عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Ashur_AL-bazi

صفحات: [1]
1
المنبر الحر / فجر القيامة
« في: 22:17 20/03/2008  »
فجر القيامة
[/b]

   
الراهب اشور ياقو البازي


المقدمة :


( المسيح قام _ حقاً قام  ) ( ܩܡܠܐ ܡܪܢ)
[/b]


هذه هي تحية عيد القيامة، التي اعتاد المؤمنون ترديدها منذ عصور المسيحية الأولى، ففي مثل هذا اليوم، وفي فترة تقع عادة بين 22 آذار، و 21 نيسان من كل عام، يحتفل العالم المسيحي بذكرى قيامة المسيح من بين الأموات، والمعروف ان عيد القيامة يعتبر من أهم الاعياد المسيحية على الاطلاق.

 
لأنه على موت المسيح وقيامته ترتكز دعائم الديانة المسيحية. فالايمان المسيحي يرتكز على الحقيقة الثابتة بأن المسيح الذي مات على الصليب فداء عن الخطأة، قام من الموت ليمنحهم الحياة، وعلى هذا الأساس يشير الكتاب المقدس إلى ذلك قائلاً : " إن لَم يَكُن المسيحُ قَد قام، فباطِلةٌ كرازَتُنا، وباطِلٌ أيضاً ايمانكم " ( 1 كور 15 : 14 )، ولهذا نرى المؤمنين يستقبلون فجر القيامة بقلوب مشرقة، ويُحيّون بعضهم بالتحية المألوفة ، " المسيح قام "، وجواب هذه التحية،  " حقاً قام "

يا له من فجر مجيد، ذاك الذي تلى ظلمة تلك الأيام القاسية المليئة بالفشل واليأس.كانت المحبة تبكي وهي ترى أوراق الرجاء تتساقط من حولها واحدة إثر الأخرى، فسكتت كل أصوات أفراحها، وحلَّ بدلاً منها أنين خافت كما من طائر جريح يتوجع، وبعد أن كانت تتوقع ربيعاً باسماً مشرقاً، إذا بالشتاء القارس يفاجئها بكل ظلمته وقسوته، وبعد أن كانت تقف مرفوعة الرأس وقد ثبتت أنظارها في وجه المحب الأعظم مصدر الحياة ونبع المحبة، إذا بهذا الصرح الشامخ يتداعى فوق رابية الجلجلة، ومعه في القبر تُدفن كل آمالها وأمانيها، فيصير لسان حالها قول تلميذي عمواس : " كنا نأمل أن يكون هو الذي يُخلص إسرائيل ... " ( لو 24 : 21 ).

هكذا كانت حالة جميع التلاميذ قبل فجر القيامة، فقد سادت عليهم ظلمة اليأس، وامتلكهم شعور جارف بالضياع والفشل. فكان سمعان بطرس يقاسى الأمرين من الحزن المفرط بسبب نقده لمعلمه، وتأنيب الضمير بسبب إنكاره لسيده، وكان تلميذي عمواس يمشيان عابسين يتحدثان عن الأمور المحزنة، التي حدثت في تلك الأيام والتي كانت سبباً في فقدانهم لكل رجاء.

مع مطلع الخيوط الأولى للفجر كانت مريم المجدلية تسرع إلى القبر ومعها الحنوط والأطياب لتدهن بها جسد يسوع، وعلى طول الطريق كانت الدموع تنهمر على وجنتيها بغزارة، ولعلها كانت تود ان تغسل بها جزءاً ولو يسيراً من الظلام الدامس الذي يخيم على روحها اليائسة ولكن هيهات. وفجأة سمع الجميع صوت يهتف يصيح قائلاً : " قد قام " ! لقد تزلزل القبر، وتدحرج الحجر، وقام يسوع منتصراً على الموت، ناقضاً أوجاعه، كاسراً شوكته.

فكر في تلك الشعاعة الباهرة من النور التي بددت ظلام الموت، وفي تلك النغمات الموسيقية العذبة التي صدحت، فأزالت سكون القبر، وكيف كان تأثير هذه وتلك على نفسيات التلاميذ الخائرة البائسة، فأنمحى اليأس، وانتهى الفشل، وانقشع الظلام، وحلَّ بدل هذه الأمور كلها نور عجيب أضاء القلوب.


الآن لنتأمل معاً في بعض المعاني المباركة التي تحملها لنا اليوم قيامة ربنا يسوع المسيح، فالقيامة تعني :

1 _ أن يسوع الناصري هو بالحقيقة ابن الله



فقبل ذلك الفجر المجيد كان التلاميذ فريسة للشك، وإذا بقيامة الفادي تضع حداً لشكوكهم ومخاوفهم، وتزيل الضباب الكثيف الذي كان يخيم على أذهانهم كلما فكروا في حقيقة رب المجد، وهكذا نجد الرسول بولس يتغنى بهذه الحقيقة قائلاً : " في شأن ابنهِ الذي جاءَ من نسل داود، وفي الروح القدس ثبت أنهُ ابن الله في القدرةِ بقيامتهِ من بين الأموات، ربنا يسوع المسيح " ( رو 1 : 3 _ 4 ). فقد كان في القيامة الإعلان القوي عن ( بنوءة ) بنوية المسيح لله، الذي فاق كل الإعلانات النبوية، وترك في نفوس التلاميذ تأثيراً أقوى من كل تأثيرات المعجزات التي أجراها المسيح مجتمعة.



2 _ إن في إمكان جميع الناس أن يتمتعوا
        بالنصرة على الخطيئة والموت
       إن آمنوا بيسوع المقام المنتصر



فقد صارت حقيقة القيامة أساساً لإيمان التلاميذ، وموضوعاً للبشارة المفرحة التي حملوها إلى كل أركان الأرض، فكما انتصر الرب على القبر، وبسلطانه أبطل سلطان الموت، فلا بد أنه يستطيع أن ينتصر على كل القبور، وأن يغلب كل أنواع الموت، موت الجسد والنفس والروح، ففي المسيح يستطيع كل إنسان أن يقوم من قبر خطاياه، وبدلاً من الموت الروحي يتمتع بالحياة المجيدة المنتصرة، " ألا تعلمون أننا حين تعمدنا لنتحد بالمسيح يسوع تعمدنا لنموت معه، فدفنا معه بالمعمودية وشاركناه في موته، حتى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضاً في حياة جديدة, فإذا كنا اتحدنا به في موت يُشبهُ موته، فكذلك نتحد به في قيامته.

ونحن نعلم أن الانسان القديم فينا صُلبَ مع المسيح حتى يزول سلطان الخطيئة في جسدنا فلا نبقى عبيداً للخطيئة، لأن الذي مات تحرر من الخطيئة، فإذا كنا متنا مع المسيح، فنحن نؤمن بأننا سنحيا معه. ونعلم أن المسيح بعدما أقامه الله من بين الأموات لن يموت ثانية ولن يكون للموت سلطان عليه، لأنه بموته مات عن الخطيئة مرة واحدة، وفي حياته يحيا لله " ( رو 6 : 3 _ 10). ففي القيامة قوة محيية تكفي لإقامة كل الموتى بالخطيئة في كل أنحاء الأرض في جميع العصور والأجيال. هذا هو الحق الإلهي الواضح الذي يعلنه الله يومياً بواسطة النفوس التي تنتقل من موت الخطيئة إلى الحياة المباركة المجيدة مع شخص الرب يسوع.

فهذا يجعلنا اليوم أن نحيا باستمرار في روح القيامة وقوتها، فتنتعش صلواتنا، ونتعمق شركتنا معاً، ويتقوى إيماننا يوم بعد يوم، ويلمع رجاؤنا، بل ليت قوة القيامة تفيض على عواطفنا الباردة فتلهبها حرارة، وعلى ضمائرنا الميتة فتحييها من جديد، وعلى عقولنا الجامدة فتحركها من السكون، وعلى قلوبنا المتحجرة فتلينها، فحيث توجد القيامة توجد الحياة بكل مظاهرها، لأنه  " تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون "


3 _ إن الحق، لا بد وأن ينتصر



عندما وضُع يسوع في القبر خُيل للتلاميذ أن الحق قد هُزم، وأن الشر قد ساد وانتصر، لكن في فجر القيامة استعاد الحق نصرته وسيادته، فوسط ضحكات العدو وصخبه وفرحته المزيفة بالنصر، قام ابن الله فأسكت هذه الضحكات إلى الأبد، وأعلن نصرة الحق على قوات الشر والشرير، كل قوات الجحيم لم تستطيع أن تمسك يسوع وتبقيه داخل القبر، الحجر والأختام والحراس لم تكن إلا وسيلة أعلنت مدى قوته وسلطانه على الموت، وهكذا الحق أيضاً فأن كل قوى الشر لا تستطيع أن تقيده.

في وقت ما ظن البعض أن الحق قد هُزم، لكن سرعان ما أتى فجر القيامة فأعاد الأمور إلى نصابها. هكذا الحال في أيامنا هذه، فقد يصلب الناس الحق، ويدفنونه في القبر، ويضعون عليه الحجر والأختام والحراس، لكن لا بد وأن يأتي الوقت الذي يُعلن فيه الحق بكل قوة وسلطان، فيدين كل أعمال شر الإنسان. لذلك نجد الرسول بولس في ختام أصحاحه المبارك عن القيامة يوجه هذه الكلمات المشجعة إلى أهل كورنثوس قائلاً : " فكونوا، يا إخوتي الأحباء، ثابتين راسخين، مجتهدين في عمل الرب كل حين، عالمين أن جهدكم في الرب لا يضيع. " ( 1 كور 15 : 58 ). وهو بهذا يود أن يؤكد لنا أنه كما ان كل قوى العالم والشر لم تستطيع أن تبقي إلهنا وربنا في القبر، هكذا فإن هذه القوى ذاتها لن تستطيع يوماً ما تعيق نجاح خدمتنا، أو تعطل تقدم عمل الرب بواسطتنا لذلك فلنستمر في قول الحق، وننادي بالحق، ونشهد للحق بحياتنا، عالمين أن تعبنا ليس باطلاً في الرب.                                                                        
                                                                                                 
                 
الراهب آشور ياقو البازي

2
العدل بين الحرية والقانون
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


في كل مجتمع ثلاثة عناصر أساسية : عنصر شخصي، قوامه حرية الإنسان، أي حرية الأشخاص الذين قرروا العيش معاً بإرادتهم الحرة، وعنصر موضوعي، قوامه القانون الذي يضمن حقوق كل الأشخاص العائشين في المجمتع، وعنصر مثالي هو العدل الذي يقوم بدور الوسيط بين الحرية والقانون.

 
فالحرية صفة كيانية ملازمة للإنسان، أعني أنها من تكوينه ومن صلب طبيعته الإنسانية، بحيث لا يمكنه أن يتخلى عنها من دون أن يتخلى عن كيانه، ووجود الإنسان في المجمتع يجب ألاّ ينتج عنه فقدان حريته، أو انتقاصها. ولكن حريات الناس بحاجة إلى تنظيم. هنا يأتي دور القانون الذي من شأنه تنظيم علاقات الحرية بين الناس، ليتاح للأشخاص العائشين في المجمتع أن يعيشوا معاً بسلام وانسجام من دون أن يفقد أي منهم حريته.

أما العدل فهو المثال الذي يضعه المشترع دوماً نصب عينيه عندما يسنّ القوانين، لتصون القوانين حقوق جميع المواطنين، وتحولَ دون أن تصير الحرية ذريعة وسبيلاً للتسلط الظالم من قبل البعض على البعض الآخر.

وإذا كان لا بدّ من تطوير القوانين بتعديلها، أو تغييرها، فالعدل هو الحافز على هذا التطوير وهو القياس له. فلا تُعدل القوانين، أو تُغير إلاّ لتكون أكثر تعزيزاً لكرامة الإنسان وأكثر عدلاً بين الناس.

فالقوانين التي وُضعت قديماً، وكانت في حين وضعها تُعد عادلة، لا بدّ من إعادة النظر فيها على الدوام استناداً إلى تطور الظروف التاريخية التي يعيش فيها الناس ولتطور مفهومهم لحرية الإنسان وحقوقه.

 ومن ثم فإن تطوير القوانين لتصير أكثر عدلاً هو السبيل الأفضل لمنع العنف وصيانة السلام.

فعلى صعيد العام يشمل العدل كل أعمال الإنسان التي تؤول إلى خير جميع المواطنين في ما هو مشترك بينهم. وبما أن الشرائع قد وُضعت لتأمين الخير العام، فالعدل يعني أولاً تطبيق الشرائع. فيكون عادلاً كل تصرف ينسجم مع الشرائع والقوانين السائدة في المجتمع.

والإنسان العادل هو الإنسان الذي، في مختلف أعماله يُخضع مصلحته الفردية للخير العام كما تحدده الشرائع، ومن شأن العدل أيضاً أن يوجه جميع الفضائل إلى الخير العام.

أما على الصعيد الخاص، فالعدل يضع الإنسان في علاقة مع الخيرات الخاصة، تلك التي تعنينا شخصياً وتلك التي تعني سوانا.

الراهب آشور ياقو البازي


3
الشماس سامي القس شمعون


تائه حائر.. غاضب مزمجر..
فانا لست بشاعر ولا أحب المظاهر
قلت مجرد مشاعر
ولكن يا ترى ما يكون
أيعقل انه الهوى ..
هذا هو الظاهر ..
وبه أصبحت أخاطر..
أبعد أسافر ..
أخاف ان العالم بي شاعر ..
لاني اخفي الكثير من المشاعر ..
لذلك أجزمت
على أن اهاجر
أبحر ..
أغامر ..
نعم لقد أيقنت بأن الهوى كافر ..
كم طلبت منه الرحمة
وان يكون لي غافر ..
أجل فقد سئمت طعن الخناجر ..
صوت المنابر ..
مجرد خيال
على دنيا الوهم عابر ..
لوحدي ساهر
فقط القمر أسامر..
ولكن سأبقى فاكر ..
باني إنسان ..
رغم المخاطر ..
فليتني بما أكتب شاعر ؟؟؟


الراهب اشور ياقو البازي


4
الاختلاف وغنى الاختلاف
  [/b]


الراهب آشور ياقو البازي


هناك أشياء كثيرة تختلف فيما بينها من نواحي عديدة لانها وجدت ( مختلفة )، اختلافات في الأشكال والأحجام والألوان .. إلخ، وهنا تكمن عظمة الأشياء لانها مختلفة بعضها عن بعض. وكل شيء من منطلق إختلافه يؤدي دوره في عجلة الحياة ويقدم ما لديه لخدمة الأشياء الاخرى لانه وجد لأجل رسالة معينة يؤديها بكل آمانة وصدق، وليس بمقدور أحد أن يغير هذه الأمور ويجعلها متشابهة ومتطابقة.

ان العالم متكون من دول وشعوب ولغات شتى، ويختلف كل شعب عن الآخر بتقاليده ولغته وطريقته في العيش، ويختلف كل إنسان عن أخيه الإنسان، باختلاف الآراء والطباع والأفكار والمعتقدات والقناعات، وكل اختلاف هو غنى وشريان جديد لديمومة الحياة.

ولولا هذا الإختلاف لما استطاع الإنسان أن يواصل مسيرة التقدم الذي شهده العالم منذ العصور القديمة إلى يومنا هذا، لأن كل إنسان له رسالة في الحياة، وسر العلاقة التي تربط هذه الأشياء ببعضها دون أن تفقد هويتها ودورها هو الحب، لانها وجدت من فيض حب الله مصدر كل الأشياء ومركزها. والإنسان الذي لا يدرك هذه الحقيقة ولا يؤمن بها تنقلب موازين حياته رأساً على عقب فتتأخر عجلة حياته.

أليست جميع المآسي التي حصلت عبر تاريخ البشرية من حروب، وكوارث، وصراعات، وجوع، وظلم، وتعسف، وكراهية وجميع أشكال العبودية والتي أودت بحياة الملايين، وكم من الممالك والامبراطوريات قامت عبر التاريخ وصنعت حضارات عظيمة، وأخرى دمرت حضارات وشعوب بأكملها، كل هذه كانت نتيجة الأنانية والجشع وحب السيطرة وعدم تقبل اختلاف الآخر، وعدم الاعتراف بوجود الآخر والتعصب والعنصرية والطائفية.

والإختلاف أصبح خلاف دائم بين الشعوب والحضارات، بالرغم من التطور والتقدم الذي توصل إليه العالم حيث أصبح فيه العالم قرية صغيرة، لكن قرية بابلية خالية من الحوار والتفاهم، البيض لا يطيق وجود الأسود وينبذه، الغني لا يأبه بالفقير، والمتخم لا يشعر بالجائع، كل واحد ينهش الآخر.

ان عالمنا مصاب بمرض فقدان الحب ونسي قول يسوع التي قالها قبل ألفي سنة : " احبوا بعضكم بعضاً كما انا أحببتكم " ( يوحنا 13 : 34 ). لقد فقد العالم الكثير من المبادئ الإنسانية السامية الكامنة فيه، الرحمة، والحنان، والغفران، والمصالحة، والحوار والانفتاح على الآخر " اريد رحمة لا ذبيحة ".

لقد أراد الله أن يخلق العالم كحديقة كبيرة وجميلة بأزهارها، وأشجارها الخلابة، وكل زهرة لها لونها، ورائحتها العطرة تميزها عن باقي الأزهار، وان سر جمال الحديقة يكمن في اختلاف أزهارها وألوانها، فالحياة هي هبة من الله، وأراد للإنسان ان يشاركه في تطوير الخليقة " انموا واكثروا واملاؤا الأرض " ( تكوين 1 : 9 ) لتعاون البشر فيما بينهم ليكملوا العمل الذي بدأه الله.

نعم أصبح العالم غابة من الأدغال الكثيفة يصعب العيش فيها يوماً بعد يوم، ولكن لا مجال للهرب من الواقع والتهرب هو جبن، ولانك خلقت مختلفاً عن باقي البشر، ولا يوجد من يشبهك، فإنك نادر الوجود وثروة لا تقدر، ومهما كنت صغيراً فمكانك محفوظ وإنك في عين الله عظيم، كزهرة صغيرة تنبت بين الأدغال الشائكة بالرغم من صغرها فإنها تملأ الغابة من عطرها الزكي، وبإختلافك، فأنت هبة الله للبشرية، ولو كان هناك يشبهك لما وجدت أنت.

الراهب آشور ياقو البازي

5
المنبر الحر / العدل
« في: 22:40 21/02/2008  »
العدل
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


العدل هو الفضيلة الأولى في نظام المجتمع ومؤسساته، كما ان الحقيقة هي الفضيلة الأولى في نظام الفكر وتطلباته. نعلم أن اي نظريّة، مهما كانت متالقة وجذّابة ، يجب رفضها أوأعادة النظر فيها، إذا تبين أنها مناقضة للحقيقة.

كذلك أي نظام اجتماعي، مهما كان فعالاً، يجب إصلاحه أو إزالته إذا تبين أنه مناقض للعدل. وهذا القول يصح في أنظمة المجتمع ومؤسساته العامة كما يصح أيضاً في علاقات الناس بعضهم ببعض داخل المجتمع. ان العدل مرتبط بصميم وجود الإنسان داخل المجتمع.  والعدل فضيلة يعترف المرء بالإنسان الآخر العائش معه في المجتمع وبما له من حقوق اعترافاً ثابتاً ودائماً. إنه ليس مجرد عمل عابر، بل هو فضيلة، أي إنه موقف داخلي ثابت يتخذه الإنسان عن اقتناع ويعمل على تحقيقه في جميع علاقاته بالناس.

يبنى العدل إذن على الاعتراف بالإنسان وبما له من حقوق. وحقوق الإنسان تنتج من كونه إنساناً، أعني كائناً روحياً يحمل في ذاته غاية عمله، وهو مدعو إلى تحقيق كماله الذاتي تحقيقاً حراً. كل إنسان هو غاية في ذاته. ومن ثم لا يجوز أن يكون بعض الأفراد مجرد وسيلة لاكتمال البعض الآخر.

كما لا يجوز بأن يُضحى بحرية بعض الأفراد في سبيل تعزيز حرية غيرهم. والكتاب المقدس يؤكد ان الناس كلهم أشخاص خلقهم الله على صورته ومثاله. فهم إذن، بسبب صورة الله فيهم، متساوون في الحقوق الأساسية العائدة للشخص البشري، وتلك الحقوق الأساسية  لا يمكن أن تخضع لأيّة مساومة. والعدل هو الفضيلة التي تضمن تحقيق تلك الحقوق الأساسية لجميع الناس.

من خصائص الإنسان أنه ( شخص )، وتعني هذه اللفظة أنه كائن يشخص إلى الكائنات الأخرى، أي يلتفت إليها ويتوجّه نحوها ويرتبط بها. ولكنّ الارتباط بالآخر ليس بالأمر السهل.

فالعلاقة بين الناس تنطوي دوما أمرين متناقضين، فمن جهة يعيش الأشخاص جنباً إلى جنب، وهذا يفتح أمامهم مجال التعاون، وكل تعاون في المجتمع تنتج عنه حياة أفضل ممّا لو كان كل فرد عائشاً وحده ومضطراً إلى أن يبني ذاته بمفرده.

ولكن ارتباط الأشخاص بعضهم ببعض ينجم عنه من جهة أخرى تصارع المصالح، إذ يسعى كل شخص إلى الحصول على أكبر قدر من المنافع المتأتية من وجود الآخرين. فمن شأن العدل أن يحل هذا التناقض بتوزيع منافع الوجود معاً في المجتمع على جميع الناس، بحيث يُعطى كل ذي حقّ حقَّه .

لا يستطيع الإنسان أن يبني ذاته ويبني العالم إلاّ مع غيره من الناس. وفي هذا البناء، بناء الذات وبناء العالم، الناس هم في الوقت عينه معاونون بعضهم لبعض وحملٌ ثقيلٌ بعضهم على بعض.

والعدل وحده بإمكانه أن يجمع بين هذين الأمرين المتناقضين، فيحمل الناس على التعاون معاً في قبول الآخر والاعتراف بحقوقه، ليصلَ كل إنسان إلى إنماء كيانه، لذلك يبدأ العدل عندما يعتبر كلّ إنسان الآخر مساويّاً له في الكرامة الإنسانية وفي ما ينتج عنها من حقوق وواجبات. 

الراهب آشور ياقو البازي


6
السلام والعدل والحق والمساواة
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


السلام مبتغى جميع الناس، ولكن قليلون هم الذين يقبلون بما يفرضه السلام من شروط  ليتحقق بوجهٍ ثابت ودائم. السلام هو نتيجة جهود كثيرة. إنه ثمرة يحملها غصن هو العدل. والعدل يتفرع من جذع هو الحق. والحق ينبت من جذر هو المساواة بين الناس، والمساواة تحيا في تربة هي حرية الضمير. فكما ان الثمرة لا يمكن الحصول عليها إن لم يحملها غصن، والغصن لا يُزهر إن لم يتفرع من جذع، والجذع لا ينبت إن لم يكن متأصلاً في جذور، والجذور لا تحيا إن لم تكن منغرسة في تربة صالحة تستقي منها الغذاء، هكذا فالسلام لا يمكن أن نذوق طعمه إن لم يكن مبنيّاً على العدل، والعدل على الحق، والحق على الاعتراف بالمساواة الجوهرية بين جميع الناس، والاعتراف بالمساواة على الضمير. فلا سلام بدون عدل، ولا عدل بدون حق، ولا حق بدون مساواة، ولا مساواة بدون ضمير. فإذا كانت ثمرة صغيرة بحاجة إلى كل هذه الشروط لتصير ثمرة تؤكل، فكم بالحريّ السلام بين الناس بحاجة أيضاً إلى شروط كثيرة ليعمّ بين جميع الشعوب.

لا يمكن تحقيق السلام إن لم يتحقق العدل، فالعدل هو الأساس الأول للسلام. لأن السلام المبني على الظلم لا يمكن أن يدوم. فالمظلوم لن يعتم أن يدرك الظلم الذي يمارس عليه فيثور، وتكون ثورته عنيفة وهدّامة بقدر ما يكون الظلم الذي يرزح تحته شديداً ومثيراً. السلام المبني على القوة، قوة أحد الفرقاء، لا يمكن أن يدوم، لأنه لا بدَّ من يأتي يوم يتغير فيه ميزان القوى، فيقوى الضعيف ويثور على القوي، وتكون ثورته عنيفة وفتاكة بقدر ما يكون الكبت الذي كان عائشاً فيه عميقاً ومريراً. إن معظم الحروب في تاريخ البشرية نتجت عن وجود الظلم وعن عدم توفر العدل بين الناس أو بين الشعوب.

والعدل هو اعطاء كل ذي حق حقه. فالإنسان كائنٌ حي اجتماعي، أي عائش في مجتمع. ولا سبيل إلى العيش بسلام في أي مجتمع بدون تحديد حقوق الأفراد في هذا المجتمع، بحسب القول الماثور : ( حيث الحق هناك المجتمع ). والحقوق تقابلها الواجبات . فلكل إنسان حقوق وعليه واجبات تنتج عن ضرورة احترام حقوق غيره، وذلك في سبيل ضمان حقوقه. فكل مجتمع مبني على ميثاق، أعني على اتفاق يعقده أفراد المجتمع بقبول العيش معاً ضمن شروط محددة تضمن لكل عضو في هذا المجتمع حقوقه وتفرض عليه واجباته، وضمن هذه الشروط يخيم السلام على المجتمع.

" طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون"

الراهب آشور ياقو البازي


7
رسول الأمم .. يحرر الأمم
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


المقدمة


ظهرت كنيسة العهد الجديد بعد موت المسيح وقيامته مباشرة. لم تبرز إلى الوجود بعد سنوات طوال، لئلا تفسح المجال لنشوء الخرافات. بل أنها ظهرت فوراً، فقبل ذلك كان التلاميذ قابعين بحزن ( خلف أبواب مغلقة من الخوف )، وهم ممسكين بأملهم الضائع. هذا الأمل الذي نسفه موت المسيح.

ولكن بعد ذلك أصبحوا رسلاً لا يخشون أحداً، وخرجوا من وراء الأبواب المغلقة ليواجهوا المجمع السنهدريمي، والجماهير في كل أنحاء العالم. ينادون بفرح عجيب طافح، ان يسوع المسيح قام من الموت، وانه المخلّص. فعلوا ذلك بقوة وثقة حتى ان الجماهير التي شاهدت موت يسوع المسيح، شاهدت قيامته في هؤلاء الرجال، ومن هؤلاء الرجال الذي أنجبتهم الجماعة الأولى ( الكنيسة ) بل ومن أبرزهم الرسول بولس.

حيث كان بولس في أول أمره ( أي أعني قبل التجديد ). ينفث تهديداً وقتلاً على الجماعة الأولى ( الكنيسة )، ولكن بعد تجديده على أبواب دمشق، جاءه المسيح، ومس قلبه، وأحدث تغيراً هائلاً كاملاً في قلبه، وهو ما نطلق عليه الولادة الجديدة. لا يعد تجديد بولس نقطة تحول في تاريخه الشخصي فحسب. بل مرحلة هامة في تاريخ الكنيسة الرسولية جمعاء، فهو أعظم ما تم بعد معجزة اليوم الخمسين ( يوم حلول الروح القدس )، فقد أتى بالنصر المسكوني للمسيحية كلها، فتغير أقسى أعدائها ومضطهديها إلى أقوى خدامها الناجحين، لا يمكن أن يكون إلا معجزة النعمة الإلهية.

يعد بولس من نواحي كثيرة أقدر وأعظم وأنبغ العقول، وأحزم المبدعين، وأنشط المؤسسين والمدبرين، وأبرز وأقوى الشخصيات بالنسبة للقرن الأول بعد الميلاد، ويعد هذا الرسول –  باستثناء يسوع المسيح - أعظم قوة كيفيت مستقبل الامبراطورية الرومانية، لأن الامبراطورية الرومانية احتاجت سبعة قرون كي تبني مجدها العتيد، ومع ذلك فأن بولس الرسول جددها وجعلها تنحني عند أقدام المسيح في ربع قرن من الزمان.


حياته ونشأته

ولد في طرسوس ( تركيا )، ما بين العامين الخامس والعاشر بعد الميلاد. من عائلة يهودية نزحت من الجش ( فلسطين )، وطرسوس مدينة عريقة معروفة في مقاطعة قليقية الرومانية. تقع على أقدام سلسلة طورس الشامخة. يرويها نهر سيدنوس الصالح للملاحة، ويصلها بالبحر المتوسط على مسافة ( 20 ) كم، فصارت نقطة إلتقاء تجاري وحضاري، وثقافي ورياضي، وديني عالمي.
خضعت تباعاً للحثيين والفرس، واليونان، والرومان. إليها تصل الطريق الرومانية ومنها تتشعب إلى أرمينيا شمالاً والعراق شرقاً، وفينيقيا جنوباً، فإذاً هي ملتقى حضارتين غربية يونانية رومانية، وشرقية سامية طبعت طرسوس في نفس بولس الطفل روح المغامرة والانفتاح والشمول.

دعي اسمه شاول وبولس

ختن بولس في اليوم الثامن ودعي في العبرية ( شاول ) باسم أول ملك على اسرائيل، وأبى الأب إلاَ أن يؤمن لابنه هويّة رومانية، واسماً رومانياً منذ مولده، فسماه في اللاتينية ( بولس ) معناه ( الصغير )، والبشير لوقا في كتابه أعمال الرسل يدعوه دوماً ( شاول ) حتى بدء رحلته الرسولية الاولى في العالم الهلّيني، في قبرص ( أعمال الرسل 13 : 9 ). ومن ذلك الحين يدعوه دوماً ( بولس ). أما بولس، في رسائله كلّها فيدعو نفسه ( بولس ). خوّلته هويّته الرومانية حق التجوال في أنحاء الامبراطورية كافة، واعطته حقوق المواطنية كاملة، وحمته من كل ظلم ولقد اظهرها مراراً لينجو من الجلد أو السجن ( أعمال الرسل 16 : 37 ، 22 : 25_30 ، 25 : 11 ).


لغته وثقافته


أمضى شاول ( بولس ) طفولته في وسط روحي يهودي صاف، بالرغم من وجوده وذويه في الشتات ( يهود الشتات، هم المتواجدون خارج فلسطين). حيث تتمازج وتتصادم الثقافات، والحضارات، والديانات المحتلفة. اعتنق أهله مذهب الفريسين المتشدد وهذا ما يؤكده عندما يقول : " لقد عشت كفريسي على أضيق مذهب في ديننا " ( أع 26 : 5 ) ( غلاطية 1 : 14 )، وهذا ما سيطبعه حتى آخر حياته من حيث التزامه وغيرته التي ستتحول إلى اضطهاد للمسيحين " انا من جهة الناموس فريسي ومن جهة الغيرة مضطهد للكنيسة " ( فل 3 : 5 ).

اتقن بولس في حداثته وشبابه اللغة اليونانية الهلّينية، المحكية في جميع أنحاء الامبراطورية الرومانية، وقبل اهتدائه للمسيحية كان له المام في العلوم والاداب والفلسفة والحقوق والفنون اليونانية كافة، وبعد اهتدائه بشرّ ووعظ وعلّم وصلّى وكتب رسائلها كلها بغير استثناء.

زاول بولس مهنة التعليم ثلاث سنوات ( 54 – 57 ) في مدرسة تيرنّس التي اجرها إياّه أو قدّمها له استاذ صديق في افسس. تخرج على يده رسل كثيرون انطلقوا فبشّروا أنحاء اسيا كلها ( أع 19 : 9 – 10 )، ولان شاول ( بولس ) شاب ذكي قابل للعلم وشغوف به، فقد تلقى ثقافة يونانية واسعة من مبادئ ديانته وطقوسها. لكن الطموح بقي قوياً ومحبة الهه جارفة، فتقرر أن يصعد إلى القدس للتعمق في كلمة الله ويكتشف مكنوناتها من خلال درسه للتوراة في أفضل اطار، ولدى انبل علماء الناموس وأقدرهم.

هل فريسية بولس وراء اضطهاده للكنيسة ؟


اذ عرفنا انه في اوائل القرن الميلادي الأول كانت فكرة المسيح الاتي المحرر مشروطة، ومرتبطة بالخضوع التام للشريعة، وبتطهير الأرض المقدسة من كل ما يدنسها، فهمنا أي نوع من الغيرة كانت تلهب أعضاء الحركة الفريسية، وادركنا سبب حماس شاول ( بولس ) لها خاصة عند قتل استفانوس، وملاحقة اتباع يسوع الناصري، فلقد رأى شاول وبعض اترابه الشبان الدارسين في القدس. انه بات ضرورياً محو شيعة يسوع هذا التجديفية، والهدامة للايمان ولتقاليد الاباء، والمناهضة بالتالي للفريسية ومبادئها ومعتقداتها، فرفع شعار نضالي لهذه الغاية يقضي بمنع اليهود من اي يصبحوا مسيحين، هكذا بدأ الاضطهاد المنظم للكنيسة وأبنائها، وهب شاول ( بولس ) ينفذ هذه المهمة بحماس وبسخاء لا حد لهما قاطعاً المسافات الشاسعة حتى دمشق، وسيتذكر بولس هذا الاضطهاد العنيف ضد كنيسة الله ( غلا 1 : 13 ). كل ذلك لانه كان كايليا مملوءاً غيرة لإلهه، ولكن بعد حادثة طريق دمشق، سيحب شاول كنيسة المسيح حباً لا حد له، ويهبها ذكاءه وعلمه، وقوته، وطاقاته كلها، ويذهب بذلك بعيداً حتى الاستشهاد.

بفضل بولس انفصلت المسيحية الناشئة نهائياً عن اليهودية لتظهر في كل جدّتها وثورتها وزخمها، إذ اخترق بولس شخصية يسوع ورؤياه ليكتشف، في اختبارات تصاعدية متلاحقة لهذه الثورة.لذا لا يعتبر بولس المسيحية حركة تصحيحية قام بها يسوع المسيح. بل هي أكثر، انها الولوج إلى عمق أعماق العهد العتيق لا لنقضه بل لتخطيه بطريقة جديدة كل الجدّة حتى ليمكن اعتبارها نقضاً صريحاً لتيار لاهوتي يهودي حاربه يسوع لأنه شذوذ عن روحانية العهد العتيق الأصلية – كما تعلنها المزامير ونبوءات اشعيا وارميا ونشيد الاناشيد وسفر ايوب. كما حاربه يسوع لأنه تمحور حول الشريعة حولها إلى شريعة جامدة ترسخ التعصب الأعمى وتركزه على مطلقية الشريعة وحرفيتها والتعبير عنها بقوانين وطقوس، ومظاهر فارغة في معظمها، وبفضل بولس الرسول تبلورت المسيحية في مفهومها لله وللانسان وللقريب، ولعلاقة الانسان بالله، وفي مفهومها للسلطة والهيكل والأرض والزمن والتاريخ.


الخاتمة


ما زال أكثرنا شاول الشريعة، ولم نعبر بعد إلى بولس الرسول، رسول المسيح والكنيسة والأمم. كم نحن في حاجة، اليوم، إلى بولس ليقيمنا من هذه التجربة فنخلع عنّا ما تكدّس من ذهنيات تحجم الفهم الصحيح لشخصية المسيح ورسالته، وليس بالشيء الجديد أن تتصارع، داخل الكنيسة، تيارات متناقضة، جمود التقاليد ودينامية التطور، سطحية التقوى وعمق التعبير عن الايمان، تشريع المسلك والتحرر، تحجر المؤسسات وروحانية الأحداث، جمود الوحي وابتكارات الروح، فالصراع دليل حيوية وعافية، وفي الوقت نفسه سعي صادق إلى تخطّي تجربة الرجوع إلى العتيق. انها التجربة الأقسى التي تلازم روحانية الكنيسة مدى الزمن، ولعلّنا اليوم، ونحن نعيش محنة الهجرة والتهجير القسري في بلدنا ومجتمعنا وثقافتنا وكنيستنا، نمر بذات التجربة، فنتوق إلى ما ناله بولس بعد التجديد، حرية المسيح وشمولية المحبة ونضوج الإيمان.

الراهب آشور ياقو البازي

8
 
الراعي الحقيقي والخروف الضائع
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


في قرية صغيرة، كان راع شاب في الثلاثين من عمره. يمتلك قطيعاً مكوناً من مائة خروف.. وكان ينهض كل يوم في الصباح الباكر، ليرعى خرافه ويسير أمامهم، ويحدثهم عن المحبة، والفرح، والسعادة الحقيقية. وكانت الخراف تسمع وتصغي إلى كلامه وتتبعه، لأنها كانت تعرف صوته من بين ملايين الأصوات التي كانت تصدر في هذا العالم الساخن والمضطرب، الزائل والمليء بالأنانية، والحقد والكراهية..

وكان الراعي الشاب يقود خرافه إلى حيث السهول والجبال الشاهقة، ذات الحقول والمرعي الخضراء الخصبة، حيث وفرة الأعشاب والأشجار الباسقة الوارفة الظلال، التي تعشش على أغصانها طيور السماء، التي تشدو ألحاناً جذابة. في تلك الأودية المليئة بينابيع المياه الغزيرة، حيث الأزهار والزنابق المتنوعة الألوان والجميلة، ذات الروائح الذكية.

كانت الخراف تتجول بحرية وهي آمنة في تلك الأماكن الطبيعية الخلابة الساحرة، لأنها كانت تثق براعيها الشاب، الذي كان يحبها، وقلبه متسع ومليء بالحب والحنان، وصبره واناته كبيران تجاه خرافه، فكان يحافظ عليها من تقلبات المناخ، من الأمطار والعواصف، ويقيها من برد الشتاء وحر الصيف، ويحرسها ويسهر عليها طوال الليل من الذئاب الخاطفة التي كانت تعوي من حولها وتنتظر الفرصة السانحة لكي تفترسها، ولكن الراعي كان يقظاً وحريصاً على سلامة قطيعه.

وفي يوم من الأيام، خرج أحد الخراف من الحظيرة، وانفصل عن بقية الخراف، وذهب إلى مكان بعيد، حيث ضلّ.. ولم يعد..

ترى ماذا حدث للخروف ؟

أمور كثيرة حدثت وتداخلت، جعلت الخروف يعدو سريعاً.. سريعاً، وإلى أقصى وأبعد مكان، وعلم الراعي بأن أحد خراف قطيعه قد ضلّ وتاه في مكان مجهول. حزن عليه وانكسر قلبه وانهمرت الدموع الغزيرة من عينيه. كان الراعي فعلاً يحب خروفه الذي ضلّ، وقرر أن يخرج ليبحث عنه، ويعود به إلى الحظيرة..

اكتشف الراعي بان الخروف الآن هو على الجانب الآخر من الوادي، والطريق إلى هناك وعر.. وعر جداً، والوحوش المفترسة كثيرة !!!, ولم يقدر الراعي أن يقاوم إلحاح قلبه الحنون.

ذهب يفتش ويبحث عنه غير مكترث للأخطار. جرحت أشواك الطريق الحادة قدميه وسالت منهما الدماء، ولكن الراعي لم يتراجع، أصر أن يواصل البحث حتى يجد خروفه.

اقترب الراعي من مكان الخروف، بيد أنه لا بد أن يمر ويجوز الآن في أجمة مظلمة ومخيفة ثم يتسلق رابية. صممت الوحوش على أن تقتل الراعي، ولكن الراعي لم يخشِ وحشيتهم، ومرّ في بستان جتسيماني، ثم صعد بعدها إلى رابية الجلجثة.
ترى ماذا حدث للراعي ؟

آلام ... أهوال ... دماء !!

صلب ... أبشع موت في التاريخ ... موت على خشبة الصليب !!

مات ... ودفن في القبر ..

هل انتهى كل شيء ؟

كلا .. كلا .. كلا ..


قام الراعي حقاً من القبر في اليوم الثالث ليكمل طريقه في بحثه عن الخروف الضال!

وأخيراً وجده . فرح به جداً.. جداً، فكم كان محبته. انحنى الراعي على الأرض وحمل الخروف. لان الراعي لم يقدر أن يطلب من الخروف أن يسير ورائه. لم تعد للخروف قدرة أن يرى، أو أن يسير، فقد أتلف البعد والغربة عن الحظيرة عينيه وأوهنت عضلاته. لذا حمله الراعي، ورفعه من الطين على يديه القويتين، وغسله من القذارة ، وضعه على منكبيه. لم يمانع الخروف لأنه ملّ الأرض البعيدة، والغربة خنقته وأتعبته هموم ملذاته. أسره حب الراعي له، أسرته على نحو خاص آثار الجلجثة الباقية على جسد الراعي، حين عرف الخروف إنها بسببه، نفذ حب الراعي إلى أعماقه، إلى أعمق أعماقه..

وأخيراً عاد الخروف إلى الحظيرة نظيفاً، عاد ليبدأ صفحة جديدة. إذ كان ميتاً فعاش.

وهذه هي قصة لقاء كل إنسان تائب عاش من قبل في الخطيئة، فلقاؤه مع يسوع المسيح، لقاء الخروف الضائع مع الراعي الحقيقي. ما أحن قلب هذا الراعي، قلبه فسيح، متسع وممتلئ بحب عجيب إلى أقصى حد، لكل إنسان في كل مكان وفي أي زمان ..

الراهب آشور ياقو البازي


9
الحاضر بين الماضي والمستقبل
[/b]



الراهب آشور ياقو البازي

ان الإنسان يعيش في الزمان، والزمان في صيرورة مستمرة، فالذي كان مستقبل يصبح حاضر،  والحاضر يصبح ماضي، والإنسان هو وسط هذه الدوامة التي لا تعرف التوقف.

الزمان يتكون من ثلاثة أوجه، وهي الماضي والحاضر والمستقبل، وبين هذه الاوجه علاقة قوية فمثلاً :

( لو كان الإنسان لا يدرك إلاّ الحاضر لاصبح سلسلة غريبة من بدايات متقطعة، لا يجد فيها الشعور بوحدة شخصيته ولا شروط التفكير المتلاحم الفعال والخلاق ).

فلا يكون الزمان متكامل ومثمر إلاّ بوجود هذه الأوجه الثلاثة.

فالناس الذين لا يهمهم ماضيهم وتاريخهم، هم كالشجرة التي يبست لان لا جذور لها،

وأما الذين متعصبون لماضيهم ومتغفلين عليه، يجعلون الحاضر ماضياً، لانهم مخلصون للتقليد، فبدل من ان يحيوا الماضي في الحاضر يقتلون الحاضر في الماضي،

وأما الموقف الثالث، فنجده عند الناس الذين يرجعون إلى الماضي ليجعلوه حاضراً منيراً وفعالاً. انهم يدخلون الماضي في ذاكرتهم وقلبهم لكي يبعثوا فيه الحياة، وهؤلاء الناس هم مثقفون.

لان الإنسان المثقف :
 
هو الذي يعيش مع جميع الأجيال الماضية، ويحيّا مع كل البشرية القديمة، ويعيش بكل حكمة القدماء، ويرسل جذوره في عالم الأمس واليوم.

 فغاية الثقافة هي أن تجعل الإنسان شامل لكي يصبح رجل كل الأزمنة، فغاية الثقافة هي أن تسلمني الإنسان الشامل، لكي أصبح رجل كل الأزمنة، بفضل ذاكرة القلب، فذاكرة القلب تسمح لنا أن نعيش حب بعضنا لبعض لننا نلتقي في ماضي مشترك.

على الصعيد الانطولوجي، لا يموت شيء مما كان موجوداً حقاً، فالإنسان بفضل ذاكرته ووعيه يجعل الأشياء الماضية حاضرة، وما الإنسان الحاضر، وكل الأشياء الحاضرة، إلاّ ثمرة للماضي، فتاريخ كل إنسان هو مختصر لتاريخ العالم، وعمر كل مسيحي هو بعمر الكنيسة، وكل الحوادث التي لا يعرفها الإنسان، أو نساها، أو التي هي ما قبل التاريخ محفوظة في ذاكرة الله، والله كشف عن ذاته من خلال التاريخ.

