هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .
الرسائل - ماجد الزاملي
صفحات: [1]
1
آليات تطوير السياسة العراقية الداخلية والخارجية د. ماجد احمد الزاملي تَغيير النظام السياسي العراقي في عام 2003 أدى إلى تحلّل السياسة الخارجية العراقية من دائرة المركزية والتفرَّد بالسلطة ,وتم إعادة هيكلة الدولة العراقية بمؤسساتها السياسية وقيام سلطة تشريعية وحكومة منتخبة وقضاء مستقل وتَعدِّد مراكز القوة المؤثرة في الساحة السياسية متمثلة بالأحزاب السياسية والنخب السياسية والثقافية والدينية المختلفة والمنظمات المدنية والنشطاء السياسيين وحرية الاعلام والفضائيات والتظاهر السلمي لتحقيق مشاركة سياسية سليمة لمجموع الرؤى المجتمعية مما وسَّع من قاعدة البيانات الإستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية العراقية التي تتقيَّد بمعطيات الأوضاع الداخلية للبلاد ومتغيرات النظام السياسي، لاسيّما وأنَّ أي تغيير على هذين العاملين سيؤثر على حرية حركة العراق على الصعيد الخارجي، لهذا وجدت الدولة العراقية نفسها بمواجهة العديد من التحديات سواءً الداخلية او الإقليمية او الدولية. وخـلال السـنوات التــي أعقبـت الاحــتلال الأميركـي فـي عــام ٢٠٠٣ شـهد العــراق الكثيـر مــن المتغيـرات الداخليــة والتحــولات الجذريــة، وكـذلك البيئــة الاقليميــة والدوليــة شــهدت هـي الأخـرى تحــولات كبيـرة وكـان التعامـل مـع مـا يجري فـي العـراق يمثـّل أحـد الثوابـت فـي سياسـات تلـك الـدول التـي وجـدت نفسـها فــي بعـض الأحيــان تتصــرف وفـق ردود أفعــال قـد لاتكــون محســوبة أو ضـمن بيئــة ضــاغطة بشكل كبير. حماية السيادة الإقليمية ودعم الأمن القومي والحفاظ على وجودها، والعمل على تدعيم أمنها بأقصى ما تسمح به القدرات والطاقات المتاحة لديها سواءً ما تعلق منها بقوتها الذاتية أو بهذه القوة مضافاً إليها جانب من قوة الدول الأخرى، ويُفسِر هذا الاعتبار حرص الدول على تدعيم أمنها القومي تحت أي ظرف وبكل ما يتطلبه هذا الدعم من امكانات وتضحيات، جانباً هاماً من الأسباب التي تدعو الدول إلى الدخول في حروب ضد بعضها.أنَّ بناء الثقة مع الشعوب وتأكيد أواصر الصداقة مع الدول الاخرى والعمل على تحقيق المصالح المشتركة ومراعاة الشرعية الدولية والالتزام بالمعاهدات والقوانين من شأنه أن يزيد من فرص التفاهم والتعاون البنّاء من اجل تطمين جميع الاطراف. ويحاول العراق بناء تشكيلة المصالح المشتركة في علاقته الخارجية، للإسهام الفعّال في حل الأزمات الإقليمية والدولية، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، ووجود قوات التحالف الدولي في العراق بما يحفظ المصالح العليا للعراق، ويُحقق تطلعات شعبه، وبالتالي ملاحظة أن البرامج الحكومية المختلفة لجميع الحكومات ما بعد إبريل/نيسان 2003 تؤكد على المباديء الدستورية. والسياسة الخارجية منهج للعمل يتَّبعه الممثلون الرسميون للمجتمع القومي بوعي من أجل إقرار أو تغيير موقف معين في النظام الدولي بشكل يتفق والأهداف المحددة سلفاً. ومـن أجـل دعـم وتفعيل السياسة الخارجية العراقية، ليس للقيـام بـدور قيـادي أو مبشِّر بعالم جديد ولكن لتكون موجهة أولاً لتنمية القدرة البشرية والاقتصادية والبيئية للعراق حيث أن انعكاس السياسة والأوضاع الداخلية مؤثر فاعل على عمل قنـوات السياسة الخارجية. ويعتمـد فـهـم التغيير التـوجهي لأهداف السياسة الخارجية والبحث عن أدوات ما يسمى “القوة الناعمة” مما يبعد العراق من الدخول في علاقات صراع مسلح تدمر قدرات وثروات العراق كما شهدها في مرحلة الحروب السابقة الإقليمية أو العالمية لدولة العراق. والمتغيـرات الفعليـة الكامنـة فـي بيئـة عمليـة صـنع السياسـة الخارجيـة، كشـكل النسـق الـدولي والقـدرات الاقتصـادية والعسـكرية للوحـدة الدوليـة وغيرهـا مـن المتغيـرات وهـي علـى صـعيدين متغيـرات داخليـة تنشـأ عـن البيئـة الداخليـة للوحـدة الدوليـة بمـا فيهـا النظـام السياسـي والخصـائص القوميــة والامكانيــات الاقتصـادية والعسـكرية ومــا الـى ذلـك. واخــرى خارجيــة تنشــأ نتيجــة التفاعـل مـع الـدول الأخـرى ومـع المواقـف الدوليــة أي التعامـل مـع البيئــة الدوليــة المتغيـرة. ان العلاقات العراقية – الاقليمية مقبلة على مرحلة مهمة تؤثر فيها التفاهمات الامنية والسياسية بدرجة كبيرة في ظل وجود مخاطر مشتركة متمثلة بتحديات الارهاب وسبل مواجهته ، في الوقت ذاته فان العلاقات بين الجانبين يمكن ان تشهد مزيداً من التنسيق الذي سيفضي بلا شك الى تطوير العمل المشترك والروابط على مختلف المستويات لان العراق يشهد حراكاً سياسياً داخلياً وخارجياً من اجل تحقيق الاستقرار الداخلي الذي سينعكس على بيئته الاقليمية . كما ان تحقيق التوافقات السياسية الداخلية سيكون مؤثرا فيما يخص الموقف العراقي الخارجي من القضايا الاقليمية الراهنة وتطوراتها وهذا ما سيحقق انسجاماً عراقياً واقليمياً حول العديد من الملفات في المنطقة. والسياسة الخارجية للأمة يتم صياغتها وتنفيذها من قبل صانعي السياسة, وبذلك تأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية للأمة ، والبيئة الداخلية والخارجية ، والقيم الوطنية ، وأهداف السياسة الخارجية وقرارات الدول الأخرى وطبيعة هيكل السلطة الدولية ,هذه تُشكِّل عوامل / عناصر السياسة الخارجية.وهي الإطار السياسي الذي يحكم علاقة دولة ما بالدول الأخرى، وهي تعكس المصالح الوطنية للدولة وكيفية تحقيقهاً. وقد مثَّلت العلاقات مع القوى الدولية عاملاً مهماً فى السياسة الخارجية لاعتبارات عديدة فى مقدمتها الحسابات الأمنية والاقتصادية لصانع القرار للدولة إذ أن تعزيز العلاقات مع القوى الدولية يضمن، بشكل أو بآخر، للنظام تأمين مصالحه فى سياق إقليمى محتدم بالأزمات، ناهيك عن المكاسب الاقتصادية المتحققة من وراء العلاقات مع هذه القوى. والسياسة الخارجية للدولة تُعبِّر عن مجموعة من الأهداف السياسية التي تتحدد من خلالها كيفية التواصل بين هذه الدولة ومحيطها، وتتمحور هذه الأهداف بشكلٍ عام حول حماية أمن الدولة وتحقيق مصالحها الوطنية، والفكرية، والإقتصادية، ويمكن تحقيق هذه الأهداف عبر الطرق السلمية والتعاون مع الوحدات الدولية الأخرى، أو عبر الحروب والاستغلال واستخدام القوة. في العلوم السياسية هناك مسؤولية تقع على عاتق الدولة وأخري علي عاتق مراكز الفكر الإستراتيجي وذلك في إطار سبل التعاون وتطوير مراكز الفكر والنهوض بها ،إذ يجب على الدولة أن تقوم بمساعدة مراكز الفكر الإستراتيجي في التغلب على التحديات والعقبات التي تواجهها وزيادة محيط الثقة بين الطرفين كما يجب عليها أن تقوم بالإعلان عن مراكز الفكر الإستراتيجية على أنها مؤثر وصانع مهم من صنّاع السياسة العامة لأن ذلك يدفع الأفراد بالثقة في مراكز الفكر والبحث، وعلى الجانب الآخر ينبغي على مراكز الفكر أن تكون على قدر من الثقة والثقافة التي تمكِّنها من مشاركة الدولة في صنع السياسة العامة والتأثير في قراراتها. وعلى الرغم من أن التغيرات التي شهدتها العلاقات الدولية قد أدت إلى زيادة وتنوع الفاعلين والقضايا وتعقّد العمليات التي تنطوي عليها، فإن الكثير مما يجري في الساحة الدولية هو في الحقيقة نتاج سلوك السياسة الخارجية لدولة أو مجموعة من الدول. لإن العلاقات الدولية تتكون على الأقل في أحد مستوياتها من شبكة متفاعلة من السياسات الخارجية. وتوجهات السياسة الخارجية تحكمها عدة محددات ،تنقسم إلى محددات داخلية وأخرى خارجية. والمحددات الداخلية تتعلق بالبيئة الداخلية للدولة، وتتنوع هذه المحددات بدءاً من الجغرافيا ودور الموقع الجغرافي في تحديد أهمية الدولة، إلى تنوًع الموارد الطبيعية وتوفّرها والذي يعطي للدولة قوة اقتصادية في حال استخدامها بشكل جيد،يعطيها القوة والثقة في النفس .ما يجنِّبها المساومات التي تواجهها في حال الضعف.كما تلعب المحددات الشخصية والمجتمعية والسياسية الدور الهام في توجيه السياسة الخارجية وفقاً لأطر فكرية أو إيديولوجية وحتى ثقافية وحضارية وتاريخية.أما المحددات الخارجية فهي في الأساس تتمحور حول النسق الدولي من خلال تعدد الوحدات الدولية والذي من شأنه أن يربط هذه الوحدات ببعضها البعض أكثر، كلما زاد عدد هذه الوحدات .كما أن تفاعل البنيان الدولي وترابط الوحدات الدولية من خلال المؤسسات الدولية وما ينتج عنها من التزامات قانونية وأدبية ،كل ذلك يساهم في توجيه السياسة الخارجية للدول .عمليــة رسـم السياسـة الخارجيــة تبدأ بتحديـد الأهـداف التـي تسـعى الدولــة إلـى بلوغهـا وفـق مـا تــؤمن بــه مــن معتقــدات، ولاتنتهــي بتحديــد الوســائل والإجــراءات الكفيلــة بتحقيــق تلــك الأهــداف، بــل تتعداها بمتابعة عملية التنفيذ والتعديل والتغييـر فـي تلـك الوسـائل والآليـات حسـب الموقـف، ممـا يبعـدها عن الجمود والنمطية. والسياسـة الخارجيــة الصـحيحة هـي التـي تقـوم علـى أسـس صـحيحة قائمــة علـى “المراجعــة والتدقيق والتشاور في اتخاذ القرار ووجود سلطة تشريعية تراقب وتنبّه على الأخطاء لطبيعــة الوضـع السياسـي" ,والسياسـة الخارجيــة لأيــة دولــة يمكـن أن تخفـق أحيانـا وتـنجح أحيانـا تبعـاً للوضع الداخلي وصراعات القوى المتنفذة ، والمتغيرات الداخلية والاقليمية والدولية.وقــد كانــت العلاقــات العراقيــة مــع الــدول العربيـــة تتذبــذب بــين الســلب والايجــاب، وبسـياقات عكسـت حالــة التخـبط السياسـي وعـدم وضـوح فـي التوجهـات السياسـية. لذا فصناعة قرارات السياسة الخارجية يمكن أن تُدرس في ضوء التفاعل بين متخذي أو صنّاع القرارات وبيئتهم الداخلية. وأهداف السياسة الخارجية العراقية الراهنة على المدى المنظور بحاجة الى اعادة تقييم شاملة من اجل تفعيل أدوار جديدة في النشاط الدبلوماسي المؤسسي الذي يجري عبر العديد من القنوات ومنها الدبلوماسية الشعبية، على أمل معالجة المشكلات والأزمات العالقة والقيام بدور أساسي في صيرورة مصالح مشتركة في المنطقة ولخلق شعور مشترك أيضاً من الممكن أن يسهم في دفع دول الجوار الإقليمي إلى دعم العراق. فليس من مصلحة الدول المجاورة للعراق إتهامه بأنه تابع لدولة ما من الدول الإقليمية والعكس هو الصحيح ، إذ ليس من مصلحة العراق إعادة طرح مواضيع سابقة كانت جزء من الأحداث التاريخية التي وقعت قبل عام ٢٠٠٣؛ وإنما المصلحة المنطقية تكمن في البحث عن مسارات جديدة تتجاوز تعقيدات وتراكمات الماضي , فالمعادلة الحاكمة في أهداف السياسة الخارجية العراقية الراهنة تقتضي بناءً سليماً وسلمياً بعيداً عن التوتر مع دول الجوار الإقليمي ودول اخرى، مع العمل على صيرورة مدرك واضح يبعد علاقات العراق الخارجية عن دوائر الشك والريبة في مرحلة التعاطي مع الاحداث الخارجية الراهنة(1). والعراق بوصفه أحد البلدان التي تتأثر بالتحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، لعوامل سياسية واقتصادية وأمنية عديدة، وجدَ نفسه أمام وضع إقليمي صعب للغاية والسبب في ذلك هو حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي التي يعيشها العراق بعد التغيير ، لذلك ينبغي له المشاركة في التطورات السياسية التي تحيط به؛ وقد اختار العراق عدم التدخل في الشأن الداخلي لدول الجوار ، محاولاً جمع دول الإقليم حول مبادرات ومشاريع إقليمية عديدة؛ لإدراكه أن ذلك قد ينعكس إيجابياً على الداخل العراقي. ومع انعكاسات البيئة الداخلية والخارجية ومعطياتها وتأثيرها الواقع على صنع السياسات الخارجية وتوجهها ونمطها، نجد أن العراق عانى فعليًا ما بعد الاحتلال من تحديات نبعت من الإشكاليات التي تمثلت بالاحتلال والارهاب,وبقايا النظام السابق .. حيث تأثرت عملية صنع القرار الخارجي بتلك المتغيرات. واليوم، يعاني واقع السياسية الخارجية العراقية من مشاكل متعددة أبرزها عدم وحدة القرار السيادي وتعدد مصادره من حيث الصنع والتنفيذ والتمثيل.. في حين تتعقد خياراتها المستقبلية وتزداد صعوبة في ظل بيئة إقليمية ودولية بات فيها الصراع والتنافس حاضرًا ويستند لسياسة المحاور. و هنالك العديد من التحديات، التي تضعف من قدرة العراق على صياغة مقاربات تدعم حركته في إطار السياسة الخارجية، وتمنع من ممارسة سلوك خارجي فاعل تجاه محيط العراق الإقليمي والدولي. ----------------- 1-د. عبد الجبار احمد عبد الله ، العراق ومحنة الديمقراطية(دراسات سياسية راهنة) بغداد، ط1/ اذار/ 2013ن ص10
2
أُفول القطبية الأحادية وشيك د. ماجد احمد الزاملي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي 1991، فرضت واشنطن ما يسمى “النظام العالمي المبني على القواعد” كبديل عن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة المتفق عليه بين دول العالم ونظام القواعد هذا هو نظام المصالح الأمريكية تتولى واشنطن قيادته.. ومن يجرب الوقوف في وجهه، تعمل على قمعه بالحرب والعقوبات الاقتصادية. والمرحلة اللاقطبية بدأت عند احتلال أمريكا لأفغانستان والعراق 2001، فأدى هذا الخطأ لاستنزاف الغرب وصعود قوى عالمية أخرى (الصين والهند وروسيا واليابان والبرازيل وجنوب أفريقيا وفنزويلا) ونرى أن حتى المشروع الأوروبي دخل في مرحلة التلاشي الذي هو ليس إلا "الشطر الأوروبي من المشروع الأمريكي". وعلى سبيل المثال، الدستور الأوروبي هو مشروع أوروبا التي تستقر على اختيارها المزدوج الليبرالي الجديد والأطلسي، بالإضافة إلى بلدان الجنوب (مجموعة الـ 57 ودول عدم الانحياز)، التي كانت تطمَـح أثناء فترة باندونغ (1955-1975) لأن تواجِـه الغرب في جبهة مشتركة، تخلّـت عن مشروعها. ولاشك في أن ما يجري اليوم، وخصوصاً خروج العديد من الدول التي كانت تعتبر الحليف الأقرب لواشنطن عن الطاعة الأمريكية، هو مؤشر على تراجع السطوة الأمريكية كقوة عظمى وحيدة في العالم مقابل تزايد قوة خصومها كالصين وروسيا، وهذا التراجع قد لا يتوقف قبل أن يصل لحظة الانهيار التي تحاول واشنطن إطالة مدتها باستماتة. واليوم فأنَّ التراجع الأمريكي أمام الزحف الروسي لم يأت من فراغ، حيث كانت أميركا قد استفردت بالعالم منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وكان لأمريكا عقدين "ذهبيين"، لعبت خلالهما في العالم كما لم تلعب قوة عظمى في العصر الحديث من قبل، حيث بغياب الصين عن المشهد "التصادمي" مع أميركا، مارست واشنطن كل أنواع غرور القوة، فغزت العراق ودمرت الدولة العراقية من "أساساتها"، وفعلت في أفغانستان أفعال "الشياطين"، ولم يتبق في ذلك البلد ما يمكن تدميره. والقلق الأمريكي يأتي من خلال معرفتها بالإمكانيات والقدرات المتوفرة لدى الروس، وكذلك الخوف من عدم استجابة أوروبا أو التساوق مع الأهداف والرغبات الأمريكية، مما يعني في نهاية المطاف، مزيدا من الإضعاف للدور الأمريكي "العالمي". التَغيِّر الاقتصادي جزء من عملية مجتمعية عامة تعكس الأدوار التي تقوم بها الجماعات المختلفة على المستويين المحلي والدولي، وبالتالي لا يُعتبر التَغيّر الاقتصادي عملية آلية. ولا يمكن دراسة المشاكل الحالية لتخلف التنمية في العالم الثالث بمعزل عن بيئتها التاريخية والعالمية، وبالتالي ترتبط هذه المشاكل وسبل مواجهتها بالنظام العالمي والتغير الذي يشهده. إنّ النظام الإقليمي العربي يملك من الإمكانيات المعنوية المادية ما يؤهله لأن يكون له قدرة من الاستقلال في تفاعلاته على التأثير في مجريات النظام الدولي وليس مجرد التأثر بسلوك الفاعلين القياديين فيه. ولكن هذه الإمكانات لا يمكن أن تتحول إلى قدرة إلاّ إذا تحرك النظام كنظام واحد وليس كوحدات منفصلة، يختلف سلوكها، إن لم يتضارب، فيما بين بعضها، وهو ما لم يمكن أن يتم بدوره دون قيادة. ولهذا فان النظام الإقليمي العربي قد مارس دوراً فاعلاً بدرجة أو بأخرى، سواءً فيما يتعلق بشؤنه الذاتية أو فيما يرتبط بمواجهة النظام الدولي عندما توفرت له هذه القيادة، بينما تفكك وفقد تماسكه ومن ثم قدرته على الفعل المستقل الناجح حينما غابت هذه القيادة. وهذا ما تؤكده الخبرة الواقعية لعلاقة النظام الإقليمي العربي بالنظام الدولي القائد في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، حيث أظهر النظام العربي من خلال محاولات التكيّف والمواجهة مع النظام الدولي أنه لم يكن أبداً أداة في يد قيادة النظام الدولي. ومن مؤشرات ذلك استغلاله للصراع على قمة النظام الدولي في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ثم تكيّفه مع النظام الدولي في مرحلة الوفاق الحاصلة على هذه القمة منذ أوائل الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات(1). أن مستوى الاعتماد المتبادل بين النظام العالمي ومكوناته الفرعية تختلف جذريا من حالة إلى أخرى. فانهيار نظام فرعي إذا كان نظاماً مسيطراً قد ينتهي بتدمير النظام العالمي، كما قد لا يؤثر فيه، وفي حالة ثالثة قد يساعد على تهيئة ظروف أفضل لنمو النظام العالمي، وذلك بتعزيز الإمكانات التي يعتمد عليها أداؤه الوظيفي. وعلى الجانب الآخر، فإن انهيار النظام العالمي قد يؤدي بالتبعية إلى تدمير نظام فرعي معين (كانهيار تحالفات دولية دفاعية قامت في ظروف دولية معينة)، كما قد لا يؤثر هذا الانهيار في تماسك الكيان العام لهذا النظام الفرعي، وقد يساعد على تدعيم فرص نموه أو رفع كفاءة أدائه. لقد هيمن نزوع السيطرة وفرض الزعامة الأحادية الأمريكية على العالم وبشكل لافت للنظر، على العقل الإستراتيجي الأمريكي منذ نجاح الولايات المتحدة في قيادة التحالف العالمي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. واعتبر الأمريكيون أن هذه الحرب كانت مرحلة فاصلة في التاريخ الأمريكي وفي الدور الأمريكي العالمي. وقد عبَّر عن ذلك بصراحة شديدة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) عقب انتهاء تلك الحرب بقوله: "إن عقدة فيتنام قد دُفِنت في صحراء الجزيرة العربية"، وبمناسبة الاحتفال بذكرى الاستقلال الأمريكي قال: "إن حرب الخليج (الثانية) قد أثبتت للعالم أن الولايات المتحدة يمكنها التغلب على أي عدو ولا يمكن لأحد أن يوقفنا"، ولم يكن إدراك الرئيس الأمريكي (الأسبق) بيل كلينتون مختلفًا كثيرًا عن ذلك الإدراك. ففي استقباله للجنود الأمريكيين العائدين من عملية "إعادة الأمل" في الصومال قال: "إن الولايات المتحدة هي قائدة العالم. وأن المهمة العسكرية الإنسانية في الصومال تبشِّر بعهد جديد في مشاركة الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم. وقال: "نحن نقف جاهزين للدفاع عن مصالحنا بالعمل مع آخرين كلما كان ذلك ممكنًا وبأنفسنا عند الضرورة". فالسمة الأساسية هي هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي من الناحية السياسية والعسكرية ، وانفرادها بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية دون حاجة للحلفاء بدلاً من القطبية الثنائية السابقة. فعلى المستوى السياسي قامت أمريكا بدور المنظم للمجتمع الدولي، وراود الكثيرين في العالم الأمل بانتهاء الحرب والاتجاه بخطوات ثابتة نحو السلام العالمي، ومنذ أحداث 11 سبتمبر ظهرت نوعية جديدة من الاستقطاب وحلَّت ثنائية جديدة تتمثل في مواجهة بين الولايات المتحدة وقوى الإرهاب ودول وصفتها أميركا بالدول المارقة والتي تشكل ملاذاً للإرهاب(حسب إدعائها ). وفي هذا الصدد كشف التحرك الفردي للولايات المتحدة تجاه الحرب على أفغانستان واحتلال العراق عن عجز أوروبا عن أن تُشكل قوى سياسة تتبوأ مكاناً يليق بقوتها إلى درجة وصفها بأنها عملاق اقتصادي لكنها ليست إلاّ سياسي صغير . كما تزايدت حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة فقد شنت حملة عسكرية فتّاكة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي ساحق إلى غاية سنة 2003،لتعود الولايات المتحدة وحلفائها إلى احتلال العراق دون موافقة الأمم المتحدة.كما تدخلت عسكريا بشكل منفرد في الصومال خلال سنتي 1992-1994.وفي سنة 1999 أقحمت حلف شمال الأطلسي في حملتها العسكرية على يوغوسلافيا،كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001 وفي الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات والضغوط التي تشنها ضد إيران وكوريا الشمالية وسوريا . ففي الوقت الذي أخذ فيه النظام الدولي يشهد تطورات مهمة في هيكليته منذ سقوط النظام ثنائي القطبية، بدخول فواعل جدد في عضويته، حولته من نظام دولي يقتصر فقط على عضوية الدول إلى نظام عالمي يجمع بين عضوية الدول من ناحية، والعديد من المنظمات والهيئات ذات التأثير القوي في السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية والشركات متعددة الجنسية ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين من ناحية أخرى، فإن النظام العالمي الجديد الذي مال مؤقتًا ناحية أخذ طابع القطبية الأحادية، ثم تحول فيما بعد إلى نظام أشبه بـ "اللاقطبية"، أملًا في أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، شهد بروزًا مهمًا لدور الأقاليم على حساب دور الدولة الوطنية، بحيث أخذت تفاعلات الدول داخل أقاليمها الخاصة تتنافس، وأحيانًا، تتفوق على علاقاتها بقيادة النظام العالمي ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة). هذه التطورات والتحولات التي حدثت والتي مازالت تحدث في هيكلة النظام العالمي وطبيعته في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وسقوط النظام الدولي ثنائي القطبية بدأت تحدث تأثيرات واسعة في فواعل النظام العالمي وعلى الأخص في النظم الإقليمية، لكن هذه التأثيرات تبقى نسبية بالطبع، فهي لن تكون بالشمول نفسه ولا بالدرجة نفسها في كل النظم الإقليمية. هذه النسبية في التأثر ترجع لمعايير عدة هي التي تحكم درجة تأثر وتفاعل النظم الإقليمية بالتحولات الجديدة التي حدثت والتي تحدث في خصائص النظام العالمي. من هذه المعايير نذكر إمكانيات أو قدرات النظام الإقليمي. كلما زادت قدرات النظام الإقليمي وزاد تماسكه تراجعت فرص تأثير النظام العالمي بخصائصه الجديدة في تفاعلاته والعكس صحيح، ومنها المصالح العالمية في النظام العالمي، ذلك لأن كثافة هذه المصالح في نظام ما يؤدي إلى تفاقم تدخلات النظام العالمي في هذا النظام الإقليمي وتفاعلاته، ومنها نمط ارتباط النظام الإقليمي بالنظام العالمي، فكلما زادت الارتباطات سواءً من خلال المصالح الاقتصادية والعسكرية أو العلاقات السياسية. ووفقًا لهذه المعايير نستطيع أن نقول:إن النظام العربي سيكون أكثر تعرضًا للاختراق من النظام العالمي وأكثر استعدادًا للتأثر بهذه التحولات، فالنظام العربي رغم قدراته الاقتصادية وموقعه الإستراتيجي، فإنه أكثر ارتباطًا بالنظام العالمي من منظور مصالح النظام العالمي وبالذات القوى الغربية في هذا النظام بسبب ثروة الطاقة الهائلة التي تجعله نظامًا معولمًا. يزداد التأثير بسبب كثافة الصراعات والانقسامات داخل النظام وبسبب هشاشة التماسك وغياب القيادة الإقليمية بل وتعرضه لموجة عاتية من الانقسامات داخل الدول على أسس عرقية ومذهبية. والمرحلة الراهنة فهي من أخطر المراحل في تاريخ علاقة النظام الإقليمي العربي بقيادة النظام الدولي. وتتعدد وجهات النظر بخصوص الكيفية التي يجب أن تكون عليها العلاقة الجديدة للنظام الإقليمي العربي مع قيادة النظام الدولي في مرحلة الوفاق وهيمنة القوى الرأسمالية، ما بين المطالبين بالمشاركة أو حتى اللحاق بالمنتصرين في هذه القيادة، والذين ينادون باستمرار المواجهة. وبعيداً عن هذا الجدل فان الأهداف العربية لا يمكن أن تتحقق ما لم يتم القضاء على حالة الانقسام التي يعانى منها النظام العربي، في ظل أخطر مرحلة من مراحل التحول في النظام الدولي. وفي الوقت الذي يعانى فيه العالم العربي من التدهور استطاعت إسرائيل الاستفادة من انهيار الاتحاد السوفيتي، وتمثل ذلك في معالجة قضية هجرة اليهود السوفيت في سياق قضية حقوق الإنسان وفي إطار يسمح بإلغاء القيود المفروضة على الهجرة إلى الخارج بشكل عام. وعلى الرغم من ذلك دخلت بعض الدول العربية في علاقات مع إسرائيل وبشكل كبير، دون أن يرتبط ذلك بإقرار العدل وبتطبيق الشرعية الدولية، مثل قطر وعمان والأردن وموريتانيا. بالنظر إلى التجمعات الإقليمية التي انضم لها عدد كبير من الدول العربية في الفترة الأخيرة، إنما تفرض تحديّاً حقيقياً على هذه الدول، يتمثل في كيفية التزام هذه الدول بمسئولياتها في تجمع من التجمعات التي انضمت إليها، ومثال ذلك حالة النزاع بين المغرب والصحراء المغربية حيث تؤكد اتفاقية الشراكة على أن لكل شعب حق تقرير مصيره وهو ما يفرض على المغرب كعضو فيها إعطاء حق تقرير المصير لشعب الصحراء المغربية وذلك ما يتعارض مع أمنها القومي مع ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية التي تعد المغرب احد أعضائها أيضا. كانت حرب العراق بصورة خاصة، سبباً في زيادة الوعي الشعبي بالأخطاء التي ارتكبت أثناء ولاية بوش الأولى، إلاّ أن قضايا أخرى أيضاً تشهد تغييراً الآن. فقد أصبح الأميركيون الآن أكثر ميلاً إلى العمل التعاوني بشأن قضية تغير المناخ العالمي. وعلى نحو مشابه أصبح خطر الأوبئة العالمية يعني أن الأميركيين قد يدركون أهمية تعزيز قوة منظمة الصحة العالمية، تماماً كما أدت مشكلة الانتشار النووي إلى زيادة الوعي بأهمية الهيئة الدولية للطاقة الذرية. ---------------------- 1-لمزيد من التفاصيل حول دور النظام العربي وتأثره بالنظام الدولي، يُنظر: محمد سعد أبو عامود، "العلاقات العربية – العربية في النصف الثاني من القرن العشرين: الظواهر – الإشكاليات– المستقبل"، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، الأهرام، عدد 139، يناير 2000م، ص8–28. أحمد يوسف احمد، الصراعات العربية (1945 – 1981) دراسة استطلاعية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1988م، ص112–117
3
الذكرى الخامسة والستون لثورة 14 تموز 1958 د. ماجد احمد الزاملي تأسس اول تنظيم للضباط الاحرار عام 1942 لتغيير نظام الحكم في العراق غير ان السلطات تمكَّنت من القضاء عليه واحالة اعضاءه الى القضاء ، كما وقف الجيش الى جانب الحركة الوطنية وظهر ذلك من خلال التظاهرات التي شهدتها بغداد والمحافظات , حيث قامت نخبة من طلائع الضباط المستنيرين بتشكيل "تنظيم الضباط الوطنيين" الذي أسماه الإعلاميون لاحقا بتنظيم الضباط الأحرار أسوةً بتنظيم الضباط الأحرار في مصر وذلك في نهاية عام 1949 ، وبعد الهدنة مع إسرائيل وانسحاب الجيش العراقي. ومن وجهة نظر الدول الغربية؛ فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة استراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي استراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على أرث بريطانيا وفرنسا على الأخص بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان. وكانت هناك ضرورة ماسَّة للتطور السياسي ليتناسب مع حاجة الشعب من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، أي تحقيق تحسين الوضع الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. فإذا كانت السلطة تسمح للتقدم والتطور حسب ما تفرضه المرحلة، يحصل هذا التقدم تدريجياً بدون ثورة ودون الحاجة إلى عنف , على الرغم من ان صبيحة 14 تموز 1958 لم تكن عنيفة ولم تسيل دماء كما حصل في جميع الثورات الضخمة ,فقط حصلت أخطاء فردية طفيفة رغم تهويل الاعلام . إذا كان الحكّام لا يؤمنون بالتطور ولا يعترفون بالحاجة إلى التغيير لمواكبة التطور والاستجابة لحاجة الشعب إلى التغيير، فتكون هذه السلطة تعمل لمصلحتها والبقاء في الحكم وبالتالي فهي حكماً يخدم اجندة خارجية لكي تحميها من شعبها الذي سيثور عاجلاً أم آجلاً للإطاحة بها . ومع مرور الزمن تزداد الحاجة إلى التغيير ويحتدم الصراع بين قوى التجديد والسلطة, فتضطر السلطة ومن أجل بقائها في الحكم، إلى استخدام العنف والإرهاب والقوة لقمع القوى المطالبة بالتغيير، إلى أن تتراكم الحاجة إلى التغيير مع الزمن أكثر فأكثر وتصل حداً تصبح الحياة غير ممكنة مع الوضع القديم، عندئذٍ ينهار الجدار الذي يقف أمام الهبّة الجماهيرية المطالبة بالإنعتاق ، ويحصل العمل الثوري ، فتأتي سلطة تستجيب لحاجات التطور الاجتماعي ورغبات الشعب. فالعوامل التاريخية التي تراكمت وتمخضت عنها ثورة تموز 1958 عدة , منها دخول حكومة نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات وآخرها حلف بغداد التي كبَّلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي، وبعد بروز المد الوطني المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأمريكية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان الوطن العربي ، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولاً عديدة ، وأصبحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة مُتَّهمة بل غارقة بالعمالة لبريطانيا. وثورة 14 تموز 1958 لها دور في تغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق ,فهي مرحلة مهمة من المراحل التي مرَّ بها تاريخ العراق الحديث والتي انعكست آثارها ليس على العراق وحده وانما على دول الجوار والدول الأجنبية التي كانت متغلغلة في العراق وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، فعلى الرغم من العلاقة الجيدة التي كانت قائمـة بين الحكومتان ومع وجود اجهزة المخابرات الأمريكية في العراق إلاّ أنها لم تستطع التنبؤ بالثورة ولا بزمان حدوثها، الأمر الذي شكَّلَ مفاجئة للامريكان هو مجيئ نظام حكم معادي لهم، ومثلما كانت هي ثورة ضد نظـام حكـم، كانت ثورة ضد الوجود الامريكي في العراق. ما كانت عليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة آنذاك. وكيف كانت البلاد نفسها تمضي في مهب الريح، والدليل على ذلك تشكيل نوري السعيد ثلاث عشر وزارة استمرت كل منها فترة قصيرة قبل أن تسقط. بينما كانت البلاد تغرق في الفقر والجهل وتعيش تحت رحمة نظام إقطاعي ظالم مٌصادر لحقوق الفلاحين. لقد كان لتمادي الحكّام في التضييق على الشعب وانتهاك حقوقه في جميع المجالات الاقتصادية/الاجتماعية/الثقافية الدور الكبير لدفع الضباط الاحرار لتأسيس تنظيم لهم ,ولأن السياسة العراقية كانت تدور في فلك السياسة البريطانية فكانت بعض الحكومات العراقية غير جادة أحيانا بتنمية الجيش وتقوية قدراته القتالية والتسليحية وهذا السبب اجج مشاعر ضباط الجيش خاصة أصحاب الرتب الصغيرة الذين هم عماد الجيش ونواته الأساسية والتكاتف والتلاحم بينهم لاسقاط حكومة نوري السعيد والقضاء على الحكم الملكي واقامة النظام الجمهوري. اهم المباديء التي اقرها التنظيم هي ، ضرورة اعلان الجمهورية والغاء الملكية وتشكيل حكومة من الضباط والسياسيين الوطنيين من مختلف الفئات والتيارات الممثلة للمجتمع العراقي واعلان تشكيل مجلس تشريعي يدير البلاد باسم المجلس الوطني لقادة الثورة ويكون في عضويته تنظيم الضباط الوطنيين واعلان حل مجلسي النواب والاعيان والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة لانتخاب اعضاء جدد للمجلسين اضافة إلى فسح المجال للاحزاب الوطنية بالعمل على والتمسك بالوحدة الوطنية العراقية الكاملة لكافة الاعراق والطوائف والقوميات بشكل متآخي من خلال منح حقوق جميع فئات الشعب الحقوق الثقافية كما اكدوا على مبدأ الأخوة مع الدول العربية والإسلامية .واعلنوا بان العراق يسعى إلى تحرير اقتصاده من خلال تأميم ثرواته وخصوصا النفطية وان العراق دولة من دول عدم الانحياز ولا يتكتل او يتحالف مع أي من القوى العظمى كما اعلن قادة الحركة بان الجمهورية العراقية تكفل حرية العمل الصحفي وذلك بمنح الصحف الاجنبية والمحلية بالعمل.كما يحترم العراق حق الاديان ويعتبر الاسلام اساس التشريع في الدولة والقانون. إن خوف السلطة الحاكمة في ايران والمتمثلة بالشاه محمد رضا بهلوي من ان تؤثر ثورة 14 تموز عليه بشكل سلبي واندفاع الولايات المتحدة لتحل محل بريطانيا والخوف من الامتداد السـوفيتي الـى المنطقة كان لها الاثر الكبير في تقوية العلاقات الامريكية الايرانيـة، لـذلك طلب الشاه من الولايات المتحدة ان تتدخل في ايـران إذا ما تعرضـت إلـى هجوم من قبل السوفيت او اي جهة خارجيه بما في ذلك العـراق. ان الأمريكان عندما يريدون السيطرة على بلد ما او احتلاله يطلقون شعارات الديمقراطيـة والحريـة لإنقاذ البلدان من الانظمة الحاكمة التي تحكمها، وهذا ما كان واضحا من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي ايزنهاور عنـدما تفاجـأ بـالثورة، والواقع ان هذا أسلوب من أساليب الاحتلال الأمريكي فهو يطلق حملـة دعائية كبيرة لحملته قبل تنفيذها لكي يبقي الرأي العام مشغولاً وهـذا الأسـلوب استخدمه الأمريكان أيضاً قبل احتلالهم للعراق عام 2003. ولولا وَإد ثورة 14 تموز في مهدها لكان العراق الان في مصاف الدول المتقدمة. ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وككل الثورات كان الخلاف الايديولوجي بين الإطراف المختلفة من رجالها سببا في تداعيها والقيم النبيلة ولكنهم اخطأوا في تسويقها والارتفاع عليها بينهم، وما كان المرحوم عبد الكريم قاسم إلا الانسان النظيف اليد والضمير ولا يمكن مقارنة نظافة يده ووطنيته بأحد.عبد الكريم قاسم لن يكلّف احد بمسؤولية في الحكومة مالم يكن متأكد من طهارته، لم يأتِ بمزوري الشهادات بل جلب الكفاءات والحريصين مثل محمد حديد ... لم يتستر على المختلسين ولا على سراق المال العام وقوت الشعب. إن الثورة وجهت ضربة للنهج الطائفي الذي سارت عليه النخب العراقية الحاكمة منذ تأسيس الدولة العراقية عام1920. وفتحت الثورة الأبواب أمام العراقيين وبشكل متساو لتسلم المناصب الحكومية. وهذا مكسب كبير أزال التمييز بين الطوائف المكونة للنسيج العراقي فلم يعودوا مواطنين من الدرجة الثانية. وقد ناصبت العداء للثورة قوى كثيرة بضغوط إقليمية من شاه إيران وجمال عبد الناصر ومدت الجسور مع أقطاب التمييز الطائفي في الداخل ليدخلوا في حلف غير مقدس للإطاحة بالحكم الوطني في انقلاب شباط الأسود عام 1963. كان عبد الكريم قاسم وطنياً لا خلاف على ذلك بالرغم من الأتهامات الباطلة حول عمالته للأنكليز . وكان من أبناء الطبقة المتوسطة ولا يمكن لعسكري ينتمي بعقليته إلى تلك الطبقة مع وطنيته إلاّ أن يتصرف وفقاً لما تعلّمه وعرفه ومارسه في ذلك الوقت من نهاية خمسينيات القرن العشرين . ولابد لنا من تقييمه موضوعياً وتأريخياً فبالرغم مما أنجزه من أصلاحات وقوانين جيدة. عبد الكريم قاسم واحد من أهم الوطنيين العراقيين ، الذين وصلوا إلى حكم البلاد ، وكان الرجل نزيهاً وعفيفاً وعمل على أصلاح بلده, وخلافا لإدعاءات القوميين وقت ذاك، فإن الزعيم عبد الكريم قدَّم الكثير لنصرة الثورة الجزائرية، وللشعب الفلسطيني، وهو لم يكن، كما ادّعوا، عدوا للوحدة العربية، وإنما كان رجلا واقعيا، ويرفض الوحدة الاندماجية التي أرادها الناصريون والبعثيون، وهي الدعوة التي فجّرت التناحرات الحزبية العنيفة، وأشعلت صراعات أربكت الثورة وزعزعتها، وشكلت ضغوطاً هائلة على خطوات الزعيم ، وأحبطت قراره بصياغة دستور دائم والانتقال لعهد أكثر استقراراً. تلك الصراعات قد تركت آثارها المُؤذية على التطور العراقي اللاحق . ولا زلنا نعاني من فرقة الأحزاب الوطنية في الوقت الحاضر ونحن نجابه حرباً طائفية وخارجية ،اضافة الى ماعانينا ولازلنا نعاني منه "الإرهاب".
4
الدستور يُنَظِّم العلاقة بين الحاكم والمحكوم د.ماجد احمد الزاملي يقوم القانون الدستوري بصفة عامة بتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم أو بمعنى آخر ينظم تكوين السلطات العامة وتحديد إختصاصاتها والعلاقة بينها وتحديد حقوق وحريات الأفراد في مواجهة السلطة العامة وذلك في ضوء الاعتبارات الأكاديمية المتبعة في بحوث الفروع القانونية المختلفة بكليات الحقوق. ودراسة القانون الدستوري لاتؤدي إلى نتائج قانونية أو تكون لها أهمية أو فائدة الاّ في نطاق الدولة القانونية , أي الدولة التي يخضع فيها كل من الحاكم والمحكوم للقانون وذلك أياً كان شكل الدولة أو نظام الحكم فيها. لأن القانون الدستوري هو الذي يُحدد السلطات العامة في الدولة وإختصاص كل منها ( وترتيباً على ذلك حدود كل منها ) وعلاقة كل منها بالأخرى وأخيرا حقوق وحريات المواطنين أمام الحاكم، فإذا كان هذا هو المقصود ؛ فإن قواعد القانون الدستوري من هذا المنطلق تُعد القواعد الأساسية في كل دولة معاصرة ، كما تعتبر من باب أولى ومنطقيا ؛ انعكاساً لمجموعة العوامل الثقافية والاقتصادية والسياسية والدينية وتعبيراً عن العلاقات الإجتماعية السائدة بين الحاكم والمحكوم وتُعد صدى للظروف البيئية والمناخية السائدة في دولة ما. النظام المستقر هو الذي يقوم وفقاًً للحرية والمساواة السياسية وعلى أساس إرادة الشعب ، هو الذي ينبع من الديمقراطية، ويستقي منها ، تلك الديمقراطية الهادفة إلى توفير كافة الضمانات للأفراد لحرياتهم الإنسانية، ولتحقيق أمانيهم، وأن يتمتع المواطن العادي بالأمن الاجتماعي والحرية الشخصية، بعيداً عن أي صورة من صور الاستغلال أو القمع أو الضغط (1)، هذه الحقوق السياسية تتميز بأنها عن طريقها يمكن التحكم والسيطرة على دَفَّة الحكم في البلاد؛ حيث يعبّر فيها الشعب عن إرادته، ويمسك بيده زمام الأمور وبدون الحقوق السياسية تُعد الحريات منحة يمكن للسلطة أن تستردها متى تشاء، وتُعتبر في حالة تفعيلها أحد عوامل استقرار السلطة؛ لارتباطها العضوي بمصالح الشعب وحاجاته الأساسية(2). وقد أكدته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سنة 1981، إذ أقرّت على أن القانون ليتحقق فيه الأمن يجب أن يكون ممكن الولوج وتوقعيا كمطلب للأمن القانوني، وهو ما سارعليه مجلس الدولة الفرنسي في تقريره العام لسنة 2006 حيث جاء في هذا التقرير : ” يقتضي مبدأ الأمن القانوني أن يكون المواطنون، دون كبير عناء، في مستوى تحديد ما هو مباح وما هو ممنوع من طرف القانون المطبّق" . وللوصول إلى هذه النتيجة يتعين أن تكون القواعد المقررة واضحة ومفهومة وألاّ تخضع بمرور الزمن إلى تغيرات متكررة وغير متوقعة بما يفيد أن الصياغة التشريعية ليست مجرد فن تنافرت حوله الرؤى بل هو علم قانوني أصيل تضبطه قواعد ومباديء عدلية يلزم إتباعها. إن من بين أهمّ الأبحاث الموجودة في الفلسفة السياسية هو أصل العدالة. ورُبَما أمكن القول: إن جميع فلاسفة السياسة قد تعرَّضوا لبحث العدالة بنحوٍ من الأنحاء. إن أهمّ مسألةٍ في بحث العدالة جعل العلاقات غير المتوازنة في المجتمع مسألةً يمكن الدفاع عنها. من الناحية الحقوقية يتمّ التعبير عن العدالة بالقرارات القانونية المنصفة. ومن زاوية الفلسفة السياسية تعتبر العدالة صفةً للمؤسسة الاجتماعية، دون الأفراد. من خلال دراسة دور المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في السياسات العامة في مجالات الرسم والتنفيذ والتقييم، يبرز تباين أداء كل مؤسسة من تلك المؤسسات في صنع السياسات العامة في البلدان النامية والمتقدمة، وتباين قوة وفاعلية كل منها، وهذا يعود بطبيعة الحال إلى الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتطور التاريخي لتلك المؤسسات ودرجة علاقتها مع بعضها ودرجة علاقتها ككل مع المجتمع. وفيما يتعلق بدور المؤسسات الرسمية فترسخ المؤسسات واستقرارها وإمكانيتها في ممارسة نشاطها وقدرتها على نقل متطلبات المجتمع إلى حيز التطبيق يؤدي إلى أن تكون مخرجات السياسات العامة أكثر ديمقراطية وأكثر شمولية لمتطلبات المجتمع وبالتالي تكون السياسة العامة سائرة في إطار ديمقراطي سليم. ومن خلال ذلك يبرز التباين بين الأنظمة السياسية في الدول المتقدمة والأنظمة السياسية في الدول النامية، فبقدر ما تكون الأولى قائمة على ترسِّخ المؤسسات واستقرارها واستقلاليتها النسبية وتوازنها في تحقيق متطلبات المجتمع، تكون البلدان النامية معبّرة عن حالة هيمنة المؤسسات التنفيذية وضعف المؤسسات التمثيلية المتمثلة بالسلطة التشريعية أو المجالس النيابية، وإنعدام وضعف الحلقات الوسيطة بين النظام السياسي والمجتمع المتمثلة بوجود مؤسسات المجتمع المدني، وبالتالي فان السياسات العامة للبلدان النامية تكون معبّرة في الغالب عن طبيعة العلاقة القائمة بين مؤسسات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية هذا يؤدي إلى أن تكون السياسات العامة لغالبية تلك البلدان عاجزة عن تلبية جميع أهداف المجتمع أو إنها سياسات لا تتميز بطابع الاستمرارية والثبات النسبي نظراً لعدم الإستقرار السياسي وضعف الإستجابة للمطالب المجتمعية. النظام الانتخابي هو الآلية التي يضعها المُشَرِّع لتنظيم سير العمليات الانتخابية في مختلف مستوياتها، والتي نستطيع من خلال اعتماد قواعدها تحويل الأصوات المُعبَّر عنها إلى مقاعد في مجالس منتخبة، مُبَيِنة أسس الفوز، الإقصاء والفصل في جميع الإشكالات المتعلقة بسير العملية الانتخابية، كحالات التعادل بين المرشحين.ونظراً لأهمية النظام الانتخابي ينبغي أن تخضع عملية تصميمه لمجموعة من الضوابط التي تكفل الغايات والنتائج المنشودة منه(3) . لا شك أنّ التجربة، في كل من الديمقراطيات الراسخة والناشئة على حد سواء، تدل على أن تعزيز النظام الديمقراطي على المدى الطويل (إلى أي مدى يعتبر النظام الديمقراطي مُحَصَّناً ضد كافة التحديات الداخلية التي قد يواجهها النظام والأمن السياسي) يتطلب قيام واستمرارية الأحزاب السياسية الفاعلة(4). في عصرنا الراهن يتم تصميم النُظم الانتخابية ضمن إطار العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والقوانين الدولية الأخرى المتعلقة بالقضايا السياسية. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه القول بأن هناك قائمة موحدة لمعايير الانتخابات المتفق عليها دولياً، إلاّ أنّ هناك توافقاً على أن تلك المعايير تشتمل على مباديء الانتخابات الحرة، والنزيهة والدورية والتي تضمن حق الاقتراع العام دون استثناءات، بالإضافة إلى ضمانها لسرية الاقتراع وممارسته بعيداً عن الإكراه أو القسر، والتزام مبدأ الصوت الواحد لكل فرد (بمعنى أن تتساوى قوة الصوت المخوَّل لكل ناخب مع باقي الناخبين وليس بمفهومه كنظام انتخابي محدد). إنّ جميع الانظمة الانتخابية لا تخلو من مساويء واشكاليات لكن هناك من تختفي اشكالياتها في ضوء تقدم مزاياها، ولايزال الجدل قائماً حول تحديد الحجم الأمثل للدوائر الانتخابية. لا يمكن إيجاد نظام إنتخابي مثالي عادل قابل للتطبيق والحياة على جميع دول العالم وفي كل زمان ومكان انما يجب ان تأخذ ظروف كل دولة على انفراد وهذا يتطلب وجود دراسات مسبقة لظروف تلك المجتمعات السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية وغيرها قبل الشروع في تشريع نظام إنتخابي سواءً للتصويت او لتحديد الفائزين بالمقاعد البرلمانية، وبالتالي فإن النظام الانتخابي في بلد ما يُعد أحد العوامل التي تحدد مدى اهتمام المواطن بالحياة العامة والتي تؤثر على شكل النظام الحزبي ودرجة الاستقرار الحكومي. ويمكن اعتبار النظم الانتخابية كأدوات لإدارة الصراع داخل مجتمع ما، بالإضافة إلى كونها الوسيلة لإنتخاب البرلمانات والرؤساء. تُعتبر مسألة ألإختيار للنظم الانتخابية أمراً أساسياً ، ولا يمكن التطرق لها بمعزل عن مسائل البناء الدستوري والمؤسسي، باعتبارها حيوية لمجالات أخرى متعددة مثل إدارة الصراعات، وتمثيل المرأة أو تطوير النُظم الخاصة بالأحزاب السياسية. كثيراً ما يتم الإبقاء على النظم الانتخابية غير الملائمة لاحتياجات الديمقراطيات الجديدة، والتي ترثها عن العهود السابقة ، دون التمعن في كيفية تأثير تلك النظم وعملها في ظل الواقع السياسي الجديد. تُعتبر مسألة انتقاء النظام الانتخابي من أهم القرارات بالنسبة لأي نظام ديمقراطي. ففي غالبية الأحيان يترتب على انتقاء نظام انتخابي معين تبعات هائلة على مستقبل الحياة السياسية في البلد المعني، حيث أن النظم الانتخابية المنتقاة تميل إلى الديمومة، في الوقت الذي تتمحور الاهتمامات السياسية المحيطة بها حول ما يمكّنها من الاستفادة من المحفزات التي توفرها تلك الأنظمة. وتتأثر طبيعة النظم الخاصة بالأحزاب السياسية التي يتم تطويرها إلى حد كبير بالنظام الانتخابي، وخاصةً فيما يتعلق بعدد الأحزاب السياسية الفاعلة في الهيئة التشريعية وأحجامها. وكذلك الأمر بالنسبة للتماسك والانضباط الداخليين ضمن الأحزاب, إذ تساعد بعض النظم الانتخابية على ظهور التيارات المتباينة ضمن الحزب الواحد حيث تتصارع أجنحته المختلفة فيما بينها باستمرار، بينما تدفع نظم أخرى نحو توحيد كلمتهم ونبذ الانشقاقات الداخلية. ويمكن للنظم الانتخابية التأثير في كيفية قيام الأحزاب السياسية بحملاتها الانتخابية، وفي سلوكيات القيادات السياسية، بما يسهم في تحديد ما يكون عليه الجو السياسي العام؛ وقد تدفع هذه النظم بالأحزاب السياسية نحو تشكيل التحالفات فيما بينها أوعلى العكس من ذلك، أن تبتعد عن تلك الممارسة؛ وقد توفر النظم الانتخابية محفزات للأحزاب السياسية لتوسيع قاعدتها الشعبية على أوسع نطاق ممكن، أو لحصرها في أطر ضيقة ضمن نطاق القبيلة أو صلة القرابة. ويُعتبر الإختيار بين الدائرة الانتخابية الفردية والدائرة الموسَّعة، وتقسيم الدوائر الانتخابية، من المسائل السياسية البالغة الأهمية والتي تثير خلافات حادة بين الأحزاب والقوى السياسية لما لها من تأثير مباشر في نتائج الانتخابات وفي تحديد الأقلية والأكثرية في البرلمان. ففي الدائرة الفردية، يتم تقسيم الدولة إلى دوائر إنتخابية متساوية تسمح للناخبين بإختيار مرشح واحد فرد من بين جميع المرشحين في الدائرة الواحدة. وهذا يفرض إعادة النظر بصورة دورية بتقسيم الدوائر نتيجة عوامل حركة السكان بين الدوائر، إضافة إلى مراعاة الاعتبارات السياسية والحزبية. ويتم عادةً تقسيم الدوائر الفردية من خلال إعتماد التقسيمات الإدارية أو إعطاء صلاحية التقسيم إلى لجنة مؤلفة من أشخاص حياديين أو ممثلين لمختلف الأحزاب السياسية أو إلى لجنة قضائية مستقلة. ومن مزايا الدائرة الفردية، السماح للناخبين بمعرفة المرشحين وإقامة علاقات إنسانية وإجتماعية وخدماتية مباشرة بين النائب وناخبيه، بالإضافة إلى الحد من نفوذ الجماعات والأحزاب وسيطرتها. أما سيئاتها فتتمثل في تغليب الاعتبارات والمصالح الشخصية على الاعتبارات والمصالح العامة وإضعاف دور الأحزاب. على أن يُيَسِر النظام المختار التعبير عـن إرادة الشعب عن طريق انتخابات دورية وصادقة بناءً على اقتراع يجري على قدم المساواة بين الناخبين، خاصة عندما نعلم بأن هناك أنواع متعددة من نُظم الإنتخاب تختلف فيما بينها في الكثير من الجزئيات، وهو ما يستدعي دراستها والبحث فيما إذا كان اختلافها له تأثير على اتجاهات الناخبين، ومن ثم على طبيعة التمثيل السياسي الناتج عن العملية الانتخابية. فكلما زاد الوعي الثقافي للمجتمع لا بد أن يكون هناك إنفتاح ديمقراطي، وتنوع في النظم المستخدمة في الإنتخاب، لتعطي المجال ألأكثر في دمج الجميع نحو المشاركة وصناعة الرأي والقرار، فالنظام المفتوح يعزز ذلك الجانب في المجتمع المتحضر،والواعي لأهمية الشراكة والمصالحة بين الجميع، وعدم البقاء على هيمنة الحزب الواحد. ------------------------- 1-المستشار محمد فهيم درويش، نظرية الحكم الديمقراطي، دار اخبار اليوم، قطاع الهامة 2000، ص25-27 2-د. داود الباز، حق المشاركة في الحياة السياسية، دراسة تحليلية للمادة 62 من الدستور المصري، مقارنة مع النظام الفرنسي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002 ، ص34 3-أفلاطون أو أرستوكليس بن أرستون (427 ـ 347ق.م): فيلسوفٌ يوناني كلاسيكي ورياضياتي وكاتب لعدد من الحوارات الفلسفية. مؤسِّس أكاديمية أثينا، التي هي أوّل معهد للتعليم العالي في العالم الغربي. تلميذ سقراط ومعلِّم أرسطو المعرِّب. 4-د.مها عبد اللطيف: معوقات بناء ثقافة سياسية مشاركة في العالم الثالث، مجلة دراسات إستراتيجية، جامعة بغداد، مركز الدراسات الدولية، عدد(4). (1998)
5
تأثير الفساد على التنمية د.ماجد احمد الزاملي الفساد هو إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة واستخدام المصلحة العامة والخاصة للجهة الإدارية لتحقيق مصلحة خاصة للفرد القائم بالعمل أو تخصيص الموارد وتوزيع العائدات الاقتصادية وفقا لاعتبارات المصلحة الخاصة وليس المصلحة العامة أو بالتعارض معه, مثال على ذلك دفع رشوة أو عمولة إلى الموظفين أو المسئولين لتسهيل مهمة رجال الأعمال والشركات الأجنبية وغيرها فالفساد له صورتان الأولى الفساد الصغير وهو محدود الأثر ونتائجه ليست على درجة عالية من الجسامة مثل الرشوة والعمولة والمحسوبية وغيرها والثانية الفساد الكبير وهو على درجة كبيرة من الجسامة وغالبا ما يرتبط بالصفقات الكبرى في المقاولات وتجارة السلاح والحصول على توكيلات تجارية وغيرها. والفساد المالي والإداري وجود الخلل في الأداء نتيجة الخطأ والنسيان وإتباع الشهوات والزلل والانحراف عن الطريق المستقيم، الفساد هو سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة. والفساد قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية ، ويترتب على الفساد خلل فى الكفاءة الاقتصادية. وقد يؤدي تضارب المصالح إلى الفساد، وبالتالي لا بد من الإفصاح عن حالات التضارب ومعالجتها بطريقة تحول دون الانحدار إلى الفساد. وبشكل عام، تعالج حالات التضارب في المصالح من خلال شروط الإفصاح المالي والإفصاح عن الأصول، ومدوّنات قواعد السلوك وغيرها من الأنظمة، مثل منع الموظفين العموميين من العمل في القطاع الخاص لفترة زمنية معينة بعد مغاردتهم العمل في القطاع العام. وترمي هذه التدابير إلى الطلب من الموظفين العموميين التنحي عن القرارات التي من شأنها أن تؤدي إلى نزاع فعلي أو محتمل. وما يترتب على الفساد المالي والإداري من آثار اقتصادية وسياسية واجتماعية سيئة تؤثر بشكل مدمر على المجتمع، وآثار مدمرة تطال كل مقومات الحياة في الدولة، فتضيع الأموال والثروات والوقت والطاقات وتعرقل سير الأداء الحكومي وانجاز الوظائف والخدمات، وتقود إلى تخريب وإفساد ليس على المستوى الاقتصادي والمالي فحسب، بل في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية، ناهيك عن التدهور الخطير في مؤسسات ودوائر الخدمات العامة المتصلة بحياة المواطنين. والفساد المالي والإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل المالي و الإداري المناط بالشخص, غير أن ثمة انحرافا مالياً وإداريا يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة, وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد المالي والإداري لكنه انحراف يعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يعالج إلى فساد مالي و إداري. والمسائلة تعطينا الحق في الاستفسار عن تصرفات الآخرين الإدارية كما يمنحهم أيضاً الفرصة في شرح وجهة نظرهم حول سلوكياتهم وتصرفاتهم المتعلقة بأداء أعمالهم ، ومن ناحية أخرى فإن مبدأ المسائلة في الإدارة يقتضي أن تكون لدى الشخص الصلاحيات التي تمكِّنه من أداء عمله ، والتي من الممكن على أساسها مسائلته عن عمله . وفكرة المسائلة فكرة قديمة في التراث البشري وأساس من أسس ترسيخ الأمانة في سلوك أفراد المجتمع ، فقد بدأت مع الأفراد في مجتمعاتهم التقليدية البسيطة لتمتد فتشمل بعد ذلك مسائلة الجماعات فالمؤسسات التي تمثل اليوم سمة العصر الحديث فيما يتصل بنظام العمل وتقديم الخدمة أو المنتج للجمهور ، بل يمكن القول بأن مبدأ المسائلة لم يعد قاصراً على الأفراد والمؤسسات ، بل أمتد ليشمل الحكومات التي أصبحت تخضع للمسائلة كما يخضع لها الأفراد. مفهوم المسائلة يدور حول حق ذوي العلاقة في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال المسؤولين فيما يتعلق بإدارة مصالحها ، ومطالبتهم بتقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وواجباتهم في إدارة مواردهم ، وكيفية تعامل المسؤولين مع الانتقادات التي توجَّه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو الخداع أو الغش ، وذلك من أجل التأكد من مطابقة أعمال هؤلاء المسؤولين مع أسس الديمقراطية القائمة على الوضوح وحق ذوي العلاقة في المعرفة بأعمال المسؤولين والعدل والمساواة ومدى اتفاق أعمالهم مع قوانين وظائفهم ومهامهم حتى تصل لتطبيق مضمون النزاهة ليكتسب هؤلاء المسؤولين الشرعية والدعم المقدم من ذوي العلاقة التي تضمن استمرارهم في أعمالهم وتمتعهم بحقوقهم. إن البدايات الأولى للفساد الإداري ترى فيه ممارسات سلوكية لا تخضع إلى ضوابط أو معايير معينة، خاصة المعايير التنظيمية والبيروقراطية في إطار عمل المؤسسات، وهي بهذا المعنى تعتبر الفساد مرادفاً للانحراف، فلا يقتصر انتشار الفساد على مجتمعات في فترات زمنية معينة، فالفساد ظاهرة إنسانية وزمنية مع اختلاف سعة انتشاره واستفحاله من مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى آخر سببه الرئيسي الظروف والمعطيات التي يمر بها المجتمع، ففي المجتمع اليوناني القديم الذي كان يعاقب على الرشوة بالإعدام طبقا لبعض التشريعات والتي انتقدها سقراط بقوله إن المرتشي كان يجزى على ارتشائه بالترقي في المناصب العسكرية والسياسية.وللأسف فإن أكثر الدول حاجة إلى التنمية هي الدول النامية من أكثرها فساداً، مع حاجة تلك الدول إلى مسارعة الخطى لتقليل الفجوة الحضارية بينها وبين الدول المتقدمة. ان الفساد الإداري لا يفترض بالضرورة أن يكون انحرافا عن النظام القيمي السائد بل هو انحراف عن قواعد العمل وإجراءاته واشتراطاته وقوانينه وتشريعاته. ويأتي هذا الانحراف نتيجة أسباب عديدة ليشكل خرقا لهذه القوانين المعتمدة في النظام الإداري. ذلك ان الفساد الإداري بكافة أشكاله وأنماطه يعتبر آفة تلحق الإضرار بجودة الأداء وفعاليته، وتقف عائقاً أمام اتخاذ القرارات الرشيدة، وتحقيق أهداف المنظمات العامة فيتدنى مستوى الأداء والعطاء، الأمر الذي قد يخلق شيوع الفساد الإداري الذي إذا لم يتم معالجته والقضاء عليه فانه ينخر مؤسسات الدولة. إن الفساد الإداري الذي تعانى منه بعض الأجهزة الحكومية لا يأتي من فراغ وإنما هناك مسببات عدة تقف وراء ظهوره والتي قد يكون منها غياب عنصر الرقابة الذاتية، وكثرة الإجراءات وتعقيدها، وعدم مناسبة الأجر أو الراتب إلى غير ذلك، ومن أجل ذلك من الضروري تلمس هذه المسببات لاجتثاث هذه الآفة وتحقيق الوصول الى حلول يمكن بها التصدي للفساد ألإداري. الفساد هو سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة وأن الفساد الإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص , غير أن ثمة انحرافاً إدارياً يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة , وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد الإداري لكنه انحراف يعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يُعالج إلى فساد إداري. وتتعدد الأسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمعات، يمكن إجمال مجموعة منّ العوامل المرافقة والمساعدة لممارسة الفساد التي تُشكِّل في مجملها ما يسمى ببيئة الفساد. وتجدر الملاحظة هنا إلى أن هذه الأسباب، وإن كانت متواجدة بشكل أو بآخر في المجتمعات كلها، تتدرج وتختلف في الأهمية بين مجتمع وآخر، فقد يكون لأحد الأسباب الأهمية الأولى في انتشار الفساد في بلد أو مجتمع ما، بينما يكون في مجتمع آخر سبباً ثانوياً. وبشكل عام يمكن إجمال الأسباب في, ضعف القانون, ففي معظم المجتمعات التي لم تستكمل حزمة التشريعات الخاصة بتنظيم العمل العام وعدم كفاية التشريعات الخاصة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، أو وجود ضعف في احترام سيادة القانون تُنتهك الحقوق والحريات دون رادع، وتصادر حرية ّ الرأي والتعبير والتنظيم، , وضعف الجهاز القضائي لعدم استقلالية وفعالية أجهزة النيابة العامة التي تتولى التحقيق والملاحقة للكشف عن الجرائم وتقديمها إلى محاكم لا يتمتع قضاتها بقدرتهم على تنفيذ الأحكام التي يصدرونها، يفتح المجال للإفلات من العقاب والمحاسبة والردع بما يُشجع بعض المسؤولين على استسهال التطاول على المال العام، أو استغلال موقعه الوظيفي للحصول على مكاسب خاصة له أو لجماعته. وضعف الإرادة والنية الصادقة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد, وتتمثل في عدم اتخاذها إجراءات صارمة وقائية، أو علاجية عقابية بحق عناصر الفساد، بسبب انغماس هذه القيادة نفسها أو بعض أطرافها في الفساد، وبالتالي لا يتم تطبيق النظام بدقة وفاعلية على الجميع َ بسبب الحصانات، ويفلت من العقاب من لديه وساطة، أو محسوبية، أو نفوذ. وقد أدى تطور الدولة وإتساع نطاق نشاطاتها إلى التفكير ملياً بإيجاد وسائل من شأنها المساهمة في إبراز ذلك النشاط والذي تهدف من ورائه لتقديم خدماتها للافراد, وإستكمالاً لما بدأت به الدولة من اللجوء لمثل تلك الوسائل وجد من الضرورة تنظيم التشريعات المُتَّبَعة في ظِلها للحفاظ على المصالح والاموال العامة والخاصة. إن موضوع الوظيفة العمومية مرتبط بإختيارات سياسية وإيديولوجية للدولة. فتغيير هذه الاختيارات السياسية يؤثر على قطاع الوظيفة العمومية بما في ذلك النظام التأديبي بالإضافة إلى كل ما سبق ساهم في هذا التغير مصادقة أغلب إن لم نقل جميع الدول على معظم المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان ؛كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى إتفاقيات أخرى جهوية ، كل هذه المواثيق والاتفاقيات كانت مهمة نظراً للمسؤولية الدولية المترتبة عن الإخلال بها. تُعد جريمة الإضرار بسوء نية بالأموال والمصالح من الجرائم ذات الضرر أي تلك التي يشترط لوقوعها حصول ضرر فعلي أو أن يتسبب الموظف أو المُكلف بخدمة عامة في ذلك الضرر من جراء فعله في أن يُصيب الجهة التي يعمل بها ضرراً, والذي يهدف من وراءه الحصول على منفعة لنفسه أو لغيره(1), فالموظف أو المكلف بخدمة عامة يكون متسبباً بالاضرار إذا لم يكن قد دقق في الكشف على المواد التي إشتراها, أو عند إستلامها مما ترتب عليه حصول ضرر للجهة التي يعمل بها فهي من جرائم الخطر وليس من مستلزماتها أن يترتب ضرراً على المصلحة العامة. ولما كانت الدولة في العصر الحديث عبارة عن كم هائل من المؤسسات والسلطات والأجهزة التي تعمل باسم المجتمع ولمصلحته , فان عمل هذه المؤسسات والسلطات والأجهزة يكون وفقاً للقانون بمعناه العام الذي يمنحها الاختصاص والصلاحيات التي تقوم بها والاساس القانوني يعطي السلطة الواقعية لجهة معينة بممارسة اختصاصاتها ، وبموجب تدرج القواعد القانونية فيكون البناء القانوني للدولة من مجموع القواعد القانونية المتدرجة بحيث يقف الدستور في قمتها وبعدها تأتي القواعد القانونية الاقل. مرتبة” منها(2) والقانون عندما يمنح لجهة ممارسة الاختصاص الرقابي فان ذلك يعد ضمانه ضد تعسف بعض الجهات في اقحام نفسها في عملية الرقابة كذلك فان تحديد الاختصاص لجهة معينة بممارسة اختصاصها يعد وسيلة في رقابة الرأي العام على عمل هذه الجهة وفق اختصاصها(3)، يعد الاساس القانوني الذي يمنح الاختصاص الرقابي لجهاز معين من الوسائل التي تكبح جماح الادارة وردها اِلى الطريق السليم إذا انحرفت في تصرفاتها وأعمالها حيث القانون اعطى الاختصاص لأجهزة مستقلة خارجة عن الادارة في ممارسة اختصاص الرقابة عليها وهذا يحقق هدف الرقابة في حماية حقوق الافراد وحرياتهم والمحافظة على المال العام كما وقد يعطي الأساس القانوني للجهة المعنية بالرقابة في بعض الدول صلاحية توجيه أسئلة واستفسارات اِلى المواطنين وعلى المواطنين ان يجيبوا عليها( 4) لكي تقوم هذه الأجهزة بدورها الرقابي بصورة سليمة وتفعيل عملها بالاعتماد على هذه الاسئلة الموجهة للمواطنين واشاعة ثقافة الرقابة في المجتمع . ونظام رقابة اجهزة خارجية ومستقلة الذي ينص القانون عليه كفيلا” بتحقيق الغاية التي تهدف اليها الدولة الحديثة في رقابة أموالها و مراقبة أعمال وتصرفات الجهات والسلطات الاخرى في الدولة بحيادية تامة من اجهزة مستقلة عن السلطات لا تتبع أو تخضع لتلك السلطات والادارات دون اي تأثير على العمل الرقابي الذي تقوم به. اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي أقرت في أعقاب عدد من الاتفاقيات الدولية المماثلة التي تم اعتمادها تحت رعاية مختلف المنظمات الدولية ، فكانت هناك وثائق دولية أخرى مهمة تبنتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجلس أوروبا، ومنظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك فأن هذه الاتفاقية هي أول صك عالمي حقيقي لمكافحة الفساد وهي وثيقة شاملة في إطار معالجة أسبابه. وهي فريدة من نوعها ليس فقط في تغطيتها لجميع أنحاء العالم، بل أيضا في اتساعها وتفاصيل أحكامها التي تعتبر ذات أهمية خاصة بالنسبة للبلدان التي لا تغطيها الاتفاقيات الإقليمية. هذه الاتفاقية التي تم فتح باب التوقيع عليها في كانون الأول/ 2003، ودخلت حيز التنفيذ في كانون الأول/ من عام 2005، تضم حاليا أكثر من 145 دولة. إلا أن التنفيذ الفعال والمتماسك لها يعتمد إلى حد كبير على التزام عدد كبير من الجهات الفاعلة في الدول الأطراف فيها بإتباع الآليات التي رسمتها تلك الاتفاقية. وقد أوجدت هذه الاتفاقية -من خلال المحطات الأساسية التي مرت عليها نصوصها في موضوع مكافحة الفساد والحد من مخاطره. وفقاً لما أقرّته المادة 5 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، تتمثل المبادئ الأساسية لمكافحة الفساد في القطاع العام بحكم القانون، والإدارة السليمة للشؤون العامة والممتلكات العامة، والنزاهة، والشفافية والمحاسبة. وتشترط المادتان 7 و8 على الدول وضع تدابير محددة حرصاً على الالتزام بهذه المبادئ، بما في ذلك اعتماد الأنظمة المبنية على الجدارة من أجل توظيف وترقية الموظفين العموميين، وتحديد معايير التعيين في المناصب العمومية، وتعزيز الشفافية في تمويل الأطراف السياسية، وإنشاء أنظمة للتصريح عن الأصول. كما تشتمل التدابير الإضافية لمكافحة الفساد المنصوص عنها في المادتين 10 و13 من الاتفاقية على تعزيز مشاركة أصحاب المصالح والحكومة المفتوحة. وتجدون فيما يلي تفصيلاً لهذه التدابير وغيرها من التدابير الإضافية الآيلة إلى مكافحة الفساد في القطاع العام. وختاماً فإننا نؤكد على دور وأهمية القضاء بضمان عدم التعسف أو الانحراف من جانب الادارة فيما تصدره من تصرفات وقرارات في مواجهة الافراد ومساندة جهود الدول التي ترسي مبدأ الديمقراطية وصيانة حقوق وحريات الافراد ومبدأ سيادة القانون ، على أن تكفل الآليات التي تضمن وتكفل تمتعهم بتلك الحقوق والحريات من جانب والتزام الادارة بتحقيق الصالح العام من خلال رقابة فاعلة للقضاء ويخضعون لها ،خلال المنازعات التي تعرض أمامها والسبيل لذلك بأن يدعم ويسند عمل القضاء حيث يقاس مدى تطوير هذا الجهاز بما يكفل لها الاستقلال وتوفير الامكانيات المالية والبشرية فالسلطة القضائية ركن أساسي يلازم التطور في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية في دولة القانون. لم يعد الفساد مجرد آفة مؤقتة من آفات المجتمعات الخاضعة لعملية تحديث والتي يمكن معالجتها بالتعليم والتنمية والأخلاقيات العامة. فبالإمكان لمس الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة الناتجة عن الفساد مهما كان حجمه. إن تقديم البرهان على الالتزام بالحكم الوطني ومن ثم التعهد بالإدارة الرشيدة للشؤون العامة لم يعد شرطا ضمنيا بل أصبح الآن شرطا صريحا في برامج الإصلاح التفصيلية (على غرار ما أصدرته لجنة المساعدة الإنمائية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1997). ——————————————- 1-د.فتوح عبد االله الشاذلي , المسؤولية الجنائية , دار المطبوعات الجامعية , الاسكندرية , ٢٠٠١ .1- -لطيف شيخ محمود البرزنجي , الجرائم المخلة بالثقة والمصلحة العامة , المكتبة القانونية , بغداد 2015 2- 3-د.ماهر صالح علاوي الجبوري , الوسيط في القانون الاداري , دار ابن الاثير للطباعة والنشر , جامعة الموصل , الموصل, ٢٠٠٩ 2-د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20 3 دانا رحمن فرج , ضمانات خضوع الدولة لمبدأ الشرعية , رسالة ماجستير , جامعة محمد بن سعود- الاسلامية, المعهد العالي للقضاء , قسم السياسة الشرعية, السعودية , 1428-1429 هـ , ص 92 4-د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20
6
حقوق ألإنسان ما لها وما عليها بعد احداث سبتمبر 2001 د.ماجد احمد الزاملي ان تعليم الناشئة مبادئ حقوق الإنسان ومجمل المعاهدات والمواثيق الحقوقية التي شرعتها هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين، تعتبر الفضاء المناسب لفتح الافاق الواسعة والخبرات المتعلقة بحقوق الإنسان. وعليه، فاختيار الديمقراطية:” كنهج في تدبير الشأن السياسي وكممارسة وتربية أصبح اختيارا لا رجعة فيه، بل وأصبح معيارا للاندماج في المجتمع الدولي. وأي مساس به أو خروج عن مبادئه أو خرق لسلوكياته يكون كل ذلك مدعاة للتنديد والعزل والإقصاء, و تعرض أية دولة لذلك يعني استحالة أن تحقق تنميتها وارتقائها والاستفادة مما يتيحه التضامن الدولي.” لقد اكد الرئيس الامريكي ابرهام لنكولن في مقولة له انه لايحق لاي شخص أن يحكم الاخرين دون رضاهم,حيث ان الدولة الديمقراطية ماهي إلاّ حكومة من الشعب وللشعب.إلا انه ومع الاخذ في الاعتبار جميع الاختلافات التي تشوب الفقه حول تعريف الديمقراطية وجميع مقوماتها ,يمكن التأكيد على وجود مجموعة من الحقوق والحريات العامة التي تمثل الاساس الراسخ لاي نظام ديمقراطي أينما وجد.وعند غياب هذه الحقوق الاساسية لايمكن الحديث عن بناء ديمقراطي سليم يحترم رأي الشعب ويسعى لخدمة مصالحه.ومن الحقوق التي تعتبر الاساس التي تبنى عليه الحقوق الاخرى ,وهذه الحقوق هي حق الحياة ,تحريم التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو أللاإنسانية او الحاطة من الكرامة,عدم التمييز والمساواة,تحريم الاسترقاق والاستعباد , والحق في الامن والسلامة الشخصية. و الديمقراطية في دلالاتها تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء. وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات. ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. لقد ألغت الديمقراطية أي شكل من أشكال التسلط على الفرد. ولم تجعل عليه سلطة إلا سلطة العقل ، وبذلك حقق الفرد استقلالية تامة عن أي شكل من أشكال التبعية أو الإلزام، خصوصاً فيما يتعلق بالأفكار وطرق التفكير والمعتقدات والآراء السياسية إلخ.. فاستقلالية الفرد تعني استقلالية العقل الذي أصبح حراً في خياراته ويجسد الإرادة الحرة للإنسان في اتخاذ القرارات التي تناسبه بما يتلاءم مع الإطار العام للمجتمع. إن المشروع الديمقراطي يتطلب اعتماد بناء معرفي قائم على قيم علمية إنسانية، حيث أن التفكير العلمي يبقى المدخل الأساسي للعقلانية، و العقلانية هي المدخل المعرفي الأساسي للديمقراطية، فالديمقراطية التي لا تُمارس على أساس عقلاني هدفها الإنسان الفرد بالدرجة الأولى تبقى ناقصة و مشوهة، لأن الديمقراطية القائمة على العلم و الوعي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة و المساواة في كافة أشكالها “السياسية و الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية” للفرد، و بالتالي للمجتمع ككل، أي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق التوازن في بنية المجتمع دون النظر إلى اعتبارات أخرى “مذهبية، قبلية، أثنية، عشائرية”، وهذا جوهر العلاقة بين الديمقراطية و حقوق الإنسان، لأن الديمقراطية تنظر إلى العمل و العقل كمحددين أساسيين من محددات التقدم، و ذلك على اعتبار “إن ما هو جذري و ذو قيمة أساسية و حاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان نفسه، فهو إنسان العمل و الإنتاج و المعرفة، إنسان الخلق و الإبداع و الحضارة. الديمقراطية لم تشكل مع مرور الزمن تراثا أوتقليدا ينضم إلى ثقافتنا، بل بقيت مواقف ذهنية ترتبط بشخصية أو شخصيات معينة، و لم تصل إلى مرحلة وعي قائم بذاته يُمارس كعنصر ثقافي، و هذا يعود إلى عوامل التخلف السائدة في ثقافتنا “كإقصاء الآخر لمجرد معتقداته” و هذا يتم استيعابه والخروج منه من خلال الإيمان بالإنسان و حقوقه التي نصت عليها المعاهدات و الإعلانات و المواثيق الدولية. إن حالة التشوه الفكري في مجتمعنا تتبين من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، و هذا ما ينعكس سلبا على كافة العلاقات القائمة في المجتمع و على جميع الأصعدة. إن الفقر بالمفاهيم الإنسانية و الديمقراطية في إيديولوجيات ثقافتنا و مثقفينا أسهم في القفز فوق الإنسان الفرد “المواطن”، فالخطابات السياسية المعاصرة “كمؤشر” لم تعط هذا الفرد أو تؤمّن له ما يستحق من كرامة و رعاية و احترام. الديمقراطية وحقوق الانسان مفهومان مختلفان بكل وضوح” ينبغي النظر اليهما كمصطلحات سياسيه منفصله ومتميزه”. فالديمقراطيه تهدف الى منح القوة الى الشعب بصورة جماعية، تهدف حقوق الانسان الى منح القوة الى الافراد . والمشاركة تدفع في اتجاه تكريس الثقافة والممارسة الديمقراطية التي تبقى بحاجة إلى بناء اجتماعي شامل ومتكامل تمتزج فيه الحركة النقابية والجمعوية والحركات الاجتماعية بالمبادرات الفردية والجماعية المنظمة و الفاعلة، سلوكا وممارسة في الحياة العامة. ونقصد بالمشاركة في الحياة العامة، مساهمة الأفراد في تدبير شؤونهم وإبداء الرأي حولها، والقيام بالمبادرات التي تهدف إلى تحقيق المنفعة العامة سواءا محليا أووطنيا. وحق المشاركة يندرج ضمن الحريات السياسية الأساسية، غير أن هذا المفهوم، يتجاوز كون أن المشاركة هي مجرد حق، بل هي ممارسة فعلية وثقافة حقيقية في مواجهة ثقافة الإقصاء والتهميش المؤديتين إلى عدم الاهتمام بالامور العامة من قبل الافراد، وهو ما يفرض حاجة تثبيتها بكل المجتمعات من خلال تربية النشء على الديمقراطية على أسس التكوين والتأطير والتعبئة والانخراط، باعتبار أن قوة الديمقراطية تكمن في إرادة المواطنين للمساهمة في تدبير الحياة العامة، والمشاركة مع الاخرين في التدبير العمومي، واختيار ممثليهم، وتقييم أدائهم، بل ومحاسبتهم سواء خلال طول مسار الولاية وعلى الخصوص عند انتهائها، إما بتجديد الثقة فيهم أو اختيار ممثلين آخرين مكانهم. الخطورة الناتجة عن المقاربة التي رد بها مجلس الأمن الهجمات الإرهابية التي استهدفت مناطق مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 11 سبتمبر 2001 و قاد بها مكافحة الإرهاب بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، بعد أن كيف هذه الهجمات و كل الاعمال الإرهابية بانها تهديدا للأمن والسلم الدوليين ، دون إعطاء أي تعريف للإرهاب . إذ اعتمد مجلس الأمن للتصدي للإرهاب على مقاربة أمنية ردعية تغيب عنها مسألة حماية حقوق الإنسان من خلال التشريع الدولي العام لمكافحة الارهاب الذي تضمنته لائحة المجلس رقم 1373(2001) المعتمدة بتاريخ 28 سبتمبر 2001 . و لم تتردد الدول حتى الديمقراطية في تطبيق التشريع الدولي الذي فرضه مجلس الأمن في مجال مكافحة الإرهاب بالمقاربة ذاتها مما أدى إلى تراجع مقلق للحريات والحقوق الأساسية للكائن البشري وخطورة على الأمن بصفة عامة نتيجة تزايد الترابط و التداخل في المجتمع الدولي كما أن الإرهاب في انتشار مستمر . تحول مكافحة الإرهاب أدت لإنتهاك جديد لحقوق الإنسان لعالمية فكرة خاطئة أن احترام حقوق الإنسان عائق أمام مكافحة الإرهاب و لعبت عدة عوامل سواءا بصورة مباشرة أو غير مباشرة دورا هاما للترويج للفكرة المنتقدة بشدة قبل أحداث 11 سبتمبر بما أن العلاقة بين احترام حقوق الإنسان و مكافحة الإرهاب هي علاقة توازن و ليست ترتيب ، و أن التوازن بينهما صعب من الناحية العملية. و لقلع الإرهاب من جذوره ينبغي عدم الإكتفاء بالتصدي للجزء الظاهر و إنما الذهاب إلى أعمق من ذلك بمعالجة الأسباب و الظروف المؤدية للإرهاب لقلع الإرهاب من جذوره إلى جانب متابعة ومعاقبة مرتكبي العمليات الإرهابية وقطع الطريق عليهم للإ يرتكبوا الهجمات . فللوصول إذاً لأمن حقيقي و دائم بالقضاء فعليا على الإرهاب يجب أن تكون تدابير الوقاية وردع الإرهاب المتخذة على المستوى الوطني أو المتخذة في إطار التعاون الدولي لإحترام حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ودولة القانون. وقد كرس المجتمع الدولي لأكثر من ستين سنة قواعد قانونية مرنة تسمح بحماية كرامة الكائن البشري في كل الأوقات ، و تمكّن اتفاقيات حقوق الإنسان الدولة الطرف من ملائمة الحقوق و الحريات الأساسية التي تعترف بها للفرد و الأخطار التي تهدد حياة الأمة . ومع ذلك بإسم الأمن شهدت حقوق الإنسان تهديداَ خطيرا منذ أحداث 11 سبتمبر ، إذ أصبحت حقوق الإنسان و حرياته الأساسية في مرتبة أدنى من مرتبة التصدي للإرهاب مما أدى لتراجع الاهتمام الواسع بحقوق الإنسان الذي شهده المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . حقوق الإنسان والمواطنة من أهم الآليات لتفعيل الديمقراطية الحقيقية، فتعريف المتعلم بحقوقه وواجباته تجعله يعرف ما له وما عليه، وتدفعه للتحلي بروح المواطنة والتسامح والتعايش مع الآخرين مع نبذ الإرهاب والإقصاء والتطرف. هذا، وقد أرست المجتمعات الليبرالية اليوم مجموعة من الحقوق الكونية التي اعترفت بها هيئة الأمم المتحدة وسطّرتها في مواثيق تشريعية مدنية واجتماعية وثقافية واقتصادية وإنسانية سيدت الإنسان وجعلته فوق كل المصالح، كما دافعت عن كرامته وطبيعته البشرية. تشجيع المبادرات الفردية التي فيها مصلحة للجماعة والوطن والأمة، يقول كلاباريد (3)في هذا الصدد:” علينا في المجتمع الديمقراطي السليم أن نفسح أوسع مجال ممكن للمبادرات الفردية، بحيث تبقى وتستمر وحدها، تلك المبادرات التي يثبت بالتجربة أنها نافعة للجماعة. إن أي قيد نقيد به النشاط الفردي الحر يضعف فرص الاكتشاف ,فقد حررت الانسان من أشكال الخضوع للسلطة بمختلف توجهاتها، حيث تحرر من السلطة الاجتماعية التقليدية التي يخضع فيها الفرد لمن هو أعلى منه مكانة اجتماعية، قد تصل في بعض الأحيان إلى العبودية, وتحرر من السلطة السياسية القمعية التي صادرت حقوق الأفراد في التعبير أو المشاركة السياسية في اتخاذ القرار وغيرها، ناهيك عن الممارسات التي تمتهن إنسانية الفرد وكرامته، وكذلك من السلطة الفكرية التي تتدخل حتى في طريقة تفكيره وتحضر على كل فرد تبني افكار تتعارض مع نهجها ، ولا يستطيع الانفكاك منها أو توجيه أي نقد لها. -------------------------------------------------------------------------------------------------- 1 – د / محمد عزيز شكري،الإرهاب الدولي والنظام العالمي الراهن،دمشق،عام، 2002م،ص 126. 2 – عبد النصر حريز،الإرهاب السياسي، مكتبة مدبولي 1996,القاهرة,ص 198 3- إدوارد كلاباريد (1873- 1940): طبيب سويسري، من أتباع ديوي و دكرولي سار على مبدأ مفاده أن الطريقة البيداغوجية يجب أن يكون منطلقها هو اهتمامات المتعلمين ، فكان أن جعل من اللعب البيداغوجي مركز طريقته التربوية. معهد جان جاك روسو ويعرف اختصاراً ب(معهد روسو) وهو بمثابة مدرسة خاصة في جنيف في سويسرا. أسسه إدوارد كلابيردي ليطور نظريات التربية والتعليم إلى علم في حد ذاته, وأطلق عليه اسم معهد جان جاك روسو لما لروسو من تأثير كبير على فكره, خاصةً نظريات روسو حول جعل الطفل محور الاهتمام في العملية التعليمية التي أصبحت الآن مفهوماً لا غنى عنه في التربية الحديثة, وتُعرف مفاهيم روسو في تربية الطفل بالتربية الطبيعية. عُين مؤسس المعهد بيير بوفيت مديراً للمعهد وخلفه جان بياجيه.
