عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - أمجد الدهامات

صفحات: [1]
1
مغالطة (التركيز على الناجين) في العراق


بقلم أمجد الدهامات         
واجهت الجيش الأمريكي مشكلة أثناء الحرب العالمية الثانية تمثلت في كيفية وضع دروع على الطائرات المقاتلة لحمايتها من النيران الأرضية.

‎قام الباحثون بدراسة الطائرات العائدة من المعركة ووجدوا بأن أغلب الإصابات موجودة في ذيل وأجنحة ووسط الطائرات، فقرروا إضافة الدروع إلى تلك المناطق لكونها تتعرض إلى الإصابة بشكل أكبر.

‎لكن الباحث أبراهام والد (Abraham Wald) لم يوافق على الفكرة، ‎فقد لاحظ بأن الدراسة ركزت على الطائرات الناجية من المعارك واستثنت تلك التي أُسقطت ولم تتمكن من الرجوع، ‎لذلك اقترح بأن يتم تدريع الأجزاء غير المتضررة في الطائرات الناجية، لأن تلك الاضرار لم تُسقط الطائرات بل استطاعت أن ترجع إلى قواعدها، ‎بينما الطائرات التي لم تستطع النجاة تمت إصابتها في المناطق غير الظاهرة في الطائرات الناجية، وبالتالي فإن تلك المناطق هي المهمة ويجب إضافة دروع لها.

‎الخطأ الذي وقع فيه الباحثون يسمى مغالطة (التركيز على الناجين - Survivorship Bias)، وهي مغالطة منطقية نقع فيها أثناء حياتنا اليومية بدون أن نشعر بذلك.

هذه المغالطة المنطقية تركز على حالات النجاح وإهمال حالات الفشل مما يولد تفاؤلاً وهمياً بعيداً عن الواقع ويستند على نصف الحقيقة، وكثيراً ما يمارسها السياسيون العراقيون ليبالغوا بـ (إنجازاتهم) وإيهام الناس بأنهم يعملون من أجلهم.

مثال: أعلن رئيس الوزراء (دراسة) إستيعاب (1000) مهندس للعمل في الوزارات والمحافظات ليوحي بأنه قد حل مشكلة المهندسين، وفعلاً شكره ممثلوهم على استجابته لمطالبهم، ولكن الرئيس لم يذكر أن عدد المهندسين العاطلين عن العمل أكثر من (23000) ألف مهندس وبالتالي فأنه لم يحل المشكلة أو حتى يخفف منها بشكل ملموس، ولكنه أستخدم هذه المغالطة لإيهام الناس بتحقيق إنجاز وحل مشكلة!

مثال آخر: أعلن مسؤول عراقي أنه قد أنجز بناء (25) مدرسة في منطقته، فمدحه الناس على تفانيه في عمله، ولكنه لم يُبين لهم أن منطقتهم بحاجة إلى (475) مدرسة وأن ما قام به لا يقضي على أزمة المدارس في المنطقة، أنها مغالطة منطقية!

مثال ثالث: أعلن محلل سياسي إن الوضع الإقتصادي في العراق ممتاز والدليل هو: أن الكثير من العراقيين يسافرون للخارج لغرض السياحة والاصطياف.

وهذه مغالطة منطقية أيضاً.

فهذا المحلل لم يذكر عدد الأشخاص المصطافين ونسبتهم إلى عموم الشعب، وعلى فرض أن عدد السياح (5) مليون شخص (وهو رقم مبالغ فيه طبعاً) فهذا يعني أن عدد الذين لم يسافروا للسياحة أكثر من (33) مليون مواطن، وهذا لا يعني أن وضع الشعب الاقتصادي جيد.

ويبدو أن المحلل لا يعرف أن الحكومة نفسها قد أعلنت أن نسبة الفقر في العراق تبلغ (%22.5)، ونسبة البطالة (%14)، فهل هذا يدل على أن الوضع الاقتصادي للبلد ممتاز؟

علينا أن ننتبه لهؤلاء السياسيين فهم بارعون في استخدام هذه المغالطة المنطقية!

2
نظرة القوى السياسية العراقية لدور المعارضة البرلمانية
أمجد الدهامات - العراق
يبدو أن (ديمقراطيتنا) تختلف عن المتعارف عن الديمقراطيات في العالم، ويبدو أن (معارضتنا) تختلف عن المعارضات في العالم أيضاً!
ما يدفعني لهذا القول هو سيل التصريحات السياسية عن المعارضة ومهمتها في البلد، ولعل أبرز ما لفت نظري هو تصريح لسياسي من الموالاة يقول فيه: «ان مهمة المعارضة هي تقديم البديل العملي للحكومة وليست من مهمتها الإستجواب بهدف إسقاط الحكومة».
وبالمقابل صرح سياسي من المعارضة بقوله: «معارضتنا لا تتبنى إسقاط الحكومة بل تقويم عملها».
بالحقيقة لا أعرف كيف يفهم سياسيي بلدي دور المعارضة في الأنظمة البرلمانية، ولا أعلم في أي قاموس وجدوا تعريف ومهام المعارضة في البلدان الديمقراطية!
أيها السادة: من بديهيات الأنظمة الديمقراطية البرلمانية هو وجود المعارضة، وبديهية أخرى هي قيام المعارضة باستجواب رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، وبديهية ثالثة هي محاولات المعارضة المستمرة اسقاط الحكومة للحلول محلها.
ومن المعروف أيضاً أن الحزب أو ائتلاف الأحزاب التي تحصل على الأغلبية تشكل الحكومة وتقوم الأحزاب الأخرى بدور المعارضة تحت مظلة الدستور والقوانين، وتعمل الحكومة استناداً على ثقة البرلمان، وتبقى طوال فترة حكمها مسؤولة بشكل جماعي تضامني وفردي أمامه، ولهذا تعمل المعارضة على اسقاط الحكومة بطرق كثيرة منها الاستجواب وسحب الثقة، وبالتالي تشكل المعارضة حكومة جديدة، وهذا حاصل في دول كثيرة، وهاكم هذه الأمثلة:
عام (1979) تم سحب الثقة عن رئيس وزراء بريطانيا (جيمس كالاهان) فقدم استقالته.
عام (2013) استجوبت المعارضة الاسبانية رئيس الوزراء (ماريانو راخوي)، مما أدى إلى حجب الثقة عنه واستقالته.
عام (2019) استجوبت المعارضة الإيطالية رئيس الوزراء (جوزيبي كونتي) فقدم استقالته من المنصب.
وعملية الاستجواب ليست خاصة برئيس الوزراء فقط، بل تشمل حتى الوزراء أيضاً، مثل:
عام (2007) استجوب البرلمان الهولندي وزير الخارجية (برنارد بوت) لعدم موافقته على منح تأشيرة دخول لوفد فلسطيني رسمي.
عام (2007) استجوب البرلمان الاسباني وزير الدفاع (خوسيه ألونسو) على خلفية مقتل (3) جنود أسبان في قوات الأمم المتحدة في لبنان.
عام (2018) استجوب البرلمان الإيراني وزير الشؤون الاقتصادية والمالية (مسعود كرباسيان) ووزير العمل (علي ربيعي) وسحب الثقة عنهما.
وقد يحدث أن يستقيل الوزير قبل حصول عملية الاستجواب وهروباً منه، فقد استقال وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الكويتي (أحمد الرجيب) عام (2012) قبل أيام من استجوابه، أما وزير المالية (مصطفى الشمالي) فقد استقال وهو على منصة الاستجواب عندما اقترحت المعارضة سحب الثقة عنه واقالته، وفي عام (2018) استقال وزير النقل والمواصلات الإيراني (عباس آخوندي) قبل استجوابه في البرلمان.
وحتى لو كان عدد نواب المعارضة قليل، وهذا هو الطبيعي، فيمكنهم إنهاك الحكومة عن طريق الاستجوابات وطلبات سحب الثقة عنها أو عن بعض وزرائها، وهذا ما فعلته المعارضة الكويتية مع رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح الذي بلغت مجموع طلبات استجوابه (7) مرات وبالنهاية قدم استقالته بشكل نهائي عام (2011).
اما بخصوص التصريح الثاني، فأقول:
يا سيدي أن أصل وجود المعارضة هو عدم اقتناعها ببرنامج الحكومة ولو كانت موافقة عليه لما كان هناك داعٍ لمعارضته، ولهذا فأنها تسعى بشكل حثيث للوصول إلى السلطة وتشكيل حكومة بدلاً عنها لتنفيذ برنامجها التي تعتقد أنه يحقق مصالح الشعب أكثر من البرنامج الحكومي.
أن الأحزاب السياسية ليست جمعيات خيرية تبغي الحسنات أو الثواب الأخروي من خلال عملها السياسي، وليس من واجباتها تقويم الحكومة وتنبيهها على اخطائها لتصححها فتبقى بالحكم فترة أطول، بل تعمل المعارضة على تصيّد تلك الأخطاء واستغلالها لتحقق هدفها الرئيسي وهو اسقاط الحكومة والوصول إلى السلطة.
هذه هي السياسية!

Aldhamat1@yahoo.com


3
أفريقيا تعلمت الدرس ... متى يتعلم الآخرون؟
أمجد الدهامات - العراق
شهدت أفريقيا، القلعة الحصينة للدكتاتوريات والانقلابات العسكرية والفساد، حكام تشبثوا بالسلطة ولم يزيحهم منها إلا الموت أو القوة العسكرية، مثل معمر القذافي الذي حكم ليبيا لمدة (42) سنة، عمر بونغو رئيس الغابون لمدة (41) سنة، روبرت موغابي رئيس زمبابوي لمدة (37) سنة، ... ألخ.
لكن في مطلع التسعينات حدثت تحولات داخلية وخارجية بدأت على أثرها الخطوات الأولى للديمقراطية في دول القارة، وفعلاً أُجريت انتخابات حرة في العديد من بلدانها (نيجيريا، السنغال، تنزانيا، بوركينا فاسو، ساحل العاج، غينيا، ... ألخ).
ويبدو ان الشعوب الأفريقية قد تعلمت الدرس، ولم تكرر الأخطاء السابقة عندما انتخبت بعد الاستقلال الأنظمة ذات التوجه الاشتراكي التي تحولت بمرور الزمن إلى أنظمة قمعية دموية رغم رفعها شعارات ثورية براقة عن الاستقلال والحرية ومقاومة الاستعمار، فدققوا كثيراً في اختياراتهم وانتخبوا بالتالي قادة وبرلمانات عملوا على تنمية الاقتصاد وفرض الأمن والقضاء على الفساد.
في ليبريا، مثلاً، التي شهدت حكم دكتاتوري وحروب أهلية من عام (2003-1980)، انتخب الشعب السيدة (ألين جونسون سيرليف) رئيسة للجمهورية عام (2005)، وهي مناضلة حصلت على (نوبل) للسلام لدورها في إيقاف الحرب الاهلية، فحاربت الفساد وأمرت بمحاكمة (46) مسؤولاً حكومياً من بينهم ابنها نائب محافظ البنك المركزي، وطردت (10) مسؤولين لأنهم سافروا ولم يساهموا في مقاومة مرض (إيبولا) الذي انتشر في البلد، ولهذا لُقبت بـ (المرأة الحديدية).
وفي ملاوي تولت السيدة (جويس باندا) الرئاسة عام (2012) فقررت تخفيض راتبها ورواتب المسؤولين الكبار بنسبة (%30)، وباعت الطائرة الرئاسة والموكب الرئاسي البالغ (60) سيارة فخمة، بل انها حتى باعت بيتها الشخص لتطعم بثمنه الفقراء.
أما في تنزانيا والتي حكمها الدكتاتور (جوليوس نيريري) خلال الفترة (1985-1961)، فقد انتخبت الرئيس (جون ماغوفولي) عام (2015)، فحارب الفساد حتى أطلقوا عليه لقب (قاهر الفساد)، إذ فصل (20000) موظف وهمي يتقاضون رواتب بدون عمل، ثم فصل (10000) موظف لتزويرهم شهاداتهم الدراسية، وطرد عدة مسؤولين بارزين لفسادهم، كما قلص عدد الوزراء والبعثات الخارجية، وأمر ببيع سيارات الدولة الحديثة واستبدالها بسيارات عادية صغيرة.
ورغم كل إنجازاته وحب الشعب له إلا أنه رفض دعوات البرلمان لتعديل الدستور والبقاء لولاية ثالثة في الحكم!
وفي رواندا الخارجة من حرب أهلية مدمرة سبقها حكم دكتاتوري فقد انتخب الشعب (بول كاغامي) الذي أنهى الحرب وحقق الكثير من الإنجازات في مجالات الاقتصاد والصحة والتعليم فأصبحت من أكثر البلدان تقدماً وازدهاراً على مستوى القارة.
كما عملت دول القارة على إنهاء التفرقة بين أبنائها على أسس مناطقية أو قبلية أو اثنية أو دينية وقدمت ضمانات كثيرة لمكوناتها حتى القليلة العدد منها:
في نيجيريا، لن يفوز المرشح لرئاسة الجمهورية إلا إذا حصل على الأغلبية المطلقة لأصوات الناخبين وبشرط حصوله على نسبة (%25) من الأصوات في ثلاثة أرباع المحافظات البالغ عددها (36) محافظة للحد من الولاءات المناطقية والقومية والقبلية فيمثل الرئيس عندها أوسع طيف ممكن من أبناء الشعب.
أما في كينيا فلابد للمرشح الرئاسي من الحصول على الأغلبية المطلقة بالإضافة إلى نسبة (%25) من المصوتين في (24) مقاطعة من المقاطعات البالغ عددها (47)، فيكون الرئيس ممثلاً لأغلب مناطق البلد ومكوناته.
لقد تعلمت الشعوب الأفريقية من دروس الماضي وأصبحت أكثر واقعية تبحث عن مصالحها وليس عن الشعارات وتعمل بجد لعدم تكرار الأخطاء التي اقترفتها سابقاً.
لكن ... متى يتعلم الآخرون؟
 
Aldhamat1@yahoo.com


4
هذا ما يحصل عندما تنتخب الشخص المناسب
أمجد الدهامات - العراق
سؤال مهم: ما العوامل الرئيسية التي على أساسها تنتخب الشعوب حكامها وبرلماناتها ومجالسها المحلية؟
هل هي: القومية؟ الدين؟ المذهب؟ العشيرة؟ المنطقة؟
الجواب: ولا واحدة من هذه الخيارات أكيداً.
إذن ما العوامل الصحيحة؟
العامل الأول هو الاقتصاد لأن ما يهم المواطن العادي في أي بلد هو تحسين وضعه المادي والمعيشي:
كان شعار الحملة الانتخابية لـ (جورج بوش) الأب في عام (1988) هو: «أقرأوا شفاهي، لا ضرائب جديدة» وفعلاً انتخبه الأمريكان بناءاً على هذا الوعد، لكن عندما فشل في تحقيق وعده وفرض الضرائب عاقبه الشعب ولم يُعيد انتخابه في عام (1992) بل انتخب (بيل كلنتون) الذي كان شعاره: «إنه الاقتصاد، يا غبي»، وفعلاً شهد عهده أطول فترة ازدهار اقتصادي في التأريخ الأميركي، وسد عجز الموازنة وحقق فائضاً كبيراً، كما خفّض الضرائب على أكثر من (15) مليون أسرة ضعيفة الدخل، مما انعكس إيجابياً على حياة الأمريكيين فأعادوا انتخابه عام (2000).
العامل الثاني هو الحد من الفساد وتخفيف الفقر وتحسين الخدمات:
انتخب الشعب البرازيلي (لويس لولا دا سيلفا) رئيساً للجمهورية عام (2002)، فقضى على التضخم، البطالة، الفساد، الغلاء، حقق العدالة الإجتماعية، وأستطاع إخراج (20) مليون مواطن من تحت خط الفقر بشرط إبقاء أبنائهم بالمدارس.
وبعد ان كان البلد منهاراً اقتصادياً والخزينة فارغة بل مديونة استطاع بناء الاقتصاد ليصبح بالمرتبة الثامنة بالعالم بفائض نقدي (200) مليار دولار.
فتم انتخابه مرة ثانية عام (2006)، ثم خرجت تظاهرات كبيرة تطالبه بتعديل الدستور ليبقى ولاية ثالثة، ولكنه رفض وقال: «ناضلت قبل عشرين سنة، ودخلت السجن لمنع الرؤساء من أن يبقوا في الحكم أطول من المدة القانونية، كيف أسمح لنفسي أن أفعل ذلك الآن؟».
العامل الثالث هو الأمن والأمان: فعندما تنتخب شخصاً مناسباً فأنه سوف يسهر على تأمين حياتك وحياة عائلتك، بل يعتبرك جزءاً من عائلته الموجودة في داخل البلد وليس خارجه:
والمثال الأبرز هو (بول كاغامي) رئيس جمهورية رواندا الذي أنهى الحرب الاهلية لعام (1994) وفرض الأمن في البلد وحقق الكثير من الإنجازات في مجالات الاقتصاد، الصحة، التعليم وآخرها إطلاق قمر اصطناعي.
اما في تشيلي فقد انهار منجم للنحاس (2010) وأحتجز (33) عاملاً بعمق (700) متر تحت الأرض، قرر الرئيس (سبستيان بنييرا) البقاء في موقع الحادث مع زوجته لحين إخراج جميع العمال، كما حضر رئيس بوليفيا (إيفو موراليس) لأن أحد العمال بوليفي، بالنهاية تم إنقاذ جميع العمال أحياء، مع العلم أنهم (33) رجلاً فقط وليس (1700) على سبيل المثال.
الخلاصة:
يجب انتخاب حكام، وبعيداً عن الشعارات الثورية، يحققون مصالح الشعب المادية ويقضون على الفساد ويفرضون الأمن، ولا يعملون من أجل مصلحتهم الشخصية.
لكن هناك شعوب تختار الأغلبية فيها حكام وبرلمانات وحكومات محلية يهتمون بمصلحتهم الشخصية وليس بمصالح شعبهم، ومع ذلك تنتخبهم مرة ثانية وثالثة ورابعة!
بعض مواطني هذه الشعوب بدون إرادة ولا يملكون حرية الإختيار ويتم توجيههم عن بعد بواسطة (الريموت كونترول)، ومع أن حياتهم تعيسة إلا أنهم راضون بهذا الوضع ويكررون أخطائهم في كل انتخابات! ولا يهتمون لمصلحتهم بل يعيشون على الشعارات!
اما رافضو الوضع فسلاحهم الرئيسي (مقاطعة الانتخابات)، وهو سلاح سلبي على أية حال لأنه يؤدي إلى انتخاب نفس الأشخاص المرفوضين من قبلهم، والذين بدورهم يرتاحون أكثر كلما ازدادت المقاطعة بل يشجعونها بطرق غير مباشرة، لأنهم يعرفون جيداً أن المقاطعة الواسعة تؤدي إلى نجاحهم، فتأمل!

Aldhamat1@yahoo.com

5
سانت ليغو ونسبة (%1.9) ما لها وما عليها
أمجد الدهامات - العراق
تعمل الدول الديمقراطية دائماً على استقرار الحياة السياسية فيها بعدة طرق، من أهمها: القانون الانتخابي الذي يجب أن يتصف بالعدالة والثبات، وتنظيم وضعية الأحزاب السياسية لتسهيل تشكيل الحكومات، (ملاحظة: في العراق لا تزال "عملية سياسية" ولم تتحول بعد إلى "حياة سياسية"، بمعنى أنها لا تسير وفق تقاليد وأعراف سياسية ثابتة ومستقرة تحت مظلة الدستور والقوانين المرعية).
طبعاً يوجد انقسام في وجهات النظر حول كيفية تعامل الدول مع احزابها، فهناك مَن يقول: إنه من الأفضل فتح المجال أمام أكبر عدد من الأحزاب للمشاركة في الانتخابات لتعزيز الديمقراطية وحرية تشكيل الأحزاب، وزيادة تمثيل شرائح المجتمع في البرلمان والحكومة، وعدم هيمنة عدد قليل من الأحزاب الكبيرة على الحياة السياسية في البلد، وإعطاء الفرصة للأحزاب الصغيرة لكي تنمو وتصبح كبيرة بمرور الزمن.
لكن هناك رأي مغاير يقول: إن كثرة الأحزاب تساهم في إرباك العملية الانتخابية وتشتت الأصوات، وأن وجود عدد كبير من الأحزاب الصغيرة يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، وحصولها على عدد قليل من المقاعد يعرقل تشكيل الحكومات، إذ انها تفرض شروط مبالغ بها وأكبر من حجمها لتسهيل عملية التشكيل.
مثال على ذلك ما حصل في إيطاليا، فقد أدت الأحزاب الصغيرة إلى حالة مزمنة من عدم الاستقرار تمثل بتشكيل (61) حكومة منذ عام (1946) ولحد الآن، بل ان حكومة (ألتشيدي دي غاسبيري) لعام (1953) لم تحكم سوى شهر واحد فقط، وسقطت حكومة (رومانو برودي) عام (1998) لانسحاب حزب يتوافر على (3) مقاعد فقط! 
ولهذا فأن الكثير من الدول العريقة بالديمقراطية تتبنى الرأي الثاني، وتضع (عتبة انتخابية) يجب على الحزب تجاوزها للحصول على مقعد في البرلمان.
والعتبة الانتخابية أو نسبة الحسم: «الحد الأدنى من الأصوات التي يشترط القانون أن يحصل عليها الحزب ليحق له الفوز بمقعد في الانتخابات، والحزب الذي ينال أصواتاً أقل من العتبة الانتخابية لا يفوز بأي مقعد».
مثال: لو فرضنا أن عدد المصوتين في بلدٍ ما (10) مليون مواطن، والعتبة الانتخابية تبلغ (%5)، فأن الحزب الذي لا يحصل على (200) ألف صوت لا ينال مقعد بالبرلمان.
وبالتأكيد تختلف الدول في تحديد العتبة الانتخابية، فأقل نسبة هي في هولندا حيث تبلغ (0.67%) وأكثرها في تركيا (%10)، وبينهما العديد من الدول مثل:
الدانمارك وقبرص (%2)، اسبانيا واليونان (%3)، إيطاليا، النمسا، السويد، بلغاريا، البانيا (%4)، المانيا، فرنسا، روسيا، بولندا، نيوزيلندا، ألمانيا، كرواتيا، التشيك، رومانيا، ليتوانيا، المجر، بولندا، تونس، استونيا، أوكرانيا، أرمينيا، (%5)، جورجيا (%7)، ليختنشتاين (%8).
في العراق يبدو أن المشرّع قد أعتمد الرأي الثاني وحاول تقليل عدد الأحزاب المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات القادمة، أو على الأقل الحد من عدد الأحزاب التي تفوز فيها، ورغم أن قانون الانتخابات لم ينص على (عتبة انتخابية) معينة إلا أنه عدّل النسبة في طريقة (سانت ليغو) لاحتساب الأصوات ورفعها إلى (%1.9) والتي بالنهاية تعمل نفس عمل (العتبة)، الأمر الذي يساهم في تشكيل حكومات محلية مستقرة وأكثر انسجاماً وغير خاضعة لمطالب الأحزاب الصغيرة المبالغ فيها، والتي تصل أحياناً لدرجة الابتزاز، في اعتقادي أنه رأي صحيح، وهنا لا أريد أن أحكم على النوايا أو تبييض وجه أحد.
لنكن واقعيين أيها السيدات والسادة، فليس من المعقول وجود (217) حزباً في بلدٍ تعداده (38) مليون نسمة!
Aldhamat1@yahoo.com


6
الجنس يُنهي الحرب!
                                                 
