبة قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , عندما يعلمون , ان هذا البطل قد تحوّل الى ( جلف ) , اذ انهم كانوا يتقافزون ويمرحون , وهم يؤدون ادوارهم على مسارحهم الطلابية البسيطة وهم يقهقون – بنقاء - تعاطفا مع ابطال مسرحية الدب التشيخوفي ؟   
   

34
تكريم باحثة عراقية وابنتها في جامعة بطرسبورغ
أ.د. ضياء نافع
هذا حدث ثقافي فريد فعلا من نوعه وطريف ومدهش ايضا , ومفرح طبعا بالنسبة لي لأنه يرتبط بعراقنا الحبيب ( وما أندر ذلك في عصرنا المكفهر و المتجهم و المتشابك) , اذ اطلعت الان على خبر يقول , ان الكليّة الشرقية ( حسب الترجمة الحرفية وكليّة الاستشراق في بعض المصادر, وكلاهما صحيح) بجامعة بطرسبورغ العريقة والعتيدة في روسيا قد قامت بتكريم التدريّسية ( الاستاذة المساعدة) في تلك الكليّة الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها , التدريّسية (الاستاذة المساعدة) هناك ايضا الدكتورة آماليا موكروشينا , وذلك لنشرهما المشترك عام 2019 كتابا باللغة الروسية صدر ضمن منشورات تلك الجامعة نفسها عنوانه - ( وصف المخطوطات العربية) , وهو كتاب مهم جدا يحاول تعريف الطلبة الروس في جامعة بطرسبورغ بتاريخ هذه المخطوطات النادرة ومصطلحاتها ومواضيعها المتنوعة وكيفية الاطلاع عليها والتعامل معها .
ان المخطوطات العربية في مدينة بطرسبورغ تعد ثروة لا تقدر بثمن , وأذكر عندما زرنا جامعة بطرسبورغ بايفاد رسمي من جامعة بغداد قبل سنوات قد اطلعنا عندها على تلك المخطوطات , ولازلت مندهشا لحد الآن من الاجواء المحيطة بتلك المخطوطات من اجل الحفاظ عليها , اذ انها كانت معروضة في قاعات احد قصور القياصرة الفخمة , و محفوظة في خزانات زجاجية معدّة لهذا الغرض , ويغطّونها بغطاء سميك خاص وداكن اللون من القماش يحميها من ضياء الشمس او المصابيح الكهربائية , وعندما كنّا نقترب من تلك الخزانات الزجاجية كانوا يرفعون الاغطية عنها ليعرضوها لنا , ثم يعيدون الغطاء رأسا , ولم يكن ممكنا ابدا لمسها باليد , بل كنّا نتأمّلها وهي في تلك الخزانات الزجاجية الخاصة , وكانت المخطوطات بحالة رائعة وكأنّها مخطوطة الان بالوانها الزاهية . تذكرت كل هذه الاجواء وانا اقرأ خبر التكريم للعراقية الاستاذة المساعدة في جامعة بطرسبورغ الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها ( العراقية حسب الام و الروسية حسب الاب) الاستاذة المساعدة في نفس تلك الجامعة الدكتورة آماليا موكروشينا , وربطت هذا الحدث الثقافي الفريد بعراقنا طبعا , ولكن ربّ من يقول , ان يافعة وابنتها هما في الوقت الحاضر جزء لا يتجزأ من حركة الاستشراق الروسية البحتة , اذ ان يافعة التحقت للدراسة بجامعة بطرسبورغ في اوائل السبعينيات من القرن الماضي , اي انها في ربوع هذه الجامعة العريقة حوالي نصف قرن تقريبا , وهي رحلة ابتدأت من الدراسة للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ثم الانتقال الى صفوف العمل في التدريس في نفس تلك الجامعة , وصولا الى درجة استاذة مساعدة , وبالتالي , فانها ابنة جامعة بطرسبورغ بكل معنى الكلمة , ولكننا نقول لهؤلاء , ان يافعة كانت وستبقى عراقية قلبا وقالبا ( ومن سابع ظهر!!!) , وان كل هذه المسيرة العلمية الرائعة والمدهشة قد أكّدت عراقيتها , وليس عبثا , ان كتبها المنهجية العديدة التي نشرتها في روسيا حول تدريس اللغة العربية للروس قد تحولت الى مصادر دائمية في هذا المجال العلمي (المهم جدا لنا نحن العرب) , وان  بحوثها العلمية الكثيرة ترتبط باللهجة العراقية قبل كل شئ , وان هذه البحوث اصبحت في الوقت الحاضر مرجعا متميّزا ويعترف به الجميع في حركة الاستشراق الروسية بشكل عام , وليس هذا بالشئ اليسير وسط الاجواء العلمية المتطورة في روسيا , ولعل ابرز عمل قدمته د. يافعة يوسف جميل هو تربيتها لابنتها آماليا , والتي اصبحت - بفضل هذه الاهتمام الكبير من قبل والدتها- تدريسيّة في نفس جامعتها , والفرق الوحيد الان بينهما , ان يافعة – استاذة مساعدة في قسم الفيلولوجيا العربية بالكليّة , وابنتها آماليا – استاذة مساعدة في قسم نظرية التطور الاجتماعي لبلدان آسيا وافريقيا في نفس الكليّة ايضا , وهذه ظاهرة فريدة جدا , ويمكن للوالدة وابنتها ان يفخرا بذلك الواقع , ويمكن لنا ايضا ان نفخر بهذه الظاهرة النادرة حقا .
ختاما لهذه السطور , اريد ان اعلق على صورة رأيتها حول هذا التكريم , الذي قام به المجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ ( وهو أعلى مؤسسة علمية في تلك الجامعة ) , اذ وجدت في تلك الصورة الام وهي تقف على يسار مندوبة المجلس العلمي للجامعة المذكورة وابنتها على اليمين , وهما يمسكان الشهادة الفخرية لهذا التكريم الفخري , والذي لا يقدر بثمن بالنسبة لهما , وبالنسبة لنا جميعا , في هذا الزمن الصعب , فشكرا يافعة وشكرا آماليا وشكرا للمجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ , الذي قام بتكريم عملهما العلمي الرائد....

36
  شئ عن (القصائد الشرقية) لبوشكين

أ.د. ضياء نافع
  اكتب هذه السطور لأني اتابع  الترجمات العربية لقصائد بوشكين , واحلم ان أرى يوما بالعربية ( الديوان الكامل او مختارات شبه متكاملة في الاقل ) لقصائد هذا الشاعر , والذي حاز على تسمية فريدة بين شعراء العالم كافة , وهي ( شمس الشعر الروسي ) , وبوشكين جدير بهذه التسمية بلا شك , واود ان اتحدث قليلا في هذه السطور عن الترجمات العربية لقصائد هذا الشاعر الروسي الكبير .
  شعر بوشكين أكبر من ان يكون له اسم مترجم عربي واحد بارز , كما نقول – مثلا – ان سامي الدروبي مترجم دستويفسكي , او ان ابو بكر يوسف مترجم تشيخوف ( رغم العديد من المترجمين العرب الآخرين الذين ترجموا تشيخوف قبله و بعده ) , او ان فؤاد مرعي ( خصوصا في الفترة الاخيرة ) الذي يحاول – وبنجاح - ان يكون المترجم العربي الاول للاعمال القصصية والروائية لبوشكين , ولهذا , فعندما نتكلم عن ترجمات قصائد بوشكين الى العربية يجب ( ونؤكد على كلمة يجب ) ان نتذكر اسماء كوكبة رائعة من المترجمين المبدعين العرب , مثل - حياة شرارة وحسب الشيخ جعفر وجميل نصيف التكريتي وبرهان  شاوي وابراهيم استنبولي وايمن ابو الشعر و ثائر زين الدين  ونزار محمود كنعان و طارق مردود و مكارم الغمري و رفعت سلام  و..و..و... ومن المؤكد , ان هناك اسماء عربية اخرى من هؤلاء المترجمين المبدعين , اذ ان هذه (المهمّة !) تحتاج حتما الى جهود لجان عربية واسعة متخصصة في الادب الروسي وحركة ترجماته الى العربية  منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر, و طوال القرن العشرين , و القرن الحادي والعشرين  ايضا (رغم اننا في عقده الثالث ليس الا).... ولكن مع ذلك , اود ان اكتب بعض انطباعاتي ( الذاتيّة !) عن بعض ترجمات بوشكين الشعرية من قبل بعض هؤلاء المترجمين , واريد ان اتوقف حصرا عند كتاب ( القصائد الشرقية ) بترجمة طارق مردود.   
واسرع بالقول – قبل كل شئ - انه لا يوجد عند بوشكين كتاب بعنوان ( القصائد الشرقية ) , ولكن المترجم طارق مردود  هو الذي حدد لنا هذا العنوان , لانه جمع فيه قصائد بوشكين عن الشعوب الشرقية في الامبراطورية الروسية , التي كانت (ولازالت ) متعددة القوميات و الاعراق والاجناس والاديان ( وحسب آخر احصائية رسمية , فقد بلغ عدد القوميات الان في روسيا الاتحادية 194 قومية) . وهذا يعني , ان تسمية ( القصائد الشرقية ) هي اجتهاد المترجم العربي . اجتهاد المترجم طارق مردود افضل كثيرا من التسميات العديدة الموجودة في الكثير من الدراسات والبحوث العربية حول بوشكين , والتي تتحدث عن التأثيرات والمؤثرات ( الدينية ! ) عند الشاعر الروسي , وخصوصا في السنين الاخيرة , حيث ازداد بشكل واضح ( طوفان تلك التيارات !!!) في كل شعاب عالمنا العربي ودهاليزه ,  واذكر مرة , ان احد الباحثين ( وكان مندوب الجامعة الاسلامية في احدى الجمهوريات ضمن روسيا الاتحادية ) قال في احدى المؤتمرات الادبية , ان بوشكين ( اكثر الادباء الروس اسلاميّة ) , ولم يتقبل المؤتمرون هذا ( الاستنتاج !) وابتسموا  ليس الا, ولا مجال في اطار مقالتنا للتوسع اكثر حول هذه النقطة (الملتهبة !) في عالمنا اليوم . المترجم طارق مردود حسم هذه ( المشكلة العربية !) بشكل ذكي جدا , وأطلق على تلك القصائد تسمية ( القصائد الشرقية ) , وترجم لنا قصائد بوشكين المرتبطة ( حسب مفاهيمنا نحن العرب ) بالشرق , اذ ان الروس لا ينظرون – بتاتا - الى تلك القصائد على انها مرتبطة بالشرق العربي او الاسلامي , فهي بالنسبة لهم انعكاس لثقافة شعوب تقطن بشكل دائمي على الارض الروسية  وتتعايش معا في كل شئ , وخصوصا في المجال الثقافي , ولهذا , فان بوشكين باعتباره ( شمس الشعر الروسي ) تناول في ابداعه ثقافات كل تلك القوميات , وقد أشار بوشكين نفسه الى هذه الظاهرة في قصيدته ( التمثال ) , حيث قال , ان تلك القوميات ستبقى تتذكره , وحتى قصيدة  بوشكين الشهيرة ( النبي ) يعتبرها الروس (... من وحي الاديان كافة...) , ولا يذكرون ابدا انها ترتبط بالدين الاسلامي فقط . ان هؤلاء الباحثين العرب , الذين يطرحون موضوع ( قصائد بوشكين ذات الطابع الديني !) يتناسون , ان روسيا كانت ولازالت بلد اوربي وآسيوي معا , والتي تسمى ( اورآسيا ) حسب المصطلح المعروف , وبالتالي , فان ثقافة روسيا هي مزيج حيوي ومتجانس من ثقافات تلك القارتين معا .
يقع كتاب ( القصائد الشرقية ) في 266 صفحة , وهو مترجم عن الروسية , مع مقدمة تفصيلية عن ادب بوشكين وحياته , ويضم العديد من قصائد بوشكين الشهيرة , وتأتي في المقدمة طبعا قصيدة ( محاكاة القران ) , والتي جاءت هناك بعنوانها ( المحوّر عربيا !) – قبسات من القران , وقصائد اخرى مثل النبي , وسعدي , و كليوباترا ...الخ , ويضم الكتاب ايضا مجموعة من القصص الشعرية لبوشكين مثل أسير القوقاز , ونافورة بقجة سراي , والغجر .

37
جوائز نوّار للعام 2022
اجتمعت لجان جوائز نوّار للعام 2022 واتخذت التوصيات الآتية –
أولا
=====
نظرا لظروف الحرب الروسية – الاوكرانية , التي بدأت منذ شباط / فبراير عام 2022 ولا زالت مستمرة لحد الآن , ترى اللجنة , ان الوضع العام غير ملائم لمنح هذه الجائزة , ولهذا توصي بحجب جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي لهذه السنة , وتأمل اللجنة بتحسّن الاوضاع في العام القادم 2023 , والاستمرار بمنح هذه الجائزة المركزية مستقبلا .
ثانيا
=====
الاستمرار بتوصية اللجنة في العام الماضي 2021  بشان تحويل جائزة نوّار للمترجمين العراقيين وجائزة نوّار لمبدعي مدرسة الموسيقى والبالية العراقية الى اقامة تماثيل نصفية للشخصيات الفكرية العراقية في بغداد , حيث تمّ في عام 2021 – وبنجاح - تحقيق تماثيل للفنان الكبير عزيز علي وعالم الآثار طه باقر ورئيس قسم اللغة الالمانية في كلية اللغات الشهيد فؤاد ابراهيم  , و قررت اللجنة اقامة تمثالين هذه السنة (2022 ) لكل من – (انستاس الكرملي) و(عبود الكرخي) , وقد ابتدأ العمل فعلا باعدادهما ووضعهما في المكان المناسب ببغداد , وسيتم الاعلان عن التفاصيل حول ذلك لاحقا .
أ.د. ضياء نافع
رئيس لجان جوائز نوّار
رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر
تشرين الاول / نوفمبر 2022

38
من لامانوسوف الى كارامزين
أ.د. ضياء نافع
اتابع دائما – وبكل سرور وحماس - أخبار كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو , التي درست فيها قبل أكثر من نصف قرن , اذ انها بالنسبة لي شخصيا ( بيتي الثاني !) , وقد اطلعت الان ( ونحن في الربع الاخير من عام 2022 ) على نشاطها الثقافي خلال عام 2021 الماضي , وتبين , ان ألاقسام العلمية المختلفة في كليّة الفيلولوجيا قد قامت ب ( 29) نشاطا علميا خارج مسيرة الدراسات الاعتيادية اليومية ومتطلباتها الاكاديمية المعروفة , نشاطات مثل  المؤتمرات العلمية والندوات والسيمينارات وجلسات ( الطاولة المستديرة )....الخ ... في شتّى مجالات العلوم الفيلولوجية ( اللغات وآدابها ) في ذلك العام المنصرم , ولم اندهش طبعا نتيجة هذا الرقم ( الرائع !) من تلك النشاطات العلمية المتنوعة هذه , وذلك لأني أعرف المستوى العلمي الرفيع لكليّتي الحبيبة , ولكني قررت كتابة عدة سطور وجيزة للقارئ العراقي (و العربي بشكل عام طبعا ) حول تلك النشاطات العلمية وابعادها العميقة , لتذكير هذا القارئ , اذ لعل هذا التذكير سيؤدي به عندها الى محاولة ( وهو اضعف الايمان !) كي  يقارن في الاقل بين واقع كليّاتنا وجامعاتنا وبين واقع كليّاتهم وجامعاتهم .... التذكير ليس الا ...ان نفعت الذكرى ...
لا يمكن طبعا استعراض كل تلك النشاطات العلمية , ولكن يمكن الاشارة الى مضامين بعضها , ثم التوقف قليلا عند نموذج واحد من تلك النشاطات , والتي اخترنا عنوان مقالتنا من شعارها المركزي , وهو – (من لامانوسوف الى كارامزين )  .
مضامين بعض تلك النشاطات تتمحور حول شخصيات علمية بارزة في مسيرة الكليّة , منها البروفيسوره غورشكوفا , بمناسبة الذكرى المئوية لميلادها , والتي جرت تحت شعار – (العالمة والمعلّمة والانسانة) , ورافق هذه الفعالية العلمية معرض صور لكل مراحل حياتها , وكذلك كان هناك معرض لمؤلفاتها من كتب وبحوث علمية . غورشكوفا كانت استاذتنا في ستينيات القرن الماضي , وكانت معروفة بصرامتها وجديّتها وعلميتها , وكانت لها الكلمة الاخيرة و الحاسمة  في كل النقاشات العلمية حول مشاكل وقضايا اللغة الروسية المعاصرة في كليتنا آنذاك , حيث كانت واحدة من ابرز الاساتذة  في قسم اللغة الروسية المعاصرة . عند اطلاعي على برنامج تلك الفعالية , تذكرت اسماء اساتذتنا الراحلين في كلية اللغات بجامعة بغداد , والذين لا يذكرهم الان الجيل الحالي من الطلبة وحتى الاساتذة الجدد في الكليّة مع الاسف , اسماء مثل حياة شرارة ومحمد يونس وماري القطيفي وعلي منصور وخالد اسماعيل ويوسف قوزي..و..و..و.. وتساءلت , متى نرى ولو فعّالية بسيطة لاستذكار هؤلاء الاعلام في مسيرة كليّتنا الحبيبة ؟ ولماذا لا يمكن ولو اصدار كتيب متواضع يضم اسماء وصور ونتاجات تلك الكوكبة اللامعة من العلماء العراقيين ؟ وقائمة هذه الاسماء كبيرة وطويلة طبعا اذا اردنا ان نتكلم عن الكليات الاخرى في مختلف الجامعات العراقية , واعتذر من ابراهيم السامرائي وشاكر خصباك وطه باقر وكمال مظهر وعشرات الاساتذة الافذاذ الآخرين , وانا اتمتم بيني وبين نفسي - (....لقد أسمعت لو ناديت حيّا .....).
الفقرة التي نريد التحدّث عنها قليلا , ختاما لمقالتنا حول هذه الفعاليات الثقافية في كليّة الفيلولوجيا , هي المؤتمر العلمي , الذي  قام بتنظيمه قسم تاريخ الادب الروسي , و تناول هذا المؤتمر دراسة تاريخ الادب الروسي في الربع الاول من القرن الثامن عشر , و جاء تحت عنوان – من لامانوسوف الى كارامزين ( يكتبون بالعربية اسم لامانوسوف بصيغ عديدة , منها – لومونوسوف // لامونوسوف ... الخ) . الادب الروسي في القرن الثامن عشر هو- واقعيا – المرحلة ( التأسيسية) , ان صحّ التعبير ,  لهذا الادب , والذي اصبح في القرن التاسع عشر واحدا من آداب العالم البارزة والمعروفة بنضوجها وعمقها وتأثيرها , ولهذا , فان دراسة بدايات هذا الادب في القرن الثامن عشر مسألة في غاية الاهمية لفهم الابعاد الحقيقية للادب الروسي ومسيرته اللاحقة . يؤسفني ان اشير هنا , ان القارئ العربي يعرف هذه المرحلة في تاريخ الادب الروسي بشكل (ضبابي !) ليس الا , ويؤسفني ان اقول ايضا , انه لا يوجد بيننا , نحن العرب الذين درسنا الادب الروسي في روسيا , من اختص بدراسة ادب القرن الثامن عشر .  ولكل هذه الاسباب مجتمعة , توقفت انا عند هذه الفقرة طويلا واطلعت على تفصيلاتها , والتي صاغها بدقة مختصون كبار في دراسة تلك المرحلة ,و لهذا جاءت هذه التفصيلات شاملة جدا , وقد تم تقسيمها في ستة اتجاهات , وهي – ادب القرن الثامن عشر في السياقات السياسية والاجتماعية والايديولوجية // ادب القرن الثامن عشر في تاريخ الادب الروسي والفلسفة والفكر الاجتماعي // لامانوسوف والادب الروسي // كارامزين والادب الروسي // بوشكين والادب الروسي للقرن الثامن عشر // الادب الروسي بالقرن  الثامن عشر في سياقات الادب العالمي .
 تذكرت - وانا اطالع تفاصيل هذا المؤتمر العلمي - بالمثل الروسي الذي يقول – عش قرنا ادرس قرنا , وهذا المثل الروسي هو طبعا الترجمة ( التطبيقية !) للقول العربي الخالد – اطلب العلم من المهد الى اللحد .....

39
الطالب تشيخوف وقصصه
أ.د. ضياء نافع
اصبح تشيخوف طالبا في الكلية الطبية بجامعة موسكو عام 1880 , وفي هذا العام نفسه بدأ بنشر قصصه القصيرة ايضا , وتخرّج في الكلية الطبية عام 1884 , واصبح طبيبا ماهرا , و في الوقت نفسه اصبح ايضا كاتبا معروفا في عموم روسيا , فقد نشر خلال سنوات دراسته في الكليّة الطبية بجامعة موسكو الكثير من القصص القصيرة في مختلف الصحف والمجلات الروسية , ومع ذلك فانه كان يداوم بشكل منتظم ويؤدي واجبه الدراسي كما يجب , ونجح باستيعاب العلوم الطبية, وهي ظاهرة نادرة جدا , ويمكن القول انها لم  تحدث في تاريخ الادب الروسي لا سابقا ولا لاحقا , ونحاول في مقالتنا هذه ان نتكلم عن هذه الظاهرة  في مسيرة ابداع تشيخوف , اذ انها ظاهرة فريدة فعلا و تستحق الوقوف عندها وتأمّلها بعمق.
كانت حصيلة السنة الاولى في مجال نشر القصص متواضعة جدا , وهي في حدود عدة قصص ليس الا , اذ ان تشيخوف على ما يبدو لم يكن واثقا من نفسه في هذا المجال الادبي الجديد بالنسبة له , الا ان عدد القصص أخذ يتزايد بالتدريج , بعد ان فهم تشيخوف , انه يسير في الطريق الصحيح , الذي يتناغم وينسجم مع موهبته الادبية , ولا يتعارض في نفس الوقت مع واجباته الدراسية في الكليّة الطبية , وهكذا نشر تشيخوف اثناء سنوات دراسته الجامعية بين اعوام 1880 و 1884 اكثر من ( 200 ) قصة قصيرة (  منشورة حسب سنوات صدورها في المؤلفات الكاملة لتشيخوف بثلاثين مجلّدا , وهي المؤلفات التي صدرت في الربع الاخير من القرن العشرين وباشراف لجنة علمية مختصة ) , وكانت اكثر السنوات انتاجا هي سنة 1883 , اذ نشر تشيخوف فيها اكثر من مئة قصة , اي بمعدل قصة في كل ثلاثة الى اربعة ايام لا أكثر , (نكرر - يكتب قصة وهو يتابع واجباته الدراسية في الكلية الطبية) , واصبحت عدة قصص من تلك المرحلة المبكرة في ابداع تشيخوف معروفة ومشهورة لحد الان في روسيا وخارجها ايضا , اذ تم ترجمتها الى عشرات اللغات الاجنبية بما فيها طبعا لغتنا العربية , ومن بين هذه القصص , مثلا وليس تحديدا – ( البدين و النحيف ) و( نسى ) و ( المنتقم ) و ( موت موظف ) و ( رسالة الى جار عالم ) و ( فرحة ) و..و..و..الخ...
نشر تشيخوف (11) قصة قصيرة عام 1880 , واول تلك القصص كانت بعنوان ( رسالة الى جار عالم ) , والتي لازالت حيوية وتتعايش مع القراء حتى في روسيا المعاصرة اليوم , اذ يستخدمها مدرسو اللغة الروسية بالمدارس في تدريسهم , فيطلبون من التلاميذ ان يحددوا الاخطاء الواردة في تلك الرسالة , والتي تعمّد تشيخوف ان يذكرها في تلك القصة القصيرة تعبيرا عن المستوى الثقافي الواطئ لذلك الجار , وهو يكتب رسالته , وينفّذ التلاميذ هذا الواجب المدرسي بكل سرور وهم يقهقهون عند قراءة نص تلك القصة الطريفة .  لقد استطاع تشيخوف ( وهو طالب بالصف الاول في كلية الطب بجامعة موسكو ليس الا !!!) , استطاع ان يعطي لنا قصة تحتوي على درس تطبيقي و (دائمي!) لتلاميذ المدارس الروسية في موضوع الاملاء , درس حيوي وباسم ومهم جدا , لانه يجعل التلاميذ تسخر وتقهقه من الاخطاء اللغوية الموجودة في تلك الرسالة , اي ان تشيخوف حوّل ( الضحك !) الى اسلوب تربوي غير مباشر, اسلوب يصل تلقائيا الى قلوب التلاميذ رأسا , وبالتالي , الى عقولهم طبعا , ويعرف التربويون الاهمية الكبرى للاسلوب غير المباشر في ايصال المعلومة الى اذهان التلاميذ , وكيف ان تلك المعلومة في تلك الصيغة غير المباشرة تبقى راسخة في ذاكرة هؤلاء التلاميذ , لانها (... كالنقش على الحجر !) كما يقول مثلنا الشهير عن (العلم في الصغر. . .)
لا يمكن طبعا التوقف ( حتى ولو قليلا) عند هذا العدد الكبير من القصص التي نشرها تشيخوف في مرحلة دراسته تلك , ولكننا نشير هنا فقط الى نموذج من تلك القصص ليس الا , ويكفي ان نتوقف عند قصة ( موت موظف ) , التي اصبحت مشهورة عالميا . تصوروا , قصة (موت موظف ) كتبها تشيخوف وهو طالب في الكلية , هذه القصة التي تحوّلت في الوقت الحاضر الى رمز للانسان المسحوق في المجتمعات , حيث يشعر الانسان فيها بذنب لم يفعله , ويمكن لهذا الاحساس بالخوف ان يقضي حتى على حياته , كما حدث بالنسبة لذلك الشخص , الذي ( عطس !!!) ليس الا , والذي مات في نهاية القصة خوفا من ذلك ( الذنب !!!) . لقد رسم لنا هذا (الطالب!) لوحة مرحة  (لكنها تقطّر دمعا ) لحالة انسانية لازالت تتكرر في الكثير من المجتمعات الانسانية , ومن ضمنها مجتمعاتنا العربية مع الاسف ....
الا يستحق هذا ( الطالب ) ان نصفّق له تحية ؟ الا يستحق هذا ( الطالب ) ان يكون قدوة لنا جميعا ؟ الا يستحق هذا ( الطالب ) ان نقول له – شكرا يا انطون بافلوفيتش ؟ والاجابة عن كل هذه الاسئلة ستكون بكلمة واحدة لا اكثر , بكلمة نعم.. نعم.. نعم ...   

40
عن كوبرين ومقالته حول تولستوي
أ.د. ضياء نافع
 الكساندر ايفانوفيتش كوبرين ( 1870 - 1938 ) – اسم كبير في تاريخ الادب الروسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , ويعرفه القارئ العربي قبل كل شئ باعتباره  مؤلف ( سوار العقيق ), الرواية القصيرة التي قام بترجمتها الى العربية المرحوم د. ابو بكر يوسف , وأصدرتها دار النشر السوفيتية في ثمانينيات القرن العشرين , وعلمت ان د. ابراهيم استامبولي  قد أعاد ترجمتها قبل فترة قصيرة , ولكني لم اطّلع عليها مع الاسف , وهناك آراء متنوعة حول اعادة ترجمة النصوص المترجمة سابقا , ولكني أظن , ان اعادة ترجمة اي نص ادبي اجنبي هو عمل ابداعي يضاف الى المكتبة العربية ويجعلها أغنى وأوسع , ويمنحنا امكانية المقارنة بين الترجمتين مع النص الاجنبي الاصلي , وهذا يعني بالتالي , اثراء حركة الترجمة نفسها وتعزيز دورها الحضاري بشكل عام والثقافي بشكل خاص في حياة الشعوب, وأتمنى ان أرى يوما دراسة مقارنة يقوم بها باحث عربي حول الترجمتين لسوار العقيق في اي قسم من أقسام اللغة الروسية وآدابها او اي قسم للترجمة باي جامعة عربية من جامعاتنا العديدة , اذ ان ابو بكر يوسف وابراهيم استامبولي هما من المترجمين المبدعين الكبار في مسيرة الترجمة العربية عن الروسية , وهما يشغلان مكانة متميّزة بالمكتبة العربية  في مجال علم الترجمة , ومن المؤكّد , ان هذه الدراسة ستكون مفيدة وممتعة ايضا .
الا ان الكاتب الروسي الكساندر كوبرين اوسع كثيرا من كونه مؤلف الرواية القصيرة (سوار العقيق) فقط , فهو قاص وروائي وصحافي ومترجم وكاتب مقالة من الطراز الاول ومن النوع الفريد  فعلا , وهذا هو الجانب الابداعي الذي نريد بالذات ان نتوقف عنده هنا , فمقالاته اكبر من مفهوم المقالة الاعتيادية , اذ تنعكس فيها كل موهبته الفنية المتميّزة , ويمكن ان نسميّها – وبحق -  صورة ادبية نابضة بالحياة , او لوحة فنية متكاملة يرسمها فنان تشكيلي بالحروف والكلمات , وفي هذه السطور نتحدث قليلا عن طبيعة المقالة عند كوبرين وخصائصها الفنية , المقالة باعتبارها  شكل من أشكال الابداع الفني , شكل قائم بذاته بين اجناس الآداب المتنوعة , وخصوصا , ان المقالة اخذت ومنذ فترة ليست بالقصيرة (تدقّ بابنا !). 
يعرف القارئ العربي مقالة كوبرين عن تشيخوف , اذ انها جاءت بمثابة مقدمة في الجزء الثاني لمؤلفات تشيخوف المختارة باربعة اجزاء  , والتي اصدرتها دار النشر السوفيتية بترجمة د. ابو بكر يوسف , ولازلت لحد الان ( اي على مدى اربعين سنة ) اسمع من هنا وهناك كلمات الثناء و الاعجاب بتلك المقدمة , التي اختارتها دار النشر  للكتاب المذكور , وترجمها بابداع ابو بكر يوسف , ولن نتوقف هنا عند تلك المقالة لكوبرين , اذ يمكن للقارئ العربي الاطلاع عليها هناك , وبالتالي , يمكن ان يكتشف بنفسه ملامحها الجمالية المدهشة , ولكننا نود ان نتحدث قليلا ( والتزاما بعنوان مقالتنا ) عن مقالة كوبرين حول تولستوي غير المترجمة الى العربية حسب معلوماتنا المتواضعة.
أصل تلك المقالة محاضرة ألقاها كوبرين عام 1908 في احتفالية لتولستوي , وتحدّث فيها , كيف انه رأى تولستوي مرّة على ظهر باخرة روسيّة كانت تبحر من يالطا الى سيفاستوبول ,  والمحاضرة كانت بعنوان – كيف اني رأيت تولستوي على باخرة نيقولا المقدس . عنوان المقالة بحد ذاته يقول لنا , ان مقالة كوبرين غير اعتيادية بالمرة , اذ انها تتمحور حول حدث خاطف يضعه الكاتب تحت مجهره الابداعي ويرسمه بكلمات تدهش القارئ , ويذكر هناك وقائع جديدة وطريفة ومهمّة جدا للقارئ عن تولستوي بصيغة رشيقة , وقائع لا يتوقع هذا القارئ ان يجدها في تلك المقالة وهكذا تبدأ مقالة كوبرين عن تولستوي , اذ يقول في السطر الاول رأسا ( ... انه كان سعيدا  قبل فترة قصيرة لانه تكلم مع الشخص , الذي شاهد في طفولته بوشكين , ولم يبق في ذاكرته اي شئ عنه , سوى انه كان اشقرا, وقصير القامة , وغير جميل.. و كان ممتعضا جدا من الاهتمام الذي كان يوليه له المجتمع ... ) , وفي سياق مقالته تلك , يورد كوبرين نقطة اخرى غير متوقعة للقارئ ايضا , وهي طرفة رواها تولستوي نفسه مرّة , وتحدّث فيها , كيف زاره وفد من مدينة روسية , وكانت هناك سيّدة في هذا الوفد , والتي قالت لتولستوي , انها تريد ان تشكره على تلك النتاجات الادبية الرائعة , التي أغنى بها الادب الروسي والعالمي , فسألها تولستوي , اي تلك النتاجات بالذات , فلم تستطع هذه السيدة الاجابة , وحاول اعضاء الوفد ان ( يسعفوها !) وقالوا لها همسا – اذكري الحرب والسلم , فقالت لتولستوي – روايتكم السلم الحربي مثلا .
تقع مقالة كوبرين عن تولستوي في اربع صفحات من القطع المتوسط ليس الا , ولكنها تعدّ كلمة مبتكرة واصيلة عن ( كاتب الارض الروسية ), كلمة جديدة يمكن ان تضيف لنا معلومات صغيرة ولكن مهمة عن حياة تولستوي وابداعه , وكم أتمنى ان أرى يوما كتابا عربيا يضمّ مقالات كوبرين الرشيقة والعميقة عن الادب الروسي وأعلامه ... 

41
دردشة جامعيّة حول الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
اللقاءآت اصبحت أقلّ مما كانت سابقا بين زملاء الدراسة في بداية الستينيات بكليّة الفيلولوجيا  في جامعة موسكو , أقلّ عددا وأقلّ عدّة , اذ اننا نتناقص مع الاسف , لكننا – مع ذلك -  نستمربالتواصل ( عن قرب وليس عن بعد !) بيننا . دردشنا في اللقاء الاخير- قبل أيام ليس الا - عن الادب الروسي ( الذي يوحّدنا !) كما قال (مبتسما ) ايفان , الذي نسميه فانيا  دلعا , رغم الشيب الكثيف والجميل على رأسه وعويناته الطبّية ذات الموديل العتيق ( ... والشيب طبعا وقار!) . علّقت فيرا على جملة فانيا حول الادب الروسي قائلة , ان أحد اعضاء اتحاد الادباء الروس أخبرها , ان الوفد الروسي في مصر قد صرّح قبل فترة , ان الادب الروسي ( سيختفي نهائيا !) بعد خمسين سنة من الان في احسن الاحوال , وسيحل محله ادب آخر , أدب مكتوب باللغة الروسية , ولكن من قبل ادباء ليسوا روّسا ولا يسكنون في روسيا , بل في دول اخرى مثل امريكا وفرنسا وانكلترا واسرائيل (و خصوصا في اسرائيل ) , وان هذه ( العملية !) تبلورت بالتدريج وعبر سنوات طويلة , و اصبحت واضحة المعالم في الوقت الحاضر . تعجبنا جميعا من كلام فيرا هذا , وسألها فانيا , وماذا كان رد فعل المستمع المصري على هذا التصريح الغريب ؟ فقالت فيرا , ناقشوهم بحدّة و حتى بغضب شديد , ورفضوا تلك الفكرة جملة وتفصيلا , ولكن الوفد كان من روسيا و يتكلم حول الادب الروسي باسم ادباء روسيا . ضحكنا جميعا من هذا الموقف العجيب , وقالت نتاشا , لا تتعجبوا , فانها تدخل بعض الاحيان في (زوايا ودرابين !) المواقع الالكترونية العديدة حولنا , وتجد مثل هذا الكلام ايضا , فأيّدها  ساشا تأييدا قويّا , وقال , انه اطلع قبل فترة على موقع الكتروني اسمه – روسيا وراء العناوين , وشاهد ( العجب العجاب !) . انهالت عليه الاسئلة , وكلنا طلبنا منه , ان يحكي لنا ما شاهده في ذلك الموقع الالكتروني , اذ اننا لا نعرف جيدا كيف نستخدم اجهزة الكومبيوتر , فقال ساشا , ان هناك امراة تسمي نفسها ( ناقدة ادبية ! ) , ولا يتذكر الان اسمها , فسألناه ضاحكين, أليست هي من أحفاد بيلينسكي ؟ فعلق ساشا وهو يضحك , لو كانت من احفاد احفاده لتذكرتها حتما , واستمر قائلا , وقد اختارت هذه ( الناقدة ) مئة اسم من الادباء الروس , مئة من أبرز واكبر الاسماء حسب وجهة نظرها , ووجدت انا شخصيا هناك العديد من الاسماء التي لا اعرفها , بل ولم اسمع بها اصلا , وهم فعلا من هؤلاء الادباء, الذين يعيشون في تلك الدول , وفي اسرائيل بالذات , تصوّروا , لم أجد اسماء مثل – كوبرين او كورولينكو او أندرييف او بيللي او غرين وعشرات الاسماء اللامعة الاخرى في الادب الروسي . صمتنا جميعا بوجوم , ثم خرق الصمت ايغور , وقال بصوته الذي لازال جهوريا , ان بوشكين سيدعوهم الى المبارزة , وهم سيقتلوه مثلما قتله دانتيس , ولكنه سينتصر عليهم في النهاية , مثلما انتصر على قاتله دانتيس . صمتنا مرة اخرى , وخرق الصمت هذه المرّة ساشا نفسه , وقال , الافضل ان يتدخل تولستوي في هذه المبارزة باساليب ( اللاعنف ) العظيمة , التي كان يدعو لها , وهو حتما سينتصر , مثلما انتصر تلميذه الهندي غاندي على الامبراطورية الانكليزية , التي كانت الشمس لا تغيب عنها آنذاك ابدا. ضحكنا جميعا , وقالت فيرا , من الافضل ان يتدخل بوشكين وتولستوي معا في المبارزة هذه , اذ اني أخشى , ان مسدس بوشكين وحده ليس كافيا في هذه الحالة الخطيرة, واستمر ضحكنا , بل وتحوّل الى قهقهات مدوّية , وبدأت تعليقاتنا حول هذه المبارزة المقترحة , وقسم من هذه التعليقات لا يمكن حتى الاشارة اليها في سياق مقالتنا هذه , اذ انها (مملّحة اكثر من اللازم !) , الا ان القسم الآخر طريف فعلا , اذ جاء في تلك المقترحات , مثلا , عدم دعوة ليرمنتوف للمشاركة في هذه المبارزة , لأننا نخاف عليه , فهو لا زال ( يافعا وحزينا , ولم يصبح بعد بطلا في هذا الزمان , رغم محاولاته !) , او , دعوة غوغول للمشاركة بالمبارزة مع بطله الاوكراني تاراس بولبا , كي يعطيهم جوابا صارما على ثرثرتهم هذه , كما أعطى لابنه درسا , عندما انتقل ابنه الى معسكر الاعداء , او , دعوة دستويفسكي مع بطله راسكولنيكوف في رواية الجريمة والعقاب كي ( يؤدّبهم !) كما يجب , او , عدم دعوة تشيخوف لهذه المبارزة , لانه نهائيا دون خبرة برياضة (الملاكمة والمصارعة الحرّة !) .....
اختتم فانيا هذا اللقاء الضاحك والمرح (والحزين ايضا!) قائلا – ماذا سيقول اساتذتنا في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو عندما يسمعون بهذه الثرثرة حول الادب الروسي ياترى ؟ قلنا له , لا تخبرهم بذلك , ودعهم يرقدون بسلام , ونحن , تلامذتهم , سنعالج الموضوع  ....

42
   
عود على كتاب ( تشيخوف ) بقلم ايرنبورغ 
أ.د. ضياء نافع
اتصل احد طلبتي القدامى , الذي كان يدرس ( في القرن الماضي !!!)  بقسم اللغة الروسية  في جامعة بغداد , وقال لي , انه جلب لي خصيصا هدية من بغداد الى موسكو , ضحكت انا وقلت له , انك تعرف حق المعرفة , انني لا اتقبّل اي نوع من  (الهدايا !!!) من طلبتي , فضحك طالبي ايضا وقال , اولا , لم أعد انا طالبا لديك منذ زمن بعيد جدا , وثانيا , لا يمكنك ( رفض !!!) هذه الهدية في كل الاحوال . جواب طالبي كان طريفا ومثيرا , رغم انه كان ( استفزازيا !) في نفس الوقت , فسألته رأسا وبحدّة , وما هي هذه الهدية من طالبنا سابقا , و التي لا يمكن لي ان ارفضها في كل الاحوال  , فأجابني ( رأسا أيضا وهو يضحك ايضا ) – ان الهدية هذه هي عبارة عن كتاب عتيق وجدته مرميا ضمن كومة كتب عتيقة اخرى على الرصيف في شارع المتنبي ببغداد عندما كنت هناك , و اشتريته خصيصا لاقدمه هديه اليك , عند اللقاء معك في موسكو  , وهو كتاب صادر في بيروت قبل اكثر من اربعين سنة من الآن وعنوانه – تشيخوف بقلم ايليا ايرنبورغ وبترجمتك . فوجئت انا طبعا بهذا الكلام , وقلت لطالبي السابق رأسا - اني اعترف – وبكل روح رياضية - انك حققت وبمهارة وجدارة هدف الفوز على استاذك .
عندما استلمت ( الهدية البغدادية !) , حاولت - قدر الامكان - السيطرة على احاسيسي (وعلى دموعي ايضا!) , فاللقاء مع ( الكتاب الاول ! ) بعد كل هذه السنين الطويلة ليس سهلا , مثل اللقاء مع ( الحب الاول !) , و أثار هذا اللقاء ذكريات كنت أتصور انها منسية تماما, ولكنها برزت فجأة مرة اخرى وبكل وضوح  , فقد تذكرت كلمات استاذ جيلنا المرحوم د.علي جواد الطاهر , التي كتبها آنذاك في جريدة الجمهورية عنه , والتي قال فيها ما معناه , انه لم يشعر بانه كتاب (مُترجَمْ) , وتذكرت , كيف اني قدمت ثلاث نسخ منه مع معاملة ترقيتي الجامعية باعتبار الكتاب المترجم يمكن ان يساعد على الترقية مع البحوث المطلوبة  , وبعد حصولي على الترقية , استلمت مظروف المعاملة , ووجدت على المظروف كلمة – ( اخذ الخبراء نسخ الكتاب المترجم ولم يرجعوه اعجابا به ) , وتذكرت كلمات الكاتب المرحوم ناظم توفيق عن الكتاب , والتي قالها لي في شارع السعدون عندما التقيته صدفة – لولا هذا الكتاب - الذي حلّقت مع افكاره عن تشيخوف - لما استطعت تحمّل مشاق السفر بالقطار كل هذا الوقت الطويل , وتذكرت , كيف جاء شخص وطلب منّي اصدار الطبعة الثانية للكتاب في بغداد , ووافقت طبعا , واستلمت منه مبلغا يعادل تقريبا ( نصف راتبي آنذاك ! ) , وصدرت الطبعة الثانية فعلا , وتذكرت , صدور طبعة اخرى ( ثالثة ) للكتاب في القاهرة دون علمي ومعرفتي , ولكني ابتسمت عندها وقلت للشخص الذي أخبرني بذلك – في الاقل سيعرف القارئ المصري خصائص تشيخوف الحقيقية بشكل دقيق و صحيح , وهذه المسألة بحد ذاتها خدمة كبيرة للادب الروسي واستيعاب دوره الاصيل في مسيرة الحياة الانسانية عموما . وبمناسبة معرفة خصائص تشيخوف , فان هذا الكتاب , الذي كتبه ايليا ايرنبورغ في بداية الستينيات ونشره بحلقتين في مجلة ( نوفي مير ) ( العالم الجديد) السوفيتية الشهرية , ثم أصدره بعدئذ بكتاب مستقل , هو استمرار لتلك الآراء الجريئة جدا و الشجاعة جدا , التي طرحها ايرنبورغ في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين  حول تلك الظواهر الادبية التي كانت الستالينية تمنع بتاتا الكلام عنها , والتي تسمى في تاريخ الادب الروسي الان بمرحلة ( ذوبان الجليد ) , وهي التسمية التي اطلقها ايرنبورغ نفسه على احدى نتاجاته الادبية , وأخذ النقاد يستخدمون هذا المصطلح في تاريخ الادب الروسي بعد وفاة ستالين . لقد تحدث ايرنبورغ عندها عن تسفيتايفا ( التي انتحرت ) وأخماتوفا ( التي منعوها من النشر ) وماندلشتام ( الذي أعدموه ) وغيرهم من الاسماء اللامعة في الادب الروسي الحديث , اما بالنسبة لتشيخوف , فقد سخر ايرنبورغ في كتابه هذا من تلك المفاهيم الجامدة و( المعلّبة !) , التي كان النقد الادبي آنذاك يستخدمها عند الكلام عن تشيخوف , مثل – (المعبّرالفذ عن سنوات الثمانينيات ) او ( سجلّ السنين الجهمة ) او ( كاتب الغروب ) او ( شاعر العتمة ) , وكذلك سخر من القاموس الموسوعي السوفيتي , وقد استشهد بجملة عن تشيخوف من ذلك القاموس , وهي – ( ...يرسم تشيخوف في نتاجاته بحث المثقفين الروس عن الايديولوجية , ويحطّم علم النفس البورجوازي ..واوهام حركة الشعبيين الليبرالية ..ويطرح تعميمات اجتماعية ..ويخلق شخوصا نموذجية تجسّم النظام القيصري البوليسي .. ويعرض نمو العلاقات البورجوازية في المدينة والريف ..ويكتب عن فقر الفلاحين وتفكك النظام الاقطاعي – البورجوازي ...) , وقد استطاع ايرنبورغ فعلا ان يرسم في كتابه ذاك – وبابداع – صورة تشيخوف الفنية الرشيقة الشفافة .
اتصل (طالبي القديم ) مرة اخرى بعد أيام من استلامي لهديته , وسألني عن انطباعاتي بشأن تلك ( الهدية !) بعد ان هدأت العواطف , فضحكت أنا , وشكرته من جديد على هذا ( العمل الجميل ) , وقلت له , انني اطلعت على النص , ووجدت , ان ايرنبورغ يذكر هناك العشرات من اعلام الادب الروسي والادب العالمي والظواهر الفكرية وعناوين نتاجات ادبية مختلفة , وهذا مفهوم للقارئ الروسي , لكن تلك الاسماء والظواهر تتطلب كتابة هوامش توضيحية للقارئ العربي , وانني اخطط الان لاضافة عشرات الهوامش التفصيلية للكتاب بطبعته الجديدة , كي يكون مفهوما وممتعا للقارئ العربي , فضحك طالبي وقال , اني انتظر ( هديتك !) الجوابية على ( هديتي !) .... 

43
الادب الروسي بعيون الشباب المعاصر
أ.د. ضياء نافع
الادب الروسي بعيون الشباب المعاصر - هو عنوان كتاب روسي صادر عام 2015 ويقع في(199) صفحة من القطع المتوسط , ويتضمن خلاصات لاربعين ( نكرر – لاربعين !) بحثا علميا حول تاريخ الادب الروسي ودور أعلامه والظواهر الكبرى في مسيرة هذا الادب , بحوث قام بها طلبة ( نعم , طلبة !) قسم الادب الروسي اثناء مؤتمر علمي تم عقده في جامعة نوسوف الحكومية الروسية في مدينة مغنيتاغورسك الروسية , ويوجد هناك مشرف علمي من التدريسيين في ذلك القسم ( مثبّت اسمه ) امام كل بحث من تلك البحوث الاربعين للطلبة , وكذلك توجد في نهاية كل بحث قائمة بالمصادر , التي اعتمدها الطالب في بحثه .
 مضمون هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا , اذ اني تذكرت – اولا - وأنا أطّلع عليه , اننا في العراق لم نستطع ان نصدر كتابا واحدا يضم خلاصات البحوث العلمية , التي قام بها الاساتذة انفسهم في عدة مؤتمرات دورية عقدناها ولعدة سنوات في كليّة اللغات بجامعة بغداد في تسعينيات القرن الماضي, رغم اننا حاولنا – وباخلاص – ان نصدرها فعلا في كتاب يؤرخ تلك المؤتمرات العلمية وننشر خلاصات بحوث المشاركين فيها , وهم تدريسيون بدرجات علمية رفيعة بكليتنا وفي أقسام علمية متنوعة . وتذكرت – ثانيا - , ان أحد وزراء التعليم العالي في العراق كان يؤكد دائما , ان تسمية وزارتنا تتألف من كلمتين – (التعليم العالي ) و ( البحث العلمي ) , وان مهمة الاستاذ الجامعي لا تنحصر بالتدريس فقط , بل يجب اكمالها بالبحث العلمي , والا, فان مهمة الاستاذ الجامعي ستبقى ناقصة . وتذكرت – ثالثا – ان طلبة الدراسات العليا عندنا , كانوا يأتون الينا ( بعد قبولهم في الدراسات العليا , وهي قضية معقدة وبيروقراطية بحد ذاتها ) ويطلبون منّا ان ( نعطيهم !) مواضيع لكتابة اطاريحهم العلمية , اذ لا توجد لديهم حتى ولا اي فكرة عن تلك الاطاريح ,التي يجب ان يعرفها طالب الدراسات العليا قبل تقديمه الوثائق المطلوبة للالتحاق في تلك الدراسات , وهي قاعدة معروفة في الجامعات الاجنبية (الحقيقية !), والا , ما قيمة طالب الدراسات العليا اذا كان لا يعرف ( بل وحتى لا يتصوّر ) ما هي طبيعة مهمته في دراسات عليا تقدّم اليها للحصول على درجة علمية أعلى ؟ وتذكرت – رابعا – انني (وزملاء  لي) لازلنا لحد الان نستلم في بريدنا الالكتروني طلبات من مختلف الاشخاص الذين لا نعرفهم اصلا , يريدون فيها ( مواضيع لاطاريحهم او لمشاريعهم العلمية ) , وحتى يطلبون بعض الاحيان ان نضع لهم الخطة العلمية لتلك الاطاريح او المشاريع  وان نحدد لهم مصادرها العلمية الاساسية...
لا يمكن بالطبع عرض البحوث الاربعين في ذلك الكتاب , ولكني اود ان اتوقف قليلا عند بحث واحد من تلك البحوث ليس الا , واظن , انه  يمكن لهذا البحث – النموذج ان يرسم للقارئ صورة عامة لهذا الكتاب الفريد من نوعه  . يتناول هذا البحث علم الادب المقارن , ويتحدث عن دستويفسكي والبير كامو ويقارن بينهما, وهو( اي البحث )  لطالب في الصف الثالث ( تصوروا – طالب في الصف الثالث !) . يقارن الباحث بين رواية ( الغريب ) لكامو مع رواية دستويفسكي القصيرة ( مذكرات من تحت الارض)( ان صح التعبير)  , ولم يستقر عنوان هذا النتاج الادبي بالعربية لحد الان , فقد ورد بشكل متنوع عند المترجمين العرب , مثل – ( في قبوي // في سردابي // مذكرات قبو // رسائل من باطن الارض // مذكرات من العالم السفلي // الانسان الصرصار... ولا مجال هنا للتوسع في هذا الموضوع ) . يرى الباحث ( وهو على حق ) , ان دستويفسكي هو احد اركان الفلسفة الوجودية في العالم , وان هذه الرواية القصيرة بالذات تعكس الافكار الوجودية عنده  بشكل واضح , و بالتالي , فان الباحث يجد , ان هناك بعض الافكار الفلسفية المشتركة بين الكاتب الروسي دستويفسكي (في القرن التاسع عشر) وبين الكاتب الفرنسي كامو ( في القرن العشرين ) , ويحاول هذا الباحث ان يحدد تلك الافكار الفلسفية المشتركة عند المقارنة بين العملين الابداعيين لديهما . بحث طالب الصف الثالث هذا - هو خطوة شجاعة جدا وجريئة جدا للخوض في موضوع فلسفي كبير بدنيا علم الادب المقارن . تتوزع بقية بحوث هذا الكتاب بين بوشكين ( الذي يكتبون عن فلسفته وعن انعكاس شخصيته عند الفنانين التشكيليين الروس ) وغوغول ( الذي يكتبون عن تأثيره على ادباء روس آخرين ) وتشيخوف ( الذي يكتبون عن خصائص الشعب الروسي في قصصه ) , وهناك بحوث عن الادب الروسي الحديث , وتتوقف تلك البحوث عند ابداع ايرنبورغ وايتماتوف وبقية ادباء القرن العشرين ...
  الادب الروسي بعيون الشباب الروسي المعاصر – كتاب مبتكر واصيل ومهمّ وجميل , وفي نفس الوقت , فانه كتاب يثير (الشجون!) العلمية في نفوس كل العاملين بالمجال الجامعي العراقي خصوصا , والعربي عموما ......

44
 
عود على كتاب ( تشيخوف ) بقلم ايرنبورغ 
أ.د. ضياء نافع
اتصل احد طلبتي القدامى , الذي كان يدرس ( في القرن الماضي !!!)  بقسم اللغة الروسية  في جامعة بغداد , وقال لي , انه جلب لي خصيصا هدية من بغداد الى موسكو , ضحكت انا وقلت له , انك تعرف حق المعرفة , انني لا اتقبّل اي نوع من  (الهدايا !!!) من طلبتي , فضحك طالبي ايضا وقال , اولا , لم أعد انا طالبا لديك منذ زمن بعيد جدا , وثانيا , لا يمكنك ( رفض !!!) هذه الهدية في كل الاحوال . جواب طالبي كان طريفا ومثيرا , رغم انه كان ( استفزازيا !) في نفس الوقت , فسألته رأسا وبحدّة , وما هي هذه الهدية من طالبنا سابقا , و التي لا يمكن لي ان ارفضها في كل الاحوال  , فأجابني ( رأسا أيضا وهو يضحك ايضا ) – ان الهدية هذه هي عبارة عن كتاب عتيق وجدته مرميا ضمن كومة كتب عتيقة اخرى على الرصيف في شارع المتنبي ببغداد عندما كنت هناك , و اشتريته خصيصا لاقدمه هديه اليك , عند اللقاء معك في موسكو  , وهو كتاب صادر في بيروت قبل اكثر من اربعين سنة من الآن وعنوانه – تشيخوف بقلم ايليا ايرنبورغ وبترجمتك . فوجئت انا طبعا بهذا الكلام , وقلت لطالبي السابق رأسا - اني اعترف – وبكل روح رياضية - انك حققت وبمهارة وجدارة هدف الفوز على استاذك .
عندما استلمت ( الهدية البغدادية !) , حاولت - قدر الامكان - السيطرة على احاسيسي (وعلى دموعي ايضا!) , فاللقاء مع ( الكتاب الاول ! ) بعد كل هذه السنين الطويلة ليس سهلا , مثل اللقاء مع ( الحب الاول !) , و أثار هذا اللقاء ذكريات كنت أتصور انها منسية تماما, ولكنها برزت فجأة مرة اخرى وبكل وضوح  , فقد تذكرت كلمات استاذ جيلنا المرحوم د.علي جواد الطاهر , التي كتبها آنذاك في جريدة الجمهورية عنه , والتي قال فيها ما معناه , انه لم يشعر بانه كتاب (مُترجَمْ) , وتذكرت , كيف اني قدمت ثلاث نسخ منه مع معاملة ترقيتي الجامعية باعتبار الكتاب المترجم يمكن ان يساعد على الترقية مع البحوث المطلوبة  , وبعد حصولي على الترقية , استلمت مظروف المعاملة , ووجدت على المظروف كلمة – ( اخذ الخبراء نسخ الكتاب المترجم ولم يرجعوه اعجابا به ) , وتذكرت كلمات الكاتب المرحوم ناظم توفيق عن الكتاب , والتي قالها لي في شارع السعدون عندما التقيته صدفة – لولا هذا الكتاب - الذي حلّقت مع افكاره عن تشيخوف - لما استطعت تحمّل مشاق السفر بالقطار كل هذا الوقت الطويل , وتذكرت , كيف جاء شخص وطلب منّي اصدار الطبعة الثانية للكتاب في بغداد , ووافقت طبعا , واستلمت منه مبلغا يعادل تقريبا ( نصف راتبي آنذاك ! ) , وصدرت الطبعة الثانية فعلا , وتذكرت , صدور طبعة اخرى ( ثالثة ) للكتاب في القاهرة دون علمي ومعرفتي , ولكني ابتسمت عندها وقلت للشخص الذي أخبرني بذلك – في الاقل سيعرف القارئ المصري خصائص تشيخوف الحقيقية بشكل دقيق و صحيح , وهذه المسألة بحد ذاتها خدمة كبيرة للادب الروسي واستيعاب دوره الاصيل في مسيرة الحياة الانسانية عموما . وبمناسبة معرفة خصائص تشيخوف , فان هذا الكتاب , الذي كتبه ايليا ايرنبورغ في بداية الستينيات ونشره بحلقتين في مجلة ( نوفي مير ) ( العالم الجديد) السوفيتية الشهرية , ثم أصدره بعدئذ بكتاب مستقل , هو استمرار لتلك الآراء الجريئة جدا و الشجاعة جدا , التي طرحها ايرنبورغ في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين  حول تلك الظواهر الادبية التي كانت الستالينية تمنع بتاتا الكلام عنها , والتي تسمى في تاريخ الادب الروسي الان بمرحلة ( ذوبان الجليد ) , وهي التسمية التي اطلقها ايرنبورغ نفسه على احدى نتاجاته الادبية , وأخذ النقاد يستخدمون هذا المصطلح في تاريخ الادب الروسي بعد وفاة ستالين . لقد تحدث ايرنبورغ عندها عن تسفيتايفا ( التي انتحرت ) وأخماتوفا ( التي منعوها من النشر ) وماندلشتام ( الذي أعدموه ) وغيرهم من الاسماء اللامعة في الادب الروسي الحديث , اما بالنسبة لتشيخوف , فقد سخر ايرنبورغ في كتابه هذا من تلك المفاهيم الجامدة و( المعلّبة !) , التي كان النقد الادبي آنذاك يستخدمها عند الكلام عن تشيخوف , مثل – (المعبّرالفذ عن سنوات الثمانينيات ) او ( سجلّ السنين الجهمة ) او ( كاتب الغروب ) او ( شاعر العتمة ) , وكذلك سخر من القاموس الموسوعي السوفيتي , وقد استشهد بجملة عن تشيخوف من ذلك القاموس , وهي – ( ...يرسم تشيخوف في نتاجاته بحث المثقفين الروس عن الايديولوجية , ويحطّم علم النفس البورجوازي ..واوهام حركة الشعبيين الليبرالية ..ويطرح تعميمات اجتماعية ..ويخلق شخوصا نموذجية تجسّم النظام القيصري البوليسي .. ويعرض نمو العلاقات البورجوازية في المدينة والريف ..ويكتب عن فقر الفلاحين وتفكك النظام الاقطاعي – البورجوازي ...) , وقد استطاع ايرنبورغ فعلا ان يرسم في كتابه ذاك – وبابداع – صورة تشيخوف الفنية الرشيقة الشفافة .
اتصل (طالبي القديم ) مرة اخرى بعد أيام من استلامي لهديته , وسألني عن انطباعاتي بشأن تلك ( الهدية !) بعد ان هدأت العواطف , فضحكت أنا , وشكرته من جديد على هذا ( العمل الجميل ) , وقلت له , انني اطلعت على النص , ووجدت , ان ايرنبورغ يذكر هناك العشرات من اعلام الادب الروسي والادب العالمي والظواهر الفكرية وعناوين نتاجات ادبية مختلفة , وهذا مفهوم للقارئ الروسي , لكن تلك الاسماء والظواهر تتطلب كتابة هوامش توضيحية للقارئ العربي , وانني اخطط الان لاضافة عشرات الهوامش التفصيلية للكتاب بطبعته الجديدة , كي يكون مفهوما وممتعا للقارئ العربي , فضحك طالبي وقال , اني انتظر ( هديتك !) الجوابية على ( هديتي !) .... 

45
  شئ عن بليخانوف والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
قال لي احد اصدقائي القدامى قبل ايام قليلة ( وهو كان واقعيا يلومني تقريبا !!!) , انه لم يجد اسم المفكر الروسي الكبير بليخانوف في مقالاتي بشكل عام عن الادب الروسي طوال كل هذه السنوات التي أنشر فيها هذه المقالات , وسألني متعجبا , عن السبب , الذي جعلني (أتجاهل بليخانوف !!!) , وهو الاسم اللامع والمهم في تاريخ الادب الروسي . فوجئت أنا بدوري عند سماع سؤال صديقي القديم , وسألته  ( متعجّبا ايضا !!!) -  ومن أكون أنا , كي يكون لي موقف (التجاهل!) تجاه مفكّر شهير في تاريخ الفكر الروسي مثل بليخانوف؟  ضحك هذا الصديق وقال , ان جوابك يعني , انك تحاول ان تتهرب فعلا من الجواب الدقيق عن سؤالي المحدد والحاسم , وهذا دليل ملموس و     اكيد يبيّن انك تتجاهل بليخانوف حقا  , وانك – ببساطة وصراحة - لا تريد الاقرار او الاعتراف بذلك , اذ كيف يمكن الكتابة عن الادب الروسي دون التوقف عند بليخانوف او الاشارة الى آرائه حول هذا الادب , او الاستشهاد باقواله , التي جاءت في العديد من مؤلفاته حول الادب الروسي واعلامه , وخصوصا , في مجال النقد الادبي ؟ .
 لم أكن مستعدا في الواقع– لا نفسيا ولا فكريا -  لمناقشة صديقي وتفسيره لجوابي السريع حول هذا الموضوع , ولم أرغب بتذكيره , انني اكتب عن مختلف جوانب الادب الروسي طوال حياتي باعتباري قد درست هذا الادب ( في عقر داره !) و اصبحت متخصصا به وعاشقا له  ايضا, وانني عملت بعد انهاء دراستي لمدة اكثر من ثلاثين سنة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , اي ضمن اختصاصي العام والدقيق , وساهمت مع زملائي الآخرين بتدريس هذا الاختصاص للشباب العراقي في تلك الجامعة , و اضطررت ان اقول لصديقي فقط  , ان نظرته الى الادب الروسي ( وتلك هي المصيبة !) ترتبط بالسياسة قبل كل شئ , وليس بالادب الروسي ومظاهره واعلامه , وان هذه النظرة العراقية ( والعربية طبعا ) تنعكس في آراء الكثيرين من زملائي العراقيين و العرب ايضا , وان هذه النظرة (الضيّقة والمحدودة جدا) قد أضرّت واقعيا بالادب الروسي في عالمنا العربي بشكل عام , لانها ( اي هذه النظرة ) قد حوّلت هذا الادب الانساني العملاق الى ظاهرة سياسية ليس الا , والظواهر السياسية – كما هو معروف – غير دائمية , بل مؤقتة دائما , وذكرت له ايضا , اننا عانينا كثيرا من ( تسييس ) الادب الروسي في العراق ( سواء في الاوساط  الرسمية للدولة آنذاك , او في الاوساط الشعبية ايضا ) اثناء عملنا بالقسم المذكور في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بشكل خاص . لم يتفق صديقي مع تلك الآراء التي قلتها له, بل واحتج على كلامي هذا , وذكّرني , باني كتبت مقالات عديدة عن لينين وستالين وخروشوف وعلاقتهم بالادب الروسي وتفاعلهم مع اعلامه ومكانتهم في مسيرته , ولكنني لم اكتب بتاتا عن علاقة بليخانوف بهذا الادب , ولهذا قال لي , انه (استنتج !) تجاهلي للمفكر بليخانوف بشكل متعمد , وان هذا موقف واضح لكل من يتابع تلك المقالات عن الادب الروسي . شرحت لصديقي , ان كتاباتي عن لينين وستالين وخروشوف ارتبطت بموقعهم الرسمي في حكم الاتحاد السوفيتي وانعكاس هذا الموقع على مسيرة الادب الروسي , وان هذه ظاهرة طبيعية في البلدان ذات الحزب الواحد الحاكم , والذي لا يسمح بتاتا للرأي الآخر ان يتعايش ويتفاعل في ذلك المجتمع , وانني تكلمت في مقالاتي هناك عن وقائع محددة في تاريخ الادب الروسي ومصائر اعلامه , ولهذا , فان بليخانوف لا يدخل ضمن هذه الفئة , التي حكمت روسيا, او كانت في رأس السلطة هناك, وحاولت ان اوضح لصديقي , ان هذا المفكّر الروسي الكبير قد برز في مجال الفلسفة الماركسية وعلاقتها المتبادلة مع علم التاريخ وعلم الاقتصاد بالاساس , وان كتاباته عن النقد الادبي الروسي كانت مرتبطة بالذات مع اهتماماته تلك , وتوقفت طويلا عند معرفة بعض الفئات العربية اليسارية لبليخانوف نتيجة ترجمة بعض ( ونؤكّد على كلمة بعض ) نتاجاته الفكرية الى اللغة العربية في اواسط القرن العشرين  , وحاولت ان ابيّن له ( ولو بشكل غير مباشر ) ان رأيه حول مقالاتي في الادب الروسي جاء نتيجة لتلك المعرفة الجزئية لبليخانوف عند ذلك القارئ العربي المرتبط بالسياسة – اولا واخيرا - ليس الا , وحدثته في النهاية عن اقوال احد اساتذتي الروس حول بليخانوف , وخلاصتها , ان قيمة هذا المفكر الروسي تكمن في انه ( طوّع ) النظرية الماركسية حسب متطلبات الواقع الروسي , وان نظرته لم تكن ( نظريّة مجردة او جامدة ليس الا ! ) وانما كانت حيوية و ترتبط بواقع المجتمع الروسي ومستوى تطوره بصدق , ولهذا حاز على احترام الجميع , بما فيهم المضادين له فكريا .
صمت صديقي قليلا , ثم قال لي , انك ألقيت عليّ محاضرة باكملها عن بليخانوف , واود ان اشكرك عليها . ضحكنا معا , واخبرته, ان هناك مثل روسي طريف يقول – الصديق القديم افضل من صديقين جديدين ....



46
غائب طعمه فرمان وشولوخوف والتفاح الروسي
أ.د. ضياء نافع
كنت أتمشى مع غائب طعمه فرمان في الشوارع المحيطة بجامعة موسكو , وكان الوقت عصرا في نهاية آب / اغسطس , واقتربنا من  حديقة باكملها تضم اشجار التفاح فقط ومنسّقة بشكل هندسي رائع , وكان التفاح الجميل الناضج مفروشا على الارض , التفاح الذي سقط من تلك الاشجار , وبقي على الارض دون ان يقترب منه أحد بتاتا , بل وكانت عيون التفاح ( المكحّلة باللون القرمزي !) تحدّق بنا وتدعونا ان نلتقطها , وقد ( راودتني نفسي!) فعلا على ( تلبية !) نداء تلك العيون , لكني ترددت خجلا من الكاتب الكبير والمترجم الكبير غائب , فطرحت عليه سؤالا حول هذا المنظر السريالي الغريب , وسألته بشكل غير مباشر عن تفسيره لهذه الظاهرة , اذ انه ( موسكوفي عتيق !) .  ضحك ابو سمير وقال وهو يقهقه – نعم , نعم , انه منظر سريالي فعلا , تفاح حقيقي معروض على الارض مجانا , ولكن الروس لا يلتقطونه , بل و حتى لا ينظرون اليه , فقلت له , ولكننا عراقيين , فهل يمكن لي ان أختار ولو تفاحة واحدة لأجرّب طعمها , استمر غائب بقهقهته وهو يقول , طبعا طبعا , تفضل تفضل , فرفعت تفاحة ناضجة , وقلت لغائب بعد ان ذقتها , انها لذيذة جدا , وسألته , لماذا ذهب الروس الى الاراضي البكر البعيدة , كي يحرثوها ويزرعوها ويبذلوا كل هذه الجهود الهائلة من اجل ذلك , اذا كانت اراضيهم صالحة للزراعة حتى في ضواحي مدنهم الكبيرة مثل موسكو , وامامنا الان ( سجّادة التفاح!! ) مفروشة في الشارع الروسي ولا يوجد حتى من يرغب بالنظر الى اكوام التفاح هذه ؟ قال غائب (وهو ينظر اليّ باستغراب) , وهل تعتقد , اني استطيع الاجابة عن سؤالك الغريب هذا , والذي يرتبط بمسيرة التاريخ الروسي المتشابك ؟, فقلت له , ولكنك ترجمت رواية شولوخوف – الارض البكر حرثناها , والتي حوّلت انت عنوانها المستقر بالعربية الى عنوان جديد هو – ارضنا البكر , اي انك فكّرت عميقا بشأن هذه الرواية , لدرجة انك غيّرت – وبشكل جذري واضح - حتى بنيّة عنوانها , والذي أصبح ( حسب وجهة نظري الشخصية ) بعيدا عن الاصل الروسي مقارنة بالعنوان العربي المذكور, ولهذا طرحت أنا عليك هذا السؤال , لأني كنت على قناعة تامة , انك تعرف الاجابة , فضحك غائب وقال , وهل تعتقد انني انا شخصيا الذي اخترت هذه الرواية كي اترجمها ؟ فتعجبت أنا من طبيعة سؤاله , وقلت له , من المفروض ان يكون الامر هكذا , فقال لي , انه مثل كل من يعمل في مجال الترجمة هناك ينفّذ خطط دار النشر التي يعمل بها , وان الادارة الروسية  في تلك الدار هي التي تحدد الكتب الروسية للترجمة , وهي التي تحدد المترجمين لتلك الكتب , ولا تستشير المترجمين حول ذلك ابدا , بل هي تصدر الاوامر الادارية ليس الا , ونحن ننفذها دون اي اعتراض او حتى ابداء الرأي حول ذلك . تعجبت انا من هذا التوضيح ونكهته (الديكتاتورية الفظّة!), وقلت له , انه يعيش في موسكو منذ سنوات طويلة , وانه كاتب عراقي شهير ومهمّ في اطار العراق والعالم العربي برمّته , ومترجم بارز للادب الروسي الى العربية منذ زمن طويل , وكنت أظن , انك الان بمثابة مستشار ثقافي لدار النشر هذه . نظر غائب بأسى وقال , ينطبق عليك المثل العراقي الطريف – (اليدري يدري والما يدري كضبة عدس) .  شعرت ان غائب أخذ يتألم , وهو يتحدث عن علاقة دار النشر السوفيتية به , ولهذا حاولت رأسا تغيير الموضوع , وطرحت عليه سؤالا غير متوقع له , وقلت , من المؤكد انك التقيت بشولوخوف يوما - ما , وربما عندما كنت تترجم روايته تلك , فهل سألته , لماذا كتب هذه الرواية عن الاراضي البكر , بينما توجد حولهم مثل هذه الاراضي الخصبة , التي تمنحنا التفاح اللذيذ مجانا ؟ فضحك غائب وقال , انك فعلا (بطران!) , ضحكت انا وحاولت مرة اخرى تغيير طبيعة الحديث , بعد ان فهمت , ان غائب لا يمكن ان يلتقي بشولوخوف , فقلت له , (بطران) بلهجتنا العراقية , ولكن كيف نعبّر عن معناها بالعربية الفصيحة ؟ فقال وهو مستمر بالضحك – انا مثلك لا اعرف ...
 ختاما ,اود ان أذكر بعض الملاحظات الضرورية حول هذه السطور . اولا , حدثت هذه (السالوفة!) بتاريخ آب 2022 ليلا . ثانيا , لا اعرف كم استغرقت هذه الحكاية من وقت . ثالثا , عندما استيقظت من النوم , فهمت , ان هذا المنام الجميل – شكلا ومضمونا - يستحق التسجيل فعلا . رابعا , ان هذا المنام يعني , ان غائب طعمه فرمان حي يرزق بالنسبة لي شخصيا , وانه يرتبط – في أعماق روحي وعقلي وقلبي - بالتفاح الروسي والادب الروسي وترجمة هذا الادب الى العربية وبالتاريخ الروسي ايضا . خامسا واخيرا , اريد ان اقول – ان غائب طعمه فرمان موجود بيننا , نحن العراقيين , رغم انه رحل عن عالمنا في شهر آب / اغسطس من عام 1990 في موسكو , وتمرّ هذه الايام الذكرى( 32 ) لرحيل هذا المبدع العراقي الكبير , وكلماتي هنا هي بمثابة باقة ورد له في هذه الذكرى ...       