7
الدستور وآليات تطبيقه لحماية الحقوق والحريات د. ماجد احمد الزاملي تُقسم الدساتير من حيث كيفيّة تعديلها إلى, دساتير جامدة وهي التي يتمّ تعديلها بإجراءاتٍ مشدّدة جداً، والمرنة وهي التي تُعامل من حيث إمكانيّة التعديل معاملة القوانين العاديّة المعمول بها في البلاد. في حين تقسمُ الدساتير من حيث المدّة إلى: الدساتير الدائمة وهي التي لا يتمّ تحديد مدة زمنيّة معيّنة للعمل بها، والمؤقّتة وهي التي توضع فقط لفترةٍ زمنيّة محدّدة. وتعتبر الدساتير العرفية الأسبق وجودا فإلى أواخر القرن الثامن عشر اعتمدت ممالك أوربا في تنظيم شؤونها السياسية على قواعد الدستور العرفي , لكن الجدل القانوني حيث إتجه الكثير من الفقهاء في القانون الدستوري ، إلى أن العرف الدستوري مثله مثل النص المكتوب،إن هذه النظرة قد تكون مقبولة فيما يخص الأعراف الناشئة لاستكمال نصوص الدستور، لكنها مغالية كثيراً عندما يتعلق الأمر بإلغاء نصوص الدستور المكتوبة ، وعليه ,فإن الاتجاه الأكثر اعتدالاً لا يقبل المساواة بين النص المكتوب والعرف الدستوري لكن فكرة الدساتير قد ترسَّخت وانتصرت حركة التدوين وأصبحت من بديهيات الدول الحديثة، بإستثناء بريطانيا ليس لديها دستور مكتوب،فانه ما من دولة عصرية تقبل بغير حكم الدستور فالطرق الاعتباطية في حكم الدول قد ولى زمانه(1). وحيث إن الأصل فى النصوص الدستورية أنها تعمل فى إطار وحدة عضوية تجعل من أحكامها نسيجاً متآلفاً متماسكاً، بما مؤداه, أن يكون لكل نص منها مضمون محدد يستقل به عن غيره من النصوص استقلالاً لا يعزلها عن بعضها البعض، وإنما يقيم منها فى مجموعها ذلك البنيان الذى يعكس ما ارتأته الإرادة الشعبية أقوََم لدعم مصالحها فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولايجوز بالتالى أن تُفسّر النصوص الدستورية بما يبتعد بها عن الغاية النهائية المقصودة منها، ولا أن يُنظر إليها بوصفها عامة تتحمل أكثر من تفسير بل يجب ان تكون جمل تامة لا يعتريها أي شك أو إلتباس ، أو باعتبارها قيماً مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي. أنَّ قيمة الدساتير تكمن في أنها الضامن الحقيقي للحقوق و الحريات ، و الكابح الرئيسي لطغيان سلطان الدولة و المُنظِّم لمسألة تداول السلطة بصورة سلمية ، إذ لولا وجود الدساتير لتعرضت الحريات العامة للخطر، ولتحولت السلطات العامة إلى أدوات طغيان بلا حدود ، غير أنه كثيراً ما يلاحظ أن قواعد الدستور لا تنجح في أداء مهامها، فقد ولدت الكثير من الأنظمة الدكتاتورية في ظل وجود دساتير مكتوبة ، وقد تزدهر الحريات والحقوق في ظل التقاليد والأعراف الراسخة دون حاجة لوجود دستور مكتوب, والدستور ركن أساسي من أركان الدولة الثلاثة الارض ,الشعب, والدستور, وهو القانون الأسمى في الدولة، والذي يتمّ من خلاله تحديد شكل الدولة، وحكومتها، ونظام حكمها، وطبيعة السلطات، واختصاصاتها، والعلاقات فيما بينَها، وحدودها، إلى جانب تحديدِه لحقوق المواطنين أفراداً، وجماعاتً، وضمان أداء هذه الحقوق لهم. إن الدستور لا بد وأن يقبل التعديل بحكم طبيعته, لأنه قانون, وقواعد القانون أياً كان مصدرها قابلة للتغيير والتبديل تبعاً لتغيير الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل دولة. لهذا فإن الدستور وهو القانون الأسمى في الدولة يجب أن يكون ذا طبيعة متجددة في جميع أحكامه كأي قانون آخر بحيث يكون قانون قابل للتعديل حتى يستطيع أن يساير مقتضيات تطور المجتمع, وإلاّ أصبح معرَّضاً للتعديل الكلي عن طريق الثورة أو الانقلاب. ويُعتبر الوثيقة الأهم في حياة أي شعب ليس لأنه ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم فحسب بل أيضا لأنه يحتوي على القيم السياسية والاجتماعية المعبِّرة عن الهوية الجمعية للشعب. كما يحتاج قيام نظام ديمقراطي فعّال دستوراً يتبنى دون مواربة القيم الديمقراطية وينص على الحقوق الشخصية والحمايات القانونية اللازمة لترسيخ هذه القيم وصيانتها. ولهذا السبب نالت قضية صياغة الدستور العراقي اهتماماً كبيراً على الأصعدة المحلية والاقليمية والدولية وهو اهتمام مبرر إذ سيساهم هذا الدستور، وبصورة كبيرة، في تحديد شكل الدولة العراقية ونظامها السياسي على مدى سنوات طويلة قادمة. بل ووجود العراق كبلد موحد وفاعل في محيطيه الإقليمي والدولي، وسيُعتَمد إلى حد كبير على وثيقة الدستور وقدرتها على توفير الإطار القانوني-السياسي السليم لبناء دولة القانون والمؤسسات، وهو بناء لابد منه لضمان سلاسة التحولات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية الضرورية لتحويل العراق الى بلد ديمقراطي متماسك ينعم بالاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي والانسجام الاجتماعي. الأنظمة العربية في مجملها لم تصل إلى مفهوم الدولة القانونية والى فلسفة الديمقراطية كأسلوب لسلطة الحكم في قيادة الدولة والمجتمع، مما يفسر عدم ترسيخ القيم الدستورية في المجال السياسي العربي، والحاجة إلى تحقيق نقلة نوعية لانتصار الشرعية الدستورية في الأنظمة السياسية العربية. الاصلاح الدستوري يعني تحقيق مصطلح ''الدستور الديمقراطي" حيث أنه يشترط أن يكون للدولة دستوراً يُحدد حكمها وطبيعة نظامها وينظم علاقات سلطتها، ويضمن حقوق وحريات أفرادها، إلاّ أن الدستور وحده لا يكفي لاكتساب الدولة المشروعية المطلوبة. بل تصبح هذه الأخيرة حقيقة مقبولة حيث تتعزز وثيقة الدستور بالاحترام، وتحاط بالشروط الكفيلة بضمان صيانتها، أي حين تتحقق الشرعية الدستورية. وقد نَصَّت الدساتير جميعها على حرية الاعتقاد والضمير، وأكدت، حيث هناك تعددية في المجتمع، على كفالة ممارسة الشعائر الدينية بما لا يخالف النظام العام. لكنها نظمت قوانين الأحوال الشخصية إما على أساس مرجعية الشرع الإسلامي وفق المذهب الغالب ، أو هي أعطت للجماعات الدينية حق تنظيم احوالها الشخصية في إطار مذهبها. وينصرف القول إن الإسلام مصدر من مصادر التشريع إلى الأخذ في الاعتبار دين غالبية الجمهور وأحواله الشخصية التي ترتبط بالشريعة الإسلامية. بينما مرجعية الشريعة تعني السلطة السائدة على التشريعات، أما الفقه فهو ينطوي على القبول بتعدد المذاهب والاجتهاد والمصالح المرسلة. إن أهم ما يميز الدستور الديمقراطي ويجعله جديراً بهذه الصفة هو استناده إلى جملة من الصفات التي تضفي صبغة الديمقراطية عليه وتبعده عن الدساتير الموضوعية. الدستور وجِدَ عموماً لتقييد السلطات عن التمادي وصيانة الحقوق الأساسية للإنسان، فلا فائدة من دستور إذا قصدت السلطات الحاكمة عدم تطبيقه، كما أنه لا فائدة في وجود من يحسن تطبيقه، إذا كان الدستور الذي يطبقونه ناقصا معيبا (2) ، فوجود دستور متكامل (3) ضروري، كما أن وجود من يحسن تطبيقه ضروري أيضا. إذا كانت بعض الأمم يعيرون القليل من الانتباه إلى ما كتب في دساتيرهم، فما جدوى كتابة الدستور, إذ أن الدساتير تحقق العديد من الأدوار فهي تُعبِّر عن المثل الوطنية، وتنظيم هيكلة الحكومة، وتبرر حق الحكومات في الحكم. ولا يمكن أن يكون الدستور ديمقراطياً، إذا لم يخلق حالة جديدة من الولاء الوطني العام لدى كافة مكونات المجتمع كبديل لهذه الانتماءات العنيفة. الدّستور يُظهر مدى وعي وتحضر الشّعب ، وتطلّعاته، وإصراره على الحياة الحرة الكريمة، ونتاج التّحوّلات الاجتماعيّة العميقة الّتي أحدثها، وبموافقته عليه يؤكّد بكلّ عزم وتقدير أكثر من أيّ وقت مضى سموّ القانون. وبعض الدساتير تتضمن في مستهلها ديباجة او مقدمة وتحتل المقدمة صدر الوثائق الدستورية وبدايتها قبل سرد موادها المختلفة وتتناول المباديء الأساسية التي يحرص عليها المجتمع والفلسفة التي تُحدد صورة المذهب السياسي والاجتماعي في الدولة وبصفة خاصة ما يحرص عليه الشعب من حقوق ويتمسك بها,وبتعبير آخر تتضمن المقدمة الإشارة إلى منابع الدستور والمباديء التي يقوم عليها والأهداف التي يسعى المجتمع لتحقيقها وترسم المقدمة الخطوط الرئيسية التي يبتغيها واضع الدستور كمنهج لسياسة الدولة وإرادتها. لإنّ الدّستور فوق الجميع، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق والحرّيّات الفرديّة والجماعيّة، ويحمي مبدأ حرّيّة اختيارات الشّعب، ويضفي المشروعية على ممارسة السّلطات، ويكرّس التداول الديمقراطي عن طريق انتخابات حرّة ونزيهة. ويكفل الفصل بين السلطات واستقلال العدالة والحماية القانونيّة، ورقابة عمل السّلطات العموميّة في مجتمع تسوده الشّرعيّة، ويتحقّق فيه تفتّح الإنسان بكلّ أبعاده. والدساتير لا تأتي جاهزة أو ناجزة منذ البداية، فهي تعكس إجماع وتوازن القوى السياسية والمجتمعية في الوقت الذي تكتب فيه، ويمكن إدخال بعض التعديلات عليها مع تبدل هذا الإجماع لكن الدستور من الناحية الأخرى ليس وثيقة عادية، فهو عقد اجتماعي بين المواطنين ودولتهم، ولذلك فإن عملية تعديله لا بد أن تخضع لضوابط وقواعد متفق عليها من قبل أغلب الفرقاء، كما أن هذه التعديلات لابد أن تستند على قاعدة توسيع مجال الحقوق والحريات وليس التضييق عليها وهي في الأخير لا يجوز أن تمس المبادىء الأساسية للبناء الديمقراطي الأساسي للمجتمع. ------------------ 1-إبراهيم أبو خزام،الوسيط في القانون الدستوري:الدساتير و الدولة و نظم الحكم،دار الكتاب الجديد المتحدة ، ، 2010، - الاولى، 2009 ، ص 352-2-عطا بكري، الدستور وحقوق الانسان، مطبعة الرابطة، بغداد، 1993 ، ص5. -سرهنك حميد البرزنجي، مقومات الدستور الديمقراطي وآليات الدفاع عنه، دار دجلة للنشر، العراق، الطبعة
8
التعاون الدولي لمكافحة الجريمة د. ماجد احمد الزاملي يُشَكل اختلاف النظم التشريعية للدول التي تطمح إلى تحقيق التعاون فيما بينها في مجال مجابهة الجرائم الإرهابية السيبرانية، عقبةً كبيرةً تحول في معظم الحالات دون تحقيق غايات وأهداف الدول خاصة عندما لا تواكب بعض الدول التطورات الهائلة الحاصلة في نوعية هذه الجرائم المعقدة، بإصدارها التشريعات المتطورة التي تلاحق الثورة الكبيرة في مجال استخدام الحاسوب وشبكات المعلومات العالمية في ارتكاب جرائم الإرهاب السيبراني على وجه الخصوص. أيضا كثيراً ما يُعيق التعاون القضائي بين الدول لمجابهة الجريمة السيبرانية مثلاً ، اختلاف البيئات والعادات والتقاليد والديانات والثقافات من مجتمع لأخر، وبالتالي اختلاف السياسات والنظم التشريعية من مجتمع لأخر، فضلا عن اختلاف الدول في تحديد المصطلحات وتكييفها للجريمة السيبرانية، وكل ما سبق ينعكس سلبا على إجراءات التعاون الدولي، ويُعيق من تأطير أليات التعاون القضائي المختلفة لمكافحة هذه الجريمة الخطيرة، وهنا يفلت الجناة بجرائمهم من العقاب، وتُهدر حقوق ضحايا الجرائم المعلوماتية في أن يحصلوا علي الإنصاف والجبر المستحقين. إن التطور الهائل في استغلال الإرهابين لوسائل التقنية الحديثة ومنها بالطبع شبكات المعلومات العالمية، ما فَتِيء يُشكل تحديات عويصة جداً لجهات وهيئات الإنفاذ القانون في الأساس؛ فأصبح عنصر "الدولية " مضافاً أو مرادفا لمعظم الجرائم وهذا يعني أن الأليات البطيئة للتعاون الدولي في شأن ملاحقة الجرائم المعلوماتية والإرهابية من شأنها أن تُخرج التحقيقات عن مسارها، أو يُعيقها في حالات أخرى؛ لذلك يجب على الدول أن تتفاوض فيما بينها من أجل إبرام اتفاقيات دولية علي المستوي الثنائي أو المتعدد الأطراف بغرض إرساء إطاراً تنظيمياً حاكماً لمكافحة كل أشكال الجرائم المستحدثة، وخاصة منها الجرائم المعلوماتية العابرة للحدود، ثم تستهدي وتستقي منها التشريعات الوطنية الجديدة أو تُنَقح تشريعاتها الموجودة بالفعل على هدى من هذه الإتفاقيات الدولية التي تم إبرامها. وعلى الدول القيام ببعض التضحيات الطفيفة على صعيد السيادة الوطنيـة بغية المساعدة على تعزيز وتطوير التعاون بين أجهزة إنفاذ القوانين على المستويين الإقليمي والدولي لا سيما في مجال تسليم المجرمين وتبادل المعلومات، خاصـة وان المنظمات الإجرامية تسعى بشكل منتظم الى تقويض السيادة الوطنية. وينبغي أن تراعي تدابير المكافحة الاستراتيجيات التي تتبعها المنظمات الإجرامية للسيطرة على المخاطر، وفي هذا الصدد هناك هدفان لهمـا أولويـة، الاول هو القضاء على الملاذات الآمنة للمنظمات الإجرامية من خلال تعزيز سيادة الدولة وسيادة القانون، والثاني هو باستهداف موجودات المنظمات الإجراميـة سواء أكانت أموالا" منقولة او غير منقولـة مـن خـلال كشفهـا ومصادرتهـا بغية القضاء على مصادر تمويلها ومنعها من تحقيق غاياتها بجني الأرباح الطائلة بطرق غير مشروعة لعدم إمكانية غسل هذه الأموال. وتبعا" للتطور الكبير في مكافحة الجريمة نظمت اتفاقيات دولية لتبادل المعلومات الامنية ضمن التعاون الدولي منها: اتفاقية قمع الاعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية المعقودة في روما بتاريخ 10/3/1988 والتي انضم اليها لبنان. وكذلك فيما يتعلق بالقرصنية البرية عمليات نقل النفايات الخطرة والتخلص منها. - اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد ( فيينا 2003) والتي ركزت على وجود سياسة حكومية وهيئات متخصصة لمكافحة الفساد وتفعيل دور القضاء وحماية الشهود وضرورة التعاون الدولي في جمع المعلومات والتحقيقات وتسليم المجرمين والمساعدة القانونية المتبادلة والمساعدة التقنية والتدريب، وكان لبنان مشاركا" في هذه الاتفاقية. - اتفاقية اليونسكو عام 1952 حول حماية الميراث الثقافي والطبيعي التي تحظر نقل الآثار من موطنها الاصلي او تداولها خارج اوطانها بحيث يتوجب على الدول من اجل تفعيل عملية مكافحة سرقة وتهريب الآثار بتشديد العقوبات وتبادل المعلومات والخبرات والدراسات والتدريب وانشاء وحدة امنية متخصصة لمكافحة سرقة وتهريب الآثار. - اتفاقية منع تزييف العملة التي وقعّت في جنيف عام 1929 انضم اليها لبنان عام 1966 كما اشارت الاتفاقيات الدولية والتعاون الدولي الى العديد من الاتفاقيات لمكافحة الجريمة المنظمة، بكل انواعها والتي عملت ضمن المنظمات الحكومية وغير الحكومية على تبادل المعلومات الامنية للحد من خطر اتساع افق الجريمة المنظمة وبرز اهتمام الامم المتحدة في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية بشكل خاص من خلال مؤتمرات الامم المتحدة لمنع الجريمة ومقرها فيينا، الى ان عقد المؤتمر الوزاري العالمي عام 1994 حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية بمدينة نابولي حيث وافق ممثلو 142 دولة على اسس التعاون في مجال مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية الى ان اصبحت هذه الاتفاقية نافذة عام 2000. والعقبات التي تواجه مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية متعددة انطلاقا" من مبدأ السيادة واختلاف النظم التشريعية بين الدول وتقارب مصالحهـا الاقتصاديـة والسياسيـة، بحيث يستلزم هذا الامر توسيع نطاق التعاون الدولي وتعزيزه بخاصة في مجال اجهزة العدالة الجزائية مع مراعاة القوانين الموضوعية والاجرائية والاعتراف بالاحكام الاجنبية وتنفيذها، وتقديم الخبرة والمعرفة للقائمين بهذه المهات والارتقاء بمستواهم المهني للتقليـل مـن الفـرص التي تسمح للجريمة المنظمة بالانتشار والتضخم.وقد فرضت الجريمة المنظمة عبر الوطنية على الدول الدخول في علاقات تعاونية، كانت أبرز صورها التعاون القضائي الدولي، الذي يتطلب إعماله تجاوز العثرات الحائلة دون تحقيق المكافحة الأهداف المرجوة منها؛ ومن أمثلة تلك العثرات تباين الأنظمة واختلاف التشريعات والتمسك بالسيادة المطلقة. ولتحقيق ذلك ينبغي دعم أساليب التعاون على مختلف الأصعدة وفي جميع مراحل الدعوى الجنائية، لتحقيق أقصى حد من التقارب بين أجهزة انفاذ القانون وتوفير وحدة الأساليب والممارسات المبنية على وحدة القواعد والأنظمة الإجرائية والقانونية. ودور النيابة العامة في ملاحقة الجناة مرتكبي الجرائم المنظمة عبر الوطنية وإجراءات الحماية التي تقدمها كافة جهات الدولة للمجني عليهم والشهود. أن التشريعات الجنائية المقارنة اتخذت المعايير الدولية كحد أدنى في مجال التجريم والحماية والتعاون الدولي يحدها في ذلك سيادة الدول واحترام حقوق الإنسان، وإتساق التشريعات الوطنية مع تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولين الإضافيين المكملين لها الخاصين بمكافحة الإتجار بالبشر؛ وخاصة النساء والأطفال ومكافحة تهريب المهاجرين برًا وبحرًا وجوًا. إن التطور تحت مظلة القانون الجنائي الدولي تسفر عن اعتماد المعاهدات والمواثيق الأممية التي من شأنها مكافحة الجريمة بمختلف أشكالها وتيسير القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة أمام المراجع القضائية المختصة، مثلما أصبحت تلك المعاهدات والاتفاقيات من أهم أدوات ومقومات العلاقات الدولية لمواجهة ما هو سائد من أن الحدود الدولية تعترض القضاة دون الجناة. أن تسليم المجرمين يُعد من أبرز أشكال المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجزائية لكونه يتعلق بالأشخاص المطلوب تسليمهم لتوجيه الاتهام إليهم أو محاكمتهم، وأغلب الاتفاقيات الدولية فرضت على الدول إلزام المساعدة المتبادلة في المسائل الجزائية عامة، وفي مجال تسليم المجرمين خاصة، مما حدا بأغلب الدول إلى إبرام اتفاقيات ثنائية لترسيخ آليات التعاون القضائي الدولي. وتطور التكنولوجيا خاصة في مجال الاتصالات الى جانب الانفتاح الاقتصادي للدول سمح ب "عولمة" الجريمة التي أصبحت تعبر الأوطان وتستفيد من المعلوماتية في "النتظيم والتنفيذ، وعدم إمكانية أي احد التصدي لهذه الجرائم بصفة مفردة لذلك يجب تظافر الجهود بين المصالح المختصة وبين كل الدول. وهذا التقدم التكنولوجي الكبير – وبخاصة فى مجال الاتصالات و المواصلات بين كافة أرجاء المعمورة – إلى تطور الجريمة بوجه عام وظهور أنماط جديدة منها على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية ، فزادت معاناة العالم من الجريمة المنظمة والإرهاب ، والمخدرات ، وأنشطة غسيل الأموال ، وتزييف العملة ، والجرائم البيئية والصناعية والمعلوماتية ، وسرقة الأعمال الفنية والتحف الأثرية ، وزادت خطورة بعض هذه الأنشطة الإجرامية إلى درجة فاقت قدرات جميع الدول قاطبةً على المواجهة ، بما فى ذلك الدول الكبرى. لم يكن بالامكان الاستمرار في ملاحظة ومراقبة تدفق المعلومات في مختلف مجالات الفكر البشري ولا سيما على الصعيد الدولي من دون ايجاد الوسائل المنظمة لكيفية التعامل مع تلك المعلومات من الناحية القانونية وتشريع قوانين وعقد اتفاقيات تساعد للوصول الى تفاهم على حد أدنى للمطلوب حؤولا" دون حصول تعديات على اجهزة الاستعلام والوسائط الناقلة له سيما القريبة منها لاصدار تشريعات مدنية او جزائية وتأسيس هيئات ومجالس وطنية وتأليف لجان حكومية وغير حكومية متخصصة في وضع قوانين حول تبادل المعلومات والخبرات الامنية والقضائية. ويجب العمل على تحديث المؤسسات القضائية والأمنية في جميع دول العالم وتطويرها وتأهيل إطرها من اجل نجاعة أكثر في مواجهة الجريمة التي تزداد تعقيدا بالشكل الذي يجعل من الصعب كشفها كالجرائم المصرفية وتبييض الأموال التي تتطلب دراية خاصة بالأنظمة المصرفية وقواعد التجارة الدولية، والتعاون بين المكتب المركزي الوطني للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الانتربول" والمصالح القضائية أن لهذه المنظمة دور "فعال" في مجال محاربة الجريمة المنظمة . وهنالك أهمية كبيرة للتعاون بين الدول في مجال إنفاذ القانون في التصدي لظاهرة الاجرام المنظم، فهذا التعاون يُشكل حرب استباقية تشنها الدول ضد الجماعات الاجرامية المنظمة من شأنه أن يقي المجتمعات من شرور هذه الجماعات، وذلك بالحيلولة دون وقوع الأنشطة الاجرامية المزمع ارتكابها. لم يعد للأمن الوطني مفهوماً ذاتياً، بأن يقتصر على ما تقوم به كل دولة بالاعتماد على قوتها وقدرتها الذاتية على التصدي للمخاطر التي تهدد مجتمعها، وتحقيق اكتفاء ذاتي في ذلك، إذ أن هذا المفهوم أصبحت له أبعادا خاصة، في الوقت الراهن، جعلت منه مفهوما جماعيا، الذي يقتضي التزام الدول فيما بينها في تحقيق الأمن الداخلي لدولة معينة، وذلك لارتباط أمن باقي الدول بأمن هذه الدولة، فوقوع انقلاب أمني في دولة معينة لا محالة سيؤثر على أمن باقي الدول. ونظرا لأهمية تبادل الخبرات في تفعيل دور الجهات المكلفة بمكافحة الاجرام ، نصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية على ضرورة أن تساعد الدول الاطراف بعضها البعض على تقاسم الخبرة في هذا المجال، وذلك بإعداد وتخطيط وتنفيذ برامج بحث وتدريب، مع إمكانية الاستعانة بالمؤتمرات والحلقات الدراسية الإقليمية، من أجل تحفيز النقاش حول المشاكل التي تعتبر شاغلا مشتركا، بما في ذلك مشاكل دول العبور واحتياجاتها الخاصة). حتى عندما يكون بمقدور الدولة المعنيـة أن تـوفر المساعدة بدون وجود معاهدة، من شأن الاعتماد على أحكام متَّفق عليها مـن صـك ثنـائي أو متعدد الأطراف أن يساعد في التقريب بـين التقاليـد والثقافـات القانونيـة المتباينـة والاختلافـات في القانون الإجرائي على الصعيد الوطني. ثُـمَّ إنَّ وجـود حقـوق والتزامـات قانونيـة في الصـك الثنائي أو المتعـدد الأطـراف يـوفِّر إطـاراً واضـحاً يحكـم الطريقـة الـتي ينبغـي بـها للدولـة ا لمتلقِّيـة للطلبات أن تستجيب لها. يمكن لأحكام الاتفاقيات المتعددة الأطراف مثـل اتفاقيـة سـنة ١٩٨٨ واتفاقيـة الجريمـة المنظمة واتفاقية مكافحة الفسـاد أن تـؤدي دوراً أساسـيا في موائمـة الالتزامـات وسـدِّ الثغـرات القانونية في مجال التعاون الدولي في المسـائل الجنائيـة. فتلـك الصـكوك، إذ تركِّـز علـى الطرق الأساسية لهذا التعاون على وجه التحديد، تشكل في حدِّ ذاتها أساساً لتسليم المطلوبين وتبـادل المساعدة القانونية، إضـافة إلى الالتزامـات الناشـئة عـن الاتفاقـات الثنائيـة أو المتعـددة الأطـراف الأخرى المتعلقـة بالتعـاون الـدولي في المسـائل الجنائيـة الـتي أبرمتـها الـدول الأطـراف. ومـن ثم، توفِّر الاتفاقيات طريقة لسـدِّ الثغـرات القانونيـة المحتملـة، في حـال عـدم وجـود اتفـاق ثنـائي أو متعدد الأطراف بين الدول الساعية إلى التعاون، وكذلك وسيلة لزيادة تقارب هذه الاتفاقـات الثنائية والمتعددة الأطراف.
9
وظائف السلطة التشريعية الرقابة على أعمال الحكومة وتشريع القوانين د.ماجد احمد الزاملي تُمارس البرلمانات عدداً من الوظائف, تتراوح وتختلف في مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى, وذلك حسب الاطار الدستوري السائد واسلوب توزيعة الإختصاصات الحكومية كذلك تبعاً لمدى تطوره الديمقراطي وقوة البرلمان وقدرة أعضاءه. ان المقصود بالرقابة السياسية أو البرلمانية, هي الرقابة التي يمارسها المجتمع عن طريق الهيئات النيابية أو عن طريق التنظيمات الشعبية سواءً كانت ممثلة على مستوى الأمة أو على مستوى الوحدات الإقليمية. ومن المسلم به ان عضو البرلمان هو من يُمارس الرقابة البرلمانية على عمل السلطة التنفيذية, لكن دور عضو البرلمان يختلف حسب النظام السياسي, برلماني او رئاسي حيث يكون دور العضو في النظام البرلماني مقيَّد, لايستطيع استخدام الكثير من أدوات الرقابة البرلمانية كالسؤال والإستجواب بسبب وجود درجة كبيرة من التماسك الحزبي داخل البرلمان, وترى ذلك بشكل واضح في النظام البرلماني العراقي حيث أنه بسبب الإنتماء الشديد الى الحزب وان الحكومة تُشكل من جميع الأحزاب الفائزة فإنه لايمكن لعضو البرلمان أن يُمارس دوره من خلال الرقابة البرلمانية لأن العضو لاينتقد عمل حزبه وبالتالي لايصوت ضد حزبه. يسعى أعضاء البرلمان من خلال ممارستهم للرقابة الى التأكيد على تطبيق الدستور والقوانين في الدولة من أجل تحقيق الصالح العام وكذلك مراقبة عمل الإدارة الخاضعة للسلطة التنفيذية , ومنع أنتهاكها للسياسات المقررة الوقوف تجاه الظلم الذي يتعرض له المواطنون على يد الإدارة. والدستور العراقي أشترط موافقة (25) عضو من أعضاء مجلس النواب وبعد ذلك يُقدم الطلب الى رئيس مجلس النواب يبين فيه الموضوع المطلوب مناقشة رئيس الوزراء وتواقيع الأعضاء مقدمي الطلب وهو بدوره يقوم بتوجيه صاحب الشأن, ثم بعد ذلك يقوم رئيس الوزراء او الوزير المطلوب مناقشته بتحديد موعد يأتي به الى مجلس النواب ويُدرج في جدول أعمال المجلس. ولما كان مبدأ سيادة القانون مبدأً معترفاً فيه في الدستور العراقي فإن من مقتضى ذلك أن يلتزم مجلس النواب العراقي بعده ممثلاً للسلطة التشريعية بنصوص الدستور في ممارسته لمهامه، كما تلتزم بذلك السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وسائر سلطات الدولة والأفراد ، ويُعد ذلك أيضا قيداً لمجلس النواب في مجال وظيفته التشريعية، فلا يُمارس هذه السلطة إلّا في الحدود التي رسمها الدستور، إضافة للقيود الآخرى التي جاءت بها النصوص الدستورية، وعلى سبيل المثال ماجاء في المادة 2 من الدستور العراقي الدائم لعام 2005في بنديها أولاً ثانياً وأيضاً ما حرص الدستور على تأكيده في المادة 13 منه وتـنص المـادة ١٣ مـنه علـى أن (أولاً: يُعـد هـذا الدسـتور القـانون الأسـمى والأعلـى فـي كـل العراق ويكون ملزماً في أنحاءه كافة وبدون إستثناء ُولايجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور أو نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني أخر يتعارض معه) والمادة الخامسة منه تنص على أن ( السيادة للقانون والشعب مصدر السلطات وشرعيتها...) ولاشك فى أن المقصود بالقانون في هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعي يشمل كل قاعدة عامة مجردة أياً كان مصدرها، ويأتي على رأسها وفى الصدارة منها الدستور الأعم الذي كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً بوصفه أعلى القوانين وأسماها، وحُكماً لازماً لكل نظام ديمقراطى سليم. وتنقسم الوظائف الرئيسية للبرلمان إلى وظيفتين هما،التشريع والرقابة، الوظيفية التشريعية تعني أن البرلمان وحده الذي يمتلك صلاحية وضع التشريعات في الدولة، أو تعديلها، أو الغائها، أما الوظيفة الرقابية فهي تعني أن البرلمان بعده ممثلاً للشعب يملك حق توجيه ومحاسبة السلطة التنفيذية في الدولة(1), وبما أن الصلاحية التشريعية للبرلمان قد تراجعت كثيرا نتيجة تدخل الدولة في العصر الحديث، والذي أنعكس بدوره على التنظيم الدستوري لوظيفة التشريع، مما أعطى دورا في التشريع، حتى وصل الأمر في بعض الدساتير إلى ان تقييد اختصاص رئيساً السلطة التنفيذية البرلمان في تشريع القوانين بأن في مواضيع محددة وتركت للسلطة التنفيذية هذه المواضيع ,لأن تعالجها بالمراسيم والأنظمة والتعليمات، وحتى المواضيع التي هي من اختصاص البرلمان التشريعي ، إقتصر دور البرلمان فيها من حيث المبدأ بالموافقة على ما تعده السلطة التنفيذية من تشريعات، ولذلك فإن وظيفة البرلمان الرقابية قد برزت أهميتها وأصبحت الوظيفة الرئيسية والمتميزة للبرلمان اليوم، وجوهرها مراقبة أعمال السلطة التنفيذية بالرغم من كثرتها وتعقدها وحاجتها إلى عديد مجالات التخصص، وقد تطورت البرلمانات اليوم واصبحت تملك من الوسائل والأدوات والخبرة، إضافة إلى الإستعانة بالخبرات التي يملكها الأفراد والمؤسسات لتفعيل دورها في هذا الجانب. ولهذا وذاك أصبحت مهمة الإشراف على السلطة التنفيذية ومساءلتها هي أحدى المسؤوليات التي تقع على عاتق السلطة التشريعية، ويمكن القول أن هذه الوظيفة الإشرافية هي المقصودة من البيان الصادر عن إعلان وارشو، الذي يؤكد على أنه يجب أن تكون المؤسسات الحكومية شفافة وتشاركية ومسؤولة بالكامل أمام المواطنين، وهذا يعني أن السلطة التنفيذية في أية ديمقراطية تمثيلية تكون مسؤولة أمام السلطة التشريعية عن جميع أعمالها، أما في الأنظمة البرلمانية حيث تتوقف استمرارية الحكومة على مدى دعم السلطة التشريعية لها فمن أبسط الشروط هو أن تكون الحكومة مسؤولة أمام السلطة التشريعية أما جماعياً أو فردياً. الأصل بالنسبة للمشرع هو حريته بصدد التشريع , فهو الذي يُحدد الهدف من التشريع والمصلحة المبتغاة ومدى ملائمته في وقت معين كما يحدد الباعث عليه، وحيث يثبت أن الدستور لم يفرض قيداً صريحاً أو ضمنياً فمن المصلحة أن نترك تقدير حرية الأهداف لممثلي الشعب تحت رقابة الشعب لأن ذلك يُمَكِّن من تطوير التشريع، والسير قدماً في النطاق الذي رسمه الدستور. وبصفة عامة فإن فكرة ضرورة التشريع أو عدم ضرورته ومدى الحاجة إليه، وتَدخُّل المشرع بالتشريع في موضوع معين في زمن معين أو إحجامه عن التدخل يُعد جوهر السلطة التقديرية للمشرع. فتنظيم موضوع ما ومدى الحاجة إلى وجود التشريع أمر تختص به السلطة التشريعية وفقاً للملائمات التي تراها، فهي التي تُقَدِّر متى تتدخل لوضع تشريع معين، ومتى تتدخل لإلغاء هذا التشريع أو تعديله، فلا يستطيع الدستورأن يحدد مدى الحاجة إلى التشريع مستقبلاً، ولا توجد صلة بين الحاجة إلى التشريع وبين دستوريته. أنَّ السكوت عن التنظيم أو ما قد يُسمى بالإغفال الكلي ليس محلاً للرقابة الدستورية من جانب القضاء في الكثير من النظم وحتى تلك النظم التي تراقبه, لا تراقبه مراقبة جادة لا تصل في مداها إلى ما هو أكثر من المناشدة أو الدعوة إلى ملء الفراغ التشريعي باستثناء القلة النادرة التي يعتبر فيها القاضي الدستوري شريكاً للسلطة التشريعية في مباشرة اختصاصها. المجلس النيابي بصفته سلطة تشريعية، يقع ضمن دائرة اختصاصه سن القوانين والتشريعات التي من شأنها ان تحسم الكثير من موضوعات الجدل الدستوري والقانوني، علماً بان صلاحية المجلس في تفسير القوانين موضع جدل بدورها. فانه اصيب ايضاً بحالة من الشلل والتعطيل. نعتقد ان المدخل الفعلي للإصلاح السياسي يبدأ بقانون انتخاب عادل وسليم يُقارب النصوص الواردة في الدستور . لا تُمارس أية سلطة في الدولة إلاّ وفق الصلاحية التي منحها إليها الدستور والقوانين ، هذا بشكل عام، أما بالنسبة للسلطة التشريعية فإنه إضافة إلى ضرورة التزامها في ممارستها لمهامها بالنصوص الدستورية والقوانين والأنظمة الداخلية لمجالسها النيابية تستقي بعض القواعد من الأعراف والتقاليد البرلمانية، ذلك أن تنوع مهامها وتعدد أشكال قراراتها والطرق الخاصة التي تصدر بها تلك القرارات ،وإدارةٕ شؤونها والتي تتميز بها عن باقي السلطات، والمتمثلة بالمناقشات العامة وإتخاذ القرارات بالتصويت، لذلك لايمكن للنصوص الدستورية والقواعد القانونية الآخر ى أن تغطي بالتنظيم جميع أوجه اختصاصاتها وبيان إجراءاتها، ولذلك تلجأ البرلمانات في مختلف أنحاء العالم إلى مصادر آخرى لتغطية النقص في القواعد القانونية المنظمة لعملها أو تكملته، ويطلق الفقه الدستوري على تلك المصادر سواء الرسمية منها أو غير الرسمية تسمية القانون البرلماني ويمكن القول بأن القانون البرلماني هو مجموعة القواعد الحاكمة ٕإدارته أو نشاطه أياً كانت طبيعة هذه القواعد للمجلس النيابي في تشكيله نصوص قانونية، ممارسات عملية ، أو أياً كان مصدرها ( الدستور، القانون، الأنظمة الداخلية، الأنظمة التنفيذية)(2). الرقابة البرلمانية تعد وظيفة مهمة من وظائف المجالس النيابية في الدول الديمقراطية ، إذ ما مورست وفق القواعد القانونية التي تنظمها بإتجاه تحقيق المصلحة العامة وخلق الموازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبمعنى آخر أن لم تخرج الرقابة عن هدفها الدستوري، ذلك أنها مناسبة تُبين للناخبين والرأي العام أن ممارسة الرقابة تتم وفقاً للقانون وحمايةً لمبدأ المشروعية، هذا من جانب، وتمكن السلطة التشريعية بعدها ممثلة للشعب من محاسبة كل مسؤول يخرج في ممارسته لمسؤولياته عن ذلك المبدأ إلى الجانب الشخصي أو الفئوي من جانب آخر، وبالتالي فإن لها وفي الحالتين دور إيجابي ينعكس على ممارسة الحكم في الدولة بإتجاه الشفافية ومحاربة الفساد والحفاظ على نظام الحكم الديمقراطي الذي يعني فيما يعنيه أن تمارس المؤسسات الدستورية وظائفها وفق القانون و إحترام مبدأ المشروعية الذي يحكم عمل هذه المؤسسات، ويتحدد نطاق وشكل الرقابة البرلمانية بما هو مرسوم في الدستور، وهي تختلف من دولة إلى آخرى. وتكون الرقابة أقوى في النظم وبمعنى آخر أن الدور الرقابي للبرلمان، يتحدد بالقدرة على مسائلة الحكومة للوصول للمعلومات التي تمكنه من ممارسة الرقابة الفعالة، وأيضاً بالقدرة على محاسبة الحكومة بإثارة المسؤولية السياسية إذا ما قصرت في أداء دورها.وليتمكن البرلمان من القيام بدوره الرقابي لابد من توافر إطار دستوري وقانوني ضمن ذلك، وأيضاً حرية البرلمان في الوصول للمعلومات، وحقه في طلب مثول الحكومة أمام البرلمان للرد على الأسئلة والاستجوابات(3). والسلطة التشريعية في رقابتها على الحكومة تستخدم أدوات ووسائل متعددة، حيث تدع المسؤولية الوزارية أخطر هذه الوسائل التي أعطاها المشرع الدستوري للبرلمان في مراقبته لأداء السلطة التنفيذية لنشاطها، والتي يستطيع من خلالها إسقاط الوزارة، وبجانب ذلك بعض الوسائل الآخر ى التي تقل عنها خطورة مثل السؤال، والاستجواب، وطرح موضوع عام للمناقشة، واجراء التحقيق.(4) وتعد الرقابة البرلمانية من أهم المواضيع المطروحة في القانون الدستوري والتي تشكل محورا أساسياً في عملية إرساء الديمقراطية، والتي تكون الوظيفة السياسية للبرلمان . وتُعرف على أنها كل سلوك صادر من أعضاء الهيئة التشريعية أو مساعديهم سواءً كان ذلك بشكل فردي أو جماعي، وذلك بغرض التأثير المقصود أو غير المقصود على سلوك البيروقراطية ، أو إنها سلطة البرلمان في تقصي الحقائق لأعمال السلطة التنفيذية بغية التأكد من التطبيق الجيد للقانون والوقوف على العيوب والأخطاء أثناء سير مختلف الأجهزة الإدارية ومحاسبة المقصرين على ذلك، ويتحقق ذلك بمجموعة من الوسائل التي نظمها الدستو ر(5). ومن الطبيعي أن أية سلطة من سلطات الدولة قد تقوم بتصرفات تختلف فيما بينها من حيث طبيعتها. ومنها السلطة التشريعية فلقد خصَّها الدستور ً للصفة التي تباشر بها بتصرفات ووظائف تختلف كل منها بطبيعتها، وعلى ذلك فإن السلطة التشريعية وهي تصدر قراراتها بشأن موظفيها لاتمارس وظيفة تشريعية محضة، إنما تقوم بذلك سلطة إدارية عادية تباشر سلطاتها الرئاسية على موظفيها، والبرلمان حين يصدر تلك القرارات المتعلقة بشؤون موظفيه لايبقى متصفاً بالهيئة التشريعية، وإنما ينقلب متصفا بكونه هيئة إدارية تصدر قرارات إدارية ، وبالتالي تنعقد الولاية للمحاكم المختصة لالغائها والتعويض عنها. وفي العراق وبسبب عدم وجود قواعد قانونية تنظم الوضع القانوني لموظفي مجلس النواب العراقي، وبالتالي إنطباق القواعد القانونية التي تحكم الوظيفة المدنية في هيئات الدولة على موظفي مجلس النواب فإننا لانجد إشكالاً كالذي حدث في فرنسا ومصر، ذلك أن موظفي مجلس النواب العراقي ليس لديهم نظام قانوني خاص ينظم أوضاعهم كموظفين برلمانيين، إذ أن قواعد قانو ن الخدمة المدنية رقم ٢٤ لسنة١٩٦٠ المعدل وقواعد قانون أنضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1990 المعدل، والقواعد القانونية الآخرى المنظمة للخدمة العامة في العراق هي القواعد القانونية الواجبة التطبيق بهذا الشأن ، وقد قضت المادة 19 من من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم 22 لسنة 2008 بإ ستمرار موظفي الهيئات الرئاسية الثلاث ( مجلس النواب و رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ) بتقاضي المخصصات المنصوص عليها في القانون المذكور لحين صدور قوانين خدمة خاصة بهم.أن الدستور العراقي قد أناط بمجلس النواب العراقي العديد من الوظائف وأن هذا التنوع في الوظائف والمهام ينعكس بصورة أو بآخرى على طبيعة القرارات التي يصدرها وهو بصدد ممارسته لوظائفه ومهامه، ولكن تنوع أعمال المجلس وتعدد وظائفه تتطلب أن يتم التمييز بين هذه الأعمال التي تصدر عنه بشكل تصرفات قانونية تتخذ صيغة القرارات، ومما يدعو إلى ذلك التمييز أننا وجدنا أن المجلس لاتقتصر وظيفته على التشريع ( سن القوانين ، ) بل أن الدستور قد اناط به وظيفة مراقبة السلطة التنفيذية ووسيلته في التعبير عن مضمون ما توصل اليه من خلال ممارسته لوظيفته هذه هي إصدار متعلقاً بالقرارات، إضافة لذلك فإنه يملك إستقلالية بتنظيم شؤونه الداخلية سواءً كان ذلك بتنظيم سير العمل داخل المجلس أو بعلاقته مع موظفيه .أن عملية تشريع القوانين في مجلس النواب العراقي تمر بعدة مراحل ولكل مرحلة منها إجراءات وشكليات يجب اتباعها واستيفاؤها للإنتقال إلى المرحلة الآ خرى ، وهذا يعني أن العمل التشريعي يشتمل على جميع الإجراءات التي تُتخذ خلال مجمل العملية التشريعية والتي تدخل في تكوين عناصر القرارات من خلال التصويت النهائي في الجلسة العامة التشريعية التي يتولد منها القانون حالاً ومباشرةً . إن كانت جميعهإ وخلال سير العملية التشريعية تتخذ عدة قرارات ، تختلف من حيث طبيعتها وأثارها و قرارات برلمانية، وبالتالي يمكن أن نلاحظ نوعين من القرارات المتخذه خلال سير العملية التشريعية، النوع الأول المتمثل بقرارات الاحالة على اللجان والقرارات ( التوصيات ) المتخذة من قبل اللجان وقرارات التعديل للاضافة والحذف والتجزئة ، وهذه القرارات ليس لها أية اثار قانونية مباشرة سواء تجاه مشروع القانون أو مقترحه، ودورها نقل الإجراء التشريعي من مرحلة إلى آخر ى، وتعد هذه القرارات داخلية تتعلق بتنظيم العمل في المجلس في ممارسته لوظيفته التشريعية وتمهيدية بإتجاه الوصول إلى القرار النهائي،وهذه القرارات خارج اية رقابة قضائية لانها ليست قرارات نهائية ، أما النوع الثاني من القرارات والمتمثلة بالقرارات المتخذة بإقرار القانون أو رفضه والمتخذة في الجلسة العامة ومن خلال التصويت القانوني وبعد إستيفاء الشروط الدستورية والقانونية لإتخاذها فهي القرارات ذات الأثر القانوني والذي بها يصبح مشروع, ويمكن تسميتها بالقرارات التشريعية تمييزاً، ً أو مقترح القانون قانوناً ، لها عن بقية القرارات البرلمانية الآخرى .أن القرار التشريعي، هو القرار الذي يتخذه البرلمان من خلال التصويت في الجلسة العامة وبالأغلبية المطلوبة على مشروع قانون بعد إستيفاء الإجراءات التشريعية الخاصة بتشريع القوانين ، والقرار التشريعي يتميز بعدة خصائص منها أنه يصدر عن السلطة التشريعية (البرلمان) و يتضمن قواعد قانونية عامة ومجردة ويعبر عن الإرادة العامة ويصدر بإرادة صريحة وعلنية ، أما نطاق القرار التشريعي فيمكن أن يتناول جميع المواضيع التي تنظم بالقوانين بإستثناء ما يتصل بالاختصاصات الحصرية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم . أما فيما يتعلق بطبيعة مسائلة رئيس الجمهورية ,فأن هذه المسائلة ليست ذات طبيعة سياسية خالصة أو جنائية بحتة، ذلك أن المشرع الدستوري العراقي لم يبين طبيعة هذه المسؤولية، ومن المسلم به أن طبيعة مسؤولية رئيس الدولة تتصل بما أراد لها الدستور في كل نظام سياسي، ولذلك لايمكن القول أن مسؤولية رئيس الجمهورية في العراق فيما يسند إليه من إتهامات بموجب نصوص الدستور بإنها مسؤولية سياسية بحتة، لأنها لوكانت كذلك لأضطلع المجلس فقط بحق مسائلة رئيس الجمهورية دون إحالته للتحقيق في ثبوت هذه المسؤولية إلى المحكمة الاتحادية العليا، وأن وجود محكمة مختصة تنظر بذلك يدلل على إنها تنظر في أفعال ليست ذات طبيعة سياسية فقط فقد تكون جرائم جنائية أيضاً، ومسؤولية رئيس الجمهورية في العراق وفق دستور ٢٠٠٥ هي مسؤولية ذات طبيعة مزدوجة سياسية وجنائية يغلب عليها الطابع السياسي ذلك أن القرار الأخير بتقريرها من عدمه يختص به مجلس النواب والذي يعد سلطة سياسية ، ولكن إشراك المحكمة الاتحادية العليا في إجراءات تقرير المسؤولية تضيف صبغة جنائية على قرار مجلس النواب، وهذه الطبيعة تبقى وفق هذا الوصف إلى أن يصدر قانون اجراءات محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، ومن ذلك يمكن القول أن قرار مجلس النواب المتعلق بإعفاء رئيس الجمهورية في العراق يستمد طبيعته من وظيفة مجلس النواب الرقابية وهي وظيفة سياسية إضافة إلى طبيعة موضوع القرار ذاته وأثره المتمثل بإعفاء رئيس الجمهورية ً سياسياً يتحدد بالإعفاء ولايصل في حالة ثبوت التهمة الموجه إليه وهو بالتأكيد ليس عقوبة جنائية بل اثراً. --------------------------- 1-د مدحت أحمد يوسف غنايم: وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومـة فـي النظـام البرلمـاني ، الطبعة الثانية ، المركـز القـومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2011 ،ص3ً 2- د فتحي فكري : وجيز القانون البرلماني في مصر، شركة ناس للطباعة، القاهرة، 2006 ،ص 10 3-محمود قنديل , البرلمان في دستور مصر الجديد ، منشورات منتدى البدائل العربي للدراسات ،د.س،ص 15 4-د .رأفت دسوقي، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2006 ص125 5-مفتاح حرشو : الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة دراسة مقارنة، دار الفكر والقانون، مصر، 2010.
10
حفظ الأمن الاستقرار وحماية المكتسبات الوطنية د.ماجد احمد الزاملي أن بعض أفراد المجتمع وللأسف الشديد لازال يأخذ فكرة خاطئة عن بعض المؤسسات الأمنية - وخاصة الشرطة - على أنها أداة قمع وإرهاب للمجتمع، وهذه الفكرة تتوارثها الأجيال، فتسببت بشكل كبير في توسيع الهوة وتعميقها بين أفراد المجتمع و مختلف المؤسسات الأمنية وفي مقدمتها مؤسسة الشرطة. إذ هناك من يُفسر ذلك بوجود تعارض مصالح بعض المواطنين مع مقتضيات الواجب للشرطة، فرجل الشرطة كثيرا ما يكون سداً نفسياً أمام رغبات بعض المواطنين التي قد تتعارض مع مصالح المجتمع، لذلك يشعر المواطن أن الشرطة تقف سداً أو حاجزا ضد تحقيق رغباته غير المشروعة، وهذا يُشكل حاجزاً نفسياً بينه وبين الشرطة. وهناك المجالات الخيرية المتعددة ، إذ يمكن أن يكون لها دور في التدخل في حالة الكوارث والنكبات ليس بالمساعدة فقط ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات والعون ، زيادة على ذلك إقامة دورات دراسية و أبواب مفتوحة وتقديم الدور التوعوي وكسر الحاجز بين المواطنين ورجال الأمن ، دون أن ننسى المساهمة بإدارة دوريات الأمن بمختلف مناطق الوطن و المشاركة في الحملات الأمنية التي تجعل المواطن أكثر شعورا بالأمن و الاستقرار و الطمأنينة و راحة البال ، فنشاهد اليوم الحملات الأمنية التوعوية الشاملة، من أسبوع المرور ويوم الشرطة العربية، واليوم العالمي لمكافحة تعاطي المخدرات، كل هذه الحملات الإعلامية الهادفة تصب إلى توعية وتبصير المجتمع ومؤسساته إلى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأمنية، وبالتالي تخرج هذه المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليدي وتدخل في دائرة الضوء التي تقربها إلى كافة أفراد المجتمع. الوظيفة الأمنية للشرطة خدمة المواطن كما أن الشعور بالمسؤولية والوعي بأهمية دور المواطن في استقرار المجتمع هما الخطوة الهامة المتصلة بالعمل الأمني لسلامة المجتمع، فعلى المواطن دور كبير وهام في دعم ومساندة جهود الدولة ورجال الأمن للوقوف جنباً إلى جنب مع الذين ضحوا بأنفسهم وأرواحهم فداء لهذا الوطن وعليه فإن قمة نجاح هذا التعاون تكون بتخطي هذه المعوقات ، و تتم كذلك حين يدرب المواطنون المتعاونون مع رجال الشرطة والأمن بوجه عام ، تدريباً مشتركاً على إجراءات أمنية محددة، تضمن وحدة المفاهيم، وتمكن الجميع من القدرة على الوصف والتخاطب بأساليب اتصال معتمدة ومحددة. يُعتبر قطاع الأمن عصب العمل الفني المتخصص في جهاز الشرطة الذي ينهض بالعمل في شتى المجالات المباشرة وغير المباشرة لدعم رسالة وزارة الداخلية وتحقيق أهدافها في نشر المظلة الأمنية بالمجتمع لحفظ الأمن والاستقرار وحماية المكتسبات الوطنية. إن نشاط أجهزة الأمن في المجال الاجتماعي، لم يكن وليد مقتضيات العصر الحديث، بل كان هذا النشاط مطلوبا في المجتمعات القديمة كما هو مطلوب في المجتمعات الحديثة، ولكن الجديد في هذا المضمار، هو أن أجهزة الأمن حاليا أدخلت إلى صميم رسالتها الاجتماعية، مسؤولية الإسهام في توفير الحياة الرغيدة، والمعيشة المستقرة لأفراد المجتمع، وهي في سبيل ذلك تعمل على حماية أخلاق الفرد، ورعاية سلوكه ٕ الاجتماعي، واحترام قيمته وإعلاء مباديء الإنسانية والخلقية، الحرية والعدالة حتى تتحقق له الحياة الهانئة. ولا تدع أجهزة الأمن وسيلة قانونية مشروعة، إلا وتتبعها من أجل دفع المجتمع إلى السير وفق الأنماط السلوكية المتعارف عليها والمقبولة فيما بين أفراده قبولا عاما، كما أن أجهزة الأمن في كثير من الدول المعاصرة غيرت من زَيِّها فاتخذت الزي المدني بدلا من الزي العسكري الذي كان سائدا فيما مضى، وتحاول الآن أيضا في هذا السياق، القيام بأعمال تبدو أكثر اندماجا في المجتمع، وأكثر اقترابا من الهيئات والأجهزة التي تحملها الدولة الحديثة مسؤولية خدمة أفراد المجتمع تحقيقا للرفاهية العامة لهم، مثل مؤسسات رعاية الشباب، دور رعاية الأحداث، ووزارات التنمية والإعلام، ومراكز الإصلاح والتأهيل المهني. ومن اهم واجبات الاجهزة الامنية هي منع الجريمة، واكتشافها، والقبض على مرتكبيها ، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، و المحافظة على الأمن العام والآداب ، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع، و لكي تؤدي هذه المؤسسة الأمنية واجباتها المهنية لا بد أن تكون مقبولة لدى المجتمع حتى تظفر بمساعدته ، لأنه ربما لن تكون مقبولة وهي تنفذ القوانين التي تتعارض مع بعض أهواء ورغبات أفراد المجتمع، ولكن ستتغير الصورة إذا أدخلت هذه المؤسسة الأمنية بعض الإصلاحات على الساحة التقليدية التي تؤدي فيها واجباتها ولعل الدور الذي دخلت من خلالة الشرطة دائرة الضوء من خلال مكافحة الجرائم بكافة اشكالها من قتل وسرقة ومكافحة مخدرات وتقديم المساعدات العينية والنقدية وقت الكوارث واستخدام الاساليب المتطورة في الكشف عن هذة الجرائم وتأهيل الكوادر البشرية بالعلم والمعرفة وفتح قنوات مباشرة مع المواطنين من خلال الشرطة المجتمعية وتفعيل دور المواطن. إن أهم الواجبات الوظيفية المناطة بالأجهزة الأمنية إزاء المجتمع هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع من خلال قيامها بواجباتها الأساسية المتمثلة بإنفاذ القانون وحماية المجتمع من الجريمة ومخاطرها بمنعها قبل وقوعها، والكشف عنها والقبض على مرتكبيها وتنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، والمحافظة على الأمن العام، وحماية الأرواح والممتلكات، والإشراف على تنفيذ قوانين الدولة، وإلى جانب الدور التقليدي للأجهزة الأمنية هناك بعض البرامج والخدمات الاجتماعية التي ترتبط بالمجتمع ارتباطًا وثيقًا والتي يتوجب على الأجهزة الأمنية القيام بها، ومنها أعمال الدفاع المدني(أعمال إطفاء الحريق، وعمليات الإنقاذ، ومباشرة الكوارث الطبيعية، وتوفير الملاجئ الآمنة التي تزداد الحاجة إليها أثناء الحروب والأزمات، والقيام بأعمال النجدة كاستجابة لنداء أفراد المجتمع عند أي طاريء، وتنفيذ برامج الإصلاح الاجتماعي داخل السجون، والتصدي للجرائم المخلة بأمن الدولة، والمشاركة في حماية الآداب العامة، وحماية الأحداث من الانحراف، وإصدار البطاقات الشخصية للمواطنين عن طريق دوائر الأحوال المدنية، وتنظيم المعلومات حول المواطنين، وفهرستها بشكلٍ يسهل الرجوع إليها عند الحاجة، وتُعد هذه الأخيرة من أهم أعمال الأجهزة الأمنية في الدولة؛ لما له من دور يمس أهم أركان الدولة وهو ركن الشعب وبخاصة المواطنين، وغير ذلك من الخدمات الإنسانية الأخرى المتعددة، كالتدخل في حالة الكوارث والنكبات لا بالمساعدة فحسب، ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات الأخرى. ويمكن أن يحدد مفهوم الوظيفة الاجتماعية في نطاق الوظيفة الأمنية بأنها:" مجموعة من المهام والواجبات الجديدة انيطت بجهاز الأمن العام في المجتمعات الحديثة وتعنى بتقديم خدمات اجتماعية عديدة منها "حماية المواطن، ورعاية السلوك الاجتماعي، التوجيه والإرشاد، رعاية الأحداث، تنظيم البرامج للتو عية، والتثقيف الأمني، والرعاية اللاحقة السجناء عند خروجهم من السجن بعد إنتهاء مدة محكوميتهم , وغيرها من الإسهامات ، والتي تضطلع بها أجهزة الأمن، لخدمة أعضاء المجتمع وفقا للقوانين والأنظمة المرعية. ويبرر هذه الواجبات الأمنية أن رجال الأمن بحكم انتشارهم في أرجاء الوطن، وصلاتهم الوثيقة بكافة فئات المجتمع، وارتباطهم مع هذه الفئات بعلاقات يومية، لكل ذلك، فهم الأقدر على أن يكون لهم الإسهام في مجال الخدمة الاجتماعية والعمل الاجتماعي، ومن مصلحة المجتمع أن يُشجِّع هذا الاتجاه مع وضع ضوابط له تكفل عدم التدخل أو تجاوز الحدود التي ينبغي الالتزام به. وحتى الاجهزة المتخصصة في الأصل بتقديم الخدمات الاجتماعية لا تستطيع الاستغناء عن خدمات الأجهزة الأمنية لخبراتها وامكانياتها وما يتوافر لها من معلومات، كل ذلك يساعد الأجهزة على أن يكون اسهامها أكثر إيجابية، وأكثر تحقيقاً لمصلحة المجتمع من خلال تعاونها وتضافر جهودها مع جهود الأجهزة الأمنية. ولسنا في حاجة إلى الاستشهاد بما يجري من حولنا في العالم العربي حيث يشيع الاضطراب والحروب الأهلية والإرهاب والعنف الذي تقوم به الجماعات التكفيرية في بلدنا العراق وسوريا، ومصر، وتتسع ظاهرة الجريمة، والعنف المجتمعي وما يترتب علي ذلك من تفكك اجتماعي يمس الحالة الأمنية بشكل او بآخر. ويبدو أن أي مجتمع ينطوي على صراعات تؤدي إلى تغيرات معينة، كما انه ينطوي على نظام اجتماعي يضمن منع التوترات، ويحول دون استمرارها، وبديهي أن لكل مجتمع إنساني وسائله الخاصة في الحفاظ على أمن أفراده والجماعات الأخرى التي تعيش فيه، وهي وسائل تتوقف إلى حد كبير على طبيعة ذلك المجتمع وظروفه السائدة فيه، وما إلى ذلك. أن البعد المجتمعي لظاهرة الأمن كان وما زال يتبدى ضمن فعاليات عديدة، ترمي لتعزيز الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، بهدف تمكين المجتمع بأسره من مواصلة تطوره الحضاري، ولعل ذلك ما حدا بالبعض إلى اعتبار الأمن بمفهومه الشامل عملية اجتماعية واعيه وموجهة، وأنها مستمرة ومتجددة، لأنها تُعبِّر عن احتياجات المجتمع المتزايدة التي تسهم فيها كل قطاعاته، أو كونها موجهه فيعني أنها ترمي لتحقيق أهداف حفظ التوازن الاجتماعي لضمان مسار عملية التطور الحضاري في درب الرقي الإنساني. ويعتبر الأمن الاجتماعى الركيزة الأساسية لبناء اﻟﻤﺠتمعات الحديثة وعاملاً رئيساً فى حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيهّا وتقدمها؛ لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة فى النفوس ويُشكل حافزاً للإبداع والانطلاق إلى آفاق المستقبل، ويتحقق الأمن بالتوافق والإيمان بالثوابت الوطنية التى توحّد النسيج الاجتماعى والثقافى الذى يبرز الهوية الوطنية ويحدد ملامحها ، حيث يكون من السهل توجيه الطاقات للوصول إلى الأهداف والغايات التى تندرج فى إطار القيم والمثل العليا لتعزيز الروح الوطنية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار . والذى يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذى يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء ، والعمل على زيادة قدرة مؤسسات التوجيه الوطنى لبث الروح المعنوية ، وزيادة الإحساس الوطنى بإنجازات الوطن واحترام تراثه الذى يمثل هويته وانتماءه الحضارى واستغلال المناسبات الوطنية التى تساهم فى تعميق الانتماء ، والعمل على تشجيع إنشاء مؤسسات اﻟﻤﺠتمع المدنى لتمارس دورها فى اكتشاف المواهب ، وتوجيه الطاقات ، وتعزيز فكرة العمل الطوعي لتكون هذه المؤسسات قادرة على النهوض بواجبها كرديف وداعم ومساند للجهد الرسمى فى شتى اﻟﻤﺠالات.
11
إستقلال الـهيئات اللامركزية عن السلطة الـمركزية إستقلال الـهيئات اللامركزية في اتـخاذ القرارات الإدارية يفترض وجود جهاز إداري خاص تابع لـها يتولى تنفيذ هذه القرارات، ويـمنحها حق وصلاحية اختيار أفراد هذا الـجهاز، ووضع نظام خاص له مستقل عن النظام العام للموظفين، وهذا ما يعزز استقلال الـهيئات اللامركزية عن السلطة الـمركزية. ويستتبع ذلك استقلال هذه الـهيئات ماليا. فالاستقلال الـمالي عنصر أساسي في تـحقيق اللامركزية الإدارية، لأنه يـمكّن الـهيئات الـمحلية من القيام بالأعباء الـملقاة على عاتقها وتنفيذ الـمشاريع الواجب تنفيذها. فللـهيئات اللامركزية موازنات مستقلة عن موازنة الدولة العامة. تلعب اللامركزية الإدارية دورا أساسيا في عملية التنمية، وهي قامت في الأساس من أجل تـحقيق التنمية على الـمستوى الـمحلي. وذهب الفقه الإنجليزي في التعبير عن مصطلح أو مفهوم الإدارة المحلية بمصطلح الحكم المحلي وعرفها بأنها:" حكومة محلية تتولاها هيئات محلية منتخبة، مكلفة بمهام إدارية وتنفيذية تتعلق بالسكان المقيمين في نطاق محلي محدد، ولها الحق في إصدار القرارات واللوائح المحلية ومن خلال التعريف يتضح بأنه أشار إلى بعض الخصائص الأساسية التي يقوم عليها نظام الإدارة المحلية " وذلك من خلال تحديد طبيعة المسائل الإدارية والتنفيذية التي تضطلع بها الهيئات المحلية. كما أنه بين الوسائل القانونية التي من خلالها تمارس هذه الهيئات مهامها، وذلك بتخويلها سلطة إصدار القرارات واللوائح، كما أن التعريف أبرز عنصر الانتخاب باعتباره يمثل ضمانة من ضمانات استقلال هذه الهيئات، ومع ذلك يؤخذ على هذا التعريف أنه لم يشر إلى عنصر الرقابة والذي يعد أحد أركان الإدارة المحلية. "فالسلطة الـمركزية، وبعد أن ازدادت الـمهمات الـمناطة بـها، نتيجة التحول الـحاصل في مفهوم الدولة التي أصبحت دولة رعاية، أصبحت السلطة الـمركزية عاجزة عن القيام بـما تطلبه التنمية الـمحلية، دون الاستعانة بـهيئات مـحلية. فتراكم الأعباء على الإدارة الـمركزية، والبيـروقراطية التي تعيشها هذه الإدارة إضافة إلى الروتين الإداري الذي يؤخّر اتـخاذ القرار وتنفيذه. كل هذه الأمور قضت بالاعتماد في تـحقيق التنمية الـمحلية على هيئات منتخبة تعبّـر عن إرادة الـمواطنين وتطلعاتـهم ومصالـحهم. فهم أدرى بشؤونـهم وبكيفية إدارة هذه الشؤون، من السلطة الـمركزية، البعيدة عنهم والتي لـها مشاغلها الكثيـرة. وإعطاء هذه الـهيئات الصلاحيات اللازمة والإمكانيات الضرورية، وبـخاصة الإمكانيات البشريـة والـمالية،مما يؤهلها لتنظيم شؤون الـمحلة (بلدة أو مدينة) وتوفيـر الـخدمات فيها، وتطوير أوضاعها العمرانية والاجتماعية والثقافية. وهذه كلها أمور تساعد على تـحقيق التنمية بأبعادها الـمختلفة. توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين الهيئات المحلية المنتخبة، بحيث تكون هذه الهيئات في ممارستها لوظيفتها الإدارية تحت إشراف ورقابة الحكومة المركزية. ولذلك غالبا ما يقترن موضوع اللامركزية الإدارية بنظرية الإدارة المحلية وبنظام المؤسسات العامة .أن اللامركزية الإدارية تقوم على توزيع الاختصاصات الإدارية بين الحكومة المركزية والهيئات المحلية أي خلق عدد من الأشخاص الإدارية العامة بجانب الدولة تتخصص في إدارتها مجالس تتكون في مجموعها من أعضاء منتخبين بواسطة الشعب على مستوى البلدية والولاية. فجوهر اللامركزية الإدارية لا يتعلق بإضعاف السلطة المركزية بل بتقوية السلطات المحلية، و الحصيلة النهائية ليست مجرد إعادة توزيع سلطات الحكم بل زيادة في السلطات الحكومية ككل. واللامركزية لا تنحصر بالضرورة في القطاع الحكومي ، أي إنها لا تنحصر بإنتقال المسؤوليات و المهام من جهاز الحكم المركزي إلى السلطات المحلية ، بل إنها يمكن أن تمثل أيضا إبتعاد بعض من السلطة من الحكومة بإتجاه المجتمع المدني و القطاع الخاص. تهدف اللامركزية بصفة عامة إلى سرعة العمل وتبسيط الإجراءات كما إنها تسمح للحكومة بأن تركز على مواجهة القضايا القومية الأساسية وعلى وضع السياسات العامة إلي جانب إنها تحث الجهود الفردية والمنظمات غير الحكومية علي المشاركة في التنمية المحلية وكذلك تؤدي الي تخفيض الأعباء الإدارية والمالية عن الحكومة المركزية ,واللامركزية تستطيع أن تساعد الوحد ات المحلية على تقديم خدمات عامة ذات جودة أعلى وتحقق الاستقلال المالي والإداري للوحدات المحلية وتمكن المجالس المحلية من تحمل مسئولية التخطيط وصنع القرار وتساعد الوحدات المحلية علي الاحتفاظ بحصة كبيرة من الإيرادات المالية المحلية وتفعل حق المجالس المحلية في مساءلة ممثلي السلطة التنفيذية المركزية. أن للاَّمركزية الإدارية جانبين ، جانب سياسي وجانب قانوني , فالجانب القانوني يتمثل في توزيع الوظيفة الإدارية للدولة أما الجانب السياسي فيتمثل فيما تقوم عليه اللامركزية الإدارية من توسيع لمفهوم الديمقراطية فتنتقل سلطة التقرير النهائي من الدولة إلى هيئات محلية منتخبة من طرف الشعب لتحمل مسؤوليتها في الإدارة . وعُرف نظام اللامركزية والإدارة المحلية منذ زمن بعيد، ولم يأخذ شكله القانوني إلا بعد قيام الدولة الحديثة، عندما ازدادت أعباؤها تجاه المواطنين، ولتخفيف تلك الأعباء كان لا بد من نقل أو تفويض بعض الصلاحيات إلى الإدارة المحلية، وعرفت الإدارة المحلية في السابق خلال مراحل التكوينات القبلية، ونظم الإقطاع، والإمبراطوريات، والهند عرفت نظام المجالس المحلية في بداية التاريخ الميلادي، وساد في بلاد الإغريق نظام دولة المدينة، التي تضم عددًا من القرى، والقرية تضم عددًا من القبائل، ثم ظهر نظام الحكم المحلي أو الإدارة المحلية، كظاهرة قانونية في القرن التاسع عشر؛ حيث ظهرت المجالس المحلية في إنجلترا عند صدور قانون الإصلاح عام 1832، وظهرت اللامركزية فكرًا فلسفيًّا إداريًّا مع قيام الثورة الفرنسية عام 1789, أن المشاركة الشعبية في شئون الإدارة المحلية هي مشاركة جماعية لا مجال فيها للتسلط الفردي، أو آراء مفروضة من جهات أعلى، أو أية اتجاهات دكتاتورية، أو تعقيدات بيروقراطية، إنما هي نابعة من الحس الشعبي للشعور بالمسئولية، ومساهمة المواطنين في أنشطة السلطة التنفيذية على مستوى المحافظات. اعتراف السلطة الـمركزية بـمصالـح مـحلية مـميزة عن الـمصالـح الوطنية العامة لا يكفي لتحقيقها اللامركزية، إنـما يـجب أن يقترن هذا الاعتراف بوجود هيئات مـحلية تتولى إدارة هذه الـمصالـح، أي هيئات منبثقة من البيئة الـمحلية ومنتمية إلى الـمجتمع الـمحلي لأنـها تكون أقرب إلى السكان وأعرف بـمصالـحهم وأقدر على تـحقيق هذه الـمصالـح. وهذه الـهيئات الـمحلية يـجب أن تتمتع باستقلال إداري. وهذا ما طرح موضوع كيفية اختيار هذه الـهيئات وقاد إلى جدل بين الـمهتمين بدراسة اللامركزية الإدارية، أن العنصر الأساسي في نظام اللامركزية ليس اختيار الـهيئات الـمحلية بطريقة معينة، إنـما هـو استقلال هـذه الـهيئات في مـمارسة وظائفها من دون أن تكون خاضعة لتوجيهات أو أوامر السلطة الـمركزية. وانتخاب هذه الـهيئات ليس برأي هؤلاء، شرطا أساسيا لتحقيق اللامركزية. فـمعيار الانتخاب لا قيمة مطلقة له في وجود اللامركزية، أو في إضفاء اللامركزية على السلطة الـمحلية، والـمعيار الـحقيقي للتنظيم اللامركزي يكمن في استقلال الـمجالس الـمحلية عن السلطة الـمركزية، وإن كـان الانتخاب يعتبـر الوسيلة الـمعتادة لتحقيق هذا الاستقلال، في حين أن فريقا آخر أعتبـر أن انتخاب الـهيئات الـمحلية من قبل الناخبين على أساس أن فكرة اللامركزية الإدارية امتدادا للديـمقراطية، وهو شرط لتحقيق اللامركزية. إن الهدف الأساسي لهذه المحاور في ظل التحديات التي تواجه الدولة المعاصرة هو التوجه نحو تقليص حجم سلطة الدولة بما يستدعى بالضرورة إعادة النظر في البيروقراطية وإخضاع أساليب الإدارة العامة للمعايير الموضوعية والمساءلة عن تكلفة تقديم الخدمات وقياس نتائج الخطط والبرامج من خلال الكفاءة والفاعلية وأثر ذلك في البيئة المحيطة. اختصاصات إدارية تباشرها بنفسها على وجه الاستقلال ويكون لها حق البت في شؤونها وحق إصدار القرارات المناسبة في شأنها بمحض إرادتها. وقد يتوقف تنفيذ هذه القرارات على تصديق السلطة المركزية، وقد يكون للسلطة المركزية حق إلغاء هذه القرارات دون أن يكون في ذلك ما يتعارض مع استقلال السلطات الإدارية اللامركزية. لكن السلطة المركزية لا تملك وفقا للمبادئ العامة حق تعديل قرارات السلطة اللامركزية لأن وجود هذا الحق يتعارض مع استقلال هذه السلطة ومع ذلك فانه يجب أن يلاحظ أن تصديق السلطة المركزية على قرارات اللامركزية في الأحوال التي يشترط فيها ذلك، لا يغير من طبيعة هذه القرارات باعتبارها صادرة عن سلطات لامركزية تُسأل عنها هذه السلطات الأخيرة وحدها. استقلال السلطات الإدارية المحلية عن السلطات المركزية،بمعنى أن يكون تعيينهم بطريقة تضمن استقلالهم عن هذه السلطة وأن يضمن النظام القانوني المقرر لهم عدم خضوعهم لأوامر السلطة الإدارية المركزية وتوجيهاتها ويرى البعض أن استقلال السلطات اللامركزية لا يتحقق إلا إذا كان اختيار أعضاء هذه السلطات بطريق الانتخاب بمعنى أن انتخاب أعضاء هذه السلطات يعتبر شرطا أساسيا لا يمكن القول بوجود لا مركزية إدارية تقوم على غير الانتخاب في دولة من الدول . وقد كان هذا هو الرأي المأخوذ به خلال القرن التاسع عشر . أما الآن فلم يَعُد اختيار أعضاء السلطة اللامركزية بالانتخاب شرطا أساسيا لوجود اللامركزية الإدارية في الدولة ، بدليل وجود المؤسسات العامة الإدارية والصناعية والتجارية في كل الدول في الوقت الحاضر ، وهي أشخاص إدارية ، أي سلطات إدارية مستقلة لا يختار أعضاؤها بطريق الانتخاب. استقلال الشخص الإداري اللامركزي عن السلطات المركزية وانفراده باختصاصات يباشرها بنفسه، مستقلا عن السلطة اللامركزية ، وأن تكون لممثلي الشخص الإداري اللامركزي سلطة ذاتية يستمدها من القانون، بمعنى أن يكون لممثلي الشخص الإداري اللامركزي حق إصدار قرارات إدارية تنفيذية بمحض إرادته في دائرة اختصاصات معينة يحددها القانون دون أن يكون خاضع لأوامر الدولة المركزية وتوجيهاتها. كما أستخدم الفقه الفرنسي مصطلح اللامركزية المحلية للتعبير عن الإدارة المحلية وعرفها بأنها:" هيئات محلية تمارس اختصاصات إدارية وتتمتع باستقلال ذاتي". واستخدم الفقه الفرنسي أيضاً مصطلح اللامركزية الإقليمية مستقلة عن اللامركزية المرفقية للتعبير عن الإدارة المحلية، إذ عرفها بقوله:" أنها هيئات محلية لا مركزية، تمارس اختصاصات إدارية، وتتمتع باستقلال ذاتي , أنه وضح طبيعة الاختصاصات التي تمارسها هذه الهيئات. لالكون اللامركزية تستـند إلى خلفية فلسفية، واجتماعية قائمة على أساس التعاون الجماعي، وتظافر الجهود، والاعتماد على النـفس منذ نشأتـها الأولى في (مجتمع القرية) التي فرضتـها حاجة الإنسان إلى تنظيم نفسه، وتحقيق أهدافه قبل أن توجد الدولة نفسها؛ أو لكونـها الامتداد الطبيعي، أو الوجه الآخر للديمقراطية التي تجتاح العالم المعاصر في الوقت الحاضر، وإنما لضرورتـها كذلك للمجتمعات المحلية، وللدولة، أو السلطة المركزية نفسها؛ خاصة في ظل الدولة الحديثة، أو المعاصرة بسبب التوسع والتـشعب في وظائفها وإلى تضخم الأعباء، وكبر حجم المهام المناطة بالسلطة المركزية في جميع المجالات ، مما دفع بالكثير من البلدان في الوقت الحاضر إلى تبني هذا النمط اللامركزي لمواجهة هذه الأعباء, مما قد يتخوف منه البعض، خاصة في البلدان النامية ، وإنما أتت متضمنة أو مكملة لهذه المركزية القائمة أو للسلطة المركزية فيـها وذلك بـهدف تـخفيف الأعباء، والمهام الكبيرة الملقاة على كاهل القائمين عليها من خلال توزيع هذه الأعباء، والمهام بين مختلف مستويات الإدارة بما في ذلك المستوى المركزي نفسه الذي تناط به في ظلها أهم مفاصل العملية الإدارية المتمثلة بالتخطيط، وتحديد الأهداف، ووضع السياسات العامة، ومراقبة، ومتابعة الأداء بشكل عام، وكذلك الحد من معاناة الجمهور المستـفيد من الخدمات التي تـقدمـها له الإدارة ، المتمثل بالإداريين، والمجتمع المحلي، والمواطنين بشكل عام من جراء هذه المركزية المتبعة إضافة إلى تقديم الخدمات لهؤلاء المستـفيدين منها في مناطق تواجدهم، أو إقاماتـهم البعيدة عن العاصمة التي تـتواجد فيها السلطة المركزية، وكذلك تحسين وضع هذه المناطق، والتـقليل مما تكلفه عملية المتابعة المستمرة مع السلطة المركزية في العاصمة من (جهد، ووقت، ومال) إضافة إلى خلق علاقة وثيقة بين السلطة المركزية في العاصمة، وبين العاملين، والمواطنين في المناطق المحلية بشكل عام، تساعد على تبادل المعلومات، وعلى شرح السياسة المركزية، وإيجاد القبول لـها في هذه المناطق، وتشجيعهم على زيادة اهتمامـهم بمناطقـهم، وعلى مشاركتـهم في الحكم من خلال تدريب قادتـهم المحليـين على إدارة شؤون مناطقـهم، وتجهيزهم كذلك للقيام بأي دور قيادي في المستـقبل على مستوى الدولة كـكل، كون معظم القادة المتواجدين في المستوى المركزي نفسه هم أساساً من أبناء المناطق المحلية هذه؛ ولكون النظام اللامركزي خاصة قد أصبح في الوقت الحاضر ضرورة وطنية؛ بل وحتمية كما يشير الاتجاه الإداري المعاصر لمواجهة التطورات، والتـغيرات الاجتماعية الكبيرة التي يشهدها العصر الراهن في مختلف المجالات، خاصة في ظل الانفجار السكاني المتزايد، وما يترتب عليه من تزايد مستمر لمسئولية الدولة الحديثة في توفير فرص التعليم والعمل والخدمات العامة ، الكافية لكل أبنائها. وخلاصة القول أن أهم ضمانات نجاح نظام فعال للامركزية كأساس للحكم المحلى, وضع حد لمسألة التعددية فى التشريعات المنظمة لعمل الإدارة المحلية وجمعها فى قانون واحد. التمتع بدرجة مناسبة وكافية من الحرية والاستقلال عن السلطة التنفيذية المركزية بالنسبة إلى كل ما يتعلق بإدارة الشؤون المحلية من خلال نقل حقيقى وأصيل للسلطات من الجهة التنفيذية المركزية إلى المحليات. وعدم الاقتصار على التفويض فى السلطات. حسن اختيار القيادات المحلية من خلال وضع ضوابط واضحة ودقيقة ومحايدة, تفعيل نظام الانتخابات الحرة والنزيهه هو وحده الكفيل بتفعيل نظام الإدارة المحلية وبالذات المجالس الشعبية المحلية. بهذه الضمانات يمكن إقامة نظام حكم محلى على أساس اللامركزية يحقق مصالح الناس ويمكنهم من قضاء إحتياجاتهم بسهولة دون أى مشاكل، ولا تضطرهم التعقيدات الإدارية والبيروقراطية الى دفع الرشاوى للحصول على حقوقهم. فاللامركزية الإدارية تقوم في جوهرها على عدم إتخاذ كل القرارات و الأعمال المتعلقة بالشؤون العامة من قبل السياسيين و البيروقراطيين في العاصمة و على توزيع السلطات و الصلاحيات على كل أنحاء البلاد. اي تنفصل هيكليا عن الحكومة المركزية و تحول إلى مؤسسات وطنية عامة أخرى.
12
الحروب و تفشي جرائم العنف الجنائي د.ماجد احمد الزاملي النظام السياسي عامل مؤثر ومثير للظاهرة الإجرامية، وأن العوامل الناتجة عن طبيعة النظام السياسي لها تأثير مباشر وآخر غير مباشر فالتأثير المباشر يرجع إلى الحكومات وتأثيرها على الظاهرة الإجرامية مثال تدخل بعض رجال الحكومة في جماعات المافيا وتأثير الحكومات على الظاهرة يظهر في الشكل السيء لبعض الحكومات "الحكومات ذات الإدارة الفاسدة، الرشوة، الاختلاسات ضعف جهاز الشرطة، عدم التطبيق الصارم للقوانين". أمَّا التأثير غير المباشر والمتمثل في إنعدام المراقبة التي تسمح للناس بالتصرف بكل الاشكال مثلما يحدث في أوقات الحرب حيث لا تستطيع الحكومة أو السلطة التأثير أو السيطرة على الشعب. ومن المعلوم أنَّ تفاقم موجات العنف الإجرامي في فترات ما بعد الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية، نتيجة ضغط هذه الظروف على ابناء الشعب ، أو ربما العنف يتأتى نتيجة اعتياد العامة على مشاهد الموت والدمار في حقب الحروب، كما أن سهولة الحصول على الأسلحة وانتشارها بين أفراد المجتمع يعمل على انتشار معدلات العنف الجنائي، من دون شك، كل ذلك يُعد من العوامل المسَهِّلة التي تساعد على انتشار الجريمة، وهي كلها متوفرة بشكل واضح في المجتمع العراقي كمثال . وربما كانت المفارقة العراقية تكمن في الوجه السياسي للعنف الإجرامي، إذ مثّل عنف أجهزة الدولة القمعية على مدى عقود ماضية، الخطر الأكبر على حياة الافراد، والأمر الأكثر تهديدا من عصابات الجريمة الجنائية، فالقتل في الحروب الخارجية والداخلية، مثّل الجانب الأكبر للوفيات بين الشباب، كما مثّلت عمليات الإبادة الجماعية والقتل على أساس الشك في الولاء، وتصفية الخصوم السياسيين والمعارضين للنظام، وسائل عنفية انتشرت وأشاعت ثقافة استسهال الموت في المجتمع. وعن سبب ارتكاب جرائم القتل الأسري، فأن لكل جريمة خصوصيتها، إلا أنه الحروب وانتشار المنظمات الارهابية ادت انتشار السلاح والى وضع معيشي الصعب يعيشه المواطنون، ولّدت آثاراً نفسيه وسلوكية ووضعاً اقتصادياً متدنياً، أدى إلى آثار نفسية وسلوكية كلها يمكن أن تكون سبباً، لكنها ليست كل الأسباب، لأن هناك أسباباً خاصة لكل جريمة. الضغوط الحياتية تمثِّل سبباً للجريمة، وهذا لا شك فيه، لكنها لا تعد السبب الوحيد لارتكابها. والضغوط الحياتية عندما تزداد قد تصل بالفرد إلى حالة الاكتئاب الشديد والنظرة السوداوية للماضي والحاضر والمستقبل، لدرجة أنه يقتل نفسه وليس فقط أفراد أسرته، فهو يقتلهم استشعاراً منه بوضعهم البائس الذي يصوّره له تفكيره، معتقداً أنه بذلك يرحمهم من حياة العذاب التي يعيشونها". ولا يمكن الحد من نسبة الجريمة إلا باعتماد سياسة وقائية تذهب إلى جذورها واعتماد سياسة مواجهة أول شروطها استقرار المؤسسة الأمنية وإبعادها عن الصراعات والتجاذبات. وتوفير كل المرافق والمستلزمات التي تُعينها على القيام بدورها ومن ذلك الموارد البشرية الكافية والتدريب والتجهيزات وخاصة الإسناد السياسي والمعنوي. وانعكست مرحلة الانتقال الديمقراطي على رغم نقاط الضوء التي تميزها على صعيد الحريات والتعددية، سلباً على الواقع المجتمعي، حيث ظهرت موجة من الجرائم والبلطجة مع استغلال المجرمين حالة اللااستقرار السياسي والتخبط الحكومي في ترويع الناس. ان محكمة التحقيق المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الأسري تطبق القوانين النافذة ومنها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983، ذلك لأن المشرع العراقي لم يصدر قانونا للحماية من العنف الاسري، وان التحقيق في جرائم العنف الاسري يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الزوجية والأسرية، خصوصا إذا كانت الشكوى مقدمة من قبل الزوجة بحق زوجها، الأمر الذي يتطلب إجراءات قانونية تتناسب مع واقع الحياة الأسرية. إن هذه المبادرة القانونية والإنسانية تدل على اهتمام مجلس القضاء الأعلى بظاهرة العنف الأسري والأسرة سعياً منه للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بالطرق القانونية والحضارية. المشرع العراقي أقرَّ نصوصاً صارمة على كل من يحاول تفكيك الأسرة او التقليل من قيمتها، ومن هنا نص قانون العقوبات العراقي في المادة (383) فقرة (1) منه على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة دينار من عرّض للخطر سواءً بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره او شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو النفسية او العقلية). ولغرض احتواء هذه الكارثة الانسانية التي تهدد المجتمع العراقي عموما ولغرض عدم اتساع آثارها ، لابد من توفيرالاليات المناسبة وتفعيلها باسرع وقت وأن تحضى بالاولوية في وضعها موضع التنفيذ.إن أول هذه الآليات هو تفعيل القانون المختص لملاحقة الجاني وادراك أي شخص سلفاً بأن جرائمه تُعتبر من الاعمال التي يعاقب عليها القانون عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه( لايُعتَد الجهل بالقانون ). أحد العوامل الرئيسية في صورة الجريمة الخطرة، يرتبط بالإنتشار والإستخدام واسع النطاق للأسلحة ُ غير القانونية. ويُستخدم السلاح لتنفيذ جرائم خطيرة، مثل القتل، والسطو، وابتزاز المال الخاوة، وأيضاً ّ لكسب القوة في إطار الصراعات بين العناصر الإجرامية والنزاعات بين العائلات. إن السهولة التي ُ يمكن من خلالها الحصول على الأسلحة النارية (من خلال السرقة، والسطو، والتهريب من مناطق مجاورة وحتى صناعة ذاتية) وغياب الردع الكافي لإستخدامها، أدى ّ إلى انتشارها واستخدامها بكثرة. وبسبب انعدام الشعور بالأمن الشخصي، أصبح معلوماً ّ أن الأسلحة متوفرة أيضاً َّ لدى المواطنين العاديين، الذين يشعرون بأن عليهم مواجهة النزاعات، أو حماية عائلاتهم ٍ بشكل ّ ذاتي، دون تدخل سلطات إنفاذ القانون. جرائم القتل موجودة في أغلب مدن العالم ولكن الشي الغريب هو وصول هذه الجرائم إلى أوثق العلاقات البشرية وهي الأسرة الواحدة، فتجد أفرادها يتخاصمون ويتقاتلون في سبيل المال وتصفية حسابات شخصية. وخلافًا للمنطق التقليدي للحرب (هدف الحرب التقليدية هو تحقيق انتصارات جيوستراتيجية بتدمير العدو أو احتلال الأرض أو صد العدوان على الدولة)، أما الحروب الجديدة فتُشن باسم الهوية ودفاعًا عنها، سواءً كانت هوية إثنية أو دينية أو قبلية. وإذا وصفنا الجريمة على أنها فعل يجرّمه القانون ويعاقب عليه أمكن إدراك أن الدول تختلف فيما بينها في تقييم الأفعال الإجرامية، بل إن الدولة الواحدة قد يختلف فيها التصنيف القانوني للجريمة من فترة إلى أخرى."وجديرٌ بالذكر أن أنواع السلوك المضاد للنظام الاجتماعي والأخلاقي ليس من الضروري أن تدخل ضمن نطاق الجريمة، ومع ذلك حاول بعض علماء الإجرام توسيع نطاق تعريف الجريمة، بإدخال أنواع السلوك الانحرافي ذات الأهمية الاجتماعية، وإن كانت لا تُشكِّل من الناحية القانونية جرائم".أنَّ علاج العنف الأسري يحتاج الى مجهود جماعي يبدأ من الاسرة لكي ينعم الطفل بطفولة خالية من التعنيف، ومن أسرة تحترم حقوق أفرادها لا تميِّز الذكور عن الإناث، ومن مؤسسة تربوية تهتم بتربية الطفل قبل تعليمه، وبمنظومة قيم للمجتمع تمكن المرأة من فرص التعليم والإسهام الحقيقي في المجتمع وتنتهي بسلطة تشريعية ترسخ قيم العدل والمساواة وسلطة تنفيذية تضمن الحقوق من الانتهاك. أنّ المثير في ظاهرة العنف ضد الأطفال هو إقدام الأبوين، أو أحدهما، على تعنيف أطفالهما بدلاً من حمايتهم بشكل لم يسبق حدوثه من قبل. فتصاعد العنف ضد الأطفال بصورة مخيفة داخل المجتمع العراقي هو نتيجة للمشاكل الأمنية والاقتصادية والصحية. لم تكن ظاهرة انتشار ثقافة االاستهلاك وعلاقتها بالجريمة من الافتراضات التي فكرنا فيها لكن تكرار الحديث عنها من قبل مَن قابلناهم دفعنا للتركيز على أثرها ّ في المجتمع عامة والشباب خاصة فوجدنا أنها تشكل في كثير َ من الأحيان مفاهيم الناس عن الحياة، وتعيد صياغة عاداتهم وسلوكياتهم. أصبحت ثقافة ألإستهلاك واقعاً تولد فيه أجيال لم تجرب واقعا غيره فأصبح الجيل الشاب، وحتى الأطفال، يجدون أنفسهم أمام أساطير تحاول هذه الثقافة إقناعهم بها، دون أن يُقابَل ذلك بأي تثقيف يُقاوم تلك الشعارات ويُبّين زيفها والآثار الكارثيّة المترتبة عليها. لقد بدأت منظمات المجتمع المدنيّ والمؤسسات الأكاديمية ووسائل الإعلام بتوثيق قضايا التهجير القسري وأنماطه الذي نتج عن عنف عصابات المخدرات، سعياً منها لتحليل مختلف أشكال التنقل الإنساني وللتمييز بين الهجرة القسرية عن الهجرة الطوعيّة. وعلى العموم، تبلغ نسبة الأشخاص الذين يغادرون المدن والقرى التي تشهد أحداث العنف ما بين أربعة إلى خمسة أضعاف عدد الأشخاص الذين يغادرون المدن والقرى التي لا تشهد عنفاً والتي تتمتع بظروف اقتصادية واجتماعية مشابهة. ويمكننا القول أنَّ التحولات الاقتصادية تلعب دوراً هاما في التغير الاجتماعي عموماً وفي ظهور عدة جرائم، ومن أمثلة التحولات الاقتصادية نذكر تحول المجتمعات الإنسانية من مجتمعات زراعية إلى مجتمعات صناعية والتحول إلى الصناعة يترتب عليه التركيز العمراني في المدينة وهجرة أهل الريف إليها و مما لا شك فيه أن التحولات الاقتصادية على مدى التاريخ كان لها عدة نتائج جوهرية في التبادل التجاري، كذلك في نشأة التجمعات البشرية في المدينة كذلك في التوزيع الطبقي في المجتمعات الصناعية وكذلك تَعقُّد مشاكل الحياة وأخيراً في ارتفاع المستوى المعيشي. والوضع الاقتصادي المتردي لا يقل أهمية في ظهور الجرائم مثل الفقر والبطالة وأثرهما في الإجرام فالفقر هو عجز الإنسان على إشباع حاجاته الأساسية وذهب عديد العلماء إلى حد القول:" الفقر هو السبب الوحيد في الجريمة " و في بحث أُجرِيَ في فرنسا و بريطانيا أن أغلب المجرمين ينتمون إلى أسر فقيرة وغير عاملة.
13
الانظمة السياسية الديمقراطية بالفصل بين السلطات وحكم الشعب د. ماجد احمد الزاملي الثورات في أوروبا في جميع الأزمنة حدثت لإسقاط الاستبداد، وإقامة أنظمة أكثر إنسانيةً وعدالة؛ وأكثر تمثيلا. وقد تلاقى على ذلك تياران في الفكر والعمل السياسي: تيار فصل السلطات؛ وتيار الاقتراع العام. ويرمي تيار الفصل بين السلطات إلى الحدّ من تعدي السلطة التنفيذية على المجتمع وقواه، والسلطة القضائية. ثم تجاوزت الثورة الفرنسية النزوع الإصلاحي والتدرجي لتقييد سلطة الحاكم إلى قول وممارسة (سلطة الشعب) عن طريق الاقتراع العام، وتضمَّن ذلك تقدما على مسار الفردية باعتبار أنّ لكل مواطنٍ صوتا. في النصف الثاني من القرن التاسع عشر تقدم بوضوحٍ مبدأ الفصل بين السلطات، وإحداث توازُنٍ دقيقٍ ليس بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية للبرلمانات بمجلسيها فقط (بحسب الأنظمة رئاسية أو برلمانية)، بل وبين سلطة التشريع والسلطة القضائية. ثم تقدمت استقلالية القضاء أكثر رغم صعود قوة البرلمان عندما صار القضاء يمارس سلطةً رقابيةً على السلطتين الأخرتين لصالح المواطن، من خلال المحاكم الإدارية العليا، والمحاكم أو المجالس الدستورية. وتأتي قوة المؤسسة القضائية من ولايتها على إنفاذ القوانين، أي أنها مؤسسةُ إحقاق الحقّ، وإقرار العدالة. وعندما كانت القوانين والتشريعات ذات صبغةٍ دينيةٍ، كان معنى تجاوزها أو الاعتداء عليها اعتداء على حقّ الله، وعندما صارت مدنية، صار معنى الاعتداء عليها الانتهاك للحقوق الطبيعية المجبولة في طبيعة الإنسان. تطبيق القانون ليس بالشعارات، وانما الممارسات العملية ؛ التى يمارسها الانسان فى حياته اليومية، كحصوله على حقه، ولا يعتدى عليه احد، ولا يظلمه احد، ولا يهدر كرامته احد، ولا يتم التمييز ضده، ولا يكون ضحية للفساد والمحسوبية والمنسوبية، أي حصوله على إستحقاقه الذي يحدده القانون. لذا في زمن الانفتاح والمنافسة المشروعة، أصبح هذا المفهوم شديد التداول وطنيا ودوليا. سيادة القانون تعني أن كل مواطن يخضع للقانون، بما في ذلك صانعو القانون أنفسهم، وأنه لا أحد فوق القانون، وهذا كله صحيح مع إدراك وتحقيق مفهوم القانون النابع عن إرادة مشتركة تراعي مصالح جميع مكونات المجتمع بصورة عادلة أو مقبولة. فإضافة إلى اعتباره أسلوبا لصنع السياسة على أساس القواعد الأساسية المألوفة في الديمقراطيات الحديثة، مثل سيادة القانون، التعددية السياسية والاجتماعية، والتسامح، والتعبير الحر، وحريات وحقوق المواطنة،… فهو عنوان لمنظومة أساليب وخطوات الإصلاح السياسي والاجتماعي ككل، مثل اعتماد المحاسبة في مواجهة السلطات العامة، والمطالبة بتوفير مظاهر الشفافية في مؤسسات صنع القرار، وتقييم نوعية الحكم من زاوية الالتزام بالبرامج وسيادة القانون وقدرته على تعزيز الفرص والميل إلى المشاركة، واحترام حقوق الإنسان، ومكافحة الفساد، وضمان المساواة في تكافؤ الفرص. فإن أهلية الحكم الديمقراطي العادل تبقى مرهونة بمدى توفر هذه المحددات مجتمعة وبصورة عملية وليس كنصوص جامدة في الدستور أو في القوانين الجاري العمل بها وتنتظر التفعيل. المطلوب هو أن تكون هذه المحددات فاعلة في الواقعين القانوني والسياسي من خلال توضيح علاقة السلطة السياسية بالقانون، وضمان الفعالية القانونية للمؤسسات التشريعية، والتنفيذية، وتقوية النظام القضائي وتعزيز استقلاليته كسلطة دستورية، وتمكين الصحافة من لعب أدوارها كسلطة رابعة، لإنجاح عملية الإصلاح، يجب أن تستند علاقة السلطة بالقانون إلى مبدأ سيادة القانون القابل للتفعيل والتطبيق وليس سيادة السلطة على حساب القانون. سمو القانون بوصفه نظام يتضمن قواعد ملزمة، ووسيلة لضمان الأمن والعدالة، وتجنب الممارسات الإعتباطية للسلطة. لذلك ينبغي أن تكون القواعد واضحة وملزمة للجميع. وينبغي التصدي لخطر ظهور سلطة تنفيذية مهيمنة تسيء استخدام القانون من خلال استخدام مجموعة من الضوابط والتوازنات، خاصة النظام القضائي المستقل، والحدود الموضوعية، واحترام حقوق الإنسان على وجه التحديد. ينبغي أن يكون الإلتزام بالإصلاح القانوني الجدي شرطا لأي تحول سياسي ديمقراطي ولأي انتخابات ذات مصداقية تتطلب بيئة مواتية يكون فيها لعملية الإصلاح القانوني بعض الأثر. عندما ينطلق هذا الإنتقال، ينبغي إنشاء هيئة (مع ضمان استقلال أعضائها) لإجراء مراجعة شاملة واقتراح إصلاحات مفصلة . وحكم القانون هو اساس بناء المجتمعات والدول، فالنظام الاجتماعى يبدأ عندما يكون هناك قانون تشريعي، او عرفي؛ يخضع له الجميع، الغنى والفقير، القوى والضعيف، الحاكم والمحكوم أي بناء نظام قضائي عادل. من خلال الواقع القانوني، يمكن تقسيم سلطات الدولة إلى ثلاث سلطات رئيسة هي التشريعية والتنفيذية والقضائية وتقوم العلاقة بين السلطات الثلاث على أساس التعاون ومبدأ الفصل بينهما وعدم التداخل والتقاطع في أعمال هذه السلطات مع بعضها البعض مما يترك مساحة واسعة من التطورات القانونية لتأخذ نصيبها من خلال العمل المستقل بدون تأثير سياسي أو اقتصادي ، ومن خلال القراءة ألاولية لعمل هذه السلطات نجد أن السلطة ألاولى في الدولة وهي السلطة التشريعية تتمتع بدور فاعل وأساسي في عملية صنع القرار السياسي وعملية البناء القانوني للتشريع ووضع الدستور أحيانا ومراقبة أعمال السلطة التنفيذية وصولا إلى إجراءات المسائلة والاستجواب وحل الوزارة أذا لزم ألامر ووفق الصيغ الدستورية. ان العلاقة بين السلطات يحكمها الدستور النافذ في الدولة سواء كانت دولة تطبق القانون ام لا ، لذلك فان المرجع الحقيقي في تطبيق هذه العلاقة وبيان أساس الترابط والتقارب بينها وبين السلطات الاخرى هي الدستور ، وهذا يعني أن العلاقة بين السلطات هي أمر نسبي يختلف من دولة إلى أخرى ومن نظام إلى أخر في الدولة الواحدة حسب التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والايدولوجية داخل الدولة ولكنها تبقي الدستور أساسا لاي علاقة تحكم السلطات وتنظمه من اجل تطبيق القانون بصورة أفضل حتى يمكن أن يكون للحكم العادل الديمقراطي الحقيقي النصيب الأكبر في تحقيق ثوابته ومحدداته استنادا إلى تلك العلاقة. حكم القانون واحترام حقوق الانسان من أهم عوامل التغيير الأساسي، فإذا لم يتمتع الناس بحقوقهم وكرامتهم الانسانية لن ينشطوا في المساهمة في بناء بلادهم. كذلك فإن المجتمع الذي يسوده الكبت والعنف لن يحقق تغييراً أساسياً. المقهورون والمقموعون لن يشاركوا في شيء يتعلق ببلادهم بنشاط. فمع مرور الوقت، اثبت الدستور الامريكي انه ميال للغاية نحو التكيف مع سياسات الجماعة التوزيعية، ومع الليبرالية الامريكية الحديثة المتسمة بالنفاق، والمبالغة بالنصوص القانونية، والتدخل فيما لا يعنيها، مبتعدا عن حماية الملكية حسب مذهب جون لوك الذي استلهم نصوصه منه. تمثل الدساتير ركيزة لأي نظام قانوني؛ وبالتالي فعدم احترام الدساتير يعكس عدم الاعتبار الواسع لحكم القانون وعدم إحترامه. ويكون الدستور موقعاً مهماً للتعبير عن رؤى ومبادئ وطرائق حكم القانون . ولا يقتصر هذا التعبير على إدارة العدالة، وإنما يشمل أيضاً عملية تشريع القانون، بما في ذلك مسائل مثل صلاحيات الرئيس، والفيدرالية والحكم المحلي، فضلا عن وضعية ودور وصلاحيات المؤسسات المختلفة. و عملية مراجعة الدستور فرصة مهمة لمناقشة طيف من المسائل الدستورية وقياس تفضيلات الرأي العام بشأن كيفية معالجة المسائل الأساسية المتعلقة بطبيعة الدولة والنظام القانوني. و عملية المراجعة ينبغي ان تحظى بالشمول الكافي و تجري في ظروف تتيح الحرية الكاملة للنقاش (مثل حرية الإعلام، وحرية التجمع والحرية من الاعتقال التعسفي و سوء المعاملة ). وينبغي ان يسير الإصلاح الدستوري جنباً إلى جنب مع الإصلاح المؤسسي؛ فالاتفاق على المعايير “الموضوعية” للدستور لا تكفي لضمان الحماية الفعالة للحقوق المدنية والسياسية. حددت الهيئات الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان عددا من أوجه القصور في القانون وعملية صنع القانون، ومع ذلك تجاهلت بعض الانظمة إلى حد كبير تلك التوصيات، عدا التوصيات التي تراها الحكومات مستساغة سياسيا (الأشخاص ذوي الإعاقة، والأطفال، والاتجار بالبشر). وواحد من المجالات التي تستحق الاستكشاف هي مسألة الحاجة إلى حشد الدعم من طائفة واسعة من الدول لكي تدفع بإتجاه التوصية بالاصلاحات ومتابعتها. ولا عجب أن يحتل القانون والقانونيون مساحة واسعة فيما يدور من نقاشات، فقد برز من بين المطالب التي رفعتها الانتفاضات الشعبية إرساء حكم القانون، وانطوى هذا المطلب على طيف من الأمور، مثل: استقلال القضاء، وترويض الأجهزة التنفيذية، ولجم صلاحيات المسؤولين التنفيذيين، وحماية الحريات والممتلكات من نظم حكم جعلت القانون وسيلة للبطش، أو لتعزيز مصالح المقربين أو كليهما. هذه المخالفات يقوم بها شخص يشغل منصب في السلطة أو أن القانون خوله صلاحيات للقيام بعمله لكنه يستغل صلاحياته بشكل غير قانوني ليس بهدف المصلحة الشخصية وإنما لمصلحة جمهور مؤيديه أو اتباع حزبه بحجة الدفاع عن أمن الدولة أو المصلحة العامة أو النظام العام.