فالكتاب المقدس هو قصة الله مع العالم، والإنجيل هو قصة حياة يسوع وموته وقيامته، ولكي نعرف الله علينا ان نرجع إلى قصته ونعيشها، وهكذا سنصبح كتاباً مقدساً حيّاً،

لان الذي مضى نجعله حاضراً، ورسالة الإنسان هي أن يجدد الماضي ويبعث فيه الحياة. ومن هنا تتبين أهمية الحاضر. كقول القديس اوغسطين :

( من الثابت والواضح لدي الآن ان الأشياء المستقبلية والماضية ليس لديها وجود، وخطأ أن نقول بوجود ثلاثة أزمنة بمعنى الماضي والحاضر والمستقبل، فقد يكون من الأصح القول :

هناك ثلاثة أزمنة بمعنى حاضر الماضي، وحاضر الحاضر، وحاضر المستقبل، وهذه الأبعاد الثلاثة موجودة في نفسنا،  ولا أرى وجوداً إلا فيها، فحاضرالأشياء الماضية هو التذكر، وحاضر الأشياء الحاضرة هو الرؤية، وحاضر الأشياء المستقبلية هو الانتظار ).


فالحاضر هو أهم لانه هو بيدنا، فهو وقت العمل والتأمل والفرح، به نحيي ماضينا ونبني مستقبلنا.

ويجعل الفيلسوف الروسي المعاصر برديائيف الحاضر وحده موجود وذلك بقوله :

( انطولوجيا لا يوجد ماضي ولا مستقبل، بل فقط حاضر يخلق دون انقطاع ).

وبعض الفلاسفة واللاهوتيين يشبهون الحاضر بالأبدية لمركزيته بالزمان، ولانه يعطي قيمة للماضي والمستقبل. الفيلسوف الوجودي المعاصر هايدغر يربط الحاضر والحضور ويقول :

( لا وجود للحاضر بذاته ولا كيان له إلا  لاجل الحضور، فحضوري وحضوركم يضفيان على الحاضر معناه ).

ان الحاضر أقل ما نملكه، كما يقول جورج هامل :

( بين المستقبل والذكرى يظل الإنسان في قبضته أقل شيء يملكه وهو الحاضر ).

وهو أثمن ما نملكه، فلنعشه بملء ، كقول تشارلس ويكنس، وهو :

( البارحة قد عبر ... فانسه، والغد لم يحن .. فلا تهتم به، واليوم هنا ... فعشه ).

   يقول مصطفى السباعي:

( الزمان مرآة نرى فيها أنفسنا على حقائقها، أجل فعلى قدر نظرتنا ورؤيتنا له، وإنتمائنا لمراحله تتجلى ملامحنا، وتسلى أحاسيسنا بين الماضي والحاضر والمستقبل ).
 

هناك من نراه ممسكاً بتلابيب الماضي، متشبثاً بذكرى سحقها الزمن وطمر آثارها الحاضر.
ولكن هيهات له أن ينسى، أو يتناسى، نجده يجتر ماضيه كلما خذله الحاضر وفاجئه الواقع.


وهناك من يرى أن حاضره أولى بالوفاء به، فلا جدوى لهدر الحاضر بما دثره الزمن وقضى عليه الوقت.

وهناك من يعيش خارج بؤرة الوقت، متخطياً حواجز الزمن متوشحاً الأمل الجميل في الغد سادراً في طموحه.


وفي الختام

نعمل بما قاله المسيح بالإنجيل :

" اطلبوا أولاً ملكوت الله ومشيئته، فيزيدكم الله هذا كله. لا يهمكم أمر الغد، فالغد يهتم بنفسه. ولكل يومٍ من المتاعب ما يكفيه ". ( إنجيل متى 6 : 33 – 34 ).

أين تجد نفسك؟ وماذا يعني لك كلاً منهما؟

الراهب آشور ياقو البازي


10
أول شهيد في المسيحية
الشماس استفانوس
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


المقدمة :


لقد تأصل الإنجيل في العالم في المواضع التي ارتوت بدماء الشهداء، وقبل أن يقدر انسان أن يقدم حياته من اجل الكلمة لا بد أولاً أن يحيا حياته من اجل كلمة الله. ومن الطرق التي يدرب بها الله خدامه هي أن يضعهم في مراكز تافهة وبسيطة. حيث تترجم رغبتهم في خدمة المسيح إلى خدمتهم العملية للآخرين. وقد كان استفانوس إدارياً ممتازاً وصاحب رسالة، قبل أن يصبح شهيداً، وكان استفانوس، إلى جانب حسن إدارته وحكمته، خطيباً مفوهاً بليغاً، فعندما قوبل استفانوس بجماعات مختلفة من المعارضين كان منطقه في الرد عليهم مفحماً ومقنعاً، وهذا واضح من الدفاع الذي أدلى به أمام المجلس السنهدريمي. فقد عرض موجزاً لتاريخ اليهود متخذاً منه تطبيقات قوية أصابت مستمعيه في مقتله, ولا بد أن استفانوس كان يعلم، وهو يعرض دفاعه، انه ينطق بحكم الموت على نفسه. ولم يقدر أعضاء المجلس المجتمعون أن يحتملوا كشف دوافعهم الشريرة، ولذلك رجموه بالحجارة حتى الموت، بينما كان يصلي طالباً لهم الغفران. وتبين كلماته الاخيرة كيف صار شبيهاً بالمسيح في وقت قصير. وقد كان لموت استفانوس أثر فعال مستمر على الشاب شاول   ( بولس ) الطرسوسي الذي تحول من مضطهد عظيم للمسيحيين إلى واحد من ابطال الانجيل العظماء الذين عرفتهم الكنيسة. ان حياة استفانوس تحد مستمر لكل المسيحيين. ولانه كان أول من مات شهيداً من اجل الايمان.   

كانت الحياة المسيحية في استفانوس بسيطة. خالية من التكلف والتصنع، ومن الاهمية بمكان كبير أن أول شهيد وابرز مسيحي في العهد الجديد كان علمانياً. لم يكن استفانوس واحداً من ( الاثني عشر ) بل واحداً من ( السبعة ). ان اسم استفانوس يعني ( تاج ) أو ( اكليل ) وليس من السهل ان نعلم الكثير عنه خارج ما كتب في سفر اعمال الرسل.

هو اول جندي من جنود المسيح فاز بالتاج أو الاكليل، فما اسرع ما نراه كومضة من النور الباهر في احشاء الظلام. أو كالبرق الذي يلمع في الليل الحالك، ويترك نوره أثراً في الكيان والذاكرة، مع انه مر بالتاريخ والكنيسة مثل هذه الومضة، إلا ان وهج حياته القصيرة. عاش ويعيش خالداً على مدى مر الايام !!.   
ان اهم الاعمال والصفات الشخصية والنقاط الاساسية التي تميز بها الشماس استفانوس هي كما يلي :


1 - إنه الرجل الذي جعل قيمة لما لا قيمة له :



ليس المهم ماهية العمل بل الكيفية التي تعمل بها. أي الروح التي تشتغل بها. في وسعك ان تقوم بالعظائم بطريقة صغيرة، وبالصغائر بطريقة كبيرة. كان استفانوس عظيماً ليس في ما قام به من أعمال بل في الكيفية التي عمل بها. فالروح التي تقوم بها بعمل ما، هي العبير الذي يحيط بالعمل، ويجعل للعمل رائحته الزكية أو الرديئة.
 
كان عمل استفانوس ( خدمة الموائد )، ولكنه قام بعمله بطريقة جعل فيه ( خدمة الموائد ) أقرب شيء لمائدة الرب. أي ان تلك الموائد ضمت حولها اناسا مختلفي القوميات لياكلوا خبزاً أصبح في آخر الامر بمثابة خبز الحياة. كان استفانوس شماساً فصار شعلة نوراً لجميع الاجيال ولا سيما في امور الحياة العادية.


2 - كان مستقيماً :



عندما كان استفانوس يبصر يتيماً ينحني عليه في رقة وحنان، ولا يرى ارملة تبكي، دون أن تذرف عيناه دموعاً لتعاستها وآلامها، ولا يمكن أن يبصر جائعاً يتلوى من الجوع دون أن يطعمه ويشبعه.

كان استفانوس مستقيماً، ونـزيهاً، وعل حد قول سفر الاعمال " مشهوداً له " ( 6 : 3 ) وهذه صفة جوهرية. لان ما من شيء يعوض عن النقص في الاستقامة والسمعة، وما من مقدار من ( الفضائل الخيالية ) أو ( الروحانية الخيالية ) يمكن ان يحل محل الخلق البسيط المستقيم.

ان السؤال الاهم حول خلق أي انسان. هو هل ثمة ظروف يمكن ان يكذب فيها هذا الانسان ؟ ان كان الامر كذلك فالمعنى ان هناك دودة تنخر قلبه. أم قال يسوع :  " ان لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق ؟ " ( لوقا 16 : 11 ).


3 -  كان مملوءاً بالايمان والقوة :



ان شجرة حياة استفانوس تمد اصولها إلى الينبوع، عند مجاري المياه، فإذا رأيت فيه الجمال كل الجمال، وإذا رأيت فيه الاخضرار كل الاخضرار، وإذا رأيت فيه البهاء كل البهاء، فالسر أنه لم يأخذ قليلاً من الروح القدس، أو جدولاً ضحلاً من الملء الإلهي، بل أخذ الملء كله. إن كل مؤمن يأخذ من الله شيئاً، لكن الفرق بين مؤمن ومؤمن، هو الفرق بين من يسكن فيه روح الله ومن يمتلئ بروح الله .

نلاحظ كيف جمعت ( الايمان والقوة ) معاً. ان ( الايمان ) ياتي أولاً و ( القوة ) هي نتيجة جانبية للايمان. فان طلبت القوة اولاً فانك لن تجدها. لان ذلك يعني انك انت نقطة الارتكاز وتريد القوة، والمرجح انك تريد القوة لتستخدمها في دعم نفسك. وقد تضع الصبغة ( الروحية ) الى جانب القوة. في قرارة نفسك تكمن رغبتك في ان تحتل انت المركز الحساس وتكون ذلك الرجل الذي يستخدمه الله على نطاق واسع.

اما ان كنت تطلب ( الايمان ) أولاً فعندئذ تكون حياتك متمركزة في الله، لا في ذاتك أي انك تتوق الى نعمة الله وتطلبها، وتجلس عند موطئ قدميه ولا تريد سواه، ثم تأتيك ( القوة ) من الله كنتيجة فرعية لموقفك هذا، فالذين يطلبون القوة لا يجدونها.

اما الذين يطلبون الله أولاً وآخراً ودائماً فانهم يجدونه. ويجدون القوة ايضاً، ومتى اعطيت القوة تستخدمها لاغراض الملكوت، وليست لاغراضك الخاصة. يستطيع الله ان يهب القوة فقط للنفوس الخاضعة المستسلمة التي افلست من ذاتها، واية قوة روحية اخرى هي مجرد قوة بالكلام لا بالحياة.
قال يسوع : " تنالون قوة " فقط عندما تكونون " شهوداً لي " وليس لانفسكم، وما الإيمان إلا أن يطل المرء ببصيرته ويتشدد لأنه يرى من لا يرى، هو انطلاق الرؤيا إلى العالم الأسمى والأعظم والأجل، العالم الابدي، وكان استفانوس يعيش مع هذا العالم وبعمق في حياة الإيمان. لقد رأيناه في اللحظة الاخيرة يرى السماوات مفتوحة، ولنا أن نتأكد تماماً أنه عاش وعينه على الدوام مفتوحةعلى العالم الابدي !!.  كما قال المرنم : " ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني ".


4 -  كان ممتلئاً روحاً وحكمة :



المسيحي الحقيقي يملك ( الروح ) و ( الروح ) يملك المسيحي . كثيراً ما اجد نفسي اصلي هذه الصلاة ( يا رب، اني لك ) تتخلل صلواتي كاللازمة، ومتى صح ذلك حلت كل عقدة ومشكلة، فلو كنا نحن مسؤولين عن انفسنا، لكنا كالأرغفة الخمس والسمكتين بين يدي غلام. أي غير أكفاء، ولكن اذا وضعنا انفسنا بين يدي يسوع نكون تلك الأرغفة الخمسة والسمكتين ذاتها، ولكن أكفاء لجمهور كبير. ان الحياة الروحية التي توجها الحكمة كثيرة الفائدة. ام اذا وجهتها الغباوة فانها مصيبة، هناك بعض لهم روح دون حكمة، وبعض لهم حكمة دون روح، وكلاهما ضعيف. اما متى جمعت الحكمة والروح معاً فانهما يجعلان المرء مسيحياً بالحق. يقول سفر الاعمال انهم اثناء النقاش " لم يقدروا ان يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم بهما استفانوس " ( اع 6 : 10 ).

كانت روح استفانوس والروح القدس ممتزجين، وما ذلك إلا من الامتيازات التي ينعم بها المسيحي المؤمن.

أعني انه يستطيع ان يسمو بجميع طاقاته بواسطة الروح القدس، ومعنى ذلك ان شيئاً جديداً يضاف الى حياته بحيث يصبح كل ما يقوله ويفعله ذا وزن  ( اضافي ).


5 - حمل أعباء مهمة تفوق قدرته :



حمل استفانوس مهمة كانت تفوق قدرته، فجعله ذلك شخصاً عظيماً. حدث ان برزت المشكلة العنصرية للمرة الاولى في الكنيسة الاولى، وكان على الكنيسة ان تواجهها وتحلها، وقد حلتها بروح السماحة : " ان كنتم تعتقدون ان الارامل اليونانيات قد هضمت حقوههن كأننا نضع امر العناية بهن بين ايدي اليونانيين " كان لكل من السبعة الشمامسة اسم يوناني ما عدا ( استفانوس )  فلما وصلوا اليه كانت ردة الفعل انه للجميع، وهو فوق العنصرية، وكان ان اختاروه مع اليونانيين. لانه كان ملكاً للجميع، وما كان اختيار تلك الفرقة ذات الاكثرية اليونانية الا لوضع المسؤولية على من ظنوا انفسهم مهضومي الحقوق، وبذلك أنيط بهم القيام بعمل أفضل، فأعطوا الارامل ما كان يحق لهن. اجل لقد حلت المشكلة بروح السماحة، وصعوبة المهمة هي التي صنعت استفانوس، وان استفانوس عمل كل شيء بطريقة مقدسة لكنه بينما كان ينهمك في خدمة الموائد لم يكن يدع عمله يستغرق كل ما لديه من وقت، وجهد بحيث يمنعه من البشارة. حقيقة الامر هي انه اصبح اكثر غيرة في التبشير ايضا،ً فان اطول عظة مدونة في كتاب العهد الجديد ألقاها علماني هو الشماس استفانوس.
ان استفانوس خدم الموائد بكفاءة، وبصورة حسنة بحيث كان لديه الوقت للتبشير لقد جمع استفانوس في نفسه صفات مرتا ومريم، ومن الضروري ان تكون مريم ومرتا واحداً في منزل كل نفس مسيحية، فالاقتصار على مرتا هو ضعف، وكذلك الاقتصار على مريم. انما الجمع بينهما هو القوة الشديدة، والتأثير الشديد. ان حاجتنا القصوى هي الى علمانيين على احر من الجمر في التبشير.




6 -  رأوا وجهه وكأنه وجه ملاك  :




لما شهدوا عليه زوراً امام السنهدريم " رأوا وجهه وكأنه وجه ملاك " ( اع 6 : 15 ) كان لدى استفانوس القوة على تحويل شهادة زور الى نور، فحتى الكذب تحول الى نفع، فبينما كانت تنهال عليه الاكاذيب كانت تتحول الى نور عجيب، وهنا السيادة ان تكون قادراً على الافادة حتى من الاكاذيب، فالرجل الذي يثبت واقفاً لاجل قضية ما، سينعم بوجه مشرق لامع. على الرغم من كل شيء والعكس بالعكس. من لا يقف لاجل شيء فوجهه يخلو من كل شيء. " كان استفانوس رجلاً ينظر الى ما وراء الضيق ليرى مجد الله له " .

حيث نرى في اعمال الرسل( 7 : 54 _ 55 ) " فلما سمع المجتمعون كلام استفانوس، ملأ الغيظ قلوبهم فخنقوا وصروا باسنانهم عليه، واما هو فشخص الى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأى مجد الله " لو كنا نحن هناك لربما كنا نرى الضيق. لا مجد الله. اما هو فرأى مجد الله بوصفه الشيء العظيم الثابت، و( الضيق ) كشيء تافه عابر، تجمع نظره على نقطة واحدة، العرش في الوسط، والضيق على الهامش. اجل، ان الطريق هو طريق النظر الصحيح. الكبير يبقى كبيراً، والصغير يبقى صغيراً. يقول النص في (اع 7 : 57 ) " فصاحوا بصوت عظيم وسدوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة " اندفعوا بقوة كرجل واحد، ولكنهم لم يقدروا ان يدفعوه أو يزحزحوه عن موقفه، بقصد ان يتبني موقفهم. فقد حافظ استفانوس على روحه بسماحة ليسوع ان يحفظها له " ايها الرب يسوع اقبل روحي " ( اع 7 : 59 ) وهكذا صار، فأن الرب حفظ روحه سليمة صحيحة. لم يدع استفانوس سلوك الآخرين يؤثر في سلوكه. لا سيما وانه كان يتصرف بدافع المبدأ لا بدافع الضغط. ان مأساة المقاومة او الاضطهاد هي اننا غالباً ما نتنزع سلاح خصمنا ونحارب به عوض ان نحارب بسلاحنا. انما يجب ان نعلم اننا إن استخدمنا الكراهية فسنصبح مكروهين والسبب هو اننا نولد مما نعطي. استفانوس اعطى المحبة فولد منها.


7 - سامح اعداءه في نفس اللحظة التي أوذي فيها :



ان علاقة استفانوس وقربه من الله هو الذي ألهمه الشجاعة التي لا يملكها إنسان مهما كان خارق الجسارة أو البطولة دون مساعدة الله !! ، ( وقد شاء الله ان يقترب من استفانوس في احرج ساعة له على الارض، فانفرجت السماء عن العرش العظيم والمسيح القائم عن اليمين، وهنا ارتفع الرجل فوق البشر والظرف، وتملكته القوة الخارقة )  التي تسيطر عادة على الابطال والشهداء في أعظم المواقف التي يتعرض لها الإنسان بين الناس، وهنا نرى الشاهد، وبسالة الشهيد. هنا نرى الوجه وقد اضاء بلمعان سماوي، فلم يعد وجه انسان، بل اضحى وجه ملاك، ( وفي الحقيقة ان استفانوس كان قريباً جداً من السيد المسيح، ويكفي أنه، والحجارة تنهال عليه، فعل مثل سيده تماماً وهو على الصليب ) ، فلم يطلب الغفران للمسيئين إليه، كما غفر المسيح فحسب. بل صلى أيضاً مثل سيده وهو يستودع روحه : " ايها الرب يسوع أقبل روحي " ( اع 7 : 59 ). ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم : " يا رب لا تقم لهم الخطيئة " ( اع 7 : 60 ) كانت احدى كلماته الاخيرة ( لهم )، فعوض ان يفكر في نفسه ويرثي لحاله، كان فكره محصوراً في الآخرين. هذه هي المسيحية العاملة العملية وهنا بلغت الاخلاق ذروتها وعدا لقول السيد المسيح على الصليب " يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون ". فاننا نجد هنا أروع روح مسيحية على الاطلاق دونها لنا الكتاب المقدس ان مسامحة الاعداء هي الروح المسيحية الصحيحة في افضل حالاتها واسماها، فالزنبقة المدوسة تعطر القدم التي داستها.

رب قائل يقول : ( لكن ما الفائدة من ذلك ؟ الكلمة الفصل هي للقوة، لان في نهاية الامر الم يكن استفانوس تحت الحجارة ‍ الم تكسب الحجارة المعركة ؟ ) حسب الظاهر نعم ولكن حسب الظاهر فقط. ما عليك إلا ان تنظر الى النتيجة. كان الشاب شاول واقفاً هناك ( راضياً بقتله ) الى حين، ثم ثار في صدره شيء لم يوافق على القتل، ولا على شاول نفسه فانه لم يقدر ان ينسى ذلك الوجه الذي كان لاستفانوس، ولا تلك الصلاة التي رفعها. احس وكأنهما يلاحقانه فصار يرفس مناخس. ثم التقاه يسوع على طريق دمشق، فسقط على الارض أعمى لا يبصر وعلى اثر ذلك تغير تغيراً جذرياً، واصبح أعظم مؤمن مسيحي في التاريخ. فنرى ان سقوط استفانوس أدى الى نهوض شاول فمن كان الرابح الحجارة ام الروح ؟

الحجارة هي الان حجارة صغيرة على جانب الطريق في فلسطين. اما روح استفانوس فتزحف حية عبر العصور والدهور. الروح هي التي تنتصر. بل الروح المسيحية دائماً تنتصر ان دفنتها قامت في اليوم الثالث، وان رجمتها انتشرت في الارض كلها.


الخاتمة :

حينما نقرأ عن وصف الجماعة الأولى ( الكنيسة ) بمعجزاتها، وشركتها وكرمها، نتمنى لو كنا جزءاً من هذه الكنيسة ( الكاملة ) !!، ولكنها في الحقيقة كانت تعاني من المشاكل كما نحن اليوم. فلم توجد كنيسة كاملة، ولن توجد، حتى مجيء المسيح ثانية واتحاده بكنيسته. فان كانت السلبيات الموجودة في كنائسنا اليوم تتعبنا. علينا أن نعمل كل ما نستطيعه لكي تصبح كنيستنا أفضل وأن تتقرب من الكمال.

لقد ازدادت احتياجات الكنيسة الأولى بنموها وازدياد حجمها، واحدى هذه الاحتياجات، كانت تنظيم توزيع الطعام على المحتاجين. وكان على الرسل ان يتفرغوا للكرازة، ولذلك اختاروا آخرين للقيام بخدمة الموائد وتوزيع الطعام. فلكل انسان دور اساسي يلعبه في حياة الكنيسة، انظر(1 كورنتوس 12 : 27 _ 28 ) " فالواقع أنكم أنتم جميعاً جسد المسيح، وأعضاء فيه كل بمفرده. وقد رتب الله في الكنيسة أشخاصاً مخصوصين :

أولاً الرسل،

ثانياً الأنبياء،

ثالثاً المعلمون،


وبعد ذلك اصحاب المواهب المعجزية أو مواهب الشفاء أو إعانة الآخرين أو تدبير الشؤون أو التكلم باللغات المختلفة ". فان كنت في موقع المسؤولية والقيادة، ووجدت نفسك غارقاً في الاعمال، حدد مواهبك وقدراتك المعطاة لك من الله، ورتب أولوياتك واهتماماتك، وابحث بعد ذلك عمن يعينك في اعمالك. اما ان لم تكن في موقع القيادة فلا بد أن لديك مواهب يمكنك استغلالها في خدمة الله في مجالات الخدمة المختلفة في الكنيسة. قدم هذه المواهب لخدمة الله ومساعدة القادة.

كما فعل الرسل الاولون عندما اختاروا الشماس استفانوس لخدمة الموائد لم يأخذ هذه المهمة الادارية باستخفاف. ولاحظ هنا مؤهلات المسؤول عن خدمة الموائد وتوزيع الطعام :


1_ الحكمة،

2_ الامتلاء من الروح القدس،

3_ شهادة الجميع له.


والاعمال التي تتطلب المسؤولية ومعاملة الناس مطلوب لها قادة بنفس المواصفات والمؤهلات. ولا بد ان نبحث اليوم عن قادة لكنائسنا، ممن لهم سمعة حسنة، وممتلئين من الروح القدس والحكمة وناضجين روحياً، كانت أولويات الرسل صائبة. فينبغي ألا نهمل خدمة الكلمة بسبب الاعباء الادارية. وينبغي ألا يحاول الخادم، ولا أن يتوقع منه أن يقوم بكل شيء بنفسه، فلا بد أن يوزع أعباء الكنيسة على أعضائها.

الراهب آشور ياقو البازي


11
أول شهيد في المسيحية
الشماس استفانوس
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


المقدمة :


لقد تأصل الإنجيل في العالم في المواضع التي ارتوت بدماء الشهداء، وقبل أن يقدر انسان أن يقدم حياته من اجل الكلمة لا بد أولاً أن يحيا حياته من اجل كلمة الله. ومن الطرق التي يدرب بها الله خدامه هي أن يضعهم في مراكز تافهة وبسيطة. حيث تترجم رغبتهم في خدمة المسيح إلى خدمتهم العملية للآخرين. وقد كان استفانوس إدارياً ممتازاً وصاحب رسالة، قبل أن يصبح شهيداً، وكان استفانوس، إلى جانب حسن إدارته وحكمته، خطيباً مفوهاً بليغاً، فعندما قوبل استفانوس بجماعات مختلفة من المعارضين كان منطقه في الرد عليهم مفحماً ومقنعاً، وهذا واضح من الدفاع الذي أدلى به أمام المجلس السنهدريمي. فقد عرض موجزاً لتاريخ اليهود متخذاً منه تطبيقات قوية أصابت مستمعيه في مقتله, ولا بد أن استفانوس كان يعلم، وهو يعرض دفاعه، انه ينطق بحكم الموت على نفسه. ولم يقدر أعضاء المجلس المجتمعون أن يحتملوا كشف دوافعهم الشريرة، ولذلك رجموه بالحجارة حتى الموت، بينما كان يصلي طالباً لهم الغفران. وتبين كلماته الاخيرة كيف صار شبيهاً بالمسيح في وقت قصير. وقد كان لموت استفانوس أثر فعال مستمر على الشاب شاول   ( بولس ) الطرسوسي الذي تحول من مضطهد عظيم للمسيحيين إلى واحد من ابطال الانجيل العظماء الذين عرفتهم الكنيسة. ان حياة استفانوس تحد مستمر لكل المسيحيين. ولانه كان أول من مات شهيداً من اجل الايمان.
 
كانت الحياة المسيحية في استفانوس بسيطة. خالية من التكلف والتصنع، ومن الاهمية بمكان كبير أن أول شهيد وابرز مسيحي في العهد الجديد كان علمانياً. لم يكن استفانوس واحداً من ( الاثني عشر ) بل واحداً من ( السبعة ). ان اسم استفانوس يعني ( تاج ) أو ( اكليل ) وليس من السهل ان نعلم الكثير عنه خارج ما كتب في سفر اعمال الرسل.

هو اول جندي من جنود المسيح فاز بالتاج أو الاكليل، فما اسرع ما نراه كومضة من النور الباهر في احشاء الظلام. أو كالبرق الذي يلمع في الليل الحالك، ويترك نوره أثراً في الكيان والذاكرة، مع انه مر بالتاريخ والكنيسة مثل هذه الومضة، إلا ان وهج حياته القصيرة. عاش ويعيش خالداً على مدى مر الايام !!.

   
ان اهم الاعمال والصفات الشخصية والنقاط الاساسية التي تميز بها الشماس استفانوس هي كما يلي :


1 - إنه الرجل الذي جعل قيمة لما لا قيمة له :



ليس المهم ماهية العمل بل الكيفية التي تعمل بها. أي الروح التي تشتغل بها. في وسعك ان تقوم بالعظائم بطريقة صغيرة، وبالصغائر بطريقة كبيرة. كان استفانوس عظيماً ليس في ما قام به من أعمال بل في الكيفية التي عمل بها. فالروح التي تقوم بها بعمل ما، هي العبير الذي يحيط بالعمل، ويجعل للعمل رائحته الزكية أو الرديئة.

كان عمل استفانوس ( خدمة الموائد )، ولكنه قام بعمله بطريقة جعل فيه ( خدمة الموائد ) أقرب شيء لمائدة الرب. أي ان تلك الموائد ضمت حولها اناسا مختلفي القوميات لياكلوا خبزاً أصبح في آخر الامر بمثابة خبز الحياة. كان استفانوس شماساً فصار شعلة نوراً لجميع الاجيال ولا سيما في امور الحياة العادية.


2 - كان مستقيماً :



عندما كان استفانوس يبصر يتيماً ينحني عليه في رقة وحنان، ولا يرى ارملة تبكي، دون أن تذرف عيناه دموعاً لتعاستها وآلامها، ولا يمكن أن يبصر جائعاً يتلوى من الجوع دون أن يطعمه ويشبعه.

كان استفانوس مستقيماً، ونـزيهاً، وعل حد قول سفر الاعمال " مشهوداً له " ( 6 : 3 ) وهذه صفة جوهرية. لان ما من شيء يعوض عن النقص في الاستقامة والسمعة، وما من مقدار من ( الفضائل الخيالية ) أو ( الروحانية الخيالية ) يمكن ان يحل محل الخلق البسيط المستقيم.

ان السؤال الاهم حول خلق أي انسان. هو هل ثمة ظروف يمكن ان يكذب فيها هذا الانسان ؟ ان كان الامر كذلك فالمعنى ان هناك دودة تنخر قلبه. أم قال يسوع :  " ان لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق ؟ " ( لوقا 16 : 11 ).


3 -  كان مملوءاً بالايمان والقوة :



ان شجرة حياة استفانوس تمد اصولها إلى الينبوع، عند مجاري المياه، فإذا رأيت فيه الجمال كل الجمال، وإذا رأيت فيه الاخضرار كل الاخضرار، وإذا رأيت فيه البهاء كل البهاء، فالسر أنه لم يأخذ قليلاً من الروح القدس، أو جدولاً ضحلاً من الملء الإلهي، بل أخذ الملء كله. إن كل مؤمن يأخذ من الله شيئاً، لكن الفرق بين مؤمن ومؤمن، هو الفرق بين من يسكن فيه روح الله ومن يمتلئ بروح الله .

نلاحظ كيف جمعت ( الايمان والقوة ) معاً. ان ( الايمان ) ياتي أولاً و ( القوة ) هي نتيجة جانبية للايمان. فان طلبت القوة اولاً فانك لن تجدها. لان ذلك يعني انك انت نقطة الارتكاز وتريد القوة، والمرجح انك تريد القوة لتستخدمها في دعم نفسك. وقد تضع الصبغة ( الروحية ) الى جانب القوة. في قرارة نفسك تكمن رغبتك في ان تحتل انت المركز الحساس وتكون ذلك الرجل الذي يستخدمه الله على نطاق واسع.

اما ان كنت تطلب ( الايمان ) أولاً فعندئذ تكون حياتك متمركزة في الله، لا في ذاتك أي انك تتوق الى نعمة الله وتطلبها، وتجلس عند موطئ قدميه ولا تريد سواه، ثم تأتيك ( القوة ) من الله كنتيجة فرعية لموقفك هذا، فالذين يطلبون القوة لا يجدونها.

اما الذين يطلبون الله أولاً وآخراً ودائماً فانهم يجدونه. ويجدون القوة ايضاً، ومتى اعطيت القوة تستخدمها لاغراض الملكوت، وليست لاغراضك الخاصة. يستطيع الله ان يهب القوة فقط للنفوس الخاضعة المستسلمة التي افلست من ذاتها، واية قوة روحية اخرى هي مجرد قوة بالكلام لا بالحياة.

قال يسوع : " تنالون قوة " فقط عندما تكونون " شهوداً لي " وليس لانفسكم، وما الإيمان إلا أن يطل المرء ببصيرته ويتشدد لأنه يرى من لا يرى، هو انطلاق الرؤيا إلى العالم الأسمى والأعظم والأجل، العالم الابدي، وكان استفانوس يعيش مع هذا العالم وبعمق في حياة الإيمان. لقد رأيناه في اللحظة الاخيرة يرى السماوات مفتوحة، ولنا أن نتأكد تماماً أنه عاش وعينه على الدوام مفتوحةعلى العالم الابدي !!.  كما قال المرنم : " ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني ".


4 -  كان ممتلئاً روحاً وحكمة :



المسيحي الحقيقي يملك ( الروح ) و ( الروح ) يملك المسيحي . كثيراً ما اجد نفسي اصلي هذه الصلاة ( يا رب، اني لك ) تتخلل صلواتي كاللازمة، ومتى صح ذلك حلت كل عقدة ومشكلة، فلو كنا نحن مسؤولين عن انفسنا، لكنا كالأرغفة الخمس والسمكتين بين يدي غلام. أي غير أكفاء، ولكن اذا وضعنا انفسنا بين يدي يسوع نكون تلك الأرغفة الخمسة والسمكتين ذاتها، ولكن أكفاء لجمهور كبير. ان الحياة الروحية التي توجها الحكمة كثيرة الفائدة. ام اذا وجهتها الغباوة فانها مصيبة، هناك بعض لهم روح دون حكمة، وبعض لهم حكمة دون روح، وكلاهما ضعيف. اما متى جمعت الحكمة والروح معاً فانهما يجعلان المرء مسيحياً بالحق. يقول سفر الاعمال انهم اثناء النقاش " لم يقدروا ان يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم بهما استفانوس " ( اع 6 : 10 ). كانت روح استفانوس والروح القدس ممتزجين، وما ذلك إلا من الامتيازات التي ينعم بها المسيحي المؤمن. أعني انه يستطيع ان يسمو بجميع طاقاته بواسطة الروح القدس، ومعنى ذلك ان شيئاً جديداً يضاف الى حياته بحيث يصبح كل ما يقوله ويفعله ذا وزن  ( اضافي ).


5 - حمل أعباء مهمة تفوق قدرته :



حمل استفانوس مهمة كانت تفوق قدرته، فجعله ذلك شخصاً عظيماً. حدث ان برزت المشكلة العنصرية للمرة الاولى في الكنيسة الاولى، وكان على الكنيسة ان تواجهها وتحلها، وقد حلتها بروح السماحة : " ان كنتم تعتقدون ان الارامل اليونانيات قد هضمت حقوههن كأننا نضع امر العناية بهن بين ايدي اليونانيين " كان لكل من السبعة الشمامسة اسم يوناني ما عدا ( استفانوس )  فلما وصلوا اليه كانت ردة الفعل انه للجميع، وهو فوق العنصرية، وكان ان اختاروه مع اليونانيين. لانه كان ملكاً للجميع، وما كان اختيار تلك الفرقة ذات الاكثرية اليونانية الا لوضع المسؤولية على من ظنوا انفسهم مهضومي الحقوق، وبذلك أنيط بهم القيام بعمل أفضل، فأعطوا الارامل ما كان يحق لهن. اجل لقد حلت المشكلة بروح السماحة، وصعوبة المهمة هي التي صنعت استفانوس، وان استفانوس عمل كل شيء بطريقة مقدسة لكنه بينما كان ينهمك في خدمة الموائد لم يكن يدع عمله يستغرق كل ما لديه من وقت، وجهد بحيث يمنعه من البشارة. حقيقة الامر هي انه اصبح اكثر غيرة في التبشير ايضا،ً فان اطول عظة مدونة في كتاب العهد الجديد ألقاها علماني هو الشماس استفانوس.
ان استفانوس خدم الموائد بكفاءة، وبصورة حسنة بحيث كان لديه الوقت للتبشير لقد جمع استفانوس في نفسه صفات مرتا ومريم، ومن الضروري ان تكون مريم ومرتا واحداً في منزل كل نفس مسيحية، فالاقتصار على مرتا هو ضعف، وكذلك الاقتصار على مريم. انما الجمع بينهما هو القوة الشديدة، والتأثير الشديد. ان حاجتنا القصوى هي الى علمانيين على احر من الجمر في التبشير.



6 -  رأوا وجهه وكأنه وجه ملاك  :



لما شهدوا عليه زوراً امام السنهدريم " رأوا وجهه وكأنه وجه ملاك " ( اع 6 : 15 ) كان لدى استفانوس القوة على تحويل شهادة زور الى نور، فحتى الكذب تحول الى نفع، فبينما كانت تنهال عليه الاكاذيب كانت تتحول الى نور عجيب، وهنا السيادة ان تكون قادراً على الافادة حتى من الاكاذيب، فالرجل الذي يثبت واقفاً لاجل قضية ما، سينعم بوجه مشرق لامع. على الرغم من كل شيء والعكس بالعكس. من لا يقف لاجل شيء فوجهه يخلو من كل شيء. " كان استفانوس رجلاً ينظر الى ما وراء الضيق ليرى مجد الله له " .

حيث نرى في اعمال الرسل( 7 : 54 _ 55 ) " فلما سمع المجتمعون كلام استفانوس، ملأ الغيظ قلوبهم فخنقوا وصروا باسنانهم عليه، واما هو فشخص الى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس فرأى مجد الله " لو كنا نحن هناك لربما كنا نرى الضيق. لا مجد الله. اما هو فرأى مجد الله بوصفه الشيء العظيم الثابت، و ( الضيق ) كشيء تافه عابر، تجمع نظره على نقطة واحدة، العرش في الوسط، والضيق على الهامش. اجل، ان الطريق هو طريق النظر الصحيح. الكبير يبقى كبيراً، والصغير يبقى صغيراً. يقول النص في (اع 7 : 57 ) " فصاحوا بصوت عظيم وسدوا آذانهم وهجموا عليه بنفس واحدة " اندفعوا بقوة كرجل واحد، ولكنهم لم يقدروا ان يدفعوه أو يزحزحوه عن موقفه، بقصد ان يتبني موقفهم. فقد حافظ استفانوس على روحه بسماحة ليسوع ان يحفظها له " ايها الرب يسوع اقبل روحي " ( اع 7 : 59 ) وهكذا صار، فأن الرب حفظ روحه سليمة صحيحة. لم يدع استفانوس سلوك الآخرين يؤثر في سلوكه. لا سيما وانه كان يتصرف بدافع المبدأ لا بدافع الضغط. ان مأساة المقاومة او الاضطهاد هي اننا غالباً ما نتنزع سلاح خصمنا ونحارب به عوض ان نحارب بسلاحنا. انما يجب ان نعلم اننا إن استخدمنا الكراهية فسنصبح مكروهين والسبب هو اننا نولد مما نعطي. استفانوس اعطى المحبة فولد منها.


7 - سامح اعداءه في نفس اللحظة التي أوذي فيها :



ان علاقة استفانوس وقربه من الله هو الذي ألهمه الشجاعة التي لا يملكها إنسان مهما كان خارق الجسارة أو البطولة دون مساعدة الله !! ، ( وقد شاء الله ان يقترب من استفانوس في احرج ساعة له على الارض، فانفرجت السماء عن العرش العظيم والمسيح القائم عن اليمين، وهنا ارتفع الرجل فوق البشر والظرف، وتملكته القوة الخارقة )  التي تسيطر عادة على الابطال والشهداء في أعظم المواقف التي يتعرض لها الإنسان بين الناس، وهنا نرى الشاهد، وبسالة الشهيد. هنا نرى الوجه وقد اضاء بلمعان سماوي، فلم يعد وجه انسان، بل اضحى وجه ملاك، ( وفي الحقيقة ان استفانوس كان قريباً جداً من السيد المسيح، ويكفي أنه، والحجارة تنهال عليه، فعل مثل سيده تماماً وهو على الصليب ) ، فلم يطلب الغفران للمسيئين إليه، كما غفر المسيح فحسب. بل صلى أيضاً مثل سيده وهو يستودع روحه : " ايها الرب يسوع أقبل روحي " ( اع 7 : 59 ). ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم : " يا رب لا تقم لهم الخطيئة " ( اع 7 : 60 ) كانت احدى كلماته الاخيرة ( لهم )، فعوض ان يفكر في نفسه ويرثي لحاله، كان فكره محصوراً في الآخرين. هذه هي المسيحية العاملة العملية وهنا بلغت الاخلاق ذروتها وعدا لقول السيد المسيح على الصليب " يا ابتاه اغفر لهم لانهم لا يعلمون ماذا يفعلون ". فاننا نجد هنا أروع روح مسيحية على الاطلاق دونها لنا الكتاب المقدس ان مسامحة الاعداء هي الروح المسيحية الصحيحة في افضل حالاتها واسماها، فالزنبقة المدوسة تعطر القدم التي داستها.

رب قائل يقول : ( لكن ما الفائدة من ذلك ؟ الكلمة الفصل هي للقوة، لان في نهاية الامر الم يكن استفانوس تحت الحجارة ‍ الم تكسب الحجارة المعركة ؟ ) حسب الظاهر نعم ولكن حسب الظاهر فقط. ما عليك إلا ان تنظر الى النتيجة. كان الشاب شاول واقفاً هناك ( راضياً بقتله ) الى حين، ثم ثار في صدره شيء لم يوافق على القتل، ولا على شاول نفسه فانه لم يقدر ان ينسى ذلك الوجه الذي كان لاستفانوس، ولا تلك الصلاة التي رفعها. احس وكأنهما يلاحقانه فصار يرفس مناخس. ثم التقاه يسوع على طريق دمشق، فسقط على الارض أعمى لا يبصر وعلى اثر ذلك تغير تغيراً جذرياً، واصبح أعظم مؤمن مسيحي في التاريخ. فنرى ان سقوط استفانوس أدى الى نهوض شاول فمن كان الرابح الحجارة ام الروح ؟

الحجارة هي الان حجارة صغيرة على جانب الطريق في فلسطين. اما روح استفانوس فتزحف حية عبر العصور والدهور. الروح هي التي تنتصر. بل الروح المسيحية دائماً تنتصر ان دفنتها قامت في اليوم الثالث، وان رجمتها انتشرت في الارض كلها.


الخاتمة :

حينما نقرأ عن وصف الجماعة الأولى ( الكنيسة ) بمعجزاتها، وشركتها وكرمها، نتمنى لو كنا جزءاً من هذه الكنيسة ( الكاملة ) !!، ولكنها في الحقيقة كانت تعاني من المشاكل كما نحن اليوم. فلم توجد كنيسة كاملة، ولن توجد، حتى مجيء المسيح ثانية واتحاده بكنيسته. فان كانت السلبيات الموجودة في كنائسنا اليوم تتعبنا. علينا أن نعمل كل ما نستطيعه لكي تصبح كنيستنا أفضل وأن تتقرب من الكمال.

لقد ازدادت احتياجات الكنيسة الأولى بنموها وازدياد حجمها، واحدى هذه الاحتياجات، كانت تنظيم توزيع الطعام على المحتاجين. وكان على الرسل ان يتفرغوا للكرازة، ولذلك اختاروا آخرين للقيام بخدمة الموائد وتوزيع الطعام. فلكل انسان دور اساسي يلعبه في حياة الكنيسة، انظر(1 كورنتوس 12 : 27 _ 28 ) " فالواقع أنكم أنتم جميعاً جسد المسيح، وأعضاء فيه كل بمفرده. وقد رتب الله في الكنيسة أشخاصاً مخصوصين :


أولاً الرسل،

ثانياً الأنبياء،

ثالثاً المعلمون،


وبعد ذلك اصحاب المواهب المعجزية أو مواهب الشفاء أو إعانة الآخرين أو تدبير الشؤون أو التكلم باللغات المختلفة ". فان كنت في موقع المسؤولية والقيادة، ووجدت نفسك غارقاً في الاعمال، حدد مواهبك وقدراتك المعطاة لك من الله، ورتب أولوياتك واهتماماتك، وابحث بعد ذلك عمن يعينك في اعمالك. اما ان لم تكن في موقع القيادة فلا بد أن لديك مواهب يمكنك استغلالها في خدمة الله في مجالات الخدمة المختلفة في الكنيسة. قدم هذه المواهب لخدمة الله ومساعدة القادة.

كما فعل الرسل الاولون عندما اختاروا الشماس استفانوس لخدمة الموائد لم يأخذ هذه المهمة الادارية باستخفاف. ولاحظ هنا مؤهلات المسؤول عن خدمة الموائد وتوزيع الطعام :


 1_ الحكمة،

2_ الامتلاء من الروح القدس،

3_ شهادة الجميع له.


