عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - يوسف أبو الفوز

صفحات: [1] 2
1
(اولاد بديعة ) مسلسل لتجميل العنف وتسويق التفاهة
 
يوسف أبو الفوز


تشير أغلب الإحصاءات، المعتمدة رسميًّا من جهات حكوميّة عربيّة، ومن جهات معتمدة دوليّة، مثل منظمة اليونسكو، الى أن العالم العربي يقف دائماً في ذيل قائمة الأمم القارئة للكتب، فوفقًا الى تقرير صادر عن منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة في شباط 2023، ينشر العالم العربي 1650 كتابًا سنويًا، في وقت ينشر فيه الولايات المتحدة الامريكية 85 ألف كتاب سنويًا.
وتتفوق إصدارات الكتب في الدول الأوروبية بشكل محزن على ما يقابلها في العالم العربي، الذي إذ يصدر فيه كتابان سنويا، ففي الوقت نفسه يصدر في اوروبا 100 كتاب. والتقرير نفسه يشير الى أن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنويًا، بينما الطفل الأميركي يقرأ 6 دقائق يوميًا.
 وبعد ...؟
تعاني الثقافة، بشكل عام، في البلدان العربيّة، من انحدار مريع، مع تهدم البنى التحتية الاجتماعية والسياسية، في العديد من الدول العربيّة، واختفاء أهم المؤسسات المدنية الفاعلة وتشوه تركيب المجتمعات، بزوال الطبقة المتوسطة، وظهور طبقة طفيليّة ساعدت على انقسام المجتمعات العربية طائفيًّا وإغراقها في طقوس غيبيّة، ويترافق كل ذلك مع التدهور في الحياة الاقتصادية، لأغلب البلدان العربية، وعيش العديد منها على عوائد النفط فقط، وتحولها الى بلدان استهلاكية وغير منتجة لاي بضاعة.
في الجانب الآخر، نجد أنفسنا، في العديد من البلدان العربية، نقف أمام حقيقة مريعة، هي تحول غالبية العاملين في حقول الثقافة الى موظفين في الدولة، وغياب وتغييب لدور المثقفين العضويين، فيوفر الفرصة لبروز جمهرة من المتثاقفين و(المثقفين نص ردن) أصحاب ثقافة الوجبات السريعة، ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي، مع غياب أطر ثقافية فاعلة قادرة على خلق نهضة ثقافية، واستمرار معاناة المثقفين الحقيقيين مع تسيّد الأنظمة القمعيّة وأذرعها البوليسية من مليشيات وأجهزة أمنية قمعية، التي تفرض قيودًا لا عد لها حول أي نشاط ثقافي يتعارض مع منطلقاتها المذهبية والايديولوجية، يترافق هذا مع انتشار الأميّة، وتدهور أوضاع التعليم، بل وانحداره في بعض من البلدان العربية، هكذا تحولت القنوات الفضائية، المتكاثرة مثل الفطر، الى المصدر الأهم للمواطن العربي، منها يتلقى المعلومات والأفكار، عبر ما تقدمه وتسمح به الأنظمة الحاكمة ومؤسساتها الرقابيّة، من برامج ومسلسلات تمثيليّة وأغان، تنشر الأفكار الظلاميّة والسطحيّة. هكذا أصبحت مصادر المعرفة بالنسبة للمواطن العربي محدودة، وصار يتلقى باستمرار جرعات من التفاهة عبر ما تقدمه له الفضائيات من مسلسلات تلفزيونية تسهم في تشكيل، وعيه وتربية ذوقه وقيمه.
في شهر رمضان المنصرم، تورطت ـ بالمعنى الكامل للكلمة!  وتابعت على مضض مسلسل (أولاد بديعة) من إنتاج شركة بنتا لينس، تأليف علي وجيه ويامن الحجلي وإخراج رشا شربتجي، وشارك في أداء أدواره نخبة من نجوم الدراما السورية. كنت أنشد بعض المتعة والمعرفة، فوجدت نفسي أخوض في مستنقع حكاية مفككة تجمّل القبح والجريمة والأفعال الشائنة وتحاول تقديمها خلف غطاء أسماء نخبة العاملين والنجوم من ممثلين وفنيين. ماذا أراد المسلسل أن يقول وأية رسالة؟ أي حكاية قدم؟.
غابت روح المنطق من كل الحكاية التي قدمها المسلسل، وسادت روح الثأر والانتقام التي سكنت قلوب أغلب الشخصيات، وجعلتهم يرتكبون سلسلة من الجرائم التي يقدمها المسلسل كأفعال مبررة وربما بطوليّة، ولأجل مط المسلسل الى ثلاثين حلقة، تم حشوه بكذا حكاية جانبيّة، رهلت أكثر من حكاية الأخوة الأعداء المتخاصمين حول الإرث والوجاهة والنسب.
يردد كبار السن، بأن (الكذب المصفط أفضل من الصدق المخربط)، ولكننا خلال ثلاثين حلقة، لم نجد لا كذبا مصفطا ولا خربطة صادقة.
طبّل منتجو العمل كثيرا، لاجل التسويق، في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لما سموه بجرأة العمل، ولم أجد فيه كمشاهد أية أفكار جريئة تستحق التوقف عندها، ولا مشاهد فنيّة جريئة تستحق الإشادة، لم يكن هناك من (جرأة) سوى مشاهد كباريه عادية ترتدي فيه الراقصة سكر (الممثلة سلافة معمار) شورت رياضة تحت ملابس الرقص، فأين الجرأة؟.
لقد جمّل المسلسل بشكل فج الجرائم القبيحة والأعمال المشينة، التي ارتكبها أغلب شخصيات المسلسل، بل وتركهم من دون عقاب، وكما يبدو، ولأجل انتاج موسم ثانٍ، حاول ان يحول (أولاد بديعة) الى وطنيين بتعاونهم مع الأجهزة الأمنية وذلك بغدرهم بأحد شركائهم في الجرائم.
من المؤسف أن إمكانيات فنيّة وطاقات تمثيليّة، تهدر لإنتاج مسلسل بقصة مفبركة، إذ لا تخلو حلقة واحدة من حلقاته الثلاثين من أحداث مفتعلة وغير منطقيّة، وحيث تتطور الاحداث بشكل ملفق، مثل محاولة قتل أبو الهول (الممثل محمد حداقي) فإذ ينجو من المحاولة الاولى، بعد مشهد ساذج وذلك بفك عجلات سيارته التي سقطت في الوادي وتحولت الى خردة، ويتبين عدم موته!! ولأجل الخلاص من ابتزازه واسكاته تقرر الراقصة سكر وأخوها ياسين (الممثل يامن الحجلي) قتله على الطريق العام، السريع، بتفجير سيارته بعد رميها بالقنابل اليدويّة! وكأنَّ راكبي وسائقي السيارات المارة على الطريق السريع العام، في بلد عربي، مثل سوريا، مكفوفي البصر!!، فلم يلاحظوا تفجير السيارة ليتصل أحدهم بالسلطات المعنية، وتركوا أخوة بديعة بسهولة يأخذون جثة غريمهم لدفنها وتغييبها، وفق رغبة كاتب ومخرج العمل.
 الميزة الوحيدة لهذا المسلسل، أنه لا يمكنك توقع سير الاحداث وتطور الشخصيات، إنه يذكر بالمسلسلات الامريكية التي تنتج لذات الأهداف، تسطيح وعي المشاهد، وتسمى مسلسلات (ربات البيوت) حيث تكتب قصصها حسب رغبة المشاهدين والمتابعين، فتختفي منها شخصيات وتعشق وتتطلق وتتزوج شخصيات حسب طلبات ورغبات المشاهدين، وكأني بمسلسل (أولاد بديعة) تكتب حكايته خلال انتاج العمل، فالشخصيات تظهر وتختفي من دون مبررات مقنعة، تهبط وترتفع، تحب وتكره، تؤمن وتكفر، تعادي وتصالح، من دون منطق ومن دون مبررات كافية.
وستكون قمة السخرية والهزء بعقول الناس إذا تم انتاج موسم ثانٍ من هذا المسلسل، الذي يمجّد القبح ويجمّل الجريمة والشر وقدم للاسرة العربية، بحضور الكبار والأطفال، في الشهر الطهور، جرعة عالية من العنف، و... يا عزيزي القارئ، ليختر المواطن العربي ديكتاتوره المفضل ويرفع صورته في بيته، ولا تسأل لماذا يتم الاعجاب به من قبل آخرين كثيرين!، فهناك من يعمل على تجميل القبح والشر وتبرير التفاهة.

2
المنبر الحر / صورة الكوكب!
« في: 18:40 11/04/2024  »
صورة الكوكب!
يوسف أبو الفوز

رحل كوكب العراق، المبدع كوكب حمزة، فكيف نرسم صورة هذا الكوكب؟
يقول الفنان كوكب حمزة في أحد لقاءاته الصحفية، ان أمه اختارت له أسمه، وربما يكونوا أقتبسوه من آية قرآنية، وكأنهم يرسمون له، من أيامه الأولى، مستقبلا باهرا، فارضين عليه العمل لنثر نور المحبة، عبر شعاع الالحان، على مساحات شاسعة على كوكب الأرض.
أعتبر العديد من النقاد الموسيقيين، ان ألحانه، مع زملاءه طالب القره غولي وكمال السيد، ساهمت بنهضة فنية، خرجت بالأغنية العراقية من قالب الالحان القديمة ــ الطقطوقة ــ الى أغنية حديثة، جادة تحمل التنوع. وأطلق كثيرين على كوكب حمزة لقب (مكتشف الأصوات الجديدة)، لأنه قدم حسين نعمة، رياض احمد، سعدون جابر، ستار جبار، أسماء المنور، فاطمة القرياني وعلي رشيد وآخرين.
هل هذا يكفي لتحديد معالم شخصية هذا الكوكب؟
كانت جريمة هذا الكوكب، انه اتشح بثوب اليسار، بأنتماءه الى صفوف الحزب الشيوعي العراقي، فصارت ألحانه تشع ليس جمالا وحداثة، بل عند أجهزة النظام الديكتاتوري ــ وما تبعها ـ مطارقا ومعاولا ومناجلا، فكان عليه، الخشية من الاغتيال على طريقة فيلم Z ـ على حد قوله ــ والاضطرار لمغادرة العراق عام 1974 بحجة الدراسة.
لم يرضخ كوكب حمزة لإغراءات ومضايقات أجهزة النظام العفلقي البعثي. لم يشأ ان يكون ضمن جوقة المرتزقة الطبالين من جمهرة الملحنين والشعراء الذين جملوا صورة النظام البعثي وقادته وثم حروبه، وظل يرفض بإصرار نصوصا بعثية تقدم اليه لتلحينها، فأختار المنفى ليكون بيته، وواصل في منفاه، الذي تعددت محطاته، صموده في المقاومة بموقف رافض لا يلين، توج ذلك بالالتحاق بفصائل الأنصار الشيوعين لمقارعة النظام الشوفيني الصدامي.
دفع الفنان كوكب حمزة، المناضل أبو جميلة، ثمن موقفه الرافض، المعارض، غاليا، بمعاناة مستمرة من التهميش والتضيق من المؤسسات الثقافية العربية، بتحريض من مؤسسات النظام الديكتاتوري. رغم ذلك، ظل كوكب مخلصا لموقفه الرافض ومبادئه، مصرا على الحفر بأنامله في الصخر لتقديم الحانا تليق بأسمة وتأريخه، تنشد لشعبه والإنسانية الحرية، الكرامة والسعادة.
ولو أردنا رسم صورة هذا الكوكب، فأن الصورة المناسبة لتوصيفه، تكون صورة الفنان الملتزم بقضايا شعبه، صاحب الموقف الرافض للأنظمة الديكتاتورية والفاسدة، الذي سيبقى اسمه كوكبا دريا في سماوات المجد والكرامة والموقف.

 









في قطار مترو استوكهولم، في أيار 2011، مع الراحل أبو جميلة في الطريق لحضور مهرجان فرقة ( طيور دجلة)

3
إعادة كتابة التاريخ تلفزيونياً
يوسف أبو الفوز

كنت، وبشكل مبكر في حياتي، شغوفاً بالقراءة. اقرأ بنهم شديد كل أنواع الكتب التي أعثر عليها. في تلك الأيام البعيدة، وأنا في الرابع الإعدادي، عثرت في أحد رفوف (المكتبة الحسينيّة) في مدينتي السماوة، على كتاب صغير الحجم بعنوان (قلعة الموت)، لا أتذكر حاليا اسم كاتبه، لكنني ظننت أنه قصة مغامرات بوليسية، فهناك (قلعة) حيث الأسرار، وأيضا (الموت) حيث التحديات والمطاردات! فمثل أبناء جيلي كنت مسكونا ـ وما زلت ـ بقصص أجاثا كريستي، وللمفارقة أن رواية لي صدرت عام 2022، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في القاهرة، عنوانها (جريمة لم تكتبها اجاثا كريستي (!
مع قراءة أول الصفحات، من ذلك الكتاب، الذي ظننه قصة بوليسية، جعلتني أعيد قراءة العنوان من جديد لأفهم ان الناشر أرتكب خطأ إملائياً وأني قرأته وفهمته بشكل خاطئ، فالعنوان يجب ان يكون (قلعة آلموت)، يومها تعرفت على حسن الصباح وفرقة الحشاشين، كفرقة إسلامية باطنية، اشتهرت بتنفيذ عمليات اغتيالات شخصيات مرموقة في تلك المرحلة، وقادني ذلك الى البحث عن مصادر أخرى، لأتابع ليس هذه الفرقة وحدها، بل والعديد من الفرق والجماعات الإسلامية، التي عارضت الظلم والطغيان ودعت للعدالة الاجتماعية، وبعضها حمل السلاح بوجه الأنظمة القمعيّة.
قادني كتاب (قلعة آلموت) الى قراءة كتب اخرى في نقد الفكر الديني، عالقا منها في بالي كتاب (اليمين واليسار في الإسلام) للدكتور احمد عباس صالح، وايضا كتاب (الحركات السريَّة في الإسلام) تأليف الدكتور محمد إسماعيل، الذي اعتز كوني حاليا أملك في مكتبتي الشخصية، نسخة من طبعته الأولى، بورق أسمر مهترئ، صادرة عن دار القلم في بيروت، عام 1973، قدمها كهدية صديق فلسطيني عزيز بعدما لاحظ تعلقي بالكتاب الذي ـ كان ومازال ـ يثير في البال الكثير من الذكريات والشجون.بعد ذلك جاءت قراءات في كتب من تأليف حسين مروة وأيضا صادق جلال العظم وآخرين. وهكذا فإن ذلك الكتيب الصغير عن الحشاشين وقلعتهم الغامضة كان حافزا كبيرا لي، ومفتاحا لباب من المعرفة ربما ظل موصدا لولا عثوري عليه.
يعرض حالياً في عدة قنوات تلفزيونية، ضمن موسم شهر رمضان، مسلسل (الحشاشون) إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلاميّة المصريّة، من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج بيتر ميمي ويقوم بدور حسن الصباح الممثل المصري كريم عبد العزيز. لاقى المسلسل إقبالا كبيرا وآراء متعارضة في المدح والذم. وغصت وسائل التواصل الاجتماعي بالعشرات من الكتابات التي تبحث عن ثغرات في العمل، وكشف سقطات تاريخية وعدم دقة في الاحداث قد يكون وقع فيها. يعد العمل انتاجا ضخما متميزا في طريقة تصويره وبناء ديكوراته واختيار أماكن تصوير تاريخية في ثلاث قارات، حسب تصريحات مخرج العمل، في دول منها مصر، لبنان، سوريا، المغرب، مالطا وكازاخستان، حيث القلاع التاريخية. لام العديد من المتابعين صناع المسلسل على عدم الالتزام بالدقة التاريخية في الديكورات، فبعض القلاع التي تم التصوير فيها تعود الى العهد المملوكي وهي فترة لاحقة بقرون عديدة على الفترة الزمنية التي ظهر فيها الحشاشون. ولام آخرون إسناد المسلسل اسم الجماعة لاستخدامهم مخدر الحشيشة لتجنيد الاتباع، وطرحوا تفسيرات أخرى للاسم، منها اضطرارهم لأكل حشيش الارض، ليبقوا على قيد الحياة، حين حاصرتهم جيوش السلاجقة. وآخرين وجدوا في المسلسل، ما سموه، الربط التعسفي بين فرقة الحشاشين وجماعة الاخوان المسلمين، كما تريد جهات أمنية ترتبط بشركة الإنتاج. وهناك العديد من الآراء التي تشيد بالمسلسل من ناحية جهد الإنتاج والأسلوب المتميز في الإخراج ومستوى التمثيل وتجسيد الشخصيات.
المعروف ان هناك العديد من المؤلفات التي تناولت جماعة الحشاشين، كطائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية، لكن اغلبها تستند الى روايات غير موثقة، ربما أشهرها وأكثرها عرضة للتشكيك، هي رواية الرحالة والتاجر الإيطالي ماركو بولو (1254ــ 1324م)، الذي يعتبر اول من كتب عنهم في القرن الثالث عشر الميلادي وأطلق لقب (شيخ الجبل) على حسن الصباح في كتابه (رحلات ماركو بولو)، ولكن روايته استندت الى السماع ولم يلتقهم ولم يزر قلعتهم، فروايته عنهم أساسا غير دقيقة وغير منصفة الى حد ما.  وبما ان كتب الحركات المعارضة في تاريخ الإسلام عموما أحرقت وابيدت على يد خصومهم، كما يشير الى ذلك الدكتور محمود إسماعيل، فإن أغلب ما وصلنا عن الحركات المعارضة كان مزيفا ومشوها وفيه الكثير من الافتراءات وعدم الدقة، فالتاريخ كتبه مؤرخو الملوك ـ على حد قول منسوب لابن عربي ـ، هكذا فإن كل ما وصلنا عن الخوراج، القرامطة، المرجئة ومثلهم الحشاشون، وغيرهم من الفرق والجماعات، لم يكن دقيقا وحمل وجهات نظر القوى الحاكمة. وهذا معناه ان الحكاية التي يقدمها مسلسل "الحشاشون"، استندت الى مصادر أساساً غير دقيقة، وتحتمل الكثير من الجدل. لا يغيب عن بالي كمتابع وقارئ، بأن مسلسل "الحشاشون" التلفزيوني، ليس فيلما وثائقيا، بل يقدم قصة خيالية، تحتمل اجتهاد فريق العمل، كاتب ومخرج، في خلق شخصيات درامية واحداث تنفع في خلق التشويق لجذب المشاهدين للمتابعة، لكن خطورة الامر تكمن في ان المسلسلات التلفزيونية التي تتناول أحداثا تاريخية، تسهم في إعادة كتابة التاريخ من خلال الرؤية السياسية والطائفية لمنتج العمل أساسا والذي دفع الأموال الطائلة من اجل اهداف محددة. يترافق هذا مع هبوط عام في مستوى تداول وقراءة الكتاب في عموم الوطن العربي، حيث صارت الفضائيات هي مصدر المعلومات لدى غالبية عموم الشعوب العربية التي ترتفع فيها نسبة الأميَّة بشكل مخيف، من هنا فإن ما يقدمه التلفزيون من قراءات للتاريخ تكون هي المرجع لدى الكثير من المشاهدين، ولا يخرج مسلسل "الحشاشون" عن هذا المنحى.
في البال ما حصل قبل سنوات ليست بعيدة، حين وجدت نفسي طرفا في نقاش حول شخصية صلاح الدين الايوبي. في روايتي (تحت سماء القطب) صدرت عام 2010 عن دار موكرياني في أربيل، إحدى شخصيات الرواية، وهو مدرس تاريخ، عرض صلاح الدين كونه قائدا إسلاميا، طائفيا، ورجال مخابراته (البصاصين) يحصون أنفاس معارضيه، الذين غصت بهم سجونه، وأحرق المكتبة الفاطمية في مصر، تحديداً مكتبة دار الحكمة التي تحوي أمهات الكتب وعشرات الوثائق والمخطوطات المهمة، وأيضا أمر بقتل المفكر أبو الفتوح السُّهْرَوَرْدي، بناء على مطالبة فقهاء حلب الذين وجدوه يفكر بشكل مختلف فاِتّهموه بتبني أفكار القرامطة، وكان العالم الزاهد تبنى مذهب الإشراق الذي يقوم في جملته على أن مصدر الكون هو النور، محاولاً تفسير الوجود ونشأة الكون والإنسان. يذكر أن السُّهْرَوَرْدي القتيل، إسماعيلي العقيدة، وكان في شبابه داعية للفرقة النزارية، مثل حسن الصباح، الذي فشلت محاولته لاغتيال صلاح الدين الايوبي قرب مدينة حلب وتمكن فدائيوه من قتل العديد من الأمراء، ولكن صلاح الدين نفسه لم يصب سوى بجروح بسيطة بفضل الدروع التي كان يرتديها. في ذلك النقاش، عن صلاح الدين الايوبي، اعترض على وجهات نظري أحد الحاضرين، وحين سألته عن مصدر معلوماته، قال بثقة: المسلسل التلفزيوني!



4
إطلالة من هلسنكي:
كاتب وكتاب
كتابة : يوسف أبو الفوز
 تصوير : شادمان علي فتاح


عن طريق الشعب البغدادية عدد يوم 28 آذار 2024

صدر مؤخرا للشاب المغترب، دلير ملا برويز كاكايي، المقيم في فنلندا، وعن دار) ك 24 (في أربيل، وباللغة الكردية رواية ( شه كره كور ــ الولد الجميل ) . تقع الرواية في 132 صفحة من القطع المتوسط. التقينا بالشاب دلير وجرت دردشة حول الرواية، التي هي اول اصدار له، وبين ان الرواية تتوقف عند موضوعات الوجود بشكل فلسفي، وتحاول عبر احداث خيالية فيها شيء من الواقع، تدور في قرى وقصبات كردستان، اخبارنا عن إن كانت المادة لا تفنى فأن روح الانسان بعد وفاته باقية أيضا. وتحاول عبر منطق فلسفي، مناقشة موضوع الموت والخلود ومن وجهات نظر مختلفة. الرواي الكلي الاطلاع في الرواية المتعلق جدا بوالده، بعد رحيله، يخوض مغامرة بحث في الوجود، مسترشدا بتوصيات موسيقي شبه مجنون، فيلتقي بمختلف رجالات الدين، فيعرف من حواراته معهم بان الموت عندهم واحد. وفي سعيه للبحث عن روح والده، يتحول الى شكل ناسك، زاهد، ينسى احتياجاته الإنسانية، بل في حواراته مع النار عقد صداقة خاصة معها، مستلهما أفكار فلسفية دينية تتغذى من أفكار زرادشتيه وكاكائية، وإذ ترشده حواراته مع النار الى كون الانسان لا يموت، يتزوج ويلد له طفل جميل يكتشف ان له عيني والده الراحل.
من الجدير بالذكر ان دلير ملا برويز كاكايي من مواليد 1980 في مدينة كركوك، وصل فنلندا عام 2002، ومؤخرا انهى دراسته الجامعية حيث درس المحاسبة والاقتصاد .




5
سهرة مع أعمال الموسيقار الفنلندي العالمي كاليفي آهو بحضوره

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

قدر لي مؤخرا أن اقضي سهرة موسيقية رائعة ومتميزة، مع شريكة حياتي وأصدقاء اعزاء، في دار الموسيقى في هلسنكي. كان السهرة مخصصة للاحتفاء بعيد ميلاد الموسيقار الفنلندي العالمي كاليفي آهو (75 سنة)، الذي حضر الحفل بكل تواضع وجلس وسط الجمهور، الذي في ختام الحفل، وقوفا، غنى لعيد ميلاده بمصاحبة الموسيقيين.
تشير سيرة الموسيقار كاليفي آهو الى انه علّم نفسه العزف على آلة الماندولين حين كان في التاسعة من العمر فألحقه والديه بدورات موسيقية خاصة، فتعلم كتابة النوتة والعزف على الكمان وثم البيانو حيث امتلك وعمره 15 عاما بيانو خاص جعله يبدأ بالتأليف الموسيقي المبكر. في بداية الحفل، حيث تم تقديم الموسيقار لجمهور الحاضرين، ذكر أنه في بداية حياته درس العلوم الطبيعية، وتخصص بالرياضيات، لكنه أواخر الستينات قرر التركيز على الموسيقى، وذكر أنه في بداياته تعلم التأليف الموسيقي الى حد كبير من خلال الاستماع إلى الموسيقى في الراديو، وعندما التحق لدراسة الموسيقى في أكاديمية جان سيبيليوس (1865 ــ 1957) في هلسنكي، في الفترة من 1969 إلى 1971، تحت إشراف الموسيقار الفنلندي الشهير أينو يوهاني راوتافارا ( 1928ـــ 1916)، كان جاهزًا بالفعل كملحن لدرجة أنه أتقن بسرعة متطلبات الاختبار.
ثم واصل دراسته في برلين الغربية في الفترة من 1971 إلى 1972، تحت إشراف الموسيقار الألماني بوريس بلاشر (1903 ــ 1975) الذي عانى من العسف والاضطهاد الهتلري. في سن الرابعة والعشرين، كان في سجل كاليفي آهو لا يقل عن أربع سمفونيات تقدمها أشهر الفرق الموسيقية. وخلال عمله كمحاضر في علم الموسيقى، عام 1974، في أكاديمية سيبيليوس وثم من عام 1974 حتى عام 1988 في جامعة هلسنكي، قدم للجمهور اعمالا موسيقية كلاسيكية اكسبته شعبية خلال السبعينات، لكنه سرعان ما غير أسلوبه إلى الحداثة وما بعد الحداثة. بعد تقاعده من تدريس الموسيقى وقيادة عدة فرق سيمفونية عام 1993، صار يعمل كملحن مستقل بمنحة خاصة من الدولة. سجله الموسيقي يحتوي على ثمانية عشر سيمفونية، وسبعة وثلاثين كونشيرتو، وخمس أوبرات. يشمل سجله أيضا على العديد من الخماسيات والرباعيات والسوناتات والأعمال الفردية. اشتهر لأول مرة بسيمفونيته الأولى (1969) والرباعية الوترية الثانية (1970)، وقدمت اعماله في العديد من عواصم العالم إضافة للمدن الفنلندية ونال العديد من الجوائز والتكريمات من مهرجانات محلية وعالمية. اعتبر أسلوبه ينتمي الى مرحلة ما بعد الحداثة، لاشتهاره بالاقتباسات وتجاهله السرد الكلاسيكي في الموسيقى، فموسيقاه كما تشير سيرته الموسيقية الى انها تمتاز بتقنية تركيبية متعددة الالحان. في السيمفونية الرابعة عشرة (الطقوس) تكون آلات الإيقاع الشرقية مثل الدربكة والطبل في وضع عزف منفرد تقريبًا. في كونشيرتو المزمار، استخدم السلم الموسيقي العربي واعتمد الإيقاع العربي، كما هيمنت الأنماط الإيقاعية المتكررة المعقدة المرتبطة بالموسيقى الشرقية على الحركتين الثانية والرابعة من السيمفونية الخامسة عشرة. والهمته طقوس الشامانية الاسكندنافية القديمة، كتابة كونشيرتو الإيقاع المنفرد حيث يقوم العازف المنفرد بالتبديل من آلة إلى أخرى.
وعلى موقع الإذاعة الوطنية الفنلندية كتبت الناقدة الموسيقية نورا هيرن، بان السيمفونية الثامنة عشرة الجديدة للملحن تعكس الإحباط القوي من الحرب وتصاعد التسلح والخطاب العنصري والسياسة الاقتصادية اليمينية. وقال لها أنه بدأ بتأليف السيمفونية الثامنة عشرة عندما استمرت الحرب في أوكرانيا لأكثر من عام، وبدأت النزعة العسكرية والتسليح في الانتشار مع انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، إذ بدت له فكرة وضع أسلحة نووية في فنلندا مخيفة، ويقول بإن كراهية النزعة العسكرية والحروب أثرت عنده على السيمفونية. وتذكر الناقدة نقلا عنه، كونه يشعر بالرضا عن مسيرته، لان أتيحت له الفرصة لتأليف جميع أنواع الموسيقى، وتمكن فيها من اختبار حدوده وامكانياته، أيضا يعتبر دائما مثله الأعلى الفنان شارلي شابلن، فأفلامه تتحدث الى جميع الناس.
الأمسية التي حضرناها في دار الموسيقى، ابتدأت بقطعة موسيقية لفولفغانغ أماديوس موزارات (1756 ـــ 1791)، كانت الأولى من نوعها عام 1784، حيث تتحاور الات النفخ مع البيانو في عرض مدهش، ثم قدم عدة عازفين مقطوعات موسيقية مذهلة، من تأليف الموسيقار كاليفي آهو، الذي نسجها على غرار موزرات، واعتبر النقاد خماسياته تتسم بالجرأة وتنتمي لمرحلة ما بعد الحداثة حيث عرفت التنوع في الاساليب. من الأشياء الطريفة ان الموسيقار الفنلندي كاليفي آهو في أحد مقطوعاته التي استمعنا اليها خلق حوارا بين آلة الكونترباص (العازف آبو يوتيلاينين) مع آلة نقر يابانية محلية (العازف ناكي ياسودا)، شخصيا اول مرة اشاهدها، وكان أداء العازفين فيها مذهلا.
كان العازفون في الحفل: أومير بوستي ( الة المزمار)، كريستوفر سيندكفست (الكلارنيت)، أوتو فيرتانين (الباسون) ، بيتر يانوسي (البوق الفرنسي)  و يوكو لايفافور(البيانو).
 

6
سهرة مع أعمال الموسيقار الفنلندي العالمي كاليفي آهو بحضوره

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

قدر لي مؤخرا أن اقضي سهرة موسيقية رائعة ومتميزة، مع شريكة حياتي وأصدقاء اعزاء، في دار الموسيقى في هلسنكي. كان السهرة مخصصة للاحتفاء بعيد ميلاد الموسيقار الفنلندي العالمي كاليفي آهو (75 سنة)، الذي حضر الحفل بكل تواضع وجلس وسط الجمهور، الذي في ختام الحفل، وقوفا، غنى لعيد ميلاده بمصاحبة الموسيقيين.
تشير سيرة الموسيقار كاليفي آهو الى انه علّم نفسه العزف على آلة الماندولين حين كان في التاسعة من العمر فألحقه والديه بدورات موسيقية خاصة، فتعلم كتابة النوتة والعزف على الكمان وثم البيانو حيث امتلك وعمره 15 عاما بيانو خاص جعله يبدأ بالتأليف الموسيقي المبكر. في بداية الحفل، حيث تم تقديم الموسيقار لجمهور الحاضرين، ذكر أنه في بداية حياته درس العلوم الطبيعية، وتخصص بالرياضيات، لكنه أواخر الستينات قرر التركيز على الموسيقى، وذكر أنه في بداياته تعلم التأليف الموسيقي الى حد كبير من خلال الاستماع إلى الموسيقى في الراديو، وعندما التحق لدراسة الموسيقى في أكاديمية جان سيبيليوس (1865 ــ 1957) في هلسنكي، في الفترة من 1969 إلى 1971، تحت إشراف الموسيقار الفنلندي الشهير أينو يوهاني راوتافارا ( 1928ـــ 1916)، كان جاهزًا بالفعل كملحن لدرجة أنه أتقن بسرعة متطلبات الاختبار.
ثم واصل دراسته في برلين الغربية في الفترة من 1971 إلى 1972، تحت إشراف الموسيقار الألماني بوريس بلاشر (1903 ــ 1975) الذي عانى من العسف والاضطهاد الهتلري. في سن الرابعة والعشرين، كان في سجل كاليفي آهو لا يقل عن أربع سمفونيات تقدمها أشهر الفرق الموسيقية. وخلال عمله كمحاضر في علم الموسيقى، عام 1974، في أكاديمية سيبيليوس وثم من عام 1974 حتى عام 1988 في جامعة هلسنكي، قدم للجمهور اعمالا موسيقية كلاسيكية اكسبته شعبية خلال السبعينات، لكنه سرعان ما غير أسلوبه إلى الحداثة وما بعد الحداثة. بعد تقاعده من تدريس الموسيقى وقيادة عدة فرق سيمفونية عام 1993، صار يعمل كملحن مستقل بمنحة خاصة من الدولة. سجله الموسيقي يحتوي على ثمانية عشر سيمفونية، وسبعة وثلاثين كونشيرتو، وخمس أوبرات. يشمل سجله أيضا على العديد من الخماسيات والرباعيات والسوناتات والأعمال الفردية. اشتهر لأول مرة بسيمفونيته الأولى (1969) والرباعية الوترية الثانية (1970)، وقدمت اعماله في العديد من عواصم العالم إضافة للمدن الفنلندية ونال العديد من الجوائز والتكريمات من مهرجانات محلية وعالمية. اعتبر أسلوبه ينتمي الى مرحلة ما بعد الحداثة، لاشتهاره بالاقتباسات وتجاهله السرد الكلاسيكي في الموسيقى، فموسيقاه كما تشير سيرته الموسيقية الى انها تمتاز بتقنية تركيبية متعددة الالحان. في السيمفونية الرابعة عشرة (الطقوس) تكون آلات الإيقاع الشرقية مثل الدربكة والطبل في وضع عزف منفرد تقريبًا. في كونشيرتو المزمار، استخدم السلم الموسيقي العربي واعتمد الإيقاع العربي، كما هيمنت الأنماط الإيقاعية المتكررة المعقدة المرتبطة بالموسيقى الشرقية على الحركتين الثانية والرابعة من السيمفونية الخامسة عشرة. والهمته طقوس الشامانية الاسكندنافية القديمة، كتابة كونشيرتو الإيقاع المنفرد حيث يقوم العازف المنفرد بالتبديل من آلة إلى أخرى.
وعلى موقع الإذاعة الوطنية الفنلندية كتبت الناقدة الموسيقية نورا هيرن، بان السيمفونية الثامنة عشرة الجديدة للملحن تعكس الإحباط القوي من الحرب وتصاعد التسلح والخطاب العنصري والسياسة الاقتصادية اليمينية. وقال لها أنه بدأ بتأليف السيمفونية الثامنة عشرة عندما استمرت الحرب في أوكرانيا لأكثر من عام، وبدأت النزعة العسكرية والتسليح في الانتشار مع انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، إذ بدت له فكرة وضع أسلحة نووية في فنلندا مخيفة، ويقول بإن كراهية النزعة العسكرية والحروب أثرت عنده على السيمفونية. وتذكر الناقدة نقلا عنه، كونه يشعر بالرضا عن مسيرته، لان أتيحت له الفرصة لتأليف جميع أنواع الموسيقى، وتمكن فيها من اختبار حدوده وامكانياته، أيضا يعتبر دائما مثله الأعلى الفنان شارلي شابلن، فأفلامه تتحدث الى جميع الناس.
الأمسية التي حضرناها في دار الموسيقى، ابتدأت بقطعة موسيقية لفولفغانغ أماديوس موزارات (1756 ـــ 1791)، كانت الأولى من نوعها عام 1784، حيث تتحاور الات النفخ مع البيانو في عرض مدهش، ثم قدم عدة عازفين مقطوعات موسيقية مذهلة، من تأليف الموسيقار كاليفي آهو، الذي نسجها على غرار موزرات، واعتبر النقاد خماسياته تتسم بالجرأة وتنتمي لمرحلة ما بعد الحداثة حيث عرفت التنوع في الاساليب. من الأشياء الطريفة ان الموسيقار الفنلندي كاليفي آهو في أحد مقطوعاته التي استمعنا اليها خلق حوارا بين آلة الكونترباص (العازف آبو يوتيلاينين) مع آلة نقر يابانية محلية (العازف ناكي ياسودا)، شخصيا اول مرة اشاهدها، وكان أداء العازفين فيها مذهلا.
كان العازفون في الحفل: أومير بوستي ( الة المزمار)، كريستوفر سيندكفست (الكلارنيت)، أوتو فيرتانين (الباسون) ، بيتر يانوسي (البوق الفرنسي)  و يوكو لايفافور(البيانو).
 

7
انتشار وباء التهاب الكبد في فنلندا.. السبب؟
يوسف أبو الفوز
أشار التلفزيون الفنلندي، وموقع الإذاعة العامة الوطنية الفنلندية Yle الى ان انتشار وباء التهاب الكبد E في بداية هذا العام يعد استثنائيًا من نواحٍ عديدة في فنلندا. وعادة يعتبر مرض ما وباء حين تكون هناك إصابات أكثر من المعتاد في فترة زمنية معينة في منطقة معينة.
فمن المعروف أن التهاب الكبد E كوباء معدي بسبب مواد غذائية حصل مرة واحدة فقط من قبل، لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض، والآن أصيب مائة شخص بالفعل، ففي الأسابيع الأخيرة، فوجئت فنلندا بالعدد القياسي المرتفع لحالات الإصابة بالتهاب الكبد E ، ووفقاً لسجل الأمراض المعدية التابع لمعهد الصحة والرعاية الاجتماعية، تم تسجيل إجمالي 99 إصابة مؤكدة مختبرياً هذا العام منذ بداية يناير وحتى 15 آذار. وفي الوقت نفسه من العام الماضي، تم تسجيل ثلاث حالات فقط، وفي السنوات الأخيرة تم اكتشاف ما متوسطه ثلاثين إصابة سنوياً. واغلب حالات المرض المكتشفة المعلنة كانت في شمال وشرق فنلندا. 
أن فيروس التهاب الكبد E يمكن أن يسبب مرض التهاب الكبد. وحسب المصادر الصحية فيبدو أن القاسم المشترك لحالات التهاب الكبد E هو نقانق اللحم التي يأكلها المرضى، ولكن هذا ليس مؤكدا بعد. قالت الخبيرة الخاصة إيلينا لينونين لموقع Yle، إن تتبع الأغذية وفحص العينات مستمر في وكالة الأغذية.
 - في دراسات العينات الغذائية، تم العثور على فيروس التهاب الكبد E في منتجات نقانق اللحوم، ولكن لا يزال قيد التحقيق ما إذا كانت هذه المنتجات مرتبطة بإصابة الأشخاص بالمرض. على سبيل المثال، ما زلنا لا نعرف ما إذا كانت الفيروسات الموجودة في نقانق اللحوم والبشر هي نفسها.
وذكرت مصادر صحفية ان شركة تصنيع الأغذية Kotivara Oy ومقرها أولو، سحبت من الأسواق نقانق اللحوم من البيع في الأسبوع الماضي بسبب اكتشافات التهاب الكبد E. أعلنت الشركة هذا الأسبوع عن عمليات سحب جديدة.
ويمكن ان يكون الفيروس موجودا في منتجات اللحوم التي لا تخضع للمعالجة الحرارية، والمعروف وجوده في لحوم الخنزير أساسا، واحيانا في لحوم الغزلان والخيول، وربما يكون في منتجات أخرى .
ما هي الأعراض التي يمكن أن يسببها التهاب الكبد E؟
في معظم الحالات، يكون المرض بدون أعراض. إذا ظهرت الأعراض، فقد تكون أعراض غامضة لأمراض المعدة: آلام البطن، والغثيان، وفقدان الشهية، والتعب. يصاب البعض باصفرار الجلد والعينين نتيجة خلل في وظائف الكبد. وقد لاحظ المصابون أيضًا أن البول غالبًا ما يكون أغمق. التهاب الكبد E لديه فترة حضانة طويلة. تظهر الأعراض في المتوسط بعد 40 يومًا من الإصابة بالعدوى.
وتشير المعلومات الطبية الى ان العدوى يمكن أن تنتشر من شخص لآخر عن طريق البراز، ولكنه ليس شائعًا جدًا.

8
حكاية من تلك الايام 
دعوني أعيشْ!

الى ذكرى رحيل الشهيد، جواد كاظم الكرخي، الصديق وزميل الدراسة والسكن الجامعي، الذي غادرنا مغدورا  في 15 اذار 1979 ...
كتبت هذا النص، في دولة الكويت التي وصلتها مشيا عبر الصحراء، بعد اضطراري لترك وطني أثر القمع البعثي العفلقي الصدامي الوحشي لكل من رفض سياسة التبعيث الشوفينية الفاشية. نشر النص في خريف العام 1979 في مجلة العامل الكويتية ضمن مسلسل حكايات بعنوان (حكايات من زماننا) ووقعته باسم مستعار (شياع مساعد فهد ــ بيروت) ـ لاحظ تركيبة الاسم! ـ.   لابد هنا من الاشارة بتقدير كبير الى موقف الصحافة الكويتية الديمقراطية، واحتضانها لأقلام العشرات من الكتاب العراقيين، اليساريين والديمقراطيين، الذين وصلوا الكويت تخلصا من عسف وارهاب نظام حزب البعث الذي كان يتشدق بديماغوجية مقرفة بلافتات القومية والحرية.  تجدر الاشارة هنا خصوصا الى مجلتي (الطليعة الكويتية) الاسبوعية و(العامل) الكويتية الشهرية، اللتين فتحتا صفحاتها، امام جملة من الكتاب العراقيين، الذين وتحت اسماء مستعارة راحوا ينشرون كتاباتهم السياسية والادبية، التي صارت تغيض سفارة النظام الديكتاتوري كثيرا، مما عرض مجلتي الطليعة والعامل الى العديد من الضغوط والاستفزازات من قبل سفارة النظام الديكتاتوري في دولة الكويت ، التي تلح على اللقاء مع بعض الكتاب والتعرف اليهم، فصرت شخصيا باقتراح من المحرر اكتب مع التوقيع (بيروت) ليتذرع بأن النصوص تصله عبر البريد.
النص أعلاه من مجموعة اول كتاباتي، ستنشر قريبا ضمن مجموعة قصصية تشمل اغلب الكتابات التي نشرت في الدوريات الكويتية، واغلب النصوص تستند الى تجارب حقيقية عاشها الكاتب ومن حوله من رفاقه واصدقائه، سيلمس القارئ اللغة الحماسية ـ المباشرة ـ المعادية للديكتاتورية والعسف.
*****
لابد من توجيه التحية لجندي مجهول حقيقي رفض الافصاح عن أسمه بذل جهدا مثابرا للحصول على نصوصي المنشورة في الصحافة الكويتية وارسلها كأجمل هدية.
****
دعوني أعيشْ!
يوسف أبو الفوز
...، لم يكن جميلا بالشكل الذي تحلم به فتيات القصور، أو كما تحاول السينما المصرية تصوير فتى الاحلام، مديد القامة ... ازرق العينين ... شعره الاصفر مسترسل على كتفيه العريضتين ... لم يكن كذلك. كانت لصاحبي ملامح وجه عادية، مثلي مثلك، وفوق كل ذلك كان أحدبا! ربما تتوقع ان هذا ولد لديه عقدة شعور بالنقص أو ما شابه ... أبدا ... ربما في مطلع حياته، في صباه تضايق من ذلك ـ باعترافه هو ـ لكن في عنفوان شبابه، في ايام صداقتي له كانت المسألة عقدة الاخرين، أكثر مما هي عقدته. والأخرين هنا هم نحن اصدقاؤه الذين كنا نحاول ان نجعله لا ينتبه لذلك، ولكنه كان اذكى منا، يبتسم ويقول جادا وبكل تواضع:
ـ لقد خلقت هكذا، فأقبلوني كما انا، ودعوني اعيش!
كان جسده يقول كثيرا، لكنه يتحرك أكثر من الحرية التي يمنحها له جسده. اتصدق انه كان يلعب معنا كرة الطائرة؟ وأحيانا ... نعم ... احيانا يتمادى في مزاحه فيشمر عن ساعديه ويتحدى واحدا منا في انه لا يستطيع صرعه؟ وقد تستغرب إذا قلت لك انه كان مهووسا بالرقص، طبعا هو لا يعرف شيئا عن الديسكو أو (الروك اند رول) أكثر مما يطالع في الصحافة، لكنه كان (يموت) في الهيوا و(يجن) في البزخ. صوته الريفي النبرات، الجميل، إكاد في هذه اللحظة أسمعه، يناديني، يدعوني للرقص:
(شوكي الج شوك الفلح للكاع
مشتاك الج يم العيون وساع)
كنا نتحلق حوله، فيفهم ما نريد، يغني لنا، عن طموحاتنا، احلامنا، صورة الوطن الجديد، عن همومنا العادية وغير العادية، عن الحب والناس. كان صوته يمنحنا دفئا روحيا، فهو حين يغني، يغني بكل حواسه، فيحرك كل مشاعرنا، يغسل احزاننا، يصقل عزائمنا، وفي المناسبات حين نحتفل كان يقفز منتشيا في الوسط، وبدون مقدمات يقول:
ـ دعوني أغني للفرح لأعيش!
ويتصاعد صوته، ملتهبا بالطموح والثقة والامل:
( اوداعتك لاخر محطة كلوبنا اتروح اوياك
اوداعتك ما تحله دنيا ولا عمر بلياك)
بالإضافة الى ذلك كان مرحا بشكل لا يوصف، ... حين ينجح أحد مقالبه، التي يدبرها لاحد الاصدقاء يغرق في الضحك، فيهاجمه مرضه اللعين ـ الناتج تركيبه الجسماني ـ فنبادر الى علاجه ناسين ما دبره قبل قليل، وما ان يستعيد انفاسه، حتى يعاود الضحك مرة ثانية، وحين نرجوه الكف عن ذلك خوفا على صحته، يحتج قائلا:
ـ دعوني اضحك لأعيش!
ولم يكن صاحبي يعيش للغناء والمرح فقط ... لا ابدا ... هذا جزء من صفات جعلته محبوبا بين اصدقاءه، وبين الناس. وكانت هناك اشياء اهم يعيش من اجلها، يمكنك ان تدركها بمجرد ان تجالسه، وتتحدث معه، حينها ستشعر وكأنه خلق لها وحدها. وبالرغم من امكانياته المتواضعة، لكنه كان يعيشها بكل جوارحه. يعيش لأجلها بكل صدق، متناسيا حتى ضيق التنفس، هذا الذي يهاجمه على أثر أدنى تعب او انفعال. وكنا نحن اصدقاؤه ناسف لذلك، لان مرضه احيانا يكون عائقا امامه، لكنه لا يكترث ولا يهادن، يتحرك ويتصرف كأي أنسان نذر نفسه لقضيته العادلة، واثقا منها، متمسكا بها فتراه يتحرك بحفة وعلى شفتيه الباسمتين تقرأ دوما:
ـ دعوني أعيش!
وكان بعض الاصدقاء المتزوجين، خاصة، او الذين لديهم ارتباطات عاطفية يحثونه او يتبرعون له بأيجاد فتاة يخطبونها له، انطلاقا من ان هذا جزء من واجبهم نحو صديقهم، ولملاحظتهم له بأنه لا يكترث للموضوع كثيرا. لكنه كان يحتج ويرفض بشدة. طبعا هو ليس ضد الزواج، وليس ضد الحب، ولكنه كان يريد كل شيء ان يتم بأسلوبه الخاص. وفقا لمبادئه وآرائه. واعتمادا على نفسه. وامام الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، والذي لا يزال يعرج فأن بعض الاصدقاء قالوا: ان صاحبنا سوف يظل طول عمره عازبا، فأين سيعثر على حبيبة تقبل به كما هو، فهو لا يتمتع بأي امتياز شكلي تحلم به فتيات هذا العصر، فهو لا مديد القامة ولا عريض المنكبين، ولا ازرق العينين ولا ... و ... من حيث لا ندري حدث كل شيء بسرعة. جاءنا يوما، جلس بيننا، وبكل بساطة أخبرنا:
ـ انا في حالة حب.
بادره أحدنا ضاحكا:
ـ انت دوما في حالة حب، انت تعيش الحب.
واضاف اخر بنفس اللهجة:
ـ أنك الحب نفسه.
ولكنه وبالبساطة نفسها أكد:
ـ أني لا اقصد هنا حب القضية، او حب الناس، او حب الحياة او ...
ـ ماذا تعني؟!
والتففننا حوله نتساءل، ليقول لنا:
ـ أنني أعني ما اقول. ثمة فتاة كحبيباتكم وزوجاتكم، صارحتها وصارحتني، واتفقنا على الخطبة والزواج وعدد الاطفال واسمائهم ونوع حليب الاطفال و ...
وراح يتحدث عن مشاريعه المستقبلية لهذه المسألة، وبكل بساطة وروح مرحة. ساعتها لم يكن ما قاله لنا مفاجئة للبعض بقدر ما كان مفاجئة لبعض آخر. شخصيا هكذا تعودته. وفرحنا لذلك كثيرا، فها هو الحب قد جاء اخيرا. جاء من حيث اراد: فتاة رائعة، مثلما كان يحلم: جمال مقبول، شخصية ساحرة، أحبت صاحبنا بكل صدق، احبت فيه الانسان المناضل، الطموح، الواثق، وضعت يدها في يده وقررا معا السير على نفس الدرب.
وبدا صاحبنا يكون أكثر سعادة. بدأت طموحاته تكبر، آماله تخضر، فها هو الحب جاء اخيرا، هذا الذي كان البعض يتصور انه لن يأتيه، و ... بسرعة أكثر تلاحقت احداث كثيرة. فضباع القرن العشرين وجندرمتهم ينتشرون في الازقة، الاسواق، الحدائق، المدراس، المعامل والبيوت. في كل مكان. يسترقون السمع لأحاديث العشاق ليحنقوا الحب. كان صاحبنا من الذين قالوا (لا) وللجحيم كل الضباع والجندرمة وانصاف الرجال. كان يريد ان يغني كما يشاء، ويضحك متى يشاء. فحياته ملكه ويريد ان يعيشها كما يريد، حتى لو عاشها غريبا في وطنه. ولكن كيف لهذا الجسد ان يتحمل كل هذا القلق والانفعالات وجو الارهاب والخوف المنتشر في الازقة، البيوت، المدراس، ... الخ؟ كيف لهذا الجسد ان يترك صاحبه يتحرك بحرية أكثر، يواصل المسيرة، متحديا الطاغوت واذنابه جنبا الى جنب مع الالاف الذين يريدون العيش بكرامة؟
بعد اربعة شهور من تشرده في وطنه، أنهكه المرض فلازم الفراش. ثم انتشر الخبر كالشرر بين الاصدقاء. استطاع الضياع معرفة مكان اختباءه فاقتادوه ليلا من فراش المرض ليسلموه بعد يومين لذويه جثة هامدة. لم يتمكن اصدقاؤه الذين شاركوه التشرد من القاء نظرة اخيرة عليه، او تشييع جثمانه، بل ولا حتى تقديم العزاء لأهله، فالجندرمة هناك، يتربصون بمن يزور البيت الذي يسوده الحزن والصمت فالأوامر صريحة: لا جنازة ... لا عزاء ... لا صوت مع البكاء. وكانوا يظنون انهم بفرضهم كابوس الصمت هذا سيخفون جريمتهم، لكن الناس، كل الناس، عرفوا كل شيء، وحزنوا لسكوت القلب النابض بالحب والثقة بهم وبالقضية. قتل الضباع حالة الحب التي انتظرها الناس له. لم يستجيبوا لأبسط حقوقه ان يدعوه يعيش! ظنوا انهم بقتله سيسكتون صوته عن الغناء، لكنه هنا يعيش في القلب وقلوب كل الناس، أصبح حبيبا لكل العذارى وصوته يتردد عند لقاء كل عاشقين:
(الناس للناس ابتعبنه       والفرح من تالي)
نهض محدثي مستأذنا على امل اللقاء، وتركني غارقا في ألمي، استعيد كل ما رواه لي قبل قليل، وانا أردد ... حقا ان أجمل الازهار، هي زهرة الكرز، تلك التي تموت في عنفوان جمالها!
1979 ــ الكويت


9
يوسف أبو الفوز: الروائي يبحث في الإنسان
حاوره: أمجد طليع

نشرت مؤخراً آخر رواياته (مواسم الانتظار)، استمرَّ العمل بها عشر سنوات فجاءت بخمسمئة صفحة وصدرت عن دار المدى عام 2022. لكن أولى روايته كانت (تحت سماء القطب) أنهى كتابتها عام 2004 وصدرت عام 2010 عن دار موكرياني في أربيل، وما بين الروايتين صدرت له روايات أخرى منها (كوابيس هلسنكي) 2011 عن دار المدى و(جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي) عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة عام 2021، فضلا عن عدة مجموعات قصصيَّة وكتب ذكريات، وحاليَّاً أنهى كتابة رواية جديدة لم يفصح عن اسمها حتى لا تفقد عنصر المفاجأة، ويبقى القاسم المشترك بين رواياته أنها كتبت في المهجر!
تمكن الروائي يوسف أبو الفوز في أعماله الادبيَّة من صناعة خليط من أحداث تدور بين العراق وفنلندا رافقت جميع روايته، دفعت الشاعر الفنلندي ماركو كوربولا سكرتير دوريَّة (البشير) الأسبوعيَّة للقول بأن (يوسف ابو الفوز منشأ لجسر ثقافي جناحه الاول في فنلندا والجناح الآخر في العراق) وذلك حين نال ابو الفوز جائزة الابداع الفنلنديّة في العام 2015.
الصباح استضافت الروائي يوسف أبو الفوز المقيم في هلسنكي ليأخذها بجولةٍ في عوالم رواياته التي كتبت تحت سماء القطب الشمالي..
* في ما يخص المكان سيطرة جغرافيا العراق وفنلندا على أغلب الروايات أما الأبطال فتوزعوا بين عراقيين وعرب وكورد وشخصيات فنلنديّة. لكن بعض العناوين توحي بأنها روايات فنلنديّة، كيف تصف رواياتك؟
- إنها روايات عراقيّة، كونها معنية بالإنسان العراقي إن كان داخل أو خارج العراق.
وبما أن ظاهرة الهجرة شملت قطاعات واسعة من المجتمع العراقي، انتشروا في معظم بقاع العالم ومنها فنلندا فلا يمكن لي ولاي كاتب تجاوز ذلك، ولهذا اجتهدت في تسليط الضوء على عوالم الهجرة وتأثير الحياة الاوربيّة على الأسرة العراقية في المهجر وتحديداً في رواية (تحت سماء القطب)، بينما رواية (كوابيس هلسنكي) تناولت نشاط الجماعات التكفيريَّة في أوروبا الذين جنّدوا الشباب للعمل ضمن منظماتهم الإرهابية في العراق وسوريا، أما رواية (جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي ) فتناولت موضوع معاناة الشباب العراقي، وموجة هجرتهم عام 2015، فالشأن العراقي هو الهم الاول بشخوصه وعرض هموهم وتطلعاتهم.
* كيف تلقى القارئ الفنلندي نتاجك الأدبي وأي الروايات ترجمت وأي منها لقي قبولاً أكثر؟
- على المستوى الفنلندي لم تترجم كل كتاباتي، لان الترجمة من العربية إلى الفنلندية ليست سهلة كونها تحتاج مترجماً متخصصاً وتمويلاً، لكن ترجمت لي مجموعة قصصية بعنوان (طائر الدهشة) سبق وصدرت عن دار المدى، ترجمها الدكتور ماركو يونتنين، ولاقت انتشارا طيبا في فنلندا، كانت أحد أسباب منحي جائزة الابداع الفنلندي إلى جانب مجمل نشاطاتي الأدبيَّة.
*رواية (مواسم الانتظار) استغرقت عشر سنوات في كتابتها، يذكرنا هذا، برواية (الرجع البعيد) للراحل فؤاد التكرلي التي أكمل كتابتها في أحد عشر عاماً تقريبا.. بماذا تختلف عن رواياتك الأخرى؟
- مواسم الانتظار رواية عراقيَّة خالصة بشخوصها وموضوعاتها وجغرافيتها.
تتناول مرحلة زمنيَّة في العراق من اربعينات القرن الماضي حتى نهايات السبعينات، تجتهد لتحكي عن تأثير التعسّف السياسي على الانسان العراقي بسبب انتماءاته الفكريّة ومعاناة الشعب العراقي من حكومات البعث الشوفينية المتعددة، هي ليست رواية سياسية، بقدر ما اجتهدت لعكس معاناة مختلف فئات الشعب العراقي، وليست رواية تاريخيّة لكن هناك اسقاطات تاريخيّة تخدم السرد.
*رواية فيها سياسة وتاريخ لكنها بريئة من الاثنين فما الذي أردت ايصاله من خلالها؟
- إنّها عمل روائي معني بالإنسان العراقي، وكيف للخوف يمكن أن يمسخ الجانب الانساني لدى الفرد، وكيف تعمل سياسة القمع على منع التجديد ومحاربة الافكار التقدمية في الوصول إلى اي مجتمع، في الوقت نفسه كيف تتجلى روح التحدي وامتلاك موقف صلب ضد الإرهاب السياسي ومقدار التضحيات في السعي لحماية الحلم بمواسم قادمة أكثر اشراقا.
يمكن القول إنها محاولة لفهم الأساس الاجتماعي لمراحل تدهور الوضع في العراق من بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
*هل أبطال أعمالك في الغالب رجال أم أعطيت للمرأة مكانتها في الأحداث وأي من الأبطال أقرب اليك؟
- في الكتابة اعتبر الخيال هو أساس عمل الكاتب، ولكن من اجل منح هذا الخيال مصداقية عند القارئ يجري تعزيزه بشظايا وتفاصيل من الواقع المعاش، هكذا الجأ إلى اقتباس تفاصيل من عدة شخصيات ومزجها لخلق شخصية جديدة تشبه الكل ولا تشبه أحداً.
في اعمالي الروائية اميل دائما وكردٍّ على واقع المرأة العراقية المزري إلى خلق شخصيات نسائية شجاعة وجميلة، وحتى في حالة الانكسار يعاودن الانبعاث والصمود.
شخصية المرأة عندي غنية وعميقة، واجد سهولة في التعامل معها أكثر من الرجل بحكم انها كائن جميل وروح الحدس عند المرأة تكون أكثر من الرجل وهذا شيء مغر لي ككاتب أن أتناول شخصية امرأة.
تنتشر خريطة شخصيات رواياتي على مختلف فئات المجتمع العراقي، في (مواسم الانتظار) أحد الشخوص الاساسية صياد سمك وهو أمي لكنه عميق بحكمته، وفي (تحت سماء القطب) مدرس تاريخ وفي (جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي) كان مترجما، وأيضا هناك سائق حافلة.
*الكتابة في المهجر.. أين تقترب من الكتابة في الداخل وأين تبتعد.. إذا ما أجرينا مفاضلة بين الاثنين؟
-أولا أنا أمقت تقسيم الكتاب العراقيين إلى كتاب داخل وكتاب خارج لان الذي يجمع الاثنين هو الشأن العراقي والانسان العراقي، والثقافة العراقية، نهر واحد له روافد متعددة.
ربما أن الكتاب الموجودين خارج الوطن توفرت لهم بعض الامكانيات مثل مساحة الحرية الواسعة وفرصة الاحتكاك بالآخر وكسر التابوات لكن يبقى همهم الاول هو العراق، شأنهم شأن الكتاب المخلصين لشرط الكتابة داخل الوطن الذين يكتبون عن الشأن العراقي وسيف الرقيب في زمن النظام الديكتاتوري المباد أو ما بعد سقوطه مسلّط على رؤوسهم.
*السائد أن السرد العراقي سرد مهم على مستوى المنطقة العربيّة وربما أهميته أوسع من ذلك.. لكن التسويق خذل الكاتب العراقي باستثناء السنوات الأخيرة كان هناك هامش من المنافسة العالميَّة.. أنتم في المهجر لماذا لم تكسروا حاجز العالميَّة بحكم وجودكم في دول أوروبا؟
- هذا موضوع شائك ومتشّعب لأن غالبية الكتاب العراقيين خارج الوطن يعملون كذئابٍ منفردة، لا يوجد إطار ثقافي يحتضنهم ويسوق لهم، كما يوجد انحطاط ثقافي عام في المنطقة العربيَّة، يعززه انتشار الأفكار الظلامية وحكومات متسلطة تخشى الكلمة الحرة، ويختلط في واقعنا الثقافي الغث بالسمين، فتبرز لأسباب عديدة أعمال لا تستحق الاضواء والشهرة وتظلم أعمال لكتاب مبدعين، وأبرز مثال على ذلك بعض الجوائز وكواليسها التي لا علاقة لها بالثقافة والإبداع، أيضاً دور النشر العراقيّة والعربيّة لا تملك ثقافة التسويق لكتّابها، مع بروز أسباب موضوعيّة منها انحسار الاقبال على قراءة الكتاب بعد انتشار الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
أن يد المبدع العراقي خارج الوطن، مثله مثل المبدع داخل الوطن، غالباً ما تكون مغلولة، فالوصول إلى العالمية يحتاج إلى ترجمة العمل على الاقل إلى اللغة الانكليزية لتجد طريقها إلى المحافل الثقافية الدولية وهذا ليس بالأمر الهين.
*بعد مضي 30 سنة تقريبا في المهجر تجيد اللغات الفنلندية والروسية والانكليزية والكردية.. حاصل على شهادات تعليمية مختلفة، عملت في وظائف مختلفة منها باحث جامعي وعملت في التلفزيون الفنلندي ومديراً لبرامج ثقافيّة، الآن توفر جلّ وقتك للكتابة بعد التقاعد... ما الهدف الذي لم يحققه الكاتب أبو الفوز في ظل وجوده في أوروبا وكان من السهل الوصول إليه؟
- كنت أعتقد أنه بعد التقاعد سيتوفر لي وقت أكثر للسفر والتواصل مع الاصدقاء وانجاز أعمال مؤجلة، ولكني أجد نفسي دائماً مشغولاً بأشياء لا أعرف من أين تأتي.
ليس سراً أنا محرر في صحيفة طريق الشعب البغداديّة وناشط سياسي وناشط في منظمات ثقافية فنلندية ورب أسرة تتطلب التزامات متعددة. ما يساعدني في حياتي عموماً كوني صارماً في التعامل مع الوقت.
أطمح لإنجاز المزيد من الاعمال الادبيّة، وأزعم بانه لو لم تأتني اية فكرة جديدة خلال 5 سنوات فعلى طاولة الكتابة لدي عدة أعمال أدبيَّة أريد إكمال إنجازها.


10
هل ستتوقف الهجرة من العراق الى فنلندا؟
يوسف أبو الفوز

*****
في هذه الأيام، لو وضعت أصبعك بشكل عشوائي، على أي مكان في خارطة العالم، ستجد هناك مهاجرون ولاجئون وصلوا اليه من العراق. لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد اللاجئين والمهاجرين من العراق، لكن منظمة الهجرة العالمية (IOM) تقدر العدد بأكثر من مليونين، ممن تركوا بلدهم في العقود الأخيرة، وبدأوا حياة جديدة بعيدا عن سمائهم الأولى في دول الجوار ومختلف البلدان الاوربية ومنها فنلندا.
ارتبطت الهجرة في العراق أساسا بطبيعة الانظمة الحاكمة وسياساتها المباشرة. إذ شهد العراق موجات هجرة كبيرة في ثمانينات القرن الماضي بسبب من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، واستقر اغلب العراقيين في تلك الفترة في دول الجوار، مثل إيران وسوريا وتركيا والأردن وحتى بعض دول الخليج والسعودية، على آمل حصول تغيير ما في بلدهم والعودة أليه، لكن بعد فشل انتفاضة الشعب العراقي في اذار 1991 ، التي حاولت الحكومة الإسلامية في ايران التدخل في مجرياتها، فقمعت الانتفاضة بشكل دموي ووحشي من قبل نظام صدام حسين بتسهيلات من الادارة الامريكية، التي خافت من إمكانية قيام نظام موال لإيران، فتولدت أيامها قناعة عند العراقيين، من ان نظام صدام حسين سيعيش فترة أطول، فبدأت موجة هجرة من دول الجوار العراقي نحو البلدان الاوربية. وحصلت لاحقا موجات هجرة أخرى من بعد الغزو الأمريكي للعراق 2003، ومن ثم بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والحملات العسكرية لتحجيمها والقضاء عليها. في كل هذه الهجرات، كان هم وهدف العراقيين الأول والدائم هو البحث عن سقف آمن. ربما في فترة العقوبات الاقتصادية، التي فرضت على العراق، والتي استمرت من عام 1991 حتى الإطاحة بنظام حكم صدام حسين يمكن اعتبار الأسباب الاقتصادية أحد العوامل لهجرة العراقيين، لكن عموما، كانت الحروب، حروب صدام الداخلية والخارجية والسياسات البوليسية القمعية، هي في صدارة الأسباب التي تدفع بالعراقيين لترك بلدهم وتحمل المخاطر والمجازفات وصرف مدخراتهم لأجل الوصل لبلد آمن.
هذه الأيام، مع ازمة الحدود ما بين روسيا وفنلندا، ووصول اعداد متزايدة من اللاجئين الى نقاط العبور على حدود فنلندا الشرقية، اشارت الاخبار الرسمية الى وجود عدد ليس قليل من العراقيين ما بين راكبي الدراجات بغرض طلب اللجوء والحماية الدولية، ونشرت وسائل الاعلام الفنلندية لقاءات مع بعضهم، وان مرور سريع لأي متابع لوسائل التواصل الاجتماعي، لمواقع بعض من هذه الأسماء، سيجد ان احوالهم الاقتصادية في العراق كانت جيدة، بل وبعضهم يعيش حياة باذخة، إذن... لماذا يتركون كل هذا ويتحملون أخطار السفر ومجازفاته في البرد والثلج ويقصدون بلدا مثل فنلندا، بعيدا تحت سماء القطب؟
تبين دراسة لمنظمة الهجرة العالمية (IOM) نشرت في شهر آب الماضي، ان فنلندا وألمانيا هي أكثر البلدان الاوربية تفضيلا بالنسبة للمهاجرين العراقيين للاستقرار فيها، بسبب ما معروف عن البلدين من استقرار سياسي وطبيعة الأنظمة والقوانين فيها، وتشير نفس الدراسة الى ان أسباب الهجرة من العراق في الفترة الأخيرة تكمن في (عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي وغياب العدالة الاجتماعية في البلد). يشير الدستور العراقي الحالي، الذي اقر عام 2005 بعد سقوط نظام صدام حسين، بأن العراق الحالي جمهورية برلمانية ديمقراطية فيدرالية، وفيه نظام التعددية الحزبية، لكن الواقع المعاش ان الحكومات المتعاقبة، التي شكلتها قوى الإسلام السياسي، المدعومة بإشكال مختلفة، من قبل جمهورية ايران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية، قامت على أساس نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، مما ساعد على انتشار الفساد في كل مفاصل الدولة العراقية نهجا وممارسة، وأعتمد مبدأ تقاسم السلطة والثروة، فتعطل الدستور عمليا، وغاب مبدأ المواطنة والهوية الوطنية، وتم تفتيتها الى هويات دينية ومذهبية وقومية ومناطقية، مما عزز منظومة الفساد والفاسدين واستمرار ظاهرة سرقة المال العام وغياب سلطة القانون وبروز سلطة الاحزاب التي تملك اذرعا مسلحة (ميلشيات)، فارتفعت نسبة البطالة بين الشباب، مع الانتهاك المستمر من قبل قوى المليشيات للحريات العامة والشخصية، ترافقا مع غياب العدالة الاجتماعية، مما كان سببا في اندلاع احتجاجات واعتصامات كانت ذروتها في انتفاضة تشرين عام 2019 ، التي عمت العاصمة بغداد واغلب المدن العراقية، احتجاجا على تردي الأوضاع في البلاد. وجوبهت الانتفاضة الشعبية بعنف شديد من قبل قوات الامن العراقية ومليشيات الاحزاب، ونشط القناصة لاغتيال المحتجين وكانت النتيجة استشهاد حوالي 740 شخصاً، وفي حينه حدثت موجة الهجرة الى أوروبا، حيث وصل الالاف منهم الى فنلندا.
في كل الهجرات، التي حصلت من العراق، كان المهاجر العراقي يبحث عن سقفا آمن، يبحث عن استعادة كرامته المنتهكة من السلطات القمعية والمليشيات، لهذا نجد شباب نالوا التحصيل الأكاديمي العالي في العراق، أو ان أوضاعهم الاقتصادية جيدة، يتركون بلدهم بحثا عن حياة أفضل يستعيدون فيها انسانيتهم، بل ان بعضهم ولأجل ضمان قبوله كلاجئ يضطر لإدعاء تغيير دينه أو يدعي المثلية او حتى البحث عن علاقة زواج غير متكافئة،  وهكذا ما دامت في العراق والشرق الأوسط تحكم أنظمة غير ديمقراطية، وتغيب العدالة الاجتماعية وتنتهك الحريات العامة والشخصية وتقمع حرية التعبير، فان الهجرة من العراق الى أوروبا وفنلندا لن تتوقف. وهذا يضعنا امام أسئلة أكبر، ويلقي على المؤسسات والحكومات الدولية مهمة معقدة ومتشعبة، قد يكون لها حديث آخر!
     

11
بابا نوئيل العراقي في ضيافة بابا نوئيل الفنلندي
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
            
خريف هذا العام، خلال زيارة مناطق لابلاند، في شمال فنلندا، وتحديدا مدينة روفونيمي (895  كم شمال هلسنكي)، قررنا وشريكة حياتي شادمان، ان نقضي ليلة في ضيافة السيد بابا نوئيل،  فتوقفنا عند قريته، التي تقع بالضبط عند خط الدائرة القطبية Arctic Circle على الاحداثيات السحرية (66 ° 33 '07' )، وحرفيا عند (سرة القطب)، حيث اقصى خط عرض في نصف الكرة الشمالي .
 الى هناك يتوافد السواح من كل انحاء العالم لتسجيل زيارتهم للموقع الفريد، ولقاء بابا نوئيل، الذي يستيد المشهد، وتبين لنا انه أصبح عصريا جدا، فهو لم يعد ذلك الرجل العجوز الذي يركب زلاجة تجرها الايائل وتطير في السماء ليترك الهدايا للأطفال المطيعين، فقريته ـ المدينة، تحوي شقق سكنية من أربع وخمس نجوم تتوفر فيها كل متطلبات الراحة، وبيوت ــ خيم زجاجية ساحرة، وسلسلة من المطاعم الفاخرة، وعدد لا يحصى من محلات بيع الهدايا. ولم يعد يعتمد على حيوان الرنة فقط ومجموعة من الاقزام، بل لديه اسطول من سيارات الخدمة وجيش من العاملين من مختلف الاعمار والهيئات. يصطف الناس عادة بالعشرات بطابور خاص لأجل اللقاء معه والتقاط صورة يدفعون ثمنها، وفي موسم أعياد الميلاد يكون طابور الانتظار يمتد لأكثر من كيلومتر. حين سمحوا لنا بالدخول لغرفته، حيث يجلس مهيبا على مقعده الوثير، سأل أولا عن موطننا الأصلي، وتبين انه يعرف العراق، وفي حديثه مع شادمان عرض معرفته بكردستان والكرد.
 اخبرته بأننا نعتبر أقرباء لحد ما وذوي صلة، اذ أجبرت يوما على ارتداء ملابسه، وأداء دوره وجعلته يتحدث العربية والكردية، أُعجب بالحكاية وطلب روايتها، ودعانا لالتقاط صور خاصة للذكرى وطلب الايميل لإرسالها كهدية واعفانا من دفع ثمنها، وحين سألني ان كنت احمل له رسائلا من أطفال العراق، بادرت شابة من مساعديه وانقذت الموقف ورمت لي بحزمة رسائل لأجل الصورة.
أما كيف أصبحت بابا نوئيل فذلك كان في شهر كانون الاول/ ديسمبرعام 2008 ، كنت اعمل حينها منسقا للبرامج في مؤسسة اجتماعية ثقافية، وأعددنا كل شيء لحفل عيد الميلاد الصغير في مدينة يارفنبا (42 كم شمال العاصمة هلسنكي) ، والذي يقام عادة في مؤسسات العمل والمرافق الثقافية والاجتماعية، ويسبق عيد الكريسمس الكبير، وكان مخصصا أساسا للمتقاعدين. حضر الضيوف، بعض الجدات جلبن معهن احفادهن وامهاتهم، وسراً اعطانا ضيوفنا هدايا لبعضهم البعض، ولأطفالهم مكتوب عليها اسماء اصحابها، ووضعناها في كيس بابا نؤيل. وكنا أعددنا برنامجا منوعا يحوي فقرات خفيفة وطريفة تتناسب والمناسبة والضيوف، وفجأة توتر الموقف، وكثر التدافع عن باب المطبخ الذي تحول الى غرفة لقيادة الحفل، وذلك حين وصل اتصال هاتفي من زوجة الرجل الذي كان مقررا ان يقوم بدور بابا نوئيل في الحفل، يفيد بأنه تعرض الى وعكة صحية وتم نقله الى الطواريء في المستشفى وهو يعتذر ويقول: دبروا حالكم !
تصاعد اكثر من صوت يسأل : ماذا نفعل ؟
ــ لا وقت لدينا لايجاد بديل .
  وصاحت احد الزميلات :
ـ محلولة . لا يوجد مشكلة . هاتوا الملابس ويوسف موجود .
والتفت الجميع نحوي، انا الاسمر، أبن صحراء السماوة، الذي لا يزال يتعلثم ويُلحّن بالكلمات الطويلة الصوتية في اللغة الفنلندية. لا يوجد شبه مع بابا نؤئيل حتى كرشي كان في بدايات عمره، ولا يفي بالغرض.
ـ  عزيزتي، أي بابا نؤيل هذا ويتحدث الفنلندية بلكنة اجنبية، ولو سأله احد الاطفال فجأة شيئا، ولم يفهمه ماذا سنفعل ؟.
ـ انا سأكون الى جانبك.
واسقط بيدي ولم يكن هناك اي مخرج اخر، اجبروني على ارتداء الملابس، وخلالها خطر لي حل بأرتجال مشهد يخرجنا من الورطة، وحين اديناه وجد له صدى ولقى قبولا عند الاطفال وعوائلهم. لقد دخل بابا نوئيل الحفل يغني باللغة العربية. وفوجيء بناس ولغة غريبة. فتحدث معهم بالعربية ثم بالكردية، فلم يفهموه. وتحدث بالروسية يسأل اين انا؟
ـ  يبدو اني جئت على عنوان خطأ ؟ اي بلد هذا؟
 فأخبروه انه في فنلندا. وتحدث معهم باللغة الانكليزية اولا ومازح بعض كبار السن، ثم بدأ يتحدث قليلا باللغة الفنلندية وكأنه يتحدثها لأول مرة ويتعلمها وكان شاطرا وذكيا، صار يمزح بالفنلندية، ولكن لكنته الاجنبية واضحة جدا واصبح لديه العذر بذلك. والتف حوله بعض الصغار والكبار يسألوه عن المكان الذي جاء منه.
وفتح كيس الهدايا، وبدأ ينادي على اصحاب الهدايا بأسمائهم، ويعطيهم هداياهم التي تمنوها. وكان الاطفال فرحين من بابا نؤئيل الغريب، الذي يغني بالعربية ويدبك الكردية، وتحدث لهم عن بلد اسمه العراق ودجلة والفرات ، وجبال كردستان والثلج ،التي عمل فيها لفترة قبل ان ينتقل للعمل في شمال فنلندا، في قرية بابا نوئيل.
وتخبرنا الاساطير بأن بابا نوئيل المشهور بشكله الضاحك كرجل عجوز سمين بلحية بيضاء مثل الثلج وملابسه التي يطغي عليها اللون الأحمر، الذي في اوربا يسمونه "بابا نوئيل" ففي امريكا اسمه "سانتا كلوز" ، وفي فنلندا اسمه " يولوبوكي" ، وجاء الاسم الفنلندي من العادات الفنلندية القديمة عن رجل كبير السن يرتدي ثياب الماعز ويجمع الطعام بعد اعياد الميلاد ، ولكنه مع الزمن تداخلت وتماهت في الشكل مع الشخصية الامريكية. وهو يعيش في القطب الشمالي مع زوجته ويساعده مجموعة من الاقزام لتحضير الهدايا التي يقدمها لاطفال العالم الذين يدور عليهم كلهم في ليلة ميلاد السيد المسيح بزلاجته الخشبية السحرية التي تقودها الايائل، ويضع لهم الهدايا تحت شجرة الميلاد التي تكون عادة من الصنوبر، حقيقية او بلاستكية، والمعروف انه يدخل البيوت من المداخن او الشبابيك او الشقوق في المنزل ، واذ تحتفل العائلة وتجتمع الى المائدة التي تزدحم بمختلف المأكولات والمشروبات يفتح الاطفال الهدايا التي جلبها لهم بابا نوئيل، والذي لا يمكنهم ان يشكون بحقيقة وجوده الا بعد ان يصلوا سن البلوغ ليعرفوا ان كل الهدايا كانت من افراد العائلة ولا وجود لبابا نوئيل الا في مخيلتهم والتراث الشعبي .
تقول كتب التاريخ ان اصل هذه الشخصية الاسطورية، يستند الى شخصية حقيقية هي الاسقف نيقولاس اليوناني عاش في القرن الخامس الميلادي في بلدة ميرا "Myra" القديمة (الان اسمها Demre ) في منطقة ليشيا "Lycia" في الأناضول (تركيا الحالية)، عرف كرجل صالح دافع عن الفقراء والمظلومين واحب الناس فأحبوه، واهتم بالأيتام والفقراء والأطفال والأرامل وكان يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا للفقراء والمال لعائلات المحتاجين دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل، وصادف أن توفي في شهر كانون الاول / ديسمبر، فتعززت شهرته ليصبح من كبار القديسين وصار يعرف بالقديس نيقولاس .
صورة وشكل بابا نوئيل ولدت على يد الشاعر الامريكي "كليمنت كلارك مور" (1779 ــ 1863) الذي كان استاذا للآداب اليونانية والشرقية في جامعة كولومبيا، وكان ايضا استاذ تدريس الانجيل الكتاب المقدس، حين كتب قصيدة "زيارة من القديس نيقولاس" والتي صارت تعرف بعنوان "الليلة السابقة لعيد الميلاد" (The Night Before Christmas) ، التي نشرها لاول مرة عام 1823 دون ان يضع توقيعه عليها ، وصار يعاد نشرها باستمرار دون معرفة كاتبها ، وفقط في عام 1844 اعترف بكونه كاتب القصيدة اثر ضغوطات من عائلته .
في هذه القصيدة رسم الشاعر الهيكل الاساسي لاسطورة بابا نوئيل، الزلاجة السحرية وغزلان الرنة والجرس الرنان، والدخول عبر المدخنة محملا بالهدايا للاطفال والفقراء وشكله المتميز "وجنتيه مثل الورود، وأنفه مثل الكرز" و" كان لديه وجه واسع وبطن مستديرة قليلا" و" ممتلئ الجسم وسمين " و" اللحية البيضاء مثل الثلج" ، وراحت هذه الصورة تنتشر عنه حتى بادرت شركة كوكا كولا ومن اجل ترويج شرابها في كل الفصول الى حملة اعلانية أبرزها صورة بائع ينتحل شخصية بابا نوئيل في متجر مع مجموعة من الأطفال ، ففي عام 1931 صمم فنان الاعلانات هادون سندبلوم ، وهو ابن لمهاجرين فنلنديين، شكل بابا نوئيل ، مستفيدا من قصيدة "كليمنت كلارك مور"، ونجح الاعلان والشخصية التي عممت وشاعت وصارت معروفة في الرسوم والمسرحيات والافلام وبطاقات التهنئة .

 

12
روسيا تخوض حربا أخرى على الحدود الفنلندية

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
تنشط الحكومة الفنلندية، في الأيام الاخيرة، دبلوماسيا واعلاميا، وينصب جهدها لطمأنة الشارع الفنلندي أولا، لما يجري على الحدود الشرقية البرية للبلاد، مع الجارة الأكبر روسيا، والتي تبلغ 1340 كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة، فقد عقد رئيس الوزراء الفنلندي بيتري أوربو (يمين تقليدي) ، ووزيرة الداخلية الفنلندية ماري رانتانين (يمين متطرف) مؤتمرات  صحفية مشتركة، متتالية، أعلنت فيها الحكومة الفنلندية، واعتبارا من الجمعة 17 تشرين الثاني الجاري، اغلاق نقاط العبور الحدودية الأربع في جنوب شرق فنلندا والتي تشكل جزءا مهما من نقاط العبور على الحدود الفنلندية الروسية، والسبب وراء ذلك كان في استمرار تدفق اللاجئين، القادمين كمجموعات صغيرة من العمق الروسي، رغم تساقط الثلج وموجة البرد، على الدراجات الهوائية، ليسلموا أنفسهم الى السطات الفنلندية طالبين اللجوء وفقا لقوانين الأمم المتحدة بمنح الحماية الدولية للأشخاص المعرضة حياتهم للخطر، وجّل القادمين، وقد اصبح عددهم بالمئات، من بلدان الشرق الأوسط، بشكل أساس العراق وسوريا والصومال وأيضا من أفغانستان وكينيا والمغرب واليمن، وسط اتهامات بأن السلطات الروسية تسهل وصولهم، بل وترشدهم وتجبرهم على ذلك، وتشير المعلومات ان بينهم من تواجد في روسيا بشكل غير شرعي لفترة من الزمن. ويشير المسؤولون الفنلنديون في تصريحاتهم الصحفية إلى أنه في الماضي، لم تسمح روسيا للمسافرين الذين يحملون وثائق غير كاملة بالتوجه إلى المعابر الحدودية الفنلندية، ولكن الآن تغيرت هذه السياسة بشكل واضح، وقال نائب قائد منطقة حرس الحدود بجنوب شرق فنلندا، إن (من الصعب التنبؤ بالمستقبل، لكن يبدو أن العدد سيزداد).
ولم تأت خطوة غلق مناطق العبور الحدودية، مفاجئة للمراقبين، الذين تابعوا تدهور العلاقات بين الجارين، خصوصا بعد انضمام فنلندا لحلف الناتو ، مطلع نيسان الماضي، فقد كررت مصادر حكومية فنلندية الإشارة الى كون السلطات الروسية تقوم بتوجيه طالبي اللجوء إلى الحدود الفنلندية كجزء مما يسمى (الحرب الهجينة)، التي تعرفها المصادر القانونية والعسكرية بأنها استراتيجية عسكرية تشمل مجموعات متنوعة وديناميكية من القدرات التقليدية وغير النظامية والإرهابية والإجرامية، وتجمع عادة بين الحرب النظامية والحرب السيبرانية (الاليكترونية)، وتعتبر اوساط غربية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (خبير في الحرب الهجينة) من هنا تزداد المخاوف لان تلجأ روسيا لاستخدام (سلاح الهجرة) كجزء من حربها الهجينة، وتعتقد الجهات الرسمية الفنلندية ان الهدف منها  زرع الفتنة وعدم الاستقرار، حيث ان الالاف من المواطنين الفنلنديين يستخدمون المعابر الحدودية بشكل يومي لأغراض تتعلق بعملهم أو علاقاتهم الاجتماعية، وسبق لرئيس الوزراء الفنلندي نفسه الإشارة الى ان عمليات الاغلاق ستجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للأشخاص المسموح لهم بالسفر بين فنلندا وروسيا، وحالما تم الإعلان عن قرار الاغلاق نظمت تظاهرة احتجاجية سلمية في مدينة لابينرانتا في جنوب شرق البلاد، اشترك فيها حوالي ثلاث مئة مواطن دعوا الحكومة إلى إعادة فتح بعض نقاط العبور، وقالت احدى منظمي الاحتجاج للصحافة (لدينا الحق في الروابط العائلية. إنه أمر قاسٍ للغاية اتخاذ مثل هذا القرار قبل عيد الميلاد، الجميع تقريبًا كان لديهم خطط لقضاء عيد الميلاد مع أحبائهم).
وبين رئيس الجمهورية الفنلندية ساولي نينيستو (يمين تقليدي) إن سلوك روسيا، بتوجيه اللاجئين الى الحدود الفنلندية، كان مشابهًا لما حدث في الفترة 2015-2016، عندما سمحت لمئات من طالبي اللجوء بالوصول إلى المعابر الحدودية الفنلندية في (منطقة لا بلاند) ردا على التقارب من حلف الناتو. ويعتقد الرئيس الفنلندي أن العدد الكبير غير المعتاد من طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الحدود الشرقية الآن قد يكون جزءًا من رد موسكو على قيام فنلندا بوضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة الامريكية. وقال يوكا سافولاينن من مركز التميز الأوروبي لمكافحة التهديدات ومقره هلسنكي:(إن سلوك روسيا على الحدود كان بمثابة رسالة واضحة إلى فنلندا). وأضاف: (إذا فتحوا الطريق من جانب روسيا، فسنواجه قريبًا مشكلة اللاجئين)، يذكر انه خلال أزمة موجة الهجرة الى أوروبا في عام 2015، وصل الى فنلندا حوالي 32000 طالب لجوء نسبة كبيرة منهم وصل عبر الحدود الروسية، ووفقا للتقديرات الرسمية الفنلندية الصادرة مؤخرا، فأن استمرار قدوم اللاجئين، بالوتيرة الحالية، من شأنه ان يصل فنلندا سنويا وعبر الحدود الروسية فقط عدد يقارب عشرين ألف لاجئ.
وبمجرد اعلان الحكومة الفنلندية عن اغلاق معابرها في جنوب شرق البلاد، بدأت تصل اعداد متزايدة من اللاجئين الى المعابر في شمال شرق البلاد، مما دفع الحكومة الفنلندية الى الإشارة الى انها ستدرس إمكانية غلق الحدود مع روسيا بالكامل، الا ان ذلك لاقى معارضة نائب مستشار العدل الفنلندي السيد ميكو بومالينين، حيث ذكرت تقارير صحفية ان موقفه المعارض يستند الى كون الوثائق التي قدمتها وزارة الداخلية الفنلندية تفتقر إلى المتطلبات القانونية اللازمة لتمكين تقدم وتنفيذ الاقتراح، فهي لم تعالج وتراعي بشكل كافٍ حقوق المهاجرين، كما هو مطلوب في الدستور الفنلندي، وقانون الاتحاد الأوروبي، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فضلاً عن قضايا حقوق الإنسان الأخرى، مما دعا وزارة الداخلية الفنلندية لإستبداله بمقترح جديد نال ثقة مستشار العدل الفنلندي وأعطى الضوء الأخضر لإعتماده، فأعلنت الحكومة الفنلندية عن إغلاق ثلاثة معابر أخرى شمال البلاد حتى عشية يوم عيد الميلاد والإبقاء على معبر وحيد في أقصى شمال (منطقة لا بلاند)  في مدينة (رايا يوسبي)، فيه يتم معالجة كل طلبات اللجوء المقدمة على الحدود الشرقية. وعلى أثر ذلك التقى رئيس الجمهورية الفنلندي مع قيادات الأحزاب البرلمانية الفنلندية، من الحكومة وأحزاب المعارضة، لمناقشة الوضع على الحدود الشرقية، وأعلن مكتب الرئيس عن كون الاجتماع شهد توافقًا واسع النطاق حول كيفية التعامل مع الوضع، مع التركيز على ضرورة التزام الهدوء مع التصرف بشكل حاسم أيضًا.
من جانب آخر قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو سترد "بالطبع" على إغلاق فنلندا حدودها بالكامل، حسبما نقلت وكالة رويترز للأنباء، ولم تحدد نوعية الإجراءات التي ستتخذها بلادها، ولم تنس القاء اللوم على فنلندا في احداث المشاكل لكنها أضافت (أن الكرملين منفتح على الحوار فيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالحدود).




13
سبعون عاما من السِفر المجيد
 الثقافة الجديدة ... ثقافة الموقف !
يوسف أبو الفوز

حين صدر العدد الاول من مجلة )الثقافة الجديدة( في تشرين الثاني/ نوفمبر 1953، لم يأت صدورها، تلبية لرغبة نخبة من المثقفين المتنورين، بل جاء لاسباب عديدة أفرزتها نضالات الشعب العراقي، وقواه الوطنية، والتي عبرت عنها بشكل واضح وثبة كانون المجيدة عام 1948، ثم انتفاضة تشرين 1952، حيث كانتا سببا، للتقريب بين الاحزاب الوطنية وبروز ما سماه حنا بطاطو (الحشد الجماهيري) كنموذج جديد للنضال، فبرزت حاجة المجتمع العراقي، وشريحة المثقفين خصوصا، الى صوت ثقافي يتميز عن السائد بنبرة مختلفة، يدعو لأفكار جديدة، حديثة، اكثر عمقا وارتباطا بتطلعات ابناء شعبنا للتغيير والخروج من عباءة الثقافات التقليدية، التي زرعتها ورعتها سلطات المستعمر والحكومات الذيلية المرتبطة بها، التي تواصل قمع الاحزاب الوطنية، في حين يعيش المجتمع العراقي واقع التباين الطبقي الكبير نتيجة لاستئثار عوائل مقربة من حاشية العائلة الملكية بالامتيازات وسيطرة وتحكم قوى الاقطاع ومسؤولين فاسدين في السلطة على آلاف الدونمات من الأراضي، الى جانب الامتيازات التي تتمتع بها شركات النفط الاجنبية واستغلالها ونهبها لثروات العراق، في حين يعاني عموم الشعب من انتشار الفقر والجهل، فكان صدور مجلة )الثقافة الجديدة (بشعارها العتيد (فكر علمي ثقافة تقدمية) واللوغو (الشعلة والعجلة) الذي صممه لها الفنان إسماعيل الشيخلي، صرخة مدوية بوجه جدار التخلف والرجعية الذي يمنع  مثقفي العراق ومتنوريه، عربا وكردا، من التواصل مع الثقافات التقدمية الاخرى والتلاقح معها وامتلاك صوتهم الخاص للدعوة والعمل لبناء عراق مختلف.
ومعروف، كما اشار الى ذلك العديد من الباحثين والكتاب ( كاظم حبيب، صفاء الحافظ، وغيرهم ) ان المجلة صدرت بتوجيه واشراف من الحزب الشيوعي العراقي، وهكذا لم يكن مفاجئا انه في مقدمة العدد الاول من المجلة، جاء فيها انها (تقدمية تؤمن بوجود أفكار رجعية تحاول منع المجتمع وعرقلة سيره، فتحارب هذه الأفكار- معتمدة على دروس التاريخ القيمة وعلى التفكير العلمي الصحيح ). وتضيف  المقدمة ايضا (إن الأفكار وان كانت تنشأ في ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية وتاريخية معينة، فأنها قوة ذات أثر فعال في تقدم المجتمع أو تأخره ، لذا نرى من واجبها استخدام هذا السلاح الماضي للتقدم، لا للتأخر، والسير للإمام، لا للرجوع إلى الوراء) .
وبحكم ارتباط الحياة الثقافية في العراق، بالتطورات السياسية، فان مجلة )الثقافة الجديدة( عانت من التنكيل والعسف، والمضايقات والمصادرة والمنع، مرات عديدة، وفي عهود مختلفة، تبعا لاهواء الحكام، الذين كانوا دائما يخافون الكلمة الحرة، والافكار الجديدة والثورية، التي يدركون جيدا انها تهدم وتثلم لهم جدارهم المقيت. لقد توالى على العمل في رئاسة تحرير )الثقافة الجديدة( وعضوية مجلس تحريرها، العديد من المثقفين والاكاديمين الذين كانوا مناضلين وفدائيين بحق، ومخلصين لتحمل وبمسؤولية مهمة عسيرة وشاقة، فتعرض البعض منهم للمضايقات والسجن والنفي بسبب من هذه المهمة، واستشهد العديد منهم ببطولة ونكران ذات نادرة، مثال الدكتور صفاء الحافظ ،صباح الدرة، شمران الياسري، كامل شياع واخرين، لكنهم رغم كل المعاناة بذلوا جهودهم ليتركوا بصماتهم في حياتنا الثقافية، واسدوا خدمات متميزة لاجيال من المثقفين تدربوا وتعلموا وتفتحت اذهانهم بفضل ما نشر على صفحات المجلة، من كتابات ودراسات اكاديمية لابرز كتاب التنوير والتجديد من الاكاديمين المتخصصين وجمهرة من الادباء والشعراء والروائيين والمسرحيين، مرورا ببدر شاكر السياب، محمد مهدي الجواهري، كاظم السماوي، عبد الله گوران، غائب طعمة فرمان، فيصل السامر، مهدي المخزومي، نزيهة الدليمي، عبد الملك نوري، وفؤاد التكرلي، وكثير غيرهم، اضافة الى الاعمال المترجمة لابرز المفكرين والكتاب العالميين.
واكاد اجزم بان النشر في المجلة ظل على الدوام معيارا مهما لتزكية وطنية وتقدمية اي كاتب، والاعتراف بقدراته وامكانياته، لاسباب عدة، يأتي في المقدمة منها، الصرامة في اختيار الموضوعات المنشورة والشروط المعلنة وغير المعلنة لاحقية النشر والتي تتعلق بالمستوى الفكري والفني والادبي الرصين والجاد لأي نص. وأزعم بأن اي باحث جاد، في هذه الايام، لا يمكنه تجاوز مجلة )الثقافة الجديدة( والاستغناء عنها،  كمصدر هام وارشيف لابرز الكتابات في مختلف القطاعات الادبية والاكاديمية ، ومن هنا أدعو للعمل لاصدار فهرس بتبويب خاص بالموضوعات المنشورة في اعداد مجلة )الثقافة الجديدة( ليكون عونا للباحثين والدارسين وطالبي العلم والمعرفة. 
واذا كان لابد من ذكر اسم، من اسماء العاملين في مجلة )الثقافة الجديدة(، فشخصيا،لا يمكن لي تجاوز اسم استاذي وصديقي، الراحل الدكتور غانم حمدون، ففي اصعب الظروف التي واجهتها المجلة، وهي تصدر خارج العراق،في العقدين الاخيرين من القرن الماضي، بذل جهودا متميزة لانتظام صدورها بشكل دوري، وتواصل  بمثابرة كبيرة وبمشقة للبحث عن اسماء جديدة خصوصا بين الشباب ليفتح ابواب المجلة لهم للنشر، فتواصل مع مثقفين وشعراء وكتاب في ارجاء المنفى العراقي، وبذل جهودا حثيثة للتواصل مع مثقفين في مخيمات اللجوء في العربية السعودية (مخيمات رفحا والأرطاوية)، لينشر كتاباتهم التي تحمل موقفهم الرافض للديكتاتورية وحروب النظام العفلقي الصدامي العدوانية، ضد الجيران وابناء الشعب العراقي في الاهوار وفي كردستان.وتواصل مع الكتاب في صفوف الانصارالشيوعيين، في جبال كردستان، لينشر قصصهم ونصوصهم الشعرية،بل وليكتب بنفسه مقدمات تشجيعية تشيد وتعرف بها، وكان لي الشرف ان اكون واحدا من الذين تابع نشاطاتهم الادبية، واهتم بها ونشرها ولم يبخل يوما بملاحظاته المستندة الى خبرة ومسؤولية عالية.
وفي ظل ظاهرة تهافت وتساقط بعض المثقفين،وتنكر بعضهم بشكل فج لتأريخه،وتحولهم الى طبالين وذيول بل و(كتبة تقارير) للانظمة الحاكمة القمعية، خصوصا في ايام حكم الطاغية المجرم صدام حسين، ظلت مجلة )الثقافة الجديدة( أمينة لكونها موقعا صلبا لثقافة الموقف والثقافة الثورية، ليس لرفض الديكتاتورية والحروب والشوفينية وفضحهما، بل وفضح الكتاب المرتزقة ممن ارتأوا التحول الى طبالين ومساحين جوغ في حفلات الديكتاتور الدموية، من خلال نشر الدراسات والموضوعات التي تدين ثقافة العنف والأذلال والتبعية، ومن خلال ان تكون مجلة )الثقافة الجديدة( مجلة لكل المثقفين العراقيين، عربا وكردا ومن مختلف الطيف العراقي،تدعو لثقافة تقدمية أنسانية،هدفها التحديث والتغيير وبناء مجتمع ديمقراطي تسوده العدالة الاجتماعية.
تحية لمجلة )الثقافة الجديدة( العريقة في ذكرى صدور عددها الاول !
المجد للشهداء ممن عملوا على تواصل صدورها وممن نشروا نصوصهم على صفحاتها!
تحية لمثقفي العراق اينما كانوا ـ داخل وخارج الوطن ـ وهم يحتفون بمجلتهم الرائدة وهي تشعل في مسيرتها شمعة جديدة ، بعد السبعين !

هلسنكي
   أيلول2023




14
رسالة صفحة (جاليات عراقية) في طريق الشعب
قراءنا الاعزاء
تسعى هذه الصفحة لتغطية جوانب مختلفة من أحوال ونشاطات الجاليات العراقية في مختلف بلدان المهجر.
نتطلع الى تعاونكم ودعمكم للصفحة من خلال إمدادها بأخبار نشاطاتكم واصداراتكم وباقتراحاتكم وملاحظاتكم، إضافة الى الكتابة في أي موضوع تجدونه مناسبا ويتعلق بأوضاع الجاليات وهمومها وتطلعاتها.
الاعزاء
*نوصي بألا يتجاوز حجم مساهماتكم. ٥٠٠ كلمة.
*تُرفق صورة مناسبة للكاتب، مع صور تتعلق بموضوع المساهمة.
*مع الرجاء ان ترسل المساهمات الى العنوان التالي:   
iraqjaliat23@gmail.com
هذه الصفحة ... لماذا؟
يعيش الملايين من العراقيين خارج وطنهم، منتشرين على كل بقاع الكرة الأرضية، بحيث لو وضعت يدك عشوائيا، على أي نقطة في خارطة العالم ستجدهم هناك، اضطروا لترك وطنهم وأحبابهم وذكرياتهم لأسباب مختلفة، تعود أساسا لنتائج سياسات أنظمة الحكم التي توالت على وطنهم العراق.
كيف يعيشون؟ ما هي المعوقات في حياتهم؟ كيف ينشأ أبناؤهم؟ ما هي أحلامهم؟ ماذا يعني العراق لهم؟ وغيرها من الأسئلة، تطمح هذه الصفحة لتسليط بعض من الضوء عليها، ولكن هذا الطموح لن يكتب له الاستمرار والتطور دون مساهمة أبناء الجالية العراقية أنفسهم، ليكونوا كتاب الصفحة ومحرريها. أيها الأصدقاء في كل مكان.. اكتبوا لنا بأي موضوع تشاؤون، وبالأسلوب الذي تريدون، وأرسلوا لنا أخبار نشاطاتكم، فعاليات منظماتكم المهنية، نجاحات أبنائكم، وآرائكم فيما يدور حولكم وغير ذلك.
هذه الصفحة تطمح ان تكون صوت المواطن العراقي بعيدا عن وطنه، ترسل المساهمات لإيميل محرر الصفحة   :     iraqjaliat23@gmail.com
 ننتظر منكم كل ما هو جديد
المحرر

15
في معبد الطبيعة مع الفنانة ماريا فيتاهوهتا
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز


ضمن برنامج منظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين (Kiila)، تم تنظيم نزهة ثقافية لزيارة معرض عضوة المنظمة، الفنانة التشكيلة ومخرجة أفلام، الصديقة ماريا فيتاهوهتا Marja Viitahuhta ، انضم للزيارة أيضا الشاعرة بيريو كوتاماكي، والكاتب تانيلي  فيتاهوهتا ( زوج الفنانة ).
تم عرض العمل في كاليري Forum Box ، غرب العاصمة، هلسنكي، والمختص بالفنون الحديثة والعمل فيديو قصير من سبعة دقائق عنوانه (Bálvvosbáiki) وهي كلمة سامية تعني (مكان عبادة)، تم إنجازه بالتعاون بين الفنانة والموسيقيين الفنلنديين، آنامارت Ánnámáret المختصة بغناء اليويك (yoik) وهو شكل تقليدي من الغناء في الثقافة السامية، وهي أصوات تحاكى أصوات الطبيعة لاستحضار روح شخص او حيوان، والفنان إيلكا هاينونين Ilkka Heinonen عازف آلة اليوهيكو، القيثارة الفنلندية المنحنية التراثية، والفنان Turkka Inkilä عازف موسيقى اليكترونية. في الفيديو تتشابك الألوان والموسيقى والاصوات، خلال عرض حركة عدة كائنات، طيور، ايائل، حشرات وأيضا الانسان، لتقدم مشهدا ساحرا يقدم شيئا من وجهة نظر الشعب السامي بكون الانسان جزءا من الطبيعة وليس مالكها فالأرض والنباتات والحيوانات والناس تشكل معًا كلًا متكاملاً، ومكونات مترابطة. وفقا للفنانة ماريا فيتاهوهتا، يأتي عنوان العمل من كون ، في حياة الشعب السامي وثقافته، في فترة ما قبل المسيحية ، لعبت دور العبادة دورًا مهمًا في العبادة والدين المتمحورين حول الطبيعة، فيحاول العمل من خلال حركة الكاميرا وتجولها في عدة مواقع، وادي أو هضاب ، متابعا خطوات وحركة الانسان (الفنانة المغنية Ánnámáret )، المتماهية مع الوان النباتات ، والمشاهد العريضة للطبيعة الساحرة في شمال فنلندا وحركة الحيوانات،  بان المعبد ممكن ان يكون في عقل الانسان.
 في العمل ثمة حوار وتداخل ثر بين أصوات اليويك والموسيقى الحديثة وصوت آلة اليوهيكو التراثية وكأن الفنانة ماريا فيتاهوهتا التي قامت بمونتاج العمل بنفسها تريد من المشاهد ان يذوب ويتداخل مع الطبيعة، حيث الدهشة والترقب الدائم في عيون ونظرات الانسان.
من الجدير بالذكر ان ماريا فيتاهوتا هي فنانة تشكيلية ومخرجة أفلام قصيرة مقيمة في هلسنكي، تنحدر أصولها من منطقة إيناري، في لا بلاند شمال فنلندا، موطن الشعب السامي. اغلب اعمالها افلام قصيرة وعروض فيديو وصور فوتوغرافية مركبة وكولاج. تحمل شهادة الماجستير في الفنون الجميلة من أكاديمية Uniarts في هلسنكي للفنون الجميلة، لها مشاركات واسعة داخل فنلندا وخارجها ونالت العديد من الجوائز الدولية لأعمالها الفنية السينمائية، وتم اقتناء بعضها من متاحف ومعارض فنية عالمية، مثل متحف الفن الحديث (نيويورك) ومتحف كياسما المعاصر للفنون (هلسنكي)، ويمكن العثور على بعض اعمالها القصيرة معروضة على موقع Yle Areena الفنلندي، وهي ايضا أستاذة فنون في جامعة آلتو الفنلندية في هلسنكي.
والفنانة Ánnámáret، (اسمها الصريح Anna Näkkäläjärvi-Länsman) هي فنانة من الشعب السامي، صدر لها البوم لغناء اليويك عام 2021 وتم التصويت له كأفضل ألبوم موسيقى شعبية لهذا العام وتم ترشيحه في فئة Etno Emma في حفل Emma Gala. تعمل حاليا كعازفة منفردة وموسيقية ومعلمة في العديد من نشاطات إنتاج الموسيقى السامية. والفنان إيلكا هاينونين موسيقي وملحن متخصص في الموسيقى الشعبية، حيث يعزف على آلة اليوهيكو بالإضافة إلى عمله مع الفرق المختصة بثقافات الموسيقى الشعبية الأوروبية، ويشترك كعازف منفرد في فرق الأوركسترا في الحفلات والمشاريع الموسيقية المعاصرة. اما  توركا إنكيلا فهو موسيقي وملحن متعدد الأنواع. سعى مع فرقته الخاصة Tölöläb  إلى إنشاء موسيقى كهروصوتية تكسر التقاليد المفترضة للمشاهد الموسيقية، وتمزج أنواع مختلفة من الموسيقى منها الاوربية واليابانية، ويعمل كملحن وموزع وعازف ألة الفلوت.


16
دلال حسن وإدخال اللغة الكردية ضمن منهاج جامعة هارفارد

يوسف أبو الفوز 

لأول مرة في تاريخ جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، دخلت اللغة الكردية (سوراني) ضمن منهاجها للعام الدراسي الحالي. فقد افتتح صف رسمي لأربعة طلبة، وذلك بجهود حثيثة من الطالبة دلال حسن، التي بمثابرتها ودعم أسرتها الكبير نجحت العام الماضي في الحصول على منحة للالتحاق بهذه الجامعة.
ولدت دلال في مدينة شيكاغو الأمريكية، لأم كردية من السليمانية، وهي السيدة شيلان علي فتاح ابنة شيوعي استشهد في أحداث حلبجة. أما والد دلال السيد مازن حسن، فهو من منطقة جبلة في سوريا.
ودلال متعددة المواهب. فهي كاتبة رأي وصحفية مثابرة، وخطيبة بليغة، وناشطة في مجال حقوق الأقليات، ومثقفة وقارئة وتتحدث لغات عدة. وقد عرفت بنشاطها البارز ومساهماتها المتعددة في التضامن مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الكردي.
وتعتلي هذه الطالبة منصة جامعة هارفارد مرتدية الزي الكردي لتتحدث عن حقوق المرأة الكردية. بينما تلف حول رقبتها في التجمعات السياسية اليشماغ الفلسطيني، متحدثة عن الحقوق المشروعة لشعب فلسطين. كما أن لها رأيا واضحا في مختلف الشؤون السياسية، ينتصر لحقوق الكادحين ويرفض العنصرية والتمييز.
نالت دلال العديد من الجوائز والتكريم لنشاطاتها لأجل البيئة وحقوق الأقليات، لهذا نجد ان مدرستها الثانوية ما زالوا يعلقون صورتها في لوحة الشرف، حيث كانت رئيسة تحرير مجلة المدرسة ورئيسة لنادي الطالبات، وطالما جلبت الجوائز لمدرستها في المسابقات الأدبية بين المدارس. كتبت العديد من المقالات الصحفية التي نشرت في العديد من الدوريات الامريكية، ومنها منصة موقع جامعة هارفارد.
وفي اتصال هاتفي مع «طريق الشعب»، تحدثت دلال عن موضوع إدخال اللغة الكردية ضمن منهاج الجامعة.  وقالت أن «ارتباطي بالقضية الكردية، فكريا وعاطفيا، وزياراتي لموطن والدتي وعائلتها، جعلني أميل لتعلم اللغة الكردية قراءة وكتابة، كونها تشكل جزءا مهما من هويتي. كما عزز لدي ذلك السعي لتكون هذه اللغة ضمن المنهاج الدراسي لجامعة هارفارد. فبذلت جهودي وتابعت الامر حتى تم إقراره».
وفي نيسان الماضي، كانت دلال واحدة من عشرة طلبة ألقوا خطبا في معرض ربيع 2023 بجامعة هارفارد. وقد حملت خطبتها عنوان (استعادة الهوية الكردية ـ العربية المختلطة).

17
هل تشهد فنلندا خريفا ساخنا؟
المعارضة لحكومة اليمين الفنلندية تهيئ لموجة احتجاجات

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

ما زالت سياسات حكومة اليمين في فنلندا تثير استياء الشارع الفنلندي، وتتواصل الأحزاب والحركات المعارضة في نشاطاتها الاحتجاجية،  وأصدر مؤخرا العديد من الأحزاب والمنظمات النقابية  مختلف البيانات المعارضة لبرنامج الحكومة، يأتي في صدارة ذلك بيان المنظمة المركزية لنقابات العمال (SAK)، التي تعمل كمظلة نقابية يدخل في عضويتها حوالي عشرين نقابة، من أهم نقابات العمال، تتوزع على مختلف قطاعات الصناعات والخدمات، ومعروف أن للأحزاب اليسارية ثقل كبير في نشاطها، وتشير الإحصاءات الرسمية، الى أن عدد أعضائها أكثر من 800 ألف عضو، 44 بالمائة منهم نساء، في بلد يبلغ عدد سكانه خمسة ملايين ونصف.
وأعلنت المنظمة النقابية أنها لن تقبل التغييرات التي خططت حكومة اليمين لتشريعها وتنفيذها، ورسمت خطة لرفع الجاهزية التنظيمية، فإذ يهدف برنامج الحكومة لتقييد الحق في الإضراب، إجراء تخفيضات في حقوق الضمان الاجتماعي، وتخفيف الحماية من الفصل وعدم دفع أي أجر عن اليوم الأول من المرض، فإن الحركة النقابية (عليها ان تكون مستعدة للاحتجاج لعرض آرائها بطرق أخرى)، وهذا يعني الإضرابات وتوقف العمل والمظاهرات. وأعلن العديد من النقابات الفرعية الموافقة على زيادة خطوات الاستعداد، كنقابة القطاع العام والرعاية الاجتماعية وأيضا نقابة موظفي الخدمة المدنية التي ترى أن برنامج الحكومة غير متوازن وتتوقع أنه يفسد سوق العمل المضطرب أساسا. فحكومة اليمين الفنلندية، تريد في برنامجها، من ضمن أمور عديدة، تضييق تعريف الدعم القانوني للإضراب، والحد من سقف العمل السياسي للنقابات، وزيادة غرامات الإضراب (غير القانوني) وفرض غرامة قدرها 200 يورو على العامل لمشاركته في إضراب (غير قانوني). وأعلن رئيس نقابات الصناعة الفنلندية، النقابي ريكو آلتوا، (الاجتماعي الديمقراطي)، أن العمل يجري على قدم وساق، لتقييم الإجراءات الاحتجاجية التي ستتخذها الحركة النقابية في الخريف القادم، فيما لو قدمت حكومة اليمين مقترحاتها كبرنامج حكومي إلى البرلمان لإقراره، وأثناء كتابة هذا المقال، نشرت الخميس الماضي، رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الفنلندي بيتري اربو (يمين تقليدي)، وقعها ياركو إلورانتا (الاجتماعي الديمقراطي) رئيس المنظمة المركزية لنقابات العمال، حملت أفكار بيان المنظمة، اكد فيها (من وجهة نظر العديد من الفنلنديين، تبدو خطط حكومتك سيئة) واعتبرت وسائل الأعلام الرسالة جزءا من التحضيرات لأعمال الخريف.
ويذكر أن الحزب الشيوعي الفنلندي، وهو من أقدم الأحزاب الفنلندية، تأسس عام 1918، وهو خارج البرلمان حاليا، سبق وأصدر بيانا أوضح فيه معارضته لحكومة اليمين وبرنامجها الذي (يستهدف حقوق عموم الشعب خصوصا العمال وذوي الدخل المحدود)، معتبرا أن الهدف الأساس لبرنامج الحكومة هو (إضعاف دعم معيشة الناس، والتدخل في حقوقهم الأساسية، وتوجيه الحياة العملية بشكل أكثر فأكثر نحو سيطرة أرباب العمل وعدم المساواة). وأدان نية الحكومة (الحد بشكل كبير من الزيادات في الرواتب)، إلى جانب ذلك فأن الحكومة تتبع (طرقا جديدة لزيادة أرباح أرباب العمل وتجميع المزيد من رأس المال عن طريق إفقار العمال). وأكدت المجموعة النقابية في الحزب الشيوعي الفنلندي في بيان لها (أنه يجب علينا جميعًا، نحن العمال والنقابات العمالية، أن نعمل الآن بنشاط وبقوة من أجل حقوق العمال وأن نستخدم وسائل مختلفة للاحتجاج ومعارضة السياسة البرجوازية، مع إبراز حقيقة، من بين أمور أخرى، لا إكراه لإضعاف تشريعات العمل أو قطع الضمان الاجتماعي والخدمات (.
توافقا مع كل هذا، بادرت منظمة الكتاب والفنانين الفنلندية، المعروفة باسم (كيلّا) وهي واحدة من أعرق المنظمات الثقافية الفنلندية، كتجمع للكتاب والفنانين اليساريين، تأسست في عام 1936، واصدرت بيانا مفصلا، تحت عنوان (في معارضة سياسة حكومة اليمين) شكلت لجنة خاصة من أعضائها لإعداده وانجازه، وأدانت فيه سعي الحكومة في برنامجها لتفكيك هياكل الدعم لأكثر الفئات ضعفاً في المجتمع، كالعاطلين والمتقاعدين، وتهديد تاريخ فنلندا كواحدة من أبرز الدول النقابية في العالم. وأشار البيان إلى أن المقترحات بخصوص الهجرة واللجوء ستجعل من فنلندا البلد الأكثر تشددا في دول الاتحاد الأوروبي، حيث تخفض حصص اللاجئين بشكل كبير، وتشدد المعايير للحصول على حق اللجوء وتصاريح العمل، وتعرقل مسار الحصول على الجنسية. ويشير البيان إلى أن الحكومة الحالية هي أكثر حكومة يمينية في فنلندا منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وان تنفيذ برنامجها سيقترن بتحول ثقافي وخطابي مقلق، اذ سيتم تفعيل الأفكار العنصرية والفاشية لتصبح خطابا عاما، وهذا (نتيجة لسياسات ثقافية وسياسية نيو ليبرالية متجددة منذ فترة طويلة، ونظام اقتصادي رأسمالي له آثار بعيدة المدى يجب أن نستمر في مواجهته). ويختم البيان بالدعوة للحوار ما بين كل معارضي حكومة اليمين، ويؤكد (نأمل في تقوية شبكات التضامن بحيث يستمر العمل الحاسم للتنظيم والاحتجاج بأشكاله المختلفة الذي يقوم به الكثير من الأشخاص والمجموعات في الوقت الحالي(.
ويشير  بعض المراقبين إلى أن حكومة اليمين الحالية ستكرر فشل حكومات يمينية سابقة في مواجهة الحركة النقابية، فالمطلوب منها زيادة معدل تشغيل العمالة وتعزيز القدرة التنافسية لأجل خفض المديونية المالية العامة، وأمام حقيقة أن فنلندا تخلفت عن دول الشمال الأخرى، وأصبحت أكثر مديونية، مع استمرار الضعف في التنمية الإنتاجية ومعدل العمالة فأن توقعات صندوق النقد الدولي عن ديون فنلندا يمكن ان تصل إلى نسبة 82 بالمائة في عام 2028، بينما ستكون نسبة ديون السويد والدنمارك أقل من 30% في ذلك الوقت، وعليه فأن تنفيذ برنامج حكومة اليمين سيأتي بنتائج عكسية، وأبرز ما في ذلك اشتداد واتساع نشاطات المعارضة، التي تتسع، وسوف لن تتوقف حتى سقوط حكومة اليمين!





18
 
هل تسقط الحكومة الفنلندية اليمينية بسبب فضائح وزرائها العنصريين؟

هلسنكي ــ كتابة وتصوير: يوسف أبو الفوز 



تتواصل مظاهر الاحتجاج والاعتصامات والمسيرات في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، وتشتعل وسائل التواصل الاجتماعي والصحف المعارضة بالتعليقات والمتابعات المعارضة والناقدة، ضد الحكومة الفنلندية اليمينية، التي تشكلت أواخر حزيران الماضي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وتقدم فيها حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) على منافسيه من قوى اليسار والوسط، بشكل أهله لتشكيل حكومة أغلبية ضمّت حزب الفنلنديين الحقيقيين (يمين متطرف)، الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) إضافة لحزب الشعب السويدي(وسط)، من بعد مفاوضات ماراثونية، استمرت ستة أسابيع، مسجلة رقما قياسيا، أقرت فيها برنامجا جعل العديد من المراقبين يصفها الحكومة الأسوأ في تاريخ فنلندا من بعد الحرب العالمية الثانية، في مجمل خططها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، فلأجل التوفير في نفقات الدولة واتباع سياسة تقشف حازمة، ستقوم الحكومة باستقطاعات كثيرة على حساب قوانين الرعاية الاجتماعية والصحية لعموم المواطنين، وأيضا اتباع سياسة الخصخصة إضافة إلى النظام الضريبي الذي سيعاني منه صغار المستثمرين وذوو الدخل المحدود أساسا، ناهيك عن السياسية المتشددة بخصوص المهاجرين واللاجئين.
ومع تواصل الاحتجاجات والتظاهرات ضد مشاركة اليمين المتطرف في الحكومة الفنلندية ممثلا بحزب الفنلنديين الحقيقيين، وجد رئيس الوزراء بيتري اوربو نفسه في مَآزِق متواصلة، بسبب كشف الغسيل الوسخ لتصريحات وكتابات عنصرية وفاشية لقادة من حزب الفنلنديين الحقيقيين، وبعضهم وزراء في حكومته.
تأججت التظاهرات الحاشدة مع ظهور وزير الاقتصاد اليميني المتطرف لاسي يونيلا في البرلمان الفنلندي متفاخرا بربطة عنق مزينة بصورة حيوان الراكون، ذي الرمزية العنصرية في أمريكا واوربا، حيث ارتبطت كلمة راكون (تختصر إلى Coon) بحقبة سوداء من العبودية والتمييز العنصري، ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، استخدمت من قبل المتطرفين، ككلمة احتقاريه لذوي البشرة السوداء.
وتصاعد سيل الانتقادات من سياسيين ينتمون لأحزاب اليسار وأكاديميين، وتوج ذلك بتصريح رئيس الجمهورية ساولي نينستو معلنا استهجانه سلوك وتصريحات وزير الاقتصاد معتبرا الضجة التي أحدثها (محرجة للغاية)، خصوصا بعد تناول وسائل اعلام اوربية ما يجري في فنلندا، فاضطر رئيس الوزراء، لتهدئة الشارع الفنلندي، إلى تنحية الوزير، بعد حوالي أسبوعين من تكليفه، فكانت أقصر فترة في تاريخ الحكومات الفنلندية.
عادت الاحتجاجات والتظاهرات من جديد، مع الكشف عن كتابات سابقة لرئيسة حزب الفنلنديين الحقيقيين ريكا بورا باسم مستعار، مع المطالبات بطردها من الحكومة، فهي تشغل حقيبة وزير المالية، وحسب الأعراف الفنلندية يشغل عادة موقع نائب رئيس الوزراء.
 ورغم ان بوروا قللت من أهمية الكتابات واعتذرت عن بعضها، وتم سحب وحذف أغلبها، مدعية أن افكارها قد تغيرت، ومثل غيرها من معارفها (استخدمت روح الدعابة السيئة وقالت أشياء قبيحة) إلا أن المقالات حول عنصريتها والمطالبات بعزلها لم تهدأ، وكانت بورا كتبت في سنوات سابقة تعليقات في مدونة أحد زملائها في الحزب اليميني المتطرف، استخدمت فيها عبارات تحقير للمهاجرين والمسلمين، واشتهر عنها قولها إنها لاحظت في مكتبة عامة (كيس اسود) يتحرك بين رفوف الكتب إشارة لزي النساء الصومالي.
توافقا مع هذا بدأت وسائل الأعلام، تتابع وتعلق على ما نشرته صحيفة (هلسنكي سانومات)، أقدم صحيفة فنلندية وأوسعها انتشارا في فنلندا والشمال الاوربي (تأسست عام 1889)، حيث حصلت على رسائل وزير الاقتصاد البديل ويلي ريدمان، إلى صديقته السابقة، وكان ريدمان عضوا في حزب الاتحاد الوطني الفنلندي اليميني، عندما أثيرت حوله، قبيل الانتخابات البرلمانية، شكاوى باستغلال موقعه في مجلس بلدية هلسنكي واتحاد الشباب للتحرش الجنسي ومضايقة شابات حزبه، تم تجميده وعزله، فترك حزبه لينضم إلى الحزب اليميني المتطرف، ليكون ضمن مرشحيه في الانتخابات البرلمانية، وفاز فيها بمقعد نيابي.
 حين تم عزل وزير الاقتصاد السابق لاسي يونيلا، رشح الحزب اليميني المتطرف ريدمان لشغل الموقع، فأوقعوا رئيس الوزراء في موقف محرج، فالأحزاب عادة هي المسؤولة عن اختيار مرشحيها للمواقع الوزارية، واضطر رئيس الوزراء للاعتراف بأنه لم يتم بالتشاور معه. وفي الرسائل المنشورة استخدم ريدمان لغة عنصرية مكشوفة وصف في أحدها شعوب الشرق الأوسط بالقردة!
وطيلة أيام أزمة الفضائح المتواصلة لليمين المتطرف، ظلت انظار المواطن الفنلندي تتطلع إلى ردود فعل حزب الشعب السويدي، فرغم مشاركته في الحكومة، لكنه لا يبدو على توافق مع سياسات اليمين المتطرف، فهناك اختلافات حول ملفات اجتماعية وموضوعات الهجرة واللجوء، إضافة إلى كون اليمين المتطرف يدعو إلى تهميش اللغة السويدية في برامج التعليم رغم كونها لغة رسمية وفقا للدستور.
أيام أزمة وزير الاقتصاد المعزول امتنع نواب حزب الشعب السويدي التسعة عن التصويت بالثقة لصالحه، وانتقدت زعيمة الحزب آنا ماريا هينريكسون مرارا أداء وتصريحات حزب اليمين المتطرف.
وتفيد تقارير المراقبين بأن المطالبة بخروج حزب الشعب السويدي من الحكومة تتسع داخل الحزب نفسه، وأبدت بعض قيادات الحزب اعتراضها علنا وتركوا طاولة الحوار لتشكيل الحكومة، بل وتشكلت مؤخرا مجموعة عمل خاصة داخل الحزب ضمت ست عشرة شخصية مهمة، لمتابعة إمكانية خروج الحزب من الحكومة وفك الارتباط بها.
 ورغم ان رئيس الوزراء حاول التقليل من أثار ذلك على مستقبل الحكومة، وكون ثمة برنامج مشترك متفق عليه، ورغم ان بعض التوقعات تشير إلى ان اليمين المتطرف ولأجل الحفاظ على وجود زعيمته في الحكومة، قد يلجأ للتضحية بريدمان، فأن العديد من المراقبين يعتقدون ان أي فضيحة جديدة أو خلاف قادم ربما يدفع بحزب الشعب السويدي لمغادرة الحكومة، وستكون هذه الخطوة القاتلة سببا في سقوطها. 

19
 

حكاية الفنان كوكب حمزة وامرأة قطار أبو شامات

يوسف أبو الفوز

بدءا لابد من القول، انها حكاية منحازة جدا، ليس بدافع تعصب لأسباب ما، أيدلوجية أو كوننا ابناء عراق واحد، بل ازعم انها بدوافع جمالية موسيقية. من هنا يمكن فهم لماذا راحت زوجتي تشير الى ان كوكب حمزة سيكون مسؤولا ان حصل معي (شيئا ما)!! فلعدة ايام، ومنذ أن عثرت على رابط منشور لأغنية (حمد)، والاغنية لم تتوقف لأيام، اذ راحت تصدح وتنثر الحيوية في شقتنا الصغيرة، تدور وتدور أوتوماتيكيا :
مرينه بيكم حمد واحنا بقطار الليل
واسمعنا دك قهوة وشمينا ريحة هيل
ـ ولكن هناك اغنية قديمة، يغنيها المطرب ياس خضر، من الحان الفنان محمد جواد اموري، ولا يوجد عراقي لم يسمعها؟
ـ اعرف ذلك، بل واعرف ان قصيدة هذه الاغنية بالذات، كانت من بدايات النصوص التي لحنها الفنان كوكب حمزة وذلك عام 1968، لكن اسبابا عديدة، كانت وراء عدم تسجيل الاغنية آنذاك، بينما وجدت الحان اخرى لهذه القصيدة طريقها الى الانتشار!
ـ والان؟!
لا يخفي كوكب حمزة في أحاديثه ولقاءاته الصحفية، اعجابه بنصوص الشاعر العراقي مظفر النواب، منذ التقاه اول مرة عام 1963 في احدى المعتقلات، فكلاهما يعتنق ذات الافكار التقدمية التي تنشد بناء مجتمع لا يستغل فيه الانسان انسانا اخر. مجتمع يسوده الحب والمشاركة والعدالة الاجتماعية و(كبادرة من الوفاء نحو الشاعر الكبير)، اعاد الفنان المتجدد كوكب حمزة، تلحين قصيدة (الريل وحمد) الشهيرة، بصياغة لحنية جديدة، وقدمها بصوت جديد لمطرب واعد اسمه (علي رشيد)، يعتبره الفنان كوكب حمزة ( صوت مستقبلي) ، وحاز ثقة الشاعر مظفر النواب حين استمع اليه .
قصيدة ( الريل وحمد)، بدأ الشاعر مظفر النواب بكتابتها عام 1956 واكملها عام 1958، وحين نشرت قال عنها الشاعر المبدع سعدي يوسف إنه يضع جبين شعره على طريق (الريل وحمد)، اذ ان هذه القصيدة فتحت مسيرة جديدة في الشعر الشعبي العراقي .
القصيدة تحكي عن عاشقة مر قطارها ليلا بمحطة (ام شامات) حيث حبيبها الغامض (حمد)، فكانت تداعياتها وذكرياتها مترعة بالهيل والقهوة والفضة والاحتراق والعتب والحنين، واذ قرأت القصيدة من قبل بعض النقاد قراءة سياسية، وفي ظل الاوضاع السياسية التي يعيشها العراق، فان الناس صاروا يتداولون القصيدة باحثين في كلماتها عن اشياء يريد ان يقولها الشاعر بلغة الرمز، وصار كل قارئ يقدم للقصيدة تفسيرا انطلاقا من قناعاته السياسية والفكرية. يمكن القول ان (الريل وحمد) كقصيدة، حصلت على شهرة غير عادية، ليس في العراق فقط، بل وفي كل البلاد العربية. هكذا لم اتفاجأ يوما، في موسكو عام 1991، وفي مناسبة طلابية، رحبت بي مجموعة من الاخوة الاردنيين واللبنانيين بالاشتراك معا بقراءة مقاطع من هذه القصيدة وترديد الاغنية بلحن محمد جواد اموري.
واخيرا يأتي كوكب حمزة ليحاول ان يقدم تفسيرا لحنيا جديدا لهذه القصيدة، التي تعد من كلاسيكيات الشعر الشعبي العراقي، واجدني هنا ملزما بالقول، باني لست ناقدا موسيقيا، ولا باحثا متخصصا في الاغنية العراقية. لكني متذوق للأغنية العراقية الاصيلة، ومدمن لسماع المطرب داخل حسن وتلميذه المطرب حسين نعمة، وايضا الفنان فؤاد سالم وجيله من فناني سبعينات القرن الماضي، الذين يوصف عهدهم بانه (العصر الذهبي) للأغنية العراقية.
الفنان كوكب حمزة، مواليد عام 1944، القادم من مدينة القاسم، والدارس في قسم الموسيقى في معهد الفنون الجميلة، بغداد، والمتخرج منه بتفوق عام 1964، الذي اعتبره النقاد الفنيون واحدا من أفضل الملحّنين في الأغنية العراقية، بل أحد المجدّدين فيها، وله أسلوب تلحيني متميز، كان أحد ابرز اعمدة تلك الفترة الذهبية، التي تربت على اغانيها ذائقة ابناء جيلي من العراقيين، وهذا سبب جعلنا لا نستسيغ ما تنشره فضائيات النفط من اغاني الهز والغجر بألحانها المكررة ونصوصها الهابطة المقيتة.
كمستمع ومتابع، لطالما توقفت بأعجاب عند تجربة الفنان العراقي كوكب حمزة، الذي ملأ فضاء العراق، مع زملاء جادين مثله، باغان صارت هوية لجيلنا، الذي كان ضحية قمع نظام "قومانجي" فاشي ابتدأ بإرهاب معارضيه، ثم اشعال الحروب في المنطقة، واشدها كانت الحرب ضد ابناء الشعب العراقي بكل الوان الطيف العراقي، وبما ان المثقف العراقي كان من الاهداف الاولى لنظام البعث الديكتاتوري، فان الفنان المبدع، كوكب حمزة ، كان من اوائل من شد حقائبه، ليحمل العراق في قلبه وبين أوتاره ويرحل عام 1974. في المنفى، وامام الحصار المرير الذي مارسته المؤسسات الثقافية العربية ، ضد المثقف العراقي ، بتحريض مباشر من مؤسسات النظام الديكتاتوري في العراق، كان الفنان العراقي وخصوصا الرافض لسياسة النظام الديكتاتوري، والذي قبل بالمنفى مضطرا من اجل الحفاظ على موقفه وكرامته الانسانية، يتجرع خيباته واماله باستمرار امام صعوبة تنفيذ مشاريعه الفنية، سواء في تسجيل اغنية او طبع كتاب او اقامة معرض رسم ، كان المبدع العراقي يحفر بأصابعه المجردة جدرانا صلبة من الصخر، لم يحتمل البعض المواجهة، ولم يتمكنوا من المواصلة، فاعتكفوا وركنوا للصمت، ان لم يتركوا العمل في مجالهم الابداعي ويتوجهوا الى مجالات عمل اخرى. لم يكن كوكب من هؤلاء، كان مقلا في اعماله، ولذلك اسباب عديدة، نجد له العذر في بعضها، ولكنه بشكل عام لم يتوقف. مع زملاء فنانين، ملحنين ومطربين وشعراء اغنية، حملوا راية المواصلة والعمل من اجل الثقافة العراقية، واستمرار مسيرة الاغنية العراقية الاصيلة، وكانت له نشاطات في انشاء فرق فنية غنائية عديدة، في اماكن مختلفة من المنفى العراقي. صحيح ان هذه الفرق كان لبعضها اغراضا تعبوية ودعائية سياسية ضد النظام الديكتاتوري، وإنها لم تنجح لأسباب موضوعية في انتاج اغنية تنتشر تجاريا، الا ان كوكب حمزة وزملاءه اثبتوا بذلك موقفا مسؤولا واضحا من خراب الاغنية العراقية داخل الوطن الذي كان يتم على يد مرتزقة الفن من طبالي النظام الذين يعيشون على فتات الطاغية ويجملون له جرائمه ويرقصون على جثث ضحايا حروب النظام العبثية. حاول كوكب حمزة وزملائه، تقديم اغنية امينة لتراث الاغنية العراقية السبعينية، فكانت هناك اعمال المبدعين مثل الفنان سامي كمال، الفنان حميد البصري وفرقته، الفنان طالب غالي، الفنان فلاح صبار، واخرين.
في جبال كوردستان ، أيام الكفاح المسلح لفصائل الانصار الشيوعيين (Partisan) ضد نظام صدام حسين، في ايار 1982، التقيت الفنان كوكب حمزة لاول مرة ، كان (ابو جميلة ) النصير ، ناحلا وديعا وحالما، لا يملك من الات موسيقية ، سوى الة تركية وترية ، يسمونها (جنبش) ـ باعتقادي انها من سلالة الة العود ـ لكنها مكنته من اعداد الحان للأنصار الشيوعيين تتغنى بنضالهم وتجربتهم ، كنت انصت الى (ابو جميلة) وهو يتحدث بألم عن الخراب الذي حل بالأغنية العراقية على ايدي النظام الديكتاتوري ومزيفي الفن العراقي، وكيف ان ملحنين معروفين سبق وقدموا اعمالا غنائية ساهمت في رسم روحية ذائقة الشعب العراقي، اضطروا لان يلبسوا الحانهم الخاكي ويزعقون ـ مضطرين او عن أيمان وحماس ـ مع مرتزقة، من شعراء وملحنين ومطربين ، بالمشي للحرب المجنونة التي احرقت الاخضر واليابس. بعد سنوات كردستان، كان البعض يعتقد ان قسوة ظروف المنفى، وعدم الاستقرار، تدفع بمبدع (يا طيور الطايرة) و(القنطرة بعيدة) و(محطات) و(بنادم) و(يا نجمة) و(حاصودة)و(نحبكم) و(همه ثلاثة للمدارس يروحون) وغيرهما الكثير من الالحان الخالدة، الى النضوب والجفاف، لكن ظن هذا الصنف من الآراء خاب مع ظهور الحان جديدة للمبدع كوكب حمزة، رسمت بصمتها في مسيرة هذا الفنان الاصيل، فكانت مثلا أغنية (بساتين البنفسج)، بالتعاون مع الشاعر المبدع رياض النعماني، ومجموعة اخرى من الاغاني.
الفنان الملحن كوكب حمزة، كان مكتشفا للعديد من الاصوات الغنائية المتميزة، وصقل تجربتها بألحانه، وساهم في صعودها وصناعة مجدها، هو من قدم للعراقيين والعالم العربي، اصوات صارت نجوما لامعة مثل حسين نعمة، سعدون جابر ورياض أحمد ومثله لا يكف عن البحث عن الاصوات الجديدة، ولا يتوقف عن الابداع، لان الموسيقى العراقية الاصيلة تسري في روحه مثلما مبادئه في الحياة في العمل لبناء حياة جديدة وأفضل للإنسان المعذب.
هكذا جاءت اغنية (حمد)، التي ادخلتني شخصيا في حالة من هوس الاعجاب، الاغنية تؤدى من قبل صوت عراقي شجي، المختصون قالوا عنه (أنه صوت بحاجة للمزيد من التدريب)، لكنه عندي اكتشاف جديد لكوكب حمزة صاحب التحديات!
ـ وهل نحن في حالة حرب؟!
الامر ليس بهذا المعنى الحرف، لكنه بكل حال شيء من الصراع، صراع من اجل الأفضل. الاغنية الجديدة التي قدمها كوكب، هي مقاطع مختارة من قصيدة (الريل وحمد)، التي يحفظها العراقيون اذ صارت واحدة من محفوظات الشعب العراقي.
ـ وأين التحدي هنا في لحن كوكب حمزة هذا؟
لست متخصصا في المجال الموسيقي، لذا أعلن باني لا اعرف لاي مقام ينتمي لحن (الريل وحمد) بأنامل الملحن العراقي الاصيل محمد جواد اموري. لكنه بالنسبة لي لحن هاديء، حزين  تحس فيه ان الملحن استعار شيئا من ايقاعات الليل الحزينة ليقدم لحنا عراقيا حفر لنفسه مكانة خاصة في ذائقة العراقيين، فلا يوجد عراقي، لم يردد هذا اللحن في ساعاته حزنه او شوقه لأهل او حبيب وصديق، هو لحن عشق يصلح لكل الطقوس، في السفرات المدرسية ردده الطلبة العراقيون، في زنزانات السجون وفي ليال المنافي الثقيلة، وهو لحن محمل بإيقاعات حزينة تظهر واضحة على حنجرة المطرب ياس خضر الذي تشبع صوته بالحان المجالس الحسينية التي عرف بممارستها في مطلع حياته قبل احترافه الغناء، وهكذا أذ اتخيل صورة المرأة التي تقدمها لي اغنية (الريل وحمد) بصوت ياس خضر والحان محمد جواد اموري، فاني ارى امرأة عاشقة، مكسورة القلب، ضعيفة، دموعها تسيح بصمت، ومتلفعة بثيابها الداكنة اللون، وهي ترنو بانكسار الى (أم شامات)، من نافذة القطار وتعاتب الحبيب الغادر عتابا مترعا بالفقدان !
ـ اين كوكب حمزة من هذا؟
ازعم بأن كوكب فنانا ليس مجددا فقط، بل وجريء في اقتحام المحظور في الذاكرة العراقية. هذا ما دفعني لتوزيع رابط اغنية (حمد)، ما أن عثرت عليها، على الكثير من اصدقائي ومعارفي، طالبا وجهات نظرهم. وعبر البريد الاليكتروني والهاتف وصلتني العديد من الردود. الى جانب الاعجاب سمعت تلك الآراء التي لا تزال متعلقة باللحن الاول، لحن محمد جواد اموري، الذي تشربوا به واعتادوا عليه. أحدهم كان غاضبا لهذا الايقاع الراقص الصاخب الذي يقدمه لحن كوكب حمزة الجديد، ويرى انه يبتعد عن إيقاع رؤى القصيدة ويتنافر معها، ويعتقد ان الاغنية بهذا تفقد روحها العراقية!! اعيد القول بأني غير متخصص موسيقيا، وهكذا لا اعرف لاي مقام ينتمي لحن كوكب حمزة الجديد، لكن ما يحسب لكوكب حمزة في هذا اللحن، ان اراه يتحدى كل هذا الارث الموسيقي العراقي الذي تشبع بإيقاعات الطقوس الحسينية، التي لم ينج منها كوكب حمزة نفسه في بعض الحانة الشهيرة. فمثلا اغنية (ابنادم) الشهيرة، التي قيل انه لحنها في شهر محرم، فجاءت مشبعة بإيقاعات الطقوس الحسينية، ورغم ان لحنه الجديد لقصيدة (الريل وحمد) نجد أن الطبول تسود ايقاعاته، ونسمع انين النايات التي يعشقها كوكب حمزة، الا ان لحنه يكشف روح التحدي الكامن الذي تحمله لغة قصيدة (الريل وحمد)، والذي غاب عن اللحن الاول، واذ اود رسم صورة للمرأة التي يمر قطارها بمحطة (أم شامات)، والتي يقدمها لنا كوكب حمزة، فأني ارى امرأة اخرى مختلفة . ارى أمرأه عاشقة قوية، حزينة بشكل نبيل، تجلس الى جانب الشباك والهواء يمر عبر خصلات شعرها، مرفوعة الرأس، تعاتب بمرارة وتداري احتراقها، وتنطق كلماتها واسم (حمد) بروح تحد ومواجهة، تغني وعيونها ترنو الى المستقبل مترعة بالأمل وهي ماضية في طريقها مع القطار الذي لن يتوقف!
 

20
الإعلامي المثابر كمال يلدو وتجربة برنامج (أضواء على العراق)
كتابة:  يوسف أبو الفوز
تصوير: شادمان فتاح


لطالما أثارت إعجابي تجربة زميلي وصديقي الإعلامي كمال يلدو، في مثابرته واصراره للعمل، واستمرار ظهور برنامجه الأسبوعي (أضواء على العراق) على منصات التواصل الاجتماعي. مؤخرا، حين توفرت لي الفرصة لزيارة محل إقامته في بيته، في مدينة ديترويت الامريكية وزيارة استوديو البرنامج الذي أقامه في قبو بيته، قررت مشاركة القراء بتسليط شيئا من الضوء على هذه التجربة الملهمة، التي طالما تمنيت ان يطلع عليها البعض من شبابنا الإعلاميين لاستنباط بعض الدروس منها.
ولد الرفيق كمال يلدو في عام 1956 في بغداد، منطقة رأس القرية، أنهى الدراسة الثانوية في الاعدادية الشرقية ودرس لمدة عامين في كلية العلوم جامعة بغداد، وتعرض مثل الالاف غيره من الشيوعيين والديمقراطيين الى عسف نظام البعث الفاشي، فاضطر لمغادرة العراق مطلع عام 1979 ووصل الولايات المتحدة صيف نفس العام ،  ليستقر في ولاية مشيغان الامريكية، ليكون واحدا من نشطاء الجالية هناك ووجوهها الإعلامية من خلال نشاطات جمعية الاتحاد الديمقراطي العراقي ( تأسس في 15 أيار 1980) في السعي لدعم نضالات الشعب العراقي من اجل الدولة المدنية الديمقراطية، وتعزيز مكانة الجالية العراقية في المجتمع الأمريكي، والحفاظ على هويتها العراقية الوطنية،  وعمل محررا في جريدة (صوت الاتحاد) الصادرة عن الجمعية. أما لماذا التوجه الى العمل الإعلامي الذي يمارسه تطوعا، سواء في اعلام الحزب الشيوعي العراقي او الجمعيات والمواقع الثقافية المتنوعة، يجيبنا الرفيق كمال يلدو عن ذلك بان نشاطه الإعلامي سبق مغادرته العراق حيث كانت له بدايات يعتبرها متواضعة في العمل الصحفي من خلال صحيفة (طريق الشعب) العلنية، لكن افاق العمل الإعلامي الواسعة خارج العراق، وإمكانية الوصول لقطاعات مختلفة من العراقيين، فرضت عليه اختيار النشاط الإعلامي، لأنه يوفر له فرصة عكس موقفه بوضوح من كل ما يتعرض له العراق وشعبه سواء أيام النظام حكم النظام الديكتاتوري المقبور أو ما تبعه.
ويخبرنا الرفيق كمال بأن بداية عمله الاعلامي (الاذاعة والتلفزيون) كانت في العام 2005 عبر محطة اذاعية محلية، وفي العام 2005 بدأ بتقديم برنامج تلفزيوني اسمه (اضواء على العراق) عبر محطة تلفزيونية محلية في ديترويت (الفضائية الآرامية) واستمر ذلك حتى العام 2019، حيث تواصل تقديم البرنامج، بفقرات سياسية وثقافية استضاف فيه الكثير من الشخصيات من داخل العراق وخارجه.
وفي اذار 2019 توقف بث البرنامج من خلال الفضائية الآرامية، وبدأت مرحلة جديدة منذ تشرين اول 2019 في البث من استوديو خاص أقامه في قبو بيته، عبر شبكة (فيس بوك) بمعدل حلقتين من البرنامج في الاسبوع وما زالت مستمرا في ذلك.
برنامج (اضواء على العراق) موجه للعراقيين اينما كانوا، وهو يتناول الأوضاع في العراق والحراك الوطني والموقف من حكومات المحاصصة العراقية وقوى النفوذ السياسي، كذلك تسليط الاضواء وابراز الشخصيات التي عملت في كل حقول المعرفة والثقافة العراقية امام تجاهل المؤسسات الرسمية لهم.
ومعروف ان الرفيق كمال يلدو، رغم ارتباطه بالعمل (في المبيعات) لستة أيام في الأسبوع، فانه يكرس جهدا متميزا لإعداد البرنامج بنفسه ولوحده، دون مساعدين، ويموله من ماله الخاص، دون ان يحظى بأي دعم من أي جهة ما، ويقوم بمهام البحث وتجميع وتبويب المواد الإعلامية وتقطيعها وتقديمها بنفسه. ويبذل جهدا كبيرا في عمليات البحث وتوفير المواد، خاصة عند جمع المعلومات عن الشخصيات الثقافية والعلمية العراقية، حيث يستثمر علاقاته ويجري العشرات من الاتصالات بحثا عن المعلومة الدقيقة وكل حلقة تستغرق منه في الاعداد عدة ايام، بمعدل عشر ساعات عمل اعداد لكل حلقة.
 مدة البرنامج ساعة ونصف، يكون الجزء الأول منه معني بالتطورات السياسية في العراق، ويقوم لأجل ذلك بالاستعانة بمواد ارشيفية من شبكات الاخبار وما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، والجزء الثاني من البرنامج يكرس للجوانب الثقافية والتعريف بشخصيات عراقية، فنية ورياضية وعلمية. وتقودنا متابعتنا الى كون البرنامج يحظى بمتابعة جيدة وتواصل مع المشاهدين في داخل الولايات المتحدة الامريكية وخارجها إذ حصل على الاف الزيارات والتعقيبات وعلامات الاعجاب وأثار نقاشات عميقة حول موضوعات تم تناولها في البرنامج.
الاحصائيات المتوفرة عن برنامج (اضواء على العراق) وللفترة تموز 2022 ـ تموز 2023، تشير الى انه تم تقديم 95 حلقة بمعدل ساعة ونصف بث (142 ساعة بث)، كان هناك 14 حلقة تناولت الأوضاع السياسية، و81 حلقة تناولت مواد ثقافية، ومجمل حلقات البرنامج تحدثت عن 31 سيدة عراقية، و125 رجلا. اهم الموضوعات التي تناولتها حلقات البرنامج كان عن: ثورة 14 تموز، انقلاب 8 شباط وشهداء الانقلاب وضحاياه رجالا ونساءا، ازمة النظام القائم والمحاصصة والفساد والسرقات، قضية حرية الرأي والديمقراطية والملاحقات التي تقوم بها السلطة وقوى الميليشيات المنفلتة، ازمة المياه والتصحر والاهوار وتناول اوضاع المكونات العرقية غير المسلمة في العراق. وأيضا شملت فقرات البرنامج الحديث عن: تأسيس كليات الطب والهندسة، وكلية بغداد ومدرسة عادل والمدرسة الفيلية، تعريف بالنوادي الاجتماعية العراقية (نادي التعارف، الآثوري الثقافي، الارمني، الشبيبة الارمنية، بابل، اور، العلوية والمشرق)، آثاريين عراقيين وبوابة عشتار ومتحف برلين، أساتذة علم الاجتماع والفلسفة، روائيين وقاصين وشعراء، فنانين تشكيلين ورسامي الكاريكاتير، اساتذة مخرجين وممثلين والتعريف بمعهد شيكاغو للمسرح، أساتذة وفنانين اجانب خدموا في العراق، تربويين وكتاب ومؤلفين، اطباء عالجوا الفقراء.


21
ثورة 14 تموز والتغيير
يوسف أبو الفوز

سألني أحد الأصدقاء: لماذا يكرهون ثورة 14 تموز؟
لمحاولة إيجاد الإجابة لهذا السؤال لن نتحدث هنا، عن تلك الآراء التي تطحن الهواء وتعيد وتعجن ذات العبارات والجمل التي استهلكت عن كون 14 تموز ثورة أم انقلاب، ولا مناقشة المتباكين على النظام الملكي وانه كان عهد الاستقرار والأمان والديمقراطية والحياة البرلمانية، متناسين ضحايا الأحكام العرفية ومجموعة الانقلابات والانقلابات المضادة وشهداء وضحايا الانتفاضات المجيدة. لن نختلف كون البعض ممن يقيم ثورة 14 تموز سلبا يدخل رأيه في باب وجهات النظر، وربما يحتمل المناقشة والرد، وليس نحن بصدد ذلك الآن، وبعضها يأتي من جهل وضيق أفق وانعدام رؤيا، ومجرد الانصات لبعض من هؤلاء هو مضيعة للوقت والجهد!
سؤال الصديق يقود لسؤال أخر يتطلب تحديد: من هم الكارهون؟ ليس من الصعوبة الاتفاق، على أنهم كل من تضررت مصالحهم من إجراءات الثورة والقرارات الصادرة عنها وانجازاتها، إذ يمكن جدا فهم سبب كراهيتهم لحركة الضباط الاحرار أو انقلاب الجيش الذي تحول إلى ثورة بمساندة جماهير الشعب وقواه الوطنية التي ضمتها جبهة الاتحاد الوطني. فمنجزات نوعية مثل اخراج العراق من جميع الاحلاف العسكرية الاستعمارية، اصدار القانون الزراعي، تشريع قانون الأحوال الشخصية، نشر التعليم في كل المدن والارياف العراقية وارسال البعثات التعليمية للخارج، إلغاء الامتيازات البترولية في الأراضي العراقية وإصدار قانون رقم 80 عام 1961 لإنهاء سيطرة الشركات الأجنبية لأجل تأميم الثروة النفطية، وغيرها، وكل ذلك في سنوات معدودة قليلة جعل الثورة تنجح في إجراء تغييرات شاملة وجذرية في المجتمع العراقي، اطلقت طاقات أبناء الشعب للسير قدما في بناء عراق مختلف عن جيرانه ومخططات الدول الاستعمارية، فأغاظ ذلك كثيرا قوى دولية وإقليمية وقوى محلية فقدت مصالحها وتضررت كثيرا، فكان من المنطقي ان تتحالف قوى قومية يمينية متطرفة وجنرالات جيش شعبويون مع رجال دين رجعيين وبقايا اقطاع وشيوخ عشائر للإطاحة بالثورة، مستغلين بروز نزعة زعيم الثورة عبد الكريم قاسم بالتفرد بالحكم وإبعاده القوى المخلصة للثورة وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي.
إن كون الحزب الشيوعي العراقي من الداعمين لثورة 14 تموز، من أيام التحضير لها وعلاقته مع تنظيم الضباط الاحرار، ودعم الثورة بعد انطلاقها، كان من الأسباب التي دفعت قوى رجعية واستعمارية لتعادي الثورة، انطلاقا من معاداتها للحزب الشيوعي ونشاطه الذي دفع الجماهير للمطالبة بضرورة أشراكه في الحكم، مما أثار أكثر هلع المعادين لدور الحزب الذي بدأت تتعزز مكانته أكثر في قلوب أبناء الشعب.
كان التغيير الذي قامت به ثورة 14 تموز، في طبيعة النظام السياسي، والعمل لاستثمار خيرات وثروات البلد، خصوصا النفط، من قبل ابنائه، وما جرى من تطورات في الوضع الاجتماعي، أبرزها الدور المتعاظم للمرأة العراقية في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، اغاظ كثيرا الرجعيين والظلاميين ودفعهم للغدر بالثورة وقادتها في الثامن شباط الأسود عام 1963.
إن واحدا من دروس ثورة 14 تموز، يرينا بأن الشيوعيين العراقيين، الآن، وفي ظل عملهم المتفاني لأجل (تحقيق التغيير الشامل بإقامة الدولة المدنية الديمقراطية العصرية وتعزيز البناء الاتحادي، وسيادة القانون والمؤسسات الدستورية، والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية، وتفعيل مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون وضمان تمتعهم بحقوقهم وحرياتهم العامة والشخصية، وتحقيق العدالة الاجتماعية) كما جاء في برنامج حزبهم الذي أقر في المؤتمر الحادي عشر، يواجهون غضبا وحقدا من كل القوى التي ستضرر مصالحها، من أي نجاح تحققه القوى المدنية في إطار بناء عراق مختلف.
دروس التأريخ إذ علمتنا جيدا، لماذا يكرهون ثورة 14 تموز، تعلمنا بأن هناك اليوم من يكره الحزب الشيوعي ونشاطاته لأجل دولة مدنية وعدالة اجتماعية، فأعداء التغيير ممن ستتضرر مصالحهم، لا يمكن ان يسكتوا، ويستخدمون مختلف الطرق والوسائل لعرقلة ذلك للحد من نشاط الشيوعيين، ولكن المستقبل سيكون لأبناء الشعب، لإحفاد ثورة 14 تموز، وللحزب الشيوعي ولأجيال المناضلين الساعين لبناء وطن حر وشعب سعيد.
سقط الكارهون في مزبلة التاريخ، ونالوا لعنته، وخطت بحروف الفخر والمجد، أسماء ابطال ثورة تموز وشهدائها، وشهداء ومناضلي الحزب.




22


قصة قصيرة
نِساءٌ وَمَنادِيلُ 

يوسف أبو الفوز

 ... مثل الجفافي ...
تعلمت ان تروض نفسها. تحسب خطواتها المرتجفة، كلماتها المترددة، حركة شفتيها الجافتين، مكياجها الخفيف لاخفاء شحوب وجهها، لون الكحل تحت عيونها الوجلة، طريقة جلوسها الى الكرسي أيضا...
ـ ابنتي، عيون الناس لا ترحم وأنتِ ...
ما أن اجتازت باب القاعة الرئيسي، حتى هاجمتها وواجهتها الاضوية المشعة، اللافتات الملونة، البالونات في صدر القاعة مع باقات الورد البلاستيكي وابتسامات نساء ورجال التشريفات الذين صاحبوها خطوة خطوة وهي تتجه نحو مكانها في مقدمة الصفوف. شعرت أن ظهرها النحيل تخترقه عشرات الازواج من الأعين المتفحصة لكل شيء فيها وتتابع خطواتها. رجال ونساء مجهولين لها، لكنهم يعرفونها جيدا. بعضا منهم قابلته في مناسبات سابقة، ربما تحدثت معهم، ربما شدوا على اصابعها النحيفة المرتجفة، حدقوا في عينيها الذابلتين الوجلتين وسمعت كلماتهم المعادة التي يقولونها دائما بصوت خافت، بتلك النبرة التي صارت تؤلمها. تعرف ان كثيرين ربما حتى نسوا اسمها، وحتى ان عرفوه فهم يتجاهلونه، لم تعد بالنسبة لهم سوى:
ـ ارملة الشهيد!
طلقات كاتم الصوت الجبان، التي تسللت تحت الظلام في غفلة عن يقظة حبيبها الذي عرف بين اصحابه بأنتباهته وذكائه، رسمت مسار حياتها الجديد تحت عنوان في بدايته كان مبهرا ومشرفا، لكنه يوما بعد اخر صار ثقيلا جدا:
ـ أرملة الشهيد!
سنوات وهي تتحرك داخل هذا الأطار المعقد. في البدء كانت تتفاخر به كثيرا، لكن ما ان راح الاخرون يدفعونها اليه، مستغلين حبها ووفاءها لحبيبها، حتى صارت تضيق منهم. في كل مناسبة، في كل حدث يرن هاتفها المحمول الذي صار الجميع يعرفون رقمه:
ـ ...، ولأحياء هذه المناسبة قلنا ان من المفيد ان تشارك ارملة الشهيد لذا اتصلنا بك ونعتقد ان ...
صارت تعرف متى يستدعونها ومتى يتذكرونها. تعتقد انهم يضعون اسمها في نفس القائمة لتهيئة قماش اللافتات والبالونات والورد الاصطناعي. اذكياء في استغلال حبها ووفائها لحبيبها. تنتهي الاحتفالات الصاخبة ليعودوا الى زوجاتهم واطفالهم وصخبهم وتعود الى غرفتها حيث صورته المأطرة بالاسود لترى وجهه النحيل وعينيه الواسعتين تلومناها بأستمرار. حبيبها سبق الجميع في رؤياه لهذه الايام، وكأنه يستشف أيامها القادمة:
ـ لا أريد لنبرة الشفقة ان تحيط بك وبحياتك.
قالها وكانت قد مرت بضعة اسابيع على اغتيال أحد أصحابه المقربين. ظل لايام حزينا مهموما، يجلس الى النافذة القريبة يحدق الى الفضاء البعيد وعيناه تلمعان بالدمع. وقف عند باب الحمام بجسده النحيل، يفرك بالمنشفة شعر رأسه الكث، ثم فجأة ناداها بنبرات كانت تخشاها، اذ طالما ما سمعت منه أراء حازمة وواضحة يقولها بتلك النبرة التي تلازمه بعد تفكير عميق:
ـ حبيبيتي، اتعرفين بماذا كنت أفكر وانا تحت رشاش الماء؟
من أين لها ان تعرف أي رؤيا خطرت له هناك وهو يتطهر من غبار وتعب نهارات العمل المضني في المستشفى، وفي رأسه وروحه تتفاعل افكار حية واحلام نضرة لحياة جديدة للبلاد لما بعد سقوط صنم الديكتاتورية؟
ـ الظلاميون لن يتوقفوا عن محاولاتهم لقتلنا، فنحن من نقف بوجه مشاريعهم الظلامية، وأعرف ان اسمي، مثل كثيرين، على لائحتهم ...
وارتمت على صدره المبتل، فاحتواها بذراعيه الحانيتين والقويتين، ورفع باطراف اصابعه وجهها، لثم شفتها وواصل:
ـ لو ... اقول لو نجحوا ...
وغامت عيناها وشهقت:
ـ كيف لي بالحياة من دونك؟
ابعدها عنه قليلا، ولكنه لم يفلتها من بين ذراعيه:
ـ بالضبط هذا ما اريد قوله لك يا حبيبتي، علينا ان نقول لهم بشكل فعلي ان حياتنا لن تتوقف، وعليك ان تواصلي الحياة لا تجعليهم ينتصرون علينا بمفخخاتهم وبرصاصات غدرهم، فالحياة لا تتوقف عند موت رجل او امراة!
كيف لها ان تكون قوية مثله، وهو يحلم بالمستقبل البعيد؟
ـ نحن لا نعمل لحاضر قريب، نحن نعمل لمستقبل ربما لن نراه، لاجيال يجب ان لا تعاني مثلما عانت اجيالنا!
كيف لها، ان تخرج من إطار حبها له، وتتفهم حبه للناس والحياة:
ـ نذرنا نفسنا لفكرة سامية، وعلينا ان نكون مخلصين لسمو هذه المباديء وليس لذواتنا!
كيف لها ان تكون مثلما يريد حبيبها والاخرين يطوقونها بأسمه ويستفزون حبه لها ووفاءها له. لم تعد عندهم اكثر من كونها:
ـ ارملة الشهيد!
في الاحتفالات، المناسبات، المهرجانات والاجتماعات، لها كرسي محجوز دائما، في الصفوف الاولى، ما ان تصل حتى تسمع الهمس بنبرات خافتة:
ـ وصلت ارملة الشهيد!
ـ افسحوا الطريق لارملة الشهيد!
ـ هات نسخة من البرنامج لارملة الشهيد!
ـ ..... !
دائما هي هناك، في الصفوف الاولى، خافضة العينين، شاحبة الوجه، مكللة بالسواد، تتخاطفها عدسات المصورين، الى جانب القادة وجلاس الكراسي الامامية بربطات عنقهم البراقة وكروشهم المندلقة، صورها تظهر احيانا في الصحف وبخط عريض يكتبون تحتها:
ـ ارملة الشهيد!
اذ تمر بين صفوف الناس، ينحنى لها بعض الواقفين احتراما بصدق ومحبة، ترتفع الايدي تحييها، ابتسامات تفترش الوجوه، وتسمع الهمس والاعين تشير لها خفية:
ـ ارملة الشهيد!
امها وعمتها وزوجة خالها، وكأنهن متفقات:
ـ ابنتي، انت عاقلة وذكية، انت ارملة شهيد كان اسمه يهز جبال كردستان، انتبهي الى نفسك، عيون الناس لا ترحم، فأنتبهي الى ...!
صارت تخاف صوتها، صارت تخاف الوقوف الى المرآة لتتملى وجهها وجسدها الناحل، لم تعد تبال للتجاعيد التي صارت تظهر تحت عينيها، لم تقرب طلاء الاظافر من سنين، في خزانتها تتكدس ألبسة من لون واحد، ملابسها الداخلية وقمصانها وثيابها من لون واحد. الاسود ولا لون غيره. أختها التي تشابهها في القياسات ولم تتزوج بعد، لم تعد تشتري لنفسها اي ثياب بلون اسود، ففي خزانتها تجد كل ما تريده، فالاسود هو عالمها. اختفت الاغاني والموسيقى من سماء روحها، لم يبق سوى صدى لاغان سمعتها يوما وطربت لها، واهتزت لها شغاف قلبها ...
(ثاري البنات اشكال .... ! )
هز منديله، ضرب الارض بقدمه فتطاير التراب فأشاح القريبين منه وجوههم واشرأبت برقبتها من خلف كتف اختها تنظر الى قامته الناحلة، وعينيه تلاحقانها وعيون امها تفيض بنظرة فرح غامضة. سنين طويلة، لم تقرب المذياع لترفع صوته بأغان طالما سمعتها واياه. كان يملأ لها حياتها، لم تستطع بعد غيابه ان تتصور انه يمكن لرجل غيره ان يملأ غيابه في حياتها. تقدم العديدين لخطبتها، اعتذرت للجميع. شعرت بالقرف من اللذين فهمت انهم يريدون الزواج من "ارملة الشهيد". لم تعد تعرف من عالم الرجال سوى التحايا والايماءات. يوم ان صافحهها أحدهم بحرارة، همست عمتها:
ـ لم اطلتِ الوقوف معه؟
ـ كان من اصحاب زوجي!
ـ لكن هذا الرجل بالذات يوجد عنه قصص كثيرة مع النساء و ...
ـ وهل تظنين يا عمتي أني سأكون في قائمة نسائه بمجرد ان رددت عليه تحيته وسألته عن زوجته واطفاله؟
صارت تخشى ان تصافح من لا تعرفهم، ترى في العيون مشاعر القلق والتضامن والشفقة، ويوم صافحها أحدهم وضغط باصابعه على باطن كفها ظلت لايام ترتجف. ماذا كان يريد منها؟ ماذا كان يقصد بتلك الاشارة؟ هل كان ذلك عفويا؟ ام انه كان متقصدا؟ وماذا كان يريد؟ لم تعد تعرف من عالم الرجال شيئا؟ بل وتكاد تنسى نفسها وجسدها. حين يقبلها اقاربها وناسها على وجنتيها او جبينها كانت تشعر بحمى تلتهب تحت جلدها. صار جلدها يتحسس لكل فعل خارجي. اختها انتبهت الى ان وقت اغتسالها واستحمامها صار قصيرا على غير عادة النساء. صارت تخشى الانفراد بجسدها الناحل. اذ تنام ليلا صارت تضع ذراعها تحت الوسادة. كان حبيبيها قد انتبه الى طريقتها في النوم وهي تضع كفيها بين ساقيها المضمومتين، فأبتسم مشاكسا بشكل فاجأها:
ـ اتحمين شيئا هناك؟
كان الرجل الاول في حياتها. من سبقوه لم تجعلهم يقتربون منها كثيرا لتعرف منهم شيئا من عالم الرجال كما تسمع من صاحباتها وقريباتها وقصصهن. ابن الجيران الذي لاحقها طويلا، اذ شعر بأنها تستهويه راح يقذف لها رسائل ملفوفة بحجر، واكتشفت انه يكتب لها كلمات اغاني من الافلام الهندية التي يدمن مشاهدتها، فكفت عن متابعته عبر الحائط المشترك بين بيتيهما. حبيبها كان اول رجل تلامس اصابعه جسدها تحت ثيابها. تزوجا عن اعجاب متبادل سرعان ما تحول الى حب متكافيء. سمعت عنه كثيرا من اقرباء لها، عن ايام وجوده في الجبل ومقارعته للنظام الديكتاتوري. ابوها كان يعتبره بطلا لا يتكرر:
ـ هذا رجل لا يوجد مثيل لشجاعته، يأخذ طعامه من فم الاسد!
يوم حضرت زواج بنت عمتها كان هناك. مر بقربهما حين قالت اختها بصوت سمعه:
ـ أهذا هو؟
والتفت والتقت عيناهما وأبتسم، فلم تستطع الا ان ترد بأبتسامه. لم يكن يكبرها كثيرا كما قالت عمتها.  نحول جسده يجعله يبدو أصغر سنا. في الحفل تطايرت الاغاني والدبكات، لمحته كيف طرب كثيرا لاغنية صارت لاحقا تتردد كثيرا في بيتهما المشترك:
ـ  ( ثاري البنات اشكال       مثل الجفافي
    بيهن تخون بساع       وبيهن توافي (
 لوح بمنديله وهو يدبك، يبدو ان كونه طبيبا بين المقاتلين، لم يمنعه من تعلم الدبكة جيدا. قيل لها انه كان يحضر المعارك كطبيب وكمقاتل. وصفوه بالجرأة التي لمستها وهو يرمقها عدة مرات بنظرات متفحصة، فأصلحت من منديلها على كتفيها، لمحت امها وعمتها يتابعن نظراته اليها. بعد أيام جاءتها اخته واختلت بها طويلا وجعلتها تغط بالعرق وهي تسمعها كلامه. بعد اسبوع لم تتفاجأ حين اخبرتها امها بقدوم بعض وجهاء المدينة لخطبتها له. ليلة الزفاف لم يقربها وتركها يومين ترتب قلقها. كان يقدر خجلها وارتباكها، وحين انتهى كل شيء، وهي تشهق كأنها تغوص في ماء عميق، أطلق ضحكة مجلجلة:
ـ)  ثاري البنات أشكال  ....  !(
كل هذا صار حلما. حلما مرّ وانتهى وصار بعيدا. تشعر احيانا بنظرات شبقة تتطاير من أعين رجال يصادفونها، فترثي لهم ولحالها.  لم تستطع ان تكون وفية لوصية حبيبها، ان تواصل حياتها مثلما كان يريد، ان تعشق من جديد وتحب من جديد وان ترقص وتغني وتشهق وتغرق في مياه عميقة مع رجل غيره. حياتها توقفت حالما انطلقت رصاصات الغدر التي سلبت منها كل ملابسها ومناديلها الملونة والمزخرفة، طلاء اظافرها، ملابسها الداخلية الملونة، ثيابها القصيرة وتنانيرها المزخرفة بالدانتيلا، اغانيها والاشعار وطعم القبل وسر الشهيق.
يوما، وجدت نفسها لوحدها امام خزانة ملابس اختها فأرتدت دون وعي منها وعلى عجل أحد فساتين أختها الملونة. في المرآة اكتشفت نحول جسدها، تهدل نهديها، وتغضن جلدها. واجهتها أمراة ثانية لا تشبهها، لا تعرفها، امراة صارت تختفي خلف اسم اخر، جمالها بارع، لكنه خاص جدا، أمراة رقص قلبها يوما على ايقاع اغنية بعيدة ...
 ــ )ثاري البنات اشكال مثل الجفافي !(
31 آب 2012
هلسنكي



*  القصة من مخطوط " بعيداً عن البنادق " معد للنشر، يحاول فيه الكاتب تسليط الضوء على حياة الانصار ما بعد نهاية حركة الكفاح المسلح، ورصد آمالهم، وذكرياتهم وخيباتهم وطموحاتهم!





23
هل فشلت العقوبات الاقتصادية الأوربية ضد روسيا؟

يوسف أبو الفوز

هذا السؤال تم تداوله مؤخرا بأشكال مختلفة، من قبل العديد من الخبراء الاقتصاديين ورجال الاعلام المتخصصين، توافقا مع استمرار الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، وتحقيق روسيا نجاحات عسكرية وان بوتائر متباطئة، رغم كل المساعدات اللوجستية التي تقدم لأوكرانيا من قبل واشنطن وحلف الناتو وعموم دول الاتحاد الأوربي.
منذ بداية الغزو الروسي، فرض الاتحاد الأوروبي ما مجموعه تسع حزم من العقوبات الاقتصادية ضد روسيا. وقد وصفت بأنها عقوبات غير مسبوقة، وصدر العديد من التوقعات بانها ستقود الى انهيار الاقتصاد الروسي.
فرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، قالت في أواخر شباط الماضي أن العقوبات سيكون لها “أقصى تأثير على الاقتصاد الروسي”. فيما صرح وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير في آذار، أن العقوبات ستؤدي إلى الانهيار السريع للاقتصاد الروسي.
لكن البروفسور ياري إلورانتا، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة هلسنكي، رأى أخيرا في لقاء مع هيئة الإذاعة الفنلندية Yle، أن أهمية العقوبات لم تُفهم بشكل صحيح، وأنها جاءت مرتبطة بتوقعات مفرطة في التفاؤل، وهي لا تعمل بالطريقة التي يهدد بها السياسيين.
كانت التقديرات حسب تقييمات البنك الوطني الفنلندي، في بدء فرض العقوبات، ان الاقتصاد الروسي للعام 2022 سينكمش بنسبة تصل الى 15 في المائة، ولكن أحدث المعطيات بيّن ان الاقتصاد الروسي عانى انكماشا بنسبة 4 في المائة فقط، ومن المتوقع حدوث انخفاض مماثل هذا العام. وهكذا فلم يحدث الانهيار المتوقع، ليركع اقتصاد روسيا كما توقعوا في الغرب.
وتعتقد الخبيرة الاقتصادية الفنلندية هيلي سيمولا التي تتابع الاقتصاد الروسي، أن الانهيار المتوقع للاقتصاد الروسي لم يحدث لسببين أساسيين، حيث تمكنت روسيا من تجنب أزمة مالية واسعة النطاق، بعد فرض البنك المركزي الروسي قيودًا صارمة على السوق المالية، كما ان البلاد حصلت على عائدات تصدير قياسية بفضل ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري (الفحم، النفط والغاز الطبيعي)، الذي يعتبر أهم منتجات التصدير الروسية.
من جهته اشار أستاذ التاريخ الاقتصادي البروفسور ياري إلورانتا، الى انه فوجئ بقوة النظام المالي الروسي “الذي تبين انه يعمل بشكل أفضل مما كنا نظن، حتى أنني فوجئت بمدى سرعة الرد على الموقف”. ويعتقد الخبراء “أنك لا يمكنك إنهاء الحروب أو الإطاحة بالديكتاتوريات بمساعدة العقوبات” كما يؤكد إلورانتا، وتتفق معه الخبيرة هيلي سيمولا. لكن الاثنين يعتقدان أن العقوبات الاقتصادية مهمة، فوفقا لإلورانتا أضعفت العقوبات قدرة روسيا على إنتاج تكنولوجيا ومعدات عسكرية جديدة، وان هناك انخفاضا في إنتاج الآلات والمعدات على وجه الخصوص. وعلى سبيل المثال، انخفض إنتاج سيارات الركاب والحفارات بنحو 80 بالمائة مقارنة بالعام الماضي. كما شهدت تجارة التجزئة وصناعة الغابات انخفاضًا كبيرًا.
وتشير كبيرة الاقتصاديين هيلي سيمولا في أحاديثها لوسائل الاعلام الفنلندية الى أن العقوبات وسيلة مهمة للغاية لتقليص فرص روسيا في استمرار الحرب. وقد خفضت العقوبات دخل الدولة الروسية وجعلت من الصعب على الصناعة العسكرية الروسية مواصلة الإنتاج. وتؤكد سيمولا أن العقوبات تتطلب وقتًا ليتبين تأثيرها.
ويعود ياري الورانتا ليقول “أن آفاق الاقتصاد الروسي في السنوات الخمس الى العشر القادمة ستكون قاتمة حقا”، مدعيا ان روسيا أحرقت الجسور مع أهم شركائها التجاريين، فأوروبا كانت اكثر زبائنها روسيا قيمة، ولعقود من الزمن كانت الدعامة الأساسية للتجارة الخارجية لروسيا. فحوالي ثلثي غازها وأكثر من نصف نفطها كان يباع إلى أوروبا. كما أن هجرة العقول منها تسارعت بسبب الحرب وستتسبب في اضعاف ظروف التطور والنمو.
 ووفقًا للتوقعات التي نشرها بنك فنلندا في تشرين الاول الماضي، فإن الروس سيواجهون تغيرات عديدة مؤلمة جزئيًا في مستوى المعيشة. ومن المتوقع أن تنخفض قريبا عائدات التصدير بشكل كبير، فالحظر الأوربي على استيراد النفط الخام الروسي وسقف أسعار النفط الروسي الذي حددته دول مجموعة السبع دخل حيز التنفيذ، وفي الفترة القادمة سيدخل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على استيراد المنتجات النفطية الروسية حيز التنفيذ. فهل ستعثر روسيا على شركاء جدد لتعويض الفجوة التي خلفها الاتحاد الأوروبي؟ وهل حقا ستسد الأسواق الاسيوية الفجوة الاوربية؟
وفقا لمحللي مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف الفنلندية CREA، وهي منظمة غير حكومية، زادت الهند والصين وتركيا وماليزيا والإمارات العربية المتحدة ومصر مشترياتها من النفط الخام الروسي، بل ان عدة مصادر تشير الى محاولات روسيا لإيجاد مشترين جدد لنفطها عبر مختلف الخصومات والعقود والعملات الوطنية ومختلف الطرق. فهكذا ووفقا لفايننشال تايمز باعت روسيا نفطا إلى سريلانكا الغارقة في أزمة اقتصادية وتعاني من نقص في الوقود، في صفقات بين البلدين هي الأولى من نوعها منذ 2013.

24
بوتين يدفع فنلندا نحو اليمين!
يوسف أبو الفوز

أعلنت مساء الاحد، الثاني من نيسان، نتائج الانتخابات البرلمانية الفنلندية، التي حملت الرقم 39، في تاريخ البلاد، والتي تجري كل أربع سنوات، ولم تكن النتائج مفاجئة لأغلب المراقبين بفوز أحزاب اليمين وتصدرهم النتائج وحصدهم لأغلبية المقاعد للدورة القادمة 2023ــ2027 ، حيث حصل حزب الاتحاد الوطني الفنلندي،( يمين تقليدي) 48 مقعدا بنسبة 20.8٪، وحزب الفنلنديين الأصليين) يمين شعبوي متطرف( 46 مقعدا بنسبة 20.1٪ ، بينما جاء في المركز الثالث الحزب الاجتماعي الديمقراطي، (يسار الوسط)، ونال 43 مقعدا بنسبة 19.9%، وهو حزب رئيسة الوزراء (سانا مارين) (38 سنة) ، التي عرفت كأصغر رئيسة وزراء في العالم، وقادت حكومة ائتلافية يسارية بقيادات نسائية، واجهت وتجاوزت بنجاح ازمة الكورونا، ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت من أبرز السياسيين الفنلنديين في ادانة الغزو ودعم أوكرانيا بتقديم المساعدات وتكرار الزيارات للعاصمة كييف، وساهمت بحيوية في قيادة الحملة لدخول فنلندا في حلف الناتو، ومؤخرا، في خطوة تتناسب مع حيوية شخصيتها وجرأتها، أعلنت الأربعاء، الخامس من نيسان، استقالتها من زعامة حزبها، وانها ستعود عضو عادي في البرلمان، وتفسح المجال لزعيم آخر لقيادة الحزب، سيتم انتخابه في مؤتمر الحزب الخريف القادم.
قبيل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت نسبة تأييد الفنلنديين لدخول حلف الناتو لا تتجاوز 26٪، وما ان اجتازت دبابات بوتين الحدود في أتجاه كييف، حتى تغيرت هذه النسبة لتصل الى اكثر من 80٪، وسرعان  ما غيرت الكثير من الاحزاب الفنلندية خطابها السياسي المحايد وصارت تردد ذات الخطاب الذي طالما رددته أحزاب اليمين، وهي تحذر من خطر البعبع الروسي، الذي يمكن في أي لحظة ان ينقض على فنلندا، التي لها حدود برية مع روسيا تبلغ 1340 كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة، بل ان أحزابا مثل (اتحاد اليسار)، الذي طالما عرف بمعارضته لسياسات حلف الناتو، وكانت معارضته لحلف الناتو دائما أحد أوراقه الانتخابية، شهد انشقاقا في موقفه، وهكذا في 17 أيار 2022، في تحول تاريخي في الموقف العام، صوت البرلمان الفنلندي على طلب الانضمام لحلف الناتو، وبأغلبية 188 ضد 8 فقط. كان أبرز المصوتين، نواب حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) الذي طالما كان اشد المطالبين بالانضمام للناتو، وأيضا صوت نواب حزب الوسط، حزب الخضر والاجتماعي الديمقراطي، وكانت هذه الاحزاب لسنوات ماضية تعارض الانضمام للناتو وتشترك في حكومة سانا مارين، التي كان من أبرز نقاط برنامجها البقاء خارج التحالفات العسكرية، وينص ان (الهدف من السياسة الخارجية والأمنية لفنلندا هو منع فنلندا من أن تصبح طرفًا في النزاع العسكري. تنتهج فنلندا سياسة استقرار نشطة لمنع التهديدات العسكرية. لا تسمح فنلندا باستخدام أراضيها لأغراض عدائية ضد دول أخرى)، فتم التراجع عن كل هذا، والمفارقة ان حزب اتحاد اليسار، الذي دخل التحالف الحكومي أيامها باشتراط عدم الانضمام للناتو، شهد انقساما في صفوفه، فقررت قيادته ان البقاء والاستمرار في الحكومة يكون بمعزل عن الموقف من الناتو، ومنح نوابه الاثني عشر الحرية في التصويت، فصوت في حينه نصفهم بالضد ونصفهم مع.
ومع دخول فنلندا في حلف الناتو، الذي أقر مؤخرا بشكل رسميا، أثر تراجع تركيا عن معارضتها، بعد نجاحها في لعبة المساومة، وحصولها على العديد من الغنائم والتنازلات من الجانب الفنلندي، فيما يخص رفع الحظر عن تجارة الأسلحة والموقف من الجماعات الكردية في دعمها وحرية نشاطها على الأراضي الفنلندية، بشكل صارت فيه فنلندا تتماشى مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية في النظر الى الجماعات الكردية بانها مجاميع إرهابية، فأصبحت فنلندا العضو رقم 31 في الحلف  العسكري السياسي، وهي التي على طول تأريخها عرفت بسياسة الحياد والبقاء خارج الاحلاف الشرقية والغربية.
 فما الذي حدث للشارع الفنلندي؟
مع بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت تتصاعد بشكل متسارع الروح القومية في الشارع الفنلندي، بتأثير من النشاط الإعلامي وتوجهات مختلف الاحزاب الممثلة في البرلمان، وارتفعت صيحات الاحزاب اليمينية كونها طالما حذرت ودعت للتحالف مع دول الناتو لمواجهة الخطر القادم من الشرق، بل وسرعان ما ظهرت أحزاب وتنظيمات قومية جديدة، منها (الحركة الزرقاء والسوداء) التي نجح قادتها في شهر واحد في جمع خمسة الاف توقيع، المطلوبة لتأسيسها حسب القانون. ورغم ان هذه الحركة لم تنجح في إيصال نائب باسمها الى البرلمان في الانتخابات الاخيرة، لكنها كجماعة متطرفة يمينية، امتلكت الحق القانوني بمواصلة العمل في الشارع الفنلندي، ويذكر ان وسائل الأعلام الفنلندية، بينت ان هذه الحركة عند تقديمها الطلب اعتبرت وزارة العدل الفنلندية برنامجها المكون من 50 صفحة متطرفا جدا، بل ومعادي للديمقراطية وطلبت إعادة كتابته واختصاره. ومن جانب اخر، اعتبرها الباحث والمؤرخ (اولو سيلفينوينين) (مواليد 1970) من حزب الخضر، كونها حركة ذات إيدلوجية فاشية. والمعروف ان اسم هذه الحركة والوان علمها مستوحاة من (الحركة الشعبية الوطنية الفاشية)، التي نشطت خلال فترة الحروب السابقة مع الاتحاد السوفياتي، وعرفت بعلاقاتها بالحركات الفاشية الإيطالية والألمانية وعدائها الشديد للشيوعية والاشتراكية.
ولم يكن كل هذا مفاجئا للمتابع والمراقب لتطور الاحداث في البلاد، فالغزو الروسي لأوكرانيا، أعاد المخاوف من جديد لدى أبناء الشعب الفنلندي، من الجار الكبير، الذي لم تكن العلاقة معه تسير بوفاق ووئام على طول الخط، ولطالما شعرت الطبقة السياسية الفنلندية، بوجود نوع من الهيمنة التي تجعلها دائما تفكر برسم سياسات لا تزعج وتغيض الجار النووي. ورغم أن القيادة الروسية الحالية، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين (مواليد 1952)، وبعد فشلهم في كبح فنلندا من دخول حلف الناتو، صارت خطاباتهم الاخيرة تتحول اكثر من موضوع العضوية بحد ذاتها، إلى موضوع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو وما يجلبه انضمام فنلندا بهذا الخصوص، وكرروا بان فنلندا لا تشكل خطرا لهم، إلا ان الفنلنديين لا يمكنهم نسيان حروبهم السابقة مع جارهم الكبير. ففي سنوات الحرب العالمية  الثانية، اصطفت الحكومة اليمينية الفنلندية ايامها الى جانب حكومة وسياسات هتلر التوسعية وسمحت للقوات الهتلرية النازية باستخدام الاراضي الفنلندية لمهاجمة اراضي الاتحاد السوفياتي، ومنها الحصار الشهير لمدينة لينينغراد (بطرسبورغ حاليا)، في الفترة 1941 ـ 1942 الذي استمر 455 يوما، والذي لم يمكن تنفيذه لولا التعاون الفنلندي، ولهذا السبب أرسلت المحاكم التي شكلت بعد نهاية الحرب ، خامس رئيس جمهورية فنلندي ،وهو (ريستو روتي) (1889 ـ 1956)  الى السجن كمجرم حرب،  اضافة الا ان جوزيف ستالين (1878- 1953) استقطع من الاراضي الفنلندية كعقوبة مساحة تعادل 12% من الاراضي الفنلندية كحزام واق لضمان أمن مدينة لينينغراد، هذه الاراضي التي اصبحت جزءا من الاراضي الروسية حتى الان !
ولابد من التذكير بانه في عام 1920، بعد الحرب الاهلية الفنلندية عام 1918، بين معسكري البيض والحمر، التي وقفت فيها روسيا البلشفية الى جانب الحمر، وقعت اول معاهدة سلام بين فنلندا وروسيا ، ثم بعد سنوات الحرب العالمية الثانية (1937ـ 1945) وقعت بين فنلندا والاتحاد السوفياتي العديد من المعاهدات التي تضمن للاتحاد السوفياتي أمن اراضيه ولمنع اي اعتداء انطلاقا من الاراضي الفنلندية، فكانت هناك معاهدة سلام عام 1947 ثم معاهدة الصداقة والتضامن والمساعدة المتبادلة الموقعة عام 1948، التي اشارت المقدمة فيها الى رغبة فنلندا لان تكون خارج اطار نزاعات القوى العظمى، وقد ألغت فنلندا كلا المعاهدتين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، لكنه لم يجر اي تغيرات في الحدود او استرجاع الاراضي المستقطعة.
والفاحص للخارطة السياسية الفنلندية يرى ان الحزب الشيوعي الفنلندي، وهو خارج البرلمان، يكاد ينفرد بمواصلته معارضة الانضمام الى حلف الناتو، متعاونا مع مجموعة منظمات وجمعيات ثقافية واجتماعية يسارية صغيرة، منها جمعيات فنانين وكتاب، تجمع (اوقفوا الناتو)، المدعوم من الحزب الشيوعي الفنلندي ومنظمة السلام الفنلندية، وتنخرط فيما بينها بمجلس تنسيقي، وتقوم بإدارة محاضرات وندوات والاشتراك في تظاهرات تحت شعارات معارضة لحلف الناتو.
وهكذا، ساهم الغزو الروسي لأوكرانيا للتعجيل بتخلي فنلندا عن حيادتيها ويساريتها، فالتغيير الكبير في البيئة الأمنية في أوروبا دفع بأهواء ورغبات المجتمع للتحول وبدرجات كبيرة نحو اليمين، وتصدر أحزاب اليمين المشهد السياسي، بشكل يهدد بشكل ما تجربة بناء ( مجتمع الرفاه)، فلم تعد فنلندا، البلد المسالم والمحايد في سياساته الخارجية، حيث ان سياسة الحياد النشطة والمحبة للسلام السابقة، كانت أحد الأسباب التي جعلت من العاصمة الفنلندية، هلسنكي، المكان الأمثل لاستضافة مؤتمرات وقمم دولية تعني بالسلام العالمي، لكن حرب بوتين الدائرة على الأرض الأوكرانية غيرت كل المعادلات، فلم تعد فنلندا البلد المعني ببناء الجسور بين الشرق والغرب، بل ان حدودها مع روسيا عمليا اصبحت الخط الأمامي لحلف الناتو. ويلاحظ ان هناك تغييب للأصوات المعارضة، دفعت في بداية الغزو الروسي لاوكرانيا، بوزير الخارجية الأسبق (أركي توميويويا) (مواليد 1946)، وهو من قادة الحزب الاجتماعي الديمقراطي المخضرمين، في حديثه مع راديو NPR الامريكي الى انتقاد الاعلام الفنلندي وطريقة إدارة النقاش حول عضوية الناتو للقول (أن من ينتقد الناتو يتهم بكونه عميلا لبوتين)، والمفاجئ أنه صوت لاحقا بالانضمام للناتو!
ومع كل ما تقدم، يبقى صوت جوزيف ستالين يرن محذرا وهو يقول لمحاوره الفنلندي، يوما، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية: (قد يكون لكم رأي آخر لكني لست مسؤولا عن الجغرافيا).

25
هل ستشكل في فنلندا من جديد حكومة أزرق ـ أحمر؟

يوسف أبو الفوز
أعلنت مساء الاحد المنصرم نتائج الانتخابات البرلمانية الفنلندية التي حملت رقم 39، بمشاركة في التصويت بلغت 71,9 ٪، وتم انتخاب نواب الفصل البرلماني للأعوام 2023 ـ 2027، وتنافس فيها 2024 مرشحا، بلغت نسبة النساء منهم حوالي 43٪، من 20 حزبا على 200 مقعد، في 13 دائرة انتخابية، يتم تحديد عدد مقاعدها بناءً على عدد السكان، باستثناء دائرة مقاطعة أولاند، التي يُنتخب منها دائمًا ممثل واحد.
 وتصدر النتائج فيها حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) حصل على 48 مقعدا (20.8٪)، بزيادة 10 مقاعد، عن الانتخابات السابقة في عام 2019، وحزب الفنلنديين الأصليين (يميني شعبوي متطرف) حيث حصل على 46 مقعدا (20.1٪) بزيادة 7 مقاعد. بينما جاء في المركز الثالث الحزب الاجتماعي الديمقراطي، حزب سانا مارين (38 عاما) السياسية الشابة التي نالت شهرة دولية كأصغر رئيسة وزراء في العالم، وحصد 43 مقعدا (19.9٪) ، بزيادة مقعدين. وجاءت هذه النتائج على حساب التراجع في مقاعد حزب الوسط الذي حصل على 23 مقعدا، بفقدانه 8 مقاعد، وحزب الخضر الذي حصل على 13 مقعدا بفقدانه 7 مقاعد، واتحاد اليسار الذي حصل على 11 مقعدا بفقدانه 5 مقاعد. بينما حافظ كل من الحزب الشعب السويدي على مقاعده التسع، وكذلك الديمقراطي المسيحي على مقاعده الخمس، وأيضا حركة العمل اليمينية على مقعدها الوحيد.
يذكر ان 92 امرأة نجحت في الوصول الى البرلمان، على كل القوائم، مقابل 108 رجال. بينما في البرلمان السابق كانت هناك 94 امرأة.
وارتباطا بهذه النتائج، سيشكل حزب الاتحاد الوطني الفنلندي اليميني الحكومة القادمة للسنوات الأربع القادمة، وسيواجه بيتري أوربو (54 عاما) زعيم الحزب، مهمة صعبة في تشكيلها، حيث سيتعين عليه ان يطرح برنامجا حكوميا يحمل أرضية مشتركة مع الاحزاب التي سيتحالف معها وصياغة برنامج حكومي. المهمة الأولى تتمثل في إيجاد الشريك الأساس، فهل سيكون الحزب الديمقراطي الاجتماعي، إذ سبق لهما أن تحالفا في حكومة مشتركة في دورات سابقة سميت (حكومة الأزرق ـ الأحمر)، ولكن وجهات نظرهما في الحملة الانتخابية والمناظرات المشتركة، كانت مختلفة حول السياسة المالية للدولة والحاجة لخفض الميزانية التي طالما طالب بها حزب اليمين؟ ام يتحالف اليمين التقليدي مع اليمين المتطرف، وهو يبدو الخيار المفضل حسب العديد من المراقبين، للتوافق في السياسات الاقتصادية؟ لكن اليمين المتطرف يدعو الى خروج فنلندا من الاتحاد الأوربي كهدف استراتيجي، ويعارض بشدة برامج الهجرة على أساس العمل، وهذا أبرز نقاط الاختلاف بينهما.
كما تشير النتائج الى انه ستكون هناك صعوبة لتشكيل حكومة (قوس قزح) بانضمام أحزاب اليسار والخضر والديمقراطي الاجتماعي، اذ أعلن الخضر واليسار والديمقراطي الاجتماعي مرارا انه يصعب عليهم العمل مع حزب اليمين المتطرف، ويبقى هناك احتمال اقناع حزب الوسط بالانضمام للحكومة القادمة، التي يقودها اليمين التقليدي بمشاركة اليمين التطرف، وهذا يبدو سيتطلب جولات مفاوضات قادمة قد تكون ماراثونية.
اهم التحديات التي ستواجه الحكومة الجديدة، هو حجم النفقات العسكرية التي ستفرضها عضوية فنلندا في حلف الناتو والمساعدات المستمرة التي تقدم لأوكرانيا في حربها مع روسيا، وأيضا موضوعات مثل ملف الضرائب وسياسة التقشف التي ستقود الى استقطاعات في قطاعات التعليم والخدمات، وكذلك الموقف من سوق العمل واليد العاملة المهاجرة. ومن بين الملفات الهامة التي ستواجه الحكومة القادمة، ملف الدين الحكومي؛ ففي الحملة الانتخابية، قبيل اعلان النتائج، كان الدين الحكومي المتراكم المعلن، يبلغ 7.4 مليار يورو للعام 2023، هو الشغل الشاغل للأحزاب اليمينية، ولذلك فأنها ظلت تدعو الى سياسة التقشف وخفض الانفاق الحكومي، وهذا يعني خفض حجم المساعدات التي تقدم لمن يعيشون بالاستفادة من قوانين الضمان الاجتماعي.

26
أمسيتين سويدية ودنماركية..   احتفاءً بالكاتب يوسف أبو الفوز وتجربته

متابعة ــ كوبنهاغن

احتفي الأيام الماضية، بالكاتب يوسف أبو الفوز وتجربته الأدبية، في أمسيتين ثقافيتين متفرقتين.
الأمسية الأولى كانت في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، أقامتها رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين في الدنمارك يوم 31 آذار الفائت، تزامنا مع الاحتفالات بالذكرى الـ 89 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي. وقد أدار الأمسية الصحفي مزهر بن مدلول.
أما الأمسية الثانية، فقد أقيمت يوم 2 نيسان الجاري في مدينة مالمو السويدية، وذلك من قبل رابطة الأنصار الشيوعيين في جنوب السويد والجمعية الثقافية في مالمو. وقد أدار هذه الأمسية الفنان رعد مشعان.
وفي الأمسيتين تحدث أبو الفوز عن تجربته السردية وآخر إصداراته في مجال الرواية. فيما أشار الى ارتباط مسارات الثقافة العراقية بالتطورات السياسية في البلاد، مبينا أن المثقفين المرتبطين بقضايا الوطن وهمومه، من شيوعيين وديمقراطيين، نالوا قسطا كبيرا من القمع والإرهاب السياسي من مختلف الانظمة، خاصة نظام البعث الفاشي، مؤكدا أن المثقفين العراقيين الحقيقيين، كان لهم موقف وصوت عال في رفض دكتاتورية صدام حسين، والتحقت العشرات منهم بحركة الأنصار الشيوعيين.
وتحدث الضيف في الأمسيتين عن بدايات نشأته الثقافية، والمحطات المهمة خلال مسيرته الأدبية، معتبرا فترة وجوده في صفوف الأنصار، من اهم مراحل حياته كانسان وكاتب، كونها أضافت الكثير لتجربته واغنتها.
ثم تطرق إلى إصداراته الأدبية. وقال انها تهتم بشأن العراق وهموم الإنسان العراقي، مبينا أن فترة استقرار في فنلندا، أتاحت له فرصة لكتابة روايات عديدة تناول فيها موضوعات التعدد الثقافي في المجتمعات الاوربية، وموضوعات الهوية والانتماء وهجرة الشباب العراقي إلى أوربا بحثا عن حياة كريمة. 
وعرّج أبو الفوز على روايته “مواسم الانتظار”، الصادرة عام 2022 عن” دار المدى”، والتي تناول فيها الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العراق تحت سطوة نظام البعث الفاشي، وتأثير التعسف والإرهاب السياسي على حياة ومصائر العراقيين. فيما لفت إلى أن تجربته قادته لإدراك ان مهمة الكاتب الأساسية في انتاجه الادبي، ليست تقديم إجابات إنما طرح أسئلة تحث القارئ على التفكير والبحث عن الجواب الصواب، مؤكدا أنه عمد إلى ترك رواياته الأخيرة بنهايات مفتوحة، محاولة منه لإشراك القارئ في التفكير في النهايات الصحيحة. وحضر الأمسيتين كتاب وفنانون وناشطون سياسيون، ساهم العديد منهم في تقديم المداخلات عن تجربة المحتفى به.



 

27
نشرت جريدة "الشيوعي" التي يصدرها الحزب الشيوعي في الدنمارك في عددها الرابع نيسان 2023 مقالاً بعنوان:
مُهمّة الناتو - أن تُترك أوكرانيا مُدَمّرة


28
في أمسيتين سويدية ودنماركية..   احتفاءً بالكاتب يوسف أبو الفوز وتجربته

متابعة ــ كوبنهاغن

احتفي الأيام الماضية، بالكاتب يوسف أبو الفوز وتجربته الأدبية، في أمسيتين ثقافيتين متفرقتين.
الأمسية الأولى كانت في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، أقامتها رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين في الدنمارك يوم 31 آذار الفائت، تزامنا مع الاحتفالات بالذكرى الـ 89 لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي. وقد أدار الأمسية الصحفي مزهر بن مدلول.
أما الأمسية الثانية، فقد أقيمت يوم 2 نيسان الجاري في مدينة مالمو السويدية، وذلك من قبل رابطة الأنصار الشيوعيين في جنوب السويد والجمعية الثقافية في مالمو. وقد أدار هذه الأمسية الفنان رعد مشعان.
وفي الأمسيتين تحدث أبو الفوز عن تجربته السردية وآخر إصداراته في مجال الرواية. فيما أشار الى ارتباط مسارات الثقافة العراقية بالتطورات السياسية في البلاد، مبينا أن المثقفين المرتبطين بقضايا الوطن وهمومه، من شيوعيين وديمقراطيين، نالوا قسطا كبيرا من القمع والإرهاب السياسي من مختلف الانظمة، خاصة نظام البعث الفاشي، مؤكدا أن المثقفين العراقيين الحقيقيين، كان لهم موقف وصوت عال في رفض دكتاتورية صدام حسين، والتحقت العشرات منهم بحركة الأنصار الشيوعيين.
وتحدث الضيف في الأمسيتين عن بدايات نشأته الثقافية، والمحطات المهمة خلال مسيرته الأدبية، معتبرا فترة وجوده في صفوف الأنصار، من اهم مراحل حياته كانسان وكاتب، كونها أضافت الكثير لتجربته واغنتها.
ثم تطرق إلى إصداراته الأدبية. وقال انها تهتم بشأن العراق وهموم الإنسان العراقي، مبينا أن فترة استقرار في فنلندا، أتاحت له فرصة لكتابة روايات عديدة تناول فيها موضوعات التعدد الثقافي في المجتمعات الاوربية، وموضوعات الهوية والانتماء وهجرة الشباب العراقي إلى أوربا بحثا عن حياة كريمة. 
وعرّج أبو الفوز على روايته “مواسم الانتظار”، الصادرة عام 2022 عن” دار المدى”، والتي تناول فيها الأوضاع الاجتماعية والسياسية في العراق تحت سطوة نظام البعث الفاشي، وتأثير التعسف والإرهاب السياسي على حياة ومصائر العراقيين. فيما لفت إلى أن تجربته قادته لإدراك ان مهمة الكاتب الأساسية في انتاجه الادبي، ليست تقديم إجابات إنما طرح أسئلة تحث القارئ على التفكير والبحث عن الجواب الصواب، مؤكدا أنه عمد إلى ترك رواياته الأخيرة بنهايات مفتوحة، محاولة منه لإشراك القارئ في التفكير في النهايات الصحيحة. وحضر الأمسيتين كتاب وفنانون وناشطون سياسيون، ساهم العديد منهم في تقديم المداخلات عن تجربة المحتفى به.





29
بوح في يوم عيد المعلم: الدموع في عيون الولد الشقي!


يوسف أبو الفوز
من بعد سقوط الطاغية المجرم صدام حسين، بحثت عن مصير بعض من المعلمين والمدرسين، الذين تعلمت على أيديهم، وساهموا بتربيتي. ولعدة أعوام، أصبح تقليدا، ان اتصل بمدرس الجغرافية الذي علمني في المدرسة المتوسطة في السماوة. وفي كل اتصال تغرورق عيناي بالدموع، لطيبة هذا الرجل وروح تسامحه العالية مع ولد شقي مثلي.
ولدت لعائلة فقيرة، احاطتني بالرعاية وحب المعرفة، واغرمت بتأثير أجواء العائلة بقراءة الكتب والمجلات من طفولتي المبكرة، وثم وجدت طريقي الى دار السينما لأتابع ما تعرضه هناك، فساهم كل ذلك في تعزيز وتنشيط خيال صبي كثير الحركة والنشاط مثلي.
في الأول المتوسط (عام 1968)، كنت اقود عصابة من اقراني بالمعنى الحرفي، تحمل اسم (عصابة يوسف)، وضعت لأفرادها اسماءا حركية ووزعتهم مجموعات، وفيها طلبة من مختلف القوميات، كان لدينا طلبة اكراد وعرب، أعضاء العصابة من العرب اغلبهم أصبح الان متدينا بلحى ومسابح، وأحدهم لا يتوقف عن قصفي برسائل النصح والإرشاد كلما شاهد لي صورة يعتبرها تصب في معصية الخالق. وكانت العصابة تلك الأيام تمارس افعالا طفولية، كأن تكون لنا مساحتنا الخاصة للتشمس (نسميها المشراگة)، لا يدخلها أحد وإلا تعرض للعقوبات!!
ولم ينج من مشاغبات (عصابة يوسف) حتى بعض الأساتذة. احدهم كان أستاذ الجغرافية، الذي علمنا تلك الأيام، وهو ليس من أبناء المدينة، وكانت احدى عيونه كريمة، فكنا ننتظر دخوله احد الصفوف، لنمر مجموعة بعد مجموعة، من عند شباك الصف ونغني بكل براءة ولؤم :
ـ (ما اريده ما ريده الغلوبي
وعيونه سود سود محبوبي (
حين اكتشفت إدارة المدرسة امر العصابة، بعد عملية اعتداء على نسيب أحد المدرسين (الان صاحب موقع مهم في أحد الجماعات المتنفذة)، ارادت الإدارة محاسبتنا بشدة، خصوصا بعد الاعترافات على الرأس وزعيم العصابة ـ حضرتي ـ الذي تغيب عن المدرسة لأيام. وتصدى المدرسون، اليساريون للأمر بكل روح مسؤولية، وفي مقدمتهم مدرس الجغرافية.  اغلقوا ملف القضية بكل بساطة: (هؤلاء أطفال، لديهم فائض من الطاقة، لا يعرفون كيف تصريفها، اتركوا الامر لنا، لو عاقبناهم ستكون ردود الفعل عكسية واسوأ). هكذا وجدت مدرس اللغة العربية، استاذي الرائع، ابن الموصل، عبد الأمير عبد الوهاب، يطرق باب بيت اهلي ويطلب مني العودة للمدرسة، ولأجد نفسي بعدها عضوا في لجنة المكتبة المدرسية، مشغولا بتنظيف الكتب وترتيبها ومتابعة سجل الاستعارات، وأصبحت عضوا في هيئة تحرير النشرة المدرسية، فالمعلمين يتابعون شغفي بالقراءة وسبق واطلعوا على بعض النصوص التي كتبتها في درس الأنشاء وابدوا اعجابهم بها .
ومرت السنين ...
ها نحن في العام 1975، طلبة جامعة، قادمين من جامعة البصرة الى بغداد، نصطف امام مسرح بغداد، لفرقة المسرح الفني الحديث، قادمين لنشاهد عرض مسرحية (القربان)، كنا مجموعة طلاب وطالبات، فينا ، صديقي الاقرب ، الشهيد وافي كريم مشتت (غيبه النظام العفلقي الصدامي وبعد السقوط كشفت الوثائق انه تم إعدامه عام 1989دون تسليم جثته لأهله) ، وخلال زياراتي الى بغداد أكون دائما في ضيافة بيت اهله في مدينة الثورة. كنا نمزح وتتصاعد ضحكاتنا، مزهوين بأنفسنا، ببناطيل التشارلستون وقصات شعر الخنافس، ويقترب مني رجل، قصير القامة، بشعر ممشط جانبا، انيق الملبس، بنظارات طبية داكنة ليسألني:
ـ انت يوسف علي هداد من السماوة؟
واجيب بنعم. فيلتفت للسيدة التي ترافقه ليخبرها:
ـ هذا هو ... كان شالع گلبي ولم أنسه يوما.
وارتبك امام الجميع:
ـ لو سمحت من حضرتك؟
ـ احقا لم تعرفني؟
يزداد ارتباكي واتلفت حولي مستنجدا بزملائي الذين احاطوا بنا . فيرد الرجل بكل حب وروح مرحة:
ـ انا ما أريده ... ما أريده الغلوبي !
....
....
 وتقولون لي لماذا تترقرق الدموع في عينيك!

الأول من اذار2023
السليمانية

30
أي تفوق ستمنح عضوية الناتو لفنلندا أمام روسيا؟
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

في اخر تصريحاته، لوكالة الانباء الفنلندية (السبت 11 شباط)، أعرب الرئيس الفنلندي الحالي (ساولي نينستو) (مواليد 1948)، عن اعتقاده بان بلاده والسويد ستكونان عضوين في الناتو، في القمة القادمة، المزمع عقدها في العاصمة الليتوانية، فيلنيويس، في الفترة 11 ـ 12 تموز القادم.
يا ترى ما هي أسباب هذا الالحاح والإصرار الفنلندي لدخول حلف الناتو؟ هل هو فقط للشعور بالتفوق العسكري لمواجهة هجوم محتمل من قوات الجارة روسيا التي لها معها حدود مشتركة تمتد لأكثر من 1300 كم عبر غابات وبحيرات متشابكة؟
على غرار مصطلحات ظهرت في السياسة في الشرق الأوسط مثل (اللبننة ـ من لبنان)، (العرقنة ـ من العراق)، وهكذا ...ألخ، تم تداول، خلال سنوات الحرب الباردة، في القرن الماضي، في فنلندا ودول حلف الناتو مصطلح (التفلدن ــ Finlandization)، لكن الفنلنديين كانوا ولا زالوا، لا يشعرون بالارتياح لهذا المصطلح كثيرا، بل ويتعبروه إساءة وإهانة كبيرة لمشاعرهم الوطنية والقومية!
ظهر المصطلح لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية باللغة الألمانية Finnlandisierung))، إذ كان الالمان الغربيين أول من أستخدمه، حيث ورد في محاضرة للأستاذ الجامعي والصحفي (ريتشارد لوفينثال) (1908 ــ 1991) من جامعة برلين الحرة، والمقصود به (أن تكون مثل فنلندا) في رسمها السياسة الخارجية والداخلية، التي كانت ترسم وفقا لرضا الجار السوفياتي، والتي يعتبرها كثيرين نوع من الهيمنة. واستخدمه معارضو المستشار الألماني (ويلي براندت) (1913ــ 1992)، زعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني، الذي كان مستشارا لألمانيا الغربية للفترة (1969 ــ 1974) واعتمد حينها سياسة خارجية منفتحة على المانيا الديمقراطية وعموم أوروبا الشرقية، فاعتبرت مؤيدة للجانب السوفياتي فأتهم بأنه يعتمد (التفلدن) في رسم سياساته.
ظهرت ملامح سياسة (التفلدن)، في السياسة الفنلندية، في الفترة التي حكم بها الرئيس الفنلندي الثامن (اورهو كيكونين) (1900ــ 1986)، الذي ينتمي لحزب الوسط، وكان السياسي الأطول من بقي في مواقع السلطة، فقد تقلد عدة مناصب وزارية ورئاسة البرلمان، قبل ان يصبح رئيسا للوزراء للفترات (1950–1953)، و(1954–1956) ثم رئيسا للجمهورية لأربع دورات متتالية امتدت لما يقرب 26 عاما، ويمكن القول انه كان يتحكم بالسياسة الفنلندية لمدة 31 عامًا. في سنوات رئاسته تعززت سلطة رئيس الجمهورية، على حساب سلطة مجلس الوزراء والبرلمان، بل ورغم ان الحكومات كانت تتشكل دستوريا وفق الأغلبية البرلمانية، الا أنه كان يتدخل كثيرا في صلاحيات الهيئات التشريعية والتنفيذية وترشيح الوزراء وتشكيل التحالفات السياسية، وبذل جهده لإبقاء خصومه تحت سيطرته، اذ ظل حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) لأكثر من عشرين سنة في صفوف المعارضة، ولجأ مرة الى التهديد بحل البرلمان لفرض مرشحه لرئاسة الوزراء، وفي النصف الثاني من فترة حكمه، ظهر ما سمي (سياسة  K) نسبة الى كيكونين نفسه ورؤساء الوزراء في عهده آهتي كاريالينين (1923ــ1990)، الذي سبق وكان وزير خارجية لعدة تشكيلات حكومية، وايضا آرفو كورسيمو(1901ــ 1969)،التي في مجملها عززت العلاقات الودية والتجارة الثنائية مع الاتحاد السوفيتي، والملفت أنه حتى خصوم كيكونين كانوا لا يستطيعون ادانته، رغم وضوح تسلطه، بحكم ما نجح في تحقيقه في سياساته الخارجية والاقتصادية، حيث نجح اقتصاد السوق الفنلندي بمواكبة أوروبا الغربية والجار الاتحاد السوفياتي، وفي رئاسته استضافت هلسنكي مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا عام 1975، ويذكر له الفنلنديين مساعيه لاستعادة الاراضي التي استولى عليها ستالين ضمن العقوبات لفنلندا التي دخلت في سنوات الحرب في تحالف مع هتلر، خصوصا دورها في حصار لينينغراد، فأقرت ضدها سلة من العقوبات والقيود، ضمن اتفاقات في عامي 1947 و1948، اعتبرت مجحفة بحق فنلندا، منها استيلاء الاتحاد السوفياتي على مساحة تشكل حوالي 12 % من الأراضي الفنلندية اعتبرها ستالين حزام آمن، ورغم ان فنلندا ألغت الاتفاقات بعد تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991، فأن الحدود لم تغيير ولا تزال هذه الأراضي لحد الان جزءا من الأراضي الروسية.
الان، مع تزايد نشاط الاحزاب اليمينية، وارتفاع حظوظ أحزاب اليمين المعتدل والمتطرف في الانتخابات البرلمانية القادمة  في ابريل، فان دخول فنلندا حلف الناتو، سيكون شيئا من الاستقواء العسكري والسياسي والمعنوي على الجارة روسيا التي يتعبر الكثير من السياسيين في فنلندا انها ورثت من الاتحاد السوفياتي ليس قواه النووية فقط، بل واسلوب ممارسة الضغوط لاستمرار سياسة (التفلدن)، فحين كثرت لقاءات الرئيس الفنلندي الحالي نينستو مع الرئيس الروسي بوتين، واعتبر بعض المراقبين ان هذا يجعلهما يكونا صديقين، فحالما تفجرت المشكلة الأوكرانية، وعشية غزو أوكرانيا، وإذ عول الكثيرين على هذه الصداقة المفترضة، انبرى الرئيس الفنلندي لرد التهمة عن نفسه والنأي عن أي علاقة صداقة، بل والادلاء بتصريحات عن صعوبة فهم شخصية بوتين وماذا يريد. وهكذا ترى أوساط فنلندية عديدة، ان دخول الناتو، سيحقق الكثير من الاهداف، ومنها كونه الفرصة المناسبة للتخلص من عبأ (التفلدن)، وعقدة الجار المهيمن، الذي التصق بفنلندا لفترات طويلة، وترك تأثيره النفسي على مختلف الأجيال، بل ويدفع بعض الأوساط السياسية للنظر بدونية الى فنلندا كدولة مستقلة.
 

















أصر الزعيم السوفياتي خروتشوف الحضور بنفسه للمشاركة في عيد الميلاد الستين للرئيس الفنلندي اورهو كيكونين في أيلول 1960
(الصورة من الاعلام الفنلندي)

 

31
رحيل السومري.. المربي والمناضل عزيز دحام
يوسف أبو الفوز

من يعيش في المنفى، يدرك عمق الخوف الذي تجلبه له رنة الهاتف المبكر. ويدرك رهبة النصف ساعة الأولى، في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، فلطالما توجسنا من اخبار الفقدان الموجعة، ورحيل الأحبة المفاجئ، رغم كل ما يقال عن حتمية الموت وكوننا كلنا عابرون لهذا الجسر المقيت، فالأخبار الحزينة تواصل عصر قلوبنا بأصابع من حجر وبشكل موجع.
ها هي الاخبار الحزينة، من العراق تبلغنا برحيل الشخصية الوطنية والمربي المناضل الشيوعي عزيز دحام (1934ـــ 2022).
منذ طفولتي، غمرتني هيبة هذه الشخصية، بطيبته وحكمته وبعد نظره، وما ان كبرنا قليلا، وتعلمنا شيئا عن تاريخ العراق واسلافنا من بلاد سومر، لم يعد له من معادل عندي سوى لقب: السومري. في حضوره، وبهدوئه الجم تغمر روحي السكينة دائما، وفي عمق أحاديثه اتلمس عبق التاريخ، وحكمة متوارثة يهبها ببساطة لمستمعيه، ومن كلماته النيرة، بروح الفلاح ابن الأرض، يشع ايمانا كبيرا بمستقبل قادم نذر روحه له. كان رب اسرة متفانيا ومحاربا لأجل اهداف نبيلة، عرف بمواقفه الصلبة، وعمله في سلك التعليم خلق له مريدين اثار غيض رجالات مختلف الأنظمة.
تعرض وعائلته الكبيرة على يد مختلف الانظمة لصنوف القمع والتضييق، فلم يرحمه النظام البعثي الصدامي المجرم فالقاه سنينا في زنازينه، التي ضمت خيرة أبناء العراق، فكان أبو سعد عمودا لخيمة الامل ظللت المناضلين من حوله.
أذكر حين ضاقت بنا السبل، في أواخر سبعينات القرن الماضي، وكانت ضباع البعث تطارد الشيوعيين من شارع الى شارع، عّن لي زيارته الى مدينة الشطرة، فنحن نرتبط مع العائلة بوشائج قربى، كنت انوي ان ابتعد عن الأنظار لأيام، تحت ستار الاشتياق والحنين. قابلتني العائلة بالترحاب الكبير، وطوال الوقت كان أبو سعد يتفرسني بعيني الخبير. لم اتحدث شيئا عن اضطراري لترك الدراسة الجامعية، ولا عن محاولة اعتقالي ومطاردة جلاوزة البعث لي في شوارع البصرة، ولا عن (كبسات الامن) لبيت اهلي في السماوة. كنت أحاول ان أكون طبيعيا. وما ان اختلينا لوحدنا حتى بادرني وابتسامة خفيفة تعلو وجهه الطيب:
ــ اترك الاشتياق جانبا، واحكي لي: هل اخبرت أحد بقدومك الى الشطرة؟ وكم لك وانت مختف؟ كيف وضعك في الجامعة؟
وطوال الليلة، حكيت له كل ما أدركه بحدسه وخبرته، واستمعت منه لملاحظات وارشادات عن العمل السري والتخفي، وبدل ان أبقى يومين أجبرني لأبقى أكثر من ذلك:
ـ لا يعرفك أحد هنا، فلا تغادر المنزل فنحن مراقبون أيضا.
قبل ان اترك البيت دس في جيبي مبلغ من المال رافضا اعتراضي:
ـ من تجربتي اعرف ان فائدتها كبيرة هذه الأيام.
عانقته مودعا بحرارة، حاملا معي شيئا من قبس أيمانه وتجربته، بأن لابد من مجيء يوم سقوط القتلة، ولابد للمستقبل ان يكون أبهى، رغم كل المعاناة والصعاب والتضحيات.
رحل معلمي وقدوتي السومري المناضل عزيز دحام، فما أشد الحزن بهذا، وليس بدون معنى ان أبنه، وصديقي الفنان سعد عزيز دحام، حين هاتفته بادر وقدم لي التعازي مواسيا ...
لك المجد والخلود معلمنا وملهمنا أبو سعد ... ان المستقبل الذي عملنا لأجله، قد لا نراه، لكنه قادم يحمل شيئا من بهاء اسمك...  وداعا!


32
مساهمة في استفتاء المدى الثقافي
في المدى البغدادية ، عدد يوم الثلاثاء  2023.1.3  ، وجه محرر  القسم الثقافي الصديق علاء المفرجي سؤالا لمجموعة من الادباء العراقيين، وكان لي شرف المساهمة معهم في الإجابة  :
التجييل في الادب وخاصة التاريخي منه، يرفضه البعض، ويستهوي البعض الاخر، فالذين يرفضون هذا الأمرلا يمانعون في أن ينعتهم بعض مؤرخي الادب في الانتماء لهذا الجيل أو ذاك، ومن تستهويهم قضية الأجيال، يرفضون أحيانا مثل هذا الانتماء. هل لديك إيمان بالتجييل أم أنك تعترض على ذلك.. ما السبب؟ وهل أن للجيل المعني ملامح ما؟

كان مساهمتي  كالتالي :
اعتاد البعض من الادباء والنقاد في العراق، خلال أحاديثهم عن الشؤون الثقافية، الى تصنيف الادباء، والحياة الثقافية، الى أجيال تاريخية، كجيل الخمسينات او الستينات وهكذا، ولكن نظرة أولية تجعلنا نفهم جيدا ان الأمور أكبر واعقد من ذلك.
فهناك حقيقة لا يمكن الاختلاف عليها كثيرا، تشير الى انه في العراق ارتبطت كل التطورات الاجتماعية والثقافية بالتغيرات والتحولات السياسية، فهذه تترك تأثيرها على وجدان وقدرات الادباء في الادراك والتوجهات والابداع ، خصوصا ان الادب الحقيقي لا يكون معزولا عن المجتمع ومن مهامه ليس كشف الواقع الاجتماعي بل والعمل على ترك تأثير ما ليكون رافعة تغيير نحو الأفضل، فالعراق للقرنين الماضيين عاش فترة الاستعمار البريطاني والعهد الملكي بكل ما رافقه من احداث، ثم جاء العهد الجمهوري وحكم عبد الكريم قاسم،  فالانقلاب الدموي للبعث عام 1963، حكم الاخوين عارف، ثم انقلاب البعث عام 1968 الذي يشمل فترة رئاسة البكر ، فترة الجبهة الوطنية والتحالف بين ابرز الاحزاب العراقية،  ثم صعود  وتفرد صدام حسين بالحكم، اعقبها فترة الاحتلال الأمريكي وما تلاه من حكومات المحاصصة الطائفية وتفرد أحزاب الإسلام السياسي بحكم البلاد، وخلال كل هذه التقلبات السياسية الحادة جرت وحصلت احداث وتطورات مختلفة، ( مثلا في حقبة حكم صدام حسين حصل : ملاحقة الشيوعيين وحملة تبعيث المجتمع ، الحرب العراقية الإيرانية ، تهجير الكرد الفيلية، غزو الكويت، الحصار الاقتصادي، الحملة الايمانية، الأنفال في كردستان، وغير ذلك) فتبعا لكل ما تقدم يصعب تصنيف الافراد وخصوصا المثقفين الى مجرد أجيال تاريخية، خاصة ان الجيل عادة يعني فترة زمنية محددة ما يقارب خمسة عشر عاماً.
وليكون الامر أكثر وضوحا فأن معاناة المثقفين الذين عايشوا ظروف الحصار الاقتصادي الأمريكي على العراق مترافقا مع ارهاب حزب البعث وغياب الحريات، تختلف تماما عن معاناة نفس مجايليهم الذين يعيشون في المنفى الأوربي وتأثيرات الاحتكاك بثقافة أخرى وتفاصيل الحياة في مجتمع مختلف، متطور، وما يوفره من فسحة في الحرية عموما، فهنا عن أي (جيل) يمكن ان نتحدث؟  ان الانعكاسات والتأثيرات السياسية والتطورات الاجتماعية والفكرية، التي تترك بصمتها على عملية الابداع، تكون مختلفة عند الطرفين وان كانوا (تاريخيا) من نفس الفترة (الجيل) ، هذا مع إيلاء الاهتمام لاختلاف التوجهات الفكرية لأبناء كل (جيل) فهو يحدد أيضا طريقة التلقي والتعامل مع المتغيرات السياسية والاجتماعية .

 

33
يوسف أبو الفوز في رابطة الأنصار بستوكهولم
متابعة ــ الصباح


  مؤخرا ضيفت ، رابطة الأنصار في ستوكهولم وشمال السويد، وبالتنسيق مع مؤسسة FOLK السويدية، في مقر جمعية الفولك في منطقة  شارهولمن،  الكاتب يوسف أبو الفوز  القادم من فنلندا، في أمسية ثقافية، ادارها الإعلامي محمد الكحط الذي قدم نبذة من سيرة الكاتب الادبية.
وشكر الكاتب ابو الفوز، الحاضرين الذين رغم سوء الأحوال الجوية والعاصفة الثلجية التي عطلت حركت المواصلات اصروا على حضور الأمسية والمشاركة فيها، واعتبر أبو الفوز الأمسية من أصعب وأسهل امسياته، فهو يتحدث بحضور من هم شهود ومعاصرين لتجربته الإنسانية والأدبية.
 وبين ان مسيرة أي مواطن عراقي، ترتبط بالتحولات والتطورات السياسية في البلاد، وهو كعراقي وكاتب لا يختلف عن ذلك، فالأوضاع السياسية تركت بصماتها على مجمل مسيرته الأدبية.
استعرض المحتفى به اهم اول اصداراته مشيرا الى انه تناول فيها القمع السياسي وتأثيره على حياة المواطن العراقي، وبين ان بطله القصصي خلالها كان الانسان العراقي التواق للحرية والمناضل لأجل حرية التعبير والمدافع عن رأيه المختلف. ثم تناول فترة التحاقه بحركة الكفاح المسلح للأنصار الشيوعيين، التي امتدت حوالي ثمان سنوات، واعتبرها من اهم الفترات في حياته، حيث كان الأنصار الشيوعيون يقاتلون على عدة جبهات، اذ كانوا يواجهون نظاما فاشيا قمعيا بكل جبروته القمعي والعسكري، ومن جانب اخر يصارعون الطبيعة بقسوتها الى جانب الصراع الفكري المحتدم في صفوف الحركة والحزب السياسي الذي يقود الحركة، فترك ذلك كله تأثيرات مهمة على تجربته الإنسانية والادبية. واستعرض اهم اصداراته عن هذه المرحلة.  ثم تحدث الكاتب عن مرحلة المنفى والتشرد ، التي تنقل فيها بين بلدان عدة ، وتعرض فيها للحجز والسجن عدة مرات لعدم امتلاكه جواز سفر حقيقيا، حتى اللجوء الى فنلندا  عام 1995 ، حيث بدأت مرحلة الاستقرار التي وفرت له فرصة لمراجعة تجربته الأدبية والحياتية ، فاصدر مجموعته القصصية (طائر الدهشة ) التي ترجمها الدكتور ماركو يونتنين الى اللغة الفنلندية عام 2000 ، وحيث بدأ بعدها في الاهتمام بالكتابة الروائية، فاصدر عدة روايات التي كان الانسان العراقي المهاجر واللاجئ هو بطلها الأساسي ، وبرزت الى جانب ذلك موضوعات مثل الهوية والانتماء والمجتمع المتعدد الثقافات، حيث أصبحت من اهم المحاور في رواياته. وتحدث عن روايته (جريمة لم تكتبها اجاثا كريستي) التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2020 ، والتي كتبت على خلفية موجة هجرة الشباب العراقي الى أوروبا للاعوام 2015 ـ 2017 ، كرد فعل على سياسات حكومات الإسلام السياسي التي سلبتهم وطنهم وحريتهم وحق الحياة الكريمة، وتتابع الرواية رحلة الشباب نحو المهجر الأوربي وفنلندا تحديدا، وحياتهم هناك وتأثير هذه الهجرة على المجتمع الفنلندي ونشاط الجماعات العنصرية  .
وركز أبو الفوز على روايته (مواسم الانتظار) التي صدرت عن المدى 2022 ، والتي تتناول واقع وهموم المجتمع العراقي في ظل حقب حكم حزب البعث الشوفيني، من فترة الاربعينات حتى نهاية سبعينات القرن الماضي بما في ذلك فترة تجربة (الجبهة الوطنية والتقدمية) وما تبعها من حملة إرهابية بوليسية عانى منها أبناء الشعب العراقي. وبين الكاتب أبو الفوز بحكم كون الرواية شكل من البحث الأنثروبولوجي فأنه معني بالإنسان العراقي وما يعانيه بسبب من انعكاس الأوضاع السياسية عليه وهكذا سنتعرف في صفحات الرواية على مختلف الشخصيات وبمختلف المواقف والرؤى، لتعكس قصة جيل الكاتب وهمومه ومعاناته خلال تلك الفترة العصيبة.
وأشار أبو الفوز الى ان الرواية ذهبت أيضا الى صحراء السماوة لتغطي حياة مجموعة من الصعاليك وقطاع الطرق، واجتهدت من خلال ذلك لعكس علاقة بدو الصحراء بسجن نقرة السلمان الرهيب الذي غيب خيرة أبناء الشعب العراقي من المناضلين، وتفترض الرواية أيضا زيارة للكاتبة البريطانية أجاثا كريستي لأثار الوركاء ومدينة السماوة، وتتابع الزيارة وتورد تفاصيل مثيرة عنها وانطباعاتها عن الشعب العراقي.
وبين الكاتب أبو الفوز بأنه وفاء لمدينته السماوة وتاريخها النضالي، حاول عكس تاريخ المدينة واهم الاحداث التي حصلت فيها وأبرز مناضليها وشهدائها، فخصص صفحات لانتفاضة السماوة حين استقبلت قطار الموت عام 1963، وفي هذا عمد الى الاستناد الى روايات سمعها من اسرته وسكان المدينة. وأكد الكاتب بأنه عموما يلجأ الى بناء شخصياته الروائية معتمدا مخيلته الروائية، التي تستند الى واقع عاشه وأبناء وطنه، من جيله والاجيال التي سبقته، لذا فهو لبناء شخصياته معني بهذا الواقع كثيرا، فحرص على ان تحمل شخصياته ملامح من ناس عرفهم وعايشهم،                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              يحملون هموم وتطلعات ومعاناة أبناء العراق. ثم قدم العديد من الحاضرين في الامسية الذي عاصروا الكاتب مداخلات عن معرفتهم بالكاتب ونشاطاته، وجرى نقاش حيوي شيق في العديد من الموضوعات حول الادب وتجربة الكتاب وهموم الكتابة، فكانت الأسئلة الذكية مفاتيح ذهبية للتجوال في درابين وهموم الادب واثارت نقاشا ثريا مفعما بروح التنوير، وفي الختام وقع الكتاب بعض اصداراته وقدمها هدية لرابطة الأنصار.
 

 

34
رابطة (كيلا) الفنلندية في ضيافة الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز



متابعة ــ
ضمن البرنامج السنوي، لرابطة الكتاب والفنانين الفنلنديين (كيلا) ـ تأسست عام 1937 ـ في زيارة، ورش عمل ومعارض أعضاء الرابطة، زار وفد من منتسبي الرابطة وهيئتها الإدارية، بيت الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز في ضواحي العاصمة هلسنكي، حيث بادرت شريكة الكاتب، السيدة شادمان علي فتاح، وضيفتهم وجبة غداء شهية من اطباق عراقية، تداول الجميع معها في مختلف الشؤون الاجتماعية والسياسية في فنلندا والعالم.
بعدها قدمت الشاعرة (بيريو كوتاماكي ) قراءة بضعة قصائد من شعرها بالفنلندية والإنكليزية.
واستعرض الكتاب (تانيلي  فيتاهوهتا)، كتابا صدر مؤخرا ، اشترك في تأليفه عن الفعاليات الموسيقية، التي صاحبت مهرجان الشبيبة والطلبة العالمي الثامن الذي عقد في هلسنكي صيف عام 1962 وشارك فيه اكثر من خمسة عشر الف ضيف من أعضاء الوفود من مختلف ارجاء العالم، وفي الكتاب المعنون (الجاز الحر) تم تسليط الضوء على نشاطات اثنين من اشهر عازفي الجاز الافروـ امريكان الرائدان ارشي شيب وبيل  ديكسون، اللذين اصطفا الى جانب قوى اليسار العالمي وانحازا بشكل كبير الى جانب نضالات الشعوب من اجل التحرر من السيطرة الاستعمارية وضد الحروب ولأجل السلام .
 الكاتب، المضيف،  يوسف أبو الفوز عرض لضيوفه، الفيلم الوثاثقي (عند بقايا الذاكرة) مدته نصف ساعة، الذي كتب له السيناريو واخرجه للتلفزيون الفنلندي عام 2006 ، ويحمل الفيلم انطباعات الكاتب وشريكة حياته شادمان، خلال زيارتهم الى العراق بعد غياب عقود من السنين، ويرصد بعض التغيرات الحاصلة في العراق بعد زوال نظام صدام حسين الديكتاتوري، ويذكر ان الفيلم في حينها تم اختياره من قبل التلفزيون الفنلندي لتمثيل فنلندا في مهرجان سينمائي تربوي عن السلام في سويسرا،  ثم استعرض أبو الفوز اخر اصداراته الأدبية، وابرزهما روايتيه (جريمة لم تكتبها اجاثا كريستي )  صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2020 ، ورواية (مواسم الانتظار) صدرت عن دار المدى 2022، وجرى بعدها  نقاش حيوي ومستفيض ، تناول جوانب من محطات الكاتب أبو الفوز وتجربته في الكتابة، واحوال الثقافة بشكل عام في العراق في ظل الأوضاع السياسية الحالية القائمة، ودور المثقفين والحركة الاحتجاجية. 

35
هوليود ونظرية المؤامرة والحرب في أوكرانيا

مشهد من نهاية المسلسل الامريكي (القناص) 2016 

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

كثيرون، لا يعتبرون مصطلح (نظرية المؤامرة) مفهوما جديدا، رغم ان اضافته الى قاموس أكسفورد كانت في عام 1997 ــ بالإنجليزية Conspiracy Theor ‏ــ، فعلماء الاجتماع والنفس والتاريخ عرفوه واستخدموه كثيرا، وتداولوه في تفسير كثير من الاحداث، خصوصا المؤمنين بأن لا شيء يحدث بالصدفة، وان الأشياء مرتبطة مع بعضها. في العقود الأخيرة، ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي على تسويق هذا المفهوم للانتشار بشكل واسع. ولم تغفل هوليود الامر، فقدمت تفسيرات لكثير من الاحداث تبعا لمفهوم المؤامرة، فشاهدنا أفلاما تناولت حادثة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي 1963، فضيحة ووتر غيت 1972 وقبلها مصير الزعيم هتلر الذي انتحر 1945 وغيرها.
ويمكن القول ان حادث اغتيال كيندي، يعتبر من اهم الاحداث التي دفعت السينما والتلفزيون في هوليود لتبني تفسيرها تبعا لنظرية المؤامرة، فبعدها لم يعد من الصعوبة العثور على تفسيرات لأحداث سياسية دبرت من قبل (عدو خارجي) أو (عدو داخلي) متحالف مع نخب فاسدة.
عن اغتيال جون كنيدي سنجد أفلاما مثل فيلم ( الإجراء التنفيذي ــ 1973) من اخراج  ديفيد ميلر (1909–1992)، وساهم في كتابته كاتب السيناريو الأمريكي الشيوعي دالتون  ترامبو (1905–1976)، الذي سبق وسجن لعام كامل مع غرامة من قبل محاكم التفتيش الماكارثية ووضع اسمه على القائمة السوداء لمنعه من العمل، فاضطر لكتابة العديد من الأعمال الناجحة بأسماء مستعارة، ومثل في هذا الفيلم نجوم كبار مثل برت لانكستر (1913–1994)، روبرت رايان (1909–1973) ، ويل غير (1902–1978)واخرين، وكان اول فيلم امريكي يشكك في الرواية الرسمية لاغتيال كنيدي. أيضا هناك فيلم (جون كنيدي ــ 1991) من اخراج اوليفر ستون (مواليد 1946)، المعروف بميوله الليبرالية واعتبر ستون هذا افضل أفلامه، ومثل فيه نجوم كبار مثل كيفن كوستنر (مواليد 1955)، تومي لي جونز (مواليد 1958) ، جاك ليمون (1925–2001) ، ووالتر ماتاو (1920–2000)  واخرين، وحصل الفيلم على ثمانية ترشيحات لجوائز الأوسكار وكان أحد أكثر أفلام المخرج نجاحًا  رغم فشله في الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج.
اما عن فضيحة ووتر غيت فهناك فيلم ( كل رجال الرئيس  ــ 1976) من اخراج الامريكي آلان  باكولا (1928  -1998) والذي اشترك في تمثيله داستن هوفمان  (مواليد 1937) الى جانب روبرت ريدفورد (مواليد 1936) الى جانب كوكبة من نجوم هوليود، وفي الفيلم يقوم صحفيان من صحيفة الواشنطن بوست بتسليط الضوء وفضح ضلوع الرئيس الأمريكي الجمهوري ريتشارد نيكسون في التجسس على  مقر الحزب الديمقراطي الأمريكي ايام انتخابات عام 1972  وزرع أجهزة تنصت هناك، وبعد كشف الملابسات وتجنبا لسحب الثقة منه اضطر نيكسون للاستقالة على اثرها، وحيث اصبح مصطلح ووتر غيت رمزا شعبيا للنشاطات والتآمر غير القانوني واستغلال مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) ووكالة المخابرات المركزية (CIA) ودائرة الإيرادات الداخلية (IRS) كأسلحة سياسية.
 وهكذا ستقودنا عمليات البحث الى عناوين العديد من الأفلام، التي صيغت احداثها تبعا لمصطلح ومفهوم المؤامرة، وكأمثلة: الفيلم الشهير (ثلاثة أيام من الكوندورــ 1975)، عن الفساد في اجهزة المخابرات وحيث التهديدات للمواطن تمتد إلى أعلى المستويات في الحكومة، والفيلم من اخراج سيدني بولاك (1934 ـ 2008) تمثيل روبرت ريدفورد مع فاي دوناواي (مواليد 1941) ،  ترشح الفيلم لعدة جوائز منها الاوسكار لأفضل مونتاج.
وفيلم (نظرية المؤامرة ــ 1997) اخراج ريتشارد دونر(1930 - 2021 (، وتمثيل ميل غبسون (مواليد 1956) وجوليا روبرتس ( مواليد 1967) ، حيث سائق سيارة أجرة، يؤمن بأن كثير من الاحداث تجري وفق نظرية المؤامرة من أجهزة المخابرات ومليشيات غير قانونية ، حتى يكتشف مؤامرة لتصفيته من جهات غامضة ، وهناك الكثير من الأفلام التي يمكن ادراجها.
قبل أسابيع، لفت انتباهي أحد الأصدقاء، الى مسلسل حركة ومغامرات امريكي، يعرض على منصة Netflix، أنتج منه ثلاثة مواسم في الأعوام 2018- 2016، تحت عنوان (القناص)، مستوحى عن رواية (نقطة الاصابة) للكاتب الأمريكي ستيفن هانتر، التي صدرت عام 1993 ولاقت ناجحا لافتا، فتم تحويلها أولا الى فيلم عام 2007، من اخراج أنطوان فوكوا والدور الرئيس تمثيل مارك والبيرغ (مواليد 1971).   أما بالنسبة لمسلسل (القناص)، فقد تم اعداد الموسم الأول على يد مجموعة كتاب سيناريو، بتصرف كبير، ففي الفيلم ميدان خدمة القناص، الشخصية الأساسية، كان في ارتيريا، بينما في المسلسل، أصبح أفغانستان وأيضا تم تغيير الهدف المراد اغتياله وأصبح له علاقة بالأزمة الأوكرانية!! تصدى لإخراج الموسم الأول من المسلسل عدة مخرجين أمريكيين يتقدمهم سايمون جونز (مواليد 1936)، وكان من عشر حلقات مدة الحلقة 45 دقيقة.
في المسلسل يقوم الممثل ريان فيليب  (مواليد 1974) ، بأداء دور (بوب لي سواغر)، محارب مخضرم، قناص بارع  من مشاة البحرية الأمريكية  حائز على اوسمة وجوائز عديدة، متقاعد بسبب الإصابة ، يعيش في شبه عزلة،  فيتم الاستعانة به من قبل قائده السابق في الجيش، للاستفادة من خبرته كقناص لمنع محاولة لاغتيال الرئيس الأمريكي، فيقوم بأبحاثه وزيارة مكان توقف موكب الرئيس ويدرس احتمالات مواقع الاغتيال الممكنة ويصورها ويرسم ابعادها، لكن يتم الإيقاع به، واستخدمت الكثير من الأدلة التي تركها في الأماكن لتوريطه في عملية اغتيال الرئيس الاوكراني !! الذي كان في زيارة للبلاد. احداث المسلسل، التي لا تختلف عن الطبخة المعتادة من مسلسلات الاكشن الأمريكي، تكشف عن منظمة سرية متطرفة، تتصرف كالدولة العميقة، متغلغلة في أجهزة مخابرات الدولة وتتحكم بولاء الكثير من كبار المسؤولين، تستغل الحرب في أفغانستان للتجارة بالمخدرات، ولتسويق الأسلحة لمناطق الحروب ولديها استثمارات اقتصادية في اوكرانيا، وخططت لاغتيال الرئيس الاوكراني، بالتنسيق مع المخابرات الروسية، بإيعاز مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين، ولكن باستخدام ايدي أمريكية!
واذا نظرنا الى فترة عرض المسلسل، حيث تم عرضه بثمان حلقات من الفترة 15 تشرين الثاني 2016 حتى الفترة 17 كانون الثاني 2017 وزمن احداثه، نجدها تجري في الفترة التي أعقبت ضم روسيا لجزيرة القرم ( اذار 2014)، وفي فترة رئاسة الرئيس الاوكراني الحالي  فولوديمير زيلينسكي، مما يقودنا للقول بان المسلسل يعطي حافزا للمؤمنين بنظرية المؤامرة للقول بأن دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية، أذ تسعى لشيطنة روسيا وتوريطها في نزاعات وإضعافها، فأنها تحاربها على كل الأصعدة ، وتعبأ بشكل مسبق الرأي العام بمختلف الوسائل، ومن ذلك الاعمال السينمائية والتلفزيونية، فحلقات المسلسل لم تخلو من الإشارات الى مطامع روسيا وتهديدها لأمريكا ودول حلف الناتو، وتظهرها كدولة محبة للحرب ومتآمرة ، تغتال المعارضين  بدم بارد، ولا تتردد في التعاون مع جماعات أمريكية متطرفة، خارجة على القانون، توظفها لاغتيال الرئيس الاوكراني الضيف إرضاءا لمصالح ومخططات خاصة. 
 

36
انتفاضة تشرين والمنطقة الرمادية للمثقف العراقي
 
  الحياد في المنعطفات التاريخية صنف من الخيانة!
يوسف أبو الفوز

في شتاء 2004، ومن بعد سبعة وعشرين عاما، بعد سقوط نظام المجرم الديكتاتور صدام حسين، عدت من المنفى، الذي تعددت محطاته، وزرت مدينتي السماوة، التي ترعرعت فيها ومن عبّر تاريخها النضالي المشرف وسير الشخصيات الوطنية البارزة فيها، من مثقفين وسياسيين، تلقيت أولى دروس الانتماء للوطن. خلال هذه الزيارة طلب مني الرفاق العاملون في منظمة الحزب الشيوعي العراقي في المدينة ان اساهم في تقديم أمسية ثقافية عامة، اتحدث فيها عن أي موضوع أختاره بنفسي، وبعد ان استقصيت عن طبيعة الجمهور الذي سيحضر، أخترت عنوان (دور المثقف العراقي في إعادة إعمار العراق)، وتلخصت فكرة الحديث بأن البنى التحتية للخدمات الأساسية وللتنمية الاقتصادية، التي خربتها سياسات النظام البعثي الديكتاتوري،  فأن الاستثمار برؤوس الاموال الخارجية والداخلية، بعد  توفير الشروط والضوابط المناسبة للاستعانة بها واجتذابها ، سيساهم في استنهاض الاقتصاد الوطني وتطويره وتحديثه، وإعادة اعمارها وفق مخططات الدولة التنموية و... الخ، لكن الانسان العراقي، الذي خربت حروب النظام الداخلية والخارجية روحه، وما سببته سياسات العسف البعثي وسنوات الحصار الاقتصادي من تخريب لعموم البنى التحتية لأخلاقيات المجتمع العراقي، فأني أعلنت لجمهور الحاضرين وبثقة عن اعتقادي بأن المثقف العراقي هو الذي سياستهم بدور متميز في إعادة اعمار الانسان العراقي ليأخذ زمام الموقف ويساهم ببناء وطن عراقي جديد.
ولكن ...!
تكررت زياراتي الى وطني الام، للمساهمة في مختلف الفعاليات الثقافية والسياسية، وزرت البلاد جنوبا وشمالا، وكنت اتابع بألم حجم الخراب الذي حل في وطني وثقل تركة الخراب التي خلفها لنا النظام البعثي المقبور، الذي ازاحته دبابات الاحتلال الأمريكي، ولأكتشف بألم ان المثقف العراقي في واقع الامر، وفي مقدمة كل الأمور، هو أيضا بحاجة لإعادة أعماره أولا!
في العقود الأخيرة، من تأريخ العراق السياسي والثقافي، ظلت وللأسف أعداد ليست قليلة من المثقفين العراقيين، وتحت مبررات عديدة، تدور مواقفها في المنطقة الرمادية، منطقة اللاموقف. ففي زمن العسف البعثي العفلقي، ناهيك عن الذين طبلوا وردحوا للنظام وحروبه وسياساته، فان جمهرة من المثقفين، أرتضت بدور المتفرج بدون موقف واضح مما يجري من جرائم بحق الشعب والوطن، وحالما سقط النظام الصدامي، راح بعضهم، وبدل من الاعتذار من الشعب والتكفير عن دور المتفرج، يجترون تبريرات كونهم (مجرد موظفين في الدولة)، وتبعا لهذا بدا لنا ـ من وجهة نظرهم ـ حتى الديكتاتور المجرم صدام حسين كان مجرد موظف في القصر الجمهوري!
في معرض العراقي الدولي للكتاب في كانون الاول 2021، وفي جلسة حوارية عن ( دور الدولة في دعم الكتاب) وحين جرى الحديث عن دور المثقفين في هذا الجانب أشار السيد (سعد العنزي) مدير معرض الكويت الدولي، والمشارك في الحوار، الى انه لفت انتباهه، ان العديد من المثقفين العراقيين البارزين الذين التقاهم، وحين قدموا له المعلومات للتواصل معهم، لاحظ ان اغلبهم يعملون في مهام مستشارين في الوزارات او رئاسة الوزراء وحتى مكتب رئيس الجمهورية، وطلبت حينها الكلام من داخل القاعة للتعليق، واخبرت الحاضرين، بان هناك إحصائية غير رسمية، تشير الى ان اكثر من مئة وعشرين من المثقفين البارزين، يعملون بصفة مستشار في أروقة مكاتب مختلف الوزراء، وفي لحظتها أعلنت وجهة نظري وبصراحة، واعتبرت هذا الامر  ليس إلا شكل من حالة الفساد التي تعيشها النخب العراقية ومنها الوسط الثقافي العراقي، وعلى اثرها انسحب من القاعة عدة انفار، اعرفهم جيدا ويبدو ان الكلام مسهم تماما.
مع انطلاق انتفاضة تشرين2019، وفي الوقت الذي واجه شباب الانتفاضة، رصاص (الطرف الثالث) بصدورهم العارية، ثائرين من اجل التغيير والخروج من دوامة فساد أحزاب الإسلام السياسي، التي نصبها الاحتلال الأمريكي وريثة للخراب الذي خلفه نظام صدام حسين لتزيده خرابا، راحت هذه الجمهرة من المثقفين، المعنية بهذا الكلام، تواصل وقوفها في المنطقة الرمادية، متناسية ان الحياد في المنعطفات التاريخية يعتبر صنفا من الخيانة، فالواجب التاريخي يفرض ان يكون المثقف الحقيقي صوتا متقدما لأبناء شعبه، يصطف الى جانب الثوار في سعيهم للتغير لأجل عراق مدني ديمقراطي. ففي ظل ما عاناه شعبنا، من قهر واذلال، في سنوات النظام الديكتاتوري البعثي، وسنوات الاحتلال الامريكي، وثم حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، يتناسى وللأسف هذا الصنف من المثقفين، القانع بعضهم بفتات الحاكمين، ان على المثقف الحقيقي ان يحدد خياره بوضوح، فإما الاصطفاف مع الشعب ومطالبه المشروعة بحياة حرة كريمة، وإما الاصطفاف مع الحاكم الظالم المتستر بعباءة الفكر القومي الشوفيني البعثية، او عباءة الدين الطائفي وميلشياته.
ولابد من القول، بكل الم وبصراحة، ان ثمة، اعداد من المثقفين، لا تزال بدون موقف واضح، ليتشكل تيار ثقافة وطنية مقاوم مواز لوقائع الانتفاضة، وان نشاطات المثقفين ممن اصطفوا الى جانب الانتفاضة والمؤمنين بها والمطالبين بالتغيير الشامل، من خلال كتابة نصوص، او إصدار كتب، واعمال فنية من رسم أو موسيقى، تبقى مجرد جهود فردية، بعيدة عن التأثير الجماهيري المطلوب والكافي لخلق وعي متقدم لنشر ثقافة المواطنة والانتماء الى الوطن بعيدا عن الانتماءات الفرعية، الحزبية، والعشائرية، والطائفية والاثنية.
 يكشف الواقع بان الكثير من المثقفين للأسف لا زالوا لم يحسموا موقفهم، بالاصطفاف الى جانب أبناء شعبهم، وتكريس ابداعهم في الكتابة والرسم والموسيقى لأجل تغيير المزاج الشعبي العام، وإذكاء الروح الثورية لدى أبناء الشعب وديمومتها بشكل حضاري، للمساهمة في الانتفاضة السلمية ودعمها لأجل التغيير الشامل وبناء عراق جديد. وأعتقد ان الأوان لم يفت بعد أمام الكثيرين منهم ليراجعوا مواقفهم، فانتفاضة الشعب من أجل التغيير الشامل ممكن ان تجدد نفسها، فأسباب اندلاعها لا تزال قائمة. وتبرز الان، ومن بعد مرور ثلاثة اعوام على انطلاق انتفاضة تشرين، اهمية ان يكون المثقف العراقي، وفيا لتأريخ مفعم بالمواقف الثورية والوطنية لأجيال المثقفين من رواد الثقافة العراقية وصانعي مجدها، الذين اصطفوا الى جانب الشعب في منعطفات مهمة، في وثبة كانون 1948، وثبة تشرين 1956 وثورة تموز 1958 والمثقفين الرافضين لسياسة نظام البعث الصدامي ممن ارتضوا حياة المنفى أو التحقوا بصفوف المقاومة المسلحة في جبال كردستان.
ان الفرصة لا تزال متاحة أمام الكثير من المثقفين لينهوا ترددهم والخروج من المنطقة الرمادية وإعلان موقفهم الصحيح والواضح، فخير الأمور بخواتيمها.
 

37
  مهرجان اللومانتيه وأيام التضامن والأمل
خيمة "طريق الشعب" ... خيمة كل العراقيين

باريس ـ يوسف أبو الفوز                      
 كل عام، في ثاني عطلة أسبوعية من شهر، تحتضن باريس، العاصمة الفرنسية، عاصمة النور والتنوير والادب والسحر والجمال، مهرجان صحيفة اللومانتيه "الانسانية "، جريدة الحزب الشيوعي الفرنسي، وتتحول مساحة واسعة مختارة في ضواحي باريس، إلى مدينة لكل قوى اليسار والديمقراطية في العالم، مدينة للتضامن الاممي والفرح والأمل. ففي كل عام، ومنذ عام 1930، وما عدا سنوات الحرب العالمية الثانية، وسنوات جائحة الكورونا، تقيم صحيفة اللومانتيه، مهرجانها السنوي، ليكون عيدا بهيا لكل التقدميين والاحرار في العالم. وفي شوارع مدينة المهرجان، التي تحمل اسماء مفكرين وقادة ثوريين، مزدانة بالشعارات والأعلام الحمراء والبالونات الملونة، تزدحم "ستاندات"/ خيم الاحزاب الشيوعية واليسارية ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات اعلامية وثقافية من كل مكان في العالم فتضج المدينة بالموسيقى والفرح والأحاديث بكل لغات العالم. وأعلن فابيان جاي، رئيس تحرير اللومانتيه، في تغريدة له على تويتر، انه هذا العام، ولأول مرة، ستكون قوى اليسار الفرنسي كلها حاضرة ومشاركة في المهرجان واستجابت للدعوة الموجهة لها. يذكر ان المهرجان يحمل هذا العام الرقم 87، وحرص مصممو ملصق المهرجان على تضمينه 86 زهرة زاهية تخترق ظلام الخلفية وتسلط الضوء على البعد الاممي للمهرجان وتبرز روح التعددية الثقافية والتنوع الذي يميز المهرجان عن غيره.
ومنذ منتصف سبعينيات القرن الماضي يقوم ستاند / خيمة / "طريق الشعب"، الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، وبمساهمة نشطة من اغلب منظمات الحزب خارج الوطن، تبذل منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فرنسا ورفاقها واصدقاؤها جهودا جبارة في التحضير والاعداد والمتابعة لأيام الخيمة، التي تقدم برامج ثقافية وإعلامية وبعض المأكولات العراقية للجمهور الزائر للمهرجان، ويمكن القول ان خيمة "طريق الشعب"، تعد واحدة من ابرز الخيم في المهرجان، ليس من ناحية التنظيم ونوع البرامج المتنوعة، ولكن لكونها نجحت لتكون خيمة لكل العراقيين، من شيوعيين وديمقراطيين، يعملون وينشطون لأجل مستقبل واعد لوطنهم وشعبهم، ويعرفون بقضية شعبهم ونضالاته لأجل مستقبل مشرق، ويعرفون بالثقافة العراقية.   حملت الخيمة هذا العام اسم الفنان العراقي "صلاح جياد"، الذي كان من أبرز مؤسسيها والعاملين فيها. يلفت انتباه الزائر للخيمة، ليس فقط والموسيقى والاغاني العراقية العذبة، وروائح الكباب العراقي والفلافل، او الشاي العابق بالهيل، بل أيضا حسن التنظيم والروح الجماعية في العمل التي تسود جميع الشيوعيين والاصدقاء المتطوعين للعمل والذين وصلوا من مختلف المدن الاوربية. يذكر ان مشاركة "طريق الشعب"  في المهرجان بدأت منذ عام 1974  وكانت في البداية مساهمة متواضعة جدا، طاولة صغيرة، ورفاق عدة مثابرون، امثال صلاح جياد، احمد العياش و فيصل لعيبي واخرين، تبلغ الان مساحة الخيمة اكثر من مئة متر مربع، وبعض السنوات كانت مئة وخمسين، تشيد عادة من الخشب والنايلون كغرفة كبيرة عالية السقف، وان اغلب المساهمين يأتون متطوعين للعمل، اذ يصل رفاق واصدقاء من مختلف منظمات الحزب خارج الوطن، يتحملون بأنفسهم نفقات سفرهم واقامتهم، وتسودهم روح التفاني والرفقة والصداقة في العمل من اجل تقديم صورة طيبة عن نضالات حزبهم وشعبهم. والمراقب لعمل الخيمة عن كثب، لا يسمع احدا يصدر الاوامر، فروح المبادرة هي السائدة، فحين يكون بائع الكباب بحاجة الى المزيد من السلاطة، يجدها ان أكثر من شخص لاحظ ذلك قبل ان يطلبه، ويوفرون له حاجته، وحين يصل زائر، مهمة الجميع الترحيب به وتقديم الاجوبة أو توجيهه الى الشخص المناسب.  يخبرنا العديد من المشاركين، وفيهم مواظبون على المشاركة كل عام، بان السر يكمن في روح المحبة السائدة واجواء الفرح والتضامن. يذكر العديد من المشاركين بأن أيام المهرجان لا تعيد إليهم فقط روح الكومونة والفكر الثوري، بل تمنحهم إحساسا باستمرار الحياة والايمان بان القادم لابد ان يكون الافضل، وان المستقبل للشعوب المغلوبة.
والمعروف ان الحزب الشيوعي العراقي يشكل عادة، وبوقت مبكر، لجنة تحضيرية لإدارة الخيمة، تضم في قوامها رفاق من منظمة الحزب في فرنسا، الى جانب ممثلين عن اغلب منظمات الحزب خارج الوطن ومنظمات مثل رابطة المرأة، لترسم برنامج الخيمة الثقافي والسياسي وتتابع التحضيرات والاحتياجات. ومن المهام التي تقوم بها اللجنة التحضيرية، البحث عن فنادق مناسبة السعر، تكون قريبة من موقع المهرجان، ويتم توزيع العناوين بشكل مبكر للمنظمات ليقوم الراغبين بالمشاركة بالحجز.
وخلال أيام المهرجان، هذا العام، اصدر الحزب الشيوعي العراقي، بيانا خاصا، ترجم الى الإنكليزية والفرنسية، ووزع بشكل واسع، استعرض فيه بشكل مكثف أحوال العراق السياسية المتدهورة، واوضح (اننا في الحزب الشيوعي العراقي وفي خيمة جريدته المركزية "طريق الشعب" نتطلع الى تضامن جميع المساهمين في مهرجان اللومانتيه وزواره، مع شعبنا العراقي في نضاله ضد منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، المتحكمة بالبلاد) وأكد البيان ( ان حزبنا يواصل النضال مع بقية شعوب العالم وقواها الحية والفاعلة ضد الامبريالية والنيوليبرالية والفاشية والعسكرة والحروب، ومن أجل السلام ونزع السلاح، وضد الاستغلال الرأسمالي، وفي سبيل التقدم الاجتماعي. فحزبنا جزء لا يتجزأ من الحركة العالمية المتطلعة الى غد أفضل لشعوب العالم، والعاملة من اجل ذلك)
 وكان برنامج الخيمة هذا العام متنوعا، وحوى فقرات سياسية وثقافية عديدة، وتم نقل اغلب فقراته عبر منصة فيس بوك مباشرة، حيث تابعها جمهور واسع في كل مكان. وفي مساء الخميس 8 أيلول عشية المهرجان، اعلن افتتاح نشاط وبرنامج الخيمة، بمحاضرة سياسية للرفيق فاروق فياض ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، القادم من بغداد خصيصا للمشاركة في المهرجان، واستعرض فيها بشكل واف اخر مستجدات الوضع السياسي في الوطن، وحالة الاستعصاء السياسي والتناحر بين الجماعات السياسية المتنفذة، وأكد على مطالب الحزب وجماهير واسعة من العراقيين، التي تريد حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة وفق شروط انتخابية جديدة  تمكن الشعب من اختيار ممثليه الحقيقين، وقدمت في ختام الندوة مداخلات واسئلة عديدة اغنت الحوار .
اليوم الأول
وفي أول أيام المهرجان الجمعة 9 أيلول، ووفاءً للفنان صلاح جياد، الذي كان من أبرز العاملين في خيمة طريق الشعب، جرت جلسة استذكارية له تحدث فيها الفنان غسان فيضي، أشاد فيها بشخصية الفقيد وخصاله الإنسانية، وتحدث عن ابداعاته الفنية وتميزه بين اقرانه وزملائه، يذكر ان الفنان فيصل لعيبي كان من المقرر الانضمام للجلسة، الا ان ظروفا صحية اعاقته من الحضور. وفي نفس اليوم استضافت الخيمة الرفيق كاوة محمود، سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني، وقدمه الإعلامي رشاد الشلاه، واستعرض الأوضاع السياسية في العراق واقليم كردستان، وشهدت الجلسة مداخلات واسئلة أعطت للجلسة المزيد من الحيوية. وفي مساء نفس اليوم شاركت فرقة بابل للموسيقى والغناء، والقادمة من الدانمارك، بقيادة الفنان سعد الاعظمي ومشاركة عازف الكمان كوران إبراهيم، وتضم مجموعة من محبي الفن الذين شدوا بأعذب الأغاني العراقية، العربية والكردية، واشاعوا البهجة بين زوار وجمهور القاعة وسط اعجاب الجميع.
اليوم الثاني
في يوم السبت 10 أيلول، التقى جمهور الخيمة مع الرفيقة سهاد الخطيب، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، والقادمة من مدينة النجف، للاشتراك في فعاليات المهرجان، وقدمها الاعلامي طه رشيد،  وتحدثت عن دور المرأة في انتفاضة تشرين وأشارت لمساهمة نساء النجف في احداث الانتفاضة. بعدها قدمت الناشطة الرابطية الدكتورة شذى بيسراني مداخلة وافية عن مشاركة رابطة المرأة العراقية في مؤتمر اتحاد النساء الديمقراطي العالمي الذي عقد في فنزويلا ربيع هذا العام. وفي اطار سعي خيمة طريق الشعب للتعريف بنشاط الفنانين ودعم مسيرتهم، قدم الإعلامي محمد الكحط الفنان التشكيلي زياد جسام، الذي عرف بتحويله مواد مهملة الى اعمال فنية  ، بقيمة جمالية .
واعتلى لاحقا خشبة المسرح في الخيمة الفنان الخطاط محمد صالح، ليعرض وينجز اعمال ولوحات من الخط العربي، وصاحبه بالعزف على العود الفنان احمد ناجي ، يذكر ان اللوحات التي أنجزت كان ريعها لصالح بناء المقر الجديد للحزب الشيوعي العراقي . ومثل كل عام، انطلقت، وبتنظيم من رابطة المرأة العراقية، المسيرة النسائية، حيث جابت الرابطيات، ارض المهرجان، بتظاهرة، ارتدين فيها مختلف الأزياء العراقية، ومع ترديد الشعارات والاهازيج بالعربية واللغات الأجنبية ، مكررات الشعارات التي تطالب بالدولة المدنية وضمان الحرية والحياة الكريمة لابناء الشعب . وكان لجمهور الخيمة موعدا، مع باقة من الأغاني العراقية، التي قدمتها الفنانتان، الدكتورة سفانة الحلوائي والدكتورة شروق الحلوائي، يذكر ان بعض الأغاني من الحان الفنانتين.
اليوم الثالث
مثل كل يوم، شهدت الخيمة زيارات من أحزاب شيوعية ومنظمات، وهذا اليوم زار الخيمة المناضل السواني المخضرم، صديق يوسف، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني ، وحضر ندوة عن الحياة الثقافية لحركة الكفاح المسلح لانصار الحزب الشيوعي العراقي، قدمها النصير الكاتب يوسف أبو الفوز، الذي قدمه الإعلامي داوود امين، في الندوة تمت الإشارة الى ان الشيوعيين، في سنوات كفاحهم المسلح لم يكونوا فقط حاملي سلاح، بل وكانت لهم حياتهم الثقافية النابضة، والمليئة بمختلف الفعاليات، المسرحية والموسيقية والأدبية.
فريق الاعلام والعلاقات
يذكر ان "طريق الشعب"، عادة، كل عام تنتدب فريق عمل من الصحفيين، الذين يحضرون كمتطوعين، لتغطية المهرجان وأيضا المشاركة بالزيارات التي يقوم بها رفاق من قيادة الحزب لخيم الاحزاب الشيوعية ومختلف المنظمات.
هذا العام، كان فريق "طريق الشعب" مكون، من الإعلاميين، رشاد الشلاه، داوود امين، طه رشيد، محمد الكحط ويوسف أبو الفوز. علما انه كممثلين لقيادة الحزب الشيوعي شارك الرفاق فاروق فياض، عضو المكتب السياسي ، الرفيقة سهاد الخطيب، عضو اللجنة المركزية، والرفيق سلم علي عضو، اللجنة المركزية وسكرتير العلاقات الخارجية، وقام فريق الاعلام والعلاقات بالعديد من الزيارات وحضروا العديد من الندوات التي شاركوا في تقديم مداخلات ضافية فيها، ففي خيمة حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي المغربي، أقيمت ندوة عن الأحوال السياسية في الوطن العربي والقضية الفلسطينية، قدم فيها الرفيق فاروق فياض مداخلة وافية، عن مواقف الحزب الشيوعي من جملة الأوضاع السياسية، وأجاب عن العديد من أسئلة الجمهور حول أوضاع العراق ، كما ان جريدة اللومانتيه الفرنسية، والميدان ، جريدة الحزب الشيوعي السوادني اجريتا لقاءات مطولة مع الرفيق فاروق فياض.
غد الأممية
لا تنتهي البهجة مع اختتام أيام المهرجان، بل تبدا مرحلة من التأمل والحلم، تدفع للعمل المثابر لأجل الأفضل. يزرع المهرجان في روح المشاركين حماسا وثقة اكثر بالمستقبل القادم، من هذا نرى ان من يزور المهرجان لأول مرة، يحرص على تكرار زيارته والمشاركة فيه، فالشعور بالانتماء لقضية سامية، توحد البشر تدفع الجميع للتسامي مع كلمات نشيد الأممية الذي يصدح في أجواء المهرجان، مبشرا بالقادم الاجمل .