47
عن الذكرى المئوية الثانية لميلاد تولستوي
أ.د. ضياء نافع
ولد ليف نيقولايفتش تولستوي عام 1828 , وتستعد روسيا للاحتفال عام 2028 بالذكرى المئوية الثانية لميلاد مؤلف رواية ( الحرب والسلم ) , الرواية التي لا مثيل لها في مسيرة الادب عالميا , وبدأت الاستعدادات لهذه الاحتفالات  في روسيا الان , اي قبل ست سنوات من تلك الذكرى , فقد اصدر الرئيس الروسي (بتاريخ شباط / فبراير 2022) امرا رئاسيا بشان البدء في التحضير لهذه الاحتفالات في عموم روسيا , ويعدّ هذا الامر الرئاسي وثيقة رسمية تعني ( فيما تعنيه ) الاهمية الاستثنائية , التي توليها روسيا للاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لعملاق الادب الروسي والعالمي ليف تولستوي . ينص هذا الامر الرئاسي على ضرورة تشكيل لجنة خاصة لتنظيم هذه الاحتفالات والاشراف على تنفيذها في عموم روسيا الاتحادية , وحدد الامر الرئاسي مدة ستة أشهر لتنفيذ ذلك , وفعلا , أصدر رئيس الوزراء الروسي بتاريخ آب / اغسطس 2022  أمرا اداريّا لاحقا للامر الرئاسي المذكور حول تشكيل هذه اللجنة المركزية المشرفة على الاحتفالات  برئاسة مدير ديوان رئاسة روسيا الاتحادية وعضوية وزير الثقافة ووزير المالية ووزيرالعلوم والتعليم العالي ورئيس اكاديمية العلوم الروسية ورئيس لجنة الدولة للمطبوعات الدورية وصناعة الكتب ورئيس متحف تولستوي الحكومي ومدير عام المكتبة الوطنية الروسية ورئيس معهد غوركي للآداب ورئيس جامعة موسكو والرئيس الفني لمسرح موسكو للفن الحديث واعضاء آخرين . ان النظرة الاولية لاسماء هذه اللجنة تبين - وبكل وضوح – الاهمية القصوى التي توليها الدولة الروسية للاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لميلاد تولستوي , اذ ان رئيسها على اتصال دائمي بالرئيس الروسي بحكم منصبه , والاعضاء فيها يمثلون العناصر الاساسية لتنفيذ عمل هذه اللجنة , مثل وزير الثقافة والمالية والتعليم العالي ورؤساء المؤسسات الثقافية مثل اكاديمية العلوم والجامعات المختصة ومتحف تولستوي والمكتبات العامة والنشر ...الخ , وقد علّق أحد اصدقائي الروس على تشكيل هذه اللجنة ضاحكا , ان الدولة الروسية اصطادت (ثلاثة عصافير بدلا من عصفورين !!!) بحجر واحد , اذ انها اثبتت اولا الاهمية الكبيرة التي توليها للقيام بهذه الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لتولستوي , وثانيا , تريد ان تثبت للعالم ان روسيا دولة عظمى في تراثها الفكري ومكانتها الثقافية عالميا في هذه الاوقات الحرجة من تاريخها , حيث تدور الحرب الروسية – الاوكرانية منذ اكثر من سبعة اشهر , وان هذا الحدث العالمي ( اي الحرب ) يمرّ خلال منعطفات دولية في غاية التعقيد , وتحاول الدولة الروسية ان تقول للعالم , ان هذه الحرب لا تعرقل روسيا بتاتا ولا تؤثر عليها بشأن القيام بالاحتفالات الواسعة والمتنوعة لكاتب روسي و عالمي بمستوى تولستوي , وثالثا , ان الحديث عن تولستوي يعني الكلام عن انتصار الروس في حروبهم عبر التاريخ الروسي كما كتب تولستوي في ( الحرب والسلم ) عن اندحار نابليون في حربه ضد روسيا او في قصص سيفاستوبول (او سيباستوبول كما يكتبها العرب ) وبطولات حرب القرم الشهيرة , وفي الاعادة افادة كما يقول المثل المشهور , فقلت لهذا الصديق الروسي ضاحكا ايضا , ان روسيا قد ( اصطادت فعلا ثلاثة عصافير !) , وكل ذلك بفضل تولستوي ليس الا , فما أعظم الادب (وبقية انواع الفنون الاخرى طبعا ) عندما يوجد اناس في ادارة الدولة يتفهمون دور تلك الفنون في مسيرة الحياة الانسانية وشعابها , ويعرفون كيفية توجيه هذا الدور لخدمة الاهداف النبيلة .
في الذكرى المئوية الاولى لتولستوي عام 1928 احتفل الاتحاد السوفيتي آنذاك بشكل مهيب جدا , وعندها ابتدأ طبع المؤلفات الكاملة لتولستوي , وهكذا ظهرت المؤلفات الكاملة له بتسعين مجلدا , وهو أجمل تكريم لاي كاتب في العالم , وفي الذكرى المئوية الثانية لتولستوي ابتدأت روسيا بطبع المؤلفات الكاملة له مرة اخرى , ويتوقعون هذه المرة ان يتخطى عدد مجلداتها المئة , اذ تم ايجاد الكثير من المخطوطات الجديدة من مسودات ومذكرات لم يسبق نشرها سابقا , وكلها وثائق ترتبط بتولستوي , وبالتالي , تمتلك اهمية في اكتمال الدراسه المعمقة لهذا المفكر الكبير وتحديد افكاره ودورها في روسيا وفي العالم قاطبة .
ختاما لهذه السطور اريد ان اشير , الى اني ( أحلم !) بصدور كتاب في بغداد بالذكرى المئوية الثانية لهذا الكاتب العملاق عنوانه - ( تولستوي في العراق ) , كتاب يسجل ألاعمال الابداعية من بحوث وترجمات قدّمتها اقلام عراقية حول تولستوي مثل - غائب طعمه فرمان و حياة شرارة ومحمد يونس و نجيب المانع وخيري الضامن وعبد الله حبه وجودت هوشيار وتحسين رزاق عزيز وفالح الحمراني و..و..و...الخ , كتاب يجرد المجلات الفكرية والصحف العراقية ويشير في الاقل الى عناوين تلك المقالات حول تولستوي ابتداءا من مجلة انستاس الكرملي (لغة العرب ) , اذ اني وجدت (عندما كنت أتصفح هذه المجلة الرائدة ) اسم تولستوي في احدى اعدادها , وكم أتمنى ان يحقق زملائي وطلبتي سابقا , (وهم الان تدريسيّون يحملون درجات علمية رفيعة) في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , ان يحققوا (حلمي!) المتواضع والجميل والمهم طبعا , اذ ان انجاز هذا الحلم ( يخفّف قليلا من جراحات عراقنا !).....






48
المنبر الحر / الطريق نحو بوشكين
« في: 19:59 21/09/2022  »

الطريق نحو بوشكين
أ.د. ضياء نافع
 ( الطريق نحو بوشكين ) – عنوان مقالة  تشغل نصف صفحة تقريبا , رأيتها بجريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 7 – 13 ايلول / سبتمبر 2022 , وقد أثارهذا العنوان عن بوشكين اهتمامي رأسا , اذ اني ظننت , ان هذه المقالة تتناول بالتحليل تلك الاسماء الادبية اللامعة في تاريخ الادب الروسي , التي سبقت ظهور بوشكين في مسيرة الشعر الروسي , وبالذات في  القرن الثامن عشر  وبداية القرن التاسع عشر , مثل لامانوسوف وديرجافين وجوكوفسكي وغيرهم , وكيف ان بوشكين قرأ واستوعب – وهو في مرحلة الصبا – كل نتاجاتهم الابداعية في مجال الشعر , واستطاع – بعبقريته ومهارته الذاتية - بعدئذ ان يبلّور لغته الشعرية الرائدة الخاصة به , وان يؤدّي هذا الدور الكبير في وضع اسس اللغة الروسية المعاصرة ويصبح مصدرا لها في مسيرة لغة امته ولحد الان لدرجة , ان روسيا الاتحادية وحّدت يوم ميلاد بوشكين  مع اليوم العالمي للغة الروسية لأنهما عنصران لا ينفصمان عن بعضهما عضويا , وهو موضوع كبير ومهّم جدا في تاريخ الادب الروسي لم يتناوله الباحثون العرب كما يجب بشكل عام , وبالتالي , فانه لا يزال شبه مجهول للقارئ العربي , ولكني عندما بدأت بقراءة المقالة المذكورة , فوجئت جدا بمسألة اخرى تختلف عن ذلك جذريا ( حتى من السطر الاول لتلك المقالة !!!) , اذ اني اكتشفت شيئا آخر نهائيا , شيئا لم يخطرعلى البال للوهلة الاولى , واود في هذه السطور ان اتحدث عن هذا (الشئ !) الغريب وغير المتوقع , الذي وجدته في تلك المقالة , لأني اعتقد جازما , ان هذا الشئ  (الذي يرتبط طبعا ببوشكين وموقعه ومكانته في قلوب الروس كافة وفي الوعي الاجتماعي الروسي بشكل عام ) يستحق فعلا ان نتحدث عنه للقارئ العربي بتفصيل , وان نشيد به ايضا , اذ انه يرسم لوحة جميلة وجديدة ومبتكرة تماما عن موقف الشعب الروسي من بوشكين .
تبتدأ السطور الاولى من المقالة المذكورة باعلان عن افتتاح معرض شخصي في موسكو بتاريخ 7 ايلول / سبتمبر بقاعة ( ارتيفاكت ) و تحت هذه التسمية ( اي الطريق الى بوشكين ) لفنان تشكيلي اسمه بوريس ديودوروف , ويعرّفه كاتب المقالة , بانه يحمل تسمية ( فنان الشعب ) , وهي تسمية متميّزة يتم منحها – وبشكل رسمي من قبل الدولة - للفنانين البارزين  في روسيا تقييما ودعما لدورهم المتميّز في مسيرة الفنون الروسية , ويشير كاتب المقالة الى ان هذا الفنان التشكيلي حاصل ايضا على جائزة رئيس دولة روسيا الاتحادية . لم افهم للوهلة الاولى ما هو المقصود من هذا الاعلان , وما هي العلاقة بين هذا المعرض الفني و(الطريق نحو بوشكين) , و حتى ظننت للوهلة الاولى , ان هناك خطأ مطبعي في هذه المقالة  ليس الا , وتعجبت من حدوث هذا الخطأ المطبعي في عصرنا وبصحيفة بمستوى ليتيراتونايا غازيتا , حيث التقنية الحديثة الالكترونية تتفادى وتعالج رأسا مثل هذه المظاهر ( العتيقة ) , التي كانت غالبا ما تحدث ( أيام زمان !), خصوصا عندنا وفي صحافتنا ومطبوعاتنا , الا ان الاستمرار بقراءة المقالة قد اوضح لي , بعدم وجود اي خطأ مطبعي , كما ظننت اول الامر , اذ تبين , ان هذا الفنان التشكيلي الروسي قد كرّس نفسه طوال حياته لرسم لوحات خاصة لكتب بوشكين , لوحات تجسّد تلك المواضيع التي يتناولها بوشكين في نتاجاته المختلفة المتنوعة , وتنشر دور النشر تلك اللوحات على صفحات كتب بوشكين , وقد بلغت اعداد هذه اللوحات رقما مذهلا , وهو ( 3000 ) لوحة فنية , وقد قرر هذا الفنان التشكيلي ان يعرض هذه اللوحات في متحف خاص أقامه في مدينته الروسية الصغيرة , (   وأخذ هذا الفنان على عاتقه تكاليف تنظيم هذا المتحف ), وأيّدت الفكرة وتنفيذها بهذا الشكل مجموعة من مثقفي تلك المدينة  , وتم تشكيل لجنة تضم العشرات من هؤلاء المثقفين المتطوعيين للاشراف على هذا المتحف المتميّز فعلا , والذي أطلقوا عليه تسمية – ( الطريق نحو بوشكين ) , لأن تلك اللوحات تجذب المشاهد نحو نتاجات بوشكين , وتجعله يعود لقراءة تلك النتاجات مرة اخرى واخرى كي يفهم عمق تلك اللوحات المرتبطة بابداع بوشكين , اي ان تلك اللوحات تشكّل فعلا ( الطريق نحو بوشكين ) , فما أجمل هذه الفكرة وما أجمل هذا المتحف الفريد من نوعه في روسيا . وحفاظا وتطويرا لهذه الفكرة , والتي تم تنفيذها فعلا في تلك المدينة الصغيرة , توجهت اللجنة المشرفة بنداء الى الدولة الروسية لتبني هذا المتحف , وجعله تحت اشراف الدولة , الا انهم لم يستلموا جوابا ايجابيا من الجهات الرسمية , التي فاتحوها , ولهذا قرروا الكتابة في وسائل الاعلام الروسية عن متحفهم هذا ,واضافوا , انهم مستعدون ان يستمروا بعملهم , حتى اذا لم تستجب الدولة لهم , وانهم مستعدون ان يقوموا بحملة تبرعات من كل الذين يؤيدون هذه الفكرة , كي يستطيعوا الاستمرار بتمويلها .
بعد ان انتهيت من قراءة تلك المقالة , قررت رأسا الكتابة للقارئ العربي عن هذه الفكرة الرائدة و المدهشة , وذلك تأييدا لهذه المبادرات الابداعية الشخصية , وتمنيّت لو يبرز شخص بيننا , ليعمل الشئ نفسه للفنان التشكيلي العظيم يحيى الواسطي ولوحاته لمقامات الحريري , كي يكون عندنا متحف (الطريق نحو لوحات الواسطي ومقامات الحريري) , لكني اعرف, ليس بالتمنيات وحدها يحيا الانسان... 


49
قراءة في كتاب
تشيخوف والادب العالمي
ا. د. ضياء نافع

تشيخوف والادب العالمي - هو عنوان كتاب روسي كبير بثلاثة اجزاء، صدر الجزء الاول منه عام 1997 والجزء الثاني والثالث عام 2005، والاجزاء الثلاثة للكتاب تقع في حوالي (1900) صفحة من القطع الكبير، ومن الواضح تماما، ان هذا الاصدار يعتبر جهدا علميا موسوعيا مدهشا ولا نظير له في المكتبة الروسية عن تشيخوف، وليست المكتبة الروسية فقط، وانما في مجال الدراسات العالمية عن تشيخوف بشكل عام، وقد ساهم في اعداد هذا المصدر والمرجع المهم عن تشيخوف مئات (نؤكّد على كلمة مئات!) المتخصصين من روسيا وبعض الدول الاجنبية الاخرى (بالاساس الدول الاوربية)، هؤلاء الذين يتابعون ويدرسون نتاجات تشيخوف الادبية ومكانة هذا الابداع المتميّز وانعكاساته وتفاعلاته في الاداب العالمية .

 منهج الكتاب ينطلق من مفهوم محدد لمصطلح (الادب العالمي)، وجوهر هذا المفهوم يكمن في ان الادب يعدّ ظاهرة قومية من ظواهر الفنون،لأنه يرتبط باللغة القومية (اي انه يبقى في اطار تلك الامّة فقط مهما يكن عظيما)، ولكن هذه الظاهرة القومية تتحول الى ظاهرة عالمية عندما يستطيع القراء خارج تلك الامّة من متابعة ذلك الادب بلغاتهم القومية (اي يقوم المترجمون بترجمته الى اللغات الاخرى وايصاله الى شعوبهم)، وغالبا ما يتحدث الباحثون في هذا المجال ونقاد الادب بشكل عام عن شكسبير، ويعتبرونه نموذجا مثاليا واضح المعالم لمصطلح الادب العالمي، لان القراء في العالم يستطيعون – ومنذ زمن بعيد - قراءة نتاجات شكسبير بلغاتهم المتنوعة والمختلفة، وتتفاعل تلك النتاجات مع الاداب القومية في تلك البلدان (تذكّرت سامي عبد الحميد وهاملت عربيا، وهو غيض من فيض كما يقول تعبيرنا الطريف) . ومن هذا المفهوم المحدد والدقيق ينطلق كتاب (تشيخوف والادب العالمي) بأجزائه الثلاثة، اذ انه يتناول كيفية تعامل الشعوب الاخرى مع نتاجات تشيخوف من قصص قصيرة وطويلة ومسرحيات، وكيف اصبح هذا الكاتب الروسي أحد أعلام الادب العالمي نتيجة لترجمة نتاجاته الى لغات عديدة متنوعة، مع التأكيد، ان مختلف الشعوب هذه قد تقبّلت نتاجات تشيخوف، لأن تلك النتاجات ذات (وجه انساني ناصع !)، وبالتالي، اصبحت هذه النتاجات جزءا لا يتجزأ من آداب تلك الشعوب (تذكّرت بدري حسون فريد وتحويره لقصة تشيخوف (الحرباء)، حيث اصبحت مسرحية، وتذكّرت عادل كاظم، الذي حوّل قصة (المنتقم) لتشيخوف الى مسرحية ايضا، وكل ذلك حدث قبل اكثر من خمسين سنة في عراقنا الحبيب).

لنتوقف الان قليلا عند هذا الكتاب الكبير . يجب القول بدءا، باستحالة عرض هذا المرجع المهم عن تشيخوف بكلمات وسطور محددة، مهما تكن هذه الكلمات والسطور، وأظن، انه من الكتب النادرة في تاريخ الادب الروسي، الذي يمكن ان يتحول الى موضوع لمؤتمر علمي متكامل عن تشيخوف، مؤتمر يتناقش فيه المشاركون حول كل فصل من فصول هذه الاجزاء الثلاثة، فمثلا، تناول الجزء الاول (الذي يقع في 614 صفحة من القطع الكبير) كيف تعاملت كل من فرنسا والمانيا والنمسا وانكلترا وايرلندا وبلجيكا مع ابداع تشيخوف، ويكفى الاشارة هنا، الى ان الجزء الخاص بفرنسا يشغل حوالي 111 صفحة، ويوجد فيه فصل خاص بعنوان – تشيخوف في النقد الادبي الفرنسي يشغل حوالي 50 صفحة، وقد استخدم الباحث المصادر الفرنسية الصادرة حول تشيخوف من عام 1960 الى عام 1983 ليس الا لكتابة هذا الجزء، (تذكرت، اننا انجزنا اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد باشرافي العلمي بعنوان – تشيخوف في النقد الادبي العربي قبل اكثر من عشرين سنة، ولكن الفرق بيننا وبينهم يكمن، في انهم نشروا بحثهم هذا في مصدر عالمي، حيث يمكن للمهتمين كافة الاطلاع عليه، أما بحثنا فقد طواه النسيان، ولم يعد يتذكره أحد لا في العراق ولا في جامعة بغداد) .

الجزء الثاني من هذا الكتاب تناول ابداع تشيخوف في بولندا وبلغاريا وتشيخيا وسلوفاكيا وصربيا وكرواتيا وهنغاريا ورومانيا واليونان واسبانيا والبرتغال والدنمارك والنرويج وفنلندا، وتم تكريس الجزء الثالث للدول الشرقية مثل الصين والهند واليابان وكوريا وفيتنام ..الخ، ويوجد في هذا الجزء فصلان عننا، نحن العرب، الاول بعنوان – تشيخوف في البلدان العربية، كتبته المستشرقة المعروفة المرحومة الميرا علي زادة، وهو بحث يعتمد مصادر عربية قديمة نسبيا عن تشيخوف (رغم اني فرحت عندما رأيت هناك صورة فوتوغرافية لكتاب دار اليقظة العربية في دمشق لمؤلفات تشيخوف المختارة بترجمة الاخوين فؤاد وسهيل ايوب، الصادر في الخمسينيات)، اما الفصل الآخر، فكان بعنوان – تشيخوف في العراق، وهو البحث الذي كتبه الباحث السوفيتي جوكوف، والمنشور قبل اكثر من أربعين سنة، وهو بحث يتكلم عن تاثير تشيخوف في ادب شاكر خصباك وادمون صبري، والآراء المنشورة عند جوكوف حول هذا التأثير لا تعدّ وقائع دقيقة، ويمكن ان تخضع للمناقشة حتما، الا ان هذا موضوع خارج اطار مقالتنا . وفي ختام الجزء الثالث توجد مراسلات تشيخوف مع مترجميه الاجانب (من 11 دولة اوربية)، وهذه المادة جديدة في المصادر الروسية عن تشيخوف، ويمكن ان تساهم – بلا شك - في الدراسات المستقبلية عن عالمية تشيخوف .

كتاب تشيخوف والادب العالمي – وثيقة في غاية الاهمية تثبت، بشكل علمي واضح، مكانة تشيخوف في مسيرة الادب العالمي ....

***

أ.د. ضياء نافع

50
عن سلسلة كتب (التراث الادبي) الروسية
أ.د. ضياء نافع
صدر الكتاب الاول في هذه السلسلة من الاصدارت حول التراث الادبي الروسي عام 1931 في الاتحاد السوفيتي , ولا زالت اصدارات هذه السلسلة مستمرة لحد الان في روسيا الاتحادية ( ونحن في عام 2022 ) , دون تحديد موعد مسبق لتاريخ اصدار الكتاب اللاحق , وقد بلغ مجموع عناوين الكتب التي صدرت منذ عام 1931 والى الوقت الحاضر اكثر من مئة عنوان , وبعض تلك الكتب تقع بعدة أجزاء , ولهذا , فان عدد الكتب الاجمالي لهذه السلسلة قد بلغ حوالي مئتي كتاب ( والتي تحوّلت طبعا الى مصادر مهمة وضرورية جدا ولا يمكن الاستغناء عنها بتاتا في مسيرة البحث العلمي حول الادب الروسي واعلامه ) . يشرف على اعداد هذه السلسلة واصدارها معهد غوركي للادب العالمي , والمعهد المذكور هو مؤسسة علميّة مكرّسة لشؤون البحث في العلوم الانسانية , والمؤسسة هذه تابعة لاكاديمية العلوم السوفيتية ( زمن الاتحاد السوفيتي ) و الروسية حاليا , وتقوم دار نشر ( ناووكا )(العلم ) الروسية المعروفة بطبع هذه السلسلة من الكتب ونشرها وتوزيعها داخل روسيا وبعض الدول الاوربية الاخرى ايضا , وقد أخذت بعض دور النشر الروسية للقطاع الخاص في الفترة الاخيرة باعادة طبع مختارات من تلك الكتب , خصوصا تلك التي صدرت قبل سنوات بعيدة , ونفذت نهائيا من الاسواق , ولازال طلب القراء عليها قائما .
 تقع كل هذه الاصدارات في حدود مئات الصفحات من القطع الكبير عموما , و تحتوي عادة على دراسات معمّقة يكتبها متخصصون واكاديميون , وتكون مليئة بالصورالمتنوعة والوثائق الخاصة ( والتي تنشر لاول مرة في كثير من الاحيان بالاساس ) حول ذلك الكاتب الروسي , الذي تختاره هيئة التحرير , كي يكون موضوعا لذلك العدد من تلك السلسلة, وتحاول هذه السلسلة ان تتميّز في اصداراتها عن دور النشر الاخرى , فقد نشرت كتبا لا نظير لها فعلا في المكتبة الروسيّة ,  فمثلا , اصدرت كتابا في جزئين عن  تورغينيف بعنوان - ( من الارشيف الباريسي ) , وهو ارشيف واسع وغنيّ جدا بالوثائق الادبية, اذ ان تورغينيف كان طوال حياته يتنقل بين روسيا وفرنسا , وله علاقات واسعة جدا مع الادباء الفرنسيين المعروفين آنذاك , و من المعروف , ان تورغينيف قد توفي في باريس وجلبوا جثمانه الى روسيا لدفنه في وطنه , و اصدرت كتابا آخر عن تورغينيف ايضا بعنوان ( مواد جديدة ) , او , بعنوان – دستويفسكي ( وثائق جديدة ) , وكتابا آخر عن دستويفسكي بعنوان – ( دستويفسكي المجهول ) ويتضمّن دفاتره ومذكراته , او , الجديد عن ماياكوفسكي ( والذي صدر عام 1958 , اي بعد حوالي ثلاثين سنة من انتحاره ) , او , لينين و لوناتشارسكي ( مراسلات , محاضرات , وثائق ), وهي مواد مهمة جدا في تاريخ الادب الروسي الحديث وتتضمن وقائع مهمة للادب والفكر الروسي وللتاريخ الروسي في القرن العشرين ايضا , وكذلك  اصدرت هذه السلسلة كتابا عن الشاعر بلوك يقع بخمسة اجزاء باكملها , و عن اليكسي تولستوي بخمسة أجزاء ايضا , بل ويوجد بين هذه الاصدارات كتاب طريف جدا و متميّز فعلا بعنوان – الثقافة الروسية وفرنسا ( و بثلاثة أجزاء ! ) , وهو مصدر فريد في المكتبة الروسية حول هذا الموضوع , وكتاب آخر ( في نفس المواصفات ) بعنوان - الارتباطات الادبية الروسية – الانكليزية , وهناك طبعا امثلة كثيرة اخرى عن هذه التنوّع المدهش من الاصدارات حول التراث الادبي الروسي لا يمكن حتى الاشارة اليها في هذا العرض السريع لكتب هذه السلسلة , ولكني – ختاما – اريد ان اتوقف قليلا عند كتاب قريب لي روحيّا ( ان صح التعبير ) ضمن هذه السلسلة , وهو بعنوان – ( تشيخوف ) , هذا الكتاب الذي صدر بمناسبة الذكرى المئوية الاولى لميلاد تشيخوف . الكتاب المذكور عزيز جدا بالنسبة لي شخصيا , لانه ( ساعدني !!!) بقبولي في قسم الدراسات العليا بجامعة باريس في ستينيات القرن الماضي , وقد سبق لي ان كتبت في مقالاتي عن ذلك تفصيلا , واعود هنا للتذكير بذلك , اذ ان ذلك الحدث يرتبط بالذات بسلسلة هذه الكتب , وموجز هذه ( المساعدة !) يكمن , في ان مشرفتي العلمية المرحومة البروفيسورة صوفي لافيت سألتني في المقابلة الاولى معها ( المقابلة الحاسمة في قبولي من عدمه ) عدة اسئلة عن تشيخوف , وكنت اجاوب قدر معلوماتي آنذاك , وعندها سألتني – هل اطلعت على البحث العلمي بعنوان ( تشيخوف في فرنسا ) , اجبتها رأسا – نعم , وهو منشور في الكتاب عن تشيخوف , الذي صدر ضمن سلسلة ( التراث الادبي ) , فطلبت منّي الحديث عن مضمون البحث , فقلت لها , انه بحث جميل يتناول تاريخ ترجمات تشيخوف الى الفرنسية وكيف اصبح واحدا من اشهر الادباء الروس في فرنسا , وقلت لها , ان الباحث ارفق بحثة بصور وثائقية كثيرة عن الكتب الفرنسية حول تشيخوف والعروض لمسرحياته على المسارح الفرنسية , فسألتني , ومن هو هذا الباحث , فقلت لها , اسم فرنسي لا اذكره , فقهقت البروفيسورة لافيت وقالت – انه أنا . اصابني احراج هائل , وبدأت بالاعتذار وانا ( اتلعثم !) , فقالت لي وهي تبتسم – لقد كانت اجابتك حقيقية , وهكذا وافقت في نهاية المقابلة على قبولي , وكانت لحظة من اللحظات التي لا يمكن للانسان ان ينساها في مسيرة حياته , وقد تذكرت كل ذلك وانا اكتب هذه السطور عن سلسلة كتب التراث الادبي , هذه السلسلة المهمة جدا في تاريخ الادب الروسي , والتي قدّمها لنا – مشكورا - معهد غوركي للادب العالمي , التابع لاكاديمية العلوم الروسية .         

51
المنبر الحر / بوشكين والجواهري
« في: 21:49 01/09/2022  »
بوشكين والجواهري
أ.د. ضياء نافع
تابعت قبل ايام قليلة اخبار وصور افتتاح بيت الجواهري وتحويله الى متحف ادبي رشيق , و هو البيت المتواضع الذي يقع بمحلّة القادسية في بغداد , والذي كنت عدة مرّات في ضيافته واعرفه حق المعرفة ,  وكم فرحت بتلك الاخبار (رغم اننا جميعا غارقون في بحر الاحزان) , وقد ذكّرتني هذه الاخبار بحدثين اثنين في مسيرة حياتي , يرتبطان بالجواهري وبوشكين معا , وعلى الرغم من انها بسيطة جدا , الا ان بعض الاصدقاء (الذين يعرفون تفاصيلها)  قالوا لي , ان هذه الاحداث الطريفة تستحق ان تكون ضمن الوثائق الكثيرة عن الجواهري والادب الروسي خصوصا , وروسيا عموما , وها انا ذا اسجّلها واهديها لهم , و كذلك اهديها لكل من يرى , ان الجواهري هو بوشكين العراق من حيث المكانة الطليعية في قمة الشعر ببلديهما , ومن حيث الاهمية الفكرية وقيمتها في تاريخ الادب الروسي والعربي , رغم كل الخصائص والسمات الفنية المتباينة جدا لكليهما و الاختلافات  الجوهرية الهائلة بينهما .
الحدث الاول جرى في بداية سبعينيات القرن العشرين ببغداد , اذ وصل آنذاك وفد سوفيتي كبير برئاسة نائب رئيس حمهورية ارمينيا السوفيتية , وكان الوفد يضمّ عشرات الفنانين والفنانات والمستشرقين السوفيت , وقد طلبت منيّ وزارة الثقافة والاعلام ان اكون مترجما للوفد , فوافقت بكل سرور , وكان في برنامج الزيارة حفل ضخم في السفارة السوفيتية ببغداد , وكان الجواهري من جملة الشخصيات العراقية البارزة المدعوة لذلك الحفل , وقد حضر الجواهري باناقته المعروفة الجميلة , و(عرقجينه!) الكردستاني المتميّز على رأسه , وخصلات شعره الاشيب وهي (تتطاير!) يمينا ويسارا , واستقبله السفير السوفيتي بحفاوة كبيرة , وطلب منه – بعد فترة - ان يلقي للضيوف بعض اشعاره , وهكذا وقف الجواهري بقامته الرشيقة شامخا – كعادته - في القاعة , و ألقى (بصوته الرخيم وطريقته الفنية وحركات يديه)  بعض الابيات من قصيدته المشهورة عن سواستبول –
يا سواسبول سلام ...لا ينل مجدك ذام ...يذهب الدهر ويبقى ... من تفانيك نظام ...الخ ..الخ
وصفّق له الحاضرون ( من عراقيين وسوفيت ) باعجاب وحماس كبيرين , وطلبوا منيّ , باعتباري المترجم للوفد , ان (اترجم !!) لهم القصيدة , فوقفت امامهم و طرحت عليهم سؤالا بالروسية , وهو – لو ان بوشكين يلقي قصيدة له امامكم , فهل يقدر المترجم ان يترجمها الى لغة اخرى بشكل فوري كما تطلبون منّي الان ؟ ضحك الجميع وهم يقولون – طبعا لا يقدر , فقلت لهم , وانا ايضا لا اقدر ان اترجم قصيدة الجواهري , فهو بوشكين العراق والعالم العربي , وانما استطيع ان احدثكم عن مواضيعها ومضامينها وبعض صورها الفنية ليس الا , وهذا ما حدث , ثم ذهبت الى الجواهري وهمست في اذنه بايجاز حول ذلك , وقلت له , انني أسميته – بوشكين العراق والعالم العربي , فانتعش الجواهري جدا لهذه التسمية (مثل الطاووس , كما اخبرني فيما بعد احد الحاضرين في الحفل آنذاك ) , خصوصا ان الجواهري كان محاطا بالفنانات الروسيات , وهي مسألة حسّاسة جدا (لبوشكين العراق!) ونقطة ضعفه .... 
الحدث الثاني كان في مدينة فارونش الروسية عام 2009 , عندما قام مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الحكومية بافتتاح التمثال النصفي للجواهري , والذي كان ولايزال التمثال الوحيد خارج العراق للجواهري , وقد ذكرت في كلمتي , التي القيتها  في حفل الافتتاح , باعتباري مدير المركز المذكور ( المركز الذي اقترح فكرة اقامة التمثال وحققها فعلا رغم كل الصعوبات ) , ان هذا التمثال هدية من رئيس دولة العراق ( وكان آنذاك جلال الطالباني ) الى جامعة فارونش الروسية , لأن الجواهري هو رمز العراق , وان الاعراف الدبلوماسية حول المعاملة بالمثل  تقتضي الان , ان يقدّم رئيس دولة روسيا الاتحادية بالمقابل هدية لتمثال بوشكين الى جامعة بغداد , لان بوشكين رمز روسيا , مثلما الجواهري رمز العراق , وقد استطاع مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش ( وبالتعاون مع الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية , والتي كانت عندها برئاسة المرحوم ضياء العكيلي ) من تحقيق هذا المقترح فعلا, وتم افتتاح تمثال بوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد . ان التمثال النصفي للجواهري في جامعة فارونش والتمثال النصفي لبوشكين في جامعة بغداد – هو الاعتراف الرسمي والعلني الصريح , بان الجواهري يجسّد الادب في العراق امام العالم , وان بوشكين يجسّد الادب في روسيا امام العالم , وهذا يعني , ان بوشكين والجواهري يقفان الان جنبا لجنب .
ما احوجنا الى تأمّل ابداع هذين الشاعرين الكبيرين , وما احوجنا الى القيام بدراسات مقارنة بين نتاجاتهما .... 

52
الادباء الروس في سلسلة اعلام الفكر العالمي
أ.د. ضياء نافع
بدأت المؤسسة العربية للدراسات والنشر بالعاصمة اللبنانية بيروت  في الربع الاخير من القرن العشرين باصدار سلسلة من الكتب تحت عنوان – اعلام الفكر العالمي , وبعد صدور اكثر من عشرة كتب من هذه السلسلة ( ولم يكن بينهم ادباء روس ) , اتصل الصحافي العراقي المعروف الاستاذ ماجد السامرائي , وكان حينئذ ممثل هذه المؤسسة البيروتية في بغداد , اتصل بقسم اللغة الروسية في كليّة الاداب بجامعة بغداد , واقترح على اساتذة القسم المذكور المساهمة في اصدارات هذه السلسلة والكتابة عن الادباء الروس الكبار , فوافقنا جميعا – وبحماس - على مقترحه هذا , وكنّا اربعة اشخاص متخصصين بالادب الروسي في ذلك القسم آنذاك , وهم ( حسب حروف الهجاء ) كل من – جليل كمال الدين وحياة شرارة وضياء نافع ومحمد يونس , واود هنا ان اكتب بعض السطور عن هذه المشاركة العلمية في تلك السلسلة , لأن هذه المشاركة – من وجهة نظري -  تعدّ جزءا لا يتجزّأ من مسيرة و تاريخ قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ( الذي تأسس عام 1958 ) , جزءا يستحق  -  بلا شك - التدوين والاشادة وحتى الفخر , ومن المؤّكد القول , انه يمكن ان يكون موضوعا متكاملا لرسالة ماجستير في القسم المذكور , اذ يمكن لهذه الرسالة ان تتناول بالتحليل تلك الكتب حول الادباء الروس الكبار , وربطها باطاريح الاساتذة واختصاصهم الدقيق في تاريخ الادب الروسي ( وكلهم من خريجي الجامعات الروسية ) , وصولا الى الاستنتاجات المحدّدة والدقيقة حول دور قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في اغناء الحركة الثقافية في العراق , اولا , وفي عموم العالم العربي بشكل عام , ثانيا , وفي حركة نشر الادب الروسي وقيمته واهميته عالميا , ثالثا. وكل هذه النقاط تمتلك اهمية ثقافية , وتستحق فعلا المتابعة والتسجيل والدراسة والتحليل العلمي .   
كانت الحصيلة النهائية لمشاركة الاساتذة المذكورين في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في سلسلة اعلام الفكر العالمي هذه كما يأتي –
محمد يونس – نشر ثلاثة كتب عن كل من .. تولستوي // تورغينيف // غوغول
حياة شرارة – نشرت كتابين عن كل من .. بيلينسكي // ماياكوفسكي
جليل كمال الدين – نشر كتابا واحدا عن غوركي
ضياء نافع – نشر كتابا واحدا عن تشيخوف .
اصدارسبعة كتب عن كبار الادباء الروس باللغة العربية خلال فترة قصيرة نسبيا -  ليست مسألة بسيطة في مجال تأليف الكتب ونشرها في عالمنا العربي , ويمكن ملاحظة ان هذه الكتب كانت من تأليف الباحثين انفسهم , عدا كتاب تشيخوف , الذي كان ترجمة لكتاب روسي من تأليف الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , واود هنا ان اتوقف قليلا عند هذه النقطة , اذ انني من قمت بترجمة هذا الكتاب . لقد طرحت عندها رأيا امام زملائي حول ضرورة ترجمة كتب روسية حديثة عن هؤلاء الادباء الكبار , اذ بدأت حينها في الاتحاد السوفيتي اتجاهات ومفاهيم جديدة حول هؤلاء الادباء , اتجاهات ومفاهيم تختلف جذريا عن تلك النظرة التقليدية , التي كانت سائدة في الفكر السوفيتي منذ نهاية عشرينيات القرن العشرين , وهي اتجاهات ترتبط بشكل او بآخر بظاهرة الستالينية ومرحلتها القاسية والصارمة المعروفة, التي بدأت تتبلور بالذات في تلك المرحلة , وكنت أرى , اننا يجب ان نعكس هذه الظاهرة الفكرية الجديدة للقارئ العربي , وان نعرض لهذا القارئ صورة قلمية لهؤلاء الادباء رسمها الباحثون الروس انفسهم لهذه المجموعة من ادباء روسيا , واننا بذلك نقدّم للقارئ العربي – عبر تلك الكتب المترجمة – ملامح الظاهرة الفكرية الجديدة في الاوساط السوفيتية , الا ان زملائي لم يقتنعوا بوجهة نظري تلك , واذكر ان المرحومة حياة شرارة قالت , ان التأليف أبسط من الترجمة , لان المؤلف يكتب الشئ الذي يقتنع به ويرى ضرورة تسجيله , اما المترجم , فانه يجب ان يلتزم بالنص الذي كتبه مؤلف الكتاب الاجنبي , ولكن تباين وجهات نظرنا آنذاك حول هذه المسألة او تلك , لم تؤثّر بتاتا على علاقاتنا وتعاوننا في مجال عملنا المشترك .
الكتب التي قدّمها قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في الربع الاخير من القرن العشرين , وتمّ نشرها ضمن سلسلة اعلام الفكر العالمي , الكتب هذه لازالت حيوية ( ونحن في العقد الثالث من القرن 21 ), ولازالت تتفاعل مع الحياة الثقافية , وكم يسعدني , عندما ارى طبعات جديدة لهذه الكتب في بغداد وبيروت والقاهرة والمغرب العربي , اذ ان هذه الظاهرة تعني , ان القارئ العربي يتقبّلها لحد الان ...   

53
محاضرة  فكرية  في الشارع الروسي
أ.د. ضياء نافع
حدثت هذه المحاضرة الفكرية عند كشك الجرائد صباحا , فعندما اقتربت من هذا الكشك , وجدت قبلي عدة اشخاص ينتظرون دورهم امام الكشك لشراء الصحف , فوقفت طبعا خلفهم ,  و في نهاية الطابور كانت امرأة ( ما بعد سنّ التقاعد !) تقف عند الكشك بانتظار دورها , التفتت اليّ وسألتني – ما هي الصحيفة التي تريد ان تشتريها ؟ فوجئت أنا من طبيعة هذا السؤال غير المتوقع بتاتا ( والفضولي اكثر من اللازم طبعا !) , وقلت بيني وبين نفسي رأسا , يبدو ان هذه المرأة المسنّة تحب ان تدردش هنا وهناك , وانها تحاول اختلاق الدردشة بغض النظر عن الموضوع وعن الشخص الذي تتحدّث معه , وذلك من اجل الدردشة والاختلاط مع الناس ليس الا , وهي ظاهرة شبه طبيعية للمسنّين في المجتمعات المعاصرة , ومنها المجتمع الروسي الحديث (حيث اصبح المسنّين في عزلة تامة في تلك المجتمعات) فابتسمت أنا , وأجبتها بكل هدوء – صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا , فتعجبت هذه المرأة أشدّ العجب, بل واندهشت , وقالت لي بالروسية – مولوديتس , وهذه الكلمة بالروسية تعني الاستحسان الشديد  والتعبير عن التأييد والمدح , ويترجمها مؤلف القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير هكذا – ( جدع ) , وهذه الكلمة تكاد ان تكون مثلما نقول بلهجتنا العراقية – ( عفيه ) . ضحكت أنا عند سماعي لهذه الكلمة , وسألتها باستغراب – لماذا تعتبريني ( مولوديتسا !!!) لمجرد انني قلت لك , انني اشتري صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا ليس الا ؟ فقالت ضاحكة – قل لي ماذا تقرأ اقول لك من انت , ثم صمتت قليلا وأضافت ( وبكل جديّة ) – لقد قلت لك ( مولوديتس ) بشكل عفوي جدا , لان جوابك ذكّرني بمرحلة شبابي , اذ اني كنت في الزمن السوفيتي قارئة دائمة ومتحمّسة لهذه الصحيفة , ولكني توقفت عن متابعتها قبل خمسين سنة تقريبا , عندما هاجمت هذه الصحيفة سولجينيتسين بعد نفيه من الاتحاد السوفيتي في السبعينيات , وذلك لاننا كنّا ( انا والكثير من زملائي واصدقائي آنذاك ) نتعاطف مع سولجينيتسين وموقفه الشجاع من السلطة السوفيتية في ذلك الوقت  , وقلنا , ان صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا يجب الا تهاجمه بهذا الشكل السياسي المباشر كما فعلت, مثل بقية الصحف السوفيتية عندئذ , وانها ( اي ليتيراتورنايا غازيتا ) يجب ان تكتب حول هذا الموضوع وتتناوله بشكل أرقى وبنظرة علمية أعمق مما تكتب بقية وسائل الاعلام السوفيتية الاخرى , ولكنني الان نادمة جدا على موقفي من تلك الصحيفة ذاك حينئذ , ولست انا النادمة فقط , بل كل من تبقى على قيد الحياة لحد هذا الوقت من اصدقائي وزملائي القدامى . ادهشتني طبيعة اجابتها وتوضيحاتها, وفهمت رأسا , ان (بعض الظن اثم ) , اذ اني ظننت , ان هذه المرأة تريد ان تدردش ( او بتعبير أدق ) تثرثر ليس الا , واذا بها تتحدث عن خيبة أمل جيل سوفيتي كامل من موقف فكري كبير في تاريخ الاتحاد السوفيتي . حفزني جوابها على ان استمر بالحديث معها , فسألتها – وهل انت الان ضد سولجينيتسين ؟ فقالت , ان سولجينيتسين ظاهرة فكرية كبيرة في تاريخنا , وان لست  ضده كأديب أغنى الادب الروسي بنتاجات فنيّة بارزة , لكنني الان ضد موقفه السياسي البحت آنذاك تجاه النظام السوفيتي , اذ ان هذا الموقف السياسي لم يكن حينئذ واضحا لنا بما فيه الكفاية من حيث تبعاته المستقبلية على مصير بناء الدولة السوفيتية , ولا يمكن القول طبعا , ان انهيار الاتحاد السوفيتي قد حدث نتيجة موقفه , ولكن هذا الموقف ( وكذلك موقف زملائه ) كان عاملا مساعدا  بلا شك في مصير الاتحاد السوفيتي بشكل عام , ونحن الان نقول , وبحسرة , لو ان الظواهر السلبية الرهيبة , التي كانت موجودة فعلا في الاتحاد السوفيتي , قد تم الاعتراف والاقرار بها , وتحديدها , ومعالجتها بشكل موضوعي علمي دقيق , وبعيدا عن الشعارات العتيقة الطنانة , لكان ذلك افضل كثيرا لنا جميعا , ولو تم الحفاظ على دولة الاتحاد السوفيتي لما حدثت الحرب الروسية الاوكرانية هذه , والتي لازالت مستمرة طوال نصف سنة باكملها .
كلانا صمتنا , وبعد دقيقة من الصمت تقريبا , جاء دورها , فدخلت الى الكشك واشترت صحيفتها , ثم خرجت , ودخلت انا بعدها واشتريت صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا وخرجت من الكشك , فرأيتها غير بعيدة عني , فاقتربت منها وسألتها ضاحكا – مع ذلك , لم افهم لماذا قلت لي , اني مولوديتس ؟ فاجابت ضاحكة ايضا , لاني رأيت - ولاول مرة – رجلا من القوقاز يريد ان يشتري صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا في هذه الايام , وهكذا ( انطلقت !) كلمة مولوديتس بشكل عفوي من لساني , فضحكت انا , وقلت لها , ولكني لست من القوقاز , فسألتني باستغراب شديد جدا جدا , من اين اذن , فانت لست روسيّا كما هو واضح على ملامحك ؟ فقلت لها – انا عراقي من بغداد , فاندهشت اشد الاندهاش عندما سمعت جوابي , ثم قالت – اذن انت مولوديتس فعلا ....

54
عن بيردنيكوف وكتبه حول تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
ولد بيردنيكوف في الامبراطورية الروسية عام 1915 , وتوفي في روسيا الاتحادية عام 1996 , ولم تؤثّر الفترة الصغيرة  من عمره في الامبراطورية الروسية ( اي قبل قيام الاتحاد السوفيتي ) , ولا السنوات الخمس في روسيا الاتحادية ( اي بعد انهيار الدولة السوفيتية ) على مسيرة حياته في مجال البحث العلمي بتاتا , اذ انه كان وسيبقى علما من أعلام المتخصصين السوفيت ( ونؤكّد على كلمة السوفيت ) في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر ضمن الاختصاص العام , وواحدا من المتخصصين السوفيت البارزين , والذين لازالوا يمتلكون صوتهم المسموع بروسيا اليوم في دراسة تشيخوف وابداعه ضمن الاختصاص الدقيق , اي ان بيردنيكوف باختصار شديد- علم في مسيرة الدراسات الاكاديمية حول الادب الروسي عموما , و في مسيرة الدراسات العميقة حول ابداع تشيخوف خصوصا و لحد الان .
لنبدأ اولا بتقديم هذا الباحث الاكاديمي المتميّز للقراء العرب , القراء الذين لا يعرفون – على الارجح – مكانته الحقيقية بمسيرة  البحث العلمي في مجال تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بشكل عام , ولا يعرفون طبعا اهميّته بمسيرة التعمّق  في تحديد واكتشاف عوالم تشيخوف الفنية بشكل خاص , وذلك بتحليل نتاجات تشيخوف قبل كل شئ واستنباط النتائج من هذا التحليل المختبري الموضوعي .
تخرّج بيردنيكوف في القسم الروسي بكليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها )  في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) عام 1939 , ثم التحق في قسم الدراسات العليا بنفس الكليّة عام 1940 , الا ان الحرب العالمية الثانية بدأت عام 1941 , وهكذا اضطر للالتحاق بالخدمة العسكرية , كما هو حال جيله كله , وساهم في تلك الحرب , ثم عاد الى قسم الدراسات العليا بعد الحرب, وأنهى تلك الدراسة بنجاح باهر, وحصل على شهادة (كانديدات العلوم الفيلولوجية ) , اي شهادة (دكتوراه فلسفة) في الادب الروسي, وكان موضوع اطروحته عن أدب تشيخوف المسرحي , واصبح تدريسيّا في نفس قسمه , قسم الادب الروسي بجامعته , ثم تدرّج في الخدمة الجامعية , و حصل بعدئذ على درجة الاستاذية ( بروفيسور) , ثم اصبح عميدا للكليّة , وبعدها انتقل للعمل باماكن كثيرة و متنوعة في المؤسسات الثقافية السوفيتية , وقد كان يشغل دائما مكانا قياديّا في تلك المؤسسات , وفي عام 1962 انجز اطروحة دكتوراه العلوم , التي يسمونها عندنا ( ما بعد الدكتوراه ) , وناقشها بنجاح (وكانت ايضا عن جوانب تشيخوف  الفكرية والابداعية) , وقد استمر بيردنيكوف في مسيرة عمله الاداري الى ان وصل الى منصب الوكيل الاول لوزارة الثقافة في جمهورية روسيا السوفيتية ( اذ كان في كل جمهورية سوفيتية مجلس وزراء خاص بتلك الجمهورية ) , والذي شغله من 1966 الى 1977 , ثم اصبح رئيسا لمعهد غوركي للادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , ولكن كل هذه المناصب الادارية الرفيعة في المؤسسات الثقافية السوفيتية لم توقف نشاطه في مجال البحث العلمي , وهذا هو الموقف الحقيقي للباحث العلمي , اذ كم شاهدنا حولنا من مواهب علمية ( دفنتها !) المناصب الادارية , ونريد ان نتوقف ( وحسب عنوان مقالتنا ) عند الكتب التي نشرها بيردنيكوف حول تشيخوف بالذات , دون التطرّق الى كتبه وبحوثه الاخرى حول تاريخ الادب الروسي .
أصدر بيردنيكوف عدة كتب عن تشيخوف منذ خمسينيات القرن العشرين فصاعدا , وقد تناولت هذه الكتب قبل كل شئ سيرة حياة تشيخوف مرتبطة بمراحل ابداعه وبتداخل جميل جدا , واثبت بيردنيكوف , ان تشيخوف هو ( معاصرنا ) , وقد جاء عنوان أحد كتبه هكذا – ( معاصرنا تشيخوف ) , وتناولت كتبه ايضا مسرح تشيخوف , وكان عنوان هذا الكتاب – ( تشيخوف كاتبا مسرحيّا ) , والذي يقع في 356 صفحة من القطع المتوسط , ويوجد لديه كتاب يبحث في نثر تشيخوف بعنوان – السيدة ذات الكلب الصغير لتشيخوف , وهو كتاب يتحدّث بيردنيكوف فيه عن خصائص الفن القصصي لدى تشيخوف , مع التركيز على قصته الشهيرة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , هذه القصة التي اعتبرها الكثير من نقاد الادب واحدة من أبرز القصص في الادب العالمي , القصة التي خلّدت موضوعة الحب المتأخر و الحقيقي و المستحيل بين الرجل والمرأة , والتي انعكست من الادب على انواع اخرى من الفنون مثل السينما والنحت , وهناك كتاب آخر لهذا المؤلف بعنوان – ( تشيخوف – بحوث فكرية وابداعية ) , والذي يقع في اكثر من 500 صفحة من القطع المتوسط , وقد حاز هذا الكتاب على جائزة الدولة لعام 1985 كأفضل كتاب في مجال الادب والفن في الاتحاد السوفيتي . ويجب الاشارة حتما , الى ان هذه الكتب قد صدرت بطبعات عديدة , وكانت كل تلك الطبعات مزيدة دائما , وقد أدّت ظاهرة اعادة الطبعات هذه , الى ان يكون بيردنيكوف موجودا دائما في المصادر الروسية عن تشيخوف ولحد الان , وكم تستحق هذه الظاهرة في الاجواء الفكرية الروسية ان نتأمّلها بهدوء من قبلنا , اذ انها تجيب عن سؤال مهم جدا مطروح في واقعنا الفكري , سؤال يرتبط بهؤلاء الذين ( يحذفون !!!) دائما كل شئ حدث في مرحلة سياسية معينة من مراحل البلد , بما فيها الاعمال الابداعية في تلك المرحلة , دون ان يدرسوا طبيعة تلك الاعمال وقيمتها و اهميتها , بحجة انها ترتبط  بتلك المرحلة ليس الا , وهذه هي النظرة الساذجة و السطحية للامور , النظرة التي لا تتفهّم الفرق الجوهري بين ( الاخضر واليابس !!!)... والحليم تكفيه الاشارة..

55
كتاب بالروسية صدر في بغداد
أ.د. ضياء نافع
صدرت طبعا بعض الكتب باللغة الروسية في بغداد قبل هذا الكتاب, ولكنها كانت منهجية , اي ترتبط بتدريس طلبة قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد فقط  , أمّا هذا الكتاب , فانه يختلف تماما , اذ انه ليس مدرسيّا , وانما ( وحسب معلوماتنا المتواضعة ) يتوجه للقارئ بشكل عام , وانطلاقا من هذه النقطة الجوهرية وارتباطا بها , يمكن لنا القول ,انه يعدّ اول كتاب بالروسية يصدر في بغداد خارج اطار الكتب المنهجية التي أشرنا اليها , هذا اولا, وكذلك يمكن القول ( اي ثانيا ) , انه اول محاولة نشر لمواد علمية يجمعها طالب  دكتوراه للتحضير لكتابة اطروحته , ويرى , ان هذه المواد مهمة لدرجة , انه قرر نشرها بلغتها الروسية ( اي كما في الاصل الروسي) في بغداد , دون ان يترجمها من الروسية الى العربية (كما يحدث عادة عندما ينشر خريجو الجامعات الاجنبية نصوص اطاريحهم في بلدانهم) , و حول هاتين ( النقطتين المتميّزتين !) في (اولا ) و (ثانيا ) , اكتب هنا بعض السطور التعريفية عن هذا (الحدث الثقافي !) الفريد و غير الاعتيادي بتاتا في مسيرة الكتب و نشرها في بغداد , وطبعا يرتبط هذا الحدث بمسيرة اللغة الروسية في العراق بشكل عام , وهو موضوع مهم جدا بالنسبة لي شخصيا منذ الستينيات في القرن الماضي ولحد الان .
 صدر هذا الكتاب باللغة الروسية في بغداد الان ( ونحن في عام 2022 ) , ويقع في (380 ) صفحة من القطع المتوسط , ويتضمن مقدمة باللغة العربية تشغل 15 صفحة في بداية الكتاب . مؤلف الكتاب د. هيلان كريم المجمعي , الذي كان طالبا عندنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد قبل اربعين سنة , وكان انطباعنا – نحن التدريسيين – عنه ايجابيا دائما , اذ كان هادئا ونظاميّا ومنفّذا لكل الواجبات الدراسية , وهي سمات الباحث العلمي المستقبلي , وقد تذكرت صفاته تلك عندما كنت اتصفح كتابه هذا , الذي جاء تحت عنوان بالعربية هو – ( الكلمات العربية المستخدمة في اللغة الروسية ) , الا ان الترجمة الحرفية للعنوان بالروسية كالآتي – ( المفردات ذات الجذر العربي في اللغة الروسية المعاصرة ) , ويمكن للقارئ ان يلاحظ التباين بين العنوانين العربي والروسي , وهو تباين يختلف بشأنه المتخصصون , اذ ان تلك المفردات اصبحت روسيّة , رغم انها ( ذات جذر عربي ) , وهذه ظاهرة طبيعية جدا وتتكرر  في كل اللغات , وما أكثر الكلمات ذات الجذور الاجنبية في لغتنا العربية , ولا نقول عنها الان انها كلمات اجنبية في لغتنا العملاقة والشامخة بين اللغات , بل يشير المختصون الى جذورها الاجنبية ليس الا في معاجم خاصة ومحدودة التداول , ومن الطريف جدا ان نشير هنا , الى ان  المؤلف نفسه قد ذكر هذه النقطة المهمة حول الكلمات الروسية في مقدمة كتابه, اذ انه أجرى استبيانا في روسيا بين طلبة جامعيين روس , وطرح عليهم اسئلة عن تلك الكلمات ذات الجذر العربي , وتبين نتيجة هذا الاستبيان , انهم يعتقدون , ان هذه الكلمات روسية بحتة , ولا تمتلك اية علاقة باللغة العربية بتاتا , وأنا على يقين , ان الباحث سيصل الى نفس النتائج في حالة اجراء هذا الاستيبيان بين الطلبة العراقيين في بغداد حول الكلمات العربية ذات الجذور الاجنبية .
د. هيلان كريم المجمعي اصطاد عصفورين بحجر واحد عندما أصدر كتابه هذا , كتابه الفريد شكلا ومضمونا بالنسبة للمكتبة العربية بكل معنى الكلمة , العصفور الاول - هو تحقيقه هذا الموقع الريادي والتاريخي في مسيرة اللغة الروسية في العراق , والعصفور الثاني - هو تقديمه للقارئ العربي حوالي 500 مفردة روسية ذات جذر عربي , 500 مفردة تثّبتها المصادر الروسية نفسها , المصادر القاموسية المعتمدة في وثائق اللغة الروسية المعاصرة وتاريخها , الوثائق التي لا يمكن لأحد ( من العرب او الروس او غيرهم ) ان يشكك  في عمقها وصحتها و دقتها وعلميتها , فما أجمل هذا العمل الابداعي يا طالبنا القديم , العمل الذي يحق لنا (ان نباهي به الامم !!!).... 

56
 
عن غرين وأشرعته القرمزية بترجمة نزار كنعان
أ.د. ضياء نافع
هذا كتاب مدهش بدءا من غلافه - ( لوحة تشكيليّة حالمة وملوّنة بشكل ساطع ) , وحجمه - (المتناسق والمنسجم تماما مع سمات عصرنا العاصف وايقاعاته السريعة ) , ومضمونه - ( الرومانسي الواقعي الخيالي الغريب بخليط متجانس رائق ) , ولغته الروسيّة الجميلة الرقراقة , والتي حافظ عليها  - بمهارة ودقّة – المترجم الدؤوب نزار محمود كنعان بلغتة العربيه الصافية , وقد أشار د. نزار في بداية هذا الكتاب الى  شكره الجزيل للاديب علي احمد ناصر (.. .لجهوده الكبيرة في انجاز هذا العمل ... ) , وهي اشارة رائعة تؤكد على الموقف النبيل للمترجم , الذي لا يمكن له الا ان يذكر دور اليد التي تمتد لمساندته , وهذا بحد ذاته تأكيد للقول الشهير في تراثنا عن ( تواضع العلماء ) طبعا , وكل ذلك كان واضحا - و بسطوع - على صفحات هذا الكتاب الرشيق والجميل شكلا ومضمونا , والذي جاء بعنوان – ( ألكساندر غرين // الأشرعة القرمزية // ترجمة نزار محمود كنعان ) , وهو كتاب صادر في موسكو عام 2020 ويقع في 142 صفحة من القطع المتوسط , الكتاب الذي أضافه د. نزار محمود كنعان الى سلسله كتبه المتميّزة العديدة , التي قدّمها لنا في الفترة الاخيرة , وأغنى بها المكتبة العربية في مجال الادب الروسي مثل كتابه الموسوعي الكبير – ( أعلام الشعر الروسي ) , او في مجال اختصاصه العلمي - آفاق علم الفلك المعاصر , مثل كتابه – ( الطريق الى النجوم من أجنحة بن فرناس الى ملحمة فوياجير ) , وغيرها من المؤلفات والمساهمات الثقافية الاخرى له.... .
الاشرعة القرمزية للكاتب الروسي الكساندر غرين , هو الكتاب الذي قال عنه باوستوفسكي – اذا مات غرين , ولم يترك لنا سوى واحدة من قصائده النثرية , واعني – (الاشرعة الحمراء) , فان هذا سيكون كافيا كي نعتبره واحدا من كوكبة عظماء الادباء الروس , ونحن نتفق مع رأي باوستوفسكي الموضوعي والدقيق هذا , وليس عبثا , ان ( الاشرعة القرمزية ) قد تحولت ومنذ الستينيات ولحد الان  الى  (عيد الاشرعة القرمزية ) , الذي يحتفل به خريجو المدارس الثانوية بمدينة بطرسبورغ في اقرب يوم سبت لاطول ليلة بيضاء في تلك المدينة الرائعة الجمال, حيث تمخر سفينة باشرعة قرمزية نهر النيفا وترافقها مسيرة الالعاب النارية المتنوعة , وتستمر هذه الاحتفالات طوال الليلة البيضاء وحتى الصباح , ويشارك بها الملايين من الروس والاجانب , الا ان تسمية هذا المهرجان بعنوان رواية غرين قد تمّ عام 1968 , بينما توفي الكاتب عام 1932 , ولهذا , لا يوجد بتاتا اي ربط مباشر بين الكاتب غرين نفسه وبين هذا المهرجان , الا ان المنظمين الاوائل له استعاروا عنوان تلك الرواية القصيرة لغرين انطلاقا من جماليتها ورومانسيتها وانسجامها مع تلك الفعّالية ,
 ولا يعرف الادب الروسي ابدا تجربة تشبه هذا التقليد الشبابي الجميل في تاريخ روسيا , التقليد الذي يمكن لنا ان نقول – (خلقته !) واحدة من نتاجات غرين الابداعية , ولا مجال للحديث – في اطار مقالتنا – بتفصيل اوسع حول العلاقة المتبادلة بين هذا العيد غير الاعتيادي وبين رواية غرين القصيرة ( الاشرعة القرمزية ) , اذ ان هذه الظاهرة الجميلة تستحق مقالة تفصيلية باكملها .
ألكساندر غرين – مؤلف النتاجات الفلسفية السايكولوجية بعناصرها الخيالية الرمزية في تاريخ الادب الروسي , هو شبه مجهول وشبه معروف (في آن واحد!) للقراء العرب , اذ توجد بالعربية بعض الترجمات لبعض نتاجاته , بما فيها ترجمة اخرى للرواية القصيرة (الاشرعة القرمزية) نفسها , والتي يدور حولها حديثنا هنا بترجمة د. نزار محمود كنعان , الا ان القراء العرب لا يعرفون اهميّة الموقع الحقيقي لهذا الكاتب الروسي في مسيرة الادب الروسي وتاريخه عموما , الكاتب الذي عاش 37 سنة في الامبراطورية الروسية ( من ميلاده 1880 الى ثورة اكتوبر 1917 ) , وعاش 15 سنة في الاتحاد السوفيتي ( من 1917 الى وفاته عام 1932 ) , وامتاز عن جميع الادباء الروس قاطبة ( وعبر كل تاريخ الادب الروسي) بعالمه الخيالي البحت تماما , والذي لا مثيل له في الادب الروسي , لدرجة , انه حتى بعض القراء الروس كانوا يظنون , ان نصوصه الادبية ليست روسيّة , وانما هي لكاتب اجنبي , وانها مترجمة الى اللغة الروسية ليس الا , بل وتم اطلاق تسمية خاصة للمكان الذي تجري به احداث نتاجاته الخيالية , التي لا يمكن ان تحدث على الارض الروسيّة لأنها تمثّل رومانسية جديدة بكل معنى الكلمة , و هذه التسمية هي – غرينلانديا ( اي الارض المرتبطة باسم الكاتب غرين نفسه ) , ولم يتفهم البعض اثناء حياة هذا الكاتب عمق تلك النتاجات وجماليتها غير الاعتيادية , وانه كان ( المترجم بين العالم الواقعي والحلم الانساني ) كما كتب مرة أحد الباحثين الروس المعاصرين , وباختصار , فان غرين هو – أديب المعجزة , التي يحلم الانسان دائما ان يحققها ولو في الخيال , رغم انه قال مرة بحدة معترضا على ذلك  – روايتي رمزية وليس خيالية ... 
 ألكساندر غرين بانتظار الباحثين العرب , كي يقدموا ابداعه ومكانته الحقيقية للقراء العرب , وتحية للدكتور نزار محمود كنعان على مساهمته العلمية في تحقيق هذه الخطوة بكتابه هذا , اذ جاء الكتاب شاملا بمقدمته العميقة واسلوبه السلس الرقيق وصوره الملونة العديدة للفيلم السوفيتي (الاشرعة القرمزية ) الذي انتجته موسكو عام 1961 , وشاهده في حينها عشرون مليونا من المشاهدين .... 