14
نزاهة الانتخابات تؤدي الى إزالة الفوارق بين المواطنين د.ماجد احمد الزاملي الرقابة الدولية على الانتخابات تُعرَف بأنها تلك الرقابة التي تهدف إلى إطلاع المجتمع الدولي على العملية الانتخابية ومدى ديمقراطيتها، وذلك بناءً على طلب الدولة المعنية بالانتخابات ، لأجل إثبات مراعاة واحترام العملية الانتخابية للمعايير الدولية للانتخابـــات ومدى تعبيرها عن إرادة الشعوب وحماية حقوقهم الفردية. وتتم الرقابة الدولية من قبل أشخاص يتم تكليفهم بشكل رسمي بممارسة أعمال الرقابة والتقصي حول صحة إجراءات العملية الانتخابية، والتحقق من الاعتراضات والاحتجاجات المقدمة بخصوص حدوث تجاوزات أو خروقات تذكر في هذا المجال، مع مراعاة الموضوعية والحياد. ويقوم معظم المراقبين الدوليين ببعثاتهم بــدعــوة . والسؤال الذي يبرز هنا هو فيما اذا كان يتوجب على العملية الأنتخابية ان تحترم القواعد الأساسية لأنتخابات حرة ونزيهة لتستحق مراقبتها . تشعر بعض المنظمات بان على البلدان يفي بمعايير أساسية معينة قبل أن تقرر على ارسال بعثة مراقبة دولية . وهم يتخذون هذا الموقف خشية ان ينظر الى المراقبة الدولية كونها تمنح الشرعية لأنتخابات غير شرعية . وعلى أية حال ، قد يحتاج أيضا البلد الذي يتخلف في تلبية المتطلبات الأساسية لعملية أنتخابية للمراقبين الأنتخابيين للمساعدة في الكشف عن الممارسات الغير قانونية وغير النزيهة. وفي البلدان التي تعاني مشاكل أمنية ، تكون يبعض المناطق خارج نطاق عمل المراقبين ان لم تضمن قوات الأمن الحكومية من سلامتهم . والكيفية التي ستؤثر بها مثل هذه التحديدات على نزاهة ونوعية المراقبة ، سوف تعتمد بشكل كبير على المناطق الواقعة خارج نطاق عمل المراقبين في ذلك البلد. ويجدر بالمراقبة الحيادية للانتخابات من قبل المنظمات المدنية أن تقيّم مدى تجرد العملية الانتخابية من الممارسات التمييزية التي تحظّرها الأطر القانونية المعمول بها والتزامات البلد الدولية تجاه حقوق الإنسان، بما في ذلك التقصي عن مدى مراعاة مبدأ المساواة أمام القانون وتأمين حماية قانونية متكافئة في سياق الانتخابات، على نحوٍ يصون حقّ الناخب والمرشح في الاقتراع العام بمساواة مع الجميع. كما تتعهّد المنظمات المصادِقة على هذا الإعلان بأن تضمّن تقاريرها ما تخلُص إليه من استنتاجات وتوصيات لجهة مشاركة المرأة و الشباب والسكان الأصليين والأقليات وسواهم من السكان الذين يعانون عادةً من سوء التمثيل في الانتخابات، كذوي الاحتياجات الخاصة والمشردين داخلياً، وكذلك لجهة الخطوات التي اتخذتها السلطات والمشاركون في المعركة الانتخابية والقوى الفاعلة الأخرى في سبيل تشجيع تلك المجموعات على المشاركة مشاركة كاملة و/أو إزالة العوائق التي تحول دون مشاركتهم، بما في ذلك الأسباب التي تعيق عمليات تسجيل الناخبين، اختيار المرشحين وأهليتهم للترشح، عملية الاقتراع، وتلقي الأقليات بلغتها معلومات دقيقة ووافية تمكّنها من القيام بخيارات انتخابية واعية. ونزاهة الانتخابات التي تعد الأداة والوسيلة الأساسية لممارسة الديمقراطية تتطلب ضرورة وجود إدارة محايدة تشرف على العملية الانتخابية في كافة مراحلها، وهذا لا يتحقق لا بوجود حكومة مستقلة ، لأن الاستقلال المطلق يستحيل تحقيقه، إضافة إلى تكلفة تلك الآلية وصعوبة تطبيقها ميدانياً، ولا بطريق الحكومة القائمة، لأنها ستكون محل اتهام وشك خاصة من قبل أحزاب المعارضة، لهذا كان أمر وضع إدارة انتخابية محايدة الحل الأمثل. نزاهة الانتخابات تعتبر ركيزة للديمقراطية، والديمقراطية ليست ديمقراطية سياسية تقوم على مبدأ التداول على السلطة فحسب ، فهذه ديمقراطية منقوصة، بل لا بد أن تقوم أيضاً على إزالة الفوارق الاجتماعية وعدم التمييز بين المواطنين في الحقوق على أي اعتبار كان أو ما يعرف بالديمقراطية الاجتماعية ، وهذا لن يتحقق إلاّ في ظل إدارة محايدة. والحياد مفهوم واسع وعميق يتعدى إطار الإدارة العامة ليشمل الدولة كلها في تسييرها لشؤون الحكم وحتى في علاقاتها الدولية ، إلاّ أن أهم نطاق لتطبيقه هو الإدارة العامة لما لها من صلة مباشرة بالمواطن، وكذلك ارتباطها بتحقيق المصلحة العامة. إنّ حياد المرافق العامة لم يكن يعتبر قاعدة مستقلة بذاتها، بل ظل في غالب الأمر مرتبطا بمبدأ المساواة ، ويتمثل المظهر أو الوجه الأول لحياد المرفق العام في عدم القيام بأي تمييز أو تفضيل بين مستعملي المرافق العامة على أساس آرائهم السياسية أو الدينية أو الفلسفية، أو على أساس العرق، والحياد لا يمتلك صراحة أي استقلالية عن مبدأ المساواة, لأنه يعمل أساسا على تأمين احترامه. الإدارة بالنسبة لدارسي العلوم السياسية ، تمثل العلاقة بين جهاز الدولة والإدارة التنفيذية اللازمة لتطبيق سياستها وتنفيذ قرار اتها، وتمثل بالنسبة لدارس القانون الدستوري تنفيذ التشريعات والقوانين التي تُشَرِعها السلطة التشريعية، أما بالنسبة لدارس إدارة الأعمال والاقتصاد فهي عبارة عن مجموعة من الأنشطة المتعلقة بتنفيذ خيارات اقتصادية متعددة يراعى في المفاضلة بينها عاملا التكلفة والكفاءة. وبقيت الديمقراطية لوقت طويل تعرف على أنها الوسيلة أو الأداة لممارسة السلطة السياسية ، أو هي حكم الشعب أو إسناد السلطة للشعب عن طريق اختيار ممثليه في المجالس المنتخبة بطريق الاقتراع ، أي تكريس الإرادة الشعبية. ومع تطور المجتمعات أصبحت الديمقراطية تعرف بأنها نظام اجتماعي يؤكد قيمة الفرد وكرامة الشخصية الإنسانية ، ويقوم على مشاركة أفراد أو أعضاء الجماعة في إدارة شؤونها والديمقراطية السياسية هي أن يحكم الناس أنفسهم على أساس من الحرية والمساواة وعدم التمييز بين الأفراد بسبب الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين. وبرغم الضوابط والقيود التي أوردها المشرع على الجهات المشرفة على العملية الانتخابية بغرض تحقيق الحياد الإداري، إلا أنه وقصد إبعاد أي تشكيك في حيـاد الإدارة كان الأحرى أن تسند دراسة ملفات الترشح للانتخابات المحلية والانتخابات التشريعية للجنة الانتخابية الولائية ذات التشكيلة القضائية وليس لممثل الإدارة. إسناد عملية الإشراف على العملية الانتخابية وتنظيمها إلى الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات ، مع ضرورة الرفع من عدد أعضائها ، وتكوين أعضائها غير القضاة تكوينا انتخابيا. وكثيراً ما تشمل ولاية عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام أحكاماً تتعلق بتهيئة بيئة مواتية لتنفيذ مختلف المهام المدرجة عادة في ولاياتها. في البلدان التي لديها مثل هذه التفويضات، قد يستخدمون مساعيهم الحميدة ودورهم السياسي للمساهمة في خلق بيئة مواتية لإجراء الانتخابات. وقد تساعد بعثات إدارة عمليات حفظ السلام أيضا، من خلال وجودها العسكري والمدني والشرطة ، في استقرار الحالة الأمنية، وهو أمر ضروري لتهيئة بيئة مواتية للانتخابات. ووفقاً لولاياتها، قد تقرر المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة أيضاً مراقبة حقوق الإنسان أو الوضع فيما يتعلق بمشاركة المرأة في بلد ما قبل وأثناء و / أو بعد إجراء الانتخابات من أجل تهيئة بيئة مواتية لانتخابات ذات مصداقية وضمان احترامها. المعايير الدولية ذات الصلة. وفي ظروف محددة، مثل البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية أو معرضة لخطر العنف. المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنصّ على أنّ: “إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبّر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة وشفافة تجري على أساس الاقتراع السري وبشكل دوري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت”. وتنصّ المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن: “يكون لكلّ مواطن، دون أيّ وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2 ( كالتمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النَسَب أو أي وضع آخر) الحقوق التي يجب أن يتمتع بها دون قيود غير معقولة. ممارسة الحقوق ترتّب مسؤوليات معيّنة، فالواجب المهني يملي على المراقبين المحليين الحياديين أن يضطلعوا بمهامهم بكلّ مسؤولية. لذا، تشدّد مختلف المنشورات الدولية والمواثيق الخاصة بالمنظمات المحلية الفردية، والشبكات المتقاطعة معها، في مجال المراقبة الحيادية للانتخابات على أنّ الحِياد يتطلّب الدقة والتجرد والمهنية. والهدف من المراقبة الحيادية للانتخابات يتمثَّل من قبل المنظمات المدنية في دعم الجهود الهادفة إلى صون نزاهة الانتخابات، عن طريق معاينة مختلف مجريات العملية الانتخابية ورفع التقارير بشأنها بدقة وموضوعية بغية التوصل إلى تقييم الانتخابات، ولمعرفة مدى مراعاتها لمباديء الانفتاح والشفافية ولأحكام الدستور الوطني والقوانين والقواعد الانتخابية وموجبات الاتفاقيات وغيرها من المعاهدات الدولية المعنية بالانتخابات الديمقراطية. كما تسعى المراقبة الحيادية للانتخابات من قبل المنظمات المدنية أيضاً إلى صون نزاهة العملية الانتخابية عن طريق دعوة الجهات المعنية بالشأن الانتخابي (بما في ذلك المرشحون، والأحزاب السياسية، ومؤيدو المبادرات المطروحة للاستفتاء ومعارضوها، والمسؤولون الانتخابيون فضلاً عن السلطات الحكومية ووسائل الإعلام والناخبين) إلى الالتزام بالقوانين واحترام الحقوق الانتخابية التي يتمتع بها المواطنون كافة كما تدعو المعنيين بالانتخابات أيضاً إلى إخضاع كل من ينتهك القانون وحقوق الإنسان المرتبطة بالانتخابات للمسائلة والمحاسبة. كما تعمل المراقبة الحيادية للانتخابات من قبل المنظمات المدنية على تشجيع المواطنين ليمارسوا حقهم في المشاركة في الشؤون العامة بصفة مراقبين حياديين للانتخابات وإلى تعزيز المشاركة المدنية على نطاقٍ أوسع في المسارين الانتخابي والسياسي. إعمال الحق في المشاركة يواجه تحديات رئيسية من بينها انعدام الإرادة السياسية لدى القائمين على السلطة أو تعمّدهم اعتماد استراتيجيات يحتكرون بها صنع القرار. ففي حالات كثيرة، تُشَرَّع القوانين وتطبَّق على نحو تعسفي لحرمان الأفراد من المشاركة، ويُستخدَم التخويف والاضطهاد لحملهم على تغيير منحى قراراتهم . وفي بلدان كثيرة، يتعرّض الأشخاص والمنظمات العاملون في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان للتهديدات وللمضايقة وانعدام الأمن لمشاركتهم في أنشطة من بينها الدعوة إلى الحق في المشاركة في الشؤون السياسية والعامة. ويؤدي الافتقار إلى وسائل إعلام تعددية وحرة ومستقلة إلى تقويض المشاركة في الشؤون السياسية والعامة أيضاً، نظراً للدور الحاسم الذي تضطلع به وسائل الإعلام في تعريف المواطنين بحقوقهم. وقد يسهم التصويت الإلكتروني، شرط أن يكون مُيَسَّراً وأن يضمن سرية الاقتراع، في تحطيم الحواجز التي تعوق المشاركة السياسية، لا سيما للأشخاص ذوي الإعاقة، وفي زيادة نسبة إقبال الناخبين. ففي إستونيا مثلاً، يمكن لجميع الناخبين الإدلاء بأصواتهم إلكترونياً في أي انتخابات من بيوتهم أو من موقع آخر في أي مكان في العالم. ويقدّم موقع التصويت الإلكتروني الدعم للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية أيضاً.
15
الاحادية القطبية الفرص والتحديات أمام الصين د.ماجد احمد الزاملي أنّ التجربة الاقتصادية في الصين قطعت أشواطاً مهمة من النجاح والتحدي عن طريق نموذج تنموي صنع الاستثناء عن طريق الفصل بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي، والاعتماد على الذات واستثمار رأس المال البشري، وتحوّ لت الصين في ظروف أقل من أربعة عقود إلى أهم مركز للجاذبية الاقتصادية في العالم، ومن أهم الأقطاب في شرق آسيا والعالم كلّه، فتاريخ الصين العريض يلقي بضلاله الطويلة على حاضرها، والازدهار الاقتصادي والعلمي الذي تشهده الصين إنما هو عميق في التقاليد والقيم للفرد الصيني. الصين تسعى إلى التغيير في النظام الدولي القائم على الهيمنة والانفراد الأمريكي بالشؤون الدولية، فالصين مازالت تتمسّك بمباديء نظام وستفاليا بالرغم من أنها لم تساهم في تأسيسه أو أحد أقطابه في تلك المرحلة. وعليه الصين تؤكد على محورية الدولة الوطنية في العلاقات الدولية ,ولا تتوانى الصين في استعمال القوة العسكرية بأمنها القومي خاصة إن تعلّق الأمر بقضية تايوان، كما أنّ نظراتها إلى حقوق الإنسان تقوم على أسبقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على السياسية والمدنية. صعود الصين إلى تفاعلات السياسة الدولية كان واحداً من أهم الأحداث في فترة الحرب الباردة، وكان المراقبون وصنّاع القرار يراقبون وضع عملاق الشرق، والبعض أكّد أنّ تقدّ م الصين يمكن السيطرة على مفاتيحه ,والبعض من تشائم، ويرون أنه يشكل تهديدا عسكريا وإيديولوجيا واقتصاديا. كما تتطلّع الدول والشركات العملاقة للارتباط بالاقتصاد الصيني لخصوصية السوق الصينية و ميزتها التنافسية. بيد أنّ الصين باتت من أهم اللاعبين الدوليين خاصة أنها ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة ألأمريكية وتشير الكثير من الدراسات المستقبلية أنه بحلول 2025 يتعادل مع الاقتصاد الأمريكي وسيتفوّق عليه بحلول 2050 .أنَّ الصين تعتّزُ بنفسها كقوة كبرى غير استعمارية تدافع عن حقوق المحرومين، أو من يطلق عليهم الذين لا يملكون سنداً في النظام الدولي، والملاحظ أنّ اقتراب بكين الخاص بآليات لتحقيق الامن الإقليمي تم تحديده من خلال ثلاثة أهداف رئيسية تبتغي الصين الوصول إليها من خلال دبلوماسيتها المتعلقة بالأمن الإقليمي ،أولها القضاء على التوترات الناشئة في المناخ الإقليمي الخارجي من أجل التركيز بصورة أفضل على التغيرات الداخلية، وثانيها طمأنة دول الجوار بشأن الصعود الصيني ونتائجه، وثالثا: محاولة إحداث نوع من توازن القوى الحذر مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق مصالح الصين الأمنية ، ما يعني أنّ العقيدة هي توازن القوى من أجل تحقيق مصالح الصين الأمنية تقوم على أبعاد إقليمية لضمان استقرار البيئة المحاذية وليست عقيدة ذات أبعاد عالمية وعلى العكس من العقيدة الامنية الأمريكية.ويمكن العودة في هذا السياق إلى الثقافة الصينية وتعاليم الفلاسفة الصينيين وعلى رأسهم "كونفوشيوس" والتي تؤكد أفكار السلام والاستقرار، ونبذ فكرة الاعتداء بالإضافة إلى تجربة بناء سور الصين العظيم. و في ظل التخوف الأمريكي خاصة في ظل تنامي القدرات العسكرية الصينية والتشكيك في سلمية الصعود الصيني خاصة مع الحساسية العسكرية حيث قررت الصين رفع شفافية الشؤون العسكرية بصورة متزايدة تعزيزاً للثقة العسكرية المتبادلة في مختلف بلدان العالم. والصين تسعى إلى إرساء قواعد دولية في إطار هيئة الأمم المتحدة على أساس السلم والأمن الدوليين وحماية مصالح الدول النامية، وأن السلوك الخارجي الصيني لا يتنافى ومعايير الشرعية الدولية وبنود القانون الدولي، كما أنّ الصين تبنّت برنامج تحديث اقتصادي بالاعتماد على الذات و تعزيز العلاقات مع دول الجوار دون إثارة النزاعات أو المساس بالسلم والأمن الدوليين، ومن المعلوم أنّ الصين دخلت هيئة الأمم المتحدة عام 1971 لتحل محل تايوان من نفس السنة، وقد سعت في المراحل الأولى لمساندة حركات التحرر والتصويت لصالحها، غير أنّ تأثير ذلك كان محصورا في الأمم المتحدة. وعلى صعيد الأمم المتحدة يبدو أن الصين عازمة على أن تحقق دورا أكثر فاعلية في المجتمع الدولي وخاصة من خلال تفعيل دورها في مجلس الأمن والحد من الهيمنة الدولية، هذا فضلاً عن أن الصين لديها قوة سياسية تتمثل في كونها أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، فهذه العضوية تمكنها من استخدام حق النقض "الفيتو" ضد القرارات التي لا تلائم مصلحتها، والتي تعرقل صعودها إلى قيادة النظام العالمي. وبالنظر للوزن الاقتصادي للصين انعكس مباشرة على خريطة التحالفات والشرا كات في المنطقة والتي افضت في الاخير الى دور امريكي متزايد و تعاون اسيوي-اسيوي اقترن بالجانب الاقتصادي لاغير وهو الامر الذي يجعل المنطقة الاسيوية بعيدة عن واقع التجربة الاوربية وتدور في حلبة شرا كات بدون تحالفات. لكن رغم ذلك يبدو ان المرحلة القادمة لن تبقى في نمط الاحادية القطبية بالرغم من الامكانيات الامريكية ومن المرجح ان تتجه نحو نظام الكتل او حالة اللاقطبية كانعكاس لحالة التقارب في القوة بين القو ى الصاعدة والقوى الكبرى. أنَّ ما تعنيه عبارة "التعايش السلمي" للولايات المتحدة هو بقاء وضمان الهيمنة الأمريكية، والاستمرار في تعزيز الانفصال عن الصين وعزلها، وقطع الإمدادات، ورفع الضرائب، وزيادة الاحتواء العسكري ضد الصين، وإغراء دول ومناطق أخرى لمواجهة الصين. وفي محاولة لاحتواء الصين أو على الأقل تقييد حركتها، عززت الولايات المتحدة تحالفاتها مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين، وشكلت تحالفا من الدول المجاورة للصين، وزادت التعاون الدفاعي مع الهند وأستراليا واليابان. أن الأمور الاقتصادية والسياسية الأساسية في آسيا لم يَعد يتم تداولها خلال لقاءات القمم السياسة فقط الصين واليابان وكوريا الجنوبية وبلدان جنوب شرق آسيا. أنَّ من السهل نسيان الهيئات الدولية الكبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أسستها مجموعة صغيرة من الدول بقيادة الولايات المتحدة. هذه المنظمات الاقتصادية تتمتع بنفوذ عالمي، لكن ذاك العالم كان يخضع لهيمنة القوة العظمى الأمريكية وسياساتها كانت مشبَّعة بالقيم الأمريكية. عندما كانت بكين لاعباً صغيراً، لم يكن قادتها راضين دائما عن الهيكلية، لكنهم تعايشوا معها، لدرجة أنهم واجهوا حتى معارضة شعبية شديدة لانضمامهم إلى منظمة التجارة الدولية. وتشکل التعددية القطبية أساسًا هامًا لتحقيق سلام دائم في العالم حيث أنها ستؤدي إلى بناء نظام سياسي واقتصادي عادل وستضع إطار عمل سياسي دولي مستقر نسبيًا وتعزيز التبادلات والتعاون، إذ يجب أن تکون الدول جميعًا أعضاء متساوون في المجتمع الدولي دون الهيمنة مع اتباع نموذج للتنمية المشترکة في إطار من الثقة المتبادلة والمساواة والجوار ومحاولة تسوية المنازعات من خلال السبل السلمية والحوار، وهو النهج الذي تمسکت به الصين. وبذلك، رفضت السياسة الخارجية الصينية فکرة الأحادية القطبية، داعية إلى بناء نسق دولي جديد يحقق مصالح جميع الدول ولا يسمح بانفراد دولة بقيادة العالم حيث ترى الصين أن التعددية القطبية تمثل قاعدة مهمة للسلام العالمي، وأن إضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية ضمان أساسي لهذا السلام، ولابد أن تستفيد کافة الأمم على قدم المساواة من الآثار الجانبية للعولمة بأبعادها المختلفة خاصة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين.وعلى مدى عقود عرّفت الولايات المتحدة وحلفاؤها السياسة بتحديد من هو العدو، فمع صعود الولايات المتحدة التي ورثت الإمبراطوريات الأوروبية السابقة عُرّف الاتحاد السوفييتي كعدو، وبعد انهياره حلّت مكانه مجموعة متنوعة من التهديدات الصغيرة تحت مسمى "الإرهاب الإسلامي"، حيث شنت الولايات المتحدة حملات وحروباً طالت أكثر من خمسين دولة، وغزت أفغانستان والعراق، وفي هذه الأثناء كانت الصين تتقدم بثبات وترسِّخ من مكانتها الإقليمية والدولية. وعلى خطا الولايات المتحدة، لعبت الصين في السنوات الأخيرة دورًا رائدًا في إنشاء مؤسسات مالية دولية تحت قيادتها، کإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وهو بنك تنمية متعدد الأطراف يهدف إلى دعم تطوير البنية التحتية في منطقة آسيا والمحيط الهاديء منذ أن اقترحه الرئيس "شي جين بينغ" في عام 2013، ثم بدأ عمله رسميًا في الأول من يناير 2016، وکذلك ساهمت الصين في إنشاء بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة البريکس ، في منتصف عام 2014، من قبل دول البريکس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)؛ لتمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة داخل البريکس ، الذي تم اقتراحه من قبل الهند عام 2012، وتم الإعلان عن إنشاءه في قمة البريکس في البرازيل في يوليو 2014 في الذکرى السبعين لمؤتمر بريتون وودز في عام 1944، والذي تم تفسيره على أنه تحدٍ لنظام بريتون وودز، بجانب تأسيس صندوق الاحتياطي الطاريء للبريکس وبنك تنمية منظمة شنغهاي للتعاون الذي لا يزال قيد المناقشة ، وصندوق طريق الحرير، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهم يمثلون جميعًا ثقلًا موازنًا إقليميًا للکيانات التي يقودها الغرب مثل صندوق النقد الدولي, والبنك الدولي ومؤخرًا البنك المرکزي الأوروبي (IMF) الذي هيمن على النظام المالي العالمي منذ إدخال نظام بريتون وودز بعد الحرب العالمية الثانية، ويمکن القول إن الصين هي الدولة الثالثة فقط في التاريخ، بعد بريطانيا والولايات المتحدة التي لديها القدرة على تشکيل وقيادة نظام عالمي للمال والتجارة . وقد بدأت الحرب التجارية تلقي بظلالها على تعافي الاقتصاد العالمي، وقد خفَّضت منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي مؤخرا من توقعاتهما حيال نمو الاقتصاد العالمي ، وذلك بفعل الاحتكاكات التجارية بين الصين وأمريكا، وقد تراجعت أسعار الأسهم للعديد من شركات التكنولوجيا العالية في أوروبا بعد إعلان الجانب الأمريكي منع تصدير التكنولوجياالأمريكية إلى شركة هواوي الصينية، وفي الوقت نفسه عبَّر العديد من المحللين الاقتصاديين الأفارقة عن قلقهم حيال تداعيات هذه الحرب على تباطؤ وتيرة تعافي الاقتصاد العالمي، مما سيؤثر سلبيا على الصادرات الإفريقية من المواد الخام، واستقرار أسعار صرف العملات المحلية لهذه الدول ؛ لذا فإن مصلحة البلدين تكمن في تعزيز تعاونهما أما مواصلة تأجيج الصراع فلا تؤدي إلا إلى إلحاق الضرر بمصالح البلدين. وتعد مبادرة الحزام وطريق الحرير أحد مظاهر التنافس الأمريکي الصيني، ويتمثل رد الفعل الأمريکي في استراتيجية المحيط الهاديء، کما أن الولايات المتحدة أعلنت صراحةً أنها لن تسمح بقيام إمبراطورية صينية في بحر الصين الجنوبي، وهو ما يعد شکلاً من أشکال التنافس حاليا، وقد يمتد هذا التنافس في المستقل القريب لقيادة النسق الدولي. وفي الوقت نفسه، تعيد مبادرة الحزام والطريق هيکلة سلاسل القيمة العالمية حيث تؤدي ممرات النقل والطاقة الجديدة إلى الصين، والتي يتم تمويلها من خلال الأدوات المالية الدولية بقيادة الصين، وقد تنظر الولايات المتحدة إلى نماذج اتصال بديلة، والتي يمکن أن تتنافس مع الحزام والطريق، وقد تظهر تحديات أخرى إذا شارکت الصين بشکل أکبر في مبادرات التنمية الدولية مثل قضايا العمل والاهتمامات البيئية، وتواجه المبادرة اتهامات دولية عديدة بأنها تعد شکلاً من أشکال سلطة الاستعمار بشکل جديد، وسط تشبيه بأنها بمثابة خطة مارشال الصينية. الصين لا تريد حربا تجارية مع أمريكا، فبعد اربعين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تضاعف حجم المبادلات التجارة الثنائية أكثر من 300 مرة، وقد شهد البلدين اندماجا اقتصاديا عميقا، و ترابطا تجاريا وثيقا، وهوماعاد عليهما وعلى الشعبين بمصالح جمّة ملموسة. وهذا الارتباط الاقتصادي والتجاري المتداخل يجعل من نشوب نزاعات تجارية بين الجانبين أمرا طبيعياً، كما يجعل من السعي إلى تقليص النزاعات، وحل المشاكل، وتوسيع المصالح المشتركة على أساس الاحترام المتبادل والمساواة والمنفعة المتبادلة، والوفاء بالتعهدات، والحفاظ على علاقات التعاون الاقتصادي التجاري الثنائي، والحفاظ على نمو مستقر للاقتصاد العالمي مهمة البلدين، وتحقيقًا لهذه الغاية أظهرت الصين كامل صدقها وحرصها فقد أرسلت وفودًا رفيعة المستوى وأجرت عدداً من الجولات المتتالية من المفاوضات الاقتصادية والتجارية مع أميركا. والمرحلة الراهنة تشمل حضورا صينيا قويا بالإضافة إلى باقي الدول الصاعدة، وتحاول الصين احتواء كل عناصر القوة الشاملة بالرغم من أوجه القصور التي تشوب العامل التكنولوجي والعسكر ي، إلا أنّ الصين لها من مقومات القطبية ما يجعلها قوة فاعلة في مجريات العلاقات الدولية وموازين القوى و حتى هرمية النظام الدولي، ويكفي أن نرى أنّ الخطابات السياسية الأمريكية لا تخلو من الحديث عن حجم التحدي الصيني على المكانة الدولية والامتداد الجيوإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية فضلا عن المصالح الأمريكية المنتشرة في كل مكان: آسيا، المحيط الهادي، إفريقيا والشرق الأوسط والتي حديقتها الخلفية أمريكا الجنوبية، والتي باتت الصين من أشدّ المنافسين لها في هذه المناطق. ومن ناحية أخرى عمدت الصين إلى تطوير قدراتها العسكر ية، ففي المرحلة الراهنة قامت الصين بتطوير صواريخها الباليستسة ونوعية وتقنية غواصاتها البحرية، كما نجحت في احتلال نظم تسلّحية وتكنولوجيا متقدمة في مجال الدفاع الجوي فضلا عن قوتها النووية وتعاونها المطرد مع روسيا في المجال العسكري.
16
السياسة الاقتصادية لمجموعة بريكس الدولية د.ماجد احمد الزاملي جاءت سلسلة الأحداث بعد أن عصفت الأزمة المالية الحادة بالاقتصاد الأمريكي ، والاقتصاديات الأخرى المرتبطة به، وازدياد قوة بعض الفاعلين الأساسيين في النظام الدولي، وخاصةً التكتلات الاقتصادية الدولية،لذلك فرضَت إعادة طرح العديد من التحاليل ذات الصلة بطبيعة النظام الدولي الراهن، وما يمكن أن ينحو إليه ,ولا يخفى على أي مراقب مدى تأثير بعض القوى الصاعدة وبعض التكتلات الاقتصادية الدولية الجديدة على مستقبل النظام الدولي والأطراف الفاعلة فيه، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذي يرى فيه العديد من المراقبين بداية نهاية الإمبراطورية الأميركية التي وصلت إلى ذروة المناعة والسيطرة مع انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة. وللمتغير الاقتصادي دور في تغيير مسارات ومستقبل العلاقات الدولية، ويبرز أهمية هذا المتغير من خلال الدور الكبير الذي لعبته الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة ثم انتشرت لتمس كل دول العالم ، في تغيير خارطة توزيع القوى على المستوى العالمي. وكان للأزمة المالية التي حصلت عام 2008 نقطة مفصلية في تراجع أو صعود اقتصاديات الدول العظمى وبالتالي تزايد المكانة أو تراجعها لدى العديد من هذه الدول، ويظهر ذلك من خلال استقراء ومقارنة التداعيات الاقتصادية للأزمة العالمية على مستوى المؤشرات الاقتصادية لهذه الدول وتأثير ذلك على حركة صعود أو نزول مستويات النمو لاقتصاديات الدول التي تُمثِّل أقوى الاقتصاديات ,الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها القوة العالمية الأولى ، الصين باعتبارها القوة الاقتصادية الثانية على مستوى العالم ، ثم الإتحاد الأوروبي باعتباره مرشحاً قوياً لخلافة أمريكا وهيمنتها على العالم. عدم قدرة الولايات المتحدة بمفردها على تحمل تكلفة دور القيادة العالمية، فمع أنها مازالت القوة العسكرية الأولى في العالم دون منازع، فإن إمكاناتها الاقتصادية تتقلص بشكل نسبي مما دفعها ابتداءً من حرب تحرير الكويت في 1991م، إلى طلب مشاركة حلفائها في أوروبا والخليج في “تحمل الأعباء”، وأصبح ذلك نمطاً متكرراً في السياسة الأمريكية. والولايات المتحدة، فلم يظهر إلى الوجود نظام اقتصادي أقوى من هذا الذي تنتهجه طبيعة القوة الأمريكية معقدة ولها عدّة أبعاد. فهي مزيج من القوى الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية بالإضافة إلى سلطة جهاز إعلامي مؤثر جداً وشبكة مصالح مع الدول الصناعية الكبرى. إن أكثر التكتلات الاقتصادية التي تُصنَّف ضمن موجة الإقليمية الجديدة سارت على نهج واحد لتحقيق التكامل الاقتصادي، حيث بدأت من تحرير التجارة ثم توحيد التعريفات الجمركية، وحرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال، وتنسيق السياسات الاقتصادية الكلية، وصولًا إلى توحيد هذه السياسات وايجاد سلطة إقليمية عليا وعملة موحدة، لكن بريكس على الرغم من اعتمادها المدخل الاقتصادي لتعاونها، إلا أنها لم تتبع هذا الطريق المتسلسل، بل عززت التجارة البينية والاستثمار فيما بينها، وأقامت مشاريع مشتركة في حقول عدة ودعمت تعاونها على مختلف الأصعدة بآلياتها الخاصة. إن ظهور بريكس يعبِّر عن عملية تحول سلمي عميق وتدريجي من نظام "بريتون وودز"، الذي اتسم بدرجة كبيرة من المركزية والتحيز لمصالح الدول الصناعية الغربية التي ظهرت عقب الحرب العالمية الثانية، إلى نظام يتسم بدرجة أكبر من التعقيد والتعددية، ونشر عملية صنع القرار، ودرجة أكبر من التعبير والتمثيل لمصالح القوى الصاعدة والناشئة. كل ذلك بدون أية مواجهات عنيفة داخل النظام العالمي. لذلك نلاحظ أ َّن أُولى الخصائص لأي نظام دولي تتمثل في أن رابطة قوى (أي مجموعة قوى دولية) كل واحدة منها على درجة كافية من القوة تمّكن (رابطة قوى) بحكم عامل إنتظام به ، على الأقل، من الاستمرار في الوجود، وهو أيضاً الانتظام فيه, انتظامه بتحقيق توازن قواها القطبية التي تقود الرابطة. إن الطبيعة الدولية والقانونية لمجموعة البريكس أنها رابطة تكاملية جديدة تجعل من الممكن من نواحٍ كثيرة التنبؤ بتطورها في المستقبل. ولأن الترابط الاقتصادي بين الدول هو مدخل من مداخل تحقيق التعاون السياسي ، فمن هنا بدأت دول "بريكس" بتشكيل مجموعة من المؤسسات والأنظمة ، فأنشأت بنكاً جديداً موقعه شنغهاي الصّينيّة سمّي " بنك التّنمية الجديد " وصندوقاً أُطلِق عليه " صندوق بريكس"، ليكونا بديلين للبنك الدّوليّ وصندوق النقد الدّولي ، وتم إنشاؤهما لدعم النّموّ والتّنمية على المستوى الدولي ، ما يُمثّل الخطوة الأولى في مخطّطها لخلق نّظام عالمي جديد، ولعل الهدف غير المعلَن يتمثّل في إنشاء مؤسّسات دوليّة رديفة للمؤسّسات الاقتصاديّة الدّوليّة الحالية ، أي : البنك الدّولي وصندوق النّقد الدّولي ، لتحرير العالم من قيودهما وتأثيراتهما ، ومن المعلوم أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة تتحكم في رسم سياستهما العامة بما يخدم مصالحها . في حزيران عام 2009 كانت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لمجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين) في مدينة يكاترينبورغ في روسيا، تمخَّض الاجتماع عن الإعلان عن تأسيس "نظام عالمي ثنائي القطبية"، يدعو إلى تمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة الرئيسية على المسرح العالمي، ويقف ضد "هيمنة غير متكافئة للقوى الغربية على العالم". وأكدت القمة على أن العالم ليس كله أميركا أو أوروبا التي فرضت عقوبات قاسية على الاقتصاد الروسي، خصيصاً أن كلاً من قادة البريكس تجنبوا إدانة روسيا صراحة. فيما اتخذت بكين موقفاً قوياً تجاه روسيا. أن العديد من الدول الناشئة قد تكون مهتمة بالانضمام إلى هذا النادي، خصوصاً تلك التي كان لها موقف مغاير للموقف الأمريكي من روسيا. في قمة مجموعة البريكس السادسة التي عُقِدَتْ في مدينة فورتاليزا البرازيلية في يوليو/تموز 2014، أعلنت البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا رسمياً عن إنشاء بنك للتنمية الجديدة وصندوق ترتيب احتياطي للوحدات. وصورت الوثائق الرسمية المبادرتين على أنهما تُكملان المؤسسات المالية والاقتصادية القائمة. بيد أنها ستعزز، في الأجل القصير من الاستقلال الذاتي للبلدان النامية فيما يتعلق بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وقد تُمثِّل على المدى الطويل التوصل إلى واقع ملموس لمجموعة جديدة من المباديء التي ستوجِّه العلاقات الاقتصادية بين الدول في القرن الحادي والعشرين. وساهمت ثلاث قمم واجتماعات لوزراء الخارجية والمالية والزراعة والصحة وقطاعات أخرى في تعزيز أواصر التعاون بين دول بريكس. ولعل برامجها للتنمية ومحاربة الفقر تحتل مرتبة أعلى باهتمامات أعضاء بريكس منها في الدول الغربية. وآلية بريكس هي إطار متعدد الأطراف للتعاون العملي ملتزم بمواكبة اتجاه العصر. منذ بداية القرن الحادي والعشرين ، يشهد اتجاه التعددية القطبية والعولمة الاقتصادية تغيرًا جذريًا. تلعب الأسواق الناشئة والبلدان النامية الآن دورًا متزايد الأهمية في الشؤون الدولية ، حيث أصبحت قوة رئيسية في تغييرات النظام الدولي ، وتطور المشهد الدولي. في هذا السياق ، ولدت آلية البريكس. في عام ٢٠٠٦ ، اجتمع وزراء خارجية الصين وروسيا والبرازيل والهند لأول مرة ، لتبدأ التعاون الأصلي لمجموعة بريكس. عندما انضمت جنوب إفريقيا رسميًا إلى المجموعة مما جعلها بريكس ، عقد قادة خمس دول بريكس أول اجتماع غير رسمي على الإطلاق قبل قمة مجموعة العشرين في كان ، فرنسا في عام ٢٠١١ حتي الآن ، عقد قادة دول البريكس 14 قمة وتسعة اجتماعات غير رسمية. ووقعت حكومات دول بريكس أيضًا على اتفاقية حول التعاون في الحقل الثقافي، والتي تُشجِّع وتُنظم التعاون الثقافي بين دول بريكس، كتدريب محترفي الفن وممارسي التراث الثقافي، وتسهيل تبادل العاملين في المجال العلمي والبحثي والطلاب والخبراء، وتبادل معلومات حول النشاطات الثقافية التي تحدث في كل بلد، والحفاظ على حقوق الملكية الفكرية وغيرها من أوجه التعاون. وهناك بُعد سياسي من هذا التحالف يتعلق بفكرة تكوين نموذج اقتصادي جديد متعدد الأقطاب بعيدًا عن هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد يكون بداخله بعض النواحي السياسية، لا سيما في ظل وجود روسيا والصين، في محاولة تكوين استراتيجية اقتصادية جديدة تتعدد فيها الأقطاب بدلاً من القطب الواحد.حيث ان العالم يعيش الآن مرحلة التكتلات بين الدول التي تجمعها المصالح المشتركة والقوية والمؤثرة في محيطها الإقليمي، والولايات المتحدة الأمريكية شريكة في العديد من التكتلات مع دول بعيدة عن جغرافيتها مثل إنجلترا وأستراليا واليابان، وكذلك الهند، وهو الأمر الذي دفع الصين للتفكير في خلق تكتلات اقتصادية وسياسية لها دور كبير على الساحة الدولية. فيما يتعلق بالتبادلات الثقافية والشعبية ، عززت دول البريكس الحوار والتعاون فيما يتعلق بحوكمة الدولة ، والأحزاب السياسية ، ومراكز الفكر ، والثقافة ، والتعليم ، والمرأة والشباب. وقد عملت مجموعة متنوعة من الاتحادات التي شكلتها دول البريكس ، بما في ذلك مجلس أعمال البريكس ، ومجلس بريكس للمفكرين ، ورابطة جامعات بريكس ، وتحالف تعاون بريكس للتعليم والتدريب التقني والمهني ، وتحالف بريكس سيدات الأعمال ، كمنصات حوار رئيسية للتبادلات عبر القطاعات وإجماع أقوى بشأن التعاون بين دول البريكس. وقد ضاعف من أهمية الصعود الاقتصادي للبريكس أن ارتبط به إدراك دول المجموعة لأهمية دورها في إصلاح النظام الاقتصادي العالمي وتوسيع عملية صنع القرار داخل هذا النظام، الأمر الذي دفعها إلى محاولة تمثيل أكبر عدد ممكن من الاقتصادات الناشئة والمهمة، وهو ما انعكس في اتجاهها إلى استحداث صيغة تضمن تحقيق هذا الهدف، والتي دشنتها القمة الأخيرة للمجموعة تحت مسمى (بريكس بلس), والتي دعُيت في إطاره كل من مصر، والمكسيك، وطاجكستان، وتايلاند وكينيا. وتأتي أهمية هذه الصيغة أنها تمثِّل، من ناحية، إحدى الصيغ المهمة التي تمت تجربتها داخل عدد من المجموعات والترتيبات الإقليمية، مثل (الآسيان بلس)، والتي حققت نجاحًا ملحوظًا كما تمثل، من ناحية أخرى، صيغة لاستيعاب الدول المهمة، والاقتصادات الواعدة، التي لم تنضم بعد إلى فئة الاقتصادات الصاعدة. إن مشاركة مجموعة البريكس في مناقشة أهم قضايا التنمية التكاملية تخلق أساساً قانونياً أكثر موثوقية لمنع المخاطر القائمة وتجعل من الممكن تنفيذ المصالح الوطنية للبلدان ذات الاقتصادات النامية على نحو أكثر فعالية. وقد تمتلك دول مجموعة "البريكس" مقومات قوة تؤهلها لتشكيل قطب دولي فاعل وقادر على وضع قواعد لهذا النظام ، وبالمقابل لديها ما يكفي من عوامل الضعف التي قد تؤثر في عملها ، لاسيما علاقة بعض دولها الوطيدة مع الولايات المتحدة، ورغم هذا يرى مختصون أن عناصر القوة هذه ؛ بإمكانها التغلب على نقاط الاختلاف وعوامل الضعف للحد من هيمنة النظام الدولي الأحادي القطب. والتعاون الاقتصادي في إطار الرابطة عبر الإقليمية، أو الرابطة المرنة هو إحدى أولويات السياسات الوطنية لبلدان مجموعة البريكس المرتبطة بالتغلب على آثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والمتوازن والقدرة التنافسية في التنمية العالمية. وعلى الرغم من تحقيق الشراكة الاقتصادية، فإن العوامل المقيدة للمجموعة هي النزاعات والخلافات القائمة بين بعض تلك الدول كالهند والصين، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في دولة مثل البرازيل ولعل هذا برز جلياً إبان الجائحة العالمية. أيضًا الاختلافات في النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية لبلدان مجموعة البريكس قد تبدو حجر عثرة، إلا انه يمكن القول إنها لا تمثل تهديدًا للمجموعة، بل إنها تميزه عن تكتلات الغرب التي هي ذات طابع ديمُقراطي. أيضًا، قد يعوق عدم تجانس الأولويات الاستراتيجية للسياسات الاقتصادية للبلدان اكتمال تكوين هذه المجموعة. وبالتالي، فإن اتجاهات التنمية وآفاقها التي يحددها الأساس المؤسسي والقانوني للتفاعل تعتمد إلى حد كبير على مدى قوة وتنوع الشراكة الاقتصادية داخل مجموعة البريكس. ونُشير إلى المصالح المشتركة في مجال التجارة، والتكامل بين عدة صناعات، وانعدام المنافسة المباشرة، بوصفها العوامل الإيجابية التي تسهم في تعزيز وتوسيع التعاون التجاري والاقتصادي. والرئيس بوتين وجَدَ أن نظام الأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة قد انتهى. وتسعى روسيا والصين وحلفاؤهما للعب دور رئيس فيه. أي أن العالم أمام نظام عالمي جديد يتشكل بتحالفات اقتصادية ومالية، ومنها دول "بريكس". في المقابل تسعى الولايات المتحدة لتعزيز هيمنتها عبر تشكيل تحالفات عسكرية واقتصادية مثل "اوكواس" وأيضا محاولة إدماج إسرائيل ضمن دول المنطقة العربية من خلال تعزيز مشروع التطبيع وانشاء "حلف شرق أوسطي" رحبت به بعض دول المنطقة لتأسيسه، فضلا عن توظيف أوراق القوة، واستمرار خرق المواثيق والمعاهدات الدولية بلا رادع أوعقاب، وتدخلاتها في شؤون الدول، وشن الحروب كما فعلت في حروبها ضد أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن وإيران وغيرها، وهو ما تعتبره الإدارة الأمريكية بالحروب الاستباقية حسب وصف إدارة بوش الابن. ولم يُشِر تجمع بريكس في أي من نصوصه الرسمية أن هذا التجمع هو لمناهضة الولايات المتحدة الاميركية أو الدخول في تحدٍ معها، بل كانت التصريحات الرسمية تؤكد العكس وأن بريكس هو تجمع اقتصادي بحت وليس في مواجهة أحد، لكن في إطار الترابط بين السياسة والاقتصاد واستحالة الفصل المطلق بينهما، لا يو جد تكتل اقتصادي دون أبعاد سياسية، فالقوة الاقتصادية هي أحد أهم عناصر القوة الشاملة للدولة ولا بد أن تنعكس في نفوذ سياسي متزايد، لكن هذه الأبعاد السياسية قد تكون بارزة أو مستترة يتأخر تمييزها وتبلورها، وهذا بالطبع ينطبق على بريكس التي تحمل مضمون سياسي قبل كل شيء، وذلك ما أعلنه صراحة " سيرغي لافروف " وزير الخارجية الروسي قائلاً "بأن بريكس تجمع جيوسياسي قبل كل شيء فالتجمع يسعى إلى إنهاء تفرد الواليات المتحدة الأمريكية في تسيير النظام العالمي القائم ومؤسساته وفق مصالحها الخاصة، وتعظيم الوزن التفاوضي للتجمع بحيث تؤخذ مصالح دوله بالحسبان عند التسويات الدولية والمشاركة في هذه التسويات، فضلًا عن كسر الإحتكار الغربي عموماً للقرار الدولي"، وسعي الصين لضم جنوب إفريقيا دون سواها يقدم دليلًا إضافياً يدعم هذه الفكرة.
17
النخبة السياسية وقيم المواطنة في العراق د. ماجد احمد الزاملي ان النخبة التي حكمت العراق المعاصر لمدة اربعة عقود تقريباً عن طريق الانقلابات العسكرية العنيفة الدموية,مما جعلهم يؤمنون بمبدأ القوة والدكتاتورية ، والمنافسة على أساس القوة ثم سوء الظن وعلى هذا الأساس إعترى العلاقة الداخلية بين النخب أنفسهم علاقة عدم الثقة والشكوك ، والعلاقة بين هذه النخبة والمجتمع أيضاً علاقة دكتاتورية تفرض القوة لأي مبرر لاستمرار هذه النخبة ,والتي خلقت سياسة التبعية لها من قبل الجمهور بالقوة مما أدى إلى عدم الانسجام بين النخبة والمجتمع, إضافة الى الولاءات والانتماءات القبلية هي التي تجعل النسق السياسي في العراق نسقًا انقساميًا، وإن كانت هذه الانقسامية تقوى وتضعف أمام قوة الانتماء الفكري والسياسي أو ضعفه، ووجود عصبيات أقوى وأكثر فاعلية من عصبية قربى الدم. أن الأنظمة السياسية العراقية طيلة العقود الماضية في أغلبها أمّا قائمة على أساس الحزب الواحد، أو العائلة الواحدة، او أبناء جهة واحدة. ومن هؤلاء وهؤلاء تتكون الأجهزة القيادية والرئاسية. وعلى رأس هذه الأجهزة مجموعة من الأشخاص يرتبطون بتلك الانظمة السياسية بصلات قربى كثيرة. ويعاني مجتمعنا اليوم من تناقضات وصراعات جعلته يعيش فراغاً أمنيا وثقافياً واضحاً اخترق وتسرَّب إلى جميع مناحي الحياة مما أدى إلى انهيار الامن الداخلي والثقافي لأفراده اذ إن سلامة المجتمع وقوة بنيانه ومدى تقدمه وازدهاره وتماسكه مرتبط بسلامة وقوة تماسك وولاء افراده للعشيرة التي ينتمي لها، اذ ان الفرد داخل المجتمع هو صانع المستقبل وهو المحور والمركز والهدف والغاية المنشودة، أما ما حوَّلَ هذا الفرد من إنجازات وتخطيط ليست أكثر من تقدير لمدى فعالية هذا الفرد، ولهذا فإن المجتمع الواعي هو الذي يضع نصب عينه قبل اهتماماته بالإنجازات والمشاريع المادية الفرد كأساس لازدهاره وتقدمه الاجتماعي، وحتى يكون هذا الفرد عضواً بارزاً في تحقيق التقدم الاجتماعي لا بد من الاهتمام بتنشئته الاجتماعية. وتنطوي الطائفية السياسية على اضفاء طابع مؤسسي على الانتماءات المجتمعية من خلال إعادة صياغة الأسس التي تُبنى عليها السياسات العامة للدولة، وذلك من أسس قائمة على مبدأ "المواطنة" إلى أخرى قائمة على "الانتماءات الأولية" للأفراد. أن نموذج السيادة الداخلية أو بناء السلطة داخل الدولة والدرجة التي يمارس بها هذا البناء الضبط والتحکم الداخلي فى ظل العولمة أصبحت تهدده تلك الجماعات خاصة فى المجتمعات الطائفية القائمة على المحاصصة السياسية، ناهيك عن التحديات الإقليمية والدولية فى النظام العالمى الراهن. أن عملية التحديث تُطال في تأثيرها مختلف جوانب المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. والتحديث في علم اجتماع التنمية يعني حسب اغلب المنظرين لهذا العلم نقل للنموذج الغربي ,واعتبار الديمقراطية بمفهومها الواسع، خاصية رئيسية للمجتمع الحديث في المجال السياسي. أن التنمية السياسية من المواضيع الحديثة التي إستنبطها العلم السياسي في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ ودخل في الإستخدام الأكاديمي , وخاصة في مراكز الأبحاث والدراسات السياسية التطبيقية، حيث وظَّف مفهوم التنمية السياسية من قبل الجامعات الاوروبية والاميركية تحت شعارات التطوير والتحديث السياسي وتم إجراء العديد من الدراسات بهذا القصد تحت إطار المشاريع التنموية والتحديثية، من أجل إستمرار تحقيق مصالحهم الإقتصادية والإستراتيجية ودفع الأنظمة السياسية للإقتراب الشكلي من النموذج الغربي؛ لأنه على حد زعمهم يُشكِّل النموذج الذي يحتذى به في العالم، والقائم أصلاً على الديمقراطية والليبرالية السياسية القائمة على التعددية السياسية، وحرية الفكر وإنتقال السلطة عبر صناديق الإقتراع ونظام البرلمان . إن التنمية الإقتصادية والإجتماعية هي في الغالب عملية غير متوازنة. فبعض المناطق وبعض الطبقات الإجتماعية والجماعات الأثنية أو الدينية/ أو المذهبية تكون مهيّأة أكثر من غيرها لإستثمار العملية التنموية والإفادة منها، وهي بالتالي أكثر إلحاحاً على المشاركة السياسية، أمّا لكونها قد سبقت غيرها في ميدان التعليم والنمو الإقتصادي والخدمات الإجتماعية فتكونت لديها الحاجة ,واما لديها التطلّع وتهيأت لإستثمار الفرص المتاحة أمامها نحو المشاركة السياسية، وأما بسبب عكسي تماماً، أي أنها قد تكون أكثر حرماناً وأكثر التصاقاً بهويّاتها الخاصة (مناطقية أو قبلية أو طائفية) وتجد في موضوعة التنمية السياسية مخرجاً لها من وضعها الثانوي، ومُعاملتها السيئة، وهي بالتالي تصرّ في المطالبة من أجل رفع مستواها الى مستوى الجماعات والمناطق الأ وفي المجال السياسي أيضا هناك من يرى أن عملية التحديث السياسي هي التحولات والتغييرات السياسية التي حدثت في أوروبا وبقية أنحاء العالم منذ النهضة الأوروبية. وهذه التغييرات يُشار لها كخصائص لعملية التحديث السياسي، وتشمل, تحقيق مزيد من المساواة وإعطاء فرص للمشاركة في صنع السياسة، وقدرة النظام السياسي على صياغة وتنفيذ السياسات، والتنوع والتخصص في الوظائف السياسية، وعلمانية العملية السياسية وفصلها عن الدين. وكانت النظرة إلى التنمية التي حدثت في الغرب، على أنها عملية ذات صفة عالمية يصلح تطبيقها أو نقلها إلى كل دول العالم الثالث. وكان التركيز والاهتمام في دراسات التنمية السياسية الأولى منصب أكثر على التعرف على الخصائص التي تميز المجتمعات المتقدمة وتطورها عن الخصائص التي تميز المجتمعات المتخلفة. كما جرى التركيز على المراحل التي تمر بها المجتمعات نحو التطور، والقوى والعوامل التي تُعجِّل من عملية التنمية . كما اعتبرت عملية التنمية والتحديث بأنها تمر بمراحل متعاقبة باتجاه واحد صاعد، وأن كل المجتمعات البشرية لا بد أن تسير في هذا الاتجاه الذي مرت به الدول الغربية. رغم الصعوبات التي واجهت الباحثين في مجال التنمية السياسية في تحديد مفهوم محدد وواضح، إلا أنهم حاولوا وضع بعض التعاريف التي قد تؤدي إلى تقريب الرؤى حول هذا المفهوم. وآليات التنمية السياسية هناك مجموعة من الآليات التي لابد من توفرها لضمان نجاح عملية التنمية في مجتمع معين وخاصة في دول العالم الثالث ومن أهمها, المعايير الاجتماعية عن طريق مختلف مؤسسات المجتمع، بما يساعده على التفاعل معه. ومنه فإن التنشئة السياسية تهتم بشخصية الفرد وتطويرها وصياغتها وفق نموذج معياري مسبق لتعميق القيم والتوجهات السياسية الشائعة المستقرة في المجتمع، كما تسعى إلى تنمية مدركات الفرد وتعزيز قدراته السياسية بحيث يستطيع التعبير عن ذاته من خلال سلوكيات ينتهجها في الحياة السياسية خاصة إذا كان النظام السياسي غير عقلاني وغير رشيد ومنه إمكانية خلق مجتمع مدني منَظَّم قادر على القيام بدوره الفعّال. وألانظمة السياسية التي تتمتع بنوعٍ كافٍ من الاستقرار السياسي، هي تلك الأنظمة التي تمكَّنت من بناء آليات ومؤسسات تتيح أكبر قدر ممكن من الحراك الاجتماعي وتداول القوة الاقتصادية والسياسية بين أفراد المجتمع، لذلك فإن الديمقراطية التي ينادي بها أي نظام سياسي لا تقاس من خلال عدد الأحزاب التي أجيز لها أن تمارس العمل السياسي، وإنما من خلال التداول السلمي والفعلي للسلطة بين الجميع، وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة، مما يترتب على ذلك من آثار على المستوى الواقعي بحيث تتاح المشاركة الشعبية، وتكافؤ الفرص لكافة أفراد المجتمع دون تمييز. وإذا كان يُنظر الى التنمية بمفهومها العام على أنها عملية شاملة ذات مضامين اقتصادية واجتماعية وسياسية، أي انها عملية لا تقبل التجزئة ، وأن أي تحوّل في أحدها يقود دون مناص الى تحوّل وتغيير في البقية. لكن التنمية السياسية كنشاط يقوم به المواطن العادي من أجل التأثير في صناعة القرار الحكومي، بقيت الغائب الأكبر لدى صانع القرار، ولدى الباحثين والكتاب، الأمر الذي أدى الى التشكيك في حتمية (شمولية) التنمية، بالنسبة لبعض الدول، خاصة الريعية منها، أي تلك الدول التي تعتمد على مصادر دخل غير (الضرائب) وتقوم بصرفها على التنمية. أن الكلام عن التعددية في الشارع العراقي يختلف عنه عند النخب ولاسيما السياسية, ولفهم سلوك هذه النخبة وتأثيرها على المجتمع لابد لنا من الرجوع إلى الخلفيات الثقافية والاجتماعية التي ترسِّبَت في الذهنية والتي تسيطر وتوجه هذه النخب بصورة شعورية أو لا شعورية ومن أبرز هذه الخلفيات هي المرجعيات ونعني بالمرجعيات, مجموعة العقائد والرموز الاجتماعية التي غُرِست في ذهنية الأشخاص بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق التنشئة الاجتماعية بصورة عامة فقد تكون هذه المرجعية ذات سمات دينية أو عشائرية أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية وانطلاقا من الموقف العلمي والعقلاني في التحليل، أي انطلاقاً من الظروف الاقتصادية والاجتماعية في التحليل، إن ظاهرة العشيرة والقبيلة في مجتمعنا العربي عموماً ومجتمعنا العراقي خصوصاً، هي من إحدى الظواهر الأساسية التي يتكون منها المجتمع، إن لم نقل إنها الظاهرة الأكثر حضوراً التي تُشكل البنية الاجتماعية والذهنية للمواطن العربي، فمجتمعنا ، ومعظم ما نراه من ممارسات في نطاق المجتمعات العربية يُشير ويؤكد على دور العشيرة في انتاجها ، بالرغم من التحولات الكبيرة التي تمت في بنية هذه المستويات كافة، والتي نجزم تماما أنها – أي التحولات – قد لامست في واقع أمرها الشكل أكثر من المضمون، فما حدث من تطوّر في بنية المجتمع، لم يتحقق بعد في جوهر هذا المجتمع ، أي لم يصل بعد أو يتسرب إلى سلوكيات الفرد والمجتمع، الأمر الذي خلق حالة من الانفصام ما بين شكل المجتمع، الذي يدل على التمدين والعمران، وبين جوهره الذي لم تزل تعيش فيه عقلية العادات والتقاليد الفاسدة . أنَّ الحكم الديمقراطي اليوم يقوم على مجالس نيابية وأعضاء مجلس النواب من نخب المجتمع المنتخبين، وبذلك يحق لشيوخ العشائر أن يكونوا من النخب طالما هم موجودون ومستشارون وطالما القبيلة مكوِّن من مكونات الدولة وممثل من الممثلين الشرعيين لهذا الشعب، فهم نخبة، اختارهم الناس، ليس فيها أي تناقض. هذه المرجعيات تسيطر على تفكير وسلوك الأفراد وتوجههم الوجهة المناسبة لها سواءً كان هذا الشخص ينتمي فعلياً لمرجعية معينة أو لا ينتمي ، فقد لا ينتمي الشخص لأية مرجعية حسب ظنه لكن بلا شعور هو منتمي لإحدى المرجعيات غير المرئية لذلك يكون السلوك مبطن بضغوط اجتماعية نفسية صعبة تجعل الفرد يسير بفعلها مما ينتج في كثير من الأحيان تناقض في شخصية الفرد لأنه يقول ما لا يفعل. فغالبية الشارع العراقي لا يعرف معنى التعددية ولا حتى يفكر أو تشغل نفسها فيها وإن حاول البعض الكلام فيها فقد يعني فيها التعددية السياسية حتى وإن قصد فيها هذا المجال فالكثير من المواطنين لا يدركون معنى هذه التعددية إلاّ القليل منهم وقد يكون المثقفون والمتعلمون تعليماً عالياً بالذات. فقد تفسر هذه المفاهيم تفسير مختلف فقد يفسرها البعض بالفدرالية وبعض آخر ينظر إليها بالانفصال وتقسيم العراق إلى دويلات وبعض آخر يعني بها نظم إدارية وغيرها. وبعد سقوط النظام عام 2003 كررت النخبة السياسية التي اعتلت سدة الحكم بكافة مشاربها وتوجهاتها الاثنية والفكرية الاخطاء التاريخية نفسها الملازمة للسياسي العراقي، فما يهم السياسي ليس نجاح الديمقراطية أو إخفاقها، بقدر اهتمامه بالبقاء في السلطة وعدم التخلي عنها تحت أي ظرف كان. لذا غالبا ما تصب القوانين والإجراءات الحكومية في مصلحة السياسيين، في الوقت الذي تقتضي الديمقراطية جعلها في مصلحة الشعب. كما أن تعطيل القوانين أو تجاوزها، وعدم تحمل استحقاقات نجاح الديمقراطية، ومحاولة توظيفها لمصلحة هذا الطرف أو ذاك هي مؤشرات تثبت الإخفاق الأخلاقي للسياسي العراقي في التعامل مع القضية الديمقراطية. لذا لم يستطع السياسيون في العراق ضرب قوة مثل أي شخصية سياسية لها كارزما. ولم يتجرأ أغلبهم على الاعتراف بفشله أمام الناس، ولم يقدِّم استقالته نتيجة تقصيره أو سوء أدائه، ولم تشرَّع القوانين المرتبطة بمصلحة الناس، ولم تستكمل المؤسسات الدستورية... فأغلبهم لم يكن يعنيه نجاح الديمقراطية في العراق، بقدر ما يعنيه مصالحه وامتيازاته ونفوذه. فتتحول الدولة من کونها إطارا مؤسسياً محايداً إلى دولة تميز فى تعاملتها مع أفراد المجتمع طبقاً لانتماءاتهم الدينية أو المذهبية أو الإثنية أو العرقية. وبهذا تتحول الطائفية إلى خطر حقيقى يهدد التجانس الاجتماعي وکيان الدولة، إذ تقترن الطائفية فى حالتها السياسية بضعف الاندماج الاجتماعي فى المجتمع بسبب قيام الجماعات ذات الانتماءات الطائفية المختلفة بإعلاء قيمة الهويات الفرعية أو الأولية، وهو ما يجعلها مع مرور الوقت غير قادرة على الاندماج فى هوية وطنية واحدة تحقق الانسجام والاستقرار والتعايش السلمي فيما بينها. ففى ظل الهيکلية السياسية الطائفية فإنه يتم شرعنتها دستورياً، وتمکينها وترسيخها سياسياً من خلال المحاصصة والنظم الانتخابية الطائفية، وبهذا المعنى تصبح الطائفية السياسية عامل أساسى لتفکيك وتهديد المجتمعات، وتمثِّل خطراً حقيقياً يهدد التجانس الاجتماعي وبناء الدولة أو بقائها. لذلك فإن ما يهمنا في هذا المقام هو سوء العلاقة المستمرة بين النخبة والجمهور والذي تنتجه دائماً الظروف السياسية والعسكرية والواقع الاجتماعي والثقافي المفروض قسراً على الشعب أكثر مما هو مفروض على النخب. مما يؤكد واقع حال الوحدة بالقوة دون تعددية لذلك يصعب فهم التعددية من قبل الشعب وحتى النخب لعدم وعيها بمضمون هذا المفهوم ولهذا نحن الآن بأمس الحاجة إلى وعي اجتماعي ثقافي يُنمّي هذه المفاهيم ( الوحدة والتعددية ). لذلك إن من يريد أن يصلح وضعاً سيئاً فلا ينشغل بتغيير الوضع نفسه وإنما يمضي في سبيل تغيير القوى والمؤثرات التي تكمن وراء هذا الوضع أو التي أوجدته. أنَّ لكل مجتمع ظروفه الخاصة به فلا يمكن تعميم أي نموذج مهما كان ناجحاً على أي مجتمع ونتوقع منه أن ينجح كما كان في النموذج الأصلي ، وعلى هذا الأساس ننظر لمجتمعنا. فقد باتت التعددية أشبه بالمودَّة يُرددها السياسيون والمثقفون وحتى الناس البسطاء دون فهم عميق لمعانيها فهم غالباً ما ينظرون إليها على أساس تعددية انقسامية تتميز بحقوق وواجبات خاصة لكل فئة منها مما تُبشِّر مستقبلاً بتجزئة على المستوى القومي والوطني وحتى الديني وهم يتناسون مفهوم التنوع الذي يمكن أن يضفي للمجتمع الأصالة والتحدي والإبداع والتنوع في ظل وحدة وطنية لها كل مقومات النجاح والازدهار.
18
ألسلطة في الفكر السياسي العربي والغربي د. ماجد احمد الزاملي الفكر السياسي يُعتَبر من أهم الجوانب التي تتضمن مجموعة من النظريات التي عن طريقها يتم تعيين سلوك الحكومات، وهو أحد المكونات المتعلقة بتنسيق الحياة البشرية وذلك برسم الحدود والقوانين والأنظمة التي تمنع طرف واحد من التعدي على الآخر في طليعة هذا العلم. وكان من أوائل الأعمال الكلاسيكية المهمة جداً في الفلسفة السياسية جمهورية أفلاطون وتلاه أرسطو السياسة وكلاهما كتب في سياق الديمقراطية الأثينية. حيث يذكر أفلاطون في كتابه الجمهورية, إنّ الفردَ وحده ضعيفٌ ومن ثم يكون الإجتماعُ ضرورةً تحتِمُها الحياةُ الإنسانيةُ وينشأُ عن اجتماع الأفراد الحاجة إلى تقسيمِ العملِ فيما بينهم من أجلِ توفير كافة حاجاتِهم الضرورية، ويؤكّدُ أفلاطون انقسام المجتمع إلى ثلاثِ طبقاتٍ متمايزةٍ بحكم الطبيعة ولكل طبقة وظيفةٌ خصّتها لها الطبيعة، وأهمّ ما يميزُ جمهورية افلاطون هي “العدالة”، لذا فإنّ غايةَ الدولةِ عند أفلاطون هي تحقيقُ الانسجامِ والتناغمِ بين مكوّناتِ المجتمع، فالدولة من الأمورِ الطبيعيةِ سواءً في أهدافِها أو أصلِها. تحددت جميع المباديء التي حكمت توزيع المواقف السياسية والفلسفية العملية بحسب المرجعيتين اللتين ينتسب إليهما الفكر الفلسفي والديني في حضارتنا. ويمكن أن نقول إن هاتين المرجعيتين قد شرعتا في الاتحاد المتدرج بداية من شروع الكلام في تبني المناهج الفلسفية وغاية بابتلاعه الفكر الفلسفي الذي صار جزءا من الفكر الديني صراحة خلال المدرستين المتأخرتين عندنا وفي الغرب اللاتيني. ثم انعكست الآية, إذ أصبحت الفلسفة مجرد شكل خاوٍ ليس لها من إشكاليات تخصّها بل هي تبنَّت بعض القضايا العلمية والجمالية والخلقية والسياسية في أبعادها المطلقة ومن ثم من حيث غايتها دينية. للفكر السياسي العربي محددات يمكن من خلالها قراءة هذا التاريخ السياسي وهي (القبيلة، الغنيمة والعقيدة). أما مفهوم الدولة عند (هوبز، ولوك، وجان جاك رسو): مجتمعُ الأُسرةُ هو أقدمُ المجتمعات وهو المجتمعُ الطبيعي الوحيد، بمعنى أن تُعد الأسرةُ إذاً أولَ نموذجٍ للمجتمعاتِ السياسية، حيثُ يكون الرئيسُ صورةَ الأب والشعبُ صورةَ الأولادِ وبما أنّ الجميعَ يولدونَ احراراً متساويين فإنّهم لا يتنازلون عن حريَتهم إلّا لنفعهم، وأن “لذة القيادة” في الدولة تقوم ُ مقامَ هذا الحب الذي يحملُه الرئيسُ نحوَ رعاياه، وبما أن قُوَى المدينة أعظمُ من قُوى الفرد بما لا يُقاسُ فإنَّ من الواقع كونَ الحيازة العامة أشدُ قوةً وأكثرُ شرعيةً وذلك لأنّ الدولة من حيثُ أعضاؤها سيدةُ جميع أموالهم وفق العقد الاجتماعي. وعند ابن خلدون الدولة هي الامتداد المكاني والزماني لحكم عصبية ما، وتقوم “العصبية” على الدين أو الولاء أو الفكر المشترك أو القومية أو ما إلى ذلك من مشتركات تصلح انطلاقاً لبناء الدول واستمرارها، وبالعصبية القوية “يكون تمهيد الدولة وحمايتها من أولها” ويكون قيامها وسقوطها أيضاً، ولا تقوم العصبية إلاّ بالركون إلى المجتمع-الاجتماع- أو بما عَبَّرَ عنه ابن خلدون “العمران”. وارتباط الفعل السياسي بحياة الناس وارتباط الدين بسلوك حياتي يومي جعل الحديث عن الإسلام السياسي والإرهاب محط أنظار كثير من المستشرقين كبرنارد لويس وجيل كيبل وغيرهما الكثير، الذين كشفوا أن الحركات الإسلامية ما هي إلاّ غطاء يستخدم لحشد الجماهير، ووسيلة للِّعب على العاطفة الدينية بالفطرة وكسب تأييدها متكئة على النزعة الشعاراتية المفضلة لهذه الحركات كمقولات " القرآن دستورنا " و" الإسلام هو الحل "، ورفع المصحف تحت قبة البرلمان في إيحاء ديني لا تخفي دلالته على البسطاء، فالصراع الشخصي للبحث عن المكاسب الذاتية هو الدافع والطاغي في الحقل السياسي. و المَركب الثقافي والتاريخي والسياسي بين الدين والسياسة عمل على تفسير سياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي أمنياً واستراتيجياً حيث مَثل بروز الإسلام كقوة شعبية قادرة على تعبئة وتحريض الجماهير الأوسع في البلدان العربية والإسلامية خطراً على المصالح الغربية والأنظمة التي ترعاها. ولا يزال العرب اليوم مهووسين بالتاريخ الذي يُشَكِّل الخارطة الرئيسية لتفكيرهم دون النظر إلى ما يحدث الآن من صراعات الإسلام السياسي الذي ساهم في ترسيخ رؤية أحادية للفكر العربي المعاصر اقتصرت فيها العودة على تيار بعينة عمل على تكوين رؤية فكرية مغلوطة مع الآخر حول الإسلام(1)، مما انعكس على كون الصحوة الإسلامية لحركات الإسلام السياسي كرَّست نوعاً من التأزم وأنتجت العنف، مما جعل هناك هدماً للحداثة وتأزماً للمجتمع العربي والإسلامي باختناقات فكرية وسياسية، جعلت العالم الإسلامي يقف على مسافات ملتبسة في قبوله بالديمقراطية في إرساء التجارب الديمقراطية للإسلاميين كونها التزاماً كحكم شرعي يعمل به المجتمع(2). هناك مسألة مهمة ترتبط بالتمظهر الالتباسي للمصادر المرجعية للسلطة السياسية في الوطن العربي، إذ إنـه ليس من المستبعد أن تكون السلطة مستندة في شرعيتها إلـى مصدرين ًمعا، مثل التقاليد والعلاقات القانونية، أو أن الروابط الدينية هي الأساس في العلاقة بين الحكّام والمحكومين. ومع الظاهرة الإستعمارية الأوروبية منذ القرن التاسع عشر ظهرت هياكل جديدة، نتج عنها اختلال العلاقة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، وبعد الإستقلال أبقت بعض النخب السياسية على المصدر التقليدي الذي يستند إلى الإسـلام، بينما حاول البعض الآخر بناء مصدر جديد للشرعية تَمثَّل بالمصدر الـدسـتـوري - الـقـانـونـي السياسي فـي الـوطـن العربي خضع للنظريات المتعارف عليها: نظرية الحق الإلـهـي، ونظرية العقد الإجتماعي، ونظرية الغلبة والقوة أو العصبية. ونلاحظ أن مصدر السلطة في بدايات نشوء الدولة الإسلامية خضع بالكامل لنظرية الحق الإلهي مع نظام الخلافة، ثم انتقل إلى نظرية الغلبة والقوة والعصبية مع انهيار نظام الخلافة وبدايات الدولة الأموية وحتى سقوط الدولة العباسية وما تلاها، ومع بدايات العصر الإستعماري بدأ التأثر بالغرب والتعرف إلى نظرية ً العقد الإجتماعي، وهو ما أوجد مصدراً ثالثاً للسلطة، لتأتي أفكار مثل دولة القانون والديمقراطية ً والليبرالية والماركسية، لتُشكّل في النهاية مزيجاً من المرجعيات الفكرية لمصدر السلطة، هذا المزيج أنتج حالة من الإلتباس في الفكر والممارسة. إن مصدر السلطة فـي الفكر مـن مظاهر الأزمــة الديمقراطية العربية أيـضـا التباس مفهوم الـدولـة وضبابيته وغموضه في الفكر السياسي العربي، وهـو ما أدى إلـى فجوة كبيرة تتعلق بأسس بناء الدولة في الوطن ً العربي، فهذه الأسس نشأت وفقاً لمرجعيات متشابكة ومتباينة وتحمل أزمتها في ثناياها. فهناك المرجعيات العربية ً - الإسلامية، وهناك المرجعيات الغربية الحداثية، كلها تجمعت وتداخلت بعيدا عن العقلانية التاريخية، لتنتج مفهوماً ملتبساً ساهم في إنتاج أزمـات تتعلق بمكونات الدولة نفسها، ووظائفها، وارتـبـاطـاتـهـا، وبنيويتها. وأشـد مـا تعكسه هـذه الأزمــات يكون على السلطة ّ السياسية كونها المكون الفاعل الأهم في الدولة ,لأفكار نعتقد أنها أسهمت أكثر فأكثرر في إنتاج أزمـة السلطة السياسية في الوطن العربي، وهـذه الأفـكـار بطبيعة الحال قابلة للتطوير والبناء عليها، وذلــك مـن أجـل الإشـتـغـال أكـثـر على تفكيك هـذه الأزمــة، وصــوًلاً إلـى تحقيق مـبـرر وجـودياً، والكشف عن التشوه البنيوي الذي أدى إلى الإنحراف الوظيفي للسلطة السياسية في الوطن العربي. شكّلت الأفكار السياسية وتاريخها في التعاطي مع مفهوم السلطة السياسية والتأصيل له، مجالاً خصباً في العلوم السياسية، وفي العلوم الشرعية على حدّ سواء، وكذلك في علم الاجتماع السياسي، لأنّ السلطة لها علاقات عمودية وأفقية، فهي عبارة عن مؤسسات اجتماعية، عملها منظّم بنصوص دستورية، قانونية، وشرعية، هذه العلاقات معقّدة ومتشابكة، ولها أوجه متعدّدة وتميّزت الأفكار والنظريات المتعلقة بالسلطة بدينامية كبيرة من حيث الطرح والتأصيل لها كمفهوم، كمؤسسة، كأشخاص يزاولونها وكنصوص منظمة لها، وعرفت هذه الأفكار تدافعاً وجدلية في مختلف الثقافات، وأحياناً داخل نفس الثقافة والفكر والنسق، لدرجة خلق نوع من المفارقات أحياناً. وقد عَرف تاريخ الفكر السياسي فيما يخصّ مسألة السلطة مساراً طويلاً عبر محطّات تاريخية تميّزت بالتحدّي والمواجهة حيناً والتحالف والتناغم حيناً آخر. فنيكولو ميكيافيلي، وكما يمكن أن نستشف من خلال الاطّلاع على كتابه “الأمير” وسياق تأليفه في مقدّمة الكتاب، فإنّ الأقرب إلى الصواب هو أنّ الدافع والباعث وراء أفكاره عن السلطة جاء في سياق استرضاء حاكم فلورانسا الدولة-المدينة المستقلة، فالفكرة المحورية التي تسيطر على كتاب الأمير هي عرض وتقييم عدد من الطرق للسيطرة على الإقليم والحفاظ على تلك السيطرة. أما معيار المفاضلة بين تلك الطرق وبعضها، فهو تعظيم المجد الشخصي للأمير، وفي نفس الوقت خدمة الصالح العام، وقد كان تركيز ميكيافليي على النجاح العملي بأي وسيلة، حتى على حساب القيم الأخلاقية التقليدية، هو السبب في اكتساب ميكيافليي سمعة القسوة والخداع والتوحش(3). نظرية ميكيافيلي مفتقرة للحسّ الأخلاقي، لكنها من الناحية العملية أقرب للواقع المعاش لأنّها استندت على طبائع البشر (حكّام ومحكومين) كما هي في الحقيقة. وتجديد الفكر السياسي مسألة ملحة، كون الفكر السياسي يتميز بالتطور والتباين والمرونة، لذلك فإن عملية التجديد يجب أن تأخذ مكانها في ظل توالد الأزمات وازدياد الإشكاليات، وأن تشكل إطارًا عمليًّا واقعيًّا يسهم في تقديم الحلول للقفز عن كل الأزمات والإشكاليات. اما الفكر السياسي المعاصر لقد بدأ منذ بداية القرن العشرين واستمر حتى يومنا هذا وشمل العديد من الأحداث المهمة، من أبرزها: بلورة المفهوم العام للقوة الوطنية وظهور الإيديولوجيات السياسية الكبرى أيضاً ظهور مفهوم الديمقراطية كأحد أنماط التفكير والحكم السياسي خاصة في الدول الحديثة والمتقدمة. فإذا إنهار كل من التكامل الاجتماعي و تكامل النظام الذي يقوده، فإن هذا لن يقود فقط إلى فقدان الشرعية بل أيضاً من المحتمل إنهياره، حيث سيفقد الناس القدرة على التفاعل بشكل سلمي ومدني، وسيلجأون للدفاع عن الأنا الثقافية والمصلحية بشكل عنيف يقود إلى تمزيق الدولة، وهو الوضع الذي تعاني منه النظم الاجتماعية بالعالم العربي، حيث برز في العقود الأخيرة أن الأزمات المختلفة و أبرزها أزمات الشرعية التي تعاني منها الدول العربية، لا تقتصر على ضعف سلطة الحاكم، بل تمتد إلى خلل المجتمع. فالدولة لم تسقط في العالم العربي، لكن المجتمع هو من إنهار أو في طريقه. وتبرز في هذه الدول- دول الشرق الأوسط- سيادة شكلية للقانون، و شرعية ظاهرية لاتعتمد عل التأييد الواسع من الشعب، بل على عكس ذلك، ترسَّخت مفاهيم الدولة وسيادتها في المنطقة بشكل مصطنع وظاهري عن طريق النخب التي أوجدتها مصالح قوى خارجية أو فرضت كقوة سلطوية، بعيداً عن عقد اجتماعي تنشأ بموجبة الدولة. مما انعكس على فاعلية المؤسسات، و تكامل الإقليم، واحترام مبدأ عدم التدخل، بل نشأ عقد سلطوي بنيت بموجبه السيادة،مما يعني أن النظام الاجتماعي الذي شكلته سلطة الدولة كان نظاماً غير شرعياً، و لكي يبدو هذا النظام الاجتماعي قوياً كان يقوم بالدفاع عن حدود قدراته من خلال التهميش و الاستبعاد غالباً للمعارضة، لكن هذا لم يخفي الضعف في مواجهة حالة التحول الدائم من الهشاشة المستمرة التي تعانيها الدولة بالمنطقة العربية، خاصة في مواجهة أزمات تفوقُ قدرات هذا النظام الذي يقود المجتمع، على سبيل المثال؛ في حالة الأزمات الاقتصادية و الحرمان المعيشي وعدم المساواة والفساد المؤسسي، فتصبح الدولة مجرد هيكل رسمي ، حيث إستمر الصراع الداخلي على السلطة والسيادة مما أصابها بالتشظي، وذلك نتيجة لأزمة الشرعية التي تعاني منها أنظمة الحكم الممسكة بالسلطة بالمنطقة العربية. ولنا في التجربة العراقية مثلاً, فمع كل تعقيدات الوضع العراقي، وتدّخل دول الجوار وغير الجوار في شأنه على شكل دعم الإرهاب والمليشيات الحزبية، إلا إننا نعتقد أن النظام الديمقراطي في العراق محكوم له بحتمية النجاح، لأن المسألة تتعلق ببقاء أو فناء هذا الشعب. فمعظم الدول الديمقراطية الراسخة المتطورة مرّت بالصعوبات التي يمر بها الشعب العراقي في مناهضة الديمقراطية، مع الاختلاف بالدرجة، ولكن في نهاية المطاف نجحت الديمقراطية في تلك الدول، والعراق ليس استثناءً، ومهما واجهت الديمقراطية العراقية الفتية من صعوبات ومناهضة داخلية وخارجية من قبل المتضررين منها، فلا بد وأن يصبح العراق منارة وقدوة لشعوب المنطقة بالاقتداء به. لذا نعتقد أن الحل الوحيد للأزمة العراقية المزمنة التي سببها الصراع الطائفي والأثني، هو بناء دولة المواطنة المدنية العصرية الديمقراطية، تعامل جميع مواطنيها بالتساوي في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز بينهم بسبب العرق، أوالدين، أو المذهب. ------------------- 1-سليمان الضحيان، "يجب إعادة قراءة التاريخ لبناء الرؤية الإسلامية المتسامحة والخروج من أسر القراءات الخاطئة والمنحازة "، آفاق سياسية، المركز العربي للبحوث والدراسات، ص: 165 - 167 2-سعود القحطاني،"الصحوة هي من أنتج العنف والصحويون استخدموا منتجات الحداثة لهدم الحداثة وتأزم المجتمع "، ضمن كتاب الإسلاميون سجال الهوية والنهضة .. مقاربات في الفكر والممارسة،(المركز الثقافي العربي : الدارالبيضاء – المغرب )، ط:2، 2011،ص ص177- 182 3- بريتانيكا موقع الموسوعة الإلكترونية. http://www.philosophypages.com/ph/macv.htm
19
اسباب ومقومات التغيير السياسي في العراق د. ماجد احمد الزاملي التغيير السياسي استجابة لعدة امور منها,الرأي العام، أو مطالب الأفراد من النظام السياسي، خصوصاً إن لم تتحول هذه المطالب في حينها إلى مخرجات، كأن يتم تبنيها من قبل الأحزاب وجماعات المصالح والضغط. التغير في نفوذ وقوة بعض الحركات والأحزاب وجماعات المصالح، بما يعنيه تحول الأهداف الخاصة إلى إطار الدولة ككل. والتغيير السياسي التطوري/ الإصلاحي تتحدد بناءً على صفة هذا التغيير، فإن كان التغيير إيجابياً محموداً، يهدف إلى محاربة الفساد وإزالته، وتحقيق الإصلاح. استخدام مصطلح التغيير يقصد به حالات التحول الاجتماعي التي يخوضها المجتمع بعمومه للانتقال إلى أوضاع أفضل تمكنه من الانطلاق إلى المستقبل. وهي حالات التحول التي يخرج منها المجتمع -بأفراده ومؤسساته وهيئاته-أكثر إيجابية وفاعلية وقوة وقدرة على إدارة شؤونه، وعلى محاسبة قيادته ومكافئتها ومعاقبتها، وعلى التصدي لمحاولات كبته أو قهره، ومن ثم فإن حالات التحول التي يتم فيها استبدال قلة مسيطرة متحكمة بقلة أخرى دون المشاركة الإيجابية والفعّالة من قبل وحدات المجتمع المختلفة. ومن المؤكد أنَّ كل نظام سياسي يكون له عوائد معينة يستفيد منها عادة أنصار ذلك النظام، كما أن لكل جماعة من القادة مصدر أو ركائز معينة لقوتها ، وعادة ما يكون هناك ارتباط وثيق بين ركائز قوة القادة وعوائد النظام السياسي. وقادة النظام السابق للثورة عادة تكون الثروة هي ركيزتهم الرئيسية ويكون النظام السياسي موجه لتنمية وحماية ثروتهم . لا أحد يستطيع إخفاء حقيقة أن النظام السياسي العراقي تشكل وفق مُخططات رخوة، لا تنسجم مع أسس النظام الديمقراطي السليم، وبدأ هذا الخطأ مع كتابة الدستور بإشراف المحتل الأمريكي، وشخصيات لا تعرف شيء عن آليات كتابة الدستور، وقد فصَّل هذا الدستور للعراق نظام سياسي مُعقد قائم على التقسيم الطائفي المحاصصاتي للسلطة، واختراع مجالس المحافظات والبلديات، ومنح الساسة امتيازات فاحشة، ورسَّخ أقدام نُخب وأحزاب سياسية فاسدة، لم ينتح عنها إلاّ فساد دمَّر الحرث والنسل وحطَّم اقتصاد العراق، وبدد ثرواته وضاعف البطالة والمشاكل الاجتماعية، حتى أصبحت آفة الفساد في المشهد العراقي جزءًا بنيويًا في النسيج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وإدارة التغيير المحرك الأبرز لمواجهة المستجدات، وإعادة ترتيب الأوراق، بهدف الاستفادة من كل نقاط القوة وحتى نقاط الضعف التي تساعد على التغيير الإيجابي، ومحاولة تجنب العوامل الخارجية والداخلية التي تؤثر سلبياً على إحداث التغيير. التغيير هو عملية تحول من وضع قائم موجود فعلياً إلى وضع جديد لتحقيق أهداف معينة للمنظمة أو للعاملين أو لكليهما معاً، وقد يكون تدريجياً أو سريعاً وطارئاً، وربما تغييراً استراتيجياً أو غير ذلك، ضمن خطة زمنية أو بدون تخطيط مسبق. وكل من لديه مصلحة في دوام السلطات القائمة يصبح عدواً للتغيير ويضع العراقيل ويثير القلاقل،وكل من تمكن من السلطة لا يريد خسارتها بأي ثمن، ولذلك تنشط قوى السلطة لتعيد انتاج نفسها، مجتهدة في تسويق الوهم للجمهور، مفتعلة قضايا للصراع والصدام لاستجرار عواطف الناس وتخويفهم من عواقب التغيير المجهول، بسبب هذه المنهجية لا تعود انتخاباتنا جاذبة للمشاركة الواسعة، ولا مثيرة للتنافس الجدي على مشاريع بناء وتحول بنيوي. ينبغي توفّر بيئة مناسبة تنطلق من الثقافة السياسية لتكتمل شروط وجود معارضة عراقية تعمل ضمن نظام ديمقراطي ودعم الناخبين لفكرة المعارضة وتفهمهم لوجودها مروراً بالتقاليد السياسية التي يجب أن تتحول من مبدأ المحاصصة الى مبدا المواطنة حينها يمكننا الحديث عن معادلة متوازنة بين السلطة والمعارضة، وذلك عوضاً عن وضع نموذج يهدف الى وضع نظام جديد للدولة. ويشمل ذلك أيضاً وضع حداً للسلوك السياسي للقوى السياسية التي يجب أن تعمل على عدم تأجيج الراي العام والاستقواء به لتحقيق مكاسب شخصية، وعليها أن تدرك أن دور الجماهير مهم أن يتركز في يوم الانتخابات، وان تعمل على تشكيل أيديولوجياتهم لمواجهة التحديات التي يواجهها الجمهور العراقي. وبالمثل، يجب على جميع الأحزاب السياسة وضع برامج انتخابية مقنعة وان تعمل على الوفاء بوعودها الانتخابية. وفى حال فشل المعارضة العراقية في تطوير نموذجها الحالي ستكون مجرد ظاهرة صوتية في عملية سياسية يتصارع الجميع فيها على الثروة والسلطة. لكي يكون النظام صالح ويستحق التأييد والطاعة والدعم والاستمرارية، وأن يشعر المواطنين أن سلطة بلادهم هي سلطة وطنية مُخلصة لشعبها، وللقيم الاجتماعية العامة، والعامل الثاني، هو اهتزاز ثقة المواطن بالسلطة جراء غياب الفعل السياسي، وما صاحبه من تصدعات وتشوهات وفشل للنظام السياسي الذي عمق الإحباط ودواعي العزوف عن السياسة لدى المواطنين. والخلل في النظام السياسي العراقي هو في العلاقة غير المتوازنة بين المركز والإقليم وبين المركز وبقية المحافظات غير المنتظمة في إقليم. وجزء من هذا الخلل هو عدم تنفيذ فقرات الدستور العراقي، فالإقليم يتجاوز على العديد من الصلاحيات الحصرية للحكومة الاتحادية التي حددها الدستور مثل السيطرة على المنافذ الحدودية وتواجد القوات المسلحة للدفاع عن حدود العراق وإصدار الاقامات للأجانب وتنظيم السياسة التجارية. كذلك هناك أمور إشكالية في الدستور يستوجب تعديلها مثل موضوع "المناطق المتنازع عليها" والتي أثبتت التجربة العملية انها أزمة متفاقمة تُستخدم للابتزاز السياسي ولا يمكن حلها بما نصَّ عليه الدستور الحالي عبر التطبيع والاحصاء ثم الاستفتاء ,وهذه الصراعات الجارية في العراق مرتبطة عضوياً بالصراعات الجارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي لوجود قوى مرتبطة بدول المنطقة بشكل خاص وببعض الدول الكبرى . فالصراع بين السعودية وإيران من جهة ، وتركيا وإيران من جهة أخرى. لدى معاينة الأوضاع التي يعيشها المجتمع في العراق يتبين لنا, أنه ينبغي إحداث (ثقافة تغيير ) ممنهجة ذات رؤية استشرافية للمستقبل شاملة لنواحي الحياة كافةً. لكن المشكلة تكمن في أنَّ ثقافة التغيير حتى الآن لم تخرج من إطار السلوك الارتجالي والاندفاع العاطفي، ولا يزال التخطيط بأشكاله كافةً غائباً عنها، وهو ما يفسر حالة الفوضى التي نعيشها ، وذلك في الوقت الذي يتحتم على عملية التغيير أن تكون استراتيجية ومدروسة. ومن أبرز هذه المشكلات مشكلة تُميّز اغلب حكومات الدول النامية على أنَّها احتكارية للسلطة، وبالتالي فإن أغلبية الدول النامية تحكم من نخب سياسية تحتكر السلطة السياسية وكل أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. والشعب يكون بعيداً كل البعد عن المشاركة الديمقراطية في الحياة السياسية، الامر الذي يخل دائماً بمسألة التنمية السياسية في الدول النامية, وبلدنا العراق لا يشذ عن الدول النامية . ومن خلال نظرة بسيطة إلى المطالب التي رفعها الشباب الذين حملوا لواء التغيير في العراق تُبيِّن لنا أن هؤلاء الشباب عندما خرجوا إلى الشارع لم يكونوا مدفوعين فقط بالظروف الاقتصادية السيئة، من فقر وبطالة وتضخم، وعجز في الميزانية، وارتفاع المديونية، وتدهور القدرة الشرائية، وتراجع التغطية الصحية والحماية الاجتماعية، واحتكار فئة قليلة للثروة في مقابل بقاء شرائح واسعة على حالة من الإفلاس الدائم… إلخ، إذ إن هذه العوامل على أهميتها لم تكن هي العوامل الوحيدة التي ساعدت على الاحتجاجات، وإنَّما هنالك عوامل سياسية وروحية أخلاقية وثقافية، تتعلق في مجملها بقيم الكرامة والعزة والحرية والاعتراف والمساواة والعدالة، التي تم تدنيسها واستبدالها بقيم مادية تُستمد من السوق، وخاصة بعد انتشار الظلم والتفاوت والفوقية، وإغلاق الحياة السياسية، واحتكار الأحزاب الحاكمة للشأن العام، وهيمنتها على مفاصل الدولة، وانفراد فئة قليلة من أصحاب النفوذ بالرأي وإقصاء الرأي الآخر مهما كانت قيمته.
