ankawa

الحوار والراي الحر => المنبر الحر => الموضوع حرر بواسطة: لويس إقليمس في 21:07 06/06/2021

العنوان: وجهة نظر في فلسفة وجود السماء
أرسل بواسطة: لويس إقليمس في 21:07 06/06/2021
وجهة نظر في فلسفة وجود السماء
لويس إقليمس
بغداد، في 6 شباط 2020
تعلمنا منذ الصغر وجود سماء وجهنّم ومطهر وفردوس في انتظار مصير البشر بعد الموت. والموتُ لا يخطئُ أحدًا ولا يمازح احدًا ولا يجانب أحدًا. فهذه سنّة الحياة: ولادة وحياة وموت. ولكن ماذا بعد الموت؟ هل من حياة أخرى؟ وكيف ستكون؟ أو بالأحرى كيف سيكون شكلُها إنْ وُجدتْ؟ وما مصير الإنسان بعد سفرة الحياة القصيرة في مقياس الزمن الطويل، والتي قد تدوم ساعات أو أيامًا أو اشهرًا أو سنوات ما قدّر القدرُ مقدارها وسبيلها وتواصيفها، بحلوها ومرّها، بسعادتها وشقائها؟ وهل السماءُ مهمة إلى حدّ الحلم بمتاهاتها المجهولة وجنانها الخيالية ومَن عليها وبأشكالها المتباينة وفق ما يصوّرها البعض بحسب ثقافة وتربية كلّ إنسان، وبطريقة العيش في حدود أسيجتها، إذا كانت فيها سياجات تفصلها عن نيران جهنّم أو عن أبواب المطهر القريبة منها، بحسب ما بلغ أسماعَنا لحد الحشو في الصغر. من هنا يكون تساؤُلنا اليوم عن حقيقة هذه المفردات بعد أن تعلّمنا وخبرنا الحياة وكبرنا وسار بنا قطار العمر نحو محطته الأخيرة التي نجهل أوان بلوغها.
هذه نظرة عامة ورؤية بشرية ضعيفة ومحدودة للمراجعة في هذه السطور، علّها تختصر ردود أسئلة كثيرة، مثيرة في بعضها، ومتشنجة في بعضها الآخر، ومنغلقة جافة في غيرها، بسبب طبيعة الشكوك أو الوثوق في معانيها وفي حقيقة وجودها وبحسب استعداد ومحدودية فكر الكائن البشري الذي يبقى ضعيفًا وقاصرًا مهما سمتْ منزلتُه وارتفعَ شأنُه وفاقَ قدرُه في هذه الحياة الدنيا القصيرة على الفانية.
عمومًا، لقد أصبحت كلمات مثل الجنّة والنّار، السماء وجهنّم، الفردوس والأرض ضمن حقائق جوهرية يعوّل عليها البعض في قراءتهم لأصولها ومفاهيمها، تمامًا كما يصفها علم الأنثروبولوجيا الدينية المتعمّقة. وفي الحقيقة، نحن غافلون عن هذا العلم كثيرًا. لا بل إن الكثيرين من البشر ليس لهم وعيٌ كافٍ بما يمكن أن يقدمه هذا العلم من معارف وشواهد وحقائق عن طبيعة الخليقة وشواخص البشرية ومكنونات الكائن الحيّ من نبات وحيوان وبشر وكلّ دبيب على الأرض. ومن هنا، لا يمكن بل لا يجوز للمسيحية أو أيّ دين آخر أن يحتكر لنفسه التحدث باسم مصير البشرية ونوازعها وطموحاتها ومستقبلها من موقع الاحتكار والأهلية والأحقية. فالبشر وسائر خليقة "الكائن الأعظم" الذي نصفه بالخالق مهما كانت تسميتُه الإلهية، يقفون منذ بدء الخليقة تحت سقف سماء زرقاء يتطلعون إليها بعيونهم ويدوسون الأرض بأرجلهم ويعملون بأيديهم وعقولهم في فضائها وترابها الذي يعودون إليه من حيث جاؤوا بعد دورة الحياة. فالكلّ يتطلّع في لحظةٍ ما وزمنٍ ما ومكانٍ ما إلى السماء الزرقاء، صافية كانت أم متلبدة بالغيوم. ولنا في طيور السماء أصلح الأمثلة حينما تنحني برؤوسها لتشرب الماء لتعود ترفع عينيها إلى العلا وكأنها تشكر السماء التي تحتضنها ومَن خَلَقَها على نعمة تعدّها أكسيرًا ودواءً منعشًا.