38
هل ستخطف (فتيات)  ألي هاباسالو الفنلندية الأوسكار هذه المرة؟

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
 اختارت فنلندا، مؤخرا، الفيلم الروائي (صورة فتاة ــGirl Picture) ـ بالفنلندية اسم الفيلم (فتيات.. فتيات.. فتيات) ــ ليمثلها في سباق الاوسكار95، الذي ستعلن نتائجه اذار العام المقبل، وفي فئة الأفلام الناطقة بلغة أجنبية. ويتم الاختيار عادة من قبل لجنة تحكيم من محترفين في العمل السينمائي، ومن اختصاصات مختلفة، يتم تشكيلها من قبل غرفة السينما الفنلندية الحكومية، التي وصفت الفيلم بانه (فيلم قوي يثير المشاعر كثيرا وانه مصنوع بحرفية عالية المستوى). علما أن الصحافة الفنلندية، سبق واحتفت بالفيلم، واعتبرته (صنع التأريخ)، فهو أول فيلم فنلندي روائي طويل، يصل الى المسابقة في مهرجان صندانس السينمائي الأمريكي المستقل، وقطف جائزة الجمهور في المهرجان، وتم عرضه في الصالات الفنلندية أواسط نيسان هذا العام.
تم إنتاج الفيلم بميزانية من مليون ونصف دولار، وتعتبر منخفضة، مقارنة بالظروف المحيطة بعمل الفيلم والحاجة للتصوير في العديد من المواقع، وجرت عمليات تصوير الفيلم، في 25 يوما، خلال فترة جائحة الكورونا في خريف 2021، وشكا مصور الفيلم (يارمو كيرو) في لقاء صحفي من التحديات التي واجهت عمليات التصوير في الأماكن العامة وسط ظروف جائحة الكورونا.
كتب السيناريو للفيلم، إيلونا أهتي ودانييلا هاكولينن، ومهما قيل بانه يلامس فكرة الفيلم الامريكي (متجر الكتب) اخراج الامريكية اوليفيا وايلد 2019، أو يعيد للاذهان المسلسل الأمريكي (النشوة)، الذي يتناول عالم المراهقة، وعرض منه موسمان عام 2019، فان الفيلم سعى لتقديم حكاية فنلندية، لكنها محبوبة، وصفت بأنها قصة عن الصداقة وهموم المراهقات، في سعيهن لفهم مشاعرهن حول الحب والجنس، وخيارات الفرد في كشف ذاته في مسار عقبات الحياة، اثناء التنقل في الفضاء الفاصل بين الطفولة والبلوغ.
مخرجة الفيلم هي الفنلندية، وحاملة الجنسية الامريكية، ألي هاباسالو، وهي مخرجة وكاتبة سيناريو، من مواليد 1977. كانت مهتمة في بداياتها بالصحافة والأفلام الوثائقية. نالت عام 2003 شهادة البكالوريوس من قسم التصوير السينمائي وتصميم الإنتاج (السينوغرافيا) من جامعة آلتو في هلسنكي، ثم نالت عام 2009 شهادة الماجستير في دراسة السينما من كلية تيش للفنون بجامعة نيويورك في عام 2009، وكان من أساتذتها الفنانين لي غرانت وسبايك لي. برزت من خلال أفلام اطروحاتها للتخرج، أولا الفيلم الكوميدي القصير (إيلونا)2003، ثم الفيلم الطويل 60 دقيقة (على ثلج رقيق) 2009الذي عرض في مهرجانات دولية في أوربا وأمريكا. عام 2015 تمت دعوتها للعودة الى فنلندا، فكتبت واخرجت فيلم (ميزة الحب والغضب) 2016. تعاونت مع ستة مخرجين وكتاب فنلنديين آخرين في فيلم مختارات بعنوان (قوة العادة) لعام 2019، الذي حصل على جائزة أفضل فيلم في المسابقة الدولية في مهرجان ديربان السينمائي الدولي 2020 في جنوب إفريقيا وجائزة بلدان الشمال للأفلام في حفل توزيع جوائز يوسي الفنلندية 2020، وهي جائرة فنلندية تعادل الاوسكار. كما أخرجت الموسم الثاني من المسلسل التلفزيوني (خطوط الظل) عام 2021 وهوعن الحرب الباردة وصراع مخابرات الغرب والشرق على الأراضي الفنلندية في فترة الخمسينات من القرن الماضي، كما الفت كتابا عن حياتها لعشر سنوات في أمريكا، ولاقى رواجا كبيرا وصدر بعدة طبعات عن كبار دور النشر الامريكية.
 فيلم (بنات ... بنات ... بنات) يتحدث عن ثلاث فتيات: ميمي، إيما ورونكو، على اعتاب سن الانوثة ومغادرة المراهقة، يحاولن رسم عالمهن الخاص. في سن تكون العواطف متفجرة واللحظات مليئة بالطاقة، وكل يوم هو فرصة جديدة.  في ثلاثة أيام جمعة متتالية وسبت، تحاول ثلاث مراهقات تحدي ظلام الشتاء المستمر في فنلندا، يتنقلن بين الأحلام والواقع والصداقة والعلاقات، ويحاولن فهم الفوضى من حولهن. يختبر اثنان منهما تأثيرات الوقوع في الحب، بينما تذهب الثالثة في سعي للعثور على شيء لم تختبره من قبل: اسرار المتعة.
لعبت الأدوار الرئيسة ثلاث فنانات شابات فنلنديات،لأول مرة يلعبن دور رئيس في فيلم طويل. لعبت الفنانة الشابة (آمو ميلونوف)، دور الشابة (ميمي) التي تعاني من التواصل مع أمها، تكون متهورة ومتقلبة، بل وتظهر لنا فظة في تعاملها مع زميلة لها في الصالة الرياضية، فنشعر كم تعاني من الوحدة، وكم بحاجة لصديقتها (رونكو) التي لعبت دورها الممثلة الشابة (إليونورا كوهانين)، ويوازن ذكائها والروح الساخرة التي تملكها المزاج السيء لصاحبتها، سواء في المدرسة او في محل بيع العصائر في المركز التجاري حيث يعملن معا، فهما لا ينفصلان تقريبا ويتكاشفان حول إحباطاتهم الجنسية وتطلعاتهم الرومانسية. وحينما تراجع ميمي نفسها لتهدأ يتصاعد حماس رونكو في انجذابها للفتيان في سعي لتجاوز صعوبة بلوغ النشوة الجنسية، (هناك شيء خاطيء معي) قالت لصديقتها ميمي، التي تهدأ من روعها وتأكد لها ان الامر يحتاج الشخص المناسب. ويبدو ان هذا الشخص، بالنسبة لميمي جاء سريعا، واحد من الزبائن لمحل العصائر، وحصل التواصل مع (إيما)، لعبت دورها ببراعة (لينا لينو)، وهي طالبة راقصة على الجليد تسعى لمسابقات تنافسية وتعاني من الفشل في تحقيق قفزة ناجحة، ومكبوتة بسبب نظام تدريب صارم، فيتشاركن بليلة عاطفية ساخنة تتطور إلى قصة حب سريعة لكنها غاضبة. ويبدو ان إيما استغرقت وقتا طويلا في التزلج فأستهلك الكثير من طاقتها، ومع صرامة المدربة، فأنها تخلت عن بعض متع المراهقة، فبدت ميمي، كشيء عفوي، بل الهاء عن الحياة الجادة.
 كان أداء فريق الممثلاث الثلاث متناسقا، وبدن وكأنهن يقودن الكاميرا وليس بالعكس، لكن سيطرة المخرجة بدت واضحة لإدارة القصة، ساعد على انها قدمتها كيوميات، ثلاث جمع وسبت، فسهل تقسيم المساحة للشخصيات وإدارة الحبكة بتوازن، لكن الممثلة ميلونوف في دور ميمي كانت متميزة في أدائها، بل يمكن القول ان هذا فيلمها، ولا ننس ان كفاءة الممثلة لينا لينو كراقصة ساعد ان مشاهد الرقص على الجليد، مع الإضاءة النابضة والموسيقى لتكون صورة مختزلة عن العاطفة، ساعدها التصوير الانيق في ابراز قدراتها. 
ورغم ان الفيلم يتناول موضوعا حساسا ومغريا للكاميرا، الا وهو الجنس، فان فريق العمل في الفيلم، لم يقعوا في مطب السينما الهوليودية بتقديم مشاهد مفرطة بالجنس، فما عدا القبل تجنب الفيلم أي مشاهد عري تقليدية، ورغم ان الفيلم حوى ثلاث مشاهد في السرير، لكن الكاميرا تابعت انفعالات الوجوه، بل ان مشهدان منهما كانا ساخرين اثارا ضحك الجمهور المتابع في الصالة، وهم يتابعون ارتباك وهفوات رونكو وقلة خبرتها الجنسية. كان الفيلم منشغلا برصد انفعالات المراهقات وهن يستكشفن، يتعلمن، ينمون، يناقشن ويعبرن عن عواطفهن. كانت الشخصيات مرتبطة مع بعضها بشكل متوازن يخدم الحبكة، وبدا أداء الممثلات مقنعا ومؤثرا حين تكون الشخصيات مرتبكات او مخطئات. كتبت الناقدة (ناتاليا وينكلمان) في مجلة السينما الامريكية المستقلة IndieWire بأن (موضوع الفيلم يتعلق بأستماع الفتيات لقلوبهن وأجسادهن). يبقى القول بأن الأفلام عن عالم المراهقين صعبة، لأنها تكون معمولة أساسا من قبل الكبار وتحمل وجهات نظرهم، وهذا الفيلم حاول ان يكون دراسة عن جوانب من حب الشباب والصداقة الانثوية عبر المشاعر المعقدة لحياة المراهقين حين يدركون انهم يكبرون، فجاء عملا لافتا ومنصفا.   

39
لقاء مع القائد الشيوعي المخضرم صديق يوسف، عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني:
يناضل شعبنا السوداني لأجل الدولة المدنية الديمقراطية، وأختار الحرية والسلام والعدالة شعارا لثورته المستمرة


باريس ــ يوسف أبو الفوز                      

دخل خيمة "طريق الشعب" في مهرجان اللومانتيه في باريس، مهيبا، أنيقا، يرتدي جلابية من القطن، الزي المعروف للرجال في السودان، وبدا لي كأنه خارج من صفحات رواية "دومة ود حامد" للكاتب الطيب صالح. سبقته شهرته الينا من اليوم الأول لحضورنا المهرجان، فتسابق الرفاق لتحيته والتصوير معه. كان متواضعا بمهابة وهادئا في حديثه بالكاد تسمعه. رغم اعوامه الواحد والتسعين،التي قضى 74 عاما منها، في صفوف الحزب الشيوعي السوداني، كان يسير منتصب القامة، بخطى ثابتة ويتحدث بترو ووضوح. ارتجفت اصابعي، حين شد عليها بقوة الكف التي تخيلت كم صافحت من اياد مناضلين في الحزب الشيوعي السوداني، عمل الى جانبهم، منهم شهداء، لهم عبق الاساطير، مثل جوزيف قرنق،عبد الخالق محجوب، هشام العطا، الشفيع أحمد الشيخ،  محمد إبراهيم نقد، فاطمة أحمد إبراهيم واخرين.
بعد تأسيس الحزب الشيوعي السوداني في العام 1946، انتمى اليه بعمر يافع، بعد تأسيسه بسنتين، فيعتبر الان من المؤسسين، وعمل في صفوفه بدون انقطاع، وواجه كل عنت وعسف الحكومات المتعاقبة من ملاحقات وإعتقال ، آخرها كانون الأول/ ديسمبر 2018 واستمر حتي آذار/ مارس .  2019
 عن اخر التطورات في أوضاع السودان، الذي شهد حركة احتجاجات عارمة، شارك فيها الحزب الشيوعي السوداني بنشاط، اندلعت يوم 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 في اغلب المدن السودانيّة بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلد على كلّ المستويات، والفساد في أجهزة الدولة واستمرار الحرب في العديد من الأقاليم. وإذ شهدت الاحتجاجات ردا عنيفا من جانب حكومة عمر البشير، استخدم فيها الرصاص الحي، فإنها ازدادت اوارا رافعة شعار (تسقط بس)، ولم تتوقف رغم سقوط عشرات الشهداء والجرحى ، وإدت الى تدخل الجيش في 11 أبريل / نيسان 2019، ليعلن خلع الرئيس البشير عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة انتخابات لنقل السلطة، وتشكل مجلس سيادة مختلط بين المدنيين والعسكر، لكن سرعان ما نفذ العسكر انقلابا في  25 أكتوبر/ تشرين الثاني العام الماضي، لإجهاض الثورة، فواجه احتجاجات من أبناء الشعب ولا تزال مستمرة، فكان لنا كان لنا حديثا مستفيضا مع الرفيق صديق يوسف ، عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، هنا اهم ما ورد فيه :
الرفيق المناضل القدير صديق يوسف، نكرر التحية باسم هيئة تحرير (طريق الشعب)، وباسم كل الشيوعيين العراقيين، الذين ينظرون باعتزاز لنضالات الحزب الشيوعي السوداني وما قدمه من تضحيات وشهداء لأجل تحقيق أهدافه في بناء مجتمع مدني ديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلام لجميع أبناء الشعب السوداني الموحد. لنبدأ حديثنا من الأوضاع الأخيرة في السودان، انقلاب العسكر وما تبعه؟ 
ــ في البدء اكرر الشكر للرفاق في الحزب الشيوعي العراقي، في كل مكان، وعبر (طريق الشعب) اوجه تحيات التضامن والاعتزاز لنضالاتهم التي نتابعها باستمرار، ونستلهم منها الدروس، ونحي فيهم جهادتيهم العالية واستمرارهم على طريق النضال بدون تخاذل رغم كل الصعوبات والمعوقات والتضحيات.
اما عن السودان، فما حدث في 25 أكتوبر/ تشرين الثاني العام الماضي، كان انقلابا عسكريا، موجها ضد ثورة ديسمبر/كانون الأول من عام 2018 المجيدة، بقيادة عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان، الذي كان رئيس لمجلس السيادة، الذي يجمع بين المدنيين والعسكريين، اذ حل الانقلاب مجلس السيادة والوزراء، أعلن حالة الطوارئ وعلق العمل بمواد الوثيقة الدستورية، التي وقعت بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف قوى اعلان الحرية والتغيير الذي يمثل أحزاب المعارضة السودانية التي ساهمت في الاحتجاجات التي أطاحت بحكم عمر البشير. فحصلت حركة احتجاجية ضد الانقلاب، حالما تسرب خبر الانقلاب، اشتركت فيها كل جماهير شعبنا، في كل مدن السودان، كانت حركة جماهيرية تلقائية لمعارضة الانقلاب العسكري والجهات القائمة عليه.  كما هو متوقع واجه الانقلابيون الجماهير بالقمع والرمي بالرصاص واختطاف وتغييب المناضلين، ولاتزال الاحتجاجات مستمرة، وسقط أكثر من 117 شهيد في التظاهرات والاعتقالات لعشرات الالاف من الشباب الذين يتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب، بعد ان يتم تسليبهم من ممتلكاتهم، نقود او هواتف وغيرها. وأصبحت ظاهرة التسليب من قبل قوات الامن أسلوبا معتمدا لمضايقة أي مجموعة شباب، حتى لو يكونوا مشتركين في تظاهرة.
 بعد الانقلاب، تابع العالم عودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لموقعه ثانية وثم استقالته من جديد، كيف يقرأ الشيوعي السوداني هذه الملابسات؟
ــ ادانت بعض الدول الافريقية والاوربية الانقلاب العسكري، الاتحاد الافريقي، الهيئة الحكومية للتنمية (أيغاد) وطالبت بأطلاق سراح عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، والعودة للحكم المدني. تم إطلاق سراح رئيس الوزراء، لكنه استقال بعد اقل من شهر. لم تكن استقالته صادمة لنا، لكنه حين عاد ووقع اتفاق شرعن فيه الانقلاب، صدم كثير ممن وجدوا فيه خيرا لقيادة المرحلة الانتقالية. وحين فشل في الحد من تدخلات المجلس العسكري في سلطاته التنفيذية التي تخولها له الوثيقة الدستورية، وجد ان الاستقالة أكرم له. بعد الانقلاب شكلت لجنة ثلاثية من الأمم المتحدة، الاتحاد الافريقي منظمة ايغاد، وتمت دعوة مع كل القوى السياسية، وقدمت لنا، للحزب الشيوعي السوداني الدعوة أيضا وحضرنا ثلاث رفاق، كنت من ضمنهم. وجدنا ان هناك تواطء بين قوى الانقلاب وهذه اللجان. فكان مطالبنا واضحة: كيف تكون رئاسة الدولة، كيف ننتخب رئيس الوزراء، البرنامج الاقتصادي واجراء الانتخابات؟ قلنا اننا لا يمكن ان نجلس مع الانقلابيين، وعند وقت الاجتماع كان عدد الشهداء أكثر من 70 شهيدا، واعتبرنا النظام مسؤول عن قتل الشهداء، وان قادة الانقلاب مجرمون ولا يعقل ان نجلس معهم، بل يجب ان يعاقبوا وان المسائلة والمحاكمة شرط أساس. حضرت بعض القوى السياسية من قوى الحرية والتغيير هذه اللقاءات. وكان هناك موقفين متعارضين: موقف يوافق على التفاوض مع العساكر قادة الانقلاب، ومقف الرفض، موقف الحزب الشيوعي السوداني الذي يلخص باللاءات الثلاثة: لا للتفاوض، لا للشراكة ولا شرعية للانقلاب.  ان شعبنا يواصل نضالاته، ويثبت كل يوم رفضه التام للأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية، وعشقه للحرية والديمقراطية والعدالة، وقد قرر إقامة سلطة الدولة المدنية الديمقراطية ولا يرضى بديلًا لها، كما اختار الحرية والسلام والعدالة ورفعهم شعار لثورته المستمرة.
هل تجدون ان قوى الانقلاب متجانسة؟ أم هناك صراعات فيما بينها؟ كيف يستثمر الحزب الشيوعي السوداني والحركة الوطنية من الخلافات ان وجدت؟
ــ أن قوى الانقلاب العسكري، لها قيادتان، قوى الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوى المليشيات، او ما يسمى بالتدخل السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو، والمعروف باسم حميدتي، وصدر في أيام حكم البشير قرار بدمج المليشيات مع قوى الجيش. كانت المليشيات عبارة عن جماعات للنهب، وهي قوى بدون تدريب عسكري، اغلبهم من القرويين والرعاة، أعطاها النظام السابق صفة الشرعية، لأسباب تخص تدعيم سلطته، ومن الأيام الأولى كانت هناك مقاومة معلنة وغير معلنة، من قبل الضباط النظاميين في الجيش السوداني لهذه الإجراءات. أيضا ان هذه المليشيات هي القوى المتورطة بعمليات تهريب الذهب السوداني، وهناك العديد من التقارير الصحفية التي سلطت الضوء على تهريب أكثر من مئة طن من الذهب السوداني الى روسيا، الذي خلق علاقة ما بين هذا النظام وروسيا، وحين بدأ غزو أوكرانيا صرح زعيم المليشيات انه سيعطي روسيا قواعد عسكرية عند البحر الأحمر مما اثار غضب السعودية ومصر وطبعا الامريكان، وبهذا أدخلونا قسرا الى الصراع العالمي الذي سيؤثر كثيرا على مصالح شعبنا السوداني. نحن كحزب شيوعي سوداني لنا مقف مستقل من الحرب في اوكرانيا ولا نصطف سوى الى جانب شعبنا، فلو قامت هذه القواعد العسكرية سيكون بلدنا جزء من الحرب القائمة، مثلما تم توريط السودان بأرسال وحدات من هذه المليشيات الى اليمن حيث حاربت الى جانب القوات السعودية هناك. ان الصراع بين مراكز القوى في الانقلاب مستمر، نحن نتابع ذلك، نتواصل مع أبناء شعبنا من الضباط المخلصين، نواصل التحشيد لأجل برنامجنا السياسي المعلن.
كيف كانت رؤية الشيوعي السوداني للخروج من الازمة وملابساتها؟
اعد الحزب الشيوعي السوداني وثيقة سياسية، ودعونا كل القوى السياسية، وقوى التغيير الجذري، لمراجعة التجربة السياسية منذ الاستقلال في 1956، فتجربتنا السياسية كانت مليئة بالانقلابات العسكرية وسيطرة القوى اليمينية التي دعمت العسكر لإدارة مقاليد الحكم. نحن في الشيوعي السوداني وجدنا ضرورة وجود اتفاق حول برنامج حقيقي للانتقال الديمقراطي والإصلاح الاقتصادي والعلاقات الخارجية السليمة. رفضنا اي تدخل عسكري في المنطقة والسودان.  رفضنا أي مشاركة في أي اتفاقات وتحالفات عسكرية تهدد استقلال بلدنا، وبنفس الوقت طالبنا ببناء علاقات متكافئة في مصلحة شعبنا السوداني. طالبنا بنظام برلماني يبدا من القرية، صعودا للعاصمة. طالبنا بالسلام، ونرى ان السلام لا يمكن ان يكون باتفاقات بين العساكر من حاملي السلاح، لابد من معالجة الأسباب التي أدت الى حمل السلاح، لابد من برنامج تنمية يعالج الدمار، يعالج الهجرة والنزوح، فمن دافور وحدها هاجر أكثر من أربعة ملايين، الى خارج السودان او يعيشون في المدن التي تشكل الاحزمة، لابد من معالجة الاثار التي تواجه الجنود المسرحين، لابد من حل جميع المليشيات ويكون السلاح بيد الدولة، وتكوين جيش وطني موحد، وثم السعي نحو انتخابات ديمقراطية نزيهة.
في خضم هذا المسعى، وسعي   الشيوعي السوداني لتحقيق أهدافه البرنامجية في التغيير، ماذا عن القوى السياسية السودانية التي يجدها الحزب قريبة منه، ويعتبرها حليفته في النضال؟
نحن في الحزب الشيوعي السوداني، نعتبر ان قوى الحرية والتغيير كانت قوى حاضنة سياسية للنظام من بعد الثورة، لكنها الى حد الان لديها تطلعات للحل عن طريق التفاوض مع قادة الانقلاب، ونحن نرفض هذا. نحن، كحزب شيوعي سوداني، نطالب بأسقاط النظام العسكري عن طريق الأضراب السياسي، وان القوى التي تؤمن بهذا الطريق، هي القوى الجوهرية والاقرب لنا، وهي قوى الشعب، من عمال وكادحين وطلاب وشباب ونساء، وأيضا النقابات، خصوصا ان حركات الاضرابات لا تزال مستمرة.
وكيف يمكن ان تحدثنا عن علاقة حزبكم مع الحركة النقابية؟
ان علاقة الحزب الشيوعي السوداني بالنقابات علاقة تاريخية، وهذه لن يفهمها قادة الانقلاب الذي منع العمل النقابي. اننا حاليا موجودين في كل تجمعات للعاملين. فبمشاركة من الشيوعيين، ولأول مرة حصل ان أعلنت إعادة تأسيس نقابة للصحفيين، برغم من عدم وجود قانون. الحركة النقابية في السودان عريقة، لها تاريخ مجيد في مواجهة مختلف الحكومات، وكان الشيوعيين من أبرز قادتها، فاتحاد العام لنقابات العمال كان يقوده الشهيد الشفيع أحمد الشيخ المعروف عالميا. هذا الاتحاد قام بدون وجود قرارات تجيزه. فمن بعد ثورة 1964، لم يعد العمال ينتظرون قرارا من أحد، ان مواثيق مكتب العمل الدولي تقول ان العمل النقابي لا يشترط قرارا من الحكومات، ان السلطة والشرعية لتجمع العاملين. ونعتقد ان نقابات العاملين هي واحدة من الحلفاء الأساسيين، ايضا لجان المقاومة، المشكلة من قبل الشباب من مختلف الاتجاهات السياسية، ولدينا علاقات تنسيق جيدة معها، حتى بين صفوف قوى الجيش والشرطة، كذلك المنظمات الشبابية، النسوية، المهندسين والمحامين وغيرها
تابعنا بأعجاب مساهمات المرأة السودانية، في احداث الثورة وفي مواجهة الانقلاب، هل يمكن ان نتحدث عن الدور المتميز للمرأة السودانية؟
نعم، انه فعلا دورا متميزا، وطالما حيا وساند حزبنا دور المرأة في النضال لأجل حقوقها وحقوق أبناء شعبها. لقد قمعت مختلف الأنظمة نضالات المرأة، ومنذ 2018 حاولت السلطات تغييب وقمع دور المرأة في تطور الاحداث، لكنهم فشلوا. ففي التظاهرات والاعتصامات واثناء قمعها في احداث ديسمبر، بمختلف الطرق من قبل القوى الأمنية، يحصل ان بعض الشباب يتراجعون لكن النساء لا يتراجعن، فثباتهن يدفع الشباب ويحرضهم للعودة. كان دور المرأة في الثورة ومعارضة الانقلاب دورا كبيرا ومواقف جريئة ومشرفة.
في العقود الأخيرة، نرى انتظاما في انعقاد مؤتمرات الحزب الشيوعي السوادني العامة، وتنشر صحيفة الحزب المركزية (الميدان)، بين الحين والأخر عن تحضيرات تجري لعقد مؤتمر الحزب السابع، فمتى سيعقد المؤتمر؟ وأين سيعقد؟
كل مؤتمرات الحزب الشيوعي السوداني عقدت داخل السودان، شخصيا حضرت المؤتمرات: الثالث، الرابع، الخامس والسادس، وإذا طال بنا العمر سنحضر السابع. وبسبب من ظروف عمل الحزب الصعبة والمعقدة، كان هناك انقطاع بين فترة عقد المؤتمر الرابع والخامس، حوالي ثلاثين سنة. المؤتمر الخامس والسادس عقدت بشكل علني، وما سبقه عقد بشكل سري. وعن المؤتمر السابع، فان التحضيرات والاعمال لعقده جارية ومستمرة، إذا نجحنا ربما يعقد نهاية هذا العام او مطلع العام القادم. كحزب انجزنا اعداد وثائق المؤتمر الأساسية وصدرت نهاية أغسطس/ آب الماضي: المقترحات للتعديلات على دستور الحزب (النظام الداخلي)، التقرير السياسي للجنة المركزية ومشروع برنامج الحزب. ووثائق الحزب حسب النظام الداخلي يجب ان تكون جاهزة قبل أربع شهور وتطرح للنقاش من قبل منظمات الحزب، هذه المرة سنحرص على اشراك القوى الديمقراطية في مناقشة الوثائق.
لنتحدث قليلا، عن العلاقات التاريخية بين الحزبين الشقيقين العراقي والسوداني؟
من بدايات تأسيس حزبنا ارتبطنا بعلاقات عميقة مع الحزب الشيوعي العراقي، فحزبنا تأسس عام 1946، بينما تأسس الحزب الشيوعي عام 1934، فتعلمنا الكثير من مدرسة نضالات الحزب الشيوعي، وقدم لنا الحزب الشيوعي منذ البدايات مختلف أنواع الدعم، خاصة تزودينا بالأدبيات الماركسية المترجمة الى اللغة العربية، وتعلمنا من كوادر الحزب الشيوعي بعضا من فنون العمل السري، مثلا الطباعة بالرونيو. وان رفاقنا، ممثلين حزبنا في المنظمات العالمية، على تنسيق دائم مع كوادر الحزب الشيوعي العراقي الشقيق، في اتحاد الشباب العالمي، اتحاد الطلاب العالمي، اتحاد النساء العالمي، واتحاد العمال العالمي وغيرها. ولطالما كانت هناك لقاءات بين قيادة حزبينا لتبادل الخبرة والتضامن، وفي الفترة الأخيرة، تم تبادل الزيارات بين حزبين على مختلف المستويات، ومنظمات حزبينا خارج الوطن، مثلما حصل في لندن وفنلندا، ودول اوربية أخرى تنسق العمل التضامني فيما بينها، وفي مؤتمر حزبنا السادس 2016، تلقينا رسالة تهنئة تضامن من الحزب الشيوعي العراقي نتشرف بها كثيرا.
وبحكم سنوات نضالكم المديدة والمجيدة في صفوف الحزب الشيوعي السوداني، هل اتيحت لكم الفرصة للقاء مع بعض القادة التاريخيين من قيادة الحزب الشيوعي العراقي؟
للأسف لم يتح لي شخصيا سابقا فرصة التشرف بلقاء قياديين من الحزب الشيوعي العراقي، من الرفاق الذي سمعنا بأسمائهم كثيرا، مثل سلام عادل، عزيز محمد، زكي خيري وعامر عبيد الله واخرين، فعملي ونشاطي كان بالأساس داخل السودان، ومرات قليلة التي غادرت بها البلاد. وفي أجواء مهرجان اللومانتيه، هذا العام، وكما ترى الان، كل يوم تقريبا أزور خيمة طريق الشعب، فالتقي هناك رفاقي واصدقائي، استمع لأحاديثهم ونتبادل الأفكار والرؤى، وكان لقاءات وافية ومثمرة مع رفاق ممثلي قيادة الحزب الشيوعي العراقي.
كيف ترى مساهمات الشيوعيين عراقيين وسودانيين، في مهرجان اللومانتيه؟
في البدء لابد من شكر وتثمين الحزب الشيوعي الفرنسي، للمثابرة في تنظيم هذا المهرجان، الذي أصبح علامة دالة على نشاط قوى اليسار والشيوعيين. والمهرجان يوفر فرص غير قليلة للشيوعيين وكل قوى اليسار للقاء وتبادل التجارب والمعارف الثورية. فلأول مرة شخصيا مثلا التقي برفاق من كوريا الجنوبية واسمع منهم ويسمعون منا. زرت عدة مرات خيمة (طريق الشعب)، واستمعت هناك لمحاضرات وتابعت فعاليات، ومسرور جدا ان خيمتي حزبينا تستقطبان الكثير من الزوار، خصوصا خيمة (طريق الشعب)، التي اجدها على تنظيم عال وفاعل، ومن خلالكم أقدم تحية تضامن واعتزاز للعاملين فيها ولقرائها.
 


40
 
حوار مفتوح مع الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز
التاريخ: الاثنين 26.9.2022
الوقت: 18:00 - 20:00
العنوان: مكتبة مدينة كيرافا العامة
  Keravan kaupunginkirjasto ،
  Paasikivenkatu 12 ،
  04200 Kerava
يزور الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، الذي استقر في ضواحي العاصمة، هلسنكي، مكتبة كيرافا يوم الاثنين 26 سبتمبر الساعة 6 مساءً.
 في لقاء الكاتب، يتحدث يوسف أبو الفوز عن رحلته ككاتب وتجربته الأدبية، وعن الهجرة واللجوء والاندماج كونه لاجئًا واستقر في فنلندا، كما يقدم أبو الفوز أحدث رواياته المنشورة باللغة العربية. اسم الرواية (جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي)، وسيقدم بعض اصدقاءه ومتابعيه شهاداتهم عنه.
يُعقد اللقاء مع الكاتب بشكل أساسي باللغة الإنجليزية، ولكن يمكن أيضًا طرح الأسئلة باللغة الفنلندية والعربية.

  الحدث مفتوح للجميع ومجاني. يوجد خدمة القهوة.
يمكن اقتناء بعض كتب المؤلف باللغتين الفنلندية والعربية مع توقيعه أثناء الحدث.
للمزيد من المعلومات:
merja.p.salo@kerava.fi
 / The Kerava City Library


•   تعتبر كيرافا من ضواحي هلسنكي الكبري ، تقع  35 كم شمال العاصمة هلسنكي ، عاش فيها الكاتب عشرون عاما قبل انتقاله منها الى ضاحية اقرب للمركز .

41
طائر الدهشة يغرد في لندن

لندن ــ  عبد جعفر
 
هموم الكاتب العراقي المنفي ومعاناته تلازمه إينما يذهب، فهو يحمل معه من وطنه ذكريات من القمع والمطاردة، وطفولة دونها الأمان، وجمهورا يقرأه في السر كمنشور محظور.
وفي المنافي، تظل هذه الذكريات تؤرقه، ويوجعه مكان لا صحبة فيه، لا يـتآلف معه ولا يألفه. بهذا العالم المرئي وغير المرئي أدخلنا الكاتب يوسف أبو الفوز المقيم في فنلندا،  في الندوة التي إستضافه فيها فرع رابطة الأنصار الشيوعيين(البيشمركه) فرع بريطانيا يوم3-9  متحدثا عن تجربته الإبداعية.
وأبو الفوز عرف بين رفاقه الأنصار كناشط مدني وصحفي ومبدع ، كما قال في تقديمه زياد شلتاغ رئيس فرع الرابطة.
تحدث أبو الفوز عن بداياته الأولى في الكتابة، كمن يريد أن يقول لنا كيف تمكن من الطيران في فضاء الإبداع، فكانت الخطوات  الأولى ( المدرسة، الأجواء المحيطة بالعائلة، توفر الكتب الثقافية) التي مكنته من صقل موهبته.
وحين شب عن الطوق، بدأ بالعمل الصحفي كمراسل لطريق الشعب، و زادت هذه التجربة من معرفته وفي منجزه القصصي.
في الكويت واليمن كتب القصص بالإضافة الى عمله الصحفي، غير أن قصصه ضاع أكثرها، وفقدت مجموعته الأولى (كشهيدة) لهذا التغرب.
وكانت النقلة النوعية له في الكتابة والإسلوب حين ألتحق بالأنصار في كردستان، وأنجز مجموعته القصصية الأولى (عراقيون) التي طبعت بإمكانيات بدائية متواضعة.
وأستمر بالعطاء ليكتب قصص (أطفال الأنفال)، ومجموعة قصص (تلك القرى تلك البنادق) .
ولم يكتف برصد حياة المقاتلين في الجبل، بل كتب عن حياتهم الجديدة بعد توقف حركة الأنصار أسماها (بعيدا عن البنادق)
وفي المنافي الأوروبية التي بدأت من معتقل إستونيا وأنتهت بفنلندا، ظهرت له موضوعات جديدة هي المنفى والهجرة التي إنعكست في قصصه اللاحقة ومنها مجموعته (طائر الدهشة)..
وبفضل الحرية الكبيرة التي حصل عليها في المنفى والاحتكاك بالثقافة الغربية عن قرب، تطور توجهه، فبدأ يكتب الرواية، أذ أنتج رواية (تحت سماء القطب) التي تتحدث عن الجيل الثاني من المهاجرين، و(كوابيس هلسنكي) تتناول الجماعات المتأسلمة، ورواية (جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي) التي تعني بإنتهاك حقوق المرأة وغيرها من الإشكالات. وكان أخر نتاج له، هي رواية (موسم الإنتظار) التي عدت سفرا طويلا (أكثر من خمسمئة صفحة) عن أوضاع العراق منذ الإربعينات وتاريخ مدينته السماوة وأناسها.
وهو يرى في معرض إجابته على عدد من أسئلة الجمهور، إنه لم يقدم مراجعة سياسية، ولكنه أهتم بوضع الإنسان وأثر القمع السياسي عليه، بعيدا عن الأيدلوجية والتحزب، كي يثير الأسئلة عند القارئ،  ويضيف أن إهتمامه بالإنسان العراقي هو إمتداد لما تناول الرواد مثل غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي وغيرهم من الروائيين، وأنه (تلميذ) يسير على خطاهم.

42

هل تنجو رئيسة الوزراء الفنلندية من سياسة ليّ الاذرع؟

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

من المقرر أن تجرى الانتخابات البرلمانية الفنلندية المقبلة في 2 نيسان 2023. وكلما اقترب الموعد تفننت الأحزاب في استخدام أساليب تدخل في باب ما يعرف بليّ الاذرع، للإضرار بالمنافسين والاطاحة بهم. وهذه الأساليب تروق أساسا للصحف الصفراء التي تجنّد أكفأ صحافييها للبحث عن صورة، او حتى فيديو، أو حادث ما يصلح لنفخه والمبالغة به حتى يرتدي ثياب الفضيحة فيزيد الاشتراكات والمبيعات ويجلب الأموال بغض النظر عن المعايير الأخلاقية والصحفية. وما تتعرض له حاليا رئيسة وزراء فنلندا، سانا مارين (36 سنة)، يأتي كجزء من حرب متواصلة تحركها أصابع خفية تصب في أجندة هذا الحزب أو ذاك بحيث صارت جزءاً من ثقافة البلد السياسية.
في عام 2003 فقد الحزب الاجتماعي الديمقراطي الصدارة في التصويت لصالح حزب الوسط أثر ما عرف بالورقة العراقية، حين كشفت أنيلي يانيميكي زعيمة الوسط، في مناظرة تلفزيونية قبيل غلق صناديق الاقتراع، عن تعهدات قدمها منافسها بافو ليبونين، رئيس الوزراء وزعيم الاجتماعي الديمقراطي للجانب الأمريكي لدعم غزو العراق، وليقطف الوسط فوزا كبيرا وتكلف زعيمته بتشكيل الحكومة.
 لم يسكت الاجتماعي الديمقراطي رغم خسارته، وإثر حملة إعلامية، يمكن للمتابع التكهن بمحركها، ظهرت تساؤلات عن تسرب محاضر اللقاء بين رئيس الوزراء الفنلندي والرئيس الأمريكي جورج بوش الابن. فتم استدعاء زعيمة حزب الوسط ورئيسة الوزراء للمساءلة أمام البرلمان فاضطرت للكشف عن ان المحاضر وصلتها بشكل غير قانوني، مما عد مخالفة دستورية واخلاقية. وتحسبا للدعوة للتصويت على سحب الثقة وسقوط الحكومة والذهاب لانتخابات جديدة غير مضمونة النتائج، اضطر حزبها بعد ثلاثة شهور فقط من الفوز، لاستبدالها بوزير المالية ماتي فانهاينين، الذي تولى رئاسة الحكومة وقيادة الحزب أيضا، والذي قاد الوسط للفوز في انتخابات 2007، لكنه سرعان ما أطيح به من موقعه اثر حملة إعلامية كشفت عن كونه خلال رئاسته رابطة شباب حزب الوسط (1980 ـ 1983) استغل منصبه واستخدم مواد إنشائية تعود الى مؤسسة دعم الشباب لبناء بيته. ترافق ذلك مع صدور كتاب فضائحي لإحدى عشيقاته جلب له انتقادات من مؤسسات تربوية وسياسية كونه شخصية اعتبارية، فأجبره حزبه على التنحي عن مواقعه.
بعد انتخابات 2019، التي فاز فيها الحزب الاجتماعي الديمقراطي، وشكل الحكومة زعيمه أنتي رينيه، وبعد عدة شهور فقط، اضرب عمال البريد مطالبين بتحسين ظروف عملهم ومرتباتهم. فأتهم حزب الوسط رئيس الوزراء بسوء إدارة الازمة، وتصاعدت الأصوات لمساءلته امام البرلمان والتهديد بسحب الثقة من الحكومة. فاضطر الاجتماعي الديمقراطي لإجراءات استباقية حيث انسحب رينيه من رئاسة الحكومة لصالح نائبته سانا مارين التي أصبحت أصغر رئيس وزراء في العالم حينها، وتولت لاحقا زعامة الحزب أيضا.
لم يسكت الاجتماعي الديمقراطي على ما حصل، فبعد فترة قصيرة، تسربت معلومات كشفت ان زعيمة الوسط ووزيرة المالية السيدة كاتري كولمني تنفق أموالا من خزينة الدولة لأغراض استشارات إعلامية اعتبرت شخصية، فاضطرت للتنحي لتحل محلها أنيكا ساريكو، زعيمة الوسط ووزيرة المالية الحالية.
ان وجود سانا مارين الشابة، التي أصبحت أشهر سياسي فنلندي في العالم، على رأس الحكومة والحزب الاجتماعي الديمقراطي، جذب بشكل واضح دعم الكثير من المناصرين لحزبها، خصوصا من النساء والشباب. فتقدم الاجتماعي الديمقراطي في استطلاعات الرأي على اغلب الأحزاب، خصوصا حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (اليمين التقليدي)، الذي استغل وقائع ملف تقديم فنلندا لعضوية الناتو للترويج لكونه من أقدم الداعين للانضمام للناتو، وان الأيام اثبتت صحة سياساته، ما جعله يعود لموقع الصدارة في استطلاعات الرأي.
وفجأة تنتشر تقارير عن استغلال ويلي ريدمان الزعيم الشاب في الحزب اليميني لموقعه السياسي للوصول إلى الشابات في الحزب، فضجّت وسائل الاعلام الصفراء بالكثير من القصص التي اضرت كثيرا بسمعة الحزب وأربكت قياداته.
ويبدو ان قوى اليمين لم تسكت عن محاولة الاضرار بسمعة الحزب وكوادره والتأثير على التصويت، إذ لم تهدأ الضجة بعد، التي أجبرت الشرطة على فتح تحقيق في الامر، حتى تسربت فيديوهات وصور لرئيسة الوزراء الشابة وهي تحتفل وترقص بشكل صاخب مع أصحابها، ما دعا البعض لاتهامها بالتقصير في عملها واهماله. بل وذهب البعض للإيحاء بتناولها المخدرات، ما اجبرها على إجراء الفحص الذي ظهرت نتائجه سلبية، وجعلها تتحدث للناس وناخبيها باكية بأنها لم تلجأ الى المخدرات حتى في أيام مراهقتها، وأنها تعامل بصورة ظالمة، فتصاعدت حملة تضامن معها خصوصا بين النساء والشباب كونها انسانة لها الحق بممارسة حياة طبيعية.
وهكذا كلما يقترب موعد الانتخابات، يزداد ترقب الشارع لفضائح جديدة لهذا السياسي أو ذاك، يجري استغلالها ضده وبالتالي ضد حزبه، فهو الهدف الأساس، وان لعبة ليّ الاذرع والضرب تحت الحزام ستزداد ضراوة كما يبدو، خصوصا وان حزب اليمين يتطلع بقوة هذه المرة للفوز في الانتخابات.

43
 دعوة عامة

 

دعوة عامة للجميع
جمعية الصداقة السورية الفنلندية، تستضيف: الروائي العراقي يوسف أبو الفوز
في حوار مفتوح، حول تجربته الأدبية والهجرة واللجوء والاندماج وروايته الجديدة (جريمة لم تكتبها اجاثا كريستي). سيشارك الفنان امير الخطيب بتقديم شهادة عن الكاتب

التاريخ: الجمعة 2022.12.8
المكان: Kutojantie, 3 Espoo 
الوقت:  الساعة 18:30 -16:00

*  يشمل البرنامج استراحة نصف ساعة 
* * يمكن اقتناء الرواية الجديدة خلال الفعالية بتوقيع الكاتب
*** يمكن التحدث خلال الجلسة باللغة العربية والفنلندية 
**** لمزيد من المعلومات يمكن الاتصال: 0449822360


 

44
 
وداعا سعيد مهدي السامرائي (أبو سعد)


في مدينة توركو، الفنلندية، غادرنا مساء الاحد 24 تموز، الصديق والشخصية الوطنية، أبو سعد ـ سعيد مهدي السامرائي، من مواليد مدينة سامراء عام 1939، متأثرا بمرض عضال في الرئة.
عمل الراحل مفتشا صحيا، وابان ثورة 14 تموز 1958، كان عامل اجهزة اتصالات سلكية واللاسلكية في سامراء. أعتقل عام 1963 بسبب انتماءه للحزب الشيوعي العراقي، وقضى شهورا في زنانين البعث المجرم، وتعرض للكثير من المضايقات من أجهزة النظام البعثي الديكتاتوري المقبور، فاضطر لمغادرة وطنه العراق، عام 1991 ،وبنفس العام، وصل الى فنلندا عبر الأمم المتحدة من المخيمات التركية. في فنلندا، كان الراحل من أبرز المساهمين في تأسيس الجمعية الثقافية العراقية ـ الفنلندية المعروفة باسم "البيت العراقي " عام 1996، ومن أبرز الناشطين، حيث حرص على احياء ودوام فعاليات ونشاطات التضامن مع شعبنا العراقي، وكان وجها جماهيرا ومحبوبا من قبل أبناء الجالية العراقية ومن قبل الفنلنديين.
الذكر الطيب لفقيدنا العزيز والعزاء الحار لعائلته ومحبيه.

25 تموز 2022
منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا

45

منظمة الكتاب والفنانين الفنلندية اليسارية (كيلا):
إدانة للحرب الروسية - الاوكرانية وانضمام فنلندا لحلف الناتو
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

 صدر اخيراً، في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، بيان عن منظمة الكتاب والفنانين اليسارية، المعروفة باسم (كيلا)، أطلعت عليه “طريق الشعب”، يدين سعي النخب السياسية الفنلندية للانضمام لحلف الناتو، معتبرا الامر متسرعا ومتهورا، إذ لم يكن هناك استفتاء عام، يعكس رأي اغلبية الشعب الفنلندي، وان القرار غير مسبوق، وستعيش فنلندا عواقب ذلك لعقود.
ونبه البيان الى أنه (لم يكن هناك أي نقاش حول احتمالات الانسحاب من الناتو. قد يتغير الرأي العام بشكل جيد للغاية في السنوات القادمة، مع تحول الجغرافيا السياسية حتماً، وقد لا تجد فنلندا نفسها في حاجة إلى حلف الناتو)، وأكد بأن فنلندا (سارعت إلى العضوية مع عدم وجود استراتيجية للخروج إذا أصبح استمرار المشاركة غير مقبول).
وإذ ادان البيان ضمن سياقه الغزو الروسي لأوكرانيا فأنه حذر من ان (الانضمام إلى حلف الناتو من شأنه أن يقود فنلندا عميقا في المياه المظلمة لإعطاء الأولوية للعلاقات التجارية على المصالح الإنسانية. يمكن رؤية الدليل على ذلك بالفعل في المطالب التي قدمتها تركيا لدخول فنلندا، والتي تشمل إعادة أي شخص كردي مقيم في فنلندا تشتبه تركيا في تحالفه مع حزب العمال الكردستاني PKK).
ولم ينس البيان التذكير بتاريخ حلف الناتو كذراع عسكري للقوى الرأسمالية، مبينا (كان تاريخ حلف الناتو خارج أوروبا عقودًا من الحروب على الحكومات التقدمية والحركات الثورية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا،) وان ذلك (غالبًا ما تم تبريره بالكلام حول القيم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب وما إلى ذلك، بينما في الحقيقة، شكلت المصالح الاقتصادية، جنبًا إلى جنب مع تهديد القوة العسكرية، العمود الفقري للسياسة الخارجية لدول الناتو القوية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة).
وانتقد البيان الحكومة الفنلندية لتوجهات التحالفات العسكرية وزيادة الإنفاق في الميزانية الوطنية لصناعة الأسلحة والدفاع، موضحا انها (وافقت بالفعل على إضافة ما يزيد قليلاً عن ملياري يورو إلى إنفاقها الدفاعي، بزيادة قدرها 70بالمائة عن الميزانية العسكرية القياسية لعام 2022 البالغة 2.8 مليار يورو) وحذر البيان من ان هذا (ليس وسيلة للمضي لبناء سلام دائم، بل يجب أيضًا فهم ان تكلفة الحرب والصناعات الحربية يؤثر على بيئتنا المعيشية والمناخ واشياء الأخرى).
وكرر البيان تساؤلات مهمة (من هم الناس الذين يكسبون المال بسبب الحروب؟ من يستفيد من الحروب؟ كيف يمكن جعل اقتصاد الحروب المربحة أكثر صعوبة أو حتى حظره؟) مشيرا بوضوح (يخبرنا التاريخ أن تشكيل تحالفات عسكرية سريعة والاستعداد للحرب يؤدي في كثير من الأحيان إلى مزيد من الحرب).
وحذر البيان من ان (العقوبات العالمية، كما رأينا فُرضت في إيران والعراق، والآن أيضًا في روسيا، غالبًا ما تدمر اقتصاد البلد لأجيال قادمة بينما ليس لها أي تأثير تقريبًا على اللاعبين السياسيين الرئيسيين والنخبة الثرية الذين يقفون فعليًا في شيء يكسبونه من حروب العدوان.) وختم بالتذكير بأن (لا أحد من القوى الإمبريالية الكبرى في العالم تسعى فقط للحفاظ على السلام. بدلاً من ذلك، لديهم أهداف مختلفة، محددة تاريخيًا وجغرافيًا، يتضمن الكثير منها اضطهاد الشعوب الأصلية، أو مجموعات من الناس، أو حتى الأمم).
يذكر ان منظمة كيلا الفنلندية اليسارية، واحدة من اعرق المنظمات الثقافية الفنلندية، غير الحكومية، وتجمع للكتاب والفنانين اليساريين، تأسست في عام 1936، تأسست بعد تحالف القيادة السياسية الفنلندية حينها مع الحكومة الالمانية واغلاق الحدود الثقافية مع اوربا والعالم، فأستعارت المنظمة اسمها من شقفة الخشب المثلثة الصغيرة (باللغة العربية تكون جُذاذة)، التي تتواجد في كل بيت فنلندي لتحافظ على باب البيت مفتوحا دائما، وليعمل اعضاء المنظمة، على طول تأريخها، بهذا المعنى لتعزيز التبادل الثقافي مع كل بلدان اوربا ومع مختلف الثقافات الانسانية. تضم المنظمة حاليا أكثر من خمسمئة مئة عضوا من مختلف الانواع الابداعية، من كتاب نثر وشعراء وفنانين موسيقيين وتشكيليين، يشكلون عماد ثقافة البلد بنشاطاتهم وانتاجاتهم الابداعية. وسبق للمنظمة ان اعلنت، في مؤتمراتها العامة، عن تضامنها مع المثقفين العراقيين، عام 2004 وعام 2014، ضد الاحتلال الامريكي وقوى والارهاب، كما وانها في آيار 2009، وبدعوة من وزارة الثقافة في اقليم كوردستان، بدعم مباشر من الراحل الاستاذ فلك الدين كاكائي وزير ثقافة الاقليم حينها وأقتراح من الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، عضو الهيئة الإدارية للمنظمة لعدة دورات، نفذت برنامج (أيام الثقافة الفنلندية في كردستان)، حيث زار أربيل ولمدة اسبوع، وفد من المنظمة، ضم تسعة من الفنانين والكتاب الفنلنديين، وشهدت الايام برنامج ثقافي متنوع حوى عدة محاضرات بخصوص موضوعات ثقافية مختلفة، عن حرية الكلمة والعلاقة بين السينما والادب، فضلا عن عروض للسينما الفنلندية ومحاضرة عن افلام الصور المتحركة في فنلندا، وايضا افتتحت ورش تدريبية قصيرة موسيقية وغنائية.


46
المنبر الحر / مع المحبة
« في: 09:04 11/07/2022  »
.

47
ما ثمن قبول تركيا الموافقة لصالح عضوية فنلندا والسويد في حلف الناتو؟
هل سيكون طريق الدولة الفنلندية إلى الناتو ممهدًا بدماء الأكراد حقا؟
 
بعد موافقة تركيا، أمين عام حلف الناتو مع الرئيس التركي، الرئيس الفنلندي ورئيسة وزراء السويد في مدريد على هامش قمة حلف الناتو

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
نشر في طريق الشعب البغدادية عدد يوم   الاحد 3 تموز 2022
أخيرا، وبعد مارثون المفاوضات السرية والعلنية والاجتماعات التي عقدت في العاصمة الاسبانية، مدريد، وكما هو متوقع، وافقت تركيا على التصويت لصالح عضوية كل من السويد وفنلندا في حلف الناتو، وبهذا يكون البلدان قد أنهيا عقودا من اتباع سياسة الحياد. ونقلت شبكة خدمة الاخبار الفنلندية STT، رد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي علق بانها ليست مشكلة لروسيا، بل هي مسألة داخلية بين البلدين، وإن بلاده (لن تنزعج) من ذلك لكنه حذر من أنها سترد على أي (تهديدات). وأعلن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو في بيانه بهذا الخصوص من مدريد، إنه تم توقيع مذكرة مشتركة بين تركيا وفنلندا والسويد قبيل انعقاد قمة الناتو، وانهما سيوقعان قريبا على بروتوكول الانضمام وبموجبه يصبحان عضوين مراقبين في حلف الناتو.
وإذ سبق وواصلت تركيا القول بأن فنلندا والسويد يأويان منظمات إرهابية، بالإشارة الى حزب العمال التركي، وجاءت مذكرة التفاهم المشتركة، بصفحاتها الثلاث وبنودها العشر، لتؤكد التزام فنلندا والسويد وتركيا (بتقديم دعمها الكامل ضد التهديدات لأمن بعضها البعض)، فان العديد من المتابعين، تسائلوا: ما الذي جعل تركيا تتنازل وتنهي مماطلتها وتعطي الضوء الأخضر للبلدين بعد الإصرار على انها لا تنظر للأمر بشكل إيجابي؟ ما هي البنود السرية التي تحملها مذكرة التفاهم المشتركة؟ كيف سينفذ عمليا الوعد بمعالجة مخاوف تركيا الأمنية، فيما يخص المجموعات الكردية؟ هل سيتم التخلي تماما، عن دعم وحدات حماية الشعب الكردية، أو YPG، بعد ان اعتبرا حزب العمال الكردستاني، الحزب السياسي، على أنه منظمة إرهابية؟ والاهم هل ستقوم فنلندا والسويد بتنفيذ مطالب الجانب التركي بتسليم عدد من الناشطين الكرد المقيمين في اراضيهما وبعضهم حاصل على جنسية البلدين؟، وكان بيان الرئيس الفنلندي أشار الى عندما نصبح حلفاء في الناتو، سيصبح هذا الالتزام أقوى وأضاف (عندما نطور تعاوننا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وتصدير الأسلحة وتسليم المجرمين، من الطبيعي أن تواصل فنلندا العمل وفقًا لتشريعاتها الوطنية).
لا تزال الأمور غامضة لبعض المراقبين، لان بعض بنود الاتفاق مكتوبة بلغة تحتمل التأويل، ويبدو ان حرص واستقتال فنلندا والسويد للحصول على موافقة تركيا للانضمام الى حلف الناتو، دفع البلدين للموافقة على العديد من طلبات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أشار لها بيان الرئاسة التركية الذي قال ان (تركيا حصلت على ما تريد) وأوضح البيان أن البلدين تعهدا بالتزام (التعاون التام مع تركيا في مكافحة حزب العمال الكردستاني، وكذلك ضد الحركات التابعة له)، وتابع البيان أن البلدين سيحظران أيضا (نشاطات جمع الأموال وتجنيد المسلحين الأكراد وسيحظران الدعاية الإرهابية ضد تركيا). وكذلك التعهد بـ (إظهار التضامن مع تركيا في الحرب ضد الإرهاب بكل أشكاله)، ولم ينس البيان الإشارة الى قبول فنلندا والسويد بعدم (فرض قيود أو حظر على الصناعات الدفاعية) في إشارة إلى الحظر المفروض على تسليم الأسلحة إلى تركيا ردا على التدخل العسكري لأنقرة في سوريا عام 2019. وبهذا ستتماشى فنلندا والسويد، مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية في النظر الى الجماعات الكردية بانها مجاميع إرهابية.
رئيس كلية الأبحاث في جامعة هلسنكي، توماس فورسبيرج، تحدث لموقع هيئة الإذاعة الفنلندية Yle، قال ان الامر يتطلب عاما حتى توافق وتصدق جميع الدول الثلاثين الأعضاء في الناتو على عضوية فنلندا والسويد، وان انتقادات وخطاب بوتين بدأت تتحول أكثر من موضوع العضوية بحد ذاتها، إلى موضوع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو وما يجلبه انضمام فنلندا والسويد بهذا الخصوص.
وتصاعد العديد من التصريحات المعارضة والمنتقدة في السويد و فنلندا إذ ادان الحزب الشيوعي الفنلندي المذكرة المشتركة واعتبر ان فنلندا (تخلت عن بعض مبادئها الخاصة بحقوق الإنسان وسياستها الخارجية بالفعل أثناء عملية العضوية في الناتو) بينما اعتبرت ( عصبة البروليتاريين) الفنلندية اليسارية ، (ان طريق الدولة الفنلندية إلى الناتو ممهدًا بدماء الأكراد)، ونقلت الانباء ان تركيا تطالب بالفعل بعمليات الترحيل الأولى، فوزير العدل التركي بكر بوزداغ قال لوسائل إعلام تركية إن هناك حوالي 21 شخصاً مطلوباً في السويد و 12 في فنلندا، أي ما مجموعه 33 شخصاً، بينما كرر الرئيس التركي في مؤتمره الصحفي، عقب توقيع المذكرة (إن على السويد وفنلندا الوفاء بالوعود التي قطعتاها في الاتفاق مع تركيا، وإذا وفوا بوعودهم، فسنرسل بروتوكولات الانضمام للناتو إلى برلماننا للتصديق عليها).

 


48
المرصد الفنلندي:
التحرش الجنسي في أروقة البرلمان والسياسة الفنلندية
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
لغط كثير يملأ وسائل الاعلام الفنلندية ووسائل التواصل الاجتماعي، هذه الأيام، جعل موضوع الحرب في أوكرانيا، سعي فنلندا لعضوية حلف الناتو مع اعتراضات تركيا وارتفاع الأسعار يتراجع عن أول العناوين، أثر نشر أكبر الصحف الفنلندية (هلسنكي سانومات)، مقالا عن التحرش الجنسي والتصرفات القمعية بخصوص النساء الشابات، كان المتهم الأول فيه، (فيلي رايدمان) النائب في البرلمان الفنلندي عن حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي).
بعد التعرض الى ضغوط واسعة، إعلامية وجماهيرية، اضطرت قيادة حزب الاتحاد اليميني، الى الطلب من الشرطة للتوسع بالتحقيقات، كما أجتمعت مع النائب المتهم للمكاشفة، تبع ذلك تقديمه أستقالته من المجموعة البرلمانية للحزب، وانسحابه من مهامه في مجلس العاصمة هلسنكي كممثل لحزبه.
أثار مقال هلسنكي سانومات، المعروفة برصانتها ودقتها في تقصي المعلومات، فهي من أقدم الصحف الفنلندية، تأسست 1889، وأكبر صحيفة بعدد الاشتراكات في فنلندا و بلدان الشمال الأوربي، ويكاد لا يخلو منها بيت أو دائرة رسمية، ردود أفعال كثير بين البرلمانيات والعاملات في المجال السياسي، بمن فيهن رئيسة الوزراء سانا مارين (الحزب الاشتراكي الديمقراطي) فتحدثن عن وجود المضايقات وعدم فسح المجال للنساء للعمل بحرية، حتى وان لم يصل ذلك للجريمة وفقا للقانون، وبينت رئيسة الوزراء انها في بداية نشاطها السياسي تعرضت الى عدد من المضايقات. ويبدو ان تحرك قيادة حزب الاتحاد الوطني الفنلندي اليميني، و(التخلي) عن نائبهم وعدم الدفاع عنه، رغم ان البعض يقول بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، يأتي لكون الانتخابات على الأبواب، والحزب الذي شهد تقدما في الاستطلاعات الأخيرة، لا يريد ان يضر بصورته وأسمه من خلال سلوك النائب، وقد عبر عن ذلك رئيس الحزب، (بيتري أوربو)، بقوله إنه يريد ضمان سلامة أنشطة الحزب.
المثير أن ثمة من ادلى بدلوه في الموضوع، وكان (يارنو فاهكاينو)، النائب الثاني لرئيس حزب (السلطة ملك الشعب)، وهي جماعة شعبوية يمينية، ممثلة بنائب واحد في البرلمان، هو بطل رفع الاثقال، (آنو تورتاينين)، المعروف بسجله الجنائي، والذي طرد أساسا من حزب الفنلنديين الحقيقين اليميني المتطرف في شباط 2021 واسس حزبا منفصلا. نشر يارنو فاهكاينو صورة للنائبة (إيريس سوملا) من حزب الخضر، على حسابه في تويتر، تجلس في مقهى البرلمان، بتنورة قصيرة، بوضع تبرز فيها أجزاء مكشوفة من افخاذها، ويبدو ان الصورة التقطت بشكل سري، وكما يبدو جاء الامر كرد تضامني مع النائب اليميني فيلي رايدمان المتهم بالتحرش والمضايقات، فالصورة أرفقت بتعليق يقول: (نعم، تعرضت للتحرش الجنسي أخر مرة كنت فيها في مقهى البرلمان!) ، الامر الذي دفع الجهات المعنية في البرلمان للتحرك بسرعة للتحقيق في ظروف التقاط الصورة وإدعاء ناشرها بكونه ضحية للتحرش. في تغريدة لها، كتبت النائبة سوميلا: (إن المضايقة ليس وجود الشابات، لكن تصويرهن ونشر الصور خلسة). يذكر ان سوميلا هي أصغر نائبة في البرلمان، مواليد 1994، وسبق لها العام الماضي ان انتخبت كرئيسة مؤقتة لحزب الخضر عندما ذهبت (ماريا أوهيسالو) زعيمة الحزب في إجازة امومة.
 

49
المرصد الفنلندي:
 الحرب في أوكرانيا وموجة الغلاء في اوربا 
   
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، واستمرار العمليات العسكرية، ترتفع في الدول الاوربية عموم الأسعار للوقود والمواد الغذائية والمشروبات الكحولية وكل الخدمات. في دراسة نشرتها هيئة الإذاعة الفنلندية YLE، تشير الى ان فنلندا أصبحت في المرتبة الأولى في غلاء أسعار المشروبات الكحولية في أوروبا، والمرتبة الخامسة لغلاء اسعار المواد الغذائية، وفي هذه تاتي بعد الدانمارك، أيرلندا، لوكسمبورغ والسويد!
فتكلفة الكحول في فنلندا تزيد بنسبة 120 في المئة عن متوسط تكلفة الكحول في بقية دول الاتحاد الأوروبي، وتشير الدراسة الى ان الفجوة اتسعت مع الآخرين، بفارق 91٪ عن متوسط أسعار عام 2020. بينما سجل مركز مقارنة الأسعار Eurostat. ان المجر تكون أرخص بلد اوربي في أسعار الكحول (!). وحسب مركز الإحصاء الفنلندي Statistics Finland وكبير الخبراء في المركز هاري كانانويا، فان مؤشرات مستوى الأسعار لعام 2021 التي تم نشرها سوف تتغير بالتأكيد قريبا.
ولا يمكن للمتابع ان يغفل المعلومات التي تتوارد حول سجل التضخم في أوروبا الذي شهد قياسات مرتفعة هذا العام، فوفقا لمركز مقارنة الأسعار Eurostat. ، بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو 8.1٪ على أساس سنوي في شهر أيار، وكان الرقم المقابل لفنلندا 7.1 في المئة. ويشير كبير الخبراء هاري كانانويا بان المقارنة بين ما يقرب من أربعين دولة، تتطلب قدرًا هائلاً من البيانات المجمعة حول تغيرات الأسعار لمجموعات السلع المختلفة، فضلاً عن التغيرات في أسعار الصرف للعملة، ولهذا لا يمكن تحديث مؤشرات مستوى الأسعار للفترة من 2021 إلى 2022 حتى نهاية العام. ويمكن توقع استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومن غير المتوقع وجود اختلافات كبيرة في مؤشرات مستوى الأسعار النسبية بين البلدان الاوربية.


 

50
المرصد الفنلندي:
حزب قومي يميني متطرف جديد في فنلندا
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
وزعت شبكة خدمة الاخبار الفنلندية STT، خبرا يفيد بأن الحركة الزرقاء والسوداء (باللغة الفنلندية Sinimusta  ) حصلت على بطاقات التأييد المطلوبة لتسجيلها كحزب سياسي. وبينت الحركة في بيان رسمي لها انها في شهر نيسان جمعت 5000 بطاقة مؤيدة مطلوبة، وستعمل اعتبارا من حزيران كحزب سياسي وتنشط لتسمية مرشحيها لكل دائرة انتخابية في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
ويعتبر هذا الحزب الجديد، حزبا قوميا متطرفا، ربما حتى اشد تطرفا من حزب الفنلنديين الحقيقيين، بل ان الباحث والمؤرخ اولو سيلفينوينين (مواليد 1970) من حزب الخضر، سبق واعتبر هذه الحركة ذات إيدلوجية فاشية. ومعروف ان اسم الحزب وألوانه مستوحاة من الحركة الشعبية الوطنية الفاشية، وعند تقديم الطلب اعتبرت وزارة العدل برنامج الحزب المكون من 50 صفحة متطرفا جدا، بل ومعادي للديمقراطية وطلبت إعادة كتابته واختصاره،
يعرف الحزب نفسه في منشوراته على أنه (راديكالي وتقليدي) وهدفه السياسي المركزي هو (الدولة الفنلندية، والعرق الأبيض للشعب الفنلندي).  يريد الحزب أن تكون اللغة الفنلندية هي اللغة الرسمية الوحيدة في فنلندا، يعارض الوجود العام للأديان غير الديانة المسيحية، يطالب بتدريس الوثنية الى جانب المسيحية في المدارس، يطالب بإعادة النظر في جنسية كل شخص أصبح مواطنا بعد عام 1990 ويطالب التسجيل العرقي للمواطنين.
يذكر ان اغلبية مؤسسي الحزب الجديد، كانوا أعضاء في حزب الفنلنديين الحقيقيين اليميني المتطرف، وقادة في منظمته الشبابية، طردوا من الحزب عام 2017 بسبب خلافاتهم داخل الحزب ، وتعرضوا الى انتقادات من قادة حزب الفنلنديين الحقيقين التقليدين واتهموا كونهم ( متطرفين) عند تنظيم انفسهم في جمعية سعت لتأسيس حزبهم ، الذي يعيد امجاد منظمات قومية يمنية متطرفة فاشية نشطت خلال فترة الحروب السابقة مع الاتحاد السوفياتي مثل حركة لابوا والحركة الشعبية الوطنية، التي عرفت بعلاقاتها بالحركات الفاشية الإيطالية والألمانية وعدائها الشديد للشيوعية والاشتراكية . 
 

   

51
كيف نفهم لعبة كون أوروبا لا تزال المشتري الأكبر للطاقة الروسية؟



ناقلة تحمل النفط الخام في طريقها من روسيا إلى الهند       (الصورة من الاعلام الفنلندي)

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

من بعد مرور أكثر من مئة يوم من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفرض الاتحاد الأوربي خمسة حزم من العقوبات ضد روسيا، خصوصا ما يخص قطاع الطاقة من الوقود الأحفوري (النفط، الغاز والفحم)، فأن المؤشرات تبين ان أوروبا لا تزال هي المشتري الأكبر للطاقة الروسية إضافة الى الهند والصين، وان حوالي 61 بالمئة من الوقود الأحفوري الروسي وصل في الشهور الأخيرة إلى أسواق دول الاتحاد الأوروبي.
فكما هو معروف ان هناك صعوبات وتعقيدات تعاني منها دول الاتحاد الاوربي للاتفاق في المقاطعة النهائية، برز ذلك في قمة بروكسل التي عقدت في نهاية شهر أيار الماضي. ومعروف ان العديد من الدول الاوربية تعتمد بشكل كبير على الخامات الروسية وان ثمة عقود مبرمة لابد من تنفيذها والالتزام بها، خصوصا ما يتعلق بمنتجات النفط غير الخام. في فنلندا لا تزال بعض الشركات تستورد الزيوت الخفيفة، لأغراض الزراعة والصناعة، بل وزادت كمية الاستيراد لثلاث اضعاف كما تشير تقارير صحفية، وعندما أقر الاتحاد الأوربي المقاطعة كان الاتفاق بان واردات النفط الخام الروسية ستتوقف في غضون ستة أشهر وواردات المنتجات البترولية الأخرى في غضون ثمانية أشهر، ويبدو ان بعض الشركات استثمرتها في زيادة الاستيراد للتخزين. فقد سبق لشركة Neste، المملوكة جزئيًا للدولة الفنلندية، ان أعلنت أنها لن تشتري النفط الخام الروسي بعد الآن من السوق الفورية، وبدلاً من ذلك، وبناءً على الاتفاقات السابقة، ستبقى تتلقى النفط الروسي للتكرير حتى شهر حزيران. ووفقا لأولي-بيكا بينتيلي، مدير الإحصاء في الكمارك الفنلندية ان أحد أسباب الزيادة في الواردات هو ملء الخزانات من بعض الشركات.
وتشير معاهد الأبحاث الى ان روسيا كسبت 93 مليار يورو من صادرات الوقود الأحفوري خلال المئة يوم من حربها في أوكرانيا، كما تؤكد تقارير وحدة الأبحاث الفنلندية في الطاقة CREA. وقال لاوري مولوفيرتا كبير المحللين في CREA، لموقع هيئة الإذاعة الفنلندية Yle، إن روسيا تلقت قدرًا قياسيًا من الإيرادات من صادرات الطاقة خلال هذه الفترة، وإن الدخل الذي حصلت عليه روسيا ارتفع بنحو 50 في المئة عن العام الماضي، وربما كان هذا العام أعلى من أي وقت مضى. إذ حصلت روسيا على معظم الإيرادات، حوالي 46 مليار يورو، من مبيعات النفط فقط، ثم جاء الغاز الطبيعي والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال والفحم. ويشير مولوفيرتا الى انه على الرغم من حقيقة ان الصادرات الروسية قد انخفضت لكن السوق العالمي للوقود الاحفوري شهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار.
ورغم ان الصين احتلت مكان المانيا في كونها أكبر المشترين للطاقة الروسية الاحفورية، فأن صادرات روسيا زادت الى الهند بشكل ملحوظ، التي اشترت 18 ٪ من الصادرات الروسية في شهر أيار المنصرم، وقبل نشوب الحرب كانت الهند تستورد فقط 1٪ من صادرات النفط الروسي. الطريف ان الصادرات الروسية الى البلدان المشترية الجديدة تستخدم شركات الشحن الاوربية، ويؤكد كبير المحللين لاوري مولوفيرتا بان حوالي 80٪ من الناقلات التي تنقل النفط الخام إلى الهند مملوكة لأوروبا خاصة السفن اليونانية.  ويبدو الامر أكثر طرافة حين نعرف بأن الهند زادت من صادراتها من المنتجات البترولية المصنوعة من النفط الخام الروسي، حيث يتم تصدير حوالي نصف هذه المنتجات البترولية المكررة في المصافي الهندية التي استقبلت شحنات النفط الروسية الى بلدان أخرى وحوالي 20٪ من هذه الصادرات تذهب إلى دول اوربية، وبشكل رئيسي من دول البحر الأبيض المتوسط.
وتعاني وتعيش أوروبا ، ما يعرف ماليا بمنطقة اليورو، بحسب البيانات الأولية، حالة ارتفاع غير مسبوقة في الأسعار وبلغ التضخم 8.1 في المئة في شهر أيار، ففي فنلندا بلغ التضخم 7.0 في المائة، وفقًا للإحصاءات الفنلندية. وزادت الوتيرة بشكل ملحوظ منذ شهر نيسان عندما كان التضخم 5.7 في المئة. وأشار يوكا أبيلكفيست كبير الاقتصاديين في غرفة التجارة المركزية الفنلندية، في تغريدة له على Twitter إلى أن آخر مرة وصل فيها معدل التضخم في فنلندا رقم سبعة كانت في شباط 1990.


 

52
المرصد الفنلندي: حرف Z مغضوبا عليه في فنلندا

يوسف أبو الفوز
تعددت التفسيرات، لاستخدام قوات الغزو الروسية لأراضي أوكرانيا لحرف Z على مختلف مركباتها العسكرية، ووفقا لموقع ويكيبيديا فأن الجانب الاوكراني يقول انها تشير الى كلمة (غرب) وبالروسية تكون ( Запад  ‏ـ zapad)، والقوات الروسية تقول انها اختصار لعبارة (النصر) وبالروسية تكون (За победу ــ za pobedu)، ولكن مع وجود عدة علامات أخرى مثلا حرف  Zفي مربع وأيضا حروف أخرى مثل O ،   V، X و A ، وضعت على المعدات العسكرية الروسية، من دبابات وناقلات جنود،  فيبدو انها تستخدم أساسا لتمييز المعدات الأوكرانية عن الروسية بحكم كونها متشابهة كثيرا.
من كل هذه العلامات، اخذ حرف Z سمعة عالية، بل واخذ طابعا وطنيا داخل روسيا، خصوصا حين ارتدى لاعب الجمباز الروسي إيفان كولجاك شارة حرف Z على صدره في مونديال الدوحة في قطر في آذار الماضي، معربًا عن دعمه للحرب الروسية، مما دفع الاتحاد الدولي للجمباز إلى اتخاذ إجراءات تأديبية ضده.
في فنلندا تمتاز خدمة حافلات النقل عموما بسمعة ممتازة، فهناك عدة شركات حكومية ومختلطة وخاصة، تقدم خدماتها بكفاءة عالية، فلا يوجد شارع أو زقاق في مدينة أو قرية، لا تغطيه هذه الخدمات التي تمتاز بدقة وصول الحافلات في الوقت المقرر ونظافة الحافلات بكراسيها المريحة، وارتباطا بهذا فان أي خطوط للحافلات بين نقطتين ما، نجدها تسلك عدة مسارات، متوازية ومتجاورة، لتغطي أكبر مساحة ممكنة، وللتمييز بين هذه المسارات يتم وضع حروف مختلفة الى جانب رقم الخط الأساسي.
ويبدو ان حرف Z أصبح مغضوبا عليه في فنلندا التي قدمت مؤخرا طلب الانضمام الى حلف الناتو، وتعارض بشدة الغزو الروسي لأوكرانيا وتقدم مختلف الدعم اللوجستي والمعنوي للحكومة الأوكرانية، واستنادا الى ما أوردته هيئة الإذاعة الفنلندية YLE سيتم رفع حرف Z من العديد من خطوط الحافلات في العاصمة، فوفقا لتيرهي كوسكين، مدير النقل العام في منطقة لابيرانتا، ضواحي العاصمة هلسنكي، بانهم تلقوا عدة ملاحظات وتعليقات حول الموضوع وتم اخذها مأخذ الجد وسيتم استبدال حرف Z بحرف X. صوت مشاكس في داخلي يقول : ماذا عن مطاعم البيتزا ؟؟ ففي فنلندا تكتب بطريقة تحوي حرفين Z مع بعض، هكذا : Pizza !


ليل 3 حويران 2022


53
  فنلندا .. قوى المعارضة لحلف الناتو تواصل نشاطها

لا .. للناتو .. نعم .. للسلام : مظاهرة للحزب الشيوعي الفنلندي وسط العاصمة هلسنكي .          تصوير : إيما غرونكفيست

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

حتى اسابيع قريبة، عرفت فنلندا، بكونها البلد المسالم والمحايد في سياساته الخارجية، بل ان سياسة الحياد النشطة والمحبة للسلام، كانت أحد الأسباب التي جعلت من العاصمة الفنلندية، هلسنكي، المكان الأمثل لاستضافة مؤتمرات وقمم دولية تعني بالسلام العالمي، لكن الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية غيرت كل المعادلات، فلم تعد فنلندا البلد المعني ببناء الجسور بين الشرق والغرب، فلقد صوت البرلمان الفنلندي، ظهر الثلاثاء 17 أيار 2022، في تحول تاريخي في الموقف، على طلب الانضمام لحلف الناتو، بأغلبية 188 ضد 8 فقط. كان أبرز المصوتين، نواب حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) الذي طالما كان اشد المطالبين بالانضمام للناتو، وصوت أيضا نواب حزب الوسط، حزب الخضر والاشتراكي الديمقراطي، وكانت هذه الاحزاب لسنوات ماضية تعارض الانضمام للناتو وتشترك في الحكومة الحالية التي كان من أبرز نقاط برنامجها البقاء خارج التحالفات العسكرية، وينص ان (الهدف من السياسة الخارجية والأمنية لفنلندا هو منع فنلندا من أن تصبح طرفًا في النزاع العسكري. تنتهج فنلندا سياسة استقرار نشطة لمنع التهديدات العسكرية. لا تسمح فنلندا باستخدام أراضيها لأغراض عدائية ضد دول أخرى)، المفارقة ان حزب اتحاد اليسار، الذي دخل التحالف الحكومي باشتراط عدم الانضمام للناتو، شهد انقساما في صفوفه، فقررت قيادته ان البقاء في الحكومة يكون بمعزل عن الموقف من الناتو، ومنح نوابه الاثني عشر الحرية في التصويت، فصوت نصفهم بالضد ونصفهم مع.
وتبدو الصورة في فنلندا، من خلال وسائل اعلام الدولة، كأن الجميع، أحزاب وشعب موافقون على الانضمام إلى الناتو، ويمكن للمتابع بسهولة ملاحظة أن الأصوات المعارضة تكاد تكون غائبة عن وسائل الاعلام، وسبق لوزير الخارجية الأسبق أركي توميويويا، من قادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي المخضرمين، في حديث مع راديو NPR الامريكي أن انتقد الاعلام الفنلندي وطريقة إدارة النقاش قائلا (أن من ينتقد الناتو يتهم بكونه عميلا لبوتين)، والمفاجئ أنه صوت لاحقا بالانضمام للناتو.
ويرى الاقتصادي والكاتب السياسي أوريو هاكنينن، الرئيس السابق للحزب الشيوعي الفنلندي، في مقال منشور في مدونته بأنه تم دفن عدم الانحياز العسكري الفنلندي في البرلمان حين تمت الموافقة بالإجماع على مقترحات الحكومة واللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية بشأن الانضمام إلى الناتو. مشيرا إلى أنه في البداية، وعد رئيس الجمهورية ورئيسة الوزراء بإعداد تقرير موضوعي للبرلمان يتم فيه تقييم الخيارات المختلفة بعدة طرق. ومع ذلك، تم إعداد التقرير لتبرير خيار واحد فقط، وهو الانضمام إلى الناتو، ويرى انه لم يتم التطرق إلى إمكانية وفوائد عدم الانحياز العسكري على الإطلاق في التقرير الذي وافقت عليه الحكومة بالإجماع. وبين بأنه عندما انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي، كان هناك نقاش مدني واسع واستفتاء شعبي، والآن، حتى البرلمان لم يُمنح فرصة حقيقية لتقييم الخيارات المختلفة، كان دوره فقط مباركة حل تم إجراؤه في دائرة صغيرة.
وفي نفس الوقت يرى تجمع (اوقفوا الناتو)، المدعوم من الحزب الشيوعي الفنلندي ومنظمة السلام الفنلندية، إلى جانب منظمات وجمعيات ثقافية واجتماعية، والذي دعا إلى التظاهر في الرابع من حزيران الجاري، ان غالبية الشعب الفنلندي يواصل معارضة الناتو، وان استطلاعات الرأي المنشورة خدعة، وان الاستفتاء الشعبي هو الفرصة الوحيدة للجميع. ويعرض الموقع الرسمي للتجمع أسبابا عديدة تدعو إلى معارضة الانضمام للناتو اذ يرى انه يزيد من العنف والمعاناة وان (أفضل سياسة للسلام هي الاهتمام بدولة الرفاهية)، وينتقد الانجرار وراء سياسات الولايات المتحدة الامريكية، ويعتبرها الدولة الأكثر خطورة ونشاطا عسكريا في العالم، إذ كانت في حالة حرب مستمرة تقريبًا طوال فترة وجودها، ويذكر بان حدود فنلندا التي يبلغ طولها 1344 كيلومترًا مع روسيا ستكون الخط الأمامي لحلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا. وكان النائب ماركوس موستايارفي، من اتحاد اليسار قدم في البرلمان اثناء عملية التصويت، وجهة النظر المعارضة، التي شاركه فيها ستة من رفاقه والتي طالبت بأجراء استفتاء شعبي. وفي حديث خاص لطريق الشعب مع الشاعر والصحفي ماركو كورفولا، بين أنه لا يعتقد بأن أمر الاستفتاء سينجح، لأن النخب السياسة الحاكمة أعدت للأمر بسرعة وأيضا ان اتحاد اليسار، الذي عرف طويلا بمعارضته للناتو، يعاني حاليا انقساما في موقفه ولا يدعم موضوع الاستفتاء وانه للأسف يتجاهل أيدولوجيته اليسارية ويتصرف وفق موقف انتهازي لجني بعض المكاسب على المدى القصير. وردا على سؤال من طريق الشعب لمحرر موقع (اوقفوا الناتو) على فيس بوك، حول الجهود الواقعية المبذولة في قضية الاستفتاء، أجاب بأن من المحتمل تمامًا أن تركيا تبقي فنلندا بعيدًا عن الناتو لفترة كافية قبل الحصول على العضوية الكاملة حتى الانتخابات البرلمانية التالية، وفي هذه الحالة ستكون هناك إمكانية لإدراجه ضمن الأوراق الانتخابية.
وعمليا يبقى الحزب الشيوعي الفنلندي، القوة الأساسية المعارضة للانضمام للحلف، من خارج البرلمان، وجهوده منصبة على تحريض الشارع الفنلندي، ويرى الحزب في بياناته وافتتاحيات دوريته (Tiedonantajai) الأسبوعية بإن انضمام فنلندا إلى الناتو لن يجلب الاستقرار إلى المنطقة، بل المزيد من التوتر، إذ يؤدي تحويل الحدود الشرقية لفنلندا لحدود بين الناتو وروسيا إلى جلب المزيد من القوات المسلحة والنشاط العسكري. وأكدت بيانات الحزب بان فنلندا عندها، ستنجر إلى صراعات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وتذكر البيانات بأن تقرير الحكومة الفنلندية نفسه يشير إلى ان الدفاع المشترك للناتو يعتمد في النهاية على القدرة العسكرية والرادع النووي للولايات المتحدة.
 

54
كيف تتعايش فنلندا مع الفترة الرمادية؟


هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز


تعيش فنلندا، فترة يسميها السياسيون ووسائل الإعلام (الفترة الرمادية)، تمتد من تأريخ تقديم فنلندا طلب الانضمام لحلف الناتو، في 18 أيار، حتى موعد التصديق عليه من قبل مؤسسات حلف الناتو، وتستغرق هذه الفترة حسب تقديرات المسؤولين في حلف الناتو من 4 إلى 12 شهرًا. السؤال الأبرز والأكثر الحاحا: كيف ستعيش وتكون فنلندا خلال (الفترة الرمادية)؟ ما احتمالات تعرض فنلندا الى اعتداءات من قبل روسيا سواء عسكرية مباشرة، هجمات سوبرانية (اليكترونية) أو إجراءات أخرى؟ ما حجم المشاكل الاقتصادية الناجمة عن ذلك؟ وأسئلة أخرى متداخلة.
ورغم تهديد وزارة الخارجية الروسية بأن موقف فنلندا الجديد يتطلب اتخاذ خطوات انتقامية، ذات طبيعة عسكرية - تقنية وغير ذلك، إلا ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قلل من أهمية انضمام فنلندا والسويد الى حلف الناتو، وأعلن بأن هذا لا يهدد موسكو بشكل مباشر، لكنه شدد على أن أي توسع في البنية التحتية العسكرية للحلف من شأنه أن يؤدي إلى رد من قبل روسيا، في خطوة بدت وكأنه يسحب من البلدين بساط الحماس والنشوة لهذا القرار،  كل هذا ترك تأثيره على التوقعات في نوع الرد الذي ستلجأ أليه روسيا انتقاما من الجار الذي تربطها به حدود طولها 1300 كم وانحاز كليا الى الجبهة الاخرى التي يعتبرها الكرملين تهدد وجوده الجيوـ سياسي.
بادرت العديد من دول أعضاء حلف الناتو، في مقدمتهم بريطانيا، لتقديم ضمانات أمنية لحماية فنلندا والسويد رسميا خلال (الفترة الرمادية)، الا ان هاجس مخاطر العمل العسكري الانتقامي الروسي دفع الرئيس الفنلندي للسفر الى واشنطن مع رئيسة الوزراء السويدية، لإبلاغ رسالة غير مباشرة الى موسكو، والى الحكومة التركية في نفس الوقت، التي عارضت انضمام البلدين الى حلف الناتو بحجج سماحهما بنشاط حزب العمال الكردستاني وفرضهما حظراً على توريد الأسلحة إلى تركيا منذ عام 2019.
أولى الخطوات الانتقامية التي باشرتها روسيا مع فنلندا قيامها بطرد عدد من الدبلوماسيين الفنلنديين، ثم قطعت الكهرباء، التي تغطي نسبة حوالي 10 في المئة، من احتياجات فنلندا من الكهرباء، وبينت الجهات المسؤولة انها ستتمكن من توفير هذه الكمية من إمدادات الطاقة الكهربائية من مصادر بديلة، ثم أعقبت روسيا ذلك بقطع الغاز، الذي يغطي أقل من عُشر استهلاك البلاد من الطاقة.
 ان قطع الغاز والكهرباء، سببا ارتفاعا في أسعار الكهرباء والمحروقات في عموم البلاد، فالبدائل، الكهرباء من السويد والغاز من بولندا، المستورد من دول أخرى، ويصل فنلندا عبر لاتفيا وليتوانيا، أصبح أكثر كلفة. وتبعا لذلك أعلن معهد الموارد الطبيعية في فنلندا ان متوسط سعر المواد الغذائية شهد ارتفاع بنسبة 10 في المئة هذا العام مقارنة بمستويات العام الماضي، وستؤدي الزيادات المتوقعة في أسعار الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان إلى زيادة متوسط فاتورة البقالة للأسرة بما يصل إلى 500 يورو هذا العام. وبدا واضحا ان الحرب في أوكرانيا وظلالها على فنلندا، ألقت كما متوقع بتأثيرها على ميزانية الدولة، وسط مخاوف المعارضين للانضمام لحلف الناتو بكون هذا سيسبب في تراجع الانفاق الحكومي على قطاعات الصحة والتعليم مثلا، وإذا ألقينا نظرة على البيانات الحكومية سنجد ان الحكومة الفنلندية اقترحت مؤخرا زيادة صافي الإنفاق بنحو 2.3 مليار يورو في مسودة الميزانية التكميلية الثانية لهذا العام وحددت أنه سيتم تخصيص ملياري يورو لميزانيات الدفاع، وهذا سيزيد من إجمالي دين الحكومة المركزية على الميزانية إلى 138 مليار يورو في نهاية عام 2022.
على العموم نجد ان الحياة تسير بشكل طبيعي في فنلندا، فالمهرجانات الموسيقية ومباريات الهوكي، اللعبة الأكثر شعبية، تستمر بحضور جمهور كبير، والكثير من المواطنين يستعدون لنزهات الصيف حيث البحيرات والغابات، وبينت الاستطلاعات ان 86 في المئة من الفنلنديين يرون أنه من المحتمل أن تمارس روسيا ضغوطًا مختلفة على فنلندا أثناء الفترة الرمادية، وان هناك فقط نسبة 30٪ ممن يرون سيكون عمل عسكري روسي انتقامي.
ورغم بعض التهويل في بعض وسائل الاعلام العالمية لكننا نجد انها لا تعكس كامل الحقائق، ومن الطبيعي ان البلاد تستعد لكل الاحتمالات، فمنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، صار معروفا ان باب التطوع فتح في فنلندا وشارك الكثير من الافراد في التدريبات العسكرية التطوعية، بل وتسعى وزارة الدفاع الفنلندية لأجراء تعديلات على قوانين حيازة الأسلحة والذخيرة لتسهيل حصول الموطنين على السلاح، أيضا قدمت الحكومة الفنلندية ما يزيد عن ثلاثة ملايين يورو لمنظمات الدفاع الوطني كمساعدة، خصص معظمها لجمعية تدريب الدفاع الوطني الفنلندية  التي تنظم تدريبات الرماية.  وسمحت الحكومة الفنلندية في الفترة الأخيرة، لوسائل الاعلام للكشف عن استعدادات البلاد في توفير الملاجئ الحصينة الكافية للسكان في خطوة غير مباشرة لطمأنت المواطنين، وبث خطاب هادئ لا يثير الرعب، مع توجيه المواطنين للاحتفاظ بما يكفي من الشموع والماء لعدة أيام تحسبا للطوارئ وأيضا مؤنة كافية من الأغذية الجافة والمعلبات. 
 

55
المنبر الحر / الكباب وحلف الناتو
« في: 22:45 17/05/2022  »
الكباب وحلف الناتو

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
حالما أعلن الرئيس التركي طيب اردوغان تحفظه على رغبة فنلندا والسويد الانضمام الى حلف الناتو، متذرعا بكون البلدين يسمحان على اراضيهما بنشاط منظمات كردية يضعها النظام التركي على لائحة الإرهاب، حتى تعالت التعليقات وردود الأفعال، واعلن اليوم عن ارسال وفد دبلوماسي فنلندي وسويدي الى انقره لتقصي الامر ومحاولة الوصول الى تسويات ويبدو ان الجانب التركي قد تعلم جيدا لعبة ابتزاز دول الاتحاد الأوربي للخروج بتنازلات ومساعدات، وفي البال ازمة اللاجئين والمليارات التي استلمتها تركيا لحفظ الحدود!
الطريف في الامر، صدور تصريح صحفي، وزع لوسائل الاعلام والمراسلين، من النائب ميكو كارنا (مواليد 1980) عن حزب الوسط  يدعو فيه الفنلنديين ، ولأجل الضغط على الحكومة التركية للتراجع عن تحفظها وتعلن الموافقة على قبول فنلندا والسويد في حلف الناتو، لمقاطعة رحلات العطلات التركية ومطاعم الكباب التركي والسيارات التركية الصنع،  وحسب تعبيره ( ليذوق أردوغان دوائه) ، لكن النائب لا ينسى ان يذيل بيانه مؤكدا ( ومع ذلك أنه لا يزال من المفيد تناول الكباب الذي يصنعه الكرد).
مساء 16 أيار 2022
 

56
جدل بشأن انضمام فنلندا الى حلف الناتو!


مسيرة الأول من أيار وشعارات معارضة الانضمام لحلف الناتو

يوسف أبو الفوز

يجمع الكثير من المراقبين على ان اعلان فنلندا، لطلبها الانضمام الى حلف الناتو أصبح وشيكا وأمرا واقعا، وانه يخضع للمسات الأخيرة، فالجميع في البلاد يتحدث الان عن التغيير الكبير في البيئة الأمنية في أوروبا واستطلاعات الراي تعكس ميل الشارع الفنلندي لطلب الانضمام. والمتابع يلاحظ كيف راحت الدبلوماسية الفنلندية تنشط، سواء عن طريق وزير خارجيتها بيكا هافستو(الخضر) أو رئيسة الوزراء سانا مارين (الاشتراكي الديمقراطي)، لإجراء اللقاءات مع قادة دول العالم للحصول على ضمانات امنية دولية للفترة الحرجة، من تاريخ تقديم الطلب المتوقع في مؤتمر الحلف في مدريد نهاية حزيران القادم، حتى نيل العضوية، والتي عادة تستغرق ثلاث شهور حتى 12 شهرا، وذلك تحسبا من إجراءات انتقامية ما من الجانب الروسي، سواء بالهجوم العسكري المباشر، او هجوم اليكتروني، او اعمال تخريبية.
النقاشات في مجلس النواب الفنلندي، مستعرة، من يوم بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وزادت حدتها، بعد تقديم وزارة الخارجية الفنلندية، كتابها الأبيض، الذي احتوى تقييم الوضع الأمني واحتمالات الانضمام لحلف الناتو. وحسمت غالبية الاحزاب الفنلندية، في الحكومة والمعارضة موقفها في اعلان دعمها طلب عضوية الناتو لو تم تقديمه رسميا. واعلن ساولي نينستو رئيس الجمهورية (الاتحاد الوطني الفنلندي)، بانه سيعلن موقفه قريبا، وينتظر المراقبون الأيام القادمة اعلان موقف حزب اتحاد اليسار ورئيسة الوزراء سانا مارين وحزبها الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار)، وسبق لحزب الائتلاف الوطني  المعارض (يمين تقليدي)  ان دعا للانضمام إلى الناتو منذ عام 2006 ، وفي نيسان أعلن حزب الفنلنديين الحقيقيين المعارض ( يمين متطرف) دعمه لطلب الانضمام إلى الناتو، وقالت رئيسة الحزب الفنلنديين ريكا بيرا إن مجلس حزبها صوت بـ 61 مقابل 3 لصالح العضوية.وفي الشهر الماضي أيضًا ، اعلن حزب الوسط (وسط)، الذي عرف عنه دعمه لسياسة عدم الانحياز العسكري ، إنه سيدعم انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، كذلك حزب الخضر(يسار) ، وأيضا التحق بركب المؤيدين اصغر أحزاب المعارضة ، حزب الديمقراطيين المسيحيين (يمين الوسط )،  إذ اعلن  مجلس الحزب تأييده بأغلبية ساحقة.
ورغم ان حزب اتحاد اليسار يعتبر تقليديًا من أكثر الأحزاب الفنلندية المناهضة لحلف الناتو داخل مجلس النواب، وهو أساسا انضم إلى الحكومة الائتلافية بقيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي قبل ثلاث سنوات بشرط ألا يقود البلاد نحو أي تحالف عسكري، الا ان الحزب يخوض الان صراعا فكريا شديدا بين صفوف قيادته، فقد أعلن فقط تسعة من أصل 16 نائبا من نوابه معارضتهم انضمام فنلندا إلى حلف الناتو.
وتبدو الأمور مقلقة جدا، لان المتوقع انسحاب حزب اتحاد اليسار من الحكومة الائتلافية، فيما إذا قرر مجلس الحزب معارضة الانضمام الى حلف الناتو، فهذا سيدخل البلاد في ازمة وزارية،  * خصوصا ان الحكومة الائتلافية الحالية (حكومة يسار ـ الوسط) تواجه الان حركة إضرابات مستعرة ومستمرة، من قبل العاملين في الصحة والتعليم، وبمساندة العديد من النقابات تطالب برفع الاجور وتحسين ظروف العمل.
وواصل الحزب الشيوعي الفنلندي، وهو خارج مجلس النواب، حملته المضادة للانضمام الى حلف الناتو، متعاونا مع مجموعة منظمات يسارية أخرى، منها جمعيات فنانين وكتاب تنخرط فيما بينها بمجلس تنسيقي، وتدير محاضرات وندوات واشتركت بتظاهرات الأول من أيار تحت شعارات معارضة لحلف الناتو.
من جانبه قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، إنه إذا قررت فنلندا الانضمام إلى التحالف العسكري، فإن عملية الانضمام ستكون (سلسة وسريعة)، فوفقا لتصريحاته بمجرد أن يتم الاتفاق على بروتوكول الانضمام، ستشارك فنلندا فعليًا في اجتماعات وأنشطة الناتو على جميع المستويات، بصفة (المدعو)، بعدها تكون مرحلة التصديق في 30 برلمانًا في 30 دولة من أعضاء الحلف، وأشار الى ان هناك إشارات ورسائل من جميع الحلفاء تشير الى انهم سيحاولون القيام بذلك في أسرع وقت ممكن.
من جانبها واصلت الصين، الحليف القوي لروسيا، خلال هذه الازمة، تحذيراتها من قرارات توسع الناتو نحو الشرق، وقال مؤخرا نائب وزير الخارجية الصيني لو يو تشنغ، إن ذلك سيكون خطأ آخر سيؤدي إلى كارثة. واضاف بإن (استغلال النزاع الروسي الأوكراني لإثبات ضرورة توسع حلف الناتو تجاه الشرق هو مثال على تبديل الأماكن بين السبب والعواقب). وفي الوقت الذي تتواصل به المعارك العسكرية بين الجانب الروسي والأوكراني على الأرض وتبادل الاتهامات الاعلامية، يكرر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن أي اتفاق سلام مع روسيا يجب أن يكون قائما على عودة القوات الروسية إلى المواقع التي كانت تتمركز فيها قبل بدء غزو بلاده في فبراير/شباط الماضي، وتواصل الماكنة الإعلامية الروسية التأكيد بأن (العملية الخاصة) لروسيا في أوكرانيا ليست عدوانا عسكرياً، ولكنها صراع لاستئصال النازية .
 هلسنكي ـ 7 أيار 2022

*   يوم 8 أيار، أعلن حزب اتحاد اليسار عن استمرار بقاءه في الحكومة بمعزل عن الموقف من انضمام فنلندا لحلف الناتو.
 

57
فَلْتَكُن الكتابة بالبارود: حوار مع الروائي العراقي يوسف أبو الفوز

شريف الشافعي ـ القاهرة
   
تكتسب تجربة العراقي يوسف أبو الفوز ثراءها المضاعف من كونها تجربةَ حياةٍ، ونضالٍ سياسي وفكري واجتماعي وحقوقي، ومعاناةٍ في السجن والمنفى، قبل أن تكون تجربة إبداعية خالصة في كتابة الرواية والقصة. ولعل فكرة "الكتابة" نفسها لديه، كما يظهر جليًّا في سلسلة أعماله، تنبع من حالة انتماء، صريح وضمني، إلى "كتيبة"، بالمعنى العسكري المباشر. ومن ثم، فإن القلم يجب شحنه عادة بالبارود قبل الحبر، حيث يمارس الأديب والمثقف العضوي أدوارًا متعددة على الأرض الملتهبة بالأحداث، ولا يمكن أن تنسلخ الكتابة عن هذه الأدوار المتشابكة.
منذ كتاباته الأولى وبدايات تجربته، لم يتخلّ يوسف أبو الفوز، المولود في مدينة السماوة جنوب العراق في العام 1956 لعائلة عمّالية فقيرة، عن تلك الرؤية الواضحة، التي تمزج جماليات الأدب كهدف غائي بضرورات أخرى اجتماعية واقتصادية وسياسية، وقضايا إنسانية مصيرية، لا يمتلك المبدع ترف تخطّيها بدعوى الاكتفاء بالمتعة والنصوص النقية، وإلا فإنه يعيش في فراغ، وينعزل عن مجتمعه وذاته في آنٍ.
توازَى اهتمامه المبكر بالكتابة ونشر قصصه في الصحف والدوريات العراقية، مع معارضته السياسية ورفضه الانضمام إلى حزب البعث، ما دفعه إلى الاختفاء لمدة عام خوفًا من الملاحقة، قبل أن يضطر إلى مغادرة العراق في 1979، إلى السعودية، ومنها إلى الكويت، حيث عمل في الصحافة الكويتية بأسماء مستعارة، قبل أن يلتحق بحركة "الكفاح المسلح" مع قوات الأنصار الشيوعيين في كردستان العراق في 1982 لمقاومة نظام صدام حسين. وجرّاء حملة الأنفال للإبادة الجماعية، التي قام بها النظام العراقي برئاسة صدام حسين ضد الأكراد في كردستان العراق في 1988، بدأت مرحلة أخرى من مراحل تشرد يوسف أبو الفوز بين المنافي والسجون، وهي كلها محطات شكلت روافد ومنابع لكتاباته السردية.
في رحلة هروبه إلى أوروبا، اُعتقل أبو الفوز في إستونيا في 1994، وقضى تسعة شهور في سجونها، إلى أن اختاره السجناء العراقيون (قرابة مئة سجين) ليمثلهم أمام السلطات الإستونية. وأسفرت هذه الجهود الجماعية عن إطلاق سراحهم وقبولهم كلاجئين في فنلندا، بالاتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ذلك بعد إصدارهم صحيفة احتجاجية، وتنظيمهم إضرابًا عن الطعام.
ومنذ العام 1995، حتى اللحظة الراهنة، ويوسف أبو الفوز يقيم ويعمل في فنلندا، ويستحضر صراعات عالمه الجديد في أعماله الأدبية، لكنه من جانب آخر يواصل مد أنشطته الحياتية والسياسية والإبداعية إلى العراق، الذي لم ينسه يومًا (لا يزال عضوًا في نقابة الصحفيين بكردستان العراق)، كما يمد أشرعته إلى العواصم العربية التي ينشر فيها أعماله المتتالية (صدرت أحدث رواياته بعنوان جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي في القاهرة منذ أسابيع قليلة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة الإبداع العربي).
تلك القرى.. تلك البنادق
 لم تمنع الهجرة الطويلة يوسف أبو الفوز من أن يبقى كاتبًا عربيًّا مهمومًا بأزمات بلاده والشأن العربي الداخلي وأوضاع اللاجئين والمهاجرين العرب إلى أوروبا وغيرها من القضايا الجوهرية، بالطريقة التي أرادها منذ البداية (الكتابة بالبارود). كما أنه لم يفقد تواصله الجسدي مع العراق والعواصم العربية، بزيارات متكررة، أحدثها زيارته القاهرة في فبراير/شباط 2022، حيث أقيمت ندوة في المركز الدولي للكتاب لمناقشة روايته جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي، حيث التقته المنصة بعدها، في هذه المقابلة أو الفضفضة الحميمة، سعيًا إلى استجلاء بورتريه متكامل لملامحه الإبداعية والإنسانية، عن قرب، ومن دون رتوش.
يتسع بروفايل يوسف أبو الفوز الخصيب لمساحات لا منتهية من الإطلالات المتعمقة، التي تتجلى من خلالها علاقة الأدب بالسياسة، المتجسدة بوضوح في الأدب العراقي المعاصر، حيث انخراط الأدباء في كيانات وتنظيمات وتكتلات جماعية، إلى جانب دور الأدب الطبيعي في المقاومة بالكلمة. كما تتبدى معاناة الكتابة التي تنشد الحرية، في واقع عربي يسوده الخطاب السياسي الأحادي القمعي، وتتضح انعكاسات السجن والمنفى والاغتراب على الكتابة الإبداعية الراهنة، ويتكشف موقع كتابة أدباء المهجر الجدد بين الواقع والتخييل، خصوصًا في طرح قضايا حيوية ومصيرية مثل الصراع الحضاري واضطهاد العرب واللاجئين وتعرض المنفيين لضغوط من العنصريين والنازيين الجدد في أوروبا.
كما تحيل تجربة أبو الفوز الثرية إلى أبجديات الرواية العربية الجديدة وتقنياتها المستحدثة، وتسلحها بآليات تشويقية مثل البوليسية والاشتغال على الجريمة للوصول بالحالة الخاصة إلى الهم الإنساني المشترك، وكذلك تأثرات الكتابة الجديدة بالنشر الإلكتروني والعصر الرقمي وهيمنة السوشيال ميديا، وأمور كثيرة متنوعة ذات صلة، مبعثها رسوخ تجربته وزخمها.
في مجموعتيه القصصيتين عراقيون (1985)، و تلك القرى.. تلك البنادق (2007)، يستحضر يوسف أبو الفوز أسرار تجربة قوات الأنصار الشيوعيين، والكفاح المسلح في كردستان العراق. وفي مجموعتيه أنشودة الوطن والمنفى (1997) وطائر الدهشة (1999) يستفيض في سرد تداعيات المنفى وحالات اللجوء العراقي إلى الدول الغربية، فيما يسمى "أدب اللجوء".
وفي تضاريس الأيام في دفاتر نصير (2002) وشقائق النعمان (2003) يقدم مذكرات ونصوصًا وخواطر وشهادات حول تجربة الأنصار الشيوعيين، وشهداء الحزب الشيوعي العراقي. أما روايتاه تحت سماء القطب (2010)، وجريمة لم تكتبها أجاثا كريستي (2022)، فيسهب فيهما في تقصي أحوال العراقيين والعرب في أوروبا، وتفاصيل حياتهم، ومعاناتهم في ظل صراع الحضارات.
وعبر روايته مواسم الانتظار (2021) يتناول أبو الفوز جوانب من تاريخ الحياة السياسية والحزبية في العراق، فيما يتحرى في روايته كوابيس هلسنكي (2011) موجات التطرف في أوروبا، سواء المتصلة بالإسلام السياسي، والمتعلقة بالأحزاب والجماعات الأوروبية المتعصبة، من قبيل النازيين الجدد، وصولًا إلى الكوابيس التي يعانيها الإنسان العراقي بصفة عامة في حياته اليومية، سواء ظل في وطنه، أو هاجر منه.
حول هذا التماهي بين الإبداعي والسياسي والاجتماعي، في حالة الأدب العراقي المعاصر على وجه الخصوص، وتعدد وظائف الأدب، وأدوار المثقف العضوي الفاعل، يرى يوسف أبو الفوز أن أحوال الأدب والسياسة تتشابك في معظم بلدان الشرق الأوسط، ومنها العراق، حيث "يعتبر الأدب عامل إزعاج دائم لرجال السياسة، بحكم كون الأدب بحاجة دائمة لفضاء واسع من الحرية للقدرة على التعبير عن رؤية خاصة ووجهات نظر مختلفة، غالبًا ما تتقاطع مع خطاب السياسي، الذي لا يريد من المثقف عمومًا سوى أن يكون أداة إعلامية تابعة له".
من هنا، وفق أبو الفوز، ينتظر أن يقوم الأدب، وبالتالي المثقف الحقيقي، وبالتحديد المثقف العضوي، المرتبط بهموم الناس وتطلعاتهم، بالكثير من العمل الجاد، لا يقتصر على تسليط الضوء على خراب الواقع المحيط بنا، وكشف هموم الإنسان المتطلع لحياة حرة كريمة، بل السعي لتغيير هذا الواقع نحو الأفضل، سواءً من خلال الأعمال الأدبية التي تنتصر للإنسان وطموحاته المشروعة، أو حتى الانخراط المباشر في العمل السياسي والاجتماعي الثقافي من خلال إطارات وكيانات، يكون ضمن مهامها، إيجاد آليات تردم الثغرات ما بين السياسي والمثقف، وتسعى إلى تحويل الثقافة الى سلوك حياتي واعٍ.
"شخصيًّا، ككاتب ذي تطلعات علمانية تنويرية، أعمل لأجل مجتمع متحضر مدني، مجتمع المؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية. أحاول في كتابتي تعرية كل ما هو معيق لحرية الإنسان، وأسعى إلى كسر (التابوهات) المتوارثة، وأجتهد لتقديم شخصية الإنسان الذي لا ينهزم رغم تحطمه، وأقدم صورة المرأة القوية، رغم كل معاناتها، والإنسان الكادح صاحب الكبرياء رغم ذل الفقر"، يقول أبو الفوز، مؤكدًا إيمانه بقوة بالمستقبل، انطلاقًا من التجربة التاريخية الإنسانية، ويعقّب "رغم معرفتي بأني لن أشهد هذا المستقبل، فهو بعيد إلى حد ما، لكنني أؤمن به وأعمل لأجله بكل تفاؤل، وأحاول الإسهام بخلق وعي جمعي للعمل من أجله، من أجل غد الإنسان المشرق".
أحضان المنفى وجرائمه
في أحدث رواياته جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي، ينكأ يوسف أبو الفوز جراح المنفيين والمهاجرين العراقيين والعرب إلى أوروبا، مستعيدًا مقولات الصراع الحضاري، وموازنًا بين الأحداث والشخصيات الحقيقية والفضاءات الفنية التخييلية. ويرسم عبر صفحاتها صورة بانورامية للمشهد الحياتي في هلسنكي، وما ينطوي عليه من الظروف القاسية المحيطة بالمهاجرين العرب، الذين قد يرتكبون الجرائم أحيانًا بفعل معاناتهم وفقرهم وصدمتهم الحضارية وعدم تكيفهم مع المجتمع الجديد.
أو ربما يكونون ضحايا أحيانًا لجرائم وهمية يجري تلفيقها لهم بسبب جماعات الضغط والكراهية الغربية، التي قد تمارس عنصريتها ضدهم كذلك، وتسعى إلى طردهم، وهنا يدركون أنهم هربوا من سجون بلادهم وويلاتها إلى ظلم وظلمات خارج الحدود. ويتسع مفهوم الجريمة في الرواية من حالة قتل فتاة عراقية في المنفى في ظروف غامضة، ليشمل كل البشاعات غير المبررة التي تُمارس ضد الإنسانية.
حول سنوات المنفى الطويلة وانعكاسات تجربة الاغتراب في كتابات يوسف أبو الفوز، التي تجمع الحقيقي والمتخيل، شخوصًا وأحداثًا، يوضح الكاتب العراقي أن اللجوء إلى المنفى لم يكن خيارًا سهلًا بالنسبة له، قائلًا "هو أمر أجبرت عليه شخصيًّا أمام تعسف نظام حزب البعث وشموليته وفاشيته. لكن المشكلة الأكبر أن المنفى، مع مرور السنين، صار عندي وطنًا ثانيًا. ورغم ظهور جذور جديدة، فإنها لم تنجح في إزاحة ومحو جذوري الأولى، التي تحدد هويتي الثابتة، كإنسان وكاتب عراقي. تعاملت مع موضوعة المنفى كوطنٍ ثانٍ وفر لي استقرارًا نسبيًّا، وفضاءات واسعة من الحرية، وأتاح لي الفرصة للاحتكاك بالآخر المختلف، ثقافة وحياة وقوانين، ما أسهم في توفير الفرصة لمراجعة تجاربي السابقة، وأيضًا متابعة الهموم الجديدة التي ظهرت في المنفى لي ولأبناء وطني".
ويسترجع أبو الفوز ما كتبه صديقه الشاعر الفنلندي ماركو كويفولا يومًا عن تجربته الأدبية في فنلندا بأن "يوسف أبو الفوز ككاتب يطير بجناحين؛ فنلندي وعراقي"، ويقول موضحًا "كان مصيبًا جدًّا. إذ أتيحت لي فرصة متابعة هموم أبناء وطني، وعموم المهاجرين، في المنفى، فسعيتُ لعكسها في أكثر من عمل روائي. ودائمًا تبدأ صفحات الرواية عندي، من مكان ما في المنفى، وأجتهد لعكس ظروف هذا المنفى وطبيعته، ثم ينتقل القارئ مع شخوص الرواية، إلى وطنهم الأول، بالاتكاء على أهم أدوات الكاتب المنفي والمغترب، وأعني الذاكرة والحنين، في محاولة لاستعادة الوطن البعيد".
وبحكم كونه كاتبًا واقعيًّا، يعتقد يوسف أبو الفوز أن الرواية شكل من أشكال الأعمال الأنثروبولوجية، أي أنها تهتم بالإنسان أساسًا، فيلجأ في أعماله الروائية إلى بناء الشخصيات بدراسة من حوله من بشر، فيجمع أجزاء شخصياته ويلملمها بتأنّ من حوله؛ من الناس الذين يعرفهم ويتعايش معهم، وبالاعتماد على خيال الكتاب، الذي يجعله الأساس في تجميع شظايا واقعية، تساعد في رسم شخصيات مبتكرة تشبه الجميع، ولا تشبه أحدًا.
"أجتهد في رواياتي وقصصي المكتوبة عن المنفى، لعكس تأثيرات الثقافة الأخرى على الإنسان المهاجر واللاجئ، وإبراز همومه، أحلامه وطموحاته، خصوصًا الجيل الثاني، بالإضافة إلى موضوعات التلاقح الحضاري والهوية والجذور. أدرك بالتجربة أن المهاجر أو اللاجئ لا يقطع تذكرة سفر باتجاه واحد، فهو يظل مرتبطًا بجذوره ووطنه، وتبقى همومه الأولى متداخلة وعميقة، وإن عاشها تحت سماء أخرى وسط أجواء اجتماعية وثقافية أخرى"، يقول يوسف أبو الفوز.
السجن صدفة العراقي
لا يكاد يخلو عمل قصصي أو روائي ليوسف أبو الفوز من ذكر أو إحالة إلى تجربة السجن، الذي قد يكون ثمنًا لجريمة، أو لنضال سياسي يجري التصدي له بالبطش والتنكيل. وعانى أبو الفوز من التعرض للسجن أكثر من مرة، الأمر الذي أثر في تشكيل تجربته الإبداعية وصياغة شخوصه الفنية.
"من الطريف، كوني خارج وطني العراق، أنني تعرضت مرارًا للسجن والاحتجاز لفترات مختلفة، فقط لكوني عراقيًّا، لا أحمل أوراق سفر رسمية. عرفتُ الاحتجاز الطويل في إيران، والاعتقال لأسابيع في سوريا، والسجن تسع شهور في إستونيا. وفي كل التجارب التي مرت، كان واضحًا جدًّا لي أهمية امتلاك الإنسان لحريته، فهي التي تحدد كينونته، وأن جدران الزنزانة، بخاصة إذا كانت ظالمة، تسحق كرامة الإنسان، فيتحول السجين إلى مجرد شيء يمكن التحكم به من قبل صاحب السلطة، يرسم أفعاله وفق أوامر السجان، ونظام السجن"، يقول يوسف أبو الفوز.
في تلك الأيام، برزت عنده أيضًا أهمية امتلاك الإنسان لحريته الداخلية، لمقاومة عسف السجان وجدران الزنزانة. كانت ترن في باله دومًا نصيحة يوسف سلمان يوسف، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي (أعدم عام 1949)، لرفيقه الفنان رشاد حاتم، وكان سجينًا معه، يشكو من ثقل جدران السجن على روحه وفرشاته ولوحته، فقال له "ادفع الجدران بعيدًا عنك، وسترى الأفق البعيد". فالحرية، كفكرة، يمكن للكاتب أن يمتلكها حتى وإن كان بين جدران زنزانة. يمكن للسجان أن يقيد حركته الفيزيائية، لكنه لا يمكنه أن يقيد أفكار الكاتب وروحه. هكذا ظهرت أجمل قصائد المقاومة، التي كتبها العراقي مظفر النواب، وخسرو روزبه الإيراني، وآخرون.
هكذا، وجد أبو الفوز ذاته في العديد من أعماله يستعيد أجواء السجن، ليعكس توق الإنسان الدائم للحرية، وقبح سلب الإنسان حريته لمجرد أن له رأيًا آخر مختلفًا. ويقول "في وطننا العربي، يجد المثقف نفسه سجينًا في زنازين متراكبة ومتداخلة، وفق أحكام العادات والتقاليد والدين والسياسة، فينصب بعض الكتاب لنفسه بنفسه رقيبًا داخليًّا، ويرسم خطوطًا حمراء يخشى تجاوزها. أما عن دور النشر العربية الرسمية، فإنها تلتزم بصرامة بقوانين التابوهات المعروفة؛ السياسة، الدين، الجنس. والدور غير الرسمية تعتمد على توجهها الفكري، ما يضطر الكاتب للالتفاف على الرقيب بوسائل مختلفة، تعبيرية أو بلاغية أو رمزية. ومحظوظ جدًّا من يتعامل مع ناشر ذي فكر تنويري، يمنحه الحرية في التعبير عن آرائه بحرية، وهم للأسف قلة نادرة".
لعبة البناء
تبدو رؤية يوسف أبو الفوز للكتابة وتقنياتها، وأدبيات الرواية المعاصرة وانزياحاتها الجمالية والأسلوبية في عصر الصورة والاتصالات والرقمية والإنترنت والتواصل الاجتماعي، رؤية طليعية متجددة، على الرغم من وجود ثوابت لديه تتعلق بوظيفية الإبداع والتزامه الاجتماعي. وفي أعماله، هناك دائمًا استشراف للتيارات والأبجديات المبتكرة في المعالجة والتناول والصياغة، كما أنه يحرص على أن تكون أعماله، خصوصًا الروايات، بمثابة حياة كاملة موازية، بكل ملابساتها وتعقيداتها وصراعاتها ودوائرها المستغلقة.
يشير الكاتب العراقي إلى أن الرواية تملك فضاءً رحبًا لقول أشياء كثيرة، فهي توفر الفرصة للكاتب لإبراز قدراته في السرد وبناء الشخصيات. "شخصيًّا، أنا مغرم بلعبة بناء حبكة متينة تربط الأحداث والشخصيات وفق منطق مبرر، وأستمتع جدًّا بهذا عند كتابة الرواية، بشكل لا يتوفر عند كتابة قصة أو قصيدة. في بداياتي المبكرة، كنت مشتتًا، لا أعرف ما الذي أريد. كتبت كل الأجناس الأدبية، من شعر وقصة ومسرحية ومقالات. وبعد وصولي فنلندا، مطلع عام 1995، توفر لي استقرار نسبي لخوض مغامرة إنجاز كتابة أول عمل روائي تحت سماء القطب، ثم توالت الأعمال الأخرى، التي كان فيها مستقبل العراق همي الأول"، يقول أبو الفوز.
ويوضح أن الرواية تمنحه المجال أيضًا لخوص مغامرات تكنيكية، كذلك القالب البوليسي التشويقي في روايته الأحدث جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي، متسائلًا "هل هي الرغبة في تقديم شيء جديد غير مسبوق؟"، ويجيب "ربما. لكن باعتقادي أن محاولة إشراك القارئ في العمل الروائي، التي طالما كانت أحد هواجسي أثناء الكتابة، كانت أحد الدوافع المهمة لاختيار هذا القالب. أيضًا التفكير بعدم ترك الملل يصيب القارئ أثناء قراءة العمل الروائي، كان دافعًا آخر.
كنت أريد أن يتلهف القارئ لمعرفة النتائج. بالإضافة إلى أن فكرة الرواية، بأن ثمة جرائم عديدة ترتكب بحق الإنسان، تتجاوز مفهوم الجريمة المباشرة في القتل وإفناء الجسد، كانت أيضًا دافعًا مهمًّا لجعل القارئ يتعرف في النهاية أن هناك جرائم لها أشكال مختلفة، كجريمة سرقة الوطن والكرامة الإنسانية، وجريمة التمييز والعنصرية، وجريمة الطائفية الدينية، وجريمة قمع الحريات والآراء، وغيرها".
ويعتبر يوسف أبو الفوز نفسه محظوظًا بترجمة بعض أعماله الأدبية إلى الفنلندية والكردية، لأن الترجمة ضمان لوصول الرسالة إلى لغات أخرى، وهذا أحد أهم أحلام أي كاتب. ويرى أن نشر رواياته بالفنلندية له دور في ترسيخ "أدب اللجوء"، الذي يركز على قضايا الهجرة واللجوء في العالم الغربي.
ويتصور الكاتب العراقي أن الرواية العربية الجديدة قد تلاقحت مع مستجدات الحياة وتطوراتها، من حيث المضمون والتقنية واللغة، ومن أبرز المؤثرات على الرواية الثورة الاتصالاتية والمعلوماتية والإنترنت والسوشيال ميديا، كما صار للنشر الإلكتروني شأن كبير، ويقول "نشرتُ بعض قصصي القصيرة على مواقع الإنترنت، لكنني ما زلت أميل إلى اقتناء الكتاب الورقي، وبالتالي أفضل أن يطلع القراء على أعمالي ورقيًّا. ما زلت أشعر بأن ملمس الورق ورائحته يولّدان تفاعلًا خاصًّا بين القارئ والنص ضمن طقوس مبجلة، بينما الشاشة الإلكترونية تفقد القارئ هذا الإحساس".
ويرى أبو الفوز أن النشر الإلكتروني قد يكون حلًّا للفكاك من قسوة الرقابة الرسمية، ووضع حد لسوء العلاقة بين المؤلفين وعموم الناشرين المستغلين والمجحفين. ويقول في ختام حديثه مع المنصة "أعتقد أننا في بلادنا العربية بحاجة إلى أن نلحق بركب الحضارة، بوجود مكتبات إلكترونية ومنصات تسويق كتب تنظم وفق معايير دولية خاصة بالنشر، فالمستقبل يشير إلى أن سوق النشر الإلكتروني سيكون رائجًا".




58
الشهداء يحبون الحياة: ما تهبون؟


يوسف أبو الفوز


كان ذلك في ايار 1982، في مقر انصار الحزب الشيوعي العراقي ـ الفوج التاسع في مناطق ريف السليمانية، على مقربة من قرية حدودية أسمها "دولكان"، حيث نظم المقاتلين الانصار حفلا بمناسبة عيد العمال، وكان عريف الحفل الشهيد أَبُو رِياض ــ محسن شنيشل، الشخصية الآسرة والمربي ذو التجربة، الذي أعتقل وأعدم عام 1983 أثناء اداءه مهامه الحزبية النضالية في مناطق الفرات الاوسط أثر وشاية من خائن (+ الخائن عدنان الطالقاني المعروف باسم  ابو هيمن الذي اشتراه النظام الديكتاتوري وجنده ليكون ضبعا اوجع الحزب بخيانته ويعيش في السويد حاليا ، وقد طلقته زوجته وتخلى عنه ابنه بعد ان اكدوا خيانته وفضحوه).
 في هذا الحفل أراد أَبُو رِياض ان يقدم شيئا جديدا، فوزع مجموعة من الانصار بين صفوف حضور الحفل، وهؤلاء الانصار تم تجميعهم واعتبارهم "الفرقة الفنية" إذ تدربوا سريعا على بعض الاغاني الثورية ومنها النشيد الاممي. أخبرهم الرفيق أَبُو رِياض بأنه ما ان تنتهي دقيقة الحداد على ارواح الشهداء ويقول "شكرا" حتى يبدؤون معا غناء النشيد الاممي: هبوا ضحايا الاضطهاد.. الخ .
تقاطر سكان القرى القريبة، حضر ممثلي بعض القوى السياسية من المعارضة الايرانية والعراقية، وكان هناك رفيقان من قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وقد زين المكان بشكل يليق بالمناسبة، والروائح الزكية تهب من المطبخ، حيث ينتظر الجميع بعد الحفل وجبة طعام مع اللحم، وهذا أمتياز لا يتكرر في حياة الانصار الا ثلاث مرات في الشهر. كان البرنامج حافلا بالكلمات السياسية والفقرات الفنية، واداره أَبُو رِياض ببراعة وظرافة. يملك أَبُو رِياض صوتا جهوريا مما أهله لعرافة الحفل لعدم وجود ميكروفات ومكبرات صوت، ويحب رفاقه لكنته الريفية التي تتسلل رغما عنه الى لغته العربية القويمة.
 بدأ الحفل بترحيب أَبُو رِياض بالحضور والضيوف واعضاء قيادة الحزب، وقرأ كلمة استهلال قصيرة تحييّ المناسبة، وطلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على ارواح شهداء الطبقة العاملة والانصار والحركة الوطنية.  ثم رفع راسه ودار بين الوجوه باحثا عن اعضاء "الفرقة الفنية" وقال "شكرا". لم ينشد أحد!
 غمز بحواجبه للنصير "أبو سيف" وقال بصوت أعلى "شكرا". لم ينطق أحد.
 رفع يده مثل مايسترو وقال بصوت غاضب "شكرا". لكن أحد من اعضاء "الفرقة الفنية " لم يبادر للغناء.
 سادهم الارتباك وزاد من ذلك انفعال أَبُو رِياض وطريقته بتحريك حواجبه لتذكيرهم بواجبهم فغص بعضهم بالضحك، ففار الدم في عروق أَبُو رِياض الفلاح، وصاح بصوت عميق وغاضب: يا أبو سيف.. يا هدى.. وأنته يا.. أشبيكْم .. وينكْم ..هبوا.. هبوا .. مالكْم ما تهبون .. هبووووووا ضحايااااا الاضطهااااااد !

59
تأملات للمناقشة  (4)
(Fast Food) الثقافة!

يوسف أبو الفوز
أتفق تماما مع القائل، بأن وسائل التواصل الاجتماعي، بحكم كونها سلاحا ذو حدين، أصبحت تحديا جديا لجمهور الكتاب وقراءة الكتب، فتأثيراتها سيئة على عالم طباعة الكتب واقتنائها وبالتالي القراءة، خصوصا ان عددا ليس قليلا، من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي يقضون جل أوقاتهم في الدردشة وتناقل المعلومات أو اكتشافات تطبيقات جديدة.
تكرر تقارير التنمية البشرية، الصادرة عن منظمات عريقة، مثل اليونسكو، بان الشعب الياباني الذي يعتبر من أكثر شعوب العالم حبا للقراءة، ورغم كل التطور التكنولوجي الهائل عندهم، فان الاحصائيات (أواخر عام 2021) تذكر بان 87٪ من اليابانيين ما زالوا يفضلون الكتاب الورقي، بل نجد في ميزانية الاسرة، ان حجم الانفاق على شراء الكتب يأتي في أغلب الأحيان بعد الانفاق الصحي. أما في بلدان الشرق الأوسط ــ منها العراق ـ فالأمر يبعث على الأسى. فتقارير التنمية البشرية تشير دائما الى ان القراءة هي في ذيل اهتمامات المواطن العربي، فمعدل ما يقرؤه سنويا هو ربع صفحة وذلك يتطلب ست دقائق فقط سنويا !!، بينما يكرس المواطن الأوربي 200 ساعة سنويا للقراءة، ويصدر في أوروبا مئتا كتاب مقابل كل كتاب يصدر في العالم العربي. هكذا أصبحنا نصطدم بتقارير ومتابعات تقول (ان أمة أقرأ تحولت الى أمة لا تقرأ). يعزو البعض ذلك الى الأرقام المخجلة في نسبة انتشار الامية (أكثر من 70 مليونا)، خصوصا بين النساء، وما يعانيه قطاع التعليم من تخلف في المناهج وطرق التدريس، ولا نغفل انتشار فضائيات النفط، ونوعية الثقافة السطحية التي تروج لها في برامجها والمسلسلات التي لا تكتفي بالابتعاد عن الواقع وانما تتعمد تزوير الوقائع والتاريخ. ولتتأكد من هذا تخدع نفسك يوما، وتدخل في نقاش مع (مثقف)! ـ عن شخصية في تاريخ العراق المعاصر، وإذ ترد معلومة ما، وتحاول عرض رأي أخر مغاير، حتى تصطدم بإصرار غريب على ما يقول ويتبين لك ان مصدره الموثوق هو المسلسل التلفزيوني الفلاني! لهذا لم استغرب كثيرا يوم كتب لي أحد المعارف، من اصدقاء الـ (فيس بوك) بأنه معجب بمقال لي منشور مؤخرا لكنه وجده طويلا، وحين عدت الى المقال وجدته 400 كلمة فقط.
وارتباطا بكل ما تقدم، صار منطقيا ظهور نوع جديد من النصوص والكتاب، أولئك الذين يطبخون وينشرون نصوصهم (= بوستاتهم) على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، على طريقة وجبات الطعام السريعة (Fast Food)، اكلات تحضر بسرعة، لا تشبع وغير صحية، لكنها لذيذة المذاق فيها كثير من البهارات والصاص، هذه النصوص هي خلطة حكايات سطحية (بطولات ربما!) مع صاص التهكم وبهارات الايحاءات (ممكن تكون جنسية)، مع قليل من أفكار ليبرالية (لا مانع من شتم الطائفية)، ليس مطلوبا هنا الاهتمام باللغة، ويمكن تغليفها ببعض الامثال الشعبية وثم تناولها وأنت في ...!
تجمع هذه النصوص في كتاب، ينظم لها حفل توقيع لينصبّ الكاتب / الكاتبة على أثرها مبدعا له مريدوه و(معجبون!) بالعشرات، بينما زيارة الـ (فيس بوك) والتوقف عند صفحة كاتب عراقي مخضرم، أفني عمره في اغناء الثقافة العراقية والعربية بنصوصه الأدبية المتفردة، وأوجد له أسلوبا متفردا في السرد، نحته وصقله بالاجتهاد والصبر، تجد ان متابعيه معدودون وأغلبهم من معارفه! وعلى تواضع تجربتي الادبية، مررت بهذا الحال أيضا، إذ لطالما نشرت نصوصا قصصية، في دوريات عراقية ثقافية عريقة، فأعيد نشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، أقول ربما تصل الى بعض القراء، فأتعلم شيئا من ملاحظاتهم وتعقيباتهم. بعد أيام، أجد ان من مر هناك فقط بضعة انفار وجلهم من معارفي. الأيام القليلة الماضية وإذ استمتع بطقوس ما سميته (العزوبية المؤقتة) أثر سفر شريكة حياتي بعيدا وغيابها عن البيت، فجربت دخول المطبخ، وحاولت التفنن بطبخ اكلة (تبسي مشكل) العراقية، وعّن لي ان اضع صور الطبخة على موقع الـ (فيس بوك)، وخلال وقت قياسي انهالت وبالعشرات التعليقات والكومنتات والاعجابات والقلوب والاعتراضات و...، وما تزال مستمرة ويمكنك التأكد من ذلك...
ــ (ما يكفي دمع العين يا بوية ...)
وسنلتقي.

60
 
هلسنكي تدرس خيار الانضمام إلى حلف الناتو!

نيران الحرب الروسية في اوكرانيا.. هل ستصل إلى فنلندا؟


هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز


مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، تمر العلاقات الروسية الفنلندية في أحرج مراحلها، وبدا أن حلف الناتو والولايات المتحدة الامريكية نجحتا في إثارة مخاوف وعدم ثقة فنلندا والعديد من دول المنطقة بالجانب الروسي، وضرورة الاستعداد للخطوات القادمة التي قد يلجأ لها حاكم الكرملين الغاضب، ومنها الحرب.  وإذ نشطت الدبلوماسية الفنلندية في البدء لمحاولة تجنب الحرب في أوكرانيا، فبعد حدوثها واستمرارها واستعصاء محادثات السلام الجارية بين الطرفين الروسي والاوكراني، بدا أن مسألة ضمان أمن فنلندا هي الأولية الأساسية للقيادات السياسية الفنلندية، وتبعا لذلك تغير كثيرا مزاج الشارع الفنلندي،  فبعد أن كانت فنلندا طويلا راضية وتتبع ما سمي بسياسة (الباب المفتوح) التي تتمثل في عدم الانضمام إلى حلف الناتو ولكن في الوقت نفسه عدم إغلاق الباب في التنسيق والتعاون مع الحلف في نشاطاته، وتبعا لهذا شاركت فنلندا في قوة حفظ السلام في أفغانستان، وعدد من المناورات العسكرية للحلف. تصاعدت مؤخرا الدعوات من قادة العديد من الأحزاب السياسية في البرلمان الفنلندي، بالدعوة للانضمام السريع إلى حلف الناتو كخيار أساسي، واشارت الدراسات الاستقصائية لشهر آذار المنصرم أن 60 بالمائة من الفنلنديين يؤيدون الآن الانضمام إلى الناتو وان النسبة قفزت 43 نقطة عن الخريف الماضي، واعلى مستوى لها منذ عام 1998. ورغم ذلك بدا ان القيادة الفنلندية، رغم مخاوفها، لا تريد اتخاذ قرار يؤثر مستقبلا على علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا، الجار الأكبر، حيث الحدود بينهما تمتد لأكثر من ألف وثلاثمئة كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة، كما أن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية متشابكة تاريخيا ومرت في منعطفات كثيرة.
مؤخرا طرحت وزارة الخارجية ما سمي بالكتاب الأبيض، وهو تقرير وزارة الخارجية، الذي يتناول الخيارات المطروحة أمام فنلندا لضمان أمنها آخذة في الحسبان علاقاتها مع روسيا. وأشار وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو (حزب الخضر) في أحاديثه الصحفية إلى أن التقرير لا يتضمن أي استنتاجات أو يقدم مبادئ توجيهية جديدة للسياسة الأمنية. وأوضح بان (التقرير يهدف إلى إتاحة الفرصة للبرلمان للمشاركة في نقاش واسع وشامل حول السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية). ويذكر أن نصف التقرير يتناول قضايا الأمن الخارجي والسياسة الدفاعية، بينما يبحث النصف الآخر في الآثار الاقتصادية وأمن الإمدادات ومستوى استعداد فنلندا. ووصف التقرير غزو روسيا لأوكرانيا بأنه (انتهاك صارخ للقانون الدولي ويهدد أمن واستقرار أوروبا بأكملها)، وعن هذا قال هافيستو (إن الوضع الأمني في أوروبا وفنلندا أكثر خطورة وأصعب توقعًا من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. من المتوقع أن تستمر التغييرات لفترة طويلة)، وبين أن فنلندا حاولت الحفاظ على العلاقات الثنائية مع روسيا ضمن الحدود التي تسمح بها العقوبات المفروضة على روسيا. واحد من اهم الخيارات المطروحة في التقرير، هو الانضمام السريع إلى حلف الناتو، وهذا القرار، حتى لو تم فهو لا يحدث اوتوماتيكيا، بل يمر بمراحل، فرئاسة الجمهورية والوزراء عليهما اخذ موافقة البرلمان الفنلندي في تقديم الطلب لقمة الناتو القادمة في مدريد نهاية شهر حزيران.  وارتفعت في فنلندا الأصوات التي تنادي بضرورة اجراء استفتاء شعبي على مثل هذا القرار الخطير ولا يكفي تصويت البرلمان، رغم انه منتخب شعبيا في انتخابات ديمقراطية. وعند تسلم قيادة الناتو الطلب الفنلندي، فهناك مدة شهر لدراسته وتقرير أهلية فنلندا للانضمام للحلف، ينتقل بعدها الطلب إلى برلمانات دول حلف الناتو لدراسته. ويشير الكثير من المراقبين ان هذه العملية ستمر بسلاسة كبيرة، فقيادة الناتو والعديد من الدول الاعضاء طالما طالبت فنلنداــ ومعها السويد ــ للانضمام، معا إلى الحلف.  وبرز هذا الاحتمال كثيرا إثر الزيارة التي قامت بها رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين (الاشتراكي الديمقراطي) إلى السويد والتقت نظيرتها السويدية ماجدالينا أندرسون (الاشتراكي الديمقراطي)، ولتصرح بان قضية طلب الانضمام إلى حلف الناتو ستحسم خلال أسابيع وليس خلال شهور.
الجانب الروسي لم يسكت عن هذا كله، فالرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، حذر من أن روسيا ستضطر إلى تعزيز دفاعاتها في منطقة بحر البلطيق، بما في ذلك عن طريق نشر أسلحة نووية، إذا انضمت فنلندا والسويد إلى الناتو. وفي ظل هذه الأوضاع، يخيم شبح الحرب في المنطقة، تحسبا لفعل تأديبي ما يقوم به الجانب الروسي ضد فنلندا، ربما في الفترة التي تلي تقديم الطلب وقبل منح العضوية فعليا. فعقدت الحكومة الفنلندية عدة صفقات لشراء أسلحة نوعية، بل وراحت القوات الفنلندية تكثف من تدريباتها بما في ذلك القوات الخاصة بحماية العاصمة، هلسنكي، بالاشتراك مع قوات الشرطة وقوات المتطوعين. وتعالت الأصوات بما ذلك من جهات رسمية، تدعو إلى تخزين ما يكفي من الماء الصالح للشرب تحسبا لتسميم المياه، والشموع تحسبا لانقطاع التيار الكهربائي، وسلة غذائية تكفي لأسبوع أو أكثر، بل وحتى مبلغ من المال، تحسبا من هجوم سيبراني (هجوم إلكتروني) يعطل عمل البنوك، وكل هذا يترافق مع تكرار التصريحات بأن فنلندا تواصل الدبلوماسية (النشطة والاستباقية) ـ على حد تعبير وزير الخارجية ـ وتعزز أمنها وقدرتها الدفاعية.
فهل الحرب قادمة إلى فنلندا، أم أن الشعب الفنلندي يضع جانبا تاريخ الحروب والصراعات في المنطقة، ولا يتجاوز الجغرافيا، لأنها تملك دائما حقيقة واقعة، إذ لا توجد وسيلة للهرب من العلاقات السلمية بين الدول والشعوب المتجاورة. ومن أجل المحافظة على المنجزات الديمقراطية للشعب الفنلندي، فأن السلام مطلوب في المنطقة وضروري جدا.
 

61
تأملات للمناقشة  .. (3)   
الدّال القاتلة
يوسف أبو الفوز
كثيرون يعرفون، الكاتب الروسي الشهير مكسيم غوركي ( 1868 - 1936) الذي اشتهر بصداقته للقائد الثوري الروسي لينين، منظر وقائد ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917، وأيضا تعقيدات علاقة غوركي مع ستالين، الذي أُتهم بكونه ربما يكون سببا في وفاة غوركي، لمعارضته الستالينية وتضيقها على حريات المثقفين، ولكن ربما البعض لا يعرفون بأن مكسيم غوركي صاحب الرواية الشهيرة (الأم)، التي تتلمذ على سطورها كثير من الثوريين والمثقفين اليساريين في العراق، لم يكمل في المدرسة الصف الثاني الابتدائي، بل قامت أمه بتعليمه في البيت، ثم ألحقه جده لأمه، بدروس محو الامية في الكنيسة، وحتى هذه الدروس توقف عنها غوركي وتركها بعد أصابته بالجدري. عند مراجعة سيرة غوركي الأدبية، سنجد أنه اعطى واحد من أشهر مؤلفاته، الذي كتبه عام 1923، عنوان (جامعاتي)، ويصف النقاد هذه الكتاب بكونه قطعة أدبية استثنائية من أعماله، ففيه يتحدث عن ذكرياته كطالب للعلم، وكيف تعلم الكتابة، وكيف تتلمذ من قراءة أشهر مؤلفات مختلف الكتاب بالإضافة الى تجارب الحياة، فهو من خلال هذا العنوان يريد القول بأن الحياة هي أهم جامعة في حياة الانسان، تقدم له التجربة وثم الحكمة، وبالتالي تخلق منه أنسانا ذو مكانة ما.
ولا نختلف، بأن من حق الانسان، أي انسان، ان يفتخر بأي إنجاز يحققه في حياته الشخصية، لهذا تم ابتكار ما سمي (السيرة الشخصية) أو ما يعرف بالـ CV، فعند تقديم طلب للحصول على وظيفة ومكان عمل في مكان ما، يفترض من صاحب الطلب أن يقدم كشفا بما حققه من إنجازات عمل، وأيضا يسجل الشهادات التي حازها والجامعات التي درس فيها ... الخ، فهي تعتبر دليلا على اجتهاده ونشاطه وسعيه لامتلاك ناصية العلم.
يثير انتباهي دائما أولئك الذين يصرون على استخدام القابهم الأكاديمية بمناسبة وبدون مناسبة، وكأن هذا اللقب هو من يصنع شخصيته ويعبر عن مواقفه ووجهات نظره، وأتذكر في أيام النظام الديكتاتوري الصدامي أن البعض من أصحاب لقب (الدكتوراه)، الذين كتبوا بأسماء مستعارة، في دوريات ونشرات المعارضة العراقية ــ وما أكثرها! ـ وللغرابة لم ينسوا استخدام لقب (الدكتور) مع أسمهم المستعار! وكأن القارئ بدون هذه (الدال) سوف لن يستوعب ما يحويه النص من وجهات نظر!!
قبل أيام، طالعني في أحدى الصفحات الثقافية، في أحدى الدوريات العراقية، الصادرة في بغداد، نص قصصي، وللأمانة أعرضت فورا عن قراءته حالما وجدت ان الكاتب لم ينس ان يضع (الدال) القاتلة امام أسمه. ربما في مقال صحفي، بحث أكاديمي وعمود صحفي، تكون هذه (الدال) موجبة وربما لازمة، فهي تعطي القارئ فهما ما عن طبيعة الكاتب ومرجعيته التعليمية والأكاديمية، لكن مع نص قصصي أو قصيدة، أجد شخصيا ان هذه (الدال) القاتلة ليست أكثر من حاجز بين القارئ والنص، تبعده عن رسم صورة مقبولة للكاتب، تساعد في تقبل رسالته الإنسانية. ورحم الله مكسيم غوركي، الذي أطلق مثقفون معاصرون له على شقته اسم (أكاديمية غوركي)، إذ غالبا ما يجتمع 30-40 شخصية ثقافية في غرفة الضيوف يتداولون في مختلف الشؤون ويتعلمون من بعضهم البعض. كان غوركي طول حياته ومنذ شبابه يكرر وباستمرار قوله بانه لم يكن (يكتب)، بل (يتعلم الكتابة) فقط.! وسنلتقي 

62
المؤتمر الحادي عشر لحزب التجديد والشباب
يوسف أبو الفوز


عقد الحزب الشيوعي العراقي، على طول تأريخه الزاخر بالبطولات والمفاخر، منذ تأسيسه في اذار 1934، ورغم كل الظروف السياسية التي مرت بها البلاد، إحدى عشر مؤتمر حزبيا، بين مؤتمرات سرية وعلنية، لكنها كلها عقدت في أراضي الوطن، سواء في بغداد أو في كردستان، وكل مؤتمر منها كان محطة مهمة للمراجعة والتقويم، لعموم سياسة الحزب الى جانب أداء قيادته السياسية. ويفتخر الشيوعيون العراقيون، بكون حزبهم يكاد يكون الحزب العراقي الوحيد، الذي تنشر الوثائق المعدة لمؤتمراته علنا، وتخضع للنقاش العام، ليس من قبل أعضائه وجماهيره، بل ومن عموم أبناء الشعب العراقي.
كان لي شخصيا شرف ان أكون واحدا من 319 مندوبا و56 مراقبا، شاركوا في اعمال المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي العراقي، التي عقد مؤخرا في بغداد، للفترة   24 - 28 تشرين الثاني 2021، تحت شعار (التغيير الشامل: دولة مدنية ديمقراطية وعدالة اجتماعية).  حيث ناقش المؤتمر برنامج الحزب ونظامه الداخلي والتقرير السياسي، وانتخب قيادة جديدة، حيث جرت اعمال المؤتمر في أجواء سياسية اتسمت، كما وصفتها وثائق المؤتمر بـ (استمرار حالة الاستعصاء السياسي بين القوى المتنفذة، جراء محاولاتها المستميتة لخلق موازين قوى جديدة تحقق مصالح بعضها على حساب منافسيه بلغت حدة الصراعات أحيانا مستوى خطراً، خصوصا مع تغول المليشيات وسلاحها المنفلت).وخرج المؤتمر بقرارات وتوصيات عديدة،  منها ما يتعلق بمراجعة سياسة التحالفات، الحرص على الديمقراطية داخل الحزب، الاهتمام بالصراع الفكري وحق الأقلية بالنشر في صحافة الحزب، ولكن واحد من اهم الموضوعات التي توقف عندها المؤتمر، هو العمل بين الشباب وعلاقة الحزب بالأجيال الشابة الجديدة، خاصة تلك التي عمدتها انتفاضة تشرين الباسلة بالدم، الانتفاضة التي أعلن الحزب انحيازه التام لها، بل ومشاركا فيها وداعما لمطالبها الوطنية المشروعة.
يعمل الشيوعيون العراقيون بتفان، لأجل اهداف حزبهم، لبناء العراق المدني، ولأجل هذا ينشطون في منظمات المجتمع المدني، ومنظمات الشباب، خصوصا المنظمة العريقة اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ( تأسست عام 1951)، وأيضا في اغلب تنسيقيات الحراك الجماهيري في كل المدن العراقية، ونصب اعينهم كما حدد برنامج الحزب الذي ناقشه واقره المؤتمر (نشر الوعي الوطني وروح المواطنة والقيم الإنسانية والتقاليد الديمقراطية والثقافة التقدمية في أوساط الشبيبة والطلبة، بجانب إشاعة قيم التآخي بين القوميات، وتكريس مفهوم الوحدة الوطنية، والاهتمام بتطوير نتاجهم الثقافي، وتخليصهم من آثار المفاهيم الفاشية الشوفينية وضيق الأفق القومي والطائفية ونزعات عسكرتهم. )
لم يكن غائبا عن مندوبي المؤتمر الحادي عشر، واقع بان الشباب ممن تكون أعمارهم اقل من 30 سنة، يشكلون 68٪ من عدد سكان العراق البالغ 40 مليونا، حسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية للعام 2021، مع حقيقة تدني نسبة مشاركتهم في صياغة المشهد السياسي، التي قدرت قبل انتفاضة تشرين/ اكتوبر 2019 كونها لا تزيد عن 2٪ تبعا لحساب معدل عمر نواب البرلمان والوزراء وقادة الأحزاب الحاكمة. وأمام هذا الواقع، وتصاعد دور الشباب في المشهد السياسي من بعد اندلاع الاحتجاجات في تشرين/ اكتوبر 2019، أصبحت مهمة وجود الشباب في تشكيلة قيادة الحزب، ضرورة لا مناص منها، وهكذا جاءت نتيجة المؤتمر بوجود مرشحين لقيادة الحزب من شباب الانتفاضة تتراوح أعمارهم ما بين 24 ـ 35 سنة، وفاز منهم عدد غيّر من قوام اللجنة المركزية بنسبة 42٪ ، بحيث اصبح متوسط عمر قيادة الحزب 48 سنة، مقارنة بالمؤتمرات السابقة ، فالمؤتمر العاشر للحزب 2016 كانت النسبة  فيه 53٪ .
قدمت انتفاضة تشرين أكثر من 700 شهيد وأكثر من 25 ألف جريح و عشرات المخطوفين، بينهم اعداد ليست قليلة من أعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي، وهذا الجيل، جيل الاحتجاجات والانتفاضة، الذي عمد كلمته وصوت احتجاجه بالدم، لا يمكن له الا السعي بمثابرة عالية، في دفع عملية التغيير الى الامام لأجل ( الخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والطائفية السياسية، وتحقيق الوحدة الوطنية وتدشين بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية) كما حددت وثائق المؤتمر الحادي عشر، حيث كان للشباب حضورهم وصوتهم الفاعل والمطلوب ان يكون دائما، في مؤتمرات الحزب القادمة والنضالات الجماهيرية، لأجل الوطن الحر والشعب السعيد .

63
تأملات للمناقشة   (2)

ترند.. الشاعر الكبير!

عرفنا وسمعنا، وقرأنا كثيرا عن الطرق والأساليب الإعلامية الملتوية والمتوارثة والمتبعة في هوليود، التي اصبحت تقليدا، حتى لو تم اللجوء فيها لاختلاق قصص حب وخيانة وهمية وفضائح مفبركة، لتلقي وسائل الاعلام الضوء الكافي على فيلم ما وابطاله كطريقة لتسويقه وانتشاره وبالتالي تضمن نجاحه عند شباك التذاكر. وأتابع، مثل غيري، ما يفعله البعض من كتاب وفنانين في بلادنا العربية، بالتعاون مع صحف (التابليود) وقنوات النفط التلفزيونية، حيث جهل بعض من الاعلاميين الذي كثيرا ما يفضح غباء الضيف وتناقضاته. فلأجل خلق هالة ما حول أسمائهم، يلجأ البعض من المثقفين العرب ــ ومنهم عراقيين ـ لأن يكون كرماء مع الإعلاميين لاستضافتهم على برامجهم ليحدثونا عن آخر فساتينهم وقمصانهم وابراجهم وطبخاتهم و.. (خذ هذه ألف دولار فلوس قهوة)، البعض يستعيد تراث جده حاتم الطائي، فيعتمد أسلوب الولائم وما يرافقها من أجواء مسلية !، والبعض الاخر يتبع أسلوب خالف تعرف، لأجل ان يبقى اسمه (ترند) حسب تعابير ومفاهيم عالم وسائل التواصل الاجتماعي. هناك فئة من المثقفين، كتاب وفنانين، تلجأ الى أساليب أقل تكلفة ماديا، لا تكلفهم سوى خط كلمات وتعابير ما امام اسمهم: الكاتب والإعلامي، الناقد، الفنان التشكيلي، الفنان الشامل، و.. كأن الناس ليس لديها قدرة على التمييز بين كاتب وطبيب عيون أو .. ، مع ذلك فأن هؤلاء أهون بكثير من الذين يطلقون على إنفسهم، بإنفسهم ، القابا مثل : المبدع، الكاتب الكبير، المثقف الـ .. ، ...
قبل فترة، من شهور، كتبت على الخاص في برنامج المحادثة (الماسنجر) لكاتبة عربية، من أصدقاء مقهى فيس بوك: (انت امرأة جميلة، ولديك موهبة واضحة، فأرجوك لا تكتبين امام اسمك "الكاتبة الكبيرة "، انت لست امرأة عجوز، ما زلت شابة مثل زهرة ربيعية.). لا أعتقد انها فهمت ما اقصد، وربما فهمت واصرت على إغاظتي، اذ بعدها بيومين نشرت صورتها مع تعليق: الكاتبة الكبيرة فلانة بنت فلان تطبخ الـ...!
لطالما اغاظني إطلاق الصفات المجانية بدون ترو على كتاب وشعراء وفنانين، والمؤلم هنا ان البعض من هؤلاء المثقفين يرضى بذلك، ويصدق حين يقال له انه "كبير"، دون ان يدري بكون هذا اللقب منقصة له وإساءة، وان الكبار الحقيقين دائما ما امتازوا بالتواضع. وكان لي يوما، في دمشق، دردشة حول هذا الامر مع الشاعر العراقي سعدي يوسف، وأرتضى الرجل استخدام كلمة (المبدع) ان أطلقه الاخرين على المثقف، فهو يرى ان الشعراء الحقيقيين يستحقونها.
في الأيام الأخيرة، لاحظت ان ثمة شاعر، لست معنيا هنا بعلامات الاستفهام عن تأريخه في زمن الطاغية صدام حسين، ولست معنيا ايضا بمحتوى نصوصه سواء التي كتبها للحرب الصدامية العدوانية أو "أغانيه المدنية" التي كتبها لاحقا، لكن أثار انتباهي لقب (الشاعر الكبير) امام أسمه، فخطر في بالي سؤال: يا ترى ماذا أبقوا للجواهري والسياب؟ .. وسنلتقي!



64
 

مساهمة في استفتاء المدى عن تسيّد الرواية للمشهد الثقافي.
يوسف أبو الفوز


كتب المحرر علاء المفرجي .. الشعر أم الرواية.. هل سيبقى الشعر ديوان العرب الى عقود وقرون أخرى أم أن الرواية هي الأقدر على تصوير معاناة المجتمعات الحديثة، والأصدق في التعبير عن آلامها وآمالها..هل تراجع الشعر أمام الرواية في عصرنا، وهو الأصيل في خصائصه الفنية، ما الاسباب التي يظن البعض أنها جعلت الشعر يخلي مكانه الى الرواية، في العقود الثلاث الاخيرة. فمن المعروف أن نشأة الأجناس الأدبية تخضع لضرورات اجتماعية، وربما تنقرض لأسباب مماثلة، كما حدث بالنسبة للملحمة التي حلَّت الرواية مكانها كما يرى مؤرخو الأدب..
سؤال طرحناه على مجموعة من النقاد والشعراء والروائيين. فكانت إجاباتهم:

الروائي يوسف أبو الفوز: الرواية سجل شامل لأحوال المجتمعات

يوما قال الفقيد المفكر هادي العلوي، وكان في العراق حينها 30 مليون نخلة، بأن (تحت ظل كل نخلة عراقية يجلس شاعر عراقي)، لكن كل هذا تراجع الان، عدد النخل، ودور الشعر، وتقدمت الرواية كجنس أدبي لتتسيد المشهد الثقافي في العراق وفي عموم البلاد العربية. كيف حصل ذلك؟
لن نختلف حول ما يجمع عليه النقاد والدارسين لشؤون الادب من كون الشعر ولقرون طويلة كان هو الجنس الأدبي الأنسب لحياة القلق والترحال والرعي والبداوة للمواطن العربي عموما، سواء الذي عاش في الصحراء أو في الريف، فالشعر كان الأنسب لكونه أبن اللحظة الآنية والانفعال الذي يقتنصه الشاعر في صورة شعرية ليعرض فيه أحاسيسه وانفعالاته وانشغالاته بقضاياه.
اما الرواية، فهي ابنة المدينة، والمدينة هنا ليست الأبنية والشوارع، وانما البيئة وتعدد الطبقات، والمجتمع المختلط وثقافة الحوار وغير ذلك. ونعرف بأن الرواية بدأت بنصوص متواضعة، وتطورت مع تطور المجتمع العربي وتأثرت كثيرا بالنهضات الفكرية، فهي كانت نتاج التواصل التاريخي مع الثقافة الاوربية وتأثير الترجمة، والمحاكاة، الخلق والإبداع. وان ما يؤهل الرواية لتكون هي (ديوان الادب) كما يقال، هو طبيعة النص الروائي، كونه جنس أدبي يمكن للكاتب من خلاله ان يقول أشياء كثيرة، فهي الأنسب للكاتب مستعينا بحرية الحركة في المكان والزمان، وتعدد أساليب السرد للبوح بالكثير ليقدم رسالته. هكذا أصبحت الرواية سجلا شاملا لأحوال المجتمعات وما تعانيه من هموم تتعلق بالحرية، الهوية، المنفى، الحروب، احوال المرأة والاستبداد السياسي والديني وغير ذلك، وأهل ذلك الرواية لتكون سجلا تاريخيا جماليا لمسيرة المواطن العراقي في العقود الأخيرة.

65
يوسف أبو الفوز في القاهرة ... مناقشة وتوقيع رواية جديدة 
متابعة ثقافية ــ المدى
المدى البغدادية . العدد (5144) - الأحد (13)  آذار 2022
على قاعة المركز الدولي للكتاب، وسط العاصمة المصرية، القاهرة، استضافت الهيئة المصرية العامة للكتاب، الكاتب يوسف أبو الفوز، مساء الإثنين، 28 شباط/ فبراير الماضي، لمناقشة وتوقيع روايته (جريمة لم تكتبها اجاثا كريستي)، الصادرة عنها حديثا. ناقش الرواية كل من: الناقد الدكتور رضا عطية، الشاعر والكاتب أسامة جاد والكاتب والفنان احمد الجنايني. اجمع المتحدثين على الإشادة بالرواية بكونها رصدت بشكل فاعل واقع وهموم الشباب العراقي والعربي من خلال موضوع الهجرة واللجوء. أشار الناقد د. رضا عطية في حديثه الى سعادته في المساهمة في النقاش اذ سبق له وشارك في قراءة ونقاش عدد من الاعمال الادبية العراقية، خصوصا ما يتعلق بما سماه (الابداع العراقي المتعلق بالمكان الاخر، سواء كان المنفى أو المهجر) وبين ان رواية أبو الفوز إذ تتناول موضوع المكان الاخر، فهي تستدعي المكان الأول، أي الوطن والمنشأ ببراعة وتتحدث عنه، واشاد بأسلوبية الرواية في اشراك القارئ في احداثها، من خلال اثارة الأسئلة التي يطرحها الراوي العليم، أو في ترك الكاتب بعض الجمل مبتورة عن عمد دون اكمالها، وقرأ مقاطعا من الرواية لاستدلال على حديثه.
الكاتب والفنان أحمد الجنايني بعد مقدمة أشاد بها بمكانة الأدب العراقي، بين ان عنوان الرواية الملفت، خلق عنده في البدء تخوفا من ان تكون مجرد رواية بوليسية عادية، تحكي عن جريمة باستدعاء مفتش شرطة على غرار قصص اجاثا كريستي، لكنه ما البدء بالقراءة واجهه عمل ادبي مشغول بحرفية، وبهموم واوجاع الوطن، وان مفتش الشرطة لم يكن سوى جسرا للعبور والمرور بإحداث يعيشها الوطن العربي والشباب العربي ويأخذنا معه الى ما لا نتوقع كل مرة. بينما أشار الشاعر والكاتب أسامة جاد الى كون الرواية، نجحت في تسليط الضوء على معاناة قطاع من الشباب، ليكونوا قضية عامة يواجهها الشباب العربي، الباحث عن حياة أفضل، فجاءت الرواية كسيرة للمنفى. وبين ان الرواية اعتمدت في السرد اساليبا متعددة، وفي بعض فصولها اعتمدت الإيقاع الشعري، الذي يستمد اسلوبيته من القصيدة، وذلك بانتهاء الجملة بكلمة، وسرعان ما تبدأ الفقرة اللاحقة بذات الكلمة، وهكذا في حركة دائرية، تذكر بالشعر، كما أشاد بكون الرواية طرقت باب التابوات المعروفة في المجتمع العربي، خلال تناولها سلسلة من الجرائم التي اشارت لها، كجرائم الشرف، وتحركت الاحداث والشخصيات في الرواية بإحكام مثل لعبة شطرنج.
في حديثه ، شكر الكاتب يوسف أبو الفوز ، الجميع، المنظمين والحضور والمناقشين ، على الحفاوة والنقاش، وبين انه في عمله هذا، واعمال روائية سابقة، مكتوبة خارج وطنه العراق، حرص على عكس الهم العراقي دائما، فهو وان كان في روايته الحالية يتناول حياة العراقيين في فنلندا، فهو اجتهد لتغطي روايته واقع حياة الشباب العراقي الذي يواجهون جريمة سرقة وطنهم وبالتالي فقدان كرامتهم، واملهم في حياة طبيعية، نتيجة لواقع سياسي واجتماعي جاء نتيجة لحكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، مما دفع بالشباب العراقي للاضطرار للهجرة كنوع من الاحتجاج على تدهور الأوضاع وغياب الامل بحياة طبيعية. وبعد إجابة أبو الفوز على العديد من الأسئلة من قبل الحاضرين تم توقيع نسخا من الرواية.

 

66
قاسم ... لا تغلق الباب تماما!

يوسف أبو الفوز


يوما، في ليل عدن، في تلك الأعوام البهية، كنا عشرة شيوعيين، طلابا في الدورة العسكرية الخاصة، وفي ساعة حنين غنينا حد طفرت دموعنا. كان حامد بقامته النحيفة، يدور في شقتنا في (الشيخ عثمان) يغلق الشبابيك حتى لا تصل أصوات نشجينا الى الجيران، وكان سامي، وهو يقرض أضافر أصابعه، يضحك على جنوننا، وهشام مسبلا عيونه يقود الجوقة بحماس كأنه على خشبة المسرح الوطني:
(الى متى تمضي السنون
ويمزق القلب السكون
ونحن من منفى الى منفى ومن باب لباب
نَذْوِي كَمَا تَذْوِي الزَّنَابِقُ في التُّرَابْ
فقراء يا وطني نموت
غرباء يا وطني نموت
وقطارنا ابدا يفوت
ونحن من منفى الى منفى ومن باب لباب)
....
وها انت يا قاسم فجأة تغلق الباب الابدي خلفك وتتركنا، دون وداع، دون إيضاح، دون ...
كأنك تغادر الى (البريقة) لتشاهد فيلما وتعود لنا حاملا أكياسا من فاكهة لم نطلبها.
تغادر كأنك على موعد فتتأنق كعادتك دون الإلتفات لقفشات فائز المستفزة.
تغادر دون ان تلتفت، مدركا بأن نبيل وحسان سيلحقون بك، مثل كل مرة، قبل ان ...
رفيقي قصي ... لقد سبقك الرفاق من مجموعتنا الفريدة: حامد، حسان، نبيل، سامي، فائز ...
نحن قادومون، أنتظر، تمهل، لم يبق لنا سوى حفنة غصات وبضع احلام لم تكتمل، لكننا يا رفيقي فخورين بكوننا قدمنا لشعبنا وحزبنا كل شبابنا لأجل ان يسير هذا القطار صوب محطته الأخيرة، محطة (الوطن الحر والشعب السعيد)
وها انت تترجل أيها الفارس، دون اشعار، فأرجوك لا تغلق الباب تماما... نحن قادمون!


هلسنكي ـ الساعة الثالثة فجرا
 ٨ اذار ١٩٢٢
 

* الشهيد ملازم حامد : وهاب عبد الرواق
* الشهيد ملازم حسان : جبار شهد
*  الشهيد ملازم نبيل : نضال حمزاوي عبدنور
* الشهيد ملازم سامي : ناظم مصطاف عبد الأمير
* الراحل ملازم فائز : سلام جليل ابراهيم
* الراحل ملازم قصي : قاسم ناظم
* ...

** الصورة المرفقة لمجموعة الأنصار، في اول أيام وصولنا الى كردستان، وأظهر في طرف الصورة مع الراحل الرفيق قصي

 
 

67
الكاتب يوسف أبو الفوز في القاهرة


قال الروائي العراقي يوسف أبو الفوز، المقيم في فنلندا، لـ"بوابة الأهرام": أشعر بالسعادة والفخر لنشر رواية لي بالقاهرة، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ولمستُ خلال زيارتي وإقامتي في القاهرة قرابة أسبوع مدى حفاوة المصريين ودفء مشاعرهم تجاهي كإنسان، إلى جانب التفاعل الراقي من المثقفين والنقاد مع أعمالي كأديب، وهو التفاعل الذي تجسّد بشكل لافت خلال مناقشة روايتي الجديدة في ندوة بالقاهرة.
وكان "المركز الدولي للكتاب" بالقاهرة قد استضاف مساء الإثنين الماضي، 28 فبراير، الروائي العراقي يوسف أبو الفوز، لمناقشة روايته الجديدة "جريمة لم تكتبها أجاثا كريستي"، الصادرة في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. وناقش الرواية كل من: الناقد الدكتور رضا عطية، والشاعر والكاتب أسامة جاد.
وأضاف أبو الفوز، المولود في مدينة السماوة جنوب العراق عام 1956، وصاحب الأعمال القصصية والروائية "عراقيون"، "طائر الدهشة"، "تلك القرى.. تلك البنادق"، "تحت سماء القطب"، وغيرها، في تصريحاته لـ"بوابة الأهرام": "تجربتي في كتابة الرواية مزيج بين واقع أعيشه كمغترب في بلد يعج بالجنسيات والعلاقات المتشابكة المعقدة بين صراعات وحوارات، وبين تخييل فني أبلور به الشخصيات وأطلقها في مساحات متسعة خارج حدود الأرض الحقيقية الضيقة".
ويرى يوسف أبو الفوز أن الإبداع بإمكانه دائمًا تحرير الشأن الخاص ليغدو قضية عامة وشأنًا إنسانيًّا كبيرًا، ويقول: "تناولت في روايتي الأخيرة جريمة اغتيال فتاة عراقية في ظروف ملتبسة، ما فسّره المحققون كجريمة شرف. على أن الرواية تجاوزت منطق الجريمة في آليات المحققين وأدبيات أجاثا كريستي، لتحوّلها فنيًا إلى معان أرحب للاغتيالات المعنوية والانتهاكات الجسدية للكائن الآدمي عمومًا، إلى جانب ما قد تتعرض له بلدان وأوطان برمتها إلى قتل وتمزيق، ربما تحت شعارات براقة أيضًا مثل: الشرف!".
واختتم يوسف أبو الفوز بأنه على الرغم من المشكلات التي يعانيها العراقيون والعرب المغتربون في أوروبا، فإنه لا يتصور أن الصراع الحضاري هو الذي له الكلمة العليا في نهاية المطاف. فمهما زادت حدة الاختلافات، فإن ثمة مجالًا للالتقاء على قدر من المفاهيم المشتركة. لكن هذه المفاهيم الإيجابية المثمرة، لا تتحقق إلا بشروط خاصة، وبرغبة مشتركة من الطرفين في تقريب المسافات، وتبادل وجهات النظر بموضوعية، من دون عقد أو انحيازات مسبقة.


68
الى أين تقود سياسة شيطنة روسيا؟
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

أنتهت، ليلة الثلاثاء 15 شباط2022، المهلة التي حددتها وسائل الاعلام والإدارة الامريكية، للغزو الروسي للأراضي الاوكرانية، الذي بشرت وحذرت منه طيلة الفترة الماضية، وحشدت الحلفاء لمواجهته، وكان سببا لحركة دبلوماسية، مكوكية، بين موسكو وعواصم مختلف دول العالم، التي زار زعمائها الكرملين ليجلسوا الى طاولة المحادثات مع رجل موسكو القوي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتفاجأ العالم، صباح الأربعاء 16 شباط 2022، بإعلان وزارة الدفاع الروسية، عن انتهاء مناوراتها وتدريباتها العسكرية وسحب أجزاء من قواتها المحاذية للأراضي الأوكرانية، وسرعان ما ظهر العديد من المسؤولين الغربيين، في وسائل الاعلام، يتقدمهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ليقول (لم نشهد أي تخفيف للتصعيد على الأرض، بل على العكس، يبدو أن روسيا تواصل الحشد العسكري).
ماذا يا ترى يريد الغرب من روسيا؟ وماذا تريد روسيا؟ وما أسباب الازمة وكيف ستمر؟ وعشرات الاسئلة التي تخطر في بال المتابع، وهو يرى الأجواء الملبدة التي قادت الى شفا الحرب!
ابتدأت الأزمة باعتراضات روسيا الشديدة على الجولة، التي قام بها قادة حلف الناتو، أواخر العام الماضي، بوفد عال المستو، الى بعض البلدان المجاورة لروسيا، منها فنلندا واوكرانيا، وتجدد الحديث عن احتمال انضمامها الى حلف الناتو. أعلنت روسيا فورا اعتراضها القوي على هذه المحاولات لتوسيع حلف الناتو بشكل يهدد آمنها ومصالحها في المنطقة، وابتدأت بتحريك قواتها باتجاه الحدود الاوكرانية، معلنة عن اجراء تدريبات عسكرية، أعتبرها البيت الأبيض الأمريكي، ومعه حلفائه في حلف الناتو بأنها استعدادات لغزو أوكرانيا، بينما راحت روسيا تؤكد حقها في تحريك قواتها على أراضيها حتى وان كانت قرب حدود أي بلد. في حينه أعتبر العديد من الخبراء بشؤون المنطقة، منهم سفراء امريكيون سابقون في أوكرانيا وروسيا، ان بوتين من خلال هذه المناورات يسعى لتكون بيده ورقة ضغط خلال المحادثات في إدارة الازمة وأيضا في مراجعة الاتفاقات المعقودة سابقا بين البلدين.
وواصل زعماء الناتو، ومعهم البيت الأبيض الأمريكي، بحملات إعلامية متواصلة الحديث عن الغزو الروسي الوشيك، بطريقة وصفها بيرسي ألفارادو، الضابط السابق في الاستخبارات الكوبية، في تصريح لوكالة نوفستي الروسية، بأن محاولة (شيطنة روسيا) من قبل وسائل الاعلام الامريكية والغربية، ما هي الا مسعى لزيادة حدة التوتر حول موضوع أوكرانيا، ويكشف ذلك محاولات واشنطن لتغيير الوضع الجيوسياسي لصالحها لأجل الحفاظ على موقعها كقوة عظمى وقطب اوحد لقيادة العالم. وصبت في هذا الإطار تصريحات الخبير الاستراتيجي شين تشيانغ ، نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية بجامعة فودان، حسبما نقلت عنه صحيفة غلوبال تايمز، التي تصدر تحت إشراف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في افتتاحية لها، حيث صرح، بان  التوتر حول أوكرانيا تخلقه السلطات الأمريكية لأغراضها الجيوسياسية ، فالولايات المتحدة الأمريكية ، حسب تعبيره، بدأت في الربط بين استراتيجيتها لقمع روسيا، وكذلك الصين، باستخدام أوكرانيا في الحالة الأولى، وتايوان في الحالة الثانية. وأضاف بما أن واشنطن صنفت الصين وروسيا باعتبارهما منافستين رئيسيتين لها، فإنها تعتقد أن التشهير بهاتين الدولتين يمكن أن يزيد الضغط عليهما من المجتمع الدولي.
من جانبه كرر المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، بأن الانزلاق الى استخدام مفردات الحرب الباردة جاء ردا على السياسة الروسية الساعية لكسر سياسة القطب الواحد، التي ادانها الرئيس بوتين في خطابه خلال مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، حيث عرض الخطاب في حينه، حسب كلامه، تصور واضح للمشاكل الآنية للعالم وعرض بشكل منطقي ومتماسك وجهة النظر الروسية حول مشاكل البنية الأمنية الحديثة وحول المشاكل والتحديات في العالم، وان الرئيس بوتين، يومها خاطب ضيوف المؤتمر بصراحة.
ان المتابع للازمة، يرى ان سياسة روسيا الثابتة في معارضتها لدخول أوكرانيا الى حلف الناتو، لاقت قبولا وتفهما عند العديد من حلفاء البيت الأبيض الاوربيين، فمن اخر الزيارات الى موسكو، تلك التي اجراها المستشار الألماني أولاف شولتز ، والذي شغل لفترة وزارة الخارجية الألمانية، وكان شاهدا على الجهود الدبلوماسية الأوروبية المتواصلة، لنزع فتيل التصعيد بين الغرب وموسكو على خلفية الأزمة، وجاءت الزيارة في ليلة الموعد الأمريكي المرتقب للغزو المزعوم، وإذ أعلنت روسيا سحب جزء من قواتها على الحدود الأوكرانية  حتى وصفها شولتز بأنها (إشارة جيدة) مضيفا أن لروسيا (دورا حاسما في الحفاظ على الأمن في أوروبا)، من جانب اخر ووفقا لعضو الكونغرس الأمريكي السابق تولسي غابارد، في حديثه لشبكة فوكس نيوز، كان يمكن للبيت الأبيض حل المشكلة الأوكرانية بشكل نهائي. إذ، يكفي تزويد روسيا بضمانات بأن أوكرانيا لن تنضم إلى الناتو، ومع ذلك، يتجنب الرئيس جو بايدن هذا الحل البسيط، لأنه يسترشد بمصالح صناعة الدفاع الأمريكية، التي تستفيد من حالة الحرب الباردة.
من الجانب الاخر، أن جولة في صحافة الحزب الشيوعي الروسي، والحزب الشيوعي الاوكراني، وبيانات قوى المعارضة الأوكرانية للحكومة الحالية، سنجد هناك أدانة للازمة واطرافها، وللتصعيد الذي تساهم به الإدارة الامريكية والسلطات الحاكمة في موسكو وكييف. فعضو البرلمان الأوكراني، فاديم رابينوفيتش، من حزب (المنصة المعارضة - من أجل الحياة) يتحدث عن بدء (حرب الغرب) ضد بلاده. فهو يقول (بدأت الحرب! لكن الغرب بالذات هو من يخوضها ضد أوكرانيا.)، ويستدل بحديثه بالأوامر التي صدرت من دول غربية لمواطنيهم بمغادرة اواكرنيا وكذلك اجلاء الدبلوماسيين والمستثمرين ووقف الحركة الجوية، فهو يرى ان المتضرر الأساسي بهذا الاقتصاد الاوكراني وبالتالي الشعب الاواكراني. اما زعيم الحزب الشيوعي االاوكراني،  بيتر سيمونينكو ، فأنه يدين النظام الحاكم في كييف ويصف اجراءاته صد تقييد الحريات الإعلامية بالجرائم ، بل ويصف الحكام كونهم (الأوليغاركيين النازيين بقيادة زيلينسكي ) ودعا الى تجميع قوى المعارضة لمحاربة الفوضى السياسية والاقتصادية ، وهو يرى بأن الازمة مع روسيا لن تقود سوى الى مآس للشعب الاوكراني، ويدين دول الغرب كونهم (إلى جانب الولايات المتحدة ، شركاء وملهمون للحرب الأهلية في الدونباس، ورعاة النازيين الجدد والمجرمين الذين استولوا على السلطة في أوكرانيا) ، اما الشخصية الشيوعية الروسية غينادي زوغانوف ، زعيم الحزب الشيوعي الروسي، ففي خطاب طويل له نشرته صحافة الحزب ومواقعه الاعلامية على شبكة الانترنيت،  فهو يرى ان الحكام الغربيون يسعون إلى وضع الروس والأوكرانيين ضد بعضهم البعض، ويرى بانه من الواضح أن هدف الغرب هو سلب واستعباد أوكرانيا من أجل الاستمرار في مواجهة روسيا وإملاء إرادتها على العالم. ويعتقد بان روسيا تجد نفسها في وضع صعب، حيث تنتقل الولايات المتحدة من خطوات توسيع الناتو والعقوبات الصارمة وحروب المعلومات إلى محاولات إعادة تشكيل نظام العلاقات الدولية برمته. وهو يرى بان سياسة بوتين لجعل روسيا واحدة من أكبر خمسة اقتصاديات في العالم، ومحاربة الفقر، ووقف التدهور السكاني وتحقيق تطور تقني، تتطلب وضع برنامج واقعي والحاجة إلى تغيير المسار الاجتماعي والاقتصادي، للتخلص من سياسة الأوليغارشية المتمثلة في نهب البلاد وإضعافها، وهو يرى ان الحزب الحاكم، حزب الرئيس بوتين يعارض كل البرامج والاقتراحات المقدمة من معارضيه، مما يقود البلاد الى مخاطر كبيرة، بما فيها أسلوب إدارة النزاعات مع الجيران.
 وإذ تبقى الازمة مشتعلة، فإلى اين يتوجه بوتين في سياسته، هل يستطيع احتواء محاولات الغرب لشيطنة بلاده لتحقيق مصالحها في المنطقة، أم يبقى فعلا كما تصفه احد الأغاني المنتشرة عنه في وسائل التواصل الاجتماعي (أريدك ان تكون رجلا مثل بوتين / ممتليء بالقوة، لا يهرب، .. ) أم ... !
 

69
أنتخابات الأقاليم الفنلندية
تراجع كبير لشعبية اليمين المتطرف في كل الدوائر

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

صوت الفنلنديون الاحد الماضي 23.1.2022، على اختيار مندوبيهم، في اول انتخابات إقليمية تجرى في البلاد، ارتباطا بسياسة الدولة في إصلاح الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية في فنلندا، المعروفة في وسائل الاعلام بالاسم المختصر Sote، تبعا لأول الحروف في الكلمات. قسمت عملية الإصلاح البلاد، الى 21 اقليما، يتولى تطوير مسؤولية الرفاهية للسكان، في تنظيم الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والطوارئ، والتي تغطي الدولة بأكملها إضافة إلى جانب العاصمة هلسنكي وجزر أولاند المتمتعة بالحكم الذاتي، حيث يتولى برلمان أولاند هذه الصلاحيات، وكذلك يفعل مجلس مدينة هلسنكي الشيء نفسه بالنسبة للعاصمة. حظي نظام الإصلاح الإداري الجديد، بنسخته الحالية، بدعم من قوى اليسار والوسط بينما عرقلته وعارضته طويلا أحزاب اليمين التقليدي والمتطرف، التي ارادت دورا أكبر للقطاع الخاص في قطاع الخدمات الصحية، ولطالما طرح للنقاش والتصويت في ظل عدة وزارات ومجالس برلمانية سابقة ولم يكتب له النجاح بنسخته السابقة، بل وتسبب في سقوط واستقالة حكومة اليمين عام 2019، حتى مجيء حكومة اليسار ـ الوسط على أثرها فنجحت بإقراره وتمريره في حزيران 2021. ووفقا لبرنامج الإصلاح الحالي بدلا من ان تكون الصلاحيات موزعة سابقا على 310 من مجالس البلديات، اختصرت الى 21 من مجالس الأقاليم على أمل تحقيق توفير في الانفاق العام والتسريع في تبسيط الإجراءات. يذكر ان هيئة الإحصاء الفنلندية قدرت أنه بحلول عام 2030، سيكون حوالي 26 ٪ من السكان أكبر من 65 عامًا، مقارنة بأقل من 20٪ وفقا لإحصاءات 2017، ومع حاجة استخدام كبار السن لمزيد من خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، ستصبح الحاجة للإصلاح ضرورية. وحيث سيتم نقل مسؤولية تنظيم الخدمات الصحية والاجتماعية والطوارئ من البلديات إلى مقاطعات خدمات الرفاهية، فأن البلديات ستظل مسؤولة عن تعزيز صحة ورفاهية سكانها، والاهم في هذا كله ان القطاع العام سيظل هو المنظم والموفر الأساسي للخدمات. وايضا ستكمل الجهات الفاعلة في القطاع الخاص والقطاع الثالث (المختلط) خدمات الصحة العامة والخدمات الاجتماعية. وسيتم إنشاء خمس مجالات تعاونية للرعاية الصحية والرعاية الاجتماعية لتأمين الخدمات المتخصصة، أيضا سيستمر السماح للناس باستخدام الخدمات الصحية والاجتماعية عبر الحدود الإقليمية.
وخاضت مختلف الاحزاب طيلة الشهور الماضية، حملات انتخابية حيوية، حيث ورغم إجراءات التقييد في الكورونا، تجول قادة مختلف الاحزاب ومرشحي احزابهم في غالبية المدن الفنلندية، بينما شهدت وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حضورا كبير للمرشحين ومناصريهم. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات 47.5 ٪، واعتبرت ضعيفة مقارنة بالانتخابات البلدية التي أقيمت في العام الماضي، حيث ان هذه اول انتخابات إقليمية، فلا يوجد رقم انتخابي سابق للمقارنة، وبهذا تكون سجلت انخفاضا بنسبة 55.1 ٪.
 والمتابع لنتائج الانتخابات والحياة السياسة الفنلندية، ومقارنتها بنتاج الانتخابات البرلمانية، وانتخابات المجالس البلدية، سيرى بأن أكبر الخاسرين، كان حزب الفنلنديين الحقيقيين، اليميني المتطرف، حيث تراجع الى المرتبة الرابعة بنسبة 11,1 ٪، بينما كان يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي الدورية، وعزا قادة الحزب اليميني المتطرف نتائجهم المريعة الى الاقبال الضعيف للناخبين بسبب جائحة الكورونا.  ورغم تصدر حزب الائتلاف الوطني الفنلندي ( يمين تقليدي) قائمة الفائزين بنسبة 21,5٪ من أصوات الناخبين، ويأتي بعده الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار)، حزب رئيسة الوزراء الشابة سانا مارين (35 سنة)، بنسبة 19,3٪،  الا نتائج أحزاب اليسار مجتمعة دفعت بأحد المراقبين لوصفها وكأنها عودة بألة الزمن الى تلك السنوات التي كان الفاصل فيها كبيرا بين قوى اليسار واليمين، حيث تصدرت من جديد قوى ما يعرف بالأحمر ـ الاخضر الصدارة، ورغم ان محللين سياسيين يرون ان هذا لن يؤثر على السياسة الفنلندية على المستويات البعيدة، الا انه وفقا لمحللين اجتماعيين يعتقدون ان الامر هنا، لا يتعلق بالموقف من سياسة توزيع الدخل بل تتعلق بالقيم الاجتماعية والثقافية.
وفي أول تعليق لها عن نتائج الانتخابات الإقليمية، قالت رئيسة الوزراء سانا مارين، وهي زعيمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي بنفس الوقت، ومعروف انها تقف على يسار حزبها في مواقفها، ان النتيجة تمثل (العودة الى تقدم الثلاثة الكبار، والعودة الى السياسة التقليدية الفنلندية، بعد عقد من هيمنة اليمين المتطرف على الشارع الفنلندي)، وهي تقصد تقدم حزبها وحزب الوسط واليمين التقليدي. ويذكران بعض التوقعات كانت تأمل ان حزب الوسط، سيحظى بموقع متقدم في بعض الأقاليم، حيث يتمركز جمهوره وانصاره من المزارعين، الا نتائجه وضعته في المرتبة الثالثة بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
واعربت زعيمة تحالف اليسار (يسار)، لي أندرسون، إنها مسرورة للغاية بالنتائج، بالنظر إلى أن هلسنكي لم تشارك في الانتخابات، وفقا للإصلاحات الإدارية، ويذكر ان سكان فنلندا يبلغون 5,5 مليون نسمة، يقيم أكثر من مليون ونصف منهم في العاصمة هلسنكي.
 


70
الروائي يوسف أبو الفوز:
 أجتهد في رواياتي وقصصي لعكس تأثيرات الثقافة الأخرى على العراقي المهاجر واللاجئ

أكتب لقارئ ذكي لا أريده الاسترخاء أثناء قراءة روايتي

ان المهاجر واللاجئ لا يقطع تذكرة سفر باتجاه

حوار: أمير الخطيب


يوسف علي هداد، المعروف بأسم يوسف أبو الفوز، روائي واعلامي، له تجارب غنية في الصحافة العراقية والعربية وكذلك الفنلندية.. هل تجد الافضل بالنسبة لك هو كتابة الرواية أم العمل الصحفي، وهل يمكن ان تحدثنا عن تجاربك الغنية في عالم الصحافة وعالم الرواية؟
ــ أدركت مبكرا ان القصة، وبالتالي الرواية هي بيتي، فأجتهدت بصيانة هذا البيت وتأثيثه. كتبت أول قصة قصيرة بمواصفات فنية في الثالثة عشر من عمري. أكتشف ذلك أستاذ اللغة العربية، في الصف الأول متوسط، بعدها جربت كتابة الشعر والقصة والمسرحية والمقال، عشت حالة من التشتت، حتى التحاقي بالدراسة الجامعية، عام 1975، وممارستي الصحافة بشكل إحترافي، فساعدتني على اهتمامي بالقصة أكثر. علمتني الصحافة التقاط الموضوع، الاحاطة بالتفاصيل وملاحقتها، تبويب المعلومات وتحليلها، صناعة الأسئلة وبالتالي تعزيز قدراتي في الكتابة. لم اتوقف عن الكتابة الصحفية في كل الظروف والمحطات التي مررت بها، اذ كان مجالا رحبا لقول الكلمة المباشرة بوجه عسف الأنظمة الديكتاتورية والمطالبة بحياة أفضل للناس. بنفس الاتجاه واصلت كتابة ونشر القصص القصيرة، التي جمعت لاحقا بعضها في مجاميع قصصية صدرت تباعا. لم أتفرغ لكتابة أول رواية الا بعد استقراري والاقامة في فنلندا التي وصلتها عام 1995، حيث توفرت ظروف عديدة ساعدتني على ذلك، أولها المساحة الواسعة من الحرية، الاستقرار النسبي الذي ساعد في مراجعة مختلف الموضوعات والتجارب، إضافة الى تراكم الخبرة الأدبية وتأثير الاحتكاك بالأخر. أنجزت كتابة أول رواية عام 2005 واستغرق العمل فيها أربع سنوات، كانت بعنوان (تحت سماء القطب) نشرت عام 2010 عن دار موكرياني في اربيل، اجتهدت فيها لتسليط الضوء على تأثير الحياة الاوربية على الأجيال المختلفة من المهاجرين واللاجئين العراقيين المقيمين في أوروبا وفنلندا خصوصا الجيل الثاني، اضافة الى موضوعات التلاقح الحضاري والهوية والجذور. تبعها انجاز رواية (كوابيس هلسنكي)، عام 2008 ونشرت عن دار المدى في دمشق عام 2011، تناولت فيها موضوع الجماعات التكفيرية المتطرفة الناشطة في أوروبا وفنلندا وعلاقتها بالأعمال الارهابية في العراق. العام الماضي 2021 صدرت لي رواية في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في شهر تشرين الثاني / نوفمبر بعنوان (جريمة لم تكتبها اجاثا كريستي) تناولت موضوع موجة الهجرة في الاعوام 2014 ـ2017 من العراق وسوريا الى أوروبا وفنلندا. وفي كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي صدرت لي في بغداد رواية بعنوان (مواسم الانتظار)، وتناولت حياة ومعاناة المجتمع العراقي تحت ظل حقبة حزب البعث ونتائج الإرهاب السياسي الذي عاشه العراقيون المخالفين للنهج الشوفيني الفاشي لحزب البعث.
أستنتج هنا أنك في رواية (مواسم الانتظار) تتناول موضوعا سياسا شائكا، الا وهو تجربة التحالف بين البعثيين والشيوعيين، وإذ يقال ان الانتماء السياسي يلغي الابداع، فهل توافق هذا القول، وان وافقت، كيف ترى كونك شيوعي ومبدع في أن معا؟
ـ أن انتمائي الى الحزب الشيوعي العراقي، نابع عن قناعات فكرية وسياسية، وهذا الانتماء عزز كثيرا من شخصيتي ومنحني هوية انسان وكاتب يضع مصلحة وطنه وشعبه دائما في المقدمة، لهذا افخر جدا بانتمائي وتاريخي السياسي ونشاطي في مقارعة تعسف نظام حزب البعث الفاشي، حيث تعرضت وعائلتي للكثير من المضايقات والمعاناة، التي اجبرتني لمغادرة وطني عام 1979. ولا أجد هنا تعارض في كون الكاتب يكون ذا انتماء سياسي فكري، فلا يمكن لأي كاتب ان يكون بدون منهج فكري وسياسي وقضية يعمل ويكتب لأجلها. أن المهم هنا، هو ان لا تغلب لغة التخندق الأيديولوجي على عمل الكاتب فيتحول الى مجرد طبال وبوق لمواقف أيديولوجية وسياسية تحتمل الصواب والخطأ. وان الكاتب الحقيقي هو من يخضع نصه للشروط الفنية للكتابة، التي تتطلب منه ان يضع بطاقته الحزبية جانبا، دون التخلي عن روحه التنويرية ومنهجه الفكري التقدمي، ليكتب بروح الباحث الموضوعي. أن من يقرأ روايتي (مواسم الانتظار) سيجد هناك عدة شخصيات، أصواتها تختلف وتتعارض في الموقف والرأي، بما فيها أصوات شيوعية ناقدة لأداء قيادة الحزب الشيوعي في ادارتها لعملية التحالف مع البعث. وأستطيع القول ان (مواسم الانتظار) في جوانب منها رواية لا تعجب الصقور والمتأدلجين الشيوعيين، لأن متطلبات وشروط الكتابة هي من خلقت عوالم الرواية وليس الانتماء السياسي. أيضا أجد من الضروري جدا وجود كتاب ومثقفين في أي تنظيم سياسي وطني، خصوصا أولئك المثقفين المؤمنين حقا بالديمقراطية وحرية الرأي فهم سيكونون مدافعين عن وجود ذلك وحمايته في تنظيمات احزابهم. 
وماذا تخبرنا عن روايتك الثانية التي صدرت مؤخرا في القاهرة؟
ـ الرواية تحت عنوان (جريمة... لم تكتبها آجاثا كريستي)، وصدرت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر2021 عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، في سلسلة الابداع العربي. تناولت الرواية بأسلوب بوليسي تشويقي، عبر الغاز ومفاجآت، احداثا جرت توافقا مع موجة هجرة العراقيين الى أوروبا وفنلندا. حاولت الرواية تسليط الضوء على أسباب ووقائع الهجرة، وتأثير الهجرة على طبيعة المجتمع الفنلندي وتعامل مختلف القوى المجتمعية معها، ومن ذلك نشاط قوى اليمين المتطرف والحركات العنصرية، وابرزت هموم ومعاناة الشباب العراقي الباحث عن الخلاص، خلال انتقالهم الى بيئة وثقافة مختلفة وحياتهم في مراكز استقبال اللاجئين. وتجتهد الرواية لتسليط الضوء على التطورات في المجتمع العراقي من بعد زوال النظام الديكتاتوري البعثي، ونتائج سياسات حكومات المحاصصة الطائفية التي غذت الانقسام والاحتقان الطائفي وغياب الأمن المجتمعي بتوفير البيئة لوجود ونشاط الجماعات المسلحة، التي صادرت كرامة الشباب الذي يضطر لمغادرة البلاد. ولم تغفل الرواية الحديث عن معاناة أبناء الشعب العراقي وما تعرضوا له من عسف واضطهاد في زمن النظام الديكتاتوري المقبور بحكم عدم ولائهم لحزب البعث الحاكم وأفردت دورا متميزا للمرأة العراقية.
سبق وصدرت لك رواية بعنوان (كوابيس هلسنكي)، وقادتنا احداثها الى العاصمة الفنلندية، ماذا عن بقية رواياتك، هل تدور احداثها أيضا في فنلندا؟ وما حجم وجود عملك الصحفي في اعمالك الروائية؟ هل يتداخل عندك عالم الصحافة مع الخيال والابتكار؟ هل اعتمدت السرد التلقائي أم اعتمدت القصد في تناول احداث جرت فعلا؟
ـ كتب يوما، الصديق الشاعر الفنلندي ماركو كويفولا عن تجربتي الأدبية في فنلندا، بأن (يوسف أبو الفوز ككاتب يطير بجناحين فنلندي وعراقي). وكان مصيبا جدا. إذا استثنيا رواية (مواسم الانتظار) فهي رواية تطير بأجنحة عراقية خالصة، كشخوص ومكان واحداث، فان بقية رواياتي الثلاث ومجموعة قصص (طائر الدهشة) صدرت 1999، تبدأ احداثها في مدن واجواء فنلندية، لكن سريعا، وتبعا لمنطق تطور الشخصيات والاحداث، يجد القارئ نفسه في العراق، بمدنه وشخوصه وهمومه. أجتهد في رواياتي وقصصي لعكس تأثيرات الثقافة الأخرى على العراقي المهاجر واللاجئ، وإبراز همومه، احلامه وطموحاته. أدرك بالتجربة بان المهاجر واللاجئ لا يقطع تذكرة سفر باتجاه واحد فهو يظل مرتبطا بجذوره ووطنه، وتبقى همومه المتراكبة عراقية وان عاشها تحت سماء أخرى وسط أجواء اجتماعية وثقافية أخرى. اما عن تأثير العمل الصحفي على رواياتي الأدبية، أجد انها ملاحظة ذكية، فكثيرا ما ألجأ الى توظيف صوت الصحفي وتقنيات صحفية، في بعض اعمالي، الروائية والقصصية، بطريقة يمكن القول انها (كولاجية). أحاول ان لا تكون مقحمة، وتأتي بشكل يخدم النص، فأمرر بعض المعلومات المباشرة كأن تكون وقائع حقيقية أو ارقام. واجتهد ان لا يكون هذا على حساب السرد الفني والخيال، بل استخدمه كأسلوب، ولنقل حيلة فنية، لإيهام القارئ وأقناعه بحقيقة ما تصنعه المخيلة، والتي أساسا تغرف موضوعاتها وشخوصها من المحيط الذي اعيشه ككاتب.
ان جوابك يقودنا للسؤال عن ماذا تشكل لك الذاكرة العراقية هنا، هل هي مجرد الطفولة، أم بدايات الصنعة الادبية، ام ان خزين الذاكرة ما زال متقدا لحد الان؟
ـ يمكن القول ان أي كاتب، لا يمكنه الفكاك من الذاكرة كأداة عمل، بل ان الذاكرة والحنين هما أبرز ادواته. واتفق مع القول بان الذاكرة جسر من خلاله نحقق استمرارينا عبر الزمن، فهي احدى وسائل بقاء الانسان وتقديره لنفسه، وبالنسبة للكاتب أجد ان الذاكرة عامل أساس في نشاط المخيلة. أن الاتكاء على الذاكرة والحنين هي مصدر قوة لأي كاتب، وهكذا فالذاكرة العراقية بالنسبة لي كانسان وكاتب نهر جاري اغرف منه ما يروي عطشي من حنين لأشياء نفتقدها، ليس الطفولة ولا البدايات والامكنة فقط، ولكن لان عالمنا المعاصر تشوه كثيرا بسبب تركة الانظمة الديكتاتورية والحروب والحملات الايمانية المزيفة التي انتجت امراض الطائفية المقيتة والعشائرية والتشوهات في المنظومة الأخلاقية للمجتمع العراقي، فصرنا نفتقد ذلك الصفاء الإنساني حيث كان لا يهمنا ما يكون عليه الانتماء الديني والقومي لأصدقائنا وجيراننا.
ماذا يمثل لك الزمان والمكان؟ هل هما وحده واحده أم شيئان منفصلان؟
 أتفق مع القول الشائع بأن العلاقة جوهرية ومتبادلة بين الزمان والمكان وايضا ما يذهب اليه بعض النقاد حين يستخدمون مصطلح (الزمكان) للدلالة المباشرة على ذلك، معتبرين الزمان هو البعد الرابع للمكان. فالزمان والمكان من عناصر الرواية المهمة وتبرز قدرة الكتاب ومهارته في معالجتهما وتوظيفهما بشكل يخدم تطور النص بشكل منطقي، حيث تبرز قدرته في معالجة نمط الزمن الروائي وانساقه، وقدرته في استخدام دلالات المكان من خلال الوصف وعلاقته بالشخصيات، فالمكان يساعد على ابراز هوية الشخصية ببعدها الاجتماعي والثقافي. وأزعم باني اكتب لقارئ ذكي، فعليه لا اريد له الاسترخاء اثناء قراءة روايتي، لهذا قلما في اعمالي اترك الزمان يسير على وتيرة واحدة، فالجأ الى عدة تقنيات منها الاسترجاع وأحيانا يكون متداخلا لأكسر رتابة خط السرد، وكذا عن المكان فاني اجتهد ليكون ليس مجرد خلفية للحدث، بل له دلالات أعمق، فالمكان يجب أن يمسك بالشخصيات والاحداث، وفي رواية (مواسم الانتظار) مثلا، لم تكن مدينتي السماوة مجرد مكان لبعض احداث الرواية، بل اجتهدت لتكون بشكل ما أحد شخصيات الرواية.
وهل تجد ان الجمال ضرورة في العمل الروائي؟
ــ لا يمكن لأي مبدع فنان أو كاتب ان يتجاهل هذا الامر، مثلما نعرف بأن مفهوم الجمال في الفن والادب تطور وأصبح علما حديثا له منظريه وفلاسفته، بل ويعد عند كثيرين فرعا من فروع الفلسفة ووصفوه بكونه علم التعرف على الأشياء من خلال الحواس. وارتباطا بالمنهج الفكري الذي أسترشد به، أقصد المنهج الماركسي، فأن كل نشاط مادي يقوم به الانسان له جانب جمالي ما، وبما ان الابداع شكل من اشكال المعرفة الاجتماعية، فأن الجمال يكمن في قدرة المبدع، الكاتب أو الفنان، في ابراز رؤيته للعالم بطريقة فنية، وتتمثل في براعة الفنان في اختيار الألوان وزوايا المنظور والخ، وطريقة الكاتب في اختيار الموضوعات والاحداث وتعامله مع الزمان والمكان ورسم الشخصيات وطريقة السرد المتبعة، وأيضا قدرة المبدع في تحقيق تكامل بين الشكل والمحتوى. طبعا لا نغفل تعامل الكاتب مع أهم ادواته في الكتابة، ونقصد اللغة، كأداة جمالية. ويتطلب القول أيضا ان الادب لابد ان يكون له دور في تغيير ظروف الانسان نحو الاحسن، بمعنى اخر ان مهمة الادب ليس فقط عكس أو تمثيل هذه الظروف، بل السعي والعمل لتغييرها، وبالتالي ان في أسلوب توعية الانسان وحثه لأجل تغيير حياته، يكمن أيضا عنصر جمالي هام.








71
غيوم الناتو تعكر سماء فنلندا وروسيا
يوسف أبو الفوز
في الأسابيع الأخيرة، تصدرت أخبار العلاقة ما بين حلف الناتو وفنلندا، عناوين وسائل الاعلام، إثر ردود الأفعال التي برزت من قبل قادة حلف الناتو وفنلندا وأيضا روسيا على زيارة السكرتير العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ وسفراء مجلس شمال الأطلسي هلسنكي في تشرين الأول، العام المنصرم، أعقبتها فورا، زيارة من الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين في خطوة قيل انها جاءت لطمأنة القادة الروس بشأن عدم امتثال فلندا للضغوط الغربية للالتحاق بالناتو. وكانت هذه المرة الأولى التي يقوم فيها وفد من الحلف الناتو بهذا الحجم بزيارة رسمية لأقناع فنلندا بالانضمام الى صفوفه.
وفي خطاب موجه للشعب الفنلندي بمناسبة العام الجديد، قال الرئيس الفنلندي، بان قرار الانضمام لحلف الناتو امر متروك لمقدم الطلب والدول الثلاثين الأعضاء في حلف الناتو و(ان مساحة فنلندا للمناورة وحرية الاختيار تشمل أيضًا إمكانية الاصطفاف العسكري والتقدم لعضوية الناتو، إذا قررنا ذلك بأنفسنا). وعاد ليؤكد سياسة (الباب المفتوح) التي تعتمدها فنلندا منذ عقود في علاقتها مع حلف الناتو، التي تقضي بأن لا تكون فنلندا عضوا في حلف الناتو، فتغيظ بذلك جارها الاكبر روسيا، وفي نفس الوقت لا تغلق الباب امام التعاون والمساهمة في العديد من برامج الشراكة مع حلف الناتو لتسهيل التعاون مع البلدان الغربية في مجال التدريبات والمناورات وشراء الأسلحة.
 وفي السياق نفسه، جاءت كلمة رئيسة الوزراء الفنلندية، سانا مارين (الديمقراطي الاجتماعي)، بالمناسبة ذاتها، وكذلك تصريحات وزير الخارجية، بيكا هافيستو (حزب الخضر). لم ينس القادة الفنلنديون في أحاديثهم التذكير بان فنلندا كانت ولا تزال مستعدة للتوسط في النزاعات في المنطقة، خاصة في القضايا الرئيسة مثل الازمة في بيلاروسيا، احتلال شبه جزيرة القرم والأوضاع في أوكرانيا، والتي قادت الى توترات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العقوبات والعقوبات المضادة. واعتبرت دولا اوربية عديدة، أعضاء في حلف الناتو، ان الحشود العسكرية الروسية في إقليم القرم على الحدود مع أوكرانيا تهديد للسلام في المنطقة، مثيرين المخاوف من غزو عسكري روسي لأوكرانيا.
في خطابها السياسي تبنت الحكومات الفنلندية سياسة (الباب المفتوح)، وتبعا لهذه السياسة شاركت فنلندا في قوة حفظ السلام في أفغانستان، وعدد من المناورات العسكرية للحلف. وقد أغضبت هذه المشاركات روسيا. ومع التطورات الأخيرة في المنطقة، وسياسة التلويح بالغزو التي تتبعها الحكومة الروسية، بدأت بعض الأحزاب الفنلندية، من اليمين، الدعوة للتعجيل في الانضمام لحلف الناتو. ان الاستطلاعات الشعبية لا تزال ترى ان الدخول في أي تحالف عسكري لا يضمن السلام، بل أن من شأنه ان يرفع الميزانية العسكرية للبلاد ويشكل عبئا اضافيا على الاقتصاد. وتدرك قوى اليسار هذا الامر جيدا وترسم خطابها السياسي وفقا له، وترى ان المحافظة على المنجزات الديمقراطية للشعب الفنلندي لا يمكن ان تتم الا في ظروف سلمية. والمعروف ان قوى اليسار الفنلندية تعارض باستمرار أي تطور نوعي في العلاقات مع حلف الناتو. اما القوى اليمينية التقليدية فتنظر بإيجابية الى الانضمام إلى الحلف. 
 من جانبه يصف جون هربست، السفير الأمريكي السابق لدى كييف، الحشود الروسية في شبه جزيرة القرم بأنها عبارة عن (خدعة كبيرة) يستخدمها الرئيس الروسي من أجل التوصل إلى اتفاقات تلبي المصالح الروسية.
لقد مرت العلاقة التاريخية بين فنلندا وروسيا بمنعطفات كثيرة. في سنوات 1809 -1917 كانت فنلندا جزءا من الإمبراطورية الروسية، وخاضت القوات الفنلندية معركتين ضد الاتحاد السوفييتي: في شتاء (1939-1940)، وما عرف بحرب الاستمرار (1941-1944). وبعد الحرب العالمية الثانية اعتبرت فنلندا نفسها دولة محايدة وخلال الحرب الباردة حاولت فلندا اتخاذ موقف وسط بين الكتلتين الغربية والشرقية. وكانت العلاقة مع الجارة الكبيرة تتقلب مع مرور السنين. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، والذي وضعها بشكل فعال كجزء من المعسكر الغربي. ولكن العلاقات الاقتصادية المتشابكة، تمنح علاقتها مع روسيا خصوصية، فما تزال فنلندا تستورد كميات كبيرة من السلع والضروريات الأساسية منها، مثل الطاقة والوقود، وبالمقابل تستورد روسيا كمية كبيرة من البضائع الفنلندية، مثل منتجات الاخشاب، وخدمات تكنولوجيا الاتصالات.



72
تأملات للمناقشة ... 
محنة حميد قاسم!
يوسف أبو الفوز
كتب الشاعر والكاتب حميد قاسم على صفحته في (فيس بوك)، في الأيام الأخيرة من العام المنصرم، جملة لفتت انتباهي: (كانت أمسية رائعة بحضور نوعي وغياب الأدباء "أصدقائي")! ونشر معها صورا عن جلسة أدبية له خصصت لروايته الأخيرة (ظهر السمكة).
أستوقفني واثارني، هذا الشعور بالحزن أو لنقل الإحباط الذي اوحت به الكلمات القليلة، بسبب من غياب الأصدقاء، خصوصا، من الادباء، عن حضور جلسة أدبية مخصصة لكاتب معروف جيدا بمجمل جهده الإبداعي، فما هي الاسباب؟ هل هو شأن شخصي؟ أم شانا عاما في حياتنا الثقافية؟ أم ان جميع الأصدقاء ـ الادباء صادف وحصلت لهم ـ كلهم! ـ مرة واحدة، احداث طارئة عرقلت وصولهم الى المكان؟
هل هذا العزوف يعكس سيكولوجيه معينة عند مثقفنا العراقي، الذي ربما يرى نفسه مبدعا أوحدا، وينظر لغيره بشيء من التعالي، فلا يجده يستحق جهدا لحضور أمسيته؟ أحزنني ان بعض من قواميس اللغة إذ تذكرنا بان العزوف (أسم من فعل عزف وهو عزوف عن كذا يعني مبتعد، ممتنع عنه)، فأنها في باب اخر تفيد بان (رجل عزوف هو من لا يثبت على وفاء أو مصادقة أحد!) أهذا هو ما يجري يا ترى؟ أم ان البعض من الادباء ـ الأصدقاء، يعمل تحت دافع الغيرة ويرى في ان حضوره قد يمنح الكاتب المعني اهتماما يسلط الضوء عليه أكثر مما يستحق، فهو ليس من مقامه وبقامته و.. الخ؟
عانيت شخصيا من هذا الحزن والاحباط أيضا حين وقعت روايتي الأخيرة (مواسم الانتظار) مؤخرا ضمن فعاليات معرض العراق الدولي للكتاب في اواسط ديسمبر/ كانون العام الماضي في بغداد. كنت وانا على المنصة ابحث بين الجمهور عن وجوه بعض الادباء من المعارف والاصحاب. حرص على حضور مراسيم التوقيع أصدقائي الشخصيين من أيام الدراسة الجامعية، بل وأسرهم، كان هناك حضور جيد من جمهور المعرض، لكني وجدت وبعدد أصابع اليد مثقفين من الذين شخصيا وبشكل مباشر وجهت لهم دعوات للحضور، وكنت قضيت ساعات أوزع الدعوات عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مرفقا معها جمل لطيفة عن الصداقة والآمل والعراق، واحتفظ بقائمة طويلة من هذه الأسماء. وحتى المثقفين الذين التقيتهم صدفة، في شارع أو مقهى او خلال أيام معرض الكتاب في بغداد، استثمرت الفرصة ودعوتهم فوعدوا لكنهم أخلوا بالوعد دون أي اعتذار!! سالت نفسي يومها بحرقة وألم: أهو موقف شخصي؟، لم أجد ثمت ما يدعو لتصديق هذا التساؤل، فلست على خلاف أو إشكال شخصي مع أي من الذين دعوتهم، وإلا لماذا أدعوهم أساسا؟
كنت اعتقد ولحين ان ثمة لعنة ما تلاحق (كتاب الخارج)، فالمثقفون والصحفيون (من أهل الداخل) بدا لي أنهم ليسوا معنيين بأي نشاط أو ما يقدمه هؤلاء (المترفون بنعم الحياة الاوربية) من جهد وابداع، لكن تعليق صديقي الشاعر حميد قاسم عن جلسته الأدبية وما ذكره عن غياب الادباء ـ الأصدقاء، جاء ليطفأ نيران شكوكي شيئا ما. ولابد من القول هنا ان الصديق حميد قاسم كان الوحيد الذي حرص على لقائي في بغداد بموعد خاص وقدم لي روايته الجديدة كهدية وزينها بإهداء جميل مشترك، لي ولشادمان ـ شريكة حياتي، وقضينا وقتا ممتعا في الحديث في شؤون الادب والعراق.
ان ما كتبه الشاعر حميد قسم، جعلني افهم بان هذه (المحنة) ـ هل هي محنة حقا؟ ـ، محنة حميد قاسم ومحنتي، هي ربما محنة كثير من المثقفين.
نعم، للأسف اعتقد ان هناك ثمت سيكولوجيه ما تنمو طاردة للشعور بالمسؤولية تجاه الاخر، تغذيها روح الشللية والاخوانيات التي تفقد الحياة الثقافية روحها الحقيقية وحيويتها المطلوبة.  فيا ترى كم من مثقف بادر وتابع اخبار زملائه وسجل في تقويمه الخاص موعد لأمسية أو نشاط ما وقرر الحضور؟ هنا ازعم بان بعض الحضور في الاماسي والاصبوحات يأتي في سياق المجاملة، وفي سياق نشاط اجتماعي عام (اللقاء بأكبر عدد من المعارف مرة واحدة). فأرى هنا اننا بحاجة للكثير، لننفض عنا روح الكسل في تحمل المسؤولية والاحساس بجهد الاخرين واكتشافه والتفاعل معه بروح التلمذة والتواضع والمحبة.
أن جيلا جديدا يا أصدقائي المثقفون ينهض يراقب افعالنا عن كثب. 



73
يوسف أبو الفوز يسرد تراجيديا هجرة العراقيين إلى أوروبا
رواية "جريمة لم تكتبها أغاثا كريستي" تعيد مشهد قتل النساء العربيات انتقاماً للشرف في فنلندا


شريف الشافعي
كاتب وصحافي

   
تمثّل رواية "جريمة لم تكتبها أغاثا كريستي" للكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، المقيم في فنلندا منذ 27 عاماً، نقطة التقاء لعوالم تخييلية إبداعية ابتكرها المؤلف من جهة، ووقائع وأحداث حقيقية من جهة أخرى، وثّقها التاريخ الحديث ووسائل الإعلام، وسجّلتها الخبرات الحياتية المباشرة للكاتب والصحافي والناشط السياسي المعارض. وقد غادر أبو الفوز العراق بحثاً عن الحرية في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وتنقّل في المنافي العربية والأوروبية، وقضى عاماً في سجون إستونيا في منتصف التسعينيات. وهناك اختارته مجموعة من السجناء العراقيين، ليمثلهم أمام السلطات بهدف أن يُقبَلوا كلاجئين في دولة أوروبية. وبالفعل جرى استقبالهم في فنلندا ليقيموا على أراضيها، بترتيب مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
عبر هذه التجربة الروائية، الصادرة حديثاً في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (سلسلة الإبداع العربي)، يفتح أبو الفوز (65 سنة) نافذة فنية طيّعة، للإطلال على فضاء أرحب، هو حاضر المهاجرين العرب الذين شدّوا الرحال إلى أوروبا، بشكل شرعي أو بطرق غير شرعية، خصوصاً العراقيين من الطوائف المختلفة في فنلندا خلال الأعوام الأخيرة.
وبإلقائه الضوء على هذه النماذج البشرية وصراعاتها المتنامية وصدماتها الحضارية وجرائمها الفعلية والملفقة، يُوجِد الكاتب بأدواته الاستقصائية مدخلاً للوقوف على تشريح بانورامي واسع النطاق، اجتماعي وسياسي وأمني واقتصادي، للأوضاع الراهنة والملابسات المتشابكة في الدول الغربية التي تجبرها القوانين على فتح أبوابها للوافدين وللاجئين، على الرغم من معارضة بعض الأحزاب، والقوى المجتمعية، والجماعات الضاغطة، والعنصرية.
وهو يتمكن من تحليل الأوضاع البائسة واليوميات المأساوية داخل الدول العربية المنقسمة والمتحاربة، التي تجبر أبناءها على الهرب في أجواء شديدة الخطورة، وفوق قوارب الموت المرعبة. ويستخدم المهربون عادة قوارب مطاطية منفوخة لنقل المهاجرين من السواحل التركية إلى الجزر اليونانية. وأوضحت التقارير الصحافية من مصادر عدة أن أكثر من يريد الهجرة هم السوريون والعراقيون، وهناك أيضاً أعداد من الفلسطينيين واللبنانيين، وهناك مهاجرون من الصومال ومناطق أفريقية. وذلك نقلاً عن موقع "المرصد" الفنلندي، الذي يبدو كأحد الأصوات "المعلوماتية" على امتداد صفحات الرواية "الكولاجية"، التي تتسع لمصادر متنوعة، إلى جانب الراوي العليم، الذي يناط به الدور الأعظم في السرد عن الشخصيات، ونقل حواراتها.
الصراع الحضاري
يدير صاحب الأعمال القصصية والروائية "عراقيون" و"أنشودة الوطن والمنفى" و"طائر الدهشة" و"تلك القرى... تلك البنادق" و"تحت سماء القطب" و"كوابيس هلسنكي"، لعبته الروائية الجديدة "جريمة لم تكتبها أغاثا كريستي" في طبقات عميقة خلف الحدود والأسطح القريبة للفن السردي بشخوصه وعناصرة الاعتيادية. فالعنوان يحيل إلى حدوث جريمة، هي قتل امرأة عراقية في ظروف غامضة، لكن الجريمة التي تشرع السلطات الفنلندية بالتحقيق فيها تتأسطر لتصير أكثر إثارة وتشعّباً من كل ما كتبت سيدة الروايات البوليسية الإنجليزية أغاثا كريستي. وتمضي التحقيقات في مسارات شتى، ويجري استجواب كثيرين من الشهود والمتهمين والذين لهم صلة بالمرأة المغدورة، ومنهم الشخصيات المحورية في العمل، وهم مجموعة من العراقيين متعددي الطوائف الذين يعملون في مهن ووظائف متنوعة وهاجروا إلى أوروبا في ظروف وتوقيتات مختلفة.
ومع تكشّف تفاصيل الجريمة شيئاً فشيئاً، ودوافع القتل، تتكشف الدوافع الجوهرية لكتابة الرواية، التي لا تقف عند الجريمة والصبغة البوليسية، ولا تكتفي بأن تكون تخييلاً فنّياً لأحداث مجانية أو حتى شيّقة، وإنما تصل الكتابة من خلال النبش في جوّانيات الشخصيات وما وراء الأحداث إلى رسم صور مكبّرة فاضحة للنسيجين الإنسانيين، الغربي والشرقي على السواء، وذلك جراء تلاقيهما الذي يبلور ذروة التناقض، ويستعيد ضمنيّاً نظريات الصراع الحضاري وأطروحات عدم إمكانية دمج المتنافرين.
تصل تحقيقات الشرطة بعد وقت غير طويل إلى أن القاتل هو ابن عم السيدة العراقية، الذي حضر خصيصاً إلى فنلندا عن طريق السويد لينفذ "جريمة الشرف" بدعوى غسل العار، بعدما وشى البعض إلى عائلتها بسوء سمعتها. وهي أمور بدت غريبة على المحققين الذين يعيشون في بيئة متحررة تمنح المرأة حقوقها الكاملة، ولم يكونوا ليتفهموا جوانب كثيرة منها لولا وجود مترجمين عراقيين شرحوا لهم الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية التي يتذرع بها الجناة لإيجاد مبررات للجريمة. والمدهش أن المرأة المغدورة هي التي دفعت للمهرّبين تكلفة استقدام ابن عمّها بضغوط من أهلها، من دون أن تدرك نيّته قتلها بطبيعة الحال، بل إنها ظنته آتياً لكي يتزوجها بعد طلاقها من زوجها. ذلك الزوج الذي لم تستبعد التحقيقات تواطؤه هو الآخر مع أهلها في تنفيذ مخطط الإجهاز عليها بطعنة نافذة في قلبها.
وهم الهجرة
تُبرز الرواية كيف أن فكرة "الخَلاص" التي يلهث وراءها المهاجرون هي محض وهم، فالحقيقة أنه لا نجاة حال البقاء في الأوطان، وكذلك فإن الحياة في المهجر هي منقوصة ومفقودة إلى حد بعيد، وليست فرصة ذهبية للعيش، كما يظن المتفائلون.
فالعراقيون، على سبيل المثال، الذين نزحوا إلى هلسنكي خوفاً من الملاحقة والتهديد والتنكيل في عهد الرئيس صدام حسين، أو الذين يواصلون النزوح إليها بكل السبل المشروعة وغير المشروعة بعد سقوط النظام البعثي وحلول الانقسامات الطائفية والصراعات الأهلية والفساد والغياب الأمني وانتشار الجماعات المتطرفة وعصابات القتل والخطف والنهب والترويع وغير ذلك، لا ينالون الفردوس المفقود بوصولهم إلى الأراضي الغربية، لكنهم يواجهون ظروفاً قاسية أيضاً، من حيث عدم القدرة على التأقلم مع عادات المجتمع وتقاليده ولغته، وعدم التوافق مع متطلبات سوق العمل. وهذا ما لا يؤهلهم للاندماج، ويعرّضهم للفقر والعزلة والانخراط في الجريمة، إلى جانب ما يواجهونه من معاداة الأحزاب والجماعات والقوى العنصرية والمتطرفة المناهضة للهجرة واللجوء والتعددية الثقافية. وهؤلاء يصل بهم الأمر إلى تلفيق التهم للجاليات العربية، والعمل على الإساءة إليهم، وتشويه صورتهم، وربما ممارسة الاعتداءات المباشرة ضدهم، بدنيّاً ونفسيّاً.
تنفتح الرواية على سائر مفاهيم القتل الإنساني، ووجوهه وتمثلاته البشعة، التي لا حصر لها. فالقتيلة العراقية، ليست وحدها التي عُذّبت واغتيلت بآلة حادة، فكل يوم تُغتال نساء بدم بارد في المدن المزدحمة التي تخلو من الرحمة. هناك معانٍ كثيرة للخنق والطعن والوأد والدفن تحت الثرى، تلتفت إليها الرواية بأناة واصطبار، من بينها تغييب العدل والشفافية والمساواة في العالم التنافسي المحموم، وإهدار كرامة البشر، وقمعهم، وسلبهم إرادتهم وحرياتهم وحقوقهم، بل والإتجار بهم أمام أعين المنظمات الدولية، التي تسللت إليها أذرع الفساد. وشأنها هذا شأن الحكومات والقوى السياسية ومافيا التكتلات الدولية، المتحالفة شرقاً وغرباً ضد الضعفاء والمقهورين والمهمّشين. وهو ما تتقصاه الرواية، خصوصاً بتركيزها على أوضاع اللاجئين والمهجّرين، المهزومين دائماً أمام قبح الحقيقة، شأن القتيلة العراقية، وغيرها من آلاف الموتى/الأحياء، بتعاستهم وصمتهم وانسداد الأفق أمام تطلعاتهم وآمالهم، "الحقيقة هي ضباب آخر في عالم يشعر الإنسان فيه بأنه ضعيف أمام حقائق الواقع الصلبة والقاسية والمرعبة. الحقيقة لها أقدام فيل، حين يكون للأمنية جناح فراشة".



74
المنبر الحر / النساء والكتابة
« في: 19:18 25/11/2021  »
النساء والكتابة
يوسف أبو الفوز

مساهمة في تحقيق من إعداد الكاتبة سماح عادل 
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
•   في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
•   ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
•   ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
•   هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
•   هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟


خصوصية شخصية المرأة تساهم في تميز الكتابة لديها..

يقول الكاتب العراقي “يوسف أبو الفوز”: “الجواب هنا يتحدد بحديثنا عن جنسية الكاتبة أولا، في أي بلد تعيش؟ إذا كان المقصود الكاتبة بشكل عام، فلابد من القول أن المجتمعات الأوربية قطعت شوطا كبيرا في إطار خروج المرأة من طوق دائرة المطبخ ورعاية وتربية الأطفال، إذ تطورت هذه المجتمعات وقطعت شوطا كبيرا في طريق نيل المرأة لحقوقها، من توفير الظروف المناسبة لنشاطها وتطورها لتكون جزء فاعلا في المجتمع.
مثلا أن مراكز رعاية الأطفال النهارية (الحضانة) وثم المدرسة، تقوم بواجبات ليس قليلة تخفف عن أي أم الكثير من الأعباء فتجد الفرصة للعمل، الدراسة، ممارسة هواياتها وتطوير نفسها، وبالتالي تجد المرأة الكاتبة فسحة مناسبة من الوقت لاستثمارها فيما يتعلق بنشاطها الإبداعي.
وإذا تحدثنا عن المرأة الكاتبة، التي ولدت وتعيش وتعمل في الشرق الأوسط، فهنا تسكب العبرات كما يقال. فرغم أن الظروف الاجتماعية والسياسية عامة يعاني منها كلا الطرفين، أقصد الكاتبـ الرجل، والكاتب ـ المرأة، إلا أن مجتمعنا الشرقي الذكوري، ما يزال ينظر للمرأة عموما بكون مكانها الحقيقي هو دائرة المطبخ، سرير النوم وتربية الأطفال، وإن خرجت المرأة للعمل، فهذا أيضا لا يقدم دعما كبيرا للمرأة للحصول على مساحة من الحرية الكاملة.
إضافة إلى أن البنى التحتية للخدمات ما تزال غير متطورة كثيرا في بلداننا العربية، فليس كل العوائل قادرة على إرسال أطفالها لدور الحضانة الخاصة أو الرعاية النهارية، ناهيك عن غياب وجود مثل هذه الخدمات في العديد من البلدان مما يجعل منها مهام ربة البيت. والأمومة تضيق الخناق على الكاتبة المتزوجة والأم، فتصبح عندها الكتابة هما كبيرا وعلى الكاتبة النضال لانتزاع الوقت ومن ثم الحرية والمساحة لأجل إنجاز مشاريعها الأدبية. وعليه كل امرأة كاتبة عندي هي بطلة بطريقتها الخاصة، لكونها أولا تخلق الوقت وتسرقه من ساعات راحتها، وثم مواجهة العوائق الأخرى الاجتماعية والسياسية والعائلية لتقدم شيئا متميزا”.
وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “لا اعتبر شخصيا أن الإبداع الحقيقي يرتبط بكون الكاتب رجل أو امرأة، فالموهبة هي الأساس ويتم تقويمها بالدراسة والتجربة والاطلاع على تجارب الآخرين. ونعود للحديث عن الفارق الكبير بين واقع حياة وتجربة الكاتبة إن كانت أوربية أو كاتبة من بلدان الشرق، فالمرأة الأوربية تكون أمامها الفرص متوفرة للدراسة والعمل والسفر والعيش بحرية، فإن كانت كاتبة يترك هذا أثرا كثيرا على تجربتها الإبداعية.
أما المرأة العربية، التي في بعض بلداننا لا تستطيع السفر بدون رجل يرافقها، فكيف لها أن تزيد من خبراتها في الحياة وتطور من إبداعها؟ كيف تستطيع فهم الآخر ـ الرجل إن كانت لا تستطيع معايشته أو تعقد صداقات متكافئة معه؟  لهذا فالمرأة الكاتبة في بلداننا تنحت في الصخر وهي فدائية في خوضها في موضوعات ممنوعة على المرأة فالحرية متوفرة فقط للرجل للخوض فيها. رغم كل ما يقال فلقد برزت لدينا كاتبات تحدين كل العوائق والخراب وكان إبداعهن بمستوى لم ينجح كثير من الرجال في بلوغه”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “إن كسر التابوهات في الكتابة في بلدان الشرق، مهمة وعائق يواجه كل كاتب سواء كان رجل أو امرأة، وتكون مهمة المرأة الكاتبة هنا أصعب بكثير، فمجتمعنا ذكوري بامتياز، فلطالما شكت لي صديقات كاتبات من كون البعض يعتقد أنها تكتب عن تجربتها الشخصية، مما يجعلها في موقع الدفاع عن النفس أمام تنمر الآخرين، وهي لم تفعل أكثر من كون عملها الإبداعي تطلب ان تترك شخوصها يتحدثون بشكل صريح عن عوالمهم الداخلية.
للأسف إن المرأة الشرقية ما تزال متهمة حتى في نوع ملابسها وطريقة جلوسها وحديثها، أو إذا رفعت صوتها بضحكة في مكان عام، فكيف إذا كاتبة دخلت مع شخوص نصها الإبداعي إلى غرف النوم أو جعلتهم يتحدثون باستفاضة عن هواجسهم العاطفية الجنسية؟ لست مع إقحام وافتعال المشاهد الأيروتيكية، لأسباب لا علاقة لها بالشروط الفنية للعمل الأدبي.
لو ألقينا نظرة سريعة متفحصة، فأننا للأسف سنجد في حقل الأدب الكثير من الكتاب، من الرجال والنساء، يكتب بهذه الطريقة، لأغراض التسويق، فنجد نصوصا إبداعية مزدحمة بما لذ وطاب من مسميات جنسية ومشاهد لا ضرورة لها، تذكرنا بخلطات الأفلام التجارية. هذا النوع من الكتابة المفتعلة، أعتبره مثل الوجبات السريعة، غير صحي ولا يشبع الجوع الروحي القارئ الجاد”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “لقد برزت في الساحة الثقافية في الشرق وبلداننا، الكثير من القامات الأدبية النسوية المتميزة، وترفع القبعات لهن لتخطيهن ببسالة وتضحيات، الكثير من الحواجز الاجتماعية، واستمرار صراعهن لإثبات وجودهن كمبدعات.
للأسف إن حركة النقد في بلدان الشرق عموما، لم تنصف الكثير من الكتاب الرجال فكيف تستطيع إنصاف النساء الكاتبات؟ ما تزال الحركة النقدية لدينا أسيرة الشللية والعلاقات و(الشغل تحت الطاولة)، وبرزت في الفترة الأخيرة عند البعض من النقاد نغمات التخندق الأيدلوجي وأيضا الديني المذهبي، فنشرت العديد من الدراسات النقدية ومنحت شهادات ماجستير ودكتوراه عن أشباه كتاب وكاتبات لأسباب لا علاقة لها بالإبداع تماما. واضطرت بعض الكاتبات الجادات الركون إلى تحاشي التجمعات الثقافية والعمل عن بعد، حتى لا يتم مطالبتهن بما هن ليس قادرات على تقديمه لأجل مقال أو دراسة نقدية”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “ذكرت أن الإبداع لا يتحدد بكون الكاتب رجل أو امرأة، لكن خصوصية شخصية المرأة، وكونها تملك قدرات إنسانية تتخطى فيها الرجل كثيرا، مثلا حدس المرأة الخاص، قدراتها في استثمار حواسها بشكل متميز، القدرات الخاصة في تحمل الألم والصبر، وغيرها، يضيف ملامح خاصة على شخصية المرأة، وبالتالي فإن الكاتبة منهن ستكون متميزة كثيرا باستثمار هذه الخصوصيات لأجل العمل الإبداعي.
هكذا نجد أحيانا كاتبات البعض يصنفهن من الصف الثاني، يكتبن بلغة مبدعة وأسلوب يتخطى كتاب يضعهم البعض في الصف الأول. تتعلق القضية في قدرة المرأة الكاتبة على استثمار خصوصياتها وتوظيفها بشكل صحيح ليجعلها تبدع بطريقة تتخطى الرجل الكاتب بمسافات.
يبقى علينا القول أن مجتمعنا الشرقي الذكوري، يمنح الرجل مساحة واسعة من الحرية، لا تملكها المرأة، لتطوير تجاربه الإنسانية، مثلا في السفر،العلاقات، العمل، الحب، الجنس، إلخ، مما يجعل الكاتب الرجل منطقيا أكثر سعة معلوماتية وتجربة، وبالتالي يسهل عليه بناء شخوصه وجعلها أكثر حيوية ومقنعة، لكن المرأة ـ الكاتبة تظل تتخطاه في عكس الجانب الروحي للشخصيات، وهذا ما أحاول أتعلمه دائما عند قراءة إبداع كاتبات نساء”.

75
مشاركة الشبيبة العراقية  في مؤتمر الحوار العربي ــ الاوربي عام  1996 !


يوسف أبو الفوز
في عام 1975 وبسبب من سياسات النظام الديكتاتوري المقبور للاستحواذ على ساحة العمل السياسي والجماهيري، اضطرت المنظمات الديمقراطية العراقية، ومنها اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي (أشدع) التى اتخاذ قرار خاطيء بتجميد نشاطها وعملها، فكان من تداعيات ذلك ان احتلت مواقعها في المحافل الدولية منظمات النظام الديكتاتوري، وبعد معاودة المنظمات الديمقراطية العراقية لنشاطها عام 1978 ، اقتضى الكثير من العمل والنشاط من اجل العودة للمحافل الدولية. في عام 1996 وللفترة 10 ــ 15 كانون الاول، وفي بودابست، العاصمة الهنغارية، نظم مركز الشباب الاوربي ومركز الشمال ـ الجنوب التابع للمجلس الاوربي وبالتنسيق مع اتحاد الشباب العربي (مؤتمر حوار الشباب العربي ــ  الاوربي ) وتحت شعار(من اجل التفاهم والتعاون) وبحضور مئتي مندوب يمثلون اكثر من اربعين منظمة حكومية وغير حكومية . في تلك الفترة كنت شخصيا انشط مع مجلس الشباب الفنلندي، واشارك في مشروع لأصدار مجلة للاطفال باللغة العربية والفنلندية، فتم ترشيحي لأكون عضوا في الوفد الفنلندي الذي سيساهم في مؤتمر الحوار في بودابست. اجريت اتصالات سريعة فعرفت انه لم توجه دعوة لـ (اشدع) بل وجهت الدعوة لمنظمة اتحاد الشباب الصدامي، علما ان ممثل (أشدع) لدى اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (وفدي) وهو الزميل ثائر صالح محل اقامته في بودابست، لكن لم يتم التنسيق معه اوحتى اشعاره من قبل المنظمات المعنية، وهذا لم يكن بعيدا عن سياسة الموالاة للنظام الديكتاتوري عند البعض من قيادات اتحاد الشباب العربي. شريكتي في الوفد الفنلندي السيدة "ريكا يالونين" كانت شابة ذات أفق يساري متفتح، كنا اعددنا انفسنا بورقتي عمل فنلندية للحديث عن مجتمع متعدد الثقافات ودور منظمات الشبيبة في النضال ضد البطالة وانتشار المخدرات بين الشبيبة الفنلندية والاوربية، في الطائرة في طريقنا الى بودابست فاتحت زميلتي بأن مهمة الوفد الاساسية ستكون من مسؤليتها لكون هناك تنتظرني مهمة اخرى. ولهذه المهمة التي رأيت انها الاهم، هيأت نفسي بشكل جيد، فقد حصلت على تخويل كامل للتحرك والنشاط بأسم اللجنة التنفيذية لاشدع واتفقت مع الزميل ثائر صالح لنعمل بكفائة عالية خلال ايام المؤتمر، وبالرغم من انهم لم يسمحوا له بحضور جلسات المؤتمر، فقد عملنا كفريق واحد، من داخل وخارج المؤتمر، وكان عونا مهما في التخفيف عني من ثقل التمثيل المزدوج الذي وجدت نفسي فيه، وقد ساهم بشكل حيوي في اعداد الوثائق وطباعتها وتكثيرها وتوفير المعلومات الملحة، وعملنا بتفان لنجاح مهمة تمثيل اشدع وايصال صوت الشبيبة الديمقراطية العراقية الى المشاركين في المؤتمر. في اليوم الاول للوصول علمنا ان وفد النظام الصدامي سيصل في اليوم الثاني، فتحركنا بين منظمي المؤتمر، للتنبيه الى احتمالات الصدام التي يمكن ان تحصل، لاسيما وان ثمة تجارب بذلك، وايضا ابلغنا الوفود الشقيقة والصديقة التي ابدت دعمها وتضامنها الكامل. وطالبنا بتسجيل اسم اشدع كمدعو للمساهمة في المؤتمر، لكن دعوتنا اصطدمت بتعنت من قيادة اتحاد الشباب العربي، الذين تبجحوا بأن العراق يمثله اتحاد االشباب الصدامي. في اليوم التالي علمنا بان المنظمة الشبابية الصدامية اعتذرت فتحركنا فورا لاستغلال ذلك لاجل شغل مقعد العراق، وكان موقف سكرتير اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي السيد أوليفيير ميير (من فرنسا) مشرّفا ونبيلا ، وقد انتقل في اليوم الثالث ليقيم معي في غرفتي في اشارة تضامنية واضحة. كانت المحاور الاساسية في المؤتمر عن الديمقراطية وبناء الثقة وتضمن موضوعات عن دور المؤسسات الشبابية في بناء الثقة ودور الاعلام والديمقراطية في العلاقات الدولية والوقاية من الصراعات. والمحور الاخر كان حول البعاد الانسانية وتضمن موضعات عن التنمية والحقالئق الاقتصادية وعن الشباب والعمل والبطالة والهجرة والتهميش الاجتماعي والعنصرية ووعن التعليم وحقوق الانسان. في وثائق المؤتمر وجلساته، تردد كثيرا مصطلح "بناء الثقة" وهو يقود مباشرة لقضية العلاقات العربية الاسرائلية ، وكانت اطراف اوربية ومنظمات عديدة، حاولت ان تحول المؤتمر الى حوار اوربي ـ شرق اوسطي لاجل اشراك اسرائيل بشكل مباشر، رغم انها لم تكن ممثلة رسميا، لكن مندوبي اسرائيل حضروا ضمن قوام اربع منظمات اوربية وعملوا كفريق عمل واحد، وهكذا في اليوم الثاني حين عارضني احد اعضاء وفد عربي حكومي باني تحدثت عن العراق اكثر مما تحدثت عن فنلندا، وفي سجال ساخن، اخبرته بان من انشط الوفود في المؤتمر هو الوفد الاسرائيلي وهو غير ممثل رسميا وكان عليه الاعتراض على ذلك بدلا من محاولة حرماني من عكس حقائق واقع الشبيبة في العراقي، وقد لاقى موقفه استهجان المنظمات الشبابية غير الحكومية، التي بادرنا الى دعوتها لاجتماع خاص من اجل تنسيق المواقف وكان من نتيجة ذلك اختيار اشدع منسقا وناطقا باسم المنظمات غير الحكومية خلال المؤتمر. ورغم التعارض الذي برز مع قادة الوفد الليبي الا اننا نجحنا في اقناعهم بعقد جلسة خاصة على هامش المؤتمر عن الحصار الاقتصادي شارك فيها بحماس وفد الشبيبة الكوبية، وكنا مع الزميل ثائر صالح اعددنا نداءا من اجل رفع الحصار الاقتصادي عن الشعب العراقي يدعو الامم المتحدة والاتحاد الاوربي وكل المؤسسات الاقليمية والحكومية الى (العمل من اجل الرفع الكامل للعقوبات الاقتصادية ومعاقبة النظام الديكتاتوري ومسؤوليه واعتبارهم كمجرمي حرب ارتكبوا جرائما صد الانسانية وندعوا ايضا الى تقديم المساعدات الانسانية لتغطية الحاجات من الغذاء والدواء لحين التطبيق الكامل لقرار 686 ) ومن بين 44 منظمة شبابية نجحنا في الحصول على توقيع 33 منظمة من المشاركين بعضها منظمات مظلة تضم في عضويتها عشرات المنظمات ومنها منظمة مثل "الاتحاد من اجل التبادل الثقافي" التي تضم في عضويتها 404 منظمة ديمقراطية عالمية . وتجدر الاشارة الى ان المداخلة التي قدمت بأسم اشدع عن حقوق الانسان في العراق وتحدثنا فيها عن اوضاع الشبيبة العراقية تحت نير الحكم الديكتاتوري وكوارث الحروب ومجازر الانفال وحلبجه وغياب السلم الاجتماعي والحياة الديمقراطية، ومجمل هموم وتطلعات الشبيبة ، اعتمدت في التقرير الذي قدم للجلسة النهائية مما اثار غيض العديد من المنظمات الحكومية العربية الموالية لنظام الديكتاتور صدام حسين، وقد اشار العديد من الاصدقاء الى ان عدم حضور وفد منظمة النظام الديكتاتوري قد وفر الكثير من الجهد وخفف عنهم احتمالات المواجهة . وكان من ختام فعالياتناا لقاء شارك فيه الى جانبي الزميل ثائر صالح مع الامانة العامة لاتحاد الشباب العرب لمناقشة قضية تمثيل اشدع والعلاقة معه وقد اسمعناهم راينا بكل وضوح .
*   الكاتب عضو اللجنة التنفيذية لاشدع وسكرتير لجنة العلاقات الخارجية للفترة 1998 ــ 2005 .

معلومات الصور : 
الصورة الاولى : قاعة المؤتمر
الصورة الثانية :   خلال الجلسات ريكا يالونين ويوسف ابو الفوز
  الصورة الثالثة : الزميل والصديق ثائر صالح (مع فنجان القهوة) الى يمينه يوسف ابو الفوز  (قميص رماني مع جاكيت داكن) مع مجموعة من مندوبي منظمات شبابية غير حكومية !
 

76
في “مهرجان المحبة” الفنلندي
يوسف أبو الفوز يسرد هموم مهاجر عراقي

شارك الكاتب العراقي المغترب، يوسف أبو الفوز، في فعاليات “مهرجان المحبة” الثقافي السنوي، الذي أقيم يوم السبت 2 تشرين الأول الجاري في العاصمة الفنلندية هلسنكي.
وتشرف على هذا المهرجان، الذي توقف العام الماضي بسبب جائحة كورونا، مجموعة من منظمات المجتمع المدني الثقافية والاجتماعية، وذلك بدعم من مؤسسات حكومية وغير حكومية. 
وتضمنت فقرات المهرجان ورش رسم للأطفال وطاولات حوارية، فضلا عن عروض موسيقية، وغنائية وقراءات شعرية ،وقصصية.
وفي لقاء مباشر مع الجمهور في طرف من ساحة المهرجان، قرأ الكاتب أبو الفوز باللغة العربية مقاطع من قصة قصيرة له تسلط الضوء على هموم مهاجر من العراق، ترافقه الفنانة سيلا فالي بقراءة ترجمة للنص باللغة الفنلندية.
وبعد أن قدمت الفنانة التشكيلية مينا هينريكسون السيرة الأدبية للكاتب أبو الفوز، جرى بينه وبين الحاضرين حوار مفتوح. وقد تحدث فيه عن مهمة الأدب في نشر المحبة والتعايش بين الناس، مؤكدا أهمية التفاعل بين الثقافات كأساس للتعايش والسلام.
وأشار إلى أن “المهاجر أو اللاجئ يبقى مرتبطا بجذوره وثقافته وهموم بلده الأول، وعلينا التعامل مع الناس مثلما هم وليس كما نريدهم”، لافتا إلى أن تعلم اللغة وإيجاد فرصة عمل ليس كافيا للمهاجر أو اللاجئ كي يعيش حالة اندماج وتعايش مع الآخرين، إن لم يبذل جهده ليتفهم ثقافة الآخر المختلف، ويحترمها”.
وتجاذب أبو الفوز مع العديد من ضيوف المهرجان، الحديث حول قضايا سياسية وثقافية تخص العراق، ومنها تطورات انتفاضة تشرين.



77
فيلم فنلندي يفوز بجائزة الجمهور في مهرجان البندقية السينمائي



المخرج الفنلندي تيمو نيكي يدفع عربة الممثل بيتري بويكولاينين

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
نشر في المدى البغدادية العدد 5025 يوم 16 . 9 .2021
في مهرجان البندقية السينمائي في دورته 78، الذي أنعقد للفترة 1 ــ 11 من شهر أيلول/ سبتمبر هذا العام، فاز الفيلم الفنلندي (رجل أعمى لم يرغب في مشاهدة تيتانيك) - The blind man who did not want to see titanic ـ من إخراج وسيناريو الفنلندي تيمو نيكي بجائزة Armani Beauty Audience، وقد رشحت سبعة أفلام لهذه الجائزة، وهي جائزة جديدة تُمنح من قبل الجمهور.
 يحكي الفيلم، الذي تبلغ مدته 82 دقيقة، الذي يعرض حاليا في دور العرض الفنلندية، عن رحلة رجل أعمى بمفرده على كرسي متحرك للقاء امرأة أحلامه البعيدة. كتب السيناريو المخرج نفسه وهو الفنان الفنلندي المتعدد المواهب تيمو نيكي، من مواليد 1975، وهو معروف كمخرج سينمائي، كاتب سيناريو ومنتج أيضا. عرف تيمو نيكي بغزارة عمله وتعدد مواهبه، وتشير سيرته الذاتية بأنه لم يترك مجال له علاقة بالسينما لم يجربه، فهو ممثل، مخرج، كاتب سيناريو، مصور، مصمم ملابس، مونتير وغيرها. نجد في سجله الإخراجي أكثر من ثلاثين عنوانا ما بين فيلم قصير ومسلسل تلفزيوني وفيلم روائي، حيث بدء عمله مع الأفلام القصيرة، الإعلانات التجارية ومقاطع الفيديو الموسيقية، ثم أتجه لإخراج المسلسلات التلفزيونية المحلية، التي نالت بعضها النجاح والترشيحات وحصلت على جوائز محلية أبرزها جائزة يوسي عام 2018 ويمكن اعتبارها بمثابة (الاوسكار الفنلندي) عن سيناريو فيلم (الموت الرحيم) الذي قام بإخراجه بنفسه، وفي عام 2019 ترشح هذا الفيلم لجوائز الاوسكار، عن فنلندا، لفئة (أفضل فيلم بلغة أجنبية). 
فيلمه الحالي (رجل أعمى لم يرغب في مشاهدة تيتانيك)، كتب له السيناريو خصيصا لصديقه الممثل بيتري بويكولاينين، مواليد 1975 ليقوم بأداء الدور الرئيسي فيه، فهو ممثل فقد بصره في السنوات الأخيرة وبدأت تتدهور صحته بسبب إصابته بمرض (التصلب العصبي المتعدد)، تماما مثل بطل الفيلم، وذكر مخرج الفيلم ان القصة خيالية، وكما يبدو أنها جاءت منه كبادرة وفاء للصداقة لتحقيق حلم الممثل بدور سينمائي رئيسي، فهذا أول دور سينمائي رئيس للفنان بويكولاينين، والمتوقع جدا ان يكون هذا الفيلم آخر عمل له بسبب تواصل تدهور صحته. وقد جازف المخرج وفريق العمل كثيرا وعملوا بتفان للقيام بتصوير الفيلم مع الممثل بويكولاينين، ارتباطا بوضعه الصحي والتدهور التدريجي في حالته، فلم يتحمل الفيلم أي تأخيرات في الخطة الإنتاجية ومواعيد التصوير، حيث لم يكن هناك ما يضمن المدة التي سيكون فيها الممثل قادر على المشاركة في التصوير. وبعد نهاية المهرجان صرح المخرج للصحافة الفنلندية، بأنه حتى بدون هذه الجائزة التي نالها الفيلم، فسيعتبر هذا هو أهم فيلم أخرجه.
يذكر ان الممثل بويكولاينين تخرج من أكاديمية المسرح في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، عام 2000. عمل كممثل لمدة ثماني سنوات قبل أن يصاب بالمرض. قدم العديد من العروض في مسرح في مدينة سينايوكي (360 كم شمال غربي العاصمة)، مسرح أوروبا الرابع في مدينة يوفاسكيلا (270 كم شمال العاصمة) ومسرح العاصمة هلسنكي. عرض أخر أعماله المسرحية على مسرح هلسنكي في الأعوام 2010-2011. بدأت معه الحالة المرضية، التي وصلته بالوراثة، عام 2008، إذ بدأ يتلعثم بالحديث ويتأرجح اثناء الحركة. أضطر للانتظار نصف عام حتى تم تشخيص المرض. ذكر في لقاءاته الصحفية بأنه حين بدأ مسرحيته الأخيرة (إيلا ورامبين) بعد أكثر من عام بقليل من تشخيص المرض، كانت الأعراض تحت السيطرة، لكنه في العروض الاخيرة كان عليّه البحث عن أماكن ليتكأ عليها حتى لا يبدو في حالة سكر. في النهاية، لم يعد يرى بشكل صحيح، وحين اسدلت الستارة في عرضه الأخير وانحنى للجمهور غامت الدنيا في عينيه وأتجه ليصدم بالجدار فكان أخر صعود له للخشبة. أضطر بعدها لاستخدام الكرسي المتحرك وبدأ يفقد بصره تدريجيا حتى فقده تماما. عن اشتراكه كممثل في الفيلم قال الممثل بيتري بويكولاينين للصحافة الفنلندية: لقد كان امرا رائعًا. لم أحلم أبدًا بأي دور رئيسي في الأفلام، المشاركة في هذا الفيلم فاقت كل التوقعات.
في الفيلم، يقدم الممثل بيتري بويكولاينين، الأعمى ومن على كرسيه المتحرك، اداءا ساحرا ومريحا في فيلم مؤلم، مشحون بالعاطفة والتوتر، فبالإضافة الى الموهبة التمثيلية العالية، قدم تجربة الحياة التي يعيشها، بل ذهب الناقد ديفيد كاتز على موقع Cineuropa.org المعني بشؤون السينما، الى القول بان الفيلم يعارض الفكرة بان الممثلين الاصحاء يمكن ان يلعبوا أدوار شخصيات ذات إعاقة، كما في فيلم (نظرية كل شيء 2014) حيث لعب الممثل إيدي ريدمايني دور العالم الشهير ستيفن هوكينغ. جاء الحماس للفيلم كون المخرج جعل المشاهد يتفاعل مع حالة إنسانية شائعة، جعلنا نرى العالم من خلال عيني رجل أعمى، بلقطات بارعة في التصوير بإستخدام موشورات خاصة، ونتابع مواجهة بطل الفيلم ياكو لقسوة الاخرين ولعالم غير مصمم لأمثاله من المرضى حين يجرؤ على مغادرة منزله للقاء امرأة تعلق بها أسمها سيربا، لعبت دورها الممثلة الفنلندية، ماريانا مايلا (مواليد 1968)، تعرف عليها عبر الانترنيت وكان يتحدثون يوميا على الهاتف، وإذ عرف بمرضها قرر زيارتها حين طلبت منه اللقاء قبل موت أحدا منهما. يخبرنا الفيلم بأن كل أنسان بحاجة للحب والتواصل مع الاخرين، حتى ياكو الاعمى والمقيد لكرسيه المتحرك والسجين في غرفته والظلام، رغم ان لقاء سيربا سيكون بالنسبة لإنسان في مثل حالته (بعد رحلتين من سيارات الأجرة وقطار). كشف الفيلم للمشاهد عمق أحاسيس بطله من خلال اللقطات القريبة التي تكشف العالم الداخلي للشخصيات، ومن خلال روح الدعابة ومواقف الكوميديا السوداء، واستشهادات ياكو السينمائية اللماحة، فهو عاشق للسينما، شقته مزدحمة بأقراص DVD للأفلام التي شاهدها قبل إصابته بالعمى ولم يكن بينها فيلم تايتانك الذي يرفض مشاهدته، ولنكتشف بأن (العوق) عند الاصحاء وليس المرضى، حين يتعرض ياكو الى محاولة تسليب من شخصين، يحاولان الاستيلاء على بطاقة ائتمانه البنكية. مع قبول ياكو المحنة التي واجهها إلا أن عوائق ضمانات استخدام بطاقات الائتمان والبيروقراطية تسمح لياكو بالانتصار والمضي للقاء امرأة أحلامه، وإذ كاد ان يفقد ثقته بالإنسانية، لكنه يستعيدها عند لقاء سيربا.













بيتري بويكولاينين في لقطة من الفيلم
 

78
عن تغيير أسم الحزب الشيوعي العراقي

يوسف أبو الفوز

ونحن نقترب من انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعي العراقي الحادي عشر، تعود من جديد الدعوة من بعض الأصدقاء والرفاق المناضلين الشيوعيين، لتغيير اسم (الحزب الشيوعي) بدعوى الديمقراطية والتجديد، والملفت في هذا الامر ان بعضهم، مناضلين لا غبار على أسمائهم وتأريخهم النضالي، بل كانوا معلمين ومرشدين لأجيال بصفاتهم النضالية وبسالتهم الشيوعية، إذ حملوا راية (الحزب الشيوعي) عاليا في مختلف الظروف في سوح النضال، في التظاهرات، السجون، كردستان وثم في المنافي.
ويحاول البعض، لتبرير دعوته، التعكز على واقع إنهيار تجربة الدولة الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي وما عرف بالمنظومة الاشتراكية، والقول بأن (الاشتراكي) هي المناسبة والأفضل وما غير ذلك، وبدعوى مراعاة التغيرات الحاصلة في العالم وغير ذلك. وهذا الامر صار يتكرر مع اقتراب كل مؤتمرات الحزب الشيوعي العراقي، لكنه لم يجدد قبولا عند مندوبيه، فلم يمر في النقاشات، وخصوصا في مؤتمرات الحزب الاخيرة، التاسع والعاشر، التي كان لي شرف حضورها والمساهمة فيها. واعتمادا على مساهمة قدمتها شخصيا عشية انعقاد المؤتمر الوطني السادس للحزب، ونشرت في صحافة الحزب الشيوعي العراقي ايامها، اعود من جديد لأقدم افكارا حول هذا الامر وارجو ان تساهم في اغناء الحوار الفكري والرفاقي الذي لا يفسد للود قضية ولا "تشخصن" بأي شكل كان، ولهذا لن اتبع هنا أسلوب لينين الحاد والساخر في ردوده مع خصومه الفكريين، واحاول اختيار المفردات الهادئة، لأقول أني أرى في الدعوة لتغيير اسم الحزب، مهما كانت المبررات المقدمة، محاولة تراجع، بل وإنكسارـ ربما يستخدم لينين في مثل هذه الحالة مفردة (تخاذل) ـ أمام هذا الخراب والتردي الاجتماعي والفكري الذي نعيشه في مجتمعنا العراقي ـ والمنطقة العربية عموما ـ وحملات العداء التي تشنها قوى رجعية ومعادية فكرية، لأجل ازالة وكسر كل ما له صبغة علمانية واشتراكية ويسارية ومن ذلك، راية وأسم الحزب الشيوعي، ودفعه للصفوف الخلفية، بل ووضعه على الرف كما يتخيلون ويحلمون.
وهكذا فان الاستجابة لهذه الآراء والدعوة لتغيير أسم الحزب الشيوعي، لا تعكس عندي، حكمة وشكيمة نضالية، بل هي تكاد تكون في المحصلة، مساهمة في هذا الفعل الساعي لتغييب الحزب الشيوعي، بشكل أو آخر.
وهذا يدعونا من جديد للتذكير بأن الحزب الشيوعي العراقي في وثائقه المقرة في المؤتمر العاشر 2016 يذكر كونه (يسترشد الحزب في كفاحه وفي مجمل سياسته وتنظيمه ونشاطه، بالفكر الماركسي وبدروس التجارب الاشتراكية والتراث الاشتراكي عامة، ويسعى إلى تجسيد ذلك في ظروف العراق الملموسة بإبداع، استناداً إلى دراسة عميقة لواقع مجتمعنا المعاصر وما يشهده من تطورات في الميادين كافة). والفكر الماركسي هنا هو غير الاشتراكي، لان الماركسية كنظرية هي خلاصة الفكر الاشتراكي بمدارسه المختلفة قبل ظهور ماركس، واذ صاغها ماركس وانجلس بنظرية متكاملة فانهما قدما منهجا جديدا علميا لحزب من طراز جديد هو: (الحزب الشيوعي). والحزب الشيوعي العراقي اذ يعلن هويته الفكرية كحزب ماركسي ويعلن الاشتراكية هدفا له فهو ينسجم بذلك مع اسباب وجوده كحزب شيوعي. أن الاشتراكية بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي كهدف ليست حلما طوباويا، انها مطلب جماهيري، وان فشل النموذج السوفياتي في بناء الاشتراكية، حتى بعد سبعين سنة من التطبيق، فهذا ليست نهاية التاريخ ولا نهاية العالم ولا نهاية حلم البشرية. 
تعيش البشرية الان، مرحلة جديدة لا تتطلب الذعر من انهيار تجربة، رغم كل اهميتها، فقد كانت ومضة في عمر الانسانية، وتتطلب لا نزع الجلد أو جلد النفس والتنصل من الماضي، بل تتطلب العمل والعمل بشجاعة استنادا الى وجهة نظر الحياة ـ الممارسة، على حد تعبير لينين. وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي العراقي الذي لم يتسلم مقاليد الحكم مرة واحدة كي تضع دعواته لبناء الاشتراكية محل الاختبار الحقيقي فان الشيء الاكثر واقعية باعتقادي هو ليس مراجعة اسم الحزب الشيوعي وتغييره، فلو غير الحزب الشيوعي العراقي اسمه وظل محافظا على كل المفاهيم وتقاليد العمل التي تجاوزتها الحياة ولم يعش عملية تجديد حقيقية وعميقة فان هذا يذكرنا بالقول المنسوب الى لينين (أن طلائك للدار لا يعني امتلاكك دارا جديدة).
يقول شكسبير في مسرحية روميو وجوليت (ان الشئ الذي نسميه "زهرة" يظل يفوح شذى، حتى لو اسميناه باي اسم اخر) هذه الحقيقية تقودنا الى واقع ان احزابا شيوعية عريقة تعمل تحت اسماء مختلفة (التقدم والاشتراكية، الطليعة، ...) احزابا لا تنعت نفسها بكلمة (الحزب)، بل تطلق على نفسها تعبير مثل (جبهة) أو (حركة) أو (المنبر)، لكن في كل الاحوال عند الحديث او الكتابة عنها، فإنها عند الاصدقاء والخصوم: (الحزب الشيوعي). ان كل الاحزاب الشيوعية التي (صُدمت) عند انهيار النموذج السوفياتي للاشتراكية وغيرت من اسمائها، وحتى تلك التي لم تكتف بتغيير الاسم فقط وذهبت ابعد من ذلك لتكون أكثر (انفتاحا) وليبرالية فان وسائل الاعلام لا تستطيع عند الحديث عنها الفكاك من كلمة (الشيوعية) ومرادفاتها مصحوبة بكلمة (سابقا) التي صارت تعبيرا ثابتا لدى الكثيرين. ان الحزب الشيوعي العراقي لو غير اسمه وحمل اي اسم اخر، مثلا "الاشتراكي " او " الاشتراكي الديمقراطي " فسينسحب عليه ذات الامر.
ان اسم الحزب الشيوعي العراقي الذي مد جذوره عميقا في تربة العراق وقلوب المخلصين من ابناء الشعب العراقي، الذين غذوه بخيرة ابنائهم، صار راية نضالية، ورمزا وطنيا رسخ في وجدان الشعب وهوساته وامثاله وحكاياته وفي قصائد الشعراء واغانيهم، هذا الاسم كان ولا يزال منارة للحركة التقدمية والديمقراطية ـ والشبابية ـ وصماما اساسيا للتحالفات الوطنية الجادة، والمطلوب ـ الان ـ ليس اعادة النظر في اسم الحزب الشيوعي العراقي، بل المطلوب مواصلة المسيرة الجادة التي بدأها المؤتمر الوطني الخامس في اعادة النظر بالمفاهيم التي تجاوزتها الحياة وتعميق الممارسة الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية، وتدقيق سياسة التحالفات الوطنية، وايجاد خطاب سياسي يتلائم والواقع الجديد الذي يعيشه شعبنا بعد زوال النظام الديكتاتوري وبعد كل المتغيرات والكوارث التي مر بها ويعيشها وطننا ويعاني منها ابناء شعبنا بسبب من حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية ، والفساد المستشري في الدولة والمجتمع.

هلسنكي 22 حزيران2012




 .

79

ملامح حركة الأنصار الشيوعيين

  النصير يوسف أبو الفوز         
هذه محاولة توصيف وليس تقييم، للحركة الانصارية للحزب الشيوعي العراقي، التي سجلت ملاحما وبطولات في نضالها لأجل الوطن الحر والشعب السعيد، مقدمة كواكب من الشهداء الشجعان في معارك بطولية ذادوا فيها بأرواحهم الشريفة عن مبادئهم ومواقفهم الصلبة. نقدم هذا التوصيف استنادا الى واقع المجتمع العراقي وتاريخ الحركة الوطنية ومقارنة بالحركات السياسية الأخرى، التي اعتمدت الكفاح المسلح كأسلوب نضالي. والمعروف ان الحزب الشيوعي العراقي، لجأ الى اعتماد الكفاح المسلح كأسلوب نضالي في فترتين، بدأت الأولى بعد انقلاب 8 شباط 1963، حيث تم اغتيال ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وتعرض الحزب الشيوعي العراقي الذي ساند الثورة بحماس الى حملات تصفية شملت ليس منظماته وأعضاؤه، بل واعدام كوكبة من رفاق قيادة الحزب في مقدمتهم الشهيد الباسل سلام عادل. وبدأت الثانية عام 1978 بعد انفراط التحالف فيما عرف بالجبهة الوطنية والتقدمية بين الحزب الشيوعي وحزب البعث.
1.   في كلتا الفترتين، دعا وقاد الحركة الحزب الشيوعي، وهو حزب علماني، اممي، ماركسي، تقدمي، فكل هذه الصفات ساهمت في رسم ملامح الحركة بهذا الشكل او ذاك.
2.   ومن المفارقة القول ان كلا الفترتين كانتا للنضال ضد تعسف وحكم حزب فاشي شوفيني شمولي، آمن بالفكر الاشتراكي القومي، كالحزب النازي الهتلري، عرف باسم حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي.
3.   بحكم كون الحزب الشيوعي العراقي حزب أممي، وابوابه مفتوحة لانتماء أي مواطن عراقي بلغ الثامنة عشر يقر بالنظام الداخلي والبرنامج للحزب، نلاحظ ان أعضاء حركة الأنصار ينتمون لكل مكونات الشعب العراقي القومية والدينية. 
4.   كون الحزب الشيوعي العراقي حزب تقدمي، يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، وناضل كثير لنيل حقوقها في الحياة الاجتماعية والسياسية، نرى ان حركة الأنصار الشيوعيين ضمت الكثير من النساء كنصيرات، شغلنّ مكانة بارزة، وعملن بجدية ومسؤولية في مختلف المواقع وساهمن في اغلب المهام، وحتى في بعض العمليات العسكرية، وكان منهن شهيدات باسلات يفخر تأريخ الوطن بهن وليس الأنصار الشيوعيين وحدهم.
5.   بحكم كون الحزب الشيوعي قائد الحركة، وفي كلا الفترتين تعرضت منظماته لهجوم إرهابي بوليسي من قبل سلطة غاشمة، قامت باعتقال قياداته وتصفية بعضها، ففي عام 1963 استشهد كوكبة من قادة الحزب في مقدمتهم الشيوعي الباسل، سكرتير الحزب، الرفيق سلام عادل، فأن الحزب اعتمد الحركة الانصارية كركيزة لتجميع قواه وبناء منظماته وتعزيز نشاطه الإعلامي، هكذا قام الحزب في ثمانيات القرن الماضي باعتماد تحرير وطبع (طريق الشعب )، جريدة الحزب المركزية من أراضي كردستان ، وأيضا إذاعة (صوت الشعب العراقي ) ، كانت تبث من الأراضي العراقية في كردستان، وكل ذلك بحماية بنادق الأنصار الشيوعيين .
6.   بحكم، اعتماد الحزب الشيوعي، حركة الأنصار كحامي وركيزة لبناء منظماته واستعادة نشاطه، اعتمدت الحركة، وفق منطق العلوم العسكرية، استراتيجية دفاعية. إذ كان الحزب الشيوعي يدرك جيدا بان حركة الانصار ليس بمقدورها اسقاط النظام، فإمكانيات النظام الديكتاتوري، الضخمة، بتوظيف أموال تأميم النفط، وبناءه جيشا وصف بأنه رابع الجيوش في العالم، تجعل من السذاجة الاعتقاد بسقوطه بسبب مناوشات حرب الأنصار، لكن الحزب، آمن بأن الحركة ستكون أداة لتثوير المجتمع، وانطلاق انتفاضات جماهيرية، وهذا ما حصل في مدن كردستان، في الاعوام 1982 و1984 و1987 وغيرها.
7.    وبنفس الوقت، ان هذا الكلام لا يمنعنا من القول ان للحركة الانصارية معاركها العسكرية والمواجهات التي سجلت فيها صفحات نضالية باسلة في نضالات الانصار والتي كبدت النظام خسائر بالغة ولم يكن النصر لصالحه.
8.   وامتازت الحركة الانصارية بالتحاق المئات من خريجي الجامعات وطلاب الجامعات، وبينهم أصحاب شهادات عليا. وفي أحد المرات في قاعدة انصارية واحدة، ذكر الرفيق فخري كريم (خلال أيام عقد مؤتمر الحزب الرابع) في مقال له، أنه قام بإحصاء وجد فيه ان الأنصار المتواجدين هناك يتحدثون 11 لغة اجنبية من غير العربية والكردية. هذا التواجد لهذه الاعداد من المثقفين والمتعلمين، وبينهم عدد لا يستهان به من الكتاب والفنانين المحترفين، ساهم بكون الحركة امتازت بحياة ثقافية نشطة، فكانت ثقافة الأنصار، ثقافة مقاومة للعدوان والفاشية، حيث تعقد عشرات الندوات الثقافية، الشعرية والقصصية، والحوارية في مختلف الموضوعات، إضافة الى النشاط المسرحي والتشكيلي وبروز الصحافة الدفترية. وكل هذا قاد لتطور وبزوغ العديد من المواهب الأدبية والفنية، التي اغتنت بالتجربة لتكون فيما بعد أسماء لامعة وبارزة في الثقافة العراقية.   
9.    ان ايمان الشيوعيين العراقيين بمبدأ حق الشعوب بتحقيق مصيرها، ووقوفهم الى جانب الحقوق المشروعة للشعب الكردي، ساعد كثيرا في احتضان الشعب الكردي للحركة ودعمها، وهو الشعب الذي عرف عنه الكرم والاباء.   ورغم سمة، وجود أعداد غفيرة من المثقفين في صفوف الحركة، وكونها تعمل وتنشط في وسط فلاحي تنتشر فيه الامية، إلا ان الحركة نجحت في بناء علاقات طيبة ومثمرة مع أبناء المنطقة، من أبناء شعبنا الكردي. ساعد في ذلك حجم الخدمات التي قدمها الأنصار لأبناء القرى، خاصة الانصار العاملين في الحقل الطبي، من ممرضين وأطباء، ودور الرفيقات النصيرات خصوصا في تقديم النصح والإرشاد في مختلف الحالات الصحية والاجتماعية، يضاف الى ذلك استبسال الأنصار في الدفاع عن القرى الكردية في مواجهة غدر وهجمات قوات النظام الديكتاتوري خصوصا من المرتزقة الجحوش وقوات الاستخبارات العسكرية. في مقابل كل هذا قدم أبناء الشعب الكردي، خصوصا الفقراء منهم، كل الدعم المادي والمعنوي، وطالما بادروا لحماية الانصار بتوفير المعلومات وانذارهم الأنصار، أحياناً، من تحركات ونيات قوات النظام الديكتاتوري، هذا من غير عمليات الايواء التي تكررت هنا وهناك. أيضا قيام حركة الأنصار بدعم انتفاضات شعب كردستان ضد الحكم الشوفيني بل وكانوا من المبادرين للمشاركة بفعالية في اندلاع تلك الانتفاضات المجيدة.
10.    رغم ان الحركة لم تنجح في تعريق نفسها، بإيجاد ركائز ومفارز عمل لها في المدن العراقية، بحكم إمكانيات وجبروت النظام، الا انه لا يجب اغفال ان الحركة حاولت ذلك، لكن عدم التوازن في القوى، وشراسة النظام وامكانياته الكبيرة المادية والموضوعية، في تجنيد وتسقيط ودس عناصر في عموم حركات المعارضة والمقاومة، لم يسهل المهمة. وفي حالات كان النظام يدس عملاء له في حركات سياسية حليفة للتجسس على أنصار حزبنا وليس على مقاتلي الحركة نفسها. وخلال هذا السعي، لتعريق عمل الحركة، لم تلجأ ولم يكن في حساباتها ان تقوم بأعمال تفجير او هجوم ضد مواقع مدنية في أي من مدن العراق.
11.   رغم ان الجيش العراقي، من بعد صعود جناح البكر ـ صدام وتحكمه في سياسات حزب البعث، وخصوصا مع بعد تفرد صدام حسين وحاشية ضيقة بمجريات الحكم، تحول الى جيش سلطة غاشمة واداة لتنفيذ مخططاتها المجنونة، في حروب داخلية وخارجية، في الانفال والحرب المهلكة مع "الجمهورية الإسلامية الإيرانية" وثم غزو الكويت، مما افقد الجيش كثيرا صفته كجيش عراقي وطني، إلا حركة الأنصار  حرصت على رفع شعار ( الجنود إخواننا والنظام عدونا) ، وسعت الحركة وحققت نجاحات هنا وهناك في عقد علاقات صلات طيبة مع وحدات ومواقع الجيش والربايا والمعسكرات، وهذا رد مباشر على من يدعي كون حركة الأنصار استهدفت الجنود العراقيين من جيش صدام . لجأ الأنصار مثلا الى تكتيك ترك الرسائل مع رغيف خبز في طريق جنود الربايا. (كان يمكن ان يكون هذا لغما) ونجحوا في عقد صداقات، ولم يكن غرضها فقط المعلومات وجلب الادوية والصحف والمجلات، بل أصبح بعض الأنصار يتسلل الى الربايا ليتفرج على مباريات كرة القدم في تلفزيون الربيئة. وهناك قصص طريفة عديدة عن هذا.
12.   أيضا لابد من الحديث عن استقلالية حركة الأنصار الشيوعيين، فهي وإذ لم يكن لها عمق جغرافي صديق، لا في تركيا ولا إيران، والحدود السورية بلوغها يتم دائما بمغامرة مشوبة بالمخاطر، فإنها سياسيا امتازت بخضوعها فقط لقرار قيادتها السياسية، أي قيادة الحزب الشيوعي، فلم تكن للحركة أي عمليات عسكرية مشتركة ضد الجيش العراقي بالتنسيق مع عمليات الجيش الإيراني، وبذلت الحركة جدا لتجنب الوقوع في هذا المطب عن وعي، وهناك شواهد عن انسحاب قوات الانصار من استكمال نشاط عسكري عند وجود أي شك عند القيادات الميدانية. مثلا وجود تنسيق ما مع القوات الإيرانية بين قوى حليفة وقوات ايرانية، ففي أحد المرات انسحبت مفرزة شيوعية من استكمال عمل عسكري حين انتبهوا ان القوى الحليفة تستعين بجندي مخابر إيراني.
13.   وفي في إطار الصراع على مناطق النفوذ، بين القوى الكردستانية، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، حيث نجد عمليا ان الحزب الكردستاني ينشط في مناطق بهدينان، بينما الاتحاد الوطني في مناطق، سوران، فان الحركة الانصارية للحزب الشيوعي لم يستطع أحد منعها، وكانت قواتها متواجدية في كل مناطق كردستان.
14.   ولم تنجح الحركة في ان تكون حركة جماهيرية، فواصلت كونها حركة تضم الكادر الحزبي الشيوعي ولهذا فأن أي ضربة تتلقاها كانت تصيب الحزب بخسارة كبيرة. ويمكن القول هنا ان هذه الضربات كانت دوما تصيب العظم!
 