20
دولة المؤسسات تضمن الحريات والحقوق الاساسية د. ماجد احمد الزاملي إن نوعية الحكم التي تنجم عن الوسائل والأهداف المحددة التي لاتتقاطع مع الحقوق الاساسية للافراد، هو الحكم الذي تكون فيه الطاعة والخضوع من الحاكم والمحكوم إلى القانون والمؤسسات. ولكن لا يمكن تحديد نوعية الحكم المؤسساتي الناجم عن دولة القانون إلاّ من خلال الربط بين دولة القانون والمناخ الذي نشأت فيه, فكرياً وفلسفياً، وسياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً... وحتى دينياً. والإيمان بقيمة وأهمية الفرد تعتبر إحدى الإيديولوجيات الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات الديمقراطية. هذا الإيمان في الواقع ناجم عن موروث تاريخي أفرزته الحضارات التي تعاقبت على هذه الدول. فالعصور القديمة ركزت وأكدت إنسانياً على الشخصية الإنسانية الحرة المسؤولة، واقتصادياً على الملكية الفردية، واجتماعياً على العدالة. وقد جاءت الحضارة اليونانية على تنظيم ذلك في إطار الدولة أو السلطة السياسية. ومن ثم أدخلت المسيحية على هذه الأفكار دقة ولهجة جديدة: ففكرة الإنسان الحر المسؤول أعطيت مزيداً من القيمة من خلال التأكيد على النفس والخلاص الفرديين، وأكملت فكرة العدالة بفكرة الإحسان. وتعدّ الرقابة القضائية من الضمانات الأساسية لحماية الحريات العامة، ولصيانتها ضد ما يمكن أن يقع عليها من اعتداءات، وذلك عن طريق قيام سلطة قضائية مستقلة بممارسة رقابة قضائية على أنشطة السلطات الحاكمة كافة، ولا يمكن أن تكون الرقابة القضائية ناجعة، إلاّ إذا قامت على مجموعة من المباديء والأسس من بينها كفالة حق التقاضي وعدّه من الحقوق الدستورية الأساسية التي لا يجوز المساس بها، وأن تمتد رقابة الفضاء لكل أعمال السلطات العامة، وأن يكون للقضاء استقلاله وحصانته وحيويته. وتقوم السلطة القضائية بدورٍ مهم في نطاق رقابتها على أعمال السلطة التنفيذية، فهي التي تتصدى لما تقوم به من أعمال إدارية مخالفة للقانون، فتعلن بطلانها وتلغيها، وتعوض الأفراد عن الأضرار التي تصيبهم نتيجة التصرفات أو الأعمال الخاطئة والصادرة عن الجهات الإدارية. كما أن السلطة القضائية هي التي تحمي الدستور، وما يقرره ومن ضمانات للحرية، فتلغي أو تمتنع عن تنفيذ القوانين والأعمال الإدارية اللائحية والفردية، والمخالفة للمباديء الدستورية العامة، أو للنصوص الدستورية الصريحة، وذلك فيما يعرف بالرقابة على دستورية القوانين. إن الغاية الأساسية من وجود الدولة، هي ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم دون مساس الأفراد بسلطتها أو بمشروعيتها، ولتحقيق هذه الغاية، لا بد أن يوجد جهاز إداري ومؤسسات قانونية وتنظيم ، وتمارس سلطة لها آلياتها، فمجال السياسة هو مجال صراع مصالح متعارضة، وتبعاً لهذا الصراع لا بد أن يكون رجل السياسة كما يؤكد –ماكيافيلي- قويا ذكياً، ليستطيع الانتصارعلى خصومه أو أعدائه، فهو يستخدم كل الوسائل المشروعة من اجل بسط هيبة الدولة . ودولة القانون كمفهوم وكشعار، نشأت وتأصَّلت بفعل تطورات عديدة ,مثلاً العصور من القرون الوسطى التي عاشها الغرب إلى عصر الانوار، عصر الحداثة الذي يعيشه بكل أبعاده: ثورة علمية من غاليلو إلى بيل غيت، وثورة اقتصادية ليبرالية أنتجت تقدماً وحضارة مادية، وثورة دينية من الكنيسة إلى العلمانية، وثورة في اساس الحكم من الإلهي المطلق إلى الديمقراطي، ولا ننسى أيضاً ثورة بل حروب القوميات... فنوعية الحكم الذي نتحدث عنه في دولة القانون، يجب أن لا يفهم فقط على أنه يتجلى في خضوع الدولة للشرعية القانونية من أجل الوصول إلى العدالة والإنصاف، وإنما يجب أن يفهم بجميع تجليات محيطه المتطور. ولكي تمارس الدولة وظائفها واختصاصاتها، باعتبارها تجمعاً سياسياً منظماً وعقلانياً، فإنها تلجأ بالإضافة إلى الوسائل القانونية إلى العنف المادي، فهي وحدها تمتلك هذا الحق وتحتكره، إنه عنف معقلن ومشروع لحماية الحق العام. إلاّ أن احتكار السلطة السياسية واستخدام العنف سواءً من طرف فرد واحد أو هيئة واحدة سيؤدي إلى قيام نظام استبدادي. وقد وجهت الماركسية، نقدا لجهاز الدولة في النظام الرأسمالي الليبرالي، باعتبارها أداة توظّفها الطبقة البورجوازية لتبرير سيادتها ومشروعية استغلالها للطبقات المضطهدة وتُنبيء بدولة تقوم على ( ديكتاتورية البروليتاريا ) يتحرر فيها الإنسان من الاستغلال. حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف، فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات ، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها. فإذا تأسست هذه العلاقة على احترام المباديء الأخلاقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق، أما إذا كانت هذه العلاقة مبنية على أسس غير أخلاقية وغير قانونية، فإنها ستكون مؤسسة على القوة والعنف وناكرة للحقوق والحريات الفردية والجماعية. إن خضوع الجميع حكاماً ومحكومين لقانون أسمى يقيدهم ويلزمهم في تصرفاتهم الإيجابية والسلبية، ويمنع الكافة من الخروج على حدود ما لهم من حقوق، أو سلطات، ويرسم الحدود الفاصلة بين سلطة الحاكم وحرية المحكومِ,ونظام الدولة القانونية يقوم على مجموعة من العناصر والمقومات التي تكفل الاحترام المتبادل بين الحكام والمحكومين، والتي تحافظ على النظام في المجتمع، كما تصون الحقوق والحريات التي يقررها الدستور والقانون، ونظام الدولة القانونية هو وحده الذي يقوم على تقرير الحقوق والحريات للأفراد، ويبين ضمانة الممارسة الفعلية لهذه الحقوق والحريات، كما أنَّ نظام الدولة القانونية يحظر على السلطات الحاكمة فرض القيود على الحرية إلاّ بالقانون أو على الأقل بناءً على قانون . وإذا كان - وفقاً لمفهوم الدولة القانونية – لا يمكن للدولة أن تتصرف إلا بمقتضى القانون، فإن استخدام القوة المادية يجب أن يوضع على أساس قاعدة قانونية تجيزها، وكذلك فإن ممارسة السلطة من قبل أجهزة الدولة لا يمكن أن يتم إلاّ في إطار القواعد القانونية. وبالتالي، فإن القانون وفقاً لما تقدم لم يعد أداةً لنشاط الدولة، ولكن موجهاً وهادياً لتقييد سلطتها، إن مؤيد خروج الدولة على القواعد القانونية يكمن في خضوعها إلى جزاءٍ يرتبه قاضٍ مستقل. ويرى الفقه أن تدرج القواعد القانونية هو أحد مقومات الدولة القانونية، حيث لا يمكن تصور النظام القانوني للدولة القانونية بدون هذا التدرج الذي يظهر في سمو بعض القواعد القانونية على بعض، وتبعية بعضها للبعض الآخر، وهو ما يستلزم بالضرورة خضوع القاعدة الأدنى للقاعدة الأسمى شكلاً وموضوعاً، فأما خضوعها شكلاً فبصدورها من السلطة التي حددتها القاعدة الأسمى، وباتباع الإجراءات التي بينتها، أما خضوعها موضوعاً، فذلك بأن تكون متفقة في مضمونها مع مضمون القاعدة الأعلى، وبالتالي فلا يصح أن تتعارض قاعدة قانونية دنيا مع أخرى تعلوها حتى لا يحدث خلل في انسجام البناء القانوني للدولة. وبالرغم من حداثة القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن التدخل الدولي لحماية هذه الحقوق قديم قدم القانون الدولي ذاته. وتتنوع أساليب التدخل لحماية حقوق الإنسان من جانب دولة ضد أخرى، حسب تقدير الدولة المتدخلة لخطورة انتهاكات حقوق الإنسان في الدولة المتدخل ضدها. فقد تبدأ بتدابير سياسية، كالإدلاء بتصريحات عامة تنتقد انتهاك حقوق الإنسان في دولة أخرى؛ أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي احتجاجاً على انتهاكات حقوق الإنسان؛ أو إرجاء الزيارات الرسمية أو إلغائها ؛ أو إدراج مسألة انتهاك حقوق الإنسان في إحدى الدول على جدول محادثات مسؤوليها مع نظرائهم في الدولة المعنية . وقد تتبع التدابير السياسية تدابير اقتصادية كوقف المعونات الاقتصادية؛ أو حظر العلاقات التجارية مع الدولة المتهمة بالانتهاك، أو قطع العلاقات الاقتصادية معها عموماً. ولكن التدابير الأكثر إثارةً للجدل بالنسبة لمشروعيتها، هي التدابير التي تنطوي على تدخل عسكري بحجة حماية حقوق الإنسان . والواقع، إن التدخل من جانب دولة لحماية حقوق الإنسان في دولة أخرى، لم يكن ليثير المشكلات من الناحية القانونية حتى وقت قريب، وبالتحديد حتى قيام الأمم المتحدة *. وعندما بدأت الحركة الدولية لتقنين حقوق الإنسان، وكانت أغلبية المجتمع الدولي هي من الدول المتقدمة ، أي أن الدول النامية التي تُوجَّه إلى الكثير منها اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، لم تكن قد ظهرت على الساحة الدولية بشكل كبير. وأمام ضعف النظام القانوني الدولي عموماً، والذي كرَّس عدم المساواة بين الأقوياء والضعفاء ، وأمام ضعف الحماية الدولية لحقوق الإنسان، أخذت الدول القوية – ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية – منذ أواسط السبعينيات ، تتذرع بحماية حقوق الإنسان للتدخل في شؤون الدول الأخرى. وقد تزايد اللجوء إلى هذا الأسلوب في الثمانينيات، حيث وجدت الولايات المتحدة دولاً متقدمة - مثل كندا – تشايعها التدخل بحجة حماية حقوق الإنسان وأما بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الانظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، فقد تفجَّرت الصراعات العرقية في تلك المنطقة، وحدثت فيها انتهاكات جسيمة وصلت حد الإبادة. إن الدول التي أنشأت القانون الدولي ما قامت بدايةً إلاّ على أساس التمييز ، وقد تجسَّد ذلك في السياسات الفاشية والنازية التي كبدت الإنسانية خسائر هائلة، لأنها كانت قائمة أصلاً على نقيض فكرة المساواة. وإذا كان الإنسان ميالاً بطبعه إلى التميّز عن أقرانه، فإن هذا يكون مقبولاً فيما يمكن أن يقدمه من عطاء، ومرفوضاً فيما يسعى إلى الاستئثار بالثروات على حساب الاخرين ، وبمقدار حاجة المجتمع الدولي إلى السلم والأمن الدوليين، فإنه بحاجة إلى تعزيز المساواة بين بني البشر، لأن انعدام المساواة يؤدي إلى ترسيخ التفرقة داخل الدولة فيزعزع أمنها، وبالتالي قد يهدد السلم والأمن الدوليين. هذه الحقيقة أدركتها الدول بعد الحروب الكبرى. لذلك كانت المواثيق الدولية تتطرق إلى ضرورة المحافظة على السلم والأمن الدوليين، كما تتطرق إلى ضرورة العمل على تحقيق المساواة. والواقع، إن تجارب الكثير من الدول النامية أثبتت فشلاً ذريعاً في احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، التي تقتصر على كونها حقوقاً فردية ولا تنطوي على وجود حق جماعي! لعل هذا التداخل للحق في التنمية، بين الفردية والجماعية، وصعوبة تمييز مضمون كل منهما عن الآخر، يعطي مسوغاً للدول التي لا تكترث لاحترام حقوق الإنسان أن لا تعير للحق الفردي في التنمية أي اهتمام، بحجة سعيها إلى إنجاز التنمية الشاملة كحق جماعي. وهذا ما يشكك – مرة أخرى – في صحة إضفاء القانونية على الحق في التنمية بحسبانه من حقوق الإنسان. من الطبيعي أن تكون الدولة (بمعناها الضيق: أي الحكومة) هي الشخص المعني بحماية حقوق الإنسان بالدرجة الأولى، إذا ما فهمنا الحماية بمعنى الإنجاز. وبعبارة أخرى، فإن الدولة التي تكون طرفاً في اتفاقيات دولية خاصة بحقوق الإنسان، هي المكلفة بإنجاز التزاماتها الدولية في هذا المضمار. ومن ثم، فإنها الجهة المنوط بها حماية حقوق الإنسان. ومع بداية القرن الحادي والعشرين أصبحت حجة حماية حقوق الإنسان حاضرةً في كل تدخلات الولايات المتحدة، تدعمها حجج أخرى كمحاربة الإرهاب، وفرض الديمقراطية. وهذا ما كان من شأنها في حربها ضد أفغانستان بحجة محاربة الإرهاب، وفرض احترام حقوق الإنسان؛ وعدوانها ضد العراق واحتلالها له بحجة فرض الديمقراطية، وفرض احترام حقوق الإنسان. والحقيقة أن التدخل من جانب دولة ضد أخرى – ولاسيما بالأسلوب العسكري – دائماً ما يواجه من جانب الدول التي يتم التدخل في شؤونها الداخلية. أن تجارب التدخل بحجة حماية حقوق الإنسان، أثبتت مقدرة الدول الكبرى على تحييد المنظمات الدولية، التي تجد نفسها عاجزة عن منع التدخل غير المشروع، حتى إذا انطوى هذا التدخل على عدوان سافر . والمشكلة في تدخل دولة ضد أخرى لحماية حقوق الإنسان، أنها مسألة سياسية وليست قانونية. وهذا يعني أن الدولة لا تتدخل لفرض احترام حقوق الإنسان تطبيقاً للقانون، وإنما لحماية مصالحها. -------------------- * السبب في ذلك أن القانون الدولي لم يكن يُحرّم الحرب بشكل كامل قبل ذلك الوقت. بل على العكس، كانت الحرب حقاً مشروعاً للدولة فيما مضى، ويمكنها أن تعلنها في أي وقت ضد الدولة التي تشاء. وبسبب المعاناة من ويلاتها، بدأت مشروعية الحرب تخف تدريجياً، حيث أصبح من اللازم أن تكون الحرب عادلة لكي تتسم بالمشروعية، وأصبحت الحرب العدوانية غير مشروعة أبداً. ولكن المجتمع الدولي لم يتوصل إلى تحريمها حتى قيام الأمم المتحدة، حيث حظر الميثاق في المادة 2/4 استخدام القوة أو حتى التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية بين أعضاء الأمم المتحدة، إلاّ وفقاً للميثاق (أي في إطار الأمن الجماعي الدولي، والدفاع عن النفس). راجع في مشروعية الحرب، د. حازم محمد عتلم، قانون النزاعات المسلحة الدولية، المدخل، النطاق الزماني، الطبعة الأولى، 1994 (لا ذكر لدار النشر) ص 44- .
21
الفساد من أهم عوائق التنمية في الدولة الحديثة د. ماجد احمد الزاملي مبدأ المسائلة يعطينا الحق في الاستفسار عن تصرفات الآخرين الإدارية كما يمنحهم أيضاً الفرصة في شرح وجهة نظرهم حول سلوكياتهم وتصرفاتهم المتعلقة بأداء أعمالهم ، ومن ناحية أخرى فإن مبدأ المسائلة في الإدارة يقتضي أن تكون لدى الشخص الصلاحيات التي تمكنه من أداء عمله ، والتي من الممكن على أساسها مسائلته عن عمله . وفكرة المسائلة فكرة قديمة في التراث البشري وأساس من أسس ترسيخ الأمانة في سلوك أفراد المجتمع ، فقد بدأت مع الأفراد في مجتمعاتهم التقليدية البسيطة لتمتد فتشمل بعد ذلك مسائلة الجماعات فالمؤسسات التي تمثل اليوم سمة العصر الحديث فيما يتصل بنظام العمل وتقديم الخدمة أو المنتج للجمهور ، بل يمكن القول بأن مبدأ المسائلة لم يعد قاصراً على الأفراد والمؤسسات ، بل أمتد ليشمل الحكومات التي أصبحت تخضع للمسائلة كما يخضع لها الأفراد. مفهوم المسائلة يدور حول حق ذوي العلاقة في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال المسؤولين فيما يتعلق بإدارة مصالحها ، ومطالبتهم بتقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وواجباتهم في إدارة مواردهم ، وكيفية تعامل المسؤولين مع الانتقادات التي توجه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول المسؤولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو الخداع أو الغش ، وذلك من أجل التأكد من مطابقة أعمال هؤلاء المسؤولين مع أسس الديمقراطية القائمة على الوضوح وحق ذوي العلاقة في المعرفة بأعمال المسؤولين والعدل والمساواة ومدى اتفاق أعمالهم مع قوانين وظائفهم ومهامهم حتى تصل لتطبيق مضمون النزاهة ليكتسب هؤلاء المسؤولين الشرعية والدعم المقدم من ذوي العلاقة التي تضمن استمرارهم في أعمالهم وتمتعهم بحقوقهم. تتواجد مظاهر المحسوبية والواسطة والمحاباة في مؤسسات الدولة العراقية مثلاً جميعها وإن كانت بدرجات متفاوتة، ومن أمثلة ذلك أن يحصل أعضاء في حزب ما وأصدقاؤهم على غالبية الوظائف الحكومية والتسهيلات ّ الإدارية والمالية، وينطبق الأمر على الأحزاب الأخرى التي لها مؤسساتها الخاصة من مؤسسات أهلية، ورياض أطفال، وجمعيات خيرية، وغيرها التي تتعامل معها أيضاً ٍ على أنها نادِ مغلق أمام كل من لا ينتمي إليها. ومن الجدير ذكره هنا أن إجراءات اختيار المرشحين لشغل الوظائف المعلن عنها قد يتم ّ وفق القانون، لكن دون احترام حق الأشخاص في تكافؤ الفرص، حيث تعمد بعض المؤسسات إلى الإعلان في الصحف عن الوظائف الشاغرة، واستدراج طلبات التوظيف، وإجراء المقابلات، فقط مراعاة للشروط التي تطلبها الجهات المانحة، أو أنظمة المؤسسة الداخلية، كل ذلك في الوقت الذي تكون فيه الجهات المتنفذة داخلها قد قررت سلفاً تعيين موظفاً محدداً؛ لأسباب تتعلق بالعشيرة، أو بالحزب، أو العلاقة الشخصية، بعيداً عن المعايير والكفاءة المهنية. ومن الطبيعي، والحال كهذا، أن تتأثر الإدارة سلباً في مستوياتها جميعا، إذ من المؤكد أن المدخلات الإدارية الضعيفة ستؤدي حتمًا إلى مخرجات إدارية ّ أضعف ويتضرر منها بالذات من ليس له واسطة، والفئات الفقيرة والمهمشة في المجتمع، كما يتضرر منها المواطنون عموماً حيث تؤدي إلى تدني مستوى الخدمة الناتج عن وجود شخص غير كفوء لتنفيذ هذه المهمة. وتُعتبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان وعلى الأخص الدول النامية وما لها من تأثير كبير على عملية البناء والتنمية الاقتصادية والتي تنطوي على تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية وبالتالي عجز الدولة على مواجهة تحديات أعمار أو إعادة أعمار وبناء البنى التحتية اللازمة لنموها. ولقد لاقت هذه المشكلة موضع اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين واتفقوا على طريقة وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جدية محددة، الغرض منها مكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره والعمل على تعجيل عملية التنمية الاقتصادية من خلال إعداد الدراسات والبحوث اللازمة لغرض متابعة ومعالجة الفساد المالي والإداري الذي بدأ وما يزال ينخر في جسد الدول، وبشكل واضح ومايتبعه من إعاقة في عملية إعادة الأعمار والتنمية الاقتصادية. إن البدايات الأولى للفساد الإداري ترى فيه ممارسات سلوكية لا تخضع إلى ضوابط أو معايير معينة، خاصة المعايير التنظيمية والبيروقراطية في إطار عمل المؤسسات، وهي بهذا المعنى تعتبر الفساد مرادفاً للانحراف، فلا يقتصر انتشار الفساد على مجتمعات في فترات زمنية معينة، فالفساد ظاهرة إنسانية وزمنية مع اختلاف سعة انتشاره واستفحاله من مجتمع إلى آخر، ومن زمن إلى آخر سببه الرئيسي الظروف والمعطيات التي يمر بها المجتمع، ففي المجتمع اليوناني القديم الذي كان يعاقب على الرشوة بالإعدام طبقا لبعض التشريعات والتي انتقدها سقراط بقوله إن المرتشي كان يجزى على ارتشائه بالترقي في المناصب العسكرية والسياسية.وللأسف فإن أكثر الدول حاجة إلى التنمية هي الدول النامية من أكثرها فساداً، مع حاجة تلك الدول إلى مسارعة الخطى لتقليل الفجوة الحضارية بينها وبين الدول المتقدمة. ان الفساد الإداري لا يفترض بالضرورة أن يكون انحرافا عن النظام القيمي السائد بل هو انحراف عن قواعد العمل وإجراءاته واشتراطاته وقوانينه وتشريعاته. ويأتي هذا الانحراف نتيجة أسباب عديدة ليشكل خرقا لهذه القوانين المعتمدة في النظام الإداري. ذلك ان الفساد الإداري بكافة أشكاله وأنماطه يعتبر آفة تلحق الإضرار بجودة الأداء وفعاليته، وتقف عائقاً أمام اتخاذ القرارات الرشيدة، وتحقيق أهداف المنظمات العامة فيتدنى مستوى الأداء والعطاء، الأمر الذي قد يخلق شيوع الفساد الإداري الذي إذا لم يتم معالجته والقضاء عليه فانه ينخر مؤسسات الدولة. إن الفساد الإداري الذي تعانى منه بعض الأجهزة الحكومية لا يأتي من فراغ وإنما هناك مسببات عدة تقف وراء ظهوره والتي قد يكون منها غياب عنصر الرقابة الذاتية، وكثرة الإجراءات وتعقيدها، وعدم مناسبة الأجر أو الراتب إلى غير ذلك، ومن أجل ذلك من الضروري تلمس هذه المسببات لاجتثاث هذه الآفة وتحقيق الوصول الى حلول يمكن بها التصدي للفساد ألإداري. الإدارة سلاح ذو حدين قد تسعد الإنسان وقد تشقيه فلو انها طبِّقت وفق الأصول والأسس العلمية لها والتي يراد من خلالها العدالة والنمو وتقديم أفضل الخدمات حتماً سيكون الإنسان سعيدا ولو أسيء فهمها وطبقت وفق الأهواء ملبية للرغبات على حساب المصالح العامة فإن الأمر سيتفاقم وتتحول إلى كابوس يؤرق الناس تستغل من خلالها حقوقهم وتُسلب حريتهم ويتم حرمانهم من الخدمات. ان إيجاد آلية معينة لبحث مظاهر الفساد، ومسبباته، وسبل علاجه ومكافحته والوقاية منه، إنه من الصعوبة بمكان تحديد مكامن الانحراف والفساد وسبل إصلاحه ما لم يكن الأمر مبنياً على أسس علمية وقاعدة معرفية من أطراف متخصصة في شتى المجالات المتعلقة بالعلوم الإنسانية، ولتكن هذه الأطراف هيأة استشارية، أو وزارة، أو غيرها من التسميات، يحال إليها كل مظاهر ومؤشرات الانحرافات، وأشكال الفساد المستشري بالمنظمات لإيضاح أسباب هذه المظاهر، وسبل الحد منها، وكيفية مجابهتها والقضاء عليها خلال فترة زمنية معينة، لأن الهروب من العمل، والغياب المتكرر والمتعمد، والتسيب في أداء الوظائف، تُعد مظهرا من مظاهر الفساد، ولكن قد تختلف مسبباتها من جهة أخرى، وبالتالي ما لم تدرس الأسباب بعناية، وتعالج الأمور من جذورها من جهة أخرى تمتلك القدرة المعرفة العملية، والتخصص، والخبرة العملية والرغبة في الاضطلاع بهذه الأمور، فإن احتمال بقاء الخلل او الفساد يبقى قائماً. الفساد هو سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة وأن الفساد الإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص , غير أن ثمة انحرافاً إدارياً يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة , وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد الإداري لكنه انحراف يعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يُعالج إلى فساد إداري. وتتعدد الأسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمعات، يمكن إجمال مجموعة منّ العوامل المرافقة والمساعدة لممارسة الفساد التي تُشكِّل في مجملها ما يسمى ببيئة الفساد. وتجدر الملاحظة هنا إلى أن هذه الأسباب، وإن كانت متواجدة بشكل أو بآخر في المجتمعات كلها، تتدرج وتختلف في الأهمية بين مجتمع وآخر، فقد يكون لأحد الأسباب الأهمية الأولى في انتشار الفساد في بلد أو مجتمع ما، بينما يكون في مجتمع آخر سبباً ثانوياً. وبشكل عام يمكن إجمال الأسباب في, ضعف القانون, ففي معظم المجتمعات التي لم تستكمل حزمة التشريعات الخاصة بتنظيم العمل العام وعدم كفاية التشريعات الخاصة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، أو وجود ضعف في احترام سيادة القانون تُنتهك الحقوق والحريات دون رادع، وتصادر حرية ّ الرأي والتعبير والتنظيم، , وضعف الجهاز القضائي لعدم استقلالية وفعالية أجهزة النيابة العامة التي تتولى التحقيق والملاحقة للكشف عن الجرائم وتقديمها إلى محاكم لا يتمتع قضاتها بقدرتهم على تنفيذ الأحكام التي يصدرونها، يفتح المجال للإفلات من العقاب والمحاسبة والردع بما يُشجع بعض المسؤولين على استسهال التطاول على المال العام، أو استغلال موقعه الوظيفي للحصول على مكاسب خاصة له أو لجماعته. وضعف الإرادة والنية الصادقة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد, وتتمثل في عدم اتخاذها إجراءات صارمة وقائية، أو علاجية عقابية بحق عناصر الفساد، بسبب انغماس هذه القيادة نفسها أو بعض أطرافها في الفساد، وبالتالي لا يتم تطبيق النظام بدقة وفاعلية على الجميع َ بسبب الحصانات، ويفلت من العقاب من لديه وساطة، أو محسوبية، أو نفوذ. وقد أدى تطور الدولة وإتساع نطاق نشاطاتها إلى التفكير ملياً بإيجاد وسائل من شأنها المساهمة في إبراز ذلك النشاط والذي تهدف من ورائه لتقديم خدماتها للافراد, وإستكمالاً لما بدأت به الدولة من اللجوء لمثل تلك الوسائل وجد من الضرورة تنظيم التشريعات المُتَّبَعة في ظِلها للحفاظ على المصالح والاموال العامة والخاصة. إن موضوع الوظيفة العمومية مرتبط بإختيارات سياسية وإيديولوجية للدولة. فتغيير هذه الاختيارات السياسية يؤثر على قطاع الوظيفة العمومية بما في ذلك النظام التأديبي بالإضافة إلى كل ما سبق ساهم في هذا التغير مصادقة أغلب إن لم نقل جميع الدول على معظم المواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان ؛كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى إتفاقيات أخرى جهوية ، كل هذه المواثيق والاتفاقيات كانت مهمة نظراً للمسؤولية الدولية المترتبة عن الإخلال بها. تُعد جريمة الإضرار بسوء نية بالأموال والمصالح من الجرائم ذات الضرر أي تلك التي يشترط لوقوعها حصول ضرر فعلي أو أن يتسبب الموظف أو المُكلف بخدمة عامة في ذلك الضرر من جراء فعله في أن يُصيب الجهة التي يعمل بها ضرراً, والذي يهدف من وراءه الحصول على منفعة لنفسه أو لغيره(1), فالموظف أو المكلف بخدمة عامة يكون متسبباً بالاضرار إذا لم يكن قد دقق في الكشف على المواد التي إشتراها, أو عند إستلامها مما ترتب عليه حصول ضرر للجهة التي يعمل بها فهي من جرائم الخطر وليس من مستلزماتها أن يترتب ضرراً على المصلحة العامة. ولما كانت الدولة في العصر الحديث عبارة عن كم هائل من المؤسسات والسلطات والأجهزة التي تعمل باسم المجتمع ولمصلحته , فان عمل هذه المؤسسات والسلطات والأجهزة يكون وفقاً للقانون بمعناه العام الذي يمنحها الاختصاص والصلاحيات التي تقوم بها والاساس القانوني يعطي السلطة الواقعية لجهة معينة بممارسة اختصاصاتها ، وبموجب تدرج القواعد القانونية فيكون البناء القانوني للدولة من مجموع القواعد القانونية المتدرجة بحيث يقف الدستور في قمتها وبعدها تأتي القواعد القانونية الاقل. مرتبة" منها(2) والقانون عندما يمنح لجهة ممارسة الاختصاص الرقابي فان ذلك يعد ضمانه ضد تعسف بعض الجهات في اقحام نفسها في عملية الرقابة كذلك فان تحديد الاختصاص لجهة معينة بممارسة اختصاصها يعد وسيلة في رقابة الرأي العام على عمل هذه الجهة وفق اختصاصها(3)، يعد الاساس القانوني الذي يمنح الاختصاص الرقابي لجهاز معين من الوسائل التي تكبح جماح الادارة وردها اِلى الطريق السليم إذا انحرفت في تصرفاتها وأعمالها حيث القانون اعطى الاختصاص لأجهزة مستقلة خارجة عن الادارة في ممارسة اختصاص الرقابة عليها وهذا يحقق هدف الرقابة في حماية حقوق الافراد وحرياتهم والمحافظة على المال العام كما وقد يعطي الأساس القانوني للجهة المعنية بالرقابة في بعض الدول صلاحية توجيه أسئلة واستفسارات اِلى المواطنين وعلى المواطنين ان يجيبوا عليها( 4) لكي تقوم هذه الأجهزة بدورها الرقابي بصورة سليمة وتفعيل عملها بالاعتماد على هذه الاسئلة الموجهة للمواطنين واشاعة ثقافة الرقابة في المجتمع . ونظام رقابة اجهزة خارجية ومستقلة الذي ينص القانون عليه كفيلا" بتحقيق الغاية التي تهدف اليها الدولة الحديثة في رقابة أموالها و مراقبة أعمال وتصرفات الجهات والسلطات الاخرى في الدولة بحيادية تامة من اجهزة مستقلة عن السلطات لا تتبع أو تخضع لتلك السلطات والادارات دون اي تأثير على العمل الرقابي الذي تقوم به. ------------------------------------------- 1-د.فتوح عبد االله الشاذلي , المسؤولية الجنائية , دار المطبوعات الجامعية , الاسكندرية , ٢٠٠١ .1- -لطيف شيخ محمود البرزنجي , الجرائم المخلة بالثقة والمصلحة العامة , المكتبة القانونية , بغداد 2015 2- 3-د.ماهر صالح علاوي الجبوري , الوسيط في القانون الاداري , دار ابن الاثير للطباعة والنشر , جامعة الموصل , الموصل, ٢٠٠٩ 2-د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20 3 دانا رحمن فرج , ضمانات خضوع الدولة لمبدأ الشرعية , رسالة ماجستير , جامعة محمد بن سعود- الاسلامية, المعهد العالي للقضاء , قسم السياسة الشرعية, السعودية , 1428-1429 هـ , ص 92 4-د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20
22
ضعف الشرعية السياسية يؤدي إلى إختلال الحياة العامة د. ماجد احمد الزاملي إنتشر الجهل والتخلف بشكل كبير في أوساط الشعب العراقي أيام النظام السابق,نتيجة الحرمان من أبسط مقومات الحياة بسبب الحصار القاسي والديكتاتورية . وإتبّع النظام السابق سياسة داخلية قمعية واستبدادية وقاسية عانى العراقيون من جرائها الويلات وكثرت الانقسامات وزاد الفساد الذي نعيش نتائجه إلى اليوم. وبعد سقوط النظام ، بدأ الارهاب وكل وسائل التدمير للقضاء على ماتبقى.. تقوية الدولة والجيش والأمن يبدأ بإلغاء الفساد الذي تتمّثل أولى مظاهره في جانبه الرسمي والعلني والقانوني. إن القضاء على الفساد يتمّ بإصلاح سمعة القيادات والمسؤولين وأعضاء البرلمان وكبار موظفي الدولة، بدءاً بتقليل رواتبهم وامتيازاتهم التي تفوق حتى مستويات الدول الكبرى, أن المشكلة الحقيقية لكل الأطراف السياسية في العراق هي غياب المشروع الحقيقي لبناء الدولة، حتى أنهم لا يمتلكون مشروعا أصلا. و قيمة المشروع السياسي تكمن بأن هناك آيديولوجية معينة قائمة على مباديء واضحة في بناء الدولة، و مشروع بناء الدولة ينبغي ان ينطلق من الواقع , بل يعتمد على الرؤية المستقبلية لما يجب أن يكون عليه شكل الدولة ومؤسساتها وكيف يمكن للمجتمع التواصل مع تلك المؤسسات. لا شك أن السلطة البعثية الصدامية التي حكمت لفترة طويلة أستمد منها البعض فكرها وقناعاتها وحتى المباديء فهي نتيجة تجهيل وتربية حقد وكره نتج عن الفقر والظلم الذي جرى عليه, وهنا نستطيع القول بأنَّ المهمة الأولى والأخيرة لهؤلاء أن تكون صرخة الحق أمام كل الفساد اللإنساني والأبعد من ذلك السعي إلى نشر الوعي فالوعي والإنسان المتعلم لا الجاهل هو وحده من يستطيع أن يكون عقبة في إقامة دولة جائرة وبالطبع هذا الإنسان الحر لن يقف خلف مؤسسة أو دار عبادة فهو يقف دائماً خلف الحقيقة والحق الذي لا يتغير ولا يُستبدل فالإنسان وحرياته والعدل هو أهم ما يمكن العيش من أجله وأن لا يكون الإنسان مجرد وقود يُحرق لتعيش هياكل وهمية هدفها تمكين الاستبداد والظلم وأن لا يكون الإنسان عبد لغيره ولا عبد لرغباته وللرذيلة. وهذا أصعب تحديات الأحرار الذين يهدفون إلى زرع هذه المفاهيم الفكرية التي تحمي الشعب من الجهل والاستبداد. ويمكن القول بأن ضعف الدول , يُقاس في كثير من الأحيان، بمدى قوة الشرعية فيها أو انحلالها ,ففي معظم الأقطار العربية نجد الشرعية شبه غائبة ولكن في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية أعطى رؤى جديدة سمحت للقوى الشعبية في أن تظهر لتفرض نفسها من أجل إيجاد وصياغة أنماط شرعية جديدة تدعى بالثورات الشعبية، وذلك من أجل بلوغ شرعية السلطة القائمة. فمصادر الشرعية في الأنظمة السياسية العربية اتسمت بالتقليدية وعدم الثبات الأمر الذي أدى إلى اهتزاز استقرار النظام السياسي فيها إذ نجد أن السلطة في تلك الأنظمة، دائما تسعى لكسب شرعيتها انطلاقاً من شخصيات كاريزمية وزعامات سياسية سابقة أو تجعل من اللين كذريعة لتبرير شرعيتها في الوقت نفسه نجد أن هناك غياب شبه كلي للمصدر العقلاني القانوني، الذي يعتبر الأساس في عملية استقرار النسق السياسي وثباته. والأمر الذي أدى هو الآخر من زيادة حدة مشكلة الشرعية، في الأنظمة السياسية العربية هو الإحتكار و الاستبداد و التسلط الممارس من قبل السلطات ، إذ شكَّل كل هذا عائق أمام عملية البناء المؤسسي في تلك الأنظمة، إذ أصبحت الدول العربية عاجزة أمام هذه المشكلات وأثبتت عدم قدرتها على ترسيخ وتثبيت قيم الشرعية من جهة، وعدم قدرتها على إثبات نفسها باعتبارها مركز الولاء للفرد من جهة ثانية. فمن أخطر الأزمات التي تصيب النظام السياسي هو أزمة الشرعية. وعدم قدرة الدولة لتثبت قيم الشرعية من جهة، وعدم قدرتها على جعل نفسها بؤرة الولاء الأكبر للفرد. وتنامي نفسية وذهنية الولاء الفردي لكيانات ما قبل الدولة مثل الإنتماء الجهوي والطائفي والقبلي عجز الدولة أن تكون وعاء لسياسة تعكس المصالح الوطنية العامة. وعجز الدولة كذلك على إشاعة الدولة الديمقراطية والقانونية كإطار لمفهوم المواطنة وتجاوز كل أصناف الولاء التقليدي، إلى مصاف الولاء للدولة والقانون. إخفاق الدولة في تحقيق الإندماج السياسي والإجتماعي والإقتصادي والعدالة التوزيعية فيما يخص السلطة والثروة. الشرعية تحمل بعدين أولهما يراعي الشق القانوني أي تكون كل الممارسات التي تقوم بها الدولة تتوافق مع ما نص عليه القانون والدستور والشق الثاني الذي يُفسِر و يعكس لنا البعد القِيَمي، أي أن تكون العلاقة القائمة بين الحاكم و المحكوم مبنية على التوافق ومنه يتحقق التأييد و الرضا العام و بذلك تكتسب السلطة شرعيتها. إذا عَرَفنا أنَّ الديمقراطية هي مشاركة الشعب في الحكم والسلطة بإختيار ممثليه في مؤسسات هذه السلطة لإيصال صوته ومطالبه إليها ومن هنا نعرف ما لذلك من أهمية لحضور تأثير الشعب في صنع القرار ولكن هذا التأثير يحتاج إلى حالة من الأمن والاستقرار تجعل المواطن واثق من نفسه مطمئن عندما يُبدي حقه السياسي وإبداء رأيه وبناءً على ذلك يكون هذا المجلس أو تلك المؤسسة الديمقراطية تجسيداً للمشاركة الشعبية فالإستقرار إذن هو استقرار سياسي اجتماعي يضمن للجميع التأثير السياسي والمشاركة الديمقراطية. نجد أن هناك تصوراً مشوهاً لمفهوم الديمقراطية والحرية والمساواة وما تعني المواطنة ومن هو الآخر وما هي الهويات الفرعية وكيف يمكن الحفاظ عليها، إذ نجد أن هناك خلطاً بين الدين والسياسة ولاتوجد حدود فاصلة بينهما ليعرف المتدين والسياسي حدودهما فيتحركان ضمن الأطر المرسومة في الدستور. ونتيجة لذلك أتجهت تلك التيارات الإسلامية للمشاريع الطائفية لتحشيد القاعدة الجماهيرية لها. إن تجربة السنوات ما بعد سقوط الديكتاتورية أثبتت فشل نظام المحاصصة الطائفية والقومية في قيادة الدولة العراقية، لأنه مخالف للديمقراطية ولا يعترف بقيمة المواطن ومؤهلاته،بل يهتم بانتمائه الطائفي والجهوي. لقد أدت المحاصصة إلى شلل البرلمان وضعف الدولة وانتشار الفساد والمحسوبية، لأن المسؤول لا يشعر بالانتماء للدولة وللشعب بل للطائفة والقومية والحزب. إن قيام بعض الأحزاب والجماعات والقيادات بالدعوة إلى مشروع وطني لا يكفي أبداً، ما لم يقترن بالإعلان رسمياً عن تغييرات في النظم الداخلية لهذه الأحزاب وتغيير أنظمتها الداخلية وبرامجها ومعتقداتها الطائفية والقومية العنصرية المغلقة. العراق يعتبر من أكثر البلدان التي تتمتع بانسجام قومي وثقافي وديني,مشكلة العراق الحقيقية ليست بتنوعه القومي أو الديني لان هذا التنوع يعتبر قوة للدولة كما هو الحال بالنسبة لامريكا نفسها ، بل أن ضعفه يكمن في الانقسام الطائفي. لهذا فأن إلغاء هذا الانقسام الطائفي يُعد المهمة الأولى والكبرى والأساسية من أجل بناء (هوية وطنية) ودولة مستقرة وطنية تاريخية، وثقافة وطنية عراقية، تعتبر الوطن هو الأساس وليس الطائفة. والدستور العراقي يحوي على الكثير من الثغرات ، ويحتاج الى تشريع الكثير من القوانين من اجل شرح وتوضيح العديد من قوانينه ، وقد تدخلت في صياغته ايادي ارادت له أن يبقى مثار جدل بين اطياف العملية السياسية ، وهذا ما نلاحظه اليوم في التفسيرات المتقاطعة للكثير من بنوده. أسهم الاحتلال الأمريكي في تغيير موازين القيادة داخل العراق بعد سقوط النظام، حيث أدى إلى بروز تيار الإسلام السياسي كقوة فاعلة في العراق، تزامناً مع فشل المشروع القومي ، وتعثر اليسار العراقي والعربي بشكل عام. فأصبح العراق تحت قيادة احزاب اسلامية انعكس ذلك سلباً على الداخل السياسي العراقي، من حيث تعامل الحركات السياسية الطائفية مع بعضها بعضا دون الاعتماد على النهج الديمقراطي في تسيير عجلة العملية السياسية. دور العراق في المشروع الأمريكي فيما بعد الانسحاب حددته الأطراف الرئيسية في العملية السياسية ، ويتحدد ذلك من خلال المفاوضات بين الجانبين على أسس وطنية تسهم في تصحيح مسار العملية السياسية، وذلك بإلغاء المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومة الوطنية، وتفعيل دور المصالحة الوطنية، واستيعاب كافة الأطراف في بناء مركز الدولة. كل ذلك من شأنه أن يدفع باتجاه بناء عراق قوي يستعيد مركزه وقوته الداخلية والإقليمية، وإفشال مؤامرات المشروع الأمريكي التي تسعى إلى إعادة المشروع من الخارج للتأثير فى الداخل العراقي، بعد استغلال الضعف الداخلي. تكمن ازمة الدولة في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص انها كانت نتيجة طبيعية للإستعمار الكولنيالي، فهي لم تكن نتاجاً طبيعياً للبيئة المحلية ولا تعبيراً عن رغبات الجماعات السكانية المتنوعة او تمثيلاً طبقيا للمجتمع، بل انها كانت نتاجاً فوقياً. و الازمة الامنية، التي تولدت من الازمة السياسية، ووقوف النخب السياسية وراء طوائفهم .وقد استفحلت هذه الازمة بسبب انشغال الساسة بمشاكلهم، والعمل على تصفية الحسابات فيما بينهم، ما جعل الباب مفتوحاً امام الجماعات المسلحة، المدعومة من دول عربية واقليمية ، بتثبيت موطأ قدم لها في العراق، والعمل بفعالية كبيرة، جعلت من العراق مرتكزا للارهاب العالمي الذي مهَّد للحرب الطائفية في السنوات الماضية وبعدها دخول تنظيم داعش . هذا بدوره نتج عنه تدخلات من دول اخرى خلقت اوضاعا سياسية جديدة ترتبط بشكل أوبآخر بها وتتوافق معها في رسم سياستها العامة، خصوصاً في القضايا الدولية، وهذه الدول هي التي ادامت الصراع من خلال الدعم المالي واللوجستي لبعض الاطراف السياسية العراقية، ودفعت بالوضع الى حالة عدم الاستقرار السياسي الدائم، وبات البلد مرتكزاً لتصفية الحسابات بين هذه الدولة وتلك، ما اجاز بالضرورة محاولة كل هذه الدول الى التدخل حتى في موضوع المصالحة الوطنية، بل محاولة ادارتها بنفسها، وفرض شروطاً معينة من اجل تمرير بعض النقاط التي تخدم مصالحها ووجودها في المنطقة.
23
آثارُ الجرائمِ المالية والفساد على إقتصادات الدول د.ماجد احمد الزاملي في عالم اليوم المُعَولَم، لا يوجد بلد أو نظام حُكم يعيش في فراغ. إذ يجري تسهيل قدرة الحكومات الفاسدة على إحتكار الموارد في بلدانها من جانب أطراف خارجية مساعدة، هي في الغالب مؤسّسات وأفراد غربيون. ولعَلَّ أهم جهة مساعدة في هذا السياق هي الصناعة المصرفية الدولية. فعلى الرغم من التغييرات الحقيقية التي أُجريَت على قواعد السرّية المصرفية والتدابير التي أُتّخذت للحدّ من غسيل الأموال، لايزال هذا القطاع بمثابةِ ناقل رئيس لتحويل الثروة الوطنية إلى أيدي أشخاص وإخفائها في الخارج. ويلعب المهنيون الغربيون الآخرون، مثل المحامين أو شركات المحاسبة العريقة، التي تعمل في الغالب عبر فروعها الإقليمية، دوراً مماثلاً، وإن كان أقلّ محوريّة. تُعتبر الجرائم الإقتصادية من بين أهم المؤشرات التي تخلق نوعاً من اللاتجانس في النظام الإجتماعي، من خلال عرقلة مسار التنمية بكل مستوياتها سواءً الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية, وذلك في ظل العولمة التي جعلت من إقتصاديات الدول اقتصادً حراً مما تسبب في تحرير التجارة وفتح الحدود وإنفتاح الأسواق على رؤوس الأموال المختلفة، وتزامن ذلك مع قفزة علمية طوَّرت مجال تكنولوجيا المعلومات والإتصال. لقد نشأ وتطور مفهوم التكتلات الاقتصادية في ظل البلدان الصناعية وأصبح يُنظر إلى هذه التكتلات على أنها ضرورة مُلِحَّة خاصة في مرحلة تطَور القوى المنتجة التي وصلت إلى مستوى معين من التطور والتقدم وساعد في ذلك العِلِم والتقنية وتزايد الإنتاج ,والتعميق الحاصل في عملية تقسيم العمل الدولي. أن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة إلاّ أنّ ظهورها كتجربة إقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية إتخذتها مجموعة من الدول سواءً كانت نامية أو متقدمة، رأسمالية وإشتراكية، لمواجهة مختلف التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة فظهرت هذه التكتلات كنتيجة للقيود في العلاقات الدولية وكمحاولة جزئية لتحرير التجارة بين عدد من الدول، فظهرت التكتلات الاقتصادية في صورة مشروعات فردية قدمتها أمريكا للدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، مثل مشروع “مرشال” الذي يهدف إلى تقديم المساعدات الاقتصادية المصحوبة بشروط سياسية وعسكرية، وقد كانت شعوب قارة أوروبا أول من ساهم في نشأة هذه التكتلات وذلك بحكم ما تعرَّضت إليه هذه الشعوب من أزمات إقتصادية نتيجة للحرب العالمية الثانية، فذاقت ويلات الهزيمة وأصبحت دول هذه الشعوب منهارة إقتصادياً وعاجزة عن النمو فأدركت بأنه لابد من تكتلها ومن جميع النواحي لإعادة بناء اقتصادياتها ومواجهة السيطرة المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، ومواكبة مختلف التطورات الكبيرة في العِلِم والتكنولوجيا. من هنا تكتلت دول أوروبا الغربية في شكل سوق مشتركة سنة 1957، وكانت هذه الأخيرة صورة مثلى للعديد من الاقتصاديين والسياسيين الذين اعتبروها نموذجاً يحتذي به بين مجموعات دولية أخرى، ثم انتقلت ظاهرة التكتلات إلى مجموعة أخرى من الدول، فنشأت منطقة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية، والسوق المشتركة لدول أمريكا الوسطى. وبحكم العولمة أصبحت الدول تعتمد على بعضها البعض أكثر فأكثر، كما أصبح للشركات المتعددة الجنسيات الضخمة مكاتب أو نقاط على طول سلسلة الإمداد الخاصة بها في العديد من البلدان المختلفة، ولذلك ينبغي الحفاظ على علاقات جيدة مع دول أخرى تمرّ عبرها حلقات الإمداد أمراً في غاية الأهمية للعديد من القادة السياسيين والكثير من رجال الأعمال، طالما أنّه سيضمن إستمرار رفاهيتهم وأعمالهم. فمثلاً الترابط الاقتصادي بشكل خاص في منطقة اليورو لم يُعزِّز السلام وحسب، بل زاد أيضاً من حجم التبادل التجاري بين الدول وجعل تنقُّل العمالة في تلك المنطقة أكثر إنسيابية . ويمكن للمصالح الاقتصادية أن تجعل منطقتنا أكثر سلاماً واستقراراً ممّا هي عليه الآن، ويُعتبر دور الاقتصاد في منع نشوب الحروب والصراعات المُدَمِّرَة مهمّاً للغاية، ولكنه ينتهي عندما تصبح عواقب السياسات الاقتصادية وخيمة جدّاً، وبعيدة المدى وفي بعض الحالات غير مُتوقَّعة. والإستقلال الاقتصادي وألإكتفاء الذاتي يعتبران من ضمن حقوق ألإنسان الأساسية,وإقامة العدل والدفاع عن حقوق الانسان يُعتبران من أنبل الغايات الانسانية,حيث أنَّ موضوعات حقوق الانسان تُعَد من أهم الموضوعات المُثارة حالياً على كافة المستويات الدولية والإقليمية والوطنية . فإساءة استخدام النظام المالي يمكن أن يلحق الضرر بسمعة المؤسسات المالية، محدثًا آثارًا سلبية على ثقة المستثمرين وبالتالي يزيد من ضعف وإرباك النظام المالي. ولا ينشأ الضرر الاقتصادي من أفعال الجريمة الاقتصادية والمالية المباشرة وحسب بل أيضًا من مجرد وجود تصور بأنَّ تلك الأفعال تحدث، وبذلك يؤثر على سمعة النظم المالية وعزوف الاستثمار الخارجي . وفي العديد من البلدان أيضًا يؤدي اشتباه الجمهور على نطاق واسع بأن الصفوة ترتكب الجرائم الاقتصادية والمالية في القطّاعين العام والخاص إلى تقويض شرعية الحكم . وتحرص المجتمعات وخاصة الديمقراطية منها على كفالة الخصوصية ، وتعتبره حقا مستقلاً قائماً بذاته ، ولا تكتفي بتشريع القوانين لحمايته بل تسعي إلى ترسيخه في الأذهان ، وذلك بغرس القيم النبيلة التي تلعب دوراً كبيرا وفعالاً في منع المتطفلين من التدخل في خصوصيات الآخرين وكشف أسرارهم . ولقد حظي هذا الحق باهتمام كبير سواءً من جانب الهيئات والمنظمات الدولية أو من جانب الدساتير والنظم القانونية ، فعلى الصعيد الدولي نجد أن هذا الاهتمام يبرز في صورة اتفاقيات دولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 217 المؤرخ في 10/12/1948 م في المادة (12) منه. لذلك ينبغي تفعيل العلاقة بين الأجهزة القضائية المختصة بقضايا المال العامة والأجهزة الرقابية مثل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا للمناقصات والمزايدات. وإستمرار التحري وجمع الأدلة لفترة طويله قد يستمر لأكثر من سنه , يؤدي إلى تميّع القضايا الجنائية وهروب البعض قبل المحاكمة. و تشتمل الأنظمة القانونية المختلفة بما فيها النظام القانوني العراقي على مجموعة قوانين تهدف لحماية المال العام إبتداءً من حماية المنابع الأقتصادية والتي تُمَثِّل الجهات الأيراديه والثروات الوطنية المختلفة التي تحقق عائداً للدولة وتهدف الدول من خلال هذه التشريعات ضمان تحصيل كافة الأموال العامة ووصولها إلى الخزينة العامة للدولة والأشراف على عملية استثمار الموارد الناتجة من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن ومنتجات القطاعات الأخرى من الموارد الأقتصادية للبلاد كما تشتمل الأنظمة القانونية على قوانين رقابية وإجرائية وعقابية لحماية المال العام من الأختلاس والنهب أو التلاعب بمقدرات الشعب. ولذلك تتسم المكافحة الفعّالة للجريمة الاقتصادية والمالية بأهمية حاسمة للتنمية المستدامة وبناء المؤسسات. والإجرام الاقتصادي يعني الأفعال الضارة الاقتصادية والتي يتولى القانون تحديدها لحماية مصالح البلاد الاقتصادية . فثمة نصوص تهتم بحماية النظام الاقتصادي في مجال الأنشطة المختلفة ومن أهمها حماية الأموال العامة والخاصة من العبث أو امتلاكها خِلسة أو حيلة أو عنوة، وتحقيق أرباح غير مشروعة، أو بتوجيه سياسة الدولة لتحقيق مصالح ذاتية ومن بين تلك الجرائم الضارة بالمصلحة العامة إستغلال الوظيفة العامة لتحقيق أغراض شخصية عن طريق الرشوة والتربُّح وإستغلال النفوذ لتحقيق مصالح ومنافع وميزات شخصية. ولمّا كان القانون الجنائي يهتم بحماية المصالح الأساسية للمجتمع الإنساني فإن من أهم هذه المصالح حماية المال من جرائم الاعتداء عليه سواءً كان المال عامًا أو خاصًا. وباستقراء نصوص التشريعات الاقتصادية تتضح سياسة المشرِّع تجاه حماية المال العام من العبث بوصفه جرمًا جسيمًا، وتطبيقًا لذلك فقد نص المشرِّع المقارن على جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر والاستيلاء عليه بأي صورة أخرى، ومن بينها أيضًا تقاضي عمولات عن صفقات أو غير ذلك من الأفعال، وقد فرضت عقوبات جسيمة لمنع العبث بالمال، ومن أهم الجرائم الاقتصادية جرائم الفساد واختلفت النظم السياسية في شأن محاسبة المسؤلين السياسيين وكبار الشخصيات في حالة انحرافهم بالمسؤلية المنوطة بهم وفساد ذممهم .. إذ تجنح بعض النظم إلى الاكتفاء بالتطهير أو الجزاء الإداري والإقالة في حالة الاتهام بالانحراف والفساد. بينما تأخذ دول أخرى بنظام الجمع بين العقوبة الجنائية والجزاء الإداري مهما كان مركز الجاني الوظيفي وذلك إعمالاً لمبدأ " سيادة القانون" الذي يُعتبر أصلاً من الأصول التي تقوم عليها الديمقراطية. وتُعتبر ظاهرة التهريب من أخطر المشكلات التي تواجه الكثير من الدول في العصر الحديث لما لها من آثار مدمِّرة على الاقتصاد العالمي وعلى وجه الخصوص على اقتصاديات الدول الفقيرة ومنها العراق واليمن مثلاً. هنالك الكثير من الاثار السلبية للتهريب حيث يُعتبر عامل هدّام لقدرات الدولة ,مثل تدمير الصناعة المحلية نتيجة للمنافسة الغير متكافئة من جراء دخول السلع الأجنبية بدون دفع رسوم جمركية مما يجعلها رخيصة أمام المستهلك المحلي الذي بدوره يحجم عن شراء المنتجات المحلية، وينجم عن ذلك إنخفاض الإنتاج المحلي الذي بدوره يفضي الى تسريح جزء من القوى العاملة التي تنضم الى طابور البطالة والفقر الذي تعاني منه الدول النامية بشكل كبير. 1-السياسة الجنائية للسياسة الجنائية – السياسة الجنائية العِلِم الذي يَهدف إلى إستقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السُبِل لمكافحتها - مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية ، فتبحث في مدى تلائم التجريم المقرر من قبل المشرِّع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع ، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المُقرر فيها ، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الإجتماعى والخُلِقي والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرّمة لتحديد أى الوقائع يجب أن تبقى مجرّمة، وأيها يجب إباحتهِ ، وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم. والدستور وقانون العقوبات العراقيان يحتويان على نصوص كثيرة فى مجال الحريات والمحاكمات العادلة ولكن التقصير يقع على أطراف تطبيق الدستور والقانون( مأموري الضبط القضائى ,النيابة ,القضاء والمحامون). فلا مِريَة أن الدولة تستعين اليوم بالقانون الجزائي لحماية مصالح وحقوق كثيرة تنص عليها قوانين أخرى غير عقابية، كما وأنّ قانون العقوبات الأساس لم تتسع نصوصه لمواجهة الكثير من الظواهر الإجرامية المستحدثة، ولذلك كثرت التشريعات التكميلية والخاصة التي يتصف الكثير منها بالغموض والتعقيد والطبيعة الفنية، كقوانين الضرائب وحماية البيئة، والتشريعات المالية والاقتصادية، واللوائح الكثيرة التي تحمي الأمن العام والسكينة العامة والصحة العامة .وتنتقل السياسة الجنائية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية ، كي تقيم العقوبات المقررة وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات . ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية ، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية ، وكفالة إتِّباع أسلوب علمي في تنفيذ الجزاء على المُجرِم بما يضمن تأهيله وإصلاحه وتهذيبه وإعادة اندماجه في المجتمع مرة أخرى. أنّ المشرِّع يضع الخطوات والإجراءات التي تُباشرها السلطات المختصة فـي الدولة – منها قاضي التحقيق - من أجل تقصي الحقيقة وملاحقة مرتكب الفعل المخالف للقانون وإيقاع العقاب اللازم متى توافرت أسبابه، وهو في وضعه هذه القواعد يُحدد متطلبات عدم المساس بالحريـة الفردية، فالقانون وحده هو المصدر الوحيد الذي يرسم ويُحَدِد تلك القواعد الإجرائيـة منـذ تحريـك الدعوى الجزائية حتى إنتهائها بحكم بات، ويُعرَف هذا الانفراد في تنظيم الإجراءات الجزائيـة بمبـدأ قانونية الإجراءات الجزائية. ومن هذا يتضح أن مبدأ الشرعية الإجرائية يقتضي إحترام الحرية الفردية المقـررة بالقـانون أثناء الدعوى الجزائية، وتكفل قوانين الدولة تحديد ما يتمتع به الفرد قِبَل الدولة من حقوق يتعين عـدم التفريط بها أثناء سير الدعوى الجزائية، كما تحرص دساتير بعض الدول على توفير أهم الضمانات التي يجب إحترامها وخاصةً ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الدفاع، وترسـم هـذه الدساتير الخطوط العريضة للمشرِّع وتُحدد له الإطار الذي يستطيع بداخله تنظيم إجـراءات الـدعوى الجزائية(1). 2- الفساد السياسي / /الاقتصادي /الاداري الفساد هو سوء استغلال السلطة العامة لتحقيق مكاسب خاصة وأن الفساد الإداري يحتوي على قدر من الانحراف المتعمد في تنفيذ العمل الإداري المناط بالشخص , غير أن ثمة انحرافاً إدارياً يتجاوز فيه الموظف القانون وسلطاته الممنوحة دون قصد سيء بسبب الإهمال واللامبالاة , وهذا الانحراف لا يرقى إلى مستوى الفساد الإداري لكنه إنحراف يُعاقب عليه القانون وقد يؤدي في النهاية إذا لم يُعالج إلى فساد إداري. الفساد الإدارى يُمثل أهم المشكلات والصعوبات التى تعترض برامج وخطط التنمية وأن آثار الخطط السلبية لا تقتصر على المجتمعات النامية بل تمتد إلى كل المجتمعات إلاّ أن الفساد الأدارى يكون أكثر أثراٌ فى المجتمعات النامية والتى تعاني من ضعف البنيان المؤسسي وغياب المشاركة الديمقراطية وتُعتبر ظاهرة الفساد والفساد الإداري والمالي بصورة خاصة ظاهرة عالمية شديدة الانتشار ذات جذور عميقة تأخذ إبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب التمييز بينها، وتختلف درجة شموليتها من مجتمع إلى آخر. إذ حظيت ظاهرة الفساد في الآونة الأخيرة بالإهتمام في مختلف الاختصاصات كالاقتصاد والقانون وعلم السياسة والاجتماع، كذلك تم تعريفه وفقاً لبعض المنظمات العالمية حتى أضحت ظاهرةً لا يكاد يخلو مجتمع أو نظام سياسي منها . وتحرص كل الدول على اختلاف حجمها ومستويات نموَّها على إنشاء مؤسساتها الخالية من الفساد والترهل الوظيفي ، كما تحرص أيضاً على تطوير هذه المؤسسات من آن لآخر لقناعتها بأهمية الدور الذي تقوم به دوائر ومؤسسات الدولة ,في نقل الدول إلى مراحل متقدمة من النمو. ويُمثل الفساد قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية ، ويترتب على الفساد خلل فى الكفاءة الاقتصادية ، نظراً لما ينتج عنه من سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توجيه الاستثمارات ، فضلاً عن إعاقة الاستثمارات والتراكم الرأسمالى ، ومن ثم ، يعوّق عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة لما يترتب عليه من خلل فى توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع ، فضلاً عما يترتب عليه من عديد من الآثار السلبية اجتماعياً وسياسياً وتعوّق تلك الآثار عمليات الإصلاح ، ولذا أصبحت قضية الفساد من القضايا التى تشغل بال الجميع ، نتيجة لزيادة حجم الفساد واتساع دائرته وتشابك حلقاته وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل. التفاعل بين المظاهر الجديدة للفساد الحكومي الحادّ، الظاهر للعيان خصوصاً منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وبين ردود الفعل العامة التي تأخذ أشكالاً جديدة، لايزال غير مفهوم بصورة كافية. غير أنه لايمكن الآن إنكار الدور الذي يلعبه الفساد في تحفيز المخاطر الهامة على الأمن الدولي. ولذا، فإن إجراء دراسة متأنية لتداعياته في ظروف وبيئات محدّدة يمكن أن يساعد واضعي السياسات في تبنّي خيارات أفضل من بين مجموعة أوسع من خيارات المشاركة للحدّ من احتمالات حدوث صراع أو أزمة مفتوحة. تعاني الأسو ق المالية من مشكلة ما تفرزه التوقعات من نتائج حول آتجاهات الأسعار في الأسواق، فالأسواق المالية لا تعرف بالتأكيد ماذا سيحصل لأسعار الأدوات المالية من تأريخ الشراء حتى تاريخ الإستحقاق، ومن حالة عد م التأكد من ذلك , وهذه يتولد عنها عنصر المخاطرة، ومن هنا يتضح أن خطر السوق يعني آحتمالية تغيّر أسعار الأدوات المالية آنخفاضاً أو إرتفاعاً , ان هذه الحالة تُحمِّل الشخص المستثمر أما خسارة رأسمالية أو كسباً وقت الشراء ووقت البيع، وان الخطر يزداد بآحتمالية زيادة الخسارة (2). وتأثير الصناعة العسكرية على ميزانيات الدول يجعل معظم أموال الدول لا تذهب إلى القطاعات الصناعية الخادمة للتقدم الاجتماعي، بل نحو الصناعات العسكرية، وهذا يؤدي إلى نزوح العديد من البلدان الرأسمالية والبلدان النامية عن هذه المجمعات الصناعية، في ظل أخذ الدول الرأسمالية (غير المُصنِّعة للسلاح) حاجتها من السلاح من الدول الاشتراكية السابقة كروسيا، وكذلك من الصين، وفي ظل منافسة المجمعات العسكرية الرأسمالية للمجمعات العسكرية الرأسمالية الأم. كل ذلك يسير بوتائر سريعة للتضخم المالي والسلعي، ويؤثر في فوضى حركة الأوراق المالية التي تعبِّر عن الفوضى في حركة الاقتدار الصناعي السلعي والتكنولوجي، إلى جوهر أزماتها من أزمات الركود والأزمة العامة والأزمة الهيكلية واللعب بالأسواق المالية. ولم يعد الفساد مجرد آفة مؤقتة من آفات المجتمعات الخاضعة لعملية التحديث ,والتي يمكن معالجتها بالتعليم والتنمية والأخلاقيات العامة. فبالإمكان لمس الآثار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السيئة الناتجة عن الفساد مهما كان حجمه. إنَّ تقديم البرهان على الالتزام بالحكم الوطني ومن ثم التعهد بالإدارة الرشيدة للشؤون العامة لم يعد شرطا ضمنيا بل أصبح الآن شرطاً صريحاً في برامج الإصلاح التفصيلية (على غرار ما أصدرته لجنة المساعدة الإنمائية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 1997). أن تباين السياسات الاقتصادية في الدول العربية صاحبه اختلاف في البناء المؤسسي الاقتصادي لهذه الدول، إعادة تقسيم المجتمع إلى طبقتين، أغنياء وفقراء. شهد الربع الأخير من القرن المنصرم اتجاهات لتفكك الدولة القومية وإعادة دمجها بالاقتصادات الرأسمالية، إلاّ أنه يصعب الاندماج من دون إزالة وتغييب الهوية القومية ومكوناتها. وقد بدأت هذه التحولات من منطلقات اقتصادية، وفقاً لتوجهات برامج المؤسسات الدولية البنك والصندوق الدوليان إلاّ أنها واجهت صعوبة لإختلاف أنماطها السوقية والبنى الاقتصادية للنظام الدولي الجديد. فإستقرار الدولة والمجتمع الوطني رهن برسوخ مؤسسات ذلك المجتمع وخصوصاً الاقتصادي منها , وثقافة هذا المجتمع الحديثة في الحياة الوطنية , و رسوخ لمؤسساته في ظل أنظمة سياسية لا تملك اقتصاداً قوياً وواسعاً يشعر فيه الأفراد بالطمأنينة والأمن والاستقرار ,فلا تساورهم المخاوف والشكوك من قدرة حكوماتهم على تحقيق أمالهم وتطلعاتهم المستقبلية , وخصوصاً من الناحية الاقتصادية. 3- سيطرة أميركا والشركات العابرة للحدود على ألإستثمارات بما أن الدولار أصبح سيّد العملات، فقد نجحت واشنطن في تحقيق سيطرتها عن طريق الاستثمارات وشراء المشروعات القائمة في أغلب البلدان، مقابل وعود بالتسديد بالدولار، ومقابل إعطاء الدائنين شهادات بتلك الوعود، فكانت "برامج الإعمار" العملاقة التي جعلت أوروبا واليابان، بمصانعها وشركاتها وأسواقها، بلداناً تابعة يقتسم الاحتكاريون الأميركيون منافعها وأرباحها. غير أن المخصصات الأميركية لم تكن تكفي لإعادة الإعمار، بل هي كانت حقاً الجزء الأصغر من التكاليف، أما الجزء الأكبر فقد وقع على عاتق الشعوب في أوروبا واليابان، وحتى الجزء الأميركي الصغير لم يأتِ من خزائن الاحتكاريين الأميركيين، بل من مدّخرات المودعين والمساهمين الأميركيين الصغار، ومن دافعي الضرائب، ومن بعض المصارف الأميركية، فهم بالإجمال لم يوظفوا من أموالهم إلاّ النزر اليسير، وجنوا الفوائد الضخمة والأرباح الطائلة التي عزّزت مواقعهم في النظام الاقتصادى الدولي.و تعاني اقتصاديات الدول خاصة الرأسمالية من مشكلة ضيق الأسواق وصعوبة تصريف منتوجاتها، فتلجأ إلى التكامل لتصبح أسواقها أوسع تشمل جميع الدول الأعضاء ويترتب عن ذلك زيادة إنتاج المشروعات لمقابلة الزيادة في الطلب على منتوجاتها، وبالتالي تشغيل الطاقات المعطَّلَة وغير المُستَغَلَّة كما يؤدي إلى تحقيق توفّر الحجم الكبير.وعرف صندوق النقد الدولي في تقريره آفاق الاقتصاد العالمي سنة 1995" العولمة الاقتصادية بأنها تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين دول العالم، عن طريق زيادة حجم وتنوع معاملات السلع والخدمات عبر الحدود والتدفقات الرأسمالية الدولية وكذلك سرعة ومدى انتشار التكنولوجيا".وتنطوي العولمة الاقتصادية على ثلاثة نظم رئيسية هي النظام النقدي الدولي والنظام المالي الدولي والنظام التجاري الدولي، ويقوم على إدارة هذه الأنظمة ثلاث منظمات اقتصادية دولية هي على الترتيب صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والمنظمة العالمية للتجارة، كل هذه تلعب دوراً رائداً في ترسيخ هذه العولمة، فتدويل الإنتاج وعولمة التفاعلات المالية والاستثمارية على الخصوص وسقوط الاستقلالية الذاتية الاقتصادية على العموم، كلها عوامل تساعد على انتشار الظاهرة العالمية التي من أول ضحاياها سقوط مفهوم السيادة الاقتصادية، أي أن الحدود السابقة تسقط أمام الشركات العملاقة التي تستطيع أن تنقل أمكنة صناعة منتجاتها إلى بلاد العَمالة الرخيصة وتُعيد بيعها في بقية اسواق العالم بأسعار تنافسية. أمّا المساعدات فغالباً ما تُقدَّم من أجل تحقيق مصالح ذاتية للدول المتقدمة , وذلك من خلال المساعدات التي قدمتها الولايات المتحده الامريكية الي العديد من البلدان النامية ,بالإضافة الي الاستفادة القصوى من التنازلات التي تقدمها الدول النامية للدول المانحة علي الصعيد السياسي و الاجتماعي او الثقافي، وهذا ايضا رأي بيل جيتس رئيس مجلس ادارة مؤسسة بيل و ميليندا غيتس وهو ان المساعدات ماهي إلاّ طريقة فعالة لإنتشال الفقراء من فقرهم وكان قد صرح بفكرة ان السوق الحر ليس وحده الطريق للقضاء علي الفقر فينطوي جزء من الأهداف علي إيجابيات و الاخر علي سلبيات ، وربطت العديد من الدراسات نسبة الفساد بالمساعدات الإقتصادية وأكدت علي انه كلما ازدادت المساعدات الخارجية في دولة معينة زادت نسبة الفساد في هذه البلدان ، ومن المسلم به الاعتراف تحقق كل منهم كنتيجة لمنح المساعدات ، كما تحقق المعونات المصالح الدبلوماسية والمصالح التجارية وجماعات المصالح التجارية التي في كثير من الأحيان تعتبر المساعدات وسيلة لزيادة أسواق صادراتها، أو التي تنظر إلى المساعدات كوسيلة لتعزيز فرص حصولها على المواد الخام التي تشتد الحاجة إليها، والمصالح الثقافية التي تتوخي عادة تغيير الدين واللغة أو القيم بالعنف ،وإعادة تشكيل السياسات الإقتصادية والنظام الاقتصادى ككل فى الدول المتلقية للمنح ،والمساعدات على النحو الذى يتفق مع رغبات الدول المانحة و يمكن أن تأخذ الحرب الاقتصادية الشكل المؤثر للنزاع الاقتصادى والتجارى، كما حدث فى الحرب التجارية الأمريكية الصينية. وكان البَلَدان قد خاضا فى 2019حربا تجارية أدت إلى الإضرار بالاقتصاد العالمى. والبعض يعتقد بأن سبب الخلاف بين البلدين تتجاوز النطاق التجارى، بل تمثل صراعا على الهيمنة بين قوتين مختلفتين في العالم. أو قد تأخذ الشكل الناعم عن طريق ربط اقتصاديات الدول المستهدفة باقتصاديات الدول العظمى عن طريق إمدادها بالغذاء والأدوية وتقديم المساعدات والمعونات الاقتصادية إلى غير ذلك، مما يضمن ولاء تلك الدول للدول العظمى من الناحية الاقتصادية والسياسية. والولايات المتحدة تكاد الدولة الأولى في العالم فرضاً لسياسة الحصار ولكي يكتسب مشروعيته لابد أن يخضع للفحص من قبل مجلس الأمن بموجب ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ولكن الولايات المتحدة تضرب بهذا المبدأ عرض الحائط والحصار الاقتصادي أو العقوبات الاقتصادية يحتاج إلى موافقة جماعية دولية إذ أن المادة (1) من ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالعقوبات تضمنت لمجلس الأمن أن يقرر أي الإجراءات التي لا تنطوي على استعمال القوة ينبغي استعمالها من أجل تنفيذ قراراته والواقع أن هذه المادة يُساء تفسيرها وتُحيطها الشكوك فيما يتعلق اتخاذه من إجراءات وآليات جعلت أميركا ودول أخرى تنفرد بفرض العقوبات والحصار الاقتصادي على دول بعينها . ولما كانت الدولة في العصر الحديث عبارة عن كم هائل من المؤسسات والسلطات والأجهزة التي تعمل باسم المجتمع ولمصلحته , فان عمل هذه المؤسسات والسلطات والأجهزة يكون وفقاً للقانون بمعناه العام الذي يمنحها الاختصاص والصلاحيات التي تقوم بها والاساس القانوني يعطي السلطة الواقعية لجهة معينة بممارسة اختصاصاتها ، وبموجب تدرج القواعد القانونية فيكون البناء القانوني للدولة من مجموع القواعد القانونية المتدرجة بحيث يقف الدستور في قمتها وبعدها تأتي القواعد القانونية الاقل مرتبة" منها(3) . والقانون عندما يمنح لجهة ممارسة الإختصاص الرقابي فان ذلك يُعد ضمانه ضد تعسف بعض الجهات في إقحام نفسها في عملية الرقابة كذلك فإنَّ تحديد الإختصاص لجهة معينة بممارسة إختصاصها يُعد وسيلة في رقابة الرأي العام على عمل هذه الجهة وفق إختصاصها . لاشك في أن سلامة الاقتصاد الوطني عامـل أساسي فـي إستقرار الحيـاة السياسية و الاجتماعية ، إذ يوفر التوازن بين الإمكانات والرغبات مما يعطي للسياسة مفهومـها الأصيل . و قد تأثرت حيـاة الفرد إلى درجة كبيرة بالتطور الاقتصـادي والصناعي ، فتطور نهج حياته ، كما تطورت علاقاته الإنسانية ، فَرَضَت بذلك أنماطاً جديدة من السلوك والمواقف ، و قد إتصف بعضها بالتسلط و المادية المُطلقة بحيث أصبح هاجس الربح سائداً بغض النظر عن المساويء الناتجة عن العمليات المؤدية إليه أو الأصناف المنتجة و أصبح الإنسان اليوم يسيطر على قوى الطبيعة وتحويلها إلى خدمة لمصالحه اليومية بصورة لم يعهدها من قبل. و كانت قد برزت في القرنين الأخيرين مجموعات من أصحاب النفوذ المـالي بَدَت كعنصر فعـّال على الصعيدين المحلي والدولي بإمكانها شـراء بعض ممثلي الدول وزجَّهم في مصـالح اقتصادية محضة و يتجلى ذلك في بعض الفضائـح التي تحدثت عنها الصحف و تداولتها وسائل الإعلام حـول الصفقات التجارية غيـر المشروعة بيـن بعض الشركات وبعض الأفـراد الذيـن يمثلون الإطر السـامية و النافذة في تلك الدول . و تُشكل هذه الممارسات دليلاً واضحاً على مـا وصل إليـه التنافس الاقتصادي والمادي والأساليب الميكافيلية التي تستعمل للوصول الى غايـات معينة بغـض النظر عـن أخلاقيات التعامل أو مصلحة الأفراد و الدول و الأنظمـة الاقتصادية التي تتبعها، فعندما تبلغ قيمـة صفقة واحدة مـن الأسلحة و الطائرات أو المخذرات عـدة مليارات مـن الدولارات و عندما تقرع نسبة معينة من هذا المبلـغ أبواب أصحاب القرار فكـم مـن الضمانة الأخلاقية الصلبة يجـب أن تتوافـر فـي هـؤلاء حتى لا تمتد أيديـهم لإستلام تلك النسب الـواردة غالباً مـن الأموال غيـر المشروعة, ويعتبر تبييض الأموال أو غسيل الأموال مـن التعبيرات التي تداولت مؤخراً في كافة المحافل المحلية و الإقليمية و الدولية. لقد عمد الغاسلون إلى تبديل الأوراق النقدية من فئات صغيرة إلى كبيرة كما يعمدون إلى إبدال النقود إلى شيكات مصرفية، أيضاً يتم التخلص من السيولة بشراء العقارات والشقق والفنادق والمجوهرات الثمينة والتحف الأثرية واللوحات باهظـة الثمن. كما يقوم البعض بشراء الشركات والمؤسسات الخاسرة، وشـراء الأسـهم والسندات، كما تؤدي شركات الصيرفة دوراً مهماً في عمليات تبيض الأموال. وغسيل الأموال هي عبارة عن مجموعة من الإجراءات المالية التي يقوم بها الأشخاص الحاصلين على مبالغ ماليّة بطرق غير مشروعة، وذلك بهدف إضافة الطابع الشرعي على هذه الأموال وإخفاء مصدرها الأصلي غير القانوني، وكلّ من يساعد في هذه العملية يعتبر مخلّاً بالقانون ويندرج فعله تحت ما يعرف بجريمة غسيل الأموال، وأكثر الأموال التي يعتمد المجرمون على غسلها تلك التي يحصلون عليها نتيجة التجارة في المخدرات. وقد يعمد غاسلوا الأموال و بالذات في العمليات الدولية الكبرى والمُنظِّمة إلى إنشاء شركات أجنبية صورية يطلق عليها في بعض الأحيان الشركات الصورية وهذه الشركات لا تنهض بالأغراض المنصوص عليها في عقود تأسيسها أو أنظمتها الأساسية بل تقوم بالوساطة في عمليات غسيل الأموال غير النظيفة و عادةً ما يصعب تعقب النشاط غير المشروع لهذه الشركات وخاصة إذا كانت تقوم في ذات الوقت بجانب من العمليات المشروعة وعلاوة على ذلك فإن هذه الشركات لا تخضع في بلاد كثيرة لنفس درجة الرقابة التي تخضع لها. وتؤدي عملية غسيل الأموال أيضاً على حصول أصحابها على دخول كبيرة دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع والخدمات في المجتمع مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وإذا أضيف إلى ذلك نقص معدل الادخار و نقص إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم فإن ذلك يساهم في زيادة عجز موازنة الدولة و بالتالي ارتفاع الأسعار. وعلى المستوى الدولي تساهم عمليات تبييض الأموال على تصدير التضخم من الدول الصناعية المتقدمة على الدول النامية بسبب خروج أموال ضخمة من الدول النامية إلى الدول الصناعية المتقدمة التي يشعر أصحاب الأموال القذرة أنها أكثر أماناً لأموالهم. مع وجود تيار كبير في الدول الصناعية لا يصاحبه زيادة في العرض السلعي فإن ذلك قد يؤدي – في ظروف معينة - إلى حدوث تضخم في الدول الصناعية و لما كانت الدول النامية تعتمد على الدول الصناعية بنسبة عالية من حجم تجارتها الدولية فإن ارتفاع الأسعار في الدول المتقدمة يعني الزيادة في أسعار السلع التي تستوردها الدول النامية و بالتالي ارتفاع الأسعار فيها(4). وهنالك نمو متزايد في الاستثمارات الاجنبية الخاصة في الدول النامية خلال العقود الماضية ، وقد إرتبطت الشركات المتعددة الجنسية بالاستثمار الاجنبي في عمومه والمباشر منه بوجه خاص . وما يجدر ذكره ان هذه الشركات لا تعمل في مجال التنمية فالهدف هو تعظيم الربح ، لذلك فان غالبية توجهها نحو الدول سريعة النمو في جنوب شرق آسيا ، فهي دائما تبحث عن افضل ربحية وغير معنية بالقضايا التنموية , الفقر والبطالة وان كانت تحمل معها تكنولوجيا الانتاج ، وانماط واساليب ادارية وترتيبات تسويقية واعلانية فهي مؤهلة لأنشطة لا تخدم الطموحات التنموية للدول التي تعمل فيها. وقد اصبح لها مواقع عالمية تبحث عن الفرص في اي مكان بالعالم ، ولدى بعضها حجم مبيعات يزيد عن الناتج المحلي الاجمالي لكثير من الدول ، وفى هذا الاطار قد تتعارض مصالح هذه الشركات مع علاقاتها بالدول المضيفة ، وتنمو بمعدلات اكبر من معدل نمو الصادرات ، والقوة الاقتصادية في الشركات الصناعية الاساسية الناتج عن حجمها الهائل وقوتها الاحتكارية في السوق يكسبها قدرة فرض الاسعار وجنى الارباح من خلال منع المنافسين والسيطرة . لا تخلو عمليات تبييض الأموال من تدفق نقدي إلى تيار الإستهالك سواء في حالة الغسيل عبر البنوك أو القنوات المصرفية أو عن طريق الذهب والسلع وغيره، وهذا يعني الضغط على المعروض السلعي من خالل القوة الشرائية لفئات يرتفع إليها الميل الحدي للاستهلاك وذات نمط استهلاكي يتصف بعدم الرشو ة أو العشوائية، ولا تقيم وزناً للمنفعة الحدية للنقود، وال تقارن بينها وبين المنفعة الحدية للسلع والخدمات المعروضة في الأسواق. بذلك تساهم عمليات تبييض الأموال في ارتفاع المستوى العام للأسعار أو حدوث تضخم من جانب الطلب الكلي في المجتمع مصحوباً بتدهور القوة الشرائية للنقود، ونظراً لأن عمليات تبييض الأموال وما يرتبط بها من حركة الأموال عبر البنوك المتعددة، ومنه المساهمة بشكل ملحوظ في التوسع في السيولة الدولية ومن ثم تؤدي إلى حدوث ضغوط تضخمية. ------------------------ .1 -نسرين عبد الحميد نبيه، مبدأ الشرعية و الجوانب الإجرائية، الطبعة الأولى، الناشر مكتبـة الوفـاء القانونيـة .2008 . 2-جوزيف ستيغليتز، السقوط الحر: أمريكا والأسواق الحرة وتدهور الاقتصاد العالمي، ترجمة: عمر سعيد الايوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، 2011 ، ص33 3-د.ماهر صالح علاوي الجبوري , الوسيط في القانون الاداري , دار ابن الاثير للطباعة والنشر , جامعة الموصل , الموصل, ٢٠٠٩ . و د. محمود الجبوري , القضاء الإداري دراسة مقارنه , مكتبة دار الثقافة للنشر والطبع , عمان , 1998 ,ص 20 . - 4-صقر بن هلال المطيري، مذكرة ماجستير حول جريمة غسل الأموال، الرياض،دراسة حول مفهومها ومعوقات التحقيق فيها وإشكاليات تنسيق الجهود الدولية لمواجهتها , 2004، ص58
24
تأثير التكنولوجيا على الإقتصاد العالمى والقانون د.ماجد احمد الزاملي الاقتصاد المبني على المعرفة هو إتجاه متنامٍ نحو آفاق التكامل العالمي المفتوح، وذلك بفضل "ثورة المعلومات والاتصالات" التي تُعتبر القوة الحالية والقادمة لجميع الدول، وقد أسهم ذلك في توسيع دائرة حجم التبادل التجاري بين الدول. وأضحى الاقتصاد العالمي يعتمد على تِجارة ألكترونية تنافسية واسعة لمختلف السلع والخدمات، وأصبحت مجالاً أمام الدول للإستفادة منها كوسيلة حديثة وتحقيق معدلات نمو أعلى في حجم التبادلات الخارجية ًوخياراً خصباً، ً من سلسلة خيارات يمكن الأخذ بها بل أصبح ضرورة للبقاء وردم الهوة الرقمية والبناء ,حيث لم يَعد تبني هذا الاتجاه خيار اقتصاد رقمي يتسم بالقدرة التنافسية وتفعيل التنمية الاقتصادية، بيد أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يعتبر حلاً في عصرنا الحالي ما لم يتم النهوض وتوفير البنى الأساسية لها لاسيما الكوادر البشرية. وقد أتاح الإنتشار السريع للهواتف المحمولة بشکل خاص، فرص المعلومات والاتصالات لمجموعات الدول ذات الدخل المنخفض. وقد سعت الحکومات إلى تسريع تأثيرها عن طريق تحفيز نشر البنية التحتية من خلال برامج النفاذ الشامل. وعلى الرغم من أن هذا قد عزز الشمولية في النفاذ والفرص، إلاّ أنه لا تزال هناك فجوات رقمية کبيرة بين الدول وداخلها.وفي ظل الاعتماد الکبير للأنظمة الذکية على البنية التحتية للنطاق العريض فهذا يعني أن آثارها الإيجابية تحدث في الدول المتقدمة أکثر من الدول النامية، والدول المتوسطة الدخل أکثر من الدول الأقل نمواً، وفي المناطق الحضرية منها في المناطق الريفية. وبالتالي، يمکن أن تؤدي الفجوة الرقمية المتنامية في النطاق العريض إلى تفاقم الفجوات الإنمائية الأخرى.وعلى الرغم من أن الإهتمام الأکبر في الأدبيات النظرية والتطبيقية قد تم توجيهه لتحديد الآثار الاقتصادية الکلية لتکنولوجيا المعلومات والاتصالات في الدول النامية، إلاّ أن الاتجاه الناشيء حديثاً يسلط الضوء على التأثير والآليات التي يمکن بها لتکنولوجيا المعلومات والاتصالات أن تقود نمو الدخل في أسفل الهرم الاقتصادي. وذلك لفهم مدى استفادة مجموعات الدول ذات الدخل المنخفض من تکنولوجيا المعلومات والاتصالات - خاصة لأن هذه المجموعات تتسم بانفاق حصة أکبر من دخلها على تکنولوجيا المعلومات والاتصالات-. ويتعين على القانون أن يرفع التحديات الناتجة عن التغيرات التكنولوجية، بتقديم أجوبة مناسبة نسبيا وفي الوقت الملائم. ويرتبط الأمر بنوع رد الفعل القانوني ومدى واقعيته وقدرته على إدماج المعطيات التقنية المتطورة الجديدة والانعكاسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الإيديولوجية والأخلاقية المرتبطة بذلك. ويعني هذا كلاً من مناهج الابتكار والمعرفة والفهم، والتطبيق وقيادة أو تسيير القاعدة القانونية. وتلعب التكنولوجيا في جميع هذه المسائل دوراً منبها أو مؤشراً للتطورات الواضحة، من غير أن تمس بجوهر القانون وروحه وماهيته. وتبعاً لإرتباط القانون بالتكنولوجيا، أصبحت خصائصه تساعد على الرجوع إلى الخبراء وإشراكهم في وضعه وتأويله وتطبيقه. كما أفرزت تخصصات واضحة في نطاق المهن القضائية والعمل الفقهي والتدريس الجامعي، ودفعت القانونيين والمهتمين الآخرين إلى التعاون الطبيعي مع المختصين الجدد الذين صار لهم نوع من النفوذ لا يسهل إغفاله، بحيث صارت قدرة القانون على التأقلم مع التطورات التكنولوجية تتسم بحيوية واضحة. ويجد العلماء وخبراء التكنولوجيا في هذا الوضع إمكانية التعاون والتواصل مع رجال قانون قادرين على ربط الصلة معهم وتبسيط صعوبات الإصطلاح والتعبير والتنظير والصياغة والمعالجة المنسجمة بصفة عامة. ولا يخفى الأثر الإيجابي لهذا على ممارسة الخبرة القضائية ونتائجها على قرارات المحاكم، أو على انزلاق سلطة القرار القضائي من الهيئات القضائية إلى مؤسسات الخبرة التكنولوجية وما يعنيه الأمر من تغير جذري لمفهوم القانون والقضاء. وتبرز هنا سلطة الخبراء في فرض رأيهم بل وتقبِّله تلقائيا من قبل المشرّع والقاضي، وبالتالي خروجهم عن ميدان تدخلهم أي المساعدة القضائية. ولولا الاختلافات التي تنشأ بينهم لما تمكَّن القضاء من استعادة سلطته واستقلاله في الحسم مثل ما هو عليه الحال في موضوعات الجينات. وتؤدي الخبرة التكنولوجية إلى وضع قواعد ومعايير وتوصيات ودلائل ومساطر لجودة الممارسة العملية، تمتزج بالقواعد والأحكام القانونية الصادرة عن المؤسسات الدستورية، تؤشر إلى ميلاد أنواع جديدة من القواعد القانونية. وإذا كانت تلك المعطيات أسبابا ونتائج يجب على القانون وضعها في أفق توجهه لاستخلاص التوازنات أو لفرض قواعد التوجهات والاختيارات، بإدماج العوامل الاجتماعية والثقافية والقيم الإيديولوجية والإنسانية. يتعين أن تبقى هذه الاعتبارات في صلب جوهر القانون لتقرير الاستعمال الأنسب للتكنولوجيا. ذلك لأن المفروض هو تجنب الخلط بين الأسباب والنتائج، بين الغايات والوسائل كما يقع كثيرا في التشريع الحالي. ومن خلال الرهانات العلمية والتكنولوجية وتطبيقاتها، تتحدد مضامين وغايات القانون بمظاهر اقتصادية محلية ودولية معلنة أو مغلَّفة، كما يتجلى ذلك بالنسبة لوسائل الإتصال والإعلام وللمنتجات الصيدلية والطبية بل والغذائية والفكرية الخ. ونظرا لضخامة المصالح الاقتصادية والصناعية والتجارية، والسياسية والاجتماعية، فإن قوانين التكنولوجيات تخضع في تصورها وإعدادها لأهداف حماية أو تقليص نفوذ الفاعلين. وتبعا لهذا يصبح فهم وتأويل القانون المرتبط بالتكنولوجيا مقيدا حتما بتحليل اقتصادي يتعلق بمنطق وبغاية أخرى لإعمال القاعدة القانونية. ولعل خير مثال على هذا الرأي ما تتسم به قوانين حرية المنافسة وحماية المستهلك. في هذا الإطار، يدخل القانون في باب تحليل اقتصادي لمخاطر العمل. ويبدأ الحديث عن مبادئ الاحتياط والأمن والسلامة والتوقِّعية والمقروئية للقانون. ومثالا على ذلك، إذا كانت الكلفة القانونية لعقوبة التزوير والاعتداء على الملكية الفكرية بالأنترنت ضعيفة، فإن قاعدة المنع والتجريم تؤخذ بالاعتبار في حساب المخاطر، مما يشجع على خرق شائع للملكية الفكرية. ويسري ذات المنطق على انتهاك حماية المعطيات الشخصية والبيئة والملكية الصناعية وغيرها . بالتالي يحوِّل المناخ الاقتصادي القانون إلى وسيلة للتدبير بين الغايات والوسائل. في الواقع، تخضع قوانين التكنولوجيات لسلطة وفعالية المجموعات الضاغطة التي تدافع عن مواقفها المهيمنة ومصالحها المالية. وقدرتها مهولة بالتأثير على محتوى القاعدة القانونية أو منع وضعها، وتحويل غايتها أو تقليص عقوبة خرقها. وإذا لم يكن في هذا الأمر جديد، فإنه يلاحظ قفز لمستوى الوضعية يدفع من التغيّر الكمي إلى التغير النوعي. وتفتقر قوانين التكنولوجيات خصوصا إلى الروح والبعد الإنساني. فهي تنسى أنها وجدت من أجل الإنسان، المواطن بصفته شخصا مكونا لجسم اجتماعي. تظهر القوانين الموسومة بالتكنولوجيات كقوانين متعلقة بأشياء مادية وغير مادية، وبقيمها الاقتصادية المواكبة لاستعمالاتها. بل يمكن القول أنها تعامل الإنسان نفسه والعلاقات المجتمعية كشيء قابل للصنع والتعديل من خلال مصطلحات المستهلكين والمستفيدين والمستعملين. علاقة القانون بالعلوم والتكنولوجيات معقدة وغامضة، ولكنها لا تمنع التفاؤل رغم صعوبة التأقلم التي يعيشها القانون ورجاله. فالعالم العلمي والتكنولوجي يحتاج أكثر فأكثر للإطار القانوني الجوهري وليس إلى تقنية القانون. وتموقع القانون في صلب الحقول العلمية والتكنولوجية يجب أن لا يفقده طبيعته العميقة وماهيته وجوهره. تفرز تطبيقات التكنولوجيا ظهور مجالات جديدة يجد القانون فيها إمكانيات للتأثير بشكل آخر على الحياة. في العالم الرقمي تؤدي سهولة إعادة إنتاج وتعديل ونشر الأعمال الفكرية إلى اختلال عميق لحق الملكية الفكرية . من المعلوم أن وضع القانون وتطبيقه واستيعابه يتطلب مرور زمن معين. لكن سرعة الوتيرة الناتجة عن سرعة التطور وجهل نتائجه تتموقع في منظور زمني آخر. ويصبح الخطر كامنا في سرعة تعرض كل قانون جديد للتجاوز والنقد والتعديل والإلغاء حسب درجة التفاصيل والجزئيات التي يعنيها. ويجبر هذا الأمر على التساؤل عن الوقت المناسب لتدخل التشريع وعن كيفية الاقتصار على المبادئ العامة مع إمكانية تطويرها مستقبلاً. وإذا كان استقرار الأحكام القانونية ضرورة للأمن القانوني والقضائي ، فإنها سرعان ما تضعف بسبب وهن القانون وعجزه عن مسايرة وتيرة التطور التكنولوجي والعلمي. والموضوعية تقتضي الاعتراف بالأثر المتبادل بملاحظة قيام فرع قانوني جديد إثر كل تطور مهم للعلوم والتكنولوجيا بغاية تنظيم استعمالاتها والحد من مخاطرها. وكان القانون يسري تقليدياً في المجال الوطني أو الإقليمي الخاضع للسيادة الوطنية، رغم تواجده بجانب القانون الدولي الذي كان يغير الوضع بقوة في بعض الحالات. ولقد ساهمت التكنولوجيا في قلب ترتيب المجالات لأنها لا تخضع للحدود السياسية بين الدول وخير مثال على ذلك هو الشبكة العنكبوتية والإعلام السمعي البصري والاتصالات بكل حواملها. وبالموازاة صار القانون الدولي بشقيه العام والخاص يفرض نفسه على القانون الوطني مجسداً تقلص السيادة الوطنية في السيطرة على التكنولوجيا. وقد ينتج عن ذلك تقارب أو تعارض بين الأنظمة القانونية الكبرى كما هو الحال بين قانون الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي في ميادين الملكية الفكرية بكل تطبيقاتها التجارية والصناعية والأدبية، و حماية المعطيات الشخصية. من البديهي أن تنظيم استعمالات وآثار التكنولوجيا يساعد على عولمة القانون. وهذا ما يخلق ضرورة تصور أدوات ومناهج جديدة لوضع القانون. اقتصر الأمن الرقمي في الماضي على مجالات محددة مثل المصارف والتطبيقات الفضائية أو العسكرية إلاّ أنه أصبح بالتدريج شأن الجميع. قد تعزى زيادة الاهتمام بالأمن الرقمي إلى عناوين الأخبار الرئيسية التي تتحدث عن انتشار الفيروسات عن طريق البريد الإلكتروني أو عن القراصنة الذين يسرقون تفاصيل بطاقات الائتمان. إلاّ أنّ هذا لا يمثل إلاّ جانبًا من القصة. وبما أن استخدام الحواسيب والتواصل عن طريق الشبكات أصبحا جزءًا من الحياة اليومية كالمياه والكهرباء، لم يعد الحديث عن الأمن الرقمي يقتصر على الخبراء فحسب، بل أصبح يتردد أيضًا في أفواه ممثلي الحكومات والشركات بل والمستهلكين. وإذا كانت جوانب كثيرة من أعمالنا وحياتنا الخاصة تعتمد على الحواسيب والشبكات، فمن الضروري أن تعمل هذه الأنظمة بأمان. ومن الضروري أيضًا أن تكون عملية الأمن محل تفكير عميق من بداية وضع النظام وتصميمه مرورًا بالتنفيذ إلى السياسات والممارسات ونشر النظام وتشغيله واستخدامه. وينبغي أن يكون عنصر الأمن، لدى وضع المعايير، من عناصر العمل الأساسية، وليس مجرد فكرة يمكن التعامل معها في مرحلة تالية - لأن جوانب الضعف تنشأ في هذه المرحلة-. وينحصر دور لجان المعايير في الاستماع إلى ما يتردد في السوق وتوثيق القضايا المعروفة، وتقديم حلول لها كلما كان ممكناً، وإصدار المواصفات أو المبادئ التوجيهية التي تساعد المنفذين والمستعملين على جعل أنظمة وخدمات الاتصالات قوية بما فيه الكفاية. ولقد كان قطاع تقييس الاتصالات نشطًا في مجال أمن الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات طوال سنوات عديدة. ومع ذلك، فلم يكن من اليسير دائمًا الوقوف على ما تم إنجازه ومكان وجوده. و توحي التكنولوجيا بأنها تنساب جزئياً خارج الإطار القانوني المخصص لها مما يبرر القول بأن القانون يصبح غير ملائم وغير موفِّر للضمانات المرجوة منه. ذلك لأن التكنولوجيا تتميز بقدرة حقيقية للتحايل على القانون بسبب ما تحتمله من تطبيقات اجتماعية مستمرة التطور موازية للتطبيقات التي يقصدها القانون. وغالباً ما تكون أهمية عدم تطبيق القانون في ضوء المحيط التكنولوجي مفاجأة قوية بدون أن يلحق الأمر ضررا بالتكنولوجيا وبتطورها واستعمالها، ولا يرتب ذلك عقابا محددا لأن الخيار السياسي يحل محل القاعدة القانونية .ويصعب حصر الأمثلة عن ذلك بين السطو على الملكية الفكرية ونظام الخلايا الأصلية للجينات ومناولات المضاربة البنكية والمالية وحماية المعطيات الشخصية وحماية البيئة... وغير ذلك.