أمجد الدهامات - العراق
حدثت في دولة ليبريا، (المساحة حوالي 111.000 كم2، السكان حوالي 3.7 مليون نسمة)، حرب أهلية مدمرة أستمرت للفترة من (2003 – 1999)، وفشلت جهود كثيرة لإنهائها، لكن هناك امرأة شابة قررت التصدي لمهمة إنهاء الحرب، هي السيدة ليما غبوي (Leymah Gbwee).
السيدة (غبوي) امرأة بسيطة وأم لستة اطفال مواليد (1972) أسست منظمة (نساء من اجل السلام) لتوحيد وتعبئة النساء لمواجهة زعماء الحرب في واحدة من أكثر الحروب الأهلية دموية في أفريقيا.
وبالفعل فقد كان لهذه المجموعة من النساء، وبدفع من غبوي دائماً، واللاتي تجمعنَ في العاصمة (مونروفيا) للصلاة والإحتجاج مرتديات قمصان بيضاء، الدور الكبير في إنهاء هذه الحرب التي خلفت أكثر من (250000) قتيل.
فقد أدركت أن للنساء دور كبير في مواجهة الحرب، ولهذا دعت النساء المسيحيات والمسلمات ومن كافة العرقيات، للتجمع والصلاة من أجل السلام، متحديات الأحوال الجوية والمواجهات العسكرية.
ولما لم تنفع الإحتجاجات في وقف الحرب أبتكرت في عام (2002) طريقة جديدة وغير مألوفة لمواجهة الحرب، فقد طلبتْ من النساء القيام بـ (إضراب عن ممارسة الجنس) مع أزواجهنَ المشاركينَ في الحرب، واشترطت لإنهاء "الإضراب" الإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار وإجراء مفاوضات بين المليشيات المتحاربة لوقف الحرب.
وهكذا أمتنعت النساء من إعطاء رجالهنَ حقوقهم الزوجية لمدة سنة مما أضطر قادة الحرب إلى الموافقة على إجراء محادثات سلام لإنهاء الحرب بسبب إنسحاب أغلب الرجال المحاربين من الفصائل المسلحة، وطبعاً القادة يحاربونَ بهؤلاء الرجال وليس بأبنائهم الذين يعيشون خارج البلد!
وفعلاً في حزيران/2003  جرت المفاوضات في مدينة (أكرا) عاصمة دولة غانا، ولكنها توقفت بعد فترة نتيجة المطالب المتضاربة للمشاركينَ فيها، فدعت (غبوي) من جديد (200) امرأة للسفر إلى غانا وصنع حاجز بشري يحيط بمقر المفاوضات يمنع المتفاوضين من مغادرة قاعة الاجتماعات لأي سببٍ كان لغاية الإتفاق على وقف إطلاق النار، ورغم عنف الشرطة ومحاولتهم اعتقالهنَ وقيام أحد زعماء الحرب بضربهنَ لكنهنَ صمدنَ في مكانهنَ الأمر الذي أجبر الوفود على البقاء في المقر واستمرار المفاوضات.
أخيراً تم توقيع اتفاقية (أكرا للسلام) التي وضعت حداً نهائياً للحرب.
ومع أن أفكار (غبوي) هي التي أنهت الحرب، إلا أنها لم تكتفي بذلك، فقد عملت على تعزيز دور وتأثير النساء في الشؤون العامة للبلد وشجعتهنَ على المشاركة بقوة في الانتخابات لدعم إحدى المرشحات وهي المناضلة (إيلين جونسون سيرليف) التي فازت فعلاً بمنصب رئيس الجمهورية في انتخابات عام (2005) لتكون أول سيدة تفوز بهذا المنصب في تأريخ افريقيا.
لفتت أعمال (غبوي) نظر المجتمع الدولي فحازت على احترام كبير تمثل بمنحها جائزة نوبل للسلام (2011).
تقول غبوي: «كنا في الماضي صامتين، ولكن بعد أن قُتلنا واغُتصبنا ومرضنا وشاهدنا أولادنا وعائلاتنا تُدمر، علمتنا الحرب أن المستقبل يتحدد بكلمة لا للعنف ونعم للسلام ولن نستسلم حتى يعم السلام».
سؤال: هل يمكن ان تكون هناك (ليما غبوي) عراقية تساهم بحل مشاكل البلد؟

Aldhamat1@yahoo.com

7
المنبر الحر / الوراثة السياسية
« في: 19:07 22/08/2019  »
الوراثة السياسية
أمجد الدهامات - العراق
من الطبيعي جداً أن يرث الأبن من أبيه الأموال والعقارات، لكن من غير المقبول أن يرث منهُ المنصب أو المكانة السياسية، ليس المنصب الحكومي فقط بل حتى زعامة الحزب والنفوذ السياسي، مع العلم أن الحزب إذا كان قائماً على شخص معين أو عائلة معينة لا يصح أن يُطلق عليه أسم حزب، فقيادة الحزب لابد أن تكون متاحة أمام جميع أعضائه ويحق لهم الترشح لقيادته عن طريق انتخابات حرة ديمقراطية، وهذا ينطبق على جميع الأحزاب مهما أختلفت مسمياتها (حزب، حركة، تيار، تجمع، كتلة، ... ألخ).
إذن، متى تكون الوراثة السياسية مقبولة؟ ومتى لا تكون مقبولة؟
من المعروف أن الأنظمة الملكية قائمة على مبدأ الوراثة ولهذا فقد تأسست عائلات ملكية عريقة في بريطانيا، هولندا، تايلند، اليابان، ... ألخ، لكن في الجمهوريات، وخاصة الديمقراطية منها، فأن الطريق الحصري للوصول إلى السلطة هو الانتخابات، وعندها لا يستطيع أي رئيس أن يورث الحكم لأحد أفراد أسرته إلا اذا نجح بالانتخابات بشكل ديمقراطي مثلما حصل في أمريكيا (جورج بوش الأب والابن)، وفي كندا رئيس الوزراء الحالي (جاستن ترودو) هو أبن رئيس الوزراء الأسبق (بيير ترودو)، في كوريا الجنوبية (بارك غيون هي) هي أبنة الرئيس الأسبق (بارك تشونغ هي)، ومثل هذه النماذج طبيعية ومقبولة لأنها تأتي عن طريق ديمقراطي بحت.
وهناك طريقة ثانية مقبولة إلى حدٍ هي الطريقة الأسيوية القائمة على الديمقراطية لكن ضمن الإطار العائلي، ولعل أبرزها في سيرلانكا حيث خدمت السيدة (سيريمافو باندرانايكا) بمنصب رئيس الوزراء لمدة (18) سنة بعد اغتيال زوجها رئيس الوزراء (سولومون باندرانايكا) عام (1959) ثم أصبحت ابنتها (شاندريكا كماراتونغا) رئيسة للجمهورية واللطيف أنها عينت أمها بمنصب رئيس الوزراء، أما ابنها (أنورا باندرانايكا) فقد أصبح رئيساً للبرلمان.
وهناك مثال آخر هو السيدة (انديرا غاندي) التي تولت منصب رئيس وزراء الهند الذي تولاه قبلها والدها (جواهر لال نهرو) ثم تولى المنصب أبنها (راجيف غاندي)، والآن حفيدها (راهول غاندي) هو رئيس حزب المؤتمر الوطني.
وكذلك في باكستان فقد تولت السيدة (بنازير بوتو) منصب رئيس الوزراء وهي أبنه (ذو الفقار علي بوتو) الذي تولى منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، أما زوجها (آصف علي زرداري) فقد أصبح رئيساً للجمهورية ويشغل أبنها (بيلاوال بوتو زرداري) الآن منصب رئيس حزب الشعب.
لكن الوراثة غير المقبولة هي التي تتم بالقوة وبدون إرادة الشعب وتصويته، إذ يورث الرئيس الدكتاتور منصبه لأبنه وكأنه ملك مطلق الصلاحيات، وقد بدأت هذه الحالة في جمهورية (هايتي) بعد وفاة الدكتاتور (فرانسوا دوفالييه) (1957-1971) فورثه أبنه (جان كلود دوفالييه) (1971-1986) رغم ان عمره (19) سنة فقط! ثم تكررت في دول عديدة.
لكن الحالة الأغرب هي في كوريا الشمالية التي حكمها (كيم إيل سونغ) لمدة (46) عاماً، ثم ورثه أبنه (كيم جونغ إيل) لمدة (17) عاماً، والآن يحكم الحفيد (كيم جونغ أون) منذ عام (2011)، ومبعث الغرابة أن الدولة تطبق النظرية الشيوعية والتي بدورها تحارب الوراثة أصلاً! صحيح أنها لا تؤمن بالديموقراطية على الطريقة الغربية لكنها على الأقل تعمل وفق انتخابات ولو شكلية داخل الحزب الشيوعي نفسه، لكن في كوريا استولت عائلة (كيم) على الحكم ويبدو أنها لن تسلمه! وكذلك في كوبا إذ ورث (راؤول كاسترو) حكم أخيه (فيديل كاسترو) بعد ان حكمها لمدة (49) سنة!
هذه الحالة منتشرة بكثرة في دول العالم الثالث وخاصة منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنها العراق، وهي حالة ملفتة للنظر وتحتاج إلى دراسات كثيرة لا يستوعبها هذا المقال القصير.

Aldhamat1@yahoo.com


8
تجارب عالمية ..... هل يستفيد منها العراق؟
أمجد الدهامات - العراق
التجربة الأولى:
عندما زار زعيم الحزب الشيوعي الصيني (Deng Xiaoping) سنغافورة عام (1978) ذهل من تطورها وتقدمها في مقابل تخلف الصين وتأخرها، وعندما سأل عن سر هذا التقدم نصحه رئيس وزراء سنغافورة (Lee Kuan Yew) أن يترك سياسة الإقتصاد الموجه ويتبنى الإنفتاح الإقتصادي وتحرير الأسواق، وأن يركز على تطوير التعليم، ويتوقف عن تصدير الأفكار الشيوعية ويترك الشعارات الرنانة، فالشعب لا يعيش بالشعارات!
وعرض عليه أن يختار بين نموذجين: أما سنغافورة أو هانوي!
بمعنى أن يختار للصين نموذج دولة الرفاهية والتقدم سنغافورة، أو نموذج هانوي عاصمة فيتنام بلد الشعارات والفقر والحروب المدمرة.
وفعلاً عمل بنصيحته وقرر نقل التجربة السنغافورية لبلده وأرسل عشرات الآلاف من الطلاب للدراسة في سنغافورة وغيرها، وقال كلمته المشهورة «لا يهم لون القط أبيض أو أسود طالما يصطاد الفأران»، أي أنه ليس مهماُ استخدام الطريقة الشيوعية أو الرأسمالية بل المهم هو أن يتطور إقتصاد الصين ويزدهر شعبها، أنه مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الضروري جداً في العمل السياسي.
ولم يشعر بالخجل والدونية لكون السيد (Lee) أصبح مستشاراً ومعلماً له رغم كونه زعيماً للتنين الصيني الذي يتمتع بعمق تأريخي وحضاري بالإضافة للمساحة الشاسعة وعدد النفوس الهائل مقارنة بسنغافورة، وكانت النتيجة هي الصين كما هي عليه اليوم.
طبعاً لحد الآن لا يزال الخيار قائم أمام الدول، فبعضها تختار نموذج سنغافورة وبعضها تختار نموذج هانوي، مع العلم حتى هانوي نفسها قد اختارت، في السنوات الأخيرة، نموذج سنغافورة!
التجربة الثانية:
رغم أن بريطانيا تتوافر على أفضل العقول الاقتصادية في العالم، إلا أن الحكومة قررت تعيين الخبير المالي الكندي (Mark Carne) بمنصب محافظ البنك المركزي (The Bank of England) عام (2013)، وذلك لخبرته ونجاحه في منصبه السابق (محافظ البنك المركزي الكندي) حيث كان له دور كبير ومؤثر في تجنيب كندا آثار الأزمة المالية العالمية لعام (2008) وفاق أداء اقتصادها الدول الصناعية الكبرى أثناء الأزمة، واللطيف أنه أشترط أن يتولى المنصب لفترة واحدة مدتها (5) سنوات فقط وليس أكثر، ومؤخراً وافق على طلب الحكومة البقاء بالمنصب لغاية بداية (2020).
وبعد عام واحد (2014) تم تعيين الخبيرة الاقتصادية من أصول مصرية السيدة (نعمت شفق) بمنصب نائب المحافظ.
الغريب أنه لم يعترض أحد على تسليم أهم المناصب المالية في البلد لأشخاص أجانب يتحكمون بجميع أسرار الدولة النقدية، ولم يقلْ الخبراء البريطانيون أنهم أفضل الخبراء في العالم ولا يحتاجون إلى استيراد خبرات اجنبية، كما لم تعترض الأحزاب والمقاطعات البريطانية لأن هذه المناصب هي من استحقاقها الانتخابي وحق لمكوناتها!
التجربة الثالثة:
في عام (2014) قرر رئيس جمهورية أوكرانيا (Petro Poroshenko) منح مناصب مهمة في الدولة لخبراء أجانب، وبرر ذلك بقوله: «لا توجد لديهم أي علاقات مع النخبة السياسية الأوكرانية، وليس لديهم أب أو أخ أو نسيب أو صهر في اوكرانيا، ويقفوا على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية في البلاد».
وفعلاً تم تعيين (Alexander Kvitashvili) من جورجيا وزيراً للصحة، والأمريكية (Natalie Jaresko) وزيرة للمالية، (Aivaras Abromavičius) من ليتوانيا وزيراً للاقتصاد، ورئيس جمهورية جورجيا السابق (Mikheil Saakashvili) بمنصب رئيس إقليم (Odessa) ونائبته (Maria Gaidar) من روسيا.
ولغرض مكافحة الفساد في أوكرانيا تم عام (2017) تكليف فريق متخصص من الخبراء الأجانب برئاسة (Eerik Heldna) نائب مدير عام الأمن في دولة إستونيا بهذه المهمة.
التجربة الرابعة:
من المعروف أن إيطاليا هي بلد الفن العريق والفنانين الكبار ومع ذلك قرر وزير الثقافة الإيطالي (Dario Franceschini) عام (2015) الاستعانة بـ (7) خبراء أجانب لإدارة المتاحف الكبرى في البلاد، وخاصة (Uffizi Gallery) في فلورنسا، (Galleria Borghese) في روما، (Brera Picture Gallery) في ميلانو، (Accademia Gallery) في البندقية، وقدم لهم مرتبات كبيرة تبلغ (185) ألف يورو سنوياً، وكانت النتيجة هي زيادة عدد زوار المتاحف بشكل كبير.
التجربة الخامسة:
في عام (2019) أعلن محمد نصير وزير البحث العلمي والتكنولوجيا والتعليم العالي في اندونيسيا أن الحكومة قررت استعانة برؤساء جامعات وأساتذة أكاديميين أجانب لإنشاء جامعات عالمية عالية المستوى، وقال: «يساهم الأكاديميون الأجانب في تطوير جودة التعليم وتخريج خريجين ذوي كفاءة عالية، ... أن الحكومة تهدف إلى جعل الجامعات الاندونيسية ضمن قائمة أفضل (200) جامعة في العالم».
أخيراً:
طبعاً توجد الكثير من التجارب العالمية المماثلة في مختلف المجالات، حيث تتعلم الدول من بعضها وتسعى لاستيراد الخبراء الأجانب للاستفادة من خبراتهم وعلمهم لتحقيق أفضل مستقبل لشعوبها، وهذا ينطبق حتى على البلدان المتقدمة والمتطورة، فكيف بالبلدان المتخلفة!
هل نستفيد من هذه التجارب في العراق؟


Aldhamat1@yahoo.com


9
لماذا حدثَ في الهند ولم يحدث في العراق؟
أمجد الدهامات - العراق
تنصدمُ الذهنية الطائفية العراقية عندما تسمع ان أكبر بلد هندوسي بالعالم، بل أكبر ديمقراطية من حيث عدد السكان (حوالي 1.3 مليار نسمة)، قد انتخب عام (2002) رئيساً مسلماً رغم أن المسلمين في الهند لا تتجاوز نسبتهم حوالي (%14) من عموم الشعب، هذا الرئيس المسلم حاز على محبة المواطنين الذين أطلقوا عليه لقب (رئيس الشعب)، مع أنه في الدول الديمقراطية لا يتم إطلاق الألقاب الفخمة على الرؤساء مثلما يحدث في بلدان العالم الثالث الدكتاتورية (الأب القائد، الرئيس المحبوب، القائد الضرورة، رمز الامة، .... ألخ).
وتنصدم، مرة أخرى، الذهنية الأمية لأمة (اقْرَأْ) التي بعض قياداتها من أنصاف المتعلمين ومزوري الشهادات، عندما تعلم أن هذا الرجل المسلم، قبل الرئاسة وبعدها، عالم فضاء كبير  وصاحب أكبر الإنجازات العلمية في البلد، مثل إطلاق أول قمر اصطناعي هندي، تطوير دعامة تاجية للقلب بتكلفة منخفضة، تصميم كومبيوتر لوحي للرعاية الصحية في المناطق الريفية، وغيرها، ويكفي انه حاصل على (40) شهادة دكتوراه فخرية من مختلف جامعات العالم، وأن الأمم المتحدة اعتبرت يوم مولده (يوم الطالب العالمي)، بل أن سويسرا اعتبرت يوم زيارته لها هو (يوم العلم)، لكل هذا وغيره طلبت الأحزاب الهندية منه الترشح لمنصب الرئاسة، رغم أنه مستقل ولا ينتمي لأي حزب، لكفاءته وعلميته وليس لدينه أو مذهبه أو حزبه أو عشيرته، كما يحصل في بعض البلدان!
طبعاً تعمدتُ عدم ذكر أسم هذا الرئيس المسلم في بداية المقال لمعرفتي أن الذهنية الطائفية العراقية ستنشغل بالسؤال الأزلي العقيم حول مذهب الرجل هل هو شيعي أمْ سني؟ ولكني سأترك الفضول والحيرة تقتل هذه الذهنية وأكتفي بذكر اسمه فقط (أبو بكر زين العابدين)!
الصدمة الثالثة، وهي من الهند دائماً، أن الشعب الهندي ذو الغالبية الهندوسية (حوالي - %80  - من السكان) قد انتخب عام (2004) رئيساً للوزراء (مانموهان سينغ) وهو من الديانة السيخية التي تشكل حوالي (%2) فقط من السكان، وهذا يعني أنه هناك، في وقت واحد، رئيس جمهورية مسلم ورئيس وزراء سيخي يحكمان، بالانتخاب، بلداً أغلبيته من الهندوس ولم يعترضوا أبداً على عدم حصول مكونهم الأكبر على المناصب السيادية والمهمة في البلد، ولم يندبوا حظهم على الإقصاء والتهميش من قبل المكونات الأخرى، أو يفكروا بتكوين إقليم خاص بهم للحفاظ على مصالحهم ومكتسباتهم التأريخية، بل المفاجأة أنهم أعادوا انتخاب الرجل المنتمي للمكون الأقل عدداً رئيس الوزراء السيخي مرة ثانية لنجاحاته الكثيرة في حكم البلد، حيث عمل على القضاء على البيروقراطية وتبسيط نظام الضرائب وانعاش الإقتصاد والصناعة وتقليص التضخم ووصل النمو إلى (%7) سنوياً.
السؤال الكبير للذهنية الطائفية العراقية: لماذا حدثَ هذا في الهند ولم يحدث في العراق؟

Aldhamat1@yahoo.com

10
توحيد الذاكرة هو الحل
أمجد الدهامات - العراق
بالعادة تشهد الدول التي تمر بفترات طويلة من الحكم الدكتاتوري الشمولي أو بحروب أهلية نوع من الانقسام المجتمعي بين شعوبها، ما بين مؤيد لما حدث ومعارض له، وما بين مؤكد لجرائم الأنظمة السابقة ونافياً لها، ويقع على عاتق الحكم الجديد مهمة كبيرة جداً هي توحيد الشعب، والاتفاق على: ماذا جرى بالضبط؟ ولماذا جرى؟
والطريق الأهم لذلك هو تشكيل لجان مستقلة تكشف الحقيقة وتحقق المصالحة المجتمعية، وأشهرها مفوضية الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا عام (1995) برئاسة أكبر رجل دين فيها هو الكاردينال (دزموند توتو) الحائز على نوبل للسلام.
كما توجد لجان أخرى مثل: اللجنة الوطنية حول اختفاء الأشخاص في الارجنتين (1983)، لجنة تقصي الحقائق في السلفادور (1991)، هيأة التلاقي والحقيقة والمصالحة في تيمور الشرقية (2001)، هيأة الإنصاف والمصالحة في المغرب (2004)، وغيرها الكثير.
وقد عملت هذه اللجان لتحقيق العدالة الانتقالية وفق مبادئ كثيرة أهمها (العفو مقابل الحقيقة) الذي يؤدي إلى نتيجة أكثر أهمية هي (توحيد الذاكرة)، بمعنى أنه لمعرفة الحقيقة الكاملة تعرض اللجنة العفو على بعض مجرمي النظام مقابل اعترافهم بشكل واضح وصريح بالجرائم التي ارتكبها النظام بحق شعبه ثم يعتذروا بشكل علني من الضحايا ويطلبوا الصفح منهم، لتقتنع كافة مكونات البلد بحصول تلك الجرائم وبالتالي تكون ذاكرتها وتأريخها متفق عليه ولا يستطيع أحد أن يدافع عما حدث أو ينفيه، ورغم الألم الذي يسببه العفو لكونه يؤدي لإفلات المجرمين من العقاب، إلا أن نتيجته في توحيد الشعب ومنع انقسامه ونجاحه في تجاوز الماضي وضمان التعايش مع بعضه مستقبلاُ تستحق هذه التضحية، كما أن معرفة الحقيقة حق أصيل للضحايا والطريق الوحيد للوصول إليها هو العفو.
في عراق بعد (2003) هناك مَن يعتبر رئيس النظام السابق مجرم ويستحق العقاب، ولكن هناك مَن يعتبره (شهيداً) ويدافع عنه، فلماذا حصل هذا الانقسام في حقيقة دكتاتور قاتل لشعبه ومدمر لبلده وجيرانه؟
السبب أن لجنة المصالحة الوطنية العراقية لم تعمل من أجل توحيد ذاكرة الشعب العراقي مما أدى لهذا الانقسام المجتمعي الذي نرى آثاره في وسائل الاعلام و(Social Media) خاصة (Facebook)، إذ لم تعمل اللجنة، لأسباب كثيرة، وفق مبدأ (العفو مقابل الحقيقة)، وحتى عندما تمت محاكمة رموز النظام السابق لم يعترفوا بالجرائم التي ارتكبوها على كثرتها، لأنهم يعلمون مسبقاً بعدم وجود عفو عنهم يدفعهم للاعتراف وأن مصيرهم معروف في كل الأحوال، أن عدم وجود اعترافات أدى إلى غياب الحقيقة الكاملة والموثقة الأمر الذي نتج عنه ثغرة استغلها البعض لملئها بالأكاذيب والروايات المتضاربة عن أحداث الماضي وبالتالي تجميل صورة النظام السابق، فقد كانت الطبقة السياسية العراقية تعمل بمنطق ثأري للحصول على انتقام آني ولم تفكر في وحدة المجتمع مستقبلاً.
وهنا قد يعترض البعض ويقول ولكن الثمن الذي ندفعه من خلال هذا المبدأ باهض، وقد لا يقتنع به الشعب أو على الأقل ضحايا النظام، وهذا الاعتراض على وجاهته وأحقيته ممكن الحل بتقييد هذا المبدأ وربطه بشروط منها: موافقة الضحية، وأن يكون بشكل فردي وليس جماعي، وعلى الجريمة ذات الدوافع السياسية وليس لمصلحة شخصية، ولا تكون الجريمة بمبادرة من الشخص المعني بل تنفيذاً لأوامر الجهات العليا، والغاءه في حالة ارتكاب جريمة جديدة، وغيرها.
كما أن وجود قائد بمستوى (نيلسون مانديلا) في جنوب افريقيا الذي قال لشعبه «نحن لا ننسى ولكن نسامح»، أو (راموس هورتا) في تيمور الشرقية الذي قال «أنا لم أُعلّم شعبي أن يكرهوا أحداً» بل أنه سامح حتى إندونيسيا على استعمارها الظالم لبلده، أو (بول كاغامي) في رواند الذي حث شعبه على المصالحة والتسامح، أن وجود مثل هؤلاء القادة يساهم في اقناع الشعب وجعله يوافق على هذه التضحية الجسيمة، وكذلك تذكيره بالمثال العظيم الذي ضربه الرسول الكريم (ص) عندما فتح مكة وأصدر عفواً عن أهلها بقوله «اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ»، وربما كانت هذه أول مصالحة وطنية بالتأريخ. 
وربما يعترض البعض ويقول وما الفائدة التي يحصل عليها المجتمع مقابل التضحية الكبيرة التي يقدمها عند العمل وفق هذا المبدأ؟
الفائدة هي تقليل إنكار بعض قطاعات المجتمع لحقيقة ما جرى ومنع تعاطفهم مع النظام السابق بعد فضح جرائمه، كما يشجع الجمهور على تفهم وضع الضحايا ويزيد من تعاطفه معهم، والنتيجة النهائية هي اتفاق المجتمع ككل على إدانة النظام السابق واتفاق الشعب على حقيقة الأحداث التي عايشها في ظله وبالتالي لا أحد يستطيع الدفاع عنه مستقبلاً.
إن وحدة الشعب تعتمد على وجود ذاكرة موحدة ومتفق عليها بين جميع مكوناته، لأن التأريخ الموحد هو ضمانة لمستقبل موحد.