57

الكرخي ونيرودا وغوغول
أ.د. ضياء نافع
   الكرخي , الاسم الاول في عنوان مقالتنا , هو طبعا الشاعر العراقي الكبير و ( المظلوم !!!) عبود الكرخي (المتوفي عام 1946 , ويوجد اختلاف بشأن تاريخ ولادته ,  اذ يقول البعض 1855 وهناك من يقول 1861 ) . يرتبط  عبود الكرخي دائما في وعينا العراقي الاجتماعي (بمجرشتة!) الخالدة (رغم كل الاجتهادات بشأن عائدية هذه القصيدة) ,  المجرشة التي لا تعرفها الاجيال العراقية ( ولا حتى تتصوّرها) منذ اكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمان واقعيا , لكن الاجيال العراقيّة تلك تربط المجرشة تلقائيّا بقصيدة عبود الكرخي عنها ليس الا , وتتذكّر رأسا معاناة تلك المرأة العراقية المسكينة , التي تسب وتلعن ( المجرشة وراعيها !!!) , رغم ان المسكينة تلك تستمرّ بعملها المضني هذا , و ( تجرش وتجرش ...!) بغض النظر عن لعناتها ومسباتها وموقفها , ولازلت أتذكر , كيف كانت بعض الموظفات في كليّة اللغات نهاية القرن العشرين يقولنّ لي ( بسْكوت !!!) , وكنت أنا معاون العميد آنذاك – ( ساعة واكسر المجرشة // وانعل ابو راعيها !) , وهنّ يتضاحكن , لأنهنّ يعلمنّ , انني كنت (اللاحزبيّ) الوحيد في ادارة الكليّة عندئذ , وكنت أنا أضحك بصمت طبعا , لأني كنت أفهم , ماذا يقصدنّ بذلك المقطع من قصيدة عبود الكرخي الخالدة ... ويقال كذلك , والعهدة على الراوي , ان أمير الشعراء احمد شوقي نفسه كان معجبا ببيت من تلك القصيدة , والبيت هو – ( هم هاي دنيه وتنكضي // وحساب اكو تاليها ) .
 وعلى اساس تلك الامثلة المحدودة ( اذ توجد الكثير مثلها حتما عند الآخرين )  يمكن القول وبكل ثقة , ان الدور , الذي تؤدّيه قصيدة ( المجرشة ) هذه لعبود الكرخي في حياتنا العراقية الخاصة و العامة منذ ظهورها في عشرينيات القرن العشرين والى حد الان ( ونحن في بداية عشرينيات القرن الحادي والعشرين) هو دور فريد جدا ومتميّز فعلا في تاريخ العراق الحديث , فما أعظم هذا الدور , الذي تؤديه قصيدة عبود الكرخي الحيوية تلك طوال قرن من الزمان ! 
أما نيرودا , الاسم الثاني في العنوان , فهو طبعا بابلو نيرودا , الشاعر التشيلي الشهير , الذي يعرفه القراء العرب حق المعرفة ,  وقد أضفت اسمه في عنوان مقالتي هذه بعد الكرخي مباشرة , لأني مندهش جدا و معجب جدا بالمقالة الجميلة (والمبتكرة قلبا وقالبا) , التي كتبها المبدع العراقي د. جمال العتابي الموسومة – ( تساؤلات بابلو نيرودا ومستحيلات عبود الكرخي  ) , والتي اطلعت عليها في حينها  بمجلة ( المثقف ) الغراء بتاريخ 2/ 8 / 2020 . لقد أثبت العتابي في مقالته المبتكرة والجريئة والرائعة تلك , ان علم الادب المقارن هو - ( علم بلا حدود !) فعلا , فالشاعر العراقي الكرخي نشر قصيدته قبل ظهور نيرودا أصلا , والقصيدة ذات نكهة عراقية بحتة , والشاعر التشيلي نيرودا كتب قصيدته دون حتى ان يسمع بالكرخي وبلده وقصيدته , ولكن العتابي في مقالته تلك تحدّث بمهارة عن مقارنة الصور الفنية في قصيدتيهما , وقد استطاع فعلا ان يرسم لوحة ذكية وحيويّة و ناطقة وطريفة جدا لتلك المقارنة بين قصيدة نيرودا ( تساؤلات ) وقصيدة الكرخي ( مستحيلات ).
أما الاسم الثالث في عنوان مقالتنا , اي غوغول , فانه ( فرض نفسه !) وأنا أكتب هذه السطور , اذ انه (طلّ) عليّ , وهو يسألني بلهجة ذات معنى واضح المعالم -  كيف يمكن ان تتحدث عن شاعركم العراقي , الذي يقول باستحالة ( ربط البقّة بحبل ! ), دون ان تتذكر استحالة (الانف !) , الذي كان يسيرفي شوارع بطرسبورغ بمفرده ؟ ضحكت أنا , وأجبته , طبعا طبعا يا نيقولاي فاسيليفتش , ارجوك لا , تغضب ,  فاني تذكرت رأسا الصورة الفنية الخالدة في ( انفك !) , رغم ان شاعرنا العراقي لم يطّلع عليها , ولا أظن انه حتى سمع عنها وعنك يا غوغول اصلا , ولكن العتابي كان يتحدث عن تلك الصورالفنية الاخرى , مثل ( علام يضحك البطيخ ساعة ذبحه ؟ ) , اي انه تحدّث عن جانب آخر من جماليات تلك الصور الفنية , الجماليات غير الاعتيادية والشاعرية المدهشة , ولكنه لم يتوقف بتفصيل عند سريالية تلك الصور عند الكرخي , مثل  (ربط البقّة بحبل ) او ( نملة تدفع الملوية ) , هذه الصور التي تذكرنا رأسا بلوحات سلفادور دالي , وطبعا , تعود بنا في نهاية المطاف الى صور( الواقعية الغرائبية) ان صحّ التعبير , التي يعتبر غوغول واحدا من روادها الكبار في الادب الروسي خصوصا , والادب العالمي بشكل عام .
تحية تقدير للعتابي , الذي اوحى لي – عبر مقالته المبتكرة والفريدة - بكتابة هذه السطور , والشكر- قبل كل شئ وبعد كل شئ - طبعا للكرخي ومستحيلاته , و لنيرودا وتساؤلاته , ولغوغول وأنفه .....

58
المنبر الحر / ايرنبورغ والسلطة
« في: 07:43 14/07/2022  »
ايرنبورغ والسلطة
أ.د. ضياء نافع
 ايرنبورغ والسلطة -  هوعنوان لكتاب صدر في روسيا عام 2018 ضمن سلسلة ( اصدارات علمية ) , ويقع هذا الكتاب في 215 صفحة من القطع المتوسط  وعدد النسخ المطبوعة منه هو مئة نسخة فقط .
  عنوان هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا , اذ اني أعرف , ان ايليا ايرنبورغ ولد عام 1891 , اي انه عاش في الامبراطورية الروسية 26 سنة باكملها , وبعد ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية عاش في دولة الاتحاد السوفيتي 50 سنة باكملها , وكان ايرنبورغ طوال حياته مراقبا دقيقا لما كان يحدث في الامبراطورية الروسية وفي الاتحاد السوفيتي , فعن اي سلطة يدور الحديث في هذا الكتاب , السلطة القيصرية ام السلطة السوفيتية ؟ هذا هو السؤال الاول الذي طرحه عنوان الكتاب , وثانيا , أنا أعرف ايضا , ان ايرنبورغ كان في صباه وشبابه مشاركا – وبفعّالية ونشاط -  في معترك الحياة السياسية العاصفة قبل ثورة اكتوبر 1917, وكان مرتبطا بالحياة الحزبية المعارضة آنذاك , وتم الحكم عليه نتيجة مساهماته السياسية تلك , ولكنه ابتعد عن هذا المعترك السياسي بعد هجرته و حياته في باريس بالعشرينيات , ,وانا أعرف ايضا , ان ايرنبورغ بقي ( قريبا وبعيدا في آن واحد !!!) من السلطة السوفيتية و رجالاتها بعد عودته الى روسيا السوفيتية , وانه حافظ على هذا الموقع المتميّز طوال حياته رغم كل الصعوبات المرتبطة بهذا الموقف غير الحزبي  في دولة عقائدية واضحة وصريحة المعالم ايديولوجيّا مثل الاتحاد السوفيتي , و أثار انتباهي حول هذا الكتاب , ثالثا , ( عدد النسخ المطبوعة !) من هذا الاصدار , اذ ان هذا العدد ( اي مئة نسخة مطبوعة فقط ) يعني ان هذا كتاب محدود التداول جدا , وليس للقراء عامة , فلماذا هذا التحديد في التداول بالنسبة لهذا الاصدار ؟, ولهذا , وبحثا عن الاجابات لكل تلك التساؤلات , قررت , انه  يجب عليّ الاطلاع حتما على هذا الكتاب غير الاعتياي والمثير بعنوانه وخصوصيته , وعندها بدأت بالاطلاع على الفهرس اولا , وبعد الفهرس قلت بيني وبين نفسي , انه كتاب يستحق القراءة حتما, وهكذا  بدأت ب (التهامه !) , واريد في اطار هذه المقالة التعريفية الوجيزة ان أدردش قليلا مع القراء العرب عن انطباعاتي حول هذا الكتاب غير الاعتيادي فعلا , الذي صدر ضمن ( اصدارات علمية ) , اذ ان ايليا ايرنبورغ معروف  للقارئ العربي بنتاجاته الابداعية وآرائه النقدية ومواقفه الفكرية .
 يحتوي هذا الكتاب – بالاساس - على وثائق حول العلاقات المتبادلة بين ايليا ايرنبورغ ورجالات السلطة السوفيتية الحاكمة في زمانه , (اي انه يتناول علاقة ايرنبورغ بالسلطة السوفيتية فقط ) , وهم من الاسماء الكبيرة جدا والمؤثّرة جدا في مسيرة الاحداث في الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية في العالم ايضا , وهذه الاسماء هم كل من -  بوخارين وستالين وخروشوف وسوسلوف , وفي هذه ( الوثائق ) الدقيقة حول علاقة ايرنبورغ برجالات السلطة هؤلاء  تكمن - بلا شك – اهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية وطرافته ايضا , اذ ان العثور على هذه الوثائق في عصرنا المتشابك اصبحت مهمة ليست بسيطة ابدا .
الاسماء الاربعة هذه تجسّد واقعيا اربعة مراحل مختلفة في التاريخ السوفيتي فعلا , فبوخارين يمثّل المرحلة السوفيتية الاولى بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 , وهي المرحلة التي انتهت باعدامه عام 1938 من قبل ستالين , والمرحلة السوفيتية الثانية تسمى المرحلة الستالينية بكل ما فيها من اعتقالات واعدامات ومعسكرات وسجون , والتي انتهت بوفاته عام 1953 , حيث ابتدأت المرحلة السوفيتية الثالثة , عندما فضح خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الجزء الاكبر لما حدث آنذاك زمن ستالين , وتسمى هذه المرحلة حسب عنوان رواية ايرنبورغ القصيرة – ذوبان الجليد , أما المرحلة الرابعة (ما بعد خروشوف) , عندما كان بريجنيف على رأس السلطة السوفيتية, فان سوسلوف كان المنظّر الايديولوجي لتك المرحلة . وهكذا سيعرف قارئ  الكتاب , ان بوخارين كان رفيقا لايرنبورغ في المدرسة , وكيف ساعده للتخلص من السجن , وكيف بقي ايرنبورغ وفيّا لذكراه حتى بعد اعدامه , وسيعرف القارئ مواقف ستالين بشأن الادب في العالم وكيف اراد قيادته لصالح الايديولوجية السوفيتية , وسيعرف محاولة ستالين قبيل وفاته بتجميع اليهود السوفييت , وهي محاولة مهمة جدا بالنسبة لمصيرهم , ولمصير اسرائيل , التي قامت لتوّها آنذاك , وتعدّ هذه القضية في غاية الاهمية لبلداننا العربية , والتي تتطلب دراستها من قبل المتخصصين عندنا و بموضوعية تامة , وبعيدا عن ( الهتافات والكلمات الطنانة !) , التي ( غرقنا بها !) مع الاسف , وسيعرف القارئ ايضا , ان خروشوف ليس ذلك الشخص , الذي كان يمكن ان يسير الى النهاية في تنفيذ كل الوعود , التي اطلقها في بداية مجيئه للسلطة , اذ ان البناء الايديولوجي لحكم الحزب الواحد لم يتغيّر في الاتحاد السوفيتي عندها , وسيفهم القارئ ايضا , محدودية افكار سوسلوف  ...
كتاب – ايرنبورغ والسلطة , محاولة مهمة في تجميع المواد الضرورية للبحث العلمي اللاحق في تاريخ العلاقة بين السلطة والابداع الفني , بغض النظر عن الدولة والمبدع , وما أحوجنا نحن الى هذه الاصدارات العلمية , نحن , ابناء هذه البلدان , التي ابتلت بوباء حكم هؤلاء , الذين (يدسّون!) انوفهم في تفاصيل حياتنا  , او, حسب تعبير الشاعر ناظم حكمت – ( .....شواربهم في حسائنا ....) .

59
كاتايف –  البروفيسور التشيخوفي
أ.د. ضياء نافع
عندما يذكرون اسم كاتايف , فان هذا يعني – بالنسبة للمواطنين الروس طبعا – ان الحديث يدور عن الكاتب الروسي تشيخوف و خصائص ابداعه , وهذه ظاهرة نادرة جدا جدا - بشكل عام - في مسيرة الادب الروسي , لم تحدث سابقا , ولم تتكررلاحقا لحد الآن , ونحاول في مقالتنا هذه ان نرسم (ملامح!) هذه الظاهرة للقارئ العربي ليس الا ( الذي لا يعرف – على الاغلب - كاتايف , وحتى لم يسمع بعضهم باسمه أصلا ) , ونحاول ان نوضّح ايضا – لماذا وكيف حدثت هذه الظاهرة النادرة , ونود ان نؤكّد على كلمة ( ملامح ) ونكرّرها , اذ لا  يمكن لسطورنا الوجيزة هذه ان تتوغل في اعماق تلك الاعمال الثرية والمتنوعة وتحدد جوانبها المتشعبة, التي انجزها و قام بها البروفيسور كاتايف طوال حياته في البحث العلمي المعمّق حول ابداع تشيخوف من قصص ومسرحيات ورسائل ومواقف وعلاقات ادبية واسعة جدا, واهمية وقيمة هذا العمل الكبير الذي قام به كاتايف (المتخصص بابداع تشيخوف) بالنسبة لمجمل حركة البحث العلمي و النقد الادبي في تاريخ الادب الروسي عموما, وليس عبثا ولا من باب الصدفة , ان احد الباحثين الروس كتب , في محاولة للتعريف به , قائلا ( وهو على حق فعلا من وجهة نظرنا ) ,  ان  (كاتايف - ...مختص بابداع تشيخوف في تاريخ الادب الروسي قبل كل شئ وبعد كل شئ ... ) .
 كاتايف – تخرّج في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها / القسم الروسي ) بجامعة موسكو عام 1960 , وناقش اطروحة الكانديدات في العلوم الفيلولوجية ( دكتوراه فلسفة ) في نفس الكليّة عام 1965 , وكانت عن ابداع تشيخوف , ثم حصل بعدئذ على شهادة (دكتوراه علوم) في الفيلولوجيا , ( وكانت الاطروحة تلك عن تشيخوف ايضا ), وبدأ بالعمل في نفس كليّته ( الفيلولوجيا ) منذ عام  1968  ولا يزال يعمل هناك لحد الآن , اذ ان القوانين الروسية السائدة لا تفرّط بتلك الكوادر العلمية وخبرتهم المتراكمة , و لا تحيل الى التقاعد التدريسيين بدرجة الاستاذية ( اي الحاصلين على درجة بروفيسور ) , وانما تجعلهم يعملون طوال حياتهم وقدر استطاعتهم وامكانياتهم وحسب رغباتهم الشخصيّة طبعا , ووصل كاتايف – حسب التدرج العلمي الصارم والدقيق للتدريسيين في جامعة موسكو - الى درجة الاستاذية (بروفيسور) في تلك الجامعة , وقد نشرت له جامعة موسكو ثلاثة كتب مهمّة عن تشيخوف من تأليفه , وعنوان الكتاب الاول – نثر تشيخوف ( 1979 ) , وعنوان الكتاب الثاني - ارتباطات تشيخوف الادبية (1989 ) , و عنوان الكتاب الثالث - صعوبة البساطة – قصص ومسرحيات تشيخوف ( 1998 )( وصدرت عام 2005 الطبعة الرابعة لهذا الكتاب المتميّز ) , و اصبح كاتايف رئيسا لقسم تاريخ الادب الروسي بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو منذ اواسط التسعينيات ولحد الان ( ونحن في اواسط عام 2022 ) , وكاتايف عضو هيئة التحرير في مجلة ( تشيخوفسكي فيسنك ) اي ( أخبار تشيخوف , او الاخبار التشيخوفية حسب الترجمة الحرفية ) منذ عام  1998  ولا يزال , وهي مجلة علمية خاصة بدراسة تشيخوف وابداعه فقط , تصدر عن اكاديمية العلوم الروسية , وتتابع هذه المجلة كل الاصدارات الجديدة عن تشيخوف ونشاطات ومشاريع كل المتاحف الخاصة به في المدن الروسية كافة وعروض كل المسارح الروسية لمسرحيات تشيخوف وانعكاساتها و ردود الفعل تجاهها, وكاتايف ايضا رئيس لجنة تشيخوف لمجلس اكاديمية العلوم الروسية في مجال تاريخ الثقافة العالمية , وهو واحد من أبرز المساهمين باعداد المؤلفات الكاملة لتشيخوف في ثلاثين مجلّدا , التي صدرت في الربع الاخير من القرن العشرين , والتي تعدّ أكثر مؤلفات تشيخوف شمولية واكتمالا في روسيا لحد الان , وكاتايف هو المؤلف و المحرر العلمي للهيئة التي أشرفت على اصدار كتاب – (تشيخوف . الانسلكوبيديا ) , بمناسبة مرور 150 سنة على ميلاد تشيخوف والذي صدر عام2011 في موسكو, والذي يقع في  696 صفحة من القطع الكبير , وساهم كاتايف بكتابة عشرات الفقرات حول تشيخوف في ذلك الكتاب الموسوعي الفريد من نوعه بشأن ابداع تشيخوف في تاريخ الدراسات النقدية في الادب الروسي بالنسبة للادباء الروس قاطبة , ونود في ختام مقالتنا هذه ان نتوقف قليلا عند هذا المصدر الفذ في تاريخ الدراسات الروسية حول تشيخوف , المصدر الجديد والمبتكر - شكلا ومضمونا – في نوعيّة دراسات الاسماء الكبيرة بتاريخ الادب الروسي . عنوان هذا الكتاب (الانسكلوبيديا , اي الموسوعة ) يعني ما يعنيه بحد ذاته, فهو موسوعة فعلا , الا ان هذه الموسوعة تختلف كليّا عن المفهوم الكلاسيكي المتعارف علية حول الموسوعة , اذ انها موزعة حسب مواضيع وضعها كاتايف نفسه ,وكل المواد الموجودة في كل موضوع تندرج حسب تسلسل حروف الهجاء , كما هو الحال في بنية الموسوعات , والمواضيع في تلك الموسوعة هي كما يأتي – سجل وجيز لحياة تشيخوف وابداعه /// طريق تشيخوف الابداعي /// نتاجات تشيخوف – النثر , المسرحيات , المطبوعات , دفاتر المذكرات , الرسائل , ويقع هذا الموضوع في اكثر من مئتين صفحة /// شاعرية تشيخوف /// عقيدة تشيخوف . مواقفه الاجتماعية /// الارتباطات الادبية ويشمل ثلاث نقاط – الادباء الروس الذين ظهروا قبله ومعاصروه , والادباء الروس في القرنين العشرين والواحد والعشرين ,  والادباء الاجانب /// تشيخوف والمسرح /// تشيخوف وبقية انواع الفنون /// تشيخوف والثقافة العالمية /// دراسة ابداع تشيخوف ويشمل خمس نقاط – المذكرات عن تشيخوف , الرمزية وتشيخوف ,  تشيخوف في النقد الادبي الروسي خارج روسيا ,  تشيخوف في النقد الادبي السوفيتي وعلم الادب من 1917 الى بداية الخمسينيات , دراسة ابداع تشيخوف في النصف الثاني من القرن العشرين /// متا حف تشيخوف /// تشيخوف في المدرسة .
كاتايف – اسم روسيّ كبير في الدراسات عن تشيخوف وابداعه , وهو ينتظر الباحثين التشيخوفيين العرب .........

60
ميرسكي – مؤرّخ الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
 عندما كنّا ندرس اللغة الروسية وآدابها في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين , لم نكن نعرف مؤرخ الادب الروسي ميرسكي , بل وحتى لم نسمع باسمه أصلا ( لا نحن , الطلبة الاجانب  ,  ولا الطلبة السوفيت ايضا , الذين كنّا ندرس معهم ), وذلك , لأن هذا  ألامير ( هكذا يسمّونه, اذ انه من عائلة ارستقراطية معروفة جدا في الامبراطورية الروسية )  كان ضمن قائمة الاسماء الممنوع تداولها  (وما أكثر تلك الاسماء آنذاك !) في الاتحاد السوفيتي , رغم ان ميرسكي كان عضوا في الحزب الشيوعي البريطاني , وانه عاد الى الاتحاد السوفيتي بعد الهجرة منه ( هاجرمثل معظم المثقفين الروس آنذاك عام 1920 احتجاجا على ثورة اكتوبر 1917 ), عاد لانه اصبح ماركسيا , والتقى مكسيم غوركي ( عندما كان غوركي مقيما في ايطاليا ), وان غوركي نفسه هو الذي أقنعه بضرورة العودة الى الوطن والمساهمة في بناء الاشتراكية , وقد عاد ميرسكي فعلا الى الاتحاد السوفيتي عام 1932 , وحتى التقى ستالين مرّة في بيت غوركي بموسكو , واصبح ميرسكي عضوا في اتحاد الادباء السوفيت ( الذي تأسس عام 1934 بعد انعقاد المؤتمر الاول الشهير للادباء السوفيت برعاية ستالين نفسه , حيث أصبح غوركي رئيسا لذلك الاتحاد )  , لكن كل تلك الخطوات الواضحة المعالم والصريحة جدا في مسيرته (السوفيتية!) بعد عودته الى الاتحاد السوفيتي ومساهماته الواسعة والمتنوعة في الحياة الفكرية السوفيتية , كل ذلك لم ينقذه من حملة الاعتقالات الستالينية الرهيبة , التي بدأت في نهاية الثلاثينيات, والتي أدّت ( كما هو معروف للجميع الان ) الى تصفية الملايين في الاتحاد السوفيتي , وهكذا كان الامر مع ميرسكي ( العائد الى الوطن !) , اذ تم اعتقاله عام 1938, وصدر الحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات بتهمة (الاشتباه بالتجسس!!!)  , ثم مات بعد سنة في معسكر الاعتقال بسيبيريا عام 1939  , وكان عمره آنذاك 49 سنة ليس الا , ولكن – وقبل الحديث عن تفاصيل اخرى حول مؤرّخ الادب الروسي ميرسكي وبصماته الابداعية في هذا المجال – لنبدأ اولا بتعريف القراء العرب به , اذ انه كان (ولايزال مع الاسف ولحد الان ) مجهولا بالنسبة لهم تقريبا .
ولد دميتري بيتروفيتش ميرسكي عام 1890 في عائلة ارستقراطية , وكان والدة جنرالا في الجيش الامبراطوري الروسي , وحتى شغل  منصب وزير الداخلية في الامبراطورية الروسية ( للفترة من 1904 الى 1905 ) , واصبح ميرسكي عام 1908 طالبا في جامعة بطرسبورغ , حيث بدأ بدراسة اللغتين الصينية واليابانية في الكلية الشرقية بتلك الجامعة ( كان يتقن آنذاك اللغتين الانكليزية والفرنسية كما هو حال ابناء الارستقراطية الروسية ), وأصدر عام 1911 مجموعة شعرية تضم قصائده من ( عام 1906 الى عام 1910 ) , ولكنه ترك الجامعة عام 1911 لاستدعائه للخدمة العسكرية في الجيش الروسي , وبقي في الخدمة العسكرية لمدة سنتين وعاد الى الجامعة بعد ذلك ( اي في عام 1913 ) , لكن لدراسة علم اللغات وآدابها الكلاسيكية , وأقام علاقات مع أخماتوفا  ومندلشتام  وبقية شعراء مجموعة ( الذروة - الاكمايزم ) , الا ان الحرب العالمية الاولى , التي بدأت عام 1914 , اوقفت كل نشاطاته , اذ تم الاستدعاء مرة اخرى للخدمة العسكرية , وهكذا شارك في تلك الحرب , واصيب بجراح عام 1916 , فتم ارساله الى القوقاز , وحدثت ثورة اكتوبر عام 1917 , وبدأت بعدها الحرب الاهلية الروسية بين ( الحمر والبيض !) كما هو معروف في مسيرة التاريخ الروسي , وكان ميرسكي مع ( البيض ), بحكم كونه أحد افراد الجيش الامبراطوري , وهكذا اضطر ان يهاجر من روسيا عام 1920 , وبعد بولندا واليونان , وصل الى لندن عام 1921 , وبقي هناك الى عام 1932 , وفي لندن اصدر عدة كتب باللغة الانكليزية ( والتي كان يعرفها بشكل جيد جدا ويستخدمها في كتاباته ) حول الادب الروسي وتاريخه, ومنها عدة كتب ( انطولوجيا ) تضم نصوصا من الشعر الروسي , وألقى سلسلة من المحاضرات عن الادب الروسي في جامعة لندن , وحصل على درجة الماجستير ( عام 1926 ) من تلك الجامعة العريقة , وكانت اطروحته عن بوشكين , وأصبح أحد محرري مجلة انكليزية نقدية , كانت تصدر باشراف الشاعر أليوت نفسه ...
بعد اعتقاله عام 1938 , ثم وفاته في معتقل سيبيريا عام 1939, تم حظر كل مؤلفاته في الاتحاد السوفيتي , وتم منع اسمه من التداول في الاوساط الادبية السوفيتية , واعيد الاعتبار اليه عام 1963 , ضمن تلك الاسماء الكثيرة من المعدومين والمعتقلين والمسجونين الابرياء , بعد التغييرات الجذرية المعروفة في الحياة السوفيتية اواسط القرن العشرين , وهكذا بدأت كتب ميرسكي بالظهور مرة اخرى في نفس روسيا , ومنها  كتابه المهم جدا , الموسوم – تاريخ الادب الروسي منذ الازمان القديمة الى عام 1925 , الذي صدر في روسيا عام 2005 , ويقع في 965 صفحة من القطع المتوسط , وقد تم ترجمته عن الانكليزية , اذ ان ميرسكي أصدره في لندن عام 1927 , ولازال  هذا المصدر المهم في تاريخ الادب الروسي يطبعونه ويعيدون طبعه في انكلترا , وهو الكتاب , الذي قال عنه نابوكوف , انه ( ...أفضل كتاب حول تاريخ الادب الروسي بأي لغة , بما فيها اللغة الروسية ...)

61
وبالعربية ( ليث ) تولستوي...
أ.د. ضياء نافع
كانت الجلسة العفوية هذه مرحة جدا جدا ومليئة بالضجيج والانفلات من كل نظام في النقاشات , اذ تكلمنا جميعا ( وتقريبا في آن واحد !) عن ترجمة اسم تولستوي الى الانكليزية والفرنسية , واعترضنا ( وبالاجماع !) , لأن الانكليز يسمونه ( ليو ) والفرنسيون يقولون انه ( ليون ) , اي ان كلاهما لا يعترفان , ان اسمه ( ليف ) بالروسية .
الامر ابتدأ , عندما طرح ف . سؤالا دقيقا , وهو – هل انهما يترجمان اسمه من حيث المعنى , ام انهما يرفضان اسمه الروسي ولا يعترفان به ؟ وقال موضّحا , اذا كانوا يريدون ترجمة معنى الاسم , فعملهم صحيح , واذا يرفضون اسمه الروسي فعملهم خطأ في خطأ . أجاب ص. قائلا ( وهو يكاد ان يصرخ !) , عملهم خطأ في خطأ بالحالتين , فكيف نترجم معنى الاسم الى اللغات الاخرى ؟ , وأنا ضد تلك الظاهرة الخاطئة سواء قام بها انكليزي او فرنسي او اي شخص آخر في العالم و من أي قومية اخرى  , ونقطه راس سطر . نال هذا التعليق الحازم والصارم والحاد تأييد الجميع ( بالصراخ والهتافات والتصفيق  !) وليس بالتصويت طبعا , وبدأت (قفشات !!!) التطبيق والامثلة من الآخرين  , اذ قال ل. ان اسم تولستوي بالعربية سيكون ( ليث ) تولستوي , بدلا من ( ليف ) تولستوي بالروسية , لأن ذلك ( أحلى !) للاذن العربية بألف مرّة من كل هذا ( الليونيّات الانكليزية والفرنسية كافة !) , وعلّق م. ضاحكا , بل انا اقترح , ان يكون اسمه ( ضرغام ) , حتى يكون تولستوي أقرب للعرب قلبا وقالبا , اذ لن يستطيع الانكليزي والفرنسي والروسي طبعا ان يلفظ ( ضرغام ) ابدا , وعلّق ح. وهو يقهقه , يستطيع  يستطيع , اذ سيقول ( دركام ) , وصاح ع. من بعيد , بل هزبر , هزبر ,  واستمر سيل المقترحات من هنا وهناك وسط قهقات الجميع وصراخهم  – أسد أحسن .... سبع أكثر قربا للهجتنا ....
هدأت عاصفة التعليقات بعد ان ( تعبنا !) من الصراخ والقهقهات والمقترحات الساخرة , و ذكّرنا أحد الزملاء من الحاضرين في الجلسة , ان الكثير من المترجمين العرب , ومنهم سامي الدروبي و غائب طعمه فرمان كانوا يسمون  تولستوي ( ليو ) ايضا , بدلا من ( ليف ) , رغم ان غائب طعمه فرمان  كان يعيش في موسكو ويعمل في دور النشر السوفيتية , التي تترجم الادب الروسي . ساد الصمت قليلا , اذ ان اسم غائب طعمه فرمان مهمّ جدا  بالنسبة لمسيرة الثقافة في العراق  و عزيز علينا جميعا , وقلنا , نعم , هذا صحيح , لأن غائب كان مترجما عن الانكليزية الى العربية , وبهذه الصفة وصل الى الصين ( ولم يكن يعرف اللغة الصينية ) , وعمل في دور النشر بالعاصمة بكين , ثم انتقل بعد فترة وجيزة الى موسكو للعمل مترجما عن الانكليزية الى العربية ايضا , اذ انه لم يكن يعرف اللغة الروسية بتاتا , ولكنه تعلّمها بعدئذ بجهوده الخاصة نتيجة للفترة الطويلة من الحياة في موسكو والتعايش مع الروس هناك , رغم انه استمر طوال حياته بالتحدّث  غير السلس ( بتعبير دبلوماسي ! ) بها , وكان واضحا لأي شخص , ان غائب لا يستطيع التحدث بطلاقة عند الكلام بالروسية , ولكن غائب اصبح ظاهرة فريدة ومدهشة في مجال الترجمة بعد ان تعلّم الروسية , اذ انه كان يترجم عن الانكليزية ويقارنها بالروسية في آن واحد , او بالعكس , اي يترجم عن الروسية ويقارنها بالترجمة الانكليزية , ومن بين الثمانين كتابا التي ترجمها بهذه الطريقة الرائعة ,هناك كتابان لتولستوي  , يحتويان على قصص له , وقد صدرا ( حسب ذاكرتنا ) باسم ( ليو تولستوي ) وليس ( ليف تولستوي ) ,  رغم انهما صدرا آنذاك عن دار النشر السوفيتية في موسكو نفسها .
قال صديقنا , الذي كان يستمع الى كل ضجيجنا وتعليقاتنا الساخرة صامتا طوال الوقت -  انكم ايها الاصدقاء تتحدثون عن مسألة ثانوية جدا في مجال الادب الروسي , وهي اسم تولستوي , بينما نسيتم , اننا , نحن العرب , لا نمتلك لحد الان بالعربية سوى ذلك الجزء اليسير من مجموعة المؤلفات الكاملة لتولستوي , هذه المؤلفات التي تقع بتسعين مجلّدا ( وهو رقم فريد بين مؤلفات الادباء في العالم) , وقد بدأت روسيا بطبعها عندما احتفلت عام 1928 في الذكرى المئوية الاولى لتولستوي  ,  وان روسيا تستعد – ومنذ زمن ليس بالقصير – للاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لتولستوي في عام 2028 , وان هناك لجان عديدة تعمل من اجل اصدار مجموعة جديدة لمؤلفاته الكاملة , والتي يتوقعون ان تكون أكثر من مئة جزء هذه المرة , وأضاف صاحبنا قائلا , لماذا لا تتكلمون , مثلا , اننا لا نمتلك لحد الان ترجمة مباشرة عن الروسية لروايته الملحمية الكبرى ( الحرب والسلم ) ؟ أجاب أحدهم معلّقا – يقال , ان معهد الترجمة في موسكو طرح مرة مقترحا بشأن ترجمة رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) عن الروسية الى العربية مباشرة , وأبدى المرحوم خيري الضامن في حينها استعداده لانجاز هذا المشروع , ولكن كل ذلك لم يتحقق مع الاسف .
بعد تعليق صديقنا ( الصامت !) عن مؤلفات تولستوي التسعين , وبعد الاعلان (المثير!) بشأن مصير ترجمة ( الحرب والسلم ) عن الروسية مباشرة , بقينا جميعا صامتين , ونسينا ضجيجنا وتعليقاتنا الساخرة عن اسم تولستوي ...

62
بيت بوشكين في اكاديمية العلوم الروسية
أ.د. ضياء نافع
ولد بوشكين عام 1799 , و قد احتفلت الامبراطورية الروسية عام 1899 بالذكرى المئوية الاولى لميلاده , وفي تلك الاحتفالات المتنوعة في روسيا ظهرت فكرة تأسيس ( بيت بوشكين ) , او , حسب الترجمة الحرفية - ( البيت البوشكيني ) , اعتزازا بابداعه وحفاظا على قيمة هذا الابداع ومكانته واهميته  في تاريخ الفكر الروسي عموما , وقد حظيت الفكرة بعدئذ بدعم وتأييد الدولة الروسية ورعايتها , ووصل الامر الى صدور موافقة تحريرية (وأمر اداري تفصيلي بشأن تنفيذها و تحقيقها وتمويلها) من قبل القيصر الروسي نيقولاي الثاني نفسه ( آخر قياصرة الامبراطورية الروسيّة كما هو معروف ).
الفكرة بدأت عندما تمّ جمع اكثر من (700) مادة متحفية ثمينة ماديّا ومعنويّا , و ترتبط ( بشكل مباشر او غير مباشر ) ببوشكين ومسيرة حياته وابداعه , وذلك لغرض تنظيم معرض خاص بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده , وبدأ الحديث آنذاك عن ضرورة اقامة تمثال جديد لبوشكين في هذه المناسبة , وقد اقترح رئيس اكاديمية العلوم الروسية عندئذ تشكيل لجنة خاصة من المثقفين الروس الكبار لمناقشة موضوع التمثال ,  واثناء سير المناقشات وتشعباتها في جلسات تلك اللجنة ولدت فكرة جديدة كليّا , وهي تاسيس ( بيت بوشكين ) بمثابة متحف او مركز ادبي يجمع كل المواد الارشيفية المرتبطة ببوشكين (وبقية ادباء روسيا في القرن التاسع عشر) , وذلك تخليدا لهم و حفاظا على تلك المواد الثمينة من الضياع والتلف اولا , ولدراستها وتحليلها من قبل المتخصصين ثانيا نظرا لاهمية تلك المواد لتدوين تاريخ و مسيرة الادب الروسي , وحدث ذلك يوم 15 ديسمبر/ كانون الاول عام 1905 , ولهذا تم اعتبار هذا اليوم - تاريخ تأسيس ( بيت بوشكين ) منذ ذلك الحين والى يومنا الحالي , وقد وافق القيصر عام 1907 على تمويل هذا المشروع المهم من قبل الدولة الروسية كليّا , بما فيها - جمع كل ما له علاقة بحياة بوشكين وابداعه وحفظها هناك , وكذلك جمع كل ما له علاقة بحياة وابداع الادباء الروس الكبار الآخرين لنفس الغرض النبيل هذا . وكانت مكتبة بوشكين طبعا اول خطوة تطبيقية في هذا المجال , وتم شراء هذه المكتبة فعلا باكملها من قبل الدولة ,وتمّ وضعها في ( بيت بوشكين ) , كبداية لتأسيس مكتبة عامة في ذلك ( البيت !) , واعقبت تلك الخطوة التخطيط لشراء مكتبة اخرى اسسها أحد المواطنين الروس , الذي كان معجبا جدا بابداع بوشكين لدرجة انه أطلق على نفسه لقب ( اونيغين ) , اي مثل لقب بطل الرواية الشعرية لبوشكين ( يفغيني اونيغين ) , وقد هاجر هذا المواطن الروسي في حينها للعيش في باريس , وهناك أقام متحف لبوشكين في شقته الباريسية , وهو أول متحف لبوشكين بشكل عام , والذي عرض فيه كل ما حصل عليه حول بوشكين , واهمها طبعا الكتب التي نشرها بوشكين نفسه وكل المؤلفات حوله , والتي جمعها طوال حياته , وتمّ فعلا شراء كل محتويات ذلك المتحف وحسب الشرط الذي وضعه اونيغين نفسه , و ينص هذا الشرط على استلام كل تلك الكتب بعد وفاته , و قد توفي اونيغين عام 1925 , وتمّ نقل تلك المكتبة الثمينة عام 1928 من ذلك المتحف في باريس الى بيت بوشكين في روسيا , وتوسّع  مشروع  (بيت بوشكين) هذا , وضمّ بعدئذ مكتبات ومخطوطات ومسودات كل من تورغينيف وليرمنتوف ونكراسوف وتولستوي ودستويفسكي , وقررت الدولة السوفيتية  تحويّل بيت بوشكين عام 1930 الى ( معهد الادب الروسي ) في اكاديمية العلوم , مع الاحتفاظ بالاسم التاريخي له , وهو بيت بوشكين , وهكذا اصبح يسمّى منذ ذلك التاريخ ولحد الان – معهد الادب الروسي ( بيت بوشكين ) في اكاديمية العلوم الروسية .
معهد الادب الروسي ( بيت بوشكين ) في اكاديمية العلوم الروسية يقع في مدينة بطرسبورغ الروسية , وهو معهد بحوث ودراسات تابع لوزارة العلوم والتعليم العالي الروسية , ويحتوي هذا المعهد على اقسام علمية – بحثية عديدة , وتوجد فيه مراكز علمية ومجاميع متنوعة وعدة مختبرات , ومتحف أدبي فريد من نوعه , وقسم فخم للمخطوطات والتسجيلات ( بما فيها تسجيلات فولكلورية لشعوب العالم ) , و قد أصدر هذا المعهد الكثير من الكتب والمصادر الاكاديمية في الادب الروسي , منها مثلا ( وليس حصرا ) -  مجلة فصلية تصدر منذ عام 1958 ولحد الان دون انقطاع ( اي طوال 64 سنة ) , واسم المجلة – الادب الروسي , وتعد هذه المجلة واحدة من أشهر المجلات الاكاديمية العلمية المعتمدة  بروسيا في مجال دراسات الادب الروسي بمراحله كافة ( من الادب الروسي القديم الى الادب الروسي المعاصر ), وتشترك في هذه المجلة معظم اقسام اللغة الروسية وآدابها في الجامعات العالمية , وأصدر المعهد ( 62) مجلّدا من أعمال قسم الادب الروسي القديم  , و( 33) مجلّدا للفلكلور الروسي , و(40) مجلّدا بعنوان بوشكين ومعاصروه ...و.. و.. و.. , ولا مجال هنا لذكر الندوات والؤتمرات العلمية العديدة جدا , التي قام هذا المعهد بتنظيمها حول الادب الروسي طوال كل هذه السنين ...
معهد الادب الروسي ( بيت بوشكين ) في اكاديمية العلوم الروسية – مثل رائع يُحتذى به عالميا  ,ولكل الشعوب, لدراسة آدابها وتوثيقه  , وما أحوج أدبنا العربي العملاق الى مؤسسات أكاديمية مماثلة ..... 

63
عن دستويفسكي ومعطف غوغول مرة اخرى
أ.د. ضياء نافع
 اتابع طبعا ( وحسب امكانياتي المتواضعة ) الكتابات العربية حول الادب الروسي دائما , و أنا سعيد جدا بتوسّع تلك الكتابات وتعمّقها وموضوعيّتها بشكل عام مقارنة مع واقعها الذي كان في القرن العشرين , وخصوصا في بدايات النصف الثاني من ذلك القرن , عندما كانت سائدة في تلك الكتابات النظرة السياسية الضيّقة والساذجة و(المعلّبة!) ان صحّ التعبير , سواء من قبل اصدقاء الادب الروسي ( سياسيّا !) او المعادين له ( سياسيّا ايضا !) , اذ كان الادب الروسي آنذاك ( عملا سياسيا بحتا !) ليس الا . الا اني – وللأسف -  ( اصطدم بالمعنى المباشر وغير المباشر !)  بعض الاحايين – ولحد الان -  بمجموعة من المفاهيم و التعابير غير الدقيقة ( بلغة الدبلوماسية طبعا , اذ يجب استخدام صفات اخرى حتما حول ذلك !!)  , وعندما ( اصطدم بها !) , أقول (بيني وبين نفسي وانا احاول تبريرها) , ان هذا التعبير او ذاك حدث بشكل عابر ومتسرّع , او , ان هذا المفهوم لن يتكرر لاحقا في الدراسات القادمة لنفس هؤلاء الكتّاب, او , انه ربما خطأ مطبعي فقط , او ,  من المحتمل انه سهو ليس الا , او... , أو ... الخ , ولكني بدأت الاحظ – ومع الاسف والاسى - تكرار هذه التعابير هنا وهناك ( وبعض الاحيان عند اسماء ليست مجهولة من الباحثين ) , ولهذا اود هنا ان اتكلم قليلا عن ذلك  في هذه السطور , اذ انها فعلا ( تخدش !) النظر ( بتعبير مخفف !) , خصوصا عندما نراها امامنا وهي مطبوعة في مقالات او ( وتلك هي المصيبة ) حتى في كتب ,  فالعين تبقى (بصيرة!) , رغم ان اليد قصيرة .
 الظاهرة , الذي اريد الاشارة اليها و التركيز عليها هنا , هو تكرار قول ينسبونه بشكل خاطئ الى دستويفسكي , وهذا القول هو  – (كلنا خرجنا من معطف غوغول) . لم يعد لهذا المفهوم اي اساس في الكتابات عن الادب الروسي في روسيا نفسها منذ اكثر من نصف قرن تقريبا , اذ اثبت الباحثون الروس انفسهم , و بما لا يقبل الشك , ان دستويفسكي لم يكتب ابدا هذه الجملة في كل مؤلفاته الادبية او كتاباته النقدية او رسائله الشخصية , ولم يكتب أحد من أصدقائه او معارفه او معاصريه بشكل عام انه سمع هذا القول من دستويفسكي , وبشكل عام , فان هذا المفهوم لا ينسجم مع الخصائص الفنيّة لابداع دستويفسكي وفلسفته الدينية , المرتبطة – كما هو معلوم - بمسيرة الكنيسة الروسية الارثذوكسية , وتحليله النفسي المعمّق , وليس عبثا , ان فرويد بالذات هو أحد تلامذة دستويفسكي , أمّا غوغول , فهو رمز الواقعية الغرائبية , الواقعية الممزوجة عضويا بالخيال الابداعي غير الاعتيادي , وليس عبثا , ان  بيكاسو وسلفادور دالي هما من تلامذة غوغول , والفرق شاسع بين فرويد من جهة وبين بيكاسو ودالي من جهة اخرى . وأذكر اننا تحدثنا عن ذلك في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد قبل اكثر من ثلاثين سنة مضت , ونشرت مقالة حول ذلك في مجلة ألف باء العراقية آنذاك ( أشار اليها قبل فترة مؤرشف الادب الروسي في العراق د . منذر ملا كاظم ) , ونشر بعض الباحثين ايضا مقالات بشأن ذلك , وأخص بالذات المقالة التفصيلية و الموضوعية حول هذا الموضوع للباحث العراقي الكبير في مجال الادب الروسي د. جودت هوشيار , ولكننا لا زلنا نرى – ولحد الآن – ان هذا القول غير الدقيق ( ولا اريد ان أقول اكثر !) حول دستويفسكي وانه ( خرج من معطف غوغول ) يرد هنا وهناك في مقالات عربية عديدة , وقد ( اصطدمت !) بهذا القول شخصيا في كتاب عن الادب الروسي صادر عام 2020 , وتعجبت ليس الا من ذلك , وقلت بيني وبين نفسي – آه لو استطيع ان أهمس في اذن هذا الباحث ,  أن دستويفسكي يبلّغك تحياته , واوصاني ان اقول لك , انه (لم يدخل ولم يخرج !) من معطف غوغول , وان كل هذه ( الحكاية !!!) اختلقها صحافي فرنسي في بداية القرن العشرين بكتاب له عن الادب الروسي , وانتشرت هذه الجملة الغريبة ذات البناء اللغوي الطريف, كما تنتشر كل الاقاويل والثرثرات والوشايات بين الناس ,  مثل (النار في الهشيم) , كما يقول تعبيرنا العربي الشهير ...
دستويفسكي – سيداتي سادتي – لا علاقة له بمعطف غوغول , ولا تورطونا بكتاباتكم وتصريحاتكم عن مسألة في تاريخ  الادب الروسي حسمها الباحثون الروس انفسهم منذ زمن بعيد , فهناك قراء عرب يتابعون ويحللون ويستنتجون ...والكلمة المطبوعة والمنشورة – موقف واضح وثابت ودليل مادي , ولهذا يجب التفكير بشكل جديّ قبل نشر تلك الكلمات...   




64
حوار غريب مع شخص مجهول
أ.د. ضياء نافع
التقينا صدفة في موسكو , وسألني عن مدينتي , وتعجّب كثيرا عندما علم اني من بغداد , وطرح عليّ سؤالا توضيحيا رأسا – من (بكداد) العراق ام من (بكدادي) جورجيا ؟ , فضحكت أنا , وكررت - (من بكداد الاصلية) , التي كانت ولازالت وستبقى عاصمة العراق , فقال  رأسا , أما أنا , فتركي من أذربيجان , فتعجبت أنا بدوري , وقلت له , اني أعرف الكثيرين من الاذربيجانيين , وكلهم  يقولون انهم أذربيجانيون من أذربيجان , أما انت فتقول – تركي من اذربيجان , فقال , نعم , هذا صحيح , أنا أذربيجاني من أذربيجان طبعا , وأذربيجان جزء من ( العالم التركي الواسع) ,  لكني قلت لك , اني تركي من أذربيجان , لأني أردت ان اذكّرك , ان الامبراطورية العثمانية كانت تضمّنا معا طوال قرون عديدة من الزمان في الماضي (رغم ان أذربيجان القوقازية ذات خصوصية) , الا انكم – العرب - قررتم الانفصال عنها والذهاب حتى للتعاون مع اعداء تلك الامبراطورية الاسلامية العظمى , الاعداء الذين كانوا يحاولون اسقاطها وتقاسم املاكها واقاليمها , ولهذا أصابكم ما أصابكم من ويلات و مصائب , وانكم تدفعون – ولحد الان -  ثمن تلك المواقف الانفصالية الرهيبة التي اتخذتموها ضد الامبراطورية المذكورة , وهو ثمن غال جدا جدا , ولا نعرف الى اين ستصل بكم لاحقا كل خطواتكم الانفصالية تلك , فالمستقبل المنظور غير واضح امامكم  .
 كان جوابه استفزازيا جدا بالنسبة لي وغير متوقع بتاتا , مما اضطرني ان أقول له رأسا وبشكل مباشر وحاد ايضا , اننا نسمّي تلك المرحلة التي تتحدث عنها بالفترة المظلمة , ونطلق عليها - ( السّبات العثماني) في تاريخنا العراقي الحديث , وانت تتهمنا ( بالانفصال عن الامبراطورية العثمانية العظمى والتعاون مع اعدائها !) . وقد لاحظ ( التركي من أذربيجان !)  طبعا رد فعلي الغاضب و الحاد هذا على كلماته, وابتسم , في محاولة لتخفيف التوتر بيننا , وقال ضاحكا – سّبات بين الاهل والاقارب افضل من يقظة بين الغرباء , ولا اريد ان اقول الاعداء , والتجربة تبين الان بوضوح , ان هذه الطريقة , التي اخترتوها لليقظة من ذلك السّبات , لم تكن صحيحة ابدا , وانكم الان – نتيجة لعملكم المذكور - امام مفترق طرق , وكلها ليست جيدة , وأحلاها مرّ. 
حاولت تجاهله ليس الا , وحاولت عدم الاستمرار بالنقاش مع هذا ( التركي من أذربيجان !) حول هذه القضايا التاريخية ( الساخنة لحد الآن من وجهة نظره ونظر المؤيدين له !) , وقد لاحظ هو ذلك طبعا , و قال لي ( في محاولة لاستفزازي على ما يبدو !) – من الواضح تماما انك لا تريد ان تستمر معي في هذا الحوار , وهو موقف ضعيف جدا من جانبك , اذ انكم لا ترغبون ولا تحبون – بشكل عام -  الاستماع الى آراء لا تتوافق مع افكاركم , ولا تعترفون بالرأي الآخر بتاتا , فقلت له موضّحا ( وانا احاول ان ابتسم) -  ليس لهذا السبب الذي تذكره , وانما لاننا ( شبعّنا !!!) من آراء ( المحللّين السياسيين الفطاحل !!!) , الذين ( يعرفون كل شئ حول الماضي السحيق والحاضر المرير وعلم المستقبليات ايضا !!!) . لم تعجبه جملتي طبعا , وقال متحديا – ان الامبراطوريات لا تموت ببساطة , واحداث الحرب الروسية – الاوكرانية ونحن في اواسط عام 2022 خير دليل على صحة ما أقول . تذكرت القول العربي المشهور – (آخر الدواء الكيّ ) وقلت بيني وبين نفسي , يجب عليّ فعلا ان استخدمه للتخلص من هذا الكابوس الذي فرض نفسه فرضا , وهكذا قلت له ساخرا كي انهي هذا الحوار العبثي – لا تخلط الاوراق بهذا الشكل كما يفعل المحللّون السياسيون وهم يتخبطون ب (غزارة  علومهم !!!), والا , فاننا – نحن العرب – سنطالب ( انطلاقا من نفس تلك المفاهيم التي تؤكّد عليها ) باذربيجان نفسها , لانها كانت ضمن (امبراطوريتنا !) في تلك الايام الخوالي. لم يتوقع طبعا جوابي هذا ابدا , وانزعج  أشد الانزعاج , وتركني غاضبا ......

65
  شئ عن احدى حكايات تولستوي
أ.د. ضياء نافع
 عنوان هذه الحكاية الشعبية هو - الاسد والكلب الصغير , وهي حكاية صغيرة جدا  تشغل اكثر او أقل من صفحة واحدة فقط لا غير في مؤلفات تولستوي العديدة المطبوعة باللغة الروسية ( سواء الكاملة او المختارة), صفحة في حدود العشرين سطرا او اكثر قليلا ليس الا . تولستوي نفسه أسماها ( قصة حقيقية ) وليس حكاية شعبية , ولكنها – واقعيا -  تندرج دائما ضمن حكاياته الشعبية الشهيرة , ومن المؤكد ان تولستوي ليس عبثا قد أسماها قصة حقيقية , رغم ان اطارها العام يمتلك سمات و خصائص فولكلورية طبعا , اذ انها تتحدث عن أسد وكلب صغير كما يشير عنوانها , الا انها ( قصة حقيقية فعلا !) لأنها خالية تماما من ألاجواء الخيالية وتفصيلاتها المتشعّبة من حوار بين الاسد والكلب الصغير مثلا وغير ذلك من الاحداث المرتبطة بمسيرة علاقاتهما معا ...الخ , والتي غالبا ما تكون قائمة في الحكايات الاسطورية عن الحيوانات (وهي حكايات معروفة من قبل القراء) , لدرجة , ان احدى الامهات الروسيات كتبت تعليقا حول حكاية تولستوي الشعبية هذه , وقالت في تعليقها , انها تنصح زميلاتها الامهات الروسيات (بعدم قراءة هذه  الحكاية !) لاطفالهّن قبل النوم ( كما يحدث عادة في البيوت الروسيّة ) , اذ انها ( جرّبت ذلك مرّة , فاجهشت – بعد الانتهاء من القراءة - هي وابنتها بالبكاء , لدرجة ان  صغيرتها نامت وهي في اشد حالات الحزن !!!) , وقد أثارني جدا تعليق الام الروسية هذه حول حكاية تولستوي ( الاسد والكلب الصغير) , وذكّرني هذا التعليق طبعا - مرة اخرى واخرى -  بعظمة الفنون الجميلة ( باشكالها وانواعها المختلفة كافة) وسلطتها وجبروتها وقوّتها المعنوية وتأثيرها العميق على الاحاسيس الانسانية وعلى مسيرة حياة الناس بشكل عام , و هذا التعليق الحزين للامّ الروسيّة هو الذي دفعني ايضا ان  اكتب هذه السطور حول حكاية تولستوي – الاسد والكلب الصغير , اذ ان الحكاية الشعبية عادة لا تثير مثل هذه الاحزان والدموع , بل انها أقرب الى المرح و الابتسامة  من أجل الوصول الى الحكمة العميقة الهادفة التي تسعى اليها الحكايات بشكل عام , وان القارئ على الاغلب يقرأ الحكاية الشعبية كي ( يتوّنس ويفرفش !) كما نقول بلهجاتنا العربية المتنوعة , وليس كي يبكي و يذرف الدموع ويتأّلم , ولهذا , فاني قلت بيني وبين نفسي ( بعد هذا التعليق الحزين للسيّدة الروسية ) انه من الضروري أن أتأمّل بهدوء اجواء حكاية تولستوي هذه وأتعمّق في مضمونها قدر استطاعتي , اذ لعلني أقدر في هذا التأمّل العميق ان أحدد السبب الذي جعل هذه الام الروسية تبكي مع طفلتها عند قراءة تلك الحكاية , التي تبدو بسيطة جدا للوهلة الاولى .
مضمون الحكاية – بايجاز شديد -  حزين فعلا , فهو يتحدث عن أسد يعرضوه للمشاهدين في قفص , و يجب على المشاهدين طبعا ان يدفعوا ثمنا لمشاهدة العرض او ان يجلبوا معهم طعاما للاسد من لحوم او فريسة له من كلاب او قطط , وقد جلب احد هؤلاء المشاهدين كلبا صغيرا كفريسة له , ورموا هذا الكلب الى الاسد , لكن الاسد امتنع عن افتراسه , بل و اصبح هذا الكلب الصغير بالتدريج (صديقا!) للاسد , و هكذا عاش لمدة سنة بأكملها معه في القفص , ولكن هذا الكلب الصغير تمرّض , ثم مات , ولم يسمح الاسد لاحد ان يحمل الكلب الميّت من القفص , وقد حاولوا رميّ كلبا آخر له كبديل , الا ان الاسد مزّقه رأسا , وعندما تأكّد الاسد من موت صديقه الكلب الصغير , رقد جنبه وامتنع عن الاكل والشرب , و بعد خمسة ايام مات الاسد نفسه.
لم يتوسّع تولستوي بكتابة تفاصيل هذه (العلاقة الروحيّة!) بين الاسد والكلب الصغير , بل اكتفى بايماءآت رمزية صغيرة جدا جدا هنا وهناك , فالاسد ( شمّ !) الكلب ليس الا , الذي ( رقد على ظهره وهو يهز ذيله !) , ثم ( وقف على رجليه الخلفيتين أمامه !) , ثم ( نام متوسدا مخالب الاسد !) , وهكذا بدأ الاسد باطعام الكلب الصغير من طعامه , وبدأت هذه الصداقة الغريبة والعجيبة بينهما .
موت الكلب الصغير بعد مرضه كان أمرا طبيعيا ومتوقعا , الا ان موت الاسد – وبهذه الطريقة التراجيدية - هو الذي يثير القارئ , اذ ان الاسد واقعيا قد (انتحر !) حزنا على موت صديقه (الكلب الصغير) , فالاسد ( ملك الحيوانات !) يعيش في قفص , ولكن كيف يمكن (للملك!) ان يعيش في قفص ؟ وكيف يمكن للملك الاسير ان يتصرّف وقد مات صديقه الوحيد , الذي كان يعيش معه في القفص ؟ وهكذا قرر الاسد ان ينتحر ( احتجاجا على هذا الوضع الرهيب و الحزين ) بالوسيلة الوحيدة المتوفرة لديه في القفص, وهي الامتناع عن الاكل والشرب , وهو موقف بطولي جدا ونبيل جدا من ( ملك الحيوانات ) , و موت الاسد بهذه الطريقة المأساوية هي التي جعلت تلك الام الروسية وطفلتها تذرفان الدموع , وذلك تعبيرا عن تعاطفهما مع موقف الاسد وحزنا على موته , وهو يرقد جنب صديقه الوحيد ...
حكاية تولستوي ( الاسد والكلب الصغير ) تثير الحزن فعلا لدى الصغار عندما يموت الكلب الصغير والاسد الكبير , وتثير الحزن لدى الكبار , لان الموت يجعلهم يتأمّلون بعمق معناه ورمزيته . حكاية تولستوي مدهشة , لانها تصلح للصغار وللكبار , وهذه هي عظمة الفن , الذي يجد فيه القراء كافة ( صغارا وكبارا ) ما يبحثون عنه من احاسيس وافكار ...   

66
أدب / ومضات بلمسة واحدة
« في: 12:11 14/05/2022  »

   ومضات بلمسة واحدة


قصائد للشاعر الداغستاني محمد أحمدوف
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



حتى الشيخوخة تجعل الشاعر شابا.
+++
 المستقبل ينتقم من أعداء الشاعر.
+++
الشاعر للشعراء فقط – ليس شاعرا.
+++
الشاعر – نبيّ بجزيرة  في الصحراء.
+++
ما الرماد ؟- نار قد ماتت .
+++
دمعة وراء دمعة – قطرات ندى الحب.
+++
الشعر – سرّ معروف للجميع وليس معروفا لأحد.
+++
 يذهب الشاعر دائما من أجل ان يبقى.
+++
 الطاعنون في السنّ والمولودون الجدد – افضل القصائد .
+++
 الزمن يضع النقطة في نهاية القصيدة .
+++
اليوم معتم لدرجة , ان المرآة تكذب .
+++
الشعراء – نجوم تعبت من التوهج .
+++
امنحوا الهدوء للافكار ذات الاصوات العالية .
+++
لحظة تغيّر قيمة الحياة .
+++
وجروح الماضي تؤلم في الحاضر .
+++
ضياء القلب – هو الاكثر سطوعا في العالم .
+++
تولد القصائد الحقيقية من المصيبة الكبيرة والفرح الكبير .
+++
  أعمى تقريبا , من يتعطش للمجد .
+++
الكلمة اصبحت دمعة – وهي الانقاذ .
+++
الشعر يحوّل الاحساس الى افكار .
+++
 فقير , لكن لا يطلب – فهو غنيّ .
+++
.. والايادي تكشف سرّ الشيخوخة .
+++
مهمة ليست سهلة – العيش بسهولة .
+++
  الحسود طوال حياته يعيش  في الجحيم ...

+++
ولد الشاعر الداغستاني محمد احمدوف عام 1955 , وأصدر اكثر من ثلاثين مجموعة شعرية , وهو ايضا ناقد ادبي ومترجم وصحافي . نشرت هذه القصائد صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الادبية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 4 – 10 مايس 2022

67
  تقاسم غوغول بين روسيا واوكرانيا
أ.د. ضياء نافع
 التقاسم يعني شطر غوغول الى قسمين اثنين متساويين ( اي قطع غوغول بمنشار حاد وتحويله الى جزئين متساويين بعد قياسات دقيقة وصارمة حد المليمتر !!!) , كي تستلم كل من روسيا القسم الخاص بها من غوغول وتستلم اوكرانيا القسم الخاص بها من غوغول , ( وما هو هذا الجزء الخاص بكل بلد من هذين البلدين – العلوي ام السفلى اذا كان التقسيم بالعرض , او الجزء الايمن او الايسر اذا كان التقسيم بالطول , وهذه مشكلة عويصة اخرى طبعا لا مجال لبحث تفاصيلها هنا في اجواء الحرب الروسية – الاوكرانية ونيرانها !!! ) , ولو كان غوغول (رقما محددا حسب علم الرياضيات !!!) , فان عملية تقاسمه بين روسيا واوكرانيا لن تكون صعبة , ولكن غوغول هو ظاهرة ابداعية وفكرية وفلسفية مثل غابة أشجار متشابكة الجذور والسيقان و الاغصان والثمار ( من امسيات ديكانكا وعبر الانف و المعطف والمفتش والارواح الميتة وانتهاء بمراسلاته العميقة مع الاصدقاء ), فكيف يمكن تحقيق هذا التقسيم لتلك الظاهرة الفنيّة الواسعة و العملاقة ؟  او , لنعرض موضوع التقاسم هذا بشكل آخر , وهو – هل يمكن الاعتراف بغوغول كاتبا روسيّا فقط ليس الا ولا شئ آخر , او كاتبا اوكرانيّا فقط ليس الا ولا شئ آخر , او كاتبا للامبراطورية الروسية باكملها ليس الا ؟ او , لنتكلم عن قضية التقاسم هذه بشكل ثالث , وهو – هل يمكن الوصول الى الحل العقلاني والاتفاق حوله بين الطرفين المتحاربين في الوقت الحاضر على أرض اوكرانيا  , الاتفاق الذي يؤكد على الوقائع كما هي فعلا ,  اي الاقرار , ان غوغول (الاوكراني حتى نخاع العظام) هو كاتب (روسي حتى نخاع العظام) حتى عندما يرسم بكلمات روسيّة مدهشة الجمال ومتنوعة الالوان امسيات القرى الاوكرانية (...قرب ديكانكا) , او, وهو يرسم بطله الاسطوري (تاراس بولبا) , تلك الشخصية الغريبة بخصلة شعره الكثيفة في منتصف رأسه الاصلع وشواربه الهائلة و شرواله وثيابه , وهو يقتل ابنه بيده لان هذا الابن قد انتقل الى (الاعداء البولنديين !!!) ؟
 لقد تحوّل غوغول الان الى (قضية مركزية!!!) في مسيرة الحرب الروسية – الاوكرانية الدموية الرهيبة هذه , وفي حلّ هذا (الاشكال الكبير!!!) يكمن الحلّ  الجذري لهذه الحرب على ما يبدو , وارتباط ازمة الحرب بين دولتين بالموقف من كاتب محدد هو حالة فريدة من نوعها في تاريخ الحروب في العالم , اذ لم يعرف العالم سابقا , ان الموقف من كاتب معيّن يقرر مصير حرب تؤثّر على كل دول العالم بمثل هذه السعة والخطورة ( وفي ذلك تكمن عظمة غوغول طبعا ومكانته ) . ولم تظهر هذه القضية امام روسيا واوكرانيا الآن , بل برزت في تسعينيات القرن الماضي , اي بعد انهيار دولة الاتحاد السوفيتي وظهور الدولة الاوكرانية , و حاولت الاوساط العلمية الروسية دراسة هذا الموضوع , ونود هنا ان نشير – ليس الا -  الى  ندوة مشتركة تم عقدها بتاريخ 3- 5 نيسان عام 2008 بمبادرة من – معهد اوروبا في اكاديمية العلوم الروسية , والمركز الاوكراني والبيلوروسي في  كليّة التاريخ بجامعة موسكو , ومعهد الدراسات السلافية في اكاديمية العلوم الروسية . لقد شارك في هذه الندوة مجموعة كبيرة من الاكاديميين المتخصصين الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في روسيا , و تناولوا في كلماتهم تفاصيل متنوعة حول تحديد معالم هذه القضية وابعادها المتشابكة جدا , كي يجدوا الاجابة الصحيحة عن هذا السؤال التاريخي المعقّد جدا , والذي يرتبط بموقع غوغول بين الدولتين والشعبين السلافيين الشقيقين.
كان شعار الندوة هذه واسعا جدا , ويتكون من ثلاثة محاور أساسيّة , والتي يمكن تلخيص جوهر تلك المحاور – وبايجاز- كما يأتي –
المحور الاول - هل كان غوغول كاتبا اوكرانيا , او امبراطوريا - روسيأ , او روسيّا ؟ /// المحور الثاني - المفاهيم الامبراطورية والقومية والروسية والروسية الشاملة والاوكرانية في ثقافة روسيا القرن 19 /// المحور الثالث - مكانة روسيا بين شعوب الامبراطورية.
 من الواضح جدا , ان هذه الندوة العلمية , التي انعقدت عام 2008 في اكاديمية العلوم الروسية , تؤكد بما لا يقبل الشك , ان موضوع تقاسم ابداع غوغول بين روسيا و اوكرانيا كان مطروحا قبل سنين طويلة من الحرب الروسية – الاوكرانية الحالية , والتي بدأت في شهر شباط ( فبراير ) عام 2022 ( ونحن نكتب الان في شهر مايس ( مايو) من نفس ذلك العام) .
ختاما لهذه السطور اودّ ان اشير الى مقالتين عميقتين اطلعت عليهما قبل فترة , الاولى بعنوان ( روسيا واوكرانيا ...حرب ثقافية حول معطف غوغول ) بقلم  بشير البكر , والثانية بعنوان ( هل ينبغي تقسيم غوغول بين روسيا واوكرانيا ) بقلم محمود عبد الغني ,  واريد ان اشيد بالموقف الموضوعي الرائع  للزميلين في مقالتيهما , ويسعدني ان ارى هذه النظرة الشمولية العلمية عندهما والمعرفة المعمّقة للادب الروسي , اذ ان ذلك يعدّ دليلا ماديا ملموسا لنضوج البحث الفكري العربي وتحرره من الشعارات الساذجة و( المعلّبة !) ....   