25
أثر الإحتلال الطائفية والفوضى على الوحدة الوطنية العراقية د. ماجد احمد الزاملي الانتماء لأي بلد لا يتحدد بمجرد كون المواطن مولود فيه أو حصل على جنسيته بطريقة من الطرق القانونية والتي هي من المسائل المسـلَّم بها لأنه لا يُمثِل الجوهر الحقيقي للإنتماء الفعلي مـا لـم يؤخـذ بنظـر الإعتبار أهمية الجوانب العملية التي تتجسد في الحقوق والواجبات التـي يجب أن يتمتع بها المواطن كحرية العقيدة والفكر والتعبير والتملك إضافة إلى الحقوق القومية والثقافية , وعدم التمتع بهذه الحقوق يؤدي إلى اتجاه المجتمع اتجاهاً عنصرياً ومن ثم إلى تراجع الشعور بالمواطنة. لم تمر الدولة العراقية منذ ولادتها عام 1921 بمسيرة تطور تكاملية المراحل ولم تُعبِّر الدولة الناشئة عن مجتمعها المتعدد الأعراق والديانات والمذاهب والثقافات، وسادت حالة من القطيعة بين الدولة ومجتمعها، وقد وضعتها ظروف نشأتها والطبيعة المضطربة غير المستقرة سواءً في داخلها، او في اقليم الشرق الاوسط في مواجهة تحديات داخلية وخارجية عجزت عن التعامل معها بسبب ضعفها النابع من ضعف ارتباطها مع مجتمعها التعددي المتنافر غير المندمج الذي فشلت كل الحكومات المتعاقبة في ادارة تعدديته،بحيث أصبح المجتمع مجاميع متناحرة نتيجة غياب الإعلام الحقيقي ونتيجة الديكتاتورية التي جهَّلت الانسان , وعجزت عن خلق المجتمع المنظَّم الذي توحده الهوية الوطنية العراقية. فالدولة القومية ومنذ نشأتها الحديثة في أعقاب مؤتمر وستفاليا لعام 1648، هي إحدى حقائق الحياة السياسية المعاصرة التي ترسَّخت تدريجيّاً حتى أصبحت تُشكّل اللبنة الأولى في بنية النظام الدولي الراهن. وليس أدل على هذه الحقيقة من أن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قد ناهز الـ 198 دولة، في حين عدد الدول الأعضاء في عصبة الأمم لم يتجاوز في أي لحظة من لحظات وجودها في مرحلة ما بين الحربين العالمتين أربعين دولة. لم يكن موضوع احتلال العراق عن طريق شن حرب وإحتلال أراضيه من قبل القوات الأميركية بمساعدة القوات البريطانية أمراً غير متوقعاً أو غير محتمل إلاّ من قبل الرئيس السابق صدام آنذاك- لأنه لم يُفكر لحظة ان أسياده يتخلون عنه وهذا ماذكره معاون مدير المخابرات العراقية في نظام صدام الجميلي في لقاء معه-، فالكل في داخل العراق كما في خارجه كان يعرف تقريباً الفترة التي سيتم خلالها شن الحرب على العراق حيث لم يعد الأمر سراً. فالمسؤولون الأميركيون والبريطانيون قد صرحوا مراراً بأن شن الحرب بات مسألة وقت فقط. المحاصصة التي تلت سقوط النظام في 2003سلوك اجتماعي ــ سياسي تُحَركهُ وتؤثر فيه عوامل ثقافية وحضارية تتفاعل في البيئة الاجتماعية وتحدد التوجهات للافراد والجماعات على حدٍ سواء ,والنشاط السياسي يعني فعالية يُمارسها الفرد، او مجموعة افراد يشغلون مواقع يؤدون من خلالها ادواراً سياسية معينة تعطيهم القدرة على التأثير في تنظيم وتوجيه الحياة السياسية في المجتمع، وتحديد مراكز القوى فيه ، وتنظيم العلاقات السياسية بين القيادة والجماهير، والتحكم بالسلوك الإنتخابي الذي تؤثر فيه الثقافة السياسية للفرد، واعتبارات الانتماءآت الدينية والطائفية والعرقية والعشائرية خاصة في بلدان العالم غير المتقدم التي لا يملك الافراد فيها الحرية الكاملة في توجهاتهم السياسية، لأرتباط ذلك التوجه بعوامل بيئية إجتماعية والتي تدفعهم في اتجاه معين.وعندما دخلت قوات الاحتلال إلى العراق لم يكن أحد يتصور، وربمـا حتى المحتلين أنفسهم، أن عقد العراقيين يمكن أن ينفرط بهـذه الطريقـة التي عليها اليوم، المشكلة بالاحـتلال، والطائفيـة، و بالسياسيين الجدد، و في دول الجوار العراقي، هكذا هي الحقيقة عند تشخيص الداء لكن لا أحد يقـول أن الأزمـة فـي الصـوت الوطني فهذا الصوت الحاضر الغائب على الساحة العراقية لا يبدو أن له أي تأثير فيما يجري من تفاعلات وشد مذهبي يشهده الشـارع العراقـي والأسباب عديدة فمنها قد يكون ضعف هذا التيار أو قلة أنصاره أو هـو غياب الدعم الذي يكفل له قدرة المنافسة مع المشـاريع الأخـرى التـي جهزَّت لها كل الإمكانيات المادية والمذهبية، لكن إذا غابت القدرة والدعم هل يعني ذلك نهاية المشروع الوطني في العراق بعد أن فرضت العمليـة السياسية واقعها المر على الساحة السياسية والاجتماعية في العراق وموقف الشارع العراقي منها . وبعد دخول القوات الأجنبية في العراق بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وسقوط نظام الحكم في 9/4/2003 ،انتقل المجتمع العراقي من حالة التسلط والصهر والدمج ألقسري إلى التشتت والإنفلات والفوضى باسم الحرية والديمقراطية، وكل ذلك جرى بفعل غياب القانون، وانهيار سلطة الدولة مع تدني مستوى الوعي الثقافي والسياسي، مما أعطى لكل من هبّ ودبّ الفرصة للقيام بعمليات السلب والنهب والقتل،وتنامي روح الإنتقام والثأر التي دعمتها أطراف خارجية إقليمية ودولية (1) مستغلة بذلك وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، ولكن على الرغم مما شهده العراق في تلك المرحلة من انهيار أمني مطلق، وعلى الرغم من أحداث العنف والإغتيالات التي راح ً ضحيتها ألآلاف من أبناء الشعب العراقي، فإن هذا الشعب بقي متماسكا ً، وبالتحديد حتى وقوع حادثة تفجير الإمامين العسكريين)عليهما السلام ,وعلى مدى ثلاث سنوات تقريباً في شهر شباط سنة 2006 ،إذ كانت تلك الحادثة بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الحرب الطائفية التي استمرت على مدى أكثر من سنتين، ما أفضى إلى التأثير على حالة التعايش التي طالما كانت سائدة في صفوف المجتمع العراقي في المرحلة السابقة. لقد استحوذ هدف الاستيلاء على السلطة على تفكير القوى والاحزاب السياسية دون ان تعير اهتماما لما ستقوم به بعد الوصول الى السلطة، ولم تحظَ موضوعات آليات الديمقراطية وكيفية تداول السلطة بأي إهتمام، وانعكس ذلك على الدساتير المؤقتة التي ركزت على ممارسة السلطة لأفتقار رجال السلطة الجدد للخبرة والأهلية لإدارة الدولة ,وادى هذا الصراع الى التأسيس للاستبداد ونمو الدكتاتورية واصبح الوصول للسلطة يعني التخلص من المنافسين وإقصائهم، ويسعى هؤلاء بالمقابل للثأر واسترداد ما فقدوه وتحولت السلطة الى هدف وغنيمة، وساهمت الاحزاب في تدعيم هذا الفهم بسبب دورها في جر المجتمع الى الخصومات السياسية دون الالتفات الى الخصوصية التكوينية للمجتمع العراقي وطبيعته ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة للتعامل مع نقاط ضعفه . وقد ترك الحصار الاقتصادي آثاراً شديدة الوطأة على الشعب العراقي في الإطباق التام على كل ما تبقى من حياة اقتصادية واجتماعية وثقافية على امتداد العراق، عدا المنطقة الكردية التي كانت تحظى بامتيازات من قبل دول عديدة من العالم في أوروبا وأميركا وغيرهما، فقد انهار النظام الصحي وتعطلت الخدمات وساءت الحياة الاجتماعية، وبلغت أعداد الضحايا وأكثرهم من الأطفال والشيوخ الملايين، كما تم تدمير طيف واسع من القيم والأخلاق في ظل غياب أي نشاط اقتصادي يعود بمردود مالي كافٍ، الأمر الذي انعكس في عملية فساد اجتماعي كبير شملت جميع شرائح المجتمع العراقي، فلم يسلم التعليم ولا القضاء ولا القوات المسلحة من ذلك ولم تعد الحكومة قادرة على وقف التدهور الأخلاقي في المجتمع. التغيرات السياسية التي تحدث على أثر انتخابات أو حتى انقلابات أو ثورات عادة ما يتوقع منها أن تكون إيجابية ولا يتأثر بها مباشرة في بداياتها إلاّ قطاعات معينة وبما لا يمس حركة المجتمع إلاّ في بعض حلقاته السياسية العليا. لقد ألغى الاحتلال العسكري الأميركي البريطاني للعراق الدولة كلها وجوداً ومؤسسات. وعملية إلغاء الدولة ليست بالأمر الهين لأن آثارها السلبية قطعا ستنعكس على حقوق وممتلكات المواطنين ويمكن أن تتجاوز ذلك لتطال الدائرة الأوسع من محيط إقليمي وواقع دولي. كما أن مثل هذا الإجراء الخطير بحاجة إلى تبريرات سياسية وأخلاقية. ان الدولة المعاصرة لم تصبح حقيقة واقعة في دول العالم المتقدم الاّ بعد بلوغ شعوبها مستوى اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا متقدما، وتزامنت عملية التقدم والتطور مع بناء وتنمية الهوية الوطنية الجامعة بوصفها الانتماء الاسمى لكل فئات المجتمع، وتراجعت الانتماءآت العرقية والدينية والطائفية التي تدفع للشعور بالتمايز والاختلاف في حين قامت الدولة العراقية الحديثة التي توافق إنشائها وعملية بنائها مع رغبة بريطانيا في تأمين مصالحها الاستراتيجية في مجتمع غاب عنه المفهوم المعاصر للدولة، ونظراً لخصوصية تكوين الشعب الذي ضمته الدولة الناشئة، وواقعه الاجتماعي، بدأت عملية بناء الدولة من القمة ثم تلتها عملية وضع بنا وهياكل مؤسساتها، ولم تنشأ هذه الدولة من رحم المجتمع وكانت المحصلة قيام مجتمع غير متجانس، وغير مترابط تحكمه ثقافة تقليدية، وتحركه المشاعر والعواطف، ويغلب على علاقاته طابع الانقسامات والصراعات الاجتماعية، وعدم الاتفاق، وقد إنعكس هذا الواقع الاجتماعي على سلوك الناس ومن يصل الى السلطة، أو يشارك فيها منهم، واتخذ شكلا سياسيا منذ تأسيس الدولة عام 1921.(2) وبعد التصويت على دستور 2005 النافذ، أصبح للسلطة التشريعية المزيد من الصلاحيات للموافقة على مقترح التعيينات، الصادرة من السلطة التنفيذية، فقد وسَّع المشرِّع العراقي من عدد الوظائف التي تحتاج إلى موافقة مجلس النواب، فبعد ان كانت التعيينات محصورة في بعض المناصب القيادية للمؤسسة العسكرية، فقد تم نقل التعيينات للمناصب التي كانت من صلاحية مجلس الرئاسة المصادقة عليها الى مجلس النواب ووفق النص الآتي: لمجلس الوزراء التوصية إلى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء وأصحاب الدرجات الخاصة، ورئيس أركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة، فما فوق، ورئيس جهاز المخابرات الوطني، ورؤساء الأجهزة الأمنية.على الرغم مما جاء في الدستور العراقي الدائم لعام 2005 ٍ من نصوص َ عدة، حددت أوجه العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية الإتحاديتين، لكن واقع الحال أفضى إلى تكريس إشكالية في هذا الإطار تجسدت في مسارين مترابطين على نحو وثيق، المسار الأول فذلك الذي يتصل بتفسير النصوص الدستورية التي تُنظم تلك العلاقة، في حين أن ً المسار الآخر فيتمحور حول العملية السياسية وهو الأهم والأكثر تعقيدا ً لتلك النصوص، وبما يفضي إلى بناء أسس سليمة للتعاون المفترض أن تكون تطبيقاً للتوازن بين السلطتين، إذ برهنت التجربة الجديدة في العراق على وجود مشاكل صعبة في كلا المسارين. أثبت الواقع وجود خلل واضح في تلك العلاقة بين البرلمان والحكومة، ما أفرز إشكالية معقدة، إذ لم تتحقق في ظل هذا الواقع أدنى مستويات التوازن والتعاون بين السلطتين المذكورتين وبما يتوافق والتقاليد والأسس البرلمانية العريقة التي تم تبنيها ً، بل وامتدت آثاره الى المشرِّع الدستوري العراقي ما أنعكس بشكل سلبي على أداؤهما معا هذا الواقع السلبي الذي طال السلطة القضائية، وبلا أدنى شك كان لهذا الواقع انعكاسات سلبية على مسار العملية السياسية برمتها على وجه العموم، وبالمحصلة دفع فاتورة كل ذلك المواطن العراقي صاحب المصلحة الحقيقية الذي من المفترض أن تنصب الجهود من قبل كل مؤسسات النظام السياسي لتحقيق سعادته ورفاهيته. إن الاعتراف بوجود الطائفة أو مجموعة الطوائف، بوصـفها معطـىاً تاريخياً عمره مئات السنين، لا تترتب عليه المطالبة بحقـوق خاصـة. وعلى الرغم من أن الطائفيين لا يصرحون عموما بنوع هـذه الحقـوق وامتيازات وأفضليات لهذه الطائفة أو تلك. فحقوق الطوائـف وسـيرورة الصراع عليها ومن أجلها بين الطوائف تكرِّس الظاهرة الطائفية ,وأوهام القائمين عليها بقوة القانون والدستور فتتكرس على أثرها سيادة الخطاب الطائفي على حساب الآخر. ان حجم التحدي الذي تواجهه الدولة على صعيد إدارة وتوزيع موارد الثروة النفطية يستدعي تبني الحكومة لتوجهات تنموية واضحة المعالم والاتجاهات ومحددة الاهداف، فضلاً عن معالجة العوز والقصور في التشريعات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي، لتنويع الاقتصاد وخفض الاعتماد على عوائد النفط، وإيجاد موارد بديلة لرفد الموازنة العامة للدولة من مصادر الضرائب والرسوم والايرادات وتخصيص القسم الاكبر من الموارد النفطية وعائداتها لاغراض التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي إطار من التكامل والتوازن بين القطاعين العام والخاص. تُشكِّل الاحزاب عاملاً فاعلاً في ترسيخ البناء المؤسسي في النظم الديمقراطية من خلال دورها في التنشئة السياسية، وتجميع المصالح العامة والتعبير عنها، واستيعابها للافراد والجماعات دون النظر الى انتماءاتهم الفرعية وانما بصفتهم مواطنين في الدولة فتحقق بذلك المشاركة السياسية فضلاً عن دورها في الانتخابات وتشكيل حكومات قوية ,وتقوم الاحزاب السياسية في النظم الديمقراطية المتقدمة بنشر ثقافة الديمقراطية والثقافة المؤسساتية من خلال اطارها المؤسسي الذي تعمل ضمنه، وطبيعة كوادرها وقياداتها، والتزامها بمبادئ الديمقراطية، وتعد الاحزاب ضماناً لبناء المؤسسات السياسية القوية في دول العالم المتقدم (3) ، اذ لا يقتصر بناء مؤسسات النظام السياسي الديمقراطي على الانتخابات، ووجود برلمان، ومؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية فحسب بل يتطلب ايضا وجود ثقافة ديمقراطية ولا يتحقق هذا الا بوجود احزاب سياسية تتوافر على هيكل وبنية تنظيمية مؤسسية تهيئ البيئة المؤسساتية التي يجري فيها تدريب واعداد القيادات السياسية للمستقبل, ويظهر ذلك مدى الحاجة الى تشريع قانون للاحزاب السياسية في الدولة العراقية(4). إن ضعف الهوية الوطنية لصالح هيمنة انتماءات ضيقة يعني ضعفاً في البناء الدستوري والسياسي الداخلي. ويعني تسليماً من "المـواطن" بـأن "الوطن" ليس لكل المواطنين، وبأن "الوطن" هو ساحة صراع على مغانم فيه، لذلك يأخذ الانتماء إلى طائفة أو مذهب أو قبيلة بعداً أكثـر حصـانة وقوة من الانتماء الوطني الواحد، كما يصبح الانتمـاء الفئـوي مركبـة سياسية يتم استخدامها للحفاظ علـى مكاسـب سياسـية أو شخصـية أو لإنتزاعها من أيدي آخرين حاكمين. والحقيقة التي يجب أن نفهمها هي إن الفكرة التي تُشير إلى أن الديمقراطية يمكن أن تنشأ من القوة الخارجية قد تواجه العديد من العقبات والمشاكل وتشير إلي أن النظام السياسي في العالم يعتمد علي الظروف والمحيط الخارجي وبالنسبة للعديد من دول العالم الثالث فان النسبة عالية من ميزانية الدول تذهب إلي دعم التنمية من خلال التبرعات الخارجية واقتصاد هذه الدول يعتمد كثيراً علي الاسواق العالمية ونهاية الحرب الباردة إدى إلي التغير السياسي في المناطق العديدة وكان لها تأثير هام علي التنمية السياسية في الدول والمناطق الاخرى. ومعظم دول العالم الثالث قد تمكنت من الوقاية من التدخل الاجنبي عند الاستقلال والتحرر ولكن قبل ذلك فانها كانت تعاني من الاستعمار الذي يتدخل في الشؤون المحلية والتي تركها عاجزة عن تحقيق الديمقراطية بحيث أننا لن نبالغ عندما نشير إلي أن الشؤون المحلية أو الداخلية لابد أن تكون مستقلة عن الشؤون الخارجية والجهود الداخلية نحو دعم الديمقراطية تمثل عنصر من العوامل الدولية التي تؤثر في التنمية الداخلية في الدول. -------------------------- 1- إبراهيم، حسنين توفيق، وعبد الله، عبد الجبار أحمد 2005 التحوالت الديمقراطية في العراق، مركز الخليج للأبحاث ودراسات عراقية 2-محمود عبد الرحمن خلف الزيدي، سياسة تركيا الخارجية مع دول الجوار العربي (العراق وسوريا) 1980-1993، رسالة ماجستير غير منشورة)، معهد الدراسات القومية والاشتراكية، الجامعة المستنصرية، بغداد، 2002، ص25 (3-شادية فتحي ابراهيم ، الاتجاهت المعاصرة في دراسة النظرية الديمقراطية، المركز العلمي للدراسات السياسية، عمان، 2005، ص41 . 4- لاري دايموند، الديمقراطية تطويرها وسبل تعزيزها، ترجمة فوزية ناجي الرفاعي وزارة الثقافة، بغداد، 2005، ص72
26
صدر لي عن دار فكرة -القاهرة – مؤُلَّف السياسة الجنائية المعاصرة في التجريم والعقاب للجرائم المستحدثة دراسة قانونية مقارنة د. ماجد احمد الزاملي المُؤلف يتكون من بابين الباب الاول يتابع ويشرح الجريمة وأسباب وقوعها منذ الإخبار عنها وتَحرِّك رجال الضبط القضائي ألإستدلال النيابة العامة التحقيق الإبتدائي ألإستجواب والمحاكة العادلة بتوفير جميع الضمانات للمتهم وظروف الجرائم الجنائية والعقوبات المقررة , والقاضي الجنائي والملائمة بين ظروف الجريمة الجنائية وتقدير الأدلة المعروضة أمام القاضي . والعقوبة المقررة لها , مقرونة ببعض احكام محاكم التمييز والنقض , صلاحية القاضي لتوزيع الإختصاص التي منحها القانون له . والإقتناع الشخصي للقاضي تحكمه ضوابط القانون. الرقابة القضائية على تكييف القضايا المرفوعة امام المحكمة,وحياد القاضي يُعتبر ضمانة لعدالة الحكم. الأعذار و الظروف المخففة أو المشددة للعقوبة . القاضي الجنائي يحكم حسب قناعته بالأدلة والقرائن وبحدود القانون , مع تسبيب حكمه على اسس قانونية مقنعة. اما الباب الثاني فيشمل ذكر قسم من الجرائم المستحدثة واركانها وظروفها وسُبل الحد منها مع بعض احكام المحاكم ,لأن الجرائم المستحدثة أكثر خطراً على المجتمعات , مثل جريمة تلويث البيئة, و جريمة غسيل ألأموال , وجريمة تهريب أو الإتجار بالبشر والجرائم الالكترونية والإحتيال المعلوماتي ... الخ. بعبارة اخرى المؤلف يعطي لكل محامي خارطة طريق لتطبيق القانون بذكر الاحكام ومواد قانون العقوبات المقارن ومواد القانون الاجرائي المقارن ,اي نَقَلَ القانون الجنائي من النظرية الى التطبيق. إقامة العدل والدفاع عن حقوق الانسان يُعتبران من أنبل الغايات الانسانية,حيث أنَّ موضوعات حقوق الانسان تُعَد من أهم الموضوعات المُثارة حالياً على كافة المستويات الدولية والإقليمية والوطنية. وللسياسة الجنائية – السياسة الجنائية العِلِم الذي يهدف إلى إستقصاء حقائق الظاهرة الإجرامية للوصول إلى أفضل السبل لمكافحتها - مراتب تبدأ بالمستوى القاعدي المتعلق بشق التجريم من القاعدة الجنائية ، فتبحث في مدى تلائم التجريم المقرر من قبل المشرِّع الداخلي مع قيم وعادات المجتمع ، ومدى الحاجة إلى هذا التجريم في الفترة المُقرر فيها ، حيث تتباين المجتمعات في هذا بحسب مستواها من التطور الإجتماعى والخُلِقي والروحي. وكذلك تبحث في طبيعة الوقائع المجرّمة لتحديد أى الوقائع يجب أن تبقى مجرّمة ، وأيها يجب إباحتهِ ، وأيها يجب أن يصبغ عليها وصف التجريم. وتنتقل السياسة الجنائية إلى الشق الجزائي من القاعدة الجنائية ، كي تقيم العقوبات المقررة وحالات التخفيف والتشديد والإعفاء وسبل التفريد التشريعي المقررة في مدونة العقوبات . ثم تنتهي السياسة الجنائية إلى مرتبتها الثالثة المتعلقة بتحديد أساليب المعاملة العقابية حال التنفيذ الفعلي للجزاء الجنائي داخل المؤسسات العقابية ، خاصة ما يتعلق بالتفريد التنفيذي للعقوبة والتدابير الجنائية ، وكفالة إتِّباع أسلوب علمي في تنفيذ الجزاء على المُجرِم بما يضمن تأهيله وإصلاحه وتهذيبه وإعادة اندماجه في المجتمع مرة أخرى. أنّ المشرِّع يضع الخطوات والإجراءات التي تُباشرها السلطات المختصة فـي الدولة – منها قاضي التحقيق - من أجل تقصي الحقيقة وملاحقة مرتكب الفعل المخالف للقانون وإيقاع العقاب اللازم متى توافرت أسبابه، وهو في وضعه هذه القواعد يُحدد متطلبات عدم المساس بالحريـة الفردية، فالقانون وحده هو المصدر الوحيد الذي يرسم ويُحَدِد تلك القواعد الإجرائيـة منـذ تحريـك الدعوى الجزائية حتى إنتهائها بحكم بات، ويُعرَف هذا الانفراد في تنظيم الإجراءات الجزائيـة بمبـدأ قانونية الإجراءات الجزائية. ومن هذا يتضح أن مبدأ الشرعية الإجرائية يقتضي إحترام الحرية الفردية المقـررة بالقـانون أثناء الدعوى الجزائية، وتكفل قوانين الدولة تحديد ما يتمتع به الفرد قبل الدولة من حقوق يتعين عـدم التفريط بها أثناء سير الدعوى الجزائية، كما تحرص دساتير بعض الدول على توفير أهم الضمانات التي يجب إحترامها وخاصةً ما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الدفاع، وترسـم هـذه الدساتير الخطوط العريضة للمشرِّع وتُحدد له الإطار الذي يستطيع بداخله تنظيم إجـراءات الـدعوى الجزائية. الإجرام الـذي فـي الكثیـر مـن الأحیـان تُضـخِمَه القنوات لتشـویق المشـاهد و بـذلك تسـتقطب أكبـر عـدد مـنهم، هـذا إن لـم نقل أن هذه القنوات في حد ذاتها ,فالبعض منها من بین وسائل المجرمین (قـادة الإجـرام المنظم ) الذي یجعل منها أرضـیة خصـبة لتعلـیم تقنیـات الإجـرام وتهیئـة النفـوس الضـعیفة أو القابلة لأن تدخل في عالم الجریمة(2). كثیرة هي الجرائم التي برزت في العقدین الأخیرین من القرن العشرین وسبب ذلك يرجع إلى الثورة التكنولوجیـة التي تلت الثورة الصناعیة، و ما تبعهـا من تطوِّر في نقل الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد رقمـي بحــت ورافق كل ذلك تطور في أدوات الإجرام، فتَرتَب علیه بزوغ مصطلحـات جدیدة على الساحـة الإجرامیة لم تكن مألوفة من قبل، وهذا بفعـل تنامي الظاهرة الإجرامیـة في حد ذاتها، وكذلك رغبة مرتكبیها في الخلاص من أواصرها والعیش بأمان ورفاهیة داخل المجتمع مع ما تحصَّلوا علیه من عائدات.وعلى الرغم من الخطورة البالغة للجرائم المعاصرة ومع تعـدد الدراسـات التـي تناولـت ظاهرة الإجرام الجدید سواءً كانت هذه الدراسات على المسـتوى الـوطني أو علـى المسـتوى الـدولي إلاّ أنـَّه لا یوجـد حتـى الآن تعریــف جــامع ,ومتفـق علیــه لمعظـم هذه الجـرائم رغـم أهمیـة التعریـف فـي تحدیـد نوعیـة الجریمـة التـي سَـیَجري التعـاون بـین مختلـف الـدول لمكافحتهـا وذلـك لطبیعـة كـل جریمـة علـى حـدة ؛ وبالتـالي تكمـن أهمیـة وضـع تعریـف للجریمة في التوصل إلى مدلول واضح ومُحَـدَد لهـا و لِمعالمهـا الخاصـة، هـذا مـن جهـة، ومـن جهة أخـرى كونـه أمـر یقتضـیه مبــدأ شــرعیة الجـرائم و العقوبـات، إذ یُعـد وسـیلة لتـدعیم السیاسـة الجنائیـة التـي یتَّبِعهـا المشـرِّع فـي مكافحـة هـذه الظـاهرة، كمـا أن تعزیـز التعاون الدولي في هذا المجال یقتضي بالضرورة إلى جانب تحدید السـلوك محـل التجـریم فــي القــانون الــداخلي، أن یــتم الاتفاق بــین الدول علــى مفهــوم مشــترك لهــا؛ فعلــى ســبیل المثال جریمة غسيل الأموال ترجع صعوبة عـدم إیجـاد تعریـف لهـا لصـعوبة فهـم مراحلهـا التي تتسم بالتعقید والتي لا یمكن فهمها إلاّ من المختصین بها.وشرعية الإجراءات الجنائية هي إبرز الخصوصية للقانون الجنائي الإجرائي، وهي إعلان عن فلسفته الخاصة في تشريع الأحكام لمواجهة المصالح المتعارضة والعمل على موازنتها بدقة، فهو يعمل على الموازنة بين مصلحة الدولة في العقاب ومصلحة المتهم في الدفاع عن نفسه وإثبات براءته، وهذه المصالح المتعارضة لا يكون لها محل في القواعد الإجرائية غير الجنائية (المدنية)، لأن تلك القواعد تكوِّن المصالح المتعارضة فيها مصالح فردية لا تدخل فيها مصلحة الدولة إلاّ إذا كانت كأي شخص عادي، كما أنه لا يلجأ إليها إلاّ في حالات. الحكم الجزائي – بوجه عام – لا تكون له حجية أمام المحاكم المدنية بالمعنى الواسع إلاّ فيما فصل فيه فصلاً ضرورياً. ويكون الفصل في المسألة العارضة المعروضة على المحكمة الجزائية ضرورياً إذا كانت لها تأثير فعلي على الحكم في الدعوى الجزائية. ولما كانت المسألة الأولية هي مسألة غير جزائية تتصل بركن من أركان الجريمة المرفوعة بها الدعوى الجزائية أو بشرط لا يتحقق وجود الجريمة إلا بوجوده، فإن فصل المحكمة الجزائية في المسألة العارضة الأولية يُعد فصلاً ضرورياً. اذ لا يتصور أن تنتهي المحكمة الجزائية إلى قيام الجريمة بدون الفصل في تحقق المسألة العارضة التي تُعد بدورها أحد مقومات بنيانها القانوني وعنصراً من عناصر التكييف القضائي أو مطابقة الواقعة الإجرامية مع النموذج القانوني للجريمة. فإذا لم تكن المسألة غير الجزائية التي فصل فيها الحكم الجزائي متعلقةً بالجريمة فإن الفصل فيها لا يكون فصلاً ضرورياً ولا يحوز حجية أمام المحكمة المدنية. وذلك لأن تعرض الحكم الجزائي لها والفصل فيها في هذه الحالة لا يعدو أن يكون إلا تزيّداً، فالحكم الجزائي الذي ينتهي في جريمة حبس سلع عن التداول إلى أن تلك السلع مملوكة للمتهم، لا يحوز حجية بشأن ملكية تلك السلع أمام المحكمة المدنية، لأن تعيين المالك لها لم يكن أصلاً عنصراً لازماً للفصل في الجريمة(1). غير أنه لا يكفي أن تكون المسألة الأولية متعلقة بالجريمة لكي يكون للحكم الجزائي الذي فصل فيها حجية أمام المحكمة المدنية، ذلك أن قانون العقوبات قد لا يعني بالمسألة الأولية إلا من ناحية أو زاوية معينة، فتكون هذه الناحية أو الزاوية وحدها هي التي تحوز الحجية أمام المحكمة المدنية، حتى ولو لم يفصل فيها الحكم الجزائي فصلاً صريحاً، ولا يكون لغيرها من نواحي المسألة الأولية حجية أمام المحكمة المدنية ولو تعرض لها الحكم الجزائي وفصل فيها فصلاً صريحاً. ومن ثم فإنه لكي تتحدد عناصر المسألة الأولية غير الجزائية التي فصل فيها الحكم الجزائي فصلاً صريحاً أو ضمنياً، والتي تعد ضرورية لقيامه، وتحوز من ثم الحجية أمام المحكمة المدنية يتعين الرجوع إلى قانون العقوبات، لمعرفة أركان الجريمة التي صدر فيها الحكم الجزائي، وما يُعد ضرورياً لقيامها وما لا يعد كذلك، فما يُعد ضرورياً من المسألة الأولية لقيام الجريمة هو وحده الذي يحوز الحجية من الحكم الجزائي أمام المحكمة المدنية. وبشكل أساسي، تتم ممارسة الرقابة القانونية بواسطة ردّ المحكمة على سبب الطعن أو الطعون لمخالفة القانون (المدني والجزائي) أو على سبب الطعن بسبب الافتقار للأساس القانوني (الدعاوى المدنية). إن مخالفة القانون ليست فقط مخالفة القانون بالمعنى الدستوري، ولكن أيضًا مخالفة للنصوص التنظيمية، وللعرف وفوق كل شيء، للمعاهدات الدولية بحيث تم وضع مبدأ تفوّقها على القانون الداخلي بموجب المادة 55 من الدستور المصري : وفي هذه الحالة، يستحق قانون المجموعة الاوروبية إشارة خاصة. إنّ الافتقار إلى الأساس القانوني، لا يستلزم بشكل ضروري تفسيرًا خاطئًا للقانون من محكمة الأساس المطعون بحكمها، ولكنه يفترض أن لا تكون المحكمة قد قدّمت أسسًا كافية لقرارها. ويُضاف إلى تلك الحالات، التشويه، الافتقار إلى الأسس القانونية، والتخلف عن الرد على الطلبات. منح قانون 15 أيار 1991 المصري محكمة النقض صلاحية إبداء آراء استشارية. لإجراءات الرأي الاستشاري ميزة جعلته معروفا بشكل سريع جدًا عندما تقبل محكمة النقض تفسير نصوص جديدة، وبالتالي يصبح من السهل توقع ما سيكون موقف المحكمة في ما يخص قاعدة خاصة أو أخرى، يكون تطبيقها مسبّبًا للمشاكل. إن هذا الإجراء، المنظَّم بشكل دقيق. وتستطيع محكمة النقض القيام بعملها الموحّد الذي غالبا ما يكون عملا تجديديا في ما يخص تفسير قاعدة قانونية سواءً كانت أساسية أو إجرائية أو تشكل جزءًا من تشريع جديد أو قديم. إنه في هذا المجال بشكل رئيسي يتم تطوير الاجتهاد من قبل محكمة النقض. وتلعب محكمة النقض دورًا أساسيا في توحيد الاجتهاد. وهذه الوظيفة تفسر الطبيعة المتخصصة للمحكمة، التي لا تحكم قطّ في الوقائع. بل أن مهامها تتمثل حصريًا بتفسير القانون، إن في ما يخص الأساس أو الشكل، إن كان قديما أو جديدا . هذا ما يعزز أهمية قراراتها بموجبه. يرتكز تفسيرها على الجوابات التي تعطيها في حكمها على الحجج المعروضة أمامها، وبشكل محدد أكثر، على الحجج التي تتذرع بمخالفة القانون. إن كيفية تكوّن وتطوّر ونشر الاجتهاد المتّبع تستدعي بعض التعليق. إن تكييف القاضي الجنائي لجريمة معينة وفقا لوصفها القانوني أي طبقاً لنموذجهـا المحدد في القانون وبالتالي إنزال هذا الوصف القانوني للفعل المجرّم على الواقعة المعروضة أمـام القاضي يلزم القاضي المدني بهذا التكييف ، فإذا كيّف القاضي الجنائي الواقعة بأنها سرقة فلا يمكـن للقاضي المدني أن يكيّفها بأنها نصب أو خيانة أمانة ، لكن القاضـي المـدني يـستطيع أن يُكيّـف الجريمة تكييفاً آخر من الناحية المدنية من اجل تقرير المسؤولية المدنية وبالتـالي الحـصول علـى التعويض ، فمثلاً إذا حكمت المحكمة الجنائية ببراءة المتهم من تهمة إتلاف منقولات الغير بلا عمـد لأنَّ القانون الجنائي لا يُعاقب عليها ,التزمت المحكمة المدنية بهذا التكييف ،فـــــلا تستطيع أن تُقـرر بان الإتلاف حصـل عمداً لأنه يُخالف الحكم الجنائي, فالمواد ( 51 ، 52 ، 54 ,6 )من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 تُـشير إلـى الأخـذ بالوصـف القانوني للجريمة والمحدد من قبل المشرع . فالمادة 51 من هذا القانون تـنص علـى انـه إذا توافرت في الجريمة ظروف مادية من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها سرت آثارها على كـل مـن ساهم في ارتكابها فاعلاً كان أو شريكاً علم بها أو لم يعلم . أما إذا توافرت ظروف مـشددة سـهّلت إرتكاب الجريمة فلا تسري على غير صاحبها إلاّ إذا كان عالماً بها. أما ما عدا ذلك من الظـروف فلا يتعدى أثرها شخص من تعلّقت به سواءً كانت ظروفا مشددة أو مخففة. أما المادة 52 مـن القانون ذاته فتنص بأنه إذا توافرت أعذار شخصية مُعفية من العقاب أو مخففة له في حـق احـد المساهمين – فاعلاً أو شريكاً – في إرتكاب الجريمة فلا يتعدى أثرها إلى غير من تعلّقت به.أمـا الأعذار المادية المٌعفية من العقاب أو المخففة له فأنها تسري في حق كل من سـاهم فـي ارتكـاب الجريمة . في حين إن المادة 54 من القانون المذكور تنص علـــى انه إذا اختلف قصد احـد المـساهمين في الجريمة – فاعلا أو شريكا – أو كيفية علمه بها عن قصد غيره من المساهمين أو عن كيفية علم ذلك الغير بها عوقِبَ كل منهم بحسب قصده أو كيفية علمه.إذا كانت الجريمة تُعتبر سبباً مُنشأَ لحق الدولة في العقاب إلاّ أنها ليست كافية وحدها لتطبيق العقوبة إذ يتوقف تطبيقها على توافر الخطورة الإجرامية سواءً أكانت مفروضة من قبل المشرِّع أو كانت قضائية يتم التثبت منها بمعرفة القاضي بواسطة التفريد القضائي لها، باعتبار أن الأصل في العقوبة هو تفريدها لا تعميمها، وأنَّ المذنبين جميعهم لا تتوافق ظروفهم، وأن عقوبتهم بالتالي لا يجوز أن تكون واحدة لا إختلاف فيها، حتى لا يقع الجزاء في غير ضرورة بما يفقد العقوبة تناسبها مع حجم الجريمة وملابساتها، وبما يُقيّد الحرية الشخصية دون مقتضى مما مؤداه عدم تقرير إستثناء على هذا الأصل.واضح من هذا التعليل القيمة القانونية لتفريد العقوبة مستمدة من أساس التجريم والعقاب وهو الضرورة والتناسب. ولعل أخطر حلقات العملية القضائية: المطابقة بين الواقعة المرتكبة والنموذج القانوني بهدف الوقوف والتأكد من تطابق الواقعة الواردة لديه مع القاعدة القانونية النموذجية المنصوص عليها في قانون العقوبات. والهدف الأساسي من منح سلطة تقديرية للقاضي الجزائي هو الوصول إلى الحقيقة القضائية التي يحملها الحكم الجزائي، وتأتي كثمرة للإجراءات التي يتخذها. وعليه فإنه إذا كان الحكم الجزائي هو ناقل لحالة اليقين الموجودة لدى القاضي الجزائي فإن جوهر هذا اليقين هو الدليل الجنائي الذي يعتمد عليه بتوافره لإثبات وقوع الجريمة من الناحية الواقعية ( الركن المادي والمعنوي). ولكي يكون عمل القاضي الجزائي مستساغا ومتوافقا مع مباديء العقل والمنطق السليم لابد من أن يتحقق من ثبوت عنصر الواقع (فهم الواقع) ثم فهمه لعنصر القانون باعتباره جوهر الحماية القضائية وغاية العمل القضائي، وعليه أن يغوص في أعماق هذا القانون ليُفصح عن المصالح والحقوق المحمية. ويُعد التكييف القانوني للوقائع من أدق وأصعب المشكلات التي تعترض القاضي عموما والقاضي الجزائي على وجه الخصوص على أساس أن الدعوى تخضع لعدة تكييفات قانونية. التكييف للجرائم ينطوي على أهمية كبيرة بالنسبة للإلتزام بمباديء قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، كما يسهم في تأمين حقوق الإنسان المتهم في ارتكاب واقعة اجرامية معينة، ويؤدي دوره في إعطاء صورة حقيقية عن حالة الإجرام وديناميته، كما يبرز نزاهة أجهزة الدولة المطبِّقة للقانون، وعلى وجه الخصوص الهيئات القضائية، ويؤكد عدالة التدابير العقابية المتخذة إزاء المذنبين في ارتكاب الجرائم. والنموذج القانوني للجريمة عبارة عن مجموعة السمات الواصفة للسلوك المُعتَبَر جريمة بموجب قانون العقوبات، الذي تبرز أهميته في عملية تكييف الجرائم باعتباره أحد طرفي هذه العملية، المنحصرة في تحديد التوافق بين سمات أركان الجريمة في نموذجها القانوني المحدد في قانون العقوبات، وما يماثلها في أركان الواقعة الإجرامية التي تصادف في التطبيق العملي. اذا كان القاضي الجنائي او وكيل النيابة يتقيد عند قيامه بتكييف الواقعة بضوابط اجرائية, فان ثمة اركان يلزم توافرها حتى يتسنى له انزال حكم القانون الذي ثبت في وجدانه , تلك الاركان التي تتمثل في ركني الجريمة المادي والمعنوي باعتبارهما العناصر الاساسية للوجود القانوني للجريمة بالاضافة الى الركن الشرعي. ﻟﻡ ﺘَﻌُﺩ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻭﺤﺩﻫﺎ ﻭﺴيلة ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻓﻲ ﻜﻔﺎﺤﻪ ﻀﺩ ﺍﻟﺠﺭﻴمة ،ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻗﺩ ﺃﺨﻔﻘﺕ ﻓﻲ مواطن عدة ،ﻋﻥ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﻤﻨﺸﻭﺩ ﻤﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﺠﺭﻴﻤﺔ ,الامر الذي استلزم ﻓﻲ ﺤﺩﻭﺩ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﻭﺍﻁﻥ ﺍﻟﺒﺤﺙ ﻋﻥ ﺠﺯﺍﺀ ﺒﺩﻴل ﻴﺤل ﻤﺤل ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻭﻴﻜﻭﻥ ﻟﻪ ﻓﻌﺎﻟية ﻓﻲ ﺘﺤﻘيق ﺃﻏﺭﺍﺽ ﺍﻟﺠﺯﺍﺀ ﺍﻟﺠﻨﺎﺌﻲ ﺍﻟﻤﺘﻨﻭﻋﺔ. ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻗﺒل ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ يُعتبر ﺘﻤﻬﻴﺩﺍً ﻟﺘﻭﻗﻴﻊ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻱ ﺤﺘﻰ ﻴﻜﻭﻥ ﻤُﺴﺘﻌﺩﺍً، ﻹﺨﻀﺎﻋﻪ ﻟﻠﻌﻼﺝ ﻓﺘﻭﻗﻴﻊ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﻜﻤﺭﺤلة ﺴﺎﺒﻘﺔ ﺘﺸﻜل ﺘﻤﻬﻴﺩﺍً ﻟﻼﻨﺘﻘﺎل الى ﻤﺭﺤﻠﺔ ﺜﺎﻨية ، ﻷﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ﺒﻤﻔﻬﻭﻤﻬﺎ ﺍﻟﺤﺩﻴﺙ ﺃﺼﺒﺤﺕ ﺘﺘﺠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺼﻼﺡ ﺍﻟﻤﺠﺭﻡ ﻭﺘﺄﻫﻴﻠﻪ ﻜﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﻘﻭﺒﺔ ، ﻤﺤﺩﺩﺓ ﺍﻟﻤﺩﺓ ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻴﺴﺘﻠﺯﻡ ﺍﻟﺒﺩﺀ ﺒﻬﺎ ﺃﻭﻻً ﺜﻡ ﺍﻟﺘﺩﺒﻴر ﻷﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﺭﺘﻴﺏ ﻟﻪ ﺩﻭﺭ ﻓَﻌّﺎل ﻓﻲ ، ﺍﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺔ ﻓﻲ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﺍﻟﻬﺩﻑ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ ﻟﻠﺘﺩﺍﺒﻴﺭ ﺍﻻﺤﺘﺭﺍﺯﻴﺔ ﻭﻫﻭ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺨﻁﻭﺭﺓ ﺍﻹﺠﺭﺍﻤﻴﺔ في المجتمع(4). والمعنى العام لهذا المصطلح(التكييف الجنائي) هو عبارة عن الوصف القانوني الذي يسبغه المشرِّع على الواقعة المجرمة التي يرتكبها الجاني(5). الجرائم المستحدثة هي أنواع حديثة ومتنوعة من الجرائم الناتجة عما يُستجد في الحياة الاجتماعية من ظروف وما يطرأ عليها من متغيرات تترك آثارها في الجريمة سواءً في شكلها أو في وسائل إرتكابها. وتُعَد الجریمة منذ الأزل من الأفعال المنبوذة وما یوضح ذلك تعریفاتها سواءً عند أهل اللغة أو الشریعة وحتى عند المختصین في المجالات المختلفة. إن الجرائم المستحدثة التي جعلت من النظام المعلوماتي أساسها أصبحت من أبرز الوسائل التي تنشر الرعب في نفوس الأفراد، وإمتدت حتى إلى إنتهاك الحیاة الخاصة لهم في أضیق صورها وذلك إمّا كوسیلة للتهدید أو الإبتزاز للوصول إلى تنفیذ الغایات الإجرامیة، خاصة التي تُطال العاملین في الوظائف العامة والذین رفضوا بیع ضمائرهم ووظائفهم بالرشوة، أو لإبتزاز رجال الأعمال من خلال التهدید بفضح أسرارهم المهنیة. إن القول بأن أفعال الإجرام المعاصر كلها جرائم حدیثة، كلام فیه شيء من المبالغة، فالیقين أنه من ضمن الأخیرة جرائم تقلیدیة تعود إلى العهد القدیم من حیاة البشر، قد أُعید إحیاؤها من قبل المجرمین و لكن باستعمال أسالیب جدیدة ومن قبیل هذه الجرائم ما یقع على الأشخاص كالاتجار بالأشخاص على اختلاف أجناسهم وأعمارهم ومن صور ذلك جرائم تهریب الأشخاص أو تجارة الرقیق ، ومنها كذلك ما یقع على الأموال كجریمة الرشوة التي عرفتها المجتمعات القدیمة، والیوم أصبحت مستحدثة بنمطها الجدید في صورتیها المسماة بالرشوة الایجابیة والأخرى السلبیة، ولیس بعیداً عن كل من الصنفین السابقین – الجرائم الواقعة على الأموال والجرائم الواقعة على الأشخاص – هناك من الأفعال التي تَضر بالأرواح والأموال معاً سواءً كانت العامة أو الخاصة، إنه الحدیث عن الجرائم الإرهابیة التي تَغیَّرت آلیة تنفیذها وأصبحت تستعمل الأسلحة الذكیة المتطورة و الفتاكة حتى وصلت إلى ما یعرف بالإرهاب ألألكتروني والبیولوجي؛ وبسبب تعدد و تبدّل هذه الظواهر الإجرامیة التي لها إمتداد تاریخي قدیم أصبح من العسیر السیطرة الكاملة على أنواعها وعلى عددها أو حجمها. یُشكل الإجرام المعاصر أو ما اصطلح علیه بالجرائم المستحدثة، تحدیاً كبیراً یقف في وجه استقرار منظومة القیم التي تتحكم في سیر المجتمعات، فهي تأتي لتعبِّر عن توتر یحدث بالمجتمع، یحاول التعبیر عن الاختلالات الحاصلة في جوهر تلك القیم التي تسلل إلیها التفكك ولم تعد قادرة على ضبط عوامل تماسكها وسط عالم لا یهتم بمصادر نشأتها. لا یعتبر الرعب و الفزع من الجریمة المعاصـرة مـرده فقـط تصـرفات الأفـراد الفـاعلین فیهـا، وإنَّمـا تُسـاهم القنـوات الفضـائیة بالقـدر الكبیـر فـي نشـره وغرسـه فـي نفـوس شـرائح المجتمعات من خلال مـا تبثـه مـن أفـلام وأخبـار عـن النشـاط الإجرامي . وهنالك عدة تصنيفات لجرائم الحاسب الآلي والانترنت فهناك من الباحثين من يصنفها بحسب الفئات، مثل جرائم ترتكب على نظم الحاسب الآلي وجرائم أخرى ترتكب بواسطته، أو بحسب الأسلوب المتبع في الجريمة أو الباعث والدافع لارتكاب الجريمة. ----------------------------------- 1-.نسرين عبد الحميد نبيه، مبدأ الشرعية و الجوانب الإجرائية، الطبعة الأولى، الناشر مكتبـة الوفـاء القانونيـة، 2008 2-شریف سید كامل، الجریمة المنظمة، دار النهضة العربیة، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2000 ،ص 162- 3-د حسنین صالح عبید، شكوى المجني علیه نظرة تاریخیة انتقادیة، مقال مقدم للمؤتمر الثالث للجمعیة المصریة للقانون الجنائي بعنوان "حقوق المجني علیه في الإجراءات الجزائیة"، الذي انعقد في القاهرة، من 12 -14 مارس 1989 ،دار النهضة العربیة، القاهرة، 1990 ،ص123 4-قرار بتاريخ: 15/01/1985 ،غ ج1 ،رقم 37202 ، جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، الديوان الوطني للأشغال التربوية، 2001.، ص113 5-حميد السعدي ومحمد رمضان بارة، التكييف القانوني في المواد الجنائية، دراسة مقارنة، منشورات مجمع الفاتح للجامعات، 1989 ،ص ص 23 -24
27
اليسار فى امريكا اللاتينية د. ماجد احمد الزاملي الولايات المتحدة فشلت ولم تستطع تحجيم اليسار في المكسيك، حيث تم في يوليو/ تموز 2021، انتخاب أول رئيس اشتراكي في تاريخها الحديث بأغلبية ساحقة، هو لوبيز أوبرادور، خلفاً للرئيس اليميني انريكي بينيا نييتو.و فشلت في الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورورغم محاولاتها العديدة والمستمرة الى اليوم ، والحصار الاقتصادي الذي فرضته على فنزويلا، وتبنّي المعارض خوان جوايدو، والاعتراف به (رئيساً). وفشلت أيضاً في الإطاحة بالنظام الكوبي الذي يتعرض لأشد حصار اقتصادي وسياسي منذ ستينات القرن الماضي. إن عودة اليسار إلى أمريكا اللاتينية، في بوليفيا والبيرو والمكسيك، وانضمام هذه الدول إلى كوبا وفنزويلا، سوف يشجِّع بلا شك شعوباً أخرى على خيارات غير يمينية، بعد أن أثبتت هذه الخيارات فشلها في تحقيق العدالة الاجتماعية التي تمكّن شعوب القارة الأمريكية من استعادة ثروات بلادها المنهوبة، والتخلص من سياسات اقتصادية فاشلة لم تنتج إلاّ الفقر والفساد والخضوع للهيمنة الأميركية. إن سياسة واشنطن كانت العامل الأول لصعود اليسار في أمريكا الجنوبية، ذلك أن مواطني وساسة الدول اللاتينية بدأوا يدركون أن اهتمامات الجار الأكبر في قارتهم باتت تقتصر على ما يهم المصالح الامريكية وليس المصالح المشتركة، فاهتمامات واشنطن تكاد تتركز في مكافحة المخدرات، وتأمين الممرات المائية الاستراتيجية لسفنها وناقلاتها، ووارداتها من المعادن والثروات الطبيعية، وحماية وتعزيز مصالح الشركات الأمريكية، ومواجهة أي توجهات يسارية تظهر في دول القارة تراها واشنطن .والعوامل السياسية ولا سيَّما التدخلِ الأمريكي، والعوامل الثقافية وأهمُّها القضاء على ثقافات السكان الأصليِّين؛ بل القضاء عليهم في بعض الحالات، والعناصر التاريخية المرتبطة بذاكرة التاريخ الاستعماري للمنطقة، والعناصر الاقتصادية؛ جعلت الوطنية محورًا مركزيًّا في الفكر الثوري. وقد أظهر اليسارُ في أمريكا اللاتينية من قَبل أن تقلبَ الحرب الباردة الموازين، نزعةً ملهِمة، تجلَّت في الـمُثُل العليا لسيمون بوليفار التي لم يطوِها النسيان؛ بل أُعيدت صياغتها وَفق الفكر لسكَّان أمريكا الأصليِّين الذي ينادي بالعودة لأمريكا ما قبل الاستعمار الغربي. لقد وصلت الأنظمة اليسارية الجديدة في أمريكا اللاتينية إلى الحكم بطريقة ديمقراطية، واستمرت في الحكم بتأييد قطاعات واسعة من شعوب دول القارة ، وبإنتخابات قمَّة في الشفافية والنزاهة، وأي نظام حكم في أي مكان يقوم على اختيار شعبي حر، وينصاع للإرادة الشعبية ويحترم رغباتها، لا يمكن وصفه تحت أي تقييم أو تنظير انه استبدادي أو شمولي كما تحاول أن تصفه واشنطن ومعها الدول السائرة في رَكبَها. اليسار في اميركا الاتينية يتصدر المشهد السياسي بوجوه شابة وصلت إلى السلطة وأخرى واعدة، ووجوه مخضرمة استطاعت التكيّف مع المتغيرات الجيوسياسية العالمية، حيث بدلَّت اساليب المواجهة مع أنظمة اليمين من عسكرية ثورية إلى سياسية اجتماعية، تحسم نتائجها صناديق الاقتراع. الذي يميز شعوب أمريكا اللاتينية عن غيرها من شعوب العالم ، هو أن شعوبها تخوض نضالاً سياسياً واقتصادياً وفكرياً أصيلاً ,ولديها تراث ومخزون نضالي يُشكِّل رافداً قوياً يتفاعل مع الحاضر، وهي متحررة اجتماعا لا تشهد أي انقسامات دينية أو اثنية أو قبلية، مما يجعلها استثنائية في هذا المجال، وتتمتع بمزايا ستجعلها ولفتره طويله تتصدر العملية الثورية العالمية، الشيء الذي تعلمه الولايات المتحدة ويزيد من قلقها ويفرض عليها الانكفاء نحو القاره علَّها تستطيع تأخير موجات أخرى من الرفض لسياساتها ونفوذها، ستشكل خطوة إلى الأمام، ستليها موجات أكثر جذريه، كما حصل في شيلي، ومن المتوقع أن تليها البرازيل وكولومبيا، وهذا يملي على القوى التي بوصلتها الاشتراكية العلمية، أن تعد برامجها وتشحذ قواها كي تكون البديل الثوري في "التطور التاريخي "، لتحل مسألة فشل "الاصلاحيين الاشتراكيين" في تحقيق أمال الجماهير، في إقامة "الاشتراكية" فهم لا يفشلون فقط في إقامتها، بل يشوهوا صورتها ويلوثوا مبادئها ويجعلوا منها فكرة رومانسية غير قابله للتحقيق، مما يؤكد أن الإصلاحية في نهاية المطاف هي برجوازية معادية للاشتراكية العلمية يكتشف البعض طبيعتها بعد فوات الأوان. في تشيلي بدأت مؤشّرات الصّعود اليساري عام 2021وذلك حين تقدّمت قوى اليسار بنسبة 33% مقابل 21% لقوى اليمين الحاكم في انتخابات الجمعية التأسيسيّة لصياغة دستور جديد (لاستبدال الدّستور الذي كُتب في عهد الديكتاتور اليميني بينوشيت). ويبدو أنّ نشاط بوريك وكفاءته وعمله الدؤوب دفعت اليسار في تشيلي، ومن ضمنه الحزب الشيوعي، إلى الإجماع على اختياره كمرشّح للرئاسة في مواجهة قوى اليمين التي تُسيطر على البلد منذ عقود. حيث فاز مرشح حزب "التقارب الاجتماعي" اليساري، غابرييل بوريك بالانتخابات الرئاسية، ليعيد حكم اليسار إلى البلد بعد الانقلاب الأمريكي على الرئيس سلفادور ليندي في مطلع سبعينيات القرن الماضي. سبق هذان الانتصاران عودة اليسار إلى بوليفيا بعد الانقلاب الذي نفذته الإمبريالية الأمريكية ضد الرئيس المقاوم إيفو موراليس، فقد عاد حزب موراليس "نحو الاشتراكية" إلى سدة الرئاسة بانتصار رفيقه لويس آرسي (وزير الاقتصاد في عهد موراليس) في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كما عجزت الولايات المتحدة عن الإطاحة بخليفة هوجو شافيز في فنزويلا الرئيس مادورو. وفي هندرواس فازت زيومارا كاسترو زعيمة حزب "ليبري" اليساري عام 2021، في أكبر دولة في أمريكا الوسطى، وهي زوجة الرئيس اليساري السابق مانويل زيلايا، الذي أطاح به انقلاب في العام 2009. تباين التجارب في اميركا الجنوبية ارتباطاً بظروف وإرث وتطور الحياة السياسية والقوى المؤثرة في البنى الاجتماعية – الاقتصادية في كل بلد من بلدان أمريكا اللاتينية، والدروس الخاصة أو المعممة المستخلصة من بعض النماذج ، تُحتم علينا أخذها بعين الاعتبار عند قراءة مشهد الصعود الجديد لليسار في أمريكا اللاتينية، الذي يتميز بتنوع واتساع طيفه من جهة، وتجديده لذاته وصياغة برنامجه بواقعية تلامس احتياجات وأولويات الجماهير الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى، دون إنكارٍ لعوامل تأثير خارجية مصدرها التحولات التي شهدتها قوى اليسار في العالم وبشكل رئيسي اليسار الأوروبي، بسبب هامش الديمقراطية الواسع الذي هيَّأَ بيئة سياسية اجتماعية لإعادة تَشكُّل فكر وهيكلة وبرامج عمل اليسار الجديد المنحدر من التيار الشيوعي والاشتراكي التقليدي التاريخي.الاّ انه مما لا جدل فيه ان التيارات اليسارية الجديدة في أمريكا الجنوبية ارتبطت بحركة العولمة البديلة في بعدين أساسيين جوهريين هما, الخطاب المناوئ لليبرالية الرأسمالية المتوحشة ولهيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي. ففي حين كانت الحركات الاجتماعية التقليدية حاملة لمشروع وطني يرتكز على بناء دولة قومية قوية, فان التيارات الاحتجاجية الجديدة تتمحور حول مطالب المجموعات المنشقة المحلية التي ترفع اما شعار التميّز العرقي والثقافي والخصوصية الحضارية كما هو شأن حركات السكان الأصليين في بوليفيا والايكوادور والمكسيك؛ والمابوش في تشيلي والارجنتين، او شعار الحفاظ على البيئة ورفض النموذج الرأسمالي لإستثمار الطبيعة وتعنيفها.
28
اثر الدِين والتدخل الخارجي في تحديد السلوك الانتخابي للمواطن العراقي د.ماجد احمد الزاملي الجميع يعرف أن النخب السياسية العراقية على أساس إثني وطائفي، لا يمكن الإعتداد بالكثير من الأحزاب التي تَدّعي أنها أحزاب وطنية أو قومية لأنها فشلت في الوصول إلى السلطة، وحتى سلوك الناخب العراقي اعتمد الأساس الإثني والطائفي، والمتغير الأساسي هي متغيرات محلية. فالمواطنة تُعرَف على أنها " علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، حيث تُقدِّم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للإفراد عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجأون إلى قانونها للحصول على حقوقهم. وتقوم المواطنة " على أساس إبقاء الخلافات في دائرة السجال السلمي والاحترام المتبادل بين القوى السياسية المتصارعة، والحيلولة دون انتقال الصراع السياسي إلى مرحلة التشكيك في النوايا أو التخوين أو الاتهام بالعمالة أو ما شابه ذلك من المواقف التي تجعل الحوار مستحيلاً... فالوعي الصحيح للمواطنة يحول دون خروج النقد السياسي عن قواعد الاختلاف السياسي. وتختلف درجة الوعي السياسي من دولة الى أخرى، وظاهرة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، ليست بالضرورة متساوية في جميع نتائجها بشكل متساوي على كافة الدول، ويكمن ذلك في إختلاف البنية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة، والى تركيبة النظام السياسي، وان عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي يتمثل في حالة التضامن والتماسك داخل الدولة في مختلف مؤسساتها البنيوية والوظيفية وعلاقة السلطة السياسية بالاستقرار السياسي هي علاقة ترابطية تبادلية وواجبات الدولة الاساسية هي حماية كيانها الجغرافي والبشري وصيانة تاريخها الوطني. ترسيخ التعايش السلمي وبناء سلام مستدام في المجتمع العراقي المتنوع هو جهد تواجهه مشاكل متشعبة ومتعددة. سد كل مداخل العنف المجتمعي وحل النزاعات بين فئات ّ معقدة، وينطوي على توافر آليات ورسم سياسات عامة تسعى إلى المجتمع المتعددة بطرق سلمية عن طريق الحوار والتسامح وقبول الاخر المختلف، ومن بين آليات ادارة الصراع السياسي هو مدخل الاصلاح الانتخابي الذي نعتقد أنه سيكون الأساس السياسي المصحح لمسار العمل السياسي الذي أتسم بالمحاصصة أفكارا عن النظام الانتخابي من الممكن تطبيقها على ً الطائفية التي كان الفساد أحد أبرز مظاهرها، ومن الممكن أنها ستؤسس لسلام دائم في المجتمع العراقي، إذ يمكن من خلالها إحداث تغييرات في مسارات النزاعات السياسية المؤسسة على الهويات الفرعية، وتحويلها إلى تعايش سلمي دائم. ومفهوم الهوية من المفاهيم المحورية عند أنصارالنظرية البنائية( والنظرية البنائية هي من نظريات علم الاجتماع ومع بداية العقد الأخير من القرن العشرين دخلت مجال العلاقات الدولية وأصبحت أحد أهم النظريات فيها، وقد برزت خلال تلك الفترة العديد من الكتابات التي أسهمت الى حد كبير في وضع الأسس لهذه النظرية). وقد جاء المصطلح في علم النفس الاجتماعي حيث يشير الى أشكال من الفرديـة والتميز الأنا التـي يحملهـا ويعكسها الفاعل، والتي تتشكل ويجري تعديلها عبر العلاقات مع الآخرين وللهوية شكلان احدهما أصيل أو أصلي والثاني يتم تحديده وفقاً للعلاقة مع الآخرين.اذ لم يكن المفهوم المعاصر للمواطنة واضحاً لدى أفراد المجتمع، ويتطلب ترسيخ هذا المفهوم القائم على نقل نمط الولاءآت التقليدية الى ولاء جديد يسمو عليها والاقتناع به سياسة تربوية وتنشئة تستلزم جهوداً كبيرة وزمناً ليس بالقصير، فالهوية الوطنية تضع القواعد والأسس التي تُبنى عليها الحياة السياسية المستقرة، وهي فكرة تحدد السمات العامة لشعب الدولة وتغرس في عقول إفراده شعوراً بالانتماء لوطن واحد يضم الجميع في إطار تماسك اجتماعي ووحدة سياسية للأمة المتعددة الانتماءات العرقية والدينية والطائفية. تتكون اغلب دول العالم من تعدد ديات مجتمعية مختلفة, قومية ودينية ومذهبية، ولا توجد دولة تقوم على أساس وجود مكون واحد، وينطبق هذا الكلام على الدول المتقدمة وغير المتقدمة على حد سواء. أن المشكلة الأساسية في العراق تكمن في انحراف العملية السياسية في العراق من حيث بنية النظام السياسي والخلل القائم في بنية النظام (المحاصصة الطائفية والقومية) الذي يمثل الركيزة الأساسية في النظام السياسي العراقي بعد عام 2003 والذي أدى إلى تدهور الأوضاع وساعد على تعميق الأزمات بدلاً من حلها .فقد بات من الضروري العمل على إجراء عملية إصلاح شامل في بنية النظام السياسي العراقي، والذي أُسس في ظروفٍ استثنائيةٍ، يشوبها الكثير من الأخطاء وعلامات الاستفهام , كذلك القول أن المتابع لأي مجتمع من المجتمعات البشرية يجد أن عملية بناء المجتمع واتجاهه نحو بناء نفسه وتكاملها لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الإصلاح أي من خلال مجموعة من الحركات الإصلاحية الهادفة إلى تقويم مسار هذه المجتمعات. فالإصلاح يتفرع ويأخذ اتجاهات متعددة منها الإصلاح الاجتماعي و الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي . وان عملية الإصلاح تمر بثلاث مراحل مهمة وهي ( مرحلة الحوار من اجل إبداء وطرح البدائل الصحيحة , ومرحلة الدخول في عملية تغيير الأنظمة السلبية ومنها النظام الانتخابي على سبيل المثال , ومرحلة إعادة بناء المؤسسات السياسية والديمقراطية والدستورية ) . في الدول غير المتقدمة فأن الوضع يختلف بشكل كبير، اذ ما زالت هذه الدول تعيش حالة من عدم وضوح هويتها الوطنية، اذا ما قلنا بأنها غير موجودة أصلا وهذا الخلل ادى الى ان تعاني بقية القطاعات فيها من ظاهرة عدم الاستقرار أيضا، سواءً الناحية السياسية او الاقتصادية او المجتمعية. العراق بما انه من الدول غير المتقدمة، فهو الأخر لا زال يعاني من عدم وضوح هويته الوطنية، فبالرغم من محاولات الأنظمة العراقية التي سبقت عام 2003، من ترصين هذه الهوية وجمع التعددية المجتمعية تحت لوائها. ويلعب المتغير الأمريكي دورا مهما في مسار العملية السياسية، ويبدو أن الإدارة الأمريكية لا زالت تنظر إلى المحاصصة السياسية وسيلة مثلى لحل الإشكال العراقي. وتدعو كل فئات الشعب لتشكيل حكومة بسرعة عقب الانتخابات العامة بهدف تضييق فرص السقوط مرة أخرى في دائرة العنف. وبالتالي فإن هذا المطلب يلغي نتيجة الانتخابات مسبقا ويفترض وصول قوى طائفية إلى قبة البرلمان، بما يدفع إلى تبني نظرية مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية ربما قد أعدت مسبقا نتائج الانتخابات، عن طريق تقسيم المقاعد أفقيا ما بين القوى الرئيسة المتنافسة على المقاعد البرلمانية بحيث لا يستطيع أي تحالف بمفرده من أن يحوز على الأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة. الانتخابات تُعد إحدى الأدوات الرئيسة لتسوية الاختلافات بين الجماعات الاجتماعية داخل حدود الدولة الواحدة، ووسيلة للتحكيم بين الأفكار والاختيارات، وأن السلوك التصويتي في مجمله هو تجسيد لفكرة القبول بالآخر والعيش المشترك. لكن هذا الوصف لا يمكن تعميمه على التجربة العراقية، لأن البناء السياسي قد شُكل وفقا لأهواء وصور هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية الحقة، بحيث وصلنا إلى مشهد ديمقراطي يفتقر إلى ديمقراطيين. وبالتالي لا يمكن الحديث عن الانتقال السلمي للسلطة في غياب انتخابات حقيقية تعبّر عن إرادة الشعب أو تؤكد مصداقية العمل السياسي، ولا زالت العملية الانتخابية بعيدة كل البعد عن تحقيق اشتراطات النزاهة، بسبب وجود الكثير من الشبهات. أن تبشير الولايات المتحدة الأمريكية للعالم بأنها ستقيم نموذجا للديمقراطية في الشرق الأوسط ينطلق من العراق ليعم بلدان المنطقة، اتضح بعد وقوع الغزو، ان العراق بات نموذجا للفوضى وانعدام الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها، والشيء الخطير في كل ذلك هو تفكك العراق كدولة ومؤسسات ورابطة وطنية، أصبحت تداعياتها واضحة داخل المجتمعات العربية. وثمة تضافر عوامل سياسية، اقتصادية، أمنية وطائفية، فضلاً عن تشابك وتعقيد النطاقين الداخلي والخارجي، بما يجعل المشهد العراقي بعد أكثر من تسعة عشر عاماً من الغزو نموذج للفوضى وانعدام الأمن والاستقرار، وأن التحول السريع نحو الديمقراطية لم يتم استيعابه لحد الآن، والواضح أن كل الأطراف داخل العراق وخارجه دولة كانت أو طائفة، ستذهب إلى أبعد مدى في استغلال كل الوسائل والطرق المتاحة بحثاً عن المصالح، السلطة، الموارد في العراق لا من أجل العراق، لذلك نجد أن العملية السياسية تم التعامل معها برؤى مختلفة، تمثَّلت رؤية كل جهة بحسب مصالحها وتبعاً لتحالفاتها الإقليمية والدولية. والمواطنة في العراق يمكن ترسيخها وتحويلها الى رابطة فعّالة ترتكز على وجود مواطنين فعالين مبادرين يحمون مواطنتهم ويضمنون استمرارها,فالعراق واجه وما زال عقبات خطيرة مصدرها البنية الاجتماعية والسياسية للدولة والمجتمع، وأنه دون ادراك وتفهم هذه العقبات والسعي لتخفيف حدَّتها، ومن ثم إبعاد تأثيراتها المعرقلة لنشوء مواطنة عراقية حقيقية ستبقى هذه المواطنة فاقدة للضمانات الجوهرية لترسيخ وجودها وقيمها وآلياتها في البيئة العراقية . العوامل المحلية، والخارجية المؤثرة على الدولة العراقية فإنها كثيرة جدا ، وقد أسهمت وبدرجات متفاوتة، في التدهور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والأمني في العراق ، والتردي السريع في جودة الحياة التي يشهدها العراق منذ بداية الثمانينيات، وخاصة بعد الاحتلال في عام 2003. وليس بخافٍ، أن الدولة، رغم موقعها الجغرافي الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وامتلاكها للثروة النفطية (والغاز) بوفرة, قد خسرت حيزاً من أهميتها (السياسية – الاستراتيجية) واستقلاليتها بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، وهي تجتاز حالياً منعطفات خطيرة تهدد سيادتها وتماسكها ومستقبلها. ولحماية وجود الدولة وتأمين مصالح المواطنين فيها، ينبغي إحداث التغيير لإنهاء أزمة النظام المركّبة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً. من هنا، يَستمدُ المشروع الاقتصادي الوطني مبرراته ليسهم في تأسيس البديل الاقتصادي الذي يؤهل الدولة المدنية الديمقراطية المستقلة والسلطة (الأحزاب) السياسية القوية، التطلع لمشروع وطني يعالج الأزمة العامة المزمنة، وليوسِّع آفاق المستقبل الاقتصادي من خلال التأثير بدينامية أنماط استغلال الريع النفطي، وأهمها مؤسسات ومعايير التوزيع بين الاستثمار والاستهلاك. والتغيير هنا، يتطلب صياغة السياسات الاقتصادية لتوجيه مسارات النمو في القطاعات، ومن خلال الاستثمارات الحكومية المُمَوّلة من الإيرادات النفطية العامة، نحو الإسراع بعملية (التنويع الاقتصادي الهيكلي) لتقليل الاعتماد الكبير على الصادرات النفطية. أما من الناحية الدستورية بالإجمال فإن المادة 39 من الدستور نصت على "حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية، أو الانضمام إليها". أخفقت الإدارات التي حكمت الدولة العراقية بعد عام 2003 بدءاً من الإدارة المدنية لسلطة الائتلاف المؤقتة وانتهاءاً بالحكومة الحالية في إدارة شؤون البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، والسبب في أغلبه تصارع المصالح الطائفية والحزبية والشخصية، يغذيه انعدام النضج المؤسسي وتضاؤل الثقة. وأنتج ذلك حالة من سوء إدارة الشأن السياسي الذي أفرز لنا عدم الاستقرار في الجانبين السياسي والأمني. وكان الجانب الأمني من أكثر الميادين تأثراً بسياسات إدارة الحكم غير الجيدة، مما قاد إلى تردي الوضع عبر صور عدة، منها كثرة سقوط الضحايا من المدنيين، وازدياد حالات النزوح الداخلي والهجرة الخارجية، والصورة الأهم كانت – ومازالت – زيادة التخندق المذهبي الطائفي. ومن الناحية النظرية فإن هذه المادة من المفترض أن تؤسس لمنظمات غير حكومية مرتبطة بالمجتمع العراقي، بوصفه مجتمعا تحده المواطنة لا الطائفة. ومن الناحية الواقعية هناك انتشار واسع للمؤسسات غير الحكومية ذات الطابع الطائفي، التي تعيد تأسيس المجتمع على أساس الطائفة لا المواطنة، وعزز من هذه الظاهرة إعادة بناء الدولة العراقية برمتها على أساس طائفي وفي غياب التوافق بين مكونات المجتمع نفسه. يقوم الإصلاح السياسي بإقامة الدولة على أساس صحيح , ان تكون الدولة قائمة على أساس المشاركة الشعبية وشرعية التمثيل , أنها الدولة القانونية التي تتحقق في ظلها المساواة أمام القانون , كما إنها دولة حديثة تقوم على أساس العلم. أن عملية الإصلاح تبدأ من تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية والتنظيمية والسير بها نحو الهدف المنشود ألا وهو إعادة النظر في النظام السياسي وإلغاء سياسة (المحاصصة) والتقاسم من اجل إرضاء الكتل السياسية المتناحرة فيما بينها , تحقيق المصلحة الوطنية بعيداً عن المصالح الضيقة , وبذلك تحقق الهدف المنشود ألا وهو الإصلاح.
29
الحماية الجنائية لايرادات الدولة من الضرائب د. ماجد احمد الزاملي تحرص المجتمعات وخاصة الديمقراطية منها على كفالة الخصوصية ، وتعتبره حقا مستقلاً قائماً بذاته ، ولا تكتفي بتشريع القوانين لحمايته بل تسعي إلى ترسيخه في الأذهان ، وذلك بغرس القيم النبيلة التي تلعب دوراً كبيرا وفعالاً في منع المتطفلين من التدخل في خصوصيات الآخرين وكشف أسرارهم . ولقد حظي هذا الحق باهتمام كبير سواءً من جانب الهيئات والمنظمات الدولية أو من جانب الدساتير والنظم القانونية ، فعلى الصعيد الدولي نجد أن هذا الاهتمام يبرز في صورة اتفاقيات دولية كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 217 المؤرخ في 10/12/1948 م في المادة (12) منه. تشتمل الأنظمة القانونية المختلفة بما فيها النظام القانوني العراقي على مجموعة قوانين تهدف لحماية المال العام إبتداءً من حماية المنابع الأقتصادية والتي تمثل الجهات الأيراديه والثروات الوطنية المختلفة التي تحقق عائداً للدولة وتهدف الدول من خلال هذه التشريعات ضمان تحصيل كافة الأموال العامة ووصولها إلى الخزينة العامة للدولة والأشراف على عملية استثمار الموارد الناتجة من الثروات الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن ومنتجات القطاعات الأخرى من الموارد الأقتصادية للبلاد كما تشتمل الأنظمة القانونية على قوانين رقابية وإجرائية وعقابية لحماية المال العام من الأختلاس والنهب أو التلاعب بمقدرات الشعب. وضريبة الدخل تُفرض عند تَوَلِّد الدخل والإدخار، وضريبة المبيعات تفرض على الإنفاق والاستهلاك، الأمر الذي يعني أن فرض الضريبة بحالتيها يؤثر على مستوى الاستهلاك الفردي وبالتالي التوجه نحو الادخار. أن نسبة الضرائب تشكل نسبة من الناتج المحلي الاجمالي، وينبغي وقف التوجه نحو الضريبة كمصدر لايرادات الدولة وحماية المستثمر من خلال استقامة التشريعات الاقتصادية. مبدأ قانونية فرض الضرائب منذ الدستور الأول لها ، إذ جاء النص " لا تفرض ضريبة أو رسم إلاّ بمقتضى قانون تشمل أحكامه جميع المكلفين(المادة (11) من القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 الملغي) ، وعاد المشرع الدستوري مؤكداً للمبدأ المتقدم إذ نص على "لا يجوز وضع ضرائب أو رسوم الا بقانون" (المادة (91) من القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 الملغي). ويبدو أن المشرع الدستوري العراقي قد تلافى ما وقع فيه من نقص في استكمال عناصر مبدأ القانونية إذ نص على " لا يجوز فرض ضريبـة أو رسم أو تعديلهما أو إلغاءهما إلا بقانون(المادة (15) من دستور 27 تموز 1958 الملغي الذي صدر في مطلع العهد الجمهوري في العراق) ، وجاء الدستور الثالث لجمهورية العراق خالياً من الإشارة إلى المبدأ المتقدم(قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (25) لسنة 1963 / دستور نيسان 1963 الملغي). وهكذا بالمسار نفسه جاء الدستور الرابع(قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة رقم (61) لسنة 1964 / دستور 22 نيسان 1964 الملغي). بيد أن الدستور الخامس عاد فنص على مبدأ قانونية فرض الضريبة إذ نص على " أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب وشرف ولا تفرض ضريبة أو رسم ولا يجوز إعفاء أحدهما إلا بقانون، وجاء الدستور السادس بأغلب عناصر مبدأ القانونية حيث نص على " لا يجوز فرض ضريبة أو رسم أو تعديلهما أو إلغائهما أو الإعفاء منهما إلا بقانون هذا وقد نص دستور 16 تموز 1970 على المبدأ المتقدم إذ نص على " أداء الضرائب المالية واجب على كل مواطن ، ولا تفرض الضرائب المالية ولا تعدل ولا تجبى إلا بقانون(المادة (35) من دستور 16 تموز 1970 الملغي). ولقد تضاعف الاهتمام بهذا الحق نظرا لما يتعرض له من مخاطر تحيط به وتهدده أبرزها التقدم التكنولوجي والإعلامي و المعلوماتى الملحوظ والذي كان له دور كبير في اقتحام حصون هذا الحق واختراق حواجزه ، الأمر الذي يقتضي تدخل المشرع لحمايته بالأسلوب الذي يتفق وطبيعة هذه الأخطار. وقد حرص القانون على إلزام الجهات التي ستقدم خدمات التصديق الإلكتروني أو الخدمات المتعلقة بالتوقيعات الإلكترونية بالحصول على التراخيص اللازمة لهذا النشاط من هيئة تقنية المعلومات بصفتها الجهة المختصة ، وبما يضمن توافر الثقة والرقابة اللازمة لصحة وسلامة المعاملات الإلكترونية. وفي العصر الحديث ظهرت الحاجة الماسة لمعرفة الكثير من المعلومات وأصبحت المعلومات عصب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية . واصبح استخدام الحاسب الآلي من سمات وضرورات حسن التنظيم الاداري سواءً على مستوى روابط القانون العام أو على روابط القانون الخاص . ولهذا وصف هذا العصر وبحق عصر الحاسوب. فالتهرب الضريبي الذي هو مجموعة من الأفعال الاحتيالية والتدليسية التي يتم اقترافها بسوء نية وبطرق وتقنيات مختلفة من الملزم بالضريبة قانونا، قصد التخلص من الضريبة جزئيا أو كليا وهذه الوسائل الاحتيالية يستعملها المتملصون من الضريبة قصد تجنب أداء الضريبة للخزينة العامة التي تسهر على تحصيل الضرائب. وهنالك أهمية أخرى نلمسها من خلال تعقد مفهوم التهرب الضريبي، والذي أصبح يتخذ عدة أشكال فمن استغلال الثغرات القانونية إلى خرق المقتضيات القانونية والتحايل عليها، إلى ظهور تقنيات جديدة للتهرب خاصة على المستوى الدولي. ومما يزيد هذا التعريف تعقيدا هو الخلط بين التهرب الضريبي- بمفهومه الضيق- وبين الغش الضريبي، فرغم التعريفات الفقهية المختلفة التي أعطيت للتهرب الضريبي لازال هناك نوع من التضارب حول هذا المفهوم. ضرورة تطوير العمل بكافة المصالح الإيرادية وتوفير كافة الإمكانيات والسبل للعاملين بها للحصول على أداء متميز وهو ما تقوم به وزارة المالية حاليا من توفير مناخ وبيئة عمل مناسبة وتحديث الأجهزة لاستكمال منظومة مكَّنة العمل بتلك المصالح مما يعمل على توفير الوقت والجهد والحصول على قاعدة بيانات أكثر دقة ووضوح وتساعد على حصر المستهدفين من الضرائب. فالتهرب من الضريبة، بما يترتب عليه من نقل عبء الفرد الفعلي، وامتناع البعض عن دفعها، يؤدي إلى الإخلال بتوزيع الدخل وبمبدأ المساواة بين الملزمين في تحمل الأعباء العامة. كما أن للتهرب الضريبي سلبيات متعددة تمس مختلف نواحي الحياة: فانخفاض حصيلة إيرادات الدولة، كنتيجة حتمية له، من شأنه إضعاف فاعلية السياسات المالية التي تنتهجها الحكومة بغرض رفع معدل النمو والتحسين بالنسبة لتوزيع الدخول. تعتبر فلسفة العقاب هي الحاسم في اختيار الآليات والوسائل الأكثر ردعاً للمتهربين، والأضمن تأميناً لإيرادات خزينة الدولة، فقد يتعرض المتهرب من الضريبة إلى غرامات مالية ولا يبالي بها، اعتبارا بأن هذه الغرامات لا تمثل شيء بالنسبة لما تهرَّب منه، أما العقوبات الجنائية والتي رغم بساطة عقابها ، فإن إقرارها في القانون الجبائي حمل بدوره شللها نظراً لتعقد مساطرها فإن هذه العقوبة لم يسبق أن نفذت في حق أي متهرب. الحرمان من بعض الحقوق ,مثل بعض الحقوق السياسية، وذلك حتى إذا تقدم المتهرب من الضريبة للانتخابات المتعلقة بأي مجال من ميادين تسيير الشأن العام أو الخاص المرتبط ببعض شرائح المجتمع كالجمعيات، كذب في حملته الانتخابية وإتَّصفَ بالنفاق والكذب لاختلاسه الأموال العامة المتمثلة في الضرائب، ذلك أن من يتهرب من أداء الأموال العامة الواجبة عليه ضريبيا لا يؤتمن على تدبيرها بكل عقلانية في إطار تدبير الشأن العام الذي يعتزم توليه. فإذا كان الهدف من العقوبة، هو منع المجرم من تكرار جريمته، ومنع وقوع جرائم جديدة في المستقبل، فإن جريمة التهرب الضريبي يجب أن تتخذ مساراً آخراً، كاعتبارها جريمة مُخلّة بالشرف والأمانة وبالتالي تحرم المحكوم عليه من تولي الوظائف والمناصب العامة وتفقده الثقة والاعتبار. ويعتبر التهرب كشكل من أشكال مقاومة الضريبة وكسلوك تتحكم فيه المعطيات الداخلية والمتعلقة بنفسية المكلف، والمعطيات الخارجية المرتبطة بارتفاع الضغط الضريبي وغياب العدالة الجبائية أحيانا، وضعف الإدارة الجبائية أحيانا أخرى الشيء الذي يجعل من المواطن أكثر قابلية للتجاوب مع هذه الممارسة غير المكلفة للملزم من الناحية المادية. لذلك ينبغي تفعيل العلاقة بين الأجهزة القضائية المختصة بقضايا المال العامة والأجهزة الرقابية مثل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا للمناقصات والمزايدات. وإستمرار التحري وجمع الأدلة لفترة طويله قد يستمر لأكثر من سنه قد يؤدي إلى تميّع القضايا الجنائية وهروب البعض قبل المحاكمة. ------------------------- 1-أحمد حليبة، ” التهرب الضريبي وانعكاساته على التنمية بالمغرب” ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ، أكدال ، الرباط ، 2007 2008 ص3.