Aldhamat1@yahoo.com

11
المنبر الحر / الدكتاتور العادل
« في: 14:38 04/08/2019  »
الدكتاتور العادل
أمجد الدهامات - العراق
رغم أن الحكم الدكتاتوري مرفوض تماماً وقد أنتهى عهده في عصر الديمقراطيات إلا أن هناك نوع منه يعتبره البعض مقبولاً وهو (الدكتاتور العادل)، ومع وجود تناقض واضح في المصطلح فلا يمكن للعادل ان يكون دكتاتوراً أصلاً إلا أنه تم قبوله ضمن سياقه التأريخي ومن باب (أَهْوَنُ الشَّرَّينِ)، وبغض النظر عن الرأي به فهو موجود في بعض الدول على أية حال.
والدكتاتور العادل: شخص يتمتع بسلطة مطلقة ليختصر الزمن ويحقق لبلده التقدم والنمو ويفرض بالقوة مجموعة من القيم والمبادئ التي تساهم في بناء دولة المواطنة، أي أنه الحاكم الذي يجمع بين الدكتاتورية في الحكم والعدالة مع الشعب وبناء البلد، بمعنى أخر أنه تحت ضغط ظروف معينة على المواطنين أن يتنازلوا عن جزء من حرياتهم لصالح حاكم مستبد لضبط الفوضى وبناء الدولة، كما حصل في سنغافورة:
عندما أصبح (لي كوان يو) رئيساً للوزراء (1959) كان البلد أخطر مكان بالعالم، وتسوده الفوضى والفساد، ومعدل الدخل الفردي (320) دولار سنوياً، ونسبة الأمية حوالي (%50)، والبطالة (%14) ومكوناته تتصارع فيما بينها.
لم يعتمد السيد (لي) سياسيات شعبوية لكسب ود الناس الآني على حساب مستقبلهم، بل فرض قوانين صارمة تتضمن عقوبات قاسية حتى على المخالفات البسيطة، وأصبحت عقوبة المخدرات أو الفساد هي الإعدام، وبالنهاية كانت النتيجة هي:
أصبح الدخل الفردي (60) ألف دولار ومعدل البطالة (%2) فقط، والناتج المحلي الإجمالي (300) مليار دولار سنوياً، كما ارتفع متوسط الأعمار إلى (83) سنة، أما مستويات الفساد والجريمة فهي الأقل على مستوى العالم، وعندما حقق الكثير لشعبه قدّم استقالته طوعاً وترك الحكم (1990).
هناك مَنْ يقول: بدلاً من دكتاتور ظالم يتسبب بقتل وسجن وإفقار الشعب، مثلما فعل حاكم افريقيا الوسطى الإمبراطور بوكاسا (1966-1979) الذي رغم موت ربع أطفال البلاد من الجوع إلا انه أقترض (20) مليون دولار لحفل تتويجه امبراطوراً على بلد فقير يوجد فيه شارع مبلط واحد فقط طوله (3) كم! أو حاكم كمبوديا بول بوت (1976-1979) الذي قتل ثلث شعبه في أقل من أربع سنوات، الأفضل منه (دكتاتور عادل) يُقيد الحريات العامة لكنه يستثمر موارد البلد من أجل الشعب، كما فعل مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا (1981) الذي نجح في نقل ماليزيا من دولة زراعية فقيرة إلى دول صناعية متقدمة، وزاد دخل الفرد السنوي من ألف دولار إلى (16) ألف دولار سنوياً، وأرتفع حجم الصادرات من (15) مليار إلى (200) مليار دولار، وخصص حوالي ربع الموازنة السنوية للتعليم، وانخفض عدد الفقراء من (%52) إلى (%5)، وتم إنشاء أكثر من (15) ألف مشروع صناعي وفرت مليوني فرصة عمل، وفي عام (2003) قرر بإرادته أن يترك كرسي السلطة.
وهناك مَنْ يجادل: انه بدلاً من حاكم دكتاتوري يستولي على السلطة بانقلاب عسكري ثم يهرب بعد سنين سارقاً خزينة الدولة كما فعل يحيى جامع رئيس غامبيا (1994-2017)، فالحالة المعاكسة هو (بارك تشونغ هي) الذي استولى على السلطة في كوريا الجنوبية عن طريق انقلاب أيضاً (1961) لكنه فعل التالي:
زاد معدل الدخل الفردي من (82) دولار إلى (27) ألف سنوياً، خصص للتعليم نسبة (%23) من الموازنة السنوية، شجع القطاع الخاص ليستوعب (%81) من الايدي العاملة، ارتفعت الصادرات من (40) مليون دولار إلى (560) مليار دولار سنوياً، أصبح معدل الأعمار (80) سنة بعد أن كان (55) سنة.
وهناك مَنْ يناقش: انه بدلاً من ثائر يحرر بلده من الاستعمار ثم يصبح دكتاتوراً يحكمه لمدة (37) سنة ويتركه بمعدل فقر وبطالة بحدود (%80) وتضخم بمعدل (79) مليار بالمائة مثلما فعل روبرت موغابي حاكم زيمبابوي (1980-2017) في قبالته (دكتاتور عادل) في رواندا هو (بول كاغامي) الذي استلم بلداً مدمراً بفعل الحرب الاهلية (1994) لكنه أعاده للحياة بحيث:
تضاعف نصيب دخل الفرد (30) مرة، تراجع معدل الفقر من (%60) إلى (%39)، ارتفع معدل عمر الفرد من (48) عاماً إلى (64) عاماً، انخفضت الأمية من (%50) إلى (%25) واستبدال المناهج الورقية بمنصات إلكترونية من خلال تخصيص (%22) من موازنة الدولة للتعليم، كان في البلد كله جامعة واحدة فقط فأصبحت (29) جامعة، صار الترتيب في مؤشر الفساد بالمرتبة (52) بعد ان كان بالمرتبة (185)، صنفت الأمم المتحدة العاصمة (Kigali) بأنها من أكثر المدن جمالاً في العالم.
ويوجد الكثير من الأمثلة على (الدكتاتور العادل): دنغ شياو بنغ في الصين، هايلي مريام في اثيوبيا، نور سلطان باييف في كازخستان، توماس سانكارا في بوركينا فاسو ... ألخ.
وأخيراً هناك مَنْ يقول: أن العراق يحتاج في هذه المرحلة إلى دكتاتور عادل، ويعارضه رأي آخر يقول إن تطوير النظام الحالي وإصلاحه هو الحل الأفضل، فالحرية لا تُقدر بثمن. 

Aldhamat1@yahoo.com

12
الصلاة الموحدة بين العراق وسلطنة عُمان
                                                                           
أمجد الدهامات - العراق
توجد في سلطنة عُمان ثلاثة مذاهب متعايشة مع بعضها بدون صراع أو تكفير هي (الإباضية، الشيعة، السنة)، لكن لا توجد جوامع مخصصة لمذهبٍ دون غيره والفرد العُماني يصلي في أي مسجدٍ يشاء ووراء أي إمام جماعة بغض النظر عن مذهبه، بمعنى أنهُ قد يكون الإمام إباضياً ويصلي خلفه الإباضية والشيعة والسنة، وبالعكس، دون أن يشعر المصلي أن صلاته غير صحيحة أو يجب إعادتها، انها صلاة موحدة حقيقية بدون دعوة من أي جهة كانت. 
بينما في العراق حصلت الكثير من الدعوات ومن مختلف الجهات للصلاة الموحدة بين الشيعة والسنة، لكنها صلاة بين مذهبين يعتقد كل منهما أنه (المذهب الحق) وأنه (الفرقة الناجية) الوحيدة والمذهب الآخر (مذهب الظلال)، وبعد أن يتم تصوير الصلاة وينتهي البث المباشر يعيدون صلاتهم فرادى أو في بيوتهم لأنهم لا يعتقدون بصحة صلاة إمام الجماعة المختلف مذهبياً!
لماذا يختلف الوضع في عُمان عنه في العراق؟
توجد أسباب عدة جعلت التعايش والتسامح في عُمان حقيقة واقعة، منها:
أولاً: طبيعة الشخصية العُمانية المسالمة والمتسامحة وغير المتعصبة والتي تقبل الآخر مهما كان دينه ومذهبة، بل من غير المستساغ إجتماعياً سؤال أي شخص عن دينه أو مذهبه.
ثانياً: شرّعت السلطنة قوانين مشدّدة ضد كل من يثير النعرات الطائفية ونشر الكراهية في البلد تصل عقوبتها إلى السجن لأكثر من (10) سنوات، ويحظر القانون كل أشكال التمييز على أساس الدين أو المذهب.
ثالثاً: تشجع المناهج التعليمية الوحدة بين المذاهب وتحارب الانقسامات المذهبية، وتقتصر موادها على موضوعات عامة ومشتركة بين المذاهب، ولا يتدخل المعلم في القضايا السياسية أو الدينية أو المذهبية ويُعاقب المخالف.
رابعاً: يغلب الإعتدال على علماء الدين في السلطنة ولا تصدر منهم فتاوى تكفر الآخر، ولا يشترطون أن يكون الإمام من مذهب بعينه لتجوز الصلاة خلفه، بل حتى أساتذة كلية العلوم الشرعية من مذاهب مختلفة وليس من مذهب الأغلبية الإباضية فقط.
خامساً: يعمل الإعلام العُماني على نشر قيم الإعتدال والوسطية ويبث برامج تركز على المشتركات الإنسانية ولا يسمح بوجود منابر طائفية، ولا وجود لمناظرات بين أشخاص يحاولون إثبات أن مذهبهم هو الصح والآخر المختلف هو الخطأ بدلاً من البحث عن مشتركات تسهل التعايش بين الناس.
سادساً: سياسات الدولة التي لا تفرق بين المذاهب، وخاصة في الوظائف العامة، فالمعيار الوحيد هو المواطنة وعدم التمييز بين العُمانيين، وقد صرح أحد المسؤولين بقوله: «العلاقة بين الإنسان وخالقه علاقة شخصية وخاصة لا دخل للدولة بها، وليس من حقها أن تفرض التديّن على الناس».
نعم فأن أهم واجبات الدولة هي: الدفاع عن البلد وتشريع القوانين وفرض الأمن وتوفير الخدمات، وليس من بينها إدخال الناس إلى الجنة!
هل هذه الأسباب توافرت في العراق؟
أنها المقدمات الصحيحة التي تؤدي إلى نتائج صحيحة، فقد أنتجت مجتمعاً متجانساً متعايشاً مع بعضه يقبل الآخر كما هو ويمارس الصلاة الموحدة بشكل يومي وعن قناعة تامة بدون توجيه، رغم الاختلافات الموجودة في الصلاة من كيفية رفع اليدين في تكبيرة الإحرام إلى التسليم، لكن بعد انتهاء الصلاة لا تجد مَنْ يتفلسف على الآخر أو يدعي صحة فعله دون الآخر.
أما في العراق فلا يوجد تأثير لهذه الصلوات ولم تحقق الفائدة المرجوة منها في التقريب بين المذهبين ولا أقول الوحدة بينهما، لعدم وجود الأسباب التي أشرت إليها في النقاط أعلاه، ولهذا بقي الوضع كما هو عليه، بل وصل الحال إلى أن اتباع مرجعٍ ما لا يصلّون وراء إمام جماعة يتبع مرجع آخر ضمن المذهب الواحد! فعن أي صلاة موحدة يتحدثون؟
إذن الصلاة الموحدة على الطريقة العراقية تدل على وجود المشكلة وتعمقها، انها ليست حلاً ابداً، وقد أصبح الهدف منها إعلامي فقط وليس ديني أو وحدوي، فالمسلم العراقي، مهما كان مذهبه، رازح تحت إرث ضاغط من الفتاوى التي تراكمت عبِر السنين وبالتالي لا يستطيع أن يتوحد مع الآخر المختلف مذهبياً، وعلى كل حال فهو يعتقد عن قناعة راسخة أنه وحده وليس غيره (الفرقة الناجية)، وبالنهاية ليس مضطراً لتقديم تنازلات لمذهب يعتقده على خطأ، ونسى أن الجنة «عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ» وتتسع للجميع.
إذن ما الحل؟
الجواب: أبحث عن عُمان.


aldhamat1@yahoo.com

13

أمجد الدهامات - العراق
منذ صدور قانون المحافظات غير المنتظمة في أقليم رقم (21) لسنة (2008) والحكومات المحلية في المحافظات تطالب الحكومة الاتحادية بنقل الصلاحيات لها، وفعلاً تم تعديل القانون عدة مرات ونُقلت صلاحيات (8) وزارات إلى المحافظات، ومع ذلك لا تزال الحكومات المحلية تطالب بالمزيد.
لكن ماذا يعني نقل الصلاحيات؟
ان نقل الصلاحيات في الدول الفدرالية من الحكومات الاتحادية إلى أصغر تشكيل منتخب يقوم على فكرة تقريب الحكومة وتشكيلاتها إلى المواطنين وإشراكهم في عملية صنع القرار وبالتالي تقديم أفضل الخدمات لهم، ولهذا يتم تشكيل عدد كبير من الحكومات المحلية على مستوى الأقاليم والولايات والبلديات ومنحها صلاحيات كبيرة لإدارة شؤونها، ففي المانيا يوجد (2060) بلدية، سويسرا (2636) بلدية، البرازيل (5570) بلدية، وفرنسا (36783) بلدية.
هذه الحكومات المحلية والبلديات المنتخبة عملت على تحقيق تنمية اقتصادية شاملة، خلق فرص عمل، تنشيط القطاع الخاص، انشاء مشاريع، تعظيم الموارد، وبالتالي قدمت خدمات فعالة لمواطنيها، لتطبق المفهوم الصحيح لنقل الصلاحيات وتحقق فوائده والتي يمكن تلخيصها أهمها بالتالي:
أولاً: تمكين الحكومات المحلية من إدارة شؤونها لتقديم خدمات متميزة لمواطنيها.
ثانياً: إشراك الناس في اتخاذ القرارات المهمة التي تساهم في تحقيق التنمية المحلية.
ثالثاً: تفرغ السلطات المحلية لواجبها الحقيقي (تقديم الخدمات) وحصر الصراع السياسي بالمستوى الاتحادي.
السؤال: هل تحققت هذه الأهداف في العرق؟
 الجواب واضح: فقد نُقلت الكثير من الصلاحيات ولكن لم تتحسن الخدمات، وتلكأت المزيد من المشاريع، وتفشى الفساد المالي والإداري، وتصاعد الصراع السياسي، وانعزلت الحكومات المحلية عن جماهيرها، ... ألخ.
والمفارقة انه بعد نقل الصلاحيات فأن بعض المحافظين ركزوها بيدهم ولم ينقلوها إلى مستويات أدنى أي إلى نوابهم ورؤساء الوحدات الإدارية ومدراء الدوائر، وبالتالي خلقوا دكتاتوريات محلية في المحافظات، ومع ذلك لا زالوا يطالبون بالمزيد من الصلاحيات، وهذا يتنافى مع مبدأ تقريب الحكومة إلى المواطن، بل ان بعضهم صار يتدخل بالأمور الفنية لعمل دوائر الوزارات المنقولة رغم ان عملها متخصص، وحتى ان كان المحافظ يتوفر على اختصاص معين لكن من المستحيل ان يكون متخصصاً في عمل (8) وزارات مختلفة بالإضافة إلى عمله الأصلي كمحافظ.
كما ان بعض مجالس المحافظات لم تعمل بالفقرة (2- أ) من المادة (7 – خامساً) من قانون المحافظات أعلاه التي تنص على: "اعلان مشروع الموازنة العامة للمحافظة في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وعقد الندوات والمؤتمرات لمشاركة مواطني المحافظة والوقوف على آرائهم فيه وبيان ملحوظاتهم بصدده"، فقد صادقت المجالس على الموازنات العامة للمحافظات دون علم ومشاركة المواطنين وهذه مخالفة قانونية وتتنافى مع فكرة إشراك الجمهور في عملية صنع القرار.
وكذلك لم تعمل بعض المجالس بالمادة (7 – خامس عشر) من القانون والتي تنص على: "تحديد أولويات المحافظة في المجالات كافة، ورسم سياستها ووضع الخطط الإستراتيجية لتنميتها بما لا يتعارض مع التنمية الوطنية"
هذه المادة تخول المجالس تحديد أولويات المحافظة والتخطيط للاستثمار الأمثل لمواردها وتنويع وتعظيم مداخيلها لتحقيق التنمية الشاملة عن طريق اعداد (ستراتيجية التنمية المحلية - PDS) على ضوء وثيقة (ستراتيجية التنمية الوطنية - NDP) التي تعدها الحكومة الاتحادية، لكن بعض المجالس لم تعد هذه الستراتيجية أو أعدتها ولم ينفذها المحافظ، بل أكاد أجزم ان بعض أعضاء المجالس لم يسمع بها أصلاً!
إذن، هناك إساءة في استخدام هذه الصلاحيات، ومن الأفضل اجراء مراجعة شاملة لمعرفة إيجابيات وسلبيات هذه العملية ومدى تحقيق الأهداف المرجوة منها.
بالنهاية أقول: أيها السيدات والسادة ان المزيد من الصلاحيات يعني المزيد من الخدمات.



Aldhamat1@yahoo.com


14
أسئلة حول المعارضة السياسية
أمجد الدهامات - العراق

هناك أسئلة يتم تداولها في هذه الفترة حول مفهوم المعارضة السياسية في النظام البرلماني تحديداً لأنه النظام الذي يعتمده بلدنا في عمليته السياسية التي لم تتحول بعد الى حياة سياسية مستقرة بفعل حداثة التجربة وعدم أرساء تقاليد ديمقراطية في الحكم، وسأحاول الإجابة عنها مستعيناً بتجارب الدول العريقة بالديمقراطية عسى أن نستفيد منها.
طبعاً أغلب حكومات النظام البرلماني ائتلافية لصعوبة حصول حزب واحد على أغلبية مقاعد البرلمان خاصة في نظام الانتخاب النسبي، ولهذا تضطر الأحزاب للدخول في تحالفات صعبة لتأليف الحكومة، ومبعث هذه الصعوبة هو التعارض الكبير في برامج وتوجهات الأحزاب، فتتفاوض فيما بينها لفترة طويلة للوصول إلى قواسم مشتركة ونقاط إلتقاء تسهل تشكيل الحكومة، كما حصل في بلجيكا بعد الانتخابات غير الحاسمة في عام (2010) حيث حققت مفاوضات تشكيل حكومة رئيس الوزراء (إليو دي روبو) رقماً قياسياً بلغ (589) يوماً.
وسأذكر بعض هذه الأسئلة:
السؤال الأول: هل من حق حزبٍ ما أشترك في الحكومة ودعم شخص معين لمنصب رئيس الوزراء أن ينسحب منها ويعارض رئيسها؟
أحياناً لا يلتزم رئيس الوزراء باتفاق تشكيل الحكومة أو يتخذ قرارات غير متفق عليها، وعندها يحق للأحزاب الخروج منها وسحب الدعم من رئيسها بل ومحاولة اسقاطه في البرلمان.
في هولندا شكل (يان بيتر بالكننده) حكومة ائتلافية من (3) أحزاب (2003) لكنها سقطت عندما أقترح أحد هذه الأحزاب حجب الثقة عن وزيرة الهجرة.
وفي إيطاليا سحب حزب (حرية الشعب) دعمه من حكومة (ماريو مونتي) عام (2012) بسبب سياساته التقشفية.
وفي قبرص أنسحب الحزب الديموقراطي (2014) من حكومة الرئيس (نيكوس انستاسيادس) بسبب توقيعه على اعلان مشترك مع القبارصة الاتراك.
وفي بلجيكا تم تأليف حكومة من (3) أحزاب برئاسة (شارل ميشيل) عام (2014) لكن التحالف الفلامنكي الجديد انسحب منها بسبب اعتراضه على قبول الحكومة (الميثاق العالمي للهجرة).
اما في اليونان فقد انسحب حزب "اليونانيون المستقلون" عام (2019) من حكومة (الكسيس تسيبراس) اعتراضاً على الاتفاق مع دولة مقدونيا.
بل يحق حتى لحزب الأغلبية الذي ينتمي له رئيس الوزراء ان يسحب ثقته منه ويستبدله بشخص ثانٍ، فقد استقال رئيس الوزراء الإيطالي (انريكو ليتا) عام (2014) بعد ان سحب حزبه الديمقراطي تأييده له.
السؤال الثاني: هل يحق لأحزاب للمعارضة المطالبة بمناصب في الحكومة؟
طبعاً لا يحق للمعارضة المشاركة في الحكومة، ففي هذه الحالة لن تصبح معارضة أصلاً، إلا إذا طلب الحزب الفائز منها ذلك ووافقت المعارضة وهذه حالة نادرة، فعندما أصبح (باراك أوباما) رئيساً للولايات المتحدة عام (2009)، وهو من الحزب الديمقراطي، طلب من (روبرت غيتس) البقاء بمنصب وزير الدفاع رغم انه من الحزب الجمهوري.
السؤال الثالث: هل يحق للمعارضة ان تتظاهر ضد سياسات الحكومة؟
هذا من بديهيات العمل السياسي، فمن حق أحزاب المعارضة استخدام كل الطرق الدستورية والقانونية للإعتراض على الحكومة واسقاطها، فقد تظاهرت الكثير من أحزاب المعارضة ضد الحكومات في الدول الديمقراطية، وهذه بعض الأمثلة:
إيطاليا: تظاهر الحزب الديمقراطي (2010) ضد حكومة (سيلفيو برلسكوني).
اليابان: تظاهر الحزب الديمقراطي والحزب الشيوعي (2015) ضد حكومة (شينزو آبي).
بريطانيا: تظاهر حزب العمال (2016) ضد حكومة (ديفيد كاميرون).
تركيا: تظاهر حزب الشعب الجمهوري (2017) ضد الرئيس (رجب طيب اردوغان).
صربيا: تظاهر الائتلاف من أجل صربيا (2018) ضد الرئيس (آلكسندر فوتشيتش).
أرمينيا: تظاهر حزب العقد المدني (2018) ضد الرئيس (سيرج سركيسيان).
السؤال الرابع: هل المعارضة ضد الحكومة على طول الخط أمْ تساندها أحياناً؟
في بعض المواقف تحصل الحكومة على دعم المعارضة خاصة في قضايا البلد المصيرية أو التي تهم الشعب بشكل عام، اما حكومة الأقلية فيمكنها الاعتماد على المعارضة مقابل إصدار قوانين لصالح ناخبيها، فعندما شكل رئيس الوزراء السويدي (ستيفان لوفين) حكومة أقلية (2014) أعلن أنه سيتعاون مع الأحزاب الآخرى في بعض المجالات مثل (نظام المعاشات التقاعدية، تطوير الطاقة في المستقبل، سياسة الأمن والدفاع)، وفي قبرص دعم حزب (أكيل) المعارض موقف الرئيس من القبارصة الأتراك (2014)، وساند الحزب الاشتراكي الأسباني حكومة (ماريانو راخوي) اثناء ازمة إقليم كتالونيا عام (2017).
السؤال الخامس: هل يمكن ان تتفق الأحزاب على اختيار شخصية مستقلة أو غير فائزة بالانتخابات لرئاسة الجمهورية أو الحكومة؟
نعم هذا حدث في عدة دول اتفقت فيها أحزاب الحكومة والمعارضة على انتخاب شخصية مستقلة لرئاسة الدولة أو الوزراء، مثل: (كارلو تشامبي) رئيس جمهورية إيطاليا (1999)، أبو بكر زين العابدين رئيس جمهورية الهند (2002)، (ماريو مونتي) رئيس وزراء إيطاليا (2011)، (يواخيم غاوك) رئيس جمهورية المانيا (2012)، مهدي جمعة رئيس وزراء تونس (2014)، أمينة فقيم رئيسة جمهورية موريشيوس (2015) ... ألخ.
طبعاً هناك أسئلة أخرى لكن لا يسع المقال لذكرها جميعاً وربما يأتي دورها لاحقاً.