 

80
استعراض مواد العدد صفر من دورية (النصير الشيوعي)
يوسف أبو الفوز
صدر أخيرا، عن رابطة الأنصار الشيوعيين، العدد صفر، تموز 2021،  من دورية (النصير الشيوعي)، من بعد عمل دؤوب لهيئة التحرير، التي ضمت الانصار بشرى عبد علوان، مزهر بن مدلول ـ أبو هادي ويوسف أبو الفوز، وكان التصميم والاشراف الفني للنصير شاكر جابر ـ أبو أكد.
 جاءت الدورية من 36 صفحة، وبأبواب متنوعة. وكان الصدور توافقا مع حلول الذكرى 86 لصدور (كفاح الشعب) اول جريدة شيوعية. جاء في الافتتاحية (النصير الشيوعي لماذا؟) انه تقديــرا لمســيرة الأنصار الشيوعيين لمقارعتهم النظام البعثي الديكتاتوري ... (والتــي فاقــت المعقــول فــي بســالتها، واعتزازا بشهدائها الابطــال والمضحيــن الشــجعان، ومــن اجــل ان يعبــر الانصــار عــن كل مــا يجــول فــي خاطرهــم مــن احاســيس ومشــاعر عــن تلــك الايــام الصعبــة ومــا اكتنزتــه مــن مغامــرات شـجاعة، صـدرت "النصيـر الشـيوعي"، للتعريـف بهـذه التجربـة الثريــة، ونقــل ارثهــا للأجيــال القادمــة، خصوصــا شــباب انتفاضــة تشـرين الباسـلة الذيـن اتصفـوا بـروح البـذل والعطـاء).
على الصفحة الثانية جاءت كلمة رابطة الأنصار الشيوعيين العراقيين تحت عنوان (نقف مع شعبنا من اجل الدولة المدنية الديمقراطية) وفيها تعلن الرابطة بشكل  واضح موقفها المنحاز الى جانب أبناء الشعب الطامح بحياة كريمة ومع شباب تشرين البواسل (أنّنــا فــي رابطــة الانصــار الشــيوعيين العراقييــن، اذ نديــن بشــدة جميــع الاســاليب القمعيــة التــي يتعــرض لهــا شــبابنا المنتفــض، نقــف الــى جانــب شــعبنا وانتفاضتــه الباســلة، ونطالــب بالكشــف عــن القتلــة والمجرميــن وجميــع الفاســدين وتقديمهــم الـى العدالـة، كمـا نقـف مـع شـعبنا فـي حقـه بدولـة مدنيـة ديمقراطيـة تحقـق العدالـة الاجتماعيـة لـكل المواطنيــن مــن دون تمييــز.) . وفي باب (صحافة الأنصار.. أمجاد وتاريخ )  الصفحات  3 ـ 9 ، جاءت برقية تهنئة من اسرة تحرير طريق الشعب ( سـتكون "النصيـر الشـيوعي " منـذ لحظـة طلوعهـا مجلتنـا نحـن ايضـا، خاصـة الذيـن حالفهـم الحـظ مـن الرفيقـات والرفـاق ورافقوكـم فـي تلـك السـنوات الصعبـة والمضيئة، ورفعــوا معكــم جميعــا رايــة النضــال الشــيوعي المخلــص والمتفانــي مــن اجــل حريــة الوطـن وسـعادة الشـعب، وفـي سـبيل المسـتقبل الوضـاء الـذي يسـتحقانه.) ، وحوى الباب مقالات متنوعة عن النشاط الإعلامي الانصاري، فكان ثمة مقال استعرض طبيعة نشاط الاعلام المركزي، واخر تحدث عن الصحافة الدفترية للأنصار الشيوعيين . وكان هناك مقال كتبه النصير سمير طبلة يتحدث عن الجهود لإصدار طريق الشعب في مواقع الأنصار وبطبعات خاصة (تطبع الجريــدة علــى ورق "الرايــز" الخفيــف جـداً... ونجحــت الطباعــة. لتصــدر «طريــق الشــعب»، أول صحيفــة عراقيــة تُطبــع علــى الــورق الخفيــف وبحجــم لا يتجــاوز حجــم الكــف الواحــدة.). ومقال للنصير شمال عادل سليم عن جريدة ئازادي (أول جريدة سياسية شيوعية كوردية في العراق). وجاء مقال للنصير أبو الفوز عن ظروف تجربة اصدار جريدة ساخرة (الصفارة.. جريدة رياضية ساخرة)، وكتب النصير محمد القيسي ـ أبو محمد عن تجربته مع برنامجه الإذاعي (احجاية لخوتنا الفلح) الذي قدمه من إذاعة (صوت الشعب العراقي)، إذاعة الحزب الشيوعي العراقي، التي كانت تبث من مواقع الأنصار الشيوعيين. ونشرت الجريدة صورا لبعض الرفاق الراحلين ممن عملوا في الاعلام الانصاري واعلام الحزب الشيوعي مثل الراحل مهدي عبد الكريم، عبد الرزاق الصافي، رجاء الزنبوري، حميد بخش ورحيم عجينة.
في باب (نصيرات)، الصفحات 10 ـ 14، الذي تصدره مقال عن اول فصيل للنصيرات، ثم مقال للنصيرة ام نصار ـ ابتسام حداد تحدثت فيه عن تجربتها في الالتحاق بأول قاعدة انصارية والمعاناة والمخاطر التي واجهها الأنصار في طريقهم وهي كانت معهم . واجرى النصير مزهر بن مدلول ـ أبو هادي لقاءا مع اول نصيرة شيوعية (ام عصام اول شيوعية تلتحق بالحركة الانصارية). وكان هناك استعراض مكثف لفيلم (نصيرات) من اخراج النصير علي رفيق وسيناريو النصير كريم كطافة. وكتب النصير أبو سعد اعلام ـ علي محمد ، مقالا جميلا (أطفال الانصار) عن تجربته ومعايشته لبعض من أطفال الأنصار ، وكتبت النصيرة ليلى ـ انتفاضة مريوش ( موقف لا ينسى) عن تجربتها في التسلل الى بغداد والدعم الذي حصلت عليه من الفلاحين الكرد من أبناء المنطقة ، ، وتحت عنوان ( نصيرات شيوعيات ارتوت ارض الوطن بدمائهن الزكية ) زينت صفة كاملة من الجريدة بصور كوكبة من النصيرات الشيوعيات .
وكان (لقاء العدد) الصفحات 15 ـ 16 الذي أجرته الجريدة مع النصير ملازم خضر رئيس رابطة الأنصار الشيوعيين تحدث فيه بشكل موجز عن سيرته الانصارية، وعن رابطة الأنصار الشيوعيين وكونها (فــي الظـروف الحاليـة، ظـروف السـلم الأهلـي، هـي مـن روافـد عمـل الحـزب السياسـية، فهـي تسـعى لتكـون وتنشـط كمنظمـة مجتمـع مدنـي، تعـرف بنضـالات الأنصــار وتنشــر الوعــي التنويــري وتعمــل لأجــل المجتمــع المدنــي ويكــون لهــا موقــف سياســي يصطــف الــى جانــب حقــوق الشــعب ومطالبــه المشــروعة.) . في باب (الأنصار يكتبون عن البدايات) الصفحات 17 ـ 21، حوى موضوعات كتبها الأنصار عادل كنيهرـ سامي دريجه، كريم حيدر ـ أبو حسين، نجم خطاوي ـ رياض قره جوغ، سامي سلطان ـ أبو عماد و احمد رجب ـ سيروان  عن تجاربهم والظروف التي عاصروها في الجبل.  في باب (حياة الأنصار)، الصفحات 22 ــ 23، كتب النصير يوسف أبو الفوز مقالا تحت عنوان (ملامح حركة الأنصار الشيوعيين ) بين انه (محاولــة توصيــف وليــس تقييــم، للحركــة الانصاريـة للحـزب الشـيوعي العراقـي، التـي سـجلت ملاحمـا وبطـولات فـي نضالهـا لأجـل الوطـن الحـر والشــعب الســعيد، مقدمــة كواكــب مــن الشــهداء الشـجعان فـي معـارك بطوليـة ذادوا فيهـا بأرواحهـم الشــريفة عــن مبادئهــم ومواقفهــم الصلبــة. نقــدم هــذا التوصيــف اســتنادا الــى واقــع المجتمــع العراقـي وتاريـخ الحركـة الوطنيـة ومقارنـة بالحـركات السياسـية الأخـرى، التـي اعتمـدت الكفـاح المسـلحة كأســلوب نضالــي.). وكتب سعيد شابو (استقبال مميز للأنصار البيشمه ركة) تحدث فيه عن علاقة الأنصار مع أهالي القرى الكردية (بالرغـم مـن الحيـاة المعيشـية الصعبـة، وبالرغـم مـن الخـوف مـن بطـش النظـام، فـأ ّن قـرى كردسـتان فتحـت ابوابهـا لانصـار والبيشـمركة علـى حـد سـواء. قدمــوا لهــم كل مــا يســتطيعون، وتقاســموا معهــم الخبــز والغطــاء، وشــارك البعــض مــن ابنائهــم فــي قتـال قـوات النظـام وجحوشـه.). وسجل النصير محمد الكحط ـ أبو صمود العديد من المواقف الطريفة في حياة الأنصار في مقاله (لقطات من حياتنا الانصارية) ، بينما بين النصير ناظم ـ فارس يوسف ، طبيعة العلاقة والترابط بين نضال الانصار في الجبل والتنظيمات الحزبية داخل المدن ( الجبال والنضال في المدن) . ضم باب (النصير الثقافي) الصفحات 24 ــ  33، عدة مقالات أدبية بأقلام الأنصار، فكتب عمار علي ( بولقاميش فرودس الالهة وخمرها)، كان هناك تقرير عن نشاط فرقة ينابيع  المسرحية الانصارية ، مقال للنصير علي رفيق عن أهمية توثيق وارشفة الحركة الانصارية وتحدث عن تجربته الصعبة في هذا المجال ، وكتب النصير كريم كطافة ( أذنا ارنب يرتديان حذاء الاديداس) ، وفي التفاتة وفاء نشرت الدورية  نص قصيدة للراحل ئاشتي ( هذا العمر) ومقتطف طويل من قصة وجه الماء للنصير الراحل علي جاسم ـ أبو بدر. وحوى العدد تقارير عن (تلفزيون الأنصار)، وهو برنامج على (منصة الزوم) بإشراف اللجنة الثقافية لرابطة الأنصار، يعده ويقدمه مجموعة من الأنصار، ومكرس لتغطية وتوثيق التجربة الانصارية وحياة الأنصار في محاور مختلفة، وهناك عرض لكتاب (شهداء الحزب شهداء الوطن)،  وللجزء المخصص للحركة الانصارية، وحوت الصفحة ما قبل الأخيرة على كاريكاتير للنصير الفنان ستار عناد ـ أبو بسام، بينما حوت الصفحة الأخيرة 36 على صورة لعمل نحتي للفنان علي مكي ـ أبو بسيم .
والمتصفح للعدد يلاحظ الجهد المبذول من النصير أبو أكد ــ شاكر جابر، المصمم والمشرف الفني، لتفوح روائح حياة الأنصار واجوائها من بين الخطوط والصور الانصارية، التي حرص ان تحتل مساحة بارزة في اخراج جميل وانيق.
تحية للأنصار الشيوعيين الابطال بمولودهم، الذي وان جاء متأخرا كثيرا ، لكنه الان بين أيدينا ، وامنيات طيبة بالاستمرار والتطور ، ليكون أداة إعلامية تعرف أبناء شعبنا وعموم القراء على تجربة غنية وخالدة. 

81
تلفزيون الأنصار: التجربة الانصارية والابداع
متابعة ثقافية ـ   يوسف أبو الفوز
تقاطر الأنصار واصدقائهم، من كل صوب، الى منصة برنامج الزوم بحضور متميز، لحضور الجزء الثاني من أمسية (التجربة الانصارية والابداع)، حيث سبق وضيفت اللجنة الثقافية لرابطة الأنصار الشيوعيين، في حلقة سابقة من البرنامج، مجموعة من الأنصار المبدعين للحديث عن تجربتهم الإبداعية خلال وجودهم في صفوف فصائل الأنصار الشيوعيين، وتأثير ذلك على تجاربهم وابداعهم. يعد البرنامج ويقدمه، والذي قدم عدة حلقات بموضوعات متنوعة، فريق من الأنصار المثابرين في العمل: النصيرة بشرى عبد علوان، النصير شاكر جابرـ أبو أكد، النصير مزهر بن مدلول أبو ــ هادي والنصير يوسف أبو الفوز.
ابتدأ الأمسية النصير يوسف أبو الفوز بالترحيب بالحاضرين باسم اللجنة الثقافية لرابطة الأنصار الشيوعيين، مذكرا بان فصائل أنصار الحزب الشيوعي العراقي، امتلكت حركة ثقافية حيوية، خصوصا للفترة1978 ــ 1988، لان هناك وحدات انصارية مارست العمل الانصاري، بعد حملات الانفال، حتى أعوام 1991. وبين انه مع تواجد العشرات من الكتاب والفنانين المحترفين في صفوف الحركة الانصارية، ووجود المئات من المتعلمين وفر أرضية لهذا النشاط الثقافي وحيويته، فتطورت وتجذرت تجربة الكثير من المبدعين، وبرزت وتفتحت مواهب عديدة أدبية وفنية صقلتها التجربة والأيام وأشار الى ان الأنصار كانوا يصارعون بمعنى الكلمة لأجل تقديم عمل فني: مسرحية، او لوحة، او نحتا، أو حتى كتابة قصة او قصيدة. فحياة التجوال، وتفاصيل الحياة الانصارية اليومية، ومشاغلها ومتاعبها، وطغيان نمط الحياة العسكرية ومتطلباته، والفهم الخاطئ لدى البعض لمهمة المبدع وحاجاته، كانت تضع عشرات العراقيل. لكن المبدع النصير، كان مبدعا في تحدي الصعوبات لأجل ابداعه الفني الخاص والذي يتحول الى عام، فسخروا ما حولهم من مواد بسيطة، واستعانوا بما توفره الطبيعة ذاتها، لأجل انتاج اعمال فنية تقدم فكرا تنويريا يطمح لحياة تسودها الحرية ويعيش فيها المواطن العراقي بكرامة. وأضاف بأن ليس أفضل من الأنصار المبدعين أنفسهم يتحدثون عن تجاربهم، وعن الظروف التي عملوا فيها، عن المعوقات التي صادفتهم، عن اجتهادهم لتقديم ما هو فني ومعبر عن أفكارهم، فالأنصار الذين عاشوا تلك الأيام الخالدة، الى جانب كونهم مقاتلين ودعاة سياسيين، جاهزين لفداء حياتهم لأجل مبادئهم، كانوا محبين للحياة والجمال، وعبروا عن ذلك بإعمالهم الأدبية والفنية. ودعا الضيف الأول، النصير الفنان وسام صگيري (سمير جاسم)، الذي شكر اللجنة الثقافية، وفريق العمل في البرنامج لجهودهم في دعوته، وهو كان يظن نفسه منسيا من قبل رفاقه، وبين انه أساسا هاوي للفن ولم يدرس ذلك أكاديميا، ولكنه بالمتابعة والاطلاع والتعلم من الاخرين طور امكانياته. وأشار النصير وسام الى ان الطبيعة في كردستان كانت تعطيه الهاما كبيرا، فمشهد شجرة تحتضن شجرة، او صخرة تبدو كأم تحضن طفلها دفعه لمحاكاة ذلك بالرسم والتخطيطات. وكانت هناك في أيام الانصار صعوبات كبيرة للحصول على مواد الرسم، خصوصا الألوان، لهذا حين اهداه أحد رفاقه الأنصار يوما علبة ألوان، كانت هدية لا تقدر بثمن. واشاد الرفيق وسام بالمساعدة التي حصل عليها من رفاقه الأنصار الفنانين المحترفين، مثل قاسم الساعدي ـ أبو عراق، الشهيد فؤاد يلدا ـ أبو أيار، وحتى بعد استقراره في هولندا ظل دائما يعرض اعماله على رفاقه للاستفادة من ملاحظاتهم، وهكذا استطاع ان ينجز اعمالا عرضها في معارض في كردستان، مثل المعرض في مقر زيوة عام 1985، ومعارض في مناسبات سياسية في هولندا، مثل يوم الشهيد الشيوعي او تأسيس الحزب. ثم قام النصير وعبر الكاميرا بعرض العديد من تخطيطاته وبوستراته، وأيضا بعض الاعمال اليدوية التي يستخدم فيها كل المواد من خشب وريش وأسلاك معدنية ليكل لوحات بمضامين إنسانية عن الحب والتضحية والنضال.
الضيف الثاني في الأمسية كان النصير أبو فائز، الفنان عباس العباس، الذي تحدث بنفس روح التواضع التي تحدث به رفيقه وسام صگيري، وأشار الى انه منذ الثالثة عشر كان لديه موهبة الرسم، لكنه لم يتمكن من دراسته أكاديميا، لكنه علم نفسه بنفسه، من خلال الاطلاع على تجارب الفنانين الاخرين والاحتكاك بهم ومتابعتهم اثناء العمل، وبين انه في كردستان كان يتابع النصير أبو عراق اثناء إنجازه اعماله ويحاول التعلم منه، وأشار الى علاقته بالفنان الشهيد أبو أيار وما تعلم منه بخصوص النحت والتعامل مع الحجر. وأشار الى ان تطور النشاط الثقافي في حركة الأنصار وظهور المكاتب الاعلامية والصحافة الدفترية دفعه الى المساهمة فيها وإنجاز اغلفة ورسومات للعديد من المجلات الدفترية الانصارية. واكد الفنان أبو فائز على ان فترة الأنصار كانت بالنسبة له فترة تمرين كبير ومهم، لان عدم توفر الألوان دفعه للاعتماد على القلم والتخطيط، فأنجز العشرات من التخطيطات، وتميزت تخطيطاته بالإعمال الواقعية بينما في الفترة الأخيرة بدأ يميل للإعمال الرمزية والتجريدية. وبين ان عمله الفني المستمر كان من نتائجه معرض فني في كردستان في أواخر عام 1987 حضره العديد من القادة السياسيين من الاحزاب المعارضة للنظام الديكتاتوري، إضافة الى معرضه الثاني في بغداد عام 2008، ولاحقا معرضه الثالث في السويد، وختم مساهمته بعرض عبر الكاميرا العديد من اعماله التشكيلية والنحتية والمجسمات الفنية.
في فترة المداخلات التي ساهم فيها الرفاق، أبو حسن حبيب قلبي(السويد) ابو حسين (السويد)، ريسان (كندا)، فوزية (لندن)، أبو سارا (هولندا)، أبو انتصار (السويد)، وأبو سامر (هولندا)، ثمن الجميع نشاط وجهد اللجنة الثقافية وفريق العمل للبرنامج ، وقدموا اقتراحات لتطوير البرنامج . وأثر تنبيه قدمه الرفيق حسن حبيب البي، استذكر الحضور رفيقهم الراحل أبو نضال ـ توما القس، في دقيقة صمت لذكراه وذكرة الراحلين في الفترة الأخيرة. و تحدث الرفيق ابو هادي ـ مزهر بن مدلول باسم فريق العمل واللجنة الثقافية، مجيبا على العديد التساؤلات حول البرنامج، وبين ان البرنامج يسعى للوصول الى كل الرفاق الأنصار واشراكهم، من كل قواطع ومواقع الأنصار، وهناك أفكار عديدة لدى فريق العمل لتنفيذ جلسات استذكار تغطي موضوعات مختلفة، وان فريق العمل يبذل جهدا استثنائيا في البحث عن الأنصار المناسبين لكل موضوعة وان هناك حرص على منح الجميع الفرصة للظهور والمشاركة ، وحول العدد المساهم في كل ندوة بين ان طبيعة الموضوع يفرض العدد، فالحديث عن موضوع فك الحصار الذي تعرض له الأنصار في الانفال الصدامية ، ولأجل تقديم صورة واسعة يتطلب اشراك عدد من الأنصار  من عدة مواقع ، لكن هذا لا يلغي ان نخصص أمسية خاصة لنصير مبدع مثلا في حال صدور كتاب له للحديث عن كتابه . وبين ان الأمسية القادمة في 30 تموز ستكون مخصصة للصحافة الانصارية وسيشترك بها عدة أنصار.
وختم الرفيق يوسف أبو الفوز الأمسية بشكر الحضور ودعا الى التعاون مع اللجنة الثقافية وتقديم الاقتراحات وبين ان البرنامج هدفه توصيف الحركة وتغطية النشاطات الاجتماعية والسياسية، وليس هدفها التقييم، ولهذا فبالبرنامج مفتوح لمساهمة أي نصير شيوعي. وقدم تحية خاصة للرفيق أبو أكد الذي يتابع فنيا بث البرنامج وكونه رغم ظروفه الخاصة العائلية أصر على المساهمة وتقديم البرنامج في موعده المعلن عنه.



82
وداعا رفيقنا ابو نضال (توما القس)

يوسف أبو الفوز
غادرنا يوم الاحد 27 حزيران الجاري، الانسان المتواضع، صاحب المعشر الحلو، الشخصية الوطنية والشيوعية، واحد من ابطال الحزب الشيوعي العراقي، الذي خاض غمار النضال في أيام العمل السري متحديا جلاوزة وعيون الأنظمة البوليسية، وتعرض للاعتقال بسبب أفكاره وانتماءه للحزب الشيوعي، وشهدت جبال كردستان مواقف طيبة له، وساهم بتأسيس الخلايا الحزبية ونشر الأفكار التقدمية أينما حل وعمل.
في عام 2004، لم تكن رحلات الطيران المباشرة متيسرة بين العراق ودول اوربية، فكان لابد من السفر الى تركيا وثم المواصلة بالسيارات الى مناطق كردستان، عبر مدينة زاخو. في طريق عودتي الى فنلندا ، محل اقامتي، توقفت في دهوك لأيام، فكانت فرصة للقيام بجولة في المنطقة ولقاء رفاق النضال، وكانت أيام ممتعة، وكان ان التقيت العزيز أبو نضال، كنا نمزح ونحن نزور بعض المناطق بالسيارات وبملابسنا المدنية، بعد ان كنا نزورها سرا بملابس البيشمه ركه وبنادقنا معنا متخفين من ربايا وعملاء النظام الديكتاتوري. 
ولد المناضل الرائد توما القس داود ـ أبو نضال عام  1930 في ناحية (كاني ماسي) التابعة لقضاء العمادية. أنظم الى صفوف الحزب الشيوعي بشكل مبكر، وعمل معلما، وفي أعوام 1963-1961 نفي للعمل معلما في مدينة السماوة، فواصل نشاطه في نشر بذور الفكر المتنور وكون صداقات طيبة بين اهل المنطقة، كان يفخر بها على الدوام. بعد انقلاب 1963، نجح في الإفلات من القاء القبض عليه، والتحق بالجبل مقاتلا، ليساهم في تأسيس أولى القواعد الانصارية للحزب في مناطق كردستان. ومع تداعيات انهيار تجربة (الجبهة الوطنية) عام 1979، التحق من جديد بحركة الأنصار الشيوعيين، وخلال وجوده في حركة الانصار تعرض الى محاولة الاغتيال بسم الثاليوم، بعملية خسيسة نفذتها مخابرات النظام البعثي وبسبب ذلك تأثر السمع عنده بشكل كبير.
كان محبوبا بين رفاقه ومعارفه، مبادرا في خدمتهم ومساعدتهم، له قدرة في خلق الصداقات، ساعدته في كسب الناس الى افكاره واراءه.
لعائلته، رفاقه، واصدقاءه الصبر والسلوان..
له الذكر الطيب والخلود دائما ...
 
 
 
 

83
المنبر الحر / الأخضر دائما
« في: 22:20 17/06/2021  »
الأخضر دائما

يوسف أبو الفوز


...، (أسير مع الجميع وخطوتي وحدي) ... ثم، ... رحل سعدي يوسف وصرنا نكتب أمام أسمه (1934ـ 2021). رحل مع سفينة سالم المرزوق. رحل الشاعر والمعلم الأخضر بن يوسف تاركا لنا مشاغله، وما أعمقها!
خلال محنته الصحية في الفترة الاخيرة، لم أتمكن من التواصل معه، لأسباب مختلفة، رغم أني كتبت لزوجته الفنانة إقبال محمد علي، التي ـ للأسف! ـ لم تكلف نفسها حتى الإجابة على تساؤلاتي، وهي التي أيام نفيها وعملها في مدينتي السماوة كان بيت أهلي مفتوحا لها دائما وكانت أمي الراحلة ترعاها مثل أبنتها.
رحل سعدي يوسف الشاعر وخلال محنته الصحية كانت قلوب كثير من العراقيين معه، خاصة من المثقفين، وكما كتب الفنان هادي ياسين: "مهما اختلفنا معه فنحن مدينون له بصورة شعرية ولو واحدة"، فما ان بدأنا نهوى مطالعة الشعر، حتى وجدت قصائد سعدي يوسف طريقها الى قلوب الشباب مثلي بدون استئذان:
(ها نحن، قد جئنا
ودرنا
وانتظرنا ان نرى
أو أن يرانا الناس...)
 يذكر زملائي واصدقائي، أيام الدراسية الجامعية في البصرة، في منتصف سبعينات القرن الماضي، كيف كان يتورط أحدهم ويقرأ بيت شعر لسعدي، حتى يبادر اخرين لإكمال القصيدة، بل وأحيانا نعطيه اسم الديوان ورقم الصفحة. كان جيلنا يبدو متطرفا ومغاليا جدا في الامر، إذ ازعم كان فينا شيء من لوثة الجنون بالشعر والاسماء.
(نحن أبناء هذا الجنون
فلنكن من نكون)
في أيام الاختفاء، وضباع البعث الفاشي وجلاوزته تطاردنا من شارع لشارع، في نهاية سبعينات القرن الماضي، أفلح سعدي يوسف في مغادرة الوطن ــ المسلخ في قصة رواها مرارا في لقاءاته الصحفية وندواته. ايامها كنا مجموعة شباب، ليست قليلة، رافضين لسياسة التبعيث القسري، نسعى للحفاظ على مواقفنا وكرامتنا، نتمسك بأمل قدوم مواسم أخرى أفضل، فاجتهدنا لشد ازر بعضنا البعض ونحن نعيش متخفين في مدن العراق، (بلاد ما بين سيفين):
(زمن هو الشرطي، في يده
أرض العراق شبيهة الزمن.)
وها هو الصديق الراحل مخلص العطار يحصل على عدد من مجلة الهدف التي تصدرها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وفيها كان ثمة لقاء مع الشاعر سعدي يوسف، يتحدث فيه عما يتعرض له المثقفين العراقيين من عسف وإرهاب وكيف اضطر المئات منهم لمغادرة العراق وهو منهم، وبكل تواضع كشف أنه لن يحتمل طرق التعذيب في اقبية اجهزة الامن التي سمع واطلع على شهادات من تعرضوا لها، ولا يريد ان يعرض نفسه له (ان جسدي لا يحتمل السياط وقلع الاظافر). ايامها استنسخنا اللقاء بواسطة ورق الكاربون على ورق شفاف ووزعناه كمنشور، راح ينتقل من يد الى يد، بحيث عاد لي بعد فترة مستنسخا بأيد شباب اخرين.
 (يكفي ان تمتد اصابعنا، كي نمسك بالحق
ويكفي ان نتنفس، كي نتفرس في الأفق المفتوح)
اخبرت سعدي يوسف بذلك حين التقيته لأول مرة، في مكاتب مؤسسة المدى ، في دمشق، صيف عام 1998، فشد على يدي محييا بحرارة بشيء من امتنان، واخبرته أيضا باختياري نصا له، أحفظه غيبا، وطالما اردده، وجعلته مقدمة لمجموعتي القصصية "طائر الدهشة"، التي صدرت عن المدى عام 1999:
(من بلد ستدور الى آخر
ومن امرأة ستفر الى امرأة
من صحراء الى آخرى
لكن الخيط الممدود مع الطائرة الورقية
يظل الخيط المشدود الى النخلة
حيث ارتفعت طيارتك الأولى!)
وعرضت عليه المخطوط الذي قدمته يومها لمؤسسة المدى ورقيا ومنضدا على ديسك، فصحح لي أبو حيدر النص، ونبه الاخوة في المدى الى ذلك، إذ وجد أني كتبت (ومن امرأة ستفر الى أخرى).
وفي نفس اللقاء همست له:
ـ كتبت الشعر بسببك وأزوغ من كتابته بسببك أيضا!
لم أقدم نفسي يوما كشاعر، رغم أني اكتب شيئا منه، ونشرت كذا مساهمات في الدوريات الأدبية، والفصل الخامس من كتابي" تضاريس الأيام في دفاتر نصير" (دمشق المدى 2002)، اقترح بعض الأصدقاء المقربين، نشره منفصلا ككتيب شعري، ولكني إذ لاحظت كوني أدور في فلك عالم سعدي يوسف الشعري، وان قصائده تترك ظلالها أحيانا بشكل واضح جدا على ما اكتب، فوليت اهتمامي للقصة ولاحقا الرواية، فما دام الأصل موجود، ما الحاجة لظلاله!
(سيدي الأخضر المر
 يا سيدي بن يوسف
من لي سواك أذا أغلقت حانة بالرباط؟
ومن لي سواك إذا اغلقت بالعراق النوافذ؟)
لقد تعودت حين اقرأ نصا، قصيدة أو مقالا، يكتبه سعدي يوسف، الحرص على قراءة النص مرتين ـ حتى مقالاته المثقلة بالشتائم ـ، اقرأ لأول مرة، لأفهم وأستمتع بالنص، وفي الثانية أقرا بتروي وأحيانا مع ورقة وقلم لأتعلم حفر وصناعة الكلمة من معلم ماهر.
في عام 2001، في هولندا في دنهاخ (الصورة المرفقة) التقيته في الموسع الإعلامي لمنظمات الحزب الشيوعي العراقي، واجتماع هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة، حيث كان عضو مجلس تحريرها، وكان لنا على انفراد حديث طويل، عن الحاجة لإطر ثقافية لمثقفي المنفى، ونبهني الى ضرورة الحذر من مساع مثقفين محسوبين على قوى اليسار، يرسلهم النظام الديكتاتوري للطواف في أوروبا، حاملين دعوات مبطنة لزيارة الوطن.
(ـ غادرالشعراء.
• أين؟
ـ الى الوليمة؟
• كلهم؟
ـ كل الذين عرفتهم.)
أرسلت لأبي حيدر، استاذنا جميعا، مخطوط شعري (حيث لا ينبت النخيل)، لأخي وصديقي الشاعر عبد الكريم هداد، ليبدي رأيه وملاحظاته، فأعاده لي وقد كتب له مقدمة قصيرة مبديا اعجابه بالنصوص، وصدر الديوان الشعري لاحقا عن المدى في دمشق عام 2005:
(ـ العناصر الأساس في نص عبد الكريم هداد، محددة، محدودة، لكننا نلحظ بإعجاب، نجاح الشاعر في استنطاقها وتحريكها، لا بفعل خارجي عمدي، وانما بالعناصر ذاتها ...)
خططت مع الصديق الشاعر الكردي عبد الله به شيو لاستضافة ابي حيدر في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، وقد فرح بذلك جدا، وأعاد على الهاتف مزاحنا، يوم سألني مرة عن مكان أقامتي، فأخبرته:
ـ أقيم في فنلندا!
فهتف باسما:
ـ فنلندا ... فنلنديا!
و(فنلنديا)، هو علامة شهيرة لفودكا فنلندية الصنع، لكن الزيارة تأجلت لأكثر من مرة لاسباب عديدة، حتى الغيت فيما بعد.
(سنجلس ـ ان شئت ـ حينا
نفكر في أمرنا مرة
نفكر في أمرنا مرتين
وننسى ثلاثا)
في الفترة الأخيرة، وإذ أصبحت كتاباته في الشأن السياسي محل عدم ارتياح كثير من المقربين اليه، بسبب لغة الشتائم التي تحملها للكثيرين، وفيهم من أصحابه ورفاقه ومحبيه، وعندي اعتقاد أن ذلك ـ أو على الأقل بعض منه ـ مكتوب بتحريض من اخرين مقربين منه، واخبرته مباشرة، بأني سأبقى أقراه كشاعر دوما، فسمعت منه ضحكة خافتة على الطرف الاخر من الهاتف، بعدها بفترة استلمت منه عبر البريد الاليكتروني، نسخ PDF من اعماله الشعرية الكاملة الصادرة عن دار الجمل.
(وهل قلت: بلادي لم تعد لي؟
أم تراني قلت: ان الموت في الغربة داري؟
حسنا
لا تضحكوا مني
أما قلت بأني لست نيرودا
لكي أعلن أني قادر ان اكتب الليلة هذي
أكثر الاشعار حزنا؟)
ويوما، تحت إعلان لأمسية لي في فنلندا في اذار 2017، نشر في الفيس بوك مع صورة أقف فيها عاقدا ذراعي على صدري، محدقا بالبعيد، كتب معلقا بظرافة (صورة يا يوسف ولا حتى هتلر!)..
(وها نحن:
أثوابنا في الزوايا
وغاباتنا في العيون)
أشار نعي المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي المنشور، حيث أمضى سعدي (ردحا من الزمن الصعب مناضلا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، ومنحازا الى الشعب والوطن وقضاياهما العادلة، وتعرض جراء ذلك الى الاعتقال والسجن والتعذيب والغربة عن الوطن) الى ان برحيله (خسر العراق والثقافة العراقية شاعرا كبيرا معروفا على الصعد الوطنية والعربية والعالمية)..
ان قامة شعرية مثل سعدي يوسف، راسخة في قلوب محبيه كالنخل العراقي الشامخ، تمتد جذورها عميقا، وتعطي ثمرها الجني دائما، مثله لا يرحلون، فهو الأخضر دائما ...
(أيها الصمت السديمي الذي يقتاتني:
من اين يأتي الصوت؟
بعد هنيهة ساعود اخطو عبر قاعات المرايا)


 

هلسنكي ـ كتابة أولى فجر    14حزيران   2021 
 
* حوى النص استشهادات من قصائد وكتابات سعدي يوسف وردت بين قوسين.

84
عن رحيل أبو خلود وحب الشيوعيين للحياة

يوسف أبو الفوز

عادة، عند استشهاد أو رحيل أي رفيق شيوعي تنبري الأقلام للكتابة عنه، عن مآثره وبطولاته، وعن شدة "إلتصاقه" ـ بالحزب ـو... .
بالطبع، لا يمكن الاستهانة أبدا بإنجازات أي مناضل وكذا اهمال الإشادة بمواقفه وتضحياته وثباته على مبادئه، لكننا للأسف كثيرا ما نهمل "الانسان" في أحاديثنا عن إحبتنا ممن يغادرونا، فحياة الشيوعي ليس فقط السجون، التعذيب، المشانق، العمل السري، الكفاح المسلح، الغربة والمنافي!
خلال حياة المنفى، لاحظت وعايشت، ان الاوربيين ــ والفنلنديين منهم حيث أعيش ــ، وبعد مراسيم دفن ميت لهم، والعودة من المقبرة، في نفس اليوم، او بعد أيام، يلتقون لتأبينه في مطعم أو قاعة، حيث يتم يتناول الحديث عن "الجوانب الإنسانية" من حياة الميت، خصوصا الطرائف والمفارقات التي عاشها، والتي بعضها تطلق ضحكات المشاركين في الحفل التأبيني بما في ذلك أهل الميت.
سأحاول هنا تجنب "لغة الإلتصاق"!، لنتحدث عن جانب مشرق في حياة النصير الشيوعي أبو خلود ـ عبد الخالق حسين، الذي رحل عنا مؤخرا في موسكو، محل أقامته، متأثرا بمرض عضال.
هنا، أجد من الواجب الإشارة الى حب الراحل أبو خلود للحياة وتعلقه بها وبتفاصيلها، وكيف تميز بذلك بين إقرانه. أجد أن هذا مهم جدا، أمام قسوة الموت، هذا الزائر الثقيل، الذي لم يمهله لمواصلة رحلته، وسرقه منا ومن عائلته وحرم محبيه من جوانب إنسانية مشرقة في شخصيته كانسان، ولنأكد بهذا، على كون الشيوعي أنسانا، معني بجمال الحياة، قبل ان يكون منشغلا بقضايا وأسئلة كبرى. 
لن نختلف بأن رحيل الرفيق أبو خلود كان مؤلما للكثيرين، خصوصا لمن عرفه عن قرب. فبعد سماعي للخبر هاتفت بعض من الأصدقاء والرفاق المشتركين، ممن عشنا لفترة معا، في اليمن الديمقراطية في منطقة واحدة، والتقينا لفترات في كردستان وخارج كردستان، وتبادلنا التعازي وتحدثنا بمحبة عن الراحل. أتفق الرفاق معي في الحديث بكون أبو خلود تميز بكونه لم يثر يوما زعل أو غيض أي من معارفه ورفاقه ممن عاشرهم. وإذ كان نشطا حيويا، يؤدي مهامه بنكران ذات، حرص على اثارة الابتسامات من حوله والاحساس بالتفاؤل بين من عرفه. وبعد إلتحاقه بقوات الأنصار الشيوعيين، قادما من اليمن، عمل مخابرا لاسلكيا في قاطع أربيل، حتى مغادرته كردستان. وكان رفاقه المخابرين في المحطات الأخرى، يعرفون ضحكاته وتعليقاته المتفائلة، التي تصلهم عبر الاثير.. " مهما كانت الأوضاع صعبة " كما عبر عن ذلك الرفيق أبو نسرين المخابر (نمير أسعد). أحبه رفاقه لتميزه بدماثته وحبه للمرح وكونه ذو معشر حلو، فلطالما ما اشترك في حبك مقالب طريفة لرفاقه، مما جعله هدفا لمقالب انتقامية مماثلة، وثمة امثلة يصعب روايتها، وابسطها تنكره يوما بعباءة امرأة في مقلب لإحد رفاقه المقربين!   
وصلت شخصيا صحراء اليمن، تحديدا الى مدينة عتق مركز محافظة شبوة، في آذار عام 1980. مع مجموعة من الرفاق الرائعين، سمونا في عدن لفترة بـ “المجموعة الكويتية"، لأننا وصلنا الى عدن قادمين من الكويت، ولكوننا وصلناها متنكرين بالزي الخليجي، دشاديش ويشماغ وعقال وبعض الكلمات الخليجية المترسبة في حديثنا، ووصلنا بطريقة تهريب تشبه الأفلام السينمائية. ان مجموعة "الرفاق الكويتيين" لا يزالون احياء ـ لهم العمر الطويل ـ وقد يقرأ بعضهم كلماتي الآن، لكنهم تبعثروا في كل بقاع العالم. يومها تم تنسيبنا للعمل كمعلمين في محافظة شبوة، ورغم اننا في موسم الربيع، لكن صحراء اليمن لم ترحمنا بسعيرها ورمالها في طريقنا المتعب والطويل ونحن قادمين من عدن بالسيارات. استقبلنا من سبقنا من الرفاق العاملين في عتق بترحاب حار يشبه الاحتفال، فنحن قادمين محملين بالرسائل، المجلات والصحف وبالكثير من اخبار العاصمة والمعلومات الرسمية والأهم "غير الرسمية". كنا متعبين وبحاجة للاستحمام. ووجدنا ان الرفاق في عتق لديهم نظام خفارات يومية لأجل خزن الماء، فهو يصل بساعات غير معلنة، ولفترة قصيرة، وعليهم ان يكونوا مستعدين لملأ كل ما يكون تحت أيديهم من اواعي وقدور وغلايات واكياس نايلون حتى. وعرفنا فورا بأن من ينجح في الاستحمام لمرتين في الاسبوع يسمونه "بطة". بين الرفاق كان ثمة شاب نشط، مرح، عرفنا ان أسمه "أبو خلود" يتحرك مثل الرمح بقوامه الرشيق وابتسامته العريضة. كان أشهر "بطة" في عتق، اذ يعرف كيف يخزن الماء للضرورات ولا تفوته مواعيده، وكان منقذ " الرفاق الكويتيين" يومها ليقدم لنا شيئا من مخزونه السري من الماء، لنغسل وجوهنا فقط، ولنستحم على طريقة رواد الفضاء: تبلل أطراف منشفة تمسح بها جسدك!
كان الرفيق الراحل أبو سناء (نجاح السياب) يقول عن أبي خلود: "شاغول"، فكان عبد الخالق لا يعتذر عن تنفيذ أي طلب بالمساعدة لأي من رفاقه. ويوما، في عتق، طلبت منه أحد الرفيقات ـ أعتقد الرفيقة أم ظفر زوجة الرفيق الشهيد أبو ظفر ـ فحص المكواة التي توقفت فجأة عن العمل. كان أبو خلود ماهرا في شؤون الكهرباء، فأفترش الارض لأكثر من ساعة، بعد ان فرش امامه جريدة، وفكك المكواة واستخرج كل احشائها وامعائها وبراغيها أمام انظار الجميع. ثم ركبها من جديد، واشتغلت بأحسن ما يكون. لاحظت الرفيقة صاحبة المكواة بعض "البراغي" ظلت على الجريدة لم يقم بإرجاعها للمكواة، فسألته:
ـ وهذه البراغي شنو!
ـ ييدو ان هذه زايدة، أكو خطأ بالتصنيع!
كان أبو خلود محبا للحياة، مهموما بتفاصيلها وشواغلها.
وهكذا كان أبو كريم صاحب التعليقات اللاذعة. هكذا كان ابو أيار ـ فؤاد يلدا، ملك العبث في وادي مراني، هكذا كان روبرت ـ خليل اوراها. وهكذا كان ....
المجد والخلود والذكر الطيب دوما للشيوعيين الشهداء والراحلين محبي الحياة وتفاصيلها العذبة.
لترقد روحك رفيقنا العزيز أبو خلود بسلام.

 

85
المنبر الحر / قصة الطفلة (ئيوان)
« في: 18:12 27/05/2021  »
قصة الطفلة (ئيوان)
يوسف أبو الفوز   
استجابة لطلب اصدقاء احبة أنشر نص قصة الطفلة  (ئيوان) ،التي كتبت عام 1989وهي فصل من كتابي (أطفال الانفال) صدر بالعربية 2004، ترجم الى الكردية 2020 .
****
في 28 أب 1988 وبعد استعدادات مكثفة، وفي تصعيد جديد لـ ( أنفال) ـه، حملات الابادة، السيئة الصيت، حشد النظام البعثي الصدامي قوات مكونة من عشرات الألوف من قوات الأفواج الخفيفة من المرتزقة (الجحوش) ، وثلاثة فيالق عسكرية من الجيش الصدامي مدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وفي مقدمتها الأسلحة الكيماوية، بدأت عملياتها العسكرية الواسعة واجتاحت كل القرى التابعة لأقضية زاخو والعمادية (محافظة دهوك ) والشيخان وعقرة (محافظة الموصل) ومناطق واسعة من محافظتي السليمانية واربيل ، ودمرت كل مظاهر الحياة بنسفها وإحراقها للقرى والبساتين والينابيع وباستخدامها البشع للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا .
كان أنصار الحزب الشيوعي العراقي، في قلب الأحداث، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش، مع بسطاء الناس، جزءا من المأساة، مع الجميع شهودا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور ونظامه الشوفيني الفاشي، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكردي. أيضا قاوموا ببسالة غطرسة النظام وكسروا حصاره ووصلوا الى أماكن آمنه، وخلال رحلتهم كانوا شهودا على قصص مأسوية كثيرة.

الفصل الأول
•   حدثني النصير بسام:
حتى وصولنا إلى تركيا، كنا قد شهدنا عشرات القصص المحزنة التي حصلت للناس المسالمين الهاربين من الموت. وفي تركيا سمعنا عشرات غيرها. وعن عائلة الطفلة ئيوان التي التقيناها هناك سمعنا القصة أكثر من مرة.
 وسمعتها من والدها حين التقيته هناك:
لما ضاق حصار قوات النظام الديكتاتوري على الناس، توجهوا لعبور نهر الزاب بأتجاه تركيا. وعند نهر الزاب كانت مئات العوائل تنتظر فرصتها للعبور. قرب أحد الينابيع كانت عشرات العوائل تزدحم، ومعها تقف عائلة ئيوان بانتظار فرصتها لشرب الماء. كانت أخت ئيوان الأصغر تقف هادئة تنتظر فرصتها دون مزاحمة الاخرين، رغم عطشها، ثم جاء دورها. وتقدمت للشرب. ما أن انحنت على النبع حتى سقطت قنبلة مدفع. وسط النبع تماما! تطايرت أشلاء الطفلة وسقط بعضها على أبيها والناس القريبين الذين تراكضوا في مختلف الاتجاهات. أبوها أصيب بالوجوم، بقي ذاهلا من فرط الصدمة لا يفقه حقيقة الذي حصل. ولما أفاق من ذهوله بعد ثلاث ساعات، انتابته هستيريا حادة واخذ يلطم ويطلب أطفاله.
حينها عرفوا أن ئيوان أيضا ليس لها أثر!
الفصل الثاني
•   حدثني النصير أبو أمال
مع انتشار قوات السلطة الديكتاتورية على اغلب الطرق والمسالك في المنطقة، صارت الظروف النفسية والعسكرية اشد تعقيدا وصعوبة. وفي يوم 29 /9 / 1988 كنا مفرزة من قوات أنصار الحزب الشيوعي العراقي، من 29 نصيرا، قرب نهر الزاب نحاول العبور باتجاه الحدود التركية حسب توجيهات قيادتنا.
بعد استطلاع منطقة العبور عدنا إلى مكان اختفاء المفرزة على مقربة من قرية (شينا). وعند مقبرتها عثرنا على طفلة صغيرة لوحدها. كانت جائعة وعطشى. أعطيناها كسرة خبز وماء وقليلا من اللحم المجفف على الطريقة الأنصارية. ثم وضعناها على طريق بئر للماء، إذ نعرف أن هناك بعض العوائل، وطلبنا منها التوجه إلى هناك.
•   النصير وصفي
في ظهر اليوم التالي غادرنا المقبرة، فسمعنا طفلة تغني. تصّور غناء وسط أجواء "الكيمياوي" والراجمات والتوتر وفي تلك المنطقة الخالية. اكتشفنا أنها الطفلة التي عثرنا عليها أمس، إذ لم تبتعد كثيرا. وكان موقفا حرجا جدا: لا يمكن تركها. وضيق الوقت لا يسمح بإيصالها إلى العوائل التي أصبحت بعيدة عنا، والطريق أمامنا وعرة ومليئة بشتى المخاطر.
•   النصير أبو بشار
ساعتها اندلعت نقاشات حادة وأراء متضاربة بين الانصار وبدوافع مختلفة، وفي النهاية قررنا استصحابها، وبهذا لم نفعل إلا ما ينسجم مع مبادئنا. وتطوع الرفيق وصفي للتكفل بها في أثناء الطريق.
•   النصير وصفي
اسمها ئيوان وأبوها سيد نظيف، من بلدة العمادية. عمرها ست سنوات. في الصف الأول الابتدائي. كانت ترتدي فستانا كورديا احمر فوقه (روب) ابيض. نحيلة. قصيرة الشعر. 
•    النصير أبو أمال
مساء الثلاثين من أب، توجهنا إلى الزاب للعبور. حتى الساعة الثالثة فجرا لم يستطع العبور من المفرزة سوى تسعة أنصار، فعاد الاخرون إلى مكان الاختفاء بعد أن اتفقنا مع الأنصار الذين سبقونا على مكان لقاء في اليوم التالي.
•   النصير وصفي
طيلة نهار الحادي والثلاثين كنا مختبئين بين الصخور وئيوان معنا. بدأت تأنس الأنصار، وتثرثر. كانت لا تدعنا ننام، فأحاديثها لا تنتهي. وهي طفلة ذكية. فهمنا منها أن عائلتها مكونة من أب، وأم، وأخ وأختها. أبوها بيشمه ركه. العائلة هربت من زاخو قبل الأحداث إلى منطقة العمادية. ومع هجوم السلطة على المنطقة هربت إلى منطقة (كافيا) ثم جاءت لعبور نهر الزاب. قبل العبور قتلت أختها عند النبع فهربت من الخوف ولم تعثر على أهلها.
حين تتذكر أهلها تبكي بحرقة. وكثيرا ما حدثتنا عن تفاصيل حياة عائلتها، وعن مدرستها التي تحبها، وعن زملائها في الصف. وكان الرفيق أبو بشار، رغم مرضه، يتحمل ثرثرتها بشكل نحسده عليه.
•     النصير أبو بشار
 اكرر بأن ئيوان، رغم صغر سنها، كانت ذكية، عرفت أننا أنصار شيوعيون، وأصبحنا نعني لها شيئا. فهمتنا وأحبتنا على طريقتها وأخذت تتصرف معنا بشكل يتجاوز عفوية وبراءة الأطفال. كانت مؤدبة جدا، ولكنها ثرثارة، وتغني كثيرا. قالت لي أنها تغني حين تشعر بالخوف والوحدة. كانت شيئا غريبا في أجواء وأحوال المفرزة الانصارية. أحيانا كنت لا اصدق أنها معنا، اشعر كأن الأمر كان حلما. كنت رغم مرض الملاريا أتحمل ثرثرتها. أتذكر، كنا في مكان للاستراحة، وكل المفرزة غارقة في النوم ما عدا الحراس. كل واحد تحت صخرة أو ظل شجرة، ومواضع النوم مموهة بشكل جيد. ظلت ئيوان مستيقظة. كنت أراقبها من مكاني دون أن تراني. دارت فلم تجد أحدا. أحست بالوحشة، تلفتت هنا وهناك ثم بدأت تغني. لم يظهر لها أحد. تهدج صوتها. كادت تجهش بالبكاء عندئذ ناديتها فأنكشف لها مكاني، فأسرعت إلى كالطلقة ضاحكة لترمي بنفسها علي.
•   النصير أبو أمال
الموقف العسكري يتعقد. العدو يضيق دائرة الحصار. مساء اليوم ذاته أرسلنا مجموعة استطلاع لاختيار نقطة لعبور نهر الزاب. كان الموضع المختار خطرا، لكن بقدر سلبياته كانت له إيجابيات. إذ لا يبعد أكثر من مئة متر عن أقرب ربيئة للعدو، ولذلك لا يتوقع اقتراب الأنصار إلى هذا الحد. والمكان فيه أمواج عالية تحدث هريرا يغطي حركتنا والأصوات التي قد تصدر دون أرادتنا. أسوأ ما في المكان الضفة الثانية. صخور حادة عالية يضربها تيار الماء فتخلق أمواج عالية.
من تراكتور متروك كنا قد حصلنا على إطارين مطاطيين نفخناهما بأفواهنا للاستعانة بهما على العبور. فمن بين عشرين نصيرا لم يكن يعرف السباحة سوى تسعة. ولكننا قررنا العبور رغم المشقة والمخاطر. كان السبّاح يصارع التيار الشديد بيد واحدة ساحبا بالأخرى الطوق المطاطي المثقل بالذخائر والسلاح والتموين أو يتعلق به الرفاق الذين لا يجيدون السباحة. عملية منهكة جدا. فقدنا خلالها بعض ملابسنا ومالية المفرزة، وبعض وثائق وأوراق الأنصار الخاصة.
أخيرا ... تبقى لنا نصيران وئيوان. عدت إليهم لأصطحاب ئيوان أولا.
كانت ترتعش من الخوف. أوصيتها أن لا تصدر أي صوت مهما حصل، وطمأنتها أني سأنقلها إلى الضفة الثانية حتما. ربطتها بأحكام فوق ملابسي وأشيائي الخاصة على الطوق المطاطي وبدأت السباحة. بيد واحدة! كنت قد عبرت النهر ذهابا وإيابا عدة مرات. كان التيار شديدا. فالمجرى منحدر والمياه عميقة. حين أصبحت اقرب إلى الضفة الثانية استبد بي الإرهاق. وصلت قرب أحد الصخور فداهمتني موجة عالية رفعتني أنا وئيوان معها، واخذ التيار يجرفني بلا رحمة. أمسكت بالطوق بكل ما املك من قوة. لكنه انقلب رأسا على عقب بئيوان والملابس والأشياء الأخرى. لم أتخل عن الطوق. انتبهت إلى ملابسي تفلت من رباطها وتطفو فوق الماء. لحظتها لو حاولت التقاطها أفلت الطوق وتهلك ئيوان . كان التيار يدفعني رغما عني إلى موضع أخطر، فيه صخور عالية وأمواج أعلى. ئيوان ظلت تحت الطوق، تحت الماء، أكثر من دقيقة، ظننت أنها ماتت. نسيت كل المحاذير الأمنية وصرخت بهستيريا أنادي رفاقي الانصار. لحسن الحظ لم تسمع الربايا القريبة. صخب المياه طغى على كل شئ . انتشلني رفاقي وئيوان من الماء.  كانت على وشك الإفلات هي الأخرى من رباطها. أستطيع القول أنها كانت على قيد شعرة من الموت. حالا أفرغنا بطنها من الماء ونفخنا في فمها. لم نطمئن حتى صرخت وبكت. ثم تذكرت أنها حافظت على الصمت، كما أوصيتها. لم يصدر عنها في اللحظات الحرجة سوى أنين خافت.       
•   النصير وصفي
بعد العبور سرنا بدون دليل. سالكين طرقا شديدة الوعورة. كنت احمل ئيوان على ظهري. ساعدني في ذلك الرفيق " سلمان" الذي فقدناه في المرحلة النهائية من المسيرة ولا يزال مصيره مجهولا. كنت لا أستطيع أن احملها على الدوام، فأضطر إلى اقتيادها إلى جانبي. كانت تئن بمرارة من التعب. في المسير الليلي كانت تهمس: " ما تنامون؟”. أثناء المسير قاسينا من العطش كثيرا. كان الرفاق يسقون ئيوان من حصصهم الشحيحة. وعند نفاد الماء تحملت مثلنا العطش الشديد. وبعد خمسة أيام قاسية وصلنا إلى نقطة معينة.
اتصلنا ببعض" المعارف" الذين ساعدونا على دخول تركيا. سلمناهم ئيوان وزودناهم بعنوان أقربائها.
•   النصير أبو بشار
حين تهيأنا للحركة، عرفت ئيوان أننا لن نأخذها معنا، انخرطت في بكاء هستيري. ظلت تصرخ. تعارك. تحاول اللحاق بنا. تنادينا بأسمائنا. تتوسل ألا نتركها. كنا نسمع صوتها الحبيب حتى بعد أن قطعنا مسافة غير قليلة.
هل أنسى ذاك الرفيق. كان في البداية قد عارض بشدة استصحاب ئيوان حين عثرنا عليها وكانت لديه أسبابه. عندما غادرناها بكى هذا الرفيق بحرقة اشد من الجميع، كأنه يكفر عن ذنب ما!
لم تبق الطفلة ئيوان معنا سوى خمسة أيام. لكن ئيوان ستظل في قلوبنا زهرة برية شذية على الدوام. 









86
صراع الحلفاء ـ "الأعدقاء" في الحكومة الفنلندية


يوسف أبو الفوز
حالما اشتعلت نيران الصراع بين الحلفاء ـ "الاعدقاء"، الحزب الديمقراطي الاجتماعي بزعامة رئيسة الوزراء الشابة سانا مارين، وحزب الوسط بزعامة وزيرة الثقافة والعلوم أنيكا ساريكو، وهددت بانهيار الحكومة الحالية، حتى انبرى يوسي هالاــ أهو، زعيم حزب الفنلنديين اليمني المتطرف ليدلو بدلوه معلقا بكون ما يحصل ما هو إلا استعراض سياسي من قبل حزب الوسط انعكاسا للمشكلات الداخلية التي يمر بها!
ولأول مرة يجد المرء ما يتفق به مع هذا الرجل الكاره لوجود الأجانب والمسلمين في فنلندا، والذي يبذل حزبه قصارى جهده لإسقاط حكومة يسارـ الوسط، التي تشكلت إثر الانتخابات الأخيرة في نيسان 2019 حيث نجحت قوى اليسار (الديمقراطي الاجتماعي، اتحاد اليسار، حزب الخضر، حزب الشعب السويدي) بضم حزب الوسط اليها بعد مفاوضات واتفاق على برنامج حكومي مشترك. ومن بعد مرور عامين، وكاستحقاق ضمن الأعراف الحكومية الدارجة يتوجب مراجعة برامج الحكومة وتدقيقه، فوجدها حزب الوسط الفرصة، لاستعراض العضلات والظهور بمظهر الحزب الحامي لحقوق الشعب، وتركزت اعتراضات حزب الوسط بشكل أساسي على نفقات الحكومة، وخصوصا النفقات في مجال الطاقة المتعلقة بتحسن المناخ، بالإضافة الى سياسة التشغيل وتوفير فرص العمل. والطريف أن حزب الوسط سبق وقاد حكومة يمين ـ الوسط للفترة 2019-2015، التي قادت البلاد الى معضلات اجتماعية واقتصادية عانى منها المجتمع الفنلندي خاصة ذوي الدخل المحدود، مما سهل فوز قوى اليسار في انتخابات 2019 وتشكيل الحكومة الحالية.
ويبدو أن الصراع، بين حزب الوسط والحزب الاجتماعي الديمقراطي، يتصاعد بين الحين والأخر، وكل منهما يتحين الفرص للبطش أنتخابيا بالاخر، فلا ينس الاجتماعي الديمقراطي ما فعلته زعيمة حزب الوسط "أنيلي ياتينماكي" عام 2003، خلال الانتخابات البرلمانية، التي اعلنت نتائجها في آذار نفس العام حيث حقق حزب الوسط نجاحا بارزا اذ لعب قادته "الورقة العراقية"، بدهاء فكانت سببا في ارتفاع نسب التصويت لصالح مرشحيه، فحصد العدد الاكبر من مقاعد البرلمان. والنصر الذي حققه حزب الوسط جاء بفضل مناظرة تلفزيونية، على الهواء مباشرة، حيث فاجأت ، السيدة "أنيلي ياتينماكي"، رئيس الوزراء الاسبق وزعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي، السيد " بافو ليبونين "، بأنها تعرف الكثير عن اجتماعه مع الرئيس الأمريكي "جورج ديبليو بوش"، والوعود التي قدمها بضمان مساندة فنلندا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأيضا حملتهم العسكرية على العراق، واتهمته بتوريط فنلندا بالموافقة على سياسة الحرب الأمريكية، وبشكل مخالف لسياسة فنلندا الخارجية السلمية، وموقفها الذي يجب ان ينسجم مع سياسات الاتحاد الأوربي، والداعي إلى حل الأزمة العراقية من خلال الأمم المتحدة وبالطرق السلمية. لم يسكت الحزب الاجتماعي الديمقراطي عن الامر، فتوصل الى كون المعلومات تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية، وتسربت من مكتب رئاسة الجمهورية، حينها  أجبرت زعيمة حزب الوسط على الاستقالة من رئاسة الحكومة، بل ومن زعامة حزبها، وجاء في محلها وزير المالية الحالي "ماتي  فانهانينين"، الذي وبعد فوز حزبه بانتخابات عام 2007 ورئاسته للحكومة ، أثيرت حملة صحفية عام 2010 ، أكدت فيها المعلومات ،  كونه خلال رئاسته رابطة شباب حزب الوسط (1980 ـ 1983)، استغل منصبه واستخدم مواد بناء تعود الى مؤسسة دعم الشباب لبناء بيته، وايضا تتالت فضائحه النسائية، واصبح ضيفا دائما في صفحات الفضائح، بحيث ان احدى عشيقاته حققت الشهرة والثراء من كتاب فضاحي عن علاقتها به ضمنته رسائله اليها، فتوجهت اليه بشدة نيران الانتقادات من مؤسسات تربوية وكنسية وسياسية، بأعتباره شخصية اعتبارية ويجب ان تكون مثالا وقدوة حسنة، فاضطر لترك رئاسة الوزراء للسيدة ماري كيفينمي .
في الانتخابات الأخيرة ، 2019، شكل زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي الحكومة، بمشاركة حزب الوسط، وسط توقعات عن أزمات قادمة، وكونه سيلعب دور حصان طروادة، وحصل الامر بعد عدة شهور، اذ استغل حزب الوسط الشريك في الحكومة ، إضرابات عمال البريد ليشكك في مصداقية أداء رئيس الوزراء السابق أنتي رينيه، وطريقة معالجته لازمة الاضراب ، فأضطر للتنحي عن منصبه، في مناورة ذكية لتجنب سحب الثقة من الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة ، الطريف ان من جاء بعد رينيه هو سانا مارين، التي غزا اسمها وصورها واجهات وسائل الاعلام في كل  دول العالم باعتبارها اصغر رئيسة وزراء في العالم ، حيث كانت تبلغ يومها 34 عاما، فكانت شخصيتها سببا لارتفاع الدعم والتأييد لحزبها والحكومة التي تقودها. ولم تمر شهور حتى رد الاجتماعي الديمقراطي على رئيسة حزب الوسط ايامها، كاتري كولمني، التي شغلت في الحكومة حقيبة وزارة المالية، وكانت نائبا لرئيس الوزراء حسب الأعراف الفنلندية، وتم الإطاحة بها  أثر كشف وسائل الاعلام لإنفاق زعيمة حزب الوسط للأموال العامة على أغراض استشارات إعلامية اعتبرت شخصية، فقاد ذلك الى استقالتها من الحكومة ومن رئاسة حزبها الذي عقد مؤتمرا ليأتي برئيس جديد هو أنيكا ساريكو، وزيرة الثقافة والعلوم، الحالية، والتي رغم ان البعض يضعها في يسار حزب الوسط، وعرف عنها مواقفها غير المتشددة في قضايا الهجرة واللجوء ، الا ان لعبة السياسة كما يبدو دفعتها الى معاودة أسلوب اسلافها في عرض عضلات الحزب، لأجل كسب الشارع، وفي اتباع أسلوب وصف بمحاولة لي  الاذرع، واستغلال فرصة إعادة النظر بالميزانية لخلق ازمة سياسية الاستفادة منها كدعاية انتخابية حيث الانتخابات البلدية على الأبواب، كان مقدرا لها، حسب المراقبين، من البدء بان تتوقف في مرحلة ما، فليس لصالح حزب الوسط انهيار الحكومة، فان النتائج الأكبر عندها ستذهب الى حزب الفنلنديين الحقيقيين اليميني المتطرف والمنافس للجميع .
أخيرا أعلنت رئيسة الوزراء في مؤتمر صحفي ضم كل زعماء أحزاب الحكومة بأن "تم الاتفاق مع جميع رؤساء الأحزاب الحكومية بشأن القضايا المركزية، لقد اقتربنا جميعًا من بعضنا البعض، وتنازل الجميع وكانت الإرادة موجودة للتوصل إلى اتفاق). الملفت للنظر ان عدسات المصورين التقطت صور لهذا المؤتمر حرصت زعيمة حزب الوسط على الوقوف على مسافة من بقية أعضاء الحكومة، فيا ترى الى متى يستمر هذا الكر والفر بين الحلفاء "الاعدقاء"، وما هو الملف القادم؟
 


87
المنبر الحر / حزب العَمّالّه
« في: 22:29 28/04/2021  »
 
حزب العَمّالّه

يوسف أبو الفوز

 

في حوار أجراه غسان شربل، الكاتب الصحافي اللبناني ورئيس تحرير صحيفة “الحياة” اللندنية، مع الرفيق الراحل عزيز محمد (2017-1924)، السكرتير الأسبق للحزب الشيوعي العراقي، للفترة 1964 ــ 1993، وأعيد نشره في ملاحق صحيفة المدى البغدادية آب 2017، عن علاقة الزعيم الوطني عبد الكريم قاسم، مع الحزب الشيوعي العراقي، أثناء استعداد وتخطيط تنظيم الضباط الأحرار لثورة الرابع عشر من تموز 1958، قال: إن (حلقة الوصل التي اعتمدها عبد الكريم قاسم بالحزب كان المرحوم رشيد مطلك المعروف بميوله الوطنية والديموقراطية. إذ كان يتصل، بالأساس، بالرفيق سلام عادل الذي كان بدوره يستعين أحياناً بالرفيقين عامر عبد الله، وكمال عمر نظمي) ويضيف الرفيق أبو سعود (من الطريف في هذا السياق أن كلمة السر التي يرمز بها الزعيم عبد الكريم قاسم الى الحزب في هذه الصلات هي “العَمَالّة”. والعَمّالّة - بتشديد اللام - هم شغيلة البناء) ...
لم يكن ذلك إلا تعبيرا عن معرفة وإدراك من الزعيم عبد الكريم قاسم باختلاف الحزب الشيوعي عن غيره من الأحزاب الوطنية، التي شكلت تنظيم (جبهة الاتحاد الوطني) التي كانت الذراع السياسي لنجاح الثورة، فالحزب الشيوعي العراقي الذي تأسس عام 1934، ولد ضرورة موضوعية، ولم يأت تأسيسه وتطوره بناء على رغبة شخص أو مجموعة أشخاص، إنه ضرورة تأريخية، نتيجة لتطور نضال الشعب العراقي وحركته الوطنية والديمقراطية، وجاء كنقلة فكرية وتنظيمية في بلد عانى من التخلف وأمراض الاستعمار، فكانت الأفكار الماركسية التقدمية التي حملها أعضاؤه وبشروا بها، أمطار خير روت أرض العراق الجدباء. وإن أساليب عمل الحزب جاءت إضافة نوعية ليس فقط للحياة السياسية العراقية، بل وللحياة الاجتماعية، فجاء حزبا ليعبر ليس عن رغبات (الأفندية) والتجار ورجال الأعمال، وإنما معبرا عن طموحات الكادحين الحالمين بمستقل أفضل وحياة حرة كريمة.
وهكذا لم يكن دون معنى حين برز من بين قادة الحزب ومناضليه عمال وكادحون تولوا مهمات نضالية، وصاروا قادة وطنيين، وأصبحت حياتهم مثالا يقتدى به. فلم يكن الرفيق فهد ـ يوسف سلمان يوسف (1901-9491)، المؤسس الفعلي للحزب، سوى عامل، تذكر لنا سيرته الشخصية أن عائلته انتقلت طلبا للعمل من قرية برطلة (محافظة الموصل) حين كان في السابعة من عمره، وأنه عام 1916 عمل في معمل صغير للثلج مع أخيه داود في الناصرية. وهكذا كان العشرات من كوادره البارزين الذين استشهد الكثير منهم غير هيابين الموت لأجل أفكاره ومبادئه، فالحزب الشيوعي الذي رفع شعار (وطن حر وشعب سعيد)، وقدم التضحيات وقوافل من الشهداء لأجل حياة كريمة للإنسان العراقي، كان حاملا وأمينا لفكر (العَمّالّة)، من الكادحين وذوي الدخل المحدود.
ورغم كل النكسات والمحن والصعوبات بقي الحزب الشيوعي العراقي ممثلا للفئات الأكثر فقرا وتهميشا في المجتمع العراقي، وحزبا يضم كل العراقيين، فهو وكما يرد في وثائق مؤتمره العاشر (حزب الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين وسائر بنات وأبناء شعبنا من شغيلة اليد والفكر، حزب يضع مصلحة الشعب والوطن فوق كل اعتبار، ويكافح لاستكمال استقلال البلاد وسيادتها الوطنية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، ومن أجل التقدم الاجتماعي والاشتراكية، ويناهض استغلال الانسان لأخيه الإنسان، وكل أشكال الكبت والعسف والقهر، ويكافح لتحريره منها بصورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة، ولإطلاق طاقاته الخلاقة وقدراته الكامنة المبدعة ).
 ويواصل اليوم حزب الشيوعيين العراقيين، (حزب العَمّالّه) نضاله العتيد لأجل التغيير الشامل والعدالة الاجتماعية، فالليبرالية المتطرفة، التي نظّر لها مؤخرا البعض من الساسة العراقيين، ممن تولوا مقاليد السلطة في الحكومات الطائفية، لم ولن ينتج عنها سوى التفاوت في الثروات والفقر وغياب التنمية
   









 *   مساهمة في ملف الاول من آيار، عيد العمال العالمي، "طريق الشعب " العدد 70 ليوم الخميس 29 نيسان 2021


88
احمد دلزار .. الشاعر الثوري عاش وشهد


يوسف أبو الفوز
نقلت الاخبار رحيل الشاعر الثوري المعمر أحمد دلزار يوم 10 نيسان 2021 ، ، في أحد مستشفيات أربيل ، عن عمر تجاوز المئة العام، بعد صراع طويل مع المرض.
  سمعنا عن الشاعر أحمد دلزار قبل أن نلتقيه. التقيته شخصيا لأول مرة، في حزيران 1982 في كردستان، في بشت آشان، مقر الأنصار الشيوعيين المكافحين لاعتى سلطة فاشية عرفتها المنطقة، وإذ عرف أنى عشت شخصيا سنوات الدراسة الجامعية في مدينة البصرة، تدفق بالحديث عن المدينة وبعض من ذكرياته فيها وكيف كانت تبدو في أعوام الأربعينات من القرن الماضي. كانت ذاكرة الشاعر دلزار متقدة دائما بالحديث عن ذكريات وشخصيات وكتب. اذ عاصر الكثير من الاحداث وتعرف عن قرب على الكثير من الشخصيات. وكان متحدثا بارعا يجيد اللغة العربية بشكل بارع، في الحديث والكتابة، وعرف عنه كونه انسانا متواضعا، كريم النفس، لا يبخل بالجواب عن سؤال. في الامسيات القليلة التي شهدتها له كان يقرأ قصائده بحماس باللغة الكردية. كان امينا لإرث رفيقه عبد الله كوران ( 1962-1904 ) ، المجدد في الشعر الكردي، الذي طالما تغنى بالأخوة العربية الكردية، فكان دلزار أمميا في تفكيره وسلوكه بصدق وثبات. وعرف عنه مكافحا من اجل العمال والفلاحين وسائر الكادحين والمسحوقين اجتماعياً، ووقف الى جانب نضالات جميع الشعوب من اجل التحرر من الاستعمار والاستعباد والاستغلال.
تجدد اللقاء مع الشاعر دلزار بعد زوال النظام الديكتاتوري البعثي في فعاليات سياسية وثقافية جرت في مدينة أربيل. وعرفت ان اسمه (احمد مصطفى آغا) وأن (دلزار﴾ لقب فني. ولد في مدينة كويسنجق عام 1920، في عائلة عرف عنها اهتمامها بالشعر والادب وفيها من احترف ذلك. انتمى مبكرا الى صفوف الحزب الشيوعي، وشارك بحماس في الفعاليات والأنشطة الثقافية والسياسة، ودخل السجون مرارا بسبب ذلك فصقلت هذه التجارب من روحه الثورية.  عمل في صحافة الحزب الشيوعي، وبعد ثورة 14 تموز 1958 كان محررا في جريدة آزادي الى جانب الشاعر عبد الله كوران الذي ارتبط به بعلاقة الرفقة والصداقة.
في سنواته الأخيرة، رغم كبر السن وتكالب الأمراض، إلا انه بقي متوقد الذاكرة، ونقل من التقاه كونه بقي متفائلا متمسكا بأفكاره التي جبل عليها.
رحل دلزار وترك لنا ارثا ثوريا وثقافيا مهما من المجموعات الشعرية والمذكرات ، أتمنى ان يلاقي الاهتمام بجمعه وإعادة نشره.
له الخلود والذكر الطيب ولمحبيه العزاء     

مع الشاعر الثوري احمد دلزار صيف 2009 أربيل (تصوير الفنان ستار عناد)

89

الفنان ستار الفرطوسي وداعا
يوسف أبو الفوز
اثر مرض عضال، رحل عنا، في هلسنكي، اليوم، الفنان والصديق العراقي ستار الفرطوسي. وهو من مواليد مدينة النجف عام 1963 ، وكان درس الرسم في معهد الفنون الجميلة وعمل لأكثر من عشر سنوات قبل مغادرته العراق عام 1993 الى الاردن ، ثم وصل فنلندا عام 1999 ، واقام خلال مسيرته الفنية العديد من المعارض الشخصية والمشتركة، مواصلا محاولاته في التجريب اللوني ، حائزا على اعجاب متابعيه ، في قدراته في الرسم بالزيت ، محاولا عكس وجهات نظره من خلال اللون ، وأيصال رسالته الفنية في الجمع ما بين الوعي واللاوعي،  اذ كان يرى انها تركيبة مهمة جدا، وأن كل الرؤى والصور والأصوات التي يختزنها الانسان في عقله يجمعها لخلق صورة ترتبط بتجاربه الحياتية .
وتم اقتناء لوحاته من العديد من المنظمات الفنية والجمعيات الفنية والشخصيات العامة في أوربا، وهو عضو ناشط في "شبكة الفنانين المهاجرين في اوربا " التي تأسست عام 1997 .
 والفنان الراحل متعدد المواهب، وعرف عنه اجادته عزف الة القيثار، وعمل كعازف في فرق موسيقية محترفة، كما ساهم في تأسيس بعض الفرق الموسيقية الغنائية في فنلندا، بالتعاون مع العديد من الفنانين الفنلنديين.
 رحل ستار بشكل مبكر وكان لا يزال واعدا بالكثير من العطاء.
له الذكر الطيب ولمحبيه وأصدقائه الصبر والسلوان

90
الحزب الشيوعي العراقي.. 87 عاما من النضال
نخلة العراق دائمة الخضرة رغم سنوات العسف والتنكيل
يوسف أبو الفوز
(كلمة طريق الشعب. الملف الخاص بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي طريق الشعب العدد 61 ليوم الاثنين 29 آذار 2021 )

لم يكن على خطأ من يصف الحزب الشيوعي العراقي، بكونه نخلة العراق الباسقة. فهي شجرة معمرة، دائمة الخضرة، تجود بثمارها الغنية بالقيمة الغذائية العالية، وعمرها من عمر العراق القديم والحديث، فكانت مقدسة عند السومريين والبابليين والآشوريين كما تبين النقوش الآثارية والاختام الاسطوانية، وهي شجرة تتحمل العطش وملوحة الأرض، وتمد جذورها عميقا وتمتد لمسافات بعيدة بحثا عن مصدر للمياه.
وهكذا حزب الكادحين، حزب فهد وسلام عادل والحيدري والعبلي والقوافل المضيئة من المناضلين الشجعان في درب الشهادة لأجل مبادئ الحزب العتيدة، لأجل الوطن الحر والشعب السعيد، بقي شامخا، معاندا كل الأهوال، تمتد جذوره عميقا في قلوب أبناء الشعب، الذين واصلوا الالتحاق بصفوفه ومواصلة العمل والنضال رغم كل سنوات العسف والتنكيل، ليبقى اسم الحزب عاليا وافكاره تنير الدروب لأجل الأجيال القادمة.
فلقد فشلت إمبراطورية، كانت الشمس لا تغيب عن أراضيها، في اقتلاع جذور حزب فهد من قلوب العراقيين وتربة الوطن، وجاءت أنظمة تسلطية متعاقبة، لم تدخر جهدا في محاربة الشيوعيين وحزبهم، وبزّهم في افعالهم الاجرامية نظام المجرم الديكتاتور صدام حسين، ولكن مثل نخيل العراق المتسامي، بالرغم من الحروب الكارثية والتقلبات المناخية واصل الشموخ زاهيا، وبقي الحزب الشيوعي العراقي دائم الخضرة.
وها هو حزب العمل والتغيير والمستقبل، نخلة سامقة، يسعى لتوحيد جهود أبناء الوطن، من القوى المدنية والديمقراطية في جبهة عريضة لأجراء التغيير المنشود والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والانتقال بالبلاد من حالة اللادولة الى الدولة المدنية الديمقراطية والاجتماعية.
هذا الملف، بمناسبة ذكرى السابعة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي، تقدمه (طريق الشعب :(
إجلالا لأرواح الشهداء من ساروا في طريق الشمس لأجل تحقيق شعار الوطن الحر والشعب السعيد.
تحية لذكرى المناضلين الرواد الذين لم يبخلوا بجهدهم لأجل استكمال المسيرة.
تحية لأنصار الحزب البواسل، الذين رفعوا راية الحزب عاليا في جبال كردستان وحرسوها ببنادقهم.
تحية للشيوعيين وعموم المشاركين في ساحات الاحتجاج، وثوار انتفاضة تشرين، الذين أدركوا ان لابد من التغيير المنشود ومواصلة الكفاح رغم كل العوائق.
تحية لكل الشيوعيين واصدقائهم، في كل مكان، داخل وخارج الوطن، ممن يواصلون العمل الجاد لأجل بناء عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي.
عاش الشعب العراقي وقواه الوطنية الديمقراطية
المجد لشهداء الحزب الميامين
عاش الحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه السابعة والثمانين

*   البوستر للفنان صفاء حسن

91
السينما العالمية ومواقع التصوير في فنلندا


المخرج الامريكي وارن بيتي مع المصور فيتوريو ستورارو في شوارع هلسنكي 1981

هلسنكي: يوسف أبو الفوز
(عن جريدة المدى البغدادية العدد 4871 السنة الثامنة عشرة - الخميس 11 سباط 2021)
في الآونة الأخيرة، تناقلت وسائل الإعلام أنباء عن تصوير عدة أفلام عالمية، في مناطق مختلفة من فنلندا، المرمية عند حافة القطب الشمالي، عند خليج بوتانيا المطل على بحر البلطيق، بمناخها القاسي، حيث الليل الطويل والنهارات القصيرة، والشتاء الطويل والصيف القصير جداً.
وتشير الأنباء الى إنتهاء تصوير الفيلم الأميركي (Dual 2021، وهناك فلمان من بريطانيا، وفقاً لجمعية الإنتاج المحلي السمعي والبصري (Apfi)، التي أشار رئيسها أيضاً الى أن هناك ثلاث إنتاجات سينمائية ما زالت تخوض مفاوضاتها. فما الذي يجذب صنّاع السينما، لإختيار فنلندا موقعاً لتصوير أفلامهم؟
فريق عمل فيلم (Dual)، الذي صوّر لست أسابيع في مدينة تامبيرا الفنلندية وضواحيها، من إنتاج عدة شركات، من بينها XYZ Films الهوليودية، أفادت، أنه بسبب جائحة الكورونا، حاول طاقم الفيلم العثور على موقع مناسب للتصوير في كندا ونيوزيلندا، لكن دون جدوى، لذلك تم اختيار فنلندا كموقع لتصوير الفيلم، لأن الوضع المستقر نسبياً لفايروس كورونا في فنلندا أثار إهتمامهم، وأثار أيضاً إهتمام صانعي الأفلام الآخرين في أمريكا وبريطانيا، حيث توقف الإنتاج السينمائي في أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك هوليوود. يذكر أن فيلمDual من بطولة الأميركي آرون بول الحائز على جائزة إيمي لدوره في المسلسل الدرامي الإجرامي Breaking Bad والنجمة الأسكتلندية كارين جيلان، وهو فيلم من الخيال العلمي، تأليف وإخراج الأميركي رايلي ستيرنز (مواليد 1986)، يروي قصة امرأة، توشك على الموت، فتطلب استنساخاً لنفسها للتخفيف من خسارتها على أصدقائها وعائلتها، لكنها لا تموت وتبدأ في الشفاء، وتفشل محاولاتها لإخراج استنساخها من الخدمة. وصرح المخرج ستيرنز بأنه يشعر بالارتياح والسعادة لأن التصوير تم أخيراً، وأن استخدام تامبيري كموقع تصوير أضاف إحساساً بالغموض والإثارة للفيلم.
ولم تكن جائحة الكورونا هي السبب الوحيد، لجذب المنتجين السينمائيين، فالشتاء الفنلندي، وما يخلقه من مناظر ساحرة، خاصة في منطقة لابلاند، شمالي البلاد، لطالما دفع بالكثير من المنتجين والمخرجين لتصوير أفلامهم وسط جمال القطب الشمالي،والقائمة طويلة بأسماء الأفلام التي صوّرت هناك، فهكذا صورت المخرجة الألمانية أرولا هاتوب ( مواليد 1949) التي أخرجت أفلاماً عديدة للأطفال والشباب، ونالت العديد من الجوائز، فيلمها (ملكة الثلج ـ 2014)، وهو موجّه للأطفال يستند إلى حكاية خرافية، حيث في قرية صغيرة في الشمال القطبي، صديقان حميمان، منذ الطفولة، يحبان بعضهما سراً، وبنى الشاب منزلاً زجاجياً ( دفيئة) خاصاً، لأجل حبيبته حتى تنمو الزهور فيها في الشتاء البارد، فيُغضب ذلك ملكة الثلج الشريرة، وتحاول تحويل الزهور الى جليد، وتفشل إثر مقاومة الشاب لها فتقوم بسحره وأخذه عندها لقصرها الجليدي في مسعى لتحويله الى عمود جليدي، وتخوض الفتاة صراعاً لأجل إنقاذه وينتصر الحب آخر المطاف. وأيضاً هناك فيلم الحركة والمغامرات Hanna انتاج عام 2011 للمخرج البريطاني جو رايتو (مواليد 1972)، الذي صور جزء منه في منطقة لابلند، وقصته حول فتاة مراهقة نشأت في براري فنلندا الشمالية الثلجيّة، درّبها والدها العميل السري السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (الممثل إيريك بانا) وتخوض مغامرات ومطاردات ضمن حبكة مطارات وأسرار وغموض. وربما من أشهر الأفلام التي استثمرت مناظر الشتاء الروسي هو فيلم دكتور زيفاكو 1965 من إخراج البريطاني السير ديفيد لين (1991-1908)، وبطولة الممثل المصري عمر الشريف، ورغم أن غالبية مشاهد الفيلم صوّرت في اسبانيا حيث تم بناء مدينة روسية مشابهة لمدينة موسكو إلا ان مشاهد القطار تم تصويرها عند بلدة يونسو في شرقي فنلندا كما تم تصوير رحلة اللاجئين عند بحيرة بوهاسيلكا الفنلندية.
ويمكن القول إن أحد الأسباب المهمة التي تجلب صناع السينما الى فنلندا، هو العاصمة الفنلندية هلسنكي، وما توفره هندستها المعمارية من مشاهد متنوعة، حيث تتوفر أنماط مختلفة، حديثة وأيضاً كلاسيكية. والمعروف أن مدينة هلسنكي القديمة التي بنيت عام 1550 م تحتفظ بالطراز المعماري الذي يعود الى القرن التاسع عشر، مما أهّلها لأن تمثل في شوارعها الكثير من الأفلام السينمائية التي حققت نجاحات مشهودة. من تلك الأفلام، كان البريطاني ( هبوط النسر) عام 1976 من إخراج الأميركي جون ستورج (1992-1910)، وهو من أفلام الحرب والجاسوسية، اشترك في تمثيله النجوم مايكل كين، روبرت دوفال ودونالد سوثرلاند، وتدور قصته حول مؤامرة ألمانية متخيلة لاختطاف ونستون تشرشل قرب نهاية الحرب العالمية الثانية، ولاقى عند العرض نجاحاً كبيراً، لكن أكثر الأفلام شهرة والذي صورت غالبية مشاهده، في مدينة هلسنكي، كان فيلم (حمر)عام 1981، من تأليف وإخراج المخرج الاميركي وارن بيتي (مواليد1937)، والذي مثل بنفسه دور جون ريد الى جانب ديان كيتون وجاك نيكلسون ومجموعة من نجوم هوليود، ونال عنه أوسكار افضل مخرج وترشيحات للأوسكار لأفضل فيلم وترشيحين لأفضل ممثل أول وممثلة أولى وترشيحين لأفضل ممثل مساعد وممثلة مساعدة، فاز منهم مورين ستابلتون كممثل مساعد، ويتناول الفيلم قصة حياة الصحفي والكاتب الشيوعي الأميركي جون ريد، من مواليد 1887 وتوفي في روسيا عن عمر 32 عاماً، وهو صاحب الكتاب الشهير (عشرة أيام هزّت العالم) الذي يروي قصة ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 التي كان جون ريد شاهداَ ومساهماَ فيها بشكل ما، بحكم صلاته بقادة الثورة من الشيوعيين البلاشفة. وبعد أن تعذر التصوير في روسيا، أستثمر المخرج التشابه في المعمار بين هلسنكي ومدينة بطرسبورغ، فصور غالبية مشاهد الفيلم وبنى كادراته في شوارع هلسنكي، ولن تُنسى المشاهد البارعة للحظات الهجوم على القصر الشتوي، التي قطعت لأجلها شوارع هلسنكي أمام حشود الكومبارس لتنفيذ المشاهد المثيرة والشهيرة في الفيلم. كانت الخطة الأساسية لتصوير الفيلم تستمر مبدئياً لمدة 15 إلى 16 أسبوعاً، لكن الأمر استغرق عاماً كاملاً في النهاية، لأسباب عديدة، منها انتظار فريق العمل في الفيلم تساقط الثلوج الحقيقية في شوارع هلسنكي لإكساب المشاهد مصداقية أكثر.
وينظر المسؤولون عن الإنتاج السينمائي في فنلندا بارتياح، الى قدوم مختلف شركات الإنتاج والفرق السينمائية للعمل في فنلندا، فالميزانيات الدولية بكل الأحوال تكون أعلى من ميزانيات الإنتاج المحلية، ففيلم Dual بلغت ميزانيته خمسة ملايين دولار، وشاركت في الإنتاج بنسبة معينة شركة إنتاج فنلندية، وساهم ذلك بتوفير فرص العمل للعشرات من الفنانين والفنيين الفنلنديين العاملين في الحقل السينمائي، مما يترك أثره على زيادة تجربتهم واكتسابهم الخبرة في عملهم، أيضاً إن فترة التصوير ستوفر فرص عمل لمئات الأشخاص الآخرين، فحين اختار فريق عمل فيلم Shamitabh عام 2014 ليكون أول فيلم هندي يصور في هلسنكي ولابلاند، اشتغل أكثر من مئة فنلندي كفنيين في العمل، وأشاد فريق بوليود بأطقم العمل الفنلندية كونهم على دراية كبيرة بعملهم ويتمتعون بروح المبادرة ويؤدون مهاماً متعددة أكثر بكثير من   فريق عمل فيلم Dual وبعد الإشادة بطبيعة الحياة في فنلندا من احترام الوقت والالتزام بالمواعيد والكياسة في التعامل لم ينسوا أيضاً كونهم ليسوا مضطرين لدفع البقشيش في المقاهي والمطاعم الفنلندية.

92
في طريق الشمس:
الشهيد وافي كريم مشتت

يوسف أبو الفوز

(مساهمة في الملف الخاص عن الشهداء. طريق الشعب العدد 48 ليوم الخميس 11 شباط 2021)
في سجل الأسماء، في الهاتف، يصادفك أحيانا أسم لعزيز رحل، وكذا في قائمة الأصدقاء في (فيس بوك) وغيرها. وتسأل نفسك لماذا لم أقم بحذف الاسم؟ شيء ما يمنعك. هو ارتباطك بصاحب الاسم وكونه راسخ الوجود في حياتك وروحك وذكرياتك، لدرجة أنك عند الحديث عنه، تجد نفسك أحيانا، لا تستخدم صيغة الماضي. هذا الأمر ينطبق تماما على الشهداء. تابعت شخصيا ذلك في اللقاءات والمناسبات العامة، فوجدت الكثير من الأصدقاء والمعارف يتحدثون عن الشهداء بصيغة الحاضر وكأنهم معنا وغائبون في رحلة قصيرة سيعودون منها ويفاجئوننا بمشاركتهم لنا جلساتنا وأحاديثنا.
هكذا حين يجري الحديث، مع الأصدقاء، عن الشهيد وافي كريم مشتت (أبو فكرت)، صديقي الأقرب، أيام الدراسة في كلية الإدارة والاقتصاد، جامعة البصرة، في سبعينات القرن الماضي.
عند قدومه للدراسة في جامعة البصرة، وكان في الموسم الدراسي 1975، كنت محظوظا بتكليفي من قبل التنظيم باستلامه حزبيا. كان الموعد عند المكتبة العامة في منطقة الساعي في البصرة، والعلامة (باليد اليسرى كتاب واليمنى جريدة)، نسي وافي الجريدة ولكننا تعارفنا، ومن يومها صرنا لا نفترق.
ولد وافي في بغداد، عام 1956، وهو من سكنة مدينة الثورة. كان من الطلبة النشيطين في اتحاد الطلبة في مدارس مدينة الثورة. بعد اغتيال الرفيق فكرت جاويد عام 1974 اختار لنفسه كنية (أبو فكرت). تميز بوسامته وقامته الرياضية، فقد لعب لفئة الشباب في نادي الزوراء لكرة القدم، ونال اهتمام أبرز اللاعبين الدوليين أيامها، وكان ينتظره مستقبل باهر لولا انتقاله الى البصرة، وصار انشغاله أكثر بكتب الاقتصاد والعمل الحزبي، ومع ذلك لعب مع فريق كلية الإدارة والاقتصاد لكرة القدم، مباريات مهمة، وكانت تسديداته حاسمه لتحقيق الفوز، رغم انه لم يلتزم بجداول تمرين كبقية أعضاء الفريق، ويذكر الأصدقاء الأحياء المباراة الحاسمة مع فريق كلية الهندسة لبطولة الجامعة، واعتقد كانت في العام 1977.
وفي المجموعة الحزبية التي عمل فيها الشهيد وافي، أستحق بجدارة، ان يتم اختياره ليكون نائبا لسكرتير المجموعة، التي ضمت خيرة المناضلين من الطلبة، وكثير منهم مازالوا أحياء يرزقون، وتميز بقدراته في إدارة النقاش والاقتناع وتطورت بشكل ملحوظ ثقافته الاقتصادية لتتجاوز المنهج الدراسي المقرر فلفت اليه أنظار الاساتذة.
وصلنا تلك الأيام، توجيه حزبي، بضرورة التوجه لكسب المزيد من العمال والكادحين لصفوف الحزب، وتطلب التوجه لمواقع عملهم وتجمعاتهم والنشاط بينهم. مع العزيز وافي توجهنا لمقاهي العمال في منطقة العشار والداكير، صرنا نصحب معنا كتبنا ونحضر دروسنا هناك ونشارك رواد المقاهي طعامهم البسيط وجلساتهم الصاخبة، وبعد عدة زيارات ظهرت “طريق الشعب” بيننا، ورحنا عن قصد، نختار منها مقالات معينة، ونبدأ بالحديث والسجال حولها. ووفق اتفاق مسبق نتبادل الأدوار: من سيطرح الرأي الصحيح ومن يطرح الخاطئ، رغم اننا متفقان أساسا. ولطالما تشاجرنا بجدية حول توزيع الأدوار، إذ كان وافي يحب دائما أن يلعب دور صاحب الرأي الصحيح فكنت أشعر بالظلم لأنه يجبرني على ذكر الكثير من المغالطات والآراء الساذجة. وواصلنا مهمة الجدال المفتعل بحماس، ومن حولنا يتسمعون لنا، وشيئا فشيئا صار بعض رواد المقهى يشتركون معنا في الحديث. وبفخر أستطيع القول إننا بعد عدة أشهر، نجحنا في تكوين صداقات وكسب العديد من العمال لنشاطات الحزب الشيوعي، وتوجهت لنا الدعوات لزيارة بيوت العديد من العمال وللمشاركة في مناسباتهم الاجتماعية المختلفة. ولم تكن أعين رجال الأمن البعثية غافلة عنا، فاضطررنا لتغيير التكتيك واختيار مواقع أخرى.
مع اشتداد الحملة البوليسية الإرهابية، أواخر سبعينات القرن الماضي، كان وافي من ضمن مجموعة الطلبة الذين رفضوا حملة التبعيث القسرية، واضطروا لترك الدراسة وانتقلوا للعمل الحزبي السري، وكان من ضمن المجموعة التي نشطت لشد أواصر الشيوعيين، بعدما أصاب الشلل التنظيم وتقطعت الصلات. في بغداد، في الخفاء، التقينا مرارا وعملنا لفترة جنبا الى جنبا ومعنا الشهيد ناهل (نجيب هرمز يوحنا)، لكن ضراوة الهجمة، واشتداد الاعتقالات وانهيار بعض الأسماء أجبرنا على الافتراق وتغيير خطط العمل.
تخبرنا المعلومات المتوفرة لاحقا من مصادر مطلعة قريبة، أن الشهيد وافي نجح في الاتصال مع تنظيم حزبي بقيادة الرفيقة الشهيدة عائدة ياسين مطر (أم علي)، وفي عام 1981 تهيأ للصعود الى جبال كردستان والالتحاق بصفوف الأنصار في كردستان، لكنه وشيوعيين آخرين للأسف وبسبب من خيانة واندساس، وقعوا في كمين معد من قبل الأجهزة الأمنية البعثية وتم اعتقالهم. بعد سقوط النظام العفلقي الصدامي كشفت الوثائق انه تم إعدامه دون تسليم جثته لأهله.
• يذكر أن الشهيدة أم علي مواليد البصرة 1944، اختطفت يوم 15 تموز 1980 قريباً من قناة الجيش في بغداد، وظل مصيرها مجهولا.
• والشهيد ناهل مواليد البصرة 1956، الطالب في كلية الإدارة الاقتصاد، غادر العراق وعاد الى أرض كردستان، وعمل ضمن مجموعة الطريق البطلة، واستشهد في مواجهة بطولية مع كمين لجهاز الاستخبارات الصدامي عند عبور نهر دجلة في أيلول 1984.














الشهيدة القائدة الشيوعية عائدة ياسين مع أبنها علي                 الشهيد النصير ناهل




93
المنبر الحر / مع بهاء الدين نوري
« في: 20:32 11/01/2021  »
مع بهاء الدين نوري

 

يوسف أبو الفوز
رحل المناضل الشيوعي بهاء الدين نوري ـ أبو سلام ـ باسم، في 2020.12.1، عن عمر ناهز الثالثة والتسعين، ونعاه المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي (عاش سنوات حافلة بالعطاء في صفوف حزبنا، وتبوأ مواقع قيادية فيه لفترات طويلة وحتى اوائل الثمانينات كافح أبو سلام ضد الأنظمة الدكتاتورية والرجعية، ومن اجل خير الشعب العراقي وحريته واستقلال العراق وتقدمه، وفِي سبيل نيل الشعب الكردي حقوقه القومية. وتعرض جراء ذلك الى السجن والاعتقال والمعاناة في المنافي)، وكتب عنه اصدقاؤه ورفاقه، متأثرين لرحيله أثر أصابته بفايروس الكورونا وهو الذي عجزت عن قهره أعتى الأنظمة الديكتاتورية.
عرفت هذا الشيوعي المخضرم في النضال حتى قبل ان ألتقيه. كنا طلابا في جامعة البصرة أواسط سبعينات القرن الماضي، حين صدر له (قرية في سفح جبل) وثم (أيام صعبة) وفيهما تحدث عن نشأته ونشاطه أيام النضال السري في العهد الملكي وما تبعه. أيامها عشت ومجموعة من الأصدقاء والزملاء تجربة لم تتكرر، إذ طالعنا كتاب (أيام صعبة) في طقس قراءة جماعية، فخضع الكتاب على أثرها لنقاشات بين معجب ومعارض. من جانبي أثار (مجيد)، ــ الاسم المستعار الذي اختاره أبو سلام لنفسه في رواية ذكرياته ــ الكثير من إعجابي، إذ كنت اراه نموذجا للمناضل المتفاني في سبيل مبادئه والمستعد للتضحية بكل ما يملك وحتى لو تطلب بذل حياته لأجل ذلك. وكان لبعض الأصدقاء مآخذ عل الكتاب والسيرة عموما، كون مجيد عاش وفق مبدأ (وأطلق ساقيه للريح) كلما تعرض لمحاولة إعتقال، وبدا للبعض أن أبو سلام مأخوذا بالجملة اذ تكررت مرارا.  وكان بعض الأصدقاء يعلقون بسخرية على ذلك فقط لإغاظتي بحكم اعجابي المعلن لحد تقديس شخصية مجيد. شاءت التقلبات السياسية في العراق ان أعيش ظروف العمل السري والاختفاء لأكثر من عام ونصف في نهاية السبعينات، وشاركني العديد من الرفاق والأصدقاء إياهم، فوجدنا أنفسنا نستعيد تجربة مجيد وبعض من دروسها، وإذ واجهتنا مواقف للإعتقال من قبل جلاوزة وضباع البعث، لم ينفعنا سوى حل مجيد التأريخي، في... إطلاق السيقان للريح!
حين وصلت اليمن الديمقراطي مطلع عام 1980، قادما من الكويت، وجدت أن من سبقنا من الشيوعيين العراقيين واصدقائهم، بادروا للعمل في أبعد المدن والقصبات اليمنية كمهندسين وأطباء ومعلمين، مواجهين ظروفا مناخية وحياتية صعبة، فكان نصيبي ومجموعة باهرة من الشباب العمل معلمين في قضاء بيحان، وهي واحة صحراوية، في محافظة شبوة على أطراف الربع الخالي. هناك كان لابد من إختيار أسم مستعار ثلاثي، فكان ان أخترت أسم (مجيد) كأسم أول، تيمنا ببطلي من (أيام صعبة)، ولكن إيقاع الاسم بدا ثقيلا للأخوة اليمنيين، فتحول عندهم الى (مجدي)، فأصبحت (مجدي وافي السعد) فعشت بهذا الاسم لمدة ثلاث سنوات، عملت ودرست وعشقت، ومنحت بهذا الاسم جواز سفر يمني رسمي، فُقد لاحقا ضمن أشياء عزيزة فقدتها في أيام الكفاح المسلح في كردستان، التي وصلتها في آيار 1982.
في كردستان، قضيت أسابيعا قليلة في مقر ناوزنك، ونسبت أولا للعمل في هيئة تابعة للمجلس العسكري المركزي للأنصار (معم) حملت أسم (هيئة الحركات) ـ فيما يشبه عمل الأركان ـ وفي الصيف نسبت الى مكتب الفوج التاسع للأنصار الذي يقوده النصير المخضرم نصر الدين هورامي، آمرا الفوج. مرت شهور قليلة وأعلن إعادة تنظيم التشكيلات الانصارية، باستحداث تشكيلة جديدة لوحدات الأنصار السياسية والعسكرية، حيث شكلت ثلاث قواطع (بمثابة ألوية أو فرق)، كتشكيلات عسكرية وسياسية تحت قيادة (معم)، فكان هناك قاطع أربيل وقاطع بهدينان وقاطع السليمانية وكركوك، وأصبح الفوج التاسع للأنصار، أحد الأفواج التابعة لقاطع السيلمانية وكركوك، وعين المكتب العسكري المركزي الرفيق بهاء الدين نوري ـ أبو سلام، مسؤولا أول للقاطع، يعاونه للشؤون السياسية الرفيق عدنان عباس ــ أبو تانيا والرفاق إبراهيم صوفي ـ أبو تارا للشؤون الإدارية و عبد الله ملا فرج  ــ ملا علي للشؤون العسكرية. وحتى يتم إختيار وترتيب مكان لقيادة القاطع، حل رفاق قيادة القاطع كضيوف لفترة مؤقتة على مقر الفوج التاسع في مقره المؤقت قريبا من قرية (دولكان) ـ وهي قرية حدودية في وادي آلان الإيرانية، حيث سمح فلاح إيراني مناصر للثوار باستخدام جزء من ارضه القريبة من النبع لبناء سقائف ونصب خيام، ومنح الانصار غرفة طينية أصبحت في الشتاء مكان عمل مكتب الفوج، وأصبحت لفترة مكان نومي، فالرفيق نصر الدين هورامي عند تواجده في المقر يبيت عادة عند عائلته التي تسكن في بيت داخل قرية دولكان التي تبعد مسافة مسير ربع ساعة، حيث تقيم بعض عوائل الكوادر الحزبية من ما يعرف بالتنظيم المدني.
في هذه الغرفة، شاركني الرفيق أبو سلام المكان، حين وصل مقر الفوج التاسع، حيث ارسلت مجموعة خاصة بقيادة ملا علي للبحث عن مقر مناسب للقاطع في ريف السليمانية، فكان الاختيار لاحقا في قرية حاجي مامند.
ها هو القدر يجمعني، مع مجيد، بطلي المحبوب في مكان واحد وتحت سقف واحد!
كانت الغرفة صغيرة، وأمتد فراشينا على الأرض، متوازيين بجانب الجدران، وعند طرف كل فراش وضع صندوق عتاد رصاص بنادق نستخدمه كطاولة للكتابة ومكان لحفظ القرطاسية ومستلزمات اعداد البريد الانصاري والحزبي.
كان أبو سلام نظيفا، محبا للأناقة رغم قسوة الحياة الانصارية. ويحتفظ بعدة باروكات شعر يرتديها حسب المناسبات، في بعض المرات يحرص على ظهور خصلات من (شعر رأسه) من تحت الجمداني ـ غطاء الرأس الكردي ـ، أو طاقية رأسه، وهكذا حصل عندما زار مقرنا عبد الرحمن قاسملوا، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، الذي يقيم ليس بعيدا، في زيارة خاصة، فأرتدى أبو سلام حلة نظيفة وأعتنى بنفسه ليبدو بصحة جيدة ومزاجا طيبا، وطلب من المحيطين حوله ان يفعلوا ذلك، إذ كان يعتقد أن قاسلمو سيتحدث يوما عن ظروف هذا اللقاء ولن ينسى مظهر من قابلهم لو بدا مزريا.
كان أبو سلام محبا لترتيب الأوراق والمحاضر حسب الموضوعات أو الاشهر في مغلفات واضابير يصنعها بنفسه من الورق العادي. وعند الحاجة يستل أي ورقة أو وثيقة بسرعة دون ان يصرف وقتا طويلا في البحث عنها، وحاولت تقليده في ذلك. وكانت له ذاكرة جيدة، ومحب للقراءة، وكانت رزم الكتب دائما ضمن متاعه عند توجهه لأي مكان.
تعودنا في حياة الأنصار ان نصحو مبكرين، قبل الديكة، ولم يشذ أبو سلام عن بقية المقاتلين في النهوض المبكر، وكان يحرص أن يبدو نشطا ويبذل جهدا في إخفاء أوجاعه وعوارض أمراضه بحكم عمره. نجح الأنصار بمد انبوب مطاطي، يجلب الماء من النبع العذب، الى قرب المطبخ في المقر، يجري طوال اليوم، للشرب والاحتياجات اليومية. كنت وأبو سلام بعد ان (نريق المائية) ــ كان معجبا بهذا التعبير ويضحك أحيانا حين يقوله ــ نغتسل هناك، ونتناوب في أمساك طرف الانبوب لبعضنا البعض. يوما، وبعد ان أكمل تنظيف أسنانه ووجهه ـ حيث يحتفظ بفرشة أسنان دائما ـ، أمسك لي بطرف الانبوب، وبعد ان اغتسلت فتحت كفي يدي وكورتهما كقدح لأعب وأرتوي من الماء العذب، ورفعت رأسي وأطلقت صيحه إنتشاء:
ـ يالله ما أعذبه؟
ضحك، وسألني:
ـ أبو الفوز، هل يوجد شيء أعذب من الماء؟
لا أراديا قلت:
ـ المرأة.
فأطلق ضحكة مدوية معجبا بجوابي ورشني بالماء من طرف الانبوب على وجهي وصدري وبلل لي ملابسي في ذلك الصباح البارد وسط إستغراب الأنصار من حولنا. كان واحدا من الصباحات الرائقة، وفي الليلة ذاتها، لاحظت انه ظل صامتا، يمسك بيده بدفتر سميك بغلاف جلدي. قلب صفحاته طويلا، فلم اقاطعه او أساله. وبعد ساعة مد يده بالدفتر نحوي، وطلب مني ان اقرأ فقط ما اراه أمامي وعدم تقليب الصفحات. وعرفت ان هذا دفتره الخاص حيث يسجل مذكراته وبعض أفكاره الخاصة. في تلك الصفحتين، بقلم أسود جاف، باللغة العربية بخط أقرب للخط الفارسي بامتدادات الحروف، وبدا لي انه نقل عن مسودة إذ كان النص بدون خطأ او شطب، كانت هناك رسالة حب وشوق طويلة، موجهة للشهيدة عايدة ياسين (أم علي)، يبثها لوعته وأرق مشاعره. وعرفت أن هناك عدة رسائل تشبهها، كتبها في أوقات مختلفة، ولا أعرف مصير هذه الدفتر وهذه الرسائل، هل تم نشرها؟ أتمنى ان لا يكون فقدها ضمن الأشياء التي فقدت وحزن عليها حين هرب البغل لاحقا في ليلة شتوية، وكان مخصصا لمتاع الرفيق أبو سلام، وقيل انه أسقط حمولته في مكان مجهول، ولم يعثروا عليها، ووقتها انتشرت بين الأنصار تعليقات ساخرة عن باروكات شعر أبو سلام وكيف صادرتها المخابرات الصدامية، وان بعضها ظهر في مسلسل تلفزيوني عراقي وغير ذلك!
ساعدتني كثيرا، هذه الفترة الزمنية، القصيرة، من العيش المشترك، مع الرفيق أبو سلام ــ مجيد، لكسر تلك الهالة المقدسة التي حملها جيلنا عن الرفاق من قادة الحزب، الذين لم نقابلهم ونسمع عنهم فقط القصص، التي تختلط فيها الحقيقة بالمبالغات المصنوعة عنهم، فتحول بعضهم عندنا الى اساطير، فتربينا وتعلمنا ان نتعامل معهم كشخصيات مقدسة، فوق النقد والسخرية. كان بطلي المحبوب مجيد ينام معي في نفس الغرفة، يشاركني كل التفاصيل والافعال الإنسانية اليومية، فتوفرت لي فرصة لمراقبته كإنسان، ومتابعة تلك الشؤون الصغيرة الإنسانية، التي يملكها مثل غيره من البشر. كنت شاهدا على بعض سجالاته ونقاشاته مع رفاق أجدهم يملكون الحجة والرأي الأفضل والاصوب منه في مواقف عديدة. ودون ان يدري، قدم لي خدمة لا يمكن إلا شكره عليها، إذ يوما بعد آخر اختفت تلك الهالة من حول (مجيد) وغيره، تلك الهالة التي كنت اعامله على أساسها طيلة السنين الماضية. ويبدو انه لاحظ ذلك جيدا فهو على قدر عال من الذكاء والحصافة، فلا غبار على انه نال بجدارة لقب (الثعلب) من قبل القائد الكردي مصطفى البارزاني، حيث قيل انه كان لا يطيقه، فنعته به حين رفض في ستينات القرن الماضي ان يكون ممثلا أمامه للحزب الشيوعي.
لم أقلل أدبي مع أبو سلام يوما، وهو بالمثل عاملني بكل إحترام، لكن لم تكن صعوبة أمامنا لنكتشف كلانا بأننا ليس على وفاق فكري، إذ كنا نختلف حول قضايا عديدة، وفي طريقة إدارة الأمور في العمل الانصاري. وعليّ الاعتراف بكوني لم أكن أيامها بالمرونة المطلوبة في الحوار، كنت شابا مندفعا، يتحدث ويتصرف تحت تأثير الحماس ونصوص تعلمناها في كتيبات النضال والخلايا الحزبية وتنقصنا الكثير من الخبرة في الحياة والعمل السياسي. وكان مؤلما، حين أسانده بالرأي، عندما أجده على صواب في بعض الأمور، فكنت اشعر بانه يتعامل معي بحذر كبير، إذ في داخله يبدو كان يعتبرني من (جماعة أبو تانيا ـ عدنان عباس)، وكانت بدأت تظهر للعلن بوادر الخلاف بين الرفيقين وهما اعضاء في اللجنة المركزية للحزب، في طريقة تعاملهما مع إدارة الأمور وعلاقتهما بقيادة الحزب. كان موقف أبو سلام متشددا في تسهيل مهام الرفاق المعنيين بالعمل في بناء التنظيم الحزبي داخل مدن الفرات الاوسط، التي كان أبو تانيا يعتبرها المهمة الأساسية، وكنت متحمسا لذلك، بل ان وجودي أساسا في الفوج التاسع جاء لأكون قريبا من هذه المجموعة تحسبا للمستقبل وكان أبو سلام يعرف بذلك.
كان أبو سلام، بشكل عام، يعمل ويخطط بصبر، فإذا كان لديه مكر وحيلة الثعلب فبالتأكيد لديه صبر وفن العنكبوت. يوما ونحن منغمسان في اوراقنا متقابلين في الغرفة الصغيرة، قال:( ما رأيك بشرب الشاي). تركت ما بيدي لأنهض لإعداده. فقال: (هات الاقداح النظيفة فقط). ولأتفاجأ بأنه نهارا ثبت أعلى السراج النفطي (اللالة) على الجدار الطيني مسامير طويلة كمسند ووضع عليها أبريق صغير، كان هناك لساعات، ليصنع لنا شايا على لهب السراج!
يوما تحدثنا عن كتابه (أيام صعبه)، وكنت أخبرته بقصة أعجابي واختياري لاسم مجيد، وساعتها سره ذلك كثيرا، ليلتها سألته عن (وأطلق ساقيه للريح)، فقال لي بشكل مفاجئ وبلغة لم أعهدها فيه من قبل، بكل مودة ولوعة:
ـ ليش رفيقي هل كان لدينا خيار آخر؟
واندهشت، لكوني أعرف الجواب مسبقا. أعرفه من يوم طاردني جلاوزة البعث الصدامي في شوارع البصرة وبغداد، ولم أنج منهم لولا (مبدأ مجيد ورد فعله) بإطلاق ساقيه للريح. لم تكن القوى متوازنة يوما بين المناضلين وأجهزة القمع البوليسية. وأنتبهت الى ان جيلنا الشاب بتأثير حماسه قد تجنى أحيانا، على الجيل الذي سبقنا الى ساحة الطراد في لعبة الجلاد والفريسة.
في كردستان، تسنى لنا أن نعرف بان الرفيق أبو سلام كان من ضمن الرفاق السبعة من أعضاء المكتب السياسي الذين عارضوا الثمانية الذين أيدوا عقد التحالف بين الشيوعي العراقي وحزب البعث، وعرفنا ان هذا من الأسباب التي جعلته في خلاف دائم مع ما كان يسميه أحيانا (جماعة عزيز محمد)، ولكننا لم نستوعب ايامها ان أحد يمكن ان يمس بقداسة سكرتير الحزب أبو سعود حتى لو كان مناضلا مثل باسم ـ بهاء الدين نوري.  كان أبو سلام يشعر بقرارة نفسه كونه مغبونا كقيادي قاد الحزب في أحلك الظروف، بعد استشهاد الرفيق فهد مؤسس الحزب، وانه لولا (باسم ـ بهاء الدين نوري) لم يكن بمقدور الحزب ان يقف على رجليه ويعود نشاطه في الساحة السياسية. كان بهاء الدين نوري يعيش هاجس بأن باسم لم يمنح المساحة المشروعة والمناسبة في ادبيات الحزب كرفيق شغل موقع السكرتير مثله مثل فهد. وقبل مجيئة الى مقر دولكان، تحدث بشكل واضح عن ذلك في ندوة عامة عقدت في مقر بشت آشان، ربما يذكرها كثيرين من الاحياء الذين حضروها، إذ ليلتها كانت أحد النقاط التي شغلت السجالات التي اندلعت بين الرفاق: هل بهاء الدين نوري محق أم أنه يرسم لنفسه مساحة أكبر من حقه؟
من الأمور التي كانت مثار الخلاف بيننا، ودار حديث عنها في غرفتنا المشتركة، هو ما لمسته عند الرفيق أبو سلام، وما لاحظته عن البعض من قيادي الحزب الشيوعي للأسف، الذين كتبوا مذكراتهم، إلا وهو عند الحديث وتناول تجربة الحزب، الميل الى تحميل الاخرين مسؤولية ما حصل من أخطاء في مسيرة الحزب النضالية، دون الحديث عن مسؤوليتهم الشخصية في ذلك. ـــ للأمانة يتطلب القول، وجدت لاحقا ان الرفيق الراحل رحيم عجينة والرفيق العزيز جاسم الحلوائي، في مذكراتهم المنشورة، قد حاكموا أنفسهم قبل لوم الاخرين. ـــ في هذا الامر، في تلك الأيام المشتركة، لمست ان أبو سلام كان نرجسيا، بل وأحيانا نرجسي جدا في التعامل مع هذا الامر ويتحسس من أي نقد ورأي معارض، فهو يعتقد أنه مصيب دائما، وعدة مرات كان يحرج بعض الرفاق بالعودة لفتح نقاش ما من جديد أملا في تغيير وجهة نظرهم لصالحه. كنت أتابع تصرفات البعض، ممن يتصرفون معه، كبطانة ويتملقونه ويوافقوه ويستحسنون أرائه، حتى لو غيرها في نفس اليوم، وكان البعض من الرفاق يتصدى له بمبدئية عالية فكان لا يخفي انزعاجه منهم. يوما رويت مزحة عن أحد أنصار الفوج التاسع الابطال، من ذوي الشخصية الطريفة والمحبوبة، كان الانصار يمزحون معه وينعتوه: (مو قلناها) إذ كلما يحصل شأن ما، يتبين ان هذا الرفيق بقدرة القدير قد نبه له مسبقا وكأنه العرافة، وقال شيئا ما قبل شهور طويلة محذرا لكن للأسف لا أحد يسمع ويفهم ما يقول! وبعد ان رويت النكتة وكانت طازجة يومها وتخص شأنا إداريا في العمل الانصاري، اضفت من عندي: (ما أصعب التعامل مع أمثال هذا الرفيق). انزعج أبو سلام جدا ولم يضحك أو يعلق كعادته وفهمت بكوني ربما تجاوزت حدا ما مسه مباشرة، فقبل أيام وبحضوري أخبره الرفيق مام صالح ــ فخرالدين نجم الدين طالباني، صراحة بأن التعامل معه صعب جدا. فمثل بهاء الدين نوري وإذ لا يقبل الخسارة في لعبة الشطرنج وينزعج جدا، كيف يمكن التشكيك بأقواله وتكهناته وتحليلاته؟
كان أبو سلام، يتميز بقدرة على الأصغاء للأخرين، فيتركهم يقولوا ما عندهم، ويقاطعهم أحيانا ليوجه سؤالا لأجل سماع المزيد من التفاصيل، وعند الرد تكتشف انه يتذكر كل كلام محدثه. ويحب الإجابة باستفاضة، مستخدما قصص وحكايات لإيضاح واثبات كلامه، متذكرا جيدا الأسماء الكاملة والتواريخ، وكنت أحب هذا الامر في أسلوبه، اذ يجذب سامعيه ويشدهم. ويومها اخبرته بأنه لو كتب مذكراته فستكون من عدة أجزاء لحجم وغزارة المعلومات التي يعرفها. 
قبيل مجزرة بشت آشان، أندفع الرفيق أبو سلام في علاقة ثنائية مع ملا بختيار مسؤول الملبند ـ القاطع ـ الأول لقوات الاتحاد الوطني الكردستاني، هدفها المعلن تطبيع العلاقات، وتبين لاحقا ان له اهدافا غير معلنة أبعد من ذلك، وخلال أنعقاد المجلس العسكري والسياسي لقاطع السليمانية وكركوك ربيع 1983 في مقر القاطع في قرية حاجي مامند، دعا أبو سلام الى وليمة مشتركة للتعارف بين كوادر حزبنا السياسية والعسكرية، مع كوادر الاتحاد الوطني الكردستاني. واجهت مبادرة أبو سلام رفضا من كثير من كوادر الحزب، فدماء شهداء الحزب على يد مقاتلي الاتحاد الوطني في مناطق أربيل لم تجف بعد، فحصل تمرد ورفض كثيرين دخول القاعة وتناول الطعام مع كوادر الاتحاد الوطني، شارك في الرفض العديد من الرفاق، كنت من ضمنهم، وتناولنا الطعام مع بقية الأنصار خارج قاعة الضيوف. وحين صادفني ذلك المساء، كان غاضبا. أمسك بذراعي من بين الاخرين وقال:
ـ انكم لا تنظرون بعيدا. ان جماعة المكتب السياسي يقودوننا الى تهلكة.
ما جرى من تطورات لاحقة، بأعلان تحالف بهاء الدين نوري مع ملا بختيار، وفق إتفاقية قرية ديوانه، التي سماها الانصار الرافضين لها (كمب ديوانه)، إذ كانت بالضد من توجيهات قيادة الحزب، أدت الى تطورات عديدة كتب عنها العديد من الرفاق، وعمليا وجدت نفسي اصطف مع الفريق المعارض لتوجهات بهاء الدين نوري، مع مجموعة الكادر الحزبي التي عقدت اجتماعا ووجهت رسالة الى المكتب السياسي للمطالبة بتغييره كمسؤول أول كمسؤول لقاطع السليمانية وكركوك، وحصل ذلك لاحقا بمجيء الرفيق أبو سرباز ــ أحمد باني خيلاني، وفي نفس الفترة غادرت شخصيا ملاك الفوج التاسع للأنصار، وانتقلت الى مهمة حزبية تتعلق بعمل تنظيم الداخل، فتوقفت لقاءاتي مع بهاء الدين نوري، الذي سافر ايامها الى مقر المكتب السياسي ثم لاحقا عاد الى قريته التكية (...في سفح جبل) ليرسم لنفسه دروب نضالية أخرى، ولم نلتق بعدها.   


 


 

 

94
أدب / اِخْتِيَارٌ *
« في: 20:30 07/01/2021  »


اِخْتِيَارٌ *

يوسف أبو الفوز

قصة قصيرة:
 
مَنْ جَعلني أقوم بتلك النزوة؟ ربما هو حظ شارا، زوجتي، التي طالما حاولت أن تليّن بعض مواقفي . كنت أحرص على عدم إغضابها، وكل مرة أقول:
ـ سأفكر بما تقولين !
لكن ما ان تمر أيام، حتى تتفاجأ بكوني تصرفت بنفس الطريقة التي لامتني قبل أيام بسببها، وفي كل مرة لا يكون عندي غير ذات الحجة:
ـ ان مثل هذه الامور، مبدئية، يا حبيبتي ، ولا يمكن لي تجاوزها أو تغييرها !
تغلق الباب، حتى لا يسمع ابناؤنا ما تود ان تقوله لي من بين اسنانها وتحاول ان يكون صوتها هامسا:
ـ لكن يا حبيبي، الحياة تتغير والافكار تتغير، وانت انسان تؤمن بالعلم والتطور، وانت ...
قبل الخروج لتنفيذ ما عزمت عليه، كنت اتحدث بالهاتف مع أبني الكبير، وطلبت منه اعطاء الهاتف لأمه، لحظة أنطلق من الجامع القريب للفندق صوت الآذان، وثم مثل فرقة عسكرية لسلاح المدفعية، في حرب جبهوية، انطلقت في سماء اربيل، عشرات الاصوات وبالحان مختلفة تطلق نفس الآذان. قبل ايام قال سلام بصوت غاضب :
ـ تصور، في اربيل وحدها يوجد اكثر من مئتي جامع !
قال سه ردار :
ـ لا مستحيل، الحكومة حددت مؤخرا الاجازات لبناء الجوامع وهناك تشديدات في الامر !
وبغض النظر عن من هو صاحب الرأي الصحيح ، فأني وانا اشعر بالجوع يعضني خطرت لي الفكرة. في الصباح افطرت بشكل خفيف، وغير الماء لم أتناول شيئا، زرت المستشفى لاطمأن على قريب لشارا يرقد هناك، حاملا باقة ورد وكيس برتقال ومر عليّ النهار سريعا. كانت شارا في كل اتصال هاتفي تذكرني بمواعيد حبات الدواء كيّ لا انساها، ولأخذ الدواء يجب ان لا تكون معدتي فارغة. سألتها عن الطقس عندهم في كوبنهاغن. ضحكت وقالت شيئا لأبننا القريب منها. هي تعرف ان درجات الحرارة في اربيل تقارب الخمسين. قبل ان ترسل قبلة عبر الهاتف مودعة، طلبت مني ان لا انسى شراء قبعة للرأس تحاشيا لضربة الشمس. كنت اتصلت مع سلام وسه ردار. اعربت لهم عن فكرتي التي بدت لي كنزوة ، واخذت تاكسيا لانتظرهما هناك.
ليس بعيدا عن قلعة اربيل، على ناصية شارع فرعي، قريبا من نصب لحمامة عملاقة من الجبس الابيض الذي بدا لونه كالحا بأثر عوادم السيارات المارة، حيث نهارا يفترش الارصفة باعة مختلف السلع، ومع اول المساء، ينصب بائع شواء موقده هناك وينثر بضعة كراس بلاستيكية، والى جانبه يفترش بائع زجاجات ماء جانب من الرصيف ، وليس بعيدا عنهم نثر حول موقد نار كبير بائع شاي اباريقه الملونه واستكاناته المزخرفة بزهور نارية . مررت بهم كذا مرة ، راقبتهم وجلست اليهم مرة، واعجبني تكاملهم في العمل . تأكل عند صاحب الشواء نفر كباب مع طماطة مشوية ، تشتري من زميله زجاجة ماء ، وتشرب شايا او اكثر عند الثالث، وتدفع لصاحب الشواء ثمن كل ذلك، وفيما بينهم يعرفون كيف يتقاسمون ما دفعت. الى هناك دعوت سه دار وسلام:
ـ نأكل لحما مشويا ونشرب شايا ساخنا ونتفرج على حياة اربيل في الليل !
صاح سلام على الهاتف :
ـ إختيار جميل !
وأمتعض سه ردار :
ـ أنا ابن اربيل، اعرف عشرات المطاعم والاماكن الهادئة الجميلة، نزواتك الرومانسية الثورية لم تستيقظ إلا اليوم؟
ووصلا باسرع مما كنت اتصور. كنت للتو تبادلت الحديث مع بائع الشواء ووجهت اليه بعض الاسئلة حين وصل سه ردار ، متأففا من زوجته :
ـ يا رجل بالكاد اطلق سراحي، تلومني لاني لم ادعوك الى منزلنا للعشاء ، لا تريد ان تفهم انها رغبتك في الجلوس في مكان عام شعبي وحنينك لاصولك الكادحة .
وصل سلام متأنقا بشكل لا يتناسب والمكان، مما جعل العديد من المارة يوجهون الينا نظرات الاستغراب: مالذي يفعله هؤلاء الافندية في مكان  اعتاد الجلوس فيه الكسبة والعمال ؟
ما ان التم شملنا حتى علا صوتي طلبت تجهيز ما رغبنا فيه من مشويات، وراح سه ردار يعيد الى مسامعنا ذكرى تلك الليلة العصيبة التي وقعنا فيها في كمين لقوات الجحوش .
 ـ هل خطر ببال احدكم ليلتها اننا سنجتمع هنا يوما ما ونحكي عن ليلة كاد الرصاص فيها ان يحول كل منا الى (سر الليل)؟  **
ضحك سلام :
ـ لو تتصوروا درجة خوفي يومها؟ السفلة كان كمينهم معدا بشكل جيد، كانوا يريدون ابادتنا جميعا لو لا...
وقاطعه سه ردار :
ـ انت تخاف؟؟ كفاك تواضعا يا ملعون، لولا مبادرتك ورد نيرانك السريع لما استطعنا تجميع انفسنا وتنظيم حالنا ؟
ضحك سلام وعلامات الفخر تلمع في عينيه :
ـ لا تنسوا، المبادر الاول كان الشهيد قادر، انا كنت التالي!
لا اعرف كيف اكملت طعامي وكيف وصلتنا اقداح الشاي، وأي نكتة رواها سه ردار وضحك لها سلام، كنت غارقا مع طيف قادر الذي ظل يدور حولي في وجه بائع الشاي مرة وبائع الكباب مرة اخرى .  كنت احاول ترتيب ذكرياتي عن رجل كان في حضوره أخف من نسمة على الاخرين. وسط حياة الانصار القاسية التي تفتقر لابسط متطلبات الحضارة، كانت الخشونة تبدو أمرا طبيعيا، الا مع هذا الرجل النحيل، المتوقد العينين. حاولت تذكر لقائي به لاول مرة، خروجنا معا في مفرزة استطلاع وكيف تعلمت منه كلماتي الكردية الاولى. اخبرني انه اراد اول الامر توريطي بدفع من بعض الانصار ليعلموني كلمات فاحشة على انها عبارات مودة وتحية، لكنه اعترف بكونه شعر بالخجل اذ رأى حماسي لتعلم لغته القومية، وخصوصا ساعة ان عرف اني ابن عامل مخبز مثله. كان يكبرني بخمس سنوات، لكننا صرنا اصحابا نتهامس ونتبادل أسرارنا الصغيرة. يوم وصلتنا اخبار استشهاده في كمين غادر، في سلسلة أحداث (اقتتال الاخوة ) *** ، بكيت بحرقة. لا يمكن لاحد كان هناك معنا، في تلك الليلة من نيسان، ليس بعيدا عن معسكر ماوت، الا وان يبكي رحيل قادر. كاد ليلتها ان يفقد حياته فداءا للاخرين.  كان النصير الثاني في ترتيب المفرزة .أعد الجحوش السفلة لكمينهم جيدا ، كانت لديهم معلومات دقيقة عن عددنا وسلاحنا، واوقات حركتنا. توزعوا على الاماكن على طريق عبورنا. سقط النصير الاول جريحا من أول اطلاقات كمين العدو، أسنده قادر جانبا وفتح النيران فورا، ولم يتراجع، التحق به سلام، وظلا معا يشاغلان الكمين، حتى استطاعت بقية المفرزة ترتيب حالها ومساعدتهما في سحب الجريح. تابعت قامته النحيلة ببطء وهو يضع اقداح الشاي امامي. سألته :
ـ ما هو دافعك في كل مرة للمخاطرة بحياتك؟
نظر لي بائع الشاي باستغراب وسألني :
ـ عمو، ماذا قلت؟ هل تتحدث معي؟
صرفته بسرعة بأبتسامه وهو ينظر لي بأستغراب. انتبهت الى سلام وسه ردار المشغولين عني في سجال لا ينتهي. كان وجه قادر يتألق بحب تحت فانوس قاعة الانصار بسقفها الخفيض، حين سألته. نظر لي باستغراب واجاب بدون تفكير :
ـ انها قضية مبدئية !
أنتقل سلام في حديثه الى ما يغيض سه ردار في ذكرياتهما، حظهما مع النساء، فحاولت ان لا اتدخل. شعرا بأستمتاعي بما يجري بينهما، يعرفان أنه يروق لي دائما متابعتهما، يختلفان ويتصايحان وسرعان ما ينسيان سبب الخلاف فيعاودان الضحك والمشاكسة ، تماما مثلما كانا في الجبل. كان قادر يقول :
ـ لن يكبرا، اقسم لك انهما سيظلا طفلين حتى وان صارا جدّين ، الصداقة عندهما قضية مبدئية !
 أقترب مني طفل يبدو تجاوز قليلا العشرة أعوام، بثوب قديم، لكنه نظيف. كان ثمة سؤال قلق يطوف في عينيه سرعان ما قال بلغة عربية سليمة :
ـ عمو، تصبغ حذاءك. عندنا صبغ اصلي من تركيا وشغلنا نظيف وسريع !
أعجبتني طريقته في الكلام ووقفته المتزنة. لم يكن يتصرف كطفل. كان رجلا بثياب طفل. حول خصره تتدلى حقيبة قماشية صغيرة فهمت انها تحوي اتعاب عمله اليومي . مشكلتي انه في كل حياتي لم اترك احدا يصبغ لي حذائي، مهما كان. أشعر بالخجل من ذلك، اشعر ان فيها امتهان للاخر . تعلمت ان اقوم بهذه المهام بنفسي. كانت شارا في بداية زواجنا تعاركني على ذلك. قلت لقادر يوما :
ـ اعتبر هذه الامور البسيطة قضية مبدئية، فأنت تشعر بانسانيتك اكثر حين لا تحمل الاخرين مسؤولية أنجاز أعمالك الخاصة .
شارا صارت تشاكسني أحيانا وتقول لي :
ـ تعجبني مبدئيتك، يا ريت تعتبر الشخير مخالفا لمبادئك وتتوقف عنه وترحينا في نومك!
لا ادري لم خطر لي ان أسال الطفل الواقف امامي منتظرا جوابي :
ـ اولا هل يمكن ان اعرف اسمك، ومن أي مدينة ؟
نظر لي الطفل بقلق، لكنه يبدو أطمان لابتسامتي فقال :
ـ اسمي قادر وأهلي من مناطق ديالى !
أهتز استكان الشاي بيدي. هل في هذا معنى ما؟ لو كانت شارا معي لفسرت الامر بالف شكل، لا يوجد عندها شيء يحدث عرضا.لا يمكنها ان تؤمن بالصدفة. تعتقد ان الصدف موجودة فقط في الافلام السينمائية والروايات العربية. دائما لديها احساس بان قوى خفية تسير العالم لا علاقة لها بالايمان والدين :
ـ حبيبي لا يوجد شيء في هذه الحياة بدون معنى هكذا تقول حكم الاولين!
لم اسأل الطفل لم هو وعائلته في أربيل، اعرف ان عددا كثيرا من العوائل العربية تركت أماكن سكنها ونزحت طلبا للامان الذي وجدته في مدن كردستان اثر تواصل حوادث العنف الطائفي في المناطق الغربية من البلاد . استفزتني صدفة كونه يحمل أسم انسان كنت افكر فيه طوال الوقت. اثارني جدا وقوف الطفل امامنا، فرغم كل كبريائه الا ان في عينيه الوديعتين ثمة كلام اخر. ثمة رجاء بسماع الموافقة مني على طلبه ، فقلت له بصدق :
ـ اعطيك الالف دينار لكن سأصبغ حذائي بيدي، فقط أعطني الفرشة والصبغ !
توقف سه ردار وسلام عن حديثهما وراح يتابعان حديثي مع الطفل، الذي نظر لي مستغربا ونقل بصره بين سلام وسه ردار، ثم بلع ريقه وقال :
ـ عمو ، هذا ما يصير!
وانتبهت الى قوة  رفضه. فضحكت ، فواصل رده:
ـ عمو هذه معناها انت تعطيني صدقة، وامي تقول نحن لا نقبل الصدقة، يجب أن نأكل خبزتنا من عرق جبينا.
كانت كلماته مثل حجارة تتساقط في مصب ماء بارد فيتطاير رذاذ الماء يبلل كل شيء ويفقأ العيون . الطفل يبدو أنه يسمع نصائح وكلام أمه جيدا ويلتزم بما تقوله له. لم أود ان اثير مواجعه بسؤاله عن أبيه. ربما يكون فقد حياته ضحية للعنف الطائفي ، وربما يكون سجينا نتيجة نزاعات سياسية او عشائرية. أمامي حقيقة تتلخص في وجود طفل يرفض ان يقبل الشفقة. أعجبتني كبرياؤه ومبدئيته . قال قادر مرة  :
ـ الانسان بدون مباديء ثابتة مثل خشبة يتقاذها مجرى ماء ! 
 قلت للطفل :
ـ اعطيك الفين دينار مقابل استخدام فرشاتك وصبغك لأني متعود اصبغ حذائي بنفسي !
نظر لي ، وقلب بصره بين سلام وسه ردار :
ـ عمو، انت تعرف أني احتاج هذا الالف دينار لمعيشتي انا وأمي واخواتي، الله يخليك، خليني اصبغ حذائك حتى اقدر اقول للناس حصلته بتعبي!
كنت حائرا، هل أخون مبادئي وأترك الطفل يصبغ حذائي بنفسه؟ أم ارفض ذلك واحرمه من رزقه؟ كان قادر يقف جانبا يضحك ويهمس لي :
ـ احيانا ربما تضطر من اجل الحفاظ على مبدئيتك ان تكون قاسيا، واحيانا من أجل كسر القسوة عليك ان تتناسى مبدئيتك!
لكن هل تكون نزوة القدوم الى هذا المكان قدرا للوقوف امام محنة الاختيار، كما تقول شارا؟ هل واجه قادر هذه المحنة وهو يغطي انسحاب رفاقه، في تلك الليلة من أيار، عند مضيق الجبل، طالبا منهم ان يسلموا له على الجميع قبل ان يستشهد برصاص الايادي الغادرة؟
هاهو قادر يقف امامي. تختلط الصور. قادر بابتسامته الواثقة وشواربه الكثة، والطفل بوجهه الناحل البريء وصوته المفعم بالرجاء :
 ـ ها عمو .. تريد اصبغ لك ؟


10 اب 2011
أربيل




 * نشرت في مجلة )الثقافة الجديدة( البغدادية العدد 418 كانون الثاني /  يناير 2021
** سر الليل : درج المقاتلون الانصار على استخدام أسماء الشهداء كعلامة تعارف "سر الليل" .
** تسمية شاعت عن الصراع والاقتتال غير المُجدي، بين الاحزاب والقوى السياسية المعارضة لنظام صدام حسين الديكتاتوري.

95
الفريد سمعان... مواقف شجاعة فضحت رذائل المتثاقفين!

يوسف أبو الفوز

يوما، خلال أحد زياراتي الى بغداد، أخذني الصديق الشاعر كاظم غيلان، الى مقر اتحاد الأدباء، وبدون موعد مسبق، التقيت ولأول مرة، بالشاعر المناضل الفريد سمعان. كنت مبهورا بلقاء هذا المناضل الذي سجن مع الاسطورة الشيوعية فهد ـ يوسف سلمان يوسف، الشاعر الذي نال غضب مختلف الأنظمة الحاكمة فتعمد في سجونها، الذي لم يهادن الأنظمة الحاكمة، فلم يلوث تأريخه كمثقف حقيقي بالكتابة في مدح حاكم ظالم. اخذني الرجل بالأحضان كأنه يعرفني من سنين طويلة، وأخجلني بكرم عواطفه، فتجاذبنا أطراف الحديث، فوجدته واضح الفكر، رصين العبارة، ومنه سمعت موقفه الصادق والشجاع، الذي كرره لاحقا، واثار غضب انصاف المتثاقفين، بأن لا تصدق أحد من رداحي النظام البعثي المنهار، ممن يتباكى بكونه كتب ورقص وغنى للديكتاتور خائفا:
ـ كلهم فعلوا ذلك بأرادتهم الشخصية!
وحين رفض، كونه الأمين العام لاتحاد الادباء، تعليق لافتة نعي يوسف الصائغ، الذي تجاوز دوره أيام النظام البعثي الديكتاتوري كونه شاعر وصحفي، مجد الديكتاتور حتى مله المداحون والمتحذلقون، لينفذ لصالح النظام مهاما أمنية مشبوهة، تعالى لغط البعض من إياهم متباكين على الشعر، فنشر الفريد سمعان كلمته الجريئة بعنوان (قميص عثمان) ليلقمهم حجرا: (بعض المتحيزين للأقلام القذرة يحاولون ان يغطوا جانباً من الإساءات التي ارتكبوها هم أيضا في عهد الدكتاتورية ولا يعرفون كيف يتداركون ما فعلوه. فوجدوا في"قميص عثمان" يوسف الصائغ ملاذاً ومذبحاً يُصلّون فيه لغفران الذنوب وابعاد الشبهات عن تاريخهم النظيف جداً). كان شجاعا وصريحا في القول، لأنه عاصرهم ويعرفهم جميعا، كل الذين شهدوا حكم الطاغية وعانوا أو انتفعوا منه، ويعرف جيدا من بقي أمينا لنفسه ووطنتيه ولم يلوث نفسه بأدران النظام البعثي الديكتاتوري، وجهد للحفاظ على نقاء نهر الثقافة العراقية، ويعرف تماما من استرزق وطبل وصار عصا صلبة في فأس نظام الطاغية المقبور التي هدمت شجرة الثقافة العراقية. وزاد على هذا يوم خرج في برنامج تلفزيوني ليقول (لا تصدقوا احدا بأنه كتب للطاغية تحت الاكراه، فمن كتب كان بخياره)، هذه الحقيقة التي اكدها ايضا المطرب كاظم الساهر، وهو من الذين غنوا بحماس للطاغية وحروبه، فقد قال بوضوح في لقاء مع الاعلامي نيشان ديرهاروتيونيان ــ متوفر على اليوتوب ــ بأن (من يقول لك كانوا يجبرونا قل له كذب).
رحل الفريد سمعان، الشاعر والمناضل والانسان الشجاع، وسيسجل أسمه في صفحات الخالدين. أما أولئك الذين اعتاشوا على فتات الديكتاتور المقبور والتطبيل لنظامه البعثي المجرم وحروبه الكارثية، متحججين بكونهم (مجرد موظفين) فليتذكروا بأن سيرة واسم الفريد سمعان وأسمه ستبقى دائما تفضحهم وتذكرهم برذائلهم، يوم كانوا عصيّ لفأس الديكتاتور، فأشجار البلوط الصغيرة شكت يوما الى امها، شجرة البلوط الضخمة، قائلة:
ــ الا ترين يا أمي، كيف تنكل هذه الفأس الحادة بنا، نحن الشجيرات، تنكيلا، وحشيا، لا رحمة فيه؟
فضجت شجرة البلوط بأغصانها الجبارة، وقالت:
ــ يا أبنتي، هذا لان مقبض الفأس مصنوع من خشب البلوط!
سماوة القطب
6 كانون الثاني 2021

96

في فنلندا الفنان العراقي أمير الخطيب ينال جائزة راسموس السنوية

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز

ونحن نودع العام الثقيل، عام 2020، أعلنت شبكة منظمات مجتمع مدني فنلندية، مناهضة للعنصرية وكره الأجانب عن منح جائزتها السنوية التقديرية (جائزة راسموس ـ اختصار لاسم الشبكة)، للفنان العراقي عبد الأمير الخطيب تقديرا لجهوده والعمل لأجل مجتمع فنلندي متعدد الثقافات في لقاء حصل افتراضيا على الانترنيت على امل إقامة حفل خاص لتسليم الجائزة في الربيع المقبل.
وفي اتصالنا مع الفنان الخطيب أعرب عن شكره للقائمين على عمل الشبكة ونشطاءها وثقتهم العالية بعمل ونشاطه، وأعرب عن سروره كون الجائزة تمنح من قبل لجنه من اختصاصيين يعملون في مجالات مختلفة وهذه اللجنة تتغير كل سنه لترشيح الشخص المناسب، مما أعطاه الثقة بعمله ونشاطه ودفعا للمضي قدما لمواصلة نشاطه لذات الأهداف.
كانت الشبكة تأسست عام 2002، وحضر الاجتماع التأسيسي، جمعية اتحاد حقوق الإنسان والصليب الأحمر الفنلندي وجمعية الأمم المتحدة الفنلندية وعشر منظمات أخرى. ولاحقا   تم تسجيل الشبكة رسميا كجمعية في 2011 وتم التوقيع على الوثيقة التأسيسية من قبل منظمات اتحاد حقوق الإنسان، واتحاد الحضارة الديمقراطية، الحزب الشيوعي الفنلندي، وأعضاء في البرلمان عن حزب الخضر الفنلندي.
اتخذت الشبكة مواقف مناهضة للعنصرية واستضافت العديد من الأحداث الرياضية والموسيقية المناهضة للعنصرية. وسبق ومنحت الجائزة للعديد من الشخصيات الفنلندية منهم الصحفية والناشطة المدنية الفلسطينية ميا أبو حنا، تقديرا لعملهم الدؤوب من اجل رفاه المجتمع متعدد الثقافات والاعراق وعملية إندماح حقيقي.
يذكر ان الفنان الخطيب من مواليد مدينة النجف عام 1961، ومقيم في فنلندا منذ عام 1990، في عام 1997 وبالتعاون مع بضعة فنانين تشكيليين أسس (شبكة الفنانين المهاجرين في أوروبا)، والتي مقرها هلسنكي، وتصدر مجلة شهرية باللغة الانكليزية اسمها (ألوان كونية)، بلغ أعضاء المنظمة قرابة 400 فنان ينتمون لأكثر من 40 بلداً، يشكّل الفنانون العراقيون نسبة كبيرة بينهم، ومنهم اسماء لامعة في الحركة الفنية العراقية، واستطاعت شبكة الفنانين أن تنظم العديد من المعارض المشتركة في بلدان أوروبية. وللشبكة مساهمة فكرية فاعلة في حوارات حضارية تختص بمفهوم (الثقافة الثالثة) ونشاط الفنانين المنفيين والمغتربين في أوروبا.

 

97
يستضيف فرع رابطة الانصار العراقيين في ستوكهولم وشمال السويد الكاتب والاعلامي النصير يوسف ابو الفوز في امسية حوارية بمناسبة صدور ترجمة كتابه (أطفال الانفال) الى اللغة الكردية.
يوم السبت 2021.1.9 الساعة السادسة مساءا بتوقيت وسط اوربا / الثامنة مساء بتوقيت بغداد. على برنامج ZOOM يقدم ويدير الامسية الكاتب النصير كريم كطافة..



98
يوسف أبو الفوز: كيف لمجتمع استهلاكي لا ينتج أي بضاعة أن ينتج نهضة فكرية؟


حاورته- سماح عادل

“يوسف أبو الفوز”، كاتب عراقي، من مواليد مدينة السماوة، جنوب العراق، في 1956، اضطر لمغادرة العراق صيف 1979، مشيا على الإقدام عبر الصحراء إلى العربية السعودية ثم الكويت.
في الكويت للأعوام 1979 ـ 1980 كتب في الصحافة الكويتية بأسماء مستعارة عديدة، خصوصا في مجلتي العامل والطليعة وصحيفتي الوطن والسياسة، وحرر عمود سياسي ساخر باسم” دردشة” وكان أسبوعيا في مجلة الطليعة الكويتية، ووقعه باسم “أبو الفوز” الذي من يومها صار اسما فنيا له.
مقيم ويعمل في فنلندا منذ مطلع 1995. وهو عضو نقابة الصحفيين في كردستان العراق، عضو نادي القلم الفنلندي، عضو المنظمة الثقافية للكتاب والفنانين الفنلندية المعروفة باسم Kiila، أسست 1937، وانتُخب لعضوية هيئتها الإدارية لعدة دورات، منذ 2006، كأول كاتب من الشرق الأوسط يُنتخب لهذا الموقع. درَّست بعض المدارس الفنلندية الثانوية وجامعة هلسنكي نماذج من قصصه، ونوقشت بحضور الكاتب.  إضافة إلى لغته الأم العربية يتحدث الكردية والإنجليزية والروسية والفنلندية. إلى الحوار:
** في رواية (كوابيس هلسنكي) تحدثت عن خطر عنف التشدد الديني على أوربا، ولم تحمل الجماعات وحدها سبب ذلك العنف، حيث أرجعت أحد الأسباب إلى تجاهل الحكومات الأوربية إدماج اللاجئين خاصة المسلمين منهم في المجتمع الأوربي بقيمه وقوانينه.. حدثنا عن ذلك؟
ــ انتهيت من العمل في هذه الرواية عام 2008، وجاءت أثر دراسة متفحصة استمرت لأكثر من عامين، لنشاط الجماعات التكفيرية في البلدان الأوربية، خصوصا فنلندا. أردت منها أن تكون صرخة تحذير وتنبه إلى واقع معاش، وأيضا تكشف عن عجز الحكومات الأوربية، والمؤسسات المعنية في إيجاد سياسات اندماج فاعلة وناجحة لاحتواء الشباب المهاجر، خصوصا القادمين من البلدان الإسلامية، مما وفر مناخ مناسب لنجاح الجماعات المتأسلمة والتكفيرية الناشطة بفعالية، في كسب أعداد ليست قليلة من الشباب إلى صفوفهم، خصوصا ممن يعانون من البطالة والتهميش. كَتبت الرواية قبل تأسيس منظمة (داعش) وإعلانها رسميا ويمكن القول إنها تنبأت بظهورها، كما أشار إلى ذلك الأستاذ علاء المفرجي في معرض كتابته عن العمل بعد صدوره، كونها استقرئت الواقع والمستقبل. إن سياسة التوطين على شكل (غيتوات) معزولة، المتبعة في العديد من الدول الأوربية، ساهم في تقوقع المهاجرين على أنفسهم. من جانب آخر، إن سياسة الدول الأوربية في التعامل مع الجماعات الدينية، على اختلافها، كونها (مؤسسات ثقافية)، منحها فرصة استغلال آلية الديمقراطية الأوربية لمد نشاطاتها وامتلاك أماكن خاصة بها، بحجج العبادة وأداء الطقوس، لكنها تحولت عمليا إلى أماكن للتقوقع والتنظيم وللتثقيف الخاص، سواء ضد المدنية والتطور الحضاري أو للتنظيم لأغراض تكفيرية وجهادية. خصوصا تلك الأماكن التي تم بناءها أو استئجارها بمساعدة أموال خليجية. في ندوات عامة وأحاديث لوسائل الإعلام، أقول دائما للفنلنديين أن التعدد الثقافي لا يعني تذوقك للكباب والدولمة وسماع شريط موسيقي عربي أو أفغاني، أنه يتمثل في دعم سياسة اندماج حقيقية، والسعي لمحاولة فهم أن المهاجر لا يقطع تذكرة باتجاه واحد، وكونه يبقى مرتبطا بجذوره وثقافته، من هنا ضرورة دعمه للحفاظ وتطوير ما هو ايجابي وإنساني في ثقافته الأم ومساعدته لامتلاك معارف وتجارب حضارية جديدة ومنح عموم المهاجرين واللاجئين، والشباب خصوصا، المزيد من الفرص في العمل والتوظيف في مؤسسات الدولة ليكونوا جزء منتجا ومثمرا من المجتمع، وزجهم في النشاطات والفعاليات ليس باعتبارهم ديكورا أو رقما انتخابيا وإنما جزء من نسيج المجتمع. ما زلت أرى أن أوربا بانتظارها الكثير لتعمله لأجل انجاز عملية اندماج حقيقية. ويجب التأكيد على أن عملية الاندماج، هي مهمة مشتركة ومتبادلة، فالمهاجرين واللاجئين عموما مطالبين بأن يكونوا إيجابيين ومتسامحين في فهم متطلبات الحياة في هذه البلاد الأوربية العلمانية المتطورة، ما داموا اختاروا بأنفسهم القدوم إليها، فعليهم السعي لتعلم لغة البلاد واحترام قوانينها والسعي لاحترام ثقافة وعادات المجتمع. إن البعض من الأخوة المهاجرين، للأسف، يفهم أن هدف الاندماج وكأنه التنكر لهويته الوطنية، وهو هنا يخلط بين ما نسميه (الانصهار) وبين عملية (الاندماج). أن الاندماج هو عملية طويلة وعميقة ولها عدة مراحل، وإذ تحرص فيها على الحفاظ على الأساس الإيجابي من هويتك وجذورك، يتطلب مراعاة قوانين وثقافة البلد الأوربي. وقبل أن تطالب بحقوقك عليك أن تعرف واجباتك أولا وعندها ستكون المعادلة متوازنة.
** في رواية (كوابيس هلسنكي) اخترت إطارا خياليا يتمتع البطل فيه بقدرات كشف الحقائق عن طريق الأحلام، وقدمت نموذج للشرطي المتعجرف، وللمتشدد الديني الملتوي المتلون، هل هناك بالفعل خطر أن ينفجر عنف الجماعات المتشددة دينيا في أوروبا، وماهي المؤشرات في رأيك؟
ــ حوت الرواية، شخصية ضابط شرطة، ينعته الراوي بلقب (الجنرال)، قاد التحقيق مع الراوي، الذي جاء بنفسه للشرطة يحمل معلومات ما عن جماعة إرهابية. أرادت الرواية أن يكون هذا (الجنرال) ممثلا للمنظومة البوليسية، وأجهزة الدولة المعنية بقضية الأمن، وأساليب تعاملها مع موضوع الإرهاب، وليس بدون معنى أظهرت الرواية العجز الجنسي للجنرال في معرض الحديث عنه. فالأجهزة الأمنية الأوربية ظلت لسنوات طويلة عاجزة ومشغولة بتفاصيل ثانوية بدل التركيز على ما هو أساسي، وتطلب منها وقتا لتخرج باتفاقات أمنية موحدة، بينما المنظمات التكفيرية، سبقتها وتجاوزتها في التنسيق والعمل، وكان هذا واضحا في القدرات على التجنيد وتمكن العشرات بل المئات من حاملي الجنسيات الأوربية، خصوصا من الشباب ومن مواليد هذه البلدان، من الالتحاق بالمنظمات المتطرفة والإرهابية كالقاعدة وداعش في العراق وسوريا، رغم عيون البوليس الأوربي المنتشرة في كل مكان. وهؤلاء (المجاهدين) تزودوا بالخبرة والمعرفة بأساليب التخريب والإرهاب وعاد العشرات منهم إلى بلدانهم ليكونوا نوات وبؤر مستقبلية لمنظمات تعمل تحت السطح ستظهر نتائج أعمالها يوما ما تبعا للظروف والأزمات، طالما أن أسباب تشكيل وظهور هذه المنظمات لا يزال قائما. وأن أعمال العنف يمكن أن تتفجر لأي حجة تنفخ الرماد عن جمّر الأسباب الكامنة، وعندها تستطيع الجماعات التكفيرية والمتشددة استغلاله لتنفيذ سياساتها الإرهابية.
** في رواية (كوابيس هلسنكي) أكدت على أن العنف ليس مرتبطا بالإسلام كدين، وأن العنف معروف في تاريخ الإنسانية بشكل عام، وفي تاريخ أوربا والغرب بشكل خاص، هل ذلك كان في مواجهة ما يحاول الإعلام الغربي تكريسه دوما من أن العنف مرتبط بالدين الإسلامي؟
حاولت الرواية أن تقدم قراءة ما في تأريخ العنف عموما، لتقول لنا بأن العنف لا يرتبط بالدين فقط، كما شهد تأريخ أوروبا تبعا لسياسة الكنيسة الأوربية في القرون الوسطى، ولا بالإسلام التكفيري، كما شهدت العقود الأخيرة الماضية، بل أن العنف مرتبط بأسباب اجتماعية وسياسية أيضا، وان الدين ما هو إلا غطاء للجهات والطبقات المنتفعة من هذا العنف، والذي يمكن أن يندلع في أي مكان لأسباب لا علاقة لها بالدين فقط. اجتهدت الرواية في الحديث عن آليات عمل الجماعات التكفيرية، واستغلالها الدين كغطاء، من خلال متابعة إحداث وأعمال إرهابية متخيلة في بلد أوربي مثل فنلندا، وحاولت استقراء نتائج التشدد والتطرف السياسي والديني في أوربا، وأطلقت صرخة تحذير من أن أسباب العنف والإرهاب اجتماعية واقتصادية قبل أن تكون دينية، وهي كامنة ويمكن أن تنفجر في أي حين عند توفر الظروف المناسبة، وهكذا فالرواية تحدثت عن أعمال عنف سبق وحصلت في فرنسا وفنلندا وحذرت من احتمال تجددها في أي مكان من أوربا، كما حصل في لندن والنرويج لاحقا بعد صدور الرواية، والرواية أيضا ربطت  بشكل مباشر الأحداث بما حصل في العراق من نتائج الاحتلال الأمريكي ونشاط المنظمات التكفيرية في التجنيد والتمويل والتدريب والإسناد. ولابد من القول بأن الرواية كذلك تحذر من اندلاع العنف على يد منظمات اليمين المتطرف الأوربية، أو أحداث فردية، كرد فعل على واقع اجتماعي. وما يسجل لصالح الرواية أن بعض مما حذرت منه تحقق بشكل أو آخر، في العديد من البلاد الأوربية، ومنها فنلندا، والأمر هنا ليس عملية تنجيم، وإنما هو عملية استقراء للواقع، فالرواية صدرت خريف عام2011 تحمل على غلافها صورة شبح رجل يحمل سكينا على خلفية دموية، وفي فنلندا ظهيرة 18 آب 2017 أندفع شاب داعشي في ساحة عامة وهو يهتف (الله وأكبر) بذات المنظر في صورة غلاف الرواية وقتل بسكينه امرأتين وجرح ثمانية آخرين قبل أن يوقفه رصاص الشرطة.
** سافرت إلى السعودية ثم الكويت سيرا على الأقدام في الصحراء هل ما عانيته في العراق كان له تأثير على أدبك.. وكيف ذلك؟
ـ في نهاية سبعينات القرن الماضي، عاش العراق سنينا عصيبة، مع صعود وسيطرة جناح صدام حسين في حزب البعث العراقي، وأتباع سياسة (تبعيث المجتمع) فشنت مختلف الأجهزة الأمنية، حملة بوليسية، استهدفت الآلاف من أبناء الشعب العراقي، من كتاب وفنانين ومثقفين، ممن رفضوا الانضمام لصفوف حزب البعث، وممن كان له أفكارا مختلفة، بغض النظر عن كونهم شيوعيين أو ديمقراطيين غير متحزبين، مما أدخل البلاد في دوامة من العسف السياسي المنظم، فأضطر الآلاف من هؤلاء لترك البلاد بطرق مختلفة. كنت وأفراد عائلتي، من الرافضين لسياسة التبعيث، فنلنا حصتنا من المداهمات والاعتقالات والمطاردات. شخصيا اضطررت لترك دراستي الجامعية ربيع عام 1978 والاختفاء والعيش بشكل سري مطاردا في وطني لحوالي عام ونصف، ذاقت خلالها عائلتي، خاصة أمي، الويل من قسوة أجهزة حزب البعث، مما اضطرني في النهاية لترك وطني والابتعاد عن أهلي وأحبتي، ولتعذر السفر عبر المنافذ الرسمية، كوني مطلوبا للأجهزة الأمنية، اضطررت إلى السفر عبر الصحراء متخفيا مع البدو الرحل في رحلة قاسية، في شهر تموز 1979، إلى العربية السعودية وثم إلى الكويت، فقط لأجل الحفاظ على حياتي وكرامتي. كنت مطلوبا للسجن أو التصفية، كحال ألاف من أبناء العراق، فقط لكوني تحدثت وعملت وكتبت لأجل مستقبل أفضل للإنسان العراقي، بطريقة مغايرة لما يريده الحاكم الأوحد. بالتأكيد أن كل هذا ترك أثره البالغ على مسار حياتي وكتاباتي. إن هذه المعاناة والتجارب، والحلم الدائم بعراق مدني ديمقراطي تحكمه المؤسسات، وحياة حرة كريمة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وامتلاك مساحة واسعة من الحرية للكتابة بعيدا عن كل (التابوات) المعروفة، كل هذا يفرض وجوده كموضوعات في أعمالي الأدبية ونشاطاتي الثقافية. في رواية (كوابيس هلسنكي) اجتهدت لعكس جزء من هذا ومن خلال تطلع بعض شخصيات الرواية لعالم مختلف. وفي عموم أعمالي القصصية والروائية، أحاول باستمرار فضح العنف السياسي ضد الإنسان، وأكشف زيف الأنظمة الديكتاتورية المتسلحة بالفكر الشمولي، مهما كان لونه، ديني أو دنيوي، وإن معظم شخصيات أعمالي المنشورة تمجد الحرية وتحلم بها بل ويقدمون حياتهم ثمنا للنضال لأجلها.
** انضممت إلى الأكراد للنضال معهم احكي لنا عن تلك الفترة والتي أثرت أدبك فيما بعد؟
ـ من بعد حوالي أربعة أعوام من العيش خارج العراق وعشت وعملت في العربية السعودية والكويت واليمن الديمقراطي، كان قراري بترك الحياة في المنفى، والعودة للوطن والالتحاق بحركة الكفاح المسلح ربيع 1983، ضمن صفوف مقاتلي وفدائي الحزب الشيوعي العراقي، الذين عرفوا باسم (قوات الأنصار)، وكان قرارا واعيا. وكانت منظمة سياسية عسكرية عراقية مستقلة عن التأثيرات الإقليمية والدولية، عملت في مناطق كردستان العراق، الجبلية، ونالت تأييد ودعم أبناء الشعب الكردي الذين فتحوا أبوابهم لها، وكانوا مصدرا أساسيا لاستمرار ودوام الحركة، وتعاونت منظمة الأنصار مع القوى الكردية العاملة في المنطقة لأجل زوال النظام الديكتاتوري. كنت أدرك، مثل غيري، أن بنادق الأنصار لن تسقط نظام صدام حسين الديكتاتوري، لكنها ستساهم في زعزعة نظامه، وتكون عاملا للتعجيل بتفكيكه وثم سقوطه ليترجل حصان جواد سليم ويملأ العراق صهيلا.  لم يترك النظام الديكتاتوري حينها لأبناء جيلي فرصة، للعمل السياسي الديمقراطي لأجل التغير سوى انتهاج أسلوب الكفاح المسلح.
هذه الفترة، التي استمرت بالنسبة لي حوالي ثمان سنوات، كانت غنية جدا،  ليس فقط بتفاصيل الحياتية اليومية، وصعوباتها التي كنا نواجهها كل يوم بل وكل ساعة، حيث تفتقد حياة الأنصار لأبسط متطلبات الحضارة، في أبسط قرية، إذ كنا نعيش في كهوف ووديان زاحمنا الذئاب والثعالب عليها،  بل لأن تلك السنوات الوعرة كانت فرصة لاختبار النفس والمبادئ ولفهم أهمية الحياة الأفضل ومواصلة العمل لأجل ذلك حد الاستشهاد، خصوصا كوني عشت تلك السنين البهية مع كوكبة رائعة من شباب العراق من كل المكونات، يربطهم الانتماء للوطن، والذين وهبوا أنفسهم وحياتهم لقضية سامية متخلين عن حيواتهم في البلدان الأوربية، حالمين مثلي بيوم سقوط القتلة. وبينهم جمهرة كبيرة من المثقفين والكتاب والفنانين المحترفين ذوي الخبرة، ومنهم من صاروا أصدقاء لي تعلمت منهم الكثير. وهكذا، وجدت نفسي هناك أكتب باندفاع وحيوية وأتعلم كل يوم، فكتبت القصة القصيرة ونصوص نثرية وشعرية والمقالات، نشرت في دوريات أدبية مختلفة وصدر بعضها لاحقا بكتب مستقلة. في كل هذه النصوص، كان للمستقبل الذي نحلم به ولأجل الأجيال القادمة المساحة الأرحب، وكنا ندرك بأننا نعمل لمستقبل لن نراه، وكنا نواصل الكفاح بإصرار واستشهد لنا على يد قوات ومرتزقة النظام الديكتاتوري العشرات من خيرة شباب العراق، بينهم أعداد ليست قليلة من الكتاب والفنانين الواعدين. لقد رسخت سنوات الحياة في الجبال فكرة أن الأعمال العظيمة لا يمكن إنجازها دون مشاركة الآخرين، وأن بناء المستقبل الأفضل للناس ليس مشروعا فرديا أبدا. في الجبل، كانت الحياة قاسية، وخشنة جدا، وحقيقية بشكل مريع. لا يوجد زيف فيها، فتعلمنا عمليا بأن الشجاعة فعل مكتسب، والشجاعة هنا ليس على صعيد الأعمال العسكرية، إذ كانت هذه في الغالب دفاعا عن النفس، لأن حركة الأنصار لم تكن ذات إستراتيجية هجومية أبدا، وأقصد هنا الشجاعة الفكرية والاجتماعية. وهكذا أستطيع القول إنه حتى مؤسسة سياسية مثل الحزب الشيوعي العراقي، نمت وتطورت أفكار التغيير في داخلها وضرورة إعادة بنائها على أسس أفضل بين المقاتلين الشيوعيين في الجبل. كل هذا انتقل بهذا الشكل أو ذلك للكتابات التي أنجزتها في الجبل وما تلا ذلك، ويشرفني أن مجموعتي القصصية (عراقيون) التي طبعت في آب 1985 كانت أول مجموعة قصصية تطبع هناك وفق الإمكانيات المتواضعة التي تملكها الحركة الأنصارية. ولاحقا صدرت لي كتب أخرى كتبت أساسا في سنوات الجبل، مثلا كتاب (تضاريس الأيام) صدر سنة 2002، وكتاب توثيقي بعنوان (أطفال الأنفال) 2004 وفي 2020 صدرته ترجمته إلى اللغة الكردية ومجموعة قصصية بعنوان (تلك القرى… تلك البنادق) 2007، ترجمت المجلة الكردية الثقافية چيا (الجبل) بعض نصوصها، على أمل استكمالها لاحقا ونشرها ككتاب مستقل.
**هل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية في الأدب العراقي وما هي الأسباب؟
ـ إن هذه العملية معقدة جدا، فمتطلبات النهضة الثقافية في العراق متعددة ومتداخلة، وللأسف لا تتوفر الأهم منها حاليا. من ذلك غياب وجود شريحة أو فئة مثقفة متجانسة قادرة على خلق هذه النهضة أو المساهمة فيها، وأيضا غياب فعالية مؤسسات ديمقراطية وأطر ثقافية قادرة لرعاية ودعم هذه النهضة، في بلد تقوده فعليا جماعات الإسلام السياسي ويتسيد الشارع فيه سلطة المليشيات الطائفية، في حين تنتشر الأمية وتغيب الوعي ويشهد النظام التعليمي فيه تدهورا مريعا. ولا ننسى أنه خلال سنوات الحكم الديكتاتوري البعثي، وسيادة سياسة الحزب الواحد، وثم مجيء الاحتلال الأمريكي ومؤسساته، وثم ما أنتجه من حكومات المحاصصة الطائفية والإثنية، ولعدة عقود، تعرضت الثقافة العراقية لنكسة مريعة، إذ تهدمت البنى التحتية للدولة العراقية واختفت العديد من المؤسسات المدنية الفاعلة وتشوه تركيب المجتمع العراقي، مع زوال الطبقة المتوسطة، وظهور طبقة طفيلية ساعدت على انقسام المجتمع العراقي طائفيا وإغراقه في الطقوس الغيبية ترافقا مع نتائج حكم المليشيات الطائفية. وإن التدهور الكارثي في حياة البلاد الاقتصادية، في القطاعات الصناعية والزراعية، وواقع كون العراق بلدا ريعيا، يعيش على عوائد النفط فقط، يعني أنه بلد غير منتج لأي بضاعة، فهو بلد استهلاكي أولا، وغالبية العاملين في حقل الثقافة يتعاملون مع الدولة الريعية كموظفين. أيضا أن تركة النظام البعثي الثقيلة خلفت لنا، ضمن ما خلفته، كمّا من أنصاف المثقفين أكثر من المثقفين الحقيقيين، وجاءت حكومات المحاصصة الطائفية فزادت من الطين بلة، وانتفاضة أكتوبر العام الماضي فضحت ذلك جدا، فغالبية المثقفين للأسف، كانوا بلا موقف، يتحركون في منطقة أسميتها في مقالات لي ولقاءات صحفية،  (المنطقة الرمادية)، فهم لا يريدون اتخاذ موقف يثير غضب مؤسسات الدولة، التي يعملون موظفين لديها، ولا إزعاج المليشيات الطائفية التي تتسيد الشارع، وبنفس الوقت يتملقون الثوار بإعمال أدبية وفنية سطحية، فكيف لهؤلاء أن يساهموا في نهضة ثقافية؟ كيف لمجتمع استهلاكي لا ينتج أي بضاعة، أن ينتج نهضة فكرية. أن العراق يحتاج إلى دورة عدة أجيال قادمة، لم تتلوث بكل هذا الذي حكينا عنه، لينهض من كبوته الحادة ويستعيد مكانته المنشودة.
** حصلت على عضوية المنظمة الثقافية للكتاب والفنانين الفنلندية المعروفة باسم “Kiila”، وانتخبت لعضوية هيئتها الإدارية لأكثر من دورة، كأول كاتب من الشرق الأوسط ينتخب لهذا الموقع. كيف كان تفاعلك الثقافي خارج العراق، كيف استطعت أن تتواجد وتفرض وجودك ككاتب؟
ــ أنا فخور جدا بما حققت في فنلندا، على صعيد مجمل نشاطاتي، الثقافية والسياسية والاجتماعية. بذلت جهدي واجتهدت في العمل وكان العراق المدني الديمقراطي الذي حلمنا به هو الهم الأول دائما. فمنذ الأيام الأولى لوصولي إلى فنلندا كلاجئ لأسباب إنسانية مطلع عام 1995، تواصلت مع المنظمات والجمعيات الفنلندية، ككاتب وناشط سياسي واجتماعي. شاركت في كثير من الفعاليات الثقافية والسياسية داخل العاصمة وخارجها، فتولدت لي شبكة واسعة من المعارف والأصدقاء، خصوصا من المثقفين والعاملين في الوسط الثقافي والإعلامي، فساعدتني لتلمس طريقي بشكل أوضح. ككاتب وصحفي ولغياب وجود إطار ثقافي واجتماعي عراقي أو عربي، تواصلت مع المنظمات الثقافية الفنلندية التي نلت عضوية بعضها من خلال نشاطي وعملي بين صفوفها. والشعب الفنلندي شعب مثقف، محب للقراءة، فالمكتبات العامة تعمل كمراكز ثقافية، وتوجه الدعوات للكتاب لإقامة أمسيات ثقافية بناء على اقتراحات من القراء، هكذا سافرت شخصيا لعدة مدن فنلندية تلبية لمثل هذه الدعوات. ولابد من القول إن صدور كتابي (طائر الدهشة) عام 2000 مترجما إلى اللغة الفنلندية من قبل الدكتور ماركو يونتنين، وإذ نال إقبالا جيدا، عَرّف الفنلنديين أكثر باسمي ونشاطاتي وفتح لي المزيد من الأبواب للنشاطات الثقافية والاجتماعية والإعلامية. أيضا أن عملي في التلفزيون الفنلندي ولاحقا كباحث جامعي، ساهم أكثر في فتح المزيد من الأبواب، وسهل لي التعامل والعمل مع العديد من المؤسسات الفنلندية الثقافية والأكاديمية. وساهم الإعلام الفنلندي من خلال متابعته نشاطاتي بالتعريف بها. ثم جاء منحي (جائزة الإبداع) السنوية عام 2015، من قبل منظمة (كيلا)، ولأول مرة تمنح لكتاب من أصول أجنبية، و(كيلا) منظمة ثقافية عريقة تأسست عام 1936، ليعزز هذا أكثر من حضوري ونشاطاتي في الوسط الثقافي، أعقبها أن مدينة كيرافا (ضواحي العاصمة هلسنكي)، محل سكني، كرمتني بمنحي راية المدينة تقديرا لنشاطاتي وأعمالي التطوعية في المجال الثقافي والاجتماعي، وهذه أيضا أول مرة تمنح لمواطن من أصول أجنبية، وسبق ذلك في عام 2014 اختياري من جمعية الأدب الفنلندي، المعنية بحفظ التراث الأدبي في فنلندا، كأول كاتب من الشرق الأوسط، لتحفظ أعماله وقصة حياته وتفاصيل عن عمله ونشاطه الثقافي، ضمن أرشيفها المتاح للباحثين والمعد للحفظ للأجيال القادمة، علما أن الجمعية تأسست عام 1831، وتضم في أرشيفها أعمال المئات من الكتاب الفنلنديين. إن المثابرة في العمل والنشاط لخدمة الناس والمجتمع، والاجتهاد لتقديم دائما الأفضل، ساهم كثيرا في تعزيز شخصيتي ككاتب عراقي عربي مقيم في بلد أوربي. واجتهدت في عموم عملي ونشاطي لأكون صارما وجادا في التعامل مع الوقت وأداء أي مهمة أقوم بها، وساعدني كثيرا تحدثي بأكثر من لغة وكوني تعلمت احترام الرأي الآخر المختلف وتعلمت عرض أفكاري بشكل صريح دون المساس بمعتقدات الناس وأفكارهم. ولا يمكن هنا تجاوز أن شريكة حياتي وحبيبتي وملهمتي شادمان كانت من أهم أسباب نجاحاتي، إذ كانت صخرتي التي استند إليها دائما في كل حين.
** في رأيك هل تحاول الرواية العراقية توثيق ما حدث في المجتمع العراقي طوال السنوات الفائتة من قمع ووحشية، سواء من النظام السابق أو من الاحتلال الأمريكي.. وما مقدار نجاحها في ذلك؟
إن الأعمال الروائية، بمختلف مدارسها، تندرج بهذا الشكل أو ذاك، في كونها أعمال بحثية أنثروبولوجية تطبيقية، تدرس الإنسان والمجتمعات. من هنا، فإن كل عمل روائي، يجتهد ليس لكشف معاناة شخوصه، بل وللإحاطة بالظروف الاجتماعية والسياسية، والإحاطة بتفاصيل المكان، وكثير من التفاصيل الأخرى، فالسرد سيكون هنا راصد حيوي لجميع مناحي الحياة، بل وفي جانب منه يكون عملا توثيقيا هاما.
وإن رواية مثل (المخاض ــ صدرت عام 1974) للكاتب الرائد الراحل غائب طعمة فرمان، تعرض للقارئ ليس فقط معاناة بطلها الباحث عن أهله من بعد غياب سنين خارج العراق، ونبذة عن التغيرات الاجتماعية والسياسية، بل وأجواء وروائح وتفاصيل منطقة المربعة في بغداد منطقة سكن بطل الرواية، في تلك الحقبة.
وأيضا أن رواية مثل (مقتل بائع الكتب ـ صدرت 2016) للكاتب للراحل سعد محمد رحيم، تكون من الأمثلة المناسبة، للأعمال الروائية التي تتحدث عن فترة ما بعد ديكتاتورية نظام صدام حسين، فمن خلال استخدام المذكرات والرسائل والتأملات ارتباطا بشخصية المكتبي بطل الرواية، استحضر لنا الكاتب حياة شريحة المثقفين بكل الالتباسات التي عاشوها من تهميش ومضايقات ونفي وثم اغتيال، ونتعرف في الرواية لواقع العراق والتقلبات السياسية والاجتماعية ونطلع على صفحات من تأريخه المأساوي ونتائج حروب الديكتاتور صدام المجنونة وثم أيام الاحتلال الأمريكي وتسيد المليشيات الطائفية. وإن براعة أي كاتب في السرد هنا غير كافية وحدها، ليكتب لنا أعمالا أدبية تنجح في التوثيق لما حدث في المجتمع العراقي من قمع ووحشية، إن الكاتب مطالب بامتلاك موقف واع في رفض هذا القمع ومن يقف خلفه، سواء كان سلطة دينية أو دنيوية، والتحريض ضده، ومن هنا فإن هذه الكتابة ستكون أمينة للشرط الإنساني، والانتصار للإنسان كقيمة عليا في هذه الحياة. وفي هذا الأمر، أجدني متفائلا مع وجود العديد من الأسماء من كتاب القصة والروائيين العراقيين، البارعين في مهمتهم، وعلى يدهم اعتقد أن القصة والرواية العراقية ستنجح لتحقيق رسالتها الأساسية
** قمت بالمشاركة في عمل أفلام تلفزيونية عن العراق وعن المنفى واللجوء.. كيف قوبلت تلك الأفلام من الجمهور الفنلندي؟
ـ عملت وتعاونت مع  القسم الثقافي في التلفزيون الفنلندي لعدة سنوات، فقدمت فكرة سيناريو فيلم لقسم الأفلام الوثائقية، تم قبولها ثم بعد انجاز السيناريو، ومناقشته، تم تكليفي بإخراجه، وبقدر ما كانت ممتعة كانت تجربة متعبة جدا، اجتزتها بدعم من زملائي فريق العمل من القسم الثقافي، هكذا قدمت فيلمي الأول (رحلة سندباد) عام 2000، كان من نصف ساعة، افترضت فيها رحلة ثامنة للسندباد البحري يقوم بها الشعب العراقي في هجرتهم إلى بقاع العالم هربا من عسف ديكتاتورية البعث وحروبه المجنونة ووصول بعض منهم إلى فنلندا كلاجئين. وتم عرض الفيلم مرتان من خلال البرنامج العام للتلفزيون، وفي مهرجان خاص باللاجئين وفي نشاطات بعض المنظمات المعنية بالهجرة. ثم في عام 2006 أنتج التلفزيون الفنلندي فيلمي الثاني، (عند بقايا ذاكرة)، وكنت عندها تسلحت بتجربة عمل جيدة، وفي نصف ساعة حاولت بالصورة، مناقشة فكرة التغيرات في العراق من بعد سقوط نظام صدام حسين. لم يحاول الفيلم تقديم الانطباعات بنبرة سياسية مباشرة، بل حاول تقديمها بشكل إنساني دون تعليق مباشر تاركا للصورة أن تتحدث وإثارة الأسئلة أكثر مما تقدم أجوبة. فبعد أن توفرت لي فرصة زيارة العراق من بعد غياب 27 عاما، وبالنسبة لشادمان شريكة حياتي زيارة كردستان من بعد غياب تسع سنوات حاولت رصد ذلك بالكاميرا. أية انطباعات وأية أسئلة في البال؟ ماذا تبقى من الزمن الماضي وتغير؟ كيف تحرك العراق من احتلال حزب البعث للعراق إلى احتلال أمريكي؟ وفي حينه، تم اختيار الفلم لافتتاح الدورة الجديدة لقسم البرامج الثقافية في التلفزيون الفنلندي، وعرضه التلفزيون لأربع مرات خلال عدة أسابيع. وكان هناك عرض خاص للمراسلين الأجانب بحضور المخرج وأعضاء من فريق العمل، في المركز الصحفي في وزارة الخارجية الفنلندية، وعرض عام ضمن الفعاليات الثقافية لبرنامج منظمة “كيلا” الثقافية، وعروض للجالية العراقية، وثم توّج ذلك باختيار الفيلم لتمثيل فنلندا في مهرجان في سويسرا. أستطيع القول أن عملي في انجاز الأفلام الوثائقية، وتعاملي مع الصورة، شحذ كثيرا من إمكانياتي في الكتابة وطور من أدواتي، وانعكس كثيرا في كتابة رواية (كوابيس هلسنكي)، إذ استعرت من حرفة السينما بعض أدواتها عند الكتابة. ولابد من القول أن في كلا الفيلمين، كان إلى جانبي لإنجاز كل فيلم، فريق عمل محترف في الإدارة والتصوير والمونتاج، إذ استغرق انجاز كل فيلم عدة شهور من العمل المتواصل ساده التعاون والتكاتف.
** ما تقييمك للنقد في العراق وهل واكب الإنتاج الغزير خاصة فيما بعد 2003؟
ـ كتبت عن حال النقد في العراق، مقال نشر خريف 2011، في الصحافة العراقية وعدة مواقع اليكترونية، صرخت فيه وطالبت النقاد أن يشتمونا، نحن الكتاب المساكين إن شاءوا، المهم أن يكتبوا شيئا. ولا أعتقد أن الحال تغير من ذلك اليوم، فلا يوجد لدينا، حركة نقدية موضوعية رصينة، شأن بقية شعوب العالم، رغم وجود نقاد، بعضهم لهم قدرات فذة في الكتابة والتحليل، والأمر متعلق بعموم الواقع المريع الذي تعاني منه الثقافة العراقية وعموما الثقافة العربية. وإن كل ما ترينه ـ سيدتي ـ من إنجازات في الأدب هو إنجازات فردية لكل الكتاب وحتى الفنانين أيضا، عراقيين أو عرب، فكل كاتب ـ إن صح التعبير ـ أراه “ذئبا منفردا” يعوي في صحرائه الخاصة. حين صدرت رواية (كوابيس هلسنكي) وذهبت لتوقيع الكتاب في بغداد وكان يوما مفعما بالمشاعر، همس لي أحد المعارف باني بحاجة إلى دعوة عشاء سمك مسقوف على نهر دجلة أو حفلة في مطعم فاخر ليقتنع الناقد الفلاني والعلاني بجودة عملي ليكتب عنه عدة مرات لا مرة واحدة. لم استغرب هذا أبدا، فللأسف إن الحال وصل بـ (أمة اقرأ) أن تكون المحاباة والإخوانيات عند بعض نقادنا على حساب جودة الإبداع الأدبي.  أيضا، هناك إشكالية هامة، تتعلق بالناشر العربي، فهو يعتقد أن مهمته تنتهي فقط عند طبع الكتاب وعرضه في المكتبات، بينما في العالم المتحضر، يتولى الناشر مهمة الاتصال بوسائل الإعلام وأهم المجلات الثقافية ومؤسسات الترجمة، وشركات السينما والتلفزيون، للتعريف بالكتاب، لينال حظوته من الاهتمام والتقدير المناسب وبالتالي يساهم كل ذلك في تسويقه.
* آخر رواية لك (كوابيس هلسنكي)، صدرت عام 2011، هل هذا كسلا أو تأني في الكتابة، أم لديك تفسير للقراء؟ 
ــ على طاولتي ـ ياسيدتي ـ ترقد عدة مخطوطات أدبية قيد العمل وبعضها جاهز للطبع، ولدي الآن خمس كتب عند الناشرين، روايتان ومجموعتان قصصية وكتاب عن السينما، بعضها ينتظر أكثر من أربع سنوات والآخر ثلاثة. أستطيع القول إني غزير الإنتاج في الكتابة، بل وربما جدا، فما أن انتهي من مشروع، حتى انتقل لمشروع آخر، وحصل أن عملت بأكثر من مشروع في آن واحد. أن مشكلتي ــ إذا كان هذا مشكلةــ إني لا أدفع للناشرين مقابل طباعة كتبي، كما أني لا أريد أن أغتني منها. هكذا تجديني مجبرا للخضوع لاجتهادات، بل ويمكن القول رحمة الناشرين، حتى يطبعوا المخطوطات التي سلمتها لهم وأأتمنتهم عليها. ولا اعتقد أن هذه مشكلة شخصية أو فردية فهي مشكلة عامة، ستستمر طالما غاب وجود المؤسسات الثقافية التي تتعامل مع الكُتّاب والكِتاب بشكل موضوعي ووفق معايير رصينة، ومنها تلك التي تحدد وترسم علاقة الناشر بالكِتاب وتضمن حقوق الكاتِب.





99
رواية كوابيس هلنسكي.. خطر عنف التشدد على أوروبا بسبب تجاهل إدماج اللاجئين

 
قراءة- سماح عادل
 

رواية “كوابيس هلنسكي” للكاتب العراقي “يوسف أبو الفوز” التي صدرت عام 2011 عن دار المدى للثقافة والنشر. تناقش قضية هامة، حيث تحكي عن تأثير وجود خلايا نائمة بنسبة كبيرة، تابعة للجماعات المتشددة دينيا في أوربا والغرب بشكل عام، وكيف يساعد على توغلها وتضخم تأثيرها عدم وجود اندماج حقيقي للمهاجرين من المسلمين داخل البلدان الأوربية، وتحديدا فلندة التي دارت فيها أحداث الرواية.
الشخصيات..
البطل: مدرس في مدرسة للأطفال، يعاني من وجود طاقة زائدة، ثم يكتشف في نفسه قدرات خارقة، حيث يستطيع توقع الخطر، ومعرفة حقائق خاصة بالناس المحيطين به، يرى تلك الحقائق في أحلامه، فهو يتجول في الأحلام ويكتشف من حوله.
زوجة البطل: داعمة له ومحبه، وتسانده دوما، وهي عراقية.
الكاتب: صديق البطل، يدعمه أيضا، كما أنه كان سببا في اكتشاف البطل لإمكانياته الفائقة حين صارحه برسالة تهديد جاءته من أحد المتشددين دينيا.
الأخ: أخو البطل، الذي كان ناشطا يساريا، وقد هرب من العراق بسبب ذلك، وهو صديق مقرب للبطل.
مدرس الرياضيات: يكتشف البطل أنه من الجماعات المتشددة دينيا، وأنه يسعى إلى تفجير أماكن حيوية في عاصمة فلندة حيث تدور الأحداث.
الجنرال: ضابط شرطة فلندي، يتعامل بقسوة وعجرفة مع البطل حين يقرر مصارحة الشرطة بما رآه من حقائق.
وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية. ويعطي الكاتب للشخصيات صفات تدل عليهم بدلا من الأسماء، مثل الكاتب، والطبيب.. إلخ
الراوي..
الراوي هو البطل، الذي يحكي بضمير المتكلم، عن نفسه وهواجسه وتطور حالته، ويحكي عن باقي الشخصيات في تقاطعها معه، وتعامله معهم، وقد حكت الزوجة في البداية عن زوجها في مقدمة طويلة مهدت للرواية. ربما قصد منها الكاتب إشعار القارئ أن حكاية البطل حقيقية.
السرد..
الرواية محكمة البناء تقع في حوالي 300 صفحة من القطع المتوسط، تعتمد على التشويق حيث يكشف الراوي عن ما يحدث له بعد وقت من الحكي وبطريقة مشوقه، ويعتمد الحكي على دواخل البطل وما يفكر به ويحسه تجاه العالم من حوله، كما تتصاعد الأحداث وفق ما يراه الكاتب ويكتشفه من حقائق، ويعود السرد أحيانا إلى الزمن الماضي حيث يحكي البطل عن ماضيه في العراق، كمحاولة للبحث عن جذور الكوابيس التي تنتابه وحاله الاضطراب التي يشعر بها أحيانا. وتدور الرواية في قالب خيالي حيث البطل يتمتع بقوى خارقة ورؤية عميقة ويستطيع كشف حقائق من حوله، وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة.
خطر العنف المتشدد على أوربا..
تتميز الرواية بأنها تتناول موضوع هام، وهو تأثير الجماعات المتشددة على الغرب، وكيف أن انفجار منطقة الشرق الأوسط، وتزايد وجود الجماعات المتشددة دينيا التي تضخمت وانضم إليها أعداد كبيرة من الفقراء والمضطهدون اجتماعيا واقتصاديا في مجتمعاتهم قد أصبح له تأثيرا ليس فقط على المنطقة الشرق الأوسط، التي أرادت الدول الرأسمالية الكبرى جعلها منطقة مشتعلة ليسهل نهب خيراتها، وبالتالي غذت تلك الجماعات المتشددة دينيا وسمحت لها بالتضخم والتوسع الكبير، لكن ذلك له نتائجه الخطيرة على الغرب، وعلى أوربا حيث أن انفجار الشرق الأوسط تسبب في زيادة نسبة الهجرة إلى أوربا ودول الغرب، وأصبح اللاجئين المسلمين وغيرهم من أهالي الشرق الأوسط نسبة كبيرة.
هذه النسبة الكبيرة بها نسبة لا بأس بها من الخلايا النائمة من المنتمين للجماعات المتشددة، ونائمة هنا معناها إنها غير ملحوظة ولا معروفة مختبئة بشكل سري وتنتظر الفرصة لتنشط.
من خلال حكاية البطل الذي يكتشف قدرات ذهنية فائقة تجعله يرى في أحلامه أحداث وقعت، بعد أن يعطيه صديقة الكاتب رسالة بها تهديد بالقتل من أحد المنتمين للجامعات الدينية المتشددة، ويتعرف البطل على كاتب تلك الرسالة حيث يكتشف أنه صديق مقرب من الكاتب، وهو متخصص في الرياضيات ويدرسه لطلاب في الجامعة، وهو شاب مهذب وهادئ وعلى خلق، من شمال إفريقيا، يلبس كما الأوربيين ويتعامل بود مع الجميع، لكن أحلام البطل تكشف مدرس الرياضيات هذا والذي يتبين أنه متزوج من إحدى طالباته سرا، وأنه يتاجر في المخدرات لكي يوفر أموالا لما يسميه الجهاد، وهو يقود مجموعة من الشباب ويعلمهم كيفية صنع مواد تفجيرية لكي ينفذ مخططات إرهابية في البلد التي يعيش فيها فلندة.
الاتجار بالمخدرات..
وهنا ترصد الرواية علاقة الاتجار بالمخدرات بجماعات التشدد الديني حيث أنهم ورغم ادعائهم الجهاد الديني، وأنهم يسيرون على خطى الإسلام إلا أنهم يتاجرون في المخدرات ويضرون الناس وتتلوث أياديهم بتجارة محرمة قانونيا، ودينيا، واجتماعيا، وذلك لتحقيق أهدافهم، فطالبان في أفغانستان تزرع المخدرات وتكتسب منها أموالا طائلة وتهربها إلى دول عدة عن طريق روسيا.
ويؤكد الكاتب على أن الجماعات المتشددة تعتمد على تفسيرات بشرية انتهازية للدين، وأن الدين الإسلامي أو أي دين آخر لا يدعو إلى القتل أو اغتيال الناس، أو قطع الرؤوس بطريقة وحشية.
الإرهاب غير مرتبط بالدين..
كما يشير إلى نقاط هامة منها أن الإرهاب ليس مرتبطا بالدين الإسلامي وبالدول التي تعتنق هذا الدين، كما يحاول الإعلام الغربي دائما تصوير تلك الفكرة وتكريسها، فقد عانت أوربا من العنف وقطع الرؤوس في تاريخها، وفلنده نفسها عانت من الاحتلال ومن حرب أهلية ومن وحشية وعنف، حتى في الوقت الحاضر الذي تحكي فيه الرواية، فقد هاجم طالب في مدرسة أصدقاءه، وقتل خمسة منهم بمسدسه الخاص.
وتاريخ الإنسانية مليء بالعنف والوحشية وربط هذا العنف بالدين، كما حدث من الرومان عند بداية انتشار المسيحية وكما حدث من الكنيسة في العصور الوسطى، وما قبلها حين قتلوا الآلاف بطريقة وحشية واتهموهم بالسحر.
عدم الاندماج..
ثم تناقش الرواية فكرة الاندماج، فرغم أن أوربا تستقبل أعدادا هائلة من المهاجرين واللاجئين، والذين تختلف ديانتهم وأفكارهم وقيمهم عن ما هو سائد في تلك الدول، إلا أن تلك الدول لم تنجح في عمل خطط ناجحة لإدماج وهؤلاء المهاجرين واللاجئين في نسيج البلاد وقيمها وقوانينها، بل أحيانا تكرس عزلة هؤلاء عندما تسمح لهم ببناء مدارسهم ومساجدهم التي ينعزلون فيها ويبتعدون على الاختلاط بأبناء البلد.
فشل الدول الأوربية في إدماج اللاجئين خاصة المسلمين منهم، ربما يعد أحد الأسباب في ظهور ظاهرة الإرهاب في الغرب، حيث تندفع أعداد من الشباب إلى الانضمام إلى تلك الجماعات المتشددة التي تعمل في السر، وربما هذه المناقشة تعتبر تنبيها وتوقعا لما قد تؤول إليه الأمور في الغرب، إذا تم التمادي في تجاهل ضرورة إدماج المهاجرين واحتوائهم ضمن نسيج البلد.
كما تشير الرواية إلى كون تلك الجماعات المتشددة لا أخلاق لها ولا منظومة قيم، تستغل الدين وتتاجر به وتعتمد على تفسيره بشكل انتهازي لحيازة المكاسب المادية وتنفيذ أغراض دنيوية الدين منها بريء.
عرضت الرواية أيضا للوضع العراقي، وكيف كان العراقيين يتعرضون إلى قمع ممنهج من النظام السابق، وكان هدف النظام محو شخصية العراقيين ومحو فرديتهم، حتى هرب كثير من العراقيين من قهر النظام ووحشيته.
تعتمد الرواية على تصوير عميق للشخصيات، وعلى سرد مشوق، ولغة رصينة.
الكاتب..
“يوسف أبو الفوز”، كاتب عراقي، من مواليد مدينة السماوة، جنوب العراق، في 1956، اضطر لمغادرة العراق صيف 1979، مشيا على الإقدام عبر الصحراء إلى العربية السعودية ثم الكويت.
في الكويت للأعوام 1979 ـ 1980 كتب في الصحافة الكويتية بأسماء مستعارة عديدة، خصوصا في مجلتي العامل والطليعة وصحيفتي الوطن والسياسة، وحرر عمود سياسي ساخر باسم ”دردشة ” وكان أسبوعيا في مجلة الطليعة الكويتية، ووقعه باسم “أبو الفوز” الذي من يومها صار اسما فنيا له.
مقيم ويعمل في فنلندا منذ مطلع 1995. وهو عضو نقابة الصحفيين في كردستان العراق، عضو نادي القلم الفنلندي،عضو المنظمة الثقافية للكتاب والفنانين الفنلندية المعروفة بأسم “Kiila”، وأنتخب لعضوية هيئتها الإدارية لدورتين متاليتتين، للفترة 2006 ـ 2010 ، كأول كاتب من الشرق الأوسط ينتخب لهذا الموقع. وعضو منظمة السلام الفنلندية.
صدر له:
عراقيون ـ مجموعة قصصية، 1985 في كوردستان العراق.
في انتظار يوم أخرـ سيناريو تسجيلي (عن معاناة اللاجئين العراقيين في روسيا خلال بحثهم عن سقف آمن) السويد عام 1993.
أنشودة الوطن والمنفى ـ قصص (مشترك مع مجموعة من الكتاب العراقيين) عام 1997 ـ بيروت.
طائر الدهشة ـ قصص (عن المنفى واللجوء العراقي) دمشق ـ دار المدى 1999.
الطائر السحري ـ (مجموعة “طائر الدهشة” باللغة الفنلندية ترجمة الدكتور ماركو يونتونين) هلسنكي عن دار LIKE عام 2000.
تضاريس الأيام في دفاتر نصير ـ مذكرات ونصوص، دمشق ـ دار المدى 2002
شقائق النعمان . خواطر وشهادات، منشورات طريق الشعب ـ بغداد 2003.
لدي أسئلة كثيرة أو أطفال الأنفال، السليمانية ـ وزارة الثقافة الكوردية 2004.
تلك القرى.. تلك البنادق ـ قصص، أربيل ـ وزارة الثقافة في كوردستان العراق 2007.
10 . تحت سماء القطب، رواية، أربيل ـ مؤسسة موكرياني 2010.
رحلة السندباد ـ فلم تلفزيوني وثائقي. سيناريو وإخراج، 30 دقيقة. (عن المنفى واللجوء العراقي) إنتاج التلفزيون الفنلندي عام 2000.
عند بقايا الذاكرة. فلم تلفزيوني وثائقي . سيناريو وإخراج. 30 دقيقة (انطباعات الكاتب عند زيارته العراق أثر سقوط نظام الديكتاتور صدام حسين، من بعد غياب 27 عاما) إنتاج التلفزيون الفنلندي 2006. اختير هذا الفيلم لتمثيل فنلندا عام 2007 في مهرجان تروبوي في مدينة بازل في سويسرا .

100
المنبر الحر / متابعة ثقافية
« في: 22:57 02/12/2020  »
متابعة ثقافية

101
هزيمة دونالد ترامب واليمين المتطرف الأوربي

 

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

لم يشعر أحد بالأسى وجسامة هزيمة، "الرئيس البرتقالي"ـ كما تسخر بعض الصحف، من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ـ مثلما شعرت بذلك الاحزاب اليمينية الاوربية، وخصوصا المتطرفة منها، إذ كان أيقونتهم الذي طالما أقتدوا بتصريحاته وإحتذوا بإلاعيبه السياسية البهلوانية، وفي البال أجتماع قيادات من أحزاب يمينية شعبوية أوربية، في في مدينة كوبلنتس غرب ألمانيا بعد يوم من تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب،  حيث اعتبرت رئيسة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، فراوكه بيتري ، ترامب قدوة وأنه سيخرج أمريكا من الطريق المسدود. أن هزيمة دونالد ترامب، وفوز المنافس الديمقراطي جون بايدن بفارق كبير، جاء صفعة قوية للشعبويين في كل مكان في العالم، وخاصة الاوربيين منهم، فحملة بايدن الانتخابية يمكن تلخصيها كونها تسلحت بخطاب العودة إلى سياسة طبيعية وأكثر منطقية. ولهذا يصح القول ان كثير من الاحتفالات التي شهدتها مدن العالم، كانت أساسا بخسارة ترامب أكثر منها بفوز بايدن، فالاحزاب الشعبوية اليمينة المتطرفة، كانت الرافع الاساسي لانتشار خطاب الكراهية والممارسات العنصرية، وشيوع نظريات المؤامرة والمعلومات المظللة، مسببة تهديدا جديا للسلم والامن الاجتماعي في الولايات المتحدة وفي العديد من بلدان العالم، مثيرة القلق والخوف في نفوس قطاعات من الناس، خصوصا مع انتعاش نشاط حركات النازية الجديدة بأثواب مختلفة، رافعة شعارات تتماهى وشعارات ترامب، مثل (أمريكا العظيمة) بتحويرها وفقا لواقع كل بلد. فجاءت هزيمة ترامب صفعة مدوية، رغم توقعها، فأصابت كثير من القادة اليمينين في أوروبا بالذهول فلزم العديد منهم الصمت، بعد ان كان بعضهم يهرج في تصريحاته دفاعا عن ترامب، من هؤلاء الفرنسية اليمينية مارين لوبان، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والسياسي الإيطالي المعارض ماتيو سالفيني، ورئيس الوزراء البرازيلي جاير بولسونارو، وأيضا اليميني المتطرف المعارض الفنلندي يوسي هالاـ أهو.  ووصل الحد بتهريج وزير الداخلية في استونيا، مارت هيلمي، اليميني المتطرف، قبل اعلان نتائج الانتخابات الامريكية الأخيرة الى اتهام بايدن في اكثر من مكان بانه سياسي فاسد وانه سيزور الانتخابات، مما اعتبر تدخلا سافرا في شؤون بلد اخر، ومع بدء اعلان النتائج المتقدمة لبايدن وتأكيد مسؤولين في الانتخابات الامريكية بإن الاقتراع كان (الأكثر إحكاماً في التاريخ الأمريكي)، وأنه ( لا دليل على أن أيا من أنظمة التصويت محت أو أضاعت أصواتا، أو غيرت أصواتا، أو تعرضت لاختراق على أي نحو) ووسط استهجان شعبي محلي ودولي من تصريحاته، مما دفعه لإعلان استقالته فورا . وشذ عن كل هذا رئيس الوزراء السلوفيني الشعبوي يانيز يانشا، الذي أرسل تهنئة مبكرة لترامب وأصر على عدم التراجع عنها.
أن هزيمة دونالد ترامب ستساهم بشكل ما في تراجع طموحات اليمين المتطرف الذي واصل نشر خطاب الكراهية و(الإسلام فوبيا)، الذي ساد خلال ولايته. ففي عام 2016، حالما أعلن عن فوز ترامب ـ غير المتوقع ـ سارع قادة أحزاب اليمين المتطرف، في أكثر بلدان العالم، للترحيب الحار بذلك، واعتبروه زخما ودفعا لهم كبشارة لانتصارات قادمة، خصوصا قوى اليمين الأوربي، فكتب جان ماري لوبان مؤسس حزب الجبهة الوطنية الفرنسي ووالد زعيمة الحزب الحالية مارين لوبان، في تغريدة له على موقع تويتر (اليوم الولايات المتحدة وغدا فرنسا)، بينما صرح الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز (ان الامريكيين استعادوا أرضهم)، حالما بأن أوروبا ستشهد (ربيعاً قومياً). وفي المانيا وصف الزعيم الألماني (ماركوس برتسل) من حزب (البديل من أجل ألمانيا) بأن فوز ترامب وهزيمة هيلاري كلينتون (عصر جديد في تأريخ العالم)، ومن بلجيكا طير حزب المصلحة الفلمنكي ، الداعي للانفصال عن أوروبا والمناهض للمسلمين برقية لتهنئة ترامب واعتبر انتصاره على هيلاري كلينتون يمكن تكراره في أوروبا.
وأذ وجد بعض المراقبين ان وجود ترامب في البيت الأبيض ساعد على انتعاش الآمال لانتصارات أكثر لقوى اليمين، واحدثت (زلزالا شعبويا)، الذي اعقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، فأن هزيمته الحالية أنعشت من جانب اخر قوى اليسار والخضر التي عارضت سياسات اليمين المتطرف في ملفات عديدة، تهم السياسات الداخلية والخارجية لكل بلد، منها ملف المناخ وأيضا الأهم ملف الهجرة، الذي طالما استخدمته قوى اليمين المتطرف كفزاعة لإثارة مخاوف الناخبين مشيعة معلومات مظللة عن الاثار السلبية لاستقبال اللاجئين والعبء الاقتصادي وفرص التوظيف والمخاوف من تعريب وأسلمة أوروبا.
وإذا صح ما اعتبره بعض المراقبين بأن ترامب، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان ضحية لجائحة الكورونا، وإنها اصبحت أحد أسباب هزيمته، تبعا لفشله في إدارة الازمة وما عانته الولايات المتحدة بسبب ذلك، فان الاحزاب اليمينية المتطرفة، في أوروبا يبدو ستنال حصتها إذ ان العديد من الدول حيث لا يحكم اليمين المتطرف، فنلندا مثلا، تمت إدارة ازمة جائحة الكورونا فيها بشكل بارع بشهادة منظمات عالمية.






 
 

102
رحل (الفيل) ... جاء (الحمار)!

 

يوسف أبو الفوز

مات الملك ... عاش الملك ...رحل ترامب ــ الفيل ... جاء بايدن ــ الحمار!
رحل ترامب المهرج العنصري، الرأسمالي، الجشع، الوقح، النرجسي، الصفيق، الداعر، ... الخ، فانتظروا قريبا ظهوره على الشاشات في دراما طلاقه من زوجته ميلانيا التي صبرت طويلا تتنظر انتهاء ولايته لتتحرر من قيوده. وانتظروا محاولاته الانتقامية الصبيانية ممن طرده من البيت الأبيض، فهزيمته في الانتخابات لا علاقة لها بالعملية الديمقراطية، بل عنده قضية شخصية تتناسب مع طبيعتة النرجسية.
رحل الأسوأ القبيح وجاء أفضل السيئين، أو ما يسمى " أهون الشرين"!
رحل الشعبوي، العنصري الذي كان أيقونة للشعبويين واليمين المتطرف في أوربا، والذي استطاع التغرير بالمتضررين من سياسات ونشاطات الراديكاليين والتكفيرين المسلمين، فكسب قلوب قطاعات واسعة من أبناء الشرق قبل الغرب، وغاب عن بالهم ان اية قطعة نقدية، لها نفس القيمة مهما نظرنا لها من أي جانب، وكذا السياسة الامريكية.
يتفق الكثيرين، بان السياسة الامريكية لا يرسمها البيت الأبيض وأنما كارتلات المال وشركات السلاح، وأن مصالح من يرسم السياسة هي الأولى قبل كل شيء، ولأجل ذلك يمكن التحالف مع الشيطان بغض النظر عن حزب الرئيس الجالس في البيت الابيض سواء كان فيلا او حمارا.  تفاءل الكثيرون يوم جاء باراك أوباما الديمقراطي، رئيسا جديدا، فهو اعتبر من يسار الديمقراطيين، حمل معه للمواطن الامريكي مشروع اصلاح نظام التأمين الصحي (Obamacare)، لكن خلال فترة رئاسته ساهمت أمريكا في صناعة وحش (داعش) الذي نثر الموت والخراب في العراق وسوريا. الان في مرحلة بايدن الديمقراطي، الذي يوصف بالاعتدال، ومهما قيل عن قلة جوع أمريكا لنفط الشرق الأوسط، كونها أصبحت منتجة له، وازدياد انتاجها من النفط الصخري، ووجود دول منتجة بديلة، ما جعلها تعيد ترتيب أولوياتها في مجال الطاقة، فأن الشرق اللعين لأسباب متعددة يظل ملفا ساخنا على طاولة أي رئيس، فأنتظروا القادم الذي سيظهر يوما، فإذا تطلبت مصالح أمريكا فهو سيكون تنظيما أكثر بشاعة من داعش، وتكون صناعته بمساهمة أمريكية وبمباركة من الرئيس الديمقراطي! 
بمجيء بايدن ستتنفس إيران وأوردغان والاخوان المسلمون الصعداء بعض الشيء. ستكون امامهم فرصة لترتيب امورهم بشكل أفضل لمزيد من التدخل في شؤون الدول الأخرى خصوصا العراق وسوريا وليبيا، ولقد بدء اوردغان بمد يده الى القرن الافريقي في الصومال. وان عودة التزامات أمريكا النووية امام إيران، كما هو متوقع، سيكون دافعا لإيران لاسترداد أنفاسها لتزيد من تدخلها في شؤون العراق، وان علاقات بايدن المتميزة مع بعض القيادات الكردية في العراق قد تغريها لفتح ملف الانفصال من جديد خصوصا مع استمرار ضعف وغياب دور الحكومة المركزية في بغداد.
قد يقول قائل عليكم بالتفاءل لأن بايدن اختار كامالا ديفي هاريس، المعروفة بعلاقاتها الطيبة مع النقابات العمالية وميولها اليسارية والاصلاحية كنائبة له، وذلك كمحاولة لارضاء لارضاء جمهور بيرنارد "برني" ساندرز، خصوصا شباب المنظمات اليسارية التي ساندت حملة ساندرز الانتخابية، بل وربما ان بايدن سيمنح ساندرز موقعا ما في طاقمه، وكل هذا بالتأكيد سيعود بالخير أولا على الشعب الأمريكي، اذ تعب الناس من تصاعد العنصرية والخوف والقلق من مفاجآت ترامب لو فاز بولاية ثانية، لكن أية خطط تتنتظر الشرق الأوسط اللعين وكيف سيكون دور نائبة الرئيس في التأثير على مشاريع الرئيس القادمة؟ هل سيتخلى بايدن عن صهوينته التي طالما تفاخر بها، وعن ضرورة وأهمية وجود إسرائيل بالنسبة لأمريكا ليصرخ عام 1986 في مجلس الشيوخ الامريكي " ان لم تكن موجودة لاخترعناها "؟
 قد يتنفس الامريكيون بهدوء بعد رحيل ترامب، لان سياسة بايدن ستكون إصلاحية على مستويات اجتماعية واقتصادية، لكن علينا في الشرق الأوسط ان نتهيأ لمفاجآت الحمار، التي قد تذهب بفرحة الخلاص من كابوس الفيل العنصري القبيح !

103
الى أين يقود سعار رجال قوى اليمين الفنلندي لإسقاط حكومة النساء اليسارية؟


يوسف أبو الفوز
يبلغ عدد الاحزاب الفنلندية، المسجلة رسميا، والمشتركة في العملية السياسية 18 حزبا، وفي الانتخابات الأخيرة 2019 نجح تسعة منها لدخول قبة البرلمان، وتأهل الحزب الديمقراطي الاجتماعي، من بعد غياب أمتد ستة عشر عاما، بقيادة السياسي المحنك والقائد النقابي أنتي رين لتشكيل الحكومة، ونجح، بعد مفاوضات صعبة، في ضم حزب الوسط الى مجموعة أحزاب اليسار (الديمقراطي الاجتماعي، اتحاد اليسار، حزب الخضر، الشعب السويدي)، ولكنه بعد شهور تنازل لنائبته سانا مارين (34 عاما) لتحل محله أولا في رئاسة الوزراء، وثم بعد شهور في قيادة الحزب، ولتصبح أصغر رئيسة وزراء في العالم.
والمتابع للشأن السياسي الفنلندي يلاحظ ان أحزاب الحكومة الخمسة تقودها نساء، شابات وجميلات وعرفن بالحزم والحنكة، في مواجهة جائحة الكورونا وانعكاساتها على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، خصوصا رئيسة الوزراء الشابة، التي اكتسبت شعبية لنفسها ولحزبها والحكومة، وأصبحت رمزا محبوبا للنساء والشباب الفنلنديين.
من جانب اخر فان احزاب المعارضة، خصوصا أبرزها وانشطها ــ وللمفارقة ــ يقودها رجال!!، فحزب الاتحاد الوطني الفنلندي، الذي يعتبر من أقدم الاحزاب الفنلندية حيث تأسس عام 1918، يترأسه بيتري أوربو (50 سنة) وحزب اليمين المتطرف، الفنلنديين الحقيقيين الذي تأسس عام 1995 ويقوده يوسي هالا أهو (49 سنة).  ويلاحظ حالة الحماس والنشاط، لدى قوى المعارضة، ـ خصوصا التي يقودها رجال ـ في بحثها عن أي زلة او تقصير من قبل الحكومة الحالية، للنفخ فيها سعيا لخلق منها قضية رأي عام لتكون سببا لإسقاطها، معتمدين أساليب الاثارة واستعداء وسائل التواصل الاجتماعي، وتستمر هذه الحالة بدون توقف وبنشاط محموم أشبه بحالة سعّار.
وبعد ان فشلت المعارضة ( بقيادة الرجال ) في سحب الثقة من الحكومة الحالية (بقيادة النساء) خاضت مؤخرا جدلا حول سياسة الحكومة في استخدام الكمامات، واتهموا الحكومة بالتقصير في تنفيذ توجيهات مركز السلامة الوطنية، ولم يقتنعوا بإعلان مدير السلامة الوطنية بأنهم لم يصدروا توجيها ما بهذا الحصوص، فلا يستوجب اتهام الحكومة بالخرق او التقصير، فحاولت أحزاب المعارضة اسقاط وزيرة العائلة والخدمات الأساسية، المعنية بهذا الملف، لتوجيه ضربة لإضعاف الحكومة،  لكن الوزيرة نالت ثقة نواب أحزاب الحكومة، مما دفع بعض المراقبين  وأساتذة اكاديميين لانتقاد سياسة المعارضة التي وجدوا فيها بعض التهور والاندفاع، وبين اخرين بان انتقادات المعارضة فيما يخص السياسية الاقتصادية إن كان فيها ما يستوجب المناقشة، فأن سلسلة الانتقادات التي جاءت بعدها بدت ( غير متسقة ومتغيرة بسرعة تعبر عن وجود تيارات متصارعة داخلة أحزاب اليمين) . ولم يجف حبر المطابع في الصحف عن قضية الكمامات، حتى انبرى بعض من رموز قوى اليمين ( الكسندر ستوب، وزير خارجية ورئيس وزراء سابق) لانتقاد رئيسة الوزراء ، لظهورها في مجلة للموضة والازياء بسترة مفتوحة الصدر بدون قميص مرتدية قلادة من صناعة فنلندية، مدعيا انها ليست شخصا عاديا وشخص في موقعها غير مناسب له الظهور  بهذا الشكل، مما اشعل وسائل الأعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض، فظهر بعدها رئيس الجمهورية ساولي نينستو ، وهو من اقطاب الجيل القديم من أحزاب اليمين التقليدي لينتقد ويحذر من نمو الكراهية للآخر وكون الحوارات السياسية اتخذت منحى متشدد ومثيرا . ويذكر ان رئيس الجمهورية، رغم كونه من اقطاب حزب الاتحاد الوطني الفنلندي اليميني الا انه دخل الانتخابات الرئاسية عام 2018   بصفته مستقلا وفار بها من الجولة الأولى وهذا يحدث لأول مرة في فنلندا.
ويبدو من سياق الاحداث ، وتطوراتها، ان الجيل الجديد من قادة اليمين، وارتباطا بنشاط قوى اليمين على الصعيد العالمي، المرتبطة بقوى الرأسمال واقتصاد السوق، والمعارضة  في جوانب منها لسياسات الضمان الاجتماعي وسياسة الهجرة، وبسبب من التأييد والنجاحات الذي تحصل عليه قوى اليسار، وتحالف أخضر ـ احمر في العديد من دول العالم خاصة أوروبا، وقرب الانتخابات الامريكية وبروز مؤشرات خسارة (الرئيس البرتقالي)، دونالد ترامب، الذي تعتبره الأحزاب الشعبوية،  ايقونتها السياسية، فان كل ذلك صار يستفز اطراف في أحزاب اليمين في سعيها وعملها للوصول الى سدة الحكم بأية طريقة ومنها ( ترك مقود الدراجة أحيانا) كما عبر  سياسي فنلندي.

104
منطقة اللاموقف الرمادية *
يوسف أبو الفوز
في العقود الأخيرة، من تأريخ العراق السياسي والثقافي، ظلت وللأسف أعداد من المثقفين العراقيين، وتحت مبررات عديدة، تدور مواقفها في المنطقة الرمادية، منطقة اللاموقف. ففي زمن العسف البعثي العفلقي، وحروبه الكارثية الداخلية والخارجية، أرتضت جمهرة من المثقفين، بدور المتفرج بدون موقف واضح مما يجري من جرائم بحق الشعب والوطن، وبعد سقوط النظام على يد قوى الاحتلال الأمريكي، راح بعضهم، وبدل من الاعتذار من الشعب والتكفير عن دور المتفرج، يجترون تبريرات كونهم (مجرد موظفين في الدولة)، وتبعا لهذا بدا لنا حتى الديكتاتور المجرم صدام حسين مجرد موظف في القصر الجمهوري!!
وتكرر السيناريو المؤسف مع اندلاع انتفاضة تشرين2019، ففي الوقت الذي واجه شباب الانتفاضة، رصاص (الطرف الثالث) بصدورهم العارية، ثائرين من اجل التغيير والخروج من دوامة فساد أحزاب الإسلام السياسي، التي نصبها الاحتلال الأمريكي وريثة للخراب الذي خلفه نظام صدام حسين لتزيده خرابا، راحت جمهرة من المثقفين تكرر وقوفها في المنطقة الرمادية، متناسين ان الحياد في المنعطفات التاريخية يعتبر صنفا من الخيانة، فالواجب التاريخي يفرض ان يكون المثقف الحقيقي صوتا متقدما لأبناء شعبه، يصطف الى جانب الثوار في سعيهم للتغير لأجل عراق مدني ديمقراطي .ففي ظل ما عاناه شعبنا، من قهر واذلال، في سنوات النظام الديكتاتوري البعثي، وسنوات الاحتلال الامريكي، وثم حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، تناسى هذا الصنف من المثقفين، القانع بعضهم بفتات الأنظمة الحاكمة، ان على المثقف الحقيقي ان يحدد خياره بوضوح، فإما الاصطفاف مع الشعب ومطالبه المشروعة بحياة حرة كريمة، وإما الاصطفاف مع الحاكم الظالم المتستر بعباءة الفكر القومي الشوفيني البعثية، او عباءة الدين الطائفي وميلشياته.
وامام كل ما تقدم، والواقع المؤسف والمعاش، إذ نجد اعداد ليست قليلة من المثقفين، لا تزال بدون موقف واضح، فمن الصعب الحديث عن تيار ثقافة وطنية مقاوم مواز لوقائع الانتفاضة، وتبقى نشاطات بعض المثقفين ممن اصطفوا الى جانب الانتفاضة والمؤمنين بها والمطالبين بالتغيير، من خلال كتابة نصوص، او إصدار كتب، واعمال فنية من رسم أو موسيقى، ما هي إلا مجرد جهود فردية، تظل بعيدة عن التأثير الجماهيري المطلوب والكافي لخلق وعي متقدم لنشر ثقافة المواطنة والانتماء الى الوطن بعيدا عن الانتماءات الفرعية، الحزبية والعشائرية والطائفية والاثنية. فلا يزال الكثير من المثقفين للأسف لم يحسموا موقفهم، بالاصطفاف الى جانب أبناء شعبهم، وتكريس ابداعهم في الكتابة والرسم والموسيقى لأجل تغيير المزاج الشعبي العام، وإذكاء الروح الثورية لدى أبناء الشعب وديمومتها بشكل حضاري، للمساهمة في الانتفاضة السلمية ودعمها لأجل التغيير وبناء عراق جديد. وأعتقد لم يفت الأوان بعد أمام الكثيرين منهم ليراجعوا مواقفهم، فانتفاضة الشعب من أجل التغيير مستمرة، فأسباب اندلاعها لا تزال موجودة، ونقمة الشباب مستمرة، تحتاج لمن يسندها ويدعمها ويشذبها بعيدا عن العدمية التي تخلط الأخضر باليابس، لتفرز الانتفاضة قياداتها الكفؤة وللمساهمة في تحديد وتجذير المطالب المشروعة لأجل التغيير المنشود. وتبرز الان، ومن بعد مرور عام على اندلاع انتفاضة تشرين، التي خمد لهيبها قليلا لأسباب متعددة، منها جائحة الكورونا، اهمية ان يكون المثقف العراقي، وفيا لتأريخ مفعم بالمواقف الثورية والوطنية لأجيال المثقفين من رواد الثقافة العراقية وصانعي مجدها، الذين اصطفوا الى جانب الشعب في منعطفات مهمة، في وثبة كانون 1948، وثبة تشرين 1956 وثورة تموز 1958 والمثقفين الرافضين لسياسة نظام البعث الصدامي ممن ارتضوا حياة المنفى أو التحقوا بصفوف المقاومة المسلحة في جبال كردستان.
ان الفرصة متاحة أمام الكثير من المثقفين لينهوا ترددهم والخروج من المنطقة الرمادية وإعلان موقفهم الصحيح والواضح، فخير الأمور بخواتيمها.
15.10.2020 هلسنكي

105
قطاف تشرين (62): معيار لنجاح الانتفاضة 

يوسف أبو الفوز

مع حلول الذكرى السنوية لانطلاقة انتفاضة تشرين السلمية، انتفاضة شباب العراق الباحثين عن وطن سرق منهم وبالتالي ضاعت كرامتهم على يد قوى الإسلام السياسي الفاسدة المتنفذة في شؤون العراق بحماية أذرعها المسلحة، والتي لم تتوقف عن ارتكاب جرائمهما بحق أبناء شعبنا العراقي سواء بنهب ثرواته وافقاره وتخريب مستقبل الأجيال القادمة وأيضا اللجوء الى العنف المنظم في التعامل مع شباب الانتفاضة، سواء بالتهديد او الخطف والتغييب وانهاء بالقتل والقائمة لا تزال مفتوحة!
في وسط مخاض الانتفاضة المستمر، وسقوط حكومة ومجيء أخرى وإطلاق الوعود وقلق أبناء الشعب وروح الترقب لما هو قادم تتقاطع الأصوات المؤدية والمختلفة مع فعل الانتفاضة وإمكانية تجديد انطلاقها.
لن نختلف بأن الانتفاضة فقدت لفترة بعض من زخمها لأسباب عديدة، منها أجواء جائحة الكورونا التي أصبحت ستار شرعيا للتقليل من فائدة العمل الاحتجاجي والتظاهرات والاعتصامات، ومجيئ حكومة قدمت تلا من سلال الوعود، لكن أسباب أنطلاق الانتفاضة لا تزال قائمة، بل واضيفت لها أسباب جديدة منها الكشف عن المجرمين بحق أبناء شعبنا. هذه الأيام تبرز امام ناشطي الانتفاضة وشبابها مهمة الاستفادة من دروس العام المنصرم، واهمها التمسك بسلمية الانتفاضة، تجاوز حالة التشرذم والصراعات الجانبية وتوحيد المواقف والتكتيكات من خلال العمل الجاد لخلق آلية تنسيق مرنة ومتقدمة تساهم في فرز قيادات مخلصة للانتفاضة وهدفها الرئيس في العمل لأجل عراق مدني ديمقراطي وإقامة دولة القانون والمؤسسات.
على الجانب الاخر نلاحظ الرعب الذي تملك حيتان الفساد ومحاولاتهم لركب الموجة بشكل أو أخر، والتنصل من مسؤولية الجرائم بحق شعبنا العراقي وشباب انتفاضة تشرين، وتحريك جيوشهم الاليكترونية بدون أي واعز اخلاقي.
تعلمت من التجربة ان لا اكتفي برصد رد فعل الفاسدين الكبار وقادة المليشيات المجرمة ونشاطهم، ولكن يمكن رصد ردود أفعال أولئك المعتاشين على فتات اسيادهم الفاسدين، وللأسف هم منتشرين بكل مكان، خارج وداخل الوطن، فخوف هؤلاء من سقوط اسيادهم وزوال النعمة عنهم يجعلهم يستشعرون الخوف الذي ركب قادتهم واسيادهم فتلقائيا تصدر عنهم تعليقات وتصرفات فاضحة تعكس حالة الرعب من استمرار الانتفاضة وتصاعد نشاطها، ويجعلني هذا استشف بأن الانتفاضة بهذا الشكل او ذلك تقترب من تحقيق بعض أهدافها.
 مرحى انتفاضة تشرين. المجد للشهداء.
 3.10.2020

106
أوراق عائلية ـ 5
أنا وزوجتي والأصدقاء
يوسف ابو الفوز
منذ أول شبابنا وسعينا لخلق صداقات عرفنا بأن لا يمكن لأنسان أن يعيش بدون أصدقاء. وعلمونا ـ أهلناـ بأن الصداقة تساعد الأنسان للاستمتاع بالحياة، وتساهم في بلورة شخصيتة إلى الأفضل. وعلمتني الحياة، خصوصا التضاريس الوعرة منها، بإن كلمة (صداقة) واسعة المعنى جدا، وأن الصداقة الحقيقية تساعد الانسان على مواجهة مطبات الحياة وتكون عاملا فاعلا في نهوض الانسان ليواصل المسير. فالصداقة الحقيقية يمكن أن تحتوي الكثير من المفاهيم والعناوين الأخرى في العلاقات الاجتماعية وتصهرها في داخلها. فأجتهدت ـ مثلاـ بأن تكون زوجتي هي صديقتي أولا. فتعاملي معها كصديقة ـ زوجة، سيختلف عن تعاملي معها كزوجة ـ زوجة. فالصداقة تمنحنا مساحة حرية أوسع، بمزيد من التكافل في تبادل الأفكار واحترام التمايز في المواقف.
وهكذا حين أحاول بناء علاقتي مع أخي، ليكون صديقي ـ أخي، وليس أخي ـ أخي، فأني لا ألغي حق الأخوة، لكني أحاول ان أتحرك معه في فضاء حرية أوسع وأحاول ان أجعله أقرب للروح والعقل بعيد عن تبعات علاقة الدم التي تفرض على الأنسان مواقفاً لا يكون راغبا بها أحيانا. أقول هذا رغم أني شعرت مرات بأن بعض الاقارب يركبهم الغيظ ـ بشكل ماـ من استخدام كلمة صديق معهم، معتقدين أني ألغي إستحقاق القرابة، كإبن عم أو أبن خال أو ...!
تعلمت من الحياة، بأن يكون لمفهوم الصداقة أجنحة قوية للطيران، تمنح الانسان إمكانية التحليق بعيدا عن تراب مختلف القيود التي ورثناها رغما عنا، في فضاءات واسعة من الحرية، وبما ان الحرية هي الشجاعة فان الصداقة تمنح الانسان قدر كبيرا من الشجاعة للتعبير عن نفسه. وهكذا اجتهدت لبناء فضاءات الصداقة بمستويات مختلفة، وفق دوائر ومدارات، متعلما من كون الطيور لها قدرات متباينة في الطيران، فأن فضاء النسور ليس كفضاء الحمام أو العصافير وهكذا ... دواليب! وان الخبرة والتجارب هي من تجعلك تنقل صديق من دائرة أبعد الى دائرة أقرب، وبالعكس. وفي يوم ما ستجد نفسك ــ مجبرا ــ أن تضع أحدهم بعيدا خارج كل الدوائر الخاصة بك، حين تجد ـ مثلا ـ ان افعاله تتناقض مع أقواله ويضنك ساذجا وغافلا عن أفاعيله ودرابينه السرية. والامر هنا ليست لعبة (حية ودرج) أنها سنة حياة تعتمد على طريقة بناء علاقة الصداقة، التي لا يبنيها طرف واحد وأنما تكون بمساهمة الطرفين.
وإذا حسدت نفسي بنفسي على شيء، فاني أحسدها اولا على أصدقائي المقربين وخصوصا على ذكائهم وفطنتهم، فلا أجد نفسي مضطرا لتقديم كثير من الشروح والهوامش ليفهموا مقاصدي، فهذا يجنبنا ـ جميعا ـ من الخطر الداهم الذي يقوض أي علاقة إلا وهو درابين (سوء الفهم)، التي أن تكررت في علاقة ما، فهي إشارة قوية الى ان ثمت خلل في معادلاتها، وثمت أرقام مفقودة يتطلب البحث عنها بسرعة.
وإذا تحدثنا عن الصداقة، كونها حب ومسؤولية، فأنك ترفع القبعة للصديق الذي يسعى دائما لضخ طاقة إيجابية في أيامك، لتتجاوز المطبات المختلفة ـ صحية أو اجتماعية أو ألخ ــ التي تواجهك رغما عنك، ويذكرك دائما بأن غدا هو يوم أفضل وأنك ستنهض أقوى، من أية مشكلة أو وعكة ما (ثمت صديق يسميها "وكعة").
 أن الحديث عن الصداقة يجعلك مجبرا، بين الحين والأخر على مراجعة موقع اصدقائك في حياتك: في أي دائرة تضع الصديق الفلاني وفي أي فضاء، حين تجد أن موقعه بدأ يتزعزع داخل دوائر بعض الاصدقاء المقربين، لأسباب مختلفة، تتفق مع أغلبها وتجدها منطقية؟ هل ستضعه في دائرة أبعد قليلا، هل ستجد نفسك مجبرا لوضعه خارج كل الدوائر؟ هل ...؟
ثمت صديق يريدك ان تتعامل معه (مثلما هو)، وتقبل بكل الدرابين التي بات يسلكها ـ سرا وعلانية ـ معتقدا ان ما يفعله هو الصواب، دون مراجعة نفسه ليعرف بأن هذه الدرابين التعبانة التي بدأت تظهر في حياته، بالنسبة لي ولصديقتي ـ زوجتي، وبعض الأصدقاء ـ الأصدقاء، هي درابين (ماتطلع) أبدا. ناسيا ان مبدأ (التعامل مع الانسان مثلما هو)، يشمل مفهوم التعامل مع الناس وفق عاداتهم وتقاليدهم ومستوى وعيهم وليس وفق درابينهم التعبانة؟
لتوضيح الامر شيئا ما سأذكر القراء بعلاقة زوجتي ـ زوجتي بالكلاب ـ (راجع من هذه الأوراق حكاية: أنا وزوجتي والكلاب) فهي لديها فوبيا ـ طالما أشار بعض الأصدقاء ـ لا تتناسب أبدا مع ما معروف عنها كإمراه قوية وشهدت في حياتها أياما وعرة كثيرة. فلطالما أجبرتني زوجتي ـ زوجتي ان أكون بوابا وحارسا عند دخولنا العمارة حيث نسكن، لأفحصه من عدم وجود ما يثير فزعها وأحيانا صراخها أو يجعلني ابحث عن فردة حذائها التي تتركها على السلم عند عودتها للشقة جريا وكأنها شاهدت شرطي أمن بعثي صدامي سافل في السلم. ولان غالبية معارفنا واصدقائنا من اهل البلد، حيث نعيش، يملكون حيوانات أليفة ـ قططا وكلابا ـ كنا ملزمين بالتعامل مع الناس (وفقا لعاداتهم وثقافتهم). التقيت مرة جارتي العجوز المتقاعدة في باب العمارة ـ هذا قبل جائحة الكورونا ـ وسألتها عن خططهم للإجازة. فقالت:
ـ نحن عائلة صغيرة، أنا وإيما وسوفي وزوجي، نحاول جاهدين لإيجاد بيت مناسب للعطلة في مدينة اسبانية ساحلية.
قابلت مرارا زوجها البطيء الخطو، العسكري المتقاعد، كنت أحترمه واجامله، ولطالما وقفت أنتظره بإستعداد، مثل جندي، ولا اغلق باب العمارة وأدخل او أخرج حتى اتركه يمر أولا. ويبدو أعجبه الامر، فبعد ان يربت على كتفي، مثل طفل، اسمع منه عبارات شكر جميلة، اضعها دائما في رصيد معاداة العنصرية الذي يعاني الأجانب من بعض اهل البلد. اما الابنة سوفي، الباسمة دوما، فقد جننت زوجتي ـ زوجتي بلون شعرها، فهو لا يثبت على لون واحد، ألوان غريبة، أبسطها الأخضر، ولكني لم يحصل وقابلت إيما، التي قدمت العجوز أسمها على ابنتها سوفي وزوجها. هل هي أكبر من سوفي ام تصغرها؟ أهي مجنونة مثلها بألوان الشعر؟ هل ... ويوما عند الباب صاح العسكري:
ـ إيما.. أسرعي.
ووجدت إيما تقترب مني قفزا وتتشممني مادة بوزها في أماكن حساسة، حتى جعلتني أخشى على (ممتلكاتي الوطنية)، فأبعدها العسكري برفق، ضاحكا ومعتذرا. تبين ان إيما هي كلبتهم الاثيرة! ففهمت جيدا بان كثير من اهل البلد يكون كلبهم أو قطهم الاعز من بين افراد العائلة، وعليه يتطلب مني فهم هذا وتقبله والتعامل معه، لأنه دربونه إنسانية و(تطلع)، لكن كيف أجعل زوجتي ـ زوجتي تتوقف عن فضحي ووضعي في مواقف لم تنفع معها كل الأحاديث والنصائح كصديق ـ زوج، ولا حتى لبس الوجه العابس للزوج ـ الزوج، إذ كادت يوما ان تقلب طاولة الطعام في بيت أحد المعارف، من اهل البلد، حين قفزت ـ فجأة ـ قطتهم، ومن بين كل الحضور أختارت زوجتي ـ زوجتي لتجلس في حضنها؟ وحين لاحظ بعض الأصدقاء عدم استجابتنا بسرعة لزيارتهم صاروا يخبرونا مباشرة، إرضاءا لزوجتي ـ زوجتي بأنهم (ارسلنا القطة ويسكي الى الجيران) أو (تم حجز الكلب نوتي في غرفة الابنة). وشعرت بالألم ـ جدا ـ حين عرفت بأن قفص خاص بني للكلب نوتي، من الالواح والاسلاك في جانب من البيت ليضعوه فيه عند زيارتنا لهم. في المرات الأولى صار نوتي يطلق نباحا يقطع نياط القلب، يبدو كاحتجاجات بلغته الكلبية، لكن المدهش ـ جدا ـ انه لاحقا فهم الامر: ان هذه المرأة الجميلة، التي يتقدمها زوجها دائما ـ في حالة تأهب لحدث ما ـ في دخول البيت، لن تتوقف عن زيارتهم، وان عليه ان يحكم عقله ويفهم الامر جيدا، فلا مكان له في صالة الضيوف مع الاخرين بوجود هذه المرأة، فالأفضل ـ والأسترـ بدلا من إدخاله القفص قسرا، التصرف بحكمة حتى لا يفقد كرامته. أصبح المسكين نوتي كلما يرى زوجتي ـ زوجتي تجتاز عتبة بيتهم، ينسل بنفسه بهدوء، وبكل احترام وعزة نفس، وبدون شرشحة، ليدخل القفص، مرسلا نظرات خاصة لزوجتي ـ زوجتي، ـ أقسم بألم شديد ـ حتى نبيّ سليمان ليس قادرا على فهمها.

تموز ـ آب 2020   

107
في فنلندا ... مناورات سياسية تستهدف حكومة سانا مارين

 
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
منذ أن تم اعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الفنلندية في نيسان / أبريل 2019، حتى تبين أن أمام أحزاب اليسار الفائزة ( الديمقراطي الاجتماعي، اتحاد اليسار، حزب الخضر، الشعب السويدي) مهمة عسيرة لتنفيذ برنامجها الانتخابي الذي قادها بجدارة الى سدة الحكم، بعد هزيمتها لحكومة احزاب اليمين ـ الوسط، التي سبقتها، والتي اعتمدت سياسة التقشف وزيادة الضرائب كرافع لتحسين الوضع الاقتصادي، وانتهجت سياسة اضرت بذوي الدخل المحدود، وسياسة تمييز ضد المهاجرين والأجانب، كان من نتائجها بروز نشاط منظمات عنصرية، حظر القانون الفنلندي نشاطها رسميا بقرارات من محاكم عليا، واعتبر اعمالها تنتهك حقوق الإنسان، لذا لا يحق لها التمتع بحماية حرية التعبير. وحين بدأت المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة بدا واضحا أن اشتراك حزب الوسط في الحكومة وبشخوص قيادته التي كانت تقود الحكومة السابقة لن يمر بسهولة، وفعلا، ما هي إلا عدة شهور حتى بدأ حزب الوسط يمارس دوره كحصان طروادة لإسقاط الحكومة فاصطف الى جانب أحزاب اليمين لسحب الثقة منها، بإعلان عدم الثقة برئيس الوزراء ورئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي، أنتي ريني(مواليد1962) النقابي العريق، إثر أزمة أضراب عمال البريد وطريقة معالجته لها. وإذ عرف عن أنتي ريني، كونه الرجل المبتسم دائما، خلال كل أزمة، فأن الابتسامة لم تفارق وجهه هذه المرة أيضا، إذ فاجأهم بمناورة سياسية ذكية، فوفقا لآليات العملية الديمقراطية الفنلندية، ولمنع سحب الثقة من شخصه وبالتالي حكومته والاضطرار الى اللجوء لإنتخابات مبكرة، وقبل جلسة البرلمان المقررة لسحب الثقة، أسقط مناورة أحزاب اليمين وقيادة حزب الوسط، بإعلانه الاحتفاظ برئاسة الحزب فقط وتخليه عن رئاسة الحكومة لصالح أحد نوابه، الشابة سانا مارين (34سنة) التي أصبحت أصغر رئيس وزراء في العالم.
أصبح وصول الشابة الجميلة، سانا مارين الى رئاسة الوزراء، وبالا على حزب الوسط، فهي متقدة نشاطا، وتقف كإشتراكية على يسار حزبها، ويتبعها شباب الحزب الذي أصبح مهووسا بها، فارتفعت شعبية حزبها والحكومة تبعا لأدائها ونشاطها، وإذ جاءت جائحة الكورونا، فواجهتها بكل حزم وحكمة، فزاد من شعبيتها وشعبية حكومتها،إذ لجأت الحكومة الى اعتماد خطة ابطاء انتشار الفايروس بشكل متسارع، وعزل بعض المناطق عن بعضها وغلق منافذ السفرمن والى فنلندا، وتحريك احتياط الحكومة للطواريء، البالغ مليار يورو، لشراء وتوفير معدات الوقاية والأجهزة الطبية المطلوبة، لتكون فنلندا بعد شهور من بدء جائحة الكورونا من البلدان الأقل ضررا في الجانب الصحي. لم تكتف رئيسة الوزراء، سانا مارين، بهذا بل أطاحت بعد شهور برئيسة حزب الوسط، كاتري كولمني، التي شغلت في حكومتها وزارة المالية، وكانت نائبا لرئيس الوزراء حسب الأعراف الفنلندية، وجاءت الإطاحة بها أثركشف وسائل الاعلام لإنفاق زعيمة حزب الوسط للأموال العامة على أغراض استشارات إعلامية اعتبرت شخصية، فقاد ذلك الى استقالتها من الحكومة ومن رئاسة حزبها الذي عقد مؤتمرا ليأتي برئيس جديد هو أنيكا ساريكو، وزيرة الثقافة والعلوم، المعروفة بمواقفها غير المتشددة في قضايا الهجرة واللجوء، ويضعها البعض في يسار حزب الوسط، أي بالتالي اقرب الى تطلعات رئيسة الوزراء وبرنامج الحكومة.
خلال كل هذه الفترة، لم تتوقف أحزاب المعارضة، حزب اليمين التقليدي ( حزب الاتحاد الوطني الفنلندي) والحزب اليميني المتطرف (الفنلنديون الحقيقيون) من مناوراتهما للضغط على الحكومة الفنلندية الحالية، وإذ تراجع ملف اللاجئين، كون جائحة الكورونا أوقفت موجات الهجرة،وأجبرت الحكومة على تجميد الكثير من إجراءاتها، ومنها ملف إعادة المرفوضين الى بلدانهم، فان الملف الاقتصادي اصبح الأول الذي حاولت أحزاب اليمين التلويح به دائما،والبحث عن ثغرات ما للنيل من الحكومة ورئيسة الوزراء، التي أعلنت في مؤتمر حزبها، في آب / أغسطس الماضي، الذي تم فيه أنتخابها لتكون رئيسة الحزب الديمقراطي الاجتماعي، حيث بدا أنتي ريني، الرئيس السابق، واثقا من كونه سلم الراية لمن سيرعاها. وابتدأت سانا مارين رئاستها للحزب الديمقراطي الاجتماعي، بالإعلان عن نيتها السعي ليكون العمل ست ساعات، والذي لاقى قبولا في الشارع الفنلندي ومختلف نقابات العمال، وهذا مطلب قديم لنقابات العمال اليسارية، حيث سيوفر وقتا أكبر للعائلات ليكونوا مع بعض، ويوفر الفرصة لزيادة رفاهية المواطن العامل، وممارسته هواياته والاشتراك بمختلف النشاطات، وأيضا أن يوم العمل من ست ساعات سيساعد على توظيف المزيد من العمال، فهو من حلول موضوع البطالة.
في القمة الاوربية الأخيرة في بروكسل، في تموز الماضي، حيث ترأس المانيا حاليا، الاتحاد الأوربي، وافقت الحكومة الفنلندية، المشكلة من خمسة أحزاب تقودها نساء، على مشروع صندوق الإنعاش الأوربي الذي كانت قيمته 750 مليار يورو واستندت الى ذلك في اعلان ميزانية تكميلية بقيمة 5,5 مليار يورو، وحيث لجأت الى اقتراض 18,8 مليار يورو من الصندوق الأوربي لدعم هذه الميزانية لأجل تنفيذ خطتها الاقتصادية ومعالجة الاضرار الناجمة عن الجائحة، ومع إعلان الحكومة مؤخرا عن ميزانية للعام المقبل ستشهد عجزا يبلغ اكثر من عشرة مليارات يورو ، وبمبلغ يزيد بنحو 3.7 مليار يورو عن توقع الحكومة، حتى بدأت أحزاب اليمين الولولة من كون فنلندا اقتيدت الى فخ الإقراض وان الأجيال القادمة ستدفع الثمن، وان الضرائب ستزداد على المواطنين، والطريف ان وزير المالية ماتي فانهانين، من حزب الوسط، الشريك في الحكومة الحالية وكان قد شغر الموقع بعد استقالة الزيرة السابقة، وداخل قبة البرلمان، احرج نائب من حزب اليمين المتطرف حين ذكره بالضرائب التي وافق عليها حزبه في الحكومة السابقة.
ما يثير القلق حاليا، هو سلسلة من الإغلاق غير المتوقع لعدد من المصانع الكبيرة والتي بسببها سرح المئات من العمال، بحجة جائحة الكورونا، وهذا يعني التوقف عن دفع مبالغ ضريبية لا يستهان بها لصندوق الحكومة، وتكاليف غير محسوبة لدوائر الضمان الاجتماعي، وإذ أعربت رئيسة الوزراء، عن تعاطفها مع العمال المسرحين وأعلنت عن عدم تخليها عن دعم عوائلهم، فإنها بنفس الوقت استغربت من أن معامل لا تخسر تغلق أبوابها في هذا الوقت، مما يثير عند المتابع سؤال: هل لأحزاب اليمين يد في هذه اللعبة لإسقاط الحكومة الحالية وإسقاط سانا مارين، التي من تحت وجهها الجميل ظهر لهم وجه لبوة شرسة في الدفاع عن قيم اشتراكية أمنت بها؟












خمس نساء تقود أحزاب الحكومة الفنلندية


108
إصدار جديد
د. ماركو يونتنين و“السفر في فنلندا الإسلامية”


طريق الشعب ـ هلسنكي                      تصوير: شادمان علي فتاح
 العدد 189 الجمعة 28 آب 2020

في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، صدر مؤخرا باللغة الفنلندية كتاب” السفر في فنلندا الإسلامية” تأليف د. ماركو يونتنين، الباحث والمحاضر في دراسات الشرق الأوسط والإسلام بجامعة هلسنكي. ونظمت دار النشر “عِيَارُ الميزان”(Vastapaino  )،المهتمة بنشر الكتب الواقعية Nonfiction Books، مثل كتب السير الذاتية ، التاريخ وبحوث أنثروبولوجية، حفل توقيع الكتاب، شهد نقاشات واستفسارات غنية وحيوية وقرأ المؤلف فيه بعض الفقرات من كتابه. وتحدث الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، عن فترة عمله المشترك مع الباحث يونتنين، لصالح جامعة تامبيرا.
وأشار أبو الفوز:
ـ هناك صعوبة عند الحديث عن صديق وزميل، ووصفه بانه بارع في عمله وناجح، وفي الوقت نفسه هناك سهولة لأن العمل المشترك يكشف لك العديد من المزايا الشخصية للأخر، وطيلة أيام العمل بينت ان ماركو يتمتع بذاكرة قوية وقدرة على الإمساك بجوهر الأمور، وأيضا القدرة على رصد التفاصيل، مما يؤهله ليكون كاتبا روائيا ناجحا الى جانب كونه أنثروبولوجي متميز.
الناشر في كلمته، أشاد بجهود المؤلف ماركو يونتنين، وبين ان الواقع الجديد في فنلندا والوجود المتزايد للمسلمين وتباين اراء الفنلنديين حول ذلك تستوجب نشر مثل هذا الكتاب.
المؤلف ماركو يونتنين، قال لـ“طريق الشعب”:
ــ ان ثمة تغير ملحوظ في ديموغرافية البلد، وتزايد في عدد المسلمين بسبب من الهجرة وموجات اللجوء، هذا الواقع الجديد يفتح منظورا ثريا للحياة الجديدة في فنلندا، في تحولها الى بلد متعدد الثقافات. وان تزايد عدد المسلمين في كل منطقة سكنية وبسرعة احيانا لابد ان يثير مختلف الآراء.. والكتاب يتحدث عن الناس الذين هربوا من العنف والنزاعات المسلحة في بلدانهم، وتسليط الضوء على واقع معاش يمكن ان يجيب على أسئلة مثل: هل يجلب المهاجرون معهم الى فنلندا صراعاتهم المذهبية التي عاشوها في بلدهم الأصلي؟ وكيف ستؤثر على الحياة في فنلندا؟ هل حقا سينتج المهاجرون المسلمون تحديات امنية ام هم قلقون على سلامتهم؟
السيد رياض قاسم مثنى، الناشط في البيت العراقي في مدينة توركو، قال لنا:
ـ ان معرفتنا بالباحث ماركو، تجعلنا نؤمن بأن أي من اعماله البحثية، تهدف لتقديم الجانب المشرق من حياة المهاجرين، وفي كتابه الحالي خصص الفصل الثاني منه للشأن العراقي، وهو متابع جيد للواقع العراقي، وسبق له وزار العراق أكثر من مرة، فمتابعته لاوضاع الجالية العراقية، تستند الى معرفة عميقه، وهو لا يخفي تضامنه مع تطلع العراقيين، داخل وخارج الوطن، الى حياة آمنه ومستقرة.
من الجدير بالذكر ان الدكتور ماركو يونتنين المولود عام 1966 في مدينة سافولينا (340 كم شمال شرق العاصمة هلسنكي)، درس اللغة العربية في هلسنكي والمغرب والأردن، ونال الدكتوراه عام 2002، وترجم كتابين للكاتب المغربي محمد شكري عامي 1998,1999، وكتاب للكاتب العراقي يوسف أبو الفوز 2000، وفي عام 2007 أصدر كتاب عن قصة ومعاناة المناضل رياض قاسم مثنى الذي حكم بالإعدام في سنوات الحكم الديكتاتوري السابق وقضى ثمانية أعوام في سجن أبو غريب سيئ السمعة. والباحث يونتنين منذ أكثر من عقدين مهتم بشؤون الشرق الأوسط والأسلام وأصدر عن ذلك العديد من الكتب، بمفرده أو بالاشتراك مع باحثين اخرين.

109
وجدت جماهير الشعب في صحافة الحزب الشيوعي العراقي آمالها وطموحاتها وهمومها

يوسف أبو الفوز

لم يكن صدور، «كفاح الشعب»، أول صحيفة شيوعية عراقية، في31 تموز 1935، وبشكل سري، رغبة شخصية لقائد سياسي، وإنما جاء تنفيذا لسياسة حزب بدأ بمد جذوره عميقا في تربة الوطن وحاجته إلى صحيفة مركزية ناطقة باسمه لتنشر أفكاره وسياسته وبرامجه، وليكسر احتكار الأفكار ونشر المعلومات الذي كانت تقوم به الصحافة الرسمية الحكومية المرتهنة سياساتها بعجلة الاستعمار والاحتكار، والتي كانت تظلل جماهير الشعب بأفكارها الرجعية والعميلة. هكذا أصبحت “كفاح الشعب” أول صحيفة عراقية تصدر سرا، لتفتح السجل النضالي الحافل للصحافة الشيوعية في العراق، التي لعبت دورا نضاليا بارزا في نضال القوى الوطنية المكافحة من اجل سعادة الشعب وحرية الوطن، ووفقا للمبدأ اللينيني، في العمل السياسي والفكري، الذي آمن بأن «الصحيفة ليست فقط داعية جماعيا ومحرضا جماعيا، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي». ان المؤرخ والمتابع لتاريخ الصحافة الشيوعية في العراق، لا يمكنه تجاوز دورها المجيد في ارساء تقاليد عمل جديدة في تاريخ الصحافة العراقية، ولا يمكنه الا ان يذكر دورها الريادي في كشف وفضح سياسات الحكومات العميلة المرتبطة بسياسة الاستعمار وقوى الاحتكار، وتبنيها لتطلعات الكادحين. ومع توالي اصدار الحزب الشيوعي، العديد من الصحف السرية والعلنية، التي تعددت مسمياتها، ارتباطا بالظروف النضالية والسياسية التي عاشها، فإن الصحافة الشيوعية ظلت وفية ومخلصة للمبادئ التي ارساها الرواد الأوائل، فلم تكن مجرد صوت لإيصال سياسة الحزب وبرامجه فقط، بل كانت ميدانا لنشر الفكر التقدمي في مختلف جوانب الحياة. أصبحت جماهير الشعب تقرأ في صحافة الحزب الشيوعي العراقي آمالها وطموحاتها وهمومها، ولهذا كان انتظام صدور صحافة الحزب يشكل معنى كبيرا لدى جماهير الكادحين وأعضاء وأصدقاء الحزب، ولهذا السبب كانت صحافة الحزب السرية في فترات نضالية عديدة توزع أعدادا أكثر من الصحف العلنية الرسمية، واصبحت مدرسة لأجيال من الصحفيين والمثقفين العراقيين، الذين على صفحاتها تعلموا وشقوا طريقهم في ميدان العمل في الصحافة والأدب. وخلال مسيرتها النضالية الحافلة بالأمجاد من اجل مستقبل أفضل لأبناء شعبنا، قدمت صحافة الحزب الشيوعي العراقي كوكبة خالدة من الشهداء المناضلين والصحفيين، نستذكر منهم الشهداء محمد الشبيبي، عبد الرحيم شريف، محمد حسين أبو العيس، جمال الحيدري، نافع يونس، عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)، عدنان البراك، ولا ننسى زكي خيري وشمران الياسري وعامر عبد الله وغيرهم كثيرون ممن يطول تعداد أسمائهم.
هذا الملف، تقدمه طريق الشعب، تحية للذكرى الخامسة والثمانين لصدور اول صحيفة شيوعية، وإجلالا لذكرى الرواد الأوائل، وشهداء الصحافة الشيوعية الذين بدمهم قبل الحبر سطروا مجد الكلمة المناضلة الصادقة.
تحية التقدير لآلاف المراسلين المجهولين الذين كانوا يغذون صحافة الحزب بالمعلومات والوقائع ويجعلونها صحافة الناس التي تعبر عن امالهم وتطلعاتهم وقريبة الى نبض الكادحين.
تحية للجهود المثابرة التي تواصل العمل، رغم كل العوائق، لتبقى صحافة الحزب ميدانا للأفكار الشجاعة والتقدمية، التي تعمل لأجل بناء عراق ديمقراطي، فيدرالي، تعددي، ينعم فيه المواطن بحياة حرة كريمة تحت ظل القانون، بعيدا عن أي فكر تعسفي ظلامي، يصادر حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة.



 ** البوستر للفنان المبدع فراس البصري


110
الشرف العسكري ما بين جندي وجنرال!
يوسف أبو الفوز

يتذكر أفراد عائلتي واصحابنا المقربون، في فترة سبعينات القرن الماضي، ونحن في مقتبل العمر، على مقاعد الدراسة الاعدادية، كيف ان أحد اقاربي التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، وفي أول إجازة له، وفي أي حديث أصبح يقسم بشرفه العسكري! اثار أيامها بيننا موجة من التعليقات الطريفة، وتحول الامر الى شيء من نكتة في جلساتنا الصداقية والعائلية، الا ان أهل العقل افهمونا، بضرورة عدم الاستخفاف بمفاهيم لها معنى جليل، وشرحوا لنا بان "الشرف العسكري"، يعني الشجاعة والشهامة والالتزام بالوعد  وحماية ظهر الصديق والحفاظ على عرض الناس، وهو مفهوم انساني أكبر من البدلة الخاكي وان كان يرتبط بها بشكل ما.
مرت السنوات، وسارت من تحت جسور الحياة الكثير من المياه المخضبة بدماء ضحايا حروب داخلية وخارجية، فقد فيها الجيش العراقي شخصيته الأساسية، كسور للوطن وحامي للشعب ومفجر لثورة 14 تموز 1958، وأصبح أداة بيد ديكتاتور فاشي ومخبول، منح نفسه اعلى الرتب العسكرية، وجاء بسقط المتاع لينصبهم جنرالات وقادة. ليستبيح بهم جنوب وشمال العراق بحروب داخلية سفح فيها دماء الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ، بسرف الدبابات وغازات الخردل، واقتحم أراضي الجيران في حروب عدوانية، لا ناقة ولا جمل، للشعب العراقي بها. وإذ برزت بالمثل النوايا التوسعية عند الحكومة الإيرانية الإسلامية، تحولت الحرب الى عدوانية من الطرفين لتسحق ملايين الضحايا وتخلف لنا جيشا من المعوقين والارامل، وبعد قمع انتفاضة اذار 1991، تحول العراق الى مزرعة للمقابر الجماعية.
أين كان جنرالات الجيش من كل ذلك؟
سيبرز من يقول بأنهم يطيعون الأوامر العليا، أوامر القادة! لكن ماذا عن الشرف العسكري؟
لقد تبخر عند البعض منهم، مع التماهي بشخصية الجلاد والتحول الى نسخة مصغرة منه، والتمتع بالامتيازات وحصة من السلطة في التحكم برقاب وحيوات بسطاء الناس، وفي اسوأ الأحوال أصبحوا عبارة عن إمعات يحركهم الديكتاتور وفق رغباته المجنونة.
هكذا نفذت عمليات جرف الاهوار في الجنوب، وهكذا نفذت عمليات الانفال في كردستان في كل فصولها الوحشية والقذرة، وهكذا ...
في واحدة من سنوات الحرب الصدامية ـ الخمينية ــ ولا أقول العراقية الإيرانية، لأنها لم تكن برغبة الشعوب ــ كنت شخصيا ومجموعة من المقاتلين الشيوعيين، المقاومين للنظام الفاشي الصدامي الدموي، نتوسد صخور جبل سورين، ونلتحف السماء، في ريف السليمانية، حين وصلنا خبر هروب اربعة من الجنود من أحد معسكرات الجيش في مدينة كركوك، وحظهم العاثر جعلهم يقعون بيد الانضباط العسكري. صدر الامر مباشرة بإعدامهم، أراد الجنرال هناك، ان يلقن الجنود وعموم الناس درسا مهما، فأختار مجموعة عشوائية لتنفيذ حكم الإعدام علنا، وجمع اهل المدينة ونصبوا صلبان الإعدام في الساحة العامة. أحد الجنود المكلفين بتنفيذ الإعدام، رفض الرضوخ للإمر. فهددوه بأنه سيعدم معهم. وهذا الذي حصل. آبى ان يساهم بإعدام أصحابه وزملائه الذين سبق وتقاسم معهم الهموم والقلق والجوع وضحكات فرح ربما قليلة. هذا الجندي، الذي الهمني شخصيا يومها للكتابة عنه في كتابي "عراقيون" ـ صدر 1985ـ، كان مفعما بالإنسانية أكثر من كل الجنرالات الإمعات، وأمينا لشرفه العسكري، حد انه دفع حياته ثمنا لذلك!

19 تموز 2020
   

111
مجدا ذكرى ثورة 14 تموز 1958 الوطنية !
يوسف أبو الفوز

في يوم الرابع عشر من تموز 1958، اندلعت ثورة الجيش والشعب الوطنية، التي فجرها الضباط الاحرار وأحتضنتها الجماهير منذ ساعاتها الأولى في سرعة مذهلة لتحولها الى ثورة شعبية. كان قيام الثورة وانتصارها تتويجا لنضال طويل وصعب، خاضه الشعب العراقي، جسد فيه وحدته بعربه وكرده وقومياته الأخرى، في طموح مشروع للتحرر من الحكم الملكي ـ الاستعماري، لتأتي الثورة من بعد عقود من بطش واستبداد هذا النظام المرتبط والتابع للسياسة الاستعمارية، والمستند الى تحالف مكشوف من قوى الاقطاع والقوى الظلامية الرجعية وكبار الرأسماليين والموظفين والعسكريين.
منذ الساعات الأولى، أغاض إنطلاق الثورة قوى الاستعمار والإمبريالية، وحلفاءهم من الأنظمة الرجعية في المنطقة، السائرة بركابها، فكان الإنزال البريطاني في الأردن والامريكي في لبنان وإعلان القوات التركية حالة التأهب القصوى، ولكن الإنذار السوفياتي الواضح قطع الطريق عليهم، فأعلن بانه لن يترك الثورة لوحدها، ولن يسمح بالقضاء عليها، وأجرى مناورات وتعبئة عسكرية عند الحدود التركية، وفعلت بلغاريا الشعبية الامر ذاته عند الحدود التركية، والتفت جماهير الشعب وقوى “جبهة الاتحاد الوطني” لدعم الثورة وحمايتها.
كانت ثورة 14 تموز ، ثورة ديمقراطية، أرست في أشهرها الأولى نظاما ديمقراطيا، واطلقت طاقات الجماهير في عملية التغير والبناء، فأقدمت في فترة زمنية قصيرة على الكثير من الإنجازات التاريخية والمصيرية : الخروج من حلف بغداد العدوني وبالتالي أعلان موته، الخروج من منطقة الإسترليني المرتبط بقوى الاستعمار في خطوة لدعم الاقتصاد الوطني، إصدار قانون الإصلاح الزراعي في ضربة جريئة لقوى الاقطاع ، رفع شعار الوحدة العربية الكردية وتضمين ذلك في الدستور المؤقت كشركاء في الوطن، اطلاق حرية تأسيس النقابات والاتحادات المهنية وأيضا اصدار القانون 80 لاستثمار ثروات البلد خصوصا النفط، وانتزاع 99,5 من الأراضي الخاضعة لامتيازات الاحتكارات النفطية، وغيرها من الإنجازات التي دفعت جماهير الشعب للإيمان بالثورة والالتفاف حولها.
ان ثورة الرابع عشر من تموز، شكلت منعطفا مهما في تاريخ العراق المعاصر، كونها جاءت ثمرة تراكم للكفاح المتواصل لجماهير الشعب وقواه الوطنية التقدمية، وفي مقدمة ذلك الشيوعيون العراقيون وحزبهم، الذي تصدر نضالات الشعب وقادها في المعارك الوطنية والاجتماعية، وسجل صفحات مشرقة لا يمكن لاحد انكارها، وحيث قدم قادته المؤسسون الخالدون: يوسف سلمان يوسف (فهد) وزكي بسيم ومحمد الشبيبي، حياتهم قربانا على مذبح الشهادة، لأجل وطن حر ينعم فيه الشعب بالكرامة والسعادة، وبذل الحزب قبيل الثورة جهدا استثنائيا من اجل تقارب الاحزاب السياسية لتشكيل تحالف وطني يعزز المستلزمات الذاتية للثورة بعد نضج شروطها الموضوعية.
وإذ أثارت الإجراءات الحاسمة وانجازات الثورة الرعب عند فلول الاقطاع والقوى الرجعية والظلامية المتضررة، مدركين كون قيام الثورة جاء ضربة موجعة لمواقع حماتهم الإمبرياليتين في المنطقة، وبالتالي أعاق مخططاتهم، فتحرك الجميع لإحياء تحالف شرير وتنسيق العمل، بشكل سري وعلني، بدعم وتوجيه مباشر من مراكز المخابرات الدولية، سواء الامريكية أو الفرنسية، كما بينت الوثائق التي كشفت لاحقا. وتمهيدا للانقضاض على الثورة، عملت القوى المضادة للثورة، التي وجدت لها مواقع مهمة في أجهزة الدولة، ببراعة شريرة، في إثارة الخلافات بين الاحزاب السياسية، وداخل قيادة الثورة نفسها، ونجحت في دفع قيادة الحكم للدخول في صراع مسلح مع قيادة الحركة الكردية. أضعف كل ذلك زخم تقدم الثورة وأدى لتراجعها، ومع تزايد أسلوب نهج الحكم الفردي لقيادتها ما تسبب في انعزالها عن الجماهير، مع بروز الموقف السلبي من إطلاق طاقات الجماهير والقوى الديمقراطية واليسارية، فجعل القيادة تتخبط في نهجها ويغيب عنها الوضوح في أهدافها، مما شجع قوى النظام القديم لاستعادة بعض من أماكنها وقوتها. ووجدت القوى المضادة وشركات النفط الغربية، في حزب البعث العفلقي المطية التي ركبوها لينفذوا من خلالها انقلابهم الأسود الدموي في 8 شباط 1963 لوأد الثورة وأغتيالها واعدام قادتها، في مقدمتهم الزعيم عبد الكريم قاسم، والعديد من الضباط الشيوعيين. وكانت مصادر الحزب الشيوعي العراقي بينت لاحقا أنه في الأيام الثلاث الأولى من الانقلاب تم قتل وتصفية أكثر من خمسة آلاف شخص من أعضاء الحزب ومؤيديه، كرد انتقامي لدور الحزب الشيوعي في دعم ثورة تموز وانجازاتها، وكانت إذاعة سرية ـ حسب شهادة الملك حسين للكاتب محمد حسنين هيكل ـ تبث قوائم بأسماء الشيوعيين، حصلت عليها وكالة المخابرات المركزية الامريكية من ضابط سابق في العهد الملكي، كان يعمل في مكتب بهجة العطية سيء الصيت.
كانت ثورة الرابع عشر من تموز حدثا عظيما في تاريخ شعبنا ووطننا، غير التأريخ، وان التقييم المنصف لها يتطلب التوقف بمسؤولية امام نجاحاتها واخفاقاتها لاستخلاص الدروس المهمة، ليكون ردا شافيا على من يعتقد ان “ما كان لها ان تقع”، و”ان نظام صدام الديكتاتوري جاء نتيجة لها”، متغافلين عن ان النظام المقبور ما هو الا نتيجة لنظام قوى الردة التي انقضت على منجزات ثورات 14 تموز، الذين اغتالوا الثورة وجاءوا بقطار امريكي، حسب اعترافات قادة انقلاب 8 شباط، ليعيدوا العراق بشكل أو آخر الى عهد ما قبل الثورة.
ستبقى شعلة ثورة الرابع تموز منارا لكل الخيرين من أبناء شعبنا، ولم تستطع كل محاولات النظام المقبور من محو ذكرى الثورة من تقويم الاحداث التاريخية.
المجد لشهداء الثورة ومناضليها الابطال، وفي مقدمتهم الشهيد سلام عادل، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ورفاقه الميامين.



112
فنلندا وجائحة الكورونا


سانا مارين رئيسة الوزراء الفنلندية
هلسنكي ــ يوسف ابو الفوز

 ظهرت مؤخرا، الأثنين 15 حزيران، على شاشات التلفزيون، رئيسة الوزراء الفنلندية، الشابة المتألقة سياسيا سانا مارين (34 سنة) لتعلن رفع حالة الطوارئ في البلاد التي أعلنت أواخر اذار الماضي، كإعلان من الحكومة الفنلندية والمتكونة من تحالف أحزاب اليسار ( الديمقراطي الاجتماعي، الخضر و اتحاد اليسار) مع أحزاب الوسط ( حزب الوسط ، الشعب السويدي )، عودة الحياة في البلاد الى الوضع الطبيعي، لكنها لم تنس التأكيد على ان هذا لا يعني ان الوباء انتهى، وان مخاطر الإصابة بالفيروس التاجي (كورونا) ما تزال قائمة، وعلى المواطنين الالتزام بإجراءات السلامة في الوقاية والنظافة الشخصية والبعد الآمن والتي اقرت في العديد من التوجيهات الحكومية للفترة الماضية، وتم التأكيد على استمرار تنفيذ عدد كبير من التوصيات المتعلقة بنشاطات مثل المناسبات العامة الجماعية، والعمل من المنزل(online)، والسفر بغرض السياحة والترفيه.
مع بدأ انتشار الفايروس وتحوله الى جائحة، في مختلف انحاء العالم، لجأت الحكومة الفنلندية، التي يقودها الحزب الديمقراطي الاجتماعي الى اعلان حالة الطوارئ في البلاد بعد ان اقرها البرلمان الفنلندي، وعلى اساسها عطلت المدارس وتوقف العمل في العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة، وتم الانتقال الى أسلوب العمل عن بعد من المنزل، الذي شمل العديد من المؤسسات، إضافة الى اتباع سياسة الحجر الارادي للمواطنين، واغلاق مراكز الخدمات العامة كالمسابح، صالات الرياضة، المطاعم، الحانات، المراقص وغيرها. وتم منع التجمعات الرياضية والاجتماعية والفنية وإلغاء العديد من المهرجانات والحفلات الموسيقية، وقامت الدولة بمجهود كبير لنشر الوعي الصحي، فانتشرت اللافتات التحذيرية وبمختلف اللغات في معظم الأماكن التي يضطر لزيارتها المواطنون خصوصا المستشفيات.
في مواجهة جائحة انتشار الفايروس، لجأت الحكومة الفنلندية والجهات الصحية العليا الى اعتماد خطة ابطاء حالة انتشار الفايروس بشكل متسارع، وهكذا حين سجلت العاصمة هلسنكي وضواحيها حيث يقيم ثلث سكان فنلندا (يبلغ عدد سكان فنلندا  5,5  مليون نسمة) أكثر من نصف حالات الإصابة بالفيروس التاجي (كورونا) المؤكد في فنلندا، تم عزلها عن بقية البلاد ومنع السفر ومنها واليها أعتبارا من 26 اذار ولمدة ثلاثة أسابيع.
كان الهدف من كل التشريعات والاجراءات ولضمان الحفاظ على صحة المواطنين، هو عدم ارباك المؤسسات الصحية وكادرها لتكون جاهزة لاستقبال الحالات الحرجة بعدد يتناسب مع امكانياتها، ولجات الدولة الى استيراد المعدات الصحية اللازمة لمواجهة انتشار الفايروس على وجه السرعة مستخدمة احتياط الطواريء المقر في خطة الحكومة الأساسية وبلغت قيمته مليار يورو، كما تم توجيه العديد من المؤسسات الصناعية لإنتاج مستلزمات التعقيم والكمامات وأجهزة مختلفة لسد جزء من حاجة البلاد.
أبدت السلطات الصحية ارتياحها من تفاعل المواطنين مع خطة الحكومة ، ويمكن القول ان ما ساعد على نجاح خطة الحكومة كان هناك العديد من العوامل ، منها كون البلاد تقاد من حكومة لجأت الى إجراءات سريعة وحازمة ومسؤولة، وأيضا مستوى الوعي الصحي وروح الانضباط العالية عند المواطن الفنلندي، واحترامه لمؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية، فعلى ضوء الازمة في الولايات المتحدة الامريكية واعمال الاحتجاجات ضد ممارسات الشرطة هناك بينت الاستفتاءات ان للمواطن الفنلندي ثقة عالية بالشرطة الفنلندية، ولم تحصل أي احتكاكات ومخالفات للقانون خلال فترة اعلان الطوارئ. ويمكن القول أيضا ان طبيعة المواطن الفنلندي، ساعد على بطء انتشار الفايروس، وفي جانب اخر لوحظ ان بعض الجاليات الأجنبية المعروفة بنشاطها في التزاور واللقاء انتشر الفايروس بين صفوفها بسرعة.
وحتى يوم اعلان رفع حالة الطوارئ كان هناك 7108 إصابة مؤكدة مختبريًا، تعافى منهم 6200 مواطن، ويرقد في المستشفيات 22 شخصا ثلاثة فقط منهم في العناية المركزة. وتوفي في فنلندا 326 شخصا، كان اغلبهم من الكبار في السن وممن لديهم امراض مزمنة. ولم تسجل حالات وفاة جديدة منذ يوم السبت 14 حزيران.
حول استخدام الكمامة، لم يتم فرضها على المواطنين، وظل الامر اختياريا، لكن ينصح باستخدامها في الأماكن المغلقة ووسائل النقل العام، الباصات والقطارات والترام، التي لم تتوقف عن تقديم خدماتها ضمن شروط الوقاية والسلامة ومسافة البعد الآمن بين المواطنين بمسافة متر الى مترين، وفقط في المستشفيات كان المراجعين عادة يلزمون بلبس الكمامة التي تقدم لهم عند بوابة المستشفى.
واعتبارا من الأول من حزيران بدأت الحكومة تخفف من إجراءات العزل والحجز، فسمحت للمطاعم بفتح أبوابها بشرط إستخدام  % 75المقاعد في المكان، مع المحافظة على مسافة البعد الآمن، وفتحت بعض المسابح أبوابها والمكتبات العامة والبلاجات.   وضمن الإجراءات التي شملها رفع حالة الطوارئ هو سماح فنلندا لمواطنيها للسفر الى دول الشمال الأوربي، النرويج وايسلندا والدانمارك، ولكنه منعت السفر من والى السويد بحكم اختلاف الطريقة في التعامل مع الفايروس، فالسويد لجأت الى أسلوب "مناعة القطيع"، الذي سجلت منظمة الصحة العالمية ملاحظاتها حوله، لكونها سمحت باستمرار الحياة العادية لأجل انتشار الفايروس وتحقيق مناعة عامة عند الناس! وترافقا مع رفع حالة الطوارئ، أعلنت الحكومة الفنلندية ميزانيتها التكميلية الرابعة، وبقيمة 5,5 مليار يورو، وإذ لجأ الاتحاد الأوربي الى اعلان ما سماه " صندوق الإنعاش" لاقتصاد أعضاء الاتحاد بقيمة 750 مليار يورو، توزع 500 مليار منها كمنح و250 مليار كقروض، فان فنلندا لجات الى إقتراض   18,8 مليار من الصندق لدعم ميزانيتها التكميلية لأجل تنفيذ خطتها الاقتصادية ومعالجة الاضرار الناجمة عن الجائحة، وأعلنت وزيرة المالية بأن حالما تستقر الاوضاع فان الدولة ستضطر لرفع الضرائب وخفض قيم الانفاق ولكن دون المساس بمخصصات المتقاعدين والعاطلين عن العمل، حيث تم تخصيص 60 مليون لدعم المداخيل عموما و20 مليون لتعزيز خدمات العاطلين عن العمل.  وتم تخصيص 750 مليون يورو لاستثمارات النقل وان 600 مليون منها لسكك الحديد والترام ، و مبلغ  1,4 مليار للبلديات لأجل تحسين الخدمات العامة، وأكثر من 200 مليون للتعليم و310 مليون لرفاهية الأطفال والشباب و300 مليون للعامل المناخي.
تجدر الإشارة الى ان الحكومة الفنلندية، اشارت الى كونها تدارست مع رئيس الجمهورية والبرلمان، قضية التشريعات التي ستحتاجها الحكومة مستقبلا للتصرف بسرعة، دون انتظار جلسات البرلمان لاقرارها ، في حال ظهور موجة وباء ثانية في الخريف والشتاء، كما تتوقع بعض الدوائر الصحية، وبدت الحكومة الفنلندية راضية من إجراءاتها ومستقبل الحد من الوباء ، فتم الإعلان ان المصادر الطبية تتابع باهتمام الجهود الاوربية لإيجاد لقاح ناجح للفيروس التاجي (كورونا)، وضمن إجراءاتها تدرس تهيئة خطة لتوزيع اللقاح على المواطنين في حال توفره. ومن الجدير بالذكر ان اخر الاستقصاءات سجلت تصاعد شعبية الحكومة، التي مر تقريبا عام من عمرها، خصوصا رئيسة الوزراء وحزبها الاجتماعي الديمقراطي (23,2)، مقابل الانخفاض الواضح والمتواصل في مستوى التأييد لأحزاب اليمين، مثل حزب الفنلنديين الحقيقين المتطرف (18,1)، وحزب الاتحاد الوطني الفنلندي (17,5).