30
إشكالية الدولة القطرية العربية د. ماجد احمد الزاملي ان قيام مشروع الدولة القطرية لسد فراغ سياسي وسلطوي ومؤسساتي وإداري بيروقراطي، والدولة في جوهرها واقعة اجتماعية, ولم تتكون على نحو عضوي وإنما هي بنيان اجتماعي قام بناءً على ظروف اجتماعية موضوعية تفاعل الأفراد معها، ثم صاغوها بعد ذلك بالهيأة التي تُعرف اليوم بالدولة. ومن هنا فهي تختلف عن كل أشكال التنظيم الأدنى منها (العائلة والعشيرة)، حيث تلعب التلقائية دورا مهما في تكوينهما. والدولة أيضا، ليست ظاهرة مادية ولها وجود محسوس، وإنما هي بنيان أقامه التفكير الإنساني لفرض التنظيم الاجتماعي، وعليه فهي مبنية على أسس قانونية وتبرز إلى الوجود عندما يتطور الوعي الجماعي إلى حد يرفض أفراد الجماعة عَدَّ كل التنظيم الاجتماعي قائما على إرادة فرد أو عدة أفراد فقط. ومهما كانت المميزات الرفيعة التي يتمتع بها هؤلاء الأفراد المتفوقون. فالدولة إذن، جزء من المجتمع تنبثق منه وتتخذ لها مكانة عالية لكي تقوم بدور تنظيمي له. وإذا ما أصبح لها كيان متميز أخذت بتعزيز مركزها عن طريق ممارستها للسلطة(1).والدولة في الوطن العربي تعاني من قصور في المفهوم والمضمون، فمفهوم الدولة تعترضه جملة من الإشكاليات تكسبه خصوصية، وتسميه بما يعانيه من قصور مضموني يجعل المفهوم بعيدا عن مفهوم قويم للدولة. من جهة أخرى فان تلك الإشكاليات وفرادة التشكيل جعل الدولة في الوطن العربي تتسم بجملة من الخصائص لكل منها أسبابه ومشكلاته وتنتج صورة للتشوه في فعل الدولة ودورها وما قد تقوم به. لذا فليس غريبا أن تعاني من أعراض واضحة لأزمة تلم بها وتؤثر على الاقتصاد والمجتمع المدني على وجه الخصوص. للتحولات الهائلة في الفكر السياسي الأوروبي خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر بعد الإطاحة بالنظام القديم والتخلص من فكر أزمنة العصور الوسطى ، دور بالغ الأهمية في ظهور نظام جديد أبرزت فيه على وجه الخصوص نظريات العقد الاجتماعي من خلال أفكار روادها هوبز و روسو و جون لوك مما أدى الى ما يعرف بالمجتمع المدني والذي كان يُقصد به تلك المؤسسات الاجتماعية التي تقف على المسافة الفاصلة بين الفرد بصفته عضواً في الأسرة والدولة ، حتى وإن اختلفت المفاهيم التي تناولت ذلك بين ما كان سائداً وما عرفه مفهوم المجتمع المدني في القرنين التاسع عشر والعشرين من تطور أدى به أحياناً في اتجاه المغايرة والاختلاف ، ولا يعدو ذلك كونه نوعاً من التلخيص التجريدي لما عرفته كل من الدولة(بمؤسساتها ) و المجتمع( الشعب القاطن في أقليم الدولة) من تحوّل وتطور سواءً من حيث البناء الداخلي أو الذاتي لكل منهما ، أو من حيث العلاقة التي تقوم بينهما فتكون هنالك للدولة إرادة في السيطرة أو في الاحتواء ويكون من المجتمع نزوعاً نحو المزيد من الاستقلال و التمايز عن الدولة ودعوة إلى التقليل من ثقل حضورها.إن التجربة السياسية كانت نتائجها وثمرتها هو تأليف ابن خلدون في التاريخ وعلم الاجتماع العام والسياسي والاقتصادي وغيرها من الأفكار التي ظهرت على شكل موسوعة علمية ينهل منها المفكرون على اختلاف مشاربهم، وتعتبر آراءه مرجعية في كثير من العلوم والفنون والسياسة، والأخيرة هذه كانت شغله الشاغل وهاجس بدأ معه منذ توليته أول وظيفة عمل بها إلى أن عكف على التأليف والكتابة. وإذ لم يسلم قلمه من الكتابة في دواوين الأمراء أيضاٌ، لم يسلم قلمه في الكتابة في السياسية وهو بعيد عنها، وإذ لم يكتب ابن خلدون في السياسية، إلا أنه كتب في مقدمته وتاريخه الطويل كلاما كثيرا فيها، فتحدث عن الدولة وأطوارها ومراحل تكوينها وانهيارها، وتكلم عن المُلك، والخلافة، والبيعة، والوازع، والعصبية وأثرها في السياسة والرئاسة. والأفكار السياسية التي كان ابن خلدون قد أودعها في كتبه وتأليفه وحسبنا أن نبدأ عن الدولة ومفهومه لها. لكن ليس قبل أن نبرز أقوال ابن خلدون السياسية، وفى فصل خصصه للسياسة و أن العمران البشري لابد له من سياسية ينتظم بها أمره. وأعتقد أن كتاب نظرية الدولة في الفكر الخلدوني يميزه عند الانتهاء من سرد نقطة معينة بإسهاب كما يراها ابن خلدون. أن مشكلة بناء الدولة الوطنية الحديثة ما تزال تطرح على مجموعة من الدول التي خضعت للاستعمار الأوروبي. ففي معظم أقطار الوطن العربي كانت المشكلة مطروحة رغم أنها شهدت محاولات عديدة لإرساء دعائم الدولة الوطنية وتجسير الفجوة بين المجتمع والدولة وتسيير المؤسسات وفق تمثيل شرعي يقوم على قاعدة المشاركة العادلة في السلطة وفي صناعة القرار الاقتصادي وفي بناء واستكمال بناء الدولة والاقتصاد والمجتمع المدني. مع ذلك فإننا نجد في الوطن العربي، صورة فريدة لتحول المؤسسات العسكرية إلى أجهزة بيروقراطية تلعب دوراً حاسماً في الحفاظ على النظام السياسي، وتشارك فئات منها في إدارة الاقتصاد المحلي بشكل سافر أو عبر أفراد من العائلة. وباتت المؤسسة العسكرية في كثير من الأقطار العربية تتصرف كجماعة متماسكة تدافع عن مصالح المنتسبين إليها ويقيم قادتها تحالفا وثيقاً مع رجال المال والأعمال، وتلعب دورا أساسيا في حماية القوى الاقتصادية الصاعدة فتؤمِّن لها الحماية مقابل المشاركة في الأرباح. ويشير عدد من الاقتصاديين العرب إلى وجود ضغط مباشر مارسته القوى العسكرية لرسم سياسات اقتصادية جديدة قامت على بيع القطاع العام للقطاع الخاص(2) ,لكن الجيوش العربية أبعد ما تكون عن أداء وظيفة الأمن الوطني والقومي إذ ما تزال وظيفتها تقوم على حفاظ أمن الحكّام وليس النهوض بالتنمية الاقتصادية. وقد كرّسَ ميكافيللي جلَّ مؤلفاته لإنتاج مفهوم جديد للسياسة بصفتها علماً وضعياً منفصلاً عن الدين والأخلاق، إذ كان ببساطة ينزع إلى تخليص السياسة من أي اعتبار خارجي، وإلى جعلها علماً مستقلاً بذاته. ورغم تعدد مؤلفاته وتنوعها، إلا أن أبرزها هو كتاباه، الأمير والمطارحات. ويمكننا النظر إلى الفكر السياسي، الذي عبرت عنه الحركة الإنسانية في عصر النهضة الأوروبية، بإعتباره اتجاهاً آخر يختلف عن النزعة الميكافيللية في مرتكزاتها الفلسفية وتوجهاتها ومقولاتها، ويتناقض معها. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى نقطتين أساسيتين: الأولى أن الحركة الإنسانية قد ركزت بشدة على الفضائل العامة، وعلى القيم والقواعد الأخلاقية والدينية، وأولتها أهمية كبرى في تصوراتها وأفكارها السياسية. بينما نَحَت النزعة الميكافيللية بإتجاه آخر، وشددت على النزعة الفردية والأنانية، ولم تبالِ بالفضائل والقيم إلا بمقدار نفعها، ودعت إلى إلتزام الحياد فيها. ومنذ تسعينيات القرن العشرين يشهد العالم مجموعة من التغيرات الدولية والإقليمية التي كان لها الأثر الواضح في شكل وطبيعة النظام الدولي عامة، وفى الوطن العربي بشكل خاص، كان من أبرزها وعلى المستوى السياسي انهيار الاتحاد السوفيتي، والطموح الأمريكي المتمثل في النظام الدولي الجديد، وانهيار النظام الإقليمي العربي، والذي ظهر بديلاً عنه الإستراتيجية الغربية وخاصة الأمريكية والإسرائيلية التي بدأت تتبنى مفهوم الشرق الأوسط كمفهوم أمنى واقتصادي وسياسي، والشراكة الأورو- متوسطية، ومجموعة من التحالفات الأمنية العسكرية التي انعكست سلباً على واقع الأمن القومي العربي. بدأ الفكر السياسي العربي في الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه في منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواءً في المعاهد العلمية المتخصصة، أو في مراكز الدراسات السياسية، والتي تحاول تعريف الأمن القومي. الأمن الوطنى للدولة تهدده امور عدة,منها ما يقع داخل حدودها ومنها ما يقع خارج حدودها , وهنالك مهددات داخلية للأمن الوطنى لكنها ترتبط بعوامل خارجية مما يستدعى تدخل الدولة فى دول أخرى لحماية أمنها الوطنى , هذا و أن دولاً أصبحت تَعتبر الأمن الوطنى لدول أخرى هو امتداداً لامنها الوطني , و قد برز تعبير الأمن الوطنى على المستوى السياسي فى العقود الماضية ليُشير للأحداث العسكرية على وجه الخصوص والتوازنات الاستراتيجية وصراعات القوى , غير أنه فى عصرنا الراهن أصبح يشمل تلك التهديدات الجديدة لحياة الإنسان وهي تهديدات ترتبط بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة ذاتها , مثلاً نجد أن الدول النامية يُشكل التصحر في بعض مناطقها خطراً كبيراً على أمنها الوطنى اعظم من الخطر الذى يُشكله الغزو العسكرى على أرضها , كما هو العراق الآن والعواصف الترابية الصفراء المخيفة , كما يُشكل الانفجار السكانى قلقاً كبيراً للحكومات لأنه قد يصل إلى مرحلة تدمير العلاقة بين الإنسان والبيئة التي يسكنها ويمزق هيكلها ونسيجها الاجتماعي , أما بالنسبة للدول الصناعية المتقدمة فيشكل النضوب السريع المتوقع لاحتياطيات البترول تهديداً للأمن الوطنى أخطر من التهديدات العسكرية التقليدية التى تتعرض لها , و من الطبيعي أن تتكون هذه التهديدات الجديدة نتيجة الضغط البشري المتزايد على طبيــعة الأرض التى نعيش عليها سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر مثل نقص المواد الغذائية ومصادر الطاقة وتغيرات الأحوال الجوية و كلها تترجم إلى ضغوط اقتصادية على اﻟﻤﺠتمعات البشريـــة مثل التضخم والبطالة ونقص رأس المال , الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى قلق واضطراب اجتماعي يعقبه توتر سياسـي وعدم استقرار عسكرى. يشمل الأمن الوطني أبعاداً متعددة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية، ذات مكونات عديدة. وهي الأبعاد الرئيسية للأمن الوطني. يرتكز الأمن الوطني على قوى متميزة لحمايته، وهي في مفهومها الأولي عسكرية، إلاّ أنه من الممكن أن تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. أن القيم الداخلية للمجتمع، بكافة أنواعها، هي الأولى بالحماية. أما البعد الخارجي فيتصل بتقدير أطماع الدول العظمى والكبرى والقوى الاقليمية في أراضي الدولة ومواردها، ومدى تطابق أو تعارض مصالحها مع الدولة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وتحكمه مجموعة من المبادئ الاستراتيجية التي تحدد أولويات المصالح الأمنية. وكذلك البعد الاقتصادى الذى يعنى توفير احتياجات الشعب الاساسية والوصول إلى حد الكفاية ثم الرفاهية الاقتصادية كذلك الحفاظ على البعد الاجتماعى الذى يهدف إلى توحيد المجتمع وازالة الانقسامات بين افراده وجماعاته المختلفة ومناهضة خطابات الكراهية والتحريض والاستئصال المجتمعى بما يساعد على تنمية الاحساس بالولاء والانتماء للدولة بين كل افرادها كذلك ضرورة الحفاظ على البعد المعنوى المتعلق بحماية حرية المعتقد الدينى والفكرى وممارسته وتأمين الدعوة إليه دون تمييز بين معتقد وآخر ولا بين أغلبية وأقلية وأخيرا الحفاظ على البعد البيئى الذى يوفر تأمين البيئة والحفاظ على الموارد والثروات ومحاربة مسببات التلوث التى تهدد الدولة فى الحاضر والمستقبل. ولا يمكن الادعاء بحماية الأمن القومى اذا لم يتم الحفاظ على البعد السياسى ويتمثل فى الحفاظ على الكيان السياسى للدولة وأليات تداول السلطة وسلميتها دون تزييف لارادة الجماهير ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة. وأصبحت حقوق الإنسان شأنا عالميا وليس محليا وأصبح انتهاكها مبررا مقبولا للتدخل الدولي السياسي والاقتصادي والعسكري. وأصبحت حماية حقوق الإنسان والشفافية والديمقراطية مطالب سياسية تدخل في علاقات المؤسسات الاقتصادية العالمية مع الدول(مثل اتفاقية كوتونو-برنامج الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا وقبلها وثيقة السوق الأوربية التي ربطت المعونات بالحكم الديمقراطي,احترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد والديمقراطية وحرية الصحافة).وظهرت مقاييس جديدة في تصنيف الدول منها مقياس أو مؤشر حرية الشعب . فى الوقت الذى أخذ فيه النظام الدولى يشهد تطورات مهمة فى هيكليته منذ سقوط النظام ثنائى القطبية، بدخول فواعل جدد نظام عالمى يجمع بين عضويتة الدول من ناحية، والعديد من المنظمات والهيئات ذات التأثير القوي فى السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية والشركات متعددة الجنسية ومنظمة التجارة العالمية، ومجموعة العشرين من ناحية أخرى، فإن النظام العالمى الجديد الذى أخذ طابع القطبية الأحادية، أملاً فى أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، شهد بروزاً مهماً لدور الأقاليم على حساب قيادة النظام العالمى وأيضاً حساب دور الدولة الوطنية، بحيث أخذت تفاعلات الدول داخل أقاليمها الخاصة تتنافس، وأحياناً، تتفوق على علاقتها بقيادة النظام العالمى ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة). فلم يعد التهديد هو العدوان العسكري المباشر المعلن بل تطور ليشمل التهديد المحتمل والذي قد يكون مثلا,امتلاك أسلحة دمار شامل أو إيواء جماعات إرهابية أو غيرها.وتطور هذا الحق ليشمل مفهوم الحرب الاستباقية لمنع التهديد المحتمل.ولم يعد هذا الحق يتم عبر الأمم المتحدة حالة الناتو في كوسوفو. الوجود العسكري الأجنبي لقوات بزعامة الولايات المتحدة الامريكية في مواضع عدة من بلدان الخليج العربي ومياهها الإقليمية. وعلى هذا الاساس ، يمكن أن نقرأ الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بوصفها أهم المداخل لدراسة وتحليل التحولات الجذرية في المنطقة. فالولايات المتحدة هي الأداة المسيطرة على المنطقة، والقوة القابضة على ميزان القوى فيها، وعلى ضبط توازنه فلا تختل القوى بما لا يرضي الإستراتيجية الأميركية. وكان يمكن الإستراتيجية الأميركية أن تخفف من ثقلها العسكري في المنطقة بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال خطر المنافسة السوفيتية. ولكن أسباباً عديدة مثل -الحفاظ على التفوق العسكري الإسرائيلي، وحماية إسرائيل، واحتكارها السلاح النووي، والعمل لتأصيلها في المنطقة وتمهيد السبيل أمام بسط هيمنتها على المنطقة، وبخاصة في البعدين الاقتصادي والأمني، من خلال تفكيك الرابطة القومية العربية، وتذويب مقومات هويتها، وإعادة تركيب المنطقة من قوميات ولغات وعروق متعددة، وتدمير أية قوة عربية تنحو نحو التمرد على الإستراتيجية الأميركية – الإسرائيلية، والسيطرة على منابع النفط وممراته – دعت الولايات المتحدة إلى تبني مشروع النظام الشرق الأوسطي، القائم على مبدأ تشارك وتقاسم المسؤوليات الأمنية بين دول المنطقة، واهمها إسرائيل و تركيا. إنَّ إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية في العالم العربي على أسس جديدة, يعني الانتصار على الإرهاب في بعده الاستراتيجي ،على أن تستثمر هذا الدولة الوطنية بوصفها الخيار الأيديولوجي والمشروع الثقافي للأمة في القرن الحادي والعشرين، والهوية الثقافية المميزة للعرب عن غيرهم من الأمم والشعوب، والهوية السياسية المؤسسة لسياسة ودولة فاعلة في النظام الدولي العالمي، عبر تبني المفاهيم القائمة على التعددية الفكرية والسياسية ،وفكرة المواطنة، وبناء دولة القانون، أي دولة المؤسسات الدستورية وإعادة تثمين الوطنية المحلية الدستورية، والتأكيد على مرجعية احترام حقوق الإنسان، والحريات الشخصية والاعتقادية، والديمقراطية. فالمشروع العربي الديمقراطي، هو الخيار العروبي الوحيد للدولة الوطنية، الذي من خلاله يمكن للشعوب العربية، أن يبنوا مستقبلهم السياسي والاقتصادي والثقافي، وأن يؤسسوا عبره وحدتهم الوطنية والقومية الحقيقية، بعيداً عن الانقسامات المذهبية والطائفية: سواءً تمثلت في صعود الانقسامات المذهبية داخل الدين الواحد أو تنامي العصبيات الجماعية على أساس ديني بين أصحاب العقائد المختلفة. فالطائفية تعبر عن إخفاق السياسة القومية في بناء إطار تضامنات فعلية وطنية ما فوق طائفية. و معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى "الأمن"، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه "الضمان الجماعي"، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة في حالة الخطر الداهم كالحرب مثلاً. لقد كان لغياب الإستراتيجية العربية الموحدة من ناحية, وتنامي القوى السياسية لدول المنطقة العربية بسرعة من ناحية أخرى، وميل كل منها نحو صناعة عمق استراتيجي لقوتها من ناحية اخرى، الأثر البالغ في تقسيم العمق العربي الكبير إلى وحدات إقليمية أصغر، مما ساعد على توفير المناخ المناسب لتركيا من الضغط على الشمال الشرقي للمنطقة العربية لصناعة عمق استراتيجي لها، وتقوم إسرائيل بتعقيد خريطة الصراع على العمق الدفاعي والاستراتيجي بتعميق الخلافات والصراعات وتفريغ المنطقة العربية من إمكانات التنمية من ناحية، ومحاولة تحطيم الآلة العسكرية للقوى المتنامية من ناحية ثانية، وصناعة عمق أمني لها وقت السلم، ونقل ساحة المعارك إلى أراضى الدول العربية المجاورة وقت الحرب، ومراقبة الصراع على العمق العربي من ناحية أخرى... مما جعل مفهوم الأمن القومي العربي يتراوح بين الأماني القومية ، والأحداث التي أثبتت عدم وجود هذا المفهوم. غياب الدور الفاعل للمؤسسات، قضية المركزية الشديدة، صَغّر حجم النخب السياسية الحاكمة،عدم وجود أحزاب سياسية فاعلة في معظم الدول العربية إضافة إلى عدم الشفافية السياسية وأزمة تفعيل النظام والقانون وانحياز أنظمة الحكم للأعراف والممارسات المتكررة التي تحمل معنى التراضي للتخلص من قيود النصوص الدستورية والقانونية وجمود الهياكل السياسية وضعف وسائل المشاركة والرقابة الجماهيرية إلى جانب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية. إن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة.. البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.والبُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.والبُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.و البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.والبُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظا علىً الصحة العامة. لقد بلغ التطور في مفهوم السيادة درجة جعلت الدولة القومية نفسها مهددة تحت مسميات كثيرة مثل عولمة الاقتصاد ،القومية والاثنية ،الضغوط الدولية من أجل حقوق الإنسان، والاعتبارات فوق القومية كمهددات للدولة القومية. وطبقا لتقرير الدفاع الاستراتيجي للناتو في سنة1998 يجب أن تعطى الأولوية للاهتمام بالمخاطر التي تؤثر على الاستقرار، مثل انقسام الدول وما ينشأ عنه من نزاعات دولية أو عبر الحدود ومخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة وانتهاك حقوق الإنسان وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتصرفات الدول التي لاتدور في فلك الغرب. وعلى عكس فترة الحرب الباردة حيث كان الاهتمام بالدول القوية التي تؤثر في ميزان القوى أصبح الاهتمام الآن بالدول الأضعف أو الدول المنهارة لارتباطها بالإرهاب والهجرة وعدم الاستقرار. وهناك تطور آخر وهو أن التدخل العسكري نفسه أصبح مصحوبا بآليات وإجراءات قضائية,مثل المحاكم الجنائية. تبعا لتطور المفهومين السابقين تطور مفهوم حق الدفاع عن النفس. أصبح في العالم نتيجة لتلك التطورات قوة أحادية عسكرية ونتيجة لذلك أصبح من حق الولايات المتحدة أن تحلم بشأن الشرق الأوسط والمناطق الأخرى ساعدها عاملان على ذلك:أولهما لم يعد هناك خوف من أن تقود التوترات الإقليمية إلى مواجهة بين القوى العظمى،وثانيهما لم يعد من الواجب على الولايات المتحدة الدخول في نزاع مع دول تزيدها شراسة . إضافة لذلك برزت تحولات أساسية في المفاهيم وهو باختصار سيادة الدولة على أراضيها وحقها في اتخاذ القرارات والسياسات والتشريعات فوق أراضيها،وحقها في الحصانة من التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية. شهد مفهوم السيادة استقرارا نسبيا في النظام الدولي -طوال فترة الحرب الباردة-أما في المرحلة الحالية فقد شهد تطورات نوعية إذ تم تدويل السيادة ,إذ أصبح على الدولة أن تلبي شروط المجتمع الدولي لتتمتع بالسيادة على أرضها،فتقلصت حدود السيادة السياسية وزاد التدخل الدولي لمبررات كثيرة منها التدخل الإنساني, حقوق الإنسان,حماية الأقليات وغيرها وتنامى دور المنظمات غير الحكومية. لقد بات التدخل إجباريا على الدول عبر المنظمة الدولية أو حتى خارج مظلتها,كما حدث من حلف الناتو في كوسوفو.بل وتم وضع دول ذات سيادة تحت الإدارة الدولية مثلما حدث في كوسوفو وتيمور الشرقية اللتين وضعتا تحت إدارة دولية انتقالية. --------------------------------------------- . صادق الأسود، علم الاجتماع السياسي، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1973، ص 95-91-1 د. مسعود ضاهر المشرق العربي المعاصر .. من البداوة إلى الدولة الحديثة 2015 2-
31
الحرب النفسية في ظل النظام العالمي الجديد د. ماجد احمد الزاملي الحرب النفسية أصبحت سلاحا فعالاً تلجأ إليه أو تمارسه العديد من الدول والنظم السياسية في الوقت الحاضر بغية التأثير على المجتمعات المستهدفة، صديقة كانت أو عدوة، باتجاه إيجاد تقبّل للأفكار وتكوين قناعات تؤمِّن مصالحها. وهي - أي الحرب النفسية - استخدام مستمر للعديد من الفعاليات وفق معطيات علم النفس التطبيقية قطعت فيه بعض الدول الكبرى أشواطاً بعيدة المدى حتى عدّ البعض استخداماتها تمهيداً لسيادة نوع جديد من أنواع الاستعمار يستعبد الناس فكرياً ونفسياً، والحرب النفسية بهذا المستوى أصبحت تخصصاً علمياً دقيقاً وسلاحاً سرياً شاملاً لا نملك نحن شعوب العالم الثالث إلاّ القليل من مفرداته، التي لا يجازف الغرب بتزويدنا أو حتى بيعنا بأثمان باهظة شيئاً منها ونحن الموجودين على رأس قائمة أهدافه الحالية والمستقبلية، وعلى هذا الأساس لم يبقَ أمامنا سوى جهودنا الذاتية التي ينبغي أن نبدأ بها أولاً وكلما كـأن ذلك ممكنا، حتى لا نجد أنفسنا يوماً وقد أصبحنا آخر الركب ندفع ثمن عجزنا من أموالنا وأهـدافنا وطموحاتنا دون أن نجد من يمد لنا يد العون أو حتى يدفعنا إلى الأمام. تقوم استراتيجية الحرب النفسية الأمريكية على ترابط أدوات السياسة من دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية، ودعاية في شن حرب شاملة على جميع الجبهات لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وترتكز على سياسة محددة الأهداف ومعلومات استخبارية شاملة وموثقه، كما ترتبط بالاستراتيجية العسكرية والاقتصادية، وتتسم بالعلنية، والسرية، والخداع، والتعتيم، والتضليل، لتشكل رأياً عاماً على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي. وتخطط الحرب النفسية وتُنفذ في السلم والحرب لتحقيق الأهداف الوطنية للبلد، وتتوجه إلى العدو الأجنبي، والمحايد، والصديق، والحليف، وتتضافر فيها الجهود الدبلوماسية،والعقوبات الاقتصادية، والأسلحة العسكرية، والضغوط النفسية، من أجل كسب المعركة سياسياً، وعسكرياً، ونفسياً وتختلف طبيعة الحرب النفسية باختلاف الجمهور المستهدف والأهداف الإستراتيجية للمعركة. والبداية عملية لابد أن تتأسس على إمكانات معقولة توضع في تنظيمات مناسبة قادرة على رصد وتحليل اتجاهات الحرب النفسية المقابلة، تأخذ في اعتبارها محاولة الاطلاع على جهود الغير وسبر غور البحث العلمي الذي يساعد كثيراً في التوصل إلى نهج عملي يقي المجتمع العربي من أية توجهات غير مناسبة. تبلورت مبادئ الحرب النفسية الحديثة في حقيقة الأمر في الحرب العالمية الأولى، وتحولت إلى مادة علمية ذات فن واختصاصات متعددة الأوجه. ففي سنة 1917 أصدر الرئيس الأمريكي ولسون قراراً بتشكيل لجنة الدعاية والنشر. وفي سنة 1918 تأسس في بريطانيا قسم الدعاية ضد العدو. وشاعت بعيد تلك الحرب تسمية (الحرب النفسية) . وأعطاها الأمريكيون في الحرب العالمية الثانية مفهوماً جديداً انطلاقاً من فكرة التبشير، فأصبحت تعرف باسم (الدعاية) ، ويقصد بها نشر الأفكار والمعلومات والإشاعات خدمةً للقوات الصديقة وإيذاء للعدو. وأوجد في مقر قيادة الحلفاء قسم خاص بالحرب النفسية يدير شؤونها في المستويين الاستراتيجي والتكتيكي. ولم تكن ألمانيا أقل شأناً في خوض تلك الحرب النفسية، فقد كانت وزارة الدعاية التي تزعمها غوبلز ومكنه من السيطرة على أكثر شعوب أوربا، وعاملاً من عوامل تردد الحلفاء في خوض الحرب ضد هتلر إلى أن اضطروا إلى ذلك. واستعمل اليابانيون الشائعات والمنشورات التي تتعرض للحياة الشخصية لجنود الحلفاء وما يمكن أن ينتظرهم ليشلوا إرادة القتال لديهم. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبعد الحرب الكورية أصبحت الحرب النفسية الشغل الشاغل للدول الكبرى، فاتسع معناها ومداها بحيث أصبحت تشمل الدعاية والإعلام وغسيل الأدمغة، واستغلال الأسرى، وتحويل ولاء العملاء والمواطنين وشراء الضمائر بهدف تحطيم معنويات الناس في الحرب والسلم بجميع الوسائل المتاحة لفرض الهيمنة. ومن أمثلة الحرب النفسية المتبادلة بين المعسكرات الدولية، استغلال أمريكا للمنشقين الروس، والمناورات السياسية والقيام بمناورات عسكرية في مناطق حساسة للخصم أو ذات تأثير في الأحداث العالمية، واستعراض القوة والتهديد باستعمالها وغير ذلك من وسائل مثل الدعاية واستخدام العملاء. و قد نجحت تلك الدول في أغلب الأحيان في تحقيق أهدافها بدون النزول إلى الأرض أو تعريض جنودها للخطر، ولكن في بعض الأوقات الأخرى تكون الحرب النفسية مقدمة للحرب العسكرية مثلما وقع في العراق مثلا، فيتم إطلاق الترسانة الإعلامية، والعمل في الخفاء، لتعبيد الطريق للقوات المهاجمة بعد ذلك.. الحرب النفسية هي حرب معنوية بالأساس اختلف المتخصصون في مبناها اللغوي فمنهم من يطلق عليها حرب العصابات والحرب الباردة أو حرب الأفكار والحرب الدعائية، ولكنهم جميعا اتفقوا على معناها، بأنها شكل من أشكال الصراع الذي يهدف للتأثير على الخصم وإضعاف معنوياته وتوجيه فكره وعقيدته وآرائه وإحلال أفكار أخرى مكانها تكون في خدمة الطرف الذي يشن الحرب النفسية، إذن فهي حرب لا يمكن مواجهتها الند للند لأنّها تدور في الظلام وخلف الأستار وتتغلغل بدون لفت الأنظار أو إحداث أي ضجيج. والحرب النفسية ذات طبيعة مستترة أحياناً، فهي تعمل في الخفاء ومن وراء ستار ولا تظهر بصورة علنية وواضحة، وقد تُمارس في شكل خبر أو قصة أو واقعة أو رواية أو مسرحية أو شائعة، أوردت الموسوعة العربية الميسرة تعريفاً يكاد يتقارب مع التعريفات التي وُضعت للحرب النفسية في العصر الحديث، يقول من ضمن تعريفه لمادة حرب هي حرب أهلية يهمها تخريب وتدمير قوات المحاربين وممتلكاتهم وغير المتحاربين بهدف إملاء شروط معينة على الفريق المهزوم، وإملاء عقيدة دينية، أو مذهب سياسي، أو حماية ذلك من أي عيب، ويُعد هذا التعريف أقرب التعريفات الواردة في المعاجم العربية للحرب النفسية، حيث قال إنها تهدف لإملاء شروط معينة أو عقيدة دينية أو مذهب سياسي. و فترة الغزو العراقي للكويت في أغسطس 1990 ومن ثم حرب تحرير الكويت واحدة من أقسى الفترات في تاريخ الدول الخليجية، نتيجة ممارسة النظام العراقي السابق وسائل لا حصر لها لأساليب الحرب النفسية ضد تلك الدول، والتي كانت تعتمد على الكذب المبالغ به والتضليل ونشر الشائعات الرخيصة والأسلوب الرخيص في استخدام الألفاظ وعرض الأفلام المفبركة ومحاولة زعزعة إيمان الخليجيين بالدفاع عن أنفسهم . وعلى الرغم من بعض الإجراءات البدائية للنظام العراقي السابق في استخدام الوسائل التقليدية للدعاية ضد الأنظمة الخليجية ونجاحها جزئياً لدى بعض (الرعاع) في الشارع العربي إلاّ أنها فشلت في التأثير في الشارع الخليجي أو إحداث آثار اجتماعية في المواطنين السعوديين والكويتيين. ويظهر لنا جليا خطورة الشائعات والحرب النفسية ومدى قدرتها على اختراق الصفوف وبث القلائل والفتن، وقد قالت العرب قديما: لا تحسبّن الحرب سهما مغفرا.. ولكن سلاح الصائلين عقولُ.. كما أنّ تأثير الشائعات يمكن أن يدوم لعشرات ومئات السنين. وخلال الحروب الحديثة توسعت عمليات إدارة الحرب النفسية بتطور الوسائل والتقنيات الحديثة والأجهزة الالكترونية والأقمار الاصطناعية والطائرات المسيرة والرادارات المتطورة وأجهزة البث البعيدة وكاميرات المراقبة وأجهزة الاتصالات ونقل الصور البعيدة وأجهزة التشويش والحواسيب وشبكات الانترنت بالإضافة إلى الاستفادة من الوسائل القديمة المستخدمة في الحرب النفسية. لقد عرف أصحاب القرار الحرب النفسية بأنها الاستخدام المدبَّر لفعاليات معينة معدة للتأثير على أراء وسلوك مجموعة من البشر بهدف تغير نهج تفكيرهم وهي تشمل بمعناها الواسع أستخدام علم النفس لخدمة الهدف بأساليب الدعاية والاشاعة والمقاطعة الاقتصادية والمناورة السياسية وتعتبر أقل الاسلحة كلفة اذا ما أحسن إستخدامها ولا يقتصر أستخدامها في وقت الحرب فقط بل هي عملية مستمرة ، كما لايمكن معرفة نتائجها الاّ بعد أشهر أو ربما سنين كما يرى بعض خبراء الاعلام والدعاية إنها إستخدام مخطط من جانب دولة أو مجموعة من الدول للدعاية وغيرها من الاجراءات الاعلامية الموجهة الى جماعات عدائية أو محايدة أو صديقة للتأثير على أرائها وعواطفها ومواقفها وسلوكها وطريقة تسهم في تحقيق سياسة وأهداف الدولة أو الدول المستخدمة الحرب النفسية. وكانت فترة الحرب العالمية الثانية هي فترة إزدهار عمل الإعلام العسكري رغم محدودية وسائل الإعلام حينها، والتي كانت تعتمد على البث الإذاعي و الصحافة المقروءة وأشرطة الأفلام التي كانت تعرض في دور السينما، حيث استطاع الجانبان المتحاربان تكثيف دور ذلك الإعلام الموجه بدرجة كبيرة لكون الإعلام إحدى أهم الأدوات المُشَكِّلة للحرب النفسية ضمن أسلوب الدعاية للتأثير في رأي الشعوب وسلوكها (مثال استخدام البث الإذاعي باللغة الإنجليزية من طوكيو للتأثير في العسكريين الأمريكيين من قبل المذيعة (طوكيو روز) واستخدام الأشرطة الوثائقية الألمانية لتدعيم الانتصارات الألمانية في معركة الغواصات في المحيط الأطلسي واستخدام بريطانيا للشرائط السينمائية لإبراز النصر الجوي البريطاني على القوة الجوية الألمانية في معركة بريطانيا وتصوير الدخول المذل لباريس من قبل القوات الألمانية بعد سقوط فرنسا).
32
انعكاسات القطبية الأحادية على قضايانا المصيرية د. ماجد احمد الزاملي باسترجاع بعض ملامح المشهد السياسي العربي، وفق ما أصبح عليه من انقسام لا نظير له، في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي الذي افتتح بغزو العراق للكويت، وما تبعه الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية على العراق، ومن ثم انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 وما تلاه من مفاوضات واتفاقيات، ساد شعور عام، في ذلك الحدث والمفصل الحزين في زمن العرب الحديث، أن بلداننا ترزح تحت وطأة مصيبة الانقسام والتشتت ونتائج تلك الحرب الكارثية، بلا حاضنة عربية دافئة، أو سند يعتدّ به، فيما كان يستبدّ بنا عدم اليقين إزاء ما كنا بصدده من مواجهة سياسية ضارية مع عدونا التاريخي، حيث كنّا نغالب، بصعوبةٍ شديدة، الشعور العميق بالترك. لذلك فإن مقاربة اللحظة السياسية الراهنة بموضوعية، بما تنطوي عليه من انكفاء، وما يسودها من خلل مروّع، ويكتنفها من مخاطر هائلة، تقودنا إلى استنتاجٍ مفاده بأن هذه ليست لحظة مواتية لطرح مشاريع كبيرة، ولا للتحليق في فضاءات بعيدة عن أرض الواقع ، لا سيما وأن أشدّ ما يحتاجه الحال في هذه الفترة ، ليس أكثر من الصمود والمقاومة المدنية، والتمسّك بالثوابت الوطنية، جنباً الى جنب مع التمكين على كل صعيد متاح، ولدى سائر الفئات الاجتماعية، مع مراكمة القدرات الذاتية رفع سوية الأداء اللازم لمواصلة الصراع بأدواتٍ ملائمة للظروف الحالية، فضلاً عن التعايش مع الانقسام بدل تأجيجه. أمّا التَغيِّر الاقتصادي جزء من عملية مجتمعية عامة تعكس الأدوار التي تقوم بها الجماعات المختلفة على المستويين المحلي والدولي، وبالتالي لا يُعتبر التغير الاقتصادي عملية آلية. ولا يمكن دراسة المشاكل الحالية لتخلف التنمية في العالم الثالث بمعزل عن بيئتها التاريخية والعالمية، وبالتالي ترتبط هذه المشاكل وسبل مواجهتها بالنظام العالمي والتغير الذي يشهده. إنّ النظام الإقليمي العربي يملك من الإمكانيات المعنوية المادية ما يؤهله لأن يكون له قدرة من الاستقلال في تفاعلاته على التأثير في مجريات النظام الدولي وليس مجرد التأثر بسلوك الفاعلين القياديين فيه. ولكن هذه الإمكانات لا يمكن أن تتحول إلى قدرة إلاّ إذا تحرك النظام كنظام واحد وليس كوحدات منفصلة، يختلف سلوكها، إن لم يتضارب، فيما بين بعضها، وهو ما لم يمكن أن يتم بدوره دون قيادة. ولهذا فان النظام الإقليمي العربي قد مارس دوراً فاعلاً بدرجة أو بأخرى، سواءً فيما يتعلق بشؤنه الذاتية أو فيما يرتبط بمواجهة النظام الدولي عندما توفرت له هذه القيادة، بينما تفكك وفقد تماسكه ومن ثم قدرته على الفعل المستقل الناجح حينما غابت هذه القيادة. وهذا ما تؤكده الخبرة الواقعية لعلاقة النظام الإقليمي العربي بالنظام الدولي القائد في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، حيث أظهر النظام العربي من خلال محاولات التكيف والمواجهة مع النظام الدولي أنه لم يكن أبدا أداة في يد قيادة النظام الدولي. ومن مؤشرات ذلك استغلاله للصراع على قمة النظام الدولي في فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ثم تكيفه مع النظام الدولي في مرحلة الوفاق الحاصلة على هذه القمة منذ أوائل الثمانينيات وحتى بداية التسعينيات(1). وأكثر جوانب الخلل الحاصلة في مركز الولايات المتحدة عالمياً، هو المتعلق بكون القوة المؤثرة عالمياً، لم تعد تتعلق بالقوة العسكرية على أهميتها، وإنما هناك القوة الاقتصادية والثقافية والإعلامية، وهي ما تجد فيه الولايات المتحدة نفسها في مرتبة أدنى من بعض دول العالم؛ حتى إن القدرة الاقتصادية تشير التوقعات حولها إلى أن الصين ستسبق الولايات المتحدة بحجم الاقتصاد الكلي بحدود عام 2025، عندما تصل الصين إلى نحو 23.1 تريليون، كناتج قومي، في حين ستصل الولايات المتحدة إلى نحو 23 تريليون دولار (2). كما ستجد الولايات المتحدة نفسها في عام 2035 غير قادرة على الانتشار عسكرياً في أغلب أقاليم العالم، وخصوصاً في شرق آسيا وفي البحر المتوسط، لأن قوة الدول الأخرى ستصل إلى مستويات لا تسمح للولايات المتحدة بأداء أدوار القيادة في نظمها الإقليمية. لقد هيمن نزوع السيطرة وفرض الزعامة الأحادية الأمريكية على العالم وبشكل لافت للنظر، على العقل الإستراتيجي الأمريكي منذ نجاح الولايات المتحدة في قيادة التحالف العالمي لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي. واعتبر الأمريكيون أن هذه الحرب كانت مرحلة فاصلة في التاريخ الأمريكي وفي الدور الأمريكي العالمي. وقد عبَّر عن ذلك بصراحة شديدة الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) عقب انتهاء تلك الحرب بقوله: "إن عقدة فيتنام قد دُفِنت في صحراء الجزيرة العربية"، وبمناسبة الاحتفال بذكرى الاستقلال الأمريكي قال: "إن حرب الخليج (الثانية) قد أثبتت للعالم أن الولايات المتحدة يمكنها التغلب على أي عدو ولا يمكن لأحد أن يوقفنا"، ولم يكن إدراك الرئيس الأمريكي (الأسبق) بيل كلينتون مختلفًا كثيرًا عن ذلك الإدراك. ففي استقباله للجنود الأمريكيين العائدين من عملية "إعادة الأمل" في الصومال قال: "إن الولايات المتحدة هي قائدة العالم. وأن المهمة العسكرية الإنسانية في الصومال تبشِّر بعهد جديد في مشاركة الولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم. وقال: "نحن نقف جاهزين للدفاع عن مصالحنا بالعمل مع آخرين كلما كان ذلك ممكنًا وبأنفسنا عند الضرورة". فالسمة الأساسية هي هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي من الناحية السياسية والعسكرية ، وانفرادها بقيادة العالم والتصرف بصورة فردية دون حاجة للحلفاء بدلاً من القطبية الثنائية السابقة. فعلى المستوى السياسي قامت أمريكا بدور المنظم للمجتمع الدولي، وراود الكثيرين في العالم الأمل بانتهاء الحرب والاتجاه بخطوات ثابتة نحو السلام العالمي، ومنذ أحداث 11 سبتمبر ظهرت نوعية جديدة من الاستقطاب وحلَّت ثنائية جديدة تتمثل في مواجهة بين الولايات المتحدة وقوى الإرهاب ودول وصفتها أميركا بالدول المارقة والتي تشكل ملاذاً للإرهاب(حسب إدعائها ). وفي هذا الصدد كشف التحرك الفردي للولايات المتحدة تجاه الحرب على أفغانستان واحتلال العراق عن عجز أوروبا عن أن تُشكل قوى سياسة تتبوأ مكاناً يليق بقوتها إلى درجة وصفها بأنها عملاق اقتصادي لكنها ليست إلاّ سياسي صغير . كما تزايدت حملات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم بعد نهاية الحرب الباردة فقد شنت حملة عسكرية فتّاكة على العراق سنة 1991 أعقبها حصار اقتصادي ساحق إلى غاية سنة 2003،لتعود الولايات المتحدة وحلفائها إلى احتلال العراق دون موافقة الأمم المتحدة.كما تدخلت عسكريا بشكل منفرد في الصومال خلال سنتي 1992-1994.وفي سنة 1999 أقحمت حلف شمال الأطلسي في حملتها العسكرية على يوغوسلافيا،كما شنت غزوا عسكريا بغطاء أممي على أفغانستان في سنة 2001 وفي الفترة الحالية يتخوف المجتمع الدولي من تداعيات التهديدات والضغوط التي تشنها ضد إيران وكوريا الشمالية وسوريا . ففي الوقت الذي أخذ فيه النظام الدولي يشهد تطورات مهمة في هيكليته منذ سقوط النظام ثنائي القطبية، بدخول فواعل جدد في عضويته، حولته من نظام دولي يقتصر فقط على عضوية الدول إلى نظام عالمي يجمع بين عضوية الدول من ناحية، والعديد من المنظمات والهيئات ذات التأثير القوي في السياسة الدولية مثل المنظمات الإقليمية والشركات متعددة الجنسية ومنظمة التجارة العالمية ومجموعة العشرين من ناحية أخرى، فإن النظام العالمي الجديد الذي مال مؤقتًا ناحية أخذ طابع القطبية الأحادية، ثم تحول فيما بعد إلى نظام أشبه بـ "اللاقطبية"، أملًا في أن يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب، شهد بروزًا مهمًا لدور الأقاليم على حساب دور الدولة الوطنية، بحيث أخذت تفاعلات الدول داخل أقاليمها الخاصة تتنافس، وأحيانًا، تتفوق على علاقاتها بقيادة النظام العالمي ومنظمته العالمية (الأمم المتحدة). هذه التطورات والتحولات التي حدثت والتي مازالت تحدث في هيكلة النظام العالمي وطبيعته في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وسقوط النظام الدولي ثنائي القطبية بدأت تحدث تأثيرات واسعة في فواعل النظام العالمي وعلى الأخص في النظم الإقليمية، لكن هذه التأثيرات تبقى نسبية بالطبع، فهي لن تكون بالشمول نفسه ولا بالدرجة نفسها في كل النظم الإقليمية. هذه النسبية في التأثر ترجع لمعايير عدة هي التي تحكم درجة تأثر وتفاعل النظم الإقليمية بالتحولات الجديدة التي حدثت والتي تحدث في خصائص النظام العالمي. من هذه المعايير نذكر إمكانيات أو قدرات النظام الإقليمي. كلما زادت قدرات النظام الإقليمي وزاد تماسكه تراجعت فرص تأثير النظام العالمي بخصائصه الجديدة في تفاعلاته والعكس صحيح، ومنها المصالح العالمية في النظام العالمي، ذلك لأن كثافة هذه المصالح في نظام ما يؤدي إلى تفاقم تدخلات النظام العالمي في هذا النظام الإقليمي وتفاعلاته، ومنها نمط ارتباط النظام الإقليمي بالنظام العالمي، فكلما زادت الارتباطات سواءً من خلال المصالح الاقتصادية والعسكرية أو العلاقات السياسية. ووفقًا لهذه المعايير نستطيع أن نقول:إن النظام العربي سيكون أكثر تعرضًا للاختراق من النظام العالمي وأكثر استعدادًا للتأثر بهذه التحولات، فالنظام العربي رغم قدراته الاقتصادية وموقعه الإستراتيجي، فإنه أكثر ارتباطًا بالنظام العالمي من منظور مصالح النظام العالمي وبالذات القوى الغربية في هذا النظام بسبب ثروة الطاقة الهائلة التي تجعله نظامًا معولمًا. يزداد التأثير بسبب كثافة الصراعات والانقسامات داخل النظام وبسبب هشاشة التماسك وغياب القيادة الإقليمية بل وتعرضه لموجة عاتية من الانقسامات داخل الدول على أسس عرقية ومذهبية. والمرحلة الراهنة من أخطر المراحل في تاريخ علاقة النظام الإقليمي العربي بقيادة النظام الدولي. وتتعدد وجهات النظر بخصوص الكيفية التي يجب أن تكون عليها العلاقة الجديدة للنظام الإقليمي العربي مع قيادة النظام الدولي في مرحلة الوفاق وهيمنة القوى الرأسمالية، ما بين المطالبين بالمشاركة أو حتى اللحاق بالمنتصرين في هذه القيادة، والذين ينادون باستمرار المواجهة. وبعيداً عن هذا الجدل فان الأهداف العربية لا يمكن أن تتحقق ما لم يتم القضاء على حالة الانقسام التي يعانى منها النظام العربي، في ظل أخطر مرحلة من مراحل التحول في النظام الدولي. وفي الوقت الذي يعانى فيه العالم العربي من التدهور استطاعت إسرائيل الاستفادة من انهيار الاتحاد السوفيتي، وتمثل ذلك في معالجة قضية هجرة اليهود السوفيت في سياق قضية حقوق الإنسان وفي إطار يسمح بإلغاء القيود المفروضة على الهجرة إلى الخارج بشكل عام. وعلى الرغم من ذلك دخلت بعض الدول العربية في علاقات مع إسرائيل وبشكل كبير، دون أن يرتبط ذلك بإقرار العدل وبتطبيق الشرعية الدولية، مثل قطر وعمان والأردن وموريتانيا والبحرين والسعودية فتحت المجال الجوي لطيران الاسرائيلي . بالنظر إلى التجمعات الإقليمية التي انضم لها عدد كبير من الدول العربية في الفترة الأخيرة، إنما تفرض تحديّاً حقيقياً على هذه الدول، يتمثل في كيفية التزام هذه الدول بمسئولياتها في تجمع من التجمعات التي انضمت إليها، ومثال ذلك حالة النزاع بين المغرب والصحراء المغربية حيث تؤكد اتفاقية الشراكة على أن لكل شعب حق تقرير مصيره وهو ما يفرض على المغرب كعضو فيها إعطاء الحق في تقرير المصير لشعب الصحراء المغربية وذلك ما يتعارض مع أمنها القومي و ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية التي تعد المغرب احد أعضائها أيضا. كانت حرب العراق بصورة خاصة، سبباً في زيادة الوعي الشعبي بالأخطاء التي ارتكبت أثناء ولاية بوش الأولى، إلاّ أن قضايا أخرى أيضاً تشهد تغييراً الآن. فقد أصبح الأميركيون الآن أكثر ميلاً إلى العمل التعاوني بشأن قضية تغير المناخ العالمي. وعلى نحو مشابه أصبح خطر الأوبئة العالمية يعني أن الأميركيين قد يدركون أهمية تعزيز قوة منظمة الصحة العالمية، تماماً كما أدت مشكلة الانتشار النووي إلى زيادة الوعي بأهمية الهيئة الدولية للطاقة الذرية. من حيث التفاعلات الدولية، يتوقع أن يتجه بعض من الصراعات الدولية للتنشيط، وأن يظهر جلياً في النظام الدولي، أو في النظم الإقليمية الفرعية، وبخاصة في شرق آسيا وجنوبها، وفي الشرق الأوسط، وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية، رغبة من بعض الدول في أن تأخذ مساحة تفاعل ومكانة وأدواراً دولية أوسع من المتحقق الآن، وهو أمر متصور في سلوك القوى الآتية: الصين وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند خلال العقدين المقبلين. ---------------------- 1-لمزيد من التفاصيل حول دور النظام العربي وتأثره بالنظام الدولي، يُنظر: محمد سعد أبو عامود، "العلاقات العربية – العربية في النصف الثاني من القرن العشرين: الظواهر – الإشكاليات– المستقبل"، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، الأهرام، عدد 139، يناير 2000م، ص8–28. أحمد يوسف احمد، الصراعات العربية (1945 – 1981) دراسة استطلاعية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1988م، ص112–117 2-تقرير: آسيا… محرك النمو العالمي مع توقعات بتعافٍ اقتصادي متسارع، مجلة الخليج الاقتصادي، (الشارقة) (كانون الثاني/يناير 2011).
33
المعارضة السياسية وتأثيرها على القرار السياسي في الدولة د. ماجد احمد الزاملي هنالك معارضة للدولة ,وتقوم فلسفة هذه المعارضة على الإنتقاد القوي للشكل السياسي والمحتوى الاجتماعي للدولة الوطنية التي تأسست عقب الاستقلال الوطني باعتبارها دولة لا تتساوى فيها الفرص أمام مواطنيها، ولا تعكس في هويتها الرسمية تعدد الهويات والأعراق. مع طغيان المحتوى السياسي للدول الشرق أوسطية على الحياة العامة ، فالمعارضة تواجه أزمة جمهور كبيرة ، فقد عادت هيمنة الخطاب القبلي، وتراجع الالتزام الحزبي إلى أقصى الحدود، وباتت المعارضة الطرف الأضعف في مواجهة أنظمة سياسية تسندها الدولة بمقدراتها والقبائل بأرحامها وعلاقاتها، والمال السياسي بتأثيره وفعاليته، والمؤسسة العسكرية بتأثيرها. وإلى جانب هذه العوائق، يبرز عائقان آخران يقفان في وجه المعارضة اليوم، وهما: العجز المالي بفعل الخناق القوي الذي يفرضه عليها النظام ومخاوف رجال الأعمال من المضايقة، وهو ما اضطر أقطاب المعارضة إلى التخلِّي عن بعض أنشطتها الجماهيرية بفعل العجز عن التمويل، وضعف التحليل السياسي بسبب العجز عن الوصول إلى المعلومات الدقيقة عن الوضع السياسي والاقتصادي للنظام؛ وهو ما جعل الخطاب السياسي للمعارضة بعيدًا عن العلمية والدقة في أحيانٍ كثيرة. وبناء الدولة الوطنية اليوم يحتاج ليس فقط إلى تفعيل قيم المواطنة وبناء النسيج الوحدوي للدولة، ولكن أيضا إلى تجاوز مخلفات الصراعات الداخلية وخاصة منها المسلحة، حيث تضرر الاقتصاد وتم تدمير البنية التحتية والمرافق الحيوية، وعدم الوصول إلى الحل وفشل تسويات الحوار زاد من إطالة أمد الصراعات والتي تبدو أنها لن تنتهي في الوقت القريب، بل يبدو أنه يزداد تعقدا مع التدخلات الخارجية التي تحاول الاستفادة من الوضع لصالحها وخدمة لأجنداتها الخاصة، وهو ما ينذر باستمرار حالة اللااستقرار وضعف الدول. ضعف القدرة على التعبئة السياسيَّة بسبب الصورة النمطيّة السلبيّة عن جدوى العمل الحزبي في أغلب بلدان الشرق ، بالإضافة إلى صعوبة إدماج شريحة واسعة من طلبة الجامعات ممن لديهم أشقاء عاملون في الجيش والأجهزة الأمنية، لأن في ذلك - كما يشير المشاركون - تأثير على المسار المهني للعسكريين العاملين ويضعف حظوظهم في الحصول على الاستفادة الشخصية مثل الاشتراك بالدورات والسفر، بالتالي تخسر الأحزاب السياسيَّة تعبئة شريحة واسعة من طلبة الجامعات الذين لديهم أقارب وأشقاء في هذه المؤسسات. تغييب الشباب الحزبي عن وسائل الإعلام الوطنية، والافتقار إلى وجود المنبر الوطني الذي يساهم في إيصال الأفكار والمشاركة في إيجاد الحلول للمشاكل والتحديات الوطنية، وإبداء الرأي في قضايا الشأن العام. غياب آليات العمل المشترك بين الأحزاب، يؤدي إلى غياب التنافسية السياسيَّة على البرامج الثقافية والاقتصاديَّة والاجتماعية، ويتضح من مداخلات المشاركين، ضعف اللقاءات المشتركة بين الأحزاب وغياب التنسيق فيما بينها. وأغلب الأحزاب غذت الصراعات الوطنية، أو كانت وقوداً لها، وبعضها حمل رايات أيديولوجية سرعان ما تنَكَّر لها، وأحزاب أخرى إكتفت بالحضن الأقوى، فيما راهنت أحزاب كثيرة على النزعة الشخصية لبناء زعامة فردية تبرز لفترة وتنطفيء إلى الأبد. هناك ضعفاً لدى هذه الأحزاب في التنظير الفكري، وضعف عدد كبير من قياداتها سياسياً وفكرياً وتنظيمياً، وكثيراً ما تتخذ هذه الأحزاب طابعاً جهوياً وشخصياً، فضلاً عن عدم ميلها للاندماج وتشكيل أحزاب كبيرة وقوية، وعدم قدرتها على توفير مصادر دخل لعملها. و"تزايد عدد الأحزاب في فضاء ديمقراطي قد يُعد مؤشراً على التعددية"، لكن "إذا كانت الأخيرة عقيمة ولا تسهم في إثراء الجانب الفكري، فإنها تعد عاملاً معرقلاً للفعل السياسي، وخاصة إذا كان ذلك في فترة التحول الديمقراطي وهي سمة مميزة لها". ويُعد أفلاطون من أوائل الفلاسفة الذين اهتموا بدراسة التغيرات التى يمكن أن تطرأ على البناء السياسى، أما أرسطو فكان سبّاقاً فى دراسته للثورات حيث يرى أن الثورة ظاهرة سياسية تمثِّل عملية أساسية لإحداث التغيير الذى قد يؤدى إلى استبدال الجماعات الاجتماعية ، وبالتالى جميع أنماط الحكم كلها معرضة للثورة بما فيها نمط الحكم الديمقراطى نتيجة عدم الملائمة بين ما تُريده الشعوب وما يقوم به الحكام، ويقسِّم أرسطو الثورات إلى نوعين: نوع يؤدى إلى تغيير الدستور القائم فينتقل من نظام حكم إلى نظام . وتعتبر الثورة عند سان سيمون (1)آخر، ونوع يغير الحكام فى إطار بنية النظام القائم وماركس مرحلة من مراحل التطور التاريخي التى تتصف بالحتمية نظرا لعدم ملائمة النظام القديم وضرورة استبداله بنظام آخر أكثر فعالية وتعبيرا عن الشعب، وفقا لهذا التصور تعتبر الثورة الفرنسية نموذجا لثورة استبدلت الحكومة القديمة بحكومة جديدة أكثر رشداً. لم تكن عملية بناء الديمقراطيات لإستبدال الأنظمة غير الديمقراطية، ولن تكون، سهلة أو سريعة. فبعد عدة عقود خلت، تحولت تيارات التغيير في كثير من البلدان، وعلى الرغم من خضوعها أحيانا للتيارات المعاكسة لحركتها، نحو سياسات أكثر ً انفتاحا وتشاركية ومسؤلية. كما وعملت المستويات المتقدمة من التحضر وتحسن الدخل والتعليم ومحو الأمية على تعزيز الطموحات النبيلة في الإستقلال الذاتي والتعبير السياسي؛ الأمر الذي تسارعت وتيرته بفعل الإنتشار الواسع لتقنيات المعلومات ووسائل الإتصال الجديدة التي تُسهِّل على حركات المعارضة القيام بعمليات الحشد والتعبئة. وإذا كان التغيير السياسي لأجل تعديل الاوضاع الإجتماعية والسياسية نحو ألأفضل، ينبغي معرفة حجم التغييرات المطلوبة من جهة، ومدى إيجابية نتائج التغيير من جهة أخرى. و التغيير يكون على حجم وقوة ووعي الحراك داخل المجتمع والذي قد يكون أساسه اقتصادي أو سياسي أو أيديولوجي فكري، كما قد يكون سلمي أو عنفي نتيجة لتغييرات داخل الدولة نفسها أو تأثرا بعوامل خارجية أو محيطة أو على حسب التوازنات الدولية. والمعارضة السياسية هي ركن أساس لبناء النظام البرلماني, والسبب في عدم اختيار المعارضة السياسية في الغالب ناجم عن عدم رغبة جميع الاطراف السياسية، أن تخسر اماكنها في السلطة لسبب او لآخر، وبعد هذه السنوات من التجربة السياسية في العراق ، نجد أن بعض الاحزاب السياسية تذكر المعارضة السياسية وهو خيار صحيح بطبيعة الحال، لكنه ناجم عن عدم رغبة الفرقاء السياسيين في تحمل مسؤولية الفشل، أو الخلل الذي عانت منه العملية السياسية العراقية. وهذه الحالة صحيحة وحالة مطلوبة لبناء النظام السياسي البرلماني بشكل صحيح في العراق، ولا نعني بالمعارضة السياسية التي يكتنفها الغموض وينظر اليها الشارع العراقي بعدم الثقة، وحتى الاطراف الاخرى أي الاطراف السياسية تنظر اليها بعدم الوثوق بها . ويرى فيه البعض أن هذه المعارضة لن تكون معارضة فعّالة وليس هدفها التقويم وتصحيح مسار العملية السياسية، وآخرون يقولون إنَّ الخيار هو خيار جدي لتصحيح العملية السياسية، ولترسيخ الديمقراطية في البلاد. ومن معرقلات تحديث المنظومة السياسيَّة وتوجيه التمويل الحكومي للأحزاب السياسيَّة لمرحلة الانتخابات فقط، يضعف الأدوار الاقتصاديَّة والبرامج الإبداعية داخل الأحزاب، حيث ان تمويل برامج تتعلق بريادة الأعمال والاعتماد على الذات في الاستثمار الاقتصادي للحزب، يعتبر دعم أكثر استدامة من الدعم المقتصر على المشاركة في الانتخابات. والمعارضة ضد السلطة تشمل أغلب الطيف السياسي المناوئ للسلطة الحاكمة أو المنتقد لها في أحسن الحالات، ويمكن تصنيف هذه المعارضة أيضًا إلى خطين أساسيين: معارضة رسمية تتحرك ضمن الدائرة الرسمية للدولة حوارًا وتقاربًا أكثر من تعاملها مع المعارضة. ومعارضة مشاكسة يمثلها اليوم منتدى الديمقراطية والوحدة، ويمكن أن يلحق بها بعض قادة المعارضة الآخرين الذين يمكن تصنيفهم بمعارضة رجال الأعمال. و ظاهرة العنف السياسي لا ترتبط بعوامل داخلية فقط ولكن أيضا خارجية، ومن بينها تدخل دول في شؤون دول أخرى، أو تدخلات مشبوهة عن طريق تمويل جماعات إرهابية او أحزاب سياسية معينة تخدم أجندتها بهذه الدول. لقد تعثَّرَ التحول الديمقراطي بفعل هيمنة مؤسسات الحكم وغياب الإرادة في الإصلاح، وتهافت المعارضات يُعبِّر عن أحد وجهي السياسة في هذا السياق، في حين يتجلى الوجه الآخر في ضعف متنامٍ للدولة الوطنية وتآكل خطير في شرعيتها المجتمعية. ----------------------------------- 1-إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافى، الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية ,الإسكندرية : مركـز الإسكندرية للكتاب، ٢٠٠٥ ص ١٤٠
34
الصراع القائم بين العقلية الاقتصادية والسياسية، لخلق الثروة و السلطة د. ماجد احمد الزاملي السلطة السياسية التي تمتلك القوة وهي التي تقوم بتوزيع كافة أنواع القوى، سواءً القوة العسكرية أو الاقتصادية والثقافية والدينية والإعلامية لصالح البلاد ورفاهيتها والاستخدام السليم لأوراق هذه القوة هو الذي يحقق الأهداف السياسية. السيطرة على الموارد الاقتصادية في المجتمعات الرأسمالية تُعد مصدراً أساسياً من مصادر النفوذ والتأثير في هذه المجتمعات. فالذين يسيطرون على عمليات إنتاج وتوزيع السلع والخدمات يستطيعون أن يمارسوا ضروباً من التأثير على من يشغلون المراكز الحكومية الرسمية. ولهذا فإن فهم القوة في المجتمعات المعاصرة يقتضي أن نذهب إلى ما وراء التصرفات الرسمية للذين يشغلون مناصب حكومية وسياسية، ومن ثم ندرس أساليب ممارسة النفوذ خارج النطاق السياسي. ومع ذلك وعلى الرغم من إمكانية التفرقة بين النفوذ والسلطة على المستوى التحليلي، فإنه من العسير أن نقيم مثل هذه التفرقة على المستوى الواقعي. والقوة هي القدرة على صنع القرارات المؤثرة في المجتمع، بل هي أيضاً القدرة على التأثير في أولئك الذين يصنعون هذه القرارات. ويمكن القول أنه في أغلب الأحيان بدون القوة لا تتحقق السلطة، وندلل على ذلك بالقول أن الوصول إلى السلطة في الدول النامية في مراحل التاريخ المختلفة وفي أغلب الأحيان كان يتم عن طريق القوة، ويمكن القول أن السلطة هي امتلاك أجهزة القهر والسيطرة. ونخلص إلى أن القوة العسكرية هي من مستلزمات السلطة السياسية، أهمية القوة وامتلاكها إلاّ أنّ على الدولة أو السلطة أن ترتكز على إدارتها على بسط المساواة والعدل والحريات المختلفة، سواءً حرية الاعتقاد أو التفكير أو التعبير وأن نلتمس عنصر الحوار في طرح المفاهيم، على أن تبقى هذه القوة هي الراعية والحارسة لهذه القيم حتى لا ينفرط العقد وتعم الفوضى، أي أن استخدام القوة يحتاج إلى ضبط وتنظيم وقياس دقيق تخضع لموازنات سليمة وعادلة. وعدم تنظيم العمل السياسي على أسس مدنيّة ديمقراطية (في اغلب البلدان النامية)، بحيث يطرح كل تنظيم سياسي برامج اقتصادية- اجتماعية مُعبّرة عن مصالح من يُمثلهم، أدى إلى عدم تطوير الحياة السياسية والديمقراطية، بحيث يكون هناك عمل سياسي حقيقي يستهدف المنفعة العامة، ويديره محترفون يمتلكون فهماً نظرياً ومهارات قيادية، وثقافة عالية وسِعة اطلاع، وهو الأمر الذي ترتب عليه تدني مستوى الثقافة السياسية، وانخفاض الوعي العام لغالبية الناشطين في المجالين السياسي والعام، أو الممارسين للعمل السياسي، ومن ضمنهم أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية . إن حالة غياب الثقة السياسية التي غلبت على الفاعلين داخل المشهد السياسي (العراق مثالا) كافة، قد دفعت بكل قوة من القوى السياسية بأن تكون حذرة من القوى الأخرى، بل أن تسعى إلى تعظيم مكاسبها في اللحظة الآنية خوفًا من إمكانية عدم تكرار تلك اللحظة مرة أخرى، الأمر الذي كرّس من عمليات الإقصاء أو الإدماج الحذر في شكل صفقات مرحلية لم تدم أو تستمر طويلاً، وهو ما يعرف عمليًا في أدبيات علم السياسة بحالة،غياب الثقة. وهنالك صراع قائم بين العقلية الاقتصادية والعقلية السياسية، بين خلق الثروة وخلق السلطة مهما يكن من أمر فإن وجهتي النظر تتقاربان كثيرا حين تعتبران أن السياسة الحكومية تتحدد إما بواسطة العامل الاقتصادي أو العامل الثقافي. وحسب النموذج الماركسي فإن البنية الاقتصادية التحتية تمنح بعض الحرية إلى صانعي القرار، إذ تقوم الدولة أساسا بخدمة منطق التراكم الرأسمالي، وعلى العكس، ففي نموذج الوراثية الجديدة يكون الاقتصاد في خدمة السياسة، ويتمتع صناع القرار بمناعة ثقافية ضد العقلية الاقتصادية، وتكون السلطة الوراثية منسجمة تماما مع الثقافة السياسية الموروثة. التاريخ يُثبت وبما لا يَدع مجالا للشك بان السعي لامتلاك الموارد الاقتصادية كالنفط ومشتقاته والغاز والثروات المعدنية وغيرها من مصادر الطاقة , كانت ولا زالت وستبقى من ابرز أسباب اندلاع الصراعات والحروب العالمية , وقد ساقت صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل في عددها الصادر في شهر سبتمبر 2001م في مقال لفرانك فيفيانو انه : يمكن ان تلخص الرهانات الخفية في الحرب على الإرهاب بكلمة واحدة هي النفط , ويبدو ان خريطة الملاجئ والأهداف الإرهابية في الشرق الأوسط واسيا الوسطى تماثل تلك المتعلقة بمصادر الطاقة الأساسية في العالم الى حد بعيد في القرن الحادي والعشرين. وقديما تمت الإشارة للاقتصاد السياسي من قبل العلماء التقليدين مثل آدم سميث على ما يتم تعريفه بأنه علم الاقتصاد اليوم, أما اليوم فيختلف العلماء على تعريفه، فيعرفه علماء مثل بيكر وداونز على أنه تطبيق الاقتصاد المنهجي (أي استخدام النماذج المنطقية) على أنماط السلوك البشرى، ويعرفه آخرون باعتباره العلم الذي يُعنى باستخدام نظرية اقتصادية محددة لتفسير السلوك الاجتماعي مثل نظريات العمل الجماعي ونظريات ماركس، وآخرون يستخدمونه للإشارة إلى مجموعة من التساؤلات أو القضايا التي تتولد عن التأثير المتبادل بين الفعاليات الاقتصادية والسياسية وأن يستخدم أي منهجية أو وسيلة للإجابة على ذلك، لذا فهو ذلك العلم الذي يتطلب وعيا بالتغييرات الاجتماعية على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتفاعلاتها للخروج بصيغة تتواءم وتلك التغييرات. نشأ وتطور مفهوم التكتلات الاقتصادية في ظل البلدان الصناعية وأصبح ينظر إلى هذه التكتلات على أنها ضرورة ملحة خاصة في مرحلة تطور القوى المنتجة التي وصلت إلى مستوى معين من التطور والتقدم وساعد في ذلك العلم والتقنية وتزايد الإنتاج والتعميق الحاصل في عملية تقسيم العمل الدولي. أن ظاهرة التكتلات الاقتصادية ليست بالظاهرة الجديدة إلا أن ظهورها كتجربة اقتصادية كانت بعد الحرب العالمية الثانية اتخذتها مجموعة من الدول سواء كانت نامية أو متقدمة، رأسمالية واشتراكية، وهذا لمواجهة مختلف التحولات التي شهدها العالم في تلك الفترة فظهرت هذه التكتلات كنتيجة للقيود في العلاقات الدولية وكمحاولة جزئية لتحرير التجارة بين عدد من الدول، فظهرت التكتلات الاقتصادية في صورة مشروعات فردية قدمتها أمريكا للدول الأوروبية ودول الشرق الأوسط، مثل مشروع “مرشال” الذي يهدف إلى تقديم المساعدات الاقتصادية المصحوبة بشروط سياسية وعسكرية، وقد كانت شعوب قارة أوروبا أول من ساهم في نشأة هذه التكتلات وذلك بحكم ما تعرضت إليه هذه الشعوب من أزمات اقتصادية نتيجة للحرب العالمية الثانية، فذاقت ويلات الهزيمة وأصبحت دول هذه الشعوب منهارة اقتصاديا وعاجزة عن النمو فأدركت بأنه لابد من تكتلها ومن جميع النواحي لإعادة بناء اقتصادياتها ومواجهة السيطرة المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، ومواكبة مختلف التطورات الكبيرة في العلم والتكنولوجيا. من هنا تكتلت دول أوروبا الغربية في شكل سوق مشتركة سنة 1957، وكانت هذه الأخيرة صورة مثلى للعديد من الاقتصاديين والسياسيين الذين اعتبروها نموذجا يحتذي به بين مجموعات دولية أخرى، ثم انتقلت ظاهرة التكتلات إلى مجموعة أخرى من الدول، فنشأت منطقة التجارة الحرة لأمريكا اللاتينية، والسوق المشتركة لدول أمريكا الوسطى. الاتحاد الأوروبي المنازع الأول للولايات المتحدة الأميركية تلتقي جميع دوله على طريق اقتصاد السوق والتبادل الحر، إلاّ أنها تمتاز عن الولايات المتحدة بخصوصيات ثقافية وفكرية وإيديولوجية وسياسية واقتصادية واجتماعية تعتبر إفرازا تاريخيا لتراكمات أوروبية مميزة. فباستثناء المملكة المتحدة التي تشيد بالقيم الفردية والتي تعتبر استنساخا للنموذج الأميركي، فإن الدول الأخرى لا ترى في النموذج الليبرالي الأميركي النموذج الذي ينبغي الاحتذاء به. ولبيان الاختلاف نجد في الاتحاد الأوربي مثلا النموذج الهولندي القائم على العدالة الضريبية الشبه كلية، إلى النموذج الفرنسي المتشبث بخصوصياته الثقافية والاجتماعية، إلى النموذج الألماني القائم على رأسمالية توفيقية، إلى النموذج الإسكندنافي المبني على المساواة الاجتماعية المثالية. فالثقافة الليبرالية الأوروبية تجمع بين اقتصاد السوق من جهة وبين تدخلات الدولة في توفير الحماية الاجتماعية الضرورية، إذ تحرص على اقـتصاد الرفاهية وكذلك تحرص حرصا شديدا على الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية الأوروبية. فالأوروبيون ينادون بالنموذج الاجتماعي كبديل لنظام السوق المطلق وللرأسمالية الأميركية المتوحشة. فعلى الرغم من إعجاب الأوروبيين بالأداء الاقتصادي المالي والتكنولوجي في الولايات المتحدة، إلا أن ذلك غير كاف لأمركة النموذج الأوروبي. يواجه مشروع الوحدة الأوروبية إشكالات عدة، حتى بلغ الأمر ببعض المحللين للتنبؤ بانهياره بفعل عوامل ضاغطة ومن أهمها التفرد الأمريكي والأنموذج الأنجلوساكسوني الاقتصادي وعملية توسع الاتحاد وخاصة نحو شرق أوروبا. ومن حهة أخرى، لا يمكن إغفال قوة الاتحاد الأوروبي كقطب منافس لأمريكا، وإن كان لا يستطيع أن يتحرر من السياسات الاقتصادية الأمريكية، خصوصا وأن اليورو أوجد ديناميكية في عصب الحياة الاقتصادية والسياسية لدول الاتحاد. ولا شك أنّ هناك صراعا خفيا يطفو تحت السطح بين أوروبا وأمريكا في لعبة المصالح المشتركة والتي تتجلى في كثير من المواقف السياسية مثلا في قضية إيران وكذلك في العراق. وبالرغم من أشكال المد والجزر الاقتصادي التي تحكم علاقة الاتحاد الأوروبي الاقتصادية بأمريكا يبقى التخوف من المد الصيني قاسما مشتركا بينهما وإن اختلفت درجة هذا التخوف. الولايات المتحدة ومعها أوروبا تستشعر الخطر الذي يشكله النشاط الصناعي الصيني، لاسيما وأنّ هذا النشاط مدعوم بأيد عاملة رخيصة وقوانين استثمارية مشجعة، الأمر الذي ساهم في جذب الشركات العملاقة للاستثمار. وقد أراد الاتحاد الأوروبي أن يكبح قوة اندفاع نمو الاقتصاد الصيني وصادراته التي تلقي بظلال سلبية بل خطيرة على الصناعات والصادرات الأوروبية، لكن لم يفلح في الحد من معدل هذا النمو. ولذلك لا غرابة أن يتحول الصين من العملاق النائم إلى العملاق المتيقظ بحكم نموه الصناعي والاقتصادي الكبير. ويمكن القول، إنّ العالم يتمحور اليوم في كتل اقتصادية تسعى جاهدة للاستحواذ على أكبر نصيب من محركات النشاط الصناعي الذي يشكل الذهب الأسود عصبا له. وفي هذا الإطار، فإنّ للولايات المتحدة وأوروبا مصالح تتقاطع وتتعارض و في الوقت نفسه تسعى إلى مواجهة المارد الاقتصادي الزاحف، كل على طريقته، لتبقى علاقة الأطلسي مع الصين أشبه ما تكون بالجراحة الدقيقة، يحكمها شعار المصالح بحذر.