Aldhamat1@yahoo.com

15

أمجد الدهامات - العراق

نتيجة لتأثير موروثات كثيرة ومتنوعة تراكمت عبِر الزمن تعودت المجتمعات الرجولية ذات الطابع البدوي على الحكم الذكوري، فلابد أن يحكم القبيلة (فحل الفحول) ولا مجال لقيادتها من قبِل امرأة.
ومع نشوء الدول الوطنية تم التعامل مع الدولة وكأنها قبيلة كبيرة، وتحت يافطة الحفاظ على عادات وتقاليد الأجداد القروسطية تم استصحاب حالة عدم تولي النساء لحكم الدولة – القبيلة، ورغم محاولة تجميل صورة هذه الدولة بتعيين عدد من النساء في بعض المواقع الحكومية إلا أن رئاستي الجمهورية والوزراء بقيتا ذكورية بأمتياز، اما في الدول الملكية فأن منصبي الملك وولي عهده رجولي أيضاً وتنص عليه الدساتير وبالتالي فمن الإستحالة تولي امرأة لهذه المسؤوليات.
ورغم ان النساء العربيات المهاجرات قد تولين مواقع سيادية في بلدان المهجر مثل خديجة عريب، وهي من أصل مغربي، رئيسة برلمان هولندا (2016)، ورشيدة داتي، وهي من أصل مغربي جزائري، وزيرة العدل (2007) في فرنسا، وغيرهن، إلا أن هذه المواقع لا تزال ممنوعة عليهن في قلعة الفحولة العربية، فلم يتم توزير امرأة في وزارات الخارجية، الداخلية، الدفاع، المالية، النفط، العدل، بل جرت العادة على توزيرهن في وزارات أقل أهمية مثل الثقافة، السياحة، الشؤون الاجتماعية ... ألخ، والمفارقة أنه تم في لبنان تعيين رجل (جان أوغاسبيان) بمنصب وزير الدولة لشؤون المرأة!
طبعاً توجد استثناءات لما ذكرته أعلاه، مثل نجاح العطار نائبة رئيس الجمهورية السورية وريا الحسن وزيرة المالية ثم الداخلية في لبنان والناهة بنت حمدي وزيرة الخارجية الموريتانية، لكنها قليلة ولا تشكل فرقاً.
اما رئاسة البرلمانات العربية، ورغم صلاحياتها المحدودة في الأنظمة العربية الشمولية، لكنها لاتزال رجولية، وأيضاً مع استثناءات قليلة، مثل: أمل القبيسي رئيسة المجلس الوطني الأماراتي (2015)، وفوزية زينل رئيسة مجلس النواب البحريني (2018)، وفالا فريد الرئيسة المؤقتة لبرلمان كوردستان (2019).
لكن هل يتقبل المجتمع العربي أن تكون رئيسة الدولة امرأة؟
من الصعوبة بمكان على العقل العربي قبول المرأة في هذا المنصب، والموضوع يحتاج إلى تغيير عقلية المجتمع وطريقة تفكيره والتدرج من بدايات بسيطة ثم، بمرور الزمن، تتصاعد لتصل إلى القمة ربما على المدى البعيد، وهذا ما حصل في سريلانكا:
فقد تم فيها انتخاب أول امرأة بالعالم لمنصب رئيس الوزراء وهي (سيريمافو باندرانايكا) عام (1960) ومرة ثانية في عام (1970)، ونتيجة لنجاحها في عملها وتحولها إلى شخصية عالمية تصاعد رضا وقبول الشعب لحكم المرأة فتم انتخاب أبنتها (شاندريكا كماراتونغا) رئيسة للجمهورية (1994) والتي بدورها عيّنت والدتها بمنصب رئيس الوزراء، فأصبحت الدولة تحت حكم النساء.
ما حدث في سريلانكا امتدت تأثيره، بالإضافة إلى عوامل أخرى، إلى الدول القريبة منها في جنوب أسيا بل في عمومها، مثل: انديرا غاندي رئيسة وزراء الهند، بناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان (أول وأصغر رئيسة وزراء في دولة إسلامية)، كورازون أكينو رئيسة جمهورية الفلبين ومن بعدها غلوريا أرويو، ميغاواتي سوكارنوبوتري رئيسة اندونيسيا، ... ألخ.
ولم يقتصر الأمر على أسيا فقط بل وصل إلى قارات أخرى مثل قلعة الدكتاتوريات أفريقيا، حيث حكمت النساء بعض دولها، مثل ألين جونسون سيرليف رئيسة ليبريا، كاترين سامبا بانزا رئيسة افريقيا الوسطى، جويس باندا رئيسة ملاوي، ... ألخ.
أما في قارة أمريكا الجنوبية فأن أول امرأة تتولى منصب رئيس الجمهورية هي رئيسة الأرجنتين إيزابيل بيرون عام (1974) ففتحت الباب أمام حكم النساء في القارة مثل: ميشال باشيليه رئيسة تشيلي، ديلما روسيف رئيسة البرازيل، كريستينا كيرشنر رئيسة الأرجنتين، ... ألخ.
هذا التدرج البطيء، وهو من طبيعة الأشياء على أية حال، لم يحصل في الدول العربية، فرغم أن أول امرأة تولت منصب وزاري في العالم العربي هي وزيرة البلديات العراقية نزيهة الدليمي عام (1959)، ولكن لم يتطور الامر ليصل إلى منصب رئيس الدولة أو حتى لمنصب رئيس الوزراء رغم محدودية صلاحيات هذا المنصب في أغلب الدول العربية، كما أن الطبقة السياسية العربية والمجتمع العربي بعمومه وبالذات (سي السيد) لم يتقبل بعد أن تكون المرأة رئيسة للجمهورية أو الوزراء، ودائماً بتأثير الموروثات القديمة التي لا تزال حاضرة في مخيلة الأنسان العربي ومن الصعب عليه مغادرتها رغم أننا الآن في عام (2019) وليس في القرون الوسطى، في عصر المساواة بين البشر وليس عصر الجواري!
أخيراً، هل سيأتي اليوم الذي نقول فيه: السيدة رئيسة الجمهورية؟

Aldhamat1@yahoo.com

16
الأحزاب العراقية ونظرية الخيارات الفائضة
أمجد الدهامات - العراق
تحدث المفكر (Alvin Toffler) في كتابه (Future Shock) الصادر عام (1970) عن نظرية الخيارات الفائضة (Over choice)، والتي يمكن توضيحها من خلال التجربة التالية:
تم وضع (6) أنواع من العسل في كشك لمعرفة سلوك الناس، فكانت النتيجة، أن (40%) من المارة توقفوا وسألوا عن الأنواع، وقام (79%) منهم بالشراء.
بعدها تم وضع (24) نوعاً من العسل في نفس الكشك لكن النتيجة كانت أن (60%) من المارة توقفوا وسألوا عن الأنواع، لكن الذين اشتروا فعلياً (5%) منهم فقط!
ان تعدد الخيارات امام الناس تجعل عقولهم تُصاب بحالة من الحيرة والارتباك مما يؤدي الى تعبها وإنهاكها من التفكير، فيكون قرارها النهائي هو الغاء فكرة الشراء من الأساس، وهذا ما يُسمى بنظرية (الخيارات الفائضة)، والتي لها مصاديق كثيرة في حياتنا اليومية.
وأبرز مثال على هذه النظرية هو ما حصل في بلدنا خلال انتخابات البرلمان عام (2018)، فقد سجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (204) حزب سياسي أشترك اغلبها، ولو عن طريق التحالفات، في الانتخابات، وهذا العدد كبير جداً حتى بالمقاييس الديمقراطية، فكانت نظرية (الخيارات الفائضة) أهم سبب لعزوف الناخبين من المشاركة بالانتخابات، بالإضافة الى أسباب أخرى طبعاً.
إذ ان هذا العدد الكبير من الأحزاب يجعل الناخب متحيراً، خاصة الناخب غير المنتمي لجهة سياسية معينة أو الذي لم يحسم أمره بعد، هذه الحيرة والتعب الفكري تجعل عدم المشاركة أو ابطال ورقة الناخب هي الخيار المفضل لدى أغلبية الناس.
ان وجود عدد كبير من الأحزاب الصغيرة يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي، كما ان حصولها على عدد قليل من المقاعد البرلمانية يعرقل تشكيل الحكومات، إذ انها تفرض شروط مبالغ بها وأكبر من حجمها البرلماني لتسهيل عملية التشكيل.
ومثال على ذلك ما جرى بعد الانتخابات اللبنانية لعام (2009)، إذ حصل تحالف (14) آذار على (60) مقعداً وتحالف (8) آذار على (57) مقعداً بينما حصل اللقاء الديمقراطي بزعامة وليد جنبلاط على (11) مقعداً، أي انه الجهة التي ترجح كفة أحد التحالفين في تشكل الحكومة، وفعلاً حصل جنبلاط على الكثير من المكاسب التي لا تتناسب مع حجمه الفعلي.
اما في إيطاليا فقد أدى وجود الأحزاب الصغيرة إلى حالة مزمنة من عدم الاستقرار السياسي، فقد تم تشكيل (58) حكومة منذ عام (1946)، بل ان حكومة (Giovanni Spadolini) التي شكلها عام (1982) لم تعمر سوى (3) أشهر فقط، وسقطت حكومة (Romano Prodi) في البرلمان عام (1998) عندما انسحب منها حزب لديه (3) مقاعد فحسب!
وفي المانيا كان الحزب الديمقراطي الحر يشارك في كافة الحكومات الائتلافية على مدى (50) سنة ويحصل على وزارات سيادية ومهمة على الرغم من حصوله على أقل من (%12) من أصوات الناخبين.
ولتلافي هذا النتيجة تقلص الدول الديمقراطية عدد الأحزاب فيها، فلا تسمح بدخول أي حزب للبرلمان إلا بعد ان يحصل على حد أدنى من أصوات الناخبين، أي انه لا يوجد حزب حاصل على مقعد واحد أو مقعدين في برلماناتها، وتختلف نسبة هذا الحد من بلد الى أخر، اذ ان اقل نسبة هي في هولندا ولا تتجاوز (0.67%) واعلاها في تركيا وتبلغ (10%)، وبينهما إيطاليا (2%)، اسبانيا (3%)، بلغاريا والبانيا والسويد (4%)، وفي بولندا، المانيا، روسيا، التشيك، تونس، استونيا، أوكرانيا وأرمينيا نسبة (5%)، جورجيا (7%)، ليختنشتاين (8%).
ربما يعترض البعض ان هذا يتنافى مع القيم الديمقراطية وحرية الناس في تشكيل الأحزاب، كما يؤدي إلى هيمنة الأحزاب الكبيرة على الحياة السياسية في البلد، وعدم إعطاء الفرصة للأحزاب الصغيرة لكي تنمو وتصبح كبيرة بمرور الزمن، وغيرها من الاعتراضات.
ورغم انها آراء محقة لكن يمكن معالجتها عن طريق اندماج الأحزاب الصغيرة مع بعضها، أو تشكيل تحالفات فيما بينها لخوض الانتخابات، وبالتالي ستكون فرصتها بالفوز أكبر.
ان هذا أفضل حل إذا كانت الدولة امام خيارين: اما تقليص عدد الأحزاب أو عدم الاستقرار السياسي.
ماذا يختار العراق؟

Aldhamat1@yahoo.com

17
الطبقيةُ والعنصريةُ في المجتمعِ العراقي
أمجد الدهامات - العراق
الطبقيةُ والعنصريةُ من أهمِ أمراضِ المجتمعِ العراقي، ومع أَنَّها واحدةٌ من المشكلاتِ المسكوتِ عنها، وما أكثرُها، إلا أنَّ اغلبُنا يشعرُ بها أو يمارسُها احياناً، وما يزيدُ من خطورتِها وترسخِها هو عدم معالجتِها، بل وانكارِها، فمن المعروفِ إنَّ المرضَ البسيطَ إذا لم يتمْ الاعترافُ به ومعالجتُه في بداياتِه فإنّه بمرورِ الزمنِ يتحولُ الى مرضٍ عضالٍ يصعبُ التعاملُ معهُ والتخلصُ منهُ، ومع عدمِ تدخلِ الجهاتِ المعنيةِ، وخاصةً الحكوميةَ منها، في معالجةِ هذهِ المشكلةِ (المرض) فإنَّ الوضعَ أصبحَ خطيراً ويمكن على المدى الطويلِ أنْ يؤديَ الى نتائجَ كارثيةٍ، فبالتأكيدِ الطبقيةَ تؤدي الى غيابِ العدالةِ الاجتماعيةِ وبالتالي ضعفَ التماسكِ الاجتماعي، بالإضافةِ الى تعارضِها الواضحِ مع ثوابتِ الدينِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.
طبعاً هذا الموضوعُ مهمٌ ويحتاجُ الى دراساتٍ كثيرةٍ ومعمقةٍ، لكن هذهِ المقالةَ عبارةٌ عن إشارةٍ للموضوعِ عسى أنْ يتمَ معالجتُهُ من قبلِ المختصينَ.
هل تريدونَ - أيها السيداتُ والسادةُ - أمثلةَ عما ذكرتُهُ؟
حسناً، لن أرجعَ بالتأريخِ طويلاً، بل سأبدأُ من العهدِ الملكي عندما كان البلدُ يعاني من ترسباتِ الفترةِ العثمانيةِ الطويلةِ، حيث تمثلتْ أبرز صورِ الطبقيةِ من خلالِ الألقابِ التي انتشرتْ للتمييزِ بين شرائحَ المجتمعِ، فتوجدُ ألقابٌ للحكامِ والوزراءِ وكبارِ الموظفينَ (الباشا، البيگ، الأفندي)، ولرجالِ الدينِ (السيد، الشيخ، الملا)، ولشيوخِ العشائرِ (الأمير، الشيخ، الآغا)، وللتجارِ (الچلبي) ولأصحابِ المهنِ (الأسطة، الصانع) ... ألخ.
ولما كان الطابعُ الزراعي هو السائدُ فقد كانتْ هناك تراتبيةٌ وطبقيةٌ خاصةَ بالمناطقِ الريفيةِ يتزعمُها شيخُ العشيرةِ الاقطاعي مالكُ الأرضِ، ويليهُ رجلُ الدينِ المحلي (الملا) ثم (الوكيل، الموامير – جمع مأمور- الحوشية والسركال)، في قبالةِ الفلاحِ الذي يقبعُ في أسفلِ سلّمِ الطبقاتِ، والمفارقةُ أنَّ الفلاحَ الذي يزرعُ الرزَ (الشلب) أو القمحَ أو الشعيرَ، هذا الفلاحُ المظلومُ والمغلوبُ على امرهِ، ينظرُ نظرةً دونيةً للفلاحِ الذي يزرعُ الخضرواتِ! ويطلقُ عليهِ، تحقيراً، لقبَ (الحَسَاوي) نسبةً الى منطقةِ الاحساءِ.
وفي المدنِ توجدُ طبقيةٌ يرافقُها نوعٌ من العنصريةِ، وقد تركزتْ على أصحابِ بعضِ المهنِ، فقد كانَ المجتمعُ يحتقرُهم ولا يزوجُهم أو يتزوج منهم، مثل حائكِ السجادِ (الحايچ)، وصاحبِ محلِ الموادِ الغذائيةِ (العطار)، والفنانِ (يسمونه الدمبگچي)، وصيادِ الأسماكِ (البربري)، ومربي الطيورِ (المطيرچي) الذي لم تُكنْ تُقبلُ شهادتُه أصلاً! ونسوا أنَّ: "النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ".
ومع أنَّ هذا النوعَ من الطبقيةِ قد اختفى تقريباً إلا أنَّ اثارَهُ لا تزالُ موجودةً، وقد تمثَّلَ بشكلٍ جديدٍ بسببِ تطورِ المهنِ والاعمالِ ونشوءِ الطبقةِ الوسطى (Middle Class)، التي يتصدرُها الأطباءُ يَليهمُ المهندسونَ، الضباط، المحامونَ، المدرسونَ والمعلمونَ ... وهكذا، بل أنَّ بعضَ هذهِ الشرائحِ تحولتْ الى طبقةٍ خاصةٍ منعزلةٍ عن غيرِها، لها تقاليدُها الخاصةُ التي تميزُها عن الآخرينَ، وحتى يلتقونَ ويتزاوجونَ ويتشاركونَ الاعمالَ فيما بينهم، الا فيما ندرَ.   
والمفارقةُ أنَّه حتى ضمنَ المهنةِ الواحدةِ توجدُ تفرقةٌ وطبقيةٌ، فالأطباءُ أفضلُ من الصيادلةِ، بل أنَّ طبيبَ القلبِ تفوقُ مكانتهِ طبيبَ الباطنيةِ، اما المهندسُ المدني فهو أعلى رتبةً من مهندسِ الميكانيكِ مثلاً، وضباطُ الجيشِ أفضلُ من ضباطِ الشرطةِ الذينَ يحوزونَ الأفضليةَ على ضباطِ شرطةِ المرورِ، ولكن ضباطَ القوةِ الجويةِ يتربعونَ على قمةِ الهرمِ!
وفي السلكِ التعليمي يُعتبرُ الأستاذُ الجامعي أرقى من المدرسِ الذي بدورهِ أفضلُ من المعلمِ، اما معلمو رياضِ الأطفالِ فيحتلونَ ذيلَ القائمةِ!
وفي غيرِ المِهَن، هناكَ نظرةٌ دونيةٌ من قبلِ سكانِ وسطِ العراقِ الى أهالي شمالهِ وجنوبهِ، وأبرزُ معالمهِ تمثلتْ بالنكاتِ العنصريةِ ضدَهم، ولا ننسى الكلمةَ الشهيرةَ (محافظات)!
وهناك عنصريةٌ من نوع آخرَ، فقد كان المجتمعُ يحملُ نظرةَ ازدراءٍ واحتقارٍ الى بعضِ مكوناتهِ، مثل الاكرادِ وبالذاتِ الكردي الفيلي (العجمي) فالعربي، مثلاً، لا يُزوجُ ابنتهُ للكردي، مع معرفتهِ بقولِ الرسولِ الكريمِ: "لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ إِلا بِالتَّقْوَى".
وكذلك ذوو البشرةِ السوداءِ الذينَ يُطلقُ عليهم لفظُ (العبدِ) للرجلِ ولفظُ (الوصيفةِ) للمرأة، ولا يُخففُ من ذلكَ الاحتقارُ قولهم (كلنا عبيد الله) عندَ ذكرِهم، فضلاً عن شريحةِ الغجرِ (يسمونَهم الكاولية)، والأقلياتِ الدينيةَ مثلَ الصابئةِ والازيديينَ واليهودِ، كما أنَّ بعضَ العشائرِ تعتبرُ نفسَها أفضلُ من عشائرَ أخرى وتتعاملُ معها على هذا الأساسِ في أمورٍ كثيرةٍ مثلَ الزواج.
اما المرأةُ فمكانتُها وقصتُها معروفةٌ في تفكيرِ وسلوكِ الرجلِ الشرقي البدوي، ذلك الرجلُ الذي يحرصُ على أنْ تسيرَ المرأةُ خلفهُ بمسافةٍ لا تقلُّ عن مترين! وعندما يذكرُها يقول: (تكرم مره)! 
هذه بعضُ الأمثلةِ، وبالتأكيدِ يمكنكُم ذكرَ الكثيرِ منها، فمجتمعُنا حافلٌ بها!





Aldhamat1@yahoo.com

18
المعارضة السياسية في الدول الديمقراطية
أمجد الدهامات - العراق
الأحزاب هي الوليد الشرعي للديمقراطية فلا يمكن وصف بلدٍ ما بأنه ديمقراطي إذ لم تكن فيه أحزاب، ومن الطبيعي أن تتنافس الأحزاب فيما بينها للوصول إلى السلطة لتحقيق برامجها الانتخابية، وبالعادة عندما يفوز حزب أو تحالف أحزاب بالانتخابات فأنها تشكل الحكومة لتتولى الأحزاب الخاسرة مهمة المعارضة لها، وهذه المعارضة مهمة وضرورية جداً لدورها الحيوي في تصحيح مسار الحكومة، فلا ديمقراطية حقيقية بدون وجودها، وبالعادة تسعى المعارضة إلى تصيد أخطاء الأحزاب الحاكمة لغرض إسقاطها بكل الوسائل الدستورية والقانونية المتاحة وتشكيل حكومة بدلاً عنها، وعندها ينتهي دورها كمعارضة ويبدأ دورها كحزب سلطة، ليصبح الحزب الحاكم السابق حزب المعارضة وهكذا.
اما مصطلح (المعارضة التقويمية) فلا وجود له بالعمل السياسي، لأن عمل المعارضة ليس تصحيح مسار الحكومة وتقديم النصح لها، فالأحزاب ليست جمعيات خيرية على أية حال، أن واجبها هو استغلال الفرص لإسقاط الحكومة بواسطة الاستجوابات أو سحب الثقة، وقد تحصل الحكومة على ثقة البرلمان فتبقى بالسلطة وإذا حصل العكس تستقيل، فمثلاً لم يحجب البرلمان الياباني الثقة عن حكومة (شينزو آبي) بعد طلب قدمه الحزب الديمقراطي وثلاثة أحزاب معارضة أخرى عام (2016)، ولكن البرلمان البريطاني سحب ثقته من رئيس الوزراء (جيمس كالاهان) عام (1979)، هذه هي السياسة.
واحياناً يفوز حزب المعارضة بالانتخابات المحلية وعندها يكون دوره مزدوجاً، فهو حزب معارض للحكومة الاتحادية ولكنه حزباً حاكماً في الإقليم الذي يفوز فيه بينما الحزب الحاكم اتحادياً سيكون معارضاً في حكومة الإقليم، في المانيا فاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، وهما من المعارضة، في الانتخابات المحلية التي جرت في ولاية (بادن فورتمبرج) عام (2011) على الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم فلعبا هذه الدور المزدوج.
واحياناً تجري الانتخابات البرلمانية مع المحلية في وقت واحد وعندها تُشكل الحكومتين الاتحادية والمحلية من قبِل الأحزاب الفائزة، في الانتخابات الهندية لعام (2019) فاز حزب (بهاراتيا جاناتا) والأحزاب المتحالفة معه بأغلبية مقاعد البرلمان (353 مقعد) فشكل الحكومة الاتحادية برئاسة (ناريندرا مودي)، وفي نفس الوقت فاز في برلمانات (8) ولايات فتولى الحكم فيها أيضاً، اما حزب المؤتمر الوطني وحلفائه (91 مقعد) فكان حزب المعارضة للحكومة الاتحادية، ولكنه فاز في برلمانات بعض الولايات فتولى الحكم فيها وأصبح حزب (بهاراتيا جاناتا) معارضاً في هذه الولايات.
طبعاً الحزب أو التحالف الذي يشكل الحكومة يستحوذ على جميع المقاعد الوزارية لكونها تمثل استحقاق سياسي وانتخابي له، ولكون منصب الوزير موقع سياسي يديره أحد منتسبي الحزب لتنفيذ برنامجه الانتخابي، ومن الممكن الإستعانة بأشخاص من خارج الحزب أو حتى من الحزب المعارض لشغل مقاعد وزارية، في النمسا فاز تحالف من حزبي الشعب والحرية في انتخابات عام (2017) وشكلا الحكومة برئاسة (سيباستيان كورتس) ومع ذلك تم تعيين (4) وزراء مستقلين بالحكومة، وعندما تولى الديمقراطي (باراك أوباما) منصب رئيس الولايات المتحدة أبقى الجمهوري (روبرت غيتس) وزيراً الدفاع.
اما المناصب الآخرى في هيكلية الدولة (ما دون منصب الوزير) فهي ليست من حق الأحزاب الحاكمة أو المعارضة أصلاً، أنها تخضع للتسلسل الإداري الهرمي، لأنها تمثل العمود الفقري للدولة ويشغلها خبراء تكنوقراط لا علاقة لهم بالسياسة، ولا ينبغي لها أن تتأثر بعملية المداورة وتولي الحكم بين الأحزاب بل تتمتع بالثبات والاستمرارية لبناء هيكل اداري متين وراسخ تنتقل فيه الخبرة من جيل إلى أخر بشكل طبيعي، ولهذا استمر (إدغار هوفر) بمنصب مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي للفترة من (1935-1972) رغم تبدل ستة رؤساء جمهورية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وعمل (جاك فوكار) بمنصب مستشار الشؤون الافريقية في فرنسا لمدة (18) سنة مع ثلاثة رؤساء جمهورية.
أنهم خبراء يعلمون من أجل البلد وشعبه وليس لفائدة الأحزاب.