والاعمال التي تتطلب المسؤولية ومعاملة الناس مطلوب لها قادة بنفس المواصفات والمؤهلات. ولابد ان نبحث اليوم عن قادة لكنائسنا، ممن لهم سمعة حسنة، وممتلئين من الروح القدس والحكمة وناضجين روحياً، كانت أولويات الرسل صائبة. فينبغي ألا نهمل خدمة الكلمة بسبب الاعباء الادارية. وينبغي ألا يحاول الخادم، ولا أن يتوقع منه أن يقوم بكل شيء بنفسه، فلا بد أن يوزع أعباء الكنيسة على أعضائها.


الراهب آشور ياقو البازي

12
سفر يونان النبي وصوم نينوى ( الباعوثا )
[/b]


الراهب آشور ياقو البازي


المقدمة


سفر يونان من أقصر أسفار العهد القديم، وهو السفر الخامس من بين أسفار ( الأنبياء الصغار )، يتكون من أربعة فصول فيها ( 48 ) آية، قد يعود زمن تأليفه إلى مرحلة ما بعد الجلاء ( السبي )، وهو أكثر من نبوءة، فهو حكاية، أو مثل ( مدراش ) يتطرق إلى مسألة تعليمية، ويعتبر من أكثر قصص الكتاب المقدس شعبية، فيها كل عناصر الامثولة، وتمتاز بطابع الدعابة والغرابة، وقد اعتدنا أن نسمعها كل سنة، أثناء صوم نينوى، ولا سيما ان أحداثه قد وقعت في بلادنا، ولقد أبدع الكاتب في سرد حكايته باسلوب رائع، يتحدث المؤلف من خلاله عن شخص يدعى يونان، سلمت إليه رسالة من الله لينقلها إلى شعب وثني ، ليعلن له حدوث كارثة.

فسره الكثير، وانكب عليه علماء النفس أيضاً لدراسته، ولكن معظم الناس لا يتذكرون من السفر سوى قصة الحوت الذي ابتلع يونان النبي.

في المقال المتواضع هذا ، سوف أتحدث في الفصل الأول منه بصورة موجزة عن محتويات السفر، وعن أهم الآراء التي كتبت بشأنه، وكذلك عن مكان وبيئة السفر، وتاريخ كتايته، كما سأتطرق في الفصل الثاني عن مدينة نينوى التي كرز فيها النبي يونان بعد هروبه إلى ترشيش، وأهم الأحداث التي رافقته. كما أتحدث عن صوم نينوى ( الباعوثا ) .

وأخيراً ان سفر يونان رواية تعليمية، نتعلم منها ونأخذ أهم الدروس والمعاني والرموز التي تساعدنا في حياتنا المسيحية المعاصرة.



الفصل الأول

محتويات
سفر يونان



يختلف هذا السفر، عن سائر الأسفار النبوية في أنه، لا يحتوي كلياً، أو خصوصاً على أقوال لفظها النبي باسم يهوه، ولكنه يحتوي على رواية في النبي. إنه يبتدئ باسلوب الرواية :  " صار كلام يهوه إلى يونان بن أمتاي قائلاً "( يونان 1 : 1 )، ويحكي كيف أن يونان اجتهد في تجنب أمر يهوه بمناداة نينوى على التوبة، محاولاً الهروب بسفينة من يافا إلى ترشيش. أتت عاصفة كبيرة من قبل الله بسببه فكادت السفينة تغرق ( يونان 1 : 4 ) فيطرحه الملاّحون في البحر لتهدئة العاصفة فتبتلعه سمكة كبيرة وبعد ما كان في بطن السمكة ثلاثة ايام .

لفظ نشيد شكر ( يونان 2 : 3 _ 10 )، فقذفته السمكة إلى البرّ ( يونان 2 : 10 )، والآن يطيع أمر يهوه المجدّد بأن يكرز في نينوى بالتوبة. يتّضع أهل نينوى، ويترك الله العقاب الذي قصده ( يونان 3 : 2_5). فيغرق يونان في عواطف اليأس، فيفهمه الله جنون موقفه، بجعل يقطينةً تنمي وتظلّل يونان، ثم يجعلها الله تيبس، فيبقى يونان بدون ظلّ، ويغتاظ من أجل النبتة الميتة، فيوبّخه يهوه على اغتياظه من أجل النبتة. كم بالأحرى ليهوه حق في الشفقة على المدينة الكبيرة التي فيها " أكثر من مئة وعشرين ألف نسمة لا يعرفون يمينهم من شمالهم، فضلاً عن بهائم كثيرة " ( يونان 4 : 11 ).



أراء حول سفر يونان


هناك رأيان متباينان بشأن هذا السفر، فأحدهما وهورأي المفسرين المحدثين لا يعتبره تاريخياً. بل مجازاً أي رواية تمثيلية موضوعة في قالب تاريخي، وانه كتب في عهد حديث ، أي ليس قبل القرن الرابع أو الخامس قبل المسيح، ويبنون رأيهم على ما ياتي :

1_ وجود السفر مع الاسفار النبوية وليس مع الاسفار التاريخية.

2_ذكر معجزات تختلف عن المعجزات المذكورة في الاسفار التاريخية، ولا سيما النبأ المتعلق بالحوت.

3_عدم الاتفاق بين ما قبل في توبة أهل نينوى من كبيرهم إلى صغيرهم، وما يعرف عن تاريخ نينوى وما جاء في سفر ناحوم ( 3 : 1 ) " ويل لمدينة الدماء كلها ملآنة كذباً  وخطفاً "، " جرحك عديم الشفاء كل الذين يسمعون خبرك يصفقون بأيديهم عليك " ( ناحوم 3 : 19 )، وناحوم عاش بعد يونان.

4_ ما جاء في ارميا ( 51 : 34 و 44 ) " أكلني نبوخذنصر ملك بابل. أفناني وجعلني إناءً فارغاً. ابتلعني كالتنين. ملأ جوفه من لذائذي ... وأخرج من فمه ما ابتلع " وهذا القول تشبيه بغير شك، فيقولون ان رواية يونان هي أيضاً تشبيه.

أما الرأي الآخر، وهو رأي المحافظين من الشراح، فيعتبره سفراً تاريخياً  كتبه يونان بن امتاي نفسه ومما يثبت ذلك :

1_ نفس الكلام ، فأنه لا يقول: صار قول الرب إلى انسان " بل إلى يونان بن أمتاي.. الخ ".

2_ كلام يسوع المسيح اذ قال : " لانه كما كان يونان في بطن الحوت... الخ، رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينوه، لانهم تابوا بمناداة يونان. وهوذا أعظم من يونان ههنا "

3_ ان نبأ الحوت ليس من الحكايات التي غايتها أن تثير فضول الناس، ودهشتهم بل غايته الرمز إلى موت االمسيح وقيامته. ( ليس بامكاننا أن نجزم بذلك فهي قراءة مسيحية ).

أما بخصوص توبة أهل نينوى من المحتمل انهم تابوا توبة وقتية فقط، ولم تذكر هذه التوبة إلا في هذا السفر، ولعل السفر جعل في عداد الأسفار النبوية.

لان ما ورد فيه يرمز إلى امور مستقبلية، كقيامة يسوع المسيح، وتبشير الأمم وسواء قبل هذا الرأي، أو ذاك فالدرس الذي يلقيه السفر واحد.



من هو يونان

في ( 2 ملوك 14 : 25 ) يذكر نبي اسمه يونان بن أمتاي، من جت حافر من أعمال الجليل. جاء في التلمود، انه ابن أرملة صرفة الذي أقامه ايليا النبي ، إلأ أنه ليس ثمة سند كاف لإثبات هذه الرواية، وربما يكون واحداً من جماعة الأنبياء الذين جاء ذكرهم مرتبطاً بارسالية ايليا ( 2 ملوك 2 : 3 ). يروي المقطع في سفر الملوك، أن هذا النبي أي يونان بن امتاي تنبأ وأعلن في أيام يربعام الثاني ملك السامرة ( 784 _ 753 ) ان مملكته سوف تتوسع مرة اخرى إلى سعة مملكة داود .

ان الصيغة السريانية والعربية للاسم العبري ( يونة ) ( ܥܘܢܢ ) معناه حمامة، وأول نبوءة فاه بها تلائم اسمه، لانه تنبأ بتعزية شعب الله، واخبرهم ان الله نظر لمذلتهم وانه سيخلصهم من الاراميين، كما نجد ذلك في سفر ( 2 ملوك 14 : 25 _ 27 ). وكانت نبوءته هذه مطبوعة بطابع وطني أدبي خلقي كنبوءة هوشع، وعاموس، وهذا النوع من النبوات كان يصادف هوى في قلب الشعب العبراني.

إذاً كان في منتصف القرن الثامن نبي بهذا الاسم، ولكن يمكننا السؤال هل للسفر الذي سمي باسمه _ والذي لا ينسب إليه _ صلة به غير استعمال اسمه ؟

إعلانه الوارد في ( 2 مل 14 : 25 ) لا علاقة له بالرسالة الموكولة إليه حسب السفر. لكن من الممكن ان قصة أخذت تجري منذ أيام هذا النبي، أو حالاً بعد موته، بخصوص اعتراض منه، فاشل في اخر أمره، على رسالة من قبل يهوه، على مثال قصة مماثلة عن ايليا في وقت سابق  ( 1 ملوك 19 : 4 _ 8 ).

كذا قصص اسطورية تحوي مقداراً من الواقع التاريخي، بقدر ما كان الاصطدام بين الاندفاع النبوي، وبين الرغبات والمقدورات البشرية _ وهو ظاهر جلي في حالة ارميا _ جزءاً بديهياً من خبرة كل نبي. بالواقع سفرنا مبني على قصتين اسطوريتين من هذا  النوع : واحدة منهما تخص مقاومة يونان، المغلوب عليها أخيراً من قبل يهوه، على الرسالة لمناداة نينوى على التوبة ( يون 1 : 3)، والثانية تظهر كيف ان استياء يونان من شفقة يهوه ينتهي إلى نقطة المسخرية بعمل يهوه ( يونان 4 ) متشابك مع هاتين الروايتين  _ أو بالأحرى مع الأولى منهما _ موضوع من مواضيع الأساطير وحكايات الجن يوجد في كل أرجاء العالم، وهو موضوع ابتلاع وقذف إنسان من قبل سمكة كبيرة  .



مكان
 السفر وبيئته


لا نرى في سفر يونان على تواريخ تساعدنا على معرفة زمن تدوينه، إلا ان اسلوب الكتاب المقدس، ومفرداته هي التي تخولنا أن نحدد البيئة التي نشأ فيها، ففيه نستدل على التعابير المستعملة في اللغة العبرانية الحديثة، والواردة غالباً في نشيد الأناشيد، وفي سفر الجامعة التي تكشف عن تاثير آرامي.

كذلك كلمة ( سفينة ) ( يونان 1 : 5 )، وعبارة ( إله السماء ) ( يونان 1 : 9 ) انها مكتوبة في الأسفار اللاحقة للجلاء، ( عزرا، نحميا، دانيال)، والعبارة تعود إلى زمن الواقع بعد العودة ( السبي ) من الجلاء  .

أما نينوى فلم تعد المدينة المخفية ، كما ورد في نبوءة ناحوم، وغيره من الأنبياء، فلو لم تكن ذكريات العنف التي ترافق تأريخ نينوى قد ابتعدت عن مخيلة المؤلف، لما كان استطاع أن يتحدث بهذه الطريقة، عن توبة أهل نينوى إلى الرب.

أخيراً في سفر يونان تخمين لتعاليم الأنبياء من يوئيل وارميا بصورة خاصة. لأن اللاهوتيين حاولوا بعد الجلاء تأوين تعليم الأنبياء السابقين دون ذكر أسمائهم مباشرة.

ان مصدر سفر يونان هو أواسط القرن الخامس قبل الميلاد، فهو يصف لجماعة اورشليم في ذلك الزمان. يونان هو صورة عن البيئة التي يريد المؤلف انتقادها بطريقة لبقة . نرى فيه أرادة صاحب السفر، أن يعرض على قرائه تناقضات االبيئة انه لا ينتقد قوميتهم الضيقة فحسب، بل ديانتهم الخاطئة أيضاً.

أما مأساة يونان فهي : مأساة مؤمن في صراع مع نفسه ومع العالم، ويقول يونان على ظهر السفينة : " انا عبراني واتقي الرب " يشدد على المسافة التي تفصل اليهود عن الوثنيين، وكلماته تحمل إلى ذهننا كلمات القديس بولس الرسول في رسالته الى أهل رومة ( 2 : 17_ 21 ) " وأنت، ما يا من تسمي نفسك يهودياً، وتتكل على الشريعة، وتفتخر بالله، وتعرف مشيئته، وتميز ما هو الأفضل بما تعلمته من الشريعة، وتعتقد أنك قائد للعميان ونور لمن هم في الظلام، ومؤدب للأغبياء ومعلم للبسطاء، لأن لك في الشريعة كمال المعرفة والحقيقة. أنت، يا من يعلم غيره، أما تعلم نفسك؟ تنادي : لا تسرق، وتسرق أنت؟ "  يعيش يونان هذا التناقض، فهو بينما يعترف بايمانه ويشهد لربه، فانه يتمرد على الله، ويهرب من وجهه. ان هذه التناقضات في يونان تحمله
على تمني الموت والاستسلام له.



جماعة
 متعصبة وقومية



غابت مملكة يهوذا عن الوجود في القرن السادس قبل الميلاد، وناب منابها أقليم صغير، تشريعي قائم على التوراة، وخاضع للامبراطورية الفارسية. لقد بني الهيكل بعد خراب دام عشرات السنين، والجماعة التي تعيش حوله في اورشليم، هي جماعة قومية كهنوتية متعصبة، وجماعة انطوت على نفسها، وراحت تحافظ على اصالة الانتساب اليهودي، تحت تأثير سلطة الكهنة والكتبة. في هذه الجماعة خوف من الخطيئة وحقد على الوثنيين، فالخطيئة سببت بحسب تعاليم الانبياء، سقوط الهيكل ونهاية الملكية، وعقاب الجلاء.

أما الحقد على الوثنيين وهم بسبب فساد الشعب، فقد حمل الجماعة على التقوقع في روح قومية، ودينية، ومتعصبة، وعنصرية صلبة. ان إله الآباء، هو إله يهوذا بصورة خاصة، والاختيار لم يعد خدمة. بل حقاً متطلباً امتيازاً فردياً، لقد طردت النساء الغريبات، وابعد السامريون والأمم الوثنية، كتب لها الدمار، لا قداسة إلا في اورشليم، فالله الذي عرّفنا عنه الانبياء قد تحوّل إلى إله الجماعة المنطوية على ذاتها في حدودها الاقليمية.



تاريخ الأصل
والهدف من السفر



من هذه المواد صنع جامع مجهول مؤلفاً سفر يونان، ولا نستطيع أن نكتشف بتفاصيل ما قد لقيه حاضراً وما أضافه هو. بامكاننا فقط أن نقول بيقين أن روح العمومية الواسعة، والإنسانية المتسامحة التي تجعل السفر كذا جذاباً هي من الجامع وزمنه.

أجل، انه ممكن ان المواد الحاضرة كانت تلمح إلى تلك الأفكار تلميحاً، ولكن الاعتقاد الواضح بان رحمة يهوه، لا تنحصر في اسرائيل. بل تشمل الأمم والأجانب أيضاً. وحتى سكان مدينة بغيضة لاسرائيل، وحتى الحيوانات، يعود دون أي شك إلى الجامع. هذا ما يحدد الوقت. لا نقدر أن نتصور مثل هذه العمومية الواسعة وهذا التسامح الشامل في الفترة التي قبل المنفى.

كذلك العبارات الارامية الواردة في السفر( 1 : 7 بسبب من ؟ ، و 3 : 1  المناداة ، وغيرهما) . ليس السفر من بعد 200 ق.م ، إذ يعرفه ابن سيراخ ( 49 : 10 )، وطوبيا  ( 14 : 4 ) " لأني أومن بنبوءة ناحوم النبي أن دمار نينوى أصبح قريباً وأن السلام يكون في ماداي، وأن بني قومنا يبقون مشتتين في الأرض بعيداً عن أورشليم المقدسة التي تخرب ويحترق فيها هيكل الله ويقفر إلى حين " اللذان نشأ في أوائل القرن الثاني.

كتابنا واقف في سفر الاثني عشر بين الكتب المتأصلة _ حقيقة أو اعتباراً _ من القرن الثامن.

هذا التوقيت يجاوب أمر النبي يونان ( 2 ملوك 14 ) عاش في القرن الثامن. ولكن لا نقدر أن نقول اذا كان وضع الكتاب هناك يقصد ان الكاتب أيضاً من القرن الثامن. على كل حال، هذا التوقيت ( للكتاب ) ليس أكثر من توقيت يوئيل وعوبديا حتمياً  .



انفتاح
مؤلف سفر يونان



تجعلنا هذه الخلفية التاريخية، نكتشف رفض سفر يونان هذه القومية، اننا نفهم رفض يونان، وتمرده أمام دعوة الله له، فأن الله يطلب منه أن يعمل ما يعاكس تماماً اللاهوت الرسمي، الذي كان يحيط به، ولا يذكر سفر يونان اورشليم، ويهوذا، ولا يذكر الهيكل، إلا في المزمور، فأن سفر يونان يتجاهل امتيازات سكان اورشليم، فإن خلاص أهل نينوى، وخلاص اسرائيل رسالة واحدة في نظر إله يونان، وهذا أمر لا يطاق  .

يحاول يونان الهرب من وجه الله، لأن خلاص نينوى لا يعني له شيئاً، فالوثنيون في نظره نجسون. لكن كاتبنا يصفهم أشد من يونان تديناً، وأشد منه إنسانياً، فالبحارة يتوسلون إلى الله، ويكتشفون عمله في الأحداث، وينتقدون عدم طاعة يونان، ويحترمون في الوقت نفسه حياته، ويقدمون ذبائح.

بينما يونان ينام والعاصفة تهدد بالهلاك، وعند استيقاظه من نومه، فانه لا يشارك حتى في صلاة الوثنيين. ولو لم يزد المزمور على هذا السفر لما شكر يونان الله الذي خلصه من الموت. أما يونان فيعصي امره وهو يهودي الذي يشهد بشكل صحيح على حقيقة الله.



الفصل الثاني


مدينة نينوى


طلب الرب من يونان أن يبشر نينوى، المدينة العظيمة، الله نفسه دعاها المدينة العظيمة  ( يونان 1 : 2 ). لم يكن يعرف عن هذه المدينة حتى 1841 م سوى ما كتب عنها في التوراة، وبعض شذرات من تاريخ الاشوريين  ، فتخيل لبعضهم ان ما ورد عنها في التوراة خرافة من أساطير الأولين، ولكن حوالي ذلك التاريخ نقب بعض علماء الاثار في ذلك الاقليم، ومن وقتها أخذوا يتحققون صحة خبر التوراة عن نينوى، فقد وجدوا ما يدل على عظمتها.

حيث كانت محاطة بسور ضخم، بحيث تسير عليه ثلاث عربات صفاً واحداً  ، تقول عبارة الكتاب المقدس، ان المدينة " مسيرة ثلاثة ايام "   ( يونان 3 : 3 )، وكذا اثبتت الآثار، وجد علماء الاثار مدارها نحو ( 60 ) ميلاً يقطعها السائر في لا اقل من ثلاثة أيام. ومن ضمن هذه المسافة كثير من الأراضي الزراعية للمواشي وهذا أيضاً يوافق نص التوراة ( بهائم كثيرة ). ومن حيث انها تشتمل على مائة وعشرين الف نسمة، لا يعرفون يمينهم من شمالهم، أي الأولاد الصغار، فلا يقل مجموع سكانها عن مليون نسمة. ويؤيد هذا، قصورها الشامخة، وهياكلها الضخمة، وحصونها المنيعة،وأعمالها الصناعية العظيمة _ تماثيل اسود، وثيران ذوات وجوه بشرية واجنحة، ( ثيران مجنحة ) _ مما يدل على سعة حضارتها ورسوخ مدنيتها  .

لم يذكر يونان شيئاً كثيراً عن شر نينوى، لكن ناحوم النبي يعطينا فكرة أوفر عن شر نينوى. إذ يقول ناحوم ان نينوى كانت :

1_ مذنبة في تامرها على الرب ( ناحوم 1 : 9 )

2 _ في استغلال الضعفاء ( ناحوم 2 : 12 )

3 _ في الوحشية اثناء الحرب ( ناحوم 2 : 12 ، 13 )

4  _ في الزنى والسحر والاستعباد ( ناحوم 3 : 4 ) . 

كانت نينوى أهم مدينة في اشور التي كانت تمثل القوة العالمية العظمى في تلك الايام، وفي خلال ( 50 ) عاماً، قدر لنينوى أن تكون عاصمة الامبراطورية الاشورية الممتدة، وقد ازدهرت ازدهاراً عظيماً في بعض القرون السابقة للميلاد . 

شيدت المدينة على الضفة الشرقية من نهر دجلة، على فم رافد صغير فيه، المعروف برافد الخوصر، على بعد ( 25 ) ميلاً من التقاء دجلة مع الزاب، وقبال الموصل. وكان العبرانيون يعممون اسم نينوى حتى يشمل كل المنطقة حول التقاء الزاب بدجلة ( تكوين  10: 11 و 12 ) ، ( يونان 1 : 2 ، 3 : 3 ). وكانت نينوى تدين بالولاء لاشور التي كانت تبعد عنها حوالي ( 60 ) ميلاً. إلى أن بنى شلمناصر قصراً له في نينوى.

حوالي عام ( 1270 ) ق.م واعتبرها قاعدة ملكه، واستمر خلفاؤه يسكنونها إلى أيام اشور ناصر بال، وابنه شلمناصر اللذين لم يكتفيا بنينوى. بل جعلا مدينة كالح ( نمرود ) عاصمة اخرى مثل نينوى. حوالي ( 880 ) ق.م ولكن نينوى استعادت الرئاسة فيما بعد .

كان ملوك الاشوريين يعنون باحضار الغنائم والاسلاب معهم إلى نينوى، وتركها هناك لتنمو المدينة وتزداد عظمة وغنى وجمالاً . حتى انهم اعتبروا العالم القديم كله عبداً لنينوى يمدها بما تحتاجه. وإلى جانب القصور الشاهقة، والشوارع الواسعة، والهياكل، والاسوار، والقلاع التي اشتهرت بها نينوى .

كذلك بنى اشور بانيبال ( حوالي عام 650 ق.م ) مكتبة عظيمة، ضم إليها جميع الوثائق الحكومية، والادارة، والرسائل الدبلوماسية، والمعاملات الداخلية، والاوامر الملكية، ونسخاً من المعاملات والوثائق، والمراسلات التي عثر عليها في بابل ، ومن الانبياء الذين تحدثوا عن دمار نينوى ( يونان 1 : 2 و 3 : 2-5 )، ناحوم النبي ( 1 : 1-3 )،  وسمى النبي ناحوم نينوى ( مدينة الدمار )، وكانت كلها ملآنة كذباً وخطفاً ( ناحوم 3 :1 ).

من اشهر الملوك الامبراطورية الاشورية، الذين وجدت اثارهم في نينوى، شلمناصر، وتغلت بلاسر، وسنحاريب، واسرحدون، واشور بانيبال، وسقطت نينوى عام 612 ق.م على يد بابل وحليفتها مادي.



لماذا خالف يونان ربه ؟

" صار قول الرب إلى يونان بن امتاي قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد عليها لانه قد صعد شرهم امامي، فقام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب " ( يونان 1 : 1 _ 3 ) . فما الذي حمله على التردد والعصيان ؟

لم يكن ذلك جبناً منه، لأن الرجل كان شجاعاً غير هياب من الموت، بدليل ما ظهر من شجاعته عند هبوب العاصفة على المركب الذي هرب فيه، ولا كان السبب بعد المسافة ووعورة الطريق. إذ ترشيش التي قصد أن يهرب إليها واقعة على سواحل اسبانيا، فهي أبعد بكثير من نينوى، فضلاً عن مخاوف البحر. أما نينوى فكانت تسير إليها القوافل من آونة الى اخرى. إذ كانت عاصمة العالم المعروف في ذلك العصر، وأما السبب الحقيقي فلا يخلو من الفكر الذي اسلفنا ذكره، وهو ان اليهود لا يودون أن تشاركهم امة اجنبية في نعمة الله.

رأى يونان ان النداء على نينوى ربما يحملها إلى التوبة، وعلم ان الله رحوم يندم على الشر، فلا يهلكها وهي عدوة امته ( يونان 4 : 2 )، ولعله كان يريد ان يقع عليها القصاص حتى تعتبر امته بها وترجع إلى الله. على وفق قول بعضهم ( مصائب قوم عند قوم فوائد ).

أرسل الله يونان نبياً للشعب المختار، فكرس نفسه لخدمة امته وانقاذها من الأعداء، ولشدة محبته للوطن. لم يدر ما الحكمة التي قصدها الله من تكليفه بهذه المأمورية، وخاطر براحته وبوظيفته النبوية في سبيل المحافظة على مصلحة بلاده، ويظهر أنه كان واسع الاطلاع على سفر المزامير فعرف تمام المعرفة انه ان أخذ جناحي الصبح وسكن في اقاصي البحر لا يقدر أن يهرب من وجه الله. إلا انه ككثيرين من خدام الله كان يتأمل انه اذا تبدلت ظروفه يتساهل معه الله في تأدية المامورية، ويسكن تبكيت ضميره " فنزل الى يافا فوجد سفينة سائرة إلى ترشيش، فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب مع ملاّحيها إلى هناك بعيداً من وجه الرب ".



العاصفة


هاكم ما حصل في رحلته. انها قصة جميلة جداً على قصرها، يشخص فيها الكاتب بمشهد حيوي النوء الشديد، ومساعي البحارة وغضب الرئيس ( قائد السفينة ) على يونان، لعدم اكتراثه بالحادثة في حين ان كل الركاب كانوا يصلون لآلهتهم.

ألقوا القرعة، ليعلموا من هو المسؤول عن هذه الحالة الغريبة، فاصابت يونان، وعند ذلك احاط به الركاب والبحارة يجهدونه بالاسئلة : " اخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا ؟ " وقال آخر : " ما هو عملك ومن اين اتيت " ؟ وسأله غيره : " ما هي ارضك ومن اي شعب انت " ؟ وما كان أشد خوفهم، ودهشتهم عندما علموا من نفس جوابه انه هارب من وجه إلهه. الذي صنع البحر والبر، وشاوروه ماذا يعملون به حتى تهدأ الحال، وخافوا أن يلقوه في البحر حسب طلبه، لئلا تلحقهم بلية اخرى بسببه، وأخيراً اضطروا أن ينقادوا  لمشورته، فطرحوه في البحر سائلين الله ان يبرئهم من دمه.

بيلاطس الاممي كان يريد أن يطلق يسوع، ولكن الأمة اليهودية، في هياجها، لم ترد اطلاقه، وازداد الشعب صراخاً ( اصلبه اصلبه )، فغسل بيلاطس يديه وقال : " اني بريء من دم هذا الانسان " .

حالما طرح يونان في قلب البحر سكن هياجه، وخمدت ثورته، وارتضاء يونان بان يطرح في البحر. يمثل لنا موت يسوع الاختياري بالنيابة عنا حيث يقول: " اضع نفسي لآخذها ليس أحد يأخذها مني بل اضعها انا من ذاتي " .ان صلاة يونان إلى الله من جوف الحوت، كانت كصلاة رجل ألف مطالعة المزامير زمناً طويلاً، لأنه اقتبس فقرات من مزامير مختلفة تلائم بينها، وبين ظروفه الخصوصية، ومن المزامير الذي اقتبس منها هي كالتالي : ( مز 42 : 7_8 )، ( 31 : 22_23 )، ( 69 : 1_3 )،( 18 : 6_7 )،( 77 : 11_12 )،( 3 : 8 )،( 50 : 14 ، 23 ).


تكليفه
بالرسالة من جديد


" ثم صار قول الرب إلى يونان ثانية  " قائلاً : قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة، وناد لها المناداة التي كلمتك بها، كرر الرب على عبده يونان هذه العبارة ( قم ) مرتين، واعادها عليه ربان السفينة مرة ثالثة، فكأنه يمثل حالة الخطاة المستغرقين في النوم، وليس بينهم وبين الأبدية إلا الواح السفينة. استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح.

غير ان الذي نبه يونان رجل الله من نومه رجل وثني، ولنا من ذلك انه قد يعمل الله بآلة غير صالحة للاستعمال، فلنكن على استعداد لنسمع صوته على لسان من يرسله مهما كانت حالته.

قلنا سابقاً ان الله كلم يونان راساً مرتين وقال له ( قم )، ولم يوبخه في المرة الثانية على عصيانه في الأولى، لأنه كان يكفيه ما لحقه من الأخطار بسبب هذا العصيان، وعندما لآن قلبه صار كفوءاً ان يلّين قلوب نينوى. آه ! ما أشد حاجة شعب الله، في عصرنا الحاضر، إلى انكسار القلب ! فان لآنت قلوبهم يؤثرون في العالم الوثني ! ..



فآمن اهل نينوى
 بالله ونادى الملك بصوم 



ان حادثة يونان كسرت قلبه وسحقت نفسه، وبهذا صار موصلاً بنقل التأثير والقوة من جانب الروح إلى الشعب، فكان آية لهم، وعمل فيه الروح بقوة فائقة، بحيث تأثرت المدينة العظيمة من كرازته يوماً واحداً ( فآمن اهل نينوى بالله). وقرنوا في الحال الايمان بالعمل، ونادوا بصوم وتذلل، وبلغ الخبر الملك، فخاف الله، وتذلل لعزته الالهية، وصام ولبس المسح على الرماد كأحد رعاياه   ( يونان 3 : 6 )، ثم أصدر أمراً رسمياً بتقديس صوم عام يشمل البهائم أيضاً. فصامت المدينة كلها_ الناس والبهائم _ ولبست المسوح، وقد اختلطت صلوات الناس بتصويت البهائم الجائعة. وصعدت هذه الجلبة إلى اذني من هو طويل الاناة وكثير الرحمة. إذ رأى الله ان توبتهم حقيقية ندم على الشر الذي أنذر به المدينة على يد رسوله يونان وصفح عنها.

نرى ، من معاملة الله لنينوى وليونان المتضجر، سعة رحمته تعالى، ولطفه نحو خليقته. استاء يونان من عفو الله عن نينوى عدوة امته، كما أنه استاء من اهلاك نبتة اليقطينة التي كانت تظلله، فقال له الله بلطف : " أيحق لك أن تغضب من أجل اليقطينة ؟ فأجاب يونان : ( يحق لي أن أغضب إلى الموت ). فقال الرب : ( أشفقت أنت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها، وإنما طلعت في ليلة ثم هلكت في ليلة، أفلا أشفق أنا على نينوى العظيمة التي فيها أكثر من مئة وعشرين نسمة لا يعرفون يمينهم من شمالهم، فضلاً عن بهائم كثيرة ؟ ) " لم يكتم يونان قومه سقطاته التي يؤاخذ عليها ليقدم لهم، ولنا درساً مؤثراً، عن رحمة الله الشاملة للعالم كله من بشر ودواب.

ان سفر يونان هو سفر الارساليات في جوهره لأنه يمثل مأمورية المسيح العظيمة حيث يقول : " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها "

لما خرج ( قام ) المسيح من القبر، نفذت رسالة انجيله إلى كل اقطار الارض، وتبرهنت بقوة الروح لكل الذين آمنوا، وما زالت تتبرهن للذين يؤمنون.



صوم نينوى( باعوثا ) ( ܒܥܘܬܐ )


الباعوثة ( ܒܥܘܬܐ ) أو الطلب، هي ذكرى لتوبة أهالي نينوى، الذين سمعوا كرازة يونان النبي، فقضوا أياماً بالصلاة والصوم. نادمين على خطاياهم، وسائلين الرحمة من الله. على مثالهم نقضي نحن المؤمنون أيضاً ثلاثة أيام التوبة، والصلاة، والصوم، والصدقة، وأعمال الرحمة، والمحبة الأخوية، والتقرب إلى الأسرار المقدسة، لكي يترأف الرب، ويعفو عنا.

ان صوم نينوى، هو صوم من الصيام التقليدية القديمة. خاصة بكنيسة المشرق ( الاثورية _ الكلدانية ). له جذور تاريخية وبترتيب معين، وأصبح في أيامنا، دعوة للتوبة، وقبول رحمة الله. لأننا ما زلنا خاطئين فردياً وجماعياً، وبحاجة إلى المصالحة.

( باعوثا نينوى ) التي تصادف الاثنين الثالث السابق للصوم الكبير، وتدوم ثلاثة أيام ايضاً، ويرجع أصلها _ حسب كتاب المجدل والحوذرا _ إلى عهد الجاثليق حزقيال ( 570 _ 581 م ) عندما ضايق البلد ( الطاعون  المسمى الشرعوط، وعلامته كانت تظهر في كف الانسان ثلاث نقط سود، وحالما يبصرها يموت ) حتى خلت مدن كبيرة وقرى كثيرة من الناس، ثم اتفق أسقف نينوى على عمل الباعوثا بأن يصوموا، ويصلوا ثلاثة أيام.

أولها يوم الاثنين الذي قبل الصوم الكبير بعشرين يوم، ويطلبوا من الله أن يحميهم ويقبل سوالهم ( باعوثا ).

مثلما قبل أهل نينوى، ويرفع الموت عن خلقه، وأن يكون صيام هذه الايام الثلاثة مؤبداً طول الزمن..! وفعلاً، حتى في أيامنا هذه، ما زال المؤمنون يحفظون هذا الصوم، وتزدحم الكنائس أشد الازدحام بذهابهم إليها.. ويدعوا الله المؤمنين بصورة خاصة من خلال قراءة مداريش شعرية عن يونان و ( توبة اهل نينوى )
وهنا ترتيب الصلوات والطلبات الخاصة الرائعة. التي تقام من الصباح حتى منتصف النهار :

1_ الجلسة الاولى ( ܡ ܘܬܒܐ) : هي مجموعة من المزامير والقراءات والطلبات مع الركوع.

2 _ المسيرة من ( قدس الاقداس ) إلى ( البيم ) (ܒܥܡ ) مع تراتيل    ( عونياثا 2 ) ( ܥܘܢܥܬܐ ).

3_ الجلسة الثانية : على نفس الترتيب مع ميامر لمار افرام ونرساي. ( يا رب ترحم علينا، يا رب اقبل باعوثتنا .. زد الامن في البلاد والسلام في كل الاقطار، ابطل الحروب والقتال من الارض .. يا حنان، بارك البيعة المقدسة بنعمتك واحفظ بنيها وارحمنا . )

4_ القداس الإلهي مع إنجيل متى ( 18 : 23 _ 35 )، لوقا ( 18 : 2 _ 14 ( متي ( 6 : 1 _ 18 ) .



سفر يونان
رواية تعليمية



ان سفر يونان رواية تعليمية، تدعو إلى اخذ المسؤولية على عاتقنا. وان الله يسترجعنا إذا حاولنا التهرب من مسؤوليتنا. واذا فهمنا ذلك، بدات تفاصيل القصة تنجلى.

مهما حاول الانسان الهرب من أمام رسالة الله، ومن مصيره، فالله يسترجعه بطريقة مختلفة تعاكس حياته، ويدعه يجرب نفسه أكثر من مرة محاولاً الهرب من هروبه الفاشل مبتداً بنقطة انطلاق اخرى، لكن دون جدوى . لا يريد يونان أن يذهب، فبدلاً أن يذهب إلى الشرق يبحر إلى الغرب ( ترشيش ). ثم تصف القصة بصور رائعة كيف أن يونان يختلي مع نفسه، فينزل أكثر فأكثر في الظلمات في الحفرة انه يسير مع سفينته إلى اتجاه الليل ( الغرب )، وينزل في عمق جوف السفينة، ويسد عينيه، ويغوص في نوم عميق. الهرب الفاشل.

اجتهد يونان في تجنب أمر الله بمناداة نينوى، على التوبة محاولاً الهروب بسفينة، من يافا إلى ترشيش وأثناء الهرب أتت عاصفة كبيرة من قبل الله بسببه، فكادت السفينة تغرق، فيطرحه الملاّحون في البحر لتهدئة العاصفة، وتبتلعه سمكة كبيرة، بعدما كان في بطن السمكة ثلاثة ايام. بدأ يصلي لينجيه الله من سجن الحوت.

قذفه الحوت إلى حافة الشاطئ. فيرسل الله يونان إلى هذا العالم الفاسد في عينيه ويكرس يونان معلناً بالتوبة، فيتوب أهل نينوى ويترك الله العقاب الذي قصده.

أخيراً يعلمنا الله معنى الرحمة، التي ليست بالترحم على ذات نفسه. بل الترحم من أجل العالم كله. هنا نرى يونان الذي ينصب مظلة ( يرمز إلى الحرية من العبودية حسب عيد المظال)، ويفرح بالشجرة التي تعبر عن الفضل الإلهي، شجرة عجيبة، تذكرنا بشجرة الفردوس. لكن في الغد تهلك الشجرة، كما يريد يونان ان تهلك المدينة، رمزاً ودرساً له، ولشعبه العنصري، لكي يفهم الآن الآية القائلة: " اني اريد الرحمة ، لا الذبيحة " أو " كونوا رحماء كما اباكم رحيم " ( لوقا  6 : 36 ).

النبي المدعو من قبل الله للقيام برسالة خاصة، وهي الكرازة بالتوبة في نينوى، مدينة العنف والحروب، ومركز العالم القديم. لكنه يرفض الالتزام، ويهرب من ( وجه الله )، ذاهباً إلى البحر، مكان الموت والهلاك، ليتخلص من صوت الله ودعوته، ولا ينزعج من استعمال الحيلة، والكذب لتحقيق هدفه.

يرفض يونان الطاعة، ويتجنب ارادة الله، والمسؤولية عن خير شعب غريب. أن يونان نبي هارب، غير وفي، قليل الثقة، لأنه لا يهتم إلا براحة نفسه، دون الآخرين، ويفضل الهرب الأناني، الذي يودي به أخيراً إلى العاصفة والهلاك.

يونان يمثل كل واحد منا، في بعض الاوقات نهرب من واجباتنا، وذلك باستعمال نوع من الأعذار الكاذبة، لكي لا تظهر، حتى لانفسنا. يدعونا الله، على المستوى الفردي، إلى الالتزام بواجباتنا تجاه الآخرين، لكننا نهرب من التعب، ونفضل الكسل ( هلاك الضمير نتيجة الكبرياء، الطمع، اشباع الحواس، الشراهة، قبول الحرام، الاحتيال، الكلام بلسانين، النميمة، الحسد، البخل، قساوة القلب، الاستهزاء من الآخرين...الخ ). فمن ثم واجب على المؤمن، أن يهرب من الشر الذي يدمره عوضاً عن الهرب من الله الذي يحبه، ويقصد إصلاحه لينمو في الحب والحياة مع الآخرين، وذلك بواسطة صوت الروح القدس في عمق الضمير، حيث يدعوه إلى أعمال الرحمة، والغفران، والتواضع ...

كان يونان نائماً في جوف السفينة، رافضاً كل مسؤولية تجاه رسالته، وحتى تجاه الناس الذين هددهم خطر العاصفة، نراه منكمشاً منقبضاً في بطن الحوت. قد ذكرني ( نوم يونان )، بنوم التلاميذ في حديقة الزيتون، وبنوم الكنيسة المتكرر عبر الأجيال، ويمثلنا يونان بهذا الموقف، لاننا مراراً بعدما فشلنا في عمل، نرفض أن نهتم بأي شيء أو نلتزم بأي واجب آخر.

لكن أيضاً كجماعة كنسية، نفضل أنفسنا عن الآخرين، ونحتقرهم كأنهم غير صالحين مثلنا، ونرفض أية علاقة بهم، لأننا نخاف على كرامتنا. لكن أخيراً يترحم الله حتى على يونان، لأن الحوت خلصه من البحر، فعلاً، يد الله تحمينا، لا تخنقنا.

كما خلص الله سفينة نوح من الطوفان الهالك، هكذا خلص يونان الغارق في أنانيته، والذي قصد هلاك نينوى، ثم تعلم يونان الصلاة، في بطن الحوت، في الضيق ومن الأعماق، وسط أخطار المياه، يصرخ إلى الله قائلاً : " أين أهرب حتى إلى جوف البحر، لكن يدك هناك، يدك الممتدة لمسكني وتنقذني ".


الخاتمة

يونان، النبي اليهودي، لا يريد خلاص الوثنين. بل غضب الله لهلاك المدينة، انه أناني لا يحب الاخرين، ولا يريد أن يحبهم الله برحمته، وهكذا بعدما مشى يوم واحد، حكم يونان على شرّ المدينة، وأخذ يكرز بتدميرها، عكس موقف يسوع المسيح، الذي تحنن على الجموع وترحم عليهم، كأنهم خراف متروكون مثقلون متعبون، لا راع لهم. لكن يونان لم يرد أن يعرف أهل المدينة، ولم يسمع صوت الرحمة، أو يذكر نعمة خلاصه نفسه.

إلا ان يهددهم بالخوف من الدينونة والجحيم، وبهذا يستغل يونان ( الله ) لاهدافه الشخصية، ويستخدمه لفكره الإنساني الضيق عن العدالة والعقوبة. لكن رغم ذلك، يؤمن أهل مدينة نينوى، ويتوبون إلى الله، ويترك العنف واللانسانية، كما تبين من صلواتهم وأعمالهم الصالحة في سبيل الندامة والخير. أما يونان، فيخرج من المدينة المتجددة، وهو مثل الابن الكبير الذي رفض الاشتراك بحفلة الفرح عند رجوع أخيه الضال، ويبقى خارجاً في الظلام، دون أن يتوب، وكذلك لم يفهم يونان معنى الرحمة ولم يعرف قلب الله، ولم يؤمن بسر المحبة. انه غضب لعدم الانفجار وعدم الدينونة، كما ثار وتذمر لعدم الظل على رأسه، عندما يبست شجرته، شجرة نعمة الله، واخيراً يعلمه الله نفسه، انه يحب نينوى وسكانها، كما يحب يونان، النبي الأناني الهارب، وشعبه العنصري، لا يريد الله التدمير أو الهلاك، لا يريد إلا الحياة، للكل وبوفرتها. " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لخلاص العالم "  ( انجيل يوحنا ).

يمثلنا يونان بموقفه العنصري الأناني، عندما نعتبر أنفسنا أفضل من الأخرين بأسباب دينية وغيرها، وكأن كل ما نمتلك هو نتيجة استحقاقاتنا، في حين انه ليس إلا نعمة الله وبفضل حنانه. كم مرة يأكل الحسد قلبنا ويجعلنا أن نرفض التصرف مع الأخرين ببساطة وتواضع.

كذلك على صعيد الكنسي، ان معنى الكنيسة ورسالتها تجاه العالم المعاصر لم تتحقق عندما تبقى الكنيسة مغلقة على الذات، ومتكبرة أو خائفة. ان رسالتها في تقديم الخلاص، خلاص الله للعالم، وهي ليست، إلا الوسيطة لرحمة الله تجاه العالم.



الراهب آشور ياقو البازي



المصادر

1_ الكتاب المقدس.
2_ القس سليمان صائغ الموصلي، تاريخ الموصل، الجزء الأول، المطبعة السلفية، مصر - 1923.
3_ ستيون لويد، آثار بلاد الرافدين، ترجمة د. سامي سعيد الأحمد، وزارة الثقافة والأعلام، العراق - 1980.
4_ الخوري بولس الفغالي، القراءة المسيحية للعهد القديم ( 1 )، نسقها وقدم لها،  جمعية الكتاب المقدس، طبعة أولى، بيروت – 1991.
5_ الأب فنسان مورا، سفر يونان ( 25 )، نقله للعربية الخوري حليم بريشا، دار المشرق، بيروت - 1993.
6_ أ . م . هودجكن، المسيح في جميع الكتب، صادر عن دار منشورات النفير، بيروت - لبنان.