68
و تشيخوف  اوكرانيّ ايضا ؟ 
أ.د. ضياء نافع
 سألت جارتي الروسية (التي ادردش معها بعض الاحيان في الممرات او قرب بناية السكن ) – هل سمعت ما يقولونه الان حول تشيخوف ؟ هم يؤكدون ان انطون بافلوفيتش تشيخوف كاتب اوكراني وليس كاتبا روسيّا , فضحكت جارتي وقالت مصححّة قولي – غوغول , غوغول , وليس تشيخوف , وأضافت , ان غوغول فعلا اوكراني بكل معنى الكلمة , فهو ولد هناك , ثم انتقل في شبابه الى بطرسبورغ , الا انه كاتب روسي كبير وعملاق وترتبط باسمه نتاجات شهيرة في تاريخ الادب الروسي والادب العالمي ايضا ( وقسم منها طبعا بنكهة اوكرانية واضحة المعالم ) , وهذه مسألة طبيعية جدا في مسيرة روسيا التاريخية وآدابها وتعددية شعوبها, اذ يوجد الكثير من الادباء الروس الكبار من اصول غير روسيّة , مثل باسترناك وآيتماتوف وأكودجافا و كثيرون غيرهم , ولا أحد يقول الآن , ان باسترناك ليس كاتبا روسيّا وانما يهودي , وان آيتماتوف ليس كاتبا روسيّا وانما  قرغيزي , وأكودجافا ليس كاتبا روسيّا وانما قوقازي (من ام ارمنية واب جورجي)....الخ , ويبدو انك توهمت باسماء الادباء الروس واختلط عليك الامر ليس الا عندما سمعت هذا الشئ عن تشيخوف , فقلت لها وانا اضحك ايضا , كيف يمكن لي ان اتوهم باسماء الادباء الروس يا جارتي العزيزة ويختلط عليّ الامر وأنا اتعايش مع الادباء الروس ( في السّراء والضّراء !) اكثر من ستين سنة من حياتي , انهم يتحدثون عن تشيخوف , عن صديقي انطون بافلوفيتش تشيخوف , فسألتني والاستغراب كان واضحا بعينيها و على وجهها - الكلام يدور عن تشيخوف , هل انت متأكد ؟ قلت لها – طبعا متأكد جدا , وقد قرأت ذلك قبل أيام ليس الا واندهشت بشدة عندما اطلعت عليه , فقالت جارتي -  انها لم تسمع بذلك بتاتا , ولم يخبرها أحد من الاصدقاء حولها عن هذا الموضوع ابدا , ولكن كل شئ يمكن ان يحدث الان في عصرنا العاصف وغير الاعتيادي هذا, ثم أضافت - يوجد عندنا مثل روسي يقول – في الحب وفي الحرب كل الوسائل جيدة . ضحكت أنا , وقلت لها , ان الحرب بين روسيا واوكرانيا وصلت الى تاريخ الادب الروسي وأعلامه على ما يبدو , وقد توجهت نيران هذه الحرب الآن الى تشيخوف هذه المرّة . صمتت جارتي قليلا , ثم سألتني بصوت خافت  – وماذا يقولون حول تشيخوف بالضبط ؟ فقلت لها , يكتبون انه اوكراني , وانه ولد وترعرع في تاغنروغ , وهي مدينة قريبة جدا من اوكرانيا , ووجدوا حتى بعض الجمل و المقاطع - هنا وهناك – في رسائله وذكريات أصدقائه حوله , والتي تشير الى انه اوكراني ويعتزّ جدا بانتمائه لاوكرانيا , بل وان أحدهم كتب يقول , ان هناك من (أجبر!!!) تشيخوف ان يكتب نتاجاته باللغة الروسية وليس بلغتة الاوكرانية , فتعجبت جارتي من كل هذه الاقاويل , وقالت , اي هراء هذا ! و من الذي أجبر الصبي ( غير المعروف آنذاك بتاتا ) تشيخوف عندما كان عمره أقل من العشرين , و كان تلميذا في المدرسة ليس الا ( اي قبل ان يلتحق للدراسة في الكلية الطبية بجامعة موسكو) ان يكتب مسرحيته الرائعة بلا عنوان , والتي يسمونها الان ( بلاتونوف) باللغة الروسية , والتي لم ينشرها اثناء حياته كلها , بل نشرها أخوه بعد وفاة تشيخوف ؟ , ومن الذي أجبر تشيخوف  عندما كان طالبا جامعيا ان يكتب قصصه القصيرة الجميلة و الساحرة والمتنوعة جدا جدا بلغة روسية رقراقة وشفافة مثل الماء الزلال , هذه القصص التي لازلنا نطالعها بحب واعجاب واندهاش لحد الان , وان ابطالها ومضامينها لا زالت تتفاعل مع مسيرة حياتنا , ثم سألتني – هل تعرف ان تولستوي نفسه قرأ واحدة من تلك القصص مئة مرة امام الآخرين ؟ قلت لها , نعم , أعرف كل ذلك , وأعرف ايضا , ان تولستوي قال عنه بما معناه , ان تشيخوف في الفن ( أعلى منه !!!) , فقالت جارتي بألم واضح – نعم , لكن هؤلاء الذين يتكلمون عن اوكرانية تشيخوف لا يريدون الاقرار بكل هذه الوقائع على ما يبدو , ويريدون ان يؤججوا نيران الحقد والكراهية والخلافات بين الشعبين السلافيين الشقيقين الروسي والاوكراني بمثل هذه التشويهات والاكاذيب والتلفيقات , وان هؤلاء بالذات هم الذين يريدون استمرار هذه الحرب الرهيبة وتوسيعها , والتي أتمنى ان تنتهي باسرع وقت , واختتمت جارتي قولها – يا الآهي , ما الذي سيقوله تشيخوف نفسه لو سمع بهذه الترهات حوله ؟



69
   
شئ عن مصطلح (علم الثقافة)
أ.د. ضياء نافع
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
  مصطلح ( علم الثقافة ) باللغات الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية و الروسية والكثير من اللغات الاخرى يتكون من كلمة واحدة فقط , وكل هذه اللغات تدمج كلمة ( الثقافة ) كما تلفظ بتلك اللغات مع لاحقة  ( لوجيا ) , وكمثال على ذلك , فان هذا المصطلح بالروسية هو – (كولتورولوجيا) , وهي كلمة مزدوجة كما في اللغات المشار اليها , اذ انها تدمج الكلمة الروسية ذات الاصل اللاتيني ( كولتورا = الثقافة // مع لاحقة  لوجيا  ذات الاصل الاغريقي القديم = دراسة , علم , فكر ...الخ ) , وهكذا باللغات الاخرى . هذا المصطلح شبيه من حيث البنية اللغوية بمصطلحات علمية عالمية كثيرة , اصبح بعضها مفهوما جدا لنا ( نحن العرب ) , وأخذنا نستخدمها ( مع كافة اشتقاقاتها ) حتى في كلامنا وكتاباتنا , مثل – بيولوجيا , جيولوجيا , سيكولوجيا , تكنولوجيا...الخ , رغم الرطانة الاجنبية الواضحة في تلك المصطلحات , الا ان مصطلح ( كولتورولوجيا , اي - علم الثقافة ) هذا بقي بعيدا عن التداول في عالمنا العربي ولحد الان , وأذكر مرة , ان أحد وزراء التعليم العالي العراقي في نهاية القرن العشرين كان يريد ارسال ابنه للدراسة في فرنسا , وقد منحه الملحق الفرنسي زمالة مجانية لدراسة  ابنه هناك , واستغل الملحق الفرنسي طبعا العلاقة الجيدة مع الوزير , و اقترح عليه توسيع صلاحية الاشراف على قسم اللغة الفرنسية في كليّة اللغات من قبل الملحقية والمركز الثقافي الفرنسي في بغداد , وهكذا جاء مقترح تدريس مادة في قسم اللغة الفرنسية بكليّة اللغات عن الثقافة الفرنسية , اي ( علم الثقافة ) واقعيا , ووافق الوزير طبعا على ذلك استجابة و ( امتنانا !) لمنح الزمالة المجانية لابنه, دون استشارة وتدقيق علمي سليم , او احالة الطلب الى اللجان المتخصصة لبلورته كما يجب , و (موافقة الوزير تعني طبعا موافقة الدولة في بلداننا !!!!) , وهكذا وصل الامر الوزاري الى كليّتنا ( كليّة اللغات ) , ولم تستطع اللجنة العلمية في القسم المذكور آنذاك ان تضع المفردات الملائمة لتدريس هذه المادة الجديدة , وبعد التي واللتيا والمناقشات الواسعة , اصبح اسم المادة – الحضارة الفرنسية ( ضمن مفردات متنوعة وغير متناسقة , او كما قال احد الزملاء ساخرا – كشكول ثقافي !) , وجرى تعميم المقترح على الاقسام الاخرى , وهكذا بدأ التخبط في اقرار المفردات العلمية لهذه المادة الجديدة في الاقسام الاخرى , فكل قسم وضع مفردات ترتبط به ( وحسب الاجتهادات الشخصية لمدرسي تلك المادة ليس الا ) بغض النظر عن مفردات الاقسام الاخرى , بل وبرز حتى خلاف بشأن تسمية تلك المادة , فمنهم من اقترح تسميتها بالحضارة , وآخرون اقترحوا تسميتها بالمدنية , وقال البعض , اننا نقوم بتدريس هذه المادة منذ فترة طويلة ونسميها ( الثقافة القومية ) , واقترحوا توسيع مفردات تلك المادة باضافة من هنا وهناك ليس الا , الى آخر الاجتهادات الاخرى . هذا المثل يعني ( فيما يعنيه ) , ان مصطلح ( علم الثقافة ) لم يكن مفهوما لدينا , وان ظروف دراسته لم تكن ناضجة آنذاك , رغم انه يرتبط بجوانب ثقافية قومية محددة ,  اذ انه علم خاص من العلوم الانسانية يدرس كل الظواهر المرتبطة بعادات تلك الامة وتقاليدها و طريقة حياتها وقيمها ومفاهيمها الاجتماعية والاخلاقية السائدة وخصائصها , اي العلاقة المتبادلة ( او التعايش ) بين الثقافة وحياة المجتمع اليوميّة الاعتيادية , ويحدد هذا العلم جوانب التميّز ( من تشابه وتباين ) في ثقافة الامة مقارنة  مع ثقافة الامم الاخرى , وبشكل عام , فان هذا العلم قريب جدا من مهام  قسم علم الاجتماع المعروف, الذي يدرس طبيعة المجتمع وخصائصه .  ان الملحق الثقافي الفرنسي كان محقا ( من وجهة النظر العلمية البحتة ) باقتراحه المذكور , اذ ان دراسة اللغة والتعمق فيها تقتضي حتما دراسة (علم ثقافة) تلك اللغة , لان اللغة تعبّر عن جوهر هذا العلم ومضمونه , اي ان هناك ارتباط عضوي وحيوي بين لغة الامّة وعلم ثقافة تلك الامّة , الا ان الملحق الفرنسي طبعا لم يكن على اطلاع واسع و دقيق حول واقع الدراسات اللغوية في العراق ,   وهذا ما انعكس لاحقا بشأن مقترحه , اذ تمّ (بعد فترة قصيرة نسبيا ) الغاء تدريس هذه المادة كليّا في الاقسام العلمية كافة , بما فيها قسم اللغة الفرنسية ( بعد ان تم نقل الوزير طبعا ! ), لأن ألاجواء العلمية السائدة عندنا لم تكن ملائمة بتاتا لدراسة هذه المادة الجديدة آنذاك , اذ اننا ندرس اللغات الاجنبية كافة ( عدا اللغة الانكليزية ) من الصفر , وبالتالي , فان الطالب لا يمكن ان يدرس ( علم ثقافة ) تلك اللغة  , التي يتعلم اوليّاتها فقط لا غير , فدراسة علم الثقافة تأتي بعد معرفة تلك اللغة بعمق , اي ان دراسة علم ثقافة اللغة الاجنبية هي مرحلة عليا في عملية دراسة تلك اللغة الاجنبية , ولا زلنا بعيدين عن هذه المرحلة في دراسات اللغات الاجنبية مع الاسف , وكم نحن بحاجة للاطلاع على ما وصلت اليه الامم التي سبقتنا في مجالات علمية كثيرة , ومن جملتها الدراسات في علم الثقافة ومعاهدها العديدة المتخصصة ...   




70
كرّاس عن لوحات عراقية  في سفارتنا بموسكو
أ.د. ضياء نافع
اول الغيث قطر ثم ينهمر , هكذا قلت لهم عندما قدّموا لي نسخة من هذا الكرّاس الجميل , المطبوع باللغتين العربية والروسية ابتداء من الغلاف الرائع , والذي يتضمن صورتين , الصورة الاولى ( العليا ) لمقطع  يرمز الى بغداد الحبيبة, وهي طبعا لجواد سليم و نصب الحرية في الباب الشرقي , والصورة الثانية ( السفلى ) لمقطع يرمز الى موسكو , وهي طبعا للكاتدرائية الملوّنة الرشيقة في قلب الساحة الحمراء , وبين الصورتين العراقية والروسية يوجد عنوان هذا الكرّاس و باللغتين العربية ( في الاعلى ) والروسية ( تحتها ) وهو –
لوحات لرواد الفن التشكيلي العراقي في سفارة جمهورية العراق / موسكو .                         
اطلعت – وبكل سرور ومتعة – على هذا العمل الفني المدهش الجمال , والذي يمكن ان نقول عنه ( وحسب علمنا المتواضع ) , انه اول نتاج تسجيلي تصدره سفارتنا بموسكو باللغتين العربية والروسية , نتاج يؤرشف لوحات رائعة لفنانين تشكيليين عراقيين موجودة في بناية السفارة العراقية بموسكو منذ فترة طويلة , وكان قسم منها معلّق هنا وهناك على جدران السفارة , والقسم الآخر محفوظ في المخزن , وقد ( شمّرت السفارة عن ساعديها !) , و أعادت الحياة لتلك اللوحات , ووضعتها في أطر تتناسب مع تلك اللوحات, وعلّقتها في القاعة الكبرى للسفارة بشكل منسّق وجميل , مع شروحات تفصيلية عن كل لوحة ,  و الاشارة الى اسم الفنان الذي رسمها , بحيث تحوّلت تلك القاعة الى معرض أنيق وصغير للفن العراقي التشكيلي المعاصر , هذا الفن ( الذي يعكس البعد الثقافي للعراق ) كما كتب في مقدمة الكرّاس السيد سفير العراق في روسيا الاتحادية د. عبد الرحمن الحسيني . لقد تحولت القاعة الكبرى للسفارة الى متحف يُدهش كل من يزوره من العراقيين والعرب والروس والضيوف الاجانب من دول اخرى صديقة للعراق .
يقع الكرّاس في 21 صفحة من القطع الكبير , وهو مطبوع على ورق صقيل ممتاز , وتوجد على كل صفحة منه صورة للفنان التشكيلي العراقي مع لوحتة وعنوانها وتعريف وجيز بسيرة حياته ودوره في تاريخ الفن التشكيلي العراقي وباللغتين العربية والروسية , والفنانون التشكيليون ( حسب تسلسل حروف الهجاء , والتي لم يؤخذ بها – مع الاسف - في الكرّاس) هم كل من –
اسماعيل الشيخلي // حسن عبد علوان // حسين الجمعان // خالد الجادر // رافع الناصري // راكان دبدوب // سعد الطائي // سعدي الكعبي // شمس الدين فارس //  عبد الجبار سلمان // عبد القادر الرسام // علاء بشير // علي الجابري // ليلى العطار // ماهود احمد // محمد علي شاكر // موريس حداد .
 تصفيق لهذا العمل الرائد , الذي قدمته سفارة العراق بموسكو , والشكر الجزيل للذين أنجزوه , وفي مقدمتهم السيد السفير , الذي كان متحمّسا جدا لتحقيق هذا المتحف الجميل الفريد من نوعه شكلا ومضمونا  , واصدار هذا الكرّاس التسجيلي حوله , الكرّاس الذي يمكن لنا – نحن العراقيين – ان نقدمه وبفخر لكل الاصدقاء الروس حولنا, الكرّاس الذي يجعلنا مرفوعي الرأس لأنه يُثبت للآخرين , اننا نمتلك في بلادنا هذه الثروة من اللوحات الفنية الرائعة الجمال , و(الجمال يُنقذ العالم) كما يقول دستويفسكي ...
 ختاما اكرر الجملة التي ذكرتها في البداية – اول الغيث قطر ثم ينهمر ..... ونحن ننتظر الاعمال اللاحقة للسفارة في هذه المسيرة المشرفة , المسيرة التي تعكس آدابنا وفنوننا وتاريخنا وحضارتنا , وهي بالطبع واحدة من أهم مهمات كل سفارة في العالم ......

71
ماذا تقرأ بطرسبورغ الآن ؟
أ.د. ضياء نافع
ماذا تقرأ بطرسبورغ  الآن ؟  - أثارني هذا العنوان في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 6-12 / ابريل ( نيسان ) من عامنا الحالي 2022 , وتوقفت رأسا عند تلك المقالة, رغم اني كنت أتصفّح العدد بسرعة ليس الا . المقالة جاءت على الصفحة 17 من العدد المذكور , وشغلت حوالي نصف الصفحة بأكملها , وكانت تحت عنوان ( استيبيان ) , وكلمة استبيان مطبوعة بالخط الاحمر الواضح . وهكذا بدأت أقرأ بامعان هذا الاستيبيان , لأني كنت اريد ان أعرف ماذا تقرأ عاصمة روسيا الفكرية في هذا الزمن العاصف  (الذي تدور الحرب فيه بين الشقيقة السلافية الكبرى روسيا مع شقيقتها السلافية الصغرى اوكرانيا) , وهل تنعكس هذه الحرب على مسيرة القراءة في تلك المدينة الروسية العريقة , التي يرقد في ثراها بوشكين ودستويفسكي , والتي تجسّد واقعيا أحد اهم الفصول في تاريخ الادب الروسي والثقافة الروسية بشكل عام  منذ ان أسسها القيصر بطرس الاعظم والى حد الان .
اجرت الاستيبيان مندوبة صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) عند زيارتها لمخزن بيع الكتب للادباء في بطرسبورغ ,  وسألت مجموعة متنوعة من القراء حولها هناك – ( ماذا تقرأ الان ؟) , ونريد هنا ان نتوقف قليلا عند بعض هؤلاء القراء , واجاباتهم عن هذا السؤال الطريف والذكي , والذي يمكن على اساسه ان نصل الى تحديد( ولو تقريبي ) لموقف المثقفين الروس المعاصرين من تلك الاحداث  الرهيبة بين روسيا واوكرانيا , والتي تجري على الارض الاوكرانية.
 رئيس اتحاد ادباء بطرسبورغ فاليري بوبوف أجاب عن سؤال مندوبة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) قائلا – في الصباح اتابع اخبار الحرب , وفي المساء أقرأ – وبكل سرور – كتاب غوغول – امسيات في قرية عند ديكانكا , لأني أجد في هذا الكتاب - اوكرانيا (..المنيرة والمرحة ) , وذلك لان من طبيعة الادباء والكتّاب ان يحلموا  بالافضل دائما .  جواب بوبوف كان مدهشا وذكيّا و حاذقا جدا , اذ انه ربط – وبعمق - بين ما يحدث الان من تصادم مسلّح بين روسيا واوكرانيا مع غوغول ( وهو رمز الوحدة الاوكرانية – الروسية التي لا تنفصم ابدا في مسيرة الادب الروسي) , وأشار بشكل غير مباشر ( ولكنه صريح طبعا ) , الى انه (يحلم !) ان يرى اوكرانيا ( منيرة ومرحة ) كما رسمها غوغول ( الكاتب الروسي ذو الاصول الاوكرانية المعروفة) . جواب رئيس اتحاد ادباء بطرسبورغ هذا , هو خلاصة لموقف فكري واضح المعالم جدا ورائع جدا في آن.
الشخص الثاني , الذي ساهم في هذا الاستيبيان هو المؤرخ والصحافي دنيبروفسكي , الذي قال , انه يعيد قراءة رواية نيقولاي أستروفسكي الشهيرة ( كيف سقينا الفولاذ ) , لأنها ترتبط ( وبشكل نادر جدا) مع الاوضاع الراهنة في الوقت الحاضر , اذ انها تتحدث بالذات عن نفس تلك الاماكن , التي جرت فيها المعارك في اوكراينا آنذاك وتجري الآن ايضا , وأضاف دنيبروفسكي قائلا – انني من أب اوكراني , وعندما اعيد قراءة أستروفسكي , فانني أتأثر وأتألم جدا , واختتم قوله - اني احلم ان يسود السلام في اوكرانيا .     
الشخص الآخر , الذي نتوقف عند اجابته هي ايرينا رومانوفسكايا , والتي قالت , انها تعيد الان – وبامعان ودقّة - قراءة رواية دستويفسكي ( الجريمة والعقاب ) بطبعتها الجديدة , بعد ان عرفت , ان  جامعة ميلانو الايطالية قد منعت حتى ذكر اسم هذا الاديب الروسي العبقري في الفترة الاخيرة , وذلك لأنها تريد ان تفهم , لماذا لا ينسجم (او لا يتوافق) الكاتب الكبير دستويفسكي مع متطلبات واهداف هذه الجامعة الايطالية ؟
اخيرا , توجهت مندوبة الصحيفة بسؤالها الى بائعة الكتب في ذلك المخزن الخاص ببيع الكتب للادباء , فقالت اولغا كوزي , انها استلمت قبل ايام كتابا صدر حديثا بعنوان – (اوكرانيون خدموا روسيا . اوكرانيون في سانت – بطرسبورغ ) , وهو مجموعة دراسات وثائقية , وما ان تم عرض الكتاب للبيع , حتى تم شراء كل النسخ التي عرضناها .
الاستيبيان هذا شمل الكثيرين من القراء , وهناك اشارة الى كتب متنوعة عديدية , منها – مثلا – كتاب بعنوان ( قصص عن المتحف الروسي ) الذي يتناول الفنانين التشكيليين الروس الكبار ولوحاتهم عن المناظر الطبيعية , وكتاب يتحدث عن ولادة اول دولة روسية في التاريخ وكان اسمها ( كيفسكايا روس ) , وهي دليل لا يقبل الشك  للاخوة الروسية – الاوكرانية , وكتاب يتضمن قصصا قصيرة للكاتب الياباني (سانيوتيّا) الذي يتحدث عن الحدائق اليابانية ذات الاحجار وعن الفلاحين والفلاحات في اليابان وقصص العشق بينهم , وقد قال القارئ الروسي انه يقرأ  هذا الكتاب ( كي تشعر روحه بالهدوء والطمأنينة ) في اجواء هذه الحياة الصاخبة ...الخ .
الاستبيان هذا يقول لنا , ان الكتاب لا يزال – كما كان دائما- بخير , ويقول لنا ايضا , ان الانسان لا يزال – كما كان دائما – بحاجة الى قراءة الكتب ...

72
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عن زواج ابنك تشاور مع العشرات , وعن طلاقه مع المئات .
التعليق – وفي تراثنا نحن نقول عن الزواج انه اكمال نصف الدين , ونقول عن الطلاق , انه ابغض الحلال عند الله . المثل الداغستاني يؤكد ذلك بصيغة واضحة المعالم وبشكل صريح و بسيط وعملي و مقنع ايضا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تخلع نعليك قبل ان تدخل الى النهر .
التعليق – من الواضح ان هذا المثل يدعو الانسان الى اتمام العمل لاداء مهمة ما قبل الانتقال الى عمل آخر لاداء مهمة اخرى تختلف جذريا عن المهمة الاولى , اذ ان لكل مهمة ظروفها و شروطها , و ( رمانتين بفد ايد ما تنلزم ) كما يقول لنا مثلنا الطريف بلهجتنا العراقية . المثل الداغستاني هذا طريف وحكيم جدا رغم بساطته المتناهية .
+++++
الترجمة الحرفية – انسان بلا وطن , حقيبة بلا خبز .
التعليق – مثل عميق , وصيغة جديدة ومبتكرة في أمثال الشعوب عن الغربة . يوجد مثل كوري يقول – انسان بلا وطن أسوأ من كلب  بلا بيت . المثل الكوري قاس جدا وهو حقيقي فعلا , و المثل الداغستاني في نفس المعنى ولكنه مباشر أكثر .
+++++
الترجمة الحرفية – يعرفون الحصان بالسير , والانسان بالكلمات .
التعليق – النصف الاول من هذا المثل تأكيد لمثلنا الشهير – التجربة خير برهان , اما النصف الثاني , فانه يذكرنا بالجملة التي اطلقها سقراط - ( تكلّم حتى أراك ) , والمثل الداغستاني يؤكد صحة تلك الجملة ودقّتها . مثل داغستاني بسيط يعبّر عن فكرتين عميقتين ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الذهب وفي الارض لا يصدأ , البطل وفي القبر لا يموت .
التعليق – مثل جميل ومقارنة ذكية جدا بين ظاهرتين , الاولى ترتبط بالطبيعة والثانية ترتبط بالمجتمع . هذا المثل رائع وجميل , لأنه يقول للانسان – كن ذهبا كي لا تصدأ وكن بطلا كي لا تموت...   
+++++
الترجمة الحرفية – في الليل تنام , في النهار تنهض , ولا تتبع عادات البومة .
التعليق – ربط حاذق جدا بين طبيعة حياة الانسان وحياة البومة , ومن الواضح ان المثل يدعو الانسان ان يكون طبيعيا في مسيرة حياته , والا فانه سيصبح ( بومة !) , ومن الواضح ايضا , ان ( البومة ) في المجتمع الداغستاني تمتلك نفس (اوصافها وخصائصها السلبية )  في مفاهيم عالمنا العربي ...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب الذي ينبح دون ضرورة يهرم بسرعة .
التعليق – مثل رمزي جميل , ويجب أخذه بنظر الاعتبار طبعا في مسيرة الحياة الانسانية , فردود الفعل والمعاناة دون ضرورة تؤدي بالانسان الى الهرم السريع...   
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان يطعم الارض , والارض تطعم الانسان .
التعليق – ملاحظة ذكية حقا , فبين الانسان والارض  توجد علاقة متبادلة فعلا , فالارض تطعمه اثناء حياته , والانسان يعود اليها بعد مماته . مثل فلسفي بامتياز ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي أضاع النقود يجدها , والذي أضاع الوقت لن يجده .
التعليق – مثل حكيم جدا , فالنقود تأتي وتذهب , ولكن الزمن يمرّ ولا يعود ثانية , وهو كما يقول المثل العربي الشهير -  الوقت كالسيف , ان لم تقطعه قطعك . يوجد مثل ياباني واضح ودقيق حول العلاقة بين الزمان والانسان , وهو يقول – الزمان لا ينتظر الانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – البطل يموت مرة واحدة , الجبان – عدة مرات .
التعليق – خلاصة بسيطة ودقيقة لفكرة عامة موجودة في العديد من امثال الشعوب . فكرة هذا المثل جاءت عند شكسبير , الذي كتب يقول – يموت الجبناء مرات عديدة قبل ان يأتي أجلهم , اما الشجعان فانهم يذوقون الموت مرة واحدة ...
___________________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

73
بين غوغول واحمد شوقي
أ.د. ضياء نافع
كان صديقنا الكردي يصرّ ويؤكّد دائما على تسمية احمد شوقي ب ( الشاعر الكردي ) , وكنّا نضحك ونقول له , لكن شوقي ( أمير الشعراء العرب ) , فيجيبنا , نحن الاكراد (منحناه !) لكم , كي يكون ( أميرا !) للشعر العربي عندكم , اذ لم يكن لديكم أميرا للشعراء العرب عندها , وقد طالبه أحد الاصدقاء – ضاحكا ايضا – برقم وتاريخ الامر الاداري الكردي حول هذا ( المنح !) , او في الاقل , ببيت شعر من شوقي يشير الى ذلك , ولم يستطع صديقنا الكردي تلبية هذا الطلب المزدوج , لكنه – مع ذلك - استمر باصراره على تسمية شوقي بالشاعر الكردي , عندها قررنا الرجوع الى المصادر المتوفرة لدينا آنذاك , ووجدنا , ان (غوغل ) يشير , الى ان شوقي -  ( .....ولد من أب شركسي وام يونانية , وفي مصادر اخرى أباه كردي وامه من اصول تركية وشركسية ,... وبعض المصادر تقول , ان جدّته لابيه شركسية وجدّته لامه يونانية ... ) , ووجدنا كذلك , ان اسم احمد شوقي موجود هناك ضمن قوائم ( مصريون أكراد ) , وضمن قوائم  ( مصريون أتراك ) , وضمن قوائم ( مصريون شركس ) . وقد وصلنا جميعا الى استنتاج واحد يقول , ان المصادر العربية لم تتوقف بالتفصيل عند الاصول القومية لاحمد شوقي , اذ انه كان – للجميع - رمزا للشعر العربي في القرن العشرين ... 
 تذكرنا هذه الاحاديث الضاحكة قبل أيام , ونحن نستمع الى الاوكرانيين وهم في خضم هذه الحرب الدموية الرهيبة على اراضيهم مع شقيقتهم السلافية الكبرى روسيا , (والاقارب عقارب كما يقول المثل اللئيم ) , نستمع اليهم وهم يؤكدون , ان الكاتب الروسي نيقولاي فاسيليفيتش غوغول اوكراني ( أبّا عن جد ومن سابع ظهر) , اي انه من ( التبعية الاوكرانية ) حسب التعبير السياسي العراقي الذي كان سائدا قبل الاحتلال الامريكي  عام 2003 , وعلّق احد الاصدقاء قائلا – هذا يعني , ان اوكرانيا (منحت غوغول !) لروسيا (مثلما منح الاكراد احمد شوقي للعرب) , كي يكون ( أميرا !) للادب الروسي عندهم , لأن أدبهم كان يخلو آنذاك من منصب ( أمير الناثرين الروس !) , اذ كان عندهم فقط بوشكين (أميرا للشعراء الروس ) , وأضاف هذا الصديق قائلا - ان هذا الموقف يسمح لنا ان نقارن الآن بين غوغول ( الاوكراني ) واحمد شوقي ( الكردي التركي الشركسي) . ضحكنا جميعا , واعترضنا على هذا الاستنتاج الغريب العجيب وغير المتوقع بتاتا , وقلنا , انها ستكون مقارنة مصطنعة ليس الا , اذ ان هذه المقارنة غير دقيقة , بل وغير علمية بتاتا , لانها لا تتناول جوهر ابداعهما ( وهو العنصر الاهم في دراسات علم الادب المقارن عموما )  , وانما تعتمد فقط على اصولهما القومية , الا ان صاحبنا , الذي اقترح المقارنة بينهما أخذ يدافع بحماس – منقطع النظير- عن مقترحه هذا حول المقارنة بين غوغول وشوقي , ويبرر حتى ضرورته وقال - ارجوكم ان تمنحوني فرصة اكمال اقتراحي , وبعد ذلك سنتحدّث . وهكذا بدأ الكلام عن تلك المقارنة.
ومختصر كلام صاحبنا عن المقارنة بين غوغول وشوقي يكمن بما يأتي –
 كلاهما ( غوغول وشوقي ) كتبا ابداعهما ليس بلغتهما القومية , وانما باللغة السائدة في البلد الذي كانا يعيشان به , ولا يوجد لدينا اي نص عند شوقي باللغة الكردية او التركية او الشركسية , اذ ان كل ابداع شوقي مكتوب باللغة العربية , و كذلك الحال بالنسبة لغوغول , اذ لا يوجد لدينا اي نص عند غوغول  باللغة الاوكرانية , فابداع غوغول كله مكتوب باللغة الروسية , وحتى كتابه المبكر ( امسيات في قرية قرب ديكانكا ) الذي كان يتناول الفلكلور الاوكراني البحت بقصصه واماكن حدوثها , كان مكتوبا باللغة الروسية . هذا اولا , وثانيا , كلاهما ( غوغول وشوقي ) عبقريان , ولهذا وصلا – وبجدارة - الى قمة الابداع الادبي باللغة التي كتبا بها , وثالثا , كلاهما عبّرا في ابداعهما هذا عن أسمى ما كان يرغب بتحقيقه شعبا تلك اللغتين , ولهذا أصبحا خالدين في التاريخ الادبي لهذين الشعبين .
 اختتم صاحبنا كلامه بالقول – شوقي شاعر عربي بغض النظر عن اصوله القومية , وغوغول كاتب روسي بغض النظر عن اصوله القومية , وهذه هي خلاصة رأيّ الشخصي بعد هذه المقارنة بين شوقي وغوغول , فماذا تقولون ؟ بقينا جميعا صامتين , فقال مرة اخرى -  افهم ان السكوت من الرضا , ولكن – مع ذلك – اريد ان أسألكم , ماذا تريدون ان تضيفوا الى ما قلته ؟ قال أحد الحاضرين – اريد ان اكرر ما قاله شوقي - ...ودمع لا يكفكف يا دمشق ... . وقال الثاني – أما أنا , فاريد ان اقول للروس والاوكرانيين معا , الذين يتحاربون الآن – تذكروا , ان غوغول الاوكراني هو كاتب روسي , وان غوغول وبوشكين يقفان معا وجنبا لجنب في النصب الذي أقامه القيصر المحرر الكساندر الثاني في مدينة نوفغورد في القرن التاسع عشر بمناسبة الذكرى الالفية لتأسيس الدولة الروسية ( الدولة التي كانت تسمّى – كييفسكايا روس !!!) , هذا النصب التاريخي الذي لا يزال قائما وشامخا على الارض الروسية لحد الآن , ولا يمكن لبوشكين وغوغول ان يتحاربا مع بعض , اذ لا يمكن لبوشكين ان يريق دماء غوغول , ولا يمكن لغوغول ان يريق دماء بوشكين , وليتذكر الروس والاوكران معا هذه الحقائق الساطعة في تاريخهما المشترك  ... 
       


74
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تعمل من الفأرة قطّة , ولا من القطة لبوة .
التعليق –  هناك مثل عربي معروف يقول - يجعل من الحبّة قبّة , وهناك مثل عالمي في نفس المعنى يقول – يعمل من الذبابة فيلا . تتناول كل هذه الامثال مفهوم المبالغة والتهويل عند بعض الناس , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الداغستاني أقل مبالغة بكثير , وربما يمكن القول ان تلك الصورة ( مقارنة مع تلك الامثال) اكثر منطقية بشكل او بآخر, رغم مبالغتها طبعا... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تضع ذئبا لحماية نعاج , ولا شابا لحماية فتاة .
التعليق – يتكرر معنى هذا المثل في أمثال العديد من الشعوب , بما فيها مثلنا الشهير بلهجتنا العراقية – سلّم البزون شحمه  ( البزون = القطة ), الا ان الصيغة في المثل الداغستاني عن الشاب الذي (يحمي!) الفتاة جديدة هنا , وهي صيغة مبتكرة وطريفة وصحيحة ايضا...
+++++
الترجمة الحرفية – في الغربة الانسان أعمى .
التعليق – صيغة جديدة ومبتكرة بكل معنى الكلمة , اذ ليس لها شبيه في أمثال الشعوب حول الغربة الرهيبة , التي اصبحت – مع الاسف الشديد – متلازمة مع مسيرة حياتنا . الصورة الفنية في هذا المثل الداغستاني واقعية و صحيحة فعلا ....   
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب الكسلان يموت من الجوع .
التعليق – مثلنا العربي الطريف يقول – الكسل ما يطعم بصل , و المثل الروسي يقول – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة . المثل الداغستاني في نفس المعنى , لكنه أكثر وضوحا و دقة وحسما ... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تمدح بالوجه , ولا تقدح بالظهر .
التعليق – موقف اخلاقي عظيم و نبيل , وكم يحتاجه الانسان في كل المجتمعات , كي لا يكون الشخص ( بالوجه مرآية وبالكفة سلاية ) كما يقول المثل الشهير بلهجتنا العراقية. يوجد مثل صيني يقول – في الوجه ابتسامة , لكن في القلب خنجر .
+++++
الترجمة الحرفية – البطل يموت في المعركة , والجبان في الفراش .
التعليق – لقد حسم شاعرنا العظيم المتنبي هذه المعادلة عندما قال –
اذا لم يكن من الموت بد ///  فمن العار ان تموت جبانا...
+++++
الترجمة الحرفية – قبل ان تبدأ ببناء بيتك , اعرف كل شئ عن جيرانك .
التعليق – ومثلنا العربي يوصينا كذلك ويقول - الجار قبل الدار...
+++++
الترجمة الحرفية – بين الاحياء يوجد موتى , وبين الموتى يوجد أحياء .
التعليق – مثل واقعي و حقيقي فعلا ودقيق جدا بكل معنى الكلمة , وهذا المثل هو خلاصة شاملة لمسيرة حياتنا , اذ يوجد هذا الاحساس في أعماق كل البشر وفي المجتمعات كافة ...
+++++
الترجمة الحرفية – عنده زوجة جيدة – يعيش بشكل جيد , زوجة سيئة – يعيش بشكل سئ .
التعليق – يقول المثل الروسي - السلم في العائلة بيد الزوجة ...
+++++
الترجمة الحرفية –       الصبر – مفتاح الجنّة .
التعليق – مثلنا العربي يقول - الصبر مفتاح الفرج , وكم صبرنا , ولكن ( الفرج ) بقي بعيدا , ولم نستلم ( مفتاحه !!! ) . المثل الداغستاني اكثر واقعية , فهو يتحدث عن ( الجنة ) , والتي يقول عنها المثل الهندي – اذا لا تموت لن تشاهد الجنّة ..
+++++
الترجمة الحرفية – مطرقة صغيرة تهشّم حجرا كبيرا .
التعليق – مثل جميل يمجّد العمل والمثابرة بشكل واضح جدا وبسيط ومفهوم للجميع .  يقول المثل الروسي – النملة ليست كبيرة لكنها تحفر الجبال . لنتذكر القصة التي اطلعنا عليها في درس القراءة بطفولتنا عن القائد المنهزم الذي شاهد عمل النملة واصرارها , وعاد الى ساحة المعركة وحقق النصر ...
+++++
الترجمة الحرفية –     سرق – جاع .
التعليق – ونحن نقول ايضا , ان الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر . المثل الداغستاني اكثر وضوحا ودقّة وحسما , لكنه ( جاف ) , اما المثل العربي فانه أكثر حيوية ...
+++++
الترجمة الحرفية – اذا انت لا تعرف , فاستمع للذين يعرفون .
التعليق – مثل حكيم جدا و حازم وحاسم , ويحتاجه الانسان جدا جدا في مسيرة حياته , وتكمن صعوبة تطبيقه في عدم اقرار الانسان عموما , بانه ( لا يعرف !!!) ...
+++++
الترجمة الجرفية – ما دام الارنب في الادغال , لاتضع القدر على النار .
التعليق – وأمثالنا العربية في نفس المعنى , و توصينا ايضا – بعدم شراء (السمك بالشط ) , وعدم تحضّير (المعلف قبل الحصان) ....
___________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

75
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  يدان اثنان تساعدان الرأس الواحد .
التعليق – الرأس الذي يفكّر ويخطط يحتاج الى منفذين لافكاره وخططه . مثل لامع الذكاء و يجسّد نظرة علميّة حاذقة , والصورة الفنية في هذا المثل البشكيري نادرة بين أمثال الشعوب الاخرى  ...
+++++
الترجمة الحرفية –     من يسير –  يرى , و من يقرأ –  يعرف .
التعليق – خلاصة رائعة لما يجب ان تكون عليه حياة الانسان , فالسير يعني التفاعل مع الناس وعدم الانعزال عنهم , والقراءة تعني المعرفة وتعميقها .  مثل بسيط الشكل وعميق المضمون .
+++++
الترجمة الحرفية –  الى ان تصل الكلمة الباردة الى القلب تصبح ثلجا .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل معبّرة جدا وصحيحة وجميلة ايضا , اذ لا يتحمّل القلب فعلا وصول (ثلج الكلمات !) اليه .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يسقط بذنبه , لا يبكي .
التعليق – صحيح جدا , لذلك يجب اعطاء الحرية للانسان كي يتصرّف كما يرغب ليكون مسؤولا عن نتائج تصرفه . مثل في غاية الاهمية لتنظيم العلاقات بين البشر .
+++++ا
الترجمة الحرفية – الشجرة جميلة باوراقها , والانسان بملابسه .
التعليق – مقارنة جميلة وصحيحة فعلا , فاوراق الشجر وملابس البشر يشكّلان المظهر الخارجي لهم , ويؤدي جمال المظهر الخارجي (  للشجر والبشر ) دورا  في التعامل اللاحق معهما , رغم ان المظهر الخارجي لا يعكس جوهر الامور ...
+++++
الترجمة الحرفية – الطفل اكثر حلاوة من العسل .
التعليق – اكيد , فالطفل في العائلة أجمل وأهم وأحلى من كل الظواهر الحياتية الاخرى , رغم كل مسؤوليه الطفل الكبيرة في العائلة . مثل واقعي وجميل وانساني شامل (شكلا ومضمونا) بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية –  تشاور مع الذكي وليس مع الغبي.
التعليق – نصيحة رائعة , فما أكثر الاغبياء الذين يطلقون نصائحهم الغبيّة هنا وهناك وحتى دون التشاور معهم...
+++++
الترجمة الحرفية – الغراب لا تربّيه , فانه سيفقأ العيون .
التعليق – مثل رمزي واضح المعاني وصورته الفنية ناطقة ودقيقة , وهو يدعو الانسان ان يكون حذرا جدا بشأن هؤلاء ( الغربان !) , اذ يوجد الكثير منهم في مسيرة حياتنا . لنتذكر القول العربي الشهير – اتق شر من أحسنت اليه ...
+++++
الترجمة الحرفية –         ذنب الطفل – ذنب الوالدين .
التعليق – أكيد , فالطفل يقلّد والديه وما يراه حوله . مثل حكيم جدا , ويجسّد قاعدة تربوية يجب الاقرار بها , وأخذها بنظر الاعتبار , فالبيت يؤدي دورا مهما جدا في تربية الطفل قبل المدرسة وبعدها ايضا .
+++++
الترجمة الحرفية – تناول خبزك , فهو أفضل  من الحلاوة عند الناس .
التعليق – كل أمثال الشعوب تؤكد هذه الحقيقة , ولكن الصيغ والصور الفنية تختلف طبعا . الصيغة البشكيرية في هذا المثل واضحة جدا وبسيطة جدا , فالفرق بين الخبز والحلاوة مفهوم لكل انسان ...
_____________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

76
أمثال شركسية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – ثلاث مرات يخدعك شخص – فانت غبي , وثلاث مرات تسقط في نفس الحفرة – فانت أعمى .
التعليق – ضحك صاحبي وقال معلقا على هذا المثل – ثلاث مرات كثيرة جدا من اجل اثبات الغباء او العمى , فقلت له – ثلاث مرات كي لا يكون هناك اي شك في اثبات ذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – الطير صغير , ولكنه يَحْبِكُ عشّا له .
التعليق – ما أجمل هذا المثل وما أروعه , بل ويكاد ان يكون قصيدة نثر تقريبا . المثل الشركسي هذا يدعو الانسان ان يتأمّل الظواهر الطبيعية حوله ويأخذ منها درسا ايجابيا لتنظيم حياته ...
+++++
الترجمة الحرفية –        ابن يحب العمل – فرح للامّ , ابن كسلان – دموع للامّ .
التعليق – عواطف الام ترتبط جذريا مع مسيرة الابناء ومصائرهم في الحياة , وهذا المثل الشركسي يجسّد هذه الحقيقة الساطعة بشكل بسيط وعميق في آن واحد .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يعيدون هؤلاء , الذين يحملونهم الى المقبرة .
التعليق – حقيقة مؤلمة , ويجب علينا الاقرار بها رغم كل الألم والمرارة والعذاب النفسي الرهيب عند وفاة الناس القريبين حولنا . قال صاحبي , ان هذا المثل يجب ان يكون عالميا , فنحن جميعا – شئنا ام أبينا – نعيش مع اجواء هؤلاء الذين ( يحملونهم الى المقبرة !) .
+++++
الترجمة الحرفية –         العقل – روح الانسان الثانية .
التعليق – مثل فلسفي عميق وبامتياز , ويمكن القول ان هذا المثل فريد من نوعه بين أمثال الشعوب , اذ انه كلمة نادرة جدا بين الامثال , كلمة تمجّد العقل الانساني , وتمنحه دورا استثنائيا - و بكل معنى الكلمة – في حياة الانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – اللطيف للقلب رائع للعين .
التعليق – طبعا , وبغض النظر عن شكله . هناك مثل يمكن ان نسميه عالميا يقول – البعيد عن العين بعيد عن القلب . المثل الشركسي يؤكد جانبا ثانيا في هذه المعادلة , جانبا اكثر واقعية , ويتعارض مع فكرة المثل العالمي , فالقلب يحتفظ بالاحاسيس رغم الفراق والابتعاد عن بعض . أليس كذلك , ايها العشّاق الاعزاء ؟
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد شباب جيدون هناك , حيث  لا يوجد مسنّون جيدون .
التعليق – فعلا , فالعلاقة بين الاثنين عضوية , فالشاب الجيّد يصبح مسنّا جيدا , والمسنّ الجيد كان بالضرورة شابا جيّدا , ولا يمكن ان تكون هذه العلاقة عكسية ابدا . مثل ذكيّ جدا وصحيح جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – من يقدر ان يكسر الحجر الكبير , فهو الذي يستلم السلطة .
التعليق – القوة هي التي تتولى السلطة , وليس العقل , وفي ذلك تكمن مأساة حياتنا , وحول ذلك يقول المثل الروسي بدقة متناهية –     توجد قوة – لا حاجة للعقل . الصورة الفنية في المثل الشركسي واضحة وطريفة ...
+++++
الترجمة الحرفية – ديك , و يطعم الكتاكيت ايضا .
التعليق – يا له من مثل رمزي وواقعي و جميل , وكم نحتاج نحن – في بلداننا – الى هذه المثل , حيث يتصرّف (الديكة!!!) عندنا بعنجهية وغرور ...
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

77
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – افضل ان تكون الزوجة الجميلة عند الجيران .
التعليق – قهقه صاحبي عندما استمع الى هذا المثل الداغستاني وقال – لا تعليق , لا تعليق , فالارض ملغومة , فقلت له – افهم من موقفك , انك تؤيد مضمون هذا المثل , فأجابني غاضبا – قلت لك ...لا تعليق ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يتكلم الاحمق , فالمستمع يجب ان يكون ذكيّا .
التعليق – ملاحظة صحيحة ودقيقة فعلا , اذ ان المستمع الذكي يعرف كيف يصغي الى الحماقات , ومتى يصمت او يبتسم ليس الا , ويعرف كيف يتغاضى , او يتظاهر وكأنه لم يفهم ( عمق تلك الترهات !!!) . مثل ضروري لمسيرة حياتنا المليئة بالحمقى , وهم الذين يتكلمون ويوجّهون مع الاسف ...
+++++
الترجمة الحرفية – اليوم طويل للكسلان , و الايام لا تكفي للذي يحب العمل .
التعليق – الوقائع ثابتة , ولكن الناس مختلفون في تعاملهم مع تلك الوقائع , وهذا هو جوهر الحياة . مثل يبدو بسيطا بالشكل , لكنه يمتلك عمقا فلسفيا من حيث المضمون .
+++++
الترجمة الحرفية – الحيّة تبدّل جلدها سنويا , الا انها تحتفظ بانياب السم .
التعليق – مثل في غاية الذكاء , اذ ان تبديل الشكل لا يغيّر المضمون . يحذّر هذا المثل من الانسان الشرير بغض النظر عن مظهره , فالطبع يغلب التطبّع كما يقول مثلنا المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – الذبابة المتسرّعة تسقط في وعاء الحليب .
التعليق – مثل طريف جدا , ويؤكد صحة مثلنا العربي – في التأني السلامة وفي العجلة الندامة . مثلنا عام وواسع وشامل وجدّي , اما المثل الداغستاني فانه واضح وبسيط ودقيق ومرح ...
+++++
الترجمة الحرفية – ليس كل من يمتلك شاربا – رجل , فالقطة تمتلك شاربا ايضا...
التعليق – مثل شرقي بحت ( رغم رمزيته العميقة عن مفهوم الرجولة ) , فالشارب لا يعني شيئا في كثير من المجتمعات الغربية . الصورة الفنية في هذا المثل الداغستاني ساخرة ومفهومة للجميع .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتزوجها اذا الام  تمدحها , واسرع كي لا تفلت منك اذا الجيران يحترمونها.
التعليق – نصيحة ثمينة للباحثين عن زوجة , لكن صاحبي اعترض على ذلك التعليق  , وقال , انها نصيحة عتيقة , ولم تعد تنسجم او تتناغم مع طبيعة العلاقات الاجتماعية في عصرنا الحاضر ... 
+++++
الترجمة الحرفية – بيضة مسلوقة اليوم افضل من دجاجة مسلوقة غدا .
التعليق – يوجد مثل مطابق لدينا بلهجتنا العراقية , وهو – بيضة اليوم احسن من دجاجة باجر ( باجر = غدا ) . هذا موضوع يستحق التأمّل فعلا , اذ ان الداغستانيين موجودون في بلداننا منذ ايام الدولة العثمانية , ودراسة تداخل امثالنا مع امثالهم مسألة تعني الكثير في تاريخ التفاعل الثقافي لشعوبنا   ... 
+++++
الترجمة الحرفية – من يسعى للحصول على الكثير , يفقد حتى القليل .
التعليق –    ... ونحن نقول - طمعه قتله ...
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان المتعلم – مثل الشمس , وغير المتعلم – ليل اسود .
التعليق – مثل رائع وجميل , والمقارنة فيه ساطعة ومفهومة لكل انسان , والصورة الفنية في هذا المثل تجسّد فعلا ما تعلمناه منذ الصغر – العلم نور والجهل ظلام ...
+++++
الترجمة الحرفية – كما تطعم المواشي , هكذا تستلم الحليب .
التعليق – يشرح هذا المثل الداغستاني بشكل واضح وبسيط ومفهوم جدا القانون العام , الذي يقول - لكل فعل رد فعل يساوية في القوة ويعاكسه في الاتجاه ...
________________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

78
أمثال شركسية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –          الصديق – مرآتك .

التعليق – صيغة جديدة ومبتكرة فعلا وجميلة جدا للمثل الذي اصبح عالميا , وهو – قل لي من تصاحب اقول لك من انت . المثل الشركسي أكثر وضوحا وجمالا و دقة وحسما .
+++++
الترجمة الحرفية –         الحكيم – يتشاور .
التعليق – ولذلك فهو حكيم , والمغرور لا يتشاور (لانه غير حكيم !) , فضحك صاحبي وقال –  بل يجب ان تقول - ( لا يتشاور لانه غبي ) , كي تضع النقاط على الحروف , فكل مغرور غبي حسب طريقته الخاصة . ضحكت أنا وبقيت صامتا ...
+++++
الترجمة الحرفية – في العمل الذي لم يبدأ تجلس حيّة .
التعليق – صورة فنية غريبة ومثيرة فعلا في هذا المثل الشركسي , ومن الواضح انه يدعو الانسان ان يكون على حذر شديد قبل الشروع بكل عمل جديد , اذ يمكن (للحيّة الجالسة هناك !) ان تلدغه في اي لحظة . مثل واقعي في رداء خيالي طريف جدا , ولهذا يمكن القول ان هذا المثل فريد من نوعه بين أمثال الشعوب الاخرى .
+++++
الترجمة الحرفية – الذكي وللاحمق يجد مفتاحا .
التعليق – الصورة الفنية طريفة جدا , (فايجاد  المفتاح !) يعني (فيما يعنيه) , ان الذكي سوف يعرف كل اسرار الاحمق وخفاياه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يعرف الماضي , لا يفهم الحاضر .
التعليق – هذه حقيقة ساطعة تؤكدها أمثال الشعوب قاطبة . لنتذكر بيت الجواهري الذي كاد ان يصبح مثلا , وهو –
  ومن لم يتعظ لغد بامس /// وان كان الذكي , هو البليد . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا علاقة للعقل بعمر الانسان .
التعليق – صحيح جدا , فالعمر يمنح الخبرة والتجربة للانسان ,  ولكنه لا يمنح العقل له . مثل صريح فعلا , ويمكن القول , انه مثل شجاع ورائد ايضا , اذ يوجد رأي غير واضح المعالم عند الناس حول علاقة العمر بالعقل , وهذا المثل يوضّح الموضوع بشكل حاسم .
+++++
الترجمة الحرفية – تحت التواضع يرقد ذهب .
التعليق – مثل جميل جدا جدا وصحيح . لنتذكرالقول العظيم في تراثنا , وهو – تواضع العلماء . المثل الشركسي يؤكد هذا القول العربي الرائع , فالعلماء هم الذين يمنحون ( الذهب !) الى شعوبهم ...
+++++
الترجمة الحرفية –                قيمة الانسان – عمله .
التعليق – خلاصة ذكية لحياة الانسان . كل أمثال الشعوب تؤكّد على العمل واهميته في حياة الانسان , ويقول المثل العربي المعروف – الافعال أبلغ من الاقوال . لنتذكر الآية الكريمة – وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ...
+++++
الترجمة الحرفية – الجبان يرتعب من ذيله .
التعليق –  ونحن نقول - يخاف من ظله . الصورة الفنية في المثل العربي أكثر واقعية , اذ يوجد ظل لكل انسان , ولكن المثل الشركسي اكثر طرافة ومرحا , لانه أضاف للجبان (ذيلا !) .
+++++
الترجمة الحرفية – الحرب تنتهي بالجنازات .
التعليق – مثل عظيم , فلا يوجد غالب في الحروب , وكلها تنتهي بالموت والدمار .
+++++
الترجمة الحرفية – العقل أعلى من الثروة .
التعليق – اكيد , فالعقل هو الذي يجلب الثروة , وليس العكس . يوجد مثل روسي يقول – لا يمكن شراء العقل بالنقود .
_______________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

79
 
شئ عن غوركي وكتابه القديم واوكرانيا
أ.د. ضياء نافع
صدر هذا الكتاب عام 1963 في موسكو , اي قبل تسع وخمسين سنة باكملها , ويقع في (570) صفحة من القطع المتوسط , وقد اهداني اياه أحد زملائي القدامى ( كان طالبا  معي في جامعة موسكو قبل اكثر من نصف قرن) , وقال لي وهو يبتسم , ان الكتاب لا يعتق مثل الانسان , شكرته طبعا , وقلت له , ان ملاحظتك جميلة ودقيقة و صحيحة , فالانسان هو الذي يصبح عجوزا بمرور الزمن ولكن الكتاب يبقى حيويا ومتفاعلا مع الحياة رغم الزمن , وقلت لزميلي الروسي ايضا , ان الاحداث العاصفة حولنا ( ونحن في اواسط آذار2022 ) تعرقلني عن قراءة هذا الكتاب القديم في الوقت الحاضر , فقال لي , لكن بعض صفحات هذا الكتاب تتحدث عن مشاكل عالمنا المعاصر اليوم , وقد سألته رأسا عن تلك الصفحات , فأجابني وهو يبتسم – حاول ان تجدها انت بنفسك , مثلما فعلت أنا . أثارتني كلمات زميلي الروسي فعلا , ودفعتني رأسا الى قراءة هذا الكتاب القديم , كي اكتشف تلك الصفحات اولا , وكي أتأكّد ثانيا من صحة  رأي زميلي ... 
مؤلف الكتاب مكسيم غوركي , والذي توفي عام 1936 , ومن الواضح ان هذا الكتاب تمّ اعداده بموسكو في الستينيات , وقام المعدّون  بتجميع مقالات عديدة كتبها غوركي هنا وهناك ونشرها ضمن ما نشر في الصحف والمجلات الروسية آنذاك . الترجمة الحرفية لعنوان الكتاب – بورتريتات ( جمع كلمة بورتريه ) , اي صور قلمية  لشخصيات محددة مرسومة من قبل غوركي بالكلمات , وعددهم 28 شخصية بالتمام والكمال . صور بعض تلك الشخصيات مطبوعة على غلاف الكتاب , وقد عرفت بعضهم فقط مثل لينين وتشيخوف و تولستوي وكورولينكو ( وقلت بيني وبين نفسي , انني اعرف ما كتبه غوركي عنهم , ومن المؤكد ان زميلي لم يقصد تلك المقالات ) , ولكنني لم استطع معرفة الصور الاخرى المطبوعة على الغلاف المذكور , وعدم معرفتي لتلك الصور أثارت رغبتي اكثرللاطلاع على ما كتبه غوركي عن هؤلاء الذين لا أعرفهم , اذ ربما هي التي أشار زميلي الى انها تتحدث عن مشاكل عالمنا المعاصر اليوم . و بدأت اتوقف عند تلك الاسماء المجهولة من قبلي , وأقرأ مقالات غوركي عنهم , وابحث – طبعا -  ما بين السطور عن ( احداث عصرنا !) .
 وهكذا وصلت الى مقالة غوركي عن كوتسيوبينسكي , الذي لا اعرف عنه اي شئ نهائيا , بل ولم اسمع باسمه بتاتا , ولكني انتبهت الى جملة جميلة وغريبة لغوركي عنه , حيث يقول – (ان كوتسيوبينسكي يحب ان يتكلم عن اربعة مواضيع , وهي – الانسانية والجمال والشعب واوكرانيا) , فاستنتجدت رأسا انه اوكراني , ورجعت الى قائمة الملاحظات الموجودة في نهاية الكتاب حول تلك المقالات , وعرفت ان غوركي كتب هذه المقالة عام 1913 , اي قبل قيام الاتحاد السوفيتي وثورة اكتوبر ( 1917), وحتى قبل الحرب العالمية الاولى ( 1914) , وأخذت ملامح رأي زميلي حول مشاكل عالمنا المعاصر تتوضح تدريجيا امامي , فمقالة غوركي هذه , اذن , عن شخصية اوكرانية , ومن المؤكد ان زميلي وجد فيها بعض آراء غوركي حول اوكرانيا , وربط بين تلك الآراء وما يجري اليوم من احداث عسكرية عاصفة ورهيبة ومؤلمة جدا بين روسيا واوكرانيا , او واقعيا , بين شعبين شقيقين عاشا طوال حياتهما معا (ولم نكن نستطيع – نحن  العراقيين– حتى التمييز بينهما عندما كنّا طلبة في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين) . وهكذا بدأت أقرأ- بامعان وانتباه - مقالة غوركي عن ميخائيل ميخائيلوفيتش كوتسيوبينسكي ( 1864 -1913 ) .
 وعرفت من مقالة غوركي هذه , ان كوتسيوبينسكي كاتب اوكراني كبير كتب نتاجاته من شعر ونثر باللغة الاوكرانية طوال حياته - منذ بداية طريقه الابداعي عام 1890 الى نهايته عام 1913 , اي ان نشاطه الابداعي من بدايته الى نهايته كان في الامبراطورية الروسية وباللغة الاوكرانية حصرا , وهذه هي النقطة الحيوية والاساسيّة في هذا الربط العضوي بين الماضي الذي يسجّله غوركي بدقّة وابداع في مقالته تلك عن الكاتب الاوكراني كوتسيوبينسكي وبين الحاضر الذي يذكّرني بمقطع من قصيدة بابلو نيرودا الخالد –
...تعالوا انظروا
كيف يسيل الدم
في الشوارع ...
اتصلت بزميلي , وقلت له ضاحكا , لقد اكتشفت ( مشاكل عصرنا ) في الكتاب العتيق كما قلت لي , وحدثته عن مقالة غوركي تلك , والتي تؤكد لنا بوضوح , ان اللغة الاوكرانية وآدابها قائمة ومزدهرة في ارجاء اوكرانيا منذ الامبراطورية الروسية . ضحك زميلي ايضا وهو يستمع اليّ , وقال لي – كلانا نضحك , ولكنه (ضحك عبر الدموع) , وسألني , هل تذكر هذا التعبير , الذي درسناه في الكليّة  عن غوغول ؟ , فقلت له , طبعا أتذكره , وهل يمكن لي ان أنسى غوغول ؟ , وأضفت قائلا  له -  يوجد شاعر في تراثنا العربي , وهو المتنبي , قال قبل الف سنه من غوغول , انه ( ضحك كالبكا ) , فأجاب زميلي الروسي – نعم , نعم , أعرف ان تراثكم عظيم ..... 


80
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –       الكلب – وريث الحمار .
التعليق – يا له من مثل دقيق , (فالحمار!) لا يعرف كيف يستغل ثروته لنفسه . يقول المثل الهندي – من اين للحمار ان يعرف طعم الرفاهية ؟  وعندما يموت هذا ( الحمار !) , فان ثروته من بعده تذهب طبعا الى ( الكلاب !) . مثل واقعي ورمزي في آن واحد .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس الذي يعيش كثيرا يعرف كثيرا , وانما الذي شاهد كثيرا .
التعليق – مثل حكيم وصحيح جدا .  يقول االمثل الصيني – لا أحد يرجع من السفر كما كان سابقا . لنتذكر ابيات الشعر من تراثنا التي تدعو للسفر وتقول ( ...في الاسفار خمس فوائد ) وهي –
تفريج همّ واكتساب معيشة /// وعلم وآداب وصحبة ماجد .
+++++
الترجمة الحرفية – الرقّة تجمّل المرأة .
التعليق – قال صاحبي , كل النساء جميلات , ولكن الرقّة تجعل المرأة أجمل ...
+++++
الترجمة الحرفية – ما رأيته حقيقة , ما سمعته كذب .
التعليق – خلاصة رائعة لظاهرة موجودة في المجتمعات قاطبة , و كل أمثال الشعوب تؤكد هذه الحقيقة الساطعة , ولنتذكر مثلنا الطريف والشهير بلهجتنا العراقية – شفت بعيني محّد كلّي ( محّد = لا أحد // كلّي = قال لي).
+++++
الترجمة الحرفية – تأكل كل البستان , او تأكل عنقود عنب واحد – الذنب نفسه .
التعليق – من يسرق بيضة يسرق بقرة ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الكذب رجل واحدة من النيران , والاخرى من الشمع .
التعليق – صيغة جديدة ومبتكرة فعلا للمثل العالمي – حبل الكذب قصير , والصورة الفنية فيه أكثر وضوحا و جمالا ودقة , ولو كان لهذا المثل الداغستاني ( اجنحة !!!) لازاح حتما ذلك المثل العالمي عن حبل الكذب القصير ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الاسد لا يأكل الفريسة , التي اصطادها الآخر .
التعليق – ولهذا فانه ( أسد !!!) . مثل رمزي يقول للانسان , انه يجب ان يأكل الطعام الذي يحصل هو عليه , وليس الطعام الذي حصل عليه الآخرون . مثل رائع .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الجيدة والخنجر تصدّه .
التعليق – صورة فنيّة جديدة حقا وجميلة جدا للكلمة الجيدة ودورها المهم في مسيرة الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الغنيّ لا تمدحه , والفقير لا تخذله .
التعليق – ما اروع هذه التوصية , وما أجمل هذا الموقف الانساني النبيل , فالناس فعلا ( تمدح !) الغنيّ لمجرد انه غنيّ , و ( تخذل !) الفقير لمجرد انه فقير . لنتذكر الآية الكريمة – فأما اليتيم فلا تقهر .. واما السائل فلا تنهر ..
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يكثر الرعاة , تهلك الاغنام .
التعليق – مثل يتطابق مع البيئة المحيطة حرفيا , فكلنا نردد المثل العالمي عن السفينة التي تغرق بسبب كثرة ملاحيها , ولكن المثل الداغستاني يعبّر عن نفس المعنى بشكل آخر . يقول المثل الروسي – الطفل بلا عناية عندما يكون عند سبع مربّيات , ويقول المثل الفيتنامي الطريف في هذا المعنى ايضا – عندما تكثر الخطّابات , ستنام وحيدا في المساء .
______________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

81
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الذكي يمدح الحصان , ونصف الذكي – يمدح الزوجة , والاحمق – يمدح نفسه .
التعليق – قهقه صاحبي عندما سمع هذا المثل وهو يكرر – مضبوط مضبوط مضبوط , وخصوصا بالنسبة لذاك الذي ( يمدح نفسه !!) . سألته – واذا لم يكن لدى الذكي حصانا ؟ فقال رأسا – كل ذكي يمتلك حصانه ...
+++++
الترجمة الحرفية – والدب يخاف من أخوين اثنين .
التعليق – الصورة الفنية ( والدب يخاف !) ترتبط طبعا بالبيئة هناك , وهي مبالغة جدا , الا انها في نفس الوقت رائعة وناطقة وغير اعتيادية بالمرة . لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب عندنا مثلا – أخاك أخاك ان من لا اخا له// كساع الى الهيجا بغير سلاح , لكن المثل البشكيري اكثر طرافة و سطوعا ...
+++++
الترجمة الحرفية – غير المحبوب فائض دائما .
التعليق – فعلا , وكم توجد مثل هذه الحالات في مسيرة حياتنا الاعتيادية . مثل واقعي جدا في المجتمعات كافة ...
+++++
الترجمة الحرفية – في الباب المفتوح اي شخص يدخل .
التعليق – نعم , هذا صحيح , ولهذا يجب عدم ترك الباب مفتوحا دائما ليدخل كل من هب ودبّ , ولا تركه مغلوقا دائما اذ ان هذا يعني العزلة عن المجتمع , وانما يجب فتحه لمن يطرقه ليس الا . مثل عميق وحكيم بامتياز. 
+++++
الترجمة الحرفية – الذكي واضح من وجهه , والاحمق من كلماته .
التعليق – مثل حاذق جدا , وخصوصا بشأن الاحمق , الذي لا يعترف مطلقا وبتاتا بالمثل الاذربيجاني العميق – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ... .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة القلبية تصل الى القلب .
التعليق – اكيد , بما انها (قلبيّة !) , فانها تصل حتما الى قلب المخاطب . يوجد مثل كوري جميل يوصي الانسان بذلك , وهو – قل كلمة حلوة من اجل ان تسمع كلمة حلوة .
+++++
الترجمة الحرفية – الخطير ليس القوي , وانما المنتقم .
التعليق – ظاهرة الانتقام خطيرة جدا , وخصوصا في المجتمعات الشرقية . المثل البشكيري هذا دليل ملموس لذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – يجب الخوف - من اغضاب صديق , ومن افشاء سر للعدو .
التعليق – تحذير اخلاقي رفيع , وهو موقف يتناغم مع المجتمعات كافة .
+++++
الترجمة الحرفية – ذيل وسخ لبقرة واحدة يلطّخ مئات .
التعليق – يقول المثل الروسي -  ملعقة قطران في برميل عسل , وهو في نفس المعنى طبعا , الا ان الصورة الفنية في المثل البشكيري اكثر وضوحا ...
+++++
الترجمة الحرفية – عدم المعرفة ليس ذنبا ,عدم الرغبة بالمعرفة ذنب كبير .
التعليق – تصفيق حاد لهذا المثل , هكذا قال صاحبي وأضاف – ولهذا تحاسب قوانين بعض الدول هؤلاء الذين يرفضون المعرفة  باعتبارهم مذنبين امام القانون . لنتذكر القول العظيم في تراثنا – اطلب العلم من المهد الى اللحد ...   
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يضيّفونك , والماء اشربه .
التعليق – هذا هو الشرق باخلاقياته وعاداته وتقاليده ....
+++++
الترجمة الحرفية – قرب امه – الطفل ليس يتيما .
التعليق – مثل صحيح طبعا , وفي كل المجتمعات , فالطفل يحتاج الى امه اكثر من حاجته الى ابيه في مرحلة الطفولة , وكلنا نعرف هذه الحقيقة الساطعة ...
_____________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

82
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الكلب الهادئ لا ينبح , لكنه يعضّ .
التعليق  – هناك مثل من أمثال الهنود الحمر يتحدث عن هذه الحالة بالذات , ويقول – احذر من الكلب الذي لا ينبح . و لنتذكر مثلا طريفا جدا بلهجتنا العراقية  يقول - من السكوتي طكي وموتي ومن الورواري خلي وفوتي ( السكوتي = الصامت / طكي = انفجري / الورواري =الثرثار) .
+++++
الترجمة الحرفية –         للجائع – خبزا , للشبعان – نزوة .
التعليق – خلاصة عميقة لحالتي الجائع والشبعان في الحياة . النزوات ترتبط غالبا بهؤلاء الذين نسوا طعم الخبز وقيمته . مثل واقعي عميق فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية –  بين الاطفال لا نميمة ولا قيل وقال .
التعليق – مثل صحيح ودقيق , فعالم الاطفال حقا نظيف روحيّا مقارنة بعالم ( الكبار !) المعقّد والحافل بالمكائد والوشايات والنفاق والاكاذيب , وفي كل المجتمعات قاطبة ...
+++++
الترجمة الحرفية – القوي يتغلب على واحد , العارف – على ألف .
التعليق – المثل الروسي يقول - العقل يغلب القوة , وهو مثل صحيح , لأن العقل هو الذي يصنع القوة . هناك مثل بشكيري آخر يقول – لا تعتمد على القوة , اعتمد على العقل . كل هذه الامثال حكيمة ودقيقة , لأنها تمجّد عقل الانسان , العنصر الاول في مسيرة الحياة الانسانية ...
+++++
الترجمة الحرفية – كتاب جديد – صديق جديد .
التعليق – تعريف جديد و رائع لخير جليس (حسب تعبير المتنبي العظيم) . قال صاحبي وهو يبتسم – سيكون شعاري القادم - الكتاب الجديد وقت الضيق الجديد ...
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الجيّد غنيّ بالاصدقاء .
التعليق – الاصدقاء ثروة . يقول المثل الروسي – انسان بلا اصدقاء , طير بلا أجنحة , والانسان الجيد حسب هذا المثل البشكيري طير باجنحة عديدة ... 
+++++
الترجمة الحرفية –     مجئ الضيف – زينة للبيت .
التعليق – الضيف يمتلك مكانته الخاصة في كل المجتمعات , وهو فعلا زينة البيت , الا انه يجب ان يعرف حدوده طبعا . يقول المثل الارمني الطريف – ملعون البيت بلا ضيوف , لكن ملعون الضيف الذي يأتي في المساء ولا يخرج حتى الصباح .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لم يمرض ابدا , لا يحرص على الصحة .
التعليق – لانه لا يعرف قيمة الصحة . يوجد مثل روسي يقول – أضعت النقود – لم تضع شيئا , أضعت الوقت – أضعت كثيرا , أضعت الصحة – أضعت كل شئ .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لن يعرق الجبين , لن يفور القدر .
التعليق – مثل في غاية الطرافة , فالصورة الفنية رمزية واضحة المعالم , وتربط بشكل مباشر وحازم  بين الجهد الانساني ( عرق الجبين ) مع غذاء الانسان ( فوران القدور ) .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحطّ الذبابة على قرن الوعل .
التعليق – المثل الصيني يقول - لا تحطّ الذبابة على بيضة دون شقوق , والمثل الصيني هذا يؤكد صحة المثل البشكيري , اذ لا  يمكن للذبابة ان تمتص اي شئ من قرن الوعل هذا ...
_______________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر قريبا .
ض . ن .

83
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –   رأيته مرة واحدة – أحد المعارف , رأيته مرتين – رفيق , رأيته ثلاث مرات – صديق .
التعليق – الصداقة هي أعلى المراحل في مسيرة العلاقات الانسانية , ولهذا فان الصديق وقت الضيق . هذه هي الفكرة الرائعة التي يؤكدها هذا المثل البسيط شكلا والعميق مضمونا والمفهوم لكل انسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – الماء لا يأتي اليك , العطش يأتي .
التعليق – مثل طريف جدا , والمقارنة فيه بين الماء والعطش - لامعة الذكاء , وهو مثل رمزي طبعا , ويرسم صورة مبسّطة ولكنها حقيقية جدا لطبيعة الحياة الانسانية , اذ انه يبيّن لنا , ان الانسان يجب ان يبذل جهده للحصول على أبسط احتياجاته . يقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة .
+++++
الترجمة الحرفية – الحجر يجعل الجبل جميلا , والرأس – الانسان .
التعليق –  مثل جميل وحكيم وصحيح جدا , لأن الرأس يعني العقل , والعقل هو الذي يجعل الانسان جميلا . المثل الروسي يقول – رأس بلا عقل – قنديل بلا ضياء .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تمسح الكتابة على الحجر .
التعليق – ولهذا يقول مثلنا العربي الشهير – العلم في الصغر كالنقش على الحجر .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يرضعون الطفل الذي لا يبكي .
التعليق – دعوة رائعة للانسان كي يطالب بحقوقه الطبيعية والا فانها تضيع , اذ لا أحد يعطيها له تلقائيا دون ( بكاء !) . مثل فلسفي وعميق بامتياز .
+++++
الترجمة الحرفية – بكلمة الحنان تكسر الحجر .
التعليق – مثل جميل , ويتكرر عند مختلف الشعوب . يوجد مثل روسي مشابه تقريبا لبنية هذا المثل البشكيري يقول – بكلمة الحنان والحجر يذوب , لكن  المثل البشكيري اقرب للواقعية ( تكسر الحجر) , أما المثل الروسي فأقرب للرومانسية ( يذوب الحجر ) , وفي كلا الحالتين , فانهما ضروريان لتلك العاشقة العراقية , التي لازالت تقول لحبيبها – قلبك صخر جلمود ما حنّ عليّ ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تثق بابتسامة العدو .
التعليق – مثل صحيح  طبعا , وكل امثال الشعوب تحذّر من خداع الاعداء ومكرهم . يقول المثل الروسي – ماء عند الصديق افضل من عسل عند العدو . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تكن أكثر ملوحة من الملح , ولا أكثر حلاوة من العسل .
التعليق – .. ولا تكن ملكيّا أكثر من الملك كما يقول المثل العالمي الشهير ,  اذ ان خير الامور اوسطها  . الصورة الفنية في هذا المثل البشكيري مبتكرة وطريفة بكل معنى الكلمة  .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة التي قيلت – مثل طير انطلق طائرا .
التعليق – فكرة هذا المثل تتكرر عند شعوب كثيرة اخرى وفي صيغ مختلفة , بما فيها طبعا امثالنا العربية الغنية والمتنوعة عن الكلمة واللسان , الذي ... ان صنته صانك وان خنته خانك ... . هناك مثل روسي مشابه لهذا المثل البشكيري بالذات , و يقول – الكلمة ليست عصفورا – تطير ولن تصطادها . يوجد مثل اذربيجاني حكيم يحسم هذه الحالة , وهو – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ...
+++++
الترجمة الحرفية –      حسب القامة – هكذا الظل .
التعليق – صيغة بشكيرية لفكرة مطروحة في امثال عديدة لدى شعوب اخرى , منها المثل العربي المعروف – لا يستقيم الظل والعود اعوج , ومنها ايضا المثل الياباني الذي يقول – غصن أعوج – ظل أعوج ...
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد و موسكو قريبا .
ض . ن .