113
بأي اتجاه يتحرك النازيون الجدد في فنلندا؟

 
يوسف أبو الفوز
في الأيام الأخيرة ، وشوارع مدن الولايات المتحدة الامريكية تلتهب بالاحتجاج الغاضب، بحيث أدخلت الرعب في قلب الرئيس الامريكي الشعبوي دونالد ترمب فأختبأ تحسبا في ملجأ محصن في البيت الأبيض ــ كما افادت صحيفة نيويورك تايمز ــ ، ورغم جائحة الكورونا، شهدت كثير من مدن العالم اجتماعات وتظاهرات تضامنية، ومنها العاصمة الفنلندية، هلسنكي، تطالب بالمساواة والعدالة وتدين الممارسات العنصرية بحق المواطنين السود في أمريكا، والتي صار إختناق المواطن الأسود جورج فلويد حتى الموت بحادث بشع على يد مجموعة من رجال الشرطة الامريكية، في مدينة مينيابوليس الأمريكية الشرارة لاندلاعها، وسط كل هذا خرج علينا النائب في البرلمان الفنلندي أنو تورتيانين Ano Turtiainen عن حزب الفنلنديين الحقيقين، اليمني المتطرف، بتغريدة على موقع تويتر سخر فيها من وفاة رجل أسود نتيجة لعنف الشرطة وأشار إلى "أن حياة الشخص الأسود ليست ذات قيمة مثل حياة الآخرين".
اثار هذا التصريح العنصري الشارع الفنلندي، ووسائل التواصل الاجتماعي، ووضع حزب الفنلنديين الحقيقين في موقف محرج ومساءلة، وفي البال حديث رئيس الحزب يوسي هالا أهو Jussi Halla-aho في لقاء تلفزيوني في شهر فبراير / شباط الماضي، وامام الانتقادات لمواقفه المتطرفة بحق اللاجئين والمهاجرين واعتبارها مواقف عنصرية، تعهده للجمهور بأنه "لا يوجد مكان للعنصرية في حزبه". ومع النجاحات التي تحققها الحكومة الفنلندية الحالية في مواجهة جائحة كورونا، بوجود مجموعة من احزاب اليسار، بقيادة الشابة المتألقة سياسيا سانا مارين (34سنة) التي حازت اعجاب العالم والشارع الفنلندي وتصاعد المؤشرات ـ حسب اخر الاستقصاءات ـ في تأييد الحكومة واحزابها خصوصا الحزب الاجتماعي الديمقراطي ( 23,2 )، حزب رئيسة الوزراء، وانخفاض نسب التأييد لأحزاب اليمين ومنها حزب الفنلنديين الحقيقين (18,1)، وحزب الاتحاد الوطني الفنلندي (17,5)، لجأ الحزب اليميني المتطرف ، في محاولة واضحة لأجل التقرب من الشارع الفنلندي ، الى اجراء طرد النائب من مجموعته وعدم القبول باعتذاره الذي قدمه لحزبه.
رد الفعل من النائب أنو تورتيانين على هذا الطرد والاقصاء، جاء بإعلان نفسه مجموعة برلمانية بأسمه ومستقلة وأعلن عن رئاسته لهذه المجموعة بنفسه، واختارا سكرتيرا للعمل في هذه المجموعة النائب السابق جيمس هيرفيساري، وهو نفس النائب الذي طرده حزب الفنلندييبن الحقيقين من صفوفه عام 2013 بعد اعترافه بدعوته صديقه الناشط اليميني المتطرف سيبو ليتو الى قاعة البرلمان، والتقاط صورة له هناك وهو يقدم التحية النازية وتم نشر الصورة لاحقا في صفحات الانترنيت، وهذه قضية شغلت الراي العام في حينها.
أية أسئلة تثير كل هذه المعلومات؟
لو تابعنا الاخبار والتقارير الإعلامية ، التي تفيدنا عن نشاط النازيين الجدد في فنلندا، الذين عملوا كذراع ضمن فصائل " حركة مقاومة دول شمال أوروبا" النازية ، وكونهم لم يستسلموا وحاولوا الالتفاف على قرارات القضاء الفنلندي، الذي حرم نشاطهم رسميا في اذار عام 2019 ، فأن اكبر الصحف الفنلندية ، هلسنكي سانومات، اشارت في تقرير لها، عن نقلا عن الصحيفة السويدية افتونبلاديت واسعة الانتشار، بأن جماعات من حركة النازيين الجدد الفنلندية، الذين اصبحوا ينشطون تحت ستار اسم " باتجاه الحرية" ـ Kohti vapautta ـ يساهمون منذ عام 2016 في دورات عسكرية على مقربة من مدينة بطرسبورغ، يقدمها معسكر بإدارة المنظمة العنصرية الروسية المعروفة باسم "الحركة الإمبراطورية الروسية " والمصنفة أمريكيا كمنظمة ارهابية. المعلومات تفيد بان المعكسر أنشأ عام 2012، ويقدم دورات عسكرية قتالية. وإذ اعتذرت المخابرات الفنلندية عن التعليق حول هذه الانباء، رغم إعلانها اهتمامها بالأمر، فأن السؤال هو: اذا كان النازيون الجدد يعدون انفسهم عسكريا، فأي اذرع سياسية ستجد لها مجموعة "بأتجاه الحرية" ارتباطا بكل ماضيها وعلاقاتها، بسياسيين فنلنديين داخل صفوف اليمين المتطرف. هل ستتوجه ليكون النائب أنو تورتيانين ، بدعم من سكرتيره ، صوتا لها دخل البرلمان الفنلندي؟



114
مكاشفة : مرحبا بالموت ان كان أسمي على القائمة!

يوسف أبو الفوز

أيها الأصدقاء في كل مكان ... الان يمكنني الموت بسلام.
أكملت فجر اليوم، 16 نيسان 2020، كتابة "المسودة الأولى" من روايتي الاخيرة!
تبين لي بأن الكلمة اقوى من الموت، ويمكن ان تكون علاجا لمقاومة اشد الامراض، فقد كان "الرفيق الأعلى" طيلة الشهرين الأخيرين، يدور حولي ويشاكسني، يطرق موظفيه الباب مرة بخفوت، مرات يحاولون التسلل عبر النافذة، فكان هناك أطباء ومستشفيات وسيارات اسعاف، وقلق ودموع شادمان، فلم استسلم. لاعترف لكم بأن فكرة الموت كانت تحوم حولي بشدة، وانا اتعرض لنكسات صحية متكررة، في ظل أجواء ينشغل العالم كله بوباء الكورونا. تعلمت ان لا أخاف من الموت واكون مستعدا له، فشخصيا اعرفه جيدا وسبق وقابلته مرارا، واعرف أن اسوأ ما فيه أن يأتيك في الوقت والمكان غير المناسب، هذه المرة، كنت قلقا جدا ان يباغتني وانا لم أكمل كتابة الرواية بعد.
واصلت حبيبتي شادمان حارسي الأمين، وملهمتي، بمدي بالعزم والقوة للتمسك بالحياة، فمنحت جهازي المناعي المزيد من القوة ليقاوم المرض، فكانت تذكرنا بخطط وضعناها للسفر ومشاريع لقاءات مع أصدقاء واحباب. وحين علم الاصدقاء والمحبون، بوجودي في المستشفى، انهالت علينا تحيات المحبة وجرعات الامل من كل صوب: ( يمعود بعد وكت كدامك مشروعين على الاقل! ) ، كان ذلك مذهلا ومترعا بالعاطفة: (يا يوسف كل هذه الناس تنتظرك وانت تفكر بالموت ؟) . وكان هاجس أكمال كتابة الرواية قبل ان أموت، عامل اخر يشدني للتمسك بالحياة. لقد وصلت المراحل الأخيرة من العمل. فكانت شخصيات الرواية تدور حولي وتصرخ بي: (لن ترحل، لا تتركنا معلقين هكذا ، لم يبق لديك سوى صفحات قليلة لترتبط الاحداث مع بعضها)!
كنت اتغافل مع اوجاع جسدي، وأسرق حتى الدقائق القليلة، وسط استغراب من حولي، كنت حتى في المستشفى اغافل الممرضات لأفتح الكومبيوتر، لأضيف كلمة هنا، وادقق حدثا هناك. كنت مصرا لإكمال الرواية قبل ان يقتحم ملك الموت المشهد غصبا عني! هذا الإصرار منحني طاقة لمقاومة المرض، لإكمال هذه الرواية، بل وللتفكير بفكرة رواية أخرى أن تكرم علينا ملك الموت ورفع أسمي من القائمة الذهبية لعام 2020 !
منذ أكثر من عامين ونصف وانا في عمل متواصل مع هذه الرواية، بحثا وتأملا وكتابة!
بدأت فكرتها الأولى معي عام 1978 وانا مطارد في العراق وضباع البعث العفلقي الصدامي تطاردنا من شارع لشارع!
كتبت اول الصفحات منها خلال وجودي بشكل غير شرعي في الكويت عام 1979، حيث تركت وطني مضطرا، ووصلت الكويت مشيا عبر الصحراء، لكن السلطات الكويتية صادرت أوراقي، مع مسودات أخرى، حين داهمت منزل أحد اخواني وأجبروه على مغادرة الكويت.
خلال وجودي في اليمن 1980-1982 لم أنجح، رغم محاولاتي المتكررة، في العودة الى أجواء العمل وكتابة صفحة واحدة منها. في السجون الإستونية عام 1994 كتبت مشاهدا متفرقة من العمل وسكيتشات وملاحظات لمشاهد مقترحة.
وطيلة هذه الفترة، لم اتوقف في البحث في عالم الشخصيات، فازدحمت طاولتي بمختلف أنواع الكتب، التي لها علاقة بهذا الشكل وذاك بالاحداث والشخصيات والامكنة والأجواء التي تجري فيها الرواية. أجريت وسجلت عشرات اللقاءات مع مختلف أبناء جيلي للحوار وسماع حكاياتهم التي اعتقد لها علاقة بموضوع الرواية. قرأت العديد من المذكرات الشخصية عن الفترة الزمنية التي تجري فيها احداث الرواية. راجعت الكثير من الخرائط والصور الفوتوغرافية لأمكنة وشخصيات واحداث، وكتب عن الطبيعة والحيوانات والنباتات والزهور والاساطير والامثال والحكايات والخ، وفي كل هذا وشادمان معي، تمنحني الإصرار والقوة للاستمرار، وكنت أفكر أحيانا معها بصوت عال واتسمع لملاحظاتها واقتراحاتها، فهي على الدوام كانت "المستشار النسوي"، الذي يدقق التفاصيل بخصوص الشخصيات النسائية. قبل عامين ونصف، اقتنع عقلي ـ أو شيطان الكتابة! ـ بأني جاهز للمغامرة فأطلق لي العنان لأكتب، وبدون توقف، ولأنجز أخر اعمالي الروائية.
الطريف أن أول ما كتبت من هذا العمل، كان الصفحات الاخيرة منه، وكل عملي وجهدي طيلة هذه الفترة، كان منصبا على الكتابة وفق سياق يتطابق منطقيا مع احداث المشهد الأخير.
أثبتت الفحوصات قبل اسبوعين، كوني سليما من فايروس الكورونا. غادرت المستشفى لأن البيت أكثر أمانا من خطر الإصابة بالكورونا، أبذل جهدي لاتباع وصايا شادمان والأطباء، وأأمل التعافي ومواصلة حياتي بشكل طبيعي.
لن "احرق" الرواية وأعلن عنوانها ولن اتحدث عن عوالمها، ولكنها رواية بإحداث وشخوص عراقية ١٠٠٪، حيث قيل عن رواياتي السابقة بأنها تطير بجناحين عراقي وفنلندي.
لقد منعني الطبيب هذه الأيام من الاقتراب من الكحول، فأرفعوا أيها الاصدقاء نيابة عني نخب الكلمة!

  *  (الصورة المرفقة بعدسة شادمان علي فتاح : مباغتة خلال مراحل العمل)



115
ملاحظات عن العمل بين الشبيبة والطلبة

يوسف ابو الفوز
   
من خلال تجربتي المتواضعة الملموسة في اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية في سبعينات القرن الماضي في لجانه المختلفة في مدينة السماوة، ومن خلال نشاطي اللاحق عضوا في اللجنة التنفيذية في اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي "اشدع " للفترة ( 1998 ـ 2005 ) ، وكوني سكرتيرا للجنة العلاقات الخارجية لاشدع للفترة المذكورة، كتبت هذه المساهمة، ونشرتها في طريق الشعب ايامها والحزب الشيوعي على أبواب مؤتمره الثامن. اعيد نشرها الان ونحن نحتفل بعيد تأسيس اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية، وفاء للشهداء الذين قدموا حياتهم لأجل المثل العليا، وتحية لكل الزملاء، من كل الأجيال في كل مكان.
(1)
في تاريخ الحركة الوطنية العراقية ، وفي سنوات النضال من اجل التحررالوطني والاستقلال والانعتاق من الاستعمار ، وفي كل عهود التخلف والاضطهاد والحكومات المتسلطة التي تعاقبت على مقاليد الحكم ، واخرها فترة النظام الديكتاتوري الدموي المقبور ، لعبت منظمات العمل الديمقراطي المهني ، منظمات الشبيبة والطلبة والمراة ، دورا وطنيا رياديا لا يمكن لاي مؤرخ او مراقب تجاوزه واهماله ، وقدمت قوافل من الشهداء خلال سنوات عملها من اجل اهدافها الوطنية النيرة ، ولتحقيق الطموحات المشروعة لمنتسبيها في حياة حرة كريمة للشبيبة والطلبة . وخلال الفترة المعقدة ، سنوات ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري ، واحتلال العراق ، وتشكيل حكومات عراقية من اجل بناء مؤسساتي جديد ، لعراق جديد ، والدعوة لبناء المجتمع المدني ودولة القانون فأن المنظمات الديمقراطية المهنية ، وبالتحديد منظمات الشبيبة والطلبة والمرأة ، يتضاعف دورها وتزداد مسؤولياتها ، بل ويستوجب ان تلعب دورا مهما ، لا يمكن التقليل من شأنه ، بل ويمكن ان ينافس الى حد دور الاحزاب السياسية ، فأن العصر الحالي يمكن القول ووصفه انه عصر منظمات المجتمع المدني ، التي تلعب في المجتمعات الديمقراطية المتطورة دورا بارزا ومؤثرا في الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية ، ومن هنا تبرز الحاجة اكثر لاعادة النظر بأساليب بناء وتنظيم منظمات الشبيبة والطلبة والمرأة ، وطرق عمل الشيوعيين فيها ، وفقا لمعايير العمل الجديدة الملائمة للظروف الجديدة في العراق الجديد المزمع بناءه ، والذي تطمح له غالبية ابناء الشعب العراق وقواه السياسية التي عانت من جور وظلم سنوات القهر الديكتاتوري. وتبرز الحاجة اكثر من اي يوم للتنسيق العالي والفعال، وبناء اسس جديدة للعلاقة ما بين منظمات الشبيبة والطلبة ـ موضوع بحثنا ـ والاحزاب الوطنية الديمقراطية، وفي المقدمة من ذلك الحزب الشيوعي العراقي، كحزب وطني، علماني، ديمقراطي، لعب، ويلعب دورا طليعيا في الحركة الوطنية الديمقراطية ، وباعتبارهذه المنظمات تعتبر وسائل فعالة للحزب الشيوعي العراقي للعمل بين الجماهير .
(2)
عند دراسة الفقرات التي يتضمنها برنامج الحزب الشيوعي العراقي المقدم للمؤتمر الثامن، لابد من ادراك انها تعني اساسا كل الشبيبة والطلبة في العراق ، سواء المنتمين الى صفوف الحزب او خارجه ، وسواء من عملوا في منظمات مهنية او خارجها ، فالحزب حريص على ايصال صوته وبرامجه الى اوساط الشبيبة والطلبة ، بشكل مباشر من خلال اعضاءه ، او من خلال نشاطهم في المنظمات المهنية الديمقراطية . وقبل تقديم اي ملاحظات بشأن عمل الحزب الشيوعي العراقي بين الشبيبة والطلبة ، لابد الاشارة من انه لايمكن الحديث عن نشاط وعمل منظمات الشبيبة والطلبة التي ظهرت في تاريخ العراق المعاصر، دون التوقف عند مساهمة ودور الحزب الشيوعي العراقي الفعال والتأريخي في دعم هذا النشاط والعمل ، بل ونكاد نجزم بأن منظمات عريقة مثل اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ( تأسس 14 نيسان 1948 ) واتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي "اشدع " ( تأسس 15 تشرين الثاني 1951 ) لم يكن لها ان تتأسس وتواصل نشاطها وحياتها لولا دعم ومساهمة الشيوعيين العراقيين . اذ رفد الحزب الشيوعي العراقي، هذه المنظمات بخيرة كوادره الطلابية والشبابية ، والتي قدمت عصارة جهدها ، وزهرة شبابها من اجل تحقيق هذه المنظمات لاهدافها وبرامجها ، وقدم الكثير من الشيوعيين حياتهم قربانا للوطن خلال عملهم في صفوف هذه المنظمات ، وقائمة الشهداء طويلة لو تم استذكارها . وكانت سياسة الحزب الشيوعي تحرص على ان تكون هذه المنظمات طوقا جماهيرا حول الحزب يسنده ويدعمه في تنفيذ سياسته وبرامجه
ولكن هل كانت سياسة الحزب الشيوعي العراقي ، في اطار العمل بين الطلبة والشبيبة ، على صواب دائما ؟ هل كان تاريخ العمل المهني دائما يمر بفترات عمل ذهبية ، كالتي شهدتها سنوات ما بعد ثورة 14 تموز المجيدة ، يوم صار لاشدع مقرات في كل حارة وشارع ؟ ماذا تقول كتب ذكريات بعض القادة من الحزب الشيوعي العراقي بهذا الخصوص؟
(3)
لو القينا نظرة متفحصة على ما حمله البرنامج المقترح للحزب الشيوعي العراقي، المقدم لمؤتمره الثامن، وفي باب "الشبيبة والطلبة " ، فأننا :
•   سنتوقف عند مهام جسيمة وكبيرة وان كانت الوثيقة جمعتها واجملها في اربعة نقاط وتتحدث عن الطلبة والشبيبة في ان واحد بالرغم من هموم ومتطلبات الطلبة تختلف عن الشبيبة رغم اتفاقهما على نقاط مشتركة هنا وهناك ، وكان الاجدر في البرنامج ان يتناول اوضاعهما ومطاليبهما وهمومهما بشكل منفصل ، ويفّصل فيها .
•   وبحكم كون البرنامج موضوع لفترة ما بين مؤتمرين ، والتي تحدد حسب النظام الداخلي بفترة اربعه سنوات ، باعتقادي ان من الممكن تقسم هذه المهام الى محورين او بابين :
اولا : المهام الانية : وهي هنا المهام التي تتعلق بمعالجة الاثار التي تتعلق بتركة النظام الديكتاتوري المقبور ، وما برز بين صفوف الشبيبة والطلبة من اثار سلبية ، اهمها حالة تجهيل وتغييب الوعي ـ هي حالة عامة يعيشها الشعب العراقي ـ والنتائج السلبية المترتبة على ذلك في دفع الشبيبة والطلبة للعمل باتجاه طائفي وقومي ، وايضا الاثار التي برزت خلال فترة الاحتلال وما تركت من تاثيرات بين صفوف الشبيبة والطلبة . وما يتعلق بتحسين حياة الشبيبة والطلبة وفي مقدمة ذلك معالجة مشكلة البطالة التي تعتبر حاليا احد الاسباب الرئيسة الحاضنة للارهاب ، اضافة الى غالبية المهام المجملة في النقاط الاربعة المذكورة .
ثانيا : المهام المستقبيلة : التي تتعلق بدور الشبيبة والطلبة في بناء وتعزيز المجتمع المدني ودولة القانون ، واعادة بناء الوطن واعماره وبطريقة تضمن الحقوق والحريات التي ناظلوا من اجلها طويلا .
(4)
وان تنفيذ المهام التي حددتها الوثيقة البرنامجية المقترحة للحزب الشيوعي العراقي، بخصوص الشبيبة والطلبة ، لا يمكن تنفيذها وبابداع دون التوقف عند نقاط اساسية ، منها :
اولا : استقلال المنظمات الديمقراطية
في كتاب " الاختيار المتجدد " * وهو مذكرات الفقيد رحيم عجينة ( 1925ـ 1996 ) ، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي ، وهو واحد من ابرز الكوادر التي عملت في اشدع في سنوات خمسينات وستينات القرن الماضي ، وتبوأ فيه مواقع قيادية مهمة ، ومثل اشدع في العديد من المحافل الدولية وخصوصا سكرتارية اتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي ، يشير الى كون استقلالية المنظمات الشبابية كثيرا ما يهدد بسبب الكوادر القيادية ، فاذ يكونوا عاملين في احزاب شيوعية ( فانهم يطرحون في العادة مواقف احزابهم ) ويؤكد ( بان هذا احد امراض المنظمات الديمقراطية سواء كانت وطنية او عالمية اذ غالبا ما تفقد استقلاليتها وتمسكها برغبات وقرارات اعضاءها ) . وفي مذكراته يؤكد الفقيد رحيم عجينة على ضرورة ( العمل وبجد لتعزيز استقلالية هذه المنظمات لتكون منظمات ديمقراطية ، كاملة الاستقلال، وليس تابعا ملحقا لتنظيم الحزب الشيوعي العراقي ، ودون السماح لهيئات حزبية وكوادر قيادية من ان تفرض وصايتها على الهيئات القيادية تحت ذرائع ومبررات لا حصر لها ) .
ولو راجعنا مذكرات المناضل ، جاسم الحلوائي ** ـ المنشورة على مواقع الانترنيت وصدرت مؤخرا في كتاب ـ والذي تبوأ مواقع قيادية عديدة في قيادة الحزب الشيوعي العراقي ، وتحديدا الفصل المعنون (الإصدام) ، نجده يشير وبجرأة الى ( إن نزعة الهيمنة على المنظمات الديمقراطية والمهنية والإنفراد بقيادة الجماهير الشعبية لم تكن نزعة طارئة وإنما من صلب أيديولوجية الحزب ، وإن الحرص على مبدأ وحدانية المنظمة الديمقراطية أو المهنية الذي كنا ندافع عنه يصب في هذا الإتجاه. إن هذه النزعة كانت موجودة في المواد الخمسة الأولى من النظام الداخلي القديم، التي كنا نشرحها للعناصر الجديدة قبل ضمها للحزب وقد جرى تعديل تلك المواد في المؤتمرين الثاني والثالث . وبدأ الحزب بالتخلص من هذه الأيديولوجية منذ مؤتمره الخامس "مؤتمر الديمقراطية والتجديد" حيث ثبت في نظامه الداخلي الجديد حرصه على إستقلالية المنظمات النقابية والمهنية والإبداعية وغيرها. وواصل دمقرطة الحزب وبرنامجه وسلوكه مع الآخرين وتبنى التعددية والتداول السلمي للسلطة ) .
ان ابرز ما يواجه الحزب الشيوعي العراقي في هذا المجال ، ومن خلال تجربتي المتواضعة الملموسة من خلال نشاطي عضوا في اللجنة التنفيذية لاشدع ( 1998 ـ 2005 ) ، وكوني سكرتيرا للجنة العلاقات الخارجية لاشدع للفترة المذكورة، هو ان الهيئات المختصات الحزبية ، وبحكم حاجة بعض العاملين فيها الى مزيد من الوعي والثقافة النقابية بسبب من قلة تجاربهم في العمل المهني ، ورغم اعلان هذه الهيئات المختصة الدائم عن عدم تدخلها بشؤون عمل المنظمات الديمقراطية والمهنية ، فانها عمليا تعمل بطريقة تكون فيها مقام الهيئات القيادية لهذه المنظمات المهنية ، وما يساعدها على ذلك هو ان الروح الانجازية ـ الانجاز لاجل الانجاز ـ التي تملكها هذه المختصات الحزبية وتجعلها تنجز فعاليات ونشاطات تنظيمية تكون النتيجة فيها أختيار هيئات قيادية ضعيفة الخبرة والتجربة ، فتكون دائما بحاجة ماسة الى الدعم والمشورة ، مما يساعد ويسهل لبعض الكودار القيادية العاملة في الهيئات الحزبية المختصة ان يتحولوا من مقدمي مشورة ونصائح الى موجهين وقادة فعليين للمنظمات الديمقراطية ، وهذا بالتأكيد يتم "تحت ذرائع ومبررات لا حصر لها " كما اشار الفقيد الدكتور رحيم عجينة . ومع ذلك لا يمكن هنا اغفال تجارب ايجابية عملية في التنسيق العالي بين هيئات قيادية من المنظمات العمل الديمقراطي ، وهيئات مختصة حزبية استوعبت جيدا موضوعة استقلالية المنظمات الديمقراطية ومارست بشكل خلاق وحقيقي دور تقديم المشورة والدعم المناسب فكانت نتائج العمل طيبة ومثمرة.
ثانيا : العمل السياسي والعمل المهني
ان قراءة متفحصة لتاريخ نضالات منظمات الشبيبة والطلبة تجعلنا نتوقف عند تلك الصفحات المشرقة في النضال الوطني ، من اجل الاستقلال والديمقراطية والحرية وحياة افضل ، حيث قدمت هذه المنظمات قوافل من الشهداء الابرار من منتسبيها ، في كل الانتفاضات والوثبات والثورات والاحتجاجات ، وفي مختلف سوح النضال ، في المظاهرات وفي ساحات العمل السري ، وفي السجون والمعتقلات ، وفي سنوات الكفاح المسلح ، وسنوات النفي الاجباري . ان النضال المطلبي والمهني متشابك جدا مع المطالب الديمقراطية، فأن العمل من اجل تنظيم فريق كرة قدم يحمل معه ضمنا نضالا من اجل حياة ديمقراطية ، وهذا ما يجعل هذه المنظمات في صدام مستمر مع انظمة الحكم التعسفية الشمولية . والملاحظ ان العديد من الظروف الموضوعية والداخلية جعلت المنظمات المهنية تتحول الى منظمات سياسية ، تتحدث بذات الخطاب الذي تتحدث به الاحزاب الوطنية وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي ، مما يسبب الخلط بينها وبين تنظيمات الحزب الشيوعي ، ولهذا نتائجه السلبية على التوجه للعمل بين اوساط الشبيبة والطلبة. ان من الضرورة التأكيد على ان يكون للمنظمات الديمقراطية برامجها المهنية الديمقراطية ، التي تحمل هموم ومطالب الشرائح التي تمثلها ، وان تنشط المنظمات الديمقراطية بأتجاه تعزز فيه النشاط والعمل المطلبي وترسم برامج واقعية تلف حولها غالبية من تمثلهم وتتحدث باسمها . ان الاستقلال في العمل والخطاب النضالي لا يعني تعارضا مع الاحزاب الوطنية والحزب الشيوعي العراقي، وكما ان التنسيق في العمل والالتقاء في الاهداف يجب لا يعني التبعية والذوبان . ان تعزيز الجانب الديمقراطي في حياة وبرامج وعمل هذه المنظمات يجب ان يساهم في جعلها منظمات ديمقراطية مهنية حقيقية وليست منظمات سياسية تابعة وذيلية. ان التنوع الفكري لمنظمات الشبيبة والطلبة يدعو الى العمل لتوحيد جهودها ضمن مظلة تنسيق واحدة، تكون اداة لجمع طاقات الطلبة والشبيبة من اجل اهداف مرحلية انية تدعم العملية السياسية وتتصدى للعمل الارهابي والتخريبي ، وهنا يمكن للشيوعيين العاملين في منظمات الشبيبة والطلبة ان يلعبوا دورا اساسيا استنادا الى تجربة حزبهم في العمل المشترك والتحالفات .
هوامش
* ـ الاختيار المتجدد . الدكتور رحيم عجينة . توزيع دار الكنوز الادبية 1998 . بيروت
** ـ جاسم الحلوائي . ذكريات / موقع الناس / فقرة الاصطدام


سماوة القطب
18 تشرين الاول 2006

116
المنبر الحر / إشهدوا أني بلغت!
« في: 13:44 10/04/2020  »
إشهدوا أني بلغت!

 

يوسف أبو الفوز

نتجول كل مساء في الغابة القريبة من بيتنا، هاربين من وحشة العزل الذاتي بسبب جائحة فايروس الكورونا، وتتوفر لنا الفرصة لشم هواءا نقيا، مراقبة مظاهر الربيع على أغصان الأشجار، والتلذذ بسماع خرير الماء في الجدول والاستمتاع بالطيور محلقة حولنا، تتناجى فيما بينها بأعذب موسيقى، غير دارية بما يجري على الأرض من أهوال. ومثل كل يوم، كانت شريكة حياتي تعزز هوايتها بالمزيد من الصور لما حولنا، لتختار فيما بعد أفضلها لتنشرها على حسابها في الانستغرام. ومن لا مكان ظهرت أمامنا. كانت نبضات قلبي موسيقى طبول مصاحبة لظهورها. أيعقل ان المرأة ـ الوطواط حقيقة وليس خيالا؟ بحثت عن الكاميرات حولي، فربما يصورون هنا فيلما ما، أو اعلانا للحبة الزرقاء يقدم بعد الساعة التاسعة مساء! ليس سوى الهدوء ، فهو الغالب. غابت حتى السناجب والارانب التي يستهويني متابعة ردود فعلها على ظهور الانسان قريبا منها! كانت المرأة تتحرك برشاقة لا تخفي جسمها الملفوف بأحسن تكوين، الامر الذي جعلني أتذكر حيلة رجالية عتيقة، بافتعال ربط شريط حذائي لأحظى بزاوية أفضل للتمتع بهذا الجمال المكنون وكسب بعض الوقت في تملي المرأة التي حيت زوجتي وهي تعبر مسرعة تاركة في المكان زوبعة من عطرها الفاغم. بدلا من نيل اللوم والتقريع من زوجتي لأفعالي الصبيانية، ولان حركتي كانت مكشوفة، تفاجأت بها تسألني:
ـ هل عرفتها؟!
ازدردت بلعومي مرارا أبحث عن جواب ما، لكنها وفرت عليّ ذلك:
ـ كنت اظنك حقا هراكيل بوارو لكثرة ما تتحدث عنه!
ـ أتعرفينها؟
وضحكت زوجتي، تلك الضحكة التي تعادل القبضة اليسرى من مايك تايسون قبل إعلان إسلامه. فحاولت ان اتماسك والشعور بالهزيمة والعجز بدا واضحا يرسم حركتي البطيئة:
ـ هذه جارتنا، صاحبة الجرو الذي ...
ـ مستحيل، لا يمكن، ان تكون هي!
ـ مثلما تريد، لكنها هي!
بعد عودتي للبيت وقفت عند شباك المطبخ، متابعا كل من يمر امام منزلنا. نادرا ما مر أمامي رجل او امرأة بدون كمامات أو قفازات. لاحظت مبالغة البعض بارتداء ملابس مغلقة، مثلما فعلت جارتنا، بأرتدائها ملابس داكنة واسعة، غطت فيه رقبتها مع كمامات ونظارات وعززت ذلك بقفازات بحيث بدت لي كأنها المرأة ـ الوطواط فلم اتعرف عليها وانا الذي طالما تباطأت في خطواتي كلما صادفتني تتسكع مع جروها الذي يطلق نباحا مزعجا لا يتناسب مع حجمه كأنه قطة!
ولمع في بالي خاطر. يا آلهي. ايتها الآلهة عند الكفار والمؤمنين.. أنه الوقت الملائم تماما. هل أخبر بذلك الشرطة، أم أنشر تحذيرا عاما على فيس بوك فيتوزع أسرع من بوستات " جمعة مباركة"؟؟
كيف لم يخطر ببال الكثيرين أنه الوقت الملائم لسرقة البنوك!
نعم! سبق وشاهدنا كيف تجري سرقات البنوك في الأفلام الهوليودية : يرتدي اللصوص أقنعة لإخفاء معالم الوجه، قفازات لعدم ترك البصمات وملابس داكنة واسعة لتخفي طبيعة الاجسام !
لقد حولتنا جائحة الكورونا، كلنا نساءا ورجال، اخيارا واشرار، اغنياء وفقراء، مؤمنون وملحدون الى اشكال تبدو كأنها مشاريع لصوص. لو دخلت هذه الأيام أي مجموعة بشرية لأي بنك لن يشك بها أحد أبدا. لن يستنفر الحراس وتطلق صفارات الأنذار، فالجميع في الهوا سوا! سوف يمكنهم بسهولة سلب البنك ما يريدون والانصراف بهدوء كبير. لا حاجة لسيارة تنتظر والمحرك شغال. يمكن المغادرة من الباب الامامي، ولن تتمكن الشرطة من العثور على شهود لوصف اللصوص، فالجميع في بيوتهم يمارسون حقهم في العزل الذاتي!
إشهدوا أني بلغت!  إشهدوا أني بلغت!  إشهدوا أني بلغت!     


٩ نيسان
هلسنكي ـ عزلة الكورونا

   

117
هل كان العالم بحاجة لأزمة وباء فايروس الكرونا؟

يوسف أبو الفوز

ان المتابع للتطورات السياسية في مختلف دول العالم، والمصاحبة لأزمة فايروس الكورونا، بالتأكيد لاحظ كيف ان الازمة هزت الأنظمة الرأسمالية وكشفت خوائها الإنساني، ففي الولايات المتحدة الامريكية، في يوم وليلة تحول جميع المرشحين للانتخابات الرئاسية، من جمهوريين وديمقراطيين،  ليقفوا على يسار المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز الذي قبل ازمة الكورونا كان يدعو في برنامجه الانتخابي الى الرعاية الصحية للجميع، لقد  أصبح الجميع فجأة اشتراكيين ويدعون لتوفير الرعاية الصحية مجانا، بل ودعا البعض من الجمهوريين الى تأميم بعض شركات المستلزمات الطبية !
فما الذي جرى؟ وهل حقا كنا بحاجة لأزمة الكورونا ؟هذا السؤال الغريب صار يتردد على لسان الكثيرين، مع استمرار الأيام الصعبة، التي يواجهها الناس في مختلف بقاع العالم، من بعد اكثر من مئة يوم من تفشي الوباء، خصوصا البلدان التي ارتفع فيها عدد المصابين والموتى، حيث وحتى كتابة هذه السطور، تتحدث الانباء عن أصابة أكثر من 1.2 مليون شخص وموت أكثر من 69000 شخص في مختلف البلدان، وبسبب من عدم اكتشاف علاج ناجع للمرض، فإجراءات العديد من حكومات العالم، صار هدفها ليس إيقاف الوباء، بقدر ما الابطاء من انتشاره لتستطيع المستشفيات والوحدات الصحية القيام بواجبها خاصة مع الحالات الخطرة.
تقودنا طبيعة السؤال، الى حال كون وباء فايروس كورونا، وضع الكثير من الأنظمة والحكومات على المحك، وكشف مساوئها في طريقة ادارتها للازمات، وفضح النواقص في كفاءة الأنظمة الصحية، اضافة الى عجز سياسيين وقادة دول وقصورهم في فهم حجم الخطر الذي يهدد بلدانهم والعالم، حيث ادلى البعض بتصريحات قللت من شأن الأزمة، أو تحتوي على معلومات مضللة عن فيروس الكورونا وتنصح باتخاذ اجراءات غير مفيدة إلى حد بعيد، ويقف في مقدمة هؤلاء السياسيين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتهريجاته التي تتناقلها وسائل الاعلام بسخرية وغضب!
لقد واجهت البشرية، على مر العصور والتأريخ، مجاعات وحروب واوبئة أدت بحياة الملايين وانهيارات في الاقتصاد، وتجاوزتها محاولة، ولأجل المستقبل الأفضل، الاستفادة من دروسها الأساسية، فهل ستتوقف الشعوب والأنظمة السياسية عند الدروس المستخلصة من ازمة وباء الكورونا بعد إيقاف الوباء والقضاء عليه واستعادة الحياة الطبيعية؟ هل ستتم مراجعة نظام العولمة الرأسمالية الذي اثبت فشله لأجل نظام أكثر إنسانية؟ هل آن الأوان لتنتبه مختلف الأنظمة السياسية بأن الدولة يجب ان تأخذ دورها الكبير في رعاية مؤسسات التعليم والصحة والسكن والغذاء، والتخلي عن مجرد كونها جهاز بيروقراطي يعمل لصالح أصحاب الثروة ورأس المال؟ هل سيتم الانتباه، على صعيد الحكومات والدول، الى ان الشعوب ليست بحاجة الى ميزانيات عسكرية ضخمة بقدر الحاجة للصرف على المنظومات الصحية؟ وان الامن الصحي هو في مقدمة المهمات وهذا لا يتحقق بالجيوش والصواريخ؟ هل ستنتبه الحكومات والأحزاب الى ان شعوبها سوف لن ترحمها إذا لم تكن تتعامل معها بشفافية ونزاهة وتضع مصلحة المواطن والبلد في المرتبة الأولى؟ وان تحقيق نظام العدالة الاجتماعية بين مواطني البلاد يحمي كرامة المواطن ويضمن أمنه الاجتماعي؟ هل ستنتبه احزاب المعارضة في الحكومات الديمقراطية، الى ان التعامل يجب ان يتم وفق معادلة "نقد ـ تضامن" لأجل مستقبل الشعب والوطن، وليس وفق سياسة النبش عن الهفوات واستغلالها لكسر عظم الاخر؟
وعلى الصعيد الاجتماعي والإنساني كشفت أزمة الوباء، خصوصا في البلدان الفقيرة وبلدان العالم الثالث، حاجة الناس لبعضهم البعض، واهمية التكافل والتعاون الاجتماعي، بإشكاله المادية والروحية، فهو من جانب سيساهم بشكل كبير في سد النقص في عجز المؤسسات الحكومية في القيام بدورها لسد الثغرة الكبيرة في الفرق بين حياة الأغنياء والفقراء. إضافة الى انه سيمنح الناس عموما شعورا بالأمان، لكونهم لا يواجهون مصاعب الحياة لوحدهم وان التضامن الشعبي يرسخ مفاهيم المسؤولية الجماعية. وان حركات الاحتجاج الجماهيرية، وتماشيا مع سياسات العزل والحجر الصحي، يجب ان تبتكر اساليبا جديدة لأجل الإبقاء على قوة الضغط ومن اجل انتزاع حقوق الناس في تحقيق التغيير المنشود لأجل عالم جديد يختلف عن عالم ما قبل ازمة الكورونا!


6 نيسان  2020
هلسنكي ـ عزلة الكورونا


118
المنبر الحر / الفرح أيام الوباء
« في: 22:45 31/03/2020  »
الفرح أيام الوباء
يوسف أبو الفوز

هذه الأيام، يعيش العالم مع محنة الوباء الفايروسي، وباء كورونا، واخباره في كل مكان ووضع كل العالم في عزلة، لكنه لا يمكن قطع حبال ذكرياتنا.
في العراق، نهاية سبعينات القرن الماضي، مع تزايد قبضة صدام حسين وجناحه على مقدرات السلطة وشؤون العراق، كنا نواجه وباءا من نوع اخر، وباء العسف السياسي، بأرهابه العلني ضد الشيوعيين والديمقراطيين وعموم الشعب العراقي تحت شعار: انت بعثي وان لم تنتم!
لم يرضح المئات من شيوعيين وديمقراطيين لإملاءات حزب البعث العفلقي الحاكم، السادر في سياسة تبعيث المجتمع وتزوير التاريخ فأضطر عدد ليس قليل منهم لمغادرة العراق، واضطر قسم ليس قليل لترك جامعاتهم ومواقع عملهم والانتقال لمدن ثانية، انتحلوا أسماء أخرى ومارسوا اعمالا لا تمت لاختصاصهم بسهولة، وعاشوا أيام رعب وتوتر وضباع الاجهزة الأمنية تطاردهم من شارع لشارع في انتظار حل ما.
لم يكن مخطئا من سمى حياة التخفي بانها، حياة تحت الأرض. فعليك ان تقطع علاقاتك مع معارفك القدامى، تتجنب لقاء اهلك واصحابك، متمسكا بالشخصية التي صنعتها لنفسك.
وصلت بغداد في ربيع 1978، تاركا دراستي الجامعية، باحثا لنفسي، مثل كثيرين، عن شخصية جديدة، وعمل مناسب، لوقاية نفسي من وباء الاعتقال وتبعاته، اتنقل بين مختلف الامكنة لأبيت ليلة او ليلتين باحثا عن مستقر. كانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي قد أصدرت بلاغها عن اجتماعها، الذي طالب بوقف حملات الاعتقالات والشروع في ارساء دعائم النظام الديمقراطي وانهاء الفترة الانتقالية واجراء انتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستورا دائما للبلاد وجن جنون قيادة وجلاوزة حزب البعث.
حل العام 1979، ونحن نعيش تحت الأرض في بغداد ومدن أخرى وضباع البعث تطاردنا من شارع لشارع. كان يوم الثلاثين من اذار يصادف يوم الجمعة. كانت شوارع العاصمة بغداد، مزدحمة بالناس، تعيش أجواء مباريات كرة القدم في دورة الخليج العربي الخامسة (من 23 اذار إلى 9 نيسان 1979). وعبر رفاق وأصدقاء، كان لدي موعد مع صديق عزيز ـ ربما يقرأ هذه السطور ويبتسم! ــ لم تفارقنا روح التحدي، وانطلاقا مما ذكره رجب بطل رواية "شرق المتوسط " لعبد الرحمن منيف لحبيبته هدى " ان أكثر الأماكن سرية هي الأماكن المكشوفة"، كان موعدنا عند صالة سينما بابل. وصل صاحبي على الموعد تماما، فلم ينتظر بعضنا الاخر كثيرا. اخذني بالأحضان وهو يسخر من هيئتي الجديدة، بذقني النامية ونظاراتي الطبية المزيفة. قال انه يعرف مكانا هادئا يمكن ان نحتفل به سوية، اتفقنا ان تستخدم اسمائنا المستعارة، ونتجنب العبارات والاغان الثورية، حتى لا نكشف أنفسنا للعيون. كنا لا نزال نقف عند بائع الفستق في باب السينما، حين وجدت انه اتفق مع صديقين أخرين لينضما الينا. لم يكن الامر حصيفا بالطبع ومخالفا لتقاليد العمل السري. الأكثر من هذا هو ان صاحبي كان متحمسا وقرر كما يبدو بدأ احتفاله ونحن هناك، فراح يدندن بصوت مسموع الاغنية التي تملأ الشارع يومها:
ـ "يا بورجل الذهب يا فنان العرب
هلا بيك هلا وبجيتك هلا!"
لم يكن خافيا عني مقصده. وسرعان ما ارتفع صوته يرافقه صاحبانا. بدا الامر وكأنه مزاج شباب محبين للرياضة. كان يفترض ان نترك المكان بسرعة، لكن صاحبي راح يكمل الاغنية بحماس أكبر:
ـ إلنا يبه الكأس وأسمنا يلوگ أله!
يكرر الجملة متوجها للناس القريبين اليه كمن يشركهم بالأمر، يغني وكأنه يطالبهم بالتصديق على كلامه. لا نعرف كيف التف علينا بعض الشباب في المكان، وصارت مجموعة من الشباب يغنون معه الاغنية بحماس ويدبكون، وتوسطهم صاحبنا. لم يكن صعبا إدراك ان صاحبي تحت ستار الاغنية الرياضية أراد ان يحتفل بطريقته الخاصة. بدأت دائرة الملتفين حولنا تكبر، وبدا الامر يكتسب شيئا من الخطورة حين اقترب مني أحد الوقوف في المكان وهمس لي محذرا:
ـ اخذوا صاحبكم واتركوا المكان بسرعة!
وهذا ما حصل. تركنا المكان أشبه بالهرولة، ووجدتني مع صاحبي، ونحن نبتعد ونضيع في الازقة القريبة اشاركه الغناء:
ـ "إلنا يبه الكأس وأسمنا يلوگ له"

25 اذار 2020
عزلة الكورونا

119
قصة قصيرة : المُعَلَّمُ !

الى رفاقي الأنصار الشهداء والشهداء ـ الاحياء في الذكرى 86 لعيد حزبهم العتيد ، ووفاءا ومحبة.
 نشر النص في الثقافة الجديدة العدد411- 410 آذار 2020/ من مخطوط " بعيدا عن البنادق" المعد للنشر

يوسف أبو الفوز

كل شيء كان مدهشا. الفرقة الراقصة التي قدمت رقصاتها بحيوية ومرح وجمال، شدت اليها الانظار، وطغى الاعجاب برقصاتها على كل شيء أخر. أزدحمت القاعة بالكثير من الانصار القدامى واصدقائهم الذين يحملون تقديرا لنضالات الانصار وتضحياتهم. كانت الوجوه مفعمة بالسرور، والانصار يجلسون مزهوين كونهم الضيوف النجوم في الاحتفال والذين سيتم تكريم المبدعين والفنانين منهم. عريف الحفل، رغم قصر قامته، يشعر بنفسه أطول من الاعمدة التي ترفع سقف القاعة، التي أزدهت بالاعلام والشعارات والبالونات الملونة، مزهوا لنجاحه مع المجموعة المنظمة للحفل، في ضمان مشاركة الفرقة الراقصة. بعض الهمس قال ان المجموعة المنظمة للاحتفال ضمنت ذلك بمكالمة هاتفية قصيرة للمسؤولين المعنين من قبل "الدكتور"، الذي ما أن وصل قاعة المهرجان تحيط به حمايتة الخاصة، وثمة من يركض أمامه مؤشرا بيده ان " افسحوا الطريق"، حتى ركض اليه البعض، يدلونه الى مكان جلوسه في الصف الامامي، ليس بعيدا عن قيادات حزبية وسياسية، الذين حضر بعضهم مبكرا واختلطوا مع الضيوف متبادلين معهم احاديثا ودية سادتها ضحكات مرحة، بينما جلس البعض الاخر منهم صامتا بشكل حيادي. لاحظ سالم من مكانه كيف ان البعض من القادة الحزبيين تعكر وجهه من رؤية "الدكتور"، وكيف نهض البعض وصافحه بحرارة، بينما رد البعض التحية مجاملة وهو جالس في مكانه. واذ تفحص سالم وجوه الحاضرين من حوله، عرف الكثير من اصحابه، قادمون من مختلف مدن البلاد، وبعضهم قادم من دول اوربية بعيدة، لكنه انتبه الى غياب معلمه. أيعقل ألا يحضر في مثل هذا اليوم، وهو الذي ظل يسأل عن موعد الاحتفال طوال الاسابيع الماضية؟ ما ان حلت الاستراحة حتى ترك سالم مقعده ووقف جانبا يتفحص القاعة بهدوء. لاحظ اخت الشهيد التي احتضنته قبل عام، في مهرجان سابق، بحرارة وشهقت على صدره حين علمت بانه ساهم بدفن اخيها في احد أودية كردستان. بعض أصحابه الانصار، وقد التقوا بعد فراق لفترات معينة، ربما شهورا وقد تكون سنينا طويلة، غرقوا ، وحتى خلال فقرات الحفل، في احاديث عميقة هامسة تقطعها ضحكات مكتومة، يمسحون الدمع بأطراف اصابعهم عن عيون اتعبتها ليالي السهر في الجبل، وخمن بأن الكثير منهم لم يسمعوا كلمة من قصيدة الشاعر، الذي ابتل قميصه المزركش بالعرق في حر تموز اللاهب، وبحت حنجرته وهو يشيد بحماس بنضالات شهداء العراق وشهداء الانصار، الذين نسي منظمي الاحتفال، ان يضعوا ولو صورا لبعضهم ضمن معرض صور الطبيعة التي استأجروها من معرض للوحات والصور القديمة، بعد ان تعالت الاصوات محتجة بضرورة ان يضم الاحتفال معرضا للوحات، فأنتبه منظمي الاحتفال الا انهم نسوا انه كان بين المقاتلين الانصار العشرات من الرسامين البارعين وسيتم تكريم بعضهم هذا اليوم. واخيرا أنتبه سالم، وعثر على المعلم جالسا في اخر القاعة، بملابسه المتواضعة وقبعته القماشية، التي صار يرتديها في الفترة الاخيرة كمحاولة لاخفاء صلعه النامي. كان يبدو مثل عامل وصل المكان من موقع العمل مباشرة. كان الجالس بجانبه يهمس له بشيء ما، وهو يبتسم له بهدوئه المعتاد. ذات الابتسامة التي ما فارقت محياه منذ تعارفا في تلك الزنزانة العفنة. في تلك الليلة البعيدة، حين جرجره الفاشست من سرير نومه، واذاقوه العذاب وحين عجزوا من معرفة ولو اسم واحد من رفاقه، رموه كخرقة بالية على ارضية الزنزانة. أحس بيد حانية، تمسد له جروحه وتمسح دمه المتخثر، وصوت تحمل نبراته كل حنو العالم يهمس له بكلام لا يفهم منه شيئا. تحدث الصوت معه كثيرا تلك الليلة وظل ساهرا معه، فلقد منعته جراحه من النوم، ومن كل كلامه بقي يتذكر تلك الجملة التي سحرته كثيرا:
ـ بسيطة ... بسيطة .. غدا كل شيء يكون أحسن !
بعد يومين، حين افاق قليلا، ميز جيدا الوجه الفتي الذي لم يتركه لحظة واحدة. بأبتسامة حية، وبعينين متعبتين، تحملان كل حزن العالم وحكمته :
ـ بسيطة ... بسيطة .. غدا كل شيء يكون احسن !
سأله بحياد :
ـ هل انت معلم ؟
ضحك الرجل حتى بانت جذور أسنانه :
ـ هل طريقة كلامي توحي لك بذلك، اتصدق أني بالكاد تعلمت القراءة والكتابة !
ومن يومها قرر ان يسميه "المعلم". فعلى يديه تعلم كيف يمكن ترجمة المحبة الى أفعال :
ــ لا يكفي ان تقول لمن تحب أنك تحبه، عليك ان تجعله يتلمس ذلك!
ـ والكراهية يا معلمي ؟
ـ هذه لابد ان نعرفها، لكن يجب ان لا نمارسها !
ـ لكن الذي وشى بك وسلمك للضباع، كيف يمكن ان لا تكرهه ؟
ـ سيكره نفسه، حتى لو صار ... !
ـ ماذا ؟
ـ الذي وشى بي، يطمح لان يحصل على شهادة الدكتوراه يوما !
ـ وماذا تظن ؟
ـ سيحصل عليها، وسيناديه الناس "يا دكتور"، وسيكون له شأن ما، وبدل سن الذهب سيكون له أثنين، ولكن ...
ـ ماذا ؟
ـ سيكره نفسه قبل ان نكرهه أنا واياك. وغدا حين ننشغل بالمحبة والاحباب وعذوبة حياتنا الجديدة، سوف لن يكون لنا وقت كاف لنكره هذا "الدكتور" وأمثاله !
 لم يكن المعلم يحب الكلام الكثير، لذا تعب منه جلاديه. بعد جولات الاستجواب والتعذيب، كان يمسح لهم جراحهم بأبتسامته التي كانت تدفع بجدران الزنزانة ليروا خلفها جمال الايام القادمة :
ـ ترك لي ابي قطعة ارض صغيرة، صحيح انها اصغر من حصة أخي الأكبر، لكنها تناسب امكانياتي جيدا. سأبني لي فيها غرفة صغيرة واجد بنت الحلال التي تشاركني خبزتي، وسازرع الارض بكل ما ينفع الناس. يمكنك ان تزورني الى هناك. سأعطيك العنوان !
حين وجدا نفسيهما خارج السجن بعفو رئاسي مفاجيء، تسللا معا الى كردستان . كان للمعلم خبرة بارعة في معرفة الناس والدروب. في الجبل عاشا لفترة على مقربة من بعضهما البعض. تلقيا تدريبا على عمل الانصار، كان القائد الانصاري العجوز وهو يذرع الارض امامهم، ذهابا وايابا، يحرك اصبعه في الهواء
ــ عيوني ... تذكروا دائما، ان الجنود هم أخوتنا، والنظام هو عدونا !
اشتركا معا في عمليات انصارية مختلفة، واذ لاحظ المعلم يوما ارتباكه وتردده خلال عملية عسكرية، همس له وهو يحيط كتفه بذراعه :
ـ لا تخاف يا صاحبي من الرصاصة التي تسمع صوتها، فالتي ستقتلك لن تمنحك الفرصة لذلك !
وفي يوم صحو مريع، حين انهمرت القذائف عليهم بشكل مباغت، من طيران العدو، الذي صب حمم غضب النظام الفاشي على المواقع المحتملة للانصار، أصيب المعلم بساقه، وقرر طبيب الانصار بترها من تحت الركبة. كانت ليلة عصيبة. استخدم الطبيب منشار قطع الخشب وبمخدر موضعي قطعوا العظم. لم تنم القاعدة الانصارية ليلها. كانوا يسمعون زئير المعلم والطبيب يمارس مهمته الشاقة. في اليوم التالي قال الطبيب للأنصار :
ـ هذا ليس رجلا، قلبه من صخر !
ترك القاعدة ليلتها، لم يحتمل سماع الزئير، صعد الى ربيئة المراقبة والاسناد، ربيئة الدوشكا، اعلى الجبل، بعد يومين زار المعلم ودفن وجهه في صدره وشهق.  وهما يحتضنان بعضهما، قال له :
ـ انا اسف يا معلم !
وحرك عينيه اشارة الى ساقه. لم يستطع أن يقول الكلمة. أبتسم المعلم :
ـ  بسيطة ... ماذا كان سيحدث لو أن الشظية اختارت رأسي، ها انت تراني حيا، وبإمكاننا غدا ان نفعل كل شيء، سيكون لي ابناء بسيقان صحيحة، وستكون الارض عامرة بكل ما يسرك، فقط عليك ان تزورنا!
انتهى الحفل، وتدافع الحضور للخروج . حاول سالم ومعه المعلم الانتظار حتى يخف الازدحام. كان سالم يراقب بألم كيف حمل المعلم نفسه مكابرا على ساقه الاصطناعي مستندا الى عكاز خشبي قصير. كان المعلم يسير الى جانبه يحاول اقناعه بزيارتهم الى مدينتهم الصغيرة ليعرفه على من تبقى من أهله وزوجته، حين جرى كل شيء بسرعة، اذ خرج عليهم فجأة جماعة من ممر جانبي يؤدي الى غرفة دورة المياه ، وصاح احدهم بعدائية:
ـ افسحوا الطريق !
واندفع مجموعة من الشباب المتنمرين يبعدون الناس جانبا، رغم ان لا أحد يسد ممر الخروج الواسع. مد أحد افراد الحماية يده القوية جانبا وازاح سالم الى الخلف. لم يلحق ليقول شيئا. فثمة من قفز يدفع الاخرين ببندقيته ليفتح ممرا أكبر بين بقية الناس :
ـ افسحوا الطريق للدكتور!
مال احد الضيوف الخارجين متحاشيا عقب البنادق المشرعة، ومن دون ان يقصد دفع المعلم، فانزلقت عكازه على الكاشي الاملس. حاول المعلم ان يستند لشخص قريب، لكنه لم يلحق فتكوم على الارض مطلقا أهة حاول ان يكتمها وغطى وجهه حتى لا يرى الاخرين ألمه. اندفع سالم واخرين أليه وهم يشتمون لا على التعيين . وقف الدكتور جانبا وصاح بأحد افراد حمايته :
ـ أعمى، أغبر ، ما شفت هذا المسكين !
وألتفت الى سالم وسأله :
ـ أخي، هل كل شيء تمام ؟
ثم سأل بسرعة  :
ـ من هذا ؟
نظر سالم الى الدكتور ملياً، حدق جيدا الى لمعان سن الذهب في فكه الاعلى، قال له وشيء يخدش له قلبه
ـ بسيطة دكتور ... هذا نصير شيوعي !





22 ايار 2012
السماوة


120
كورونا والناس وبعض الفنانين!
يوسف ابو الفوز
اذ يجتاح وباء الكورونا البغيض العالم، اشبه بهجوم مباغت من الفضاء الخارجي، على طريقة أفلام الخيال العلمي، فينثر القلق والرعب والفوضى في كل مكان، تبان متانة الأنظمة الصحية لمختلف الدول، وقدرة الحكومات لأداره الازمة وأيضا معادن الناس!
وبعيدا عن التفاصيل، ولماذا نجحت الصين في احتواء الازمة، وتفوقت على أمريكا، والامر هنا بالتأكيد ليس له علاقة بالأيدلوجيا ابدا وانما بعوامل أخرى، لفت انتباهي انقسام الناس الى فئات مختلفة في تعاملها مع الازمة، ويمكن لمس ذلك ببساطة على صفحات فيس بوك.
الطرف الاول هم الذين يراقبون من بعيد، وكان الامر لا يخصهم، وكأنهم ليس من هذا الكوكب، لا تعرف ماذا يفعلون وماذا يقولون او يفكرون.
الطرف الثاني الاخطر هم من أصابه الذعر وراح ينشر ويوزع كل ما يصل تحت يديه، من اخبار كاذبة، ومفبركة، ومتضاربة، ناثرا دون ان يدري الارتباك والخوف بين الناس من حوله.
أن الازمة ليست هينة. لا يمكن التقليل من مخاطرها. ليس بإجراءات صار تكرارها مملا، فغسل اليدين والتعقيم ليس حلولا سحرية، وما دام لم يكتشف العلاج بعد، فالمهمة الأولى امام الدول والمواطنين، هي الحد من انتشار المرض، بنشر الوعي الصحي والالتزام الكامل بالإرشادات الرسمية من المراكز الطبية، والاهم هو عدم التطير ونشر روح التماسك بين الناس والاخبار الإيجابية عما يجري. فالى جانب عدد المصابين والموتى علينا ان نتحدث عن الناجين وعن الذين تماثلوا للشفاء بهذا الشكل او ذاك.
هذا يقودنا الى الطرف الثالث من الناس، الى من جند نفسه لنشر الاخبار الطبية الموثقة، والارشادات الصحية المطلوبة، وأيضا نشر الاخبار الإيجابية هنا وهناك لرفع معنويات الناس وتذكيرهم بأن هذه الازمة ستمر مثلما مرت غيرها وانها ستحمل معه الامها وتقدم لنا دروسها لنتعلم منها لنعيش بشكل افضل.
لا اود التحيز لأسماء معينة فأعرضها هنا كمثال ، لكن امامي جملة من الأسماء التي لفتت انتباهي، بمتابعتها الاخبار من مصادرها الاكيدة، وحتى لو كانت الاخبار حزينة فتعرض من قبلهم بشكل موضوعي بعيد عن هالة الهلع ونثر الخوف بين الناس.
استوقفني أيضا نشر بعض الأصدقاء والمعارف اخبارا عن مبادرات فنانين معروفين في اماكن اقامتهم، وجهودهم في دعم مكافحة الوباء، سواء بالتبرعات المالية او العينية او بمواقف تشد من عزم الناس وترفع معنوياتهم.
ما تقدم اثار في بالي سؤال، اين يقف يا ترى فنانينا؟ مع أي طرف نضعهم؟ خاصة أولئك الذين يصفهم الجمهور بالكبار؟ لن أتناول أسماء هنا، فالأمر ليس ارتياحات شخصية لهذا أو ذاك، فكل الأسماء خاضعة لهذا السؤال. فحين حرم واحد من اثرى رجال العالم، بيل غيتس، عائلته من ميراثه وتبرع بها للمشاريع الخيرية، كان يدرك ان ما جناه، بشكل أو اخر هو جزء من ايمان الناس به، واقبالهم على منتجات شركاته، فشعر ان لهم حقا بهذا، فأعاده اليهم بطريقته، فيا ترى أولئك الفنانين العراقيين، الذين أصبحت لهم ارصدة محترمة في بنوك خارج وطنهم، هل فكروا في ينقصوا حساباتهم بعض الاصفار ليتركوا اثرا طيبا خلفهم؟

121

قطاف تشرين (61): أن الحياد في المواقف المصيرية شكل من اشكال الخيانة!
يوسف أبوالفوز

قبل أكثر من اربعين يوما، حين بلغني خبر اختطاف الكاتب والنشر مازن لطيف كتبت للعديد من الزملاء والأصدقاء، مناشدا التضامن والعمل لكشف مصيره، لأن هذا "يمنح العصابات المسلحة فرصة للاستهتار بحياة الجميع، ولا نعرف من  سيكون التالي".
صديق من بغداد كتب لي أن لدى الجماعات المسلحة قائمة بأسماء المثقفين المدنيين، والناشطين في دعم الاحتجاج وانتفاضة تشرين.
لم يتأخر الانتظار كثيرا لإثبات صحة هذا الكلام، اختطفوا توفيق التميمي!
لا حديث عن الدولة هناولا عن أجهزة امنية ولا كرامة المواطن. ومن المخجل على سياسي الصدفة الحديث عن الإنسانية وحقوق الانسان والمستقبل والخ، ان كان المواطن في زمنهم لا يضمن سلامته اليوم، وعائلته لا تملك تفسيرا لاختفاء معيلها!
أن العصابات المنفلتة، المستهترة، المجرمة والمرتبطة بأجندة تهدف لتخريب البلد، تعرف كيف توجع أبناء شعبنا. لاحظوا أنها تضرب في الخاصرة، في العظم، توجه ضرباتها لمثقفي البلد باغتيالهم واختطافهم ومحاولة شراء ذمم البعض بطرق مختلفة لضمان سكوتهم.
أن المحزن هو سكوت البعض ممن يحسبون انفسهم مثقفين ومبدعين، كنا ننتظر ان يكونوا في مقدمة المنتفضين، ليس للمطالبة بالكشف عن مصير زملائهم المختطفين، ولكن لضمان ان لا يأت دورهم قريبا.
أيها المثقف العراقي تذكر بأن السكوت والحياد أمام هذه المحنة شكل من اشكال الخيانة.


122

من العاصمة التشيكية
يوسف أبو الفوز: على المثقف الاصطفاف إلى جانب المنتفضين

براغ – طريق الشعب

عن طريق الشعب العدد 131 ليوم الاثنين 24 شباط 2020
 
ضيّف المنتدى العراقي في الجمهورية التشيكية، الخميس الماضي، الكاتب والإعلامي العراقي المغترب يوسف أبو الفوز، في حوار مفتوح حول تجربته الأدبية ورؤاه في شأن انتفاضة تشرين المتواصلة في العراق.
حضر الأمسية التي أقيمت على قاعة المنتدى في مركز العاصمة براغ، جمهور من المثقفين والمهتمين في الشأن الأدبي من أبناء الجالية العراقية. فيما أدار الأمسية الأستاذ علاء صبيح، الذي قدم باختصار، سيرة الضيف، وتناول أهم انجازاته الأدبية.
أبو الفوز، القادم من فنلندا، استهل إجاباته عن أسئلة الحوار، متناولا الأوضاع السياسية في بلده العراق، وتقلباتها وانعطافاتها، وكيف أن ذلك ترك بصمات على مسيرة كل فنان أو أديب.
وتطرق إلى مدينته السماوة، وعائلته التي عرفت بارتباطها بنضال قوى اليسار، الأمر الذي ترك تأثيرا كبيرا على مجمل نشاطاته وتوجهاته الفكرية.
وألقى الضيف الضوء على بداياته في مجالي الإعلام والكتابة، وعلى نشاطه السياسي في صفوف الحزب الشيوعي العراقي، وما تعرض له من اضطهاد على أيدي أزلام النظام البعثي المباد، ما اضطره إلى الاختفاء واللجوء إلى المنفى، لينتهي به الحال في فنلندا التي يقيم فيها منذ عام 1995.
كذلك تحدث عن تجربته في صفوف الأنصار الشيوعيين، أبان فترة الكفاح المسلح في جبال كردستان، ضد النظام الدكتاتوري.
وفي جانب آخر من الأمسية، تحدث أبو الفوز عن مفهوم المثقف، والفرق بين مفاهيم الثقافة والمعرفة، والعلاقة بين المثقف والسياسي. ثم تطرق إلى انتفاضة تشرين، وحيّا شهداءها، والمنتفضين الذين يواصلون مواجهة القمع ببسالة وصدور عارية.
وأشار الى ان الانتفاضة أبرزت القدرات العالية للشباب العراقي في تطوير الوعي الجمعي، والانتماء للهوية الوطنية، مؤكدا بروز الروح التشاركية والتضامنية بين الثوار، ومثمنا المساهمة المتميزة للمرأة العراقية في الحراك الاحتجاجي.
وأكد الضيف أنه "في المنعطفات التاريخية يعتبر الحياد صنفا من الخيانة. فالواجب الوطني يفرض الاصطفاف الى جانب الثوار في سعيهم للتغيير نحو عراق مدني ديمقراطي"، مشددا على أن "من اهم واجبات المثقف، دعم سلمية الانتفاضة بما يضمن نجاحها، ويساعد في إفراز قيادات كفوءة لها".
وأشار أبو الفوز إلى أن عددا ليس قليلا من المثقفين، يقف اليوم في المنطقة الرمادية من دون أن يصدر عنه موقف تجاه انتفاضة تشرين، لافتا إلى أن "الانتفاضة لا تزال مستمرة من اجل التغيير، وأن الفرصة متاحة أمام المثقفين للخروج من المنطقة الرمادية، وإعلان موقفهم الصحيح". 



123
قطاف تشرين (60): Once Upon a Time in Iraq

يوسف أبو الفوز

هل تتذكرون جوليانو جيما؟ (سلسلة أفلام رنغو)،
تشارلز برونسون؟ (حدث يوما في الغرب)،
كلينت إيستود (الجيد والسيء والقبيح)
وفرانكو نيرو (سلسلة أفلام جانغو) وغيرهم!
كانوا ممثلينا المفضلين، نحن الأطفال والصبيان، المولعين بالسينما، وافلام العصابات ـ رعاة البقر ـ ولا نمل من مشاهدة هذه الأفلام. ما ان تعلن سينما المدينة عن فيلم جديد، حتى نقف طابورا امام بواب السينما، الرجل الطيب، الذي يعرفنا ويعرف عوائلنا جيدا. يستجيب لتوسلاتنا ويسمح لنا بالدخول كل اثنين وثلاثة ببطاقة، بل احيانا أربعة ببطاقة واحدة لنشاهد ممثلينا المفضلين، وهم يعتلون خيولهم ويرسلون النيران يسارا ويمينا ... بنغ.. بنغ.. دون ان يصيبهم خدش، ليفوزوا بالغنيمة لأنفسهم، بعد سطوهم على بنك المدينة او نهبهم لقافلة مارة بالمكان، لكنهم سرعان ما يختلفون على اقتسام الغنيمة وتبدأ بينهم معارك التصفيات!
أتذكر كل هذا الان، والاخبار تقول بأن المجاهد أبو فلان، هدد المجاهد أبو علان، بأنه سيكشف المستور عن عمليات السطو التي نفذوها وخطط تقاسم الغنيمة، وان هذه الفضيحة ستطيح برؤوس كبار. وكان أحدهم يستولي على كذا نسبة من عائدات مطار النجف، وان كذا مليون من ميزانية الوزارات حولت الى بنك لبناني لاستثمار هذه الأموال في قطاع الفندقة (لم تذكر الاخبار، هل الفنادق تحوي كل انواع الخدمات؟)، وأن...
أننا نشاهد فيلم كابوي حقيقي ـ عزيزي القاريء ـ، كل العناصر متوفرة: عصابات مسلحة... زعيم عصابة ... سطو ... غنائم ... أقتسام غنيمة ... حرب تصفيات...!
ولكن، في الكثيرمن هذه الأفلام، يظهر رجل القانون ـ الشريف ـ في الوقت المناسب ليضع حدا لكل هذه الفوضى، وليقود الجناة المجرمين الى العدالة.
ان انتفاضة تشرين ستكون الأسرع في التسديد، وستوجه الرصاصة الحاسمة، لتطيح بكل هذه العصابات وتكنسهم من شوارع مدننا، وترسل كل هؤلاء المستهترين بحقوق الناس ال مزبلة التاريخ!
و ... بنغ .. بنغ!!

124
دعوة عامة
م/ أمسية ثقافية مع الكاتب والصحفي العراقي يوسف أبو الفوز
نتشرف بدعوتكم لحضور الامسية الثقافية (لقاء حواري) مع الاستاذ الكاتب والصحفي العراقي يوسف أبو الفوز.
التاريخ : 20/02/2020.
الزمان : الساعة الخامسة مساءا.
المكان : منطقة براغ الاولى - بالقرب من المركز التجاري (تسكـو)
RESTURACE- EVALD
NÁRODNÍ-28/60- PRAHA-1
مع التقدير والاعتزاز
المنتدى العراقي في الجمهورية التشيكية
براغ في 8/02/202

125
المنبر الحر / رسالة!
« في: 23:47 12/02/2020  »
رسالة!

يوسف أبو الفوز

لن أسألك عن اسمك، وليس مهما بالنسبة لك معرفة اسمي ـ كما أعتقد ـ يكيفنا اننا كلانا نعرف، بأن ما يجمعنا هو الكثير، وان اختلفنا في بعض التفاصيل.
ما يجمعنا ـ يا صاحبي ــ هاجس كبير، نكاد نستنشقه مع أنفاسنا، كل لحظة، ألا وهو ان يكون غد العراق هو الأجمل. هاجس ان ننعم بالحرية، وان لا نكون اذلاء، خاضعين لأحد وسلطة غاشمة، لهذا سلكنا هذا الدرب بدون تردد وغير هيابين. يسميه كتاب المراثي وشعراء الندب: طريق الشهادة، وبالنسبة لنا هو طريق الحرية!
سكب احبتنا الدموع، ورفعوا صورنا، واوقدوا الشموع مترنمين بالأغاني والاناشيد الحزينة، وكنا نتسمع لهم، ونحن نستغرب كيف يعتقد البعض اننا رحلنا؟! ها أنا ارى ارواحنا تطوف في كل مكان، واسماءنا تحولت الى رايات تحملها حشود الشباب تطالب بما حلمنا به انا وإياك دوما!
رغم اختلاف ظروف استشهادك عن ظروفي، الا أني أجد ــ يا صاحبي ــ ان هناك الكثير يجمعنا!
تعال انظر معي. أولا سأتوقف عند سماء الوطن، فكلانا استشهد وحلقت روحه كطير سنونو ـ كما يقول الكتاب ـ في سماء وطن أحببناه معا، وكنا مستعدين لبذل كل ما نملك ــ وهذا رابط آخر يجمعنا ــ الا وهو اننا وهبنا هذا الوطن أعز ما نملك: حياتنا!
قد نختلف بيننا انني اضطررت مع صحبي الى رفع السلاح ومقاومة نظام دكتاتوري شوفيني فاشي، يقوده جنرال مزيف، ومقاتلة المرتزقة المؤتمرين بأمره. ايامها رفعنا شعار " النظام عدونا، والجنود إخواننا". وعلى ذكر الجنود، مثلك أيضا كنت أحب كرة القدم، ولأننا نعيش حياة بدون كهرباء وتلفزيون، حياة الكهوف في الجبل، كنت وبعض صحبي من المقاتلين الأنصار، نعقد علاقات الصداقة مع جنود الربايا، أبناء مدننا الفقيرة، ونتسلل بدعوة منهم الى الربايا لنشاهد معهم اهم المباريات! بينما اعرف أنك تابعت مباريات كرة القدم من على شاشة كبيرة نصبت في ساحة التحرير. وأعرف بأن تظاهراتكم كانت سلمية، وكنتم ترفعون العلم العراقي سلاحا أوحد، وتنادون بالانتماء الى الوطن، وليس غير الوطن، لكن "الطرف الثالث " ـ هكذا سمته وكالات الاخبارـ كان يستهدفكم انت واصحابك واسقطوك غيلة وانت تتحرك في محيط ساحة التحرير وقيل إنك كنت تنقل بعض الطعام لأصحابك في المطعم التركي، حيث اعتصموا!
قد نختلف في بعض التفاصيل، لكن قاتلنا يبدو ـ يا صاحبي ـ واحدا، مهما تغيرت هيئته ولباسه وكنيته: انه ذاك الطرف ـ الثالث او الرابع ـ الذي يكره الحياة، الكاره للتسليم بالحق، الذي لا يستوعب أفكار الآخر المختلف، المخدوع بكرسي السلطة والقوة، الذي لا يفهم بأن غضب الشعب سيكون يوما سيلا جارفا لا يسلم منه في الوادي الا الحجارة، وان مستقبل الوطن الموعود، المدني الديمقراطي، تعمده دماء الشهداء، وكان شرف لنا ــ انا وإياك ــ ان نكون منهم!
تحية أيها الشهيد!


 *مساهمة في الملف الخاص بيوم الشهيد الشيوعي . طريق الشعب العدد 124 ليوم الخميس 13 شباط 2020
** البوستر المرفق للفنان فيصل لعيبي

126
الفنان كيرك دوغلاس وفيلم سبارتاكوس الذي تحدى المكارثية

يوسف أبو الفوز

أعلن مؤخرا، عن رحيل الممثل المخضرم، كيرك دوغلاس، عن عمر ناهز 103 عاما، (2020-1916) بعد ان قضى حوالي ستين عاما منها في مجال الفن، وأشهر ما عرف به فيلم سبارتاكوس، الذي أنتجه وقام بتمثيل الدور الرئيسي فيه، والذي يعتبر نقطة مهمة في حياته.  بلغت أرباح الفيلم في حينه حوالي ستين مليون دولارا وكانت تكاليف أنتاجه لم تبلغ 12 مليون، بالرغم من اعتبارها في حينه واحدة من أغلى تكاليف الإنتاج. والاهم ان الفيلم ترشح لـ 17 جائزة سينمائية، منها جائزة الاوسكار لأفضل ممثل بدور رئيس لكيرك دوغلاس، لكنه لم ينلها، بينما نال الفيلم أربع جوائز اوسكار، منها اوسكار أفضل ممثل مساعد لبيتر أوستينوف (2004-1921)، بالإضافة لأربع جوائز سينمائية أخرى مثل جائزة أفضل فيلم درامي من جوائز الجولدن جلوب.
أيام انتاج وعرض فيلم سبارتاكوس عام 1960 كانت أمريكا تعيش اياما عصيبة بتأثير سياسة الإرهاب الثقافي، التي عرفت بالمكارثية، حيث قاد عضو مجلس  الشيوخ الأمريكي ،من الحزب الجمهوري، جوزيف مكارثي  (1908 - 1957)، في ظل سعار الحرب الباردة ، بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، حملة لتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة دون ثبات الأدلة، للكثير من الفنانين والمثقفين والنشطاء الاجتماعيين، وتسبب في اعتقال وحبس البعض بتهمة الشيوعية وكونهم يعملون لمصلحة الاتحاد السوفيتي، وتسببت الحملة المكارثية بطرد اكثر من 10 الف شخص من وظائفهم وتم التنكيل بعشرات الشخصيات الشهيرة ، منهم مارتن لوثر كينغ و ألبرت أينشتاين وآرثر ميللر وتشارلى تشابلن.
من الأسماء التي شملتها الحملة المكارثية، كان الروائي وكاتب السيناريو الشيوعي الناجح جيمس دالتون ترامبو، (1976-1905)، الذي كان ضمن أشهر الكتاب في هوليوود في فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين. وتسببت الحملة المكارثية بسجنه لأنه ابدى شجاعة فائقة، في مواجهة الحملة، ورفض الاتهامات وتقديم أي اعتراف ضد زملاءه. فجاء الحكم بسجنه لمدة 11 شهرا، مع قرار منعه من العمل لمدة عشر سنوات، فاضطر بعد إطلاق سراحه، للكتابة بأسماء مستعارة، والطريف ان بعض أفلامه التي كتبها بأسم مستعار فازت بجوائز الاوسكار مثل عطلة رومانية (1953) والشجاع (1956) واضطرت أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة، للاعتراف بحقوقه كفائز بجائزة الأوسكار عن أحسن سيناريو في فيلم الشجاع، وقدمت له الجائزة باسمه عام 1975.
يذكر أن الروائي هوارد فاست (1914 – 2003)، كتب رواية سبارتاكوس في السجن عام 1951، بعد ادانته كونه شيوعي ورفضه تقديم اعترافات وافادات، لتأتي الرواية صرخة أدانه للعبودية وتمجيدا للنضال من اجل الحرية، ولرفض حملة الإرهاب الثقافي، التي يقودها جون مكارثي. وقام دالتون ترامبو، واستنادا للرواية، بكتابة سيناريو فيلم بنفس العنوان، وبعد ان حصل كيرك ديكلاوس على حقوق السيناريو، قرر التعاون مع المخرج ستانلي كوبريك (1928 – 1999) لإخراجه، وأصر عند عرض الفيلم على كسر حظر المكارثية لأسم دالتون ترامبو ووضعه على إعلانات الفيلم ككاتب لسيناريو الفيلم. كانت خطوة شجاعة تحسب لكيرك دوغلاس اذ ساهمت في تفكيك حملة الإرهاب الفكري وإلغاء القوائم السوداء.
وبعد نجاح الفيلم، منح كيرك دغلاس الفضل الأكبر في ذلك لكاتب السيناريو، وصرح بأنه حتى سبارتاكوس كان عمل أكثر من 85 فيلما، "لكن الشيء الأكثر فخورًا به هو العمل لكسر القائمة السوداء". ومن الجدير بالذكر ان الرأي العام تصاعد بعدها في ادانة المكارثية، وعزل جوزيف مكارثي نفسه، الذي أدين بالفساد وتوفي فيما بعد مدمنا على المخدرات.
في موقفه اعتبر كثيرين كيرك دوغلاس متماهيا مع موقف بطله العبد المصارع سبارتاكوس الثائر ضد الحياة اللانسانية التي عاشها العبيد في أيام الإمبراطورية الرومانية، والذي قاد ثورة انضم اليها الاف منهم مطالبين بحريتهم. يذكر ان من الأشارات التي كانت لصالح كيرك دوغلاس في تحديه للقوائم السوداء للحملة المكارثية، هو ان الرئيس الأمريكي المنتخب حديثا حينها، جون كيندي، حضر عرض الفيلم وأشاد به، فكانت أشارة مهمة لمعارضة الحزب الديمقراطي الامريكي للمكارثية وعلامة للانفراج السياسي نوعا ما في حياة المجتمع الامريكي.



127
أصدار جديد للشاعر العراقي عبد الكريم هداد
يوسف أبو الفوز

صدر مؤخرا للشاعر العراقي المقيم في السويد عبد الكريم هداد، في القاهرة، وعند دار الادهم للنشر والتوزيع، ديوان شعري جديد تحت عنوان (أنسكبُ شبيهاً لروحِكِ...!)، وذلك ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب المقام في الفترة 26 كانون الثاني/ يناير- 4 شباط / فبراير2020. ضم الديوان 46 قصيدة باللغة الفصحى، كتبها الشاعر ما بين الأعوام 1995-2006. صمم لاف الديوان الفنان عبد الكريم سعدون موظفا لوحة رسمتها ليلى ابنة الشاعر.
ويحمل هذا الإصدار الرقم 16 في سلسلة الكتب الشعرية والدراسات الأدبية التي أصدرها، وله أيضا عدة كتب مخطوطة تنتظر فرصة النشر، وأخرى قيد الإنجاز.
ويذكر ان الشاعر عبد الكريم هداد أضطر لمغادرة العراق لأسباب سياسية عام 1982، وبحثا عن سقف آمن تنقل في العديد من البلدان العربية والأوربية قبل ان يستقر به المقام كلاجئ في السويد منذ عام 1990. ظهرت نصوص الشاعر الشعرية ومقالاته في العديد من الصحف والدوريات العراقية الصادرة في المنفى، ومعروف عنه اهتمامه في كتابة أغنية عراقية مشاركة وبعض الفنانين العراقيين الذين شاركوه المنفى مثل فلاح صبار، كمال السيد، طالب غالي وسامي كمال. في عام 1990 أنتج التلفزيون السويدي فلما تسجيليا عن اللاجئين القادمين في السويد، واعتمدت في الفلم قصيدة للشاعر كسيناريو للفيلم. 
جاء في الغلاف الاخير من الديوان الجديد:
لا نفعَ في وَشْمِ القبيلَة
ونذور التمني
تعالي...
نبحثُ عن سِرِكِ
في صحرائي
واكتشفي ينابيعَكِ العذبَة
في حدائقِ لغتي
تعالي...
لنثملَ بفرحٍ مرشوش من ملح الدمعِ
عندَ قصبِ بحر المدنِ الأولى
لأمنحَكِ زهرَة البابونَج...!
سأكونُ في نشوةٍ
من الأغنياتِ الراقصة
وفيضٍِ من طفولتي
حيثُ مهرجانُ (بيتِ أكِيتو (
هناك...


 


128
قطاف تشرين (58): هناك شيء ما يحدث؟
يوسف أبو الفوز
أحدهم، من هؤلاء الذين لم تهتز ضمائرهم، لسقوط المئات من الشهداء، والالاف من الجرحى، في إحداث إنتفاضة تشرين، هذا من غير اختطاف وترهيب وتعنيف الاف اخرين، من قبل القوات الأمنية للحكومة المستقيلة، بمساندة القوى الخفية من" الطرف الثالث"، كتب على صفحات "فيس بوك" بأن ثمة شخصيات ناشطة في الانتفاضة "تسلمت كذا مبلغ من الدولة الفلانية"، وغير ذلك من الاراجيف التي تتداولها جيوش الانترنيت المدفوعة الثمن، ناوين من خلالها تشويه صورة الانتفاضة ونشطائها.
لم يثيرني هذا الكلام، أبدا، فهو المتوقع جدا، من شخص غارق بالطائفية بحيث أعمت عينيه عن رؤية حقيقة نفسه، هو الذي يخفق قلبه يوميا رعبا خوفا على فقدان المنافع غير المشروعة التي جناها من قرارات برلمان الفساد ودولة المحاصصة البغيضة. ما لفت انتباهي هو ما كتبه له أحد المعلقين، من صنفه:
ــ ما يحدث ليس طبيعيا، هناك شيء ما !
يا للعجب!! أخيرا أجد واحد من هذه "الهرملة" ، من سقط المتاع، ينتبه، ويعرف ويعترف بأن ثمة شيء غير طبيعي يحدث!
نعم يا هذا. هناك شيء عظيم يحدث. انها انتفاضة شعب ضد جوقة الحرامية وقتلة الشعب. افتح عينيك وانظر أبعد من دكة الرووخون، وأقرب من مسيرات الفقراء للزيارة الاربعينية التي أصبحت تجارتكم الرابحة!
انظر الى حقيقة كونكم لفظيا تناصبون العداء لأمريكا عدوة الشعوب، وهي التي جاءت بأسيادكم الى كراسي الحكم!
نعم أن شيئا هناك يحدث وغير طبيعي تماما، فشباب العراق، مقتحمي السماء، بصدورهم العارية يواجهون ميلشيات الطرف الثالث، التي عاثت في البلد فسادا باسم الدين، بحيث صار البعض يتمنى أمريكا ان تأتي لتزيحكم مثلما إزاحة خنزيرها المجرم صدام!
نعم، هناك شيء غير طبيعي يحدث، ونحن نرى حرائر العراق يكسرن اطواق التقاليد والعيب البالية، ويهدمن جدران المنازل ويفحن ثغرة في جدار الحصار الذي فرضتموه باسم الدين، فوقفن جنبا الى جنب مع اخوانهن الثوار مطالبات بوطن أختطفتموه تحت عباءة الدين، وهذا ما ارعبكم كثيرا، أن يكون للمرأة صوت مسموع وفاعل، وهي التي تريدونها حبيسة جدران غرف النوم والمطبخ!
هناك شيء غير طبيعي يحدث أيها الفاني، الفاسد، الغشاش، المزور،الانتهازي، المرائي، الطفيلي و السفيه ، وان خيارى ابناء الشعب يهبون طواعية لمساندة ودعم المنتفضين ويقاسمونهم قوت يومهم .
هناك شيء عظيم يحدث وان سيل غضب الشعب قادم، ليجرفكم الى بالوعات النسيان، ولن يبقى على الأرض الا الحجارة.
ان شيئا عظيما يحدث، وان جيلا غاضبا نهض ليكنس كل افاعيلكم ودنسكم وفسادكم، في سرقة قوت شعبنا، الذي يعيش تحت خط الفقر على ارض بلد يطفو على بحار من النفط!
أن شيئا عظيما يحدث بأن صباح جميل قادم، هو صباح سقوط القتلة!

129
قطاف تشرين (57): جذوة الانتفاضة لا تنطفيء!

يوسف أبو الفوز

ألم يتسائلوا ولو لبرهة عن أسباب اندلاع انتفاضة تشرين؟ هذه الأسباب التي صار القاصي والداني يعرفها، ويتحدث عنها؟
كل هؤلاء الذين صاروا يتباكون على السيادة الوطنية، ناسين انهم جاؤا الى الحكم على ظهر دبابات الاحتلال الأمريكي الذي أطاح بطاغية مجرم ساهموا بصناعته مثلما ساهموا بصناعتهم؟
الم يتسائل عن ذلك:
ــ حكام "دولة القناصة" القابعين في "منطقة العار"؟
ــ امراء الحرب من زعماء المليشيات المجرمة التي صار ثابتا انها "الطرف الثالث" الذي يخطف ويقتل الشباب من ثوار تشرين؟
ـ لا ننسى بالطبع هذا اللفيف من المدافعين عن المذهب ـ بوعي أو مغرر بهم ـ، خصوصا اللذين يضعون أيديهم على قلوبهم خشية ضياع المكتسبات (!!) غير المشروعة التي نالوها بقرارات من برلمان وحكومات المحاصصة الطائفية، وصار همهم الاول البحث عن ثغرات فردية هنا وهناك يمكن ان تحدث، ويسعون لتعميمها لأجل تشويه الانتفاضة والثوار؟
ـ لا نتوقف بالطبع عند الزعماء الشعوبيين، هؤلاء الذين كل يوم لهم موقف تبعا لطموحاتهم بالزعامة ومصالحهم وتحالفاتهم مع هذا الطرف او ذاك ـ خارج أو داخل العراق ـ؟
كل هؤلاء ألم يتسائلوا عن أسباب اندلاع الانتفاضة؟ ولو عرفوا بعضا منها ـ هم يعرفون! ـ هل يعتقدون ان الاسباب زالت او اختفت بعصا سحرية لمجرد ان طرفا غادر الساحة لأسباب ليست خافية عن المراقب الواعي؟
أيعتقد أعداء الانتفاضة ومن لف لفهم، ان نيران مطالب التغيير يمكن اطفائها والقضاء عليها بأرهاب المنتفضين بقوة السلاح وكواتم الصوت، أو بخطف وقتل اعداد من المنتفضين؟
أن جذوة الانتفاضة والمطالب بالتغيير لأجل عراق مدني علماني، جمرة متقدة في قلوب شباب العراق، الذي لم تلوثهم أفكار البعث الفاشية وسموم الطائفية المقيتة، هذه الجذوة ليست بحاجة لأيدي خارجية لتحريكها، فدماء الشهداء هو الوقود الذي يغذي نار المطالب المشروعة بالتغيير!
وما دامت الاٍسباب قائمة ومشروعة، فأن الانتفاضة، ستستمر، وتجدد نفسها، وتطور اساليبها، وتتجاوز العثرات والنواقص، وسيلتحق بها المزيد من أبناء الشعب، الذين سيدركون يوما بعد أخر حجم الكارثة وبشاعة جرائم أحزاب الإسلام السياسي بحق الشعب والوطن، وان فترة حكمهم للعراق، لم تكن الا وصمة عار على كل من وقف الى جانبهم وساندهم ودافع عنهم، بالضبط مثلما هو الحال مع حكومة البعث الفاشي الصدامي، الذي رماه الشعب في مزبلة التاريخ، حيث هناك دائما متسع للطغاة المجرمين ومن يساندهم.

130
على هامش احتجاز إسرائيل لنائبة من اتحاد اليسار الفنلندي:
هل تنتصر مصالح تجارة السلاح على المبادئ الانسانية؟
يوسف أبو الفوز                   
تتواصل في فنلندا، ردود الأفعال، حول قضية احتجاز النائبة الفنلندية اليسارية آنا كونتولا (42 عاما) يوم 13 كانون الثاني/ يناير في إسرائيل لمدة عشر ساعات، بتهمة التحريض على أعمال غير قانونية. وكانت النائبة أفادت بأنها توجهت مع مجموعة ناشطين دولية لتنظيم مظاهرة عند حدود غزة تهدف الى لفت الانتباه الى الوضع البائس وانتهاكات حقوق الإنسان هناك. ويُعرف عن النائبة نشاطها الدؤوب في مناصرة القضية الفلسطينية، ومعارضها صفقات السلام ما بين إسرائيل وفنلندا.
فمنذ عام 2007٧، حين حاصرت اسرئيل، قطاع غزة الفلسطيني، نشأت ازمة إنسانية واجتماعية واقتصادية تزداد سوءا تبعا للمراقبين، هذا إذا عرفنا بأن 97٪ من احتياطيات المياه الجوفية في غزة غير صالحة للشرب، ويعيش في القطاع حوالي مليون شخصا، 70٪ منهم لاجئين ونصفهم من الأطفال. ويعيش أكثر من نصف السكان في فقر شديد، ويعتمد 80٪ منهم على المساعدات الإنسانية ويعيش حوالي 70٪ منهم في حالة من انعدام الأمن الغذائي. وتشير المعلومات بأن ه بسبب سوء التغذية، يعاني 31٪ من الأطفال في سن ما قبل المدرسة في غزة من فقر الدم، يقابل ذلك نقص خطير في الأدوية الأساسية.
بعض من أحزاب اليمين الفنلندية، انتقدت نشاط النائبة الفنلندية، وانضمت لهم السفارة الإسرائيلية في فنلندا ببيان احتجاج أرسل الى وسائل الأعلام، وكذلك ناطق باسم الجالية اليهودية في فنلندا، اعتبر نشاط النائبة معاد للسامية. من جانبها ردت النائبة، بان "اليهودية والصهيونية امران مختلفان، وان انتقاد الحكومة الفنلندية لا يعني معارضة للديانة اللوثرية". ويذكر ان رئيسة حزب أتحاد اليسار ووزيرة التعليم لي اندرسون، ثمنت نشاط النائبة آنا كونتولا واعتبرته منسجما مع سياسات وقيم الحزب في دعمه للقضية الفلسطينية.
واعادت هذه القضية للأذهان موضوع تجارة الأسلحة ما بين فنلندا وإسرائيل، فالمعلومات الرسمية، التي تابعناها، ومن عدة مصادر تشير، الى ان فنلندا اشترت اسلحة من إسرائيل بقيمة وصلت الى حوالي 400 مليون يورو، منها أنظمة راديو ميدانية، وصواريخ سبايك المضادة للطائرات عامي 2000و 2002، بل وتفيد المعلومات بأن شركات سلاح فنلندية ساهمت في عامي 2006 و2007 بتوفير قطع غيار لهذه الصواريخ المرخصة للتصدير الى العديد من دول العالم، وتبعا لمنظمات حقوق الانسان العالمية ان بعض أنواع هذه الصواريخ استخدم في الهجمات ضد المدنيين في غزة. ولا تشير المعلومات الرسمية بان حجم التبادل التجاري في مجال الأسلحة يتباطأ لسبب ما، بل حددت وزارة الدفاع الاسرائلية في نهاية عام 2019 فنلندا باعتبارها واحدة من الدول الست التي كانت صادراتها اليها من الأسلحة واسعة النطاق وذات أهمية خاصة.
من هنا نجد أهمية وحساسية نشاط النائبة اليسارية، التي احرجت الحكومات السابقة المسؤولة عن كل هذه الصفقات. فالنائبة اليسارية تعارض التبادل التجاري في مجال الأسلحة، انطلاقا من معاهدة تجارة الأسلحة للأمم المتحدة وقوانين الاتحاد الأوربي، التي تقيد هذا النشاط في الدول التي تخوض حروب وتسجل فيها انتهاكات لحقوق الانسان. والنائبة اليسارية صريحة في اتهام السلطات الإسرائيلية وشركات السلاح بكونها تروج لمنتجاتها مستخدمة الاراض الفلسطينية المحتلة كمجال واقعي لاختبار وتطوير انظمة أسلحتها. وادلت بتصريح مباشر لوسائل الاعلام اشارت فيه الى "أن استمرار تجارة الأسلحة ما بين فنلندا وإسرائيل يبعث رسالة بان انتهاكات إسرائيل الخطيرة والمتواصلة للقانون الدولي ليس لها أي عواقب "
يذكر ان العلاقات بين فنلندا وإسرائيل تشهد نشاطا متواصلا في المجالات الدبلوماسية والتجارية والثقافية، ويقدر عدد الفنلنديين الذين يزورون إسرائيل كل عام بحوالي 10 آلاف فنلندي. وكانت فنلندا اعترفت رسميا بإسرائيل في 1949، وتم بدأ العلاقات الدبلوماسية عام 1950، وتأخر فتح السفارة الفنلندية في تل ابيب حتى عام 1952 وافتحت إسرائيل سفارتها في هلسنكي في عام 1956.
ومواقف فنلندا من القضية الفلسطينية، متوازنة وتتبع طبيعة الحكومات التي تدير دفة البلاد، فقد أيدت فنلندا اتفاقية أوسلو وتناصر حل الصراع في الشرق الأوسط على أساس الدولتين، وتنسج سياستها بهذا الشأن مع سياسة الاتحاد الأوربي، وهكذا افتتحت ممثلية لدولة فلسطين، دون الاعتراف الرسمي بها، كما أدانت فنلندا، مع الاتحاد الأوروبي ، الحصار الإسرائيلي ضد قطاع غزة ، وسجلت فنلندا العديد من المواقف الإيجابية والمشهودة في الأمم المتحدة وكان اخرها التصويت لصالح تجديد تفويض وكالة الأونروا ومواصلة عملها في توفير اساسيات الحياة للاجئين الفلسطينيين، إضافة الى الدعم المباشر المتواصل للقطاع الصحي والتعليمي في مناطق مختلفة من فلسطين.
أعتقد ان الجالية الفلسطينية، والعربية عموما، في فنلندا، مدعوة للاحتفاء، وتكريم النائبة اليسارية الشجاعة آنا كونتولا، وقد قدمنا اقتراحا بهذا الخصوص الى جهات معنية ووصلتني اتصالات أكدت السعي بهذا الاتجاه.

131

قطاف تشرين (56): نحب لو ما نحب؟
يوسف أبو الفوز
في الثورات، كما في الحب، ليس هناك منطقة وسطى. لا توجد منطقة رمادية. "نحب لو ما نحب"؟ ومحزن محاولة البعض من المتثاقفين، انصاف المثقفين، ان يجدوا لهم منطقة رمادية، مكانا خاصا بهم، يذكر بتلك النكتة عن الحاج الذي لم يكمل رمي الجمرات على الشيطان، وحين سأل عن السبب، أخبرهم بانها خط رجعة، تنفع يوما! 
في هذه السلسلة من الخواطر السياسية، فيما يتعلق بشؤون انتفاضة تشرين الباسلة، وبالضبط في الحلقة 44 وفي العنوان تسائلت: (هل يتحمل شيعة العراق جرائم حكومات المحاصصة؟) حاولت يومها الدفاع عن عامة الناس، من المذهب الشيعي، الذين تعرضوا للخداع والتضليل من قيادات وكوادر أحزاب الإسلام السياسي التي تتدثر بثياب الدين، ولم تحمل برنامجا لتطوير البلد أكثر من تسيير المواكب الحسينية وزيارات المراقد الدينية وغير ذلك من الطقوس الدينية. وكان انطلاق هتاف: "باسم الدين باگونا الحرامية"، والذي ردده الالاف من أبناء المذهب الشيعي، في المحافظات التي يسكنها غالبية من أبناء الشيعة، تعبيرا دقيقا عن حالة الخراب التي وصلت اليها البلاد على يد حكومات الفساد والنهب والقناصة المتسترة ب“الطرف الثالث" وهي ترتكب جرائمها بحق أبناء شعبنا من المتظاهرين والناشطين المدنيين.
أعود ثانية الى هذا السؤال، بعد ان لاحظت رواج مصطلح " شيعة الحكومة" في بعض الكتابات.
واجد ان هذا المصطلح منصفا ومكملا لجواب سؤالي، ويكشف بشكل ما عن فئة محددة، ويحاول فصلها عن عامة الناس من أبناء المذهب الشيعي، المتضررين من سياسات حكومات "منطقة العار". حيث نجد ان غالبية الملتحقين بساحات الاحتجاج بهذا الشكل او ذاك، هم من أبناء المذهب الشيعي، من المحافظات الفقيرة، ناهيك عن فئة أخرى تحاول الوقوف في المنطقة الرمادية بانتظار النتائج.
أما جماعة " شيعة الحكومة"، فهذه الفئة من المستقتلين، في التشكيك بالانتفاضة باسم حماية المذهب، وتجد بينهم مسعورين لا يخجلون من تخوين كل متظاهر، وإطلاق الاتهامات عن التمويل الخارجي للانتفاضة واصابع "الجوكر" التي تحرك المتظاهرين، وإشاعة الأحاديث عن "الطرف الثالث"، الذي يخطف ويغتال المتظاهرين، والمثابرة في البحث عن أي ثغرة او خطأ يرتكبه متظاهر، باجتهاد شخصي، لتسليط الضوء عليه وتعميمه ليكون المعبر عن طبيعة الانتفاضة التي تطمح لأجراء تغيير شامل.
قد نتفهم الحماس الطائفي للبعض ممن ترتبط مصالحهم، بهذا الشكل او ذاك، مع حكومات المحاصصة والحرامية وميلشيات الإسلام السياسي، وامراء الحرب من قادة هذه المليشيات، لأن التغيير المنشود القادم لو حل، سيعيد النظر بالكثير من القرارات الصادرة عن حكومات المحاصصة وبرلمانها السيء الصيت، وسيتم الغاء الكثير من المكتسبات غير المشروعة، وربما بأثر رجعي، لكن ما لا يفهم هو سلوك البعض ممن يناصبون الانتفاضة والثوار العداء بشكل مسعور، وممن ركبهم وهم الدفاع عن قتلة أبناء الشعب، وراحوا يتخبطون في وحل الديماغوجيا المذهبية، دون الاحتفاظ بخط رجعة تحسبا للأيام القادمة ، ولو دققت في أحوالهم ستجدهم  من ضحايا هذه الحكومات الفاسدة التي يدافعون عنها !

132
قطاف تشرين (55): أنتفاضة تشرين بين أمريكا المنحوسة والحشد الشعبي!
يوسف أبو الفوز
غبي و"أعمى قلب "من يستهين بتضحيات قوات الحشد الشعبي ودوره المتميز في الدفاع عن العراق ضد قوى الإرهاب الظلامي الطائفي الداعشي!
والأغبى من لا يفصل بين مقاتلي الحشد، أبناء العراق الفقراء البررة، وقادته من أمراء الحرب الذين حاولوا ان يستثمروه كورقة انتخابية لمصالحهم الطائفية، التي تتماشى واهداف قوى إقليمية طائفية.
اما أمريكا، التي قصفت مقر "اللواء 45"، التابع لقوات "الحشد الشعبي" في مدينة القائم بمحافظة الأنبار غربي العراق ومواقع في البوكمال، فهي تبقى"عدوة الشعوب" التي طالما غنى أبناء جيلنا عنها: "أمريكا يا منحوسة هدني قمرنا العالي "، فهي أساس البلاء أولا وتاليا، ولابد من أدانة تحركاتها ودورها في تخريب بلادنا.
نفخت أمريكا الامبريالية في صورة المجرم صدام حسين كقائد للامة العربية، وبدفع وتخطيط جهنمي من دوائرها في المنطقة، توالت حروب صدام الكارثية نيابة عن الاخرين، ضد إيران وثم غزو الكويت، وقمع الشعب العراقي، شمالا وجنوبا، ليجني العراق في" الزمن الجميل " ــ كما يتبجح البعض ـ، الخراب والدمار الاقتصادي والاجتماعي وليتقهقر الى عصر ما قبل الصناعة.
وسرعان ما نفخت أمريكا صدرها حبا وهياما بالشعب العراقي وراحت تبيع علينا بضائعها من سوق الديمقراطية الامريكية، فازاحوا نظام المجرم صدام حسين باحتلال البلد بعد ان أدركوا كونه استنفذ مهماته في المنطقة (في سيناريو مماثل لما حصل في بنما مع رجلهم الجنرال اورتيغا عام 1989). كان العراقيون قد شبعوا ضيما وموتا من انظمة البعث الفاشي، فكان بسطاء الناس يتمنون حتى لو يأتي الجيش الاسرائيلي لإنقاذهم (ترددت هذه الامنيات حرفيا حتى من قبل قادة سياسين!)، فجاءت الدبابات الامريكية لتحريرهم، فجلبت معها "مجلس الحكم"، وسلمت قيادة البلد بيد أحزاب الإسلام السياسي، وفق معادلات المحاصصة الطائفية، وكانت أمريكا مدركة جيدا لما تفعل، فهي تعرف ماذا ستفرخ أمثال هذه الحكومات!
وسرعان ما كشفت أمريكا عن براعتها في صناعة "داعش"، كمؤسسة إرهابية ظلامية لاستنزاف البلاد والمنطقة لتبقى هي الأطفائي الطيب الذي يهب دائما لاخماد بعض الحرائق هنا وهناك عند الضرورة. في المقابل، ونتيجة منطقية لنشاط الاحزاب الطائفية، ظهرت لدينا أيضا "ماعش" ـ حسب التعبير الشعبي ـ، التي تدور في فلك الطائفية الظلامية ومصالح الجمهورية الإسلامية في إيران وتمددت أذرعها العسكرية، لتكون في مواجهة رغبات عموم أبناء الشعب في ان يكون لهم وطن مستقل، ودولة مستقلة وحياة حرة كريمة.
وبما ان المصالح هي من تقود، وهي من تحرك بوصلة السياسة، نجد الفرز يستمر دائما، بين طرفين، الطرف الأول: شعب عانى كثيرا، وافرز جيلا متمردا عانى من حكومات الحرامية الطائفية، والطرف الثاني مؤسسات "الدولة العميقة" وأذرعها العسكرية، التي التهمت الدولة العراقية وأصبحت بجدارة "الطرف الثالث " المسؤول عن الاف الجرحى ومئات الشهداء من ثوار الانتفاضة، معلنين تشبثهم بكراسي السلطة بكل ما يملكون.
وإذ تهاجم امريكا مواقع قوات الحشد الشعبي، فان العم سام، الاطفائي، المُخلص، يحاول عامدا خلط الأوراق، وليحول العراق الى ميدانا للصراع الإيراني ـ الأمريكي في المنطقة، مع تواصل عجز الحكومات العراقية. ان الثأر لمقتل ضابط أمريكي على أثر قصف جماعة مسلحة، موالية للسياسة الإيرانية، لا يمكن ان تتحمله كل قوات الحشد الشعبي، إذ سيوفرون بذلك حجة للطائفيين المتباكين على المذهب للإساءة لانتفاضة تشرين وثوارها، بأشكال مختلفة، وقدة بدأت الجيوش الاليكترونية لعبتها.   
ان انتفاضة تشرين الباسلة، وهي تكمل يومها التسعين، ستكون سلميتها، واستمرارها، عاملا لفضح هذا الخلط في الأوراق الذي تمارسه قيادات المليشيات الطائفية ورجالات "المنطقة الغبراء" وحيتان الدولة العميقة، فهم اذ يتهمون كل ثائر لأجل حقه بكونه بعثي او عميل امريكي، ليخدعوا بسطاء الناس بكون المذهب في خطر، فأن أبناء الفقراء في القوات الأمنية والحشد الشعبي لابد ان يتجاوزون حيرتهم، ويدركون انهم لا يمكن الاستمرار كأدوات بيد أمراء الحرب ممن يسعون لأجل مصالحهم التي لا تصب في مصلحة الشعب العراقي.

 
 


133
قطاف تشرين (54): يا ثوار تشرين.. حانت ساعة العمل!

يوسف أبو الفوز

أكتب من بعد حوارات وتبادل وجهات نظر مع العديد من الناشطين في ساحات الاحتجاج، في بغداد وبعض المدن العراقية، وكنت حريصا ان استمع لهم واسمعهم وجهة نظري. وانطلاقا من أن الانتفاضة هي ليس بغداد وحدها، وأن الانتفاضة ليس هذه الخيمة في ساحة التحرير، او تلك وحدها، وأنها ملك لكل الشعب، حتى أبناء العراق من يعيشون خارج الوطن لأسباب مختلفة، أسجل هنا وجهة نظري التي تحاورت حولها مع أصدقائي من المنتفضين.
نتفق بأنه واهم ـ وجدا ـ من يظن ان قوى الإسلام السياسي الطائفي، والمليشيات النذلة، وابواقهم العاهرة، داخل وخارج الوطن، يمكن ان يستسلموا بسهولة. الامر ليس حزورة، لأنه لا يتعلق بزوال سلطتهم وتحكمهم برزق وحياة الناس، بل لأن أي حكومات قادمة وفق رؤية الانتفاضة ستكون مجبرة لمساءلة شلة حرامية "المنطقة الغبراء" ومحاسبتهم عن نهب ثروات البلد وتخريبه.
وهكذا وجدنا، رجال الدولة العميقة، يناورون بمختلف الطرق، من اغتيال أبرز الناشطين، الى تنفيذ عمليات الأختطاف والاعتقال، لمحاولة نشر الخوف وبث الهوان في قلوب المنتفضين من ثوار تشرين. ومع اقتراب الانتفاضة من نهاية شهرها الثاني، بدأ سياسي الصدفة المراهنة على تعب المتظاهرين ومللهم، فبدأوا اشغالهم بمسلسل أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء، مع نشر الافتراءات والاكاذيب عن انسحابات من ساحات الاحتجاج، ومحاولة الظهور بروح الحرص على المدارس المغلقة والاعمال المتوقفة وأيضا افتعال أزمات ما تتعلق بأمن وحياة الناس وطبيعة الانتفاضة السلمية (جريمة ساحة الوثبة مثلا) لتحميل الانتفاضة المسؤولية! وربما نرى قريبا مناورات أخرى تنفذ بروح نذلة وبدون أي رادع أخلاقي.
من جانب اخر، ليس سرا، لازالت الانتفاضة وقواها المحركة ـ الثوار، ترواح في مكانها، دون ظهور خطاب موحد، يعكس تنسيق وتنظيم محسوس يمكن الارتقاء بالروح الثورية للانتفاضة، وتصعيد نشاطها السلمي، لأجل كسب جولة أخرى في الصراع لأجل التغيير الشامل. لازالت ساحة التحرير تعيش حالة "الخيم الثورية"، ولم يتعد الامر اجراء زيارات وحوارات واتفاقات لم تنتج عن أشياء ملموسة على صعيد إيجاد لجنة تنسيق موحدة شاملة.
نكرر هنا، بان دماء الشهداء، معاناة ألاف الجرحى، وجهد أبناء كل المدن المشتركين في الانتفاضة، هو مسؤولية برقبة وذمة العقلاء والناشطين من ثوار الانتفاضة. ونكرر بان الانتفاضة ملك لكل الشعب، وعليه، آن الأوان للعمل بروح الايثار، الاستماع للآخر، التحاور مع من يرغب، استشارة الأكاديميين والخبراء، والعمل الجاد لإيجاد ذراع تنظيمي ديمقراطي، مرن، يرتفع بجهد الانتفاضة ويستطيع ان يصل بها الى أهدافها في التغيير الشامل.
لم تكن دماء الشهداء من اجل تغيير رئيس وزراء فاشل لحكومة فاشلة، ولا لأجل إنجاز اعمال ترقيعية في قوانين نظام سياسي كان سببا في خراب العراق طيلة 16 عاما.
حان الأوان للعمل الجاد لاجل التغيير، والكرة في ملعبكم ايها الثوار، يا حاملين الامل. حانت ساعة العمل يا أبناء العراق البررة!

*البوستر للفنان فراس البصري

134

قطاف تشرين (53): لغة كاتم الصوت
يوسف أبو الفوز
لجأ المجرم صدام حسين الى الغدر بالشيوعيين ومحاولة إبادتهم بحملات منظمة متواصلة، لأنه أدرك انه لن يصمد امام انتشار افكارهم وتأثيرهم في المجتمع العراقي، فصحف الشيوعيين واعلامهم الحمراء صارت تخفق في سماء كل مدن وقصبات العراق، وثم انتقل للغدر وتصفية خصومه من بقية القوى السياسية، وحتى داخل حزب البعث ليخطف حياتهم قبل ان يخطفوا منه الكرسي.
وواجه المهاتما غاندي، الزاهد المتصوف، والزعيم الروحي لاستقلال الهند، امبراطورية لا تغيب عن اراضيها الشمس، تملك الجيوش الجرارة، بسلاح العصيان المدني السلمي فألهم بذلك حركات حقوق الانسان والحرية في كل مكان في العالم بأسلوبه الرافض للعنف والداعي للسلمية.
اليوم، وبشكل محموم ومريض تلجأ قوى الإسلام السياسي وميلشياتها النذلة، الى اغتيال نشطاء الانتفاضة، في مسلسل غدر جبان ونذل يبدو لن يتوقف، ألا بعد ان يلفظ نظامهم انفاسه الأخيرة، وهذا الامر بات قريبا.
حان الأوان لثوار ساحات الاحتجاج ان يرفعوا من اشكال نضالهم السلمي، ان يرصوا صفوفهم، ويوحدوا جهودهم، ويكون لهم صوتهم الموحد، الذي يدعوا الى تطوير نضالهم السلمي لأجل التغيير الشامل وزوال نظام الدولة العميقة ومليشياتها النذلة.
ان الجبان يلجأ الى الغدر فهذا طبعه لأنه يخشى مواجهة الفكرة.
ان الذي لا يصمد امام فكرة يلجأ الى غدر السكين فهي لسان حاله.
لكنه ينسى أنه دائما وابدا كانت الوردة تهزم السكين!
دائما وابدا كانت الفكرة تهزم الرصاصة!
دائما وابدا كانت الشعوب تنتصر وينهزم الطغاة مجللين بالعار!

* الكاريكاتير للفنان الراحل مؤيد نعمة
 

 

135
قطاف تشرين (51): جريمة ساحة الوثبة وانصار المذهب!
يوسف أبو الفوز
واهما من يظن أن مليشيات الدولة العميقة، وأحزاب المحاصصة الطائفية (دائما اقرئها: المعاصصة!) سوف تستسلم بسهولة، وتغادر كراسي الحكم في "المنطقة الغبراء"، وتسلمها ببساطة الى الشعب العراق وثوار تشرين.
أنهم يعرفون جيدا، ان مجيء حكومة خارج إطار المحاصصة الحزبية الطائفية المقيتة، وترسيخ مؤسسات الدولة والعمل بالقانون، يعني فتح كل ملفات الفساد واستغلال السلطة، وهذا يعني ان وجوها كثيرة ظلت لسنوات طويلة تلغُو على شاشات التلفزيون ـ وعلى صفحات الفيس بوك والصحف ـ ستقف في قفص الاتهام لتنال جزائها العادل، وامامها سؤال: من اين لك هذا؟
لهذا ستكون مهمة ثوار تشرين ليست سهلة، وستواجههم الكثير من السيناريوهات لتشويه ثورتهم والنيل منها .
ان ما يلفت الانتباه عندي، هو ليس هؤلاء الحرامية ـ الحيتان ـ الذين شفطوا المليارات والملايين وفتحوا حسابات بنكية بأسماء احفادهم وزوجات أبنائهم، في اغلب بنوك العالم، ليكون ضميرهم مرتاحا حين يجأر أحدهم على شاشات التلفزيون: اتحداكم إذا وجدتم لي حسابا بنكيا خارج العراق!، المثير للشفقة هو هؤلاء المدافعين عن هؤلاء الحرامية ويشككون بالانتفاضة ويصدقون بكل السيناريوهات المغرضة، وهم لم ينالوا من الحيتان شيئا، او ربما بعض الفتات.
ان وهم الخوف على المذهب من ان تصادره الدولة المدنية، هذا الوهم الكاذب، الذي يعبر عن قصور فكري، تغذيه بقوة شلة الحرامية من سياسي الصدفة ، من حيتان أحزاب الإسلام السياسي لخداع الناس البسطاء وابقائهم حولهم سورا يحميهم من رياح الانتفاضة التي ستقتلعهم من جذورهم، لهذا لم استغرب نباح البعض وهم يتحدثون عن جريمة ساحة الوثبة، ناسين مئات الشهداء من ثوار الانتفاضة ودمائهم التي لم تجف بعد، وراحوا يتباكون على جريمة ساحة الوثبة التي تبين فيما بعد انها جاءت وفق سيناريو خبيث مرسوم لتشويه الانتفاضة وتقديم مبررات لقمع ثوار الانتفاضة ، لهذا ترى ان أنصار المذهب في كل صفحات الفيس بوك يتباكون على ما جرى في ساحة الوثبة ، سواء عن عدم دراية او عن قصد !
ولابد لي ان اذكر هنا ملاحظة، بان ثوار الانتفاضة، استعجلوا في اصدار براءتهم من جريمة ساحة الوثبة، اذ كان واضحا ان البيان ، الذي وصلني ونشرته، مكتوبا على عجل، إذ كان يتوجب على الثوار انتظار موجة الفيديوهات التي انتشرت وبينت جليا حقيقة السيناريو، وكيف جرت الجريمة، ومن نفذها، وكيف سلمت القوات الامنية جثة القتيل المغدور للجماهير الغاضبة ليجري ما يجري.

* ستبقى الصورة المرفقة عندي رمزا لانتفاضة تشرين السلمية



   

136

قطاف تشرين (50): مليشيات الغدر تعيد أخراج فيلم بعثي دموي
يوسف أبو الفوز
إذ تتواصل أخبار الاغتيالات الغادرة بكاتم الصوت، لمناضلين، ناشطين في الانتفاضة، فتثير الحزن والقلق، دفعني ذلك للتواصل، صباح اليوم مع أصدقاء، من المثقفين، الناشطين في انتفاضة شعبنا، للاطمئنان عليهم ومتابعة الاحداث من مصادرها، بدل دوخة مطابخ الفيس بوك، التي تصنع بعض الاخبار حسب هوى ثوار الكيبورد.
ذكر لي أحدهم بالنص: "صرنا ما نرجع بالطريق اللي أجينه بيه، ولا نبات بنفس المكان يومية".
أستوقفني هذا الكلام. خطر في بالي أقول لصديقي الشاب وعلى طريقة العراقيين: "سبق وشاهدت هذا الفيلم "!: لكنني لجأت الى تعزيز معنوياته واعطاءه بعض التوصيات من تجاربنا المتواضعة، ورحت مع نفسي استعرض أياما عصيبة عاشها جيلنا أيام النظام البعثي العفلقي الصدامي، حين اضطررنا فيها للاختفاء وضباع البعث تطاردنا من شارع لشارع، وهي تستبيح الوطن وتصادره لصالح سلطات نظامهم الشوفيني الفاشي، الذي حاول مصادرة حياة الناس وافكارهم وواجه المعارضين بالاعتقال وممارسة أبشع أساليب التعذيب وثم التصفية بمختلف الطرق. أيامها اجبرنا ارهاب البعث ان "ما نرجع بالطريق اللي أجينه بيه، ولا نبات بنفس المكان يومية"، وصرنا نخفي حركتنا وتنقلاتنا عن أقرب الناس لنا، ليس من باب عدم الثقة بهم، لكنا تحسبا ان يكونوا مراقبين بدون علمهم، او حتى يكونوا صادقين عند استجوابهم فيما لو اعتقلوا بأنهم لا يعرفون شيئا عنا.
واذا عدنا الى فيلم الرعب، بالمزدحم بأحداث الخطف والاعتقال والتعذيب بمختلف الأساليب الدنئية وثم الاغتيال بكواتم الصوت، الذي تعرضه شاشات العراق هذه الأيام بالسينما سكوب، من اخراج أحزاب الأسلام السياسي ومليشيات الدولة العميقة بالتعاون مع "الطرف الثالث"، وباشتراك كادر من هواة التمثيل والاجرام من سياسي الصدفة وضباعهم المغرر بها، فلابد من القول بان هذا الفيلم الدموي الرديء ، سبق وأخرجه حزب البعث العفلقي الصدامي مع أبناء الشعب العراقي، وعاش جيلنا اغلب فصوله واحداثه، ولكنه اصبح من التأريخ، لكن يبدو ان قادة مليشيات الدولة العميقة وحثالاتهم ينتمون الى نفس المدرسة الاخراجية في الغدر وخيانة شعبهم.
أنها نسخة جديدة، رديئة، من فيلم سيسدل عليه الستار قريبا بعزم الثوار وسلمية انتفاضتهم، التي ستكنس كل ضباع الغدر الى مزبلة التأريخ، وتركنهم الى جانب قتلة الشعب العراقي الذين بال عليهم أبناء الشعب!
صديقي الشاب من بغداد، انهى كلامه لي: لن يرعبونا، انهم يجعلونا نشعر انها ايامهم الأخيرة .


 















137
أصغر رئيسة وزراء يسارية في تأريخ فنلندا

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
أخيرا، حسم الامر أعضاء المجلس الحزبي، للحزب الاجتماعي الديمقراطي في فنلندا، وحصلت سانا مارين (34 عامًا) على 32 صوتًا، مقابل 29 صوتًا لمنافسها، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب، وبهذا تكون أصغر رئيس وزراء في تاريخ فنلندا. جاء الأمر، إثر تنحي رئيس الوزراء السابق أنتي ريني عن موقعه، إثر ازمة إضرابات عمال البريد، احتجاجا على محاولة انهاء عقود عمل 700 عامل وموظف، إضافة الى اتباع إجراءات في تخفيض الرواتب وزيادة ساعات العمل دون تعويض مما اثار غضب النقابة، ثم ما رافقها من سلسلة إضرابات التضامنية معهم، والتي نفذها عمال النقل، فكانت سببا في شل حركة المواصلات من والى خارج فنلندا، ولتكبد الحكومة خسائر كبيرة غير متوقعه. خلال معالجته الازمة حاول رئيس الوزراء التهرب من معرفته المسبقة بنوايا وإجراءات شركة البريد، وحاول تحميل وزيرة البلديات المسؤولية، لكن استقالتها ككبش فداء لم تعالج وتحل الازمة، فمن جهة كانت المفاوضات الصعبة بين شركات البريد والنقابات تسير ببطء لإيجاد حلول مقبولة من الطرفين، ومعها بدأت تتصاعد الأصوات المنتقدة لرئيس الوزراء، الذي هو في الوقت نفسه زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي ، وطريقة تعامله مع الازمة والتشكيك في اداءه، وبدا للبعض انه وقع في شرك ما بناه بنفسه، فهو القيادي النقابي المخضرم، إذ كان مساهما في إيجاد أسلوب التضامن النقابي، بإعلان اضرابات مرادفة تضامنية، ليمنح النقابات قوة ولا يجعلها تكون منفردة في الساحة.
بعد فوزه في الانتخابات الربيع الماضي، قاد انتي ريني تشكيلة حكومية في تحالف ضم حزبين من قوى اليسار، هما حزب الخضر وحزب اتحاد اليسار، إضافة الى حزب الوسط وحزب الشعب السويدي، مع برنامج حكومي حمل الكثير من الوعود للفنلنديين، إثر ما عانوه من حكومة أحزاب اليمين السابقة التي قادها حزب الوسط، ومارست سياسة تقشف اضرت كثيرا بذوي الدخل المحدود. لاحظ المراقبين ان حزب الوسط، رغم وجوده في تشكيلة حكومة أنتي ريني، الا انه شارك بقوة في انتقاد أداء رئيس الوزراء، إذ وجدها فرصة ليثبت أنه وان خسر في الانتخابات لصالح الحزب الاجتماعي الديمقراطي ، لكنه لا يزال رقما قويا في الساحة السياسية. وأضاف متابعين بانه اجراء انتقامي من قبل حزب الوسط موجه الى الاجتماعي الديمقراطي ، الذي كان كذا مرة سببا في تنحي وخسارة زعماء الوسط اثر أزمات مماثلة ، فاعلن حزب الوسط عن عدم رضاه وثقته بأداء رئيس الوزراء، واصطف الى جانب المعارضة، لمسائلة رئيس الوزراء في البرلمان وهذا بالتأكيد كان سيقود الى جلسات التصويت على سحب الثقة من الحكومة، وهنا وللخلاص من الذهاب الى انتخابات مبكرة، قد تكون نتائجها لغير صالح قوى اليسار، بحكم إشارات الاستطلاعات عن تقدم قوى اليمين المتطرف، لجأ الاجتماعي الديمقراطي ، الذي يملك دستوريا حق تشكيل الحكومة، الى المناورة، وإزاحة زعيمه عن رئاسة الوزراء، مع بقاءه في زعامة الحزب، والاعلان عن نيته انتخاب رئيس وزراء جديد من داخل الحزب. قبل رئيس الجمهورية استقالة رئيس الوزراء، مع انتظار اختيار البديل من داخل الاجتماعي الديمقراطي . جرت الأمور سريعا، وفق شفافية العمل الديمقراطي في فنلندا ، فتم تكليف انتي ريني باعتباره زعيم الحزب بقيادة المفاوضات لتشكيل الحكومة البديلة، والتي بعد مفاوضات قصيرة، اعلن انه لم يحدث تغيير كبير فيها، اذا بقت نفس تشكيلة التحالف، مع إمكانية تغيير بعض الوزراء، وأيضا مع الموافقة على البرنامج الحكومي الذي سبق وقدمه انتي رينيه بنفسه، التغيير الاساس كان الاتيان برئيسة وزراء جديدة، امرأة شابة وجميلة، تحمل ماجستير في الدراسات الإدارية، وكانت وزيرة النقل والاتصالات ،وقادمة من عائلة عمالية، ومعروفة بمواقفها المعارضة لانضمام فنلندا الى حلف الناتو ، إضافة الى دعمها برامج الحفاظ على البيئة، وفي حملتها الانتخابية داخل حزبها ، للفوز بمنصب رئيس الوزراء ، أرسلت رسالة قصيرة لأعضاء حزبها تقول فيها : "تعيش فنلندا وضعا استثنائيا، علينا التركيز ومواصلة عملنا في بناء مجتمع أكثر عدالة وأكثر مساواة".
 

138
رئيس الوزراء الفنلندي يقدم استقالته 

هل أطاح الحزب الديمقراطي الاجتماعي الفنلندي بزعيمه؟!

يوسف أبو الفوز

حين أصبح انتي ريني رئيسا للوزراء في فنلندا، بحكومة تحالف تضمن حزبين من قوى اليسار، هما حزب الخضر وحزب اتحاد اليسار، مع حزب الوسط وحزب الشعب السويدي، بدا أنه سيسير قدما بدون عوائق كثيرة لتنفيذ برنامجه الذي حمل الكثير من الوعود للفنلنديين، إثر ما عانوه من حكومة اليمين السابقة التي مارست سياسة تقشف اضرت كثيرا بذوي الدخل المحدود.
ما دفع للاعتقاد بسهولة، عمل حكومة انتي ريني، هو تاريخ الرجل، فهو قائد نقابي لسنوات طويلة، لديه خبرة في عمل النقابات مع مختلف الحكومات، بل كان من عرّابي أسلوب التضامن النقابي، ليمنح النقابات قوة ولا يجعلها تكون منفردة في الساحة، وما ان برزت أزمة إضرابات عمال البريد، حيث اقدمت شركة البريد على محاولة انهاء عقود عمل 700 عامل وموظف، إضافة الى اتباع إجراءات في تخفيض الرواتب وزيادة ساعات العمل دون تعويض مما اثار غضب النقابة ، حتى وجد نفسه يقع في فخ ما بناه بنفسه، ويواجه سلسلة إضرابات تضامنية، زعزت من ثقته بنفسه، وابعدت عنه حلفاءه في الحكومة، ووجدها حزب المركز فرصة ليثبت أنه وان خسر في الانتخابات لصالح الحزب الديمقراطي الاجتماعي، لكنه لا يزال رقما قويا في الساحة السياسية.
فقد انتي ريني ابتسامته، التي عرف بها، خلال أيام المفاوضات الصعبة بين بين نقابات عمال البريد وشركة البريد، وجاءت سلسلة الإضرابات التضامنية معهم، والتي نفذها عمال النقل، فكانت سببا في شل حركة المواصلات من والى خارج فنلندا، ولتكبد الحكومة خسائرا كبيرة غير متوقعه، لتزيد من قلق رئيس الوزراء مع تصاعد الأصوات الناقدة لقيادته للحكومة حتى من داخل حكومته.
فلم تكن استقالته مفاجأة للكثيرين، فما حصل جرى في إطار أليات العملية الديمقراطية الفنلندية المعروفة بشفافيتها.
ان الحزب الديمقراطي الاجتماعي دستوريا لا يزال يملك الحق بتشكيل حكومة بديلة، وسوف يرشح شخصية من قيادته لتشكيل حكومة جديدة، والمرشح الأكبر هنا أحد نواب رئيس الحزب، إذ لا يبدو خيار الانتخابات المبكرة مرغوبا من قبل أحزاب اليسار، بما فيها الحزب الديمقراطي الاجتماعي، ارتباطا بنتائج الاستطلاعات التي تشير الى التقدم في شعبية اليمين المتطرف في الشهور الأخيرة.
لقد ارتكب أنتي رينيه أخطاء في طريقتة للتعامل وحل ازمة إضرابات البريد، ولم ينجح معه التضحية بوزيرة البلديات لتحميلها المسؤولية، ورغم ان الاستطلاعات تبين بان 74 %من الفنلنديين راضين عن سياسة الحكومة، الا ان حسابات أمكانية سحب الثقة من الحكومة والذهاب الى انتخابات مبكرة، يبدو دعت الحزب الديمقراطي الاجتماعي التضحيه بزعيمه، وإزاحته من منصب رئيس الوزراء مع احتفاظه بموقعه كرئيس للحزب.


139
أم زياد وانتفاضة تشرين
يوسف أبو الفوز
عودت شادمان، ان أقدم لها بين الحين والأخر هدايا بسيطة، بدون إنتظار أي مناسبة. حملت اليوم، في طريق عودتي الى البيت، باقة ورد وقدمتها لها. بعد ان حصلت قبلة الشكر، اخبرتها انها بمناسبة عيد ميلاد " أم زياد"!
طيلة حياتنا الزوجية، لأكثر من احدى وعشرين عاما، اجتهدت ان لا أوفر سبباً لشادمان، كشريكة حياة، لتشعر بالغيرة من امرأة أخرى، لكني فشلت في علاقتي مع أم زياد!
تتصل بي شادمان هاتفيا لتطمأن علي، فأخبرها: لا تقلقي حبيبتي، وصلت البيت، حاليا اشرب قهوتي مع أم زياد!
أكره ان اجلس الى مائدة الطعام وحدي، تعلمت ان يشاركني ألاخرين ذلك، وهكذا حين أجد نفسي مضطرا لاكون وحدي، اسارع لدعوة أم زياد التي تلبي الدعوة بكل سرور فتضيف للطعام نكهة أخرى.
وعلمت أن أحد أصدقائي عبر عن ولهي بأم زياد بقوله: تصوروا أنه يتحدث معها!
وماذا في ذلك اذ استأذنها حين الأبتعاد عنها وأخبرها:
ـ عفوا ام زياد، سأعود حالا!
كيف لا أحدثها واناغيها واستمع لها دون ملل وهي التي لم تتركني وحدي طيلة عام ونصف، من بعد ان غدر حزب البعث الصدامي بحلفائه عام 1978، واضطررت للاختفاء، وصارت ضباع البعث تطاردنا من شارع لشارع، لإرغامنا على الانضمام لمؤسسات حزب البعث الفاشي، كانت أم زياد سميري الذي يهدهدني كلما توفرت لي الفرصة للاختلاء بها؟
وفي تلك الأيام البهية، يوم توهجت زهرة شبابنا بين جبال كردستان، أيام التحفنا صخورها، ضمن صفوف أنصار الحزب الشيوعي لمقارعة نظام البعث الصدامي المجرم، كنا ننتظر مساء الأربعاء على أحر من الجمر لنسمعها ساعة كاملة تشدو ضمن برامج إذاعة الكويت!
في أيام الغربة، صارت رفيقي حين اختلي الى نفسي او الى الورق لأكتب شيئا ما، وتسير معي خطوة خطوة في جولاتي في الغابة القريبة، محاولا تنفيذ وصايا الدكتور لانزال وزني بضع كيلوغرامات، وسمير الليالي اذ يصيبني الأرق، اما قهوتنا الصباحية فحتى شادمان تعترف بأن لا مذاق لها دون صوت ام زياد.
هذه الأيام، وشوارع المدن العراقية تلتهب تحت اقدام ثوار انتفاضة تشرين لقبر نظام المحاصصة البغيض، وإذ يحل يوم عيد ميلاد ام زيادة، الساحرة فيروز، لم أجد الا تلك الاغنية التي كنا نطرب لسماعها بصوتها إذ تبثها إذاعة "صوت الشعب العراقي"، إذاعة الحزب الشيوعي العراقي، من بعد كل عملية انصارية ناجحة لأهديها لثوار انتفاضة تشرين:
ــ خبطة قدمكن عالأرض هدارة    إنتوا الأحبا وإلكن الصدارة
خبطة قدمكن عالأرض مسموعة     خطوة العز وجبهة المرفوعة


140

دردشة مع السفير الفنلندي في العراق

يوسف أبو الفوز
منذ سنوات طويلة، تعرفت الى السيد فيسا هاكنين، أحد المدراء النشطاء في وزارة الخارجية الفنلندية، في قسم الاعلام والاتصالات منذ عام 2014، وعمل في وزارة الخارجية منذ عام 1999 وشغل العديد من المناصب الدبلوماسية، في تايلند، السويد ، بولونيا وروسيا ، درس التاريخ السياسي ويحمل ماجستير في العلوم السياسية.
حضرنا معا العديد من المناسبات السياسية والثقافية والاجتماعية. تميز في عمله وعلاقاته بالحزم والدقة، ولم يفوت فرصة من لقاءاتنا للسؤال والحديث عن الأوضاع في العراق. وأخيرا قررت الدبلوماسية الفنلندية، إرساله سفيرا مقيما الى بغداد، ليكون اول سفير لفنلندا في بغداد من بعد اغلاق سفارتها عام 1991، أثر غزو نظام صدام حسين للكويت. ألتقيته مؤخرا للتهنئة والتشاور. تحدثنا كأصدقاء عن العديد من الموضوعات، منها مجريات انتفاضة تشرين، وما يخص مهمته القادمة في العراق وتطورات الموقف في العراق. استأذنته في نشر جزء من حديثنا، اذ لم يكن لقاءنا مخططا لأجراء حوار صحفي:
ـ أشار الى انه سيسافر الى العراق قريبا ليلتحق بعمله، رغم توتر الاحداث، وسيعمل في بناية البعثة السويدية، والتي تشغلها البعثة النرويجية أيضا.
ـ يقدر عاليا ان مهمته ليست سهلة، لكنه متفائل بأنه وفريق العمل الصغير (خمسة اشخاص) سيبذلان الجهد لنسج علاقات طيبة مع الشعب العراقي وحكومته. وبين بان طاولة عمله الان فارغة من أي مشاكل سابقة، وهذا ربما يساعده قليلا، ويأمل ان تمتلا طاولته بالمشاريع التجارية.
ـ يعتقد ان العراق سيكون سوقا خصبا للشركات الفنلندية المعنية بالطاقة والاتصالات ووجود سفارة فنلندية سيشجع رجال الاعمال الفنلنديين للتوجه نحو السوق العراقي، وان فنلندا لديها الكثير لتقدمه الى العراق.
ـ تمنى ان يعم السلام العراق، وتهدأ الأوضاع، وعندها يمكن العمل بحرية بعيدا عن المخاوف والتوجسات.
ـ حول موضوع اللاجئين، أشار الى انه رغم أهمية الموضوع، الا انه ليس مهمته الأولى، فالأمر يخص دائرة الهجرة أساسا التي سيلتحق موظف منها في السفارة الفنلندية مطلع العام القادم. وكرر ما قاله للصحافة الفنلندية مؤخرا، بان للسويد اتفاقية مع الحكومة العراقية لإعادة اللاجئين المرفوضين، لكنها غير فاعلة، لان الامر ليس ميكانيكا.

141
المنبر الحر / لافتة جواد سليم
« في: 21:08 09/11/2019  »

لافتة جواد سليم

يوسف أبو الفوز
يعتبر نصب جواد سليم، أحد معالم بغداد الشهيرة، فهو سجل مصور لنضالات الشعب العراقي، صاغة الفنان جواد سليم مثل بيت شعر يقرأ من اليمين الى اليسار. يتكون النصب من 14 قطعة (يرمز الى ثورة 14 تموز) استلهم فيها الفنان تاريخ العراق ومزج بين القديم والحديث حيث تخلل النصب الفنون والنقوش البابلية والآشورية والسومرية القديمة، إضافة إلى رواية أحداث ثورة تموز 1958 ودورها وأثرها على الشعب العراقي. حين اكتملت قطع النصب وجاء وقت عرضها في مكان عام، جاء دور المهندس المعماري رفعة الجادرجي ليقترح ويصمم القاعدة على شكل لافتة.
أنظروا الصور هذه الأيام، من بعد اندلاع انتفاضة تشرين، ولاحظوا كيف الشعب يحتضن ويرفع لافتة جواد سليم من اجل الحرية!   

142
 
علوج المنطقة الخضراء..
يوسف أبو الفوز
قادني الى هذا التعبير، كلمة العلوج، وهي كلمة عربية، تكاد تكون قاموسية، أي غير متداولة كثيرا، لولا ان محمد سعيد الصحاف، وزير اعلام نظام المجرم صدام حسين، بعث فيها الحياة، وهو يصف بها جنود الاحتلال الأمريكيين، الذين جاؤا نتيجة لسياسة نظام البعث المجرم الذي اذل الشعب العراقي كثيرا، بحروبه الكارثية والحصار الاقتصادي وسياسته القمعية.
في قواميس اللغة العربية مثل قاموس المعجم الوسيط، قاموس اللغة العربية المعاصرة، القاموس الرائد، قاموس لسان العرب، القاموس المحيط. قاموس عربي عربي، وجدنا ان للكلمة عدة معاني: عِلْجُ تعني حِمارُ الوَحْشِ السَّمينُ القَوِيُّ، والرَّغِيفُ الغَليظُ الحَرْفِ، والرَّجُلُ من كُفَّارِ العَجَمِ، الجمع: عُلوجٌ وأعْلاجٌ ومَعْلوجاءُ وعِلَجَةٌ. ذكر صحيح البخاري انها وردت في حديث الخليفة عمر بن الخطاب بعد ان عرف بأن من طعنه هو غلام المغيرة فقال لابن عباس: قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة.
والان، ومع اندلاع انتفاضة تشرين، ردا على 16 عاما من تسلط حكومات الإسلام السياسي التي عاثت في البلاد فسادا وواصلت اذلال الشعب العراقي، لا اعتقد اننا نختلف بان المنطقة الخضراء تعج بعلوج الإسلام السياسي، وان أي من معاني كلمة علوج نجدها تنطبق عليهم مباشرة، بل وحتى على من يناصرهم ويدافع عنهم باي شكل كان!

143
في فنلندا.. حكومة أنتي ريني من بعد 150 يوما!


كتابة وتصوير : يوسف أبو الفوز

في اليومين الماضية، تكون مرت 150 يوما على حكومة رئيس الوزراء الفنلندي الحالي أنتي ريني(مواليد1962)، زعيم حزب الديمقراطي الاجتماعي والقيادي النقابي السابق، فما الذي حققه من برنامج حكومته الذي جاء به للحكم؟ هذا السؤل طرحته العديد من الصحف الفنلندية والعديد من المعلقين في عدة برامج تلفزيونية.
أجاب العديد من المعلقين، بان الحكومة لم تستنفذ بعد وقتها للإيفاء بالعديد من تعهداتها، وأشار اخرين الى ان الائتلاف الحكومي يشهد تناقضات وتوترات عبرت عنه قضية انتخاب مسؤولة مؤسسة الضمان الاجتماعي KELA، اذ اصطف حزب الوسط، وهو حزب عضو في الحكومة الحالية، الى جانب حزبي المعارضة الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) الفنلنديين الحقيقيين (يمين متطرف)، لتفوز مرشحة اليمين بثمان أصوات مقابل اربع أصوات. ورغم التعارضات البارزة بين أحزاب الحكومة خصوصا بين حزبي الخضر والوسط، فيما يخص سياسة البيئة، فأن بعض المراقبين يعتقدون ان رئيس الوزراء ، واستنادا الى خبرته السياسية الطويلة، في العمل النقابي وتوليه العديد من المناصب الحكومية الرفيعة،  نجح في اعتماد سياسة التوفيق، وهي سياسة طالما مورست سابقا في الحكومات التي قادها الديمقراطي الاجتماعي، بإعتماد ما عرف في السياسة الفنلندية بنهج "حكومة المساء"، وهي طريقة غير رسمية للعمل، ولا يوجد نص دستوري لها، لكنها ناجحة في عقد اجتماع وزاري غير رسمي، يسبق عادة اجتماع الحكومة الرسمي بيوم، ولا توجد فيه قرارات رسمية ولكن تحصل توافقات بين الأطراف تساعد رئيس الوزراء على إدارة الجلسات الرسمية لصالح برنامج الحكومة.
من القضايا الأبرز، التي ناقشها الاعلام، كان تعهد الحكومة برفع معدل التوظيف إلى 75 ٪ بحلول عام 2023، وتوفير 30 ألف وظيفة عمل، لكن المراقبين يعتقدون ان صعوبات عديدة ستواجه الحكومة إذا لم تقدم حلول جديدة، وامام الضغوط المتواصلة من الشارع والمعارضة هناك اعتقاد بلجوء الحكومة الى تقليص صلاحيات دائرة الهجرة فيما يخص عقود العمل ومنحها الى وزارة الشؤون الاقتصادية، وهذا برأيهم سيصب في مصلحة العمال الأجانب ذوي المهارات العالية حيث سيسرع من الموافقات على عقودهم. 
  وحول تراجع شعبية حزب رئيس الوزراء وتقدم الحزب اليمني المتطرف، في استطلاعات الراي العام، فقد أشار العديد من المعلقين، في لقاءات أجرتها الإذاعة الوطنية الفنلنديةYLE ، ان ذلك جاء رد فعل على عدم وجود خطة واضحة لدى الحزب لتنفيذ برنامجه الانتخابي كما أكد الصحفي السياسي روبرت سوندمان، الذي بين ان ذلك كان مثابة احتجاج من الناخبين غير الراضين عن الحكومة الحالية. بينما اشارت زميلته هلمينا سوهينين، إلى أن الحكومة لا تزال متماسكة بشكل جيد ولم تحدث أزمات كبيرة، وقالت إنها أعطت الحكومة درجة محترمة، سبعة من أصل عشر درجات!
يبدو جليا ان أمام أنتي ريني وحكومته مهمة كبيرة لكسب الشارع الفنلندي من جديد، وليس أمامه سوى الاقدام على خطوات جريئة لتنفيذ وعوده، فالشعب لن يرحم، فإمامه العديد من الإضرابات القادمة، ولن ينفعه حينها انشغاله برئاسة الاتحاد الأوربي فحتى هذه قد يفقدها إذا لم ينجح في تجديد الثقة للحكومة فيما لو طالبت المعارضة بذلك.

 



 

 
 

144

رسالة مفتوحة من الجمعيات العراقية في فنلندا

رسالة مفتوحة إلى من يهمه الأمر: أوقفوا الجرائم ضد الشعب العراقي!
لمدة شهر، تستمر الانتفاضة العراقية ضد النظام الطائفي والفاسد الحالي في العراق، بهدف تغيير الأوضاع الحالية التي لا تطاق.
على الرغم من الاحتجاجات السلمية، فإن الحكومة الحالية توجه قوات الأمن لمواجهة المظاهرات بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع الموجهة إلى رؤوس المحتجين، مما يؤدي إلى مقتلهم في معظم الحالات، حتى الآن، قتل أكثر من 260 محتج وأكثر من 12 ألف جريح، وأيضا اختطاف الناشطين واعتقالهم.
نحن ندعوكم للتدخل الفوري لوقف هذه الجرائم والتضامن مع الشعب العراقي للمطالبة بحقوقه.
الشعب العراقي يستحق حياة أفضل.
هلسنكي 2019.11.5
التواقيع:
شخصيات مستقلة
جمعية البيت العراقي في فنلندا
الجمعية المندائية في فنلندا
الجمعية الاشورية في فنلندا
جمعية مسيحي المشرق
جمعية عشتار الاجتماعية في فنلندا
 
 *  تم ترجمة هذه الرسالة وجاري العمل على نشرها وتوزيعها بشكل واسع   
 

145
المنبر الحر / قرمشة!
« في: 19:10 05/11/2019  »
قرمشة!
يوسف أبو الفوز
بصراحة جدا، ان علاقتنا ودية وفيها احترام لخصوصية بعضنا الاخر، رغم كونه "متلزم"، حسب المفهوم المتداول عن الانسان المتدين، فصديقي يؤدي صلواته في اوقاتها، وان كان بسبب مشاغله، ووفق فتوى شرعية طبعا، غالبا ما يؤديها مرة واحده في فترة تناسبه تكون عادة في المساء، كما أخبرني. عليّ القول هنا بأن صديقي وإن كان لا يشرب الخمر ولا يأكل لحم الخنزير، فهو يحترم جدا حريتي الشخصية، فلا يعترض في لقاءتنا الدورية، في الأماكن العامة، ان طلبت كأس بيرة ويضعها النادل على طاولتنا المشتركة الى جانب فنجان قهوته المرة التي يشربها بدون حليب او سكر، بل هو يشاركني قرمشة حبات الفستق المالح الموضوعة بين كأس البيرة وفنجان القهوة وبشهية طيبة احسده عليها مما يدفعني عادة لطلب صحن ثاني.
الأهم من هذا كله، هو يعرف بكوني علماني الهوى، وهذا يعني مطالبتي بدولة مدنية ديمقراطية، تكون فيها السلطة لمؤسسات الدولة والقانون، وأكرر دوما أمامه موقفي في ضرورة فصل الدين عن الدولة. للأسف صديقي لا يفرق بين العلماني والملحد، فهو يعتقد ان العلمانية هي الالحاد وعبثا حاولت ان اشرح له بأن الفرق كبير وشاسع، فالإلحاد معناه عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة، بينما العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة وعن الممارسات في الحياة الشخصية، وان الانسان الملتزم دينيا يمكنه ان يكون علمانيا، لان الامر يتعلق بشكل إدارة الدولة والمجتمع، لكن صديقي أصم أمام كل الحجج والتوضيحات.
صديقي مثلي ينتقد الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، لكنه لا يشعر مثلي وغيري بالعار من سياسي الصدفة الذي جاءوا على الدبابات الامريكية، وتحولوا الى حيتان فساد واكلوا الأخضر واليابس في بلد يسبح على بحيرة من النفط ونسبة خط الفقر تجاوزت 35٪، وما ان نتحدث عن الموضوع حتى يقول:
ـ يمكن استبدالهم بناس أنزه منهم، نحن بلد ديمقراطي!
صديقي مثلي يكره البعثيين والمجرم صدام حسين، وما ارتكبوه بحق أبناء شعبنا في الوسط والجنوب وكردستان ـ هو عادة يسمي كردستان شمال العراق ـ، وهو مثلي يشعر بالغيض من ممارسات القيادات الحزبية في كردستان، التي تستغل مشاعر أبناء شعبنا الكردي القومية وتحاول ان ترسم لنفسها صورة البطل القومي المنقذ والخ، لكن ــ هذا أول لكن! ـ ما جعلنا نختلف في نقاشنا حول موضوع كردستان، فهو يخلط الأخضر باليابس، ولا يفصل ما بين الشعب الكردي، صاحب الحقوق المشروعة بتقرير مصيره، وبين القيادات التي تسلطت عليه وأصبحت جزءا من أسباب مصائبه. يتحدث صديقي او يكتب ــ نعم هو أحيانا يكتب على فيس بوك بوستات نارية، قصيرة وسريعة ــ فنجده يدين "الاكراد" لكونهم كذا ومذا. اخبرته مرارا بأن استخدام مفردة "الاكراد" يشابه استخدامنا لمفردة "العربان"، فكلمة   "الكرد" تقابل مفردة "العرب"، للأسف لم يصحح ذلك يوما ـ وهكذا بدأت بيننا "حرب المفاهيم".
اختلفنا حول مفهوم "المليشيات"، هو يسميها "الجماعات المسلحة"، ويعتقد بأحقية الاحزاب بامتلاك "ذراعها العسكري"، وطالما كرر بأنه لولا فصائل "الحشد الشعبي" لدخلت "داعش" الى بغداد و"نامت" مع العراقيات بحضور ازواجهن. ـ كلمة "نامت" هذه من عندي انا "المثقف الثوري " ــ حسب وصفه ــ، لأن صديقي عادة يستخدم تعابير أخرى أكثر واقعية وقريبة لحديث بسطاء الناس ـ، وحين اخبرته بأن غالبية الاحزاب تنادي بأن السلاح يجب يكون بيد الدولة، وان وجود " الجماعات المسلحة" يضعف أداء الدولة، ويساعد على نشوء "الدولة العميقة" حيث ان السياسي الفاسد يستند الى سلاح جماعته لفرض سطوته وحماية فساده، راح يكرر بأن داعش والبعثيين ما زالوا يملكون خلايا سرية ونشاط عسكري في المنطقة، وان حماية "المذهب" تسستوجب ذلك!
وما ان تردد مفهوم المذهب في أحاديثنا، حتى بدأت اول خلافتنا الكبيرة، فهو يرى ان المذهب بخطر، وان هوية العراق تحددها سلامة المذهب:
ــ وماذا عن الاخرين؟
لا يقدم صديقي إجابات مقنعة عن الكثير من اسئلتي، خصوصا من بعد انتفاضة تشرين/ أكتوبر إذ صرنا نختلف كثيرا، فأنا اتحدث عن انتفاضة، وهو يتحدث عن مجرد مظاهرات. اتحدث عن الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية وتجهيل المجتمع والخ، وهو يتحدث عن فيديو بنت مراهقة غنت كلمات مفككة عن التظاهرات على لحن اغنية مكروهة عندي وعند كثير من الناس من أيام الحرب الكارثية. أصبح صديقي يقضي وقتا طويلا في البحث عن نواعم هنا وهناك، وتصرفات فردية ليعممها وينشرها للاستهانة بالانتفاضة والتعريض بها، وصار همه البحث عن الأصابع الأجنبية التي تحرك المتظاهرين، حسب اعتقاده.
اعترف بأني لم استمع لبعض من معارفنا الذين يتحدثون عن تحسن أحوال اخ لصديقي، وكون ارتباطه بإحدى المليشيات المسلحة قد حسن احواله كثيرا وأصبح اسمه كمقاول نار على علم، وغضضت النظر عن التلميحات الى كون صديقي بهذا الشكل او ذلك لابد وان يصيبه شيء من قطعة الحلوى التي يتشارك بها أخيه مع "زعماء الحرب" كما يصف الشارع العراقي بعض قادة المليشيات. حرصت على أواصر الصداقة بيننا رغم اختلافنا في الكثير من المفاهيم متجاهلا كل الانتقادات التي تواصلت من بعض المقربين. اعترف بأن صديقي ذكي ومثابر، فهو يجيد المناورة للحفاظ على علاقتنا، ويفوت عليّ دائما فرصة قطعها لسبب ما بامتداحه لروحي الديمقراطية، ولكن قبل أيام وحين اخبرته على الهاتف باختطاف طبيبة شابة من شباب ساحة التحرير وهي في طريقها الى بيتها، والتهمة موجهة لاحد الفصائل المسلحة، رد بصلافة:
ـ هل تعتقد ان جماعتي هم الخاطفين، وحتى لو كانوا هم هذا ذنبها، الاخبار تقول خطفت في الليل وليس بالنهار، ماذا يعني هذا حسب عاداتنا وتقاليدنا؟ ماذا تفعل بنت حلوة مثلها بساحة التحرير حتى ساعة متأخرة من الليل؟ كان الأفضل ان تجلس في بيتها وتمارس حقها بتأييد التظاهرات بكل حرية وديمقراطية!
وجدت نفسي، في اليوم التالي، أقرمش حبات الفستق المالح لوحدي، وطلبت هذه المرة صحنا واحدا فقط!
4.11.2019 هلسنكي

146
 
عن المثقفين في ساحات الاحتجاج ـ استطلاع جريدة المدى
عدد يوم الخميس 31 اكتوبر 2019

يوسف أبو الفوز ــ كاتب روائي واعلامي

في البدء من الواجب تحية الشباب العراقيين، وهم يواجهون عنف الحكومة الحالية غير المبرر بصدور عارية، والانحناء امام ارواح الشهداء الذين سقوا بدمهم درب الحلم بعراق مدني ديمقراطي، بعيدا عن نهج المحاصصة الطائفية والاثنية البغيض، الذي هو أس البلاء في كل ما جري طيلة ستة عشر عاما. أن هذه الأيام، مصيرية في حياة شعبنا، ولا توجد فيها امام المثقف منطقة رمادية، فإما الاصطفاف مع الشعب ومطالبه المشروعة، واما الاصطفاف مع الحكومة الحالية ونظام المحاصصة. ويبرز اليوم أكثر دور المثقف العراقي، في الوفاء لتأريخ مفعم بالمواقف الثورية والوطنية لأجيال المثقفين من رواد الثقافة العراقية وصانعي مجدها، الذين اصطفوا الى جانب الشعب في منعطفات مهمة، في وثبة كانون 1948، وثبة تشرين 1956 وثورة تموز 1958وغير ذلك. يبرز هذه الأيام دور المثقف، ليعزز سلمية التظاهرات ليكون ضمانة لنجاحها ويساعد على فرز قيادات كفوءة لها. أيضا ان مساهمة المثقف تساعد في تحديد شرعية المطاليب، ويكون فاعلا في توجيه حماسة الناس لإذكاء الروح الثورية وديمومة الاحتجاج بشكل حضاري، بعيدا عن الانجرار للأفكار العدمية التي تخلط الأخضر باليابس وتوفر الفرصة لأنصار الجماعات الطائفية بالتشكيك بثورة الشباب والاتكاء على احداث حصلت بفعل الغضب وقلة الخبرة.
 للأسف في أيامنا الحالية، نجد بعض المثقفين، وعددهم ليس قليل، يقفون في المنطقة الرمادية، بدون موقف عمليا، وهذا عمليا لا يصب لصالح الاحتجاج السلمي، بل وان البعض يحرض على العنف، حتى دون ان يكون متواجدا في الساحات والشوارع، وهو بذلك يسترخص أرواح الشباب. في نفس الوقت يجب الا نغمط حق من تواجد في الساحات والشوارع من الفنانين والادباء، بشكل واخر، رغم عدهم المحدود، وتعرضوا للقنابل المسيلة للدموع، واحتمالات الاستشهاد برصاص القناصة "المجهولين"، ويتطلب تحيتهم. كنت انتظر شخصيا دورا أكبر، وفاعلا، من قبل الاتحادات والنقابات للأدباء والصحفيين، بالاستفادة من دروس شعبنا في الثورات والانتفاضات. كنت انتظر فيضا من قصائد الشعر والاغاني واللوحات وغير ذلك، ولكنها كانت قليلة ومعدودة جدا، وحتى هذا لم يتم تسليط الضوء عليه بشكل مناسب. واعتقد لم يفت الأوان أما الكثيرين، فثورة الشعب من اجل التغيير مستمرة، والفرصة متاحة أمام الكثير من المثقفين لينهوا ترددهم والخروج من المنطقة الرمادية واعلان موقفهم الصحيح، فالأمور بخواتيمها.       



147
لماذا المطالبة بسلمية التظاهرات؟
يوسف أبو الفوز

لا نختلف بان التعرض للمظاهرات السلمية باي شكل، وقمعها من قبل أي جهة، رسمية او "ميليشاوية"، هو مخالفة للدستور والقوانين التي تقر بحق المواطن بحقه في التظاهر والتعبير عن رأيه. ولا أقف شخصيا مع أي اعمال حرق وتخريب تقع خلال التظاهرات، حتى لمواقع ومقرات الجماعات المسلحة، فكل هذه الممتلكات يفترض ان تعود للشعب وللدولة ويمكن استثمارها بشكل نافع يوما ما.
ويغيظني جدا البعض، خصوصا الموجودين على مسافات الاف الكيلومترات من ساحة التحرير وشوارع التظاهرات، ويشجعون على استخدام العنف ضد القوات الأمنية العراقية. أقول لهؤلاء، في أي مكان كانوا، الذين قرؤوا كراسات عن الثورة عن تجارب شعوب أخرى، بان الثورات لا تستنسخ، وان ما يصح في أمريكا اللاتينية مثلا، لا يمكن ان ينجح في الشرق الوسط ومنها العراق، فلكل بلد ظروفه الخاصة الموضوعية والذاتية المطلوبة لقيام الثورة، ناهيك عن الاختلاف في العادات والتقاليد.
ان المطالبة بالحفاظ على سلمية التظاهرات لا يضمن لنا حفظ أرواح أبنائنا وبناتنا فقط، بل ويقطع الطريق على أجهزة الحكومة الحالية، ومعها مليشيات الدولة العميقة، في توفير الحجج لتصعيد قمعها واتخاذ إجراءات ما بحجة حفظ الامن العام والى اخر الأسطوانة المعروفة والمشروخة. سيقول لي هذا المنظر الثوري، بان الأجهزة الأمنية من اول أيام انطلاق الاحتجاجات وهي تستخدم العنف المفرط حتى من دون قيام المتظاهرين باي استفزاز لها، وسقط لنا مئات الشهداء والاف الجرحى. نعم يا صاحبي، مثلك اتابع وارى واشعر بالغضب والحزن، ولكن فماذا تنتظر من حكومة فقدت شرعيتها عمليا، ولا تعير اهتماما لمطاليب شعبها، وتستمر في الاستخفاف بشعبها وتصر على البقاء في مواقع السلطة وتحاول ان تناور لإطالة عمرها بإجراءات ترقيعية؟ ان علينا الالتزام بالسلمية في نشاطنا، رغم كل الخسارات، لفضحها أكثر وتجريدها من أي حجج لتنفيذ إجراءاتها القمعية والعمل لفضح اسلوبها العنيف لتحجيمه من خلال الإدانة الشعبية المتواصلة، وكسب التضامن مع ثورة شعبنا من قبل مختلف الجماعات والشعوب المحبة للحرية والتقدم والمؤسسات الدولية فهذا سيضفي شرعية أكثر على ثورة الشعب.
ان سلمية التظاهرات ستكون الضمانة الكبيرة لاستمرار ونجاح الحراك الشعبي وتحقيق أهدافه في التغيير الشامل، وتوفير الفرصة لفرز قيادات ناضجة للحراك الشعبي، ويساهم في مراجعة وتصحيح الشعارات والتكتيكات لإدامة الاحتجاج. ان سلمية التظاهرات تساهم في تشجيع الكثير من قطاعات الشعب لكسر ترددها والانخراط في الحراك الجماهيري وبالتالي يشجع على انجاز الاعتصام الشعبي ليشل أجهزة الدولة ويدفع لإسقاط الحكومة الحالية وبالتالي المنظومة الطائفية الفاسدة كلها.
ان مشكلة الشعب العراقي لا تكمن في وجود الحكومة الحالية فقط، فذهاب هذه الحكومة ووجوها المعروفة بفسادها، وبقاء آليات المحاصصة الطائفية والاثنية البغيضة سيجلب لنا حكومة بديلة، وان كانت الحكومة الحالية تقتل المواطن بالسكين فستأتي الحكومة القادمة بمن يقتل المواطن بخيط من القطن كما يقول المثل. ليس لنا إلا المطالبة والعمل على الحفاظ على سلمية الحراك الجماهيري وتوفير الفرصة للمتظاهرين لتنظيم أنفسهم بشكل افضل، فلو تصاعد العنف من الجانبين ، سيحل التخبط والضياع حين يختلط الحابل بالنابل ، وعند ذلك ستتوفر الفرصة لمن هب ودب لركوب الموجة الثورية، ومحاولة سرقة الحراك الشعبي وثورة الشعب لصالح أهدافه.

28 أكتوبر 2019


 

148
اليمين المتطرف الفنلندي يواصل هجومه ضد المهاجرين واللاجئين
يوسف أبو الفوز
ينشط النائب الفنلندي يوكا ماكينين (مواليد، 1961، من مدينة فاسا)، عضو حزب الفنلنديين الحقيقين، اليميني المتطرف، بشكل مستمر في عرض مواقفه ضد اللاجئين والمهاجرين وضد أي إجراءات إيجابية تتخذ من قبل حكومة رئيس الوزراء أنتي ريني (من الحزب الديمقراطي الاجتماعي) في هذا الخصوص. يجتهد النائب في مقالاته ولقاءاته وتصريحاته، التي يوزعها بنشاط محموم لكل مكان، والتي تلقيت بعضها على بريدي الاليكتروني، لعرض ارقام التكاليف التي تتحملها الدولة في استقبال وايواء اللاجئين. اثار قبل فترة قضية تكلفة الترجمات الشفوية، في مختلف مؤسسات الدولة، التي تتحملها الدولة كخدمات يضمنها القانون لمن لا يجيد السويدية والفنلندية، لغات البلاد الرسمية دستوريا واورد عن عام 2018 أرقاما فلكية تجاوزت الواحد وعشرين مليون يورو، ومع ذلك يعتقد بان الحكومة الحالية لا تقدم كل البيانات عن ذلك.
مؤخرا، وارتباطا بالأحداث في تركيا، وسياسة الديكتاتور العثماني، رجب أردوكان، وتهديده لفتح باب الهجرة نحو أوروبا إذا لم يساير الاتحاد الأوربي جرائم واعتداءات الحكومة التركية بحق الشعب الكردي لإنشاء منطقة أمنية في سوريا، نشر النائب ماكينين تصريحا، عن توجيهه في العشرين من أيلول الماضي سؤالا مكتوبا الى الحكومة الفنلندية عن جاهزيتها لغلق الحدود امام توقع ازمة مهاجرين ولاجئين جديدة مثلما حدث اعوام 2017- 2015.
يعتقد هذا النائب، تماشيا مع سياسة حزبه، ذي التوجهات العنصرية، بأن فنلندا ارتكبت خطا كبيرا ودفعت الثمن باهظا لاستقبالها 32000 طالب لجوء. ويطالب النائب ماكينين حكومة ريني بإتخاذ تدابير استباقية لضمان استعداد قوات الدفاع الفنلندية لمنع قدوم اللاجئين، فهو يحث على غلق الحدود بأنتشار قوات الجيش، حتى لو تطلب ان تخرق فنلندا اتفاقية شنغن، القاضية بكون حدود الاتحاد الأوربي واحدة، فالنائب ماكينين يرى " إن أمن الفنلنديين ووجود بلدنا ككل مهددون بشكل خطير عندما تبدأ أزمة هجرة جديدة".
مؤخرا تلقى النائب ماكينين رد الحكومة الفنلندية الحالية، من قبل وزيرة الداخلية ماريا أوهيسالو (حزب الخضر) على سؤاله المكتوب حول ما إذا كانت الحكومة لديها خطة لمنع اللاجئين ولمهاجرين إلى فنلندا. ذكرت الوزيرة في جوابها القصير بان الحكومة تقوم باستمرار بالتخطيط للطوارئ فيما يخص اللاجئين. اثار الجواب غضب النائب ماكنين وذكر في منشوراته تصريحات الحكومة المجرية بكونها ستستخدم القوة عندما يبدأ تدفق جديد للاجئين باتجاه الحدود المجرية، وهو يعتقد بان الحكومة الفنلندية الحالية غير مؤهلة لحماية مواطنيها من ازمة جديدة.
في مرات سابقة، ذكرنا بأن أحزاب اليمين في اوربا عموما تستغل ورقة اللاجئين والمهاجرين كورقة ضمن سياستها لتقويض "دولة الرفاه"، النموذج الذي تسعى قوى الرأسمال العالمي لتقويضه بأدواتها السياسية، فها هو يواصل هجومه لاستغلال ورقة اللجوء، ولا ينس ان يكرر في أحاديثه سياسة حزبه بكون فنلندا عليها استقبال فقط من يكون قادرا على دفع الضرائب للدولة. وبنفس الوقت وبحكم كونه فاز مؤخرا برئاسة نادي أصحاب الدراجات النارية، هذه الهواية التي بدأها قبل عشرين عاما حين كان يعيش في أمريكا، فهو وإذ يعتقد بان اعداد راكبي الدراجات النارية تزداد في فنلندا، فهو يتطلع ان يكون لهم دور في " صنع القرار السياسي" ولم ينس بان يطالب الحكومة الحالية بضرورة " أن يتحرك كل سائقي الدراجات النارية دون التعرض لضرائب ورسوم مختلفة"!

149
رباط الكلام (2) : الى نهاز متثاقف!
يوسف أبو الفوز
 
كنت مؤخرا مع شادمان في زيارة لاحد العوائل الصديقة، نبارك لهم انتقالهم الى بيتهم الجديد.  تحدثنا في شؤون العراق، وسمعنا منهم حكايات مختلفة، لكن ما علق في بالي، حادثة طريفة روتها الزوجة المضيافة. حين افرد الزوج البومات الصور لأصدقاء كانوا في زيارتهم قبل أيام، وشاركهم في التفرج على الصور طفليهما الجميلين، الذين لم يتجاوز اكبرهم الست سنوات. انخرط ابنهم ذو السنوات الخمس في بكاء عميق احتجاجا لأنه لم يكن موجودا في الصور!
قال لأمه بلوعة: لست موجودا في الصورة؟ أين انا؟ لماذا لم تأخذوني معكم الى حفل زواجكم؟
هل لهذا الكلام من رباط؟ نعم، عزيزي القارئ، لا يوجد شيء في هذه الحياة بدون معنى!
إذ تشتعل شوارع العراق بهتافات ابناءه الشرفاء والمحتجين، ضد حكومات الإسلام السياسي، حكومات المحاصصة والفساد، التي اختطفت الوطن من ابناءه، وترسم دماء الشهداء والجرحى زهور المجد على حجر الشوارع، ينبري فجأة متثاقف، نهاز فرص، ليزايد على المناضلين، خصوصا المقيمين في المنفى (البعض يسميه الخارج!)، ويشكك بمواقفهم بطرق ملتويه (أين موقف فلان من الاحداث؟) باحثا لنفسه عن فسحة ليتسلق المشهد، ويدعي لنفسه ما لا يملك!
لن استغرب شخصيا أمثال هذا النموذج الحربّاوي. قابلت أمثاله في محطات كثيرة من حياتي. لن اتحدث عن البعثيين عشاق المجرم صدام ابن "أم الرجولة"، فهؤلاء خبر الناس اساليبهم المنحطة، أعنى هنا اشباههم الذين يعانون من عوق فكري يجعلهم يناطحون تاريخ مناضلين يشمخون كالنخيل.
هذا التاريخ الذي صلبته مطارق الاحداث، ويصرخ: اين كنت يا هذا في عرسنا يوم نزفنا دمنا وزهرة شبابنا لأجل وطن حملناه في قلوبنا طول مسيرة العمر ولم نفرط به رغم كل المغريات والصعوبات؟!
 أين كنت في سنوات إرهاب البعث العفلقي المجرم وضباعه تطاردنا من شارع لشارع نتخفى بمشقة في وطن مستباح من قبل البعثيين ومرتزقتهم؟
أين كنت عن الوطن في سنوات الجبل يوم اقتحم السماء الاف الشباب العراقي، في حركة الأنصار الشيوعيين، حالمين بثورة تساهم بإشعالها بنادقهم؟
اين كنت في سنوات غربتنا من بلد الى اخر، وزنازين الأنظمة العربية ودول الجوار ـ وحتى الاوربية ـ  تستضيف الاحرار من المناضلين، لكونهم لا يحملون جوازات سفر من بلدهم الأم؟
اين كنت حين ...؟
كان عليك يا حصيف، يا نهاز، ان تعرف حجمك وتاريخ تلونك الحربّاوي، والوان قمصانك الرثة التي ترتديها عند كل موقف، وايضا تتذكر ان بيتك من زجاج هش .. وجدا!
 وسنلتقي! 


150
المنبر الحر / مذاق عراقي!
« في: 21:39 15/10/2019  »
  مذاق عراقي!


يوسف أبو الفوز

لغف بدقيقة صحن المخلمة الذي أعدته زوجته قبل خروجها للعمل في شركة التنظيف. يقدر لها كثيرا تحقيق رغبته في الحفاظ على المذاق العراقي في الطبخ. شفط كوب الشاي السيلاني الاسود بدون سكر حسب وصايا الطبيب. تصفح بسرعة بريد الماسنجر. توقف أصحابه من أيام عن مده بتلك الصور اللذيذة لحوريات وفاتنات لا يعلم سوى الله كيف كُوِّرَتْ صدورهن واردافهن، وصاروا يمدونه بفيديوهات كئيبة لإحداث ما يجري في شوارع بغداد. قتلى وجرحى واباء مكلومين وامهات ثكلى وقوات امنية غاضبة. لقد تجاوزت الحكومة الفاسدة حدودها كثيرا. نهض ممتعضا.  وصلته البارحة من ابنه في لندن رسالة يخبره بانه وصديقته سيسافران الى فينيا في إجازة الخريف القادمة، ويطلب منه المساعدة بمده بمبلغ لاستكمال تكاليف اجازتهم. كبروا وصاروا يطالبون بحقوقهم. تلفه الحيرة وتثقل عليه. أيكتب بوستا جديدا عن تظاهرات الاحتجاج ام يستكمل كتابة قصيدته الأخيرة عن الاحداث؟ استلهم فكرة القصيدة من حديث جارته بنت البلد التي تعلمت العربية في مصر:
ــ "العراق صاير حريئه"!
اثارت كلماتها نخوته. كتب قبل أيام بوستا في فيس بوك بالألوان عما يجري من قتل في شوارع بغداد:
ــ ستستخدم الحكومة كل الاساليب القذرة لإسقاط ثورتكم وكل انواع الاسلحة لقتلكم فماذا أنتم فاعلون يا شباب العراق؟
 مد بصره عبر زجاج النافذة. تبدو البحيرة القريبة ساكنة وثمة زوراق رياضية تبتعد. المنظر جميل من الطابق الخامس. كان محقا حين أصر على دائرة الشؤون الاجتماعية ان تساعده للحصول على هذا الشقة بالذات ومساعدتهم له في دفع قسم من الايجار. في الحديقة امام العمارة ثمة امرأة يخفي شعرها الأشقر ملامح وجهها، تجلس تراقب طفلها يلعب بالرمل. لقد نظف بواب العمارة الممر الجانبي من بعض أوراق الخريف، لكن أشجار "البتيولا" تستمر اوراقها في التساقط. لابد للاحتجاجات ان تستمر، وان بقت سلمية معناها موتها. جلس الى الكومبيوتر وركضت أصابعه على الكيبورد:
ــ لماذا لا نقاتل هؤلاء الحكام الخونة بالسلاح؟ يبدو انه لا مفر من ذلك.. لا نريدها سلمية بعد الان. العين بالعين والسن بالسن لن نتركهم يقتلونا وبإمكاننا حمل السلاح للدفاع عن وطننا وبيتنا واهلنا!
وحتى لا ينس، قبل ذهابه الى صالة الرياضة، بسرعة كتب لابنه رسالة على الماسنجر:
ـ سأطلب من أمك تحويل مبلغ من المال، لكنه قرض وعليك اعادته سريعا!

5 أكتوبر 2019



151
رباط الكلام: الدب العراقي!


يوسف أبو الفوز

رويت ذلك مرارا، وان بأساليب مختلفة، حسب المكان والمناسبة، لكن ملخص الحكاية هو واحد. إذ تحفظت شادمان في اول لقائي وتعرفي بها على العيش وطبيعة الحياة في فنلندا، فكان عليّ، انا العاشق المتلهف لكسب قلبها وعقلها ان أقنعها بأن ما سمعته عن هذا البلد فيه الكثير من المبالغات. لا اعرف من روى لها وكيف اقتنعت بان فنلندا، البلد المرمي عند حافة القطب، تعيش ستة أشهر في ليل طويل وستة أشهر نهار دائم. وإذ تجاوزنا هذا كان عليّ اقناعها بالتهويل في الامر بان الدببة تجوب شوارع المدن الفنلندية!
بعد عام، ومن وجود شادمان في فنلندا، ومعيشتنا معا، في بيت في مركز مدينة كيرافا، في ضواحي العاصمة هلسنكي، أطلق التلفزيون الفنلندي إشارة تحذيرية، وتكون هذه بصوت حاد كالمورس يلفت الانتباه مع شريط عريض مقروء، وهي عادة متبعة في هذا البلد:
ـ الى سكان مدينة كيرافا. احذروا. الزموا بيوتكم، شوهد دب يتجول في أحد شوارع مدينة كيرافا. أبلغونا بالمستجدات.
حصل ذلك مرتين، وفي كلتا الحالتين، صرخت بي شادمان:
ـ الم أقل لك!
رباط الكلام..
من المعروف ان الدببة من صنف السباع، وهي تدخل في سبات عميق لكنها تستيقظ وتكون نشطة، ورغم انها عموما خجولة، الا انها تدافع بشراسة عن اطفالها إذا ما تعرض لها أحد.
فيا حكومات المحاصصة والفساد والحرامية بلا ضمير وسياسي الصدفة من كل لون. ان الدب العراقي الغاضب، نهض من سباته، وهاهو يجوب شوارع المدن العراقية، لأجل حياة كريمة، وسيدافع بشراسة عن مستقبل ابناءه، فعليكم ان تتدبروا حالكم والتصرف بحكمة. الزموا بيوتكم، او اهربوا الى اسيادكم. ولات ساعة مندم!

152
حين تحتفي السينما ببطولة ناس عاديين ... وحيدون في برلين أم في.. بغداد؟
يوسف أبو الفوز

شاهدت مؤخرا فيلما ( نشر رابط له على موقعه في فيس بوك الفنان هادي ياسين) ، بإنتاج مشترك ، فرنسي الماني بريطاني ، وبطاقم عمل أممي من مختلف الجنسيات، وطيلة ساعة وثلاثة واربعون دقيقة، زمن الفيلم، الذي يقدم لنا قصة شجاعة هادئة بدون صخب، يجترحها عامل في ورشة نجارة لصناعة التوابيت مع زوجته التي ساندته لأخر لحظة، فوجدت ذهني لا اراديا  يدور في بغداد، او أي مدينة عراقية أخرى، في زمن الطاغية المجرم صدام حسين ونظام حزبه الفاشي الاشتراكي القومي، رغم ان احداث الفيلم تدور في المانيا، برلين الغربية، في سنوات الحرب العالمية الثانية تحت ظل نظام الحكم الهتلري الفاشي والسلطة الوحشية لقوات الغستابو، فوجدتني، من اللاوعي، اضع لشخصيات الفيلم والاحياء والشوارع أسماءً عراقية، فلم يكن هناك اختلاف كبير، فهذا الفيلم بين لي بشكل واضح وصريح، ان الديكتاتوريات الشوفينية، مهما كان ثوبها ولونها، والمعادية للإنسان وحقه في الحياة الكريمة، تتناسل، وان عسفها الفاشي واحد وتتشابه طرق تنفيذها للجرائم بحق الناس الأبرياء، إضافة الى ذلك بين لي الفيلم جيدا القدرة الهائلة التي تمتلكها السينما لإدانة العسف والظلم وأيضا لتمجيد البطولة .
 الفيلم هو "وحيدون في برلين" انتاج 2016 من اخراج فنسنت بيريز (مواليد 1964) مصور وممثل ومخرج سويسري، كتب السيناريو بالتعاون مع الألماني آخيم فون بوريز(1968)،  صاحب سيناريو فيلم "وداعا لينين" 2003 الذي ترشح للعديد من الجوائز حينها. كُتب سيناريو فيلم "وحيدون في برلين" عن رواية للكاتب الألماني هانز فالادا (1893 - 1947)، صاحب الحياة المثيرة للجدل، وكانت بعنوان "كل رجل يموت لوحده"، وتذكر لنا سيرته الذاتية (موقع ويكيبيديا مثلا)، انه كتب الرواية خلال 24 يوما، قبل موته بأشهر قليلة مخبراً اهله انه كتب قصة عظيمة. كتب فلادا روايته استنادا الى واقعة حقيقية، وجدها في ملفات جهاز الغستابو، عن قصة رجل وزوجته، العاملان أوتو وإيليز هامبيل، المواطنان الالمانيان، الذين لم يكونا عضوين في الحزب النازي لكنهما مجبران على الاشتراك في نشاطاته، بعد مقتل ابنهما الوحيد في الحرب في فرنسا، وجدا في ذلك ظلما كبيرا لهما، واكتشفا خداع الفكر الفاشي، فتحول الحزن في روحيهما الى غضب بارد، جعلهما ينتفضان ضد الحرب والفاشية فابتكرا أسلوب فرديا للمقاومة، وذلك بكتابة نصوص تحريضية قصيرة، على بطاقات بريدية، تطالب بنشر الحقيقة وإيقاف الحرب، وصارا يوزعانها في كل مكان في احياء برلين، يضعانها على السلالم والمداخل حيث يمكن رؤيتها من قبل المارة، واستمرا بنشاطهما الذي استنفر جهاز الغستابو ضدهم بين عامي 1940 و1943. يذكر ان هذ القصة سبق واخرجت للتلفزيون والسينما في المانيا الديمقراطية والغربية في أعوام1962 و1970، والفيلم موضوع حديثنا يحمل اهداء لذكراهما وان كان السيناريو غيّر أسميهما الى أوتو وآنا كوانجيل.
يبدا الفيلم، الذي تم تصويره في عدة مدن المانية عام 2015، بانتصار القوات الفاشية في فرنسا ومقتل الابن، وعند ابلاغ الاب أوتو كوانجيل بمقتل ولده حافظ على رباط جأشه بشكل يثير الاعجاب، وأدى دوره ببراعة الممثل الأيرلندي برندان غليسون (1955) الذي لعب دور ونستون تشرشل في فيلم " في العاصفة" 2009، وشارك في أفلام هاري بوتر (2004-2010)، قلب شجاع (1995)، وافلام أخرى قادته لنيل عدة جوائز رفيعة والترشيح لأخرى. كانت حوارات الفيلم قصيرة وعميقة ودالة، ربما من أبرزها حوار الزوج مع زوجته الذي استمد منه الفيلم العنوان حين يخبر أوتو كوانجيل زوجته آنا، بعد ان بدأ في كتابة البطاقات البريدية: " من الآن فصاعدًا، نحن لوحدنا". لعبت الممثلة البريطانية إيما تومسون (1959) دور الزوجة آنا، التي تناغمت في هدوءها ورباطة جأشها وشجاعتها مع زوجها وان كانت لامته على موت ابنها (انت الملام وحربك اللعينة، انت وزعيمك اللعين) فأثر على حميمية علاقتهما الزوجية، لكن الحزن بفقدان ولدهما الوحيد ولجوئهما الى ابتكار طريقة لمقاومة ماكينة الحرب النازية، يساهم بإحياء علاقتهما الزوجية. وفي مشهد رائع بتنفيذه وتمثيله، في قاعة المحكمة وقبل ان يرسلهما القاضي للموت بالمقصلة، تقترب آنا من زوجها فيسألها: تعرفين ماذا سيحدث؟ فتخبره بالإيجاب، فيقول لها "انه أمر لا يمكن تغييره"، ويقصد حكمهما القادم بالإعدام، فتنظر اليه بحب وتقول بثبات: "أعرف. أوتو، لا يهم". ان الفيلم يقول لنا في هذا المشهد بأن الخوف يتلاشى عندما نقوم بالفعل الصواب ونقف بوجه الظلم والطغيان.
كان الفيلم يتحرك بايقاع هادئ لكنه يحبس الانفاس، إذ تضافر أداء برندان غليسون وإيما تومسون بابتعادهما عن صنع فيلم ميلودرامي يستدر العواطف، الى صنع فيلم يقدم صورة للغضب البارد كدافع لتنفيذ اعمال مقاومة وانتقام من سلطة غاشمة. وكانت كاميرا السينمائي والممثل البلجيكي كريستوف بياوكارن (1965) الحائز والمرشح كمصور لعدة جوائز، تنتقل بحساسية وبراعة في شوارع مدينة برلين، في أيام الحرب محيطة بكل التفاصيل التي يبدوا واضحا ان الفيلم كان حريصا على ابرازها، حيث نشاهد شارع كامل تدور به السيارات من فترة الاربعينات بكل تفاصيل الحياة التي كرسها النظام الفاشي، والكاميرا تتحرك بدون صخب مع موسيقى عميقة، بضربات خفيفة من البيانو، التي تعكس توتر داخلي في احداث الفيلم وروح المتفرج، والموسيقى من تأليف الفرنسي ألكسندر ديسبلا (1961) الذي سبق وتم ترشيحه لثلاث جوائز أوسكار، وفاز بجائزة غولدن غلوب ، ورُشح لعدة جوائز أخرى. ان مصيبة أتو كوانجيل وزوجته بفقدان ابنهما، وانشغالهما بأخفاء نشاطهما التحريضي السري، لم يمنعهما من ابداء التعاطف مع جارتهم العجوز اليهودية روزنتال (أدت دورها الممثلة الفرنسية مونيك شوميت مواليد 1927)، التي تعرضت شقتها للنهب والاعتداء من جيرانها أعضاء الحزب النازي من كتاب التقارير والوشاة! (هل يّذكر هذا العراقيين بشيء؟)، والتي يتعاطف معها أوتو كوانجيل وزوجته آنا، لكن محاولة اعتقال العجوز رزونتال من قبل قوات الغستابو بمشاركة ابن جارتها الذي رعته حين كان طفلا، وشب ليصير فتى في الشبيبة النازية، يدفعها للانتحار برمي نفسها من اعلى العمارة السكنية. 
شخصية محقق الشرطة، الذي  يتابع قضية توزيع البطاقات البريدية ، ادى دوره بتمكن الممثل الألماني ـ الاسباني  دانيال برول ( 1978) ، الذي عرف في أفلام عديدة منها "وداعا لينين"  2003، و" المستعمرة كولونيا" 2015 ، وافلام عديدة أخرى نال عنها العديد من الجوائز، في هذا الفيلم نجح في تقمص دور محقق الشرطة الذي يؤدي دوره في البدء بحماس أيديولوجي وحرفية مهنية في البحث عن كاتب وموزع البطاقات البريدية، ونجح في تحديد طبيعة شخصيته من خلال دراسة نصوص البطاقات، فتوصل الى كونه شخص مفجوع بفقدان ابنه الوحيد في الحرب في فرنسا، له علاقة بالمكائن لأنه يكرر عبارات " ماكينة الحرب" و " ماكينة النظام"، وشخّص ان هناك تطورا في أسلوبه التحريضي، إذ بدأ من عبارات " هتلر كاذب" و"هتلر قاتل" وانتقل الى طرح جمل طويلة تطالب بالبحث عن الحقيقة وإيقاف الحرب والنضال ضد النازية :"كل فكرة ضد الاشتراكيين القوميين مثل حبات الرمال في الة حرب النظام المجرم ". خلال التحقيق أطلق المحقق سراح مواطن مشتبه به كونه كاتب البطاقات لعدم تطابق المعلومات فالرجل المتهم لديه ولدين في جبهات الحرب، فأثار غضب ضابط الغستابو المستثار (لعب دوره الممثل السويدي ميكايل بيرسبرانت 1963) فأهان المحقق واعتدى عليه بوحشية، وطالبه بإعادة اعتقال المشتبه به، مما عصّف بشخصية المحقق واثار تعاطفه مع المشتبه به، إذ وجد نفسه تحول الى خائف ومهانا من ماكينة النظام مثل الذين يطاردهم، فيخبر المشتبه به بانه يدرك كونه بريء وانه ليس كاتب وموزع البطاقات، وبالاتفاق معه يقوم بتصفيته في غابة، لتجنبيه عذاب التحقيق وطرق التعذيب  الوحشية لأنه في كل الأحوال ميت، ويدعي امام رجال الغستابو انتحاره. كان الممثل دانيال برول بارعا في عكس التحول في شخصية المحقق، وتصاعد روح القلق، وحيرته في المضي قدما في تنفيذ واجبه، فحين يتم القبض على أوتو كوانجيل، بعد ارتكابه خطأ بإسقاطه بطاقات بريدية تحريضية في محل عمله بسبب اهتراء جيب معطفه، يشعر المحقق بالغضب لكونه قام بفعل قاده الى الموت. وحين يرفع ضابط الغستابو نخب النجاح في القاء القبض على كاتب البطاقات ويحطمون كؤوسهم على رأس كوانجيل يتردد المحقق ويتأخر في فعل ذلك علامة على التصدع الداخلي الذي أصابه. وإذ كان أوتو كوانجيل كتب ووزع 285 بطاقة، فيخبره المحقق غاضبا بأنهم استلموا 267 من البطاقات وجلبها الناس لهم طواعية، وهناك فقط 18 بطاقة لم تسلم لهم ويصرخ به: "لم  يمكنهم الانتظار حتى يسلموها لنا . كيف يمكنك حقا ان تصدق أنك ستغير أي شيء؟"، لكن كوانجيل لا يأبه بهذا، ففي حديث سابق مع زوجته عن مصير البطاقات البريدية، وتساؤله هل سيقرأها الناس؟ هل سيمررونها للأخرين؟  أخبرها "ان القليل من الرمل لن يوقف الماكينة لكن المزيد سيعطلها". في مشهد اخير في الفيلم، بعد اعدام كوانجيل وزوجته يمسك المحقق بالبطاقات البريدية ويصرخ بانه الوحيد الذي قراها جميعها، وينثرها عبر الشباك من اعلى العمارة الى الشارع، ويخرج مسدسه من درج مكتبه، وإذ تنثر الريح البطاقات على ارض الشارع ويلتقطها الناس نسمع صوت اطلاقة، فنعرف بأن حبيبات الرمل قامت بدورها!

 

   


 




153
الفن ينتصر للمرأة في معرض تشكيلي مشترك في  هلسنكي
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز   
تصوير : شادمان علي فتاح

في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، وفي "ليلة الفن"، التي تقام كل عام، في الأسبوع الأخير من شهر آب، حيث تنظم العشرات من النشاطات الثقافية والفنية التشكيلية والموسيقية والقراءات الشعرية، وبتنظيم من (شبكة الفنانين المهاجرين في أوروبا) بادارة واشراف الفنان العراقي أمير الخطيب (مواليد النجف 1961) رئيس الشبكة ، اقيم معرض تشكيلي تحت عنوان (المرأة مصدر الحياة) ، وعلى قاعتين في مبنى كابلي، الذي هو مركز غرب العاصمة للفنون والنشاطات الثقافية، وباشتراك 46 فنانا مغتربا في الولايات المتحدة الامريكية وكندا والسويد وفنلندا وألمانيا، وبمعدل عمل فني او عملين لكل فنان. وما عدا عملين نحتيين ، كانت كل الاعمال رسوم تشكيلية بمواد مختلفة ومرتبطة موضوعاتها بعنوان المعرض، خصوصا ان من مجموع المساهمين كان هناك 31 امرأة فنانة، حيث عرضت الاعمال الفنية تفاصيل من هواجس واحلام وهموم المرأة عموما سواء في البيت او مواقع العمل او حملت أسئلة كبيرة عن عموم معاناة المرأة ونضالها من اجل حريتها وواقع اجتماعي افضل خصوصا ان الفنانين المشتركين أساسا هم من خمسة بلدان عربية هي : العراق ، مصر، تونس، المغرب وفلسطين، فجاءت اللوحات محملة بهموم المرأة ارتباطا بواقع حياتها في بلدها والظروف التي يعاني منها عموم المجتمع اجتماعيا وسياسيا . هكذا حملت مساهمة الفنان بلال السكوتي النحتية، من الخشب اسم "نا.. دية"، في تلاعب مقصود بالاسم ومعبرا في العمل عن انتهاك حقوق النساء الايزديات أثر جرائم عصابة داعش الإرهابية ضد الإنسانية. يذكر ان المعرض تم افتتاحه من قبل الفنان المفاهيمي الفنلندي يوها ـ بيكا فايسانين الذي هو أيضا رئيس الحزب الشيوعي الفنلندي، وقدم في الافتتاح كلمة مهمة اشاهد بها بالجهود المنظمة وبالأعمال المشاركة واعتبر المعرض " مساهمة في النقاش الفنلندي والأوروبي والعالمي حول دور المرأة في المجتمع، وتبيان مسؤولية الفنان وحق الأقليات والمهاجرين في ابراز ثقافتهم"   وأضاف بان المعرض " حمل رسالة سياسية واضحة تنتصر للمرأة إضافة الى قيمه الفنية".          
الفنان امير الخطيب، رئيس (شبكة الفنانين المهاجرين في أوروبا) أخبرنا بان المعرض، يشكل إضافة جديدة لنشاط الشبكة المتواصل، وانه سيستمر مفتوحا امام الزوار حتى نهاية شهر آب. ومن الجدير بالذكر ان الخطيب وفي عام 1997 وبالتعاون مع بضعة فنانين تشكيليين أسس (شبكة الفنانين المهاجرين في أوروبا)، والتي مقرها هلسنكي، وتصدر مجلة شهرية باللغة الانكليزية اسمها ( ألوان كونية) ، بلغ أعضاء المنظمة قرابة 500 فنان ينتمون لأكثر من 40 بلداً، يشكّل الفنانون العراقيون نسبة كبيرة بينهم، ومنهم اسماء لامعة في الحركة الفنية العراقية، واستطاعت شبكة الفنانين أن تنظم العديد من المعارض المشتركة في بلدان أوروبية. وللشبكة مساهمة فكرية فاعلة في حوارات حضارية تختص بمفهوم " الثقافة الثالثة " ونشاط الفنانين المنفيين والمغتربين في أوروبا.


 








الفنان الخطيب يتوسط الفنانين من العراق عدوية الربيعي وبلال السكوتي



154
الصحافة الشيوعية في العراق..
من اجل سعادة الشعب وحرية الوطن *

يوسف ابو الفوز
صدرت "كفاح الشعب"، اول صحيفة شيوعية عراقية، أواخر تموز 1935، لتكسر احتكار الأفكار الذي تمارسه الصحافة الحكومية الرسمية، واصبحت أول صحيفة عراقية تصدر سرا متحدية الأعراف التقليدية بضرورة الحصول على إجازة، ولتفتح السجل النضالي الحافل للصحافة الشيوعية في العراق، التي لعبت دورا نضاليا بارزا في نضال القوى الوطنية المكافحة من اجل سعادة الشعب وحرية الوطن. ان المؤرخ والمتابع لتاريخ الصحافة الشيوعية في العراق، لا يمكنه تجاوز دورها في ارساء تقاليد عمل جديدة في تاريخ الصحافة العراقية، ولا يمكنه الا ان يذكر دورها الريادي في كشف وفضح سياسات الحكومات العميلة المرتبطة بسياسة الاستعمار وقوى الاحتكار، وتبنيها لتطلعات الكادحين. ومع توالي اصدار الحزب الشيوعي، العديد من الصحف السرية والعلنية، ارتباطا بالظروف النضالية والسياسية التي عاشها ، مثل  صحيفة "الشرارة" في مطلع الاربعينات، صحيفة "القاعدة" في كانون الثاني 1943، ، صحيفة ئازادي " الحرية "الناطقة باللغة الكردية في نيسان 1944، "العصبة"  في 1946 ،"الاساس" في 1948، " اتحاد الشعب" في منتصف 1956 ثم صحيفة "طريق الشعب" نهاية 1961 والتي واجهت ظروف نشر متعددة، فإن الصحافة الشيوعية ظلت وفية ومخلصة للمبادئ التي ارساها الرواد الأوائل، فلم تكن مجرد صوت لإيصال سياسة الحزب وبرامجه، بل كانت ميدانا لنشر الفكر التقدمي في مختلف جوانب الحياة. أصبحت جماهير الشعب تقرأ في صحافة الحزب الشيوعي العراقي آمالها وطموحاتها وهمومها، ولهذا كان انتظام صدور صحافة الحزب يشكل معنى كبيرا لدى جماهير الكادحين وأعضاء وأصدقاء الحزب، ولهذا السبب كانت صحافة الحزب السرية في فترات نضالية عديدة توزع أعدادا أكثر من الصحف العلنية الرسمية، واصبحت مدرسة لأجيال من الصحفيين والمثقفين العراقيين، الذين على صفحاتها تعلموا وشقوا طريقهم إلى ميدان العمل في الصحافة والأدب. خلال مسيرتها النضالية الحافلة بالأمجاد من اجل مستقبل أفضل لأبناء شعبنا، قدمت صحافة الحزب الشيوعي العراقي كوكبة خالدة من الشهداء من المناضلين والصحفيين، نستذكر منهم الشهداء محمد الشبيبي، عبد الرحيم شريف، محمد حسين أبو العيس، جمال الحيدري، نافع يونس، عبد الجبار وهبي (أبو سعيد)، عدنان البراك، ولا ننسى زكي خيري وشمران الياسري وعامر عبد الله وغيرهم كثيرون ممن يطول تعداد أسمائهم.
هذا الملف، تقدمه طريق الشعب، تحية لذكرى صدور اول صحيفة شيوعية، وإجلالا لذكرى الرواد الأوائل، وشهداء الصحافة الشيوعية الذين بدمهم قبل الحبر سطروا مجد الكلمة المناضلة الصادقة.
تحية التقدير لألاف من المراسلين المجهولين الذين كانوا يغذون صحافة الحزب بالمعلومات والوقائع ويجعلونها صحافة الناس التي تعبر عن امالهم وتطلعاتهم وقريبة الى نبض الكادحين.
تحية للجهود المثابرة التي تواصل العمل، رغم كل العوائق، لتبقى صحافة الحزب ميدانا للأفكار الشجاعة والتقدمية، التي تعمل لأجل بناء عراق ديمقراطي، فيدرالي، تعددي، ينعم فيه المواطن بحياة حرة كريمة تحت ظل القانون، بعيدا عن أي فكر تعسفي ظلامي، يصادر حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة.




155
رحيل الشخصية الفذة كلاوس أندرسون
يوسف أبو الفوز

اعلن اليوم في هلسنكي، عن رحيل الشخصية الفذة كلاوس اندرسون (شاعر، موسيقي، عالم نفس، قائد سياسي يساري، وزير ثقافة سابق، برلماني) عن عمر 82 سنة. وتميز بمواقفه المبدئية والرائعة في دعم قضايا الشعب العراقي ايام حكومة الديكتاتور السافل صدام حسين، وعبر دوما عن دعمه لقضايا المهاجرين واللاجئين، ويشرفني ان جمعتني واياه لقاءات ونشاطات ثقافية وسياسية متعددة، وتميزت شخصيته الثرية بالتواضع الجم. في اخر نشاط مشترك لنا اقامته جمعية الادباء السويديين في شهر نوفمبر 2015 دعما للاجئين وصل المكان متأخرا، كنت وشادمان نجلس في طرف الصف الرابع فرفض تركي مقعدي لاجله وجلس في اخر الصفوف في المسرح. قبلها بسنوات كنا في وسط المدينة وكان يتمشى في الطرف الثاني من الشارع وكانت أيام أعياد الميلاد، رفعنا أيدينا له بالتحية، فعبر الشارع باتجاهنا ليقدم التهاني والامنيات بالعام الجديد. اشعر شخصيا بالحزن والخسارة، اذ كنت دائما مبهورا بعبقريته ونشاطه المتعدد وتعلمت من ذلك الكثير.
أسمه الكامل كلاوس يوهان رودولف أندرسون هو طبيب نفساني فنلندي ـ سويدي، روائي، شاعر، موسيقي، وعضو سابق في البرلمان الفنلندي. دخل الحياة البرلمانية عام 1987 كمرشح لرابطة الشعب الديمقراطية في فنلندا (الحزب الشيوعي) الذي تفتت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي الى عدة كيانات سياسية منها "اتحاد اليسار" الذي تأسس عام 1990 وأصبح اندرسون أبرز شخصياته وأول سكرتيرا له، وترأس الحزب لمدة ثماني سنوات. أصبح وزيرا للثقافة للفترة 13 نيسان 1995 - 4 أيلول 1998، وكان مرشحًا في الانتخابات الرئاسية لحزبه في عام 1994. وكان عضوا في البرلمان الفنلندي في 1987-1999 و2007-2008. ثم استقال كعضو في البرلمان لأسباب صحية في خريف عام 2008 وكان النائب الذي جمع أكثر الأصوات في الانتخابات وعند استقالته كان رئيسا للبرلمان الفنلندي.
عرف عنه غزارة الإنتاج، فإضافة الى كتابته الشعر كتب العديد من الروايات وعدة سيناريوهات لافلام أصبحت معروفة، وأصدرت مذكراته التي كشف فيها الكثير من اسرار حياته، منها ادمانه لفترة على القمار، ومحاولته الانتحار عندما شك بنفسه كونه مصابا بالايدز لانه أصيب بمرض له اعراض مشابهه.
لقد فقدنا صديقا رائعا طالما عرف بمواقفه الثابتة ضد العنصريين وطالما قدم دعمه لقضايا المهاجرين واللاجئين.

 

156
يا أولاد الحرام أكرمونا بسكوتكم!
يوسف أبو الفوز

حين اتصل بي اخي الأكبر فجر الأول من أيلول عام 1997 لينقل لي خبر وفاة والدتي، التي عانت كثيرا من النظام البعثي المقبور بسبب كون لها ثلاثة أبناء شيوعيين، رفضوا الرضوخ لسياسة التبعيث الفاشية، وان يطأطؤوا رؤوسهم بمذلة لنظام العهر الدموي، وغادروا البلاد مضطرين تباعا مشيا على الاقدام عبر الصحراء الى الكويت، لم أبك ساعتها بقدر شعوري بالغضب، فغادرت المنزل لأجري في الغابة القريبة من بيتي حتى عثر علي راكبو دراجات منهارا من التعب عند جذع شجرة.
اليوم، وانا اطالع ما نقلته الاخبار ووسائل التواصل الاجتماعي من صور العظام لأطفال ونساء، في مقبرة جماعية، اكتشفت في صحراء مدينتي السماوة، لم أستطع حبس دموعي واجهشت بالبكاء، وانا اكتب هذه السطور الغاضبة.
قبل أيام، في ذكرى ثورة ١٤ تموز، كتبت مع نشر بوستر للفنان فراس البصري عن المناسبة، هتافا طالما سمعته من ناس أحبهم " تموز عايش للأبد.. موتوا يا بعثية “، فوصلتني رسائل ومكالمات وهناك من كتب على صفحتي العامة، يطالبني بان اتجاوز هذه اللغة واني " مثقف" وعلي تجاوز لغة الموت والخ، بل هناك من يذكرني بنيلسون مانديلا وسياسته في التسامح، وهناك من ...
يا بشر ... حين أعلن مانديلا سياسته في التسامح كانت مقرونة باعتذار الجلادين، ومحاسبة المجرمين. هاتوا لي بعثي واحد اعتذر عما جرى للناس من مآس بسببه أو بسبب حزبه. هاتوا لي مثقف صفق وردح ودجل وغنى وكتب شعرا ـ حتى لو كلمة ــ وقال اعذروني كنت مخدوعا، خائفا، جبانا أو على الأقل كنت أبن كلب!
وانا انظر الى العظام في الصور، واقرا سطور، بعض من اهالي من غيبت عوائلهم بالكامل ــ اقروأ ما يكتبه مثلا الأخ كفاح كنجي الذي فقد عائلته وافراد قرية كاملة من اقربائه ولا يزال يبحث عن عظامهم ـ اريد ان أمزق ثيابي والطم وجه كل من يشفق على أي بعثي حقير، وسأبول على راس كل من يدافع عن بعثي حقير من حملة الفكر العفن الدموي الفاشي الذي خلف أخلاقيات خرا.  سأنعل ابو حتى الشريف منهم.  وأبصق على كلمة "مثقف" إذا تستر خلفها من صنعوا امجاد الديكتاتور العفن "ابن أم الرجولة". قولي عني ما شئتم فأنا غاضب جدا الان، لكني في وعيّ الكامل. لن ارحم بشتائمي كل من يفتح بابا للتسامح مع من لا يريد الاعتذار من هؤلاء البعثيين السفلة الذين لبسوا ثوب الدين وثوب الوطنية واندسوا في كل الأحزاب ـ كل الأحزاب!-، وعملوا من أنفسهم ضحايا، ويتباكون أولا الحرام على "الزمن الجميل". كان المجرم صدام حسين يتنعم في قصوره مع جواريه وخدمه وكنتم أنتم يا أولاد الحرام من ترتكبون الجرائم باسمه وتصنعون أسمه ديكتاتور. فتف على كل من يترحم لكم!
انظر الى هذه العظام وانا احبس دموعي واتخيل هل هي عظام أطفال قرية مراني الذين عرفتهم وعايشتهم، ومزحت معهم واخرجت لهم مسرحية، أطفال قرية مراني: هل هذه عظام زخاروف، زوزك، فيدل، خليل، وفاء، عاصف، خمي، ديمتروف، فؤاد، حبيب، سيتاف، ريناز، زكي، فينوار، رينوار وسلسلة الأسماء طويلة يا أولاد الحرام.  إكرمونا بسكوتكم ودعونا نكفف دموعنا بصمت.

157
الشيوعي الفنلندي يعقد مؤتمره العام وينتخب قيادته الجديدة

متابعة ــ طريق الشعب

في مدينة بورفو، التاريخية، ( شهدت جلسات اول برلمان فنلندي عام ١٨٠٩ بعد تمتعها بالحكم الذاتي في زمن الحكم القصيري الروسي) ، الواقعة حوالي60    كم شمال شرق العاصمة هلسنكي، ولليومين  15- 14 حزيران الجاري، وتحت شعار (اليوم هو الوقت المناسب - الوقت والمكان المناسبان للتعاون والتقدم) عقد الحزب الشيوعي الفنلندي مؤتمره الدوري، الذي يعقد كل ثلاث سنوات مرة، بمساهمة 68 مندوبا و 10 مراقبين وبحضور ضيوف ممثلين من 12 حزبا شيوعيا ويساريا ، منهم الحزب الشيوعي العراقي الذي مثله الرفيق يوسف أبو الفوز من منظمة الحزب في فنلندا . وكان من ضمن الضيوف سفراء بعض البلدان. تلقى المؤتمر برقيات ورسائل تهنئة من العديد من الاحزاب الشيوعية واليسارية، ومنها رسالة تهنئة من اللجنة لحزبنا الشيوعي العراقي.
وبعد ان تم إقرار شرعية المؤتمر وثم أنتخاب هيئة الرئاسة وبقية اللجان العاملة، تم تشكيل وإقرار لجان ورش العمل المقترحة لمناقشة وثائق المؤتمر، والتي روعي في تشكيلها ان تضم في عضويتها مندوبين ممثلين عن مختلف المدن الفنلندية، ودعي لحضورها والمساهمة في النقاش خبراء ومختصون من أصدقاء الحزب من الشخصيات الاكاديمية المعروفة.
أفتتح الرفيق يوها ــ بيكا فايسانين، رئيس الحزب، جلسات المؤتمر باستعراض التقرير السياسي الذي أشار الى انه في السنوات الثلاث الماضية حدثت تغيرات عديدة في العالم وفنلندا، وانه لمواجهة الرأسمالية، يجد ان هناك حاجة الى جمع التقدمية والديمقراطية للعمل الجاد لأجل تغيير جذري في العمل ضد السياسات الرأسمالية والعنصرية والفاشية وانتهاك حقوق الفقراء وذوي الدخل المحدود، وضد الحرب والعسكرة ولأجل تحسين ظروف عمل العمال. وبين ان الحزب الشيوعي الفنلندي مستعد للتعاون مع قوى اليسار ضد سياسات التقشف ولأجل السلام ليس في فنلندا فقط بل وعلى نطاق عالمي. واضاف الى ان نشاط الحزب الشيوعي الفنلندي ضد سياسات حكومة اليمين السابقة، ساهم في التغيير في الانتخابات وفوز عديد من أحزاب اليسار التي شكلت الحكومة الحالية،  لكن التقرير اكد تحفظات الحزب الشيوعي الفنلندي على مشاركة حزب الوسط في الحكومة حيث يمثل سياسية البرجوازيين الليبراليين الجدد ، ومخاطر ذلك تتبين من توليه وزارة المالية ( حسب العرف في فنلندا وزير المالية عادة يتولى موقع نائب رئيس الوزراء ـ المحرر) ، وحيث لا تزال خطوط السياسة الخارجية مرتبطة بسياسات الاتحاد الاوربي ، فيما يخص عسكرة البرامج وترك الباب مفتوحا في العلاقة مع حلف الناتو. وتناولت عموم وثائق المؤتمر التحديات الرئيسية في المستقبل؛ إلغاء الهيكل والنموذج الاجتماعي الرأسمالي، ومكافحة الأزمة البيئية، والعنصرية، والفاشية والفقر، وكذلك تعزيز سياسة السلام، وتعزيز المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية. وشهدت قاعة المؤتمر، ولمدة يوميين متتاليين، سجالات ومناقشات بأجواء ديمقراطية مسؤولة وثم تم إقرار التقرير السياسي واوراق العمل التي غطت مختلف مجالات عمل الحزب الفكرية والسياسة والاجتماعية.   
وقوبلت رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الى المؤتمر، التي تلاها الرفيق يوسف أبو الفوز بعاصفة من التصفيق والترحيب، وحملت الرسالة الى المؤتمر التحيات من الشيوعيين العراقيين والامنيات بنجاح المؤتمر والثقة بأنه سيعزز من دور ونفوذ الحزب الشيوعي الفنلندي، الذي يواجه تحديات محلية وعالمية عديدة، وان المؤتمر سيساهم في رسم استراتيجيات لمكافحة سياسات احزاب اليمين والليبرالية الجديدة ومقاومة الهجمات على حقوق العمال التي أدت إلى تخفيضات شديدة في الضمان الاجتماعي والخدمات المحلية. وأشارت الرسالة الى إن هذه المعركة التي يقوم بها الشيوعيون الفنلنديون من أجل فنلندا أخرى، أوروبا العمالية وعالم أفضل، مرتبطة بشكل وثيق بالكفاح، إلى جانب قوى يسارية ـوخضراء يسارية وتقدمية في بلدان الشمال الأوروبي الأخرى وفي أوروبا ضد الحروب الإمبريالية والفاشية والعنصرية وضد تغير المناخ الذي يجبر الناس على الهجرة من أوطانهم.
وأكدت الرسالة انه في هذا الصدد، من الأهمية بمكان مواصلة تطوير وتعزيز التضامن الدولي ضد سياسات دعاة الحروب الإمبريالية، وتقديم دعم حقيقي للنضال المستمر في جميع أنحاء العالم من أجل السلام والحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي، وكذلك تعزيز الأفكار الاشتراكية وأهداف. واوضحت رسالة التحية دور الشيوعيين العراقيين في نضالهم في ظل ظروف صعبة ومعقدة، لوضع حد لنظام المحاصصة الإثنية الطائفية الذي تم تثبيته بعد الحرب الأمريكية، وغزو العراق واحتلاله قبل 16 عامًا، حيث لا تزال البلاد تعاني من عواقب أزمة سياسية هيكلية عميقة مستمرة، مع تفشي الفساد.
وبينت الرسالة بان الحزب الشيوعي العراقي وحلفائه، يدعون إلى إصلاحات سياسية عميقة، للتخلي عن نظام الحصص الإثنية الطائفية والعمل على إقامة دولة قائمة على مبدأ المواطنة والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية. وختمت الرسالة بان الشيوعيون العراقيون ومؤيدوهم يواصلون المشاركة النشطة في حركة الاحتجاج الجماهيرية ضد الفساد والسياسة الطائفية التي بدأت في صيف عام 2015. وفي هذا الصراع الصعب وفي ظل الظروف المعقدة الحالية، يتطلعون إلى دعم أوسع وتضامن دولي مع الشعب العراقي وقواته الديمقراطية، بما في ذلك حزبنا الشيوعي، في الحرب على هزيمة الإرهاب والطائفية السياسية، ومكافحة الفساد، وتحقيق الوحدة الوطنية والسلام، وبناء دولة ديمقراطية مدنية تقوم على العدالة الاجتماعية.
وفي اخر جلسات المؤتمر تم اعلان انتخاب اللجنة المركزية الجديدة للحزب الشيوعي الفنلندي، التي روعي فيها التنوع الجغرافي لتغطي عموم البلاد، والمكونة من 35 عضوا ونسبة تقارب النصف منهم من الشباب وأعضاء جدد. وانتخب المؤتمر سكرتيرا عاما جديدا للحزب هوالرفيقة تينا ساندبيرغ ( 56عاما )بستانية ، بينما احتفظ الرفيق الفنان يوها ــ بيكا فايسانين (53 عاما) بمهمة رئيس الحزب ، وانتخب نائبان للرئيس الاول الرفيق ميغيل لوبيز (58 عاما) مدرس جامعي من أصول فنزويلية، والرفيقة ليزا تاسكنين (67 عاما) وتعمل طبيبة.

 وعلى هامش اعمال المؤتمر قام ممثل الحزب الشيوعي العراقي باللقاء مع وفود الاحزاب الشيوعية للحديث عن ظروف عمل الحزب ونضاله الدؤوب ، وتم توزيع بشكل واسع للضيوف وغالبية المندوبين باللغة الانكليزية، ملف ضم رسالة اللجنة المركزية إضافة الى مجموعة من أخر بيانات الحزب الصادرة ، بخصوص الاعتداءات الغادرة على مقرات الحزب، التضامن مع الشعب السوداني، التهديدات الامريكية بالاعتداء على الجدارة ايران ، ومن الوفود التي تم اللقاء بها الحزب الشيوعي في فنزيلا، الحزب الشيوعي الايراني، حزب اليسار في المملكة المتحدة، الحزب الشيوعي الألماني، السفير الكوبي الى فنلندا، السفير الفلسطيني في فنلندا، واضافة الى ممثلي العديد من منظمات المجتمع المدني الفنلندية.

 


158


 
قادة الاحزاب السياسية في حالة ترقب في متابعة النتائج
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
في مساء 14 من نيسان الجاري أغلقت صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية الفنلندية، التي شهدت تنافسا بين 22 قائمة وحزبا على مقاعد البرلمان البالغ عددها 200 مقعد.
وشهدت الانتخابات مشاركة واسعة بلغت 72 في المائة، ورافقتها مخاوف من فوز حزب "الفنلنديين الحقيقيين" اليميني المتطرف في الانتخابات، بعد ان شغل في استطلاعات الراي التي سبقت يوم الاقتراع الموقع الثاني. وكانت المخاوف شديدة من تشكيله الحكومة القادمة، وكانت أكبر في أوساط المهاجرين. فاليمين المتطرف عرف بتشدده ومعارضته سياسة الهجرة ودعوته المستمرة الى المزيد من الإجراءات المتشددة، وعزل اللاجئين في إحدى الجزر. وكان زعيم اليمين المتطرف قد صرح مرارا بانه ينوي تشكيل حكومة تحد من "الهجرة الضارة بفنلندا". وجاء اعلان النتائج تباعا مقلقاً للفنلنديين، لاسيما وان النتائج كانت متقاربة جدا وكانت ترتفع وتنخفض بين الحين والأخر.
النتائج النهائية أظهرت تقدم الحزب الاجتماعي  الديمقراطي بحصوله على 40 مقعدا (+6) محققا نسبة 17,7 في المائة، بينما حصل منافسه حزب الفنلنديين الحقيقيين( يمين متطرف) على 39 مقعداً (+1) بنسبة 17,5 في المائة ، وحصلت بقية أحزاب اليسار على نسب متقدمة قياسا بالانتخابات السابقة ، اذ حصل اتحاد اليسار على 16 مقعدا(+4) ، وكانت زعيمته الشابة لي اندرسون من الأسماء الأربعة التي حصلت على اعلى الأصوات، وحصل حزب الخضر على 20 مقعدا (+5) ، مما يجعل الآراء تشير الى ان الحزب الفائز سيميل الى تشكيل حكومة بمشاركة قوى اليسار وبالتعاون مع  حزب "الوسط" (المزارعين سابقا) وهو حزب رئيس الوزراء السابق وقد تعرض الى هزيمة ، بحصوه على  31 مقعدا (- 18).
أن أهمية نتائج الانتخابات النهائية لا تنحصر في فنلندا فقط، بل تتعدى الى عموم القارة الأوربية المقبلة على انتخابات البرلمان الأوربي. فقد نجحت قوى اليسار في ابعاد اليمين المتطرف، من سدة الحكم، والذي كان سيدخل البلاد في فترة عصيبة، وينقض على مكتسبات "دولة الرفاه"، والمكتسبات الاجتماعية التي ناضلت من اجلها اجيال من الفنلنديين.، واعتماد سياسة خصخصة الخدمات الصحية والاجتماعية، وان فوزه كان سيساعد على نشر خطاب الكراهية والعداء للأجانب.
وقبيل موعد الانتخابات بأيام نظم لقاء لقادة الاحزاب مع الصحافة، وكانت "طريق الشعب" هناك وطرحت موضوع تشكيل الحكومة. أجاب قادة أحزاب اليسار بان نتائج الانتخابات هي الحاكمة، وستحدد مع من يتم التفاوض، وعولوا جميعهم على احياء تحالف الخضر ــ الحمر. وتفيد النتائج الحالية في حالة عدم التمكن من جمع الأغلبية (100+1)، ستكون هناك مفاوضات مع أحزاب أخرى. ورفضت أحزاب اليسار مسبقا اي إمكانية للتعاون مع حزب اليمين المتطرف لتشكيل الحكومة، لهذا تتجه انظار رئيس الحزب الاجتماعي الديمقراطي الى حزب "الوسط"، وكذلك الى حزب الشعب السويدي الذي حافظ على مواقعه السابقة ونال 9 مقاعد.
 المراقبون يشيرون الى انه في حال لم يتم التوصل مع حزب "الوسط" الى اتفاق مناسب، فربما يلجا الاجتماعي الديمقراطي الى حليفه السابق وهو الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين معتدل) الذي حصل على 38 (+1)، والذي طالما اشترك معه في حكومات متتالية ضمت أحزابا من اليسار واليمين، مما دفع الشارع الفنلندي في حينها الى تسميتها حكومات قوس قزح.
ان النتائج الجيدة التي حصلت عليها أحزاب اليسار مجتمعة تشير الى ان الناخبين ملوا من وعود الحكومة السابقة (حكومة الاغنياء) التي اتبعت سياسة التقشف وكانت وبالا على ذوي الدخل المحدود، ويأمل الناس من الحكومة القادمة ان تنفذ وعودها وتحقق نمواً اقتصاديا يضمن لهم حياة أفضل.
يسجل لهذه الانتخابات انها عززت دور النساء البرلمانيات، فهناك 92 امرأة من بين 200 نائب إضافة الى صعود وجوه شابة جديدة في مختلف الاحزاب واختفاء وجوه تقليدية مخضرمة.
يذكر ان هذه الانتخابات شهدت فوز اول نائب من أصول عراقية هو الشاب حسين الطائي ابن محافظ النجف السابق اسعد أبو كلل، وقد وصل الى فنلندا طفلا من مخيمات رفحا في بداية تسعينات القرن الماضي، ودرس في المدارس الفنلندية وعمل في منظمة فنلندية داعية للتعايش والسلام. ويأمل المهاجرون ان يكون صوتا لهم داخل قبة البرلمان.




 

مراسل طريق الشعب في مركز اعلان النتائج                   الشاب حسين الطائي



159
وماذا بعد ذلك؟
يوسف أبو الفوز

 أحتفل الشيوعيين العراقيون، واصدقائهم بالعيد ٨٥ لتأسيس حزبهم، وعاشوا أياما استذكروا فيها شهداءهم وامجادهم وصفحات من نضالاتهم الباسلة، وعبروا عن فرحتهم بأشكال عديدة، خارج وداخل الوطن، ورافق ذلك تطورات الاحداث في الجزائر والسودان، حيث قالت الجماهير هناك كلمتها بوضوح وبصوت عال لأجل التغيير والدولة المدنية، وتناقلت وكالات الانباء التفاصيل أولا بأول.
انتهت الاحتفالات، وهدأت الموسيقى وعاد الشيوعيون العراقيون الى مواجهة الأسئلة الكبيرة التي تشغلهم دائما: وماذا بعد ذلك؟
كنا نتحدث في بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، عن كل ذلك وعن تطورات العملية السياسية في بلادنا التي ما زالت تبدو مستعصية، أشار جليل الى ان هناك قوى سياسية تعمل بالخفاء والعلن لعرقلة الإجراءات الرامية الى احداث إصلاحات وثم التغيير لمغادرة معادلة حكومات المحاصصة التي لم تجلب سوى الخراب لبلادنا. أكدت من جانبي بأن الشيوعيون مستلهمين امجاد حزبهم، لا يتوقفون عن المطالبة بأجراء إصلاحات بشأن الدولة وعملها، الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان ومياه الشرب والكهرباء وحصر السلاح بيد الدولة، وتوفير فرص العمل، وإصلاح القوانين الانتخابية بعد دراستها وتقديم التعديلات المطلوبة عليها. أشارت زوجتي بأن جماهير الشعب تعول كثيرا على عمل الشيوعيين ونشاطهم، ولكن لا ننس ان من الجانب الاخر لا زالت تعمل بنشاط مدروس منظومات الفساد وسراق المال العام لعرقلة أي جهد وطني نبيل ساعين لإجهاض أي نجاح.
كان أبو سكينة يتسمع ناقلا بصره بين المتحدثين دون ان أي تعليق. حاولت اشراكه في الحديث وسألته عن رأيه. فبادر لسؤالي: أتذكر يوم حكيت لي عن لعبة لغوية كنتم تمارسونها أيام المدرسة الإعدادية انت واصحابك، تسألون بعضكم البعض عن اشتقاق كلمات من أسماء الدول، وتختارون أسماء دولا غريبة لتوريط اصحابكم ليقوموا باشتقاق الكلمة المطلوبة على غرار الكويت تكون تكويت، العراق تصبح تعريق، لبنان تكون لبننه وهكذا..
تبادلنا النظر فيما بيننا نحاول ان نخمن ماذا يريد القول، فضحك وواصل كلماته: اعتقد اننا في العراق بحاجة لأن تتسودن الناس، ويجب نعمل بجد لأجل ذلك، فبدون سودنة الوضع في العراق لا يمكن تحقيق التغيير المطلوب ونبني الدولة المدنية، ان منظومات الفساد لن تستسلم بسهولة، وان الشارع هو الكفيل بإيقافها، ووحدها الجماهير من ستقول الكلمة الفاصلة والى جانب من سيقف عموم الناس المبتلين بحكومات المحاصصة؟ وسيحددون هل يقفون الى جانب منظومات الفساد وسراق المال العام ام الى جانب القوى الديمقراطية والمدنية الساعية لبناء دولة القانون والمؤسسات لأجل تحقيق العدالة الاجتماعية؟ 

160
والانتخابات الفنلندية البرلمانية على الأبواب
ظهور وصعود اليمين المتطرف في فنلندا وعموم أوروبا
يوسف أبو الفوز
كان المعتقد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وهزيمة هتلر وحزبه النازي، بأن أوروبا ستواصل السير باتجاه مغاير، خصوصا مع النجاحات التي صارت تحصدها أحزاب اليسار، والتي نجحت في شمال أوروبا ببناء نموذج "دولة الرفاه"، الذي يعتبر نموذجا متقدما قياسا ببقية الدول الرأسمالية في الغرب حيث الدولة هي المسؤولة عن القيام بالدور الأساسي في حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي.
وساعد انهيار الاتحاد السوفياتي، الحليف القوي لليسار العالمي، وظهور نظريات مثل "نهاية التأريخ" التي تروج لكون الرأسمالية هي الحل، ساعد كثيرا في اشتداد تأثير ونمو قوى الاحزاب اليمينية التي تدعو "لإصلاحات" اقتصادية، تقف في مقدمتها الدعوة لخصخصة قطاع الدولة في ظل العولمة الرأسمالية، وان تحقيق نجاحات ميدانية جزئية في حل معضلات اقتصادية تتعلق بالتضخم والبطالة، ساعد قوى اليمين للنمو والصعود لتكون طرفا مشاركا ومهما في العديد من الحكومات الاوروبية. هذا الدور الذي سرعان ما تطور بحيث حققت الاحزاب اليمينية، صعودا أهلّها لتقود الحكومات في العديد من البلدان الاوروبية.
وساهم انهيار الاتحاد السوفياتي، في كشف ان احزاب اليسار تملك مشاكلها وأزماتها الذاتية، فيما يتعلق ببناها الداخلية والفكرية، وواقعية برامجها وشيخوخة آليات عمل يتطلب منها استيعاب المتغيرات السريعة في العالم مع تزايد تأثير ثورة الاتصالات. هذا الانهيار أيضا، جعل خارطة الأعداء والأصدقاء، تتغير، فنهاية الحرب الباردة، كانت الايذان لبدء حرب جديدة. فبروز الاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية وسياسية، ونموذج دولة الرفاه أصبحا مما يقض مضاجع الشركات الاحتكارية والبنوك الكبرى ومنظري "الليبرالية الجديدة" الذين تشير اصابع الاتهام لهم في اغتيال "اولف بالمه"، الاشتراكي الديمقراطي السويدي، الذي اغتيل بشكل غامض عام 1986 وكان من اشد المعارضين والمكافحين ضدها ومدافع بقوة عن نموذج" دولة الرفاه".
نجحت أحزاب اليمين المتطرف في اللعب على المشاعر القومية للمواطن الأوروبي، وتقديم برامج انتخابية محملة بالوعود، مستثمرة أخطاء حكومات أحزاب اليسار، ونتائج الازمات الاقتصادية العالمية والمحلية، خصوصا الأزمة المالية العالمية عام 2008 وعام 2011، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل، والاسعار في المواد الغذائية ووسائل النقل والسكن والخ.
تحركت قوى اليمين بطرق مبتكرة وحيوية، تعتمد التواصل المباشر والاثارة، بين صفوف الشباب خصوصا، وطرح شعارات صارخة حول معالجة التفاوت في الدخل ورفع الضرائب على ذوي الدخول العالية، وتحسين المعاشات التقاعدية وتحديد سن التقاعد ومعالجة سياسة الهجرة وضرورة خفض معدلاتها مزايدا حتى على برامج القوى اليسارية. فنجحوا في الوصول الى برلمانات العديد من دول الاتحاد الأوروبي، ونجحوا في اخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مدعومين بشكل مباشر وعلني من الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ممثلا للتيار الشعبوي اليميني.
في فنلندا، كان وجود حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين معتدل)، في حكومات مشتركة متعاقبة، فرصة لليمين المتطرف للاستفادة من الحياة الديمقراطية، لإيصال عناصر متطرفة للعمل تحت قبة البرلمان الفنلندي للترويج لأفكارهم ومفاهيمهم، هذا إذا اعتبرنا "الإسلام فوبيا" ومعاداة السامية وخطاب الكراهية برامج أيديولوجية. لهذا لم يكن مفاجئا تأسيس حزب يميني متطرف في فنلندا مثل"الفنلنديين الحقيقيين"، بعد انسلاخ شخصيات متطرفة من حزبي الوسط والاتحاد الوطني الفنلندي والتحقت بهم أسماء نشطة في صفوف منظمات النازية الجديدة، وكان نصرهم الأكبر يوم الفوز في انتخابات 2015، واشتراك ثلاثة أحزاب يمينية في تشكيل الحكومة، التي سماها الشارع الفنلندي "حكومة الأغنياء".
وساعد وجود احزاب اليمين في الحكومة الفنلندية، ونشاط شخصيات شعبوية متطرفة، في نمو خطاب الكراهية لتتبناه وتعتاش عليه قوى متطرفة، تعتمد اساليب الاثارة السياسية والتصريحات النارية، وترفع شعارات تلائم مزاج الشارع المتذمر، اضافة الى اعتماد برامج تعارض الهجرة ووجود الاجانب عموما، ساعد كل هذا على خلق أجواء مناسبة لنمو الحركات العنصرية وانتشار افكارها بشكل واسع، وثم تأثيرها على مزاج الشارع الفنلندي.
 وعضدت ذلك موجة الهجرة في عامي 2016 --2015 التي لم تكن فنلندا مستعدة ومتهيئة لها لوجستيا وفكريا. يمكن القول أيضا انه خلال العقدين الأخيرين تغيرت شخصية وسائل الاعلام الفنلندية، اذ تسلل خطاب الكراهية الى بعض الصحف الفنلندية. ولابد من الإشارة الى أن هناك قطاعاً من المهاجرين للأسف بخرقهم للقوانين وتجاوزاتهم المتكررة وارتكابهم جرائم التحرش والاعتداء الجنسي، ساهموا في إعطاء الفرصة لقوى اليمين والعنصريين والاعلام الموجه، لنشر خطاب الكراهية، الذي خلق الخوف والتوجس عند الكثير من الفنلنديين.
وهناك سؤال يمكن مواجهته كثيرا: ألم يكن المهاجرون القدامى يرتكبون مخالفات وجرائم مختلفة؟ الجواب نعم بالتأكيد، لأنهم بشر وغالبيتهم جاءوا من نفس المجتمعات التي جاء منها المهاجرون الجدد، لكن يجب ان نعرف أن عدد المهاجرين لم يكن كبيرا، وعليه فالمخالفات كانت تبدو نسبيا محدودة العدد، والاهم لم يكن هناك نشاط ملموس للجماعات العنصرية تعتاش على هذه المخالفات، ولم تكن هناك وسائل تواصل اجتماعي تعمل ليل نهار في نقل الاخبار والمبالغة بها لأهداف سياسية.
ان فنلندا، كدولة مدنية دستورية، لا يزال نظامها يحرّم العنصرية ويمنع التفرقة بين المواطنين، وتحكمها المؤسسات والقوانين، وان الاحزاب اليمينية، التي شكلت الحكومات الأخيرة، هي المسؤولة عن التغيرات السلبية في المجتمع الفنلندي. وباعتقادي انه ومع تزايد اعداد حملة الجنسية الفنلندية، من بين صفوف المهاجرين،  فأن هذا يجعلهم  ورقة انتخابية مهمة، فبإمكانهم ان يكونوا عاملا حاسما في قطع الطريق على قوى اليمين وعدم عودتها للحكم مرة اخرى، وذلك بالتوجه الى صناديق الاقتراع في 14  من نيسان الجاري، واختيار المرشح المناسب من أي قوى يسارية، لأجل الحفاظ على نموذج دولة الرفاه، التي تحاول قوى اليمين، التي تعزز وجودها بتشكيل أحزاب جديدة، تقويضه والقضاء عليه، ولأجل قطع الطريق على استمرار خطاب الكراهية وسياسة معاداة المهاجرين، والاهم لأجل ان يعيش الجميع بوئام وسلام ويساهموا في بناء حياة سعيدة للأجيال القادمة.



161
قصة قصيرة بمناسبة يوم المرأة
إجتياز ــ بقلم النصير يوسف أبو الفوز
نص قصصي كتب تحية لرفيقاتي النصيرات البطلات وأرواح الشهيدات الخالدات، اللواتي احببن الحياة وتعلقن بها وتميزن بالشجاعة والريادة والقدرة على التضحية، ورسمن بزهر شبابهن ودمائهن تأريخا متميزا تتعلم منه الأجيال اللاحقة. من كتاب " تلك القرى.. تلك البنادق" مجموعة قصصية عن تجربة وحياة الأنصار الشيوعيين والكفاح المسلح في كردستان العراق، اربيل ـ وزارة الثقافة في كوردستان العراق 2007. لوحة الغلاف الفنان النصير ستار عناد " أبو بسام"
***

ـ اليوم!
صباح ربيعي، كل شيء يبدو زاهيا يبعث الانشراح والاحساس بالانتماء. تجول قليلا في ارجاء المقر، تابع تفاصيل الحياة اليومية للوادي الصغير، حيث قرية الأنصار التي شيدوها بسواعدهم لتكون مقرا لهم قاعدة لنشاطاتهم. توقف عند المطبخ الصغير ن المكتظ بأكوام الحطب اليابس، شاكس الخفيرة حول مهارتها في طبخ العدس. حيا حراس السجن، ومر عند فرن الخبز ارتشف مع الخبازين شايا اسود.
ـ اليوم!
من غرفة الاعلام، ومن مجموعة الكتب التي يصر مسؤول مكتب الاعلام على تسميتها “المكتبة" استعار كتاب (سعدي يوسف ـ الاعمال الكاملة). قرب قاعة نوم أنصار فصيل المقر تفرج قليلا على لعبة شطرنج بين نصيرين من أيام وهم في تحد متبادل.
ـ اليوم!
ليس بعيدا عن القنطرة الخشبية الصغيرة، التي ساهم في اجازته الماضية في إعادة تشييدها، استند الى جذع شجرة جوز عملاقة يتهامس مع سعدي بن يوسف: (يكفي ان نتنفس، كي نتفرس في الأفق المفتوح).
ودفعه واحده يجد نفسه يرتمي في نهر جارف، تحمله برفق أمواج وجد متداخله، بين اجفانه تتراقص اقواس قزح، وفي اعماقه ينهض عملاقا، شفيفا كأغاني الأمهات، يزهر في خلاياه عشبا ومطرا و...
ــ اليوم!
ولكن هذا القلق اللعين؟ الارتباك الذي تتسم كل افعاله؟ ترى هل انتبه رفاقه الأنصار الى كل ذلك؟ هل انتبهت النصيرة الخفيرة الى ان تحت الحوارات المرحة، الساخرة، التي تبادلها معها كانت تختبئ نيران القلق. تحرق كل ما اعد من كلام لهذا اليوم، وان كل مهارته في تحضير المفردات قد تتلاشى في لحظة واحدة؟ و...
ـ اليوم!
ان كل شيء صار واضحا، جليا، كرشقة رصاص مذنب في سماء ليل ساكن. الامر لم يعد يحتمل التأجيل. نضج بما فيه الكفاية. ولم يعد يحتمل التأخير. سيبدو مغفلا كبيرا لو مر اليوم مثل البارحة، مثل الأيام التي سبقته. كل هذه الأفعال الصغيرة الدافئة المتداخلة، تجعل الروح محتشدة بالأغاني والازهار والالق. كل هذه الايماءات المتوهجة بالدهشة والاسئلة، التي تخترق القلب برشقات متواصلة من النضارة والفرح، تجعله محتدما في التداعي، يندلع في خلاياه حريق من الهواجس، تتجمع من كل الزوايا، تحاصره، ترميه في مساحة شاسعة من الأضواء الملونة، فتكون في داخله شيئا عذبا، واضحا ومبهما في الوقت نفسه، بهيا كنجمة قصية، وحيدة، مشرقة في السماء، و...
ــ اليوم!
ليس بعيدا عن موقع المشجب جلس بعض الأنصار الجدد، ينظفون أسلحتهم التي استلموها حديثا، اختلط صوت طقطقة المعادن بضحكاتهم المرحة، منذ يومين وهو ينوي تنظيف بندقيته لكنه اجل الامر عدة مرات، و..
ـ اليوم!
لماذا هذا التأجيل؟ لطالما تساءل مع نفسه، فهذا التردد سيفسد كل شيء. لماذا التردد، وهو المعروف بين الأنصار بالجرأة؟ هل هو حالة ضعف مشروعة؟ حتى الخوف حالة مشروعة، فبدون اشواك الخوف لا يمكن جني حلاوة الشجاعة. هكذا علمته الحياة، وهو النصير المتقدم رفاقه دوما في المسير واقتحام مواقع ربايا العدو؟ من ماذا يخاف تحديدا؟ و...
ــ اليوم!
يوميا يجتاز القنطرة عدة مرات بين جانبي المقر، يزور غرفة مكتب قيادة الفوج في شان ما، يدخل قاعة نوم أنصار السرايا، ويراجع الطبيب للفحص الدوري. اليوم يجد في نفسه خشية حتى في الاقتراب من القنطرة. لم يبد له احتيازها عصيا هكذا؟
ــ اليوم!
سار بمحاذاة الساقية التي تخترق المقر كولا كخيط من الفضة، ينشر الطراوة والندى على جنباته. ما ان تحرك قليلا حتى لمح بين الأعشاب بعض الازهار البرية تطل مشرقة، قطف بعض منها، و ...
اليوم!
رآها تغادر غرفة النصيرات تقترب من قاعة المستشفى. هل هي مريضة؟ عصر أمس كانت، في ساحة كرة الطائرة، تنظ مصل ارنب بري. اجتازت قاعة المستشفى. تنفس الصعداء. توقفت عند المخزن، تبادلت واداري المقر المتواجد هناك حوارا قصيرا، رأها تشرق بضحكة جذلة، تدفع راسها للخلف، تهتز ضفيرتها. فتورق في كفه باقة الازهار. على شفتيه يحس طعم لاذع لخمرة معتقة. تتجاوز في سيرها غرفة المخزن. الى اين ستتجه؟ الى اين؟ بحق السماء؟ ارجوك الى ...
ــ اليوم!
هل ستتوجه الى غرفة اللاسلكي ام الى غرفة مكتب الفوج؟ بخطى واثقه، تتجه نحو القنطرة. بإتزان مترع بالأنوثة والبهاء تجتازها. قلبه يدق بعنف. الى اين ستمضي؟ هل ستذهب الى غرفة مكتب الاعلام؟ ترفع كفها النحيلة وبأصابعها الخالية من طلاء الأظافر ترفع عن عينيها خصلة شعر متمردة. تضج في روحه مهدهدة موجه من فرح طفولي. تستدير. ازداد لهاثه، كمن يرتقي عدوا قمة جبل وعرة. قلبه يكاد يثب من مكانه. لماذا؟ كل يوم يقضيان واياها اوقاتا طيبة، منفردين او بمعية بقية الأنصار، لم اليوم يغزوه هذا الاضطراب؟
ــ اليوم!
تتجه نحوه تماما، تسبقها ابتسامتها المشرقة، أراد ان يرفع باقة الازهار ويشمها بشهيق عميق الا انه أحجم عن ذلك. اصلح وضع حملات الرخت  جيدا . سوى ياقة قميصه بحركة يجيجها منذ أيام دراسته الثانوية. استكان: سعدي يوسف" تحت ابطه الايسر. تقترب منه أكثر، حاول ان يستعيد بسرعة الكلمات التي قضى الليل كله في تهيئتها والاضطراب يجتاح كل خلاياه.
ـ اليوم سأخبرها الحقيقة المعروفة من قبل الجميع!
حين أصبحت قبالته ووجهها الباسم الخالي من الاصباغ، الأكثر سحرا والفه هذا اليوم، يحتل اطار عينيه الملتهبتين قلقا ، ملأ ألق عينيها روحه المتوفزة ونثر في خلاياه نضارة روحها. البدلة الكردية الرجالية، وبندقية الكلايشنكوف "السيخوي"  لا يمنحناها مظهرا خشنتا ، انها تبدو اكثر مهابة ، بهاؤءا وجمالا ، و...
ــ صباح الخير!
لا يعرف كيف واتته الكلمات:
ـ ص.. صباح .. النور!
ـ هل كنت بانتظاري؟
ـ انا ؟ لا .. نعم .. كنت ..
أراد ان يقول شيئا، الا ان الكلمات تتعثر عند شفتيه المرتجفتين. لماذا؟ وهو المتصدر جلسات السمر الانصارية مرحا ومشاكسة. أكثر من سنة وهما يعرفان بعضهما كنصيرين في فود انصاري واحد. يوم بعد اخر تبادلا ثقة أكثر وزاد ميله اليها. ازداد احساسه بان احدهما ضروروي للاخر . كان متاكدا انها تملك ذات الإحساس، وكلما طالت فترة غيابه مع السرية خلال جولتها في المنطقة، ازدادت رسائلهما المتبادلة ، رسائل شفيفة، تحمل احاديثا  في مختلف الشؤون ، الا شانا محددا ، قرر اليوم ان يتحدث معها حوله .
ــ يالله ما أجمل باقة الازهار؟
انتبه لباقة الازهار التي كان نسيها. بيد مرتجفة قدمها لها. كاد " سعدي يوسف" ان يفات من تحت ابطه. ازدرد ريقه. اين الكلمات؟ اين الجراة يا مقتحم الريايا ؟ اين ...؟
ـ شكرا.. ان لك ذوق شاعر!
ــ انــ .. نها ..
امامه تقف رشيقة مثل شجرة اسبيندار .  صوتها الهاديء ذو النبرات الرخيمه، يشعره بالخوف الذي يسخر منه، والذي افقده الان لسانه، وجعله يتعثر ، و..
ـ مالذي جرى؟  ما بك؟
ــ أ .. أقول أن .. اريد .. ان انظف بندقيتي. من يومين وانا عازم على ذلك، هل تشاركيني؟
لم يستطع ان يتحرك رغم انه هم بذلك. كانت قد ركزت نظراتها في عينيه. في داخله كانت كل انهار العالم تصخب، تتلاطم، وفي عينيها الساحرتين ثمة هدوء عميق.. عميق. وصدى لكلام كثير، اجبره على ان لا يتزحزح من مكانه امامها. بسمه ساحرة تزين الوجه الأكثر قربا من القلب اليه..
ـ اهذا الذي تريد ان تقوله لي؟
ـ أ ..أ
ـ منذ يومين وانت تتهرب من مواجهتي!
ـ ا..انا ..
ـ وانت في جولة السرية، كتبت لي انك في اجازتك، وحالما تصل المقر ستحدثني بموضوع مهم جدا!
ــ نـ ..نعم !
ـ انا التي اريد ان احدثك!
ــ ...
اتعتقد ان الامر بات يحتمل التاجيل والاختباء خلف الكلمات؟ والى متى؟ كل منا حولنا يعرفون ويدركون الامر ويتحدثون عنه باسمه الا انا وانت!
ـ اني..
ـ تعال، لنذهب هناك، ثمة مكان جيد عند ساحة كرة الطائرة، لنتبادل حديثا صريحا ومباشرا، علينا اليوم ان نضع حدا لكل هذا التردد وان نسمي الأشياء باسمائها !

أيلول ١٩٨٧ / قرية بيرموس  (سهل الموصل )

162
المنبر الحر / البحث عن الأدلة!
« في: 19:04 25/02/2019  »
الكَلامُ المُباح (179)
البحث عن الأدلة!
يوسف أبو الفوز
في الزيارات الأخيرة، الى بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، صرنا نخوض أحاديث متشابكة، وتحديدا، حول أهم المخاطر التي تواجه بلدنا. تناول أبو سكينة ظاهرة الفساد مرارا، واعتبرها أخطر من عصابات الإرهاب التي أستباحت ودنست ارض وطننا،  لكون الفساد غطاء مناسبا لعودة "داعش" بثياب جديدة.
كان جليل، يكرر بأن المواطن العراقي، يوما بعد اخر، بات متاكدا من أن الفساد اصبح مستشريا في كل مفاصل الدولة، كظاهرة سياسية- اقتصادية – اجتماعية تتفاقم نحو الأسوا دون وجود حلول ناجعة وحاسمة. وراح يشرح اشكال ظاهرة الفساد المتعددة عارضا حكايات مريعة عن استشراء ظاهرة الرشاوي وانتشار الشهادات المزورة والنهب المنظم للمال العام مع تهريب العملة والتهرب الضريبي، من غير تهريب النفط والغش في ادخال السلع وغير ذلك، ليصل الى ظاهرة بيع الوظائف والاستحواذ على أراضي وممتلكات الدولة، وبيع مناصب الدولة العليا والمتاجرة بها، وتورط  اطراف سياسية متنفذة بحماية اذرعها المليشياوية المسلحة، مما يجعل أي مواطن يشعر بالحيف عن عدم وجود إجراءات رادعة لكل هذه الجرائم من قبل السلطات والاجهزة الرقابية والحكومية والتشريعية والقضائية، التي يتعلل بعضها في البحث عن "الأدلة"!
وفي نفس الأيام، وضمن ما انشغلنا به أيضا، كان ما اثارته سوزان ابنة جليل، عن صورة طريفة بالاسود والأبيض، تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي، لها قصة ممتعة. كيف هرب مجموعة من الصبيان الامريكان، من المدرسة ذات يوم، ليشاهدوا حفلا لفرقة الخنافس "بيتلز". لم ينجحوا في دخول الحفل، لكن طبال فرقة البيتلز رنكو، المعروف برنكوا ستار، مر بجانبهم،وكان يهوي التصوير، وحدث وان التقط  لهم صورة بكاميرته. حكوا كل ذلك لزملائهم واصدقائهم، لكن لم يصدقهم احد بل وصاروا يسخرون منهم . بعد خمسين عاما من الحدث نشر رنكو ستار كتابا ضمنه بعض الصور التي التقطها عن جولاته، وكان ضمنها، صورة الشبان، الذين اصبحوا كهولا، فقرروا اللقاء وإعادة تصوير اللقطة بنفس الحركات، وتداولت وسائل الاعلام الصورتين وأصبحت قصة.
سعل أبو سكينة، وهو ينظر الى الصورة، ويتملى الوجوه الفتية في الصورة الأولى وكيف اصبحوا شيوخا وعجائز في الصورة الثانية ، وضحك :
ـ  والله يمكن سالفتنا راح تصير مثل قصة هذه الصورة، مساكين هؤلاء التلاميذ الامريكان، انتظروا خمسين عاما، عجزوا وشبعوا شيب وقهر، حتى يتوفر الدليل على مصداقية حكايتهم الطريفة، وفي بلادنا اشوف الجهات الباحثة عن أدلة عن حقيقة الفساد، اذ استمرت باساليبها في التعامل والبحث عن "الأدلة" الخفية، ستنقرض أجيال من الشعب العراقي، دون ان تتوفر الفرصة لالتقاط صورة للفاسدين في قاعة محكمة او امام القضاء !   
 

163
في عنكاوا بأربيل: يوسف أبو الفوز.. عن تجربته و"كوابيس هلسنكي"

   
عنكاوا – طريق الشعب
ضيّفت اللجنة الثقافية التابعة إلى منظمة كلدوآشور للحزب الشيوعي الكردستاني في مدينة عينكاوا – أربيل، أخيرا، الكاتب والصحفي المغترب يوسف أبو الفوز، الذي تحدث عن تجربته الأدبية وروايته الموسومة "كوابيس هلسنكي"، بحضور جمع من المثقفين والكتاب والمهتمين في الشأن الأدبي.

الجلسة التي أدارها الكاتب عبد المسيح سلمان يلدا، استهلها الضيّف طالبا من الحاضرين الوقوف دقيقة صمت حدادا على شهداء الوطن والفكر، آخرهم الروائي والناقد الكربلائي المغدور د. علاء مشذوب.
 بعدها تحدث أبو الفوز عن بداياته في فضاء الكتابة، وعن تأثيرات عائلته ومدرسته ووسطه الاجتماعي والسياسي في مدينة السماوة، كعوامل ساهمت في تشكيل شخصيته الأدبية، مبينا ان تجربته الأدبية ارتبطت بالتطورات السياسية، كتجارب غالبية أدباء العراق.
وتابع قائلا، انه وبحكم انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، تعرض وعائلته لمضايقات واضطهاد من النظام البعثي الدكتاتوري، ما اضطره، وبعد فترة اختفاء وملاحقات استمرت حوالي سنة ونصف السنة، إلى مغادرة بلده مشيا على الأقدام، متوجها نحو الكويت، لافتا إلى انه، وفي الصحافة الكويتية الديمقراطية التي كانت قد احتضنت الأقلام العراقية المهاجرة، ولد اسمه المستعار "أبو الفوز"، الذي عرف به.
وأشار الى ان اختياره القصة والرواية كجنسين أدبيين أساسيين في نشاطه الكتابي، لم يأت بشكل مباشر، اذ كان في بداياته المبكرة مشتتا بين انواع ادبية عديدة. وعند انتقاله للدراسة في جامعة البصرة عام 1975، وعمله مراسلا لصحيفة "طريق الشعب"، قاده كل ذلك إلى الخوض في حياة الناس ومشكلاتهم وهمومهم وآمالهم، وقد صاحبت ذلك قراءات عميقة في صنوف الأدب والنقد والاقتصاد وعلم الاجتماع، ما دفعه إلى الاهتمام بالكتابة النثرية، ورسخ عنده القناعة أن النثر، والقصة تحديدا، هي مجاله الارحب.
وذكر الضيف ان الصحافة علمته الإحاطة بالتفاصيل وملاحقتها واستنباط الاسئلة والسعي إلى المزيد من المعرفة، والتحلي بروح التلمذة والرغبة في الاستزادة المعرفية والاطلاع الدائم لتعزيز قدراته في الكتابة، موضحا ان تجربته الحياتية كانسان وكاتب، اغتنت خلال المراحل والمحطات المختلفة التي مر بها.
وألقى أبو الفوز الضوء على فترة التحاقه بقوات الأنصار الشيوعيين العراقيين في جبال كردستان، والتي كانت من أغنى فترات حياته، كونها علمته الكثير، بعدها بدأت مسيرته في محطات المنفى، حتى استقر في فنلندا عام ١٩٩٥، حيث توفرت له الفرصة الكافية لإنجاز اعمال روائية عدة، تتناول شؤون العراق وهمومه، من خلال حياة المهاجرين واللاجئين الى الدول الاوربية.
وأشار أبو الفوز إلى ان كتاباته الروائية تسلط الضوء على موضوعات تتعلق بالتلاقح الحضاري واشكاليات الهوية والجذور والاندماج، لافتا إلى ان الأمر الذي ساعده في الولوج إلى هذه العوالم، هو عمله لفترات كمنسق برامج ثقافية، وباحث جامعي.
وبيّن الضيف ان تجربته قادته، وبحكم كونه كاتبا ماركسيا، الى التفكير دائما بمنح مساحة للقارئ المتلقي في كتاباته، فأصبح ميالا الى طرح الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات، والى ترك نهايات رواياته مفتوحة، ليتسنى للقارئ ايجاد الإجابات والحلول، استنادا لمستواه المعرفي.
وعن روايته "كوابيس هلسنكي" الصادرة عن "دار المدى" عام ٢٠١١، قال انه "على الرغم من ان العنوان يقود الى عاصمة اوربية، إلا انه يمكن القول ان الرواية تتضمن كوابيس عراقية بامتياز. فهي تتحدث عن عراقيين مقيمين في فنلندا يعانون العنف والإرهاب، ونشاط الجماعات التكفيرية المرتبط بالعنف والإرهاب في العراق"، مضيفا ان "الرواية تتناول تجارب شخوصها ومعاناتهم مع تعسف النظام الدكتاتوري السابق، وفترة الاحتلال الأميركي وما نتج عن ذلك. إذ تسلط الضوء على أساليب دعم الجماعات التكفيرية الناشطة في أوربا دورة العنف الطائفي في العراق، وتحذر من مخاطر هذه الجماعات المتطرفة".
وفي الختام وقع يوسف أبو الفوز نسخا من روايتيه "تحت سماء القطب" و"كوابيس هلسنكي"، ووزعها على الحاضرين.



164
المنبر الحر / البنادق الغادرة!
« في: 19:38 11/02/2019  »
الكَلامُ المُباح (178) 
البنادق الغادرة!
يوسف أبو الفوز
كانت الأيام الماضية في بيت صديقي الصدوق أبو سكينه، مليئة بالأوقات الحزينه، فذكرى انقلاب 8 شباط 1963 الأسود وحدها كفيلة بان تعيد للبال أسماء كوكبة من رفاقه واصحابه الذين استشهدوا على يد العفالقة الفاشست، وفق ما رسمه البيان 13 الدموي والسيء الصيت، حيث تحول العراق على يد الانقلاببيين الفاشست، الى مسلخ كبير لتصفية الشيوعيين والديمقراطيين، من مختلف أطياف الشعب العراقي، المخالفين بالرأي لنهج الانقلاب الدموي الذي اعدت له المخابرات المركزية الامريكية مع عملائها المحليين والاقليميين.
في يوم ذكرى الانقلاب الأسود المشؤوم، الذي غدر بثورة الرابع عشر من تموز ، قال جليل : انظروا ها قد ذهب الانقلابيون الفاشست الى مزبلة التاريخ، والشعب وقواه الوطنية بقيت صامدة تواصل العمل لاجل مستقبل افضل لعراق جديد.
شاركته الحديث، وعلقت سكينه أيضا، لكن أبو سكينة، ظل صامتا يتسمع، فهو من يوم جريمة اغتيال الكاتب علاء المشذوب، يتحدث بعصبية وغضب، ولايرد على احد مباشرة. تابع تفاصيل جريمة الاغتيال، ورغم انه لم يعرف الشهيد سابقا، فقد طلب من سوزان ابنة جليل كذا مرة ان تريه ما ينشر من صور الشهيد وأسماء كتبه. يومها هاتفني وطلب مني زيارته بأسرع ما يمكن مع حزمة من الصحف ورحت اقرأ له تقريبا اغلب الموضوعات الصحفية المتعلقة بالجريمة.
وهو يتابعنا، ومن مجلسه، سعل أبو جليل وقال: وشنهو راح يفيدكم معرفة التفاصيل، الشهيد كامل شياع، شبع موت، وعرفنا الكثير من التفاصيل، ولحد اليوم لا يوجد أي نتيجة للتحقيقات ولا فائدة من المعلومات.
لم يرد أبو سكينه، كان الغضب يجعل شفاهه ترتجف وعيونه تختلج، مما جعل أم سكينه تقول: يمعودين لا يصعد عنده الضغط ويروح بيها.
ويبدو انه سمعها جيدا. فصاح فجأة : اروح بيها؟؟ ليش بس أني وحدي راح أروح بيها؟؟ اذا ما يتم حصر السلاح بيد الدولة، وإلغاء أي وجود ميليشاوي مسلح خارج مؤسسات الدولة، فالوطن كله رايح بيها. في كل تصريح من تصريحات واحد من سياسي الصدفه راح نشم روائح البيان 13 الفاشي. ويمكن  تكون عندنا 8 شباط أسود غادر بثوب اخر. لازم يكون عندنا دولة قانون حقيقي، في دولة مؤسسات حقيقية تضمن العمل السلمي الدستوري، وتضبط الخلافات في الآراء وفق اطار آليات ديمقراطية حقيقية تحمي المواطن، خصوصا المثقفين، حتى يقولوا رأيهم المختلف بصوت عال، بثقة، غير هيابين من بندقية مجرمه تتربص بهم في عطفات الازقة. ان بناء دولة مؤسسات دستورية حقيقية هو ضماننا للمستقبل، بدون هذا سنبقى تحت رحمة البنادق الغادرة التي تسجل جرائمها الشنيعة ضد مجهول وتركن ملفاتها على الرف.


166


إصدار شعري جديد للشاعر العراقي عبد الكريم هداد


صدر للشاعر العراقي عبد الكريم هداد، هذا الشهر، عن دار الأدهم في القاهرة، ديوان شعري جديد بعنوان "أكبر من الجنة، أصغر من البلاد “، وشارك الديوان في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الخمسين. يضم الديوان 53 قصيدة، جاءت في 124 صفحة من الحجم المتوسط.  ظهر الديوان بغلاف انيق من تصميم الفنان العراقي عبد الكريم السعدون بالاستفادة من لوحة من رسوم آدم عبد الكريم هداد. يذكر ان الشاعر غادر البلاد لأسباب سياسية، وتنتقل بين العديد من البلاد العربية والاوربية بحثا عن سقف آمن، قبل ان يستقر منذ عام 1990 في السويد. الديوان الجديد هو الإصدار هو الخامس عشر له ما بين مجموعات شعرية وكتب أدبية نقدية. عرف عن الشاعر اهتمامه بكتابة نصوص لأغاني عراقية لحنت على يد مجموعة من الموسيقيين العراقيين والعرب. من أجواء الديوان نقرأ:
 انَا..
الَّذِي حُمِلَ رَأسُهُ مَسْبيّاً
فِي هَذَا الزَمانْ
وقَصِيدَتي بَقايَا دَمِ الوُضُوءْ
للرَكْعَتِينِ الأخِيرَتَينْ
بَيْعَةً لِلحَقِ.
أنَا..
الّذِي آزَرَني هُتَافُ أرْضِ السَّوَادْ
النَّابِتُ عَلَى ألوَاحِ الطِّينْ
عُشْباً لِلخُلوُد.
أنَا..
الّذِي التحف جِرَاحَهُ
فِي خَرَابِ البَصْرَة
حِينَ خُبِئَتْ الآياتُ
فِي جَوَامِعٍ
بَنَاهَا المُخْتَلسُون فِي عَصْرٍ
كانَ الجُوعُ فيهِ كافِراً...!

167
المنبر الحر / اغتيال وطن!
« في: 19:15 14/01/2019  »
الكَلامُ المُباح (177)
 
اغتيال وطن!
يوسف أبو الفوز
كان جليل منزعجا جدا،وهو يتسمع الى سكينة تحكي لزوجتي تفاصيلا عن سلسلة الاغتيالات التي حصلت مؤخرا في بغداد، وكيف راحت جهات سياسىة عراقية تتبادل الاتهامات فيما بينها، وتحمل كل منها الطرف الاخر مسؤولية  التشهير والتعرض لها وغير ذلك.
فقال جليل : من بعد سقوط النظام الصدامي الشمولي، ومرور كل هذه السنين، يفترض ان بلادنا تكون قطعت شوطا طويلا في بناء عراق جديد. فمتى ستنتهي هذه الاخبار المحزنة؟
قالت سكينة: المحزن أكثر ان وزارة الداخلية، التي يتطلب ان تقف موقفا حاسما من وجود مليشيات وسلطات خارج اطار الدولة، تطلق تصريحات تبدو فيها وكأنها تحاول ان توفق وتصالح بين المتخاصمين وكأنها مقتنعة بوجود سلطات خارج اطار الدولة!   
عاد جليل ليقول وبحزم : أبناء الشعب العراقي يدركون جيدا، بأن دحر الإرهاب، وضمان الامن والاستقرار وتأمين الحياة الطبيعية في بلادنا، لا يمكن ان يتوفر الا بأقامة مؤسسات الدولة المدنية والأمنية والعسكرية على أسس ديمقراطية، وفقاً لقواعد المواطنة والكفاءة والمهنية والنزاهة، بعيداً عن المحاصصات ونزعة التحزب الضيق، مع التأكيد على حصر السلاح بيد الدولةً. وهذا كله لا يتم الا بمحاربة الفساد وتفكيك منظومته التي أصبحت تعطل كل شيء.
قالت سكينة : كيف يمكن ان يحصل هذا والحكومة العراقية لم يتم تشكيلها رغم مرور عدة اشهر على تكليف رئيس وزراء جديد؟، وهذا سيكون في مصلحة كل قوى الفساد والدولة  العميقة ليواصلوا نشاطهم  في تخريب الدولة والدوران في دوامة التحاصص الطائفي والاثني.
سعل صديقي الصدوق أبو سكينة، فالتفتنا أليه فقال: يعني هاي النكتة التي قرأتها اليوم لي سوزان ابنة جليل من صفحات الانترنيت راح تتكرر وتبقى  علامة للأوضاع السائدة في بلادنا؟   
والنكتة المقصودة ـ عزيزي القاريء ـ هو ان سياسيا عراقيا سأل سياسيا في بلد راسمالي غربي: انتم كيف تسرقون شعبكم؟ فأجاب السياسي الغربي : هل ترى هذا المشروع امامك؟ فقال العراقي : نعم اراه جيدا. فقال السياسي الغربي : هذا كلف إنجازه الفعلي مليار دولار، لكننا رتبنا الموازنة بأنه كلف مليار ونصف وتقاسمنا الفرق فيما بيننا. ثم التفت السياسي الغربي الى السياسي العراقي : وانتم كيف تسرقون شعبكم؟ فرد السياسي العراقي: هل ترى هذا  المشروع الموجود هناك؟ فقال السياسي الغربي : لا أرى شيئا امامي. فرد السياسي العراقي بأريحية: يا عيني عليك، هذا المشروع كلفنا خمسة مليارات ! 
 


168
الكَلامُ المُباح (176) 
معنى السيادة الوطنية!
يوسف أبو الفوز
ألتهبت مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الاعلام، في متابعة تفاصيل الزيارة السرية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى قاعدة عين الأسد في العراق، وكرر علينا جليل  قوله بأنه يقف الى جانب الموقف الرافض للطريقة التي تمت بها الزيارة لكونها غير طبيعية وتؤشر الى انتقاص واضح من السيادة العراقية، وهذا يلقي على عاتق القوى الوطنية مهمة العمل الجاد لتهيئة مستلزمات إنهاء وجود القوات الأجنبية في بلادنا، واحترام سيادة العراق من أي دولة أخرى.
قالت سكينة: اعتقد إن احترام سيادة العراق مطلوبة من أي دول أخرى، وهذا عندي يعني أيضا رفض أي تدخل خارجي في الشأن العراقي الداخلي.
كان صديقي الصدوق أبو سكينة صامتا، لم يشاركنا الحديث واكتفى بالسماع. حين سالت أم سكينة زوجتي عن برامجنا للاحتفال بنهاية السنة واستقبال السنة الجديدة، رفع رأسه وسعل عدة مرات مبديا اهتماما اكثر بما صارت تحكيه سوزان أبنة جليل عن الأصوات التي دعت الى عدم جواز  الاحتفال برأس السنة أو تقديم التهنئة للمسيحين.
قالت زوجتي: ان أصحاب هذه الدعوات يتناسون ان المسيحين كمواطنين عراقيين لهم السبق في وجودهم التاريخي في بلادنا، فهم أبناء واحفاد الكلدان والاشوريين وبناة الحضارات الأولى على ارض الرافدين.     
حاولت المساهمة في الحديث فقلت : ان هذه المواقف تعزز من خطاب الكراهية والفتنة الطائفية وعدم قبول الاخر، فأصحابها يتناسون التنوع الذي يمتاز به الشعب العراقي والذي يجب ان يكون مفخرة وقوة للوطن.
 سعل أبو سكينة فالتفتنا جميعا اليه، فقال مخاطبا الجميع: أتذكر حديثا موثقا عن الشهيد البطل حسين محمد الشبيبي (صارم)، وهو ابن احد ابرز بيوتات مدينة النجف مجدا ووجاهة، اذ قدم للعراق مجموعة من علماء الدين المتنورين والمناضلين، ووالده الشيخ محمد الشبيبي عضو مجلس السلم أبان العهد الملكي وصاحب المنبر الحسيني المشهور في شارع الخورنق، حيث حث الشهيد رفاقه وهم نزلاء في السجن معه، على احياء المناسبات الدينية مهما كانت لأنها حسب تعبيره أصبحت مناسبات شعبية، فيحق لكل مواطن، المشاركة فيها واحيائها،لادامة ألاواصر بين أبناء الوطن الواحد. هذا من جانب، ومن جانب اخر، ان هذه المواقف اجدها مجحفة بحق وحدة الدم العراقي، فلقد قدم المسيحيين ومثلهم الايزيدين والمندائين وغيرهم من ديانات أخرى، التضحيات الغالية للخلاص من ديكتاتورية البعث الشوفيني، وثم من عصابات  داعش الدموية الإرهابية. ان هذه الأصوات عندي هي التي تنتقص من  روح السيادة الحقيقية للوطن وللشعب، وهي الأخطر ويجب التصدي لها بحزم وبمختلف الوسائل، والا فهم مثل الداعشي الاثول المحشش الذي وضع العبوات الناسفة المدمرة في الطابق الأسفل للبناية وصعد ليختبأ في الطابق الأعلى .