المجلات والإصدارات

1_ مجلة البشرى، تصدر عن مركز الكاثوليكي للتعليم المسيحي، عدد ( 11 ) تشرين الأول 1995.
2_ الأب منصور المخلصي، يونان، إصدار مركز التعليم المسيحي في كنيسة الروم الكاثوليكية، بغداد - العراق 1997.
3_ الأب يوسف عتيشا، مجلة الفكر المسيحي، عدد ( 234 )، صحيفة 110، نيسان 1998.
4_ الأب يوسف توما، مجلة الفكر المسيحي، عدد( 331- 332 )، صحيفة 11،كانون الثاني- شباط 1998.
5_ الأب لوسيان كوب للفادي الأقدس، دراسات في الكتاب المقدس ( الأنبياء الآخرون )، كلية بابل للفلسفة واللاهوت، بغداد - 2005.

القواميس والمعاجم

1_ قاموس الكتاب المقدس، الطبعة العاشرة، دار الثقافة، القاهرة - مصر 1995.
2_ المعجم اللاهوت الكتابي، جمعية الكتاب المقدس في المشرق، الطبعة الثانية، دار المشرق، بيروت - لبنان 1988.

المراجع السريانية

1_ كتاب الخوذرا ( 2 )، روما – 1938.
2_ اشعيا شماس داود، تاريخ بين النهرين ( اشور – بابل )، طهران – 1963.


13
أشكرك جزيل الشكر أيتها الأخت العزيزة نينوى على هذه الكلمات الرقيقة التي بعثتيها لي ممتمنياً لك السعادة والموفقية في حياتك.

عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنتي بألف خير

يا طفل المغارة

مع الملائكة نمجد الله ونبشر بولادتك مثلهم
مع الملوك نسجد لك مع الرعاة نأتي للقاءك
مع امك مريم نفرح بولادتك فننسى آلامنا
مع يوسف نتأمل بسر تجسدك ونقبله بإيمان
يا شمسنا اجعلنا ان نكون نجمة الميلاد لنعكس نورك في الظلمات
طهر قلوبنا بنار محبتك لتكون أهلاً لتأتي وتولد فيها .
آمين

اخوك بالرب

الراهب آشور ياقو البازي

14
ميلاد الخلاص والتجدد
[/b]

الراهب آشور ياقو البازي


في عصر كهذا الذي نعيشه، وقد شغل بال الدنيا بما آل إليه في مختلف المجالات، تاه الإنسان في خضم الأصوات الكثيرة الصاخبة التي احاطت به، داعية اياه إلى التعصرن ومسايرة ركب ما يدعونه بركب الحضارة، والحضارة في هذا العصر أزمة إنسانية ينبغي التأمل فيها ملياً ، وفرزالأصوات التي بنى الإنسان عليها حضارة حياته، عن تلك التي هزت إنسانيته .

هناك صوت الروح، ذلك الصوت الهادر الذي يبقى في كل الأزمنة والأوقات يدعونا إلى حضارة الحياة، صوت الله الذي تجسد بالكلمة ( المسيح )، ألا ينبغي الانصات له في هذا العصر، طالما نحن من يعيش اليوم، وعلينا أن نستذكر دوماً "نحن خليقة الله، خُلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أعدها الله لنا مِن قَبلُ لِنَسلُكَ فيها ") ( افسس 2 : 10 ).


وهذه الممارسة تتأتى من الشهاد الحياتية، إن كنا مؤمنين، فلا فرق في الروح الذي يجمعنا، لاننا أعددنا جميعاً للدعوة، كي نمجد الآب عبر إيماننا بالبشرى السارة، ذلك الصوت الحي الذي يرافقنا، بل يطرق آذاننا كل مرة، وعليه " إذا سمعتم اليوم صوته، فلا تقسوا قلوبكم ".

وهكذا تمر السنون وتتوالى العقود ويبقى على مر الأيام الإنسان بكل تقلباته ذلك المجتهد في تعليق الذكريات على خيوط التاريخ الممتدة من الأزل وإلى الأبد.

وفي غمرة الفرح الصارم الذي يتزامن هذه الأيام من تاريخ إنساننا الجديد، والتي تميّز عن غيرها كونها يوم ذكرى تعليق أكبر نجمة على خيط التاريخ آخذة منه المركز والمصدر في آن واحد.

انه يوم الميلاد العجيب، ميلاد الخلاص والتجدد ذلك الإنسان الذي ولد وعاش متمماً مشيئة أبيه السماوي وكانت لنا به الطريق والحق والحياة، وبمسيرتنا وراءه سنلتقي بالآب الذي لن نراه إلا به.

وهكذا، ومع انطلاقة السنة الجديدة تتمنى للجميع المواصلة مخلدين الإنسانية في أعلى مراتب الوجود، وقلوبنا ملأى بالآماني الحارة لأيام حلوة وسعيدة نرجو من الله العلي القدير ان يمنّ عليكم بها من خلال معرفة ارادته الجليلة متشبهين حقاً بتلاميذ المسيح.

اذن هذه البداية، وعلينا المواصلة فلنتوكل على الله، ولنسير قدماً فان لنا غداً مجيداً في أرض وادي الرافدين.

وكل عام وأنتم بالف خير وميلاد سعيد.



الراهب آشور ياقو البازي

15
أشكرك جزيل الشكر أيها الأخ العزيز القس توما اسطيفو ككا على هذه الكلمات الرقيقة التي بعثتها لي ممتمنياً لك المؤفقية والنجاح في كرم الرب.
عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنتم بألف خير
يا طفل المغارة

مع الملائكة نمجد الله ونبشر بولادتك مثلهم
مع الملوك نسجد لك مع الرعاة نأتي للقاءك
مع امك مريم نفرح بولادتك فننسى آلامنا
مع يوسف نتأمل بسر تجسدك ونقبله بإيمان
يا شمسنا اجعلنا ان نكون نجمة الميلاد لنعكس نورك في الظلمات
طهر قلوبنا بنار محبتك لتكون أهلاً لتأتي وتولد فيها .
آمين

الراهب آشور ياقو البازي



16
يا طفل المغارة

مع الملائكة نمجد الله ونبشر بولادتك مثلهم
مع الملوك نسجد لك مع الرعاة نأتي للقاءك
مع امك مريم نفرح بولادتك فننسى آلامنا
مع يوسف نتأمل بسر تجسدك ونقبله بإيمان
يا شمسنا اجعلنا ان نكون نجمة الميلاد لنعكس نورك في الظلمات
طهر قلوبنا بنار محبتك لتكون أهلاً لتأتي وتولد فيها .
آمين

عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنتم بألف خير

الراهب آشور ياقو البازي
[/b]

17
يا طفل المغارة

مع الملائكة نمجد الله ونبشر بولادتك مثلهم
مع الملوك نسجد لك مع الرعاة نأتي للقاءك
مع امك مريم نفرح بولادتك فننسى آلامنا
مع يوسف نتأمل بسر تجسدك ونقبله بإيمان
يا شمسنا اجعلنا ان نكون نجمة الميلاد لنعكس نورك في الظلمات
طهر قلوبنا بنار محبتك لتكون أهلاً لتأتي وتولد فيها .
آمين

عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنتم بألف خير

الراهب آشور ياقو البازي
[/b]

18
يا طفل المغارة

مع الملائكة نمجد الله ونبشر بولادتك مثلهم
مع الملوك نسجد لك مع الرعاة نأتي للقاءك
مع امك مريم نفرح بولادتك فننسى آلامنا
مع يوسف نتأمل بسر تجسدك ونقبله بإيمان
يا شمسنا اجعلنا ان نكون نجمة الميلاد لنعكس نورك في الظلمات
طهر قلوبنا بنار محبتك لتكون أهلاً لتأتي وتولد فيها .
آمين

عيد ميلاد سعيد وكل عام وأنتم بألف خير

الراهب آشور ياقو البازي
[/b]

19
يا طفل المغارة

مع الملائكة نمجد الله ونبشر بولادتك مثلهم
مع الملوك نسجد لك مع الرعاة نأتي للقاءك
مع امك مريم نفرح بولادتك فننسى آلامنا
مع يوسف نتأمل بسر تجسدك ونقبله بإيمان
يا شمسنا اجعلنا ان نكون نجمة الميلاد لنعكس نورك في الظلمات
طهر قلوبنا بنار محبتك لتكون أهلاً لتأتي وتولد فيها .
آمين

عيد ميلاد سعيد وأنتم بألف خير

الراهب آشور ياقو البازي
[/b]

20
المنبر الحر / الميلاد العجيب
« في: 21:27 20/12/2007  »
الميلاد العجيب
[/b]

الراهب آشور ياقو البازي

ميلاد المسيح ميلادٌ عجيب. كونه ميلاد مزدوج " إلهي وإنساني " فمن حيث كونه إلهي فهو ميلاد أزلي من أقنوم الآب قبل كل الخلائق، هذا الميلاد الذي أشبه ما يكون بميلاد الكلمة التي كما تولد من عقل الإنسان .. هكذا يولد الكلمة من الآب الذي هو العقل في سر الثالوث المقدس.

أما ميلاده الإنساني فهو ذاك الذي ولد فيه المسيح من العذراء مريم في أيام اغسطس قيصر بدون مشاركة رجل ( بلا حدث التزواج ) بل بقوة الإرادة الإلهية، بمعنى إن الكلمة التي ولدت من عقل الطبيعة الإلهية حلت في بطن البتول مريم وجبلت جسداً بشرياً من جنس آدم في رحمها، وهذا ما قد أدى إلى أن تحبل بجنين ولد كإنسان كامل بجسد ونفس ناطقة مثل جميع أبناء آدم، وعرف فيه الفرصوفا، أو الإرادة الإلهية بالقدرة والآيات مدة ثلاثة وثلاثين سنة على الأرض، وقد سماه الملاك جبرائيل باسم مركب من الله والإنسان : ( عمانوئيل ) الذي معناه الله معنا.

كانت مريم العذراء من سبط داود اسمها يعني بالعبرانية ( مرارة وحزن )،وكانت مريم إنسانة حقا ممثلة ضيقاتنا وخلاصة أحزاننا. وكان قلبها مستعداً للإيمان، ومهيئاً ومتمرناً لسماع كلمة الله ومطيعا لروحه. فاستخرجت القوة من التوراة، اثبتت عذراء طاهرة منتظرة هدى الله.

فلهذا الاستعداد المطيع عند مريم، أعلن الملاك سر تجسد الروح القدس في المسيح وهو أن روح الله بالذات بكل قواه وإمكانياته وأمجاده عزم أن يحلّ جنيناً فيها.

ملئ اللاهوت حلّ في الابن، والروح القدس نفسه كان جوهره.
 
إن الثالوث الأقدس بكليّته كان مشتركا ساعة حلول مخلص العالم في مريم العذراء ؟ فلغتنا تعجز أن تعبر عن هذه الذروة لتاريخ البشر وتجعلنا أصغر من يدرك كيف احبنا الله. حتى ألبس ابنه الآلام العالم وتجسد إنساناً .

إن العذراء مريم آمنت بكلمة الله بلا قيد، أو شرط فبواسطة طاعة إيمانها صار المستحيل ممكنا فإيمان مريم هو الباب الذي أتى به ابن الله إلى عالمنا الوخيم .

الله لا ينام بل يعمل ومنذ سقوط الأنسان في الخطيئة لا يرتاح القدوس، بل يخلص ويطلب ويعمل لخلاص العالم .

ان الرب يزور الارض ويتجول بين الناس، ويوحنا المعمذان يعد طريقه هذه هي الثورة الكبرى في الخلق، لان الخالق الان يأتي إلى مخلوقاته امتحاناً وخلاصاً وتكميلاً.


جاء يوسف النجار من الناصرة مع خطيبته مريم، فذعن لامر قيصر واتجها نحو الجنوب إلى مدينة بيت لحم ومعناها آنذاك بيت خبز، رمز للمسيح الذي هو خبز الله للعالم آتياً من بيت لحم .

فقد كمل الزمان وزار الله العالم مصالحا البشر لنفسه، فولد ابن مريم في إسطبل كريه واشبه من أول يوم ميلاده اللاجئين، الذين لا يجدون مأوى وابتدأ من أول أيامه يواجه كوارث دنيانا .
 
ووصول ابن الله إلى الإسطبل، لا يعني تعزية للبشر فقط، بل كذلك رجاء الحيوانات لان كل المخلوقات منتظرة إعلان ابن الله وظهور الخليقة الجديدة، فلا ننسى إن نزول الله تحقق في إسطبل، وليس في قصر، لكي يدرك كل الناس إن الله ينزل إلى الأسفل، ولا يطلب منا صعوداً إلى العلاء، وان القدوس يطلب الخطأة، والضالين، والفاشلين، والتائبين، لا المكتفيين، والأولياء، والأغنياء، والمتكبرين والأتقياء .


كان مولده فريداً بعيداً عن كبرياء القصور ورياء الهيكل، وما زال المسيح هو نبع المبادىء الإنسانية، وما زال هو جوهر الحق، وجوهر المساواة، وما زال يشرق نوره على الفقراء، والحزانى، والمظلومين والمظطهدين .

عند ولادته شقت الملائكة السماء بعاصفة تسابيحها، وبشرت الرعاة الذين كانوا يسهرون حول قطعيهم، ولد لكم اليوم في بيت لحم مخلص، وجاءوا المجوس من المشرق بعد ان رأوا نجمه، وسجدوا أمام المولود في المذود، وقدموا له الذهب والمور واللبن.

الذي هرب بعد قليل مع أبويه إلى مصر لاجئاً، فلم يحدث مجيء المسيح في الهيكل وضجيجه ، بل في البيت البسيط بأطراف البلاد.

وملاك الرب لا يعلن قصد القدوس اليوم في العواصم والكنائس فقط، بل بنفس الدرجة في أكواخ القرى وخيم البدو، ويجد عند المتواضعين البسطاء.

المسيح الذي يحيا فينا ليحينا على صورة الله، يحيا الإنسان بلا تفرقة، أو تمييز. الإنسان هو كمال الكون، والعقل كمال الإنسان، والحب كمال العقل والمحبة كمال الحب.

هذا هو ميلاد العجيب، ميلاد الكلمة إلهياً وإنسانياً.

فلو نظرنا إلى ميلاده الإلهي لرأيناه أزلياً وقبل الكل، وبه عُرف اسم البنوة، ولو نظرنا إلى ميلاده الزمني " الإنساني " لوجدناه فوق الطبيعة الإنسانية، كونه ليس بطريقة الطبيعة الآدمية من خلال ( حدث التزواج )، بل من فعل اتحاد اللاهوت بالناسوت بإرادة إلهية وفي زمن محدد في فكر الخالق.

وليكون بميلاده هذا سبباً لخلاص الطبيعة الإنسانية من أفكار العالم الزائل. وليصبح السبب في السلام بين الخالق وخليقته، وبه نال الإنسان الرجاء الصالح، والمشاركة في القيامة والميراث في ملكوت السماء، وفيه نرى فرصوفا الله معنا متحداً بالإنسان الذي من طبيعتنا، وبواسطته صرنا نسمى أبناء لا عبيد، ورُفع عنا اسم المتمردين والأبناء الضالين، ولبسنا ثوباً جميلاً مطلياً بدم غالي الثمن.. دم الأبن الحبيب بكر كل الخلائق، وتناولنا من وليمة الثور المسمّن المذبوح في حفل فرحة عودتنا إلى الله أبينا، وكتبت أسمائنا في كتاب الحياة، واختلطنا مع الروحيين وصرنا من أبناء اليمين، ومستحقين أن نقدم التسبيحة لخالقنا بوجوه مزهوة ورأس مرفوع، بواسطة يسوع المسيح ابن مريم العذراء الذي هو من طبيعتنا والذي له تنحني كل ركبة في السماء وعلى الأرض ..


آمين
[/b]

الراهب آشور ياقو البازي

22
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 01:56 14/09/2007  »
الصليب والمصلوب
[/b]


أيها المصلوب ..
أيها الحبيب
ما أفقرك ..
لكن أي غنى
لنا في هذا الفقر ..
تولد في مذود
وتعيش
على تبرعات النساء ،
ولم يكن لك مكان
لتسند رأسك عليه ..
وكعبد ، كأقل العبيد
تأخذ منشفة ..
تأتزر بها
وتصب ماء
وتبدأ تغسل أقدام
تلاميذك ..
ما أحلى
فقرك لي
أيها الحبيب ..
ما أثمن
خشبك لنفسي ..
أيها المصلوب
وجهت نظرك
نحو الصليب
وسرت
نحوه بخطوات ثابتة ..
تكثر آلامك مع خطوة ،
ويزداد مع الوقت
سعير الأتون ..
كان بمقدورك
أن تمنع الألم ،
أو على الأقل
أن تهرب وتختبيء ..
كلا ..
لم تفعل
مثلما نفعل
نحن كثيراً
حين نهرب من الجلجلة ..
الجلجلة
كانت لك اشهى بقعة
في الوجود ..
لتتميم الخلاص
كان الشراب الوحيد
الذي اشتهيته
لتروي عطشك ..
غفران خطايانا
كان شوق قلبك ..
كم كنت قويّاً ..
قويّاً في ضعفك ..
الصليب
منتهى الضعف
في عين العالم ..
صار منتهى القوة
في أعين أحبائك ..
لم تهدأ
ولم تستريح
حتى أتممت
كل شيء ،
وصرخت
" قد أكمل "
ونكست الرأس ،
ودفعت الدّين كاملاً ..
سيدي المصلوب
ليتك
تهز القلوب
هزاً لتستوعب
ما أتممته لخلاصها ..
فلا غفران ،
ولا حياة ،
ولا أبدية ،
بدون وقفة إيمان
وتوبة
عند أقدام الصليب .
[/b]

تحياتي للجميع بمناسبة عيد الصليب

الراهب آشور ياقو البازي

23
أدب / رد: أنا
« في: 01:54 14/09/2007  »
الصليب والمصلوب
[/b]


أيها المصلوب ..
أيها الحبيب
ما أفقرك ..
لكن أي غنى
لنا في هذا الفقر ..
تولد في مذود
وتعيش
على تبرعات النساء ،
ولم يكن لك مكان
لتسند رأسك عليه ..
وكعبد ، كأقل العبيد
تأخذ منشفة ..
تأتزر بها
وتصب ماء
وتبدأ تغسل أقدام
تلاميذك ..
ما أحلى
فقرك لي
أيها الحبيب ..
ما أثمن
خشبك لنفسي ..
أيها المصلوب
وجهت نظرك
نحو الصليب
وسرت
نحوه بخطوات ثابتة ..
تكثر آلامك مع خطوة ،
ويزداد مع الوقت
سعير الأتون ..
كان بمقدورك
أن تمنع الألم ،
أو على الأقل
أن تهرب وتختبيء ..
كلا ..
لم تفعل
مثلما نفعل
نحن كثيراً
حين نهرب من الجلجلة ..
الجلجلة
كانت لك اشهى بقعة
في الوجود ..
لتتميم الخلاص
كان الشراب الوحيد
الذي اشتهيته
لتروي عطشك ..
غفران خطايانا
كان شوق قلبك ..
كم كنت قويّاً ..
قويّاً في ضعفك ..
الصليب
منتهى الضعف
في عين العالم ..
صار منتهى القوة
في أعين أحبائك ..
لم تهدأ
ولم تستريح
حتى أتممت
كل شيء ،
وصرخت
" قد أكمل "
ونكست الرأس ،
ودفعت الدّين كاملاً ..
سيدي المصلوب
ليتك
تهز القلوب
هزاً لتستوعب
ما أتممته لخلاصها ..
فلا غفران ،
ولا حياة ،
ولا أبدية ،
بدون وقفة إيمان
وتوبة
عند أقدام الصليب .
[/b]

تحياتي للجميع بمناسبة عيد الصليب

الراهب آشور ياقو البازي

24
أدب / رد: الجلجلة
« في: 01:51 14/09/2007  »


أيها الحبيب ..
ما أثمن
خشبك لنفسي ..
أيها المصلوب
وجهت نظرك
نحو الصليب
وسرت
نحوه بخطوات ثابتة ..
تكثر آلامك مع خطوة ،
ويزداد مع الوقت
سعير الأتون ..
كان بمقدورك
أن تمنع الألم ،
أو على الأقل
أن تهرب وتختبيء ..
كلا ..
لم تفعل
مثلما نفعل
نحن كثيراً
حين نهرب من الجلجلة ..
الجلجلة
كانت لك اشهى بقعة
في الوجود ..
لتتميم الخلاص
كان الشراب الوحيد
الذي اشتهيته
لتروي عطشك ..
غفران خطايانا
كان شوق قلبك ..
كم كنت قويّاً ..
قويّاً في ضعفك ..
[/b]

تحياتي لك اختي سيمار لمرورك

أخوك بالرب


الراهب آشور ياقو البازي

25
ܚܥܵܐ ܓܵܢܘܟ ܫܡܫܵܐ ܐܠܥܫܐ ܥܠ ܕܐܗܐ ܟܬܒܐ ܐܓܪܥܬܹܐ ܡܪܥ ܦܘܠܘܣ ܫܠܥܚܐ ܐܥܟ ܛܩܣܐ ܕܥܖܬܐ ܡܕܢܚܐ
ܐܠܗܐ ܢܛܘܪܘܟ ܥܠ ܐܗܐ ܦܘܠܚܢܐ

ܥܡ ܚܘܒܥ ܘܐܥܩܪܥ ܩܐܠܘܟ

ܪܒܢ

ܐܫܘܪ ܕܒܵܙ

26
أدب / الجلجلة
« في: 01:50 12/09/2007  »
الجلجلة
[/b]

الراهب آشور ياقو البازي

اختفت شمس الكون

في الجلجلة ،

وأشرقت شمس البر

وأشعت بالشفاء ..

في الجلجلة

مات يسوع

لنحيا أنا وأنت ..

في الجلجة

تحمل يسوع

أوجاعنا لنرتاح

أنا وأنت ..

في الجلجلة

كمل يسوع

أحزاننا

لنفرح

أنا وأنت ..

انه الحب ..

الحب العظيم

حب الله

بلا حدود ..

الرب يدعونا

هيّا .. هيّا

إلى هناك

في الجلجلة

إلى مكان

الحب الحقيقي ..

سيُنسينا أنفسنا

سيُشغلنا به

سيُدخلنا دائرته

دائرة الحب

سيغمرنا بالحب

سيمتعنا بالحب ..

الحب سيُشعرنا

بالآمان والراحة ..

الحب علاج للقلق

دواء للخوف ..

هو يقول :

أنه لا يزال يحبنا

انا وأنت ..

يهمه أُمورنا

يريد أن يتعامل

مع مشاكلنا ..

يريد أن يتعامل معها

لا كسيد مع أنه السيد ..

بل كمحب ،

كأعظم محب ..

يريد أن يتعامل

مع مشاكلنا

بذات الحب ..

الحب الذي قاده ،

ليسير في طريق الألم ،

ليموت على الصليب

كي نحيا

أنا وأنت ..

الرب

يُريد أن يتعامل

مع مشاكلنا

بذات هذا الحب..

الرب

يدعونا

هيّا .. هيّا

إلى الجلجلة ..

هيّا .. هيّا

لتعرفوا الحب

الذي لا زلت

أُحبكم به ..

الذي لا زلت

أُعالج به أُمور حياتكم ..

الذي لا زلت

أحلّ به قيودكم ،

وأشفيكم من أوجاعكم ،

واسدد به احتياجاتكم ..

هيّا .. هيّا

أنا وأنت

إلى جلسة هادئة معه

لنعرف منه

كم يحبنا ..
[/b]

الراهب آشور ياقو البازي

27
شكرا جزيلاً يا سبايدر مان عراق لمرورك
تحياتي
الراهب آشور ياقو البازي


أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،

هناك الخير والنبل مهما أطلت عليه من الخارج أقنعة الشر،

والقسوة، والأنانية، والحقد والكراهية في موطني.

أرى شروق شمسه في قلبي،
 
مهما امتدت ساعات الليل الدامس.


28
شكرا يا أخ بدراشا 2007 لمرورك
تحياتي
اخوك بالرب
الراهب آشور ياقو البازي


أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،

هناك الخير والنبل مهما أطلت عليه من الخارج أقنعة الشر،

والقسوة، والأنانية، والحقد والكراهية في موطني.

أرى شروق شمسه في قلبي،
 
مهما امتدت ساعات الليل الدامس.

29
شكرا يا أخ بدراشا 2007 لمرورك
تحياتي
اخوك بالرب
الراهب آشور ياقو البازي


أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،

هناك الخير والنبل مهما أطلت عليه من الخارج أقنعة الشر،

والقسوة، والأنانية، والحقد والكراهية في موطني.

أرى شروق شمسه في قلبي،
 
مهما امتدت ساعات الليل الدامس.

30
شكرا يا أخ بدراشا 2007 لمرورك
تحياتي
اخوك بالرب
الراهب آشور ياقو البازي


أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،

هناك الخير والنبل مهما أطلت عليه من الخارج أقنعة الشر،

والقسوة، والأنانية، والحقد والكراهية في موطني.

أرى شروق شمسه في قلبي،
 
مهما امتدت ساعات الليل الدامس.


31
أدب / رد: أنا
« في: 01:57 08/09/2007  »

لا تدع اليأس يستولي عليك ...
انظر إلى حيث تشرق الشمس ...
كل فجر جديد لتتعلم الدرس الذي أراد الله للناس أن يتعلموه ..
ان الغروب لا يحول دون شروق مرة اخرى في كل صبح جديد ...

تحياتي لك
يا اخت سيمار لمرورك

اخوك بالرب

32
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 01:52 08/09/2007  »
كل دمعة لها نهاية ...
 ونهاية أي دمعة بسمة ...
ولكل بسمة نهاية ...
ونهاية البسمة دمعة !!!
ولحن الحياة بداية ونهاية ...
بسمة ودمعة ...
فلا تفرح كثيراً...
ولا تحزن كثيرا...

شكرا جزيلا يا اخت سيمار لمرورك

تحياتي

اخوك بالرب

33
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 15:46 03/09/2007  »
أشكرك شكراً جزيلاً يا أخ منهل نسيم لمرورك

تحياتي

34
أدب / رد: أنا
« في: 15:45 03/09/2007  »
أشكرك شكراً جزيلاً يا أخ منهل نسيم لمرورك

تحياتي

35
كنيسة العراق

يجب أن تعود إلى الجذور الأولى
[/b]


 الراهب آشور ياقو البازي


المقدمة :

في كل يوم صار من البديهي قراءة أبحاث لاهوتية منهجية، حسب خطوات منسقة وواضحة ودقيقة وشاملة، ولكن ان عدنا عبر مئات السنين، وبالتحديد عند زمن كتابات آبائنا في الإيمان فان الامور لم تكن على هذا المنوال، بل انكب اهتمامهم على قدر الإمكان والقدرات على تثقيف جماعتهم وتنشئتها رعوياً، وإيمانياً، وروحياً وإنسانياً بروح أصيلة. وسعوا بقصارى جهدهم ومن صميم قلوبهم على بناء شخصيتهم المسيحية الفريدة والمميزة بناءً قوياً، وتوعيتهم وتوجيههم بكل ما تتطلبه الحالة الجديدة، فكانوا يهتمون على جعل مؤمنيهم تلاميذ حقيقيين للمسيح وتحويل أنظارهم إليه. لقد كانوا رعاة مربيّن وقديسين.


ان الإيمان يُعاش في الحياة المشتركة ليس فقط مع مسيحي زماننا، ولكن أيضاً مع أولئك الذين منذ البدء أظهروه في حياتهم الخاصة وتعليمهم وكتاباتهم " وكان المؤمنون كلهم متحدين .. ويسبحون الله، وينالون رضى الناس كلهم. وكان الرب كل يوم يزيد عدد الذين أنعم عليهم الخلاص " ( أعمال الرسل 2 : 44 – 47 ).


يجب اليوم نحن أبناء كنيسة العراق ان نعود إلى هذه الينابيع لاكتشاف اصالتها وخصوصياتها في سبيل التأويل والتأوين، فالأمانة على التراث لا تعني ابقاء القديم الموروث كما هو، بل العودة إلى إحياء هذا التراث والبحث عن السبل الكفيلة للعيش حسب نعمة البدايات الممتازة ليتواصل الروح القدس في الزمن الحاضر في حالة إبداع.


الكنيسة :


الكنيسة هي السماء، وموضع الابتهال المشترك، وحيز التبشير بكلمة الله، والتأديب الأخوي، والتكافؤ ما بين الجميع، والتقاسم مع الفقراء، وحضور المسيح في شخص كُل من تلاميذه. ومن ثمّ، قد كان من المتيسر أن يكون حضور الله معنا في الكنيسة. فكل ما ذكرناه نجده في الكنيسة : الايمان، وكلمة الله، وسر الافخارستيا، والفقراء ... ذلك كله في خدمة المحبة، وابتغاءً لامتلائنا من المحبة التي هي الله.


الكنيسة هي أسرة حقيقية، فهي تارةً الأم بالنظر إلى المؤمنين، وتارة الزوجة بالنظر إلى المسيح، وتارة الابنة بالنظر إلى الله. والبرهان على هذا يكمن في التعداد الهائل لأعضاء الكنيسة الذين تلقّوا، منذ يوم العنصرة، الحياة الجديدة، فوُلدوا من النعمة الإلهية.


في واقع الأمر، الكنيسة أم دائبة على الإنجاب. وهي أيضاً العروس التي انتقاها المسيح لنفسه فزيّنها باجمل الحُلل.


إن المسيح، إذ ضحى بنفسه حتى الموت، منح كنيسته ملامح ملآنة بالمحاسن والتناسق، وروعةً عجيبةً. وفيما بعد، حين تدهور وضعها مجدداً، حين شاهدها، في غالب الاحيان جداً، مصابة بجراحات أخرى شملتها بكاملها، لم يُقصها عن منـزله، ولا عن قلبه، لكنه أقام على مقربة منها، متوخياً النهوض بها وشفاءها.


الكنيسة هي أيضاً جسد المسيح. بيد أنها ليست هذا الجسد إلاّ حينما تكون جماعة إخوة يتحدون في محبة المسيح. يقوم جمال الكنيسة على هذه الوحدة الكاملة للجسد، الناجمة عن اتحاد ابنائها اتحاداً وثيقاً ومتبادلاً.


في هذا الجسد، ثمة أخوة ووحدة، وتكافؤ ما بين كافة أعضاء المسيح. تكتسب الأخوة بتلقي المعمودية، وبالمشاركة في الأسرار الإلهية. فكما خرجت حواء من جنب آدم النائم.
كذا خرجت الكنيسة من جنب المسيح المصلوب. عقب وفاة المسيح مُعلقاً، ومسمراً على الصليب، قدم أحد الجنود وطعن جنبه، فانسكب منه دمٌ وماءٌ. فمن هذا الدم انبجست الكنيسة، فنحن نولد حقاً بماء المعمودية، ونغتذي بدم المسيح. أما الأمر الجليُّ أننا من لحمه وعظامه، بما أننا نستقي ولادتنا، وقُوتنا من هذا الماء ومن هذا الدم.



جوهر سر الكنيسة، هو أنها جماعة إخوة يقتسمون بالتكافؤ ذات الخيرات التي يهبها المسيح لكنيسته.
ليس ثمة من فارق ما بين الراعي والمؤمنين، وبين الرعية والراعي، فجميع الخيرات مشتركة فيما بينهم. ولا نشارك بوفرة لا متكافئة في المائدة المقدسة، فحصة الراعي لا تفوق حصة المؤمنين، فليس ثمة من ميزة، فكل شيء مشترك بينهم، فليس من ذبيحة للراعي وأخرى للمومنين، فالذبيحة نفسها للجميع. وننال جميعاً العماد بعينه، ويُحيينا الروح بعينه، وينتظرنا الملكوت بعينه، وينبغي لنا أن ننحو إليه بنفس الحميّة والغَيرة، فنحن جميعاً وبذات الطريقة إخوة المسيح : ومرة أخرى، أكرر أن جميع هذه الأمور مشتركة فيما بيننا.



الوظائف المختلفة متكاملة لا متعارضة، وينبغي لجميعها أن تسهم في كامل ازدهار مجمل الجماعة الكنسية. ويقوم الروح القدس بتوزيع هباته على كل مؤمن لتكون في خدمة الجميع، كونها نعماً سماوية تُمنحُ بلا قيدٍ للبعض والآخرين.

 
أكان أعضاء الكنيسة متفاوتين،

أكانت هبات الروح متنوعةً بغير حدود،

فهذا خير يعود للجميع.

إنه الشرط الذي لا يمكن الاستغناء عنه لكي تعيش كنيسة العراق وتبقى مستمرة في رسالتها.



إن الوحدة، عوضاً عن اقتصارها على كنيسة محلية، تنتشر في العالم كله عبر القرون، من الأنبياء، والرسل حتى المسيحين المعاصرين، متجاوزةً البحار والمحيطات، وذلك لكونها الكنيسة الجامعة مع المسيح رأساً لها.


هذه الكنيسة، هي من مصدر إلهي، وذلك ما يضمن لها تمام قُوتها، وانتصارها على اعدائها قاطبةً :

 
إن الله هو الذي أنشأ الكنيسة وعزّز أركانها، فمَن بمقدوره أن يزعزعها ؟

بل أقول المزيد :

الكنيسة أقوى من السماء ( متى 16 : 18 )،

والكنيسة أعز على قلب الله من السماء بذاتها.

فهو لم يتخذ جسداً في السماء، بل اتخذ جسد الكنيسة.

فالسماء هي للكنيسة وليست الكنيسة للسماء.



يجب اليوم نحن أبناء كنيسة العراق ان نعود نستقي من ينابيع الكنيسة الأولى التي أسسها الرسل. ونتأمل في كتاب أعمال الرسل، ونتمعّن فيها، والبحث عن السبل الكفيلة للعيش حسب نعمة البدايات الممتازة ليتواصل الروح القدس في الزمن الحاضر في حالة إبداع.


لم يكونوا، آنذاك، كما نحن في هذا العصر، على تشتت وانقسام. فلدينا الآن من هم كبار وصغار، والرأس يحتاج إلى القدمين، والقدمان إلى الرأس. هذا ما صنعه الله لنا .. العلمانيون في حاجة إلينا، ونحن أيضاً في حاجة إليهم .. ويحتاج الفقراء إلى المحسنين، بيد أن المحسنين هم أيضاً في حاجة إلى الفقراء .


ألسنا هنا في صدد مهمة تفوق طاقة البشر؟

ألسنا في صدد ضرب من الجنون ؟

ولئن بدا كل هذا من المستحيلات،



فكنيسة العراق لا تزال تحيا وتشع بنورها في وادي الرافدين، والشاهد الذي يرقى إليه النقاش على هذا. فما هو إذن الخمير السري، وما هي القوة الخفية، الطاقة الإلهية التي تداب على العمل في هذه الكنيسة منذ مئات القرون ؟.


لو لم يكن الروح القدس حاضراً في صميم هذه الكنيسة، لما بقيت حيةً.


إن حضور الروح القدس في صميم حياة الكنيسة نفسه، في ما يُكوّنها على نحو أساسي جسداً للمسيح، الجماعة الأخوية، أعني بهذا كلمة الله التي تُقرأ وتُصلّى ويُيشر بها، والمعمودية والافخارستيا، والفضائل المسيحية الكبيرة :


الإيمان والرجاء والمحبة.


فما من شيء داخل الكنيسة يبدو من المتيسّر شرحهُ بمعزلٍ عن عمل الروح القدس داخلها. والأمر الخارق في مجيء الروح هذا.


وهو أن أُناساً كالآخرين، خاطئين وضعفاء وجاهلين، يصبحون على حين بغتةٍ رُسلاً مُفعيمن بنعمة الروح القدس واقتداره، فيجابهون كافة المخاطر بغية تبشيرهم بالإنجيل في بلاد ما بين النهرين. ومنذئذٍ يجري هذا التحول في كل فردٍ من المعمدّين، فيصيرون بدورهم يحملون الروح القدس. فالروح يُوهب لجميع البشر. إن الاحتفاظ به هو إذاً جوهر الحياة المسيحية. فكل أمر ممكن بعون من الروح القدس :
 


وكذا سيكون الأمر إن وهبنا روحنا للروح القدس، وإن أقنعنا جسدنا بأن يعترف بمكانة الروح القدس الخاصة. وعلى هذا المنوال سنُصيّر جسدنا هو أيضاً جسداً روحياً .

يقوم الروح القدس بفعله داخل كنيسة وادي الرافدين. فهبات الاقتدار، والفهم، والعلم، والحكمة التي يُولجها الروح القدس في صميم مُومنيها لا تتجلّى فقط بالعجائب، والمعجزات التي تقترن برسالتهم وتؤكد عليه. بل بالأسلوب الذي يبشرون به. فالروح القدس يُرشد العمل الرسولي ويُوجهه. وبمقدورنا القول إن الروح القدس هو قلب الإيمان بالإنجيل، ومحركه. إن الروح القدس، روح المسيح، يتماهى عملياً بالنعمة الإلهية، ومن ثمّ، تصير الكنيسة الحيّز المتميّز جداً لتجلّيه فيها.


الخاتمة :

 
ان الإيمان المسيحي يتحد في مبدأ بسيط وصريح، أنه مبدأ العبادة لله ينطلق من خدمة الإنسان " احبب الله واحبب قريبك "، " اترك قربانك واذهب وصالح اخاك ". ووضعت المسيحية كل القيّم الإنسانية الرفيعة التي عاشت الإنسانية قروناً طويلة، وأكدت على سمو الحكمة والخبرة والفطنة وكل ما إكتسبته الإنسانية خلال مسيرتها، ومعنى ذلك أيضاً انها وضعت القيّم من منطلق إلهي أي بالاتحاد بالإنسان الكامل يسوع المسيح، ومن اتحاد تام بالإنسان والآخر، وكأنّ سر الفداء على الصليب وسر التجسد يكتملان في كل إنسان يمضي على درب المسيح في نقاء باطني وضميري، وفي استعداد للمحبة والعطاء.


المحبة هي التي تكشف لكم في القريب عن ذات اخرى هي ذاتكم وتعلمكم أن تبتهجوا بازدهاره كما بازدهاركم، وان تئِنّوا على بلاياه أنينكم أنتم. فالمحبة هي التي تُصيّرنا أجمعين جسداً واحداً، فتجعل من نفوسنا منازل الروح القدس، لأن روح السلام هذا يُحبّ أن يلقى الراحة، لا حيث تُهيمنُ التفرقة، بل حيث يسود اتحادٌ يجمع شمل القلوب. إنها المحبة التي تُصيّر خيرات كل واحد منا خيراتُ الجميع :


" وكان لجمهور المؤمنين قلب واحد، ونفس واحدة، ولم يكن أحد يقول عن شيء يملكه أنه خاص به، بل كان لهم كل شيء مشتركاً ".


الراهب آشور ياقو البازي


36
بسم الاب والابن والروح القدس
الإله الواحد آمين
[/b]

تحية بالرب للجميع

أقدم شكري وامتناني إلى جميع الذين قراوا هذه الصفحة، والذين سوف يقروانها في المستقبل.


الراهب آشور ياقو البازي

37
بسم الاب والابن والروح القدس
الاله الواحد آمين
[/size][/b]

تحية بالرب للجميع

أقدم شكري وامتناني إلى جميع الذين قراوا هذه الصفحة، والذين سوف يقروانها في المستقبل،
وان تكون هذه الصلاة بركة لهم والى جميع أبناء كنيستنا وشعبنا، ونطلب من الرب بواسطة الربان هرمزد القديس ان يعم السلام والآمان في ربوع بلدنا العراق الجريح مهد الحضارة والإيمان.


الراهب آشور ياقو البازي

38
بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين
[/size][/b]

تحية بالرب للجميع

أقدم شكري وامتناني إلى جميع الذين قراوا هذه الصفحة، والذين سوف يقروانها في المستقبل،
وان تكون هذه الصلاة بركة لهم والى جميع أبناء كنيستنا وشعبنا، ونطلب من الرب بواسطة الربان هرمزد القديس ان يعم السلام والآمان في ربوع بلدنا العراق الجريح مهد الحضارة والإيمان.


الراهب آشور ياقو البازي

39
بسم الاب والابن والروح القدس الاله الواحد آمين
[/size][/b]

تحية بالرب للجميع

أقدم شكري وامتناني إلى جميع الذين قراوا هذه الصفحة، والذين سوف يقروانها في المستقبل،
وان تكون هذه الصلاة بركة لهم والى جميع أبناء كنيستنا وشعبنا، ونطلب من الرب بواسطة الربان هرمزد القديس ان يعم السلام والآمان في ربوع بلدنا العراق الجريح مهد الحضارة والإيمان.


الراهب آشور ياقو البازي

40
اقدم شكري وامتناني للجميع الذين قرأو هذه القصيدة كما أشكر كل من الاخوة
سامي القس شمعون
اشور
بدراشا

متمنياً للجميع ان يحرسهم الرب

الراهب اشور ياقو البازي

41
تحياتي وشكري للجميع

42
أدب / رد: أنا
« في: 17:08 19/06/2007  »
تحياتي للجميع

43
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 17:07 19/06/2007  »
مع تحياتي للجميع

44
الراهب اشور ياقو البازي

45
الراعي الحقيقي

الراهب اشور ياقو البازي

المقدمة

نحن مدفوعون في هذه الأيام لأن نبتكر خططاً ووسائل جديدة لتقوية الكنيسة والعمل على انتشار الإنجيل، وهذا الاتجاه من شأنه أن يقيد الإنسان ويجعله عبداً للأنظمة والقوانين والطقوس والتقاليد. لكن طريقة الله هي استخدام الإنسان المؤمن نفسه أكثر من أي شيء آخر، فالبشر هم الوسائط التي يستخدمها الله، وبينما تبحث الكنيسة عن طريق أفضل، يبحث الله عن رجال مؤمنين أفضل.
لعله لم يوجد وقت شعرت فيه الكنيسة في العراق بحاجتها إلى القوة مثل وقتنا الحاضر. ولست أظن أنه يوجد طريق آخر لاختبار القوة سوى طريق الصلاة الحارة، أنه بالرغم من وجود اجتماعات كثيرة للصلاة إلا أنها ضعيفة وهزيلة تفتقر إلى مصلين مواظبين يرفعون صلواتهم بلا انقطاع، والحاجة ماسة لأن نتعلم الصلاة من جديد ونلتحق بمدرسة الصلاة. والدعوة إلى الصلاة في هذه الأيام هي الدعوة العظمى والملحة التي يصرخ بها الروح القدس في قلب وحياة كل ابن لله.