84
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما يكون الرأس فارغا , تعاني الارجل .
التعليق – يقول المثل الروسي وفي نفس المعنى – الرأس الاحمق لا يعطي الراحة للسيقان . هناك مثل بلهجتنا العراقية يقول – أركض والعشه خبّاز , ( العشه = العشاء /// الخبّاز = خضراوات تنمو تلقائيا في البرية ) , و حسب هذا المثل الشيشاني ,فمن المؤكد , ان رأس هذا الراكض العراقي ( فارغ !) قلبا وقالبا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الثعلب الذي يركض أفضل من الذئب الذي يرقد .
التعليق –  ينطبق هذا المثل طبعا على حياتنا الانسانية قبل كل شئ وبعد كل شئ , فنحن –  ابناء ( كليلة ودمنه !) وحكاياتها الشهيرة عن مختلف انواع الحيوانات . وهكذا الامر في هذا المثل الشيشاني , فالذئب أقوى من الثعلب , ولكنه ( يرقد !) , والثعلب أضعف من الذئب , ولكنه ( يركض !) ... والحليم تكفيه الاشارة ...
+++++
الترجمة الحرفية – الضفدعة الجيدة تعيش في مستنقعها .
التعليق –  الذي يترك داره يقل مقداره , هكذا يقول مثلنا العربي بمختلف لهجاتنا , والمثل الروسي في نفس المعنى يقول - حيثما ولدت – هناك جدواك , والمثل الشيشاني هذا يؤكد , ان الضفدعة ( الجيدة !) تعرف فحوى تلك الامثال واهدافها , وتتصرّف بشكل دقيق على اساس معرفتها لتلك الامثال ...
+++++
الترجمة الحرفية – البحيرة لا تتجمد , ان لم يكن القعر باردا .
التعليق –  اي ان القعر هو الاساس , وهو الذي ( يقرر !) مصير البحيرة من الخارج . مثل رمزي رائع يتناول العلاقة العضوية المتبادلة بين القعر ( اي الشعب ) وبين الغطاء الخارجي له ( اي القيادة ) . قال صاحبي وهو يبتسم – كيفما تكونوا يولى عليكم .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يجري النهر دائما في مجرى واحد .
التعليق – وهكذا هي الحياة بمجملها , اذ انها ايضا تجري حسب طبيعة الارض حولها . مثل واقعي و حكيم وعميق , وينطبق على ( مجرى !) حياة المجتمعات الانسانية كافة ...
+++++
الترجمة الحرفية – توجد عربة يحملونها على قارب , ويوجد قارب يحملونه على عربة .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل غريبة بالنسبة لنا , الا انها تعبّر طبعا عن طبيعة الحياة في المجتمع الشيشاني . لنتذكر القول العظيم في تراثنا - يوم لك ويوم عليك ...
+++++
الترجمة الحرفية – الشوك من بدايته ينمو حادا .
التعليق – يقول المثل العربي - الديك الفصيح من البيضة يصيح , وهو يمتلك نفس المعنى طبعا , الا ان المثل العربي رغم طرافته لا يمكن مقارنته بالنظرة العلمية الدقيقة في المثل الشيشاني .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تقدر ان تعيد التفاحة الى مكانها بعد قطفها .
التعليق – مثل واضح جدا و بسيط جدا , وعميق جدا , ويثبت بما لا يقبل الشك ان امكانيات الانسان محدودة مهما يكن هذا الانسان . يوجد مثل كوري يقول – لا يمكن للانسان ارجاع شعرة واحدة الى مكانها بعد اقتلاعها . المثل الشيشاني أجمل بكثير , رغم ان المعنى نفسه يتكرر ايضا في المثل الكوري .   
+++++
الترجمة الحرفية – كل واحد يحك صلعته .
التعليق –  يوجد مثل عربي شهير يقول - ما حكّ جلدك مثل ظفرك . المثل الشيشاني أكثر مرحا وطرافة من المثل العربي , الذي هو في الواقع أكثر شمولية وعمومية من المثل الشيشاني .

من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


85
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – دون غيوم في السماء لن يهطل المطر , ودون مصيبة في القلب لن تذرف الدموع .
التعليق – مثل جميل شكلا ومضمونا (وكأنه قصيدة نثر !) , وهو واقعي وحقيقي جدا , لأنه يعتمد على ملاحظة ذكيّة و دقيقة و صحيحة حول هطول المطر ( علميّا ) وذرف الدموع ( قلبيّا !)...
+++++
الترجمة الحرفية – بالاحاديث لن تطعم الضيوف .
التعليق – مثل طريف جدا , ويتناول (قضية !) مشتركة بين كل الشعوب قاطبة , خصوصا اذا كان الضيوف من ( الجنس اللطيف !) , اذ ان الضيافة عندها يجب ان تكون ( لطيفة ايضا !) ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتصادق مع انسان قبل ان تجرّبه .
التعليق – مثل حكيم , ويتكرر معناه في الكثير من أمثال الشعوب الاخرى , ومنها المثل العربي- خالطه وبعد سنة جرّبه , أما المثل الروسي فيقول – من اجل ان تعرف الانسان يجب ان تأكل معه رطلا من الملح ...
+++++
الترجمة الحرفية – حصّة المتأخر أكلتها القطة .
التعليق – يدعو هذا المثل المرح الى ضرورة الالتزام بالمواعيد , ويؤكد , ان ( حصّة ) المتأخر تتناولها ( القطط !) , اي انه يفقد ( حصته !) ولن يقدر ان يطالب الآخرين بارجاعها له . مثل حاسم لمشكلة دائمية , وخصوصا عندنا , نحن الشرقيين , وليس عبثا ان يتناول المثل الشيشاني هذه الحالة... 
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يعرف كيف يعيش , يتكلم دائما عن الماضي .
التعليق – لنتذكر بيت الشعر العربي الذي ذهب مثلا في نفس المعنى  , وهو
 ان الفتى من يقول هاانذا     ليس الفتى من يقول كان ابي ...
+++++
الترجمة الحرفية – السماء مشرقة , القبور معتمة .
التعليق – الصورة الفنية ساطعة في هذا المثل, فالسماء المشرقة هي رمز التفاؤل , والقبور المعتمة هي رمز التشاؤم , وعلى الانسان ان يختار بينهما في مسيرة حياته. لنتذكر القول العظيم في تراثنا – تفاءلوا بالخير تجدوه ...
+++++
الترجمة الحرفية – عدم الاحترام للناس هو عدم احترام لنفسك .
التعليق – صحيح جدا , لأن عدم احترام الآخرين يعني , انهم ايضا لن يحترموك في نهاية المطاف , فلكل فعل رد فعل ...يعاكسه في الاتجاه ...
+++++
الترجمة الحرفية – تطلب – انت عبد , تعطي – انت أمير .
التعليق –  صورة فنيّة واقعية جدا , وخلاصة رائعة وحقيقية لموقف الانسان في كل المجتمعات , فالانسان فعلا عبد , عندما هو (يطلب من الآخرين !) , وأميرعندما هو نفسه (يعطي للآخرين!) . قال صاحبي – نعم , الفرق بين الموقفين مثل الفرق بين السماء والارض .
+++++
الترجمة الحرفية – الدجاحة , التي حاولت ان تصيح مثل الديك , انفجرت .
التعليق – مثل يبدو للوهلة الاولى في غاية الطرافة والمرح , ولكنه في الواقع عميق المعنى , ويؤكد على ان لكل انسان دوره المحدد في الحياة حسب امكانيته ومؤهلاته . لنتذكر الآية الكريمة – لا يكلف الله نفسا الا وسعها.
+++++
الترجمة الحرفية – برميل بلا قعر لن يمتلأ بالماء .
التعليق – يوجد مثل روسي مماثل لهذا المثل الشيشاني تماما , وكلاهما طبعا يؤكدان على نفس المعنى حول الجهد الانساني الضائع . لنتذكر مثلنا العربي الذي يقول – لا تنفخ في جرّة مثقوبة .
+++++
الترجمة الحرفية – طير في اليد افضل من غزال في الخريف .
التعليق – صيغة شيشانية جديدة ( وطريفة ايضا ) لمثل يتكرر عند مختلف الشعوب , ومنها طبعا المثل الذي اصبح عالميا عن (عصفور في اليد افضل من عشرة على الشجرة)... 
--------------------------------------------------------------------------------------- ----
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

86
حول رسائل تشيخوف بترجمة الضامن
أ.د. ضياء نافع
 على عكس الاخبار الكئيبة الاخرى في عالمنا العربي بشكل عام , والتي نسمع بها يوميّا , فان آخر الاخبار عن الكاتب الروسي تشيخوف في عالمنا العربي مختلفة تماما , وهو ما اريد ان اتكلم حوله قليلا مع القراء الآن في هذه السطور .
 لقد نشرت قبل فترة قصيرة مقالة بعنوان – المترجمون العراقيون وتشيخوف , وفوجئت بردود فعل متنوعة لهذه المقالة , ومن جملة ردود الفعل هذه - اتصال الزميل عبد الله حبه هاتفيّا  , والذي  اخبرني فيه , ان الكلمات التي كتبتها عن الراحل خيري الضامن في تلك المقالة , والتي اقترحت فيها ضرورة نشر رسائل تشيخوف التي ترجمها الضامن ( في طريقها الى التحقيق فعلا !) , وتبين , ان الضامن قد كتب الى عبدالله حبه رسالة قبل رحيله بشهر تقريبا , واخبره فيها , ان يتصل بابنته في حالة رحيله ( وكأنه كان يشعر بذلك كما قال لي عبد الله ) والاتفاق معها بشأن اصدار رسائل تشيخوف التي انتهى من ترجمتها عن الروسية , ويقول عبد الله  , ان هذا ما تم الان فعلا , وان رسائل تشيخوف تلك ستصدر قريبا عن دار النشر التي جرى الاتفاق معها حول نشر تلك الرسائل بترجمة المرحوم خيري الضامن ,  وسيكون هذا العمل  تتويجا لمسيرة حافلة من الابداع الترجمي للضامن في مجال نصوص الادب الروسي و الدراسات النقدية عنه , وفي حالة تحقيق ذلك ( واتمنى ذلك من اعماق قلبي ) , ستكسب المكتبة العربية مصدرا رائعا ومهمّا لمعرفة تاريخ الادب الروسي عموما , ومصدرا فريدا وأصيلا للاطلاع على ابداع تشيخوف نفسه والتعمّق في دراسته وتفهمه واستيعابه, اذ سجّل الكاتب الروسي في تلك الرسائل واقعيا – وبحرية كاملة -  كل افكاره ومفاهيمه حول الادب والفن كما كان يراها حوله اثناء مسيرة حياته القصيرة نسبيا ( عاش تشيخوف 44 سنة فقط ليس الا ).
 توجد في المكتبة العربية طبعا بعض المصادر حول رسائل تشيخوف , منها مراسلاته مع غوركي , التي صدرت في دمشق بترجمة جلال فاروق الشريف , وبطبعتين ( الطبعة الاولى عام 1953 والثانية عام 1983)  ومن الممكن جدا ان هناك مصادر عربية اخرى لا أعرفها حول تلك الرسائل , الا ان مجموعة رسائل تشيخوف الحقيقية بالروسية تشغل (12) مجلدا في مؤلفاته الكاملة , التي صدرت ب(30)  مجلدا في موسكو , وهذا يعني , ان الرسائل تشكّل نسبة أكثر من ثلث مؤلفاته الكاملة بأسرها , وهي موزعة حسب سنوات كتابتها في تلك المجلدات المذكورة , وهناك دراسات نقدية كثيرة باللغة الروسية حول الافكار التي وردت في تلك الرسائل , اذ استطاع الباحثون في ابداع تشيخوف ان يحددوا مواقفه الفكرية و آرائه الفنية والجمالية في دراستهم لتلك الرسائل باعتبارها وثائق لا تقبل الشك او التأويل بالنسبة للكثير من القضايا الادبية خاصة والحياتية عامة , ويمكن لنا الاشارة – ليس الا – الى عدة مصادر روسية في هذا المجال , منها كتاب مهم في تلك الدراسات عنوانه – (تشيخوف / عن الادب والفن) , والذي اصدرته دار نشر اكاديمية العلوم السوفيتية عام 1954 , ويقع في 460 صفحة من القطع المتوسط , و يعتمد هذا الكتاب على قراءة دقيقة لرسائل تشيخوف , ويستخلص منها مواقفه تجاه قضايا الادب والفن ( رغم ان تشيخوف نفسه كان يتجنب المشاركة في مثل هذه النقاشات ويبتعد عنها) , وتتناول فصول ذلك الكتاب أقوال تشيخوف عن الادب واهميته الاجتماعية , وعن اللغة والاسلوب وبنية النتاج الادبي , وكيف يعبّر الابداع الفني نفسه عن موقف الكاتب الاخلاقي والسياسي , وعن الادب المسرحي , وعن النقد الادبي ومهماته , وآراء تشيخوف حول ابرز الادباء الروس و عن بعض الادباء الاجانب , وكذلك توجد أقوال تشيخوف عن الصحافة الروسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .   
 لا اعرف انا شخصيا عن ترجمة الضامن لتلك الرسائل شيئا , ولا أظن انه قد ترجم (12) مجلدا من مؤلفات تشيخوف الكاملة , التي تضم تلك الرسائل بأكملها , ولكني على ثقة كاملة ومطلقة , ان المرحوم خيري الضامن قد ترجمها الى العربية بشكل رائع  , اذ المعروف عنه , انه  يقدم اعمالا ترجمية حقيقية  وبشكل احترافي متقن , وليس عبثا , ان اسمه اصبح رمزا  للاعمال العملاقة الرزينة والمعتمدة علميّا في دنيا الترجمة , وفي كل الاحوال , لننتظر هذا الجهد الكبير , وعندها يمكن لنا ان نحدد الرأي بشأنه , ومهما تكن كميّة تلك الرسائل المترجمة من المجموعة الكاملة  لرسائل تشيخوف, فان كتاب خيري الضامن هذا سيعدّ مساهمة مهمة في المكتبة العربية حول الادب الروسي بشكل وحول تشيخوف طبعا قبل كل شئ.
 رسائل تشيخوف – عالم متكامل من الافكار العميقة والرشيقة والاصيلة مثل قصصه ورواياته القصيرة ومسرحياته ذات الفصل الواحد او اعماله المسرحية الشهيرة , ولنتأمّل مثلا  هذا المقطع - ليس الا -  من رسائله العديدة - (..... أنا بصحة جيدة , لكني اصبحت  كسولا بشكل رهيب , ولا أعمل اي شئ , وهذا أسوأ من المرض ....) , الا يثير هذه المقطع الصغير ابتسامتنا , ويجعلنا نفكّر- في آن واحد- بتفسير مغاير لمفاهيمنا عن الصحة والمرض ؟







87
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من لم تلسعه نحلة لا يعرف ثمن العسل.
التعليق – قال صاحبي وهو يضحك - بلاش ما ينحاش , فقلت له وانا اضحك ايضا – ولكن لسعة النحلة ثمن غال جدا للعسل ,فأجابني – الثمن الغالي يتناسب مع البضاعة الغالية , ولهذا اقول , ان هذا المثل الشيشاني عادل تماما ...
++++++
الترجمة الحرفية – لا ذئب دون اسنان , ولا شتاء دون طقس بارد .
التعليق – يجب على الانسان ان يعترف بالوقائع ويتقبلها ويتعامل معها كما هي فعلا وليس كما يتمنى ان تكون , وان التغاضي عنها لا يعني انها غير موجودة في مسيرة الحياة . المثل الشيشاني هنا يقول لنا ببساطة وعمق – كونوا واقعيين , وانطلقوا من هذه الحقيقة في مسيرة حياتكم ...
+++++
الترجمة الحرفية – القطيع لم يتكاثر عند الراعي الذي كان يخاف من الذئب .
التعليق – يوجد مثل روسي يقول – المجازفة عمل نبيل . ضحك صاحبي وقال –  ان التكاثر عمل نبيل فعلا , وسيتكاثر القطيع عندما يفهم الراعي ان الخوف يتعارض مع التكاثر ...
+++++
الترجمة الحرفية – الشمس ليست مذنبة , لأن البومة لا ترى في النهار .
التعليق – مثل طريف  جدا , والصورة الفنية فيه لامعة الذكاء فعلا, ويذكرنا بالحجج الواهية التي يحاول البعض التشبث بها لتبرير مواقفه. يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – المايعرف يركص يكول الكاع عوجه ( المايعرف = الذي لا يعرف // يركص = يرقص //  يكول = يقول // الكاع = الارض ) .
+++++
الترجمة الحرفية –  اليوم يجب ان تعرف الشئ الذي سيكون ضروريا لك غدا .
التعليق – مثل رائع . يوجد مثل روسي في هذا المعنى يقول -  فكّر في المساء ماذا ستعمل في الصباح . المثل الشيشاني أكثر دقة من المثل الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية –        النكتة – بداية الزعل .
التعليق – يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول -  بالشقة وغلّ ايدك ( بالشقة = بالمزاح ) , اي ان المثل باللهجة العراقية يؤكد فعلا معنى المثل الشيشاني هذا . يوجد مثل عربي حكيم جدا في هذا الاتجاه يقول – المزاح مثل طعن الرماح .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يحب البقرة , كان دائما يحلم بالحليب .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو يؤكد لنا ما يقوله علم النفس , بانه يوجد دائما سبب كامن في أعماق النفس الانسانية توضّح  كل ظاهرة حب او كراهية في حياة البشر .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تكن حامضا مثل ثمر غير ناضج , كل من يتذوقه يرميه .
التعليق – توجد امثال عديدة في هذا المعنى عند مختلف الشعوب فنحن نقول لا تكن لينا فتعصر ولا جافا فتكسر والمثل الهندي يقول لا تكن حلوا فياكلوك ولا مرا فيبصقوك ...الخ . الصورة الفنية في المثل الشيشاني جديدة  وطريفة .
+++++
الترجمة الحرفية –  من يرقد في الصيف , يركض في الشتاء .
التعليق – يذكرنا هذا المثل ( الذي يكاد ان يكون عالميا) بالحكاية الشعبية الشهيرة , التي سمعناها في طفولتنا عن النملة والصرصور ...
+++++
الترجمة الحرفية –  من يتكلم عن العواقب لا يمكن ان يكون شجاعا .
التعليق –  لنتذكر بيت الشعر العربي , الذي حسم الامر و ذهب مثلا , وهو  -
واما حياة تسر الصديق     واما ممات يغيض العدى ...
+++++
الترجمة الحرفية – الاخ ليس أخا اذا لم يكن صديقا لك .
التعليق – يوجد مثل شيشاني آخر يقول – الصديق الذي يفهمك يعتبر أخا . المثلان الاول والثاني يؤكدان على هدف واحد وهو ان الاخوة والصداقة مترابطتان عضويا , ويكملان بعضهما البعض الاخر .
-------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

88
  أفكار عن غوغول من جامعة موسكو
أ.د. ضياء نافع

    لم انقطع لحد الآن عن  النبع الذي ارتويت منه  في شبابي , اي عن كليّة الفيلولوجيا الحبيبة بجامعة موسكو, و ( أغرف !) منها بين فترة واخرى مواضيع متنوعة في كتاباتي حول الادب الروسي , ولا أجد – مع الاسف الشديد - الوقت اللازم للكتابة عن كل جوانب تلك المواضيع الجديدة والطريفة – من وجهة نظري - للقارئ العربي ,  واود ان اتحدث مع القراء قليلا هنا , كيف اني قد ( غرقت !) قبل أيام بسيل من الافكار حول الكتابة عن الكاتب الكبير غوغول , عندما اطلعت على النشاطات , التي أقامتها كليّة الفيلولوجيا في الذكرى المئوية الثانية لميلاده عام  2009 ( لاحظوا ذلك 2009 !) , اذ اعلنت الكليّة آنذاك عن مسابقة بين طلبتها للكتابة عن غوغول , و أقامت ايضا ندوة عالمية حول تلك الذكرى , شارك فيها اساتذتها ومجموعة من المتخصصين الاجانب في الادب الروسي ,  وعندما بدأت بقراءة تفاصيل تلك النشاطات , تبلورت لدي مواضيع عديدة ومتنوعة تماما للكتابة عن غوغول وتقديمها للقارئ العربي , منها على سبيل المثال وليس الحصر , علاقة الاجيال الروسية المعاصرة بغوغول ( تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات الروسية , الذين ساهموا في تلك المسابقة الواسعة عن نتاجات غوغول ) , وهو موضوع مهم وحيويّ جدا , اذ اكتشفت ( من جملة ما اكتشفت !) , ان الاجيال الروسية الجديدة لا تتوقف عند نتاجات غوغول الشهيرة مثل رواية (الارواح الميتة) او مسرحية (المفتش) او قصة ( المعطف ) , بل عند نتاجات اخرى لغوغول ( تبدو وكأنها شبه منسية الان بين القراء الروس , وتكاد ان تكون غير معروفة بعمق للقارئ العربي) مثل قصته بعنوان – كيف تخاصم ايفان ايفانوفيتش مع ايفان نيكيفوروفيتش ( والتي شغلت المكان الاول بين أعمال المتسابقين من تلاميذ المدارس باعتبارها النتاج الادبي المفضّل لديهم بين كل مؤلفات غوغول) , وهي قصة طويلة نشرها غوغول اواسط الثلاثينيات ودخلت ضمن كتابه ( ميرغورود ) الصادر في بطرسبورغ عام 1835, وهذه القصة غير معروفة للقارئ العربي بشكل متكامل (رغم انها ضرورية لهذا القارئ , لأنها تدور عن مسألة حادّة و مطروحة بقوة امام مجتمعاتنا , وهي مسألة التفاهة ودورها في الحياة !) . وهذا ( الاكتشاف !) كان  يعني بالنسبة لي ايضا , انه يمكن اعتبار غوغول اديبا معاصرا  لتلك الاجيال الروسية الجديدة بالرغم من انه ابن النصف الاول من القرن التاسع عشر , وهذا ( الاكتشاف !)  طرح طبعا امامي افكارا جديدة اخرى حول مفهوم ( الادب الحديث او المعاصر) ,  فقد اقتنعت , ان الادب الحديث هو ليس فقط الادب الذي يصدر في الوقت الحاضر( كما يظن الكثيرون!) , وانما هو ايضا , الادب الذي يتفاعل معه القارئ المعاصر بغض النظر عن زمن اصدار ذلك الادب , وينعكس هذا المفهوم على كل آداب العالم , بما فيها ادبنا العربي طبعا , فهل يمكن – مثلا – عدم اعتبار المتنبي شاعرا معاصرا , ونحن نستشهد بقصائده في مسيرة حياتنا اليومية لحد الآن ؟ وهل ان شكسبير قد اصبح ( عتيقا !) بالنسبة للقراء الانكليز وغير الانكليز في عالمنا المعاصر ( تذكرت سامي عبد الحميد ومسرحية هاملت عربيا على مسارح بغداد ) , و تذكرت طبعا تلك الصور الجميلة المطبوعة في اعماق قلبي وعقلي لطلبتي العراقيين في كلية اللغات بجامعة بغداد وهم يؤدّون – وبكل حماس الشباب ومرحه – أدوارهم بمسرحيات تشيخوف الكوميدية ذات الفصل الواحد باللغة الروسية على خشبة مسارحهم الطلابية البسيطة وهم يتقافزون ويضحكون ويتفاخرون ويلتقطون الصور التذكارية ...
ومن جملة المواضيع الجديدة الاخرى عن غوغول , والتي انبثقت من اطلاعي على تفاصيل نشاطات كليّة الفيلولوجيا هي تلك المحاضرات , التي تمّ تقديمها في الندوة العالمية عن غوغول بالذكرى المئوية الثانية لميلاده . لقد ساهم في أعمال هذه الندوة متخصصون كبار من روسيا واوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان وايطاليا وهنغاريا وبلغاريا والمانيا وبولندا وفرنسا وتركيا وصربيا وامريكا ( ولم أجد اي دولة عربية بين المساهمين , وهي ظاهرة متكررة مع الاسف الشديد في الكثير من المؤتمرات العلمية العالمية تقريبا) , ومن جملة المحاضرات التي اطلعت عليها وأثارت انتباهي , محاضرات الوفد الاوكراني , اذ كان التركيز فيها على ( اوكرانية غوغول !) رغم التعبير عنها باللغة الروسية , وهي نبرة بدأت آنذاك وتوسعت لاحقا . وجدت كذلك محاضرة قدّمها ممثل جامعة استامبول التركية بعنوان – ترجمة ابداع غوغول في تركيا , وقلت بيني وبين نفسي , اننا – نحن العرب – ترجمنا ابداع غوغول منذ ثلاثينيات القرن العشرين , اي على مدى قرن تقريبا , ومع ذلك , لا يوجد بيننا من يقف امام هؤلاء ويقول لهم هذه الحقيقة الساطعة , وخلاصة القول , فقد قررت ان اكتب المقالات الآتية – غوغول والاجيال الروسية المعاصرة /// غوغول والادب الروسي الحديث /// غوغول ومسألة التفاهة /// غوغول والازمة الروسية الاوكرانية من جديد /// ترجمة ابداع غوغول في العراق /// ومن المؤكد ان هناك افكار جديدة اخرى حول تلك المقالات , اذ ان المحاضرة التي قدّمها مندوب ايطاليا – مثلا - قد أثارت ضرورة العودة الى الكتابة عن تأثير ايطاليا في ابداع غوغول .... فهل سيسمح الوقت بتحقيق كل هذه الافكار ؟؟؟ أتمنى ذلك ... 

89
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بالسلاح تقتل واحدا , باللسان – ألفا .
التعليق –  هناك امثال كثيرة عند مختلف الشعوب حول اللسان , منها مثلنا العربي عن جرح الكلمة , الذي (ما يطيب ) , ويقول المثل الصيني – اللسان مثل الطبر – يطبر , ويقول المثل الياباني – الكلمة يمكن ان تقتل الانسان ...الخ , لكن المثل الشيشاني يتضمن مبالغة هائلة , وهو اسلوب من اساليب الامثال لغرض ايصال الفكرة الاساسية لها .
+++++
الترجمة الحرفية – غضب الام مثل الثلج , يسقط كثيرا , لكنه يذوب سريعا .
التعليق – مثل يرتبط بالبيئة الشيشانية طبعا , اذ يتساقط الثلج هناك بكثرة الا انه يذوب بسرعة .الصورة الفنية جميلة في هذا المثل , فغضب الام ( ابيض ونظيف مثل الثلج ) , ( ويذوب بسرعة ويتحول الى ماء نقي يملأ الانهار والبحيرات ويسقي الارض ) فيا لها  من صورة فنيّة رمزية و مدهشة و رائعة الجمال...
+++++
الترجمة الحرفية – النسر بلا وطن , حتى الغراب لا يلاحظه .
التعليق – قال صاحبي وهو بالكاد يحبس دموعه – الله الله , مثل واقعي جدا ,  فقلت له , وهل نسيت مثلنا العربي و بمختلف لهجات شعوبنا – من يترك داره يقل مقداره , فقال – نعم , لكن هذا المثل الشيشاني ( على جرح القلب ) فعلا بالنسبة لكل ( نسر بلا وطن !).
+++++
الترجمة الحرفية – القطة التي لم تحصل على قطعة اللحم , تقول انها صائمة .
التعليق – المثل المناظر عندنا لذلك المثل الشيشاني هو وبلهجتنا العراقية – الما ينوش العنب يكول عليه حامض , لكن المثل الشيشاني أكثر وضوحا ودقّة و طرافة ومرحا .
+++++
الترجمة الحرفية – الاخ دون أخاه مثل نسر دون أجنحة .
التعليق – لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا عندنا , وهو –
 أخاك أخاك ان من لا اخ له /// كساع الى الهيجا بغير سلاح ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتقبل ما يبدو لك وكأنه حقيقة .
التعليق – مثل رائع وحكيم بكل معنى الكلمة , وما احوج الانسان ان يراعيه ويأخذه بنظر الاعتبار في مسيرة حياتنا المتشابكة. يوجد مثل روسي طريف في هذا المعنى يقول – سبع مرات لتقيس , ومرة واحدة لتقص ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي اغتنى للمرة الاولى أوقد شمعة في النهار .
التعليق – مثل طريف جدا , و يذكرنا بالمثل العراقي -  شاف وما شاف , الى آخر هذا المثل الذي يعرفه العراقيون كلهم طبعا ...
+++++
الترجمة الحرفية – القذر لا يُنظّف بالماء , والنظيف لا يحترق بالنار .
التعليق – مثل فلسفي ورمزي رائع حول طبيعة النفس الانسانية واخلاقيتها , والمثل رغم رمزيته فهو واقعي جدا , وكم شاهدنا مثل هؤلاء ( القذرين !) الذين لا يمكن للماء ان يجعلهم نظيفين , وكم شاهدنا مثل هؤلاء ( النظيفين !) الذين لا يمكن لايّ نيران ان تحرقهم ..
+++++
الترجمة الحرفية – عندما سألوا – ما هو الجيّد , الارنب أجاب – ان ترى الكلب قبل ان يراك .
التعليق – مثل طريف جدا يؤكد ان كل الامور في الحياة نسبية . هناك مثل ارمني طريف ايضا وفي نفس المعنى , وهو – لا يوجد للفأر وحش أقوى من القط .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تأكل كثيرا , والعسل يكون مرّ المذاق .
التعليق – خير الامور اوسطها ...وفي كل شئ ...
+++++
الترجمة الحرفية – خنجر الغبي المستل أكثر خطرا من خنجر الشجاع .
التعليق – عدو عاقل خير من صديق جاهل .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي بصحة جيدة لا يعرف حال المريض .
التعليق – لا يعرف الشوق الا من يكابده /// ولا الصبابة الا من يعانيها...
------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

90
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  بالنار فقط يمكن اشعال النار .
التعليق – مثل رمزي واضح المعالم , ويستند الى حقيقة ثابتة ومعروفة من قبل الجميع . قال صاحبي , ان الصورة الفنية في هذا المثل الشيشاني فريدة من نوعها بين كل امثال الشعوب الاخرى , وتتميّز بقوة الملاحظة والاستنتاج اللامع الذكاء , فقلت له – نعم , كلامك صحيح فعلا , اذ لا يمكن ( اشعال اي نار !!! ) بوسيلة اخرى  ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يشترون العقل بالثروة .
التعليق – العقل , مثل العدل , اساس الملك , و يقول المثل الروسي – العقل يغلب القوة . المثل الشيشاني دقيق وحازم ويضع نقطة واضحة ونهائية بشأن العلاقة بين العقل والثروة .
+++++
الترجمة الحرفية – في الطريق , والعصا رفيق .
التعليق – يقول مثلنا العربي الشهير – الرفيق قبل الطريق , ولكن اذا لم يكن هناك رفيق , فالعصا تصبح الرفيق , اذ يمكن للانسان ان  (يتوكأ عليها ) اولا , و ان يحقق بواسطتها ( مآربه الاخرى ) . مثل طريف جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – عدوّان اثنان لا يعيشان تحت سقف واحد .
التعليق – صيغة جديدة لمثل عالمي معروف , ينعكس في امثال الكثير من الشعوب , فامثالنا تتحدث عن حصانين لا يمكن ربطهما معا ,  وعن  سيفين لا يمكن وضعهما في غمد واحد , وعند الروس عن دبيّن معا , وعند الافارقة عن ملكيين في مدينة واحدة , او اثنين لا يمكن ان يجلسا على كرسي واحد و..و..و. الخ , ولكن المثل الشيشاني أكثر وضوحا , فهو يضع – بدقّة متناهية - النقاط على الحروف , اذ انه يحدد – عدو مع عدو آخر ....
+++++
الترجمة الحرفية – القطط المتجانسة تنتصر على الذئاب المتنافرة .
التعليق – يقول المثل الروسي في نفس المعنى – في القطيع المتوافق والذئب ليس مخيفا . يدعو هذا المثل الى التجانس والتعاون  باسلوب بسيط ومقنع جدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – قوم تعاونوا ما ذلوا .
+++++
الترجمة الحرفية – الطعام لثلاثة أشخاص يكفي لاربعة .
التعليق – مثل طريف , ومن الواضح انه يدعو الى التعاضد بين البشر وضرورته في خضم الحياة ومسيرتها المعقدة ...
+++++
الترجمة الحرفية – وعن أجمل شخص قالوا , ان رقبته طويلة .
التعليق – يوجد مثل روسي يقول – اللسان بلا عظام , ونحن نقول بلهجتنا العراقية – الحجي بلا كمرك , ( الحجي – الكلام والثرثرة / كمرك – ضريبة الجمارك ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الام تطعم الطفل , كما الارض تطعم الانسان .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل رائعة جدا , وقد قال صاحبي – لو كنت فنانا تشكيليّا لرسمت لوحة تجسّد هذا المثل الرائع الجمال حول هذه المقارنة الذكيّة بين الام والارض ...
+++++
الترجمة الحرفية – النسر يولد فقط في الجبال .
التعليق – مثل جميل و يعبّر عن البيئة المحيطة بالشعب الشيشاني بشكل دقيق وحقيقي , فهناك جبال شاهقة , وهناك تولد النسور – رمز الشجاعة والشموخ عند مختلف الشعوب ...
+++++
الترجمة الحرفية - اذا لا تلتزم بالكلمة ,  فبالقسم لن تلتزم .
التعليق – صحيح , فوعد الحر دين كما يقول المثل العربي , ومن لا يلتزم بوعده , فانه حتما لا يلتزم بقسمه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الطيبة حرّكت الجبل من مكانه .
التعليق – مثل رائع رغم المبالغة الهائلة في صورته الفنية . توجد العديد من الامثال والاقوال حول الكلمة الطيبة عند مختلف الشعوب ,  وبالنسبة لنا, فالكلمة الطيبة (صدقة ) حسب القول العربي الكريم , والكلمة الطيبة هي التي أخرجت الحيّة من ( الزاغور ) حسب المثل الشهير بلهجتنا العراقية , وهي التي .....
+++++
الترجمة الحرفية –     الاكل – طعام الجسم , النوم – طعام النشاط .
التعليق – خلاصة في غاية الكمال للحياة الانسانية باكملها .
+++++
الترجمة الحرفية – الفتاة الجميلة جيّدة وفي البدلة العتيقة .
التعليق – يبقى الجوهر والمضمون مهمّا جدا واساسيّا بغض النظر عن الاطار , الذي يحيط ذلك المضمون ....
+++++
الترجمة الحرفية – التراجع امام هزيمة حتميّة – ليس موقفا جبانا .
التعليق – كلام منطقي جدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – الهزيمة ثلثين المراجل ( المرجلة = الرجولة ) .
--------------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

91
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (8)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بحضور الاعمى لا توبّخ الحيوان الاعمى .
التعليق – يوجد مثل يكاد ان يكون عالميا يقول – لا تتحدث عن الحبل في بيت مشنوق , وهو مناظر لهذا المثل الافريقي من حيث المعنى , رغم اختلاف الصورة الفنية جذريا . المثل الافريقي اكثر رقة , ورؤوف , اذ لا يشير الى كارثة المشنوق وحبله , رغم انه يؤكد على نفس الهدف والمعنى ...
+++++
الترجمة الحرفية – غالبا ما يضحك العاري على الانسان بملابس ممزقة .
التعليق – يعكس هذا المثل - وبشكل واضح تماما - صورة نموذجية لظاهرة سلبية جدا في الحياة الانسانية , والتي تؤكد , ان الانسان الذي يضحك ويسخر من الانسان الآخر هو في الواقع أسوأ منه .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان لا يترك النهر , حتى لو غرق أخوه فيه .
التعليق – لأن النهر هو الماء , والماء هو اساس الحياة . لنتذكر الآية الكريمة – ... وجعلنا من الماء كل شئ حي ...
+++++
الترجمة الحرفية – بدل كل واحد يجلس في الظل , يوجد واحد يعمل تحت أشعة الشمس .
التعليق – يكمن هدف الانسان في كل زمان و مكان بالوصول الى العدالة, اذ ان – (العدل اساس الملك) . المثل الافريقي يرسم هذه الحالة الخالدة بملامح ترتبط بالبيئة الافريقية قلبا وقالبا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الخيط يقول , ان مهمته صغيرة , فهو ببساطة يتبع الابرة .
التعليق – هذا ارتباط عضوي بين تابع ومتبوع . يقول المثل العربي – الحبل يلحق الدلو , وهناك مثل روسي في نفس المعنى يقول – اينما تسير الابرة يتبعها الخيط .
+++++
الترجمة الحرفية – كلما تكون الزواحف أصغر , كلما تريد بشكل أكبر ان تتحوّل الى تماسيح .
التعليق – مثل طريف جدا , وصورته الفنيّة أفريقية السمات , وكم رأينا مثل هؤلاء ( الزواحف الصغيرة !) في مسيرة حياتنا , وهي تتشبث بمختلف الوسائل ( وخصوصا الدنيئة طبعا ) , كي يصبحوا ( تماسيحا !) . مثل رمزي جميل وحقيقي بامتياز .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تحب الكلب , فيجب عليك ان تتصادق مع براغيثه .
التعليق – يوجد مثل اذربيجاني يتناول العلاقة بين الكلب والانسان ايضا , وهو  - الذي يحترم صاحب البيت يعطي الخبز لكلبه . المثل الافريقي يختلف طبعا , رغم ان الكلام يدور حول الكلب , اذ ان المعنى الاعمق له يعني , ان الانسان المحب يجب ان يتجانس مع كل نواقص المحبوب وعيوبه , حتى لو كانت ( براغيث!!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لدغت الحيّة جيرانك , فستكون انت مرعوبا ايضا .
التعليق – ونحن نقول في نفس المعنى -  من حلقت لحية جار له , فليسكب الماء على لحيتة , رغم ان المثل الافريقي يبدو مخيفا مقارنة بحلاقة اللحية في مثلنا , بغض النظر عن كل الجوانب الرمزية فيهما. 
+++++
الترجمة الحرفية – في بيتك لا توجد عتمة .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى – في البيت حتى  الجدران تساعد .
+++++
الترجمة الحرفية – الطبل المتحدث لا يمكن ان يتكلم من جانب واحد .
التعليق – يتحدثون عبر المسافات المتباعدة في افريقيا بواسطة قرع الطبول , والمثل الارمني يقول – المتكلم يحتاج الى المستمع ...
+++++
الترجمة الحرفية –      العيش – يعني القتال .
التعليق – صورة افريقية نموذجية ومباشرة , وهي في نفس الوقت عامة جدا في مسيرة الحياة الانسانية , فالعيش في كل مكان يتطلب ( الصراع !) من اجل الحياة ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا أحد يقول , ان الثمر في حقله سئ .
التعليق – مثلنا بلهجتنا العراقية يقول - محّد يكول لبني حامض , ( محّد = لا احد , يكول = يقول ) .
________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

92
رسالة بوشكينية الى الشاعر شوقي بزيع
أ.د. ضياء نافع
اطلعت – طبعا – على ردك الغاضب بشأن مقالتي ( غير الغاضبة !) حول بوشكين , وقرأت ما قلته لي , وباني لن أكون أرخميدس ,  وابتسمت ليس الا وقلت الحمد لله , اذ اني اعيش في اجواء روسيا وثلوجها الرهيبة , ولهذا لا يمكن لي ان أخرج مثلما خرج أرخميدس , حتى لو اني ( وجدتها !) , اذ انني عندها سأتجمّد , وقلت ايضا , بيني وبين نفسي , ان الشعراء يقولون ما لا يفعلون , ( وهي نفس الجملة التي قلناها لصديقنا الحبيب وزميلنا في الدراسة بموسكو في الستينيات حسب الشيخ جعفر عندما اطلعنا على كتابه الرومانتيكي الجميل رماد الدرويش الذي أصدره في بغداد ) .  لقد اكتشفت - في ثنايا ردك الغاضب - الكثير من المواقف المشتركة معا , والتي يمكن – قبل كل شئ - ان توحّد بيننا , واولها هو هذا الحب الكبير لشمس الشعر الروسي بوشكين , واظن , ان حبنا البوشكيني المشترك هذا هو الذي يمكن ان ( يزيل , او  في الاقل , يخفف !) من كل هذا التوتر في بداية تعارفنا معا , واتمنى ان نحقق بعد سوء الفهم هذا روح القول الشهير عن الوئام بعد الخصام , فانا اعشق الشعر واعتبره موسيقى الابداع الانساني , وطبعا احترم الشعراء , الذين يعزفون لنا هذه الموسيقى المدهشة الجمال ( وانت واحد منهم بلا ادنى شك) , احترمهم واسامحهم حتى عندما يغضبوا ..., ولهذا ايضا فاني اسامح صديقي الحبيب الشاعر حسب الشيخ جعفر ( وانت تعرف ماذا اقصد, والمعنى في قلب الشاعر!) ... ولكني أود ان اتوقف قليلا عند موضوع آخر , يرتبط طبعا بصلب هذه الرسالة , وهو نظرتنا , نحن العرب , الى الادب عبر السياسة . لقد اقمنا في روسيا تمثالا نصفيا للجواهري بجامعة فارونش الروسية , باقتراح من مركز الدراسات الروسية – العراقية , الذي أسسته وكنت مديرا له آنذاك , وتم افتتاح هذا التمثال فعلا عام 2009 , وكان هذا العمل (ولا يزال) رائدا وفريدا في مسيرة العلاقات الثقافية العراقية – الروسية , وهو اول تمثال للجواهري خارج العراق لحد الان , ولكني اصطدمت آنذاك باراء مضادة  بين بعض الزملاء العراقيين حولي , الذين ( لاموني !) , لاني قمت بهذا العمل , وقالوا لي , انني أقمت تمثالا لشاعر مدح الملوك , وذكروني بقصيدته – ته يا ربيع بزهرك العطر الندي ... , فقلت لهم , ما أجمل تلك الصورة الفنيّة التي رسمها الجواهري , هذا اولا , وثانيا, انه قال بعدئذ – خلفت غاشية الخنوع ورائي  , فقالوا , انه كرر هذه المواقف مع الآخرين . لم ارغب بالاستمرار في هذا النقاش معهم , وقلت لهم – لقد أقمت تمثالا لعلم من اعلام الفكر العراقي في القرن العشرين , والجواهري رمز للعراق , وهو يقف الان في جامعة فارونش الروسية , وان تمثال الجواهري هذا قد خلق فكرة اقامة تمثال مقابل له في العراق لرمز روسيا , وهو بوشكين , وهكذا تم اقامة تمثال نصفي لبوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد , وبمبادرة وتنفيذ من قبل مركز الدراسات الروسية - العراقية بجامعة فارونش والجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية .  وتمثال بوشكين هذا هو ايضا اول تمثال له في العراق , وأثار تمثال بوشكين ايضا في بغداد كلام هؤلاء الذين ينظرون بعيون سياسية الى كل ظواهر الادب والفكر , وقال فلان كذا وقال فستان كيت . لقد انعكس اقامة تمثال الجواهري في روسيا وتمثال بوشكين في العراق بشكل واضح في وسائل الاعلام الروسي , الا انه لم ينعكس هكذا في وسائل الاعلام العراقي , وهذا هو الفرق الجوهري والكبير بين وسائل الاعلام عندنا وعندهم , اذ ان وسائل الاعلام عندهم  قد تحررت من تلك النظرة السياسية الى كل شئ , كما كان الامر سابقا , وهي نظرة احادية طبعا , وذلك الان شئ واضح المعالم لكل متابع في الشؤون الفكرية الروسية , أما عندنا , فليس الامر هكذا بتاتا , ولا اريد الخوض في التفاصيل , ولكني اريد فقط ان نحترم ارآء الروس لنظرتهم الى ادبهم الروسي , وان لا نقول لهم , ان ...فرائص القيصر الروسي واتباعه ترتعد من مواقف بوشكين المناهضة للطغيان ...اذ ان ذلك يتنافى مع الحقائق ...

93
  المترجمون العراقيون و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
كان تشيخوف يرتبط بالنسبة لنا - نحن القراء العرب في خمسينيات القرن العشرين – بكتاب هنا وكتاب هناك ( منها طبعا كتاب شاكر خصباك المعروف عن تشيخوف , الذي اصدرته مجلة الثقافة الجديدة في بغداد عام 1954 ) , ثم بدار اليقظة السورية الشهيرة , وباسماء المترجمين فؤاد ايوب وشقيقه سهيل ايوب , حيث أصدرت دار النشر تلك جزئين من قصص تشيخوف المختارة, ثم بدأت الكتب العربية الاخرى لنتاجات تشيخوف بالصدور في بيروت والقاهرة ودمشق ...الخ , الى ان  ظهرت في موسكو وبترجمة د. ابوبكر يوسف المؤلفات المختارة لتشيخوف باربعة اجزاء , وهكذا حلّ اسم المترجم المصري الكبير أبو بكر يوسف محل دار اليقظة السورية (واخواتها !) بالنسبة لتشيخوف باللغة العربية , واستمر الحال بهذه الصورة طوال القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين , رغم رحيل المرحوم أبو بكر يوسف ( الذي يسموه الان – مترجم تشيخوف) , ورغم اختفاء دار رادوغا السوفيتية للنشر مع الدولة السوفيتية نفسها .
 استمر تشيخوف طبعا بالانتشار عربيا , لأن تلك الترجمات مجتمعة لم تستطع ان تقدم للقارئ العربي كل نتاجات تشيخوف الواسعة , وبرزت اسماء مترجمين عرب في هذا المجال , ولا يمكن لنا بالطبع ( في اطار مقالتنا هذه) حتى التوقف عند تلك الاسماء والنتاجات العديدة التي قدموها لتشيخوف , ولكننا نود في مقالتنا هذه ان نتوقف قليلا ( وحسب عنوان مقالتنا ) عند المساهمات الجديدة للمترجمين العراقيين بالذات في هذه العملية الابداعية الجميلة لاغناء المكتبة العربية بنتاجات تشيخوف في الفترة الاخيرة من القرن الحادي والعشرين (اي في مرحلة ما بعد ابوبكر يوسف ودار رادوغا السوفيتية ان صح التعبير) , وهي ظاهرة تستحق – من وجهة نظرنا - ان نتوقف عندها ونحددها ونقدمها للقراء العرب , وتستحق من الباحثين العرب ايضا ان يدرسوها بامعان وتفصيل , لانها خطوة جديدة ومهمة في مسيرة الادب الروسي بعالمنا العربي , خطوة تمتلك سماتها الفنية الخاصة بها , وتعكس اجتهادات مترجمين من ذوي التجربة والمعرفة في هذا المجال , وذلك لان تشيخوف هو أحد رموز الادب الروسي .
الاسم الاول , الذي نتوقف عنده هنا هو عبد الله حبه - الاسم الكبير في عالم الترجمة عن الروسية . لقد قدّم حبه كتابين جديدين لتشيخوف في الفترة الاخيرة , واصدرتهما دار المدى الرائدة في بغداد , الكتاب الاول هو –  قصص ومسرحيات لتشيخوف ( وهي بشكل عام غير مترجمة الى العربية سابقا ) , والكتاب الثاني  – جزيرة سخالين , وهو كتاب متميّز وفريد من نوعه في مسيرة تشيخوف الابداعية , اذ كان تشيخوف نفسه يعتبره ( عمله العلمي ) , والذي قدّمه حتى الى الكلية الطبية , وطلب – على اساسه – اعتباره دراسة علمية وبحثية , تؤهله كي يكون تدريسيّا للعمل في كلية الطب , اي انه كان يعتبر كتابه هذا ( اطروحته ) , الا ان الكلية رفضت ذلك في حينه , ولا يمكن الحديث عن ذلك تفصيلا في مقالتنا هذه ( رغم اني تذكرت اطروحة علي الشوك الفنطازية في العراق ) , الا اننا نستطيع ان نقول , ان كتاب ( جزيرة سخالين) مهم جدا في مسيرة تشيخوف الابداعية , وان ترجمته الى العربية من قبل عبد الله حبه قد أكمل – واقعيا - صورة تشيخوف وقيمته واهميته امام القارئ العربي , وهو عمل رائد فعلا . 
المترجم الثاني هنا هو المرحوم خيري الضامن , والتي خسرت حركة الترجمة العربية عن الروسية برحيلة واحدا من أعلامها الكبار . لقد تم الاعلان قبيل رحيل الضامن , انه أنجز ترجمة رسائل تشيخوف باكملها , وانه تردد بنشرها , بعد ان تم اصدار ترجمته لرسائل دستويفسكي في كتاب دون الاشارة الى اسمه , وهو الذي ترجمه عن الروسية وتم اصداره باسمه في حينه . ولا ادري اين الآن رسائل       تشيخوف , التي ترجمها المرحوم الضامن , وكم اتمنى ان يقوم ورثته بنشرها , لاهميتها اولا بالنسبة للقارئ العربي , ولأن مثل هذا الكتاب ( في حالة صدوره ) سيكون نهاية رائعة ومهيبة لسلسلة كتب المرحوم خيري الضامن , التي ترجمها طوال حياته , حول الادب الروسي من نصوص للادباء الروس او دراسات نقدية عنهم .
المترجم الثالث في هذه المقالة هو فالح الحمراني , الاسم المعروف في عالم الترجمة عن الروسية . لقد صدر في بغداد عام 2021  كتابا لتشيخوف بترجمة د. فالح الحمراني عنوانه – دراما في الصيّد , ويقع في 344 صفحة من القطع المتوسط . احتفظ الحمراني بالترجمة الحرفية لعنوان هذا الكتاب كما اراد تشيخوف نفسه , وهو اجتهاد للمترجم العراقي , الا ان المترجم المصري يوسف نبيل ارتأى ان يترجمه بشكل تفسيري , وهو – ( جريمة في حفلة صيد ) , ويمكن الان للباحثين العرب ان يدرسوا الترجمتين ويقارنوا بينهما , وفي هذا اغناء للادب الروسي في المكتبة العربية , واغناء لحركة الترجمة العربية طبعا .
نختتم مقالتنا هذه بالتوقف عند اسم عراقي جديد في مجال الترجمة عن الروسية هو – محمد خميس . لقد صدر لهذا المترجم الشاب في بغداد لحد الان عدة كتب بترجمته عن الروسية , ويؤسفني باني لم اطلع على اي كتاب منها , اذ انها لم تصل من بغداد الى ( عاصمة الثلوج) حيث أقيم أنا منذ فترة , الا ان عناوين تلك الكتب مثيرة فعلا , وتشير بما لا يقبل الشك , الى ان هذا المترجم الشاب ( خريج قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد وماجستير في الادب الروسي من جامعة بطرسبورغ الروسية ) يعرف كيف يختار – وبدقة - نماذج ( ناطقة !) من الادب الروسي الحقيقي من بوشكين الى أندرييف , ومن بين هذه الكتب يوجد مصدر مهم جدا للمكتبة العربية حول تشيخوف عنوانه – انطون تشيخوف ...دفتر المذكرات واليوميات. ظهور مترجم شاب جديد وبهذا المستوى في بغداد يعني , اننا نستطيع ان نستخدم التعبير العربي الجميل بالنسبة لمقالتنا هذه عن المترجمين العراقيين وتشيخوف , ونقول , ان ختامها مسك . أليس كذلك ؟

94
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الحيّة والضفدع لا ينامان في مكان واحد .
التعليق – هناك مثل فيتنامي يقول – وضع الضفدعة سئ اذا كان وضع الحيّة جيد . المثل الافريقي يتحدث عن العلاقة بين الحيّة والضفدع ايضا , ولكن الصورة الفنية فيه أكثر وضوحا , وربما أكثر مرحا ايضا , رغم ان المعنى العام واحد .
+++++
الترجمة الحرفية – ذو الحدبة يضحك على المريض بالرعشة .
التعليق – نتذكر رأسا المثل العربي بلهجتنا العراقية , الذي يقول – البعير لو ينظر الى حدبته انكسرت رقبته . المثل الافريقي يذهب أبعد  , الا انه يثير الاسى و الاسف في النفس , اما المثل العربي فانه  لا يثير تلك المشاعر.
+++++
الترجمة الحرفية – بيد واحدة لن تربط العقدة .
التعليق – مثل عالمي يتكرر عند الكثير من الشعوب , وهناك صيغ عديدة له , منها الصيغة التي اصبحت عالمية , وهي – اليد الواحدة لا تصفق . المثل الافريقي واضح أشد الوضوح .
+++++
الترجمة الحرفية – حلو هذا , لكنه مرّ ايضا .
التعليق – مثل فلسفي واسع و عميق , اذ انه ينطبق على الانسان نفسه , وكذلك على الكثير من الظواهر المرتبطة بحياتنا الانسانية , فما اكثر الاشخاص حولنا , الذين يمكن ان نطلق على كل واحد منهم - ( حلو لكنه مرّ) في آن واحد , وما أكثر الاشياء والظواهر ايضا . يوجد مثل كوري يقول – والعسل يصبح مرّا اذا كان دواء ...   
+++++
الترجمة الحرفية – ليست كل البذور تنمو .
التعليق – صحيح , ويجب على الانسان ان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار في كل شئ , اذ لا يمكن ان تنجح كل خطوات الانسان في مسيرة الحياة الصعبة .
+++++
الترجمة الحرفية –      في جعبة السهام – توجد حياة وممات .
التعليق – حياة للرامي وممات للذي يرمونه بالسهام . مثل افريقي السمات شكلا ومضمونا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن لكلمة العجوز ان تبقى بلا اهتمام .
التعليق – لان كلماته حكيمة , وتنطلق من تجربته الطويلة في الحياة . يوجد مثل صيني يقول – كلمات الكهول غالية مثل الجواهر .
+++++
الترجمة الحرفية – عنده لحم , لكن لا توجد لديه نار , وعند الآخر نار , لكن لا يوجد لديه لحم .
التعليق – اختلفنا بشأن تفسير هذا المثل , اذ رأى فيه البعض , انه دعوة لضرورة التعاون بين الطرفين , ورأى البعض الاخر انه صورة للتناقضات في مسيرة الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الشجرة العوجاء مريحة للجلوس .
التعليق – رب ضارة نافعة ...
+++++
الترجمة الحرفية – اذا يوجد في المرج كثيرا من البصل البريّ , فانه مرّ.
التعليق – طبعا , اذ لو لم يكن مرّا لما تركه الناس يتكاثر هكذا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الندى ليس مخيفا لذاك الذي ابتلّ تحت المطر .
التعليق – نتذكر مثلنا الشهير رأسا – المبلل ما يخاف من المطر . الصيغة الافريقية أكثر شاعرية من مثلنا .
+++++
الترجمة الحرفية – أجمل مدينة غريبة ليست جيدة مثل قريتك .
التعليق – نتذكر المثل العربي الطريف بلهجتنا العراقية - رحت لبيت الله مثل بيتي لا والله , ( رحت – سافرت ), ونتذكر ايضا بيت الشعر الذي ذهب مثلا – كم منزل في الارض يألفه الفتى /// و حنينه ابدا لاول منزل .
+++++
الترجمة الحرفية –     صديق القائد – هو نفسه قائد .
التعليق – صحيح جدا , وخصوصا في مجتمعات الدول ( المغلقة !) , وما أكثر هؤلاء المتبجحين في عالمنا العربي , وكم عانينا من تصرفاتهم الفجّة .
-----------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


95
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – احب الذي يحبني , وانبذ الذي ينبذني .
التعليق –  معادلة دقيقة وعادلة لموقف الانسان في المجتمع , اي مجتمع . العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تقل هذه الحيّة صغيرة , انها حيّة بكل الاحوال .
التعليق –  الشرير يبقى شريرا سواء كان صغيرا او كبيرا . يذكرنا هذا المثل الافريقي بحكاية نعرفها جميعا منذ طفولتنا , وكيف ان الحية التي أشفق عليها احدهم وحماها من البرد قد لسعته . يوجد مثل روسي يؤكد طبيعة الحيّة يقول – تلسع الحية ليس من اجل الشبع وانما من اجل المهارة .
+++++
الترجمة الحرفية – الفيل يقتل الكثيرين قبل ان يسقط .
التعليق –  الصورة الفنية في هذا المثل افريقية بكل معنى الكلمة من ناحية الشكل , اما بشأن المضمون , فان هذا المثل يعني ( فيما يعنيه ) , ان الرجال الشجعان يتصرفون هكذا في كل مكان .
+++++
الترجمة الحرفية – البطل يموت بطلا .
التعليق –  يوجد في تراثنا العربي بيت شعر للمتنبي ذهب مثلا , وهو– واذا لم يكن من الموت بد /// فمن العار ان تموت جبانا . فكيف اذا يموت البطل؟ المثل الافريقي يجيب عن هذا السؤال بشكل حازم .
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف الشجرة قيمة الغصن عندما يسقط .
التعليق – المثل الجورجي يقول – ما دام الانسان لم يمت فان اعماله ليست مرئية , ويقول المثل الافغاني – بعد الموت يحكمون على الانسان بشكل صحيح . المثل الافريقي يشير الى نفس هذه الحقيقة , ولكن بشكل رمزي جميل , اذ انه يتحدث عن الشجرة .
+++++
الترجمة الحرفية – دون المنخرين الانف بلا فائدة .
التعليق – مثل طريف وصورته الفنية في غاية الغرابة . قال صاحبي , ان هذا المثل يقول لنا – لا تستمر الحياة دون تكامل كل العناصر الصغيرة والكبيرة فيها . مثل عميق وحكيم في اطار بسيط ومفهوم ومرح . 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تقدر اليد ان تعمل شيئا – ما , فالفم لن يعرف الحاجة .
التعليق –  ومثلنا العربي يقول - الكسل ما يطعم بصل . مثلنا أكثر طرافة , الا ان المثل الافريقي أكثر وضوحا ودقة .
+++++
الترجمة الحرفية – العاشق غبي , فهو لا يعترف بالعقل .
التعليق – يعترف العاشق بعشقه فقط , ولا يرى شيئا آخر بتاتا . لنتذكر القول المشهور - الحب أعمى , وقصة هذا القول تشير , الى ان الجنون هو الذي جعله أعمى . علّق صاحبي قائلا - الان فقط وبفضل هذا المثل الافريقي فهمت , لماذا يسمونه (مجنون ليلى) ...   
+++++
الترجمة الحرفية – كل البطون متشابهة .
التعليق – مثل صحيح جدا , اذ ان كل البطون تريد ان تشبع .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الانسان الجيد – الحياة جيدة .
التعليق – أكيد , فالانسان الجيد لا يمكن ان يكون شريرا وجشعا وبخيلا و و و
+++++
الترجمة الحرفية – بالمثابرة والاصرار يمكن بالابرة ان تحفر البئر .
التعليق – حتى المستحيل يكون غير مستحيلا امام اصرار الانسان ومثابرته . مثل جميل رغم مبالغته الهائلة, ورغم ان فناننا الكببير عزيزعلي يقول في احدى اغانيه الخالدة –  يا ناس الابرة ما تحفر بير ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا ينام الفهد ابدا هناك , حيث تنام النعاج .
التعليق – طبعا لا ينام , فهو يصطاد بشكل مريح عندما تكون النعاج نائمة ...فيا ايها النعاج , وكذلك ايها البشر , تذكروا المثل العربي -  الحذر يقيك الضرر
___________________________________________________________________
من كتاب – (أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار في يغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

96
بوشكين وزوجته والقيصر و بزيع
أ.د. ضياء نافع
كان يمكن لهذه المقالة ان تكون بعنوان آخر , وهو – قراءة في مقاله الشاعر شوقي بزيع حول بوشكين , المنشورة في جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 5 كانون  ثاني / يناير عام 2022 , والتي جاءت تحت عنوان – ناتاليا نيكولايفنا وبوشكين ..الجمال والموت على سرير واحد , وعنوان اضافي تحته , وهو – هل كان ارتباطهما الزوجي هو الفخ الذي نصبه القيصر للايقاع بالشاعر ؟ .
ترجمت هذا العنوان المثير لصديقي الروسي , فاندهش جدا , وركّز خصوصا  على جملتين فيه , الجملة الاولى هي - ( الجمال والموت على سرير واحد ) , والجملة الثانية هي – ( الفخ الذي نصبه القيصر للايقاع بالشاعر ) , وسألني – هل انت متأكد من ترجمتك هذه ؟ قلت له – نعم ,نعم , هذه ترجمة حرفية للعنوان , وسألته أنا بدوري – لماذا تشك في ترجمتي لنص عربي امامي من جريدة عربية مشهورة ؟ فقال صديقي – لأني لا اتصور بامكانية الكتابة عن بوشكين هكذا ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين , فضحكت أنا  وطلبت منه ان يوضح رأيه بشكل دقيق , فقال ببساطة , ان جملة ( الجمال والموت على سرير واحد ) مرعبة جدا , وغير شاعرية بتاتا , ولا يمكن لشاعرمعاصر في زماننا ان يكتبها عن بوشكين , هذا اولا , وثانيا , كيف يمكن لشاعر معاصر ان يعتقد , ان قيصر الامبراطورية الروسية ( ينصب فخا للايقاع بالشاعر ) ؟ قلت لصديقي , انك تفكر بطريقة مغايرة , ولا تعرف , ان الاسلوب العربي في كتابة العناوين يعتمد على اثارة القارئ العربي ولفت انتباهه لقراءة المقالة . فسألني – هل ان الجمال والموت عندما ينامان معا على سرير واحد يثير القارئ العربي فعلا ؟ , ثم هل يثير هذا القارئ عندما يقولون له , ان امبراطور روسيا بنفسه  ( ينصب فخا لشاعر ) ؟ ثم , هل استشهد شاعركم في مقالته هذه ولو بمقطع من قصائد بوشكين , كي يثبت للقارئ رأيه هذا ؟. لم استطع ان اجيبه عن السؤال الاول ولا عن السؤال الثاني, ولكني اجبت فقط عن السؤال الثالث , وقلت له – نعم , هو استشهد بمقطع من قصيدة ( النبي ) لبوشكين , وكتب امام هذا المقطع ما يأتي – ( أطلق بوشكين عبر قصيدته ( النبي )  دعوة غير مواربة للاطاحة بنظام الاستبداد الدموي ) ثم يذكر المقطع من تلك القصيدة ,  فقال صديقي الروسي– اقرأ لي رجاء هذا المقطع , اذ ربما سيثبت كاتب المقالة بواسطة هذا المقطع من قصيدة النبي لبوشكين  عناصر طريفة وجديدة لم انتبه عليها أنا بشأن دعوة بوشكين (للاطاحة بنظام الاستبداد الدموي!) عندما قرأت انا قصيدة النبي , فقرأت له المقطع الموجود في تلك المقالة , وهو كالآتي , وترجمته الى الروسية –
الا انهض يا رسول روسيا
والتفّ بهذه الحلة المنسوجة من العار
وتقدم والحبل يشدّ على عنقك
امام القاتل الكريه .
 قال صديقي , انه لا يحفظ قصيدة النبي لبوشكين عن ظهر قلب , لهذا دعنا نرجع الى قصيدة النبي في ديوان بوشكين بالروسية , ونجد المقطع . وهكذا رجع الى ديوان بوشكين , وبحث في الفهرس عن القصيدة ووجدها , وقال لي , ترجم المقطع الى الروسية , كي اجده في النص الروسي , قلت له ضاحكا , لقد ترجمت هذه القصيدة قبل اكثر من عشرين سنة , فقال – حسنا , ارجع الى كتابك الموسوم ( ثمان وثلاثون مقالة عن بوشكين ) , وانا أذكر مقالتك في ذلك الكتاب بعنوان ( قصيدة النبي لبوشكين بثلاث ترجمات ) , وهكذا وجدت الكتاب , وأخذ صديقي يقرأ  النص الروسي للقصيدة حسب مقاطعها , وانا اقرأ الترجمة العربية , ولكننا لم نجد ذلك المقطع الذي استشهد به كاتب تلك المقالة بتاتا , بل لم نجد حتى ولا اي شئ شبيه به او مقاربا له من حيث المعنى . فقال صديقي وهو يضحك – انشر نص قصيدة النبي كاملا مرة اخرى, كي يقتنع القارئ العربي بما نقول , فقلت له – سانشره حتما , وها هو النص –
( ظمأ الروح اضناني / وانا في عتمة البيداء وحدي / اجرّ بالكاد اقدامي ,/ وفي مفترق الطرق / الملاك سيرافيم – المعلّى الاثير / ذو الاجنحة الستة / ظهر امامي , / وكالحلم , وبانامله الرقيقة / لمس مقلتيّ , / فانفتحت المقلتان المتنبئتان , / كما تفعل انثى النسر المرتعبة . / لمس الملاك اذنيّ / وملأهما بالضجيج و الرنين , / واصغيت انا لارتعاش السماء , / وتحليق ملائكة الجنان , / ومسير الاحياء في عمق البحار , / وخمول الكروم في الوديان . / انحنى الملاك على شفتيّ / واجتث لساني الآثم / والماكر والثرثار , / ووضع بيمناه التي يقطّر منها الدم / لسان حيّة حكيمة / في ثغري الاصم , / وشجّ صدري بسيفه / وانتزع القلب المرتعب / وغمد في جوفه / جمرة تلتهب . / استلقيت كالجثة في البيداء / وصوت الرب ناداني - / قم , ايها النبي , وابصر / وانصت ,/ ونفّذ ارادتي , / واجّج  بالكلمات قلوب البشر / وانت تجوب البّر والبحر .
 