169
شادمان علي فتاح.. تهنئة وتقدير
 
هلسنكي 20.12.2018

نتقدم بأصدق التهاني ومشاعر التقدير للرفيقة شادمان علي فتاح، بمناسبة نجاحها ونيل شهادة البكالوريوس وبتفوق وبدرجة جيد جيدا، في الترجمة من جامعة العلوم التطبيقية (Diak) في هلسنكي، وكان عنوان بحث التخرج: (الإجراءات العامة في المنازعات والجرائم / مقارنة الإجراءات في القانونين الفنلندي والعراقي ـ مع قاموس مرشد: فنلندي ـ عربي ـ كوردي "سوراني") ، وتكريمها من ضمن مجموعة الطلبة المتفوقين، متمنين لها المزيد من النجاحات والتفوق.
أن من دوافع تقديم التهنئة هو أعجابنا بمثابرتها وأصرارها وإجتهادها لتعويض ما فاتها بسبب الظرف النضالية والحياتية الصعبة التي عاشتها في وطنها العراق ومحطات المنافي المتعددة، وحرمانها بسبب ذلك من الدراسة الجامعية والاستقرار، وما حققته في التوفيق بين عملها ودراستها ونيل التفوق وهذا سيكون دائما محط تقديرنا واعجابنا دائما.
باقة ورد معطرة بالمودة للرفيقة الغالية والى المزيد من النجاحات والتألق.

الحزب الشيوعي العراقي / منظمة فنلندا
الحزب الشيوعي الكردستاني ـ العراق/ منظمة فنلندا


170
الكَلامُ المُباح (175) 
عن "داعش" و"ماعش" ومابينهما! 
يوسف أبو الفوز
تابعنا، معنا، ونحن في بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، خطاب الناشطة العراقية الأيزيدية ناديا مراد، خلال حفل قبولها وتسلمها جائزة نوبل في العاصمة النرويجية أوسلو. كان صوتها الخافت النبرات والشجاع، المحمل بالألم والحزن المتراكم يشق صمت الحفل ويصفع الوجوه اللامعة لعلية القوم ممن تحلقوا حولها يسمعونها وهي تصرخ بهم:
ــ لا توجد جائزة في العالم يمكن أن تعيد لنا كرامتنا إلا بتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة.
أظهرت لقطات من الحفل بعض الحاضرات وهن يمسحن دموعهن تأثرا، وتعالى التصفيق مرارا لكلمات ناديا وهي تطالب بحماية أبناء شعبها الأيزيدي من المتطرفين المتاجرين بالدين. قالت نادية مراد في كلمتها بأن هناك مجتمعات ضعيفة تتعرض للتطهير العرقي والتمييز أمام أنظار المجتمع الدولي، مشددة على أن حماية الأيزيدين مسؤولية كل المجتمع الدولي.
ظلت الديانة الأيزيدية ـ عزيزي القارئ ـ وهي من أقدم العقائد الدينية في العراق وتؤمن بالله وتوحيده وتدعو الى التسامح والمحبة، مجهولة للكثيرين من أبناء شعبنا العراقي، بل وتعرضت للكثير من التشويه والافتراء، من قبل الأنظمة الحاكمة، خصوصا في فترة النظام الديكتاتوري الصدامي، الذي مارس سياسة شوفينية ميزت بين مكونات الشعب العراقي. وبعد سقوط النظام البعثي الشوفيني، تأمل كل العراقيين، ان يعمل الجميع بإخلاص لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي يضمن حقوق جميع مكونات الشعب العراقي، الاثنية والدينية، لكن الذي حصل ان سياسة المحاصصة الطائفية والاثنية، التي كرسها المحتل، وسعت اطراف منتفعة لإقرارها واستمرارها سببت ان  التنظيم الإرهابي التكفيري والمشبوه، العامل تحت اسم "الدولة الإسلامية" الذي يُعرف اختصاراً بـ "داعش"، تمكن من احتلال مساحات شاسعة من سوريا والعراق وتنفيذ ابشع الجرائم بحق أبناء شعبنا وفي مقدمة ذلك جريمة الإبادة لأبناء شعبنا من المكون الأيزيدي سواء بالقتل المباشر للرجال والنساء والأطفال أو بسبي واستباحة النساء.
قال جليل: لن ننسى أحاديث أبو سكينة المتكررة، عن "داعش" و"ماعش" وما بينهما.
تنحنح أبو سكينة وقال: يعني تريد مني لازم أحجي وأعلق. أنتم تعرفون بالنسبة لي أن "داعش" وجرائمها المدانة معروفة وواضحة، أنا اكرر دائما بأن خوفي الدائم هو من "ماعش"، فهؤلاء يمكن ان تجدهم في كل مكان يتعالى فيه صوت طائفي يسحق كلمة الوطن ويخرق الدستور والقانون، يعتدي على مكونات الشعب، يقمع المتظاهرين المطالبين بحقوقهم، يزايد على نضالات المناضلين الحقيقين، يتباكى على الديمقراطية ويلغف حقوق غيره مرتديا لبوس الضحية، وتشوفه مثل الحية ناعم.. ناااااااااعم وعلى غفلة ويلدغك! 


171
الكَلامُ المُباح (174) 
تغيير الصورة النمطية!

يوسف أبو الفوز
كان جليل يرفع صوته، حتى يسمعه والده، الذي جلس في طرف المكان، ليس بعيدا عن صديقي الصدوق أبو سكينة، الذي بدا متلهفا لينتهي هذا الحديث الذي طالما تكرر في الأيام الأخيرة عن الصعوبات امام تشكيل الحكومة الجديدة. كان جليل يكرر بحماس أن من يريد الخلاص من المحاصصة الطائفية والاثنية، باعتبارها مفرخة للفساد وتدهور أوضاع البلاد وتوالي الازمات، لابد ان يضع في باله ان الطرف الاخر لن يستسلم بسهولة.
وحين سأل أبو جليل: وما هو الحل والسلوك مع المدافعين بحماس عن النهج التحاصصي الفاشل؟
 قال جليل: الكرة الان في ملعب المنادين بالإصلاح والتغيير، أن يكونوا على مسؤولية عالية امام الشعب الذي انتخبهم وصدق وعودهم، ويستكملوا تشكيل الحكومة بحيث تكون قوية وفاعلة، وكفؤة لأجل تنفيذ البرنامج الحكومي الاصلاحي في اوقات زمنية محددة.
 كانت سكينة من بداية الحديث تضع اللوم على البرلمان الذي ترى أنه يتطلب ان يكون اعضاءه على قدر عال من المسؤولية لتلبية طموحات المواطنين، وان يضعوا حدا لما يشاع عن الصراع والدفوعات المالية الخيالية لشراء هذه الوزارة او تلك، لأجل تحقيق مكاسب خاصة على حساب المصلحة العامة.
بدت زوجتي متشائمة أكثر من كل مرة في حديثها حين أشارت الى ان البدايات لتشكيل الحكومة جاءت دون مستوى الطموح والوعود، وان قوى الإصلاح ستضيع منها الفرصة ان لم تقترب أكثر من نبض الشارع ومطالب المواطنين والعمل بكفاءة وتعاون على التمسك بالبرنامج الإصلاحي.
ولابد من القول ـ عزيزي القارئ ـ أني كنت السبب في ان اندلاع هذا النقاش، اذ علقت على حديث أحد النواب الذي ظهر على شاشة التلفزيون وراح يتخبط في كلامه دون ان تفهم منه جملة مفيدة، وقلت بأنه إذا لم يجرأ النواب على تغيير صورتهم النمطية في نظر المواطنين، ويحاولون الاقتراب من هموم ومطالب الشعب، فان الخلل سيبقى قائما في تشكيل أي حكومة.
لحظتها قال أبو سكينة ممتعضا: كيف يمكن ان يكون تغيير الصورة النمطية لسياسي الصدفة؟ إذا كان سياسي فاسدا ويسرق من أموال الشعب بالملايين، ويحفظ ما سرق في حسابات خارجية بالدولار هل تريده ان يحفظها باليورو؟ أو إذا كان يحضر جلسات البرلمان بربطة ملونه وبدلة فاخرة، فحين يسافر خارج الوطن تريده أن يلبس اليشماغ الأحمر أو العمامة؟

 
 

172
المنبر الحر / قميص أبو سكينة؟
« في: 19:30 19/11/2018  »
الكَلامُ المُباح (173) 
قميص أبو سكينة؟
يوسف أبو الفوز
بحماس كان جليل يقود حديثا متواصلا اشتركت فيه زوجتي وسكينة عن التطورات الجارية في بلدنا، وعن مسار العملية السياسية فيه التي يشير لها الدستور بانها عملية انتقال نحو العراق الديمقراطي الاتحادي. وكونها عملية انتقال من واقع الدكتاتورية الى وضع جديد، حيث تشهد العملية السياسية صراعات بينها وبين اعدائها المعروفين وخاصة من بقايا النظام المقبور الذين يجدون في التغيير الذي حصل بعد 2003 تهديدا لمصالحهم.
كانت زوجتي تكرر ان المهم معرفة ان هناك صراعا داخل العملية السياسية ذاتها حيث هناك اتجاهات بشأن مسارها وحتى في رؤى تشكيل الدولة. كانت سكينة تقول ان العملية السياسية فيها طيف واسع من القوى والشخصيات، ومن الفئات والشرائح الاجتماعية التي ليس بالضرورة مصالحها متطابقة ومتماثلة في كل المراحل.
لم أجد انهم مختلفون في حديثهم ووجهات نظرهم وكدت أقول لهم لماذا أنتم تتجادلون، ثم انتبهت الى ان جليل يقود هذا الحديث لإثارة صديقي الصدوق أبو سكينة ولأجل اشراكه معهم واخراجه من صمته ومزاجه العكر. فعند دخولنا بيته تأخر علينا قليلا وسمعته يكرر بانزعاج لأم سكينة وهو يغادر غرفته: يا بنت الناس راح يصير عمره من عمر نوح.
جلس الى جانبنا متأففا دون كلام كثير، رغم محاولاتنا لإشراكه في الحديث، فبادر جليل لإثارة الحديث عن العملية السياسية في العراق وكونها أقيمت على منهج المحاصصة، وكيف جاء بذلك المحتل الامريكي بعد 2003 وكيف لاقى الامر قبولا من عدد من الأطراف العراقية خاصة التي أصبحت متنفذة في قيادة الدولة.
فحاولت من جانبي الاشتراك في اللعبة التي يقودها جليل فقلت: من جانبي اعتقد ان أي رغبة للتغيير في النظام السياسي في العراق يجب ان تتقدمها عمليات اصلاح جادة، ان تكون هناك ممهدات وفق برامج واضحة مدعومة بإجراءات قانونية. ان عملية التغيير يعني تغيير نمط التفكير، تغيير في بنية المؤسسات والخلاص من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي أدى الى انتشار الفساد والتشظي المجتمعي.
سعل أبو سكينة فالتفتنا نحوه جميعا: والله وألف تلاه اعرف انكم تريدون تحجوني، صار لكم ساعة وأنتم تكررون اصلاح لو تغيير؟ وشلون يصير التغيير؟ عيوني أنتم.. يا بعد روحي. سالفتكم عندي كلش بسيطة وواضحة، مثل سالفة هذا القميص اللي معكر مزاجي واجبرتني ام سكينة على لبسه. أقول لها يا بنت الناس بعد ما يفيد بيه لا تقلبين الياخة، ولا تخيطين له ازرار جديدة، يا بنت الناس هو نفس القميص. الحل الوحيد هو قميص جديد وأخلص، بعد ما يفيد، لا تظلين تركعين بالقميص وهو تعبان أساسا، حتى لونه كشف وصار مكانه الوحيد في ...
سعل بصوت عال وضاعت الكلمة الأخيرة، لكني فهمتها!


173
الكَلامُ المُباح (172) 
من المسؤول عن تليف غلاصم الشعب؟
يوسف أبو الفوز
حين وصلت بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، وجدته ساهما يتابع شاشة التلفزيون الذي كان يعرض تقريرا عن ظاهرة النفوق الجماعي للأسماك في الاحواض والمزارع ومياه الأنهر. لم ينتظر أبو جليل جلوسي حتى بادرني غاضبا: تعال انت، يا كاتبنا المتفائل، تعال شوف، شنو اللي بعد ما لحقه الموت بهذه البلاد؟
بدا لي ان جليل تعب من الحديث معهم، فجاء وصولي انقاذا له، فحاولت تغيير الاجواء الى موضوع اخر، فقلت لجليل: هل سمعت بما نقلته الاخبار عن أن البرلمان الفنلندي رصد لترميمه خلال عدة سنوات 125 مليون يورو ولكن الترميمات كلفت فقط 115 مليون فتم إعادة 10 ملايين الى ميزانية الدولة؟
ابتسم جليل وقد فهم قصدي تماما، فنحن قبل وصولنا بيت أبو سكينة تحدثنا طويلا على الهاتف: هذا الخبر عادي جدا ان يحصل في بلد مثل فنلندا عرف بتقدمه دوما في مقاييس الشفافية على بلدان كثيرة. لكن الخبر الأهم عندي هو ما نقل عن أن بلدة صغيرة في العراق، اسمها المحاويل، اكتشف أحد الموظفين فيها وجود زيادة في رواتب الموظفين فأعاد وبأمانة يشكر عليها الى مصرف المدينة مبلغ 68 مليون دينار عراقي.
ضحك أبو جليل: أنتم ترفعون وتكبسون بينا على كيفكم، بالقوة تريدونا نغني وإياكم "باجر أحسن من أمس" وشنهي يعني 68 مليون امام المليارات التي انشفطت ولا زال الحرامية عينك عينك يتحركون بحرية؟
ضحك أبو سكينة، وسعل فتوجهت له الأنظار: فعلا يا أبو جليل.. وما بهذل احوالنا غير اللي السنتهم في التلفزيون أطول من ارقام ارصدتهم في البنوك الأجنبية.. تعرفون من هو أكثر شخص في العراق كان يتحدث عن الديمقراطية؟
ولم ينتظر جوابا من أحد بادر للقول بصوت عال: كان صدام حسين.. نعم الديكتاتور المجرم الدموي الشوفيني الـ.. عندكم بعد وصف ما ذكرته ويناسبه؟ نعم كان "القائد اللاضرورة" ينام ويصحى وهو يتحدث عن الديمقراطية ولكن أي ديمقراطيته؟ وشنو كانت نتائجها؟ ثمان سنوات حرب مع الجارة إيران وغزو الجارة الكويت وابادة جماعية للشعب في كردستان مع استخدام أسلحة كيمياوية محرمة دوليا وحملات تنظيف السجون واعدامات بالجملة لشباب العراق ومقابر جماعية في كل مكان وحصار اقتصادي..  هل نسيت شيء لم اذكره بعد؟
صاح به أبو جليل: كل هذا نعرفه ونتفهمه وتحدثنا به أكثر من مرة.. شنو الربط؟
صاح أبو سكينة: الربط مو كلمن صخم وجه صار حداد.. ومو كلمن تحدث عن الإصلاح راح يكون مصلح.. احنا مشكلتنا وحده، احنا والسمك، كلنا راح يصير بنا مرض تليف الغلاصم ونموت جماعي إذا بقوا الحرامية يلعبون بينا شاطي باطي وهم الذين يتحدثون عن الإصلاح والنزاهة والقانون.
 أعطوني شوية ماء لساني نشف!

 

174
قريباً.. مارسيل خليفة في فنلندا!

يوسف أبو الفوز
يقام في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، قريبا * حفل فني للفنان اللبناني مارسيل خليفة (مواليد ١٩٥٢)، والذي التزمت اغانيه الوطنية، قضايا التحرر الوطني، وقضية حقوق الشعب الفلسطيني، وهي فرصة للجالية العربية للاستماع الى طراز أغان تختلف عن السائد الذي تبثه القنوات الرسمية العربية، خصوصا أغانيه التي ارتبطت بالقضية الفلسطينية، التي تمتزج فيها صورة المرأة الحبيبة بالأرض والوطن، ويتجلى ذلك بشكل واضح في قصائد محمود درويش المغناة.
نعتقد ان الحاجة للفن الهادف والواعي، تبرز بشكل ملح، في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة العربية، من انتشار الحركات التكفيرية والظلامية، وانتهاك حقوق الانسان في ظل حكومات تسلطية، تمارس القمع السياسي والاجتماعي باستمرار، وغياب الامن والحريات والعيش بكرامة، وموجات الهجرة المتواصلة بحثا عن سقف آمن في دول الشتات، ليعيش المواطن العربي غربته مضاعفة، حيث التفكك والتمزق الذي تعاني منه عموم الجاليات في غربتها القسرية.
ففي ظل كل هذه الاوضاع تبرز الحاجة الماسة لهذا النوع من الغناء ليلامس جراح الروح، ويغسل أحزان الناس ويمنحهم شيئا من الامل وشحنة إيجابية للتمسك بالجذور والعمل الجاد لأجل مستقبل أفضل وحياة حرة وكريمة. فلطالما كان الفن الهادف ردا مباشرا على تهافت الفن وحالة الانحطاط في المشهد الفني الموسيقي والغنائي الذي يبدو متحالفا ضمنيا مع الأنظمة القمعية والحركات الظلامية التي تجيش مؤسساتها الفنية لتغيب وعي الوطن العربي، وصرف انتباهه تماما عن الاهتمام بهمومه ومتطلباته وحرياته ولينشغل بالسطحي من القضايا. وحيث سمحت الأنظمة وقنوات النفط لتسيّد فنانين وانصاف فنانين، عرفوا بموالاتهم للأنظمة القمعية، وطالما غنوا وردحوا لجلادي شعوبهم فأنتجوا الغث من الأغاني الرديئة والهابطة في الكلمات واللحن والأداء.
 وإذ يتفق النقاد الجادون في ان الأغاني الرديئة السائدة صارت تطبخ على عجالة، يساعد على انتشارها التطور التكنولوجي وانتشار فضائيات النفط، الذي يخلط الأوراق، ويطبل وينشر ما يريد وما يساهم في افساد الذوق العام والترويج للأغاني الهابطة التي تعتمد على الإيقاع السريع وكلمات هابطة وفرق راقصة، فأن الأغاني التي يقدمها مارسيل خليفة، تعيد للبال دوما بأن بالموسيقى والغناء هي علم وذوق وابداع، كما يشير اساطين الموسيقى العربية الاصيلة والعالمية، ولو اختلت زوايا مثلث الإنتاج الفني، تضيع القيمة الإبداعية والإنسانية من عملية الابداع الفني، ومعها الرسالة الإنسانية وبالتالي الوطنية التي يمكن ان تقدمها الاغنية والموسيقى عموما.
تحية للفنان المبدع مارسيل خليفة واهلا وسهلا به بين أصدقائه ومحبيه، وهو ينثر أينما حل، بين مستمعيه ومريديه روح الجمال والتفاؤل بان المستقبل هو للإنسان الطموح وللشعوب المناضلة لأجل حقوقها ومهما كثرت الصعوبات والعراقيل.


*
مكان الحفل: Savoy teatery
التاريخ: يوم21 .10.2018
الوقت: الساعة السابعة مساءا

175
المنبر الحر / ثلاثة بسعر أثنين!
« في: 22:43 14/10/2018  »
الكَلامُ المُباح (171)
ثلاثة بسعر أثنين!
يوسف أبو الفوز
متابعي حكاياتنا في هذا العمود يتذكرون أن أَبو جليل سمعه ثقيل وبصره ضعيف مما يضعه في مواقف يستغلها صديقي الصدوق أَبو سكينة ليمطره ـ ويمطرنا ـ بتعليقاته، فالحديث عن "هيبة الدولة" يكون عنده "هيبة الدولمة" و"حل الأمور باللجوء الى ساحات القضاء العراقي" تكون عنده:"هذه مشكلة سياسية فضائية، يمكن حلها بتصريح فضائي من أبو فلان وتصريح فضائي أخر من أبو علان في ساحات الفضاء العراقي وأبوكم الله يرحمه". وحالما عرف أبو جليل بإستلامي لرسالة من القارئة المتابعة "وداد م" أشارت فيها الى كوني خلال سرد حكايات عائلة "الكلام المباح" لا أعطي مساحة متساوية لبقية الشخصيات قياسا بالمساحة التي يحتلها أبو سكينة عادة، فراح يقدم ملاحظاته وتعقيباته عن كل شيء نتحدث به، ظنا منه ان ذلك يمنحه الفرصة لمنافسة أبو سكينة، مما أجبر ابنه جليل الى تنبيهه كذا مرة.
أخذ موضوع تشكيل الوزارة المقبلة جل وقتنا، في زيارتنا الأخيرة لبيت أبو سكينة، وكان جليل يعرض موقفه بضرورة ان تضم التشكيلية الوزارية شخصيات تكنوقراط تراعي التنوع في مكونات الشعب ولكن بعيدا المحاصصة الطائفية والاثنية، وان المطلوب من التشكيلة الوزارية المرتقبة استثمار الفرصة لتجاوز فشل الحكومات السابقة والشروع في عملية اصلاح على ارض الواقع مدعومة ببرنامج إصلاحي واقعي يقدم الخدمات الأساسية التي يحتاجها عموم أبناء الشعب ويحصر السلاح بيد الدولة ويكافح الفساد عمليا وبدون إطلاق الوعود والشعارات الرنانة. وعلقت شخصيا مازحا عن الوقت والآلية الخاصة التي يحتاجها رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة لفحص ملفات اختيار الوزراء بعد ان وصل عدد المرشحين أنفسهم إلكترونيا كذا ألف لكل وزارة.
 حين دخلت زوجتي ومعها سكينة وزوجة جليل بشكل صاخب بعد مشوار تسوق استهلك منهن كل النهار اذ ذهبن الى محلات افتتحت مؤخراً وأعلنت عن تنزيلات في بيع الملابس والاحذية وعدن محملات بالأكياس مما اثار فرحة الأطفال.
 كانت زوجتي تخاطب سكينة بصوت سمعناه جميعا: هذه فرصة ثمينة كان عليك استثمارها وكان يمكنك توفير الجهد والمال واتخاذ قرارك سريعا بجد ودون تردد.. قال لك بوضوح يمكنك ان تأخذي ثلاثة بسعر اثنين.
من مكانه سأل أبو جليل زوجتي بكل ثقة: ممكن نعرف هذا في أي حزب أو جماعة سياسية؟



   

176
الكَلامُ المُباح (169)
في أيلول تأتي بطولاتهم!
يوسف أبو الفوز
حين فرضت الأمم المتحدة حصارها الإقتصادي الكارثي على العراق، وفق قرارها 661 الذي صدر آب 1990، وما تبعه من قرارات عقابية أثر غزو النظام الصدامي للجارة الكويت، قالت تقديرات بعض المراقبين أنه في محصلته النهائية، كان طوق نجاة للديكتاتور الحاكم. ففي الوقت الذي كان صدام راضياً بالبقاء حتى لو حاكماً لدولة في مساحة بغداد، على أن تتركه القوى الدولية يبنّي قصوره الفارهة، يوزع عطاياه الدسمة لعوائل الإنتحاريين في فلسطين، يقيم الولائم الباذخة بعيد ميلاده المفبرك ويوزع الأوسمة والمكارم لزبانيته والردّاحين من إنصاف المثقفين، فأن أبناء شعبنا عانوا الامرّين، وباعوا حتى أبواب وشبابيك بيوتهم لوأد جوع أطفالهم، طيلة فترة الحصار ومابعده، إذ إفتتقدوا الغذاء والدواء وأبسط وسائل الحياة بعيداً عن التقدم والتكنولوجيا التي وصل إليها العالم أيامها. كان فارس الأمة العربية وزبانتيه والردّاحين لنظامه يراهنون على ان مواطن يتضور أبناؤه جوعاً لا وقت لديه للتفكير بتغيير النظام والنشاط السياسي، وأن نظامهم الشوفيني قادر على المضي في سياساته الديماغوجية في إكتشاف الطرق المؤدية الى القدس، تارة عبر عبادان، مرة عبر حلبجة وتارة أخرى عبر العبدلي!
قبل أيام، ونحن في زيارة بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، قال جليل بأن سياسي الصدفة من القوى المتنفذة، التي حكمت بلادنا بعد سقوط نظام المجرم صدام حسين، والتي أثبتت فشلها في حكم البلاد وفق معادلة المحاصصة الطائفية والأثنية، يحذون الآن حذو النظام الصدامي الفاشي، فأَملقوا شعبنا وحرموه من الحياة الكريمة وحقوقه المشروعة، وجعلوه يعاني من غياب الخدمات الأساسية، كالماء الصالح للشرب والكهرباء وغيرها من الخدمات بينما ينعمون بثروات البلاد وإمتيازات المناصب ويمرحون ويستعرضون في قصور وبيوت مسؤولي النظام البائد التي إحتلوها بدون وجه حق، والمفترض أن تكون تحت تصرف مؤسسات الدولة التي أختفى وجودها في الشارع العراقي تاركة صلاحياتها لمن يمتلك السلاح، ويظن سياسو الصدفة ـ عزيزي القاريء ـ أن كل هذا سيشغل ويمنع الناس من التفكير في مستقبل حياتهم!
قالت زوجتي: الغريب أن ما يحدث الآن يكاد يكون نسخة مما عاناه شعبنا، ولأن تصورات الحكام دائماً تكون خاطئة في تقدير قدرات الشعوب للنهوض مطالبةٍ بحقوقها المشروعة ونيل كرامتها، وعندكم إنتفاضة البصرة البطلة!
سعل أبو سكينة وقال: صدقتم جميعكم، والغريب عندي،إن بطولات أمثال هؤلاء الساسة والحكام تأتي في أيلول دائما. لاحظوا.. كان نظام البعث يتفرج على مذابح أيلول للفدائيين الفلسطينين في الاردن عام 1970، أبتدأ بالعدوان على الجارة إيران في أيلول 1980٠ الذي سرعان ما تحول الى عدوان من الطرفين، وشن أبشع فصول مجازر الأنفال في كردستان العراق في أيلول 1988، وهذه الايام شهد شهر أيلول صولة من بطولات القوى الأمنية ضد الشباب العزل في تظاهراتهم الإحتجاجية السلمية. هكذا.. في أيلول تأتي بطولاتهم! 


177
تحية تضامن من فنلندا مع إنتفاضة البصرة الفيحاء

نتابع بقلق بالغ الأنباء القادمة من بصرة العراق، الفيحاء، حيث ينتفض أهلها، مطالبين وبشكل سلمي، بحقوقهم المشروعة التي كفلها الدستور العراقي، في توفر ماء صالح للإستخدام الإنساني وبقية الخدمات الإساسية، ولجوء القوات الأمنية لقمع التظاهرات الاحتجاجية بشكل دموي منفلت، بإستخدام الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع، الذي أدى الى استشهاد العديد من المتظاهرين الأبطال وعشرات الجرحى، وكل ذلك مترافقا مع الاعتقالات العشوائية مصحوبا بالتنكيل وتعذيب المعتقلين.
نعلن عن وقوفنا الكامل إلى جانب أهالينا في مطالبهم المشروعة ونستنكر بشدة القمع الوحشي لإنتفاضة أهل البصرة الابطال الذي أدى الى سقوط الشهداء والجرحى. ونطالب بالوقف الفوري للإعمال المدانة والتجاوزات على المواطنين العزل، ونحمل الحكومتين المحلية والاتحادية مسؤولية وتبعات الكارثة المستمرة، وندعو البرلمان العراقي الجديد ومجلس الوزراء لحكومة تصريف الاعمال لتحمل مسؤوليتهم أمام ما يجري، والقيام بإجراءات سريعة وفاعلة لمعالجة الأوضاع في البصرة المنكوبة التي عانت طويلا من نقص الخدمات وتدهورها في مجالات حياتية عدة منها ملوحة المياه وضعف الكهرباء وتدهور التعليم بمختلف مستوياته الأكاديمية وتدني مريع في الوضع الصحي وغيرها.
 أن الاستمرار في ممارسة الأساليب القمعية الدموية لن يوقف الجماهير عن المطالبة بحقوقها بل سيفاقم الأوضاع، ونطالب المتظاهرين الابطال بضبط النفس وعدم الانجرار خلف أساليب القمع وضرورة الحفاظ على ممتلكات الدولة العامة وعدم تخريبها وعدم توفير الحجة للنيل وإنتقاص أنتفاضتهم البطولية.
المجد للشهداء الابطال والشفاء العاجل للجرحى والمصابين
تحية للمتظاهرين البواسل أبطال الانتفاضة المجيدة.
مجدا بصرتنا الفيحاء وانت تكتبين صفحات مجيدة في تاريخ وطننا العراق.
الموقعون:
شخصيات مستقلة
البيت العراقي في فنلندا
الجمعية الاشورية في فنلندا
الحركة الديمقراطية الاشورية في فنلندا
الحزب الشيوعي الكردستاني ـ العراق / منظمة فنلندا
الحزب الشيوعي العراقي / منظمة فنلندا
 
هلسنكي 6 أيلول 2018



 

178
المنبر الحر / شاي أم حسين!
« في: 18:12 03/09/2018  »
الكَلامُ المُباح (168) 
شاي أم حسين!
يوسف أبو الفوز
طلب مني صديقي الصدوق أبو سكينة، موافاته بتطورات الأوضاع في البصرة، أولا بأول. فكان عليّ اصطحاب حزمة مختارة من الصحف أثناء زيارته لأقرأ له عن أخر التطورات. لم يعد أبو سكينة يصدق بمعظم وسائل الاعلام العراقية، إذ يعتبر العديد منها أبواقا لأحزاب وجماعات سياسية تحاول تمرير رسائل تمويه ودخان لحجب الحقائق:
ـ عمرك كله، شايف واحد حرامي وفاسد ينشر في جريدته أو فضائيته أخبارا فيها مصداقية؟
ضحكنا، ولكن ذلك لم يطل، فأخبار تطورات ما يحصل ويجري في البصرة تزيد القلق يوميا، فالأزمة فيها متعددة الجوانب وتتفاقم بأستمرار لتأخذ أبعاداً خطرة، خصوصا بعد إنتشار الامراض وحالات التسمم حيث الالاف من المواطنين الأبرياء دخلوا الى المستشفيات.
قالت سكينة بغضب: ان الخلل الأساسي سببه فشل الحكومتين الاتحادية والمحلية في توفير الحلول الجذرية للمشاكل التي تعاني منها البصرة على مدى سنوات والتي صارت تزداد تفاقماً مع مرور الزمن.
قال جليل: أعتقد إن الكثير من الحلول متوفر لحل الازمة لو كانت هناك أرادة وطنية حقيقية،  تسعى لرؤية مشتركة تحدد الأولويات وتنهي التقاطعات والتجاذبات بين الحكومة الاتحادية والسلطات في المحافظات في ما يتعلق بتنازع الصلاحيات، إضافة إلى الصراعات الفئوية الضيقة داخل مجالس المحافظات والتي سببت الشلل والتعثر الشديد في العمل مع استشراء الفساد.
سعل أبو جليل وقال بحنق : هذا سمعته منكم أكثر من مرة، اريد أعرف ماذا نعمل تحديدا لحل الازمة، بالعراقي الفصيح شنسوي؟
من مكانه قال أبو سكينة بصوت مترع بالحزن رغم محاولته أن يكون مرحا : شاي .. سوا لنا شاي!
وأبو سكينة هنا ـ عزيزي القاري ـ يعود بنا الى حكاية حقيقية، حصلت في سبعينات القرن الماضي، يوم راحت قطعان ضباع البعث العفلقي تطارد الشيوعيين والديمقراطيين وكل معارض، وتعتقلهم بهدف تصفيتهم جسديا أو انتزاع البراءات السياسية منهم تحت التعذيب والاكراه. وحصل ان أعتقل طالب جامعي شيوعي أسمه "حسين ع". دوهم بيتهم مساء، وهم يتهيئون لتناول العشاء، وأقتيد الشاب حسين بأعقاب البنادق الى سيارات الامن، التي انطلقت مبتعدة تاركة الاب المسن غارقا في الحزن والدهشة، والأم كمن أصابها مس، فراحت تدور في البيت وهي تصرخ:
ــ أويلي وليدي .. شأسوي .. قولوا لي شأسوي؟
ثم التفت لزوجها أبي حسين، الجالس بهدوء، صامتا مفكرا بما يجري، فقد شهد مثل هذه الاحداث عام 1963 ، فالأنظمة القمعية لا تحتمل رأيا معارضا ووجهة نظر مختلفة. صاحت به بحرقة:
ــ أبو حسين.. ليش ساكت.. قول لي. شبيك ساكت؟ مو هذا أبنك الذي أخذوه الامن؟ قول شأسوي ؟ قول شأسوي؟
وبكل هدوء رفع أبو حسين رأسه وقال لها:
ــ سوينا لنا شاي!

 



 
 


179
في هلسنكي التشكيلي أمير الخطيب يقيم معرضا شخصيا


هلسنكي - متابعة
ضمن فعاليات "ليلة الفن" التي تشهدها العاصمة الفنلندية هلسنكي سنويا في الاسبوع الأخير من شهر آب، افتتح الفنان التشكيلي المغترب أمين الخطيب معرضا فنيا شخصيا، استقطب جمهورا متميزا من الفنانين والأدباء والإعلاميين العراقيين والعرب والفنلنديين.
أدار المعرض الكاتب يوسف أبو الفوز، وافتتحه بكلمة قدم فيها نبذة عن سيرة الخطيب ونشاطه الفني، مسلطا الضوء على موضوعات أعمال معرضه الذي حمل عنوان "الربيع العربي".
وأضاف قائلا ان المعرض ضم إحدى عشرة لوحة، واحدة منها تنتمي إلى أسلوب "فن التركيب".
وعكس الخطيب في أعماله وجهة نظره حول الحراك الاحتجاجي العربي الذي عرف بـ "الربيع العربي"، وكيف ان البعض قاموا باستغلال هذا الحدث سياسيا، وباعوا أوطانهم. إذ جسد بعض الأعمال صورا لأعلام بلدان عربية حملت إشارات "البيع" مع علامات تحدد نسب التخفيضات مثلما معمول به في المحال التجارية.
فيما أظهرت لوحات أخرى أجساد راقصات من دون وجوه، كإشارة إلى ضياع الهوية الوطنية.
وأثارت أعمال المعرض نقاشا بين الحاضرين، حول الأوضاع في بلدانهم، وتظاهرات الاحتجاج ومصيرها، والحكام والسياسيين الذين يتلاعبون بمصائر شعوبهم.
يشار إلى ان الفنان أمير الخطيب المولود في مدينة النجف عام 1961، يقيم في فنلندا منذ العام 1990، وانه أسس في العام 1997 بالتعاون مع بضعة فنانين تشكيليين "شبكة الفنانين المهاجرين" في أوربا، ومقرها هلسنكي.
وتصدر الشبكة التي تضم اليوم 400 عضوا ينتمون إلى أكثر من 40 بلدا، ويشكل الفنانون العراقيون نسبة كبيرة منهم، مجلة شهرية باللغة الانكليزية تحمل اسم "ألوان كونية".
وقد استطاعت الشبكة تنظيم العديد من المعارض الفنية المشتركة في بلدان اوربية، وتحقيق مساهمة فكرية فاعلة في حوارات حضارية تختص بمفهوم "الثقافة الثالثة".
 

180
المنبر الحر / خدمات خاصة!
« في: 17:29 20/08/2018  »
الكَلامُ المُباح (167) 
خدمات خاصة!
يوسف أبو الفوز
أذهل اتساع جموع الشباب والمحتجين في محافظات الجنوب والوسط سياسو الصدفة في الجماعات السياسية المتنفذة في حكم العراق. لم يترك الشباب شعارا لم يرفعوه في المطالبة بحقوقهم ورفض منهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي قاد الى فشل ذريع في أداء الدولة لمهامها المنوطة بها ما سبب تدهورا مريعا في المستوى المعيشي وتقديم الخدمات الأساسية المترابط مع تفشي الفساد في كل مفاصل مؤسسات الدولة وسرقة المال العام.
توقف جليل مرارا عند التنوع المحسوس في نوعية المساهمين في التظاهرات الاحتجاجية، واشار الى ان اعدادا ليست قليلة من الشباب تنتمي الى الجيل الذي نضج من بعد زوال النظام الديكتاتوري البعثي، الذين أحتدم لديهم السخط من عدم وجود أفق واضح للتغيير على يد الجماعات السياسية التي يشكل وجودها بحد ذاته أسباب الازمة، وعكست ذلك الشعارات التي رفعها المحتجون. قال جليل : لذلك علينا عدم الاستغراب عند ظهور أصوات عدمية رافضة حتى للنظام الديمقراطي البرلماني، لكونهم لم يتلمسوا نتائج لصالحهم إذ يستمر التردي العام وارتفاع معدلات البطالة وتراجع كبير في القطاعين الصناعي والزراعي في ظل ذلك.
قالت سكينة: وبدلا من الاستماع الى هذه الأصوات الغاضبة المطالبة بحقوقها يتم مواجهتها بالرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والاعتقالات الواسعة مصحوبة بممارسات قمعية مخالفة للقانون والدستور.
اضافت زوجتي: وهذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى ماهو يا ترى تبرير اهماله؟ من المسؤول عن دمائهم ومستقبل عوائلهم؟
طوال فترة الحديث المتشعب، كنت أرمق صديقي الصدوق أبو سكينة، وهو يتسمّع بإهتمام لمجريات الحديث. فكنت ــ عزيزي القاريء ــ أدرك مشاعره ومحاولته كظم غيضه، فطوال الأيام الماضية وإذ كنا نتحدث عن ذات الأمر، ومع كل اسم شهيد تتداوله وسائل الاعلام كان يطلب مني ان أريه صورته فيطلق حسرة غيض مصحوبة بسيل من الشتائم ضد الجميع، بدون استثناء، وحين عاد جليل ليقول: المفارقة أن مسؤولين كثار في الدولة يقولون ان ٩٩ في المائة من المتظاهرين سلميين وان التظاهرات يكفلها الدستور، ومع هذا ..
فقاطعه أبو سكينة : ومع هذا فهم يعاملونهم بالحديد والنار .. انتم لا تعرفون الهدف من ذلك.. هؤلاء السياسيين يهدفون لتقديم خدمة إستثنائية لابناء الشعب. تابعوا خطبهم واحاديثهم، انهم يتحدثون كثيرا عن الجنة والنار ويوم الحساب، وعن كرامات الشهداء وافضليتهم يوم الحساب عند رب العالمين، فهم يساعدون أبناء وطنهم في التعجيل للذهاب للجنة. ان اسهل طريقة للمواطن هي سحب بطاقة شهيد فيكون مثواه الجنة .. آخ لو بيه حيل وصحة وأقدر أتظاهر كان نافستكم كلكم على نيل الجنة.


181
الصحافة الشيوعية في العراق ميدانا للنضال من اجل حقوق ومطالب الجماهير 
يوسف ابو الفوز
 لم يكن إصدار "كفاح الشعب"، أول صحيفة شيوعية عراقية، أواخر تموز 1935 ، إلا تعبيرا عن حاجة الحزب الشيوعي العراقي، أعرق الأحزاب السياسية في العراق الذي تأسس في آذار 1943 ، إلى صحيفة مركزية ناطقة باسمه لتنشر أفكاره وسياسته وبرامجه، وليكسر احتكار الأفكار ونشر المعلومات الذي كانت تقوم به الصحافة الرسمية الحكومية المرتهنة سياساتها بعجلة الاستعمار والاحتكار، والتي كانت تظلل جماهير الشعب بأفكارها الرجعية والعميلة. وأصبحت "كفاح الشعب" أول صحيفة عراقية تصدر سرا، لتفتح السجل النضالي الحافل للصحافة الشيوعية في العراق، التي  لعبت دورا نضاليا بارزا في نضال القوى الوطنية المكافحة من اجل من سعادة الشعب وحرية الوطن .
جاء إصدار "كفاح الشعب" في حينه انطلاقا من المبدأ اللينيني، في العمل  السياسي والفكري، الذي آمن بأن "الصحيفة ليست فقط داعية جماعي ومحرض جماعي، بل هي في الوقت نفسه منظم جماعي"، وهكذا وبالرغم من كون العديد من أعضاء الحزب وأصدقائه وبعض أعضاء قيادته كانوا ينشرون مقالاتهم في العديد من الصحف الوطنية، وأحيانا بإسماء مستعارة، إلا ان إصدار صحيفة مركزية ناطقة باسم الحزب صار من المهام الأساسية لقيادة الحزب الشيوعي العراقي انذاك، والذي تطلب إصدارها تذليل كم هائل من الصعوبات الفنية. لم يكن سهلا أيجاد المطبعة المناسبة، ثم تدبير المبالغ الكافية لشرائها، ثم أيجاد المكان المناسب لنصبها، والاصعب من كل ذلك هو أيجاد العاملين المؤهلين الذين تطلب وجود صفات نضالية خاصة لعملهم. كل هذا كان يحصل    ضمن الظروف والمتطلبات الصارمة في العمل السري وفي مقدمة ذلك شدة اليقظة والحذر. ويعتبر صدور"كفاح الشعب" السرية، في تلك الايام، حدثا فريدا في تأريخ الصحافة العراقية، لكونها تحدت الأعراف التقليدية من ضرورة الحصول على إجازة لإصدار صحيفة، وبصدورها أرست تقاليد عمل جديدة في تاريخ الصحافة العراقية.
 ان المؤرخ والمتابع لتاريخ الصحافة العراقية، لا يمكن الا ان يذكر بأن  صحافة الحزب الشيوعي العراقي السرية، لعبت دورا مؤثرا وأساسيا في كشف وفضح سياسات الحكومات العميلة المرتبطة بسياسة الاستعمار وقوى الاحتكار وحملت تطلعات أمال جماهير الكادحين. وإذ توالى بعد "كفاح الشعب" صدور العديد من الصحف السرية والعلنية، ارتباطا بالظروف النضالية والسياسية التي عاشها الحزب مثل  صحيفة "الشرارة" في مطلع الاربعينات ، صحيفة "القاعدة" في كانون الثاني 1943، ، صحيفة ئازادي " الحرية "الناطقة باللغة الكردية في نيسان 1944، "العصبة"  في 1946 ،"الاساس" في 1948، " اتحاد الشعب" في منتصف 1956 ثم صحيفة "طريق الشعب" نهاية 1961 ، فأن الصحافة الشيوعية ظلت وفية ومخلصة للمباديء التي ارساها الرواد الاوائل.
ومن الجدير بالذكر، أنه وطوال كل سني نضالهم المجيد ومنذ تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، ساهم الشيوعيين العراقيين في صدور العديد من الصحف العراقية الوطنية، الديمقراطية اليسارية، والتي صدر بعضها لفترات قصيرة وتوقفت، أضافة الى كونهم نشروا مقالاتهم في الصحف الوطنية مستثمرين أي فرصة وظروف ملائمة للنشر.
 ويجدر بنا ان نثبت حقيقة، بأن صحافة أجل حقوق الجماهير والأفكار التقدمية النيرة، وكانت بحق مدرسة لأجيال من الصحفيين والمثقفين العراقيين، الذين على صفحاتها تعلموا وشقوا طريقهم إلى ميدان العمل في الصحافة والأدب. وقدمت صحافة الحزب الشيوعي العراقي، خلال مسيرتها النضالية الحافلة بالأمجاد من اجل مستقبل افضل لابناء شعبنا، كوكبة خالدة من الشهداء من المناضلين والصحفيين، نستذكر منهم الشهداء محمد الشبيبي، عبد الرحيم شريف، محمد حسين أبو العيس ، جمال الحيدري ، نافع يونس، عبد الجبار وهبي( أبو سعيد ) ، عدنان البراك، ولا ننس الفقيد زكي خيري وشمران الياسري وعامر عبدالله وغيرهم كثيرين ممن يطول تعداد أسمائهم. لم تكن صحافة الحزب الشيوعي العراقي طيلة سنوات نضالها مجرد صوتا لإيصال سياسة الحزب وبرامجه، بل كانت ميدانا لنشر الفكر التقدمي في مختلف جوانب الحياة. كانت صحافة الحزب الشيوعي العراقي أمينة للمبادئ اللينينية في العمل الصحفي ، حيث كتب لينين "لابد لنا ان نشرع بالعمل بانتظام لخلق صحافة لا تسلي وتخدع الشعب بالتوافه والإثارة السياسية، بل تخضع قضايا الحياة اليومية الاقتصادية لحكم الشعب وتساعد على الدراسة الجادة لهذه القضايا". وكانت جماهير الشعب تقرأ في صحافة الحزب الشيوعي العراقي آمالها وطموحاتها وهمومها، ولهذا كان انتظام صدور صحافة الحزب يشكل معنى كبيرا لدى جماهير الكادحين وأعضاء وأصدقاء الحزب، ولهذا السبب كانت صحافة الحزب السرية في فترات نضالية عديدة توزع أعدادا اكثر من الصحف العلنية الرسمية. وفي ظل الظروف الجديدة، بعد زوال النظام الديكتاتوري الشوفيني، يواصل الشيوعيون العراقيون نضالهم أمينين لمبادئهم وتضحيات رواد الصحافة الشيوعية في العراق، ومن اجل ان تكون صحافة الحزب ميدانا للأفكار التقدمية، ومعبرة عن هموم جماهير الشعب الكادح وطموحاته وأماله، وقريبة الى نبض الكادحين، وتنادي ببناء عراق ديمقراطي جديد، فيدرالي، تعددي، ينعم فيه المواطن بحياة حرة كريمة تحت ظل القانون، بعيدا عن اي فكر تعسفي ظلامي، يصادر حق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة الآمنة.


182
الكَلامُ المُباح (165) 
التخلص من الأعراض الجانبية !
يوسف أبو الفوز
أهتم صديقي الصدوق أبو سكينة جدا بأخبار تظاهرات الاحتجاج التي عمت مختلف المدن العراقية، أحتجاجا على أستمرار تردي الاوضاع عموما، وعجز وفشل حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية في الإيفاء بوعودها وتوفير الخدمات من كهرباء وماء، مع التدهور المستمر والمريع في قطاعات الصحة والتعليم والنقل، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، مما افقد عموم الناس ثقتهم بالقوى المتنفذة التي اثبتت فشلها في ادارة البلاد منذ 15 عاما، دون ان تحقق اياً من وعودها التي كررتها خلال حملاتها الانتخابية، مما زاد من شدة الاحتقان الاجتماعي ، فكانت التظاهرات الاحتجاجية اسلوب جماهير الشعب لاشهار مطالبها المشروعة، التي طالما سبق وكررتها بوسائل متعددة دون ان تلاقي آذانا صاغية.
 أن مواجهة هذه التظاهرات، وهي حق دستوري، بالرصاص الحي وأساليب القمع المختلفة من إستخدام الرصاص الحيّ والاعتقال والتنكيل، ما تسبب في سقوط شهداء وجرحى، لهو فعل مدان، وغير مقبول وعلى الجهات المسؤولة والمعنية، التوجيه بالحفاظ على أرواح المواطنين، كما ان المتظاهرين مطالبون بالحرص على ان تكون تظاهراتهم سلمية، ودن الاضرار بممتلكات الدولة والمواطنين.
في زيارتي الاخيرة، لبيت صديقي الصدوق أبو سكينة، لم أره غاضبا مثلما رايته في الايام الاخيرة. كان منزعجا من استخدام القوة والقمع في مواجهة التظاهرات. كان يحدث ابو جليل، وعيناه تقدح شررا ويرفع صوته عامدا حتى نسمعه:
ـ في زمن صدام كنا نقول نظام ديكتاتوري وفاشي، زين انتم اللذين ناضلتم ضد ازاحة نظام صدام ليش تلبسون ثوبه وتنكلون بابناء شعبكم؟
كنت ساعتها أحدث جليل عن زيارتي الاخيرة الى طبيبي المعالج، الذي كتب لي دواءا جديدا، اذ أستبدل أدويتي لضغط الدم، مرتين خلال فترة الشهور الاربعة الاخيرة، فكل دواء كان يصفه لي تكون له اعراض جانبية مزعجة، فالدواء الاول سبب عندي  تورم الساقين بمجرد الجلوس لاكثر من ساعة، أما الدواء الثاني فسبب سعالا مزعجا يمنع النوم. كان ابو سكينة يجلس  ليس بعيدا عنا يتسمع، وبنفس الحماس والعصبية واصل حديثه وهذه المرة معي مباشرة:
ـ هذا طبيبك يجرب برأسك وصفات، شرق وغرب، مثل حكومات المحاصصة، جعلت من شعبنا العراقي حقل تجارب لوعودها ولم توفر له الحياة الحرة والكريمة، والاعراض الجانبية لوعودها خربت البلد، اهدرت المال العام ورهنت مستقبل شعب ووطن الى المجهول. بوية انت مثقف وعارف اذا ما تغير طبيبك بواحد فاهم ومعدل راح تكون النتيجة كارثية ،فلازم يكون هناك حل عاجل وشاف!


183
القمة الروسية الامريكية في فنلندا : إستعراضات سياسية دون إتفاقات ملموسة !


الرئيسان بوتين وترامب يتوسطهما الرئيس الفنلندي
هلسنكي ــ يوسف ابو الفوز            
في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، انعقد الاثنين، السادس عشر من تموزالجاري، أجتماع القمة، الذي جمع رئيس الولايات المتحدة الامريكية، دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط اجراءات أمنية مشددة، لم تألفها فنلندا من قبل، شملت مطارات وحدود البلاد وأماكن اقامة الرئيس الامريكي، حيث أغلقت العديد من الشوارع القريبة من مكان الاجتماع في القصر الجمهوري، واغلقت باحكام حتى منافذ المجاري الصحية المؤدية الى القصر الجمهوري.
 وصل الرئيس الامريكي الى فنلندا مساء الاحد قادما من اسكتلندا، حيث قام بجولة اوربية توقف خلالها أيضا في بروكسل ولندن، وسادها التوتر، حيث انتقد حلفاء الولايات المتحدة بشدة فيما يتعلق بالتجارة والإنفاق العسكري.
 بينما وصلها الرئيس الروسي يوم الاثنين، الساعة الواحدة ظهرا بتوقيت فنلندا، متأخرا بعض الشيء عن موعده المحدد مما أجرى تغييرا في مجمل جداول العمل، وعلقت بعض الصحف الفنلندية بأنه جزء مما سمته "الحرب النفسية". ووصل العاصمة هلسنكي، حوالي 1800 صحفيا، من 61 بلدا، لتغطية أعمال القمة، علاقات فنلندا، البلد المضيف، مع كل من روسيا وامريكا، وتسليط الضوء على الزيارات السابقة التي قام بها كل من بوتين وترامب الى فنلندا. وأذا كان الرئيس ترامب قد زار البلاد عام 1992 وعام 2006 ،كرجل اعمال ولاغراض تجارية، فأن الرئيس الروسي الجار، والذي خلال توليه مهام رئيس الوزراء ومهام رئيس الجمهورية في روسيا الاتحادية، كان قد زار فنلندا اكثر من عشر مرات، لاغراض سياسية واقتصادية، وعرف بأرتباطه بعلاقات ودية مع الكثير من سياسي البلاد بمن فيهم الرئيس الفنلندي الحالي، ساولي نينستو، الذي تحضى سياسته برضا الدوائر الروسية، مما دفع البعض الى القول بأن فوزه  في الانتخابات الرئاسية، مطلع هذا العام ومن المرحلة الاولى، وهذا حصل لاول مرة في تاريخ فنلندا ، كان بدعم من الرئيس بوتين، لكون الرئيس الفنلندي لا يزال يمانع من دخول بلاده عضوية حلف الناتو، بالرغم من رغبات حزبه الذي يدعو لأنضمام فنلندا الى الحلف.
ومن بين كل الاسئلة، التي سلطت وسائل الاعلام عليها الضوء كان : لماذا هلسنكي مكانا للاجتماع؟.
كل الاطراف المعنية بالاجتماع، اوضحت بان هناك عدة اسباب، منها التأريخ الذي تمتع به فنلندا  في استضافة مؤتمرات وقمم دولية تعني بالسلام العالمي، ودورها كدولة خارج المحاور، فهي ليست عضوا في حلف الناتو، وان كانت لها علاقات تنسيقية معه في نشاطات متعددة، وحسب ميكا أتولا، مدير معهد السياسة الخارجية الفنلندي، فأن الرئيس الفنلندي، ساولي نينيستو، حافظ على خط حيادي واضح للسياسة الخارجية مع توازن في الالتزامات تجاه موسكو وواشنطن، وفق ما يسمى بـ "سياسة الاستقرار النشطة"، التي تشمل ركائز أساسية: منها الحفاظ على سياسة دفاعية، علاقات طيبة مع روسيا، احترام حلف شمال الأطلسي"الناتو" ودعم المؤسسات الأوروبية. وايضا قرب هلسنكي الجغرافي من العاصمة الروسية، حيث أرتبط الرئيس بوتين بحضور نهائيات كأس العالم في كرة القدم، التي جرت مبارياتها على ارض بلاده، من جانب اخر كان الرئيس الامريكي يقوم بجولتة الاوربية على مقربة من مكان القمة.
ويعتبر هذا الاجتماع رسميا، الاجتماع الاول، الذي ضم الرئيسين بشكل مستقل وليس على هامش مؤتمرات واجتماعات دولية، فقبل عام التقى بوتين وترامب لأول مرة في هامبورغ بألمانيا على هامش اجتماع مجموعة العشرين، ثم اجتمعا لفترة وجيزة في فيتنام في تشرين الثاني / نوفمبر 2017 في قمة أبيك. وكان الكرملين قد قال في وقت سابق إن الرئيسين يعتزمان خلال القمة مناقشة آفاق إعادة العلاقات الثنائية المتدهورة إلى طبيعتها، والقضايا الدولية الراهنة على الساحة العالمية.
في اول ظهور صحفي لهما معا، في القصر الجمهوري في فنلندا، قبيل اجتماعهما المنفرد بدون مساعدين، اشار الرئيس الروسي الى ان التواصل مع الرئيس الامريكي كان مستمرا، سواء عبر التلفون، او على  هامش بعض اللقاءات الدولية ، واكد ان اللقاء المباشر سيوفر الفرصة للحديث في الكثير من الملفات المهمة. من جانبه قال الرئيس الامريكي إنه يتوقع علاقة "استثنائية" مع فلاديمير بوتين. وابتدأ حديثه بالثناء  على روسيا في تنظيمها بطولة كأس العالم، واشار الى ان هناك الكثير من الملفات للحديث عنها في الاقتصاد والسياسة ،الترسانة النووية وايضا الصين. واكد ان العلاقات مع روسيا في السنوات الاخيرة مرت بمواقف صعبه، ولكنه متأكد ان العلاقة ستتحسن. وشمل برنامج اللقاء محادثات ثنائية بين ترامب وبوتين بدون مساعدين، كان مقررا لها ان تستمر ساعة ونصف، لكنها استمرت ساعتين وربع،  ثم تواصل الاجتماع بوجود مساعدين، ثم المؤتمر الصحفي المشترك.
في المؤتمر الصحفي، الذي طرد قبيل بدأه صحفي، كان بحوزته لافتة صغيرة ضد الاسلحة النووية، أشاد الرئيسان ترامب وبوتين بأجواء المباحثات التي وصفاها بالصريحة، ووصف الرئيس الروسي القمة بـالناجحة والمثمرة، وان اجواءها كانت بناءة وإيجابية، وأنها مثلت الخطوة الأولى في سبيل إزالة الأنقاض في العلاقات بين البلدين. وبنفس الوقت أكد أن هناك مشاكل كثيرة بين البلدين، وان توحيد جهود روسيا والولايات المتحدة سيساهم في مواجهة التحديات وهي كثيرة، واشار الى الازمات الاقليمية، استقرار الامن الدولي، الارهاب الدولي وأيضا مشاكل الاقتصاد العالمي .
وأشار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، من جانبه ، الى أن العلاقات الروسية الامريكية كانت في اسوأ حالاتها قبل القمة، محملا الادارات السابقة مسؤولية ذلك، وانها ستكون بشكل اخر بعد  اربع ساعات من المفاوضات، التي قال انها شهدت حوارا مثمرا ومنفتحا لاجل ايجاد سبل للتعاون وفق القواسم المشتركة.
في المؤتمر الصحفي المشترك للرئيسين، احتلت قضية 12 روسيا اتهموا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الامريكية 2016، حيزا ليس قليلا في اجوبة الرئيسين، وبدا الرئيسان متوافقان في الرد حول هذا الموضوع . تحدث الرئيس الامريكي عن الموضوع بانفعال واعتبر القضية مثارة من قبل الديمقراطيين لانهم خسروا الانتخابات وانه فاز بحملة انتخابية متميزة، ومن جانبه نفى الرئيس بوتين أن تكون روسيا قد تدخلت في الشؤون الداخلية الأميركية، وخاصة في الانتخابات الرئاسية، وأشار الى ان تدخل افراد بصفتهم الشخصية لا يمكن تحميله لأي دولة، ووجه الدعوة للمحقق روبرت مولر ان  يطلب من روسيا استجواب المتهمين وفق الاتفاقات الدولية بين البلدين.
ولم ينس الرئيسان تناول موضوع الشرق الاوسط ، فاشارا الى انهما عازمان لايجاد حلول دبلوماسية سياسية لاحلال السلام في المنطقة . وقال الرئيس بوتين انه بما يتعلق بسوريا، فإن مهمة إحلال السلام والوفاق هناك قد تكون أول فرصة لإبراز نموذج للعمل المشترك واكد على ضرورة تنشيط الجهود لتقديم المساعدات الانسانية واعتبر ان عودة الكثير من النازحين الى مناطقهم  سيخفف الضغط على اوربا . ومن جانبه قال الرئيس ترامب ان البلدان يريدان مساعدة الشعب السوري ، وشدد على أهمية الضغط على إيران ، من جانبه قال الرئيس بوتين إنه يدرك معارضة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الدولي المبرم مع إيران والذي تؤيده روسيا وبين ان الاجتماع تناول ضرورة الحفاط على امن اسرائيل ، وبادر الرئيس الامريكي للقول بان لجانبين يودان في توفير الأمن لإسرائيل.
يذكر ان اجتماع القمة، استقبل في الشارع الفنلندي بتظاهرات حاشدة قبل واثناء وبعد عقد الاجتماع، ساهم فيها مختلف منظمات المجتمع المدني، التي تنادي بحماية وضمان حقوق الانسان ، حرية التعبير، الديمقراطية  وحرية الصحافة وكانت منظمة العفو الدولية نشرت بيانا  قبيل القمة تمنت فيه ان يتدخل الرئيس الفنلندي لتذكير ترامب وبوتين بواجباتهما في حماية حقوق الانسان. وكانت استطلاعات سبقت القمة بينت ان هناك شيء واحد يوحد معظم الفنلنديين بغض النظر عن الجنس أو الدخل أو مكان الإقامة، وهو وجهة النظر الحذرة بشأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فان هناك فقط 4 % من الفنلنديين ترى أن ترامب جعل العالم أكثر أمنا ، وان حوالي 70% يعتقدون بأن الرئيس الأمريكي قد أضعف الالتزام بحماية البيئة.
من الطريف ايضا ان الصحافة الفنلندية اثارت خلال ايام القمة كون ملكة جمال فنلندا لعام 2006 ، ضمن قائمة النساء، اللواتي اتهمن الرئيس دونالد ترامب بالتحرش الجنسي وكونه لمس مؤخرتها بشكل اثار اشمئزارها، اثناء تسجيل برنامج تلفزيوني خلال وجودها في الولايات المتحدة الامريكية.




184
المنبر الحر / قيامة تموز
« في: 14:54 12/07/2018  »
قيامة تموز 
يوسف أبو الفوز
قدر تموز في اساطير وادي الرافدين ان يكون رمزا للخصب فيمتلك محبة قلوب العراقيين من عهد سومر واكد واشور وبابل . في الرسوم البابلية يقف تموز وخلفه وعلان يتعاركان بحماس وفحولة وثمة نخلة سامقة تعبيرا عن الخضرة وبهاء الحياة، فمن الاف السنين عاش تموز مع العراقيين معادلا لخصب لحياة وبهائها. فهو المخلص الذي ينتظرونه كل ربيع، فدخل اعتقاداتهم الروحية ونصوصهم الادبية من اساطير واغان وملاحم. هكذا حمله الاحفاد التواقون للحياة الجديدة المترعة بالامل، وهكذا حمله ابناء العراق البررة معهم صبيحة يوم "اثنين" عراقي خالد، يشبه معجزة نادرة المثال، لينطلق البيان الاول لثورة الرابع عشر من تموز الظافرة، ثورة الجيش والشعب، التي فجرها الضباط الاحرار واحتضنتها الجماهير منذ ساعاتها الاولى، لتكون بحق ثورة الشعب بأسره، ثورة فقرائه وكادحيه، التي حضيت بدعم من القوى التقدمية في المنطقة، وقوى المعسكر الاشتراكي يومها. كانت ثورة ، خالدة، انهت حكما رجعيا فاسدا ارتبط بعجلة الاستعمار سنوات طويلة، وارست دعائم استقلال العراق السياسي والاقتصادي ، واضافت لحركة التحرر الوطني في المنطقة قوى جديدة .
كانت ثورة 14 تموز وطنية ديمقراطية ، ساهمت فيها مختلف قوى الشعب ، وفي فترة عمرها القصير، حققت للشعب العراقي انجازات ومكاسب عديدة على كافة الصعد ، من هنا جاء تكالب القوى الاستعمارية والرجعية العربية عليها ، حتى تمكنوا من أغتيالها بأنقلاب دموي فاشي ، نفذه حزب البعث الفاشي وحلفاؤه الرجعيون من قوى مضادة دينية وعسكرية ، وذلك في الثامن شباط 1963 .
ان من واجبنا ، احياء ذكرى هذه الثورة المجيدة ، والاحتفاء بها بثورة وذكرى جنود العراق الشجعان الذين فجروا الثورة بمساندة شعبهم العراقي وطلائعه السياسية، الممثلة حينها في قوى " جبهة الاتحاد الوطني "، وان هذا يدعونا ، قبل كل شيء ، الى التوقف عند دروس هذه التجربة الكفاحية، بايجابياتها وسلبياتها، فهي لا تزال تشكل حافزا مهما لمواصلة العمل من اجل اطلاق طاقات شعبنا العراقي وحرياته لبناء العراق الجديد، العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد كامل السيادة ، وان ننبذ المحاصصة الطائفية والاثنية ، التي  قادت شعبنا الى الويلات وسهلت لقوى الفساد وحيتانه ان تنهب ثروة البلاد، ومهدت لقوى التطرف الظلامية ان ترفع رأسها وتستبيح حرمات وطننا وشعبنا .
واذا احتفلنا ، بذكرى ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ،  وفاء لهذا الحدث العظيم والخالد في تاريخ العراق والمنطقة ككل ، فلابد ان نستذكر الشهداء والمناضلين ، الذين كانوا جسرا لهذا اليوم العظيم ، ولنتذكر دائما،  بأن سعفات النخيل لا تخضر الا تحت صهد تموز، وان وردة "كلالة سور" لا تبرق الا تحت شمس تموز، وان حصان جواد سليم لابد ان يترجل ليملأ العراق صهيلا، من اجل قيامة تموز ومن اجل بهاء الارض واحياء الكائنات والطبيعة !


185
الكَلامُ المُباح (164)
مرة أخرى .. كرة قدم وسياسة !
يوسف أبو الفوز
غاب عنا جليل، في الايام الاخيرة، لأنشغاله بمتابعة مباريات كأس العالم 2018 المقامة على الملاعب الروسية، الا انه لم يفوت لقاءاتنا الدورية في بيت صديقي الصدوق ابو سكينة. لاحظنا جميعا أنزعاج جليل، من خروج فرق رياضية، طالما شجعها واعتبرها كبيرة، من تصفيات كأس العالم، وكان أبو جليل، وبروح التشفي والمشاكسة يردد :
ـ هذا زمن غدار، مدور مثل الكرة، ينزل فيه الكبير ويصعد الصغير.
وبشكل ما، أعاد لذاكرة أبو سكينة، موضوعا طالما تحدثنا به سابقا، عن مفاهيم حاول البعض ترويجها عن ما يسمونه "الاحزاب الصغيرة" و"الاحزاب الكبيرة"، تبعاً لعدد المقاعد التي تنالها في الانتخابات والوزارات التي يشغلها هذا الحزب او ذاك. كنت ــ عزيزي القاريء ـ دائما اعارض هذه المفاهيم واشير الى عدم دقتها، وأبين بأن هذا يهدف بشكل مقصود الى أرباك وتضليل الناس، والتقليل من شأن قوى سياسية اخرى وفقا لحسابات مغلوطة، ناسين ان بعضا مما مايسمونها "الاحزاب الصغيرة" تشكل تيارات فكرية عريقة وعميقة ضمن بنية المجتمع العراقي.   
كنت في احاديثي استخدم دائما مفهوم " الاحزاب المتنفذة " بدلا من مفهوم "الاحزاب الكبيرة"، لان عندي النفوذ لا يأت دلالة على عمق تيار فكري في المجتمع لهذه القوى السياسية، أو من ايمان الناس بمبادئ ورسالة الحزب المسيطر على دفة الحكم او من يملك النفوذ، فلقد كان حزب البعث العفلقي الفاشي "حزبا كبيرا" لأنه ادار شؤون العراق لاكثر من ثلاثين عاما، ومعروف جدا للقاصي والداني من اين كان يستمد البعث المجرم كل هذا النفوذ الذي بموجبه ارتكب ابشع الجرائم بحق ابناء الشعب العراقي بعربه وكرده وانتماءاته القومية الاخرى.
استرجعت وابو سكينة والحاضرين بعضا من هذه الاحاديث، وزاد ابو سكينة موجها  حديثه الى جليل بشكل مقصود :
ـ  تحلى بالروح الرياضية يا وليدي، ولا تزعل من مشاكسات ابوك، انت العاقل والفاهم،  لازم تعرف ان عالم كرة القدم مثل عالم السياسة، كل النتائج والمفاهيم متحركة.  هذه هي قوانين الحياة ، فمن يكون "كبيرا" وفي الصف الاول ، يوما ما ، لابد ان يكون "صغيرا"  ويجلس على مقاعد الاحتياط . فعندما تتغير عوامل وظروف خلق النفوذ فأن "الكبير" قد يتلاشى ليكون "مجهريا" فيسكن كتب التاريخ فقط، وعندك الحزب النازي الهتلري الذي يعتبر من اكبر الاحزاب السياسية المتنفذة في اوربا، أين هو الان؟ وأيضا عندك اسماء لاعبين كرة قدم مشهورين، كانوا مثل الاساطير ويعتبرون انفسهم مختارين وخالدين، ولكن ظروف عديدة دفعت بهم ليكونوا بين صفوف المتفرجين. أنت تعرف عن من اتحدث. انطوني شوية ماي أبرد قلبي !


186
المنبر الحر / كرة قدم وسياسة !
« في: 22:15 24/06/2018  »
الكَلامُ المُباح (163) 
كرة قدم وسياسة !
يوسف أبو الفوز
تتسارع الاحداث السياسية في بلادنا،  وتتشابك الخيوط ، في السعي لتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر لغرض تشكيل الحكومة القادمة، واشتعلت صفحات "فيس بوك" التي طالما سميتها "المقهى العالمي الافتراضي"، لعرض وجهات نظر واراء جريئة وعقلانية مع أو ضد التحالفات المعلنة، وهي تحتكم الى العقل وحرية الرأي،  في طرح  اراء تساهم في مراجعة مواقف وسياسات، من اجل تحالفات فاعلة وسياسة واضحة تشدد على العمل لاجل الاصلاح والتغيير في بناء دولة المواطنة، ونبذ المحاصصة الطائفية والتصدي للفساد ، وان لا تكون هذه التحالفات على حساب الاستقلالية الفكرية لاي طرف يشارك فيها. الا ان هذا لم يمنع ظهور منظرين، يبحثون عن الشهرة او لاسباب اخرى، صاروا يرسمون خارطة لمستقبل العراق ومستقبل قوى سياسية وطنية، وهم يعتقدون ان كلمة "الليبرالية" جاءت من "ليبيا"، وان ارتفاع اسعار معجون الطماطة له علاقة بثقب الاوزون. فعافت نفسي فيس بوك ومنظريه وفلاسفته، واعلنت أن الافضل ان انشر صوري مع زوجتي ونحن نأكل كباب وطرشي، على الاقل احصل على عشرات اللايكات وقلوب الحب وبعض كلمات "منور" !
 كان صديقي الصدوق ابو سكينة لاحظ كيف اني في الايام الاخيرة، امتنعت عن الخوض في الامور السياسية، ورغم كوني لست من متابعي كرة القدم الا اني صرت اعرف شيئا عن تصفيات كأس العالم لكرة القدم في موسكو  للعام 2018. وصرت اعرف اسماء بعض اللاعبين، وشاركت الجمهور العربي خيبتهم من اداء ونتائج المنتخبات العربية في اولى مبارياتها، وكل ذلك ــ عزيزي القاريء ـــ لان العديد من الأصدقاء المقربين، من حولنا، منغمرين جدا بالمتابعة وتبادل توقعات الفوز والخسارة واقحامي احيانا في احاديثهم. تتصل زوجتي هاتفيا مع زوجة جليل، وتسألها عن احوالهم، فتخبرها بأن جليل جالس في الصالة يلعب كرة قدم. وسرعان ما تزول دهشة زوجتي اذ تعرف ان جليل وهو يتابع ويشاهد اي مباراة فهو يحرك يديه ورجليه اكثر من اللاعبين في الساحة. وهكذا حين وصلت بيت ابو سكينة، وجدت موضوع كرة القدم هو الاول. قال لي ابو سكينة مازحا بشكل مفاجيء :
ــ لن اسألك عن تفجير العتاد في مدينة الثورة ، ولا عن حرق صناديق الانتخابات ، ولا عن اخر التطورات في التحالفات السياسية، اريد اعرف منك هل صحيح ما يقوله ابو جليل عنك بأنك بيدك ورقة وقلم وتسجل عدد الفاولات ؟
فاجأني بالسؤال ، لكنه ظل ساهما، متفكرا،  عندما قلت له :
ـ  اخطر الفاولات التي ستؤثر على كل النتائج ، تلك التي لن يتحدث عنها احد في صفحات فيس بوك ، والتي دائما لا ينتبه لها الحكام ولا ترصدها الشاشات !


187
المنبر الحر / ماركس أبو الكشيده !
« في: 18:34 04/06/2018  »
الكَلامُ المُباح (162) 
ماركس أبو الكشيده !
يوسف أبو الفوز
أثار انتشار خبر أقامة تمثال برونزي ضخم للمفكر كارل ماركس ( أيار 1818- 14 آذار 1883) في مدينة ترير جنوب المانيا، وهي مسقط رأسه، الكثير من التعليقات، المؤيدة والمعارضة، لكن الجميع لم يستطيعوا كون العالم، واذ يحتفل بالذكرى المئتين لميلاد هذا المفكر العظيم، انما يعترف بدوره بالأتيان بطريقة تفكير جديدة، اصبحت، بشهادة الكثيرين، التحليل الاشمل للتاريخ والواقع ومصير الراسمالية ونتائج الصراع الطبقي.
واثار الخبر انتباه سوزان أبنة جليل، فراحت تحاور والدها، واصبحت بحكم وجودي، طرفا في الحوار، بينما كان صديقي الصدوق أبو سكينة، والى جانبه ابو جليل وزوجتي، يتّسمعون لنا.
كان جليل متحمسا لضرورة ان يطلع شبيبتنا على افكار هذا المفكر العظيم، الذي عادت به ازمات الراسمالية ذاتها الى الواجهة من جديد ،بحيث ان محطة ال" بي بي سي" نظمت استفتاءا اختار ماركس ليكون " فيلسوف الالفية الثانية " الذي تشهد مكتبات العالم المتحضر اقبالا، خصوصا من قبل الشبيبة، على اقتناء كتبه والاطلاع على فكره .
وبيّن جليل أنه من بعد فشل النموذج السوفياتي لبناء الاشتراكية طبّل وفرح اعداء الاشتراكية واعتبروها نهاية الحلم الاشتراكي وموتاً لماركس ونهاية الاحزاب الشيوعية في العالم. لكنهم تناسوا بان مفكري ورواد الماركسية انفسهم يتحدثون باستمرار عن حركة الظاهرة لا سكونها، وان فريدريك إنجلز ( 18 تشرين الثاني 1820 ــ 5 آب 1895)، رفيق وصديق ماركس، تحدث مرارا عن المفاهيم التي تشيخ في الحياة وضرورة التجديد ومواكبة التطور.
 من جانبي أكدت بأن ماركس وانجلس عملا طوال اكثر من نصف قرن على تطوير النظرية التي وضعاها وذلك بالارتباط الوثيق مع كافة ظواهر عصرهما الاجتماعية، وفيما يتعلق بالحزب الشيوعي العراقي،الذي تشير وثائق مؤتمراته الى كونه يسترشد في سياسته وتنظيمه ونشاطه بالفكر الماركسي، فهو يحدد كونه حزبا ماركسيا ولكنه ايضا لا يغلق الباب امام الانفتاح على المدارس الاشتراكية الاخرى والتجارب الانسانية، فالاشتراكية بالنسبة للشيوعين العراقيين كهدف ، ليست حلما طوباويا ، بل انها مطلب جماهيري ، يعملون لاجله بنفس طويل وقدموا لاجله التضحيات وقوافل من الشهداء فهو بالاساس .. حلم انساني .
لكز أبو جليل خاصرة أبو سكينة وقال له بصوت سمعناه جميعا: يتحدثون عن صاحبك، أبو البلاوي، تتذكر يوم سجنوك من بعد انتكاسة ثورة 14 تموز، وسألك مفوض الشرطة : هل تعرف هذا؟ وكان بيده صورة ماركس. وانت قلت له ببرود : وهل يوجد واحد ما يعرفه؟ فغضب لجسارتك وبعد ان لطمك سأل: من هو؟ فقلت انت ببرود اكثر : هذا ابن محلتنا ملا عمران. فقال لك : اذا هذا ملا عمران زين وينهه كشيدته؟ انت قلت له بكل بساطة : يجوز ماخذ الصورة بالصيف !.


188
المنبر الحر / فيروز وسانت ليغو
« في: 17:56 07/05/2018  »
الكَلامُ المُباح (160) 
 
فيروز وسانت ليغو
يوسف أبو الفوز
لم يكن لدي مزاج طيب في الاسابيع الماضية، وكنت أبدو ساهما وحزينا، هذا ما قاله ابو جليل، وهو يراني جالسا صامتا أكتفي بالاستماع الى الاخرين، وانا الذي عُرف عني ان صوتي عالي النبرة في مجالس الاصدقاء، بحيث ان زوجتي أحيانا تلجأ للاشارة لي بكفها لان اخفضه قليلا، حتى لا يسيء البعض فهمي، ويتصورني غاضبا كما حصل كذا مرة.
وليس في الامر سرً، في أسباب تعكر المزاج، فقد رحل تباعا العديد من الاصدقاء الاعزاء، من الاسماء البهية والطيبة، بشكل متتابع، بحيث لم يجف حبر نعي أحدهم حتى يرحل الاخر تاركين في القلب غصة وفي الروح وجعا لا شفاء منه.
حاول صديقي الصدوق أبو سكينة، ان يخرجني من دائرة الحزن، فحاول ان يزجني في نقاشات سياسية،  واذ لاحظ عدم حماسي انتقل للحديث عن ظروف الانتخابات وحملات المرشحين وما يرافق ذلك من محاولة الضحك على الناس وخداعهم لشراء ولائهم، باجراءات نالت السخرية اكثر من التأييد، وانتشر عنها الكثير من الطرائف سواء التي حصلت فعلا او اخترعها الناس.  وطلب مني ان اقرأ له ما يرسله لي الاصدقاء عادة على البريد الخاص في الماسنجر من مفارقات وقفشات تخص الاوضاع في العراق عموما والانتخابات خاصة. فقرأت له عن ذلك المرشح  الضرغام الذي زار احد القرى  ونادى على اهلها:  "ما هي مشاكلكم؟" ، فاخبره اقرب الناس له ان لديهم مشكلتين، الاولى انهم ليس عندهم كاز للتراكتوات لتعمل . قال لهم النائب : "هذه حلها عندي بسيط ". واخرج  تلفونه الموبايل وصاح بأعلى صوته :" انتم يا من تسمعوني،  فورا.. فورا يجب ان تجلبوا تنكرين كاز للقرية الفلانية بدون تاخير . نعم ولن اتسامح معكم ". انتهى من كلامة، ووضع تلفونه في جيبه والتفت وسأل "" وما هي المشكلة الثانية؟ " ، فصاح اهل القرية بصوت واحد : " من شهور لا يوجد عندنا شبكة موبايل بالقرية ". ضحك الجميع ودمعت عيون ابو جليل من الضحك ، واكتفيت بالابتسام ، ولكني سرعان ما انضممت لهم حين طلب مني ابو سكينة ان اسمعه المطربة فيروز حين لاحظ صورتها في احد رسائل الاصدقاء :"سمعنا ام زياد اذا ممكن ؟" وعلا صوت فيروز الساحر، يزرع السكينة والمحبة في الروح وكانت اغنية :
ـ تعا ولا تجي !
انتهت الاغنية ، والتفت لي ابو سكينة والحيرة في عينيه : من بعد اذن ام زياد ولا زغرا بيها .. تعال مفهومة .. لا تجي أيضا مفهومة .. بس مرة وحدة "تعال ولا تجي" ، هاي شلون تصير؟ هذا يمكن قانون سانت ليغو المعدل في الانتخابات البرلمانية  العراقية؟


189
مجداً لطبقتنا العاملة في عيدها الأممي
يوسف أبو الفوز
تحتفل العمال، في كل مكان في العالم، بعيدهم الاممي، في الاول من أيار، مستعيدين الذكرى الخالدة التي رسمها بدمائهم عمال شيكاغو عام 1886 حين تظاهروا تحت شعار " يوم عمل من ثماني ساعات فقط ".
ومن بعدها جرى ما جرى من ظهور أنظمة وزوالها وحروب وحروب،وتحقيق انتصارات وحصول انكسارات، والطبقة العاملة العالمية تواصل نضالها من اجل انتزاع المزيد من حقوقها المشروعة، فهي ادركت ،والتأريخ علمها ، ان الحقوق تنتزع بالنضال ولا توهب كمكرمة من سلطة او حاكم. ولهذا تواصل النقابات والاتحادات العمالية، وبمختلف الطرق والوسائل النضال في مواجهة قوى الرأسمال والليبرالية الجديدة وخياراتها اللانسانية، التي تحاول الالتفاف على ما تحقق من منجزات الشعوب ونضالات الطبقة العاملة في البعض من بلدان العالم المتحضر.
في العراق، كانت الطبقة العاملة العراقية، ايام العهد الملكي ،ضمن ظروفها الخاصة تبتدع  الاساليب في الاحتفال بهذا اليوم لمواصلة المطالبة بحقوقها النقابية والزيادة في الاجور وتحسين ظروف العمل والتمتع بالحريات الديمقراطية. وبعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، نجحت  في تحويل يوم الاول من ايار، الى عيد شعبي، يشارك في الاحتفاء به ليس العمال وحدهم، وانما مختلف شرائح المجتمع العراقي، وفي ذاكرة التاريخ المسيرات المليونية الاحتفالية بهذا اليوم المجيد.
وفي عهد الانظمة الحاكمة المتعاقبة على حكم الشعب العراقي، خصوصا ، حكومات البعث الفاشي ، الاولى والثانية، انتكست احوال الطبقة العاملة، وتراجعت الحياة النقابية، وحتى حاول النظام الديكتاتوري الصدامي الغاء صفة العمال، هذا من غير انه حولهم الى وقود لحروبه المجنونة التي لم تتوقف الا بسقوطه على يد قوى الاحتلال الامريكي التي كانت سياسات نظامه الرعناء سببا أساسيا في استقدامها وغزوها العراق .
والان ، ومن بعد مسيرة ومخاض عقد ونصف، فأن العراق يعيش ازمة عامة تتعمق بأستمرار وتتجلى باشكال مختلفة،  اولها الفشل في اقامة بديل ديمقراطي حقيقي يكون سدا امام اعادة بناء نظام شمولي تحت اي ذريعة. ان الازمة البنيوية للدولة التي يعاني منها ابناء شعبنا، قادت الى ظهور حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، التي عانى منها كل شعبنا العراقي، وفي مقدمة ذلك ابناء طبقتنا العاملة وكادحي الشعب من ذوي الدخل المحدود .
ان الطبقة العاملة العراقية ، لن تتوقف في النضال من اجل الارتقاء بعملها النقابي، وانتزاع المزيد من حقوقها ، وان يكون لها كلمة فاصلة في احتدام الصراع بين خيارات المستقبل وتحديد شكل الدولة ، التي تضمن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية لعموم الناس وعلى اساس المواطنة.
تحية لنضالات الطبقة العاملة العراقية، وشهدائها الذين عمدوا بدمائهم المسيرة النضالية الخالدة . وتحية للعمال المناضلين وهم يواصلون الكفاح والعمل دون كلل ، حالمين بغد سعيد للجميع .. غد المواطنة والعدالة الاجتماعية.
المجد للاول من أيار عيد العمال العالمي ورمز الكفاح من اجل العدالة .
عاشت الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية الديمقراطية المكافحة .
مجدا لكل شهداء الطبقة العاملة العراقية .
النصر لنضال عمال وكادحي العالم من اجل مستقبل انساني ، بلا حروب واستغلال .
*   طريق الشعب العدد 177 ليوم الاثنين 30 نيسان 2018 /  كلمة ملف طريق الشعب بمناسبة اعياد الاول من ايار 
 

 


190
صفحات مجيدة من نضالات الطبقة العاملة العراقية
أيام إضراب ومسيرة " كي ثري " البطولية
عواطف رمضان
تظل المأثرة التي سجلها عمال K3 "كي ثري" ، محطة ضخ النفط العراقي ، الى البحر الابيض المتوسط ، القريبة من مدينة حديثة، في نيسان 1948 ، صفحة مشرفة ومشرقة في تاريخ نضالات طبقتنا العاملة العراقية ، فالقرار الذي اتخذه العمال خلال اضرابهم بالتوجه بمسيرة سلمية صوب العاصمة بغداد، لمسافة تبلغ حوالي 250 كيلو متر ، يظل درسا نضاليا مشرفا، يعكس قيم التحدي والابداع في ابتكار طرق نضالية سلمية لاجل تحقيق المطاليب المشروعة. ولم يكن اضراب عمال "كي ثري" حاملا فقط زخم احداث وثبة كانون في نفس العام، وانما جاء ايضا نتيجة لنضال مستمر ومعاناة متواصلة لعمالنا الذي خرجوا بالكثير من الدروس من الاضرابات التي نفذها عمال السكك في البصرة وبغداد وموانيء البصرة  واحداث كاورباغي 1946 وغيرها، فكانت رصيدا نضاليا دافعا للعمال لابتكار اساليب نضالية اخافت الحكومات العميلة يومها.
تخبرنا الوثائق المتنوعة ، وبعض اللقاءات المنشورة مع قيادات عمالية، بانه في يوم 23 نيسان أعلن 700 عاملا من عمال ضخ النفط في محطة "كي ثري" اضرابا عن العمل، وكان منظما بحرفية عالية ، اذ شكلت لادارته لجان عمالية وزعت وتقاسمت المهام فيما بينها . فكان هناك لجان توزيع المواد الغذائية ولجان للتواصل بين مختلف منشات المحطة، واجراءات لحماية المنشآت من العبث ولحماية ارواح المشاركين في الاضراب. واحد اهم هذه اللجان ، كانت لجنة التفاوض التي راسها العامل "شنور عودة" والى جانبه المناضلون كاظم عبد الرضا، باكيف سركيس واسطيفان تريكان . كانت اللجنة القيادية للاضراب، التي تضم كوادار مجربة من قيادات الحزب الشيوعي العراقي، اكتسبوا الخبرة في نضالات مطلبية عديدة ، تعقد اجتماعاتها بشكل يومي،  وحيوية في التواصل مع جماهير المنطقة ، في القرى القريبة من موقع الاضراب ، لدعم اضراب العمال وفي التحرك لكسب تعاطف عموم جماهير الشعب وتضامن العديد من الشخصيات الوطنية ، خصوصا بعد انتشار اخبار الاضراب في عموم البلاد . كانت المفاوضات بين العمال وشركات النفط عسيرة بسبب من تزمت الجهات المسؤولة في الاستماع الى مطاليب العمال المشروعة المتعلقة بتحسين ظروف العمل والاجور والاعتراف بالحركة النقابية والتعامل معها ، فلم يتم التوصل الى نتيجة  ملموسة. وعلى العكس من ذلك ارسلت السطات قوات الشرطة الملكية التي احتلت مخيمات العمال المضربين ونصبت رشاشاتها قرب مساكن العمال وفي طرق تنقلهم لغرض ارهابهم كوسيلة لكسر عزيمتهم واضرابهم . وهنا قرر العمال ارسال مندوب عنهم الى بغداد ، ليس فقط لايصال مطاليب العمال، بل ولاجل استثارة تضامن المساندين لحركتهم من القوى الوطنية . مع تواصل استفزاز قوات الشرطة للعمال المضربين المسالمين ، قررت قيادة الاضراب دعوة العمال للتوجه بمسيرة سلمية تتوجه الى بغداد رافعين لافتة  (نحن عمال النفط قد قدمنا للمطالبة بحقوقنا المهضومة). بدأت المسيرة الراجلة يوم 13 ايار باتجاه بغداد ، استمرت ثلاث ايام ، مرورا بمدينة هيث وثم الفلوجة.  وطوال الطريق كانت جماهير القرى من الفلاحين والكادحين تهب لتحية العمال وتقديم مختلف اشكال الدعم من الطعام والشراب ، ليسهل عليهم تحمل مشاق الطريق، فارتفاع درجات الحرارة ، خصوصا منتصف النهار كان مرهقا للعمال الراجلين ، وكل ذلك كان مصحوبا بالهتافات والهوسات . وكانت المسيرة منظمة ومتماسكة وسلمية في كل ايامها ولم يستسلم العمال لاستفزاز قوات الشرطة في بعض نقاط تواجدها. وخوفا من وصول المسيرة الى بغداد، ورعب الحكومة العميلة من ان تكون شرارة لانطلاق انتفاضة شعبية جديدة ، وهذا كان متوقعا جدا ، قامت السلطات بالتمركز على جسر الفلوجة ، وقطع الطريق وايقاف المسيرة قبل وصولها بغداد . ولاجل انهاء الاضراب والمسيرة لجات الحكومة العميلة ، وبتهاون من الاحزاب الذيلية لها ، الى اعلان حالة الطواريء بذريعة حماية القوات العسكرية المتوجهة الى فلسطين.  واشار الى ذلك كتاب الرفاق زكي وسعاد خيري ( دراسات في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي 1984 / صفحة 182 ) بكون الحكومة العراقية " لم تسخدم الاحكام العرفية لحماية مؤخرة الجيش العراقي وانما لضرب الحركة الوطنية والثورية ، فمن اول يوم لاعلانها بدات الادارة العرفية  تصدر البيانات والقرارات بحظر الاجتماعات العامة ومنع الاضرابات وغلق الصحف الوطنية وغلق النقابات واعتقال قادتها وغلق النوادي ومقرات المنظمات الاجتماعية ومصادرة ممتلكاتها " . وقد نشرت جريدة "صوت الاهالي " مذكرة كامل الجادرجي الى الحكومة التي انتقد فيها اعلان الاحكام العرفية و" كونها تستغل لغير الغرض الذي اعلنت من اجله ".
 ومع مرور الايام والسنين ، بقي اضراب ومسيرة عمال "كي ثري "مثلا ملهما في دروسه  النضالية للاجيال في العمل والكفاح لاجل مستقبل سعيد وضمان حياة كريمة لكل الناس.
*    طريق الشعب العدد 177 ليوم الاثنين 30 نيسان 2018 / ملف خاص بمناسبة عيد العمال العالمي

 


191
الكَلامُ المُباح (159)
  ما بين ميشيل باشيت و"لصقة جونسون"!
يوسف أبو الفوز
خلال زيارتي الاخيرة لبيت صديقي الصدوق أبو سكينة، تفرجنا معا على فيديو تداولته وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاليكترونية، عن الوداع المؤثر لابناء الشعب التشيلي لرئيسة الجمهورية ميشيل باشيت (مواليد 1951)، والتي غادرت المنصب رافضة طلب انصارها تعديل الدستور ليسمح لها بولاية ثانية أسوة برؤساء اخرين في بلدان العالم. فبعد أن تولت المنصب كرئيسة تشيلي التاسع والثلاثين للفترة 2014 ـ 2018، وسبق وان كانت الرئيس السابع والثلاثين للفترة 2006ـ2010، وحيث ينص دستور تشيلي في الفصل الرابع الخاص بالحكومة في المادة 25 بأن"ﻳﺒﻘﻰ رﺋﻴﺲ اﻟﺠﻤﻬﻮرﻳﺔ أرﺑﻊ ﺳﻨﻮاﺕ وﻻ ﻳﺠﻮﺯ إﻋﺎدﺓ اﻧﺘﺨﺎﺑﻪ ﻟﻔﺘﺮﺓ رﺋﺎﺳﻴﺔ ﺗﺎﻟﻴﺔ"، فأنها رفضت بشكل قطعي التدخل لتغيير الدستور والاضرار بعملية تداول السلطة، وغادرت القصر الرئاسي بحفاوة بالغة، دون ان يسجل عليها أشارة للفساد او الاثراء من خلال عملها.
كنت أحدث الحاضرين شيئا عن تاريخ هذه السيدة المناضلة، التي انضمت  للحزب الاشتراكي التشيلي، في عامها الاول كطالبة جامعية (1970)، واعتقلتها سلطات الانقلاب العسكري ومعها والدها ووالدتها عام 1973 وتعرضوا جميعا للتعذيب، واستشهد والدها تحت التعذيب. وبعد ان ساعدها اصدقائها للهرب من تشيلي تنقلت ما بين استراليا والمانيا الديمقراطية حيث واصلت دراسة الطب، وعادت من المنفى عام 1979. وفي 1995 اصبحت عضوا في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، ثم عضوا في المكتب السياسي. واضافة لنشاطها السياسي فهي طبيبة في الجراحة وعالمة في الوبائيات ودرست اكاديميا الاستراتجية العسكرية ضمن اهتمامها بالعلاقات المدنية العسكرية، وتقلدت مناصب وزارية مختلفة، ووصفت خلالها بالاخلاص والنزاهة. فخلال توليها مهمة وزير الصحة (2000ـ 2002) نفذت خطة اصلاح في نظام الرعاية الصحية في البلاد، وخلال توليها مهمة وزير الدفاع (2002 ــ 2004) تم الاعلان عن ان الجيش لن يتدخل في السياسة ويخرب الديمقراطية. وداعها المؤثر من قبل حشود المواطنين وسط الاناشيد والدموع ، واحساسهم بالامتنان والمحبة لها، جاء كونها عملت بأخلاص كرئيسة لكل التشيليين، وقادت ائتلافا حكوميا ضم طيفا سياسيا من اليساريين والشيوعيين. وقامت بالعديد من الاصلاحات والمنجزات وتشريع القوانين في المجالات الاجتماعية والاقتصادية لصالح الناس الفقراء وذوي الدخل المحدود وعموم المواطنين. وبذلت جهودا لمواجهة مشاكل التمايز الاجتماعي عن طريق اصلاح نظامي التعليم والصحة وتمويل هذه الاصلاحات عبر اصلاح النظام الضريبي.
قاطعني ابو سكينة هازا يده: طبعا يتظاهرون الناس، ويريدوها تجدد ولايتها، ما دام سيرتها نظيفة ومليئة بالمنجزات لصالح عموم المواطنين، ليش قابل مثل حظ الشعب العراقي، سياسي الصدفة عندنا واحدهم بس يجلس على الكرسي، اي كرسي، حتى لو في مقهى، يتحول الى الاستاذ "لصقة جونسون"،بالمناسبة تعرف هاي اللصقة؟ عساك ما تحتاج تجربها .. لانها حسب مختصين ذات تأثير وقتي ولا تقوم بمعالجة أسباب العلة.


192
المنبر الحر / جحا العراقي !
« في: 10:37 02/04/2018  »
الكَلامُ المُباح (158)
جحا العراقي !
يوسف أبو الفوز
أزعم بأنه، عبر الشبكة العنكبوتية، وبدون اتفاق مسبق، قد تشكلت أكثر من  مجموعة تتداول أهم الاخبار والتقارير وروابط الكتب الجديدة والافلام، بل وبعض النوادر والحكايات الطريفة،  وفيهم من لا يعرف او لم يقابل الكثير من اعضاء المجموعة. فحين تقوم ــ مثلا ـ بأرسال  تقرير صحفي أستهواك عن  انتشار المخدرات في المدن العراقية، الى ايميل احد اصدقائك ليطلع عليه، فيقوم بدوره ،من باب تعميم الفائدة والمعلومة، بتوزيعه الى قائمة أيميلات مجموعة من اصدقاءه، ويصدف ان بينهم صديق مشترك بينك وبينه، فيقوم هو الاخر بتوزيع المقال الى قائمة اصدقاءه، وتعود انت لتستلم المقال الذي أنت اساسا قمت  بتوزيعه.
حكيت هذا، للحاضرين ، في لقائنا في بيت الصديق الصدوق أبو سكينة، فقال أبو جليل : صحيح بيها فائدة ، بس يعني يطعمونك من لحم ثورك.
وضحكنا، ورحنا نتحدث عن بعض المفارقات، التي حكاها لنا جليل، وقال انه احيانا يستلم نفس المقال عدة مرات، مثلما حصل مؤخرا مع مقال يتحدث عن شخصية جحا في  تراث شعوب اسيا والشرق الاوسط والخلاف حول اصول ومنشأ هذه الشخصية. كنت ايضا استلمت نفس المقال، وسبق وحكيت لأبي سكينة تفاصيله، فوجدتها فرصة لاحكي للاخرين شيئا عن هذه الشخصية الطريفة، الشعبية والمشهورة عند شعوب كثيرة ، والتي تعددت اسمائها من قارة الى اخرى، ويتواصل النزاع حول اصولها، وفي كل الاحوال يتم تداول نوادره وحكاياته على طول منطقة جغرافية واسعة تمتد من هنغاريا عبورا بالهند، وصولا إلى الصين، ومن جنوب سيبيريا إلى شمال أفريقيا،  حيث تروى دائما قصصه وسخريته من الاحداث التي تجري حوله، والتي يظهر في بعضها كشخص حكيم ومغفل في آن واحد ، لكن في حكاياته دائما هناك عبرة ما وفي غاية الحكمة .
قال أبو سكينة : ليش يتم التنازع على اصوله، واضح جدا ..جدا أنه من اصول عراقية ،أليس احدى حكاياته تتحدث عن عدم اتعاضه وتعلمه من تجاربه ولا يسمع نصائح الناس؟ الم يقطع الغصن الجالس عليه، وتقولون ان هناك تمثال يصور هذه الحكاية ؟
وهذه حكاية ـ عزيزي القاريء ـ  لها تمثال في مدينة (أكسيهير) التركية ، حيث  تفيد بأن جحا قام ذات يوم بتسلق شجرة، ثم جلس على أحد الأغصان وبدأ بقطعه بواسطة منشار، رآه أحد المارة فصاح فيه متعجبا: ” أنتبه يا جحا ، ستتسبب في سقوطك لو قطعت الغصن"، لكنه تجاهل التحذير، وأكمل قطع الغصن، وبالفعل سقط جحا على الأرض، ورغم جراحه هرع إلى الرجل الذي حذره: "بما أنك قد علمت مسبقا بأنني سأسقط، فأنت إذن بإمكانك أن تخبرني أشياء اخرى ستحصل لي"!


193
84 عاما لأجل الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية والانتماء للوطن!

يوسف أبو الفوز
حين اطلق يوسف سلمان يوسف "فهد" ( 1901 ـ 1949)، مؤسس الحزب الشيوعي العراقي، القائد الشيوعي الميداني، الذي سماه الباحث حنا بطاطو بـ " القائد الاسطورة "، صرخته الشهيرة عند لحظات تنفيذ حكم الاعدام به وبرفاقه الخالدين :
ـ الشيوعية اقوى من الموت واعلى من اعواد المشانق.
كان قد سبق ذلك، وفي معرض دفاعه عن افكاره في قاعة المحكمة، التي حكمت عليه بالاعدام ان قال :
ـ انا وطني، وحين صرت شيوعيا صرت اشعر بمسؤولية اكبر تجاه وطني.
وكان ذلك، وصار دستورا عند الشيوعيين العراقيين وانصارهم، يرددوه ويمارسوه في كل الفترات والمراحل السياسية.
هكذا وجد ابناء العراق، في هذا الحزب المناضل، العريق، حامل لقب" حزب الشهداء "، بسفره الخالد، ملاذا يظللهم بمبادئه وانتمائه الى الوطن، بغض النظر عن انتمائهم القومي والديني. فالحزب الشيوعي العراقي، وكما تثبت وثائق مؤتمره العاشر المنعقد في كانون الاول 2016 هو (تجسيد حي لوحدة نضال الشعب بقوميتيه الرئيستين العربية والكردية وقومياته الاخرى واديانه وطوائفه وهو يكافح بلا هوادة الشوفينية وضيق الافق القومي والنعرات لطائفية والعنصرية من اي مصدر كان)، وكأتحاد طوعي فلوائحه الداخلية لا تشترط سوى الانتماء الى الوطن والفكر الانساني التقدمي الحر، وهكذا فعضو الحزب الشيوعي العراقي حين يسمع تلك الاسئلة المقيتة:
ـ من اي طائفة، من اي عشيرة، من اي قومية، من ...؟
لا يجد جوابا يتلاءم مع انتمائه وارتباطه بقضية الناس ومستقبل الوطن، افضل من عبارة :
ـ انا شيوعي، مواطن عراقي !
وفي ظل السياسة الطائفية التي اتبعتها بعض القوى السياسية الطائفية، محاولة التعكز عليها لتحقيق مكاسب آنية، مضللة بذلك فئات معينة من ابناء شعبنا خلف شعارات ديماغوجية طائفية، يكون الحزب الشيوعي العراقي من الاطراف السياسية القليلة المحلقة بعيدا عن سماء الاحتقان الطائفي المقيت، وبهذا وعن جدارة واستحقاق فهو الحزب العراقي الذي يشكل وجوده ونضاله تجسيدا حيا للوحدة الوطنية العراقية.
ان الارتباط بالوطن ومصالح كادحيه، لم تكن هبة جاءت من احد، من خارج الوطن او من الجوار، ولم تأت بفتوى من قائد او هيئة حزبية، وانما هو حصيلة النضال العسير لجماهير الحزب واصدقائه والمرتبطين به فكريا وسياسيا، والذين قدموا قوافل لم تنته من الشهداء ، اختبروا فيه برامجهم وشعاراتهم، وادراكهم من كل هذا بأن شجرة الحزب لا يمكن ان تعيش وتأتي ثمارها الطيبة دون الارتباط بتربة وهواء الوطن، فتمر العراق لا يثمر دون صهد شمس الوطن.
هذا الملف تقدمه "طريق الشعب" في الذكرى 84 لتأسيس الحزب ، احتفاء بهذا السفر الخالد ، الذي صنع بهاءه مناضلون اشداء.. وتحية للشهداء الذين عمدوا بدمائهم المسيرة الخالدة .. وتحية لمناضلين يواصلون النضال ، داخل وخارج الوطن ، رغم كل المعوقات والصعوبات ، حالمين بالهدف الاسمى بوطن حر وشعب سعيد ، وطن دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية .
مجدا لكل شهداء الحزب الابطال ..
تحية لكل المناضلين من اجل الغد القادم ...
عاش الحزب الشيوعي العراقي !

( كلمة الملف الخاص الذي نشرته طريق الشعب احتفاءا بذكرى تأسيس الحزب)

194
المنبر الحر / طريق السعادة !
« في: 23:25 21/03/2018  »
الكَلامُ المُباح (157) 
طريق السعادة !
يوسف أبو الفوز
كان جليل يحدثنا عن التظاهرات الاخيرة في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية للمطالبة بالاصلاح ومحاربة الفساد، حين اقتحمت أبنته سوزان المكان، تحمل جهاز الأي باد، وبدون انتظار راحت تقرأ علينا منه وبصوت عال خبرا عن التقرير السنوي لشبكة التنمية المستدامة، التابعة للأمم المتحدة،حول مؤشر السعادة العالمي، الذي نشرته وسائل الاعلام، والذي احتلت فيه فنلندا، المرتبة الاولى كأسعد بلد في العالم من بين 158 دولة. وان التقرير جاء حسب المعطيات التي أعتمدها في تقيمه، والتي ترتبط بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومستوى الرعاية الاجتماعية ومتوسط الأعمار والحريات الاجتماعية والكرم وغياب الفساد في الدولة والمجتمع. جميعنا انصتنا لسوزان، التي قالت بنبرة واضحة ان العراق جاء في التقرير في المرتبة 117، فتركنا ذلك ننظر احدنا بوجه الاخر. قال جليل: هل هناك مفاجاة في هذا؟ مع الخراب الذي قادتنا له سياسات المحاصصة الطائفية والاثنية، ماذا كنتم تنتظرون؟ هل يمكن لنا ان ننافس هذه البلدان المتقدمة والمتحضرة؟
كنت اطلعت مسبقا على الخبر بتفاصيله،وللمشاركة حكيت لهم بأن فنلندا، حتى خمسينات القرن الماضي،كانت بلدا زراعيا،لا تملك من الثروات غير غابات الاشجار ومياه البحيرات وسواحلها المطلة على بحر البلطيق، وما يدره ذلك عليها من ثروة سمكية. والاراضي الصالحة للزراعة في فنلندا محدودة، ففيها يوجد 178 الف بحيرة، وتغطي الغابات مساحة 86% من مساحة عموم البلاد، واراضيها صخرية، يضاف الى ذلك المناخ القطبي، الذي يجعل الصيف قصيرا والشتاء طويلا، والنهارات قصيرة والليل طويل. فالشمس نادرة عندهم، والمنطقة الشمالية من البلاد (منطقة لابلاند) التي تشكل 30% من مساحة البلاد، هي صحراء ثلجية وتصل درجات الحرارة فيها الى خمسين تحت الصفر، وعليه يتركز سكان فنلندا في المناطق الجنوبية. ورغم انها تعد البلاد الثامنة من حيث المساحة في أوروبا (338,424 كم مربع) الا انها أقل بلدان الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية (16 نسمة/كم مربع). ونجح الشعب الفنلندي وبجهد ونضال، مستندا الى دستور علماني، في بناء دولة مدنية تكون المؤسسات فيها هي المسؤولة عن حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي ويكون المواطن مساهما في تطوير المجتمع وخلق السلام والامن الاجتماعي. وهذا قاد الى ان فنلندا تحتل دائما المرتبة الاولى في العديد من مقاييس المقارنات الدولية كالشفافية والنزاهة والبيئة ومستوى التعليم وخدمات الطيران والصناعات الاليكترونية وغيرها.
صفن صديقي الصدوق ابو سكينة وقال وهو يجر حسرة طويلة: من بين 158 دولة جاء بلدنا في المرتبة 117، اوووف .. يعني اذا ردنا نصعد شوي درجة أعلى لازم أما نتعلم من تجارب هذه الشعوب، أو نبقى نرواح بمكاننا ونصدق بسياسي نص ردن يقول أنطوني هذه الشغلة مقاولة بالباطن واصعدكم أعلى .. ونرجع ننتخبه من جديد وما نعرف وين ماخذنا.


195
المنبر الحر / العنز
« في: 22:58 18/03/2018  »
الكَلامُ المُباح (156)
العنز 
يوسف أبو الفوز
الموضوع الاثير عند جليل، هذه الايام، هو متابعة مناورات بعض الاحزاب السياسية، والسياسيين، للظهور بثوب غير ثوبهم الحقيقي، الذي عرفوا به كمروجين للمحاصصة الطائفية والاثنية، ومدافعين بالتالي عن الفساد والفاسدين ان لم يكونوا هم من ضمن ذلك.
كنا منغمرين بالنقاش وكنت استعرض لهم بعض التفاصيل التي نقلتها وسائل الاعلام، حيث دب النشاط فجأة عند البعض من سياسي الغفلة، فتذكروا ان هناك شيء اسمه ابناء الشعب وقرروا التواجد بينهم، دون ان ينسوا اصطحاب حماياتهم الخاصة ومجاميع من مؤيدين مدفوع لهم جيدا، مدججين بشعارات وهتافات جاهزة، ولكن ـ عزيزي القاريء ـ ليس دائما تسلم الجرة كما يقال، فقد برز غضب وعدم رضا ابناء الشعب هنا وهناك وان كان بمظاهر فردية او بمجاميع محدودة.
ومن المطبخ، كان تصلنا بعض اصوات من جدال دائر، لاحظت انه اثار قلق جليل، لانه سمع صوت زوجته وهي تنهر مرارا أبنتها سوزان، التي فجأة اندفعت الى مجلسنا، وهي تغالب دموعها، وجثت قرب أبيها :  أمي بعدها تعاند وما تقبل، وانت وعدتني ستحكي معها؟.
حاول جليل ان يتدارك الموقف، فمسد على رأس أبنته بحنو حقيقي، وقال لها كاظماً غيضه : عزيزتي .. اعتقد الوقت غير مناسب الان، ممكن نتحدث عن الموضوع من نرجع الى بيتنا؟
ما ان انسحبت ابنته، حتى قال جليل لنا : العفو يا جماعة، هاي الاولاد ومشاكلهم، صار اسبوع وسوزان تريد تصبغ شعرها بلون أخر وأمها ترفض . 
أبتسم صديقي الصدوق أبو سكينة بتآمر، وقال موجها كلامه للجميع : فعلا مشكلة،  صحيح أنها قضية شخصية، أقصد سالفة الصبغ والعناية بالنفس و .. لكن الذي يصبغ  شعره شراح يتغير منه؟ لأن جوهره باقي نفسه وحتى ...
وفجأة علا صوت أبو جليل مقاطعا : ها يا صاحبي ، تريد ترجع لسالفة الشيب والعمر، و ..  لأن تعرفني مرات اصبغ شعري ، ويعني أتريد ...
قاطعه أبو سكينة بدوره ضاحكا وهو يغمزنا : لا يا أبو جليل، أنت ليش تصير مثل الذي يقولون "تحت أبطه عنز"، هل تعتقد أني اقصدك بكلامي؟ هاي مو مقصودة، تريد احلف لك لو أبوس راسك، ترا أنا اعرفك من قالوا بلى، يعني تصبغ أحمر ... تصبغ اصفر، تلبس بنطرون  لو نص ردن، تبقى هو أنت .. أنت.  ذاك الذي أعرفه، نفس الطاس والحمام، وخشيت بالعمرين، وتبقى تحتاج عكازة حتى تعبرك الشارع، تهدا بالرحمن ولا تحجيني اكثر .


196
في موكب الشمس

أغنية ليست أخيرة
النصير يوسف أبو الفوز

حبيب الأماني والأغاني .

حبيب لي .

لرفاقه جميعا،

لنخيل السماوة.

لجبال الوطن المعشوقة حد الموت.

اذكره ... ،

يجئ لمقهى " علي زغير " مرحا،

يتأبط " طريق الشعب " وذراع صديق جديد،

يغرقنا في ذاكرة مؤرقة بالقصائد،

يهمس لي عن عيون "سهيلة"،

يعترض على مسرح اللامعقول،

ينبه إلى صدور كتاب جديد،

وينسل إلى موعد حزبي دون استئذان .

اذكره ... ،

يقطع "أبو الستين "(1) برشاقة،

197
المنبر الحر / العنز
« في: 23:00 04/03/2018  »
الكَلامُ المُباح (156) 
العنز 
يوسف أبو الفوز
الموضوع الاثير عند جليل، هذه الايام، هو متابعة مناورات بعض الاحزاب السياسية، والسياسيين، للظهور بثوب غير ثوبهم الحقيقي، الذي عرفوا به كمروجين للمحاصصة الطائفية والاثنية، ومدافعين بالتالي عن الفساد والفاسدين ان لم يكونوا هم من ضمن ذلك.
كنا منغمرين بالنقاش وكنت استعرض لهم بعض التفاصيل التي نقلتها وسائل الاعلام، حيث دب النشاط فجأة عند البعض من سياسي الغفلة، فتذكروا ان هناك شيء اسمه ابناء الشعب وقرروا التواجد بينهم، دون ان ينسوا اصطحاب حماياتهم الخاصة ومجاميع من مؤيدين مدفوع لهم جيدا، مدججين بشعارات وهتافات جاهزة، ولكن ـ عزيزي القاريء ـ ليس دائما تسلم الجرة كما يقال، فقد برز غضب وعدم رضا ابناء الشعب هنا وهناك وان كان بمظاهر فردية او بمجاميع محدودة.
ومن المطبخ، كان تصلنا بعض اصوات من جدال دائر، لاحظت انه اثار قلق جليل، لانه سمع صوت زوجته وهي تنهر مرارا أبنتها سوزان، التي فجأة اندفعت الى مجلسنا، وهي تغالب دموعها، وجثت قرب أبيها :  أمي بعدها تعاند وما تقبل، وانت وعدتني ستحكي معها؟.
حاول جليل ان يتدارك الموقف، فمسد على رأس أبنته بحنو حقيقي، وقال لها كاظماً غيضه : عزيزتي .. اعتقد الوقت غير مناسب الان، ممكن نتحدث عن الموضوع من نرجع الى بيتنا؟
ما ان انسحبت ابنته، حتى قال جليل لنا : العفو يا جماعة، هاي الاولاد ومشاكلهم، صار اسبوع وسوزان تريد تصبغ شعرها بلون أخر وأمها ترفض . 
أبتسم صديقي الصدوق أبو سكينة بتآمر، وقال موجها كلامه للجميع : فعلا مشكلة،  صحيح أنها قضية شخصية، أقصد سالفة الصبغ والعناية بالنفس و .. لكن الذي يصبغ  شعره شراح يتغير منه؟ لأن جوهره باقي نفسه وحتى ...
وفجأة علا صوت أبو جليل مقاطعا : ها يا صاحبي ، تريد ترجع لسالفة الشيب والعمر، و ..  لأن تعرفني مرات اصبغ شعري ، ويعني أتريد ...
قاطعه أبو سكينة بدوره ضاحكا وهو يغمزنا : لا يا أبو جليل، أنت ليش تصير مثل الذي يقولون "تحت أبطه عنز"، هل تعتقد أني اقصدك بكلامي؟ هاي مو مقصودة، تريد احلف لك لو أبوس راسك، ترا أنا اعرفك من قالوا بلى، يعني تصبغ أحمر ... تصبغ اصفر، تلبس بنطرون  لو نص ردن، تبقى هو أنت .. أنت.  ذاك الذي أعرفه، نفس الطاس والحمام، وخشيت بالعمرين، وتبقى تحتاج عكازة حتى تعبرك الشارع، تهدا بالرحمن ولا تحجيني اكثر .


198
المنبر الحر / العراقي الطائر
« في: 23:14 18/02/2018  »
الكَلامُ المُباح (155) 
العراقي الطائر
يوسف أبو الفوز
حين وصل جليل وزوجته كنا مشغولين بمتابعة تقرير مصور طريف يعرضه التلفزيون عن  الاسماك الطائرة . استغربت سكينة من وجود خمسين نوعا من الاسماك التي تطير، وهي لا تعتبر طيورا وانما اسماك تستطيع القفز من الماء والطيران باستخدام زعانفها أذ تضربها بالماء بقوة وتقفز ثم تفردها فتتحول الى اجنحة تحمل اجسامها الصغيرة وتجعلها تحوم لعشر ثوان في الهواء وتعود ثانية للماء لتضرب ثانية بقوة وتقفز وهكذا. وشرح التقرير بان هذا النوع من الاسماك  يضطر لحيلة الطيران هروبا من الاعداء ، فعند اقتراب عدو منها تخرج من الماء وترتفع في الهواء على ارتفاع يصل لمتر ونصف المتر وتحوم في الهواء وتكرر طيرانها للابتعاد عن اعدائها. التقرير بين ان حيلة الاسماك للهروب من الاعداء في الماء والطيران في الهواء يقودها الى اعداء جدد ، اذ تكون مختلف انواع الطيور بأنتظارها لتصطادها، ناهيك عن الانسان الذي استطاب لحوم بعض اصناف هذه الاسماك .
ومع بدء الحديث في شؤون الساعة عرّج جليل للحديث عن التحالفات الانتخابية  في الساحة السياسية في البلاد وخروج اسماء معينة من تحالفات والانضمام لتحالفات اخرى ،وحركة التحالفات بين الكتل والأحزاب وبعض الانشقاقات ، وكل ذلك استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في ايار المقبل. والجميع بدأ بتقديم الوعود للمواطن العراقي، بان يجعل حياته جنة على الارض .
كان جليل يكرر بأن الوعي الانتخابي عند الناس هو الكفيل بأن يفهم بأن حياته ستسمر مثلما كانت ان لم تصبح اسوأ ان لم يقم بأختيار البديل المناسب، القادر على تجاوز سياسة المحاصصة الطائفية وعلى بناء دولة مدنية ديمقراطية، وهو البديل الذي يهتم بانجاز برنامجه الانتخابي بدل الانشغال في تكرار اطلاق الوعود .
وكعادة صديقي الصدوق ابو سكينة ، بان لا يفوت شيئا الا ويربطه بالاوضاع بالعراق ، اطلق ضحكة وقال : شفتوا هذا السمك الطاير ، شكله حلو وطيرانه يفرح الروح بس  الله يكون بعونه لان حاله مثل حال المواطن العراقي، محير وعذابه ما يخلص ، هذا السمك المسكين يطير بالهواء تاكله الطيور، ينزل الى الماء تاكله الاسماك الكبيرة ، والعراقي طول هذه السنين محير، كل الذين انتخبهم لم يوفروا له الامان وشيء من الوعود التي اطلقوها، واكلوا كل حقوقه وحياته، وما عليه الان اذا يريد يعيش الا ان يختار بديل يخرجه من دوامة المحاصصة وطلايبها ، البديل الذي هو ضد المحاصصة الطائفية قولا وفعلا ، والا راح يظل طول عمره مثل هذا السمك، محير ومهددة حياته ومستقبل اطفاله ،  لا هو حاط ولا هو طاير.

 

199
أدب / أسماء
« في: 20:22 14/02/2018  »
في عيد الحب .. هذا النص ينشر لاول مرة

أسماء

                                        يوسف أبو الفوز
لوجه أمي ،
ــ دائما ــ
أرسم أستدارة رغيف خبز .
وفي ذكراكم ،
أرسم لكل وجه،
مداراً للوجع !
في ذكراكم،
تزخ الهواجس على  وجنات الأغاني ،
دمعها .
وتهمس لي الروح : كفى !
وأنا الموله بالقمر المشتهى،
بالذكرى،
الحلم،
الأسماء !
كل يوم اعبر خطوط النار،
لاحفر على أديم القلب ،
أسمائكم !
*****
مرات ..
ومرات عديدة ،
ــ يا للدهشة ! ــ
 أكاد أنسى ،
إن للعين دمعها ،
ولكم كل هذا الالق !

                                                                   كتب في موسكو   14/4/1991
 

200
بطاقات انصارية  في يوم الشهيد  *   
النصير يوسف أبو الفوز
لكل الأشياء مداراتها،
ولكل المدارات ابتداء ،
وللشهداء ــ دوما ــ مدار الدهشة والانتماء !
***
حلم
 "بشت ئاشان "
 تضيق كفوهة بندقية ،
 وتنحني كأغنية حب،
فيها أمتد الأنصار بأستقامة الحلم الشيوعي والأمنيات !
 أحلام (1)
للقلب شكل القنبلة .
وللرصاص هجس الأصابع ،
لم يعرفوا ــ ولن يعرفوا ــ أن المبادئ وقوفا عن موقعها تدافع !
 أبو حاتم (2)
الجميع قالوا لي : " لا تبك ".
وكنت أبكيك ،
 استنطق الدم في شفتيك ،
 الالق المتطامن في عينيك ،
 وصرخاتك في  بشت ئاشان  :
" اثبتوا أيها الرفاق ، أنها ساعة مصير"
الجميع قالوا لي : " لا تبك ، كان ابنا للحزب ومضى شيوعيا"

جبار (3)
في الصحف السرية التوزيع يطالعني أسمك ،
 محملا وردا ورياحين وياس،
" جبار خضير عباس " ،
 هل يعرفك كل الناس ؟
أنا أعرفك ،
 من الأيام الأولى للمحنة ،
 لم تملك سوى جذور النخل وبطاقتك الحزبية .
أيلول 1983    سهل شاره زوور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مساهمة في ملف يوم الشهيد الشيوعي . طريق الشعب العدد 129 ليوم الأربعاء 14 شباط 2018
 *     النصوص من كتاب " تضاريس الايام في دافتر نصير " يوسف ابو الفوز .  دمشق. دار المدى 2002.
1 . احلام : "عميدة عذبي الخميسي". مواليد بغداد 1956 . طالبة في كلية الزراعة . قطعت دراستها وغادرت العراق عام 1978 أبان الحملة الارهابية للاجهزة الامنية للنظام البعثي الديكتاتوري المقبور . عادت مع زوجها الى الوطن ، الى كردستان العراق ، والتحقت بصفوف الأنصار الشيوعيين في 28 / 5 / 1982. أستشهدت في الأول من أيار 1983، على يد مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني، في مجزرة " بشت آشان" الأولى !
2 ــ أبو حاتم : علي حسين بدر . مواليد السماوة . ( 1947 ؟) . خريج معهد السكرتارية ــ  بغداد ، من عائلة عمالية . متزوج .  موظف في الإدارة المحلية لمحافظة المثنى ، كان رياضيا بارزا وخلال دراسته الإعدادية والجامعية كانت له مساهمات ونجاحات في لعبة القفز بالزانة . كان نشطا في العمل في صفوف اتحاد الشبيبة الديمقراطي ، وكان عضوا في مكتب سكرتارية الشبيبة لمحافظة المثنى في منتصف السبعينات ، غادر إلى بلغاريا للدراسة الحزبية ، ومن هناك التحق بكردستان ، وهو من الأنصار الأوائل والذين كان لهم شرف الريادة في تأسيس القواعد والمفارز الأولى للأنصار في 1979 . استشهد في احداث بشت ئاشان  في 2/5 /1983 وكان متواجدا هناك بمهمة  نقل بريد من منطقة الفوج التاسع  السليمانية إلى الهيئات القيادية .
3  ــ  جبار خضير عباس : الاسم الحزبي "  سلام " . مواليد السماوة 1956 . خريج اعدادية السماوة . شاعر مبدع . في نهاية السبعينات حصل على زمالة دراسية في جامعة براغ  اليوغسلافية ، لكنه عاد الى الوطن تحت ثقل مرض الحنين للوطن،  وذلك في فترة تدهور الاوضاع  الامنية ، وتصاعد الحملة الارهابية ضد كل القوى الديمقراطية في العراق ،  اعتقل في اوائل الثمانينات ، بتهمة اعادة تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في مدينة السماوة ، ثم  اطلق سراحه ، وتم سحبه الى جبهات الحرب مع ايران ، وبعد اسابيع وبظروف غامضة اعيدت جثته الى اهله وقد ثقبت جمجمته رصاصة من الخلف. شغل لفترة في اواسط السبعينات مسؤولية سكرتير المكتب التنفيذي لاتحاد الطلبة العام ــ محافظة المثنى .

 

201
في ذكرى انقلاب 8 شباط الأسود في 1963
صورة الدم !
يوسف أبو الفوز
سنوات طويلة من طفولتي، قضيتها في بيت جدي، في محلة شعبية، في واحد من الازقة المعروفة والمشهورة في مدينة السماوة، التي تغنى الشعراء بنخيلها ، وانجبت الكثير من الكتاب والفنانين والمربين والقادة السياسيين، ومن بين صفوف فلاحيها ظهر ابطال ثورة العشرين، ومن بين صرائف فقراءها ظهر البطل الاسطورة حسن سريع . الزقاق المذكور معروف باسم "عكد اليهود "، ولمن تصعب عليه كلمة "عكد " ـ بالكاف المعجمة ـ فهي تعني زقاق. وعكد اليهود زقاق في مركز مدينة السماوة القديمة، وقريب الى نهر الفرات، ويطل على السوق المسقوف، من عند سوق الحدادين، وهو ذو مدخل واحد، فلم يكن يشهد مرور غرباء، والعوائل المقيمة فيه ومع مرور الزمن صارت مثل عائلة كبيرة واحدة . كان الطفل اذا تعثر وهو يلعب، تمتد اليه عدة ايدي في ان واحد لتنهضه، ومن يكون عنده فرح فهو فرح لكل ساكني الزقاق ، ومن تكون عنده مصيبة، فالحزن يعم بيوت كل ساكني الزقاق .
ذات يوم اضطرب كل شئ في الزقاق. كنت لا ازال طفلا، في اول سنوات المدرسة الابتدائية. ما بقي في ذاكرتي، وتعزز فيما بعد بروايات الكبار هو مشهد الدم. صورة الدم ولا غيرها.
كان نهارا مضطربا، لا يمكن ابدا نسيانه. من الصباح وفي كل الزقاق ثمة فوضى، وقلق، وبكاء، والجميع يتحركون من بيت الى اخر، والرجال يتصايحون ويدخنون بشراهة، والجميع الى جانب المذياع يستمعون الى اخر البيانات، وكلمة "انقلاب" تطوف فوق الشفاه مثل غول طالما خوفنا اهلنا بحكاياته. في بيت جدي كانت هناك ظلال من الخوف يكبر مع تقدم النهار. لم اكن ادرك سبب كل هذا الاضطراب والخوف. لم تسعفني سنوات عمري حينها لفهم ما يجري. وحتى ساعة ان تدفق العسكر الغرباء الى زقاقنا واغلقوا مداخله، وتوقفوا عند باب بيت جدي ليقتادوا خالي " علي حلو بايش "، صاحب "مكوى علي " وهو يشتم. وكان هناك اكثر من معتقل، وتعالى الصياح من اكثر من بيت. في اخر الزقاق يقيم مدرس الرياضيات، الذي على يديه درس غالبية ابناء السماوة ، وصار استاذي فيما بعد في المدرسة المتوسطة، وعلى يديه فككنا اسرار وطلاسم المعادلات الرياضية، ومنه تعلمنا ايضا اسرار معادلات الظلم والفقر والغربة داخل الوطن . المربي الرائع " حسين الغرة". ذلك اليوم ، تعالى الصياح ايضا من اخر الزقاق. الرجال المسلحين ببنادق، قيل انها قصيرة واسمها "بور سعيد"، رجال غرباء عن زقاقنا، يقودهم بعض الوجوه المعروفة لنا، بينهم وجوه مكروهة، فيما بعد حين كبرنا عرفنا انها ايضا وجوه مشبوهة بسلوكها الاجتماعي ايضا. كانوا يقتحمون البيوت عنوة، ووقف بعضهم عند باب بيت جدي، حتى بعد اعتقال خالي. فجأة ظهر مجموعة منهم من اخر الزقاق يقتادون شخصا. هالني رؤية الاستاذ حسين الغرة بين الرجال المسلحين بالبنادق القصيرة ، يقاد عنوة حافي القدمين، والدم يسيح من جبينه ويغطي وجهه، وكان احدهم يواصل ركله بينما كان هو يواصل الاحتجاج .
وسمعت يومها ربما لاول مرة بكلمة " البعث "!
وهكذا ارتبطت الكلمة بذاكرتي، وذلك اليوم بصورة الدم .
صورة الاستاذ حسين الغرة ، مدمى الوجه، بين رجال مسلحين، بقت ساطعة في ذاكرتي من بين كل صور ذلك اليوم البغيض الاسود. مع نفسي، حين احادثها، واناقش ما علق بذاكرتي من صور، أجد ان العديد من الصور، تشكلت بتأثير من حكايات اهلي، ومن خلال احاديث الاخرين، لكن صورة العسكر والدم، هي صورة اصيلة، صورة خاصة بي، هي صورة حفرتها اللحظة عميقا على سطح ذاكرة طفولتي، وحتى بعد ان كبرت كانت وفي فترات معينة تتكرر في كوابيسي. صار كلما يرد امامي اسم 8 شباط ، تسطع تلك الصورة في بالي، ويوما بعد اخر تتعزز بالكثير من التفاصيل .
كتب الكثير، وقيل الكثير، عن انقلاب 8 شباط 1963، ووصف بما يستحقه من النعوت من ضحاياه ورجال التأريخ المنصفين. واذ اعتبر قادة العفالقة ما حدث يوم 8 شباط هو "عروس الثورات" ، فهذه "العروس" صارمعروفا لابناء الشعب العراقي انها جاءت من احضان المخابرات الامريكية وبزفة في قطار امريكي. وكتب التاريخ بجرأة كلمته بمن وأدوا حلم العراقيين بجمهورية ديمقراطية، وبمن سرقوا فرح تموز. وسيكتب رجال التاريخ والباحثين المزيد من الدراسات وستكشف المزيد من الاسرار. وعلى قلوب العراقيين طرزت وبحروف من نار تلك الاسماء الخالدة، التي حاول انقلابيوا 8 شباط حجب نورها من خلال الموت، فسستبقى اسماء سلام عادل وعبد الكريم قاسم ووصفي طاهر ورفاقهم شعلة نور في سفر المجد الخالد ، وستبقى اسماء شهداء انقلاب 8 شباط الاسود اجراس ترن في ذاكرة الزمن لتشير دائما الى دائرة الدم التي بدأت في ذلك اليوم ، ونجحت في ان تكبر ، وتكبر ، لتعم العراق والمنطقة لسنوات طويلة .
سيبقى ليوم 8 شباط ورجاله معنى واحد، وصورة واحدة ، في ذاكرتي هو : الدم !
بعد سقوط نظام البعث العفلقي المجرم، صاحب حقوق ولادة ذلك العرس ـ الفضيحة، هل سيتجرأ احد لاعادة انتاج ذلك اليوم وصوره من جديد ؟
ويا ترى بأي زي ، وبأي قطار ستصل العروس المصون؟
سماوة القطب
7 شباط 2005

(الصورة لمعتقلي 8 شباط عام 1963 في سجن العمارة.يبدو فيها خالي علي حلو كتب خلفها :
ذكرى للمحبة والصداقة، الأخوين سالم داوود وعلي الحلو.
أهدي تصويري الى علي الحلو.
سالم داوود من ناحية تكليف محطة شمكر الجديد )

202
الكَلامُ المُباح (154
عَلَى الطَّرِيقَةِ ألإيِطالّية!
يوسف أبو الفوز
كررَ جَلِيل وبصوتٍ عال، غيضه واِعتراضه، على التعديلاتِ المُجحفةِ في قانونِ الإنتخابات التي أقرها مجلس النواب مؤخراً، والتي أشترطت ان يكونَ المرشح لعضوية البرلمان حاصلاً على شهادة البكالوريوس على أقل تقدي، والتغيير في طريقةِ سانت ليغو المعدل لتوزيع المقاعد بإعتماد تقسيم الأصوات بدءاً من (1,7) بخلافِ ما كانَ في القانونِ السابق حيث يبدأ التقسيم بالرقم واحد.
 قالَ جَلِيل: كشفت القوى المتنفذة عن وجهها الحقيقي عبر صياغة قوانين تُديم وجودها وتكرس نفوذها ومصالحها بالضدِ من مصالحِ الشعب.
قالت زَوجّتي : أينَ صراخ بعضّهم عبرَ الفضائيات والمنابر ومطالبتهم بالاصلاح، كل ذلك تبخرَ في يومٍ وليلة؟!
عقبت سُكينْة: يعتقدون أنهم بهذه الإجراءات يقطعون الطريق أمام القوى السياسية التي تساند الحراك الإحتجاجي الجماهيري وعارضت الفساد وتريد التغيير الحقيقي.
ومساهمة مني في الحديث ،أعربتُ عن إتفاقي معَ وجهات النظر المعترضة وأضفتُ: ومع هذه التعديلات المجحفة يسعى بعض الساسة لخداع الناس بالحديثِ بدِيماغوجِيَّة مكشوفة ضد الفساد والفاسدين،  وإستخدام شعارات براقة، بقميص مَدَنِيّ، لا بل وأستخدام كلمة " مَدَنِيّ" أحيانا بشكلٍ يفرغها من محتواها الحقيقي، بل ان بعض القوائم الإنتخابية التي ...
وهنا قاطعني صدّيقي الصَدّوق أَبُو سُكينْة ليقول بصوتٍ مليء بالسخرية: هل تقصد بحديثك قوائم إنتخابية عَلَى الطَّرِيقَةِ ألإيِطالّية ؟
وضحكتُ كثيراً قبلَ ان أفسرَ للحاضرين ما يَرمي اليه أَبُو سُكينْة، فهو يذكرني بأيام الدراسة الجامعية في البصرة في سبعينات القرن الماضي، يوم كان لدي قميص سماه أصدقائي ومن يعيشون معي في بيت الطلبة تندراً "القميص الايطالي". فبسبب من ضيقِ الحال، وإذ تعودنا على إستعارة ملابس بعضنا البعض صارت للقميص الإيطالي حضوة طيبة بين اصحابي وصار يستعيره ويلبسه أكثر من صديق. وفي أول يوم لبسته سألتني أحد الزميلات في الكلية: من أين لك هذا القميص الجميل؟ وعنّ لي ان أجيبها وبثقة بانه وصلني هدية من إيطاليا. وحقيقة الأمرــ عزيزي القاريء ـــ، التي يعرفها اصدقائي المقربين، هو اني أشتريته بثمن بخسٍ جداً من سوقِ "البالات"، وكانت أكْواعه مثقبّة، ويَاقَتة واكمامه مهترئة. وأعطيته لصديقة وزميلة خياطة شاطره، كانت تساعدنا دائما في مثل هذا الحالات، فقامت مثل كل مرة، بأعادة إنتاج القميص القديم، وتغيير أزراره، وخاطت أجزاء منه من جديد، وقلبت ياقة القميص المهترئة ودعمتها بقطعة قماش قريبة اللون وقصت أكواعه وأكمامه المهترئة وبخبرتها حولته الى قميص نص ردن،مودرن ،...، و... صدّق البعض كونه من إيطاليا!


203
أول رئيس جمهورية في فنلندا يفوز من الجولة الاولى

  يوسف ابو الفوز
في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، وفي احد المباني التأريخية في العاصمة الذي شيد عام 1891م ليكون مقر مجلس عموم دوقية فنلندا، تم الاعلان عن نتائج الانتخابات الفنلدية الرئاسية، لاختيار رئيس البلاد، والتي كما كان متوقعا، فاز فيها رئيس الجمهورية ساولي نينستو (مواليد1948) ، لولاية ثانية لمدة ست سنوات، ومن الجولة الاولى، وهذه اول مرة تحصل في البلاد ، حيث نال 62.7% من الاصوات .
خاض الانتخابات الى جانب رئيس الجمهورية سبعة مرشحين ينتمون الى احزاب من اليسار والوسط واليمين ، ونتيجة اقرب منافسيه كان مرشح حزب الخضر بيكا هافيستو والذي نال 12.4 %، وبلغت نسبة مشاركة الناخبين 69.9 % لهذا العام مقابل 72.8% فى عام 2012 .خاض الانتخابات الى جانب رئيس الجمهورية سبعة مرشحين ينتمون الى احزاب من اليسار والوسط واليمين ، ونتيجة اقرب منافسيه كان مرشح حزب الخضر بيكا هافيستو والذي نال 12.4 %، وبلغت نسبة مشاركة الناخبين 69.9 %  لهذا العام مقابل 72.8%  فى عام 2012.
 ولم يتجاوز بقية المرشحين نسبة 10% . جاء بالمرتبة الثالثة  لورا  هتاساري  بنسبة 6.9% مرشحة الحزب اليميني المتطرف الشعبوي "فنلندا الاساس"، الذي اعتبر رئيس الحزب نتائج الانتخابات بالنسبة له كارثية ، اذ ان حزبه كان يطمح بأن تنال مرشحتهم اصواتا كافية تؤهلها للاشتراك في جولة ثانية.
واشار المراقبون الى ان رئيس الجمهورية ساولي نينستو نجح في حملته الانتخابية بتقديم نفسه بصورة السياسي المعتدل والزوج الآمن القادر على التعامل مع الجارة روسيا، ويذكر ان رئيس الجمهورية متزوج من شاعرة فنلندية يكبرها ب 29 عاما و ينتظران الان طفلا ، واخذت قصة الطفل القادم  مساحة واسعة خلال الحملة الانتخابية لتخلق له صورة محببة عند الناخبين .
 وساولي نينستو هو محامي تخرج من جامعة توركو و قد شغل عدة حقائب وزارية ، ورئاسة الوزراء والبرلمان الفنلندي، قبل توليه رئاسة الجمهورية في 1 اذار 2012 . وهو احد اعمدة حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) ، وبأسم حزبه تولى العديد من المسؤليات في الدولة الفنلندية ،  لكنه في هذه الانتخابات شاء دخولها كمرشح مستقل ينتمي الى ما سماه التيار الوطني، وكان لهذا اسبابه، اولها تمييز موقفه عن حزبه المؤيد لانضمام فنلندا لحلف الناتو ، بينما يعتبر ساولي نينستو من مهندسي سياسة "الباب المفتوح " في العلاقة من الناتو والتي تتلخص بعدم الانضمام الى حلف الناتو ، ولكن عدم غلق الباب وامكانية التعاون المشترك، وهذا الموقف الى حد ما ينال رضا الجار الروسي، الذي عبرت عنه اللقاءات المتكررة والزيارات الودية بين نيستو وفلاديمير بوتين، التي اعتبرت دعما غير مباشرا لنينستو في الانتخابات الرئاسية ، الذي في لفتة ربما محسوبة، جامل الصحفيين الروس في اول مؤتمر صحفي له بجمل روسية متقطعة. ونتائج الاستطلاعات تشير الى ان اربعة من كل خمسة فنلنديين يعارضون انضمام فنلندا لحزب الناتو، وهذا الذي جعل الناخب الفنلندي يعاقب مرشح حزب "الشعب السويدي في فنلندا" فنال اقل الاصوات كونه المرشح الوحيد الذي ينادي بالانضمم لحلف الناتو ، مما جعل الانتخابات الرئاسية تكون كأعلان واضح لموقف الشعب الفنلندي من حزب الناتو، وهذا الذي اشارت له مرشحة حزب اتحاد اليسار التي قالت بأن فوز رئيس مؤيد للسلام وضد الناتو يرضيها. ويأتي فوز نينستو اعلانا بقبول الناخب الفنلندي بطريقته في الحفاظ على علاقات متوازنة مع الجيران ، وكون فنلندا على الصعيد الاوربي، لعبت بنجاح دور الوسيط في استقرار العلاقات مع روسيا ، خلال الازمة الاوكرانية ، ومع تركيا لتوقيع اتفاقيات خاصة بأزمة اللاجئين .   
وفي الواقع لم يجد الناخب الفنلندي نفسه في حيرة كبيرة ،  الى درجة ان جريدة النييورك تايمز وصفت الانتخابات الرئاسية الفنلندية كونها "انتخابات مملة "، فلم تكن المنافسة شديدة ، وكل الاستطلاعات المبكرة كانت تتوقع فوز نينستو من الجولة الاولى،  فخلال الحملة الانتخابية ورغم تعدد المرشحين الا ان البرامج كانت متقاربة ، فسبعة من المرشحين كانوا ضد انضمام فنلندا لحلف الناتو، ولم تكن الحوارات في المناظرات التلفزيونية حامية ، وكان مرشحي احزاب الوسط واليمين المعتدل يتحدثون بعقلانية أحيانا افضل من مرشحي اليسار( حزب الخضر، الديمقراطي الاجاتماعي ، اتحاد اليسار) ، الذي يم يكونوا فاعلين خصوصا في الحديث عن ملفات مهمة تتعلق بسياسة الحكومة اليمينية الحالية وموقفها من العاطلين عن العمل والهجرة واللجوء.
ما يمكن الاشارة له هنا ان وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا فاعلا في الحملة الانتخابية،  واستخدمت عوامل اخرى خارج اللوائح السياسية، مثلا  انتظار الرئيس انتظار  نينستو وزوجته  لولادة طفل ، حيث  نالت اهتمام قطاع واسع من الناخبين. وفي اول تصريحاته بعد اعلان فوزه قال الرئيس الفنلندي بانه لم يكن يتوقع هذه النتيجة ، وانه ممتن للناخبين ، وسعيد ليكون رئيسا لبلد جميل مثل فنلندا ، وردا على تشكيك بالبعض بأن هذا الفوز السهل قد يكون مسيئا للعملية الديمقراطية ، قال بأن الانتخابات جاءت وفقا لمباديء الدستور والقانون الفنلندي .

204
أسماء وأتجاهات في السينما الفنلندية
يوسف ابو الفوز
تشير الاحصاءات الرسمية، في نشريات الجهات المهتمة بصناعة السينما في فنلندا، الى انه في فنلندا يتم سنويا انتاج 12 ــ 15 فيلما سينمائيا، وهذا الرقم يعتبر عاليا قياسا لعدد سكان فنلندا الذي يبلغ 5,5 ملايين نسمة، وذلك لان سوق الافلام الفنلندي تغطيه افلام اوربية مستوردة وخصوصا من الولايات المتحدة الامريكية، ولذلك فأن ما ينتج من الافلام الفنلندية ، في غالبيته، لايزال سوقه داخلي، وبسبب من هذه المنافسة فان الفلم الفنلندي يعاني من شدة التنافس وايضا عدم القدرة على التنافس، فاغلب موضوعات الفلم الفنلندي، ولسنوات طويلة كانت محدودة، وظلت تدور في موضوع الحرب الاهلية عام 1918 وحرب الاستمرار (1941 ـ 1944) وموضوعات كوميدية، وافلام تدخل في سياق موجة الافلام الامريكية التجارية ذات الخلطة من مطاردات وعنف وجنس. ولم  يتسن للسينما الفنلندية ان تخرج كثيرا للمهرجانات الا في فترة متأخرة وبجهد فردي من اسماء محدودة لمخرجين مخلصين للسينما والثقافة الفنلندية .
ويشير باحثون الى ان ظهور التلفزيون وانتشار اجهزة الفيديو كان له تاثير على سوق السينما المحلية، خصوصا في الخمسينات من القرن الماضي، وأثر بشكل كبير على ارقام الانتاج بل وعلى نوعية الافلام المنتجة التي راح بعضها يساير الموجات الهوليودية السائدة. ان الدعم الحقيقي من قبل الدولة للسينما الفنلندية جاء في بداية 1960، اذ تم تأسيس صندوق السينما الفنلندية بميزانية دعم من الدولة. هذا الصندوق لايقوم بانتاج الافلام بنفسه وانما يقدم الدعم المالي والفني. ساعد ذلك على  ظهور حركة ما سمي بالموجة الفنلندية الجديدة، حيث بدات موجة من الافلام الجادة تقترب من العالمية، وبعضها سعى للوصول الى السوق العالمية عبر الاشتراك بالمهرجانات الاوربية. نذكر على سبيل المثال فلم (الارض ... الاغنية المحرمة 1973) للمخرج راوني  مولبيرغ (1929 ــ 2007) والذي يعتبر  من المخرجين المشهورين في فنلندا ، فلمه هذا  حصل على اهتمام عالمي وبعد فترة صمت طويلة عاد الى الواجهة من جديد بفلمه الثاني ( الجندي المجهول 1985)، وهذا الفيلم عن قصة للكاتب الفنلندي الشهير فاينو لينا (1920 - 1992) الذي يرويها من وجهة نظر الجنود العاديين، وقد اخرجت للسينما أكثر من مرة على يد اكثر من مخرج. وتتناول هذه الرواية ما يسمى "حرب الاستمرار" بين فنلندا والاتحاد السوفياتي، وكانت استمرت من 25 حزيران 1941 حتى 19 ايلول 1944، وارادت فنلندا، المتحالفة حينها مع النظام الهتلري، استعادت اراضي كان الاتحاد السوفياتي احتلها في هجوم أستباقي. يذكر ان النسخة الاولى من فيلم الجندي المجهول كانت اخرجت عام 1955 بأدارة أدفين لايني (1905–1989)، وعاد أكو لوهيميس (مواليد 1986) عام 2017 لاخراج النسخة الثالثة من الفيلم بمؤثرات حديثة كمحاولة للاقتراب من السوق العالمية، ومن الجدير بالذكر انه ومنذ عام 2000، وسنويا، تبث قنوات التلفزون الفنلندي هذا الفيلم، بنسخه المختلفة، وذلك في يوم استقلال فنلندا، المصادف في 6 / 12 / 1917.
ومنذ بداية الثمانينات في القرن الماضي، توقف عن العمل تماما مخرجون مثل يورن دونير (مواليد 1933)، وهو منتج ومخرج وكاتب وناقد فنلندي، من القومية السويدية ، ورغم انه من عائلة غنية ومعروفة كثيرا في فنلندا، الا ان اعتناقه الافكار اليسارية في فترة شبابه ترك تاثيرا على كتاباته وافلامه. وتميز بغزارته في الانتاج، فله تقريبا اربعين عملا ادبيا منشورا، وحاز دونير عام 1985على جائزة فنلنديا في الادب عن روايته (الاب والابن)، وهي ارفع جائزة رسمية ، ويعتبر اول فنلندي يحوز الاوسكار عام 1982 وذلك لانتاجه الفيلم الدرامي السويدي "فاني وأليكسندر" من اخراج السويدي انغمار بيرغمان (1918 ـ 2007) الذي حصد اربع جوائز اوسكار منها جائزة افضل فيلم بلغة اجنبية اضافة لأفضل تصميم إنتاج ،لأفضل تصميم أزياء  ولأفضل تصوير سينمائي. واخرج دونير بنفسه اول افلامه الروائية" الاحد في سبتمبر" عام 1963  وتلا ذلك بحوالي 24 فيلما اخر بعضها يستند الى اعماله الادبية، وثم اشتغل في السياسة واصبح نائبا في البرلمان الفنلندي لثلاث دورات برلمانية، اعتبارا من عام 1987 ثم البرلمان الاوربي (1996 ـ 1999) وعمل في السلك الدبلوماسي (1995 ـ 1996) ، لكنه ترك السياسة عام 2015  وتحول الى الانتاج السينمائي والادبي. وتوقف عن العمل ايضا مخرجون اخرون لاسباب مختلفة، مثل ايركو كيفاكوسكي  (1936 ـ 2005) وماونو كوركفارا (1926) ، ومع نهاية الثمانينات مات بعض اشهر مخرجي السينما الفنلندية مثل ريستو يارفا (1943 ـ 1977) ، ميكو نيسكانين (1929 ـ 1990) و هيكي بارتانين (1942 ـ 1990).وكل هذا ترك اثره على ساحة العمل الفني والسينمائي شيئا ما، الا أن الانتاج السينمائي لم يتوقف، اذ شهدت الثمانينات من القرن الماضي وبشكل ساطع ولادة جيل جديد من المخرجين . يتصدرهم الاخوين كاوريسماكي: ميكا كاوريسماكي (مواليد 1955) واكي كاوريسماكي (مواليد 1957)، الذين تميزا بكتابة افلامهما بانفسهما واخراجها بشكل مشترك او على انفراد، وخلقا افلاما متميزة، اذ كان ابطالهما الناس البسطاء من العمال والعاطلين عن العمل، وحافظا في حياتهم العامة على التصاقهم بما يقوله ابطالهم  بمواقف حياتية اذ ظلا يترفعان عن حضور المجالس الرسمية لرجالات الدولة والسياسيين، وادانا السياسة الامريكية في الشرق الاوسط وغزو العراق والعولمة الراسمالية والحركات العنصرية، وخرجا بافلامهما الى مهرجانات عالمية، فمشاركتهما في المهرجانات العالمية خرجت بالفلم الفنلندي الى العالم،  وهما معروفان ليس في اوربا فقط بل في امريكا واليابان.  كان اول افلامهم (الكاذب 1981) و(المفلسون 1982) والتي كتبهما اكي كاوريسماكي واخرجها  ميكا كاوريسماكي، وبافلامهما التي اشتركا فيها معا، أو عملاها على انفراد، حاولا التأسيس للموجة الجديدة في السينما الفنلندية، ومنحها  الفرصة لتتنفس هواءا جديدا، فهما الى جانب اعتمادهما ميزانيات محدودة، تناولا موضوعات شائكة تهم المجتمع الفنلندي وتناولاها برؤية سينمائية واقعية جادة ومتميزة . والى جانب ذلك فان تعاملهم وبحساسية عالية مع الكاميرا جعل من اعمالهما دوما تحسب في خانة الافلام المتميزة بجودتها الفنية، وشئ يحسب لهما دائما ، انهما قدما صورة الانسان الاجنبي، والملون خاصة، بشكل مخالف لما اعتادته السينما الفنلندية التقليدية، حيث دائما نرى الافارقة خدما للرجل الابيض، والغجر دائما سراق ومحتالين والروس دائما من رجال المافيا وهكذا،أما الاخوة كاوريسماكي  قدما  وجهة نظرهما الموضوعية واحيانا بلقطات قصيرة معبرة، وكأنها برقية اعلان عن وثيقة، فقدما من اخراج ميكا قصة عن الجريمة في فيلم (الزمرة 1984) وفلما عن السباقات ( روز 1985) وفلما كوميديا  (جا ... جا ... جا 1989) وفلما عن افراد العصابات التقليدية (هلسنكي ــ نابولي : طول الليل 1987) وفلم (الامازون 1990)، وقد تميز الاخ الاصغر أكي كاوريسماكي بكونه ميالا للكوميديا السوداء والجرأة في النقد الاجتماعي للتفاوت الطبقي، هكذا قدم من كتابته واخراجه فيلم ( ظلال في الجنة 1986) وقدم فيلم (أريل 1988) وفيلم (فتاة لعبة  النصر1990) وكان أكي قد بدأ مسيرته الاخراجية مع اقتباس عن الكاتب الروسي فيدور ديستيويفسكي فقدم برؤية معاصرة فيلم ( الجريمة والعقاب  1983) وبنفس المنحى  اقتبس عن شكسبير وقدم (هاملت رجل اعمال 1987) وثم تنقل خارج فنلندا وقدم اعمالا عديدة ، من خلالها خلق له اسما في الاوساط الفنية العالمية وعرف العالم بالسينما الفنلندية،  ففي امريكا وبالاشتراك مع الفرقة الموسيقية الساخرة والانتقادية (لينيغراد كاوبي)، التي ظهرت في بداية الثمانينات، قدم فلم ( لينغراد كابوي في امريكا 1989) وانتجه في امريكا وحاول فيه ان يقدم رؤية ساخرة للحياة الامريكية،  وثم انتقل الى بريطانيا ومن لندن قدم فلما ممتعا عن الحب  (سمعت بأتفاق للموت 1990) ومن باريس قدم ( حياة بوهيمي 1992) ثم قفل عائدا الى فنلندا والى موضوعاته الطبقية وتفاصيل الحياة الفنلندية، فقدم (تاتيانا، انتبهي الى وشاحك 1994) وثم (الغيوم المندفعة 1996)، وتوالت افلامه ، فرشح عام 2002  فيلمه (رجل بدون ماض) لجائزة الاوسكار عن فئة الافلام الناطقة بلغة اجنبية ، وثم في مهرجان كان السينمائي 2002 فاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم ، وفازت ممثلة الفيلم كاتي أوتينن (مواليد 1961) بجائزة افضل ممثلة لدور نسائي رئيسي . والفيلم دراما كوميدية ، عن رجل فنلندي يسافر يبحث عن عمل في العاصمة،هلسنكي، فيتعرض للاعتداء ويفقد ذاكرته ويجد نفسه بين مجموعة من الناس المهمشين في المجتمع ويتعرف الى امراة فنلندية تتطور علاقته بها مع احداث الفيلم ، وايضا تم اختيار الفيلم من قبل اسبوعية "Telerama" الفرنسية وهي مجلة ثقافية مختصة بالاعمال الفنية تأسست عام 1947 ،كواحد من افضل عشرة افلام لعام 2002 .وفي عام 2016، وفي مهرجان برلين السينمائي، فاز فيلمه (الجانب الاخر من الامل) بجائزة بجائزة الدب الفضي لافضل مخرج ، وفي مهرجان دبلن نفس العام، نال ممثله الشاب السوري شيروان حاجي (1985 مواليد ) جائزة افضل ممثل . والفيلم ، كوميديا سوداء عن موجة اللجوء الى اوربا ، والصعوبات التي يواجهها طالبي اللجوء من سوريا والعراق في فنلندا، واسند المخرج في الفيلم الادوار الرئيسة والثانوية الى مهاجرين ولاجئين من سوريا والعراق فمنح الفيلم صدقية عالية. ومن مهرجان برلين فاجأ اكي كاوريسماكي الجميع ، باعلانه اعتزال العمل في السينما وان هذا الفيلم سيكون اخر اعماله .
ومن ابرز الاسماء التي سارت بالتوازي مع افكار واسلوب الاخوين كاورسماكي يأتي المخرج فايكو التونين (مواليد 1955) الذي ومن انتاج الاخوين كاورسماكي قدم فلمه الاول (التسوية النهائية 1987) ، واشترك معه اكي كاوريسماكي في كتابة السيناريو ، عن صديقين يشتركان في عملية سرقة ، يهرب احدهما ويصاب الاخر بمواجهة مع الشرطة ويلقي القبض عليه ويرفض الاعتراف على شريكه ويدخل السجن، بعد الافراج عنه يلتقي بشريكه وقد اصبح عمدة لمدينة صغيرة،  لكن نجاحه الحقيقي والباهر كان مع فلمه الثاني ( ابن المبذر 1992) والذي تناول فيه علاقة صداقة بين رجلين ، محتال وطبيب نفسي ، ومن خلالها قدم تشريحا عميقا لواقع المجتمع الفنلندي، وكان فلما مشحونا بالتوتر والعاطفة. وبنفس التوتر والشحنات العاطفية قدم (صلاة الراهب 1993 ) حيث تناول مشكلة البطالة واثارها على المجتمع الفنلندي. ايضا يمكن الحديث عن  ماركو بولونين (مواليد 1957)  الذي عاد بافلامه الى مرابع طفولته، منطقة كاريليا الشمالية وعن طفولته وعن الفلكلور ، والهجرات من هذه المنطقة وتاثيرات الحرب ، ويذكر انه بعد الحرب العالمية الثانية وبسبب من اشتراك فنلندا الى جانب المانيا الهتلرية في الحرب، وبقرار محاكم الحلفاء المنتصرون، فقدت فنلندا، لصالح الاتحاد السوفياتي، تقريبا 12 % من اراضيها وتدخل في قوام ذلك اجزاء كبيرة من منطقة كاريليا. في عام 1995 قدم  بولونين فلم ( الزواج الاخير ) لتتشابك في فيلمه المعاناة الانسانية مع الحنين والموسيقى بالطبيعة والحلم الانساني بالواقع الثقيل الاقدام، مازجا ماهو مأسوي بما هو كوميدي برؤية تتسم بالشفافية والعمق .
 يمكن القول ان جيلا جديدا من السينمائيين،  ولج عالم السينما الفنلندية، وساعد على اعادة اكتشاف موضوعة من يعيش على الهامش، خارج السائد، الى جانب معالجة موضوعة الجذور والتاريخ بروح نقدية وكسر المالوف. فظهرت افلام عن حياة الشباب وافلام تعيد محاكمة التاريخ الفنلندي ، وكلها تحاول ان تخرج بالسينما الفنلندية من سوقها المحلي الى العالمية .



205
رفيقنا الغالي أبو الندى .. معنا دائماً



 
يوسف ابو الفوز
بحزن كبير بلغنا نبأ رحيل الرفيق العزيز أبو الندى ـ فلاح علي (فالح  عبد الحسن عبد علي مواليد الديوانية)، النصير والمناضل، الذي عرفناه ملتصقاً بمبادئه بصدق كبير وأمل متواصل بوطن حر وشعب سعيد. وكان الرفيق محاورأ كبير القلب، يجيد التعامل مع من يختلف معه في الرأي بدون ان يفسد علاقته الودية مع الاخر.
عرفته شخصيا في ايام الكفاح المسلح، مقاتلا ضمن انصار الفوج الاول للحزب الشيوعي العراقي، في منطقة بهدينان، ومنذ تلك الايام البهية، عشت شخصيا معه في محطات نضالية مختلفة، وحضرنا معا فعاليات حزبية وسياسية عديدة، وكنا مهما اختلفنا في الرأي، لم أجد ان ذلك يؤثر على طيبته وهدوئه واحترامه للاخرين . ولم يعتذر يوما عن انجاز مهمة توكل اليه، وكان يكابر ويبذل قصارى جهده رغم ان جسده يخذله احيانا.
في احداث معارك كانون الثاني 1987 في الفوج الاول، اذ خاض انصار الحزب الشيوعي العراقي معارك ضارية، وعلى عدة محاور، وفي ظل ظروف جوية قاسية، ضد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام الديكتاتوري المقبور، على مناطق نشاط أنصار الفوج الأول (الحزب الشيوعي العراقي)، ومناطق لجنتي عقرة والشيخان لمقاتلي (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، وسكان القرى في المنطقة المجاورة لمقرات مقاتلي الأحزاب، حيث زجت فيها السلطات بوحدات عسكرية مدرعة من الجيش والجحوش، وساهم فيها الطيران الحربي والهليكوبتر،وأبدى الأنصار آيات من البطولة والمقاومة والصمود والبذل، وكانت أياما أسطورية، حافلة بالمجد، غدت أحاديث جماهير قرى المنطقة ونسجت عنها حكايات كثيرة !. كان النصير ابو الندى معنا، واحدا من الانصار الذي سطروا ايات المجد والصمود والتحمل. وفي معركة شرق كانيكا (عند ناحية اتروش في الايام 5 ـ 6 / 1 / 1987)، في نفس الاحداث وضمن مفرزة من اثني عشر نصيرا، حيث كانت القلعة محور الهجوم الاول والشرس... كان ابو الندى معنا.
وفي أيام "حصارالعكنبوت" التي عاشها الانصار الابطال، في " سلسلة جبال كارة" المعروفة بوعورتها وقسوتها، ولاكثر من شهر، صيف 1988، حيث واجهوا العطش والجوع منقطعين عن اي اتصال مع العالم ... كان ابو الندى معنا.
وفي مخيمات الحجز والعزل الايرانية، التي وصلها الانصار بعد كسر الحصار، وسياسة الاهمال التي عاشوها من قبل السلطات المعنية ، حيث تساقط الثلج عليهم وهم في الخيم ووسط محنة البحث عن طرق للخروج من ايران ... كان ابو الندى معنا.
وفي المؤتمرات الحزبية والانصارية، وفي ساعات السجال والجدل حول كثير من المواضيع، ولاجل ايجاد الافضل وتجاوز ما عفى عليه الدهر من أليات عمل، وايجاد صيغ أكثر ديمقراطية  في العمل الحزبي والسياسي ... كان ابو الندى معنا.
هاتفني يوما فرحا، حين نشرت لنا مجلة "رسالة العراق"، الصادرة من لندن قبل سقوط النظام الديكتاتوري، مقالين في صفحتين متجاورتين، وهو يضحك، بصوته المتهدج، كوننا جيران في صحافة الحزب ايضا.
غادرنا الغالي ابو الندى، لكن ابتسامته الوديعه وضحكته الخافتة ونظرته الذكية ومبادئه التي عاش وعمل بجد لاجلها ستظل حية معنا .
اقدم التعازي الحارة لعائلة الرفيق، أم الندى، وابنتيه " ندى ويارا " ولعائلته في العراق ولجميع أصدقاء الرفيق الراحل.
نم قرير العين رفيقي ابو الندى .. مثلك لا يغادرون .
هلسنكي     22 / 1/ 2018

206
الذكرى 31 لأحداث كانون الثاني 1987 في منطقة بهدينان*
هناك ... شرق " كاني كه " ! (1)
النصير يوسف أبو الفوز

تنويه للقاريء الكريم من الكاتب :
المادة من كتاب (تضاريس الايام ـ المدى 2002 دمشق) سبق ونشرت قبل عدة سنوات، على بعض مواقع الانترنيت، ويعاد نشرها الان من اجل توفير الفرصة لمن لم يطلع عليها لمعرفة اجواء حياة الانصار الشيوعيين، وايضا لاعادة استذكار احداثها والاسماء البهية الواردة فيها .

لحظة الرثاء ،
غادرني الحزن والدمع والمخاوف .
وحدها القصائد خضراء سكنت روحي ،
فاستفزت التوهج ! (2)
1
لي في الصداقات النبيلة ، قصيدة اسمها أنت ِ .
وأنت ِ أميرة الذكرى ،
جراح السنين ،
خلاصة الخيبات .
امرأة صمتي المنتهك باتهام العشيرة ،
وقلقي المضمخ بمرارة حزنك .
وأنا المداهم بالامل حينا ،
بالمخاوف حينا ،
وبك في كل لحظة !
ما اخترت غيرك امرأة لقصائدي ،
رغم أحزاني ووحشة هواجسي .
كنت معي ،
دوما معي ،
في استدارات العواطف والعواصف ،
في وحشة المنفى ،
في زهو الجبل،
في التماعات البنادق ،
في ابتداءات الأغاني والمطر !
كنت معي ،
في شرق كاني كه معي ،
وجهك يأتيني مخضبا بالدمــ ... ع ،
وصوتك مكابرا :
ــ " كيف نسيتني ،
يا وتر الأحزان ،
يا نزق الطفولة ،
كيف ... ؟ "
كنت ِ معي في شرق كاني كه !
ــ " إذن ... شدني إلى صدرك ،
إلى قوس حزنك ،
واطلقني مرتين .
مرة إلى حفنة امان ،
وأخرى إلى فجر الصداقات النبيلة ،
وسأنتظر ! "
أنتظري ...
" انتظري ما شئت ،
وعند اللزوم ، إن شئت موتي " (3)
ولكن عليك أن تعرفي :
من الدمع والنار والدم أش فاض الصخر وشجرا
وبشرق كاني كه ، شلي حصل وشجرا
وشلون واحدنه يموت ، وهو واكف مثل شجرا
وصوته يظل للابد ... بيرغ يرف للمجد !
2
هناك ... شرق كاني كه ،
كان عصفور الأماني ،
منخوبا بزخات الهواجس .
كان الرصاص يبني للمخاوف مظلة من ريش القلب ،
وكان الثلج ينهمر.
كان الــ " ره به نوك " (4) ينهمر...
وكان الشيوعيون ، أغصان الطفولة ،
يمدون على الصخر ظلالا من صبوة العشاق .
متربة بالحزن ،
بهم الناس ،
بالبارود ،
هذي الوجوه ،
ومتألقة بنجوى الأغاني والحنين :
ــ " هيه ... هيه ، شطيب العشك ، وشحلوه ساعاته ! " (5)
كان " سالم ر ش " بين القصف يغني .
يا هذا المضاع ،
لم تضيع ،
قلبك عصي على التلمس وتلك الراحلة ،
لك عندها انكفاء الدمع وعذابات صغيرة ،
ولك وحدك كل ما تشتهيه السفائن في مرافئ لم تصلها .
وكان " ياسين " (6) هناك .
وياسين محتشدا بالرصاص ،
العشق ،
الطموحات الكبيرة ،
ليس إلا فتى واسع العينين ،
شاعر" يغني رغم الحزن " (7) .
فتى لاحلام الأماني ،
الصبايا ،
نخل العراق ،
ورق الرسائل والقصائد .
في عيون الــ " فيافي " تضئ هواجسه .
وعلى وسن عينيه " وسن " (8) قصيدة .
لضحكته نزق الرسائل ،
ولكفيه رائحة الأماني .
وكان هناك كثيرون ...
وكنت أنا !
أنا المداهم بالامل حينا ،
بالمخاوف حينا ،
وبالأميرة في كل لحظة .
لي عندها استدارات العواطف والعواصف ،
هجس الأصابع والعصافير ،
حد الجرح والسكين ،
وامان صغيرة !
وكان " جنان " !
زهو البنادق حين تمنح العصفور جنحيه وعشه .
" به نده وايه " تنهض في عينيه نرجسة ،
وبين أصابعه تمتد أشرطة الرصاص ،
ضفائر " هبه " وخيوط طائرات الورق !
وهناك ... شرق كاني كه ،
صار جنان ، قطرة دم في كف الطفولة !
3
هل تنكفئ فينا الأماني عند صخرة في شرق كاني كه ؟
و كاني كه قلعة في القلب ، وعلى استدارة شفاه هبه .
و هبه امرأة الصدمات في عسف الشظايا والبلايا ؟
هل تنكفئ فينا الاما ... ؟
هناك ... شرق كاني كه ،
دم جنان افترش الثلج والحدقات .
وصرختي مرت على الصرخات ...
يا كلس الأماني ،
بأسناني سأكشط نذالتك ،
وسأمزق الصمت ،
ما أثقل الصمت ،
ما أعمقه ،
أواااااااه ،
صمتي كدموع أمي ،
ودموع أمي في كفي رصاصة ،
وأميرة الذكرى ما فتأت تبارك خطوتي .
الأميرة ... يا الأميرة ،
الثلج هنا ابيض ... احمر ... اسود !
الثلج ابيض يا ازاهير الأماني ،
الثلج احمر يا هبه الدموع ،
الثلج اسود يا أماه ،
واسود ليل الطغاة وليلنا المنكفئ ... قطرة ، قطرة ، ...
قطرات منقوعة بالبارود والصراخ .
وفي شرق كاني كه ،
قطرة دم كقمر الصبايا امتصت الأرض روحي ،
وأنا السجين في كفي الأميرة .
يا أميرة هواجسي ،
يا طلقة للروح لم تصدأ ولم احسب عيار عتابها ،
هل تنكفئ فينا الأماني عند صخرة في شرق كاني كه ؟
هل ساورتني لحظة الدمعات ؟
لو رفت رموشك ،
وامطرت ريح ...
احط عيوني لك ،
نجمات ،
بالظلمة ،
ضوه اتصيح !
شرق كاني كه اتكأ الرصاص على حد الشهادة ،
وأنكفأ التساؤل :
هل تنكفئ فينا الاما ... ؟
سولفلي جدي يوم عن شجرة المنتهى
وكلي اليحب الناس اسمه ابد ما انتهى
لو يبس كل الورق وعمر الاسامي انتهى
اسمه يظل لللأبد ... بيرغ يرف للمجد !
4
اسميك العذب ... يا رشفة الأحزان
اسميك الدفو ... يا ورد نيسان
يا سحر الطفولة وموقف الانسان
اسمك للمجد ... يبقه ابد عنوان !
وصخرة في شرق كاني كه ستظل في القلب صرخة ،
وستظل " فارسا " مدججا بالاماني ،
على صهوة " العفاروف " (9) أورقت نرجسا في كف الشهادة .
فتى الشهادة ،
كروم هواجسي التفت على أمانيك وأزهرت دمعتين ورصاصة .
دمعتان لعصفور الأماني ،
ورصاصة لفجر قادم يحمل اسمك !
فتى الشهادة ،
فتى الشجاعة ...
حين صرت قطرة دم في كف الطفولة ،
كان الثلج ينهمر ،
كان الــ " ره به نوك " ينهمر .
هناك ... شرق كاني كه ،
كان الثلج ينهمر ،
وظل الثلج ينهمر !
ظل الثلج ينهمر !
ظل الثلج ينهمر !
ظل الثلج ...
كانون الثاني 1987 مه راني (10)

* من 5/1/ 1987 وحتى 16 /1/1987 خاض مقاتلي انصار الحزب الشيوعي العراقي (حشع ) ، في منطقة أنصارالفوج الأول / قاطع بهدينان ، ورفاقهم المقاتلين من قوات الدعم ، التي هبت لإسنادهم ، ووصلت على مراحل ، من مقر قيادة قاطع بهدينان ، والفوج الثالث ، والسرية الخامسة ، ومقرقيادة قاطع اربيل ، وبالاشتراك مع مقاتلي الحزب الديمقراطي الكوردستاني ( حدك ) ، ومقاتلي المقاومة الشعبية من فلاحي القرى في المنطقة ، خاض الجميع معارك ضارية ، وعلى عدة محاور، وفي ظل ظروف جوية قاسية ، ضد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام الديكتاتوري المقبور ، على مناطق نشاط أنصار الفوج الأول (حشع)، ومناطق لجنتي عقرة والشيخان لمقاتلي( حدك ) ، وسكان القرى في المنطقة المجاورة لمقرات مقاتلي الأحزاب ، حيث زجت فيها السلطات بوحدات عسكرية مدرعة من الجيش والجحوش، وساهم فيها الطيران الحربي والهليكوبتر،وأبدى الأنصار آيات من البطولة والمقاومة والصمود والبذل ، وكانت أياما أسطورية ، حافلة بالمجد ، غدت أحاديث جماهير قرى المنطقة ونسجت عنها حكايات كثيرة !
(1) كاني كه : قرية تقع عند اطراف ناحية " ئه تروش" ( قضاء الشيخان ــ محافظة الموصل) ، وموقع القرية ستراتيجي بالنسبة للمنطقة، لذلك شيدت السلطة هناك قلعة كونكريتية، وضمن سلسة قلاع ومواقع عسكرية ، شيدت بتصميم وتنفيذ من شركات رومانية منذ سبعينات القرن الماضي. كانت القلعة مقرا لفوج عسكري ، وقبيل الاحداث المذكورة كانت السلطة الدكتاتورية قد اضطرت لأخلائها ارتباطا باوضاعها العسكرية على جبهات الحرب مع الجارة ايران وايضا لتنامي نشاط ومقاومة قوات الأنصار في كوردستان ، ومع بدء الحملة العسكرية كانت منطقة القلعة محور الهجوم الاول والاشرس .
(2) كتب هذا النص في رثاء الشهيد جنان، والقي في الحفل التأبيني الذي أقيم له ايامها. والنصير جنان هوالشهيد (فارس جرجيس موسى)، مواليد 1964، من قرية "به نده وايه" (منطقة القوش ــ الموصل ) كان يعمل سائق بلدوزر.التحق بقوات الأنصار في 1983 . استشهد خلال الاحداث يوم 6/1/1987 في اشتباك قريب وشرس جرى عند منطقة قلعة كاني كه .
(3) من قصيدة للشاعر والمناضل التقدمي الجزائري بشير الحاج علي .
(4) ره به نوك : كلمة كوردية ، وهو اسم زهور بيضاء تنمو في كردستان .
(5) من أغنية عراقية للمطرب حسين نعمة .
(6) النصير ياسين هو ( جماهير امين الخيون ) شاعر. مواليد 1961 ابن المناضل الشيوعي الاسطوري امين خيون الذي اغتيل في سبعينات القرن الماضي من قبل النظام الديكتاتوري البعثي . ساهم ياسين بفعاليات في مختلف النشاطات الثقافية الانصارية . في اثناء اداءه لمهام حزبية في بغداد نهاية ثمانينات القرن الماضي ، اعتقل وغيبت اخباره ، حتى سقوط النظام الديكتاتوري حيث عثر على اسمه في سجلات المعدومين من قبل النظام المقبور .
(7) اصدر أعلام قاطع بهدينان للانصار، كراسا شعريا للنصير الشاعر ياسين بعنوان " لنغن رغم الحزن " ، لم يوزع لان طباعته ترافقت مع بدأ حملة الأنفال ، صيف 1988 ، من أجوائه وجدت في ارشيفي سطورا منه: ( ما الفرق ؟ بين الحزن في عيون النيل ، والحزن المؤبد على أزقة الكرك الندية . بين الحزن الهائم بالنخيل والحزن المتكئ على غصن زيتون أو في قلب بيروت ، شظية بين الحزن الممتزج بالمطر يغسل بيوت الطين في البحرين والحزن المنبعث في شحوب القمر، فوق ماردين ، بين الحزن في عيون " بشت ئا شان " والحزن في عيون الناصرية ، لنكاشف الكلمات مرة في الاغنية ! )
(8) وسن و فيافي : هي أسماء عزيزة على الشاعر .
(9) العفاروف : رشاش متوسط عيار 62, 7 ملم ، سوفياتي الصنع. استخدم في الحرب العالمية الثانية ، مداه 1200 متر ، ومؤثر على تجمعات المشاة والاليات الخفيفة التصفيح ، يركب عليه من الاعلى مخزن اطلاقات دائري الشكل يسع خمسين اطلاقة ، تميزت مفارز الأنصار الشيوعيين العراقيين في كوردستان بامتلاكه واستخدامه، وحاز العفاروف كسلاح على سمعة طيبة بين الفلاحين ، وزرع الرعب بين صفوف قوات النظام الديكتاتوري المقبور  .
وكان الشهيد جنان قد تميز بحمله للاسلحة الرشاشة المتوسطة ، التي تحتاج الى مهارات عسكرية وامكانيات جسدية ، ويوم معركة كاني كه كان يحمل رشاش العفاروف .
(10) مه راني : هو المقر الاساسي الخلفي ، لمقاتلي الفوج الاول ، من قوات قاطع بهدينان لانصار الحزب الشيوعي العراقي ، تأسس مقر مه راني في 2 /10 / 1982 ، كقاعدة أنصارية في عمق الوطن ، فهو يعتبر من اهم مقرات الأنصار في تحديها لسلطات النظام الديكتاتوري ، اذ يتوسط بموقعه مجموعة من الاقضية والنواحي المهمة ، وهو قريب الى سلسة جبا ل كاره الوعره ، وشيد المقرعلى انقاض قرية تحمل الاسم نفسه تقع في وادي ضيق يخترقه مسيل ماء نبع عذب بارد دوما ، ومن المفارقات ان وادي مه راني مزدحم بــ 99 (تسعة وتسعين !! ) شجرة جوز معمرة ، وبالاضافة الى موقعه المميز فان كثافة الاشجار ساعدت على تمويهه عن طلعات الطيران الدائمة !




207
في ذكرى عيد الجيش:
 في الحرب : جنود ... عر فاء ... ضباط ... والخ

(الى المتباكين على "الزمن الجميل " !)

 

يوسف أبو الفوز

 ( من مخطوط ينتظر النشر انجز عام 1992)


حارق ... خارق  !
ركب مخزن ذخيرة جديد ، كل رصاصاته حارق ... خارق ، وضع البندقية على حالة الرمي رشا ، استند إلى جدار الخندق ، غرس كعب البندقية في الأرض ، وضع الفوهة في فمه ، وضغط الزناد  !
لم يفهم الكثيرون لماذا ؟
 كان قد قال لأحد الجنود قبل يومين  :
ــ لم اعد أطيق ذلك ، لم اعد احتمل اكثر ، كل يوم ، ليل ونهار ، ما أن أغفو قليلا ، حتى يأتيني السيد الرئيس المهيب ، يكشف عجيزتي و  ...
خشخشة
دخل الدار متعبا ، منهكا ، يجرجر نفسه ، استقبلته زوجته تخشخش بأساورها الذهبية ، وعدها بان يجعل ذراعيها لا تتسعان لهن ، وكانت واثقة تماما من وعده  :
ـــ  " يا بنت الحلال ، الله فاتحها علينا ، الشغل ماشي ، أنت بس تدللي "!
أدخلته الحمام . ساعدته على نزع ثياب العمل . دلكت له ساقيه وذراعيه ثم جلفت له جلده بصابون معطر وصبت عليه نصف زجاجة من الكولونيا ، ثم نشفت له جسده مثل طفل ، وساعدته على ارتداء ثوب نظيف ، قبلها على وجنتيها عرفانا بالجميل ، وقال بإخلاص  :
ــ لولاك ، ولولا رعايتك لي لما استطعت مواصلة العمل ، أتدرين اليوم غسلت ودفنت  ...
لم تسمع الرقم الذي ذكره ، غلا شئ في المطبخ فهرولت إلى هناك وأساورها تصدر خشخشة تذكرها بوعوده الصادقة  !
هأ .. هأ ... هأ    !!
توفي والده بالسكتة القلبية . لم يبك !
ورد اسم أخيه في قوائم المفقودين . لم يبك !
 فقد ذراعه الأيمن شرق البصرة . لم يبك !
فسخت ابنة خالته خطوبتها معه . لم يبك !
جن صديق طفولته . لم يبك !
اعدم أستاذ التاريخ في كليتهم . لم يبك !
البارحة ، على شاشة التلفزيون ، في لقاء مع صحفي أجنبي ، روى السيد الرئيس ـــ حفظه الله ـــ  نكتة ، ضحك لها كل مرافقي الرئيس من حرسه الخاص والوزراء وأعضاء مجلس قيادة الثورة وقادة فرق الجيش وممثلي مجلس الشعب الوطني ومسؤولي منظمات الطلبة والشباب والنساء ورؤساء تحرير الصحف ورؤساء العشائر ، و... شبعوا ضحكا !
وجد نفسه يبكي ، يبكي ، يبكي ، يبكي بحرقة !
عناكب
في زاوية الملجأ الرطب ولأكثر من ساعة ، جلس القرفصاء ، صامتا وثمة رغبة عارمة الى التدخين ،  لكن سجائرهم نفدت . أمامه يجلس صاحبه ، شارد اللب ، صامتا مثله ، محدقا الى سقف الملجأ ببلاهة . قبل أسبوع همس إليه :
ــ ثمة عنكبوت يدب هنا !!
ونقر على صدغه بأصابعه المسودة . البارحة عاد وقال له :
ــ انه ينسج له بيتا بنشاط !
ومنذ أسبوع وهو يستعيد معلوماته عن العناكب ، ويتخيل أشكالها ، وألوانها و ... لكن اليوم ، ومع بدء القصف المدفعي من الجانب الأخر ، أحس ثمة شيئا ، ناعما ، صغيرا ، يدب داخل تلافيف رأسه!         

***
منذ أيام وثمة عنكبوت يبني له عشا داخل رأسه . يحس به وهو يدب بنعومة ، ويتخيله كيف يعمل بنشاط . البارحة اكمل العنكبوت بناء عشه ، تماما مع بدء نوبة حراسته الليلية . كان الجو باردا ، الريح تصفر في المنطقة الحرام . مد رأسه في الملجأ ، كان أصحابه ينامون بوداعة الأطفال ، ملتمين على أنفسهم ، يلتصقون ببعض طلبا للدفء، فشعر بالشفقة تجتاحه ، ومشاعر من المحبة تطغي على كل كيانه ، وكان العنكبوت يتحرك بنشاط ، بنشاط مثير ولم ينتظر طويلا ، كانت مشاعر الشفقة تجعله يرتجف من الحب ، وبهدوء وحتى لا يزعج النائمين سكب كل ما بداخل زجاجات النفط على الأشياء القابلة للاشتعال ، ثم نثر بعضه على بطانيات النائمين ، واشعل النار.



208
الكَلامُ المُباح (152) 
رَّايَاتُ بالعُمُلاتِ الصَّعْبَةِ
يوسف أبو الفوز
بسببٍ من إنشغالي بأمور سَفر زوجتي لزيارة أخواتها، وصلتُ بيتَ صدّيقي الصَدّوق أَبُو سُكينْة من دون حزمةِ الصحفِ التي أعتدتُ  حَملها معي كل مرة. قال  أَبُو  جَلِيل وهو يَكتمُ ضحكتة:
ـ اليوم سوالفكم  بلا جرايد راح تكون يابسة وتمن ، وبلا ...
فقاطعه جَلِيل ممازحاً : لا أتفق معك يا والدي، الحمد لله عندنا سياسيين من أخر طراز، طول اليوم، ليل نهار، ساكنين التلفزيون، فلا نحتاج الصحف لمعرفة أخبارهم، وتصريحاتهم النارية، ويمكنك بعد سماعهم ان تطمئن وتنام رغد بأن كل الأمور في العراق سوف يكون لها حل سريع،هكذا هم مع كل أقتراب لموعد الأنتخابات.
قالت سُكينْة : هؤلاء السياسيون، الذين أبتلى بهم الشعب العراقي، هم سبب كل هذا الخراب من حولنا،والتظاهرات الاحتجاجية للمطالبة بمحاسبة الفاسدين وتقديم المسؤولين الفاسدين إلى القضاء وتنفيذ الإصلاحات في مؤسسات الدولة، اتمنى ان لا تهدأ وان تتطور ،لانها رسالة واضحة تعلن لهم موقف أبناء الشعب منهم ومن فسادهم .
قال جَلِيل : كلامك صحيح جدا، لان سياسي الصدفة، قادرين على التناسل بشكل غريب،والتلون وتغيير أثوابهم وشعاراتهم،وإذ نقترب الان من موعد الانتخابات التشريعية،هاهو البعض منهم بدأ وبشكل ديماغوجي فج يحاول أرتداء لبوس المدنية لخداع الناس،وبدأ البعض منهم بشكل صلف بنهش أصحابه من الفاسدين ناسياً أنه فاسد مثل من ينهشه، في صراع مستميت على مواقع النفوذ والثروة.
قلت مشاركا :هؤلاء الفاسدون كانوا وجهاً أخر للارهاب طيلة السنوات الماضية، وكنت أنوي ان أقرا لكم تقاريرا تفصيلية ومعلومات جديدة ،عن محاولات جماعات أرهابية اعادة تنظيم نفسها،فهاهم جماعة "الرايات البيضاء" أو "السفيانيون" بدأوا برفع رؤوسهم في قرى محيط قضاء  طوزخورماتو.ومثلما شكل استشراء الفساد في مؤسسات الدولة عاملا داعما لنشاط داعش،فأن عدم القيام باجراءات فاعلة وجريئة لمحاربة الفساد سيمنح هذه الجماعات الارهابية الفرصة لتنشط وتكون تهديدا جديدا لشعبنا وبلادنا.
تنحنح أَبُو سُكينْة  وقال: كررنا القول كثيراً بأن جبهة "ماعش" هي من دعم  وقوى من شوكة "عصابات داعش"،الان اهل "الرايات البيض"، الاخبار تقول ان رايتهم بيضاء وفي وسطها صورة رأس أسد، وعندنا سياسيي الصدفة الفاسدون، "الماعشيون"، راياتهم من كل الالوان، لكن بالوسط بدل صورة الأسد يضعون صورة واضحة للدولار واليورو وكل العملات الصعبة المعروفة، والصغار منهم يتواضعون ويكتفون بصورة الدينار!


209


الرَّجُلُ  صَّاحِب الكَلَبِ
قصة ــــ يوسف أبو الفوز 


بعد سهرة طيبة، في مساء صيفي ساحر، في احد نوادي مدينة عينكاوة، حيث توفرت لنا الفرصة لارتشاف كؤوس بيرة مثلجة، والتقطنا مجموعة من الصور التذكارية، كان رزكار اثنائها بمزاج لا يتناسب مع عمره، يتفنن في اختيار زاويا التصوير لتبدو في عمق المشهد فتيات، بملابس عصرية، ببنطلونات جينز ضيقة، وفانيلات قصيرة تكشف عن مقاطع مغرية من بطونهن اللدنة، يجلسن بأسترخاء نازعات احذيتهن يدخنن الناركيلة، بمشهد لا يمكن لفتاة شرقية ان تحلم به ولا حتى في أي بلد اوربي. قال رزكار :
ـ في مدن جنوب العراق ليس للنساء الا بيوتهن ليشعرن بشيء من الحرية. الله يكون في عونهن.
 عدنا الى مركز مدينة اربيل منتشين بالفرح . طوال الطريق كنت امزح مع رزكار :
ـ لم ار سيارة واحدة توقفت عند اشارات الاحمر، حتى انت ... يا متمدن، يا من عشت سنينا في اوربا،  فما الحكمة من وضع الاشارات الضوئية ؟
ويضحك صديقي، الذي عرفته سنوات النضال في الجبل وارتبطنا بعلاقة حميمة، حرصنا على تواصلها رغم تباعد المنافي. كان رزكار أجرأ مني في اتخاذ قرار العودة الى البلاد بعد سقوط النظام الديكتاتوري، وبشهادة الحقوق التي حصل عليها من المانيا، حصل على وظيفة مرموقة، وتزوج من أبنة عمه بعد ان رفضت زوجته الالمانية السابقة الالتحاق به الى كردستان، كانت التفجيرات حينها لا تغيب عن شاشات التلفزيونات العالمية، فصاحت به غاضبة :
ـ طلقني، اتريد ان تأخذني الى الموت؟
ومات الحب الذي ظنه ابديا. عاد الى اربيل تاركا لها أبنه، حاملا غصة سرعان ما نساها بعد لقاءه بأصغر بنات عمه. أمرأة فاتنة وطموحة، ولم تتوقف كثيرا عند فارق السن بينهما:
ـ اربعة عشر عاما، لا شي مقابل العشرين التي يكبر أبي فيها أمي وعاشا حياتهما سعداء جدا بالتفاهم والحب !
 ظل رزكار محتفظا ببساطة وشهامة عرف بها، كانت تقربه دوما الى الناس. لم يفارقه تواضعه الذي قربني اليه منذ سنواتنا الاولى في الجبل، مما شدني للتمسك به اكثر. ضحك وقال :
ـ اشارات المرور؟! انت تحسب نفسك في أوربا، نحن هنا يا صاحبي بحاجة لاجيال جديدة حتى نتفهم مفردات الحضارة،  ويصبح كل ذلك جزءا من سلوكنا العام .
من الايام الاولى لي في مدينة أربيل رحت اتفحص بفضول شديد ما حولي. زالت الديكتاتورية وزالت حروب الابادة ضد الشعب الكردي ، اذا لم يصعد حكام شوفينين من جديد الى سطح كراسي الحكم. هناك افاق لتقدم البلاد. ان تتحرك نحو مستقبل طالما حلم به الناس وقدموا لاجله تضحيات جسيمة. تأكدت بنفسي مما كان يقوله لي رزكار على  الهاتف :
ــ نعم، نحن بلد ديمقراطي كما تعلن احزابنا في الصحافة، لكنها ديمقراطية لا تشبه اي ديمقراطية في العالم ، تعال وراح تشوف بنفسك !
وجاء لير بنفسه. مدن كردستان تغرق في النزعات الاستهلاكية مع توقف العملية الانتاجية. الفلاح يهجر قريته ويتحول الى شرطي. رواتب تجري من اماكن مختلفة من خزينة الدولة. بنايات فنادق ترتفع عالية، وزبالة بضائع دول الجوار تملأ الاسواق، ويظهر سياسي في التلفزيون متأنقا بربطة عنق فاقعة اللون، وجهه ينضح بالعرق ،  ليصرخ بالناس :
ـ سنحول البلاد الى دبي جديدة !
ويعفط  رزكار كلما تذكر ذلك :
ـ نعم ، سنكون دبي اخرى بأستيراد الخادمات الآسيويات !
رزكار ناقم على كل شيء، وكل مرة أهاتفه اتوقع ان يقول لي بأنه سيعود الى المانيا فورا. نصحني بعدم الاستعجال بالعودة :
ـ كان قراري صائبا ولكن يبدو مستعجلا. حاول ان تستفيد من تجربتي، رتب امورك كلها بشكل محكم قبل ان تحزم حقائبك.
وها أنا قادم لاستطلاع الامور من جديد . قابلت كذا مسؤول. سمعت وعودا بالتوظيف. تركت سيرتي الذاتية على اكثر من طاولة، بقي لي عدة ايام لاعود حيث اقيم في اوربا المترفة التي صار البعض من معارفنا يكرهنا  لمجرد اقامتنا هناك :
ـ انتم ، متنعمون في اوربا، لا تعرفون حجم معاناتنا هنا، فكفوا عن اطلاق الملاحظات والانتقادات، ان ايدينا في النار وايديكم في الرماد !
مرت السيارة ببيوت فارهة ، قال رزكار وهو يشير بيده :
 ـ فقراء الناس سمو هذا الحي "حي الحرامية "، فهنا يقيم موظفون كبار وقادة سياسيون ورجال اعمال!
 يمكن لمس الفرق بين هذا الحي ومناطق اخرى يسكنها فقراء الناس من ملاحظة نظافة الشوارع ونوع الارصفة. حين تجاوزنا "حي الحرامية "بقليل، ترك السيارة احد معارف رزكار ممن رافقونا في سهرتنا، بينما واصلنا الطريق. اصر رزكار، رغم معارضة زوجته واهلها، ان يبقى في البيت الذي تركه لهم ابيه في المنطقة الشعبية، اشترى حصة اخيه بثمن مناسب ورمم البيت ليكون واحدا من بيوت الحي النظيفة والبارزة :
ـ هنا بين بسطاء الناس اتعلم كل يوم ان لا انسى نفسي واتكبر على الاخرين، وسينشأ ابنائي على منوالنا .
انعطفت السيارة بنا عند دكان مفتوح رغم ابتعاد الليل عن منتصفه، نزلت زوجة رزكار اشترت شيئا ما وعادت وهي تتذمر من غلاء الاسعار. خلالها مص رزكار نفسين من سيكارة مطفأة اشعلها بسرعة قبل عودة زوجته التي طالما عاركته على اصراره على الاستمرار في التدخين. فجأة لمحت الكلب.  كلب منزلي من نوع أمريكي، بشعر ابيض قصير، ولمة شعر عند الرأس كأنها لمة اسد. على رقبته تلمع خرز فسفورية يتدلى منها قطعة معدنية مربعة، خمنت انها رقم هاتف صاحب الكلب. اعرف مثل هذا المشهد جيدا في الديار الاوربية. انه مشهد يومي عادي. لم ار وجه صاحب الكلب جيدا. كان يسير محني الظهر بخطوات قصيرة متسارعة ليلحق بالكلب الذي كان يتشمم كل شيء امامه بشراهة. خمنت ان هذه من مظاهر حمى الاستهلاك في المدينة. هواتف نقالة اخر موديل، ملابس اخر صرعة، سيارات فارهة، مولات فارهة،  خادمات اسيوية ... وكلاب من كل الانواع! ما ان تحركت السيارة، وحاذينا الكلب، حتى رايت رزكار يرفع يده بالتحية، التي رد عليها صاحب الكلب بحرارة وراح يواصل هز يده رغم ابتعادنا. كانت لحظات كافية لارى بوضوح وجه الرجل. خيل لي اني اعرفه، او قابلته في مكان ما. في اربيل او بغداد او في البصرة . خلال الاسبوعين الذين قضيتهما في اربيل، لم يترك رزكار مكانا لم يأخذني اليه. خيل لي ان الرجل صاحب الكلب كان هناك حين لعبنا البولينغ، ساعة تركتنا زوجة رزكار لتتبضع هي وأختها، واقترح رزكار "ان نحرك عضلاتنا قليلا". وانه كان في بناية البريد حين سألت عن امكانيات ارسال بطاقات بريدية مباشرة الى اوربا.  اذكر في المقهى المجاور لسوق تصريف العملة حين شربنا فنجاني قهوة وجدنا ان احدهم قد دفعها بدلا عنا، وذكر لي رزكار اسمه. انه ذات الشخص . في كل مكان تجد نسخة منه. كأنه يتناسل من الظلال. استغرب رزكار كوني لا اميز شكله وليس لي معرفة بذلك، وهو الذي طالما تردد أسمه في الجبل وفي المدينة.  في اليوم التالي ، قال لي رزكار:
ـ نحن مدعوين عند صاحب الكلب ، ستسمع الكثير مما ينفعك لتفهم الحياة الجديدة هنا!
ـ أهو صديقك الان؟
ـ معارف وعلاقات مشتركة مع معارف أخرين. هو يظن أنه قد يحتاج محل عملي يوما، فيحرص على علاقته معي.
في الوقت المحدد، كنا هناك. كان بأبهى حلة. ملابس اوربية ناصعة الالوان . موسيقى كلاسيكية تصدح في الصالة المفروشة بالسجاد الوثير. من أول وصولنا دارت كؤوس النبيذ الاحمر. شربت على حذر. كانت زوجته ببنطلون جينز قصير الساقين وقميص عريض الاكمام وحرصت على سد فتحة الصدر بفانيلة قطنية مشابهة لقماش قميص زوجها. بدأ يحدثنا عن خصال كلبه " بوبي" وجعله يرينا بعض الحركات التي دربه عليها، كان فخورا جدا لأن " بوبي" يفهم الاوامر باكثر من لغة وينفذها :
ــ    هل تعلمون ان الكلاب التي تقود مكفوفي البصر تعتبر من المعجزات، ولذلك هي في اوربا غالية الثمن، فبعد ثلاث شهور من التدريب يمكن ان تعرف الطرق وإشارات المرور وأماكن عبور المشاة ومساكن أصحابها، بل وتعرف أماكن التسوق. والأغرب أنها تعرف أرقام الحافلات التي يركبها أصحابها، فتراها لا تقفز إلاّ في المركبة التي يريدها صاحبها، وتغادرها في المكان المطلوب تماماً، الا توافقوني في اعتبار هذا من المعجزات؟
وسرعان ما نسي موضوع الكلاب وراح يتحدث عن فكرة مشروع استثماري، فهو يريد بيع البيت ويجمع ما لديه ويشتري قطعة ارض خارج المدينة، يحولها الى بيت ساحر على طراز بيوت النبلاء في القرن التاسع عشر. زيارات وحفلات بمواعيد ثابتة. مكتب تجاري للاستيراد والتصدير. استثمار قطعة ارض باشجار الزيتون. كان يرسم مستقبلا مشرقا لما يفكر به. يحرك يديه ويرسم خطوطا وهمية. يؤشر عند نقطة في الفراغ ويذكر بأنها بئر مياه ارتوازي :
ـ الارض غنية، تحتاج لمن يجهد نفسه في استثمارها .
تركت الزوجة حقيبة يدوية لها بالقرب من مقعدي حيث اجلس. لم أكن ميالا للأكل. تناولت طبق سلاطة خفيف، وجدتني ورزكار نمتدح الطعام اكثر من مرة ارضاءا للزوجة . اعتذرت زوجة رزكار عن مصاحبتنا، زمت شفتيها وقالت لزوجها بصوت خافت لكني سمعته :
ـ اكره المبالغات و ... !
وبلعت الكلمة التالية لكني فهمتها.
لم أشأ ان اخرب لرزكار فرحته بلقائي، ولا اتدخل في برنامجه الذي رسمه لي . في اول يوم وصلت أربيل وجدت انه حجز  صالة كاملة في مطعم وكان هناك اكثر من عشرة مدعوين. كان يريد ان يقول لهم شيئا. لانه حين وقف في صدر الطاولة تحت هواء المكيف الذي كان يطلق صوتا كالصفير، قال وهو يوزع نظراته بمعنى خاص :
ـ يسرني ان تشاركوني احتفائي بصديق حقيقي لم يفكر يوما في خذلاني !
وبحثت في الوجوه ، من منهم عليه ان يفهم ان الحفلة اساسا اقيمت له لكي يسمع من رزكار هذه العبارة ؟ لم المّح حتى لرزكار بأنه يستغل وجودي لتمرير رسائل ما  لاخرين . تركته على سجيته. وحين قادني الى  بيت صاحب الكلب، وسألني قبلها عن الاكل المفضل ليعده لنا مضيفنا، قلت له :
ـ  مثلما يعجبك !
 ما ان تم رفع الصحون، ودارت فناجين الشاي والقهوة ، حتى وجدت زوجة صاحب الكلب تجلس الى جانبي :
ـ قالوا لي انك تعيش في ... !
وكدت ان ابتسم، اذ ادرك انها تعرف جيدا اين اقيم ، فلم هذا التصنع في الجهل ؟ فقلت لها :
ـ نعم ، منذ ستة عشر عاما.
زحزت نفسها بأتجاهي، ومالت علي بحيث لامس كتفها ذراعي :
ـ اخبرني بصراحة، من خلال تجربتك، ايهما افضل الحياة في السويد او الدانمارك او عندكم؟
ولمحت زوجها، صاحب الكلب، يشرئب بأذانه نحونا، يحاول ان يتسمع حديثنا، وخمنت انه لا يسمع شيئا من الحديث الذي يدلي به رزكار عن قضية ما . لم تتركني اجيب على سؤالها الاول ، حتى الحقته بسؤال اخر:
ـ  هل صحيح ان معاملة "لم الشمل" في السويد تكون اسرع ؟
وحرت على أي سؤال اقدم الجواب؟ زحزحت فنجان القهوة امامي محاولا لم أشتات فكري لاجيب، لكنها التصقت بي اكثر وقالت بصوت هامس لا اظن احدا غيري يسمعه :
ـ لا يغرك كل هذا الكلام عن المشاريع المستقبلية، انا وزوجي مطلقان عمليا منذ سنة، هو يعيش ويعاشر كلبه اكثر مني، القضية مجرد توقيع اوراق ويكون كل منا حر بحياته الجديدة. أنا امراة عملية، قررت البحث عن مشروع زواج سريع ومناسب في احد الدول الاوربية للانتقال الى هناك، لا استطيع تحمل خداع المهربين ولا اختلاق قصص الاضطهاد من اجل اللجوء. لي معارف في السويد اوصيتهم بالبحث لي عن عريس مناسب. أرجوك ضع الامر في بالك ان كان يمكن ان تساعدني!
نظر رزكار بأتجاهي وهو يرى صاحب الكلب شاردا لا يستمع اليه ونظراته موجهة اليّ. كان وجهه  ممتقعا، يبدو انه فهم كل شيء قالته لي زوجته. نهض فجأة، فتح زجاجة نبيذ جديدة وصب في  الكؤوس، ورفع كأسه :
ـ صحة المستقبل !
عينكاوة
12 حزيران 2012

*  النص من مخطوط " بعيداً عن البنادق" ، المعد للنشر، يجتهد لتسليط الضوء على حياة الانصار ما بعد نهاية حركة الكفاح المسلح ، ورصد امالهم وذكرياتهم وخيباتهم وطموحاتهم .

210
الكَلامُ المُباح (151)
الشَّعْبُ يُريد إِسْقاطُ الفَسَاد !
يوسف أبو الفوز
لم يكن بدونَ معنى ترحيبَ عموم ابناء الشعب العراقي بتصريحات السيد رئيس مجلس الوزراء بشأن نيته محاربة الفساد، والتي دعت العديد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدنيً إلى تحويلها من تصريحات إلى إجراءات ملموسة. فهناك ايمان عميق ناتج عن المرارات المتراكمة ومعاناة ابناء الشعب طوال السنين العجاف للحكومات المتعاقبة منذ سقوط الصنم ، بأن الفساد هو أحد النتائج الخطيرة لنهج المحاصصة الطائفية والاثنية وانه تحول الى منظومة سرطانية شلت اجهزة الدولة وافقدتها هييبتها . ومن هنا فان المراقبين يحذرون من ان القوى السياسية المتنفذة والمتهمة بالفشل في قيادة البلاد تسعى لتكريس هيمنها داخل الدولة باشكال ومناورات مختلفة ، لانها تصطدم بالرفض الشعبي وان بعضا من رموزها متهمون بالفساد . من هنا ايضا فأن القوى الوطنية الديمقراطية ، التي تدرك بأن محاربة الفساد عملية شاقة ولا تقل اهمية عن محاربة الارهاب، تدعو وتعمل لتوحيد صفوف القوى الديمقراطية الداعية لبناء دولة المؤسسات والقانون والمواطنة ،واستنهاض ابناء الشعب لاجل ايجاد البديل الكفيل بانجاز التغيير المنشود.
حين وصلت بيت صدّيقي الصَدّوق أَبُو سُكينْة، وجدت ان الجميع منشغلون في التعليق على  ما تناقلته وكالات الانباء عن اقدام مسؤول عسكري صيني كبير متهم بالفساد ، على الانتحار شنقا في بيته ، مع  البدء بالتحقيق معه عن علاقته بمسؤولين اخرين سقطوا بسبب الفساد، اثر اطلاق الرئيس الصيني حملته المناهضة للفساد قبل اعوام وتشديده عليها في المؤتمرات الاخيرة .
 قالت سُكينْة مازحة : هل تريدون ان نوزع حبالا للفاسدين في العراق، هذا معناه سنخلق ازمة حبال.
ضحك الجميع وقال جَلِيل: العراق للاسف دائما يحتل ذيل القائمة في القوائم التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية ، وان الكتل المتنفذة رغم كل ما جرى لا تزال تتصارع على مواقع النفوذ والثروة .
قالت ابو جَلِيل: ما اختلفنا نصير بالذيل ، بالجانب اريد اعرف فلوس العراق المنهوبة بيها مجال ترجع لنا بطريقة ما ؟ وهاي الحملة على الفساد ممكن تجيب نتيجة مع الحيتان الصلفة ؟
تنحنح أَبُو سُكينْة وقال : ترجع الفلوس المنهوبة اذا تغيرت عقلية الناس وخلصنا من الحيتان ، ومن امثال هذا الذي راح للخطاط وطلب منه ان يخط له لافتة يكتب بيها (محاربة الفساد واجب ديني ووطني)، والخطاط قال له هذه اللافتة تكلف عشرين الف ، فقال له ولا يهمك بسيطة ، بس اكتب لي بعدين وصل بستين الف !
طريق الشعب العدد 80 ليوم الاثنين 4 كانون الأول 2017


211


وزير الخارجية الفنلندي وموضوع  اللاجئين العراقيين واشكالية الوضع الامني في العراق

 
هلسنكي  ــ يوسف ابو الفوز

صباح الخميس 30  / 11 / 2017، دعت الدائرة الاعلامية في وزارة الخارجية الفنلندية  ، مجموعة من الصحفيين الاجانب العاملين في فنلندا الى فطور صباحي مع وزير الخارجية الفنلندي السيد تومي سويني ( الزعيم السابق لحزب فنلندا الاساس اليمني المتطرف)  وكانت فرصة للقاء الوزير والتحدث معه مباشرة حول مختلف الامور. في حديثه تطرق الوزير الى الكثير من المحاور والنقاط  عن سياسة ومستقبل الاتحاد الاوربي والعلاقة مع روسيا ، وحلف الناتو وموضوعات اخرى سياسية واقتصادية وعلاقات فنلندا الخارجية. وتحاور معه الصحفيين حول نقاط عديدة وردت في حديثه او لم ترد . لفت الانتباه الى ان الوزير لم يتحدث شيئا عن موضوع اللاجئين، فبادرت شخصيا لسؤاله. واثبت هنا سؤالي وملخص اجابته، الذي ساعد مشكورا على تفريغه وترجمته من شريط التسجيل المهندس مصطفى شاهباز .

يوسف أبو الفوز : حتى الان لايوجد سفارة فنلندية في العراق نتيجة لمخاوفكم الأمنية، لكن مع ذلك تقولون أن العراق بلد آمنة ويمكن ترحيل اللاجئين العراقيين إليه، هل يمكنك توضيح الأمر لنا؟

الوزير تومي سويني: هنالك اختلاف في الوضع الأمني بين مناطق العراق المتعددة، في فنلندا نحن نتبع طريقة لتقييم المخاطر الأمنية الممكنة لسفاراتنا حول العالم ولا يمكن مقارنة المخاطر الأمنية التي يتعرض لها دبلوماسي أجنبي في العراق مع المواطنين العراقيين العاديين المرحلين إليه، كما أننا لا نملك سفارات في كل دول العالم وفتحنا مؤخرا سفارتين في مينمار وكولومبيا ورغبتي الشخصية هي بفتح المزيد من السفارات والعراق بالتأكيد محط اهتمامنا لكننا لانملك خطط حالية لفتح السفارة هناك. هنالك سفيرة مخصصة للشؤون العراقية موجودة في هلسنكي وتزور العراق بصورة منتظمة ونملك استشاريين في العراق وهنالك تعاون مع العراق. كما ان هنالك خلاف مع العراق بشأن عقد اتفاقية لترحيل المرفوضين. العودة للعراق من فنلندا طوعية حاليا ولا نملك اتفاقية للترحيل الاجباري واعتقد أن من المهم أن ننجز هذه الاتفاقية لكن كوزير للخارجية ليس لي موقف مع أو ضد الترحيل نحن بلد قانون وأمر الحصول على الإقامة أو الترحيل مرهون بقرارات المؤسسات القضائية الدستورية الفنلندية.

212
يوسف ابو الفوز في ضيافة اتحاد كتاب وادباء الامارات
 

دبي ـ   متابعة المدى

استضاف أتحاد كتاب وادباء الامارات  ، الكاتب العراقي  يوســف ابو الفوز ، المقيم في فنلندا ، ، في ندوة ثقافية ادبية ، بمقر الاتحاد ، ادارتها الشاعرة العراقية كريمة السعدي ، تناول فيها الضيف ملامح من المشهد الثقافي العراقي والعربي وتجربته الادبية في القصة والرواية ومعاناة المثقف عموما .
وأذ تحدث عن بدايات تجربته في وطنه الام العراق والعوامل التي ساهمت في تبلورها ، فأنه تحدث عن تجربته خارج الوطن في محطات الغربة التي تعددت ، واخرها استقراره في فنلندا ، حيث اثرت كثيرا تجربته الحياتية والادبية . واشار الكاتب الى كون العراق كان ولا يزال همه الاول في أعماله الادبية وان تناولت في جوانب منها الحياة الاوربية . واشار الى ان تكريمه بجائزة الابداع الفنلندية لعام 2015 جاءت تتويجا لمجمل جهوده ككاتب عراقي مقيم ويعمل في فنلندا ، حرص على بناء الجسور بين الثقافات المتعددة ونشر روح التسامح والتعايش بين فئات المجتمع وتقديم الصورة الايجابية عن ثقافة وطنه الام العراق .   
الامسية تميزت بحضور جيد ، ساهم في المداخلات والحوار ، وفي سياق الاجابة على اسئلة الجمهور اشار الكاتب ابو الفوز الى انه يحرص في اعماله الادبية الاخيرة على ان لايقدم اجوبة جاهزة للقاريء ، فهو يعتقد ان مهمة الادب هو خلق الاسئلة ، ودفع القاريء للتفكير وايجاد الاجوبة المناسبة بنفسه، وهذا ايضا يدفعه الى عدم وضع نهايات لاعماله الروائية ، ويترك النهايات مفتوحة ، لان منطق الحياة مستمر ، وانه يحاول ان يقدم دائما شخصية الانسان الذي لا ينهزم رغم تحطمه، ويقدم صورة المرأة القوية، رغم كل معاناتها، والانسان الكادح ذا الكبرياء رغم كل ذل الفقر. واشار الى كونه يؤمن بقوة بالمستقبل، انطلاقا من التجربة التأريخية الانسانية، ورغم معرفته بانه لن يشهد هذا المستقبل، فهو بعيد الى حد ما، لكنه يؤمن به ويعمل لاجله بكل تفاؤل، ويحاول ان يساهم بخلق وعي جمعي للعمل من اجله، من اجل غد الانسان.

 
 

213
المنبر الحر / زِلّزال وفَسَاد !
« في: 23:29 19/11/2017  »
الكَلامُ المُباح (150)
زِلّزال وفَسَاد !
يوسف أبو الفوز
خِلال زيارتنا الدَورية الى بيت صدّيقي الصَدّوق أَبُو سُكينْة، ، أشتركَ تقريباً جميع الحاضرين في الاحاديث، وفتحنا تقريبا اغلب الملفات السياسية، تحدثنا عن اهمية مباشرة الحوار بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان استنادا الى بنود الدستور العراقي، وضرورة الاحتكام للعقل والمسؤولية امام الاجيال القادمة وتفويت الفرصة على تجار الحروب والمتصيدين في الماء العكر .  وتحدثنا عن المعركة ضد الفساد وكونها معركة سياسية قبل اي شيء أخر. قال جَلِيل: أن خوض هذه  المعركة وانجازها من قبل الحكومة الاتحادية بحاجة الى قرارات جريئة تستند الى الدعم الجماهيري ومطاليب حركة الاحتجاج .
واخذت حيزا كبيرا اخبار الزلزال العنيف الذي ضرب المنطقة الحدودية بين العراق وايران مؤخرا ، قرأت لهم ، من حزمة الصحف معي ، تقاريرا بينت  ان مركز الزالزال كان في مدينة كرمنشاه الايرانية، وقد شعر به عموم الناس في العراق ، واحدث اضرارا بليغة في المناطق القريبة الى مركز الزلزال، وكانت اقرب نقطة عراقية مدينة حلبجة في كردستان العراق.
كانت زوجتي ولايام حين تتحدث تكاد تغص بكلماتها، من شدة حزنها وانفعالها، وهي تتحدث عن احوال صديقة مقربة لها تضررت من الزلزال :  الانباء تقول انه حدثت انزلاقات في الجبل المجاور لسد دربندخان، وسقطت قطع أحجار في المسيل المائي للسد، وانهارت بعض البيوت المجاورة جراء الهزة الأرضية، وحظ صديقتي ان ينهار بيتها بالكامل وهي بالكاد اكملت بناؤه  وكادت ان تفقد زوجها تحت حطام البيت ونقلوه للمستشفى متاثرا بجراحه.
وراحت سُكينْة تخفف عنها : هذه اوضاع الناس في العراق كلها متشابهة ، من لم يصبه الزلزال بضرر هناك سبب اخر . وكأننا شعب قدر لنا ان لا نعيش براحة .
تنحنح أَبُو سُكينْة وقال : صح لسانك يا أبنتي . تتحدثون عن زلزال مدمر، دمر بيوت وسبب وفاة عشرات الناس في ايران والعراق، وتنسون الزلزال الذي نعيش معه كل يوم . يصبح ويمسي علينا وللاسف كثير من الناس راضيه به. زلزال المحاصصة، الذي هو اساس البلاء في بلادنا وحياتنا ، فهذا لا يهدم بيوت فقط ، هذا سيهدم البلد بأكمله وسينقرض شعب بسببه ، ان لم ينهض الشعب العراقي  ويتغير كل شيء ، وتطير حيتان الفساد وسياسيي الصدفة ويمشي العراق على السكة الصحيحة ، سكة دولة المواطنة والقانون الحقيقي .

 
 



214
يوسف ابو الفوز في ضيافة اتحاد كتاب وادباء الامارات –  دبي

دبي ـ  د.حسام آل زوين

  مع أختتام فعاليات مهرجان معرض الكتاب في امارة الشارقة – دولة الامارات العربية المتحـدة ، والممتدة من 1-11 نوفمبر الجاري 2017 ، اكسبو الشارقة ، استضاف أتحاد كتاب وادباء الامارات –  دبي ، يوم الاحد المصادف 12 منه ، الكاتب العراقي  يوســف ابو الفوز ، القادم من محل اقامته في فنلندا ، في ندوة ثقافية ادبية ، بمقر الاتحاد ، ادارتها الشاعرة العراقية كريمة السعدي ، تناول فيها الضيف ملامح من المشهد الثقافي العراقي والعربي وتجربته الادبية في القصة والرواية ومعاناة المثقف عموما .
 وتحدث عن ابرز ملامح كتاباته سـواء في وطنه العراق ، منذ  كتب اول قصة قصيرة وهو في سن الثالثة عشر من العمر، وثم عن تعدد وتنوع محطات هجرته بعد اضطراره لمغادرة وطنه عام 1979 مرورا بالكويت ومحطات عديدة حتى استقراره عام 1995 في فنلندا  ، حيث ظهرت كتاباته الصحفية والقصصية في العديد من الدوريات والنشريات العراقية والكردستانية والعربية والفلندية. وتحدث عن اهمية تجربته في فنلنـدا، حيث التجربة الحضارية المتطورة والتعدد الثقافي وحوار الحضارات ومواضيع الهجرة واللجوء والحركات العنصرية وتواجد الجاليات العربية والاسلامية.  تطرق الكاتب الى كتاباته  الصحفية ونتاجاته الادبية مثل  مجموعته القصصية "طائر الدهشة" والتي ترجمت الى اللغة الفنلندية ، ورواياته "تحت سماء القطب " و"كوابيس هلسنكي "، وجهوده واسهاماته الفعالة في المشهد الثقافي ومنها اهتمام المدارس الفنلندية بتدريس بعض قصصه ومسرحتها لانها مبنية على لغة التسامح والحب والتعايش بين فئات المجتمع، وتوجت نشاطاته بالتكريم بجائرة الابداع للعام 2015 كذلك تكريمه براية المدينة من محل اقامته وكلتا الجائزتين لاول مرة تمنحنان في فنلندا لكاتب من اصول اجنبية .
 تخلل النـدوة مداخلات وحوارات مهمة ، واجابات الكاتب الضيف على اسئلة واســتفسارات الحضور الذي تميز بحضور نسوي متميز . وفي الختام وزعت الشهادات التقديرية من قبل رئيسة الهيئة الادارية للاتحاد الشــاعـرة الاماراتية الهنوف محمد  تكريماً للكاتب يوسف ابو الفوز وكذلك للكاتبة كريمة السعدي ، وقد نالت الامسية الثقافية هذه استحسان واستمتاع الحضور والمهتمين بهذا الشأن ، وبنهاية الندوة وقع الكاتب الضيف بعضا من كتبه هدية للحضور، واخذت الصور التذكارية بهذه المناسبة .


215
ندوة للكاتب يوسف ابو الفوز في دبي

يدعوكم اتحاد ادباء وكتاب الامارات ـ فرع دبي ،

لحضور ندوة عن تجربة الكاتب يوسف أبو الفوز

تدير الندوة الكاتبة كريمة السعدي

وذلك يوم الاحد 12 / 11 الساعة السابعة مساءا

في مقر الاتحاد بمكتبة دبي العامة فرع الطوار الطابق الاول

والدعوة عامة

216
المنبر الحر / أَكْو .. ماكْو !
« في: 20:02 06/11/2017  »
الكَلامُ المُباح (149)
أَكْو .. ماكْو !
يوسف أبو الفوز
بَحثتٌ طَويلاً عن كِتاب «مِن تُراثنا اللُغَويّ القَديم» للعَلاَّمة البِاحث والمُؤَرِّخ العراقي طَه باقِر (1912 ـ 1984)، صاحِب أَفْضَل تَرْجَمة لمَلحَمةِ جلجامش. وأخيراً أعارني أيّاه، مشكوراً، صَديق عَزيز، فمَنحني فرصةً جَميلةً للسياحةِ مَع الكَثير من المفْرداتِ، الَّتي دخلت تراثنا اللُغَويّ في العراق،ونَظُنُّها دَّخِيلّة وَأَعْجَمِيّة بَيْنَمَا يوَضَّحَ الكِتاب اِسْتِناداً إِلى الأبْحَاثْ وَالتَّحَرِّيَاتُ الأثَرِيّة، بأنها في حقِيقَتها ذاتُ أُصولٍ لُغَويّة أَكدّية وَسومّرية. وَمَن أَشّهر ذلك رُبَما ما عُرف عن اِسْتَخْدَام العراقيين لمفْردات مثل «أَكو .. ماكّو» ،الَّتي وحسَب الكِتاب، تُبين النُّصُوص المِسمارّية أنها تعني « يوجد .. لا يوجد» والَّتي ظَلَّ العراقيون مُنذ ذلكَ الحِين يَسْتَخْدِمُونَها في حَدِيثهم اليومي بنفس اللَّفْظ والمَعْنَى. وتوقفتُ عندَ العَديدِ من المُفردات، ورحتُ أتبادلَ الحَدِيث حولها معَ جَلِيل، وإذّ لاحظَ الجَمِيع أني أحملُ الكِتاب مَعي، راحوا يَنبشّون ذاكرتهم اللُغَويّة ويَسألّون عن مُفْرَدَاتُ من هُنَا وهُنَاك وكنت أحاولَ جاهداً ان أبحثَ لهم عنها في صَفحّات الكِتاب.
ومن ساعة دخولنا بيت صدّيقي الصَدّوق أَبُو سُكينْة، فهمتُ أنه مَهموم بمتابعة أخبار أقرباء لأم سُكينْة، تمّ نقل أطفالٍ لَهم مصابين بالربوِ الى المستشفى، كانوا ضمنَ المتضرّرين بحالات الأختناقِ الّتي أعلنت عنها الدَوائر الصحية في العديدِ من المُدن العراقية بسبب العواصفِ الترابية، الّتي ضربت البّلاد مؤخراً. وإذ عَبرتُ عن أسفي قال أَبُو جَلِيل: مدن تضرّبها عواصف ترابية ومدن بدون ماء ومدن مستشفياتها تعاني من نقص في الادوية ومدن ...
قال جَلِيل: ولهذا تأسس تَحالف القوى الديِمقراطّية المَدنية (تقدم). فضمن أهدافه توفير الأمن والأستقرار والنهوضِ بالواقعِ المعيشي والثقافي والصحي والخدمي عموماً، لأن احوال البلاد لم يعد يمكن السكوت عن تدهورها.
قلتُ مشاركاً في الحديث: ولن يتحقق أي تغيير في البلاد ان لم نتخلص من نهج المحاصصة الطائفية والاثنية، وما جره على بلادنا من مآس وويلات، ونبني الدولة المدنية الديمقراطية، الضامنة لحقوق وحريات سائر أبناء الشعب العراقي، على اختلاف انتماءاتهم وهوياتهم، ومعتقداتهم الدينية والمذهبية والقومية والفكرية، وثقافتهم الاجتماعية، بعيداً عن كل أشكال التعصّب الديني والطائفي والقومي والعشائري والمناطقي، والسياسي الضيق.
قال أَبُو سُكينْة: بروح موتاك ما تفتح لي هذا الكِتاب الّذي بيدك وشوف لي المرحوم طه باقر ماذا يقول عن السومريين، هلْ كانوا يتوقعون ان بلاد «أكو ..ماكو» وبلاد حمورابي، صاحب أقدم وأشمل القوانين في العالم، وبلاد ما بين النهرين، راح يعيشون أيام تشح فيها المياه وتنشف نهرانه ويصير بلاد «ماكو» وبدون " أكو "!


217
الكَلامُ المُباح (148)
فَوْقَ السَّبْعَة .. تَحتَ السَّبْعَة !
يوسف أبو الفوز
إِرْتبَاطاً بنتائجِ الاسْتِفْتاءِ في كُردستان،الّتي أَنْتَجَت وَضْعاً مُربِكاً في الاقليم وعموم البلاد، ما زالت تداعياته تتواصل. كان جَلِيل غَاضِباً، وهو يتحدث عن ما سماه "الْعَمَى السّيِاسّي" عند البَعْض ممن سماهم"ساسّة الصُّدْفة"في عمومِ البلاد، شّمالاً وجَنوباً، خصوصاً الّذين يَخْلطُون الأمور، وينشغلون بصغائرها تاركينَ ماهو أساسّي.وأكثر غضبه كان من البَعْض الّذين  يقودهم الاِخْتِلال في الرُّؤْية الى التحدث بلغة عِدائَّية ضِدّ الاخر،ومنهم من يطالب بمحاسبة ومعاقبة شعب بجَرِيرَةِ ممارسات قادته السياسيين.
من جانبي كان يغيضني، البَعْض الذي يحاول دسَ السُّم في العَسَلِ، ويتباكى على التَّيَّار المَدَنِي، ويَتجاهل موقفهم المُبكّرمن الازمة، ويبني أحكامه على أحاديث مقاهي، وتصريحات افراد، ويتجاهل المَوقِف الرّسمي، الذي أعلنه التَّيَّار المَدَنِي والحِزْب الشُيوعيّ، بالتحذير من إجراء الاسْتِفْتاءِ من جانبٍ واحد، كونه سيَقُود البِلاد الى أَزْمة ترمي به الى المجهولِ،وتكرار الدعوة الى الحوار وفق الدستور واضيف اليها مؤخرا الدعوة الى مقاضاة مرتكبي العنف والتهجير القسري في المناطق المتنازع عليها.
قالَت سُكينْة: لا أعتب على بسطاء النّاس من الجانبين،الّذين ينجرّون للتصريحات المستفزّة، فيكون ردهم بسلوك وتصريح اكثّر استفزازاً، مثل حرق الأَعْلَام أو اطلاق شّتائم شوفينية أو متعصبة ضيقّة، أن ما يغيضني جداً، هو أشباه المثقفين،ومن الجانبين بالطبع، فطرف منهم يتحدث بلغة عدائية مقيته، موروثة من قاموس البعث الشوفيني تجاه شركاء الوطن، والطرف الاخر يتحدث بروح تعصب ومظلومية ترى في الشريك محتلاً!   
قالَ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة: أذا كان مطلوب مني المشاركة في الحديثِ، فلابد ان اذكركم، بأن لا تنسوا بَعْض السياسيين، في عموم البلاد، صغارا وكبارا، الّذين واصلوا دق طبول الحرب، ضد "عدو" أكتشفوه تواً، وكانوا لحد الامس القريب يتحاصصون معه السلطة والثروة. وقبل كل هؤلاء جميعاً لاتنسوا المتياسرين،الذين بزّوا الشيخ "كارل ماركس" وصاروا ملكيين أكثر من الملك.وحتى أكون أكثر عدلا لا تنسوا أيضا من صار يتباكى على وحدة الوطن، وهو لحد الامس القريب، يمسح الجوخ ـ بأقتدار وطني ـ للمسؤولين في دول قضمت حصتها من ارض العراق بموافقة نظام صدام حسين المقبور في سنوات حربه مع الجارة ايران. ولا تنسوا.....! فهؤلاء جميعاً يظنون السياسة، عبارة عن لعبة "فَوْقَ السَّبْعَة.. تَحتَ السَّبْعَة"، فلا تستغربوا منهم ان لا يفهموا مواقف التيار المدني وسياسة الحزب الشيوعي، ونظرته الواقعية للاحداث، فهم يستسهلون جرّ البلاد الى الحرب وخطاب الكراهية بين مكوناته لأن مصالحهم تكمن في هذا، ويحاولون التشويش على حقيقة باتت واضحة وجلّية تماما، بأنه بدون بناء الدولة المدنية الديمقراطية لا يمكن حل اي قضية والخروج من الازمات المتوالدة بسبب دولة المحاصصة الطائفية والاثنية !


218
ثلاث دقائق غيرت فنلندا !

لحظة القاء القبض على المعتدي
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
في مدينة توركو الفنلندية، العاصمة التأريخية للبلاد، وفي سوق شعبي مفتوح، وسط المدينة، في 18 من آب الماضي، هاجم شاب من أصول اجنبية، تبين فيما بعد أنه طالب لجوء مغربي الجنسية (مواليد 1994)، المواطنين العزل بالسلاح الابيض، فقتل امرأتين وجرح ثمانية اخرين، وتمكنت الشرطة من الوصول الى المكان خلال ثلاث دقائق واطلقت النار على فخذ المهاجم واستطاعت توقيفه. وكانت الشرطة الفنلندية حذرة جدا في تصريحاتها حول الحادث، فلم تستبق الامور، وحرصت على عدم تسريب المعلومات الا بعد ان قطعت التحقيقات مع المعتدي شوطا كافيا لتعلن انها تتعامل مع الحادث كعمل ارهابي، ليسجل الحادث الاول من نوعه في فنلندا، ولتغير هذه الثلاث دقائق من الحياة في فنلندا بشكل كبير، ففنلندا ما قبل الحادث هي غير ما بعد ذلك !
حصل الكثير من التغيير في الجانب الامني، انعكس بشكل كبير على  مجمل ايقاعات الحياة في فنلندا وخلق نوعا من التوتر المجتمعي. فرغم أن الجهات الامنية أبقت مستوى التهديد الأرهابي للبلاد عند مستوى "مرتفع"، وهي الدرجة الثانية على مقياس من اربع درجات (منخفض ، مرتفع ، مرتفع للغاية وشديد) ، وكانت رفعت ذلك اثر الاحداث الارهابية في اسبانيا، الا ان الشرطة الفنلندية أصبحت في حالة تأهب دائم، وعلى حد تعبير وزيرة الداخلية "باولا ريسكو" (حزب الاتحاد الوطني الفنلندي ـ يمين تقليدي) :" لا يوجد لدينا شرطي بدون عمل". ولاول مرة في فنلندا، وبشكل لم تشهده البلاد سابقا، صار عناصر الشرطة يتجولون في الاماكن العامة وهم يحملون اسلحتهم النارية، وبجاهزية كاملة، في اجواء ومظاهر ترقب غير مشهودة سابقة، مع الصلاحيات الكاملة بأطلاق النار عند الحاجة، اضافة الى اعلان وزارة الداخلية عن  دعوة من يرغب من الشرطة المتقاعدين للعودة للعمل، والاعلان عن توظيفات جديدة في الوزارة وزيادة مخصصات عموم الوزرات الامنية، وتبعا لوزارة المالية فقد خصصت الحكومة أموالا إضافية لضمان الأمن الداخلي. واشار وزير المالية الفنلندي، وهو عمليا يشغل مهام نائب رئيس الوزراء، "بيتيري أوربو" (حزب الاتحاد الوطني الفنلندي ـ يمين تقليدي) إلى أن الحكومة ستصرف 17 مليون يورو إضافية لتشديد الإجراءات الأمنية وتخصيص 5 ملايين يورو إلى وزارة العدل و12 مليون يورو إلى الشرطة والأمن. من جانبه اثنى رئيس الجمهورية الفنلندية  "ساولي نينيستو" (الاتحاد الوطني الفنلندي ـ يمين تقليدي) ، في خطاب له ، أمام الاجتماع  السنوي للبعثات الدبلوماسية الفنلندية ، على جهود الجهات الامنية الفنلندية، ورغم انه بين أن فنلندا فيما يخص تطبيق قوانينها ملزمة بالاتفاقات الدولية، ما يخص حقوق الانسان، الا انه وبنفس الوقت أثنى على سياسة الحكومة الحالية، وكرر تصريحات رئيس الوزراء "يوها سيبلا" (حزب الوسط) في دعوته لتوسيع قوانين المراقبة وتغير الدستور وايجاد تشريعات تقر  للحكومة بذلك. وكان العديد من المسؤولين الامنين سبق وان اشتكوا من الحاجة الى قوانين تسمح لفنلندا باللحاق بباقي دول اوربا في مجال الرقابة الاليكترونية لمكافحة الارهاب، حيث لا تسمح  القوانين الحالية في البلاد للسلطات واجهزة الاستخبارات بمراقبة المجرمين والارهابيين المحتملين على الانترنت قبل أن يرتكبوا جريمة ما. وبينت تصريحات لوزيرة الداخلية الفنلندية في الايام الاخيرة، ان الاجهزة الامنية تقوم بمراقبة أكثر من الف شخص، بينهم  350 تحت المراقبة الخاصة من قبل جهاز المخابرات الامنية الفنلندية (سوبو)، مشيرة الى كون الاجهزة الامنية نجحت منذ عام 2012 بأحباط العديد من النشاطات الارهابية بما ذلك مهاجمة سياسيين او مدارس.
 واذ يرى بعض المراقبين ان توجهات الحكومة الحالية وإذ تدفع بأتجاه لتكون أجراءتها اكثر بوليسية، فأن هناك الخشية من ان الاجراءات الامنية لمكافحة الارهاب قد تستغل لتهديد التجربة الديمقراطية في البلاد وتنتهك حقوق الانسان، حيث تجد الجماعات العنصرية، واحزاب اليمين المتطرف فرصتها لتغذية روح الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين واثارة الخوف والرعب في نفوس المواطنين الفنلنديين ، ودعا "يوسي  هالا آهو"، رئيس حزب الفنلنديين الحقيقيين، اليميني المتطرف، الذي يعتقد بأن الهجرة احد الاسباب الرئيسة للمشاكل الامنية للبلاد، الى احتجاز طالبي اللجوء، االذين حصلوا جوابا سلبيا والذين لا تزال ملفاتهم تحت الدراسة، في جزر خاصة لانهم وحسب اعتقاده يصبحون عاملا خطرا يهدد امن البلاد.
 وحاولت منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني وبعض الاحزاب اليسارية، من تهدئة الاوضاع، سواء بالتصريحات وانتقاد اجراءات وسياسة الحكومة اليمينية الحالية او بحضور الفعاليات التي ينظمها المهاجرين واللاجئين للتعبير عن التضامن، وتقديم خطاب متوازن يدين خطاب الكراهية ويؤكد على اهمية الحفاظ على حقوق الانسان بالرغم من كل شيء .
من جانب اخر نجد ان الاحداث المتتالية تلقي مهمات كبيرة على عموم المهاجرين واللاجئين المقيمين في فنلندا،قدامى وجدد، اهمها تقديم الصورة الحسنة والالتزام بقيم المواطنة وادانة اي سلوك مخالف للقانون، فالصحف الموالية لليمين المتطرف والجماعات العنصرية استثمرت كثيرا التجاوزات التي ارتكبها البعض من اللاجئين والمهاجرين، كحوادث السرقة والتحرش الجنسي والاغتصاب، وتم المبالغة فيها، لرسم صورة سلبية عن عموم الاجانب المقيمين في البلاد ولتغذي خطاب الكراهية الذي يخدم توجهات قوى اليمين الراغبة في البقاء في مواقع السلطة في الانتخابات التشريعية القادمة عام 2019 ولتستخدم موضوعة المهاجرين واللاجئين والارهاب كأوراق انتخابية.

 

219
خواطر لمن يهمه الامر : في القطار مساء الاربعاء !
يوسف ابو الفوز
كنت عائدا بالقطار الى هلسنكي من مدينة تامبيرا ( تقع 180 كم شمال العاصمة هلسنكي)، وتوجهت لمطعم القطار ،لأكل واشرب شيئا، من بعد نهار طويل ازدحم بأجتماعات عمل ولقاءات اصدقاء فنلنديين وعراقيين، من المقيمين او الوافدين الجدد . كان المطعم مزدحما، ورأى حيرتي بالبحث عن مكان مناسب ، رجل فنلندي يجلس وحيدا الى طاولة بمقعدين فدعاني لمشاركته طاولته، وبدأ الحديث باسئلة التعارف التقليدية، من اين انت ؟ وكم سنة لك في فنلندا، وماذا تعمل ؟ والخ. أعلن جليسي عدم أجادته الحديث بالانكليزية، وهذا اثار استغرابي، بحكم كون الشعب الفنلندي من افضل الشعوب الاوربية تحدثا بهذه اللغة، فأخبرته "بأن ذنبك على جنبك "، لان فنلنديتي، وحسب المثل الشائع تطلق دخانا، فقال ان دخان انكليزيته سيوقف القطار. ضحكنا وكانت بداية طيبة لحديث ودي استمر طيلة الرحلة لاكثر من ساعة ونصف. وانظم خلاله لحديثنا اشخاص من الطاولات المجاورة فصار اشبه بالندوة. محور الحديث كان : اللجوء الى فنلندا. كان حديثا عميقا ومتشعبا، ساعدني ان لي ذاكرة لا بأس بها، فكنت اتحدث بالارقام وبالوقائع الموثقة مما اعطى مصداقية لحديثي اكثر امام السامعين .
ومن خلال هذا الحديث، يتأكد لي ان جمهرة ليست قليلة من مواقف الاوربيين، ومنهم الفنلنديين، من عموم الاجانب مبنية في جوانب منها على تأثيرات الاعلام الموالي للحكومات اليمينية والاحزاب العنصرية، وتاتي في مقدمة ذلك صحف "التابلويد" الصفراء، التي تبحث عن الاثارة و"تعمل من الحبة قبة" كما يقال في بلداننا، وتنشر الكثير من التلفيقات وتغيّب الاسباب الحقيقية لاي قضية وتظل تنبش في الامور الثانوية.
انتهت الرحلة بشكل ارضاني جدا، فلقد وافقني جليسي على اغلب وجهات النظر التي طرحتها ووعد بان ينقل ذلك للاخرين . اعلن تفهمه لاسباب اللجوء والهجرة من بلدان الشرق الاوسط، التي تعاني من الاضطرابات والنزاعات لاسباب طائفية وعرقية وضعف الدولة وسطوة المليشيات المسلحة. وتفهم ان سياسة الحكومة الفنلندية الحالية بخصوص اللجوء بحاجة للمراجعة الجادة. وان الجهات المسؤولة عن مراكز استقبال اللاجئين عليها ان تبذل المزيد من الجهد لرعايتهم، نفسيا وصحيا، خصوصا فيما يخصص معالجة " الصدمة الثقافية". اتفق مع ادانتي لاي سلوك مخالف للقانون الفنلندي يصدر عن اي لاجيء. واتفقنا انه لا يوجد شعب سيء وانما هناك اشخاص سيئين يجب محاسبتهم وعدم ادانة الاخرين بجريرتهم. واتفقت معه بان الشرطة الفنلندية يجب ان تكون اكثر حزما مع "المخالفات الجنائية "، كالسرقات والاغتصاب، ان حدثت من قبل اللاجئين وان تدخل في ملف اللجوء. واشياء عديدة اخرى تناولها الحديث الودي المتشعب.
من خلال هذه اللقاء اجد ايضا ان الاخوة اللاجئين عموما ، قدماءا وجدد ، مطالبين اكثر للعمل الجاد للمساهمة في تبديد مخاوف الناس وخصوصا البسطاء من الفنلنديين، حتى لا يقعوا تحت تأثير الصحف الصفراء واكاذيب الجماعات العنصرية والاحزاب اليمينية وايضا الجماعات النازية. هناك أكثر من باب للدخول في الحياة الفنلندية وفي كسب الاصدقاء واقناعهم بكونهم اناس مسالمين باحثين عن حياة امنة بعيدا عن العنف والظلم، ويحترمون الاخر المختلف لكونه انسانا. ان المدن الفنلندية، تغص بالمكتبات والمراكز الثقافية، ويمكن زيارتها ومحاولة التعرف على ثقافة وتأريخ هذا الشعب وتجربته في بناء دولة متحضرة ونظام متقدم . وان البحث عن فرصة عمل، ممكن جدا، رغم كل الصعوبات وما يرافق ذلك. وشخصيا اتابع باعتزاز تجارب وجهود البعض من الاخوة العراقيين خصوصا من اللاجئين الجدد ، سواء حصلوا على جواب ايجابي او الرفض، ومثابرتهم ليبنوا حياتهم والاستفادة من فرصة وجودهم في بلد متطور وحضاري مثل فنلندا.
شيء اخر : حين توادعت مع جليسي والاخرين وغادرت القطار لحق بي على رصيف المحطة ينادي باسمي وقال : نسينا شيئا مهما : لنتبادل ارقام التلفونات!. ووعدني بأنه سيقرأ كتاباتي المنشورة باللغة الفنلندية ويكتب لي رأيه عنها. فعلنا ذلك وتعانقنا. كنت مسرورا لكوني كسبت صديقا جديدا لنفسي ولقضايا أبناء شعبي !
   

220
وجهة نظر : عن تمثال الكاتب غائب طعمه فرمان في موسكو

يوسف أبو الفوز

نقلت الاخبار من العاصمة الروسية،  موسكو، خبر ازاحة الستار عن تمثال نصفي من البرونز للأديب الروائي الرائد غائب طعمة فرمان  (1927 ـ 1990) ، في مكتبة اللغات الاجنبية في موسكو، وهي من المكتبات المهمة، وتعد قبلة لطلبة الدراسات العليا، لوفرة وتنوع الكتب فيها. ويأتي تدشين التمثال أعترافا بأنجازات فرمان الادبية كمؤلف ومترجم عن اللغة الروسية الى اللغة العربية ، وحيث يعد بشهادة معاصريه، واحدا من أبرز مترجمي "مدرسة موسكو" للترجمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية .
رعا المشروع، وبلمسة وفاء للصداقة والاعتزاز بأنجازات فرمان ، صديقا الاديب الراحل، المترجمان عبدالله حبه وخيري الضامن، حيث دفعا من جيبهما الخاص تكاليف انجاز المشروع بالبرونز، بعد ان قام النحات المصري اسامة السروي بانجاز النسخة بالجبس ودون مقابل. وبين السيد عبدالله حبه في لقاء مباشر بالفيديو أجراه الصحفي سلام مسافر، ونشر على الموقع الاليكتروني لتلفزيون "روسيا اليوم "، ان الكثير من الجهات وعدت بالمساهمة المالية لانجاز المشروع ولكن للاسف لم يلتزم احد بوعده، وجاء في حديثه على ذكر اسماء وزارة الثقافة العراقية، الاتحاد العام للكتاب والادباء في العراق وجمعية المقيمين العراقيين في روسيا وايضا بعض الافراد.
الملفت للانتباه ، وكما بينت الصور المنشورة، ان النحات المصري لم يوفق في خلق أي شبه مع الروائي غائب طعمه فرمان (ربما ما عدا نظارته الطبية !) ، ورغم ان القائمين على المشروع افادوا بأن المهم  في المشروع هو أنه رمز من خلاله يمكن الاشارة الى اسم فرمان ودوره الريادي في الرواية العراقية، الا ان الامر يثير العديد من الاسئلة منها : الم يكن بالامكان ان يبادر فنان عراقي لعمل التمثال؟ وهل يا ترى تم الاتصال بفنانين عراقيين نحاتين معروفين لهذا الغرض، وفي البال عدة اسماء من محبي فرمان وكتاباته، وتم طرح الفكرة عليهم لاجل انجاز عمل فني يحمل شيئا من روح وملامح الاديب الراحل ؟
واذا سلمنا بمحدودية الامكانيات المالية للاتحاد العام للكتاب والادباء في العراق، فيا ترى الم يكن بامكان الاتحاد العام تبني الدعوة للمشروع والبحث عن داعمين ومانحين؟ وأيضا اليس من  المؤلم ان المؤسسات الرسمية العراقية المعنية، سواء وزارة الثقافة، أو السفارة العراقية في موسكو، لا تقوم باي مبادرة مالية للمساهمة ولو رمزية، والاخبار  والمعلومات تشير دائما الى حجم الصرفيات على الولائم والدعوات العامة، ويبين لنا ذلك انه بالامكان انجاز تمثال كامل وليس نصفي فقط  ان توفرت القناعة والارادة؟
ايضا، والمهم هنا، اود ان أثبت وللتأريخ، بأن الفنان الموصلي الراحل الدكتور احمد النعمان، الذي رحل عنا عام 2012 ، في لندن ، اخبرني شخصيا، وفي احدى احاديثنا الهاتفية، انه قام بنفسه بعد وفاة الاديب فرمان بإنجاز قناع جبسي لوجهه. مما يعني انه يحمل ويحفط ادق ملامحه، فيا ترى الا يستحق  انجاز تمثال مُقنع ومقبول، الاتصال بعائلة الفنان الراحل النعمان والاستفسار منهم عن القناع ومحاولة استعارته او اقتنائه بشكل ما والاستفادة منه فنيا، خصوصا وان القائمين على المشروع وبحكم قربهم من الراحلين، الاديب فرمان والفنان نعمان، أكيد لهم علم ما بموضوع القناع ؟ وما هو يا ترى مصير هذا القناع الان ؟ الا  يمكن الان لفنانين عراقيين اخذ زمام المبادرة والاستفادة من ذلك ؟
بأعتقادي أن الاشكالية التي ترافق هذا الحدث، واحوال الدولة العراقية، ومؤسسات الثقافةعموما، لا تقف عند وجود تمثال لا يشبه الاديب الراحل غائب طعمة فرمان، وانما ان ما يجري كله لا يشبه المطلوب حضاريا في تقدير وتقييم الثقافة والمثقفين .

 



221
الكَلامُ المُباح (146)
كُردّي مِن السَماوّة!
يوسف أبو الفوز
لطالما مازحني أصدقاء مقربين بكوني مستكّرد، إرتباطاً بما كتبتُ ويتعلق بالقضيةِ الكُردّية، هذا الأمرُ نفسه أستغله ضدي البعّض ليتهموني بموالاة الكُرد، ومنتقدين دفاعي عن حقوق الشعب الكُردي. وصار الاصدقاء يمزحون معي وينعتوني بكوني"كُردّي مِن السَماوّة"،فيوماً، وقُبيلَ سقوط النظام المقبور، وفي سجّال مع أحدهم في محفلٍ عام، أخبرته بأني أعتبر نفسي كُردياً أكثر منه، لأن الأنتماء لقضية وشعب ما،لا يكون عندي بالدم واللغة، وإنما بالأيمانِ بقضية هذا الشعب ومشروعيتها، وإلا كيفَ ننظرُ لإنتماء الالاف من المرتزقة الجحوش الذين باعوا ضمائرهم وكانوا عوناً لقواتِ النظام الفاشي ضد أبناء جلدتهم؟وعليه فأني أفتخر كوني كردياً من السماوة وأن كنت منحدراً من قبيلة عربية، ولأني دفعت لهذا الأنتماء سنوات زهرة شبابي في جبال كٌردستان، خلال فترة التحاقي بحركة الكفاح المسلح ضمن قوات الأنصار الشيوعيين، في نضالها المشرف ضد النظام الشوفيني البعثي، وتبنيت قضية الشعب الكُردي بحكم أيماني بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
حكيتُ كل هذا، بعد أن تلقفت سُكينْة تذمّري، من ما يطفو من خطاب الشوفينية والتعصب القومي عند فئات معينة من الناس، يغذيه الصراع السياسي المتعلق بموضوع إستفتاء كُردستان، فنجحت في دفعي للحديث.
قال جَلِيل: أن من الخطأ الجسيم اللجوء إلى مواقف تصعّد روحية العداء بين الشعبين العربي والكُردي،وإطلاق التهديدات المتقابلة،  مما يشجع أطراف خارجية على التدخل في شؤون بلدنا الداخلية، ويوفر الفرص لقوى الارهاب ايضا وللمجموعات غير المنضبطة لتنفيذ مشاريعها المزعزعة للأمن والاستقرار.
قالت سُكينْة تضامناً معي: بغض النظر عن موضوع الإستفتاء، وتوقيته،وهل الظروف المؤاتية متوفرة؟وهل سبقته تهيئة واجبة؟ فهذه قضية سياسية قبل كل شيء، ولكن الا يفكر هؤلاء الساسة، خصوصاً ممن يغذّون الفتنة، بمستقبل الاجيال القادمة وهم ينشرون خطاب الكراهية بين شعبين لطالما أمتزجت دموعهم ودمائهم في دروب الكفاح لاجل حياة أفضل؟
سعل صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، وكنت أراه كيف يزّم بشفتيه لأخفاء غضب يتصاعد في داخله:لا أناقش في مشروعية حقوق اي شعب، ومنها الشعب الكُردي بالتأكيد، لكني أشعر بالغيض من تجار السياسة وتجار الحروب وتجارالــ ...،هؤلاء إلا يفكرون بمستقبل هذا التعايش والتعاشق التأريخي بين الشعب العربي والكُردي؟ لا تزعل يا صاحبي أنت يا كُردي السماوة.. أعتقد ان هؤلاء السياسين والتجار الخردة يجهلون أن أكبر مدينة كُردية في جغرافية العراق هي بغداد... لا تفتحوا عيونكم وتستغربوا هذه المعلومة.. هذه حقيقة سمعتها بأذني من قادة كُرد تأريخيين لاكثر من مرة وهم لا ينطقون جزافاً. فيا ترى كيف سيكون مصير بغداد الكُردية مستقبلاً أمام خطاب الكراهية والشوفينية والتعصب القومي اذا أصبح هو السائد في حياتنا ؟


222
الفنان عبد الامير الخطيب وحوار عن "الثقافة الثالثة"

هلسنكي ـ كتابة وتصوير :  يوسف أبو الفوز
في العاصمة الفنلندية ،هلسنكي ، وفي مساء 21 أيلول ، وبالتنسيق بين "مركز الثقافات العالمي" ـ Caisa)) و"بيت الثقافة في مالمي" ـ (Malmitalo) اقيمت أمسية للفنان العراقي عبد الامير الخطيب تحت عنوان : "حوار مفتوح حول الثقافة الثالثة". وحضر الامسية نخبة من المشتغلين بجوانب الابداع المختلفة ومعنيين بموضوعة الثقافة والهجرة، بحكم انتمائهم لجنسيات وثقافات مختلفة . وبعد ان تحدث الفنان الخطيب عن مفهومه للثقافة الثالثة كمصطلح افتراضي كمرحلة متقدمة في عمل المشتغلين بالثقافة خصوصا المهاجرين الذي يحملون معهم ثقافة بلدهم (الثقافة الاولى) ويعملون وسط ثقافي اخر في المهجر (الثقافة الثانية) فالنتائج تؤدي الى ظهور منتج ثقافي يتسلح بالتزاوج ما بين الثقافات المتعددة لينتج ثقافة جديدة بعمق اخر هي (الثقافة الثالثة )، والتي هي حسب الفنان الخطيب " حصيلة خليط واسع الوفرة من نظم ادراكية ومنظومات لا ادراكية خاضع للتطور عبر تفكيك منظومات الأساليب التقليدية الموروثة". وجرى حوار وسجال حيوي حول افكار المحاضرة ، واحتل موضوعة دور اللغة في رسم الهوية الثقافة للاعمال الادبية حيزا مهما، اشترك فيه العديد من الحاضرين ، الذين تنوعت جنسياتهم ونوعية الاشتغالات الثقافية التي يهتمون بها .
تجدر الاشارة الى ان الفنان عبد الامير الخطيب من مواليد النجف 1961 ، وصل فنلندا عام 1990 ،اقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة . أسس عام 1997 مع خمسة اشخاص مشروعه الفني "شبكة الفنانين المهاجرين في اوربا" ـ (EU- MAN) ، والتي مقرها هلسنكي ، والذي يضم الان اكثر من اربع مئة فنانا محترفا ينتمون لاكثر من 40 بلدا ،  يشكل الفنانون العراقيون نسبة كبيرة منهم ، واصدر مجلة فنية فصلية تعني بالثقافة التشكلية بعنوان (ألوان كونية)  وصدر منها اكثر من 80 عددا ، واهتمت الشبكة بتنظيم المعارض الفنية المشتركة في في اكثر من اثني عشر بلدا اوربيا.

 


223
وجهة نظر : إنفصال أم تقرير مصير؟
يوسف أبو الفوز
لم أقدم سنوات زهرة شبابي، والتحق بحركة الكفاح المسلح في جبال كردستان، لاشهد مثل هذه الاجواء المشحونة بدق طبول الحرب وتصاعد مشاعر الكراهية، بين شعبين، عاشا عقودا طويلة، بتاريخ وهموم واحلام مشتركة، ولطالما غنينّا للشراكة بينهما التي تحطمت على صلابتها مخططات الاستعمار والصهيونية في المنطقة !
وبأعتقادي ان قضية أقليم كردستان، وما يجري الان، لا يمكن ان تمر ببساطة عبر الجواب "لا" أو "نعم" في الاستفتاء الذي تنادي به القيادة الكردية الحالية للاقليم، حيث تتصاعد روح التعصب القومي  في الاقليم ، تساعد على ذلك مناورات بعض الاحزاب الكردية مستغلة مشاعر الناس واحلامهم المشروعة، وتنتفض من الجانب الاخر في المناطق العربية الروح الشوفينية، مغلفة بالشعارات الوطنية ومتباكية على وحدة العراق.
وسط هذه المعمعة، أجد ان بقايا البعثيين واترابهم لا يستحقون حتى الرد، فبعضهم يحاول استغلال الفرصة والاساءة لمواقف القوى الوطنية، التي طالما ناضلت وقدمت التضحيات لاجل مستقبل الوطن الحر والسعيد ، فهولاء وحين ثلم "القائد اللاضرورة" الخارطة العراقية من جهة الاردن وتنازل عن حقوق العراق في المنطقة المحايدة، التي اختفت بعدها من الخرائط، بسبب رغبته في كسب تأييد الاردن والسعودية في حربه مع الجارة ايران، لم ينطق احد منهم بكلمة عن حرمة التراب العراقي. الان صار الجميع يتغنون بحب العراق، بل وثمة من يدعو القائد العام للقوات المسلحة للتصرف للحفاظ على وحدة العراق. أنهم يدقون طبول الحرب والكراهية ويدفعون بمستقبل الاجيال القادمة الى الهاوية المجهولة.
من جانب اخر، لا احد يستطيع انكار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وكون الشعب الكردي صار ضحية الاتفاقات الدولية الاستعمارية ما بعد الحرب (سايكس ــ بيكو 1916) ، بملايينه الموزعة على تركيا وسوريا وايران والعراق، وان له الحق، بل وكل الحق، بأن يمتلك دولته الوطنية، ولكن السؤال الكبير عندي هو : متى وكيف ؟
بعض القيادات الكردية ـ بمختلف الالوان السياسية ـ تريد ان تدخل التأريخ مستثمرة مشاعر الكرد وحلمهم المشروع بالدولة القومية، فراحت تنادي للاستفتاء ملوحة بالانفصال عن الدولة العراقية الاتحادية التي ارتضوها وصوتوا على دستورها وكانوا عاملا حاسما في اقراره، وباركوا الحكم وفق مبدأ المحاصصة الطائفية والاثنية طالما كان مفيدا ونافعا لهم .
اعتقد ، بأن احد اطراف المشكلة الحالية ، هو كون ان البعض يفهم " حق تقرير المصير" وكأنه " الانفصال"  الفوري فقط ، دون ان يكلف نفسه الرجوع الى الادبيات الكلاسيكية، ماركسية أو غيرها ــ حول ذلك  ويراجع تجارب الشعوب، ليجد ببساطة ان "الانفصال" هو أخر العلاج. في أدبيات الحزب الشيوعي العراقي (تأسس 1934) وهو أعرق حزب سياسي عراقي، واول من رفع شعار تقرير المصير للشعب الكردي، طالما قرأنا عبارة مثل " النضال من اجل حقوق الشعب الكردي بتقرير المصير بما في ذلك حق الانفصال وتأسيس دولته المستقلة"، والقراءة المتمعنة لهذا تعني ان هناك تدرجا في اشكال تقرير المصير واخرها هو الانفصال. فتقرير المصير،  الذي هو مصطلح في القانون الدولي ويعني منح الشعب أو السكان المحليين إمكانية أن يقرروا شكل السلطة التي يريدونها وطريقة تحقيقها ، يبدأ من التمتع بالحقوق الثقافية، يليه اشكال من الحكم الذاتي ( كتالونيا ــ الإسبانية)، يتطور ذلك الى شكل الحكم الفيدرالي (العراق بعد 2003)، أو الحكم الكونفيدرالي (الاتحاد الاوربي)، واذا نضجت الظروف وتكاملت يمكن ان يحدث الاستقلال الناجز. ومن الضروري الانتباه الى ان الماركسية تعلمنا بأن وجهات نظر ماركس ولينين عموما، وحول تقرير المصير أيضا، اذا كانت صحيحة وصائبة في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، فأن كثير منها قد يفقد صحته مع حلول القرن الواحد والعشرين، وان حرق المراحل يدخل اي طرف تحت مظلة التطرف اليساري .
ما يجري الان ، وان كان في اطار مناورات سياسية، فهو بالحقيقة القفز على كل المراحل وحرقها ليكون الامر أشبه بولادة طفل في مرحلة مبكرة للغاية (مثلا في 27 أسبوعاً أو أقل بينما الولادة الطبيعية هو 37 اسبوعا)، ، دون ان يكتمل نمو اجهزته الداخلية، ليكون طفلا صحيحا ينمو بدون اي مشاكل ليكون انسانا بالغا، حيث سيظل يحتاج إلى رعايته في وحدة العناية المركزة ويكون عرضة لخطر كبير وقد يموت.
وأذا اقررنا باعتبار  استقلال شعب، بكيان سياسي مستقل هو ثورة ، فهل يمكن للثورة ان تحدث دون ان تتوفر شروطها الموضوعية والذاتية ، كما تعلمنا ابجديات النضال الثوري؟ ان تأسيس دولة كردية هو ثورة بحق، سواء ان كانت بحركة مسلحة او باستفتاء سلمي، ولكن ما هي ظروفك الذاتية يا شريكي في الوطن، وما هي ظروفك الموضوعية التي ستحيط بدولتك القادمة التي نحلم بها معك؟
طيلة سنوات الاحتراب بين العراق وايران وتركيا، لم يتوقف التنسيق وحتى اللقاءات المباشرة بين الجهات الامنية ـ مؤسسات وزارة الداخلية وغيرها ـ وعبر قنوات مختلفة ، حين يتعلق الامر بالقضية الكردية ، فهم متفقون دائما على ذلك وان احتربوا على قضايا اخرى. وأن اسرائيل ، الدولة العنصرية، التي تضطهد وتسلب حق الشعب الفلسطيني لا يمكن لها ان تكون سندا حقيقيا لشعب أخر يناضل لاجل حقوقه، فالامر بكل بساطة هو استثمار خاص بسياستها في المنطقة، واما الولايات المتحدة الامريكية، التي اسقطت نظام الطاغية صدام حسين لم تأت بجيوشها لسواد عيون العراقيين والكرد، او لاكل التين المجفف ـ على حد قول احد القادة الامريكان ـ بل لاجل مصالحهم في المنطقة، والتاريخ يبين لنا بانها حليف غير مؤتمن لقضايا الشعوب العادلة، ولا يمكن ان تكون حاميا لدولة كردستان المستقلة.
يجب ان نتذكر دائما ، من تجارب الشعوب ، بأنه لا يمكن لاي قائد سياسي، مهما كانت براعته، ان يحقق اهدافه المشروعة ان لم يلتف حوله ابناء شعبه، وتكون جبهته الداخلية متراصة وموحدة، وبنظرة خاطفة نجد ان الشعب الكردستاني حاليا بمكوناته المختلفة منقسم بشكل واضح، سياسيا واداريا وماليا، والاقليم في العراق يعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية عميقة، وقوى الفساد الاداري والمالي تتحكم بمقدرات الناس وتنخر في حياة الاقليم على عدة مستويات.
وأن الحكومات المتتالية في بغداد ، من بعد سقوط الصنم ، خصوصا حكومات نوري المالكي، العاملة وفق نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، أثبتت فشلها في التعامل مع حكومة الاقليم، وكانت سببا مباشرا في صعود "داعش" وأحتلال الموصل، لكن هذا لا يمنح الحق للقيادات الكردية الحالية، ان تتعامل مع الشراكة في الوطن العراقي وفقا لرد الفعل على سياسة طرف من العملية السياسية، لانهم ببساطة لا يمثلون كل العراق، مثلما ان قيادات الاقليم الحالية لا تمثل كل الشعب الكردستاني !
ان الاستجابة لدعوات الحوار، ما بين الاقليم والمركز في بغداد ، وحل الامور بالمفاوضات، ووضع خطة طريق بضمانات لمستقبل البلاد وشكل تقرير المصير، هو الحل الذي يضمن السلام في المنطقة والتعايش بين شعوبها، ويجنبها ويلات قادمة تنعكس على مستقبل اجيالنا القادمة .
12 أيلول 2017
 

 

224
المنبر الحر / الإِعْصَارُ !
« في: 17:57 11/09/2017  »
الكَلامُ المُباح (145)
الإِعْصَارُ !
يوسف أبو الفوز
حينَ دَخلتُ بيتَ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، كان السكون يعمُ الجميع، وإذ القيت التحية، ردَ الجميع بخفوتٍ وهم منشغلين بمتابعة تقريرٍ تلفزيونّي عن إِعْصَارِ "إرما"، الذي ضربَ مناطق مختلفة من منطقة بحر الكاريبّي وتسبب بأضرارٍ واسعة وفيضانات وهدم مباني وأدى الى مقتلِ البعض من الناسِ لاسبابٍ مختلفة.
كنتُ وزوجتي تابعنا تفاصيل ذلك مسبقاً، وقرأتُ لها ما نشرته وكالات الانباء عن كون "المركز الوطني الأمريكي لمراقبة الأعَاصِير" أعلنَ أن المنطقة لم تشهد  إِعْصَاراً مدمراً مماثلاً منذ العام 1928،  فالأعَاصِير المصنفة في الفئة الخامسة، تكون نادرة، وان سرعة رياح إِعْصَار إرما والمصنف في نفس الفئة  تبلغ 300 كيلو متر في الساعة، وتبعاً لذلك فأن العديد من الدولِ الأوروبية أبدت مخاوفها مسبقاً من نتائجِ الإِعْصَارِ، وتوقعت أن يضرب بالاضافةِ لسواحلِ مدن أمريكية بعضا ً من السواحلِ والجزر الأوروبية، ولهذا أعلنت فرنسا حالة التأهب القصوى، وأستعدت بريطانيا وهولندا وغيرها، وقدرت "الأمم المتحدة" أن نحوَ 37 مليون شخصاً قد يتضرّرون جراء هذه الكارثة الطبيعية وأن التعافي من هذه الكارثة سيستغرق شهوراً طويلة.
ما ان أنتهى التقرير حتى قالت أم سُكينْة: هذا غضب من رب العالمين، على الجورِ والظلمِ في العالم.
سارعت سُكينْة وقالت لامها: وما هو رأيك بالذي يقول ان هذا غضب الارض على البشر، لانهم أخلوا بالتوزان الموجود في الحياة، كثرة أعداد البشرِ والتلوث والاحتباس الحراري والحروب و ...
 كنتُ أتابع الحوار الذي تعددت وتقاطعت فيه الاراء، وبنفس الوقت أراقب صديقي أَبُو سُكينْة الذي كان صامتاً وحزيناً، وإذ أنتبه لي سعل وقال: أعرفك تنتظر وتريد مني تعليق  حتى تكتبه، لكن مثل ما تعرف أحاول دائما ربط الامور بما يجري عندنا في وطننا، وكنت أفكر صحيح ان العراق بعيد عن منطقة الكاريبي لكن أيضا عندنا أعَاصِيرُ مدمرة، ونادرة ولا تعرفها بلدان العالم، إِعْصَارنا لا يدمر ويفجر خطوط الكهرباء مثل ما قالوا بالتلفزين لان والحمد لله كهرباء ما عندنا مثل دول العالم،وإِعْصَارنا سرعتة عالية جداً ومثالية، لانه يشفط في طريقه الملايين والمليارات، واذا قُتل بالعشرات بسبب إِعْصَار إرما، فإِعْصَارنا من بعد سقوط الطاغية صدام ولحد الان تسبب في حصدِ ارواح الاف العراقيين، وبمختلف الطرق، واذا إِعْصَار إرما دمرَ مباني فإِعْصَارنا دمرَ بلد، واذا التعافي من إِعْصَار إرما يستغرق شهوراً طويلة،فتعال نحسب معاً  كمْ سنة حتى يقدر وطنا ان يقف على رجليه من نتائج إِعْصَار المحاصصة الطائفية والفساد وغياب القانون ؟!


225
أمسية الشاعر كريم هداد في هلسنكي

كتابة : يوسف أبو الفوز                
تصوير : حسنين رسول

من "مشروع الضوء الجانبي الثقافي  ـ Sivuvalo " وعلى قاعة مركز الثقافة العالمي"Caisa" في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، احيا الشاعر العراقي القادم من السويد كريم هداد امسية شعرية تميزت بالحضور العراقي والفنلندي وحضور اسماء بارزة من الكتاب والفنانين العاملين في حقول الثقافة في فنلندا، تحدث فيها الشاعر الضيف عن تجربته الشعرية والظروف المؤثرة عليها ولخصها بالاجواء الفكرية والسياسية في عائلته واهتمام مدرسيه في مرحلة الدراسة الاعدادية، وبادر احد مدرسيه ونشر له نصا وعمره 16 عاما، والاجواء العامة الثقافية والسياسية في مدينته السماوة وعموم العراق، وتحدث اضطراره لمغادرته بلده عام 1982 الى الكويت، اثر سياسات القمع التي اتبعها نظام صدام حسين الديكتاتوري في سبعينات القرن الماضي ، حيث عانى وعائلته ظروفا صعبة من المراقبة والملاحقة البوليسية، واعتقل وعمره 17 عاما وتعرض للتحقيق التعسفي وللتعذيب لرفضه الانضمام لحزب البعث . وتناول محطات رحلته مع المنفى التي بدأت من الكويت التي وصلها سرا في رحلة مشيا على الاقدام عبر صحراء العربية السعودية ، مرورا بالاقامة والعمل في سوريا وليبيا وهنغاريا وثم لجوءه الى السويد عام 1991 .
وتحدث عن قصيدته التي قال انه اجتهد لتكون قصيدة عراقية بأفق انساني، وكون اقامته في السويد ، كبلد اوربي متطور ، منحه مساحة واسعة من الحرية في التعبير عن افكاره مما حوله وما يجري في بلاده والعالم .  وقرأ نماذجا من قصائده باللغة العربية، وقرأ الشاعر اخلد المظفر بعض القصائد للشاعر الضيف باللغة الانكليزية، بينما قرأت الشاعرة البيروية زويلا زوس قصائد للشاعر الضيف مترجمة الى اللغة الفنلندية والاسبانية .
اعقب ذلك حوارا حيويا بين الشاعر والجمهور العراقي والفنلندي تناول وجهات النظر ، وقام بالترجمة خلالها الشاعر اخلد المظفر .
وادار الامسية ببراعة وحيوية المترجم الجزائري حمزة عماروش ويذكر ان فرقة بغداد صاحبت قراءة الشعر بعزف مقاطع موسيقية وقدمت بعض الاغاني العراقي خلال التوقفات .
الامسية ابتدات بحديث للكاتب يوسف ابو الفوز عن طفولة الشاعر الضيف مع عرض بعض الصور عنه ، واختتمت بوقفة صمت على ارواح الضحايا في حادث الاعتداء بالطعن الذي حصل في مدينة توركو مؤخرا .
اعقب الامسية جلسة مفتوحة في الحوار مع الشاعر مع الشاي والقهوة والمعجنات والموسيقى العراقية . وحضر الامسية العديد من ممثلي وسائل الاعلام .
ومن الجدير بالذكر ان الشاعر العراقي الضيف من مواليد مدينة السماوة 1961 ، وصدر للشاعر العديد من الدواوين الشعرية منها  "جنوبا..هي تلك المدينة.. تلك الأناشيد ـ شعر ـ دار ورد ـ دمشق 2001" ، حيث لا ينبت النخيل ـ شعرـ دار المدى ـ دمشق 2005 الذي كتب له مقدمة الشاعر سعدي يوسف ، وترجمت بعض دواوينه الشعرية الى اللغة السويدية .



226
المنبر الحر / الملاكمة والسياسة!
« في: 18:09 28/08/2017  »
الكَلامُ المُباح (144)
الملاكمة والسياسة!

يوسف أبو الفوز
كانت سُكينْة منزعجة ، كون اقتراب موعد الانتخابات دفعت قوى سياسية لشن حملة سياسية ظالمة ضد القوى المدنية والديمقراطية، ومنها الحزب الشيوعي في اطار الصراع السياسي حول مستقبل البلد.

قال جَلِيل : وللاسف ان البعض يحاول ان يلبسه ثوب صراع "مدني اسلامي "، متناسين ان المطالبة بالاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وتوفير الخدمات والمطالب المرتبطة والمتفرعة عنها لا تخص المدنيين فقط ، وإنما هي مطالب شعبية ووطنية .

