1
المنبر الحر / ماذا حصل بعد انتفاضه اذار ١٩٩١
« في: 22:01 03/04/2015 » ماذا حصل بعد انتفاضه اذار ١٩٩١
كثيرون هم الذين كتبوا عن انتفاضة آذار الشعبية وكيف تم تحرير كافه أرجاء مدن كردستان ومدن الجنوب ، كانت أيام راىعه جسدت التلاحم بين الجماهير ولا يمكن أن تمحى من الذاكره ،أنا لست بالكاتب ولكن ما دفعني للكتابة هو شحه المهتمين بالانتفاضة وما حصل بعد الانتفاضه بالتحديد حيث مرت ذكراها دون اهتمام أو حتى ذكر شهدائها ،فلكل واحد منهم حكايه بطوليه تقع على ذمه الكتاب والمؤرخين..
كنت ضمن مفرزه تتألف من ٢٠ بيشمركه من منظمه عنكاوا للحزب الشيوعي العراقي توجهنا إلى كركوك بعد تحرير أربيل وبالتحديد إلى معسكر خالد السيء السيط لإسناد قوات البيشمركه التي دخلت في معركه شرسه قلّ نظيرها ضد قوات الحرس الجمهوري ومجاهدي خلق ،سقط على اثرها عشرات البيشمركه شهداء..
بعد عدة أيام من المقاومة استشهد اثنان من مفرزتنا وأصبت أنا أصابه خفيفه بقدمي ،بعدها انسحبنا إلى أربيل بعد ان وصلتنا معلومات أن كركوك مطوقه من قبل قوات النظام من ثلاثه اتجاهات وشنت هجوما واسع النطاق بقوه تتألف من ٦ فرق عسكريه مجهزة بكل أنواع الأسلحة بالاضافه إلى الطائرات التي كانت تحلق فوق رؤوسنا بين الحين والآخر وتقوم بالقصف العشواىي وبجميع الاتجاهات... وقد سقط على اثرها كثير من الضحايا ودمرت غالبيه القرى المحيطة بكركوك فيما وقع أعداد كثيره من الأبرياء بأيدي الحرس الجمهوري وجرى تصفيتهم بصوره جماعية....
وعلى اثر ذالك اضطر الآلاف من الأكراد والكلدو آشوريين السريان العراقيين من نساء ورجال صغار وكبار التوجه إلى أربيل وسليمانيه ومن ثم ايران وتركيا خوفا من القصف الكيمياوي وتكرار مجزره حلبجه التي راح ضحيتها أكثر من ٥٠٠٠ شهيد في ساعات معدوده .
ففي يوم ٣١/٣/١٩٩١ تم إجهاض الانتفاضه بالكامل باستخدام كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة تحت سمع وبصر وبدعم القوات الأمريكية مما اضطر غالبيه الكردستانيين التدفق متزاحميين باتجاه ايران وتركيا سيرا على الإقدام...
انا وعائلتي كنا ضمن الأمواج البشرية التي توجهت إلى شقلاوه ثم ديانا بعدها إلى الحدود التركية ،بعد مسيره على الأقدام لليوم الثاني على التوالي وعند المساء وتحت سما ملبدة بسحب سوداء كان الطريق بين شقلاوه وديانا يشتعل بالضياء المنبعث من مصابيح آلاف السيارات والشاحنات والجرارات على جانبي الطريق ، كنت مع الجموع التي تسير على الإقدام بإصرار عجيب حاملا على اكتافي احد أطفالي والآخر في أحضاني مع كامرتي واقل الضروريات وجارا وراءي زوجتي التي أعياها المسير والنعاس ،واندلعت وسطنا نساء كثيرات يحتضن أطفالهم الرضع ،لم اكن أتصور أن بمقدوري قطع كل هذه المسافة وأنا متعب وموجع لم يكن أي منا قد تناول كسره خبز منذ اليوم السابق كنا نمشي على جانب الطريق بصبر وقدرة تحمل عجيبين...
وأخيرا وصلنا إلى ديانا ومكثنا ليله في إحدى كنائس ديانا مع جمع غفير من النازحين، وفي صباح اليوم التالي توجهنا إلى الحدود التركية بعد معركه انا واشقاءي الثلاثه مع احد التجار الخبز الإيرانيين الذي كان يستغل النازحين ،كنا احد القلائل المحظوظين الذين تمكنوا من الحصول على الكميه المناسبة من رغيف الخبز من اجل البقاء على قيد الحياه مده أطول . توجهنا نحو الحدود التركية كان الطريق يغص بالناس الهاربين من قذائف القوات الصدامية وقنابلها ورصاصها والمطلعين إلى الأمان، في الجبال البعيدة وراء الحدود وعلى غفلة سقطت قطرات مطر متفرقه الجميع أخذ ينظر إلى السماء بعيون خائفه وعلى غفله وبغمضه عين أخذ الرعد يدوي والصواعق تضرب فوق رؤوسنا وبدا المطر يهطل بغزارة... يا للهول هذا آخر ما كنا نتمناه... الجميع أخذ يتراكض للبحث عن ملجاء الاختباء من السيل المنهمر ، فما كانت دقائق معدوده وتحولت الأرض تحت أقدامنا إلى وحل وبرك من الماء واستمر المطر يهطل بكثافه شديده فتبللنا من اخمص قدمينا حتى آخر شعره وتحول المسير إلى رحله عذاب حقيقيه فكان الوضع مأساويا جداً . حيث الخوف من نيران القصف من جهه وقسوه المناخ والبرد الشديد من جهه ،وأمطرت السماء بحرا من الماء...