 Aldhamat1@yahoo.com


19
متى يُجرَّبُ المُجرَّبُ؟
أمجد الدهامات - العراق
تم انتخاب (فرانكلين روزفلت) رئيساً للولايات المتحدة أربع مرات (1945-1933)، و(امنتوري فانفاني) رئيساً لوزراء إيطاليا خمس مرات أولها عام (1954(، و (لي كوان يو) رئيساً لوزراء سنغافورة لمدة (31) سنة (1990-1959)، و(بيير ترودو) رئيساً لوزراء كندا لمدة (15) سنة اعتباراً من (1968)، و(برونو كرايسكي) مستشاراً للنمسا لمدة (13) سنة (1983-1970)، و(مارغريت تاتشر) رئيسة لوزراء بريطانيا للفترة من (1990-1979)، و(مهاتير محمد) رئيساً لوزراء ماليزيا لمدة (22) سنة (2003-1981) ثم فاز بالمنصب من جديد في انتخابات عام (2018)، و(هلموت كول) مستشاراً لألمانيا خمس مرات (1998-1982).
كل واحد من هؤلاء، وغيرهم، هو شخص (مُجرب) فلماذا قررت شعوبهم إعادة (تجربتهم) مرات أخرى؟
حسناً لنعود إلى البداية قليلاً:
تختلف الدول في تحديد عدد الفترات الرئاسية، فهناك دول تسمح بفترة واحدة فقط مثل لبنان، قرغيزستان، المكسيك، تشيلي، هايتي وأورغواي (بعضها يسمح للرئيس المنتهية ولايته بالترشح مرة أخرى للمنصب بعد مرور فترة زمنية معينة)، ودول تحددها بفترتين مثل تونس، أمريكا، روسيا، بولندا، البرازيل، الارجنتين وبنين، ودول ثالثة لا تحدد الفترات مثل كازخستان، تركمنستان، فنزويلا وتوغو.
كما تختلف الدول في مدة كل فترة، فهناك دول تحددها بأربع سنوات مثل العراق، أمريكا، رومانيا، إيران وصربيا، ودول تحددها بخمس سنوات مثل كوريا الجنوبية، بولندا، هايتي، مدغشقر وتشاد، ودول تحددها بست سنوات مثل لبنان، الفلبين، جيبوتي، الكونغو والمكسيك، ودول تحددها بسبع سنوات مثل اليمن، ايرلندا، إيطاليا، الكونغو والغابون، وقد كانت المدة في فرنسا سبع سنوات لكن الرئيس (جاك شيراك) أعتبرها طويلة فتم تقصيرها في عام (2000) إلى خمس سنوات.
طبعاً أغلب رؤساء الدول ورؤساء الحكومات يطمحون إلى إعادة انتخابهم للمنصب أكثر من مرة ما دام دستور بلدانهم يسمح بذلك، لكن هل توافق شعوبهم على إعادة (تجربتهم) مرة ثانية بعد ان (جربتهم) بالمرة الأولى؟
اكيد ان الفيصل في إعادة انتخاب أي رئيس دولة أو رئيس وزراء هو نجاحه في تطبيق برنامجه الانتخابي الذي تم انتخابه على أساسه في الدورة الأولى، فعندما ينجح في تطبيق وعوده ويعمل من أجل شعبه فسيتم إعادة انتخابه و(تجربته) مرات جديدة، وان لم ينجح في عمله فسيعاقبه الشعب ويُسقطه بالانتخابات.
وهذا ما جرى في الهند، إذ تم انتخاب رئيسة الوزراء (انديرا غاندي) يشكل متواصل للفترة (1977-1966)، لكن عندما أعلنت حالة الطوارئ وطبقت الاحكام العرفية وضيقت الحريات عاقبها الشعب وأسقطها في انتخابات عام (1977)، وعندما تعهدت بتغيير سياساتها تم انتخبها من جديد عام (1980).
وفي فرنسا أعاد الشعب انتخاب (فرانسوا ميتران) لدورة ثانية عام (1988) للإنجازات الكبيرة التي حققها، لكنه لم يُعيد انتخاب (نيكولا ساركوزي) عام (2012) لفشله في تحقيق وعوده الانتخابية، أما (فرانسوا اولاند) فعرف مقدماً انه لن يفوز مرة ثانية في انتخابات عام (2017) لسخط الشعب منه فقرر عدم ترشيح نفسه أصلاً.
وفي الولايات المتحدة لم يُعاد انتخاب (جورج بوش) الأب في عام (1992) لفشله في تنفيذ شعار حملته الانتخابية (أقرأوا شفاهي، لا ضرائب جديدة. – Read my lips, no new taxes) بينما أُعيد انتخاب (بيل كلنتون) مرة ثانية عام (1997)، لأنه نجح في تطبيق شعار حملته الانتخابية والذي ركز فيه على الاقتصاد: (إنه الاقتصاد، يا غبي - It’s the economy, stupid).
وفي دولة تشيلي يحدد الدستور للرئيس فترة حكم واحدة فقط، لكن يحق له ان يرشح نفسه من جديد بعد مرور ما لا يقل عن (4) سنوات على مغادرته للمنصب، وفعلاً فقد تم انتخاب السيدة (ميشيل باشليت) لمنصب رئيس الجمهورية عام (2006)، ورشحت نفسها لدورة أخرى في انتخابات عام (2014) وفازت لأن الشعب قرر (تجربتها) مرة ثانية لأنها نجحت في (التجربة) الأولى.
إذن المعيار في تجربة أو عدم تجربة المجرب هو نجاحه في عمله وتحقيق برنامجه الانتخابي، وليس لمجرد عدم السماح له بتكرار التجربة، فما دام ناجحاً ويعمل لمصلحة الشعب فليبقى حاكماً بغض النظر عن عدد المرات التي حكم فيها وحسب ما يسمح به الدستور، وان كان فاشلاً فالأفضل ان لا يُكمل فترته أصلاً!

Aldhamat1@yahoo.com

20
المنبر الحر / ثقافة الإستقالة
« في: 19:21 26/06/2019  »
ثقافة الإستقالة
أمجد الدهامات - العراق
كتبتُ في مقالي (حكومة تكنوقراط؟) أن الحكومة السياسية أفضل من حكومة التكنوقراط، ولكن يوجد استحقاق مهم على المسؤول السياسي أن يدفعه هو التالي:
أن الوزير السياسي هو المسؤول عن كل ما يجري في وزارته، ولا يتهرب من المسؤولية لأي سبب كان، وعند حصول خطأ ما في حدود سلطاته فيجب عليه هو، وليس غيره، أن يتحمل المسؤولية السياسية والأدبية ويقدّم استقالته من منصبه، فهذه ضريبة أن تكون وزيراً سياسياً، أن كلمة السر في الموضوع كله هي (المسؤولية).
ولهذا مثلاً استقال رئيس وزراء المانيا (فيلي براندت) في (أيار 1974) عندما كشفت المخابرات الألمانية جاسوساً يعمل موظفاً في مكتبه، فلمْ يتهرب من المسؤولية ويكتفي بإحالة الجاسوس للمحكمة ويوجه كتاب شكر وتقدير للمخابرات وينتهي الموضوع، بل تحمّل المسؤولية السياسية الكاملة عما حدث وقدّم استقالته.
وكذلك فعل رئيس الأرجنتين الجنرال (ليوبولدو غالتيري) بعد هزيمة جيشه أمام الجيش البريطاني في حرب (فوكلاند)، ورغم أنه دكتاتور تولى السلطة بانقلاب عسكري وكان بإمكانه ان يلقي المسؤولية على صغار الضباط ويحاكمهم، إلا أنه تحمّل المسؤولية واستقال من منصبه (حزيران 1982).
وأيضاً استقال وزير النفط الكويتي عادل الصبيح أثر حريق في حقل الروضتين النفطي (شباط 2002)، طبعاً الوزير لم يتسبب بالحريق وهو ليس رجل إطفاء لكنه المسؤول السياسي عما حدث، وتكرر الأمر في الكويت نفسها عندما استقال وزير الدولة للشؤون البلدية حسام الرومي (تشرين الثاني 2018) بعد السيول الناتجة عن هطول الامطار الغزيرة، فقد عبّر عن عميق أسفه إزاء الأضرار الكبيرة التي لحقت بممتلكات المواطنين وأنه يستقيل انطلاقاً من مسؤوليته الأدبية عنها، (هل تتذكرون السيول التي اجتاحت أغلب المحافظات العراقية خلال نيسان 2019 ودمرت الكثير من الممتلكات؟ وقتها لم يتحمّل أي شخص المسؤولية، بل حملّوها للسماء!).
وحتى لو وقع الخطأ من أصغر موظف بالوزارة وفي أبعد مكان عن مكتب الوزير، فالوزير نفسه هو المسؤول، فعندما اصطدام قطار في محطة مصر (شباط 2019) استقال وزير النقل هشام عرفات بعد ساعتين فقط من الحادث ولم ينتظر لجنة تحقيقية لتمييع الموضوع (على الطريقة العراقية)، طبعاً الوزير ليس سائقاً للقطار وغير مسؤول عن الاخطاء المتراكمة بالسكك، فهو لم يُستوزر إلا قبل (6) أشهر فقط من الحادث، لكنه المسؤول السياسي عن الوزارة وهو بالذات من يجب عليه ان يستقيل وقد فعل، ومن قبله استقالت وزيرة السكك الحديدية الهندية (ماماتا بانيرجي) أثر تصادم قطارين في إقليم البنجاب (كانون الأول 2000) وقالت أنها تتحمل المسؤولية عن الحادث.
إذن المسؤولية السياسية ليست سهلة، والمنصب ليس تشريفاً، والتعهدات التي يطلقها المسؤول حين تسلمه المنصب ليست مجرد كلمات مستهلكة ينساها بعد حين، أن الكلمة مسؤولية، وهذه الكلمة هي سبب استقالة (يوكيو هاتوياما) رئيس وزراء اليابان (حزيران 2010) لأنه لم يستطع الإيفاء بالعهد الذي قطعه للناخبين بنقل قاعدة أمريكية في جزيرة (أوكيناوا) من مدينة (جينوان) إلى منطقة (هينوكو)، رغم أنه لم يستلم منصبه إلا قبل (9) أشهر فقط! (تذكروا معي الكمْ الهائل من الوعود التي أطلقتها النخبة الحاكمة ولم تلتزم بها، والمفارقة أن الشعب أول من نساها ولم يحاسبهم عليها، بل أعاد انتخابهم مرة أخرى!).
اما في الجانب العسكري والأمني فالمسؤولية أخطر وأكبر لأنها تتعلق بحياة الناس وأمنهم ولابد من الإستقالة الفورية للمسؤول السياسي عن الأجهزة الأمنية في حالة حدوث خرق أمني، وفعلاً فقد استقال قائد شرطة العاصمة الأفغانية (كابول) الجنرال ظاهر ظاهر (تشرين الثاني 2014) بعد هجوم إرهابي قامت به طالبان أسفر عن مقتل (4) أشخاص، (لو أن كل قائد شرطة عراقي استقال بعد كل حادثة إرهابية لما بقي لدينا قائد!).
وفي بلجيكا استقال وزيرا الداخلية (جان غامبون) والعدل (كوين غينز) بسبب التفجير الأنتحاري في مطار بروكسل (أذار 2016)، رغم انهما ليسا حارسي أمن مثلاً، وقال (غامبون): "في ظل هذه الظروف أتحمل المسؤولية السياسية".
وأيضاً استقال وزير العدل القبرصي (يوناس نيكولاو) في (أيار 2019) بعد سلسة من الجرائم أدت الى مقتل (7) أشخاص على مدى ثلاث سنوات، وقال إنه استقال لأسباب تتعلق بـالمبادئ والضمير مضيفاً أنه لا علاقة له شخصياً بالقضية لكنه يتحمل المسؤولية السياسية عنها، (لطفاً لاحظوا عدد الضحايا وقارنوها بأعداد الضحايا في العراق).
اما في سريلانكا فقد استقال وزير الدفاع (هيماسيري فرناندو) بعد التفجيرات الإرهابية التي حدثت أثناء عيد الفصح (نيسان 2019)، وقال: "أنا لم أخفق في شيء لكني أتحمل مسؤولية إخفاقات بعض المؤسسات التي أرأسها بصفتي وزيراً للدفاع". (أرجوكم تذكروا عديد الهجمات الإرهابية التي تعرض لها وطننا خلال السنين الماضية والتي لم يتحمل مسؤوليتها أي شخص أو جهة، ولم تُعلن نتائج لجانها التحقيقية رغم خطورة هذه الهجمات وكثرة ضحاياها).
طبعاً هذه المسؤولية لا تخص الجانب التنفيذي فقط بل حتى التشريعي فلا يوجد إعفاء من المسؤولية، فقد استقال النائب طلعت خليل عضو البرلمان المصري عن محافظة السويس (آب 2018) بسبب غرق طفلين في مياه الصرف الصحي في أحد مناطق المحافظة، وقال: "أنا نائب ولا أستطيع استخدام حقي الدستوري بالرقابة على الحكومة ومحاسبتها، فلماذا أكون نائباً أصلاً؟"
إذن، أيها السيدات والسادة، المسؤولية السياسية ونتيجتها الإستقالة في غاية الأهمية وتضع المسؤول الأول على المحك دائماً، وتعتبر أنه المسؤول عن كل ما يجري في حدود سلطاته، وهي ثقافة سادت في الكثير من المجتمعات ولكنها غائبة عن مجتمعنا العراقي، فمن النادر أستقالة مسؤول بسبب خطأ وقع في القطاع المؤتمن عليه، رغم كثرة التجاوزات والأخطاء والفساد، فالمسؤول الأعلى يرى الكارثة تحدث ويعرف تماماً أنها من ضمن اختصاصه، وهي نتيجة فساد أو سوء تخطيط أو إهمال، ومع ذلك لا يتحمل المسؤولية بل يتجاهل الكارثة أو يبررها، وفي أحيان كثيرة يتم تحميل المسؤولية إلى صغار الموظفين ليكونوا كبش الفداء لأخطاء المسؤول الكبير.
أن نقطـة الشروع وبدايـة التأسيس لهذه الثقافة لدى الطبقة السياسية الحاكمة ولتكون سلوكاً سائداً ومستمراً هي ... احترام الشعب.
لكن ... متى تحترمون شعبكم؟

Aldhamat1@yahoo.com


21
المصالحة الوطنية: من رواندا الى العراق ... مع التحية
أمجد الدهامات - العراق
السلام عليك أيها العراق ...
انا رواندا، ربما سمعت بي، فأنا دولة صغيرة في وسط افريقيا، مساحتي حوالي (26000) كم ²، وعدد سكاني حوالي (11) مليون نسمة يتكونون من اغلبية من قبيلة (Hutu) واقلية من قبيلة (Tutsi).
في نيسان (1994) حدثت حرب أهلية بين القبيلتين استمرت لمدة (100) يوم فقط، لكن كانت نتائجها كارثية، إذ قُتل (800000) ألف انسان أغلبهم على يد جيرانهم نتيجة التحريض العنصري والعرقي من قبل الطبقة السياسية، كما نزح (2.5) مليون آخرين.
وبعد نهاية الحرب كان السؤال الكبير امام شعبي هو: ما العمل؟ هل ننتقم ممن ساهم بالمجازر؟ أم نسجنهم؟ أم نعدمهم؟ واعتقد أنك، أيها العراق، قد تعرضت لنفس الأسئلة بعد عام (2003).
نعم كان من المتوقع حصول عمليات انتقام، لكن رئيسنا (Paul Kagame) كان حكيماً فقد قال "لم نأتِ لأجل الانتقام، فلدينا وطن لنبنيه، وبينما نمسح دموعنا بيد، سنبني باليد الأخرى".
فشكل حكومة وحدة وطنية حقيقية وهيأة مصالحة وطنية حقيقية، وأبدع حلاً فريداً لم يخطر على بال سياسيي العراق، فقد كان المتهمون بالمجازر مئات الآلاف، وسجون البلاد ممتلئة بالكامل بهم وستستغرق محاكمتهم (200) سنة والكثير من الاموال، فكان الحل هو النظام القضائي التقليدي (Gacaca Courts) أي محكمة العشب الأخضر، والذي يشبه الى حدٍ ما (الفصل العشائري) في العراق، لكن بدون (فصل مربع)!
فقد قرر الرئيس الإفراج عن المتهمين بشرط ان يذهبوا إلى الضحايا أو أهالي الضحايا ليعترفوا بذنبهم ويعلنوا توبتهم ويطلبوا العفو عنهم.
فتشكلت (12000) محكمة في جميع أرجاء البلاد، في كل محكمة تسعة قضاة يختارهم السكان، على ان تُقام المحاكمات في الساحات العامة، فتم محاكمة أكثر من مليوني شخص أُدين (%65) منهم، وكانت العقوبات السجن أو العمل في حقول الضحايا أو تنظيف القرية.
هل تعلم، أيها العراق، ان القتلة تقدموا طواعية ليعترفوا بذنبهم؟ وهل تعلم ان الضحايا حرصوا على مسامحة القتلة؟ هل حصل مثل هذا الشيء عندكم؟
لقد كان الغرض الأساسي لهذه المحاكمات هو تحقيق النتيجة النهائية المتمثلة في السماح للناس بالعيش في نفس المجتمع بدون مشاكل، كما انه يجمع كل سكان القرية ليشهدوا عمليات الاعتراف، وعلى صدقيتها، ولتشجيع الضحية على الصفح والغفران.
لقد كان، أيها العراق، لهذا المحاكم أثر مهم وفريد من نوعه، ولتعرف ذلك سأنقل لك قول أحد المساهمين بالمذبحة: "لا تقوم (Gacaca) على فكرة القانون والعقاب، وإنما على فكرة الاعتراف بالخطأ والتكفير عنه، فالقضاة هم كبار قريتك وأقاربك وجيرانك وأقارب ضحاياك حاضرون، وهذا يعطي للمحاكمة معنى مختلف، لقد ترددت كثيراً في الاعتراف، كنت خائفا من الألم الذي سأشعره إن غفروا لي بعدما آذيتهم، لقد كان الإعدام أهون من النظر في عيونهم".
كما قالت قريبة أحد الضحايا عن المجرم: "ما أن دخلت القاعة، حتى جثا على ركبتيه أمامي وأجهش بالبكاء، ثم رجاني ان لا أغفر له وأن أنزل عليه العقوبة التي أُريد، لكنني غفرت له، وفي تلك اللحظة، شعرت بأنني إنسان آخر، وكأن الألم الذي سكن قلبي زال تماماً، وبعدما أطلق سراحه أخبرني بأنه نذر حياته لخدمتي، فأخبرته أنه لا داعٍ لذلك، لكنه أصر، فأخبرته بأنني بحاجة للمساعدة لترميم بيتي، فجاء مع مجموعة من الشباب، وبنوا لي بيتاً جديداً، ثم وعدني بأن يعمل في حقلي مدى حياته، ماذا سيفيد أن أنتقم منه؟ لا شيء، لكن الصفح يفيد".
المدهش أن المئات من أقارب الضحايا كانوا يزورون السجون يومياً ليغفروا للجناة، مما أثر بشكل عميق في نفسية المجتمع، وداوى جراحه العميقة.
هل توجد مثل هذه النماذج في العراق؟
أيها العراق: هل تعرف كيف أصبحت رواندا الآن؟
حسناً لأتحدث بلغة الأرقام لأن (الأرقام لا تكذب) كما يقول المثل المعروف:
لقد حقق الاقتصاد نمواً في ناتجه المحلي بمعدل (9%) سنوياً، تضاعف نصيب دخل الفرد (30) مرة، تراجع معدل الفقر من (%60) إلى (39%)، ارتفع متوسط حياة الفرد من (48) عاماً إلى (64) عاماً، انخفضت الأمية من (50%) إلى (25%)، أصبح عدد الجامعات (29) جامعة بعد ان كانت في البلد كله جامعة واحدة فقط، صار الترتيب في مؤشر الفساد بالمرتبة (52) بعد ان كان بالمرتبة (185)، وارتفع إنتاج القهوة من (30) ألف طن (15) مليون طن.
وقد صنفت الأمم المتحدة العاصمة (Kigali) بأنها من أكثر المدن جمالاً في العالم، وأجمل وأنظف مدينة أفريقية، خاصة بعد ان تم فرض غرامات كبيرة كعقوبة لإلقاء القمامة في الشوارع أو قطع شجرة أو إلحاق الضرر بالطرق.
وتم أطلق قمر اصطناعي للاتصالات وربط المدارس بالإنترنت المجاني، وزاد معدل السائحين بنسبة (30%) كما نمت السعة الفندقية للعاصمة بنسبة (1000%) بعد رفع شعار (Visit Rwanda).
كما تم تغيير المناهج الدراسية وأصبحت تحارب العنصرية وتحث على الانتماء الوطني بعد ان كانت ترسخ العنصرية والانتماء للقبيلة وليس للوطن، كما تم استبدال المناهج الورقية بمنصات إلكترونية من خلال تخصيص (%22) من موازنة الدولة للتعليم.
كما تم منع استخدام أسم قبيلتي (هوتو وتوتسي) أو الدين أو المحافظة التي ينتمي اليها الشخص في أي وثائق أو أوراق أو معاملات رسمية، فقد أصبحت المواطنة الرواندية هي القاسم المشترك الأعظم لكل سكان البلاد.
هل تستطيع ان تفعل كل هذا في العراق أيها العراق؟!

Alfhamat1@yahoo.com

22
لا فدرالية بدون صلاحيات
أمجد الدهامات - العراق
كتبت في مقالي (هل الفدرالية تؤدي الى التقسيم؟) ان هناك مِن العراقيين مَنْ يعترض على الفدرالية بحجج كثيرة، وقد تناولت في ذاك المقال التخوف من التقسيم، اما في هذا المقال فسيكون عن اعتراضات آخرى، مثل:
الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها الإقليم.
دستور وعلم وشعار الإقليم.
التمثيل الخارجي للإقليم.
سأرد، بأختصار، عن هذه الاعتراضات، مستعيناً بالتجارب الفدرالية في العالم، لنطلع جميعاً على كيفية تصرف الدول الاتحادية مع هذه الموضوعات.
أقول: لا فدرالية بدون صلاحيات، لان الغاية من الفدرالية ان يحكم شعب الإقليم نفسه بنفسه، وبدون صلاحيات لا يستطيع فعل ذلك أكيداً، بل ان سلب الصلاحيات من الإقليم قد يؤدي الى شعور شعبه بالغبن والظلم ويحاول الانفصال عن دولته الأم كما أشرت في مقالي السابق.
وسأذكر هنا بعض الأمثلة:
توجد دساتير وحكومات وبرلمانات في أقاليم سويسرا، النمسا، المانيا، البرازيل، المكسيك، فنزويلا، استراليا، ماليزيا، اثيوبيا، جنوب افريقيا، وغيرها، وتمارس هذه الحكومات، بموجب الدساتير الاتحادية، صلاحيات كثيرة ومتنوعة في مجالات التعليم، الصحة، الأمن، الشؤون الاجتماعية، الطرق، البيئة، المالية، بل اغلبها تحصل أموال أكثر مما تحصل عليه حكوماتها الاتحادية.
لكن رغم هذه الحقوق الكبيرة لكن بعض الأقاليم تتخلى عن بعضها أو تحصل على أكثر منها بالاتفاق مع الحكومة الفدرالية، فالولايات الهندية، مثلاً، لم تكتب دساتير خاصة بها وأكتفت بالدستور الاتحادي ولكن ولاية (Jammu and Kashmir) كتبت لنفسها دستوراً، وكذلك ولايات دولة جنوب افريقيا ما عدا ولاية (Western Cape) التي لديها دستور.
بل ان (8) من أقاليم الارجنتين اختارت ان يكون لها برلمان يتكون من مجلس شيوخ ومجلس نواب بينما (15) إقليم قررت ان يكون لها مجلس نواب فقط، وكذلك في استراليا اختارت (5) ولايات ان يكون لها مجلسين للشيوخ والنواب بينما اختارت (3) ولايات ان يكون لها مجلس نواب فقط.
وفي ماليزيا يتم تبادل منصب رئيس الدولة بين ملوك الولايات كل (5) سنوات، وكذلك الحال في اتحاد جزر القُمر اذ تتولى لكل جزيرة من الجزر الثلاث المكونة للاتحاد رئاسة الدولة بشكل دوري.
كما ان بعض الدول الفدرالية أعطت للأقاليم صلاحية ابرام معاهدات دولية ولو ببعض القيود، فيحق للكانتونات السويسرية ابرام معاهدات مع الدول الأجنبية في المسائل الاقتصادية والحدودية والامنية، وفي المانيا يحق للولايات ابرام معاهدات تتعلق بالاختصاص التشريعي لها، بل ان الحكومة الاتحادية ملزمة باستشارة الولايات عندما تعقد معاهدة تتعلق باختصاصها الحصري، وفي دولة الامارات يحق لكل امارة ابرام اتفاقيات مع الدول المجاورة لها.
والأكثر من ذلك ان المقاطعات الكندية اعترضت عندما وقعت الحكومة الاتحادية على اتفاقيات خاصة بمنظمة العمل الدولية لان الدستور الكندي منحها صلاحيات تتعلق بالملكية والحقوق المدنية، كما اعترضت عندما وقعت الحكومة بروتوكول كيوتو (Kyoto Protocol) الخاص بالتغير المناخي عام (2002).
وفي الارجنتين يحق للمقاطعات توقيع اتفاقيات دولية في مجالات التجارة، ادارة الموارد الطبيعية كالأنهار والنفط والغاز، المشاريع الكهربائية، الانظمة البيئية، ومشاريع البنية التحتية كبناء الطرق التي تربط بين المقاطعة والدول المجاورة لها والهجرة والامن وصيد الأسماك.
بل ان الدستور النمساوي الزم الحكومة الاتحادية باستشارة المقاطعات قبل توقيع معاهدات تؤثر عليها وفي نفس الوقت الزم الدولة بإيفاء الالتزامات الناجمة عن المعاهدات الدولية التي توقعها المقاطعات ولم تستطع الالتزام بها، وهذا الامر موجود في سويسرا ايضاً.
اما ما يخص موضوع علم وشعار الأقاليم، فإن الدساتير الاتحادية في الدول الفدرالية قد منحت هذه الحقوق لأقاليمها بحيث تكون لها اعلام وشعارات خاصة بها مستمدة من واقعها وتأريخها ورموزها لتمييزها عن غيرها، وهذا الامر موجود في كل الفدراليات في العالم، انه تميز وتمييز للإقليم وليس دولة مصغرة.
وفيما خص الاعتراض حول التمثيل الخارجي للأقاليم فهو أمر طبيعي أيضاً في الكثير من الدول الاتحادية، فمقاطعة (Quebec) الكندية لها مكاتب تمثيلية في (25) دولة تديرها وزارة علاقات دولية خاصة بالمقاطعة، وكذلك إقليم (Alberta)، وفي أمريكا أفتتحت الولايات (180) مكتباً يمثلها خارج البلاد تمثل مصالحها، وكذلك في المانيا يحق للمقاطعات فتح مكاتب خارجية لها، واقامت الكانتونات السويسرية التي لها حدود مشتركة مع دول اجنبية علاقات مع هذه الدول في مجالات الثقافة والطاقة والسياحة وغيرها، وفي الهند اقامت ولاية (Jammu and Kashmir) علاقات مع جارتها باكستان، وولاية (Sikkim) مع الصين، وولاية (West Bengal) مع مجموعة خليج البنغال الاقتصادية، وارسلت حكومة إقليم (Basque) الاسباني وفد يمثلها لدى الاتحاد الاوربي في بروكسل.
بالنهاية: اعتقد اننا نعترض ونستغرب من هذه الأمور لان بلدنا جديد على النظام الاتحادي، لكن لنعمل معاً على إنضاج تجربتنا ولنجعل فدراليتنا مثل فدراليات العالم.