قالت زوجتي : والبعض يفتري بأن المدنيين والشيوعيين لم يقدموا شيئا تجاه المعركة ضد الارهاب ، ويتناسون الشهداء الذين ساهموا بدمائهم في المعركة، وكون المعركة ضد الارهاب معركة وطنية، وأيضا انها ليس فقط معركة عسكرية ، بل متعددة الجوانب، لها أبعاد سياسية وثقافية واقتصادية – اجتماعية ، وكان المدنيون في الطليعة دوما في فضح قوى الارهاب والعوامل المساندة لاستمراره .

مساهماً في الحديث قلت: وماذا تتوقعون من قوى تصارع لأجل الحفاظ على مصالحها ومراكزها، هل تستسلم بسهولة، ان أي خطوة أصلاحية ستهدم جدار نفوذها وتقرب المسافة نحو التغييرالمطلوب، لذا فهي تلجأ الى ذر الرماد في العيون واللعب الخشن والضرب تحت الحزام حتى تضمن فوزها و ...

قال أَبُو جَلِيل : شنو احنا بحلبة ملاكمة .. تايسون ومحمد علي كلاي و ...

سعل صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، بصوت عال فالتفتنا اليه وتوقف أَبُو جَلِيل عن كلامه ، فقال أَبُو سُكينْة :

ـ والحالة أتعس يا صاحبي ... رياضة الملاكمة بيها قوانين وبيها أصول وبيها أخلاق فرسان لكن في حالتنا، واذ يتعلق الامر بكشف الفاسدين وخسارة المصالح وسيادة القانون ومؤسسات الدولة وعودة الهيبة للدولة، هذه القوى مستعدة لعمل كل شيء، يمكنها ان تلبس يوميا ثوبا جديدا، وتفهم السياسة بانها فن الكذب والأفتراء والتشهير واتباع مبدأ الغاية تبرر الوسيلة بالضبط مثل ايام نظام البعث المقبور، سياسة بلا اخلاق ولا دين والمهم الوصول للغاية مهما كانت النتائج، والواحد منهم يعتقد نفسه يفهم بكل شيء ، ويعتقد انه يستطيع خداع الناس طويلا.

227


في هلسنكي ورشة عمل عن أهمية الثقافة في التعايش بين الشعوب


هلسنكي ـ متابعة

على حدائق المتحف الوطني الفنلندي، وبالاشتراك بين مركز الثقافات العالمي والمتحف الوطني الفنلندي ومكتب منظمة اليونسكو في فنلندا (UNESCO  منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، في يوم السبت 12 اب ، ولمدة ثلاث ساعات ، نظمت ورشة عمل اشترك فيها نخبة من الناشطين والمنتجين في المجالات الثقافية ، كتاب وفنانين تشكيلين وموسيقين، من فنلندا ومن المهاجرين المقيمين في فنلندا، ومن مختلف البلدان (العراق، الصين، فلسطين، الاردن، الهند ، رومانيا ، الجزائر ، سوريا ، تركيا وبيرمانيا ).  افتتحت ورشة العمل السيدة لينا مارسيو، مديرة مكتب اليونسكو في فنلندا حيث اكدت في كلمتها، على كون منظمة اليونسكو اهتمت كثيرا بالشؤون الثقافية ، ومن ذلك تحقيق التوسع في مفهوم التراث الثقافي وحمايته والحفاظ على التنوع الثقافي، وكون فهم التراث الثقافي غير المادي للمجتمعات المحلية المختلفة  سيساعد على تعزيز الحوار بين الثقافات.


كان الموضوع والسؤال الأساس الذي تحاور المشاركين في الورشة حوله ، والتي ادار الحوار فيها ببراعة المترجم الجزائري حمزة عماروش، منسق البرامج في مركز الثقافات العالمي : ماذا تعتقد انك جلبت معك يُعرف بثقافتك الام للمجتمع الفنلندي؟. في الورشة قدم مجموعة من أعضاء من "فرقة بغداد" Bäghdad Band من العراق مجموعة من الاغاني العراقية الفلكورية ، وتحدثوا عن اهمية الموسيقى كلغة عالمية يمكن ان تعزز الحوار والتعايش بين الشعوب وتساهم في بناء عالم بدون حروب . وكان للكاتب العراقي يوسف ابو الفوز مساهمة بالحديث عن أهمية الادب في الحوار الثقافي وتعزيز السلام والتعايش بين الشعوب، وقدرة الادب في التشجيع على فهم الاخر وتعزيز الاحترام المتبادل للعيش معا ووجهت اليه العديد من الاسئلة حول اصدارته الادبية التي اهتمت بموضوع حوار الحضارات. وبدورهم قدم بقية المشتركين احاديثا ترتبط بمجال اختصاصهم، مثل الرسم ، الرقص ، الموسيقى والغناء ، الازياء ، الادب وغير ذلك . وبادر المتحف الوطني الفنلندي لتوثيق وقائع ورشة العمل لاجل انتاج فيلم وثائقي سيتم عرضه لزوار المتحف الوطني الفنلندي، يرافقه عرض مقتنيات فلكلورية وصور عن تراث مختلف الشعوب التي شارك ممثليها في ورشة العمل.





228
الكَلامُ المُباح (143)

اَلْفُجُلُ فِي اَلسِياسُةِ اَلْعِراقِيَّة!

يوسف أبو الفوز

وصلتُ بيتَ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، محملاً بحزمةٍ من الصحفِ والمجلات، مُخمناً إن جَلستنا سَتكون محتدمةً بالاسئلةِ والموضوعاتِ السياسية، أمام التطورات المتلاحقة والساخنة في أوضاع بلادنا، والتي يمزحُ أَبُو سُكينْة بانَ درجات حرارة الصيف الجهنمية ترفعُ من سخونةِ كل الاحداث في بلادنا.

ومن أيام وجَلِيل، مهتم بمتابعة وعرض المواقف الرافضة لتصويت مجلس النواب على قانون انتخابات مجالس المحافظات وإعتماد طريقة (سانت ليغو 1.7)، التي أجمع المعارضون لها، على وصفها توجهاً أقصائيا من قبلِ القوى المتنفذة التى تريد الأستئثار بالسلطة والحفاظ على نهج المحاصصة وقطع الطريق أمام أي أفقٍ للتعددية السياسية.

قال أَبُو جَلِيل: هل يمكن ان تفيدونا من أين جاءنا هذا السانت لوغو ؟

ضحكَ جَلِيل وقال: يا والدي أسمه الصحيح "سينت-لاغوي" ، والاسم الكامل "أندريه سينت –لاغوي"، وهذا عالم رياضيات فرنسي، يعتبر رائدا في مجال نظرية الرسم البياني، ولد عام 1882 وتوفي عام 1950، نشر أبحاثه عام 1910 حول اساليب تخصيص المقاعد، وسميت الطريقة بأسمه، وكان هدفه تسهيل حساب التناسب في النتائج الانتخابية واعتمدتها العديد من دول العالم .

قالت زَوجَتي: ولكن يبدو أن القوى المتنفذة عندنا منطقها الاساسي هو وضع المزيد من الصعوبات أمام أيّ تغيير لا يكون من صالحها، لتبقى متنفذة ومتفردة ويتواصل الفشل السياسي وأنتشار الفساد وسوء الادارة وتستمر معاناة أبناء شعبنا مع تردي الخدمات في كل مجالات الحياة.

كان صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، يصغي بإهتمام لكل ما يجري، وكان قبل أيام قد طلب مني أن اشرحَ له الملابسات المتعلقة بطريقة "سينت-لاغوي" في حساب الاصوات والمقاعد، فلم يكن ما سمع جديدا عليه. تنحنحَ ومدَّ ساقه قليلاً، وقال:

ـ لابد من حل، ولا تتعبوا انفسكم وتأملوا من القوى المتنفذة ما يرضيكم . سانت ليغو أو سينت لاغوي .. الجماعة عندهم الأمور كلها "سلة لغف"، بمعنى سد الطريق أمام أيّ إصلاح أو تغيير، والاستمرار في سدّ أذانهم عن سماع أصوات المطالبات الشعبية، بل والاستهانة بالارادة الشعبية، ويعملون بحماس تحت ظل شعار: " رغيف خبز لاتكسرين .. باقة فجل لاتفلين .. وأكلي حتى تشبعين" !

229
نبذة سريعة من قصتي مع الراحل مخلص العطار

يوسف أبو الفوز
رحل الصديق المخلص "مخلص هادي العطار"، وخلف في نفوسنا الحزن الشديد ، ولكن ذكراه عند اصدقائه ومحبيه، لن تزول. فهو الانسان الخلوق والجندي المجهول الذي ساعد العديد من المناضلين في ظروف حرجه وكان الصديق الوفي لهم. تعرفت شخصيا الى مخلص في احلك الظروف التي صادفتني في حياتي وكان احد الجنود المجهولين الذين وقفوا معي وشدوا من ازري وتعرضوا للمخاطر بسببي.
أرتبطت مع عائلة الشهيد هادي بحر العلوم بعلاقة طيبة منذ تعرفي على ابنهم جمال (ابو انجيلا)، في منتصف سبعينات القرن الماضي، حين درسنا معا في جامعة البصرة، ومن خلاله تعرفت الى بقية الاخوة (اموري ، جواد ، مخلص ، سلام وثم حسين ) الذين اصبحوا اكثر من اصدقاء مقربين.
كان مخلص عندي، في بداية معرفتي به، اكثر اخوانه غموضا، اذ كان غير ميالا للحديث ومشغولا دائما مع عمله في الخياطة، الذي علمه الدقة والتأني، وفيما بعد توفرت لي الفرصة لاتعرف الى مخلص جيدا وعن قرب، وفي ظروف غير عادية. حين اضطررت لترك دراستي الجامعية واللجوء الى بغداد للاختفاء بعد محاولة اعتقالي في البصرة في اذار 1978، اثر تصاعد "الحملة البعثية للقضاء على الشيوعية"، التي تزامنت مع الحملة الوطنية للقضاء على الامية فاختلطت الاسماء. كان مخلص واحدا من القلائل الذين وثقت بهم، خلال فترة اختفائي ، التي امتدت حتى تموز 1979 حيث اضطررت لمغادرة العراق سرا، ومشيا على الاقدام ، عبر الصحراء السعودية لاصل الكويت.
في بغداد ، في تلك الايام الصعبة ، التي بسببها سجن وعذب ناس لمجرد مساعدتهم سياسين مطلوبين ،  واذ ساد الرعب بين الناس بسبب شدة العسف البعثي العفلقي ، ساعدني مخلص بكل نكران ذات ، لاجد عملا عند احد معارفه من الخياطين في "منطقة المربعة"، واذ كنت بحاجة لمكان للمبيت، اذ كانت القضية الاصعب يومها ، وبمعرفة " ابو الخلص" ، كنت اتسلل ليلا لمحل الخياطة حيث اعمل، عبر باب جانبي، استنسخنا معا مفتاحه، لاقضي الليل هناك بدون علم صاحب المحل. وبعد عدة شهور، وحين راح يحوم حولي احد مخبري البعث من العاملين في مجال الخياطة ،وصار يسأل عني كثيرا ، ساعدني مخلص لانتقل لاعمل عند خياط اخر في شارع النهر، مخفيا اخباري عن اقرب الناس اليه ومحافظا على حياتي، وكنا نلتقي سرا في اماكن مختلفة حتى اضطررت لترك بغداد الى مدن اخرى .
خلال فترة اختفائي تلك، واذ كانت ضباع البعث تنبش شوارع بغداد عن مئات الشيوعيين واليساريين المختفين، تطوع مخلص لمساعدة العديدين مثلي ، لاجل الحفاظ على حياتهم، متحديا كل شيء .
وفي تلك الايام، واذ عشنا على مقربة، وكنا نلتقي كثيرا، وجدت فيه الدماثة والخلق النبيل، والتطلع للمعرفة، وحب النكتة والحياة، وكان عاملا مساعدا لاعيش حياتي بشكل طبيعي رغم المخاطر من حولنا، ودفعني سلوكه عموما لاثق به أكثر واكثر.
ومرت السنين، والتقينا خارج الوطن، واذ زارني عام 2000 الى محل اقامتي في فنلندا (الصورة المرفقة)، استذكرنا معا تلك الايام الصعبة، وبقينا على تواصل دائم محافظين على دفء العلاقة الصداقية رغم اختلافنا في الكثير من الموضوعات السياسية في السنوات الاخيرة .
رغم كل السنوات العجاف، ورغم رحيله، ستظل صورة مخلص،  من تلك الايام الصعبة ، وهو يسرع امامي بين درابين منطقة المربعة متوجهين لمكان ما ، متفحصا الدرب والوجوه ، حذرا اكثر مني،  مثل ملاك حارس ليحميني ، راسخة في بالي للابد.
نم صديقي قرير العين ، مثلك لا يرحلون !




 


 


230
الكَلامُ المُباح (142)

التنمّر في السِياسَةِ العِراقِيَّة !

يوسف أبو الفوز

أحتدم حديث متشعب، بين زوجتي و سُكينْة، خلال زيارتنا الاخيرة لبيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، حول ظاهرة "التنمّر" التي أتفقتا على انها نالت اهتمام الباحثين. كانت زوجتي ترى أن للحروب والاضطرابات السياسية تأثيراً في انتشارها في المجتمعات وخصوصا بين الاطفال في المدارس. ولمن ألتف حولهما، لخصت سُكينْة "التنمر" بكونه سلوكاً عدوانياً متكرراً، يشكل ظاهرة، ويعني أساسا شكلا من اشكال الاساءة التي يوجهها فرد أو مجموعة من الافراد للاخرين، ويحمل معها أيذاء نفسيا وجسديا للاخر، واللغة العربية تفيدنا بان الشَّخصُ اذا وصف بالتنمَّرَ فمعناه غضِب وساء خلقُه، وصار كالنَّمِر الغاضب. قالت زوجتي: ويمكن تعريف التنمّر بعدة أشكال، منها مهاجمة مجموعة افراد لمجموعة اخرى اقل قوة منها. وأضافت سُكينْة : أو ان يكون عن طريق تهديد الاخرين وارهابهم، اذ يمكن ان يكون بين فئات اجتماعية مختلفة.

واستهواني الحديث فقلت : أرتباطا بكلامكما، فان التنمّر يمكن ان يمارس بين الشعوب أيضا، وأعتقد ان "الشوفينية" خير مثال على ذلك. لم يستطع جَلِيل الصبر، فقال: هذا يعني ان التنمّر يمكن ان يسود في الاوساط السياسية، فالباحثون يخبرونا بأن المتنمرين عادة تكون لهم شخصيات استبدادية، تساعدهم على ممارسة الفساد السياسي والانقلاب وممارسة الكلِبتوقراطية ...

فقاطعه أَبُو جَلِيل: ماذا قلت .. هاي الأخيرة شنو ... كلاب قراطية ...؟

ابتسمنا جميعا ورفع جَلِيل صوته حتى يسمعه والده : قلت الكلِبتوقراطية .. وهو مصطلح يعني نظام حكم اللصوص. وهو نوع خاص من الحكم، حيث تُراكم الثروة الشخصية وتُحتكر السلطة السياسية من قبل القلة الحاكمة من المسؤولين الحكوميين،على حساب الجماعة، واللفظ مركب من مقطعين يونانيين؛ أولهما " الكلِبتو" بمعنى لص، وثانيهما "قراط" بمعنى حُكم.

صاح أَبُو جَلِيل : لحظة .. لحظة . هاي الكلابتو والنمور .. صارت عندي مثل الرطينة .. عوزها بس ذئاب وثعالب وتفتحون حديقة للـ ...

وضاعت كلماته الاخيرة بين ضحكاتنا. سعل أَبُو سُكينْة وقال : يا صاحبي .. أعتقد التنمّر كلمة تناسب سلوك بعض سياسيينا الذين ما زالوا يريدون ان يعتاشوا على ترهيب الاخرين وتخويف الناس، وبعض التصريحات من قبل شخصيات قيادية في احزاب وكتل نافذة في العراق، كشفت بأنها لا تزال تراهن على تأجيج المشاعر الطائفيةً وزرع المخاوف إزاء الآخر، لانها الرأسمال الأساسي لقوى الطائفية السياسية، وحين تستمع للبعض من سياسيي الصدفة في التلفزيون، تشعر وكأن أضراسه، تتحول الى أنياب ذئب مفترس، وأصابعه الى مخالب ضبع، وشفاهه الى

براطم كائن خرافي يبدو النمر الى جانبه قطا مسكينا، واذا تريد هات كلمة الـ"قراطية" وضع امامها الكلمة التي تعجبك !


231
فنانون عراقيون و ذاكرة الحرب في هلسنكي


هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
*************************
(تنويه للقاريء .. نشر التقرير بشكل مختصر في جريدة المدى عدد السبت 29 تموز 2017، وللاسف أسقط المحرر فقرات تناولت اعمال بقية الفنانين المبدعين المساهمين في المعرض . اسجل اعتذاري لهم و أنشر التقرير كاملا على مواقع الانترنيت والتواصل الاجتماعي ، مع كامل الاحترام لكل الاسماء الطيبة الواردة في التقرير )
************************
أختتم مؤخرا في هلسنكي، العاصمة الفنلندية، المعرض التشكيلي بعنوان "ذاكرة الحرب" والذي أستمر لفترة أسبوعين، بمشاركة مجموعة من الفنانين الفنلنديين مع فنانين ينتمون الى بلدان الشرق الاوسط، بينهم  مجموعة من الفنانين العراقيين (مهند الدروبي، مروى حمودي، عبد الرزاق الجواري، أحمد الالوسي، حذيفة صالح، محمود نديم، عمر البجاري ، جمال الغزي)، وهم من المهاجرين أو اللاجئين الذين بعضهم ما زال ينتظر قرار القبول أو الرفض، اضافة الى فنانين من روسيا وكردستان ايران وسوريا. وتوزعت اعمال المعرض بين أعمال الفن التركيبي (Installation) والتصوير الفوتوغرافي والرسم بالزيت وباقلام الخشب وافلام فيديو .   والمعرض جزء من مشروع ثقافي يستمر لمدة عامين، شمل الى جانب هذا المعرض، معارض اخرى، وبرنامج زيارات الى المتاحف واقامة ورش عمل فني ونقاش حول جدوى الحروب وتاثيرها على المجتمعات والفن ، وهدف البرنامج الاساس مساعدة الفنان المهاجر واللاجيء لرسم خطوة صحيحة باتجاه الاندماج في المجتمع الفنلندي وايصال افكاره. ونال المشروع دعما ماديا من مؤسسات ثقافية فنلندية واهتماما ملحوظا من وسائل الاعلام الفنلندية، وسينتقل المعرض الحالي ليعرض في أماكن اخرى في فنلندا.
 الفنانة الفنلندية النحاتة هيدي هانينين (35 عاما)، منسقة المعرض، واحدى المساهمات به، اخبرتنا بأن هدف هذا المعرض ان يجد التواصل ما بين الفنانين القادمين كمهاجرين ولاجئين جدد والقدامى ، بين من يحمل ذاكرة طرية عن الحرب والذين لهم ذاكرة تكاد تكون بعيدة شيئا ما عن احداث الحرب والعنف ، وان  يساهم في تبادل الخبرات بين الفنانين القادمين من مختلف التجارب، خصوصا من خلال الاعمال المشتركة التي نفذت  بمساهمة من فنانين فنلندين مع زملائهم من الفنانين المهاجرين او اللاجئين ، ليساهم ذلك كله في تقديم قضايا شعوب الشرق الاوسط للجمهور الفنلندي ، وتوق الشعوب للحرية والسلام .
الفنان العراقي مهند الدروبي (مواليد بغداد 1979) احد المساهمين في المعرض، خريج اكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 2003 ، وله في فنلندا العديد من المعارض الفنية الشخصية والمشتركة ، كانت له في المعرض مساهمة بثلاثة اعمال فنية ، اثنان منهما من الفن التركيبي ، اضافة لشريط فيديو  مدته 5 دقائق ، حمل عنوان " الى اين تذهب يا كلكامش؟ "، وهو عمل مشترك مع الفنانة هيدي هانينين وفنانين اخرين. أهم وأبرز أعمال الفنان مهند الدروبي في المعرض كانت لوحة من القماش الاسود بقياس 10 X 5 متر تحت عنوان "احتراز" ، حاكى فيه شكل علم وراية تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام  ـ داعش"، متبعا اسلوب الفن المفاهيمي، فللمشاهد الاجنبي ، ومن بعيد ، تبدو اللوحة بحجمها الكبير كراية لتنظيم "داعش" وعند الاقتراب منها سيجد انها مجرد قائمة طعام "Menu" يمكن أن تكون في أي مطعم، فأسماء الأكلات من كباب وتمن وباميا وغيرها حلت محل الشعارات والرموز الدينية، لكن المشاهد المعبأ بفكرة مسبقة بسبب من تأثير وسائل الاعلام والدعايات العنصرية وسياسة الفوبيا من الاجانب ، خصوصا من مسلمي الشرق الاوسط  حين يرى اللون الاسود والدوائر البيضاء والكتابات بالحروف العربية سيترجم المشهد وفقا لافكاره المسبقة، والعمل هنا يدين بشدة  حملة الافكار المسبقة لكل مواطن بشعر اسود وسحنة من الشرق الاوسط حين يضعونه في قائمة الارهاب دون التحقق من انتماءه المذهبي  وتوجهه الفكري. عمل اخر للفنان الدروبي عن التفجيرات الارهابية بعنوان " بغداد حلال "، مشترك   مع الفنانة هيدي هانينين، حيث جلبا سيارة قديمة الى ارض المعرض ليجعلاها جزءا من مشهد التفجير مصحوبة بمؤثرات صوتية وبصرية .الفنان مهند الدروبي بين لنا ان مجموع اعمال الفنانين العراقيين مجتمعة تحاول ان تقدم المشهد العراقي والعنف الذي ادى بحياة الكثير من الناس الابرياء وتثير الاسئلة من خلال تسليط الضوء على المشكلة .
الفنان حذيفة عبد الله صالح (مواليد بغداد 1976) ، الذي وصل فنلندا عام 2015 ، والذي لم يحصل بعد على حق الاقامة في فنلندا،  شارك في العديد من المعارض الفنية حيث لاقت اعماله اهتماما ملحوظا من قبل الوسط الفني الفنلندي ووسائل الاعلام ، وله مشاركات  في معارض قادمة ، وفي هذا المعرض شارك بعمل قياس 1.6 × 10 متر، استخدم فيه مواد مختلفة على قماش الكانفاس ونفذ ايضا بتقنيات متعدده . ويظهر الواقع اليومي في العراق بطريقة "السكرين شوت" ( تصوير المادة الاخبارية التلفزيونية) وحرص الفنان على ابراز كلمة لايف LIVE  باللغة الانكليزية كأشارة لاستمرار مشهد العنف، وهناك خط احمر عريض في الاسفل يذكر المشاهد بـ " السبتايتل" الذي يظهر على الشاشات وفيه الاحصائيات لضحايا التفجيرات  ، وبين لنا الفنان ان عمله يقع ضمن مجموعة تحمل نفس الاسم وهو ( تخيل نفسك مكانهم او ضع نفسك مكانهم) وكان قد شارك به في معرض شخصي  في شهر ابريل الماضي.
 المصور الفوتغرافي الفنان جمال الغزي (مواليد بغداد 1991) شارك بمجموعة من الصور الفوتغرافية الملونة المعمولة باسلوب تصوير الميكرو ( التصوير عن قرب للاشياء بمسافة قريبة جدا، وعادة يكون للاجسام الصغيرة جدا وتظهر عادة أكبر من الحجم الحقيقي ) فعلى حد تعبيره ان اعماله جاءت كحالة هروب من عنف الحرب الى تفاصيل الحياة الجميلة ، الى قطرة ندى او جناح فراشة، لتغمر المشاهد بجمال الوان الطبيعة البراقة بعيدا عن دمار الحروب .
 
 

232
الكَلامُ المُباح (141)

مابين اللَّوْعَةُ و الفَرْحَةُ

يوسف أبو الفوز

سادت الايام الأخيرة مشاعر مضطربة، ومتعارضة في بيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، يمكن اختصارها بكونها تمتد ما بين مساحات اللَّوْعَةُ والفَرْحَةُ.

اللَّوْعَةُ الممزوجة بالخوفِ والقلقِ أثرَ اِستمرار نشاط الجماعات المسلحة الخارجة عن القانونِ، المعروفة من قبل الجميع، والتي يتجاهل الجميع ذكر أسمها، وهي تستمر في فرض سيطرتها على الشارع، وتتحكم بحياة المواطنين،مع غياب دور مؤسسات الدولة، خصوصاً الأمنية، لتوقفِها عندَ حدها، وبان ذلك واضحاً أثر المقتل البشع والغادر للفنان الشاب الوسيم "كرار نوشي" (السبت/1/تموز/2017)، والتساؤل الكبيرالذي أثاره : هل سيكون أخر الضحايا القتلى من الشباب المسالمين البعيدين عن التخندق الديني الطائفي والحالمين بعراق مدني ديمقراطي؟!

أما الفَرْحَةُ، فهي بالتأكيد أثر الاعلان الرسمي عن سقوط "دولة الخلافة الاسلامية" المزعومة، وتحرير الموصل (الأثنين/10/تموز/2017)، بجهود أبناء القوات المسلحة العراقية، بمختلف صنوفها، والتي فتحت الطريق واسعاً أمام قواتنا المسلحة لتطهير كامل تراب الوطن من رجس العصابات الأرهابية الظلامية المستترة بعباءة الدين.

اللَّوْعَةُ.. بأن نصرنا في الموصل يبقى ناقصاً ما لم يتم اِتخاذ الأجراءات القانونية العادلة بحق الذين كانوا سبباً في تسليم الموصل لقوى الأرهاب المجرمة ومحاسبة كل الفاسدين والمفسدين الذين عاثوا بالعراق والموصل فساداً.

اللَّوْعَةُ.. لأن الشعب العراقي يستحق حياة أفضل من هذه المعاناة المستمرة بسبب غياب الخدمات الأساسية ، خصوصا الكهرباء.

واللَّوْعَةُ .. لأن ، .....

عرضت كل أفكاري وبالتفاصيل أمام الجميع، خلال زيارتي الأخيرة لبيت أبُو سُكينْة، فقال جَلِيل: أن أمام الحكومة العراقية الحالية والمؤسسات التشريعية فرصة لأستثمار هذا النصر التأريخي لنبذ سياسة المحاصصة الطائفية والاثنية البغيضة، وتمتين اللُّحْمَة الوطنية لينهض العراق وطنا للجميع على أساس المواطنة والمساواة.

ولأننا نعاني دائما من ضعف سمع أَبُو جَلِيل، فقد كان من الطبيعي أن تأتي تعليقاته مثيرة للأبتسام وحتى الضحك. قال أَبُو جَلِيل بجد واستغراب : صحيح ان اللَّحْمَة الوطنية، أحسن من اللَّحْمَة المستوردة، ولذيدة خاصة اذا كانت مطبوخة مع تمن عنبر ومرشوش عليه شوي زعفران، يا سلاااام ... بس شنو علاقة اللّحَم بــ ...

ضحكاتنا لم تجعله يكمل كلامه، فألتفت الى "أبُو سُكينْة" وسأله : أقول .. بس لا تعليقي كان خارج الموضوع ؟

فقال له أبُو سُكينْة بصوت عال وهو يكتم ضحكته: لا وحقّ الحَقّ، أنت الوحيد الذي في داخل الموضوع، والذين في بالي وبالك كلهم ...عَظّامْه !

233
تحرير الموصل .. فرحة النصر لها لون قوس قزح عراقي
مبروك لكل العراقيين . الموصل حرة . فرحتنا لها لون قوس قزح عراقي من زاخو الى الفاو.
النصر العراقي، ملحمة الفخر، سطّر بدماء وعرق أبناء الشعب العراقي، أبناء قواتنا المسلحة، بمختلف صنوفها، وارسل "دولة الخرافة" الى أحقر مزابل التأريخ.
قري عيني يا أم الشهيد .. دماء ابنك ترسم للاجيال القادمة دربا نحو الامان والحرية والسعادة .
المقاتلون الابطال .. ضباط وجنود، ومعكم المتطوعين في الحشد الشعبي والمقاتلين المحليين وقوات البيشمركة، سجلتم أعظم آيات البطولة والتضحية والفداء، في سبيل تحرير الإنسان والأرض، وان التراب الذي عفر وجوهكم خلال المعارك سيكون مجدا دائما لابنائكم ومن سياتي ليعيش في حضن الوطن المسالم. المجد كل المجد للشهداء الابطال، والشفاء العاجل لكل الجرحى والمصابين منكم .
النازحون عن دياركم.. حان الاوان للدولة العراقية الاتحادية، لان تأخذ مسؤوليتها وتوفر مستلزمات عودتكم الامنة والمشرفة الى بيوتكم، وتعمير المدن والقصبات التي تضررت جراء الأفعال المشينة لدولة الخلافة المزعومة .
المجرمون الذين باعوا الموصل .. حيتان الفساد المتباكين على الوطن الذي غدروه، لابد ان تنالوا جزائكم العادل يوما.
العراق، مهد الحضارات، لابد ان ينهض من جديد، وينفض عنه وباء المحاصصة الاثنية والطائفية، ويشمخ مدنياً ديمقراطيا لاجل حياة سعيدة لكل مواطن عراقي.
تهاني من القلب لكل عراقي غيور يتمسك بعراقيته، ويعلو على السفائف التي ينثرها المتاجرون بالدين والقيم الرجعية والظلامية ..
 الطامعون بأرض العراق، قوى اقليمية ودولية، ليتعظوا ويعرفوا ان العراق ينهض من الرماد دائما ليكون ابهى بعرق ودماء ابناءه، فخلال حوالي عقدين من الزمن ارسل العراقيون، نظام البعث المجرم بكل مؤسساته البوليسية لمزابل التأريخ، وهاهي "دولة الخرافة" بكل ديماغوجيتها الدينية الدموية تلحق به، فليتعظ من يريد  أن يفهم الدرس.
المجد للشعب العراقي .        المجد للشهداء ..

منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا
    9 تموز 2017

234
صادق البلادي .. ستبقى ذكراك ومثلك حيّة بيننا!


يوسف أبو الفوز

هكذا، أسما اخر، من أساتذتي اللذين لم التقيهم، واحدا من الرعيل الذي لا يعوض غيابهم، يرحل عنا مخلفا في القلب غصة !

الدكتور صادق البلادي،الأنسان والكاتب والمناضل، وعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة"، لم يحصل لي الشرف لألتقيه يوما، لكن كأنه معي، يجاورني ويحاورني دائما في أفراحي واحزاني. كنت ألجأ اليه في مختلف الظروف للأستئناس برأيه حول أمور ما خلافية سياسية أو فكرية. لم يعتذر يوما من تعب أو مرض. وتأتيني دائما أجوبته سريعة وواضحة ومفصلة كتابة او على الهاتف. وسواء اتفقنا او اختلفنا لم يؤثر ذلك على تواصل مراسلاتنا واحاديثنا. لم يتوقف يوما في أرسال مقالات يطلع عليها لمختلف الكتاب، من مختلف التوجهات الفكرية، فيرسلها مصحوبة بكلمة: للأطلاع ! مانحا الفرصة للتفكير وتحديد الموقف. لم يعتذر يوما حين توجه له الدعوة للمساهمة في أحد الملفات الصحفية، التي تنشرها "طريق الشعب" بين الحين والاخر، ودائما تكون مساهمته محل اهتمام ونقاش واثارة الاسئلة، وبكل روح التواضع يقبل بأقتراحات التحرير للتعديل في مساهمته، سواء في اختصارها او تعديل عنوانها، ولطالما اقترح عليّ شخصيا موضوعات للكتابة مشجعا ومعتقدا أني قادر على ذلك.

قبيل سقوط نظام المجرم صدام حسين وغزو امريكا للعراق، حين نجحت جهودالشيوعيين في فنلندا، بتأسيس"لجنة التضامن مع الشعب العراقي" بمساهمة من احزاب سياسية فنلندية ومنظمات عديدة، التي ساهمت في التهيئة لاكبر تظاهرة شهدتها فنلندا منذ الحرب الفيتنامية، إذ خرج اكثر من 15 الف متظاهر يهتفون ضد الحرب وضد الديكتاتورية، أتصل فرحا ومهنئا وطلب مني الكتابة عن تجربة تشكيل اللجنة لاجل الاستفادة من ذلك في بلدان اخرى . كان حريصا على نشر المعرفة والتجارب الايجابية، وان يتعلم من الاخرين مثلما هو يعلمهم بروح الصديق والرفيق وبدون تعال .

سأفتح صندوق بريدي، وافتقد تلك البطاقات المرحة من قطع الموسيقى والرقصات العالمية، والتهاني الصادقة التي يرسلها في مختلف المناسبات العائلية والوطنية والعالمية .

رحل أبو ياسر لكن طيب روحه باق يطوف بيننا، وكلماته ترشدنا لما هو اجمل .

الى الخلود معلمي ورفيقي ..

لكل محبيك وذويك التعازي الحارة ..

هلسنكي ليل 7 تموز 2017

235
الكلام المُباح (140)
أَبُو سُكينْة و أَلبرت أَينشتاين واَلفَسَاد !
يوسف أبو الفوز

مع الاعلان عن سقوط "دولة الخرافة"، كما سماها الاعلام الرسمي، ومع الفرحة الغامرة، كان عليّ مخابرة صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، وتهنئته اولا، ثم الاعتراف بصحة بعد نظره وتفاؤله، فرغم ان الاخبار في بلادنا تحمل لنا كل يوم مفاجأة حزينة، من تفجيرات وحوادث محزنة، تعذب حياة الناس وتجعلهم في ترقب دائم لما يأتي،الا انه اصر ان نلتقي في بيته، في اول يوم عيد رمضان، وطوال جلستنا كان متفائلا ويؤكد ان تحريرالموصل بات اياما معدودة، وأنه يتأمل خيرا في المستقبل فالناس ويوما بعد اخر صارت تتساءل بصوت عال، من المسؤول عن خراب الوطن، وضياع الموصل واستمرار تردي الاوضاع وغير ذلك؟
يومها اتفق غالبية الموجوين على ما قاله أَبُو سُكينْة، رغم تعليقات أَبُو جَلِيل المشككة، الذي قال: لكن قوى الفساد، التي كانت سببا في احتلال الموصل، لن تسكت، وسوف تصاب بالسعار للتنافس على سرقة النصر وتضحيات قواتنا المسلحة بكل صنوفها وتوظيفه لاغراضها الدعائية والانتخابية.
قالت زوجتي: صحيح، وربما تواجهنا ايام صعبة بسبب ذلك، ولكن ان المزيد من الاصوات المخلصة لوطنها بدأت ترتفع، ولا يمكن ان يستمر الحال مثلما تريد قوى المحاصصة والفساد.
قال جَلِيل: أن العالم الفيزيائي العبقري أَلبرت أَينشتاين يقول "ان العالم ليس بمكان خطير بسبب الذين يرتكبون الاذى، وانما بسبب الذين ينظرون ويشاهدون ولايفعلون شيئا".
ضحك أَبُو سُكينْة وقال: الله يرحمه لعمك أَلبرت أَينشتاين، هذا يفهم مو بس بالفيزياء وأنما حتى بالنفوس البشرية، أسمعوا هاي السالفة قرأتها لي سوزان أبنتك يا جَلِيل في الانترنيت قبل ايام، وقالت (ان سياسي ذهب الى محل خطاط وطلب منه ان يخط له لافته كبيرة بحيث يقرأها الاعمى، وأعطاه القياسات وطلب ان يكتب له فيها "محاربة الفساد واجب ديني ووطني" فطلب الخطاط 40 الف دينار سعرا لها، فقال له السياسي: ولا يهمك، بس أريد وصل تكتب لي بيه ان سعرها 70 الف !)
ضحكنا جميعا، الا ان أَبُو جَلِيل قطع ذلك بسؤاله : وشنو يعني .. شتريد تقول؟
قال أَبُو سُكينْة: "الذي اعتقده، اننا مقبلون على أيام غير شكل، صحيح ان قوى الفساد راح تتصارع وتتهاوش فيما بينها لاجل مراكز السلطة والثروة، لكن وعي الناس بدأ يرتفع، وهذا الخطاط ما اعتقد راح يسكت، يجي يوم راح بشجاعة يطرد أمثال هذا السياسي الفاسد ويفضحه، لان الخطاط يريد أطفاله يأكلون خبزتهم بالحلال. يعني يا صاحبي أن ايام الفساد لازم تصير معدودة مثلما ايام النصر الكامل القادم في الموصل على قوى الارهاب الظلامية الدموية التي لم تحتل الموصل لولا الفساد المستشري الذي اطال من سنوات وجودها وسنوات عذاب ابناء شعبنا!"


236
تصدع اليمين المتطرف في فنلندا !

هلسنكي ــ يوسف ابو الفوز
 توترت الاجواء السياسية في فنلندا، حالما اعلن الحزب اليميني المتطرف (الفنلنديون الحقيقيون) عن انتخاب قيادة جديدة، في التاسع من حزيران الجاري، حيث تنحى عن رئاسته، أبرز مؤسسي الحزب ورئيسه لعدة دورات، تيمو سويني (تولد 1962) الذي يشغل حقيبة وزارة الخارجية في الحكومة الحالية، التي تشكلت أثر انتخابات نيسان 2015. وفاز برئاسة الحزب  القومي واليميني المتطرف وذو النزعات النازية، يوسي أهو هالا ( تولد 1971)، الذي عرف بمناهضة للهجرة وعدائه للاجانب وتصريحاته العنصرية التي طالما اثارت الامتعاض في الشارع الفنلندي، حتى من قبل شركاء حزبه في الحكومة. وفاز الى جانبه لقيادة الحزب مجموعة من مؤيدي النازية الجديدة، وبعض منهم سبق وتعرض للمساءلة القانونية اثر تصريحاتهم العنصرية، مما دفع رئيس الوزراء يوها سيبلا ( تولد1961) وهو سكرتير حزب الوسط ، ومن بعد اجتماعه مع الرئيس الجديد للحزب اليمني المتطرف، والاستماع اليه، الى الاعلان عن عدم قدرته الاستمرار في حكومة مع الحزب اليميني المتطرف بطاقم قيادته الجديدة، وتبعه حالا بيتري اوربو (تولد 1969) الشريك الثالث في الحكومة، ويشغل حقيبة وزير المالية ونائب رئيس الوزراء، وهو رئيس حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين تقليدي)، وسرعان ما اعلنا معا، حزب الوسط والائتلاف الوطني ، في مؤتمر صحفي مشترك، عن اعتبار اتفاقهما وتحالفهما الحكومي مع اليمين المتطرف ملغيا. فادخل ذلك البلاد في ازمة سياسية حملت العديد من التوقعات. رئيس الجمهورية ساولي نينستو (تولد 1948) وهو من حزب الائتلاف الوطني، اعلن عن استعدادة لاستلام استقالة الحكومة على ان يتم تشكيل حكومة جديدة باسرع ما يمكن، وتجنب البلاد من الوقوع في فراغ سياسي. واقترح دعوة اطراف ما من المعارضة للتفاوض، فاستجاب لذلك الحزب الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب السويدي الفنلندي، واعلنا عن استعدادهما للتفاوض والاشتراك في الحكومة المزمع تشكيلها، شرط ان يتم اقرار برنامج حكومي جديد.
لكن المفاجئة جاءت من داخل اليمين المتطرف ذاته، اذ اعلن 20 نائبا من 35 نائب للحزب المذكور في البرلمان، عن تقديم استقالاتهم من الحزب وانشقاقهم عن القيادة الجديدة، وتشكيل مجموعة برلمانية جديدة تعمل باسم " الخيار الجديد". يذكر ان رئيس الحزب السابق ووزير الخارجية تيمو سوينى من بين المجموعة المنشقة، اضافة الى نواب بارزين اخرين مثل زعيم المجموعة البرلمانية والوزراء الاربعة في الحكومة بالاضافة الى رئيسة البرلمان الفنلندي، مما اسقط في يد القيادة الجديدة لحزب اليمين المتطرف، التي بدت مذهولة امام التطورات السريعة. واعلنت الجماعة المنشقة عن استعدادها للعمل مع الحكومة الحالية وفقا لبرنامجها الحكومي المتفق عليه اساسا، مما انقذ رئيس الوزراء، الذي كان في طريقه الى المقر الصيفي لرئيس الجمهورية لتسليم استقالة حكومته وفقا للدستور، فعدل عن الزيارة واعلن عن استمرار حكومته بالتعاون مع المجموعة البرلمانية الجديدة. رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي، كان صريحا بالقول ان  الاسباب بالغاء التحالف مع اليمين المتطرف لا تتعلق فقط بشخصية رئيس الحزب الجديد، ولكن التراكمات في الممارسة السياسية، والمطالبات  بسياسة متشددة في فيما يخص العلاقة مع الاتحاد الاوربي وسياسة الهجرة واللجوء، وقال بان الحكومة يهمها ان تحافظ على معايير حقوق الانسان التي عرفت بها فنلندا.
قوى احزاب اليسار المعارضة، ومع اعلان رئيس الوزراء موقفه بالانفكاك من تحالفه مع اليمين المتطرف، دعت الى انتخابات مبكرة، وهذه لو كانت حصلت لكان ان شهدت البلاد تغيرا كبيرا في المعادلات السياسة، فتبعا لمؤشرات نتئج الانتخابات البلدية، في نيسان / ابريل الماضي، اذ تراجعت قوى اليمين لصالح قوى اليسار، فربما تهزم احزاب الحكومة مجتمعة، وتتشكل حكومة جيدة ويتغير حتى رئيس الوزراء الحالي. المراقبون ، اشاروا الى ان حركة الانشقاق، التي انقذت الحكومة من السقوط، وبدت وكأنها حصلت بسرعة، لم تكن عملا مفاجئا، بل كان ممهدا ومخطط له، مع توقع فوز المجموعة الاكثر تشددا داخل الحزب اليميني المتطرف، التي اتهمت من قبل المنشقين بانها "خطفت الحزب ".
ان الكثير من التساؤلات برزت عن مستقبل العملية السياسية ومصير حزب الفنلنديين الحقيقيين، فأنشقاق اليمين المتطرف وتصدعه سيرمي بشظاياه على جسد العملية السياسية في فنلندا، ويصيبها بجراح بارزة، وان استطاع رئيس الوزراء الاستمرار بحكومته الحالية، وبرنامجها المعلن، وحتى وان اجتاز جلسة التصويت بالثقة المقررة في الايام القريبة القامة، فان الايام ستحمل معها مفاجئات اخرى، خصوصا ان كل هذا لم يكن بمعزل عن تنامي حركة الاحتجاج الشعبي، حيث عانى ذوي الدخل المحدود، من سياسة الحكومة الحالية، التي سماها الشارع الفنلندي بـ"حكومة الاغنياء"، التي تملك حاليا 106 فقط  نائبا في البرلمان من اصل 200، مما يعني انها اغلبية بسيطة وهشة وعرضة للتحطم تحت تاثير الكثير من التوقعات المفاجئة والازمات القادمة ، في الوقت الذي تظاهرت منظمات مجتمع مدني وقوى سياسية مطالبة  برحيل الحكومة واجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
* طريق الشعب العدد 209 ليوم الاثنين 19 حزيران 2017

237
الكلام المُباح (139)
أحْذَرُوا قَاضي الدَجّاج !
يوسف أبو الفوز
تابع معنا صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، وقائع المؤتمر الصحفي، الذي عقدته مجموعة من الاعلاميين يعملون بأسم"تحالف المادة 38 "،وهي ـ عزيزي القاريءـ مادة في الدستور العراقي الدائم لعام 2005 ضمن فصل "الحريات"وتفيد: (الفصل الثاني ـ الحريات: المادة (38) تكفل الدولة وبما لايُخلُّ بالنظام العام والآداب: اولاً: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون). وجاء المؤتمر الصحفي، الذي شارك فيه مجموعة من الصحفيين الفاعلين في الساحة العراقية تضامنا مع زملائهم من قناة NRT الذي امر القضاء بحجزهم على خلفية اجراء تحقيق صحفي عن الاب الذي سجن أحد عشر عاما  لسرقتة حليبا وحفاظات لاطفاله.
قال أبُو جَلِيل: هذا المسكين لو ما مبهذله الفقر كان يضطَرَّ للسرقة؟.
 قالت زوجتي: الحرامية الكبار الفاسدين يصولون ويجولون في ارجاء البلاد والقضاء مشغول مع الصحفيين لمنعهم من كشف اسباب لهذه الحوادث.
 ومتفقا معهم اضفت : الوقائع تثبت عندنا يوما بعد اخر ان مشكلتنا ليست مع القوانين، بل مع من ينفذها، فاذا استمر حالنا دون تغيير أساس واقع حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، لا يمكن لنا اصلاح القضاء وتحقيق استقلاله ليكون حاميا للدستور.
سعل أَبُو سُكينْة، فالتفتنا اليه، فقال: وعندها يبقى حاميها حراميها، ورقابنا تصير بيد قاضي الدجاج !
وهذه حكاية معروفة عن قاض مدينة مر ببائع دجاج وعنده دجاجة أخيرة مذبوحة، وكان باعها توا لرجل ذهب لشراء الخبز، فقرر القاضي اخذها وطلب من البائع بأن يقول للمشتري بأن دجاجته طارت، وان لا يخش شيئا، فحتى لو اشتكى عليه فانه سيخلصه من المشكلة. حين عاد مشتري الدجاجة نشب العراك. فاخذوهم عند قاضي المدينة. في الطريق مرا برجلين يتعاركان، احدهما يهودي، حاول البائع التفرقة بينهما لكن اصبعه فقأت عين اليهودي، الذي ركض يشتكي عند القاضي. في بناية المحكمة أراد بائع الدجاج ان يتملص ويهرب فقفز من الشباك فوقع على عجوز يركب حماره فقتله فورا، فامسك ابن الرجل الميت بالبائع واقتاده الى القاضي، حيث وجد عنده المشتري واليهودي. حالما شاهد القاضي بائع الدجاج ضحك وتذكر وعده له بتخليصه من مشاكله مقابل الدجاجة، وحاول ان يحلها له واحدة بعد الاخرى. فسأل المشتري: هل تؤمن بالله؟واذ اجاب الرجل بنعم، قال القاضي اذن لا حق لك بالمطالبة بالدجاجة لأن "الله يحي العظام وهي رميم". والتفت القاضي الى اليهودي ليذكره بان دية المسلم للكافر هي النصف،وهذا يعنى أن يفقأ له عينه الثانية اولا، حتى يفقأوا عينا واحدة لبائع الدجاج المسلم، فتنازل اليهودي عن حقه صاغرا وترك المحكمة هاربا. وحين طالب ابن الرجل الميت بحقه، قال القاضي ضعوا بائع الدجاج على الحمار وليقفز الابن عليه من النافذة، فقال ابن الميت ولو تحرك البائع يمينا او يسارا وسقطت على الارض ومت؟ فقال القاضي هذه مشكلتك، ولماذا لم يتحرك ابيك يسارا او يمينا لينجو؟ فتنازل أبن الميت وهرب، وحكم القاضي ببراءة بائع الدجاج !


238
هلسنكي ــ متابعة
منحت المنظمة الثقافية " رابطة طاقة الشباب الفنلندية " جائزتها التقديرية لعام 2017 لمشروع   Sivuvalo (الضوء الجانبي) وناشطيه، والمعني أساسا بأدب متعدد اللغات، الذي يعني بالنشاط الادبي للمثقفين الاجانب المقيمين في فنلندا ويبدعون وينتجون بلغاتهم الام ، ويذكر ان المشروع يضم العشرات من المثقفين الاجانب المقيمين في فنلندا ، والقادمين من مختلف البلدان، ويضم المشروع عددا من المثقفين العراقيين  منهم سعد هادي، يوسف ابو الفوز، هاشم معتوق، احمد زيدان، أية القيسي ، صادق لازم ، اخلد المظفر، ومهند الدروبي واخرين.
وذكرت منسقة المشروع، الشاعرة روكسانا كريسولوغو، من بيرو، اثناء استلام الجائزة : ان هدف مشروعنا هو توسيع مفاهيم الادب الفنلندي وتحقيق توافق كبير والتعاون لتحقيق مساواة كاملة في العمل.
 وكان المشروع بدأ نشاطه عام 2013، ونال دعما واسعا من منظمات ثقافية، ونظم العديد من الامسيات الادبية للمساهمين في المشروع، وفي مختلف المدن الفنلندية، من قراءات شعرية وقصصية ومعارض تشكيلية، حضيت باهتمام وسائل الاعلام الفنلندية واثارت الكثير من التعليقات حول هوية الادب الفنلندي، وامكانية تعدد لغاته، فالعديد من المبدعين ممن يعيشون في فنلندا، صارت اعمالهم بشكل او اخر تتناول الواقع الفنلندي وهمومه وان كتبت بلغة اخرى. يذكر ان " رابطة طاقة الشباب الفنلندية " تاسست عام 1908 وتعني بالنشاطات الشابة والافكار الجديدة، وتمنح الجائزة سنويا للعمل الاكثر استحقاقا في مجال الادب والثقافة، والذي تختاره لجنة خاصة ، وبدأت بمنح الجائزة منذ عام 1993.

239
الكلام المُباح (138)   
الشَّعْبُ هوَ اَلقُوَّة العُظْمى !
يوسف أبو الفوز
حملتٌ معي ـ عزيزي القاريء ـ ومثل كل مرة، في زيارتي الى بيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، حزمة من الصحف والمجلات ورحنا ننتقل خلالها من موضوع الى اخر يحكي عن اوضاع بلادنا والعالم من حولنا. أهم الاخبار عن انتصارات قواتنا المسلحة، بمختلف اصنافها، وتواصل اندحار عصابات داعش، وانعكاس ذلك على مزاج ومعنويات ابناء شعبنا، وكونه هزيمة لقوى الارهاب في كل مكان في العالم، التي راحت شراذمها، وبعض ضباعها، تحاول مسعورة ان تعلن عن وجودها في اعمال اجرامية في بعض الدول الاوربية. أن تقليد قراءة الصحف دوريا لأَبي سُكينْة، صار يستقطب الاخرين، فيلتفون من حولنا. ان الامر الذي سرني، هو أهتمام الشباب من ابنائنا بالنقاشات التي تجري على هامش القراءة، وتقديم وجهات نظرهم بكل صراحة. فمثلا كنت أشعر بالفخر يملأ صدر جَلِيل وهو ينظر الى ابنته سوزان، حين تناولنا أخبار جولة الرئيس الامريكي دونالد ترامب في المنطقة، وكيف كانت تساهم بكل جرأة قائلة : صحيح هو قول طريف، لكنه مثلما يقول جدو أَبُو سُكينْة، يحمل الف معنى.
اتجهت اليها كل الانظار، فواصلت : كتبوا في "فيس بوك" ان الرئيس الامريكي ترامب خلال زيارته الى المملكة العربية السعودية، حصل مع عائلته، على هدايا وعقود عمل تعادل قيمتها كل ما دفعه المسيحيون والتركمان وغيرهم طوال قرون للمسلمين كجزية.
ضحك أبُو جَلِيل وقال : "جيل فيسبوكي"، لسانك طويل مثل ابوك.
 فقالت سوزان ، بجدية ونبرة محتجة : جدو أنا يهمني المعنى من هذا، انتو هكذا علمتونا !
فتدخلت مناصرا : كل التقارير والمراقبين يشيرون الى المعنى الذي تحمله هذه النكتة او القول الطريف. هناك حكومات تقدم الرشى للقوى الكبرى لأجل استمرارها في مواقعها.
 فتنحنح أَبُو سُكينْة، وقال : صح لسانك يا جدو، لذلك ان بعض السياسيين الفاسدين في بلادنا، ومع تزايد نشاط حركة الاحتجاج وتبني قطاعات واسعة من الناس مطاليبها، مثل تغيير مفوضية الانتخابات وقانون الانتخابات، وبالتالي اقتراب موعد الانتخابات صاروا يبحثون عن الوسائل التي يمكن ان يقدموا بها الرشاوي للناس، رشاوي مادية مباشرة، وعود ما، أو خطابات تتستر بالروح الوطنية والطائفية، حتى يضمنوا استمرارهم في مواقع السلطة، لأنهم اخيرا بدأوا يتعلمون ويدركون بأن الشعب، خاصة اذا وعى وفتح عيونه جيدا وقال كلمته الحق ،فهو القوة العظمى التي يمكن ان تزيحهم من مواقعهم وتغير الموازين!


240
المنبر الحر / إن ولكِنَ و .. !
« في: 21:53 14/05/2017  »
الكلام المُباح (137) 
إن ولكِنَ و .. !

يوسف أبو الفوز

 طغى حدث اختطاف عدد من الطلبة والناشطين في الايام الماضية، من قبل مجموعة خارجة عن القانون، على كل الاحداث التي تابعها صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، خصوصا وانه يعرف بعض الشباب المعتقلين، ويعرف اهاليهم، فصار يسأل متجهماً عن كل شاردة وواردة، خصوصا مواقف رجالات الدولة والقوى السياسية التي تتشدق بالديمقراطية وحرصها على تطبيق الدستور. وحين أعلن عن اطلاق سراح المختطفين، ظهرت البسمة على وجهه، لكنه لم يخف قلقه.
قال جَلِيل:ان عملية الاختطاف أثارت الكثير من الاسئلة القلقة عند الناس، والمهم أن اطلاق سراح الناشطين المدنيين المختطفين يعتبر انتصارا باهرا على قوى الظلام وحلفائها من قوى الفساد والمحاصصة. فقاطعه أبُو جَلِيل:لا تتفلسفون براسي،إن ولكن، السالفة وما بيها، نحتاج حضور ووجود ملموس للدولة. قالت زوجتي:ان بعض كبار مسؤولي الدولة وبرلمانيين أعلنوا ادانتهم لجريمة الاختطاف وطالبوا في التحقيق بالحادث، وان نصرنا سيبقى ناقصا ان لم يتم تقديم الجناة للعدالة وفق قوانين الدولة.
تنحنح أَبُو سُكينْة، فأنتبهنا الى انه يريد الكلام، فالتفتنا اليه فقال: سمعت بالاخبار ان رئيس الوزراء، اعلن إنه حين تم اغتيال مسؤول في شركة غاز الشمال،أمر باجراء تحقيق سريع في الحادث، وذهبت لجنة خاصة من وزارة الداخلية إلى السليمانية وإطلعت على الأدلة، وكشفت أن عناصر في شرطة السليمانية هم من نفذوا العملية. وطالب بتسليمهم الى الجهات المعنية في بغداد لينالوا جزائهم العادل، وأكد انه من غير المسموح انتهاك أمن المواطنين، فهو من موقعه لا يفرق بين مواطن وآخر، ويجب حماية كل مواطن .
 وسعل أَبُو سُكينْة، من جديد، وجر شهيقا عميقا واكمل: هذا كلام حلو ومعّدل،أتمنى من الاجهزة المعنية ان تعمل بنفس الهمة، مثلما عملها في السليمانية، وخصوصا ان الجناة قريبين منهم، شمرة عصا، وان لا تترك اسئلة عديدة ومهمة يتداولها العراقيون بدون جواب، مثل من هي الجهة التي نفذت جريمة الاختطاف؟ ومن هي الجهة المعنية التي ستتولى التحقيق مع الجناة، ومتى يتم تقديمهم الى القضاء لمحاسبتهم؟والا سنبقى بإن ولكن، وتتكرر جرائم  الاختطاف، وربما تتحول الى اغتيالات، وتتكرر سالفة محيسن.
وهذه حكاية ـ عزيزي القاريء ـ يتداولها الناس بتفاصيل مختلفة، وفحواها واحد يعود الى ايام أحد الانظمة المقبورة، حين زاراحد مسؤولي الدولة الكبار قرية ، مع الكاميرات والصحفيين، فتقدم منه الفلاح محيسن بأسم القرية، وطالب بفتح مدرسة، وشارع مبلط الى القرية، ومستوصف، وكف يد الشرطة من الاعتداء على الناس واخذ الخاوة من الفلاحين المساكين. سجل المسؤول الكبير كل المطاليب ووعد بتنفيذها باقرب فرصة. وبعد عام، جاء مسؤول آخر وبنفس الهرجة من المصورين والصحفيين، فتقدم منه احد رجال القرية وقال له: وعدتونا ولم تنفذوا وعودكم.. وين المدرسة، وين الشارع المبلط، وين المستوصف و .. وين محيسن!


241
في جامعة هلسنكي الفنلندية ندوة حوارية وامسية قراءات ادبية حول ادب المهاجرين

هاسنكي ـ طريق الشعب

في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، نظمت جامعة هلسنكي بالتنسيق مع العديد من المؤسسات الاكاديمية والثقافية ، منها المكتبة الالمانية في فنلندا ندوة حوارية حول "ادب المهاجرين في فنلندا ،المانيا والولايات المتحدة الامريكية " بمساهمة مجموعة من الباحثين المختصين من عدة جامعات اوربية ، وللايام 11 ـ 12 ايار، وساهم فيها ايضا مجموعة من الكتاب المقيمين في فنلندا في الحوارات وامسية قراءات ادبية ، ومنهم الكاتب العراقي يوسف ابو الفوز ، اضافة الى نيفيل كومارات (المانيا)، بولينا كوبولوفا (روسيا) و محسن عمادي (ايران).

جرت وقائع الامسية الادبية في قاعة المكتبة الالمانية، حيث ادارتها وقدمت المساهمين الكاتبة الفنلندية "اوتي كارهونين" ، وهي بنفس الوقت منسقة برنامج التعدد الثقافي في شمال اوربا . قرأ المساهمون بعضا من نصوصهم الادبية بلغتهم الام، وقرأت ترجمات النصوص ايضا، وتحدثوا عن ظروف ومناسبات كتابة هذه النصوص، التي في غالبتها تناولت موضوع الهجرة والهوية والجذور .

الكاتب يوسف ابو الفوز قرأ باللغة العربية مقتطفات من قصتين قصيرتين له وصاحبته الكاتبة الفنلندية اوتي كارهونين بقراءة الترجمة باللغة الفنلندية ، وتحدث ابو الفوز عن دور الادب في تسليط الضوء على هموم الانسان المهاجر وارتباطه بجذوره، واهمية فهم الاخر لنجاح عملية الاندماج ليعيش الجميع بسلام.

242
في هلسنكي دعوة للتضامن مع الشعب العراقي والطبقة العاملة العراقية

طريق الشعب
في الاول من ايار ، في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، ساهم نشطاء منظمة الحزب الشيوعي العراقي واصدقائهم ، بمسيرة الاول من ايار الحاشدة، التي امتدت لعدة كيلومترات، والتي نظمتها قوى اليسار الفنلندي ونقابات العمال، واخترقت شوارع العاصمة وسط مظاهر احتفالية وترديد الاغاني الثورية والشعارات المطلبية .
وبعد المسيرة ، كان لكل حزب ونقابة منصته الخاصة، وليس بعيدا عن البرلمان الفنلندي كان للحزب الشيوعي الفنلندي ، منصته التي قدمت من خلالها الاغاني والاناشيد الثورية والخطابات من قبل العديد من المساهمين من نشطاء سياسين وبرلمانيين . وساهم الكاتب يوسف ابو الفوز، من العراق ،بتقديم كلمة تحية وتهنئة بمناسبة الاول من ايار، واشار فيها الى ان الطبقة العاملة العراقية تعاني شأن عموم الشعب العراقي، من سياسات حكومات الاسلام السياسي وادارتها للبلد وفق نظام المحاصصة الطائفية والاثنية الذي قاد الى نفوذ المليشيات المسلحة وغياب دور الدولة، وبين ان الشعب العراقي في محنته الحالية في مواجهة قوى الارهاب وتفشي الفساد المالي والاداري في الدولة ، وخصوصا الحركة الاحتجاجية السلمية المتواصلة، بحاجة الى التضامن والدعم لاجل بناء دولة مدنية ديمقراطية ، دولة المؤسسات والقانون، حيث يمكن للعمال ان يملكوا حقوقهم وتنشط نقاباتهم بحرية،وبدون هذا فأن موجات هجرة الشباب، فاقدي الامل بحياة كريمة سوف لن تتوقف بالتوجه الى اوربا وفنلندا. وتم في الاحتفال توزيع النسخة الانكليزية من كلمة الحزب الشيوعي العراقي بمناسبة الاول من ايار على نخبة الحاضرين من النشطاء السياسين والبرلمانيين الفنلنديين .
يذكر ان احتفال العيد الاول من ايار في فنلندا ، يعتبر من الاعياد الوطنية الشعبية، ويحتفل به في كل البلاد وسط مظاهر بهجة باذخة، وتبعا للحالة الامنية في اوربا وفنلندا ، فقد لوحظ هذا العام تشددا امنيا وانتشار كبير لرجال الشرطة وووحدات الطواريء، تحسبا للتوقعات بعمل ارهابي.
ومن الجدير بالذكر انه في مجمل الخطابات التي قدمتها قوى اليسار والنقابات كان هناك انتقاد لسياسة الحكومة الفنلندية اليمينية الحالية، وبكلمات غاضبة، وكانت التظاهرات هتفت بضرورة ازاحتها وتغيرها عبر الانتخابات القادمة. واذ انتقدت كلمة الحزب الشيوعي الفنلندي ارتفاع نسبة البطالة ودعت الى رفع الحد الادني للاجور، فان كلمة حزب اتحاد اليسار سمت الحكومة الحالية بالحكومة البرجوازية التي تريد خصصت قطاع الصحة وتهديد مستقبل الناس ، بينما اكدت كلمة الحزب الديمقراطي الاجتماعي على ان الحكومة الحالية لم تف بوعدوها حتى لناخبيها.


243
الكلام المُباح (136) 
مَاَ لْكْمْ .. مَاَ تْهبّونْ؟ 
يوسف أبو الفوز 
مع حلول الاول من ايار، عيد العمال العالمي، وتكرر المرات التي صار صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، بمعية أَبُو جَلِيل، يستذكران فيها شيئا من نضالات الطبقة العاملة، خصوصا تلك التي تسنى لهما المساهمة فيها، برزت أمامنا الاسئلة عن الاحوال الحالية للطبقة العاملة، والعوائق امام نهوضها لتعيد تلك الايام البهية التي كان فيها صوت العمال ونقاباتهم يخيف الحكومات والانظمة. وخلال غمرة الاحاديث قال لي أَبُو سُكينْة وعيناه تومضان بتآمر: آآآخ لو يهبون .. هبوااا .. مالكم ما تهبون؟
وهو هنا يعود بي الى ذكريات سنوات الكفاح المسلح للشيوعيين ضد النظام البعثي الديكتاتوري. وكان ذلك في ايار 1982، في مقر انصار الفوج التاسع في مناطق ريف السليمانية، على مقربة من قرية حدودية أسمها "دولكان"، حيث نظم المقاتلين الانصار حفلا بمناسبة عيد العمال، وكان عريف الحفل الشهيد أَبُو رِياض ــ محسن شنيشل، الشخصية الآسرة والمربي ذو التجربة، الذي أعتقل وأعدم عام 1983 أثناء اداءه مهامه الحزبية في مناطق الفرات الاوسط أثر وشاية من خائن. في هذا الحفل أراد أَبُو رِياض ان يقدم شيئا جديدا، فوزع مجموعة من الانصار بين صفوف حضور الحفل، وهؤلاء الانصار تم تجميعهم واعتبارهم "الفرقة الفنية" إذ تدربوا سريعا على بعض الاغاني الثورية ومنها النشيد الاممي. أخبرهم الرفيق أَبُو رِياض بأنه ما ان تنتهي دقيقة الحداد على ارواح الشهداء ويقول "شكرا" حتى يبدؤون معا غناء النشيد الاممي : هبوا ضحايا الاضطهاد .. الخ .
تقاطر سكان القرى القريبة ،حضر ممثلي بعض القوى السياسية من المعارضة الايرانية والعراقية، وكان هناك رفيقان من قيادة الحزب الشيوعي العراقي، وقد زين المكان بشكل يليق بألمناسبة، والروائح الزكية تهب من المطبخ، حيث ينتظر الجميع بعد الحفل وجبة طعام مع اللحم وهذا أمتياز لا يتكرر في حياة الانصار الا ثلاث مرات في الشهر. كان البرنامج حافلا بالكلمات السياسية والفقرات الفنية، واداره أَبُو رِياض ببراعة وظرافة. يملك أَبُو رِياض صوتا جهوريا مما أهله لعرافة الحفل لعدم وجود ميكروفات ومكبرات صوت، ويحب رفاقه لكنته الريفية التي تتسلل رغما عنه الى لغته العربية القويمة. بدأ الحفل بترحيب أَبُو رِياض بالحضور والضيوف واعضاء قيادة الحزب، وقرأ كلمة استهلال قصيرة تحييّ المناسبة، وطلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على ارواح شهداء الطبقة العاملة والانصار والحركة الوطنية.   ثم رفع راسه ودار بين الوجوه باحثا عن اعضاء "الفرقة الفنية" وقال "شكرا". لم ينشد أحد! غمز بحواجبه للنصير "أبو سيف" وقال بصوت أعلى "شكرا". لم ينطق أحد. رفع يده مثل مايسترو وقال بصوت غاضب "شكرا". لكن أحد من اعضاء "الفرقة الفنية " لم يبادر للغناء. سادهم الارتباك وزاد من ذلك انفعال أَبُو رِياض وطريقته بتحريك حواجبه لتذكيرهم بواجبهم فغص بعضهم بالضحك، ففار الدم في عروق أَبُو رِياض  الفلاح، وصاح بصوت عميق وغاضب: يا أبو سيف.. يا هدى .. وأنته يا.. أشبيكْم .. وينكْم ..هبوا.. هبوا .. مالكْم ما تهبون .. هبووووووا ضحايااااا الاضطهااااااد !


244
المنبر الحر / حالمة حد الاشتعال
« في: 20:12 29/04/2017  »
حالمة حد الاشتعال
يوسف أبو الفوز

كان دجلة شاهدا حين عرفت ان تلك الغادة التي يتناثر الليل على كتفيها اسمها ( عميدة عذبي الخميسي )، وكانت بنادق الانصار شاهدا وهي تلمح قامتها الرهيفة تخطر بين نساء قرى منطقة ( روستي) تنثر المحبة وشموسا صغيرة، وعبر تضاريس الايام ضلت تلك الغادة حالمة حد الاشتعال، راحلة ابدا في شموس الاماني، في تويج الروح، في شرايين الفرح ، ...

كان ليل عدن الساحر يلمنا في شرفة مقمرة. زوجها يسترخي قريبا منا، "ناظم حكمت" واشعاره، وحبيبته منوّر، يشاركونا جلستنا،التفتت "عميدة" الى زوجها، وفي عينيها بريق أخاذ :

ـــ اذا صار لدينا طفلة سنسميها "منوّر"!

هل لي ان اتبارك من عيني "منوّر" ؟ ان اجدل شرائطها، وارتب لها حقيبتها المدرسية؟ ان اسهر لاجل عينيها مرة، ليلة واحدة اسأل فيها النجمة التي اري، ليلة اسهر، ارسم لها الاماني عصفورا لجنحيه شواطئ دجلة والفرات؟

الحمى تحرق جسدي، وامي بعيدة ... بعيدة، وحزن المنفى له ملمس الحجر، حين افقت، كانت امي تجلس عند سريري ساهرة والليل يتناثر على كتفيها!

كل ليلة تراني النجمة ساهرا مع بندقيتي، اوقد هواجسي شموعا و(حلومه) المتألقة على خافي الوميض تتقد شموسا، وذات يوم سأزهر عند مفرق شعرها ورد رازقي له عطر الاماني وسيكون" ناظم حكمت " ضيفنا !

الايدي الاثمة الغادرة ، كانت تستهين بامرأة تحمل بندقية يشتبك زنادها احيانا بالضفائر، لكنهم في "بشت آشان" عرفوا ان أمراة كـ" احلام " يمكنها بسهولة ان تترك خلفها امشاطها ومرآتها وان تتفجر بعنفوان الفرات، وان يكون لاصابعها قوة الصخر وهي تضغط الزناد دفاعا عن شرف المبادئ !

للقلب شكل القنبلة .

وللرصاص هجس الأصابع،

لم يعرفوا ــ ولن يعرفوا ــ أن المبادئ وقوفا عن موقعها تدافع !
في معارك الانصار، حين ينحني الرصاص متكسرا عند الصخور، ويهوم صداه في الوديان وحنايا الروح، اراك يا "عميدة" ، على خط التسديد، عند كتفي "الفرضة" ، تسندين ذراعيك وتبتسمين.

لرصاصي سيكون استدارة شفتيك، وبريق بسمتك. ومنور ستأتي، وسأضع صورتك وخصلة من شعرك في حقيبتها المدرسية !

احلام ...

قد نلتقي وأضع بين كفيك الرصاصة التي ستحولني الى "سر الليل"، وقد انتظر لأجدل ضفائر "منور"، واهمس لها عن امراة يتناثر الليل على كتفيها، حالمة حد الاشتعال، ظلت الشموس تتناثر من بين اصابعها حتى اخر لحظة من حياتها !

6/ 3 / 1988

كردستان / مراني .. مقر انصار الفوج الاول

* النص من كتاب "تضاريس الايام في دفاتر نصير" . دار المدى . دمشق 2002

** الشهيدة احلام : "عميدة عذبي الخميسي " . مواليد بغداد 1956 . طالبة في كلية الزراعة . قطعت دراستها وغادرت العراق عام 1978 أبان الحملة الارهابية للاجهزة الامنية للنظام البعثي الديكتاتوري المقبور . عادت مع زوجها الى الوطن ، الى كردستان العراق ، والتحقت بصفوف الأنصار الشيوعيين في 28 / 5 / 1982. أستشهدت في الأول من أيار 1983 ، على يد مسلحي الاتحاد الوطني الكردستاني، في مجزرة " بشت آشان" الأولى !

*** روستي : منطقة تابعة الى محافظة اربيل ، كان فيها مقر لسرية من الأنصار ، عملت الشهيدة أحلام هناك لفترة ، وقدمت خدمات مشهودة في التوعية والتمريض لنساء قرى المنطقة.

**** دأب الأنصار عادة على اختيار أسماء الشهداء ككلمات لسر الليل

245
المنبر الحر / شهادة المصداقية
« في: 11:22 17/04/2017  »
  الكلام المباح 135

شهادة المصداقية
يوسف أبو الفوز

ما ان دخلتُ بيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، حتى وصلتني الأصوات العالية والمتداخلة، وكان صوت أَبُو جَلِيل هو الاعلى: يا بعد رويحتي، أنت تعتقد انهم من النوع الذي يفهم القانون، ذولة يعرفون بس السرقة وثم السرقة وثم ... وكل من يفضحهم يعتبرونه ...

أنتبه الجميع لوصولي، ومن بعد السلام والتحيات افرد لي أَبُو سُكينْة، مكانا بجواره وقال: تعال شوف أَبُو جَلِيل شلون يريدها تصير ؟

التفتُ الى جَلِيل مستفهما فبادر لتوضيح الموقف: الجماعة صار لهم اكثر من ساعة يتحدثون عن الاعتداء الغادر الذي جرى على مقر منظمة الحزب الشيوعي العراقي في الديوانية. اخبرتهم بأن حملة الاستنكار الواسعة والتضامن مع الشيوعيين تثبت صواب موقفهم في التعامل مع الاعتداء الاجرامي، وان بيان قيادة الحزب كان واضحا في مطالبته بحصر السلاح بيد الدولة وان الحزب سيستخدم الوسائل السلمية والقانونية للدفاع عن شرعية عمله وحق اعضاء حزبه في التعبير عن ارائهم بالطرق الدستورية، لكن والدي يرى ...

وعاد أَبُو جَلِيل ليرفع صوته:اليوم قنبلتين باجر ...

فضحك أَبُو سُكينْة، مما جعل أَبُو جَلِيل يتوقف عن الاسترسال بكلامه: شنو حكيت لك نكتة؟

فقال أَبُو سُكينْة بصوت عال حتى يسمع أَبُو جَلِيل جيدا : يا صاحبي، يا صديق العمر، انا واياك عاصرنا نضال الحزب في مختلف العهود، وشفنا شلون هكذا اعمال موتورة لا يمكن لها ان تثني المناضلين عن مواصلة نضالهم . سجون ومطاردات و قوافل شهداء وراية الحزب باقية ترفرف بكل مكان ...

فصاح أَبُو جَلِيل:أكيد تريد تفرها وتقول لي بأن جدك ماركس قال اذا امتدحتك البرجوازية فأنت على خطأ؟

واصل أَبُو سُكينْة ضحكته :وهاي جدا صحيحه وبمكانها، لكن عندي كلام اخر ومو بعيد عن جدنا ماركس !

هدأ أَبُو جَلِيل، فقال أَبُو سُكينْة بصوت عميق: اعتقد لو ندفع للمجرمين فلوس قنابلهم ونشكرهم؟

واذ توجهت له الانظار مستغربة واصل كلامه : أكيد هاي مزحة، لكن أساسها ان هذه الجماعات الموتورة، التي طبعا لازم تتحاسب وفق القانون، غصبا عنها تقدم شهادة المصداقية لسياسة الشيوعيين، وخلت الناس تتأكد جيدا بأن الشيوعيين على حق في فضحهم للفاسدين ومطالبتهم في بناء دولة القانون والمؤسسات، وهذا كله خطرعلى قوى التخلف والظلام، فماذا تتوقع ردهم يكون ؟ ايضا ان هؤلاء الموتورين الظلاميين أغبياء لدرجة أن السحر أنقلب على الساحر، فبدلا من أخافة الشيوعيين بعملهم الجبان، الذي تحدثت عنه كل وسائل

الاعلام، مما دفع كل الناس لتسأل عن الاسباب، وهذا جعل الذي ما يعرف يعرف بأن الشيوعيين يناضلون من اجل العدالة الاجتماعية ولاجل حقوق الناس ولا يخافون من احد!

246
حلفاء "داعش" لن يثنونا عن مواصلة نضالنا !

تحلم المجاميع المنفلتة والخارجة على القانون في وطننا، الحليفة الموضوعية لعصابات داعش، انها في اعمالها الارهابية والموجهة ضد الشيوعيين العراقيين وانصارهم، ستثنيهم عن مواصلة نضالهم لاجل سعادة الشعب وحرية الوطن.

وهكذا جاء الاعتداء الغادر، على مقر حزبنا الشيوعي العراقي في مدينة الديوانية ، ليلة 11 نيسان / ابريل ، ليعبر عن قصر نظرهم في قراءة تاريخ العراق، ليتعلموا منه ان حزبا بكل هذا التاريخ النضالي البهي طيلة 83 عاما ، والذي قدم فيها قوافلا متواصلة من الشهداء ، لا يمكن ان يرعب مناضليه عمل ارهابي دنيء يرتكب تحت جنح الظلام .

ان مؤسسات الدولة العراقية والقوى السياسية العراقية ، مطالبة ليس فقط باعلان أدانتها لهذا الاعتداء المشين وامثاله، بل وللعمل الجاد لاجل ان يكون السلاح حصرا بيد مؤسسات الدولة الامنية، وان كل من يحمله خلافا للقانون، يجب ان يحاسب بشدة .

اننا في الوقت الذي نستنكر هذا الاعتداء الاثم، نقدم تحيات التضامن مع رفاقنا الاعزاء في الديوانية، ومع طلابها البواسل، ولتعرف قوى الظلام والتخلف ان الشيوعيين العراقيين سيكونون اكثر عزما في النضال والعمل لاجل بناء دولة المواطنة الضامنة للحريات والحقوق، وارساء اسس الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية .

منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا

الحزب الشيوعي الكردستاني ـ عراق / فنلندا

هلسنكي ــ 12 أبريل 2107

247
الانتخابات البلدية الفنلندية: خسارة مدوية لليمين المتطرف لصالح قوى اليسار

يوسف أبو الفوز
أعلنت في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، مساء الأحد الفائت، نتائج الانتخابات البلدية الفنلندية، التي بلغت نسبة المشاركين فيها 58,8 في المائة، بزيادة ملحوظة عن الانتخابات البلدية السابقة.
وفي هذه الانتخابات مُنيّ اليمين المتطرف الفنلندي بخسائر بارزة ، لصالح عموم قوى اليسار، التي تقدمت في مواقعها، خصوصا حزب الخضر الذي اعتبر اكبر الفائزين في هذه الانتخابات. وجاء ذلك نتيجة لتجاهل الحكومة يمينية مطالب ذوي الدخل المحدود والغائها للمكتسبات الاجتماعية المتحققة طيلة عقود طويلة.
وبينت النتائج ان اليمين المتطرف الشعبوي (حزب الفنلنديين الحقيقيين) فقد تقريبا نصف ناخبيه قياسا بالانتخابات البلدية السابقة عام 2012 ، اذ حقق الان فقط 8,8 في المائة بخسارة قدرها 3,5 في المائة . ويذكر إن اليمين الشعبوي قد حقق أفضل نتائجه في 2011، عندما حصل على 17 في المائة. وتأتي هذه الخسارة نتيجة ايضا لسياسة الحكومة الفنلندية التي يشارك اليمين المتطرف فيها.
وبالنسبة لحزب الائتلاف الوطني الفنلندي اليميني التقليدي، حزب رئيس الجمهورية الفنلندية الحالي، وهو طرف شريك في الحكومة الحالية، فرغم تراجعه بـ1,2 في المائة قياسا للانتخابات البلدية 2012 الا انه استطاع ان يحافظ على موقع الصدارة في عموم البلاد. وأما حزب الوسط ، حزب رئيس الوزراء الحالي، فقد تراجع بنسبة بـ 1,1 في المائة ليحتل المركز الثالث بحصوله على 17,5 في المائة.
أن حزب الخضر الفنلندي ، كان الرابح الاكبر في هذه الانتخابات ، ومعروف عنه سياسته ومواقفه اليسارية الجريئة، والذي ينال دعما من قطاعات الشبيبة والطلبة، وتميز هذه العام بحملة انتخابية نشطة اعترف بها خصومه تمخضت عن حصول الحزب على 12,4 في المائة، بزيادة قدرها3,9في المائة قياسا بالانتخابات السابقة مما اهلته لتخطي حزب اليمين المتطرف، واعلن رئيس الحزب بأن هذه النتائج تشير الى ان الناخب الفنلندي يميل الى سياسات اصلاحية اكثر انسانية ضد سياسة التقشف التي اعتمدتها الحكومة الحالية واضرت بقطاعات محدودي الدخل ومنهم الطلبة والمتقاعدون.
من جانبه حصل حزب اتحاد اليسار على 8,8 في المائة بزيادة 0,8 في المائة . وصرحت رئيسة الحزب بأن وجود حزبها ونشاطه في المعارضة جاء بنتائج طيبة واثبت صحت سياساته في انتقاداته الجريئة لسياسة الحكومة ومعارضته لسياسة التقشف وخفض الانفاقات والسياسات الضريبية التي اضرت بالمساواة بين الناس ، وبينت ان سياسة حزبها واضحة في دعوته الى اصلاحات في الرعاية الاجتماعية والصحية. وحصل الحزب الديمقراطي الاجتماعي فاحتل الموقع الثاني بحصوله على 19,4 في المائة، وبخسارة قدرها 0,2 في المائة.
وان هناك احزابا يسارية اخرى تعتبر صغيرة، ولأول مرة حققت نتائج طيبة ، اضافة الى فوز شخصيات ثقافية وسياسية معروفة بمواقع مهمة ، مثل فوز الرفيق أوريو هاكنين الرئيس السابق للحزب الشيوعي الفنلندي كعضو عن العاصمة هلسنكي ، التي يملك فيها المجلس البلدي عادة صلاحيات كبيرة وواسعة ، والتي حصدت فيها قوى اليسار الغلبة في المقاعد.
ان نتائج الانتخابات البلدية الحالية تدفع للقول بأن الخارطة السياسية الفنلندية، في العامين الاخيرين شهدت تحركا بشكل ملموس لصالح قوى اليسار، ويمنح الامل بانها ــ قوى اليسار ـ اذا استمرت في الحفاظ على هذا النجاح وتطويره وتفعيل تحالف اخضر ـ احمر ، فأنها ستكسب المعركة البرلمانية القادمة بدون شك

248
يوسف أبو الفوز ضيفا على المكتبة العامة  في يونسو الفنلندية
يونسو – طريق الشعب
ضيّفت المكتبة العامة الأساسية في مدينة يونسو الفنلندية، أخيرا، الروائي والإعلامي المغترب يوسف أبو الفوز، الذي تحدث عن تجربته الأدبية في لقاء مفتوح مع جمهور من أبناء الجالية العراقية وأهالي المدينة واللاجئين.
أدارت اللقاء الآنسة ميركا سيبلا التي رحبت بالحاضرين ودعتهم إلى الغناء معها احتفاء بالضيف الذي صادف عيد ميلاده في يوم اللقاء نفسه.
بعد ذلك تحدث أبو الفوز عن تجربته الادبية ومراحل تطورها، وربطها بالاوضاع السياسية والاجتماعية لبلده العراق، وشرح كيف ان دكتاتورية حزب البعث، وخصوصا مع صعود جناح صدام حسين الشوفيني الشعبوي، قادت البلاد الى كوارث الحروب والحصار الاقتصادي وحملات الابادة الجماعية، وغيّبت الديمقراطية السياسية والاجتماعية، ما تسبب في هجرات متتالية للعديد من رافضي سياسة النظام.
وأضاف ان تغيير هذا النظام الذي حدث بواسطة احتلال الولايات المتحدة الامريكية للبلاد، والذي ساهم في وصول قوى الاسلام السياسي للحكم ضمن نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، ادى إلى استمرار تردي الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلد، الأمر الذي دفع الكثير من الشباب إلى الهجرة.
وسلط أبو الفوز الضوء على محطات تنقله وترحاله، حتى استقراره في فنلندا مطلع عام 1995، ما ترك تأثيرا على كتاباته، مبينا انه في كتابه "طائر الدهشة" المنشور عام 1999، والذي ترجم إلى الفنلندية عام 2000، تحدث عن تجربة اللجوء العراقي واسبابها ومعاناة اللاجئ حين يكون بين اسئلة الذاكرة والمستقبل المجهول. ثم قرأ مقطعا من قصة قصيرة له باللغة العربية، أعقبته مديرة اللقاء بقراءة المقطع ذاته باللغة الفنلندية.
وتحدث الضيف أيضا عن روايته "كوابيس هلسنكي"، التي صدرت بالعربية عام 2011، والتي هي الآن تحت الترجمة إلى اللغة الفنلندية، مشيرا إلى انها تتحدث عن العنف والارهاب في العراق، وعن هموم العراقيين المقيمين في فنلندا، وأفكار الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تقيم في أوربا، وتحديدا في فنلندا.  وساهم الجمهور في تقديم المداخلات، وطرح أسئلة أجاب عنها الضيف بإسهاب.





249
الكلام المُباح (134)  
الرَّايَةُ الحَمْراء!
   
يوسف أبو الفوز 
أحد الاصدقاء ذكر بأنه صباح 31 اذار، اعتقد أن "فيس بوك"، اكتسى باللون الاحمر، لكثرة ما رأى من ورود حمراء ورايات حمر تبادلها الشيوعيين واصدقائهم، كبطاقات تهنئة بمناسبة الذكرى الثالثة والثمانين لتأسيس الحزب الشيوعي العراقي. ولأن علاقة صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة، بالتكنولوجيا عموما لا تتعدى شاشة التلفزيون والهاتف، ورغم اني مشغول بالانتقال الى بيت جديد ومن ايام انام بين الصناديق والاكياس، توجهت وزوجتي الى بيته لتهنئته، وكنت اخبرت جَلِيل بفكرتي فسبقنا الى هناك حاملين معنا باقة ورد احمر وعلب الحلوى، فوجدنا ان توجيهات أَبُو سُكينْة قد حولت البيت الى مكان احتفال.
 قالت أَمُّ سُكينْة من الصباح طلب منها ان تضع صور الشهداء مؤسسي الحزب في صدر قاعة الضيوف، وما ان وصلت سُكينْة طلب منها تزيين صالة البيت بنشرة اضوية ووضع بعض البوسترات التي يبدو طبعتها من موقع الحزب الاليكتروني، وكانت الاغاني الثورية تهدر في البيت من مكان لا تراه. فتحول المكان الى قاعة احتفال حقيقية.
ما ان دخلنا وشاهدنا البيت الذي يلهث بالنظافة وتفوح منه روائح البخور حتى قالت زوجتي مازحة: اليوم يومك يا أَبُو سُكينْة !
تحامل على نفسه ونهض ليستقبلنا وهو يرفع صوته : "اليوم يوم كل العراقيين والناس المخلصين". تشابكت الايدي وطقت القبلات في الهواء وارتفعت الضحكات، وكان أَبُو جَلِيل اكثرنا صخبا وهو يواصل حديث سابق صار يوجهه الان للجميع: لو كنتم عشتم معنا  تلك الايام واحنا ندور في الليالي وننشر الرايات الحمر على اسلاك الكهرباء؟
كان أَبُو سُكينْة، قد روى لنا مرارا كيف كانوا في شبابهم، ايام الحكومات السابقة، يرسمون على قطعة قماش حمراء منجل وجاكوج او نجمة خماسية، وشعارات ثورية ويضمونها مطالب الناس بالحرية والديمقراطية والخبز وحق العمل، ويثبتون قطعتي خشب على طرفي قطعة القماش، ومن طرف يربطون حبلا قصيرا ويضعون في نهايته حجرا او ما يناسب، ويتسللون في الليل، ويختارون أمكنة في وسط المدينة ويرمون الحجر بأتجاه اسلاك الكهرباء فيلتف عليها ويثبت وتبسط الخشبة قطعة القماس، وتتدلى الراية عاليا. وكانوا يقومون برمي اكثر من راية في عدة امكنة. وفي اليوم التالي، المصادف ذكرى تأسيس الحزب، تكون الرايات الحمر ترفرف في اكثر من مكان. ورغما عنها تساهم الحكومة بتنبيه الناس الى المناسبة ووجود الرايات حين ترسل سيارة اطفاء ومعها الشرطة لانزالها، فيتجمع الناس وتبدأ الاسئلة، ويكون بعض الشيوعيين جاهزين وكأن وجودهم صدفة لاخبار الناس عن المناسبة وما هية الرايات الحمراء.
وفكرت كم من مناضل استشهد لاجل ان تبقى هذه الراية خفاقة دائما ، وكم مناضل زج لاجلها في السجن، وكم مناضلين ساروا على هداها في ظل مختلف الظروف. هي ليست مجرد قطعة قماش وشعار، انها رمز لنهج وفكر يهدي الناس الى حياة جديدة، حرة وسعيدة ، وتشير ليس الى التضحيات والامنيات فقط بل والى العبر والدروس خلال سنوات النضال المتفاني في خدمة الشعب والوطن للتعبير عن مصالح الكادحين .


250
المنبر الحر / تّفّاح حَلبجّة !
« في: 19:43 20/03/2017  »
الكلام المُباح (133)  
   تّفّاح حَلبجّة !
يوسف أبو الفوز
في بيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، كنت اتحدث عن تفاصيل أمسية تأبينية بمناسبة ذكرى جريمة حلبجة الشهيدة، حضرتها وبينت في مساهمتي وفي كلمة قصيرة التأكيد بأن جريمة حلبجة، وأذ ستبقى وصمة عار في جبين مرتكبيها، فأن الغضب وليس الحزن يجب ان يتلبسنا في ذكراها. الغضب الذي يجفف الدموع ويثير الاسئلة. الاسئلة التي تبدأ بلماذا حدثت الجريمة؟ ومن المسؤول الاساس عن ذلك؟ وهل هناك أمكانية لتكرارها؟ وذكرت ان فكر البعث الصدامي الشوفيني وسعيه لاقصاء الاخر بأي وسيلة، هو السبب خلف الجريمة، وان من اصدر الامر بالقاء القنابل الكيماوية، بعطر التفاح، على المدينة الوادعة ليغتال الحياة فيها، كان يريد أقصاء الاخر من المشهد والحياة لانه يريد الساحة لنفسه وحده. وهذا الفكرالاقصائي اذ لبس في زمن الديكتاتور صدام حسين بدلة زيتوني يمكنه ان يلبس أي زي اخر، حين تتوفر له الظروف المناسبة والدوافع.
وبدا جَلِيل غاضبا، وهو يعلق بأن هناك من تاجر بمأساة حلبجة وترك الضحايا دون انصاف بشكل حقيقي. حاولت التخفيف من غضبه، وانا ادور في اجواء افكار الكلمة التي قدمتها، فقلت : أن انصاف الشهداء والضحايا دائما يتجسد في محاربة الفكر الذي  يقف خلف اسباب المأساة !
سألتني سُكينة : حسب كلامك ، هل تعتقد بأمكانية تكرار مأسأة حلبجة مرة اخرى؟
من مكانه اجاب جَلِيل بذات النبرة موجها كلامه للجميع : طبعا، وماذا تظنون بمأساة الموصل وما حصل؟ اليست هي حلبجة ثانية؟ انظروا عدد الشهداء والضحايا والنازحين في هذه المأساة؟ أنظروا أسباب حدوث المأساة وكيف ان عصابات داعش الارهابية احتلت بسهولة واحدة من اكبر مدن الوطن؟ الا توافقوني بأن ان الاحتراب الطائفي والصراع على المغانم ومحاولة أقصاء الاخر، كانا من الاسباب الاساسية لهذه المأساة ؟ ولذا انا اشعر بالغضب حين اجد هناك من يستثمر مأساة شعبي ويتاجر بها لاغراض سياسية.
سعل  أَبُو سُكينة فالتفتنا اليه جميعا فقال : ذكرت لي أم سُكينة، انها قابلت أمراة من الناجين، وكانت طفلة في يوم جريمة حلبجة. هذه المراة، حرمّت على نفسهاوطول عمرها، ان تأكل التفاح، لأن السلاح الكيماوي الذي استخدمته طائرات المجرم صدام  وقتل الالاف من الناس الابرياء كان له رائحة التفاح . يا بوياااااااا يا سُكينة ، هاي احنا شلون راح نموت من الجوع !
واذ نظرنا اليه باستغراب، واصل وبشكل جاد تماما : بعد الان مو بس تفاح ما راح ناكل، يجوز راح نتعقّد وما نقدر نشتهي ناكل كل شيء، لان عدنا بعض الجماعات تريد تقصي الاخر بأي وسيلة، حتى هي تبقى تحوش الاكو والماكو، يعني عندها أستعداد تضرب كيماوي بكل الروائح... بروائح البطيخ، روائح الباذنجان وحتى بروائح البصل !


251
مدينة يونسو الفنلندية تستضيف الكاتب يوسف أبو الفوز
الروائي والاعلامي العراقي يوسف أبو الفوز تستضيفه المكتبة العامة في مدينة يونسو (437 كم شمال شرقي العاصمة هلسنكي) ، يوم الاثنين 20 اذار الساعة السادسة مساء ، في "لقاء مفتوح" مع رواد المكتبة وسكان المدينة، للحديث عن تجربته الادبية وقراءة بعض من نصوصه القصصية بالعربية والفنلندية، والنقاش حول موضوعات ثقافية واجتماعية. 
العنوان :
 Joensuun seutukirjasto
Koskikatu 25, 80100 Joensuu
الوقت : 1800 ـ  1900
 

252
رأي صريح : المهاجرون والأنتخابات في فنلندا والموقف المطلوب!
يوسف أبو الفوز
أكتب هذه السطور بعد ان وجه لي العديد من الاصدقاء اسئلة عن هذا الموضوع، وكيف يكون موقف المهاجرين عموما والعرب خصوصا ، والمسلمين منهم، في فنلندا من موضوع الانتخابات؟ ما الفرق بين برامج أحزاب اليسار واليمين؟ ولمن الافضل ان نصوت؟ وما هو الموقف من المرشحين الاجانب في قوائم مختلف الاحزاب؟ واسئلة عديدة اخرى تتعلق بموضوع الانتخابات في فنلندا. واسجل ملاحظاتي هنا، وهي وجهات نظر شخصية، وهذا يعني انها اراء قابلة للنقاش، ولكني اسجلها من خلال تجربة الحياة والعمل في فنلندا لفترة تتجاوز الان احدى وعشرين عاما والقرب من المشهد السياسي وعلاقتي بمختلف الاحزاب ككاتب وصحفي وناشط سياسي. علما انه كل موسم انتخابات، ومنذ  سنواتي الاولى في فنلندا، كانت توجه لي الدعوات، ومن قبل عدة احزاب يسارية، للاشتراك في قوائمها الانتخابية سواء للانتخابات البرلمانية او البلدية، وكنت اعتذر لاسباب خاصة، ولكني كنت أعلن دعمي لعموم احزاب اليسار في حملاتها الانتخابية، انطلاقا من كون هذه الاحزاب، تتوافق مع معتقداتي الفكرية، وتحاول ان تحافظ على نموذج "دولة الرفاه"، الذي بناه الاجداد والاباء الفنلنديين من احزاب اليسار بعد نضال وتضحيات، والذي بسببه اخترنا هذه البلاد ولجأنا اليها.
وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها اوربا وفنلندا، في السنوات الاخيرة، خصوصا بعد فوز"دونالد ترامب" كرئيس للولايات المتحدة الامريكية، الذي اعطى دفعة قوية وللامام للاحزاب اليمينية والشعبوية في اوربا، اتمنى من كل مواطن مهاجر او لاجيء يحق له التصويت ان يشارك في الانتخابات، لان عدم التصويت سيكون لصالح الطرف الاخر. ان من الضروري التفكير جيدا بالمستقبل البعيد. وأذ اطرح وجهات نظري ، وهي ليست محايدة ، بل ومنحازة ، فبالتأكيد ان التصويت ، ولأي حزب، اتمنى أن يخضع لقناعات الشخص بذاته، سواء اتفق أو اختلف معي في رأيه . ولكن بعد ان يسأل كل شخص نفسه : أي حزب يقف الى جانب المهاجرين ويدعم وجودهم في هذه البلاد؟اي حزب يقف الى جانب حقوق ذوي الدخل المحدود؟ اي حزب يحافظ على نظام الضمان الصحي والاجتماعي؟ قد يكون قاريء هذه السطور ، انسان ملتزم دينيا ، فهل يصح له ان ينتخب انسان علماني أو ملحد ، لكنه يحمل برنامج يحفظ له حقوقه ويحمي مستقبل اطفاله في هذه البلاد؟ اي حزب يا ترى يتاجر بقضايا اللاجئين والمهاجرين ومن هو صاحب الموقف الحقيقي من مجتمع متعدد الثقافات؟ من يعتقد ان مجتمع متعدد الثقافات يعني مجتمع تعدد المجرمين؟ ومن يضمر العداء الكامن للملسمين وان تبجح بالديمقراطية؟ واسئلة كثيرة ترد في البال قبل التوجه لصندوق الانتخابات. وفي كل الاحوال اتمنى ان تكون للمهاجرين مشاركة واسعة، لان صعود مرشحين يحملون برامج تقف الى جانب قضايا المهاجرين وفقراء الناس سيكون ضمان للمستقبل والاستقرار في هذه البلاد.
ولو اردنا الحديث عن مفهوم "دولة الرفاه"، الذي تسعى احزاب اليمين لتقويضه اولا وثم تهديمه تماما، من خلال اتباع سياسة الخصصة، فهو نظام كانت مجموعة دول الشمال الاوربي، وفنلندا منها، السباقة لتبنيه، وهو يسمى ايضا بدولة الرعاية وهو نموذج الدولة التي توفر لمواطنيها ووفق القانون الرعاية الاقتصادية والصحية بنظام ضمان أجتماعي متطور، فهذه الدول وان كانت تتبع نظام "اقتصاد السوق"الرأسمالي، لكنها تعتمد نظام ضمان حقوق مواطنيها بالحصول على خدمات اجتماعية وصحية تكفل لهم حياة طبيعية ومرفهة.
ان الفرق بين الاحزاب اليمينية واليسارية في الموقف من "دولة الرفاه" هو ان احزاب اليسار (في فنلندا : حزب اتحاد اليسارVAS ، حزب الخضرVIHR، الديمقراطي الاجتماعيٍSDP والحزب الشيوعيSKP) ترى ان المجتمع مسؤول تجاه الفرد ومن واجب الدولة حمايته من خلال نظام التضامن الاجتماعي. بينما احزاب اليمين والوسط ( في فنلندا : حزب الكوكمس KOK، حزب الوسط KESK، حزب الفنلندين الحقيقين PS  والحزب المسيحي الديمقراطي KD وحزب الشعب السويدي SFP) يرون ان الفرد مسؤول عن وضعه الاقتصادي والاجتماعي، ولهذا تتبنى سياسة اقتصادية بتصفية القطاع العام وخصصته وتبني نظام اقتصادي واجتماعي يكون اساسه المنافسة بين الافراد والغاء نظام الضمان الاجتماعي وان لا يكون للدولة اي دور في رفاهية الافراد.
وهنا اجدني اعود الى تكرار ما اردده دائما، اننا يجب ان نفصل في احاديثنا بين الدولة الفنلندية والحكومة الفنلندية، خاصة حين نوجه الانتقادات ونكشف ونفضح السلبيات، حتى لا يكون هناك خلط. فالشعب الفنلندي وخصوصا ذوي الدخل المحدود، وعموم المهاجرين واللاجئين صاروا يعانون كثيرا من سياسات الحكومات اليمينية السابقة والحالية. وان الازمة الحالية في البلاد  لم تكن وليدة هذه الحكومة الحالية فقط، وانما هو تراكم من خلال ما فرضته ونفذته احزاب اليمين، خصوصا حزب الكوكمس KOK، خلال مشاركاتها او تزعمها الحكومات السابقة.
ان الانتخابات البلدية والبرلمانية، هي التي تجلب وتحدد نوع الحكومات المحلية ولعموم للبلاد، يسارية او يمينية، والشعب الفنلندي هنا مسؤول عن ذلك، فهو الذي يتوجه الى صناديق الاقتراع. لكننا يتطلب ان ننتبه، الا ان الشعب الفنلندي،المسالم، المتحضر، وفي السنوات الاخيرة، خضع لمؤثرات اقتصادية واجتماعية كثيرة، خصوصا الشباب منهم، فاثرت على القناعات والخيارات في التصويت، مما سبب نمو وصعود الاحزاب اليمينية التي صارت تهدد طبيعة النظام الاقتصادي والسياسي في البلاد، واقصد هنا تجربة "دولة الرفاه". استطاعت احزاب اليمين، وخصوصا الشعبوية منها، ان تنشط مستثمرة الازمات الاقتصادية والسياسية في عموم اوربا لترفع شعارات ديماغوجية وتظليلية سحبت بها القدرة التصويتية من صناديق احزاب اليسار. ان احزاب اليمين المتطرف الفنلندي، صاحبة الافكار الشعبوية (على غرار شعبوية دونالد ترامب) لم تأت من فراغ، بل جاء جمهورها الغالب اساسا من بين صفوف احزاب اليمين والوسط ومناصريهم، وساهمت في تشجيع نشاط الجماعات العنصرية والنازية الجديدة. ان نجاح احزاب اليمين سيوفر الفرصة الكبيرة لنمو التيار المتطرف الشعبوي اكثر، والذي وحسب مواقف منظمات حقوق الانسان، سيساعد على انتشار خطاب الكراهية وبالتالي سيكون تهديدا جادا لمجمل حقوق الانسان في البلاد خصوصا التشدد في سياسة اللجوء والعلاقة مع عموم المهاجرين. 
من هنا تأتي اهمية، الناخب ذو الاصول الاجنبية، ليكون عاملا مؤثرا في الانتخابات لصالح قوى اليسار التي تتبى قضاياه وهمومه بشكل صادق وحقيقي . فلفترات طويلة، ظل المهاجرين للاسف بعيدين عن المساهمة في الحياة السياسية،  رغم ان احزاب اليسار هي المبادرة لتبني قضاياهم ومشاكلهم انطلاقا من برامجها ومبادئها، ومع ارتفاع عدد الاجانب في البلاد التفتت الاحزاب اليمينية الى وجودهم ككتلة انتخابية وبدأت تتوجه لهم، بل ونجحت حتى في ان تحصل على مرشحين ضمن قوائمها قادمين من خلفيات اجنبية ليكونوا ديكورا براقا ، مستغلين عوامل عديدة ذاتية وموضوعية تخص المرشحين ذاتهم.
فكيف يتطلب ان يكون موقف المهاجرين الاجانب من الانتخابات والاحزاب في فنلندا ؟
اعتقد علينا ان ندرك ان احزاب اليسار تسعى لبناء مجتمع متعدد الثقافات حقيقي وهذا يدفعها لتبني قضايا المهاجرين باعتبارها جزء من برامجها، بينما نجد ان احزاب اليمين تتذكر المهاجرين في ايام الانتخابات فقط وتسخدمهم كورقة انتخابية، وطوال السنة تحملهم مسؤولية الازمات الاجتماعية والاقتصادية، لاثارة خوف المواطن الفنلندي العادي، خصوصا المتردد وغير المسيس (في مصر يسمونهم بفكاهة حزب الكنبة)، لكسب صوته، وان بعض احزاب اليمين تحاول ان تحسن من صورتها فتضع بعض المرشحين من اصول اجنبية في قوائمها ليس فقط كمجرد ديكور يحسن صورتها، بل لانها مستفيدة جدا، لأن هذا المرشح وضمن قوانين النظام الانتخابي المتبع في فنلندا في انتخابات مجالس البلديات ، فحتى لو حصل اصوات قليلة جدا ولم ينجح فان اصواته ستحسب لصالح قائمته ويستفاد منها مرشح اخر، وذلك حسب طريقة عالم الرياضيات البلجيكي "فيكتور دي هوند" (1841 ـ 1901)، اذ ان دور الاصوات مهما كان عددها متواضعا يكون لها تأثير داخل ترتيب القائمة الانتخابية، والامر الحاسم يكون في مجموع الاصوات لكل القائمة. ومن المعروف ان العديد من الدول اضافة الى فنلندا تستخدم هذه الطريقة، ومنها بريطانيا ودول الاتحاد الاوربي، ودول في امريكا اللاتينية.
قد يختلف البعض منا مع احزاب اليسار في بعض من مواقفها، فعلينا ان ندرك ان هذه المواقف هي نتيجة لطبيعة هذا المجتمع وثقافته (مثلا الموقف من مثلي الجنس وحقوقهم) لكن يجب ان نتذكر ان هذه الاحزاب اليسارية، وحتى اعضاء الحزب من مثلي الجنس وملحدين ، هم بالنتيجة يقفون الى جانب حقوق محدودي الدخل وحقوق المهاجرين واللاجئين، وقد تابعتم بالتاكيد وقفاتهم التضامنية المعلنة مع اعتصام اللاجئين المرفوضين، بل وحضور قادة هذه الاحزاب الى ساحة الاعتصام بينما رفض قادة اليمين حتى التعليق لللصحافة ان لم يكن يريدون طرد اللاجئين باسرع ما يمكن، واستنادا الى هذا فأني اشجع كل مهاجر ان يختار اي حزب من احزاب اليسار ليصوت له فهو بالتالي سيكون الى جانب "دولة الرفاه"، التي وفرت له كلاجيء ومهاجر ولاطفاله الحقوق والامان والكرامة!
 



253
الكلام المُباح (132) 
 
مُناَوَرةُ .. مُناَوَرَاتْ !
يوسف أبو الفوز 
كان جَلِيل غارقاً في حديث متشعب مع صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، يستعرضُ له أخر التطورات السياسية في البلاد ، وركز على الانتصارات الأخيرة للقوات المسلحة العراقية ، بكل صنوفها ، في المعركة ضد عصابات داعش وقوى الإرهاب في محافظة نينوى. وثم عرج على اقتراب موعد الانتخابات لمجالس المحافظات، وملاحظة مُناورات بعض القوى السياسية في طرح مشاريعها بثوب مدني، وفي حقيقتها تعبير عن الازمة المتواصلة وفشل النظام السياسي الطائفي التي هي جزء فاعل منه. كذلك مواصلتها تجاهل حاجة البلاد الى الاستقرارالسياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما يؤسس لدولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، يحدث قطيعة مع النهج الطائفي والاثني الذي حكم البلاد طيلة السنوات الماضية، وتسبب في ازمة بنيوية شاملة .
وتدخلتُ في الحديثِ للاشادة بمواصلة جماهير شعبنا وعلى مدى الأشهر الطويلة الماضية ، ورغم الشهداء والضحايا ، هبتها الاحتجاجية على سوء الأوضاع المعيشية والخدمية، ومناداتها بإصلاح النظام السياسي وتخليصه من المحاصصة، ومحاربة الفساد وإبعاد الفاشلين عن مراكز القرار.
قالت زوجتي غاضبة : ان القوى المتنفذة تواصل صم اذانها وتتجاهل مطالب الناس المحرومة من خيرات الوطن المنهوبة من قبل الفاسدين، وان فشل هذه القوى السياسية المؤيدة لنظام المحاصصة تعبر عنه بوضوح مواقفهما العدائية من الحراك السلمي الجماهيري .
تدخلت سُكينة في الحديث وقالت بأن هذا الموقف العدائي من الحراك السلمي ماهو الا تعبير واضح عن حقيقة هذه القوى ويعكس طبيعتها وايضا يعبر عن عمق مخاوفها من امكانية تأثير الاحتجاجات السلمية، فهم يخشون النتائج، خصوصا التي ستؤدي الى ازاحتهم من مواقعهم بشكل ما، فيخسرون عندها كل المواقع والامتيازات، ولهذا فانهم لابد ان يعبروا عن خوفهم ، ومن هنا تظهر مناورات البعض منهم لتوحيد قواهم ومنها سعيهم حتى لسرقة شعارات الاحتجاج السلمي والحركة المدنية.
قالت زوجتي : من هنا ، اعتقد ان رأي جَلِيل صحيح جدا، بأن القوى المدنية التي تنشد التغيير الحقيقي في بلادنا لابد ان تخلق اصطفاف اجتماعي وسياسي قادر على احداث تغيير في موازين القوى، فبسبب الخوف من هذا التغيير القادم ونتائجه، وحسب تجارب السنوات الماضية، التي بانت للناس بشكل واضح بأن الفرقاء المتنفذين مهما اختلفوا، فانهم حين تتهدد مصالحهم سيلتقون ضد مطاليب ورغبة الشعب !
ضحك أَبُو سُكينة وقال يا بنتي وكأنك بقلبي، البارحة كنت اتذكر سالفة عن العلاقة بين بعض سياسيي الصدفة عندنا وبعض من أصناف الحيوانات في الغابة، التي تعيش بقوانينها، فأذا اختلفت هذه الحيوانات، تدخل في عراك فيما بينها، تخرب به الغابة وتسلب راحة كل ما حولها، واذا اتفقت، أجتمعت وأكلت كل الثمار من حولها وحرمت الاخرين منها بل وتطردهم وتترك فقط فضلاتها في المكان!


254
في هلسنكي .. ندوة عن الادب والمنفى  في العراق   !

هلسنكي ـ متابعة المدى
في العاصمة ، هلسنكي ، يوم 13 شباط ، استضاف مركز الثقافة العالمي في هلسنكي، وفي قصر دار الثقافة (Kanneltalon) ، في ضاحية كانيلماكي  الكاتب الروائي والاعلامي العراقي يوسف ابو الفوز والشاعر "يي تين ثيت زوى" من بورما  في امسية ثقافية تحت عنوان "الادب والمنفى ". ادارت الندوة بتألق وحيوية الكاتبة الفنلندية "أوتي كورهونين" وهي بنفس الوقت منسق برنامج التعدد الثقافي في شمال اوربا .
ابتدأت الامسية بترحيب ممثل مركز الثقافات العالمي، المترجم الجزائري حمزة عمروشي ، بالضيوف وجمهور الحاضرين الذي تميز بحضور نوعي لعدد من الكتاب والاعلاميين والناشطين في برامج تعدد الثقافات .
ثم ابتدأت قراءات شعرية للشاعر يي تين تيث زوى بلغته الام ، وقرأ بعده الكاتب ابو الفوز مقتطف من قصة قصيرة باللغة العربية عن الحنين للوطن، وتولت الكاتبة اوتي كورهونين قراءة الترجمات باللغة الفنلندية. ثم بدأ الحوار بين الكاتبة كورهونين والضيوف ، حيث وجهت اسئلة للضيفين عن بداياتهما في الكتابة وتأثير المنفى على  انتاجهما الابداعي ووجهات نظرهما في مفهوم التعدد الثقافي . وساهم الجمهور باغناء الحوار باسئلته العميقة التي تناولت محاور ادبية مختلفة تخص تجارب ونشاط الضيفين .
الشاعر البورمي تحدث عن الرقابة البوليسية على الادب والقوانين المجحفة التي تحد من حرية التعبير، وقرأ بتاثر قصائد اهداها لزملائه واصدقائه في السجون في بلاده وبينهم اخوه، وتحدث عن رحلته في المنفى وتأثيرها على نتاجه الادبي وبحثه الدائم عن افاق جديدة لقصيدة المنفى عنده .
الكاتب يوسف ابو الفوز ، في اجاباته ، تحدث عن مفهوم المنفى وتأثيره على الكاتب ، وكون المنفى ليس فقط الابتعاد عن ارض الوطن الام ، بل يمكن للكاتب ان يكون في وطنه ويعيش "المنفى الداخلي" باغترابه عن محيطة بتاثيرات الاجواء السياسية والاجتماعية والدينية التي تضع امامه الكثير من الخطوط الحمر، وبين ان تجربته الادبية في "المنفى خارج الوطن" أغتنت بتجاربه الحياتية في محطاة حياته المتعددة، وان "المنفى الخارجي" فتح له افاق أكثر من الحرية للكتابة بعيدا عن التابوات التي عرفتها الثقافة في بلاده ، فالمنفى الخارجي كضربة عنيفة على ظهر اي كاتب، لم تكسر له ظهره بل اجبرته للتقدم للامام. وعن سؤال حول اشكالية اللغة، كونه يكتب بالعربية ويعيش في بلد غير عربي، قال ان هذا منفى اخر  يؤرقه دائما، فهو يكتب باللغة العربية، ويتعايش وينشط مع المحيط حوله بلغات اجنبية مختلفة، فهو لا يستطيع التعبير عن افكاره ونفسه بشكل ابداعي الا بلغته الام، ومن هنا تاتي أهمية الترجمة المتقنة ليصل الى الجمهور الذي يعيش وسطه ليتعرف على افكاره، فالمترجم هنا لا يكفي ان يكون متقنا للغة الكاتب بل يتطلب ان يكون ذا حس ادبي يجعله بمصاف ان يكون مؤلفا ثانيا للكتاب المترجم .
وكان العراق حاضرا بقوة من خلال الاسئلة التي تكررت عن اسباب ترك الكاتب (ابو الفوز) بلاده الى المنفى، وعن سؤال حول تطورات الاوضاع الحالية في بلاده  وموجة الهجرة الاخيرة من البلاد . اجاب الكاتب يوسف ابو الفوز باسهاب عن تعقد الاوضاع السياسية في العراق نتيجة حكومات المحاصصة الطائفية وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة العراقية ونشاط الجماعات الارهابية  في غرب البلاد والمليشيات الطائفية التي ينتشر نشاطها في كل مكان، والقمع الذي تتعرض له حركة الاحتجاج لاجل المطالب المشروعة بالاصلاح والتغيير، وبين ان الهجرة من العراق الى مختلف بلدان العالم، لن تتوقف لان اسبابها لا تزال قائمة، فالشباب العراقي فقدوا الامل في حياة حرة كريمة يسودها الامان ويحميهم القانون، وان الشباب القادمين الى فنلندا واجهوا سياسات تشدد من قبل الحكومة الحالية مما  حول الامر الى ازمة حادة للمجتمع الفنلندي وجعل طالبي اللجوء يعيشون في مأزق.
اعقب نهاية الامسية لقاء مفتوح بين ضيوف الامسية والجمهور، الكاتب ابو الفوز التف حوله مجموعة من  الشباب العراقي من طالبي اللجوء في فنلندا ومن المقيمين الجدد وانفتح حوار صريح ومباشر حول الاوضاع في العراق و ازمة اللجوء وومشاكلها وافاقها ، وحول كل ما يثار في الصحافة الفنلندية من اسئلة حول واقع وحياة طالبي اللجوء في فنلندا ، والافاق القادمة امام ذلك ، وشدد الكاتب ان سياسة الحكومة الفنلندية اليمينية الحالية تجاه اللاجئين تلاقي نقدا شديد من قبل جهات عديدة ولكن اللاجئين انفسهم مطالبين بتقديم صورة طيبة عن افعالهم وحياتهم ، يساعد على نبذ كل الخروقات التي تنسب لهم سواء بشكل مبالغ او مفتعل ، والعمل لخلق روح تضامن مع قضيتهم بين اوساط اوسع من الشعب الفنلندي .
 
 


255
الكلام المُباح (131)   
أَبُو سُكينة يَطْلبُ اَلمُساعَدة !

يوسف أبو الفوز 
كنت وجَلِيل نخوض حديثا متشعبا حول انتخابات مجالس المحافظات التي بدأ يقترب موعدها في شهر ايلول القادم . كان جَلِيل يؤكد بأن الانتخابات القادمة سوف لن تكون سهلة أرتباطا بتصاعد أهمية دور مجالس المحافظات خصوصا بعد نقل صلاحيات العديد من الوزرات اليها، وذلك يعني الكثير من المسؤوليات وخطط استثمارية والتوظيف ومبالغ مالية كبيرة ستكون تحت تصرفها. وهذا بالنسبة للقوى المتنفذة ساحة اخرى للصراع لأجل أقتسام المناصب والغنائم. شاركتنا سُكينة الحديث وقالت : وهل تعتقدون انه في ظل الازمة العامة التي تعيشها بلادنا وتعاظم الجوانب السلبية مع استشراء الفساد والمحسوبية والمنسوبية يمكن لقوى التيار المدني النجاح في تعديل موازين القوى؟
قال جليل: سؤال مشروع جدا وفي وقته، فالقوى المدنية والعلمانية امام تحد كبير ومسؤولية مضاعفة امام جماهيرها والتأريخ. فهناك قطاعات واسعة من الجماهير صارت تعول على دور عموم قوى التيار المدني ومنها الحزب الشيوعي العراقي، لاجل تعديل المسارات وتحقيق الاصلاح والتغيير وانقاذ البلاد وبناء منظومة الحكم على اسس المواطنة والنزاهة والكفاءة. والا فأن نهج المحاصصة والفساد سيقود البلاد الى مخاطر لا قرار لها وافاق مجهولة. ولهذا فأن التيار المدني مطالب باستنفار كافة الطاقات والامكانيات والاستثمارالافضل والعلمي لكل الامكانيات.
اتفقت مع جليل واضفت : أن اي مراقب يمكنه ان يرى ان هناك هوة كبيرة تتسع بين الفئات الحاكمة وعموم ابناء الشعب خاصة المتضررين من سياسات حكومات المحاصصة، واعتقد أن القوى المدنية مؤهلة كثيرا لتحقيق نتائج طيبة تصب في مصالح مطالب الحراك الجماهيري الذي صارت شعاراته واهدافه تتفق مع مطالب قطاعات واسعة من ابناء الشعب .
اقتربت زوجتي منا لتقول : اود ان اذكركم بأنه رغم الانتصارات المتحققة على عصابات داعش الارهابية الا ان الامن والاستقرار لم يتحققا بعد، حيث التفجيرات والعمليات الارهابية تحصد الارواح البريئة بين الحين والاخر، وان سقف مطالب الناس بدأ يرتفع !
سعل صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة ، فالتفتنا جميعا نحوه ليقول : هذا لأن الناس صارت تعرف بأن داعش بلاء سلط على الشعب العراقي، ولكن هناك بلاء أخر هو ماعش، هاكم انظروا ، لم تجف بعد دماء شهداء ساحة التحرير على يد قوى مجهولة ــ مثلما قال البعض ــ ومعلومة ــ مثلما يعرف الشعب ــ حتى وجهت داعش ضربتها الارهابية الاجرامية في منطقة البياع ، وسقط شهداء وجرحى على ايدي هؤلاء وهولاء . اذا تذكر الناس المثل الذي يقول "ما بين حانه ومانه ضاعت لحانا " واستبدلوا كلمة "لحانا" بكلمة "دمانا " راح يقولون " ما بين داعش وماعش ضاعت دمانا و ...." ، الله يرحم موتاكم ويطول أعماركم  ممكن تساعدوني وتكمّلون الجملة بكلمة مناسبة ؟


256
مشروع سيناريو : موكب الشمس شرق كانيكا ! *
يوسف أبو الفوز
التخطيطات  للفنان الفقيد اياد صادق
أستهلال
 ــ في ايام 5 الى 16 كانون الثاني 1987 خاض انصار الفوج الاول / قاطع بهدينان ، من قوات انصار الحزب الشيوعي العراقي( حشع )، ورفاقهم من قوات الدعم، التي هبت لاسنادهم،  ووصلت على مراحل ، من مقر قيادة قاطع بهدينان، الفوج الثالث، السرية الخامسة، ومقر قيادة قاطع اربيل، وبالاشتراك مع "بيش مه ركة" الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدك) ، ومقاتلي المقاومة الشعبية من فلاحي القرى في المنطقة، خاض الجميع معارك ضارية، وعلى عدة محاور، وفي ظل ظروف جوية قاسية، ضد الحملة العسكرية الشرسة التي شنتها قوات النظام الديكتاتوري، على مناطق  نشاط  انصارالفوج الاول (حشع)، ومناطق لجنتي عقرة والشيخان لمقاتلي(حدك) ، وسكان القرى في المنطقة المجاورة لمقرات الاحزاب ،  حيث زجت فيها السلطات بوحدات عسكرية مدرعة من الجيش والجحوش ، وساهم فيها الطيران الحربي والهليكوبتر، وابدى الانصار آيات من البطولة والمقاومة والصمود والبذل، وكانت اياما اسطورية، حافلة بالمجد، غدت احاديث الجماهير ونسجت عنها قصصا كثيرة !
ــ  كانيكا ( بالكردية : كاني كه) : قرية تقع عند اطراف ناحية اتروش( قضاء الشيخان ــ محافظة الموصل)، وموقع القرية أستراتيجي بالنسبة للمنطقة، لذلك شيد النظام الديكتاتوري هناك قلعة كونكريتية، ومنذ السبعينات ، وضمن سلسة قلاع ومواقع عسكرية، شيدت بتصميم وتنفيذ من شركات رومانية، وكانت القلعة مقرا لفوج استخبارات عسكري، واثناء الاحداث  المذكورة كانت السلطة قد اخلتها ارتباطا باوضاعها العسكرية على جبهات الحرب مع ايران وايضا تنامي نشاط  ومقاومة الانصار في كردستان !
ــ لأستقبال العام الجديد  1987، صمم الرفاق العاملون في مكتب الاعلام لانصار الفوج الأول ( النصير أبو ايار، النصير أبو طالب ، النصير أبو رعد) ، بطاقة بيضاء كبيرة، وضعوها في مكان بارز في مقر " مه راني" ، كتبوا في اعلاها ( أحلم ! ) و تركوا الحرية لكل نصير ليسجل أمانيه بمناسبة العام الجديد !
مشهد في ذمة التأريخ
ثلاثة ... 
ثلاثة أنصار  ...
ثلاثة أنصار شيوعيين  ...
ثلاثة أنصار شيوعيين يتقدمون  ...
ثلاثة أنصار شيوعيين يتقدمون نحو  ...
ثلاثة قلوب مترعة بالأحلام، والعنفوان، والهواجس !
ثلاث قامات مدججة بالرصاص والمبادئ والأماني !
ثلاث بنادق شيوعية تتقدم نحو لحظة تاريخية !
الأول : النصير ياسين ( جماهير أمين الخيون ) يحمل بندقية كلاشينكوف ، وقاذف R B G 7 جاهزللاطلاق، ويحلم بـ :  "...التسكع في شوارع بغداد، مصابا بالحرية، وبأمي مختنقة بالسعادة " .
 الثاني : النصير جنان (فارس جرجيس موسى ) يحمل على كتفه العفاروف، وثلاث وعشرين نرجسة، وفي قلبه تتزاحم الفرحة ببطاقته الحزبية، وشهادة الدورة الحزبية التي انجز ، ويحلم بــ : "  ... امان لا حصر لها " ‍
الثالث : النصير كاتب هذه السطور . بالاضافة لبندقيته الكلاشينكوف المرقمة 1425 ، والقنابل اليدوية على حزامه، كان يحمل قذيفتي  R B G 7 ويحلم بــ : " ... تجاوز حدود الاماني واللوعة ‍ " !
ثلاثة أنصار شيوعيين يتقدمون نحو هاجس اللحظة القادمة ‍!
ثلاثة أنصار شيوعيين يتقدمون ...
ثلاثة أنصار شيوعيين ...
ثلاثة أنصار...
ثلاثة ...
لكنهم ... عادوا اثنين ‍!
الأول  و ... الثالث، عادا !
لماذا تخلف الثاني ؟
لماذا ؟
لماذا ا ا ا ا ا ا ا ا ؟
قطع ..
يوم 6 كانون الثاني وبسبب كون بناية القلعة نقطة دلالة لقصف الطائرات والمدفعية اضطر الانصار الى اخلائها من المقاتلين. عند الساعة الواحدة والربع ظهرا، والثلج يتساقط بغزارة، أفاد مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني "حدك"، بوجود جماعة داخل القلعة، فتوجه ثلاثة أنصار لاستطلاع الامر. أقتربوا من القلعة وسط ضباب كثيف. ثمة أصوات تصلهم باللغة العربية والكردية. من هم؟ هل هم رفاقهم الانصار الذين طلبوهم برسالة من المقر؟ أم رجال من المقاومة الشعبية ؟ صاروا على بعد عشرين او ثلاثين مترا  حين انقشع الضباب فجأة. صارت الرؤية واضحة تماما. حدث كل شيء بلمح البصر. لا مجال للتراجع. وجها لوجه بمواجهة حوالي ثلاثين من قوات المرتزقة الجحوش ورجال الاستخبارات. صاح الجحوش بالأنصار ليستسلموا : "تعالوا.. تعالوا  لا تخافوا". رد الانصار السريع كان النار . كان اشتباكا سريعا وضاريا . الرد السريع للانصار نفعهم كثيرا وخلق حالة من الارتباك بين المرتزقة الجحوش . أحتمى الانصار بالصخور والاشجار القريبة التي راحت أغصانها تتساقط بسبب كثافة النيران. حالما بدأ الاشتباك هب الرفيق النصير "أبو نصير" المتمركز جيدا على بعد حوالي مائتي متر للمساندة ودعم الرفاق للانسحاب.
نجمة تطرز السماء
لكن جنان ... على صهوة العفاروف، وبالسرعة الابتدائية لسقوط نجمة، انطلق ثابت الجنان، "فارسا" نحو سماء المجد، وكانت هواجسه من عيار السنة الجديدة، فاصل 1987.
صور اضافية :
ــ  الشهيد النصير ابو ايار : فؤاد يلدا سلمان  ،  مواليد  1951، خريج معهد الفنون الجميلة ـــ بغداد / معهد الفنون فلورنسا ــ ايطاليا . التحق بقوات الانصار في اواخر عام 1982 ،  عمل في اعلام الفوج الاول ، تولى مهام مستشار سياسي في السرية الرابعة ، جرح في ساقه في معركة قرية شيخكا  تموز 1988 ، استشهد في 11/9 /1988 حين حاصره الاعداء  ، بعد أصابته بجراح ، فأبى الاستسلام ،  وانهى حياته بيده مسجلا مأثرة خالدة !
ـ الشهيد  النصير ياسين ( جماهير امين الخيون ) شاعر. مواليد 1961 ابن المناضل الشيوعي المعروف امين خيون الذي اغتيل في سبعينات القرن الماضي من قبل النظام الديكتاتوري البعثي . ساهم ياسين بفعاليات في مختلف النشاطات الثقافية الانصارية . في اثناء ادائه مهام حزبية في بغداد نهاية ثمانينات القرن الماضي، اعتقل وغيبت اخباره، حتى سقوط النظام الدكتاتوري حيث عثر على اسمه في سجلات المعدومين من قبل النظام المقبور.
ــ الشهيد النصير جنان هو ( فارس جرجيس موسى ) مواليد 1964 ، من قرية " بنداويه " (القوش ــ الموصل ) سائق بلدوزر . التحق بقوات الانصار في 1983 ‎،   وكان  الشهيد جنان قد تميز بحمله للاسلحة الرشاشة المتوسطة، التي تحتاج الى مهارات عسكرية وامكانيات جسدية ، ويوم معركة " كاني كه "  كان يحمل رشاش العفاروف.
ـ الشهيد النصير ابو نصير (هرمز خوشابا هرمز) كان امرا للسرية الرابعة / انصار الفوج الاول . من قرية بقري ـ سهل الموصل . مواليد 1951 .عامل قالب . كان اصغر نصير في تشكيلات الانصار في الستينات . التحق بقوات الحزب من جديد نهاية السبعينات وتحمل عدة مسؤوليات عسكرية. تعرضت عائلته للابتزاز والمضايقات باستمرار، واضطرت زوجته واطفالها الخمسة الى الالتحاق به الى الجبل . استشهد في 23 تموز 1987 في معركة قرية شيخكا في سهل الموصل  والتي كانت مقرا في المنطقة لاستخبارات النظام الديكتاتوري. في حملات الابادة المسماة بالانفال في شهر اب 1988 ومع  عشرات الالاف من سكان القرى التي هدمها النظام الديككتاتوري تم تغيب وأضاعة اثار زوجته ام نصير واطفالها الخمسة.
ــ العفاروف : رشاش متوسط عيار 62 , 7 ملم ، سوفياتي الصنع . استخدم في الحرب العالمية الثانية ، مداه 1200 متر ، ومؤثر على تجمعات المشاة والاليات الخفيفة التصفيح ، يركب عليه من الاعلى  مخزن اطلاقات دائري الشكل يسع خمسين اطلاقة ، تميزت مفارز الانصار الشيوعيين العراقيين في كردستان بامتلاكه واستخدامه ، وحازالعفاروف كسلاح على سمعة طيبة بين الفلاحين ، وزرع الرعب بين صفوف العدو . 
ـ الجحوش : من كلمة جحش ، وباللغة الكردية تكون "جاش" وهذا تعبير ساخر يحمل استهانة واحتقار الشعب الكردي لابناء جلدتهم الذين يشكلون قوام وحدات المرتزقة التي يديرها النظام الديكتاتوري تحت اسم (قوات الفرسان).
  موسيقى
لكل الأشياء مداراتها ،
ولكل المدارات ابتداء ،
وللشهداء ــ دوما ــ مدار الدهشة والانتماء !


* أعد النص بالاستفادة من مؤلف الكاتب "تضاريس الايام في دفاتر نصير" المدى دمشق 2002


257
الكاتب يوسف أبو الفوز : أحترم القاريء ولا أقدم له أجوبة جاهزة !
من الخطأ ان نتعامل مع المهاجرين ككتلة واحدة !
ان خطاب الكراهية لا يمكن ان يكون شكلا من اشكال حرية التعبير !

حوار وتصوير يان بيبنغسكولد
نشر في آن واحد في جريدتي  "فيكو اوتسيت" و"كيسكي اوسيما" الفنلندية في 28/1/2017
ترجمة واعداد صنوبر قادر 
اتفقت على اللقاء مع الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز في مكتبة مدينة كيرافا ، وحين وصلت وجدته بأنتظاري واخترنا مكانا هادئا للحوار عن عالم الكتابة. أسمه الصريح (يوسف هدّاد ) لكنه معروف ويعمل بأسم يوسف أبو الفوز . ويقيم في مدينة كيرافا لاكثر من عشرين عاما، لذا يقال عنه أنه "كيرافي من العراق". في كتاباته يهتم بقضايا العالم وايضا قضايا الساعة، وان موضوعات الحرية والحياة الكريمة، حرية التعبير والعدالة الاجتماعية، تكررت كثيرا في حوارنا، وكان قد ترك بلاده مثل غيره من العراقيين بحثا عنها، وهو أيضا يتناولها في المحاضرات والندوات العامة، وفي جزء من نشاطاته يهتم بهموم ابناء وطنه العراق الذين اضطروا الى اللجوء الى فنلندا.
يقول الكاتب : أن الشباب في العراق، فقدوا الامل بحياة حرة كريمة، ولهذا نسبة كبيرة منهم تفكر في مغادرة العراق. أن هؤلاء الشباب عند وصولهم فنلندا لا يعرفون عادات البلاد وثقافة المجتمع جيدا . لذا فهم بحاجة الى الكثير من المعلومات لاجل التكيف مع الحياة الجديدة. أن تعلم اللغة الفنلندية مهمة جدا لذلك ، ولكن هناك حاجة لتعلم امور أخرى أكثر .
ـ في فنلندا ، توجد المساواة الحقيقية بين الرجل والمراة، وان المرأة الفنلندية لها استقلالية وحرية كبيرة ، ولا يوجد مثل هذا في العراق، فبالتأكيد يحصل الكثير من سوء الفهم .
عاش الكاتب في فنلندا لفترة طويلة. ويعتقد انه لاجل التكيف مع الحياة من الضروري الحصول على عمل. يعتقد ان العمل يساعد على الحصول على اصدقاء فنلنديين ومن الضروري للمهاجر عدم الاكتفاء بالاصدقاء من بلده الاول فقط . ان العزلة والتهميش خطأ كبير.
ويقول الكاتب ان الشباب اذا لم يملكوا الامل في حياتهم فأن الكراهية تكبر في نفوسهم . ويعتقد ان من الخطأ ان نتعامل مع المهاجرين او اللاجئين ككتلة واحدة ، لانهم ذوي خبرات وتجارب مختلفة في الحياة.
ــ ان الجماعات الاسلامية المتطرفة، واليمين الفنلندي المتطرف ، وجماعات مثل "جنود اودين"  توجد بينهم خطوط مشتركة كثيرة وهي كلها لغير صالح المجتمع الفنلندي .
يقول ان خطاب الكراهية لا يمكن ان يكون شكلا من اشكال حرية التعبير. ويجب ان نميز جيدا بينهما، وللاسف ان الحكومة الفنلندية الحالية لا تفعل الكثير لمنع هذا.  اننا بحاجة الى ضخ المزيد من المعلومات عن الجماعات المختلفة لخلق فهم مشترك متبادل وعلاقات توافق وسلام .
ـ شخصيا ككاتب بادرت كثيرا لزيارة المدارس الثانوية والمتوسطة وحتى بعض رياض الاطفال بشكل تطوعي للحديث عن مختلف المواضيع التي تصب في اطار فهم معنى واهمية التعدد الثقافي .
في العراق، في عهد صدام حسين، ان المساواة والحلم بالحرية وحرية والكتابة لا تجلب الامان للشخص :
- كتبت مرة عن نصا عن فتاة جميلة اجتازت باب القاعة تحت الضوء بثوب ازرق . أستدعيت للاستجواب من قبل رجال الامن في الكلية :
- سألوا لماذا ملابس الفتاة زرقاء، هل هذا رمز لبدلات العمال، هل هو رمز للافكار اليسارية؟
-  ان الكلمة لها طاقة وتأثير. ان الكلمة لها قوة، وان حكومة قد خافت من قصيدة شعر عن فتاة.
أن أسلوب الكتابة هو المهم بالنسبة للكاتب يوسف أبو الفوز فهو يريد أن يعطي القارئ فرصة للتفكير:
- أحاول ان لا أعطي أجوبة جاهزة في اعمالي الادبية . أنا أحترم قاريء اعمالي الادبية، واعتقد انه ذكي وقادر على العثور على إجابات بنفسه. اعتقد ان القاريء يستطيع بنفسه ان يستنتج ما هي طبيعة هذه الشخصية، هل هي طيبة او سيئة، بعد ان اقدم له المواقف واصف الحالات .
- عندما أخلق شخصيات في رواياتي، ابحث كثيرا وبشكل جدي في تطورها وتكوينها، وخلال عملية الكتابة، فإنها تصبح بالنسبة لي شخصيات حية وارتبط بها. أن عملية الكتابة هي جهد معقد ومتعب جدا.
- عندما استغرق في عملية الكتابة، انقطع تماما عن العالم الخارجي ، لا أرى ولا أسمع شيئا من حولي . زوجتي شادمان تعرف ذلك وتعاني احيانا ، فأنه قد تنادي عدة مرات لكني لا اسمعها .
-  عملي الابداعي لا يمكن ان انجزه بدون دعم من شادمان وايمانها بي، نحن ليس فقط نحب بعضنا البعض نحن ايضا اصدقاء جيدين .
وقد ساعدت الخلفية الثقافية والخبرات الخاصة للمؤلف يوسف ابو الفوز أن يفهم  كيفية تأثير الإنسان بالمحيط لاختيار لغة الشخصيات الخاصة. فان مفردات تعبر عن الجمال عند صياد السمك  ترتبط بعمله.  يوسف ابو الفوز قادم من عائلة فقيرة، لها نضالاتها في العمل لاجل المساواة والعدالة الاجتماعية للجميع :
- بسبب من فقر العائلة، فاني اضطررت للعمل في مهن مختلفة، وقابلت الكثير من الناس، وتعلمت منهم، وفهمت ان لكل انسان له قاموسه الخاص، فأسمع الناس ومن نوعية وطبيعة مفرداتهم يمكن تشخيص طبيعة الشخصية وميولها السياسية او انتمائها، فكل أنسان لديه مفردات مختلفة.
 ــ ومع التقدم في عمل في اي كتاب ، فأني استغرق وقتا طويلا، في المراجعة والتصحيح، فكل جملة ، وكل كلمة تحتاج الى جهد خاص .
- أن كتاب من مائتي صفحة يمكن للقاريء يمكن يقرأه في يوم او يومين، لكنه قد يستغرق مني عمل سنتين وربما اكثر .
 عرف يوسف هداد في سن الثالثة عشر أنه سيصبح كاتبا. اعطاهم معلم اللغة العربية مهمة كتابة انشاء عن رجل طيب أسمه أحمد، وعليهم ايجاد مشكلة له ومساعدته على حلها في صفحتين .  كتب يوسف موضوعا اكتشف المعلم أنه قصة ولفتت انتباه المعلم :
- غيرت  هذه القصة كثيرا من حياتي .
وقال إنه كان يريد أن يدرس في مجال السينما، لكنه لم يستطع لأسباب سياسية. فدرس الاقتصاد، ولكن أيضا استمر بالكتابة. في وطنه العراق لم تكن هناك حرية التعبير والتفكير، لذلك كان عليه وهو شاب ان يذهب في رحلة طويلة حول العالم، والتي أتت به إلى مدينة كيرافا الفنلندية ، وعمل طويلا كصحفي  ومعلم تأريخ ولكنه دائما يكتب .




258
الكلام المُباح (130) 
حَيَوَانَاتٌ مُفترِسَةٌ !
يوسف أبو الفوز

لم تخفت الضحكات بعد وصولنا بيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، بل تصاعدت حين انضممنا للاخرين بعد ان عرفنا السبب. فأَبُو جَلِيل ـ عزيزي القاريء ـ يخلق المفارقات كعادته، بدون أفتعال بسبب ضعف السمع. فإذ جرى الحديث عن إتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله بين العراق والكويت، وقال جَلِيل يجب عدم التسليم بأن الاتفاقية لا يمكن التفاوض عليها من جديد، وان الحكومة العراقية الحالية مطالبة بدراسة الاتفاقية من جديد، وعدم التفريط بسيادة العراق واستقلاله. وقالت سُكينة : تأريخيا ان كثير من مشاكلنا بسبب من اجتهادات بعض السياسيين الذين فرّطوا بحقوق الشعب. فقال أَبُو جَلِيل بغضب : ايه والله عمي، لا عاب لسانك، كثير من مشاكلنا بسبب من هؤلاء الذين ضرطوا بحق الوطن والشعب !
تركتهم مشغولين مع أَبُو جَلِيل وتوجهت لسوزان ابنة جَلِيل وزميلة لها، اللواتي كنّ في وقت سابق طلبنّ مني المساعدة في استذكار بعض المعلومات وهنّ يستعدّن للامتحان. ورغم كوني غير ضليع بما طلبنّ إلا اني حاولت قدر الامكان الاستفادة من بعض ما موجود في منهجهنّ الدراسي وما يرد في بعض مواقع الانترنيت عن الحيوانات البرية وهو موضوع الامتحان.
 كنا نستذكر المعلومات مع بعض وكانت سوزان  ذكرت ان الحيوانات البرية  نوعان : الحيوانات البرية الاليفة والحيوانات البرية المفترسة، وراحت تعدد اسماءها على اطراف اصابعها. اما زميلتها فقد راحت تتحدث عن كون الحيوانات المفترسة غالبيتها حيوانات برية وحشية، تعيش بعيدا عن الانسان، ولكنها تسبب خطرا كبيرا على الانسان كون غالبيتها من اكلة اللحوم. حاولت ان أتوقف معهنّ عند التسميات العلمية لهذه الحيوانات حسب المنهج الدراسي، فالحيونات البرية الاليفة تسمى"المستهلكات الاولى"، حيث تتغذى على النباتات، والحيونات البرية المفترسة تسمى "المستهلكات الثانية " اذ تتغذى على "المستهلكات الاولى" .
كان أَبُو سُكينة ليس بعيدا عنا يتسمع لحديثنا فخمنت انه أعجب بالموضوع ولذا ترك قفشات أَبُو جَلِيل وما اثير من احاديث حول موضوع خورعبدالله ، لكنه فاجأني بقوله : لو رجعنا لكل مشاكل العراق امس واليوم وغدا راح نجد ان درسكم عن الحيوانات المفترسة ينطبق عليه تماما. فنحن عندنا من سياسيي الصدفة، ممن تنطبق عليهم كل هذه الصفات، فهم مفترسون وعدوانيون ولا يمكن للانسان التعامل معهم بسهولة، بل ويشكلون خطرا على الانسان وما حوله، وهم يتغذون ويعتاشون على فرائسهم الوديعة التي لا حول ولا قوة لها ، ويتفننون في تحديد فرائسهم ومكانها وطريقة مطادرتها والايقاع بها، وهم ينشطون ليلا ونهارا ، ولا يمكن الوثوق ببعضهم والاطمئنان لهم حتى وان تم ترويضهم !


259
المنبر الحر / الرِّهَان!
« في: 22:53 08/01/2017  »
الكلام المُباح (128)   
الرِّهَان!
يوسف أبو الفوز

رغم الحزن،الذي طغى على لقائنا، في بيت صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، أثر العمليات الارهابية الاخيرة في بغداد،والتي خطفت ارواح الكثير من الناس الابرياء،إلا ان جَلِيل، ظل متماسكا في حديثه عن أوضاع البلاد:
ـ هذه العمليات الارهابية لن تتوقف، وستعقبها ـ للاسف الشديد ـ عمليات ارهابية، هناوهناك، فالقوى المعادية لمستقبل العراق الآمن، المتحالفة مع بقايا البعث الصدامي والقوى الظلامية التكفيرية وفي مقدمتها عصابات داعش، ستكرر عملياتها الارهابية، مستغلة ضعف اجهزة الدولة، والنزاع السياسي الدائم بين القوى المتنفذه، وتعدد المليشيات التي تحكم الشارع، ولكن ...
وطاف جَلِيل بنظره في وجوه الجالسين، ليرى ردود الفعل، وأكمل كلامه :
ـ تابعتم بأنفسكم، كيف أحتفل اهل بغداد بالسنة الجديدة 2017، هذه الاحتفالات لم تكن بدون معنى، انها رسالة واضحة، وسكوب بالالوان كما يقولون، عن تمسك العراقيين بالحياة المدنية، وكون الحياة ستستمر رغم الموت وكل شيء، وان افراحنا تكمن في تمسكنا بالمستقبل ...
رفع أَبُو جَلِيل  يده ، وحركها ...
 ـ أفراح شبيها، مو اطلقوا سراحها، شنو خطفوها مرة ثانية؟
وكتم بعضنا ضحكاته، فسمع أَبُو جَلِيل الثقيل طالما أدخلنا في حيص بيص، لكن جَلِيل لم يتوقف عن كلامه :
ـ وهاكم قضية الصحفية والناشطة المدنية أفراح شوقي، أطلق سراحها ليس بتدخل "شخصيات كبيرة"، كما يحاول ان يوحي بذلك البعض، وفي بالهم تقييد ذلك بأسم ما،ولكن اطلق سراحها لأن القوى المدنية، المؤمنة بالتغيير، والباحثة عن حياة جديدة، لم تسكين ولم تضعف امام القوى المسلحة غير المنضبطة، والتي تظن انها بديل الدولة، طالما امتلكت السلاح !
سعل أَبُو سُكينة ومد رقبته، فعرفنا بانه يود التعليق، فتوجهت انظارنا اليه ، فقال :
 ـ قرأت لي سوزان، ابنتك يا جَلِيل، بعضاً من تعليقات المشككين بأختطاف الصحفية افراح شوقي، وكونها مسرحية، ومفهوم لنا ان غايتهم هي التقليل من دور التيار المدني ونشاطه وتأثيره. اعتقد واظن اني مطالب ان اكرر كلامي دائما، بأننا نحارب داعش في الموصل، ونحارب ماعش في بغداد وبقية المدن، ومثلما عمر داعش صار قصير بجهود وتضحيات قواتنا المسلحة، فماعش راح تشوف صولات وتشوف جولات من الجماهير، خصوصا وأن السنة الجديدة دايره على حصان ورهاننا راح يكون رابح بالتأكيد !

260
أغنيات للجنود ، العرفاء ، الضباط والخ !  *

يوسف أبو الفوز
 
 " العزيز أنت ... يا شمعتنا وأملنا "
طوال عمره وهو يكره مدرسي اللغة العربية ، ونحوهم وإعرابهم وفاعلهم وصفاتهم والمجرور بهم ، ولا يحب أن يتمنطق مثلهم ، و ... لكنه هاهو ، وفجأة عّن له أن يقلدهم ويتفاصح  مثلهم ، فكل نياشينه وأوسمته وطلعته البهية ، وصف الحراس الواقفين حوله ، والجنود المنشدين أليه ، جعلته يلوح بقبضته بحماس ويستطرد بثقة عالية  :
ـــ إن قضية حب الوطن هي الأولى ، وقضية حب السيد الرئيس هي الأَخرا !!
" أحنه مشينه للحرب ! "
وقع في الأسر بملابس الرياضة . جاءوا بهم ليلا ، قالوا لهم :
ــ غدا تلعبون مع منتخب الفيلق ، وعليكم أن تخسروا المباراة أمامهم  .
عند الصباح وجدوا أنفسهم في الطوق الإيراني . رغم الخوف من المجهول ، ومرارة لا يعرف لها قرار ، إلا أن في داخله  كان ثمة شئ يخشى الإفصاح عنه لأقرب زملائه . في داخله شئ من فرح طفولي ، بأنه لم يكن مضطرا ليلعب ويخسر عامدا أمام فريق منافس وفقط لأن العميد شاء ذلك  .
"جنة ..جنة .. جنة       جنة يا وطنه "
توفي والده بالسكتة القلبية . لم يبك !
ورد اسم أخيه في قوائم المفقودين . لم يبك !
 فقد ذراعه الأيمن شرق البصرة . لم يبك !
فسخت ابنة خالته خطوبتها معه . لم يبك !
جن صديق طفولته . لم يبك !
اعدم أستاذ التاريخ في كليتهم . لم يبك !
البارحة ، على شاشة التلفزيون ، في لقاء مع صحفي أجنبي ، روى السيد الرئيس ـــ حفظه الله ـــ  نكتة ، ضحك لها كل مرافقي الرئيس من حرسه الخاص والوزراء وأعضاء مجلس قيادة الثورة وقادة فرق الجيش وممثلي مجلس الشعب الوطني ومسؤولي منظمات الطلبة والشباب والنساء ورؤساء تحرير الصحف ورؤساء العشائر ، و... شبعوا ضحكا !
وجد نفسه يبكي ، يبكي ، يبكي ، يبكي بحرقة !
حارق ... خارق  !
ركب مخزن ذخيرة جديد ، كل رصاصاته حارق ... خارق ، وضع البندقية على حالة الرمي رشا ، استند إلى جدار الخندق ، غرس كعب البندقية في الأرض ، وضع الفوهة في فمه ، وضغط الزناد  !
لم يفهم الكثيرون لماذا ؟
 كان قد قال لأحد الجنود قبل يومين  :
ــ لم اعد أطيق ذلك ، لم اعد احتمل اكثر ، كل يوم ، ليل ونهار ، ما أن أغفو قليلا ، حتى يأتيني السيد الرئيس المهيب ، يكشف عجيزتي و  ...
عناكب
في زاوية الملجأ الرطب ولأكثر من ساعة ، جلس القرفصاء ، صامتا وثمة رغبة عارمة الى التدخين ،  لكن سجائرهم نفدت . أمامه يجلس صاحبه ، شارد اللب ، صامتا مثله ، محدقا الى سقف الملجأ ببلاهة . قبل أسبوع همس إليه :
ــ ثمة عنكبوت يدب هنا !!
ونقر على صدغه بأصابعه المسودة . البارحة عاد وقال له :
ــ انه ينسج له بيتا بنشاط !
ومنذ أسبوع وهو يستعيد معلوماته عن العناكب ، ويتخيل أشكالها ، وألوانها و ... لكن اليوم ، ومع بدء القصف المدفعي من الجانب الأخر ، أحس ثمة شيئا ، ناعما ، صغيرا ، يدب داخل تلافيف رأسه !       
***
منذ أيام وثمة عنكبوت يبني له عشا داخل رأسه . يحس به وهو يدب بنعومة ، ويتخيله كيف يعمل بنشاط . البارحة اكمل العنكبوت بناء عشه ، تماما مع بدء نوبة حراسته الليلية . كان الجو باردا ، الريح تصفر في المنطقة الحرام . مد رأسه في الملجأ ، كان أصحابه ينامون بوداعة الأطفال ، ملتمين على أنفسهم ، يلتصقون ببعض طلبا للدفء، فشعر بالشفقة تجتاحه ، ومشاعر من المحبة تطغي على كل كيانه ، وكان العنكبوت يتحرك بنشاط ، بنشاط مثير ولم ينتظر طويلا ، كانت مشاعر الشفقة تجعله يرتجف من الحب ، وبهدوء وحتى لا يزعج النائمين سكب كل ما بداخل زجاجات النفط على الأشياء القابلة للاشتعال ، ثم نثر بعضه على بطانيات النائمين، وأشعل النار !!
الركن الهادئ
بعد إحالته على التقاعد اصبح " الركن الهادئ " مشربه المفضل . تبدل الندل ومالكي المشرب مرات ، لكنه لم يستبدل زاويته القريبة من الشارع ، عند واجهة المشرب الزجاجية . نهاية كل أسبوع ، ومع كأسه يغوص في عوالم داخليه ، يسافر في الذاكرة ، مستعيدا تلك الأيام العذبه من شبابه ، وجوه أصحابه الذين رحلوا ، طلابه الذين صاروا رجالا وتبعثروا يراقب حياة الناس ويعود إلى بيته ممتلئا بقناعة أن الحياة تسير بشكلها الرتيب ، ولم تتبدل !
في الأيام الخوالي ، كان يستمتع بالاسترخاء في كرسيه ، يمد رجليه على طولهما ويخفض بصره بحيث لا يرى من المارة سوى سيقانهم ، ويمارس لعبة ابتكرها لنفسه ، لعبة غريبة ، لن يفهمها أحد ، أوحى بها له حديث روتيني مع جارهم الإسكافي ، يراقب أحذية المارة ويحاول تخمين شيئا عن شخصية ومزاج لابسي الأحذية ، وهكذا يمر أمامه الناس  :
 حذاء رجالي مهترئ الكعب ، حذاء رجالي مصبوغ بعناية ، حذاء نسائي أنيق بكعب عال ، حذاء رجالي مترب عادي ، حذاء نسائي عادي بدون كعب ، حذاء رياضي ، حذاء رجالي فاخر ، حذاء نسائي فاخر ، حذاء نسائي عادي ، حذاء رياضي ، حذاء رجالي ، حذاء رجالي، حذاء رجالي ، حذاء  ...!
هذه الأيام افتقد تلك المتعة ، السيقان تمر أمامه ويسجل  :
حذاء نسائي عادي ، بسطال ، بسطال ، حذاء نسائي ، بسطال ، بسطال ، عكاز ، حذاء نسائي ، عكاز ، بسطال ، حذاء رجالي ، بسطال ، بسطال ، عكاز ، حذاء نسائي ، بسطال ، ... !   
أيار ـ  تموز 1992
موسكو
*  من مخطوط قصصي ينتظر النشر

261
الكلام المُباح (127)  
العُرْسُ الشّيوعيَّ!
يوسف أبو الفوز
بعد انتهاء اعمال المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي بنجاح، والاصداء الطيبة التي نقلتها وسائل الاعلام، عن سير أعمال المؤتمر، والوثائق الاساسية التي ناقشها وصادق عليها، والشعار الواضح الذي رفعه (التغيير .. دولة مدنية ديمقراطية اتحادية وعدالة اجتماعية )، وانتخاب قياة جديدة للحزب، كان جَلِيل مفعما بمشاعر البهجة :
ـ ان القول بأن دماء جديدة  تغذي قيادة حزبنا بات امراً واقعاً، هاكم انظروا .. تجديد في قيادة الحزب بنسبة 42%  ، وهذا لم يكن ينتظره حتى بعض الشيوعيين!
كان أَبُو جَلِيل على مقربة منا فقال: الا تعتقد يا وليدي انها مجازفة بأنتخاب شباب، يعتقد البعض انهم بحاجة الى المزيد من الخبرة والمران !
فانتفض جَلِيل : يا والدي .. أن ساحات العمل بين الجماهير ستكون هي المعين، وان العبرة في تزاوج الخبرة بين شباب جدد يحملون معهم افكارا وطرائق عمل جديدة وقادة سابقين معروفين وذوي خبرات. وبوجود روح العمل الجماعي، ستكون هذه المجازفة محسوبة!
صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، كان يجلس على مقربة ينصت لما يدور، ومنذ انتهاء اعمال المؤتمر واصل مشاكستي، كوني اخفيت عنه خبر مشاركتي في المؤتمر، وارتباطا بالتوجيهات الحزبية كنت أبرر غيابي عنهم بسفري للمشاركة في عرس أحد الاصدقاء . فقال بصوت مفعم بالقوة : يا أَبُو جَلِيل، لا تخربون علينا فرحة العُرْسُ .. انت معي شفت حفل الافتتاح بالتلفزيون ، وسمعت كلمات الضيوف، جاؤا لك برجليهم، وصعدوا على منبرك، وقدموا التهاني ورفعوا شعارك وطالبوا بالدولة المدنية. شتريد بعد أكثر من هذا الاعتراف باهمية دورك وحضورك وتأثيرك ؟ أما سالفة الشباب والشياب فهذه مثل ما يقول جَلِيل تحلها ساحات الحراك الجماهيري والعمل المتواصل !
وأشار لي وهو يهز برأسه : وصاحبنا من اختفى وسافر وقال رايح للعرس، قلت يا هو هذا العريس اللي ما يريد يقول لنا اسمه؟ وفورا ــ وروح موتاكم ــ شميت ريحة شيء طيب، ومن شفته بالتلفزيون بقاعة احتفال الافتتاح يصفق ويهوس والناس داير ما دايره من كل شكل ولون، واربع فضائيات تنقل الاحتفال، قلت الخير جاي وصاحبي ما يكذب عليّ. وهاي عندك قيادة جديدة تضم، اربعة نساء وعشرة شباب، ولاول مرة أمرأة في المكتب السياسي ، وسكرتير جديد، مجرب بالنزاهة وعنده لغات وشهادات وخبرات ... شلونه العرس بعد يكون يا بعد شيبي ؟!

262
المنبر الحر / تُرابْ ... ترامبْ !!
« في: 20:23 28/11/2016  »
الكلام المُباح (126)  
تُرابْ ... ترامبْ  !!
كان فوز دونالد ترامبْ برئاسة الولايات المتحدة الامريكية، قد عكر مزاج صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة لايام، فأبو سُكينة يعتقد أنه ما دام ترامب يحظى بدعم من منظمات فاشية وعنصرية، فأنه سيجعل العالم في حالة قلق  طيلة فترة رئاسته. وكنا تابعنا خلال الاسابيع الماضية كل ما يحيط بترامب من تصريحات وفضائح ومفارقات. ولم يكن فوزه مفاجئا بشكل كبير لنا ، فقد عبر  جَلِيل عن توقعاته بذلك اكثر من مرة :
ـ تبدو الشعبوية مثل موجة كريهة تنتشر في العالم، وترامب ممثلا لها في أمريكا، وان فوزه  المتوقع معناه فرصة اكبر للقوى الرجعية الشعبوية القومية !   
كنت عائدا من تعزية بوفاة والدة احد الاصدقاء ، ورغم طقوس الحزن لكن انباء انتصارات قواتنا المسلحة، بمختلف صنوفها ، على قوى الارهاب في معارك تحرير الموصل كانت تنعش النفوس . قلت لجَلِيل الذي رافقني الى مجلس الفاتحة ، وكان منزعجا لان احدهم ، وهو يعمل في احد المصارف الاهلية ، تصدر المجلس في جانب منه وراح يتشدق بأنجازاته في خدمة اقتصاد البلد :
ـ  وماذا كنت تتوقع من امثاله ليغطي على روائح فساده ؟ انظر هاهي جهات رسمية، تعتبر سيطرة المفسدين على عمل العديد من المصارف احد اسباب تلكوء عمل هذه المصارف . وان من بين خمسين مصرفا اهليا هناك فقط خمسة او ستة يمكن الاعتماد عليها !
قال جَلِيل بغضب : مرارا كررت أصوات غيورة على مصلحة الوطن ضرورة تشريع قانون المصارف لاجل ان يكون هناك رادع رقابي حكومي، لكن من يسمع ؟ ان الخلافات السياسية بين القوى المتنفذة، وسياسة هذه حصتك وهذه حصتي هي من تجعل امثال ترامب في بلادنا يتسيدون المشهد !
سعل أَبُو سُكينة  فعرفنا رغبته بالمشاركة في الحديث فقال بأنفعال واضح  : في أمريكا عندهم ترامب واحد، واحنا عدنا ترامبات. والواحد منهم، تجده الصبح يحكي شرقا والمساء تجده يحكي غربا. الحكي والتصريحات غير المسؤولة صايرة عندهم بسعر التراب .. الدنيا بيهم خربانه وصايرة ترا... مب ، بس تالله وبالله إلهم يوم قادم راح شعبنا يصخم وجوهم ويترس حلوكهم ترا.. ب !

263
الكلام المباح 124
عَنْ حِلاَقَةِ اللُحى !!
يوسف أَبُو الفوز

طيلة فترة وجودنا في بيتِ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، كان موضوع تحرير الموصل هو الغالب في احاديثنا . كان جَلِيل لا يستطيع أخفاء قلقه وحماسه وهو يتابع الاخبار من على شاشات التلفزيون :

ـ معركة تحرير الموصل ستحمل معها الكثير من التحدي والالام والدروس والعبر !

كان يعلق على كل خبر دون انتظار سماع تعقيب او مشاركة من الاخرين .

ــ لم تعد هزيمة تنظيم "الدولة الاسلامية " الارهابي قضية تخص العراق وحده ، انها اكثر تعقيدا .

كنت اتفهم هذا القلق والحماس، فالكثير من العراقيين الذين خبروا وعانوا من الحروب واحداث العنف يدركون ان لا معركة ، حتى لو كانت عادلة ، بدون خسائر، فكيف بمعركة تتشابك فيها الخيوط الاقليمية والدولية ؟!

قالت زوجتي : هل سمعتم تفاصيل جديدة عن الوثائق التي عثر عليها قرب منطقة الغابات في الموصل ويعتقد انها صادرة عن خليفة تنظيم داعش الارهابي؟ قيل أنه يتحدث فيها عن اعتماده مشروعا لسفراء ما يسمونه بدولة الخلافة من خلال اعادة العشرات من قادته وعناصره من العرب والاجانب، خصوصا من حملة الجنسيات الاوربية والغربية ، من غير المعروفين للسلطات الامنية الدولية ، الى دولهم مرة اخرى ليكونوا "سفراء" بالنيابة والعمل لانشاء الخلايا النائمة واخذ البيعة من مؤيدي التنظيم ؟!

وكان لي ان اشارك فقلت : شخصيا تابعت الخبر، وقرأت ان احدى الوثائق تحوي معلومات عن وجود ما سموه بالنجاح في اختراق الانظمة الامنية في اوروبا وانشاء خلايا مؤيدة للتنظيم بقوة !.

تنحنح ابو سكينة وقال : اتعرفون، انا مثلكم سمعت اكثر من تقرير عن هذه الوثائق ، وسُكينة قرأت لي من الانترنيت بعض المقالات والتحليلات . وهذه جعلتني اعتقد انه حتى هذا الخليفة الاغبر "أبو الروليكس" يعرف جيدا ان ساعته حانت، وان معركة تحرير الموصل ستنتهي بالنصر لصالح قواتنا العراقية الباسلة والتشكيلات المساندة لها. وانا بقدر ما تقلقني مجريات الامور واخبار المعركة، فأني قلق مما يأتي بعد المعركة وتحرير الموصل. فهذه الوثائق تتحدث عن السفراء الى الدول الغربية والاوربية، فيا ترى ماذا عن سفراء دولة الارهاب للمدن العراقية؟ ماذا عن الذين سيحلقون لحاهم ويطيلون اثوابهم ويغيرون قمصانهم ويندسون هنا وهناك بين صفوف جماعات "ماعش"، من جماعات الفساد والمحاصصة والتزوير؟ فهموني يا جماعة الخير .. هؤلاء شلون راح نكشفهم ونتعامل معهم ؟!

264
المنبر الحر / أبنةُ جُحا !
« في: 23:25 09/10/2016  »
الكلام المُباح (123)  

أبنةُ جُحا !

يوسف أَبُو الفوز
حين وصلنا بيتِ صديقي الصَدوق أَبُو سُكينة، لم تستطع زوجتي أخفاء قلقها وتضامنها مع صديقة لها، تشكو كثيرا من زوجها، الذي بسبب ضغوطات العمل ومشاكل عديدة أخرى ،تنعكس على مزاجه، فصار يعاملها بخشونة، وسرعان ما ينتبه لنفسه ويشعر بالذنب فيغرق في الحزن والكأبة ! تكرر الامر لاكثر من مرة ، مما جعل الصديقة تلجأ لطلب النصيحة من صديقاتها، ومنهم زوجتي. كانت زوجتي تتحدث عن الحالة دون ان تذكر أسماءً محددة. وعلى عادته، حتى لو كان حديثك عن أكل الكباب والدولمة فأن جَلِيل يلويه ويدخلك في أبواب السياسة وعوالمها. علق مبتسماً :

ـ اعتقد ان هذا الزوج بحاجة الى إستجواب علني في البرلمان العراقي، ومن ثم تصويت سري و ... البقية تعرفونها !

أحتجت زوجتي لانها تصورت أن جَلِيل يسخر من مشكلة صديقتها. فتدخلتُ محاولاً تغيير الموضوع وفتح محور أخر بعيد عن هذا كله، فقلت : البارحة كنت اقرأ في كتاب ...

فقاطعني جَلِيل ضاحكا : أعرف مناورتك جيدا، دع كتبك الان جانبا، وأخبرني الا ترى ان هذه الزوج ناكر للجميل ويستحق المسائلة على ما يفعل مع زوجته ، رغم انها ــ كما تقول زوجتك ــ زوجة وفية ومحافظة على بيتها، وانها لا تستحق ما يجري لها؟! وأن حالها مثل حال شعبنا الذي يستحق حياة افضل وان لا يكون مصيره ومستقبله بيد سياسيين غير أبهين ولا ينتابهم حتى الشعور بالذنب لما يفعلوه ؟!

وضحك أَبُو سُكينة وهو يغالب سعاله، ومد ساقه وعيناه تلمعان وتوجه لي بالكلام : ما دام جَلِيل والجماعة خلطوا الموضوعين مع بعض وصار لكل شيء أسمه.. فالزوجة صارت بمحل شعبنا المبتلى بنتائج الاعمال الارهابية والفساد والمحاصصة، والزوج صار بمحل السياسيين واصحاب الامر ناكرين الجميل والخ .. فأعتقد ان الامر المناسب هنا ان تحكي لنا عن بنت "الملا نصر الدين" وزوجها وماجرى لها، لان حالها هو المثال الاصدق لحال شعبنا مع أهل الحل والربط الذين ... !

وكنت مرة ـ عزيزي القاريء ـ رويت لأبي سُكينة، كيف أن الكاتب الافغاني خالد حسيني (مواليد 1965)، أورد في روايته المعروفة "عداء الطائرة الورقية " ــ صدرت عام 2003 ــ أحدى حكايات "الملا نصر الدين" ،كما يسمونه في افغانستان وايران، والذي نسميه في العراق "جحا"، وكيف ان أبنة جحا عادت الى المنزل تشكو من ان زوجها ضربها، فضربها جحا ضربا شديدا هو الاخر، ثم ارسلها لتقول لزوجها ان جحا ليس احمقاً : اذا كان ابن الزنا هذا يضرب أبنته، فان جحا سوف يضرب له زوجته !

265
في هلسنكي
شبكة الهجرة الاوربية تنظّم ندوة عن عودة اللاجئين طوعا الى بلدانهم

 
في 30 ايلول 2016 نظّمت شبكة الهجرة الاوربية (EMN) (احدى مؤسسات المفوضية الاوربية)، بالتعاون مع مؤسسات جامعية اوربية ندوة مخصصة لموضوع "اللاجئين العائدين" من اوروبا طوعا الى بلدانهم.
افتتحت الندوة التي اقيمت في العاصمة الفنلندية هلسنكي بكلمة السيدة بريويز كيلوKielo Brewis مديرة الشبكة والمعروفة وتفهمها لمعاناة ومشاكل اللاجئين، والتي رحبت بجمهور الحاضرين الذي اكتضت به قاعة المؤتمرات في فندق "راديسون بلو رويال الدولي" Radisson Blu Royal hotelli، ورحبت بالباحثين المشاركين من جامعات اوربية مختلفة، من النرويج، ايطاليا، بلجيكيا، السويد وفنلندا.
اعقب ذلك كلمة مختصرة لوزير الداخلية الفنلندية السيدة باولا ريسيكو Paula Risikko (حزب الائتلاف الفنلندي).
وكان الباحث الايطالي اوغينيو امبروسي Eugenio Ambrosi، الذي ابتدأ حديثه بالتذكير بالهجرات الاوربية ايام الحروب واضحا في مداخلته في انتقاد السياسات الحكومية الاوربية الحالية، وقال: " إذا كان هناك أزمة لاجئين في أوروبا حاليا، فعلينا أن نجد كلمة أخرى لما يحدث في أماكن أخرى من العالم"، وأكد أنه " فقط حوالي 6٪ من السكان اللاجئين في العالم تأتي إلى أوروبا. وبالمقارنة مع موارد اوربا وبقية بلدان العالم فان أزمة اللاجئين ليست في أوروبا ".
اما الباحثة البلجيكية آني دوسارت Anne Dussart فقد اكدت: " ان قضية العائدين الى ديارهم هي بالحقيقية هجرة جديدة لان البلاد التي يعودون اليها بافتراض انها بلدهم، هي ليس نفس البلاد حين غادروها وهم ليسوا نفس الاشخاص".
في ختام الندوة ادارت الصحفية كيرسي هيكي Kirsi Heikel حوارا مباشرا مع عدد من ممثلي مؤسسات حكومية وغير حكومية ضم (ماري هيلينيوس Mari Helenius من دائرة الهجرة، ميا بوتنين Mia Poutanen من ادارة الشرطة الفنلندية، ماريا ليسا لايهيا Marja-Liisa Laihia من مجلس الكنائس، كايسا فاكيبارتا Kaisa Väkiparta من مجلس اللاجئين، بيفي كيسكيتالو Päivi Keskitalo من مجلس تمييز المظالم والكاتب والباحث من جامعة تامبيرا يوسف أبو الفوز).
تناول الحوار واقع سياسة الحكومة الفنلندية في التعامل مع موجة اللاجئين الاخيرة والعائدين طوعا الى بلدانهم، وكان واضحا ان العديد من الآراء عبّرت عن القلق من سياسة التشديد بحق اللاجئين، خصوصا الرفض وبشكل جماعي لطلبات الحماية المقدمة من قبل اللاجئين العراقيين، والعوائق والتشديدات امام لم شمل العوائل.
وكان الكاتب والباحث العراقي يوسف أبو الفوز اجاب عن عدة اسئلة تناول فيها اسباب العودة الطوعية من قبل المئات من العراقيين، حتى قبل معرفتهم الاجابة بالرفض او القبول لملفاتهم، واعتبر ان ذلك خيار اجباري امام العائدين، وهو تعبير عن خيبة امل ثانية من قبل اللاجيء، الذي فقد الامل بحياة حرة كريمة في وطنه، يحفظ فيها حياته وحياة عائلته امام تحديات العنف الطائفي التي تلف البلاد، وان التشديد في سياسة الحكومة الفنلندية الحالية مع قبول اللاجئين، وطول فترة الانتظاروكثرة حالات الرفض، دفعت بالمئات للعودة ومواجهة المخاطر من جديد، لان هذه المخاطر والتحديات التي اجبرتهم للمغادرة اول مرة لا تزال قائمة، ولكن كثير منهم لديهم مسؤوليات امام عوائلهم التي تنتظر ان يلتحقوا برب الاسرة.
وحول سؤال ان كان يعتقد ان العراق بلدا آمنا، اجاب يوسف أبو الفوز: بان الصراع السياسي بين الاطراف المتنفذة في العراق، ياخذ طابعا طائفيا، سنيا ـ شيعا او شيعيا ـ شيعيا وغير ذلك، ولكنه في حقيقته صراع سياسي من اجل المصالح، في بلد صار مثلا بارزا في درجة الفساد وسوء الادارة وفق نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، الذي اسسته وبنت له سلطات الاحتلال الامريكي مستثمرة حجم الخراب الذي خلفه في المجتمع العراقي السنوات الطويلة للحكم الديكتاتوري لنظام صدام حسين. وان نظام المحاصصة سبب تراجعا بارزا في دور الدولة لحماية المواطن، وبروز سلطة الميلشيات والعشائرية ونشاط الارهابيين التكفيرين، وعليه فأن اي بقعة في العراق لا تعتبر آمنه امام المواطن العراقي، الذي تتعرض حياته للخطر بمختلف الاشكال.
اما عن المساعدات التي تقدمها الحكومة الفنلندية للاجئين العائدين لاجل بداية حياة في بلدهم فقال انهم بشكل اساس يعودون الى الموت، فبماذا ستفع هذه المساعدات؟، ناهيك ان ببعضهم باع بيته او دكانه او اخذ قرضا ليدفع للمهربين، وعليه تسديد كل ذلك حال عودته، وهذه المساعدات تبدو مثلما ان تمنح العاري وسط الثلج في درجات حرارة منخفضة نعالا حتى يلبسه.

266
الباحث يوسف ابو الفوز : على أوربا ان تعمل الكثير لاجل انجاز عملية اندماج حقيقية ، وعلى الاجنبي معرفة واجباته قبل ان يطالب بما له من حقوق !

تصوير وحوار : جمال الخرسان

في الاوساط الفنلندية ، الادبية والاكاديمية، صار اسم الكاتب الروائي العراقي يوسف ابو الفوز متداول كثيرا، وتتابع بعض وسائل الاعلام الفنلندية تصريحاته وتجري لقاءات معه للحديث عن محاور متعددة منها الاوضاع في العراق ونشاطاته الادبية والثقافية ، والاكثر بروزا في الفترة الاخيرة هي مجال عمله كباحث في جامعة تامبيرا الفنلندية، التي تعتبر واحدة من اهم المؤسسات الاكاديمية. حول موجات اللجوء الاخيرة ، سياسات الاندماج وما يجب على المهاجر ان يقدمه للمجتمع الذي يعيش فيه جاء الحوار التالي :

- باعتبارك باحثا في جامعة تامبيرا الفنلندية في قسم الأنثروبولوجيا (علم الانسان) ، في موضوع التعدد الثقافي والمهاجرين في فنلندا ... هل تجد ورش العمل في مجال الابحاث والعلوم عن مشكلات الاجانب في فنلندا مفهومة وواضحة وتعالج بشكل علمي ام ان تلك الورش غير مطلعة بما يكفي على المشكلات التي يعاني منها المهاجرون؟

ــ في السنوات الاخيرة يمكن القول ان هناك تقدم ملموس وملحوظ في هذا الامر، ارتباطا بظهور جيل جديد من الباحثيين الفنلنديين الميدانيين، ممن صاروا لا يكتفون بالجلوس في المكاتب، بل والعديد منهم يسعى بشكل جاد لتعلم اللغات الاجنبية وخصوصا الشرقية، ومنها اللغة العربية، والعيش والاختلاط مع المهاجرين واللاجئين وزيارة بلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا، للتعرف عن كثب على الواقع الاجتماعي وجذور المشكلات الاجتماعية، من هنا القول اننا يمكن ان نأمل في المزيد من التطور والنجاحات في هذا المجال، وهناك امثلة مشرقة في استيعاب مشاكل المهاجرين وعموم الاجانب في فنلندا واروبا، تعكسها العديد من الدراسات والنشاطات الاكاديمية التي انجزت مؤخرا في فنلندا.

- هل المؤسسات الفنلندية الرسمية وغير الرسمية ادت ما عليها في سبيل انجاح مشروع الاندماج ، وهل هناك ما ينقص جهود الجانب الفنلندي تجاه الاجانب؟

ـ للاسف ان عموم البلاد الاوربية، ومنها فنلندا، وخصوصا المؤسسات الرسمية، لم تنجح كثيرا في سياسة الاندماج، وابرز دليل هو عدد حاملي الجنسيات الاوربية من مواطنيها ،خصوصا من الشباب ومن مواليد هذه البلدان ، الذين التحقوا بالمنظمات المتطرفة والارهابية كالقاعدة وداعش. ان الاعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل بين الاجانب وتهميشهم سهل للدعاة المتأسلمين المتطرفين للنشاط بين صفوف الشباب خصوصا. ان سياسة التوطين على شكل "غيتوات" معزولة، ساهم في تقوقع الاجانب على انفسهم. ومن جانب اخر، أن سياسة الدول الاوربية في التعامل مع الجماعات الدينية، على اختلافها، على اساس كونها مؤسسات ثقافية، منحها فرصة استغلال ألية الديمقراطية الاوربية لمد نشاطاتها لامتلاك اماكن خاصة بها، بحجة انها اماكن عبادة ولاداء الطقوس، لكنها تحولت الى اماكن للتقوقع والتنظيم وللتثقيف الخاص ، سواء للتثقيف ضد المدنية والتطور الحضاري او للتنظيم لاغراض تكفيرية وجهادية، خصوصا تلك الاماكن التي تم بناءها بمساعدة أموال خليجية. في لقاءات عامة ولوسائل الاعلام ، اقول دائما للفنلنديين ان التعدد الثقافي لا يعني تذوقك للكباب والدولمة وسماع شريط موسيقي عربي او افغاني، انه يتمثل في سياسة اندماج حقيقية، في محاولة فهم ان المهاجر لايقطع تذكرة بأتجاه واحد، وانه يبقى مرتبطا بجذوره وثقافته، ومن هنا ضرورة دعمه للحفاظ وتطوير ما هو ايجابي وانساني في ثقافته الاصلية ومساعدته لامتلاك معارف وتجارب حضارية جديدة، ومنح عموم الاجانب ، والشباب خصوصا، المزيد من الفرص في العمل والتوظيف في مؤسسات الدولة ليكونوا جزءا منتجا ومثمرا من المجتمع، وزجهم في النشاطات والفعاليات ليس باعتبارهم ديكورا او رقما انتخابيا وانما جزءا من نسيج المجتمع . ان اوربا ما زال بانتظارها الكثير لتعمله لاجل انجاز عملية اندماج حقيقية.

ـ وماذا عن مسؤولية الاجانب انفسهم في عملية الاندماج ؟

ــ نعم .. نعم ، شكرا للسؤال، ان المهمة هنا مشتركة تماما، فالاندماج مهمة متبادلة، وان الاجانب عموما مطالبين بأن يكونوا ايجابيين ومتسامحين في فهم متطلبات الحياة في هذه البلاد الاوربية المتطورة، ما داموا اختاروا بانفسهم القدوم اليها، فعليهم السعي لتعلم لغة البلاد واحترام قوانينها والسعي لاحترام ثقافة وعادات المجتمع. ان البعض من الاخوة الاجانب ، ومنهم العراقيين طبعا، يفهم الاندماج وكأنه التنكر لهويته الوطنية، وهو هنا يخلط بين ما نسميه "الانصهار" وبين عملية "الاندماج". ان الاندماج هو عملية طويلة وعميقة ولها عدة مراحل، واذ تحرص فيها على الحفاظ على الاساس الايجابي من هويتك وجذورك، يتطلب مراعاة قوانين وثقافة البلد الاوربي . وقبل ان تطالب بحقوقك عليك ان تعرف واجباتك اولا وعندها ستكون المعادلة متوازنة . ان فنلندا بشكل عام بلد يمكن للانسان فيه، ومهما كان عمره ، ان يبدأ حياته من جديد على كل الاصعدة . وبالتاكيد لا يمكن تحقيق كل شيء بسهولة ، خصوصا ان عموم البلاد الاوربية تعاني حاليا من ازمات اقتصادية وسياسية انعكست بشكل كبير على واقع هذه المجتمعات وافرزت ظواهر وقوانين غير معروفة قبل عقد من الزمان. ولكن عموما ان الاجنبي المهاجر واللاجيء عليه احترام المواطنة لهذه البلاد وان يكون مخلصا لها وعندها يمكنه المطالبة بحقوقه بصوت عال ويحافظ على هويته الثقافية.

- في خريف العام 2015 وبسبب موجات اللاجئين حصل تضخيم اعلامي لبعض السلبيات، وبالفعل كانت هناك اساءات من قبل بعض المهاجرين... ذلك ما اثار الخوف عند الشعب الفنلندي على مستقبل ابنائهم ثقافيا، امنيا واجتماعيا... هل استطاعت الجهات المعنية بما في ذلك الاجانب توضيح الصورة وتعديل الموقف؟

ــ يطول الحديث حول موجة اللاجئين الاخيرة الى اوربا وفنلندا ، ومن الضروري القول انها حصلت وفنلندا تحديدا لم تكن جاهزة لها، اذ وصلها العام الماضي اكثر من 32 الف طالب لجوء، بينهم اكثر من 22 عراقي ، وفنلندا كانت لا تملك سوى 25 مركز لاستقبال وايواء اللاجئين وهي لا تتسع سوى لاسكان بضعة الاف، ناهيك عن الحاجة الماسة لكم هائل من الموظفين والمترجمين والحراس والطباخين والممرضين الخ ، فدخلت البلاد بأزمة حقيقية . اضافة الى كون الحكومة التي امسكت ادارة الدولة بعد انتخابات نيسان 2015 ، جاءت الى السلطة بسياسة تقشفية نتيجة الاوضاع الاقتصادية المتردية للبلاد ، فمارست سياسة متشددة مع اللاجئين دوافعها اقتصادية اساسا. وللاسف ان الكثير من الاخوة من طالبي اللجوء، ومنهم اخوتنا العراقيين، كانت غائبة عنهم هذه الحقائق، فكانوا يريدون ان يحصلوا على كل شيء بسرعة، مثلما غشهم ووعدهم المهربون. يضاف الى ان الكثير من الاخوة طالبي اللجوء عاشوا حالة يمكن تسميتها "الصدمة الحضارية"، فالمجتمع الفنلندي قطع اشواطا بعيدة في تطوره الحضاري حتى مقارنة ببعض البلدان الاوربية . فمثلا شاب عراقي يحضر من بيئة محافظة ، ولم يسمع في بلاده امرأة تضحك في الشارع بصوت عال، ويجد نفسه يعيش وسط مجتمع يمنح المراة الحرية الكاملة والاستقلالية في الشخصية، فيسيء فهم ذلك والتعامل معه، فتحصل الكثير من الملابسات والاشكالات . في هذه الاجواء المربكة للجميع ، كانت المنظمات العنصرية والفاشية الجديدة تجد لها متنفس في النشاط ، وصارت تعتاش على اخطاء البعض من اللاجئين، فجرى التضخيم من حالات جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب التي حدثت فعلا، وجرى المتاجرة بأخطاء طالبي اللجوء الذين للاسف كان بعضهم يقوم بممارسات غير مفهومة الدوافع للفنلندي واحيانا مخجلة وتسيء لكل الاجانب . فتولدت ازمة وحالة من عدم الثقة اثارت موجة من الخوف والتردد والحذر بين الفنلنديين ، بحيث صار احيانا من الصعب امام الجهات المعنية بالدفاع عن الاجانب واللاجئين تفسير والدفاع عن ما يحدث . ومع ذلك فأن الجهات المعنية ، واقصد هنا المؤسسات الاكاديمية ، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الانسان ومعها احزاب اليسار، قد بذلت الكثير من الجهود لايضاح الكثير من الحقائق ، من ذلك ان على الحكومة ان تكف من النظر لقضية اللاجئين من منظور اقتصادي بحت ، وانه من الخطأ التعامل مع طالبي اللجوء ككتلة واحدة ، ويجب تفهم الفارق الثقافي والاختلاف في المفاهيم وفهم القوانين . وتم مرارا وفي محافل اكاديمية ورسمية فنلندية انتقاد الصحافة الصفراء والمتاجرة باخطاء الاجانب وتضخيمها. كما قام الكثير من الباحثين والناشطين، من الفنلنديين ومن الاجانب، وتطوعا، بزيارة مراكز استقبال اللاجئين، وتنظيم لقاءات عامة للاجانب واللاجئين، للحديث عن الكثير من المشكلات واثارة النقاش حولها، لاجل توفير قناعات مشتركة تساهم في توفير بعض الاجابات للكثير من الأسئلة.
كيف يمكن للمهاجر ان يقوّي موقف الجهات التي تحرص على الدفاع عنه في فنلندا؟

ــ هذه احدى الاشكالات الجدية التي واجهتها المنظمات والجهات المدافعة عن حقوق الاجانب ومنهم العراقيين . في الصيف الماضي ، نظمت جامعة تامبيرا ندوة خاصة عن تأثير الابحاث الاكاديمية على مراكز القرار، وكان لي شرف المشاركة فيها . ان تسعى الجامعة ، او اي جهة مستقلة واكاديمية لايصال مقترحات وافكار للجهات الرسمية حول قضية ما ، يتطلب توفير قناعات مختلفة امام الجهات المعنية بتنفيذ المقترحات ، منها شرعية وانسانية هذه المقترحات. ان الاجانب واللاجئين يمكنهم اساسا مساعدة انفسهم وذلك بأحترام قوانين البلاد ، ومحاولة تفهم ان هناك فارق ثقافي وحضاري كبير عليهم مراعاته. فمن الضروري التفكير في تنفيذ ماهو المطلوب من واجبات الى جانب المطالبة بالحقوق . فلا يمكن لاي جهة ان تعتذر عن مساعدتك اذا اقتنعت بشرعية حاجتك واهميتها. ولكن كيف تستطيع ان تكون اوراقك قوية وتدافع عن قضية ما حين لا يساعدك فيها صاحب القضية؟ ما معنى ان يحضر البوليس لفض اشتباكات بالايدي في حفلتين، في مكان مختلفين، في العاصمة هلسنكي، في نفس الاسبوع ، اقامها الاخوة العراقيين احتفالا بعيد الاضحى الاخير؟! وبفارق لايام قليلة تقام مباراة كرة قدم تنتهي بنفس الشكل؟ ماذا تنتظر من صحف التابلويد التي تنتظر هكذا اخبار لتكون على صفحاتها الاولى؟ اي صورة سترسم للعراقيين ولعموم الاجانب؟ سواء القدامى او الجدد ؟ أخبرني كيف يدافع ناشط فنلندي او باحث جامعي عن العراقيين وهو يتحدث مع شخص يمسك بصحيفة تحمل مثل هذه الاخبار؟ الان امامنا دعوة من وزارة الداخلية الفنلندية لاجتماع خاص، دعت له، عدد من الباحثين، من المهتمين تحديدا بالشأن العراقي، للتحاور معهم وتبادل وجهات النظر حول محاور معينة تخص موضوع اللاجئين، وساكون شخصيا معهم، واتمنى ــ من كل قلبي ــ في وقت الزيارة الا تكون على مكتب المعنين في الوزارة تقاريرا واخبار من مثل هذا النوع الذي ذكرناه. ان أهلنا يقولون ان الخير يعمم، وايضا ان الاخبار السيئة ايضا تعمم على الاخرين ويتضررون منها رغم عنهم !

ماذا تقترح على المهاجرين وخصوصا الجدد في اطار التفاعل مع هذا المجتمع واستثمار العديد من القنوات الهادفة فيه؟

ــ من الضروري ان نفهم ان المجتمع الفنلندي مر بمراحل تطور عميقة ، وصارت له قوانينه وعاداته المختلفة، وفيها ما لا يتلائم مع عاداتنا وتقاليدنا ، فالمطلوب منا احترام اختلاف الاخر. فهم حقيقية ان الفنلنديين لهم ثقافة مختلفة تماما عنا ، فمثلا ان عموم الفنلنديين ، هم ناس محبون لان يكون لهم مساحة خاصة بهم، فهذا هو تكوينهم ، لذا مثلا تجدهم يجلسون منفردين في وسائل النقل العام ، وحين يتحاشون الجلوس الى الاخرين، حتى لو كان فنلنديا، لا يعني هذا موقفا عنصريا او كراهية، بقدر ماهو طبعهم . فعلينا ان نتفهم ذلك ونحاول التعايش والتكيف معه. وهذا لا يعني عدم وجود اشخاص مغرر بهم او واقعين تحت تاثير خطاب الكراهية او حتى يحملون مشاعر عنصرية ، ولكن بشكل عام ان الفنلنديين بقدر ما هم منغلقون على انفسهم، لكنهم اناس دمثون ومسالمون، ويمكن التحاور معهم بسهولة عند الضرورة ، وهذا يحتاج احترام عاداتهم ومعرفة لغتهم . ان الانخراط في المجتمع من خلال الدراسة والعمل سيفتح الكثير من المجالات امامنا لبناء علاقات طيبة مع اهل البلاد وبناء صداقات عميقة . وأن هناك العشرات من المؤسسات الثقافية والاجتماعية التي يمكن الاشتراك في نشاطاتها ومن خلالها يمكن بناء جسور لفهم هذا المجتمع وايضا تقديم صورة طيبة عن ثقافتنا ووطننا الام .

بطاقة الكاتب يوسف أبو الفوز

* الاسم الصريح : يوسف علي هدّاد

* مواليد السماوة 1956

* ظهرت كتاباته الصحفية والقصصية في العديد من الدوريات والنشريات العراقية والعربية والفنلندية والكردستانية .

* لأسباب سياسية، اضطر لمغادرة العراق صيف 1979، مشيا على الاقدام عبر الصحراء الى العربية السعودية ثم الكويت ، ثم اليمن الديمقراطية الجنوبية (عدن).

* في الكويت للاعوام 1979ـ 1980 كتب في الصحافة الكويتية بأسماء مستعارة عديدة،وحرر عمود سياسي أسبوعي ساخر، ووقعه بأسم "أبو الفوز" الذي من يومها صار اسما فنيا له.

* عاد الى الوطن، الى كردستان العراق عام 1982 والتحق بحركة الكفاح المسلح، مع قوات الأنصار الشيوعيين، لمقاومة النظام الديكتاتوري، حتى حملة الإبادة المسماة بـ"الأنفال" في صيف 1988، حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى في عدة بلدان ، حيث اعتقل وسجن في بلدان عربية واوربية لعدم امتلاكه اوراق قانونية ثبوتية.

* يقيم ويعمل في فنلندا منذ مطلع 1995.

* عضو وناشط في العديد من المنظمات الثقافية العراقية والفنلندية .

* نال جائزة الابداع الفنلندية السنوية لعام 2015 التي تمنحها المنظمة الثقافية للكتاب والفنانين الفنلندية المعروفة بأسم "Kiila"، مناصفة مع شاعر فنلندي ، ولاول مرة تمنح الجائزة لكاتب من اصول اجنبية .

* في أذارعام 2016 ، في حفل تكريمي خاص، منحته مدينة كيرافا (ضواحي هلسنكي)، محل اقامته، راية المدينة، تقديرا لمجمل نشاطه الثقافي والاجتماعي، ولاول مرة تمنح المدينة رايتها لشخص من اصول اجنبية.

* له عشرة اصدارات ادبية بين مجاميع قصصية وروايات، وفي عام 2000 صدر كتابه "طائر الدهشة" مترجما الى اللغة الفنلندية . وكتب واخرج للتلفزيون الفنلندي افلاما وثائقية عن العراق ،وله عدة اعمال معدة للنشر وقيد الاعداد .

267
في فنلندا البيت العراقي يحتفل بذكرى تأسيسه العشرين

توركو ــ يوسف أبو الفوز
  في مدينة توركو الفنلندية ، العاصمة التأريخية للبلاد  ، 163 جنوب غرب العاصمة هلسنكي ، يوم 26 اب ، وعلى قاعة الاحتفالات في المكتبة المركزية للمدينة، وبالتعاون مع بلدية المدينة ، احتفلت (الجمعية الثقافية الاجتماعية العراقية ـ الفنلندية)  المعروفة بأسم "البيت العراقي" بالذكرى العشرين لتأسيسها وسط حضور متميز من الفنلنديين وابناء الجالية .
بدأ برنامح الحفل بعرض فيلم على برنامج  PowerPoint عن تأريخ العراق ، صاحبة بالعزف على العود الفنان علي العواد . ثم قرأ رئيس الجمعية السيد رياض قاسم مثنى كلمة استعرض من خلالها ابرز محطات التأسيس وحيا وشكر المؤسسين الاوائل للجمعية ، وقال : (قبل عشرين عاما من هذا التاريخ بادرت مجموعة طيبة من ابناء الجالية العراقية و بالتعاون مع الجهات الفنلندية المهتمة بشان الجالية بتاسيس الجمعية والتي كان هدفها الاول و لحد الان هو جمع ابناء الجالية العراقية، بعيدا عن الانتماءات الفرعية وارتباطا بالانتماء للعراق  ولهذا اسميناها بالبيت العراقي  والجانب الاخر من اهداف الجمعية هو  الاندماج بالمجتمع الفنلندي.)
وتحدث السيد رئيس الجمعية في كلمته عن اهمية التضامن مع الشعب العراقي وهو يخوض صراعا شرسا ضد العصابات  التكفيرية الارهابية والقوى المتاجرة بالدين وسعيه لاجل بناء دولة ديمقراطية مدنية. واشار الى الاهتمام الذي اولته برامج الجمعية بالشباب والاطفال والنساء وعلاقتها الوطيدة مع المثقفين العراقيين المقيمين في فنلندا، واهتمام الجمعية باقامة نشاطات مشتركة مع الجمعيات الاخرى فنلندية او لجاليات دول اخرى ، وحيث اهتمت بعكس الوجه المشرق للثقافة والمجتمع العراقي وحرصها على احياء المناسبات والاعياد العراقية .
وقال ل"طريق الشعب " : أن البيت العراقي كجمعية ثقافية اجتماعية ديمقراطية بابها مفتوح لكل عراقي، بغض النظر عن قوميته ودينه وطائفته، ونشاطاتنا تسعى لعكس روح الانتماء للوطن وللثقافة العراقية بمختلف الوانها فالعراق حاضر دائما في نشاطاتنا. واذ يعاني وطننا حاليا من ازمة سياسية عميقة صار العراق بسببها  رمزا للفساد الاداري والمالي ، ويواجه هجمة ظلامية من العصابات الارهابية، فاننا مطالبون بعكس صورة ايجابية ومشرفة عن تطلعات شعبنا نحو السلام وبناء مجتمع مدني ديمقراطي.
وكانت للباحث الدكتور ماركو يونتنين مساهمة بارزة في الحفل اذ خاض في البداية حوارا مع السيدة كاتي لاسكينين ، التي ادارت فقرات الحفل بنجاح ، حول علاقته ومساهماته في انشطة البيت العراقي والشؤون العراقية بشكل عام بكونه من الباحثين في شؤون العراق والشرق الاوسط ويجيد اللغة العربية وبعض اللهجات المحكية ومنها العراقية ، ثم خاض حوار موسيقيا على الة الماندولين مع الفنان علي العواد الذي صاحبه على الة العود وكان حوارا اذهل الحاضرين .
السيدة هسو كتو وهي ناشطة تركية في موضوع الهجرة ومجال منظمات المجتمع المدني كان لها مساهمة حيت فيها المناسبة وتحدثت عن اهمية نشاط هذه المنظمات في دعم سياسة الاندماج ليكون الانسان جوءا فاعلا من المجتمع الذي يعيش فيه .
وقدم الشاعر صادق الحسيني قراءات شعرية بالعربية والفنلندية ، ثم بادر القائمين على الحفل لتكريم السيد مهدي سعيد (ابو سعد)  وهو من المؤسسين للبيت العراقي ليكون تكريمه عنوانا لتقدير الرواد في تأسيس ونشاط  الجمعية .
وتضمن الحفل فقرة توزيع معجنات عراقية ومرطبات صاحبها عوف ساحر على العود للفنان علي العواد .

268
في هلسنكي المعرض الشخصي السابع للفنان عبد الامير الخطيب

هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، يوم 25 اب الجاري ، وعلى قاعة كاليري شبكة الفنانين المغتربين في اوربا ، في مبنى كابلي ، غرب مدينة هلسنكي ، افتتح الفنان العراقي عبد الامير الخطيب ، معرضه الشخصي السابع والذي سيستمر حتى نهاية شهر ايلول المقبل ، بحضور حشد من ابناء الجالية العراقية والزوار الفنلنديين ، وجمع متميز من اصدقاءه من الكتاب والفنانين العراقيين والفنلنديين . ضم المعرض اثنا وعشرين لوحة تجريدية وثلاث تماثيل برونز ، وكانت هناك تسعة اعمال جديدة تعرض لاول مرة ، بينها عمل انتهى العمل فيه قبل يومين من افتتاح المعرض . نفذت اللوحات بالوان أكريلك على قماش اشتغل فيها الفنان على مفهوم الدائرة باعتبارها رمزا يثير الاسئلة !
في دردشة حول المعرض قال لنا الفنان عبد الامير : ان الدائرة ، سواء كانت منفصلة ككرة ، او متشابكة كحلقات ، تدفع الانسان للخروج بايحاءات مختلفة واسئلة مختلفة عن الكمال، فبعض زوار المعرض نظر لبعض اللوحات كأنها دراسة في اجرام سماوية محلقة في الكون الشاسع والبعض قرأها بشكل اخر .
وعن لجوئه للرسم التجريدي بعد انجز في معارض سابقة العديد من الاعمال باسلوب العمل التركيبي "انستليشن" قال بانه مؤخرا ابتعد عن السرد الصوري المباشر واتجه للتجريد لكونه يحفز  الفكر ويثير المزيد من الاسئلة عند المتلقي .
وعن استخدامه للشبابيك الذهبية في بعض من لوحاته التجريدية قال : هي رمز تراثي ، يدور في مخيلتنا ، وبحكم كوني من مدينة النجف العراقية ، حيث عشت وسط زيارات الاضرحة الدينية والحسينيات ، فهذا الرمز ترسخ في الذاكرة ، واستخدامه هنا ، ربما يساهم في تحفيز الذاكرة ويغني قراءة اللوحة .
يذكر، ان الفنان عبد الامير الخطيب من مواليد مدينة النجف عام 1961 وصل الى فنلندا عام 1990 واقام العديد من المعارض الفنية الشخصية والمشتركة في فنلندا والدول الاوربية ، ومنذ عام 1997 وبالتعاون مع بضعة فنانين تشكيليين اسس (شبكة الفنانين المهاجرين في اوربا)، والتي مقرها هلسنكي ، وتصدر مجلة شهرية باللغة الانكليزية اسمها (الوان كونية)، ولحد الان بلغ اعضاء المنظمة اكثر من 400 فنانا ينتمون لاكثر من 40 بلدا، يشكل الفنانون العراقيون نسبة كبيرة منهم ، ومنهم اسماء لامعة في الحركة الفنية العراقية، واستطاعت شبكة الفنانين ان تنظم الكثير من المعارض الفنية العالمية في حوالي اثنا عشر بلدا اوربيا . وللشبكة مساهمة فكرية فاعلة في حوارات حضارية تختص بمفهوم " الثقافة الثالثة " ونشاط الفنانين المنفيين والمغتربين في اوربا.

269

الكلام المُباح (121)

   
الجَوَابُ الشَّافي !

يوسف أَبُو الفوز
درجّت وزارة الاعلام في الكويت الشقيق على إصدار سلسلة من المسرحيات العالمية لكبارالكتاب المتميزين على الساحة المسرحية العالمية ، مترجمة للعربية عن اللغة الاصلية للنص المسرحي. وقد صدر العدد الاول من سلسلة "المسرح العالمي" في تشرين الاول / أكتوبر عام 1969 وتوالي صدورها الى ان بلغت 3113 عددا حتى عام 1998 وتوقفت. ثم أنتقلت مسؤولية اصدار السلسلة الى "المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب" في الكويت ، الذي اصدر نحو 420 مسرحية عالمية اخرى !

من هذه السلسلة أتذكر ــ عزيزي القاري ــ مسرحية صدرت في سبعينات القرن الماضي، لكاتب اجنبي غاب عني أسمه. حملت المسرحية عنوان "بدلة الجنرال". وهي تحكي عن رجل لعوب ومفلس، يعيش في بلد لا يحكمه القانون، أراد حضور حفلة فتوجه لمحل غسيل وكيّ الملابس، أعتاد ان يستعير منه بدلات بأيجار رمزي ويعيدها بعد يوم وحتى قبل ساعات من موعد إستلامها من قبل أصحابها.

ذلك اليوم كان حظه تعيسأ ــ ربما بالعكس ! ــ ، لم تكن في المحل بدلة جاهزة سوى بدلة جنرال، فأصر على إستئجارها. ما أن صار في الشارع مرتديا بدلة الجنرال حتى وجد أنه صار أنسانا اخر. الجميع يعاملونه بإحترام كبير وخشية. يتنحى الناس عن طريقه، الشرطة تعامله بخوف ، الضباط يقدمون له التحية العسكرية وصاحب مطعم رفض اِستيفاء ثمن غداءه الفاخر وكانت الخدمة متميزة.

كل عالمه تغير لان الناس تنظر الى البدلة أولاً. فجأة يقابل فصيلا من الجنود تائها، لا يعرفون ماذا يفعلون بسبب عدم استلام توجيهات بعدما وصلوا المكان المحدد. أصدر الاوامر لهم ليتبعوه فأمتثلوا لكل توجيهاته، حتى نفذ بهم عملية أستيلاء على أموال أحد البنوك بدون أي مضايقات ومعوقات، فالجميع، العرفاء والجنود وموظفي البنك كانوا ينفذون أوامره ــ أوامر البدلة ــ بدون تردد وهم يشعرون بالغبطة لاطراءات الجنرال المزيف !

سألت جَلِيل وسُكينة وزوجتي : هلا تساعدوني وتتذكرون معي أسم مؤلف المسرحية ؟

كنا نتناول عشاءا خفيفا في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة فقال: أتعبت نفسك في البحث كثيرا في الانترنيت، وتسأل هذا وذلك، وكان يفترض بك ان تسألني أنا أولا ؟

شدهت وتوقفت عن مضغ طعامي . أيكون أَبُو سُكينة عارفا بشؤون المسرح ونحن مجرد ... ؟!

أستدرت أليه منتظراً الجواب فقال وهو يلوك لقمته : أفتح أي قناة تلفزيونية عراقية وتابع نشرة أخبارية ولو واحدة فقط ، أو قلب صفحات الجرائد العراقية، أي جريدة ، وراح تعرف فورا أسم المؤلف !

وكدت أغص بطعامي !

270
الكلام المُباح (120)
رَأْسُ "باتّا"!!
يوسف أَبُو الفوز

أستبشرَ العراقيون خيراً برحيلِ الديكتاتور صدام حسين، ومع مرور أكثر من ثلاثة عشر عاماً على ذلك، لم يظنوا أنه سيأتي اليوم الذي سيترحم فيه بعضاً منهم على من أودى بحياةِ الأعزّة من الأبناء والأزواج في حروبه غير العادلة الداخلية والخارجية. لم يظنوا أن احدا سيترحم على المجرم  "القائد اللاضرورة" فارس المقابر الجماعية وأسلحة الخردل والسيانيد، ضد الناس العزل والأبرياء. يترحم عليه لما عاناه وعاشه من سياسات جاءت له بـ"صدامات" باشكال ومقاسات مختلفة، سببت له المزيد من المصاعب في حياته، من سلب الحقوق والتستر على الفاسدين، حلفاء قوى الارهاب .
ـ  بويه قلنا لكم ... كنا بمصيبة صرنا بمصايب !
قالَ ذلك أَبُو جَلِيل وهو يَتّسَمّع الى نقاش سُكينة مع أبنه جَلِيل.
كانت سُكينة تشعر بالغضب لما تردد من أنباء عن أن ثمّة بعضاً من المسؤولين البارزين في قيادة الدولة، يفكر ويدعو إلى تقليص التعليم المجاني وقصره على التعليم الأبتدائي، وإلغائه بالنسبة للمراحل الأخرى، والإعتماد على القطاع الخاص في تأمينه.
قال  جَلِيل: أن مشكلة أمثال هولاء من القادة هي في كونهم يعتقدون أنهم يحملون في رؤوسهم عقولاً متميزة، تفكر نيابة عن الأخرين.
كنا وصلنا تواً، الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، وكان النقاش مستمراً بين جَلِيل وسُكينة، وأنضمت لهما زوجتي فوراً، وقالت :
ـ أتراهم لم يطلعوا على الدستور العراقي ويروا أن كلامهم يتناقض مع بنوده ؟!
حاولتُ المشاركة فقلت : لا أعتقد أن مثل هذه الدعوات يمكن أن تمر بسهولة، فالشعب العراقي، وبعد تجربة السنوات المريرة مع حكومات المحاصصة تعلم الكثير، وقوى الاحتجاج السلمي المتواصل خير مثال . وأن أبطال القوات المسلحة العراقية، بكل صنوفها، لا يواجهون قوى الارهاب الداعشي ويضحون بأنفسهم في ساحات القتال من اجل ان يضيع مستقبل ابنائهم على أيدي سياسيين يدور في رؤوسهم كل ما هو بعيد عن هموم الشعب وأحتياجاته؟!
سعل أَبُو سُكينة، وقال موجهاً كلامه لأبي جَلِيل : مثل هؤلاء ما ينفع معهم غير صاحبنا حاج شلاكه الله يرحمه !
وحاج شلاكه ــ عزيزي القارىء ـ هو جد الشهداء الشيوعيين كاظم وروار، وصفي وروار ومؤخرا المقدم علي وروار، صاحب مقهى صغير في مدينة السماوة، مقابل المكتبة العامة في "شارع آل مصيوي"، ليس بعيدا عن "شارع الأستقلال". وأن شارع الاستقلال يعرفه أهل السماوة دائما بأسم "شارع باتا" لان محل "أحذية شركة باتا" الشهيرة يقع في طرف الشارع مع تقاطع السوق المسقوف الكبير. وحين جاء البعثيون العفالقة للسلطة عام 1968 عمدوا لتسمية الشارع بأسم " شارع البكر".
 ويوما كان الحاج شلاكه قادما من "المستشفى المركزي" في الصوب الصغير، راكبا باص النقل الداخلي الصغير ــ نفرات ــ ، المسمى ايامها بـ" البولوني"، وكان السائق هو عبد الامير أبو شوارب، يعرف حاج شلاكة جيدا وتعليقاته الساخرة ولسانه اللاذع. عبرت السيارة الجسر الحديدي ــ الذي هدمه قصف الطائرات الامريكية  يوم 9 شباط 1991 في حربها  مع المجرم صدام اثر غزوه الجارة الكويت ــ  وانعطفت في شارع الاستقلال أو البكر، فطلب الحاج شلاكه من السائق بروح أبوية : رحمه لموتاك وليدي نزلني برأس شارع باتا !
 فأراد أبو شوارب مشاكسة حاج شلاكه فقال: حجي ما تعرف بدلوا أسمه وصار "شارع البكر" ؟!
 فرد حاج شلاكه فورا وهو يقطع بكلامه عامدا: بويه نزلني .. هو رأس شارع .. رأس البكر لو رأس باتا شنو الفرق !
***
رواية أخرى  ـ مع بهارات ! ـ تضيف ان السائق أبو شوارب أوقف السيارة إثر ذلك وفر هاربا تاركاً كل شيء !

طريق الشعب العدد 10 ليوم الاثنين 15 آب 2016


271
الكلام المُباح (119)
مَصِيرُ المُتحاذِق!
يوسف أَبُو  الفوز
أن الانتصارات التي تحققها قواتنا المسلحة بمختلف صنوفها وإندحارعصابات داعش الاجرامية في محاور عديدة، ومع بقاء المحاصصة اسلوباً لادارة الدولة عموما ،وما نتج عن ذلك من ويلات، وتعمق الأزمة السياسية في البلاد وأقليم كردستان ايضا، وتواصل الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح والتغيير، فأن كل ذلك يشير الى ان بلادنا مقبلة على اصطفافات سياسية جديدة، ترسم، بهذا الشكل او ذاك، ملامح جديدة للخارطة السياسية. وان مأساة محرقة الكرادة، حيث أختلطت الاعراق والاديان للشهداء، وما تبع ذلك من رد فعل  شعبي وحدّ مشاعر العراقيين، كان اشارة عميقة لكل سياسي بأن الشعب لم يعد يحتمل اكثر من ذلك. ومن بعد مشاهدة بعض من صور الشهداء، خصوصا من الاطفال الذين شوتهم نيران الغدر، سألني صديق اوربي : كيف يستطيع العراقي ان يواصل حياته في مثل هكذا ظروف ؟
أخبرته ان العراقيين سيواصلون حياتهم، رغم كل شيء. لان التجارب والتأريخ علمتهم ان الحياة لا تتوقف. لقد باتوا يعرفون جيدا من هو القاتل، ومن يدعم استمرار القاتل في الاستمرار في جريمته ومن يتحاذق لاستغلال مصيبتهم. ولاجل حياة آمنة، سعيدة، سيواصل أبناء العراق البررة، النضال والعمل لفضح القاتل وحلفائه المباشرين وغير المباشرين واقصائهم بعيدا عن حياتنا.
وفي زيارتي الاخيرة لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كان الحزن يعم الجميع اثر أحداث الكرادة. خصوصا ان كل الحاضرين كانوا على معرفة ،قريبة او بعيدة ، بالبعض من الشهداء او عوائلهم. فعرضت للحاضرين، كل مادار بيني وصديقي الاوربي، وكل ما خطر في بالي أثر ذلك .
كان جَلِيل غاضبا، وصوته عميقا: لم يعد الحزن يكفينا، يجب ان نحول هذا الحزن الى غضب، الى عمل ضد كل مسببات هذا الفقدان لاجل رسم الصورة الجديدة لحياتنا القادمة، وان لا نسمح لاحد بالمتاجرة بدم الشهداء لاغراض طائفية واهداف حزبية ضيقة تزيد من الاحتقان الطائفي .
قالت سُكينة: لا يغيضني الا ساسة الصدفة، الذين واذ سمحت لهم ظروف المحاصصة البغيضة لتبؤا مواقع مهمة في قيادة الدولة، وصاروا يتحكمون بحياة الناس، باتوا يظنون ان ذلك سيستمر معهم للابد !
قالت زوجتي: المصيبة انهم يعرضون انفسهم كونهم مختارين لهذه المواقع وانهم عارفون ويفهمون بكل شيء حتى في  ...
 قاطعتها مكملا: قصدك يفهمون في الفيزياء والخطط الاستراتيجية وحجم ثقب الاوزون ومرض السكري واسعار الطماطة والبصل !
وقاطعني أَبُو سُكينة:  ويعرفون أيضا أطيب جزء في البقرة المشوية  !
وهذه حكاية سبق وان رواها لنا أَبُو سُكينة بنفسه عدة مرات، عن ملك غريب الاطوار، اعلن عن جائزة غريبة وفريدة من نوعها، بأن من يقدم اجابة صحيحه عن سؤال الملك سيحصل على وزنه كاملا من المجوهرات والذهب، ومن يقدم اجابة خاطئة يقطع رأسه ويعلق على جدران قصر الملك!
 وتردد في المشاركة حتى من يعتبر نفسه ذكيا، خوفا من حيلة ما من الملك، الذي عرف ببطشه وبخله. فمن يضمن موافقة الملك على الجواب حتى لو كان صحيحا، لكن البعض من المجازفين قرروا التجربة، فقطعت رؤوسهم. وكان ثمة رجل مسكين يعمل فرّانا تعب من شقاء الحياة، فقرر المجازفة ، فدخل ووقف امام الملك وسمع السؤال وقدم الاجابة، وبعد ساعة خرج وجنود الملك يجرّون خلفه عربة محملة بالذهب والمجوهرات. وضج الجمهور بالتصفيق والتهليل، واندفع اليه احد المتحاذقين، ممن يظن نفسه عارفا بكل الامور، واحتظنه ليبارك له ولكنه همس له: ماذا سالك الملك؟ فقال الفران: سألني ما هو اطيب جزء في الدجاجة المشوية، فقلت له جلدها!
واندفع العارف بكل الامور بحماس واخترق الحراس ليقف امام الملك وهو يلهث : انا جاهز جلالة الملك؟ نظر اليه الملك مليا. كان واضحا له من تجربته وخبرته، ان من يقف امامه رجلا مدعيا، وغير عارف بالمأساة التي تنتظره، فذكره بأن الاجابة الخاطئة سيكون ثمنها غاليا. فقال المتحاذق، واثقا من نفسه: انا جاهز لكل شيء. فأضطر الملك لسؤاله: ما هو أطيب شيء في البقرة المشوية؟ ففرك العارف بكل الامور يديه فرحا وقال بثقة غريبة: جلدها يا جلالة الملك !

 

272
كَمْ نفْتَقَد "سفرطاس" *  الزَّعِيم ؟
يوسف أبو الفوز
فتحت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 افاقا جديدة للشعب العراقي، في التطور على كل الاصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لم تكن ثورة 14 تموز حدثا عاديا في العراق وعموم المنطقة، فقد جاءت ردا محكما وجذريا ضد الصراع والتناقض الدائم ولعقود طويلة بين مصالح الحكام ، ومصالح الشعب، الذي عانى كثيرا من الفقر والجهل والمرض، فتراكم غضبه لعقود بسبب من حجم الانتهاكات المتكررة لكرامته وطمس حقوقه، على يد سياسيين ارتهنوا لمصالح قوى خارجية، هي قوى الاستعمار البريطاني ومصالح "حلف بغداد" سيىء الصيت.
ان اندلاع بركان غضب الشعب في 14 تموز، كان طوفانا اكتسح امامه كل البناء المهتريء القديم، وأسّس لبناء عراق، فتي، جديد، عبر سلسلة متواصلة من الاصلاحات والقرارات الجريئة في اعلان دستور عراقي مؤقت جديد  لدولة جمهورية خرجت من حلف بغداد، وسنت لمواطنيها قانونا متقدما في الاحوال الشخصية وسلسلة من القوانين التقدمية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ان نظرة بسيطة لالبوم صور السنوات القصيرة لثورة 14 تموز، قبل ان يتم وأدها على يد البعثيين العفالقة ، من مجرمي 8 شباط ، بتوجيه ودعم من قوى مخابرات دولية ودول الاقليمية ، ومحاولة دراسة سلوك وعلاقة قادة الثورة مع ابناء الشعب من خلال هذه الصور والحكايات المنسوجه حولها، ستكشف وتبين لنا ان هذه العلاقة ، كم كانت استثنائية جدا وباهرة وبراقة.
من منا لم يسمع قصصا حقيقية ، او حتى مبالغ فيها، عن تواضع قادة الثورة وبساطتهم ونزاهتهم؟ حكايات وصور عن الزعيم عبد الكريم قاسم (1914 - 1963) ، ماجد محمد امين (  1922ـ 1963)، وصفي طاهر (1918 ــ 1963) ، فاضل عباس المهداوي (1915 ـ 1963) وغيرهم؟  حكايات عن زعيم الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، الذي كان يتحرك وسط الناس بسيارته البسيطة بدون حمايات مشددة، معه فقط السائق او مرافق واحد، ويلتقي بسطاء الناس على نواصي الشوارع او في المطاعم الشعبية، حين يتناول طعامه احيانا. وكيف كانوا يجلبون له طعامه البسيط من بيت اخيه بـ "السِّفرطاس"، وكان يدفع لهم مبلغا شهريا من راتبه مقابل ذلك، وفي كل مرة كان يدعو الموجودين من حوله لمشاركته الطعام . وبسبب محبة الناس له راحوا ينسجون عنه القصص في هذا الامر، فظهر العشرات ممن أكلوا من "سِّفرطاس الزعيم" صدقا أو مبالغة ! وبعد استشهاده لم يورث شيئا ووجدوا في جيبه بضعة دنانير هي كل ما يملك، لا حسابات سرية ولا ارصدة خيالية، فلم يتمكن اعداؤه واعداء ثورة 14 تموز من ايجاد اي مجال في هذا الشأن لتشويه سمعة الزعيم ، فاستحق لحسن سيرته ونزاهته لقب "زعيم الفقراء" !
والحديث يتواصل عن بقية قيادات الثورة  من رجال عرفهم الناس وحفظ التاريخ سيرتهم الزاهية، وحيث يمكن ايراد عشرات القصص من الشواهد ، التي توثقها الصور وعشرات الشهود  عن تميز هؤلاء الناس في كل شيء ، لذا استحقوا حب واحترام الناس.
واذ تنظر من حولك الان تجد ما يشعرك بالخجل من سلوك سياسيين تبوأوا مواقعهم في الدولة، لاسباب ليس لها علاقة بآليات بناء دولة أو كفاءة أكاديمية أو سياسية، وإنما لمجرد كونهم محسوبين على ملاك الحزب الطائفي الفلاني او القومية الفلانية . واذ تنظر لسلوك أي واحد من هؤلاء السياسيين ، حتى تجد انه عزل نفسه عن الناس بسلسلة لا حد لها من الحمايات والحراس ومواكب سيارة خرافية، تحت حجج تردي الوضع الامني، ضاربا عرض الحائط باهمية ان يكون على تواصل مع ابناء شعبه الذين يفترض انه جاء لخدمتهم وتحقيق مطالبهم، ناهيك عن رائحة الفساد التي تزكم الانوف التي تفوح منه ومن بطانته التي لا تجيد سوى حرفة نهب أموال الشعب .
كأي مواطن عراقي، اتابع احيانا ما تنقله وسائل الاعلام من تقارير، بالصوت والصورة ، عن اجتماعات ولقاءات قادة سياسين عراقيين مع أمثالهم من الساسة ، او مع مريديهم وانصارهم، وارى حجم البذخ والترف الذي احاطوا به انفسهم، فيشعر المرء بالخجل لكل هذه الفخفخة الطاووسية، التي جلبت نقمة الناس اكثر من محبتهم، فيتسائل المرء : الهذه الدرجة يستخفون بابناء شعبهم ، دون الخوف من المحاسبة والعقاب ؟!
 ولكن التاريخ يعلمنا ان للشعب صبره، مهما طال الامد، والذي لابد ان ينفذ يوما، فتعمل طلائعه لتغيير كل الموازين لاجل استعادة كرامته ولاجل نيل وضمان حقوقه. وما حركة الاحتجاج السلمية ، المستمرة لاكثر من تسعة شهور سوى جرس انذار يرن كل يوم في ساحات الكرامة، اعلانا عن الحنين لايام يشاركهم فيها من يقود بلادهم بطعام سفرطاسه، بدون حواجز اوقيود .
ان ذلك لقريب !

*  سفرطاس : آنية من الموروثات الشعبية العراقية ، وهي عدة أواني بعضها فوق بعض مشكلة طبقات من الاواني، يوضع فيها الطعام ويرسل الى مكان خارج البيت . واصل الكلمة تركي ، ومن مقطعين "سفر" و" طاس" أي "ماعون السفر " ، ويسميها اهالي المناطق الغربية من العراق  : " المطبقية " .






                                                                                                                                   

273
سيناريو :  رَّجْلٌ دَاهَمَهُ المَطَر!
(بمناسبة ميلاد يوسف سلمان يوسف ـ فهد )
يوسف ابو الفوز 
 رغم البرد الخفيف ذلك المساء ، توجهتُ بحيوية الى قاعة الاحتفالات في مبنى نقابات العمال في موسكو ، وهناك التقيتك . كان يوما من أواخر اذار عام 1993 ، وكان لقاءنا الأول والأخير. ربما أكون غادرت ذاكرتك ألان (احتفظ بصورة لكِ ، بالأسود والأبيض ، وأنتِ تجلسين هادئة ساكنة في كرسي كبير يكاد يضيع فيه جسدكِ الضئيل ، لون ثوبك غامقا ، وتسريحة شعركِ الأسود القصير بسيطة ، وعلى وجهكِ يرتسم هدوء جميل ) ، هرج الحفل لم يتح حتى لرفيقي الذي قدمني لكِ أن يتحدث كثيرا معكِ ، ولم أتفوه ساعتها بأكثر من : لي الشرف ! أريد ألان ، بعد كل هذه السنين ، ان أتحدث اليكِ ، ربما تعويضا عن ذلك المساء الصاخب . كان بودي يومها ان أحكي لك أشياء كثيرة ، منها ان لي أختا في العراق البعيد ... البعيد ، الذي اضطررت الى الهروب منه منذ سنين طويلة ، في رسائلي السرية المرسلة لها عبر دروب ودروب ، اخترت لها اسمك : سوزان ! اليوم أود ان أحكي لك عن أشياء عديدة منها : نمو النخيل في جبال النرويج !
سوزان ... ليس في الأمر دعابة ، فأنا جاد تماما !
في 1935 كان ثمة رجل عراقي ، وصل مدينة موسكو ، ويوما ما من تموز ، كان يتنزه في حديقة غوركي ، وفجأة داهمه مطر صيفي غزير ( لاحظي يا سوزان ... دائما ثمة مطر في حكايات العراقيين ) ، فالتجأ ومترجمته الخاصة الى شقة صديقتها. كان اسم الصديقة " أرينا جيورجيفنا " * ( أنت تعرفين تفاصيل الحكاية ومع ذلك أعيدها لك ألان بترتيب يناسب رغبتي في الحديث معك ) فيما بعد ، وهي تقص ذكرياتها عن ذلك اليوم ، قالت السيدة أرينا جيورجيفنا وفي عينيها يلمع بريق الوفاء :
ـــ فجأة سمعت على الباب دقات متسارعة . فتحته فوجدت أمامي صديقتي المترجمة وخلفها رجل شرقي الملامح ، متوسط الطول ( في مذكراته وصفه الجواهري انه : اقرب الى القصر ! وقال اخرون عنه ومنهم زكي خيري انه : مربوع القامة ، متين البنيان ) ، في الثلاثينات من عمره ( تعرفين جيدا ويعرف الكثيرون انه مواليد 1901) ، وكانا مبتلين بالمطر .
مطر ... !
كيف كانت ستسير الأمور ــ يا سوزان ــ لو لم يهطل المطر ؟ كيف كان لحكايتنا ان تزهر لأرويها لك وللاخرين من دون المطر ؟ هل كان يمكن لسياب جيكور ان يكتب أناشيد الوجع العميق عن ذؤابات النخيل وأناشيد الصيادين الفقراء من دون المطر ؟ وهل كان يمكن لاغاني الأمهات المترعة بالوجد والشكوى ان تعشوشب بالامل من دون المطر ؟
مطر ... مطر يا حلبي أشعندك أبيت الجلبي ؟
مطر ... مطر يا قداح عبر بنات الفلاح
مطر ...
لك ان تصلي يا سوزان للمطر ، فبين الرجل الغريب ، الثلاثيني ، والسلافية الفاتنة أرينا جيورجيفنا ، ولدت حكاية :
ــ مكثا في بيتي فترة ، تحدثنا فيها عن مواضيع عديدة ، كان هذا اللقاء كافيا لكي يجعلنا ، أنا واياه ، نرتبط بصداقة وثيقة ، كانت علاقتنا تتوطد باستمرار بعد اللقاء الأول ، وكنا نتجول في شوارع موسكو حتى الصباح أحيانا .
ينقر المطر في موسكو بلاط الساحة الحمراء ، قباب الكرملين ، شوارب ستالين الكثة في صوره المرفوعة فوق كل سارية ، وقرميد بيوت العمال ، وهم يحتسون "السماغون " ** ويدخنون تبغا رخيصا ، ويتبادلون هواجسا شتى لا تمنعهم من الحلم بيوم جديد يمنح الانسان فجرا لا مثيل له ، ويداعب وجنتي الفاتنة أيرينا جيورجيفنا ، وهي تشد بقوة على أصابع الرجل القادم من خفايا الف ليلة وليلة ، من هوسات فلاحي ثورة العشرين ، من إضرابات عمال موانئ البصرة ، من البيانات السرية الاولى ... ناثرا الآمال والأسرار والسعادة في ايامها التي ارتبطت بأسمه :
ـــ تحسستُ مشاعره الرقيقة نحوي قبل ان يبوح بها مباشرة .
ومثلما في مواقف عديدة وردت في سيرة حياته اللاحقة ، حسم رجلنا المداهم بالمطر أمره :
ـــ عندما اختمرت فكرة الزواج عنده صارح والدتي قبل ان يصارحني ، كان متأكدا من قبولي ، وقد أبدت والدتي في البداية تخوفا من ارتباطي برجل غريب ...
كانت أم أيرينا تخشى الغموض الذي يلف شخصية هذا الغريب ، الذي يتحدث مع الجميع عن كل شئ عدا حقيقة شخصيته .
ــ كنت أريد ان اعرف كل شئ عنه وعن بلاده ، لكنه كان يتهرب من ذلك ، وكان أساسا يتهرب من رغباتي في التقاط صور تذكارية ، كنت أخمن بان ظروف عمله تتطلب ذلك ...
وهي تتحسس جذوة الحب العارم لكل ما هو جميل ومشرق في قلب حبيبها الغامض ، ابدت أرينا جيورجيفنا احتراما وتفهما كبيرا لظروفه :
ــ ... وجاء في اليوم نفسه وهو يحمل كل متاعه ليسكن بيتنا ، كان كل متاعه رزمة من الكتب وكيس برتقال .
برتقال ... !
البرتقال يا سوزان له عندي اكثر من حكاية ، لكن سأكتفي هنا بواحدة منها ، حكاية تحمل معان اكثر من روح الدعابة ، ففي زمن يختلف عن الزمن الذي عاشه رجلنا الغريب الغامض ، وصل موسكو شاب عراقي ( ثلاثيني أيضا !) مترع بالآمال والاماني والجنون بالحياة ، وفي يوم ما قرر هذا الثلاثيني ، الانتقال ليعيش في بيت صديقته الروسية . قبل ان يصل بيتها ، فجأة ترك الحافلة وسط دهشة مرافقيه وهرول الى اقرب سوق واشترى ... كيس برتقال ! الصديقة فهمت ان ذلك من عادات العراقيين وراحت تتحدث عنه في مجالسها وكأنها ضليعة بالعادات الشرقية !
ــ ... وهكذا تزوجنا ، كانت حياتنا منذ بدايتها بسيطة وهادئة ، كان يعلمني الانكليزية ، وكان يحاول ان يساعدني في العمل المنزلي و ...
كان رجلنا الغريب يتجول في موسكو ، ويرى كيف ان كلمات لينين تحولت الى شقق سكنية ، ومدارس ودور حضانة ومولدات كهربائية وانهار جديدة في قلب الصحراء ، ويسأل مترجمته عن كل شئ ويطابق ذلك مع المستقبل في بلاده ، وكان هاجسه الدائم :
ـــ متى سيتحقق لشعبي مثل هذا ؟
لم يكن هذا الغريب ، الغامض ، الذي داهمه المطر ، يا سوزان سوى : يوسف سلمان يوسف ، أبوك ، الذي تشير سيرة حياته ( التي صارت معروفة الان وكتب كثيرون عنها ) انه مواليد مدينة بغداد ، لعائلة كلدانية قدمت من قرى الموصل ( يقول زكي خيري انها قدمت من قرية برطلة ويقول جميل توما انها القوش ) كان جدك حلوانيا ، وكان أبوك في السابعة من عمره حين انتقلت عائلته الى البصرة حيث درس في مدارسها ، وفي عام 1919 انتقل الى الناصرية التي كانت ضمن مقاطعة المنتفك لمساعدة عمك داود في تشغيل معمل صغير للثلج . وعن الاوضاع في مقاطعة المنتفك في سنة انتقال أبيك ، وصف ضابط بريطاني في تقريره مزاج الناس "بالبارود القابل للانفجار لاي شرارة "، وفي 1920 جاءت الشرارة من فلاحي السماوة والرميثة ، وكانت ثورة العشرين التي حكى في السجن لرفاقه بأنها حركت فيه أول شعور بحب وطنه وتركت تأثيرها على ارتباطه بالنضال الوطني . وعن أبيك ، زوجها المهموم بشعبه ووطنه والأسئلة الكبيرة التي جاء الى موسكو ضمن سعيه المتواصل في البحث عن أجوبة لها ، تقول امك ، أيرينا جيورجيفنا :
ـــ كنت لا أراه الا وهو يدرس أو يكتب ، حتى في الليل كنت استيقظ فأجده منكبا على كتاب أو جريدة أو دفتر كتابة .
في مذكراته ، يقول عبد الرحمن سلطانوف ، نائب رئيس القسم العربي ومدرس الاقتصاد السياسي والجغرافية الاقتصادية في جامعة كادحي المشرق في موسكو في 1935 ، عن أبيك ، الذي كان تلميذه وصديقه ورفيقه :
ـــ كان شابا متعطشا للعلم ، يصارع الزمن ويريد ان يعرف كل شئ ... نعم كل شئ ، ليتوغل في أعماق الظاهرة . كان يتميز بأنضباط عال وبتواضع جم وحس مرهف . كان تلميذا يجيد فن الاصغاء ، لم يكن يحب الصخب والثرثرة لقتل الوقت ( يسجل حنا بطاطو عنه : كان يزدري المناقشات الطويلة التي لا شكل لها ) ، كان قليل الكلام ( يضيف زكي خيري : خفيض الصوت يتكلم بأناة) ولكنه يركز بدقة على الموضوع الذي يتكلم عنه ( وقال عنه بهجت العطية مدير الشرطة السياسية في العهد الملكي : كانت لديه حجج اقناع قوية ، وله موهبة تفسير الامور بطريقة واضحة وبسيطة ) . كان يصارع الوقت وتحس حين يتكلم بأنه يستل كلماته من أعماقه، يبلور جملته بصدق وبساطة ( ويضيف حنا بطاطو : بانه كان ميالا الى الحديث باختصار ، وفي احيان كثيرة كان يجلس ساعات دون ان ينبس ببنت شفة ، ولكن حين يتعلق الامر بشرح خط سياسي او احدى نقاط العقيدة كان اقل بخلا بالكلمات ) . وجهه صارم كعامل منجم . حين يبتسم ، وهو قليل الابتسام ، تحس بفرحة طاغية تغمره ، عيناه لهما بريق خاص ( عن عينيه قال زكي خيري : مقرح الجفنين قليلا يضيئ من بينهما شعاع بعيد ينم عن ذكاء عميق ، بينما قال الجواهري : في عينيه شئ من العمش لربما بسبب عمله وراء الماكنة ) . فضلا عن ذلك كان نموذجا للأناقة والنظافة (يؤكد زكي خيري : بسيط المظهر كما لو كان فلاحا) وكان يعرف كيف يستفيد من الوقت وحظي باحترام رفاقه وأساتذته .
وهناك في عراق النخيل ، الرازح تحت القيد الاستعماري ومخالب شركات الاحتكار وعسف الاقطاع ، وتحت الرقم487 من ملفات الشرطة وبتأريخ 1936 . 8 . 5 كتب أحد عملاء الشرطة :
ـــ ان اعادة تنظيم الحزب الشيوعي ( العراقي ) لا يتوقع ان تتم قبل عودة شيوعي مهم ، قاد خلايا البصرة والناصرية والديوانية وبغداد وكركوك والعمارة والكوت واماكن اخرى ، من موسكو ... وهذا الشيوعي المذكور هو يوسف سلمان ، من سكان الناصرية .
ومثلما تعرفين فان نبوءة هذا العميل لم تكن بدون معنى ، عاد ابوك ومنح كل جهده لهدف بناء هذا الحزب ، وابتدأت لديه حياته الحقيقية (في سجن الكوت ، سأله رفيق سجين معه عن عمره فأجاب : يبدأ عمري يوم دخولي الحركة الوطنية اما الباقي فليس من عمري ) ومثلما تعودت منه امك ، كانت حياته باستمرار مغلفة بالاسرار ، فهي تتذكر انه حين سافر لم يودعها :
 ـــ ... وقد اخفى عني حتى خبر سفره .
فاجأ امك برسالة من باريس كتبها بالانكليزية والروسية ، كانت هي الرسالة الوحيدة التي استطاعت الاحتفاظ بها بعد ان اتلفت الحرب العالمية كل شئ :
ــ عزيزتي أيرا ... أرجو ان تكوني في افضل حالات الصحة والسعادة . يؤسفني انني لم استطع الكتابة اليك في وقت اسبق . اهنئك بعيد ميلادك ، اشتريت لك هدية بهذه المناسبة ، ارجو ان تتقبلي هذه الهدية المتواضعة . أنا واثق من انك ستغفرين لي يا عزيزتي .
كانت امك حاملا بك ، ظلت تنتظر ولادتك ، وظلت تنتظره . وصلتها منه رسائل عمد الى كتابتها مسبقا وتركها مع رفاقه المتواجدين في موسكو ، وطلب منهم ايداعها في صندوق البريد في التاريخ المسجل عليها . عند عودته مرة ثانية الى موسكو عام 1942 للمشاركة في اجتماع ممثلي الأحزاب الشيوعية ، كانت زيارته قصيرة وكان عجلا للعودة ، فلم يملك الوقت الكافي لرؤيتك اذ كنتِ في احد دور الحضانة بعيدا عن موسكو التي كانت تعيش أجواء الحرب ، فالغزو الهتلري اجتاح اراضي الاتحاد السوفيتي ، واقتربت جيوش العدو من مدينة موسكو ، ومرة حطم صوت المدافع زجاج البيت ، أصلح زجاج النوافذ بنفسه ، وابدى تفاؤله بهزيمة النازية . كانت امك مسرورة بزيارته ، ورغم علاقته الحميمة معها لم يبح لها بمركزه الحزبي ولا بمهامه الحزبية . وغادرها وهي تعيش أمل عودته يوما ما ، كانت لامك يا سوزان ذاكرة طيبة وتحمل لابيك احلى الذكريات :
 ـــ حلوه !
 كانت هذه الكلمة العربية الوحيدة التي تعلمتها منه ، وكانت تشعر بالفرح اذ يدلعها بذلك . تتذكر امك جيدا انه في رحلة في نهر موسكو وهو يجذف كان يدندن بأغنية عراقية (هل يمكن لأحد ان يخمن تلك الاغنية واية تداعيات مرت بباله لحظة ترديده لها ؟) ، وتتذكر انه لم يكن حماسه كثيرا للموسيقى الكلاسيكية ( لقد زعل شاب عراقي ، موسيقي وهوعازف الة جلو في فرقة سيمفونية ، في العشرين من عمره مقيم في المنفى حين سمع ذلك ، واقنعناه بان والدك ومثلما تروي امك في كل الاحوال كان يميل الى الموسيقى الثورية ) وكان ضعيفا في الرسم ، فهل تصدقي يا سوزان ان ابيك حين كتب مقالا لجريدة الحائط المدرسية اخفق في رسم المطرقة والمنجل ، هذا الشعار الذي رسمه بدمه في ارجاء وطنه العراق ؟ فحين تمكنت الحكومة من اعتقاله ( وقصة محاكمته صارت حكاية ثورية معروفة ) ، واعادت محاكمته ، ثم ووفق المادة ( 89 أ ) من قانون العقوبات البغدادي حكمت عليه بالموت شنقا لنشره الشيوعية ، فأنه ظل محتفظا بثقته بقوة افكاره وحيوية حزب المطرقة والمنجل الذي منحه جهده وحياته . موته البطولي وجه صفعة لاعدائه بصلابته وشدة عزيمته ، وهذا كله جعل بكر صدقي يتململ وهو في قبره . الجنرال بكر صدقي الذي لم يقف حد عند طموحه الشخصي الىالسلطة ، فعمد في التاسع والعشرين من تشرين الاول في العام 1936 ، الى قيادة وحداته العسكرية ونفذ اول انقلاب عسكري في العراق والوطن العربي ، انقلابه الذي ايده كل اليساريين والشيوعيين منهم ، وخرجت تظاهرات لمساندته ، اذ توسموا فيه خيرا للبلاد ومستقبلها ، بل اصدر الشيوعيون بيانا حزبيا في الاول من تشرين الثاني ونظموا بالتعاون مع جماعة الاهالي عددا من مظاهرات التاييد ترفع شعارات تطالب بالخبز للجياع والارض للفلاحين وتندد بالفاشية ، لكن بكر صدقي وبعد بضعة شهور دخل لعبة الصراع على السلطة ، واستخدم الجيش فيها كأداة في الصراع ، جاهر بموقفه العدائي للديمقراطية وانطلقت حملة ضارية ضد الشيوعية، وتوج ذلك بصرخته :
ــ لن تنبت جذورالشيوعية في العراق الا اذا نبت النخيل في جبال النرويج!
سوزان ... يا ترى لماذا اختار النرويج وليس السويد ؟
سؤالي هذا ليس لان أعداد العراقيين في السويد هي اكثر من أي بلد اسكندنافي اخر ، بل لانه لو كان اختار السويد لكان ذلك اكثر ملائمة لحكايتي التالية : ان رحلة البحث عن سقف آمن ، التي قادت الالاف من العراقيين الى بلدان الشمال الاوربي ، قادت عراقيين الى السويد ، الاول سكن شمال السويد ورأس جمعية بأسم ( نادي الصداقة ) ، والثاني سكن ستكهولم ورأس جمعية بأسم ( عصفور الشرق ) ، معا اصدرا مجلة للاطفال اسمياها " النخيل " . رئيس نادي الصداقة له أخ اصغر منه يتعاطى الشعر ، ويجعله هدوؤه المفرط يبدو كأنه منطو على نفسه ، ولكنه في كل الاحوال والظروف لا ينسى انه عراقي حد النخاع ، ويوما ما سأله احد المتذاكين بشكل أحس شاعرنا ان فيه شئ من دغش ولؤم : ما الذي يفعله اخوك في شمال السويد ؟ أجابه شاعرنا ببساطة : يزرع النخيل من اجل ذاكرة ابنائك !
سوزان ... لقد نما النخيل في جبال النرويج يا سوزان !
وان ما يسجل لبكر صدقي هو تشبيهه الشيوعية بالنخيل . فالحزب الذي منحه ابوك كل جهده وحياته ، تمتد جذوره في تربة العراق عميقا مثل نخلة بهية . ورفاق ابيك بعد ان امتلأت بهم ارض النخيل ، ضاق صدر الديكتاتور فملأ بهم السجون والاقبية ، وواصلوا مد جذورهم في الارض الطيبة ، وحملتهم جبال كوردستان وعرفت بنادقهم ، وعرفتهم نواحي المعمورة بعيدا عن ارضهم وشمسهم ، بل ووصلوا حد القطب ! صاروا يستقيظون صباحا في ستكهولم وهلسنكي وأمستردام وبرلين وباريس ولندن و ... اوسلو وغيرها ، وقبل ان يتوجهوا الى اعمالهم ، يفطرون بالخبز العربي ودبس A A ، ويبحثون في الصحف عن اخبار وطنهم . لم يتخلوا يا سوزان عن ارتباطهم بالنخيل ووطن النخيل . لهم ذاكرة النخيل وأصالته ، وعيونهم تمتد دائما الى هناك ، الى العراق الذي تحت صهد شمسه تخضر سعفات النخيل ، ومن سمائه يهطل المطر فجأة ، فيبتل ــ يا سوزان ــ رجل وامراة ، يهرعان الى بيت صديق قريب ، ويطرقان الباب بدقات متسارعة ، وتفتح الباب امراة فاتنة ، و ... !

هلسنكي ـــ أيار 2001
هوامش
* ــــ كل ما يرد هنا على لسان السيدة ايرينا جيورجيفنا مأخوذ حرفيا من لقاء اجري معها نشرته طريق الشعب في سبعينات القرن الماضي ، واعيد نشره في العدد 7 من دورية (خبر) اصدار منظمة السويد اذار 1994 .
** ــــ السماغون : كحول منزلي الصنع ذو تركيز عال .



274
الكلام المُباح (118)
مَا الَّذِي قَالَهُ شِكسبير لأَبي سُكينة؟!
يوسف أَبُو  الفوز
كان صديقي الصدوق أَبُو سُكينة يصغي لنا جيداً، ونحن نتداول الأحاديث حول أهم ما جرى من أحداث في الايام الاخيرة . ففي الوقت الذي كنا فيه نعلن عن فرحتنا بتحرير الفلوجة، وتوالي أخبار الانتصارات التي تحققها قواتنا المسلحة بكل صنوفها ضد قوى الارهاب الداعشي، كان جَلِيل لايزال مغتما من الخبر الذي أشيع حول دعوة جهات ما لتغيير أسم بابل !
قال بأمتعاض: لقد بذل الديكتاتورالمقبور "صدام حسين" جهوداً جبارة، وصرف الملايين من أموال خزينة الدولة العراقية ،لاجل تزوير تأريخ العراق، وإعادة كتابتة ليكون وفقا لفكره القومي والشوفيني، فجند لأجل ذلك عشرات الكتاب المرتزقة، والباحثين المزيفين، ممن خانوا الامانة العلمية، فكتبوا له ما يريد. رسموا له شجرة عائلة تنتهي بالامام علي بن أبي طالب، جعلوا ثورة العشرين تنطلق من المناطق الغربية في العراق، جعلوا حزب البعث العفلقي الصدامي الشوفيني، قائداً كل نضالات الشعب العراقي لاجل التحرر من الاستعمار وحاولوا طمس جهود وتضحيات كل القوى الوطنية العراقية الاخرى، والان يأتينا ألـ ...  !.
وبلع الكلمة الاخيرة لسبب ما . قالت زوجتي : صارت قضية التزوير في زمن "القائد الضرورة " عند حاشيته شأنا عاديا. هل تتذكرون شهادات الدكتوراه المزورة التي حملها ابرز جلاوزة النظام وبعضا من افراد عائلته،  رغم ان فيهم من لا يعرف كيف يكتب أسمه ؟
ضحكت سُكينة : حقا ان الضحية احيانا تقلد جلادها ! إذ تجد الان البعض ممن يعتبر نفسه من ضحايا الديكتاورية يحاول وبكل صلافة التشبه بنهج الديكتاتور، فهم لا يكتفون بتزوير الشهادات الدراسية لاجل تبوأ مواقع تسهل لهم النهب وسرقة اموال الشعب، بل يريدون تزوير تأريخ حضارة عريقة، هي رمز للعراق وفخر اجياله !
ضحك أَبُوجَلِيل: عيوني أَبُو سُكينة ، بلا زعل، ليش ما تزوّر شهادتك في محو الامية وتسويها دكتوراه وتصير لنا مديرعام ؟!
أبتسم أَبُو سُكينة ، وقال موجها كلامه للجميع : هؤلاء الذين تحكون عنهم اأعتبرهم جماعة في قمة الجهل، فهم لا يدركون بأن الشعوب لا ترحم. واذا نجحوا لفترة من الزمن مهما طالت في خداع بعض الناس، فالكثير من الناس تفتحت عيونها يوم بعد يوم. بعد ان أكتووا بمسلسلات الوعود الزائفة والكذب والخداع . صارت الناس تعرف ان الفساد هو الوجه الاخر لداعش، وان داعش لم تنجح في اغتصاب اراضينا واذلال ابناء شعبنا في المنطقة الغربية وسبي بناتنا الايزيديات، لولا ان هؤلاء المزورين هم المطبلون للمحاصصة والمدافعين عن الفساد. اسألكم .. كم من سنوات حكم المجرم صدام حسين بلادنا ، ولكن أين صار مصيره الان؟ أن هؤلاء المزورين  قوم زائلون .
والتفت نحوي وقال : أن بابل ستبقى بابل، صرحا تاريخيا ورمزا للحضارة ، مهما غيروا إسمها، مثل ما قال لنا صاحبك "شيخ زبير" ! 
وضحكنا جميعا، فأبي سُكينة يقصد الكاتب العبقري وليم شكسبير (1564 ــ 1616 م)، الذي قال عدد من الباحثين العرب ان اصله عربي وان أسمه" شيخ زبير". في مسرحيته "روميو وجوليت"، وبعد اللقاء الاول بين جوليت و روميو وانجذابهما لبعض، ومعرفة جوليت بأن روميو من العائلة العدوة لعائلتها ويحمل اسمها، قالت "أن الأسم لا يهم، فالشىء الذي أسمه زهرة يظل يعطي عطراً مهما تغيّر أسمه "!.

 
 


275
الكلام المُباح (117)
أَسْرَارُ الخَرَابِ!
يوسف أَبُو  الفوز
خلال زيارتنا الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كان  جَلِيل غاضباً وهو يتحدث عن تلك الابواق الاعلامية التي تنفخ في موقد الطائفية مثيرة الكثير من الدخان ـ حسب تعبيره ـ التي تشوش على الناس رؤية الحقائق وتشعل نيران البغض والكراهية : أفهمُ تقريباً الدوافع التي تقف خلف إعلاميين من بعض الدول العربية الذين يتباكون على "الفالوُجة "، كما يلفظون اسم "الفَلوجة"، وهم يرون قواتنا الباسلة، بمختلف اصنافها، تحقق تقدماً لكسر شوكة الارهاب وتسجل نصرا من بعد نصر لهزيمة عصابات "داعش"، لكن هؤلاء الاعلاميين، ابناء الوطن، الذين يدعون الحياد، ويدسون السُم في العسلِ متباكين على العراق، هم المساهمون الاساسيون في خراب البلاد !
كنت اصغي باهتمام، فلايام ونحن نتبادل الاحاديث والوقائع حول أهمية ان يكون لدينا إعلام نزيه وموضوعي وصادق ليساهم في التأثير على الناس، فمعركتنا مع الارهاب ليس فقط في ساحات القتال الامامية، انها في كل مكان من الوطن، وان "داعش" يمكن ان تلبس عدة اثواب ، ومنها ثوب الفساد الاداري والمالي. كنت اقول : ان الاعلاميين من مهامهم الاسهام في تغيير واقعنا المزري والمتخلف من خلال أعتماد المعايير المهنية والانحياز للحقيقة واعمال الخير والتقدم !
شاركتنا سُكينة الحديث وسألت : وماذا عن هؤلاء الإعلاميين الذين يهرجون ليل نهار ويرون في كل سكان المحافظات الغربية حواضنا للدواعش، وفي المقابل هناك من يعتبر كل قوات الحشد الشعبي البطلة مجرد ميليشيات منفلتة وعصابات نهب وسلب ؟!
قال جَلِيل بحماس: عن هؤلاء نتحدث. فهم لا يملكون صدقا في التعامل مع تطلعات الناس . هؤلاء إعلاميون بدون صلة وثيقة مع الحقيقة ومع هموم الناس . إعلاميون بدون ثقافة حقيقية. هؤلاء  خربوا البلاد، شوشوا عقول الناس . خربوا مفاهيم الناس وفهمهم للاحداث، وللاسف يقف خلف هؤلاء البعض من السياسيين الذين لهم مصالحا خاصة في استمرار الخراب من حولنا.
قالت زوجتي : ان الخراب مستمر، من زمن المقبور صدام حسين، الذي خلف لنا بلدا محطماً وشعباً يئن تحت تركة ثقيلة ، وجاءت حكومات المحاصصة الطائفية لتحاول ان يمتد الخراب عميقا في النفس البشرية.
سعل  أَبُو سُكينة، فأنتبهنا له . فنادى على سوزان ابنة جَلِيل لتقترب منه. ثم وجه كلامه للجميع : كل كلامكم من ذهب. أن هذا البلد لا يمكن بناءه من جديد الا اذا بنينا الانسان، الذي خربته حروب الطاغية المقبور وسنوات الاحتقان الطائفي وما نتج عنها، وهذه مهمة صعبة وتحتاج جهود جبارة. وسوزان ستحكي لكم ما قرأته لي قبل ايام .
وحكت لنا سوزان، كيف أنها قرأت لابي سُكينة قبل ايام، حكاية وجدتها في احد مواقع التواصل الاجتماعي تقول ان أبا كان يقرأ في جريدته، لكن أبنه الصغير لم يتوقف عن مضايقته بطلباته، فأراد الاب إشغال الابن،  فقام بتقطيع احدى صفحات الجريدة، وهي تحوي خارطة للعالم، الى قطع صغيرة، وطلب من الابن ان يعيد تركيب خارطة العالم مثلما كانت، ظانا انه سيحظى ببعض الوقت خلال انشغال الابن . وتفاجأ الاب ان الابن ركب الخارطة بسرعة قياسية! فأستغرب من ذلك ّ. من أين لابنه الصغير كل هذه المعرفة بالجغرافيا؟ أتكون أمه تعلمه ذلك دون ان يدري؟ او ... ! وكشف الابن السر في ذلك. كانت هناك صورة لأنسان على الوجه الاخر من صفحة الجريدة، وحين أعاد الابن بناء صورة الانسان أستطاع بسهولة اعادة بناء العالم !




276
مؤتمر الحزب الشيوعي الفنلندي
الرأسمالية عقبة أمام حرية الانسان ورفاه الشعوب وتهدد مستقبل البشرية !

خاص طريق الشعب ــ هلسنكي                      
يوسف أبو الفوز

في مدينة توركو، العاصمة التأريخية لفنلندا، الواقعة 168 كم شمال غرب العاصمة هلسنكي، ولليومين 4 ـ 5 حزيران الجاري، عقد الحزب الشيوعي الفنلندي مؤتمره الدوري، الذي يعقد كل ثلاث سنوات مرة، بمساهمة 100 مندوبا و 12 مراقبا وبحضور ممثلين من 16 حزبا شيوعيا ويساريا، ومنها الحزب الشيوعي العراقي الذي مثله الرفاق هيفاء الامين، عضو اللجنة المركزية للحزب، ويوسف أبو الفوز ورياض مثنى من منظمة الحزب في فنلندا. وتلقى المؤتمر برقيات ورسائل تهنئة من العديد من الاحزاب الشيوعية واليسارية، ومنها رسالة تهنئة من اللجنة للحزب الشيوعي العراقي.
وتم إقرار شرعية المؤتمر وثم أنتخاب هيئة الرئاسة وبقية اللجان العاملة، وتم تشكيل وإقرار لجان ورش العمل المقترحة، والتي روعي في تشكيلها ان تضم في عضويتها مندوبين ممثلين عن مختلف المدن الفنلندية.
وبعد أن غنت فنانة شيوعية فنلندية ، اغنية ثورية نضالية، أفتتح الرفيق يوها ــ بيكا فايساسين JP (Juha-Pekka) Väisäsen، رئيس الحزب ، جلسات المؤتمر بتلاوة التقرير السياسي الذي تناول الازمة الاقتصادية في البلاد بسبب من سياسة النخب اليمينية الحاكمة، والتي أدت الى تراجع فنلندا على مقياس السعادة العالمي قياسا بالسنوات السابقة. وتحدث عن ازمة موجة اللاجئين الى البلاد، التي تتحجج بها كثيرا الحكومة اليمينية الحالية، وحّمل التقرير سياسات القوى الكبرى والحروب التي اشعلتها في افغانستان والعراق وسوريا ومناطق اخرى مسؤولية عن الهجرة المتزايدة الى اوربا،فالحروب ـ كما أكد التقرير ـ "لا تنتج سوى البؤس الاقتصادي والحرمان وعدم الاستقرار الاجتماعي ونشاط الجماعات المتطرفة، فيضطر الناس إلى ترك منازلهم والبحث عن ملجأ أمن في مكان آخر". وبين التقرير ان الحزب الشيوعي الفنلندي، ولمواجهة سياسة حكومة اليمين الحالية اعتمد سياسة التعاون والتنسيق مع طيف واسع من قوى اليسار وجبهة احمر ـ اخضر معتمدا على اهمية تحشيد كل القوى لاجل التغيير. واكد التقرير ان خبرة السنوات الثلاث الماضية في العمل والتعاون مع الاطراف الاخرى، جلبت المزيد من الناس والتنظيمات للاشتراك في حركة الاحتجاج، وهكذا خرج الالاف من المتظاهرين الى الشوارع،لأنهم ادركوا واقتنعوا ان الامن الاجتماعي في الصحة والتعليم وسائر الخدمات الاساسية لا يمكن الحفاظ عليها من خلال الجلوس في البيت، وأشاد التقرير بالمشاركة الواسعة للشباب في  مختلف الاحتجاجات .
وفي اطار النضال لاجل حقوق الشعب العامل وخصوصا ذوي الدخل المحدود اشار التقرير الى ان هناك حاجة لتطوير العمل لمواجهة سياسات الليبرالية الجديدة والشركات الكبرى، للحد من نفوذ راس المال الكبير وحماية السلام والعمل لفتح الطريق نحو سياسات اشتراكية. وأكد التقرير "ان دولة راسمالية الشركات الكبرى والمؤسسات المالية تعتبر من وجهة نظر الشيوعيين عقبة خطيرة أمام التنمية الرشيدة وحماية البيئة. ان التهديدات والمخاطر ترتبط مباشرة بأسلوب الانتاج الراسمالي ومنطق رأس المال، من هذا نقول أننا الشيوعيين نعتبر الراسمالية عقبة أمام حرية الانسان ورفاه الشعوب وتهدد مستقبل البشرية جمعاء " واشار التقرير الى ان " الافكار الاشتراكية صارت تعني عند الكثيرين تغيرات عميقة في علاقتنا بالعمل ، السلطة ، الطبيعة والدول الاخرى والشعوب لاجل بناء حضارة انسانية جديدة".
وفي اطار علاقات الحزب الشيوعي الفنلندي اشار التقرير الى ان الحزب هو جزء من عائلة قوى اليسار والاحزاب العمالية الاوربية والعالمية، ويسعى لتطوير علاقاته ليس فقط في تبادل "بطاقات التهنئة " وانما للعمل على الارض. وفصل التقرير في ذكر تجارب وحملات ساهم بها الحزب الشيوعي الفنلندي في العمل لاجل السلام والبيئة وحقوق الانسان ولاجل تكوين وعي مشترك في مجمل القضايا .
 وتحدث التقرير عن سياسة الكراهية والعنصرية في البلاد ، وادان بحزم سياسة قوى اليمين التي تضع اللوم على المهاجرين واللاجئين، مشيرا الى ان المهاجرين وطالبي اللجوء والمتقاعدين والمرضى صاروا كبش فداء لسياسة جشع الليبرالية الجديدة المتعمدة .
وافرد التقرير مساحة واسعة للحديث عن علاقة فنلندا بحلف الناتو والسلام في المنطقة واشار الى ان فنلندا لا تحتاج للدبابات الاجنبية والمقاتلين الاجانب، فكل عام صار ينظم حلف الناتو تمرينات اكثر على الاراضي والمياه الفنلندية ، بمباركة من حكومة اليمين تحت حجج التعاون لاجل السلام بالرغم من البرلمان لم يصوت على هذا التعاون . وان الولايات المتحدة الامريكية تدفع فنلندا يوما بعد اخر لتكون جزءا من المواجهة مع الجارة روسيا، وان الاموال  الطائلة التي تخصص لهذه المناورات كان يمكن  تخصص لاحتياجات الشعب الذي يعاني من سياسة التقشف والخصخصة حيث ان حكومة اليمين خفضت 300 مليون من مساعدات التنمية لهذا السبب.
وتناول التقرير في فقرات منفصلة، موضوع المساواة بين الجنسين، الساسية الاوربية، التضامن الاممي وسياسة الهجرة واللجوء في اوربا وفنلندا . وانتهى التقرير بالدعوة لتشكيل جبهة واسعة تضم مختلف القوى  من  اليسار والخضر حيث تبرز الحاجة دوما للعمل المشترك لاجل اوربا افضل وفنلندا مختلفة وعالم يسوده السلام والتآخي. وحيا التقرير نضال القوى العاملة والشيوعيين في كل مكان في العمل لاجل السلام والعدالة الاجتماعية وحماية البيئة والتعدد الثقافي .
وليوميين متاليين شهدت قاعة المؤتمر سجالات ومناقشات بأجواء ديمقراطية مسؤولة وثم تم أقرار التقرير السياسي وثمان اوراق عمل غطت مختلف مجالات عمل الحزب الفكرية والسياسة والاجتماعية، وتكشف عناوين الاوراق عن محتواها المزدحم بالكثير من الاسئلة والعناوين الفرعية : مصير الاشتراكية في فنلندا،  التحريض على الحرب والعمل لاجل السلام، الناس والعمل في اوربا، خدمات الرعاية الاجتماعية والصحة العامة، النضالي البيئي والاجتماعي،الامن الاجتماعي الاساسي، التضامن واحوال الهجرة وايضا ورقة بكل ما يتعلق بالبرلمان الفنلندي . وقدمت في المؤتمر بعض الاراءمن قبل المندوبين، التي أتفق على تمحيصها ودراستها أكثر ، مثل ضرورة اجراء تغيرات على شعارات الحزب ورموزه التي يستخدمها ارتباطا بالتغيرات الجارية في فنلندا واوربا والعالم .
وقوبلت رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الى المؤتمر ،التي قرأتها الرفيقة هيفاء الامين بعاصفة من التصفيق والترحيب، وحملت الرسالة الى المؤتمر التحيات من الشيوعيين العراقيين والامنيات بنجاح المؤتمر والثقة بأن المؤتمر سيعزز من دور ونفوذ الحزب الشيوعي الفنلندي ودوره في النضال والدفاع عن حقوق وحريات الشعب والعمال في فنلندا ومن اجل الحقوق المتساوية للمرأة وحقوق الانسان في العالم ومن اجل السلام. واوضحت  رسالة التحية دور الشيوعيين العراقيين ومشاركتهم الفاعلة في حركة الاحتجاج المستمرة في العراق من عشرة شهور، ضد الفساد وسياسة المحاصصة الطائفية. واشارت الرسالة الى دور الشيوعيين العراقيين في المساهمة في الجهد الوطني لمكافحة وهزيمة "داعش" المنظمة الارهابية وغيرها من المنظمات الارهابية، واكدت ان الحزب الشيوعي العراقي يواصل العمل والنضال لاجل العدالة الاجتماعية ولبناء دولة مدنية ديمقراطية في عراق ديمقراطي فيدرالي حر .
وفي اخر جلسات المؤتمر تم اعلان انتخاب اللجنة المركزية الجديدة للحزب الشيوعي الفنلندي، التي روعي فيها التنوع الجغرافي لتغطي عموم البلاد، والمكونة من 40  عضوا اصيلا، وعشرة مرشحين (بدلاء)، كان بينهم 14 عضوا جديدا، ونسبة النساء بينهم 42% ونسبة الثلث منهم من الشباب. وانتخب المؤتمر سكرتيرا عاما جديدا للحزب هو العاملة في البريد الرفيقة الشابة بيترا باكلين (32 عاما) بينما احتفظ الرفيق الفنان يوها ــ بيكا فايساسين (50 عاما) بمهة رئيس الحزب، وانتخب نائبان للرئيس الاول الرفيق ميغيل لوبيز (57) مدرس جامعي، والرفيقة سوزانا ريسانين (32 عاما) وتعمل باحثة اجتماعية .
 وعلى هامش اعمال المؤتمر قام اعضاء وفد الحزب الشيوعي العراقي باللقاء مع وفود الاحزاب الشيوعية للحديث عن ظروف عمل الحزب ونضاله الدؤوب، وتم توزيع  بشكل واسع رسالة الحزب للضيوف والمندوبين باللغات الانكليزية والفنلندية ، وتم توزيع نسخ باللغة الانكليزية من البلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاخير المنعقد في 26 ايار المنصرم على الضيوف ومسؤولي المنظات المحلية للحزب الشيوعي الفنلندي. ومن الوفود التي تم اللقاء بها الحزب الشيوعي النرويجي، الحزب الشيوعي السويدي، الحزب الشيوعي في جنوب افريقيا، حزب اليسار الاستوني، الحزب الشيوعي الروسي، الحزب الشيوعي الدانماركي، وفد السفارة الفلسطينية في هلسنكي، واضافة الى ممثلي العديد من منظمات المجتمع المدني الفنلندية.
وعلى هامش اعمال المؤتمر، وبالتنسيق مع اليسار الاوربي ، نظم الحزب الشيوعي الفنلندي في هلسنكي ، يوم 6  حزيران ، ندوة نقاشية عن الاوضاع في القطب الشمالي، حضرها ممثلي الاحزاب الشيوعية من ضيوف لمؤتمر، وشارك فيها اساتذة وباحثون وكتاب قدموا مداخلات مختلفة حول الامن والبيئة والتغير المناخي وحقوق الشعوب الاصلية المقيمة في المنطقة، وسياسات حلف الناتو، وكان للرفيق يوسف ابو الفوز مساهمة في الحديث عن التعدد الثقافي والتداخل الثقافي في منطقة القطب ، وشهدت الندوة سجالات ونقاشات حول محاور عديدة ساهم فيها العديد من المتداخلين من ممثلي احزاب اليسار ومنظمات المجتمع المدني .
الحزب الشيوعي الفنلندي في سطور
تأسس الحزب الشيوعي الفنلندي عام 1918 ، ولكنه ظل يعمل بشكل سري حتى عام 1944، حيث توفرت له الفرصة للعمل العلني . ودخل حينها في التحالف الديمقراطي للشعب الفنلندي الذي كان مظلة لكل اليسار الفنلندي. في فترة الحرب الباردة كان اليسار الفنلندي والشيوعيون طرفا اساسيا في العديد من الوزارات الحاكمة، وفي منتصف الستينات قدرت مؤسسات رصد امريكية عضوية الحزب الشيوعي الفنلندي باربعين الف عضوا، ولكن الشيوعيين الفنلنديين لم ينجحوا في صعود ممثل عنهم الى رئاسة الوزراء او رئاسة الجمهورية. وكان للحزب الشيوعي الفنلندي نشاط واضح بين صفوف الشبيبة والطلبة ، وعند استعراض الخارطة السياسية في فنلندا نجد ان العديد من زعماء اليسار، لاحزاب مثل الخضر واتحاد اليسار وحتى الديمقراطي الاجتماعي كانوا شيوعيين في فترات شبابهم ، او كوادر نشطة في اتحاد الشبيبة الشيوعية الفنلندية . ان انهيار الاتحاد السوفياتي اثر بشكل كبير على التحالف الديمقراطي للشعب الفنلندي، الذي عاش صراعات ايدلوجية حادة ، وسببت انشقاقات في التحالف وظهور عدة تجمعات شيوعية ، وعلى اثرها تأسس حزب اتحاد اليسار عام 1990، كحزب اكثر ليبرالية وقربا من الحزب الاجتماعي الديمقراطي في برامجه وتوجهاته، وهو الان من احزاب المعارضة في البرلمان الفنلندي. الحزب الشيوعي الفنلندي وبعد صراعات فكرية وتنظيمية استطاع اعادة تنظيم نفسه ، وتكلل ذلك بالنجاح في عقد مؤتمر اعادة التأسيس في شباط 1997. وللحزب حاليا اكثر من مئة منظمة اساسية و14 فرعا كبيرا . وللحزب الشيوعي الفنلندي العديد من الممثلين في المجالس المحلية والمدن ، ومنها العاصمة ، حيث يحتل رئيس الحزب السابق الرفيق أريو هاكنين مقعدا في مجلس العاصمة ، هلسنكي ، ويتمتع مجلس العاصمة بصلاحيات واسعة ونفوذ كبير. 

عن طريق الشعب العدد 211 ليوم الاثنين 20 حزيران 2016

277
وجوه متميزة :
ألكاتبة الطفلة دلال مازن حسن تفوز بجائزة القصة القصيرة لعموم ولاية الينوي الامريكية

يوسف أبو الفوز
فازت القصة القصيرة بعنوان "الجفاف" التي كتبتها الطفلة دلال مازن حسن (11 سنة)، والمقيمة في مدينة شيكاغو مع عائلتها، بالجائزة التقديرية للمسابقة التي نظمتها وكالة حماية البيئة بالتنسيق مع مديرية التعليم لكل مدارس ولاية الينوي الامريكية وللدورة الثامنة والعشرين. اشترك في المسابقة المئات من طلبة الصف الخامس والسادس من مئات مدارس الولاية ، وكان موضوع المسابقة : الماء ! النص الذي كتبته دلال حسن، والذي اطلعنا عليها، استوفى الشروط الفنية للنص القصصي، من موضوع وحبكة وحوارات دالة، وفي القصة دعت الكاتبة الصغيرة دلال حسن للترشيد في صرف واستخدام الماء في البيوت. لجنة التحكيم الخاصة، والتي عملت لعدة شهور، اختارت 12 عملا لعموم الطلاب المتسابقين، ست نصوص نثرية ما بين الشعر والقصة، و ستة اعمال فنية بوسترات ورسم . وكانت كاتبتنا الصغيرة دلال حسن الاسم الاول الذي نودي عليه في الحفل الخاص الذي اقيم في بناية المجمع الحكومي، في البناية القديمة التي عمل فيها ابراهام لنكولن االرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الامريكية .
في حديث هاتفي قدمنا التهنئة للكاتبة الصغيرة دلال وعائلتها بالفوز، واجرينا معها دردشة اخبرتنا فيها انها ومنذ عمر السادسة بدـت تميل كثيرا لمطالعة الكتب، في البدء قصص الحكايات والخيال العلمي، ثم مع تقدمها بالدراسة والسن تبدأ بالانتقال لقراءة كتب ادبية بمختلف العناوين والكتاب. قرات لشكسبير وأحبت مسرحية روميو وجوليت، وقرات لتشارلس ديكنز واحبت عالمه الاجتماعي وقرأت "الف ليلة وليلة" . تؤمن دلال بان الكتابة يمكن ان تغير الحياة نحو الافضل، وهي تقول بان الناس ومنذ الاف السنوات يتأثرون بما تقوله الكتب.
عن فوزها بالجائزة، اعربت عن فرحها، وبينت انها لم تتكن تتوقع الفوز بحكم حجم المشاركة الواسعة، لكن معلمتها كانت متحمسة لها، والتي قامت مؤخرا بترشيحها لأن تكون مراسلة لمجلة "تايم للاطفال "، وهي الان تعد نفسها لاجتياز اختبارات القبول.
والدها مازن حسن (مواليد سوريا) ، اخبرنا بان دلال قارئة نهمة للكتب، وعند انتباهه لرغبتها بالقراءة حرص دائما على تلبية طلباتها من الكتب، بالتنسيق مع المدرسة وبحيث لا تتعارض مع واجباتها المدرسية. وصار يصطحبها كثيرا لمعارض الكتب والمكتبات العامة، وبتأثير ذلك صار هو ايضا محبا للقراءة .
شيلان فتاح (مواليد السليمانية ، كردستان العراق)، والدة دلال، تقول بأن اهتمامات دلال بالقراءة جعلها تختار اصدقاءها من محبي القراءة والكتابة، فهي واحدى صديقاتها يتشاركن في كتابة اليوميات، وهي تهتم كثيرا باخيها آدم (مواليد 2008) وتشركه معها في اجواء القراءة، بحيث انه مؤخرا فاز بجائزة تقديرية عن النشرة الجدارية التي انجزها عن سمك القرش في معرض المدارس عن عالم الحيوان . 