كنيسة العراق

أين أولئك الخدام الذين يستطيعون أن يعلموا مؤمني العصر الحاضر كيف يصلّون ؟ أن جيل المسيحين العراقيين في أيامنا هذه هو جيل غير مصّلِ ؟ واننا في أشد الحاجة إلى خدام الكنيسة في العصر الرسولي لكي يدفعوا أولاد الله للصلاة ؟
ان زيادة قوة الكنيسة مالياًً، وامتلاكها للكثير من الوسائل العلمية والتقنية الحديثة التي تستخدم في الخدمة والتعليم، وكل الامكانيات الأخرى، ما لم تتقدس بالصلاة فانها تصبح لعنة كبرى تعوق تقدم كنيسة العراق وتعطل أثمار خدمتها، ونحن في هذه الأيام في أشد الحاجة إلى خدام مصلين يقدمون قدوة عملية للشعب. فيا ترى من الذي يقف في الثغرة ؟ ان الشخص الناضج الذي يستطيع أن يدفع الكنيسة للصلاة هو أعظم المصلحين وأكبر المرشدين، هو النبي الحقيقي في عصرنا.
ان الكنيسة في هذا العصر – كما في كل العصور أيضاً -  تحتاج إلى رجال أشداء في الإيمان، يعيشون حياة القداسة والتدقيق، ويختبرون يوماً فيوماً الصلاة في خدمتهم، فتكون صلواتهم وإيمانهم وحياتهم العملية – قبل عظاتهم – سبباً في احداث ثورات روحية في حياة الأفراد كما في حياة الكنيسة أيضاً.
اننا لا نريد رجالاً لهم القدرة على اثارة عواطف الناس، وجذب انتباهم عن طريق الكلام المنمق المرتب، ولا نريد خداماً يجتذبون الشعب بوسائل التسلية المختلفة التي يدخلونها إلى كنائسهم، لكننا نريد خدام يستطيعون عن طريق الله وقوة الروح القدس وفاعلية الصلاة أن يحركوا قلوب الناس، ويحدثوا ثورات في حياتهم تكتسح كل شيء وتغير مجرى الحياة بالكامل.
ان الاستعداد الفطري، والمواهب الشخصية، والمعلومات المكتسبة عن طريق الدراسة، كل هذه لا تكون الخادم الناجح، لكن الإيمان الواثق، والصلاة المقتدرة، وقوة التكريس، والتواضع وانكار الذات، وفناء المجد الشخصي بالكامل في مجد المسيح، هذه هي عناصر النجاح للخادم الذي يستخدمه الله بقوة، ليس بطريقة تمثليلية استعراضية وانما بهدوء وتركيز يكتسحان كل ما يعترض طريق عمل الله.
يستطيع الله أن يعمل عجباً لو وجد الشخص المناسب، ويستطيع الإنسان أن يعمل عجباً لو ترك قيادة حياته لله، وفي تاريخ الكنيسة تستطيع أن تلمح كواكب مضيئة لامعة أنارت الطريق للآخرين وقادت الكثيرين للحق، ولا تزال سيرتهم حتى الآن سبب بركة ورفعة لحياة المؤمنين. ان حاجة الكنيسة في هذه الأيام – بكل طوائفها، هي إلى مثل هؤلاء.
ان الله يطلب أناساً قد صلبوا أنفسهم عن العالم بالكامل، واختبرو في حياتهم قوة الصلاة وفاعليتها، لكي يعمل بهم عجباً ويعيد إلينا مجد الكنيسة الأولى التي بدأت في العلية وهزت الأرض كلها، فهل من مجيب ؟

الخادم الحقيقي

إنجيل المسيح لا ينتشر بالطرق المعروفة، وهو لا ينشر نفسه بنفسه. ولكنه يتحرك بالذين ينادون به، اليوم على الخادم الحقيقي في كنيسة العراق أن يلبس الإنجيل ويتمثل به، فتتجسم فيه صفات الإنجيل وتعاليمه، فيشتعل قلبه بالمحبة للآخرين، وتسري في عروقه التضحية لأجل الآخرين، ويمتلئ كيانه من انكار الذات. وهكذا يبدو بين الناس متسربلاً بالتواضع، حكيماً كالحية، بسيطاً كالحمام، كعبد في طاعته، وكملك في كرامته، وكطفل في بساطته، على الخادم أن يلقي بنفسه أحضان الخدمة بكل غيرة وانكار ذات لأجل خلاص البشر، ويتمثل بشجاعة الشهداء الذين وقفوا بجانب الله يدافعون عن حق الإنجيل، ولكن ان كان كسولاً، أو طامعاً في مركز، أو خائفاً من الناس، أو مستدراً لعطفهم، أو ضعيف الإيمان بكلمة الله، وناقصاً في التكريس فلن يكون له أثر يذكر على العالم.
ينبغي على الخادم الحقيقي أن يوجه أقوى مواعظه لنفسه، وأن يكون أهم أعماله وأصعبها، هو فحص ذاته في محضر الله. ولا يمكن أن يقوم بهذه المهمة إلا من كان رجلاً مصلّياً مؤمناً وقديساً، والله لا يحتاج إلى أناس موهبين، أو مقتدرين في العلم والوعظ، لكنه يحتاج إلى رجال مقتدرين في الإيمان والقداسة والمحبة والتواضع. رجال يعظون الجماهير بالروح القدس، ويسلكون بين الناس في الروح القدس، فهؤلاء وحدهم هم الذين في امكانهم أن يخلقوا جيلاً جديداً للرب. بهذه الكيفية تكونت الكنيسة الأولى من أناس حسب مشيئة الله في البر والقداسة، فكان وعظهم يعني انكار الذات، وحمل الصليب والاستشهاد في الحق، وبذلك شهدوا لنعمة الله في جيلهم وفي الأجيال التي تبعتهم.
على الخادم أن يكون رجل الصلاة، فالصلاة هي أقوى سلاح له، والعظة الحقيقية هي التي تولد في المخدع. كما أن الخادم الحقيقي هو الذي ينشأ في المخدع، ويستمد حياته وتعاليمه ومواعظه من عشرته السرية مع الله. هو الذي يتثقل ويتمخض ويذرف الدموع في محضر الله. فالصلاة تصنع الرجال القديسين.
ان المنبر يفتقر في هذه الأيام إلى الصلاة. وكبرياء العلم من شأنها أن تضعف قوة الصلاة. لقد أصبحت الصلاة مجرد فريضة تؤدي لاستكمال العبادة، وليس للصلاة القوة والتأثير على المنبر الحديث كما كان لها على حياة بولس، أو خدمة بولس، وكل خادم لا يعطي للصلاة الاهتمام اللائق بها في حياته، وفي خدمته يصبح عاجزاً، وضعيفاً، وغير نافع بالنسبة لامتداد ملكوت الله على الأرض.
لقد وضع الله كل أمجاد الإنجيل تحت تصرف الإنسان، فما على الخادم أو المؤمن المسيحي الحقيقي، إلا أن يأخذ الرسالة من الله ويوصلها للإنسان، وما الرسول اليوم إلا القناة التي ينساب داخلها زيت النعمة الإلهية. وعلى القناة أن تكون مفتوحة وليس بها ثقوب حتى يتدفق منها الزيت دون أن يفقد منه شيء.
ان نجاح رسالة الإنجيل يتوقف على أولئك الذين ينادون به. وحين يعلن الله أن " عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه "، فهو يريد أن يرينا أهمية البشر بالنسبة له واعتماده عليهم كالقنوات التي توصل قوته للعالم.
نحن معرضون لأن نفقد هذا الحق الثمين وسط زحام العالم المادي الذي نعيش فيه، ومتى فقدت الكنيسة هذا الحق فانها تسقط في الظلام والاضطراب. ان الكنيسة في هذه الأيام لا تحتاج إلى تنظيمات، أو اختراع طرق أحدث، بل إلى رجال مؤمنين يمكن أن يستخدمهم الروح القدس. رجال مصلّين، رجال مقتدرين في الصلاة، فالروح القدس لا يحل على الأشياء بل على البشر، البشر المصليّن.
قال أحد المؤرخين : ان الذي يصنع التاريخ هم أولئك الذين لهم الشخصيات البارزة وليست الأنظمة السياسية، أو الأوضاع الاجتماعية. وهذا ينطبق بصورة أدق على انجيل المسيح، فشخصية وتصرفات رجال المسيح هي التي تغير الأمم والشعوب وتجعلها تصبح مسيحية.
والرسول في نظر الله أهم من الرسالة نفسها، والخادم أهم من العظة، لأن الخادم هو الذي يصنع العظة، وكما ان لبن الأم هو عصارة حياتها كذلك العظة هي خلاصة حياة الخادم، فالوعظ لا يكون وليد الساعة، بل هو النبع الفائض من الحياة، وقد يستغرق تكوين عظة واحدة عشرين عاماً، لأن الخادم يحتاج لتلك المدة، والعظة الحقيقية جزء لا يتجزأ من حياة الخادم، فهي تنمو بنموه، وتتقوى حين يتقوى هو، وتمتلئ من روح الله حينما يمتلئ هو منه.
وحين قال الرسول بولس : " إنجيلي " لم يكن يقصد ملكيته للإنجيل، أو أن يفتخر بما كتبه، بل أن الإنجيل قد ملك على قلبه وملأ حياته وتجسم في أعماله فأصبح صورة مطابقة لحياته. أين هي مواعظ بولس ؟ انها مجرد كلمات متناثرة ألقاها بولس أيام حياته، ولكن الرسول بولس – وهو أعظم من عظاته – لا يزال حياً بشخصيته ومواقفه وآثاره الخالدة في الكنيسة. فالوعظ مجرد صوت، وقد يختفي الصوت وتنسى العظة من الذاكرة، ولكن الخادم يبقى حياً.

الخاتمة

لا يمكن للعظة، أو الكرازة أن ترتفع عن مستوى الكارز، فالخدام الأموات يلّقون مواعظ ميتة، والمواعظ الميتة تقتل السامعين، كل شيء يتوقف على شخصية الخادم وحياته الروحية، في العهد القديم كان رئيس الكهنة يلبس صدرة من ذهب مكتوباً عليها باحجار كريمة ( قدس للرب ). كذلك ينبغي أن يتحلى الخادم، أو الرسول بالمسيح بنفس هذا الشعار ويكون قدساً للرب.

ليتنا اليوم نصلي بحرارة حتى تتحق لنا كل مواعيد الله المختصة باستجابة الصلاة.

                                                الراهب اشور ياقو البازي

46
الراهب اشور ياقو البازي

47
الراهب اشور ياقو البازي

48
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 12:38 14/06/2007  »
الراهب اشور ياقو البازي

49
أدب / رد: أنا
« في: 12:35 14/06/2007  »
الراهب اشور ياقو البازي

50
الراهب اشور ياقو البازي

51
الراهب اشور ياقو البازي

52
أدب / شهيد الإيمان القس رغيد كني
« في: 22:31 12/06/2007  »
شهيد الإيمان
[/b]

القس رغيد كني
[/b]


الراهب اشور ياقو البازي


لم تكن نجما لتأفل
وُهِبت الحياة
والمجد
فوَهَبت الغد لنا
ورحلت
كسرت عبث الزمن
بالجسد
وعلوت بالروح
ومزقت سكون الليل
لحلمٍ جريءٍ
امتطى سحابة
طافت بأسرار الوجود
تركت الغيوم وراءك
لتزرع رحيلك
في عين الشمس

***

فهل رحلت حقا ؟
نِمْنَا
في سيمياء الصورة
وأنت
عانقت نسراً
برغم الداء والأعداء
عناقاً أخيراً
وصعدت أفقاً
مفتوح الرؤى
لتسكن أملاً مارا ً
في الكون الآتي

***

من لحظة حملت الشهادة
إلى قلبك
وها أنت ترحل من وجوهنا
وها أنت ترحل من أصابعنا
خيطٌ من الألم
نهرٌ من الألم
بحرٌ من الألم
فارحل لو شئت
ولكن !
دع صوتك لنا
يعزف في أوردتنا
عاصفةً
ويشعل في صمتنا
ثورةً
دع صورتك لنا
تزرع في حقولنا
ورداً
لا يذبل
وشجراً
لا ينحني

53
اشور البازي

54
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 16:14 08/06/2007  »
اشور البازي

55
أدب / رد: أنا
« في: 16:13 08/06/2007  »
اشور البازي

56
الراهب اشور ياقو البازي


57
قططُ وفئران في العراق تتجول بحرية



أنزيماتٌ معقدة
في ظل الديمقراطية
كلها هجاء..
والعنفوان مؤقت والضعفُ دواء..
وميكانيكية العمل مرادفةٌ للعطاء..
ولهيبُ الوزارات واضح
لزج في الشوارع
والوعودٌ
بشتى أنواعها كثيرة
ولكن أين
الوفاء؟؟؟؟؟
تيهٌ في كل شيء
حتى
في كلمة شهداء..
وها هم المتطفلون
يجلسون هناك
على نواصي الاستياء
من الظروف الواقعية..
ولا سكون
لصمت حجر
ولا برهان
على رسائلُ العصر الحديث ..
قططٌ وفئران في العراق..
وألعابٌ هزلية..
والوطنُ
في وسط الصراع ضحية..
والاكتئاب
مسيطر تماماً ......
ومن
لحيتهُ أطول حاكم..
ومن يعترض
هو مرتدٌ وكافر..
ألفُ طزٍ في القضية..
قضايا مبهمة وأخرى مبهمة
وانحرافاتٌ فكرية..
آه ... يا وطني الضائع
في زوايا
قلبي الشعرية..

58
قبل الوداع
 تعال نتذكر ايامنا الجميلة
قبل الوداع تعال يا حبيبتي نتذكر
أول لقاء جمع قلوبنا
تعال يا حبيبتي
نتصفح كل ورقة من مذكراتينا
تعال يا حبيبتي نمشي
كل طريق مشيناه لنتذكر كل كلمة حَملناها
لنرى ذكرياتنا الجميلة
قبل ان نقل كلمة الوداع الاخير
( 5)
اسال قلبي
اسال قلبي لما  هواك
لماذا انت بالذات
اسال قلبي ان ينساك،
فيقول لن انساه،  فلِما يا قلبي عشقتها
وجعلتيني اتعذب
اسال قلبي لماذا كل ما يراك يدق بسرعة،
فيقول احبك ولن احب سواها
اسال قلبي وان كان الفراق نهاية هذا الحب
فيقول ساظل احبك حتى اخر نبضة مني.

الراهب اشور ياقو البازي

59
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 17:23 31/05/2007  »
قبل الوداع
 تعال نتذكر ايامنا الجميلة
قبل الوداع تعال يا حبيبتي نتذكر
أول لقاء جمع قلوبنا
تعال يا حبيبتي
نتصفح كل ورقة من مذكراتينا
تعال يا حبيبتي نمشي
كل طريق مشيناه لنتذكر كل كلمة حَملناها
لنرى ذكرياتنا الجميلة
قبل ان نقل كلمة الوداع الاخير
( 5)
اسال قلبي
اسال قلبي لما  هواك
لماذا انت بالذات
اسال قلبي ان ينساك،
فيقول لن انساه،  فلِما يا قلبي عشقتها
وجعلتيني اتعذب
اسال قلبي لماذا كل ما يراك يدق بسرعة،
فيقول احبك ولن احب سواها
اسال قلبي وان كان الفراق نهاية هذا الحب
فيقول ساظل احبك حتى اخر نبضة مني.

الراهب اشور ياقو البازي

60
أدب / رد: أنا
« في: 17:21 31/05/2007  »
قبل الوداع
 تعال نتذكر ايامنا الجميلة
قبل الوداع تعال يا حبيبتي نتذكر
أول لقاء جمع قلوبنا
تعال يا حبيبتي
نتصفح كل ورقة من مذكراتينا
تعال يا حبيبتي نمشي
كل طريق مشيناه لنتذكر كل كلمة حَملناها
لنرى ذكرياتنا الجميلة
قبل ان نقل كلمة الوداع الاخير
( 5)
اسال قلبي
اسال قلبي لما  هواك
لماذا انت بالذات
اسال قلبي ان ينساك،
فيقول لن انساه،  فلِما يا قلبي عشقتها
وجعلتيني اتعذب
اسال قلبي لماذا كل ما يراك يدق بسرعة،
فيقول احبك ولن احب سواها
اسال قلبي وان كان الفراق نهاية هذا الحب
فيقول ساظل احبك حتى اخر نبضة مني.


61
اشكر كل الذين زار وقرأ هذه القصيدة،

اخوكم بالرب

الراهب اشور ياقو البازي

62
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 22:21 26/05/2007  »
اشكر كل الذين زار وقرأ هذه القصيدة،

اخوكم بالرب

الراهب اشور ياقو البازي

63
أدب / رد: أنا
« في: 22:19 26/05/2007  »
اشكر كل الذين زار وقرأ هذه القصيدة،

اخوكم بالرب

الراهب اشور ياقو البازي

64
روح الكنيسة بين الماضي والحاضر
[/b]


الراهب اشور ياقو البازي

المقدمة :

كان المسيح يستعد لرحليه الوشيك، وعد بإرسال نائب عنه، أو ممثل له يكون للتلاميذ رفيقاً ومشيراً : " ان لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن إن ذهبت أرسله اليكم " ( يوحنا 16 : 7 ). وفي يوم ( البنطقسطي ) أي الخمسين أبدل بحُضور المسيح الجسدي بين التلاميذ حضوره الكلي الوجود في شخص روحه، ومن لحظة مجيء الروح القدس ابتدأت تتحقق غَيرة الرب المتقدة واهتمامه بالنفوس وخلاصها. لقد كان الوعد أنه متى حلّ الروح القدس عليهم يصيرون شهوداً للمسيح،  وتم الوعد بدقة ووضوح : " ابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا ". وكان كلامهم مؤثراً تأثيراً عظيماً.
يتضح من كل ما جاء في أعمال الرسل أن العمل الرسولي الذي قام به الرسل يعود لا إلى البشر بل إلى ما هو أبعد، إلى المصدر الإلهي ( النعمة الإلهية ). فالعامل الرئيسي في الجماعة الأولى ( أي الكنيسة ) هو الروح القدس، وما البشر  إلا أدوات تُستخدم في انجاز القصد الإلهي. إنه هو المحرك الاساسي والعامل الرئيس من البداية إلى النهاية.

الروح القدس :

هو المنفِّذ للمأمورية العظمى، كما أنه المدير الموجّه للعمل الرسولي، ففي سفر أعمال الرسل، الذي هو بمثابة الدليل الرسولي العظيم للعهد الجديد، نجد الروح القدس مذكوراً في كل صفحة تقريباً، وهذا السفر التاريخي هو عبارة عن سجل متسلسل لعمل الروح القدس بواسطة الكنيسة. شهد يوم ( البنطقسطي ) أي يوم الخمسين حادثين هامين بالنسبة لسير المسيحية وتقدّمها. الحادث الاول تولّى الروح القدس عمله المزدوج بوصفه المعزي والواهب، فبوصفه معزياً أرسله المسيح المُقام إلى تلاميذه الخائفين الحزانى إتماماً لوعده ( يوحنا 16 : 7 ) عندما نفخ وقال : " اقبلوا الروح القدس " ( يوحنا 20 : 22 ). فقد كان وعد ابن الله لتلاميذه ان يجيئهم الروح القدس معزياً. كذلك كان وعد الآب بأن يكون الروح القدس هو واهب القوة، وقد تحقق هذا الوعد أيضاً في يوم الخمسين: " وها أنا أرسل اليكم موعد أبي، فاقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي " ( لوقا 24 : 49 ). " وامتلأ الجميع من الروح القدس "  ( أع 2 : 4 ).
عندما ابتدأ التلاميذ يدركون ضخامة المهمة الموكولة إليهم صاروا يشعرون بحاجتهم الكبيرة إلى القوة. في هذا اليوم العظيم يوم الخمسين، عندما جرى نقيض ما جرى في برج بابل، أنعم الله على التلاميذ باختبار أولي هو اختبار قوة الروح. في بابل ارتبك الناس لأن لغة واحدة انقسمت فاصبحت لغاتٍ عديدة. أما هنا فاندهش الناس لأن لغاتٍ عديدة صارت لغة واحدة. هذه الحادثة العظيمة الحاسمة هي التي أصبحت البداية الحقيقية للعمل الرسولي. إذ تولى البَراقليط ( المعين ) أي الروح القدس المعزي، عمله المزدوج حدث حادث آخر عظيم وحاسم هو تأسيس الكنيسة. أي الجماعة الأولى جسد المسيح السري، والخلية الحية التي لا تُقهر. كان شخص المسيح، في أيام جسده، الاداة الكاملة التي عن طريقها تمَّم الروح القدس قصد الله في العالم. أما الآن، وقد ارتفع جسده الممجد إلى السماء، فقد أصبحت الكنيسة، التي هي جسده السري، هي الأداة التي يستخدمها الروح القدس إن كل ما عمله المسيح، وهو على الأرض كان بقوة الروح القدس، وينطبق هذا، بصورة مثالية، على كنيسته أيضاً. وللمعمودية بالروح القدس معنى جماعي إذ بها ينضم المؤمنون من كل العصور إلى جسد المسيح الواحد الذي هو الكنيسة الشاملة . " لأننا جميعنا بروح واحد أيضاً اعتمدنا إلى جسد واحد " ( 1 كور 12 : 13 ). فهذا الجسد، بمن فيه من اعضاء، أوكلت إليه مسؤولية حَمل بشارة الخلاص إلى العالم أجمع. إذ كان ينبغي ان يكرز بالانجيل، " في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم " ( متى 24 : 14 ). والقوة للقيام بهذه الكرازة والشهادة هي في هبة الروح القدس.
عندما ألقى المسيح المُقام كلمته الاخيرة قبيل صعوده ربط مجيء روحه بإعطاء القوة للشهادة العالمية المؤثرة التي كانت هدفه الأسمى : " لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض " ( أع 1 : 8 ). وقد تحققت كلمات المسيح هذه بعد أيام قليلة عندما سمع ( رجال اتقياء من كل امة تحت السماء ) التلاميذ يقدمون الشهادة بالروح القدس.
يبين أيضاً سفر الاعمال بوضوح الطريقة المحددة التي بها تحقق الوعد " وامتلأ الجميع من الروح القدس " ( أع 2 : 4) لم يكن هذا الاختبار مقصوراً على جماعة يوم الخمسين دون سواهم، ولا هو اختبار جرى مرة واحدة في مناسبة فريدة لم تتكرر، فبطرس اختبر امتلاءات متتالية كما جاء في  ( اعمال الرسل 4 : 8 ، 31 ). ومما يلفت النظر في سفر الأعمال كله التشديد المتكرر على هذا الموضوع، الامر الذي يبين ان اولئك الرسل الاولين نفذوا وصية سيدهم بكل جدّ، أي ألاّ يشرعوا في خدمتهم قبل ان يوهبوا قوة من الأعالي. ان الحصول على هذه الهبة هو التجهيز الاساسي الضروري لكل تلميذ في هذه الايام، إذ بغير الروح القدس لا يمكن أن تكون شهادة مؤثرة. وان الفكرة المقصودة بالتعبير " امتلأ بالروح القدس " ليست فكرة وعاء فارغ يمتلئ، بل شخصية بشرية مترجرجة تصبح تحت سيطرة أقنوم إلهي، فليس في الامر سلبية، أو ركود. إذ في الامتلاء بالروح تكون كل مقدرة، أو ملكة في التلميذ في اوج عملها.
مما تجدر ملاحظته أن الكلمة المستخدمة في أعمال الرسل ( 2 : 4 )، وافسس ( 5 : 18 ) أي " امتلأ الجميع بالروح "  و " امتلئوا بالروح " كثيراً ما تحمل معنى السيطرة. مثال ذلك " امتلأوا خوفاً " ( لوقا 5 : 26 )." لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم" ( يوحنا 16 : 6 )، فالخوف والحزن كانا يسيطران على اولئك الناس.
نكون مملوئين بالروح القدس عندما نسمح له تلقائياً بأن يمتلك كامل شخصيتنا ويسيطر عليها ويُخضعها لسيادة المسيح. فإنه عندما يملأنا يمارس سيطرته من مركز شخصيتنا. انه باستمرار ينير أذهاننا لكي نقدر قيمة الحق الذي في المسيح يسوع ونمتلكه. وهو يطهر عواطفنا ويثبتها اذ يجعلها مركزة على المسيح، كما يقوي ارادتنا لكي نطيع وصايا المسيح. لكنه لا يمحو شخصياتنا بل يحررها ويقويها بهذه الطريقة بعث الروح القدس حياة جديدة وقوة في حياة التلاميذ كي يعيدهم لحمل مسؤولياتهم العظيمة.

الخاتمة :

تتمكن كنيسة العراق اليوم من تأدية عملها بقوة الروح القدس، لا بالموارد، ولا بالذكاء، ولا بالمال، ولا بالحماسة والغيرة. ولا يمكن للدعاية، أو التنظيم، أو العبقرية أن تغني عن الروح القدس، أو تحل محله. طبعاً، للتقنية الحديثة والطرق المحسَّنة مكانها وفائدتها، ولكن هذه لا تفي بحاجتنا إلى القوة التي بالروح، فبالإمكان ان نلقي نجاحاً في عملنا الرسولي فقط عندما يعدّ الروح القدس الطريق أمامنا، وفي كل مكان وفي كل جيل نجحت فيه الكنيسة وازدهرت نجد دائماً ما يدل على ان الروح القدس كان يعمل فيها، فأوجد جوعاً في قلوب الناس.


الراهب اشور ياقو البازي

65
دقات قلبي

الراهب اشور ياقو البازي

دقات قلبي كانت على بابك
وحدقات عيني أبصرت ضلك
أشواق روحي قنصت ارادتك
وصيوان اذني سمع صمتك
نور عيني صار حفيدك
وعطر لحمي كزفير روحك
قطرات دمي نزفت من جرحك
وملامح وجهي هي بصمة اصبعك
نشوة جسدي قضمت روحك
واجابت حياتي على سؤالك
جثت ركبتي إجلالاً لك
وجحظت عيني عجباً بأعمالك
صفقت يدي فرحاً بك
وثقل جفني من النظر إليك
دموع عيني مسحتها يديك
وتقدس جسدي بروحك
نطق لساني بكلمتك
وعرق جبيني ضمن حياتي معك...

الراهب اشور ياقوالبازي

66
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 02:02 21/05/2007  »
دقات قلبي

الراهب اشور ياقو البازي

دقات قلبي كانت على بابك
وحدقات عيني أبصرت ضلك
أشواق روحي قنصت ارادتك
وصيوان اذني سمع صمتك
نور عيني صار حفيدك
وعطر لحمي كزفير روحك
قطرات دمي نزفت من جرحك
وملامح وجهي هي بصمة اصبعك
نشوة جسدي قضمت روحك
واجابت حياتي على سؤالك
جثت ركبتي إجلالاً لك
وجحظت عيني عجباً بأعمالك
صفقت يدي فرحاً بك
وثقل جفني من النظر إليك
دموع عيني مسحتها يديك
وتقدس جسدي بروحك
نطق لساني بكلمتك
وعرق جبيني ضمن حياتي معك...

الراهب اشور ياقوالبازي


67
أدب / رد: أنا
« في: 02:00 21/05/2007  »
دقات قلبي

الراهب اشور ياقو البازي

دقات قلبي كانت على بابك
وحدقات عيني أبصرت ضلك
أشواق روحي قنصت ارادتك
وصيوان اذني سمع صمتك
نور عيني صار حفيدك
وعطر لحمي كزفير روحك
قطرات دمي نزفت من جرحك
وملامح وجهي هي بصمة اصبعك
نشوة جسدي قضمت روحك
واجابت حياتي على سؤالك
جثت ركبتي إجلالاً لك
وجحظت عيني عجباً بأعمالك
صفقت يدي فرحاً بك
وثقل جفني من النظر إليك
دموع عيني مسحتها يديك
وتقدس جسدي بروحك
نطق لساني بكلمتك
وعرق جبيني ضمن حياتي معك...

الراهب اشور ياقوالبازي

68
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 02:54 20/05/2007  »
الراهب اشور ياقو البازي

أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،


69
الراهب اشور ياقو البازي

أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،


70
الراهب اشور ياقو البازي

أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،


71
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( أنا )
« في: 02:48 20/05/2007  »
الراهب اشور ياقو البازي

أرى

حياتي وجذوري
 
مغروسة في العراق
 
منذ الاف السنيين

هي فرصة للحب، والفرح والاجتهاد،

مهما اعترضتها المنغصات، أو الآلام، أو التحديات.

ان لحياتي في وطني رسالة ومعنى، وقيمة وقصد

لأجله خلقني الله فيه.

أرى الجمال في ربوعه،

في جباله، ووديانه، وسهوله، وأهواره
 
في نخيله، ووروده، وطيوره، وفي قلوب بشره،

من شماله وجنوبه مروراً بوسطه،

72
المنبر الحر / اوقفوا الهجرة
« في: 21:53 19/05/2007  »
أوقفوا الهجرة!
[/b]

الراهب اشور ياقو البازي

سأحزم أمتعتي وأرحل إلى عالم مجهول كثيراً ما نسمع عنه أنه لا ينسجم مع طباعنا، وتقاليدنا وغيرها الكثير.. أعرف جيداً بأنني أملكُ داراً من الحجر الاشوري العراقي الأصيل الذي لا يهزّه زلزال، وهناك لا أقوى على امتلاك ربعهِ من الخشب وبالرغم من ذلك سأرحل. أعرف بأن لي هنا كل وسائل الراحة والأجهزة الحديثة أقوى على شرائها، وهناك لا أظن انني استطيع اللحاق بالركب. أعرف بأن لي جيراناً وأصدقاء لا يقّيمون بالذهب، وهناك سوف لا يسأل عني أخ، وبالرغم من ذلك سأرحل. أعرف بأن لي هنا تاريخ وحضارة عريقة، وذكريات لا تنسى، وماضٍ لا ولن يساويه مستقبل ومع ذلك سأرحل.
 أعرف بأن لي أولاداً في قمة الخلق والادب، وهناك سأفقدهم ومع ذلك سأرحل. أعرف بأن لي هنا مكانة محترمة وأسمي معروف، وهناك سأكون في الضواحي والحواشي ونكرة وسأرحل. أعرف بأن لي هنا خادمات يخدمنني، وهناك أنا التي ستخدم وبالرغم من ذلك سأرحل. وهناك مقارنات كثيرة .. كثيرة والنتائج سلبية. أليس ذلك غريباً ؟ أهو مشروع مخطط له ؟
نتصرف ضد ارادتنا، نفعل ما نكره، نمضي إلى الظلام بمحض ارادتنا. نفقد كلّ شيء تدريجياً ونسكت، أو نمضي ونحن صامتين.. ننتزع جذورنا العميقة من باطن هذه الأرض التي إرتوت بدماء الأجداد، نولي ظهورنا إلى ما زرعه القدماء من أحبتنا ونتركه للآخرين، ونمضي إلى لا شيء، إلى السراب إلى الوهم إلى المعاناة من صراع داخلي بين الواقع الذي سنعيشه وبين ما ترسبَّ عبر السنين في نفوسنا من خير وأمل وأخلاق، سنعيش حياة تناقض، أليس معنى ذلك اننا سنفقد كياننا ؟
يقال ان الآباء يضحّون من أجل الأبناء. أسالكم ما رأيكم بأنني سأنتزع إبني الوحيد من المكان الذي أحبه، وبين أصدقائه الذين يحترمونه وكنيسته المفضلة ومن مستقبله النهائي حيث انه على أبواب الجامعة، سأحرمه من حياة الجامعة، أي بالاحرى سأحرمه من الحياة عينها، كلُّ ذلك من أجل ماذا ؟


هم رحلوا .. إذن يجب أن نرحل نحن أيضاً.


كل فردٍ وكل جماعة رحلت قبلنا تألمتُ وعانيتُ كثيراً من أجلهم كنتُ رافضة للفكرة دائماً، كأنَ ألم الفراق يرافقني في كل مرة وأحياناً يترك فيَّ أثراً واضحاً، فكيف لو غادرت أنا ؟
كيف أغادر موطن أجدادي أرض بابل واشور ونينوى، الأرض الحنون التي أحتضنتني دائماً وأعطتني الكثير من خيراتها، كيف أترك نهري دجلة والفرات الذي شربت من مائهما، ذكرياتي كيف أنسى ماضيَّ وأبدأ من جديد وهل من السهل على البشر أن ينسى نفسه ؟
انني أحب وبكل جوارحي كل حجرٍ في تلك القرية الصغيرة التي أنتمي إليها، ولا أقوى على التأخر عن زيارتها .. وفيها قبرُ ؟ ماذا أقول حين أودع أناساً عشتُ معهم سنين طويلة، أحبوني وأحببتهم بتجرد كيف لي أن أفقد الأمل في لقاء صديقٍ قديم إشتقت إليه يفهمني وأفهمه. ان الحزن يحزُّ في قلبي كلما نظرت إلى ولدي وقد نسي الابتسامة ومرح الشباب حيث السفر شلَ تفكيره، وهكذا ابنتي الصغيرة التي تأمل ان تعود إلى بيتها هنا الذي طالما أحبتهُ وتتألم عندما تسمع بأنه سيصبحُ للغير بل إنها ترفض فقط التفكير بذلك. وبالرغم من كل ذلك سأرحل. اذن هل من تفسير لذلك، شعبٌ كُتب عليه الهجرة على طول الزمن، ولكل زمنٍ اسلوبه في ذلك.. شعبٌ منذ سقوط أربابه لم يرتح يوماً. اذن هل هي نقمة الرب عليه ؟ ام ماذا ؟ لماذا أترك أهلي وكل شيء أحببته وأرحل إلى السراب ؟ وأعيش بقية عمري في يأس وحزن وشوق قاتل ؟ أهي ضريبة زمنية على شعبٍ كُتب عليه الدمار والتشرد ؟ مسكينةٌ هي هذه الأمة التي عاشت مشتّتة أجيالاً وأجيالاً كثيرة، والهجرة ملازمة لها. والفناء لاحق بها نتيجةً لذلك ولأحقاد الحاقدين، هجرتنا هي امتداد لهجرة الاجداد عبر التاريخ، وهذا التشرد هو امتداد لما شهده الاقدمون من معاناة وتشرد وألم. لماذا يحدث هذا لنا ؟ ألا يكفينا ما عانينا من ظلم وتشتت ؟ لماذا بالذات هؤلاء يحكم عليهم بالاعدام بين الحين والاخر.
صمت ابني الشاب وانا اقرأ في نظرته عتاباً، لماذا تضيّعون مستقبلي، وهو رافض للفكرة ويعرف ان رفضه لا جدوى منه، فهو اذن مستسلم للضياع لا حول له ولا قوة.

لماذا كل ذلك ؟ لماذا كُتبت المشقة علينا ؟ شابنا بالرغم من شبابه يرفض حضارتهم ويريد تقاليدنا، انه يرفض تلك الحياة مقدماً، انه دائم الخلوة إلى نفسه رافضاً لهذا الواقع المر، وأنا الأم التي تأمل اسعاد أبنائها، ماذا عسانا أن نفعل فيما كُتب علينا. هل كُتب علينا أم نحن ساعدنا في كتابته ؟
 

أعرف كل ذلك وقد حزمتُ أمتعتي وسأرحل ...


مساكين أحفاد اشور وسنحاريب واسرحدون وحمورابي ونبوخذنصر ..
إلى متى سيبقون يعانون ويعانون من زوابع الزمان وغدر الأيام .. أهو انتقام الدنيا أم هو شيٌ آخر، وحتى لو كان كذلك إلى متى سيتسمر؟ جيلٌ بعد جيل ودهر بعد دهر والمعاناة لم تنتهِ، في كل حقبة من الزمن يثور بركان يكتسح هؤلاء المساكين الأبرياء، ويترك القسم الأصغر منهم ليكملوا معاناة أجدادهم بطريقة جديدة تناسب العصر وتطوراته، المشكلة والألم يتطوران ويكبران معهم  مع تقدم العالم والعقل البشري. أعجب لكونهم لا يابهون للمشاعر البشرية للشعوب وبالأخص شعبي، يظهر أنه قد حُكم عليهم بعدم الاستقرار. بالأمس كنّا في بلد غير بلدنا مهاجرين مذلولين واليوم نحن في قرية صغيرة اعتبرناها وطننا الجديد، واقتنعنا أو أقنعنا أنفسنا بذلك وأحببناها وتعلقنا بها، وان صادف وحاول أحدهم الاعتداء عليها هبَّ الجميع للدفاع عنها، وانتقلنا وباستمرار من مكانٍ إلى آخر ضمن وطننا الأصلي والذي باتت آثار جدي وجدتي شاخصة شامخة بعظمتها تتحدى كل محتل وغازٍ وتحتقره وتنبذه، لكن وأيُّ غازٍ هذا !
ماذا حلَّ بابناء هذا الشعب المسكين، أمضوا حياتهم بالتنقل من مكان إلى آخر ضمن موطنهم الأصلي، والآن يتنقلون من بلدٍ إلى آخر خارج بلدهم، هل هو البحث عن الأفضل والأحسن ؟ ضاقت بهم الدنيا، هذه الدنيا الواسعة، أولئك الذين كانت الدنيا لأجدادهم، هنا يعانون وهناك يعانون.
الأب الشيخ الذي طالما حلم بابنه رجلاً يحمل عنه عبء الحياة، ويوم الشدّة يصارع الشدائد مستنداً على من قضى عمره كلهِ بالتضحية والعطاء من أجل أن يأتي ذلك اليوم، وكان يحلم بفرحته، لكن حَكم الزمن على الأثنين بالفراق شاءا أم أبيا. دائماً عرفت الأم بشفافية مشاعرها وفيض عواطفها اتجاه أولادها فكيف هي الآن إذن وهي بعيدة كل البعد عن أعز أعزائها. تلك الأم التي فارقت ابنتها الحبيبة لان الذي سلط هذا التيار على هذا الشعب سلطه على الجميع، فتضعف مقاومته مهما طالت. اذن وبدون ارادة الكل ينجرف مع التيار الذي لا حول لنا ولا قوة لايقافه. الأم تعيش اياماً عصيبة، وتصارع فعلتها هذه، تقارع قرارها بابعاد ابنتها عنها، والأبنة تبقى وإلى النهاية تتساءل لماذا كل هذا ؟ لماذا هي يعيدة عن أصلها، امها التي تبقى دائماً بحاجة إلى عَونها وحنانها ومشورتها، أبيها الذي هو الجبل الذي يحميها، وأخيها الذي هو سندها وقوتها، واختها، والأخت عزيزة لا تعوض، قلبها واسع سعة البحر لكل ما يبدر من اختها. من أجل ماذا كل هذا ؟ انه عالم معاناة، ويا خوفي على أحفادنا وأحفادهم ماذا سيحل بهم وماذا يخبيء الزمان لهم ؟

أعرف كل ذلك وقد حزمتُ أمتعتي وسأرحل ..
.


الراهب اشور ياقو البازي

73
دقات قلبي

الراهب اشور ياقو البازي

دقات قلبي كانت على بابك
وحدقات عيني أبصرت ضلك
أشواق روحي قنصت ارادتك
وصيوان اذني سمع صمتك
نور عيني صار حفيدك
وعطر لحمي كزفير روحك
قطرات دمي نزفت من جرحك
وملامح وجهي هي بصمة اصبعك
نشوة جسدي قضمت روحك
واجابت حياتي على سؤالك
جثت ركبتي إجلالاً لك
وجحظت عيني عجباً بأعمالك
صفقت يدي فرحاً بك
وثقل جفني من النظر إليك
دموع عيني مسحتها يديك
وتقدس جسدي بروحك
نطق لساني بكلمتك
وعرق جبيني ضمن حياتي معك...

الراهب اشور ياقوالبازي


74
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( أنا )
« في: 21:17 19/05/2007  »
ابانا الذي في السماوات

ابانا الذي في الســــــــــــــــــــــــماوات                     
أنت خالق كل الكائنــــــــــــــــــــــــات
نرفع لك اجمل الصــــــــــــــــــــــلوات                 
نحن ابناء دجلة والفـــــــــــــــــــــرات
منبع الايمان والحضـــــــــــــــــــــارات                      
نصعد لك الشكر والتســــــــــــــبيحات                 
من ارض سومر ومن فوق الزقـــــــــورات
نرنم لك أحلى الاغنيـــــــــــــــــــــات
من بابل مدينة القوانين والمســـــــــلاَّت
نرتل لك أحلى الترتيــــــــــــــــــــلات
                                              ومن اشور ونينوى ام الحضـــــــــــارات
                                              نعزف لك أعذب النغمــــــــــــــــات
لاسمك القدوس نهتف باعلى الاصوات 
                      في الليل والنهار وفي كل الســـــــاعات       
                                              لان ملكوتك أغلى الامنيـــــــــــــــات           
                                              في قلوب المؤمنين والمؤمنــــــــــــــات    
                       نورت عقولنا في وسط الظلمــــــــــات       
                       وسرت امامنا في كل الطرقـــــــــــات
                                              ووجهتنا في الطريق والحق والحيــــاة   
                                              لقد منحتنا النعمة وكل البركــــــات
                       علمتنا كيف نصيد الســـــــــــــمكات             
                      أيها الخبز النازل من الســــــــــــماوات
                                             أعطنا خبزك مدى الحيـــــــــــــــاة                     
                                              فيك رجاؤنا بعد الممــــــــــــــــــات
                      اغفر لنا كل السيئـــــــــــــــــــــــات                   
                      وقوي صبرنا في المشــــــــــــــــــقات
                                             وابعد عنا كل النائبـــــــــــــــــــات                     
                                             ونجنا  من كل شــــــــــــــــــــر  آت
                      لان لك الملك والمجد والتسبيحــــــــات         
                      مدى الايام والشهور والســــــــــنوات               

    الراهب اشور ياقو البازي


75
أدب / رد: قصيدة بعنوان ( هل أنساك )
« في: 21:12 19/05/2007  »
ابانا الذي في السماوات

ابانا الذي في الســــــــــــــــــــــــماوات                     
أنت خالق كل الكائنــــــــــــــــــــــــات
نرفع لك اجمل الصــــــــــــــــــــــلوات                 
نحن ابناء دجلة والفـــــــــــــــــــــرات
منبع الايمان والحضـــــــــــــــــــــارات                      
نصعد لك الشكر والتســــــــــــــبيحات                 
من ارض سومر ومن فوق الزقـــــــــورات
نرنم لك أحلى الاغنيـــــــــــــــــــــات
من بابل مدينة القوانين والمســـــــــلاَّت
نرتل لك أحلى الترتيــــــــــــــــــــلات
                                              ومن اشور ونينوى ام الحضـــــــــــارات
                                              نعزف لك أعذب النغمــــــــــــــــات
لاسمك القدوس نهتف باعلى الاصوات 
                      في الليل والنهار وفي كل الســـــــاعات       
                                              لان ملكوتك أغلى الامنيـــــــــــــــات           
                                              في قلوب المؤمنين والمؤمنــــــــــــــات    
                       نورت عقولنا في وسط الظلمــــــــــات       
                       وسرت امامنا في كل الطرقـــــــــــات
                                              ووجهتنا في الطريق والحق والحيــــاة   
                                              لقد منحتنا النعمة وكل البركــــــات
                       علمتنا كيف نصيد الســـــــــــــمكات             
                      أيها الخبز النازل من الســــــــــــماوات
                                             أعطنا خبزك مدى الحيـــــــــــــــاة                     
                                              فيك رجاؤنا بعد الممــــــــــــــــــات
                      اغفر لنا كل السيئـــــــــــــــــــــــات                   
                      وقوي صبرنا في المشــــــــــــــــــقات
                                             وابعد عنا كل النائبـــــــــــــــــــات                     
                                             ونجنا  من كل شــــــــــــــــــــر  آت
                      لان لك الملك والمجد والتسبيحــــــــات         
                      مدى الايام والشهور والســــــــــنوات               

    الراهب اشور ياقو البازي

76
المسيحيون و الاسلام
اخوة منذ مئات القرون في وادي الرافدين
[/b]

الراهب اشور ياقو البازي

المقدمـة

في عصرنا هذا نرى ان كل شيء قد تغير، وتطور نحو الأحسن والأفضل من جميع النواحي. حيث تقدمت الشعوب والمجتمعات، والدول، والأديان، والطوائف الدينية كلها، وان شعوب العالم انفتحت بعضها على البعض، وتتجه كلها نحو تحقيق الوحدة، أي الوحدة في التعددية والعيش بالمحبة والاتفاق من أجل تحقيق السلام في العالم.
ان التاريخ يعلمنا بان لا فائدة من الحروب، والمعارك، والاضطهادات، والظلم والتهجير القسري. لانها تجلب لنا الآلام والويلات والدمار وكثير من الهرطقات والانشقاقات، ولكي  نعرف كيف ان ابائنا وأجدادنا من المسيحيين والمسلمين في بلدنا العزيز الغالي أرض الرافدين، العراق العظيم أرض الحضارة العريقة والتمدن والرقي، وكيف كانوا يعيشون فترات طويلة مع بعضهم البعض بالمحبة، والمودة، والسلام والاحترام المتبادل. حيث كانت تربطهم نقاط أساسية مشتركة من العادات والتقاليد الاجتماعية، والمبادئ، والقيم الإنسانية رغم الاختلاف الديني بينهم.
 لكي نتعرف على هذه النقاط الأساسية التي كانت تجمعهم من العادات والقيم والمبادئ المشتركة لضرورتها وأهميتها وخاصة في عصرنا هذا، وخاصة الآن.
لاننا بأمس الحاجة إليها اليوم من أي وقت آخر، وذلك بسبب الظروف الصعبة والمؤلمة التي نمر بها نحن أبناء هذا البلد العريق الواحد بكل مكوناته القومية والدينية من جراء الاحتلال البغيض والظالم التي فرضته علينا قوات البغي والظلام والشر، وكذلك من الأفكار المسمومة الشريرة الغريبة والعنصرية، والطائفية الحاقدة التي دخلت بلدنا الغالي في الأواني الأخيرة.
لذلك فاني في مقالي المتواضع هذا، سوف أوضح وأتطرق لبعض نقاط الالتقاء بين المسيحية والأسلام من خلال الكتاب المقدس، والقران الكريم بصورة مبسطة، ومن خلالهما نستطيع أن نفهم وجهات الاختلاف، وأحاول في تقريب وجهات النظر في ما بينهم.
ومن الواجب علينا اليوم نحن المسيحيين والمسلمين. أن نفتح قلوبنا واحداً إلى الآخر. بكل تواضع ومحبة، وأن نكون واعين ومتفهمين ومتعقلين، لنستفيد من هذه النقاط في عيشنا المشترك مع بعضنا البعض باخوة ومحبة وسلام لخدمة بلدنا الغالي، وشعبنا المؤمن والصابر  ضد الأفكار الطائفية والعنصرية الحاقدة، والاصولية المتشددة.