97
نقاش عراقي حول غوغول
أ.د. ضياء نافع
ابتدأ هذا النقاش صدفة , عندما قال ( س) , ان غوغول أصبح (رجعيّا)  في سنين حياته الاخيرة , بعد ان كان (تقدميا) في بداية مسيرته الادبية , وقد أصدر في نهاية حياته كتابا يختلف عن افكاره القديمة , بل ويتعارض معها , فاعترض (ص) بقوة على هذه الجملة وقال عنها , انها تجسّد التفكير العراقي المتطرف والمحدود الافق والساذج بكل معنى الكلمة في آن واحد , وانها تذكّر بالموقف المتطرف و الساذج و المؤسف جدا من الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب , والذي وصفوه كذلك بنفس تلك المفاهيم , واطلقوا عليه نفس هذه المصطلحات , فالسياب ايضا – كما كانوا يقولون -  كان ( تقدميا ) ثم اصبح ( رجعيا ) في الساحة الادبية العراقية عندئذ , وكم عانى السياب المسكين من ذلك الموقف في حينه, وكم انعكس هذا الموقف على جمهورنا العراقي آنذاك . انفجر (س) بوجه (ص) عندما سمع تعليقه حول رأيه عن غوغول وهذه المقارنة مع السياب , لكننا تدخلنا جميعا و حاولنا تهدئة هذا الانفجار وايقاف هذا النقاش الحاد اصلا , الذي كاد ان يصل الى الاشتباك بالايدي , وكان (س) يرتجف غضبا , ثم قال بصوت مرتفع - ان غوغول اصبح رجعيّا , ولكنك لا تفقه شيئا في تاريخ الادب الروسي , ولا تريد الاعتراف بذلك , وان السياب خان موقفه السياسي , وترك الحزب الذي انتمى اليه بمحض ارادته , واصبح معاديا لافكاره ومواقفه , وانت تعرف ذلك حق المعرفة ولكنك تتجاهل الوقائع الثابتة في تاريخنا العراقي المعاصر . قلنا ل (س) و(ص) معا ان القضية لا تستحق ردود الفعل المتوترة هذه , وانه يمكن تبادل الافكار بهدوء وسكينة مهما تكن الاختلافات والمواقف المتباينة , فقال (ص) – قولوا ذلك له وليس لي , فانا لم انفجر مثله , وانما أبديت وجهة نظر مختلفة بشأن غوغول , أما هو فقد شاهدتم ردود فعله نتيجة رأيّ ذكرته حول الموضوع يخالف رأيه ليس الا , فصرخ (س) مرة اخرى وهو يكرر – كيف يمكن الاستماع بهدوء و سكينة الى هذا الرأي الخاطئ جدا جدا , الذي يربط بين الكاتب الروسي غوغول في القرن التاسع عشر والشاعر العراقي السياب في القرن العشرين ؟ انك تذكرني بالمثل العراقي الشهير – عرب وين طنبورة وين . ضحكنا جميعا على هذا المثل , لاننا نعرف طبعا قصته الطريفة , واراد احدنا ان يجعل الاجواء مرحة كي يخفف حدة هذا النقاش , فطرح على (س) السؤال الاتي – هل غوغول هو ( عرب ) و السياب ( طنبوره ) , ام غوغول ( طنبوره ) والسياب ( عرب ) ؟ ولكن (س) لم يتوقف عند هذا السؤال ولم يستجب اصلا له , وهكذا بقيت الاجواء متوترة , ولم يعلق أحد بشأن هذا السؤال , وصمتنا جميعا . بعد اكثر من دقيقتين من الصمت قال (ص) , انا لم اقارن نتاجات غوغول الروسي ابن القرن التاسع عشر بنتاجات السياب العراقي ابن القرن العشرين , ولكني تحدثت عن الموقف الفكري منهما ليس الا , عندما سمعت قول (س) حول رجعية غوغول . تدخل ( ع) في هذا النقاش وقال , ان بيلينسكي – حسب معلوماتي - لم يكتب في رسالته الشهيرة الى غوغول , ان غوغول اصبح رجعيا , فاجاب (ص) , انا قرأت هذه الوثيقة ايضا ولم أجد فيها اشارة واضحة الى موقف غوغول السياسي , رغم ان بيلينسكي كان ينتقد غوغول طبعا , فعلق (س) قائلا – ولكن بيلينسكي كتب هناك ان غوغول انتقل الى موقف هؤلاء الذين كان يسخر منهم , اي انه اصبح يؤيد موقفهم الفكري , فاجابه (ص) , لكن بيلينسكي لم يستخدم تعابير ( رجعي  او تقدمي) كما استخدمتها انت في حديثك عن غوغول , و هي – في الواقع -  تعابير استخدمها العراقيون بالذات في اواسط القرن العشرين فقط , عندما جعلوا السياسة هي المقياس الاساسي للابداع الادبي , وهكذا أخذوا يسمّون الكاتب فلان ( تقدمي ) لانه يؤيد هذا الاتجاه السياسي المحدد , ويسمّون الكاتب فستان ( رجعي ) لانه لا يؤيد ذلك الاتجاه السياسي , بغض النظر عن نتاجهم الادبي وقيمته واهميته للمجتمع . تدخلنا جميعا في هذا النقاش , وحاولنا ايقافه , وطلبنا من الآخرين الا يعلقوا او يساهموا بهذا النقاش , كي لا تعود ( المعركة !) مرة اخرى , خصوصا واننا نجلس في مكان عام .
 مرّ من قربنا أحد المواطنين الروس , والذي كان يجلس مع اصدقائه جنبنا على الطاولة المجاورة لنا , وقال لي , يبدو ان هناك مشكلة كبيرة عندكم , فانتم كنتم تتناقشون حولها بحيوية , فضحكت انا , وقلت له , لا , لا توجد لدينا مشكلة , لقد كنّا نتناقش حول غوغول ليس الا , فقال باندهاش , بينما كنا نعتقد ان لديكم مشكلة كبيرة , ثم أضاف , أنا ايضا أحب غوغول مثلما تحبونه , وغالبا ما اعود لقراءة نتاجاته الرائعة , وقد قرأت قبل فترة قصيرة (يوميات مجنون ) وربما للمرة العاشرة , ولا زلت اقهقه , عندما اعيد قراءة هذا الكتاب , واتعجب , كيف استطاع غوغول ان يصف سمات هذا المجنون بدقة متناهية , قلت له , كنا نتناقش حول موقفه السياسي , فقال , الفنان لا يمكن ان يكون سياسيا , اذ انه ينطلق من مواقفه الذاتية الابداعية , اما السياسي , فلا يوجد لديه آراء ابداعية محددة , بل مواقف سياسية تنسجم وتتناغم مع رأي حزبه السياسي , ويجب عليه ان يؤيد رأي حزبه بغض النظر عن موقفه الشخصي , وكل العباقرة من ادباء وفنانين , ومن جملتهم طبعا غوغول , لم يكونوا سياسيين ابدا , ثم ودّعني بلطف وابتسام وذهب ....     


98
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – حتى الابن المحب لا يدخل وراء الاب الى القبر .
التعليق – صورة فنيّة حزينة جدا وحقيقية فعلا , هكذا علّق صاحبي عندما استمع الى هذا المثل الافريقي , فقلت له – نعم , هذا انطباع دقيق حول هذا المثل , الذي يرسم طبيعة الحياة الانسانية , وتعاقب الاجيال ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يأكل الانسان بفكيّه .
التعليق – طبعا , بل هو يمضغ الطعام بفكيه ليس الا , اذ ان الانسان يأكل نتيجة عمله . مثل في غاية الذكاء ويعكس ملاحظة صحيحة جدا لحياة البشر . يقول المثل العربي – لا شئ يأتي دون عناء سوى الفقر, ويقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة ...   
+++++
الترجمة الحرفية – قلب الانسان الشرير لا يرتاح حتى في وقت الراحة .
التعليق – صحيح جدا , فالقلب ينبض دائما , وقلب الانسان الشرير ينبض بالشر طبعا , (فالاناء  ينضح بما فيه ) كما يقول مثلنا العربي , ولهذا فان هذا القلب لا يرتاح فعلا كما يقول المثل الافريقي , لأنه ينضح دائما بالشرّ . 
+++++
الترجمة الحرفية – العقل والغباء يسيران جنبا لجنب .
التعليق – نعم هكذا هي الحياة , ولا يمكن التمييز بين العقلاء والاغبياء الا بالتعامل التطبيقى والعملي معهم . يقول المثل الياباني – يعرفون الحصان بالسفر والانسان بالاختلاط ...
+++++
الترجمة الحرفية – الندم يأتي متأخرا دائما .
التعليق – يأتي الندم بعد الخطأ الذي يرتكبه الانسان في مسيرة حياته  وليس قبل ارتكاب الخطأ , اي متأخرا فعلا . مثل واقعي يصف حالة انسانية دائمية ...
+++++
الترجمة الحرفية – الألم الغريب لا يعرقل النوم .
التعليق – يوجد مثل اندونيسي في نفس المعنى , رغم ان الصورة الفنية فيه تختلف جذريا عن هذا المثل الافريقي , وهو – الذي يأكل الفلفل هو الذي يحس بطعمه اللاذع ...
+++++
الترجمة الحرفية – الماء والنار لا يتناقشان .
التعليق –  يتطلب النقاش بين جانبين التنازل من كل جانب  وصولا الى الحل الوسط المقبول من كلا الجانبين , والا , فلا نقاش بين طرفين , كل طرف منهما يريد الغاء الطرف الآخر , مثل النار والماء في هذا المثل الافريقي . يوجد مثل عربي مناظر يقول – لا يجتمع الذئب والحمل , وهناك مثل روسي في نفس المعنى يقول – القش والنار لا يتصادقان .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب العجوز لا يزمجر وينبح دون سبب .
التعليق – والمثل الروسي يقول كذلك – الكلب العجوز لا ينبح على الريح , وهناك مثل روسي آخر في نفس المعنى يقول – الغراب العجوز لا ينعق عبثا ...
+++++
الترجمة الحرفية – من يسير في طريقين يخلع رجله .
التعليق –  جوهر هذا المثل يكمن في قول السيد المسيح – لا يقدر احد ان يخدم سيدين . توجد امثال عديدة عند الشعوب في هذا المعنى , منها مثل أفغاني يقول – الانسان لا يعبر النهر بزورقين . الصورة الفنية في المثل الافريقي طريفة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان تسير بخطوات صغيرة , مما ان تجلس .
التعليق – يوجد مثل جورجي في نفس المعنى يقول – افضل مما ان تجلس دون جدوى , اعمل دون جدوى . المثل الافريقي أكثر وضوحا ودقة .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يزمجر الاسد , يسكت الضبع .
التعليق – طبعا يسكت الضبع في هذه الحالة , لأن الاسد هو الاقوى , وبالتالي , هو الذي يقرر, بغض النظر عن اي شئ آخر , او كما يؤكد المثل الروسي  – من الاقوى , فهو على حق ...
+++++
الترجمة الحرفية – سنّ منخور واحد يجعل الفم نتنا .
التعليق –  تؤكد امثال الشعوب على هذه الفكرة , فالمثل العربي يقول – معظم النار من مستصغر الشرر , والمثل الروسي يقول - ملعقة قطران في برميل عسل , والمثل الكوري يقول – سمكة واحدة صغيرة تعكر كل الماء .....
+++++
الترجمة الحرفية –  الضفادع تتسلق على الموز , عندما يغيب الفهد .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل تعكس البيئة الافريقية بدقة , وهكذا هي الامثال . المثل العربي المناظر لهذا المثل الافريقي الطريف , هو  – غاب القط العب يافار .
_____________________________________________________________________



99
حول الادب الروسي في عالمنا العربي
أ.د. ضياء نافع
 كنّا نشرب القهوة  – نحن الاربعة – ودردشنا حول الادب الروسي في عالمنا العربي , اذ قال الاول , ان هناك في الوقت الحاضر  مترجمون عرب عن اللغة الروسية مباشرة يصدرون العديد من الكتب المترجمة لنتاجات الادباء الروس وحولهم , وهذه ظاهرة رائعة جدا في أدبنا العربي المعاصر. علّق الثاني قائلا , وفي النصف الثاني من القرن العشرين كانت هناك ايضا كوكبة لامعة من المترجمين عن الروسية مباشرة وقدّمت الكثير من الكتب المترجمة , فقال الثالث , ولكن تلك الكوكبة كانت تعيش بالاساس في الاتحاد السوفيتي , وكانت تعمل في اطار ايديولوجي سوفيتي صارم , وقد أخضعت السلطات السوفيتية عملهم الترجمي لتخطيطها ذاك , فعلّق الرابع حول ذلك مبتسما وقال , ان التخطيط افضل من اللاتخطيط في كل الاحوال , اذ انه يعني ان الدولة تسانده , وهذا عامل مهم جدا في تطوير العمل واستمراريته , هذا اولا , أما ثانيا , فقد اعطتنا تلك الكوكبة أعمالا رائعة في الادب الروسي رغم كل ما تقوله حول اخضاع عملهم للايديولوجيه السائدة في الاتحاد السوفيتي آنذاك , فهل يمكن نسيان ما قام به , مثلا , غائب طعمه فرمان او ابو بكر يوسف او خيري الضامن او عبد الله حبه اوحسيب الكيالي او برهان الخطيب وغيرهم في هذا المجال , فقال الاول , صحيح , وأنا أؤيد هذه النظرة الموضوعية لما قام به هؤلاء رغم الاطار الايديولوجي السوفيتي الصارم , الذي تكلمت عنه , لقد قدموا لنا فعلا مختارات رائعة من نتاجات بوشكين وليرمنتوف وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وشولوخوف وغيرهم , ولكن يجب الا ننسى , ان المترجمين الذين أشرت اليهم في بداية حديثي هم الذين يختارون الان النصوص الروسية التي تتناغم مع رغباتهم الشخصية وآرائهم الذاتية البحتة, وهذا شئ مهم جدا للمترجم , اذ ان الترجمة ليس ( النقل من لغة الى اخرى ) وانما هي عملية ابداعية متكاملة , وتقتضي قبل كل شئ التوافق والانسجام الروحي بين النص الاجنبي والمترجم نفسه , فقال الثاني  , ان ( التوافق والانسجام الروحي ) بين النص الاجنبي والمترجم كان يحدث عند تلك المجموعة من المترجمين في الاتحاد السوفيتي اثناء العمل الترجمي نفسه , واضاف ضاحكا , اي الحب بعد الزواج وليس قبله ( كما يحدث عادة عندنا!) , والا , هل تعتقد , ان ابو بكر يوسف لم ( يتناغم !) مع تشيخوف عندما ترجم المؤلفات المختارة له باربعة أجزاء , والتي أصدرتها دار النشر السوفيتية آنذاك ؟ ضحكنا جميعا - ومن أعماق قلوبنا - حول ( الحب بعد الزواج !) ولم نستطع نفي تلك الظاهرة طبعا . بعد لحظات صمت وتأمّل , قال الرابع , لا توجد ظروف مثالية متكاملة لعمل المترجمين لا في ذلك الزمن ولا الان , ولكن المترجم الحقيقي يستمر بعمله الترجمي بغض النظر عن تلك الظروف , وهذا ما لمسناه في أعمال المترجمين العرب في الاتحاد السوفيتي عندئذ وفي أعمال المترجمين الحاليين بالوقت الحاضر ايضا , رغم الاختلافات الجذرية الهائلة في ظروف عملهم , وبالمناسبة , لم يكن غائب طعمه فرمان يحب عمله كمترجم , وكان يمارس عمله الترجمي من اجل كسب لقمته , ولكنه اعطانا مجموعة رائعة من الكتب المترجمة لأنه كاتب مبدع , ولا يمكن ان يسمح لنفسه ان ينشر شيئا لا يتناغم مع ابداعه,  فقال الثالث , نعم هذا صحيح , وهناك مثل آخر في عالم الترجمة حول ذلك هي الشاعرة الروسية آنّا أخمانوفا , اذ انها ايضا لم تكن تحب الترجمة , الا ان ظروف حياتها أجبرتها على ممارسة الترجمة , فأعطتنا مجموعة رائعة من القصائد , فالترجمة عمل ابداعي , مثلما يكتب الشاعر قصيدة  او يرسم  الفنان التشكيلي لوحة ....الخ , اي ان المترجم لا يقدر ولا يستطيع ان يتوقف عن الاستمرار في عملية الابداع , بغض النظر عن الظروف المحيطة به , ومهما تكن المكاسب , التي يحصل عليها المترجم عند انجاز عمله الابداعي هذا .
انتقلنا بعد ذلك الى الدردشة حول قضية اخرى , مرتبطة طبعا بموضوع ترجمة الادب الروسي الى العربية , والقضية هي – هل استطاع المترجمون ان يرسموا للقراء  العرب صورة متكاملة للادب الروسي ؟ واتفقنا جميعا , ان عملية الترجمة هذه عن الروسية او عن لغات وسيطة اخرى , لم تنجز لحد الان رسم الصورة المتكاملة للادب الروسي , رغم ان هذه العملية ابتدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر واستمرت طوال القرن العشرين و في العقدين الاول والثاني في قرننا الحادي والعشرين ولا زالت مستمرة لحد اليوم , واتفقنا جميعا ايضا , ان القارئ العربي الان يمتلك – مع ذلك – صورة تقريبية لهذا الادب بشكل او بآخر , وتمنينا ان تستمر عملية الترجمة في هذا المجال لاحقا , لانها ضرورية جدا لاكمال صورة الادب الروسي للقارئ العربي , ولأنها ضرورية ايضا لتعميق الحوار العربي – الروسي لمصلحة الطرفين المتحاورين , حوار يحتاجه العرب والروس معا ......    

100
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الانسان في وطنه مثل الاسد في الغابة او التمساح في النهر .
التعليق – مثل افريقي بامتياز قلبا وقالبا , اذ لا يمكن لنا ان نجد اسدا بالغابة وتمساحا بالنهر سوى في افريقيا , الا ان الفكرة في هذا  المثل تتكرر في امثال الشعوب الاخرى . لنتذكر مثلنا – كل كلب ببابه نبّاح , اما المثل الاندونيسي فيقول – والكلب في شارعه أسد . المثل الافريقي اكثر وضوحا ودقّة وجمالا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الحليب وفي الليل أبيض .
التعليق –  الصورة الفنية في هذا المثل طريفة ومبتكرة فعلا . يوجد مثل افغاني قريب لهذا المثل الافريقي يقول – البقرة سوداء لكن حليبها ابيض , الا ان المثل الافريقي يؤكّد - و بشكل حاسم – على استنتاج مهم جدا بمسيرة حياة الانسان في كل المجتمعات, وهذا الاستنتاج هو - ان الوقائع لا تتغيّر بتغيّر الزمن , وكم نحتاج – نحن في بلداننا العربية قاطبة – الى ان نتذكّر هذا الاستنتاج في عصرنا الحالي وأن نأخذه بعين الاعتبار , اذ بدأ البعض حولنا بمحاولات عديدة للتلاعب بالوقائع هنا وهناك ( لغاية في نفس يعقوب !) , وما أدراك ما يخطط له هذا ( اليعقوب !!!) . 
+++++
الترجمة الحرفية – استلام الهدية ليس صعبا , الاصعب ايجاد جوابها الملائم .
التعليق – يقول المثل الجورجي – الهدية تتطلب هدية , وهي ظاهرة عامة لدى معظم الناس , ولنتذكر مثلنا الطريف والواضح جدا - كل شئ دين بدين حتى دموع العين . المثل الافريقي يكرر هذا المفهوم , ولكنه يتميّز عن بقية الامثال المناظرة له عند الآخرين بصيغته الجميلة و المرحة والواقعية و الشمولية ...
+++++
الترجمة الحرفية – السلحفاة تسير ببطء , لكنها تذهب بعيدا .
التعليق –  يذكرنا هذا المثل الافريقي بحكاية نعرفها جميعا منذ طفولتنا عن السباق الطريف بين الارنب والسلحفاة , وكيف فازت السلحفاة في نهايته . المثل يقول لنا , ان العمل الدؤوب والاستمرار به يوصلنا الى الهدف المنشود , ومن سار على الدرب وصل , كما يقول المثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – احترم جدتك , اذ  لولاها لما كانت لديك ام .
التعليق – مثل رائع , اذ انه يربط بين الام والجدّة بشكل ذكي جدا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان النتن الفم لا يلاحظ تلك الرائحة عنده .
التعليق –  نعم , هذا صحيح فعلا , وينطبق ذلك على الانسان الذي يتميّز بالصفات (النتنة!!!) الاخرى , وما اكثر هؤلاء البشر حولنا مع الاسف . هذا المثل الافريقي واقعي جدا ودقيق جدا وشامل جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – حتى القيصر لا يتغلب على كيد المرأة .
التعليق –  .... ان كيدهن عظيم ...
+++++
الترجمة الحرفية – افضل دواء من الدخان , الابتعاد عنه .
التعليق – ... وليس الدخان وحده , فهناك مثل عربي بلهجتنا العراقية يقول – باعد من الشر تسلم , الا ان هناك مثل عربي آخر اصبح شهيرا جدا لانه دخل ضمن اغنية عربية شائعة , وهو - ابعد عن الشر وغنيله ...
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان يكون المخ في الرأس , مما في العمود الفقري .
التعليق – مثل مرح جدا في الظاهر , وحقيقي وواقعي في الباطن , هكذا قال صاحبي عن هذا المثل الافريقي وهو يضحك , فسألته لماذا تضحك , فاجاب , لان هذا المثل ذكّره بالكثيرين من ( جماعة العمود الفقري !) حولنا , وأضاف – هل تريد ان أذكر لك الاسماء ؟ فضحكت أنا ايضا وقلت له – لا , لا ( يمعوّد !!!) , لا تورطنا مع (جماعة العمود الفقري!) , اذ يوجد بينهم ( كبار!!!).   
+++++
الترجمة الحرفية – حيثما توجد طيور هناك ماء , وحيثما يوجد ضحك هناك اناس .
التعليق – ما أجمل هذا المثل , وما أروع هذه الصورة الفنية فيه , اذ انه يقول بشكل غير مباشر , ان الماء ضروري لحياة الطيور مثل  ضرورة الضحك لحياة البشر . فليسمع (الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ) ما يقوله هذا المثل الافريقي الجميل .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تركض العظام وراء الكلب .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى الرمزي ايضا – الشعير لا يسير وراء الحصان . امثال الشعوب قاطبة تؤكد على ضرورة العمل من اجل كسب العيش , فالكسل ما يطعم بصل كما يقول مثلنا الشهير .
+++++
الترجمة الحرفية -  ملكان لا يعيشان في مملكة واحدة .
التعليق – مثل يتكرر عند الكثير من الشعوب , فمثلنا بمختلف اللهجات العربية يقول – حصانين على مربط واحد ما تنربط  , والمثل الروسي يقول – دبّان لا يعيشان في مأوى واحد ..... المثل الافريقي واضح المعالم جدا , ويضع النقاط على الحروف بدقة متناهية .
____________________________________________________________________________


101
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – العتيق يتهدّل , الجديد يهبّ.
التعليق – خلاصة واقعية و دقيقة , بل يمكن القول ان هذا المثل الافريقي هو خلاصة الخلاصات للحياة الانسانية باكملها , فالعتيق فعلا ( يتهدّل !) ثم ينتهي دوره و يخرج من الحياة , و ( يهبّ) الجديد وينهض ويحل محله , وهكذا هي طبيعة الحياة الانسانية ومسيرتها الخالدة من جيل الى جيل .....   
+++++
الترجمة الحرفية –      الفقر – مقصّ للعادات .
التعليق – مثل حقيقي طريف رغم مأساويته , والصورة الفنية فيه مبتكرة بكل معنى الكلمة . علّق صاحبي على هذا المثل الافريقي قائلا – نعم , هذا صحيح , اذ كيف يمكن للفقير , مثلا , ان يرتدي الملابس الجديدة في العيد , وان يعمل كليجة ام الجوز والشكر والتمر ؟ , فضحكت أنا وقلت له – يا لك من بطران , لأنك لم تجد غير هذه الصورة للتعبير عن الفقر الرهيب , الذي يعاني منه الناس في الكثير من المجتمعات , بما فيها عالمنا العربي , فقال لي , انه يتفق مع هذا الجواب طبعا , الا (انها الصورة التي انحفرت في اعماق روحي منذ الطفولة , ولا يمكن لي ان أنساها ابدا ! ) , ولهذا انعكست رأسا وقبل كل شئ في تعليقي حول هذا المثل , وبقيت أنا صامتا.. 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا يقول الكلب لك , انه سيجلب لك الفيل , فاعلم انه يخدعك .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل خيالية ومرحة جدا , الا انها ترمز بشكل واضح ودقيق , ان هذا ( الكلب !) كاذب , وبالتالي , فان وعوده مليئة بالكذب الهائل جدا وحتى غير المنطقي تماما . قال صاحبي , ان هذا المثل سياسي بحت , لانه يصف وعود السياسيين الفنتازية عندهم وعندنا معا , ويصف ايضا سذاجة الذين يصدقونها , ويدعوهم ان ( يعلموا !) ان هؤلاء ( الكلاب !) يخدعونهم ليس الا . قلت لصاحبي – آه منك ومن تفسيراتك الخطيرة للامثال ...
+++++
الترجمة الحرفية – الملابس الوسخة أفضل من اللاشئ .
التعليق – علّق صاحبي على هذا المثل الافريقي وهو يضحك - طبعا أفضل من ان يبقى الانسان عاريا , فقلت له , لماذا تضحك , بل يجب ان تبكي , لأن هذا المثل - من جانب آخر - يعني , ان هناك اناس فقراء لا يستطيعون حتى تبديل ملابسهم كي يغسلوا الملابس الوسخة التي يرتدونها , ومن المؤكد , ان هذا المثل يعبّر عن هذه الحالة المأساوية في افريقيا , فالامثال لا تولد عبثا في اي مجتمع انساني , فلاذ صاحبي بالصمت...
+++++
الترجمة الحرفية – الناس الذين يجمعون الثمار في الغابة لا يحبون بعضهم .
التعليق –  ابناء المهنة الواحدة في تنافس دائم . يوجد مثل مناظر في هذا المعنى بلهجتنا العراقية يقول – امجدّي ما يحب المجدّي ( المجدّي = المتسوّل ) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا السمكة تقول , ان التمساح قد مات , فهذا صحيح .
التعليق – مثل حقيقي رغم كل الاجواء الخيالية فيه , فالتمساح والسمكة يعيشان معا في النهر نفسه , والتمساح عدوها , ويمكن له ان ( يلتهما!) في اي لحظة ,  ولهذا فان قولها صحيح . لنتذكر بيت الشعر العربي الشهير الذي ذهب مثلا –
 اذا قالت حذام فصدقوها //// فان القول ما قالت حذام
+++++
الترجمة الحرفية – اطعم الضعيف , هو سيطعمك غدا .
التعليق –  ...هل جزاء الاحسان الا الاحسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يقول الجدّ شيئا , لا ضرورة لاعادة السؤال على الاب .
التعليق – مثل طريف البنية فعلا , وهو دليل - لا يقبل الشك - على احترام المجتمعات الافريقية لكبار السنّ والاقرار بخبرتهم في الحياة , وهي واحدة من صفات المجتمعات الشرقية عموما .
+++++
الترجمة الحرفية – من لم يضل بالليل , لن يضل بالنهار .
التعليق – هذا هو المنطق السليم , الذي يجب ان يسود بين البشر . مثل بسيط شكلا وحكيم وعميق مضمونا , والمجرب لا يجرب كما يقول مثلنا الشهير .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يشبهك – ليس أنت .
التعليق – نعم , نعم لهذا المثل الطريف والعميق , فلكل انسان قيمته واهميته واخلاقه وعاداته وصفاته الذاتية المتنوعة الاخرى الخاصة به , وان التشابه في الشكل لا يعني بتاتا التطابق في كل السمات المختلفة عند البشر . مثل ضروري ومهم جدا في العلاقات بين الناس .
________________________________________________________________


102
حوار مع ابنة حفيد تولستوي
أ.د. ضياء نافع
تمّ نشر هذا الحوار عام 2018 في مجلة ( أغنيوك ) الاسبوعية الروسية بمناسبة احتفالات روسيا بالذكرى (190) لميلاد تولستوي , وقد اطلعت عليه صدفة قبل أيام ليس الا وتمتعت جدا بمضمونه الانساني و ( الانثوي !) الرشيق , اذ كان حديث ابنة حفيد تولستوي يصدر من القلب مباشرة وبعفوية حقيقية اصيلة وغير مصطنعة بتاتا وبعيدة جدا عن كل الكلمات ( الرنانة والطنانة !) , التي نراها عادة في مثل هذه الحوارات مع ابناء المشاهير وأقاربهم , واظن ان الحديث عن مضمون هذا الحوار سيكون ممتعا ايضا للقارئ العربي , خصوصا واني قد وجدت في ثنايا هذا الحوار نقاطا جديدة فعلا عن تولستوي , و رغم انها معلومات صغيرة ( اي  نواعمّ كما نقول بعض الاحيان ونحن نبتسم !!!), الا ان هذه النواعم – في رأي الشخصي – تستحق الاطلاع عليها لانها طريفة فعلا, و تضيف شيئا جديدا لنا عن تولستوي الانسان وتولستوي الفنان ايضا , ولهذا قررت كتابة هذه  السطور عن هذا الحوار الجميل .
اسم ابنة حفيد تولستوي – فيكلا تولستايا ( اسم الدلع لها – فيكا , ولقبها تحوّل من تولستوي المذكر الى تولستايا المؤنث حسب القواعد الصارمة للغّة الروسية ), و تولستايا - هي رئيسة قسم تطوير متحف تولستوي الحكومي , و مقدّمة برامج تلفزيونية معروفة في نفس الوقت. الحوار معها عن جدها الكبير تولستوي كان متشعّبا جدا , وبما انه كان بمناسبة الذكرى 190 لميلاد تولستوي , فقد ابتدأ هذا الحوار طبعا بالسؤال عن تقاليد العائلة التولستوية الكبيرة بالنسبة ليوم ميلاد هذا الكاتب الشهير . أشارت تولستايا الى ان يوم ميلاد تولستوي ( ...جميل ومتميّز جدا , اذ هو يصادف يوم 28 / 8 / 1828 ... حسب التقويم القديم الذي كان سائدا في الامبراطورية الروسية ...) , ومن المعروف , ان ثورة اكتوبر 1917 قد ألغت هذا التقويم القديم ووحّدته مع التقويم العالمي , ولهذا اصبح يوم ميلاد تولستوي بالاتحاد السوفيتي في الشهر التاسع / ايلول  بدلا من الشهر الثامن / آب , اي تغيّر تاريخ ميلاده , وفقد بالتالي هذا التناغم الرشيق المرتبط برقم 8 , اي 28/8 /28 , (كما ان الاحتفال السوفيتي بذكرى ثورة اكتوبر كان يجري بالاتحاد السوفيتي في شهر نوفمبر , وليس في شهر اكتوبر , رغم ان اسمها بقي و لحد الان كما كان سابقا , اي ثورة اكتوبر). لقد اختصرت تولستايا اجابتها عن هذا السؤال بالقول , انها تحتفل بذكرى ميلاد تولستوي مثل كل المواطنين الروس باعتباره كاتبا روسيّا عظيما , ولكنها قالت ايضا انهم لايزالون لحد الان يعملون (كيكة الليمون) في بيته بياسنايا بوليانا بمناسبة عيد ميلاده وحسب الوصفة القديمة لتحضيرها ويقدموها لكل الضيوف, وهو تقليد كانت تحرص على اقامته في ذلك اليوم زوجته صوفيا اندريفنا كل عام . وبمناسبة الاشارة الى زوجته , فقد ذكرت تولستايا بشكل غير مباشر , انها تحترم صوفيا اندريفنا , وان هذا الاحترام يزداد لديها عند معرفتها اكثر واكثر حولها , اي على عكس ما كتب الكثير من الباحثين حول علاقتها مع زوجها , وان تولستوي هرب في اواخر ايام حياته منها بالذات . وقد تذكّرت – عندما قرأت رأيها هذا – ما قالته لي مرة استاذتي والمشرفة على اطروحتي في جامعة باريس البروفيسورة صوفيا لافيت حول زوجة تولستوي , اذ انها ذكرت , ان زوجة تولستوي لو لم تكن منسجمة معه لما ولدت له ( 13) طفلا , ولما أعادت كتابة مسوّدة روايته الملحمية ( الحرب والسلم ) سبع مرات باكملها بعد كل تصليح كان تولستوي يجريه على روايته .
هناك نقاط طريفة اخرى في الحوار مع تولستايا , منها ( على سبيل المثال وليس الحصر ) , ما ذكرته عندما احتفل الاتحاد السوفيتي عام 1928 بالذكرى المئوية الاولى لميلاد تولستوي ,  اذ قالت ان الجلسة المركزية لتلك الاحتفالية جرت في البولشوي تياتر , وان الكلمة الاولى ألقاها الوزير السوفيتي لوناتشارسكي واستغرقت ساعة ونصف , وقد شارك في تلك الاحتفالية كل القادة السوفيت ومجموعة من كبار الضيوف الاجانب , منهم الكاتب الالماني ستيفان زفايج , وتحدثت تولستايا عن مناسبة اخرى جرت عام 1978 , عندما احتفل الاتحاد السوفيتي بالذكرى ( 150 ) على ميلاد تولستوي , وقالت تولستايا , ان الصورة المنشورة لهذه الاحتفالية ( والتي كانت ايضا في البولشوي تياتر ) ,  كانت كما يأتي - هناك صورة ضخمة لتولستوي في واجهة المسرح , وكان بريجنيف وبقية اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي يجلسون على منصة المسرح وخلفهم تلك الصورة الضخمة لتولستوي , وقد أثارت هذه الصورة تعليقات أقارب تولستوي , اذ انهم أشاروا , لو ان تولستوي رأى هذه الصورة  لشجبها , لانها تتعارض مع كل مفاهيمه الفكرية. 
ومن النقاط الطريفة الاخرى في هذا الحوار , ما ذكرته تولستايا حول المؤلفات الكاملة لتولستوي في تسعين مجلدا , اذ تبين انها ابتدأت عام 1928 ليس الا وبمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاده , وان ابنته أشرفت على اصدار الجزء الاول , ولكنها اضطرت بعدئذ الى الهجرة من الاتحاد السوفيتي , اذ بدأ اخضاع تولستوي للمفاهيم التي كانت سائدة في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات بشكل صارم .
الحوار مع تولستايا يستحق الترجمة الكاملة الى العربية , لانه يتناول معلومات جديدة فعلا عن الكاتب العظيم للارض الروسية...





103
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تشرق الشمس لشخص واحد فقط .
التعليق – هناك مثل روسي يقول – لا يتلألأ في السماء نجم واحد فقط , وهو المثل المناظر لما يشير اليه المثل الافريقي , اذ ان المعنى العام لكلا المثلين يؤكد على تضخم ( الأنا ) عند بعض الناس , وما أكثرهم مع الاسف في مجتمعاتنا . في المثلين توجد مبالغة , وهو اسلوب في بنية الكثير من أمثال الشعوب لغرض ايصال المعنى , ولكن الصورة الفنيّة (في المثل الافريقي والمثل الروسي كذلك) جميلة ومتميّزة وساطعة وغير اعتيادية .
+++++
الترجمة الحرفية – يحدث ان الصديق يكون أقرب من الاخ .
التعليق –  يحدث ذلك فعلا بعض الاحيان , فالاخ الحقيقي بعيد عنك والصديق الحقيقي قربك . لنتذكر القول العربي المشهور في هذا المعنى , وهو– ربّ اخ لك لم تلده امك ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة الطويلة – معاناة .
التعليق – تعب كلها الحياة كما يقول فيلسوفنا المعري , فكيف اذا كانت الحياة طويلة , حيث يصل الانسان فيها الى مرحلة ( ارذل العمر ) . مثل واقعي و دقيق فعلا , خصوصا في المجتمعات التي لا تتوفر فيها الخدمات الضرورية للانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يقدر التمساح ان يرمي درعه , لأنه ولد فيه .
التعليق –  مثل يعكس طبعا البيئة الافريقية بدقة , ولكنه في نفس الوقت مثل رمزي بامتياز , اذ انه يعني ( فيما يعنيه ) , ان الانسان لا يقدر ايضا ان يرمي الدرع عندما يقاتل دفاعا عن المكان الذي ولد فيه .
+++++
الترجمة الحرفية – باصبع واحد لا يمكن ان تمسك البراغيث .
التعليق – مثل عالمي , وصيغته المشهورة تتحدث عن عدم امكانية اليد الواحدة ان تصفق , والصيغة العربية له تشير الى عدم امكانية حمل بطيختين ( او رمانتين باللهجة العراقية) بيد واحدة , والمثل الصيني يقول – بيد واحدة لا يمكن ان تصطاد ضفدعتين , ولكن الصيغة الافريقية تتحدث عن (البراغيث!!!).
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل أنواع الثوم لا يحل محل البصل .
التعليق – وافضل انواع البصل لا يحل محل الثوم , وبشكل عام لا يمكن لشئ ( او لأحد ) ان يحل محل الآخر . مثل فلسفي عميق بصيغة واضحة ومبسّطة جدا , صيغة تصل بدقّة الى قلب المتلّقي وعقله .
+++++
الترجمة الحرفية – كل من يأكل من جوز القيصر يجب ان يحارب من أجل القيصر .
التعليق – يقول المثل الارمني – لا تشرب من قدح القيصر , اي لا تختلط معه , لان الاختلاط خطر, ولكن المثل الافريقي هذا يذهب أبعد , ويتحدث عن القتال لحماية القيصر , وهو مثل صحيح فعلا , ويعرف عالمنا العربي هذه الظاهرة مع ( قياصرته !!!).
+++++
الترجمة الحرفية – النار تحرق الاشياء , لكن لا تحرق الحديد .
التعليق – مثل رمزي واضح المعالم . يوجد تعبير بالعربية يقول – الضرب بيد من حديد , اي انها - حسب مفهوم هذا المثل الافريقي – يد قوية لا تحترق بالنار .
+++++
الترجمة الحرفية – تريد ان تتسلّق الشجرة , ابدأ من الاسفل .
التعليق – مثل مرح جدا , وحتى يثير الابتسامة , ولكن معناه عميق , اذ انه يؤكد على ضرورة الخضوع للمنطق السليم للوصول الى الهدف , اذ لا يمكن ان ( تتسلّق الشجرة من الاعلى !!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – وزن الفيل ليس ثقيلا بالنسبة له .
التعليق – يقول المثل الروسي – حملك ليس عبئا عليك ...
+++++
الترجمة الحرفية -  الجالس على الارض لا يخاف من السقوط .
التعليق – الصيغة الافريقية لمثل عالمي يتكرر عند شعوب كثيرة , فالمثل الصيني يقول – اذا لا تتسلق لن تسقط , والمثل الروسي يقول – من لا يسير لا يسقط , والمثل الهندي يستخدم فعل يتزحلق بدلا من يسقط , ولكن ( الجالس على الارض ) في الصيغة الافريقية تحسم الموضوع جذريا , وتذكّرنا بمثلنا الشهير عن ( المبلل !) الذي لا يخاف من المطر.


104
عن بعض المفردات العربية و الروسية
أ.د. ضياء نافع
اكتب هذه السطور بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي , الذي تحتفل به منظمة اليونسكو سنويا في 18 كانون الاول / ديسمبر , هذه اللغة التي لم نشعر بجماليتها وعظمتها وتميّزها في يفاعتنا . المرة الاولى في حياتي , التي شعرت بذلك حدثت قبل نصف قرن بالتمام والكمال , عندما كنت عام 1960 طالبا في الصف الاول بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو , حيث كانت الاستاذة موراتوفا ( لازلت لحد الان اتذكر لقبها ) تلقي علينا محاضرة في القاعة الكبرى بالكليّة  في مادة ( مدخل في علم اللغة ) , وقالت – توجد كلمات مشتركة في كل لغات العالم , مثل كلمة ( سوتسياليزم ) و ( كومونيزم ) , فقلت لها باعلى صوتي – لكن باللغة العربية ليست هكذا , فتوجهت نحوي طبعا انظار الاستاذة المحاضرة وكل طلبة الكورس الاول قاطبة , وسألتني الاستاذة باندهاش – وكيف تسمّون تلك الكلمتين بالعربية ؟ فاجبتها رأسا – سوتسياليزم  الاشتراكية وكومونيزم الشيوعية , فقالت بعد لحظة صمت – سأدقق تلك المعلومة في مصادرنا . تذكرت هذه الحادثة الطريفة والفريدة في مسيرة حياتي الدراسية عندما كنت اتحدث مرة مع مجموعة من الزملاء الروس في مركز الدراسات العراقية - الروسية بجامعة فارونيش الحكومية عن  لعبة ( الفوتبول ) , اذ قال احدهم , ان هذه الكلمة مشتركة بكل لغات العالم , فاخبرته وانا ابتسم , اننا لا نسميها فوتبول بل – كرة القدم ( وشرحت له تلك التسمية حرفيّا !) , وسألني متعجبا – وهل الناس يفهمون ذلك ام يجب استخدام كلمة فوتبول ؟ فاوضحت له , ان كلمة فوتبول غير مفهومة للناس الاعتياديين , وحدث نفس رد الفعل ذاك عنده وعند الزملاء الآخرين طبعا, كما حدث آنذاك عند استاذة علم اللغة بجامعة موسكو , وانهالت عليّ اسئلة هؤلاء الزملاء عندها , حول تسميات الالعاب الاخرى بالعربية , مثل الباسكتبول و الفاليبول والهاندبول ( الخاندبول بالروسية ) , وأنا اجيب عن كل اسئلتهم مبتسما ( وبرهاوة !!!) , وهم ينظرون اليّ مندهشين و متعجبين , وحكيت لهم بعدئذ قصتي مع كلمتي (السوتسياليزم) و(الكومونيزم) واستاذة مادة (مدخل في علم اللغة ) بجامعة موسكو .
لكن ألطف ما حصل لي في هذا المجال هو حديثي مع جارتي الروسية , والتي ادردش معها غالبا عندما نلتقي صباحا في الممر او قرب العمارة بعض الاحيان , اذ قالت لي مرة , انها حضّرت أمس طعاما لذيذا جدا باضافة قليلا من الكركم اليه ( بالروسية – كوركوما , وهي كلمة مؤنثة ) , وان هذه الاضافة جعلت الطعام بنكهة خاصة , وسألتني – هل تعرفون في العراق ذلك ؟ فضحكت أنا وقلت لها , طبعا نعرفه , فسألتني – وماذا تسمونه بالعربية , فقلت لها مثلما تسمونه بالروسية , فاجابت – ربما انكم اخذتم التسمية من الروسية , قلت لها ضاحكا, ان اللغة العربية أقدم من اللغة الروسية , وربما انتم أخذتم التسمية من عندنا , فضحكت وقالت , الكلمة غير روسية حتما , و على الاغلب انها جاءت الينا من الهند , ولكن يجب طبعا ان ندقق الموضوع في القواميس المتخصصة .  بعد هذه الدردشة مع جارتي عدت انا الى القاموس الايتومولوجي (اصل الكلمات او علم التأثيل ) الروسي الموجود في مكتبتي الشخصية , ولكني لم أجد كلمة ( كركم ) في ذلك القاموس الوجيز , فاضطررت ان  ابحث عن أصلها في القاموس الكبير , فوجدت ان هذه الكلمة دخلت الى الروسية عن طريق اللغة اللاتينية , وان اصلها عربي ( ويعطي الكلمة بالعربية كركم مع حركاتها ) الا انه يضع علامة استفهام بعد ذلك ويشير الى عدم معرفة الاصل قبل العربية , وتذكرت عندها , ان عالم الآثار العراقي  طه باقر كتب في احدى مؤلفاته , ان هذه الكلمة موجودة في اللغات القديمة لوادي الرافدين , الا اني لم استطع – مع الاسف الشديد - الرجوع الى مؤلفات طه باقر لتدقيق هذه المسألة .
تحية لمنظمة اليونسكو , التي حدّدت يوما عالميا خاصا للاحتفال بلغتنا العربية , وهي خطوة حضارية و علميّة جديرة بها , وتحية خاصة للغتنا العربية الجميلة , التي قال لي عنها مرة أحد كبار أساتذتي العلماء المتخصصين في اللغات – ان اللغة العربية هي الثروة الاساسية الكبرى للعرب ولكل الناطقين بها .....   

105
مسلّة حمورابي في مدخل سفارة العراق بموسكو
أ.د. ضياء نافع
يا لها من مفاجأة جميلة وكبيرة جدا بالنسبة لي شخصيّا, عندما  دخلت الى سفارتنا بموسكو قبل أيام , واذا بمسلّة حمورابي تقف في صدارة المدخل , وتستقبل كل من يدخل الى السفارة, مسلّة حمورابي بحجمها الطبيعي , مسلّة حمورابي (بلحمها ودمها!) . وقفت مندهشا أمامها وانا أتأمّل الملك البابلي العظيم وهو يستلم القوانين بخشوع وبرأس مرفوع ليعلنها للشعب ويقول للجميع – بلا استثاء مطلقا -  بضرورة العيش حسب تلك القوانين والانظمة في مملكته العتيدة , وفهمت طبعا , هذه الاشارة ( الذكيّة!!!) لنا جميعا في هذا الظرف الدقيق في تاريخ عراقنا الحالي, وتذكرت قصة هذه المسلة عندما قرر مركز الدراسات العراقية - الروسية في جامعة فارونش الروسية ( الذي اسّسته وكنت رئيسا له ) قبل اكثر من عشر سنوات نصب تلك المسلة امام كليّة القانون في جامعة فارونش , بعد انجاز التمثال النصفي للجواهري في معهد العلاقات الدولية (2009 ) , والتمثال النصفي لأحمد بن فضلان في كليّة العلاقات الدولية ( 2011) , وتذكرت ما قاله لي عندها أحد المتحمسين الروس عندما طرحنا الفكرة – ( دراسة القانون في كل العالم تبدأ من قوانين حمورابي , ولنتذكر فقط – العين بالعين والسنّ بالسنّ !) , وتذكرت طبعا كل التعقيدات التي صاحبت انجاز وضع مسلّة حمورابي امام كليّة القانون في تلك الجامعة آنذاك , وكل الحجج التي طرحتها العناصر الروسية المضادة للمسلّة كانت مضحكة وواهية , اذ انها كانت تخفي ( الاسباب الحقيقية المخفية !!!) , وهكذا استلمنا من النحات الروسي مسلّة حمورابي ولم نكن نعرف اين سنضعها , واضطررت ان أتصل بالسفير العراقي بموسكو حينئذ الاستاذ فايق نيروي , وأحكي له الحكاية , فاقترح رأسا جلب المسلّة الى السفارة , وانه مستعدّ ان يتحمّل تكاليف نقلها من مدينة فارونيش الى موسكو , وكان هذا مخرجا من المأزق وموقفا مشرفا من السيد السفير , و هذا ما حدث فعلا , وعندها اتصلت بعمادة كليّة القانون في جامعة موسكو , واقترحت عليهم وضع المسلة في كليتهم , واستقبلني عميد الكلية بترحاب كبير, واعلن عن موافقته على هذا المقترح ( الذي تقدمت به باسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية عندما كنت نائبا للرئيس فيها ) ولكن الجهاز الاداري هناك لم يستوعب الهدف من تلك الهدية , واعتقدوا , اننا كنّا نريد تحقيق مكاسب محددة لنا , وبين الموافقة والتردد , لم نستطع الوصول الى اتفاق نهائي بشأن مقترحنا آنذاك , وهكذا بقيت المسلة في القاعة الكبرى بسفارتنا , ولكن السيد سفير العراق الحالي الدكتور عبد الرحمن الحسيني ارتأى اخراج المسلة من القاعة الكبرى ووضعها في مدخل السفارة لقيمتها الحضارية في تاريخ وادي الرافدين وباعتبارها الرمز الاساسي لتلك الحضارات الرائدة في تاريخ الانسانية ودور القوانين في بلورتها, وهي خطوة صحيحة جدا ورمزية وذات دلالة عميقة بكل معنى الكلمة.
وعندما تم منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي في دورتها الرابعة في شهر تشرين الاول / اكتوبر من هذا العام ( 2021) , توقفت ابنة المرحوم فيكتور بوسافليوك ( آخر سفير سوفيتي في بغداد وأول سفير لروسيا الاتحادية , و الحائزعلى الجائزة لهذا العام ) طويلا عند مسلة حمورابي , والتقطعت عدة صور لها , بما فيها صورتها الشخصية وهي ترتدي الميدالية الذهبية لجائزة نوّار وتمسك في يدها الشهادة التوثيقية لتلك الجائزة , وقد نشرت هذه الصور في صفحتها , وأثارت تلك الصور تعليقات وتساؤلات كثيرة , وبالذات صورتها عند المسلّة , حيث أجابت عليها وهي تؤكّد اهمية مسلة حمورابي في تاريخ الحضارات الانسانية , واشارت , ان النسخة الاصلية موجودة بمتحف اللوفر في باريس, وان الجائزة التي حصل عليها والدها المرحوم فيكتور بوسافليوك جاءت من بلد حمورابي , وعندما كنت اتابع هذه التعليقات شعرت كم كان قرار السيد السفير صائبا , وقد قلت بيني وبين نفسي , رب ضارة نافعة فعلا كما يقول المثل العربي الشهير , اذ لو تمّ وضع مسلّة حمورابي كما خططنا في البداية , لما كانت تقف الان في مكانها الصحيح واللائق بها في مدخل سفارة البلد الذي ولدت فيه .
مسله حمورابي تقف الان في مدخل السفارة العراقية بموسكو وهي تقول – ها انا ذا امام سفارة وطني .....


106
بين غوغول وفيصل لعيبي
 
أ.د. ضياء نافع
  هناك قصة طويلة عند غوغول نشرها في روسيا عنوانها ( بورتريه ) , و يترجمونها الى العربية بعنوان ( اللوحة) او ( الصورة)  , وهي ترجمة صحيحة طبعا, اذ ان البورتريه تعني لوحة فنية لشخص ما , ولكن أغرب ما في ذلك النتاج الفني عند غوغول يكمن في ان الشخص المرسوم فيها يخرج حيّا من اطار تلك اللوحة ويتفاعل مع صاحب اللوحة و مشاكله في مسيرة حياته, وهي قصة فلسفية ورمزية عميقة جدا, الا اننا لا نهدف الى الحديث هنا عن جوانبها الفكرية , وانما نتوقف فقط عند حدثها الجوهري ليس الا, و هناك   لوحة جميلة رسمها الفنان التشكيلي العراقي المعاصر فيصل لعيبي لبائع فواكه عراقي , ولا يوجد اي رابط  بتاتا (لا من قريب ولا من بعيد) بين قصة غوغول في القرن التاسع عشر ولوحة الفنان العراقي في القرن الحادي والعشرين , ومن المؤكّد , ان غوغول لم يكن يفكّر ابدا بظهور فنان تشكيلي عراقي بعد قرنين من الزمان اسمه فيصل لعيبي , ومن المؤكّد ايضا , ان فيصل لعيبي لم يكن يتصوّر عندما رسم لوحته عن بائع الفواكه العراقي , ان مجموعة من العراقيين سيتحدثون يوما عن هذا البائع و يقارنونها بحدث من احداث ابداع غوغول ,  الا ان الخيال شطح بنا ( ويعرف الخياليّون معنى ذلك !) , عندما كنّا نتأمّل صورا جميلة لمعرض فيصل لعيبي الاخير في الدوحه ( الذي افتتح في تشرين الثاني / نوفمبر 2021 ), حيث تم عرض لوحة مدهشة الجمال لبائع الفواكه العراقي وهو يرتدي  الجرّاوية و التي كانت نظيفة جدا , لأنه استعارها من ملك لكش نفسه بلحمه ودمه ,  وكان يدخن النركيلة بهدوء وسكينة , وكأنه جالس باسترخاء في مقهى الزهاوي , فاشتهى أحدنا نوعا من انواع الفاكهة المرسومة بمهارة فنيّة عالية جدا في تلك اللوحة , وقال بحسرة – آه لو أستطيع ان ( ألتهما الآن !) , فعلّق زميل آخر قائلا , ان بطل البورتريه عند غوغول قد خرج من اللوحة وأصبح عضوا فعّالا في المجتمع , وربما يمكن لك ان ( تلتهم !) تلك الفاكهة , عندما تخرج هذه الفواكه من لوحة فيصل لعيبي وتصبح صالحة (للألتهام !) , كما حدث في لوحة غوغول . ضحكنا جميعا على هذا التعليق الغريب وغير الاعتيادي وغير المتوقع بتاتا , وهكذا بدأت حكاية هذه المقالة , او بالاحرى , الدردشة حول ذلك  التعليق ( الواقعو – خيالي !!!) حسب سيل المصطلحات الجديدة لنقاد ما بعد الحداثة في الفنون والآداب  .
قال ذاك الذي اشتهى الفاكهة , كيف استطاع غوغول ان يرسم هذا الخيال الغريب وهو ( ابو الواقعية الانتقادية ) كما أكّد لي مرارا وتكرارا الناقد الادبي العراقي المعروف فلان الفلاني ؟ فأجاب الثاني موضّحا , لا تناقض بتاتا في ذلك , فأبو الواقعية الانتقادية كتب عن افكاره الموجودة في اعماق روحه , اي انه كتب عن ( واقعيته) الموجودة في رأسه وعقله ,لأنه ( ابو الواقعية ) . اعترض الثالث وقال , كيف يمكن اعتبار غوغول واقعيا , وهو يتحدّث عن شخص يخرج  من اللوحة ويبدأ بتقديم النصائح لصاحب اللوحة وحتى يمنحه النقود , ان غوغول – في رأيّ - هو ( ابو الخيال) , وليس (ابو الواقعية) , وأضاف ضاحكا - الا اذا كانت لديه زوجتين اثنتين , واحدة ولدت له ( واقعية ) والثانية ولدت له ( خيال ) ؟ فأيّد الاول (الذي اشتهى الفواكه وهو يتأمّل لوحة فيصل لعيبي) هذا الرأي , وقال – طبعا , طبعا , غوغول ليس واقعيا بالمرّة , وحتى نتاجاته ,  التي يسمونها (واقعية ) مليئة بخيال غريب جدا , اذ كيف يمكن , مثلا , لحلاق ان يجد أنف زبون له في قطعة الخبز ؟  فسأل الثالث , وهل فيصل لعيبي واقعي وهو يرسم هذا البائع مرتديا جراويّة ملك لكش ويدخن النركيلة , ولا يهتم بتاتا بمن يريد شراء الفواكه ؟ حتى ( ابن كنّو ) بسوق الامانة في بغداد لم يعمل ذلك مع ان نوري السعيد نفسه كان زبونه. ضحك الجميع , وعلّق أحدهم قائلا – طبعا لم يعمل ابن كنّو ذلك , لأن نوري السعيد كان يشتري ( بالدين على راس الشهر) , ولهذا كان ابن كنّو حذرا منه , لأنه يعرف ألآعيب السياسيين العراقيين وأفعالهم , فقال الرابع , اتركوا السياسة رجاء ايها العراقيون النجباء , ودعونا نستمر بالحديث الممتع هذا عن غوغول وفيصل لعيبي , فهو موضوع جديد وطريف جدا بالنسبة لي , واريد ان أقول, بأني اؤيد ايضا رأي زميلي , بأن فيصل لعيبي ليس واقعيا , واود ان اضيف , اني معجب جدا بلوحة من لوحات هذا الفنان التشكيلي , ولا اذكر عنوانها , ولكنها تصوّر بغداد بألوان زاهية, حيث مزج فيها سينما روكسي وشربت زبيب حجي زباله وكعك السيد وسيارة ذات طابقين لمصلحة نقل الركاب مليئة بركاب عراقيين يمثلون كل طبقات مجتمعنا وكان هناك ايضا في تلك اللوحة مظاهرات الشعب وشعاراتها في الشارع, واعطانا فيصل لعيبي لوحة خيالية في غاية الجمال بمزجه الفنتازي الغريب لكل هذه العناصر, وكلها عناصر واقعية , اي انه مزج عناصر واقعية محددة , وخلق لوحة فنية خيالية تجسّد افكاره , لوحة خيالية مفهومة للمشاهد رغم كل خيالها الغريب , فعلق الآخر صارخا , نعم , نعم , هذا الكلام ينطبق فعلا على اسلوب غوغول يا جماعة , فغوغول ايضا يمزج عناصر واقعية مع بعضها البعض ويرسم لوحة خيالية مدهشة الجمال , ولكن اساسها يبقى واقعيا .
قلنا لبعضنا , لنتوقف عن هذه الدردشة , ولنبعث للفنان المبدع فيصل لعيبي شكرنا الجزيل لأنه يمنحنا الجمال في عصرنا القبيح.....         

107
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – اللسان يُهلك الانسان , و ينقذ الانسان .
التعليق – خلاصة دقيقة و رائعة لدور اللسان في حياة الانسان , وكما تؤكّد دائما أمثال الشعوب كافة , ومنها طبعا أمثالنا العربية , والتي تقول عن اللسان في نفس المعنى - ( ...ان صنته صانك , وان خنته خانك ...) . 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تحتقر الناس , فهم ايضا سيحتقروك .
التعليق – صحيح جدا , فلكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه .
+++++
الترجمة الحرفية – يشعر بالألم صاحبه ..
التعليق – لنتذكر بيت الشعر العربي الجميل الذي ذهب مثلا – لا يعرف الشوق الا من يكابده /// ولا الصبابة الا من يعانيها . المثل الافريقي دقيق وحاسم و مباشر جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يستطيع اثنان الجلوس على كرسي واحد .
التعليق –  الصيغة الافريقية لمثل يتكرر عند الكثير من الشعوب , ولنتذكر المثل الافغاني – في الجزمة الواحدة لا يمكن حشر قدمين ,والمثل الصيني – في فم واحد لا يحشرون ملعقتين , لكن المثل الافريقي يذكّرنا بصراع السياسيين  على كرسي المنصب في عالمنا , ولهذا فان هذه الصيغة للمثل هي الاقرب الى عقولنا وقلوبنا في حياتنا اليومية الكئيبة ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحماقة لا تطيق الحكمة .
التعليق – مثل حكيم وعميق جدا , اذ انهما – كما قال صاحبي – (حيّة وبطنج!) , فضحكنا , لكننا اختلفنا مع بعض , اذ لم نستطع ان نحدد من هي منهما ( الحيّة ) ومن هي ( البطنج)....
+++++
الترجمة الحرفية – الخوف الشديد يؤدي الى التعاسة .
التعليق – نعم , هذا صحيح . هكذا علّق صاحبي وهو يستمع الى هذا المثل قائلا – لقد جربّنا هذه المعادلة الرهيبة في مجتمعاتنا العربية وغرقنا في بحر التعاسة فعلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – جالسا لن تصطاد الارنب .
التعليق – يقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة , فكيف يمكن للافريقي ان يصطاد الارنب جالسا ؟
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن للقطة والفأر ان يكونا جارين لفترة طويلة .
التعليق – مثل في غاية الطرافة وفي غاية الحكمة ايضا , ويعتقد صاحبي , ان هذا المثل سياسي بحت , وانه يصف بشكل غير مباشر العلاقات بين الدول المجاورة بعضها بعضا , وحاول ان يعطي مثلا من واقعنا المرير , ولكني قلت له ضاحكا – ألا تكفي مآسينا  الحالية ,  وانت تريد ان تحدد الان هل بلدنا هو القطة ام الفأر؟
+++++
الترجمة الحرفية – تقع الثمار تحت شجرتها .
التعليق –  يقول المثل الروسي – التفاحة لا تسقط بعيدا عن شجرة التفاح . قال صاحبي عن هذا المثل الافريقي , انه يعني قبل كل شئ , ان الابناء يشبهون الآباء , وردد المثل العربي الشهير – الولد على سر ابيه , فقلت له , كل انسان يفسّر الامثال حسب وجهة نظره ...   
+++++
الترجمة الحرفية – الجسم السليم – ثروة .
التعليق – لأن العقل السليم في الجسم السليم , والعقل ثروة بلا شك . مثل في غاية الذكاء
+++++
الترجمة الحرفية – تنام البطن – ينام الانسان .
التعليق – نعم , اذ كيف يمكن للجائع ان يغفو , فالجوع كافر كما يقول مثلنا العربي .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس في المدينة , بل في الغابة تتعرّف على الانسان .
التعليق – لأن الصديق وقت الضيق ,  و(وقت الضيق هذا) يكون غالبا في اماكن بعيدة ومنعزلة , مثل (الغابة!) بالنسبة للافريقي...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الانسان الجيّد – الحياة جيّدة .
التعليق – صحيح جدا , اذ ان اعمال الانسان الجيّد تكون – عادة - جيّدة . مثل فلسفي جميل.
+++++
الترجمة الحرفية – الوصول في الوقت المحدد أفضل من الوصول المبكر .
التعليق – لنتذكر المثل العربي الطريف والدقيق والحاسم - الزايد كالناقص .
+++++
الترجمة الحرفية – لن يستمع الاطرش اليك , حتى اذا تقول له اشياء ذكية .
التعليق – مثل حكيم فعلا , اذ يجب على الانسان ان يعرف خصائص المستمع اليه قبل ان يتكلم معه , والا , فان الكلام سيكون عبثا , اذ ما قيمة الكلام مع ( الاطرش بالزفّه ) كما يقول المثل بلهجتنا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يقدر الفأر ان يقول للقطة , ان لون جلدها ليس جميلا .
التعليق – مثل يبدو للوهلة الاولى مرحا , ولكنه واقعيا مأساوي , لانه يعني , ان الحوار الحقيقي والموضوعي والمتوازن بين القوي والضعيف غير ممكن ابدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية في نفس المعنى وهو – منو يكدر يكول للسبع حلكك جايف ( من يقدر ان يقول للاسد ان فمك نتن الرائحة ) . المثل الافريقي أكثر طرافة ورشاقة وحلاوة .
=========================================================


108

عن علم الادب المقارن بجامعة موسكو
أ.د. ضياء نافع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
علم الادب المقارن واسع جدا ,  ويطلق عليه  بعض المتخصصين التسمية الشائعة اليوم في كثير من الاوساط , وهي - ( علم بلا حدود !) , اذ انه يتناول فعلا كل الآداب قاطبة عند كل الشعوب قاطبة بغض النظر عن الزمن وخصائصه , وبغض النظر ايضا عن الاجناس الادبية المتنوعة جدا في الآداب القومية هنا وهناك , وربما لهذا السبب , لم يصبح ( علم الادب المقارن ) مادة دائمية في المناهج الاكاديمية بشكل عام , ولا يوجد لدينا (متخصّصا أكاديميّا!) في علم الادب المقارن , مثلما نقول ان فلان متخصص في الادب العربي او الفرنسي او الروسي ...الخ . ولكن – مع ذلك - يجب الاقرار , ان هذه المادة ( تكافح وببطولة فائقة !) من اجل ان تجد لها ( مكانا !) لائقا بها بين المواد الاكاديمية الاخرى في مناهج الجامعات المختلفة , هذا (الكفاح !) الذي بدأ اولا في بعض الجامعات الغربية ( وخصوصا في فرنسا ) , وكم حاول وتكلم في جامعة بغداد المرحوم ألاستاذ الدكتور داود سلوم في قسم اللغة العربية بكليّة الآداب وغيره من الاساتذة حول ضرورة ادخال هذه المادة في المناهج الدراسية , ولكن دون جدوى , فالاجواء العلمية في جامعاتنا لا ولن تسمح بمثل هذه الخطوات الجديدة والجريئة , وخصوصا في هذا الزمن الحرج  بمسيرة العراق المثقل بالجراح والهموم ومشاكل الاحتلال البغيض , ولكن مع ذلك دخلت مادة (علم الادب المقارن ) ضمن مقررات بعض الجامعات العالمية هنا وهناك , رغم كل (القيل والقال),
 ومن جملة هذه الجامعات التي  تساهم اليوم بتدريس مادة الادب المقارن  - جامعة موسكو العتيدة , وذلك ضمن مناهج كليّة الفيلولوجيا (الكليّة التي تمثّل بالنسبة لي شخصيا مرحلة شبابي الجميلة عندما كنت طالبا فيها, ومن الطبيعي جدا ان اتابع أخبارها ومسيرتها) , ومن جملة الظواهر الجديدة فيها , وجدت انها أدخلت مادة ( علم الادب المقارن ) ضمن المواد المنهجية لها , وهي مادة لم تكن موجودة لدينا , عندما كنّا طلبة في تلك الكليّة بستينيات القرن العشرين , اذ اننا كنّا ندرس مادة تسمّى - ( الادب الاجنبي ) , وتبدأ من الكورس الاول ( اي الصف الاول ) وتنتهي في الصف الرابع , وتهدف هذه المادة الى تعريف طلبة القسم الروسي باهم خصائص ومراحل الآداب الاوربية , ويتناوب اساتذة مختلفون على القاء المحاضرات كل حسب اختصاصه الدقيق , وقد اقترحنا مرة في كليّة الاداب بجامعة بغداد تدريس هذه المادة في كل فروع اللغات الاوربية وقسم اللغة العربية , وفعلا تم ذلك , وكانت المادة تسمى ( الادب العالمي ) , وقد تقبّل الطلبة هذه المادة الجديدة بكل حماس واهتمام , الا انه تم الغاء تدريسها بعد ثلاث سنوات لا أكثر من قبل العمادة الجديدة , ولكن تلك المادة لم تكن تتناول طبعا دراسة الادب المقارن  .
لقد اطلعت على برنامج علم الادب المقارن في جامعة موسكو , والذي تم طبعه عام  2001 ويقع في 94 صفحة من القطع المتوسط  , وشارك بوضعه (18) مؤلفا , وكل واحد حسب اختصاصه الدقيق , و معظمهم بدرجة استاذ ( بروفيسور ) , وهو عمل علمي مدهش بسعته وشموليته ومصادره , وعلى الرغم من انه معدّ للدارسين في جامعة موسكو بالذات , اي انه يؤكد على موقع واهمية الادب الروسي طبعا , الا ان مضمونه يثبت – مرة اخرى – كيف يجب ان تكون دراسة هذه المادة اكاديميا , ولا اريد التعليق اكثر بشأن ذلك , كي لا اتوقف عند الآرآء التي ( اصطدمت بها!) عندما قمت بتدريس مادة ( الادب المقارن ) لمدة شهر واحد فقط  بمعدل ساعتين اسبوعيا, عندما كنت استاذا زائرا في كليّة اللغات باحدى الجامعات العربية يوما – ما , اذ ( لاموني!!!) لأني ركزّت في محاضراتي على الموضوعة العربية في الادب الروسي ( اختصاصي العلمي الدقيق), اذ كانوا يريدون ان أتحدّث عن ( كل آداب العالم واقارن بينها !!) .
ختاما لهذه الملاحظات السريعة , اودّ ان استعرض مفردات برنامج ( علم الادب المقارن ) بجامعة موسكو ,والتي جاء ت كما يأتي –
مدخل نظري في دراسة علم الادب المقارن /// في الآداب الاوربية ( الغرب وروسيا ) /// الدراسات التاريخية المقارنة للفلكلور /// العلاقات المتبادلة للآداب في اوروبا الغربية وروسيا وامريكا /// الارتباطات المتبادلة للآداب الغربية والجنوبية للسلاف مع الادب الروسي /// الادب الروسي  من القرن الحادي الحادي عشر الى القرن التاسع عشر في سياق آداب الغرب /// روسيا والغرب في القرن العشرين – آفاق الارتباطات الادبية المتبادلة /// دراسات المتخصصين باللغة الروسية في الخارج حول الادب الروسي في القرنين  التاسع عشر و العشرين  /// علما , انه تم تثبيت المصادر باللغة الروسية والانكليزية بعد كل فصل من تلك الفصول , واعتقد اعتقادا جازما , ان هذا العرض السريع لمفردات مناهج مادة علم الادب المقارن في جامعة موسكو كافيا للاجابة عن ( اسئلتنا !!!).
 