278
اللاجئون في فنلندا مرة أخرى ..
أين أختفى الآلاَف من اللاجئين العراقيين في فنلندا ؟!

يوسف أبو الفوز
مؤخرا صدرت العديد من القرارات عن الجهات الفنلندية الرسمية المعنية بشؤون اللاجئين، وصاحب ذلك العديد من الأخبار والتقارير الصحفية، عن عموم أزمة اللاجئين في فنلندا وأوربا، وسبب البعض من هذه الأخبار لغطاً وأثار العديد من التساؤلات وأيضا بعض المخاوف، سواء عند السلطات الرسمية الفنلندية أو مواطني البلد. أبرز الأخبار هو أعلان مصادر في وزارة الداخلية الفنلندية عن إختفاء أكثر من ألفين وأربع مئة عراقي من مراكز إستقبال اللاجئين. هذا الخبر أثار الكثير من ردود الفعل المتباينة. أين تبخر كل هؤلاء  الهاربين من الفتنة الطائفية في بلادهم ؟!
من المعروف أن البرلمان الفنلندي، هو من يقررعادة عدد اللاجئين الذين سيتم استقبالهم في البلاد، وفقا لإمكانيات ميزانية الدولة، وبعد التنسيق ما بين الدوائر الفنلندية المعنية بشؤون اللاجئين مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR). وهكذا ومنذ عام 2001، كان حصة فنلندا من اللاجئين 750 لاجىء سنويا. ويمكن للبرلمان ان يقرر قبول حصص أضافية في ظروف معينة، فتمت زيادة عدد اللاجئين، على سبيل المثال، في عام 2014 و 2015 بسبب الوضع المتأزم في سوريا، وتمت الموافقة على قبول 1050 لاجئ ضمن الحصص المقررة لبقية دول الاتحاد الاوربي. وفي موجة الهجرة التي أجتاحت أوربا مؤخرا، وحسب أخر المعلومات عن دائرة الهجره الفنلندية فأن عدد اللاجئين الذين وصلوا فنلندا، بلغ اكثر من 32 الف لاجيء، منهم اكثر من 22 الف لاجىء فقط من العراق. وواجهت فنلندا بسبب ذلك أزمة حقيقية، اقتصادية وسياسية واجتماعية. فالحكومة الجديدة، المشكلة من احزاب اليمين والوسط، التي جاءت بعد انتخابات نيسان 2015 وصلت الى الحكم وهي تحمل ورقة اصلاح تعتمد سياسة التقشف نتيجة الازمة الاقتصادية التي اطاحت بالحكومة السابقة. لم تكن فنلندا متهيئة لهذا الوضع الطاريء، فهي على سبيل المثال كانت تملك، وحسب تصريح وزير الداخلية في حينه، فقط 25 مركزا لاستقبال وايواء اللاجئين، ووجدت نفسها فجأة مضطرة لتفتح، وبالتنسيق مع منظمة الصليب الاحمر الفنلندي، اكثر من مركز استقبال في كل مدينة تقريبا، فحولت لاجل ذلك مستشفيات ومدارس متروكة الى مراكز استقبال، ولاجل تسيير امورها وظفت جيشا من المحققين والمراقبين والمترجمين، بحيث صارت البلاد تعاني من شحة العاملين في هذا المجال فعمدت ولسد النقص بتوظيف حتى من لا يحمل كفاءة كافية في هذه المجالات. ان حجم التكلفة الاقتصادية لم يكن هينا، على حكومة تعاني اساسا من شحة في الموارد، وتواجه سلسلة احتجاجات واضرابات من قبل النقابات والمنظمات بسبب سياسة التقشف التي تتبعها. ففي شهر ايار المنصرم، اقترحت الحكومة زيادة في الميزانية بمبلغ 230 مليون يورو فقط لتغطية تكاليف الهجرة وستخصص الاموال لمراكز الاستقبال وتحسين عملية التكامل ودعم الاسكان وسوق العمل .
ان مجمل الاوضاع، فيما يتعلق باللاجئين، اثارت اطرافا في الحكومة الفنلندية وخارجها، خصوصا من التي تتبنى أساسا سياسة معادية للهجرة والاجانب، فصارت تلقي باللوم على اللاجئين والمهاجرين وتحملهم اسباب الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، واستغلوا لاجل ذلك العديد من المخالفات وحوادث وجرائم التحرش الجنسي والاغتصاب، التي قام واتهم بها لاجئون اومهاجرون، فشنت الصحف اليمينية حملة صحفية ساهمت في رفع روح العداء للاجانب واللاجئين بين صفوف الجماعات اليمينية والعنصرية والفاشية، واثرت على الرأي العام بشكل مختلف، واثارت الكثير من اللغط والتساؤلات، رغم النشاطات والفعاليات التي تنظمها الاحزاب اليسارية والمنظمات المعادية للعنصرية لأجل فضح سياسة الحكومة اليمينية والجمعيات التي تساندها، خصوصا جمعيات النازية الجديدة التي رفعت رأسها وصارت تتستر بأثواب وطنية وقومية.
أن سياسة الحكومة الفنلندية اليمينية الحالية، في التعامل مع ازمة اللاجئين، مرتبط ايضا بسياسة الاتحاد الاوربي، ولهذا نجدها قامت بالعديد من الاجراءات لاجل التخلص من اعداد ليست قليلة من اللاجئين، فتم رفض قبول ممن ثبت ان لديهم بصمة في دول اوربية اخرى، وتمت اعادة اعداد منهم الى ذلك البلد وفقا للاتفاقات داخل الاتحاد الاوربي. ايضا سهلت الحكومة الفنلندية، وعلى نفقتها، العودة الطوعية للآلاف من اللاجئين العراقيين ممن يرغبون في العودة الى بلادهم، فألغت طلبات لجوئهم ووفرت لهم رحلات جوية مباشرة الى بغداد. ان الغالبية من هؤلاء اللاجئين العائدين طوعيا بينوا انهم يريدون العودة الى العراق لاسباب عائلية، لكن اخرين اعربوا عن خيبة املهم بكون اجراءات اللجوء تبدو طويلة ومعاملات لم الشمل وجلب عوائلهم تأخذ وقتا خارج توقعاتهم وكان ذلك خلاف ما قيل لهم من قبل المهربين . ويبدو ان الجهات الرسمية الفنلندية واستنادا الى ان اعدادا كبيرة من العائدين طوعيا الى العراق، اعربوا عند قدومهم عن تعرضهم لتهديد جاد يمس حياتهم وعوائلهم كأسباب لطلب اللجوء، ثم عادوا وسحبوا طلبات لجوئهم مبينين انهم يمكنهم التعايش مع هذه التهديدات، فعمدت مؤخرا الجهات الرسمية الفنلندية، الى اعتبار العراق، ومثل ذلك الصومال وافغانستان، بلدانا أمنة، وقام البرلمان الفنلندي بالتصويت على الغاء حق اللجوء الانساني، وصارت الجهات الفنلندية تمنح اللجوء لاسباب سياسية فقط وتبعا لمعايير مشددة. المفارقة، كما تشير مصادر مطلعة، ان البعثيين والصداميين، او من يدعي ذلك، صاروا ينتفعون من ذلك فحصل الكثير منهم على اللجوء السياسي وفقا لقانون الحماية الدولية. مما اثار المخاوف بين ابناء الجالية العراقية والاسلامية عموما، من كون التكفيريون يمكنهم ان يستفيدوا من ذلك وينالوا حق اللجوء بأدعاء مناصرتهم لنظام صدام حسين وكونهم مضطهدين من الحكومة العراقية الحالية.
واذ أعلنت الجهات الفنلندية المسؤولة عن إختفاء الآلاف من اللاجئين العراقيين وتبخرهم راحت تتصاعد الاصوات المتاسائلة عن حجم الخطر الأمني الذي سيسببه هذا العدد من اللاجئين الذين لا يملكون حق الاقامة في البلد ، في حال بقائهم في فنلندا، فهذا يعني انهم سيعيشون بشكل غير قانوني وكل افعالهم ستكون غير قانونية. ان المتابعين لشؤون اللاجئين، من باحثين ومراقبين، يتوقعون انه ربما هناك اعدادا قليلة جدا من هؤلاء سيبقون في فنلندا، وان الغالبية منهم تسربوا بالفعل الى بلدان اخرى مثل المانيا، او انهم عبروا الحدود في طريقهم الى بلدان خارج الاتحاد الاوربي مثل استراليا وكندا، ولهذا لا يشكل أختفاؤهم خطرا أمنيا على البلاد ، بقدر ما هو خطوة اخرى من اللاجئين في رحلتهم للبحث عن سقف أمن تحت سماء اخرى.



279
الكلام المُباح (115)
الحوافِزُ ولُعْبَة جَرَّ الحَبْلِ !
يوسف أَبُو  الفوز
في زيارتنا الأخيرة الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كان جَلِيل متحمساً وهو يطرح وجهات نظره، ويرى بان صورة المشهد العراقي حاليا لا تسرُ احداً، ربما سوى اعداء مستقبل العراق . فهو يرى ان البلاد تعيش حالة يمكن يوصفها بالشلل، حيث تلاقي اهم مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية صعوبات كبيرة في تسيير أمورها بشكل طبيعي، سواء في بغداد او اربيل. وان التناحر والعناد الذي يسود العلاقات بين الاطراف السياسية المتنفذة، يزيد من تعقيد الامور والتأخير في ايجاد حل مناسب ومقنع. فمعظم الحلول المطروحة للازمة السياسية لا تملك افاقا مستقبلية طيبة. المنتفعون من حالة الفوضى واستمرار الفساد يدعون لحلول ترقيعية لنظام المحاصصة الطائفية لاجل الاطالة بعمره. ومن جانب اخر ترتفع نداءات بحلول اخرى لا تملك مقومات النجاح، فبعضها حلول خارج الاطر الدستورية مثل تشكيل حكومة انقاذ وطني، او اجراء تغير فوقي، وثمة حلول تستند الى الدستور كالدعوة لانتخابات مبكرة لكنها لا تملك مقومات النجاح في التنفيذ.
من جانبي عبرت عن وجهة نظري بأن العملية السياسية، بحاجة للبحث عن حلول واقعية ممكنة، منها الحرص على استئناف عمل البرلمان، باعتباره، ورغم كل ما يقال عنه،الجهة التشريعية الدستورية المنتخبة في البلاد، ويجب البحث عن حلول للازمة من داخل قبة البرلمان ومنها اعادة تشكيل الحكومة وفق مطالب الشعب والحركة الاحتجاجية المنادية بالاصلاح الحقيقي.
قالت سُكينة: انتم تقدمون رؤية سياسية للاوضاع وتتناسون ان العمليات الارهابية تواصل حصد ارواح الناس كل يوم ...؟!
 ايدتها زوجتي : هذا منطقي، فالارهابيون يستغلون كل تلكؤ في عمل مؤسسات الدولة للنفاذ منها وتنفيذ اعمالهم الاجرامية، ولم تجانب الحق تظاهرات الاحتجاج اذ رفعت شعار "ان دماء ضحايا التفجيرات الارهابية في اعناق قوى الفساد والمحاصصة " !
لوح  أَبُو  جَلِيل بكفه وقال : اشو نسيتو تحجون عن النجاحات العسكرية التي تحققها كل يوم القوات العسكرية العراقية  ضد قوى الارهاب في المنطقة الغربية ؟
سعل أَبُو سُكينة وقال : هذا الكلام المضبوط ياأَبُوجَلِيل ، يا صديق العمر . شوفوا يا بعد عيني .. هذا الشعب العراقي لابد وان يعدّل الميزان قريبا ، وينتصر على الارهاب والفساد ويكنس كل جماعة لُعْبَة جَرَّ الحَبْلِ. من "قالوا بلا" وشعبنا شاف اشكال انواع من حكام ، ظلام وفاسدين وسياسيين صدفة ونص ردن واولاد شوارع . شاف انواع من الحروب والكوارث والمصايب ، لكن دائما يوكف على رجليه ويعدل الامور. خلوا ثقتكم عالية بالشعب، لا تعتمدون على هذول اللي كلما تصير عملية ارهابية  يعبرون بالتلفزيون عن قلقهم .. عبالك ممثلين لحكومة تعيش عبر البحار. لو يعتبرون هذه العمليات الانتحارية "حافز" للقضاء على داعش .. !  أفه والله أفه .. ولك يا أبو الحوافز ! يا  ... !  وين كنت نايم ... ليش هي داعش اليوم البارحة تقتل بالأبرياء وتسبي النساء .. ليش جماعة "ماعش" الحرامية والفاسدين شكد خربوا بالبلد . كل هذا الدم العراقي البريء المهدور وكل هذا النهب من اموال الشعب ما كفاك وانت تتغافل ... تريد الان حوافز ... كأننا نريد الفوز بلُعْبَة جَرَّ الحَبْلِ !






 






 
 




280
كيف يستقيم كل هذا يا رب؟
يوسف أبو الفوز

كيف يستقيم ذلك ؟ كيف يمكن ان يفهمه الانسان، اي انسان بغض النظر عن علاقته بالدين، اي دين؟
تكبير ثم تفجير؟ ثم ... !
أين انت يالله من كل هذا؟؟! أين انت يا رب كل العباد، يامن بأسمك نادى كل الانبياء؟ ويامن حملت كل الكتب المقدسة تعاليمك لتمجيد الحياة ؟
أنهم ـ كلهم! ـ كل يوم، وبأسمك يقتلون الاطفال والنساء، في بلادي المنكوبة، التي منحتها بركتك بنهرين ودفعت الانبياء لينشطوا على ترابها ويسبحون بحمدك.
مجرمون يتسترون بأسمك بخرق ملونة، يدعون انها راياتهم، يخطون عليها أسمك لنشر رسالتهم وهداية الناس الى دربك !
أحقا ان درب الهداية أليك يجب ان يكون معمدا بالدم وجثث الاطفال؟
لقد خلقت الانسان في أحسن تقويم ، فكيف تترك لضباع بشرية تلغ بسادية بدماء صنيعتك ورعيتك ؟
ألم تنفخ في طين الانسان من روحك وأمرت بالسجود له " أني خالق بشرا من طين. فأذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "، فكيف تترك غيرك يسلب روحك ؟
أليس ان الحياة، وكما تعلمنا في المدارس، وكما ورد في قرآنك الكريم .. " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد " ؟ فكيف تترك مجرمين، مدعين يسلبون عبادك ، فقراء الناس حيواتهم ؟
ألم يخبرنا كتابك المقدس بأن "لا إكراه في الدين "؟، أولم توكد بأن " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "؟ فكيف تترك، مرضى نفسيون، سيكوباتيون،  يحددون لنا كيف نضحك وماذا نشرب وماذا نلبس وماذا نأكل؟
ألم تقل لنا وتأمر "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر"، فكيف تخرج علينا كل يوم فتاوى بأسمك من جهلة مهوسين بالجنس يحددون لنا كيف تلبس بناتنا واولادنا وكيف ننام مع زوجاتنا وكيف ... ؟
ألم نتعلم في المدارس عن رسولك الكريم ، محمد بن عبد الله ، بأن  "الدين النصيحة . قلنا لمن يا رسول الله قال لله و لرسوله و لأمة المسلمين و عامتهم "، فكيف تسمح بكل هذه الجماعات المسلحة والمليشيات المدججة بأسلحة الموت والكراهية للاخرين تدعي انها تعلم الناس محبتك وطاعتك بجز الرؤوس وكواتم الصوت؟
الم نتعلم في المدارس بأن الاسلام هو دين الاخلاق العالية، والتعامل الراقي، وان يحمل المسلم اجمل الخصال ارتباطا بقول الرسول محمد بن عبدالله "إن الله كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق، ويكره سفسافها"، فكيف يخرج علينا المنادين بأسمك كل يوم بما يخجل الانسان من سماعه من سفاسف واكاذيب وافتراءات في معمعة صراعهم مع بعضهم لاجل الغنائم والمناصب ؟
الم يتحدث الرسول محمد عن الترفع عن المكاسب المحرمة والمشبوهة، وقال" أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم"، فكيف تترك المنادين بأسمك يسرقون ويغتصبون ارزاق الناس وثروات البلاد ؟
يالله ... التفت لهذه البلاد المنكوبة، واحفظها وارحمها، الست خير حافظ وارحم الراحمين. أمنحها السلام ، دعها تملك نصف ما تملك بلدان اخرى تعيش النعيم ، اذ هديت حكامهم ومسؤوليهم ومنحتهم الحكمة والرشاد فبنوا لشعوبهم حياة رغيدة، يعمها السلام والطمأنينة، حيث حرية الانسان في اظهار دينه او معتقده مضمونة بالقوانين التي تمنع على احد ان يتدخل قسرا ليكون وسيطا بينك وعبادك !
ياالله ... ان كيل الناس قد طفح وان صبرهم يكاد ان ينفذ !

281
الكلام المُباح (114)
النُزُول مِن القَنَفةْ!

يوسف أَبُو  الفوز

في بيتنا، غطت أخبار الحدث الاجرامي المأساوي، في مدينة السماوة، الذي أدى الى استشهاد 36 مواطنا ، واصابة 86 اثر انفجار مفخختين ، على بهجة عيد الاول من أيار ، عيد العمال العالمي . أتصلت هاتفيا مع أصدقاء ومعارف من ابناء المدينة، وقدمت التعازي، رغم أني لا اعرف احد من الشهداء او المتضررين. كان حجم المأساة يثير الغيظ اكثر من الحزن ،إذ ترى ان السياسيين ، مشغولون بهيبة الدولة، التي اصبحت عندهم مجرد "قنفة" ـ أريكة جلوس ـ تحركت من مكانها وتضررت بشكل ما، عندما دخل المتظاهرون الى المنطقة الخضراء ومجلس النواب، بينما المواطن يهان كل يوم وباكثر من صورة . ففقط عصابات "داعش" الارهابية، مستثمرة الازمات السياسية المتوالية في البلاد نتيجة صراع المتنفذين على مغانم السلطة وثرواتها، حتى أحتلت الموصل ومناطق اخرى، تسببت في تحويل اكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن عراقي الى نازحين ومهجرين ، يهانون كل يوم، في ظروف معيشية وانسانية قاسية، ووسط خراب مدن وبنى تحتية ومرافق اقتصادية.
وفي زيارتنا الدورية، الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة ، لاحظ الجميع  حزني وغضبي . قال أَبُو جَلِيل : العراق كله مستباح من قبل مجرمي داعش وماعش ، وللاسف تجد ان سياسيين يفكرون بمقاضاة وملاحقة المتظاهرين الذين دخلوا مجلس النواب !
قال جَلِيل ان هيبة الشعب والوطن، ستستعاد اذا استجابت النخب السياسية والكتل المتنفذة لمطالب الاصلاح الشامل في الخلاص من نظام المحاصصة الطائفية- الاثنية، والكف عن الحديث بأصوات عالية عن الاصلاح وبنفس الوقت اعتماد المزيد من اجراءات التسويف والمماطلة وعدم الالتزام بالوعود .
قالت سُكينة : أولا ليكف بعض اقطاب وحيتان الفساد عن محاولة استغفال الشعب والحديث بأصوات عالية عن الاصلاح وثم ...
سعل أَبُو سُكينة، اعلانا عن رغبته في الحديث ، فالتفت له الجميع ، فقال : تقصدين يا أبنتي .. نسألهم مثلا ان ينزلوا عن "القنفة" و ... !
وكان عليّ تذكير الجميع بأن أَبُو سُكينة يستعيد هنا حكاية قديمة ، سبق وان سمعها مني،  من ايام كنت طالبا في الجامعة، وحدث ان التقينا في جلسة خاصة ، احد المطربين المعروفين ، واستهوت احد الزملاء، الذي كان يعتقد ان لديه صوتا صالحا للغناء، أن يغني بحضور المطرب الضيف. وصار الزميل يغني بصوت عال، بطبقة أعلى من قدراته الصوتية، فشطح صوته وأختنق، فقال له المطرب الضيف : "أنزل شوية" !  وكان يقصد أخفض طبقة صوتك، فما كان من هذا الزميل الا وان ترك القنفة ونزل جلس على الارض وهو يواصل الغناء منتشيا !


282
فيلم "المستعمرة" الالماني :
حين يتحالف رجل الدين مع العسكر ضد الحرية والديمقراطية !




يوسف أبو الفوز
في العديد من دول العالم حصل وان تحالفت المؤسسة الدينية مع العسكر ضد التحولات الديمقراطية، فكانت النتيجة كوارث انسانية ومجازر بشرية تترك اثرها طويلا في ذاكرة الزمن. هذا ما يخبرنا به التأريخ من احداث كارثية حصلت في العراق عام 1963، اندونسيا 1965 وفي شيلي 1973. فيلم "المستعمرة" Colonia الالماني من انتاج 2015، والناطق بالانكليزية والاسبانية. ببساطة يحكي عن هذا الامر. حين يلبس رجل دين خوذة العسكر، فيتحول الى جلاد يتحدث بأسم الرب. كاتب السيناريو هو الالماني"توستين وينزل" (مواليد 1964) وقصة الفيلم هو اول سيناريو يكتبه للسينما، ومبني على احداث واقعية، جرت في تشيلي خلال ايام الانقلاب الدموي في 1973، الذي نفذه الجنرال أوغستو بينوشيه (1915  ــ 2006) وبالتنسيق مع المخابرات المركزية الامريكية، ضد حكومة الوحدة الشعبية ورئيسها المنتخب سلفادور اليندي (1908 ــ 1973)، الذي يعتبر أول رئيس دولة في أمريكا اللاتينية ذي خلفية ماركسية انتخب بشكل ديموقراطي في 1970، والذي اتخذ سياسات لصالح الفقراء وبميول اشتراكية ضربت مصالح الولايات المتحدة الامريكية. ورغم ان الاجواء الثورية في امريكا اللاتينية جذبت الكثير من رجال الدين، الا ان فئات منهم،وكما يعرض الفيلم، كانوا الى جانب الانقلاب العسكري الدموي الذي نفذ مجازر بشعة ضد الموالين للرئيس الليندي، الذي رفض الاستسلام واستشهد مدافعا عن الديمقراطية وحقه الشرعي كرئيس للبلاد. وكان المجلس العسكري الذي تشكل بقيادة الجنرال بينوشيه مسؤولا عن مطاردة اليساريين في كل ارجاء البلاد، وعن استشهاد اكثر من ثلاثة الاف مناضل، كما عُذب وسُجن أكثر من سبعة وعشرين ألفاً، ونُفي الالاف، ومنهم الشاب الفنان الالماني "دانيال" المناصر للرئيس اليندي، والذي تدور عن اعتقاله احداث الفيلم .
مخرج الفيلم هو الالماني فلوريان غالنبيرجر(مواليد 1972)، الذي ترعرع في وسط فني وجرب التمثيل في السينما منذ كان طفلا في الخامسة من العمر، ودرس الفلسفة والسينما وعرف عنه باختيار موضوعات لافلامه تهتم بموضوعات أممية وانسانية، وعرف عنه بتصوير افلامه عادة خارج المانيا، فهذا الفيلم صوره الجزء الاكبر من احداثه في مدن ليكسمبورغ وبوينس يريس اضافة الى ميونيخ وبرلين  الالمانيتين ، وحصدت افلامه العديد من الجوائز والترشيحات، ومن ابرزها جائزة الاوسكار الفخرية عام 2001 لافضل فيلم اجنبي قصير.
في هذا الفيلم ، لم يلجأ المخرج لتوظيف الفلاش باك او حيل تشويق، اعتمد التسلسل الزمني المتراتب العادي ، وقسم الاحداث الى يوميات ، معتمدا على براعة الممثلين ، وموسيقى فاخرة ، ولقطات متوسطة ومقربة وكثيرا ما لجأ الى الكاميرا المحمولة ، ليقدم حكاية حب ومقاومة ممتعة بطاقم أممي . يبدأ المخرج فيلمه "المستعمرة" ، بلقطات وثائقية عن الاحداث في شيلي، مصحوبة بتعليق يذكر ان شيلي في 1973 "اصبحت ميدانا للحرب الباردة فبينما الرئيس سلفادور اليندي ينال تأييدا من الاتحاد السوفياتي تطالبه امريكا بفض تحالفه مع الشيوعيين وطردهم من من مناصبهم". تعرض اللقطات الوثائقية مسيرات التأييد التي سيرتها نقابات العمال والطلبة تأييدا للرئيس اليندي، الذي يعرضه لنا الفيلم بلقطات وثائقية وهو يحي الجماهير المساندة له. ومن المانيا ، ومن اربعة شهور وصل الى شيلي الشاب ومصمم البوسترات دانيال، للمشاركة الفاعلة في تظاهرات التأييد، وتصل أيضا الى سانياغو حبيبته لينا، التي تعمل مضيفة على خطوط شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا (Lufthansa)، ويلتقيان خلال احدى التظاهرات ودانيال يوزع مناشير التأييد ، ويقرران قضاء وقتا رومانسيا في شقته المكتظة ببوسترات الدعاية وبأدوات التصوير والصور ، ويحصل الانقلاب وهما في فراش الحب ، كأشعار وكأن الانقلاب ضد كل هذا.
مثل دور الشاب دانيال ببراعة كبيرة الممثل الالماني "دانيال برول" ،المولود في اسبانيا (عام 1978) لاب الماني يعمل مخرج تلفزيوني للافلام الوثائقية وام اسبانية تعمل معلمة، فنشأ وترعرع في عائلة متعددة اللغات، جعلته يتحدث ست لغات مختلفة بطلاقة، وبدأ مشواره الفني بشكل مبكر واشترك بالعديد من الافلام، وبرز اسمه في الفيلم الالماني "وداعا لينين" 2003 ،حيث نال جائزة الفيلم الاوربي والفيلم الالماني لافضل فيلم وممثل. وشارك في العديد من الافلام الامريكية التي ثبتت مواقعه بين صفوف الممثلين المتميزين، مثل "انذار بورن" 2007 رغم دوره القصير،  "اندفاع" عام 2013، والمملكة الخامسة 2013 حيث لعب دور المتحدث السابق باسم موقع ويكيليكس دانيال دامشايت بيرغ . أما دور لينا فمثلته بتألق الممثلة الانكليزية إيما واتسون (مواليد 1990) التي اشتهرت بدور (هيرمايني جرينجر) في سلسة أفلام هاري بوتر .
 حين يحدث الانقلاب يحاول دانيال وحبيبته لينا الهرب. ويعرض لنا الفيلم، صباح يوم الانقلاب، بمشاهد قدمت بروح وثاقية وصورت ببراعة بكاميرا محمولة ، مما اعطى للمشاهد الحيوية والصدقية. ونرى جنود الانقلاب يحتلون الشوارع ويستبيحون حرية الناس وحياتهم،حيث يطلقون الرصاص فورا على من يحاول الهرب. حين ترك دانيال الشقة اصطحب معه كاميرته، وبروح الفنان المتلزم، كان يصور ما يجري وهو يحاول الهرب من المكان، فانتبه له الجنود فتم اعتقاله وحبيبته لينا ويحطم الجنود ببساطيلهم كاميرته، في اشارة لنوع العلاقة التي بدأت بين العسكر والفن والحقيقة. ويتم نقل المعتقلين، ومن ضمنهم دانيال ولينا ، الى ملعب سانتياغو الرياضي الذي تحول الى معسكر للالاف من الناس، ويهدد الضابط بأن الجنود لديهم اوامر باطلاق النار على كل شخص يعترض او يتحرك او يتحدث . اللقطات  الواسعة الذكية  للكاميرا لعرض صورة الملعب الغاص بصفوف المعتقلين والجنود كان تعرض ببساطة حجم الكارثة التي سيواجهها الشعب الشيلي في ظل سلطة الانقلاب. وسرعان ما تصل طائرة هيليكوبر تحمل رجلا مقنعا بكيس، ونفهم انه احد الخونة، ويبدا بتشخيص بعض الاسماء، ومنهم دانيال ، والذي ولأنه الماني يتم نقله بسيارة اسعاف خاصة تغادر الملعب بأتجاه مجهول. وحين يطلق سراح لينا تقرر البحث عن دانيال، فتتصل برفاق دانيال في المنظمة الشبابية فيخبروها بانهم لا يستطيعون عمل شيء، سيختفون ويمارسون العمل السري لاجل انقاذ كل البلاد ، واذ تخبرهم عن نوع سيارة الاسعاف فيخبروها انها تعود لمعتقل في جنوب البلاد منقطع عن العالم، يسمونه "مستعمرة الكرامة ". تزور لينا مكتب منظمة العفو الدولي  فتتفاجيء بان المسؤول يمتدح مؤسسة "مستعمرة الكرامة "ويعتبرها منظمة دينية خيرية ذات تاريخ عريق وينصحها بان تتواصل مع سفارة بلادها لاجل ما تريد، ثم يعطيها اشارات تفهم ان هناك تنصت على مكتبه ويودعها بصوت عال ويغلق الباب وكأنها غادرت، لكنه يستبيقها داخل المكتب ويرفع صوت الموسيقى ليهمس له بحقيقة معتقل المستعمرة . وكونها نوع من دار العبادة تتستر تحت اسم جمعية خيرية لكنها بالحقيقة معتقل رهيب  يديره رجل ذو اصول المانية مطلق الصلاحيات اسمه بول شايفر او بايوس، وذو ماض نازي وصل الى تشيلي من بعد الحرب العالمية الثانية وهو يعمل بقوانين خاصة لا يعرف بها احد ولا تتوفر ادلة عن اعماله. واذ تطرح لينا فكرة زيارة المكان فيحذرها ممثل منظمة العفو الدولي بأن من المحتمل انك لن تخرجي من هناك ، لكنها تجيبه باصرار : " ولكن هذا يعني يمكن الدخول اليه". وخلال الفترة التي نرى فيها لينا تتنكر بثياب فتاة متدينة متواضعة واكسوارات دينية وترتب للانضمام للمستعمرة الدينية كمتطوعة لخدمة الرب، يعرض لنا الفيلم خضوع دانيال لتعذيب وحشي بالادوات الكهربائية ، مربوطا شبه عار الى سرير معدني ، وثمة من يراقب عملية التعذيب من نافذة خاصة مستورة، نفهم فيما بعد انه رجل الدين بول شايفر او بايوس، الذي لعب دوره الممثل السويدي ميشيل نيكفيست (مواليد 1960) والذي حاز ورشح للعديد من الجوائز في افلام سويدية واوربية، وفي الفيلم هنا ابرز كل الملامح الشيطانية لرجل مهوس جنسيا بالاطفال ويتستر باسم الرب وبلغة ناعمة لتحقيق ماربه الخاصة. يخبر بايوس ضابط التحقيق بان ما عجز عنه التعذيب في انتزاع المعلومات فأن اساليبه النفسية ستكسر مقاومة الافراد. تصل لينا وتلتحق بالمستعمرة ، وتتعرض للتحقيق من قبل بايوس الذي يستخدم معها لغة دينية واقوال المسيح وثم يطلب منها ان تزع ملابسها الخارجية ليرى كيف ان الشياطين لا تسكن جسدها بسبب استخدامها لحمالات صدر من اعمال الشيطان والمفروض ان تسخدم وشاحا متواضعا لربط نهديها . كان الحوار اشبه بالمنازلة يكشف روح الفسق في شخصية رجل الدين بايوس والاصرار عند لينا لانجاز مهمتها في البحث عن حبيبها ، وحين يسالها عن هدف التحاقها تقول له انها جاءت من اجله لانها تحتاجه فيسعده كلامها ويضمها بين ذراعيه وهي شبه عارية مرددا اقوالا دينية وهو يشعر بنعمة الرب تحل عليهما ! المخرج عمد في الحوارات لاستخدام اللقطات القريبة (كلوز) ليمنح ممثليه فرصة التحكم بتعابير الوجه لعكس مكنوناتهم الداخلية ، وبرعت الممثلة أيما واتسون في التعبير عن قدرتها في كظم غيظ وغضب لينا وهي ترى فسق رجل الدين الذي يتستر بأقوال الرب .
في المستعمرة يدعي دانيال التخلف العقلي، وتقرر الطبيبة ان قشرة المخ تاثرت بسبب التعذيب فيتقرر ارساله للعمل في ورشة الحدادة وليكن تحت المراقبة، وبرع الممثل الالماني "دانيال برول" في اقناع المشاهدين وليس سكان المستعمرة فقط في مشاهده كمتخلف عقلي ، يتأتأ في الكلام ويقوم بافعال وحركات صبيانية. من جانبها تواصل لينا الصمود والتأقلم مع ظروف حياة المستعمرة القاسية، التي تستغل اعضاءها والمحتجزين وتسخدمهم في مزارع الذرة والبطاطا كالعبيد،  وتبدأ في التعرف على نظام العمل والمعيشة في داخل المستعمرة، اذ تعيش النساء والرجال بشكل منفصل بشكل يشبه حياة الثكنة العسكرية ، وأذ تعرف ان المرأة التي ترتكب خطأ يتم معاقبتها واهانتها امام صفوف الرجال، تقرر السباحة عارية في بحيرة المستعمرة لترسل للتعذيب والاهانة امام الرجال لتتمكن من التاكد من وجود دانيال، لكن حظها يجعل دانيال في نفس الليلة يرتب سرقة مفاتيح المخزن ليهرب وليجتاز سياج المستعمرة لكنه يتعرض للصعق الكهربائي من السياج المكهرب والمجهز بنقاط حراسة والكلاب فيغمى عليه ويعتبر عمله تصرفا من رجل احمق متخلف عقليا. واذ يزور الجنرال بينوشيه المستعمرة وينظم استقبال حاشد يسمح فيه بالاختلاط بين سكان المستعمرة تتوفر فرصة للينا لترى دانيال المخبول فتصدم ، ولكنها اذ تقترب منه ويتهامسا تدرك انه يدعي الخبل . هذه المشاهد قادتها موسيقى تصويرية مؤثرة حابسة انفاس المشاهد ومثيرة تعاطفه مع احاسيس لينا التي تكشفها لقطات كلوز بارعة .يتفقان على اللقاء ليلا في مخزن البطاطا، وهناك يكون لقاؤهما مؤثرا ، فدانيال كان يعتقد ان لينا معتقلة مثله، لكنه يعرف بانها التحقت طواعية لاجل البحث عنه . وتعرف لينا بان دانيال يخطط للهرب، وانه يعرف الكثير عن حياة المستعمرة لانهم يتحدثون امامه بكل شيء باعتباره مخبولا ، ويكتشفان في مخزن البطاطا ممرا سريا يقود الى نفق يقود الى انفاق مترابطة والى غرف التعذيب، فيعرفان ان تحت ارض المستعمرة يختفي معكسر تعذيب تجري فيه الاهوال بحق المعتقلين، فيسرق دانيال كاميرة صاحب الورشة ويلتقط العديد من الصور للمكان ولغرف التعذيب وادواتها . رجل الدين بايوس ايضا يُتاجر بالاسلحة الالمانية، وفي مشهد معبر عن وحشية الديكتاتورية وتواطيء رجل الدين، فحين اعجب المجرم الجنرال بينوشيه برشاش الماني طلب من بايوس ان يوفر له منها 500 قطعة،  وان يجربها امامه ليتاكد من صلاحيتها ، فقال بايوس انه سيجربها له على كلب، فرد بينوشيه انهم لم يخططوا لشراها لاستخدامها  مع الكلاب فيرد رجل الدين غامزا اياه بانه يمكن تدبير ذلك بمساعدة الرب وهو يوجه نظراته الى دانيال. واذ يدرك دانيال انه تم اختياره باعتباره متخلف عقليا لتجربة قذائف غاز السارين معه، فيقرر ولينا تنفيذ خطتهما للهرب ويصطحبان معهما احد الفتيات التي قدمت لهما المساعدة، ويتمكنان بذكاء دانيال من تخطي مشكلة الشك بهما وانكشاف خطتهما، ويسلكان الانفاق عبر ممر مائي ويتخطيان من خلاله السياج لكن الفتاة تموت في انفجار لغم عليها عند السياج. وينجح دانيال ولينا في الوصول للسفارة الالمانية ويقدمان الصور كدليل ، ويحاول موظفي السفارة تأخير عودتهما الى المانيا فتتصل لينا بزميلها كابتن الطيران الذي تعمل معه ويصادف وجوده في رحلة الى سانتياغو فيحجز لهما مكانا ويقرر انتظارهما. في المطار يحاول موظفي السفارة خداع دانيال ولينا تسليمهما  الى  رجل الدين بايوس ، الذي يصل المطار اثر مكالمة من لحظة لجوء دانيال ولينا الى السفارة . لكن لينا ودانيال يهربان ومستفيدان من خبرة لينا ومعرفتها الاتجاه الصحيح للممرات في المطار ، يهربان ويلحقان للصعود في الطائرة في اللحظات الاخيرة ، وتغادر الطائرة رغم محاولات سلطات المطار منعها.   
قضى دانيال ولينا حوالي اربعة شهور في المستعمرة كانت كافية لمعرفة الكثير من المعلومات تدعمها الصور التي جلباها معهما والتي كانت فضيحة مدوية خارج شيلي ، لكن في داخل شيلي  لم يتغير شيئا في الاوضاع ، ولا حتى عوقب موظفو السفارة الالمانية المتعاونون مع سلطات الانقلاب . في نهاية الفيلم يعرض لنا صورا وثائقية وحقيقية عن المستعمرة ومعلومات تذكر ان مئات السجناء عذبوا وماتوا هناك ودفنوا بسرية، وخلال 40 عاما فقط 5 اشخاص من نزلاء المستمرة نجحوا في الفرار.  وان بايوس اعتقل في الارجنين عام 2004 وحكم بالسجن لمدة 33 عاما لتُهم عدة منها الاستغلال الجنسي للاطفال وانه توفي في السجن في سانتياغو عام 2010 . والمجرم بينوشيه كما هو معروف تملص ونجا من العقوبة والسجن بسبب الخرف . طاقم الفيلم اهدوا عملهم لضحايا المستعمرة، ويعتبر وثيقة انسانية في فضح الديكتاتوريات وفضح فساد المؤسسات الدينية المتواطئة معها .


283
لقاء مع أسبوعية حزب اليسار الفنلندي 
من صفوف المقاومة الى الكتابة في  ضواحي هلسنكي


غلاف اسبوعية  " Kansan uutiset"  جريدة حزب اليسار الفنلندي
حوار :آنا بايو                                                       تصوير: يوسي يوينتاوستا
ساهم في ترجمة النص للعربية : ماركو يونتنين

يوسف ابو الفوز يكتب عن الهجرة والتطرف الديني وفوبيا الخوف من الاجانب . وخلف كل هذه المواضيع سعي وعمل لاجل التعايش والسلام .
تفاجأ يوسف هدّاد مطلع السنة بمكالمة تخبره بمنحه جائزة الابداع من منظمة الكتاب والفنلنين الفنلنديين الفنلندية (كيلا) :
ـ اسعدني كوني اول كاتب اجنبي وعراقي في فنلندا ينالها وأيضا اول مواطن من مدينة كيرافا.
في تقرير منظمة "كيلا" عن منح جائزة الابداع للكاتب يوسف هدّاد قالوا انهم "تابعوا نشاطاته وكتاباته ما يخص الهجرة، واسلوبه الادبي المحمل بالسخرية السوداء. وان كتاباته تغني الصوت غير الفنلندي الذي يكتب عن الشعب الفنلندي خارج اوربا، وخصوصا مواضيع الهجرة والتطرف الديني وفوبيا الخوف من الاجانب" .
القاريء الفنلندي عرف  يوسف هدّاد بأسم يوسف ابو الفوز من كتابه الاول "طائر الدهشة" (ترجم ونشر عام 2000) ، وبانتظار روايته "كوابيس هلسنكي " التي هي قيد الترجمة.
ــ خلال كتابتي رواية " كوابيس هلسنكي" فكرت بالقاريء الفنلندي، والان والعمل تحت الترجمة سعيد بأنه ستحقق امنيتي بان يطلع القاريء الفنلندي على هذا العمل .
في هذه الرواية الخيالية تشهد هلسنكي عملا ارهابيا :
ــ كتبت عن التطرف الديني وبوادر تشكيل منظمات على غرار "داعش" قبل ان تتأسس. ولاجل جمع المعلومات تجولت في العديد من الدول الاوربية. اخترت فكرة خيالية لكن نثرت حولها الكثير من الحقائق. قلق جدا من انه قد يحصل ما توقعته روايتي ( الهجوم الارهابي في هلسنكي). فهناك من التحق بتنظيمات داعش من فنلندا، وهذا ليس المشكلة الاولى. السؤال : ماذا سيفعلون لو عادوا الى فنلندا؟
ينبغي عدم الخلط بين الدين والسياسة !
ابو الفوز قلق جدا من استغلال الدين كواجهة ومبرر للاعمال السياسية. التي تساعد على نشر الكراهية ويرى ان خلط الدين بالسياسة يشكل خطرا على المجتمع .
ــ لست ضد اي اعتقاد لاي انسان . الناس احرار في اختيار دينهم واقامة شعائرهم، ولكن لا يحاولوا اجبار الاخرين على اعتناق دينهم او خلط ذلك بالعنف. حزين جدا لما يحدث من اعمال ارهابية في اوربا . هناك الان ازمة اقتصادية وسياسية تخلق جو لنشر روح الكراهية وهذه الاشياء مرتبطة ببعضها.
لذلك يريد ان يشجع على التواصل بين الثقافات والخيوط المشتركة وهو يعتقد ان هناك نتائج معقدة وصعبة نتيجة نشر سياسة الكراهية :
ــ اعتقد ان هناك من ارتكب اخطاء في السياسة الاوربية .
 يوسف يعتقد انهم خلقوا امكانية لنشاط الجماعات الارهابية مثلا بناء المساجد بتمويل من دول الخليج فهناك التخوف من ان تكون مكانا لتجمع المتطرفين .
الفقر وليس الهجرة هو المشكلة !
حسب يوسف ابو الفوز فأن الاعلام قد يخلق اراء متضاربة وينشر الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين . فمثلا ان الحوار عن التحرش الجنسي وجرائم الاغتصاب يجري الحديث عنها وربطها مع قضية الهجرة وكانها مشاكل جديدة في فنلندا .
ــ الجريمة هي جريمة بطبيعة الحال، بغض النظر عن من هو مرتكب الجريمة، مهاجر او من اهل البلاد الاصلين، والملاحظ انهم يشتركون في كونهم عاطلين عن العمل ومهمشين في المجتمع وفقراء. علينا ان نبحث هذه المسائل ولا نعامل المهاجرين واللاجئين كمجموعة واحدة. في وسط اللاجئين هناك اصحاب مؤهلات عالية وتعليم عالي وايضا غير متعلمين وهناك من هو قادم من مدن صغيرة او من الارياف ونجد ايضا المتدينين والليبراليين .
يوسف ابو الفوز يذكرنا اننا دائما نجد اشخاص سيئين ولكن لا نجد شعوبا سيئة !
عدة محطات قبل الوصول الى كيرافا (ضواحي هلسنكي)
في طفولته كان يوسف يقرأ كثيرا .
ــ في عمر 13 عاما كتبت اول قصة وعرفت اني ساكون كاتب. وكان هذا بفضل المدرسين الجيدين، الذين شجعوني للكتابة واهتموا كثيرا بمحاولاتي الاولى.
وايضا الاجواء التي عاشها في مدينته السماوة، بالاضافة طبعا لاجواء العائلة واهتمامها :
ــ ولدت لعائلة فقيرة، والدي عامل في السكك الحديدية وامي ربة بيت، وعائلتي مرتبطة بنضالات قوى اليسار وهذا خلق لعائلتنا الكثير من المشاكل والصعوبات. ونشطاء قوى اليسار كان مكانهم السجن دائما.
ان النشاطات والاجتماعات اليسارية لم تعجب الحكومة خاصة في زمن حزب البعث وصدام حسين . فاضطر يوسف لمغادرة العراق مشيا على الاقدام الى الكويت وهناك غير اسمه ورغم ذلك توصلت اجهزة نظام صدام لمكانه فاضطر لترك الكويت الى عدن في اليمن الديمقراطي ومن هناك توجه الى جبال كردستان ليلتحق مع حركة الانصار الشيوعيين وحيث المقاومة الكردية. وهذه السنوات في جبال كردستان كانت زمنا صعبا، ويقول يوسف انه فيها تعلم الكثير واستمر في الكتابة .
ومن هناك ، بعد هجمات نظام صدام حسين بالاسلحة الكيمياوية على كردستان ، بدأ البحث عن طرق للسفر الى اوربا، عبر موسكو في روسيا الى تالين في استونيا. كان يوسف يريد الذهاب الى السويد لكن في تالين اعتقل بتهمة تجاوز حدود بدون فيزا وكان معه مئة عراقي يبحثون عن اللجوء في اوربا ، وضعوا في السجون مع المجرمين العاديين، لان استونيا في حينها لم تكن موقعة على اتفاقية جنيف للاجئين. وتطلب الكثير من العمل، رسائل وبيانات واحتجاجات واضراب عن الطعام لتقبل بهم فنلندا كلاجئين لاسباب انسانية .
الان يوسف يعيش في مدينة كيرافا منذ عشرين عاما :
ــ كيرافا ليست مدينة صغيرة ، انها قرية كبيرة ، بروح الالفة بين اهلها التي تشعر بها .
في روايات يوسف هناك اكثر من شخصية من كيرافا.
ــ احاول ان لا اكتب عن نفسي، لكني استثمر تجاربي كمصدر لبعض القصص والشخصيات، اجمع ما بين شخصيات مختلفة لاشكل منها شخصية جديدة ومعها احيانا اضع شيء من تجاربي.
بناء الجسور الثقافية
كتب يوسف كثرا عن اللجوء، وعن التغيرات في الاجيال الجديدة الشابة من المهاجرين،الذين يجدون انفسهم بين ثقافتين. وضمن اشياء عديدة ، يهتم يوسف في  حي "فاريسوا" المتعدد الثقافات في مدينة توركو، فبالاضافة الى عمله الاكاديمي كباحث في جامعة تامبيرا وكتابة الادب، هو ينشغل في بناء جسور العلاقات بين الثقافات ومختلف الاجيال، ولهذا نجده يقوم باعمال تطوعية في زيارة المدارس ويلتقي التلاميذ الشباب هناك :
ــ احدثهم واثير نقاش : ماذا على المهاجر وما هو المطلوب منه ان يتعلم اضافة الى اللغة الفنلندية؟ اهم العوامل التي تبني التعايش والسلام في المجتمع وتساعد على خلق الاندماج الحقيقي؟ مع مجموعة من الشباب الجدد القادمين الى فنلندا زرنا المسبح العمومي والمكتبة العامة وكنت اتحدث لهم " كيف نسلك وكيف نتصرف؟" و"ما هي القوانين والضوابط ؟" احاول مساعدتهم للعيش بسلام وتوافق مع المجتمع الفنلندي .
 قبل اسبوع من هذا اللقاء الصحفي كان في "كيركونومي" والتقى حوالي 120 لاجئا في معسكر اللاجئين :
ـ تحدثت لهم عن تجربتي كاجنبي في فنلندا وعن الثقافة الفنلندية. احكي لهم عن تجارب  وتفاصيل بسيطة . كيف  في باص المصلحة والقطار ان الفنلنديين عموما لا يتحدثون بصوت عال، فاذا تحدث او ضحك احد بصوت عال يستغربون من ذلك ونظراتهم لا تعني العنصرية بقدر انهم لم يعتادوا ذلك. نتحدث ايضا عن موقع المراة في المجتمع الفنلندي وكيف ان لها شخصيتها المستقلة ومتساوية بالحقوق والواجبات ولها حريتها التامة في حياتها.
النهاية المفتوحة تعطي مجالا للقاريء للتفكير !
يوسف ابو الفوز يقرأ بحماس ويكتب بحماس ايضا .
ـ  اكتب بأستمرار وحسب زوجتي اكثر من اللازم احيانا .
 الكتب في بيته في كل مكان. ويكتب ملاحظات دائما. دفتر الملاحظات دائما معه. ولا يريد ان يحدثنا عن مشروعه القادم .
ــ لا اريد التحدث عن السمك في النهر ولم يدخل الشبكة بعد !
يؤمن تماما بان الفن والادب يمكن ان يغيرا العالم نحو الافضل . 
ــ يمكن العيش بسلام حين يكون السلام في داخل نفس الانسان. وهذا يتطلب التفكير ومن هنا فان الفن والادب هو المكان المركزي في تفكيره . ان الادب والفن يمكن ان يجعلا الحياة اجمل وافضل. ومع ذلك لا اريد ان اعطي اجوبة جاهزة في اعمالي الادبية ، احاول ان احث القاريء ليمتلك اسئلة في مخيلته وهذه تدعوه للتفكير بنفسه للعثور على الاجوبة ، من هنا اميل لترك النهايات مفتوحة في اعمالي الادبية.

284
المنبر الحر / مَتَاهَةٌ الـ 28 !
« في: 21:48 24/04/2016  »
الكلام المُباح (113)
مَتَاهَةٌ الـ 28 !
يوسف أَبُو  الفوز
في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، لم تهدأ الاصوات في مناقشة ومتابعة أخر التطورات في الازمة السياسية في البلاد. وكان الجميع متفقين على أن تشكيل حكومة كفاءات من ذوي النزاهة والاخلاص لقضية الوطن وللديمقراطية، ما هي الا خطوة اولى على طريق الاصلاح الشامل المطلوب. وكنت وجَلِيل نتداول أخر معلوماتنا حول قضية التحرك الجاري في الايام الأخيرة في الكونغرس الامريكي لاجل اصدار قانون يسمح بالملاحقة القضائية للمملكة العربية السعودية واتهامها بالتورط في الهجمات الارهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الامريكية، في 11 ايلول 2001، في منهاتن ومقر وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون)، حيث سقط نيجة هذه الاحداث 2973 ضحية و24 مفقودا، اضافة لالاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.
 هذا الامر الذي دعا مسؤولين في العربية السعودية  ــ كما تشير التقارير الصحفية ــ الى التلويح ببيع ما قيمته 750 مليار دولار من الاصول والاستثمارات السعودية في امريكا. وعزز توقعات المراقبين ببدء مرحلة جديدة من العلاقة بين الدولتين، تكون لغة الابتزاز هي السائدة فيها، ما تضمنه التقرير السنوي للخارجية الامريكية من أتهامات للحكومة السعودية بخرق قوانين حقوق الانسان على عدة مستويات!
كان جَلِيل يبين ما يؤكده هذا ان سياسات الدول تمليها مصالحها الستراتيجية وخططها للمدى البعيد فلا يوجد عندها حليف صديق ثابت. وكنت مهتما بما ذكرته وسائل الاعلام من ان اساس هذه الازمة، هو 28  صفحة سرية تم حجبها من تقرير اللجنة الخاصة بأحداث 11 ايلول، واطلع عليها الكونغرس مؤخرا، وتضمنت هذه الصفحات معلومات كافية عن تورط جهات في الحكومة السعودية بما في ذلك افراد من الاسرة الحاكمة.
كانت سُكينة تجلس قريبة منا، فقالت: ان صحت كل هذه التقارير، وحتى بعضها، فأن هذا الخلاف او العداء بين البلدين ، بعد تحالف استراتيجي لحوالي ثمانية عقود، مكن العربية السعودية من ان تكون لاعبا مهما في احداث المنطقة، سواء في سوريا او اليمن او العراق، سيدخل المملكة في متاهة دفع التعويضات لذوي الضحايا، والتي ستكون باهضة بالنسبة الى ميزانيتها ووضعها الاقتصادي والسياسي، ناهيكم عن الاضرار الاخرى. 
وسعل أَبُو سُكينة، ففهممنا انه كان يتابع احاديثنا فقال مباشرة لابنته: متاهة؟ تقولين متاهة؟ أي متاهة مع دولة نفطية غنية، يمكنها ببساطة ان تستجيب لسياسة الابتزاز وتفعل كل المطلوب منها لاجل ان تبقى داخل اللعبة ويحافظ الحاكمون على عروشهم؟ ان المتاهة الحقيقية يا أبنتي هي هنا، عندنا في بلادنا المنكوبة بداعش وماعش، حيث تجدين الفاسدين يحاولون حتى تزعم حركة الاصلاح لتسويفها وافراغها من محتواها. هنا المتاهة المرعبة حيث توجد في كل وزارة وكل مؤسسة يوجد  28 الف صفحة مفقودة لا يعرف بها الشعب !


285
تركيا وفنلندا وورقة اللاجئين في لعبة السياسة !

هلسنكي                           
كتابة وتصوير : يوسف أبو الفوز

ما ان صرنا وسط العاصمة هلسنكي، حتى كشف لنا التواجد الامني الكثيف لرجال القوات الخاصة الفنلندية، مكان اقامة رئيس الوزراء التركي، أحمد دواد أوغلو، الذي وصل العاصمة الفنلندية، في زيارة  لبحث العلاقات بين البلدين، كما اعلن عن ذلك، واحد اهداف الزيارة،  كان متابعة الاتفاق بين تركيا والاتحاد الاوربي حول ازمة اللاجئين، فالعلاقات الفنلندية التركية متميزة، اذ دعمت فنلندا قبول تركيا كعضو مرشح في الاتحاد الاوربي، ومن هنا يرى المراقبون اختيار فنلندا لهذه المهمة ، في اول زيارة لمسؤول تركي رفيع المستوى بعد توقيع اتفاق " واحد مقابل واحد " مع الاتحاد الاوربي حول معالجة ازمة اللاجئين التي اجتاحت اوربا.
تركيا تبتز أوربا
ويبدو ان مهمة فنلندا ودول الاتحاد الاوربي، في متابعة ملف اللاجئين، لن تكون سهلة، فالحكومة التركية، اجادت اللعبة تماما في ابتزاز اوربا بعد الاحداث الارهابية في باريس وبروكسل، ودفعت الاتحاد الاوربي لتوقيع اتفاقية معها، والتي تقضي باعادة جميع اللاجئين الجدد، خصوصا من سوريا، الذين يصلون اوربا بطرق غير شرعية عبر تركيا والجزر اليونانية. وفي مقابل كل لاجيء سوري يعاد من الجزر اليونانية سيتم استقبال لاجيء سوري اخر من تركيا في دول الاتحاد الاوربي، خصوصا الذين لم يحاولوا السفر بطرق غير شرعية.
وحدد الاتحاد الاوربي سقفا برقم 72 الف لاجئ، ومقابل موافقة تركيا على هذا الاتفاق، فسيتم التسريع بأعفاء مواطني تركيا من تاشيرات الدخول الى اوربا، وتحصل تركيا على مساعدات مالية تتجاوز الثلاث مليارات يور ويمكن زيادتها حتى نهاية 2018 .
أنضمام تركيا الى اوربا
 والاهم من هذا كله بالنسبة للجانب التركي هو فتح ملف انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي الذي يلاقي  معارضة وعرقلة من قبل قبرص وبعض دول الاتحاد تبعا لواقع ملف حقوق الانسان في تركيا الذي لم تتوقف منظمات حقوق الانسان الاوربية والعالمية من فتحه في كل مرة يجري الحديث بها عن هذا الامر.  وقد اشار رئيس الوزراء الفنلندي ، يوها سيبلا ، في كلمته خلال استقبال رئيس الوزراء التركي بان فنلندا  دعمت انضمام تركيا للاتحاد الاوربي وان الانضمام لا يمكن ان يتم الا بعد تلبية تركيا لمعايير العضوية ودعاها لاحترام مباديء الديمقراطية والقانون وضمان حرية التعبير.
 رئيس الوزراء التركي، من جانبه اعلن ان بلاده بدأت بتطبيق الاتفاقية بخصوص اللاجئين، وان اعداد اللاجئين غير النظاميين المتدفقين الى اوربا بدأ بالأنخفاض بشكل كبير.
غض النظر عن المهربين
 مما يثير الانتباه بشكل مباشر الى اصابع تركيا في غض النظر عن نشاط المهربين،الذين عملوا بهمة واغرقوا اوربا بموجة اللاجئين الاخيرة التي اربكت حكومات الدول الاوربية ومنها فنلندا. وادانت منظمات حقوق الانسان هذا الاتفاق ، وبينت ان الحكومة التركية ، ولتبدو كأنها حامية الحدود الاوربية، اغلقت الحدود مع سوريا امام تدفق اللاجئين السوريين  لتضعهم في وضع مأسوي اسوأ، وشنت حملة امنية واسعة اعتقلت فيها مئات من ركاب "قوارب الموت".  ان الاتفاق بالنسبة لاوربا ، يأتي ضمن استراتيجية لما بعد أمكانية انهاء الحرب في سوريا التي تلوح لها بعض البوادر في الافق، فعندها ان اعادة الاف اللاجئين السوريين الى بلادهم تكون اسهل. الحكومة التركية تدرك هذا الامر جيدا، فتتاجر من دون مواربة بملف اللاجئين السوريين، وعموم القضية السورية لاجل مصالحها، خصوصا بعد مؤشرات الاتفاق الامريكي الروسي لحل الازمة السورية، مما دعاها للتلويح بورقة اللاجئين. وبسبب  حاجة اوربا لتركيا في تنفيذ هذا الاتفاق، فأن الحكومة التركية من جانبها تأمل ان دول الاتحاد الاوربي تغض النظر عن ملفات حقوق الانسان وتقف الى جانبها في التوتر الحاصل بينها وبين روسيا .
وشهدت فنلندا ، ولاول مرة في تأريخها تدفقا للاجئين بهذه الكثافة، حيث بلغ عددهم اكثر من 32 الف لاجيء لعام 2015 ، مقابل ثلاثة الف وخمسمئة لاجيء خلال عام 2014 . واذ تعاني فنلندا من ازمة اقتصادية وسياسية ، فأن حكومة اليمين الحاكم ، والتي تتبع سياسة تقشفية، ترى في اتفاقية الاتحاد الاوربي مع تركيا عاملا مساعدا لها في التخفيف عن الضغوط على ميزانية الدولة التي تأن تحت ازمات متتالية، خصوصا وان قوى الحراك الاجتماعي الفنلندي بدأت بالتحرك، وسلسلة من الاضرابات تتواصل،وتشكل عامل ضغط حقيقي عليها . وهنا تجد تركيا نفسها الرابح الكبير كما تعتقد، فالدول الاوربية بحاجة لها، ويمكنها ان تساوم على ملف اللاجئين لاجل تحقيقي غايتها في نيل عضوية الاتحاد الاوربي .
في الفندق ، وسط العاصمة الفنلندية ، هلسنكي، الذي اقام فيه رئيس الوزراء التركي ، والذي شهد تواجدا امنيا غير معتادا، احتشد نشطاء حقوق الانسان ومنظمات معارضة تركية، رافعين شعارات تدين سياسة الحكومة التركية، وتورطها في الملف السوري وقوى الارهاب ، وكانت صرخات " اردوغان قاتل " تتردد مدوية من قبل المتظاهرين، لكن الذي لفت الانتباه، ان عدد من المارة الفنلنديين، وهم في طريقهم الى اعمالهم ،تضامن مع المتظاهرين وردد شعاراتهم . فهل ستسجيب اوربا لضغوط الحكومة التركية حيث لا تزال ملفات حقوق الانسان فيها تثير المواطن الاوربي قبل التركي؟
طريق الشعب العدد 166 ايوم الثلاثاء 12 نيسان 2016
 


 

286
الكلام المُباح (112)
وَثائِقُ بَنَما العِراقِيَّةُ!
يوسف أَبُو الفوز
تواصلت الضحكات عالية، بعد نهاية تقرير تلفزيوني عن فضيحة ما سمي بـ"وثائق بنما"، اذ قالت زوجتي : اعتقد بالنسبة للفاسدين في العراق، يمكن نحتاج قناة بنما نفسها لطمر وثائق فسادهم وفضائحهم.
وبشكل مباغت التفت صديقي الصدوق أَبُوسُكينة، الى أبي جَلِيل وسأله بجدية:
ــ  بروح موتاك، من فلوس التقاعد مالتك، ما ضام لك هناك مليون لو مليونين دولار بدون ضرايب؟ يعني اكو احتمال اسمك يكون موجود بالقوائم التي ما انكشفت بعد؟
تركت الجميع منشغلين مع أَبُوسُكينة وقفشاته مع أَبُو جَلِيل، وانشغلت مع جَلِيل في تبادل الافكار حول تطورات الامور في البلاد. كنا متفقين على ان الانتصارت العسكرية الميدانية التي تحققت ضد قوى الارهاب، ستساهم برفع معنويات الناس، ولكن عموم الاوضاع لا تزال صعبة،خصوصا مع البطء في تنفيذ عملية الاصلاح التي تواصل حركة الاحتجاج السلمي المطالبة بأنجازها. اتفقنا بأن هذا البطء يمكن ان ينعكس سلبا على مجمل الاوضاع، فالكتل السياسية ذات النفوذ، صار مفهوما بشكل جيد انها لا تريد التنازل عن مكاسبها، بل وتحاول الالتفاف، بطرق مختلفة، لاجل عرقلة اي عملية اصلاح حقيقي.
سُكينة الجالسة قريبا منا، قالت بصوت عال، سمعه الجميع: تابعت كل حديثكما، واود ان اضيف ان هناك قوى عديدة داخلية واقليمية متحفظة وغير راغبة بالاصلاح، الا ترون أنها ــ شاءت أم أَبت ــ تتفق في موقفها هذا مع موقف اعداء العملية السياسية في البلاد، واقصد موقف الاطراف التي انخرطت في اعمال اجرامية ضد أبناء شعبنا العراقي؟
لم يعلق احد منا بشيء، فما قالته سُكينة اصبح حقيقة يمكن تلمسها كل يوم، فالاصلاح اذا طبق بالشكل الذي ترغب به الجماهير، بمساندة القوى الوطنية المخلصة والمدنية، فهذا سيشكل ضربة موجعة لمصالح وطموحات الكثيرين، افرادا وجماعات، داخل العملية السياسية وخارجها.
 عندها التفتنا كلنا صوب أَبُوسُكينة الذي سعل منبها لرغبته بالكلام : وهل تعتقدون ان الفاسدين في بلادنا يرغبون بالاصلاح حقا ويتركون كل هذه الفرص للنهب والانتفاع على حساب الشعب؟ أن حراميتنا لا يحتاجون الذهاب الى بنما لاخفاء ما ينهبونه منا، انهم اصلف واوقح حرامية فاسدين بالعالم، يقتلون الميت ويمشون بجنازته، يسرقون وينهبون وعينك عينك يظهرون على شاشات التلفزيون يطالبون بالاصلاح، ... على مقاساتهم طبعا !


287
ندوة الاثنين في هلسنكي حول الاتفاق بين الاتحاد الاوربي وتركيا حول أزمة اللاجئين


تصوير يارمو سالمينين
في وسط العاصمة ،هلسنكي، في مساء يوم الاثنين 4 نيسان، توافد متابعي نشاطات "ندوة الاثنين"، التي تعقد دوريا بأدارة الاقتصادي أريو هاكنين، الرئيس السابق للحزب الشيوعي الفنلندي،الى احد مقاهي العاصمة، لمناقشة الاتفاق بين تركيا والاتحاد الاوربي لحل ازمة اللاجئين. افتتح الندوة  الاستاذ أريو هاكنين مرحبا بالضيوف الذين اكتظ بهم المكان، وبينهم العديد من الناشطين السياسين وطلبة الجامعات والاساتذة، وعرف بالمساهمين في اعمال الندوة، ومنهم الكاتب العراقي يوسف الفوز وهنأه بأسم الندوة وروادها، بعيد ميلاده الستين، وحصوله على جائزة الابداع لعام 2015 من منظمة الكتاب والفنانين الفنلندية (كيلا)، وتحدث الكاتب أبو الفوز، عن حلم الانسان بالحياة بسلام ورفاهية بدون حروب وأزمات واضطهاد سياسي او ديني، وقرأ جزءا من قصة له باللغة العربية، وصاحبته بقراءة النص باللغة الفنلندية الفنانة الموسيقية "هيلكا لابيلا" .ثم بدأت وقائع الندوة ، حيث تحدثت السيدة "كايسا فاكيبارتا"، مسؤولة العلاقات في مجلس اللاجئين الفنلندي، عن أليات الاتفاق ، ونتائجها المتوقعة، والظروف المحيطة بذلك . السيدة أمينة تيكن ، الناشطة التركية في مجال حقوق الانسان، ادانت ممارسات الحكومة التركية ، التي تنتهك حقوق الانسان باستمرار، وقدمت عرضا مفصلا للوقائع السيئة لحياة اللاجئين في تركيا، وادانت اعادة اللاجئين الى واقع متردي في الرعاية والخدمات والامن .
الكاتب ابو الفوز، الذي يعمل ايضا كباحث في جامعة تامبيرا الفنلندية، اثار في مساهمته اشكالية ان تعقد دولا تؤمن بالديمقراطية اتفاقا مع حكومة تدعي الديمقراطية ، اذ اثبتت حكومة اروغان عجزها في حل مشاكل الداخلية، فالقضية الكردية طيلة سنوات حكم ارودغان الطويلة لم تجد لها متنفسا للحل بشكل سلمي، ومن جانب اخر يفتضح يوما بعد اخر دور الحكومة التركية الحالية في الدعم المباشر لعصابات "داعش" الارهابية، اضافة الى التورط في الازمة السورية والتدخل في شؤون عموم الدول المجاورة ومنها العراق . ووصف الكاتب ابو الفوز الاتفاق بأنه هروب الى الامام بالنسبة للاتحاد الاوربي فالاتفاق يرسل اللاجئين ثانية الى الموت، وبين ان مؤسسات الاتحاد الاوربي اذا تبحث عن حل لازمة اللاجئين فعليها ان تعمل وتساعد على احلال السلام في المنطقة والقضاء على العصابات الارهابية التكفيرية، ومساعدة شعوب المنطقة على بناء دولة مدنية حرة، وتحسين مستوى الحياة وعندها سوف لن يخاطر احد بحياته لاجل اللجوء بل وسيعود الكثير من اللاجئين والمغتربين في اوربا الى بلدانهم طوعا. وتناول بالتفصيل اسباب الهجرة من العراق وأشار ان البلاد صارت مرتعا للفساد ونشاط المليشيات التي غيبت دور الدولة، واثبتت حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية المتتالية منذ التغيير عام 2003 عجزها في ادارة البلاد ، وتوفير عموم الخدمات للمواطنين، مع ارتفاع نسبة االفقر والبطالة وغياب الامن ، مما كان سببا رئيسا لاندلاع الاحتجاجات الجماهيرة التي تتسع يوما بعد وتطالب بالاصلاح والتغيير، واشاد بصبر وطول نفس المتظاهرين الذين لم يفارقوا ساحات الاحتجاج لاكثر من ثمان شهور، وبين ان هناك فئة من الشباب العراقي، هم الجسم الاساس لموجة الهجرة الاخيرة الى اوربا ، الذين فقدوا الامل في استمرار حياتهم في العراق ، وتبعا لمستوى وعيهم وقدراتهم وظروفهم الخاصة ، فضلوا الهجرة ، كأسهل حل ، وبما يمكن تسميته حالة "الاحتجاج السلبي" ضد عموم الاوضاع في البلاد.
وشهدت القاعة العديد من المداخلات والاسئلة، والسجالات من قبل الحاضرين، التي اغنت موضوع الندوة ، الامر الذي عبر عنه السيد هاكنين، بكون الندوة تميزت بالحيوية وتعدد الاصوات والافكار، وبهذا تكون حققت احد اهدافها .
 

288
مُنشأ الجسر الثقافي !


يوسف أبو الفوز : الجناح الاول في فنلندا والجناح الآخر في العراق!
حوار : ماركو كورفولا (سكرتير التحرير)
تصوير : فيكو كويفوسالو
ترجمة : صنوبر قادر
المصدر : صحيفة Tiedonantaja العدد 13 في 1.4.2016 (اسبوعية الحزب الشيوعي الفنلندي ).

" لا تتغافل ، انت تتذكر كل شيء جيدا ، تتذكر كل شيء وكأنه حدث البارحة، رغم ان شهورا طويلة مرت على ذلك اليوم" .. بهذه الكلمات يبدأ الكاتب والصحافي العراقي يوسف أبو الفوز،  نص قصته القصيرة التي حملت عنوان "طائر الدهشة" . بطاقة الهوية الرسمية تحمل أسم : يوسف هداد . والاسباب لحمله أسمين ستأتي لاحقا في هذا المقال. وهو يقول انه يحب الاسمين معا ! . رحلة يوسف هدّاد مع الهجرة تمتد من أشهر إلى سنوات وعقود، قال انه يتذكر مراحل عديدة من حياته وكأنها حدثت بالامس . وصل يوسف هدّاد الى فنلندا في عام 1995، قبل أكثر من 20 عاما.
البيئة المناسبة لولادة كاتب !
ولد يوسف هدّاد في العراق في عام 1956. لاسرة فقيرة محدودة الدخل، وكان والديه ارتبطا عن علاقة حب نشرا ظلها على الاسرة، التي كانت تقدر الادب والكتب والمناقشات الحيوية. مدينة السماوة، مكان ولادة يوسف هدّاد تقع قريبا من مدينة اوروك، واحدة من اقدم المدن في العالم، تأسست حوالي ست الاف سنة قبل ميلاد المسيح . ويقع قرب السماوة سجن نقرة السلمان السيء الصيت، حيث الحكومات الرجعية في العراق تسجن فيه دائما الشيوعيين واليساريين . وكثيرا ما تظاهر سكان المدينة معارضين نقل السجناء الى هناك. ومن السماوة  انطلقت ثورة الفلاحين عام 1920 ضد الاستعمار الابريطاني للعراق. وفي المدينة العديد من الكتاب والفنانين المعروفين .كل ذلك خلق بيئة ملائمة للكاتب والصحفي للتأثر ولرسم شخصيته المستقبلية :
- كنت محظوظا أيضا بوجود معلمين على مستو عال من المسؤولية، الذين لاحظوا موهبتي وساندوني. في مرحلة الصبا كنت أقرأ كثيرا، في كل مكان تقريبا. ولا تزال زوجتي تشكو من وجود الكتب في  كل زاوية من البيت. يقول هدّاد وهو يضحك.
قصص الناس ..
كان يوسف هدّاد  بعمر 13 عاما، حين كتب اول قصة قصيرة . أكتشف ذلك معلم اللغة العربية وقال : اليوم ولد كتب جديد !
- انتقلت بسرعة إلى عالم الكبار. واضطررت الى التعامل مع أمور أكثر جدية ، هموم يناقشها الكبار عادة . يتذكر هدّاد بداياته .
عمل مبكرا مع اقربائه في صيد السمك وعرف حياة العمال والفقراء والفلاحين في القرى فزاد وعيه من خلال الاحتكاك بهم . فهم واقع الحياة اليومية ، وارتبط الشاب الكاتب مبكرا بمنظمات الطلاب والشباب الديمقراطية اليسارية ، التي ناظلت لاجل الديمقراطية وحقوق الانسان .
- ونحن طلبة ، أيدت منظماتنا الحركات السياسية اليسارية. في البداية كتبت كل أجناس الكتابة: الشعر والمقالات الصحفية والمسرحيات. بعد ذلك انتقلت إلى مدينة البصرة، التي تعد واحدة من أكبر المدن في العراق للدراسة في جامعتها. وعملت مراسلا لصحيفة الحزب الشيوعي العراقي، "طريق الشعب ". كتبت، من بين أمور عديدة، عن حياة الطلاب وحياة النساء الفقراء. بدأت أتعلم  سرد القصص عن حياة الناس. كتابة هذه القصص شكلت أساسا مهما لاختياري كتابة القصة كنوع اساس في نشاطي . يقول هدّاد.
ذات الفستان الازرق !
صعود صدام حسين ، ديكتاتور العراق على المدى الطويل ، إلى السلطة بدأت في السبيعينات من القرن الماضي، وكان معروفا بماضيه العدائي  للشيوعية وقوى اليسار، وصار الشاب يوسف هداد، الذي ارتبط من فترة بالحزب الشيوعي من ضحايا سياسة الارهاب السياسي. واعطى مثالا عن ريبة البعثيين وتعاملهم ومضايقتهم مع اليساريين :
ـ في احد حفلات التعارف الطلابية في الجامعة، جاءت الحفل فتاة جميلة ، كانت ترتدي فستانا ازرقا . اعجبت بذلك وكتبت نصا شعريا قصيرا. الاصدقاء كانوا يطالبوني مرارا بقراءة النص في نشاطات طلابية ، كانوا يريدون معرفة من هي شخصية ذات الفستان الازرق التي لم اكشف عنها . ويوما قرأت النص في حفل عيد العمال .
اقتيد يوسف هداد للتحقيق من قبل رجال الامن في الكلية :
ــ كان رجال الامن يريدون معرفة ما قصدته في النص، وهل ان اللون الازرق هو رمز للطبقة العاملة ، وان بقية الكلمات هي  رموز وشفرات ثورية ؟ كانت السلطات تخاف وترتاب حتى من الشعر .  يقول هدّاد ذلك ضاحكا.
بداية اللجوء !
ومع ذلك، كان الوضع بعيدا عن الراحة والشعور بالضحك . اضطر يوسف هدّاد  للاختفاء لفترة سنة ونصف، ويتذكر أنه كان وقتا عصيبا لأسرته . كان حكم حزب البعث يطارد القوى اليسارية العراقية بما يشبه سياسة الغستابو في المانيا النازية . وأرسل العديد من رفاق يوسف هد!اد إلى السجن، وبعضهم استشهد. هو نفسه تملص من السلطات بتمويه نفسه واستخدام هويات مزيفة.
- عندما عزز صدام قوته في عام 1979، شعرت بأن الوقت قد حان لمغادرة البلاد. وبما أنني لم يكن لدي جواز سفر، اضطررت الى عبور الصحراء مشيا الى الجانب السعودي، مع البدو الرحل لاصل الى الكويت حيث هناك محطة للحزب الشيوعي العراقي .
اقام مع أخيه الاكبر لفترة في الكويت، وبحث عن عمل لاجل أعالة نفسه، لكن سرعان ما تكشف ان الكويت خطرة جدا : كان لدى صدام الكثير من النفوذ في البلاد !
أنتقل يوسف هداد إلى عدن في اليمن الديمقراطي ، حيث تحكم حكومة يسارية. هناك عمل مدرسا للتأريخ وتابع دراسته أيضا .
مع استمرار تدهور الوضع في العراق ، أمن يوسف هداد بأنه في حاجة إلى الكتابة ، وبرزت الحاجة لولادة اسم مستعار، والذي يسمح للنصوص التي ستنشر ان لا تسبب مشاكلا لما تبقى من العائلة في العراق . هنا ولد اسم : يوسف أبو الفوز !
- في بعض الأحيان، يحدث الخلط بين الاسمين، ولكنها ليست مشكلة ابدا. أنا فخوري بأسم الكاتب، يقول هداد.
سنوات الكفاح المسلح في كردستان
في مطلع سنوات الثمانيانت ، بدأت مرحلة جديدة وصعبة في حياة يوسف هداد . حيث انضم ، الى صفوف قوات الكفاح المسلح لمقاومة نظام صدام حسين، في كردستان العراق . حيث الالاف من الشباب اليساري العراقي، من كل القوميات ، التحقوا بقوات الانصار التي يقودها الحزب الشيوعي العراقي . وبقي يوسف هناك فترة حوالي ثمان سننوات .
- كانت من اهم المراحل في حياتي ، فيها تعلمت الكثير، معنى النضال، وان تكون انسانا وكاتبا. عشنا حياة صعبة في ايام البرد والجوع ننتقل من مكان الى اخر .
وقال إن الظروف الصعبة لم تمنعه من ان يقدم مساهمات ثقافية متنوعة في الشعر والقصة والمسرح .
- الكثير من ألانصار من المتعلمين تعليما عاليا. في قاعدة انصارية مرة ، تبين انه بالإضافة إلى اللغة العربية يتحدث الانصار 11 لغة أخرى. وكان للانصار هواياتهم، مثل الرسم والغناء والمسرح ، وكان لديهم مجلاتهم المكتوبة بخط اليد ، كانت الحياة الثقافية غنية جدا . يتذكر هدّاد.
نقطة التحول جاءت في نهاية الحرب بين العراق وإيران في عام 1988، حيث حول صدام ألته العسكرية الضخمة، كانت القوة العسكرية الرابعة في العالم في القوة ليحارب بها الانصار من الكرد والعرب . استخدم صدام وبدون ضمير الاسلحة الكيماوية المحضور ضد الشعب الكردي.
- لم يكن ممكنا المقاومة . لا يوجد توازن في القوى . الشعب الكردي عانى بشكل كبير لاجل الحرية والديمقراطية . يقول هدّاد.
السجن في إستونيا - الحرية في فنلندا
يوسف هدّاد اضطر على مضض للبحث عن طريق للبحث عن سقف امن في أوروبا. في عام 1993، شق طريقه من خلال روسيا للتوجه الى السويد للالتحاق باخوانه ، لكنه القي القبض عليه في تالين من قبل الشرطة الاستونية . كانت استونيا دولة انفصلت حديثا عن الاتحاد السوفياتي، وكان نظام اللجوء لا يزال قيد الإنشاء. وجد هدّاد نفسه متورطا مع حوالي مئة اخرين من العراقيين، عربا واكرادا، تركوا العراق لاسباب مختلفة ووضعتهم استونيا في السجون العادية مع المجرمين.
أختير هدّاد ممثلا للعراقيين السجناء في أستونيا، وحاول الاستفادة من شبكة علاقاته الواسعة للحصول على المساعدة. دعمت الجاليات العراقية في أوربا قضيتهم، خصوصا الشيوعيين العراقيين في السويد واوربا، خصوصا حين اضرب السجناء العراقييين في استونيا عن الطعام. أكد هداد أنه كان مهما ان السلطات الاستونية والمنظمات الدولية تلفت الى اننا لاجئين حقيقين ولسنا مجرمين او ارهابيين . في نهاية المطاف، منحت فنلندا لكل المجموعة حق الحصول على تصريح إلاقامة لأسباب إنسانية في مطلع عام 1995.
مرة أخرى، بدأ هدّاد مرحلة جديدة في الحياة. ويقول بذلت قصارى جهدي لمعرفة المزيد عن الثقافة واللغة الفنلندية من أجل الاندماج مع المجتمع الفنلندي. حاليا، يعيش هدّاد في مدينة كيرافا (ضواحي العاصمة هلسنكي) ، يقوم بالكثير من العمل التطوعي ضد العنصرية ولصالح التعددية الثقافية.
- أحاول مساعدة المهاجرين على فهم المجتمع الفنلندي. يقول باختصار .
خطورة خلط الدين مع السياسة
اصدرت دار Like في هلسنكي كتاب يوسف ابو الفوز باللغة الفنلندية، من ترجمة ماركو يونتنين عام 2000.  وهي مجموعة قصص قصيرة بعنوان " طائر الدهشة ". حيث ولاول مرة في فنلندا ينشر عمل أدبي خيالي الذي يتعامل مع قضايا اللاجئين، الذين استقروا على وجه التحديد في البلاد، والكتاب من خلال عيون اللاجئين. ومنذ ذلك الحين، نشر يوسف وباللغة العربية  العديد من الكتب التي تدور احداثها في فنلندا، مثل رواية " تحت سماء القطب " 2010 ورواية "كوابيس هلسنكي" 2011 . في رواية تحت سماء القطب " يتحدث الكاتب عن حياة الجيل الثاني من الشباب العراقيين ، ومعاناتهم  حين يجدوا انفسهم بين ثقافتين ، وقد رشح الناشر هذه الرواية لجائزة البوكر العربية. أما رواية " كوابيس هلسنكي " التي ستصدر قريبا باللغة الفنلندية، فموضوعها اكثر قتامة : في اوربا  ينشط  وبطرق سرية وعلنية العديد من الجماعات الاسلامية المتطرفة . كتب هدّاد روايته قبل أن تاسس وتوجد منظمة "داعش" !
هدّاد يعتقد أنه من الممكن ان ينشط الارهابيين في فنلندا ، لذلك هو لا يؤيد بناء مسجد كبير في فنلندا بأموال السعوديين والقطريين : علينا النظر الى التجربة السيئة لدول أخرى مثل بريطانيا العظمى وفرنسا .
- لكل فرد الحق في الاعتقاد واقامة أي ممارسة لشعائره الدينية، ولكن الخلط بين الدين والسياسة هو أمر خطير. أن الدين يستخدم كغطاء واداة لصنع السياسات المتطرفة . أن وجود مثل هذا المسجد سيخلق فرص للمتطرفين لبناء شبكاتهم الخاصة، وهي سوف تكون ليس لاغراض دينية . كما يعتقد هدّاد !
جائزة " كيلا " في الابداع لعام 2015
في العشرين من اذار / مارس، أحتفل اصدقاء يوسف بميلاده الستين، وبداية هذا العام ، منحته منظمة الكتاب والفنانين (كيلا) جائزة الابداع لعام 2015. تحدث بتقدير عال عن الجائزة :
ـ ان اهميتها كوني اول كاتب من اصول مهاجره يحصل عليها في تأريخ الجائزة منذ البدء بمنحها عام 1980.  وفخور بذلك جدا وسأعمل بجد لأكون في مستوى هذا التكريم والتقدير العالي .
حاليا، يعمل هدّاد كباحث في جامعة تامبيري. واهتماماته البحثية في مدينة توركو تتعلق بمنطقة فارساوا حيث يشمل برنامجهم البحثي زيارة مراكز اللجوء والحاصلين على اللجوء .
هدّاد يؤمن ان مهماته بناء الجسور بين الثقافات واقامة مختلف الأنشطة لأجل ذلك . وعلى سبيل المثال ، كان المنظم والمبادر لمشروع "الاسبوع الثقافي الفنلندي" في اربيل عام 2009 بالتنسيق مع وزارة الثقافة في كردستان .  بالنسبة لهدّاد من المهم تقديم أفضل جوانب التجربة الفنلندية . دائما يتسائل : كيف يمكن أن تكون مفيدة هذه التجربة لبلدي العراق ؟
- آمل أن العراقيين سوف يستخدمون الخبرات الفنلندية لتساعدهم في بناء بلد أكثر ديمقراطية ومساواة. أنا فخور أنني أعيش في فنلندا وأني جزء من هذا المجتمع، ولكن في نفس الوقت أنا فخور بجذوري في العراق .
نشاط يوسف هدّاد يذكرنا بقصة " طائر الدهشة "السحري، الذي يطير بجناحين : جناح فنلندي، والآخر عراقي.
الاوضاع الصعبة في العراق
لا يستغرب يوسف أبو الفوز من الاعداد المتزايدة من طالبي اللجوء العراقيين التي وصلت اوربا . فالعراق ليس دولة مدنية. واستخدم الدين من وجهة نظره كعصا لسياسة فرق تسد : حيث يتم تحريك العرب ضد الشيعة والشيعة ضد السنة ، وأيضا تحت ستار الدين يتم تغذية الصراعات داخل هذه المجموعات نفسها .
- ان العراق حاليا هو بلد الفساد على كل المستويات. ان البلاد غنية، ولكن الدولة والشعب فقير. الناس ليس لديهم وظائف ولا مستقبل. وعلى سبيل المثال، ان في بغداد تنشط حوالي ثلاثين مليشيا مسلحة ، فكيف يمكن لك العيش هناك ؟ يصف هدّاد .
وقد تراجعت الحياة في العراق لفترة ما قبل عام 1930، عندما كانت  السلطة بيد الجماعات الدينية والقبائل. فالدولة لم يعد الوثوق بها.
ولكن تحدث مقاومة تقدمية. هدّاد يقول . كيف؟ على سبيل المثال، كل يوم جمعة، ان الآلاف من الشباب والطلبة العراقيين يحتجون ضد الفساد وسياسة المحاصصة الطائفية والاثنية . في كل مرة ان اعداد المشاركين في هذه الاحتجاجات يكبر بألتحاق المزيد من الناس .
هدّاد، يعتقد ان نسبة كبيرة من الشباب العراقي فقدوا كل أمل. وان موجة اللاجئين الى اوربا هو وسيلة للتعبير عن عدم الرضا عن الاوضاع في العراق ، ولكنها احتجاج بشكل سلبي . هدّاد يقول .  غالبا ما اجتمع هدّاد مع الشباب من طالبي اللجوء ، الذين يبحثون عن حياة افضل في اوربا ، والذين وقعوا ضحايا دعاية المهربين حول الوصول الى اوربا .  تبين ذلك من اعداد الشباب العراقيين العائين الى بلدهم طوعا ، لكن هناك قسم اخر يحتاج اللجوء حقا . يقول هدّاد .
دوريات الشوارع  في فنلندا تسمم الديمقراطية !
أن ترجبته الصحفية لسنوات طويلة، جعلت هداد ينتقد الصحافة الفنلندية : لم يتم التعامل مع قضية اللاجئين بشكل جيد. على سبيل المثال، ذكرت سجلات الشرطة الفنلندية وبخصوص حوادث الاغتصاب ان جزءا محدودا منها ينسب للاجانب . لكن هذه الحالات المحدودة هي من سلط الاعلام الفنلندي الضوء عليها بأستمرار !
- إن الجريمة هي جريمة ويستحق الجاني العقوبة الجنائية المناسبة، ولكن  وسائل الإعلام لا تتعامل مع الأمور بطريقة متوازنة. ان هذه الطريقة من المناقشة والتركيز على قضايا محددة تتم لاغراض سياسية  معروفة.
دوريات المتجولة في الشوارع مثل جماعة "جنود أودين" ، في رأيه، هي مثل السم للديمقراطية.
- في العراق كان لدينا جماعات المماثلة، التي ولدت كجماعات غير مسلحة اولا. في نهاية المطاف،  وصلت لمرحلة النزاع والقتال  مع بعضها البعض. ان هذه المجموعات المسلحة في العراق ولدت بنفس طريقة دوريات الشوارع في فنلندا لاهداف قليلة ثم توسعت ، يشير هداد.
هدّاد لا يشعر بالارتياح لاتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا حول موضوع اللاجئين :
- ان الحكومة التركية لا يمكن الوثوق بها. انها حكومة غير ديمقراطية وأنها تتلاعب بالامور لمصالحها الخاصة. انها لا تحاول حل قضية الاكراد في تركيا بشكل ديمقراطي . لجعل الأمور تكون أسوأ في المنطقة فأن تركيا تدعم نشاطات داعش بطرق مختلفة. على سبيل المثال، ان قادة عصابات داعش يتعالجون في المستشفيات التركية.
ويعتقد هدّاد أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يتحمل المسؤولية في مساعدة بلدان مثل سوريا والعراق لان تبني انظمة ديمقراطية حقيقية ومجتمعات مدنية وحرة.
- أن هذا العمل هو بالتأكيد ليس من السهل انجازه بسرعة . كما يؤكد !


289
أدب / بطاقات أنصارية لعيد الحزب
« في: 11:11 03/04/2016  »
بطاقات أنصارية لعيد الحزب

النصير يوسف أبو الفوز


قادمون
كل البروق تمنح القلوب سماءها،
كل الرؤى تمنح العيون القها،
فرصاصنا لا يخطئ الطريق ،
والأنصار قادمون ...
كالدهشة، الشهد، الإصباح، الزلزال، الحريق!
افتحوا ــ أهلنا ــ أذرعكم للعناق ،
سنضع بين أكفكم ،
بنادقنا ، الورد و ... العراق!


5/9/1982       

قرية  " بيتوش "
إنتماء
 
حين داهمتني الوحدة
ــ وأنا أحاذر الوحدة كالعقارب وعيون النساء ــ
حاولت الخلاص .
كانت فوهة الوحدة ، تستعد للإطلاق ،
تموضعت في مفرق شعرك،
فتحت قلبي وصحت ادخل يا عراق !
نيسان 1983
قرية  باراو
مدار

لكل الأشياء مداراتها،
ولكل المدارات ابتداء،
وللشهداء ــ دوما ــ مدار الدهشة والانتماء!

أيلول 1983
شاره زوور
إشراق
الحزب، الوطن، الإنسان، شرف الكلمة.
كثار شموسي أدور في أبراجها.
انهل من ضيائها .
ومن خلف البعد الكالح،
 يلوح لي وجه أمي فأجمع لعمري صباحات من اشراقاتها .

آذار 1984
جبل  " سورين
هاجس كل يوم

للأميرة تعرف من أين تجئ،
لرفاق سلكوا درب البطولة،
لأم اعتادت الصبر ولو كان ردئ ،
لهجس الخطى،
افرش أصابعي ،
قنطرة مترعة برائحة الأغاني ،
لتزهر بالأماني وتضئ !


آذار 1988
مه راني


290

الهجرة والجذور في مهرجان ثقافي في فنلندا

يوسف ابو الفوز : المهاجر واللاجيء لا يقطع تذكرة بأتجاه واحد، اذ يبقى مرتبطا بجذوره وثقافة بلاده وعاداته، وهموم بلده الاول!

تصوير  رانينا كارفينين
في يوم 30 اذار وفي مدينة ايسبو (  ضواحي العاصمة هلسنكي) أقام متحف هيلينا روتافارا ، وبمناسبة انتقاله الى مقره الجديد، مهرجانا ثقافيا ، بمشاركة عدد من الكتاب والفنانين والناشطين الاجتماعيين . حيث استذكر المتحدثين من الكتاب  والصحفيين والسياسيين جهود عالمة النفس والرحالة هيلينا روتافارا (1928-1998)، التي كانت وراء فكرة انشاء المتحف المتخصص في التفاعل بين الثقافات والظواهر ذات الصلة .
 وفي المهرجان قدم عدد من المطربين، من فنلندا وافغانستان اغان فلكلورية واغان الراب الفنلندية، وقدمت فرقة راقصة رقصات من افريقيا وامريكا اللاتينية . وكان هناك مساهمة للكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، حيث رحبت به عريفة الحفل الفنانة "إيرا مولتاهاريو"، وقدمت موجزا عن سيرته الادبية ونشاطاته في فنلندا، وقدمت التهنئة بأسم المهرجان لنيله جائزة منظمة الكتاب والفنانين الفنلندين (كيلا) للابداع لعام 2015 . وتحدث ابو الفوز عن أهمية التفاعل بين الثقافات كأساس للتعايش والسلام بين الشعوب، وتحدث عن الهجرة والهوية، وكون المهاجر واللاجيء" لا يقطع تذكرة بأتجاه واحد، اذ يبقى مرتبطا بجذوره وثقافة بلاده وعاداته، وهموم بلده الاول" ، وقرأ مقتطفا من نص قصصي باللغة العربية، وصاحبته الفنانة "إيرا مولتاهايو " وقرأت نفس النص باللغة الفنلندية . وشهدت اروقة المتحف لقاءات للكاتب ابو الفوز مع ضيوف ورواد المهرجان واحاديث عن الاوضاع السياسية في العراق، وأسباب الهجرة من العراق والنشاطات الارهابية في اوربا وعلاقتها بأنكسار عصابات داعش في سوريا والعراق، هذا وغطت الصحافة الفنلندية المهرجان بشكل واسع .
 


291
هويات متعددة لنشاطات الكاتب يوسف أبو الفوز


الدكتور ماركو يونتنين يقدم مساهمتة في حفل تكريم الكاتب ابو الفوز في هلسنكي اذار 2016
بقلم : الدكتور ماركو يونتونين
 ترجمة : مصطفى شاهباز
تصوير : أحمد زيدان

 

إذا كان الشخص صحفي، كاتب وناشط سياسي في نفس الوقت فستكون له عدة هويات يشتهر بها، كما أنه سيكون معروفاً من قبل جماهير مختلفة في توجهاتها. يوسف أبو الفوز هو بالتأكيد واحد من هذه الشخصيات العامة متعددة المواهب.
 ففي أسبوع واحد يمكن أن يشارك في مؤتمر في أربيل في اقليم كردستان، والاسبوع اللاحق قد يكون مسافراً، لتغطية نشاط أدبي، إلى لندن أو نيويورك أو شيكاغو. وبالاضافة الى نشاطاته الدولية المعروفة على نطاق واسع، لدى يوسف أيضا سمعة محلية كبيرة في فنلندا. يمكن أن نسميه أيضا هذا الجانب من هوية يوسف بأنه "يوسف الفنلندي".
 لقد كان لي شرف معرفة يوسف الفنلندي منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وكشاب مغرم بالأدب العربي والدراسات الاستشراقية وكنت قد اكملت للتو أكبر ترجمة لي من العربية لرواية "الخبز الحافي" للكاتب المغربي "محمد شكري" الكاتب الشعبي المعروف من مدينة طنجة في المغرب. حيث حظيت بفرصة عظيمة للقاء الكاتب عدة مرات في المغرب وأنه من المستحيل أن أوضح في بضع كلمات مدى أهمية ذلك بالنسبة لي في العمل مع المؤلف.
 أدركت أن وراء الكاتب هناك الذات الحقيقية للشخص الذي يكتب، وهنالك أهمية قصوى للمترجم في أن يفهم "القصة وراء القصة". أعني قصة الحياة الفردية للمؤلف التي تشكل بطبيعة الحال الأدبيات التي ينتجها هذا المؤلف. قالت صديقة لي في يوم ما من العام 1999، تعمل الآن كأستاذة للأنثروبولوجيا في فنلندا، أنها سمعت عن مؤلف مثير جداً للاهتمام، وهو يشبه شكري بلغته التصويرية المفصلة والتي تحكي تجارب ومعاناة اللاجئين العراقيين في طريقهم إلى الغرب.
 لقد اثار هذا الأمر اهتمامي على الفور وطلب لقائه. حيث قدم نفسه حينها بأنه يوسف هدّاد، لكن بالنسبة لي والآلاف الأخرين ونسبة لإسمه الأدبي فإنه يوسف أبو الفوز. وكانت تجاربه في الحروب والدمار الذي حصل في العراق أمر مدهش، لكن قصصه القصيرة كانت تربط بين بغداد وهلسنكي وموسكو، ذكريات من الحاضر والماضي لأصدقاء فقدهم وأنواع مختلفة من الأشخاص الذين التقى بهم في فنلندا.
 ومع بدأنا العمل سوية على أول كتبه (طائر الدهشة) (1999) أدركت بأنني لم اشارك في ترجمة أدبية فقط. عند ترجمتي لكتابه علمني يوسف دروس أساسية من تاريخ العراق ومجتمعه، وأخبرني بالآلاف القصص حول حياته الشخصية والاخرين . من هذه الخبرات التي اكتسبتها بدأت العمل بشكل وثيق أكثر حول أسئلة تتعلق بالتاريخ الاجتماعي للعراق وتجارب العراقيين المغتربين.
 شكرا لك يا يوسف على هذه التجربة المذهلة! من خلال عملنا سوية والذي تحول إلى صداقة وثيقة، تعلمت مقدار نشاط يوسف الفنلندي في مختلف قطاعات الحياة الاجتماعية والثقافية في فنلندا. هو يشارك في المناسبات الأدبية، يكتب بصورة مستمرة في الصحافة العراقية حول المجتمع الفنلندي، يشارك في النقاشات حول التعددية الثقافية، حقوق الإنسان والهجرة عدى عشرات النشاطات الأخرى. واحد من أكثر الذكريات السعيدة المشتركة مع يوسف هي زيارتنا خلال سنة 2009 إلى كردستان العراق.
 حيث قام يوسف بنفسه بتنظيم زيارة لتسعة فنانين وكتاب فنلنديين إلى أربيل حيث حللنا ضيوفاً على وزارة الثقافة في اقليم كردستان. الفرصة العظيمة كانت أن يوسف الفنلندي بعلاقاته الواسعة في فنلندا جمع أهم الفنانين الفنلنديين في هذه الزيارة، كما أنه وبفضل يوسف العراقي كانت كل الأبواب مفتوحة في وجوهنا في كردستان من المعاهد العلمية إلى اتحاد الكتاب والوزارات المختلفة.
 باختصار فإن يوسف هدّاد، يوسف أبو الفوز، يوسف العراقي، يوسف الفنلندي ويوسف الكاتب العالمي يشكل جسر حقيقي بين ثقافات ومجتمعات مختلفة. ربما لم يحدث قط في التاريخ المعاصر أن احتجنا إلى مثل هذه الشخصيات كما نحتاجها اليوم!

*   باحث في جامعة تامبيرا الفنلندية، مهتم بشؤون تعدد الثقافات، ترجم عام 2000 للكاتب يوسف ابو الفوز ، مجموعة "طائر الدهشة "، ويعكف حاليا على ترجمة روايته " كوابيس هلسنكي" .

292
الكلام المُباح (111)
 
جِسْرُ الْلاعَوْدَة !
يوسف أَبُو الفوز
في الايام القليلة الماضية لم يثر صديقي الصدوق أَبُو سُكينة من حدث، أكثر من عبور المتظاهرين لجسر الجمهورية بأتجاه المنطقة الخضراء. كان يشعر بالحزن والاسى، كون ضريبة العمر والصحة تبعده عن ان يكون أحد المتظاهرين. كان بين الحين والاخر يطلب من سُكينة اعادة تشغيل المشهد ،المنشور على مواقع الانترنيت، ويلوح بيده ويصرخ : لا والله وتاالله ما راح هدر اللي زرعناه، هاي الشبيبة، هاي الوجوه الطيبة، هي اللي راح تكتب لنا وجه التأريخ من جديد . هل تذكر .. ؟
ويلتفت لاقرب الجالسين اليه، ويروي احداثا ووقائعا ما مرتبطة بمعركة جسر الشهداء:
ــ  ان جسر الشهداء، وقبل احداث وثبة كانون 1948، كان أسمه جسر المأمون أو الجسر العتيق. وبعد ان عبرت الجماهير ومعهم الطلبة الشيوعيين، تتقدمهم نساء باسلات، وسجلوا صفحة مشرقة في التأريخ، ومرغوا وجه الاستعمار والحكومات العميلة بالتراب، تغير أسم الجسر!
كان جَلِيل مثل أَبُو سُكينة تماما، لا يمل من الحديث عن  "الطلاب الشجعان، اصحاب القمصان البيض، الذين اقتحموا السماء"، لكنه حاول ان يفلسف الامور ويحللها قليلا :
ــ ان النظرية الماركسيّة أعتمدت على مقولات اجتماعية، بدأ بها كارل ماركّس بيانه الشيوعي في عام 1848 حين قال "ان تأريخ المجتمعات هو تأريخ صراع طبقات، صراع بين اولئك الذين يملكون وسائل الانتاج، وبالتالي يمتلكون السلطة السياسية والاجتماعية، وبين من لا يملك الا سواعد العمل" .. أن من عبروا الجسر، هم الذين لا يملكون، ولا يمكن لهم التراجع عن اهدافهم التي ناضلوا لاجلها كل هذه السنوات والشهور الطويلة !
رمقني أَبُو سُكينة ، بعين نصف مغمضة، وقال مستفزا :
ـ ها يا كاتبنا .. أشو ساكت .. كل هذه السوالف ما تذكرك بشيء ؟
وكنت بالفعل سارحا مع الكثير من الوقائع المرتبطة بنضالات شعبنا العراقي وتجاربه، لكن حديث جَلِيل بالذات قادني لأتذكر فورا عبور يوليوس قيصر (ولد 100 ق.م  ــ توفي 44 ق.م) في عام 49 ق .م  لنهر روبيكون في شمال ايطاليا ونشوء الحرب الأهلية التي انتصر فيها يوليوس قيصر، رغم تفوق خصومه بمعدل واحد الى ثلاثة. ورغم اختلاف التفاصيل والوقائع التأريخية في هذا الحدث التاريخي عما يحدث في بلادنا الان ، الا ان ما خطر على بالي هو انه بعد الهزيمة المنكرة لنبلاء روما واعضاء مجلس الشيوخ الروماني اصبح تعبير "عبور الروبيكون" في المفهوم السياسي يعني "وصول نقطة اللاعودة".
التفتُ الى أبي سُكينة وقلت له  بحماس :
ــ التأريخ يخبرنا يا صاحبي بأن الفقراء لا يملكون ما يخسرونه في مواجهة طغم الفساد، ومن هنا فأن هذا العبور لن يقود الا لوصول افواج المحتجين الى نقطة اللاعودة ، وان التغيير لابد ان يحصل، فالشعب العراقي يستحق حياة افضل، واعتقد ان جسر الجمهورية





293
غزوة هلسنكي ـ مشهد من رواية
يوسف أبو الفوز

عام 2008  انهيت كتابة رواية ” كوابيس هلسنكي ”، وفي عام 2011 نشرتها ”دار المدى“ وكتب عنها الناقد علاء المفرجي في صحيفة المدى العدد (2372) الاثنين 23 / 1/ 2012 : (والرواية إلى حد ما حاولت أن تكون أمينة لإحدى مهام الادب في استقراء المستقبل ونتائج بروز التشدد والتطرف السياسي والديني في أوربا، فهي تطلق صرخة تحذير من أن أسباب العنف والإرهاب اجتماعية واقتصادية قبل أن تكون دينية، وهي كامنة ويمكن أن تنفجر في أي حين عند توفر الظروف المناسبة، وهكذا فالرواية تحدثت عن أعمال عنف سبق وحصلت في فرنسا وحذرت من احتمال تجددها في أي مكان من أوربا، وحصل ذلك في لندن والنرويج مؤخرا، والرواية أيضا تربط بشكل مباشر الأحداث بما يحصل في العراق، ونشاط المنظمات التكفيرية في التجنيد والتمويل والتدريب والإسناد.) هنا مشهد ورد في الرواية  في الصفحات 228 ـــ 230 :

*****************
اقلب أوراقا وكتبا وملفات انيقة. هذا مكان خرافي لا يخطر على البال لادارة كل ما هو غير قانوني . جداول باستلامات مالية وحوالات . ملف يحمل عنوان  " بيروت 4 " . افتحُ كراسات مطبوعة بشكل انيق واقرأ العنوان "  دورة خاصة في تصنيع المتفجرات خاصة للطائفة المقاتلة الظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله ". واجد خرائط ومخططات. كراس اخر " تجارب حية... مجاهدون في مواجهة التحقيق ... تجارب في الحفاظ على اسرار الجماعة ". فأجد انفاسي تضيق. التهم الحروف غير متفاجأ بما اقرأ من رسائل وخطب ووصايا وخطط  تضمها محتويات تلك الغرفة اللعينة . مطبخ الموت :
ــ يا اخوتي في الايمان ليكن معلوما لكم ان الامة التي تحسن صياغة الموت وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة يهب لها الله عز وجل الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الجنة وما الوهن والضعف الذي اصاب امتنا الا من حبنا وتعلقنا بالحياة وكرهنا للموت فأعدوا انفسكم لعمل عظيم، واحرصوا على الموت الكريم توهب لكم الحياة الخالدة ، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز. بسم الله الرحمن الرحيم" ان الله اشترى من المؤمنين اموالهم وانفسهم " صدق الله العلي العظيم . ومثلما كان لاخوتكم في الايمان صولات مع قوى الكفر، وكان لهم غزواتهم في بلاد الكفر  يجب ان تكون لنا غزوتنا ...
وكاد قلبي ان ينفطر. صرت اسمع صوت دكتور الرياضيات ينبعث من حروف الرسالة او المحاضرة التي تحويها تلك الاوراق المركونة في زاوية الغرفة في مغلف انيق اخفي بمهارة :
ـ انتم تلاحظون يا اخوتي في الايمان ، كيف ان هذه البلدان الصليبية صارت تتضامن فيما بينها في الاساءة الى الاسلام ومقدساتنا الاسلامية . بدأو بالرسوم الكاريكاتيرية والاستهانة بشخصية الرسول الكريم ولا ندري ماذا سيفعلون بعد ذلك . وعلينا ان نكون متهيئين لكل شئ ، ولدينا خططنا الجاهزة للرد في اي وقت . ان  فنلندا ايها الاخوة المجاهدين ليس لديها قوات عسكرية في العراق وموقفها متوازن من القضية الفلسطينية، وفي افغانستان تشارك بقوة رمزية، وهي غير متورطة بشكل كبير في الاعمال العسكرية ضد الامة الاسلامية ولكن السياسة كما شرحنا لكم ليس فيها  ثوابت ، فعلينا ان نكون جاهزين للتعامل والرد في اي لحظة. ومثلما نفذ اخواننا المجاهدون في مانهاتن غزوتهم المباركة الكبرى التي هزت الدنيا يجب ان تكون لنا غزوتنا في هلسنكي عند الضرورة ولهذا الامر نهيئكم وندربكم حتى تكونوا جاهزين للمستقبل ونضرب حين تأتي ساعة الصفر. ونحن من نختارها .
واقلب الخرائط والاوراق فأرى مخططات لمحطات المترو في هلسنكي . مخططات مجمعات التسوق الكبيرة، في شرق هلسنكي وفي غربها وفي مركزها. ارى خارطة لمحطة القطار الرئيسى في هلسنكي وصورها من اكثر من جانب وزاوية وثمة دوائر حمراء وسوداء تنتشر هنا وهناك . ارى صور لمبنى البرلمان ومبنى رئاسة الجمهورية وموانئ السفن ومحطة البريد المركزية ودار الاوبرا. صور متعددة الزوايا لسفارات دول معتمدة في هلسنكي. صور بالالوان والاسود والابيض لاماكن لم تخطر ببالي حتى زيارتها واكتفي برؤيتها في التلفزيون او في المجلات المصورة . خلف كل صورة او معها مرفق تقرير قصير او موسع بالمعلومات عن سنة انشاء البناء والمواد المستخدمة في بنائه وتقدير قوة المقاومة ونوع المتفجرات المناسبة وجداول ساعات العمل الرسمي. وارى البوم صور لاشخاص. اعرف بعضهم .اراهم في الصحف والتلفزيون. سياسيون في البلد ومسؤولون كبار. خلف كل صورة اسم وعنوان ومعلومات . ما هذا ؟ هذا ليس بالعمل المرتجل، وليس من فعل شخص واحد او عدة اشخاص. اتكون التقارير التي تنشرها وسائل الاعلام عن تنظيمات ونشاط الجماعات الارهابية في اوربا تعني هذا ؟ ما الذي يريده هؤلاء المجانين من بلد مسالم صغير مثل فنلندا ، آواهم واحتضنهم مع عوائلهم بعد ان راحت تطاردهم حكومات بلدانهم ؟ لم اعد احتمل . ضاق تنفسي وشعرت كأني اهبط من الحلم في هوة عميقة لا قرار لها.  قفزت من نومي وانا اصرخ فزعا.

294
الكلام المُباح (110)
مَعايير خاصَّة للحُكْم !
يوسف أَبُو  الفوز
في زيارتنا الدورية، لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، ونحن نعيش أجواء يوم المرأة العالمي، راحت سُكينة وبمعيتها زوجتي يقودنّ النقاش حول دور المرأة المتميز في الحراك الجماهيري. مساهمة جَلِيل في النقاش معهنّ، قادت الجميع للحديث عن التطورات في مواقف القوى السياسية من موضوعة التغيير والاصلاح، واتفقوا مع جَلِيل، على انه في الوقت الذي يتصاعد صوت الجماهير الغاضبة مطالبة باصلاح حقيقي وبالتغيير، وتتعمق الازمة التي تواجهها البلاد، حيث ان الاوضاع لم تعد تحتمل الكثير من النقاشات، بل تتطلب الاستجابة السريعة لاستحقاق الاصلاح والتغيير، فأن هناك قوى سياسية لا زالت متمسكة بصياغات مختلفة لنهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي لم يجلب للوطن والشعب سوى الويلات والمحن.
 كرر جَلِيل القول انه لا ينفع اي اجراء ترقيعي للمناورة، فالبلاد بحاجة لبديل واضح يعتمد المواطنة اساسا  في دولة المؤسسات .
 واذ شاركتُ في النقاش واشرت ُ الى تباين وجهات النظر على الساحة السياسية في فهم الحاجة لحكومة تكنوقراط ، التي تتصاعد بين الحين والاخر المطالبة  بها من قبل بعض القوى السياسة، فقال جَلِيل ان بعض القوى السياسية تشغل نفسها ومعها المواطنين في النقاش حول مفهوم التكنوقراط، بينما المطلوب التحرك السريع وتكليف من يتسمون بالكفاءة والمهنية والنزاهة ومعروف بالاخلاص لمفاهيم الديمقراطية ومنها الالتزام بالدستور واحترام المؤسسات الدستورية بحيث لا يكون العمل الحكومي حكرا لحزب او كتلة دون باقي ابناء الشعب .
ضحك أَبُو جَلِيل ورفع صوته حتى يسمعه الاخرين : بوية شبيكم ، شاغلين انفسكم بهذولة الناس،  هذوله صاروا مكشوفين ... عمي أكو ناس ما تريد التغيير والاصلاح ، لان ما تريد تعوف فرصة النهب والسلب ... سوالفكم ما تمشي عندهم، شنو كفاءة .. شنو نزاهة ... شنو تنك قراط  .. شنو تنك لوجيا ، شوف شلون المناصب عندهم تتوزع على ابن الاخت وابن الخالة وزوج  بنت العم وابن العشيرة ، وزوج البنت النسيب والحسيب ، ناس تعلمت على .... !
طيلة الوقت كان أَبُو سُكينة ، يتسمع، وسعل فجأة ،فكانت مقاطعته لحديث أبي جَلِيل : يعني  يا صاحبي قصدك تريدنا نترحم على  روح خروشوف ؟!
وقص أَبُو سُكينة علينا حكاية تنسب للزعيم السوفياتي نيكيتا خروشوف (1894 ــ 1971) ، والذي تولى زعامة الحزب الشيوعي السوفياتي للفترة (1953 ــ 1964) ، وتروى عنه وتنسب اليه العديد من المواقف الطريفة، حيث عرف بتعليقاته اللاذعة وتصرفاته المخالفة للضوابط البدلوماسية، ومنها انه حين زار المملكة المتحدة، وراح مسؤول قسم التشريفات يقدم له الشخصيات السياسية والفاعلة في الدولة. وعندما جاء دور زوج الملكة قدمه باختصار بأنه : زوج الملكة ! فسأل خروشوف : وماهي وظيفته في الدولة ؟ فجاء الجواب بأنه زوج الملكة. وكرر خروشوف السؤال : وماذا يعمل؟ وتكرر الجواب بأنه زوج الملكة. فتملل خروشوف واستيقظت فيه روح راعي الغنم، وهي مهنته الاولى، فقال متبرما : أعرف وظيفته في الليل، لكني ما هي وظيفته في النهار؟




295
لقاء مع الكاتب يوسف ابو الفوز في صحيفة فنلندية
لقاء صحفي مع جريدة (keski-uusimaa) نشر بتأريخ 6 اذار 2016
اجرته المحررة   Marianna Simo وتصوير Anton Soinne
مقهى في مدينة كيرافا . اربعة اشخاص يجلسون الى طاولة. اربعة نساء واطفال . صحون واكواب والاطفال يثيرون الضجة. زبون يتابع الامهات واخر يتسمع للكلام. على طاولة مجاورة يجلس الكاتب يوسف أبو الفوز يبعد فتات  "كيكة" من امامه وثم يرسم صورة قنفذ على الورق .
ـ  بعضنا ينسى اننا بحاجة لأن نعيش مع بعض ويركز فقط على الاختلافات ! يوسف يقول .
ولد يوسف ابو الفوز في العراق (1956) في سنوات بدء الحرب الباردة والان يعيش في كيرافا في اجواء البرد .
ـ مدينة كيرافا تناسبني، حجم المدينة وناسها الذين يبادلوني التحية حتى دون ان اعرف اسمائهم .
يوسف وصل الى فنلندا عام 1995 من استونيا كلاجيء،  ضمن الحصة الدولية لمفوضية اللاجئين . بقي في المستشفى لفترة ثم انتقل الى كيرافا :
ـ  شاركت في اضراب عن الطعام احتجاجا على سجني في استونيا ! سجنا في استونيا ، حوالي مئة عراقي ، كنا في طريقنا الى السويد وفنلندا لغرض طلب اللجوء .
في عام 2006 قرأ يوسف تقريرا افاد بوجود 800 شخصا اعضاء في الخلايا النائمة للجمعيات التكفيرية في اوربا . وبدأ يسأل : كم حصة فنلندا من ذلك ؟.
ــ بدأت البحث في الموضوع واكتشفت ان التكفيرين موجودين ونشطين في فنلندا !
التقى يوسف بشاب في هلسنكي اخبره بأنه مستعد للمشاركة في الحرب المقدسة (الجهاد) ، ضمن يوسف ذلك في  روايته " كوابيس هلسنكي" الذي كتبه في عام 2008 وصدر 2011 عن نشاط وحياة التكفيرين في فنلندا. احد شخوص الرواية يعيش في كيرافا .
ــ كتبت عن " داعش " قبل ان تتأسس !
ويضيف :
 وقد أكون اول كاتب اجنبي كتب عن كيرافا . ساجعل كيرافا معروفة ومشهورة ! انا كيرافي وافخر اني من العراق . يقول مازحا وثم يعود الى جديته في الحديث .
ــ المهاجرون الاجانب جزء مهم من حياة المجتمع الفنلندي، ولكن لدينا في فنلندا من يحاول نسيان وتجاهل هذا الواقع .
يسحب صورة القنفذ : انظري الى الاشواك ، يبرزها القنفذ حين يهاجم، وكذلك الانسان يبرز اسوأ ما عنده عندما تهاجمه الكراهية! هناك كراهية تفرزها الجماعات العنصرية وهناك توتر بين الافراد.
يتجول يوسف في شوارع كيرافا حاملا دفتر ملاحظاته. في العراق اختفت النساء من الشوارع ، لكن "جمعيات الحراسة " ملأوا شوارع فنلندا !
يوسف يقول : ان تسجيل "جنود أودين" كجمعية مجتمع مدني  لعبة خطيرة لان نمو الكراهية والعنف سيكون له تاثيرا خطيرا وسلبيا على الافراد والمجتمع،  وبالضبط مثلما حصل في العراق مع ظهور المليشيات قد يحدث في فنلندا .
ويشدد يوسف على موضوع خطر الكراهية :
ــ ان بعض الجماعات السياسية يتحدث كثيرا عن مشاكل الاجانب حتى يشغل الناس ولا يتحدثون عن ارتفاع الضرائب وتقليص الاجور والعطل، بالضبط  يذكرنا ذلك  بسياسة نظام صدام حسين .
مؤخرا حصل يوسف على جائزة الابداع  لعام 2015 لجمعية الكتاب والفنانين الفنلنديين (كيلا) لكتاباته الادبية واعماله عن الهجرة  واللجوء.
يوسف يقول بشكل واضح : يجب ان نعطي الفرصة للمهاجرين واللاجئين لبناء انفسهم  وتطويرها، نعطيهم فرص للعمل والاشتراك في الحياة  بشكل سريع ويجب ان نقلل من الشروط فهناك كثير من الاعمال لا تحتاج لاتقان اللغة الفنلندية .
يوسف دائما مشغول بالاطلاع والبحث والتعلم. الان مشغول بالبحث لصالح جامعة تامبيرا في دراسة العلاقات في اجواء التعدد الثقافي والاثني في منطقة فارساوا في مدينة توركو . 
ـ هناك طلب كبير على المعلومات والبحوث في هذا الجانب ، وللاسف ان الصحافة الصفراء ترسم صورة سلبية للواقع الموجود وللاجئين الجدد .
ويقول : ان الرجال الذين مارسوا التحرش الجنسي لا يعكسون كل الصورة للمهاجرين واللاجئين مثلما ان الفنلندي الذي قتل زوجته وقطعها بالسكين لا يمثل عندي الشعب الفنلندي !
يوسف عربي وزوجته كردية، والعرب والاكراد والشيعة والسنة في العراق  واجهوا اختلافات وحتى حرب . يقول يوسف انه في السبعينات في القرن الماضي لم يكن مهما معرفة لأي طائفة او قومية ينتمي الانسان ، مثلما  اي مواطن يعيش الان في كيرافا.
ــ  مع زوجتي (شادمان) ، لم يشغلنا هذا الامر يوما .
زوجته (شادمان) تدرس الان في الجامعة كمترجمة ، وسبق ودرست وعملت عشر سنوات في التمريض . بعض المرات كانت شادمان تبقى طول النهار في المستشفى، لانها تأخذ مناوبة زميلة لها لم تستطع الحضور بسبب ان ابنها مريض مثلا  .
ـ ماذا يحدث لو ضغطنا زرا سحريا واختفى كل الاجانب من المهاجرين من  فنلندا؟ ستتوقف الحياة. ستتوقف الباصات وسنكون بدون اطباء وممرضات .
يوسف يأخذ معه دفتر الملاحظات حتى الى الساونا :
ـ العقل البشري افضل كومبيوتر والافكار يمكن ان تاتيك في اي مكان .
يوسف نشر افكاره في كل مكان، في العراق وفي فنلندا . زار المدارس في كيرافا وحدث الطلبة :
ــ  يمكن ان نتعلم الكثير من التأريخ . احدث العراقيين والطلبة عن التجربة الفنلندية. كيف توحد الشعب ونما وتطور المجتمع . التطور وبناء المجتمع  يتم فقط خلال السلام وان الكراهية تهدم الانسان والمجتمع .
وهذا ما يجب ان نعرفه في فنلندا .

296
بطاقات انصارية للمرأة !
النصير يوسف أبو الفوز
   دعوة الى الرسم
اغمسي أصابعك في غربتي ، وخطي على جلدي تضاريس أحزانك. لا تكترثي بالتفاصيل ، سيتشكل حزنك في مساماتي مدنا أليفة ، ولا تبتئسي أن يعوزك الأحمر،  سأفتح لك بوابات قلبي .
أغمسي أصابعك في شراييني، وارسمي على وجهي صورة للوطن، حاذري فقط عيني لتظلا شاهدتين على المجزرة .
أغمسي أصابعك في جلدي وانهمري مطرا أو حجرا لا يهم، فشاهدة القبر كان يمكن أن تكون مقعد غرام في حديقة .
اغمسي أصابعك في صوتي وارسمي برائحة الأغاني في الرؤى زهرة ،
ليس مهما أن يكون صوتي صالحا للغناء، المهم أن تصل أغنيتي للاخرين .
اغمسي أصابعك في أصابعي ، ولنشتعل باقة هواجس وأمنيات !
1984 جبل  سورين (ريف السليمانية) 
   دعوة الى الرقص
سيدتي ، سيدة النرجس ، سيدة الفرح الآتي .
 هاتي يديك ، وامنحيني العشق يا غسق المرافئ .
نرقص سيدتي ...
غجريان ولدنا مع المساء ، وفي روحينا نمت كل الأماني .
تعالي ...  نرقص سيدتي ،
فالماء هو الماء ،
في الانهار ، وفي الاهوار ، وفي دفء الأغاني !
1986 كه لي ئه سب (ريف دهوك)


297
المنبر الحر / "باس وورد" الأصلاح !
« في: 19:55 29/02/2016  »
الكلام المُباح (109)
"باس وورد" الأصلاح !
يوسف أَبُو  الفوز
رغم أننا كنا نعيش اجواء ذكرى ايام انقلاب شباط الاسود عام 1963 ، وننتظر كالعادة ما يحكيه لنا أَبُو سُكينة و أَبُو جَلِيل ، من ذكريات مرة عن ايام اعتقالهما تلك الايام، الا أننا اعتدنا الى جانب تذكر مآس تلك الايام ودروسها، ان نتحدث عن المستقبل وايامنا الحالية، وهكذا خلال زيارتنا لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، ظل الحديث يدور حول قضايا الفساد المستشري في البلاد، وهل توجد خطوات عملية ضده للخلاص منه في ظل الظروف الداخلية والخارجية الصعبة والبالغة التعقيد حيث أوضاع البلاد مفتوحة على عدة احتمالات .
كانت سُكينة تقول ان مصادر من لجنة النزاهة البرلمانية اعلنت ان هناك 600 دعوة فساد امام القضاء تتنظر حسمها ، بينما اشارت زوجتي الى انها قرأت في الصحف أن مصادر من داخل القضاء الاعلى تقول ان هناك فقط ثلاث قضايا فساد موجودة لديهم يُنتظر حسمها. وكان  جَلِيل  يواصل التأكيد على ان اسباب كل ذلك هو سوء الادارة في محاربة الفساد، وعجز الحكومة الحالية في اتخاذ اجراءات حاسمة لوقف اخطبوط الفساد لمد اذرعه ليواصل نهب المال العام واستنزاف موارد الدولة وتعطيل عملية البناء والاعمار. هذا الواقع الذي اجج الاستياء الشعبي وعزز من عزم قوى الحراك المدني لمواصلة الاحتجاج والمطالبة بعملية اصلاح جذري شاملة.
وكنت مشغولا مع سُوزان ابنة جَلِيل اشرح لها كيف ان موقعي في فيس بوك يتعرض بين الحين والاخر الى فايروسات تظهر على شكل اعلانات او فيديوهات، ورغم اني احذفها الا انها تعاود الظهور مرة اخرى . فشرحت لي سُوزان : ان الامر بسيط جدا. انت بحاجة الى  تغير باسوورد برنامجك وعندها ستقطع الطريق على الفايروسات  ان تتسرب الى موقعك !.
كان أَبُو سُكينة يتسمع لحديثنا، فسعل اشارة لرغبته في الكلام، فوجه كلامه للجميع : صار سنين نكرر بأن أس البلاء في البلاد هو داء المحاصصة الطائفية والاثنية، التي فرخت لنا حكومات فرطت بأستقلال الوطن والثروة الوطنية، وتكاثرت الفايروسات التي تضرب مجتمعنا وتنخره . وارتباطا بكلامك يا أبنتي سُوزان ، يخطر في بالي سؤال .. كيف نستطيع تغيير "باس وورد" الحكومة والبرلمان ، حتى  نخلص من فايروس المحاصصة ونستطيع ان نحقق اصلاح حقيقي في احوال البلاد ؟



298
المنبر الحر / صُورَةٌ صَدَّام !
« في: 19:27 01/02/2016  »
الكلام المُباح (108)
صُورَةٌ صَدَّام !
يوسف أَبُو  الفوز
في زيارتي  الى بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، تساءل جَلِيل عن تطورات ماجرى بيني وبين احد الاصدقاء، الذي زعل مني بسبب مزحة. كنت رويت لجَلِيل عن صديق عزيز عمل سنوات طويلة بأخلاص في موقع مهم في مؤسسات الدولة العراقية، ونجح في البقاء بعيدا عن محاولات شراء ذمته، وبذل جهدا مضاعفا للحفاظ على تأريخه الوطني النزيه. واذ ان صديقنا لا يحب ان يعرض نفسه كبطل، ويحاول دائما تجنب الاضواء، ومن باب الفضول كنت واخرين نحاول وبطرق شتى دفعه للكلام عن ذكرياته في فترة عمله، خصوصا ان له ذاكرة جيدة وأسلوب ممتع في رواية الاحداث.
مؤخرا، وفي لقاء ضم بعض الاصدقاء المقربين، وفي اجواء صداقية خطر لي ان امازحه واسأله ان كان التقط  صورة مع صدام حسين حين زار مؤسستهم؟ لم انجح في دفعه للكلام، لكنه كما يبدو أخذ المزحة على محمل الجد، وابلغني من كان معنا ان صديقنا زعل من المزحة وحملها اكثر من حجمها، فلجأت للاعتذار منه وتبيان دوافع المزحة، التي كما يبدو لم تأت في محلها وتم اساءة فهمها. واثار الامر أنزعاجي كثيرا هو امكانية ان يفكر صديق مثله بأني احاول الاساءة له بطريقة مثل هذه.
أَبُو جَلِيل وهو يستمع لنا بأهتمام ، قال لي : فعلت حسنا بالاعتذار، فليس سهلا خسارة صديق بسبب مزحة، لكن وانت العاقل، الذي نمتدحه دائما، كيف يفوتك ان بعض الناس، الحريصين على تأريخهم، لا يقبلون المس به حتى لو بمزحة من صديق؟
سعل أَبُو سُكينة وقال : على بختك ، شلون تزعل صديقك، وتترك السياسيين من حولك والذين يقودودنا الى الخراب كل يوم، والذين لا يحتاجون لصورة لهم مع المجرم صدام، لان كل واحد منهم صاير نسخة منه. هل نسيت حديثك عن امكانية عودة صورة صدام بشكل اخر؟
أَبُو سُكينة هنا يذكرني بيوم، قبل عدة سنوات، تمت فيه استضافتي في برنامج حواري تلفزيوني مباشر، ودار الحديث عن حرية التعبير، وضمن ما ذكرت هو ان سياسة الحزب الواحد تسعى بطرق مختلفة لالغاء الرأي الاخر، وهذا كان جوهر سياسة البعث الصدامي، وان هذه النهج، وفي ظل  غياب مؤسسات ديمقراطية حقيقية، يمكن ان يعود مرتديا بيرية أو ربطة عنق او عمامة او شروال ! بل ان صورة الديكتاتور   


299
مؤسسة فنلندية اختارت الكاتب والروائي العراقي بالاشتراك مع شاعر فنلندي كمبدعين للعام 2015

أبوالفوز مبدع العام في فنلندا لـ(العالم الجديد): تمنّيت تكريمي داخل العراق

ابو الفوز اثناء التكريم- العالم الجديد
هلسنكي- جمال الخرسان
الأحد 31 كانون الثاني 2016
اختارت مؤسسة الكتّاب والفنانين كيلا "Kiila" الكاتب والروائي العراقي يوسف أبو الفوز بمعية الشاعر الفنلندي تاباني كينونن شخصيتي العام 2015 الابداعيتين. وهي المرة الاولى التي يتم فيها اختيار شخصية ابداعية من اصول اجنبية من قبل هذه المؤسسة التي يعود تأسيسها للعام 1936. لكنها بدأت باختيار شخصيات العام ابتداءً من العام 1980.
 
يوسف أبو الفوز المولود عام 1956 في مدينة السماوة جنوب العراق والذي يقيم في فنلندا منذ العام 1995 اختير من قبل منظمة كيلا للعام الماضي تثمينا لنشاطاته في ورش البحث مع جهات فنلندية مختلفة حول خطط توطين الاجانب. وكذلك تتويجا لمسيرته الابداعية التي امتدت على مدار عدة سنوات، حيث اصدر مجموعة قصصية بعنوان "طائر الدهشة" عام 2002، كما اصدر عام 2010 رواية "تحت سماء القطب" وفي العام 2011 رواية "كوابيس هلسنكي". كما يعمل ابو الفوز حاليا باحثا في جامعة تامبيرا الفنلندية.
 
وقد اقامت المؤسسة يوم أمس السبت، بحضور شخصيات ثقافية وفنية مختلفة حفلا في العاصمة هلسنكي احتفاءً بالفائزين.
 
أبوالفوز مع الشاعر الفنلندي تاباني كينونن (العالم الجديد)
 
المحتفى به أبو الفوز وفي حديث لـ"العالم الجديد"، تحدّث عن مشاعره بعد هذا التكريم قائلا: "سعادتي باستلام الجائزة تأتي من قيمتها التاريخية في الحياة الثقافية الفنلندية، فقد نالتها منذ بدأ تسليمها عام 1980 اسماء بارزة في تاريخ فنلندا والحياة الثقافية الفنلندية".
 
وأضاف أبو الفوز "من هنا اشعر بسعادة ان اسمي وعملي الادبي ونشاطي سيضاف الى هذه القائمة"، منوّها الى أنه "لأول مرة تذهب الجائزة لكاتب من اصول اجنبية، وهذا يضفي على الجائزة اهمية اخرى".
 
وتمنى أن "يكون هذا التكريم من مؤسسات بلدي العراق، لكن يبدو ان النشاط الثقافي يسير باتجاه مغاير لاتجاه سير الدولة واهتمامات مؤسساتها عموما".
 

شعار المؤسسة
 
اما الشخصية الاخرى التي شاركت ابو الفوز الجائزة فهو الشاعر الفنلندي تاباني كينونن المولود في يونسو عام 1962.
 
الاحتفال الذي اقيم في مقهى يرتاده المثقفون في هلسنكي وتقام فيه بعض الجلسات الشعرية تضمّن كلمة ترحيبية من قبل رئيس المنظمة الشاعر "كالي نينكنغس"، ثم تلا نائب الرئيس "فيلا روبنين" بيان وقرار المنظمة بمنح جائزتها السنوية للكاتب يوسف أبو الفوز والشاعر الفنلندي تاباني كينونين، ثم فسح المجال للمحتفى بهما للحديث حول تجربتيهما.

300
المنبر الحر / جُذُور !
« في: 21:08 20/01/2016  »
قصة قصيرة

جُذُور !

القاص والروائي والاعلامي يوسف أبو الفوز، تولد السماوة 1956، غادر العراق لاسباب سياسية عام 1979 الى الكويت واليمن الديمقراطية، وعاد الى الوطن والتحق بقوات الانصار الشيوعيين عام 1982 في كوردستان العراق، وبقي هناك حتى احداث "الانفال" صيف عام 1988، حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى، واعتقل في بلد عربي بدون تهمة، وقضى عاما في السجون الاستونية لعدم أمتلاكه جواز سفر قانوني، ومنذ مطلع 1995 مقيم في فنلندا. خلال مسيرته الادبية أصدر العديد من الكتب القصصية والروائية والادبية، ومتواصل في نشاطه الاعلامي والادبي، وفي عام 2000، في هلسنكي، صدرت مجموعته القصصية "طائر الدهشة"، مترجمة الى اللغة الفنلندية، كما أنه كتب واخرج للتلفزيون الفنلندي افلاما وثائقية عن العراق، اختير فيلمه "عند بقايا الذاكرة" 2006 لتمثيل فنلندا في مهرجان سينمائي في سويسرا ورشحت روايته "تحت سماء القطب" 2010 لجائزة البوكر العربية. وانتخب لاكثر من دورة عضوا في الهيئة الادارية لمنظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين التي تأسست عام 1937. يعمل حاليا بدرجة باحث في جامعة تامبيرا الفنلندية .
القصة من مخطوط "بعيداُ عن البنادق" المعد للنشر ، يجتهد فيه الكاتب لتسليط الضوء على حياة الانصار ما بعد نهاية حركة الكفاح المسلح ، ورصد آمالهم وذكرياتهم وخيباتهم وطموحاتهم !

يوسف أبو الفوز


حين زارتها زينب، في المرة الاخيرة، قادمة من أستكهولم، لامتها على موافقتها السكن في هذه القرية البعيدة:
ـ أذا كان زوجك لا يحب المدن المزدحمة، لم لا تختارون السكن في أحدى الضواحي، أو المدن الصغيرة القريبة من العاصمة، بدل أن تسكنوا في منفى داخل المنفى؟
كانت زينب محقة الى حد ما في كلامها، لكن أتعتقد انها لا تحب ان تلتقي الناس وتحضر بعض النشاطات والفعاليات الاجتماعية والثقافية التي تكثر في ستوكهولم؟ أو انها لا تحب التسكع في أسواق العاصمة الفخمة؟ أتعتقد ان "مجيد" لا يحب لقاء اصحابه واصدقائه وأغلبهم يسكن هناك؟ لقد عاشوا سنينا صعبة في الجبل، بعيدين عن أبسط المستلزمات الحضارية، بحيث حفظ الانصار قصص بعضهم البعض، كادوا أن يصبحوا بدون أسرار لكثرة ما كرروا قصصهم وأحاديثهم. كانت زيارات الأنصار للقرى الكردية ولقاؤهم سكان القرى عيدا بهيجا، فهي الى جانب اشياء عديدة، تمنحهم تفاصيل جديدة تغني حياتهم اليومية، لكن كيف لزينب وغيرها ان تعرف، أن وجودهم في هذه القرية، ضمن لهما فرص عمل لا يمكن الحصول عليها في المدن الكبيرة وسط الازمة الاقتصادية التي تعيشها دول اوربا والعالم؟ نجح مجيد في بناء شبكة علاقات طيبة مع أهل القرية الصغيرة، التي تتفوق على أي مدينة في بلادها لتوفر مختلف الخدمات فيها، وصارت وأياه وجوها معروفة في القرية ونشاطاتها، ولاطفالهم صداقات متميزة، جعلت مجيد يقول لها ذات ليلة:
ـ صرت أخاف هذه الجذور الجديدة .. أن تسرقنا  من جذورنا الاولى!
لا تعتقد ان ذلك يمكن ان يحصل، فروحها تطوف هناك كل يوم، رغم كل تفاصيل حياتها الجديدة. تدرك تماما "أن الحجر في مكانه ثقيل". سمعت ذلك يوما من رجل عجوز في قرية كردية منسية عند خاصرة جبل، ورافقتها هذه الكلمات مثل جرس انذار. كانوا يعتقدون انه بمجرد سقوط الديكتاتور صدام حسين سيحزمون حقائبهم ليعودوا للعيش تحت شمسهم الاولى، لكن الامور كل يوم صارت تتعقد اكثر. ظهرت اشكالات وعوائق لا عد لها. وهاهي اليوم متمسكة بوصايا أمها، تجد نفسها  بسبب سكنها في قرية تواجه أشكالا لا تعرف كيف بدأ عندها ونما، بل وصار مشكلة حاولت ان لا تشرك مجيد فيها، اذ يكفيه هموم ما يحدث في العراق والعمل ومتطلبات الابناء. وفاؤها لأمها، التي رحلت عن الدنيا، وهي بعيدة عنها في الجبل، يجعلها تمارس أحيانا طقوسا، لا تناسب ظاهريا شخصيتها كأمرأة متحررة، عاشت طويلا في أوربا. تدرك أنها من خلال ذلك تحاول استعادة ذكرى طيف أمها وحواراتها العذبة. تتذكر جيدا كيف ثارت أمها حين عرفت بأن تركية بنت عمتهم حسنة نزعت ثيابها السود، ثياب الحزن على أخيها، في بيت أختهم الكبيرة أسماء :
ـ لا يمكن، خلع ثياب الحزن في البيت أبدا، حتى لا يسكن الحزن بيتك يا أبنتي، المطلوب خلع ثياب الحزن في أي جامع، في بيت الله فهو القادر على دفع الحزن بعيدا عن الناس، أو قرب ماء جار، فالماء يطهر من الشر والحزن !
وهاهي من أيام، تفكر حائرة، في مكان مناسب، لتخلع ثوبها الاسود، الذي أرتده حزنا على رحيل قريب لأمها. ذاك الرجل الذي طالما كانت صورته في بالها، نموذجا للفرسان الذين قرأت عنهم في مطلع شبابها، حافظي الاسرار والمدافعين عن المظلومين.  كان رجلا كريما وشهما. ساعدها كثيرا حين راح ضباع رجال الأمن يضيقون الخناق عليها لاسقاطها سياسيا وأجبارها على الانضمام لصفوف حزب البعث. أحب أمها في شبابه وطلب يدها، لكن جدها رفض لبعد النسب العشائري، وأختار أبن أخيه، أبيها، ليكون عريسا لأمها. حين أخبرت مجيد بقرارها أبتسم :
ـ الا تخشين أن تزعل منك اختك أسماء، ترتدين ثياب الحزن على رجل عشق أمك يوما ما؟
وحاولت ان لا تتفلسف كثيرا :
ـ الحقيقة أن حزني ليس عليه مباشرة، وانما على أمي بشكل غير مباشر. لا تنس انه رجل كان يمكن ان يكون أبي لو وافق جدي على الخطبة، وأن أمي كانت ... !
وضحك مجيد :
ـ وما ادراك أنك ستولدين من هذه الزيجة لو حدثت، لربما جاء الابناء كلهم ذكورا؟
واستيقظ فيها عناد الجبل الأنصاري :
ـ ليكن، هو رجل عشق أمي. يعني أن أمي كانت موجودة وبقوة في خياله، في كيانه، وعليه سأرتدي الاسود، ليس لسنة كاملة كما تقتضي العادات، وأنما لأربعين يوما فقط !
لم يعارضها مجيد. منذ تعرفت اليه في كردستان، وهي تشعر به صخرتها التي يمكن أن تستند اليها عند التعب. حين جاءها أحد رفاقها الانصار ليخبرها أنه رسول حب بينه وبينها، ضجت روحها بالفرح، وخفق قلبها مثل مراهقة، وشعرت برجفة تجتاح جسدها، لكنها تماسكت وأظهرت غضبها :
ـ ليأت بنفسه، أيعقل ان يتصرف مثل طالب سنة اولى جامعة؟
ولم يصرفا الكثير من الوقت، ليعلنا خطبتهما. كانت عواطفهما واضحة وصادقة. كان رفاقهما الانصار يتلمسون الوشائج التي صارت تنمو بينهما، الا انه كان يتردد لاسباب عديدة للافصاح عن مكنوناته بشكل مباشر. كانت ليلة عرسهما بهيجة ومتميزة ظلت القاعدة الانصارية تتذكرها طويلا. بذل رفاقها جهدا لتوفير بدلة زفاف من احدى القرى القريبة. الادارة تبرعت بذبح خروف في تلك الليلة. المسؤول العسكري  للقاعدة سمح باطلاقات نارية محدودة تحية للمناسبة، لكن الكثيرين تجاوزوا المقرر مما اغضب بعض القادة. افردوا لهما غرفة طينية في طرف المقر، موقعها يجعلها مرغوبة من كل المتزوجين ، لكن في الشتاء يهرب منها الجميع لرداءة سقفها الذي يأبى الاصلاح ويسرب الماء مهما كان المطر خفيفا. وكان مجيد دائما يخفف من سوء الامور :
ـ كل شيء له حل في هذه الحياة ، إلا الموت !
أتصلت بزينب على الهاتف، وسألتها المشورة :
ـ لا يوجد جامع في قريتنا الصغيرة، ولا يوجد لدي الوقت الكافي للسفر لاقرب مدينة فيها جامع، افكر بأن انزع ثياب الحزن في الكنيسة، ما رأيك ؟
فصاحت بها زينب مرعوبة :
ـ أياك .. أياك . ماذا سيقول عنك الناس لو سمعوا؟ هؤلاء نصارى، كفار!
وكتمت غضبها وهي ترد عليها :
ـ لكن يا زينب، أن  الله واحد ونبيهم أبن الله كما يقول القرآن؟
وكانت زينب، قريبتها، يوما بعد اخر، تبدو لها تتبع وبشكل أعمى افكار زوجها، الذي طالت لحيته خلال سنوات الحصار الاقتصادي البغيضة، وعلت جبينه بقعة دائرية سوداء، وصار يمتعض من ماضيه اليساري، وبعد أحتلال العراق وسقوط الديكتاتور، صارت له أواصر قوية مع رجالات متنفذين في الحكم في بغداد :
ــ أبوعلي يقول، أن الاسلام هو دين الله !
وارادت ان تصرخ بها :
ـ أذ كانوا كفارا، كيف تقبلون المساعدات من الكنيسة؟ الملابس، وأكياس الفاكهة والخبز، وغيرها؟
لكنها، اذ وجدت نفسها متورطة بحديث مع صديقة طفولتها، أحبت ان تواصل الاسئلة :
ـ يا زينب، يا أم علي،اتصل بك لتسهلي لي الامور.  قريب منا بحيرة، أتعتقدينها مكانا مناسبا لذلك؟
وأحتارت زينب مثلها، ووعدت بسؤال أبي علي، وانتهت المكالمة. ولكن حتى لو أفتى أبو علي بجواز ذلك، أتستطيع ان تجازف في ظل هذا البرد الشديد ودرجات الحرارة تحت الصفر؟ كان مجيد يراقبها بعيون حذرة. لم يعلق بشيء، حين اخبرته عن مكالمتها مع زينب. حاولت استفزازه في اليوم التالي :
ـ كون زوجها انتهازي وغير جلده اكثر من مرة، لا يعني ان نقاطع زوجته، حى لو كانت بوقا لزوجها كما تقول، هذا يعني اننا سنفقد علاقاتنا مع كثير من الناس !
وضحك بهدوء تحبه فيه:
ـ كلامك يعني ان الانتهازيين كثروا هذه الايام؟
وشعرت نفسها وقعت في فخ كلامها :
ـ ليس هكذا تماما ولكن ...
تشعر بالالم من التطورات في حياة زينب. حين اتصلت بها من الاردن تبحث وعائلتها عن طريق للوصول الى أوربا بذلت ومجيد جهودا حثيثة لمساعدتهم، وفرحت بوصولها السويد، لكنه اكتشفت ان زينب صارت بعيدة عنها كثيرا. لا توجد لغة مشتركة، وكانت تبذل جهدا مضاعفا للحفاظ على اواصر العلاقة بحدودها الدنيا. لكن ما يعوض لها ويفرحها، ان التحولات في حياة زينب لا يمكن ان تكون مثالا عن كل الناس. حولها يعيش الكثير ممن تشعر بالاعتزاز بأرتباطها بهم، الذين صاروا اجمل وافضل في سلوكهم وافكارهم رغم كل ما واجهوه من مصاعب في حياتهم. وجاءها الحل دون ان تدري من أبنائها. كان أبنها يتجادل بانفعال ويشرح لأخته عن "الساونا"، فقد قرأ شيئا عنها، وكانت أخته تنصت له بأهتمام :
ـ الساونا يعتبر مكان مقدس عند سكان البلاد في شمال اوربا، وخاصة الفنلنديين، ويعتبرونه مكانا طاهرا، ففيه كانوا يغسلون موتاهم، وفيه تتم الولادات، و ...
وكادت ان تصرخ:
ــ  وجدتها ... وجدتها!
تحت رشاش الماء الساخن، في الساونا العامة، للعمارة السكنية ذات الثلاث طوابق، حيث تقيم مع عائلتها في شقة منها، كانت دموعها تسيل رغم ارادتها. لم تستطع كبحها. تحاول ان تستعيد ذكرى أمها التي ودعتها بالدموع يوم قررت الرحيل من العراق، مضطرة، تخلصا من مضايقات ضباع حزب البعث،التي لم تعد تحتمل. عانقتها وراحت تشمها من رقبتها:
ـ كنت دائما اقول بأني أذا رزقت بنات فقط ، فأن رب العالمين يريد ان يقول لي بانهن سيرفعن لي رأسي دائما. اذهبي يا أبنتي ورب العالمين يحفظك ويرعاك، والظالم سينال عقابه يوما ما. تذكريني دوما !
ولم تنس أمها يوما. في غرفتها في معسكرات المقاومة الفلسطينية في بيروت حيث تلقت دورات عسكرية قبل الذهاب الى كردستان، كانت تخفي صورة أمها تحت الوسادة، وتقبلها كل مرة قبل ان تخلد الى النوم. ضاعت منها الصورة في أحداث بشت أشان الغادرة. كانت تفرك جسدها بالليفة والصابون كأنها تحاول ازالة اللون الاسود الذي ظنته التصق بجسدها نيابة عن جسد أمها. لم تر أمها يوما بثياب ملونة. منذ وفاة والدها والحزن يتراكم في بيتهم. ابن عمتهم حسنة توفي بحادث سيارة. ابن جيرانهم الشاب الجامعي الخجول قتل في ظروف غامضة، قيل انه ثارات عشائرية قديمة، وقيل أن جهات حكومية دبرته. خالهم الشيوعي مات بظروف غامضة بعد معاناة بمرض غريب الاعراض، فيما بعد عرفوا انه سقي "الثاليوم" بقدح عصير في دائرة الامن عند استجوابه. من ثياب حزن الى ثياب حزن اخرى. غادرت بيت اهلها ووطنها. وجاءت حروب الديكتاتور صدام حسين العبثية، ضد الجيران وضد الشعب، فأرتدى العراق كله ثياب الحزن السوداء. بيوت ووطن غارق في الاسود. في ثياب الحزن. سألت مجيد متفكرة:
ـ بلد مثل العراق، يرتدي شعبه الاسود بكثرة بالغة، أين يجد الجوامع الكافية  لو أراد ان ينزع ثياب حزنه؟
ضحك وقال لها بنظرة جدية :
ـ ربما لهذا السبب هناك قوى سياسية تحاول ان تحول العراق الى جامع كبير!


 السليمانية 30 تموز 2011
 


301
السُّخْريَّة في مَتَاهَاتِ مُزْهِر بِنْ مَدْلُول
يوسف أبو الفوز
الحديث عن الكتب، فيه متعة، بغض النظر عن كونك تحب هذا الكتاب أم لا تحبه، فكيف اذا كنت منحازا للكتاب أساسا؟ والأنحياز لكتاب " متاهات أبو المعيد "، للكاتب والصحفي مزهر بن مدلول، الصادر عن "دار الرواد المزدهرة" في بغداد خريف 2015 ،  بـ 185 صفحة من القطع المتوسط وبغلاف جميل وموحي من تصميم شاكر عبد جابر، يأتي ليس لكون الكاتب صديقي ورفيقي في النضال، في ايام حركة الانصار الشيوعيين  العراقيين، وزميلي في العمل في "طريق الشعب"، بل لأن اسلوبه السهل الممتنع، والمترع بالصدق والمحمل بالسخرية المُرّة يشدك لصفحات وتفاصيل الكتاب، المستوحاة من تجربته الذاتية في ظل ظروف اجتماعية وسياسية معقدة عاشها العراق في العقود الاخيرة من القرن الماضي.
ويبدو عندي أن مزهر بن مدلول لا يلاقي صعوبة ما عند الكتابة، فهو يكتب بسهولة وشفافية ، ويغرف من مياه نهر الحياة من حوله متى يشاء ، تدفعه لذلك طبيعة الحياة التي عاشها في واقع العراق الكارثي المحمل بالحزن والهموم، والذي تكثر فيه المفارقات التي تندرج تحت عنوان "شر البلية ما يضحك "، والتي يجيد قصها وروايتها، عن نفسه وعن الناس من حوله ، فيأتينا أسلوبه مشبعا بكوميديا سوداء، أو ما يسميه البعض " الضحك من خلال الدموع " !
في مقدمة الكتاب، وفي اول سطورها، يشير مزهر ابو مدلول الى ( بعد ظهور كتابي الاول"الدليل،تجربة ومعاناة نصحني بعض الاصدقاء ان يكون مشروعي القادم  مشروعا روائيا ) ــ ص 7 ــ ، وليس سراً، أني كنت ضمن هذا "البعض"، بل وربما من الاوائل. فبعد صدور كتاب "الدليل تجربة ومعاناة " للكاتب في عام 2014 ، وجدت كقاريء ان مزهر يملك اسلوبا في الكتابة نحن بحاجة له، وتحديدا القاريء العراقي، فكانت النصيحة لكتابة رواية بالاستفادة من هذا الكم الهائل من التجارب المختلفة في أماكن جغرافية عديدة، والنماذج المتنوعة من الناس التي مرت خلال شريط حياته، والتي تصلح لتكون شخصيات روائية، خصوصا وان اسلوبه في القص الذي ظهر به في كتابه الاول يشجع على ذلك، لكن مزهر كما يبدو أختار اسهل الطرق وقدم لنا في متاهاته صفحات من سيرته الذاتية بأسلوب حمل الكثير من صنعة الكتابة القصصية.
عنوان الكتاب " متاهات أبو المعيد" ـ  العنوان وحده يجبرني للأبتسام وحتى القهقهة ! ــ يقودنا الى حجم الاسئلة الكبيرة والثقيلة التي ينوء بها الكاتب، وأن لجوءه الى اسلوب السيرة هنا، ربما جاء من الحسنات، أذ وجدنا ان الكاتب يسلط  الضوء على مساحات معينة من حياته، وحياة العراقيين بصدق عال وموجع، بعيدا عن رتوشات العمل الروائي، التي تدفع اليها شروط صنعة العمل الادبي، التي تحتاج الخيال، وايضا بعيدا عن الوقوع في فخ ان يقدم الكاتب نفسه كسوبرمان وبطلا فذا، على غرار ما صرنا نقرأ للبعض ممن كتبوا سيرهم الذاتية روائيا، والذين يحاولون ان يكتبوا تأريخا مزيفا لانفسهم بهذا الشكل أو ذاك. فهذا الطفل الذي ولد في قرية نائية ( بين قطعان الغنم ولدتني أمي ) ــ ص 9 ــ ، من قرى الناصرية ، واذ ينتقل للمدينة لاجل الدراسة في مدارسها يلاحقه لقب "ابو المعيد"، الذي يقال عادة للقادم من القرية للنيل منه، وصار مزهر يسمع ذلك حتى داخل بيته : ( ان اخي "رهيف" الذي كان يقابلني ويقاسمني "بادية التشريب " ، نظر في وجهي ساخرا وقال لي " أمشي ابو المعيد" ! فغرت فاها ... "حتى انت يا بترويس" !!)  ــ ص 26 ـ 27 ــ .  ومزهر في كتابه حَوّل هذا اللقب بطريقة ساحرة وساخرة من لقب للحط من قيمة المنادى به الى لقب للزهّو به ، فهو يروي لنا بسلاسة كيف جاء الفنان "حسين نعمة" الى مدرستهم باحثا عن اصوات جميلة بين الطلبة ليشكل منها جوقة لتؤدي معه اغنيته الشهيرة "يا نجمة" : (وعندما جاء دوري ودخلت الامتحان وكنت اتوقع ان اؤدي شيء من الأبوذية لداخل حسن او ناصر حكيم او اخرين لكنه قال لي : غني المقام العراقي وابدأ بـ "آمان آمان".. لم اسمع بها في حياتي. ضحكت وتلعثمت وتاه صوتي ولما وضعت كفي على خدي استعدادا للغناء، نسيت المفردة، وبدلا من ان أقول "آمان آمان" قلت : انااااام .. اناااام !. فضحك حسين نعمة، وقال : "أمشي ابو المعيد"!) ــ ص 31 ــ .
هل يمكن ان تمسك نفسك من الضحك  من "أبو المعيد" هذا ؟!
مزهر بن مدلول في صفحات كتابه لا يسخر من نفسه، بقدر ما يسخر من واقع مر، متخلف عاشه مع اهله وابناء شعبه منذ " قالوا بلى"! والا كيف نصف واقعة ان يخرج المذيع في التلفزيون في المقهى ويقول"بيان اول"، فيتطافر الناس هاربين، بمشهد يصفه مزهر بكاريكاتيرية، ظانين ان انقلابا جديدا وقع، وصاحب المقهى عبثا يصرخ بهم .. ( ولكم مسلسل مو انقلاب  .. يمعودين فلوس الجايات ! ) ــ ص 40 ــ ، أو حين كان مطاردا في بغداد بدون مال او سكن واراد العودة الى مدينته الناصرية، وبعد ان دار طويلا، لجأ لاقحام نفسه بدور مساعد السائق "السكن" في السيارة المتوجهة الى الناصرية من " كراج النهضة " ، في مشهد يثير الدموع قبل الضحكات وهو يحاول ان يجبر السائق ليتذكره، ولم يشفع له اسم والده، لكن نفع معه ادعاء قرابته لصاحبي دكانين في الناصرية يبيعان المواد الغذائية وجل زبائنهم " من السواق واهل الريف الذين يترددون على كراج الشطرة " ــ ص 107 ــ .
ولجأ الكاتب لاستخدام الكلمات المحكية، ونثرها تقريبا في اغلب صفحات الكتاب، لكنها لم تأت مقحمة على النص والحوارات، بل جاءت لتعطي النص نكهة البيئة التي يحكي عنها الكتاب، والمستوى الاجتماعي والثقافي للشخصيات ، مثلما مر بنا في بعض من المقتطفات التي اوردناها .
 والكاتب في متاهاته ، ينحاز بشكل واضح للفقراء والمسحوقين والمناضلين لاجل حقوقهم وسعادتهم ، وابرز الدور العدواني  والتخريبي لمنظمات حزب البعث في المجتمع العراقي، ولم يستطع الا ان يسخر منهم ومن مظاهراتهم ، فيحكي لنا كيف اندس هو وصاحب له في  تظاهرة.. ( خرج المعلمون البعثيون في تظاهرة للتأييد والتصفيق) ــ  ص 43 ــ ، وكيف لتخريبها راحا يهتفان داخل المظاهرة بهتافات مغايرة اثارت غضب البعثيين.  ولم تكن السخرية عند مزهر اسلوبا للحط من الاخرين بقدر ما كان لانتقاد وتبيان معارضته لاسلوبهم في الحياة، من هنا نجده سخر من "ارستقراطية" والده الذي تزوج من سبع نساء (كان يسرف في تبذير أمواله بطريقة غبية من اجل ان يكتسب الشهرة التي يتمتع بها خيار القوم ) ــ ص 57 ــ ... (وفي هذا العرس ايضا ، نحرت المئات من الخراف، وكان أبي واقفا يضع على رأسه ريشة بيضاء ! متفاخرا بما قدمه من ولائم كبيرة ، لا يستطيع تقديمها الا من كان وزيرا في الحكومة!، وبهذه الطريقة، ولهثا وراء الشهرة ، بدد ابي ثروته من دون ان يشعر بالندم!) ــ ص 58 ــ .
الكتاب حوى الكثير من المواقف الطريفة والتفاصيل المعاشة ، حكيت بأسلوب بارع ، ومشوق، تدفع للايمان بأن للكاتب مزهر بن مدلول قدرة على انتاج عمل روائي يحتاجه القراء بأسلوبه المفعم بالسخرية المرّة .
وحوى الكتاب قسما حمل عنوان (نصوص جبلية) شغلت الصفحات 139 ـ 182 ، حوى نصوصا تحدثت عن بعض من سنوات تجربته في كردستان ، الا اني وجدت ان هذه النصوص تختلف في اسلوبها عن القسم الاول من الكتاب ، وكأنها كتاب ثان ، اذ ربما بحكم نوعية التجربة واجواءها النضالية ، دفعت الكاتب لتناولها بشكل اكثر جدية، فخفت فيها روح السخرية، وصارت تميل للتأمل أكثر. وعلى العموم ، فهو كتاب جدير بالقراءة ، بمحتواه وأسلوبه.
ويذكر أن مزهر بن مدلول مواليد الناصرية عام 1955، عاش فيها ودرس في مدارسها، ثم اضطرته الظروف السياسية في العام 1979 الى ان يغادر العراق ليتشرد في الصحراء ويعيش في الجبال. التحق بقوات الانصار الشيوعيين وبقي هناك حتى عام 1990، ثم اقام بعد ذلك في دولة الدنمارك .
صدر للكاتب عام 2013 كتابه الاول بعنوان ( الدليل.. تجربة ومعاناة ) ، وهو ايضا كتاب من السيرة ، وتحت اليد ثمة مشاريع كتب أخرى .


302
النساء  المهاجرات عن جرائم التحرش الجنسي والأغتصاب في فنلندا
يوسف أبو الفوز
موضوع الاغتصاب والتحرش الجنسي اخذ مؤخرا مساحة كبيرة في النقاش في فنلندا ، خصوصا في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي . خصوصا بعد حوادث اغتصاب اتهم فيها شبان من اصول اجنبية ، وفيهم من طالبي اللجوء . الاحصاءات الرسمية  تبين ان  حوادث الاغتصاب، التي تم الابلاغ عنها ، في ارتفاع ، ففي عام 2000 كان هناك 488 حالة اغتصاب، وفي عام 2014 بلغ العدد 940 حالة . وحالات التحرش التي يتم التلبيغ عنها تشمل انواع المضايقات كالتقبيل القسري او اللمس او التحرش اللفظي وغير ذلك. وبلغ معدل حالات الاغتصاب سنويا 1000 حالة، وهناك عشر حالات يشتبه في انها ارتكبت من قبل طالبي اللجوء، بينما تقدم بعض التقارير الصحفية ارقام اكثر، وبسبب من ذلك  راح البعض يربط بين حوادث الاغتصاب واللاجئين، رغم ان ابحاث علم الاجتماع تبين ان المهاجرين ليسوا مجموعة احصائية موحدة لانهم مجموعة غير متجانسة اساسا .

 الدكتور ماركو يونتنين ، الباحث في جامعة تامبيري، والذي عمل منذ وقت طويل مع القضايا العراقية ، وزار العراق عدة مرات ، تحدثنا معه حول الاسلوب الذي تتعامل به وسائل الاعلام الفنلندية مع حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي. ادان جرائم الاغتصاب مهما يكن الشخص المرتكب لها وطالب بأن ينال عقابه وفق القانون، واشار ان وسائل الاعلام للاسف لا تتحدث عن هذا الموضوع بشكل يخدم اندماج المهاجرين في المجتمع الفنلندي . واضاف الدكتور يونتينين "  لمعالجة هذا المشكلة علينا ان نعرف من اي مجتمع جاء اللاجئون وما هي خلفيتهم الاجتماعية ، فاللاجئون العراقيون، على سبيل المثال، هم جزء من جيل ضائع بسبب من الاوضاع السياسية والاجتماعية المعقدة في العراق . انهم يأتون من مجتمع ذكوري، حيث المساواة بين الجنسين والحرية الجنسية للمرأة تختلف كثيرا عن الوضع في فنلندا. وحيث تلعب المليشيات دورا مهما في حياة المجتمع ، ويغيب دور الدولة والقانون تقريبا ،  وبالنسبة للقادمين الجديد يشكل الامر تحديا لهم لفهم المجتمع الفنلندي الجديد"

السيدة ماجدة عجلان Majda Ajlan اصلها من العراق ، مساعد مهندس، تقيم في توركو من عام 1998، وناشطة في منظمة البيت العراقي في توركو ، تقول انها كأمراة لا يمكن ان تدافع عن اي مجرم يثبت عليه جريمة اغتصاب وتحرش جنسي، وتخبرنا بان عدد طالبي اللجوء الى فنلندا بلغ حتى الان اكثر من ثلاثين الف شخص وبينهم اكثر من عشرين الف لاجيء ، وهناك فقط عشر حالات اغتصاب يتهم بها طالبو لجوء فهل من العدالة ان يتم تعميم الامر على كل عموم الاجانب من الجدد والقدامى ؟

السيدة ناديا هيلسن  Nadia Hellsten واصلها من المغرب مقيمة في فنلندا من 12  ، عملت مع الاطفال ، وحاليا  في اجازة امومة ، واشتركت في حملات عمل طوعي عديدة وناشطة في منظمات المجتمع المدني قالت لنا : عتقد ان البعض من طالبي اللجوء عليهم ان يفهموا أن فنلندا هي بلد ديمقراطي ومتحضر، حيث الرجال والنساء فيها متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون. وهذا يتطلب منهم أحترام الثقافة الأخرى ، وأسلوب حياة أي  شعب ، ومنها الثقافة الفنلندية ، وتجنب القيام بسلوك يعطي ذريعة لتأجيج العنصرية وتوجهات معاداة الهجرة في وسائل الإعلام والمجتمع ، وعليهم معرفة طبيعة الحياة الجنسية في الثقافة الفنلندية والقانون الفنلندي. فوفقا للقانون الفنلندي لا يعتبر الاغتصاب  ممارسة جنس، بل هو ممارسة السلطة والاكراه.
واضافت : ان بعض الشباب من الذين لديهم تصور خاطيء عن الثقافة الاوربية ، وعن حرية المراة عموما ، يتصرفون بشكل سيء حتى مع النساء الاجنبيات المقيمات في فنلندا ، لكن هذا لا يعني ان الجميع على نفس السلوك الخاطيء .



303
الكلام المُباح (106)
أَبُو سُكينة وجَمَاعَةٌ ألأنَّنَو!
يوسف أَبُو  الفوز
طيلة سنوات الديكتاتورية البعثية البغيضة، وحين يحل عام جديد ،اكتب لاصدقائي ومعارفي بطاقات تهنئة، اسجل فيها "امنيات طيبة بالعام الجديد والمزيد من الصحة والنجاحات ". ويتقدمها دائما " أمنيات لابناء شعبي بالخلاص من الديكتاتورية وحياة اقل قسوة في وطن حر سعيد ".  سقط التمثال ، وأمسكوا الديكتاتور مثل الجرذ مختفيا في حفرة، وجاءت "حكومات وطنية" ما بعد "التغيير"، لكن الامنيات ــ للأسف ــ لم تتغير سوى في ترتيب بعض الكلمات. ما زلت اكتب امنيات لابناء وطني "بالخلاص من عصابات الارهاب وسلطة المليشيات وحياة اقل قسوة في وطن حر من الفساد ومعادلات المحاصصة" !
في زيارتنا الدورية، لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، عرضت افكاري هذه أمام جَلِيل، الذي كان متفائلا كثيراً بقدوم العام الجديد. كان يرى :
ــ ان الانتصارات المتوالية ضد المسخ المسمى " الدولة الاسلامية في العراق وسوريا " ستعطي القوات المسلحة زخما عاليا للاستمرار في تحقيق انتصارات نوعية على عصابات الارهاب التي تستبيح اراضي الوطن، وما دامت معادلات سطوة الارهاب بدأت تتداعى، فأن معادلات سطوة الفساد والمحاصصة لابد ان تلحق بها، فالامور مترابطة يا صديقي !
كان جَلِيل متحمسا :
ــ  أن الشعب لا يمكنه السكوت طويلا عن نهب مستقبله من قبل اي قوى تعتاش على ازمات البلاد . ان الجماهير التي تشارك في الحراك الجماهيري ولفترة اكثر من 18 شهرا سيشتد عودها وتكبر مطاليبها ولن ترضى بالقليل وسقف الاصلاح لابد ان يكبر ويتسع ! 
لم أكن متشائما ، كما ظنت سُكينة ، لكني كنت اطرح اسئلة وهواجس. أدرك ان المهام جسيمة وان الحركة الاجتماعية العراقية، اذ ابدعت في حركة الاحتجاج السلمي، فلابد ان يكون لها نفسها الطويل، فلا يمكن  بلوغ الاهداف بيوم وليلة.
وكان أَبُوجَلِيل وأَبُو سُكينة يتابعان حديثنا بأهتمام، ومسح أَبُوجَلِيل بأطراف اصابعه جانبي فمه، اشارة لرغبته بالحديث، وفورا سأل أبنه :
ــ وهل تعتقد ان السياسيين ، الذين لا يملون من الظهور في شاشات التلفزيون، والذين لا يشبعون من النهب يمكن للمظاهرات ان تزيحهم بسهولة؟ اعرف أن داعش لابد ان تزول بعزيمة ابطال القوات المسلحة وشهدائها الخالدين ، لكن "ماعش" شلون وياها ؟!
وتنحنح أَبُو سُكينة وخاطب أَبُوجَلِيل مباشرة : يا صاحبي ، خليك متفائل بالعام الجديد، وروح ابوك هاي شباب التحرير والمحافظات راح يشلعون "ماعش" ومن لف لفهم من الفاسدين عروقهم ... هاي الشبيبة العراقية صاحبة الصولات والجولات... استعمار بريطاني وما قدر عليها... ديكتاتورية البعث وما قدرت تخفي صوتها ... قول لي صدام وفرانكو وهتلر وين صاروا ؟.. التأريخ لا يرحم المجرمين . أنا وياك ما راح نلحق ونشوف ألايام السعيدة  القادمة ... بس وراسك راح يأتي زمن الذي فيه دبكات الفرح ما تتوقف يوم بساحة التحرير ، وكل  واحد من هؤلاء الذين  يطلعون بالتلفزيون ويعوج فكه وما يعرف بس "أننو" و"حيثمو" ما راح تشوف شكله إلا بأسوء صفحات كتب التأريخ ... خلوني أمد رجلي زين !




304
المرصد الفنلندي :
جرائم التحرش الجنسي والأغتصاب وعلاقة ذلك باللاجئين في فنلندا !
يوسف أبو الفوز
موضوع جريمة الاغتصاب والتحرش الجنسي وعلاقته مع طالبي اللجوء برز مؤخرا إلى موقع الصدارة في النقاش في وسائل الاعلام الفنلندية، ووسائل التواصل الاجتماعي وعموم المجتمع. وحصل ذلك  بعد حادثتي الاغتصاب التي يشتبه في أنها ارتكبت من قبل شبان من أصل أجنبي تم الإبلاغ عنهم في نهاية شهر نوفمبر / تشرين الثاني. وفي واحدة من هذه الحالات، أكدت الشرطة أن المشتبه به هو طالب لجوء .  صحيفة "هلسنكى سانومات" عرضت إحصاءات حوادث الاغتصاب التي تقدمها الشرطة، وبينت أن عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها في فنلندا ارتفع في كل عام تقريبا منذ بداية هذه الألفية. وفي عام  2000، تم الإبلاغ عن 488 حالة اغتصاب و في عام 2014 كان هذا العدد  940 حالة . جريدة المساء "أيلتا سانومات" ، وهي من صحف التابلويد  Tabloid ، كتبت أنها تلقت معلومات  ـــ التي ظهرت للعلن فقط في شهر نوفمبر / تشرين الثاني ــ  أن هناك مئات من حالات التحرش الجنسي التي يرتكبها العديد من الناس، بمن فيهم طالبو اللجوء، وتشمل أنواع المضايقات منها التقبيل القسري، اللمس، التحرش اللفظي وغيرها.
ووفقا للشرطة الفنلندية كانت هناك ما مجموعه عشر حالات المبلغ عنها من حوادث الاغتصاب حتى الان هذا العام والتي يشتبه في أنها ارتكبت من قبل طالبي اللجوء. وان معدل حالات الاغتصاب المبلغ عنها سنويا بشكل عام في فنلندا في هذا العام حوالي 1000 حالة . وعند النظر إلى الإحصاءات من المهم أن نذكر أن جزءا فقط من حالات الاغتصاب يتم الإبلاغ عنها للشرطة. وبعض من تقارير وسائل الاعلام تضمنت الإحصاءات التي تبين أن حوادث الاغتصاب المبلغ عنها من قبل المهاجرين كانت أعلى من الفنلنديين الأصليين.
ومع ذلك، فإن الباحث "مارتي ليهتي" من معهد علم الإجرام والسياسة القانونية اعطى تعليقا لصحيفة  Hufvudsta ds bladet قال : " ببساطة لا يوجد قاسم مشترك من ان الانسان كونه لاجئا أو وجود خلفية اجنبية  مع وجود ميول إجرامية.  إن أول شيء يتعين علينا أن نفهمه هو أن المهاجرين ليسوا مجموعة متجانسة ولهذا السبب لا يمكن أن ينظر إليها كمجموعة إحصائية موحدة ". واضاف "أن القاسم الأكثر شيوعا بين الاشخاص الذين يرتكبون الجرائم هو البطالة، وهذا ينطبق على الذين وصلوا فنلندا حديثا،  اضافة الى الفنلنديين الأصليين".
  الدكتور ماركو يونتنين ، الباحث في جامعة تامبيري، والذين عمل منذ وقت طويل مع القضايا العراقية ، وزار العراق عدة مرات ، تحدثنا معه حول الاسلوب الذب تتعامل به وسائل الاعلام الفنلندية مع حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي. قال: نعم،  أن هناك جرائم جنسية أرتكبت من قبل بعض المواطنين ذوي الخلفية الأجنبية ، وأنا شخصيا إدين هذه الجرائم ، ولكن لسوء الحظ، فان وسائل الاعلام الفنلندية تتحدث عن هذا الموضوع بطريقة لا تخدم قضية الاندماج .
واضاف الدكتور يونتينين " اأن اللاجئين العراقيين، على سبيل المثال، هم جزء من جيل ضائع. انهم يأتون من مجتمع ذكوري، حيث المساواة بين الجنسين والحرية الجنسية للمرأة تختلف كثيرا عن الوضع في فنلندا. وبالنسبة للقادمين الجديد يشكل الامر تحديا لفهم المجتمع الجديد وعملية التكامل السليم ، وأن تبادل المعلومات عن القيم الفنلندية أمر بالغ الأهمية "
دائرة الهجرة الفنلندية تخبرنا بأن عدد اللاجئين بلغ حتى الآن أكثر من  ثلاثين الف  لاجئ ، بما في ذلك أكثر من عشرين الف  لاجئ عراقي وغيرهم ينتمون إلى جنسيات مختلفة.
السيدة رجاء حميد ، من العراق ، تعيش في هلسنكي منذ خمس سنوات، وتعمل مساعدة مدرس قالت لنا : ان هناك فقط  عشر حالات اغتصاب يشتبه بأرتكابها من قبل طالبي اللجوء . أن جريمة هي جريمة ، ولا أحد يستطيع أن يدافع عن أي مجرم من هذا النوع من الناس، وأنا امرأة وأفهم جيدا معنى ممارسة العنف ضد أي امرأة، ولكن هل من الصواب أن نتعامل مع ثلاثين ألف شخص وفقا  لخطأ ارتكب من قبل عشرة أشخاص؟
مصطفى عبد القادر شاب عراقي يعيش في واحدة من مراكز اللجوء في هلسنكي ، أخبرنا : "أشعر بالأسف لهذا القسم من طالبي اللجوء الذين لديهم تصور خاطئ عن نمط الحياة الأوروبية، وعن حرية المرأة، وبعضهم يتصرف بشكل سيء للغاية، وأن أفعالهم السيئة ليست فقط مع النساء الفنلنديات بل وحتى مع النساء الأجنبيات المقيمات في فنلندا" .
ونعتقد ان الاخوة من طالبي اللجوء عليهم فهم ، أن فنلندا هي بلد ديمقراطي ومتحضر، حيث الرجال والنساء فيها متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون. وهذا يتطلب أحترام الثقافة الأخرى ، وأسلوب حياة أي  شعب ،ومنها الثقافة الفنلندية ، وتجنب القيام بسلوك يعطي ذريعة لتأجيج العنصرية وتوجهات معاداة الهجرة في وسائل الإعلام والمجتمع ، وعليهم معرفة طبيعة الحياة الجنسية في الثقافة الفنلندية والقانون الفنلندي. فوفقا للقانون الفنلندي لا يعتبر الاغتصاب  ممارسة جنس، بل هو ممارسة السلطة والاكراه.  يمكن أن يحدث العنف الجنسي والإكراه والاعتداء أيضا في علاقات المتحابين المتآلفين وفي الزواج. العنف الجنسي هو دائما جريمة، حتى في الزواج . وممنوع  تكوين علاقة جنسية مع شخص دون سن السادسة عشر عاما.
في فنلندا الجنس ينظر إليه على أنه جزء من حياة كل إنسان وأنه من الطبيعي أن يتم الحديث عن ذلك علنا . يمكن للمتحابين المتآلفين ان يعيشوا معا دون عقد زواج قبل الزواج . كل شخص لديه الحق في اختيار شريك له ويقرر ما إذا كان يريد أن يتزوج منه أم لا. المتحابون المتآلفون من نفس الجنس يمكن أن يتزوجوا ومن الطبيعي أيضا أن بعض االشركاء لا يتزوجون على الإطلاق.لكل فرد الحق في رفض الفعل الجنسي. أولاجل لمس شخص أو ممارسة الجنس معه يشترط دائما الحصول على موافقته وقبوله . أن لمس شخص من دون إذن، يعتبر تصريحا غير مناسبا عن الجنس. ,ان إكراه شخص على فعل جنسي أو اغتصاب هو جريمة خطيرة. أن الجرائم الجنسية تؤثر على عملية طلب اللجوء، ويمكن أن ينال المغتصب حكما بالسجن لمدة ما بين سنة الى ست سنوات .

305
الكلام المُباح (105)
أَبُو سُكينة وعَامُ القَرَد!
يوسف أَبُو  الفوز
بادر لزيارتي في بيتي العديد من الأصدقاءِ الأحبة، بعد الجلّطة المفاجئة التي أدخلتني المستشفى وألزَمتني الفراش. ومع أعتزازي بكل من زارنا أو هاتفني مباشرة أو هاتف زوجتي أو من كتب تحية على "فيس بوك" أو أرسل أيميلاً، إلا أني كنتُ مسروراً جداً بزيارةِ أَبُو سُكينة وأَبُوجَلِيل وبقية المجموعة، التي أحيانا أسميهم ـ بيني وبين نفسي ـ " عِصَابَةُ الكلام المباح". ومن أول دخولهم بيتنا والجميع يشاكسني بأني كنت أتمنى المرض لاتدلل على الجميع ! أخبرتهم بأن أيام المرض كانت مفيدة من جانب واحد فقط : الأبتعاد عن متابعة الأخبار التي ترفع الضغط وتحرق الدم !
 قال أَبُوجَلِيل: الايام الماضية أحرقنا دمنا نيابة عنك بشكل مضاعف، خاصة حين سمعنا أن سياسة التَّقَشُّف يمكن تصل لرواتبنا نحن المساكين المتقاعدين؟ ووجدها جَلِيل فرصة ليحدثنا كيف أن أجراءات معالجة الضائقة المالية يجب ان تكون عادلة، وشدد على ان التَّقَشُّف يجب ان يشمل أولا من أستأثر بحصة الأَسَد من الموازنات السابقة، عبر العقود والصفقات والمقاولات والكومشنات، والتجارة المغشوشة، ومن جمع مبالغ طائلة، جراء هدر المال العام، والبذخ والاسراف في شراء الاثاث لمؤسسات الدولة، والمخصصات العالية للمسؤولين، وشراء السيارات الفارهة، والانفاق على الايفادات غير الضرورية وليس المساس برواتب ذوي الدخل المحدود؟
  أرادت سُكينة ــ كما يبدو مراعاة لي ــ تغيير مجرى الحديث فسألتني عن بُرجي. قالت لها زوجتي بأنه "الحُوت". فعادت سكينة لتضيف: أعرف أنك من مواليد "عَامُ القَرَد"، والعام القادم هو "عَامُ القَرَد"، وهذا يعني عليك ان تتفاءل فالعام القادم يحمل لبُرْج الحُوت أخبارا جيدة في مجال الصحة والمال! 
والتفت لي أَبُو سُكينة ضاحكا : هاي أنت طلعت " قَرَد" وأنا كل هذا الوقت وما أعرف ؟!.
وضحك الجميع من حولنا، وإذ لاحظ نظرة الاحتجاج التي وجهتها أليه سارع للقول : قَرَد ... أقصد مواليد عَامُ القَرَد، مثل ما تقول كتب سُكينة عن الأبراج، وكان لابد ان أعرف ان أختلافي أحيانا معك في وجهات النظر يعود لهذا السبب تحديداً لأني " ثَّور" ... أقصد من عَامُ الثَّور؟
ثم التفت للجميع وقال: يا جماعة الخير،أحجزوا لي مكان في المستشفى من هذا اليوم ، لان أعتقد العام القادم كل يوم راح تصيبني جلطة، لأني غير متفائل أنه يمكن أن نتجاوز الضائقة المالية بسهولة، ونقضي على الفساد في الدولة، ليس لأن بعض الخبراء الاقتصاديين قالوا ذلك، وأنما لأن العام القادم هوعَامُ القَرَد، وكتب سُكينة عن الأَبْرَاج تقول أن القَرَد غير متفاهم مع أبراج القِرْدَة والثِيران والخَنازير، وحسب توقعي عندنا من هذه الابراج كثير بين رجال السياسة وفي مفاصل الدولة ! ... صبوا لي شاي بلا سُكر! 


306
يوسف أبو الفوز وكوابيسه في المقهى الثقافي العراقي بلندن

عبد جعفر
إختتم المقهى الثقافي العراقي في لندن موسم نشاطه لهذا العام بإمسية نوفمبر وهي عن النتاج الأدبي للروائي والصحفي (يوسف أبو الفوز)، وخصوصا روايته (كوابيس هلسنكي) وذلك يوم 29-11-2015 وأشترك فيها كل من الكاتبة إبتسام الطاهر والقاص عبد جعفر. وفي بداية الأمسية رحب الفنان فيصل لعيبي بضيوف المقهى ثم قرأ اليهم رسالة إعتذارالكاتب (يوسف أبو الفوز) الذي لم يستطع الحضور بسبب مرضه ودخوله المستشفى، والتي اكد فيها شكره للمقهى الثقافي، مشيرا الى " أن روحه ستطوف المكان فرحة باستمرار هذا التقليد الثر، وأن إيمانه يزداد بأن الثقافة العراقية ستكون بخير بوجود أمثالكم ".
ثم قرأت السيدة ماجدة حمادي رسالة الأستاذ الجامعي مارك يونتينن حول (أبو الفوز) اشار فيها الى أن الكاتب متعدد المواهب والنشاطات الاجتماعية والثقافية، وقد عكس في أدبه محنة شعبه وماعانه من كوارث وحروب، وتمكننا من خلال إبداعه التعرف على محنة الثقافة العراقية في المهجر، وهو يعد واحدا من الذين خلقوا جسر العلاقة بين الشعبين الفنلندي العراقي.
ثم تحدثت الكاتبة إبتسام الطاهر عن تجربة (أبو الفوز) قائلة : الكاتب يوسف علي هداد، أبو الفوز، من الجيل الذي عرف رحلة المنافي مثل الكثير من اليساريين الذين عانوا من غربة الوطن بعد أن حوله النظام السابق الى سجن مترامي الاطراف.عاش الكاتب في الكويت بعد هجرته وكتب هناك باسم مستعار (أبو الفوز) الذي عُرِفَ به في مجال الكتابة. ثم استقر تغربه أخيراً في فنلندا حيث يقيم منذ 1995 ، تميزت اعماله القصصية في رصد حياة العراقيين في فنلندا والمهاجرين عموما ، فمجموعته القصصية " طائر الدهشة " الصادرة عن دار المدى عام 1999، وعن دار Like عام 2000 باللغة الفنلندية ، تتناول هموم اللجوء والمنفى العراقي. ورواية "تحت سماء القطب" ترصد انعكاس الحياة الاوربية على الجالية العراقية وكذلك هموم الجيل الثاني من المهاجرين العراقيين، ورواية "كوابيس هلسنكي" موضوعنا لهذه الامسية ترصد نشاط الجماعات التكفيرية في فنلندا وعلاقتها بالعنف في العراق .
وأبو الفوز هو أول كاتب من الشرق الاوسط، تحفظ أعماله وتفاصيل حياته ونشاطه الثقافي، ضمن أرشيف جمعية الأدب الفنلندي، المعنية بحفظ تراث الادبي في فنلندا . بدأ الكتابة مبكرا وظهرت له العديد من المجاميع القصصية منها : عراقيون، انشودة الوطن والمنفى، طائر الدهشة ترجمت للفلندية باسم الطائر السحري، وتلك القرى— تلك البنادق عن تجربة الانصار. حيث كان أحد مناضليها...وفيلمه الوثائقي عن أول زيارة له للعراق وإنطباعاته أسماه (عند بقايا الذاكرة ) أختير ليمثل فنلندا عام 2007 في مهرجان تروبوي في مدينة بازل سويسرا. وله العديد من المقالات والحوارات الصحفية نشرت في الصحف والمواقع الالكترونية. وفي مداخلتها القيمة أكدت الكاتبة والصحفية إبتسام الطاهر أن راويته الاخيرة (كوابيس هلسنكي) كانت رحلة عبر كهف أو منجم متعدد الابواب ووجدت فيها التاريخ والدين والسياسة والمغامرة والحب والحلم والرؤيا السريالية والواقعية .
بالرغم من السرد السهل كما يوحي لنا به الفصل الأول، يفاجئنا الفصل الثاني بأن مقدمة الرواية ليست سوى الفصل الاول من الرواية التي جزأها لأبواب متداخلة تؤدي لبعضها البعض كما لو هي سلسلة مترابطة..وقد نجح الكاتب بربطها بشكل سلس بالرغم من الأحداث الصادمة. وتعتقد الطاهر أن الرواية يمكن اعتبارها سياسية بامتياز، ومنذ المقدمة التي عنونها (القارئ الكريم) ستعرف أنك امام رواية مختلفة عما قرأناه سابقا في بنائها واسلوبها. لكنها لم تكن معقدة فكان الكاتب هو الدليل الذي يقود القارئ ويفتح له الابواب بوضوح وسلاسة . وأضافت أن الروائي أشار الى أسماء عديدة في المقدمة تصورنا انها ساعدته في مراجعة النص أو طباعته الخ..لكننا نكتشف ان تلك الاسماء هي شخصيات للرواية التي تطرق لها عبر رحلاته في موانيء المنفى او في الوطن قبل الرحيل. فالكاتب تعمد ان لا يطلق اي اسم على الشخصيات حتى الشخصية الاولى او البطل .. إكتفى بتعريفهم من خلال أوصافهم أو المهن أو الصلات الإجتماعية. بينما حرص على توصيف المدن وتسميتها. مشيرة الى أن الكاتب إستخدم إسلوبا سرياليا لطرح قضايا واقعية عصرية ، أي التنبؤ او الرؤيا ليتخذ من مفرداتها وسيلة لرسم رؤياه في الكشف عن الشخصيات وعن الجرائم التي يحاول إرتكابها بعض الجماعات التكفيرية المتشددة ، بإسلوب بوليسي. لكنه جعل البطل يتعرف بسهولة عليها ويمكنه من الدخول لعالم الرؤيا وكشف خبايا نفوس وأسرار امثال هؤلاء.
في أبواب عدة نجد الرواية تضمنت نقدا وفضحا لأولئك الذي استغلوا الدول التي لجأوا اليها وتلاعبوا بالقوانين . وحاول الكاتب ان يطرح وجهات نظره في إشكالية الدين خصوصا بعد الحملة التي تشنها وسائل الاعلام ضد الاسلام بسبب ارتكاب قيادات العصابات الارهابية للكثير من الجرائم البشعة بأسمه. وأوضحت الطاهر أنه بالرغم من قتامة الأحداث وتصوير الرعب في سجون صدام لاسيما في باب أو مشهد (قبو) و(مختبر)، نجح الكاتب بانتشال القارئ عبر مشاهد عاطفية او طريفة خففت من ظلامية الأحداث والغرق في متاهاتها.
واشارت أن الرواية تحمل بلا شك تجربة الكاتب ومعاناته ونراه في شخصية صديق البطل الذي سماه الكاتب..ويطل مرة اخرى عبر يوميات البطل ربما! فالعمل الابداعي بكل ما فيه من خيال هو جزء من حياة المبدع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال وقائع و أخيلة او اماني. مؤكدة أن هذه الرواية لما فيها من معلومات مكثفة وقيمة أدبية وتاريخية وسياسية تستحق أن تصل للقارئ العربي وأن تترجم لتصل للقارئ الاوروبي. ثم تناول القاص عبد جعفر رواية الكاتب (كوابيس هلسنكي) قائلا : أن (يوسف أبو الفوز) يدخلنا في راويته عبر مذكرات البطل الى اكتشاف العالم من حولنا عبر حاسته السادسة أو قدرته على الرؤيا في معرفة الأشياء، وهذا يتجسد على شكل حلم يتجسد له، حيث يتماثل الواقع بالخيال، الحلم بالرؤيا، السرور بالكوابيس.
والحلم أو الرؤيا عند البطل تعيد لا خلق الواقعة فقط بل خلق البطل لنفسه وكما يقول ماركيز: إن البشر لا يولدون دوما يوم تلدهم امهاتهم وإنما تجبرهم الحياة على ولادة انفسهم ثانية ولمرات عديدة. وأشار الى أن إشكالية الحلم تدخلنا عند البطل الى مأزقه بالذات، فالذين حوله لا يفهمونه كعائلته وأصدقائه أوالسلطات الفنلندية وخصوصا في كشفه لخطط التجمعات الإرهابية، أذ ترى في مصداقيته نوعا من الجنون ، بعد أن كفت عن إتهامه بالتواطؤ مع الإرهابيين ، وقد جعلته رهين مشفى الامراض العقلية. وتساءل :هل كوابيس هلسنكي كما هو عنوان الرواية هي كوابسينا في هلسنكي؟ فما الذي أضافته الينا المنافي من كوابيس، وما الذي اضفناه الى منافينا من كوابيس؟
معتبرا إنها اسئلة يصعب الإجابة عليها. فالوطن حملنا بكوابيس المطادرة والعذابات والمنفى أضاف كوابيس أخرى رغم مساحة الحرية، مثل اشكالية التشرد والعوز وإشكالية الاندماج أوالتمسك بالجذور الاولى.
والسؤال هل أعطانا (أبو الفوز) رؤية جديدة في هذا العمل؟
الجواب أن (أبو الفوز) الصحفي يتصارع مع (أبو الفوز) الكاتب ومرة يتفارقان وأحيانا تكون الغلبة للصحفي ولغته التقريرية. ولكن الكاتب المبدع يظهر في طريقة تناوله للموضوع والبناء السردي للرواية وفي جعل حلمه ثقبه في باب الظلمة لرؤية ضياء الواقع وما يخفيه الأخرون عنا. وأعتبر القاص عبد جعفر الفصل الأخير من الرواية هو الأكثرالفصول تشويقا ومتعة أذ تصبح فيه اللغة حية تتوازى مع الواقع ويختفي فيها (أبو الفوز) الصحفي تماما.
مؤكدا أن (أبو الفوز) أسقط في كوابيسه حجارة ثقيلة في ماء السرد العراقي في المنافي وخلق لنا سؤالا حول منجز الرواية العراقية في المنافي، هل ستظل صدى لإوجاع الماضي، أو تسجيل لمعاناة المنافي، بدون الاقتراب كثيرا من واقع يعمق إغترابنا وتقوقعنا سواء أكنا في الداخل أو الخارج.
وقد أثارت المداخلات حوارات وأسئلة مهمة من قبل جمهور المقهى اشترك فيها كل من ضيوف المقهى مثل القانونية السيدة بدور الددة ، وكريم السبع، وفيصل لعيبي، وعماد الحمداني، وصمد عباس، ومظفر وماجد حمادي.
وتناولت المداخلات موضوعة الاغتراب والانقطاع عن الجذور في العمل الروائي وجرأة العمل في الطرح خصوصا علاقة البطل بزوجته. كما تطرقت المداخلات الى موضوعة الإرهاب وهو الموضوع الأساسي في الرواية.
ويرى البعض أن الرواية فيها أحلام اكثر من الكوابيس، ولكن الكوابيس تبدأ عندما تعتقله السلطات الفنلندية وتحاصره بالإتهامات.
الجدير بالذكر أن برنامج المقهى للعام القادم قد إكتمل حتى نهاية العام وفيه من المواضيع الشيقة ما يغني فضاء المقهى ويزيد من مساحة المعرفة ويعمق محتواها الأنساني وستكون أول أمسيات العام القادم حول الآلات الهوائية والموسيقى الشعبية العراقية وآلة السكسافون يحيها الفنان عمّارعلو مع بعض الموسيقيين البريطانيين .

307
مساهمة في استفتاء موقع ايلاف: أين ترغب ان تدفن بعد ان تموت ؟

مساهمة في استفتاء اجراه الكاتب عبد الجبار العتابي لموقع " ايلاف " بعنوان : "المثقفون العراقيون في الغربة هل يعنيهم ان يدفنوا في بلادهم؟ " حيث وجه سؤالا لمجموعة من المثقفين العراقيين في مسألة الحنين الى الوطن الام وفي الرغبة في ان يدفنوا في ارضه او في الارض التي عاشوا عليها السنوات الاخيرة من حياتهم.

(الصورة  عند بحيرة ساوة 20 ايار 2012)
يوسف ابو الفوز : "الحجر ثقله في مكانه".
الى ذلك اكد الروائي يوسف ابو الفوز على ان لا يهم اين سيكون مقر الجسد الفاني وقال: المنفى ــ للاسف ـ صار لنا وطنا ثانيا أجباريا، لكنه لا يستطيع ان يحل محل الوطن الام. واستطيع القول بتواضع اني اجتهدت خلال وجودي في المنفى، في فنلندا ، في بناء حياة مستقرة نوعا ما. اعمل حاليا كباحث في واحدة من اهم الجامعات الفنلندية، واساهم بشكل حيوي في الحياة الثقافية الفنلندية، واعمالي الادبية ترجمت الى لغة البلاد ومعروفة في الوسط الفنلندي، ولي شبكة علاقاتي الجيدة من اصدقاء ومعارف من اهل البلاد، ، ولعدة دورات انتخبت عضوا في الهيئة الادارية لمنظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين ـ كيلا (تاسست عام 1936)
واضاف:: ورغم أني تطبعت بنمط الحياة في فنلندا واشعر بأرتباط طيب لهذه الارض التي منحتني الامان وفرصة العيش الكريم، فأنت وان رغما عنك أذ تظهر لك جذور جديدة ، وتكون لك ذكرة جديدة محملة بتفاصيل جديدة. الا ان كل ذلك لا يمكنه الغاء هويتك الاساسية ، وجذورك الاولى ، ولا يمكنه ان يمنع نوبات الحنين التي تداهم الروح في أي لحظة ، مع اي تفصيل بسيط ، مع اسم او اغنية او حدث.
وتابع: اعيش منذ عشرين عاما تحت سماء القطب الشمالي، اقرب الى السماء من اية بقعة على الارض ، لكن "السماوة" ، مدينتي الحبيبة ، واذ اجد ان احد معاني اسمها هو انها "المكان العالي " او "نافذة الى السماء" فانها انتقلت معي بكل درابينها وشخوصها وجعلتني اوقع مقالاتي  بعبارة "سماوة القطب" اشارة الى المكان.
واضاف ايضا: جغرافيا.. انا موجود "خارج الوطن"  لكنه معي في كل خطوة ـ  لا احبذ استخدام كلمة "الخارج" واحيانا اشعر وكأنها شتيمة، اميل في حياتي اليومية وكتاباتي لاستخدام تعبير "خارج الوطن"ـ الوطن موجود معنا دائما في نصوصنا وفي نشاطاتنا وفي ذكرياتنا وفي طعامنا ولقاءاتنا وفي اغانينا. حين يقدموني في المحافل الثقافية الفنلندية فانا "الكاتب العراقي". وحين اعود الى بيتي واغلق الباب خلفي، فأكون دخلت "العراق الصغير"، فالاجواء واللغة والتفاصيل والطقوس بالغالب هي عراقية. شريكة حياتي من مدينة السليمانية، ومعا نتحدث العربية والكردية ، فتختلط عندنا التفاصيل بدون تخطيط وتكون عفوية، فنشعر يوما أننا في اجواء السماوة ، ويوما اخر في السليمانية ، ويوما في بغداد ، لكننا دائما في اجواء العراق.
 واستطرد: افكر كثيرا بالمثل الكردي الذي يقول " به رد له جيكه ي خوي سه نكينه" وهذا يعني "الحجر ثقله في مكانه". من هنا اعتقد اننا كأبناء لوطن فقدناه رغما عنا ، فقدنا شيئا بأبتعادنا عنه ونحن احياء. نحاول تعويض ذلك باشياء مختلفة. في روايتي "تحت سماء القطب " صدرت 2010 في اربيل ، يلجأ احد الشخوص لتسمية الاماكن والاشخاص من حوله باسماء عراقية ، كاسلوب تعويضي. أن هموم الوطن لا زالت همومنا ترافقنا وترسم لنا خارطة ايامنا. واعمالي القصصية والروائية تجتهد لتكون اعمالا عراقية تتناول الموضوعات العراقية ، سواء داخل الوطن او خارجه.
وختم بالقول: وان تحدثنا عن الموت، فما دام الموت هو نهاية لهذه المعاناة والفقدان ـ في المنفى أو الغربة سمها ما شئت ـ ، فاعتقد لا يهم اين سيكون مقر الجسد الفاني، فالوطن مرتبط بالروح قبل الجسد.

308
الكلام المباح (104)
الكَلاَمُ الحامِضُ وَسَّرَطَانُ الكَرَاهِيَة !
يوسف أَبُو  الفوز

خلال زيارتنا لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة،  كان أَبُوجَلِيل ومن لحظة وصوله، يسأل عن التداعيات التي أعقبت تطورات الاحداث في قضاء طوزخورماتو على خلفية الاشتباكات المؤسفة بين قوات البيشمركة والحشد الشعبي، وما راحت تتداوله الاخبار عن تكرار بعض التصرفات الصبيانية من تبادل حرق الاعلام والدوس بالاقدام على صور قادة سياسيين .
 قالت زوجتي بأنزعاج : هناك من يريد أشعال نيران الفتنة بين مكونات الشعب، وشعبنا في حاجة لتوحيد قواه ضد عصابات داعش الاجرامية !
عرض لنا جَلِيل الادانات التي صدرت بحق هذه التصرفات الصبيانية، والدعوات لتطويق الحدث. ذكر كيف أن القوى الوطنية المخلصة رفعت صوتها فورا بأدانة الاحداث ودعت اطراف النزاع إلى ضبط النفس وتوجيه فوهات البنادق كلها صوب عصابات الأرهابيين الدواعش، الذين يدنسون ارض العراق مثل السرطان الخبيث. هذه الاحاديث قادت سُكينة للقول ان القائد الفذ "نيلسون مانديلا" رأى بأن الكراهية لا تولد مع الانسان، وانه يتعلمها بالتربية، وهذا يقود للقول بأن الانسان يمكن تعليمه المحبة والتسامح، ومن هنا فأن النخب السياسية والقيادات، وعموم المثقفين المخلصين لوطنهم مسؤولون عن اشاعة روح المحبة والتسامح والتآخي بين ابناء الشعب، وعدم اللجوء لتصريحات تغذي روح التعصب والشوفينية عند اي طرف عند حصول خلافات سياسية او عدم اتفاق في الموقف حول قضية ما .
كان واضحا لي ان أَبُو سُكينة ينتظر دوره في الكلام. لاحظته يفرك يديه ببعضهما، ثم يتوجه لابنته سُكينة بالكلام : البارحة تابعنا سوية تقرير تلفزيوني مفصل عن طرق جديدة لعلاج مرض السرطان الخبيث، وتتذكرين كيف قالوا ان العلاج الكيمياوي والجراحي والاشعاعي ليس كافيا وهناك طرق اخرى افضل ؟! وراحت سُكينة تشرح لنا كيف ان احدث ابحاث جامعة "جان هوبكنز الامريكية " عن مرض السرطان اكدت ذلك ، وذكرت بأن ان العلاج الكيمياوي قد يدمر الخلايا السليمة ويضر باعضاء مثل الكبد والكلى، وان العلاج بالاشعاع لا يدمر الاورام السرطانية كليا وقد يحرق ويشوه ويضر بالخلايا السليمة والانسجة والاعضاء ، وان العمل الجراحي قد ينقل المرض لاماكن اخرى . وان البحث اشار الى ان الطريقة الفعالة لمحاربة السرطان هو عن طريق تجويع الخلايا السرطانية بحرمانها من الاطعمة التى تحتاجها للتكاثر، وذكر البحث ارشادات مفصلة حول اتباع المرضى لحمية غذائية خاصة تمنع تكون "المحيط الحامضي" الذي تنشط فيه خلايا السرطان !
عاد أَبُو سُكينة للحديث : الذي يهمني من هذا التقرير انه قال ان السرطان هو مرض العقل والجسم والروح. وان الروح والنفس الايجابية والفاعلة سوف تساعد الانسان المريض على الشفاء ، بينما الغضب والكراهية وعدم التسامح تتعب جسم الانسان وتحول بيئة الجسم الى "بيئة حامضية" تلائم المرض .
يا ناس أحبوا بعضكم البعض وتجنبوا "الكلام الحامض" و"الافعال الحامضة"، راح تعيشون بسلام وبدون خوف من نتائج مميتة لسرطان الكراهية وسرطان داعش اللذين يخربان حياة بلدنا ويهددان مستقبل اجيالنا !




309
اللجوء العراقي بعيون الشعر
في يوم 19 نوفمبر / تشرين الثاني ، وبالتنسيق بين جمعية البيت العراقي في فنلندا والمكتبة المركزية  في مدينة توركو ، العاصمة التأريخية  لفنلندا ، أقيمت على قاعة المكتبة المركزية في المدينة أمسية ثقافية تحت عنوان (اللجوء بعيون الشعر) .
افتتح الامسية رئيس البيت العراقي، السيد رياض قاسم مثنى (أبو فيروز) بكلمة رحب بها بجمهورالحاضرين وشكر ادارة المكتبة للتعاون ، واشار  في كلمته الى أن (  العراق بالبرغم من كل الظروف القاسية التي مرت عليه الا انة يعتز بكونة بلد الشعر) وأن (تاريخ العراق القديم ابتدا بملحمة شعرية يعود تاريخها الى الاف السنيين سميت بملحمة كلكامش) واضاف (هذه الاسطورة كانت البداية لمشوار شعري كبير حافل بالابداع متاثرا بالبيئة و الزمان . وفي الاساطير السومرية كانت مناجاة الالهة بعضها لبعض بمثابة نصوص شعرية تحاكي ضمير الانسان . وامتد هذا الارث الشعري ليصل الى مراحل متقدمة و اخذت اساليب القصيدة تتغير وفقا للتطور الحاصل في المنظومة الادبية في عموم العالم، فالعراقييون بطبيعتهم شعب ميال الى قراءة كل منتج فكري جديد و كانت اسماء بودلير و لوركا و ناظم حكمت متداولة في الوسط الشعري بالاضافة الى المدارس الحديثة و التي ابرع فيها شعراء العراق في الانتقال بالقصيدة الى ما هو اكثر تطورا ).
 وافتتح القراءات الشعرية الشاعر صادق الحسيني، بقصائد تناولت هموم الغربة والحنين الى الوطن واضطرار الانسان للهجرة والقبول بحياة المنفى، ورافقه بقراءات النصوص باللغة الفنلندية الفنان "لاسي فاهتولا ". وبسبب من اضطرار الشاعر هاشم معتوق للسفر الى العراق قرأ قصائده بالنيابة عنه باللغة العربية الكاتب يوسف ابو الفوز، وتناولت القصائد بروح فلسفية محنة الانسان في الوجود، بينما تولت الفنانة "كيرسي ستوركوفيوس " قراءة  النصوص باللغة الفنلندية .
تجدر الاشارة الى المساهمة البارزة والفاعلة للسيد ماركو يونتين، الباحث في جامعة تامبيرا، والمهتم بشؤون الاسلام والثقافة العربية، اذ تولى التقديم لكل مساهم وادارة الامسية وترجمة الحوارات الى الفنلندية، وشملت الاسئلة التي وجهها تناول الادب ، وخصوصا الشعر ، لموضوعات مثل الغربة، الوطن ، اللجوء ،الذاكرة والنسيان. وايضا عن مساهمة المرأة العراقية في الحركة الشعرية وعلاقة الاوضاع السياسية بواقع الثقافة العراقية واللجوء . وقدم رياض قاسم مثنى ، صادق الحسيني ويوسف ابو الفوز اجوبة وافية سلطت الضوء على  التطورات والتغيرات في الواقع الاجتماعي والسياسي العراقي وتأثيرات كل ذلك على الانسان العراقي وواقع الثقافة العراقية، وتجدر الاشارة الى ان الجمهور الذي تفاعل مع الامسية  قدم العديد من الاسئلة والمداخلات المهمة.

310
الكلام المباح (103)
أَبُو سُكينةْ وباصْ ستّاليِن !
يوسف أبو الفوز
عدت الى محل سكني ، وفي بالي ترن الضحكات التي اطلقها صديقي الصدوق أَبُو سُكينة وهو يستمع الى الطرائف التي رحنا نتبادلها أنا وجَلِيل، والتي تناولت الاوضاع المأسوية التي يعاني منها شعبنا العراقي. تعلم العراقيون العيش وفق معادلة "شر البلية ما يضحك "، ولطالما كانت النكتة سلاحهم للتعبير عن موقف رافض واحتجاج على اوضاع معينة. هكذا تداول وتوارث العراقيون سلسلة لا حد لها من النكات عن الطاغية صدام حسين وعائلته وزبانيته وحروبه الغير عادلة. كانت أول الضحكات حين روى جَلِيل ان العراقيين لم يسلم منهم المسلسل التلفزيوني الامريكي المشوق "الحسناء والوحش"، الذي عرض لأول مرة عام 1987 وحاز شهرة عالمية كبيرة. يحكي المسلسل عن الصحيفة كاثرين تشاندلر ( مثلت دورها الحسناء ليندا هاملتون)، حيث تم الاعتداء عليها، فيقوم بأنقاذها ورعايتها فنسنت ( مثله رون بيرلمان)، والذي هو مخلوق بجسم وعقلية بشرية لكنه بوجه وحش يشبه القط المتوحش، ويسكن في مجاري وانفاق مدينة نيويوك مع الكثير من الناس الذي يشكلون عالما اخر غير معروف . العراقيون صاروا يتناقلون حكاية ان فنسنت العراقي قرر ترك العراق واللحاق بموجة الهجرة الى اوربا، وحين بكت بين ذراعيه الحسناء اخبرها ان المجاري طفحت بأول زخة مطر وفاضت شوارع بغداد ولم يعد له مكان يأوي اليه !!
لم يكن ضحك أَبُو سُكينة للتسلية، بقدر ما كان ضحكا كالبكاء. كنت ارى في عينيه حزنا دفينا، جعلني الكز جَلِيل عدة مرات لكنه لم يتوقف. انقذتني زوجة جَلِيل وهي تسأل عن تطورات مسلسل الوثائق الرسمية التي بدأت تظهر وتنشر، وما صار يعرف بـ"وثائق احمد الجلبي"، والتي دفعت  البنك المركزي العراقي للاعتراف بتهريب الاموال العراقية وبمليارات الدولارات، وعن اتخاذه سلسلة أجراءات قانونية بحق المصارف والزبائن المخالفين للتعليمات الخاصة بمزاد العملة الصعبة للاعوام ما بين 2006 حتى 2014، حينما كان نوري المالكي رئيسا للوزراء. تغير مجرى حديثنا كله. زوجتي قالت : هذه الوثائق أذا تم التعامل معها بشكل قانوني ومنصف، سوف تفضح الوجه الحقيقي لوحوش الفساد، الذي يعتقدون ان الشعب غافل عنهم . سُكينة من جانبها قالت إذا مَنعت القوى الامنية التظاهرات من الوصول الى المنطقة الخضراء، فلا يمكنها منع تصاعد صوت الشعب العراقي ، الذي لم يعد بأمكانه السكوت عن وحوش وحيتان الفساد . قال جَلِيل بحرقة : هؤلاء المفسدون ... الى اين يقودون الوطن ؟!
عقب أَبُو سُكينة بألم : يريدونه أن يكون باصا في محطة أنتظار لفترات طويلة وربما أبدية !
أَبُو سُكينة هنا يشير الى حكاية قرأتها له قبل أيام عن القائد السوفياتي جوزيف ستالين ( 1878 – 1953) الرجل الحديدي، الذي عرف كونه عسكريا شديدا ومن الطراز الاول ، ونشر عنه مؤخرا انه لم يكن معروفا عنه، كونه ميالا للسخرية والمزاح أحيانا.  ويروى عنه أنه في أجتماع  رسمي سأله احد الحاضرين أن كان باص "النصر" سيتم تسميته "الوطن". فرد ستالين من فوره ساخراً:  حسنا، وكم من الوقت ستكون فترة انتظار "الوطن"؟


311
الشعب الفنلندي من جديد يرفض عضوية حلف الناتو !


هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
في آخر استطلاع للرأي نظمته هيئة الاذاعة الفنلندية YLE حول عضوية فنلندا في حلف شمال الأطلسي أظهر أن 55٪ من الفنلنديين يعارضون ذلك. هناك انخفاض طفيف ارتباطا بالعام الماضي حيث النسبة كانت 58 % بالمئة. انخفض التأييد للعضوية من 26 % إلى 22% . وازداد عدد الأشخاص الذين هم على الحياد بشأن هذه القضية في نفس الفترة من 16 % إلى 23%. هذا يقودنا الى مجموعة من الاسئلة منها: لماذا يعود هذا الموضوع الى الواجهة الان ؟ لماذا يواصل الفنلنديون الحديث عن هذا الموضوع ؟ ومن دون اتخاذ اي قرار؟ بالاضافة الى التراكم التأريخي من حقبة الحرب الباردة، وحاليا الازمة السورية، الازمة في اوكرانيا والصراع على الموارد الطبيعية في منطقة القطب الشمالي، فأن جميع هذه العوامل تقود الى عودة موضوع حلف الناتو في كل مرة !
أعتقد ان هذا الموضوع ، سيظل دائما يحتفظ بحيويته، لأنه مرتبط بالعديد من العوامل السياسية والاقتصادية التي تاتي قبل الاسباب العسكرية. في الانتخابات البرلمانية الاخيرة في فنلندا أبريل/ نيسان كان موضوع حلف الناتو احد الموضوعات الانتخابية التي سلط عليها المرشحون الكثير من الضوء.  وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بدأت وزارة الشؤون الخارجية الفنلندية بإعداد تقريرها عن السياسة الخارجية والسياسة الأمنية للبلاد وفقا لبرنامج الحكومة ولاجل تعزيز موقف فنلندا الدولي، ولتأمين الاستقلالية وسياستها الإقليمية في سبيل أمن فنلندا ، وكذلك لتحسين أمن ورفاهية الشعب الفنلندي . واحدة من النقاط المهمة في التقرير هي تقييم الاثار  لاحتمال  دخول فنلندا لحلف الناتو !
لا أحد يمكن ان ينسى أهمية عامل الجغرافيا. وهذا يعني ان فنلندا عليها الاهتمام والانتباه الى موقف الدول المجاورة وخاصة روسيا والسويد. في السويد نما الشعور لدعم التحالف العسكري مع حلف الناتو. في استطلاع للرأي اجرته صحيفة سفينسكا داك بلاديت  Svenska Dagbladet السويدية في سبتمبر/ ايلول الماضي كانت النسبة لصالح العضوية في حلف الناتو 41% من المشاركين. وقبل ذلك بعام كان المناصرون 31% .
 ان فنلندا ، وفي أطار العلاقة مع حلف الناتو، لها تنسيق عال مع جارتها السويد، فقد شاركا فعليا معا في انشطة عديدة للحلف. وزير الدفاع السويدي بيتر هولت غفست Peter Hultqvist تحدث عدة مرات عن توثيق التعاون بين فنلندا والسويد في سياستهما الدفاعية، وان البلدين يسعيان للتعاون في اعداد التقييمات بشأن القضايا المتعلقة بحلف الناتو. رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الفنلندي ايلكا كانيرفا Ilkka Kanerva قال لصحيفة "هلسنكى سانومات"  Helsingin Sanomatان البلدين يعدان تقاريرهما الامنية الخاصة على أساس المباديء الخاصة بهما،وأن الاخذ بالاعتبار ما يحدث في البلدان المجاورة، على الجانب الاخر، سيضيف مصداقية أكبرعلى التقارير .
ماذا على الجانب الاخر من الحدود الشرقية .. عزيزي القاريء؟ انها روسيا ! الجار الاكبر لفنلندا، حيث الحدود بينهما تمتد لاكثر من الف وثلاثمئة كيلومترا عبر غابات وبحيرات متشابكة. كما أن المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية متشابكة تأريخيا . هذا يجعل فنلندا تفكر بعمق لرد الفعل الروسي لكل خطوة سياسية تقدم عليها .
أن تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية بين حلف الناتو وجمهوريات الاتحاد السوفياتي انتقل وتحول الى تضارب المصالح بين الحلف وروسيا. في العقود الاخيرة نجح حلف الناتو ان يضم الى عضويته العديد من البلدان في اوربا الشرقية. هذا التطور جعل روسيا تتخذ العديد من الاجراءات السياسية مع اقتراب حلف الناتو من حدودها، وفي حال ان فنلندا أنضمت الى الحلف مستقبلا . 
في فنلندا ظلت قوى اليسار الفنلندية تعارض أي تطور نوعي في العلاقات مع حلف الناتو. القوى السياسية اليمينية التقليدية في فنلندا لها موقف أيجابي من الانضمام للحلف. في الخطب السياسية تبنت الحكومات الفنلندية سياسة "لا لإغلاق الباب". وهذا يتمثل في عدم الانضمام للناتو في المستقبل القريب ولكن في الوقت نفسه عدم إغلاق الباب في التنسيق والتعاون مع الحلف في نشاطاته. وتبعا لهذه السياسة شاركت فنلندا في قوة حفظ السلام في افغانستان، وعدد من المناورات العسكرية للحلف. وقد أغضبت التدريبات العسكرية الجارة روسيا . البعض من الاحزاب اليمينية الفنلندية ، يدعو مباشرة للدخول في عضوية الحلف . النائب بيرتي سالولاينين Pertti Salolainen من حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين) ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الفنلندي يقول : ان المجموعة البرلمانية لحزبه تعتقد ان فنلندا والسويد يجب أن ينسقا مع بعض ويتقدما معا بطلب العضوية لحلف الناتو .
أن نتائج اخر استطلاع في فنلندا تقول حتى لو ذهبت السويد الى عضوية حلف الناتو، فأن الشعب الفنلندي يجد السلام دون الحاجة للدخول في تحالف عسكري، الذي من شأنه ان يرفع الميزانية العسكرية للبلاد ويشكل عبئا اضافيا على الاقتصاد. أن الشعب الفنلندي يمكنه الاختيار، ان يضع جانبا تاريخ الحروب والصراعات في المنطقة، لكنه لا يستطيع تجاوز الجغرافيا، لأنها تملك دائما حقيقة واقعة، ولا توجد وسيلة للهروب من العلاقات السلمية بين الدول والشعوب المتجاورة. ومن أجل المحافظة على المنجزات الديمقراطية للشعب الفنلندي، فأن السلام مطلوب في المنطقة وضروري جدا .
تجدر الاشارة الى ان العلاقة بين فنلندا وروسيا تأريخية ومرت بمنعطفات كثيرة. من  عام 1809 وحتى عام 1917 كانت فنلندا جزءا من الإمبراطورية الروسية. خاضت القوات الفنلندية ضد الاتحاد السوفييتي اثنين من الصراعات العسكرية: حرب الشتاء (1939-1940) وما عرف بحرب الاستمرار (1941-1944). بعد الحرب العالمية الثانية أعتبرت فنلندا نفسها دولة محايدة . في فترة الحرب الباردة حاولت  أتخاذ موقفا وسطا بين الكتل الغربية والشرقية. وكانت العلاقة مع الجارة الكبيرة دافئة وباردة على حد سواء ، وتتقلب مع  مرور السنين . بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انضمت فنلندا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1995، والذي وضعها بشكل فعال  كجزء من المعسكر الغربي.  فنلندا الان تستورد كميات كبيرة من السلع والضروريات الأساسية من روسيا، مثل الطاقة والوقود. روسيا تستورد كمية كبيرة من البضائع الفنلندية، مثل المنتجات الخشبية، ومختلف الخدمات، مثل تكنولوجيا الاتصالات.


312
في فنلندا ... ندوة حوارية عن جذور أزمة اللاجئين

الكاتب يوسف أبو الفوز اثناء تقديم مداخله (تصوير رياض مثنى)
توركو ـ طريق الشعب
 في مدينة توركو ، العاصمة التأريخية لفنلندا، في يوم 29 أكتوبر، وعلى قاعة معهد الدراسات الاجتماعية ، نظم معهد الهجرة الفنلندية ندوة حوارية بعنوان (جذور أزمة اللاجئين : وجهات نظر من إثيوبيا والعراق والصومال)، وبحضور وأسهام مسؤولين من وزارة الخارجية الفنلندية ودائرة الهجرة الفنلندية وباحثين  ومتخصصين من جامعات توركو وهلسنكي وتامبيرا وممثلين عن منظمات المجتمع المدني . وأسهم الكاتب العراقي والباحث في جامعة تامبيرا، يوسف أبو الفوز، بمداخلة بعنوان "عن الاسباب الحقيقية لموجة الهجرة الاخيرة من العراق ". وقال ان الهجرة الحالية من العراق الى اوربا ومنها فنلندا ليست بظاهرة عابرة ، وان جذور الازمة تعود الى الواقع العراقي الصعب، نتيجة مخلفات سياسات نظام صدام حسين اليكتاتوري ، الذي افرغ البلاد من قوى معارضة مدنية وديمقراطية، وخاض حروبا عدوانية ضد جيرانه وشعبه، وكانت من نتائجها سنوات الحصار الاقتصادي الثقيلة، هذه العوامل معا خربت البنى التحتية للبلاد والمجتمع، مما وفر اجواءا لصعود تيارات الاسلام السياسي الذي غذى الطائفية السياسية ، وجاء الاحتلال الامريكي للبلاد فوضع معادلة المحاصصة الطائفية والاثنية لحكم البلاد ، التي روجت أكثر للطائفية السياسية وخربت المجتمع العراقي .
وتطرق أبو الفوز الى نهج المحاصصة الطائفية الذي سارت عليه ادارة الحكم منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، الذي لم يقد سوى الى فشل وعجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن تأمين تطلعات الشعب العراقي في حياة حرة كريمة، واضعف كثيرا كيان الدولة العراقية ، وساعد على استباحة واغتصاب مساحات واسعة من قبل عصابات داعش الارهابية. وان هذا النهج قاد أيضا الى الاستهانة بحقوق الانسان والتفريط بروح المواطنة والمساواة .  واشار ابو الفوز الى حركة الاحتجاج والتظاهرات التي عمت المدن العراقية وخصوصا العاصمة بغداد، والتي جاءت لاجل اصلاح النظام  السياسي ومحاربة الفساد الاداري والمالي واعادة الهيبة  لمؤسسات الدولة واعادة هيكلة القوات المسلحة العراقية، والاسهامة المتميزة للشبيبة العراقية في ديموتها واستمرارها .
 وبين ان موجة الهجرة الحالية ترتبط ارتباطا عميقا بما يحصل، فهناك جزء من الشبيبة العراقية تبحث عن حلول تتناسب مع قدراتها النضالية ووعيها وامكانيتاها المعرفية، فأختاروا طريق الهجرة كشكل من الأحتجاج السلبي ضد  الواقع المأساوي الذي يعيشونه والذي فقدوا فيه الامل بتحسن حياتهم نحو الافضل .
 وتناول ابو الفوز  العوامل التي اجتمعت وساعدت في ذلك ، ومنها فتح تركيا للحدود مع اوربا وغضها النظر عن نشاط وعمل المهربين، ارتباطا بالاوضاع السياسية في سوريا، ونكاية بالغرب وعدم وموافقته على انشاء منطقة عازلة . ودور المهربين المتاجرين بالبشر ، في نشر الدعايات المظللة عن  سهولة الرحلة وكون فنلندا تحسم امور اللاجئين خلال ثلاث شهور ، وان اللاجيء يحصل على  سكن ومساعدات او عمل خلال فترة وجيزة ، ويضاف الى ذلك حقيقية ان فنلندا لها سمعة طيبة بين العراقيين كبلد ديمقراطي وحضاري ، وكونها لم توقع مع الحكومة العراقية على اتفاقية حول اعادة اللاجئين اذا تم رفضهم ، اضافة الى الدور الهائل لوسائل التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك ومواقع الانترنيت  في نشر المعلومات المظللة .
وتجدر الاشارة الى ان الباحث الفنلندي في جامعة تامبيرا ماركو يونتنين، وخلال مداخلته عن"دور وسائل التواصل الاجتماعي في موجة الهجرة " اشار الى سنوات النظام الديكتاتوري في العراق حيث غياب المعلومات وغياب حرية التعبير، أذ كان محرما على المواطن العراقي استخدام الانترنيت او وجود صحف معارضة او استخدام اجهزة الستلايت لاستقبال الفضائيات التلفزيونية . وبين  بالتفصيل ومع الامثلة دور  ال "فيس بوك" في نشر المعلومات المظللة التي خدعت الافا من الشباب العراقي .


الباحث ماركو يونتنين يقدم مداخلته (تصوير ياض مثنى)
*عن طريق الشعب .. العدد 60 السنة 81 الأثنين 2 تشرين الثاني 2015

313
المنبر الحر / چۆنى كاكه !
« في: 22:02 31/10/2015  »
الكلام المباح (102)
چۆنى كاكه !
يوسف أبو الفوز

كنا فرحين جدا بأخبار الانتصارات التي تحققها القوات ألامنية المشتركة ، من الجيش العراقي والحشد الشعبي، وقوات البيشمه ركه، على مختلف محاور المواجهات مع عصابات الظلام الداعشية ،وتقدمها الاخير في مناطق صلاح الدين والانبار، وكان جَلِيل يروي لأبيه تفاصيلا عن عمليات تحرير القصور الرئاسية الواقعة على تلال حمرين ، في شمال مدينة تكريت.
من باب المطبخ وبدون مقدمات قالت أم سُكينة : قريباً نشوف من راح يسكن فيها؟ ردها جَلِيل  بصوت عال حتى يسمع والده :" مثلما حررها أبطال القوات المشتركة، راح شعبنا يحررها ممن يسكنها بدون حق". ضحك أَبُو جَلِيل وقال لأبنه : "يحررها" ؟... يعني كلامك فيه "أن" ! . والتفتنا جميعا نحو جَلِيل، الذي ضحك وقال لأبيه : لا تورطني، لا "أن" ولاهم يحزنون، لا أفهم كيف تفسر كلامي؟  وضحك أَبُو جَلِيل     بصوته الاجش وقال : كنا بألايام السوداء، أيام حكومات العهود الظالمة، نقول متى نتحرر من ظلم الحكام غير العادلين الذين يسرقون حقوق الناس؟ حتى ونحن في السجن، لم نفقد الامل بهذا اليوم، لان تعلمنا ان الظلم عمره قصير وان الشمس لازم تطلع على الحرامية، وهذا  أَبُو سُكينة عندكم وأسألوه .
ولفت انتباهي، ان صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كان يتفرج ويتسمع لأحاديثنا دون ان يشاركنا على غير عادته، فألتفت له لأحاول سؤاله، ويبدو انه فهم مقصدي، فأستعدل في جلسته وقال: ان الايام السوداء، التي يقصدها أَبُو جَلِيل رفيقي في الحياة والسجون والشيخوخة، هي تلك الايام، التي كانت فيها أزلام الحكومات المسعورة، تخاف من كلمة الحق . حين نقولها، او نتظاهر ونهتف بها او نكتبها في المنشورات التي نوزعها. وتذكرت هذه الايام ، وانا اتابع الاخبار المقلقة من الاقليم، كيف مرة اعتقلونا انا وأَبُو جَلِيل، واخرين، لأننا وزعنا بيانات تدعو للسلم في كردستان. والان، وأنا اتابع الاخبار، واشوف أن هذا السلم يتهدد من جديد، فأن قلبي يوجعني لأن هذه المرة، وللأسف الشديد ، السلم في كردستان يتهدد على يد ابناء كردستان وليس غيرهم !
والتفتَ لأبي جَلِيل وقال له : شنو رأيك ناخذ عكازاتنا ونروح لكردستان، الى السليمانية واربيل، وندق أبواب المسؤولين هناك، ونذكرهم، بما حل بكردستان من كوارث وقوافل الشهداء التي لم تجف دماؤهم بعد من على سفوح جبال كردستان الأبية، من شهداء البيشمركة الأبطال البواسل، الذين قدموا دماءهم ثمناً وهم يدافعون عن العراق وعن الشعب الكردي . ونذكرهم بسنوات عمرنا التي قضيناها في السجن لاجل السلام في كردستان وحتى ينال الشعب الكردي حقوقه المشروعة، ونقول لكل واحد نشوفه ... چۆنى كاكه ... لو تهدئون الاوضاع وتخففون من التشدد في خطابتكم، وتعملون بمنطق العقل والحكمة وبروح ديمقراطية، حتى تجنبون شعبكم مصائب جديدة، أو ترجعون لنا سنين أعمارنا من ايام شبابنا التي قدمناها لأجل حرية ورفاه وتطور كردستان !


314
الشهيد لافين وصفي أسكندر .. لترقد روحك بسلام !

في هذا الوقت العصيب، حيث تحاول عقارب الظلام العنصرية ، بث سمومها، ضد مشهد التأخي والتعايش الانساني، ينهض بطل عراقي، من عائلة شيوعية مناضلة،  ذاقت المر من عنصرية البعث العفلقي، وقدمت وعانت الكثير من التضحيات لاجل حياة حرة كريمة ليسجل موقفا شجاعا تنحني له الجباه.
لم يكن مفاجئا الموقف الشجاع من الشهيد لافين وصفي اسكندر، وهو يتصدى  للأفَّاق العنصري، الذي حاول الأعتداء على تلاميذ صغار، فتصدى له بكل شجاعة مضحيا بحياته دفاعا عن تلاميذه.
مشهد في البطولة يسجله أبناء العراق وهم بعيدا عن ارض وطنهم .
منظمة الحزب الشيوعي العراقي  تنعى  الشهيد البطل، وتتمنى من كل شاب عراقي تطأ اقدامه الارض الاوربية ان يتذكر ان اي فعل، مهما كان، سيسجل بأسم وطنه وأبناء شعبه.  لقد رفع لافين أسم ابناء شعبه عاليا وقدم أمثولة ستبقى حية في النفوس .
للرفاق الاحبة.. العزيز وصفي اسكندر والعزيزة انتصار فارس، وكل افراد العائلة واصدقاء ومحبي الشهيد، كل التعازي الصادقة الحارة بمصابهم الجلل، متمنين لهم الصبر والسلوان، ونحن كلنا فخر ــ معكم ــ بأبننا الشهيد.
لترقد روحك بسلام ايها البطل، فالبطولة لا تسجل الا بموقف أنسان شجاع مثلك !

منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا
هلسنكي 23 تشرين اول 2015 

315

تطورات أزمة اللاجئين العراقيين في فنلندا






هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
في الثاني عشر من شهر تشرين أول / أكتوبر، أصدرت مجموعة من نحو ثلاثة مئة من طالبي اللجوء العراقيين في فنلندا نداءا إلى الشعب الفنلندي والحكومة يطلبون فيه الحماية واللجوء. وقال طالبو اللجوء العراقيين في مناشدتهم : "  نحن جئنا بسبب انعدام الأمن والتهديدات التي فرضت علينا وعائلاتنا من قبل سياسة الحكومة العراقية والصراع الدائر في الشرق الأوسط . ونحن لا يمكن أن نعود إلى العراق لأن معظمنا سوف يواجهون الموت أو السجن. وصلنا إلى فنلندا للعثور على الأمل والأمان والحياة الكريمة " . وأستعرض أعضاء من المجموعة  لوسائل الإعلام صورة للعراق الحالي، وخصوصا عاصمتها بغداد، كمنطقة خطرة تتسم بوجود العنف التعسفي. ففي الآونة الأخيرة كان هناك نقاش في وسائل الإعلام حول نوايا محتملة من الحكومة الفنلندية لاعادة أعداد من طالبي اللجوء العراقيين إلى بلادهم .
في العشرين من اكتوبر / تشرين أول استكملت دائرة الهجرة الفنلندية معلوماتها ومبادئها التوجيهية بشأن العراق. وعلى أساس هذا التقييم، أفادت بتحسن الوضع الأمني في العديد من المناطق في العراق.   ويقول تصريح دائرة الهجرة أن "الوضع الامني في تحسن خاصة في محافظة بابل ومدينة كركوك.  وإن الوضع الأمني في بغداد لا يزال معقدا، ولكن كل الناس الذين يأتون من بغداد لا يمكن اعتبارهم  يواجهون خطرا شخصيا مباشرا في الوقوع ضحية للعنف ." دائرة الهجرة الفنلندية أبلغت أن طلبات الحصول على حماية دولية يتم فحصها بشكل فردي والقرار يكون على أساس بيانات الشخص بشأن الاضطهاد الشخصي بعد مراجعة الحقائق والمعلومات التي تم الحصول عليهاعن الوضع الأمني في مناطق مختلفة من العراق.
 فنلندا بدأت ترسم سياستها فيما يخص اللجوء بما يتماشى مع بقية الدول الاوربية، وأتباع نهج أكثر صرامة مع طالبي اللجوء الذين وصلوا هذا العام. ففنلندا تتفاوض حاليا مع العراق للتوصل إلى اتفاق لاعادة طالبي اللجوء إلى الوطن، في حال يتم رفض طلباتهم. ان دولا مثل السويد ودول الشمال الأوروبي الأخرى لديها بالفعل هذا الاتفاق ، فنلندا تريد أن تكون على نفس الخط من ذلك.
من خلال المتابعة ، فان بعض الأسباب وراء مجيء اللاجئين العراقيين الى فنلندا تبدو التالية : لايوجد اتفاق لفنلندا مع الحكومة العراقية حول اعادة اللاجئين في حال تم رفضهم، وايضا ان فنلندا لديها سمعة طيبة بين الشعب العراقي باعتباره بلدا ديمقراطيا ومتحضرا ، وكانت قرارات توحيد العائلات بما يعرف بلم الشمل أسرع من غيرها من الدول الاوربية .
 تقرير  من وكالة ( اسوشيتد برس) يخبرنا أنه في العام الماضي، ان العراقيين الذين قدموا طلبات للحصول على اللجوء في فنلندا كان عددهم  790 ، وتمت الموافقة على  123 شخصا  فقط  . وتم رفض 350 شخصا واكثر من مئة شخص تم ترحيلهم الى العراق وعاد الباقي إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى حيث كان وصولهم أولا.
 المعلومات الواردة من دائرة الهجرة الفنلندية تقول لنا ان حتى نهاية سبتمبر بلغ عدد اللاجئين العراقيين الذين يطلبون الحماية من هذا العام  12329 شخصا .
السيد رياض مثنى، رئيس البيت الثقافي العراقي في فنلندا قال لنا ، أن عودة طالبي اللجوء إلى العراق يعني إرسالهم إلى المجهول. أن العنف الطائفي والجماعات المسلحة التي تسيطر على الشارع أكثر من مؤسسات الدولة تجعل الشباب يشعرون بالضياع وبلا أمل. وأضاف السيد رياض مثنى: "يجب على الحكومة الفنلندية عدم الاعتماد على البيانات الحكومية العراقية"
وللاطلاع على اوضاع اللاجئين ،  تجولنا بين العديد من مراكز اللاجئين في توركو وهلسنكي وتحدثنا مع كثير من  طالبي اللجوء .  الشاب االعراقي حميد الحسامي (26 عاما) من  بغداد قال لنا :" كيف يمكن ان اعود الى بغداد،  حيث قتلت المليشيات المسلحة اثنين من أصدقائي المقربين "، وعاد ليقول بأن لغة هذه المليشيات في الحوار مع من يخالفهم في الرأي هو كاتم الصوت .
وسألناه عن عدد اللاجئين العراقيين الذين عادوا من تلقاء أنفسهم بأنفسهم، وقال: أعتقد أنهم مخطئون للقيام بذلك. بل هو خطأ كبير. أغلبهم كانوا صغارا في السن وبدون تجربة كبيرة اعتقد انهم ظنوا بانهم سيجدون حلولا سريعة لقبولهم كلاجئين ، لكنهم وجدوا أن التدابير الفنلندية تستغرق وقتا طويلا . السيد رياض مثنى يعود للقول : وفقا لتقديرات الصحافة، أن عدد طالبي اللجوء الراغبين بالعودة طواعية الى العراق، ما يقرب من مئتي شخص.هذا الرقم لا يعد شيئا بالمقارنة مع الآلاف من الباحثين عن سقف آمن."
يبدو للمراقبين ، انه من الصعوبة ايجاد  حلولا سهلة وسريعة لأزمة اللاجئين . ان مؤسسات الاتحاد الأوروبي في حاجة للتعاون لإيجاد الحلول المناسبة للجميع . ولنتذكر ان الإنسان، أي شخص في كوكبنا، لديه الحق في أن يكون حرا وينال حياة كريمة . وان القوانين الدولية تضمن ذلك. وربما من الجدير بالذكر أن نعرف أن شيئا عن إجراءات اللجوء في فنلندا، وكونها  كدولة ملتزمة التزاما كاملا، بتوقيعها على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين لعام 1951. وينبغي أن تستند إجراءات النظر في طلب اللجوء في دراسة كل طلب على اعتبار فردي وعلى حدة  لكل حالة بشكل متسارع او عادي . وتقدم طلبات الحصول على اللجوء إلى الشرطة أولا أو إلى ضابط الجوازات. وحيث يتم نقل طالبي اللجوء إلى مراكز الاستقبال الموجودة في أجزاء مختلفة من البلاد. وأن دائرة الهجرة الفنلندية هي صاحبة القرار بالموافقة على اللجوء بعد مقابلة طالب اللجوء. وأن القرارات السلبية يمكن الطعن بها واستئنافها من خلال المحكمة .

317
الكلام المباح (101)
حِزامُ السِّيَاسَة !
يوسف أبو الفوز
قبيل مغادرتي الى أربيل للمساهمة بمؤتمر رابطة الانصار الشيوعيين الثامن، قررنا، مع زوجتي، زيارة صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، للأطمئنان على وضعه الصحي، فوجدنا ان الجميع سبقنا الى هناك. بالكاد ألقينا التحية، ثم تواصلت الاحاديث التي قطعها قدومنا . كانت سُكينة غاضبة لتعرض ناشطين في التظاهرات السلمية الى الاختطاف رغم الوعود الرسمية بحماية التظاهرات والاعلاميين والنشطاء المدنيين. أما جَلِيل فكان يعرض على الحاضرين بعض الوقائع عن انتهاكات حقوق عدد من المعتقلين، كأرغامهم على توقيع براءات وتعهدات بعدم المشاركة وحتى استخدام بعض اساليب التعذيب معهم .
 قالت سُكينة : ان المصيبة الاكبر هو أن الجهات الامنية الرسمية  تعلن عدم مسؤليتها عن بعض حوادث الاختطاف ، مثل أختطاف الناشط المدني "جلال الشحماني" .
عرضت لهم ما نقلته تقارير أعلامية ومراقبون عن تصاعد نشاط المجموعات المسلحة، حيث يقدر البعض عددها بأكثر من 30 مجموعة تتحرك بحرية في بغداد، وبعضها يسيطر على مناطق بأكملها وتنصب حواجز تفتيش خاصة بها بدوافع سياسية او طائفية، كما ان بعضها مدعوم من جهات حزبية نافذة وحتى جهات خارجية، ومستعدة لتصفية حياة كل من يعارض نهجها ونشاطها.
 أضافت زوجتي : ان على الحكومة والمؤسسات الامنية ان تتحمل مسؤلياتها كاملة وتضمن أمن وسلامة المواطنين  فهذا التزام سياسي واخلاقي وقانوني، وان تعمل جهادة لحفظ هيبة الدولة، والحد من نشاط هذه المليشيات، واطلاق سراح المعتقلين والمختطفين وأنقاذ حياتهم .
 عاد جَلِيل ليقول: بأن المحن تكالبت على وطننا، فمع أستمرار جرائم داعش والموت الذي تزرعه في المناطق التي تسيطر عليها، والتفجيرات الاجرامية الارهابية في بغداد ومدن غيرها، ونشاط المليشيات المسلحة غي القانوني، جاءت الكوليرا لتحصد ارواح الناس، ولتكشف جانبا اخر من فشل مؤسسات دولة المحاصصة الطائفية في توفير حياة آمنة وكريمة للعراقيين .
سعل أَبُو سُكينة وسأل : وين وصلت اخبار حُزَمٌ الاصلاح ؟ أجابت سُكينة موجهة كلامها للجميع : الا ترون ان التظاهرات السلمية متواصلة؟ هذا دلالة على ان الوعود بالاصلاح ما زالت تواجه مقاومة وممانعة من القوى المتضررة منها . والصورة الان واضحة جدا ، من هو مع حُزم الاصلاح ومن هو ضدها ؟
طوال أحاديثنا كان أَبُو جَلِيل يجاهد للاستماع لما يقال ليشارك معنا . ولأننا أعتدنا مشكلته مع ثقل سمعه، كنا نتحدث دائما بصوت عال، ومن يكون بعيدا عنه يكاد يتحدث بصوت اعلى ، ومع ذلك لا تصل اليه كلماتنا وعباراتنا سليمة دائما ، وعليه فحينا ادلى برأيه لم يضحك أي منا. اكتفينا بالابتسام ونحن نستمع له :
ــ بالتأكيد، والفين تأكيد، تصير عند سياسينا مشكلة مع الحِزِم (بكسر الحاء والزاي)، ما شاء الله سياسينا لا يوجد اكشخ منهم، وللأمانة كل واحد منهم من يطلع بالتلفزيون ، تقول عريس، ويمكن نص رواتبهم مخلصيها على البدلات، فمعقولة جدا .. جدا أن تكون عندهم مشكلة مع الحِزِم وتوفرها في الاسواق!


318
البلاغ الختامي للمؤتمر الثامن لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين
أنعقد، في أربيل، عاصمة ألاقليم، وللفترة 1 ــ 3 تشرين أول / اكتوبر 2015 المؤتمر الثامن لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين، وتحت شعار(دحر الارهاب والتطرف وبناء دولة المواطنة الديمقراطية).
أقيم حقل الافتتاح، الذي شهد حضورا متنوعا من اعضاء واصدقاء الرابطة، وحضره السيد فاضل ميراني سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وزير ثقافة كردستان السيد خالد دوسكي، وممثلو الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني، في قاعة الاحتفالات في وزارة ثقافة كردستان، التي زينت بالشعارات باللغتين العربية والكردية وحيت نضالات الانصار ومجدت شهداءهم وتضحياتهم، وتضامنت مع الحراك الشعبي في مختلف مدن الوطن .
أبتدأ الحفل بنشيدي موطني و" ئي رقيب "، ثم الكلمة الترحيبية بأسم الانصار الشيوعيين واصدقائهم، وليقف الجميع دقيقة صمت لارواح الشهداء الانصار وشهداء الحركة الوطنية.
ووصلت الاحتفال الافتتاحي رسالة من رئيس الاقليم، النصير ــ البيشمه ركة مسعود البارازاني، عبر فيها عن أعتزازه وتقديره لنضالات الأنصار الشيوعيين وتضحياتهم الجسام، وخص العرب منهم بالتحية، وأعرب عن أعتذاره للحضور والمشاركة بسبب أرتباطاته وانشغالاته.
وقُدمت كلمات بأسم ممثل رئاسة الاقليم قدمها السيد عمر عثمان، وكلمة وزارة البيشمه ركة قدمها العميد الركن هزار، كلمة ممثل رئيس الوزراء قدمها السيد حميد أفندي، ثم كلمة الحزب الشيوعي العراقي قدمها الرفيق النصير حسان عاكف عضو المكتب السياسي، وكلمة الحزب الشيوعي الكردستاني قدمها الرفيق زيرك كمال عضو المكتب السياسي، والتي أثنت جميعها على نضالات الانصار الشيوعيين وأشادت بتضحياتهم وبطولاتهم.
 أخر الكلمات، كانت للجنة التنفيذية لرابطة الانصار الشيوعيين، قدمها النصير الفريق نعمان سهيل "أبو رائد"، التي أستعرضت الأوضاع السياسية في عموم البلاد والصعوبات فيها، وحجم المواجهة مع عصابات الأرهاب، وأشادت بالنهوض العمراني في أقليم كردستان وبطولات البيشمه ركه في تصديهم لما يسمى بـ "الدولة الاسلامية"، وأشارت الى ضرورة توصل القوى السياسية الكردستانية الى التوافق لحل الاشكالات السياسية أو الذهاب الى الشعب بأعتباره مصدر السلطات. وعبرت كلمة اللجنة التنفيذية عن تضامنها الكامل مع الحركة الاحتجاجية المستمرة في مختلف المدن العراقية، وادانت الاساليب البوليسية والقمعية في التعامل مع المتظاهرين، وأشارت الكلمة الى احوال النازحين وأهمية معالجة أوضاعهم المأسوية.
كما وصل المؤتمر العديد من البرقيات من الأحزاب الوطنية والكردستانية ومنظمات المجتمع المدني، أشتركت في التعبير عن إحترامها وتقديرها  لنضالات الأنصار الشيوعيين ومآثرهم البطولية.
وشهد الحفل الأفتتاحي عرض فلم قصير عن التظاهرات التي تشهدها مدن العراق، لأجل إصلاح النظام السياسي ومحاربة الفساد والمحاصصة الطائفية. وأسهم الشاعر عريان السيد خلف بألقاء بعض من قصائده، التي نالت إعجاب وتصفيق الجمهور. وجنبا الى جنب مع الحفل تم أفتتاح المعرض الفوتغرافي للنصير الفنان علي البعاج، ويذكر ان فعاليات الحفل الافتتاحي، وعلى شاشة خاصة، رافقها عرض صور من حياة ونضالات الانصار الشيوعيين العراقيين .
وأنتقل الرفاق المندوبون الى قاعة المؤتمر، حيث تم أقرار شرعية المؤتمر، وأنتخاب هيئة رئاسة للمؤتمر، ولجان الأعتماد وكتابة المحضر ولجنة التدقيق المالي، ولجنة صياغة القرارات والتوصيات والبيان الختامي.
وفي جلسات عمل متتالية،وليومين متتاليين، وبروح عالية من الشعور بالمسؤولية والحرص وفي ظل أجواء ديمقراطية، جرت سجالات ونقاشات للوثائق المقدمة الى المؤتمر وهي : التقرير الانجازي، مشروع النظام الداخلي، تقرير لجنة النازحين، تقرير موقع "ينابيع العراق" الاليكتروني والتقرير المالي. وقد تم أقرار هذه التقارير مع التعديلات التي ادخلت عليها. كما تمت مناقشة العديد من القرارات والتوصيات التي تقدم بها المندوبون،وعرضتها لجنة صياغة القرارات والتوصيات، واللجنة الخاصة لمراجعة النظام الداخلي، ليتم اقرارها والموافقة عليها من قبل المؤتمر.
وفي جو من الشفافية والحرص تم أنتخاب هيئة تنفيذية جديدة والتي سوف تأخذ على عاتقها مسؤولية قيادة الرابطة لمدة عامين قادمين، وفي الختام تم التأكيد على روح التلاحم والروح الحميمية التي يتمتع بها الانصار وعرفوا بها. ومن الجدير بالذكر انه وخلال جلسات المؤتمر تم تكريم عدد من النصيرات المشاركات في المؤتمر، تقديرا لمساهمة النصيرات في حركة الأنصار الشيوعيين. وأختتم المؤتمر بالهتافات والاغاني الانصارية.
أربيل    3 /10/ 2015   

319
في فنلندا .. أمسية ثقافية عن الهجرة واللجوء والتعدد الثقافي فنلندا

توركو ــ طريق الشعب
ضيّف البيت الثقافي العراقي في فنلندا ، الخميس الماضي 17 أيلول ، الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز والباحث الفنلندي الدكتور ماركو يونتنين، في أمسية ثقافية وحوار مفتوح حول الهجرة واللجوء والتعدد الثقافي، حضرها جمع من المهتمين.
أقيمت ألامسية على قاعة المركز الثقافي " لنعمل معا" في مدينة توركو الفنلندية، وأدارها رئيس الهيئة الادارية للبيت  الثقافي العراقي رياض قاسم مثنى ، الذي رحب بالضيفين والحضور .وعرف بالضيفين وشكر الحاضرين للاستجابة للدعوة ، ثم طلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على ارواح الاف الضحايا من العراق وسوريا الذين  غرقوا او ماتوا خلال رحلات البحث عن سقف أمن ، وايضا روح الناشط المدني الالباني الجنسية سليم سليمي المعروف جيدا بين الجاليات الاجنبية والذي رحل مؤخرا في توركو .
 تحدث أبو الفوز تحدث بأختصار عن تأريخ الهجرات من العراق وسوريا ، عازيا ذلك الى جملة اسباب، من بينها العنف السياسي (سياسة التبعيث في العراق وسوريا)  وعنف الحروب (حروب الديكتاتور صدام حسين الداخلية والخارجية)، والعنف الاقتصادي (سنوات الحصار الاقتصادي في العراق) والعنف الطائفي (مرحلة ما بعد سقوط صدام وسنوات حكومات المحاصصة ، وظهور القاعدة وثم داعش في المنطقة) . وتساءل أبو الفوز عن أسباب  موجة الهجرة الواسعة في هذه الايام من العراق؟. ثم تحدث عن تردي الاوضاع السياسية والامنية وعن المشكلات الاجتماعية وفشل حكومات المحاصصة في العراق لتوفير الحياة الكريمة للمواطن ، والى ما ذلك من ذلك المخاطر الامنية، نتيجة استمرار نشاط المليشيات الطائفية، بما في ذلك الابتزاز والخطف والتصفية، فضلا عن خطر عصابات "داعش" التي تحتل مساحات واسعة من العراق، مبينا ان كل ذلك  ادى الى شعور الشباب العراقي بالأغتراب والاحباط ، دفعتهم للبحث عن حياة امنة بعيدا عن أوطانهم . وتحدث عن واقع اللاجئين حاليا في فنلندا واجراءات الحكومة الفنلندية وتأثير الازمة الاقتصادية وسياسة التقشف على اوضاعهم وردود الفعل الشعبية.
 الباحث الفنلندي ماركو يونتنين تحدث عن العنف المباشر والعنف الرمزي الذين يواجهان اللاجيء أوالمهاجر، من اول يوم يغادر فيه بلده، مشيرا الى ان ذلك يتمثل في التمييزو العنصرية التي تكون عائقا امام اللاجيء للاندماج في المجتمع الجديد. وتطرق يونتنين الى  تجارب اللجوء من شمال افريقيا ومن الشرق الاوسط واهمية الجانب الانساني في التعامل مع اللاجئين وايجاد الحلول لمشكلاتهم . كذلك تحدث عن دور الادب في ملامسة هموم ومعاناة اللاجئين ومساهمتة في كسر الصمت "كونه يعكس قصص اللاجئين ليكونوا معروفين لدى الاخر ويمكن التعايش معهم بوعي أكبر " ، واشاد بكتابات واصدارات الكاتب يوسف ابو الفوز التي تناولت موضوعات الهجرة واللجوء والاندماج والتعدد الثقافي . وقرأ الكاتب ابو الفوز مقتطفات من قصص كتابه "طائر الدهشة " ، الذي صدر عام 1999 في دمشق عن دار المدى، وقام بترجمته الى اللغة الفنلندية الباحث ماركو يونتنين وصدر في هلسنكي عام 2000. وقصص الكتاب في مجموعها تتناول االلجوء والمنفى العراقي وعكست المقاطع التي قرأت صورا عن معاناة العراقي بعيدا عن وطنه وذكرياته. وعلق يونتنين على النصوص مشيرا الى حجم اغتراب اللاجيء وهواجسه التي ترافقه في الارض الجديدة .
جمهور الحاضرين  الذي تفاعل مع احاديث الضيفين ، طرح العديد من الاسئلة والافكار التي قادت الى النقاش والسجال بين الحاضرين تناولت موضوع اللجوء اساسا . اتفق الكثيرين على كون موجة الهجرة الاخيرة تتعلق بالاوضاع الداخلية للمنطقة ، سواء في العراق او سوريا، وجرى الحديث عن العوامل الدولية المساعدة في هجرة الشباب العراقي، وتم ربط ذلك من قبل بعض الحاضرين بنظرية المؤامرة لتفريغ العراق وسوريا من الطاقات الشابة.  وبعض الاصوات اشارت الى مخاوف اهل البلاد من الفنلنديين من ظهور مشاكل جديدة للمجتمع الفنلندي بما في ذلك المخاطر الامنية . في نهاية الامسية التي استمرت حوالي ساعتين ، شكر الجميع الضيفين وتم الاتفاق على اعادة مثل هذه اللقاءات  في مناطق مختلفة من المدينة لاجل اشراك اكبر عد من المهاجرين والعراقيين في الحوار.
 *  طريق الشعب العدد 38 ليوم الأربعاء 23 ايلول‏ 2015

320
الكلام المباح (100)
خَريفُ ألمُحَاصَصَةٌ !
يوسف أبو الفوز
يعرف جَلِيل جيدا، أن ذكرى رحيل والدتي قبل حوالي عقدين من الزمان، وفي الاول من أيلول، يجعلني دائما أكتئب حالما يقترب موسم الخريف، ولطالما لامني لعدم الاهتمام بأعمال فنية وأدبية تناولت أحوال "ذبول الطبيعة البهيّ" على حد تعبير الشاعر الروسي الاشهر الكسندر بوشكين وهو يقارن جمال حبيبته بجمال الطبيعة في موسم الخريف :
"يروق لي حُسْنك عند الوداع !
فأنا أحبُّ ذبولَ الطبيعة البهي،
حين تكتسي الغابات بلون الأرجوان والذهب".
وجَلِيل يعرف بغرامي بفصل الربيع وما يحمله معنى الولادة والحياة الجديدة، وكيف يدخل السعادة في قلبي ظهور البراعم على الاشجار وكيف " تَرَى الوَرْقَةَ الصفراءَ تنمو على الحَيا رُوَيداً كما ينمو الرضيعُ على الدَرّ" كما يقول الجواهري العظيم في قصيدته عن الربيع .
في لقاءنا الدوري، في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، فأجاني جَلِيل بسؤال بطريقة مازحة :" أراك هذه الايام متفائلا بموسم الخريف، شحدا ما بدا ؟ ".
ولم استطع اخفاء مشاعري :"كل هذا يجري من حولك يا صديقي، ولا يمكنك تخمين السبب؟ أن هذا الحراك الشعبي والتظاهرات التي شملت بغداد ومعظم المحافظات العراقية، لم يقض مضجع "سياسي الصدفة" فقط، بل حرك أشياء كثيرة راكدة في حياتنا، وغيّر العديد من القناعات والمعادلات !.
كان الجميع ينصت لحديثنا، وحاول أبو جَلِيل أن يكتم بيده سعالا داهمه، ليسمعني جيدا: " ألم تلاحظ نجاح التظاهرات وأحتفاظها بزخمها برغم الاشاعات لاجل تخويف المتظاهرين أو تثبيط عزمهم، ألم تر أن كل أسبوع تنزل الى الساحات وجوها جديدة لحد الامس القريب كانت تعتقد أن لا فائدة من كل هذا ؟ "
أقتربت زوجتي منا، وراحت توزع أستكانات الشاي للملتفين حولنا ، وواصلت بحماس مستمدا عزما اضافيا من ابتسامتها وبريق عينيها: "ربما لا تحقق التظاهرات كل ما رفعته من شعارات، لكني أتفق تماما مع الرأي القائل أن تعليق بعض الجماعات لمشاركتهم في التظاهر، بين ان هذه الجموع المحتجة، وخصوصا في ساحة التحرير، ما هي ألا جموع المدنيين حصرا. وهذا يا صاحبي يعزز الآمال بأن هذه التظاهرات السلمية، وهي تتسع وترفع نفس الشعارات الواقعية واللصيقة بهموم الشعب وتطالب بالدولة المدنية والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد والمفسدين وتحقيق الاصلاح السياسي ليشمل السلطات الثلاث، ما هي إلا أعلان  صريح بكون موسم خريف المحاصصة الطائفية قد بدأ ، ومن هنا تفاؤلي بالربيع القادم !"
طيلة حديثنا كان أَبُو سُكينة منصتاً لنا بأهتمام، شرب ما تبقى في استكان الشاي دفعة واحدة، ورفع صوته : ما دامك متفائل، وقرأت لنا شعرا، أريدك تعرف أني متفق معك ألفين بالمية، ان خريف حكومات المحاصصة قد بدأ، من حيث أن جارنا "أبو فلان" هو دائما عندي افضل مقياس لتطورات الاحداث، بزمن المجرم صدام كان يتبختر بالزيتوني ويمسد بشواربه الثخينة من نوع ثمانية شباط ويردح  لحياة القائد أبو عيون الذهب، ومن جاء الاحتلال الامريكي صار ما يحكي الا "أوكي" و" ثانك يو"، ومن توالت حكومات المحاصصة اطلق لحيته وصارت المسبحة ما تفارق اصابعه المثقلة بالمحابس. التقيت به قبل أيام وأنا راجع من المستشفى، للامانة المسبحة بعدها بيده، ولكن لفت انتباهي تناقص عدد المحابس، وأنه حلق لحيته وشذب شواربه الخفيفة، وشايل كومة جرايد تحت ابطه ! أوافقك الرأي.. لأن هذا نوع خاص من البشر، رغم طفيليتهم ، لكنهم يشمون الاحداث بفطرة عبقرية ويستعدون لها بشكل جيد !




321
الكلام المباح (99)
ألاَمْوَاجٌ الهَادِرَة !
يوسف أبو الفوز
هذا الاسبوع كان صديقي الصدوق أَبُو سُكينة مشغولا مع قضيتين أساسيتين. الاولى : أخبار ألاف المهاجرين من العراق وسوريا، الذين أبتلعتهم أمواج البحار أو قتلوا بطريقة ما عند سواحل وأراضي بلدان الإتحاد الأوربي، من بين الالاف الهاربة بحثا عن سقف آمن بسبب من أحداث العنف التي تشهدها المنطقة. والثانية: تطورات التظاهرات في مختلف المدن العراقية وخصوصا في "ساحة التحرير" والمطالبة بالاصلاح . فكثرت زياراتي لأبي سُكينة حسب طلبه، لاقرأ له الاخبار والمتابعات التي تحملها مختلف الصحف التي اجلبها خصيصا له في كل مرة . كان جَلِيل مهتما بالنقاش حول نتائج الحراك الشعبي، وكونه نجح في قض مضجع السياسين، الذين أستثمروا نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، مما أتاح لدائرة الفساد ان تتوسع وليتفنن الفاسدون في سرقة ثروات الشعب وتهريب ملايين الدولارات خارج العراق. كان جَلِيل قلقاً يفكر بالسبل الكفيلة بأدامة زخم التظاهرات، فهو يعتقد ان أي تراخ سيسمح لسياسي الصدفة بالالتفاف على الاصلاحات التي نادى بها رئيس الوزراء العراقي والتي لم تزل بأنتظار القوانين والاجراءات التي تسمح بتنفيذها .
سألني جَلِيل : هل تعتقد ان الحراك الشعبي سيترك الفرصة لبعض القوى ان تسرق نتائج جهد ابناء الشعب فيركب هؤلاء موجة الأحتجاجات ليسجلوها بأسمهم ويفرغوا عملية  الاحتجاج من اهدافها المشروعة ؟
كنت تعبا وجائعا، وكانت أم سُكينة قد مدت مائدة الطعام أمامنا، ورغم النظرات الاحتجاجية من زوجتي إلا أني مددت يدي قبل الجميع الى الطعام، وصحت بجَلِيل: دع السياسة جانبا، الآن أجسادنا بحاجة للطاقة، تفضلوا .. هيا .. أنتظركم حتى نبدأ الاكل !
كنت أتكلم والطعام ملأ فمي، فضحك أَبُو سُكينة  بصوت عال :
ــ هذا ليس من طبعك يا صاحبي، تريد تلعب علينا، أكملت رغيف خبز كامل وتقول تنتظرنا، اليوم صاير مثل بعض سياسيينا ، يتكلمون شكل وفعلهم شكل أخر. ينتقدون أوربا ويتهموها بسرقة طاقات شباب الوطن لانها فتحت ابواب الهجرة لهم، وكأنهم وفروا لشبابنا كل ما يحتاجون من الأمان وفرص العمل ! وعلى هذا الأساس فأن المتظاهرين، في كل مكان من العراق، بالنسبة لهم ما هم الا مجاميع بطرانة، لان حسب كلامهم ، فأن كل شيء متوفر ... فرص عمل وأجور مجزية وخدمات وضمان اجتماعي ومساواة بالحقوق وآمان ، والذي يقهرك أكثر، هذا سياسي الصدفة الذي بقدرة سحرية صار يريد الاصلاح  وضد الفساد ... النصيحة له ان يتعلم السباحة جيدا لأن الأمواج الهادرة لا ترحم  فقد غرق في بحار أوربا الكثير من شباب العراق في طريقهم للخلاص من واقع بائس ، وهذا السياسي يريد ان يناور ويركب امواج أحتجاجات الشعب الهادرة ويظن انه بسهولة سينجو ليحمي أرصدته في الخارج !


322
الكلام المباح (98)
قَانُون  أَبُو سُكينة !
يوسف أبو الفوز
كنت رجعت من التظاهرة ومزاجي رائق . هتفنا للدولة المدنية، ضد الفساد والمحاصصة الطائفية. غنينا "موطني" ودبكنا مع هتاف " بأسم الدين باكونا الحرامية ". كان فرحي كبيرا بمشاركة شباب لاول مرة، وادراكهم ان مستقبل العراق مرهون بالتغييرات الجذرية فالبلاد عانت طويلا من نظام المحاصصة، والقوى المتنفذة تواصل صراعها من اجل المصالح ، وتحاول الالتفاف على اي محاولة للاصلاح او التغيير .
كانت  زوجتي تمازحني لان صوتي بح من الهتافات. وشاركتها سُكينة  . ولفت انتباهي ان  جَلِيل  كان يغالب نفسه ليبتسم ، ويتحدث بهمس مع صديقي الصدوق أَبُو  سُكينة . كان أَبُو   جَلِيل  قريبا منهما. وسرعان ما صرت طرفا في الحديث ، الذي لم يعد همسا، بل شارك فيه الجميع . كان  جَلِيل  يتخوف من القادم من سلوك بعض الجماعات المتضررة من الاصلاحات، والتي دست مأجوريها في التظاهرات، فأعتدوا على المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير الجمعة قبل الاخيرة .  جَلِيل  يعتقد ان هؤلاء المأجورين ليسوا مجهولي الهوية وهم سيظهرون مرة ثانية وفي اكثر من مكان. فما دام التظاهرات تطالب بالتغيير وبحياة افضل للعراقيين ومحاربة الفساد والفاسدين، فهولاء يهدفون لافشال مسعى العراقيين ، وأن من يخاف على مصالحه سيدفعهم من جديد لمهاجمة وتخريب التظاهرات. حاولت تغيير الحديث لاخرج  جَلِيل  من تخوفاته ووجومه، وقلت : "هؤلاء المأجورين ورقتهم مكشوفة ، وساحات التظاهر السلمية كفيلة بفرزهم وفرز اساليب التعامل معهم، ولكن علينا ان ننتبه الى البعض الذي ما زال يشكك بجدوى التظاهرات وامكانية ان تجني فائدة، اذ نحتاج لمزيد من العمل لاقناعهم ".
 مد أَبُو  سُكينة  رقبته ، واسند ظهره وقال : افضل حل مع المتشككين، تجدونه عند الشهيد الخالد فهد ، احكوا لهم ماذا قال عن هذا الامر  وقانون الـ .... !
 وأَبُو  سُكينة هنا، ذكرنا بحكاية تنسب للشهيد فهد ـ يوسف سلمان يوسف (1901 ــ 1949) ، حين كان سجينا . فقد كان يتمشى يوما مع سجين عادي ليس له علاقة بالسياسة، وسأله هذا :" ماذا ستفيدكم هذه التظاهرات، فكل مرة تخرجون، تهتفون ، تلاحقكم الشرطة ، تضربكم ، تقدمون احيانا شهداء ، وتعتقلون، وتعاودون مرة اخرى". حاول فهد ان يشرح الامر للسجين بما يلائم وعيه، وكانوا يتمشون في باحة السجن، فطلب منه ان يأتي في اليوم التالي بوتد خشبي ويثبته عميقا في المساحة التي يتمشون فيها ، وبعد ان فعل السجين ذلك طلب منه ان ينزعه من الارض فواجه صعوبة في ذلك . طلب الشهيد فهد من السجين ان يترك الوتد مكانه ويواصلون احاديثهم والتمشي. ولاحظ السجين ان الشهيد فهد كلما مر بجانب الوتد يضربه قليلا بطرف قدمه.  وتكرر الامر طيلة الفترة المسموح بها بالتمشي، وقبل ان يعودوا بهم للزنازين، طلب فهد من السجين ان ينزع الوتد الخشبي عن الارض ، ففعل لك بسهولة.
حين يروي أَبُو سُكينة هذه الحكاية ، فهو لا علاقة له بقانون "التراكمات الكمية تؤدي الى تغيرات نوعية "، والذي حاول الشهيد فهد ان يوصله للسجين بشرح بسيط، أَبُو سُكينة يرويها بطريقته الخاصة : قانون الرفسات !   