الايمان بإله واحد

المشكلة المعقدة بين المسيحية والاسلام. هي إن أغلبية المسلمين يعتقدون بأن الثالوث يعني ثلاثة الهة ( الله، عيسى، مريم )، لكن هذا الاعتقاد خاطئ. لان المسيحيين يؤمنون بالله الواحد، وان المثقفون من المسلمين يفهمون هذا الشيء كما يقول الباقلاني : ( اعلم ان النصارى اذا حققنا معهم الكلام في قولهم ان الله جوهر واحد ذو ثلاثة اقانيم لم يحصل بيننا وبينهم خلاف إلا في الاسم)  فان نقطة الالتقاء الأساسية بين المسيحية والاسلام هي إيمان بالله الواحد، وان المسيحيين ليسوا مشركين، وان الأقانيم الثلاثة هي صفات ذاتية. أي ان الله عند المسيحيين هو واحد وثالوث.
أما من جانب الأخوة المسلمين، فان الله عندهم واحد ويؤمنون به أيضاً، نلاحظ ان القرأن الكريم يفرق بين النصارى والمشركين بقوله : ( لتجدن أشد الناس عدواه للذين آمنوا، اليهود والذين اشركوا، ولتجدن أقرب الناس مودة للذين آمنوا، الذين قالوا انا نصارى بان منهم قسيساً ورهباناً وانهم لا يستكبرون) .
ان النصارى هم أقرب مودة إلى المسلمين لانهم يؤمنون بان الله واحد، وان شهادة المسلم هي( أشهد ان لا إله إلا الله) وشهادة المسيحي هي ( بسم الأب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين ) وشهادة المسيحي والمسلم تقر بان الله هو واحد لا شريك له، وهكذا فان الثالوث لا يلغي قطعاً شيئاً من إيمان بسر وحدة الله الذي يفوق ادراك البشر، ولا توجد آية قرآنية تهاجم، أو ترفض العبارة ( إله واحد في ثلاثة أقانيم ) .
هكذا فان المسيحية والاسلام يؤمنون بان الله واحد خالق السماوات والأرض، وكل ما يرى وما لا يرى، وهو حي محب غفور للبشر، غير مقيد بزمان ومكان، وهو خارج الزمن، أزلي وأبدي، لا ينام، ولا يمرض، ولا يموت، ولا يحقد، رحمن رحيم، ينبوع المجد والحق، روح، وغيرها من الصفات واسماء تعطي له، ولكن لا تستطيع لغتنا البشرية ان تعبر عنه لانها عاجزة كل العجز عن وصفه.

الانبياء

من أهم نقاط الالتقاء بين المسيحية والاسلام. هو الاعتقاد بان الله لم يترك البشر على حالهم. بل انه بشرهم وأرسل لهم أنبياء، وقد كلم البشر بواسطة الأنبياء، وان الأنبياء هم نموذج رائع للإيمان، ولكن هناك اختلاف جوهري بين المعتقد المسيحي للنبوءة والمعتقد الاسلامي.
في المسيحية النبوءة الكاملة النهائية قد تحققت في يسوع المسيح. غير ان المسيحية تعتقد بان روح النبوءة لا يزال يظهر، ويعمل بين البشر المؤمنين من جيل إلى جيل.
أما في الاسلام فان النبي محمد ( ص ) هو خاتم الأنبياء، وان الاسلام يعترفوا بان حياة يسوع المسيح لها أبعاد خارقة للعادة من حيث ولادته ومعجزاته ورفعه إلى السماء.
مهما يكن من الاختلاف بين المعتقد المسيحي، والمعتقد الاسلامي للنبوءة، فان هناك نقاط مشتركة بينهما، وهي ان الله هو يرسل الأنبياء، وان أسماء الأنبياء المذكورة في القرأن الكريم. هي مذكورة أيضاً في الكتاب المقدس. مثل ادم، ونوح، وابراهيم، واسماعيل، واسحق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وداود، وسليمان وعيسى وغيرهم، وان المسلمين يعتقدون ويعترفون ( بان ابراهيم هو مسلم أي أول من اسلم وجه لله ) ، وهو نموذج إيمان وبطل التوحيد، حيث رفض السجود للنجوم، وحطم الأصنام، وانفصل عن شعبه الوثني، وترك والداه وهو أول من أسلم ذاته لله، وذلك من خلال تقديمه ابنه اسحق للذبح.
كذلك موسى هو النبي الذي كشف له الله عن اسمه في العليقة، وأرسله إلى فرعون، وهو الذي أخرج شعبه من مصر، وسار في برية سيناء.
هكذا فان المسيحيين والمسلمين يؤمنون بالنبوءة ويكرمون الأنبياء ويطلبون شفاعتهم.

مريم العذراء

من نقاط الالتقاء بين المسيحية والاسلام، هي تكريم مريم العذراء، فالمسيحية تؤمن بان الله اختار مريم العذراء لتكون اماً للمسيح وتبقى بتول طاهرة. ان مريم تتعجب من قول الملاك جبرائيل عندما بشرها وتقول ( كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً ) ( لوقا 1 : 34 )، فيجيب ملاك الرب (الروح القدس يحل عليك وقدرة الله تظلك لذلك أيضاً فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ) ( لوقا 1 : 35 ) وبعد ان قال لها الملاك هذه البشرى سلمت إرادتها بيد الله، وبكل حريتها وقالت ( ها أنا خادمة الرب، فليكن لي كما تقول ) ( لوقا 1 : 38 ).
وهذا ما يؤكد بتولية مريم العذراء، وان الكنيسة تكرم مريم العذراء لانها شاركت بعمل الخلاصي مع ابنها في بشارتها من ولادة يسوع المسيح، وكانت معه حتى الصليب. حيث حملت صليبها معه، وكانت أيضاً مع تلاميذه حتى بعد قيامته، وهكذا فان مريم عاشت كل أيام حياتها بطهارةً وقداسة.
ان القران الكريم يكرم مريم العذراء ويذكر اسمها في آيات عديدة، وتوجد أيضاً سورة باسمها وهي ( سورة مريم )، ويؤكد القران الكريم بأن ولادة مريم كانت باعجوبة. حيث قال الامام الفخر الرازي حديثاً شريفاً قال فيه ( سمعت رسول الله يقول : ما من مولود ادم إلا نخسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من نخسته اياه إلا مريم وابنها ). أي ان الله صان مريم ويسوع وحفظهم من الخطيئة، ويذكر القران الكريم بان مريم قالت: ( اني يكون لي ولد ولم يمسني بشر.. ) ، وان هذه الآية تشبه الآية المذكورة في إنجيل لوقا ( كيف يكون هذا وانا لا أعرف رجلاً ) ( لوقا 1 : 34 ). ويذكر القران الكريم أيضاً بان الله اختار مريم وطهرها ( واذ قالت الملائكة : يا مريم ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالميين )  ان القران الكريم يقول بان لا يوجد بين الملائكة والبشر أشرف منها على ما نص به القران الكريم جازماً. لا أم موسى، ولا أم غيره من الأنبياء والمرسلين، وكذلك يذكر القران بان مريم وابنها هم آية للعالمين.
هكذا فان مريم هي آية للعالمين في اصطفائها وميلادها وفي حداثتها، وبمعجزة حبلها البتولي بالمسيح، وولادتها للمسيح ومع المسيح في حداثته وفي حياتها كلها وشخصيتها، وتكاد أيضاً كل أسرار حياة مريم مذكورة في القرأن الكريم، الحبل بها بلا دنس، البشارة، والميلاد، التقدمة، ورقادها، كذلك في التقوى الشعبي الاسلامي والمسيحي مكانة خاصة لمريم .

يسوع المسيح ( عيسى)

ان نقاط الاختلاف الأساسية بين المسيحيين والمسلمين هي بمسالة المسيح، وهي ان المسيحيين يؤمنون بان المسيح هو ابن الله، وهو الاقنوم الثاني، وان المسيح جاء ليخلص العالم، ويبذل نفسه من أجل العالم، وان المسيحيين يؤمنون بأن المسيح قد صلب كما هو مذكور في الأناجيل.
أما المسلمين يقولون بان المسيح ليس ابن الله. بل هو نبي من الأنبياء، وانه لم يصلب بل شبه به، وهذا من أهم الخلافات الرئيسية بين المسيحيين والمسلمين هي في مسألة المسيح. لكن هذا لا يمنع بان يكون هناك نقاط الالتقاء بين المسيحيين والمسلمين في هذه المسالة أيضاً.
فان اسم المسيح ( عيسى ) ذكر في القران في ( 93 ) آية وقد اضفى القران الكريم عليه صفات وكرامات تميزه عن بقية البشر ( كلمة الله ) و ( روح الله ) ( آية الناس ورحمة منا ) ( الوجيه عند الله ) ومن نقاط التقارب بين الإنجيل والقرأن بالنسبة للمسيح ( عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه )  واتيانه بالمعجزات ( واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس ) ونسبته إلى الله ( وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وما قتلوه وما صلبوه يقيناً، بل رفعه إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)  ان القرأن الكريم رفض مسألة صلب المسيح احتراماً لمقامه العظيم حسب رأي الشخصي.
هكذا فان المسيحيين والمسلمين يؤمنون بان يسوع هو مرسل من الله، وانه سيكون وجيهاً في يوم الآخر، وان الشهادة الجامعة بين المسيحيين والمسلمين بالنسبة للمسيح هي أشهد ان لا إله إلا الله، وان ( المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وكلمته ألقاه الى مريم وروح منه ) .

العبادة

المسيحيون يقولون كما يؤكد المسلمون بان لا خلاص للإنسان إلا بالإيمان. فيقول القديس بولس:  ( فمن المستحيل إرضاء الله بدون إيمان اذ ان من يتقرب إلى الله لا بد له ان يؤمن بأنه موجود وبانه يكافئ الذين يسعون إليه ) ( عبرانيين 11 : 6 ).
الإيمان هو ثقة بالله، وان الإيمان لا ياتي، أو لا يتقوى إلا بالصلاة، والصوم والزكاة. ان العبادة وان اختلفت بين المسيحيين والمسلميين إلا ان قصدها واحد فكلهم يجتهدون لعبادة الله تعالى.
العبادة الحقه في الكلام، والقول والفعل، وان الصلاة، والدعاء، والذكر، والتأمل، والتضرع والاعتكاف كلها عادات قديمة أصلية يشترك فيها المسيحيون والمسلمون على السواء.
ان الصلاة فيها الشكر، والحمد، والتسبيح، والطلب، والابتهال والاستغفار، وان الصلوات الخمس في الاسلام هي متقاربة من صلوات الساعة عند المسيحيين.
كذلك ان الصيام موجود في المسيحية والاسلام، وفيه يحاول الإنسان الصائم ان يصوم من أعماله السيئة، ويصوم من الطعام، أو من أي شيء تعود عليه ويعطيه للفقراء والمحتاجين.
ان المسيحيين منذ بداية الكنيسة وحتى الآن، كانوا يساعدون الفقراء والمساكين لانهم يعملون بوصية يسوع المسيح الكبرى وهي ( احبو بعضكم بعضاً كما انا احببتكم )، وان يسوع المسيح كان من عائلة فقيرة، وولد في حظيرة، وكان يحب الفقراء، والمساكين ويساعدهم. كذلك ان الصدقة هي من أحد أركان الاسلام، وان النبي محمد ( ص) كان يحث المسلمين على الصدقة، ومساعدة الفقراء، والايتام والارامل، كما ان النبي محمد ( ص ) كان من عائلة فقيرة وكان يتيماً أيضاً.

الإيمان باليوم الآخر والقيامة

من نقاط الالتقاء بين المسيحيين والمسلمين هي الإيمان بقيامة الأموات والدينونة، حيث يجازي الله كل إنسان حسب أعماله، البار يذهب إلى الملكوت، أما الشرير يذهب إلى الهلاك.
ان اللفظ الاصلي لكلمة ( دينونة ) هو ( شافاط ) الذي يعني عادة ( الحكم ) في الديانة المسيحية هي انتظار عودة يسوع المسيح كديان للأحياء والأموات، وهو جزء لا يتجزأ من قانون الإيمان المسيحي ( وسياتي في المجد ليدين الأحياء والأموات )، كما ان مار بولس يقول : ( اذ لا بد ان نقف جميعاً مكشوفين أمام عرش المسيح لينال كل واحد منا استحقاقات ما عمله حين كان في الجسد، أصالحاً كان، أم رديئاً ) ( 2كورنتوس 5 : 10 )
ان المسلمين يؤمنون أيضاً بقيامة الأموات والدينونة، ويعتقدون ان عيسى سيأتي بمجد عظيم ليدين الأحياء والأموات، وان القرأن الكريم يذكر بان الله يجازي كل واحد حسب أعماله ( يومئذ يصدر الناس اشتراكاً ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً بره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ) ، ويؤكد المسلمون والمسيحيون على السواء. ان هناك دار الثواب وهي الجنة، ودار العقاب وهي الجهنم، ولو اختلفوا كثيراً في وصفهما، وهناك أيضاً عقائد يشترك فيها المسيحيون والمسلمون مثل وجود مخلوقات اخرى من ملائكة وشياطين.

الخاتمة

ان من أسباب عدم التفاهم والتعصب بين المسلمين والمسيحيين هو ان كثير من المسيحيين والمسلمين يجهلون الكتاب المقدس والقرأن الكريم معاً. ولو قراؤها بقلب منفتح وصادق، وبعين الإيمان، وبروح الفهم، والعقل، والادراك من دون التعصب والأنانية والحقد.
 انهم سيجدون الكثير من نقاط الالتقاء فيما بينهم ومن أهمها الايمان بالله الواحد، والأنبياء والرسل التي هي كلها مبنية على الإيمان، والمحبة، والرجاءن والتسامح، والغفران، وبذل الذات، والخدمة ومساعدة الآخرين بكل تواضع ومحبة.
ولكي يعيشوا المسيحيين والمسلمين ويتفهموا في ما بينهم. يجب من إقامة علاقات قوية ومتينة فيما بينهم، والتي تأتى من خلال المشاركة في الأندية الاجتماعية، والنشاطات الثقافية، واقامة الندوات، واللقاءات المشتركة، والقاء المحاضرات، وفتح الحوارات، والمناقشة والانفتاح، ومشاركة الجميع بأفق واسعة وصدر رحب، وبحرية كاملة واحداً إلى الآخر بروح المحبة، والتسامح بدون التعصب والتشدد، ومن خلال هذه الأنشطة الثقافية والاجتماعية والدينية يمكن خلق أجواء مناسبة، لزرع بذور المحبة، والغفران والتسامح بين الاخوة، ومن خلالها يستطيعون العيش بعضهم مع البعض في هذا البلد العريق والأصيل منبع الإيمان والحضارات بكل سلام ومحبة أكثر مما هي الآن.


                                                             الراهب اشور ياقو البازي

الهوامش

  الطمس في الاصول الخمس ص 73 .
  سورة المائدة ( 81 ).
  محاضرات في الاسلام،
  سورة ( ال عمران 47 )
  سورة ( ال عمران 42 )
  سورة ( النساء 170 )
  سورة ( البقرة 55 )
  سورة ( النساء 157 )
  سورة ( النساء 170 )
  ( قرأن 99 : 6- 7 )



77
أديرة العذارى
[/b]


الراهب اشور ياقو البازي

 
المقدمة:

الرهبانية، طريقة في العبادة تنفرد بها المسيحية عن باقي الأديان السماوية، ومنعطف قوي في هذه الديانة، وهي سيرة من سير العبادة، ويمكن تلخيصها، بعشق ذات الله والتفاني من أجله واعتبار الحياة الدنيوية شيئاً زائلاً بالنسبة إلى الحياة الأبدية.
الحياة الرهبانية هي تكريس الذات لخدمة الله والمجتمع، بعد أن يجرد الراهب نفسه من مغريات الحياة المادية منقطعاً عن العالم، ليعيش إما في انفراد وعزلة في البراري، أو في الصوامع، وإما أن يعيش حياة مشتركة مع آخرين في بيوت، أو أديرة يكرس ذاته لله بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس، والتأمل، أو العمل اليدوي، أو الرسولي، وبالنذور الثلاثة: الطاعة، العفة، الفقر تحت طاعة مرشد، أو رئيس، ويختار الراهب الفقر والبتولية، محققاً بذلك رسالة المسيح في حياته. هذه هي أسس الحياة الرهبانية وجوهرها، وهذا ما حاول الملايين من الرهبان والراهبات في المسيحية تطبيقه لخدمة الكنيسة والمجتمع.
وقد أسس الرهبان والراهبات مئات الأديرة في شمال العراق، ووسطه وجنوبه. ومن الأديرة التي شيدتها الراهبات. أربعة أديرة تحت اسم دير العذارى في بلاد ما بين النهرين.



1- دير العذارى في بغداد:

اشار المؤرخون والبلدانيون إلى دير العذارى في قطيعة النصارى ، وعينوا موقعه على نهر الدَّجاج ، وأثنوا على متنـزهاته. سمي بدير العذارى لان لهم صوم ثلاثة ايام قبل الصوم الكبير يسمى صوم العذارى، فاذا انقضى الصوم اجتمعوا إلى هذا الدير تعبدوا وتقربوا، وهو دير حسن طيب .
عاش في قلالي هذا الدير راهبات عذارى كرَّسن حياتهن للصوم والصلاة، يأكلن ما يسد رمقهنَّ، ويلبسن الملابس الخشنة، وكان حول هذا الدير رياض وحدائق أريضة، وبساتين تتخللها الاشجار الباسقة الوارفة الظلال، التي تعشش على أغصانها طيور السماء، التي تشدو ألحاناً جذابة، وحيث الازهار المتنوعة والالوان الجميلة، ذات الروائح الذكية والعطرة. وتتدفق فيها المياه الغزيرة والسواقي العديدة. وقد وصف ذلك الشعراء بالنظم الدقيق والشعر الرقيق.
كان هذا الدير خراباً في أيام المؤرخ ابن الحق المتوفي سنة 739 هجرية، أي 1338 ميلادية حيث ذكره في كتابه مراصد الاطلاع 1: 436.
هل دير العذارى هذا هو نفسه (دير الاخوات) الذي نوه به ابن العبري في تاريخه الكنسي. ان البطريرك العلامة اغناطيوس افرام برصوم (ت 1957) اعتقد ذلك، كما ورد في رسالته المنشورة في ذيل كتاب الديارات، والتزم بهذا الرأي الاستاذ كوركيس عواد ، وقد يكون الامر كذلك، ولكن لماذا سمّى ابن العبري، وهو المؤرخ الدقيق والكاتب الضليع باللغتين السريانية والعربية. هذا الدير (دير الاخوات) (دَيرًا داَخوْةًا)، ولم يسمِه (دير العذارى) (دَيرًا دَبةوْلًةًٌا). يعلق على هذا الدير الأب الدكتور بطرس حداد ويقول: (لذا فإني أرى ان هذا الدير أي (دير العذارى) كان للمشارقة النساطرة، وهو غير دير الاخوات الذي نوه به ابن العبري، ولا يعقل ان النساطرة وهم الاكبر عدداً في بغداد لم يكن لهم دير للعذارى ).


2- دير العذارى بين سرّ من رأى والحظيرة:

يقع هذا الدير بين سُرَّ من رأى والحظيرة  بجانب العلث  على دجلة. قال الخالدي: (وشاهدته وبه نسوة عذارى) ، وروى العمري عنه أن فيه راهبات عذارى وكانت حوله بساتين ومتنـزهات . وحكى الشابشتي: ان هذا الدير كان في اسفل الحظيرة على شاطىء دجلة، وهو دير حسن عامر حوله البساتين والكروم، وفيه جميع ما يحتاج إليه، ولا يخلو من متنـزه يقصد للشرب واللعب، وهو من الديارات الحسنة وبقعته من البقاع المستطابة، وانما سمي بدير العذارى لان فيه جواري متبتلات عذارى من سكانه وقطانه فسمي الدير بهنَّ  .
وقد ذكر هذا الدير الشعراء منهم ابو الحسن جحظة البرمكي ، وقال ابو الفرج بن علي الأصبهاني: أنشدني لنفسه قوله فيه :
ألا هل إلى دير العذارى ونظرة إلى الخير من قبل الممات سبيل ؟
وهل لي بسوق القادسية  سكرة تعلّل نفسي والنسيم عليلُ ؟
وهل لي بحانات المطيرة وقفةُ أراعي خروج الزّق وهو حميلُ
إلى فتية ما شتّتَ العزلُ شملهم شعارهم عند الصباح شَمولُ 
وقد نطق الناقوس بعد سُكُوته وشَمعلَ قسيس ولاح فتيلُ.
وقال: ولما خرج عبيد بن عبد الله بن طاهر من بغداد إلى سرّ من رأى، وكان المعتزّ استدعاه، نزل هذا الدير، فأقام به يومين واستطابه وشرب به، ثم قال هذه الابيات :
ما ترى طِيب وقتنا يا سعيدُ زَمنُ ضاحِكٌ ورَوضٌ نضيدُ
ورياضٌ كأنهن ّ بُرودُ كُلّ يومٍ لهنَّ صَبغٌ جَديد
وكأن الشَّقيقَ فيها عَشيقُ وكان البهارَ صبُّ عَميدُ 
وكأنّ الغُصونَ مِيلاً قدُودُ وكأنّ النُّوارَ فيها عُقُودُ
وكأنّ الثمارَ والورقَ الخُضُرَ ثيابُ من تحتهنّ نُهودُ 
فاسقنيها راحاً تُريح من الهمِّ وتبدي سُرورنا وتُعيدُ 
واحثث الكأسَ يا سعيدُ فقد حثك نايُ لها وحرّك عودُ.



3- دير العذارى بين الموصل وارض باجرمي:

يقع هذا الدير بين ارض الموصل وبين ارض باجرمي من أعمال الرقة، وهو دير عظيم قديم، وبه نساء عذارى قد ترهَّبن وأقمن به للعبادة فسمي به لذلك. وكان قد بلغ بعض الملوك أن فيه نساءً ذوات جمال، فأمر بحملهنَّ إليه ليختار منهنَّ من يريد، وبلغهن ذلك فقمنّ ليلتهنَّ يُصلّين ويستكفين شرَّه، فطرق ذلك الملك طارق فأتلفه من ليلته فاصبحن صياماً ، فلذلك يصوم المسيحيون في العراق الصوم المعروف بصوم العذارى (بعوةًٌا دَبٌةٌوْلًةًٌا) إلى الان.


4- دير العذارى في الحيرة 

سميَّ هذا الدير بدير العذارى، لان مسيحيي كنيسة المشرق كانوا يصومون صوم العذارى ثلاثة أيام ابتداءً من يوم الاثنين الذي يلي عيد الدنح . إذ ان أحد الملوك أراد أن يعبث براهبات دير العذارى في الحيرة، فصلينَّ إلى الله ليبعد عنهنَّ شره، فقبضت روحه في الليلة الثالثة . وروى البيروني: ان احد ملوك الحيرة أراد أن يختار منهن له نسوة، فصمن ثلاثة أيام بالوصال، فمات ذلك الملك في آخرها، ولم يمسسهن ومذ ذاك اخذوا يصومون هذا الصوم المعروف بصوم العذارى  .
وقال الجاثليق عبد يشوع ( المتوفى 1570م)  في رسالة سطرها عام           (1567م) ما تعريبه: نظام باعوثا العذارى (صوم العذارى) الذي وضعه يوحنا الازرق  اسقف الحيرة: لما طلب احد الملوك من النصارى بنات عذارى اجتمع أهل الحيرة في الكنيسة مع الاسقف المذكور، وبعد ثلاثة أيام نجاهم الله، ومات ذلك الملك، وقد قبل الرب دعاءهم كأهل نينوى، وامر الاباء من ذلك العهد أن يقام الباعوث  (صوم العذارى) للذكرى والمساعدة.
وقد نسب بعض المؤرخين خبر هذا الصوم إلى دير العذارى الواقع بين ارض الموصل وبين باجرمي من اعمال الرقة كما ذكرنا أعلاه. وهناك تقاليد أخرى مشابهة لهذه .


الراهب اشور ياقو البازي

الهوامش :

  من محال بغداد، في الجانب الغربي (معجم البلدان، 4: 143) لياقوت الحموي.
  ونهر الدَّجاج محلة ببغداد، على نهر كان يأخذ من كرخايا قرب الكرخ من الجانب الغربي(معجم البلدان 4: 838- 839).
  كتاب الديارات، ابي الحسن علي بن محمد المعروف بالشابشتي المتوفي عام (388 هجرية = 988 ميلادية)، عنى بتحقيقه ونشره الاستاذ كوركيس عواد.
  الديارات، للشابشتي، ص 363. ومجلة مجمع اللغة السريانية 3، 1977، ص 108.
  الأب الدكتور بطرس حداد، كنائس بغداد ودياراتها، ص 229، شركة الديوان للطباعة، بغداد - العراق 1994.
  الحظيرة قرية من أعمال بغداد من جهة تكريت من ناحية دجيل (معجم البلدان 2: 92).
  ذهب ياقوت الحموي (معجم البلدان 3: 711) إلى ان العلث (إن كان عربياً فهو من العلث، وهو خلط البر بالشعير، يقال علث الطعام يعلثه علثاً) والعلث على ما يبدو لفظة سريانية (علوثا) (علوةًٌا) بمعنى الزقاق الضيق، أو عولوثا (عولوةًٌا) بمعنى المدخل، أو الطريق، أو المجاز) انظر دليل الراغبين في لغة الاراميين ص 542، ولكل من اللفظتين معنى يوافق ما سيذكره الشابشتي ان القرية متوسد دجلة عند موضع صعب ضيق المجاز. ولقد عين الدكتور احمد سوسة موضع العلث في كتابه (ري سامراء 1: 183 - 184، بغداد 1948)، بقوله ان خرائب العلث ما زالت تشاهد على نحو سبعة كيلومترات من شمال غربي مدينة (بلد) الحالية، وهي تعرف إلى اليوم باسم العلث. كما ان سكنة هذه المنطقة ما زالوا يعرفون بالعلثاويين، وتمتد خرائبها على طول الضفة اليسرى لمجرى دجلة القديم (الشطيطة)، وهو المجرى الذي يسير فيه نهر بلد الحالي الذي يتفرع من ضفة دجيل اليسرى، وينتهي إلى بساتين بلد الحديثة، وقد اثبت المؤلف موضع العلث في اللوحة السادسة من كتابه المذكور.
   معجم البلدان لياقوت الحموي 3: 679.
   مسالك الابصار 1: 258.
  كتاب الديارات، للشابشتي.
  جحظة البرمكي: احمد بن جعفر بن موسى البرمكي (324 هجرية)، عالم بالادب والموسيقى والغناء واللغة والنجوم. له مؤلفات كثيرة وكان من أهم شيوخ ابي الفرج. تاريخ بغداد الجزء الرابع ص 65، ومعجم الأدباء الجزء الثاني، ص 241. الوافي بالوافيات الجزء السادس، ص 286 - 289.
  كتاب الديارات، لأبي الفرج الأصبهاني.
  اراد هنا قادسية سامراء لا قادسية الكوفة (معجم البلدان).
  عبيد الله بن عبدالله بن طاهر (300 هجرية) ابو أحمد: أمير، أديب، انتهت إليه رياسة اسرته. ولي شرطة بغداد. له تصانيف: الاغاني، الجزء التاسع، ص 40. تاريخ بغداد الجزء العاشر، ص 340، والشابشتي، تنظر الفهارس.
  كتاب الديارات، لأبي الفرج الأصبهاني.
  باجرمي: قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة، معجم البلدان لياقوت الحموي الجزء الاول ص 313.
  كتاب الديارات، لأبي الفرج الأصبهاني.
  معجم البلدان لياقوت الحموي الجزء الثاني 680، ومراصد الاطلاع 1: 436. الأب البير ابونا في كتابه تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، الجزء الثاني، ص 24، دار المشرق، بيروت لبنان 1993، إذ يقول: (كانت مدينة الحيرة عاصمة اللخميين. وسميت الحيرة البيضاء، أو الحيرة الروحاء. وتقع جنوبي الكوفة الحالية على بعد ثلاثة اميال منها. وهي اليوم ناحية تابعة لمحافظة القادسية (الديوانية). ونسب العرب بناءها إلى نبوخذنصر. ولكنها خربت بعد موته، وانتقل سكانها إلى الانبار، إلى أن جاءت قبائل أخرى وسكنتها. ويختلف العلماء في معنى الحيرة. فمنهم من قال انه عربي معنى ومبنى، وانه مشتق من الحَيرة، لان تبّعا لما اقبل بجيوشه، ضل طريقه في هذا الموضع. ومنهم من قال انه من الحَير، بمعنى الحمى والملجأ.ومنهم من ذهب إلى انه مشتق من فعل حار الماء، أي تردد لا يدري كيف يجري، بالنظر إلى ركود مياه بحر النجف). (إلا ان الرأي الارجح ان الكلمة آرامية النجار تعني المعسكر، والدير، والحصن) طالع يوسف رزق الله غنيمة، الحيرة، المدينة والمملكة العربية، بغداد 1936، ص 11. اشتهرت الحيرة بطيب هوائها وصفاء جوها وصحة تربتها، حتى قيل: (يوم وليلة في الحيرة خيرٌ من دواء سنة، بل سنتين).
  تحتفل كنيسة المشرق (الكلدانية - الأثورية) بعيد الدنح في السادس من كانون الثاني من كل سنة، ويظهر من المصادر ان هذا العيد عريق في الكنيسة الشرقية بعامة وفي كنيسة المشرق بخاصة.= =ان كلمة الدنح (دِنخًا) سريانية الأصل، وتعني الشروق، أو الظهور. أي بدء ظهور يسوع المسيح للعالم يوم اعتماده في نهر الاردن من يد يوحنا المعمدان، وذلك خلال شهادة يوحنا المعمدان له، وانفتاح السماء فوقه ونزول الروح القدس عليه، وتقديم الآب الذي أعلن " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ".
  - ذخيرة الاذهان في تاريخ المشارقة والمغاربة السريان 1: 276.
  البيروني، كتاب الاثار الباقية، ص 314.
  هو عبد يشوع بن يوحنان من آل مارون، ويسمى أيضاً بعبديشوع الجزراوي (عبديٌشوع دجزرةا)، ابصر النور في صدر المئة السادسة عشرة في جزيرة ابن عمر، ونشأ على المذهب النسطوري وترهب في دير الأخوين مار آحا ومار يوحنا من الواقع بجوار قرية المنصورية التابعة لجزيرة ابن عمر، وهناك عكف على الدرس وممارسة الفضائل الرهبانية حتى ذاع صيته بالفضل والعلم وتضلع من اللغة السريانية والفارسية، ونبغ بالاخص في الأولى، وتوفى عبديشوع في دير مار يعقوب الحبيس القريب من مدينة سعرد سنة 1571م. وللمزيد راجع كتاب ادب اللغة الآرامية، الأب البير ابونا، ص 496، دار المشرق، بيروت 1996.
  يوحنا الازرق كان أسقفاً على الحيرة في عهد الجاثليق فتيون
(713 - 740 م)، والجاثليق آبا الثاني (741 - 751 م)، انظر تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية، الجزء الثاني، ص 84 - 85، للأب البير ابونا، دار المشرق، بيروت - لبنان 1993.
  صوم باعوثا العذارى (صوم العذارى) تجري مراسيمها ثلاثة أيام اعتباراً من نهار الاثنين الذي يلي عيد الدنح، نجد ذكرها في الكتب الطقسية، مثلاً الانجيل الطقسي الذي يخصص لها قراءات، إلا أن الكلدان أهملوا هذا الصيام. لقد نظم هذا الصيام مار يوحنا الازرق مطران الحيرة (خيرةًا). الباعوثا (بًعوةًٌا) كلمة سريانية تعني الطلب أو الدعاء. هناك ثلاثة اصوام الباعوثا في كنيسة المشرق:
1- صوم باعوثا مار زيعا (زَيعًا) وتجري مراسيم هذا الصوم خلال الايام الثلاثة التي تلي الأحد الثاني من الميلاد، وتقول التقاليد بأن هذا الصوم وضع إكراماً للقديس زَيعا، وإحياء لذكرى الباعوثا التي أقامها، فأوقف الرب وباء تفشى في بلاد اشور. إلا أن الكلدان قد أهملوا هذه الباعوثا، وانحصرت لدى الأثوريين.
2- صوم باعوثا العذارى (بةْوُلًةًٌا). 3- صوم باعوثا نينوى: وتجري مراسيم هذا الصوم أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الثالث الذي يسبق الصوم الكبير. ان سبب تأسيس صيام باعوثا نينوى كان الاقتداء بالأعمال التوبوية التي قام بها أهل نينوى أيام يونان النبي كما وردت في العهد القديم (يونان 3: 1، 4: 11). إلا أن هذا الربط هو متأخر بدون شك. لأن السبب الحقيقي هو الوباء (الطاعون) الذي انتشر في عهد الجاثليق حزقيال (570 - 581 م). أقاموا صلوات وأصواماً، فأوقف الرب هذا الوباء من الشعب. لذلك فرضه أساقفة بيت كرماي ونينوى على مؤمني أبرشياتهم، ومن هذه المناطق انتشر في كل مكان. ولا زال ابناء كنيسة المشرق (الكلدانية - الأثورية) يمارسون هذا الصوم تعبيراً عن شكرهم للرب لايقاف الوباء وطلباً لغفران الله ورضوانه ومراحمه. وللمزيد عن هذه الصيام (الباعوثا) راجع الأب منصور المخلصي، في كتابه روعة الأعياد، ص 108 - 109.، وانظر أيضاً القس يوسف كادو، مجلة النجم، السنة الأولى (1928)، العدد الثاني ص 77 - 82، والعدد الثالث ص 125 - 129.
  القس يوسف كادو، المصدر السابق..
.



78
عيد الصعود بين الماضي والحاضر
[/b]

الراهب اشور ياقو البازي

ما هو اصل عيد الصعود.  وما هي اهم التقاليد والعادات التي تمارس، او تحتفل في عيد الصعود. وما هي مفهوم السماء ؟

المقدمة

عيد صعود ربنا يسوع المسيح إلى السماء يوم الاربعين بعد قيامته من بين الاموات أي  ( خميس الصعود ) (ܣܘܠܩܐ ) وهو من الاعياد الكبيرة التي تحتفل به كنيسة المشرق ( الكلدو _ اثورية ).

أصل العيد
 
قبل القرن الخامس الميلادي لم يذكر عيد الصعود إلا ما ندر، ولكنه قد ورد على لسان اوسابيوس اسقف قيصرية فلسطين الملقب بـ ( ابي التاريخ الكنسي ) وذلك في اليوم الخمسيني، وكذلك تذكره أيضاً الراهبة ايجرية التي كانت في اورشليم نحو سنة ( 383م )، وفي تقليد سرياني قديم أيضاً عرف عيد الصعود ولكن في احتفال يوم الخمسين.
أما القديس يوحنا الذهبي الفم ( 350 _ 407م ) في المشرق، والقديس اوغسطينوس (354م ) في المغرب، فقد عرفا عيد الصعود وذكراه في اليوم الأربعيني، فيرجع اذا اصل هذا العيد إلى نهاية القرن الرابع ومن الممكن كان يعود إلى طقس كنيسة اورشليم التي أخذت بتقسيم العيد الخمسيني الكبير بسبب اهتمامها بمراحل التدبير الخلاصية، والاحتفالات المتسلسلة في الاماكن التاريخية، والجدير بالذكر انه لم يرد ذكر اليوم الأربعيني للصعود في العهد الجديد إلا عند الانجيلي لوقا ( مورخ تدبير الخلاصي ) في انجيله وكذلك في أعمال الرسل.
ومع مرور الزمن خاصة في الغرب خسر معنى العيد الأصلي الذي كان احتفالاً بتمجيد الرب يسوع، وارتفاعه رباً إلى الملكوت ملكاً على السموات والأرض، وشيئاً فشيئاً اصبح الصعود عيداً نوعا ما منفصلاً عن العيد الخمسيني.
عيد الصعود هو ذكرى لنهاية حضور المسيح الجسدي التاريخي على الأرض، ولظهوره الأخير قبل صعوده فوق السحاب إلى السماء. ،  وفي القرون الوسطى كان الصعود عيداً للوداع الحزين، وفي بعض الكنائس كان يمثل هذا الحزن رفع تمثال المسيح، أو اطفاء الشمعة الفصحية.
يمكننا ان نذكر هنا بان الاسبوع الاول بعد عيد القيامة كان اسبوعاً من نوع خاص وكان يسمى باسماء مختلفة كاسبوع الاسابيع ( في كنيسة المشرق نحو القرن السادس عشر )، او اسبوع الراحة ( في جدول القراءات السريانية من القرن السادس )، أو الاسبوع الابيض ( وترجع هذه التسمية نسبة إلى الرداء الابيض الذي كان يرتديه المعمدون ) أو اسبوع التجديدات وتقع في هذا الاسبوع أيضاً جمعة المعترفين القديسين ( عند كنيسة المشرق تذكارا لاستشهاد الجاثليق مار شمعون برصباعي ورفقائه سنة 340م ).
يحتفل الناس في عيد الصعود في قرى الشمال وخاصة الجبلية من الكلدان والاثوريين بهذه المناسبة إذ يذهب الناس كبار وصغار ونساء ورجال إلى حيث وفرة الاشجار العالية والشامخة، إذ يربطون الحبال الغليظة باغصان الاشجار العالية ويصنعون مراجيح ويبدأون بالترجح بالمراجيح، والتي تشير وترمز إلى صعود المسيح بالجسد إلى السماء.
أما الاطفال خاصة البنات حيث يلبسون ثياب العروس البيضاء الناصعة ويبدأون بالتجوال بين بيوت القرية لابسين ثياب العروس. ويسمى هذا الاحتفال خاصة عند الاثوريين بعيد ( كالو وسولاقا ) ( ܓܠܘ ܣܘܠܩܐ) ( العروسة والصعود ) اي ان الطفلة التي تلبس ثياب العروس ترمز إلى ( الكنيسة )، وتعبر عن فرحها وغبطتها لصعود المسيح بالجسد وارسال روحه القدوس لها أي الكنيسة. أما الصعود ( سولاقا ) فيرمز إلى المسيح الصاعد إلى السماء ( أي العريس ). 


تفسير مفهوم السماء

الصعود إلى السماء ما لكم قائمين تنظرون إلى السماء.
ان السماء هنا لها مفهوم ومعاني مختلفة، وهنا لا نستعمل هذه الكلمة كانها مفهوم علمي، ولكن كمفهوم ديني روحي، ورمزي يعبر عن الايمان بطرقة خاصة، وفي لغة الايمان يشار إلى السماء كصفة من صفات الحياة الابدية في حضور الله تعالى. قارن هذه العبارة التالية ( هو الذي نزل إلى عمق الجحيم، صعد منه قمة السموات ). فلا تعني عبارة السماء مكاناً، أو سفرة من مكان إلى مكان آخر، بل تعني التدبير الخلاصي، وقوة انتصار المسيح، ومجد القيامة الذي يهمين على كل الامكنة والازمنة.
كما تعبر هذه العبارة عن ( حالة ) المسيح الممجد وحالتنا المستقبلية.  لنفسر العبارة ليأتي ملكوتك بضوء العبارة ( لتنزل السماء على الارض )

الخاتمة :

المهم ان يفهم سر الصعود، كمرحلة من عيد الخمسين الكبير، وان يرتبط بعلاقة جوهرية بعيد القيامة ( تكملة لتمجيد المسيح ) وبعيد العنصرة ( كأساس لحلول الروح القدس وتأسيس الكنيسة ).


الراهب اشور ياقو البازي

79
المنبر الحر / الوحدة والكثرة
« في: 23:57 12/05/2007  »
الوحدة والكثرة
[/size][/b]

الراهب اشور ياقو البازي

المقدمة

ان مشكلة الوحدة والكثرة هي من اعظم المشاكل الفلسفية، وبما ان الفلسفة لها خاصية شمولية فأن هذه المشكلة دخلت في جوانب عديدة كالجانب العلمي، والإنساني، واللاهوتي، ففلسفياً شغلت هذه المشكلة أكثرية الفلاسفة لا بل بنى بعضهم فلسفتهم عليها، ومنذ بدايات الفكر اهتم الإنسان بهذه المشكلة، وهكذا ظهرت عبادة الآلهة التي تمثل كثرة، أو عبادة الله الواحد، ودخلت هذه المسألة بمشكلة الخلق والأزلية، لأننا إذا قلنا بالخلق اعتبرنا الواحد هو مصدر الكثرة، وإذا قلنا بالأزلية اعتبرنا ان الأشياء لا يصدر بعضها عن البعض بل جميعها أزلية وقائمة بذاتها، ودخلت هذه مسألة بفلسفة الجمال، فمثلاً القديس والفيلسوف اوغسطين يعتبر الوحدة والكثرة من المفاهيم الجمالية، وكذلك دخلت مسألة الوحدة والكثرة بفلسفة الأخلاق، فهل الأخلاق واحدة ومطلقة أم إنها نسبية وكثيرة؟ وكذلك دخلت هذه المشكلة بفلسفة الاجتماع، وفيها يطرح السؤال هل الفرد هو من أجل المجتمع أم العكس؟ أما من الناحية اللاهوتية فقد احتلت هذه المشكلة مكانة كبيرة، فمفهوم الخلق هو أيضاً لاهوتي، وكذلك بالنسبة لله فهل هو واحد في جوهره أم هو كثرة؟ فالمسيحية قالت بأن الله هو ثلاثة اقانيم! واذكر هذه الأشياء لأبين كم ان هذه المشكلة مهمة، وبما ان الموضوع واسع جداً فأني سأحاول أن أبين أراء بعض الفلاسفة بخصوص هذه المشكلة، ولا بد أن اطرح بعض الأسئلة التي تخص هذا الموضوع وأحاول أن أجيب عليها بناء على أراء الفلاسفة التي سأبينها، والأسئلة هي كالأتي :
هل علينا أن نقول بالوحدة وننكر الكثرة؟ أم علينا أن نقول بالكثرة وننفي الوحدة؟ أم نحاول أن نوفق بين الوحدة والكثرة مع التركيز على أحدها اكثر من الأخرى؟ أم نجعلهما بنفس المستوى؟
ان مشكلة البحث واضحة من خلال هذه الأسئلة، وسأحاول أن احلها بالاعتماد على أراء بعض الفلاسفة، فأرجو من الله يوفقني بهذا المقال المتواضع والبسيط، انه شاق وشيق معاً.