Aldhamat1@yahoo.com


23
العراق: نظام رئاسي أمْ برلماني؟
أمجد الدهامات - العراق
بين فترة وأخرى تصدر دعوات من جهات سياسية وشعبية لتغيير النظام السياسي في العراق من برلماني إلى رئاسي، والسبب في ذلك هو المشاكل التي يعاني منها البلد نتيجة هذا النظام الذي هو الوليد الشرعي لدستور عام (2005)، لكن هل تنتهي المشاكل بمجرد تغيير النظام السياسي للبلد؟
طبعاً هناك نقاش قديم حول أفضلية الأنظمة السياسية، ولكلٍ منها مؤيد ومعارض، وبشكلٍ عام لا يوجد اتفاق على أفضلية نظام على آخر، فلكل منها محاسن ومساوئ وكل دولة اختارت ما يناسبها من الأنظمة نتيجة ظروف تأريخية مرّت بها وحتّمت عليها الاختيار، كما لا توجد وصفة جاهزة لتطبيقها على كل البلدان، فلربما ينجح نظام في دولة معينة ولا ينجح في دولة آخرى، فالعلة الرئيسية ليست في النظام نفسه بل في القائمين على تطبيقه.
فبعضهم يقول إن النظام الرئاسي يخفف من الصراعات السياسية ويفصل بين السلطات ويحقق استقرار البلدان مثلما هو الحال في أمريكا، البرازيل، تشيلي، ... ألخ، لكن هناك تخوف من تحول رأس النظام إلى دكتاتور مثلما حصل في دول الحزب الواحد والدكتاتوريات في أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.
وهناك من يقول إن النظام البرلماني يمنع تحول الحاكم إلى دكتاتور ويحدّ من التعارض بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لكونهما من اتجاه سياسي واحد كما هو الحال في المانيا، بريطانيا، الهند، ماليزيا، ... ألخ، لكن هناك من يقول إن هذا النظام لا يوفر استقرار سياسي للبلدان، ففي إيطاليا مثلاً تم تشكيل (58) حكومة منذ عام (1946)، كما أنه لم يحمي كمبوديا من الحكم الدكتاتوري لرئيس الوزراء (هون سين) الذي تولى المنصب منذ عام (1984) ولحد الآن، وكذلك أثيوبيا التي حكمها رئيس الوزراء الدكتاتور (ملس زيناوي) خلال الفترة (2012-1995).
ولجمع محاسن النظامين الرئاسي والبرلماني وتلافي مساوئهما ابتكرت فرنسا في عهد الرئيس (شارل ديغول) النظام المختلط أو شبه الرئاسي في دستور الجمهورية الخامسة عام (1958) الذي وزّع السلطة التنفيذية بين رئيس جمهورية منتخب من الشعب بشكل مباشر يتمتع بصلاحيات كبيرة ورئيس وزراء لديه صلاحيات أيضاً ومسؤول امام الرئيس والبرلمان.
في هذا النظام تسير الأمور بسلاسة كبيرة في حال كان لحزب الرئيس أغلبية في البرلمان، فيستطيع أختيار رئيس وزراء من نفس الحزب، لكن الصعوبة تكمن في حال فقدان الرئيس لأغلبيته البرلمانية فيضطر للتعايش مع رئيس وزراء من حزب آخر كما حصل في فرنسا عام (1986) عندما كان رئيس الجمهورية (فرانسوا ميتران) من الحزب الاشتراكي ورئيس الوزراء (جاك شيراك) من الاتحاد من أجل حركة شعبية.
ولفوائد هذا النظام فقد تبنته الكثير من الدول مع تغييرات تناسب كل واحدة منها، مثل: فنلندا، البرتغال، بولندا، ليتوانيا، سلوفينيا، كرواتيا، إيرلندا، النمسا، آيسلندا، روسيا، رومانيا، بلغاريا، جورجيا، مولدوفا، مقدونيا، باكستان، قرغيزستان، سيرلانكا، منغوليا، السنغال، الكونغو، مدغشقر، النيجر، مالي، ... ألخ، وربما يكون الأفضل للعراق ايضاً.
طبعاً من الممكن أن تغير دولة ما نظامها وهذا ما حصل سابقاً، لكن أغلبها تمت لأغراض شخصية ولترسيخ الدكتاتورية، وهذه بعض الأمثلة:
غانا: غيّر نظامها رئيس الوزراء (كوامي نكروما) إلى رئاسية في عام (1960) وأصبح رئيسها لغاية انقلاب (1966).
ملاوي: غيّر نظامها رئيس الوزراء (هاستينجز باندا) إلى رئاسية عام (1966) وحكمها بشكل دكتاتوري لغاية عام (1994).
زمبابوي: غيّر نظامها رئيس الوزراء (روبرت موغابي) إلى رئاسية في عام (1987) وحكمها بشكل دكتاتوري لحين طرده من الحكم في عام (2017).
اثيوبيا: حولّها رئيس الجمهورية (ملس زيناوي) إلى برلمانية عام (1995) وأصبح رئيساً للوزراء بشكل دكتاتوري حتى وفاته عام (2012).
أرمينيا: بالنظر لكون الدستور لا يسمح لرئيس الجمهورية (سيرج سركيسيان) البقاء رئيساً لفترة ثالثة فقد حوّل نظامها إلى برلماني عام (2015) وأصبح رئيساً للوزراء لكن أطاحت به ثورة شعبية.
تركيا: حولّها الرئيس (رجب طيب اردوغان) من النظام البرلماني إلى الرئاسي عام (2017) وأصبح رئيساً للجمهورية.
بالنسبة للحالة العراقية ولتلافي أخطاء الدول الآخرى فمن الأفضل أن يكون التغيير بشكل مدروس وغير متسرع كما كُتب الدستور، ومن خلال حوار سياسي ومجتمعي موسع تشارك فيه القوى السياسية والشعب، وبالتالي سيختار المواطن عن قناعة راسخة النظام السياسي المناسب، مثلما فعل الشعب الإيراني عندما وافق على تحويل النظام إلى رئاسي عام (1989) بينما لم يوافق الشعب البرازيلي على تحويل النظام إلى برلماني عام (1993).


Aldhamat1@yahoo.com


24
هل الفدرالية تؤدي الى التقسيم؟
أمجد الدهامات - العراق
كالعادة ينقسم العراقيون، كما في أي موضوع آخر، حول الفدرالية ما بين مؤيد أو معارض لها، وقد نسوا ان اغلبيتهم قد وافقوا على دستور (2005) الذي نصَّ على الفدرالية وحرية تكوين الأقاليم في العراق، وكانت الحجة الرئيسية لدى الرافضين للفدرالية انها يمكن أن تؤدي الى تقسيم البلد!
حسناً، لنطلع على تجارب العالم ولنرى هل الفدرالية قسمت البلدان أم وحدتها؟
بنظرة سريعة على خريطة العالم سنرى ان تطبيق الفدرالية والحكم الذاتي الموسع كان السبب الرئيسي لعدم تقسيم الدول التي تتكون من قوميات، أعراق، لغات، أديان ومذاهب متعددة، وان عدم تطبيق الفدرالية أو إلغاء تطبيقها كان السبب المباشر لتفكك تلك الدول أو محاولة أجزاء منها الانفصال عنها.
هل تريدون، أيها السيدات والسادة المعترضون، دليلاً على هذا الكلام؟
اذن هاكم هذه الأدلة:
كانت بلجيكا تعاني من مشاكل كثيرة بين مكوناتها العرقية واللغوية الثلاثة (الفلامينك، الوالون، الجرمان)، فكان الحل الفدرالي هو أفضل الممكن للحفاظ على وحدة البلد وعدم تقسيمه فتحولت عام (1993) من دولة مركزية إلى دولة فدرالية وتم انشاء ثلاثة أقاليم (Flemish، Wallonia، Brussels).
وكذلك حفظت الفدرالية وحدة بلدان كثيرة، مثل: الولايات المتحدة، المانيا، سويسرا، الهند، ماليزيا، جنوب افريقيا، البرازيل، الارجنتين، وغيرها. 
بينما كان السبب المباشر لبداية نضال ارتيريا للانفصال عن اثيوبيا هو إلغاء النظام الفدرالي الذي كانت تتمتع به من قبل الامبراطور (Haile Selassie) عام (1961) الامر الذي أدى الى استقلالها (1993).
وكذلك سبب بداية الحرب الأهلية السودانية هو إلغاء فدرالية الجنوب من قبل الرئيس (جعفر النميري) عام (1983) وكانت النتيجة استقلال دولة جنوب السودان (2011).
وتكرر نفس الامر عندما ألغى الرئيس الصربي (Slobodan Milosevic) الحكم الذاتي لإقليم كوسوفو (Kosovo) عام (1989) فكانت النتيجة الحتمية انفصال الإقليم (2008).
اما محاولة إقليم بيافرا (Biafra) الانفصال عن نيجيريا واندلاع الحرب الاهلية (1967) فكانت بسبب عدم منحه صلاحيات كافية لإدارة شؤونه الداخلية، وهو سبب تمرد ومحاولة انفصال إقليم الباسك (Basque) عام (1968) عن اسبانيا، ومحاولة انفصال مقاطعة ايرلندا الشمالية (Northern Ireland) عن بريطانيا والتي انتهت باتفاق الجمعة العظيمة (1998) الذي مُنحت بموجبه حكماً ذاتياً موسعاً، وكذلك سبب محاولة جزيرة أنجوان (Anjouan) وجزيرة موهيلي (Moheli) الانفصال عن دولة جزر القُمر ولم تنتهي هذه المحاولات إلا عام (2001) بعد تعديل الدستور وإنشاء نظام فدرالي وتداول رئاسة الدولة بين الجزر.
بينما لم يحصل مثل هذا التمرد في زنجبار (Zanzibar) لأنها عندما اتحدت مع تنجانيقا لتشكيل دولة تنزانيا (1964) تم منحها حكماً ذاتياً بصلاحيات محلية كبيرة.
وأيضاً ساهم منح هونغ كونغ (Hong Kong) عام (1997) وماكاو (Macao) عام (1999) استقلالية كبيرة في إدارة شؤونهما الخاصة في تسهيل رجوعهما إلى الصين وتخلصهما من الاستعمارين البريطاني والبرتغالي.   
إذن، على عكس رأي المعترضين، ان السبب الرئيسي لتفكك وانقسام الدول المتعددة المكونات هو الحكم المركزي الدكتاتوري وعدم تطبيق الفدرالية بالإضافة الى تصاعد الروح القومية بتأثير من السياسيين القوميين المتعصبين، كما حصل في الاتحاد السوفيتي (السابق) الذي تفكك إلى (16) دولة عام (1991)، ويوغسلافيا (السابقة) التي انقسمت الى (7) دول (1991)، إذ رغم انهما دولتان فدراليتان بالأسم، إلا ان نظام الحكم فيهما شديد المركزية وكل الصلاحيات بيد الحكومة الاتحادية الدكتاتورية ولا توجد صلاحيات مهمة لدى الحكومات المحلية للجمهوريات المكونة للبلدين، فكانت النتيجة الحتمية هي الانقسام، وهو السبب الرئيسي لانفصال سوريا عن مصر (1961)، وانفصال بنغلادش عن باكستان (1971)، وانقسام تشيكوسلوفاكيا الى دولتين (تشيك وسلوفاكيا) عام (1993).
ولو تم تطبيق الفدرالية عند اتحاد دولتي اليمن الشمالي واليمن الجنوبي (1990) لما حدثت الحرب الأهلية الانفصالية بينهما عام (1994)، ولكن عندما حصل الحوار الوطني اليمني عام (2014) كانت الفدرالية أحد مخرجاته حيث تم الاتفاق على إنشاء (6) أقاليم اتحادية.
وكذلك عدم تطبيق الفدرالية في قبرص وقيام الرئيس (Makarios) عام (1963) بتعديل الدستور لتقليص الحقوق السياسية للقبارصة الأتراك أدى الى انفصالهم واعلان (جمهورية شمال قبرص التركية).
وأيضاً لو تم تطبيق الفدرالية في تيمور الشرقية (East Timor) لما انفصلت عن اندونيسيا (1999)، ولكن بعد الانفصال تعلمت الحكومة الاندونيسية الدرس فمنحت الحكم الذاتي الموسع لإقليم بابوا (Papua) عام (2001) وإقليم آتشيه (Aceh) عام (2005) بعد تمرد طويل ومطالب بالانفصال، وكذلك الحال في إقليم بانجسامورو (Bangsamoro) الذي منحته الحكومة الفلبينية الحكم الذاتي (2014) بعد تمرد عسكري للحصول على الاستقلال بسبب قيام الرئيس (Ferdinand Marcos) بإلغاء الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به شعب مورو (Moro) منذ عام (1976)، وحتى الحل المقترح لمشكلة الصحراء الغربية القائمة منذ عام (1975) هو منحها الحكم الذاتي ضمن المغرب الذي طرحه الملك محمد السادس عام (2007).
ثم يذكر المعترضون، لتأييد رأيهم، استفتاءات الانفصال التي جرت في إقليم كيبك (Quebec) الكندي عامي (1980، 1995)، ومقاطعة اسكتلندا (Scotland) البريطانية (2014)، وإقليم كتالونيا (Catalonia) الاسباني عام (2017).
ولكن هذه الحجة غير ناهضة أيضاً، وبدون الدخول في التفاصيل خشية الاطالة، فلكل حالة ظروفها الخاصة، وجرت هذه الاستفتاءات تحت مبدأ حق تقرير المصير (Self-determination) الذي كفلته الأمم المتحدة، وليأس هذه الاقاليم من استجابة حكوماتها الاتحادية لمطالبها المستمرة في منحها المزيد من الصلاحيات لحكم نفسها.
علماً ان أحد أسباب إستفتاء كتالونيا هو إلغاء الحكم الذاتي للإقليم من قبل الدكتاتور (Francisco Franco) ثم ارجاعه مرة أخرى عام (1979) وبعدها ألغاء المحكمة الدستورية جزءاً منه (2010)، ولكن بعد الاستفتاء اقترح رئيس الوزراء (Pedro Sanchez) تقديم المزيد من الصلاحيات للإقليم مقابل التخلي عن فكرة الانفصال.
ونظراً لكون الحكومة المحلية في اسكتلندا لا تتمتع بصلاحيات كبيرة لحكم المقاطعة وعدم موافقة الحكومة الاتحادية على تفويضها المزيد من الصلاحيات، فقد قررت إستفتاء الشعب للإنفصال عن المملكة المتحدة، علماً ان رئيس وزراء بريطانيا (David Cameron) قد وافق على اجراء هذا الاستفتاء، بمعنى انه قانوني.
وحالة إقليم كيبك مشابهه للحالتين السابقتين تقريباً، بالإضافة الى النزعة القومية والأسباب الاقتصادية.
إذن، الاحداث في مختلف دول العالم لا تؤيد الرأي القائل ان الفدرالية تؤدي الى التقسيم، بل بالعكس ان الفدرالية هي الحل الأفضل للدول المتعددة المكونات.
وبالتأكيد هي أفضل حل للعراق.

Aldhamat1@yahoo.com

25
المنبر الحر / حكومة تكنوقراط؟
« في: 17:50 11/06/2019  »
حكومة تكنوقراط؟
أمجد الدهامات - العراق
ذات مرة قال الرئيس (ابراهام لنكولن) عن الديمقراطية انها: "حكومة من الشعب ويديرها الشعب من أجل الشعب"، وبما أن المواطنين بمجموعهم لا يمكن أن يصبحوا حكومة، تم اختراع آلية الأنتخابات التي تقوم على فكرة قيام عموم الناس بتفويض بعض افرادهم للحكم نيابة عنهم، ولكي تتم هذه الأنتخابات لابد أن يُنظم الشعب نفسه على شكل كيانات سياسية تُسمى أحزاب يُشارك من خلالها بالأنتخابات، وعليه فأن وجود الأحزاب ضرورة في أي بلد ديمقراطي لأنها الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة وتداولها.
لكن هناك من يدعو لمنح السلطة إلى حكومات تكنوقراط غير سياسية بغض النظر عن نتائج الأنتخابات والأحزاب الفائزة فيها، فهل هذا ممكن؟ ومتى يتم تشكيل حكومة تكنوقراط في أي بلد؟
نعم، شهدت بعض الدول هذا النوع من الحكومات، وسأذكر ادناه بعض الأمثلة:
بنغلاديش: كان الدستور قبل (2011) ينص على تشكيل حكومة مؤقتة من التكنوقراط قبل إجراء أي انتخابات عامة، تحكم لمدة (3) أشهر تشرف خلالها على الأنتخابات ثم تسلم السلطة إلى الحزب الفائز، ففي (تموز 2001) شكّل الحكومة رئيس مجلس القضاء لطيف الرحمن وفي (كانون الثاني 2007) شكّلها محافظ البنك المركزي فخر الدين أحمد.
إيطاليا: بعد الأزمة المالية وإستقالة حكومة (سيلفيو برلسكوني)، تشكّلت حكومة تكنوقراط (تشرين الأول 2011) برئاسة الخبير الاقتصادي البروفيسور (ماريو مونتي) وتمتعت بدعم الأحزاب الممثلة بالبرلمان، لكن هذا الدعم لم يستمر طويلاً فقدمت استقالتها في (نيسان 2013).
لكن عندما كُلف الخبير المالي البروفيسور (كارلو كوتاريللي) في (آيار 2018) بتشكيل حكومة تكنوقراط فشل في كسب دعم الأحزاب وخاصة حزب الرابطة وحركة خمس نجوم فقدّم اعتذاره عن تأليفها.
اليونان: بعد أزمة اقتصادية وانتخابات غير حاسمة فشلت الأحزاب بتشكيل حكومة توافقية، فكلّف رئيس الجمهورية (آيار 2012) القاضي (بانايوتيس بيكرامينوس) برئاسة حكومة تكنوقراط، ضمّت (16) أستاذاً جامعياً، لحين اجراء انتخابات جديدة.
تونس: بعد الازمة السياسية الناتجة عن اغتيال السياسي المعارض شكري بلعيد اقترح رئيس الوزراء حمادي الجبالي تشكيل حكومة تكنوقراط في (شباط 2013)، لكن الأحزاب رفضت الفكرة وخاصة حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية فقدّم استقالته.
لكن بعد الحوار الوطني تم الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط برئاسة مهدي جمعة (كانون الثاني 2014) تقود البلد لغاية إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
أذن يمكن الاستعانة بحكومة من هذا النوع عندما يمر البلد بظروف استثنائية، اما في الظروف الطبيعية فتكون الحكومة السياسية هي الأنسب والأصلح لقيادة الدول لأنها تمثل الشعب ومنبثقة عنه وتساهم في تراكم العملية الديمقراطية، ثم إذا كان الوزير هو: "الرئيس الأعلى للوزارة ويتولى رسم السياسة العامة لوزارته في ضوء ستراتيجيات عامة تضعها الحكومة في بيانها الوزاري المنبثق من البرنامج الأنتخابي، أي انه قائد فريق عمل الوزارة المسؤول عن وضع خطط عملها لتطوير اختصاصها بما يقدم أفضل خدمة للمواطنين"، فهذه مهمة سياسية بأمتياز ويؤديها السياسيون، وأن كان الأفضل ان يكونوا من المختصين في مجال عمل وزاراتهم.
لكن هل يحق للأحزاب أن تسحب دعمها أو لا تدعم من الأصل حكومة التكنوقراط؟
في اعتقادي أن الجواب هو (نعم)، والسبب هو: أن الأحزاب شاركت بالأنتخابات وفق برامج انتخابية تشمل الموضوعات التي تهم الشعب، وتم انتخابها من قبله لإقتناعه بهذه البرامج، وبذلك تكون هي الممثل الشرعي للمواطنين وتعبّر عن رغبتهم بتنفيذ هذه الخطط، وبذات الوقت تكون الأحزاب ملزمة بتنفيذ تلك البرامج كونها تمثل عهداً قطعته لناخبيها، والطريق الوحيد لتنفيذ وعودها هو الحكومة لأنها الجهة الوحيدة دستورياً القادرة على وضع الخطط على ارض الواقع، بينما لا يستطيع البرلمان فعل ذلك لكونه سلطة رقابة وتشريع.
إذن متى يتم الاستعانة بالتكنوقراط والاستفادة من خبراتهم؟
اعتقد من الممكن الاستفادة منهم في مواقع مهمة كثيرة في الدولة، مثل: وكيل وزارة، رئيس جامعة، رئيس هيأة، مدير عام، مستشار، معاون مدير عام، وغيرها، أن هذه المناصب تُعتبر عماد الدولة وعمودها الفقري، كما يمكن أحياناً تطعيم الحكومات السياسية بوزراء خبراء عند الحاجة، وهذه بعض الأمثلة:
تونس: حكومة علي العريض (آذار 2013) ضمّت وزراء تكنوقراط مثل وزير الخارجية عثمان الجرندي.
إيطاليا: حكومة (انريكو ليتا) في (نيسان 2013) ضمّت (4) وزراء تكنوقراط أهمهم وزير الاقتصاد (فابريتسيو ساكوماني).
اندونيسيا: حكومة الرئيس (جوكو ويدودو) في (تشرين الأول 2014) فيها العديد من الوزراء التكنوقراط أبرزهم الخبيرة الاقتصادية وزيرة المالية (سري مولياني إندراواتي).
اثيوبيا: حكومة (هايلي ديسالين) في (تشرين الثاني 2016) ضمّت أغلبية من التكنوقراط أبرزهم (ورقنا قبيو) وزير الخارجية.
المغرب: حكومة سعد الدين العثماني (نيسان 2017)، ضمّت (9) شخصيات مستقلة مثل عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية.
فرنسا: حكومة الرئيس (إيمانويل ماكرون) الأولى (آيار 2017) ضمّت (7) وزراء مستقلين أبرزهم عالمة الكيمياء ورئيسة جامعة نيس (فريدريك فيدال) بمنصب وزيرة التعليم العالي.
النمسا: حكومة (سيباستيان كورتز) في (كانون الأول 2017) فيها (3) من التكنوقراط أبرزهم الخبيرة الدكتورة (كارين كنايسل) وزيرة للخارجية.
بنغلادش: يجب أن يكون (%10) من الوزراء في كل حكومة هم من التكنوقراط.
ثم ان بعض السياسيين كانوا أصلاً تكنوقراط وخبراء في مجالات متعددة قبل احترافهم السياسية، فمثلاً رئيسة تشيلي (ميشال باشليت) خبيرة ستراتيجية عسكرية وعالمة وبائيات، رئيسة ليبريا (إلين سيرليف) خبيرة في البنك الدولي، رئيس وزراء بريطانيا (جوردون براون) دكتوراه تأريخ وأستاذ في جامعة إدنبرة، مستشارة المانيا (انجيلا ميركل) حاصلة على دكتوراه كيمياء وباحثة في اكاديمية العلوم، رئيس وزراء هولندا (مارك روتي) مؤرخ ومحاضر في كلية (يوهان دي فيت)، رئيس وزراء الهند (مانموهان سينغ) خبير اقتصادي ومسؤول كبير في صندوق النقد الدولي، ... ألخ.
كما ان هناك من يطالب بحكومة تكنوقراط على أساس (شيطنة) جميع السياسيين ويعتبرهم سبب الفساد، وهذا رأي غير مقبول أكيداً، فهناك سياسيون نزيهون كما يوجد تكنوقراط فاسدون، فعندما يتفشى الفساد في بلدٍ ما فكلا السياسي والتكنوقراط سواء، فالتكنوقراط ليسوا ملائكة على أية حال!
ثم أن التكنوقراط يُكلف من قبِل السلطة أو الأحزاب فمن الممكن أن يقع في فخ التبعية وفقدان الاستقلالية ولو من الناحية المعنوية ورد الجميل، وربما ينتمي إلى حزب ما ليستقوي به لإحساسه الدائم بالضعف لكونه مستقلاً، وعندها يصح المثل: "وكأنك يا أبو زيد ما غزيت"!