هكذا الشمس والقمر، وسائر العناصر، جميعُها هي مثار الاندهاش والتأمل الخياليّ في ظهورها وخفوتها، في شروقها وغروبها، في انبلاجها واختفائها وفق موازين وتوقيتات سرمدية يصعب تفسيرُها وتأويلها والبحث في أسرارها وأغوارها. ومثلُها مازالت تُبهرُنا حقائق وغرائب ما يقع في مختلف بقاع العالم من تطورات طقسية عبر دورات غير ثابتة ومتحولة من عصر لآخر ومن منطقة لأخرى ومن قارة لغيرها ومن بلد لآخر. غيوم وأمطار، سيولٌ ورعود، شمسٌ وفيء، برد وثلج، مطرٌ وحالوبٌ، كلها ظواهر تتباين في شكلها وذروتها وحدوثها ضمن متلازمة غير متطابقة في شكلها ودورتها وزمانها ومكانها. ولا بأس أن نجد شمسًا تشرق هنا وقبالتَها مطرًا ورعودًا وفي غيرها ثلوجًا وعواصف وفي أخرى زلازل وهزّات، وما يمكن أن تأتي به كلّ هذه الثورات الطبيعية من فوائد ومكاسب أو منغصات ومشاكل لبعض الأقوام ولطبيعة أرضهم وبلدانهم خارج السياقات والطموحات والرغبات.
إنها الجغرافيا المتحركة التي لا تقبل التوازي والتساوي إلاّ لو حصل ذلك بأمر "خالق الأكوان" وربّان الأرض وحادي البشر. فهو وحده القادر أن يُعين البشر للقبول بوجود جغرافيا أخرى أسمى من تلك القائمة على الأرض التي تُسمّى بالفانية في مصطلحاتنا الحقيرة. وهذا ما تعتقد به المسيحية من أنّ ملكوت السماوات أي السماء يكمن في داخل قلب الإنسان الذي يُعدّ جغرافيا للسماء الحقيقية في حياة المسيحي، حيث "الملكوت السماوي الحقيقي يكمن في داخل الإنسان". هي إذن، جغرافيا مختلفة أو مقامٌ أمين متسامٍ لا يقبل الشك في راحته وعدم فنائه أو تعرّضه للهلاك والبور. جغرافيا من نوع آخر مختلف تمامًا ينشدها الإنسان ضمن سقف حياته الأرضية منذ بدء نسمة الحياة فيه حتى مغادرتها وفق السنّة الربّانية. إنها سماء أخرى دائمة غير مادية بحسب العرف الدينيّ المتوارث في ثقافات وحضارات منطقتنا الشرق أوسطية، بلد الأنبياء والرسل والأئمة والقديسين والصالحين. وهذا يدخل طبعًا، ضمن العرف الذي تقدمه الأنثروبولوجيا المسيحية في اختيارها وتخييرها، في تعريفها وترغيبها، في فهمها وتأويلها لماهيّة ومفاهيم السماء والأرض، الجنّة والنار، الملكوت السماوي والفردوس الأرضي.
في ضوء خضمّ هذه التساؤلات بما فيها من حقائق وتشكيكات، هل يمكن التأكد من وجود صاحب أو ربّ هذا المقام الأخير في مكان ما؟ أم سنقبل بما قاله رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين: "طرت إلى الفضاء، لكنني لم أرَ الله؟" حينئذٍ، سنقرأ السلام على صلاتنا الربانية في نكراننا وجود كائن في السماء له كلّ القدرة والسلطة على ما في الأرض وما عليها وما تحتها. فالسماء التي تنشدها الأديان السماوية المؤمنة بالله خالق البشر جميعًا، ليست ولا يمكن أن تكون مادية بحتة غنية بجنانها وحورياتها ومتعها المحسوسة، كما تصوره الديانة الإسلامية ونصوصُها المادية التي لا تتعدى كونها وعودًا للمتعة ما بعد الموت حتى لو كان الموت زؤامًا على حساب قيمة الإنسان وخارج السياقات الربانية. إنما السماء الآتية، إنْ هي إلاّ مقامٌ للراحة والخلود الحقيقيين، تبدأ من بدء حياة الإنسان على الأرض الفانية وتتواصل في تشكيلها وإعدادها طيلة ما بقي حيًا وعملَ وجاهد وكافح لمجد الله الجبّار ولنصرة مَن في الأرض ممّن ينتظرون يومهم مثله لتسفر وجوهُهم برؤية الخالق ونخبة الأخيار والأبرار والصدّيقين من الطيبين الذين أجادوا أفعال الرحمة والمحبة والتضحية والعون لخلائقه من دون تمييز ولا تخصيص.