35
الدستور العراقي والعدالة الإجتماعية د. ماجد احمد الزاملي أن كل إنسان ينبغي أن يأخذ صفة في الحياة بشكل يتلائم مع شخصيته الإنسانية، وأن يسود أبناء المجتمع لون واحد من التعامل، وتهيئة الفرص الكاملة للمشاركة في جميع الأصعدة والاستفادة من خيرات البلاد، وهذه العدالة ليست في خصوص التوزيع العادل للثروة فحسب، بل يشمل المساواة أمام القانون والأمور الحقوقية، ومحاربة التمييز العنصري والطبقية، فالعدالة الاجتماعية، هي إعطاء البشر حقوقهم في كل مجالات الحياة وعدم التمايز بينهم، بأي لون من ألوان التمايز، ومعاملتهم على أساس العدل، الذي هو أساس العدالة، أي إعطاء كل ذي حق حقه، وفق الحاجة والكفاءة والقدرة. ويعني مفهوم العدالة الاجتماعية، إعادة الحق السليب إلى صاحبه ورفع الظلم والإرهاب عن الطبقات الكادحة وتحقيق المساواة أمام القانون لكل أفراد المجتمع. فالعدالة الاجتماعية، هي الحرص على تحقيق أعلى مستوى من الإنصاف، حيث يزول كل شكل من أشكال الظلم الاجتماعي، وردم الفوارق بين طبقات المجتمع، والمسؤول عن ذلك هو وجود حكومة عادلة تعطي الروح للاجتماع الإنساني وتُجَسِّد العدل. واذا كان العمل هو الاساس الاول للحيازة والتملك، فان الاختلافات الطبيعية في قدرات الناس العقلية والبدنية والفرص الاجتماعية تؤدي الى التباين في انتاجية كل فرد، وبالتالي تتباين مستويات الملكية والثروة والغنى بين الافراد. لكن انشغال الدولة بامور اخرى، ربما من بينها الاهمال، ادى الى عدم الوفاء بهذه الالتزامات، وظهور فئة كبيرة من الناس تعيش دون مستوى الفقر. وهذه حالة لا يمكن القبول بها، لا انسانيا ولا اخلاقيا ولا دستوريا، ويتعين العمل على معالجتها وفقا للدستور، ذلك لان "الامور الاخرى" مهما كانت لايمكن ان تُسوِّغ اهمال حق الانسان في العدالة والحياة الطيبة والمستوى الكريم من العيش. فالدولة اذن هي نتاج اللغة وهذه الفكرة مستمدة اصلا من هوبز الذي يعتبر الدولة نتاج اللغة ولذلك لاتُنشيء الحيوانات دولة. وهوبز , قبل لوك, اعطى للعقل مكانة سياسية حين قيد الملك بالعقل والضمير المهني في زمن بدأ فيه نقد الحكم المطلق .وفي كتابه (الليفيتان) ينتقد هوبز الخرافات وعلم الشياطين والرقى والتعاويذ التي تعتمد عليها تجارة الكهنوت. ففي الفصل الاخير من الكتاب والمعنون(مملكة الظلمات) التي يضعها بدلا عن (مملكة الرب) التي يدعيها رجال الاكليروس والوزراء والموظفون الكبار والملك الذي يتسلم التاج من الاسقف(1) , ويشن هوبز حملته ضد ثقافة الخوف التي ينشرها رجال الدين وتشكل مصدر ارباحهم, ويعتبر الخوف من القوى الخفية هو الدين, منتقدا منظومة التعاليم الكهنوتية التي تشد الانسان الى مملكة الظلمات الدولة نتاج التعبير ولذلك تكون حرية التعبير هي الدولة بمعنى آخر , ولاتوجد في الديكتاتورية غير لغة واحدة بصوت واحد، بينما تتمتع الديمقراطية بلغة واحدة ولكن بعدة اصوات, ولايُضبط ايقاع هذه الاصوات المتعددة سوى حكم القانون . فالتنظيم القضائي احد اهم سمات الدولة الديمقراطية. واذا كانت الديكتاتورية تختصر الامة في شخص والدولة في سلطة هذا الشخص فان الديمقراطية تسيّد الامة من خلال سيادة الدولة عبر العقد الاجتماعي الذي يحق ، كما يقول روسو، الارادة العامة. نـص الدسـتور العراقـي لسـنة ٢٠٠٥ علـى ان (العـراق بلـد متعـدد القوميـات والاديـان والمـذاهب وهــو عضــو مؤســس وفعــال فــي جامعــة الــدول العربيــة ، وملتــزم بميثاقــها ، وهــو جـزء مــن العــالم . ان المشــاركة الايجابيــة للاقليــات فــي الحيــاة العامــة هــي عنصــر اســاس فــي المجتمـع السـلمي والـديمقراطي ، وهـذا اساسـه هـو التعـايش والقبـول بوجـود الاخـر جنبـا الـى جنـب دون السـعي لالغائـه سـواءً كـان الاخـر فـردا او حزبـاً او طائفـة. والتوجـه الحـديث يكشـف عـن ان ، تشــريع قــانون منفصــل للاقليــات هــو الممارســة الافضــل لضــمان الحمايــة الشــاملة للهوية القوميةلها , وجميع دساتير العراق الجمهورية اشارت الى ان العراق جـزء مـن الـوطن العربـي او الشـعب العراقـي جـزء مـن الامـة العربيـة وهـذا ما اكـده دسـتور ٢٠٠٥ ، امـا اللغـات الرسـمية فقـد نص عليها الدستور (اولا – اللغة العربية واللغة الكرديـة همـا اللغتـان الرسـميتان للعـراق ...رابعـا اللغـة التركمانيـة واللغـة السـريانية لغتـان رسـميتان اخريـان فـي الوحـدات الاداريـة التـي يشـكلون فيهـا كثافة سكانية ، خامسا – لكل اقليم او محافظة اتخـاذ ايـة لغـة محليـة اخـرى ، لغـة رسـمية اضـافية. وذلك مـن خـلال الاعتـراف بـاقليم كردسـتان ضـمن عـراق اتحـادي ويمتلـك صـلاحيات واسـعة اداريـا وسياسيا ، بالاضافة الى حقوقهم في المؤسسات الاتحادية. كمـا تنـاول دسـتور ٢٠٠٥ الحقـوق القوميـة ، اذ اقرت غالبية سكانها ذلـك باسـتفتاء عـام. وقد أعطى الدستور أهمية خاصة لأموال الدولة فأكد في المادة 27 على أن، للأموال العامة حرمة خاصة، وحمايتها واجب على كل مواطن. على أن ينظم القانون الأحكام الخاصة بحفظ أموال الدولة وإدارتها، وشروط التصرف فيها، والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال. ومن المعلوم أن أموال الدولة تشمل الأموال المنقولة وغير المنقولة. وأن أي تصرف بها يجب أن يكون عن طريق القانون. ويجري التصرف بالأموال المنقولة ( سواءً كانت على شكل نقود أو أوراق مالية أو في الحساب)، بشكل عام عن طريق الموازنة العامة للدولة، التي تخضع لموافقة البرلمان. إلاّ أنه حتى الآن لا يوجد قانون حديث يحكم التصرف بالأموال العامة غير المنقولة. ولذلك فأن عملية الخصخصة للمشاريع العامة، لا يمكن أن تتم إلاّ عن طريق إصدار قانون خاص يُنظِّم العملية، كما هو الحال بالنسبة للأراضي والمنشآت الحكومية العامة. لقد تضمن دستور 2005 مفهوم العدالة الاجتماعية في المادتين (30) التي نصت في الفقرة اولا ( تكفل الدولة للفرد والأسرة وبخاصة الطفل والمراءة الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الاساسية للعيش في حياة حرة وكريمة تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم ) الفقرة ثانيا (تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليُتِم او البطالة وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم وينظم ذلك بقانون. والمادة (31) التي نصت على ( لكل عراقي الحق في الرعاية الصحية وتُعنى الدولة بالصحة العامة وتكفل وسائل الوقاية والعلاج بأنشاء مختلف أنواع المستشفيات والمؤسسات الصحية ) وبعد الاحتلال ومنذ صدور الدستور لم تفي الحكومات المعاقبة بالتزاماتها الواردة في المادتين اعلاه وبقية المواد ذات العلاقة بالعدالة الاجتماعية كالمواد (14 و15 و16 و32 و33) اللاتي تحدثت عن تكافؤ الفرص لجميع العراقيين والمساواة امام القانون والحق لكل فرد في الحياة والحرية والامن ورعاية المعوقين وذوي الاحتياجات الخاصة وحق العيش في ظروف بيئية سليمة . العدالة موضوع وغاية الافراد والجماعات وهؤلاء هم الذين يتشكل منهم المجتمع ويتكون، والدولة باعتبارها تنظيم سياسي قانوني، تكون اولى مهماتها بحسن ادارة هذا المجتمع على اسس العدالة الاجتماعية، والحفاظ علية، وتنظيم اموره، خاصة فيما يتعلق بتحقيق مصالح ومطالب الافراد والجماعات، فتحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب دوراً نشيطا وفعالاً وايجابياً من قبل الدولة. العدالة الاجتماعية هي مبدأ سامي أكدت عليه السماء والمواثيق القانونية الدولية منها والوطنية، ولهذا أكد عليه دستور العراق في العديد من النصوص بصياغات مختلفة، فالبند السادس من المادة التاسعة عشر تؤكد ان كل فرد يملك الحق في ان يُعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية، ويضيف البند الثاني من المادة الثانية والعشرون ضرورة ان ينظم القانون العلاقة بين العمال وأصحاب العمل وفق أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية، وكذلك البند ثانياً من المادة الثالثة والعشرون الذي جرى نصه بان لا يجوز نزع الملكية إلاّ لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويض عادل، يضاف لما تقدم أن المادة (105) انتهت إلى تأسيس هيأة عامة لضمان حقوق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في المشاركة العادلة في إدارة مؤسسات الدولة الإتحادية المختلفة والبعثات والزمالات الدراسية والوفود والمؤتمرات الإقليمية والدولية، وتتكون من ممثلي الحكومة الإتحادية والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم، والمادة (106) التي أوجبت تأسيس هيأة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الإتحادية على أن تتكون من خبراء الحكومة الإتحادية والأقاليم والمحافظات، لتضطلع بالمسؤوليات المناطة بها . إنَّ قيـام أنظمـة الحكـم الديمقراطيـة هـو ضـمان لتحقيـق الحـد الأدنـى مـن العدالـة الاجتماعية والسياسية ، فالديمقراطيـة معتقـد فكـري ومـنهج سـلوكي ونظـام حيـاتي يشـمل بنطاقـه كـل اوجـه النشـاط الانسـاني ، وعليـه فـان التطبيـق الفعلـي للديمقراطيـة لـيس مشـروطا بمشـاركة المجتمـع فـي العمليـة السياسـية ، بـل بتـوفر المقومـات الاجتماعيـة والاقتصـادية التـي تضـمن للمجتمع القدرة على ممارسة باقي حقوقه وحرياته بشكل اوفى وأكمل ، امـا الديمقراطيـة كنظـام حكـــم فتكـــون ســـلطة اصـــدار القـــوانين والتشـــريعات مـــن حـــق الشـــعب وهـــذه هـــي الديمقراطيـــة التمثيلية. و مازالت التجربة العراقية حديثة هشّة وهي عرضة للأخطاء, لكن ما ينبغي ان لاتتعرض له هو النكسة التي تجعل من النظام السياسي الجديد فرصة لفئات على حساب اخرى , ولأحزاب على حساب المواطنين, ولأفراد على حساب مجتمع , ومناسبة عاجلة لكسب المنافع الفردية والحزبية . وإذا كان مجلس رئاسة الجمهورية يقدم نموذج وحدة الدولة ووحدة المسؤولية الاخلاقية تجاه سعادة المواطنين في العراق ويقدم في الوقت نفسه القدرة على ان يكون مرجعية سياسية دستورية تعمل على تخفيف الخصائص التي ظهرت في العملية السياسية الجديدة وانقاص تأثيرها الى الحد الاقصى مثل المحاصصة والفساد والاستهانة بالعدالة والقانون وتوزيع الوظائف على الاقارب والنقص الهائل بالشعور بالمسؤولية المهنية والاخلاقية في الوظائف التي تفشت فيها الرشوة بشكل كبير والبطالة ونقص الخدمات والتخلف المريع الذي يجد العراق فيه نفسه وهو بلد غني.والتحول المنشود يفترض أن يقترن برؤية عقلانية لمصالح المجتمع والغالبية العظمى من السكان التي عانت الفاقة والحصار والقمع والحروب في العقود الماضية والتي يفترض أن تُؤخَذ بنظر الاعتبار في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الراهن والقادم في البلاد. لهذا فمن يُفكر في إقامة اقتصاد حر في البلاد, أن يفكر بالعدالة الاجتماعية بالحدود التي تساهم في تعبئة الموارد والطاقات البشرية وتخلق الإنسجام النسبي والسلم الاجتماعي في المجتمع للتعجيل في عملية التنمية, إذ بدون ذلك يستحيل علينا التقدم بالطريق المنشود صوب بناء اقتصاد متقدم وبنية اجتماعية جديدة وفعالة. ويمكن أن تتوفر العدالة الاجتماعية النسبية في ما يطلق عليه بالاقتصاد الحر الاجتماعي, إنها الصيغة المعقولة والمقبولة لبلادنا في الفترة القادمة التي ربما تستوجب منا عقدين من السنين. إنَّ الدستور، والقوانين التي صدرت، على الكثير من المجالات الاقتصادية، في السياسة الاقتصادية، وإدارة أموال واقتصاد العراق، والمسئوليات والصلاحيات. إلا أنه وللأسف الشديد لم يتم الالتزام بها أو بتنفيذها، وبقيت الموازنة العامة للدولة، موازنة بنود شكلية. فلم يتم ربط الموازنة بخطط التنمية ولا مؤشرات الاقتصاد الكلي، وانصبت الإجراءات الاقتصادية، بدافع التوسع الانتخابي، على تضخيم عدد العاملين في الدولة، بما في ذلك القطاعات الإنتاجية، مما أدت إلى فشل في هذه القطاعات، وفي نفس الوقت تدني إنتاجية الموظف العراقي. ومن المهم بمكان أن يحصل نوع من التوزان المناسب في توزيع الدخل القومي بين الحصة التي توجه للأجور والرواتب والمدخولات الشخصية الناجمة عن العمل وبين الحصة التي تذهب كأرباح لأصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل أولاً وبين تلك الحصة التي تستهلك من قبل المجموعة الأخيرة وتلك التي تذهب لأغراض الاستثمار أو أعادة توظيف الأرباح في العملية الاقتصادية الإنتاجية. كما لا بد من تأمين تطور عقلاني في إعادة توزيع الدخل القومي, الضرائب وغيرها, أي حصة الاستهلاك الاجتماعي بين القطاعات الخدمية المختلفة وعلى المناطق المختلفة وبين طبقات وفئات المجتمع. إنها عملية ليست سهلة ولكنها ضرورية لضمان التطور الفعال والمعجل في العراق. ------------------------------------------- اوستن رني-اسس الحكم. ترجمة الدكتور حسن الذنون- المكتبة الاهلية . بغداد ١٩٦٦.الجزء الثاني- ص ٢٠٥ . 1--
36
تجريم كل فعل أو قول من شأنه إثارة الشعور بالكراهية د. ماجد احمد الزاملي يُقصــد بجرائــم الكراهيــة كل فعــل جرمــي مقصــود يقــع علــى الأشــخاص أو ممتلكاتهــم ؛ بســبب انتمائهــم الفعلــي أو المفتــرض لفئــة اجتماعيــة معينــة، حيــث يســتهدف الجانــي ضحيتــه بســبب الديــن أو المعتقــد أو اللــون أو العــرق أو الأصــل القومــي. وهــذا الفعــل الجرمــي يمكــن أن يكــون قتـالا ً أو إيــذاء ً أو ســرقة أو تخريبــاً أو اغتصابــاً أو تهديــداً أو غيــر ذلــك مــن الأفعــال. فجريمـة الكراهيـة هـي بالأصـل سـلوك مُجـرَّم ومعاقـب عليـه قانونـاً؛ ولكـن الـذي يميزهـا عـن غيرهــا مـن الجرائـم المشــابهة لهــا أن الدافـع إلــى ارتكابهــا هــو الكراهيـة لفئــة اجتماعيـة معينــة، أو التعصــب ضــد هــذه الفئــة، فالجانــي فــي أغلــب الأحــوال لا يعــرف المجنــي عليــه معرفـة شـخصية، وليـس بينـه وبيـن الضحيـة أي علاقـة أو عـداوة سـابقة، ولكنـه متحيـز ضـد الفئـة الاجتماعيـة التـي ينتمـي إليهـا الضحيـة أو التـي ظـنَّ أنـه ينتمـي إليهـا(1). ويُشير مصطلح "جريمة الكراهية" إلى ارتكاب جريمة جنائية حيث استهدف مرتكب الجريمة الضحية كليًا أو جزئيًا بدافع "التحيز". وذكرت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن "جرائم الكراهية" تتميز بوجود اثنين عنصرين متحدين: - جريمة جنائية "أساسية" (مثل القتل) ؛ والجريمة المرتكبة بدافع التحيز (على سبيل المثال ضد العنصرية الأقلية) ، مما يعني أن الجاني إختار هدف الجريمة على أساس خاصية الضحية المحمية. إنّ مصطلح الجريمة ذات الدوافع المتحيزة ، يُعبِّر بدقة أكثر عن ذلك أن مسئولية المجرم تتوقف على إثبات جريمة جنائية ، وليس على إثبات الكراهية فقط. من الموضوعات التى تشغل البال وتحتل الصدارة هو التناقض الذى تحمله التطورات العلمية والتكنولوجية بين ثناياها ، فنجد لها أضراراً تقف جنباً إلى جنب مع فوائدها، فعلى سبيل المثال نجد أن التطورات العلمية والتكنولوجية رفعت من مستوى المعيشة، إلى جانب أن الأسلحة التكنولوجية أصبحت تُمثِّل تهديداً على السلم والأمن الدوليين ، وإضافة على ذلك إنها ساعدت على تنامى خطاب الكراهية. والجدير بالذكر أنّ التشريعات الدولية لم تنفِ كون خطاب الكراهية جريمة، وهو ما تذكره المادة (20) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، والتي تدعو إلى الحظر القانوني لأية دعوة إلى الحرب أو إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضًا على التمييز أو العداوة، كذلك المادة (4) من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تحرم التعبير بواسطة أفكار تنم عن تفوق أو دونية الأشخاص المصنفين عنصريًا. وإعتبار كل نشر للأفكار القائمة علي التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض علي التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو التحريض علي هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق معين أو أية جماعة من لون أو جذر أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للأعمال العنصرية التمييزية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون(2). لا وجود لشرطة الفكر والرأي ، وإذا كان الأشخاص يريدون أن يتركوا أحقادهم الشخصية تَعتَمِل وتستشري في عقولهم، فهذا شأنهم شرط ألا يلوّثوا ألارض بتلك الأحقاد أو يحاولوا نقل العدوى إلى الآخرين. تنوُّع الآراء أمرٌ مرحَّب به، فهو يساهم في إغناء نسيج الحياة. وكل ما يُطلب هو أن يتم التعبير عن هذه الآراء في أجواء من الاحترام المتبادل لا الحث على الشيء والدفع اليه أو القيام به. تعتبر كلمات الدفع والحث و الإغواء والتحبيذ – مترادفات لكلمة تحريض فلها الدلالة ذاتها والمعنى نفسه، والتحريض كما يكون مقصوداً به الخير فقد يكون مقصودا به الشر أيضا فيمكن ان يحرض شخص آخر على القيام بعمل خير أو على ايتيان عمل شرير، فقد جاء في القر آن الكريم قول الله سبحانه وتعالي : "وحرض المؤمنين عسى الله أن يكفَّ بأس الذين كفروا والله اشدُّ بأسا " وأيضا في قوله تعالى "يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال" والمقصود به هو التحفيز والتحريك والدفع بأية طريقة وعلى أية وجه(سورة النساء الآية رقم 89، سورة الأنفال الآية رقم 51. ). يمنح قانون مكافحة خطاب الكراهية، ، صلاحيات أوسع لفرق الشرطة القضائية، في متابعة مواقع الإلكترونية ومدوّنات ، ويحّدد وسائل يحقّ للضابط متابعتها، في تهم تستوجب عقوبات قاسية، منها "القول، أو الكتابة، أو الرسم، أو الإشارة، أو التصوير، أو الغناء، أو التمثيل". كما يعطي القانون الجهات القضائية إمكانية إصدار أوامر إلى مقدمي الخدمات أو أي شخص آخر لتسليمها أيّة معلوماتٍ أو معطياتٍ تكون مخزنة باستعمال وسائل تكنلوجيات الاعلام والاتصال، أو بالتحفظ الفوري على المعطيات المتعلقة بالمحتوى أو بحركة السير أو بسحب أو تخزين المحتويات التي يتيح الاطلاع عليها أو جعل الدخول إليها غير ممكن عندما تشكل جريمة من الجرائم المنصوص عليها في القانون. أن خطاب الكراهية يتنافى مع احترام الكرامة الإنسانية ، التى هى القيمة الأم التى تنبع منها القيم الإنسانية الأخرى.فإذا وجد احترام الكرامة الإنسانية وجد الصدق والعدل والأمانة والمحبة والحرية وتقبُّل الاختلاف والحوار والإبداع والمشاركة والمحاسبة والجمال والتسامح ونصرة المظلوم وما إلى ذلك من قيم إنسانية وإذا غاب احترام الكرامة الإنسانية غابت هذه القيم كلها، ومن ثم تظهر العديد من آفات المجتمع منها خطاب الكراهية .وخطاب الكراهية يؤدى هواجس مخيفة تؤثر على كرامة الإنسان وحريته ؛ لأن هناك ترابط وثيق بين كرامة الفرد وحريته. وانتهاك قوانين المجتمع لا يُنقص من كرامة الشخص واحترامه لذاته فحسب، بل من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى الحرمان من الحرية .و لم ينفصل موضوع الدين عن الدولة منذ عهد الديمقراطية الاثينية. وكان الفلاسفة المسيحيون المؤمنون ، حتى خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر حيث انطلقت الافكار الكبرى عن الحرية والحقوق، يسعون الى نقد الدين في سلوكه ضد الحريات والحقوق وينتقدون علاقة الحكم الاستبدادي المطلق بالتفويض الالهي . كثير منهم كان يسعى الى التوفيق بين السياسة وبين الميتافيزيقا. وفي القرون الوسطى تصاعدت حدة الجدل الفلسفي حول الدين والدولة بعد تفشي نظام الحق الالهي والسلطة المطلقة في اوربا، كان الربط بين الدين والدولة يوجد لدى كثير من الفلاسفة العقلانيين لان الدين عقلاني وفق تصوراتهم. وكان المفكر والسياسي الفرنسي جان بودان (١٥٣٠-١٥٩٠) قد كتب (كتاب الجمهورية) ولم يبعد الخالق عن جمهوريته بل وضع مكانا مميزا له في الدولة. لان الجمهورية لديه (هي الاستقامة في الحكم) ، وهي الجمهورية التي طالما نادى بجوهرها ، اي الاستقامة في الحكم، فلاسفة اخرون واديان واتجاهات ،ولابد ان تكون هذه الاستقامة مستمدة من التعاليم المسيحية لديه. من الحقائق الثابتة أنّ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية هي قدرات علي العمل يمتلكها الأفراد بحكم الطبيعة و تظهر كتجسيد لسيادة الفرد ، ومن هذه الحقوق و الحريات "الحق في التظاهر السلمي"، الذي يعتبر حق مكفول ومعترف به في كافة الدساتير العربية و المواثيق الدولية والدول على إحترام الإنسان في التعبير عن نفسه وأهم مظهر من مظاهر الممارسة السياسية الصحيحة ، وهو الأمر الذي يكرّسه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان بموجب المادة الثانية منه.إنّ الأفراد في المجتمع مهما تنوعت فئاتهم ومستوياتهم إنما يجمعهم المصير المشترك ُبطرق مختلفة ، إما والمصلحة العامة ، و يُعَبرون َعن آرائهم أما تأييدًا أو إستنكاراً وتنديدًا عن طريق تكوين جمعيات أو عقد اجتماعات ، او القيام بمظاهرات وإحتجاجات للمطالبة َبحقوقُهم المشتركة ، حيث تجد تحقيق رغباتهم، بما قد يتعارض و مصالحهم و فرض عليهم واجبات، فالدولة الدستور وهو اسمى قوانين الدولة قد اعطى للأفراد الحقوقً التي تكفل لهم الحماية هي المسؤولة عن أمن الأشخاص وممتلكاتهم ، و تصونهم من كل ما يهدد حياتهم. إن النـزاعات المسلحة - سواء أكان دولية أم داخلة- تتسبب في جميع المعاناة للضحايا وللمجتمع ككل. وهو يشكل وضعًا يتسم بغياب سيادة القانون والتخلي عن احترام حقوق الإنسان. أن الدول دَعت إلى القيام بمساعٍ وقائية شتى وقام بالفعل بتنفيذ هذه المساعي، فإنه لا مفر من اندلاع النـزاعات المسلحة بسبب التطورات والشقاقات السياسية أو المنازعات على السلطة،وهو ما يدل على أن التدابير الوقائية لا تكفي وحدها .وممالاشك فيه أن الصراعات لا تنتهى على حين غرة. وحتى مع توقف أعمال العنف، غالبًا ما يظل السلام هشاً ولا يكتسب القوة والصلابة إلاّ في ظل وجود العدل والاستعداد لمواجهة الأسباب الجذرية للصراع، وليس فقط مواجهة ما يخلِّفه الصراع. ويندلع العديد من الصراعات نتيجة للشعور بالتمييز والظلم ، ومن ثم ينمو الخطاب المفعم بالكراهية . لذلك فإن استعادة حكم القانون يُعد بُعدًا جوهريًا لبناء السلام، وهي تتطلب مشاركة متواصلة وصبورة حتى يصبح حكم القانون قويًا. فحين يضعف حكم القانون، يصبح الأمن العام مهددًا ويشعر المجرمون بالقوة. ويؤدي مثل هذا الوضع إلى تقويض الجهود الرامية إلى استعادة احترام حقوق الإنسان وإرساء الديمقراطية والمجتمع المدني، ويغذي الجريمة والفساد، ويُهدد بتجدد الصراع. وهكذا فإن العدالة القائمة على أساس حقوق الإنسان لا غنى عنها لتحقيق السلام وديمومته. أن المجتمع الدولي بذل تقدمًا كبيرًا في تحديد قواعد حقوق الإنسان، وخلق آلية للعمل الدولى لإنفاذها، والتأكد من أن أصبحت حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا جزءاً من خطاب السياسة الداخلية فى العديد من البلدان .ومن ثم يعلـن ميـثاق الأمـم المتحدة أن أحد مقاصد الأمم المتحدة هو تعزيز وتشـجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع .وقد تبلور عن هذه الدعوة أول تعـبير عمـلي بإصدار صك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من جانب الجمعية العامة للأمم المـتحدة في عـام ١٩٤٨ وكان هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الذي اعتُمد في ضوء خلفية تتمثل في فظائع الحرب العالمية الثانية، هو أول محاولة من جانب جميع الدول للاتفاق، في وثيقة واحدة، عـلى سـرد شامل لحقوق الشخص البشري ولم يكن الإعلان، كما يوحي اسمه بذلك، قد فُكِّـر فـيه كمعاهدة بل بالأحرى كإعلان لأبسط الحقوق والحريات الأساسية يحمل القوة الأدبـية لاتفـاق عالمي وهكذا، وُصف القصد منه على أنه يحدد المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم وبصورة عامة، يحدد الإعلان العالمي فئتين عامتين مـن الحقـوق والحـريات الحقـوق المدنـية والسياسية من ناحية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من الناحية الأخرى(3). وفي هذا الصدد، فُسرت عدة أحكام في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنها تجيز للدول التدخل لحظر خطاب الكراهية أو الخطاب الذي يعد استفزازياً أو محرضاً على الكراهية . وإن كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يتـناول بشـكل صريح مسألة التحريض على الكراهية أو الدعوة إليها . وبالتالي فإن السلطة القانونية لحظر خطـاب الكراهـية مفهومـة ضمنياً من المادة الأولى من الإعلان العالمي، التي تنص على ميلاد "جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق" ومن المادة الثانية التي تنص على :"المساواة في التمتع بالحقوق والحريات المنصوص عليها في الإعـلان "دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس." ومن المادة (7) التي تنص بشكل صريح أكثر على الحماية من التمييز والتحريض على التمييز. من ناحية أخرى تشير المادة (29) من الإعلان العالمي إلى الواجبات التي يتحملها كل شخص إزاء الجماعة، وتقـر بـأن فـرض بعض القيود على الحقوق قد يكون لازماً ومشروعاً من باب الحرص على جملة أمور منها "الاعتراف الواجب بحقوق الغير وحرياته واحترامها" ( الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).أما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فيستعمل لغة أكثر تقييداً ذلك أن الفقرة الثانية من المـادة (20) من العهد تنص على أن "تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف. و نرى أن الصكوك الدولية مثل الصكوك الإقليمية تركت العديد من القضايا غير واضحة حيث لم تقدم تفاصيل كثيرة عن تأويلات محددة وكيفية التوفيق بين مواطن التعارض البادية بين أحكامها لـئن نصـت صكوك حقوق الإنسان الدولية ومعها الصكوك الإقليمية والفقه الوطني جلياً على أن التحريض على الكراهية ألاثنية والعرقية والدينية يمكن حظره والمعاقبة عليه، فإن تفسير القانون وتنفيذه قد بَقيا متفاوتين وموضع جدل. والعديد من المفاهيم الرئيسية ليس مُعرَّفاً بطريقة موحدة والكثير من الغموض يكتنف مسائل حيوية مثل أهداف القانون، ومدى الضرر العام الذي يجب أن يبرر فرض قيود على الحريات الأساسية، والحد الذي يمكن وضـعه بشـكل مناسب لحرية التعبير وغيرها من الحريات، وطبيعة ونطاق العقوبات وسبل الانتصاف التي يمكن تطبيقها على الكلام المُغرِض. ويُعد خطاب الكراهية عنصراً مساهماً فى عملية تسعى لتحويل الأخرين من الأجانب أو المختلفين إلى كبش فداء،أو لشيطنتهم ،أو فى حالات أخرى قصوى لتجريدهم من إنسانيتهم ولتصويرهم على أنهم سبب العلل المجتمعية أو مصدر التهديدات.أما قدرة خطاب الكراهية على تحويل الكراهية التى تكنَّها نواة من المتطرفين إلى حركة عنف جماعية فأمر موَّثَق توثيقاً محكماً ؛ لذلك ، من الأساسى أن تتخذ التدابير لمكافحة تأثيره. وقد اعتمدت عدة بلدان من بينها بلدان شهدت فظائع مروعة مثل:البوسنة والهرسك تشريعات للمقاضاة على الجرائم المرتكبة بدافع الكراهية وعلى التحريض على الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية. وقد أنشات بلدان مثل: كندا والولايات المتحدة الأمريكية ،ضمن قوات الشرطة وحدات بجرائم الكراهية. وفى السنوات الأخيرة شهدت أوروبا تنامى خطاب الكراهية ، مما أدى إلى زيادة كره الأجانب ، واتخذ مواقف عنصرية ، وتحولت تلك المواقف إلى جرائم حقيقية ضد جماعات وأفراد ، كما هو واضح فى زيادة في الهجمات على ملاجيء اللاجئين: في عام 2014 ، عدد الأفعال تضاعف ثلاث مرات بالمقارنة مع العام السابق . فإن العديد من الحوادث التى وقعت مؤخراً قد ارتكبتها جماعات تنتسب إلى مذهب النازية الجديدة فى اليونان وإستونيا ولاتفيا وبلغاريا ، والولايات المتحدة الأمريكية ، وأوكرانيا ، والاتحاد الروسى ، والأرجتين، على سبيل المثال لا الحصر. ----------------------- 1-منال مروان منجد :جرائم الكراهية: دراسة تحليلية مقارنة مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية المجلد 5 – العدد 1 رمضان 1438ھـ / یونیو 2017م- ص 174 2-راجع الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2106 ألف (د-20) المؤرخ في 21 كانون الأول/ديسمبر 1965تاريخ بدء النفاذ: 4 كانون الثاني/يناير 1969 3-الأمم المتحدة – الجمعية العامة – اللجنة المعنية بحقوق الإنسان : الحقوق المدنية والسياسية: صحيفة الوقائع رقم ١٥التنقيح سلسلة تصدرها مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بمكتب الأمم المتحدة في جنيف. - جنيف\نيويوك 2004 - ص1
37
اثر التنمية السياسية في بناء النظام السياسي والتطور الديمقراطي د.ماجد احمد الزاملي على الرغم من أن الأحزاب السياسية ليست الأشكال الوحيدة للتنظيم في أي نظام ديمقراطي، إلاّ أنها تُجسِّد إرادة الشعب بشكل مؤثر ، وقد أُجرِي عدد كبير من البحوث التجريبية لتوضيح العلاقة الجدلية بين أنواع النظم الانتخابية، والنظام الحزبي والنظام السياسي. ويقول بعض المختصّين أنه كلما كان النظام أكثر ديمقراطية، كانت الأحزاب السياسية أكثر ديمقراطية، وكلما زاد حرص الأحزاب على أن تعمل بطريقة أكثر ديمقراطية، ازدادت القدرة الديمقراطية للنظام السياسي على التوسع. لذا لا يمكن تصور الديمقراطيات الحديثة من دون وجود الأحزاب السياسية. في هذا الصدد، فإن الأحزاب السياسية تحافظ على استمرار الديمقراطية، وتدين بوجودها للأنظمة الديمقراطية. لهذا السبب، فإن الأنظمة الديمقراطية ملزمة بتوفير الأرضية القانونية والسياسية الضرورية للأحزاب السياسية لتمثيل الشعب. من ناحية أخرى، ينبغي على الأحزاب السياسية ألا تلحق الضرر بهذا الأساس الذي يُعدّ سبب وجودها، ويجب عليها ألا تنظر إليه باعتباره أداة فقط لتلبية مطالب أنصارهم.وهناك العديد من الإجراءات اللازمة لتنفيذ التمثيل السياسي بشكل تام؛ لذلك فإن تقليص هذه الاجراءات إلى مجرد العلاج (السياسي) تحت أي ظرف من الظروف، يعني تجاهل جميع العوامل الأخرى التي تسبب غياب الديمقراطية، وأهمها حجم التمويل الذي يملكه أولئك الذين يطالبون بالتمثيل. لهذا السبب، فإن الجهل بالاقتصاد السياسي للأحزاب، يؤدي إلى رؤية أبعاد معينة فقط من غياب الديمقراطية، حيث تكون الأحزاب الفاعل الرئيس للانتخابات وآليات تجسيد التمثيل. إن التعددية السياسية لها نماذج عدة فمنها التعددية الحقيقية ومنها التعددية الشكلية، فالتعددية الحقيقية قائمة على وجود أحزاب مختلفة من البرامج والأيديولوجيات، وهذه الأحزاب تتنافس فيما بينها عن طريق الانتخابات الحرة التي تجري بصورة دورية، أما التعددية الشكلية فهي في إطارها الخارجي تحمل مظاهر التعددية السياسية، أي تكون من عدة أحزاب، ولكن النظام القائم أقرب إلى نظام الحزب القائم، وهو الحزب المسيطر(1)، ومن هذا فإن التعددية السياسية تعني الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية واختلاف في البرامج والأيديولوجيات والمصالح والتكوينات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية. وجود الاحزاب الحقيقية التي تعتمد مفهوم الديمقراطية وآلياتها ينشِّط الوعي السياسي، ويسهم في تشكيل الرأي العام وتوجيهه، كما تقوم هذه الاحزاب بدور مهم يتمثل في تهيئة الكوادر القيادية لادارة الدولة، وتتولى مسؤولية توحيد المجتمع وتحويله من طابعه الفردي الى الشكل الجمعي المؤسساتي مما يخلق ثقافة سياسية مشتركة غايتها بناء الوطن، وتحقق الاحزاب السياسية الديمقراطية الاستقرار السياسي من خلال تعبيرها عن المجتمع بكل مكوناته، وتملأ الفراغ بين الدولة والمجتمع وتقوم بمهمة حلقة الوصل والترابط بينهما، فالاحزاب توفِّر بادائها لهذه المهام البيئة الصالحة للحفاظ على التماسك الاجتماعي عبر الاستمرار، والتنظيم، ودخول الانتخابات للوصول الى السلطة والالتزام بتحقيق برنامجها السياسي، وتمثل الاحزاب هنا مستودعات الافكار السياسية للمجتمع بكل مكونات ونسيجه، كما تقوم بدور القناة التي تنساب عبرها هذه الافكار الى بنية الدولة ونظامها ومؤسساتها. تُعد سيادة القانون من ركائز النظام السياسي الديمقراطي وهي من المعايير الاساسية لتطبيق النظام ونزاهة القضاء لضمان الحقوق والحريات الاساسية التي يجب ان يتمتع بها المواطنون دون تمييز وتستند سيادة القانون في, قوة القانون، ومساواة جميع المواطنين امام القانون، والامتناع عن التنفيذ الجزئي للقانون، وتتنافى سيادة القانون مع السلطة المطلقة التي تفضي إساءة إستخدامها وفساد القائمين عليها الى غياب دور القانون، ويُعدّ ضعف رقابة السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية من الاسباب الرئيسة للفساد وحماية المفسدين، إذ يشجع عدم فاعلية الانظمة الرقابية على الفساد والاضرار بالمصالح العامة للمجتمع (2)، فيفقد القانون هيبته في المجتمع بسبب قدرة المفسدين على تعطيله وعدم تطبيقه ضد المخالفين الذين تهدد ممارساتهم أمن المجتمع، فتصبح مخالفة القانون هي القاعدة السارية، ويتحول إحترامه الى إستثناء، ويأمن المفسدون من المسائلة والعقاب. هناك العديد من أشكال وأنماط الأحزاب السياسية في مختلف النظم السياسية على اختلاف تكويناتها واشكالها، واعتماد هذه النظم شكل للتعددية يتيح قدراً أكبر من التنافسية وتداول السلطة بشكل سلمى، يجعل المشاركة السياسية لكافة تيارات المجتمع في النظام السياسي يرتبط بشكل واضح بطبيعة التعددية المطبَّقة فيه وفعاليتها في أداء دورها، هذا يجعله هناك تحويل في النظام السياسي بدرجة اكبر نحو الممارسات الديمقراطية، ويجعله نظامها يتميز بالتحول نحو الديمقراطية، وهذا لا ينفصل عن الوظائف التي تقوم بها التعددية الحزبية خاصة الوظائف المرتبطة أكثر بإحداث التحويل الديمقراطي داخل النظام السياسي، فهناك علاقة وثيقة وارتباطية بين شكل التعددية وأدائها لوظائفها بفاعلية وبين إحداث تحول ديمقراطي حقيقي في أي نظام سياسي. تقوم الأحزاب السياسية بدور مهم في عملية المشاركة السياسية من خلال غرس مفاهيم ومعتقدات سياسية وهي تمارس دورها هذا من خلال ما تقوم به من دور مزدوج في عملية التنشئة السياسية الذي يتمثل في دعم الثقافة السياسية السائدة وخلق ثقافة سياسية جديدة، فالأحزاب السياسية تُعتبر من أهم ركائز الديمقراطية ومن أهم المؤسسات السياسية في تفعيل المشاركة الشعبية، كما تُشكل قنوات لتأطير المشاركة السياسية التي تُعد معياراً لنمو النظام وسلامة المناخ التفاعلي بين النظام والمجتمع. ويؤدي وجود الاحزاب الى تقويم السياسات الحكومية فتكون قراراتها اكثر روية وحكمة وموضوعية لان التسرُّع في اتخاذ القرارات سيُعرِّض الحكومة لانتقاد الاحزاب وتتيح الفرصة لمناقشة المسائل العامة بهدوء لتحقيق اهداف تعجز عن تحقيقها مجهودات افراد قلائل وبذلك ترسخ مفاهيم الديمقراطية وتعتبر عنصرا من عناصر استقرار الحياة السياسية في الدولة فالمواطنون يتغيرون والحكومات تزول وفي المقابل فأن المشاريع والاهداف تحتاج الى زمن طويل لكي تخرج الى ارض الواقع ويتم تنفيذها وهذا هو السبب الحقيقي لوجود الاحزاب. للأحزاب وظيفة اساسية في تقويم السلطة وكشف اخطائها وتعديل مساراتها نحو الصواب وهي التي تعمل على ايجاد التوافق الاجتماعي كما تُعد الاحزاب مدارس للتكوين والتثقيف السياسي للمنخرطين وادارة لتنوير الشعب وبتعريفه بحقوقه وواجباته وان كان هناك من ينظر نظرة سلبية للأحزاب على اعتبارها تنشر الفرقة وتُغلِّب المصلحة الفردية على المصلحة العامة. إقامة روابط حقيقية مع الناس. وعملية التنمية السياسية بوجه عام تخلق الظروف والشروط الملائمة للتطور الديمقراطي، فالتنمية السياسية تهدف في النهاية إلى بناء النظام السياسي، وإجراء عمليات التحديث عليه ليصبح نظاماً عصرياً ومتطوراً وديمقراطيا، فالتنمية السياسية بذلك تفترض التخلص من بقايا السلطات التقليدية بخصائصها التي لم تعد تناسب البناء الجديد، وهذه الحالة تتطلب وجود عملية مواجهة مستمرة مع البقايا الراسخة التي ما تزال تؤثر سلبا في اتجاهات الأفراد والمجتمع. إن إتاحة الفرصة لجميع سكان الدولة للمشاركة الشعبية باتخاذ القرارات وإدارة شؤون البلاد، سواءً بشكل مباشر أو عن طريق ممثلين عنهم، أي بمعنى الإسهام في الحياة العامة، يولد الأمن والاستقرار السياسي داخل البلاد، لان المشاركة السياسية هي إحدى الشروط الأساسية للقدرة على رص الصفوف لتحقيق الوحدة الوطنية، وكذلك تحقيق أهدف التنمية السياسية. التداول السلمي على السلطة، هو عدم جعل الحكم في قبضة شخص واحد، أي التعاقب الدوري للحكام في ظل انتخابات حرة، وبذلك سوف يمارس هؤلاء الحكام المنتخبون اختصاصاتهم الدستورية لفترات محددة سلفاً، وبهذا سوف لا يتغير اسم الدولة ولا يتبدل دستورها ولا شخصيتها الاعتبارية بتغيير الحكام والأحزاب الحاكمة، وبهذا فإن السلطة هي اختصاص تتم ممارسته من قبل الحاكم بتخويل من الناخبين وفق أحكام الدستور، أي إن السلطة ليس حكرا على أحد، وإنما يتم تداول السلطة وفقاً لأحكام الدستور الذي يعتبر السلطة التي لا تعلوه سلطة أخرى. إن التعددية السياسية تعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق الديمقراطية ومظهر من مظاهرها الأساسية وعنصر من عناصر وجود الديمقراطية، ولكن لا يغيب عن البال إن تحقيقها هو أمر سهل، لذلك لا يمكن تحقيق الديمقراطية، بين عشيةً وضحاها "فإرساء نظام ديمقراطي معناه إقامة بنيان متكامل يشمل مكونات عديدة مثل الضمانات المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير العلني، وتكوين الجمعيات والانضمام إليها وسيادة القانون، وإجراء انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها الجميع على فترات دورية، ووجود نظام متعدد الأحزاب يسمح بتداول السلطة بصورة رسمية ومنظمة، وفوق ذلك ضرورة وجود نظام للضبط والمراقبة يجعل المنتخبين للمناصب العامة، مسؤولين مسؤولية كاملة أمام الناخبين" (2) . لذلك فأن مبدأ إقرار التعددية السياسية لا يعني تحقيق الديمقراطية، فالديمقراطية تعني قبل كل شيء منع احتكار السلطة والثروة من قبل فئة أو جهة واحدة أو طائفة اجتماعية معينة، أو بدون التداول السلمي للسلطة، وتوزيع الثروة بين الجميع وفقاً إلى مبدأ تكافؤ الفرص والاستحقاق والجدارة، وبدون ذلك فمن الصعب الإدعاء بتحقيق الديمقراطية. --------------------------------- 1-محمد عابد الجابري، التعددية السياسية وأصولها وآفاق مستقبلها، (حالة المغرب)، ندوة منتدى الفكر العربي، عمان، 1979، ص107 2-د.عبد السلام إبراهيم بغدادي، الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في أفريقيا، بيروت مركز دراسات الوحدة العربية، 1993، ص291
38
انعكاسات الأمن المائي على الأمن القومي العربي عامةً وعلى بلدان حوض دجلة والفرات خاصةً د.ماجد احمد الزاملي أهمية الأمن المائي تبرز بوصفه من الموضوعات الاستراتيجية ذات العلاقة بالأمن الوطني والأمـن القـومي بشكل عام . فمنذ زمن غـير بعيـد بدأ الفكـر الاسـتراتيجي الـدولي يعطـي مفهـوم الأمـن المـائي اهتمامـه الخـاص فهناك علاقة وطيدة بين الأمـن المـائي وبـين الاسـتقلال الاقتصـادي والسياسـي ، وان تحقيـق الأول يقـود الى تحقيـق الثـاني، كمـا ان فقدان الأول ينتهي الى فقدان الثاني. ويمكننا ان نُعرِّف الأمن القومي بأنه الحفاظ علي كيان الدولة والمجتمع أو عدد من الدول والمجتمعات ذات الرابطة القومية ضد الأخطار التي تتهددها داخليا وخارجيا ، والعمل علي تحقيق أهدافها وغايتها مما يدعم من كياناتها. والدول العربية لم تستثمر موارد المياه المتاحة لديها بشكل فعال ، والدولة الوحيدة التي تفعل ذلك في المنطقة هي الكيان الإسرائيلي حيث استولى علي مصادر المياه العربية في الضفة الغربية والجولان وحول مياه نهر الأردن ونهر الليطاني ، وهو يتطلع باستمرار نحو مصادر مياه عربية جديدة, لذلك فالإجراءات التي يجب أن تُتخذ لحماية الأمن القومي العربي أن تمثل تصرفا جماعياً من جانب الدول العربية متضامنة ، لرد أي تهديد لأمنها القومي بأية صورة من الصور ، لا أن تركز كل دولة على أمنها الوطني كوحدة متميزة بين الدول ، فالأمن القومي العربي كلاً واحداً لا يتجزأ بالرغم من ما واجهه من عوامل التفكك للسـيادة الوطنيـة وللأمـن القـومي الشـامل(1). ومع نمو السكان في الوطن العربي فإن مشكلة ندرة المياه تتفاقم كنتيجة منطقية لتزايد الطلب على المياه لتلبية الاحتياجات الصناعية والزراعية. ولا تقتصر مشكلة المياه في الوطن العربي على الهدر انما تمتد الى النوعية التي تتردى وتتحول إلى مياه غير صالحة للإستخدام لأسباب متعددة. وتسري مشكلة المياه على كل المصادر المائية في الوطن العربي فالأنهار العربية الكبرى مثل النيل ودجلة والفرات تنبع من دول غير عربية دول الجوار الجغرافي وتجري وتصب في بلدان عربية يجعل لدول المنبع ميزة إستراتيجية في مواجهة البلدان العربية. إنَّ القضية الأهم لمشاريع التعاون التركي / العربي بشـأن الميـاه هـي حـل مسـألة تقاسـم ميـاه دجلـة والفرات ، وهذا الأمر يتطلب التعاون في توزيع هذه الثروة المائية ، لأن انعدام الثقة المتبادلة قد يولد توترا . ً ونزاعـا ,كذلك ايجاد مشاريع مائية زراعية بين العراق وسوريا وتركيا بهدف ضمان اسـتمرار تـدفق الميـاه الى سـوريا والعـراق وبكميات مناسبة ، يضاف الى ذلك العمل على تشكيل عوامل ضغط في مجال العلاقـات الاقتصـادية والتجاريـة والسياحية لغرض التأثير على الموقف التركي والدفع به باتجاه التجاوب لتحقيـق المصـالح المشـروعة لسـوريا والعـراق في المياه المشتركة .كما يتطلب الاستغلال الأمثل للمياه الجوفية ومياه الأمطار استثمارات ضخمة لإقامة التجهيزات والمشروعات اللازمة لهذا الاستغلال,كما أن مشروعات تحلية المياه تحتاج بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة تكنولوجيا متقدمة هكذا يصبح لكل مورد مشكلاته المتعددة , متعددة الابعاد تحتاج للتعامل الناضج معها إلى آليات مؤسسية متقدمة . وبما ان الماء في الوطن العربي عنصرًا أساسيًا في صياغة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتركز على مدى تأثير مشكلات المياه في هذه المنطقة على مصالحها الاستراتيجية. الأمر الذي أدى إلى بروز الاهتمام الأمريكي بمياه الوطن العربي وجعله على رأس هذه الاهتمامات في المنطقة. ان الصراع في الشرق الأوسط على مصادر المياه المحدودة والمهددة بالخطر يمكن أن يقود إلى هيجان لم يسبق له مثيل في المنطقة، وأن لشحة المياه آثار كبرى على التنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي. فظهور مشاكل المياه في المنطقة سيكون له أثرًا كبيرًا على المصالح الاستراتيجية. كما جسَّد هذه الأفكار تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن , حول السياسة الخارجية الأمريكية بشأن مصادر المياه في الشرق الأوسط. ويطرح هذا التقرير "دورًا جديدًا للحكومة الأمريكية" لحل المشكلات المائية الجديدة في منطقة الوطن العربي. وأوصى التقرير أيضًا: بأن تركز الحكومة الأمريكية لتجاوز الأزمة المائية في هذه المنطقة على النواحي التالية: التنمية وتكنولوجيا الماء المتطورة, تشجيع حكومات المنطقة على إنتاج أشكال جديدة أكثر كفاءة لإدارة الموارد المائية واستراتيجيات تخزين المياه, تحسين التنسيق بين الوكالات الأمريكية التي تتعامل مع مسائل الماء, الاهتمام بالبحوث طويلة المدى والتخطيط البعيد المدى أيضًا, إنشاء برنامج مائي مشترك بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط. ويتعرض الأمن المائي في حوضي دجلة والفرات حاليا الى التحديات التي تُمثِّل واحـدة مـن ابـرز القضـايا الــتي ستجابــه العــراق وســوريا في المســتقبل القريــب ، ولاســيما ان مقــدمتها أصـبحت واضـحة منـذ وقـت لـيس بالقصـير وذلـك بسـبب سياسـات تركيـا المائيـة المتمثلـة في اقامـة مشـروعات الـري والسـدود وهـدفها مـن ذلـك ً وورقـة ضـغط ً سياسـيا خفض تدفق منسوب مياه نهري دجلة والفـرات الى العـراق وسـوريا واسـتعمال الميـاه سـلاحا عليهما وضدهما للوصول الى هدفها في مقايضـة الميـاه بـالنفط العـربي واهـداف اخـرى مهمـة . وبجانـب ذلـك فقـد شـكلت الأطمـاع الصـهيونية في الميــاه العربيــة ومشــاريع اســتغلال نهــري دجلــة والفــرات مؤشــراً خطــيراً علــى تهديـد الأمن المائي في حوضي النهرين ، من خلال أنابيب مياه السلام. وترفض تركيا التوقيع على اتفاقيات تقسيم المياه يعني انها لن تقبل لحل مشكلة دجلة و الفرات طبقاً للأتفاقيات والقوانين الدولية المنظمة للأنهار الدولية وان هذه المشكلة لن تحل الا عبر قرار سياسي وعلى اعلى مستوى ، لأن المياه عند الاتراك حسب قول سليمان ديمربيل عند تدشين سد اتاتورك والذي أصبح لاحقاً رئيساً للجمهورية " ان ما يعود لتركيا من مجاري مياه دجلة والفرات وروافدهما هو تركي ، وان بامكان تركيا ان تتصرف بها كما تشاء داخل حدودها لأن مصادر المياه هي تركية ، كما ان ابار النفط تعود ملكيتها الى العراق وسوريا ، انها مسألة سيادة والمياه عند الاتراك حسب تعبير قمران ابنان المسؤول عن مشروع تطوير مشروع (الغاب) " ثروة نادرة جداً في بلدان الشرق الاوسط ، عندما يحاول الاتراك احصاء مصادر قوتهم في عالم يلاقي فيه فائضهم من العملة صدا من قبل اوربا وتتقلص اهميتهم الاستراتيجية في حلف شمال الاطلسي مع تفكك المحور الشرقي ويجدون الاتراك في مشروع (غاب) دعماً كبيراً لمركز تركيا السياسي وخطوة مهمة جداً عن طريق تركيا القوية والقادرة على احتلال مكانها بين مصاف الدول العشر المتقدمة في العالم. ومنذ بداية التسعينيات من القرن الماضي أصبحت أهمية المياه لاتقل عن أهمية النفط في المنطقة العربيـة. وان تركيا تعد المياه هي أحـد مصـادر القـوة الـتي تمتلكهـا ، لـذا فأ نهـا تسـعى ومـن خـلال سياسـتها المائيـة الى بلـوغ أهـدافها الاقتصـادية وذلـك في محاولتهـا الاسـتحواذ علـى اكـبر كميـة مـن ميـاه نهري دجلـة والفـرات ومقايضـتها بـالنفط العـربي ، كـذلك فا نهـا تسـعى في برامجهـا المائيـة الى توليـد الطاقـة الكهربائيـة مـن خـلال انشـاء ١٧ محطـة كهربائيةً. ومحاولتهـا تحقيـق حلمهـا بجعلهـا سـلة الغـذاء في المنطقـة العربيـة عـن طريق الكهربـاء علـى نهري دجلـة والفـرات ،بما يضـعها بـين الـدول العشـرة الكـبرى المنتجـة للغـذاء في العـالم. ومن الجدير بالذكر أن الاهتمام الأميركي بأهمية المياه في سياسة المنطقة كان مبكرًا، فمنذ الثمانينات حددت مصادر الاستخبارات الأمريكية عشرة مناطق محتملة لأن تكون ساحات صراع على المياه وقد قسمت تلك المناطق إلى ثلاث مستويات من الخطر, مناطق تشتعل فيها حروب المياه في فترة قريبة وتقع أغلبها في الشرق الأوسط, مناطق محفوفة بالمخاطر، وقد تدخل منطقة الخطر حالما تستنفذ مصادر مياهها السطحية والجوفية، وتقع في نطاق هذا الحزام دول شبه الجزيرة العربية والخليج, مناطق توتر مائي قابلة للدخول في مستوى الخطر في فترة عشر إلى عشرين سنة قادمة وتدخل في هذا الحزام مصر وبلدان المغرب العربي ويبدو لنا أن الدوائر الأمريكية تحاول أن تتعامل مع مسألة المياه من أجل استثمارها في إطار تنسيق السياسة المائية مع السياسات السكانية والاجتماعية على المستوى القطري مع وضع سياسة مائية واقعية تكفل ديمومة الموارد المائية. وتشكل تركيا وأثيوبيا واسرائيل أخطر مثلث يهدد الأمن المائي العربي. ومما يزيد في هذه الخطورة هو الدعم الخارجي لهذه الدول من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. ويرجع الدعم الأمريكي لاسرائيل في مسألة المياه إلى مرحلة تاريخية تسبق وجودها. وتعدد مسوغات استمرار هذا الدعم إلى أن هذا الوجود مرهون بحاجته إلى المياه لاستقبال المستوطنين الصهاينة وإسكانهم في فلسطين. كما أن هذا الدعم المستمر حفَّز اسرائيل على العدوان على العرب في حزيران عام1967 واحتلال أراضي عربية جديدة واستثمار مياهها ليضمن بذلك حزامًا أمنيًا مائيًا. كما أدت الإدارة الأمريكية الدور نفسه في دعم تركيا لرسم دور إقليمي جديد لها (شرق أوسطي) حيث شجعتها على الاستحواذ على مياه نهر الفرات، بتقديم الدعم المالي والفني لها لبناء مشاريع الري بالرغم من عدم حصول موافقة جيرانها العرب. إضافة إلى ترويجها لمشاريعها المائية المتمثلة ب "أنابيب السلام" لبيع المياه إلى العرب واسرائيل، مما شجع الأخير إلى تعاون استراتيجي مع تركيا لدعمها في تحقيق هذه الأفكار. لقد دفعت اسرائيل كل إمكاناتها وخبراتها الفنية إلى تركيا لتمكينها من تنفيذ مشاريعها الإروائية وخاصة مشروع جنوب شرق الأناضول طمعاً منها في استثمار منطقة(غازي عنتاب) المحاذية للحدود التركية- السورية، ليكون بهذا الموقع الجغرافي المتحكم الأول في حصص العراق وسوريا من مياه نهر الفرات. إن أخطر ما في هذه المشكلة هو أن تركيا تنوي تعزيز سيادتها على مياه النهرين – مع أنها ثروة مائية مشتركة مع سورية والعراق – والانفراد الكلي باستثمارها أي ممارسة السيادة المطلقة .إن ما يزيد قلق سورية والعراق هو امتداد التعاون التركي – الإسرائيلي إلى مشروع (غاب) وتحويل هذا المشروع إلى جزء من التحالف الاستراتيجي بين البلدين. بلورت سورية والعراق موقفهما مستندتين إلى مبادئ القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار ومصالحهما الوطنية وحقوقهما التاريخية في مياه دجلة والفرات، واضعين في الحسبان الأضرار التي لحقت بهما، وما سيلحق بهما من أضرار في المستقبل ومرتكزات هذا الموقف تتلخص في أن نهري دجلة والفرات نهران دوليان ويترتب على ذلك أن تكون السيادة على مياه النهرين مشتركة بين الدول الثلاث وأن ما تقوم به تركيا يُعد انتهاكًا فاضحًا لقواعد القانون الدولي والأعراف الدولية ذات العلاقة. ويؤكد هذا الموقف ضرورة التوصل إلى اتفاق ثلاثي يحدد الحصة المائية لكل بلد على أسس معقولة ومنصفة تقوم على قواعد القانون الدولي. وإن تحديد الحصص المائية يجب أن يضع في الحسبان الحقوق المكتسبة والحاجات الاجتماعية والاقتصادية للدول المتشاطئة. الاستراتيجية الأمريكية الدولية، ولخدمة ما يسمى بحماية "المصالح القومية الأمريكية. ومع إيماننا بأن الاستفادة من الخبرات الدولية مسألة مطلوبة لمواجهة الأزمة المائية التي يعاني منها الوطن العربي إلا أن الأكثر أهمية هو أن تكون هذه الاستفادة جزءًا من استراتيجية قومية تهدف إلى حماية المصالح القومية العربية لا أن تكون رأس جسر يربطنا بالاستراتيجية الأمريكية ويعمل على. "تشكيل اتجاهات تنموية" في بلادنا وفقًا لما يخطط له الآخرون تؤكد كل الدعوات التي ظهرت في الغرب لمعالجة مسألة المياه في الوطن العربي بأنها كانت تهدف إلى التمهيد لدخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى هذه المنطقة بحجة وضع حلول لها، نظرًا لما تمتلكه من إمكانات تكنولوجية، إلاّ أن حقيقة الأمر أنها ترمي لتحقيق اهداف اخرى منها , دعم الكيان الصهيوني في سياسته المائية للحصول على حاجته من المياه وبشكل خاص من الدول العربية المجاورة, استخدام دول المنبع كوسيلة ضغط على الدول العربية المجاورة لها. وفي حالة نهري دجلة والفرات فبين العراق وتركيا معاهدات وان مشكلة المياه تتغير حسب مصالح تركيا الامنية والاقتصادية مع رفض تركيا تقاسم المياه وفقاً للمعاهدات التي وقعتها بعد اعترافها بأنَّ نهري دجلة والفرات نهران دوليان بموجب معاهدة سيفر عام 1920 بعد انفصال سوريا والعراق عن الدولة العثمانية ومعاهدة الصلح في مدينة لوزان بينها وبين الحلفاء عام (1923م) والتي نصت على التزام تركيا بالتنسيق بين سوريا والعراق قبل الشروع في بناء اية سدود والتي تم بموجبها تخطيط الحدود والتأكيد على ذلك في اتفاقية عام (1946م)ومن ثم بروتوكول التعاون الفني والاقتصادي بين العراق وتركيا عام (1980م). ------------------------------------- 1-صبحي كحالة ،المشكلة المائية في إسرائيل وانعكاساتها على الصراع العربي الاسرائيلى , بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ،الأولى : 1980.ص 17
39
الفترة الانتقالية ما بعد الديكتاتورية د . ماجد احمد الزاملي تستمد الأنظمة الديكتاتورية قوتها من الطاعة والتعاون التي تحصل عليه ؛فإذا كان الاضطهاد الذي تمارسه الديكتاتورية لا يضمن الطاعة . ولا يمكن تحدي السلطة القائمة التي بيدها المال والسلاح والإعلام تحدياً مقترناً بنجاح إلا إذا ظهر فشل زعماء الحكومة بشكل واضح لعدد كبير من الناس لأن طبيعة أسلوب الدكتاتور هو تحطيم إرادة أولئك الذين يحاولون المقاومة بإلصاق التهم بهم وقتلهم وسجنهم ومصادرة أموالهم وتشتيتهم وما إلى ذلك حتى لا يتمكنوا من المقاومة. فوصول الفاشيين إلى السلطة في إيطاليا مثلا كان ناتجا عن عدة عوامل. صحيح أن إرادتهم الحديدية وأساليبهم الإرهابية ساهمت في وصولهم إلى قمة السلطة، ولكن ينبغي ألا ننسى أن الملك كان ضعيفا لا يستطيع مواجهتهم وأن الدولة كانت قد أخذت في التفكك والانهيار. في هذه اللحظة قفز الفاشيون على السلطة وأمسكوا بها جيدا، وكان ذلك عام 1922 عندما أصبح موسوليني رئيسا للوزراء. في البداية حاول موسوليني أن يظهر كسياسي معتدل يحترم الدستور. لأنه كان لا يزال ضعيفا ويمكن للطبقة السياسية الليبرالية أن تقضي عليه إذا ما شعرت بأنه يهدد السلام المدني أو المبادئ الديمقراطية التي قامت عليها الدولة الإيطالية بصفتها دولة أوروبية حديثة تحترم الدستور والتعددية الفكرية والسياسية وتعتمد على المشروعية البرلمانية.ولكن عندما تمكن من الأمر وترسخت أقدامه في السلطة راح يصفي خصومه ويقضي على الطبقة السياسية الليبرالية برمتها. وهكذا استطاع أن يفرض النظام الفاشي الديكتاتوري المطلق على البلاد، وأدى ذلك إلى خنق الحريات في إيطاليا وإرهاب الناس، وعاشت البلاد عندئذ ظروفا عصيبة، وعمّ الخوف الناس. فلم يعد أحد يستطيع أن يعبر عن آرائه السياسية بحرية، فالإيديولوجيا الفاشية تقوم أساسا على عبادة الزعيم الأوحد وعلى تقديس السلطة والخضوع لها بشكل كامل من قبل الشعب. ومن لا يخضع تتم تصفيته جسديا إذا لزم الأمر. أما صعود الفاشية في البرتغال فقد شغل سالازار منصب رئيس الوزراء في البرتغال في الفترة من 1932 إلى 1968. كان رئيس الجمهورية في العام 1951 بصفة مؤقتة. أسس وقاد ما يعرف بالدولة الجديدة التي حكمت وسيطرت على البرتغال من العام 1932 حتى العام 1974. عندما أصبح رئيساً للوزراء أعلن في العام التالي من توليه منصبه دستوراً جعل منه حاكماً استبداديّاً، فقد أقام سالازار دولة عسكرية، واضعاً النقابات تحت إدارة الحكومة، ومنع حرية الصحافة والحريات السياسية، وأقام الاقتصاد على قواعد محكمة، لكنها كانت على حساب الأجور، ورفاهية كثير من المواطنين. لقد بلغ التطور في مفهوم السيادة درجة جعلت الدولة القومية نفسها مهددة تحت مسميات كثيرة مثل عولمة الاقتصاد ،القومية والاثنية ،الضغوط الدولية من أجل حقوق الإنسان، والاعتبارات فوق القومية كمهددات للدولة القومية. وطبقا لتقرير الدفاع الاستراتيجي للناتو في سنة1998 يجب أن تعطى الأولوية للاهتمام بالمخاطر التي تؤثر على الاستقرار، مثل انقسام الدول وما ينشأ عنه من نزاعات دولية أو عبر الحدود ومخاطر الإرهاب والجريمة المنظمة وانتهاك حقوق الإنسان وانتشار أسلحة الدمار الشامل وتصرفات الدول التي لاتدور في فلك الغرب. وعلى عكس فترة الحرب الباردة حيث كان الاهتمام بالدول القوية التي تؤثر في ميزان القوى أضحى الاهتمام الآن بالدول الأضعف أو الدول المنهارة لإرتباطها بالإرهاب والهجرة وعدم الاستقرار. وهناك تطور آخر وهو أن التدخل العسكري نفسه أصبح مصحوبا بآليات وإجراءات قضائية,مثل المحاكم الجنائية. تبعاً لتطور المفهومين السابقين تطور مفهوم حق الدفاع عن النفس. أصبح في العالم نتيجة لتلك التطورات قوة أحادية عسكرية ونتيجة لذلك أصبح من حق بوش الابن أن يحلم بشأن الشرق الأوسط والمناطق الأخرى ساعده عاملان على ذلك:أولهما لم يعد هناك خوف من أن تقود التوترات الإقليمية إلى مواجهة بين القوى العظمى،وثانيهما لم يعد من الواجب على الولايات المتحدة الدخول في نزاع مع دول تزيدها قوة من الترسانة العسكرية . إضافة لذلك برزت تحولات أساسية في المفاهيم وهو باختصار سيادة الدولة على أراضيها وحقها في اتخاذ القرارات والسياسات والتشريعات فوق أراضيها،وحقها في الحصانة من التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية. شهد مفهوم السيادة استقرارا نسبيا في النظام الدولي -طوال فترة الحرب الباردة-أما في المرحلة الحالية فقد شهد تطورات نوعية إذ تم تدويل السيادة ,إذ أصبح على الدولة أن تلبي شروط المجتمع الدولي لتتمتع بالسيادة على أرضها،فتقلصت حدود السيادة السياسية وزاد التدخل الدولي لمبررات كثيرة منها التدخل الإنساني, حقوق الإنسان,حماية الأقليات وغيرها وتنامى دور المنظمات غير الحكومية. لقد بات التدخل إجباريا على الدول عبر المنظمة الدولية أو حتى خارج مظلتها,كما حدث في كوسوفو و تدخل حلف الناتو .بل وتم وضع دول ذات سيادة تحت الإدارة الدولية مثلما حدث في كوسوفو وتيمور الشرقية اللتين وضعتا تحت إدارة دولية انتقالية. عملية التحول الديمقراطي هي عملية معقدة تتداخل في تشكيل مساراتها وتحديد نتائجها جملة من العوامل الداخلية والخارجية التي يتفاوت تأثيرها من حالة إلي أخري. هناك حالات ومستويات متعددة للنظام الديمقراطي الذي يتم الانتقال إليه ، فقد يتحول من نظام تسلطي استبدادي إلي نظام شبة ديمقراطي يأخذ شكل الديمقراطية الانتخابية ، ويمكن أن يتحول من نظام شبة ديمقراطي إلي نظام ديمقراطي ليبرالي أو يكون قريباً منه. وعملية التحول الديمقراطي ، تعني" الانتقال من نظم ذات طبيعة سلطوية أو شبه سلطوية إلي الديمقراطية "، أي تبني عدة سياسات منها " احترام الدستور وسيادة القانون ، ووجود مجلس تشريعي منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً واستقلال القضاء ، وحرية الصحافة والإعلام ، والتعددية السياسية ، كما تبرز الحاجة إلي بلورة صيغ وأطر ومؤسسات دستورية وقانونية وسياسية ملائمة, تحقق أسس ومبادئ تقاسم السلطة، والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان ، وتضمن حسن إدارة التنوع المجتمعي العرقي والديني , مثل توفير أطراً ملائمة لتطور المجتمع المدني، وتحقيق استقلاليته.و هناك تأثيرات سلبية للإنتماءت العرقية والدينية والطائفية علي عملية التحول الديمقراطي والمشاركة السياسية إنما يتطلب التحرك بفاعلية علي طريق بناء ثقافة للعيش المشترك، تستند إلي تكريس أسس ومبادئ المواطنة ، وسيادة القانون ، والعدالة الاجتماعية، وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ، فضلاً عن وضع وتنفيذ استراتيجيات وخطط لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة . و فكرة الإصلاح فكرة قديمة قدم الإنسانية ، حيث وجد في كتابات قدماء المفكرين اليونان من أمثال أفلاطون وأرسطو الكثير من الأفكار الإصلاحية مثل العدالة والقوانين وتنظيم المجتمع والدولة والاستقرار السياسي والتوزيع العادل للثروة وغيرها, ويمكن القول إن فكرة الإصلاح كانت ومازالت الهدف الأسمى للعديد من الفلاسفة والقادة والحركات السياسية والاجتماعية في مختلف أرجاء العالم ، فضلاً عن كونها موضوعاً رئيسياً في النظريات السياسية للفلاسفة والمفكرين منذ أيام ميكافيلي في العصور الوسطى حتى كارل ماركس في القرن العشرين. عملية التحول الديمقراطي هي مرحلة انتقالية ، تجمع خصائص النظام غير الديمقراطي والنظام الديمقراطي ، وفي المرحلة الأولي لهذا التحول تكون الغلبة لخصائص مرحلة ما قبل التحول في حالة ما إذا كان التحول يحدث بشكل متدرج ، وليس من خلال تحول جذري بقلب الأمور رأساً علي عقب ، ويتحول النظام السياسي من نظام غير ديمقراطي إلي نظام ديمقراطي ، وتلك إحدى طرق التحول الديمقراطي. وقد استندت معظم تجارب التحول الديمقراطي التي شهدتها دول أوربا الشرقية علي هذا النمط من التحول ، بينما شهدت دول أخري عملية تحول تدريجي. والتغيير الشامل يبدأ بتغيير القيادة الدكتاتورية ويمتد ليشمل جميع مناحي النظم الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتشريعية والقضائية والدينية ، ومن ثم فإن تغيير القيادة الديكتاتورية أو المتعسفة أو النجاح في تغيير أنماط تفكيرها بما يتناسب مع صالح الدولة أو المؤسسة لا يمثل الهدف النهائي للراغبين في إحداث التغييرات، ولكنه يمثل الخطوة الأولى الفعالة نحو التحولات النوعية الكبرى التي تنتقل بالدولة أو المؤسسات انتقال إلى الأمام. فتغيير القيادة هو خطوة نحو التغيير ، وليس هو الهدف النهائي . حتى نستطيع أن نصل إلى قوانين تساهم في تحول ديمقراطي وعدم الانزلاق إلى نظام سلطوي جديد، فلابد لنا الخروج من هذه الذهنية السلطوية والابتعاد عن رموزها عند صياغة القوانين والالتزام بالمبادئ الديمقراطية في صياغة التشريعات ووضع محددات التحول الديمقراطي من دعم التعددية السياسية والمجتمعية، وإطلاق حرية الرأي والتعبير، وتحفيز حق التنظيم، موضع التنفيذ من خلال هذه التشريعات. وفى حالة عدم قدرة الشعوب المضطهدة على المقاومة ؛ فإنها تلجأ الى الاستعانة بقوة خارجية كالرأي العام أو بلد قوي ، ولكن هذه الطريق في حقيقة الأمر لها انعكاساتها الخطرة ، لأن التدخل الخارجي لن يأتي لتحقيق ما تصبو له الشعوب ، لذا يجب عدم الثقة به .أخطر ما يعاني منه العراق في الوقت الراهن هو أزمة الفراغ السياسي في بلد لم يتعود على مثل هذه الحالات لفترات طويلة حيث اعتاد الشعب على نظام ديكتاتوري شمولي . وطول أزمة الفراغ السياسي منذ 2003 والى يومنا هذا أعطي فرصة لنمو قوة رجالات النظام السابق الطامحة للعودة الى السلطة, و التي كانت تتمتع بالمواقع والخبرة لتمسك بزمام المبادرة وتعيد إنتاج سلطة من بقايا النظام السابق. هذا الاحتمال ليس مستبعداً في المرحلة الانتقالية. وهو عملياً أخذ بالارتسام من خلال اعادة كوادر حزب البعث الى السلطة بعد انخراطهم في صفوف احزاب السلطة. الشيء المهم الآن ولا نقاش في صحته يتركز على أن التغيير حصل ولا مجال لعودة الديكتاتورية . وهذا التطور حاسم في كسر المعادلة الداخلية لكنه ليس كافياً في تأمين الانتقال المرن من مرحلة الاستبداد إلى مرحلة التعدد والتسامح والنمو المستدام. الانتقال الديمقراطي يحتاج الى ارادة والى عمل يرافق هذه الارادة وان تكون هناك توجهات تجري في جو وفضاء المجتمع المدني والاستقلال بالنسبة الى الجهات المنوط بها اجراء تحديث واصلاح وبشكل علمي وجدي. وبعد انهيار الانظمة الشمولية في كل من العراق وتونس وليبيا ومصر وظهور احزاب الاسلام السياسي قليلة الخبرة و المشبعة بالثقافة الثيوقراطية في إدارة شؤون الدولة الحديثة وفي ظل ظروف المرحلة الانتقالية من النظام الديكتاتوري الشمولي إلى النظام الديمقراطي والتي تشهد فيها هذه البلدان والمجتمعات تحولات كمية ونوعية هائلة وسريعة غير مسيطر عليها في بناها التحتية والفوقية ، وتزمتها وبنوع من التطرف والتشدد بخطها الأيديولوجي الذي لا يقبل التعاون والتحاور والتعايش مع الآخر( خاصة الاخوان المسلمين) جعلها تخفق وتفشل في تحقيق أية إنجازات ومكاسب نوعية ملموسة لصالح شعوبها ،وهذا الفشل والإخفاق سوف يجعل الجماهير التي صوتت لها في الانتخابات لأسباب دينية أو مذهبية أو عشائرية أو مناطقية تتخلى عنها وتبحث عن البديل الذي يكون قادرا على تلبية متطلبات حياتها . وفي ظل قيادة قوى الإسلام السياسي الفاشلة لبناء دولة المواطنة والقانون والمؤسسات الدستورية سوف يتم التأسيس لظهور وانبعاث تيار القوى السياسية الديمقراطية الليبرالية لتعمل على توعية الجماهير الرافضة لأي شكل من أشكال الدولة الدينية التي أثبتت عمليا عجزها وفشلها في تحقيق ما تطمح إليه من مرتكزات الحياة الكريمة وتعبئتها باتجاه بناء الدولة المدنية دولة الخدمات التي تحقق العدالة والمساواة لجميع مكونات الشعب على أساس الانتماء الوطني وليس على أي أساس آخر، ومثل هذه القوى سوف تلتقي في رؤاها مع القوى الدولية التي تقود الحرب العالمية على الإرهاب وفق معادلات توازن القوى حول العلاقات الدولية المتوازنة بين الدول لضمان مصالح الجميع.
40
الاستبداد السياسي في العالم العربي د.ماجد احمد الزاملي يمكننا القول بأن فكرة الاستبداد ارتبطت في تطورها بتطور الاوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي شهدها المجتمع الانساني. وشَكَّل الحكم الفردي والحزب الواحد المستأثر بكامل السلطات وثروات البلاد القاسم المشترك بين ألأنظمة الجمهورية في الوطن العربي حتى أصبحت أكثر شمولية من الأنظمة الملكية المطلقة التي تستند في حكمها على انتقال السلطة من الأب الى الابن وسط غياب كل أشكال الحكم الديمقراطي المتعارف عليه. وقد ساهمت الأنظمة العربية في تبديد الكثير من ثروات الأمة العربية وأنفقت أموالاً طائلة في شراء وتكديس اسلحة لن تستعمل إلا لقهر شعوبها، كما ساهم الاستبداد في الوطن العربي في تجذِّر التجزئة والفرقة بين الشعوب العربية وأفرغت مفهوم الوحدة القومية من مضمونه، وجعلت من الوحدة العربية مستحيل تنفيذه، وقد نجحت الأنظمة الاستبدادية السياسية في منطقتنا في تحويل مجتمعاتنا إلى مجتمعات متخلفة سياسياً وفقيرة اجتماعياً واقتصادياً. جميع الأنظمة الحاكمة تقريباً في الشرق الأوسط في العصر الحديث صُنِّفت على أنها أنظمة استبدادية بشكل عام. ومع ذلك، فقد كان لمعظمهم أحزاب سياسية وانتخابات منتظمة وشكل من أشكال الحرية الليبرالية منذ الثمانينات. والدولة هي المؤسسة التي تنازل افراد المجتمع لها عن بعض حقوقهم مقابل الامن وتسيير امورهم وقيادة المجتمع على طريق التطور الاجتماعي الإنساني الصحيح، وإن لم تقم الدولة بهذا الدور، فهي بذلك تصبح فاقدة لمبرر وجودها، ويصبح وجودها باطلا . وهنا يصبح من الضروري طرح السؤال عن كيفية الوصول إلى "حكم صالح"؛ فالحكم الصالح هو الغاية الأساسية المنشودة في حكم المجتمعات وتأسيس الدول. لذلك، وقبل أن يدرك الحكام أنَّ بإمكانهم أن يستمدوا مشروعية سلطتهم من المحكومين أنفسهم ومن إرادتهم الحرة، كان "المقدس" هو مصدر الشرعية الأهم والأوضح الذي لجأ إليه الحاكم وحاول أن يسبغ شيئاً من "قدسيته" على الحكم الزمني، فنشأ ما بات يعرف اليوم بالأنظمة "الثيوقراطية". ومثلما تعني "الديمقراطية" مثلاً "حكم الشعب" في الأصل اليوناني، تتكون كلمة ثيوقراطية من "ثيو" وتعني إله، و"قراط" وتعني الحكم،أي "حكم الإله". "الاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله ,يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية.. لأنه يقف على طرف نقيض من حرية الإنسان ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم، بل إنه يشل طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان، ويرهن سعيه للمجهول، ويجعله أسيرا بيد الجهل والتخلف.. وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يفقد هذا الإنسان حريته لأنه يفقد معها كل شيء جميل في الحياة، إنه يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم، وبالتالي يكون مصيره الموت المحتم أو العيش على هامش الحياة والوجود"(1). التاريخ كما يقول الفيلسوف الألماني كارل ماركس يعيد نفسة في المرة الاولي يظهر كماساة وفي المرة الثانية يظهر كمهزلة لذلك تجد ثقافة الشعوب في عصور الاستبداد تظهر بشكل بائس والاستبداد يتحول الي بنية ثقافية في عصر الرئيس الملهم الي الأحزاب وقادتها الي الاعلام الديماغوجي التعبوي في الكذب والخداع وفي التطبيل والتزمير للقائد الملهم ، القائد الفذ ، القائد الضرورة حيث يختلقون له صفات وخصال ليس فيه والتغني بانجازاتة الوهمية ، وللأسف الأحزاب والقوى الوطنية المنوط بها ان تكون بديل نوعي للحاكم تتحول الي صورة نمطية من حاكمها وتكون في علاقتها مع أعضائها نسخة من الحاكم المستبد ولاتقبل بالراي والراي الاخر ولاتتحمل مجرد الانتقاد لهذا القائد او ذاك خاصة اذا كان سلوكه منحرف مهما كانت مرتبتة التنظيمية وحتي في داخل الاسرة علاقة الاب بابنائة ، علاقة عبودية وقمع للكلمة الحرة وغياب للحس النقدي في كل مناحي الحياة. الاستبداد منذ أن بدأ وهو يلتمس التبرير الديني الشرعي، ولهذا وُجدت في آراء أتباع المذاهب الفقهية ما يبرره, والاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة.إن المساهمة في إدارة الحكم من خلال تسيير الشؤون العامة حق مشترك بين جميع المواطنين، ولا بد أن يقوم وفق أسس من المساواة والعدالة، فلا يجوز الاستبداد به واحتكاره من قبل البعض دون البقية، وعليه فإن الاستبداد السياسي ظاهرة مَرَضَيّة تُصاب بها نظم الحكم، ولم تسلم العديد من النظم السياسية من هذه الظاهرة السلبية التي أصيبت بها ، لكن تبقى ميزة الظاهرة الاستبدادية المعاصرة في استدامتها وصعوبة تفكيكها، إضافة الى ممانعة قيام نسق صالح للحكم ممكّن من التعبير السليم والسلمي عن حقوق واحتياجات جميع أفراد المجتمع ،وممكّن من تحقيق التنمية الإنسانية الشاملة، فهذا الأخير لن يقوم إلا بتفكيك نظم الاستبداد وتبديلها بأخرى منفتحة. لم يظهر مفهوم الاستبداد بشكل مباشر في التجارب الغربية ويعد مفهوم الطغيان من أقدم المفاهيم التي ارتبطت بمفهوم الاستبداد حيث استخدم للاشارة الى انظمة الحكم التي تسرف في استخدام القوة في ادارة السلطة ، والسيطرة السياسية التامة بواسطة حاكم فرد وقد استخدمه ارسطو ليدل به على الوجه الفاسد للحكم الملكي " فالطغيان ملوكية لا موضوع لها الا المنفعة الشخصية". إنَّ دعم القوى الاستعمارية الأجنبية، والتي من مصلحتها بقاء الأمة تحت سلطة الأنظمة الاستبدادية، وهذا الدعم لا يزوغ عنه الفكر، فإن الولايات المتحدة عندما دخلت المنطقة كوريث للاستعمار الانجليزي والفرنسي بدأ دخولها بعد الحرب العالمية الثانية من خلال الانقلابات العسكرية المستبدة في الخمسينيات والستينيات، ثم استمرت في دعم الأنظمة الاستبدادية والوقوف الى جانبها ليومنا هذا . “الاستبداد ظاهرة قديمة ومستمرة في التاريخ وله أشكال وأنواع عديدة، ويمكن تعريفه –بصورة عامة- بأنه الانفراد بالأمر والترفع عن طلب المشورة أو عن قبول النصيحة، حيث ينبغي الطلب أو القبول. فإذا كان الأمر متعلقاً بمصلحة الفرد نفسه فإن الاستبداد يأتي على الأغلب تعبيراً عن غرور المرء بنفسه، أو عن عدم قدرته على الانفتاح والتبادل أو عن إرادته كتم حقيقة عن غيره، وإذا كان الأمر متعلقاً بتدبير مصلحة جماعية معينة فإن الاستبداد يعني التصرف المطلق في شؤون تلك الجماعة بمقتضى المشيئة الخاصة والهوى وفي هذه الحالة لا يبعد معنى الاستبداد عن معاني التعسف والتحكم والاستعباد والسيطرة التامة”. أما الموسوعة السياسية فتربطه بظاهرة الحكم وتعرفه على أنه “كحكم أو كنظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة أفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر لرأي المحكومين”. يسيطر المستبد على السلطة بالقوة أو التحايل، ويسعى بعد استلامه السلطة التخلص من كل الذين ساعدوه بالوصول إلى السلطة، ويحاول افتعال الازمات والحروب للبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة، ويعمل المستبد على تكوين مملكة من التابعين له وينفذون قراراته، ويجبر الأخرين على السمع والطاعة، فليس هناك رأي معارض، ومن يعترض يكون مصيره النفي أو السجن نتيجة تهم وهمية، ويحاول المستبد أن يجعل من فريقه الحكومي، مجموعة من اللصوص والجهلاء، لكي تسهل عليه مهمة السيطرة عليهم، فيملي عليهم ما يريد وأن خالفوه فيكون مصيرهم القتل أو السجن(صدام نموذج صارخ للمستبد الطاغية )، ونتيجة لهذا الظلم الذي يمارسه المستبد ظهر مصطلح اغتيال الطاغية، وقد نادت به بعض النظريات السياسية الإغريقية والرومانية كرد فعل على سوأ استعمال الطغاة والمستبدون لسلطتهم، أما في العالم العربي فقد انقسم العلماء فيما بينهم إلى فريقين، فريق يرى وجوب الصبر والنصح والتقويم للخليفة الظالم، والثاني يرى وجوب الخروج عليه بالقوة واستبداله. ومؤكّد بشكل لا لبس فيه أن مزاعم المستبدّين في أنهم يحكمون باسم الدين باطلة، لأن الإسلام، كدين وشريعة، جاء في الأصل ليهدم دولة الظلم والاستبداد، ويحرّر الشعوب من العبودية لغير الله، وهو في هذا المقام يفصل الشريعة عن مفهوم الاستبداد السياسي الذي صبغ تجربة الحكم بدولة الخلافة في مرحلة ما بعد فترة الخلافة الراشدة، وأن أي توظيفٍ من الحاكم المستبد للأداة الدينية في محاولته لتبرير أو تكريس استبداده أو تغلّبه، أو تسييس النصوص في فهم قاصر لمفهوم طاعة ولي الأمر ونصوص الإمارة والطاعة والصبر في القرآن والسنة، ومحاولة التأصيل لفكر طاعة المتغلّب، وتوظيف الإجماع فيما يخصّ شرعيته واستثمار ذلك كله في بقاء المستبد الجائر، لهو أمرٌ من الواجب في ما يتعلق بتفكيك الاستبداد في تلك الذاكرة التراثية، بما يعني ضرورة مناقشة تفكيك بعض تلك المصطلحات الشرعية، وإعادة تركيبها من مثل أفكار كـ "البيعة"، و"أهل الحل والعقد" و"الشورى" و"الفتنة" و"الخروج". إنَّ إشكالية الفساد وما يترتب عنها من سوء إدارة الثروة وما يتبعه من الفقر وانتشار الجهل بنسب مسببة للعجز في بنية العقل العربي، فجدلية العلاقة بين الفقر والجهل مثبتة إذ عادةً ما ترتبط بالتهميش والضعف ومنه العزوف عن المشاركة السياسية؛استشراء ظاهرة العنف السياسي بمختلف مظاهرها، إذ تراكمت الظواهر السلبية ونتائجها في ظل النظم العربية التي تتحمل مسؤولية إيصال شعوبها إلى هذه المستويات من الانحطاط والتي لم تنجح في تحقيق التقدم خلال عقود طويلة بما يدفع للتفكير أنه ينعدم أي أمل في تحقيق الإصلاح في إطارها وبوجودها، لم يعد هناك بديل من الاعتراف بأن أي إصلاح مهما كان ضعيفاً وجزئياً أصبح يستدعي كشرط ومقدمة له تغييراً في طبيعة الحكم وأساليبه وقواعده وغاياته ورجالاته أيضاً، أي يستدعي التحول من نمط الحكم القائم على الوصاية أو القيادة الطليعية أو الأبوية إلى نمط جديد من الحكم يستند إلى تفويض مباشر وعن طريق انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية من قبل الشعب والخاضع لمراقبة ممثليه ونوابه، غير أن الدولة العربية التسلطية منعت كل فرص التحول الديمقراطي السلمي ما دفعت تحت طائلة الضغط إلى اللجوء لقنوات أخرى للتعبير أخطرها العنف والعنف المضاد. والاستبداد السياسي هو السبب الأول للفساد في بلداننا. فالدول التي سقطت في حرب أهلية كانت قائمة على نظم هشة سمحت بالانهيار السريع. والحروب عموما تجلب التدخلات سواء الإقليمية أو الدولية. ولا يوجد نظام في العالم لا يستفيد من وجود نظام فاسد آخر بجانبه. وهذا ما رأيناه بسقوطهم فيما سُمِيَ بالربيع العربي. حتى جهود إعادة الإعمار بها فساد بسبب تداخل الاستثمارات في القرار السياسي، وغياب القرار الداخلي والقيادات الحقيقية الساعية لإنهاء الصراع. وتؤثر بعض القضايا والمشاكل المشتركة على أداء الدول العربية بشكل عام، فمثلا تعد الوساطة والرشوة والتمييز بأشكاله المختلفة أحد أبرز المشاكل التي تؤسس لعدم العدالة في القطاع العام، سواء في فرص العمل أو الخدمات. ويضطر واحد من بين كل خمسة مواطنين في الدول العربية لدفع رشى مقابل تلقي خدمات أساسية كالصحة والتعليم. والغرب يرى أنَّ الاستبداد قدر منطقتنا ومصيرها المحتوم، حتى أنَّ بعض الفلاسفة والمفكرين الكبار أطلقوا مصطلح "الاستبداد الشرقي" الذي يسطّح قضية عميقة كالاستبداد، ويختزلها بأن منطقة بأكملها محكومة بأن تعيش تحت نير التسلط والقمع والكبت إلى ما لا نهاية. فأرسطو يرى أن الاستبداد "كامن في الشرق لأن شعوبه تميل بطبيعتها إلى الاستبداد"، وهيغل ايضاً يرى أن الحكم الاستبدادي هو "نظام الحكم الطبيعي للشرق"، والأمثلة الأخرى من هذا القبيل عديدة، ويتبناها للأسف كثيرون في الغرب اليوم، ومع ذلك لا يتوانى حكامهم عن دعم أنظمة استبدادية عربية، الأمر الذي يزيد من مشكلة الإنسان العربي ويضاعف معاناته. وقد ساعد احتكار الأنظمة لوسائل الإعلام المسموعة والمرئية في غسل أدمغة الشباب العربي وذلك بسبب الانتشار الواسع للتلفزيون وتنويع برامجه التي كانت كلها تركز على إبراز النزعات الفردية وبالتالي إضعاف الروابط الاجتماعية. وكانت معظم البرامج تركز على تشجيع النشاطات الرياضية والفنية. وقد نجحت وسائل الإعلام هذه في إبعاد المواطن العربي عن التفكير، ناهيك عن المشاركة في الأحداث القومية الجسام التي بدأت تفعل فعلها في الواقع العربي. -------------------------------------------------------- 1-صالح، نبيل علي: الوحدة الإسلامية، السنة الثانية–العدد 18، ص2
41
الحروب الخلل الاجتماعي و تفشي جرائم العنف الجنائي د. ماجد احمد الزاملي لا يمكن التقليص من نسبة الجريمة إلاّ باعتماد سياسة وقائية تذهب إلى جذورها واعتماد سياسة مواجهة أول شروطها استقرار المؤسسة الأمنية وإبعادها عن الصراعات والتجاذبات. وتوفير كل المرافق والمستلزمات التي تُعينها على القيام بدورها ومن ذلك الموارد البشرية الكافية والتدريب والتجهيزات وخاصة الإسناد السياسي والمعنوي. وانعكست مرحلة الانتقال الديمقراطي على رغم نقاط الضوء التي تميزها على صعيد الحريات والتعددية، سلبا على الواقع المجتمعي، حيث ظهرت موجة من الجرائم والبلطجة مع استغلال المجرمين حالة اللااستقرار السياسي والتخبط الحكومي في ترويع الناس. ان محكمة التحقيق المختصة بالتحقيق في جرائم العنف الأسري تطبق القوانين النافذة ومنها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل وقانون رعاية الاحداث رقم (76) لسنة 1983، ذلك لأن المشرع العراقي لم يصدر قانونا للحماية من العنف الاسري، وان التحقيق في جرائم العنف الاسري يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار طبيعة العلاقات الزوجية والأسرية، خصوصا إذا كانت الشكوى مقدمة من قبل الزوجة بحق زوجها، الأمر الذي يتطلب إجراءات قانونية تتناسب مع واقع الحياة الأسرية. إن هذه المبادرة القانونية والإنسانية تدل على اهتمام مجلس القضاء الأعلى بظاهرة العنف الأسري والأسرة سعياً منه للحد من هذه الظاهرة والقضاء عليها بالطرق القانونية والحضارية. المشرع العراقي أقرَّ نصوصاً صارمة على كل من يحاول تفكيك الأسرة او التقليل من قيمتها، ومن هنا نص قانون العقوبات العراقي في المادة (383) فقرة (1) منه على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمئة دينار من عرّض للخطر سواءً بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره او شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو النفسية او العقلية). ولغرض احتواء هذه الكارثة الانسانية التي تهدد المجتمع العراقي عموما ولغرض عدم اتساع آثارها ، لابد من توفيرالاليات المناسبة وتفعيلها باسرع وقت وأن تحضى بالاولوية في وضعها موضع التنفيذ.إن أول هذه الآليات هو تفعيل القانون المختص لملاحقة الجاني وادراك أي شخص سلفا بأن جرائمه تُعتبر من الاعمال التي يعاقب عليها القانون عملاً بالقاعدة الفقهية التي تقضي بأنه( لايُعتَد الجهل بالقانون ). أحد العوامل الرئيسية في صورة الجريمة الخطرة، يرتبط بالإنتشار والإستخدام واسع النطاق للأسلحة ُ غير القانونية. ويُستخدم السلاح لتنفيذ جرائم خطيرة، مثل القتل، والسطو، وابتزاز مال الخاوة، وأيضاً ّ لكسب القوة في إطار الصراعات بين العناصر الإجرامية والنزاعات بين العائلات. إن السهولة التي ُ يمكن من خلالها الحصول على الأسلحة النارية (من خلال السرقة، والسطو، والتهريب من مناطق مجاورة وحتى صناعة ذاتية) وغياب الردع الكافي لإستخدامها، أدى ّ إلى انتشارها واستخدامها بكثرة. وبسبب انعدام الشعور بالأمن الشخصي، أصبح معلوماً ّ أن الأسلحة متوفرة أيضاً َّ لدى المواطنين العاديين، الذين يشعرون بأن عليهم مواجهة النزاعات، أو حماية عائلاتهم ٍ بشكل ّ ذاتي، دون تدخل سلطات إنفاذ القانون. قيم البداوة المتجذرة في المجتمع العراقي، بمفاهيمها الذكورية التي تفضِّل الذكور على الإناث (الإحصاءات تشير إلى أن 50.7% من الفتيات العراقيات يتلقين معاملة غير متساوية مع إخوانهن الذكور في نفس العائلة، وثلث الفتيات بأعمار 10 - 14 سنة يُعنَفنَ جسديًا من إخوانهن و59% من النساء العراقيات يبررن العنف الجسدي) منذ اليوم الأول لولادة الطفل، إلى إعطاء الفرص والصلاحيات للذكور دون الإناث، إلى مفاهيم الشرف و العار. رغم الثروة النفطية الهائلة في العراق، فإن شخصًا واحدًا من بين كل خمسة أشخاص لا يزال يعيش تحت خط الفقر، حيث تشير البحوث إلى أن الفقر هو الوقود المحرك للعنف الأسري، حيث تم تسجيل نسب أعلى بكثير للعنف ضد المرأة والطفل في الأسر الفقيرة. علاج العنف الأسري يحتاج الى مجهود جماعي يبدأ من الاسرة لكي ينعم الطفل بطفولة خالية من التعنيف، ومن أسرة تحترم حقوق أفرادها لا تميِّز الذكور عن الإناث، ومن مؤسسة تربوية تهتم بتربية الطفل قبل تعليمه، وبمنظومة قيم للمجتمع تمكن المرأة من فرص التعليم والإسهام الحقيقي في المجتمع وتنتهي بسلطة تشريعية ترسخ قيم العدل والمساواة وسلطة تنفيذية تضمن الحقوق من الانتهاك. أنّ المثير في ظاهرة العنف ضد الأطفال هو إقدام الأبوين، أو أحدهما، على تعنيف أطفالهما بدلاً من حمايتهم بشكل لم يسبق حدوثه من قبل. فتصاعد العنف ضد الأطفال بصورة مخيفة داخل المجتمع العراقي هو نتيجة للمشاكل الأمنية والاقتصادية والصحية، خصوصاً بعد تفشي فيروس كورونا الذي أجبر الناس على التزام منازلهم وعدم الخروج في فترات الحجر الصحي، ما فاقم من المشاكل الأسرية بشكل لافت وخطير، فكانت للأطفال حصة كبيرة من هذا العنف الذي يؤثر في مستقبلهم ومستقبل البلاد في ظلّ تنشئة أطفال معنفين، خصوصاً أنّ نسبة الذين قتلوا منذ مطلع العام الماضي حتى اليوم لا تقلّ عن طفلين كلّ شهر، بالإضافة إلى جثث الأطفال الرضّع التي وجدت في العراء. الدول الحديثة تعتمد في قدراتها العسكرية على المعلومات الاستخباراتية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والمخابراتية والتي تمتاز في الخطورة والمجازفة من حيث مدى القدرة التي تتناسب وتتفاعل مع القرار السياسي والعسكري على الصعيدين المحلي والدولي، وكذلك تعتمد على تطور المنظومة الاستخباراتية وكفاءة رجالها من خلال قدرتهم الفائقة والسريعة على التحليل والتنسيق وكذلك اعتمادها على مختلف العلوم كعلم النفس الجنائي، والعلوم السياسية، والعلوم الاقتصادية، وعلم النفس الاستخباري، وتفاعل هذه العلوم للمساعدة في تحقيق وتهيئة بيئة أمنية محكمة وسد الثغرات الأمنية ومكافحة التجسس في القوات المسلحة وتحقيق الأمن العام وحماية الوطن. ومع اشتداد الأزمات السياسية في المحيط العربي، وظهور تنظيم داعش الإرهابي، استمر العراق بقوته الأمنية في ضرب الأوكار وإحباط المخططات، والقبض على مئات من المتهمين، وفرض الأمن بالقوة، في تحدٍ أكبر تبرز فيه من فترة لأخرى وزارة الداخلية والدفاع والقوات الرديفة قوتها وكفاءة عناصرها وحسن استراتيجيتها في مواصلة الاستقرار داخل البلد . والعراق قبل عام 2003 فقد أسّس صدام حسين لمركزية أمنية حُدّدت مهامها بالحفاظ على نظام الحكم، وتأدية الأدوار الوظيفية الموكلة إليها من قبل منظومة الأمن الدولية، ولإنجاز ما سبق , ومُنحت المؤسسة الأمنية الموارد والغطاء السياسي والقانوني، أما بنيتها فكانت تقوم على شبكات رسمية-إدارات الأمن-، وأخرى غير رسمية-المخبرين والبيروقراطية الحزبية-تتقاطع جميعها بخضوعها لتوجيهات المركز المتمثل بشخص صدام. وتمكنت المؤسسة الأمنية من التوغّل في المجتمع والتحكم في تفاصيل الحياة العامة للسكان، وأحدث ذلك آثار كارثية في منظومة المجتمع والدولة. مهام الشرطة لا تنحصر في حماية الاشخاص والممتلكات فحسب، بل تشمل اعمالا اخرى تتدخل حينما يتعلق الامر بالأخطار الناجمة عن الازمات مما تستدعي تدخل مختلف المصالح المعنية، وتستلزم تنسيق فيما بينها قصد الحد من الاخطار المترتبة عنها، واعادة الحياه الى طبيعتها العادية. وهذا ما تجسد في تعاملها مع ازمة كورونا مثلا , وبالنظر الى الطابع الفجائي والاستثنائي لهذه الكوارث والازمات فان على مختلف مصالح الامن ان تتوفر على مخططات نموذجية معينة تستوعب جميع المستجدات والمتغيرات الكفيلة باحتواء جميع الحالات الطارئة. إن مواجهة الأزمات والحالات الطارئة سواء بالاستعداد لها أو توقعها أو التعامل معها إذا ما حـدثت يضع على كاهل الشرطة العبء الأكبر فى هذا المجـال لضمان توفير الحماية الشاملة للأفراد والمنشئات و تدبير الازمة، لذلك كان لزاما عليها وضع خطة شاملة توضح مراحل إدارة الأزمات والكوارث – أليات إدارة الأزمات وقت حدوثها- وكذلك وضع خطة شاملة لمواجهة الكوارث والحالات الطارئة التى تنشا عنها. وتدبير مواجهة المخاطر أكثر نحو إدارة الأزمات، وإصلاح وإعادة البناء بعد الأزمة بدل الترقب والوقاية للحد من آثار الكوارث. وتؤثر المشاكل الأمنية والعنف الساسي والحروب والانقلابات والإرهاب والقلاقل والتهديدات الامنية بشكل كبير على الحياة الآمنة ، فالسياحة مثلا صناعة حساسة للأزمات الدولية والإقليمية من حروب وأعمال عنف وإرهاب، مثلما هي حساسة بالجريمة والفساد والأمراض الفتاكة وغيرها من عناصر الأمن الوطني، فالحرب تُعد أمراً مأسوياً بالنسبة إلى السياحة، فالنشاط العسكري يُمكن أن يُدمر البنية التحتية ويشل الاستثمار السياحي، فالحرب الموجودة في العراق ولبنان وسوريا أدت إلى ّإلحاق الضرر الكبير بصناعة السياحة وشلّت حركة الاستثمار الداخلي والخارجي التي كانت مزدهرة في هذه البلدان.
42
التحديات التي تواجه العراق للتحول الديمقراطي د.ماجد احمد الزاملي تختلف عملية التحول الديمقراطي من دولة لأخرى، ولا يمنع ذلك من المقارنة بين الدول على اساس عناصرها المشتركة، ولا توجد طريقة واحدة للإنتقال إلى الديمقراطية، وغالباً ما يؤثر أسلوب الإنتقال على نوعية النظام الديمقراطي الوليد وحدود قدرته على الإستمرار. يحدث التحول الديمقراطي على أرضية اتفاق أو تعاقد يتم التوصل إليه عبر المفاوضات والمساومات بين النخبة الحاكمة وقوى المعارضة، وغالباً ما يأتي ذلك كمحصلة لوجود نوع من التوازن النسبي في ميزان القوى بين الطرفين، فالنخبة الحاكمة تصل إلى قناعة مفادها أنها غير قادرة على الاستمرار في السياسات المغلقة والممارسات القمعية بسبب الضغوط الداخلية والخارجية، وأن كلفة الانفتاح السياسي والانتقال إلى صيغة ما لنظام ديمقراطي ضمن اتفاق مع المعارضة يضمن بعض مصالحها – أي مصالح النخبة الحاكمة – هي أقل من كلفة الاستمرار في السياسات غير الديمقراطية. فهناك قيمًا للديمقراطية، تنَّبَهِ لها المهتمون بعلم السياسة، بعد اختيار الشعب الألماني للحزب النازي بقيادة هتلر، وهو حزب معادٍ للديمقراطية، وتوصلوا إلى أن العامل الرئيسي لهذا الوضع، هو غياب الثقافة السياسية، حيث أنه لا يمكن فرض نظام ديمقراطي، في بيئة تغيب ولا تسود فيها الثقافة السياسية، حيث يصبح من اليسير الانقلاب على هذا النظام دون مقاومة. وانطلاقًا من هذه النتيجة، زاد الاهتمام بالثقافة السياسية، أو القيم السياسة، والمتمثلة في (التعددية، الحرية، والعدل)، والتي تُمثِّل منظومة متكاملة ومرتبطة ببعضها البعض. ويجب وأن يتمتع الدستور بعنصر الفعالية، أي إعماله وتطبيقه في أرض الواقع، واحتوائه على ضمانات تمنع الخروج عن مواده وجوهره، ويمكن ذلك بوضع مواد فوق دستورية تمنع الانقلاب على الدستور ومن ذلك المادة 79 من الدستور الألماني، التي تمنع تغيير المادة الأولى المتصلة بحقوق الإنسان، والمادة 20 المتعلقة بالمبادئ العامة للدولة الألمانية. ويُعَد مبدأ حكم القانون أحد أهم الضمانات للعلاقات الدولية، ومثال ذلك قيام الاتحاد الأوروبي بتحديد مبدأ (دولة القانون) كأحد المعايير الأساسية للتعامل مع الدول النامية في نوفمبر 1991. تتمثل أهم مقومات نجاح عملية الإنتقال الديمقراطي, الحفاظ وترسيخ الوحدة الوطنية دون حدوث صراعات داخلية، التوافق بين الفاعلين السياسيين الرئيسيين على صيغة النظام السياسي المستهدف، مراحل الإنتقال، والترتيبات المؤسسية والإجرائية الملائمة لخصوصيات الدولة، إصلاح أجهزة الدولة لتعزيز قدرتها على القيام بوظائفها فيما يتعلق بإحتكار حق الإستخدام المشروع للقوة، تقديم السلع والخدمات العامة للمواطنين، تحقيق العدالة الإنتقالية، تدعيم دور المجتمع المدني، تعزيز الطلب المجتمعي على الديمقراطية ونشر ثقافتها في المجتمع، وإعادة صياغة العلاقات المدنية-العسكرية، على أن يتم ذلك بشكل تدريجي ومن خلال التفاوض. ان مسعى التحول الديمقراطي في العراق هو هدف ليس من المستحيل تحقيقه، ولكن ليس في المستقبل القريب المنظور، لأن الديمقراطية تتطلب وقت وممارسة، وتوعية ونضج على كافة الأصعدة. ضعف ثقافة المجتمع المدني في العراق، حيث تفتقر معظم المنظمات المدنية الى الخبرة وحسن الإدارة وحتى النزاهة، ناهيك عن غياب الأطر القانونية السليمة التي تنظم نشاطها، وبالتالي فقدان دورها في مسيرة التحول الديمقراطي.على الرغم من فكرة التقادم بالممارسات الديمقراطية وبأنها الوحيدة القادرة على تصحيح مسار بناء النظام السياسي، إلاّ أن تحدي فشل الديمقراطية بات يُهدد التجربة العراقية، فعدم وجود قيادات حقيقة تؤمن بالنظام الديمقراطي وبالممارسات والسلوكيات الديمقراطية جعلت المواطن العراقي يتساءل عن جدوى الانتخابات والنظام الديمقراطي، إذ يمكن القول بوجود حالة من الجزع والتفكير بعدم جدوى الديمقراطية باتت تظهر بصورة واضحة في الرأي العام العراقي، فالعراقيون اتجهوا نحو صناديق الاقتراع للمرة الخامسة منذ 2003، إلا أن مشكلة الانتخابات أنها لا تزال غير قادرة على إنتاج نظام ديمقراطي حقيقي. وهنالك شعور عام يفيد بأنها (أي الانتخابات) لن تنتج تغييرًا يمس حياة المواطن العراقي. أن تحويل اقتصاد البلد إلى نظام ريعي، يجعل يد القوى تتطاول على إبقاء العراق في الفوضى دون الاستقرار ولا ديمقراطية حقيقية من أجل استنزاف النفط من جهة، وكذلك عدم بروز طبقة برجوازية تدفع إلى سياسة جديدة بحكم وضعها الاجتماعي . أن "الشعور بالهوية الاجتماعية، وضرورة تفعيل دور المثقف، وتنشيط مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز قيم الإنسانية والمواطنية، دون الانخراط في العمل الثوري أو الاصلاح بنحو مباشر، هو بالصميم من السياق النظري، الذي يعرفنا على النموذج في اولياته وآلياته، يتيح لبيئة لفكر مرجعي مستقل ليس ذا دلالة ايديولوجية انتقائية . وقيمة العدل تشير إلى تمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم مع ضمان تكافؤ الفرص، بحيث تكون الجدارة هي معيار التمييز بين الأفراد ,وهو ما دفع الديمقراطية عبر التاريخ إلى ان تكون موضع ريبة وشك من قبل النخب، خوفًا على الامتيازات التي يمتعون بها. وترتبط قيمة العدل بمبدأ المواطنة بأبعاده المختلفة، حيث أن النظم الديمقراطية تجعل من مبدأ المواطنة اساسًا لنظام الحكم، والمواطنة تشير إلى الانتماء إلى وطن يتمتع فيه المواطن بوضع قانوني وسياسي معين، مع توفير الاحتياجات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية الأساسية للمواطن، مع الإقرار بمبدأ المساواة السياسية، في المشاركة في المجتمع، وكذلك فإن مبدأ المواطنة له مستويان رئيسيان، المستوى الأول وهو الجانب الإدراكي والذي يرتبط بالتعليم ومؤسسات التنشئة والدافعية والحوافز على المشاركة، أما المستوى الثاني فهو مرتبط بمضامين المواطنة القانونية ( كالمساواة أمام القانون واستقلال القضاء)، السياسية (كالمشاركة في صنع القرارات، وشفافية العملية السياسية)، والاقتصادية ( مثل الحصول على الاحتياجات الرئيسية للإنسان)، والاجتماعية (كالحياة ضمن مجتمع منضبط بجملة من الضوابط الاجتماعية والقيمية والقانونية. يستلزم استمرار وازدهار الديمُقراطية بعض القيم الثقافية المرتبطة بها، مثل المسئولية الفردية، والمشاركة المجتمعية، والتسامح، بل أن استمرار الديمقراطية يستلزم الاعتقاد بأنها النظام الأمثل من قبل النخبة والعامة على حد سواء. وهو ما يرتبط برسوخ قيم الديموقراطية وإجراءاتها باعتبارها البديل الوحيد المتاح، وتفعيل عمل المؤسسات الديموقراطية، وتتعدد مؤشرات هذه المرحلة لكن أكثرها شيوعا تكرر التداول السلمي للسلطة في إطار المؤسسات والترتيبات الانتخابية القائمة على الحرية والنزاهة. وتشهد هذه المراحل صراعات عديدة بين من استفادوا من مناصب فى ظل النظام السلطوى لكنهم اقتنعوا بضرورة احداث تعديلات عليه لاعادة بناء شرعيته بين الناس ، وبين من يرفضون احداث اى تحول ديمقراطى ويدافعون عن بقاء النظام السلطوى، ويحدث هذا الصراع فى ظل الانقسامات داخل النظام القائم، وفى ظل ضغوط دولية لتَبني التحول الديمقراطى مقابل تقديم المساعدة الدولية. ان الطائفية تمثل اكبر خطر للدولة ومؤسساتها ومسيرتها نحو التحول الديمقراطي، و لا يمكن تحقيق المشروع الوطني الديمقراطي في بناء العراق الديمقراطي دون وأد الطائفية وتحجيمها سياسيا تعتبر حرية تكوين الأحزاب السياسية من اهم المستلزمات الضرورية لقيام الديمقراطية، وتعزيز المبادئ السياسية الديمقراطية في الإرتقاء بالمبادئ الأساسية التي تضمن قيام الديمقراطية بعيدا عن المصالح الضيقة لفئة أو جماعة اجتماعية معينة، و بشرط ان تبتعد عن الأهواء والتحزبات المذهبية الضيقة. التدهور الاقتصادي يثقل كاهل المواطنين لأنهم هم من يتحملوا عبء ارتفاع الأسعار والبطالة والديون الخارجية، كما أن التدهور الاقتصادي يهيئ بيئة جيدة لانتشار الفساد وإهدار المال العام وهروب رأس المال الأجنبي وكل الآثار السلبية المترتبة على هذه الأوضاع يتحملها المواطن. تردي الأوضاع الاقتصادية يعجل بالاتجاه نحو مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية في محاولة لامتصاص الغضبة الشعبية، وهذه الإجراءات الإصلاحية تدعم التحول الديمقراطي، فالعلاقة بين التنمية الاقتصادية من ناحية والديمقراطية من ناحية أخرى هي علاقة معقدة، وقد تتفاوت من مكان إلى آخر، وإن كانت هناك مؤشرات على أن النمو المعتمد على آليات السوق يشكل أساساً جوهرياً للديمقراطية. تواجه عملية الدمقرطة في العالم العربي الكثير من التحديات، ويرتبط معظمها بعدم وجود ثقافة أو وعي سياسي حقيقي لدى جموع المواطنين، وعدم وجود رغبة لدة النخب الحاكمة في الكثير من الدول العربية بالسير نحو عملية دمقرطة النظام، هذا بالإضافة إلى الدعم الخارجي من بعض القوى الدولية، الذي أدى إلى ترسيخ أنظمة استبدادية، وذلك مراعاة لمصالحها في المنطقة. يُلاحظ أنه لإقامة ديمُقراطية حقيقية في العالم العربي عامة والعراق خاصة ، يستلزم الدفع نحو توسيع دائرة التوعية بالقضايا السياسية على المستوى المجتمعي، والدفع بمشاركة المجتمع المدني في هذه العملية، وتنشيط دور المعارضة، ودعم المبادئ الليبرالية كطريق نحو إقامة ديمقراطية حقيقية.