Aldhamat1@yahoo.com

26
المنبر الحر / وزير لعدة وزارات!
« في: 10:42 09/06/2019  »
وزير لعدة وزارات!
أمجد الدهامات - العراق
للمرة الثالثة أكرر هذه المقدمة:
"يتصرف أغلبنا، نحن العراقيين، وكأننا نعيش بمعزل عن العالم، لا نقبل أو نتقبّل أشياء كثيرة مارستها البلدان والشعوب الأخرى بشكل عادي جداً منذ زمن طويل، ولكننا نرفضها ونتحسس منها ونعتبرها شيء غير طبيعي، بل ونستغرب منها كثيراً".
ومناسبة ذكرها هذه المرة هو ما يحدث عندما يتولى شخص ما وزارة معينة في الحكومة العراقية ثم يتولى وزارة غيرها عند تشكيل حكومة جديدة، عندها يبدأ الكلام السلبي والتعليقات الرافضة بل وحتى (التحشيش) عن الوزير (بتاع كلو)! كما يقول أخوتنا المصريون.
السؤال الكبير: هل من الصحيح أن يتولى شخص ما عدة وزارات وباختصاصات مختلفة؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال ينبغي الإجابة على أسئلة أخرى لنتبين حقيقة الموضوع:
السؤال الأول: ما هي وظيفة الوزير؟
الوزير هو الرئيس الأعلى للوزارة ويتولى رسم السياسة العامة لوزارته في ضوء إستراتيجيات عامة تضعها الحكومة في بيانها الوزاري، أي انه قائد فريق عمل الوزارة المسؤول عن وضع خطط عملها لتطوير اختصاصها بما يقدم أفضل خدمة للمواطنين.
السؤال الثاني: هل يجب ان يكون الوزير خبيراً في تخصص الوزارة التي يتولاها؟
لا يتشرط في الوزير ان يكون فنياً أو خبيراً في أعمال وزارته، بل لابد ان يكون إدارياً ومخططاً ناجحاً، وان جمع الخبرة الإدارية مع الاختصاص فهذا أفضل أكيداً.
السؤال الثالث: اذن من يتولى الأمور الفنية التخصصية في الوزارة؟
انهم الوكلاء والمدراء العامين والمستشارين في الوزارة الذين يجب ان يكونوا خبراء في أختصاص وزارتهم، ولهذا تحرص حكومات الدول على ابعادهم عن المحاصصة حتى في الحكومات الائتلافية.
السؤال الثالث: هل جرت مثل هذه الحالات عند تشكيل الحكومات في دول العالم؟ وكيف تم التعامل معها؟ وهل توجد أمثلة؟
نعم حدثت مثل هذه الحالات كثيراً جداً، بل لا يمكن احصائها، وتم التعامل معها بشكل طبيعي جداً من قبل الحكومات والشعوب، وادناه بعض الأمثلة:
في فرنسا: (نيكولا ساركوزي) رغم انه محامي إلا انه تولى مناصب: وزير الميزانية، وزير الاتصال، وزير الداخلية، وزير الاقتصاد والمالية، عضو البرلمان، رئيس الجمهورية، وعضو المجلس الدستوري.
(لوران فابيوس) أختصاصه إدارة: رئيس الوزراء، وزير الميزانية، رئيس البرلمان، وزير المالية، ووزير الخارجية.
(ميشال آليو ماري) محامية وتولت مناصب: الخارجية، العدل، الداخلية، وعضوة البرلمان.
وفي بريطانيا: (جاك سترو) رغم ان اختصاصه هو القانون الا انه تولى مناصب: عضو البرلمان، نائب رئيس الوزراء، وزير العدل، وزير الخارجية، ووزير الداخلية.
(جيريمي هنت) اختصاصه آداب وتولى مناصب: عضو البرلمان، وزير الصحة، ووزير الخارجية.
وفي المانيا تولت (انجيلا ميركل) واختصاصها فيزياء مناصب: وزيرة المرأة والشباب، وزيرة البيئة، ورئيسة الوزراء.
(زيغمار غابرييل) أختصاصه علم الاجتماع وتولى مناصب: وزير الخارجية، وزير الشؤون الاقتصادية والطاقة، نائب رئيس الوزراء، ووزير البيئة.
ميشال باشليت وهي طبيبة وتولت مناصب: وزيرة الصحة، وزيرة الدفاع، رئيسة تشيلي، ونائبة الأمين العام الأمم المتحدة.
بن علي يلدرم وهو مهندس بحري: وزير النقل، وزير الاتصالات، رئيس الوزراء، ورئيس البرلمان التركي.
وهذه الحالة موجودة في الدول العربية ايضاً، مثل:
يوسف بطرس غالي الحاصل على دكتوراه بالفلسفة تولى مناصب عديدة في مصر مثل وزارات: التعاون الدولي، شؤون مجلس الوزراء، الاقتصاد، التجارة الخارجية، والمالية، ولم يقل أحد عنه أنه وزير (بتاع كلو!).
يوسف يوسفي اختصاصه فيزياء وتولى مناصب: رئيس وزراء بالوكالة، وزير الخارجية، ووزير الطاقة والمناجم في الجزائر.
صباح خالد الحمد أختصاص علوم سياسية وتولى مناصب: وزير العدل، الاعلام، الخارجية، نائب رئيس الوزراء في الكويت.
اما في لبنان: فقد تولى جبران باسيل وهو مهندس مدني وزارات: الاتصالات، الطاقة، والخارجية.
وائل أبو فاعور وهو اختصاص إدارة اعمال تولى وزارات: الشؤون الاجتماعية، الصحة، والصناعة.
محمد فنيش اختصاص رياضيات تولى وزارات: الطاقة، العمل، التنمية الإدارية، شؤون مجلس النواب، والشباب والرياضة.
اذن يكون جواب السؤال الكبير: نعم، لان الشخص الإداري المتميز والمخطط الستراتيجي سينجح في كل وزارة، وعكسه سيكون فاشلاً في أي منصب!


Aldhamat1@yahoo.com


27
المنبر الحر / ومن أبوين عراقيين!
« في: 18:13 03/06/2019  »
ومن أبوين عراقيين!
أمجد الدهامات - العراق
كتبت في مقدمة مقالي المعنون (نشيدنا الوطني بثلاث لغات؟! ..... يا للهول!) ما يلي:
"يتصرف أغلبنا، نحن العراقيين، وكأننا نعيش بمعزل عن العالم، لا نقبل أو نتقبّل أشياء كثيرة مارستها البلدان والشعوب الأخرى بشكل عادي جداً منذ زمن طويل، ولكننا نرفضها ونتحسس منها ونعتبرها شيء غير طبيعي، بل ونستغرب منها كثيراً".
ما دفعني لذكر هذه المقدمة مرة أخرى هو ما ورد في المواد (17، 68، 77) من الدستور العراقي والتي تشترط برئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء ان يكونا عراقيين بالولادة ومن ابوين عراقيين وتمنع ازدواج الجنسية لكبار مسؤولي الدولة، بمعنى انه لا يحق لمكتسب الجنسية العراقية أو الذي يحمل جنسيتين ان يتولى المناصب العليا في البلد.
بالحقيقة ان الكثير من دول العالم قد غادرت هذه الجزئية وتقبلتّها منذ زمن طويل، وسمحت لمزدوجي الجنسية وللمهاجرين اليها المكتسبين لجنسيتها، حتى ان كانوا مولودين خارج اقليمها الجغرافي، بالمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والفنية والرياضية وغيرها، لأنها اعتبرتهم مواطنين من الدرجة الأولى لهم نفس حقوق وواجبات مواطنيها الأصليين، انطلاقاً من نظرة إنسانية بحتة تقوم على المساواة التامة بين البشر بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم أو جنسهم أو أثنيتهم، ولهذا لم تعد الشعوب تتحس من كون كبار المسؤولين فيها من المهاجرين المتجنسين، لكننا في العراق لا نزال نتحسس من هذا الموضوع كثيراً، ولا نتقبّل ان يكون كبار المسؤولين من المتجنسين أو مزدوجي الجنسية، ربما بسبب وجود أخطاء وفساد أو بتأثير الأفكار القومية التي عشنا تحت ظلالها فترات طويلة.
ولو اطلعنا على تجارب العالم لوجدنا ان هناك شعوباً عديدة تجاوزت هذا الامر وتقبلتّه، وأبرز مثال هو ما حدث في أمريكا اللاتينية التي حكم دولها الكثير من المهاجرين وخاصة من العرب، فهناك (11) رئيس جمهورية من أصل عربي، أهمهم:
ثلاثة من أصل لبناني تولوا رئاسة الاكوادور هم خوليو ثيودور سالم (1944)، عبد الله بو كرم عام (1996)، جميل معوض (1998)، اما جمهورية الدومنيكان فقد تولى رئاستها جاكوبو آزار وهو من أصل لبناني عام (1982)، وسلفادور جورجي بلانكو من أصل سوري عام (1982)، كما تولى جوليو سيزار طربيه وهو من أصل لبناني منصب رئيس كولومبيا عام (1978)، كارلوس منعم من أصل سوري رئيس الأرجنتين (1989)، كارلوس فلوريس من أصل فلسطيني رئيس هندوراس (1998)، أنطونيو سقا من أصل فلسطيني رئيس السلفادور (2004)، ميشال تامر من أصل لبناني رئيس البرازيل (2016)، ماريو عبده من أصل لبناني رئيس باراغواي (2018)، نجيب أبو كيلة من أصل فلسطيني رئيس السلفادور (2019)، و(Alberto Fujimori) من أصل ياباني رئيس بيرو (1990).
كما تولى المهاجرون مناصب آخرى كثيرة، سأذكر أمثلة قليلة منها حتى لا أطيل:
مهاجرون عراقيون تولوا مناصب رفيعة، مثل: وديع دده عضو الكونغرس الأمريكي، آرا درزي وزير الصحة البريطانية، ناظم الزهاوي عضو البرلمان البريطاني ووزير شؤون الأطفال والأسر في بريطانيا، جبار كريم عضو البرلمان السويدي، عمر الراوي عضو برلمان مدينة فينا النمساوية.
وهناك مهاجرون من دول مختلفة، مثل: طارق العيسمي من اصل سوري نائب رئيس فنزويلا، نجوى جويلي من أصول مصرية عضو البرلمان الاسباني، (Aida Hadzic) مولودة في البوسنة وزيرة التعليم في السويد، (Aydan Özoğuz) من أصول تركية عضو البرلمان ووزيرة الهجرة والسكان في ألمانيا، وزير داخلية بريطانيا (ساجد جاويد) وعمدة لندن (صادق خان) هما من أصول باكستانية، (Maryam Monsef) المولودة في أفغانستان وزيرة التنمية الدولية في كندا، (Harjit Sajjan) المولود في الهند وزير الدفاع الكندي، رشيدة طليب من اصل فلسطيني عضو الكونغرس الأمريكي، (Madeleine Albright) مولودة في تشيكوسلوفاكيا وزيرة خارجية اميركا، دينا حبيب مولودة في مصر نائبة مستشار الأمن القومي الأمريكي، نجاة بلقاسم المولودة في المغرب وزيرة حقوق المرأة الفرنسية، خديجة عريب المولودة في المغرب رئيسة مجلس النواب الهولندي، إلهان عمر من أصول صومالية عضو الكونغرس الأمريكي، وأحمد حسين المولود في الصومال وزير الهجرة الكندي، (Sinan Selen) المولود في تركيا نائب رئيس جهاز الاستخبارات الألماني.
اما مزدوجو الجنسية فقد تعاملت الكثير من دول العالم معهم بشكل طبيعي ايضاً، ولم تقف الجنسية المكتسبة عائقاً امامهم في تولي المناصب العليا في بلدانهم، وتوجد الكثير من الأمثلة، منها:
Manuel Valls)) رئيس وزراء فرنسا (2014) يحمل الجنسيتين الفرنسية والاسبانية بل انه اعلن انه سيرشح نفسه لرئاسة بلدية مدينة برشلونه الاسبانية، (Boris Johnson) وزير خارجية بريطانيا (2016) مولود في أميركيا يحمل الجنسيتين البريطانية والأمريكية، (طارق الوزير) نائب رئيس وزراء ووزير الاقتصاد في ولاية هيسن الألمانية (2014) يحمل الجنسيتين الألمانية واليمنية، (Nebahat Albayrak) عضوة البرلمان الهولندي ووزيرة العدل (2007) تحمل الجنسيتين الهولندية والتركية، (Anne Hidalgo) عمدة باريس (2014) تحمل الجنسيتين الفرنسية والاسبانية، أحمد أبوطالب مولود في المغرب وزير الدولة للشؤون الاجتماعية والعمل في هولندا (2007) يحمل الجنسيتين الهولندية والمغربية، الرئيس الفلسطيني محمود عباس يحمل الجنسيتين الفلسطينية والأردنية، رئيس وزراء لبنان سعد الحريري يحمل الجنسيات اللبنانية والسعودية والفرنسية.
طبعاً لم يقتصر الأمر على الجانب السياسي فقط بل بالجانب الاقتصادي أيضاً، وأبرز الأمثلة:
(Mark Carne) الذي يحمل الجنسيات البريطانية والكندية والأيرلندية تولى منصب محافظ البنك المركزي الكندي ثم محافظ البنك المركزي البريطاني، اما نائبته (نعمت شفيق) فتحمل الجنسيات المصرية والبريطانية والأمريكية، وكارلوس غصن لبناني يحمل الجنسيات البرازيلية والفرنسية وهو أول شخص يصبح رئيس لشركات نيسان اليابانية ورينو الفرنسية وميتسوبيشي اليابانية وأوتوفاز الروسية في وقت واحد.
ما اريد قوله بالنهاية ان هذا الموضوع صار طبيعياً في الكثير من دول العالم، فمتى نتخلص من تلك العقدة ونتعامل معها بشكل عادي؟


Aldhamat1@yahoo.com


28
غيتار سانكارا وعدس الحكومات العراقية!
أمجد الدهامات - العراق
يتحجج قادة بعض الدول (النامية) بأن التنمية الشاملة المستدامة لبلدانهم تحتاج الى وقت طويل قد يمتد إلى عقود عديدة، وأن شحة الموارد الطبيعية تمنعهم من العمل من أجل تقدمها، خاصة بوجود كثافة سكانية لا تتناسب مع تلك الموارد، وأن الفساد متفشي ومن الصعوبة القضاء عليه، وغيرها من الاعذار والمبررات.
لكن هل هذه مبررات واقعية؟
هناك شخص اسمه توماس سانكارا (Thomas Sankara) أثبت ان كل هذه الحجج واهية وغير صحيحة، وانه بالإستثمار الأمثل للموارد البسيطة يمكن تنمية البلد بفترة قصيرة لا تتجاوز (4) سنوات فقط.
لكن كيف؟ ومَنْ هو سانكارا؟
حسناً لنعد الى البداية ...
جمهورية (فولتا العليا) من الدول الفقيرة التي تقع جنوب الصحراء الافريقية الكبرى، (مساحتها حوالي 224.000 كم² وسكانها حوالي 16 مليون نسمة)، تعاني من الدكتاتورية، الانقلابات العسكرية، الفقر، الجفاف، الفساد، التصحر، تفشي الأمية، انتشار الأمراض، وغيرها من المشاكل.
في آب (1983) قام النقيب سانكارا بانقلاب عسكري ليصبح رئيساً للجمهورية، فماذا استطاع ان يفعل لبلده الفقير؟
هذه بعض إنجازاته بأختصار:
   ضاعف الدخل الفردي من (250) دولار إلى (1500) دولار.
   غيّر أسم الدولة الى (بروكينا فاسو) والتي تعني (بلد الناس الشرفاء).
   رفض كل الإمتيازات المخصصة لرئيس الدولة وجعل راتبه (450) دولار فقط.
   أهتم بالتعليم وقام بحملة لمحو الأمية، فارتفعت نسبة المتعلمين من (50%) إلى (90%).
   خفّض رواتب الوزراء وباع أسطول سيارات (الليموزين) الثمينة في الموكب الرئاسي، مكتفياً بسيارات رخيصة من نوع (رينو 5).
   أقام مشاريع الإسكان والبنية التحتية وقضى على الأحياء الفقيرة عن طريق بناء (7000) قرية وإنشاء (700) كم من الطرق والسكك الحديدية.
   أهتم بالزراعة وضاعف الإنتاج عدة مرات، وخاصة القمح والقطن، لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، وغرس (10) مليون شجرة لإيقاف التصحر. 
   حرص على منح حقوق كثيرة للمرأة، حيث يُعد الرئيس الأفريقي الأول الذي يمنع ختان الاناث وزواج القاصرات ويٌعيّن نساء في المناصب العليا للدولة.
   أهتم بالصحة العامة عن طريق تطعيم (2.5) مليون طفل ضد الأمراض السارية، ووفر الرعاية الصحية المجانية للمواطنين مما أدى إلى إنخفاض معدل الوفيات من (280) لكل (1000) طفل إلى (145) لكل (1000) طفل.
لكل هذه الإنجازات، وغيرها، أطلق الشعب عليه لقب (جيفارا أفريقيا)، لكنها أثارت خوف زعماء الدول الأفريقية الأخرى لأن انتشار أفكاره واعماله بين شعوبهم يهدد مراكزهم، فتحالفوا مع فرنسا التي شعرت بدورها انه يعمل بالضد من مصالحها في القارة، فتأمروا جميعاً ونظموا انقلاباً عسكرياً بقيادة (بليز كومباوري) في تشرين الأول عام (1987) أدى إلى قتله وعمره لا يتجاوز (37) سنة، وكان كل ما يملكه: سيارة قديمة، ثلاجة عاطلة، غيتار، ومبلغ (400) دولار فقط.
كان الثائر سانكارا عازف غيتار ماهر، يعزف على غيتاره ويحلم بتحقيق إنجازات كبيرة لشعبه، وفعلاً حقق، رغم الصعوبات، الكثير من أحلامه في مدة قصيرة مقدارها (4) سنوات فقط.
في العراق، البلد الذي تبلغ ثروته من الموارد الطبيعية حوالي (16) ترليون دولار، ولديه موازنات سنوية انفجارية، تتباهى حكوماته المتعاقبة بأنها تمنح كل فرد عراقي نصف كيلوغرام من العدس سنوياً في شهر رمضان!!!
لنتخيل فقط: لو أن سانكارا رئيساً للعراق!