1 _ المقصود بالوحدة والكثرة :


اقصد بالوحدة قيام الشيء بذاته واستقلاليته عن الغير، والوحدة هي عكس الكثرة، والقول بها يمكننا من تفسير كثرة الموجودات بإرجاعها إليها، يقول توما الاكويني " الواحد لا يزيد على الموجود شيئاً ثبوتياً بل ينفي القسمة إذ ليس المراد بالواحد إلا الموجود الغير المنقسم، فالواحد هو ما كان غير مقسوم في ذاته أي غير مقسوم بالفعل، وان أمكن قسمته في المركبات تركيباً طبيعياً كالإنسان والحجر ..إلخ. ونريد باللامقسومية الكائن بالفعل، والانفراد في الذات والانحياز عن الغير، فمعلومة الوحدة هذه تقوم بالحصر باللامقسومية الموجود الفعلية، وتدل على معنى وضعي وان عبرنا عنها بالسلب، أي إنها تدل على حالة انحياز الكائن عن الغيار وهذا التعريف للوحدة يشمل كل انواع الوحدة وهي : أ_ وحدة البساطة، ب_ وحدة التركيب الطبيعي، ج_ وحدة التركيب الصناعي،  د_ وحدة الالتصاق  ".
أما الكثرة، فالقصد منها هو بيان كثرة الموجودات وعدم إمكانية إرجاعها إلى مصدر واحد، أي القول بجواهر عديدة " فالكثرة تقابل الوحدة إذ تدل على مجموعة من الأفراد أي على تعدد الموجودات اللامقسومة في ذاتها والمنحازة عن غيرها، ومن تعدد الأفراد يتألف العدد وهو كثرة مقدرة بالواحد أي كثرة مركبة من جملة أحاد محددة "


2 _ الوحدة والكثرة في حضارة وادي الرافدين :


لو ألقينا نظرة على الفكر الفلسفي في حضارة وادي الرافدين، لوجدنا ان العراقيين القدماء اهتموا بمسالة الوحدة والكثرة، حيث انهم وضعوا أول قانون في العالم والقانون يوحد الشعب، وقد حرص حمورابي على تطبيقه، وكذلك كان العراقيون القدماء يعبدون آلهة كثيرة ولكن ابراهيم الخليل قال باله واحد، الذي هو سر الاسرار وجوهر الاشياء، وأصل الوجود ونجح في ذلك وارتقى بالبشرية من التعددية الى التوحيد، فابراهيم هو العلامة الفارقة بين عصر ما قبل التوحيد وعصر التوحيد. انه نقطة الارتكاز في انتقال الفكر والجدل من المادي ( الكثرة ) إلى المبدأ الواحد، ومن عبادة رموز الطبيعة الى عبادة العلي المبدأ والأصل لكل شيء ومن المتغير الى الثابت، ومن المنفعل إلى الفاعل ومن الجزئي الى الكلي، ومن المخلوق الى الخالق، ومن الفاني الى الخالد، ومن الوقتي الى السرمدي، ومن العرض الى الجوهر، وكذلك ادركوا العراقيين العناصر الاربعة قبل اليونان .


3 _ بارمنيدس ( 540 ق.م ) :


هو المؤسس الحقيقي للمدرسة الإيلية وتقول هذه المدرسة " ان العالم موجود واحد وطبيعة واحدة، وتقول هذا لا كالطبيعيين الذين يفرضون موجوداً واحداً ( ماء أو هواء أو نار ) ويستخرجون منه كثرة الأشياء بالحركة والتغير العرضي. بل تقول ان العالم ساكن فهي تنكر الحركة والكثرة " . ان اكسونوفان أعلن أصل المذهب، ويذكر ارسطو عنه ويقول: " انه نظر الى مجموع العالم وقال ان الأشياء جميعاً عالم واحد، ودعا هذا العالم الله، ولم يقلد شيئاً واضحاً، ولم يبين ان كان العالم واحداً من حيث الصورة، أو من حيث المادة " .
أما بارمنيدس فقد وضع كتاب في الطبيعة وهو قسمان الأول في الحقيقة، أي الفلسفة، وفيها المعرفة تكون عقلية وثابتة، وكاملة، وتجريدية، والحكيم من خلالها يتوصل إلى الحقيقة الاولى وهي " الوجود موجود ولا يمكن أن يكون موجوداً "، والفكر عنده يقوم على الوجود، والوجود عنده : أ_ ليس له بداية، ب_ غير قابل للفساد، ج_ هو كل قائم بذاته، د_ غير قابل للحركة، ه_ ليس له نهاية، و _ هو كائن الان، كلا واحداً متصلاً " . والثاني في الظن، أي العلم الطبيعي، ويعتمد على الظواهر الحسية التي تمثل الكثرة والصيرورة، وبارمنيدس أنكر المعرفة الحسية لأنها غير يقينية، وغير ثابتة وفضل اليقين العقلي عليها، فأدرك ان الوجود واحد ثابت قديم كامل، واعتبر ان الوجود واحد لانه " الاساس الذي تنحل اليه جميع الموجودات، أي هو الصفة العامة والجوهرية التي تشترك فيها جميع الموجودات، وأنكر الكثرة التي هي من عمل الحواس، فالتأمل العقلي يوصلنا إلى ان جميع الأشياء وجود واحد لا غير " . وهكذا اعتبر بارمنيدس الكثرة تابعة للظواهر الحسية، والوحدة تابعة للعقل، فأنكر الوحدة والصيرورة التي يستحيل انكارها لان الوجود الذي قال عنه بانه واحد لا يوجد إلا باتحاده مع الماهية التي تمثل الكثرة، ومن خلال هذا الاتحاد يتحقق الموجود الواعي فما عمله هو انه جرد الوجود من الماهية في عقله، وطبقه على الموجود الواقعي فنفى الكثرة من الموجود.



4 _ انبادوقليس ( 490 _ 430  ق.م ) :


كان انبادوقليس من التعدديين، القائلين باكثر من جوهر واحد لأصل الأشياء، فليس من تحول حقيقي من تولد حقيقي لانه لا شيء من لا شيء، وانما فقط تمازجات مختلفة لعدد هائل من الاجسام المتناهية في الصغر كل جسم منها ثابت ساكن ومحبو بصفات وكيفيات دائمة، وبقدر ما تتنوع تصور هذه الجسميات وأشكال اتحادها وانفصالها تتعدد الكوسمولوجيات وتتابين.
يعرض انبادوقليس في قصيدة زاخرة بالصور مذهب العناصر الأربعة، أو بالأحرى جذور الأشياء، حيث هي مبادئ الواحدية التي قال بها من سبقه، فجاءت عنده متعددة ومتكاملة وهي ( النار والهواء والماء والتراب )، وهي للعالم كألوان التي يستعملها الرسام، أو الماء والطحين للذين منهما يجبل العجين وائتلافها وانفصالها بمقادير شتى هما مصدر كل ما في الوجود، ولكن ليس بينهما أول، أو ثان فهي كلها أزلية، ولا يخرج بعضها عن البعض، وكل تغير يتم اما بطريق انضمام هذه العناصر إذا ما تفرقت وهي الصداقة أو الحب، واخرى تفرق بينها حينما تجتمع وهي الكراهية، وتكون الغلبة لكل من الصداقة والكراهية بالتناوب هناك إذن مساران للكون متناوبان أبداً ومعاكسان أحدهما للآخر مسار من الامتزاج إلى التشتت، وآخر من التشتت إلى الامتزاج، وهذا النظام محتوم لا مهرب منه، فمن الدور الكروي انفصل الهواء فأحاط به باعتباره غلافاً جوياً، وتلته النار وبعدها التراب ومن التراب انبثق الماء  .
من خلال هذا العرض للمذهب انبادوقليس يتبين بأنه أنكر الوحدة، وقال بالكثرة التي اعتبرها أزلية والمحبة تجمع بين الكثرة والكراهية تفرق بينها، فانبادوقليس هو عكس بارمنيدس الذي قال بالوحدة ( الوجود )، وتوصل إليها من خلال التجريد.

5 _ افلاطون ( 427 _ 347 ق.م ) :

اهتم افلاطون بمشكلة الوحدة والكثرة، وحاول الجمع بين المدارس والمذاهب الفلسفية السابقة لحل هذه المشكلة، وفي كتاب   ( البارمنيدس ) يبحث افلاطون بشكل موسع بهذه المشكلة، وبما ان كل فلسفته مبنية على نظرية المثل، فانننا نجد الحل عنده لهذه المشكلة في تلك النظرية ويعبر افلاطون عن نظرية المثل، بامثولة الكهف، وفي هذه الامثولة نجد الجواب لمشكلتنا، وملخص امثولة الكهف هو " ان العالم الحسي وعالم المثل والعالم الرياضي المتوسط بينهما مثلها مثل كهف فيه اناس مصفدون، وجوهمم الى الجدار، وكوة من خلفهم، وهم يرون امامهم فقط فيرون ضوء نار واشباح اشخاص، وأشياء تمر من خلفهم، وقد تعودوا هذه الرؤية للاشباح حتى حسبوا انها حقائق، فاذا أدرنا أحدهم إلى النار التي خلفه فجاة، فانه ينبهر وينحسر الى مقامه الاول، اي رؤية الاشباح المظلمة ثم لا يلبث ان يتعود رؤية الاشياء في ضوء الليل، أو رؤية صورها المنعكسة في الماء ثم يعتاد ضوء النار، ويستطيع رؤية الأشياء انفسها ثم الشمس مصدر كل النور " ، فالكهف يمثل عنده الكثرة والتغير واشباح المثل والاشياء المرئية في الليل، أو في الماء هي الأنواع والاجناس، والاشكال الرياضية، والأشياء الحقيقة هي المثل، وهي تمثل تجمع الكثرة في وحدة متناسقة فلكل شيء في عالم الكثرة والصيرورة مثال في عالم الوحدة والثبوت، والشمس هي مثال الخير الذي هو ارفع المثل، ومصدر الوجود والكمال، وأيضا مصدر الكثرة، ومن امثولة الكهف يتبين بان افلاطون حاول الجمع بين الوحدة والكثرة، ولكن أعطى أهمية اكبر للوحدة والتي مثلها بالخير أو الله، والكثرة تخرج من هذه الوحدة ولكن لا يعني هذا ان افلاطون قال بوحدة الوجود، فان الخير هو كالشمس التي تجعل المرئيات مرئية وتهبها النمو والغذاء دون ان تكون هي شيء من ذلك، فالشمس هي ملكة العالم المحسوس، والخير هو ملك العالم المعقول، واعتبر افلاطون العالم واحد، لان صانعه واحد، وان أصل العالم يعود إلى مادة واحدة ( مادة رخوة ) غير معينة، والتفسير النهائي للوجود عنده هو " ان الخير رباط كل شيء وأساسه " . لنظرية المثل عند افلاطون أهمية وجودية حسب قول ( زيلر )، فأنها تمثل الوجود الحقيقي للأشياء في ذاتها، فكل شيء هو ما هو فقط بقدر ما يوجد مثاله فيه، أو بتعبير أدق بقدر مشاركته في مثاله وهكذا فان المثال كواحد يقف في مقابل الكثرة، وهذه الاخيرة بينما هو يبقى كما هو. ان افلاطون قال بالمشاركة ولكن كيف يمكن لأشياء عديدة ان تشارك في مثال واحد، أو لنقلب السؤال ونقول، كيف يمكن لمثال واحد ان يكون في أشياء كثيرة مشاركة فيه ؟ فأما ان يوجد المثال كله في كل واحد من الأشياء المشاركة فيه، وهذا غير مقبول، لأنه يعني ان المثال كله يوجد في نفسه ويوجد في كل واحد من الأشياء المنفصلة، أي يكون الشيء مفارقاً لنفسه، ثم ان هذا يتناقض أساس فلسفته وهو ان المثل المفارقة، واما _ وهذا الاحتمال الثاني لمعنى وجود الواحد في الكثبر _ ان يوجد المثال مجزء في الأشياء التي قلنا إنها تشارك فيه، وحينئذ يفقد بساطته. ان افلاطون تأثر بالفيثاغورية، فوجد في الواحد كحاصل للأعداد تفسير للواحد وللكثير، ولمثال الخير عنده يتخذ شكلاً رياضياً، فالواحد هو غير منقسم وهو المصدر الأول لكل وجود، وفي التدريج العشري للوجود عنده نجد ان الرقم الواحد يمثل الأول والمطلق، والرقم اثنين يمثل الكثرة المطلقة، والرقم ثلاثة مهم لانه مجموع الواحد والاثنين، وبالتالي فهو اصغر الكثرة... ويتدرج إلى أن يصل إلى العدد عشرة الذي هو مثال الخير والكمال في حالة السكون. رأينا ان افلاطون اهتم بمشكلة الوحدة والكثرة، وحاول الاستفادة من المذاهب والمدارس الفلسفية التي سبقته، وانه جمع بين الوحدة والكثرة وجعل عالم المثل يمثل الوحدة والثبوت، وعالم الحسي يمثل الكثرة، والخير عنده مصدر الكثرة ووجود الكثرة هو مشاركة في الوجود بالذات وهو الله.

الخاتمة :

من خلال هذا العرض لأراء بعض الفلاسفة، تبين بان بعض منهم ينكرون الكثرة ويقولون بالوحدة مثل بارمنيدس، وبعض الأخر ينكرون الوحدة ويقولون بالكثرة مثل انبادوقليس، أما افلاطون فقد جمع بينهما من خلال نظرية المثل، وفيها أعطى أهمية للوحدة اكثر من الكثرة، لأن الوحدة هي في عالم المثل، وهي ثابتة وكاملة.
الاديان السماوية تؤمن بان الله هو مصدر الكثرة وهو واحد، ولكن المسيحية في سر الثالوث تعتبر بان الله واحد هو ثلاثة اقانيم. يقول الأب شارل دليه اليسوعي في كتابه ( الهي لا نفع له ) " لا يمكننا ان نقول بعد الان ان الله هو مفرد، وإلا لما كان شخصياً ولا أن نقول انه جمع، وإلا لما كان واحداً أحداً. يجب ان نضبط ألفاظنا التي تتقارع، وتتناقض باستمرار لكي يقترن كلامنا باحترام عندما نتحدث عن سر الله، كما يجب ايجاد نوع من التجانس بينها ليغتني الواحد منها بالاخر. إذ ان الله سمفونية جمعت بين المفرد والجمع وليس هو بالتالي مفرداً ولا جمعاً "، وكذلك تؤمن المسيحية بان الله هو محبة، والمحبة تحتاج للمحب، فهناك إذن محبة متبادلة بين الاقانيم، وهذه المحبة تجمع كثرة الموجودات ( كما رأينا عند انبادوقليس )، فالوحدة والكثرة هما سمفونية التي نسمع إلى لحن واحد متجانس والذي يخرج من آلات موسيقية كثيرة، هما الحديقة التي تمثل الوحدة وفيها نجد زهور كثيرة ومتنوعة، هما النور الذي يدخل بالموشور وتخرج منه ألوان كثيرة، هما البذرة الواحدة التي تعطي ثمار كثيرة، فلا لوحدة الوجود التي تنفي الكثرة، ولا لمذهب التعددية الذي يمثل فوضى، نعم لمبدأ الوحدة في الكثرة، لأن الله هو الوحدة في الكثرة، والموجود هو الوحدة في الكثرة، والمعرفة والمجتمع، فما اجمل هذا المبدأ، انه سر ومهما تعمق المرء في السر فأنه لا يستطيع ان يدركه كله، لأنه غير متناهي، فلنتقدم بمعرفتنا لهذا السر، فعندما نعرفه سنحبه، وعندما نحبه سنعيشه على صعيد تفكيرنا الفلسفي والديني والاجتماعي.


الراهب اشور ياقو البازي

80
                                            دير الربان هرمزد عبر التاريخ


الراهب اشور ياقو البازي


المقدمة :
 
الرهبانية، طريقة في العبادة تنفرد بها المسيحية عن باقي الأديان السماوية، ومنعطف قوي في هذه الديانة. لذا فهي تستحق من البحث والتنقيب عن جذورها، واسبابها، وأساليبها، ومتطلباتها، واماكن وجودها، وازدهارها وتطورها. والرهبانية هي سيرة من سير العبادة، ويمكن تلخيصها، بعشق ذات الله والتفاني من أجله واعتبار الحياة الدنيوية شيئاً زائلاً بالنسبة إلى الحياة الأبدية.
إن نشوء الحياة الرهبانية يبدأ بالمسيح، فهو الراهب الأول إذا جاز القول. لأنه هو الذي علمنا الحياة الرهبانية، ووضع لها اسسها. إذ قال للشاب الغني الذي بعدما رآه قد أكمل جميع الوصايا ( الكلمات العشر ): " إذا أردت أن تكون كاملاً، فأترك كل شيء واتبعني "، وهو قال أيضاً : " من أراد أن يكون تلميذي، فعليه أن يترك أباه وأمه وكل ماله ". إذا يسوع هو الذي شق لنا طريق الخلاص والحق والحياة.
كانت الجماعة المسيحية الأولى كما يصفها سفر أعمال الرسل المثال الأول لجماعة الرهبان حيث كانوا يواظبون على الصلاة كل يوم بقلب ونفس واحد على تعليم الرسل، وكسر الخبز، والحياة المشتركة. إذ كان كل شيء عندهم مشترك، وهكذا من بعد الرسل عمد بعض المؤمنين رجالاً ونساءاً إلى الانقطاع عن العالم إلى الصلاة، والصوم، والتحلي بالزهد، والتقشف وعدم الزواج. " من تبعني فليكفر بنفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني ". لذا فليس الراهب إلا إنساناً مسيحياً قد ألحت عليه دعوته المسيحية بالسير وراء المسيح، والعيش على نمط حياة يسوع المسيح.
عرف العالم الحياة الرهبانية منذ أقدم العصور، وقد اتخذت الرهبانية عبر العصور مظاهر شتى في الطريقة والحياة. إذ أن البعض انعزل عن العالم وانقطع وحيداً في الصوامع، أو الكهوف، والبراري لعبادة ربه، والبعض منهم عاشوا في بيت أو دير.
    في هذه المقالة سوف أتحدث فيه عن الحياة الرهبانية، ونشؤها وانتشارها في الشرق عموماً، وسوف أسلط الأضواء بصورة خاصة على تاريخ الرهبانية الأنطونية الهرمزدية، منذ التأسيس في القرن السابع الميلادي على يد القديس الربان هرمزد إلى يومنا هذا، ودورها في كنيسة المشرق ( الكلدو – اثورية ) في الماضي، وسنتعرف أيضاً معاً على  أديرة الرهبانية حالياً، وعلى أهم أعمالها، ونشاطاتها الرسولية والروحية في كنيسة اليوم.

الحياة الرهبانية :

حياتنا الرهبانية هي تكريس الشخص كله بما فيه من أعمال لله. لإله اجدادنا إله ابراهيم واسحق ويعقوب. إله يسوع هذا الإله الذي يبحث عنا منذ البداية " أين أنت يا آدم " ( تكوين 3 : 9 )، وفي انجيل يوحنا يقول الرب يسوع : " ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم " ( يوحنا 15 : 16 ). حياتنا الرهبانية هي جواب على هذا الأختيار لهذه الدعوة وعلى هذه المخاطبة ( يا انسان أين أنت ).
إلهنا ينتظر منا أن نعطي جوابنا بكل حرية، ولكن قبل هذا يجب أن نعرف إلهنا أحسن معرفة، ونعرفه أكثر باستمرار، وكلما نعرفه أكثر نعطي جوابنا لحياتنا، وبدون هذه المعرفة الشخصية والعميقة. حياتنا الرهبانية تصبح فارغة وسطحية، ومجرد عبادة الحرف الميتة، أو عبادة القانون.
إذاً الحياة الرهبانية هي تكريس الذات لخدمة الله والمجتمع. بعد أن يجرد الراهب نفسه عن مغريات الحياة المادية منقطعاً عن العالم، ليعيش إما في انفراد وعزلة في البراري، أو في الصوامع، وإما في بيوت، أو أديرة يكرس ذاته لله بالصلاة وقراءة الكتاب المقدس، والتأمل، أو العمل اليدوي، أو الرسولي، وبالنذور الثلاث الطاعة، العفة، الفقر تحت طاعة مرشد، أو رئيس، ويختار الراهب الفقر والبتولية محققاً بذلك رسالة المسيح في حياته. هذه هي أسس الحياة الرهبانية وجوهرها، وهذا ما حاول الملايين من الرهبان والراهبات في المسيحية تطبيقه لخدمة الكنيسة والمجتمع.
اليوم، وللأسف الشديد كثيراً ما يسألنا الناس عن معنى وفائدة وجود رهبان وراهبات، وكأنهم يتأسفون لضياع شبابهم، وكثيراً ما نصدم بهذه الأسئلة. نعم ان الرهبان والراهبات هم أناس إعتيادون وليسوا مسيحيين من طبقة متميزة، أو طبقة عالية، إنما هم أناس اختاروا أن تكون حياتهم ميداناً مفتوحاً لفعل الله، وليسوا هم كما يزعم البعض من الناس بأن الرهبان والراهبات هم الفاشلين في حياتهم المدنية، أو العامة لذا تركوا العالم، ولكن نقول لهؤلاء الناس بأن الدير الذي نعيش فيه هو أيضاً بيتاً عائلياً. لا مكاناً منعزلاً كما يتصور البعض.
نعم قليلون من الناس يعرفون ما هي الحياة الرهبانية، فالناس أكثرهم يجهلون، أو لديهم عنها بعض الأفكار السطحية، أو أفكاراً خاطئة تجعلهم ينتقدونها، أو يعادونها، ولا عجب في ذلك بالنسبة لنا نحن الرهبان والراهبات. لأن الحياة الرهبانية هي مجال خاص غريب مختلف عن مجالات الناس. لكن رغم ذلك فالرهبانية لا زالت قائمة ومستمرة، ولا يزال يقال فيها حتى اليوم أن الكنيسة لا تقوم بدونها.

الحياة الرهبانية في الشرق :

    منذ حوالي القرن الثاني والثالث ترك بعض المسيحيين في شرقنا أموالهم وعوائلهم، وعزفوا عن الزواج من أجل المسيح، ليعيشوا حياتهم المكرسة للملكوت على نمط حياة يسوع المسيح. في بداية القرن الرابع تكونت في المدن جماعات من المؤمنين العلمانيين كرسوا أنفسهم لخدمة الكنيسة، طقسياً والقيام باعمال خيرية، مثل أبناء العهد وبنات العهد ( أبناء وبنات القيامة ) ( بنَيْ وبٌْنةٌ دَقيًمًا )، وكان ذلك تطبيقاً حياً للمفهوم المسيحي للحياة، وذلك بترك كل شيء واتباع المسيح. إنما دون شرط ترك العالم والاعتزال بل للتفرغ للصلاة، وحياة التأمل، والمطالعة، والارشاد، وتقديم كل عون روحي، وعزفوا عن الزواج، وخصصوا وقتاً كبيراً للصلاة، بعضهم ظلوا في بيوتهم، والبعض الآخر عاشوا عيشة مشتركة. إنما دون نظام رهباني معين أقله في العهود الأولى، ورغم انتشار الديانة المسيحية وتأسيس بعض أبناء وبنات العهد أديرة. ظلت ظاهرة الانقطاع في البيوت عينها قائمة حتى القرن العاشر على الأقل.
إن أقدم مصدر موثوق رصد الديارات في المشرق هو كتاب ( الديورة ) لايشوعدناح البصري مطران البصرة ( القرن الثامن ). إذ يتحدث عن الحركة الرهبانية القوية التي نشأت في دير إيزلا الكبير، ومنه انطلقت إلى مختلف أرجاء البلاد من شماله ووسطه وجنوبه. أجل، لقد قام دير إيزلا الكبير، وهو الواقع على رابية بين نصيبين وماردين ( في تركيا ) بنشاط رهباني عارم، بعد أن قام ابراهيم الكشكري الكبير باصلاحه في منتصف القرن السادس الميلادي، وسنّ قوانين تنظمَّ فيه حياة الصلاة والدرس، وحياة التجرد والطاعة، مع سائر النظم التي كانت ما تزال غير واضحة في كنيسة المشرق إلى ذلك العهد، وكان هذا الدير قد أقيم في عهد سابق, اصبح مركزاً هاماً للتجمع الرهباني، وتشهد لذلك الشهرة التي حظيَّ بها الربان برعيتا ( بَرعٍدةًا )، خريج هذا الدير، والأديرة التي أقيمت على اسمه في منطقتي نينوى وحدياب ( أربيل ).

ابراهيم الكشكري :

علينا أن نقر بفضله في تنظيم الحياة الرهبانية في كنيسة المشرق ( الكلدو _ الأثورية ) كما في انتشار الأديرة بشكلها النظامي والمتطور، وذلك في أواسط القرن السادس الميلادي، فهو مولود في قرية كشكر سنة   ( 491 – 492 م )، ويذكر أنه بعد دراسته في الحيرة قصد مصر وانقطع في صحراء سيناء، كما درس في نصيبين وسكن جبل الأزل.
سن ابراهيم الكشكري ( 12 ) قانونا سنة ( 571 م ) تناول فيها ضرورة الهدوء، والاختلاء، والتقشف، والصوم، والتأمل، والصمت، وحارب نزعة التجوال لدى الرهبان وعدم استقرارهم في أديرتهم، ثم أعقبه داديشوع فسنَّ ( 27 ) قانوناً آخر سنة ( 588 م )، أكد فيها على وجوب التمسك بالإيمان القويم، والعمل، والخدمة الجماعية، وتوزيع المسؤوليات، وثمة قوانين رهبانية أخرى منها ما نسب إلى مار افرام، وماروثا، ومنها من وضعها ربولا أسقف الرها، ويعقوب الرهاوي، وجرجيس أسقف العرب.

نبذة تاريخية عن دير الربان هرمزد :

ولد الربان هرمزد مؤسس الرهبانية الأنطونية الهرمزدية في بيت لافاط ( شيراز ) من مقاطعة الأهواز في أواخر القرن السادس الميلادي، من أبوين شريفين هما يوسف وتقلا.
دخل المدرسة في مدينته وعمره اثنتا عشرة سنة، وتلقى مبادئ العلوم الدينية واللغوية، ونبغ في علوم الكتاب المقدس التي كانت تستهويه، وفي العشرين من عمره شعر برغبة قوية في الأنقطاع إلى حياة التنسك والزهد، فعزم أولاً على زيارة الأماكن المقدسة، فترك ذويه ورحل صوب فلسطين وبعد مسيرة سبعة وثلاثين يوماً وصل مدينة ( حالا ) الواقعة بين نهري رادان وديالى، وهناك صادف ثلاثة رهبان من دير برعيتا ( دَيرًا برعدةا ) الواقع في منطقة المرج، فأقنعوه بالإقلاع عن عزمه ومرافقتهم إلى الدير، والرهبان الثلاثة هم يعقوب من كفر زمار، ويوحنا المشراحي، وحنانيشوع من حدياب ( اربيل )، ورافقهم هرمزد إلى الدير الذي كان يضم آنذاك مئتي راهب، وكان بإدارة الربان سبريشوع الذي أصله من نينوى. في دير الربان برعيتا أتم الربان هرمزد الابتداء واقتبل الاسكيم الرهباني، ولسيرته الطاهرة غدا مثالاً حياً يحتذي به اخوته الرهبان.
غادر الربان هرمزد دير برعيتا وعاش في خلوة صارمة ملبياً الدعوة التي أرادها الله له، باشارة من رؤسائه في الدير. وأقام في مكان منفرد في كوخ جبلي منقطعاً إلى الصوم والصلاة، والتأمل، والتقشف، والتقى يوماً راهباً اسمه ابراهيم وأصله من دير عابي، وقد تحدث هذا الراهب إلى الربان هرمزد عن ديره، فبعث في نفسه الرغبة لزيارة هذا الدير والاطلاع على نمط حياة رهبانه، فقصداه معاً ومكثا فيه ثلاثة اشهر. ثم انطلقا منه إلى دير الرأس ( ديرا درشٍا )، أو دير مار ابراهيم الكبير في جبل مقلوب حيث الربان يوزادق ورهبانه، وهم يوحنا الفارسي، والأنبا دونا، وايشوع عسبران وشمعون، وعاش هناك جميعهم في حياة نسك وزهد مثالية.
واثر جفاف النبع الذي منه كان يشرب الاخوة الرهبان تفرقوا إلى أماكن شتى، فقصد يوزادق مع دونا وشمعون جبال قردو، وقصد هرمزد وابراهيم جبال بيت عذري، ومكث ايشو عسبران ويوحنا في الموضع نفسه.
سار الربان هرمزد والربان ابراهيم إلى موضع في جبل بيت عذري شرقي قرية القوش، وأقاما بجوار كهف فيه ينبوع ماء يتحلب من الصخور، وقد عرف هذا النبع فيما بعد بعين القديس ( عينا دقديشا ). واتخذ كل منهما مغارة بجوار العين، غير ان ابراهيم لم يمكث هناك سوى ثلاثة أيام، انتقل بعدها إلى شمال شرقي باطانيا حيث ابتنى له ديراً وهو الدير المعروف اليوم بدير مار اوراها.
     اما الربان هرمزد فقد مكث في الجبل، فتقاطر إليه اهالي القرى القريبة من القوش فرحين مستبشرين، ووعدوه انهم على استعداد أن يقدموا له يد المعونة متى شاء، وممن ساعدوا الربان هرمزد أيضاً أمير الموصل عقبة أو عتبة بن فرقد السلمي الذي تولى الموصل سنة ( 637 م )، والذي شفي ابنه على يد الربان هرمزد فساعده على بناء الدير حوالي عام ( 640 ).
ويروي أن خمسين شخصاً من مدرسة ايثالاها ( اية الىا ) في نوهدرا ( نوىدرا ) ( دهوك الحالية ) قصدوا الربان هرمزد وانضموا إليه ليعيشوا حياة نسك جماعية، وسرعان ما ابتنوا لهم كنيسة، فكانت نشأة دير الربان هرمزد، وقد ساعد في تشييد الدير أهالي القرى المجاورة، نذكر منهم شخصاً ثرياً من قرية باقوفا اسمه خداوي شوبحي. توسع الدير، وبلغ عدد الرهبان فيه في فترة قصيرة المائة وعشرة رهبان، ويمكننا اعتبار فترة تأسيس الدير السنوات ما بين ( 628 – 647 م ). أي في عهد الجاثليق ايشوعياب الثاني الجدالي.
وبعد حياة طاهرة وعفيفة مقدسة توفي الربان هرمزد وعمره سبع وثمانين سنة. قضى منها عشرين سنة في البيت والمدرسة، وتسعا وثلاثين سنة في دير الربان برعيتا، وستا في دير الرأس، واثنتين وعشرين سنة في
ديره، ودفن في كنيسة الدير باجلال عظيم، ولا يزال قبره قائماً حتى اليوم في قبر الشهداء أو القديسين، ويحتفل بذكراه في الاثنين الثالث بعد عيد القيامة، كما يخصص الأول من أيلول لذكراه أيضاً.
تقع عين القديس ( عينا دقديشا ) إلى الجنوب الشرقي من مدخل الدير الخارجي، ومياهها معدنية، وإلى الشرق من العين صخرة أشبه بقلعة منتصبة يلاحظ في اثار عدة صوامع متهدمة، تعتبر هذه الصوامع المناسك الأولى للرهبان الأوائل الدين أسسوا الدير، فقد اشتمل الدير في الأساس على هذه الصوامع، ويلاحظ من بينها غرفة طعام كبيرة وقاعة اجتماعات كما أن القسم الشمالي من كنيسة الدير الحالية يعود هو أيضاً إلى زمن التأسيس، وهو الهيكل المعروف بهيكل مار أنطونيوس اليوم، وكذلك صومعة الربان هرمزد ( بخشوكا ) ( بخشوكا )، وهيكل الربان هرمزد الملاصق للصومعة غرباً، والدهليز الذي بين الهيكلين جنوباً حيث ضريح الربان هرمزد. أما أقسام الدير الأخرى فقد أضيفت إليه تباعاً، وأقدم ذكر للدير بعد تأسيسه يأتينا من القرن التاسع الميلادي وذلك في قصة شفاء الأعمى.
ثم يرد ذكر ذكره بوضوح في القرن العاشر وذلك في سيرة الربان بوسنايا التي كتبها يوحنا بر كلدون، ويوسف هذا من قرية بوزان شرق دير السيدة. دخل دير الربان هرمزد هو وثلاثة من اخوته، وكان الراهب يوسف بوسنايا قد تنبأ بكوارث ستحل بديارت المنطقة. الأمر الذي حصل وحلت هذه الكوارث في السنوات ( 958، 964، 965 م )، ولا سيما كارثة ( 978 م ) بسبب الحوادث الدامية بين الحمدانيين والبويهيين الفرس، وهجوم الأكراد الحكاريين على القرى والديارت العامرة، فتشتت الرهبان وخلت الأديرة وتهدمت الكنائس، وتفيدنا سيرة الربان يوسف بوسنايا بالكثير من أخبار دير الربان هرمزد عن الحياة الجماعية فيه روحياً وجسدياً، وعن نظم وقوانيين الانخراط في هذه الرهبانية.
في عام 1200 م يرد ذكر الراهب الخطاط ايشوع الالقوشي الذي خط العهد القديم، وفي 1208 م يرد ذكر الخطاط الراهب دانيال الذي كتب إنجيلاً طقسياً، وفي عام 1256 م نجد عدة رهبان من دير الربان هرمزد يحضرون مراسيم دفن الجاثليق سبريشوع.
وتنقطع أخبار الدير في القرون الرابع عشر والخامس عشر، والنصف الأول من القرن السادس عشر، والسبب هو ما قاساه الدير من محن ومصائب في هذه الفترات، فهي سنوات غزو، وسلب، ودمار، وقتل، نعرف منها هجمة تيمورلنك على بغداد والموصل سنة 1393 ثم 1401 م، فتبدد الرهبان بعد أن اصاب النهب والخراب ديرهم، فيعود الرهبان إلى ديرهم بعد انتاب الأمور إلا أن هجمة برياك بيك المغولي سنة 1508 م لا تلبث أن تشتت شملهم وتلحق بديرهم الدمار والخراب.
منذ أواخر القرن الخامس عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر. لدينا نصب جنائزية لتسعة بطاركة من البيت الأبوي دفنوا في دير الربان هرمزد، أولهم مار شمعون الرابع المتوفي سنة 1497م وأخرهم هو مار ايليا الثالث عشر ايشوعياب المتوفي سنة 1804م .
في عام 1552م يقع الاختيار على الراهب يوحنان سولاقا بلو رئيس الدير مرشحاً للبطريركية، ويتم تثبيته في روما في 20 شباط 1553م، وكان في زمانه سبعون راهباً. سنة 1587م يزور وفد البابا غريغوريوس الثالث عشر الدير، فيجد بطريركاً اسمه ايليا مقيماً فيه، ويفيدنا تقرير مرفوع إلى روما انه في عام 1606م كان بطريرك كنيسة المشرق مقيم في الدير، وان فيه قرابة مائتي راهب. في سنة 1653م يترك البطريرك مار شمعون الدير إلى تلكيف اثر غزو للمنطقة.
سنة 1666م يتهدم سور الدير بالزلزال، وفي سنة 1714م يترك البطريرك ايليا مقره في الدير إلى تلكيف من جراء الاضطرابات التي وقعت في منطقة العمادية، ولم يظل في الدير سوى خمسة رهبان في سنة 1718م وارتفع هذا العدد إلى ستين راهباً في سنة 1722م في عهد الربان جبرائيل رئيس الدير.
في سنة 1727م يهجر الرهبان ديرهم إلى كنيسة مار ميخا في القوش اثر هجمة يونس اغا، وتأتي الضربة القاضية والقاسية سنة 1743م حين اكتسحت جيوش نادر شاه طهماسب الايراني القرى والديارات، فأصاب الدمار والخراب الدير، ويبدو ان الدير ظل خالياً قرابة 65 عاماً أي حتى التجديد على يد الأنبا جبرائيل دنبو سنة 1808م.
ولد الأنبا جبرائيل دنبو في ماردين سنة 1775م نذر نفسه للرهبانية، وسعى بإستماته إلى تجديد الرهبانية الهرمزدية، وبعد جهد ومصاعب، وعقبات تمكن من استلام الدير عام 1808م بواسطة أفراد من القوش والموصل.
ويبدو أن الدير كان قائماً بكنائسه وأسواره وأبوابه التي استلم مفاتيحها الأنبا جبرائيل دنبو من مطران العمادية حنانيشوع ابن عم البطريرك يوحنان هرمزد. لأن الدير كان يعود إدارياً إلى أبرشية العمادية.
وفي صيف 1827م قصد الأنبا جبرائيل روما لتثبيت قوانينين الرهبانية التي سماها الرهبانية الأنطونية الهرمزدية الكلدانية، وعاد بالتثبيت بعد ثلاثة سنوات قضاها في روما، وحاول بعد عوته توطيد دعائم الرهبانية، ولكن هجمة أمير راوندوز ( ميرا كور ) الشرسة على الدير، والقوش أودت بحياة المئات، ومن ضمنهم الانبا جبرائيل دنبو وثلاثة رهبان آخرين، وكان ذلك يوم 15 آذار 1832م، ودفن جثمان الشهيد جبرائيل دنبو في كنيسة مار ميخا النوهدري في القوش، وفي سنة 1849م نقل جثمانه إلى كنيسة الدير.
وانتخب الأنبا حنا جرا خلفاً للأنبا جبرائيل دنبو، وتوفى في سجن العمادية في 19 آب 1842م اثر هجوم اسماعيل باشا على الدير وسلبه إياه، وحبسه الرهبان في صومعة صغيرة والتكيل بهم، وتمزيقه الكتب والمخطوطات النفيسة.
تعاقب على الرئاسة العامة ابتداء بالأنبا جبرائيل دنبو واحد وعشرون رئيساً أخرهم حضرت الأنبا دنحا حنا توما الرئيس العام الحالي للرهبانية الأنطونية الهرمزدية. وفي عهد الأنبا قرياقوس ميخو انتقل مركز الرئاسة العامة إلى بغداد سنة 1994م. 

تسمية الرهبانية ( اسم الرهبانية ) :


تدعى رهبانيتنا بالأنطونية نسبة إلى القديس انطونيوس ابو الرهبان، والذي يعتبر مؤسس الرهبانيات جميعاً. لأنه هو وضع أسس القوانين الرهبانية، أو تنسب إليه، وجعلها أن تعيش حياة جماعية مشتركة بعد أن كانت تعيش حياة التوحد والاختلاء، وعن طريقه انتشرت هذه الحياة في العالم كله. ولد القديس انطونيوس في بلدة كوما بصعيد مصر سنة 251م، وهو من اسرة شريفة وغنية بقي وحيداً مع أخته الصغيرة، فاهتم بالبيت وبأخته، وفي عام 271م، وبعد من وفاة والديه أخذ يفكر بتلاميذ المسيح كيف تركوا كل شيء وتبعوه، وكيف كان بعض المسيحيين يبيعون ممتلكاتهم، ويلقون بثمنها عند أقدام الرسل ليوزعوها على الفقراء، فيوماً من الأيام دخل الكنيسة وسمع كلام يسوع المسيح للشاب الغني " أن أردت أن تكون كاملاً فأذهب وبع كل ما تملكه ووزع ثمنه على الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني " وهكذا قام وباع جميع أملاكه ووزعها على الفقراء، وأعطى لأخته نصيبها، وعهد بها إلى عذارى لتعيش بروح التقوى واعتنقت الحياة النسكية.
انفرد انطونيوس وحده بالجبال قرب ساحل البحر الأحمر، وذلك سنة 285م واختار قبراً قديماً لسكناه، ثم تركه وسكن في قلعة خربة قائمة على قمة جبل قرب بلدة ميمون الحالية، وكان عمره يناهز السادسة والثلاثين. عاش في الصلاة والعبادة لله، وكان يقوم بأعمال يدوية مستنداً على كلام القديس مار بولس الرسول " من لا يريد أن يعمل، لا يحق له أن يأكل " ، وجزءاً من نتاج عمله كان من اجل قوته، والقسم الآخر كان يوزعه على الفقراء. اعتزل العالم ولم يعد مدة ستين سنة إلا مرتين الأولى لتشجيع عزائم المؤمنين الشهداء ابان اضظهادات مكسيمينوس، والثانية لمناصرة اثناسيوس ضد بدعة اريوس.
في عام 340م وهو في التسعين من عمره التقى بالقديس بولا أول السياح والنساك، وظل في جبل القزم المشرف على البحر الأحمر إلى ساعة موته، وهذا المكان الحالي يسكنه الأقباط، وهو المكان الأصلي لدير مار أنطونيوس ويسمى ايضاً ( دير العرب ).
كان طعامه خبزاً وملحاً وماءاً كان يأكل مرة واحدة في النهار بعد غروب الشمس، وتارة كل يومين مرة، أحياناً مرة كل أربعة أيام .
كان له ثمان وثلاثون قولاً، ومن أشهر اقواله. نذكر بعض منها، وهي كما يلي :
1-  بدون التجارب لا يخلص أحد لأنه لا بد منها للدخول إلى ملكوت السماوات.
2- ان حياتنا وموتنا يتعلقان بقريبنا، فإذا ربحنا أخانا ربحنا الله.
3- كما إن السمك إن بقي مدة خارج الماء لا يحيا. كذلك حال الرهبان. إذا تأخروا عن قلاليهم، أو قضوا وقتهم   مع أهل العالم فلا يحيون.
توفي القديس أنطونيوس يوم 17 / 1 / 356 م عن عمر يناهز 105 سنة، وقبل وفاته عرف بموته لذا أوصى تلميذيه مكاريوس واماتاس اللذين نسكا معه مدة خمسة عشر سنة وخدماه في شيخوخته، أوصاهما أن يدفنوا جسده في مكان سري، ولم يعلم أحد حتى اليوم قبره سوى هذين التلميذين.
وتدعى بالهرمزدية نسبة إلى مؤسسها الربان هرمزد. الذي سكن جبل القوش وجمع له رهبان، وذلك في القرن السابع الميلادي، وأسس له ديراً لا يزال قائماً حتى يومنا هذا، ويدعى باسمه. لذلك تدعى رهبنتنا بالرهبانية الأنطونية الهرمزدية.

دور الرهبانية في الكنيسة :

إن للرهبانية دوراً كبيراً في كنيسة المشرق، وذلك بسبب عمق الحياة الروحية، والتحلي بالكمال، والقداسة، ونشوء مدارس كثيرة قرب الأديرة، إذ كان الرهبان يؤكدون على الثقافة في حياتهم، ولأن العديد منهم أصبحو كهنة وأساقفة، وبطاركة، ومسؤولين في كنيسة المشرق ( الكلدو – الاثورية )، فأثروا على سير الكنيسة أجيالاً، كما كان تأثيرهم كبيراً على الطقوس والصلوات، ومنها كان يخرج الرهبان والكهنة الغيورون الذين طافوا المدن والقرى البعيدة ناشرين الديانة المسيحية في بلاد اشور وكلدو، ونقلوا بشرى المسيح إلى بلاد الهند والصين.
قدمت الرهبانية لكنيسة المشرق خدمات جليلة، إذ هيأت للرسالات جنوداً ابطالاً من الكهنة الرهبان الذين قطعوا البراري، والسهول والجبال، وطافوا في القرى والأرياف القريبة والبعيدة، وفي تلك الطرق الوعرة لنشر كلمة الله مضحين بحياتهم. لا طوعاً بالمال ولا بشرف الدنيا. بل لخلاص النفوس هكذا كان شعارهم وهدفهم، لأن أهداف رهبنتنا وشعارها هي الصلاة والعمل والرسالة.
داخل هذه الأديرة تنظمت طقوسنا الكنسية، وألفت مئات الكتب، وترجمت إلى لغات عديدة ونشرت في العالم أجمع. لذا قد أنجبت رهبانيتنا رجال عظماء وقديسين وشهداء، رجال علم ومفكرين، وكانت الأديرة مركزاً دينياً وعلمياً للكنيسة وللمسيحية، ويكفينا مراجعة التاريخ الكنسي للاطلاع على أهمية الرهبانية، وما قدمته للكنيسة ولأجيال عديدة.
في زمن الأنبا جبرائيل دنبو مجدد الرهبانية، وحيث الجماعات المسيحية والكنائس لم يكن لديهم كهنة لخدمتهم، بذل جهده كي يعد من رهبانه رسلاً غيورين لينتشروا في البلاد، ويبشروا بالإنجيل، وتمكن في مدة عشر سنوات أن يعطي للكنيسة ( 54 ) كاهناً أرسلهم اثنين اثنين كتلاميذ المسيح إلى المراكز المحتاجة حيث فتحوا المدارس، ومراكز التعليم والتربية، وكانت الناس في ذلك الحين تتهافت على الكنائس وتتقرب من الاسرار المقدسة، وكثيرون من غير المؤمنين اهتدوا إلى الأيمان على أيديهم.