كان وضعنا بائسا جداً لاحد بمقدوره أن يجر أقدامه إلا من كانت لديه القدرة والشجاعة الكبيرة ، كان الأطفال والنساء يخوضون في الوحل والماء حفاة بعد أن فقدوا أحذيتهم بسبب لزوجه الطين ، أطفال يبكون على قراعه الطريق لفقدانهم أمهاتهم ، وبعض الآباء والأمهات يصرخون بأسماء أبناءهم الذين فقدوا أثناء المسير في عتمه الليل، فامتزجت الأصوات بين بكاء الأطفال وصراخ النساء ،وارتفعت أصوات غاضبه تلعن صدام وحاشيته ومعهم أمريكا وبوش ، فتزاحمنا بحثا عن أماكن بين صخور القرى وركامها المدمرة من قبل القوات الحكومية أثناء الأنفال السيء الصيط . بعد طلوع الفجر وتوقف هطول المطر بدأت حجم المصيبة تظهر ،كانت جموع السائرين تظهر وكنا حائرين لا ندري ما نفعله، كلنا مهلكين فلا مكان للاستراحة، وكان قافله العذاب لم يعد لها نهايه ،أطفال ماتوا وآخرين فقدوا ،نساء تنوح وقد جفت دموعهن وشوه الحزن تقاطيع وجههن..
واصلنا المسير مع الجموع الهائله المنهكة بقافله لا تقل عن عشرات الألوف وعلى مسافه لاتقل عن ٣٠ كم هذه كانت مجرد واحده من القوافل التي تحركت كل واحده باتجاه.
استمر المسير باتجاه الحدود التركية عن طريق جامه و شيرواني مه زن لبعض من الوقت ثم توقفنا قليلا ثم واصلنا المسير مجددا ،تكرر وقوفنا بعد كل بضعه دقائق لصعوبه تسلق الجبل والملابس مبلله بالكامل ولثقل أقدامنا بسبب كثافه الوحل..
وأخيرا قررت أن أخذ قسطا أطول من الراحه لشعوري بأنني الفظ أنفاسي الأخيرة من التعب والإرهاق ، حشرت أطفالي بين صخرتين وجلسنا انا وزوجتي إلى جانبهما وتلحفنا ببطانيه مبلله كنت قد التقطها من الأرض أثناء المسير بدا لي أن أحد النازحين قد تنازل عنها لثقلها بعد تشبعها بماء المطر ،لم تمضي دقائق وإذا بصراخ مريع من على مسافه مرقبه منا فطليت برأسي من فوق الصخور فرأيت نساء قد تجمعت على جانب الجبل يحاولون تهدئة احد النساء التي كانت تتلوع من الألم ، تبين لاحقا أن المراءة كان صراخها يهز الجبل من شده الوجع حاملا في شهرها التاسع وقد جاءها المخاض ،فكانت قد سارت ليومين مشيا على الأقدام ،،
لم تمر إلا دقائق وسمعنا صوت بكاء طفل حديث الولاده ، واصلنا المسير إلى حوالي الرابعة عصرا وصلنا إلى القمه الأولى من الجبل وعلمنا أن بعض الكيلومترات تفصلنا عن الحدود التركية ، عند المساء كان السحاب قد تلاشا في السماء وأطلت الشمس علينا ونحن منهكّين في بقعه من اجمل ما في الطبيعه من السحر والجمال ،قررنا أن نأخذ آخر قسط من الراحه قبل وصول الهدف وهو اول قريه تركيه على الحدود،لم تمر دقيقه على أستأنفنا المسير وإذا امراءه تسير الى جانب زوجتي حافيه القدمين وبحضنها طفل رضيع ، فطلبت من زوجتي أن تنظر إليها لكي تستمد العزيمته منها وإذا بزوجته تسألها عن عمر الرضيع ،فجاء الجواب كالصاعقة ٦ ساعات أن عمر الطفل ٦ ساعات فقط..
علمنا لاحقا أنها كانت تلك المراءة التي كانت تتلوع من جراء المخاض بعدها وضعت الطفل ، طلبت من زوجتي ان تساعدني في حمل احد الاطفال لدقائق معدوده ليتسنا لي انتشال كامرتي التي كانت برفقتي بأسرع وقت بينما طفلي الآخر على اكتافي وأنا اركض إلى الإمام لالتقاط صوره كامله وأوضحه لها وزوجتي إلى جانبها لتبقى كوثيقة تاريخيه لرحله العذاب و حجم الماسات التي عاناها الشعب بكل فئاته من جراء نظام البعثو صدامي وادعاء أمريكا الزائف وغطرستها وأجندتها اللاإنسانية...
فما ان وصلنا اول قريه حدوديه تركيه تفاجئنا بقطيع من الجندرمه الاتراك مترابطه على الحدود تهدد باطلاق الرصاص على كل من يقتحم صفهم... فاخذ الجميع ينعتهم بسيل من المسبات... تبا لكم ايها الاتراك الاوغاد ايها السفله، ياعديمي الانسانيه ويا عديمي الشرف ...
والمجد والخلود لثوار انتفاضه اذار1991 الشعبيه وانحني اجلالا لدمائهم الطاهره.