Aldhamat1@yahoo.com


29
نشيدنا الوطني بثلاث لغات؟! ..... يا للهول!
أمجد الدهامات - العراق
يتصرف أغلبنا، نحن العراقيين، وكأننا نعيش بمعزل عن العالم، لا نقبل أو نتقبّل أشياء كثيرة مارستها البلدان والشعوب الأخرى بشكل عادي جداً منذ زمن طويل، ولكننا نرفضها ونتحسس منها ونعتبرها شيء غير طبيعي، بل ونستغرب منها كثيراً.
أكتب هذا بمناسبة الجدل الكبير الذي يبرز بين فترة وأخرى حول موضوعة النشيد الوطني العراقي التي نتعامل معها بحساسية كبيرة وتشدد مفرط، ومع أعترافي بأهمية النشيد الوطني لكل دولة، لكن بعض الناس حمّل هذا الموضوع أكثر من طاقته، خاصة أولئك الذين يريدون نشيداً وطنياً عراقياً (خالصاً) من حيث الكلمات واللحن، أنهم يستغربون من أشياء هي في حقيقتها طبيعية جداً وليست غريبة، منها:   
يتسائلون بأستغراب: كيف يكون نشيد العراق الوطني مكتوباً بأكثر من لغة واحدة؟!
أنهم يجادلون بأن الأغلبية في البلد هم من العرب الاقحاح ويجب أن يكون النشيد الوطني بلغتهم العربية حصراً وخالٍ من كلمات باللغات العراقية الأخرى، مثل: الكردية، التركمانية، الاشورية، السريانية، المندائية والشبكية.
أقول: أيها السيدات والسادة لسنا أصحاب هذه (البدعة) وبالتالي فلا نتحمل وزرها، إذ سبقتنا إليها دول كثيرة تحرص على تمثيل مكونات شعبها المتعددة في رموزها الوطنية مثل العلَم والشعار والنشيد الوطني، فلماذا تستغربون من ذلك؟ أليستْ هذه المكونات جزءاً اصيلاً من شعبنا ومن حقها أن تتمثل بالنشيد الوطني؟
هل تريدون مصداقاً لكلامي؟ حسناً ... هاكمْ هذه الأمثلة:
نشيد أيرلندا الوطني وعنوانه (The Soldier's Song) مكتوب باللغتين الرسميتين للبلاد وهما الأيرلندية والإنجليزية، ونشيد نيوزيلاند الوطني (God Defend New Zealand) مكتوب باللغة الإنجليزية ولغة محلية هي (Māor)، نشيد دولة سورينام (God be with our Suriname) مكتوب باللغة الهولندية ولغة محلية اسمها (Sranan Tongo)، نشيد جزر فيجي (God Bless Fiji) باللغتين الإنجليزية والفيجية، نشيد كندا (O Canada) بثلاث لغات هي الإنجليزية والفرنسية ولغة الشعوب الاصلية (Inuktitut)، نشيد بلجيكا (La Brabançonne) مكتوب بثلاث لغات هي الهولندية والفرنسية والألمانية، نشيد زمبابوي (Blessed be the Land of Zimbabwe) مكتوب بلغة البلد الرسمية (Shona) وله ترجمات رسمية باللغة الإنجليزية ولغة محلية اسمها (Ndebele)، نشيد سنغافورة (Onward Singapore) المكتوب باللغة الملاوية له ترجمات رسمية باللغات الإنجليزية والماندرينية والتاميلية، نشيد سويسرا (Swiss Psalm) مكتوب بأربع لغات هي الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والرومانية، اما نشيد دولة جنوب افريقيا (Lord Bless Africa) فمكتوب بخمس لغات هي (الهاوسا، الزولو، السيسوتو، الأفريكانس، والانجليزية).
والأكثر غرابة أن الأناشيد الوطنية لبعض الدول لم تُكتب بلغتها الرسمية اصلاً، مثل أناشيد: فنلندا (Our Land) مكتوب باللغة السويدية، الفاتيكان (Papal Anthem) باللغة اللاتينية، الهند (Jana Gana Mana) باللغة البنغالية، الباكستان (Qaumi Taranah) باللغة الفارسية، الفلبين (Chosen Land) بالإسبانية، بروناي (God Bless the Sultan) بالماليزية، أنغولا (Onwards Angola) بالبرتغالية، موزمبيق (Pátria Amada) وغينيا الاستوائية (Let Us Tread the Path of Our Immense Happiness) بالإسبانية، اما أناشيد دول: ناميبيا (Namibia, Land of the Brave)، الكاميرون (O Cameroon, Cradle of Our Forefathers)، مالي (Mali)، ليبريا (All Hail, Liberia, hail)، وجنوب السودان (South Sudan Oyee) فقد كُتبت باللغة الإنجليزية.
ويتسائل الذين يريدون نشيداً عراقياً (خالصاً) من جديد: كيف يكتب نشيدنا شاعر غير عراقي؟!
ولكن، أيها الأعزاء، هذا أمر عادي جداً وحاصل فعلاً في كثير من الدول، وإليكم الدليل:
النشيد الوطني السوري الأول لعام (1923) وعنوانه (سوريا يا ذات المجد) كتب كلماته الشاعر اللبناني مختار التنّير، نشيد ليبيا الأول (يا بلادي) لعام (1955) مؤلفه التونسي البشير العريبي ونشيدها الثاني (الله أكبر) لعام (1969) من كلمات المصري عبد الله شمس الدين، اما أناشيد: تونس وعنوانه (حماة الحمى) فقد كتبه المصري مصطفى صادق الرافعي، الفاتيكان كتبه الفرنسي (Charles Gounod)، فنلندا كتبه السويدي (Johan Runeberg)، استراليا (Advance Australia Fair) من كلمات والحان الاسكتلندي (Peter Dodds)، بنغلادش (My Golden Bengal) كتبه ولحنه الهندي (Rabindranath Tagore)، ليسوتو (Lesotho, land of our Fathers) كتبه الفرنسي (Francois Coillard)، أما البارغواي (Paraguayans, Republic or Death) فقد كتب نشيدها الشاعر (Francisco de Figueroa) وهو من دولة اورغواي.
ويتسائل الذين يريدون نشيداً عراقياً (خالصاً) مرة أخرى: كيف يلحن نشيدنا ملحن غير عراقي؟!
وهذا ايضاً طبيعي جداً، وتكرر مرات كثيرة، وهذه امثلة تُثبت ذلك:
النشيد الوطني السوري الثاني لعام (1938) وعنوانه (حماة الديار) من ألحان الموسيقار اللبناني (محمد فليفل)، نشيد ليبيا الأول من ألحان الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب بينما نشيدها الثاني من ألحان المصري محمود الشريف، نشيد تونس من توزيع محمد عبد الوهاب ايضاً، اما أناشيد: الأردن وعنوانه (عاش المليك) فهو من ألحان اللبناني عبد القادر التنّير، الجزائر (قسماً) من ألحان المصري محمد فوزي، موريتانيا (بلاد الأباة الهداة) من ألحان المصري راجح داود، الامارات (عيشي بلادي) من ألحان المصري سعد عبدالوهاب، فلسطين (فدائي) لحّنه المصري علي إسماعيل، نشيد السعودية الأول لعام (1945) وعنوانه (يعيش ملكنا الحبيب) من ألحان المصري عبدالرحمن الخطيب، المغرب (النشيد الشريف) لحّنه الفرنسي (Léo Morgan)، عُمان (النشيد السلطاني) لحّنه (James Frederick Mills)، الصومال (يا صومال استيقظي) لحّنه الإيطالي (Joosub Blanc)، نشيد السنغال (Everyone Strum Your Koras) ونشيد دولة إفريقيا الوسطى (La Renaissance) من ألحان الفرنسي (Herbert Pepper)، نشيد تشاد (The Chad Song) من ألحان الكندي (Paul Villard)، اندونيسيا (Indonesia Raya) من ألحان الهولندي (Jozef Cleber)، المالديف (Qaumii Salaam) من ألحان السريلانكي (W. D. Amaradeva)، ألمانيا (Song of Germany) من ألحان النمساوي (Joseph Haydn)، فنلندا من ألحان الألماني (Fredrik Pacius)، البانيا (Hymn of the Flag) من ألحان الروماني (Ciprian Porumbescu)، المكسيك (Mexicans, at the cry of war) لحّنه الاسباني (Jaime Nunó)، الارجنتين (Patriotic March) لحّنه الاسباني (Blas Parera)، كولومبيا (O Unfading Glory) من ألحان الإيطالي (Oreste Sindici)، بوليفيا (Bolivians, a most Favorable Destiny) لحّنه الإيطالي (Leopoldo Vincenti)، تشيلي (National Song) من ألحان الاسباني (Ramón Carnicer)، اما نشيد السلفادور (Let us salute, the Motherland) فهو من ألحان الإيطالي (Juan Aberle). 
ولكي أزيد من استغرابكم أقول لكم أن هناك دول لها نشيدان وطنيان في وقت واحد، مثل: فلسطين التي لها نشيد رسمي عنوانه (فدائي) ونشيد شعبي عنوانه (موطني) وهو نفس النشيد الوطني العراقي الحالي، الدنمارك لها نشيدان عنوانهما (There is a lovely country) و (Kong Christian)، النرويج (Yes, we love this country) و (Sons of Norway)، نيوزيلندا (God Defend New Zealand) و (God Save the Queen)، بل أن اليونان وقبرص لهما نفس النشيد وهو (Hymn to Liberty)، مثلما كان نشيد (والله زمان يا سلاحي) للشاعر المصري صلاح جاهين نشيداً مشتركاً بين مصر خلال الفترة (1979-1961) والعراق (1981-1963)، أما نشيد استونيا (My Fatherland, My Happiness and Joy) فيشترك باللحن نفسه مع نشيد فنلندا، وكذلك نشيد امارة ليختنشتاين (High on the Young Rhine) فهو يشترك باللحن مع نشيد بريطانيا (God Save the Queen).
كما أن أناشيد بعض الدول عبارة عن موسيقى فقط بدون كلمات مثل: اسبانيا (Royal March)، البوسنة (Intermeco)، سان مارينو (Inno Nazionale)، كوسوفو (Europe)، اما الاتحاد الأوربي فقد اختار مقطعاً من السمفونية التاسعة (Choral Symphony) للموسيقار الشهير (Ludwig van Beethoven) نشيداً وطنياً له.
ومع حقيقة أن العراق من أكثر الدول التي بدلت نشيدها الوطني، (تم تغيير النشيد خمس مرات بينما النشيد الوطني الهولندي "The William" لم يتبدل منذ عام 1572)، اعتقد أن الحل الأمثل للخلاص من هذه المعضلة هو:
1.   إطلاق مسابقتين دوليتين لكتابة وتلحين نشيد وطني متعدد اللغات.
2.   عند تعذر الاتفاق على المقترح الأول، أقترح إطلاق مسابقة دولية لتلحين نشيد وطني يتكون من موسيقى فقط بدون كلمات، لكون الموسيقى محايدة ولا تثير حفيظة أحد.
عندها ربما تنتهي إحدى مشاكل بلدنا المزمنة!




Aldhamat1@yahoo.com



30
البجعة السوداء تحط في الجزائر والسودان!
أمجد الدهامات - العراق
كان الاوربيون يعتقدون بأن كل طيور البجع ذات لون أبيض، ومن المستحيل وجود بجعٍ أسود اللون، لكن عندما اكتشف الهولندي (Willem Janszoon) قارة أستراليا عام (1606) وجد فيها طيور بجع سوداء، فأصبحت عبارة (البجع الأسود) تعني ان المستحيل ممكن التحقق.
وفي عام (2007) نشر المفكر (Nassim Taleb) كتابه (The Black Swan)، يؤصل فيه لنظرية (البجعة السوداء) التي يمكن تلخيصها بما يلي:
ان الأحداث الكبرى في التاريخِ، والتي كان من المستحيل توقعها، قد حدثت فعلاً، وبشكل مفاجئ وغير متوقعٍ، مثل: اختراع الراديو، نشوب الحربين العالميتين، تفجيرات 11 سبتمبر، وغيرها، أي ان فكرة هذه النظرية ليست التنبؤ بالأحداث، بل تفترض ان الاحداث التي لا يُتوقع حصولها وتبدو وكأنَّها من المستحيلات، من الممكن ان تتحقق فعلاً.
بعد النتائج الكارثية التي انتهت إليها دول (الربيع العربي) أصبح هناك رأي يقول إنه من المستحيل تكرار هذه الأحداث في باقي البلدان العربية، لأن شعوبها تعلمت الدرس وفضّلت جور وظلم حكامها على حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تعيشها تلك الدول، وأستغل الحكام تلك النتائج لتخويف شعوبهم من المصير الذي ينتظرهم لو قاموا بتحركات مماثلة.
ويبدو أن تلك الشعوب قد أقتنعتْ بمصيرها ورضتْ بقدرها، لكن مع ذلك تمادى الرؤساء في غيهم وأحكموا قبضتهم على السلطة واستمروا بنفس نهجهم الدكتاتوري القديم، ولم يمنحوا هامش من الحرية أو يعملوا من أجل تحسين الواقع الحياتي لشعوبهم بعد ان اطمأنوا إلى أن الجماهير قد تم ترويضها.
ولهذا فقد أعلن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الترشح للرئاسة للمرة الخامسة (يحكم الجزائر منذ نيسان 1999)، وبدأ الرئيس السوداني عمر البشير بتعديل الدستور للترشح لفترة جديدة (يحكم السودان منذ حزيران 1989).
ما قام به بوتفليقة والبشير كان بمثابة (حركة الفراشة) التي أطلقت الأحتجاجات الشعبية في الجزائر يوم 22 شباط 2019، وفي السودان يوم 6 نيسان 2019، ورغم استقالة بوتفليقة وقيام الجيش السوداني بعزل البشير إلا ان الاحتجاجات لا تزال مستمرة لحين تحقيق اهداف الجماهير.
ان ما حدث هو حركة فراشة أدت الى بجعة سوداء (أرجو مراجعة مقالي: القيادة حسب نظرية تأثير الفراشة)، أي ان ما كان يُقال انه (مستحيل) قد تحقق فعلاً.
وكما يبدو ان الجماهير في البلدين قد تعلموا الدرس من شعوب دول (الربيع العربي) ولم يقعوا بالأخطاء التي وقعوا بها، وأهم هذه الاخطاء:
أولاً: عدم وحدة ووضوح القيادة.
ثانياً: تشتت المطالب وتصاعدها.
ثالثاً: استخدام العنف من قبل بعض المتظاهرين.
رابعاً: إخلاء الشوارع من المتظاهرين قبل تحقيق اهداف التحركات.
ولهذا استمرت الأحتجاجات وحققت نتائج مهمة ولا تزال مستمرة لحين تحقيق باقي مطالبها.
ان ما جرى في الجزائر والسودان هو بمثابة جرس إنذار لباقي حكام الدول العربية الذين عليهم الانتباه لنقطة مهمة وهي ان لصبر الجماهير حدود ومهما تحملت من ظلم حكامهما فسيأتي يوم وتضع نهاية لهذا الظلم، ويبدو ان أول مَن انتبه لهذا الأمر هو رئيس موريتانيا محمد ولد عبد العزيز (يحكم موريتانيا منذ الانقلاب العسكري في آب 2008)، فرغم انه أوعز لنواب حزبه في البرلمان بتعديل الدستور للسماح له بالترشح لفترة ثالثة، لكنه بعد حدوث الأحتجاجات في البلدين رفض إجراء هذه التعديلات وأعلن انه سيلتزم بالدستور ولن يرشح للرئاسة.
لكن يبدو ان بعض الحكام لم ينتبهوا لهذا الجرس لحد الآن، ولهذا ربما تحط البجعة السوداء في بلدانهم وهي تنتظر حركة فراشة فقط!



Aldhamat1@yahoo.com


31
القيادة حسب نظرية تأثير الفراشة
                                                                                   
أمجد الدهامات - العراق *
كان عالمُ الأرصادِ الجويةِ (Edward Lorenz) يجري عمليةً حسابيةً بالكومبيوتر للتنبؤِ بالطقسِ، وبدلاً من أن يدخلَ بالجهازِ العددَ (156.642135) كاملاً، اختصرهُ الى (156.642)، ومع أنَّ الفرقَ قليلٌ جداً بين العددينِ، وهو فقط (000.000135)، إلا أنَّهُ حصلَ فرقاً هائلاً بالنتيجةِ، فأستنتجَ أنَّ الاحداثَ الصغيرةَ تتطورُ وتكبرُ لتصبحَ احداثاً ضخمةً جداً، فأطلقَ على ما حدثَ نظريةَ تأثيرِ الفراشةِ (Butterfly Effect Theory).
إنَّ (تأثيرَ الفراشةِ) مصطلحٌ مجازيٌ لوصفِ الاحداثِ وليس تفسيراً لها، إنّهُ يصفُ الظواهرَ ذاتَ الترابطاتِ والتأثيراتِ المتبادلةِ التي تنجمُ عن حدثٍ أولٍ، قد يكونُ بسيطاً في حدِ ذاتهِ، لكنه يولّدُ سلسلةً من النتائجِ والتطوراتِ المتتاليةِ التي يفوقُ حجمُها حدثَ البدايةِ، في أماكنَ وأزمانَ لا يتوقعُها أحدٌ، وكما قالَ الشاعرُ: "ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ".
ويُعبرُ عن هذهِ النظريةِ مجازياً بالقولِ: (إنَّ رفرفةَ جناحِ فراشةٍ في البرازيلِ قد تنتجُ عاصفةً بالصينِ)! ويوجدُ مثالٌ مشهورٌ: اثناءَ الحربِ العالميةِ الأولى وتحديداً يوم 1918/9/28 عثرَ الجنديُ البريطانيُ (Henry Tandey) على جندي الماني جريح، لكنهُ أشفقَ عليه ولم يقتلْهُ، لقد كانَ الجريحُ هو (هتلر)!
لو أنَّ (Tandey) قتلَ (هتلر) لما حصلَتْ الحربُ العالميةُ الثانيةُ بنتائجِها الكارثيةِ، إنَّ ما قامَ به الجنديُ كانَ (حركةَ فراشةٍ) أدتْ الى (عاصفةٍ) كبيرةٍ.
وهناك مثالٌ آخر: إنَّ صفعةَ الشرطيةِ التونسيةِ فادية كامل للشابِ محمد بو عزيزي يوم 2010/12/10 أدتْ الى (الربيع العربي) وما تبعهُ من أحداثٍ في تونس، مصر، ليبيا، سوريا، واليمن، كانت الصفعةُ (حركةَ فراشةٍ) انتجتْ (عاصفةً) ضخمةً.

القيادةُ حسب نظريةِ تأثيرِ الفراشةِ:
يمكنُ للقائدِ الذكيِ الاستفادةُ من هذهِ النظريةِ واستثمارِها بطرقٍ كثيرةٍ، أهمُها الطرقُ الثلاثُ التالية:

أولاً: القائدُ يلمحُ ويشخّصُ حدثاً ما، حتى ولو كان بسيطاً، فيستثمرهُ ليصنعَ منهُ عاصفةً كبيرةً:
وهذا ما فعلتْهُ السيدةُ (Rosa Parks) في مدينةِ (Montgomery) الامريكيةِ، فقد كانَ يُوجدُ قانونٌ للفصلِ العنصري بينَ ركابِ الحافلاتِ يجبرُ السودَ على الجلوسِ في المقاعدِ الخلفيةِ ويخصصُ الاماميةَ للبيضِ، ولكنَ في يومِ 1955/12/1 جلسَتْ (Parks) على مقعدٍ اماميٍ، ورفضتْ أنْ تُخليَهُ ليجلسَ عليهِ شخصٌ ابيضٌ، وكانَ هذا الرفضُ هو رفرفةُ جناحِ الفراشةِ التي أطلقتْ عاصفةَ (حركةِ الحقوقِ المدنيةِ) المطالبةِ بالمساواةِ بينَ الأعراقِ في امريكا.

ثانياً: القائدُ يلمحُ ويشخّصُ احداثاً بسيطةً وعفويةً تقعُ مع شخصٍ آخرَ في مكانٍ ما وزمانٍ ما، ويستثمرُ هذا الحدثَ ليصنعَ منهُ عاصفةً كبيرةً:
لقد كانَ اعتقالُ السيدةِ (Parks) هو حركةُ الفراشةِ بالنسبةِ للدكتورِ (Martin Luther King)، فقدْ قادَ نضالُ السودِ في (حركةِ الحقوقِ المدنيةِ) التي أدتْ الى الغاءِ قوانينَ الفصلِ العنصريِ في 1964/7/2
ثالثاً: القائدُ يلمحُ ويشخّصُ احداثاً بسيطةً وعفويةً ليضعَ أساساً يتحولُ بمرورِ الزمنِ الى عاصفةٍ كبيرةٍ مستقبلاً:
في عامِ (1894) أرادَ الزعيمُ الهنديُ (Mohandas Gandhi) مغادرةَ دولةِ جنوبِ افريقيا والرجوعَ لبلدهِ الهند، لكنَ عندما قررتْ الحكومةُ العنصريةُ منعَ غيرِ البيضِ من المشاركةِ بالانتخاباتِ قررَ البقاءَ، فكانتْ هذهِ حركةُ الفراشةِ خاصتَه، وفعلاً بدأ كفاحَه السلميُ في مواجهةِ السلطةِ البيضاءَ، واستمرَ على نفسِ النهجِ في الهندِ، فأصبحَ نضالهُ السلميُ المبنيُ على نظريةِ اللاعنفِ (Ahimsa) ملهماً للعديدِ من القادةِ والشعوبِ الذينَ يناضلونَ للحصولِ على حقوقِهم سلمياً.
طبعاً حتى الشعوبُ يمكنُها استثمارُ هذهِ النظريةِ، وهذا ما فعلَهُ شعبُ المانيا الشرقيةِ السابقةِ، فعندَما عقدَ ممثلُ الحكومةِ الشيوعيةِ Gunter Chabowski)) مؤتمراً صحفياً يوم 1989/11/9 وتسرّعَ بالإجابةِ عن سؤالٍ حولَ موعدِ السماحِ للمواطنين بالسفرِ خارجَ البلادِ وقالَ: (حالاً - Immediately)، أستثمرَ الناسُ هذا الخطأ (حركةَ الفراشةِ) وهرعوا نحوَ جدارِ برلين وحطموه، وتطورتْ الاحداثُ لتكونَ (عاصفةً) قلعتْ الأنظمةَ الشيوعيةَ في أوربا الشرقية.
وتكررَ الامرُ في صربيا يوم 2000/10/5 اثناءَ حكمِ الرئيسِ (Slobodan Milosevic)، حيث كانتْ (حركةُ الفراشةِ) هي قيامُ أحدِ المواطنينَ باقتحامِ مبنى التلفزيون بواسطةِ (بلدوزر)، الامرُ الذي أدى الى اندلاعِ (ثورةِ البلدوزر) التي أصبحتْ (عاصفةً) أطاحتْ بالدكتاتور.

ستراتيجيةُ القطِ الميتِ:
طبعاً العملُ وفقَ نظريةِ (تأثيرِ الفراشةِ) ليس سهلاً، فالأمورُ ليستْ ورديةً دائماً، والحياةُ مليئةٌ بالمصاعبِ، ويوجدُ دائماً مَنْ يحاولُ العملَ بالضدِ ووضعِ العراقيلِ باستخدامِ طرقٍ كثيرةٍ من أهمِها ستراتيجيةُ القطِ الميتِ (Dead Cat Strategy) وهي من أهمِ طرقِ إلهاءِ الناسِ عن واقعِهم، وتؤكدُ على أنَّ تقديمَ قضيةٍ تافهةٍ أو خبرٍ غيرِ مهمٍ بشكلٍ درامي، أو بقدرٍ كبيرٍ من الإثارةِ أو الصدمةِ من شأنهِ أن يلفتْ انتباه الجميعَ، بعيداً عن القضايا المهمةِ والملحةِ.
فيتمُ تضخيمُ حدثٍ بسيطٍ وهامشي وربَّما مفتعلٍ، بواسطةِ الإعلامِ و(Social Media)، وتحويله الى (قطٍ ميتٍ) من الحجمِ الكبيرِ يجذبُ انتباه الناسَ، ويصبحُ نقطةً محوريةً للنقاشِ الحادِ يشتركُ فيه الجميعُ لينشغلوا عن قضاياهم المهمةِ المتعلقةِ بحياةِ المواطنِ وأمنهِ، وتنميةِ البلدِ واستثمارِ ثرواتهِ، وتحقيقِ العدالةِ الاجتماعيةِ، ... ألخ، التي يتمُ تحويلُها الى (فأرٍ صغيرٍ) في حفرةٍ عميقةٍ يتمُ ردمُها بالعديدِ من قصصِ القططَ الميتةِ، وبهذا يتحققُ الهدفُ النهائيُ، بالحديثِ عما يُرادُ الحديثُ عنهُ والابتعادُ عما يُرادُ تجاوزُه ونسيانُه.
وقد كتبَ عنها وزيرُ الخارجيةِ البريطاني السابقِ (Boris Johnson): "هناكَ شيءٌ واحدٌ مؤكدٌ تماماً حولَ رمي قطٍ ميتٍ على طاولةِ غرفةِ الطعامِ، هو أنّ الجميعَ سوفَ يصرخُ: (هناكَ قطٌ ميتٌ على الطاولةِ)، بمعنى آخر، سوفَ يتحدثونَ عن القطِ الميتِ - الشيءُ الذي تريدُ أنّ يتحدثوا عنهُ - ولنْ يتحدثوا عن مشاكلِهم وقضاياهم".
لكنَّ أفضلَ ردٍ على هذهِ الستراتيجيةِ هو عن طريقِ:

نظريةِ البجعةِ السوداءِ:
كان الاوربيون يعتقدونَ بأنَّ كلَ طيورِ البجعِ ذاتِ لونٍ أبيضَ، ومن المستحيلِ وجودِ بجعٍ أسودَ اللونِ، لكن عندما اكتشفَ الهولنديُّ (Willem Janszoon) قارةَ أستراليا عام (1606) وجدَ فيها طيورَ بجعٍ سوداءَ، فأصبحتْ عبارةُ (البجعِ الأسودِ) تعني أنَّ المستحيلَ ممكنُ التحققِ.
وفي عامِ (2007) نشرَ المفكرُ (Nassim Taleb) كتابَهُ (The Black Swan)، يؤصلُ فيهِ لنظريةِ (البجعةِ السوداءِ) التي يمكنُ تلخيصُها بما يلي:
أن الأحداثَ الكبرى في التاريخِ، والتي كان من المستحيلِ توقعُها، قد حدثتْ فعلاً، وبشكلٍ مفاجئٍ وغيرِ متوقعٍ، مثل: اختراعُ الراديو، نشوبُ الحربين العالميتين، تفجيراتُ 11 سبتمبر، وغيرُها، وتتميزُ هذهِ الاحداثُ بثلاثِ ميزاتٍ:
1. لها عواقبٌ شديدةُ التأثيرِ.
2. تقعُ خارجَ نطاقِ التوقعاتِ المألوفةِ.
3. طبيعتنا تجعلْنا نجدَ تفسيراتٍ لها بما يجعلُها قابلةَ للتوقعِ.
أي أنَّ فكرةَ هذهِ النظريةِ ليستْ التنبؤَ بالأحداثِ، بلْ تفترضُ أنَّ الاحداثَ التي لا يُتوقعُ حصولُها وتبدو وكأنَّها من المستحيلاتِ، من الممكنِ ان تتحققَ فعلاً.
وفقَ هذهِ النظريةِ يمكنُ استثمارُ الأحداثِ البسيطةِ (حركة الفراشة) لخلقِ (بجعةٍ سوداءَ)، بعد التخلصِ من (القططِ الميتةِ).
والمثالُ الرومانيَّ هو الأبرزُ: فقدْ قالَ الدكتاتور (Nicolae Ceausescu): "إنَّ احتماليةَ حدوثِ ثورةٍ في رومانيا نفسُ احتماليةِ انَّ أشجارَ الصنوبرِ تثمرُ الإجاصِ"!
لكن عندما قررتْ الحكومةُ يوم 1989/12/15 نفيَ القسِ المعارضِ للنظامِ (Laszlo Tokes) من مدينةِ (Timisoara) تظاهرَ الآلافُ لمنعِ السلطاتِ من تنفيذِ قرارِها، وتطورتْ الاحداثُ الى ثورةٍ أطاحتْ بالنظامِ خلالَ أسبوعٍ واحدٍ فقط، وبالنهايةِ تمَّ اعدامُ الدكتاتورِ وزوجتهِ.
كانَ نفيُ القسِ هي (حركةُ الفراشةِ) ووعودُ الرئيسِ هي (القطُ الميتُ) لكنَّ النتيجةَ كانتْ (بجعةً سوداءَ)!
*aldhamat1@yahoo.com

صفحات: [1]