هدف الرهبانية في الوقت المعاصر :

يهدف الرهبان في الوقت المعاصر إلى مواصلة الحياة الرهبانية بالصلاة والعمل نبشر في بلاد كانت سابقاً زاخرة بالأديرة والرهبان. الذين قاموا بدور رئيسي في خدمة كنيسة المشرق، باشعاعهم الروحي والثقافي، وعليه فأن الرهبانية تتوخى أن تحمل مشعل الإيمان والعلم الذي تسلمته من آبائها الأوائل، وأن تواصل مثلهم السير على خطى المسيح في نشر كلمة الله وملكوته.
ان ما يميز هذه الرهبانية وتسعى إليه، هو أنها تستلهم روحانية أباء كنيسة المشرق في الصلاة والعمل، وتحاول أن تعيش التراث الروحي والثقافي بشكل معاصر يواكب العصر ومتطلباته، وأن تنقله بنوع خاص إلى ابناء هذه الكنيسة، وذلك من خلال رسالتها التأملية والرسولية.
إن الرب اليوم يدعو العديد من الشباب الواعي والمثقف إلى العطاء التام في خدمة الكلمة، وقد قامت الرهبانية بتنظيم جديد لاستقبال هؤلاء الشباب حيث الإطار الرهباني الملائم مع الانفتاح على متطلبات هذا العصر، وتشمل الحياة الروحية الأصيلة، والحياة المشتركة المبنية على المحبة والعودة إلى الجذور وإحيائها، وكذلك ارسال رهبانها إلى الدراسة في الكليات والمعاهد داخل القطر والتخصص في الخارج.
لذا فأننا نهيب بشبابنا الأعزاء أن يفتحوا قلوبهم ويصغوا إلى نداء الرب والعمل في كرمه. لأن الكنيسة اليوم بحاجة إلى عطاء الشباب وخدمتهم. ان الرهبانية بحاجة إلى الانتعاش كي تأخذ دورها في الكنيسة وتهيئها لرسالتها في عالم اليوم، ونحن اليوم أبناء أولئك الرجال العظام والقديسين الذين أسسوا هذه الحياة الرهبانية، ولا تزال الحياة مستمرة بروح شبابية لا تعرف الملل والتعب ليل نهار، وان ما يزيدها ازدهاراً ونمواً أكثر هو استقبالها لدعوات رهبانية شابة مثقفة وواعية، كي تعود أديرتها إلى ماضيها وتكون مصدر إشعاع ايماني، لكل مؤمن يلجأ إليها ويقصدها.
وهي الرهبانية الرجالية الوحيدة في كنيسة المشرق الكلدو اثورية. إذاً فلنصلي من أجل الدعوات الرهبانية لكي يضع الرب في قلوب الشباب بذرة الحياة الرهبانية والشجاعة لقبول هذه الدعوات، لنطلب من مؤسس الرهبانية الربان هرمزد ومن مجددها الأنبا جبرائيل دنبو أن يقيموا لهما أولاداً آخرين شبيهين بهما قوة وإيماناً، ونطلب منهما وكلنا أمل وثقة بأن هذه الرهبانية التي قدمت مع الزمن كثيراً من الخدمات الروحية، والمادية، والمعنوية، والتضحيات بكل اخلاص وتفاني لكنيسة المشرق. أن تستمر بمعونة وشفاعة القديس أنطونيوس ابي الرهبان، وأن يزداد عدد أفرادها، وتزدهر أديرتها بالرغم من كل الصعوبات التي تنتابها في هذه
الظروف القاسية، وأن تكون دوماً حياة الكنيسة وفخرها، لأن الرهبانية هي ميزان الكنيسة، فإذا زاد وزنها نجحت وتقدمت الكنيسة وإذا قل وزنها تأخرت.
مهما يكن فان كنيسة منتعشة تتطلب رهبانية حية، وفي غياب هذه الظاهرة تفقد الكنيسة الكثير من الحيوية. لأن الرهبانية في الكنيسة هي بمثابة القلب النابض، أو الرئتين اللتين بهما تتنفس، وتستنشق النسيم العليل المنعش، والرهبانية هي مقياس حرارة الكنيسة ونشاطها الرسولي.
ايها الشباب والشابات : انظروا دعوتكم في خدمة الكنيسة، هذا ما يقوله القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس : " لأن الرب جعل بعضاً رسلاً وبعضاً انبياء وبعضاً مبشرين وبعضاً رعاة ومعلمين " وبناءاً عليه استلم الجميع  دعوة من الرب يسوع المسيح، وكل منا نصيبه من النعمة بمقدار ما وهب لنا المسيح. لهذا اوجه كلامي أيضاً بالدرجة الأولى إلى الأباء والأمهات الذي لهم رسالة خاصة في الكنيسة والمجتمع. لأن العائلة تنبت فيها الدعوات الكهنوتية والرهبانية كما يؤكد ذلك المجمع المسكوني بقوله : ( ان العائلات المسيحية هي المدرسة الأولى، لبروز ونمو هذه الدعوات ).
صحيح ان مستقبل الدعوات هو بيد الله، ولكن هو بأيدينا أيضاً ونستطيع تحصيله بالصلاة إلى الله. لذا نطلب من رب الحصاد وبشفاعة القديسة مريم العذراء أم الدعوات ومثالها أن يخرج فعلة إلى حصاده، وأخيراً يقول الرب يسوع على لسان الرائي يوحنا في سفر الرؤيا : " ها أنا واقف على الباب اطرق الباب وكل من يسمع ويفتح الباب أدخل أتعشى عنده "


أديرة الرهبانية :

1 _ الربان هرمزد ( جبل القوش ) :

اسس الدير الربان هرمزد ما بين ( 628 – 647 م ) أي في عهد الجاثليق ايشوعياب الثاني الجدالي، وقد اغلق الدير عدة مرات متتالية في حقبة الستينات والسبعينات وكل مرة كان يتم ترميمه وإصلاحه والسكن فيه، إلا في حقبة الثمانيات أغلق للمرة الأخيرة وإلى يومنا هذا. مما أدى إلى تعرضه للخراب وللدمار بسبب عوامل الطبيعة ( الأمطار والثلوج ). إلا إن الرهبانية في الأواني الأخيرة توجهت اليوم إلى إعادة فتحه وترميمه وإصلاحه وقد باشر فعلاً بالترميم بتاريخ 21 / 8 / 2000 م، ولا زال العمل مستمر فيه. حيث بدء الترميم بمراحل متعددة تشمل كل أقسام الدير بادئين من جناح الكنيسة، أو بالاحرى الكنائس مع ملحقاتها من الغرف، وقد شمل أيضاً توسيع الطريق وتبليطه المؤدي إلى الدير وبناء الجدران الساندة بطول ( 625 متر )
وبعون الله أن يتم العمل على إكمال جميع المراحل والأقسام المتبقية، ونية الرهبانية بعد الانتهاء من ترميمه وإصلاحه إسكان الرهبان فيه.

2 – دير السيدة حافظة الزروع ( القوش ) :

يقع الدير في السهل المقابل لدير الربان هرمزد، وتم بنائه عام 1858م في عهد الأنبا اليشاع بعد أن كثر وازداد عدد الرهبان في الدير الأم. مما جعلهم أن يقرورن بناء هذا الدير تحت اسم السيدة مريم العذراء حافظة الزروع، وذلك تسهيلاً لأمور الرهبان في خدماتهم الروحية للمناطق المجاورة.
حالياً قد تم تأسيس مدرسة رهبانية للاهتمام بالأطفال الأيتام والذين ليس من يهتم بهم، وقد توجه الدير في تقديم الخدمات الروحية في قريتي الجمبور والشرفية.
كذلك يستقبل العوائل المسيحية التي تقصده للرياضات الروحية والمجاميع الشبابية والسفرات الدينية من كافة أنحاء القطر.

3 – دير مار كوركيس ( الموصل )
:
جاء في اقدم مخطوط لهذا الدير في عام 1691م، وقد أصبح ديراً قانونياً للرهبانية عام 1863م، وذلك تلبية لطلب من البطريرك يوسف أودو لإسكان راهبين وكاهن فيه، ومنذ ذلك الوقت أصبح الدير تابعاً لأديرة الرهبانية الأنطونية الهرمزدية.
   اليوم يقطنه أربعة رهبان، بالأضافة إلى احتوائه المدرسة الرسولية التي تهتم بتنشئة الطلاب للرهبانية، وعددهم اليوم ( 16 ) تلميذ، وكما يقوم الأباء الكهنة بتقديم الخدمات الروحية لأبرشية الموصل، وكذلك يستقبل الدير العوائل المسيحية التي تقصده من خارج المحافظة.

4 _ دير مار أنطونيوس ( بغداد – الدورة ) :

تم وضع حجر أساس هذا الدير عام 1967 م في عهد الأنبا عبد الأحد ربان، ويعتبر حالياً مقر الرئاسة العامة للرهبانية، والرئيس الحالي هو الأنبا دنحا حنا توما، وأيضاً يسكن في الدير الأخوة الرهبان الدارسين في كلية بابل للفلسفة واللاهوت، ومعهد التثقيف المسيحي، ومعهد الأباء. كذلك يسكن في الدير الأخوة المبتدئون والراغبون، إضافة إلى ثلاثة كهنة لإدارة الدير والأبتداء.
يقوم الرهبان بتقديم الخدمات الروحية في الأبرشية البطريركية وخصوصاً في كنيستي الحلة وبعقوبة، وأيضاً في كنيسة مار يعقوب في حي آسيا، ويحتوي الدير على مكتبة عامرة تضم كثير من الكتب، وكذلك فيها مكتبة نفيسة تحتوي على المخطوطات القديمة العائدة للرهبانية التي خطها أمهر الخطاطين الرهبان، وأفتتح
حالياً في الدير مركز ثقافي باسم جبرائيل دنبو ليكون مقراً لإدارة نشرت ربنوثا ( ربنوةا ) الناطقة باسم الرهبانية.



 5– دير مار يوسف ( روما – ايطاليا )
:
     تأسس الدير في عام 1982م في روما ( ايطاليا ) في زمن الأنبا ابراهيم، ويعتبر مركزاً للرهبانية، ومقراص للوكالة لدى الكرسي الرسولي. إضافة إلى أنه دير للاخوة الرهبان الذين يكملون دراستهم في جامعات روما، وأيضاً يقوم باستقبال أساقفة وكهنة الكنيسة.

 6 – حالياً للرهبانية ارسالية في الولايات الأميركية المتحدة.
وخاصة في ولاية كاليفورنيا. في مدينة لوس أنجلوس، وارزونا وذلك لخدمة العوائل العراقية من أبناء كنيستنا الذين هاجروا من العراق، ويخدم هذه العوائل حالياً ثلاثة رهبان كهنة.

الخاتمة :
نحن حينما نتأمل في حياة كنيسة المشرق في تلك القرون الماضية التي كانت الرهبانية قوية منتعشة. نجد الحياة الروحية قد بلغت ذروتها وأوجها من القوة المتدفقة والغيرة المتأججة، ولهذا لم تستطيع الاضطهادات مع عنفها، أن تزحزح المؤمنين عن ثباتهم ولم يفصلهم عن محبة المسيح له المجد، والمسيحية الحقة لا تعرف الأنانية، أو حب الذات. بل هي البذل والعطاء، فالرهبانية من هذا المنطلق، هي نشاط دائم دؤوب وعمل مثابر، وجهاد مستميت، لا يعرف الكلل والملل في سبيل نشر البشارة. متخذة من السلوك القويم مثالاً يحتذي لكل المؤمنين.
واستجابة لدعوة الله اعتنق الرهبان المشورات الإنجيلية، وعزموا عزماً ثابتاً على التزام العيش لله وخدمة الآخرين، فنذروا حياتهم كلها لخدمته وخدمة كنيسته المقدسة، وهذا يعني تكريس أنفسهم بنوع خاص للوصول بشركة الحياة إلى كمال اشمل هذا يقتضي ممارسة الفضائل وتعزيزها، ولا سيما إتمام نذور الطاعة، والعفة والفقر، وسائر الفضائل كالتواضع، والمحبة الأخوية، والصبر، وهذه النذور الثلاثة والفضائل هي التي تجعلهم بالروح شركاء في حياة المسيح، وتتيح لهم أن يسيروا وراءه ويسمعوا كلامه، ويهتموا بما هو يريده.
لهذا السبب اتخذ الرهبان لمعيشتهم ودعوتهم اماكن نائية منعزلة مستعصية، ولكن الناس رغم كل الصعاب كانوا يقصدونهم للاستماع إلى مواعظهم وارشادهم، وكانت رائحة حياتهم الزكية وسيرتهم النقية، تعطر سائر ارجاء المعمورة، فتدفع المؤمنين إلى الاقتداء بقداستهم والتمثل بايمانهم، وكان يلجأ إليهم في الأديرة الكثيرون من المتعبين وثقيلي الأحمال. كي يجدوا فيهم وسيلة لأراحتهم من اتعابهم.

الراهب اشور ياقو البازي

81

                                                  الحرية وكرامة الانسان بمنظور مسيحي

  الراهب اشور ياقو البازي
ashor_albazi@yahoo.com

      المقدمة

     ان أشد ما تدّعي به الأمم المتطورة هو ادعاؤها بالحريّة وكرامة الإنسان، وما توليه من حريّة لأبناء شعبها، ويقال أيضا ان السمة التي يتسم بها عصرنا هي  سمة عصر الحريّة، وهذا ما نسمعه يوميا من وسائل الإعلام المختلفة عن طريق الاذاعات والتلفزيونات والانترينت. والحريّة وكرامة الإنسان اليوم أصبحت مبتغى الصغير والكبير، وهذه من جوانب عصرنا الإيجابية، سيما وان أبواب بلدنا تفتحت بشكل ملحوظ إلى العالم الغربي، وما فيه من تطورات خصوصاً بعد احتلاله على يد الاميركان وقوى التحالف، التي تنشد أول ما تنشد جلب الحريّة لأبناء العراق !
      ومهما يكن من أمر فالاشكالية تكمن في كيف علينا أن نميز بين مفاهيمنا الشخصية المتعددة للحرية، وبين مفهوم الحريّة المسيحية، وهل عليَّ أن أفرض آرائي على الآخرين ؟ وهل هناك تطابق أم تنافر بين المفهومين؟
   
      الحرية :

   كما يتبين لي ان الحرية اليوم في بلدي العراق هي نعمة ونقمة، إذ نلاحظ اليوم كيف ان العالم أدرك قيمة الإنسان من جهة في حريّة التعبير والاختيار، والمساواة بين الرجل والمرأة، والحريّة في ممارسة النشاطات السياسية والاقتصادية والدينية المختلفة وفي سائر المجالات. لكن من جهة أخرى فإن العالم يشهد أزمة سوء استخدام الحريّة؛ في العديد من الأمور التي هي ضد الشرائع الإلهية والإنسانية، مما يسوغ لنا القول : كم من جرائم ارتكبت باسمك أيتها الحرية !.
   من هنا فموضوع الحريّة وكرامة الإنسان هما من المواضيع الأساسية التي يهتم بها اللاهوت الأدبي.
   وكتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية يعطينا جواب على مفهوم الحرية وعلى ما يعتمد وذلك بأن الإنسان يسير بحسب ضميره حرّاً : " لا يجوز لأحد أن يُكره على عمل  يخالف ضميره، ولا أن يمنع من العمل، في نطاق المعقول، وفقا لضميره... " . إذا فالضمير هو المقياس الحقيقي لحريّة الإنسان. ولكن إذا ما أردنا أن نعرف وسط حريتنا إذا ما كنّا على صح أم خطأ، علينا أن نتعلم من رسالة الإنجيل التي تعرضها علينا الكنيسة، أن كلام الله هذا يجعلنا قادرين على التمييز وفحص كل شيء والاحتفاظ بما هو صالح، ( فكلمة الله هذه لا تفرض على حياتنا حدود. بل ترشدنا إلى وجود إنساني حقيقي، حر وسعيد، بحيث تكون حريتنا مسؤولة ) .
   ان المسؤولية والحرية تسيران معاً، فكل اختيار يصب دوماً في مسيرة هويتنا الخاصة، لأننا فيه نعبر رغبتنا في ما نريد أن نكون، وبأي ميزات تتميز شخصيتنا. نحن واعون جداً على عدم مقدرتنا لعمل كل ما نرغب به، فهناك دوماً محدوديات تعيق ذلك، ولكن نستطيع أن نُعرف انفسنا بما نصنعه، فيكون عملنا نحن، وتعبيراً أصيلاً عن أنفسنا والذي يؤكد كرامتنا، فالحرية لاتعني عمل كل ما يحلو لنا، بل الرغبة في عمل ما نستطيع عمله. الحرية الخلقية هي فعل تقرير المصير ( حرية الإرادة )، والذي من خلال اختيارات خاصة للشخص، يختار أي شخص يريد أن يكون، هل يختار أن يكون شخصاً منفتحاً على سر حياته وحياة الآخرين، أو يختار الانغلاق على ذاته .

   لا أن أفعل كل ما يحلو لي دون أي شريعة ودون أي مسؤولية أبررها بالحريّة، مع نسيان أن الحريّة الحقيقية يجب أن توجهنا نحو الخير ونحو السير بحسب مقتضيات ضميرنا.

      تعرفون الحق والحق يحرركم :

   ان القضايا الإنسانية المطروحة أكثر من سواها اليوم والتي تجد حلولاً مختلفة في البحث في الشؤون الأخلاقية تتصل كلها، وإن بأوجه مختلفة، بالمسألة العسيرة جداً مسألة حرية الإنسان. لا ريب في أن لدى عصرنا شعوراً حاداً بالحرية : ( إن لدى أهل عصرنا وعياً يتزايد يوماً بعد يوم لكرامة الشخص البشري ) كما جاهر في حينه الإعلان المجمعي في الحرية الدينية ( الكرامة البشرية ) . ومن ثم يطالب الإعلان بأن يتاح للبشر ( أن يتمتعوا بالقرار الخاص والحرية المسؤولة، فيعملون لا مسيّرين قسراً بل منقادين لواجب الضمير ) . بيد أن الحق في الحرية الدينية مثله في احترام الضمير في سعي الإنسان إلى الحقيقة، يعتبر بنوع خاص، وكل يوم أكثر أساس حقوق الإنسان بمجملها. هكذا يشكل الشعور الحاد بكرامة الشخص البشري وفرادته، واحترام الضمير في السلوك البشري من المعطيات الثابتة في الثقافة العصرية. بيد ان هذا الشعور الصالح في ذاته، يترجم عنه بتعابير عديدة ليست كلها موفقة والبعض منها ينحرف عن حقيقة الإنسان، كخليقة الله وصورته، يحتاج إلى الاصلاح والتقدم على نور الإيمان.

      أيها المعلم ماذا أعمل من الصلاح لتكون لي الحياة الأبدية ؟
                       ( متى 19 : 16 )

   إن هذا السؤال في الشأن الأخلاقي الذي يجيب عليه المسيح لا يمكن أن يتجاوز مسألة الحرية بل أنه يقيمها في الوسط، طالما أن لا أخلاقية بلا حرية. ( لا يطلب خير إلاّ في الحرية ) . لكن أي حرية؟ أمام أهل زماننا الذين يقدرون الحرية كثيراً وخاصة في بلدنا العراق ويجدون في طلبها بنشاط، ولكنهم يمارسونها في الغالب ممارسة سيئة، كما لو كان كل شيء يحلُّ إذا طاب بما فيه الشر من قتل وسرقة، وزنى، وخطف رجال الدين، وتهجير وتفجير كنائس.
   يعرض المجمع الحرية الحقة : ( الحرية الحقة هي في الإنسان العلامة المثلى للصورة الإلهية ) ، فالله أراد أن يترك الإنسان لخيار ذاته، بحيث يطلب الله خالقه من تلقاء ذاته، بملء حريته ويبلغ في الاتصال به الكمال الناجز والسعيد. إذا كان لكل إنسان الحق في أن يحترم في سعيه نحو الحقيقة، فعلى كل إنسان قبل ذلك واجب ملزم وثقيل أن يطلب الحقيقة وإذا وجدها أن يعتنقها، وبهذا المعنى كان الكردينال نيومان، المدافع الشهير عن حقوق الضمير، قد تعود التأكيد بقوة على ( ان للضمير حقوقاً لأن عليه واجبات ).


      وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها :
                    (تكوين 2 : 16 )

   نقرأ في سفر التكوين : وأمر الرب الإله الإنسان قائلاً : " من جميع شجر الجنة تأكل وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، فإنك يوم تأكل منها موتاً تموت " ( تكوين 2 : 16 _17 ).
   بهذا الصورة يعلمنا الوحي الإلهي ان سلطة تمييز الخير من الشر هي منوطة لا بالإنسان بل بالله وحده. الإنسان حرّ بلا شك، لأنه هو يستطيع ان يفهم ويقبل وصايا الله، وحريته واسعة لأنه يقدر ان  " يأكل من كل شجر الجنة " بيد ان هذه الحرية ليست بلا حد، بل يجب ان تقف عند "شجرة معرفة الخير والشر "، لأن عليها ان تقبل الشريعة الأخلاقية التي يمليها الله على الإنسان، والإنسان بقبوله هذه الشريعة إنما يكمل حقاً حريته الشخصية. فالله الصالح وحده يعرف معرفة تامة ما هو صالح للإنسان وبدافع من حبه له يعرضه عليه في الوصايا. لذلك لا تُضعفُ شريعة الله حرية الإنسان، ولا تلغيها، بل تحفظها وتقوّيها. بينما تسلك بعض الثقافات المعاصرة طريقاً معاكساً.

      شاء الله أن يترك الإنسان لمشورة نفسه :

   يستعير المجمع الفاتيكاني الثاني كلمات ابن سيراخ هذه لتوضيخ معنى الحرية الحقة، التي هي علامة صورة الله المميزة في الانسان فنقول : شاء الله ان يترك الإنسان المشورة نفسه. لكي يسعى إلى خالقه تلقائياً ويبلغ حراً إلى الكمال الناجز السعيد بالالتزام به. هذه الكلمات تظهر عمق المشاركة في السيادة الإلهية العجيب الذي يدعى إليه الإنسان، فهي تبين كيف ان الإنسان يمارس سيادته على نفسه. هذه السيادة يرد ذكرها دائماً في تأملات اللاهوتيين في الحرية البشرية، وهي في نظرهم صفة ملوكية، فيكتب مثلاً القديس غريغوريوس قائلاً : ( وتظهر النفس كرامتها الملوكية السامية بأن لا سيادة لأحد عليها وأنها تعمل كل شيء بدافع ذاتي وأنها هي المسلطة على ذاتها تدبر ذاتها كما يطيب لها. فشأن من يكون هذا سوى شأن الملك ؟ هكذا خلقت طبيعة الإنسان لتسود على سائر الخلائق، على مثال ملك العالمين، صورة حيّة عنه، تشارك مثالها الاسم والكرامة ). ان يقود العالم، تلك هي مهمة الإنسان العظيمة ومسؤوليته الكبرى التي يتعهدها بحريته الخاضعة للخالق : " املأوا الأرض واخضعوها " ( تك 1 : 28 ). بهذا الشرط يتمتع الناس أفراداً وجماعات باستقلالية عادلة، يعيرها الدستور المجمعي ( فرح ورجاء ) أهمية خاصة. ان للشؤون الأرضية استقلالية تتمتع بموجبها الأشياء المخلوقة والجماعات بنواميسها وقيمها الخاصة، على الإنسان ان يتعرفها تدريجياً ويستخدمها وينظمها.
   لكن الله لم يعهد إلى الإنسان ان يهتم بالعالم وحده بل أن يهتم أيضاً بذاته، ويكون مسؤولاً عن ذاته. الله ترك الإنسان لمشورة ذاته، لكي يطلب خالقه ويبلغ الكمال حراً. ولأن يبلغ الكمال يعني أنه يبنيه بذاته وفي ذاته. فكما ان الإنسان باخضاعه العالم يجعله وفق عقله وإرادته هكذا بقيامة الأعمال الصالحة اخلاقياً يؤكد ويكمل ويرسخ في ذاته صورة الله.

      طوبى للرجل .. الذي في شريعة الرب مسرته:
                  ( مزمور 1 : 1-2 )

   ان حرية الإنسان إذا كانت على صورة إرادة الله، لا تتعطل بطاعتها للشريعة الإلهية بل انها بهذه الطاعة وحدها تبقى في الحقيقة، متجاوبة مع كرامة الإنسان. ان كرامة الإنسان تحتم عليه أن يتصرف بخيار حر، واع ، أي منقاداً لاقتناع شخصي من الداخل لا لدافع باطني أعمى ولا لضغط من الخارج، ويحصل الإنسان حقاً على هذه الكرامة عندما ينعتق من أسر أهواهه ويسعى نحو غايته باختيار الخير حراً ويعمل بالجد وحسن التصرف للحصول على الوسائل الملائمة لتحقيقها.
   على الإنسان بتوجهه إلى الله الذي هو صالح وحده أن يصنع الخير ويتجنب الشر بملء حريته، ولذلك كان لا بد للإنسان من ان يقدر على تمييز الخير من الشر. هذا ما يتم له قبل كل شيء بدور العقل الطبيعي الذي هو انعكاس بهاء وجه الله في الإنسان.
   ان سنّة الحياة البشرية العليا هي الشريعة الإلهية الأزلية الواقعية الشاملة التي بها ينظم الله بتدبير حكمته ومحبته الكون كله ومسالك الجماعة البشرية ويسوسها ويديرها، وقد اشرك الله الإنسان بشريعته هذه بحيث يتوصل الإنسان أكثر فأكثر بفضل العناية الإلهية التي ينعم بها إلى معرفة الحقيقة التي لا تتبدل.
   إن العلاقة بين حرية الإنسان وشريعة الله تجد لها مسكناً حياً ( قلب الإنسان )، أي في ضميره.   ( أن الإنسان يكتشف في أعماق ضميره الشريعة التي لم يعطِها هو لذاته، بل أعطيها ليخضع لها وسيمع صوتها يدعوه دائماً إلى أن يحب الخير ويصنعه ويتجنب الشر، ويرن في اذن القلب كلما اقتضى الأمر، إصنع هذا، تجنّب ذاك. لأن للإنسان شريعة كتبها الله في قلبه. كرامته في طاعتها وعليها يُدان ) ، لذلك فالمستند الذي نرتكز عليه في فهمنا العلاقة بين الحرية والشريعة له علاقة وثيقة بحكم الضمير. وبهذا المعنى تؤدي التيارات الثقافية التي تنصب الحرية ضد الشريعة وتفرق بينهما وتجعل من الحرية نوعاً من الصنم، إلى ايلاء الضمير صفة ( الخلق ) في موضوع الأخلاق، الأمر الذي يخرج عن فكر الكنيسة التقليدي وعن تعليمها.
   وحكم الضمير هو حكم عملي إذ أنه يملي على الإنسان ما يجب عليه ان يفعل وما يجب عليه ان يتجنب، أو انه يدين فعلا ما فعله انه حكم يطبق على حال معينة اقتناع العقل بالمبدأ القائل بان علينا ان نحب الخير ونعمله، وان نتجنب الشر وهذا المبدأ الأول للعقل العملي يختص بالشريعة الطبيعية انه أساس لها، لانه يسلط على الخير والشر ذلك الضوء الأول انعكاس حكمة الله الخالقة التي هي في النفس الشرارة الخالدة. تتالف في قلب كل إنسان.
   إن لقاء المرأة السامرية مع يسوع في الفصل الرابع من إنجيل يوحنا. إلا اختبار لقيمة الحريّة، فيسوع يوعي المرأة للحريّة الحقيقية، فحين تقول هي : " آباؤنا عبدوا الله في هذا الجبل وأنتم عبدتموه في أورشليم " يجيبها يسوع : " العباد الحقيقيون هم الساجدين لله بالروح والحق " ( يوحنا 4 : 24 )، ففي البداية كانت السامرية مقيّدة بأحكام مجتمعية سابقة، (أنت من اليهودية وأنا من السامرة )، فهي لم تختبر الحريّة الشخصية بعد. لكن كلام يسوع يحرّرها ويجعلها تعيش هذا الاختبار الشخصي، وفي نفس الوقت يبين لها أن العبادة الحقيقية لله يجب أن تكون بعبادته وحده دون سواه، وأن تكون نابعة من جوهر الإنسان بكيان وجوده.
   فواجب تأدية عبادة حقيقية لله يلزم الإنسان فرداً وجماعة هذا هو التعليم الكاثوليكي التقليدي في موضوع ما يقع على الأفراد والجماعات من واجب أدبي تجاه الديانة الحقيقية وكنيسة المسيح الحقيقية، فان وصية عبادة الرب واحدة تبسط الإنسان وتخلصه من تشتت لا حدود له، إذ ان عبادة الوثن افساد للحس الديني الموجود في الإنسان. فالوصية الأولى تحرم تعدد الألهة وهي تقتضي من الإنسان الا يؤمن بآلهة أخرى .
   العبادة بالروح والحق : ( هي في التواضع وفي روح الخضوع لله. عندما نقول العبادة بالتواضع يعني عبادة بالحق، ان التواضع هو الحقيقة الأساسية للإنسان : الإنسان هو من تراب الأرض، أي من شيء جداً دنيء وبدون قيمة. والعبادة هي تحرير الإنسان نفسه من عبودية الخطيئة والعالم. هذه العبادة لها دور أساسي في الحياة الأدبية والروحية للمسيحي : إذ تظهر بشكل أكثر وضوحاً من هو الله ومن هو الإنسان )

      الوصية السادسة :

   المحافظة على الحياة الطبيعية واجب تفرضه على الإنسان الوصية السادسة، تنهي عن القتل ظلماً، وعن كل ضرر ظالم يتناول الذات، أو شخص القريب : كالضرب والقطع والتشويه وما أشبه ذلك. و تأمر الإنسان ضمناً بكل ما هو ضروري لحفظ حياته الذاتية وحياة الذين يلتزم العناية بهم. أي ان المعنى الايجابي للوصية السادسة هو ذلك الموقف الايجابي الذي يتخذه الإنسان تجاه الإنسان الآخر، تلك النّعم المرتكزة على نعم البشر تجاه الله وعلى نعم الله تجاه البشر. أي بمعنى واجب المحافظة على الحياة ويرتكز على المبادئ الآتية :

   1_ لا يملك الإنسان حقاً مطلقاً على حياته، بل هذا الحق هو الله الخالق، لان الحياة ملك الله.
   أما الإنسان فلا يملك إلا حق الاستعمال والتصرف بهذه الحياة وفقاً لمشيئة الله الخالق، فيدرك قيمتها ويحافظ عليها، ويستعين بها كواسطة عزيزة لامتلاك حياة أعظم وأبقى.

   2_ وعلى نور الوحي نرى أن الحياة الطبيعية يجب أن تعتبر زمن الاستعداد والاستحقاق لحياة أبدية باقية. لان الكتاب المقدس يشبهها حيناً بزمن الزرع، وحيناً بزمن المتاجرة، ووقتاً بزمن السباق في الميدان لاكتساب الأكليل.

   3_ ومن هذا التعليم الموحى تتضح أهمية هذه الحياة الطبيعية ولزوم المحافظة عليها. وبناء على المبدأ القائل : ( من التزم تحصيل غاية، لزمه أن يعمل الوسائل اللازمة لتحصيلها )، يفرض على كل إنسان أن يستعمل تلك الوسائط العادية اللازمة للمحافظة على حياته وصحته، فلا يلزمه استعمالاها ان رفض هذه الوسائل غير العادية ليس قتلاً بل هو تسامح بموت الذات.
   تعبر الوصية السادسة عن الاقتناع السائد منذ العهد القديم بان الحياة ثمينة ومقدسة وتشير خصوصاً إلى الحياة الإنسانية، إذ ان الانسان هو صورة الله ، وفي هذا قيمته كرامته لذا ينبغي ألا يتصرف الآخرون به كما يريدون وكل من ينتهك الحياة الإنسانية يعقاب بقسوة : " من سفك دم الإنسان سفك دمه عن يد الإنسان، لأنه على صورة الله صنع الإنسان " ( تك 9 : 6 ). ان القضاء عمداً على حياة القريب يعد خطيئة تصعد صرختها نحو السماء.
   تنهي الوصية السادسة عن القتل، وتأمر بحماية الحياة وتعزيزها سواء أكانت حياة الإنسان الخاصة أم حياة الآخرين ، بيد أن الوصية تلفت أيضاً انتباهنا إلى مختلف القيم التي ينبغي أخذها بالاعتبار في حياة متوافقة مع التطلبات الأخلاقية : الخيرات المادية، والبيولوجية، والجمالية والروحية، وكذلك القيم الأدبية والدينية.
   ان مقارنة هذه الخيرات والقيم بعضها ببعض يُظهر في ما بينها نظاماً تراتبياً. فالقيم الأخلاقية والدينية تحتل المرتبة العليا، فلا يجوز إطلاقاً ألمس بها. القيم الأخرى أي أيضاً بدون ريب ذات أهمية كبرى بالنسبة للتصرف الأخلاقي، فلا يجوز التخلي عنها، أو ألمس بها بدون سبب، ولكنها ليست قيماً أخلاقية بالمعنى الحصري للكلمة، أما بالنسبة للسؤال ان أهمية حياة الإنسان فقد تبين من موضوع الدفاع المشروع عن النفس أن الحياة خير  اسمى، انها خير اساسي لكونها شرط تصرفنا فنحن ملزمون أخلاقياً بحماية الحياة الانسانية والمحافظة عليها . فالسير على الطرقات هو اليوم، على سبيل المثال، مجال لمسؤولية خاصة. فعلى سائق السيارة ان يجتهد بتجنب كل ما يعرض حياته، أو حياة الآخرين للخطر.

      الكرامة الإنسانية :

   تتأكد كرامة البشر في ثلاث عبارات متعاقبة في سفر التكوين ( 1 : 27 و 28 ) التي تفحصاناها من حيث علاقتها بالبيئة، " خلق الله الإنسان على صورته " ثانياً " ذكراً وأنثى خلقهم ". ثالثاً وباركهم الله وقال لهم  : " املأوا الأرض وأخضعوها "، فالكرامة الإنسانية تبدو هنا، مؤلفة من ثلاث علاقات فريدة أنشأها الله لنا بالخلق، وهي تؤلف مجتمعة قدراً كبيراً من إنسانيتنا وقد شوهها السقوط لكنه لم يدمره .

   أولها علاقتنا بالله. المخلوقات كائنات تشبه الله، خلقت بإرادته وعلى صورته، وتشمل الصورة الإلهية تلك الصفات العقلية والخلقية والروحية التي تفصلنا عن الحيوانات وتربطنا بالله. ونتيجة لذلك، نستطيع أن نتعلم عنه من التوراة والأنبياء والإنجيل، وان سماع الإنجيل حق إنساني أساسي. فنعرفه ونحبه ونخدمه ونحيا في اتكال عليه بوعي وتواضع، ونفهم إرادته ونطيع وصاياه، فجميع تلك الحقوق الإنسانية التي ندعوها حرية الاعتراف بدين معين وممارسة شعائره ونشره وحرية العبادة وحرية الضمير وحرية الفكر والكلام تاتي تحت هذا العنوان الأول، علاقتنا بالله.
   
   القدرة الفريدة الثانية التي تملكها الكائنات البشرية هي علاقتنا الواحد بالآخر. إن الله الذي خلق الجنس البشري هو نفسه كائن اجتماعي، إله واحد بثلاثة أقانيم متميزة أزلياً، وقد قال :        " لنصنع الانسان على صورتنا "، و " ليس حسناً أن يكون آدم وحده . وهكذا صنع الإنسان ذكراً وانثى وقال لهم اكثرو " فالجنسانية من صنعه والزواج من تأسيسه، والرفقة البشرية مقصده. فكل تلك الحريات التي ندعوها قدسية الجنس والزواج والعائلة، وحق الاجتماع السلمي، وحق الحصول على الاحترام مهما كان عمرنا، أو جنسنا، أو عرقنا، أو رتبتنا، جميعها تأتي تحت العنوان الثاني، وهو علاقتنا بعضنا ببعض.

   أما صفتنا الثالثة ككائنات إنسانية فهي علاقتنا بالأرض ومخلوقاتها، لقد منحنا الله سلطة خاصة ومعها تعليمات لإخضاع الأرض المثمرة ورعايتها، وللسيطرة على مخلوقاتها، وهكذا فان جميع حقوق الإنسان التي تدعوها حق العمل وحق الراحة وحق المشاركة في موارد الأرض، وحق الغذاء والكساء والمأوى وحق الحياة والصحة وصيانتها إلى جانب التحرر من الفقر والجوع والمرض تاتي تحت عنوان الثالث، وهو علاقتنا بالأرض.
   ورغم التبسيط المفرط يمكن ان نلخص ما نعنيه بكرامة الإنسان به بهذه الطرق الثلاث: علاقتنا بالله ( أو حق ومسؤولية العبادة ) وعلاقتنا بعضنا ببعض ( أو حق ومسؤولية الألفة ) وعلاقتنا بالأرض ( أو حق ومسؤولية الوكالة ) ومنها بالطبع الفرصة التي تهيؤها التربية والدخل والصحة لتطوير هذه الامكانية الإنسانية الفريدة.
   وهكذا فان جميع حقوق الإنسان هي بالأساس الحق في ان يكون إنساناً، وان يتمتع بالتالي بالكرامة الناشئة عن كونه قد خلق على صورة الله وعن امتلاكه نتيجة ذلك علاقات فريدة مع الله نفسه، ومع أقرانه البشر ومع العالم المادي. ولدى المسيحيين أمر هام يضيفونه إلى ذلك، وهو أن خالقنا قد فدانا، أو خلقنا ثانية، بثمن باهظ عن طريق تجسد ابنه وتقديم نفسه كفارة عن الخطيئة. وفداحة الثمن الذي تطلبته عملية الفداء الإلهي تؤكد بقوة معنى قيمة الإنسان التي منحها لنا الله بعملية الخلق.

      المنظور المسيحي لحقوق الانسان :

   أولاً : اننا نؤكد كرامة الإنسان، لان البشر مخلوقون على صورة الله لكي يعرفوه وليخدموا بعضهم بعضاً وليكونوا وكلاء على الأرض، لذلك ينبغي أن يُحترموا.

   ثانياً : نؤكد المساواة الإنسانية لأن البشر جميعاً خلقوا في نفس الصورة ومن قبل نفس الخالق لذلك ينبغي ألا نخضع للبعض ونستهزى بالبعض الآخر بل نتصرف مع الجميع بلا محاباة.

   ثالثاً : نؤكد مسؤولية الإنسان، لان الله وضع علينا أن نحب قريبنا ونخدمه لذلك يجب أن نناضل لاجل حقوقه، بينما نكون مستعدين في سبيل ذلك لان نتخلى عن حقوقنا.

     وثمة نتيجتان لذلك:

   أولاً : يجب أن نقبل أن ضمان حقوق الناس الآخرين هو مسئوليتنا، فنحن حراس لأخينا لأن الله قد أوجدنا في نفس العائلة البشرية، وهكذا جعلنا مرتبطين بعضنا ببعض ومسئولين بعضنا عن بعض. فالناموس والوصايا العشرة والأنبياء ويسوع ورسله جميعهم يضعون على عاتقنا واجباً خاصاً هو خدمة المسكين والدفاع عن العاجز، ولا نستطيع أن نتهرب من هذا بقولنا إنها ليست مسئوليتنا. نحتاج إذاً أن نشعر بالآلام التي يعاينها أولئك المظلومون " اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم والمذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد " ( عب 13 : 3 )، ولكي نفعل هذا نحتاج إلى الاطلاع على مزيد من التفصيل على انتهاكات حقوق الإنسان في الوقت الحاضر، فاذا اعتقدنا بأن ثمة عملاً صائباً يجب القيام به وجب علينا أن نستخدم لتحقيق ذلك طرقاً نضمن أنها لا تنتهك حقوق الإنسان التي نسعى إلى الدفاع عنها.

   ثانياً : علينا أن نأخذ قصد المسيح بصورة أكثر جدية، وقصده هو أن تهتم الجماعة المسيحية بأن تكون قدوة لباقي الجماعات، ولست افكر فقط في سلوكنا المسيحي في البيت، أو المدرسة، أو العمل، حيث ينبغي علينا كأزواج أو زوجات، كآباء أو أولاد، أو كهنة ورهبان وراهبات، أن نخضع بعضنا لبعض بسبب احترامنا للمسيح.، وانما افكر بخاصة في حياة الكنيسة التي قصد الله بها أن تكون علامة على حكم الله. ينبغي أن تكون الكنيسة الجماعة الوحيدة في العالم التي يمكن التعرف فيها بصورة ثابتة على الكرامة الإنسانية والمساواة الإنسانية بين البشر ويقبل كل فرد فيها يتحمل مسئوليته تجاه الفرد الآخر، ويتم فيها السعي لأجل حقوق الآخرين والحرص على عدم انتهاكها، بينما نتخلى في كثير من الأحيان عن حقوقنا فلا يوجد في هذه الجماعة محاباة، أو تحيز، أو تمييز. وهناك من يدافع عن الفقير والضعيف. كما تعطي للناس الحرية في أن يعيشوا إنسانيتهم، فهكذا خلقنا الله وهكذا أرادنا أن نكون.

      الخاتمة:

   إن الحقيقة عن الخير والشر التي تتضمنها شريعة العقل البشري يدركها الضمير على وجه عملي معين ببصريته، ويحدو بفاعل الخير، أو الشر إلى تحمل مسؤولية فعله : إذا فعل الإنسان الشر يظل حكم الضمير فيه شاهداً، إما على الحقيقة الشاملة التي هي لجانب الخير، وإما على الشر الذي يختاره. بيد ان حكم الضمير يبقى فيه عربون الرحمة والرجاء فإنه فيما يندد بالشر المرتكب، ينذر بوجوب التماس السماح وعمل الخير دائماً، بل ممارسة الفضيلة بنعمة الله. هكذا، في حكم الضمير الذي يسبق القيام بعمل ما ، تظهر العلاقة التي تربط الحرية بالحقيقة. ولهذا السبب يعبر الضمير عن ذاته بإصدار( أحكام ) ليست مجرد ( أراء ) اعتباطية بل أنها تنير الحقيقة في الخير. إن درجة نضج هذه الأحكام وبالتالي نضج الإنسان الذي يبرزها ومسؤوليته لا تقاس بتحرر الضمير من الحقيقة، في سبيل استقلالية مزعومة في اتخاذ القرارات، بل خلافاً لذلك بالسعي الجاد لإكتشاف الحقيقة مثله للقدرة التي للحقيقة على تسيير أفعاله.

   الحرية هي إختيار، والإختيار قرار، والقرار إلتزام، والإلتزام مسؤولية، والمسؤولية دين، والدين مصير، والمصير أبدية، والأبدية حياة، والحياة إلهية، نحققها بحرية منذ اليوم، وكل يوم ( هنا الآن ) حتى بلوغ الملكوت النهائي.





 

صفحات: [1]