رؤى ما وراء الموت
سؤال حرج وجدليّ يتبادر إلى الذهن، لكنّه مشروع: هل يمكن التوفيق بين الإيمان والعقل، بين الواقع والعلم في إدراك معنى السماء والجنّة التي ترادفها مع ما ينتظر الإنسان بعد الموت وبحسب ما تلقّنه الأديان وتعلّمه الكتب أو تنقله الأحاديث والتقاليد؟ ليست الإجابة سهلة، بقدر ما هي معقدة في الوصول إلى تفسير أقرب إلى فكر الإنسان وقلبه وعقله في ظلّ التراكمات التقليدية والأعراف الساذجة مقابل اتساع العلوم وتطوّر أدواتها وتقنياتها والفراغ المتاح المتبقي بين هذه وتلك. ينقل لنا الدكتور باتريك ثيلر Patrick Theillier وهو مدير سابق لمكتب التحقيقات الطبية في مدينة لورد الفرنسية شهادة أحد المدنفين من الموت. بحسب هذا الأخير، ونقرأُ في وصفه ما يمكن ان يقع فيه كلّ إنسان مشرف على الموت من ورود تصورات وتخيّلات عجيبة غريبة، قد لا يفهم هو أو مَن حوله معانيها وأسبابَها. فحين يقترب الإنسان من حافة الموت ويكون ما يزالُ في جزءٍ من وعيه، يجد نفسَه في نفق مظلم وأمام خيالٍ واسع من جمال المناظر والطبيعة التي تتراقص أمامه كالأشجار والورود والجبال والوديان والمياه الجارية في أنهار جميلة والطرقات والأضواء والمدينة الساحرة والوجوه الحسنة للصالحين من جميع الفئات ولاسيّما المحبّين والمقرّبين وكلّهم يرفلون بسلام هادئ. إنها مجرّد تصوّرات من خيال بشريّ ناجمة ربّما عن حالة من الهذيان مع اقتراب الحياة من حافة الموت. لكنّها قد تكون أيضًا، علامة شاخصة لما ينتظرُه الإنسان في الحياة الأخرى وما يسعى لبلوغه.
هذه الحالة وحالات أخرى وثّقتها سجلات صحية مستقلّة وكنسية عديدة تشير جميعُها إلى اللحظات الحرجة التي يتصوّرها المدنفون على الموت ومّن قُدِّرَ لهم أن يعيشوا حياة جديدة بعد وشوكهم للاقتراب من نفقه المظلم. قد لا يستغرب الكثيرون منّا مثل هذه الرؤى والحكايات في مثل هذه التجارب الاستثنائية المنقولة من سجلاّت هؤلاء الأشخاص، سيّما وأنّ شبيهاتها وخبراتها ترد في كتب مقدسة وقصص قديسين وناس صالحين وصوفيّة من جميع الأديان والثقافات. وهي علامات ربما ليس من السهل القبول بها في عصرنا، بالرغم من عدم استحالتها. فالمريض عادة ولاسيّما مَن اشتدّ به المرض واقترب من حدود الموت يمكن أن يتخيّل الكثير من الصور والمناظر التي تتراقص أمامه كالأخيلة دون أن يعي ما تعنيه هذه، وكأنه يقترب من عالم آخر مختلف عن عالمه الدنيوي. ولكنها حالة واقعة أشبه بالظاهرة أثبتتها تحقيقات الأطباء بشهادات القائمين عليها ومن أصحاب التجربة أنفسهم. فهل يمكن الاستنتاج أنّ ما بعد هذه الحياة حياةً أخرى في ضوء هذه الظواهر والتجارب؟
في ضوء هذه المعطيات المتغيّرة والجدلية نفهم إذن، وجود حياة أخرى ما بعد الموت، شئنا أم أبينا. وهذا ما تعلّمُنا إياه الأديان ووفق ما نتلقاه منذ صغرنا عبر معرفة ومعلومة وتلقين في أبجديات الأديان التي تحاصر فكر الإنسان وعقله وتصدع رأسَه. ولكن كيف هو شكلُها بعد حياة الشقاء القصيرة قياسًا بالحياة الأخرى ما وراء الإقامة المؤقتة على الأرض؟ يقول الواعظ الفرنسي الكبير بوسيويه :"ما قيمة المائة سنة أو الألف منها بما أنّ لحظة واحدة تمحوها بلمح البصر؟".