109
شئ عن الموسيقار خاتشاتوريان
أ.د. ضياء نافع
ولد الموسيقار الارمني آرام خاتشاتوريان عام 1903 في الامبراطورية الروسية وتوفي عام 1978 في الاتحاد السوفيتي , وعندما وصلنا الى موسكو عام 1959 لم نكن نعرفه , ولم نكن قد سمعنا باسمه اصلا , ولكن بعد عدة شهور من دراستنا للغة الروسية وبداية تعايشنا مع المجتمع السوفيتي المحيط بنا ( اكتشفنا !) هذا الموسيقار الشهير جدا في الاتحاد السوفيتي آنذاك , واصبحنا جميعا من المعجبين (بل والمندهشين!) جدا بفنّه الموسيقي , وعشقنا خصوصا مقطوعته الموسيقية الشهيرة بعنوان ( رقصة السيوف ) , وكنّا نتحدث عن انبهارنا بها , لأنها كانت تتناغم وتنسجم جدا مع روحيّتنا الشبابيّة المتأججة وحيويتها .
 لم نستطع طبعا ان نلتقي بخاتشوتوريان , او حتى الاقتراب من تلك الاوساط التي يختلط معها هذا الموسيقار الشهير , الا ان د. خليل عبد العزيز , الذي بدأ يعمل – بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الصحافة - بمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , التقاه عدة مرات وتحدث معه , لأن طبيعة عمل د. خليل في المعهد المذكور( ومع رئيس المعهد الاكاديمي غفوروف بالذات ) سمحت له اللقاء مع الوفود العربية التي كانت تزور موسكو برئاسة القادة العرب , ومنهم عبد الناصر والملك الاردني الحسين والملك المغربي محمد الخامس ...الخ , وهكذا التقى الموسيقار خاتشوتوريان اثناء زيارة الملك المغربي لموسكو وتحدّث معه , وعندما كنت ادردش مرة مع د. خليل ( وما أكثر تلك الدردشات , والتي كتبت عنها عدة مقالات ) , قلت له , انت تتحدث دائما حول السياسة والسياسيين , واريد ان اسمع منك حديثا بعيدا عن السياسة , فضحك د. خليل وقال , لأحدثك عن الموسيقار الارمني الكبير خاتشوتوريان , فعندما التقيته وعرف اني من العراق , قال لي مبتسما , عندكم ( حرامي بغداد ) جديد , ظهر في الموسيقى العربية المعاصرة اسمه محمد عبد الوهاب . اندهشت أنا من كلام خاتشوتوريان هذا , بل امتعضت في الواقع , وقلت لخليل رأسا , ألم تقل له , ان محمد عبد الوهاب هو موسيقار الاجيال العربية , واننا جميعا نستمع اليه طوال حياتنا بكل اعجاب وحب ولا نملّ ابدا من اغانيه الجميلة ذات الالحان الرائعة , فأجابني د. خليل , نعم قلت له ذلك , ولكن خاتشوتوريان أوضح لي , ان محمد عبد الوهاب موسيقار ذكي جدا , وانه يعرف كيف يتعامل مع الالحان الاجنبية ويستخدمها في موسيقاه , بل ان خاتشوتوريان قال لي , انه يمتلك مكتبة موسيقية كاملة تبين جذور تلك الظاهرة وتثبتها , فقلت أنا لخليل , أخشى ان هذا الكلام ينطلق من حسد او غيرة ليس الا من شخص ناجح مثل عبد الوهاب , فقال لي د. خليل , ان نجاح وشهرة خاتشوتوريان ليست أقل من نجاح وشهرة عبد الوهاب , بل هي واقعيا أكبر , وحدّثني , كيف دعاه الملك محمد الخامس لزيارة المغرب , وكيف ان الموسيقار الارمني قد اعتذر عن تلبيتها قائلا للملك , ان اجازته قد شارفت على الانتهاء , وبالتالي ليس لديه وقتا لتلبية تلك الدعوة , وان الرئيس السوفيتي عندئذ بودغورني كان يستمع الى دعوة الملك واعتذار الموسيقار , وقال لخاتشوتوريان ان يوافق على الدعوة , وانه لا توجد اي مشكلة بشأن تمديد اجازته , وقد زار خاتشوريان المغرب فعلا , واعتذر هناك عن تلبية الدعوة لتأليف موسيقى النشيد الوطني لهم .
بقيت كلمات خاتشوتوريان عن عبد الوهاب في ذاكرتي طويلا , اذ اني من المعجبين جدا باغاني هذا الفنان العربي الكبير , ولكن – مع هذا – بدأت بالبحث والاستفسار حول ذلك , اذ ان آراء موسيقار كبير بمستوى خاتشوتوريان لا يمكن ان تكون عبثية , وقد وجدت مرة اغنية يونانية لمطربة اسمها صوفيا فيمبو , والاغنية هذه نسخة طبق الاصل لاغنية عبد الوهاب ( يا مسافر وحدك ) المعروفة , وقد استمعت فعلا الى تلك الاغنية اليونانية مع مجموعة من الزملاء , وعلّق أحدهم قائلا – ربما هذه المغنية هي التي اقتبست اغنيتها من عبد الوهاب , وضحكنا جميعا , وقلنا , اننا لا نقدر ان نتناقش لا مع خاتشوتوريان , ولا مع هذه المغنية اليونانية , وقال شخص آخر بيننا , ان هذه الاحاديث ليست جديدة ابدا بالنسبة لمحمد عبد الوهاب , ويقال , انه يوجد حتى تقرير تفصيلي لليونسكو حول (13) اغنية من أغانيه مقتبسة ( ولا اريد استخدام كلمة مسروقة !) من ألحان غربية معروفة , وأشار زميل رابع , الى انه سمع , ان هناك أغان مشهورة لعبد الوهاب مأخوذة من ألحان اجنبية مثل اغنيته المشهورة من كلمات بشارة الخوري - ( جفنه علّم الغزل ) , الا اننا اتفقنا جميعا , اننا لسنا من العارفين ( بخفايا !) الموسيقى والموسيقيين والملحنين , ولكننا نحب عبد الوهاب ونحترم موهبته ونستمع الى اغانيه ونطرب لها , ونقدّر دوره الكبير في عالم الموسيقى العربية , وبدأ زميل بيننا (كان صامتا اثناء هذه الدردشة) يدندن باغنية وهو يقول , انها الاغنية التي يعشقها طوال حياته, رغم انه سمع ايضا, ان محمد عبد الوهاب ( استعارها !) من الاخرين , والاغنية هي  –
أحب عيشة الحرية ....زي الطيور بين الاغصان
مادام حبايبي حواليه... كل البلاد عندي اوطان

110
تمثال عزيز علي بمبادرة من دار نوّار
أ.د. ضياء نافع 
الى المبدع جمال العتابي , الجندي المجهول , الذي صاغ – وبمهارة دبلوماسية عالية - هذا الحدث العراقي التاريخي الجميل.
تم ازالة الستار وتدشين التمثال النصفي للفنان عزيز علي بقاعة الرباط في بغداد بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2021, وهو اول تمثال يقام في العراق لهذا الفنان الرائد الكبير , الذي كان يكتب كلمات أغانيه ويلحنها ويغنيها بنفسه , انطلاقا من هوايته ليس الا , والذي لم يكسب من تلك الاغاني الرائعة الجمال (من حيث الكلمات والالحان والغناء) شيئا , سوى محبة الناس وكراهية الحكّام , وربما يمكن القول , ان عزيز علي هو الفنان العراقي الوحيد الذي رسم في تلك الاغاني صورة فنيّة (دائمية !) لما يجري في العراق منذ تأسيس دولته قبل قرن والى حد الوقت الحاضر , صورة تدهش كل المستمعين العراقيين قاطبة , بغض النظرعن طبيعة هؤلاء المستمعين وثقافتهم وانحدارهم الطبقي , بل انني سمعت مرة تعليقا (وقبل فترة ليست بعيدة بتاتا) لأحد العراقيين البسطاء عندما كان يستمع الى اغنية لعزيز علي وهو يقول – (يمعوّد هاي اغنية كاتبيها هسّه ويذبّوها براس عزيز علي , لأن يخافون من الحكومه !) .
وقصة هذا التمثال ابتدأت عام 2020 , عندما وسّعت لجنة جوائز نوّار( كانت الجائزة الاولى لتعزيز الحوار العراقي – الروسي والجائزة الثانية للمترجمين العراقيين )  , وقررت تأسيس جائزة ثالثة لخريجي مدرسة الموسيقى والبالية العراقية , وهكذا تم منح تلك الجائزة للفنان عزيز علي باعتباره احد مؤسسي هذه المدرسة ولمساهمته الابداعية بالحركة الفنيّة في العراق , وفي عام 2021 قررت لجنة جوائز نوّار الاستمرار بمنح جائزة تعزيز الحوار العراقي – الروسي فقط , وتحويل الجائزة الثانية والثالثة الى اقامة ثلاثة تماثيل في بغداد لرجالات العراق لمناسبة الاحتفال بمئوية الدولة العراقية , وهم – الفنان عزيز علي و عالم الآثار طه باقر والشهيد فؤاد ابراهيم رئيس قسم اللغة الالمانية في جامعة بغداد . وقد تم فعلا افتتاح تمثال الشهيد فؤاد ابراهيم في كليّة اللغات , ومن المفروض قريبا افتتاح تمثال طه باقر في كليّة الآداب بجامعة بغداد , ولكن تمثال عزيز علي بقي معلقا بشأن مكان اقامته , وأخذ الدكتور جمال العتابي على عاتقه كل المسؤلية بشأن هذا التمثال , فهو الذي اتصل بالنحات المبدع موفق مكي , وهو الذي تفاوض مع وزارة الثقافة حول مكان التمثال , وهو الذي تابع كل مسيرة هذا العمل غير السهل وغير الاعتيادي بتفاصيله اليومية ضمن وضع الادارة العراقية الخاص جدا  , واستطاع  د. جمال العتابي بخبرته الادارية ودبلوماسيته الرقيقة ومعرفته الواسعة انجاز هذا العمل التاريخي بالنسبة للحركة الفنية في العراق , وتحقيق هدف جائزة نوّار باقامة التمثال النصفي لعزيز علي تخليدا لهذه الشخصية الفنيّة باعتباره واحدا من رجالات الدولة العراقية التي تحتفل هذا العام (2021) بمئويتها.
تصفيق حاد للدكتور جمال العتابي , وللنحات المبدع موفق مكي , ولدائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة ومديرها الفنان علاء مجيد , ولكل الذين ساهموا بالحفل الجميل والرائع في قاعة الرباط بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر عندما ازيل الستارعن التمثال النصفي للفنان العراقي  الكبير عزيز علي , والشكر الجزيل لكل الاصدقاء الذين ساندوا الفكرة وساعدوا من اجل تنفيذها , ومنهم -  د. خليل عبد العزيز وصلاح الماشطة وعلاء المفرجي ود. غازي شريف , وتصفيق خاص للقرار الذي أعلنه السيد مدير عام دائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة في الحفل المذكور عن وضع ذلك التمثال النصفي في مدخل مدرسة الموسيقى والبالية , حيث سيقف مؤسس تلك المدرسة العريقة مع أحد الذين درس وتخرّج فيها ليقولا للتلاميذ الجدد – اهلا وسهلا بالاجيال العراقية الجديدة في مسيرتكم الفنية ...

111
البرجوازي الصغير تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
كان هذا الحديث عن تشيخوف ممتعا جدا بالنسبة لي , ولا أدري اذا سيكون ممتعا ايضا للقراء , الذين يتابعون الادب الروسي و ( درابينه !) وانعكاساته في الوعي الاجتماعي العراقي بشكل خاص , والعربي عموما , ولكني أظن ( وبعض الظن اثم ) , ان هذا الحديث ربما سيكون طريفا لبعض القراء ( خصوصا لهؤلاء الذين عاصروا عدة مراحل زمنية متنوعة جذريّا في مسيرة العراق الفكرية منذ اواسط القرن العشرين) , ولهم بالذات  قررت كتابة خلاصة لهذا الحديث , الخلاصة ليس الا , دون تكرار , او حتى الاشارة البسيطة الى الشعارات و ( الهتافات !!!) التي رافقت هذا الحديث (  الادبي البحت !!!) عن تشيخوف , والذي استمر في حدود نصف ساعة لا أكثر , ولكن هذه (النصف ساعة !)  كانت مليئة بالافكار الغريبة جدا و العجيبة فعلا , والتي من الصعب - بالنسبة للاكثرية - حتى التفكير بامكانية الاعلان عنها بهذه الصيغة والتحدّث حولها, ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين .
سألني ( بطل الحديث !!) بحدّة وقوة – ما هو موقف تشيخوف من الطبقة العاملة ؟ لم اكن اتوقع بتاتا هذا السؤال عن تشيخوف , وبالتالي لم استطع الاجابة رأسا , وحاولت ان اكسب وقتا اضافيا للتفكير فطرحت عليه سؤالا تفسيريا مضادا , وسألته وأنا اكرر – موقف تشيخوف من الطبقة العاملة في الامبراطورية الروسية ؟ فأجابني وبنفس الحدّة والتوتر -  نعم , من الطبقة العاملة المضطهدة والمسحوقة من قبل الرأسمالية الروسية في تلك الامبراطورية الوحشية , التي كان يحكمها القياصرة الطغاة . قلت له مبتسما, وانا احاول تهدئة الاجواء المتوترة , ان تشيخوف كان متعاطفا مع الشعب الروسي باكمله , ولكنه لم يركّز اهتمامه على طبقة معينة بالذات , ولم يكن ضد اي طبقة من طبقاته , بل وكان تشيخوف متعاطفا اصلا مع كل انسان بشكل عام , فضحك (بطلنا!) من جوابي باستهزاء , وقال , طبعا , لا يمكنك ان تجيب بشكل دقيق وحاسم عن سؤالي المحدد , وتحاول ان تتهرب من الموضوع الواضح للعيان بالنسبة لكل شخص يمتلك رؤية ثورية حقيقية واصيلة تجاه ظواهر الفن عموما , والادب خصوصا , هذه الظواهر التي يجب ان تخدم الشعب وطبقته العاملة قبل كل شئ , وأضاف بعد ان صمت قليلا , لقد طرحت عليك سؤالا محددا , وهو بالنسبة لنا , نحن الذين درسنا واستوعبنا النظرية الثورية الحقيقية , مثل الترمومتر لقياس حرارة الجسم , اذ ان الموقف من الطبقة العاملة يحدد بشكل واضح وصريح كل شئ في ابداع اي كاتب في العالم , والنموذج الذي نعرفه في الادب الروسي هو مكسيم غوركي وروايته ( الام ) , والتي أعطت للادب الروسي ( والعالمي ايضا ) بداية مفهوم الواقعية الاشتراكية , وتشيخوف الذي عاصر غوركي لم يلاحظ حتى بدايات ذلك الاتجاه الادبي والفني العظيم , واستمر بكتابة قصص عن ( عطسة موظف ) او ( عضة كلب ) او ( سيدة ذات كلب صغير ) , او  مسرحية ( الدب )  وما شاكل ذلك من تلك المواضيع الساذجة وغير المهمة بتاتا للناس , لأن تشيخوف برجوازي صغير ليس الا , والبرجوازية الصغيرة في كل المجتمعات لا يمكن لها ان تستوعب ابدا طبيعة المشاكل الاجتماعية الكبرى والاساسية في المجتمع , ولا يمكن لهذه البرجوازية الصغيرة ان تجد حلّا لتلك المشاكل التي تعاني منها الطبقات المسحوقة في تلك المجتمعات . حاولت اثناء حديثه المتشعب هذا ان اتدخل بالكلام , وان اقول له في الاقل , ان فلسفة تشيخوف كانت تكمن في ان الادب يطرح المشكلة فقط , أما ( حلّها ) , فان ذلك ليست مهمته , ولكنه لم يسمح لي بذلك بتاتا , وعندما توقف بعد هذا ( الخطاب !) الحماسي , قلت له بهدوء -  يجب عليك – يا صاحبي -  دراسة الادب الروسي خارج هذه النظرة السياسية المحدودة , والتي كانت موجودة بشكل او بآخر زمن جدانوف وغيره  من ( موظفي !) تلك الاجهزة التي تم رفضها والتخلص من بقاياها وآثارها منذ أكثر من نصف قرن في الاتحاد السوفيتي نفسه , واصبحت الان نسيا منسيا , فالواقعية الاشتراكية – مثلا - لم تعد موجودة منذ سبعينيات القرن العشرين حتى في النقد الادبي السوفيتي , والنتاجات الادبية التي أشرت اليها لتشيخوف وأسميتها ( ساذجة !) اصبحت الآن في الواقع قمما في الادب الروسي والادب العالمي ايضا , قمما دخلت في أعماق الآداب القومية لكثير من الثقافات وأخذت تتعايش معها , بما فيها ثقافتنا العربية , ولم استطع الاستطراد , كي أحكي له , كيف كان طلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد يمثّلون على مسارحهم الطلابية الجميلة مسرحيات تشيخوف بكل حب وحماس .
 اغتاظ صاحبي من هذا الجواب وامتعض كثيرا , وقال لي بعصبية , انه مستعد ان يثبت للجميع صحة موقفه هذا , وان الادب الروسي سيتحرر من شوائب البرجوازيين الصغار امثال تشيخوف , عندما سينهض الشعب الروسي من جديد ويحقق اهداف ثورته , التي اوقفتها قوى الرأسمالية العالمية . فهمت أنا  طبعا عدم جدوى النقاش معه , فقلت له – دعني اذكرك فقط بجملة عن تشيخوف قالها عالم اجتماع روسي كان بروفيسورا في جامعة موسكو اسمه كوفاليفسكي , والذي كان يعرف تشيخوف حق المعرفة , والجملة هذه هي – (... لم يكن تشيخوف يهتم بقضايا النظام الجمهوري او الملكي ..ولكنه كان يتمنى ان يرى روسيا حرّة ...)

112
عن كليّة التاريخ بجامعة موسكو وانعكاساتها
أ.د. ضياء نافع
الى المؤرخ العراقي الكبير أ.د. ابراهيم خليل العلاف , الذي يتابع و يؤرّخ – بموضوعية وابداع – كل ما يشاهد حوله .           
----------------------------
من الكليّات التي اندهشنا بوجودها عندما وصلنا عام 1959 للدراسة في جامعة موسكو هي كليّة التاريخ , اندهشنا , لأن التاريخ كان آنذاك بالنسبة لنا- نحن العراقيين - قسم علمي في كلية الاداب بجامعة بغداد ليس الا , ولكننا اكتشفنا , ان هناك كليّة خاصة باكملها للتاريخ بجامعة موسكو , وانها قد تأسست عام 1934 , واندهشنا ايضا عندما وجدنا , ان هذه الكليّة تحتوي على العديد من الاقسام العلمية المتشعبة جدا , والتي ترتبط طبعا بالدراسة العلمية المتخصصة والمعمقة لتاريخ روسيا قبل كل شئ وفي كافة مراحله ,وكذلك لتاريخ العالم ايضا وباكمله, و نود هنا ( في تعريفنا السريع والمبسّط لكليّة التاريخ ) ان نشير قبل كل شئ الى تسميات الاقسام العلمية الموجودة في تلك الكليّة ( والتي يعمل فيها أكثر من 300 تدريسي متخصص في علم التاريخ)  دون تفصيلات وشروحات اضافية حول مهمات تلك الاقسام العلمية , اذ ان التسميات بحد ذاتها تتكلم بشكل واضح عن ذلك , فالتسميات نفسها وبحد ذاتها تعني ما تعنيه , والاقسام العلمية هذه هي كما يأتي –
 قسم تاريخ روسيا الى بداية القرن التاسع عشر// قسم تاريخ روسيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين// قسم تاريخ روسيا في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين // قسم علم مصادر التاريخ الروسي // قسم تاريخ العالم القديم // قسم تاريخ القرون الوسطى // قسم تاريخ بلدان اوروبا وامريكا الحديث والمعاصر // قسم تاريخ السلاف الجنوبيين والغربيين // قسم الاثار القديمة (اركيولوجيا) //    // قسم تاريخ الحركات الاجتماعية والاحزاب السياسية في روسيا // قسم تاريخ بلدان الشرق الادنى الاجنبية // قسم تاريخ الكنيسة // قسم الاعلام التاريخي // قسم اللغات القديمة // قسم اللغات الاجنبية // قسم تاريخ الفنون الوطنية // قسم التاريخ الشامل للفنون.
 وعدا هذه الاقسام العلمية , توجد في كليّة التاريخ مختبرات ( نعم مختبرات !) , وهي –
مختبر دراسة النصوص القديمة // مختبر التاريخ البيزنطي وما وراء البحر الاسود // مختبر تاريخ الثقافة الروسية // مختبر تاريخ العلاقات القومية بروسيا القرن 20 // مختبر التاريخ الحديث والمعاصر لبلدان اوروبا وامريكا // مختبر الجاليات والهجرة .
 واضافة الى كل تلك الاقسام العلمية والمختبرات , يوجد في كليّة التاريخ ايضا مركزان علميّان هما – المركز الاعلامي – التحليلي للمشاكل النظرية في العلوم التاريخية // و// مركز الدراسات الاوكرانية والبيلوروسية .
 وتم في عام 1985 تأسيس ( غرفة المجد الحربي لكلية التاريخ ) , والتي تدرس وتدوّن تاريخ الكلية ومشاركة طلبتها وموظفيها واساتذتها في الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى .
بعد هذا التعريف العام لكليّة التاريخ بجامعة موسكو , هل يمكن لنا ان نتحدث عن امكانية تأسيس كلية تاريخ عندنا ؟ دردشنا حول هذا الموضوع مع مجموعة من الزملاء , وقد اتفقنا بالاجماع ( وهي حالة نادرة بيننا!) بشأن عدم امكانية ذلك في ظروف بلادنا , لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل المنظور, وتحدثنا عن قسم التاريخ وقسم الآثار في كلية الاداب بجامعة بغداد , وقال احد المتابعين , ان القسم الاول هو توأم للقسم الثاني , فكلاهما واقعيا يدرسان التاريخ , ولكن قسم الآثار يدرس تاريخ الحضارات القديمة في وادي الرافدين حصرا , اما قسم التاريخ فانه يدرس تاريخ العراق الحديث والمعاصر وعلاقاته مع دول الجوار ومع العالم العربي وبقية دول العالم التي يرتبط بها بشكل او بآخر , ولا يدرس مواضيع تاريخية اخرى خارج هذا الاطار , وتشعبت الدردشة طبعا , وتساءل البعض , أليس من الضروري ان يكون لدينا متخصص في تاريخ امريكا وروسيا والصين وانكلترا وفرنسا والمانيا وووو , او, في الاقل متخصص في تاريخ اوروبا , او افريقيا , او آسيا, متخصص يعرف دقائق تفصيلية حول تلك البلدان والقارات , ويعرف كيف يجيب عن الاسئلة الكبيرة , التي يطرحها الواقع الدولي امام بلداننا وشعوبنا عند التعامل معها . واتفق الجميع تقريبا , بانه من الممكن في الوقت الحاضر اقامة مراكز علمية مصغّرة في اقسام التاريخ وبرئاسة تدريسيين متخصصين , مراكز تبدأ – في الاقل - بتجميع المواد العلمية اللازمة لدراسة تاريخ تلك القارات و البلدان , وتكون هذه المراكز بداية حقيقية لدراسة علمية في المستقبل تتخصص بالتاريخ العالمي , ولكن بعض المشاركين في الدردشة سخروا من هذه الفكرة , وقالوا , أليس الاكثر واقعية ان تبدأ عملية اقامة فروع في قسم التاريخ تتخصص بدراسة مراحل التاريخ العربي في الاقل , اذ اننا بحاجة ان نتعمق بدراسة تاريخنا وتحريره من الافكار العتيقة , التي تعرقل مسيرة مجتمعنا المعاصر , بل وتسبب له مشاكل كبيرة واقعيا .
 انتهت الدردشة باشتباك آراء الحابلين و النابلين , وقال أحد الشيّاب كي يختتم الدردشة – اعط الخبز لخبازته ولو أكلت نصفه.......   


113
 
عن عناوين الكتب الروسية المترجمة
أ.د. ضياء نافع
صدرت عن دار المدى في بغداد طبعة جديدة لرواية شولوخوف بترجمة غائب طعمه فرمان عنوانها – أرضنا البكر . رأيت غلاف ذلك الكتاب في الصحيفة ليس الا, وخطرت  رأسا ببالي الترجمة القديمة لتلك الرواية , وكانت بعنوان - الارض البكر حرثناها , وتذكرت كيف كنّا ( في درس الترجمة بقسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ) نقارن هذا العنوان بترجمة ( الاراضي المستصلحة ) , وهو العنوان الذي جاء في مجلة سوفيتية كانت تصدر بالعربية آنذاك , ونقول لطلبتنا , ان الترجمة هي عمل ابداعي وليس ( نقل من لغة الى اخرى ) كما يكتبون – مع الاسف - في كثير من الاحيان على بعض أغلفة الكتب المترجمة . وتذكرت ايضا دردشتي – مرة – مع غائب طعمه فرمان في موسكو , عندما قلت له , اني شاهدت اليوم ترجمتة لكتاب ( البصقماط الاسود ) , ولم استطع ان ( اهظم !) كلمة ( البصقماط ) في هذا العنوان , اذ ان موسيقيّتها ثقيلة جدا على الاذن العربية, ولهذا فقد ( شذّبتها !) اللهجة العراقية , وحولّتها الى ( بقصم ) ليس الا , فضحك غائب وقال , ان هذه المفردة موجودة في القاموس العربي , فقلت له , ما أكثر المفردات الموجودة في القواميس , والتي لا تتناسق ولا تنسجم مع الاذن العربية ومتطلباتها , ثم سألته , ألم يكن من الافضل التصرّف بهذا العنوان و ايجاد عنوان آخر ملائم يتقبله القارئ العربي , الذي يتوجه اليه المترجم ؟ فقال بأسى - ان ترجماتنا هنا تخضع لرقيب روسي صارم وشديد جدا و لا يتساهل ابدا مع اي تحوير او اعادة صياغة , وخصوصا بالنسبة للعناوين .
( ارضنا البكر ) و ( الارض البكر حرثناها ) – عنوانان يخضعان للاجتهاد الترجمي الابداعي , وكلاهما جميلان فعلا, الا ان الترجمة الثانية , اي ( الارض البكر حرثناها ) تعبّر بشكل أدق عن نص العنوان الروسي لرواية شولوخوف , رغم ان فعل ( زرعناها ) اكثر دقّة من فعل ( حرثناها ). هناك رواية اخرى لشولوخوف , وهي الاهم في نتاجه الابداعي , وعنوانها ( الدون الهادئ ) , والتي ترجمها مجموعة من فطاحل المترجمين العراقيين في حينها , واصدرت دار المدى ايضا طبعة جديدة لها بمراجعة غائب طعمه فرمان . يوجدعنوان آخر بالعربية لهذه الرواية , وهو (هادئا ينساب الدون ) . العنوان الاول , اي ( الدون الهادئ ) هو ترجمة حرفية , ولكنها تحتفظ ببنية النص الروسي وتحافظ على جماليته بالعربية في نفس الوقت , اما العنوان الثاني , اي ( هادئا ينساب الدون ) فهي ترجمة ابداعية , وتعبّر ايضا عن طبيعة النص الروسي , ولكن ترسمه  باجواء شاعرية تتناسق مع روحية القارئ العربي ومتطلباته , ولا تتعارض – في نفس الوقت - مع ذلك النص الروسي (رغم انها ذهبت أبعد من البنية الروسية !) , اذ ان فعل ( ينساب ) يعبّر طبعا عن حركة الماء الهادئة في  نهر (الدون ) .
 عنوان النتاج الادبي مهم جدا , فهو ( الناطق الرسمي !!!) امام القراء باسم ذلك النتاج , و هناك آراء مختلفة بشأن ترجمة العناوين , اذ يرى البعض , انه لا ضرورة للتصرّف بترجمة العنوان , اذا كانت الترجمة الحرفية تفي بالغرض فعلا , اي تعبّر عن النص الاجنبي وعن جمالية النص العربي في آن , ولكن بعض العناوين تتطلب – وبشدّة والحاح -  التغيير والتحوير والاجتهادات الابداعية (وعنوان الاراضي المستصلحة لشولوخوف من ضمن هذه العناوين طبعا) . هناك أمثال كثيرة اخرى لهذه الظاهرة في ترجمات الادب الروسي الى اللغة العربية, ولا يتسع المجال للتوقف عندها , ولكننا نختتم هذه الملاحظات السريعة عن ترجمة العناوين بمثل (صارخ !) يرتبط بغوركي , اذ توجد لديه رواية قصيرة مشهورة عنوانها( حسب الترجمة الحرفية ) هو- ( اناس سابقا ) , وهو عنوان طريف وجميل بالروسية , وغير اعتيادي بالمرّة , ولكن لا يمكن بتاتا ترجمته حرفيا , وقد تم ترجمته الى العربية فعلا بطريقة مبتكرة وجميلة وهي – (مخلوقات كانت رجالا ) .
الترجمة علم وفن معا , وترجمة العناوين تتطلب من المترجمين  جهودا علمية وفنيّة مضاعفة وتأمّلات فكرية هادئة , لأن العنوان هو – الواجهة الاولى والحقيقية للعمل الترجمي ...

114
نحو طبعة منقّحة ومزيدة للقاموس العربي – الروسي
أ.د. ضياء نافع
عندما نقول ( القاموس العربي – الروسي ) في روسيا , فان هذا يعني اننا نتكلم عن قاموس بارانوف الشهير , والذي صدر بعدة طبعات منذ اربعينات القرن العشرين ولحد الان , ورغم  اختلاف الشكل جذريّا في كل طبعة , الا ان المضمون بقي كما هو تقريبا منذ الطبعة الاولى , رغم الخطوات التي تم اتخاذها في الطبعات اللاحقة , والاشارة الى ان هذه الطبعات مزيدة ومنقّحة .
 لقد أصبح هذا القاموس – المرجع الاول والاهم بالنسبة لكل الروس ( والسوفييت ايضا ) , الذين درسوا اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الروسية والسوفيتية منذ اواسط القرن العشرين والى الوقت الحاضر , واصبح هذا القاموس طبعا واحدا من المراجع المهمة ايضا لكل العرب , الذين درسوا في المعاهد والجامعات السوفيتية والروسية , رغم انه قاموس عربي – روسي , وليس العكس , ولكنه كان ضروريا جدا في بعض الحالات .
حاز قاموس بارانوف على مكانة مهمة بالنسبة لدارسي اللغة العربية من غير الروس ايضا , وأذكر مرة , ان صديقي سلفادور ( المستعرب الاسباني ) , الذي كان يدرّس اللغة الاسبانية في قسم اللغات الاوربية بكلية الاداب في جامعة بغداد في السبعينيات طلب منّي نسخة من ذلك القاموس , لأن استاذه في اسبانيا يحتاجه , وقد اوضح لي سلفادور , ان استاذه لا يعرف الروسية , الا انه يحتاج الى دراسة الكلمات العربية في قاموس بارانوف وترتيبها , وقال لي سلفادور, ان هذا القاموس معروف في اوساط المستشرقين الاسبان , وقد شكرني جدا عندما قدّمت له نسخة من القاموس , وأذكر ايضا , كيف ان مجموعة من الزملاء العراقيين ( المتحمّسين سياسيا وفكريا للجانب السوفيتي في كل شئ !!!)  حاولوا مرة في بغداد اصدار الجزء العربي في هذا القاموس بطبعة خاصة ( باعتباره قاموسا للغة العربية المعاصرة !) , ولكنهم لم يستطيعوا تنفيذ فكرتهم تلك , اذ كيف يمكن ( بيع الميّة في حارة السقايين ؟) .
لم نستخدم , نحن الطلبة العرب عموما , هذا القاموس بشكل واسع عندما كنّا ندرس في الجامعات السوفيتية والروسية , اذ كنّا نحتاج الى القاموس الروسي العربي قبل كل شئ , ولكننا استخدمناه في حالات خاصة , و كنّا نعتبره المرجع الاول للطلبة الروس , الذين يدرسون اللغة العربية , ولهذا , فاننا بشكل عام لم نعرف هذا القاموس بعمق , ولكنني (اصطدمت!) مرة باحد الطلبة الروس , الذين يدرسون العربية , اذ انه قال لي , ان كلمة ( أيوه ) هي كلمة عربية فصيحة , فاوضحت له ان كلمة ( نعم ) هي الفصيحة , وان ( ايوه) من اللهجات العربية , ولكنه لم يقتنع بتاتا , واصرّ على موقفه , فتعجبت أنا من ذلك الموقف , وقلت له – كيف يمكن لك ان تناقشني حول أوليات لغتي العربية وهي لغتي الام وانت طالب روسي يدرس العربية في روسيا ؟ فقال لي , لانه قرأ ذلك في قاموس بارانوف , وانه يثق به بشكل مطلق . وقد اضطررنا للرجوع الى القاموس , ووجدنا فعلا ضمن حرف الالف كلمة ( أيوا / أيوه ) وامامها كلمة ( دا ) الروسية , اي نعم , لكن بارانوف يضع امامها مختصر (شعب.) , اي انها شعبية , فقلت للطالب الروسي , ان توضيح مؤلف القاموس ليس كافيا , ولهذا فان موقفك لم يكن دقيقا , فقال لي هذا الطالب – وهل ترى ان موقفه غير صحيح , فقلت له , ان القاموس يجب ان يفرّق بشكل واضح و دقيق بين اللغة الفصيحة وبين لهجاتها , وخصوصا بالنسبة للغة العربية , التي توجد فيها لهجات عديدة نتيجة عوامل كثيرة , وقلت له اننا في العراق – مثلا - لا نقول ( ايوه ) ابدا  .
بعد هذه الحادثة ( الطريفة !) مع الطالب الروسي , عدت الى قاموس بارانوف بهدوء , وراجعت كل حرف الالف , فوجدت مفردات قليلة جدا من اللهجات , الا انها موجودة , مع ذلك ,  وتحتاج هذه الكلمات (رغم قلّتها) الى تنقيح , او تصحيح , او الغاء , او هوامش توضيحية حتما , مثل كلمة ( أسانسير) بمعنى مصعد , او (اريال) بمعنى هوائي لبعض الاجهزة , او (اسكي) بمعنى أداة التزلج على الجليد, او (أدبخانه) بمعنى تواليت , او (خوي) بمعنى أخي , او (أجنسيّة) بمعنى وكالة , او (احنا) بمعنى نحن , او (اجبتولوجي) بمعنى متخصص بالآثارالمصرية, او (اجزاجي) بمعنى صيدلي , او (اتمبيل و اتوموبيل) بمعنى سيارة , او (أبّلة) بمعنى عمّة , او (أباجور) بمعنى غطاء المصباح , وربما توجد مفردات اخرى مشابهة في الحروف اللاحقة بهذا القاموس .
ان قاموس بارانوف العربي الروسي مهم جدا في مسيرة حركة الاستشراق الروسي , وفي عالم القواميس العربية الروسية والروسية العربية ايضا , ولا زال يعدّ مصدرا علميا معتمدا لكل دارسي اللغة العربية في روسيا او المرتبطين بها بشكل او بآخر, وكذلك لكل العرب المرتبطين باللغة الروسية ايضا , رغم كل ما حدث من تطور تقني هائل في مجال القواميس والترجمة بشكل عام , ولهذا , فاننا نقترح تشكيل لجنة من المتخصصين ( واتمنى ان يكون من بينهم د. جابر ابي جابر- مؤلف القاموس الروسي – العربي الكبير) لتنقيحه بشكل جذري, واعداد طبعة جديدة منه , طبعة منقّحة ومزيدة ( بشجاعة وبكل معنى الكلمة ) من هذا الجهد العلمي الكبير , الذي قدّمه لنا العالم الجليل بارانوف منذ عشرات السنين , بل انه بدأ بالاعداد له منذ عشرينيات القرن العشرين ( كما يذكر المستشرق الكبير كراتشكوفسكي في مقدمته الواسعة والعميقة للطبعة الاولى من القاموس عام 1945) , ونعتقد جازمين , ان هذه الطبعة المنقّحة ستعيد الحياة الى هذا القاموس الرائد في مسيرة الاستشراق الروسي ومسيرة العلاقات الثقافية بين روسيا والعالم العربي ...   

115
المنبر الحر / ماياكوفسكي و غوغول
« في: 20:06 04/11/2021  »
ماياكوفسكي و غوغول
أ.د. ضياء نافع
  ماياكوفسكي ( 1893- 1930) ابن الثلث الاوّل من القرن العشرين في روسيا السوفيتية بلينينها وستالينها وثورة اكتوبرها عام 1917 , التي ( هزّت العالم في عشرة أيام !) , أمّا غوغول ( 1809 – 1852) فانه ابن النصف الاوّل من القرن التاسع عشر في روسيا الامبراطورية بقياصرتها واحداثها الهائلة و الجسام ايضا , ولكن تلك الاحداث وحتى اسماء القياصرة في الامبراطورية الروسية تكاد ان تكون منسية في الوقت الحاضر حتى من قبل المواطنين الروس انفسهم , وغير المعروفة اصلا للكثيرين منّا , نحن العرب , ( كنت اتحدّث مرة مع أحد الزملاء العراقيين , الذين ( يعشقون صياغة النظريات !!!) عن هجوم نابليون على روسيا , فقال لي مصححا معلوماتي و ساخرا طبعا – هتلر هجم على روسيا يا استاذ وليس نابليون!!! ) .
 ونظرا لهذه الاختلافات الهائلة بين غوغول وماياكوفسكي , لم اخطط ( ولم افكّر ايضا ) ان اكتب عنهما معا لأنهما – حسب رأي الشخصي عندئذ -  بعيدين تماما عن بعضهما البعض في الزمن وفي المواقف الفكرية تجاه الاحداث التي احاطتهما وكتبا عنها في نتاجهما الابداعي , اذ لا علاقة بين شاعر يمجّد ثورة اكتوبر الاشتراكية وزعيمها في القرن العشرين مع مؤلف الرواية القصيرة ( المعطف ) او مسرحية ( المفتش ) في القرن التاسع عشر , ولكني اطلعت – قبل فترة قصيرة جدا - على بحث علمي بالروسية بقلم هاركوف ف. غ. وهو باحث من الجامعة التقنية في مدينة  فينيتسا الاوكرانية , وعنوان البحث المذكور هو – ماياكوفسكي وغوغول , واندهشت جدا ( حتى عندما كنت  أقرأ  سطوره الاولى) , حيث يشير الباحث الى بعض الارقام المثيرة والغريبة فعلا بالنسبة لي , ومنها مثلا , ان هناك ( 39) نتاجا لماياكوفسكي ترتبط ( بشكل او بآخر ) باسم غوغول وابداعه , وان ماياكوفسكي ذكر في نتاجاته الادبية ( 14) عملا من ابداعات غوغول , وأشار الباحث ايضا الى ان ماياكوفسكي وجماعته (الفوتوريستي) , اي انصار الاتجاه الفني الادبي ( فوتوريزم – المستقبلية ) في روسيا , الذين قرروا ان  يتخلصوا من ( الادباء الكلاسيكيين ) ويرموهم من ( سفينة المعاصرة ), حسب عنوان بيانهم الشهير , لم يذكروا اسم غوغول بين اسماء الادباء الكلاسيكيين هؤلاء , وحتى لم ( يرموه بالحجارة ) كما فعلوا مع الادباء الكلاسيكيين الآخرين , ويؤكد الباحث المذكور , ان هذا الموقف المبدئي (يعني ما يعنيه!) من قبل ماياكوفسكي وجماعته , وان ذلك الموقف لم يأت  من فراغ ابدا ولم يحدث عبثا.
قرأت هذا البحث العميق (من ألفه الى يائه!) بتأمّل وهدوء , وقلت بيني وبين نفسي , كم نحتاج من الجهد والوقت كي نتعرّف ( نتعرّف ليس الا ) على اوليات الادب الروسي المتشعبة وتاريخه , وكم نحتاج ايضا الى جهود كبيرة اخرى للغور في اعماق هذا الادب واستيعابه .  ومن المؤكد , ان هذا المفهوم عام جدا ومنطقي جدا بالنسبة للادب العربي ايضا بمراحله العديدة , او بالنسبة لاي ادب عالمي آخر في هذا المستوى , (وتذكرّت الاحكام التي يطلقها فلان وفستان و علّان هنا وهناك - دون اي احساس بالمسؤولية - حول الادب الروسي وشعابه واسراره , ويربطونها بمفاهيمهم السياسية البحتة ,  وابتسمت بيني وبين نفسي ايضا  , ابتسمت أسفا وألما على هؤلاء , الذين يطلقون هذه الاحكام المتسرعة نتيجة عدم معرفتهم الحقيقية لهذا الادب  !) .
حاولت – بعد قراءة البحث - الرجوع الى بعض المصادر التي استخدمها الباحث واستند الى بعض مقاطعها ( والموجودة في نهاية البحث كما تقتضي القواعد العلمية الدقيقة لكتابة مثل تلك البحوث ) , فقد ادهشتني – مثلا - جملة الفنان التشكيلي الروسي الكبير ريبين  (1844- 1930 ), التي ذكرها الباحث , اذ تبيّن ان ريبين كان حاضرا عندما ألقى ماياكوفسكي قصيدته الشهيرة ( غيمة في سروال ) لاول مرة , وقارن الفنان التشكيلي ريبين حماسة ماياكوفسكي المتدفقة بغوغول , وهي مقارنة أثارت اندهاش الحاضرين آنذاك , والتي لا زالت هكذا لحد الان , ويتطلب موقف ريبين هذا التأمّل حقا من قبل المتخصصين في تاريخ الادب الروسي , اذ ان مقارنة ريبين هذه  بحد ذاتها تعدّ موضوعا يستحق الدراسة الدقيقة , خصوصا وان ماياكوفسكي كان آنذاك في بداية طريقه الابداعي .
 قائمة تلك المصادر متنوعة جدا في عالم الفكر الروسي , فهناك , على سبيل المثال وليس الحصر, اسم الكاتب الروسي أندريه بيللي (1880 – 1934 ) ( يكتبون اسمه بيلي في بعض المصادر العربية ) , الذي يستشهد به الباحث عندما تكلم عن سخرية ماياكوفسكي المريرة والضاحكة معا وكيف تذكّر بسخرية غوغول ومفهوم ( الضحك عبر الدموع ) , الذي يرتبط طبعا بابداع غوغول ...
ماياكوفسكي وغوغول – موضوع أصيل وجدير بالدراسة المعمقة , ويحتاج الى جهود المتخصصين العرب في تاريخ الادب الروسي ...

116
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (17)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أطفال الضفدعة – ضفادع .
التعليق – علّق صاحبي على هذا المثل قائلا , وهو يبتسم – يجب اقناع حجي أحمد أغا وتلامذته بذلك , اذ انهم لا زالوا يأملون , ان ( أطفال الضفدعة ) سيختلفون , وان هؤلاء (الاطفال الجدد!) سيغيّرون الوضع تماما , قلت له , اني لم افهم ماذا تقصد , فاجاب بحدة وتوتر– تلامذة حجي أحمد أغا سيفهمون... 
+++++
الترجمة الحرفية – رأس تنيّن , لكن ذيل أفعى .
التعليق – صورة يابانية نموذجية جدا ( ومخيفة ومرعبة في نفس الوقت ! ) لمثل يتكرر عند شعوب اخرى عديدة ( ونحن طبعا من ضمنها ) , وهي صورة رمزية لازدواجية الانسان في علاقاته مع الآخرين , فمظهره الخارجي ( مرآيه !) و لكن حقيقته ( سلاّيه !) .
+++++
الترجمة الحرفية – المريض لا يمكن ان يكون سعيدا .
التعليق – مثل حكيم وصحيح جدا وشامل ايضا لكل انسان بغض النظر عن جنسه وقوميته , اذ كيف يمكن لشخص مريض ان يكون سعيدا , فالمريض يتطلع للشفاء فقط , و لا هدف له سوى الصحة . لنتذكر القول الدقيق والشهير – الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يرغب بشدّة ان يرتقي للاعلى , فانه يختلق السّلم .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل – على ما يبدو - خاص بهؤلاء , الذين يريدون ان يتسلقوا الى المناصب الاعلى , اذ انهم فعلا ( يختلقون !!!) مختلف الحجج و( السلالم ) كي يحققوا هدفهم , وغالبا ما تكون هذه ( السلالم ) واهية ومفتعلة , فأيدّته بقوة , وذكّرته بالتعبير الشائع في لهجتنا العراقية – لوكي و يمسح جتاف ... 
+++++
الترجمة الحرفية – سبع مرات تسقط , في المرة الثامنة انهض.
التعليق – مثل رائع , وكم نحتاجه في مجتمعاتنا , التي يسيطر عليها اليأس والقنوط نتيجة عوامل عديدة , اذ ان هذا المثل يؤكد على ضرورة النهوض رغم كل الصعاب التي يقابلها الانسان في حياته . اليابان ومسيرتها أعطت لنا نموذجا حيّا لهذا المثل .
+++++
الترجمة الحرفية – المهارة أكثر أهمية من القوة .
التعليق – نعم , هذا صحيح جدا , فالقوة وحدها لا تعني شيئا عندما لا توجد المهارة .
+++++
الترجمة الحرفية – ضروري مثل النقود للقطة .
التعليق – توجد امثال كثيرة لدى مختلف الشعوب حول هذه الحالة الواردة في العلاقات الانسانية , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الياباني ساخرة جدا وناطقة فعلا , وتصل الى هدفها مباشرة .
+++++
الترجمة الحرفية -      الصمت – وردة .
التعليق – نحن نقول ان السكوت ذهب ( مقارنة مع الكلام الذي من فضة ) , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الياباني تختلف جذريا , وهي صورة في غاية الجمال , اذ ان الورود – أجمل ما في الطبيعة , اي ان الصمت هو أجمل ما في العلاقات الانسانية ...
+++++
الترجمة الحرفية – الصديق المزيّف أكثر خطرا من العدو الحقيقي .
التعليق – نعم صحيح جدا جدا , لأن الصديق يعرف كل الاسرار والخفايا عن صديقه , ويستطيع استخدامها ضدّه  ... 
+++++
الترجمة الحرفية – من السهولة للشبعان مراعاة الاتيكيت.
التعليق – الجوع كافر , هكذا يقول مثلنا , والبطن الجائعة صمّاء , كما يقول المثل الروسي , بل وهناك مثل عند الهنود الحمر يقول – الجائع ومع الذئب يتغدى , فكيف يمكن للجائع ان يراعي الاتيكيت ؟ اما الشبعان , فمن السهل له طبعا ان يراعي الاصول والقواعد . مثل حكيم ودقيق فعلا .
==========================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

117
غوغول وسلفادور دالي
أ.د. ضياء نافع
كنت أتجول بين لوحات سلفادور دالي الغريبة والعجيبة والجميلة وأتأملها باندهاش واعجاب شديدين , فاقترب مني الفنان التشكيلي الغريب الاطوار دالي  وسألني متعجبا – ما الذي جاء بك الى معرضي؟  فأجبته بسؤال ايضا – ولماذا هذا التعجب ؟ فقال ضاحكا – لانك تتنفس هواء الادب الروسي فقط , ولا يوجد هذا الهواء هنا , وأخشى عايك ان تختنق بين لوحاتي ,  فقلت له وانا اضحك ايضا – نعم , أنا أتنفس هواء الادب الروسي , هذا صحيح , ولهذا أنا هنا , اذ ان بعض الاجواء والملامح في لوحاتك تذكرني بنتاجات غوغول الادبية , فصمت دالي قليلا و برم شاربيه المعقوفتين , ثم قال لي – ادعوك لشرب القهوة والدردشة عن هذا الموضوع الطريف جدا بالنسبة لي ,  فهل تتقبّل دعوتي ؟ قلت له – نعم وبكل سرور. وهكذا بدأنا بهذا الحديث الممتع ونحن نشرب القهوة معا , واظن ان هذا الحديث ربما سيكون ممتعا للقراء ايضا , ولهذا اقدم خلاصته لهم ...
سألني دالي في البداية – اين رأيت أجواء و ملامح نتاجات غوغول الادبية في لوحاتي ؟ فقلت له – في كل لوحاتك , اذ ان عوالكما الفنية , انت وغوغول, مشتركة ومتشابهة بشكل واضح , اذ انكما تستخدمان الخيال الجامح والجميل , الخيال الغريب جدا ولكنه مفهوم للمتلقي , بل وان المتلقي هذا يندهش امام هذا الجمال غير الاعتيادي في اطار هذا الخيال غير الاعتيادي , فقال دالي – لقد سمعت مثل هذه الآراء الغريبة جدا عندما تحدثت مرة مع بعض اللاجئين الروس في باريس , وحتى قال لي أحدهم – ان دالي هو غوغول في الفن التشكيلي , ولكن هذه اول مرة اسمع تلك الآراء من عراقي , ولهذا دعوتك لشرب القهوة والدردشة معك حول ذلك , لانني أعرف , ان العراقيين عموما ينظرون الى غوغول بعيون بيلينسكية بحتة . ضحكت أنا , وقلت له , هذه اول مرة ايضا اسمع بكلمة ( بيلينسكية!) هذه , فما قصتها ؟ ضحك دالي وقال – لقد رسم بيلينسكي صورة غوغول في النصف الاول من القرن التاسع عشر , وعكس بيلينسكي في صورته تلك خصائص ذلك العصر ومشاكله باخلاص , واراد ان يؤكد على صحة آرائه الشخصية البحتة في كل شؤون الحياة ( بما فيها الآراء السياسية) عبر نتاجات غوغول ,  ولازالت هذه الصورة ذات الصفات النموذجية لذلك الزمان (ملصوقة!) في رؤوس وعقول الكثيرين من الروس طوال قرنين من الزمان تقريبا, اذ ان الاحداث الهائلة في ذلك البلد تسارعت , ولم تسمح لهم ان يتأملوا تلك الصورة القديمة لغوغول او تطويرها , او حتى تشذيبها في الاقل وجعلها تتناسق وتتناغم مع خصائص الازمنة اللاحقة المتنوعة جدا , التي تلتها , و العراقيون يكررون هذه الصورة القديمة ليس الا, الصورة التي (استنسخوها!) طبق الاصل في اواسط القرن العشرين بروسيا السوفيتية , عندما تعرفّوا على الواقع الروسي آنذاك . صمتنا كلانا , دالي وأنا , بعد هذه الاستطرادات الفكرية الحاسمة التي قالها دالي , ثم اضطررت أن اقطع هذا الصمت , وقلت له , انت لا تعرف الظروف الرهيبة , التي مرّت بنا في العراق , والتي جعلت المثقف العراقي ( يستنسخ !) الصور والافكار , ولكن المثقف العراقي وبالتدريج بدأ يتطور , وهو اليوم يختلف عن هؤلاء , الذين ( استنسخوا الصور طبق الاصل في ذلك الزمان!) كما قلت انت . ابتسم دالي وقال  لي , انه لا يتابع دقائق احداث العراق ابدا , ولا اي بلد من هذه البلدان المشابهة له , ولكن الصدفة فقط هي التي أتاحت له ان يستمع الآن الى أقوال عراقي , وقال -  (المهم بالنسبة لي , هو اني اريد ان اعرف اين وجدت العناصر المشتركة بيني وبين غوغول ) . انتعشت أنا , وقلت له – ان لوحتك الغريبة والرائعة ( اصرار الذاكرة) , حيث  الساعات المائعة ذكرتني بغوغول , اذ انك اردت هناك ان توقف الزمن , واوقفته فعلا , لكن الاجواء المحيطة بهذا الفعل الفلسفي الجبار قد ماتت , اي انك اوقفت الزمن لكنك فشلت في ايقاف الحياة وديمومتها , وهذا ما فعله غوغول قبلك بالضبط في الثلث الاول من القرن التاسع عشر, اذ انه انهى مسرحيته المشهورة ( المفتش ) بمشهد صامت رهيب, حيث تجمّد فيه كل ابطال المسرحية , اي انه اوقف الزمن ايضا , ولكنه فشل بايقاف الحياة . انت كررت نفس الفكرة الفلسفية (التي يحلم بها الانسان دائما ) , ولكن بشكل فني جديد و مدهش وجميل وخاص بك وحدك ويرتبط بخيالك الجامح , هذا  مثل واحد ليس الا , مثل وجدت به أنفاس غوغول في لوحاتك , واريد ان اتحدث لك عن مثل آخر , اذ انك عرضت في احدى افلامك كيف ان بطلك ( أضاع فمه ) , الا يذكرك هذا الشئ ببطل غوغول الذي ( أضاع أنفه ) في روايته القصيرة - الانف ؟ ضحك دالي , وقال , هذه ملاحظات دقيقة جدا , وربما انعكست في نتاجاتي عبر اللاوعي ليس الا , وهي تحتاج الى تأمّل عميق وهادئ , واراد ان يضيف شيئا , الا ان جرس المنبّه اللعين ايقظني من نومي ...           


118
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (16)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  رفيق الدرب ضروري في الطريق , و في الحياة – الصديق .
التعليق –  مثلنا الشهير يؤكد هذه الخلاصة العميقة , بل ويرى ان (الرفيق قبل الطريق) , اما الجزء الثاني من المثل الياباني حول الصديق  , فكل أمثال الشعوب تكرره ايضا , اذ كيف يمكن للانسان ان يعيش دون صديق ...
+++++
الترجمة الحرفية –  الطقس الحارّ ينتهي – والظلّ ينّسي .
التعليق – يقول المثل الصيني – عندما يلتئم الجرح تنسى الالم , والمثل الياباني هنا يؤكد نفس المعنى , ولكن الصورة الفنية فيهما مختلفة تماما, وقد قال صاحبي , ان هذه الصورة اكثر سطوعا في المثل الصيني , رغم انها أكثر ( نزاكة !) في المثل الياباني , ضحكت أنا , وقلت له – السطوع والنزاكة ( ولد عم!) ...
+++++
الترجمة الحرفية –  والجنة والنار – في روح الانسان .
التعليق – يوجد مثل عند الهنود الحمر يقول  – في اعماق كل انسان يجري صراع بين الذئب الشرير والذئب الطيب, وينتصر ذاك الذئب الذي انت تطعمه . علّق صاحبي قائلا – هذا مثل فلسفي يرسم الصراع الابدي بين الخير والشر في أعماق كل انسان...
+++++
الترجمة الحرفية – الفقراء لا يمتلكون أقارب .
التعليق – هذا المثل مؤلم جدا , و حقيقي جدا . لنتذكر مثلنا وبمختلف لهجاتنا – اذا كثر مالي كل الناس خلاني .
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان – مصدر الكثير من المصائب .
التعليق – يتكرر معنى هذا المثل الصحيح والدقيق عند كل الشعوب , فالكلمة هي ( ام العداوة والكراهية ) كما يؤكد السومريون منذ تلك الازمان السحيقة بالقدم , ولا زال الحال هكذا لحد اليوم ...   
+++++
الترجمة الحرفية -  العبقرية الكبيرة تنضج متأخرة .
التعليق – مثل صحيح جدا , لان العبقرية الانسانية الكبيرة تحتاج الى الوقت كي تتبلور وتنمو قبل ان تنتج . 
+++++
الترجمة الحرفية – حيثما  يسيطر الغباء , يضطر العقل للاختفاء.
التعليق – صرخ صاحبي عندما سمع هذا المثل قائلا – مضبوط , مضبوط , وكم اضطررنا ان نختفي عندما كنّا تحت سيطرة الاغبياء ! فسألته , وكيف وضعكم الان ؟ فأجاب ضاحكا – لازلنا مختبئين.....
+++++
الترجمة الحرفية –  الغصن لا يكون اكثر اكتمالا من الشجرة .
التعليق – مثل رمزي بامتياز , ويرسم بشكل واضح جدا , ان الجزء يرتبط بالكل ويخضع له , ولا يمكن لهذه القاعدة ان تحدث بالعكس بتاتا .
+++++
الترحمة الحرفية –  بعد ان ضرط أخفى مؤخرته .
التعليق – قال صاحبي , وماذا كان يجب ان يعمل هذا الياباني المسكين بعد وقوع ( الحادث!) ؟ فقلت له , ان مثلنا بلهجتنا العراقية يكرر نفس الشئ بعد هذا ( الحادث!), اذ يقول - بعد ما ضرطت تربعت ...
+++++
الترجمة الحرفية – الاعمال تتكلم بصوت أعلى من الاقوال .
التعليق – يتكرر معنى هذا المثل عند الكثير من الشعوب , ولنتذكر مثلنا العربي الجميل – الافعال أبلغ من الاقوال . مثلنا أعمق , ولكن المثل الياباني أكثر وضوحا ,اذ ان  الافعال فيه ( تتكلم !) ايضا.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا المرأة تريد , فانها تخترق الصخرة الصماء.
التعليق – سألني صاحبي ضاحكا , ماذا سيقول هؤلاء , الذين يعتبرون المرأة ( ناقصة !)؟ , ضحكت أنا وقلت له , ربما سيؤكدون , ان
 اليابان ( تنقصها !!!) افكارهم  ...
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل للجنرال المندحر الا يتحدّث عن المعارك .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا , يبدو ان جنرالاتنا لم يطلعوا على هذا المثل , فقلت له , نعم لانهم لا يعرفون اللغة اليابانية. ضحكنا معا , وكان ( ضحكنا كالبكا ...).
+++++
الترجمة الحرفية – في كل الحي فقط الزوج لا يعرف .
التعليق –  علّق صاحبي قائلا  - مثلنا يؤكد , ان الزوج آخر من يعلم , اي انه في نهاية المطاف ( يعلم ) , ولكن هذا المثل الياباني يقول , ان الزوج فقط , وفي كل الحي , لا يعرف اصلا , ثم سألني – هل هذا يعني , ان الزوج عندنا افضل من الزوج عندهم ؟ ضحكت أنا , وبقيت صامتا ...
=====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

119
أعلام الشعر الروسي بقلم نزار محمود كنعان
أ.د. ضياء نافع
اسرع بالقول , ان كتاب د. نزار محمود كنعان الموسوم – ( أعلام الشعر الروسي ) , الصادر في موسكو عام 2021 ( والذي يقع في 437 صفحة من القطع المتوسط) – هو محاولة شجاعة جدا ومتميّزة جدا وبارزة جدا في هذا المجال بالنسبة لكل القراء العرب قاطبة, الذين يتابعون ( ويعشقون !) الشعر الروسي في عالمنا العربي الواسع , واسرع بالقول ايضا ,ان هذا الكتاب سيجد حتما مكانته اللائقة والجديرة به بين المصادر العربية الاخرى ( و ما اندرها مع الاسف ) في الشعر الروسي من حيث التعريف العلمي السليم و المتكامل بالشعراء وموقعهم ومكانتهم في تاريخ الادب الروسي ( وهذه مسألة في غاية الاهمية ) , وكذلك من حيث ترجمة نماذج (مختارة بدقة وبعناية) من قصائدهم عن الروسية الى العربية مباشرة , ومن الواضح ان اختيار تلك القصائد وترجمتها ( حسب اجتهاده الشخصي ) قام به فنان يمتلك عين خبير في الشعر الروسي وعاشق لهذا الشعر حتما . وأظن ,  ان هذا الجهد العلمي الكبير والاجتهاد الترجمي للدكتور نزار محمود كنعان يمكن ان يكون (كتابا منهجيا مساعدا) في اقسام اللغة الروسية وآدابها في  جامعات عالمنا العربي كافة , كي يرجع اليه الطلبة العرب الذين يدرسون الشعر الروسي , وذلك من اجل تثبيت معرفتهم الصحيحة والدقيقة لهؤلاء الشعراء ومقارنة قصائدهم المترجمة مع النص الروسي , ومناقشتها تفصيلا وعمليا (اي دراسة الشعر الروسي وترجمته في المختبر!) , والوصول الى استنتاجات محددة بشأن ذلك , وكذلك يمكن لهذا المصدر المهم ان يكون (كتابا منهجيا مساعدا) في اقسام اللغة العربية وآدابها في الجامعات الروسية ايضا , كي يرجع اليه الطلبة الروس الذين يدرسون الترجمة الادبية من الروسية الى العربية وبالعكس , ليطلعوا على هذا الاجتهاد الترجمي الابداعي , الذي قدّمه لهم د. نزار محمود كنعان , هذا الاجتهاد الشخصي الذي يجسّد عصارة تجربته الفنّية الغنية وعمق معرفته بدقائق اللغتين العربية والروسية ومكامن الجماليات في ثنايا تلك اللغتين الجميلتين والعريقتين معا .
يتناول الجزء الاول من كتاب ( أعلام الشعر الروسي ) أبرز شعراء العصر الذهبي في مسيرة الادب الروسي , وهم - جوكوفسكي و   بوشكين وليرمنتوف ونكراسوف وتيوتشيف وفيت . هذا الجزء وحده يتطلب من كل باحث يكتب عنه ان يتوقف عنده طويلا , اذ ان تلك الاسماء اصبحت الآن معروفة جدا في مجال الشعر العالمي وليس الروسي وحسب , ولهذا , فاننا لا نقدر في هذا العرض السريع ان نتكلم عنهم تفصيلا , ونكتفي بالاشارة الى تلك اللوحات التي رسمها د. كنعان بالكلمات الملوّنة لترجماته , فهل يمكن مثلا الا نلاحظ عند جوكوفسكي ( وهو الاب الروحي للرومانسية في الشعر الروسي ) هذه اللوحات المدهشة الجمال , والتي ترجمها لنا د. كنعان , مثل – ( جدول يتلوى فوق الرمال البيضاء ) , او – (...يتأرجح النسيم على صفحة الماء , /// وتتمايل الصفصافة الميساء !), او هذا المقطع من قصيدة (انشودة عربي على قبر حصانه) – ( ...انه نائم ..في فراش من الرمال ...دائمة الترحال ..) , أما بوشكين ( شمس الشعر الروسي ) , فنود ان نتوقف عند قصيدة ( الى تشادايف ) فقط , اذ انها قصيدة شهيرة ومترجمة عدة مرات الى العربية . لقد حاول د. كنعان ان يقدّم لنا اجتهاده الخاص بترجمته لتلك القصيدة , واستطاع فعلا ان يقدّمها باطار عربي شاعري جميل , انطلاقا من مفهوم-  (الترجمة بتصرّف) , وهو اسلوب شائع استخدمه المترجمون العرب للشعر الاجنبي عموما , ويثير هذا الاسلوب نقاشات متنوعة جدا بين القراء , فمنهم من يؤيده ومنهم من يعارضه , أمّا أنا , فأقول لهما – ( ... المجتهد اذا أصاب فله أجران , واذا أخطأ فله أجر واحد...  ) . ولا يمكن لي الاستمرارهنا حتى  في هذه التأملات السريعة ,  وهذا يعني ( فيما يعنيه ) عدم التوقف عند ليرمنتوف الرائع ( شاعر الحزن الجميل ) , ولا نكراسوف بمواقفه الفكرية الشجاعة , ولا توتشيف ( الذي كان تولستوي دائما يترنم بمقاطع من قصائده ) , ولا فيت , الذي قرأت باعجاب ترجمة د. كنعان لقصيدته الرائعة – (يا لها من سعادة انا وانت والليل ...) , وتذكرت ردود الفعل (الشبابية!) لطلبتي في كلية اللغات بجامعة بغداد عندما كنّا نقرأ تلك القصيدة معا اثناء دراستنا للشعر الروسي...
الجزء الثاني في الكتاب أوسع من الجزء الاول, اذ انه يتحدث عن خمسة عشر شاعرا , ومن بينهم اسماء لامعة مثل بلوك وماياكوفسكي وباسترناك ويسينين وأخماتوفا وتسفيتايفا ...ويتطلب حتى العرض السريع لهذا الجزء كتابات واسعة , والتوقف التفصيلي عند الاجتهادات الجديدة لترجمات قصائدهم كما جاءت في هذا الكتاب, ولكن العين بصيرة واليد قصيرة كما تعرف ايها الفنان التشكيلي والشاعر والكاتب والمترجم (والمتخصص في علوم الفلك والتصوير الفلكي!!!) د. نزار محمود كنعان ...
كتاب ( أعلام الشعر الروسي ) -  لوحة رشيقة وجميلة رسمها فنان موهوب اسمه نزار محمود كنعان , لوحة تحمل خصائصه  واجتهاداته الذاتية طبعا, ولكن بفضل هذه اللوحة اصبح يسير جنبا لجنب مع رواد الترجمة العربية للشعر الروسي  , اي مع حياة شرارة وحسب الشيخ جعفر وابراهيم استنبولي وايمن ابو الشعر وثائر زين الدين و برهان شاوي و..و..و..و..و..و..و..و.....

120
غفوروف وخليل عبد العزيز في طاجيكستان
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على مقال  بالروسية عنوانه – (الاكاديمي غفوروف بعيون الصحافي والسياسي العربي خليل عبد العزيز) . المقال بقلم تاج الدين ماردوني , وهو حاصل على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا و باحث علمي في قسم الشرق الاوسط والادنى بمعهد اسيا واوروبا في جمهورية طاجيكستان ( والمجلة العلمية لهذا المعهد هي التي نشرت المقال في نهاية آب / اغسطس 2021 ) , ويمكن القول – وبكل ثقة -  ان هذا المقال  يعدّ بحثا علميا حقيقيا ورصينا وأصيلا بكل معنى الكلمة , بحثا يعتمد بالاساس على قراءة معمّقة وشاملة وذكيّة لكتاب ( محطات من حياتي), الذي أصدره خليل عبد العزيز في بغداد عام 2018 , مع التركيز على موضوعة مهمة جدا (بالنسبة لتاريخ طاجيكستان المعاصر) وهي - موقع ودور غفوروف ( تلك الشخصية الطاجيكية السوفيتية المرموقة في عالم السياسة السوفيتية والدراسات العلمية للتاريخ آنذاك ), ومكانته في كتاب خليل عبد العزيز المذكور , والدور الذي لعبه في المسيرة الشخصية لعبد العزيز اثناء عمله في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية آنذاك , عندما كان غفوروف رئيسا للمعهد.
عنوان هذا البحث ( أجبرني!) على ان اتوقف عنده , وان اطالعه بانتباه وبشكل دقيق وعميق , اذ انه يعني (فيما يعنيه) , ان كتاب العراقي خليل عبد العزيز اصبح مادة لكتابة بحوث من قبل باحثين أجانب من خارج العراق والوصول الى استنتاجات مبتكرة واصيلة في تاريخ بلدان اجنبية, وهي ظاهرة جديدة ( قلبا وقالبا !) بحياتنا الفكرية في العراق , ظاهرة تثير طبعا الاعتزاز و الفخر عند كل عراقي ( وقد شعرت بذلك خصوصا , عندما قرأت اشارة صريحة جدا في ثنايا ذلك البحث تقول , ان الطاجيك سيعرفون اشياء جديدة لم يسبق لهم الاطلاع عليها عن النشاطات السياسية والعلمية لغفوروف من كتاب خليل عبد العزيز!) , وهذا اولا , أما ثانيا , فانها ظاهرة تستحق ان نتوقف عندها – نحن العراقيين -  بتأمّل وندرسها بشكل واسع وشامل , ونكتب ردود فعلنا حولها , اذ انها ظاهرة جديرة بهذا الاهتمام , وهو ما نحاوله بايجاز في مقالتنا هذه .
من الواضح تماما , ان هدف الباحث د. تاج الدين ماردوني من كتابة بحثه هذا هو دراسة اهمية غفوروف ودوره في مسيرة جمهورية طاجيكستان , اذ ان هذا الشخص ( اي غفوروف ) كان السكرتير الاول للحزب الشيوعي الطاجيكي الحاكم من عام 1946 الى عام 1956 ( والسكرتير الاول للحزب الشيوعي يعني الشخص الاول في الدولة آنذاك ) , عندما كانت طاجيكستان تدخل ضمن دولة الاتحاد السوفيتي , وكان غفوروف واقعيا الشخص الاول فيها زمن ستالين , ولكن غفوروف وصل الى هذا المنصب باعتباره شخصية علمية مرموقة ايضا , اذ كان مؤرخا كبيرا , وكان اختصاصه – تاريخ شعوب أسيا الوسطى , وهو مؤلف كتاب – ( الطاجيك )  الخاص بتاريخ الشعب الطاجيكي  , ولهذا , وبعد وفاة ستالين عام 1953 ومجئ خروشوف ( وكل التغيّرات الجذرية المعروفة و المرتبطة بهذا الحدث, التي تمّت في الاتحاد السوفيتي) , انيطت لغفوروف مهمة اخرى , وهكذا اصبح رئيسا لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية باعتباره حاصل على شهادة دكتوراه علوم في التاريخ , وباعتباره عضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية , وقد شغل هذا المنصب من عام 1956الى تاريخ وفاته عام 1977, ورئاسة هذا المعهد موقع سياسي مهم جدا سواء في الاتحاد السوفيتي آنذاك , او في روسيا الاتحادية الان , وليس من باب الصدفة ابدا , ان جاء بريماكوف رئيسا للمعهد بعد غفوروف , ويعرف القارئ طبعا , ان بريماكوف اصبح بعدئذ وزيرا للخارجية الروسية ثم رئيسا للوزراء .
ان مرحلة ادارة غفوروف لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية ( الروسية حاليا ) , التي امتدت طوال هذه السنين ,تعدّ مرحلة تاريخية مهمة في مسيرة المعهد سياسيا وفكريا , اذ انها رافقت  تحولات كبيرة في مسيرة السياسة السوفيتية آنذاك , والباحث الطاجيكي تاج الدين ماردوني استفاد بعمق من كتاب خليل عبد العزيز ( محطات من حياتي ) , لتسجيل الدور الهائل الذي لعبه غفوروف في سياسة الاتحاد السوفيتي باكمله تجاه البلدان العربية واقامة اوثق العلاقات معها ( السياسية والثقافية معا ) عن طريق نشاطات معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , وكيف استطاع بمهارة عالية توجيه ذلك خدمة لسياسة بلده , هذا الدور (غير المدروس كما يجب ) في الاوساط الاكاديمية الطاجيكية , وحتى الاوساط الاكاديمية الروسية ايضا , وحاول الباحث الطاجيكي الاستفادة القصوى من كتاب خليل عبد العزيز لابراز دور غفوروف واهمية وقيمة تلك الشخصية الطاجيكية المعاصرة .
تحية اكبار واعتزاز للباحث الطاجيكي د. تاج الدين ماردوني على بحثه العلمي الرائد هذا , وتحية اكبار واعتزاز  لمؤلف كتاب ( محطات من حياتي ) د. خليل عبد العزيزعلى كتابه التاريخي المهم في مسيرة الحياة السياسية العراقية المعاصرة , مع التمنيات له بانجاز الطبعة الثانية المنقّحة والمزيدة لكتابه المذكور ...