43
التداخل السكاني العراقي وأثره على العلاقات الداخلية والخارجية د. ماجد احمد الزاملي مثلما نتحدث في الأقتصاد على الطلب الفعّال ، ونعني به الرغبة في الشراء مقرونة بالقدرة الشرائية فإننا، في السياسة الخارجية نتحدث عن السياسة الخارجية الفعّالة ، ونقصد بها الرغبة في تحقيق هدف خارجي مقروناً بالقدرة على تحقيق الهدف. فالعوامل المؤثرة والمهمة في تحديد السياسة الخارجية للدول ايضاً كذلك ، المحددات الشخصية لصانع القرار في السياسة الخارجية.لأن غالباً ما تنعكس سلوكيات صانعوا القرار على السياسة الخارجية ،وبالتالي يجب التركيز على شخصياتهم،لان العامل القيادي يلعب دوراً مهما في عملية صنع القرار الخارجي،خاصة في دول العالم الثالث ،بحيث أن الرئيس في هذه الدول يُمثل العامل الحاسم في عملية صناعة القرار،وبما أن القرارات الصادرة عن الدولة في النهاية هي من صنع شخص أو مجموعة أشخاص،كان للسمات الشخصية لدى هؤلاء الأشخاص التأثير الكبير على تحديد السياسة الخارجية.ونعني بالسمات الشخصية هي مجموعة الخصائص المرتبطة بالتكوين المعرفي والسلوكي. إنَّ تحديد موقع الهدف من أولويات أهداف السياسية الخارجية ويرتبط بمفهوم صانع السياسة الخارجية لهذا الموقع ، فالمحورية أو هامشية الأهداف ليس حالة مطلقة ولكنها تختلف من دولة إلى وحدة دولية أخرى وبأختلاف النمط العام لسياستها الخارجية ، ومن ثم ّ فإن الأهداف العليا لسياسة خارجية معينة قد تكون هامشية لسياسة دول أخرى ، مثال على ذلك مثالاً على ذلك كان هدف التحدي للشيوعية في العالم من الأهداف العليا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية في الخمسينيات ، ولكنه كان هدفاً ثانوياً للسياسة الخارجية العراقية في الوقت ذاته ، ويعزز أختلاف علوية الأهداف ، وهامشية الأهداف هو أحد مصادر التناقض في السياسات الخارجية للدولة الواحدة يتغير بتغير عنصر الزمن ، فهدف الوحدة العربية كان هدفاً متوسط للسياسة الخارجية المصرية في الخمسينيات لكنه تغيير فيما بعد وأصبح هدفاً هامشياً للسياسة الخارجية المصرية في عقد السبعينات. العلاقات الدولية لم تصبح علماً أكاديمياً إلاّ بعد الحرب العالميـة الأولى عندما وضع كرسي ودر ويلوسون في جامعة ويلز لذلك فان تعريفاتها مازالت حديثة ومتغيرة . وقد استغل العديد من الحكام المستبدين في المنطقة العربية الاختلافات العرقية والدينية والطائفية للمحافظة على حكمهم. وتعود استراتيجية "فرّق تسد" هذه إلى فترة الاستعمار، عندما رفعت السلطات الأوروبية من شأن أقليات اجتماعية لتحكم الأغلبية. ومن الصعب التصديق بأن الحكام المستبدين لن يتراجعوا عن اتفاقات السلام ويلجأوا إلى مثل هذه الاستراتيجيات في المستقبل. وعلاوة على ذلك، فإن افتقار الحكومات العربية عموماً للمسائلة يعني أن مجتمعاتها لا يمكن أن تثق بها في تنفيذ تدابير بناء السلام. ومن ناحية أخرى أدى تطور العلاقات الدولية وتزايد عدد الدول المستقلة إلى اتساع درجة التمثيل الدبلوماسي من جهة وارتفاع نفقات المساهمة في المنظمات الدولية (المتخصصة وغير المتخصصة) والإقليمية من جهة ثانية. السياسة الخارجية تصنع داخل الدولة وهي انعكاس لسياستها الداخلية.أما العلاقات الدولية فهي كما عرفها “مارسيل ميرل”:”كل التدفقات التي تعبر الحدود أو حتى تتطلع نحو عبورها،هي تدفقات يمكن وصفها بالعلاقات الدولية.وتشمل هذه التدفقات بالطبع على العلاقات بين حكومات هذه الدول ولكن أيضا على العلاقات بين الأفراد والمجموعات العامة أو الخاصة،التي تقع على جانبي الحدود_كما تشمل_جميع الأنشطة التقليدية للحكومات:الدبلوماسية، المفاوضات،الحرب…الخ ولكنها تشمل أيضا في الوقت نفسه على تدفقات من طبيعة أخرى_اقتصادية،إيديولوجية،سكانية، رياضية ،ثقافية،سياحية…الخ(1). فالسياسة الخارجية لا تخرج عن إطار سلوكيات الدولة وأنشطتها الخارجية التي تسعى إلى تحقيق أهداف مسطَّرة سواءً كانت أهدافاً قريبة أم بعيدة الأمد ،وتتميز السياسة الخارجية بالطابع الرسمي الذي يُحدد من يقوم بوضع هذه السياسة كما أنها تتميز بالطابع الخارجي والذي يُحدد الجهة التي تُوجَّه إليها السياسة الخارجية والتي دوماً تكون خارج حدود الدولة وتتنوع هذه الجهات وفقاً لتنوع الفواعل في العلاقات الدولية . التحدي البارز الذي يعاني منه العراق هو هشاشة الوضع الداخلي، وبقي تحت حكم ديكتاتوري تسلطي، وبذلك يتمثل بالثورة المعرفية واثار العولمة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ففي عصر العولمة يعاني المواطن في البلدان النامية ضعفاً في القدرة المعرفية، الامر الذي يمثل تحدياً له ولمؤسسات الدولة، فالدول باتت تتحدث بلغة التكنولوجيا، وعلى العراق استقطاب التكنولوجيا المعرفية والنهوض علمياً. العراق يحتاج الى جهود كبيرة نحو وضع برامج تنموية شاملة، الا أنه لم يتم بصورة منهجية ربط التخطيط الوطني بعملية اتخاذ القرارات السياسية: تمت بلورة الأوليات الحكومية والإستراتيجيات التنموية المقترحة في السنوات الماضية بمشاركة او ربط غير كافيين في النهاية بعملية اتخاذ القرار السياسي. وبدون مثل هذا الإلتزام السياسي، تواجه مثل هذه الخطط الوطنية خطراً أن تصبح بيانات نظرية بدلاً من أن تقود الى برامج.وقد أظهرت التجربة الدولية أن الإشراف السياسي والمسائلة أساسيين لتنفيذ السياسة العامة. وبدون مسائلة واضحة من الوزارات عن أدائها، لايمكن ضمان التنفيذ الناجح للأوليات الحكومية. إن ضعف قدرات الوزارة والمحافظات على رصد التقدم المحرز نحو التنفيذ وتقديم تقارير بهذا الشأن، قد ساهم في قلة الإشراف. بدأت الحكومة في تنفيذ التغييرات التي تهدف إلى خلق دولة تكون فيها حقوق الإنسان محمية بشكل أفضل ومطبقة بشكل أكثر متانة من خلال القانون و المؤسسات الديمقراطية. ومع وجود مستويات أعلى من الرؤية لإنتهاكات حقوق الإنسان، هناك حاجة لإخضاع المتورطين في إنتهاكات حقوق الإنسان للمسائلة عن أفعالهم في إطار الآليات القائمة، في حين ينبغي أيضا النظر في وضع تدابير إضافية. إضافة إلى ذلك ، فإن منظمات المجتمع المدني تلعب دوراً متزايداً في مجال المناصرة والدعم، ووسائل الإعلام تسعى جاهدة للترويج للإستقلالية والمهنية. الدولة العراقية دولة ريعية، وتنتج الدولة الريعية حكومات استبدادية لأنها تُمول نفسها من عائدات النفط مما يجعلها في غنى عن الاعتماد على ما يدفعه المواطنون من ضرائب، ويعني ذلك بقائها بناءً فوقياً لا يحتاج الى دعم المواطنين بوصفهم مصدر الشرعية فيتحرر النظام السياسي من رقابة المجتمع وآليات المحاسبة، وتوظف الموارد والثروة في بناء الاجهزة الامنية القمعية لترسيخ حكم الفرد وإدامة وجود النظام السياسي على حساب التنمية الاجتماعية السياسية الاقتصادية، وتتحول الدولة الى دولة الحاكم صاحب العطايا والمكرمات وهي دولة الاستبداد والبطالة والفقر على عكس حال الدولة التي تقوم بمهامها ووظائفها في حماية المجتمع وتقديم الخدمات مقابل الضريبة التي يدفعها المواطنون وولائهم لها واحترامهم لقوانينها وقراراتها، ولهذه الدولة القدرة على تنمية المواطنة التي يتحقق من خلالها التماهي بين الدولة والمجتمع. تتضح من خلال بعض العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع الإنفاق العام. وأهم تلك العوامل انتشار المبادئ الديمقراطية وزيادة نفقات التمثيل الخارجي. فترتب على اتساع المبادئ والنظم الديمقراطية اهتمام الدولة بحالة الطبقات الكادحة والقيام بالكثير من الخدمات الضرورية لها، فضلاً عن أن التعددية الحزبية تدفع عادة بالحزب الحاكم إلى الإكثار من المشروعات الاجتماعية أرضاءً للناخبين، وإلى الإفراط في تعيين الموظفين مكافأة لأنصاره، الأمر الذي يسهم في زيادة النفقات العامة. كذلك يؤدي رسوخ مبدأ مسؤولية الدولة أمام القضاء إلى تنامي الإنفاق الحكومي لمواجهة ما يحكم به على الدولة من تعويض للأفراد جراء ما يلحقهم من ضرر نتيجة للقيام بالأعمال العامة. إن المتتبع لحركة الإنفاق العام في العراق وبخاصة خلال العقدين الأخيرين، يلاحظ ارتفاعاً مهماً في الأرقام عبر السنوات، ولكن في حقيقة الأمر هي زيادة ظاهرية في غالبيتها، والسبب الرئيس وراء ذلك هو معدلات التضخم العالية التي شهدها البلد. بحيث كان معظم زيادة الإنفاق العام لمواجهة الارتفاع في المستوى العام للأسعار، لم يصب في تحقيق المنفعة العامة للمجتمع , لعدم وجود سلطة إشراف شرعية وإطار تنظيمي للإجراءات المتعلقة بالإنفاق في العراق. لقد تضافرت عوامل الانهيار السريع للنظام السياسي السابق بعد الاحتلال الامريكي عام 2003، وانعدام الامن، وحضور الثقافة السياسية التقليدية في عقلية الفرد والمجتمع وادت الى تفتيت المجتمع وتحوله الى قطاعات تمسكت بالانتماءآت التقليدية الاولية بحثاً عن الحماية والامن، وتصاعد الدور السياسي للمكونات الاجتماعية التي اصبحت جزءاً من معادلة توازن القوى على الساحة السياسية العراقية، وعملت سلطة الاحتلال على تفتيت المجتمع من خلال التأكيد على المكونات ونظام المحاصصة الطائفية والعرقية التي جسدها تشكيل مجلس الحكم وقانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004( 2) مما أثر سلباً على الولاء للدولة وتحولت الاحزاب السياسية الى امتدادات للتكوينات الاجتماعية، وضعفت قدرتها على الاستقطاب الافقي للمواطنين فضلاً عن عجزها عن تبني اطر فكرية وبرامج سياسية وطنية تسمو على الانتماءات الفرعية التقليدية فبرزت المسألة الطائفية في الثقافة السياسية للمجتمع وساعد على بروزها التعددية القومية والدينية والمذهبية للمجتمع العراقي وانعكس هذا الواقع على النواحي السياسية والاجتماعية والفكرية للمجتمع ولحق ضرراً كبيراً بالوحدة الوطنية والفكرية للمجتمع(3). لقد احدث الاحتلال الامريكي للعراق تغييراً غير موجه عندما تم اسقاط النظام السياسي وازاحة طبقة سياسية، واحلال اخرى محلها ووقعت تحولات في البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الممكن تحويل هذا التغيير غير الموجه الى تغيير موجه ومخطط له عبر تغيير نمط الثقافة التقليدية السائدة من خلال اضطلاع النظام السياسي بهذه المهمة بتوافقه واتفاقه مع المؤسسات المعنية بالتنشئة الاجتماعية السياسية على هدف مشترك هو خلق الفرد والمجتمع الوطني المتماسك الواعي لحقوقه وواجباته والقادرعلى اداء دوره الاجتماعي السياسي، وبدون وجود هذه النوعية المتفاعلة والمتكاملة والمندمجة من الافراد التي تُشكِّل المجتمع لن يتحقق هدف بناء الدولة العراقية العصرية الموحدة القادرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية الان وفي المستقبل اذ يمكن صياغة افضل الدساتير، ووضع الاسس والقواعد النظرية لأفضل المؤسسات، وتشريع اكثر القوانين عدالة. الاهمية الجيوستراتيجية لموقع العراق الجغرافي تُحتِّم على القائمين على السلطة توخي الحكمة والتأني في السلوك السياسي الداخلي والخارجي، وتبني القرارات على وفق رؤية واقعية وحسابات تُجنِّب البلد المخاطر، وقد ادى التهور وعدم الإتزان والإندفاع اللاعقلاني الى إدخال العراق في ازمات ومشكلات داخلية وخارجية الحقت اضراراً كبيرة بحاضر الدولة ومستقبلها، ويجب توظيف اهمية موقع العراق في تعزيز مكانته ودوره الاقليمي والدولي . ------------------------------------- 1-مصباح عامر ،الاتجاهات النظرية في تحليل العلاقات الدولية.الجزائر:ديوان المطبوعات الجامعية،2006. 2-محمد سالم احمد الكواز، العلاقات الايرانية ــ السعودية (1979-2001) : دراسة سياسية، مركز الدراسات الاقليمية، جامعة الموصل، 2007، ص280-281. مثلت النفوذ الشرق اوسطي: السعودية، تركيا، ايران، شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)3-- File://c/documents and settings/user/desktop
44
الضمانات الإجرائية التي أرساها القانون الدولي الجنائي د. ماجد احمد الزاملي من بين الضمانات الإجرائية التي أرساها القانون الدولي الجنائي لتمكين ضحايا الجرائم الدولية من استيفاء حقوقهم تكريس مجموعة من المبادئ والقواعد الإجرائية المتعلقة بصفة خاصة بالمتهم الذي ارتكب الجريمة أو الجرائم الدولية محل المتابعة ، والتي بتفعيلها يضمن مسائلة مرتكبي الجرائم الدولية وعدم إفلاتهم من العقاب ، و في الوقت نفسه ضمان استيفاء حقوق الضحايا كتحصيل لانعقاد المحاكمة التي لطالما عرقلها عدم تفعيل بعض القواعد الإجرائية . و من أبرز هذه المبادئ و القواعد الإجرائية التي حرص القانون الدولي الجنائي على تجسيدها كضمانات مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية ، مبدأ عدم جواز العفو عن مرتكبي الجرائم الدولية ، مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية لمرتكبي الجرائم الدولية ، مبدأ سيادة الضمير على واجب الطاعة لأوامر الرؤساء ، و مبدأ التعاون الدولي في تعقب و اعتقال و تسليم و محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ، حيث أصبح من غير المقبول أن يسمح لمرتكبي الجرائم الدولية أن يتذرعوا بالتقادم أو العفو أو الصفة الرسمية أو أمر الرئيس الأعلى أو سيادة الدولة لتفادي تحمل المسؤولية الجنائية عن تلك الجرائم الدولية ، و ذلك لكونها عقبات تحول دون إجراء المحاكمة التي يستفيد منها ضحايا الجرائم الدولية في استيفاء حقوقهم . و إضافة لذلك حرص القانون الدولي الجنائي على تكريس مبدأ التعاون الدولي الإجرائي ، حيث أثبتت الممارسة العملية الحاجة الملحة و الماسة إلى إيجاد آليات فعالة لتعزيز التعاون الدولي من أجل ضمان تطبيق أحكام القانون الدولي الجنائي فيما يتعلق بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية و تمكين ضحايا هذه الجرائم من استيفاء حقوقهم و من أهم المجالات التي يرتكز حولها التعاون الدولي في هذا الإطار تعقب و اعتقال و تسليم و معاقبة مرتكبي تلك الجرائم و عدم منحهم حق اللجوء ، إضافة للتعاون في مجال التحقيق و الاعتراف بأحكام و قرارات أجهزة العدالة الجنائية الدولية و التعاون في تنفيذ العقوبات الصادرة عنها ، و قد عزز القانون الدولي الجنائي مجال التعاون الدولي أكثر من خلال منح مجلس الأمن دورا فعالا في ضمان الامتثال لطلبات التعاون مما يعزز احتمالات استيفاء ضحايا الجرائم الدولية حقوقهم . و رغم ما يحمله التقدم المحرز على المستويين الوطني والدولي من إيجابيات في مسعى الاعتراف بمركز قانوني لضحايا الجرائم الدولية يضمن لهم مجالا أوسع للمشاركة في مختلف مراحل الدعوى القضائية ، إلا أن ذلك قد يكون غير كاف في حالات معينة من أجل تحقيق الغاية الأساسية المتمثلة في ضمان استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . فقد لا يكفي في بعض الأحيان الاعتراف بحق الضحايا في تقديم المعلومات بخصوص ارتكاب جرائم دولية معينة لحصولهم على العدالة رغم أهمية هذا الحق في إثارة انتباه الجهات المكلفة بفتح التحقيق و اتخاذ قرار المتابعة ، كما قد لا يفي بالغرض نفسه الاعتراف بحقوق ضحايا الجرائم الدولية في المشاركة في الإجراءات أو الحق في الحماية و رد الحقوق و جبر الضرر و غيرها من الحقوق التي قد لا تجد طريقا لتجسيدها ، و السبب في ذلك مجموعة من العقبات و الثغرات القانونية في القانون الدولي الجنائي تحول دون إجراء المحاكمة التي يستفيد منها الضحايا . إن بعض الثغرات في نصوص القانون الدولي الجنائي تم استغلالها بسوء نية لتصبح رخصة للإفلات من العقاب أمام القضاء الجنائي الدولي و تحول دون مباشرة القضاء الجنائي الدولي لوظيفته التكاملية المتمثلة في انعقاد الاختصاص للقضاء الجنائي الدولي لمحاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية و تمكين ضحايا هذه الأخيرة من استيفاء حقوقهم عندما لا يستطيع القضاء الوطني للدول القيام بتلك المحاكمات أو لا يرغب فيها ، و قد أصبحت تلك الثغرات والنقص بعد استغلالها من طرف الدول الرافضة للعدالة الجنائية الدولية بمثابة العقبات في وجه تنفيذ طلبات التعاون التي يصدرها القضاء الجنائي الدولي. وتيسيرا لحسن تطبيق مبدأ التكامل في الاختصاص ضبط القانون الدولي الجنائي بعض المسائل المرتبطة به و ذلك من خلال إقرار بعض المبادئ و القواعد الجنائية ، و من بين هذه المبادئ والقواعد مبدأ عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين ، و مبدأ التطبيق الوطني للعقوبات ، و مبدأ انعقاد مسؤولية الرؤساء و المرؤوسين ، و مبدأ المساواة في العقوبة لكل المساهمين في ارتكاب الجرائم الدولية ، مما جعلها تتلائم و تدعم تطبيق مبدأ التكامل في الاختصاص بدل أن تكون عقبة في وجه تطبيقه. و لم يقتصر تعزيز القانون الدولي الجنائي لمسار استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية على الضمانات في مجال الاختصاص ، بل تعداها إلى تجسيد و ترسيخ الضمانات في المجال الإجرائي ، و التي تتمثل أساسا في تفعيل آليات تحريك الدعوى ، ذلك أن الجرائم الدولية من الخطورة بمكان ، مما ينبغي معها أن يكون تحريك الدعوى غير محصور بجهة معينة ، فكان من الضروري عدم حصر هذا الحق و احتكاره في جهة محددة قد تتعسف في استعماله مع ما يترتب عن ذلك من تقويض للجهود الدولية لاستيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية. و هكذا فقد تعددت جهات تحريك الدعوى ، فشملت إلى جانب الدول كلا من المدعي العام و مجلس الأمن مع منح المدعي العام استقلالية و صلاحيات واسعة لتأمين مرجع فعال يطالب بحقوق الضحايا و يحول دون تقويض العدالة الجنائية الدولية عند امتناع مجلس الأمن أو الدول عن التحرك لأسباب سياسية ، و هذه السلطات الواسعة و الاستقلالية التي يتمتع بها المدعي العام بلغت درجة الإشراف و الرقابة على نظام الإدعاء الجنائي الوطني ، و هو ما يعتبر ضمانة أخرى مهمة لصالح استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . إن إشراك مجلس الأمن في آلية تحريك الدعوى أمام القضاء الدولي الجنائي عن طريق منحه حق الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية - و إن كان هذا يمنحه أيضا سلطة " الفيتو " على اختصاص القضاء الجنائي الدولي ضمن حدود الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة - يوسع من جهة أخرى نطاق الملاحقة أمام القضاء الجنائي الدولي ، و ذلك بتحرير هذه الأخيرة من صلات الإقليم و الجنسية بالنسبة لمرتكبي الجرائم الدولية أو الانضمام و القبول بالنسبة للدول في علاقتها مع اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية . كما سعى القانون الدولي الجنائي إلى تفعيل الضمانات الإجرائية التي تكفل استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية ، و من بين هذه الضمانات الإجرائية استبعاد استيفاء الشروط المسبقة في حالة قيام مجلس الأمن بالإحالة ، حيث اعتبر مجلس الأمن المصدر الأكثر ثقة ، و عليه فلا يترتب إبلاغ الدول المعنية بالجرائم الدولية المرتكبة و لا يصار إلى استصدار إذن بالتحقيق ، بل تتبع إجراءات مستعجلة تقتضي البدء بالتحقيق مباشرة و من دون أي تدابير تمهيدية قد تكون عائقا ، و هو ما تجسد في قرار مجلس الأمن رقم 1973 الخاص بإحالة قضية الجرائم الدولية التي ارتكبها نظام " العقيد القذافي " ضد المدنيين الليبيين إلى القضاء الجنائي الدولي . ------------------------------------------------- 1-إن النظامين الأساسيين لكل من المحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة و رواندا لم يمنحا ضحايا الجرائم الدولية التي وقعت في البلدين أيــة إمكانية للتدخل بصفة أخرى بخلاف صفة الشهود ، و هو ما يمثل تراجعا كبيرا ، خصوصا و أن الضحايا و أسرهم و المنظمات المدافعة عن حقوقهم يستطيعون الإدعاء بحقوقهم المدنية و حتى مقاضاة الدولة مدنيا أمام المحاكم الوطنية وفقا لقوانين هذين البلدين ، في حين لا يسمح لهم بذلك أمام هاتين المحكمتين ، و قد أقرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا هذه المشكلة ، و حاولت التخفيف من آثارها السلبية ، فأجرت تعديلا على قواعد الإجراءات و قواعد الإثبات الخاصة التي منحت بموجبه لممثلي بعض جمعيات الضحايا باعتبارهم " أصدقاء للمحكمة " الحق في المثول أمامها و السماح لها بتقديـم بيانات أو مذكرات بشأن أية مسألة تحددها دائرة المحاكمة ، و مصطلح " صديق المحكمة " تم استخدامه في القاعدة 74 و103من القواعد الإجرائية و قواعد الإثبات للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة و رواندا و للمحكمة الجنائية الدولية على التوالي ، و قد شمل أيضا الأشخاص المعنوية حيث استعانت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بحكومة بلجيكا في قضية " المدعي العام ضد "برنار نتوياهاغا " و رابطة الاهتمامات الإفريقية بهذه الصفة.
45
لا يوجد اتفاق على تعريف العلمانية والدولة العلمانية فهناك اختلافات بين النظرية والواقع العملي د. ماجد احمد الزاملي تشكيل الدول القومية قام على خطاب ومفردات علمانية أكثر منها دينية، حيث سعت هذه الدول إلى تحرير مجتمعاتها من التحالفات الدينية، وإلى تكريس الولاء للمجتمع السياسي المدني (العلماني) وللدولة، وليس للمؤسسة الدينية. واعتماداً على التاريخ والثقاقة السياسية لتلك الدول، فإن نشأة الدول القومية قدَّم نماذج مختلفة لعلاقة الدولة بالدين والترتيبات القانونية المتعلقة بإدارة الشئون الدينية. أن النموذج العلماني كان غربيا بامتياز ومناسبا لبيئته وحضارته وتطورها أما في العالم العربي والإسلامي فالأمر مختلف . إن مسار المجتمعات الغربية الطويل إلى العلمانية قد استغرق أكثر من تسعة عشر قرناً. وانتهت تلك المجتمعات إلى علمانية ليبرالية أصبحت فيها الدولة لا طائفية، غير معادية للدين، غير خاضعة له، غير منحازة لطائفة على حساب الأخرى، بل واقفة على الحياد، ضامنة لجميع مواطنيها الحرية الدينية معتقداً وتعبيراً. إلى هذا كله فإن الطائفية موجودة في تلك المجتمعات، تظهر حيناً وتختفي احياناً، تتقنّع تارة وطوراً تنزع قناعها، تتّخذ أشكالاً محدثة ظاهرها علماني وباطنها طائفي. وهكذا فإن العلمانية لم تصل بعد إلى نضجها الكامل,تلبس ثياب العلماني الليبرالي الديمقراطي وتتصرّف بذهنية الذي يدافع دفاعاً قويا عن الكنيسة . تنادي بحيادها الإيجابي تجاه الدين ـ أي دين ـ ولا تلبث أن تتحول للدفاع عن دين اخر. وقد ساهمت الثورات الإنجليزية (1688م) والأمريكية (1776م) والفرنسية (1789) في ترسيخ أهمّ المباديء التي تميز الدولة العلمانية الحديثة وهي حرية الأديان، المواطنة، فصل الدين عن الدولة واستخدام المنهج العقلي في سن التشريعات بالإضافة إلى التقاليد القانونيّة التي ورثها المجتمع. ويشير مبدأ حرية الأديان إلى حق الأفراد والمؤسسات الدينية بحرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية دون أي قيود من قِبل الدولة. ويقصد بمفهوم المواطنة ما نصت عليه المادة السادسة من إعلان حقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية الوطنية الفرنسية في 1789م بقولها: "...يتمتع كل المواطنين بالمساواة في نظر القانون الأمر الذي يؤهلهم لتولي كل المناصب السامية وكل الوظائف والمهن العامة بدون أي تمييز عدا ما يتعلق بفضائلهم ومواهبهم". الدولة العلمانية التي تحترم حرية وحقوق الإنسان وتتعامل مع مبدأ المواطنة بغير تمييز بسبب الدين أو اللون أو الرأي ... الخ في إطار من القيم الأخلاقية والديمقراطية التي تضمن آلية لتداول السلطة بمشاركة شعبية ، الدولة العلمانية والدولة المدنية هما شيء واحد، قوامها القانون الوضعى وعدم التمييز بين المواطنين. وهى بذلك تكون الدولة التى تستجيب لشروط العصر وتستطيع الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية فى الحقوق، والتى تجد الدول نفسها مضطرة للموافقة عليها تحت ضغط تقدم مسيرة البشر للحصول على حرياتهم. والدوله العلمانيه, هى دوله تفصل الدين عن الدوله فى هويه الحاكم حيث لايشترط دين معين فى هويته و فى الحياه المجتمعيه وفى كل شيء ويكون التعامل على اساس القوانين الانسانيه حتى فى المحاكم .وتصلح للدول التى فيها الكثير من الاعراق والاديان. وفي الإستخدام الشائع لهذا المصطلح نجده يدل على معنى الدولة العلمانية التي تستبعد الدين من مسائل المرجعية والأطر الفكرية بكل نواحيها ويفضل البعض إستخدام هذا المصطلح (أي الدولة المدنية) بدلاً من مصطلح الدولة العلمانية لأن الأخير مازال محاطاً بالكثير من الشكوك والريب في سائر الأوساط الإسلامية على ضوء تجارب حكم علمانية كثيرة ومشهورة , عرفها العالم الإسلامي من التوجه الأتاتوركي إلى التجارب الإشتراكية والقوية ثم أخيراً إلى التجارب المسماة بالليبرالية البراجماتية الرأسمالية التي أصبحت الآن تعم كافة أنحاء العالم الإسلامي بفضل السيطرة الأمريكية. رغم انتشار العلمانية دوليّاً، فإن هذا المفهوم يجد عراقيل لا حدّ لها في مجتمعاتنا العربية، تنذر بصعوبةٍ هائلة ستواجه عَلمنَة الدولهِ المدنية المنشودة. تعريف العلمانية والدولة العلمانية ليس عليه اتفاق فهناك تعريفات كثيرة سواءً من الناحية النظرية أو من حيث الواقع العملي والعلمانيون هم الرجال المدنيون في التعريف الكنسي في مقابل رجال الدين من القساوسة والرهبان ,فلهذا عُرفت الدولة العلمانية على أنها النموذج المقابل للدولة الدينية بالمفهوم الكنسي الذي ساد في العصور الوسطى واستعمل البعض كلمة العلمانية على أنها فصل الدين عن الدولة أو فصل الكنيسة عن الدولة ، وهناك أيضا دول شبه علمانية، وهي الدول اللاتينية في جنوب أوربا: البرتغال، إسبانيا، بريطانيا، فحتى الأمس القريب كانت الكاثوليكية لا تزال هي الديانة السائدة أو الرسمية في هذه الدول. فدستور البرتغال لعام 1951 ينص على أن الكاثوليكية هي "دين الأمة البرتغالية" ويقر لها بمعاملة خاصة. لعلّ أبرز مناهضي هذا المفهوم هم الظلاميون الذين يمارسون تجاهه تضليلاتٍ. يرافقهم بالطبع الطغاة العرب الذين يتدخّلون بضراوة في شؤون الدين ويستخدمون الفقيه لخدمتهم للسيطرة على أبناء شعوبهم. وغالى البعض في تعريف العلمانية على أنها النموذج المضاد للدين والتدين ، كما عرفها البعض على أنها الموقف المحايد من الدين وجرت تطبيقات مختلفة للدولة العلمانية في الغرب المسيحي فلا يمكن أن نقول أن الدولة العلمانية في فرنسا مثلها مثل الدولة العلمانية في ألمانيا ولا كذلك مثل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الأمريكية ، وهكذا فكل هذه الدول تسمى علمانية ومع هذا تعدد نموذج الدول وأختلف من مكان إلى آخر والجدل حول كلمة علمانية أو الدولة العلمانية لم يحسم إلى تعريف واحد ومحدد ، وظل النموذج المطبق لهذا العنوان هو نموذج غربي بامتياز والدول العربية والإسلامية التي حاولت أن تطبق هذا النموذج كانت أشبه بالمسخ لأنها بالرغم من المحاولات الدؤوبة لجعلها علمانية وفق النموذج الغربي " كتركيا " مثلا اصطدمت دائما مع القيم الإسلامية المتجذرة في الشعب ، تأسست تركيا الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، التى كانت دولة إسلامية تتعدد فيها الثقافات والديانات والبنى الاجتماعية واللغوية، وتمكنت الإمبراطورية العثمانية من حكم مثل هذا التعدد والتنوع من خلال طرق ووسائل ووكالات مختلفة حتى ظهورالدول القومية. وأدى انحلال الإمبراطورية العثمانية إلى ظهور بلدان قومية فى منطقة البلقان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهى المناطق التى كانت تحكمها الإمبراطورية لعدة قرون. تعتبر تركيا البلد الإسلامي الوحيد الذي أعلن علمانية دولته رسميًا منذ البداية، وفصل الدين عن الدولة منذ لحظة التأسيس ، وطوّر ايديولوجية علمانية صريحة ومتماسكة بتطبيقات عملية فعالة على الطريقة الفرنسية. وتعتبر الجمهورية التركية الحديثة إحدى الدول القومية الأساسية التي خلفت الإمبراطورية العثمانية، وبحكم طبيعة الدولة القومية كنظام حديث للمؤسسات السياسية ، فإن هذه الدول حافظت على مسافة مع ماضيها القريب، بهدف خلق مجتمعات سياسية متجانسة، وشعور بالولاء للأمة يقوم على قاعدة الهوية المشتركة والثقافة والميراث المشترك. بدأ عصر النهضة بالثورة الفكرية داخل الكنيسة من خلال الإصلاح الذي قاده مارتن لوثر بدءًا من عام 1516 منشئًا بذلك المذهب البروتستانتي كنقيض للبدع التي كانت تروجها الكنيسة. وأدى نشوء البروتستانية إلى نشوء توجهات كاثوليكية أخرى للإصلاح برزت متأخرة. وترافق هذا الإصلاح الديني مع الثورة الفكرية التي دعت إلى رفض التقليد وإعمال سلطة العقل وتطوير المعرفة. ومع انبثاق الثورة العلمية واكتشافاتها مثل اكتشاف كروية الأرض – نقيضًا لفكرة الكنيسة التي كانت تقول بأن الأرض منبسطة–، والطباعة، والجاذبية، والهاتف، والآلة التجارية وغيرها من الاكتشافات المبكرة، نشأت أيضًا الثورة الصناعية معتمدة على منتجات الثورة العلمية، وبهذا كله انفتح عهد جديد قوض كلاً من نظام الاقطاع وسلطة الكنيسة. مع هذا التحول نشأت فكرة المواطنة المتساوية، وأزيلت القنانة، وبدأت المرأة بالخروج من أجل المشاركة في الحيز العام الذي أصبح يتسع للجميع بعد أن كان محصورًا على النبلاء ورجال الكنيسة. وفي إطار ذلك طرحت فكرة انتخاب الحاكم والاقتراع العام منذ القرن التاسع عشر، وبالتالي نشأ نظام مدني ينتخب المواطنون القائمين عليه بشكل حر ويتابعونهم لوضع قوانين تتناسب مع فكرة "العقد الاجتماعي" التي ظهرت في ذلك الحين كفكرة تعبر عن الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطنين وبين الدولة وفقًا للعقد الاجتماعي بين الطرفين، مما ألغى استبداد الدولة وتعسفها وعلاقاتها ذات الطابع الأحادي بالرعايا كما كان عليه الحال من حيث علاقة الملوك برعاياهم في فترة ما قبل عصر النهضة.ويعني مبدأ فصل الدين عن الدولة إلغاء الكنيسة الرسميّة التي تؤسسها الدولة بمقتضى القانون. و نتيجة لأن الدولة تجبر الناس علي المحافظة علي مظاهر الممارسة الدينية, بغض النظر عن معتقداتهم الحقيقية, الدولة العلمانية أو المدنية ، تسعى للحفاظ على وحدة الدولة مهما تعددت أديان المواطنين ومرجعياتهم الثقافية. والفيلسوف الانكليزي جون لوك الذي عاش في القرن السابع عشر يقول أن وظيفة الدولة هي مساواة المواطنين ببعضهم، بغض النظر عن أديانهم، و هي أصلاً موجودة لرعاية مصالح المواطنين في الدولة . أما الدين، كما يقول أتباعه، فهو يسعى إلى خلاص النفوس في الآخرة. إذاً فالدولة بكل قوتها و سلاحها و جيشها، لا تستطيع أن تضمن لمواطنيها الجنة ، و بالتالي ليس من حقها أن تجبر المواطنين على الصلاة و اتباع الدين، وقد وضع جون لوك العلمانية لكي ينقذ الدين من التلاعب فيه من قبل السياسيين و تجار الدين، و كان يرى أن انحياز الدولة لدين معين، يشجع الناس على النفاق و التدين الشكلي، ناهيكم عن العنصرية بحق بقية المواطنين المتدينين و اللادينيين، حينها لن نجد شيئاً اسمه " تعايش " بين أبناء الوطن الواحد. وقد تبنت إسبانيا عام 1978 دستورا حديثا يضمن الحرية الدينية للأفراد ولكنه يؤكد في الوقت نفسه على وجود علاقات تعاون بين الدولة والطوائف، ولا سيما الكاثوليكية. وتعمم إسبانيا التعليم الديني في المدارس وتسمح بوجود مرشدين روحيين في الثكنات والمستشفيات والسجون، وتبيح لمواطنيها أن يقتطعوا نصفا في المائة من ضرائبهم ليقدموه على شكل عشر للكنيسة. أما في إيطاليا التي لها وضع خاص بحكم كونها مركز البابوية، فإن الدولة تعترف رسميا بأن مبادئ الكاثوليكية تمثل جزءاً من التراث التاريخي للشعب الإيطالي ، وتقر بمشروعية الزواج الديني وتسمح بالتعليم الديني في المدارس العمومية على نفقة التلاميذ وأهاليهم. ومن هنا فالعلمانية لا تعادى الدين، هى فقط تمنع استخدام الدولة له لتبرير سياساتها، وهى تكفل لجميع المواطنين، على اختلاف أديانهم، حرية العبادة، ولهذا فهى المبدأ الذى يتمسك به أفراد الجاليات المسلمة فى أوروبا للدفاع عن حقوقهم فى المواطنة الكاملة وفى أداء شعائرهم الدينية، وهي دائما ما تكون موضوعاً لعداء من يريد أن يتسلط على الناس ويسلبهم حرياتهم باسم الدين، وهذا يفسر الهجوم الذى لاقته ومازالت تلاقيه من تيارات الإسلام السياسى. ما قبل عصر النهضة عاشت أوروبا تحت سيطرة النظام الإقطاعي، حيث لم تكن هنالك مواطنة متساوية بين الاقطاعيين والأقنان المرتبطين بالأرض، وشكل الاقطاعيون/النبلاء طبقة المواطنين الأحرار التي كانت تحيط بالملوك، وكان الملوك على تناقض مع الكنيسة التي كانت تلعب دور سلطة دينية ودنيوية في آن معًا، كونها هي ذاتها قد مثلت مؤسسة اقطاعية أيضًا. وفي إطار كهذا اقتصر الحيز العام على النبلاء والملوك والكنيسة، وغاب عنه الأقنان والنساء كفئتين تم التعامل معهما على انهما من الدرجة الثانية . وإن كان لا سبيل للعلمانية سوى التفريق بين الدولة والدين، فإنه يترتب عليه من وجهة أولى تستلزم العلمانية أن تكون الدولة مستقلة تماما عن كل دين وعن كل سلطة دينية، ومن الجهة الثانية تفرض أن الأديان جميعها حرة على السواء في مواجهة الدولة, وقلما يقوم هذا الوضع في الواقع نظراً لأن ثمة مجالا مشتركاً لكل من الدولة والدين معاً، هو المجتمع نفسه. وبهذا المعنى الحصري، وكفصل تام بين الدين والدولة فإن العلمانية لا تقوم إلا في قلة من البلدان: فرنسا الولايات المتحدة الأمريكية، المكسيك، تركيا. وكثير من الدول ذات انظمة حكم غير متكاملة في العلمانية مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا، فالدولة في ألمانيا مثلا حيادية من وجهة النظر الدينية، لا تنتصر لدين على دين، ولا وجود فيها لدين دولة أو لكنيسة قومية. وهي بهذا المعنى دولة علمانية. ولكنها بالمقابل لم تقطع صلتها بالكنائس، البروتستانتية والكاثوليكية ، وتعتبرها كهيئات اجتماعية تابعة للقانون العام، وتقر لها بحقها في التعليم الديني لأتباعها في المدارس العمومية. وفي الوقت الذي تلتزم الدولة في بلجيكا بالحياد الديني، فإنها تعقد صلة خاصة مع ديانة الغالبية. العلمانية لا تلغي الدين ولا الممارسات الدينية , بل تخرج السياسة والتنظيم الإجتماعي من حيز الممارسة الدينية كما تخرج الممارسة الدينية من الحيز الإجتماعي والسياسي بمعنى أنها تقوم على فكرة فصل الدين عن الدولة . وبعبارة أدق " العلمانية تحرر الدين من قيود الدولة وتحرر الدولة من قيود رجال الدين " . ويمكننا تعريف الدولة العلمانية ( المدنية ) بأنها الدولة التي تنتقل فيها سلطات الحكم والإدارة والتشريع والتعليم , من المؤسسات والمحافل الدينية الى الهيئات المدنية والتي تحاول بدورها تنظيم شؤون المجتمع وفقا للأساليب العلمية بما يكفل توفير الرفاهية للمجتمع بأكمله في وطن يمكن للناس ان يلتقوا فيه كمواطنين , دون أي اعتبار للفروق في العنصر أو العقيدة , فالدولة العلمانية لا ينص دستورها على دين او مذهب تتبعه حكومتها و لو نظرنا الى كل الدول التى طبقت إسلوب الدولة المدنية سنجد كل دولة لها كيان مختلف واسس مغايرة لأي دولة آخرى لان كل دولة لها موروثاتها وثقافتها ومستوى تطورها الثقافى والعلمي والتاريخي ولا يمكن الجزم بان مفهوم العلمانية ثابت فى كل دولة فكل دولة تفهم المعنى وتطبقه تبعاً لوضعها الخاص.
46
توفير الظروف الآمنة للإستثمار الاجنبي د. ماجد احمد الزاملي إذا أرادت الدول الھشة ما بعد النزاعا ت أن تجذب استثماراً جیداً وتنفِّذ مشاریع، فمن الأھمیة بمكان أن تُعزز جھود الحوكمة العامة ومكافحة الفساد، وتنمیة المھارات وتمكین المرأة, لتحفيز مناخ الاستثمار. وھي مجالات تُسجَّل فیھا غالباً إنجازاً ضعیفاً.وھناك مجالات أخرى للسیاسات تشمل تشجیع المشاریع الصغیرة والمتوسطة والابتكار وریادة الأعمال. وفي سبیل إنجاح جذب المستثمرین والاستثمارات التي ستدعم نمواً شاملاً واقتصاداً أقوى وأكثر مرونة وتكیفاً أن ینتھج نھجاً شاملاً في معالجة الإستثمار وأن یَعُد سیاسة استثماریة متماسكة تذھب إلى أبعد من سیاسة وتشجیع الاستثمار. والعراق حاليا وضعه هش، بعد هبوط أسعار النفط وتفشي جائحة كورونا ,لذلك هناك ضغوطاً غير مسبوقة على الاقتصاد العراقي. إن الوضع السياسي الهش، وضعف نظام الرعاية الصحية، وشبكات الأمان الاجتماعي غير الفعالة، والفساد المستشري، والخدمات المتداعية، كلها عوامل تزيد من حدة هذه الهشاشة وغذَّت الاحتجاجات الواسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد. وستؤدي هذه الأزمات إلى تردي مستويات معيشة الأسرة العراقية. وبعد سنوات من الصراع والنزوح، أصبح الكثيرون معرَّضون بالفعل للحرمان، وستختبر الجائحة قدرتهم على الصمود. ورغم أن تعطُّل سلاسل الإمداد سيؤدي إلى زيادة الأسعار الأساسية، فمن المرجَّح أن يقل دخل الأسرة من العمل وغيره بسبب التباطؤ الاقتصادي وانخفاض التحويلات. وقد تفقد أسر كثيرة، ولا سيما تلك التي في القطاع غير الرسمي، كل دخلها، مما يجبرها على استنفاد مدخراتها واللجوء إلى وسائل أخرى للتأقلم مع هذه الأوضاع. ومن أجل المنافسة على الاستثمارات ّ بسطت الدول ھیكلھا القانوني والتنظیمي، وتقديم حوافز، وتجري إصلاحات لتحسین مناخھا الاستثماري، وتضطلع بجھود تشجیع وتسھیل الاستثمار. ویعني تشجیع الاستثمار الترویج لدولة أو اقلیم كمكان للاستثمار فیه. ویتعلق تسھیل الاستثمار بتیسیر الاستثمار أو توسیع نطاق الاستثمارات القائمة بالفعل. وتساعد ھیئات تشجیع الاستثمار على تنسیق التشجیع والتسھیل ولكنھا قد تؤثر أیضا على الإصلاحات الرامیة إلى تحسین المناخ الاستثماري وھو نشاط یُعرف "بتأیید السیاسات". وفي دولة مثل العراق، یمكن لھیئات تشجیع الاستثمار أن تلعب دورا مفیدا في جذب الاستثمار اذا تم تكییف استراتیجتھا، وخدماتھا، ووسائطھا مع الوضع. ینبغي للعراق أن يكون مبتكراً، ولا سیما في مجال تسویق واستھداف الاستثمار، وذلك من خلال التركیز على الأسواق، والقطاعات، والمستثمرین الرئیسیین المختارین. ویمكن لھیئات تشجیع الاستثمار مساعدة المستثمرین على التغلب على مصاعب البیروقراطیة، وتخفیف عدم تناسق المعلومات، وخفض تكالیف الصفقات. كما یمكنه منح التأیید للسیاسات والمبادرات الرامیة إلى تحسین مناخ الاستثمار وتجانس السیاسة الاستثماریة، أي الاضطلاع بدور مفید في زیادة وعي المستثمرین ببعض التحدیات الكبیرة التي تتعلق بسلوك الأعمال المسؤلة التي قد تواجھه. إن تنفیذ مشروع في وضع ھش ومتأثر بالنزاعات یطرح تحدیات كبيرة. جميعاً نعرف جيداً إن العراق الآن بحاجة الى إعادة بناء البنى التحتية واعمار ما دمرته الحروب وإنعاش القطاعات الانتاجية كالصناعة والزراعة وتقادم كثير من المشاريع الصناعية والتي تحتاج الى اعادة بناء وتحديث اضافة الى قطاع الكهرباء والماء ناهيك عن المديونية والتعويضات التي يعاني منها العراق والاقتصاد العراقي تحديدا وبنفس الوقت يعاني هذا الاقتصاد من الفجوة الكبيرة بين الايرادات والنفقات وعدم كفاية الادخارات لسد احتياجات عملية البناء والاعمار وصعوبة الحصول على قروض اضافية بسبب المديونية والشروط المطلوبة من المؤسسات الدولية وما يترتب على هذه القروض من فوائد اضافية ولم يكن امام العراق خياراً اخراً اذا ما اراد بناء وتنمية جميع قطاعاته الانتاجية والخدمية سوى اللجوء الى الاستثمارات الاجنبية لتامين الحد الادنى من الموارد اللازمة لإعادة البناء. والإستثمار الأجنبي في إقتصاد الدول النامية والدول الضعيفة قديم ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية تغيَّر نمط الاستثمار الاجنبي المباشر اذ اصبحت الولايات المتحدة الأمريكية المصدر الرئيسي لتلك الاستثمارات واصبح الاستثمار في الصناعات التحويلية اكثر انواع الاستثمار شيوعا وقد ساد تخوفا بين البلدان النامية مبعثه الاثار السلبية المحتملة للاستثمار الاجنبي المباشر مثل خلق تبعيه اقتصاديه والتدخل السياسي وكان من شأن ذلك ان شهدت هذه الاستثمارات تراجعاً ملحوظاً في تلك الحقبة…وفي السبعينات تأثر الاستثمار الاجنبي المباشر بتحسن اسعار السلع الأولية سيما النفط والغاز وكذلك فوائض ميزانيات الدول المصدرة لتلك السلع الاّ أنها لم تكن لصالح الإستثمار الاجنبي حيث أُعيد تدوير تلك الاموال الى الدول النامية بشكل قروض قدمتها البنوك الدولية وأصبحت الدول النامية اكثر اعتماداً على تلك القروض واقل اهتماماً بالاستثمار الاجنبي المباشر ومما ساعد على ذلك استفادة الدول النامية من الزيادة في اسعار السلع الأولية بما يكفي لتلبية احتياجاتها الاستثمارية من المدخرات المحلية دون الحاجه الى استثمار اجنبي مباشر. والعراق بحاجه ماسّة للاستثمارات الاجنبية المباشرة لتدوير عجلته الصناعية والزراعية مما يزيد من فرص حصوله على العملات وتقليل خروجها منه وهذا يُحسِّن من وضعية ميزان المدفوعات لديه . وإذا أخذنا قيمة العجز في الميزان التجاري الغذائي مثلاً لما ذهبنا اليه في ضرورة استقدام الاستثمارات الاجنبية الى العراق لأحداث تنمية شامله وعاجله سيما في القطاع الزراعي الذي يُعتبر مصدراً لابأس به للعملات الاجنبية. والجھود التي بذلھا العراق في سبیل إصلاح الإطار القانوني الذي یحكم الاستثمار, وھذه الجھود نقطة بدایة مشجعة تنبيء بتحقيق مزید من التقدم في تسھیل الاستثمار من خلال تعزیز الحمایة، والحوافز والإعفاءات، بما یوازن المخاطر الأمنیة. یجب إدماج ھذه الجھود في إصلاح أوسع نطاقاً یجب أن یشمل تحدیث وإصلاح الإطار العام للقیام بأعمال من أجل تسھیل الاستثمار الأجنبي وتشجیع ریادة الأعمال المحلیة. تركـز اعـادة الاعمــار فـي العـراق بعـد عــام 2003 علـى مشــروعات البنیـة التحتیــة ذات الجـودة العالیـة والمكلفـة فـي ً الوقت نفسه مثل اعمار البنیة التحتیة للقطاع النفطي وبخاصة شبكة الخطوط الناقلة للنفط. عـن اعتمـاد جـودة منخفضـة ورخیصـة بعـض الشـيء فـي اعمـار محطـات الصـرف الصـحي وتجهیـز المیـاه للمـواطنین، وترَّكـز الإنفاق الاسـتثماري علـى دعـامتین رئیسـتین، الدعامـة الاولـى تعتمـد علـى القطـاع الخـاص سـواءً كـان محلیـا ام اجنبیـا ویمـول اســتثماراته بطــرق مختلفــة ومتنوعــة ، فــي حــین یعتمــد القطــاع العــام علــى ایراداتــه الســیادیة مــن المدَّخرات فــي كافــة القطاعـات سـواءً كانــت انتاجیـة ام خدمیـة، وابـرز مـا یمثـل الحالـة فـي العــراق الاعتمـاد علـى الایــرادات النفطیـة فـي تمویل الانفاق الاستثماري ،إذ قدرت النفقات الاسـتثماریة بحـوالي 186 ملیـار دولار للمـدة 2010-2014تمـوِّل بواقـع ً الشــراكة الوطنیــة بــین القطــاعین العــام والخــاص. وتُعـد القیـود المالیـة وغیـر المالیـة بمثابـة الحـواجز التـي تحـول دون جـذب المسـتثمرین الاجانـب او تشـجیع المسـتثمرین المحلیین على المـدى الطویـل لتمویـل مشـروعات البنیـة التحتیـة سـواءً القـائم منهـا او المسـتحدث، ولـذلك یتطلـب الامـر ً عـن التـأثیر النـاجم معالجة مجموعة متنوعة من القیـود غیـر المالیـة مثـل التسـعیر، والتنظـیم، وغیـاب المنافسـة، فضـلا من ضعف الممارسات الحكومیة في مجالات النزاعـات المتعلقـة بـالعقود، والملكیـة، والقواعـد التـي تحكـم إعـادة رؤوس الأموال، والتي تؤثر على استعداد القطاع الخاص للاستثمار في البنیة التحتیة حیـث لا یقـل ذلـك شـأنا عن ً المخـاطر غیـر المتوقعـة بمـا فـي ذلـك المخـاطر المالیـة، واسـعار صـرف العملـة المحلیـة والتحويل الى الخارج، فضـلا عن العملات الاخرى وانخفاض قوتها الشرائیة بسبب التضخم ، ومخاطر العملیة السیاسیة، وغیاب الـدور الفاعـل لأسـواق العملة. أمّا المخاطر الخارجیة فهي احد اهم المخاطر التي تواجه الاستثمار في البنیة التحتیة للعراق، وبخاصة انخفـاض اسـعار الـنفط التـي تـؤثر بشـكل كبیـر فـي مـوارد المیزانیـات الاتحادیـة ممـا یضـطر الحكومـة الـى تخفـیض الانفـاق الاسـتثماري ً لهذا القطـاع الحیـوي، فضـلا عـن سیاسـات دول الجـوار وبخاصـة ً فیمـا یتعلـق بالسیاسـة المائیـة إذ تشـكل تحـدیاً خطیـراً وذلــك بســـبب الاســتخدامات الكثیـــرة للمیـــاه فـــي القطاعـــات الاقتصــادیة والخدمیـــة كافـــة وبخاصــة فــي تولیــد الطاقة ً الكهربائیة وحقن الابار النفطیة لأغراض انتاجیة ،واهمیة الماء الكبیرة للكائنات الحیـة كافـة وبخاصـة الانسـان ،فضـلا عن التلوث الناجم من مصادر المیاه بسبب انشاء محطات تولید الطاقة. وتعـد المؤسسـات احـد اهـم المكونـات الاساسـیة فـي العـراق بصـورة خاصـة والعــالم بصــورة عامـة، حیـث ان قـوة هـذه المؤسسات او ضعفها یؤثر بشكل كبیر في عملیة الاستثمار بشكل عام والاسـتثمار فـي البنیـة التحتیـة بشـكل خـاص، بــل یــؤثر بشــكل فاعــل فــي هیاكــل الدولــة ومنشــاتها الحیویــة كافــة بوصــفها احــد المرتكــزات الاساســیة لعملیــة النمــو الاقتصادي. سعى مشروع العراق إلى بناء بیئة تمكینیة للحوار بین القطاعین العام والخاص في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالمشروع. وقد أدى إشراك أصحاب المصالح العراقیین من غیر المنتمین إلى القطاع العام إلى تحسین النتائج حیث فتح المجال لمنظورات جدیدة وأكثر اتساعا لمناقشة السیاسات في الاجتماعات. كما دعا المسؤلون على الإستثمار بشكل منتظم ممثلي الشركات الأجنبیة المستثمرة في العراق – ولا سیما شركات دولیة كبیرة مثل شل وسیمنز – إلى المشاركة في الفعالیات التي نظمھا من أجل تبادل وجھات النظر، ومناقشة القیود المفروضة على الاستثمار في العراق وآفاقه. وطالما يوجد نقص في مصادر تمويل التنمية واعادة الاعمار في العراق فلابد من اللجوء الى الاستثمار الاجنبي المباشر اذ يمثل احد مصادر التمويل الخارجي البديل للمصادر المحلية. وهناك مصلحة مشتركة بين المستثمر الاجنبي والبلد المضيف لان كلاهما يربح من عملية الاستثمار وان البلد المضيف هو اكبر الرابحين لان نتائج عملية الاستثمار ستبقى على ارض هذا البلد ويسجل لصالحه من خلال ما أحدثه من تطوير البنية الاقتصادية وتطوير المهارات ورفع مستوى الرفاهية. وتوجد محددات ومعوقات تواجه دخول وعمل الشركات الاجنبية وهي متعددة وشاملة تبدأ بضعف عوامل الجذب ولا تنتهي بالبنية التحتية والتشريعية ومن هذه المعوقات ,الافتقار الى الشفافية ,وشيوع الفساد الاداري والبيروقراطية وعدم الجدية والكفاءة في تطبيق التشريعات الجاذبة للمستثمر الاجنبي,عدم وجود دوافع حقيقيه لتحويل الفوائض المالية الى استثمارات, وهناك اختلالاً في التخصيصات في الموازنات العراقية لصالح النفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية وهذا مناقض لمنطق القوانين الاقتصادية فالاستثمار أكان حكومياً او خاصاً هو الذي يمنح الاستمرارية والنمو ويخلق القيمة المضافة ويوفر فرص العمل.
47
تفعيل دور الشرطة في تحقيق الاستقرار الأمني د. ماجد احمد الزاملي يُعتبر قطاع الأمن عصب العمل الفني المتخصص في جهاز الشرطة الذي ينهض بالعمل في شتى المجالات المباشرة وغير المباشرة لدعم رسالة وزارة الداخلية وتحقيق أهدافها في نشر المظلة الأمنية بالمجتمع لحفظ الأمن والاستقرار وحماية المكتسبات الوطنية. إن نشاط أجهزة الأمن في المجال الاجتماعي، لم يكن وليد مقتضيات العصر الحديث، بل كان هذا النشاط مطلوبا في المجتمعات القديمة كما هو مطلوب في المجتمعات الحديثة، ولكن الجديد في هذا المضمار، هو أن أجهزة الأمن حاليا أدخلت إلى صميم رسالتها الاجتماعية، مسؤولية الإسهام في توفير الحياة الرغيدة، والمعيشة المستقرة لأفراد المجتمع، وهي في سبيل ذلك تعمل على حماية أخلاق الفرد، ورعاية سلوكه ٕ الاجتماعي، واحترام قيمته وإعلاء مباديء الإنسانية والخلقية، الحرية والعدالة حتى تتحقق له الحياة الهانئة. ولا تدع أجهزة الأمن وسيلة قانونية مشروعة، إلا وتتبعها من أجل دفع المجتمع إلى السير وفق الأنماط السلوكية المتعارف عليها والمقبولة فيما بين أفراده قبولا عاما، كما أن أجهزة الأمن في كثير من الدول المعاصرة غيرت من زَيِّها فاتخذت الزي المدني بدلا من الزي العسكري الذي كان سائدا فيما مضى، وتحاول الآن أيضا في هذا السياق، القيام بأعمال تبدو أكثر اندماجا في المجتمع، وأكثر اقترابا من الهيئات والأجهزة التي تحملها الدولة الحديثة مسؤولية خدمة أفراد المجتمع تحقيقا للرفاهية العامة لهم، مثل مؤسسات رعاية الشباب، دور رعاية الأحداث، ووزارات التنمية والإعلام، ومراكز الإصلاح والتأهيل المهني. فاﻟﻤﺠتمع الذى يتوافر فيه الأمن والأمان ينعكس ذلك على سلوكياته ومنجزاته ودرجة تقدمه ورقيه حيث إن ذلك يبعث الطمأنينة فى النفوس ويشكل حافزا للعمل والإبداع والاستقرار والحفاظ على الهوية الوطنية . يعتبر الأمن الاجتماعى الركيزة الأساسية لبناء اﻟﻤﺠتمعات الحديثة وعاملاً رئيساً فى حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيهّا وتقدمها؛ لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة فى النفوس ويشكل حافزاً للإبداع والانطلاق إلى آفاق المستقبل، ويتحقق الأمن بالتوافق والإيمان بالثوابت الوطنية التى توحّد النسيج الاجتماعى والثقافى الذى يبرز الهوية الوطنية ويحدد ملامحها ، حيث يكون من السهل توجيه الطاقات للوصول إلى الأهداف والغايات التى تندرج فى إطار القيم والمثل العليا لتعزيز الروح الوطنية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار. ومن اهم واجبات الاجهزة الامنية هي منع الجريمة، واكتشافها، والقبض على مرتكبيها ، و تنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، و المحافظة على الأمن العام والآداب ، لذلك فإن أهم الواجبات الوظيفية للشرطة هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع، و لكي تؤدي هذه المؤسسة الأمنية واجباتها المهنية لا بد أن تكون مقبولة لدى المجتمع حتى تظفر بمساعدته ، لأنه ربما لن تكون مقبولة وهي تنفذ القوانين التي تتعارض مع بعض أهواء ورغبات أفراد المجتمع، ولكن ستتغير الصورة إذا أدخلت هذه المؤسسة الأمنية بعض الإصلاحات على الساحة التقليدية التي تؤدي فيها واجباتها ولعل الدور الذي دخلت من خلالة الشرطة دائرة الضوء من خلال مكافحة الجرائم بكافة اشكالها من قتل وسرقة ومكافحة مخدرات وتقديم المساعدات العينية والنقدية وقت الكوارث واستخدام الاساليب المتطورة في الكشف عن هذة الجرائم وتأهيل الكوادر البشرية بالعلم والمعرفة وفتح قنوات مباشرة مع المواطنين من خلال الشرطة المجتمعية وتفعيل دور المواطن. إن أهم الواجبات الوظيفية المناطة بالأجهزة الأمنية إزاء المجتمع هي تحقيق الأمن والاستقرار لأفراد المجتمع من خلال قيامها بواجباتها الأساسية المتمثلة بإنفاذ القانون وحماية المجتمع من الجريمة ومخاطرها بمنعها قبل وقوعها، والكشف عنها والقبض على مرتكبيها وتنفيذ العقوبة الصادرة بحقهم، والمحافظة على الأمن العام، وحماية الأرواح والممتلكات، والإشراف على تنفيذ قوانين الدولة، وإلى جانب الدور التقليدي للأجهزة الأمنية هناك بعض البرامج والخدمات الاجتماعية التي ترتبط بالمجتمع ارتباطًا وثيقًا والتي يتوجب على الأجهزة الأمنية القيام بها، ومنها أعمال الدفاع المدني(أعمال إطفاء الحريق، وعمليات الإنقاذ، ومباشرة الكوارث الطبيعية، وتوفير الملاجئ الآمنة التي تزداد الحاجة إليها أثناء الحروب والأزمات، والقيام بأعمال النجدة كاستجابة لنداء أفراد المجتمع عند أي طاريء، وتنفيذ برامج الإصلاح الاجتماعي داخل السجون، والتصدي للجرائم المخلة بأمن الدولة، والمشاركة في حماية الآداب العامة، وحماية الأحداث من الانحراف، وإصدار البطاقات الشخصية للمواطنين عن طريق دوائر الأحوال المدنية، وتنظيم المعلومات حول المواطنين، وفهرستها بشكلٍ يسهل الرجوع إليها عند الحاجة، وتُعد هذه الأخيرة من أهم أعمال الأجهزة الأمنية في الدولة؛ لما له من دور يمس أهم أركان الدولة وهو ركن الشعب وبخاصة المواطنين، وغير ذلك من الخدمات الإنسانية الأخرى المتعددة، كالتدخل في حالة الكوارث والنكبات لا بالمساعدة فحسب، ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات الأخرى. نجد أن بعض أفراد المجتمع وللأسف الشديد لازال يأخذ فكرة خاطئة عن بعض المؤسسات الأمنية - وخاصة الشرطة - على أنها أداة قمع وإرهاب للمجتمع، وهذه الفكرة تتوارثها الأجيال، فتسببت بشكل كبير في توسيع الهوة وتعميقها بين أفراد المجتمع و مختلف المؤسسات الأمنية وفي مقدمتها مؤسسة الشرطة. إذ هناك من يُفسر ذلك بوجود تعارض مصالح بعض المواطنين مع مقتضيات الواجب للشرطة، فرجل الشرطة كثيرا ما يكون سداً نفسياً أمام رغبات بعض المواطنين التي قد تتعارض مع مصالح المجتمع، لذلك يشعر المواطن أن الشرطة تقف سداً أو حاجزا ضد تحقيق رغباته غير المشروعة، وهذا يُشكل حاجزاً نفسياً بينه وبين الشرطة. وهناك المجالات الخيرية المتعددة ، إذ يمكن أن يكون لها دور في التدخل في حالة الكوارث والنكبات ليس بالمساعدة فقط ولكن بالإسعاف وتقديم الخدمات والعون ، زيادة على ذلك إقامة دورات دراسية و أبواب مفتوحة وتقديم الدور التوعوي وكسر الحاجز بين المواطنين ورجال الأمن ، دون أن ننسى المساهمة بإدارة دوريات الأمن بمختلف مناطق الوطن و المشاركة في الحملات الأمنية التي تجعل المواطن أكثر شعورا بالأمن و الاستقرار و الطمأنينة و راحة البال ، فنشاهد اليوم الحملات الأمنية التوعوية الشاملة، من أسبوع المرور ويوم الشرطة العربية، واليوم العالمي لمكافحة تعاطي المخدرات، كل هذه الحملات الإعلامية الهادفة تصب إلى توعية وتبصير المجتمع ومؤسساته إلى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأمنية، وبالتالي تخرج هذه المؤسسات الأمنية عن نطاقها التقليدي وتدخل في دائرة الضوء التي تقربها إلى كافة أفراد المجتمع. الوظيفة الأمنية للشرطة خدمة المواطن كما أن الشعور بالمسؤولية والوعي بأهمية دور المواطن في استقرار المجتمع هما الخطوة الهامة المتصلة بالعمل الأمني لسلامة المجتمع، فعلى المواطن دور كبير وهام في دعم ومساندة جهود الدولة ورجال الأمن للوقوف جنباً إلى جنب مع الذين ضحوا بأنفسهم وأرواحهم فداء لهذا الوطن وعليه فإن قمة نجاح هذا التعاون تكون بتخطي هذه المعوقات ، و تتم كذلك حين يدرب المواطنون المتعاونون مع رجال الشرطة والأمن بوجه عام ، تدريباً مشتركاً على إجراءات أمنية محددة، تضمن وحدة المفاهيم، وتمكن الجميع من القدرة على الوصف والتخاطب بأساليب اتصال معتمدة ومحددة. ويمكن أن يحدد مفهوم الوظيفة الاجتماعية في نطاق الوظيفة الأمنية بأنها:" مجموعة من المهام والواجبات الجديدة انيطت بجهاز الأمن العام في المجتمعات الحديثة وتعنى بتقديم خدمات اجتماعية عديدة منها "حماية المواطن، ورعاية السلوك الاجتماعي، التوجيه والإرشاد، رعاية الأحداث، تنظيم البرامج للتو عية، والتثقيف الأمني، والرعاية اللاحقة السجناء عند خروجهم من السجن بعد إنتهاء مدة محكوميتهم , وغيرها من الإسهامات ، والتي تضطلع بها أجهزة الأمن، لخدمة أعضاء المجتمع وفقا للقوانين والأنظمة المرعية. ويبرر هذه الواجبات الأمنية أن رجال الأمن بحكم انتشارهم في أرجاء الوطن، وصلاتهم الوثيقة بكافة فئات المجتمع، وارتباطهم مع هذه الفئات بعلاقات يومية، لكل ذلك، فهم الأقدر على أن يكون لهم الإسهام في مجال الخدمة الاجتماعية والعمل الاجتماعي، ومن مصلحة المجتمع أن يُشجِّع هذا الاتجاه مع وضع ضوابط له تكفل عدم التدخل أو تجاوز الحدود التي ينبغي الالتزام به. وحتى الاجهزة المتخصصة في الأصل بتقديم الخدمات الاجتماعية لا تستطيع الاستغناء عن خدمات الأجهزة الأمنية لخبراتها وامكانياتها وما يتوافر لها من معلومات، كل ذلك يساعد الأجهزة على أن يكون اسهامها أكثر إيجابية، وأكثر تحقيقاً لمصلحة المجتمع من خلال تعاونها وتضافر جهودها مع جهود الأجهزة الأمنية. ولسنا في حاجة إلى الاستشهاد بما يجري من حولنا في العالم العربي حيث يشيع الاضطراب والحروب الأهلية والإرهاب والعنف الذي تقوم به الجماعات التكفيرية في بلدنا العراق وسوريا، ومصر، وتتسع ظاهرة الجريمة، والعنف المجتمعي وما يترتب علي ذلك من تفكك اجتماعي يمس الحالة الأمنية بشكل او بآخر. ويبدو أن أي مجتمع ينطوي على صراعات تؤدي إلى تغيرات معينة، كما انه ينطوي على نظام اجتماعي يضمن منع التوترات، ويحول دون استمرارها، وبديهي أن لكل مجتمع إنساني وسائله الخاصة في الحفاظ على أمن أفراده والجماعات الأخرى التي تعيش فيه، وهي وسائل تتوقف إلى حد كبير على طبيعة ذلك المجتمع وظروفه السائدة فيه، وما إلى ذلك. أن البعد المجتمعي لظاهرة الأمن كان وما زال يتبدى ضمن فعاليات عديدة، ترمي لتعزيز الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، بهدف تمكين المجتمع بأسره من مواصلة تطوره الحضاري، ولعل ذلك ما حدا بالبعض إلى اعتبار الأمن بمفهومه الشامل عملية اجتماعية واعيه وموجهة، وأنها مستمرة ومتجددة، لأنها تُعبِّر عن احتياجات المجتمع المتزايدة التي تسهم فيها كل قطاعاته، أو كونها موجهه فيعني أنها ترمي لتحقيق أهداف حفظ التوازن الاجتماعي لضمان مسار عملية التطور الحضاري في درب الرقي الإنساني. ويعتبر الأمن الاجتماعى الركيزة الأساسية لبناء اﻟﻤﺠتمعات الحديثة وعاملاً رئيساً فى حماية منجزاتها والسبيل إلى رقيهّا وتقدمها؛ لأنه يوفر البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة فى النفوس ويشكل حافزاً للإبداع والانطلاق إلى آفاق المستقبل، ويتحقق الأمن بالتوافق والإيمان بالثوابت الوطنية التى توحّد النسيج الاجتماعى والثقافى الذى يبرز الهوية الوطنية ويحدد ملامحها ، حيث يكون من السهل توجيه الطاقات للوصول إلى الأهداف والغايات التى تندرج فى إطار القيم والمثل العليا لتعزيز الروح الوطنية وتحقيق العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وتكامل الأدوار . والذى يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذى يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء ، والعمل على زيادة قدرة مؤسسات التوجيه الوطنى لبث الروح المعنوية ، وزيادة الإحساس الوطنى بإنجازات الوطن واحترام تراثه الذى يمثل هويته وانتماءه الحضارى واستغلال المناسبات الوطنية التى تساهم فى تعميق الانتماء ، والعمل على تشجيع إنشاء مؤسسات اﻟﻤﺠتمع المدنى لتمارس دورها فى اكتشاف المواهب ، وتوجيه الطاقات ، وتعزيز فكرة العمل الطوعي لتكون هذه المؤسسات قادرة على النهوض بواجبها كرديف وداعم ومساند للجهد الرسمى فى شتى اﻟﻤﺠالات.
48
ثورة الرابع عشر من تموز1958 د. ماجد احمد الزاملي اول تنظيم للضباط الاحرار تأسس عام 1942 لتغيير نظام الحكم في العراق غير ان السلطات تمكَّنت من القضاء عليه واحالة اعضاءه الى القضاء ، كما وقف الجيش الى جانب الحركة الوطنية وظهر ذلك من خلال التظاهرات التي شهدتها بغداد والمحافظات فدفع ذلك السلطة بعدم الاستعانة بالجيش لمنع وثبة كانون عام1948. وقامت نخبة من طلائع الضباط المستنيرين بتشكيل "تنظيم الضباط الوطنيين" الذي أسماه الإعلاميون لاحقا بتنظيم الضباط الأحرار أسوةً بتنظيم الضباط الأحرار في مصر وذلك في نهاية عام 1949 ، وبعد الهدنة مع إسرائيل وانسحاب الجيش العراقي. ومن وجهة نظر الدول الغربية؛ فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلا صفقة استراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي استراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على أرث بريطانيا وفرنسا على الأخص بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان. وكانت هناك ضرورة ماسَّة للتطور السياسي ليتناسب مع حاجة الشعب من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ، أي تحقيق تحسين الوضع الاقتصادي و العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. فإذا كانت السلطة تسمح للتقدم والتطور حسب ما تفرضه المرحلة، يحصل هذا التقدم تدريجياً بدون ثورة ودون الحاجة إلى عنف , على الرغم من ان صبيحة 14 تموز 1958 لم تكن عنيفة ولم تسيل دماء كما حصل في جميع الثورات الضخمة ,فقط حصلت أخطاء فردية طفيفة رغم تهويل الاعلام . و إذا كان الحكّام لا يؤمنون بالتطور ولا يعترفون بالحاجة إلى التغيير لمواكبة التطور والاستجابة لحاجة الشعب إلى التغيير، فتكون هذه السلطة تعمل لمصلحتها والبقاء في الحكم وبالتالي فهي حكماً تخدم اجندة خارجية لكي تحميها من شعبها الذي سيثور عاجلاً أم آجلاً للإطاحة بها . ومع مرور الزمن تزداد الحاجة إلى التغيير ويحتدم الصراع بين قوى التجديد والسلطة, فتضطر السلطة ومن أجل بقائها في الحكم، إلى استخدام العنف والإرهاب والقوة لقمع القوى المطالبة بالتغيير، إلى أن تتراكم الحاجة إلى التغيير مع الزمن أكثر فأكثر وتصل حداً تصبح الحياة غير ممكنة مع الوضع القديم، عندئذٍ ينهار الجدار الذي يقف أمام الهبّة الجماهيرية المطالبة بالإنعتاق ، ويحصل العمل الثوري ، فتأتي سلطة تستجيب لحاجات التطور الاجتماعي ورغبات الشعب. فالعوامل التاريخية التي تراكمت وتمخضت عنها ثورة تموز 1958 عدة , منها إجهاض إنقلاب رشيد عالي الكيلاني وإخفاق الحكومات العربية في حرب فلسطين عام 1948 م، ثم دخول حكومة نوري السعيد في سلسلة من المعاهدات وآخرها حلف بغداد التي كبَّلت العراق ببنود هيمنة جائرة على سيادته وموارده وقراره السياسي، وبعد بروز المد الوطني المعادي للهيمنة البريطانية والفرنسية والأمريكية، والتأييد الجماهيري الكاسح لهذا المد الذي تزعمته القيادات الثورية الشابة في بعض بلدان الوطن العربي ، وتصاعد المد الجماهيري المؤيد للحركات الثورية الوطنية والقومية ليشمل دولاً عديدة ، وأصبحت حكومة نوري السعيد ورقة محروقة متهمة بل غارقة بالعمالة لبريطانيا. ثورة 14 تموز 1958 لها دور في تغيير الاستراتيجية الأمريكية في العراق فثورة 14 تموز 1958 في العراق هي مرحلة مهمة من المراحل التي مر بها تاريخ العراق الحديث والتي انعكست آثارها ليس على العراق وحده وانما على دول الجوار والدول الأجنبية التي كانت متغلغلة في العراق وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية، فعلى الرغم من العلاقة الجيدة التي كانت قائمـة بين الحكومتان ومع وجود اجهزة المخابرات الأمريكية في العراق إلا أنها لم تستطع التنبؤ بالثورة ولا بزمان حدوثها، والأمر الذي شكَّلَ مفاجئة للامريكان هو مجيئ نظام حكم معادي لهم، ومثلما كانت هي ثورة ضد نظـام حكـم، كانت ثورة ضد الوجود الامريكي في العراق. إن ثورة 14 تموز في العراق وخوف السلطة الحاكمة في ايران والمتمثلة بالشاه محمد رضا بهلوي من ان تؤثر ثورة العراق عليه بشكل سلبي واندفاع الولايات المتحدة لتحل محل بريطانيا والخوف من الامتداد السـوفيتي الـى المنطقة كان لها الاثر الكبير في تقوية العلاقات الامريكية الايرانيـة، لـذلك طلب الشاه من الولايات المتحدة ان تتدخل في ايـران إذا ماتعرضـت إلـى هجوم من قبل السوفيت او اي جهة خارجيه بما في ذلك العـراق. ان الأمريكيين عندما يريدون السيطرة على بلد ما او احتلاله يطلقون شعارات الديمقراطيـة والحريـة لإنقاذ البلدان من الانظمة الحاكمة التي تحكمها، وهذا ما كان واضحا من خلال تصريحات الرئيس الأمريكي ايزنهاور عنـدما تفاجـأ بـالثورة، والواقع ان هذا أسلوب من أساليب الاحتلال الأمريكي فهو يطلق حملـة دعائية كبيرة لحملته قبل تنفيذها لكي يبقي الرأي العام مشغولاً وهـذا الأسـلوب استخدمه الأمريكان قبل احتلالهم للعراق عام 2003 . ونقول للذين يعتبرون 14 تموز إنقلاباً قادته مجموعة من الضباط , فيقول حنا بطاطو، أنَّ ما حدث يوم 14 تموز 1958 كان ثورة بكل معنى الكلمة ونزول آلاف المواطنون للشارع ومساندة الثورة . والمستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون يقول: “أن الثورة العراقية هي الثورة الوحيدة في البلاد العربية”. ومن الجهل بمكان القول أن ثورة تموز فتحت الباب للانقلابات العسكرية، فقد حصل في العهد الملكي ثمانية انقلابات عسكرية بعضها نجح مثل انقلاب الفريق بكر صدقي عام 1936، وهو بالمناسبة، أول إنقلاب عسكري في البلاد العربية، وما تلاه من انقلابات أخرى مثل انقلاب الأول من مايس 1941 حركة رشيد عالي الكيلاني، والذي انتهى بالاحتلال البريطاني الثاني للعراق في نفس العام. عبّرت ثورة 14 تموز 1958 عن نضالات للشعب العراقي في تثبيت استقلاله السياسي والاقتصادي وما قدمه من شهداء لبناء مجتمع قائم على الرخاء والرفاهية والعدل الاجتماعي والنهوض السليم المعافى للبناء المؤسساتي, فالبيان الاول الصادر في 14 تموز 1958، عكس الطبيعة الوطنية والديمقراطية للثورة"ان الحكم يجب أن يعهد الى حكومة تنبثق من الشعب وتعمل بوحي منه،وهذا لا يتم الا بتأليف جمهورية شعبية تتمسك بالوحدة العراقية الكاملة"،توالت التشريعات الضامنة لحقوق الشعب العراقي المسحوق "الدستور المؤقت 1958،"بيان النفط"والحرص على استمرار تصدير النفط والشروع بالمفاوضات مع شركات النفط وتشريع قانون رقم (80) لسنة 1961 والذي حدد مناطق الاستثمار لشركات النفط الاحتكارية،قانون الاصلاح الزراعي لتصفية الاقطاع رقم (30) لسنة 1958 والغاء قانون المنازعات العشائرية،قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959،بيان لجنة التموين العليا رقم 1 لسنة 1959 الذي حدد منهاج الاستيراد الجديد ومنع استيراد المواد الكمالية الاستهلاكية والمواد المنتجة المحلية وتشجيع استيراد المنتجات والمكائن والمعدات الضرورية للتصنيع او للاستهلاك الشعبي. . وفي عهد ثورة تموز 1958 خاضت وزارة الخارجية العراقية وممثلي العراق في المنظمات الدولية معارك مُشرِّفة في طرح قضية كفاح الشعب الجزائري والدفاع عنها دون هوادة. كان الموقف الشعبي العراقي مكملاً وداعما للموقف الرسمي ففي الوقت الذي كان فيه السيد هاشم جواد 29/11/1960 يحضر لمناقشة القضية الجزائرية في الامم المتحدة كانت المظاهرات في شوارع بغداد هاتفة دون هوادة " يا ديغول برة برة الجزائر صارت حرة " ، وتطالب الحكومة بمزيد من الدعم المادي وارسال السلاح والمؤونة للثورة الجزائرية. وفي 19/12/1960 يقرر مجلس الوزراء مرة اخرى اهداء دفعة اخرى من ألاسلحة الى جيش التحرير الوطني الجزائري. وكان العراق زمن عبدالكريم قاسم قد سجَّل موقفاً تاريخياً سبق به مصر عبدالناصر فكان العراق البلد الاول في العالم الذي اعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتة، وأُعلن الموقف العراقي قبل ان تنتهي قراءة بيان اعلان حكومة الجزائر في القاهرة. لكن الاقدار سجلت ايضا أن الجزائر كانت في مقدمة الدول التي اعترفت بانقلاب 8 شباط في العراق تقرُّباً من الموقف المصري، ولهذا تم تجاهل دور الزعيم عبد الكريم قاسم ونسيانه حتى طواه النسيان فلم ينصفه مؤرخوا الثورة الجزائرية حقه. إنه بطل من ابطال العراق، واضافة الى قيادته تفجير ثورة 14 تموز ووطنيته، فله دوره القومي أيضا في دعم ثورتي الجزائر وعُمان وبعدها ثورة فلسطين. وإلى يومنا هذا نرى الكثير من المنصفين الذين قالوا عن الزعيم انه عاش بسيطا وعفيفا ووطنيا مخلصا، ولم يزايد على غيره في دعم القضايا القومية التي وقف معها باخلاص وجدية وخاصة القضية الفلسطينية والثورة الجزائرية.
49
أدوات الدولة العميقة د. ماجد احمد الزاملي نشأت الدولة القومية الحديثة بعد معاهدة ويستفاليا للصلح عام 1648، وكان هدف قيام هذا النموذج هو الحفاظ على القوميات والحدود ووضع أطر واضحة للعلاقات بين الدول وشعوبها، وإنهاء حالة الصراع التي كان أحد أسبابها وفق نظرة من أبرموا هذه المعاهدة هو وجود الامبراطوريات وعدم وجود ترسيم واضح للحدود مما يؤدي إلى زيادة الصراعات بين الشعوب وأنظمة الحكم المختلفة في ذلك الوقت. إن الدولة القومية الحديثة ترتكز على مبادئ ومن أهمها مبدأ “السيادة”، وهذا المبدأ يعد من المبادئ المشكلة والرئيسية لفهم دور الدولة القومية، ففي إطار السيادة تمنح الدولة السلطة والحق المشروع في استخدام العنف والقوة وما في وسعها للحفاظ على النظام العام، إذا فهي لا تتحكم بالمؤسسات فقط ولكنها أيضا تتحكم في المواطنين، مما يستتبع أن الدولة هي المشرعة للقوانين وهي التي ترى تنفيذ القانون في إطار ما تراه مناسبا للحفاظ على النظام العام، فهي تحتفظ بحقها في خرق القانون متى تتطلب ذلك. ساعد هذا النموذج على نشأة شبكات معقدة من العلاقات والمصالح التي على مر الزمان تتجذر في مفاصل وأجهزة الدولة المختلفة والتي -وفي لحظة تاريخية معينة- لا يمكن أن يحدث تغيير دون اقتلاع هذه الدولة من جذورها، فهي تدافع عن مصالحها بشراسة من خلال العديد من الوسائل والأدوات التي تمتلكها بفعل مفهوم السيادة الذي من خلاله تقوم بتبرير وشرعنة أفعالها. نواة الدولة العميقة تضم العسكر وأصحاب النفوذ السياسي والمصالح المالية، ويتبعهم الإعلام بداهة قبل ثورة الإنترنت، وبسبب هذا التلاقي بين النفوذ العسكري والسياسي والمالي، فإن أساليب الدولة العميقة تجنح في الأغلب للعنف والقمع.. ولكن بعد تكرّس الديمقراطية، تصبح "الدولة العميقة" حامية لها باعتبارها وسيلة التغيير السلمي بدل المواجهات التي تضر أكثر من يملك أكثر ليخسره، كما يجري الآن في الانتخابات الأوربية التي قد تأتي بمتطرفين قوميين أو تودي بهم، أي أن "الدولة العميقة" ذاتها كائن متغير وليست هيئة مقدسة تسبغ الشرعية بفضل هذه القدسية. تستخدم الدولة العميقة أدوات متعددة منها: تدخل المؤسسة العسكرية في الاقتصاد والجهاز الإداري والتنفيذي للدولة وذلك من خلال امتلاكها للشركات الاستثمارية والتي تتمكن من خلالها من التأثير على السوق، وكذلك إشرافها على المشروعات الاقتصادية وبذلك تصبح لاعب أساسي في الحياة الاقتصادية، أضف إلى ذلك سيطرتها على الجهاز الإداري ومعظم المؤسسات الحيوية من خلال تعيين رجال القوات المسلحة المتقاعدين في المناصب العليا، وفي بعض الدول لا تحتاج القوات المسلحة إلى تعيينهم في الجهاز الإداري، فنفوذهم يمكنهم من اختراق الجهاز الإداري وتحقيق أهدافهم دون اللجوء للتعيين، وبذلك تتمكن المؤسسة العسكرية من حماية مصالح الدولة العميقة كما حدث في الاتحاد السوفيتي سابقا. وتقوم الدولة العميقة أحيانا بانتهاج الحيل والخداع على المواطنين من أجل الحفاظ على النظام العام ومنظومة القيم والمعتقدات المتعلقة بشكل مباشر أو غير مباشر للدولة. ويستخدم مفهوم «الدولة العميقة» لوصف السلطة التنفيذية التي تعمل سرا باعتبارها جزءا من الدولة، وتقوم بأعمال وعمليات غير مشروعة وبشكل سري، وإذا ما ظهرت هذه العمليات السرية للعلن، لا أحد يتحمل مسؤوليتها، وبهذا المعنى فإن «الدولة العميقة» عادة ما تواجه مشكلة تتعلق بالشرعية، ويتم حل هذه المشكلة عن طريق إبقاء عملياتها سرية. استخدام الجهاز الاداري “البيرقراطية” يعد أحد أدوات الدولة العميقة، وهو فرع عن القانون من أجل إطالة العمليات الادارية على المواطنين والتي من خلالها يعمل الموظف على الحفاظ على النظام العام وعدم إعطاء للمواطن الفرصة بالاعتراض أو احداث خلل في تلك المنظومة. و تقوم الدولة بامتلاك أدوات الاقتصاد والتحكم في الاسواق من أجل الحفاظ على شبكات المصالح الاقتصادية التي تستفيد بشكل ما أو بآخر ببقاء النظام العام على ما هو عليه وفي سبيل ذلك تقوم بافتعال الأساطير والحكايات التي من خلالها تتحكم في مسألة العرض والطلب واتجاهات السوق. الدولة العميقة، كيان حقيقي ، وأنها تظهر في حالات الضعف والتحول غير المكتمل، بحيث تنشأ علاقة عكسية بين الدولة القائمة والدولة العميقة، فكلما ضعفت الدولة القائمة قويت الدولة العميقة، والعكس صحيح. ولا سبيل إلى اضعاف قوة الدولة العميقة إلا بالحكم الرشيد القائم على الديمقراطية الحقيقية، وتبني سياسات تنموية عادلة، وتطبيق القانون على الجميع، والتمسك بالشفافية والمحاسبة والمساواة في الحقوق والواجبات، كل ذلك من شأنه أن يضعف قوة الدولة العميقة. و الى جانب الدولة العميقة التقليدية أو الكلاسيكية التي تولت ادارة امريكا لعقود كان هناك مايسمى حكومة الظل في تلك الأعماق .. وهي بقية الأثرياء والقطاعات الصناعية والراسمالية التي أوجدت تفاهما بينها وبين القوى العميقة الكلاسيكية التي تولت ادارة البلاد لعقود طويلة .. وكانت قوى الظل منكفئة طالما أن مصالحها لاتتأثر ولايتم الاعتداء عليها من قبل مؤسسات الدولة العميقة المنشغلة بمكاسبها. وترامب ليس من مرشحي المؤسسة التقليدية العميقة بل هو مؤشر على تحرك حكومة الظل الموازية وربما نهوض دولة عميقة أخرى لم تعد لامبالية بما تفعله الدولة العميقة التقليدية بل صارت ترى أن من حقها أن تقرر أيضا شكل الرئيس ولونه ولسانه وتكتب له خطاباته وشعاراته .. وعلى هذا الاساس فان ترامب اما أن يكون نتيجة انشقاق ضمن الدولة العميقة التقليدية أو أن هناك نهاية لدولة عميقة كلاسيكية حكمت عقودا طويلة ولكنها تتعرض الآن للتحدي من دولة عميقة تشكلت بهدوء في الظل خلال العقود الأخيرة ووجدت أنها كبرت بما فيه الكفاية لتكون لها حصة في القرار السياسي بعد ان كانت مكتفية بأن تراعي القوة القديمة مصالحها المالية .. الى أن حدث الانهيار الاقتصادي الذي هدد مصالحها ووجدت أنه آن الأوان للحلول محل القوة القديمة او مقاسمتها السلطة للحفاظ على مصالحها لأن مغامرات القوة العميقة العسكرية من أجل مكاسبها الخاصة أدت الى نمو غير متكافئ في الاقتصاد الاميريكي حيث انتعش اقتصاد السلاح والنفط وتآكل الاقتصاد الباقي الذي لايبيع السلاح والنفط .. وهذا ماتسبب في أن ينمو اقتصاد العالم وخاصة في الصين على حساب الاقتصاد الاميركي الذي لاينتمي الى صناعة السلاح وتجارة النفط والمال .. وهنا بدأت طبقة من الأثرياء الجدد الذين نأوا بأنفسهم عن السياسة وقبلوا بحكومة الظل وصارت ترى أنها الأحق بقيادة الدولة والسيطرة على القوة العميقة التقليدية .. وهذه الطبقة التي تقود الاقتصاد الاميريكي المتضرر من سياسات صناعة الحروب تجد ان الحروب تفيد جزءا من النخب الرأسمالية الاميركية وخاصة في المجمع العسكري الصناعي وشركات الطاقة والنفط العابرة للقارات .. وهي حروب لاتعود كثيرا بالنفع على أثرياء حكومة الظل. والتجربة التركية مثلاً أظهرت وجهًا آخر لمفهوم الدولة العميقة، وجه لا يرتبط بالمؤسسة العسكرية التي طالما حاولت الحفاظ على امتيازاتها، وعلى الطابع العلماني الراديكالي للدولة، فبعد فوز حزب العدالة والتنمية بأغلبية المقاعد في البرلمان لمدة عشر سنوات، ونجاحه في تأسيس مرحلة جديدة وسيادة الاستقرار في تركيا، قام باتخاذ خطوات عززت من قوة السلطة التشريعية، واستقلالية القضاء، ورقابته على السلطة التنفيذية، فضلا عن اتخاذ بعض الخطوات تجاه حرية الصحافة والحريات السياسية، هذه الخطوات جعلت حكومة حزب العدالة والتنمية في حاجة إلى عمليات أخرى منفصلة، وبعبارة أخرى، شجعتها على إيجاد «الدولة العميقة»، فرغبة الحكومة في استمرار قوتها وضمان الاستقرار يبرر لها قمع كل القوى المعارضة عن طريق استخدام الأساليب التي تعتبر قانونية في مظهرها، ولكن مشكوك فيها عندما يتعلق الأمر بمدى قانونيتها.
50
الديمقراطية وحقوق ألإنسان د. ماجد احمد الزاملي تعليم الناشئة مبادئ حقوق الإنسان ومجمل المعاهدات والمواثيق الحقوقية التي شرعتها هيئة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين، تعتبر الفضاء المناسب لفتح الافاق الواسعة والخبرات المتعلقة بحقوق الإنسان. وعليه، فاختيار الديمقراطية:" كنهج في تدبير الشأن السياسي وكممارسة وتربية أصبح اختيارا لا رجعة فيه، بل وأصبح معيارا للاندماج في المجتمع الدولي. وأي مساس به أو خروج عن مبادئه أو خرق لسلوكاته يكون كل ذلك مدعاة للتنديد والعزل والإقصاء, و تعرّض أية دولة لذلك يعني استحالة أن تحقق تنميتها وارتقاءها والاستفادة مما يتيحه التضامن الدولي." لقد اكد الرئيس الامريكي ابرهام لنكولن في مقولة له انه لايحق لاي شخص أن يحكم الاخرين دون رضاهم,حيث ان الدولة الديمقراطية ماهي إلا حكومة من الشعب وللشعب.إلا انه ومع الاخذ في الاعتبار جميع الاختلافات التي تشوب الفقه حول تعريف الديمقراطية وجميع مقوماتها ,يمكن التأكيد على وجود مجموعة من الحقوق والحريات العامة التي تمثل الاساس الراسخ لاي نظام ديمقراطي أينما وجد.وعند غياب هذه الحقوق الاساسية لايمكن الحديث عن بناء ديمقراطي سليم يحترم رأي الشعب ويسعى لخدمة مصالحه.ومن الحقوق التي تعتبر الاساس التي تبنى عليه الحقوق الاخرى ,وهذه الحقوق هي حق الحياة ,تحريم التعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو أللاإنسانية او الحاطة من الكرامة,عدم التمييز والمساواة,تحريم الاسترقاق والاستعباد , والحق في الامن والسلامة الشخصية. من المعروف أن الديمقراطية في دلالاتها تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء. وتقابل كلمة الديمقراطية الديكتاتورية والأوتوقراطية اللتين تحيلان على الحكم الفردي وهيمنة الاستبداد المطلق. كما تقترب الديمقراطية من كلمة الشورى الإسلامية وإن كانت الشورى أكثر عدالة واتساعا وانفتاحا من الديمقراطية. وترتكز الديمقراطية على القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات. ومن أهم أسس الديمقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. لقد ألغت الديمقراطية أي شكل من أشكال التسلط على الفرد. ولم تجعل عليه سلطة إلا سلطة العقل ، وبذلك حقق الفرد استقلالية تامة عن أي شكل من أشكال التبعية أو الإلزام، خصوصاً فيما يتعلق بالأفكار وطرق التفكير والمعتقدات والآراء السياسية إلخ.. فاستقلالية الفرد تعني استقلالية العقل الذي أصبح حراً في خياراته ويجسد الإرادة الحرة للإنسان في اتخاذ القرارات التي تناسبه بما يتلاءم مع الإطار العام للمجتمع. إن المشروع الديمقراطي يتطلب اعتماد بناء معرفي قائم على قيم علمية إنسانية، حيث أن التفكير العلمي يبقى المدخل الأساسي للعقلانية، و العقلانية هي المدخل المعرفي الأساسي للديمقراطية، فالديمقراطية التي لا تُمارس على أساس عقلاني هدفها الإنسان الفرد بالدرجة الأولى تبقى ناقصة و مشوهة، لأن الديمقراطية القائمة على العلم و الوعي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق العدالة و المساواة في كافة أشكالها "السياسية و الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية" للفرد، و بالتالي للمجتمع ككل، أي هي الديمقراطية القادرة على تحقيق التوازن في بنية المجتمع دون النظر إلى اعتبارات أخرى "مذهبية، قبلية، أثنية، عشائرية"، وهذا جوهر العلاقة بين الديمقراطية و حقوق الإنسان، لأن الديمقراطية تنظر إلى العمل و العقل كمحددين أساسيين من محددات التقدم، و ذلك على اعتبار "إن ما هو جذري و ذو قيمة أساسية و حاسمة في عالم الإنسان هو الإنسان نفسه، فهو إنسان العمل و الإنتاج و المعرفة، إنسان الخلق و الإبداع و الحضارة، ضد إنسان التواكل و التسليم". الديمقراطية لم تشكل مع مرور الزمن تراثا أوتقليدا ينضم إلى ثقافتنا، بل بقيت مواقف ذهنية ترتبط بشخصية أو شخصيات معينة، و لم تصل إلى مرحلة وعي قائم بذاته يُمارس كعنصر ثقافي، و هذا يعود إلى عوامل التخلف السائدة في ثقافتنا "كإقصاء الآخر لمجرد معتقداته" و هذا سيتم استيعابه والخروج منه من خلال الإيمان بالإنسان و حقوقه التي نصت عليها المعاهدات و الإعلانات و المواثيق الدولية. وبرز مع الديمقراطية أمرا هاما هو حقوق الإنسان الذي تجسّد تطبيقه تطبيقا بشكل حقيقي باحترام الحريات العامة. فحقوق الإنسان مثل الحق في التعبير والفكر والمعتقد والاختيار واحترام كرامته... يدخل في صلب مفهوم الديمقراطية. وتطبيق الديمقراطية هو الذي ارسى بشكل أساسي في تلك الحقوق، وتحويلها إلى قوا |