في هذا المجال، نقرأ أيضًا اختلافات في مديات هذه التصورات وطبيعتها. لكنها جميعًا، مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسألة اليقين  convictionوالقناعة مقارنة مع رأي العلم الذي لا يقبل  بغير الحقائق البيولوجية سندًا في مثل هذه الشهادات والخبرات الخارجة عن الطبيعة أحيانًا من أجل تثبيتها واعتمادها وثائق غير قابلة التشكيك والنقض. وحيث أن الحياة التي لا تُرى في مثل هذه التجارب تبدو غاية في الجمال والواقعية لأصحاب التجربة الذين تتراقص مثل هذه المناظر الماورائية في مخيلتهم في لحظات تجارب سكرات الموت، يقف العلم حائرًا أيضًا في كيفية فهم طبيعة عمل دماغ الإنسان الغائب عن الوعي في مثل هذه اللحظات الحرجة. فهل هذا يعني أن وعي الإنسان في هذه المرحلة الحرجة بين الحياة والموت يعمل من دون دماغه الذي يغيب عنه في اللحظات التي تُعرف بالوفاة السريرية علميًا؟ هذا ما ينبغي أن يثبته علم الطب في حالة تجربة الاقتراب من الموت التي تنتظر الكائن البشري، سواءً بوعيٍ منه أم بغير إدراكه. ولكنه من المؤكد، أن روح الإنسان تنفصل عن جسده حين الموت، وبحسب قناعات وتعاليم أديان معينة، هذه الروح التي تصعد إلى السماء أو أيّ مكان سواه، تعود لتعانق الجسد البالي بعد القيامة. فالصالح في أفعاله مصيرُه الجنّة استعدادً لرؤية الديّان العادل، ولكنْ بصورة جسدٍ روحيّ ونفس صالحة. أمّا الطالحُ فبئس المصير وإلى جهنّم حيث الهلاك في النار وصرير الأسنان. وهناك مَن يعتقد بوجود محطة وسطية بين الجنّة وجهنّم سُميت ب"المطهر"، حيث يُنتظر من المُدان المطلوب قضاءَ فترة الإصلاح والندم على بقايا آثار الخلل في بعض مواقع حياته.
ويبقى للإنسان أن يسمح لنفسه بالقبول بهذه الرؤية وهذا الاستعراض في ضوء ما اختزنه من إيمان أو يقين بشكل هذا الإيمان، أو الالتفاف عليه ونبذه وعدّه مجرّد خرافات فيما لو اعتقد جازمًا بعدم وجود حياة أخرى ما بعد الموت. ولا شيء من يقين جازم يمكن القبول به. فالأمر متروك لكلّ إنسان يلاقي مصيرَه في الموت بحسب يقينه وإيمانه أو جحوده ونكرانه.


العنوان: رد: وجهة نظر في فلسفة وجود السماء
أرسل بواسطة: lucian في 00:31 07/06/2021
اللذي يدهشني ان المهتمين في الدين والقائمين عليه واللذين يدرسون اللاهوت ينشرون الكثير عن معاني فلسفية لفقرات موجودة في الانجيل ولكنهم لا يهتمون باقوى مقولة التي تحمل معنى فلسفي عميق في الانجيل او انهم اذا تحدثوا عنها فانهم لا يفهمونها فلسفيا وهي التي قالها الرسول بولس عندما قال "... لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد"

هذه الجملة اعتبرها انا من اقوى الجمل التي تحوي فلسفة عميقة ومذهلة للغاية، وبالنسبة لي اقصد بالفعل معناه الفلسفي لكوني غير مختص لا باللاهوت ولا بالدين، ولان هناك بالفعل ما يماثلها  فلسفيا لشرحها اي بالاعتماد على الفلسفة بحد ذاتها، وانا استطيع ان اشرحها ليعرف القارئ ماذا اقصد ولكنها ستطلب مني وقت.