121
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – يكفي حجر واحد كي تطرد ألف غراب .
التعليق – مثل ذكي جدا , لانه يدعونا ان نستخدم ( الحد الادنى ) من الاشياء المتوفرة حولنا , للوصول الى ( الحد الاعلى ) من الفائدة في حياتنا , وما أكثر (الاحجار!) حولنا , وما اكثر (الغربان!) التي تحيطنا...
+++++
الترجمة الحرفية –     الكلمات - بذور الخصام .
التعليق –  يوجد مثل سومري يقول – ليس القلب , انما الكلمة ام الكراهية , وفي صيغة اخرى - القلب لا يؤدي الى العداوة , انما اللسان يؤدي الى العداوة , وهناك امثال اخرى كثيرة جدا عند الشعوب في نفس المعنى , منها مثلنا العربي الشهير – اللسان عدو الانسان . الصورة الفنية في المثل الهندي هنا جميلة و محددة ودقيقة , اذ يسمّي الكلمات – بذور , اي انها يمكن ان تنمو وتؤدي الى الخصام ...
+++++
الترجمة الحرفية – انثر بيد واحدة , اجمع بكلتا اليدين .
التعليق – خلاصة بسيطة وعميقة وثمينة جدا للحياة الانسانية , وكيف يجب ان يتصرّف الانسان في شعاب الحياة المعقدة والمتشابكة . مثل جميل شكلا ومفيد مضمونا , ومن الضروري ان نضعه نصب أعيننا في كل مجالات الحياة ...
+++++
الترجمة الحرفية – من أجل ان تسامح العدو , يجب ان تجرحه أولا .
التعليق – هذا مثل فلسفي قبل كل شئ , لانه يطرح سؤالا جوهريا امام الانسان , وهو – هل يمكن مسامحة العدو بشكل عام ؟ يقول البعض – نعم يمكن , بعد ان تجرحه كما يشير هذا المثل , اي بعد ان تتغلب عليه , فالمسامح كريم والعفو عند المقدرة كما نقول , ولكن يعترض البعض الآخر, ويطرح السؤال الآتي -  هل سيسامحك هذا العدو نفسه بعد ان تجرحه , ثم تسامحه؟   
+++++
الترجمة الحرفية – تتكلم عن المبادئ السماوية مع ثور يهجم عليك .
التعليق – مثل رائع وطريف وواضح المعالم جدا , والصورة الفنية فيه ناطقة بكل اللغات , وبكل معنى الكلمة , ولا تحتاج الى اي توضيح او اضافة . قال صاحبي معلقا وهو يضحك – أظن ان الهندي الذي صاغ هذا المثل كان في زيارة طويلة لبلادنا , فقلت له , ان الثيران التي تهاجم الانسان البسيط والساذج هذا موجودة في كل مكان  ... 
+++++
الترجمة الحرفية – في الطعام وفي الاعمال – لا مكان للتواضع .
التعليق – التواضع ضروري في الحياة الانسانية , ولكن يجب ان نعرف اين نستخدمه . يوجد مثل عربي يقول – الافراط في التواضع يجلب المذلة . المثل العربي يتحدث بشكل عام عن نتيجة الافراط في التواضع , لكن المثل الهندي يحدد بشكل دقيق وحاسم  عن ( لامكان ) التواضع هذا . المثلان الهندي والعربي يكملان بعضهما البعض .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن التنبؤ بمصير الحجر والشجر والانسان .
التعليق – مثل واقعي و حكيم و صحيح فعلا ...لنتذكر الآية الكريمة – ... وما تدري نفس باي ارض تموت...
+++++
الترجمة الحرفية – في السعادة يستخدمون الصداقة , وفي التعاسة يدققونها .
التعليق – مثلنا العربي يقول - الصديق وقت الضيق , وهناك مثل أرمني يوسّع هذا الاطار ويقول – تعرف العدو والصديق وقت الضيق , ولكن الصيغة الهندية في هذا المثل تطرح الموضوع بشكل جديد ومبتكر وطريف ايضا .
+++++
الترجمة الحرفية – دلال المرأة ودلعها – علامة الحب .
التعليق – قال صاحبي بحسرة -  نعم , نعم , هذا صحيح جدا , رغم اني لم استوعب هذه الحقيقة الحلوة والمرّة معا في حياتي , وكم أنا آسف لأني لم أطلع على هذا المثل الهندي في شبابي , ضحكت أنا وقلت له –... ولآت ساعة مندم .
+++++
الترجمة الحرفية – الصمت – نصف الموافقة .
التعليق –  نصف الموافقة , وليس كل الموافقة كما يقول مثلنا . قال صاحبي , ان الهنود أكثر دقّة منّا , فالصمت فعلا يبيّن , ان هناك شك وتردد بشأن الموافقة التامة ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الزمان يمرّ , الاشاعة تبقى .
التعليق – نعم , هذا صحيح مع الاسف , لهذا يقولون في عصرنا – اطلق اشاعة وليس رصاصة على عدوك ...
==============================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للطبع في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

122
عن قصة تشيخوف القصيرة – (الى باريس)
أ.د. ضياء نافع
عنوان القصة مثير جدا للقارئ الروسي , وغير الروسي ايضا , اذ ان القارئ ( اي قارئ) يتوقع ان يجد هناك ( احداثا ذات نكهة باريسيّة طريفة ! ), والاحداث الباريسية دائما ( تثير!) الخيال ضمن الأجواء الذاتية , والخيال الباريسي يعطّ طبعا بكل تلك المغامرات , وهو ( اي الخيال) مثل النفس (الامّارة بالسوء!), رغم ان هذا السوء (جميل ورومانتيكي !!!), الا ان قصة تشيخوف القصيرة ( الى باريس) لا تتضمن ابدا احداثا باريسية ورومانتيكية من هذا القبيل لا من قريب ولا من بعيد , بل هي قصة ترسم صورة ساخرة (وقاتمة ومؤلمة جدا في نفس الوقت , ولكن ليس بشكل مباشر وصريح ) للواقع الروسي المرير آنذاك ليس الا ( وهو واقع لم يتغيّر كثيرا بمسيرة الزمن , ولازالت سماته وخصائصه واضحة المعالم الى يومنا الحالي ) , وفي هذه النقطة بالذات تكمن روعة تشيخوف , وسرّ ديمومة ابداعاته الفنية لحد الآن في روسيا اولا , وخارج روسيا ايضا , بما فيها عالمنا العربي طبعا , وهذا ما نحاول الكلام عنه بايجاز في سطور مقالتنا هذه عن قصة تشيخوف القصيرة – ( الى باريس ).
نشر تشيخوف قصته – ( الى باريس ) عام 1886 , وكان عمره حينئذ 26 سنة ليس الا , وقد تخرّج لتوّه في كلية الطب بجامعة موسكو . لم ينشر تشيخوف هذه القصة باسمه الصريح , بل باسم مستعار هو (تشيخونتيه) , وقد ظهرت القصة في مجلة روسية فكاهية من الدرجة الثانية ( ان صح التعبير ) اسمها ( اسكولكي ) اي ( الشظايا) , والتي أطلق عليها أحد الطلبة العراقيين المرحين في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين تسمية عراقية طريفة جدا , وهي  - ( واحدة من المجلات القرندلية في الامبراطورية الروسية !) .
ترتبط هذه القصة بحدثين تاريخيين محددين , الحدث الاول روسي بحت , والثاني عالمي بحت , وهذا شئ نادر جدا جدا في مسيرة تشيخوف وابداعه , اذ ان نتاجاته عموما تتناول عادة احداثا اعتيادية جدا , والتي تجري في مسيرة الحياة الانسانية اليومية بغض النظر حتى عن الانتماء القومي للانسان . الحدث الروسي في تلك القصة هو ما اعلنه عضو الاكاديمية الروسية (غروت ) حول كتابة بعض الحروف باللغة الروسية  , هذا الاعلان الذي أثار ضجة وردود فعل مختلفة في الاوساط الروسية , وكان تشيخوف ( ومعظم المثقفين الروس آنذاك ) ضد ذلك الاعلان , اما الحدث العالمي , فهو افتتاح المعهد الخاص بعلاج داء الكلب في باريس , والذي يرتبط باسم العالم الفرنسي الشهير لوي باستور . لقد ذكر تشيخوف هذين الحدثين باسلوب غير مباشر( و دون ان يركّز عليهما بشكل خاص) , ولكنه مع ذلك , أشار اليهما معا في قصته المشار اليها في هذه المقالة , دون ان يلاحظ القارئ الاعتيادي حتى تلك الاشارة الدقيقة , ولا زالت قصة تشيخوف هذه تذكّر القارئ الروسي بهذين الحدثين , رغم ان من المفروض ان يكون الامر عكس ذلك تماما , وفي هذه النقطة طبعا يكمن دور الفن واهميته في مسيرة المجتمع الروسي وغير الروسي ايضا .
مضمون القصة بسيط جدا (مثل معظم نتاجات تشيخوف) , فهناك اثنان يعودان الى البيت ذات مساء وهما في حالة سكر , احدهما معلم , وكان يتحدث لصديقه بشكل تفصيلي عن كيفية كتابة نهاية الاسماء في حالة المضاف اليه حسب المقترحات الجديدة لكتابة حروف الهجاء الروسية , وكان الثاني لا يستمع لهذا الحديث , لانه كان مشغولا بمراقبة مجموعة كلاب تعوي في الشارع , واراد ان يطردها , فعضوا اصبعه , وكذلك مؤخرة المعلم نفسه , وفي اليوم التالي نصحهم أحد معارفهم ان يعالجوا انفسهم من عضة الكلب في باريس بالمعهد الخاص بداء الكلب , وهكذا قررا السفر بالقطار الى باريس , ولكن شاهدوا احدهم وقد رجع بعد يوم فقط , وأخبرهم , انهما توقفا في مدينة كورسك , ووجدا ان المطعم غالي , فذهبا الى مكان ارخص , وهناك شربا حتى الثمالة , ونفذت نقودهما , وهكذا رجع الاول الى البيت , كي يرسل للثاني نقودا ليرجع هو ايضا الى البيت .  وهذا كل مضمون تلك القصة .
قال تشيخوف مرّة , انه يكتب ( للقارئ الذكي ) , الذي ( تكفيه الاشارة !) كما يؤكد مثلنا المعروف , وقد اطلعت على تعليقات أحد القراء  حول هذه القصة , ومن الواضح انه ليس ضمن القراء الاذكياء( ولا ارغب ان اسميّه بشكل آخر !) , ويقول هذا القارئ , ان القصة ( التي تقع بصفحتين !) لا تستحق القراءة بتاتا , لانها ترسم صورة لاثنين من التافهين, وان الحياة بالنسبة لهما تكمن بالادمان على الكحول ليس الا, وتذكرت قول مكسيم غوركي , الذي كتب ما معناه , ان التفاهة في المجتمع هي العدو الاكبر لابداع تشيخوف .
قصة تشيخوف ( التي تقع بصفحتين ! ) ترسم لنا التفاهة فعلا , وتجعلنا نضحك عليها , والضحك هو شجب للتفاهة , قصة تشيخوف  تجعلنا (نضحك!) على التفاهة , وتجعلنا في نفس الوقت ( نلطم !) ايضا , لان التفاهة موجودة في حياتنا اليومية ......   

123
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عسل باللسان , وسمّ بالقلب .
التعليق – تتكرر هذه الصورة الفنية في أمثال شعوب كثيرة , ومنها طبعا مثلنا الشهير (بالوجه مراية.....) , الا ان المثل الهندي هنا يرسم هذه الحالة بشكل مرعب وبصورة قاسية جدا , اذ ان الفرق هائل بين ( السلّاية... في مثلنا), والتي تنغز الانسان ليس الا , وبين ( السمّ بالقلب... في مثلهم ) , والذي يمكن ان يؤدي الى موت الانسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – بعين واحدة يذرف الدموع , وبالاخرى يغمز .
التعليق – مثل كوميدي وتراجيدي في آن واحد , والصورة الفنية في غاية الخيال والواقعية في آن واحد ايضا . قال صاحبي , ان هذا المثل يرسم صورة كاريكاتيرية مدهشة للنفاق والرياء عند البشر , وهي صورة لم  يشاهدها سابقا في أمثال الشعوب الاخرى ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن تعليم الببغاء العجوز أي شئ  .
التعليق – وليس فقط الببغاء , هكذا قال صاحبي مبتسما , فقلت له , ان هذا المثل الهندي يتحدث عن الانسان بلغة كليلة ودمنه , فقال – نعم , وهي لغة رمزية و بليغة ورفيعة جدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – العصا هي الجواب على الوقاحة .
التعليق – نحن نقول العصا لمن عصى , ولكن الهنود يحددون استخدام العصا للوقاحة , وهم الأكثر دقّة وصحة بشأن استخدام العصا , اذ انها ( اي العصا ) ضرورية فعلا للوقاحة قبل كل شئ ...
+++++
الترجمة الحرفية – الوقت اثناء المعاناة يكون طويلا .
التعليق –  يوجد مثل عربي يقول – الانتظار اشد من النار , وهناك مثل روسي يقول – لا يوجد أسوأ من ان تنتظر او تلحق بشئ , ولكن المثل الهندي يحدد الوضعية بشكل أدق , اذ انه يتحدّث عن ( وقت المعاناة ) بالذات . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد اناس يعرفون كل شئ , ولا اناس لا يعرفون أي شئ.
التعليق – حقيقة بديهية وصحيحة , الا ان هناك الكثير من البشر – مع الاسف - لا يعترف بهذه الحقيقة , ولهذا , فان المثل الهندي هنا يذكّرهم بها ...فذكّر ان نفعت الذكرى ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعلّم السعال لجدّك.
التعليق – مثل طريف جدا , وهو عميق في آن واحد , اذ انه يسخر من هؤلاء ( الزعاطيط !!!) كما قال صاحبي بلهجتنا العراقية , الذين يحاولون تعليم ( آبائهم وأجدادهم ) حتى ( كيفية السعال !). يوجد مثل روسي ساخر وفي نفس المعنى , يقول – البيض لا يعلّم الدجاجة ..
+++++
الترجمة الحرفية – التجربة فقط تخلق (الاسطة) الحقيقي .
التعليق – الاسطة باللهجة العراقية , او الاستاد ( بالدال ) , اوالمعلم باللهجة المصرية , اي الحرفيّ الحاذق والماهر , وغالبا ما يكون رئيس العمل المهني المحدد . المثل الهندي هذا صحيح جدا , اذ ان المهارة تأتي عند تراكم التجربة وممارسة تلك المهنة , وليس عن طريق الشهادات الجامعية والاكاديمية . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يؤكد هذه الحقيقة , وهو – الصانع استاد ونص ( الصانع –  الصبي الذي يعمل مساعدا عند الحرفي , استاد ونص – اي يكون افضل من الحرفي نفسه , لانه يتعلّم المهنة بالتطبيق )   
+++++
الترجمة الحرفية – المعلم أخرس , والتلميذ أطرش .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل يرسم صورة واقعية لحالنا , وسألني وهو يضحك – هل هذا المثل الهندي للتصدير؟ ضحكت أنا ايضا, وأجبته –  هذا المثل للتصدير وللاستخدام المحلي ايضا , فما أكثر المعلمين الخرسان.. والتلاميذ الطرشان.. في كل زمان و مكان..
+++++
الترجمة الحرفية – العين (الجقله) أفضل من العين (العميه) .
التعليق-  احتفظنا بكلمتي ( جقله و عميه ) باللهجة العراقية , كي نقارن هذا المثل بمثلنا ( وبلهجتنا) في نفس المعنى , الذي يقول – (التبربش ولا العمه) . مثلنا أكثر حيوية ورشاقة من مثلهم , لكن  المثل الهندي اكثر دقة  وتحديدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – قصب السكّر الاعوج - حلو ايضا.
التعليق – جوهر هذا المثل يؤكّد , ان المضمون أهم من الشكل , لكن صاحبي أعترض على ذلك , وقال – ليس الامر هكذا دائما , فالشكل بعض الاحيان مطلوب وضروري ايضا , ضحكت أنا وسألته - هل نسيت الحكمة التي حفظناها منذ الصغر ؟ , فسألني – وما هي ؟ فأجبته -  ...عين الرضا عن كل عيب كليلة  ...
+++++
الترجمة الحرفية – التحدّث معك مثل العزف على الناي امام الجاموس .
التعليق – ضحك صاحبي وقال – كم هي جميلة ومعبّرة هذه اللوحة الهندية , و اقترح تحويل هذا المثل الواقعي فعلا (رغم كل الخيال الساخر فيه) الى شعار نكتبه بحروف كبيرة أمام الكثيرين من حولنا , فقلت له وأنا أضحك ايضا – ولكن , هل تعرف لغة الجواميس , كي تكتبه لهم بلغتهم؟
+++++
الترجمة الحرفية – ما فائدة البكاء , اذا أكلت الطيور كل الحصاد؟
التعليق – و المثل العالمي المناظر لهذا المثل الهندي يقول في نفس المعنى – لا تبكي على اللبن المسكوب , ولكن صاحبي قال - ان  الصورة الفنية في مثلهم .. (تعطّ!) بروح الافلام الهندية .. فضحكت أنا , وقلت له – طبعا , فالامثال والافلام وكل النتاجات الابداعية (تعطّ!) بروح شعوبها..
+++++
الترجمة الحرفية – فرخ الغراب بالنسبة لامّه – ذهب .
التعليق – طبعا , فالقرد بعين امه غزال ...
======================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض . ن .

124
جائزة نوّار(2021) لمؤلف كتاب - سماء بغداد القرمزية.
أ.د. ضياء نافع
أعلنت لجنة جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي اسم الفائز بالجائزة لهذا العام ( 2021) , وهو – فيكتور فيكتوروفيتش باسوفاليوك ( 1940 -1999) - وكيل وزير الخارجية الروسية سابقا , وآخرسفير للاتحاد السوفيتي واول سفير لروسيا الاتحادية في العراق , ومؤلف كتاب – ( سماء بغداد القرمزية ) , الصادر بالروسية في موسكو عام 2010, والذي ترجمه د. فالح الحمراني الى العربية وصدر في بيروت عام 2017 .
 تمّ تسليم جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي يوم الخامس من شهر تشرين أول / اكتوبر 2021 الى ابنته السيدة يلينا فيكتورفنا باسوفاليوك في سفارة جمهورية العراق بموسكو من قبل السيد سفير العراق في روسيا الاتحادية الدكتور عبد الرحمن الحسيني , والذي ألقى كلمة في بداية الحفل , وقال فيها , ان جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي أصبحت واحدة من الظواهر البارزة في مسيرة العلاقات العراقية الروسية , وأشاد بمؤسسيها وجهودهم الدائمة من أجل استمرارها , وتوقف قليلا عند اسماء الحائزين على هذه الجائزة في السنوات السابقة , وهم بوغدانوف وكيل وزير الخارجية الروسية , ومكسيموف سفير روسيا في بغداد و العذاري سفير العراق في موسكو , وديوكوف المدير التنفيذي لشركة ( غاز بروم نفط ) الروسية , وتكلّم بعدئذ عن شخصية الحائز على هذه الجائزة لهذا العام وهو فيكتور باسوفاليوك , وأشاد بدوره الكبير ومكانته المتميّزة في تعزيز العلاقات العراقية الروسية في كافة المجالات , وتحدث عن كتابه ( سماء بغداد القرمزية ) باعتباره وثيقة مهمة ومتميّزة في مسيرة العلاقات العراقية الروسية , والتي ابتدأت قبل أكثر من خمس وسبعين سنة , وتوقف عند اهمية هذه العلاقات بالنسبة للبلدين .     
 جرى بعدئذ منح المدالية الذهبية للسيدة يلينا باسوفاليوك وسط تصفيق الحاضرين , ثم تم تسليمها الشهادة الخاصة بتلك الجائزة من قبلي , باعتباري رئيس مجلس ادارة دار نوّار ومؤسس الجائزة , وقد تحدّثت عن معرفتي الشخصية بوالدها في بغداد , واعلنت عن سعادتي بتوحيد اسمي باسوفاليوك ونوّار في مسيرة العلاقات العراقية الروسية وتعزيزها , فهما يمتلكان صلة عضوية ومباشرة بهذه العلاقات .
 تحدّثت بعد ذلك السيدة باسوفاليوك عن انطباعاتها حول هذا التكريم , الذي حظى به والدها , وردود فعل عائلتها على هذا العمل , الذي قالت عنه , انه كان ( ..مفاجأة سارّة جدا لكل عائلتها ..) , وقالت, ان هذ الجائزة تجسّد وفاء العراقيين تجاه عمل والدها بشأن تعزيز العلاقات العراقية الروسية , وتوقفت عند ذكرياتها عندما كانت تعيش في بغداد مع والدها آنذاك , وكيف كانوا  يعشقون بغداد , وقالت انها ( ...لازالت تتذكر طعم الخبز العراقي اللذيذ ..) وطيبة العراقيين وضيافتهم , ثم توقفت عند سيرة حياة والدها , وعن دراسته المعمقة للغة العربية وعشقه الكبير لها , وكيف انه بدأ عمله في مجال الترجمة من الروسية الى العربية وبالعكس , وأصبح نجما ساطعا في عمله , وترجم مباحثات القادة السوفيت مع القادة العرب وهو في هذا العمر اليافع , وتحدثت كذلك عن بقاء ثلاثة سفراء فقط في بغداد اثناء القصف الامريكي , وهم السفير الروسي والكوبي والفلسطيني . لقد كانت كلمة السيدة باسوفاليوك شفهية وحميمية جدا واستخدمت اللغة العربية في بعض المقاطع , وقالت في نهاية كلمتها وهي تمسك بالمدالية – ( ..ما أجمل النخلة, رمز العراق , وما أجمل شجرة البتولا , رمز روسيا , على هذه المدالية !..)  وشعرنا جميعا , ان هذه الكلمات صادقة وحقيقية و تخرج من القلب مباشرة .
تكلم في نهاية الحفل الدكتور فالح الحمراني , مترجم كتاب سماء بغداد القرمزية , وأشار الى عمق افكار الكتاب , والتي عكست عواطف المؤلف  تجاه بلدنا وصدق كتاباته حول كل ما شاهده هناك  , وأشاد د. الحمراني بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي ومؤسسة دار نوار , التي اقترحت اقامتها والاستمرار بتنفيذها طوال كل السنوات الماضية , وقال في الختام  , ان هذه الجائزة – ( .. تعدّ ظاهرة فريدة ولا مثيل لها في اطار علاقات البلدان العربية كافة مع روسيا ..) .   

125
أمثال أفغانية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما تتعارك الخيول , فلا شأن للحمير بذلك .
التعليق – قال صاحبي – هذا صحيح , ولكن كيف يمكن ان نوضّح ذلك (لحجي أحمد أغا !!!)...فضحكنا سوية ... وقلت له -  ان المعنى ( في قلب الشاعر !!!) طبعا , فأجابني صاحبي ضاحكا – بل في قلب حجي أحمد أغا نفسه , فهو المسؤول الاول والاخير عن الحمير...
+++++
الترجمة الحرفية – مهما أضاء القمر , لا يمكن مقارنته بضوء النهار .
التعليق – مقارنة جميلة وواضحة المعالم . ضوء القمر رائع طبعا , ولكن ضوء الشمس أكثر روعة وسطوعا , وشتّان ما بين الليل والنهار ...
+++++
الترجمة الحرفية – تكلم عن شؤونك , واترك لي شؤوني .
التعليق – مثل ضروري جدا في مجتمعاتنا المتزمتة والمغلقة , حيث يسمح لنفسه كل (من هبّ ودبّ !) ان يتدخل في شؤون الآخرين , بل ويوجهّهم دون معرفة حتى باوليات الموضوع .
+++++
الترجمة الحرفية – يصب الماء على ظهر البطّة .
التعليق –   ما أجمل الصورة الفنيّة المرحة في هذا المثل الافغاني وما احلاها , وكم هي معبّرة عن مفهوم السذاجة عند الانسان , هكذا قال صاحبي ثم أضاف وهو يبتسم  -  عندهم هذا المثل , لانهم لا يعرفون اغنية طفولتنا -  يا بط يا بط ... اسبح بالشط ...فقلت له – رسم المثل الافغاني مفهوم السذاجة بشكل رشيق جدا , اما اغنيتنا , فهي تختلف, اذ اننا لم نكن نصبّ الماء على ظهر البط , وانما نقول للبط.. ان يسبح بالشط , كي يحذر السمكة .. من الشبكة...ليس الا ...   
+++++
الترجمة الحرفية -  العقل أهم من القوة .
التعليق – العقل هو الذي يجب ان يوجّه القوة وليس العكس , وتحدث المصائب عندما تحل القوة محل العقل , اي عندما تنقلب الامور المنطقية , وتصبح القوة ( أهم !) من العقل , وكم عانينا (ولا زلنا نعاني) في مجتمعاتنا عندما تكون ( القوة أهم من العقل !!!). مثل أكثر من رائع ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يعرف السكّين صاحبه .
التعليق –  ولهذا يمكن للسكّين ان ( يذبح !!!) صاحبه ... وكم حدث ذلك في تاريخنا الدامي الطويل . مثل واقعي بامتياز .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الليل توجد الكثير من العيون والآذان .
التعليق – يقول المثل الكوري – كلمة النهار يسمعها الطير وكلمة الليل يسمعها الفأر , ويقول المثل العالمي – للجدران آذان , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الافغاني جديدة , وهي صورة واقعية فعلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الأكل – بصحة جيدة , عند العمل – مريض .
التعليق –  يقول المثل الروسي -  الى العمل آخر المتأخرين , والى ألأكل أول ألمتقدمين . المثل الافغاني اكثر دقة ووضوحا من المثل الروسي , فالمتكاسل الروسي يذهب الى العمل ( ولو متأخرا !) , ولكن المتكاسل الافغاني لا يذهب الى العمل اصلا, اذ انه  يتحول الى (متمارض !) . قال صاحبي – ما أكثر هؤلاء النماذج في مجتمعاتنا مع الاسف الشديد.
+++++
الترجمة الحرفية – العجل يسير وراء البقرة .
التعليق – نعم , هذا هو المنطق , وليس العكس , كما يحدث في بلداننا يا اولي الالباب , هكذا  قال صاحبي , وأضاف ضاحكا – لأن العجل عندنا (لا يقرأ ولا يسمع !!!) , فقلت له وانا اضحك ايضا – ولهذا يسمّونه عجلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحجر تحت الماء لا يعرف بهطول المطر .
التعليق – وهكذا هم المعزولون عن مسيرة الحياة في كل انحاء العالم , رغم انهم ( يثرثرون كثيرا , بل ويوجهّون ايضا !!!) . مثل جميل  شكلا , و فلسفي عميق مضمونا ... 
+++++
الترجمة الحرفية – بالوجه انسان , بالقلب شيطان .
التعليق – بالوجه مرآيه وبالكفه سلايه , هكذا يقول مثلنا الشهير بلهجتنا العراقية , الا ان المثل الافغاني يذهب أبعد , ويحدد صفات الانسان حسب الوجه والقلب . الصورة الفنية في مثلنا أكثر حيوية ومرحا وجمالا  , لكن المثل الافغاني أكثر صرامة وأكثر دقّة .
+++++
الترجمة الحرفية – لاحظ الخطر عندما دخلت الطلقة في الصدر .
التعليق – مثل تراجيدي جدا , وكم يحتاج الانسان عموما الى ان يلاحظ الاخطار المحيطة به , وان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار ( قبل , وليس بعد !!!) اصابة الاطلاقات للصدر...
+++++
الترجمة الحرفية – الاسنان واللسان يتخاصمان , لكنهم يعيشون جنبا لجنب .
التعليق –  دور ( الاسنان !) في حياة الانسان واضح , و دور ( اللسان !) معروف ايضا في حياة كل انسان .  مثل طريف ومرح , ورمزيته وواقعيته واضحة المعالم جدا , وكم تتخاصم ( ضرورات الاسنان ) مع ( ثرثرات اللسان ) في مسيرة الحياة الانسانية المعقدة...
+++++
الترجمة الحرفية – صياد الافاعي يموت من لدغة أفعى .
التعليق – هذا المثل رمزي وعميق في آن واحد , اذ انه يقول لنا بكل وضوح , ان الاعمال الخطيرة للانسان تؤدي به حتما الى نهاية مأساوية دائما , طال الزمان او قصر ...
=======================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

126
أمثال أفغانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –      الخداع - انه دخان لا يمكن ان تخفيه .
التعليق –  مثل حكيم جدا , والصورة الفنية فيه واضحة المعالم وتتميّز بخيال جميل فعلا .  قال صاحبي - ما أحوجنا الى تطبيق هذا ( المفهوم !) في مسيرة حياتنا , فأجبته قائلا – عندها سيخنقنا هذا الدخان , فقال صاحبي وهو يضحك –
 فاما حياة تسر الصديق /// واما ممات يغيض العدى ...
+++++
الترجمة الحرفية – بعد ان تعضّك الحيّة , ستهرب حتى من الضفدعة .
التعليق – يذهب هذا المثل أبعد من كل الامثال المشابهة له عند الشعوب الاخرى , التي تؤكد على خوف الانسان بعد لدغة الحية من كل شئ يشبهها , اما المثل الافغاني هذا فيرسم صورة اخرى مرحة وغير متوقعة بتاتا , فقال صاحبي , ان هذه الصورة الفنية حقيقية فعلا , فالخوف ليس (من الحبل !) كما يقول مثلنا , اذ توجد مبالغة في تلك الصورة , وانما الخوف من ( الضفدعة وأخواتها !) , اي من الزواحف الحيّة , التي تتحرك على الارض ...
+++++
الترجمة الحرفية – كلمة الحنان تطرد الغضب .
التعليق – قال صاحبي معلقا على هذا المثل – كلمة الحنان طردت حتى غضب الحيّة العراقية (التي ارادت ان تسمم اهل الدار) , وجعلتها تعيد النظر بموقفها . قلت له – كلامك صحيح للذي يعرف قصة ( حيّة البيت!) تلك , ولكن كلامك غير مفهوم للجميع , فأجابني بحدة – الشخص الذي يتابع أمثال الشعوب يجب ان يعرف قبل كل شئ أمثاله وقصصها ...
+++++
الترجمة الحرفية -  السمكة الصغيرة لا تغرق في المياه العميقة .
التعليق – علّق صاحبي وهو يضحك - طبعا لا تغرق , فهي ( في بيتها وبين أهلها !!!) , فقلت له – ولكننا غرقنا رغم اننا كنّا في بيتنا وبين أهلنا , فأجاب وهو مستمر بالضحك – لانكم لم (تسبحوا !!!) مثل الاسماك الصغيرة حولكم ...
+++++
الترجمة الحرفية -  لا  ترقص امام الاعمى , ولا تعزف امام الاطرش .
التعليق – مثل مرح وحزين في آن واحد , فهو يتحدث عن الرقص والعزف , ولكنه يذكرنا بالعميان والطرشان . من الواضح ان هذا المثل يقول لنا , ان الفنون الجميلة ليست لذلك الانسان الذي ( لا يرى ولا يسمع !) , وانما للانسان السويّ ... والحليم تكفيه الاشارة ...
+++++
الترجمة الحرفية -  لا تسرع , من أجل الا تبكي لاحقا .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل مبتكرة بكل معنى الكلمة , فالامثال المناظرة عند الكثير من الشعوب ( بما فيها أمثالنا العربية) توصي بعدم التسرّع , ولكنها لا تشير الى البكاء اللاحق . مثل جميل وحكيم ودقيق .
+++++
الترجمة الحرفية –      الوعد – هو دين .
التعليق – ونحن نقول ايضا الشئ نفسه - وعد الحر دين ...
+++++
الترجمة الحرفية – القلب ليس عظما .
التعليق –  المثل الروسي يقول – اللسان دون عظام , وهو صحيح , لان اللسان ليس جامدا , و يمكن ان يخطأ . المثل الافغاني هنا يقول نفس الشئ عن القلب , اي ان القلب يمكن ان يخطأ ايضا . علّق صاحبي – هذا المثل يريد ان يقول , ان القلب يمكن ان يلين...
+++++
الترجمة الحرفية – مهما يكن الصرصور قويا , فانه لن يذهب ليتعارك مع الدجاجة .
التعليق – صورة فنيّة طريفة جدا . قال صاحبي معلّقا – هل يمكن ان تعترض الان , عندما أقول لك , ان هذا المثل ذكّرني بذلك ( الصرصور !!!) الذي تعرفه حق المعرفة , وكيف انه ( تكاون !!!) مع كل الدجاج حوله ؟ ودفعنا نحن ثمن كل تلك الحماقات .  لم اعلق أنا بشئ , وبقيت صامتا ... 
+++++
الترجمة الحرفية – صديق اليوم – عدو غدا .
التعليق –  يوجد في عالم السياسة هذا المفهوم , اذ لا صداقات دائمة وانما مصالح دائمة , لكن هل يشمل هذا المفهوم السياسي العلاقات الانسانية الشخصية ؟, فقال صاحبي – نعم , اذا كانت تلك العلاقات مبنية على المصلحة ايضا , وانه يعرف كثيرا من تلك الحوادث , بما فيها حوادث زواج وارتباطات عائلية ...
+++++
الترجمة الحرفية – النار ليست طبلا , لكن اذا تدوس عليها فسوف ترقص .
التعليق – مثل طريف جدا , والخيال مدهش في صورته الفنيّة , وهو يصلح لرسم كاريكاتيري جميل جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – ما الذي يفهمه الجاموس عن عطر الزهور .
التعليق – ضحك صاحبي كثيرا وهو يردد – يا لجمال هذا المثل الحاذق , فسألته – ولماذا تضحك بشدة هكذا , فقال – لأنه تذّكر أحد أصدقائه , الذي يتكلم في الشؤون السياسية ويعتبر نفسه محللّا سياسيا يشار اليه بالبنان , فضحكت أنا وقلت له –  وانت تذكرني بالمثل العراقي الطريف -  عرب وين طنبوره وين ...
====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

127
أمثال اندونيسية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أثر ابيض يبقى بعد الطباشير, وأثر أسود يبقى بعد الفحم .
التعليق – مثل رمزي جميل وعميق المعنى , وصورته الفنية ذات خيال متفرّد فعلا ومبتكرة بكل معنى الكلمة . الفرق واضح طبعا بين (الأثر الابيض ) و( ألأثر الاسود ) في مسيرة الحياة الانسانية , و يجسّد هذا المثل دعوة رائعة لعمل الخير وابقاء الأثر الابيض , والابتعاد عن الشر وأثره الاسود . لنتذكر الآية الكريمة –  ...يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يخاف من الحيّة , يخاف من الزواحف  .
التعليق – مثل يتكرر عند الكثير من الشعوب , وفي نفس المعنى طبعا , وهكذا يخافون عندنا (من الحبل !) لانه يشبه الحيّة , وعندهم يخافون (من الزواحف !) لانها تشبه الحيّة . علّق صاحبي قائلا - تعددت الاسباب و(الخوف !) واحد , فضحكت أنا وقلت له – نعم , نعم , تعليقك حاذق فعلا... 
+++++
الترجمة الحرفية – الشجرة الكبيرة تحمينا من الشمس ومن المطر الغزير .
التعليق – الصورة الفنية لهذا المثل طريفة جدا وجميلة , وهي تقول لنا , ان الوقائع الكبيرة على الارض تحمي الانسان من مختلف الظواهر , مهما تكن هذه الظواهر متناقضة فيما بينها , وسواء كانت ( اي الظواهر) ترتبط بالطبيعة او بالمجتمع . قال صاحبي , انه يعتبر هذا المثل فلسفي عميق رغم بساطة صورته الفنية , ثم أضاف وهو يضحك –  لنتذكر الاغنية الفلكلورية العراقية الجميلة – (جلجل عليّ الرمان ...) ومعناها وسبب خلودها في قلوبنا ...
+++++
الترجمة الحرفية – التمساح في الماء لا يغلب ( بضم الياء ) .
التعليق – مثلنا يقول – كل كلب ببابه نبّاح , ويقول المثل الافغاني – الكلب في شارعه – نمر , و يوجد مثل هندي يقول – في الماء لا تتخاصم مع التماسيح , ولم يأت هذا المثل الهندي عبثا , فالتمساح في الماء مثل كلبنا ببابه او الكلب الافغاني في شارعه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الماء يبلل , النار تحرق .
التعليق – هذا هو المنطق وهذه هي الحقيقة , ومع ذلك هناك اناس لا يعترفون بها , ولهذا فانهم - في نهاية المطاف - اما يبللّهم الماء او تحرقهم النار . قال صاحبي – أعرف انك ستعترض , لكني أعتقد , ان هذا المثل ينطبق قبل كل شئ على هؤلاء القادة الجهلة والمغرورين عندنا , الذين لا يعترفون بابسط قواعد المنطق , والذين أحرقوا شعوبهم , ثم احترقوا هم انفسهم ايضا , او سيحترقون , فقلت له بأسى – لا , لن اعترض , بعد كل ما رأيت من أعمال هؤلاء الجهلة ...   
+++++
الترجمة الحرفية – الكلام خفيف , لكنه يكسر العظام .
التعليق – مثل يتكرر عند العديد من الشعوب وبمختلف الصيغ , والصيغة الاندونيسية جميلة ومبتكرة وجديدة فعلا عند مقارنتها بالصيغ الاخرى , فنحن نقول – احذروا اللسان فانه سهم يخطأ , والمثل الروسي يقول – الكلمة ليست سهما لكنها تتوجه نحو القلب , والمثل الياباني يقول – الكلمة يمكن ان تقتل الانسان ...الخ . المثل الاندونيسي يقول , ان الكلام يكسر العظام ...
+++++
الترحمة الحرفية – يطير , يعني طير .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل ينطبق على العلاقات بين البشر قبل كل شئ , فكم كان حولي من أصدقاء ومعارف , ولكنهم ( طاروا !) عند الحوادث والمحن , اي انهم كانوا ( طيورا !) في الواقع , ولم اكن أعرف أنا , انهم كانوا ( طيورا) , لأني لم اكن أعرف عندها هذا  المثل الاندونيسي العميق . أردت أنا ان أقول له ( وما أكثر الاخوان حين تعدهم /// ولكنهم في النائبات قليل ) , ولكني لم أتكلم , احتراما لتفسيره الطريف لهذا المثل ...
+++++
الترجمة الحرفية – هلكت النملة بسبب السكّر .
التعليق – مسكينة هذه النملة الاندونيسية , اذ انها لا تعرف مثلنا وبمختلف لهجاتنا , والذي يقول - كل شي يزيد عن حده ينقلب ضده , وهكذا هلكت هذه النملة (بدلا من ان تتمتع بالسكّر), عندما ازداد السكّر عن حده  ...
+++++
الترجمة الحرفية – سر دون سرعة – تصل الى الهدف , تكلم غير مسرعا – لن تخطأ .
التعليق – في التأني السلامه , هكذا نقول نحن , وهذا ما يقوله المثل الاندونيسي بتفصيل اكثر, كي يصل الانسان الى الهدف المنشود , وكي يتكلم مع الآخرين ايضا حول ذلك الهدف المنشود . مثل في غاية الحكمة والتعقّل ...
+++++
الترجمة الحرفية – تعيش في البحر ولا تتشبّع بالملح ؟
التعليق – كل انسان هو ابن تلك الاجواء التي يعيش فيها , والتي تحيط به , وبيئة الانسان تنعكس على صفاته وتصرفاته عموما . قال صاحبي , ان المثل هذا غريب البنية فعلا , فما معنى ان الانسان يتشّبع بالملح , فقلت له , اي يعطّ برائحة بيئته التي تحيطه ...
===================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

128
عن الصحف الروسية الادبية في ثلاث دقائق
أ.د. ضياء نافع
 لم استطع الذهاب لشراء صحيفتي ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الصحيفة الادبية ) و ( ليتيراتورنايا راسيّا ) ( روسيا الادبية )  الاسبوعيتين هذه المرة , وذهبت بعد يومين الى كشك الجرائد القريب في محاولة الحصول عليهما , وقلت بيني وبين نفسي - لعل وعسى , وما ان اقتربت من كشك الصحف , واذا بالبائعة ( وهي امرأة في مرحلة ما بعد التقاعد وتضطر للعمل طبعا , وهذه ظاهرة عامة في روسيا !) تلوّح لي وهي تبتسم , وقالت لي , انها احتفظت بالعددين خصيصا لي , لانها كانت واثقة من حضوري  . شكرتها طبعا باجمل كلمات الشكر والامتنان , فقالت , انها ايضا تقرأ هذه الصحف بانتظام , ولهذا حرصت على ابقاء العددين لي , لانها تعرف ( لذة القراءة !) هذه . وهكذا بدأنا بهذا الحديث الخاطف و السريع وغير المتوقع بالنسبة لي بتاتا , والذي استغرق في حدود ثلاث دقائق لا أكثر , والذي كان – من وجهة نظري – عميقا وطريفا ويستحق النشر . أخبرتني تلك البائعة, انها تبدأ بقراءة صحيفة ( ليتيراتورنايا راسيّا ) اولا , فسألتها متعجبا – لماذا ؟ فأجابت , لان هذه الصحيفة لا تعرف مفهوم ( المديح !) , ولأنها أدبية بحتة فعلا , ولان سمة المعارضة واضحة على صفحاتها , فهي تنتقد وزارة الثقافة دون تردد وبشجاعة و موضوعية دقيقة , عندما تجد ان خطوات الوزارة غير صحيحة , وسألتني – هل تذكر كيف انتقدت موقف وزارة الثقافة لانها لم تؤيد اقامة متحف بونين في موسكو آنذاك , بينما لم تتحدث الصحف الاخرى عن تلك المسألة ؟ قلت لها , نعم , نعم , اذكر ذلك الموقف المبدئي الشجاع , فعلّقت قائلة – صحيح ان بيت بونين في مدينة يليتس قد تحوّل الى متحف بونين , ولكن هذا لا يكفي . قلت لها , نعم انا اؤيد افكارها , وانني زرت هذه المتحف المتواضع لبونين , وهو بيت خشبي بسيط جدا , فقالت ان الفرصة لم تسمح لها بزيارة ذلك المتحف , وسألتني رأسا , وما هو انطباعك الرئيسي عن ذلك المتحف ؟ فقلت لها , لقد شاهدت هناك الشهادة التي منحوها لبونين من لجنة جائزة نوبل عندما استلم تلك الجائزة عام 1933 , وهي معلّقة على جدار ذلك المتحف , وتعدّ وثيقة في غاية الاهمية بالنسبة لتاريخ الادب الروسي الحديث , وكانت في المتحف ايضا الحقيبة التي أخذها بونين معه عندما سافر من باريس لاستلام تلك الجائزة , وهي حقيبة بسيطة جدا , وأذكر ان الفتاة التي كانت تشرح لنا كل تلك التفاصيل  قالت , ان بونين صرف كل مبلغ الجائزة بعد سنة من استلامه لها ( بين احتياجاته وتبرعاته للاصدقاء ) , ثم عاد مفلسا وقال ما معناه , آه لو يعطوني الجائزة مرة اخرى . ضحكت البائعة وقالت , عاش بونين بضنك ( كما هو حال المثقفين من اللاجئين الروس , الذين تركوا روسيا بعد ثورة اكتوبر 1917 ) , واضافت – ( انها معجبة جدا برقة نتاجاته وجماليات تلك الصور الفنية الاخّآذة للطبيعة الروسية التي رسمها لنا) , ولهذا فانها كانت تؤيد – وبشدّة - اقامة متحف له في موسكو , لانه يستحق ذلك . انتقلت محدثتي بعدئذ الى صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , وقالت , ان هذه الصحيفة أعرق طبعا , وتاريخها طويل , وكانت تمتلك تأثيرا كبيرا في الاتحاد السوفيتي في تلك الايام , أما الان , فانها اصبحت جريدة ثانوية , الا انه من الواضح ان وضعها المالي جيد جدا , ومن المؤكد ان ميزانيتها أكبر من ميزانية ( ليتيراتورنايا راسيّا) , ولهذا فانها تصدر لحد الان ب (32) صفحة , ومواضيعها متنوعة جدا رغم انها تحمل تسمية -  ( أدبية ) , ولكنها في الواقع ادبية وسياسية واجتماعية وفكرية عامه , وقالت , انها لا تستطيع قراءة كل صفحاتها لأن ذلك يتطلب وقتا طويلا , الا انها تتصفّحها بامعان , وتتوقف خصوصا عند كتاباتها حول الادباء الكلاسيكيين الروس الكبار , وتتوقف كذلك عند مقالاتها حول الشخصيات التاريخية الروسية , اذ انهم يكتبون عنهم بشمولية ذكية ومن وجهة نظر موضوعية ,  وقالت لي , اقرأ ما كتبته هذه الصحيفة في عددها هذا الذي بين يديك عن ستوليبين بمناسبة الذكرى 110 على اغتياله في كييف , اذ انها مقالة تحليلية ممتازة عن هذا المفكر الاصلاحي الكبير , الذي كنّا ننظر اليه في الفترة السوفيتية على انه شخصية رجعية مضادة للثورة والنظرية الماركسية ( هكذا كانوا يقولون لنا) , ولكنه ليس هكذا ابدا , انه شخص يحب وطنه , و فهم بعمق وضع روسيا وحاول اصلاحها باخلاص .   
رجعت الى بيتي ومعي الصحيفتين , وحكيت لمن حولي ما سمعته من بائعة الصحف في الكشك , واعجابي واندهاشي بحديثها الممتع , فقالوا لي , انها واحدة من الطبقة الوسطى الروسية , والتي تفتّحت في ظروف الاتحاد السوفيتي , واستطاعت حتما ان تدرس في معاهده العديدة , وان تساهم – حسب امكانياتها - في مسيرة حياته , ثم انتهى بها المطاف الان الى التقاعد , الذي ( لا يسمن ولا يغني من جوع ) , وها هي ذا تعمل – وحسب امكانياتها ايضا – في كشك لبيع الصحف والمجلات , لأن الحياة الروسية المعاصرة تتطلب ذلك , وانها ( استغلّت !) موقفك , وتحدثت اليك (في دقائق) بمكنونات قلبها وعقلها , فضحكت أنا , وقلت – ما أجمل هذا ( الاستغلال !) وما أحلاه ...

129
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (13)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – افضل ان تطلب من نفسك , مما ان تطلب من الآخرين .
التعليق – مثل رائع , فالاعتماد على النفس ( مليون مرة افضل ) كما قال صاحبي , مؤيدا دعوة هذا المثل الصيني ومضمونه . قلت له , لكن بعض الاحيان يتطلب الامر ذلك , فقال – نعم , مع الاسف الشديد ...
+++++
الترجمة الحرفية – بائع الخمر لا يقول , ان خمره مخفّف.
التعليق –  المخفف يعني , انه قد أضاف الماء اليه . ونتذكر نحن رأسا مثلنا باللهجة العراقية – (محّد يكول لبني حامض ) ( محّد – لا أحد // يكول – يقول ) , وهو مثل هندي بالاصل كما يقال , الا اننا ( عرقّناه ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – الجلوس على الحصان بسيط , الهبوط صعب .
التعليق – نعم , هذا صحيح فعلا , اذ يساعدك الآخرون على ( الجلوس !) , ولكن ( الهبوط !) يتم نتيجة مسيرتك وانت جالس على الحصان , وغالبا ما يساهم الآخرون ايضا بهذا الهبوط ( كل بطريقته الخاصة !) , ولهذا , يقول المثل الصيني , ان الهبوط ( صعب !) .  مثل رمزي جميل وحقيقي , ويا ما شاهدناه في مسيرة مجتمعاتنا ( المتميّزة !!!). يوجد مثل روسي يصف هذه الحالة , وهو – السقوط مؤلم من مكان مرتفع... 
+++++
الترجمة الحرفية – الناس تتجنب النمور , والنمور تتجنب الناس .
التعليق –  عندما يخاف كل جانب من الجانب الآخر , هكذا تكون العلاقة المتبادلة بينهما . قال صاحبي , ان هذا المثل الصيني يذكّره  بمثل ( وبمختلف لهجاتنا العربية) هو - يا جاري انت بدارك وآني بداري , فقلت له , جزئيا نعم , اذ ان المثل الصيني يشير- وبشكل مباشر ودقيق -  الى الخطر والخوف المتبادل بين الجانبين  ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الكبار صعوبات كبيرة , عند الصغار صعوبات صغيرة .
التعليق – نعم , ايها المعرّي العظيم , لقد قلت ذلك قبل أكثر من ألف سنة مضت – ( ...تعب كلها الحياة .....) , وها ان المثل الصيني يؤكد قولك بصيغة اخرى...
+++++
الترجمة الحرفية –  التسرّع  يدمّر العمل .
التعليق – لنتذكر مثلنا حول التأني والعجلة , والذي يقول – (... في العجلة الندامة) . تتكرر هذه الفكرة في الكثير من امثال الشعوب , فيقول المثل الروسي – العجلة تثير ضحك الناس , الا ان المثل الصيني هذا دقيق ومحدد , اذ انه يشير الى – ( تدمير العمل !) , وهذا ما يميّزه عن الامثال المشابهة الاخرى ... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد غابة بلا شجرة عوجاء , ولا انسان بلا نواقص .
التعليق –  ونحن نقول – الكمال لله وحده , و يقول المثل الروسي - حتى في الشمس توجد بقعة , وهناك أمثال كثيرة اخرى لدى الشعوب حول ذلك المفهوم ...
+++++
الترجمة الحرفية – المرأة الحكيمة غالبا ما تعيش مع رجل غبي .
التعليق –  غالبا ما تضطر المرأة الحكيمة الى التعايش مع الرجل الغبي , وذلك حفاظا على عائلتها , وهي حالة انسانية تتكرر في معظم المجتمعات , ويتوقف هذا المثل الصيني عند تلك المأساة ..
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن التداوي من ضربة السيف , لكن ليس من ضربة اللسان .
التعليق – تؤكد امثال مختلف الشعوب على معنى هذا المثل , وتوجد بالعربية العديد من هذه الامثال المناظرة , منها بيت الشعر الذي ذهب مثلا –
وقد يرجى لجرح السيف برء /// ولا برء لما جرح اللسان
+++++
الترجمة الحرفية – مهما ارتفعت الى الاعلى , لن تكون أعلى من السماء .
التعليق –  ونحن نقول دائما لهؤلاء ( المتعالين !!! وما أكثرهم حولنا ) - الله اكبر من السلطان .
+++++
الترجمة الحرفية – تلمس غصنا واحدا – تهتز عشرة أغصان .
التعليق – صياغة المثل الصيني هذا جميلة وشاعرية , ومعناه عميق جدا . لنتذكر الحديث الشريف المشهور في تراثنا ( ...مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو ,تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.)
+++++
الترجمة الحرفية – اعمل خيرا , والاخطاء يسامحونها .
التعليق – صحيح , ولنتذكر الآية الكريمة - ان الحسنات يذهبن السيّئات ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن معرفة افكار الانسان حسب وجهه .
التعليق – نعم , هذا كلام دقيق , والا لما ظهر مثلنا الذي يقول – بالوجه مرايه وبالكفه سلايه , ولا الامثال المناظرة ( وهي عديدة ) لهذا المثل عند الشعوب الاخرى ... 
+++++
الترجمة الحرفية – ظهر النحلة مخطط , لكن لا يمكن ان تسميها نمرا .
التعليق – مثل طريف وذكي ومتميّز , ومعناه رمزي طبعا , اذ انه يقول بما لا يقبل الشك , ان التشابه في بعض المظاهر الخارجية لا قيمة له بالنسبة للجوهر.
+++++
الترجمة الحرفية –  الورود لا تزدهر دائما , والانسان لا يكون سعيدا دائما .
التعليق – هذه خلاصة لحقيقة ساطعة فعلا . قال صاحبي - وما أجمل مقارنة السعادة بازدهار الورود في هذا المثل الصيني , فكلاهما ( اي تفتّح الورود والسعادة ) يحدث في الحياة لفترة قصيرة ليس الا , فقلت له – نعم , نعم , ويا للأسى ...   
=======================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

                                                    

130
أمثال كورية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – القطة لن تصبح بقرة أبدا.
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه مبتكرة وغير متوقعة ابدا . قال صاحبي - كم ينطبق هذا المثل الساخر على جماهير غفيرة في بلداننا , والذين يعتقدون – وبعمق - لحد الان , ان القطة يمكن ان تتحول بمعجزة – ما الى بقرة , وان هذه البقرة سوف تعطي لهم الحليب و مشتقاته المتنوعة !!! ضحكت أنا , مثلما ضحك المتنبي عندها ( ...كالبكا ...) , ولم اعلّق .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب العجوز لا ينبح عبثا .
التعليق – تنعكس الخبرة والتجربة دائما على المسيرة اللاحقة للحياة , وتؤكد أمثال الشعوب المختلفة على هذه الحقيقة الخالدة , فمثلنا العربي يقول – أسأل  مجرّب ولا تسأل حكيم , والمثل الصيني يقول – كلمات الكهول غالية مثل الجواهر , و المثل الروسي يقول - الحصان العجوز لا يفسد الاخاديد ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الحدث السعيد لا يحدث مرتين .
التعليق – ولهذا يجب على الانسان ان يكون يقظا دائما , كي لا يفوّت فرصة ذلك الحدث في مسيرة حياته , ويصبح بعدئذ ( .....من   النادمين... !) . قال صاحبي – آه , لا تذكّرني , فقد ( عضيّت اصابعي عندها ندما !!!)
+++++
الترجمة الحرفية – عند كل انسان توجد كرامته .
التعليق – نعم , نعم , هذا صحيح جدا , ويجب على كل عاقل ان يراعي ذلك , وان يأخذه بنظر الاعتبار عند التعامل مع كل انسان , بغض النظر عن مكانة ذلك الانسان وموقعه ومستواه . لنتذكّر القول العميق في تراثنا - (الناس سواسية كأسنان المشط ...) ...
+++++
الترجمة الحرفية – زوج الام ليس أبا , زوجة الاب ليست أمّا .
التعليق – قاعدة انسانية في كل المجتمعات وعبر كل تاريخ الانسانية . الاب يبقى ابا ابدا , والام تبقى امّا ابدا , ولا بديل لهما ابدا , ولا نقول نحن لهما (افّ!) ابدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – كلب صغير حيّ اكثر فائدة من وزير ميّت .
التعليق – هناك مثل جورجي يقول – كلب حيّ افضل من اسد ميت , وهي مقارنة منطقية , ولكن المثل الكوري ينتقل الى مقارنة اخرى غير متوقعة بالمرّة . قال صاحبي معلّقا على هذه المثل – انها اشارة واضحة المعالم الى الموقف من الوزراء بشكل عام في كوريا , وفي الكثير من البلدان ( المشابهة !) لنظامها , فقلت له , ان الوزير يبقى وزيرا في كل النظم , فضحك وقال , كلا , كلا , فالمقارنة بالكلب الصغير ليست عبثية في هذا المثل الكوري بتاتا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يسرق ابرة يسرق بغلا .
التعليق –  ونحن نقول في مثلنا  - الذي يسرق البيضة يسرق الجمل , والمثل الصيني يقول – في طفولته يسرق ابرة , يكبر يسرق ذهبا , وهناك أمثال اخرى في نفس المعنى عند الشعوب الاخرى طبعا , ومنها هذا المثل الكوري ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن البصاق في الوجه المبتسم .
التعليق – لان الابتسامة قوة , ويتعامل بها الانسان في علاقاته مع البشر , وتستطيع هذه القوة او توقف الاعتداء من قبل الآخرين , وان تمنع الاهانة من قبلهم ايضا . مثل فريد من نوعه فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الاخرس الذي يتودد للمرأة ويلاطفها , يريد ان يقول لها الكثير .
التعليق –  قال صاحبي ضاحكا , انه يعرف امرأة تشكو لزوجته دائما , ان زوجها صامت ابدا , و كانت تسميه ( ابو الهول ) , وقال , انه قرر ان يوصل لها هذا المثل الكوري , لعل وعسى ... , فضحكت أنا , وقلت له – حاول , ولكني أخشى ان تكون النتائج أسوأ , اي كما نقول  بلهجتنا العراقية ( اجه يكحلها عماها ) ( اجه – جاء ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – المسموع لا يقارن مع المرئي .
التعليق –  المثل العراقي يقول - الشاف مو مثل السمع , والمثل الروسي يقول – افضل ان ترى مرة , من ان تسمع مئة مرة , والمثل الصيني يقول - ما تراه العينان حقيقة , ما تسمعه الاذنان مشكوك فيه , والمعنى العام للمثل الكوري يقول ذلك ايضا ...
+++++
الترجمة الحرفية – يطلب من النمر لحما .
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه معبّرة فعلا عن السذاجة المتناهية عند بعض البشر . قال صاحبي , انه يتذكر سذاجة الناس , الذين يأملون الخير من هؤلاء ( النمور !) , التي تتحكّم بمصائرهم في عالمنا المبتلى . أردت ان أقول له – عادت حليمه الى عادتها القديمه , لكني سكت ولم انبس باي حرف ...
+++++
الترجمة الحرفية – ثلاثة أيام تجوع –  ستسرق في اليوم الرابع .
التعليق – ولهذا يقول تراثنا , لو كان الجوع انسانا لقتلته ...
==================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

131
  دردشة عن دستويفسكي في مئويته الثانية
أ.د. ضياء نافع
عندما التقي جارتي الروسيّة صباحا , ادردش معها دائما عن اخبار الادب والادباء  , لأني أعرف , انها عاشقة  للادب الروسي ومتابعة جيّدة لاحداثه , وقد سألتها في ذلك الصباح عن أخبار الذكرى المئوية الثانية ( 1821 – 2021) لميلاد الكاتب الروسي دستويفسكي في أوساطها, فقالت انها لا تعرف اي شئ عن ذلك , و انها أعادت قراءة رواية دستويفسكي القصيرة ( المساكين) آخر مرة قبل اكثر من ثلاثين سنة , لأن هذه الرواية القصيرة ( جميلة وساحرة جدا كما قالت !) , وأصبح دستويفسكي الآن بالنسبة لها شيئا من الماضي البعيد جدا جدا, وقالت وهي تضحك – لقد كنّا نتحدث عنه كثيرا أيام الاتحاد السوفيتي باعتباره (سياسيّا!!!) ,   كي (ننغز!!!) الحزبيين السوفييت حولنا ونستفزهم , ونذكّرهم ان دستويفسكي كان كاتبا عظيما ومبدعا متميّزا , رغم انه لم يكن ماركسيا , بل و حتى كان معاديا للماركسية أصلا , ولم يعرف الحزبيون السوفييت آنذاك كيف يجيبوننا بشأن تعليقاتنا حول فلسفته , ولا كيف يوضّحون الموقف الرسمي تجاه دستويفسكي في الاتحاد السوفيتي , أما في روسيا الحديثة بوقتنا الحاضر , فلا أحد حولي يتذكّر جريمة الشاب راسكولنيكوف حول قتله الوحشي لتلك المرأة المسنّة ولا عقابه على تلك الجريمة الرهيبة , ولا خطابات حبيبه سونيا وكلامها الاخلاقي الطويل والعريض( رغم ان القراء يعرفون من هي !!!) , ولا كل هذا الوعظ الديني المطوّل (الذي صبّه دستويفسكي على رؤوسنا !!!), ثم أضافت جارتي بعد لحظة صمت (عندما لاحظت عدم ارتياحي لكلامها بشكل عام) , انها – مع ذلك - سترى حفيدتها اليوم وسوف تسألها حول اخبار مئويه دستويفسكي الثانية في اوساط الشباب عندهم ( ... و من المؤكد انها ستحكي لي شيئا - ما عن ذلك , وسأخبرك حتما بما ستقوله حفيدتي لي في المرّة القادمة) . وهكذا اتفقنا , ثم ودّعنا بعضنا البعض.
وعندما التقينا مرة اخرى , فهي التي بادرت بالكلام رأسا عن موضوع دستويفسكي , وقالت لي , ان حفيدتها أخبرتها , ان الشباب حولها نادرا ما يتحدثون عن دستويفسكي و مئويته الثانية , ولا يعودون الان لقراءة رواياته (الطويلة جدا!) , ثم أضافت جارتي , ان الروس احتفلوا فعلا ( وبصدق ومن أعماق قلوبهم ) بالمئوية الثانية لبوشكين عام 1999 , ولكن هذه الظاهرة لا تتكرر مع المئوية الثانية لدستويفسكي , وقالت , ان حفيدتها تقرأ الان (للمرة العشرين !!!) رواية بوشكين الشعرية ( يفغيني اونيغين) , وتتمتّع برشاقة تلك الرواية وذكاء صياغتها وجماليات كلماتها البسيطة العميقة وحلاوتها ومضمونها الانساني الخالد . قلت لها , ان حب بوشكين لا يتعارض مع حب دستويفسكي , وان ( طعم !) دستويفسكي وبوشكين يكمن في قلوب وعقول الروس دائما , فاعترضت رأسا على استنتاجي هذا , وقالت بحزم – كلا , كلا , كلا , طعم بوشكين يختلف تماما , وبوشكين هو دائما الاقرب الى عقولنا وقلوبنا . حاولت أنا الابتعاد عن الكلام حول بوشكين (لأني أعرف , ان الكلام عن بوشكين مع الروس له بداية , لكن ليست له نهاية ) , وقلت لها , ان الدولة الروسية بأسرها تتحدث عن المئوية الثانية لدستويفسكي , ويوجد حتى بيان رسمي حول ذلك بتوقيع الرئيس بوتين نفسه , فقالت , ان هذه البيانات والاعلانات لا تعني اننا سنحتفل ( من كل قلوبنا !!! ) بذلك الحدث , مثلما احتفلنا فعلا بالمئوية الثانية لبوشكين , فقلت لها , حتى منظمة اليونسكو دعت الى الاحتفال عالميا بهذه الذكرى , فسألتني فجأة , اذا كان هذا الشئ يجري عالميا , فهل احتفلتم انتم في العراق بالذكرى المئوية الثانية لدستويفسكي ؟ كان هذا السؤال بالنسبة لي مفاجأة غير متوقعة بتاتا , ولم استطع طبعا الاجابة عن هذا السؤال رأسا , وقلت لها ( من أجل كسب الوقت للتفكير!!!) , ان الوضع في العراق خاص  جدا  وفي غاية التعقيد , ولا يسمح بمثل هذه النشاطات الفكرية في الوقت الحاضر, فأجابتني بسؤال آخر قائلة , وهل تعتقد ان الوضع في روسيا ليس خاصا جدا وفي غاية التعقيد , وانه يسمح بذلك , ( كررت هذه الجملة وهي تحاول ان تلفظها مثلما لفظتها انا وبنفس اللكنة تهكّما طبعا !!!) , قلت لها وأنا احاول – وبصعوبة - ان أكتم ضحكي , باني أعرف طبعا صعوبات ومشاكل الحياة عندكم ,  ولكن مهما يكن الوضع في روسيا , فلا يمكن مقارنته ابدا بالوضع الصعب جدا في العراق , فقالت , ولكنك ذكرت لي مرة , انكم احتفلتم في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد بالذكرى المئوية الثانية لبوشكين عام 1999 , فلماذا لا يحتفل قسم اللغة الروسية عندكم بالذكرى المئوية الثانية لميلاد دستويفسكي ؟ قلت لها , انني بعيد الان عن هذا القسم ( الحبيب الى قلبي لاني عملت فيه اكثر من ثلاثين سنة ) , وبالتالي لا استطيع الاجابة عن سؤالك , و مع ذلك يمكن لي طبعا ان اطرح هذا السؤال عليهم الان , ولكني , يا جارتي العزيزة , أردت ان اعرف منك كيف يتقبّل الناس في روسيا هذه المناسبة , ورغم انك لم تجيبي عن سؤالي بشكل مباشر ودقيق  , الا انك – مع ذلك - رسمت لي صورة واضحة بما فيها الكفاية عن هذا الموضوع , فضحكت جارتي , وقالت - لقد اخبرتك بالحقيقة كما أراها أمامي وكما أعرفها فعلا وكما أتحسّسها , اذ انتهى في روسيا - ومنذ زمان بعيد - عصر اطلاق الكلمات الطنانة والرنانة , وعصر صياغة الشعارات من تلك الكلمات...     


132
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – اختر مكانا للسكن , وآخر للّعب .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل هو نصيحة ثمينة حقا , الا انها مثالية جدا , مثالية لدرجة انها تصبح مستحيلة التطبيق , ليس فقط في الفيتنام , وانما في كل مكان , وأضاف وهو يضحك - اذ  كيف يمكن اقناع الزوجة بذلك . ضحكت أنا ولم اعلّق ...
+++++
الترجمة الحرفية – كي ترسم الفيل , يجب ان تراه اولا .
التعليق – هذا مثل واقعي جدا ومهم للجميع بشكل عام , واكثر اهمية لهؤلاء ( الرسّامين !) الذين يحيطوننا , و يمسكون بدفّة قيادة مجتمعاتنا , و ( يرسمون طرق حياتنا !) , دون ان يشاهدوا معاناتنا في دهاليز هذه الحياة , و حتى دون ان يشعروا بها ...
+++++
الترجمة الحرفية – فقط عندما تتغطى بالبطانية تعرف اذا كان فيها براغيث .
التعليق –  ونحن نقول - التجربة احسن برهان , ولكن المثل الفيتنامي اكثر حيوية من مثلنا , وطريف جدا , والصورة الفنية فيه مبتكرة بكل معنى الكلمة , اضافة الى انها واضحة المعالم جدا جدا , اي عندما تبدأ البراغيث ب ( العمل !) ...
+++++
الترجمة الحرفية -  من الافضل ان تتكلم بشكل ممتع , من ان تتكلم كثيرا .
التعليق – قال صاحبي , انه يريد ان يرسل هذا المثل الى الكثيرين من أصدقائه وزملائه , الذين ( ذبحوه بثرثرتهم !!!) , فضحكت أنا , وقلت له – وحتى اذا ترسله لهم , فانهم مشغولون بالثرثرة , ولا وقت عندهم  للاطلاع على الامثال الفيتنامية ...
+++++
الترجمة الحرفية – الموت في النظافة افضل من العيش في القذارة .
التعليق – النظافة من الايمان , هكذا نحن نقول , والقذارة رهيبة حقا , الا ان صاحبي قال , ان هذا المثل الفيتنامي متطرف جدا في بنيته , وكان يتمنى استخدام كلمة اخرى غير ( الموت ) في هذه المقارنة ... 
+++++
الترجمة الحرفية – ثروة الزوج – جهد المرأة .
التعليق – صحيح جدا , فالمرأة المسرفة والمبذّرة هي سبب فقر الزوج , أما المرأة الحريصة فهي التي يقصدها هذا المثل الفيتنامي , والذي يمكن ان نعتبره بحق مثلا انسانيا شاملا وحكيما بكل معنى الكلمة . يوجد مثل روسي يقول – (الزوج هو الرأس , لكن الزوجة هي العنق)...و(الحليم تكفيه الاشارة) كما يقول مثلنا ... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تضحك على الفقير ,  ولا تعقد الآمال على الغنيّ  .
التعليق – هذا ما يطلقون عليه ( كلمات من ذهب ) , هكذا علّق صاحبي وهو يستمع الى هذا المثل الحكيم جدا والعميق جدا والواقعي جدا , وأضاف – انها خلاصة رائعة للموقف الصحيح في مسيرة الحياة...
+++++
الترجمة الحرفية – الهروب من الفيل ليس مخجلا لأحد .
التعليق – قال صاحبي وهو يضحك , ان هذا المثل يؤكد صحة النظرية النسبية , فسألته متعجبا – كيف ؟ فأجاب , لاننا يجب ان نحدد مفهوم (الفيل!) اولا , فما أكثر ( الأفيال !) في حياة مجتمعاتنا ...
+++++
الترجمة الحرفية -  شاهد واحد ليس شاهدا .
التعليق – مثل حكيم وعادل , وهو خلاصة انسانية شاملة جدا , اذ  تأخذ به كل قوانين البشر وعبر كل التاريخ الانساني .
+++++
الترجمة الحرفية –     مئة طريق – ألف خطأ .
التعليق – نعم , لأن الخطأ يكمن في كل طرقات الحياة الانسانية , وما أحوجنا الى الاقرار بهذه الحقيقة وأخذها بنظر الاعتبار. يوجد في هذا المثل تطرّف ومبالغة طبعا , الا ان  ذلك  لا يقلل ابدا من دقته وصواب فكرته العامة , اذ غالبا ما نرى هذه المبالغة في الامثال والاقوال , ولنتذكر فقط القول الطريف بلهجتنا العراقية – قلت لك ( ألف مرة !) ....
+++++
الترجمة الحرفية – والمرأة  الغبية يمكن ان تلد طفلا ذكيّا .
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه مبتكرة جدا . علّق صاحبي على هذا المثل قائلا- انه جيد جدا للنساء الغبيات , لانه يمنحهنّ فرصة للزواج ...
=====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

133
أمثال الهنود الحمر مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – استمع الى الهمس , وعندها لن تضطر للاستماع الى الصراخ.
التعليق – مثل جميل شكلا ومضمونا , شكلا لانه يشبه قصيدة نثر ويرسم لنا صورة فنيّة فريدة من نوعها, ومضمونا لانه يعني , ان الهمس يعبّر عن مكنونات الروح الانسانية وحقيقة مشاعرها  ( سواء كان هذا الهمس سلبيا او ايجابيا) , اما الصراخ فانه تعبير عن حالة غير اعتيادية  يمرّ بها الانسان , وهي حالة يفقد فيها العقل دوره في الكلام . قال صاحبي , ان هذا المثل عميق جدا , و يستند الى التحليل العلمي لنفسية الانسان , ويثير الاعجاب الشديد بثقافة الهنود الحمر, هذه الثقافة التي تتعارض كليّا مع سذاجة وتفاهة الافلام الامريكية عن الهنود الحمر , الافلام التي حاولت تشويه مكانتهم الحضارية  .
+++++
الترجمة الحرفية – ذاك الذي يصمت , يعرف مرتين أكثر من الثرثار.
التعليق – هذه حقيقة ساطعة فعلا , فالثرثار يثرثر بالترهات دون معرفة معمّقة , اما الذي يصمت , فانه يفكّر قبل الكلام . توجد امثال عديدة عند الشعوب المختلفة في هذا المعنى , منها مثلنا المعروف – الندم على السكوت خير من الندم على الكلام , وهناك مثل أذربيجاني طريف يقول – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ...
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الجيد يرى العلامات الجيدة .
التعليق – صحيح جدا , والعكس صحيح ايضا , فالانسان