323
نهوض جماعات النازيين الجدد في فنلندا .. وتداعيات ذلك!
يوسف أبو الفوز
في وسائل الاعلام الفنلندية في الأسابيع الأخيرة كان هناك الكثير من الحديث عن نهوض جماعات النازيين الجدد في فنلندا. في مركز مدينة يوفاسكولا الفنلندية Jyväskylä (تقع شمال العاصمة هلسنكي وتبعد عنها 269 كم ) ، في أول آب  تظاهر حوالي أربعين شخصا من ممثلي "الاشتراكية القومية" من اعضاء جماعة "حركة المقاومة الفنلندية ". وذكرت تقارير وسائل الاعلام على الرغم من أن المظاهرة بدأت بهدوء، الا ان المشاجرات اندلعت أثناء سير المظاهرة، وألقي القبض على سبعة أشخاص بسبب أعمال الشغب والاعتداء. وقال رئيس المحققين ميكو بورفالي الى هيئة الاذاعة الفنلندية "Yle " : (ان الملابس والمعدات الواقية التي ارتداها المتظاهرين في مدينة يوفاسكولا تشير الى ان الجماعة اليمينية المتطرفة، "حركة المقاومة الفنلندية "، استعدت للعنف). وتقول "حركة المقاومة الفنلندية" أنها جزء من "حركة مقاومة الشمال الاوربي" بقيادة السويدي كلاس لوند زعيم النازيين الجدد. ومعروف في تقارير سابقة قدمتها هيئة الاذاعة الفنلندية "Yle" أن "مجموعات النازيين الجدد في فنلندا نشطوا في أشكال مختلفة". في عام 2013 قدرت المخابرات الفنلندية SUPO بأن هناك نحو عشرين جماعة متطرفة تعمل حاليا في فنلندا. قائد الشرطة الوطنية سيبو كولهيماينين قال ان "الاحتجاجات العنيفة ليست جزءا من تقاليد المجتمع الديمقراطي". واما وزير الداخلية بيتري أوربو فقد قال لصحيفة هلسنكي سانومات: "أن ما حدث في يوفاسكولا  أمر جاد جدا وانه حدث غير مقبول".
وأذ ترتفع الاسئلة لماذا يحدث هذا الان ؟ فلابد ان ترد في البال العديد من العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومنها بالتأكيد المناخ السياسي، فالحكومة الان تقودها احزاب اليمين الفنلندي، ومنها حزب الفنلنديين الحقيقيين، المعروف بسياساته المناهضة للهجرة، والذي يتناغم البعض من اعضاءه مع سياسة هذه الجماعات المتطرفة، في الكثير من القضايا ومنها موضوعات الهجرة والتعدد الثقافي. ويؤكد ما نقول ، ما حدث مؤخرا، قُبيل تظاهرات النازيين الجدد ، والتي جاءت كرد فعل بشكل ما، ولاستعراض القوى، فالنائب البرلماني "أولي أيمونين" ، عضو حزب الفنلنديين الحقيقين اليميني المتطرف والمعادي للهجرة، الذي سبق ونشر صورا له مساهما في نشاطات  "حركة المقاومة الفنلندية "، كتب في صفحته في فيس بوك في نهاية شهر حزيران الماضي، تعليقات معادية للتعدد الثقافي. والمثير للارتياح، ان كتاباته وتصريحاته الهجومية لم تمر بسهولة، بل تسببت بردود افعال قوية ونقاشات بين اوساط المجتمع الفنلندي ووسائل الاعلام. في تصريحه دعى النائب أيومنين رفاقه المقاتلين ـ كما سماهم ـ الى هزيمة "كابوس التعددية الثقافية" حسب تعبيره . فورا بعد نشر هذه التصريحات تحدث بشكل علني رئيس الوزراء الفنلندي يوها سيبلا ( زعيم حزب الوسط الفنلندي) ضد هذه التصريحات المثيرة للجدل والمعادية للتعدد الثقاقي وغرد على موقع تويتر بأنها ليست مقبولة. وزير المالية ، الكساندر ستوب ( زعيم حزب اليمين التقليدي) ، انضم لرئيس الوزراء وقال "ان التعددية الثقافية هي احد الاصول الثمينة في المجتمع، هذا كل ما لدي لأقوله".  لم يكن هناك ردود فعل مباشرة من زعماء حزب "الفنلنديين الحقيقين" ، اليميني المتطرف. وبعد صمت  طويل،  قال رئيس الحزب، وهو ايضا ، وزير الشؤون الخارجية الفنلندية ، تيمو سويني في مقابلة مع صحيفة إيلتا سانومات  "أن الحزب سيدرس هذه القضية ". واضاف "إن الحزب عليه ان يصل إلى مرحلة البلوغ، وهو ما يعني أن أمور المجموعة البرلمانية يتم التعامل معها في المجموعة البرلمانية". من جانبه حاول النائب اولي ايمونين توضيح معنى تصريحاته المثيرة للجدل بالقول أن معركته ضد التعددية الثقافية لا تتجاوز الساحة السياسية، لكن تصريحات النائب الفيسبوكية أثارت دوائر واسعة من الغضب بين الشعب الفنلندي. وكان الجواب والرد ليس فقط من خلال المقالات والتصريحات، بل تجمع الناس في مظاهرات في جميع انحاء فنلندا، وفي هلسنكي ، في الاسبوع الاخير من شهر تموز، حضر حوالي خمسة عشر الف متظاهر لدعم التعدد الثقافي في فنلندا. واستلمت التظاهرة رسائل من الرئيس الفنلندي ساولي نينستو ، وهو من اقطاب اليمين المعتدل، والرئيس السابق السيدة تاريا هالونين وهي من زعماء الديمقراطي الاجتماعي وتعد من ابرز شخصيات اليسار الفنلندي. في رسالته أعرب الرئيس نينيستو عن أمله في أن الحدث سوف "يؤدي الى مناقشة موضوع الهجرة في الاتجاه الصحيح." وشملت قائمة المتحدثين أسماء كثيرة ، من بينها عدة وزراء وأعضاء في البرلمان وزعماء دينيين ومثقفين. اركي تيوميويا عضو البرلمان والوزير السابق للشؤون الخارجية ، وهو من زعماء الديمقراطي الاجتماعي ، علق  خلال المظاهرة واخبر صحيفة هلسنكى سانومات. "أعتقد أن هذا الحدث يعد مؤشرا على رد فعل الجمهور بشكل جيد وصحي للغاية. غالبية الفنلنديين يفهمون ما تعنيه التعددية الثقافية والانفتاح والتسامح ولماذا هي ضرورية ".
أن هذا النهوض الشعبي ضد نشاط النازيين الجدد ومن يدعمهم في مراكز السلطة يأتي انطلاقا من كون المجتمع الفنلندي تعامل وتعايش طويلا مع مفاهيم السلام والعدالة الاجتماعية، وانطلاقا من القانون الفنلندي الذي ينص على " ان لكل شخص الحق في معاملة متكافئة ومنصفة، ولا يجوز معاملة أي شخص بطريقة مختلفة بسبب الجنس، العمر، الدين، القومية او الإعاقة " ، فالحفاظ على هذه القيم لن يحدث دون تعزيز المساواة بدون تمييز بين أولئك الذين يعيشون تحت سماء هذا البلد المسالم. ان التعددية الثقافية هي حقيقة. وان كثير من الفنلنديين يشعرون بعدم الارتياح من هذه التطورات، وهذه المجموعات من النازيين الجدد التي لها دوافع عنصرية قوية يمكن أن تزعج، ولكنها لا يمكن أن توقف مسير الحياة ومجيء مستقبل أفضل.


324
في هلسنكي وقفة تضامنية لابناء الجالية العراقية مع شعبهم
المشاركون  هتفوا ضد الفساد والمحاصصة ولأجل الدولة المدنية

كتابة : يوسف أبو الفوز
تصوير : جمال الخرسان


في العاصمة  الفنلندية هلسنكي، يوم الجمعة 14  آب ، وامام مبني السفارة العراقية، تجمع ابناء العراق الغيارى، من ابناء الجالية المقيمين في فنلندا، من نواحي العاصمة، ومن مدن بعيدة ، مثل تامبيرا وتوركو، تلبية للدعوة الى وجهها مجموعة من الشباب المستقلين، والتي دعوا فيها لوقفة تضامن سلمية مع أبناء شعبنا العراقي والتظاهرات المطلبية في عموم مدن العراق من اجل توفير الخدمات وكشف المفسدين ونبذ نظام المحاصصة الطائفية . واعلنوا انه يحق لكل مواطن عراقي المساهمة بصفته مواطن عراقي بدون اي صفة حزبية او قومية او طائفية، وأن الوقفة تتوحد تحت علم العراق واسم العراق ، ولا ترفع في الوقفة التضامنية اي صور لأي رمز . وشارك في التظاهرة مجموعة من المثقفين والنساء ، وردد الجميع الهتافات التي تدين الفساد والطائفية وحكومات المحاصصة . رددوا نشيد موطني ، ودبكوا مع هتاف " بأسم الدين باكونه الحرامية " ، ورفعوا اللافتات التي تحي مظاهرات ابناء شعبنا في مختلف المدن العراقية.
الشيء المؤسف ، كان موقف السفارة العراقية، التي لم تتفاعل مع الفعالية، وكانت وصلت للتظاهرة معلومات، تفيد بأن السفير السيد سعد قنديل أصدر اوامره لكل الموظفين بمغادرة السفارة قبل ساعة من تجمع ابناء الجالية، فبدت السفارة كمكان مهجور، ليس له هي علاقة بكل ما يجري على ارض، ويستهين طاقمها بنشاط وفعالية ابناء الجالية رغم الادعاء مرارا بأنهم وجدوا لخدمة العراق وأبناء العراق .
الصحفي والناشط المدني جمال الخرسان ، وهو من المجموعة المنظمة للوقفة التضامنية ، قال لنا :
ــ سعيد جدا لنجاح الفعالية، واجماع المتظاهرين على شعارات مدنية، وكنا نعتقد انه من الصعب توحيد وجهات النظر المختلفة لاختلاف مشارب المشاركين ، ونحن سعداء بمشاركة العديد من النشطاء السياسيين ليس بصفتهم الحزبية ، وانما كمواطنين عراقيين .
السيد منقذ القيسي ، الذي ساهم في الفعالية اخبرنا  :
ــ ان الفعالية رد فعل ايجابي وصحيح من ابناء الجالية العراقية في فنلندا، ارتباطا بما يجري في مدن العراق . المشاركون رفعوا نفس المطاليب والشعارات التي رفعت في المدن العراقية وطالبوا بدولة مدنية.
 السيد حمدان كطان السيفي (ابو رجاء) ، حضر رغم وضعه الصحي على كرسيه المتحرك مع افراد عائلته ، وكان يهتف بروح الشباب للدولة المدنية . قال لنا :
ــ شعبنا العراقي لاقى الويلات من مصائب الفساد والظلم ، واوضاع العراق اذ استمرت بهذا الحال ستكون اسوأ حيث لا صراع بين اهل السياسة سوى على المغانم .




325
دعوة لوقفة تضامنية مع العراق في هلسنكي
الاخوات والاخوة أبناء العراق في فنلندا ...
 مجموعة من  الشباب المستقل في هلسنكي تنظم وقفة تضامن سلمية مع أبناء شعبنا العراقي والتظاهرات المطلبية في عموم مدن العراق من اجل توفير الخدمات وكشف المفسدين ونبذ المحاصصة .
مكان التظاهرة : اما مبنى السفارة العراقية
Lars Sonckintie 2
 00570 Helsinki
اليوم : الجمعة 14 أب 2015
الوقت : الساعة الرابعة ونصف مساءا
 يحق لكل مواطن عراقي المساهمة بصفته مواطن عراقي بدون اي صفة حزبية او قومية او طائفية.
الوقفة تتوحد تحت علم العراق واسم العراق ، ولا ترفع في الوقفة التضامنية اي صور لأي رمز .
الدعوة مفتوحة للجميع

326
الكلام المباح (97)
يَسقُط أَبُو سُكينة !
يوسف أبو الفوز

لم يستوعب جَلِيل  ما رآه أول الامر. ربما ظن ان مساً من الجنونِ ركب الجميع . حين دخل  صالة البيت، وجد أباه يحجل ويدبك ويحرك عكازه مثل السيف وكأنه في حلبة ميدان، ومعه يدور ملوحا بيديه صديقنا الصدوق أَبُو سُكينة.  بينما كنت وسُكينة غارقين في الضحك ونصفق بحماس، وليس بعيدا عنا تقف أم سُكينة تكتم ضحكاتها، وتنادي زوجتي لتخرج من المطبخ وترى ما يجري . وما جرى، لم يكن غريباً عن أجواء المرح والصخب، التي درج على خلقها أَبُو سُكينة  من حين الى أخر، تحت عنوان " شر البلية ما يضحك".
كنت وصلت مبكرا، حاملا معي، مثل كل مرة، حزمة من الصحف. أستعرضت لمن يسمعني أهم ما تحمله التقارير والمتابعات.  كان الحدث الأهم، الذي تابعنا اخباره بأهتمام، هو التظاهرات الاحتجاجية التي عمت العديد من المدن العراقية. وما سجله المراقبون والمتابعون، عن الجديد في هذه التظاهرات أرتباطا بما سبق، واتفاقهم على سلميتها، والتزام المتظاهرين برفع الشعارات المطلبية والاحتجاجية، ولم يسمح منظمو التظاهرات لاي طرف سياسي لاستغلالها لرفع شعارات سياسية معينة، وظلت الشعارات تدور في محاور محاربة الفساد وطرد المفسدين من الدولة، والدعوة الى دولة مدنية يسودها القانون. وكيف ان حضور الشباب كان طاغيا، الى جانب وجود جمهرة ليست قليلة من المثقفين والنساء. وكيف كانت هموم الوطن العامة، في محاربة الارهاب والفساد، توحد الجميع تحت اسم العراق، وكيف ان القوات الامنية كانت متعاونة ومتفهمة.
قالت سُكينة : أعجبني جدا شعار رفعه المتظاهرون يقول : " كراسيكم خشب والشعب من نار ... طفوا النار لا تحرگ كراسيكم". وكان أَبُو جَلِيل معجبا بشعار: " بأسم الدين باگونه الحرامية". قلت لهم : ان ما لفت الانتباه عند العديد من المتابعين هو غياب الشخصيات السياسية او اعضاء من مجلس النواب عن  ساحات التظاهر، ما عدا الشيوعيين. وواصلت حديثي بألم : ان غيابهم ربما ـ أقول ربما ـ نجد له ما يبرره، لكن كيف نفهم ونبرر ما فعله الكثير من السياسيين، بعد ان شاهدوا زخم التظاهرات، وطابعها الاحتجاجي العالي النبرة، والتحاق الكثير من المواطنين بها ليشاركوا لاول مرة ، فما ان سمعوا بتعليق رئيس الوزراء الذي اعتبر التظاهرات "جرس انذارمبكر للسياسيين"، حتى راح العديد منهم يتبارى مع غيره في اعتبار التظاهرات "حقا مشروعا  دستوريا"، وهناك من صرح أنه " قلبا وقالبا مع المتظاهرين"، وهناك من أعتبر الــ .....؟! ، وهنا صاح أَبُو سُكينة : اذا كل هؤلاء السياسيين متفقين مع المتظاهرين ومطالبهم ، ويريدون محاكمة المفسدين ويحذرون من غضب الشعب، زين هاي المظاهرات طالعة ضد من ؟  يبدو أما  ضدي ... أو ضد أَبُو جَلِيل؟! هنا برقت عيونه ومد رقبته، وقال: يعني هاي المظاهرات يا أَبُو جَلِيل  يمكن كانت تهتف ضدك و ضدي  وأحنا ما سمعناها ، يجوز كانوا يهتفون  ... " يسقط أَبُو جَلِيل ... ويسقط أَبُو سُكينة"؟ وتغامزا، ثم قفزا مثل طفلين مراهقين، وراحا يدبكان ويرددان هتافهما الغريب ... " يسقط أَبُو جَلِيل ... ويسقط أَبُو سُكينة". وفي تلك اللحظات دخل علينا جَلِيل ونحن مهتاجون بين الضحك والمرارة !


327
الكلام المباح (96)
جَمَاعَةُ الْمَطَارِ !
يوسف أبو الفوز
اثار تصريح رئيس الوزراء العراقي د. حيدر العبادي، حين قال: (عجيب ان بعض القوى تدعّي محاربة "داعش" وتسلك سلوكه) ، العديد من التعليقات وصار سبباً لسجال طويل عريض، خلال زيارتنا الدورية لبيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة بمناسبة العيد، رغم تحفظه على تهانينا أذ يعتقد ان ما يجري في البلاد من احداث مختلفة تسرق من الناس بهجة وفرحة أي عيد. قالت سُكينة: هؤلاء من يسميهم والدي"ماعش"، فتصرفاتهم تزيد من قساوة معركة شعبنا مع "داعش" التي تجري في ظروف عسيرة. قلتٌ مشاركا : ان ظروف بلادنا فعلا معقدة، وكون القضية العراقية ذات طابع اقليمي ودولي فأن بعض الاحداث لا تبدو عفوية، بل تأتي في مصلحة عدم تحقيق انتصار سريع، وأقصد الحوادث التي يتم فيها التجاوز والتطاول على الدستور العراقي وسلطة القانون وعلى هيبة الدولة وحريات الناس، وللأسف يبررها البعض تحت عناوين بائسة لها علاقة بالمزايدات السياسية والصراع وروح التنابز التي انتقلت من محيط الكتل المتنفذة الى داخل اطرافها. قالت زوجتي: كل هؤلاء أوليتهم هي مواقع السلطة والمال وليس محاربة الارهاب. قال جَلِيل: أن اخطر ممثلي "ماعش"هم سياسو ومثقفو الصدفة، هؤلاء الذين لا تأريخ نضاليا لهم، ولا مساهمات ثقافية تذكر، وتصدروا الساحة مستثمرين اوضاع بلادنا في غياب سلطة الدولة والمؤسسات. قلت لهم : أعرف واحدا منهم، صوته عال جدا، ونجح في خداع البعض كونه مدافع عن الحق والحقيقة، أعتقل في زمن الطاغية المجرم صدام حسين بسبب قضية تزوير وثائق، لكنه في كل مكان وزمان يتباهى كونه كان معتقلا، اما كيف ولماذا، فهذا ليس من شأن الاخرين معرفته، المهم هو كان معتقلاً !
ضحك أَبُو سُكينة، وكان يتسمع لنا طيلة الوقت، واذ التفتنا كلنا اليه، توجه لأبي جَلِيل بالسؤال : تتذكر سالفة صاحبك أبو المطار؟ ثم توجه لنا بكلامه: تعرفون لماذا تنوعت نشاطات "ماعش" وصارت تؤثرعلى معنويات شعبنا بالوقت الذي نحتاج كل الجهود الشريفة لاجل دعم معركة قواتنا المسلحة بكل صنوفها وتلاوينها؟ ولم ينتظر جوابنا، فقال: لان اللذين تسمونهم سياسيي ومثقفي الصدفة، مثل هذا المدافع عن الحق والحقيقة، تبين كلهم يشتغلون بالمطار؟
وهذه حكاية رواها لنا أَبُو جَلِيل مرارا عن صديق له، لطالما شكا له معاناته من تصرفات أبنه، ويوما لاحظ أَبُو جَلِيل ان الاب توقف عن الشكوى فسأله عن السبب، فقال الاب برضا: أبني صار يشتغل في المطار وهذا خفف كثير من المشاكل. وخطر لابي جَلِيل أن يسأل: شنو شغل ابنك بالمطار؟ ضحك الاب وقال: خليها يشتغل بالمطار وبلا تفاصيل. سكت أَبُو جَلِيل، لانه يعرف ان مؤهلات الابن لا تشغله مدير للمطار مثلا أو موظفا كبيرا، وبما ان الشغل ليس عيبا فمهما كان هو فهو عمل شريف، فلم يكرر سؤاله، وبعد ايام وعرضا عرف ان شغل ومهمة الابن في المطار هو تفريغ اكياس الفضلات من الطائرات !


328
الكلام المباح (95)
هَيْبَةُ اَلدُولمَّة !
يُوسُف أَبُو الفَوْزْ
متابعي حكاياتنا في هذا العمود يتذكرون أن أَبُو جَلِيل سمعه ثقيل وبصره ضعيف مما يضعه في مواقف يستغلها صديقي الصدوق أَبُو سُكينة ليمطره ـ ويمطرنا ـ بتعليقاته، مثلما حصل مرة، حين أٌثيرت قضايا إتهامات لطرف سياسي عراقي من طرف أخر، بعضها يتعلق بالارهاب وبعضها يتعلق بالفساد المالي وبعضها بكراسي النفوذ وبعضها بالـ ... ، وحين تصاعدت أصوات تقول أن هذه الأتهامات لا يمكن أن تٌحل سياسيا وبطريقة "بوس اللحى" ــ مثلما يحصل كل مرة ـ ولابد من اللجوء الى القضاء العراقي ووفقاً للقانون العراقي، فأن أَبُو  جَلِيل من جانبه وإذ وجد أَبُو  سُكينة مشغولاً عنه يتابع التلفزيون صاح به : لا تتعب نفسك يا صاحبي، وتفكر بالموضوع، البارحة أبني جَلِيل حكى لي كل التفاصيل وأفتهمتها، هذا الموضوع بالذات قضية بسيطة جدا .. جدا، هي مشكلة سياسية فضائية، يعني ــ وأنت العارف ــ يمكن حلها بتصريح فضائي من أَبُو فلان وتصريح فضائي أخر من أَبُو علان في ساحات الفضاء العراقي وأَبُوكم الله يرحمه !
في زيارتنا الأخيرة، الدورية، لبيت أبي سُكينة، كان الحديث يدور بيني وبين جَلِيل، وبمشاركة سُكينة، عن صعوبات معركة شعبنا العراقي مع مجرمي داعش وخططهم ــ ومن يقف خلفهم ــ في المنطقة، وضرورة توحيد الارادة العراقية لأجل تحقيق النصرالكامل، وأن المصالحة الوطنية باتت ضرورة إذا أردنا بناء عراق ديمقراطي مدني تعددي. وأكد جَلِيل أن المصالحة لا يمكن أن تأتي من طرف واحد وضرورة أن يكون هناك إنفتاح على جميع الأطراف دون إستثناء لاجل أن تٌعاد للدولة هيبتها . وخطر لي التذكير بالأعتداء على مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وضرورة أن تتوقف مثل هكذا أنتهاكات للحريات العامة والشخصية، وأهمية كشف منفذيها الذين يهددون مستقبل البلاد بأفعالهم الخارجة على القانون ففيها تجاوز كبير وخطر على هَيبة الدولة.
من مكانه عّن لأبي جَلِيل المشاركة فصاح : كلما تتحدثون عن الأعتداء على مقر أتحاد الادباء تذكرون الدولمة ، ممكن تفهموني ما علاقة هذا الاعتداء بهيبة الدولمة ؟
ولم نستطع كتمان ضحكاتنا، التي بدأها جَلِيل، وتلقفها أَبُو سُكينة ووسط سعاله قال :  ما حكيت إلا الصحيح يا أَبُو جَلِيل . البعض من القوى السياسية يريدها طبخة مثل الدولمة ... ويوزعها على مزاجه ... الطماطة لطرف والبصل لطرف أخر وهكذا الباذنجان والفلفل وغيره ... والذي يده طويلة وتوصل يأخذ اللحم لنفسه !


329
الكلام المباح (94)
مَنْ يَتحَسَّسَ  جَيْبه؟!
يُوسُف أَبُوالفَوْزْ
في لقائنا الدوري، في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، كانت سُكينة قد اثارت حديثا حول ارتفاع الاسعار، والتدهور في اسعار الصرف، وكررت بأن القضية لا علاقة لها فقط بحلول شهر مضان، وان هناك دورا للمافيات والفساد والمضاربات وأيضا بعض القوى السياسية التي تستغل ذلك من خلال علاقاتها بالبنوك الاهلية. وقد أيدها جميع الحاضرين، وأضافوا بأن الصراع بين الكتل المتنفذة، بل والصراع داخل بعض هذه الكتل وارتباطاته الاقليمية، هو أحد الاسباب لتدهور الاوضاع في البلد.
قال جَلِيل: وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات الامنية العراقية، بكل تلاوينها واختلاف صنوفها صراعها المسلح والمٌشرف ضد عصابات داعش الاجرامية، تجد ان هناك من يواصل صراع التصريحات النارية والمنابزات المعيبة، أو يقوم بأفعال غير قانونية تصب في تعقيد اوضاع البلد أكثر فأكثر. ووصل بنا الحديث الى حادث الاعتداء على مقر الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وكيف ان مجموعة مسلحة وكما افاد بين الاتحاد "يقدر عددها بخمسين شخصا يرتدون ملابس عسكرية سوداء وتقلهم سيارات مدنية قاموا بغلق شارع ساحة الأندلس واقتحام البوابة الرئيسة للاتحاد لأن البوابة الثانية مقفلة لغلق النادي الاجتماعي منذ يومين احتراما لشعائر شهر رمضان"وان المجموعة المسلحة "قامت باحتجاز الحمايات الرسمية المخصصة لحماية الاتحاد من قبل وزارة الداخلية وتجريدهم من سلاحهم مع ضابطهم المسؤول واقتحام غرف وقاعات الاتحاد والعبث بها وتكسير الكثير من أثاثه والاعتداء على العمال البنغاليين المكلفين بأعمال تنظيف الاتحاد وسرقة نقودهم وموبايلاتهم ". ومن حزم الصحف التي صحبتها معي، أستعرضت للحاضرين بيانات الادانة للحادث التي صدرت وتداولتها وسائل الاعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبت بالتحقيق الفوري بالحادث الذي وصف مرتكبوه بالخارجين على القانون، وتحدثت عن الوفود الرسمية التي وصلت بناية الاتحاد مستنكرة، فهذا الحادث اثار انزعاج ابناء البلد المخلصين، فاقتحام مكانا يعتبر رمزا للمثقفين العراقيين، وهو مؤسسة مستقلة، يعتبر تجاوزا على هيبة الدولة.
كنا نتحدث ونعبر عن غضبنا بعبارات مختلفة، وكان صديقي الصدوق أَبُو سُكينة، ساكتا، وكأنه ليس معنيا بما نقول، مما اثار أنتباه جَلِيل فسأله : يبين ما عاجبك ما تسمع؟
 أنتفض أَبُو سُكينة وأستدار لنا بكل جسمه محتجا : وشلون تريدون ان يعجبني هذا الذي يحصل بالبلد، والجميع من أدان وتضامن ونقل الخبر  يسمونه أعتداء؟! وبكل قوانين الارض والسماء ان الاعتداء مخالف للقانون والاخلاق ومشين ومعيب! لكن الذي ما عاجبني ان بعض البيانات تسمي المعتدين بـ "المجهولين". وانا اعتقد ان المعتدين معروفين وحق شهر رمضان الكريم .. معروفين وكلش زين لكل انسان عاقل .. ان الثقافة ــ يا جماعة الخير ــ تنّور الناس، تفتّح عيونهم على مساؤي حكومات المحاصصة وكونها اساس البلاء لوجود من يسرق البلد عينك .. عينك . ليش ما تتذكرون سالفة الجنرال الفاشي الهتلري الذي قال اذا سمعت كلمة ثقافة أتحسس مسدسي ... بهذا الزمن للاسف، في عراقنا، يوجد ناس، وبحجج مختلفة، تنٌصب من نفسها أوصياء على الناس وسلوكهم وافكارهم، وهؤلاء من يسمعون كلمة ثقافة يتحسسون ... جيوبهم أولا ثم مسدساتهم !


330
مساهمة في استطلاع جريدة الصباح بعيد الصحافة العراقية
   

يوسف أبو الفوز
تحية للمسيرة الحافلة للصحافة العراقية ، وعيدها الـ 146 ، نشرت جريدة الصباح البغدادية  في العدد 3419 الصادر يوم 16 حزيران 2015 استطلاعا بعنوان (الصحافة العراقية ... رحلة متوجة بالتضحيات) قام بتحريره الصحفي المثابر والصديق العزيز يوسف المحمداوي، وتوجه من خلاله بالاسئلة الى العديد من المثقفين العراقين لتبيان ارائهم بهذه المناسبة المجيدة ، ذكرى صدور "الزوراء " اول صحيفة عراقية .
 كان لي شرف المساهمة في الاستطلاع، وادناه ما ورد بأسمي  :
صحافتنا السرية وشهداؤها
 الكاتب والإعلامي والباحث في جامعة "تامبرا" الفنلندية يوسف ابو الفوز بيّن لـ "الصباح" : أن "الاحتفال، بمناسبة، مثل يوم الصحافة العراقية، وتاريخ صدور أول صحيفة عراقية، الزوراء، في الخامس عشر من حزيران العام 1869، يستوجب أساسا التوقف عند مهام الصحافة العراقية، وأهمها حمل هموم الناس والدفاع عنهم مهما كان الثمن".
أبو الفوز أشار الى أن "هذا اليوم يدعونا لاستذكار التاريخ المشرّف للصحافة العراقية، وخصوصا الصحافة السرية منها، صحافة الأحزاب الثورية الممنوعة من العمل العلني، ومباشرة يخطر في البال، صحافة الحزب الشيوعي العراقي الذي صدرت له أول صحيفة في 31 تموز العام 1935 باسم "كفاح الشعب"، موضحا ان "كفاح الشعب" تعد أول صحيفة سرية عراقية، حيث كانت توزع سراً، ويتعرض قراؤها وموزعوها، ناهيك عن العاملين فيها، الى أشدّ أنواع العقوبات من الحكومات المرتبطة بعجلة الاستعمار البريطاني. وفي مختلف الحقب السياسية، ومختلف الأنظمة التي حكمت العراق، توالت صحف الحزب الشيوعي العراقي في الصدور، وبأسماء مختلفة، الشرارة، القاعدة، اتحاد الشعب، طريق الشعب، لكنها ظلت دوما صوت الحزب المدوي في مقارعة الأنظمة الحاكمة".
وأضاف ان "تلك الصحف بقيت حاملة لمطالب الشعب في حياة أفضل، حياة سعيدة في وطن حر. وكانت "طريق الشعب" التي يصدرها الحزب الشيوعي، أول صحيفة عراقية بعد سقوط نظام صدام الديكتاتوري توزع في شوارع بغداد بحسب قول ابو الفوز".

331
المنبر الحر / وِزَارَة العَضِّ !
« في: 10:46 14/06/2015  »
الكلام المباح (93)
وِزَارَة العَضِّ !
   
يُوسُف أَبُوالفَوْزْ
هذا العنوان ــ صديقي القاريء ــ ربما سيقودك للتفكير بأحوال أهلنا في غربي البلاد، الذين يعاني كثير منهم من بطش وقسوة الارهاب الداعشي، التكفيري الظلامي والوحشي، الذي نشر فرق "العضّاضّات" في شوارع المدن، الواقعة تحت سيطرته، لاجل معاقبة النساء اللواتي يعتبرهن حسب أهواء  قادته مخالفات لشرعهم في اللبس والاكل والشرب، حيث تنال المرأة المسكينة المخالفة، ومن قبل دوريات النسوة الداعشيات "عضّات" مؤلمة في مناطق مختلفة من جسمها تجعلها "تبكي وجعاً" كما نقلت وسائل الاعلام !
العنوان المذكور آنفاً ـ عزيزي القاريء ـ  يعود لصديقي الصدوق أَبُو سُكينة ، وله علاقة بـ "العضّ"، ولكنه "عضّ" من نوع أخر! 
كنا ألتقينا ــ مثل كل مرة ــ في بيت صديقي الصدوق أَبُو سُكينة. كان جَلِيل يومها مبهوتا، وهو يتابع تفاصيل الانباء المتتالية عن الفساد في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) والفضائح التي أطاحت بأسماء كروية كبيرة، واخبار التحقيقات المتواصلة، والمحاكمات المترقبة. قال : يبدو أن آفة الفساد تسود في كل مكان، حين تتهدم قيم الاخلاق والمباديء ويرتفع صوت الباطل ويغيب الحق والقانون !
قالت زوجة جَلِيل: المحزن، ان هؤلاء الفاسدين والمرتشين، في كل مكان وزمان، هم الأكثر تطبيلا وحديثا  عن النزاهة والقانون والحقوق . قلت لهم : ان ألم "العضّاضّات " الداعشيات سيزول ويختفي، حالما تنهزم داعش على يد قواتنا الامنية المشتركة الباسلة، لكن هذا الفساد المستمر في"عضّ" البلاد وتهديد مستقبلها وتستّر فرسانه بأثواب الوطنية،  هو من سيمد بعمر داعش وماعش، وستكون أثاره المستقبلية كارثية على اجيالنا القادمة. قال جَلِيل: المصيبة أن هذا "العضّ" الذي تقصده، بعضه يحتمي بالقانون وبعضه يحتمي ببعضه، مثل مؤسسة وهمية كبيرة خرافية تهيمن على حياتنا.
طوال احاديثنا ، كنت ارقب صديقي أَبُو سُكينة ، فأرى انه معنا وليس معنا، فعّن لي ان أشركه في أحاديثنا، فسألت أبو  جَلِيل بصوت عال : ماذا تعتقد صاحبك معنا، لو عنده حسبة ثانية؟
ضحك أَبُو سُكينة، ومد ساقه وأستند بظهره للجدار: انا معكم ، لكن طوال احاديثكم، وانا أفكر بحكومات دول العالم ، أسمع ان كثير منها وزاراتها تكون معدودة، يعني شي حكومة من اثنعش وزارة ... وشي حكومة من خمسطعش وزارة ... بس احنا عدنا وزارة لكل شيء. وعلى حجيكم ، وخوفكم ، فاللي يسمعكم ، يقول قريبا يجوز تصير عندنا وزارة جديدة ، والناس تسميها "وزارة العضّ"  تختص بكل هذا "العضّ" الذي خرب دولتنا ودمر حياة الناس ووصل للعظم !


332
عن المخاوف من الرئيسة الجديدة للبرلمان الفنلندي ؟



يوسف أبو الفوز
في الأيام الأخيرة النائب ماريا لوهيلا ( Maria Lohela ) ، البالغة من العمر ست وثلاثين عاماً، وهي نائب لدورة  برلمانية ثانية ، تم اختيارها رئيسة للبرلمان الفنلندي .وهي معروفة عضوا نشطا في  حزب الفنلنديين الحقيقيين اليميني المتطرف، وأيضا بأعتبارها من المعترضين على موضوع الهجرة وأعربت عن انتقادات، خصوصا لهجرة المسلمين إلى الغرب. ماريا لوهيلا هي اصغر النواب ، من أي وقت مضى الذي شغلوا هذا المنصب، والذي اشغل عادة من قبل السياسيين المخضرمين .
في الصحافة والأوساط الشعبية كانت هناك احاديث مختلفة، وفيها بعض اللغط، وحتى تصاعد بعض المخاوف بين الجاليات المهاجرة من  اشغال لوهيلا لهذا الموقع، بحكم ما هو معروف عن مواقفها المناهضة للهجرة والتعددية الثقافية. ولوهيلا هي واحدة من الذين وقعوا على بيان في عام الفين واحدى عشر2011 ينتقد التعددية الثقافية، ويدعو إلى شروط صارمة حول الهجرة واللجوء،ومساعدات التنمية.
في الآونة الأخيرة، في مقابلة مع البرنامج الصباحي، للقناة الاولىTV1من برامج هيئة الاذاعة الفنلندية YLE ، علقت وبأيجاز حوال وجهات نظرها بشأن المساواة بين الجنسين في بعض البلدان الإسلامية وسئلت مرارا وتكرارا من قبل الصحفيين عن تصريحاتها السابقة، فقالت:"الآن وبصفتي رئيسة مجلس النواب،لا أريد أن اتخاذ موقف بشأن هذه الأنواع من الأسئلة.هدفي الآن هو تمثيل فنلندا والبرلمان،اتعامل مع جميع الأطراف على قدم المساواة  وبعقل" . كما صرحت لهيئة الاذاعة الفلندية (      YLE).
ربما هناك من يعتقد أن دور رئيس  البرلمان هو إلى حد ما  دور شرفي ، وانه ليس مرتبطا بقضايا السياسة الخارجية أو الهجرة ، ولكن الحقيقة هي أنها اصبحت شخصية مهمة في حزبها، حزب الفنلنديين الحقيقيين، والحياة السياسية الفنلندية. بالإضافة إلى كونها أصبحت رمزا للبرلمان الفنلندي بل وهي أيضا دستوريا الشخص الثاني بعد رئيس الجمهورية. وتأثيرها هنا لن يكون سياسيا فحسب، بل أيضا تربويا.
أن سياسات حزبها ضد المهاجرين، معروفة، وخاصة زعيم الحزب تيمو سوني ( Timo Soini) ، الذي أصبح الآن وزيرا للخارجية الفنلندية . فهو من المنتقدين والمشككين كثيرا حول الهجرة والإسلام.  وفي زيارته كوزير للخارجية الى استونيا مؤخرا، كان موضوع الحد  من الهجرة هو الملف الرئيسي . وجميع هذه الأنشطة سوف تتلقى الدعم الكامل من  رئيسة البرلمان بحكم موقعها. ومن المعروف أن البرنامج  للحكومة اليمينية الجديدة الحالية ، الآن يتماشى  مع رؤية حزب الفنلنديين الحقيقيين، وبرنامج الحكومة يشير الى أن الحكومة سوف لن ترفع حصة اللاجئين، ولا تقبل حتى بدعوات المفوضية الاوربية لقبول المزيد من اللاجئين .
مع كل ما سبق يجب أن لا ننسى - عزيزي القاريء - أن فنلندا بلد ديمقراطي يحكمه القانون ومبادئ نظام دولة الرفاه . يجب أن تكون للمواطن الثقة في القانون . وأن الذي جاء عن طريق صندوق الانتخابات إلى هذا الموقع، يمكن للانتخابات ان تزيله عن موقعه.
إن المستقبل الأفضل دائما يكون مع الشعب.
 هذه هي الديمقراطية !

333
الكلام المباح (92)
حِينَ تضْطُرَّ للتندَّرِ عَلَى نَفْسك!
   
يُوسُف أَبُوالفَوْزْ
بشكل ما، اغاضني الامر، كوني وجدت نفسي مادة للتندر وأطلاق الضحكات من حولي، والذي أغاضني أكثر ان زوجتي هي من وضعتني في هذا الموقف. حاول صديقي الصدوق أَبُو سُكينة ان يخفف الامر، وربط ما حصل معي بحوداث وطرائف أخرى، لكن أَبُو جَلِيل وجدها فرصة ليتشفى بي بضحكاته المجلجلة. ولكوني "صرت قاب قوسين أو ادنى من الزعل " ـ كما قال لي جَلِيل ـ ، مما جعله يتدخل، ويلوى الحديث ببراعة، عن وقائع الموت التي تنتشر على بقعة وطننا الذي يمر بواحدة من أحلك فتراته، مما يجعل هويات الموت تختلط فتضيع التفاصيل. فمن جانب نجد الارهابيين الدواعش، ينثرون الموت من حولهم، وبدون ذمة وضمير، كرسالة لدولتهم التي يريدون تأسيسها بالأكراه والذبح ومصادرة أي رأي مغاير ، ورغم كل ذلك ، فأن المقاتلين الابطال يواصلون تسجيل صفحات ناصعة من التصدي لاعداء الحياة ممن يتسترون بالدين، وجثامين الشهداء الابطال من عموم القوات المسلحة، تصل الى كل المحافظات ، شمالا وجنوبا . ومن جانب اخر وبسبب من سوء الخدمات الصحية وعموم الخدمات، وتردي الاحوال المعيشية ، فأن سوق الموت يبقى رائجا .. " فلا عجب ان يكون الموت في كل مكان" كما قال  جَلِيل . لكن كل هذا لم ينفع ، إذ عاد أَبُو جَلِيل، ليطلق ضحكاته من جديد، ووجدت ان الافضل لي ان اشاركهم الضحك والتندر على نفسي، ليكون الامر مجرد حادث عابر ولا تكون قصة تلتصق بأسمي وتروى كل مرة  .
وببساطة، حدث الامر، حين علمت زوجتي من صديقة لها، ان بعض المعارف والاصدقاء سيتوجهون معا، بقافلة من عدة سيارات لتعزية عائلة احد معارفنا في مدينة أخرى. ولكون سيارتنا لا تقاوم السير للمسافات الطويلة، بادرت زوجتي وسألت ان كان ثمة مقعدا لي لاشاركهم رحلة التعزية. اخبرتني زوجتي عن الفكرة، فوافقت فورا للالتحاق بالقافلة، فالعائلة المعنية تربطنا بهم علاقات طيبة ومن الواجب ان نشاركهم احزانهم. لم أسأل عن بعض التفاصيل، ورحت اجتهد لتهيئة نفسي ليوم السفر، وانشغلت بالاتصالات لألغاء بعض المواعيد، وانجاز بعض المهمات. في صباح يوم السفر الى التعزية، نهضت مبكرا، وزوجتي لا تزال تغط في نومها، وتوجهت الى مكان اللقاء الذي حددوه لي لألتحق بالموكب المتوجه للتعزية. قبل وصولي مكان اللقاء بدقائق خطر في بالي سؤال، جعلني اتصل هاتفيا بزوجتي، واوقظها من النوم وأسالها: من هو المتوفي، ما هو أسمه، وكيف مات؟!
وقبل ان تجيبني زوجتي غرقت بالضحك : انت ذاهب الى تعزية ولا تعرف شيئا عن هوية الميت؟
وانتقلت ضحكاتها الى "أَبُو جَلِيل" والبقية ، بعد ان عرفوا منها بالتفاصيل!


334


دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية فيلم " السقوط " أنموذجاً !
3 ــ 3



يوسف أبو الفوز
الطريف انه حين اراد استخدام البازوكا، لم يعرف طريقة تركيب القذيفة والاطلاق فأقترب منه احد الاطفال وشرح له وعلمه كل شيء، وحين سأله : اين تعلمت هذا ؟ قال له : من الافلام في التلفزيون ؟ مشهد قصير وبحوار مكثف مع طفل بريء يدين فيه صانعوا الفيلم الدور التربوي السيء للتلفزيون والسينما التي تحرض على العنف واستخدام السلاح في المجتمع. يترك فوستر نفق المترو الذي دمره بنفسه ويجتاز سياجا حديديدا ويحاول عبور ملعب للغولف ليختصر طريقه، لكنه يواجه برجال مسنين ارسقراطيين يحاولون طرده ومنعه من المرور لانه ليس عضوا في النادي . يشعر بالغضب، تعرض لنا الكاميرا ملعب الغولف الواسع الاخضر، وفوستر يصرخ بأن هذا المكان كان يمكن ان يكون مساحة لتنزه العوائل الفقيرة والخروج بسفرات قصيرة في عطلات الاسبوع، ويشهر السلاح فيسقط احد الرجال مصابا بنوبة قلبية. وثم يعبر حديقة فارهة لفيلا فخمة كأنها قصر امير في الحكايات القديمة وينبهر بها، ويعرف انها تعود لطبيب تجميل، ويتصل بطليقته من هناك، فتخبره انه مريض وبحاجة لمساعدة، فيخبرها : اذا كنت تريدين ان تعرفين ما هو مرضي فتجولي قليلا في المدينة. تهرب الزوجة من بيتها ويلحقها زوجها بحدسه للمكان الذي تحب ان تكون فيه عند شاطيء النهر في الوقت الذي يصل الشرطي ايضا. يحاول الشرطي ودون ان يشهر سلاحه ان يهدأ من انفعال وغضب وليم فوستر المسلح بمسدس، فيوافقه على اقواله، وحين يتحدث فوستر مع أبنته، ويضع مسدسه على الارض تنجح طليقته في خطف المسدس ورميه في البحر والهرب مع الطفلة. ويواصل الشرطي محاولته لدفع فوستر لتسليم نفسه، لكن فوستر يطلق صرخته :" من الذي وصل بي الى هنا.عملت كل ما طلبوه مني . بنيت صواريخ تحمي امريكا، وكان يفترض تكريمي لكن كل شيء ذهب الى اطباء التجميل. لقذ كذبوا علي". يوافقه الشرطي ليقول له : انهم يكذبون على كل فرد، حتى على سمك الشاطيء، فلم نعد نقدر السباحة وصيد السمك هنا، لكن هذا لا يعطيك الحق ان تفعل ما فعلت. ويخبر فوستر الشرطي انه لن يسلم نفسه وان معه مسدسا اخر سيستخدمه واذا مات فأن شركة التأمين ستدفع التعويض لابنته ليضمن شيئا في حياتها، يحاول ان يشهر المسدس فيقتله الشرطي لكننا والشرطي نعرف بان ما كان يحمله هو مسدس اطفال بلاستيكي كانت ابنته تعبث به في احد مشاهد الفيلم. يفهم الشرطي ان فوستر اراد الانتحار وبطريقة يضمن بها ضمان مستقبل طفلته .
المشاهد للافلام الرابعة، سيلاحظ ان كل ابطال الفيلم، الذن تعرضوا الى ضغوط خارجية بشكل ما، ومارسوا العنف بطريقة عديدة ولاسباب مختلفة، كانوا يرتدون النظارات الطبية، كرمز للشخصية المتعلمة، المرتبطة بشكل ما بعجلة الانتاج والدولة. وما عدا الفيلم الفرنسي "البندقية القديمة " ، فأن بقية الافلام، حاولت وبشكل واضح توظيف هذا الرمز. بدأها فيلم " كلاب القش" وسجلت له، فهو كما ذكرنا من انتاج 1971، وعنوان الفيلم مأخوذ أساسا عن الفلسفة التاوية الصينية القديمة التي تشير الى كلاب القش التي تقدم كقرابين للالهة، في هذا الفيلم، حين يواجه ديفيد رجال القرية، الذين يحاولون اقتحام بيته، ينكسر زجاج نظارته الطبية، هذه الصورة التي حملها ملصق الفيلم واشتهر بها، والذي فاز في حينه بجائزة كأحد افضل ملصقات الافلام، هذا الكسر الذي تظهره لنا كاميرا الفيلم بلقطات عديدة، ومن زوايا مختلفة، جاء رمزا لشيء انكسر في داخل الشخصية، هو الصراع بين الافكار والمثل المسالمة التي يحملها والواقع المفروض عليه. الاخلاق التي يتحلى بها والتي كانت تكبح العنف في داخله. الافلام الاخرى ، "الفأري" عام 1973، ابرز لنا التغيرات في نفسية أندرسون تحدث مترافقة مع الكسر في زجاج نظاراته، حين يقتحم مدرسته التي عمل فيها خمسة عشر عاما ، ويصرخ بهم كونه كان مسالما، وفأريا ، وكبح كل شيء في نفسه للحفاظ على بيته وابنه ، واذ فقد كل شيء ، فهو لم يعد فأريا بعد ! وفي فيلم السقوط 1993،  يعرض لنا وبلقطات عديدة ومقربة الكسر في نظارات وليم فوستر. كان فيلم "السقوط " ابرز هذه الافلام ، في عرض لقطات معبرة وموحية ، تحمل ايحاءات ورموزا، دون الميل للكثير من التفاصيل. فسوء حال المهاجرين والبطالة ونقص الخدمات في لوس انجلس، تعكسه المشاهد القصيرة للمتسولين،والبائعين الجوالين، واللقطات السريعة ذات الطابع الوثائقي التي يمر بها وليم فوستر وهو يقطع شوارع المدينة. الذهاب للبيت، كانت رغبته بالحياة المستقرة والامان ، يعبر عنها حين يدخل بيت طليقته الهاربة منه، فيضع شريط فيلم فيديو عن عيد ميلاد سابق لابنته حين كانت العائلة معا، ونتابع معه كيف كانوا يبدون سعداء، واذ يلاحق طليقته الى شاطيء البحر، يترك لنا شريط الفيديو يدور، وهذا هو المشهد الذي ينتهي به الفيلم، ان تكون العائلة معا ويعيشون بسعادة، وهو حلم البطل الذي منعته من تحقيقه عوامل عديدة .


335
على هامش معرضه التشكيلي الشخصي في فنلندا
الفنان رامان حسين : لابد ان يكون للفنان موقفا من الطائفية و العنف والارهاب !
منحوتاتي إستلهام لتراث اسلافي




يوسف أبو الفوز
أفتتح في مدينة تامبرا الفنلندية ، ( 178 كم شمال غربي العاصمة هلسنكي )، مؤخرا ، وعلى قاعة البلدية للفنون في المدينة ، المعرض التشكيلي للفنان العراقي ، رامان حسين ، المولود في مدينة كركوك عام  1972 ، وفيها درس الابتدائية والاعدادية ، ثم انتقل الى بغداد ليدرس في كلية الفنون الجميلة، قسم الفنون التشكيلية، ليتخرج منها عام 1997، واقام في العراق العديد من المعارض الشخصية والمشتركة، ووصل الى فنلندا 2003  حيث يقيم فيها اضافة الى دؤاسته للفن في الجامعات الفنلندية . على هامش المعرض كان لنا معه هذا الحوار :
   ماذا عن معارضك السابقة في العراق وفنلندا ؟
ــ خلال فترة دراستي في اكاديمية الفنون الجميلة اقمت العديد من المعارض الشخصية والمشتركة مع زملاء فنانين، وفي فنلندا سعيت لاقامة معارض بالتعاون مع المؤسسات الفنلنية الداعمة للفن ومنها معرض الحالي. هذا المعرض يحمل رقم الخامس عشر في سلسلة معارضي الشخصية ، اضافة الى خمس معارض مشتركة مع مجموعة فنانين، اضافة للمعارض العديدة في المهرجانات والمناسبات العامة .


   حدثنا قليلا عن هذا المعرض الذي جاء من عدة اجزاء  او اقسام ؟
نعم ،  المعرض الحالي هو من عدة اقسام . الاول هو سبعة اعمال موزائيك ، والقسم الثاني ثمانية اعمال نحتية، والفسم الثالث فيديو تركيبي (video installation) وكلها تحت عنوان مشترك (ضد العنف والارهاب والديكتاتورية).
   لماذا هذه الموضوعة بالذات ؟
الفنان لا يمكن ان يكون بعيدا عن واقع شعبه . ولابد ان يكون له موقف من هموم وقضايا ابناء شعبه ، من الجوع والظلم والطائفية، وان يكون له موقف واضح ضد العنف والارهاب. من هنا واذ يواجه الشعب العراقي محنة كبيرة في مواجهة العصابات الارهابية ، وانتشار العنف بغطاء طائفي ، وكان من قبل سنوات خرج من عنف الديكتاتورية الصدامية ، كان لابد من قول شيء ضد هذا وحوله .


   ما هو الدافع لتوطيف الكتاب في اعمالك النحتية ؟
الكتاب هو منبع الفكر ، والمنظمات الارهابية ، القاعدة وداعش وغيرها ، هي حصيلة فكرية،  الكتب والنصوص التي تفسر مثلما يريدون ، هذا الى جانب عوامل اخرى متعددة .  الكتب ممكن ان تبني حضارة وممكن ان تهدم مجتمعا ، من هنا جاءت محاولتي لتوظيف الكتاب في اعمال نحتية الى جانب خامات اخرى .
   سبق وشاهدنا لك اعمال موزائيك واعمال نحت بارز (Relief ) مدهشة ، نرى ان اللوحات الحالية جاءت بذات الاسلوب؟
ـ بالضبط تماما ، اميل لهذا الاسلوب في النحت البارز ، لاني استلهم فيه تراثنا واعمال اسلافنا الفنية ، واما اعمال الموزائيك فلقد ولدت الفكرة خلال عملي في احد مجمعات اللاجئين حين كسر احد النزلاء وبسبب وضعه النفسي شباك غرفته ، وخلال جمعنا للزجاج وبعضه مغطى بالدماء خطر في بالي ان كل قطعة من هذا الزجاج مغطاة ليس بدم هذا الانسان  البعيد عن وطنه لاسباب متعددة ، بل مغطاة بشيء من روحه وانفعالاته، جمعت كل الزجاج بنفسي واحتفظت به ، ولونت بعضه كما اريد، واستخدمته بالشكل الذي اريد ، ومن خلاله حاولت التعبير عن افكار لمعاناة الانسان.

   في عملك الفيديو التركيبي ربما يفهم المشاهد ان هناك ادانة للجماهير ربما اكثر من الديكتاتور ؟
في عملي الفيديو التركيبي ، كما ترى، هناك غابة من الايدي المنحوتة التي تصفق، وتمر صور الحكام الديكتاتوريين ومن ضمنها صور الحكام في المنطقة وايضا العراقيين الذين حكموا  بشكل ديكتاتوري، بعيدا عن روح الديمقراطية وممارساتها، فلهذا ترى صور صدام حسين ونوري المالكي. ادانتي او بالاصح تحذيري هو ان لم يكن للشعب موقف من هذا الاسلوب من الحكم ونتائجه بسبب العنف الذي يمارسه وينتجه، فان حالنا يستمر مثلما هو ، والذي يعرضه  الصور المتحركة ، فأننا سنبقى اسرى في سجونهم الكبيرة التي اسمها الاوطان . في هذا العمل ادين حتى نفسي ، فلقد بقيت اكثر من نصف عمري بين القطيع مصفقا وهاتفا ومساهما في صنع ديكتاتورية بطرياركية . لم اعد اصفق بعد  ، اقضي الان النصف الاخر من عمري وانا اری کوابیسا لتداعیات ذاك التصفیق . السنین الماضیة حفلت باحداث ضربت مناطق عدة من العالم و حولت مناطق اخری الی جحیم .الارهاب هو نتاج دکتاتوریة الایدلوجیا والسکوت والتصفیق.
   حضي معرضك باقبال قياسي من قبل الجمهور الفنلندي على العكس من الجمهور العراقي ؟
هذه حقيقية ، خلال ثلاث اسابيع زاد عدد الزوار حسب احصاءات الجانب الفنلندي عن 1800 زائر ، وهذا رقم نوعي نوعي في مدينة تامبرا ، وللاسف لم يكن عدد الزوار من العراقيين يتجاوز العشرة . اشعر بالالم لهذا ، ولكني اعرف ان لهذا اسباب عديدة منها ثقافية وسياسية وطائفية  . عموما ان نشاطاتي موجهة اساسا للفنلنديين ، واجد هناك تفاعل جيد .

   هل يدفعك هذا للتفكير بنقل المعرض الى مدن ثانية ؟
افكر واخطط لهذا الامر ، لنقل المعرض ليس الى مدن فنلندية اخرى ، بل وحتى خارج فنلندا اذا توفرت الفرصة ، وانا مستعد للتعاون مع اي جهة فنية ترغب بذلك .

336
الكلام المباح (91)
أَبُو سُكينة وَمُتَلاَزِمَة بِيتَر بانْ !
يُوسُف أَبُوالفَوْزْ
منذ ان صارت الكتب وعوالمها جزءا من حياتي، ظلت كتب الحكايات والاساطير تحتل حيزها المناسب ضمن أهتماماتي. ومنذ أسابيع، نتابع أنا وزوجتي، بشغف حلقات مسلسل تلفزيوني أمريكي شيق، على أحد مواقع الانترنيت الخاصة بالافلام الاجنبية. أنتج منه لحد الان اربع مواسم، عرضت منذ 2011، ويتواصل عرضها على شاشات 19 بلدا اوربيا، ناهيك عن مواقع الانترنيت الخاصة بالافلام. المسلسل أسمه "كان يا ما كان" (Once Upon A Time)، لاعلاقة له بعوالم الف ليلة وليلة وشهرزاد وشهريار، فصانعيه، وبذكاء، جمعوا شخصيات من عدة حكايات واساطير اوربية، وبلعبة ساحرة نقلوها الى عالمنا الواقعي وجمعوها في مدينة أفتراضية أسمها "ستوري بروك"، ونسجوا علاقات حب وانتقام تربط بين ماضي الشخوص في حكاياتاها الاصلية، وعالمها المفترض في عالمنا الواقعي الحالي . ظلت الاحداث في المسلسل تدور في اطار عوالم الحكايات الخرافية. صراع الساحرات الشريرات ضد الابطال الطيبين، صراع الخير والشر، وصراع الساحرات فيما بينهن، وعوالم الخداع والمكر والغدر، والحب في مواجهة الكراهية، والنهايات السعيدة دائما بالانتظار على حد اقوال ابطال المسلسل. أحد شخصيات المسلسل المقتبسة كانت شخصية "بيتر بان"، التي وضعها اساسا الكاتب الاسكتلندي جيمس ماثيو باري (1860 ـ 1937)، وهي شخصية ولد شقي يمكنه الطيران ولا يكبر ويقضي جزءا من طفولته التي لا تنتهي في مغامرات على ارض جزيرة "نيفرلاند" كزعيم لعصابة "الاطفال الضالين"، ويتعامل فيها مع الحوريات والقراصنة والجن. والكثير منا تابع هذه الشخصية في أعمال كارتونية عديدة. في هذا المسلسل،  وضعت في جانب الشخصيات الشريرة، لخلق مزيد من التشويق، فصارت تتحكم بمصائر وحياة شخصيات اخرى، التي راحت تتعاون فيما بينها، لانقاذ نفسها منه، والعودة الى حياتهم الطبيعية في بلدتهم "ستاربروك "!
كانت زوجتي تحكي لسكينة وزوجة جليل عن الاجواء الساحرة في المسلسل، والاخراج المتقن لعالم خيالي يمور بالالوان والتشويق والمفاجأت، وكنت اتحدث مع جليل عن موضوع اخر تماما ذكرني به المسلسل،  موضوع سماه علم النفس "متلازمة بيتر بان"، ويتعلق بعدم رغبة الشباب بالنضج فيواصلون سلوكيات طفولية طائشة بدون خوف، وبكثير من عدم المسؤولية، ويترافق ظهور هذه المتلازمة عادة مع الازمات الاقتصادية والسياسية  في اي مجتمع .
كان صديقي الصدوق، أَبُو سُكينة، يتسمع لكل كلمة نقولها، وما ان قدمت لنا ام  سُكينة الشاي، حتى شهق وقال بدون مقدمات : أنوخذنا وحق داحي الباب. شنو قلت أسمها هاي .. اللازمة .. المتلازمة.. بويااااا هاي لاعبه بينا لعب واحنا ما ندري . أشوف ليش عندنا بعض السياسين لا ينضجون ولا يكبرون ويتصرفون بشكل طائش وبدون خوف ومسؤولية؟؟. أثاري هذا بيتر أبنك يا بان عايف جزيرة "نيفر لاند" وحط بـ"العراق بروك" ويقود عصابة "الاولاد الضالة" من كل نوع وكل جنس وكل قومية وكل طائفة ! 


337
الكلام المباح (90)
الشَّرُّ وَمُسْتَلْزَمَاتْ طَرَدَهْ!
يُوسُف أَبُوالفَوْزْ
عدنا من أحِتفالات الاول من آيار، التي لم يتمكن صديقي الصدوق، أَبُو سُكينة من المساهمة بها هذه المرة، وكان سعيدا وهو يسمع منا الكثير من التفاصيل. فراح يستذكر وصاحبه أَبُو جَلِيل، أيام شبابهما، ومشاركاتهما في نشاطات وتظاهرات أيام زمان. استذكرا كيف كانا يغيضان البعثيين العفالقة وهم يرونهما ذلك اليوم بأجمل حلتهما، وكأنهما عريسان. واذ يستغبي البعض، ويسأل عن السبب والمناسبة كان ردهما:"أنه يوم عيد المطرقة التي ستكسر الروؤس المتحجرة والظلامية". وعندها يبدأ السجال الذي يسبقه السؤال الاثير عند البعثيين: ماذا تقصد؟!
كنت وجَلِيل، نجلس جانبا نسترق النظر اليهما، ونتّسمع، منشغلين بمتابعة تقرير تلفزيوني عن تصريحات متضاربة لسياسيين حول تطورات الاحداث في محافظة الانبار وما حولها، وما يجري من كر وفر في حربنا ضد قوى الارهاب الداعشية، التي تناور في تحريك قواتها ما بين مدن العراق والمدن السورية. تحدث جَلِيل عن بعض السياسيين العراقيين الذين يحاولون قطف ثمار اي نصر تحققه عموم القوات المسلحة العراقية وتجييره لانفسهم لاجل مصالحهم الذاتية ولخلق توازنات محددة في المشهد السياسي، متجاوزين على صلاحيات السلطة التنفيذية والقائد العام للقوات المسلحة، وناثرين روح الفرقة والتنابز متناسين اهمية الوحدة الوطنية، وعلى الاقل الشراكة بين الفرقاء في العملية السياسية.
 قلت ان معركتنا مع داعش لا تخص من هو في سدة الحكم فقط، انها تخص كل عراقي حريص على السير بالبلاد الى بر الامان والاستقرار وفتح افاق التطور امام شعبنا وطرد قوى الشر والظلام من بلادنا. قال جَلِيل : ان رئيس الوزراء العراقي في بعض احاديثه الاخيرة كان مستاء من حرب الاشاعات التي تنطلق من حوله، وتستهدفه قبل غيره، معتبرا أياها حربا نفسية لتقويض نجاحات القوات المسلحة العراقية في التصدي لداعش وما حولها. صاح بنا أَبُو سُكينة : "شيريدون من الزلمة، خلوه يشتغل، يحاول ان ... " وسمعنا ضجة قادمة من المطبخ، وصوت تكسّر شيءهناك . ظهرت أم سُكينة مرتبكة وقالت : "بسيطة صحن وقع مني وانكسر" . قلت لهم بصوت مرح : "راح الشر". واذ التفت نحوي الجميع، رويت لهم كيف ان أمي كانت، كلما انكسر صحن خزف في بيتنا، او كأس زجاج، حتى تصيح : "راح الشر، بيها الخير انشاء الله"، طاردة بذلك الحرج عن الشخص المسبب بالكسر وناشرة روح الامل والرضا في النفوس.
 ما أن سمع أَبُو جَلِيل كلامي حتى قال :" أيبااااه ، حتى نطرد الشر الذي يطوف بمدن وشوارع العراق نحتاج نستورد كل الصحون اللي تنتجها الصين واليابان واندونسيا و ..... "
فقاطعه أَبُو سُكينة : من أول الكلام قول نحتاج نستورد كل صحون العالم !    


338
دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية فيلم " السقوط " أنموذجاً !
2 ـــ 3


           
يوسف أبو الفوز
المخرج الكندي الاصل دانيال بيتري (1920 ـ 2004) ، الذي يعتبر صيادا للجوائز في العديد من افلامه الجادة، للتلفزيون والسينما، اخرج عام 1974 فيلم "الفأري"، وفي بعض البلاد الاوربية عرض بعنوان " القط والفأر"، وفيه نرى الممثل كيرك دوغلاس يلعب دور جورج أندرسون، المدرس الوديع ،المسالم، لحد ان الطلبة يمنحوه سخرية لقب " الفأري " أي الخجول والمسالم. في الفيلم تنتقل لورا، زوجة جورج أندرسون، لعبت دورها الممثلة جين سيبرغ (1938 ـ 1979)، وتتركه لتتزوج عشيقها  ديفيد ريتشاردسون، لعب دوره الممثل جون فيرنون (1932 ـ 2005)، لكن لورا تأخذ معها ابنه المراهق سيمون، تمثيل الممثل ستيوارت جاندلر (مواليد 1974)، الذي يرغب اندرسون ان تكون تربيته له على يده. فيثيره الامر ويغضبه خصوصا حين يعرف ان ابنه يود البقاء معه وعلى مقربة منه، فيقرر بيع كل ممتلكاته ويترك وظيفته ويلحق بهم الى مونتريال. وحين يواجه بالرفض من قبل لورا وتشكك بجديته ورجولته يهددها بانه سيرتكب اعمال عنف من باب التحذير لها، ويقوم باستدراج أمرأة شابة ويقتلها بوحشية، ثم يقتل المخبر الخاص الذي وظفه عشيق زوجته لمتابعته. يحاول جورج اندرسون اثبات رجولته وشخصيته من خلال ممارسته العنف، وهو هنا عنف مريض، وبالتالي مخالف للقانون، يدفع حياته ثمنا له. المخرج الامريكي جويل شوماخر (مواليد نيويورك 1939) ذو الاصول السويدية، والذي عرف باخراجه لعدد من افلام سلسلة الرجل الوطواط ، يقدم لنا في فيلم "السقوط" ، من انتاج عام 1993 ، وعن سيناريو الممثل والكاتب ايدي روي سميث ، دراسة عميقة في اسباب ولادة العنف في المجتمع الغربي الرأسمالي. الكثيرون يتحدثون كثيرا عن مساويء النظام الاجتماعي الراسمالي، الذي هو طريقة للحياة يعتمد عليها مليارات البشر، الذين يخرجون كل يوم للحصول على لقمة عيشهم، وسط افرازات وضغوطات هذا النظام الاجتماعي. ان حقيقة استلاب الانسان واغترابه، وكونه مسلوب الهوية وأنه ملغى بدون قيمة في هذا المجتمع، نابعة من الدوافع الاقتصادية التي تمليها الظروف المحيطة وبالتالي الظروف الاجتماعية. فيلم "السقوط" والذي عرض في بعض البلدان الاوربية تحت عنوان "يوم عصيب"،  يتوقف بحذاقة ومهارة عالية عند العوامل التي تغير من سلوك وليم فوستر الموظف العادي في خدمات الدفاع الامريكية، والذي لعب دوره الممثل مايكل دوغلاس (مواليد 1944)، الذي صرح في اكثر من حديث بأنه واحد من افضل ادواره التمثيلية، ويحكي لنا أزمته التي تتصاعد بالرغم من أرادته. نعرف من خلال الفيلم ان وليم فوستر فقد وظيفته من شهر كامل، واخفى ذلك عن والدته، ولديه أمر تقييدي من المحكمة بعدم الاقتراب من طليقته لأكثر من مئة متر ـ في فيلم "الفأري" كان هناك نفس القرار التقييدي ــ ، ووليم يرغب بلقاء ابنته بمناسبة عيد ميلادها. تقول عنه طليقته أنه لا يدخن ولا يشرب لكن يمكن ان يكون عنيفا، وتقول عنه أمه انه يخيفها بكونه متوترا دائما. يفتتح الفيلم بمشهد الازدحام، ويعرفنا ببطل الفيلم من خلال لوحة سيارته المكتوب عليها 'D-Fens' ، الذي يصبح اسمه المتداول بين شخصيات الفيلم ويلفظه البعض 'Defense' (دفاع)، مما يحمل معه ايحاءا وتورية، بحال هذا الانسان المتأزم، المحاصر بعدة ضغوط، تتوالى عليه في يومه، تدفعه لممارسة العنف والتصرف بشكل مجنون وثم التحول الى قاتل. في المشاهد الاخيرة من الفيلم ، اذ يقف بطل الفيلم مقابل عريف الشرطة يصرخ : "كيف وصلت الى هذا الحال؟" بسؤاله هذا يكاد يلخص لنا هدف الفيلم وموضوعه. كيف يصل المواطن البسيط والعادي الى حافة الجنون ويتحول الى مجرم عنيف؟  لم يكن وليم فوستر يحمل من جواب على اسئلة الذين يريدون معرفة الى اين يمضي، وهو يقطع شوارع المدينة، سوى جواب واحد : "اريد الذهاب الى البيت؟". في  أكثر من حادث تكرر السؤال، وسمعنا ذات الجواب.
على الطريق الخارجي، في مدينة لوس انجلس، يترك وليم فوستر سيارته وسط الازدحام والحر الخانق حاملا حقيبته الدبلوماسية الصغيرة، ولاختصار الطريق يعبر تلة ليدخل في الاحياء الفقيرة فيتابع حياة المهاجرين، الازدحام والفقر والفوضى، ويرى احدهم يرفع لافتة مطالبا بالعمل مقابل اطعامه، ومهاجرون يبيعون اغذية وحاجات رخيصة على مفترق الطرق، يحاول مهاتفة طليقته فيكتشف انه لا توجد لديه قطع معدنية كافية فيدخل محل بقالة يديره رجل كوري، يرفض ان يغير له قطع النقود دون شراء شيء ما، واذ حاول شراء علبة عصير لاحظ غلاء الاسعار وحين بدأ يحتج صده صاحب البقالة وحاول طرده بأستخدام مضرب البيسبول، فيثور ويستولي على المضرب، ويبدأ بتحطيم البضائع غالية السعر، ويبدأ يحتج غاضبا ضد الغبن في حياته ويتحدث عن امور لا يفهمها صاحب البقالة. ويخرج حاملا المضرب بعد ان يشتري شيئا بالسعر المعقول ويدفع ثمنه ويأخذ قطع معدنية للتلفون. حاول الاستراحة اعلى التلة المشرفة على الحي الشعبي، وسرعان ما هاجمه مراهقون من اصحاب العصابات باعتباره جلس وتعدى على صخرتهم التي تحمل علامة عصابتهم، وقرروا عقوبته بسلبه حقيبته، لكنه دافع عن نفسه بمضرب البسيبول وطردهم واستولى على سكين احد المهاجمين واحتفظ بها. ما ان نزل ثانية الى الشارع ووقف عند كشك الهاتف ليحاول تكرار الاتصال بطليقته حتى هاجمته عصابة المراهقين وهذه المرة مزودين بالاسلحة  النارية لكنهم يخطأونه ويرتكبون حادثا بالسيارة التي يستقلونها، فيستولي على حقيبة معهم محملة بمختلف انواع الاسلحة ويقتل احد الجرحى. ويواصل طريقه بأتجاه بيته، مخترقا ضواحي شوارع لوس انجلس، لكن المفارقات لا تنتهي في يومه العصيب ،فحين رغب بتناول فطوره يجد ان مطعم الوجبات السريعة وبفارق ثلاث دقائق توقف عن تقديم وجبة الفطور ليقدم وجبة الغداء، فيصر على وجبة الفطور، ويحاول ان يتناولها تحت تهديد السلاح، ويكتشف الغش في عمل المطاعم، الفارق بين ما يقدمونه للزبائن وما يعلنون عنه. ويواصل الاحتجاج والحديث عن ازمته وأشياء لا يفهمها من يستمع له.  في خط متواز مع جولة وليم فوستر في المدينة نرى الشرطي الذي يعيش يوم خدمته الاخير وفي طريقه للتقاعد المبكر بسبب من ضغوطات زوجته المريضة. لعب دور الشرطي الممثل المتألق دوما روبرت دوفال (مواليد1931) ، ونراه كيف يعاني من بيروقراطية مديره ، الذي لا يقيم جيدا امكانياته التحقيقية ، فيربطه الى وظيفة مكتبية، وبعد خدمة خمسة عشر عاما نرى ان مديره لا يعرف شيئا عن حياة الشرطي أن كان متزوجا ام لا ، ولا يعرف انه سبق وان فقد ابنته حين دهسها سائق مخمور، فيكون الحادث سببا لمرض زوجة الشرطي النفسي، والتي يحبها ويحرص على تلبية كل طلباتها حتى الغريبة منها، مثلا ان يغني لها بالتلفون وهو في ساعات العمل في مركز الشرطة. الشرطي يربط بمهارة خيوط الاحداث ببعضها، التي وصلت عنها شكاوي الى المركز. كان الشرطي متواجدا عند مشهد الأفتتاح وازدحام السيارات حين ترك وليم فوستر سيارته وصرخ انه ذاهب الى البيت، وتذكر انه كان يرتدي ملابس موظفي الشركات الرسمية، قميص بنصف كم وربطة عنق زرقاء، وهو نفس الوصف الذي قدمه، صاحب المتجر الكوري الذي اتهم فوستر بسرقة عصا البيسبول وتحطيم بضائعه، وافادت احد الفتيات المرافقات للمراهقين بنفس الوصف مع القول انه دافع عن نفسه بعصا البيسبول، وانه ترك المراهقين القتلى في سيارتهم بعد ان استولى على اسلحتهم التي دخل مطعم الوجبات السريعة مصطحبا اياها معه. تم تحديد مساره وتم تحديد هويته من خلال سيارته وعلامة لوحتها 'D-Fens' التي صارت اسما له، وبذكاء يقدم لنا الفيلم هنا رؤية نقدية لحال الانسان في المجتمع الراسمالي فهو هنا مجرد شيء، كنية او مجرد رقم . يواصل وليم فوستر رحلته، ومن الطرف الثاني لأحد الشوارع يقف يتابع موظفا ، يرتدي نفس ملابسه تماما، يقف عند باب احد البنوك ، متظاهرا، محتجا لوحده ضد السياسة البنكية في منح القروض فتعتقله الشرطة هو ولافتته، وقبل ان تختفي سيارة الشرطة يمد المعتقل رأسه من الشباك ويصرخ بوليم فوستر : تذكرني ! ، واذ يصل الشرطي وشريكته باحثين عنه لمكان تواجده، يدخل فوستر محلا لبيع الاحذية. حين جلس فوستر يستريح اعلى التلة مراقبا المدينة، فحص حذائه فوجده مثقوبا، فوضع فيه بعض الصحف لسد الثقب ، وفي واحدة من مشاهد الفيلم المعبرة، وهو يفحص حذائه نراه ينظر للمدينة من ثقب حذائه ويتابع الضباب والغبار يغطي المدينة. في محل بيع الاحذية يساعده صاحب المحل على التخفي عن الشرطة التي تبحث عنه ، كان قد لمح الاسلحة في حقيبته ، فظنه مثله، من صنفه. يكتشف فوستر ان صاحب محل الاحذية، نازي ويعلق في خلفية المحل صور هتلر وشعارات نازية ضد الملونيين والمهاجرين ،ويسأله لماذا ساعدتني فيخبره النازي: لاننا متشابهان فيصرخ به : "لسنا متشابهان، انا اؤدي وظيفتي في صنع اسلحة للدفاع عن وطني وانت حمار"، ويقتله بعد صراع، ويغير ملابسه ويرتدي بدلة عسكرية وجدها هناك . واذ يترك النازي القتيل، يأخذ معه من اسلحة النازي هذه المرة قذيفة بازوكا اضافة لحقيبة الاسلحة ويحاول سلك طريق المترو فيمنعوه لان هناك تصليحات ، وتحت تهديد السلاح يقر احد العاملين ان لا مشكلة في نفق المترو وان الشركة تنفذ اعمالا ترميمية وهمية لاجل ضمان الحصول على مدفوعات، فيوجه قذيفة البازوكا لمعدات الشركة ويفجر كل شيء.


339
نتائج الانتخابات البرلمانية الفنلندية ...
 فوز حزب الوسط هل سيقود لتشكيل حكومة "قوس قزح" من جديد ؟

مراسل "طريق الشعب" يتابع قادة الاحزاب الاربعة الكبار لحظة اعلان النتائج                             (تصوير جمال الخرسان)

يوسف أبو الفوز
أغلقت صناديق الاقتراع للأنتخابات البرلمانية الفنلندية ، في العاصمة، الساعة  الثامنة، من مساء الاحد 19 نيسان، لكن عمليات الفرز أستمرت حتى ساعة متأخرة من الليل، عبر شبكة معقدة من اجهزة الكومبيوتر، تابعة للمركز الوطني للانتخابات وتظهر النتائج اول بأول على شاشات خاصة في مبنى البرلمان حيث حضرت "طريق الشعب" وتابعت نتائج الفرز لحظة بلحظة.
الساعات الاولى من فرز الاصوات بينت بشكل واضح، ان الصراع الديمقراطي بين 15 قائمة وحزبا، على 200 مقعدا، حمل حزب الوسط ليتقدم على بقية الاحزاب  بهامش قليل من المقاعد، اذ حصل على 49 مقعدا بزيادة 14 مقعدا مقارنة بالانتخابات السابقة التي جرت قبل اربع سنوات، لكن نصره اعتبر كبيرا بالنسبة لمناصريه اذ جاء بعد خسارة سابقة، ومن مقاعد المعارضة ليتصدر الاخرين. تلاه في النتيجة الحزب اليمني المتطرف، "الفنلنديون الحقيقيون"، محققا 38 مقعدا (- 1)، ثم حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين معتدل) ، محققا 37 مقعدا (-7)، ثم حزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار)، محققا 34 مقعدا (- 8)، وهذه هي الاحزاب الكبيرة التي سيكون لها شأن في تشكيل الحكومة القادمة. بقية الاحزاب حققت نتائج مختلفة ، فحزب الخضر (يسار) نجح في تحسين موقعه بحصوله على 15 مقعدا (+5) ، مما جعل الكثير من المراقبين يعتبرونه اكبر الفائزين، بينما حصل اتحاد اليسار (يسار) حصل على 12 مقعدا (- 2)، في نتيجة غير متوقعة لقادته الذي كانوا يأملون في تحسين موقعهم، أما حزب الشعب السويدي (يسار) فقد حافظ على موقعه بتسع مقاعد، بينما حصل حزب الديمقراطي المسيحي (وسط ) خمس مقاعد بخسارة مقعد واحد .
ولم تكن نتائج الانتخابات بشكلها الحالي مفاجئة للمراقبين، فالاستطلاعات الاولية ، بينت ان هناك انحسارا في مواقع الحزبين المتحالفين طويلا، الديمقراطي الاجتماعي والائتلاف الوطني، اذ يحملهم الناخب الفنلندي مسؤولية الركود الاقتصادي في البلاد، ونجح حزب الوسط باجراء حملة انتخابية ناجحة، حاول فيها ان يقترب من مطالب مناصريه وهمومهم، فهو بالاساس كان حزب للمزارعين قبل تغيير اسمه، فاستثمر على سبيل المثال مواقف الحكومة السابقة، التي اذعنت لقرارات الاتحاد الاوربي في اذار الماضي، التي حددت حصص فنلندا من كميات الحليب في الاسواق الاوربية، مما جعل المزارعين الفنلنديين يطلقون جرس الخوف من الافلاس، أذ يشعرون انهم غير قادرين على منافسة مزراعي الدول الاوربية الاخرى الذين لا يواجهون شتاءا قاسيا مثل الشتاء الفنلنلندي الطويل . خوف الشارع الفنلندي ، ظل يتركز في ان يتقدم حزب " الفنلنديون الحقيقيون " اليمني المتطرف، على بقية الاحزاب بعدد المقاعد التي تؤهله لتشكيل الحكومة، فجاء فوز حزب الوسط في الانتخابات، وكونه الطرف الذي يقود المفاوضات لتشكيل الحكومة ، ليعطي شيئا من الامل بأمكانية تشكيل حكومة "قوس قزح "، كما يسميها الشارع الفنلندي، وهي الحكومة التي قد تضم قوى من اليسار واليمين، وتحاول ان تنفذ برنامج تخرج بالبلاد من ازمتها الاقتصادية والسياسية .
 المفاوضات، لتشكيل الحكومة، التي سيقودها قادة حزب الوسط ، لن تكون سهلة أبدا ، فالنتائج المتواضعة التي حصل عليها الديمقراطي الاجتماعي لا تضعه في موقع قوي للتفاوض، وحزب الخضر الذي حقق تقدما كبيرا، اعلن مرارا، أنه لا يمكن ان يكون في حكومة يشترك فيها اليمين المتطرف، والذي سيكون لاعبا مهمة في المفاوضات لتشكيل الحكومة، وهذا ما يخيف الشارع الفنلندي، خاصة وان حزبي الوسط واليمين المتطرف، حين كانا في صفوف المعارضة، عارضا معا وكثيرا سياسة الحكومة السابقة وخصوصا قراراتها في الاتحاد الاوربي، فيما يخص القروض الاوربية، والعلاقة مع حلف الناتو، أذ كان حزب الائتلاف الوطني دعا الى المزيد من التعاون مع حلف الناتو بما في ذلك  نيل عضويته،  وابتكر قادته خلال دورات حكمهم السابقة سياسة "الباب المفتوح" مع الناتو، التي تتلخص في عدم الدخول في عضوية حلف الناتو ارضاءا للشارع الفنلندي وخوفا من اغضاب الجارة الكبيرة روسيا، ولكنه لم يغلق الباب في التنسيق والتعاون مع الناتو، لتكون فنلندا بدرجة شريك في العديد من نشاطات حلف الناتو في اوربا ومناطق مختلفة من العالم،  لكن الحزبيين الفائزين الكبيرين، في هذه الانتخابات، الوسط واليمين المتطرف، لهما موقفهما الرافض لعضوية فنلندا في حلف الناتو، وهو الموقف الذي يتفقان به مع احزاب اليسار، مما يجعل من هذه الانتخابات في جانب منها استفتاءا يعبر بــ " لا " لعضوية فلندا في حلف الناتو .
 ان واحدة من  ابرز نقاط الاختلاف بين اليمين المتطرف وقوى اليسار، مسألة الموقف من الهجرة والاقليات المقيمة في فنلندا، حيث واصلت قوى اليسار أعتبار الموقف من الهجرة واللجوء ، ليست قضية اقتصادية، انما قضية تضامن أممي، لها صلة بمسألة حقوق الإنسان ووجوده ، وليس الاقتصاد في المدى القصير، بينما ظل اليمين المتطرف يدعو لغلق ابواب فنلندا امام الهجرة، ويتحدث بعض قادته بهذا الموضوع بروح عنصرية. ولكن من الجدير بالذكر ان ما يحسب لهذه الانتخابات، وهي الدورة الانتخابية رقم 37 في تأريخ فنلندا، الدورة الاولى كانت في عام 1907، انها حملت لاول مرة، نواب من خلفيات اجنبية اسلامية ، فهناك نائبة في الديمقراطي الاجتماعي من اصول افغانية، ونائب في حزب الخضر من اصول تركية، وكلاهما من الجيل الثاني من المهاجرين، الذي وصلوا اوربا وفنلندا أطفالا ونشأوا وترعرعوا فيها .
السؤال المطروح الان من قبل المراقبين، هل سيتم تفعيل تحالف (أخضر ـ احمر) لتشكيل موقف موحد للضغط على حزب الوسط لاستبعاد اليمين المتطرف من دخول تشكيلة الحكومة؟ وما هو الثمن المطلوب مقابل ذلك؟ ام ان حزب الوسط يلجأ للتحالف مع اليمين المتطرف واقناع احزاب صغيرة للانضمام للحكومة لتحقيق اغلبية النصف زائد واحد الكافية لتشكيل الحكومة .
                           

340
الكلام المباح (89)
أبو سُكينة وحَلَزُون ماركِس !
يوسف أبو الفوز
كنت اسمع ضحكات صديقي الصدوق أبو سُكينة، وانا لا ازال في مدخل  بيته، فيبدو انه قد بكّر في مناكدة صاحبه أبو جليل، وكنا تعودنا على اختلافاتهما حول كل شيء، ولكن سرعان ما يتفقان. هذه المرة وجدت أبو جليل غاضبا يدور بعينيه باحثا عن مساند ليحتمي من لسعات  ضحكات صاحبه. وما ان صرت قبالتهما حتى صاح بي الاثنان مرة واحدة :"اجيت والله جابك" !. عرفت أني تورطت تماما، فألى جانب أيُ منهما سأكون؟ وكيف سأنجو من زعل ونيران الثاني؟
صاح أبو جليل وهو يدوّر بكفه :"بروح موتاك، منو اللي حكى عن الحلزون، ماركس الله يرحمه لو أبو ..." وقاطعه أبو سُكينة : "هاي انت صدك اذا عدنك كيلو تمر، ما تنام اذا ما تاكله، خلي الزلمة يكعد، نقوله الله بالخير، يجر نفس وبعيدن حلزنه؟" وما ان جلست، وشربت كأسا من الماء، حتى راح الطرفان يتباريان في محاولة شرح خلافهما، لكن سُكينة لخصت لي الامر.
قبل وصولي كان جليل قد غادر المكان، وكان تحدث للجميع مطولا عن  تطورات الاحداث في تكريت وما صاحب ذلك من أخذ ورد بين مختلف الاطراف السياسية، والنتائج المرتبة على تحرير المدينة وطرد داعش منها، وكيف ان البعض يحاول أستغلال ما حصل من بعض التجاوزات من قبل بعض العناصر غير المنضبطة المحسوبة على قوى الحشد الشعبي، ليشوه وجه الانتصار والنجاح. قال جليل: أن مساعي تسويد وجه النصر تؤكد وجود سياسيين من كل الاطراف نفعيين متربصين لا يريدون الاستمرار في تحقيق النصربشكل مشرق. بعد ان غادر جليل تسائلت ام سُكينة:"هذوله شبيهم، يريدون داعش وماعش والشباب تستشهد والنساء تنسبي والاطفال تتيتم ". فقال أبو جليل : "هذا شيء طبيعي، هذولة وامثالهم يلعبون بيها الان، بس ما تدوم لهم، المستقبل للناس التعبانة، هؤلاء من جماعة قعر الحلزون مثل ما يقول أبو المثل "! فأحتج أبو سُكينة: "يا أبو المثل ، يا حلزون تقصد؟ " فحاول أبو جليل ان يشرح الامر، لكنه لم يتمكن من اكمال كلامه اذ راح أبو سُكينة يطلق الضحكات، وكان هذا وقت دخولي، ويواصل الاعتراض مرددا: " يا أبو جليل، يا بعد عيني هذا حلزون كارل ماركس، مو أبو المثل"!
وبعد ان فهمت الامر، كان علي ان اعيد الامور لنصابها. ان ابسط لهم افكار كارل ماركس عن النظرية الجدلية والتطور وكيف ان التأريخ عنده لا يسير بدوائر مغلقة، لا تراوح في مكانها، وانما بدوائر لولبية مثل الحلزون، حركة من الاسفل الى الاعلى، فيها نقاط عليا، وفيها نقاط تنزل للاسفل في القعر، والحركة دائما تكون الى الامام! 



341
فنلندا والمساعدات الانسانية  لمناطق الازمات


يوسف أبو الفوز
فنلندا سوف تتبرع بمبلغ (46.4 ) مليون يورو  كمساعدات انسانية، الى أسوأ مناطق الازمات في العالم. هذه المساعدات، والممنوحة في الثالث عشر من مارس/ أذار، بقرار من وزير التنمية الفنلندية سيربا باتيرو (Sirpa Paatero)، ستوجه لحالات الطواريء الحادة في سوريا والعراق والمناطق المجاورة، وجنوب السودان، جمهورية أفريقيا الوسطى وأوكرانيا. وكما سيتم بذل الجهود لتخفيف المعاناة الإنسانية في البلدان التي توجد فيها حالات أزمات التي طال أمدها، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ،أفغانستان واليمن. وسيتم منح المساعدات الفنلندية عن طريق وكالات الأمم المتحدة ومنظمات الاغاثة الفنلندية. في البيانات الصحفية عن وزارة الشؤون الخارجية الفنلندية تقول الوزير باتيرو: ان فنلندا تَعتبر  من المهم الاستجابة للاحتياجات العاجلة الحادة وطويلة الامد لاجل حماية الإنسان والصحة والتعليم والغذاء. وتقدم منظمات الإغاثة الإنسانية المساعدة عادة وبكفاءة أثناء الصراعات حتى في أصعب الظروف. وتشير المعلومات أن في جميع أنحاء العالم، هناك ما يقرب من(80 مليون)  شخص حاليا في حاجة إلى المساعدات الإنسانية. وفي عام 2014 أثرت الصراعات الدائرة والكوارث الطبيعية المتكررة على عشرات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم. لقد كانت سنة قاسية وخاصة للأطفال، حسب منظمة اليونيسيف، التي تشير أيضا في تقرير صدر عنها مؤخرا الى أنه يعيش ما يقرب من 230 مليون طفل في البلدان المتأثرة باحداث الحروب. وناشدت الأمم المتحدة لاجل جمع (16.4 مليار)  دولار لأجل ان تصل إلى (57 مليون) شخص تضرروا من الحرب والكوارث في عام 2014 ، مما يعكس أن أعدادا قياسية من الناس في حاجة إلى المساعدة في جميع أنحاء العالم، وسوف تستمر الأمم المتحدة في مواجهة هذه الأزمات في عام2015.  أن المساعدات التي قدمتها فنلندا، إلى حد كبير تدعم  الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ لدى الامم المتحدة، بما في ذلك التأثيرات الإقليمية للأزمات وهو يغطي ما يصل إلى  اثنين وعشرين بلدا .
أن الحرب، ـ عزيزي القاريء ـ والاعمال الإرهابية والأزمات السياسية تعيق الحياة الطبيعية للناس وتعيق التنمية. أن العديد من الدول التي تتلقى المساعدات، هي في الحقيقية، غنية في الثروات ولكن الحروب والأزمات تبدد هذه الثروات وتهدد حياة الناس. وللأسف، أن بعض الأحزاب اليمينية في فنلندا تحاول استغلال هذه القضية في الانتخابات البرلمانية عام 2015، متناسين أن مسألة المساعدات ليست قضية اقتصادية، انها مسألة حقوق الإنسان، قضية وجود الانسان، وليس الاقتصاد في المدى القصير.  ويوما بعد يوم، نفهم أنه فقط السلام هو الوحيد الذي يساعد الناس على أن يكون لهم وضعهم الطبيعي في بلدانهم، وحياة سعيدة وتطورات في مختلف المجالات، دون الحاجة للبحث عن حياة أخرى في بلد آخر.  لنعمل بجد لاجل دعم التضامن الأممي، ودعم الأقليات، من أجل السلام في العالم .

342
القضاء الفنلندي يفقد ثلث القضاة من ذوي الخبرة !
يوسف أبو الفوز
وفقا لتقرير لهيئة الاذاعة الفنلندية (YLE) سيتم أحالة ثلث القضاة في فنلندا الى التقاعد في السنوات القليلة المقبلة، وسيحدث أكبر تغيير في الأجيال على مقاعد القضاة البدلاء في التاريخ الفنلندي. جمعية القضاة الفنلندية اعربت عن قلقها إزاء إيجاد بدائل من ذوي الخبرة والمؤهلين لتولي القضاء، خصوصا في المناطق النائية في البلاد.  صحيفة تورن سانومات Turun Sanoma ، من جنوب غرب فنلندا ، ذكرت أن فنلندا ستخضع قريبا لتحولات واسعة في نظامها القضائي وان عددا كبيرا من القضاة سيتقاعد في غضون السنوات القليلة المقبلة، وتقدر وزارة العدل أن ثلث القضاة سيحالون للتقاعد بحلول عام 2020. المعروف ان النظام القضائي في فنلندا يوظف تسع مئة وخمسين 950 من القضاة الدائمين، وان 283 منهم من الذي سوف يتقاعدون في السنوات الخمس المقبلة، وفقا لحسابات الوزارة. وفي بعض المحاكم، فإن موجة من التقاعد يعني سيتم استبدال خط كامل من القضاة العاملين حاليا في المحكمة.
ووفقا لبيانات مركز الإحصاء الفنلندي،  فلقد تضاعف أربع مرات عدد المتقاعدين العائدين لسوق العمل المأجور منذ عام 2000. ان عمل المتقاعدين ليس دائما بدافع الحصول على المال، في كثير من الأحيان العودة إلى سوق القوى العاملة تكون بسبب دوافع الرغبة في العمل. ان العديد منهم يعمل في مجال الخدمات أو المبيعات، ولكننا لم نتمكن من العثور على قاض متقاعد يعود الى سوق العمل. هذا الامر ـ عزيزي القاريء ـ يجعلنا نشعر بالقلق إزاء فقدان الخبرة في المحاكم القضائية.

343
ألانتخابات البرلمانية الفنلندية من دون رائحة القهوة !


يوسف أبوالفوز
هل يمكن الحديث عن الانتخابات البرلمانية الفنلندية لهذا العام ، بعيدا عن الأجندات السياسية وتوقعات الفوز والخسارة، مثلا عن اشياء حول الانتخابات مثيرة للاهتمام وربما طريفة. الانتخابات البرلمانية في فنلندا هذا العام ستجري في يوم 19 من نيسان / ابريل ، وسيتم انتخاب مئتي عضو للبرلمان. ومع ارتفاع حمى المنافسة في هذه الدورة الانتخابية، فأن وسائل التواصل الاجتماعي اصبحت سلاحا مهما في الترسانة السياسية، خبراء التسويق يحذرون من أن الفشل في استثمار وسائل التواصل الاجتماعي قد يأتي بنتائج عكسية لبعض الأحزاب في يوم الانتخابات. هيئة الاذاعة الفنلندية (YLE) طلبت من الأحزاب البرلمانية، كشفا عن الأموال التي تنفق لشراء خدمات الدعاية في فيسبوك وتويتر. بعض الأحزاب السياسية قالت انها تستثمر فقط بضعة آلاف من اليوروات للدعاية في فيسبوك وتويتر. في المقابل، فإن الحزب الديمقراطي الاجتماعي قال  أن الرقم عندهم في نهاية الامر قد يصل الى ست اعداد ! أما بعض المرشحين فقالوا أنهم يعتقدون ان الأفضل هو الذهاب والتحدث إلى الناس مباشرة، ولهذا فأننا نجد الأكشاك الانتخابية في كل مكان تقريبا.
ولكن السياسيين في منطقة هلسنكي وجدوا انفسهم محرومين من واحد من أهم الاسلحة الموثوقة في الحملات الانتخابية. حيث ان سلطات مدينة هلسنكي منعت توزيع القهوة مجانا في الاكشاك الانتخابية في تجمعات الاسواق الرئيسة، والسبب هو شكوى  اصحاب المقاهي الذين قالوا ان عملهم يتضرر كثيرا من توزيع القهوة المجانية . 
عزيزي  القاريء... ان  نتائج الانتخابات ستكون من دون رائحة القهوة، لكننا نأمل ان تكون هناك رائحة التغيير، المزيد من فرص العمل، خفض في الضرائب ، وزيادة في الاجور.  دعونا نأمل ذلك .



344
الكلام المباح (88)
نَوْرُوزٌنَا مَعَكُمُ !
يوسف أبو الفوز
تعذر على صديقي الصدوق أبو سكينة، بسبب اوضاعه الصحية،مصاحبتنا الى الاحتفال بميلاد الحزب الشيوعي العراقي، فرتبنا في بيته أحتفالية ذات طابع عائلي. تولت  سوزان أبنة جليل، أدارة الحفل، وحوى برنامجا منوعا، وضعنا فيه فقرة لأبي سكينة ليروي لنا شيئا من ذكرياته، بينما أكتفى أبو جليل بتكرار بعض الطرائف القديمة، وكنا نضحك من كل قلوبنا، لانه بارع في اعادة صياغتها وروايتها وكأننا نسمعها لاول مرة.
 كان أبو سكينة فرحا اذ يرى من حوله الجميع يغنون "سالم حزبنا"، ورقصنا الهيوا مع أغنية "عمي يا أبو الجاكوج". البرنامج، شمل لعبة الاسئلة والاجوبة التي أعدتها زوجتي، وفيها اسئلة عن تأريخ العراق والحزب.سرني ان شبابنا اجادوا الاجابة على بعض الاسئلة التاريخية.عن جعفر أبو التمن، فهد،الجواهري،ساحة السباع، "قطار الموت" وأبو كاطع. حصة جليل كان السؤال عن المناسبات في شهر أذار، فطلب مني العون لتقديم اجابة مقنعة، وتبين لنا ان شهر اذار حافل جدا بمختلف المناسبات الوطنية العراقية والعربية والعالمية، والتي تهم جميع المواطنين بأختلاف مشاربهم، وضمن ما قلت أشارة الى أنه من الجميل ان خاتمة المناسبات والاعياد في اذار هو يوم تأسيس الحزب الشيوعي العراقي، الذي هو مناسبة لا تخص الشيوعيين وحدهم، لما قدمه هذا الحزب من التضحيات خلال نضاله في مختلف المراحل ليكون سفره النضالي تأريخا للشعب .
بعد نهاية البرنامج الاحتفالي ، اجتمعنا على مائدة شهية، اعدت بأشراف أم سكينة، وراحت تتناثر التعليقات الطريفة خالقة جوا مرحا، وكان أبو جليل يواصل رواية النكات ولكن بصوت منخفض، ومن حوله تنطلق الضحكات صافية. قال أبو سكينة : "نورزونا معكم". وهذه عبارة تنسب لأمام الفقراء علي بن أبي طالب، قالها حين أهدي له في مناسبة النوروز شيئ من حلوى "الفالوذج"، وتقول الكتب انها تهيأ من الدقيق والماء والعسل. رفع أبو جليل جليل صوته : ايام العهد الملكي، أيام حكومة نوري السعيد ، كانت الاعتقالات مستمرة بين شباب الالوية وينقلوهم مباشرة لبغداد، وكان رجل فقير ما عنده اجور سفر لبغداد، شاف سيارة الشرطة البوكس مليانة شباب يعرف ان بعضهم لهم علاقة بالعمل السياسي وشاركوا في المظاهرات، ففكر احسن شيء يعتقلونه ويركب معاهم وهناك يحاول يفلت، فصار قريب من الشرطي الحارس وصاح :"يسقط نوري السعيد".  لم يرد عليه الشرطي. دار قليلا وهتف من جديد : "لن يحكمنا عملاء الانكليز". لم يرد الشرطي لأنه فهم غرض الرجل تماما. ففكر الرجل لو فهموا انه شيوعي راح ينلقونه الى بغداد، فصاح :"تعيش الشيوعية ... يعيش لينين ... انا شيوعي ". نظر له الشرطي بمكر وصاح به : "لو تصير انت لينين براسك ما راح اخليك تركب!" تعالت ضحكات الجميع، وقال أبو سكينة: "عفية عمر،الشيوعيين ما خلصانين من الشرطة حتى بالنكات أكو شرطة !".


345
وجوه متميزة : إسلام نصار ..  طموحات الشباب الكبيرة !


يوسف أبو الفوز
خلال زيارتي، مؤخرا لمدينة تامبرا الفنلندية، 178 كم شمال غربي العاصمة هلسنكي، لفت انتباهي، شاب في مقتبل العمر، نشط في حركته، وان تعثر بكلامه باللغة العربية، لكنه يتحدث بثقة وافكاره واضحة وكلامه يصيب الهدف. أسمه إسلام عبد الرحمن نصار. من اصول عراقية، ينتمي الى الجيل الثالث من العراقيين الذين ولدوا في فنلندا. هذا اذا اعتبرنا ان "الجيل الاول" هو العراقيين الذين وصلوا فنلندا وأعمارهم تجاوزت الثامنة عشرة، اما "الجيل الثاني"، فهم من وصلوا اطفالا ونشأوا وترعرعوا في البلاد. ولد إسلام عام 1998 في فنلندا، بعد ان وصلتها عائلته لاجئة الى البلاد من مخيمات رفحا في صحراء المملكة العربية السعودية، التي ضمت العراقيين الذين تركوا البلاد بعد احداث انتفاضة اذار عام 1991 ضد نظام الطاغية صدام حسين .
 درس إسلام في المدارس الفنلندية، وهو الان في الصف الرابع الثانوي، ولديه رغبة لدراسة السياسة والقانون مستقبلا حيث يعتقد انها تدعم توجهاته ونشاطاته المستقبلية. لفت انتباهي بطموحه للعمل السياسي في الوسط الفنلندي. كان والده السيد عبد الرحمن نصار، من مواليد السماوة، والذي يدعم توجهات ونشاطات أبنه ، يتحدث بفخر عن ذلك :
ـ لديه افكار أكبر من عمره ، وطموحاته كبيرة تتجاوز طموحات جيلنا .
 التقيت إسلام وكانت لنا دردشة معه :
   ما هي هواياتك وانشغالاتك الاساسية، وكيف تقسم وقتك ؟
ــ وقتي يتقسم اساسا بين الدراسة بشكل اساس، والمطالعة والنشاطات في الجمعيات التي تأخذ الكثير من وقتي .
   كم عدد اصدقاؤك على الفيس بوك، وكم نسبة الفتيات بينهم، وكم من الوقت تقضي هناك ؟
ــ عندي حوالي الف صديق، مختلط من الجنسين، ليس لدي احصائية عن عدد البنات بينهم (يضحك)، و لكن اغلبية البنات منهن فنلنديات او يعشن في فنلندا، هن زميلات دراسة او في مشاركات في النشاطات العامة، ولا وقت كثير لي للفيس بوك.
   هل يمكن ان تعرفنا بالمنظمات التي تعمل خلالها حاليا والمواقع التي تشغلها ؟
ـ جمعية شباب مدينة تامبيرا واشغل موقع نائب سكرتير مجلس الادارة، عضو في اتحاد شبيبة فنلندا، عضو في مجلس البرلمان للاتحاد ، جمعية الطلبة في ثانوية رودلف ستينر، اشغل موقع الرئيس، وامثل مجلس الشباب لمدينة تامبرا، امام مجلس التنمية الاقتصادية لمدينة تامبرا.
   يمكن لنا ان نقدم لك التهنئة، ولو بشكل متأخرا، عن فوزك بانتخابات جمعية الطلبة ؟
ــ جزيل الشكر. حصل ذلك في ايلول العام الماضي، انتخبت رئيسا لجمعية الطلبة في المدرسة، مما ساعدني للتهيؤ الى خطوات اخرى .
   هل يمكن ان تخبرنا عن هذه الخطوات ؟
ــ اتهيأ لترشيح نفسي ، لانتخابات رئاسة اتحاد الشباب لعموم مدينة تامبرا وواثق من الفوز .
   ما هي اهم النشاطات التي تقومون بتنظيمها في جمعيتكم، وهل للعراق، موطن اهلك واجدادك حصة في ذلك ؟
ــ النشاطات التي ننظمها، غالبيتها ثقافية، رياضية وفنية، تتناسب مع اهتمامات الطلبة واعمارهم. نساهم في بعض الندوات الثقافية والمحاضرات والمهرجانات، وننقل مطالب الطلبة للمسؤولين، ونحاول ان نتحدث عن التعايش الانساني مع تعدد الثقافات واهمية الحوار بين مختلف الثقافات،وحين تطرح الاسئلة حول ما يجري في العراق احاول شخصيا ان اقدم الاجوبة عن الحقائق التي اعرفها .
   أهم نشاطاتكم للعام الماضي ؟
ــ قمنا بزيارة ، وفد من الطلبة حوالي 40 طالبا ، الى البرلمان الفنلندي في العاصمة ، هلسنكي، والتقينا هناك بالبرلمانيين المسؤولين المعنيين ببرنامجنا والعملية التربوية ، استمعنا الى احاديث مهمة عن تجارب البرلمانيين الحياتية ، وعن تعامل البرلمان الفنلندي مع الازمة في اوكرانيا .
   بحكم ميلك للمطالعة، هل تقرأ عن العراق ؟
ـ اتابع شؤون العراق بأستمرار، وقرأت بالفنلندية ثلاث كتل مهمة عن شخصية وحياة صدام حسين، حتى افهم اسباب الديكتاتورية في العراق واسباب الجرائم التي حصلت ضد الشعب العراقي .
   ما هي الدوافع والغاية من عملك في جمعيات الطلبة والشباب ؟
ـ أولا يهمني ان اقدم خدمة للناس، واعتبر هذا واجب انساني ، طالما عندي بعض الامكانيات في هذا الجانب، وايضا هذه الفترة ساتعلم فيها الكثير من الخبرة التي تنفعني في حياتي المستقبلية .
   تقصد طموحاتك للعمل السياسي ، فهل حددت خطك السياسي ؟
ــ احاول ان اكتسب الخبرة من عملي في منظمات الطلبة والشبيبة، وادرس حاليا الخارطة السياسية للاحزاب الموجودة ، واحاول ان اختار الحزب الذي ينفع الناس من خلال برامجه واهدافه ، ويعمل لاجل المساواة بين الناس ، وسعادتهم بعيدا عن سياسات العنصرية والتمييز، وحين ادرس في الجامعة ، مادة السياسة والقانون ، ستكون عندي أيضا الخبرة النظرية لتدعم توجهاتي ونشاطي في المستقبل .
   نتقدم لك باعطر التمنيات وعسى ان نراك برلمانيا ناجحا
ـ شكرا لكم .













 

346
صديقي المثقف وإسطوانة الباذنجان و..."لكن" !
( للاسف عند نشر المقال في صحيفة المدى  تعرض النص لبعض التجاوز ... هنا النص الكامل للمقال !)
يوسف أبو الفوز
ان المنطق، والعقل المتنور، لا يمكنه إغفال الايجابيات في كل ظاهرة او حدث او شخص، اذا تناول بالنقد، لاجل التقويم والتحذير ولفت الانتباه ، أي سلبية كانت. قبل أسابيع، روت لي أم عراقية، مقيمة في فنلندا، كيف أن المعلمة الفنلندية، ارسلت بطلبها، وراحت تعد لها الايجابيات التي يتميز بها أبنها ذو العشر سنوات في المدرسة: ذكاؤه وسرعة البديهية وحيوية تفاعله والتزامه بأداء الواجبات البيتية وغيرها، ثم توقفت المعلمة عن الكلام وقالت: ولكن ... ! تقول الأم العراقية، لاحظت ان المعلمة احتفظت بنفس الابتسامة، ونفس المحيا، لكن عباراتها صار لها ايقاع أخر، صارت مثل الصخر. وواصلت المعلمة حديثها لتأكد : ( وهذه الــ "لكن" هنا كبيرة جدا، ومهما كان حجمها فهي لا تمحو ايجابيات أبنك بل تدفعنا للتوقف عند مشكلته التي سنبحثها معك ، أن ابنك عنيف مع زملائه وردود فعله قاسية في الحوار والتعامل معهم، بحيث ان بعضهم صار يتحاشاه وقُدمت الكثير من الشكاوى ضده كونه عدواني في سلوكه مع زملائه، وستلجأ المدرسة الى اساليب تربوية لحماية الاخرين من عدوانيته ولنحميه من نفسه ونحتاج الى تفهمك ومساعدتك لتنفيذ بعض من اجراءاتنا !). هل يصح هذا المثال كمدخل لما اريد الحديث عنه، وهو موقف بعض المثقفين العراقيين حين  يُقدم رأيا من قبل احد زملائهم الذين ابتلاهم الله واضطروا للعيش خارج العراق ؟
لنأخذ مثالا، الموقف من الحشد الشعبي، ولنحذو هنا حذو المعلمة الفنلندية، ونتحدث أولا عن الكثير من الايجابيات المتعلقة بهذا الامر، والتي هي غير خافية عن المتابع الموضوعي. حيث ان قوات الحشد الشعبي، البطلة والباسلة،التي استجابت لنداء المرجعية الدينية، تؤدي مهمة وطنية نبيلة بمقاتلة ابشع منظمة ارهابية تتستر بالدين زورا وتتسمى بأسم "الدولة الاسلامية "، فالبعثيون الصداميون اطالوا لحاهم وتسللوا الى صفوف هذه "الدولة" وتحالفوا معها، وتجار السياسة الطائفيون من أبناء المنطقة دعموها وتضامنوا معها، ومخابرات دول اجنبية تنسق وتتعامل معها سرا وعلانية، فهذا التنظيم السرطاني الارهابي، الذي وصل مشارف بغداد، لم يمكن بالامكانية صده في ظل اوضاع العراق المتردية، لولا ابناء العراق الغيارى، ابناء الكادحين ، الذين انخرطوا في صفوف قوات الحشد الشعبي، وبذلوا دمائهم رخيصة لكسر شوكة الارهاب الذي يروم تمزيق وحدة العراق واشعال حرب طائفية تعيد العراق الى قرون ما قبل عصر الصناعة. ان الجهد الوطني النبيل الذي تقوم بها قوات الحشد الشعبي، يتطلب كل الدعم لمواصلة الانتصارات والصمود لكنس شراذم تنظيم عصابة "الدولة الاسلامية" من على تربة العراق . 
ولكن .. ! ــ ها نحن نصل الى هذه الـ "لكن" ، وهي كبيرة جدا ــ ولكن هل يحق لأحد ان يمحو كل هذه الايجابيات  التي ذكرناها وغيرها ، اذا ما تحدث مثلا عن ما صار يعترف به الكثيرون من انتهاكات ارتكبت من قبل عناصر او جماعات تعمل ضمن اطار الحشد الشعبي، او تتستر بأسم الحشد الشعبي؟ هذه الانتهاكات التي حذرت منها المرجعية الدينية، واطراف سياسية ومنها اطراف شيعية؟ أو .. أذا تم التعبير عن المخاوف من الدور السياسي المستقبلي المحتمل لاحزاب تحاول استثمار نجاحات وانتصارات الحشد الشعبي وتجييره في خانات مغانمها السياسية ؟ أو .. أثير التساؤل حول احتمالات ان تفرز المعركة مع داعش "أمراء حرب" ، على غرار التجربة اللبنانية، والتفكير بالدور السياسي الذي سيرسموه لأنفسهم مستقبلا ؟!
في العراق الجديد، من بعد سقوط ديكتاتورية المجرم صدام حسين، التي كانت تكم الافواه بالنار والحديد كما يردد الجميع ، ولمحاربة مشروع "داعش" الظلامي واللاأنساني، الذي يريد قطع اي رأس يحمل فكرة مخالفة، أليس من حق اي مواطن عراقي ــ ومنهم المثقفون بالطبع ــ ان يطرح رأيا للنقاش والحوار؟ وبغض النظر عن دقة هذا الرأي او صوابه؟ أين تبجحنا بالديمقراطية وحرية التعبير والاساليب المتمدنة والطرق الحضارية في الحوار؟ والتساؤل هنا لا يخص النخب السياسية، فهي اساس البلاء في وطننا الذي ابتلى بهم، خصوصا تلك المجاميع التي تتعامل وفق المعادلة الكريهة والممقوتة، الا وهي سياسة المحاصصة الطائفية والاثنية، المقصود بالكلام هنا ـ وتحديدا ـ "البعض" من الاخوة من المثقفين العراقيين داخل الوطن، وتذكر معي ــ عزيزي القاريء ــ اني قلت "البعض"، ووضعتها بين قويسات.
قبل اكثر من ثلاثة اعوام، حين طرحت ـ هنا على صفحات صحيفة المدى ـ وجهة نظر وملاحظات عن اسلوب توجيه الدعوات الى مهرجان المربد المنعقد في البصرة ربيع عام 2010 ، انبرى لي مثقف عراقي، لا اعرفه شخصيا عن قرب، ليصادر حقي في التعبير عن وجهة نظري فقط كوني اعيش خارج العراق، فهو يعتقد ان "مَنْ هو داخل العراق، فأن يده في النار ذاتها" ـ هكذا بكل بساطة ! ـ أراد القول من خلال حيثيات مقاله ان مثقفي العراق الذين يعيشون خارج الوطن لا شان لهم بقضايا العراق، ولا يفقهون شيئا في أموره ، فهم واذ يعيشون متنعمين بما توفره الحضارة في بلدان اقامتهم الاوربية من عيش رغيد، حيث لا مشاكل كهرباء ولا مفخخات ولا ارهابيين ولا حكومات محاصصة ولا فساد سياسي وثقافي بنزع قمصان الزيتوني ولبس قمصان العهد الجديد ، ولا ... ولا ... ، فان هؤلاء المقيمين خارج العراق بعيدين عن "نار"ه ، ليس لهم الامكانية لفهم ما يجري على ارض الوطن، وليس لهم من معاناة العراقيين وشؤونهم سوى "الرماد" وربما عجاجه ! لم تمر ايام حتى انبرى مثقف اخر، شاعر، وحول نفس الموضوع وردا على وجهات نظري واقتراحاتي ، اعتبرني من رجالات عدي بن صدام حسين ّ ــ  يا للهول !! ــ انا الذي سلبت حكومة البعث الهدوء والاستقرار من حياتي وانا في أول شبابي ، وطوردت وعشت تحت الارض متخفيا في بلادي لأكثر من عام ونصف، في زمن احمد حسن البكر، وعانت عائلتي ما عانت بسسببي، لاني رفضت أن اكون بعثيا، ثم اضطررت لترك دراستي الجامعية واحلامي، ومغادرة  وطني، مشيا على الاقدام، وفي فترة صيف 1979، عبر الصحراء السعودية والكويتية، وحتى قبل ان يطيح "السيد النائب" بحبيبه "الاب القائد"، ولاعود بعد سنتين الى كردستان العراق تاركا نعيم الخارج لاتشرف بحمل السلاح، ولثماني سنوات ضمن صفوف الانصار الشيوعيين، لمقارعة ديكتاتورية المجرم صدام حسين، بكل بساطة شطب هذا الشاعر، "المثقف"، كل تأريخي لكوني اقيم خارج العراق ولأني كما يبدو مسسته شخصيا بشكل ما، ودون ان اقصد، بملاحظتي واقتراحاتي !
الان، حين يتحدث أحد بفكرة ما تخص الحشد الشعبي، ويطرح مخاوفه، ووجهات نظر ما، تخص مستقبل الوطن، أذ يتحدث مثلا عن الثمن الذي سيترتب عن الانتصارات التي سيحققها الحشد الشعبي، بدعم من قوى اقليمية، وهي هنا ايران، ينبري له "بعض" المثقفين، ليصرخوا : "اسكت. نحن الاقرب الى الميدان". لا احد ـ يا اصدقائي المثقفين ـ يمكنه، واذ يطرح مخاوفه ووجهات نظره ، ان يتمكن من محوا الجهد الوطني الذي قامت به قوات الحشد الشعبي وأنكار الدماء الزكية التي سكبت لكسر شوكة داعش ، لكن أليس من الحق الحديث عن طموحات بعض ـ اقول بعض ـ من قادة الحشد الشعبي، حيث كما يبدو واضحا ان لهم مشاريعهم السياسية المستقبلية التي يحاولون فيها توظيف هذه الانتصارات لصالحهم ؟ اليس مشروعا القول ان فيهم من يخطط وينوي من اشتراكه في نشاطات الحشد الشعبي وبفعالية ان يكون ذلك حملة انتخابية له ليتبوأ ــ مثلا ــ رئاسة الوزراء في العراق، بعد ان يتم سحب الثقة من  رئيس الوزراء الحالي، لاسباب ستعلن في حينه ؟ دعوكم هنا من بعض الاصوات الطائفية النشاز، من مختلف الاطراف، التي تنعق بما يساهم بالحفاظ على مصالحها. فليس خافيا بعد الان، ان الصراع بين العديد من النخب السياسية في مجمله هو صراع مصالح وعلى قوى النفوذ . ان داعش ـ ايها الاصدقاء ـ ، سيحجم دورها، وستنهزم ، وستتحرر المناطق العراقية التي سيطرت عليها نتيجة لاخفاق حكومات المحاصصة الطائفية، فالقوى الدولية والاقليمية باتت تدرك ان داعش تشكل خطرا على مصالحها في المنطقة، ومن هنا يتطلب دعم الحكومة العراقية الحالية، التي تعاني من ضعف القوات المسلحة التي لا زالت لا تملك عقيدة وطنية شاملة، وتتنازع قياداتها الولاءات الطائفية والقومية ، مما يفقدها روح المبادرة .
يوما، خلال زيارتي الى بغداد، في عام 2004، من بعد غياب سبعة وعشرين عاما، تبجح امامي "مثقف" بأنه أيام الحصار الاقتصادي اكل الباذجان فقط والنخالة بينما غيره يعيش في نعيم اوربا ، والآن ـ كان يغمزني بشكل وقح ! ـ  قادمون من الخارج لتبوأ المناصب في الدولة. يومها عرضت له بطاقة السفر بالطائرة والتي تحمل تأريخ عودتي الى منفاي الاجباري، واخبرته اننا في سنوات وجودنا الجبل ي اما التحفنا الصخر طويلا وكنا لانجد حتى الباذنجان والنخالة لاكلها، واكلنا مضطرين من حشيش الارض، وثمة مناضلون حين حوصروا يوما اضطروا لشرب بولهم . أقول الان وبكل صداقة،  لمن يكرر اسطوانة الباذنجان والنخالة، رفقا بابناء وطنك، ان اي "لكن"، مهما كان حجمها، لا يمكنها ان تصادر الحقائق، وأن هزيمة داعش، تتطلب أولا وحدة ابناء العراق، ان يكونوا صفا واحدا، خصوصا مثقفيه المخلصين، اينما كانوا، وتحت اي نجمة، لان بوصلتهم الوحيدة هنا، هو مستقبل العراق المدني، وهذه الهزيمة لداعش لن تكون كاملة ان كانت عسكرية فقط ، بل يجب ان تكون فكرية وسياسية، لان هذا سيشكل سدا منيعا ضد اي مشاريع اجرامية بحق وطننا العراق!
14 أذار 2015  ـ سماوة القطب



347
المنبر الحر / من هي "ماعش" ؟!
« في: 22:28 21/03/2015  »
الكلام المباح (87)
من هي "ماعش" ؟!
يوسف أبو الفوز
حالما دخلت بيت صديقي الصدوق، ابو سكينة، حتى تناوشني منتقدا لتأخري، حيث كان الحديث حاميا.  فهمت أن جليل تحارش بوالده وابي سكينة معترضا بانهما يكرران دائما عبارة "داعش وماعش"، وقال لهما : أريد أفهم شنو ماعش واين تسكن ؟ وراح الجميع يروون لي وبالتفصيل كل ما جرى قبل وصولي .
 كان الجميع منتشين بأخبار الانتصارات التي تحققها القوات الامنية العراقية الباسلة، والحشد الشعبي وقوات البيشمه ركه، ضد ارهابي وعصابات ما يسمى "الدولة الاسلامية". وكان جليل، يحدثهما عن أهمية ان تكون الجبهة الداخلية في البلاد متماسكة، فهي الاساس للقضاء على قوات "داعش" وطحنها، ولم يخف مخاوفه من ان الامور في ادارة البلاد أذا ظلت اسيرة نظام المحاصصة الطائفية والأثنية، التي يحاول البعض تزيينها بعبارات منمقة، واساسا هي مخالفة للدستور وتقضي على روح المواطنة، فأن ذلك سيؤدي الى غياب الارادة السياسية الفعلية ، ويمنح العوامل الخارجية فرصة ليكون تأثيرها اكثر وبالتالي سيطول امد الصراع وتتغير صوره. وحصل انه خلال حديثهما عرض  التلفزيون تقريرا عن ذكرى مأساة حلبجة، الجريمة التي ارتكبها النظام الديكتاتوري المقبور يوم اغتال مدينة حلبجة الوادعة ، بالاسلحة الكيماوية عام 1988 ، فقال ابو جليل: "استلم ، هذه بطولات وافعال ماعش وداعش ".  وبدأت مشاكسات جليل لهما .
يعجبني في أبو سكينة، وابو جليل أن خبرتهما في الحياة، ووعيهما السياسي، تجعلهما يشخصان الامور بوعي كامل ومباشر، دون اللجوء الى الفذلكة والكلام المنمق، وثمة اتفاق سري بيني وبين جليل وسكينة وزوجتي، ولد وفرض نفسه خلال لقاءاتنا الدائمة، وهو ان نعمد بين الحين والاخر لاستفزازهما ومعارضتهما، لنسمع منهما اراءهما الصريحة، وتعليقاتهما الطريفة ، بعيدا عن لغة المتثاقفين، التي يسميها ابو سكينة " لغة الأننو والطالما". وحين استفزهم جليل، قال ابو سكينة متعجبا ومنتبها : بويه جليل ، الله يحفظك لنا ولاهلك، انت تريد تحجينا لو تتغافل؟ انت ما تعرف ان الذي احتل الموصل هو جماعة من الارهابيين، ومعهم اعداد من البعثيين وقيادات الجيش الصدامي القديم، هولاء اطالوا لحاهم،  وعصبوا رؤوسهم، ومعهم بعض المتاجرين بالوطن من السياسيين الطائفين اللي انضربت مصالحهم، واللي استغلوا اخطاء وممارسات الحكومة السابقة وتاجروا بها وخدعوا الناس ، فهولاء كلهم من جماعة "ماعش ". فالذي أحرق حلبجة واهلها بالكيمياوي، هو سليل لهؤلاء المجرمين اللي لا عندهم ذمة ولا ضمير ، وهاي " ماعش" يمكن تلتقي بها اليوم في كل مكان يصعد بيه صوت طائفي يسحق كلمة الوطن ويخرق الدستور والقانون !

348
دوافع العنف الاجتماعي في السينما الغربية .. فيلم "السقوط " أنموذجاً !
 (1 ــ 3 )



يوسف أبو الفوز
القواميس القانونية تتفق على تعريف العنف كونه استخدام القوَّة الجسديَّة استخدامًا غير مشروع أو مطابق للقانون بهدف الاعتداء أو التدمير أو التخريب أو الإساءة، فكيف تعاملت السينما الغربية مع موضوعة العنف؟ دعونا من افلام الويسترن و"رنكو" الذي لا يخطيء الهدف ولا ينتهي رصاص مسدسه، وافلام الاكشن والحركة، التي يبرع فيها البطل في كل شيء، في التعامل مع أجمل النساء وأستخدام كل الاسلحة وقيادة كل انواع وسائط المواصلات، من الدراجة النارية مرورا بالطائرة وحتى الغواصة ،خصوصا الافلام التي تحاول ان تصدر لنا صورة الامريكي المنقذ، الذي يحاربه كل العالم لكنه دوما المنتصر، على غرار سلسة افلام "رامبو" وما شابه. دعونا نتوقف عند مجموعة من الافلام الجادة، التي حاولت الاقتراب من فهم اسباب جنوح الانسان نحو العنف، وتحديد تلك الاسباب. أن مختلف مدارس علم الاجتماع والفلسفة، منذ القدم تتفق على كون العنف هو التعسف في استعمال القوة، والافراط فيها، وفي العصر الحديث ارتبط ذلك بشكلين بارزين هما الحرب والسلوك العدواني مع الاخرين. فهل يولد الانسان عنيفا؟ وما الذي يدفعه لاستخدام العنف والافراط في استخدام القوة ؟! ان العنف الاجتماعي هو احد الثيمات التي عالجتها السينما الغربية والاوربية كرد فعل لاستلاب الانسان وسط حالة الضياع التي يعيشها بما في ذلك تفكك العلاقات الاسرية تحت تأثير العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع، فالعلاقات الاقتصادية والحقوقية والاخلاقية والدينية تترك بصمتها على طابع العلاقات في العائلة . ان افلاما عديدة، تحاول ان تعرض لنا، كيف ان الانسان، المسالم، الهاديء، المحب للحياة، قد يجد نفسه، عرضة لعوامل مختلفة تضغط عليه، لتغير من سلوكه تماما ! فما هي هذه العوامل ؟ وكيف تكون النتائج ؟!
المخرج الفرنسي روبرت انريكو(1931ـ 2001) قدم لنا فيلم "البندقية القديمة" من انتاج عام 1975، وهو احد روائع السينما الفرنسية، حيث حصد في حينه جائزة سيزار، لافضل فيلم وافضل ممثل، اضافة الى جوائز وترشيحات اخرى، ومستندا في بعض من وقائع الفيلم، الى القصة الحقيقية التي تعرضت لها قرية فرنسية خلال فترة الاحتلال النازي لفرنسا،   حيث رأينا في الفيلم كيف عرض الممثل فيليب نواريه (1930ـ 2006) تحولات بطل الفيلم "جوليان جانديو"، الطبيب المسالم، الذي يعيش في مدينة مونتوبان، جنوب فرنسا، وخلال فترة انسحاب القوات الألمانية الفاشية عام 1944 من فرنسا، وخوفا من بطش الجيش الالماني، اتفق مع صديق له ليرافق عائلته للاقامة في الريف، حيث يوجد منزل للعائلة عند القلعة القديمة، وحين يلحق بهم في عطلة نهاية الاسبوع، يجد ان الالمان احتلوا القرية وجمعوا سكانها في الكنيسة وقتلوهم بالرصاص، ببرودة دم ووحشية ، يعكسها الفيلم بمشاهد معبرة، وداخل ممرات القلعة يجد جثة ابنته قتيلة، وأيضا يجد زوجته، التي ادت دورها  فاتنة السينما الفرنسية رومي شنايدر (1938 ــ 1982)، قد احرقت بسادية بقاذف اللهب النازي الشهير. فيقرر الانتقام، وببندقية صيد قديمة، تعود لوالده، يبدأ باصطياد الجنود الالمان واحدا بعد الاخر، وينجح في حرق الضابط الفاشي بقاذف اللهب ذاته، وحين يصل رجال المقاومة الفرنسية للقرية يكون قد اباد المجموعة كلها ليمنعوه من الانتحار كرد فعل للوحشية التي تعامل بها مع الجنود الالمان. هذا الفيلم يريد أن يقول لنا ان سلوك بطل الفيلم ، كان عملا بطوليا، وعنفا مشروعا، كما تشير كتب القانون، وجاء كرد فعل لقوى احتلال اعتدت على عائلة وقرية البطل، فهو سلوك مشروع لحماية بيته ضد الغزاة والمحتلين.

ويكاد الامر يتشابه مع ما جرى في فيلم "كلاب القش" من انتاج عام 1971 للمخرج الامريكي سام بيكنبا (1925 ــ 1984 ) المعروف باخراجه لافلام الويسترن والعنف حتى نال لقب " سام الدامي"، حيث نتابع معلم الرياضيات الامريكي المسالم، الشاب ديفيد سومنر، لعب دوره الممثل العبقري داستن هوفمان ( مواليد 1937) ،حين يأتي للعيش مع زوجته الشابة الجميلة أيمي في مسقط راسها في قرية في بريطانيا، ولعبت دور الزوجة الممثلة البريطانية سوزان جورج (مواليد 1950) التي لم تكن معروفة كثيرا ايامها، لحد ان هوفمان اعترض في البداية لاسناد البطولة النسائية لها. في القرية المنعزلة لم يعجب الامر صديق أيمي السابق تشارلي فينر، لعب دوره الفنان الايراندي ديل هيني (مواليد 1938) فيقرر واصحابه مضايقة ديفيد الزوج الغريب عن قريتهم. يحدث ان الزوج ديفيد يستأجر بعض الرجال لاجراء اصلاحات في المزرعة المنعزلة، ولسوء حظه كان من ضمنهم تشارلي فينر. كان ديفيد مسالما جدا، لا يغتاظ من سلوك البعض ولا حتى من نظراتهم وتحرشهم بزوجته، وكان مسالما حتى مع خداعهم له وابعاده عن بيته. لم يدر ان  ان ذلك تم لينفرد تشارلي بزوجته ويمارس معها الجنس برضاها، ولكن الامر تطور وبالضد من رغبة تشارلي والزوجة ، وتحت تهديد السلاح، تم اغتصاب الزوجة من قبل الاخرين. لم يكن ديفيد راض عن عمل الرجال في المزرعة فصرفهم، دون أن يعلم بمحنة زوجته، ولم يتفهم ارتباكها حين التقت بمغتصبيها في قداس الكنيسة، وقرارها المفاجيء بالمغادرة بشكل مبكر. وفي طريق العودة،وفي الضباب الكثيف، دهس ديفيد بسيارته مخبول القرية جون نيلس، الذي لعب دوره الفنان بيتر أرني (1920 ــ 1983) فحمله لبيته، واتصل بحانة القرية ليخبر عن الحادث ووجود المخبول معه. لم يكن ديفيد يعلم ان مكالمته هذه ستغير كل حياته، فبعض رجال القرية، منهم الرجال الذين استغنى عن عملهم، وسكير القرية، كانوا مجتمعين في الحانة، ينتظرون نتيجة البحث للعثور على المخبول، لانه وعن طريق الخطأ خنق طفلة مراهقة، وهرب، فجمع والدها بعض رجال القرية للانتقام لأبنته. كانت مكالمة ديفيد اشعارا لهم للتوجه لمنزله ومحاصرته للمطالبة بتسليم المخبول. يرفض ديفيد بأصرار تسليمه لهم لأنه يعرفه انهم سيضربونه حتى الموت ويخبر زوجته بذلك، وحين حاول شرطي القرية التدخل قتل بالخطأ برصاص احد رجال القرية، ففهم ديفيد ان عليه الدفاع عن بيته والفتى المخبول الذي احتمى عنده، فيستيقط فيه الجانب المخفي من شخصيته. يمر ثلثا وقت الفيلم  تقريبا ـ  الفيلم مدته 113 دقيقة ـ والمتفرج يشعر بالاستياء من برودة ولا مبالاة واستسلام ديفيد  لما يدور حوله، وفجأة ينهض الجانب الوحشي في شخصيته والذي طالما قمعه. فيتصدى للرجال المهاجمين بعنف ووحشية لم يصدقها هو في نفسه. كان هناك الكثير من العنف والدم في الفيلم الذي جعله محل انتقاد

349
البيت العراقي في فنلندا يحتفي بعيد المرأة

يوسف أبو الفوز


  السيدة ماجدة عجلان تتوسط السيدة خديجة (تركيا) والسيدة ساليا هولم (فنلندا)
في مدينة توركو الفنلندية ، العاصمة التأريخية للبلاد ، في منطقة فارسيو، اقامت جمعية (لنعمل معا) ، وهي جمعية فنلندية غير حكومية، تأسست عام 1997 وتعني بشؤون الجاليات وتعدد الثقافات، وبالتنسيق مع جمعيات وناشطين من الجاليات الاجنبية ومنها العراقية والفلسطينة والسورية والتركية مهرجانا احتفاليا بمناسبة الثامن من اذار، يوم المراة العالمي ، شمل عروضا موسيقية وفنية ، بالاضافة الى تخصيص مكان لكل جمعية . البيت العراقي في فنلندا، ومقره توركو، والذي تأسس عام 1996 ، كانت له مساهمة متميزة في الاحتفالية . السيد رياض قاسم مثنى ، سكرتير البيت العراقي في فنلندا قال لطريق الشعب : نحرص بأستمرار على المساهمة في كل الفعاليات المشتركة للجمعيات الثقافية التي تقام في مدينة توركو، ونحن جمعية ثقافية اجتماعية ديمقراطية بابها مفتوح لكل عراقي، بغض النظر عن قوميته ودينه وطائفته، ونشاطاتنا تسعى لعكس روح الانتماء للوطن وللثقافة العراقية بمختلف الوانها فالعراق حاضر دائما في نشاطاتنا. واذ يعاني وطننا حاليا من هجمة ظلامية من العصابات الارهابية، فاننا مطالبين بعكس صورة ايجابية ومشرفة عن تطلعات شعبنا نحو السلام وبناء مجتمع مدني ديمقراطي.
السيدة "ساليا هولم" من منظمة لنعمل معا اخبرتنا : انها سعيدة للمشاركات المستمرة للبيت العراقي ، التي تقدم صورة طيبة عن الثقافة العراقية . ان هذه الاحتفالية التي تساهم فيها مختلف المنظمات، تثبت للجميع ان الثقافات بأمكانها ان تحاور وان تعدد الاراء واختلاف وجهات النظر يعزز من حيوية الرغبة للتطور وبناء حياة يسودها السلام .

الناشطة التركية خديجة غولي اضافت : ان منطقة فارسوفا تتميز بتواجد كبير للجاليات الاجنبية، وثمة مشتركات عديدة بيننا ، ومن الضروري والمهم ان نحتفل معا بيوم المرأة لنعكس للفنلنديين اساسا ايماننا بقدرات ومكانة المرأة ، وايضا ان نقدم صورة ايجابية للاجيال القادمة من ابنائنا .
السيدة ماجدة عجلان المشرفة على طاولة البيت العراقي في المهرجان، اوضحت لنا : في هذه المناسبة ومناسبات غيرها ، حاولنا ان نعرض ضمن المساحة الممنوحة لنا ، نماذج تعكس صورة مشرفة عن تأريخ حضارتنا، فعرضنا صور عديدة تراثية ، مأخوذة اساسا من المتحف البغدادي ، وحاولنا أيضا ان من خلال بعض الصور ان نعكس معاناة وتطلعات المرأة العراقية   في ظروفها الحالية . ايضا كان للفنانة الشابة آيات محمد رضا ، مساهمة متميزة ببعض لوحاتها الزيتية ، بالاضافة الى تقديمنا عرض موجز عن تأريخ الحضارة العراقية قدمه نشطاء البيت العراقي . كان يهمنا ان يعرف زوار المهرجان اننا اذ نتحدث عن الماضي فاننا نتطلع ايضا الى مستقبل اكثر اشراقا لعراق مدني ديمقراطي .
جانب من الاحتفالية


350
المناضلة والقائدة النسوية أجيه خان البرزنجي :
في احتفالات الثامن من اذار هاجمتنا دبابات الحكام


يوسف أبو الفوز
حين التقيتها لاول مرة ، في استوكهولم، عاصمة السويد التي وصلتها لاجئة عام 2000 ، بعد رحلة في عدة محطات مرورا بدمشق، كان لدي فكرة أولية طيبة عن هذه المرأة التي تتوكأ على عكاز خاص وتحاول ان تكون منتصبة القامة. وصرت اتخيل صوتها هادرا في التظاهرات والمحتشدات النضالية في السنوات الغابرة. واتخليها وهي تحث الخطى من شارع الى شارع، والريح تلاعب شعرها، توزع المنشورات وتعيد صلات المقطوعين عن التنظيم الحزبي، وتزور السجون وتعود عوائل السجناء، وتوزع الجكليت في المناسبات الوطنية وقد سهرت الليل تضع فيها اوراقا خاصة خطت فيها شعارات تنادي بالديمقراطية والحرية والمساواة.
انها المناضلة أجيه خان البرزنجي ( أجيه شيخ حسين شيخ محمد ) ،من مواليد السليمانية عام 1939 ، ولدت في عائلة ارتبطت بنضالات القوى الوطنية ، حزب التحرر وثم الحزب الشيوعي العراقي، وقدمت هذه العائلة العديد من المناضلات والمناضلين والشهداء، و ربما اشهرهم اخيها المناضل الشيوعي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الشهيد على البرزنجي، الذي اعدم في قصر النهاية عام 1971 على يد جلاوزة حزب البعث العفلقي، والراحل المناضل شيخ سعيد الذي توفي عام 1993، وشيخ محمد، المناضل والشاعر المعروف بأسم " ع. ح. ب " والذي رحل عام 2001 . وابنها الشهيد اردلان حمه سعيد (1968 ـ 1985)  الذي اغتيل في مدينة تكريت خلال اداءه مهمة نضالية هناك .
قالت لنا :
ــ تعلمت حتى الثالث ابتدائي في المدرسة ، لكن اجواء العائلة ، ساعدتني على تطوير معارفي وثقافتي، وسريعا ارتبطت بالحركة النسوية والسياسية ، وكانت اول صلاتي عام 1950 مع المناضلة والرابطية خانم زهدي، وانخرطنا ومعي اختي عائشة في معترك النضال النسوي والحزبي ، فصرنا نوصل البريد  الخاص والمنشورات ونهيأ الاماكن للاجتماعات. ان مجمل نشاطنا عرضنا للكثير من المضايقات من السلطات الحاكمة ، خصوصا بعد اعتقال الشهيد علي البرزنجي، واخي محمد ، وايضا تم اعتقال اختي عاشة وسجنها بينما استطعنا انا واخي شيخ سعيد الافلات من مداهمات قوى الامن، واختفيت لفترة في بيوت الاصدقاء .
   لنتحدث عن ايام ربيع الحركة الثورية بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958، سمعت الكثير الممتع عن نشاطاتك ومساهماتك ودورك القيادي في رابطة المرأة العراقية ؟
ــ بعد ثورة الرابع عشر من تموز ، انفتح الافق واسعا امام المراة العراقية للعمل في المنظمات الديمقراطية في كل مدن العراق ومنها كردستان ، وكانت رابطة المرأة العراقية واحدة من انشط هذه المنظمات، حيث استوزرت حكومة 14 تموز ، المناضلة نزيهة الدليمي رئيسة الرابطة، وتم بنجاح ورعاية الزعيم عبد الكريم قاسم انعقاد مؤتمر الرابطة في بغداد عام 1959، وكان لي شرف المشاركة في التحضيرات له وحضوره .  خلال هذه الفترة كنت سكرتيرة لرابطة المرأة في مدينة حلبجة، حيث انتقلت لها بعد زواجي، وكان لفرع الرابطة في حلبجة فروع في غالبية القرى والقصبات المحيطة، وكنا ننظم النشاطات المتنوعة الثقافية والاجتماعية ، وتوقف كل هذا مع انقلاب الردة البعثي في 8 شباط 1963 .
   هل التقيت بالزعيم عبد الكريم قاسم ؟
ـ توفرت لي الفرصة للقاء الزعيم عبد الكريم قاسم والمهداوي ومحمد ماجد امين والعديد من قادة ورجال الثورة ايامها . لم يكونوا يعزلون انفسهم عن الجماهير والناس ، خصوصا في سنوات الثورة الاولى . وهذه اللقاءات كانت تتم ضمن سياق نشاطات رابطة المراة .
   وما قصت مهاجمة الدبابات لتجمع نسوي بمناسبة 8 اذار ؟
حصل هذا عام 1964 ، كنا رتبنا لاحتفال بمناسبة الثامن اذار ، واخترنا منطقة نبع داروغا التي كانت في حينها من ضواحي مدينة السليمانية والان احد احياء المدينة بعد ان توسعت ، ورتبا سفرة للعوائل (بالكردية نقول سيران) لكن تفاجأنا بعدد المشتركين، اذ صارت كل عائلة تجلب معها عوائل اخرى، فصرنا نوزع عليهم الحلويات وبداخلها الشعارات، هذا التجمع اغاض السلطات ايامها فارسلت عددا من المدرعات والدبابات لتفريق الحشد واخافة الناس الذين عرف من لم يعرف يومها اهمية توحيد الجهود التي يمكن ان تخيف اعتى ديكتاتورية وعرفوا بسالة النساء العراقيات .
   وكيف تنظرين الى وضع ونشاطات المراة الان ؟
الظروف المحيطة بنشاط المراة حاليا صعبة جدا . والرابطيات يبذلن جهودا مضاعفة لتجاوز المعوقات التي يزرعها الاسلام السياسي في حياة النساء وعموم المجتمع . اتألم كثيرا لارتفاع نسبة العنف ضد المراة في اقليم كردستان وعموم مناطق العراق، خصوصا الجرائم التي تتم بحجة  الشرف .اعتقد ان من اهم مهمات منظمات المراة حاليا هو العمل لتوعية النساء ليتسطعن ان ينهضن بانفسهن بمهمات تغير واقعهن المتردي .
   رأيت لك صورا وانت تقدمين قصائد شعرية .. الم تفكري بديوان مطبوع لجمع قصائدك ؟
لا اقدم نفسي كشاعرة، ولكن تأتيني مشاعر عن معاناة المرأة ومعاناة الشعب واوضاعه الصعبة، وفقدان الشهداء، فلا استطيع كتمانها ، فأكتبها، واقرأها لاصدقائي ورفاقي، فصاروا يطالبونني في بعض المناسبات الشخصية والوطنية في تقديم بعضا منها، بل استضافتني قناة تلفزيونية وطلبوا مني قراءة بعض من هذه القصائد، ونشرت بعض الصحف بعضا منها . بالنسبة لي لا افكر بطبع كتاب ولا احاول تقديم نفسي كشاعرة، لكني لا استطيع اخفاء مشاعري التي تأتيني على شكل قصائد .
   ما هي امنياتك للمرأة في يومها العالمي؟
امنياتي ان تنهض المراة بنفسها لانتزاع حقوقها وحرياتها . ان يندحر الارهاب ويعم السلام في بلادنا ، وان تتحرر النساء الاسيرات عند القوى الارهابية . وان ينعم اطفالنا بحياة افضل من حياتنا التي عشنا فيها المصاعب والويلات مع ديكتاتوريات شوفينية وفاشية لا تحترم حقوق الانسان وتهمش وتغيب دور 

351
لقاء  مع الاعلامية والفنانة انعام عبد المجيد
فيلم "شروق" حلم يحمل أسمه عن واقع تهميش المرأة !
لا يمكن النهوض بواقع المرأة دون مساهمة المرأة نفسها




يوسف أبو الفوز
انعام عبد المجيد ، ابنة الكاظمية ، خريجة الجامعة المستنصرية قسم الترجمة، والوجه الاعلامي المعروف، المثابرة والطموحة ، والتي أعدت وقدمت العديد من البرامج التلفزيونية، غطت فيها هموم العراقيين، داخل وخارج الوطن، في كل المجالات، الثقافية والسياسية والاجتماعية، هاهي تطرق باب السينما، ليس كممثلة بوجهها الجميل ذي الملامح العراقية، وانما كمخرجة . "طريق الشعب " تابعت نشاطاتها ، وتواصلت معها، وكان هذا الحوار الخاص عبر الهاتف :
   أولا .. لك تحيات من اسرة تحرير "طريق الشعب" وتهنئة بعرض فيلمك الروائي القصير "شروق"، كيف تصفين لنا دخولك مجال السينما من بعد ان عرفك الجمهور كأعلامية مثابرة ؟
ـ في البداية اقدم جزيل الشكر لمبادرة صحيفة "طريق الشعب "،  التي اجلها واحترم كادرها العامل دائما في ظروف صعبة، وحول سؤالك، احاول هنا الاختصار بالقول ان قرار دخول معترك السينما والاخراج تحديدا لم يكن قرارا فجائيا . ان عشقي للسينما هو حلم قديم، وتجربتي الاعلامية، في التعامل مع الكاميرا قدمت لي الكثير، وحاولت الاستفادة من اقامتي في دولة السويد فدرست السينما والعمل الاعلامي اكاديميا، وتابعت الانتاج السينمائي العالمي وحاولت تثقيف نفسي سينمائيا بطرق عديدة، وثم توفرت لي فرصة العمل كممثلة رئيسة ومساعد مخرج مع المخرج العراقي قاسم حول في فيلم "المغني" عام 2009 ، وممثلة رئيسة في فيلم " صمت الراعي"مع المخرج رعد مشتت عام 2014 ، هذه الخبرة المتراكمة وخلال فترة حوالي عشر سنوات شجعتني على اتخاذ القرار بدخول تجربة الاخراج التي اعتبرها تحد كبيرا في حياتي كأمراة.
   وهل هذا انتقالة جديدة في حياة الاعلامية انعام، وهل ستتواصل مع العمل الاعلامي ؟
ـ ان نشاطي الاعلامي لن يتوقف، ولدي مشاريع اعلامية قادمة، ورغم وجود العديد من العروض السينمائية ، وسماع الكثير من الاطراء، عن مستوى تمثيلي، فاني أود التأني في اختيارتي السينمائية ، واريدها ان تكون نوعية وتضيف لي شيئا في تجربتي السينمائية.


   فيلم "شروق "، الروائي القصير، اقل من 18 دقيقة ، ماذا اراد ان يقول للمشاهدين؟
ــ في كل تجاربي السينمائية ، كانت مشاركتي لها علاقة بهموم وتطلعات المرأة العراقية.  وهذا ليس صدفة، ففي مجمل عملي الاعلامي كنت احرص على متابعة هموم وحياة المرأة العراقية ودورها في المجتمع، فاغتنت تجربتي ومعلوماتي . في فيلم "المغني " اديت دور زوجة المغني التي ترفض الذل، وفي "صمت الراعي" دور الام التي تعاني كثيرا من الموروث الاجتماعي، من هنا فان فيلم "شروق" الذي يعالج هموم امراة عراقية خياطة ،كادحة ، مهمشة، ،جاء استمرارا لما مر ، فهذه المرأة المعزولة ، في مجتمع ذكوري، تتطلع الى حياة جديدة ، فيكون الحب هو وسيلتها لاكتشاف ذاتها، وتستمر احداث الفلم لينتهي الى نهاية مؤثرة لصالح المرأة .
   هل سعى الفيلم لتقديم الفيلم هذه الافكار والرؤية عبر مقاربات رمزية او واقعية ؟
 ــ سعى الفيلم من خلال سرد حكاية بأسلوب واقعي لان يقدم رسائل عديدة، تحمل رموزها، فالابواب والاقفال وصدأ المرآ ة، والشبابيك المغلقة واشياء اخرى تعبر عن عزلة هذه المراة التي تعيش وحيدة مع صور اهلها الراحلين، وثم تغير ايقاع حياتها بوصول رسالة حب، فيتغير ايقاع يومها وحتى لون الخيوط  وعلاقتها بالاشياء من حولها.  الفيلم حاول بكل عناصره الفنية، من التمثيل والموسيقى التصويرية والاضاءه، ان يقدم رسالة عن اهمية الحب والحياة. وان المرأة ككائن بشري يجب أن تعيش حياتها السعيدة مثل غيرها خارج الجدران وبكل حرية . حاولت ان اجعل كل امراة عراقية تجد شيء من نفسها في هذا الفيلم .
   وماذا يشكل فيلم "شروق " بالنسبة لك ؟
 ــ هو ليس مجرد فيلم قصير . انه حلم يحمل اسمه. انه شروق جديد في حياتي . كأمراة حاولت ان اثبت لنفسي اني قادرة على التحدي وخوض غمار تجربة ربما يظنها كثيرين هي حكرا على الرجال . استطاع فيلم "شروق" ان يكسر ترددي وشيء من الخوف وربما الرعب من خوض تجربة الاخراج السينمائي ، رغم اني كنت اخرج غالبية برامجي الأعلامية بنفسي. ومهما كانت حظوظ فيلم " شروق "من النجاح فاني كأمرأة اعتقد انه نجاحي الكبير، اذ فعلت ما تحلم به نساء كثيرات ليشعرن ان لديهن قدرات فاعلة لا تقل عن الرجل في كل مجالات الحياة. فيلم "شروق" اعطاني الدروس بأني ما دمت صاحبة مباديء فعلي ان اواصل طريقي لتجاوز العثرات المقصودة وغير المقصودة .
   وكيف تجدين في الواقع حياة المرأة العراقية ، وامكانيات نيل حياة جديدة وافضل ؟
ــ أؤمن بشدة بأن المرأة اساسا هي من يتحمل العبء الاول للنهوض بقضيتها ، فمجتمعنا الذكوري ، بكل ثقل الموروث الاجتماعي والقوانين البالية ، التي تعطل وتقيد مساهمة المرأة في بناء المجتمع ، لا يمكن ان ينهض بهذا وان تكاشف المرأة نفسها ، وتحاول اكتشاف ذاتها وان لا تستلم للقيود لاجل تغيير الواقع .
   ما هي امنياتك للمرأة العراقية وهي تعيش اجواء يوم المراة العالمي في الثامن من أذار؟
ــ  ان اول امنياتي للمراة العراقية ولعموم العراقيين هي الامن والسلام والقضاء على العصابات الارهابية التي تدمر حياتنا وموروثنا الثقافي ، وللمراة تحديدا اتمنى ان تواجه نفسها وذاتها لتعرف اهمية دورها في المجتمع ، لاجل تغير واقعها وان تكون عندها رؤية واضحة لحقوقها ، وهذا يتطلب بناء ذاتها وان تكون واعية لتواجه الكثير من الضغوطات حتى يمكن بناء حياة مدنية جديدة ، وان تعمل ضد القوانين التي تعرقل حريتها ودورها في المجتمع وان تعمل بجد لاجل القوانين التي تخدم مساواتها بالرجل وتمنحها فضاءات اوسع بالعمل وان لا تسمح بتهميشها . 
   هل هناك مشاريع قادمة لم تعلني عنها وتخبري قراء "طريق الشعب" بها ؟
ــ اقرأ نصوصا للكاتبة  آمال كاشف الغطاء وفي صدد ان يكون لنا عمل سينمائي مشترك، ويمكن لطريق الشعب ان تعلن ذلك لقرائها فلاول مرة اتحدث عن هذا الامر .
   لك منا الشكر والتحية مع اجمل الامنيات .
 ــ الشكر لك ولطريق الشعب وقرائها خصوصا من النساء ، اجمل التحيات وباقة ورد معطرة بالمحبة بمناسبة الثامن من آذار.


فيلم شروق


روائي قصير . 18 دقيقة .
اخراج : انعام عبد المجيد
سيناريو ومساعد المخرج : سمر قحطان
تمثيل : انعام عبد المجيد ، سمر قحطان ، رؤى خالد ، ذو الفقار خضر، علاء قحطان وغيرهم إضافة الى الطفل يوسف مكي .
أدارة تصوير وتصوير : عمار جمال
ادارة انتاج : أياد حامد 
موسيقى تصويرية : دريد الخفاجي

352
الكلام المباح ـ 86
من دونهُنَّ كَيفَ يَكُون المُجْتَمَع؟!
لم يخف صديقي الصدوق، ابو سكينة، فرحه، وهو يراني بصحة جيدة، معاودا نشاطي واهتماماتي. وكان انقطاع زياراتي له لفترة، وانشغال الآخرين عنه، جعله منقطعا عن بعض الاحداث. وأحتياطا للأمر، ففي زيارتي الاخيرة له، جعلت حزمة الصحف معي كبيرة، وبح صوتي وانا اقرأ له تقارير من هنا وهناك عن كل ما يهم احوال الوطن والناس. كان ابو جليل، بين فترة واخرى، يهمس لابي سكينة شيئا، فأفهم انه يذكره بأهمية الاستراحة قليلا لنشرب شايا تجود به علينا العزيزة أم سكينة.
كان ابو سكينة، الى جانب استمتاعه بسماع الاخباروالتقارير، مسرورا بعودة اللقاءات وتجمع الاخرين من حوله. لاحظت سكينة ذلك فقالت: لا يوجد أجمل من تجمع الاحباب، حتى الاخبار السيئة حين نسمعها معا يكون وقعها المحزن اخف. فعقبت زوجتي مكملة : والاخبار الحلوة تكون أكثر فرحا.
كنت قد قرأت لهم  ردود الافعال وتضارب الاخبار حول قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي بإسناد منصب أمين بغداد إلى أمرأة، مهندسة مدنية ناجحة في عملها الوظيفي، وكيف ان القرار نال تأييد وترحيب النخب الفكرية وقوى المجتمع المدني، متأملين ان يساهم وجودها في اضفاء لمسات خاصة على حياة بغداد، خصوصا انه نقل عنها تعهدها بأن تبذل جهدها لتجعل بغداد انظف. بينما تصاعدت اصوات معترضة لاسباب مختلفة، منها كون المنصب يخضع للمحاصصة. قالت سكينة: يبدو انه صعب جدا على البعض ان يشاهدوا أمرأة في موقع مسؤول وفاعل؟ قالت زوجتي: هذا البعض يريد أن ينغص علينا يوم عيد المرأة في الثامن من آذار. وتدخل جليل لاول مرة: كل اعيادنا سوف تظل باهتة، بدون طعم ولون، ما دمنا ندور في طاحونة وباء المحاصصة الطائفية. تجارب الشعوب المتمدنة التي تطورت وبنت مجتمعاتها بسرعة، تخبرنا أن احد اسباب نهوضها كان اعطاء المرأة حقوقها وفسح المجال واسعا امامها لتظهر مواهبها وقدراتها في البناء. والتفت جليل لي مضيفا : أكيد هؤلاء يتجاهلون كون اول وزيرة في الوطن العربي كانت عراقية، وهي المناضلة نزيهة الدليمي، إحدى رائدات الحركة النسوية العراقية، والان ..
سعل ابو سكينة، فسكت جليل مضطرا. واذ وجد ابو سكينة ان الانظار كلها متوجهة اليه قال : هؤلاء الذين يعارضون ان تأخذ المرأة العراقية دورها في تنمية وتطوير المجتمع، زين نذكرهم، بأن الاحصاءات السكانية تقول ان عدد النساء في العراق اكثر من عدد الرجال، وهذا يعني أنهن اكثر من نصف المجتمع، يعني بدونهن ومشاركتهن فأن المجتمع مو بس راح يمشي تك رجل، يعرج ويكزل، وانما راح يضطر يزحف على بطنه!



353
مقص الرقيب في جريدة الصباح الحكومية !


يوسف أبو الفوز
أتصل بي احد الاخوة من محرري جريدة الصباح ،وكان لطيفا ودمثا في سؤالي للمساهمة  في استطلاع صحفي يعده للجريدة ، حول " دور النخب الفكرية والسياسية" ، وسررت جدا، للموضوعة ، فهذا ما ننشد ، اثارت الافكار والحوار ، لاجل ان نصل معا الى ضفة النجاة بمركب وطننا الذي منذ سقوط النظام الديكتاتوري وامواج بحر السياسة العراقية المضطرب تتقاذفه نحو المجهول . واوافقت فورا على المساهمة وأرسلت النص بالحجم المطلوب ومعها صورة كما طلب الاخ المحرر .وأذ نشر الاستطلاع ، في ملحق " ديمقراطية ومجتمع مدني " يوم الثلاثاء 19 شباط ، فوجئت بأن مقص الرقيب في جريدة الصباح ، قد غيب بعض السطور وأجتزأ الجمل فعاد بعضها بدون معنى . ولا أدري هل جرى الامر ذاته مع المساهمات الاخرى في هذا الاستطلاع ، ام اني كنت الضحية الوحيدة .
 حين استفسرت عن السبب كان الجواب "انت تعرف أنها جريدة حكومية". فكان جوابي لا تتحدثوا اذن عن حرية التعبير مرة ثانية وكأنكم حماتها . يبدو وكأن لا شيء يتغير في هذا العراق الذي نريده عظيما ، ما دام هناك من يعمل لاذلاله وهو يخنق احلامنا يوميا تحت الف حجة وستار! . والطريف ان النص يتحدث عن هذا النوع السلوك بالذات . سلوك النخب التي تحاول تغييب صوت الحقيقة والرأي الاخر .  فمن أين يا ترى يستمد هذا الرقيب "النخبوي" سلطته ضد اراء ابناء العراق ، مهما كانت؟ من حجم الراتب والامتيازات التي يستلمها ؟ ام انتظار تنفيذ وعود بوظيفة أهم ؟ أم من روحية وطبيعة السلطة القائمة التي تغذيها روح المحاصصة الطائفية والاثنية المقيتة ؟ ان الامر ليس سوء فهم ، ولا يحل بأعتذار او توضيح ، فهو ليس أمرا شخصيا ، أنه اكبر من ذلك بكثير .
هنا اضع نص مساهمتي كاملة، واضع خطا تحت السطور التي تم حذفها مطالبا باعتذار الجريدة عن فعلتها والتي ارجو ان لا تتكرر مع غيري ...

عن دور النخب الفكرية والسياسية


في نشاطات مختلفة، اتيحت لي فرصة الاشتراك فيها، محاضرات او احاديث صحفية وتلفزيونية، تحدثت عن موضوع اعادة اعمار العراق، واشرت الى كون البنى التحتية في البلاد، من كهرباء وصحة وتعليم وغيرها، بامكان الاستثمار الوطني وحتى الاجنبي اعادة اعمارها وبنائها، لكن الانسان العراقي، الذي خربته الحروب وسنوات الحصار الاقتصادي البغيض وسنوات العسف البعثي الديكتاتوري وسياسات الاحتلال الامريكي وسياسات حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، هذا الامر لا يمكن انجازه وبنجاح بدون مساهمة حقيقية من المثقف العراقي، فهذا من اهم المهام في اعادة بناء قيم المجتمع لاجل تطوره نحو الافضل ليلحق بركب الحضارة الانسانية. ولست اشعر بالارتياح لدور النخب السياسية الحالية، بل اجدها تتحمل المسؤولية الكبيرة في الاستمرار بتخريب قيم مجتمعنا، وتغييب المواطن والمثقف ليلعب دوره الحقيقي في تطوير البلاد والمجتمع.
من هنا، فلابد للمثقف العراقي ان يدرك حجم مهامه وخطورتها، فهي ذات طابع فكري معرفي واجتماعي، وعليه ان يسمو ويترفع عن التعامل وفق معادلات السياسة العراقية وسلوك نخبها الحالية، فهي تعمل لمسخ رسالة وروح المثقف الحقيقي، وفصله وابعاده عن العمل السياسي، والسعي لاحتواءه لأن يكون مجرد ديكورا وبوقا يطبل لها ويبرر اخفاقاتها وحالة الفساد المستشري في جسد الدولة العراقية وانحلال قيم الاخلاص والامانة والمواطنة. ان المثقف الحقيقي مطالب بأن يكون صوتا شجاعا لفقراء وبسطاء الناس، في مواجهة كل ما يراه مخالفا لللقيم الحقيقية لبناء مجتمع متحضر تسوده قيم المواطنة والسلام والحرية والمساواة وفق القانون والعدالة الاجتماعية. وان ينشر روح التسامح والتعاون بين الناس، وان يكون قدوة في استيعاب الاخر واحترام وجهة نظره المختلفة والتعامل معها بشكل حضاري وانساني بعيدا عن مفاهيم التعصب العشائرية او الطائفية او القومية.ولا يمكن للمثقف ان يقوم بمهامه المطلوبة بشكال افضل ما دامت نخبنا السياسية الحالية بنت لنا دولة على اسس خاطئة وفق معادلات المحاصصة الطائفية والاثنية، ولاتدرك اهمية حرية التعبير والاختلاف بالرأي ووجود مؤسسات مدنية ترعى ذلك .



354
بانوراما من شمال القطب (1)



يوسف أبو الفوز
 
   وفقا لتقرير عن منتدى الأعمال التجارية الفنلندية المعروف بأسم EVA في  الأسابيع الاخيرة، تشير التقديرات إلى أن فنلندا تحتاج الى اكثر من اربعة وثلاثين الفا من المهاجرين سنويا لسد فجوة الاستدامة لتقدم السكان في العمر. وهذا هو تقريبا ضعف المعدل الحالي ثمانية عشر الفا مهاجر سنويا. هذا يعني ان هناك حاجة ماسة للمهاجرين للمساعدة في نمو الانفاق العام في المستقبل وعلى مدى ربع القرن الماضي، ظل عدد من الأفراد العاملين في فنلندا في الأساس نفسه، وارتفع قليلا بحوالي الفين شخصا ، في حين ارتفع عدد السكان بنحو نصف مليون نسمة. مركز الأبحاث وجد أن حصة العمل في المجتمع الفنلندي قد انخفضت إلى تسعة وستين في المئة، في حين أنه يجب أن تكون خمسة وسبعين في المئة، لدعم عدد السكان المتنامي  من كبار السن، وعليه فإن المهاجرين الجدد أيضا يساعدون على تحفيز الطلب المحلي للعمال لأن عدد المتقاعدين صار يتجاوز عدد الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل. ويلاحظ منتدى الأعمال التجارية الفنلندية EVA أن ثلثي المهاجرين الجدد هم في سن العمل. ونحو ثلثي منهم ايضا، كما يقول التقرير، هي من خلفية أوروبية، وتليها الآسيويية. الدول الأكثر شيوعا في اصول المهاجرين هي روسيا واستونيا والصومال والعراق.
   في غضون السنوات القليلة القادمة، عندما تطير الى هلسنكي، يمكن أن تهبط في مطار سيبيليوس. أخيرا، قدمت جمعية سيبيليوس اقتراحا رسميا لتغيير اسم مطار هلسنكي. صحيفة هلسنكي سانومات Helsingin Sanomat  قالت ان رئيس الوزراء يدعم هذه الفكرة. ومع ذلك، فأن القرار النهائي سيكون بيد هيئة الطيران الوطنية.
    ستة وسبعون في المئة من معدل نمو السكان في فنلندا العام الماضي كان بسبب المهاجرين إلى فنلندا. ووفقا لمركز الإحصاءات الفنلندي، حوالي نصف الرقم من الفنلنديين القادمين للوطن، والباقي من المهاجرين.
   المدرسة الفنلندية في قطر أكملت للتو أول فصل دراسي لها، وذلك وفقا لموقع الوقائع الفنلندية. المدرسة الفنلندية القطرية العالمية هي مشروع طموح لحوار الثقافات ولاجل تعريف منطقة الخليج بتجربة التعليم الفنلندية. في المدرسة حوالي مئة طالب واثنان وعشرون معلما.


355
الشهداء يحبون الحياة !

           

يوسف أبو الفوز
الصورة المعروفة عن المناضل الشيوعي، عند كثير من الناس، تتعلق بكون حياته مليئة بالمعاناة، فهي تمتد بين ما خلفته في روحه سنوات العمل السري ومضايقات الاجهزة الامنية للأنظمة الديكتاتورية، وسنوات الاعتقال والسجون والاختفاء والكفاح المسلح في الاهوار والجبال، وكل ذلك بعيدا عن الاستقرار ودفء الحياة العائلية في ظل حياة طبيعية ،فحياته تمضي بين اجواء من التوتر والترقب، وكل هذا قد يجعل صورته عند البعض جادا ومتجهما، غارقا في امور معقدة، ولا وقت لديه للاسترخاء والمرح. لكن الشيوعيين، هم ابناء هذا الواقع، هم بشر مثل غيرهم، لديهم نقاط قوتهم وضعفهم وتناقضاتهم، ولكن وعيهم الطبقي وثقافتهم العالية، وايمانهم بمباديء سامية تهديهم للنضال لاجل كرامة وسعادة الانسان وحرية الاوطان، تجعلهم يروضّون نقاط ضعفهم، ويتسامون على مغريات الحياة ومغرياتها وصغائرها، ويكونون مستعدين لمواجهة مختلف الصعوبات والضغوطات، وتكون لهم مواقف متميزة تصل حد التضحية بالنفس، وبكل شجاعة لاجل صيانة أسم الشيوعي ، وحياة افضل للاخرين .
يوما في سبعينات القرن الماضي، قال القائد الشيوعي والكاتب السياسي رودني اريسمندي (1913 ــ 1989)، من الاورغواي: "نحن الشيوعيون لسنا نوعا خاصا من  البشر، نحن من الطبقة العاملة ومن هذا الشعب ونحن بالنتيجة مواطنون عاديون مرحون ومتواضعون مغرمون بالحياة ومسراتها، مغرمون بزوجاتنا واطفالنا، بالسلام وبدفء الصداقة، بالغيتار والاغاني وبالنجوم والازهار".  والشيوعيون العراقيون، جزءا من هذا الكلام ، وشهداؤهم ايضا.
ومن بين الشهداء الشيوعيين العراقيين، ثمة مناضلون، يحفظ لهم رفاقهم، الذين عاصروهم، والناس الذين عرفوهم،  اضافة الى مواقفهم البطولية وشجاعتهم، حبهم للمرح والنكتة وصنع المقالب الطريفة للاخرين. هكذا، مثلا، عرف الانصار الشيوعين في سنوات الكفاح المسلح الصعبة ، في جبال كردستان، الشهيد العامل حاتم محمد نمش ـ ابو كريم (استشهد 1987). انسانا ممراحا، ممحب للنكتة، سريع البديهة، ويقدم ملاحظته الناقدة باسلوب ساخر، فيثير الابتسام من حوله،ويشيع جوا صداقيا ودودا وحميميا من حوله، مترع بالحبا دون ان يغيض احدا ما. هكذا التقيته شخصيا، لاول مرة في "كلي هصبة "( وادي الخيول) مقر أنصار الفوج الثالث صيف عام 1985، وعملنا لفترة معا، جنبا الى جنب في بعض المهمات الحزبية والانصارية . كان شديد الذكاء ولماحا ومحبا لرفاقه والناس والحياة.
 كتب النصير داود امين ـ ابو نهران ، في مجلة "الثقافة الجديدة" العدد  المزدوج 203 ـ 204 الصادر عام 1988 تحت عنوان " أبو كريم يعيش في قلوبنا" قائلا : (قبل التحاقي بالآنصار، ووصولي إلى كردستان، كنت أسمع عن "أبو كرّيم" فالآنصار القادمون من كردستان كانوا يتحدثون عنه بمتعة وإعجاب، يروون طرائفه ونكاته، ويتحدثون عن بطولاته وجرأته، عن إنضباطه الحزبي والواعي، وعن موقفه الآصيل من العمل، ومن المظاهر السلبية في الحياة الحزبية ). ولشد ما كره الشهيد ابو كريم البيرقراطية في العمل الحزبي، فوجه نيران سخريته لبعض الممارسات التي وجدها تعيق نشاط الحزب وتطوره، وتعيق مبادرات المناضلين المخلصين في العمل، فبعض"الكوادرالحزبية" التي يجدها تتحسس من طرح رأي ناقد وتشخصّن الملاحظات كان يسميها "الكوارث الحزبية". وأما مفارز الانصار التي يصدف وتضم كبارا في السن ومرضى كان يسميها "مفارز القناصة".كان له قاموسه الخاص ،ويلعب بالكلمات ويحورها، ويحملها معان أخرى تثير الابتسام. سماه النصير عمار علي" قارع اجراس الفرح" ــ طريق الشعب 4 أيار 2014 ـ وكتب عنه محاولا تفسير حبه للمرح : "يلتقط الاشياء النادرة، يحولها الى سخرية، ربما قسوة المكان تستدعي وجود قوة رفض الواقع العدائي الثقيل. قوة تكسير حجر القسوة. تهزم اليات الضجر والرتابة. كان يراوغ جنيات الطبيعة، يعاند موج العزلة الهائج. كان يستقبل القادمين الى جنة الوادي الموحش بالزغاريد والاغاني والحنين.". كان يمازح الجميع، اهل القرى والقادة المسؤولين من الاحزاب الاخرى، والاطفال، ورفاقه الانصار، ورفيقاته. لم يكن احد يسلم من لذع لسانه، ولم يكن احدا يسئ فهم مزاحه الذي لا يحمل اي ضغينة او تحامل. قال لي النصير مزهر بن مدلول ـ ابو هادي : (أذكر يوما، ممازحته لاحد الرفيقات، حين قال لها "حركاتك" اجمل من كل حركات التحرر الوطني في العالم !).  لم تزعل الرفيقة، لانها تفهم شخصية ابو كريم ولعبه باللغة والمصطلحات. الرفيق ابو نهران ، يروي عنه: (كان الحديث عن سلاح الستريلا، المضاد للطائرات يشغل جميع الآنصار طوال عامي 1981 و1982، فالكل يتحدث ان حزبنا يمتلك كميات من هذا السلاح، ولكن الصعوبة فقط في إدخاله الى كردستان! فهو سلاح ثقيل وحساس جداً عند النقل! وفي صيف 1982، وصلت مفرزة من الخارج، وكان بين أنصارها الرفيق "ابو عليوي" وهو رفيق بدين، وما ان شاهده ابو كريم حتى صاح: "يكولون ما نكدر ندخل ستريلا .... جا هذا الرفيق شلون دخل !؟ " ثم إقترب منه وقال له " كلي رفيق انت كم واحد، ياالله قدر يكسبك للحزب؟ أكيد لجنة كاملة فرغوها لكسبك !" وضحك الرفيق ابو عليوي مرتبكاً، فمن المؤكد أنه سمع عن ابو كرّيم !)
مثل ابو كريم، كان هناك العديد من الشيوعيين، والعديد منهم استشهدوا، لن اذكر اسماءا هنا حتى لا اظلم احدا اذا نسيته، فجميعهم كانوا يمنحون الحياة من حولهم رونقا خاصا بشخصياتهم المحبة لفرح، وينثرون المحبة والابتسامة بين الناس، مثلما ينثرون الامل بالحياة السعيدة والتمسك بالاخلاق الفاضلة والمباديء السامية. الشيوعيين عشاق الحياة، يمنحون حزبهم ومبادئهم زهرة شبابهم، لهم مواقفهم المشهودة في عدم الرضوخ والتنازل امام صعوبات الزمن وعسف الديكتاتوريات، وفي خضهم كل ذلك يمارسون حياتهم بكل مدياتها، وشهداؤهم يضحكون دائما ويحبون الحياة !


356
الكلام المباح (85)
شُكْرًا مَلَك الْمَوْت !
يوسف أبو الفوز
ربما يهمك ان تعرف ـ عزيزي القاريء ـ اني اكتب لك هذه السطور من المستشفى. فالشهور الماضية قابلت من الاطباء اكثر مما قابلت من اصدقائي. وها اني اقيم في المستشفى من جديد لاجراء المزيد من الفحوصات الطبية. أعلل نفسي بأن العمر له أحكام، وأعرف ان حياة كل عراقي لم تكن سهلة والجسد له حدود للتحمل.
وأرتباطا بوجودي في المستشفى، وتعذر زيارتي لصديقي الصدوق أبو سكينة، فكرت في الاعتذار عن كتابة حلقة العمود لهذه المرة، ولكن تنفيذ الالتزام  له طعمه وسحره ومعناه، هكذا علمتنا مدرسة "طريق الشعب". ولاعترف لك ـ عزيزي القاريءـ بأن الفترة الاخيرة، وأرتباطا بأوضاع العراق العامة، والموت يحصد الناس بمختلف السبل، ومع وضعي الصحي الخاص، صرت افكر بالموت كثيرا. النصير الشهيد الشيوعي روبرت ــ خليل ابراهيم اوراها (من اصول مسيحية، مواليد البصرة 1959، استشهد ببطولة في معركة ضد قوات المرتزقة والاستخبارات في قرية شيخكه في 23 /7/ 1987) في دفتر ملاحظاته، الذي وجده رفاقه مؤطر الحافات بالدم كتب : " لا اخاف الموت، لكني لا اريده لانه سيسبب الألم لمن يحبوني".
 لا اضيف كثيرا لذلك، فلا اعتقد ان اجيالا من الشيوعيين خافت يوما زيارة ملك الموت. كانوا دائما بانتظاره، وهم يعرفون ان حياتهم التي يمنحونها في ساحات النضال، وبمختلف الاشكال التي يغادرون بها، ما هي الا قربان لحياة جديدة. شخصيا، في محطات حياتي المختلفة، وبتواضع اقول، قابلت هذا الزائر الثقيل مرارا، وتعلمت أن لا أخافه، ولكني ايضا اقول هنا : لا أريد زيارته.
لا اريده لاني أعتقد ان هناك اشياء كثيرة تنتظر مني أنجازها. كتابة المزيد من الكتب، زيارة اماكن جديدة، لقاء أحبة افترقنا عنهم، شم المزيد من الهواء النقي ونشر الحب والتمتع بمباهج هذه الحياة والعمل لأجل نهارات مدنية لابناء شعبنا. لكن النفس البشرية لا يمكن ايقاف هواجسها. وحين هاتفني أبو سكينة ليطمأن عليّ، فأفضيت له بهواجسي وما يدور في بالي، صاح بي بالهاتف:"بويه شصاير بيك، هاي أنته مثالنا الحسن بالتفاؤل وحب الحياة، سخونة وحصوات زغيرة لكونهن بجلاويك، هيج لعبن بيك وتريد تلعب بينا". حدثته، كيف ان الاسابيع الاخيرة، رحل العديد من اصدقائي ومعارفي من أبناء جيلي، فأثر على مزاجي. ما أن دفنا الاول، حتى جاء خبر رحيل الثاني، ومن انهينا فاتحة الثالث حتى ... قاطعني أبو سكينة: اعرفهم كلهم. جليل وسكينة وزوجتك حكوا لنا كل شيء وعاشت يدك. اعرف انك رغم تعبك ومرضك، قمت بالواجب واكثر، وكنت اريد اقول لك شفت شلون الموت يوحد العراقيين. جماعتك اللي رحلوا، الاول كان شيعي والثاني سني والثالث مسيحي والرابع كردي إيزيدي، قل لي ملك الموت لمن زارهم هل سألهم لأي "مكّون"تابعون؟ اكتب هذا بروح موتاك، قل للبعض اللي ما يستحي على روحه، واحدهم كرشه تارس التلفزيون ومن يحجي قال"المكوّن" ورد "المكوّن"، خل يعرف ان التفجيرات الارهابية، وداعش وماعش من يحصدون ارواح العراقيين ما يسألوهم عن هوياتهم !


357
مساهمة في أستطلاع جريدة "الزمان" عن تجاوزات حمايات المسؤولين
يوسف ابو الفوز
في عددها ليوم 4 شباط 2015 نشرت جريدة "الزمان " وتحت عنوان (تجاوزات حمايات المسؤولين .. هل من رادع ؟) استطلاعا اعده الزميل أحمد جبار غريب ، سأل فيه العديد من المثقفين العراقيين عن الظاهرة المستهجنة التي بدأت تنتشر الا وهي  التجاوزات غير القانونية لحمايات العديد من المسؤولين على المواطنين العراقيين . وهذا نص مساهمتي التي وردت في الاستطلاع ...
الكاتب والاعلامي يوسف ابو الفوز المقيم في فنلندا، في توصيف الحالة ونتائجها  مستدركا بطرح امثلة من الواقع الذي نعيشه قائلا :  هذه احدى الظواهر المعيبة، في بناء الدولة العراقية، المبنية اساسا على اسس خاطئة. فبالاضافة الى كون هذه الحمايات تعزل المسؤولين من التماس مع عموم الناس لتلمس همومهم وتطلعاتهم، فانها تثقل ميزانية الدولة بشكل باهض، وقد كشف أحد نواب رئيس الوزراء في تصريحات صحفية عن "وصول نفقات الحمايات الخاصة بالمسؤولين من معدات ورواتب إلى مليار دولار سنويا".وهذا الرقم حسب المراقبين يشكل ما نسبته نسبته واح بالمئة من موازنة العراق لعام 2015. فكل مسؤول عراقي مهما كانت مسؤوليته تحيطه اعداد من الحمايات التي تتسع دائرتها مع علو عنوان الوظيفة، بحيث صار هناك مديريات للحمايات وجيش من افراد الحمايات، التي تخضع لاوامر المسؤول وارادته وسياسة حزبهبعيدا عن رقلبة وادارة الدولة العراقية. وبالنظر لغياب القانون، وسلطة مؤسسات الدولة، فكل حزب سياسي وكل مسؤول صار يتصرف على مزاجه مستخفا بكرامة الناس وهيبة الدولة، وتكررت الاعتداءات على بسطاء الناس وعلى الصحفيين اثناء ادائهم لمهامهم الصحفية وشرطة المرور اثناء قيامهم بواجبهم بضبط السير في الشوارع وغير ذلك، وبشكل مقرف ومخزي وصار ينذر بغياب كامل للدولة. ولا يمكن حل هذه المشكلة الا بحل جذري للقضية، وذلك بانهاء نهج المحاصصة الطائفية والاثنية في بناء الدولة العراقية، وبناء الدولة المدنية، دولة المؤسسات والقانون، التي تضمن أمن وكرامة وحقوق المواطنين وفق ضوابط  المساواة والعدالة الاجتماعية بعيدا عن النهج الطائفي الحالي البغيض، الذي يرمي العراق خارج عجلة الحضارة والتمدن. 



 


358
هل يطلع سياسيّو العراق على تجارب الدول ، مثل فنلندا ؟
يوسف أبو الفوز
السؤال ليس من عندي، بل من مواطن فنلندي، مهندس مدني، التقينا صدفة في المسبح العمومي، وتحديدا، في حمام الساونا اولا ـ كما خلقنا الله ! ـ تبادلنا حوار مجاملة عاديا، فسألني من اين انت؟ وهذا هو السؤال الذي ينتظره كل شرقي يعيش في البلدان الاوربية تتبعه جملة من اسئلة تعتمد على شخصية المتسائل، ومع السنين، تعلمت اجادة الاجابة على هذا السؤال بطريقة ألوي فيها الحديث بالشكل الذي يعجبني. وفي كافتريا المسبح ـ بشورت السباحة هذه المرة ! ـ ، وصل بنا الحديث الى الميثولوجيا وعلاقة ملحمة جلجاميش بملحمة الكاليفالا الفنلندية، التي جمعها وحررها الطبيب والشاعر الفنلندي الياس لونرت (1802 ـ 1884) واصدر طبعتها الاولى عام 1835.  ووجدت محدثي على اطلاع جيد على ما يدور في بلادي والمنطقة بل ومتعاطف مع معاناة شعوبها، ولديه اهتمام بالتأريخ رغم تخصصه العلمي. وتحدثنا عن الاوضاع الحالية في العراق، وبعض المحطات من تأريخ فنلندا الحديث، وسرعان ما وجه لي السؤال الذي وضعته عنوانا لهذا النص !
في  العديد من المحاضرات والنشاطات، واللقاءات الصحفية، التي كنت طرفا فيها، لطالما كررت ان الفنلنديين، ربما من اكثر الشعوب تفهما لاحوال العراق، استند في هذا الى اطلاع متواضع على تاريخ هذه البلاد التي اقيم فيها من عام 1995 وصارت لي وطنا ثانيا ، ولكون فنلندا سبق لها ومرت بالعديد من المحطات التي مر بها العراق في تأريخه الحديث. ففنلندا تعرضت لاحتلالات ولعقود طويلة من قبل دول اخرى، وعانى شعبها من مجاعات وحصارات، وناضلت طويلا لاجل استقلالها من نير الحكومات الغاصبة، وبعد الاستقلال في عام 1917، دارت حرب اهلية طاحنة عام 1918 ، ونشبت حروب مع الجيران، وكانت طرفا في الحرب العالمية الثانية ، حين تحالفت حكومتها اليمينية أيامها مع قوات هتلر النازية فخضعت بعد نهاية الحرب الى عقوبات دولية قاسية، ومن كل هذا خرج الشعب الفنلندي بتجربة كبيرة، كانت دروسها العميقة اساسا لتنهض فنلندا من الرماد وتكون بلدا مثلما نعرف الان !.
كانت فنلندا، البلد الصغير (5,4 مليون نسمة) حتى خمسينات القرن الماضي، بلدا زراعيا، لا تملك من الثروات غير غابات الاشجار ومياه البحيرات وسواحلها المطلة على بحر البلطيق، وما يدره ذلك عليها من ثروة سمكية. ورغم انها تعد البلاد الثامنة من حيث المساحة في أوروبا (338,424 كم مربع ) الا انها أقل بلدان الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية (16 نسمة/كم مربع). والمنطقة الشمالية من البلاد (منطقة لابلاند) التي تشكل 30% من مساحة البلاد ، هي صحراء ثلجية ( اكبر من مساحة بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ مجتمعة)، وتصل درجات الحرارة في لابلند الى خمسين تحت الصفر، وعليه يتركز سكان فنلندا في المناطق الجنوبية. والاراضي الصالحة للزراعة في فنلندا محدودة ، ففيها يوجد 178 الف بحيرة، وتغطي الغابات مساحة 86% من مساحة عموم البلاد، واراضيها صخرية، يضاف الى ذلك المناخ القطبي، الذي يجعل الصيف قصيرا (اربعة شهور) والشتاء طويلا، والنهارات قصيرة والليل طويل. والشمس  نادرة هنا، فدخلت لذلك الشعر والاغاني وكلمات الغزل. تجدر الاشارة الى ان علاقات هذا البلد الصغير مع جيرانه مرت بين المد والجزر، خصوصا مع روسيا، الجارة الاكبر، وتقع شرق فنلندا ، وتمتد الحدود معها لأكثر من 1300 كم عبر غابات وبحيرات متشابكة ، بشكل يذكرنا بالحدود العراقية الايرانية !. مع كل ما تقدم ، فأن المجتمع الفنلندي نجح في بناء دولة حديثة، تحتل المرتبة الاولى دائما في العديد من مقاييس المقارنات الدولية  كالشفافية والنزاهة والبيئة ومستوى التعليم وخدمات الطيران والصناعات الاليكترونية وغيرها . وتتزعم قائمة أفضل بلد في العالم في استطلاع مجلة نيوزويك لعام 2010 من حيث الصحة والدينامية الاقتصادية والتعليم والبيئة السياسية ونوعية الحياة. كما تعتبر ثاني أكثر البلدان استقراراً في العالم ، وتعد حالياً ثالث بلد من حيث نسبة الخريجين إلى السكان في سن التخرج العادي حسب كتاب حقائق منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لعام 2010. نجح الفنلنديون بجهد ونضال ، مستندين الى دستور علماني، في بناء دولة مدنية تكون المؤسسات فيها هي المسؤولة عن حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي ويكون المواطن مساهما في تطوير المجتمع وخلق والسلام والامن الاجتماعي.
والسؤال ، الذي يخطر في البال : كيف تمكن هذا البلد الفقير والصغير، وفقط خلال عدة عقود معدوة من الزمن، من بعد الحرب العالمية الثانية، ان ينهض ليكون في طليعة البلدان المتطورة؟ وللعلم ان فنلندا رفضت الدخول في مشروع مارشال الامريكي لاعادة اعمار اوربا من بعد الحرب العالمية الثانية، وفنلندا طول تأريخها لم تكن بلدا مستعمرا للاخرين لتنهب ثرواتهم !. كيف حدث هذا التطور الاقتصادي السريع في حياة البلاد ، لتصبح من دول الرفاه الاجتماعي؟ كان سؤال محدثي يتعلق بهذا الامر: الم يطلع سياسو العراق على تجارب الشعوب الاخرى ومنها فنلندا ليستثمروها في بناء العراق الجديد؟. ألم يطلعوا على تجربة بناء الديمقراطية الحقيقية، ونظام التعليم، والضمان الصحي، والنهوض الاقتصادي، وغيرها ما يهم بناء دولة حديثة ؟
 قدمت لمحدثي اجوبة متعددة، ولاني حديث المعرفة به ، وخجلا وعامدا اخفيت جوانب بعض الاجوبة، التي يمكن للقاريء الحصيف ان يقدر بعضها، فلو عرف محدثي مثلا ان في بلادي يتظاهر مزورّو الشهادات الدراسية للمطالبة بالموافقة على شهاداتهم المزورة ، ويتلقون دعما سافرا من برلمانين لاجل ذلك، لربما كان له تعليق ما لا يرضيني، وقد يتراجع عن الاقرار بأن حضارة وادي الرافدين كنت اساسا لتطور الحضارة البشرية، وان فايناموينين ، بطل ملحمة الكاليفالا الفنلندية ، ما هو الا حفيد معاصر لجلجاميش العراقي !
28 كانون الثاني 2015


359
الكلام المباح (84)
مَنْ  يَسرِق فَرَح النَّاس  ؟!
يوسف أبو الفوز

مع بدء مباريات بطولة كأس الأمم الآسيوية لكرة القدم لهذا العام في استراليا، تحول الجميع من حولي، من أهل بيتي واصدقائي وزملائي، الى خبراء في شؤون الرياضة. لم يغضني الامر أبدا، بالعكس سررت له جدا، فهذا ألامر بالذات ـ عزيزي القاريء ـ من الاشياء القليلة التي تجمع العراقيين وتوحد مشاعرهم وتبعدهم عن تداعيات الاوضاع السياسية ومنغصاتها. حتى صديقي الصدوق، أبو سكينة، ومعه أبو جليل، كان لهما تعليقاتهما بين الحين والاخر، وهم يروننا منشغلين بمتابعة المباريات ومتابعة البرامج الرياضية في التلفزيون. قال أبو جليل مغالبا ضحكة ساخرة:(ألا تلاحظون ان البعض من خبراء الرياضة والمدربين عندنا الذين يتحدثون بالتلفزيون، الله يستر عليهم، اشكالهم مو رياضية، يعني كروش ومروش واشياء اخرى ما ينطلع بيها؟). لكن الاجواء سرعان ما تعكرت في بيت أبو سكينة تماما، وعم الحزن. وقد حدث ذلك عقب فوز منتخبنا العراقي على نظيره الايراني، حين بلغنا خبر اصابة طفل بنت أخت أبو سكينة بطلق ناري طائش نقل على اثره الى الانعاش وهو بين الحياة والموت. لم يوجه ألاب الاتهام الى شخص محدد لكنه أعتبر كل من اطلق العيارات النارية في الهواء مسؤولا عن حياة أبنه.
الاخباروالتقاريراشارت الى ان مدنا عراقية عديدة، وخصوصا بغداد، شهدت اطلاقا كثيفا للعيارات النارية، واعلنت وزارة الصحة العراقية في بيان لها عن تسجيل حالتي وفاة و89 إصابة، بينهم أطفال ونساء، ومن ضمنهن امرأة حامل.
حاولنا، ومعي جليل، ان نخفف من اجواء الحزن، بطرق مختلفة، تحدثنا عن التحولات في المناخ في العالم، وعن ترشيحات جوائز الاوسكار، وعن هزائم مجرمي داعش وانتصارات قوانا الامنية. لكننا سرعان ما وجدنا انفسنا في اجواء النقاش حول اسباب هذه الظاهرة الخطيرة المذكورة . كانت سكينة تؤيد بقوة الاراء التي تتحدث عن انتشار القيم العشائرية التي ساعد على عودتها النظام الديكتاتوري المقبور وتعززت مع سنوات الاحتلال وحكومات المحاصصة، بينما ايدت زوجتي الاراء التي تشير الى مستوى الوعي الاجتماعي واوضاع الاجهزة الامنية وعدم فعاليتها في تطبيق القوانين وحماية الناس.
وسعل أبو سكينة ليشاركنا الحديث فمد ساقه وفرك ركبته وقال: اتفق معكم، ان الحكومة والاجهزة المعنية يجب ان تضع حدا لهذه الظاهرة، وتتخذ اجراءت شديدة بحق مطلقي النار، فالارهابي الداعشي، عدو مكشوف لنا ويسلب ارواح العراقيين بإسم الدين زورا، لكن هؤلاء الرماة يعيشون بيننا ويسرقون ارواح الناس ومعها فرحنا. وللاسف في الحروب والتفجيرات الارهابية يموت العراقي، وايضا يموت حين يفرح ويرقص. ومع كل هذا يطلع لك محلل سياسي في التلفزيون يقول عنه المذيع انه "رفيع المستوى" والشاشة ما تكفي كرشه وعرضه، ويحط هذا "الرفيع" رجل على رجل ويقول لك: "أرفع رأسك أنت عراقي"! أي شلون أرفع راسي والطلقات العشوائية "على الداير داير مندار"!


360
الكلام المباح (83)
 
"مثرودة" بالجَوْزواللَّوْز !
يوسف أبو الفوز
خلال زيارتي، الأخيرة، لبيت صديقي الصدوق أبو سكينة، وجدت ان جليل قد حل محلي في قراءة الصحف للحاضرين والمتحلقين حوله، ووصلنا وزوجتي خلال قراءته لتقارير صادرة عن لجنة النزاهة النيابية تشير الى أنها تعمل على ملاحقة وزراء ومسؤولين في الحكومة السابقة سرقوا مليارات الدولارات، وأن لجنة النزاهة على اتصال دائم مع الحكومة التنفيذية لأستعادة تلك الأموال. وتقاريرا تذكر ان رئيس الوزراء حيدر العبادي وفي اطار حملته لاصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة الاستقرار للبلاد، عزل ضباطا في الجيش اتهموا بالفساد، وقال "ان قضية محاربة الفساد في المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية بالنسبة لنا قضية جوهرية واساسية، لان هذا يزيد من كفاءة قواتنا العسكرية في ساحات القتال ".
قالت سكينة : ألم تسمعوا بمدير دائرة الادعاء العام في السليمانية الذي قدم استقالته من منصبه مؤخرأ وأعلن ان سبب استقالته هو الفساد الذي يمارس غالبا باسم القانون والذي يستغل كوسيلة للاستثراء على حساب الشعب والمال العام؟.
قلت: مشكلتنا مع هؤلاء الذين يتحدثون بأسم الشعب، ويرفعون الشعارات البراقة لخداع الناس ويسرقون حقوقهم بكل صلافة .
أيدتني زوجتي واضافت: لو استعدنا الاحاديث الطويلة في وسائل الاعلام لبعض من هذه الشخصيات لوجدنا انهم ينصبّون انفسهم حماةً للشعب والوطن، والمأساة أن من ينتقدهم، ويطالب بمحاربة الفساد والبيروقراطية ويشخص سوء الأداء يكون من المغضوب عليهم اذا لم يتم تخوينه بشكل ما.
قال جليل: الملفت انهم يتباكون كونهم جاؤوا من صفوف الشعب وناضلوا ضد الديكتاتورية والفقر، ما الذي جرى لأمثال هؤلاء؟
ضحك أبو سكينة والتفت سائلا أبو جليل:هاي يبين ابنك ناسي لو ما يعرف "المثرودة"؟ والتفت لجليل معنفا: يا وليدي،ما تشوف قصورهم وحماياتهم ورواتبهم العالية، هاي كلها تعمي القلوب، وبعدين انت ما تعرف ان هؤلاء مثرودتهم صارت بالجوز واللوز !
وضحكنا جميعا!
ولكي تشاركنا الضحكة أو الأبتسام ـ عزيزي القاري ـ فهذه الاكلة، "المثرودة"، والبعض يسميها "محرو‌گ أصبعه"، هي من أكلات فقراء العراقيين المعروفة، حين يطبخون الخبز اليابس ـ والله يعلم كيف يجمعونه ـ مع قليل من الدهن ومعجون الطماطة والماء. والطرائف المبكية ـ المضحكة، تقول ان رجلا غنيا، بدافع الفضول، أمر طباخه الخاص بأن يعد له هذه الاكلة، فأعدها الطباخ ولكن مع تغيير بسيط ، أضاف لها قطعاً من لحم الغزال والجوز واللوز وقدمها مع صحن سلطة طازج وكأس من النبيذ الفاخر!   
 

361
شر البلية ما يضحك :
قصة فتيات أيرانيات والسيد نعيم عبعوب !
(تضامنا مع متظاهري ساحة التحرير وحملة " عيب.. عوب")



      
يوسف أبو الفوز
بعد أن اخذت ألاذن من اصحاب الشأن والتعهد بحفظ الاسماء وبعض التفاصيل، اخذت القرار بالكتابة، فالأمر هنا يتعلق بشأن عام، لذا يتطلب ان يطلع عليه الناس. فمثل غيري أتابع تصريحات وتعليقات وطرائف السيد نعيم عبعوب، أمين العاصمة بغداد، والذي يحب ان يسمي نفسه"امين بغداد"، خصوصا تصريحاته الاخيرة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي نقلا  عن قنوات تلفزيونية. هذه المرة أفادنا السيد عبعوب بأنه خلال زيارته الى ايران تهافتت عليه  فتيات طهران واعتبرنه وسيما اكثر من زميله الايراني، امين طهران ، وان النساء في كل مكان يرغبن بالتصوير معه. عقب هذا التصريح انتشر بسرعة هاشتاغ "وسيم بغداد " وراحت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنيت تنتشر التعليقات الساخرة ، واعادت للواجهة من جديد حال بغداد المزري وأحوال امينها الوسيم هذه المرة . كل هذا كان يبدو طبيعيا بحكم كون السيد "وسيم بغداد" عراقي والذين ينشرون التعليقات والتعقيبات عراقيين، ولكن فجأة دخلت طهران على الخط وبشكل قانوني !
اتصلت بي زميلة ايرانية تسألني أمكانية ان تقدم رقم هاتفي لسيدة ايرانية تباحثت معها حول قضية عائلية ، وخطر لزميلتي ان تقترح لها اسمي عليّ اتمكن من مساعدتها في تقديم النصيحة. وافقت فورا، لكوني الى جانب عملي الصحفي، اعمل رسميا في مشروع ثقافي اجتماعي يخص اندماج الاجانب في المجتمع الفنلندي، واعتقدت ان الامر سيكون من هذا الباب. واتصلت السيدة وحددنا موعدا مناسبا، وجاءت مع زوجها، الذي بدا غاضبا من كل شيء. راحت بي الظنون والافكار الى افتراضات عديدة فعملي في جانب منه يتعلق بمشاكل الشباب من المهاجرين الاجانب في فنلندا من الجيل الثاني والثالث، فاذ تجاوزت هذه الاجيال مشكلة تعلم اللغة، التي عانى منها الجيل الاول كثيرا، فأن جل مشاكلهم ذات طابع له علاقة بالهوية والجذور وتوافق الثقافات وتعامل الاسرة مع اطفالهم، الذين نشأوا في بيئة اخرى وثقافة ثانية ، تعلموا منها الكثير، بما في ذلك عادات تتعارض مع توارثه الاباء ـ الجيل الاول .
لا اجيد اللغة الفارسية، ولا جليسيّ يجيدان العربية، فصار علينا ان نتحدث بلغة ثالثة، يجيدها المهاجرين من الجيل الاول، هي خليط من الفنلندية والانكليزية. تفاجأت بورود اسم السيد نعيم عبعبوب على لسان الام ، التي بدت حائرة. بناتها طالبات في المرحلة الثانوية ، لهن مشاركات بارزة في نشاطات المدرسة، وحين رأيت البوم الصور التي جلبته الام معها ، فهمت كثيرا عن اسباب قلقها، فبناتها من ناشطات الحركة النسوية وحقوق المرأة ، وبناتها جميلات بشكل خارق، بحيث ان العائلة رفضت عروض لهن للمساهمة في مجال الاعلانات مذ كن طالبات في المدرسة الابتدائية. الاب الذي يعرف بعض الكلمات العربية، حكى لي عن ارتباطهم الروحي بالعراق، وكون جدهم الاكبر عاش في العراق لفترة ايام حكم الشاه ، وكانوا يعيشون في مناطق اصفهان، قبل الانتقال الى طهران، ثم فنلندا اثر مشاكل اجتماعية لها طابع سياسي. وهم على اطلاع كامل على اوضاع العراق، فهم يعرفون جيدا، ان بغداد الان تعتبر واحدة من اسوأ المدن في العالم للعيش فيها من ناحية  توفر الخدمات والجوانب الامنية. وأن السيد عبعبوب رغم أنه ينشر عن نفسه، بأنه حاصل على شهادات في معالجة النفايات ومتخصص في أدارة النفايات بطرقها الحديثة ( بلازما – اوتوكلف – انستريشن ) ــ اكد لنا ذلك البيانات المنشورة عنه في موقع أمأنة بغداد ــ  ألا أن بغداد في عهده تحولت الى مكب نفايات كبير مكانه في كتاب غينيس. وان هناك الكثير مما يحكى عن الفساد في مشاريع نفذت وستفذ ، وان بقاءه في موقعه الوظيفي تحكمه المعادلات السياسية السائدة للقوى المتنفذة في العراق . لم اتفاجأ بسعة معلومات الاب الغاضب ، والام الحائرة ، لكن كنت ما زلت احاول ايجاد الربط بين بناتهم وكل ما قيل. هل هو مجرد غضب من تصريحات اعتاد عليها السيد عبعبوب الذي يبدو يروق له الظهور عبر شاشات التلفزيون حتى لو كان بموقع السخرية؟ واخيرا اخبرتني السيدة بأن بناتها اثارتهن جدا تصريحات السيد عبعوب الاخيرة ، وبحكم نشاطاتهن في المنظمات النسوية ،  يحاولن الرد عليه بطريقة ما، فهن يحاولن اعداد ملف عن السيد عبعبوب كأمين عاصمة فاشل،فأنهن يعرفن ان العديد من مناطق بغداد لاتزال تعاني الكثير من الاهمال ونقص في الخدمات البلدية والصحية وردائة الطرق والشوارع الرئيسية فيها ، خصوصا في مواسم المطر رغم المبالغ المالية التي ترصد مرارا لمشاريع قيل الكثير عن واقع الفساد فيها ، وانهن يحاولن جمع صوره ولقاءاته ليقدمنها لخبير بالجمال والاناقة ليحدد مدى وسامة السيد عبعوب ، الذي قلن بحقه تعليقات لا اود ان انقلها هنا، وانهن يحاولن العثور على محامي يتكفل برفع دعوى قضائية ضد السيد عبعبوب تتلخص بكونه بتصريحه هذا يوجه اهانة بالغة لهن كنساء، وانه ــ والحديث للأم الايرانية ـ بشكل ما يشير الى كون بنات طهران، والبنات الايرانيات قليلات الذوق وجاهلات ولا يفقهن في امور الرجال والاناقة، بحيث يعجبن برجل فاشل في عمله ويحاول عبثا تجميل نفسه بادعاءات تثير من النكات الساخرة اكثر من التعقيبات الجادة !
كانت الام قلقة، على دراسة بناتها، فلا تريدهن ان يصرفن وقتا وطاقة مع قضية كهذه، وحاولت من جانبي اخبار الام بأن كونهم يعيشون في  فنلندا، ربما قانونيا وارتباطا بالجغرافيا، لا تشملهم تصريحات السيد عبعوب وما اعتبرته بناتها اهانة لهن، وان القضية ربما ستأخذ ابعاد اخرى لو ان من يقدم  الشكوى والدعوى من داخل طهران فسيكون للامر وقعا اكبر.شكرتني الام كثيرا، واعجب الاب بالفكرة، وبدا ممتنا، رغم اني لم اقدم سوى وجهة نظر ليس دفاعا عن السيد الوسيم عبعوب، وانما خوفا على سمعة بلادي ان تتجرر في المحاكم فيكيفنا كل ما يحصل حولنا!
19 ديسمبر 2014

362
الكلام المباح (82)
أبو سكينة و معجزات هرقل!
يوسف أبو الفوز
كل عام، ومع اقتراب اعياد الميلاد والسنة الجديدة، تحرص زوجتي على أضفاء عالم بهيج من الزينة في البيت. هذا العام، لم يكن هناك اي شيء من هذا. كانت تشعر بالاسى لحال الاف العوائل من مناطق غرب الوطن وكردستان النازحين نتيجة الاحداث، والذين يعيشون ظروفا قاسية، فوجدت من الصعوبة الشعور بمباهج الفرح وغيرها يعاني من الحرمان والتشرد وعدم الامان. كان لي وجهة نظر اخرى، وانتقل سجالنا، الى بيت صديقي الصدوق أبو سكينة، ونحن نقوم بزيارتهم لنهنىء بقدوم العام الجديد. وافقني جليل الرأي: صحيح ان العام الماضي جلب العديد من المآسي والحزن، ولكن لا يمكن الوقوف بوجه مسيرة الحياة، ونكون اسرى الحزن، فكيف نستطيع بناء المستقبل ان لم نترك مكانا للفرح في حياتنا؟ ان الاعياد علامة لاستمرار الحياة.
 قلت بروح متفائلة: ان الهزائم التي لحقت بالمجرمين الارهابيين ليس قليلة، فالمئات منهم فطسوا مؤخرا على ايدي الابطال من القوات الامنية والبيشمه ركة والحشد الشعبي، وهذا باب للفرح، فلنتفاءل باقتراب نهاية هذه العصابات المجرمة، وان يكون العام الجديد فيه اشراقة لحياة افضل.
 أكد جليل: ان بغداد شهدت احتفالات باشكال مختلفة، بل وكانت هناك اشجار الميلاد في بعض الاسواق، يحلق الناس حولها فرحا يلتقطون الصور التذكارية، هذا يعكس تشبث الناس بالحياة رغم جميع المآسي.
قالت زوجتي: تتحدثون وكأني لا احب الفرح والحياة، انا فقط حاولت التعبير عن تضامني مع هذه العوائل المنكوبة وحياتهم في ظل وضع معيشي صعب، واتمنى ان العام الجديد يشهد تحسنا في اوضاعهم.
 قلت : شخصيا اتمنى في العام الجديد ان تتوسع وتتعزز القناعة عند قيادات الدولة بأن استمرار المحاصصة  الطائفية والاثنية جريمة بحق الشعب، فهي آس البلاء في كل ما يحصل .
 قالت سكينة: شخصيا لي امنيات عديدة، الى جانب الامان وما له علاقة بحياة الناس اليومية، فشخصيا اتمنى جدا ان العام الجديد يشهد حملة جادة لتنظيف بغداد من اكوام النفايات التي صارت مشكلة بيئية خطيرة وحولت العاصمة بكل بهاء تأريخها الى مكب نفايات كبير.
سعل ابو سكينة ومط رقبته، وكان طوال الوقت هو وابو جليل صامتين يتابعان احاديثنا فقال ضاحكا: هزيمة داعش ممكنة على يد القوات الامنية الباسلة، لكن نظافة بغداد، هذه معركة تحتاج لمعجزات هرقل بلحمه وشحمه. والتفت  ألي سائلا: بروح والديك هرقل كان شكله حلو؟!
وابو سكينة هنا يذكرنا بما تفيد به الاساطير اليونانية عن البطل الاسطوري هرقل، الذي توجب عليه أنجاز اثني عشر عملا مستحيلا، احدها كان عمليه تنظيف حظائر الملك أوجيوس التي كانت شديدة القذارة والاهمال ، فتمكن من ذلك وفعله في يوم واحد !


363
خفايا برامج المنوعات العربية ... "عرب آيدول" أنموذجا !



يوسف أبو الفوز
أختتمت مؤخرا الحلقات الثماني والعشرين من برنامج المنوعات الموسيقي"عرب آيدول" (Arab idol )، للموسم الثالث، الذي عرض عبر شاشة "mbc" و"مصرmbc"، واعلنت النتائج، التي أثارت حولها الكثير من اللغط بين موافق ورافض، لكن  كل الاطراف كانوا متفقين على ان البرنامج رافقه الكثير من العيوب التي يتطلب مراجعتها ومعالجتها. وبرنامج "عرب آيدول"، الذي لاقي  إقبالاً كبيراً ونسبة مشاهدة عالية، هو أساسا النسخة العربية من برنامج المسابقات الغنائي العالمي"Pop Idol"الذي أوجده الموسيقي ورجل الاعمال سيمون فيلر (هو غير المحكم سيمون كاويل) وطورته شركة فريمانتل البريطانية وقدم في اكثر من مئة بلد في انحاء العالم . سبقه برنامج "سوبر ستار" الذي تم عرضه منذ عام 2003 وانتجه وبثه تلفزيون المستقبل لخمس مواسم، ولاسباب تتعلق بأمكانيات تمويل برنامج منوعات ضخم، أعربت مجموعة "mbc" عن رغبتها في احياء البرنامج وامتلاك حقوق المسابقة، فغيرت اسم البرنامج الى "عرب آيدول"، وكان الموسم الاول من البرنامج انطلق في التاسع من ديسمبر/كانون أول 2011 ، عبر قناة "mbc". واثار اسم البرنامج بعض اللغط  بين القوى الدينية السلفية لاستخدام كلمة  "آيدول" والتي احدى معانيها  "المعبود" ، وقالوا ان المعبود هو الله وحده ، مما اضطر مجموعة "mbc" لاصدار بيان خاص اوضحت فيه أن اسم البرنامج معناه هنا "محبوب العرب" ولا يمت بأي صلة لأمور ومعتقدات دينية.
وضمن تفاصيل الواقع الثقافي المزري في الاقطار العربية، ونشاط الاسلام السياسي في مواجهة الحركات الليبرالية والمدنية التي تعاني انحسارا في نشاطها، وانتشار الفكر الظلامي والرجعي والمتطرف، وارتفاع نسبة الامية، والانخفاض الكارثي لنسب القراءة، والدور المتعاظم لفضائيات النفط في نشر الثقافة السطحية،  فأن برنامج منوعات موسيقي مثل "عرب آيدول"، يمكن القول عنه من افضل المتوفر من برامج المنوعات، رغم كل ما يحمله من ثغرات، وبعضها فضائحي. في اول ذلك يأتي حال لجنة التحكيم، والتي ضمت الفنانة الإماراتية أحلام والفنانة اللبنانية نانسي عجرم والموزع الموسيقي المصري حسن الشافعي، والفنان اللبناني وائل كفوري ،الذي شارك في الموسم الثالث، وللموسمين الماضيين سبقه الفنان اللبناني راغب علامة، والذي ترك البرنامج، وكما تردد كثيرا، أثر خلافاته مع الفنانة احلام التي طالما كانت تعليقاتها الجارحة والفظة تثير الاشكاليات والجدل بين المتسابقين والمشاهدين. لجنة التحكيم يفترض ان يكون لها دور تربوي، بحكم وجودهم الاعتباري، الى جانب الدور الفني، لكننا نجدها ــ  خاصة في الحلقات الاولى لاختيار المشتركين ــ تسخر وبشكل فج من  الشباب وتواضع مواهبهم او تصرفاتهم وسلوكهم ، ووصف الموسيقار العراقي حميد البصري ذلك في تعليق على صفحته في فيس بوك بأنه " سلوك غير لائق". وايضا الحاح بعض اعضاء لجنة التحكيم، على تسويق انفسهم، بشكل سافر، من خلال الحديث المستمر عن انفسهم ونشاطاتهم ونجوميتهم، واستعراض اكسسواراتهم وثيابهم،  واستغلال منصة البرنامج لتكرار تقديم الدعايات لشركات الطيران والمشروبات، التي يبدو انها تدفع جيدا، مما اعطى البرنامج اهدافا اخرى بعيدة عن الفن ورسالته السامية، ولا ننسى ايضا التعامل الفوقي مع الصحافة، التي تتابع وقائع البرنامج، من قبل بعض اعضاء لجنة التحكيم. كل هذا يلقي بمسؤولية كبيرة امام منتجي البرنامج، لاختيار فنانين يتميزون بحد ادنى من اللياقة والدبلوماسية في التعامل مع المشتركين والصحافة والظهور على الشاشة بشكل ينسجم وما يفترض ان يكون عليه الفنان كرسول للتعامل الحضاري.  ويمكن التوقف عند ما تسرب من معلومات عن الضغوط التي تمارسها ادارة البرنامج، في تعاملها مع المشتركين سواء في اختيار الاغاني او حتى اختيار الملابس، والاهم من كل هذا هو عقود الاحتكار بشروط جزائية صعبة، لاجل احتكارهم لسنوات طويلة، ــ  المشترك السعودي فارس المدني من الموسم الثاني في حديث تلفزيوني ــ ويكشف الطبيعة التجارية الربحية للبرنامج، ويوضح بأن المشتركين، وخصوصا الفائزين منهم، ما هم الا خيول سباق لجني الارباح، من خلال الجولات الفنية والحفلات التي تنظم لهم من بعد انتهاء البرنامج والنسبة العالية من الارباح (60% وفقا لتصريحات فارس المدني ) من اي حفلة أو نشاط . اما اختيار الفائزين ـ  مربط الفرس ـ التي تتم باجراءات خفية لا يعلم بها الا المطلعون على الغيب،  فأليتها تخضع لاغراض اصحاب البرنامج، فالممول هنا كما يبدو هو من يقرر وليس ما يقال انه تصويت المشاهدين !   
في الموسم الاول تم أختيار المشتركة المصرية كارمن سليمان لتفوز باللقب، وفي الموسم الثاني المشترك الفلسطيني محمد عساف، والموسم الثالث المشترك السوري حازم شريف. فكيف تم ذلك؟ عن أسلوب اختيار الفائزين، ووصول احد المشتركين الى المركز ألاول، قيل الكثير الذي يشكك بألية الاختيار ونزاهتها، وجرت أحاديث وانطلقت اقاويل عن ما يجري في الكواليس للدوافع الحقيقية لاختيار الفائزين. في الموسم الثالث اشتعلت التعليقات مع اقصاء المشترك عمار الكوفي من كردستان العراق، والمصري محمد رشاد ، حيث اثار خروجهما موجة من ردود فعل غاضبة، ورافضة حتى داخل البرنامج، اذ امتنعت هيئة التحكيم، التي هي جزء اساس من قوام البرنامج،عن التعليق بأي كلمة تعبيرا عن الصدمة التي شكلها ابعاد عمار الكوفي ومحمد رشاد . فهناك من اعتبر سبب خروج عمار الكوفي لكونه من القومية الكردية والبرنامج طبيعته عروبيه، وان وجود مشتركين اكراد ما هو الى جزء شكلي وديكور لاغراض تجارية ولاجل رواج البرنامج وايجاد مساحة مشاهدة اكبر، وان هناك تلاعبا في نتائج البرنامج، وهناك من ذكر اسباب اخرى .
ورغم كوني لست متخصصا بالموسيقى والغناء، ولكن كمستمع ومتابع، وجدتني، وحسب الوقائع، اتفق مع الملاحظات التي اشارت الى ان هناك تلاعبا ملحوظا في نتائج البرنامج  بشكل يخدم اغراض ممولي البرنامج . في الموسم الاول، رغم ان الكثير من التوقعات، كانت تشير الى امكانية فوز المتسابقة المغربية فاطمة بطمة بالمركز الاول، منح اللقب للمصرية كارمن سليمان، وفي الموسم الثاني، وفي المراحل قبل الاخيرة تم وبشكل مفاجيء اقصاء صوت متميز لمشترك سوري هو عبد الكريم حمدان، لينفتح الطريق سهلا امام الفائز الفلسطيني محمد عساف، حيث وقفت الى جانبه في الحلقة الاخيرة مواهب يفوقها كثيرا بقدراته. وتكرر ذات السيناريو في الموسم الثالث مع اقصاء العراقي الكردستاني عمار الكوفي والمصري محمد رشاد لينفتح الطريق بسهولة امام المشترك السوري حازم شريف. يكاد لا يختلف المختصون بالشأن الموسيقي، على موهبة وقدرات المشاركين في المراحل الاخيرة، فكل الفائزين بالمراكز الاولى هم بكل الاحوال موهوبون فنيا ولديهم قدرات جيدة ، وهذا الذي تحتمي به ادارة البرنامج كدرع لتنفيذ العابها التي كثر اللغط حولها.  كان المطلوب فوز محمد عساف لدغدغة الشارع الفلسلطيني، مما تطلب اقصاء المشترك السوري، لانه يشكل تهديدا فنيا واضحا له، وبخروجه، لا يمكن  الاعتراض على افضلية محمد عساف على الاصوات التي وصلت معه للمرحلة النهائية، وكذا الامر تكرر مع حازم شريف، أذ تم اقصاء عمار الكوفي ومحمد رشاد المنافسيين القويين، ليكون حازم شريف الافضل بين الاصوات المتبقية. والى جانب الاجندة الخاصة بالقناة المنتجة للبرنامج ، لا يمكن اقصاء الجانب السياسي الذي يلقي بضلاله على أحتساب النتائج، فلا توجد أي شفافية لاحتساب الاصوات لتتوفر الثقة بالنتائج المعلنة. في العديد من برامج اليانصيب التلفزيونية يرى المشاهد عادة السلة التي تحوي كرات الارقام، لاختيار الارقام الفائزة، والعملية تجري مباشرة امام الكاميرات وبحضور مراقبين قانونين، فيمنح ذلك الثقة بالبرنامج وبعملية اختيار الفائز، فما هي معلومات المشاهد عن أستلام الاتصالات واحتسابها في برنامج "عرب آيدول" ؟
 أن فوز السوري حازم شريف، وهو صوت متميز ومذهل، يأتي هنا برأينا،  وفي جانب منه محاكاة ساخرة لدبلوماسية هنري كيسنجر في التقرب الى الصين الشعبية في أتباع (سياسة البينغ بونغ)، التي فتحت الابواب مشرعة في العلاقات بين الولايات المتحدة الامريكية والصين الشيوعية في عام 1972. ان الاوضاع السياسية التي بثت فيها حلقات الموسم الثاني من البرنامج جرت في اجواء كان الجميع ينادي بسقوط النظام السوري ورئيسه بشار الاسد، فجاء حرمان المتسابق السوري عبد الكريم من وصوله للمراكز الثلاث الاخيرة، انعكاسا لما يجري على الشارع السياسي. الان وامام المتغيرات الحاصلة، في ذات المشهد، والاشارات عن امكانيات العودة للتفاهم والتعايش مع النظام السوري ورئيسه الاسد، من قبل الدول الداعمة لقوى المعارضة السورية، بشكل يخدم سياسة التصدي للمجاميع الارهابية العاملة تحت اسم "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا"، التي صارت وبالا يهدد الدول الغربية وحلفائها من دول الخليج وفي عقر دارها، وفق معادلة انقلاب السحر على الساحر، فأن ذلك كما يبدو دفع المشرفين على برنامج "عرب آيدول"، لتعويض ما سبق وحدث في الموسم الثاني، ولربما لاتباع سياسة (دبلوماسية "عرب آيدول")، واختيار المتسابق السوري حازم شريف ، الذي قتل والده خلال الاحداث برصاصة قناص، فهاجرت عائلته الى لبنان ، ولكن النظام السوري دفع بوسائل اعلامه وشجع فنانيه لدعمه ليبدو وكأنه مرشح النظام ، رغم امتناع  حازم شريف عند اعلان فوزه من رفع اي من الاعلام السورية، سواء علم النظام او المعارضة . 



364
الكلام المباح (81)
أكلات فضائية وما شابه!
يوسف أبو الفوز
في الايام الاخيرة، لا يمكنك ان تفتح صحيفة عراقية، إلا وتجد مقالا أو تعليقا يتناول ظاهرة "الفضائيين" في حياة العراق الجديد! وأثار أرتياح الغالبية من أبناء الشعب ما قام  به رئيس الوزراء حيدر العبادي من خطوات جريئة لمعالجة هذه الظاهرة، مصحوباً بأستياء علني وخفي من بعض الجماعات المتضررة من الفضائح المرتبطة بهذه الظاهرة، التي تعد واحدة من أبرز عناوين حالة الفساد المستشرية في بلادنا ، والتي يتفق الكثيرين على انها تهّد نفوذ الدولة وهيبتها، فلا يعقل ان دولة ما وهي تواجه عدوا شرسا، دمويا، حل بظهرانيها تحاربه وتنتصر بجيش وهمي، هوائي، لا وجود له إلا على الورق؟!.
 قال جليل : ان تصاعد الحملة ضد الفساد سيعززمن وضع الحكومة وشعبيتها، فالفضائيون موجودون في كل الميادين. وأعادت سكينة تذكرينا بما نقلته وسائل الاعلام عن كون الادعاء العام العراقي أعتبر ذلك جرائم حرب. فعاد جليل الى القول: ان معركة العراقيين ضد الفساد لا تقل أهمية وخطورة عن المعارك مع قوى الارهاب وهذا يتطلب من الدولة العراقية أعتماد آليات واجهزة يعتمد عليها، وان تكون الاجراءات الرادعة حاسمة. قالت زوجتي : هناك من طالب بان تسجل هذه الظاهرة بأسم العراق في موسوعة "غينيس". حاولت التماشي مع سخريتها، لتخفيف اجواء النقاش الجادة فقلت: لو حصل هذا فيجب ان يسجل الاكتشاف بأسم (ابو جلي). انتبه ألي الجميع، ويبدو ان جلوسي قريبا من ابي جليل، جعله يسمع ما قلت جيدا، فلم يشفع لي ضعف سمعه، فمط رقبته محتجا: شنو عمي مكتشف قبغ القوري؟ وسط ضحكات الجميع ذكرتهم كيف أحتد ابو جليل يوماً ،وقبل سنتين، في نقاشه مع صديقي الصدوق أبو سكينة وهما يتناولان موضوع الفساد المالي، وكانت  العديد من الاصوات تصاعدت تطالب بتدخل "القضاء" العراقي، فقال: البارحة أبني جليل حكى لي كل التفاصيل وفهمتها، هذا الموضوع بالذات قضية بسيطة جدا،هي مشكلة سياسية فضائية، يعني وانت العارف يمكن حلها بتصريح فضائي من (أبو فلان) وتعقيب فضائي من (أبو علان) في ساحات الفضاء العراقي وأبوكم الله يرحمه. كتّم العديد ضحكاتهم حتى لا يزعل ابو جليل، وقالت زوجتي محاولة اعادة الاجواء الجادة : ان القوى الوطنية النزيهة مطالبة القيام بحملة وطنية واسعة ضد الفساد. سعل ابو سكينة واكمل: لا عاب لسانك يا بنتي، فعلا مطلوب حملة وطنية حقيقية ضد الفساد والا راح تفّلس الدولة بسبب الفضائيين والهوائيين ، والناس يصير عليها حسرة تأكل حتى ولو أكلة فضائية، مثلا .. "مرقة هوا" !
 واذكرك ــ عزيزي القاريء ــ بهذه الطبخة العراقية التي يعرفها الفقراء جيدا، فمكوناتها فقط قطرات من الزيت مع الماء والمعجون والملح واحيانا القليل من البصل، وأسمها "مرقة هوا" لأنها خالية من اللحوم والخضروات وما شابه !

 

365
لقاء خاص مع الشاعر الكردي عبد الله به شيو :

القصيدة مثل الانسان تنمو وتتطور، لكنها خالدة لا تموت!
الشاعر عبد الله به شيو مع المحاور يوسف ابو الفوز
حاوره : يوسف أبو الفوز

الشاعر عبدالله بە شیو(بَشيو)، يعد واحدا من أشهر الشعراء الكرد المعاصرين، ومن الشعراء المعدودين الذين حافظوا على تقاليد القصيدة الكردية الكلاسيكية الحديثة، التي كتبها بيره ميرد، عبد الله كوران وجكر خوين وغيرهم، ويعد من ابرز الشعراء المطورين والمجددين للشعر الكردي انطلاقا من انفتاحه على الثقافات الاخرى، كالثقافة العربية والروسية والاوربية.  ورغم محاولته الابتعاد عن الاضواء، الا ان له حضورا قويا ومؤثرا على الساحة الثقافية في ارجاء مناطق كردستان، الموزعة بين العراق وتركيا وسوريا وايران . عرف شاعرنا بمواقفه الثابتة والثورية الى جانب نضالات شعبه الكردي وشعوب الانسانية، فلم يقف يوما عند باب حاكم، وعرف بعزوفه الدائم عن تقبل دعوة رسمية من أي جهة حاكمة تنشد وده تحسبا لأستغلال اسمه.  قصائده الغنائية الرومانسية والسياسية ــ ومنها المسجلة بصوته ــ  تنتقل كالمنشورات بين عشاقه من ابناء الشعب الكردي في كل مكان، في ارجاء كردستان وفي المنافي .
ولد شاعرنا عام 1947 في قرية " بیرکوت" في محافظة اربيل، وفيها درس الابتدائية، ثم درس الثانوية في مدينة اربيل . كتب اولى قصائده  في اوائل الستينات ونشر اولى قصائده عام 1963 في اربيل، ثم نشر اول ديوان له "عبرات و جراح " عام 1967 في كركوك، ثم اصدر ديوان "الصنم المهشم" عام 1968. كان ديوانه "يوميات شاعر ظامئ" الصادر عام1972  جريئا في أسلوبه وطريقة تناوله للقصيدة بأسلوب متميز وجريء فوجد طريقه الى قلوب عشاق الشعر وخط  له مسارا مختلفا عن مجايليه من الشعراء . فی العام نفسە شارك فی المهرجان الاول للشعر الکردی فی مدینە کرکوك بقصیدتە المعروفە "  12 درسا الی الاطفال". هذه القصیدە لم تصدر فی دیوان فی حینها، بل کانت تستنسخ بالید حتى التسعینات من القرن الماضی. فی عام 1973 غادر الى الاتحاد السوفياتي. بعد السنة التحضیریة فی مدینە "فارونیج" بدأ دراستە في معهد "موريس توريس للترجمة" فی موسکو، حيث نال شهادة الماجستير في الترجمة (أنكليزي ـــ روسي) عام 1979، وفي عام 1979 في برلين صدر ديوانه " دروس للأطفال وقصائد ممنوعة " بطبعة محدودة، وصار اساسا لطبعات لاحقة. جمع قصائده التي كتبها خلال سنوات الدراسة في ديوان " أحلم بكم كل ليلة" وصدر في بغداد 1980. ثم نال شهادة الدكتوراه في الادب الكردي عام 1983، من معهد الاستشراق التابع للاکادیمیة السوفیتیة، حیث کتب أطروحتە عن الشاعر الكردي المجدد  بيره ميرد . ثم غادر للعمل استاذا للادب المقارن في جامعة طرابلس الليبية وعاد الى موسكو عام 1991 لكنه سرعان ما انتقل وعائلته عام 1995 للاقامة في فنلندا .

هذا اللقاء الخاص، والذي أمتد عبر عدة جلسات، منذ فترة ونحن نهيأ له لكن سفر الشاعر المستمر للمساهمة بنشاطات ثقافية، كان يحول دون أتمامه،وأخيرا تم أنجازه علماً ان الشاعر عبدالله بە شیو(بَشيو) عرف بأبتعاده عن الاضواء والعزوف عن الظهور في وسائل الاعلام ، وقد خص المجلة بمجموعة من قصائده التي تنشر لأول مرة باللغة العربية ، وهي من ترجمته شخصيا ومراجعة الشعراء سعدي يوسف ومحمد عفيف الحسيني :
   أين عبد الله به شيو الان ؟
ــ أنا موجود. اقيم جغرافيا في فنلندا، وأقامتي الدائمة في القصيدة مع الهموم الذاتية والوطنية والانسانية. منشغل حاليا بأعداد الطبعة الرابعة لمجلد اعمالي الشعرية بالكردية، وأريدها ان تكون طبعة شبه اكاديمية، بمعنى ترافقها شروحات وهوامش عن الامكنة واسماء الاعلام والاشياء الاخرى، واحرص على تسجيل سیرە حیاە بعض القصائد، اين كتبت، واين القيت او نشرت لاول مرة، وكل ما يخص القصيدة . یلحق بکل مجلد معجم صغیر یضم  الكلمات الصعبة لتكون مفهومة من قبل القراء في كل اجزاء كردستان.
    وماذا عن زمن كتابة القصائد، هل أنتقيت القصائد على مراحل زمنية معنية أو ارتباطا بالتجربة الشعرية ؟
ــ انها تمتد على مساحة حياتي الشعرية، من البدايات في اعوام الستينات، وحتى الان . ولكوني اؤمن بأن القصيدة مثل الكائن الانساني، تلد ثم تنمو وتتطور،  لكنها تختلف عنه فی العمر. قد تعیش القصیدە زمنا طویلا بعد الشاعر او تسبقه فی الفناء، بل أحیانا تولد القصیدة میتە ! من عادتی ان لا أخجل من "طفولة " قصائدي. تضم المجموعات الکاملة قصائد من اواسط الستینات، يوم كنت " ألهو" بالاوزان والقوافی .
   وماذا عن الطبعات المزيفة ؟
ـ للاسف، لا توجد لدينا في الشرق قوانين لحماية الملكية الفكرية رغم كل ما يقال ويكتب عن ذلك، وقد تعرضت اعمالي المتواضعە للسطو والتحریف باستمرار وصدرت العدید من الطبعات المزيفة. هذه الطبعات اوجعتنی واساءت ألي اکثر من ای شیء اخر. قد تحدثت وكتبت عن هذا مرارا . هل هناك شی اکثر ایلاما من رؤیە فلذات اکبادك ممسوخة، فی أسمال بالیة، ملقاة علێ أرصفە الشوارع ، ولا تستطیع ان تفعل شیئا لانقاذهم؟
   وهل تجد ان الطبعات المزيفة تمت لاغراض منفعة تجارية بحتة ام أن لها اغراضا اخرى،سياسية أو فكرية، اقصد هل تعرضت قصائدك في الطبعات المزيفة للتحريف والتغيير؟
ــ  وهذا ما يغيضني قبل كل شيء.  فبعض الطبعات المزيفة، خصوصا الصادرة في ايران، كانت تلجأ للتحريف والتحوير واحیانا للتألیف بشكل متقصد، مما اضطرني لنشر العديد من التحذيرات والتنبيهات. رغم شكوكي بنزاهة الطبعات المزيفة، فقد يكون هناك بعض تجار الكتب الذين يلجأون الى  استنساخ الاعمال الشعرية وبيعها لاغراض تجارية ربحية بحتة. هذه الطبعات، حتی وان کانت غیر محرفة، الا انها في كل الاحوال طبعات غير قانونية، واغلبها للاسف  بحالة بائسة من الناحیة الفنیة، و لو كان بامكاني لجمعتها واحرقتها جميعا. الان، وبعد عودة الامور الی نصابها، اری بان عدم صدور ای دیوان من سنە ١٩٨٠ الی سنە ٢٠٠٠ عندما طبعت دیوان "غرس البروق" فی السوید لعب دورا اساسیا فی کل ذلك. لم تکن لدی الامکانیة المادیة، ولم اکن ــ وما زلت ــ أقبل اية مساعدات مادیة من اية جهة كانت . ان قدری کشاعر وانسان لعب دورا فی ذلك.
   نشر مؤخرا في الدوريات الكردية اخبار وتقارير عن زيارتك في شهر آيار الماضي الى مناطق ديار بكر. كيف رأيت اجواء الجولة واصداءها ؟
ــ كانت جولة ناجحة في بعض مدن كردستان الشمالية، حيث زرنا اولا دياربكر ثم تحركنا الى ماردين ثم مدينة باطمان و وان، وكانت الجولة في الفترة من 15 الى 22 من ايار الماضي، شهدت امسيات شعرية عديدة ولقاءات مباشرة مع الجمهور واخرى مثمرة مع  الشخصيات الثقافیة من الشعراء والادباء والفنانين وايضا الناشطين السياسين، واستثمرت الجولة كذلك للقيام بزیارە ضریح کبیر الشعراء الکرد احمد خاني فی مدینە بایزید .
   بلغنا انك خلال هذه الجولة، وفي أحد المرات رفضت الصعود للمنصة واكتفيت بالحديث والقاء قصائدك من عند مكانك ؟
ـــ (يضحك) شكرا للمتابعة لتفاصيل الرحلة. نعم،  حصل ذلك في مدينة وان، كان هناك جمهور غفير، وايضا حضور بعض مسؤولي المدينة من رجال الدولة، وكانت المنصة الكبيرة العالية، في مقدمة المسرح، تعلوها صورة اتاتورك . فعز عليّ ان أقرأ قصائدي و خلفی صورة کبیرة لاتاتورك، العدو اللدود لشعبی ووطنی. ففضلت البقاء في مكاني بین الجمهور والقاء القصائد .
   رافقك في الجولة شعراء ومثقفون كانوا جزءا من برنامج الجولة ؟
ـ في الجولة رافقني بعض الزملاء من مختلف المدن الکردستانیة، وکذلك حضرت الشاعرة والمترجمة الامريكية ماريا لابروسيه، وهي تعمل حاليا استاذة في الجامعة الامريكية في السليمانية، شاركتني أمسیتی فی دیاربکر ، والقت کلمة فی مقدمة الامسیة، ثم القت وبأداء بارع بعض قصائدی المترجمة الی الانجلیزیة. والجدیر بالذکر ان السيدة لابروسیه تعمل على ترجمة مختارات من قصائدي الى اللغة الانكليزية مباشرة عن اللغة الكردية، وأنجزت لحد الان ترجمة عدد کبیر من القصائد ، وفي النية، بعد اتمام انجاز ترجمة عدد كاف من القصائد، ان تصدر باللغة الانكليزية كمجموعة مختارة من قصائدي. واعتقد ان هذه الترجمة هي الترجمة المهنية الاولى لشعري الى اللغة الانكليزية لحد الان .
   تعد واحداً من الشعراء الكرد، الذي حضيت نصوصه بأهتمام جيد من المترجمين، فهناك ترجمات عديدة لشعرك الى لغات عدیدة وانت مقيم في فنلندا منذ عام 1995، ماذا عن ترجمة شعرك الى اللغة الفنلندية؟
ــ أنا ، ولسوء الحظ، أفهم، الی حد ما،  شؤون الترجمة، لاننی درستها أكاديميا خلال سنوات الدراسة، لذلك لیس من السهل ان أسمی کل ما "نقل" الی اللغات الاخری ترجمة. لا أطیق الترجمة الحرفية ولا التي تنجز عن طریق لغة ثالثة. الترجمة الناجحة هی ما یجعلك جزءا من المکتبة الشعریة للغة المنقول الیها الشعر. یهمنی الهیکل من القصیدة ومکانة کل سطر فی الهیکل العام، بل مکانة کل کلمة وکل صوت فی الکلمة الواحدة. هذه الاسباب چعلتنی حساسا للتراجم الموجودە "عن طریق الصدفة" حالیا. منذ سنين أُنجزت بعض الترجمات المتفرقة لبعض القصائد من شعري الى الفنلندية، نشرت فی بعض الدوریات، وقدمت في الاذاعة الفنلندية وفي بعض المهرجات الثقافية. حالیا أعمل مع الشاعر والمترجم الفنلندی ليفي ليهتو علێ ترجمە مختاراتی الی اللغە الفنلندیة .

   وماذا عن مشروع المختارات المترجمة الى اللغة العربية؟
ــ الطبعة العربیة فی غایە الاهمیە بالنسبة لی. قام العديد من الزملاء الشعراء والمترجمين بترجمة الكثير من قصائدي الى اللغة العربية منذ السبعینات من القرن الماضی. قمت في السنوات الاخيرة بجمع هذه القصائد المترجمة ومراجعتها من جديد بالتنسيق مع مترجميها، وهناك قصائد وجدت من الضروري ان تترجم من جديد، فقمت بترجمتها بنفسي (الترجمة الحرفیة) وقام بمراجعتها بعض الاخوة من الشعراء العرب والکرد، کالصدیق الشاعر سعدی یوسف و محمد عفیف الحسینی واخرين. ويمكن القول الان ان مخطوط مختارات شعرية باللغة العربية شبه جاهز لدفعه للنشر، والامر خاضع فقط للظروف الفنية المؤاتية اضافة الی القلق الفنی الذی یلازمنی فی مسألة ترجمە الشعر.
   هذا يقودنا للحديث عن علاقتك بالثقافة العربية والشعر العربي؟
ــ أن دراستي في المدرسة الابتدائية كانت باللغة العربية، وأولى محاولاتي الادبية كانت بلغة الضاد. كنت من القراء المدمنین لمجلة الأداب. كنت أحرص على قراءة سلسلة روايات الهلال وثم مجلة الاقلام والثقافە والثقافة الجديدة البغدادية وکذلك كنت متابعا لحركة الشعر العربي واصداراته، وكانت لي ولا تزال علاقات وثيقة مع كتاب وشعراء عرب وخصوصا العراقيين منهم .
   كيف ترى الشعر الكردي الان ؟ الاجيال ؟ الاسماء ؟ مستوى القصيدة ؟ هل هناك حركة تجديد ترفع لوائها اجيال جديدة من الشعراء ؟
ــ بصراحة هذا سؤال صعب ومعقد. كتابة الشعر تتطلب أولا الالمام بأدوات الشعر، واهمها اللغة.  المقاتل لا يمكنه دخول معركة بدون سلاح، ومعركة الشعر سلاحها اللغة، فأين تقف اجيالنا الجديدة من التعامل مع اللغة؟  نعم هناك اسماء مثابرة في الكتابة من الاجيال الجدیدة، خصوصا جيل الثمانيات، فهناك كتابات جيدة ومتميزة، بعضهم له معرفة باللغة والشعرية خصوصا، وملم بتقاليد الشعر وهو جيل مفعم بالعطاء ولا استطيع ذكر اسماء لاني لا اريد ان اظلم احد ما. اجيال التسعينات، هذه الاجيال التي فتحت عيونها على الفضائيات، ثم جاء الانترنيت فأبتعد الكثيرون عن الكتاب الورقي الجدّي. ان عدم قراءة الشعراء الكلاسيكين والالمام بتاريخ الشعر وضعف الحس اللغوی لدی بعضهم ينعكس على نتاجاتهم. اکثر الفضائيات والمواقع الاکترونیة والدوریات حزبیة یدیرها کوادر حزبیة همها ارضاء القیادات وعوائل القیادات. وتقدم ثقافة سحطية وبلغة مدمرة للذوق الفنی والحس اللغوی وتخلق بيئة غیر صحیة للابداع. انا لست متشائما، ادرك بان جبالنا انجبت و ستنجب ولکنی قاریء للواقع ایضا.
   انت من الشعراء الكرد الذين غنى الكثير من المطربين قصائدك، بل بعض القصائد لحنت بأكثر من لحن . هل تجد ان الموسيقى والغناء أضاف للقصائد أبعادا اخرى ؟
ـــ ان للموسيقى سحرا خاصا. وان نجاح الملحن في الاقتراب من روح القصيدة ومقاصد الشاعر سيكون له تاثير کبیر في اضافة ابعاد جديدة تلامس احاسيس المتلقي بشكل اخر يقرب القصيدة اكثر. قد تکون هناك اصوات ظلمتنی واخری نجحت في تقريب قصائدي للناس اكثر.
   اضافة لكونك كتبت القصائد الرومانسية والسياسية،نعرف انك كتبت القصائد الملحمية ؟
ـــ حين تخطر لي الفكرة، لا اتقيد لتنفيذها بحجم او شكل. لدي قصائد من ثلاثة أبيات فقط. الموضوع هو ما يفرض ذلك . حين تبدأ الكتابة لا تعرف الى اين ستقودك القصيدة مهما تكون خططت وتهيأت لها. قصيدة "اربيل فی الاول من شباط" مثلا، كيف يمكن ان تكون قصيدة قصيرة ؟ الکارثة التی حلت باربیل فی الاول من شباط 2002 فرضت هیکلا ملحمیا لتجد متسعا من المکان والزمان، کی تجد لنفسها تنفیسا و مجالا للمناورات الفنیة وایجاد مداخل الی عالم الاساطیر.
   هذا يقودنا للحديث عن اسلوبك في كتابة القصيدة . كيف تتحكم بهيكل وشكل القصيدة  حين ترى ان الموضوع يدفعك لكتابة قصيدة قصيرة او ملحمية ؟ وخصوصا وكما عرف عنك ان للشعر عندك نكهة النار والبارود والتوق الى الحرية، وايضا ثمة من يتهم بعض شعرك بأنه انفعالي خطابي ؟
ــ اولا، وهل هناك شعر خارج حدود الانفعال؟ هل من المعقول ان یطلب من الشاعر ان يكون موضوعيا وهو يرصد حرکة الزمن ویفتح صرر الذات؟ الشعر أصلا هو عصيان على قياسات وضوابط الموضوعیة، التي لا ترى ظواهر الاشياء الا من زوايا محددة، لكن للشعر زوایا وابعاد خاصة بها لرؤیة الظواهر نفسها. الضبابیة والهذیان المفتعل یغتالان اجمل ما فی الشعر الا وهو الصدق. الشعر کان و ما زال و سیظل طفولة الفنون وعفويتها و براءتها. هناك انماط من الشعر، بل اکاد اقول ان انماط الشعر توازی عدد قراء الشعر. قاریء الشعر فی نهایە المطاف هو "مستهلك" واذواق المستهلکین مختلفە. لکل قاریء شعره الجمیل.  اکتب الشعر دون ان اتهیا للکتابة او افکر کیف اکتب او انتقاء ادواتی مسبقا. العمل الدؤوب یبدأ بعد اکمال الکتابة. اکتب منذ اكثر من خمسين عاما و لاازال اعتز بطفولة وعفویة فلذات اکبادی وعدد قرائی یعرفه الجمیع رغم انی لا اتعکز علی ای حزب او دولة او دکاکین الدعایة. لیکتب الاخرون لنخبهم، اما انا فاکتب كي ابرر وجودی وادفع فواتیر حریتی. ولا يمكن للشكل ان يتغلب عندي على محتوى القصيدة. اسعى دائما ليكونا مترابطين، ويعبران عن وحدة متكاملة. احرص كثيرا ضمن العمل على شكل القصيدة ، على تجمیع القصیدة، ثم تشریحها من القصیدة الی الابیات، من الابیات الی الکلمات و من ثم الی تناغم الاصوات داخل الکلمة الواحدة.  انا ابحث دوما عن المستحيل للتوفيق بين الشكل الفني والمحتوى. لذا ترى احيانا تتأخر عندي القصيدة فترة طويلة لاني لم اجد ساعة كتابتها الكلمة المناسبة فی المکان المناسب وبالايقاع المناسب . أن فكرة جميلة لا تعني شيئا ان لم تكن في شكل جميل، بصور شعرية جدیدة.
   وهل وصلت بك "عفویتك" الی "المباشرة" کما وصل الیها فی بعض الاحیان الشاعر العربی مظفر النواب؟
ــ  صحيح جدا ، كتبت قصائد فيها بعض الشتائم، واستخدمت لغة ايحاء وصور، وكتبت هذه القصائد ارتباطا بالاوضاع التي يعاني منها شعبي، فالقضية التي اكتب عنها كانت تتطلب هذا النوع من القصائد. كانت كتابتي لهذا النوع من القصائد انطلاقا من واقع ضرورة ايصال افكاري للناس . حين كتبت ضد "اقتتال الاخوة" وتجار الموت والسلاح من السياسيين، كان في بالي ان غالبية المقاتلين الذين يموتون في ساحات القتال هم اميون او شبه امیین ، واذ اعرف ان قصائدي صارت توزع بالكاسيتات، فكان علي التوجه للفرد المغرر به لاتحدث معه بلغة شبه مفهومة للحصول علی التأثیر المطلوب. انا لا اعتقد بان الشتائم لوحدها تكفي وتستطیع ان تجمع الالاف ومن ثم الملایین من القراء والمستمعین. اذ لابد من استخدام وسائل فنیە تتیح لك ذلك. عندما كتبت قصیدة " دیوان أقتتال الاخوة"  كنت ادرك هذا، لذا حين قرأت هذه القصائد في كردستان، وسط حشود من الناس التي جاءت لتسمع، قلت بصوت  واضح : اليوم ليس يوم الشعر وانما قادم لاقول لكم موقف !
   ان هذا يعني ان قصيدة الموقف هي قصيدة سياسية ؟
ــ ان الشاعر مطالب بموقف من كل شيء، من الحياة، والجمال والحب والعدالة والحرية، وأيضا من كل القضايا السياسية  بحكم ارتباطه بهموم الناس وتطلعاتهم . لقد قلت في مناسبات عديدة ، باني لو كنت شاعرا تربى في مدينة مثل باريس او اوسلو او اية مدينة اوربية ، لكتبت ازهى قصائدي احتفاء بالحب. لا شيء اجدر بالشعر من الحب. ولعبرت عن مكامن افكاري السياسية والاجتماعية بالادوات المتاحة في تلك المجتمعات المدنية الحضارية، ولما لجأت الى اداة  الشعر، ولكن ما حيلتي وانا ابن اكثر  الشعوب مظلومية على وجه الارض؟ كيف لي ان اهرب من قدري الذي يطاردني في كل شبر من الارض؟ هكذا كتبت قصائدي ضد " اقتتال الاخوة " عام 1994 ، وانا احترق وارى ابناء شعبي يموتون في حرب القبائل، ورغم تحذيرات الاصدقاء، قرأت القصيدة في مدينة اربيل مخاطرا بحياتي وحياة عائلتي التي رافقتني الی الامسیة. لا اكتب القصائد السياسية كسياسي او بدافع اجتماعي، بل اكتب حين لا استطيع ان لا اكتب . الصفة المميزة لهذه القصائد والسبب في انتشارها هو عندما تدفع فواتير الصدق من مالك وصحتك وراحتك . انا غالبا لا اقرا لشاعر جبان یکتب عن الشجاعة، لشاعر بخیل یکتب عن السخاء ولا لشاعر مرتشی من قبل الحکام یکتب عن الفساد .
   وهل يعني ان الشاعر في وقت الازمات الوطنية يجب ان لا يتغنى بعيون محبوبته وإلا اعتبر خيانة لأمته؟
ــ لاقل اولا ، انا مؤمن جدا بحرية الانسان، والشاعر حر في أختيار اغراضه وادواته الشعرية. هناك شعر جيد مهما كان موضوعه، وشعر رديء بغض النظر عن الغرض الذي قيل فيه.  وهناك مسألة اخرى مهمة للغاية بالنسبة للشعراء الكرد، ان استخدام اللغة كأداة كتابة وكشف مكامن سحرها وجمالها وتلوينها وتحبيبها وادخالها الى القلوب هذه كلها من صلب القضية القومية. ولأن اللغة الكردية مستهدفة لانها أهم عوامل بقاء  الامة الكردية وانطلاقا من هذا فأن شعراء الغزل والتصوف أمثال ملا جزيري ونالي واسوة بالعظيمين احمدي خاني و حاجی قادر كوييي هم من اقطاب الامة الكردية .ان من يتغزل بلغة كردية سلسلة ، سليمة ، متناسقة ، متناغمة ، يقوم بواجب قومي دون ان يدري. عشرات بل ومئات الالاف من ابناء الشعب الكردي أحبوا اللغة الكردية من خلال قصائد الملا جزيري ومولوي وعبد الله كوران في الحب والطبيعة. ان التغني بالطبيعة الكردستانية من صلب القضية القومية.
   هذا يعني ان القصيدة السياسية معروفة بين اجيال عديدة من الشعراء الكرد ؟
ــ هذا صحيح، فالقصيدة السياسية ليست وليدة أحداث اليوم المعاصرة. ان القصيدة السياسية  التي ظهرت في سبعينات القرن الماضي، تختلف كثيرا عن القصيدة السياسية التي سبقتها من حيث اللغة والصور والادوات الفنية، والتعامل مع المفردة التي لم تعد مادة في قواميس اللغة وبمعانيها المدونة هناك. هناك عناصر القصيدة الوطنية الغنائية لدى عميد الشعر الكردي الملا جزيري، وبدأت تلك الغنائية الوطنية تتطور وتكتمل وتاخذ ملامح جديدة، لدى شيخ الشعراء الكرد احمد خاني، ثم خفت الصوت الى ان ظهر الشاعر القومي الحاج قادر كويي ومن ثم شعراء النصف الاول من القرن العشرين بيره ميرد، عبدالله كوران، قانع، جكر خوين، عثمان صبري، كامران، هزار،هيمن، وغيرهم . ليس من الصعب ان تقارن بين القصائد السياسية لهؤلاء الشعراء مع ما كتبه شعراء من جيل السبعينات. واعتقد جازما بان القصيدة السياسية وجدت تجديدا من حيث القيمة الفنية والادوات الجمالية لدى بيره ميرد، فهو اول من كتب القصيدة السياسية وهو يهمس ويلمح ويؤشر، وجيلي من شعراء السبعينات طوروا أدواته.
   لنختم حديثنا بما هو مفرح جدا . خبر ترشيحك لجائزة نوبل للادب لهذا العام؟ كيف ترى الامر، وما هي حظوظك في نيل الجائزة ؟
ـــ الشعر لا يكتب من أجل الجوائز. الجائزة هي من يجب ان تذهب الى الشاعر. نعم، لقد شرفني اتحاد الادباء الكرد في شمال کردستان بترشيحي، وهو عندهم  محاولة لتعريف العالم بالادب الكردي. وتم قبول الترشيح  ادرك ان عوامل سياسية كثيرة تلعب دورها في نيل هذه الجائزة . فلقد فاز شعراء متواضعون بالجائزة فقط لاسباب اخرى غير الشعر. ولم يزل شاعر عربي مجد مثل ادونيس مرشحا " قويا" من عدة دورات،  وقد يكون ارتفاع حرارة الازمة السورية، عاملا مساعدا له . لنكن واضحين، ربما بعد عشرين او ثلاثین سنة يمكن لشاعر كردي ان يكون منافسا قويا، عندما تكون معادلات العالم السياسية تغیرت، واللوبی الکردي قوي تأثيره والتراجم المهنیە للادب الکردی قد  ظهرت واصبحت جزءا من المکتبە العالمیة. قد يكون ترشیحی لە اهمیة واحدة ، وهو کونی اول کردی یتم قبول ترشیحه، رغم انی اعرف بان هناك من زملائی من الادباء الکرد من هو اجدر منی بهذا الترشیح .

مختارات من شعر عبد االله به شيو *





الشاعر عبد الله به شيو يقدم قصائده في اربيل ايار 2012
الجندي المجهول
لو زار وفد ما بلادا ،
وضعَ إكليلاً من الورد
على نصب الجندي المجهول .
فإذا زار وفد ما وطني وسألني :
ـ أين ضريح جنديكم المجهول ؟!
سأقول له :
ـ ياسيدي
على ضفة أي جدول
عتبة أي مسجد
باب أي بيت
أية كنيسة
أي كهف
على صخرة أي جبل
وعلى شجرة أي بستان
في هذا الوطن
فوق أي شبر من أرضه
وتحت أية بقعة من سمائه،
لا تخف !
طأطىء قامتك خشوعاً
وضع إكليل وردك !
15 ـ 11 ـ 1978  موسكو
أمّ
   
أنحني لـ "جميلة" ،
لـ "جان دارك"،
لـ "تريشكوفا".
لكن،
تلك التي، في وطني المترع موتاً ،
تدوس كبدها وتصبح أمّاً ،
أحني لعرشها قامتي خشوعاً
وعند قدميها
أمسح الأرضَ بجبيني .
30 ـ 8 ـ 1979  بوتسدام
* جميلة: جميلة بوحيرد، الفدائية الجزائرية.
** تريشكوفا: فالانتينا تريشكوفا، رائدة الفضاء الروسية .
عباد الشمس

وطني عش الشمس
وخميلة النور،
ورأسي زهرة عباد الشمس،
تلك التي دوما تدور .
13 ـ 4 ـ 1989، طرابلس
الشهيد 
أرقت ليلة أمس.
غادرتُ البيتَ صامتاً.
رفعتُ نحو السماء
رأسي المترع بالبروق.
رأيتُ طائر التمِّ
يحضن بيضَه،
وأسراباً عارية من النجوم حوله
تبعثرت كحبات الرمان.
عدتُ إلى البيتِ
وأعلنتُ الحِدادَ على نجوم جريحة الأجنحة،
مائلة الأعناق،
خَبَتْ وهي في ذروة تألقها.
13 ـ 7 ـ 1992، موسكو
الى هادي العلوي *
في زمن يحكمه الاقزام
من أين لك قامتك الفارعة ؟
في زمن دب فيه القحط
من أين لك هذا الموسم الاخضر؟
كيف سمعت أنين عليّ ،
وانت محاصر بجلجلة حليّ قريش
وصرير سيوفها ؟
كيف جاءتك تأوهات ماريا القبطية
ودندنة عائشة وحفصة تصم الاذان؟
                    ***
عصورنا ، جميعها،
غصون تفرعت من الجاهلية ..
كنائسنا ومساجدنا،
 مجالس شورانا، برلماناتنا،
مقرات احزابنا ودواويننا  ـ
 دكاكين في سوق عكاظ
والنوابغ هم النوابغ ،
من سلالة الخنازير
وعابدو الكروش
هنا يروحون عن عورات ملوك الغساسنة
وهناك ينبطحون ، معابرا ،
تدوسهم نعِال ملوك المناذرة !
        ***
في شرق تداس فيه الشمس
في شرق يتوضأ بالدم والبترول
في شرق " زواج التحليل " والصىْبان والأقمال
في شرق يفر منه الحياء
حتى اصبح لاجئا في السروال
انا حائر ، سيدي ،
كيف تجرأت ان توقظ قفير الصمت
وتأذن في الناس جهارا ؟
      ***
يا شرقا يحكمه الاقزام
هنيئا لك بهذه القامة الفارعة
يازمنا دب فيه القحط
هنيئا بهذا الموسم الاخضر !
2/ 12 / 1990 ،موسكو ـ ستاره مينسكايا
هاجس
أفتح الشبابيك ، أشعل شمعة.
أزين مزهرية بباقةِ ورد البراري.
أنثر أرخم القصائد حول وسادتي، كقطرات الندى،
تأخر الليل ،
وأنا على موعد مع قوام أهيف في المنام .
22 ـ 7 ـ 1992، قرية شوكينا
مقارنة
كان الليل في منتصفه
والكون في سكون.
كنت نائمة وخدك فوق ظهر يدك.
تأملت محياك،
واذا بأمواج من عبير "الشبو" تحملني
وألحان  سرمدية  تهزني.
أغلقت كتابا كنت في زنزانته،
وبدأت أطالع وجهك المقدس،
آية فآية، حتى الفجر .
13 ـ 6 ـ 1993    قرية تشيريكوفا
إن عثرتُ على تفاحة
إن عثرتُ على تفاحة،
فسأشطِّرها بالتساوي إلى نصفين:
نصف لكِ، ونصف لي.
إن عثرتُ على بسمة،
فسأشطرها بالتساوي إلى نصفين:
نصف لكِ، ونصف لي.
وإن عثرتُ على حزن،
فسأكتمه عنك،
وأستنشقه بشَرَهٍ كالنَّفَس الأخير.
31 ـ 12 ـ 1983، براغ
كنز
منذ بدء الخليقة..
يعشق الإنسانُ الجواهرَ واللآلىء،
يبحث عنها في قيعان البحار وذرى الجبال.
وأنا.. أعثر كل صباح على كنزٍ
حين أرى شعرك المحلول
يغطي نصفَ وسادتي.
10 ـ 8 ـ 1984، أوديسا
أمل
عندما ،
في الاعالي،
فوق القمم،
تعصف الزوابع والرياح حول الشجيرات .
لا تحزن،
لا تيأس،
في الاسفل،
عند الوديان،
تبزغ من تحت الارض
البراعم والعشب الريان !
25/12/1988 طرابلس


* قصائد "الجندي  المجهول" و"الى هادي العلوي" منشورة سابقة بالعربية ، وبقية القصائد تنشر لاول مرة مترجة الى اللغة العربية .


366
حين يكون المعنى كبيراً !
   
يوسف أبو الفوز
اود ان اقدم لك ـ عزيزي القاري ـ حكايتين من بلدين تبلغ المسافة بينهما على الخارطة 6487  كيلومترا، وفرق التوقيت بينهما 14 ساعة، فهما يقعان على طرفي الكرة الارضية. بلدان أعتدت مزاحا اقول انهما في الصيف يكونان مثل ثلاجة وفي الشتاء هما مجرد مجمدة عالية الجودة.  الحكايات التي اقصدها ليس لها علاقة بالبرد وبعد المسافات. الحكايات لها علاقة بشيء أسمه : المدنية والحضارة ! ربما يجدها البعض مجرد تفاصيل صغيرة ، ناعمة في هذا الكم الهائل من المفردات الحضارية التي يعيشها المواطنون في هذا البلدان . يوميا قد يواجه ويسمع المواطن هناك مثلها العشرات، لكن هذه النواعم، الكبيرة بمعناها، هي التي تجعله يشعر بان الانسان له قيمة خاصة،  وان الحياة جميلة تستحق ان نعيشها بسعادة ، وان الوطن شيء عظيم يستحق العمل لاجله، وان القانون والمؤسسات هي التي تدير حياة البلاد، وان ليس هناك شيء اسمه محاصصة طائفية او أثنية ، وإنما الحياة والمستقبل للجميع، فالجميع يفكر بحقوق الاخرين قبل ان يفكر بنفسه . من هذه النواعم نتعرف على طريقة احترام الشعوب لتقاليد مدنية وحضارية تحافظ من خلالها على اوطانها وثرواتها وتأريخها !

الحكاية الاولى من فنلندا :
كل عام، ومع اقتراب اعياد الميلاد" الكرسمس"، تقيم دائرة العلاقات العامة في وزارة الخارجية الفنلندية حفلا بالمناسبة، يحضره عادة وزير الخارجية وكبار المسؤولين في الوزارة، ويدعى اليه عموم العاملين في الوزارة، وايضا العديد من الضيوف، منهم صحفيين وكتاب وفنانين.  وعلى مدى سنوات، كان لي الشرف أن يكون اسمي ضمن قائمة المدعوين.  طقوس الحفل، تحاول ان تكون بعيدة عن اجواء العمل والالتزامات الرسمية، فيجدها زملاء العمل والاصدقاء فرصة للتواصل وتجديد علاقاتهم، فتولد صداقات جديدة، وايضا تكون  الفرصة مؤاتية للبعض لينجز موعدا مهما او يحصل على معلومة ما. ويلفت الانتباه عادة نوعية وكفاءة عمال الخدمة فتجمع كهذا لا يمكن ان تتركه الاجهزة الامنية دون متابعة دقيقة  . وبعيدا عن كل هذا ، كنت مهتما جدا ببطاقة الدعوة التي وصلتني، اذ كانت مذيلة بعبارة مكتوبة بلغة قاطعة، بعيدة عن الدبلوماسية، تنبه الى ضرورة عدم ارتداء السيدات لاحذية بكعوب عالية ! مكان الحفل، كل عام يتغير، فالجهة المسؤولة عن اقامة الحفل، تحرص على اختيار اماكن تراثية وذات قيمة ثقافية، تمنح الحفل بهاءا ورونقا اكثر. هذا العام، كان الحفل في "قصر النبلاء"، او كما يعرف بـ "غرفة النبلاء "، وهو مبنى تأريخي من الطراز القوطي، يقع في مركز العاصمة هلسنكي، تم بناءه للفترة 1857 حتى 1862، وكانت تعود ملكيته لمؤسسة النبلاء التي يعود انشاؤها الى عام 1818 حيث تم تسجيل العوائل التي حلفت بالولاء للامبراطور السويدي حينها، وحتى بعد ان صارت فنلندا تتمتع بالحكم الذاتي تحت حكم الامبراطورية الروسية ظل نشاط مؤسسة النبلاء قائما، وتحكي الوثائق التأريخية بأن هناك 357 اسرة سجلت كأسر نبيلة ، ومنها لايزال على قيد الحياة فقط 148، هذه الاسر أسماؤها مسجلة على دروعها ومعلقة على جدران  القاعة الاساسية لقصر النبلاء، الذي شهد اجتماعات تأريخية ومصيرية في حياة البلاد.
لم تكن المرة الاولى التي ازور فيها المكان، ولهذا لم اتعب كثيرا في التفكير  بالمغزى من الملاحظة على بطاقة الدعوة ، فحالما دخلت القاعة الفسيحة، ذات الارضية الفريدة والمغطاة باغلى انواع الخشب عرفت السبب . لم يشأ اصحاب الدعوة ان تخدش كعوب السيدات الباحثات عن الأناقة ارضية معلم تأريخي هو ملك للاجيال القادمة ويعتبر تأريخا وثروة للبلاد !

الحكاية الثانية من كندا :
اتابع باهتمام اعمال الفنان الامريكي إدوارد زويك (مواليد 1952)، الذي عرف باخراجه وانتاجه لافلام تدور حول القضايا الاجتماعية والعرقية، ومؤخرا تسنى لي في سهرة تلفزيونية متابعة فيلمه الدرامي "أساطير الخريف" Legends of the Fall من انتاج عام 1994 والذي رشح لاكثر من جائزة اوسكار ، ويستند سيناريو الفيلم لرواية الكاتب الامريكي جيمس هاريسون (مواليد 1937)، وتدور احداثه اوائل 1900 وخلال سنوات الحرب العالمية الاولى، في ولاية مونتانا الامريكية، تتناول مصائر ثلاثة اخوة وعلاقتهم بذات المراة وموضوع الحب والخيانة والتضحية. يشارك في تجسيد ادوار الفيلم ثلة من الممثلين من ضمنهم العبقري انتوني هوبكنز الذي قام بدور الاب ويليام لودلو، والفنان المتجدد براد بيت قام بدور الاخ الاصغر تريستن لودلو. ومثلما اعتدت بعد اعجابي بفيلم ما ، رحت اشبع هوايتي  بالبحث في صفحات مواقع الانترنيت عن معلومات حول كل ما يتعلق بالفيلم. عن اختيار القصة واعداد السيناريو وانتاج الفيلم وظروف اختيار الممثلين ومواقع التصوير وما جرى من احداث ومواقف طرائف والخ . اشياء كثيرة  عثرت عليها تحمل طابع الطرافة والمتعة . من بين كل المعلومات استوقفني موقف بلدية مدينة  وينيبيغ  التي تقع في مقاطعة مانيتوبا الكندية، والتي تتميز بمواقع طبيعية ساحرة وتعتبر براريها امتدادا لبراري الولايات المتحدة الامريكية . كان مقررا ان يتم تصوير الاحداث المهمة للفيلم في مواقع تم اختيارها من قبل فريق العمل في الفيلم في مناطق تعود لمدينة  وينيبيغ ، لكن مجلس البلدية في المدينة اعترض ورفض الاستمرار بالاتفاق، حين عرفوا ان احد المشاهد في نهاية الفيلم كانت تقضي بازالة مجموعة من الاشجار من موقع معين لخدمة مشهد في الفيلم وفكرته. مما اضطر شركة الانتاج الانتقال الى مقاطعة البرتا الكندية لتصوير الفيلم ، ورغم ان الفيلم وفر بهذا حوالي مليوني دولار، الا ان المدينة ، بطريقة تفكير المسؤولين عن القرار فيها ، ارتضت فقدان المبالغ المالية وفرصة ان تظهر معالمها في فيلم نال الكثير من الشهرة، وفقدان العديد من فرص العمل لابناء المدينة، لاجل الحفاظ على شيء بالنسبة لها أهم واغلى من كل الاموال ، هو أشجارها التي هي ملك للجميع وللاجيال القادمة !.

 



367
المنبر الحر / آآآآخ من ألخ !
« في: 10:40 07/12/2014  »
الكلام المباح (80)

آآآآخ من ألخ !

يوسف أبو الفوز

كان جليل أكثرنا حماسا ونحن نتحدث عن قرارات صدرت بتعيين الاقتصادي مظهر محمد صالح، مستشارا اقتصاديا لرئيس الوزراء، وتبرئة محافظ البنك المركزي السابق سنان الشبيبي، وأخبار عودته الى الوطن، وحول الكشف عن الغاء 50 الف جندي "فضائي". أعتبرنا ذلك علامات على كون ثمة أمور خاطئة عديدة حدثت يمكن اصلاحها أذا ما توفرت ارادة وطنية حقيقية لوضع الامور في نصابها، فمحاربة الفساد وسيادة القانون لا يمكن أن يكتب لهما النجاح ان لم تكن هناك قرارات جريئة وأجهزة قادرة على متابعة وتنفيذ ذلك.

بدأ حديثنا، ونحن نتابع تقاريرا عن أحوال العراق وامكانيات النهوض بها وتجاوز الازمات المزمنة التي اضرت بالعملية السياسية وخدمت اعداءها داخل وخارج الوطن. أعلنت اتفاقي مع الاراء الشجاعة التي تقول بأن العراق لا يمكن ان ينهض من دون تغييرات حقيقية في النهج السياسي وتغيير في نمط التفكير لقيادة البلاد وادارتها وبناء مؤسسات الدولة المدنية ومحاربة الفساد بشكل حقيقي.
سعل ابو جليل، وقال مؤكدا: الفساد ... هذا علة العلل. والدولة مثل بني آدم، يعني اذا كان عندك مريض هل يمكن ان يطيب اذا تعطيه دواء فاسد؟

فقال جليل:ان " داعش " لم تأت من فراغ، ولم تتمدد وتحقق وجودها لولا عوامل متعددة، مركبة ومتداخلة، داخلية وخارجية سببت النكسة السياسية الامنية، ونتيجة لاوضاع فاسدة افرزتها عملية المحاصصة الطائفية والاثنية، التي تهدد مستقبل البلاد. قالت سكينة: تعرفون ان المعلومات والتقاريرالتي تنشرها العديد من المراصد والأجهزة الرقابية تؤكد ان القضايا التي تتعلق بالفساد ولم تحسم بعد  تصل الى ارقام خرافية؟

ضحك صديقي الصدوق ابو سكينة، وخاطبني بوجه يحمل ملامح تآمرية وساخرة: يعني لو غضينا النظر عن الارصدة في البنوك الغربية لبعض السياسين العراقيين، والقصور والبيوت التي امتلكها بعضهم هنا وهناك، والمشاريع والعقود التي لهم حصة فيها، وعلى قول المثقفين وألخ ...ألخ، وآآآآخ من ألخ، ولو اعتبرنا ان هذه الارقام الخرافية تصل لعدة الاف فقط، وان كل قضية منها لها علاقة بساعة سويسرية ثمينة، وبلا زحمة عليكم احسبوها لنا بالدولار، المهم ...  يعني لو حُسمت راح يرجع لخزينة الدولة، مبلغ يعادل ثمن عدة الاف من الساعات !

وأبو سكينة هنا يعود بنا الى خبر عن محاكمة وتغريم وزير بولندي لأنه خلال توليه منصبه، وحسب الاصول القانونية، كان عليه تقديم بيانات الذمة المالية والكشف عن أي ممتلكات لديه تتجاوز قيمتها عشرة آلاف زلوتي (ثلاثة آلاف دولار)، فأخفى معلومات عن امتلاكه ساعة سويسرية ثمينة قدرت قيمتها بنحو ستة آلاف دولار.!

368
فنلندا ومساعدة العراق ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" !


هلسنكي ــ يوسف ابو الفوز   
في اواخر ايام شهر تشرين الثاني المنصرم، أجتمعت في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، اللجنة الوزارية الخاصة، لمتابعة الأمن والسياسة الخارجية الفنلندية، برئاسة رئيس الجمهورية ساولي نينيستو Sauli Niinistö (مواليد 1948)، لبحث دور فنلندا في الايام القادمة في مكافحة التنظيم الارهابي الذي عرف باسم "الدولة الاسلامية". بيان  زارة الخارجية الذي صدر عقب الاجتماع، بين ان طبيعة الاجتماع كانت  تشاورية، وتضمن مناقشة امكانية رفع مستوى تدريب القوات الامنية العراقية. واشار البيان ان اللجنة درست امكانية مشاركة فنلندا في عمليات التدريب.
كبرى الصحف الفنلندية، هلسنكي سانومات (أخبار هلسنكي) ، والتي تعتبر اكبر صحيفة يومية بالاشتراكات في فنلندا وبلدان الشمال الاوربي، والمعروف تأثيرها على صناع القرار السياسي الفنلندي، ظهرت صبيحة يوم الثلاثين من تشرين الثاني المنصرم بمقال افتتاحي، تعليقا على اجتماع اللجنة الوزارية الخاصة، يحمل عنوان"مساعدة العراق خطوة صحيحة". واشارت فيه، الا أنه حين بدأ التحالف الدولي تجميع القوى ضد منظمة داعش، فأن فنلندا قررت تقديم مساعدات انسانية، وان الرئيس الفنلندي وعد في خطابه في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك، بأمكانية زيادة المساعدات اذا لزم الامر. وكانت فنلندا من المساهمين في جهود الاتحاد الاوربي لارسال مساعدات انسانية الى العراق وسوريا لمساعدة المتضررين خلال الاحداث التي اعقبت نزوح الاف العوائل.
ويشير المقال الافتتاحي المذكور الى ان القصف الجوي وحده يبدو غير كافيا لهزيمة داعش والمساعدات الانسانية لا تقلل من العنف ضد المدنيين، فتشجع الصحيفة على أرسال مدربيين فنلنديين للارتفاع بقدرات القوات الامنية العراقية ، وترى ضرورة الاسراع بذلك.
علما انه في ايلول الماضي صدر بيان عن السيد جبار ياور وزير البيشمركة في حكومة إقليم كوردستان، الذي ترأس وفدا من  وزارته في زيارة قصيرة الى فنلندا والتقى فيها رئيس البرلمان الفنلندي، ووزير الداخلية ووزارة الدفاع، اعلن فيه ان فنلندا "أبدت إستعدادها لدعم قوات البيشمه ركة لمواجهة مسلحي داعش، وان المسؤولين تعهدوا بتقديم كل ما يمكنهم في حدود قدرتهم وإمكانياتهم."
يذكر ان فنلندا، البلد المرمي على حافة القطب الشمالي (5,4 مليون نسمة) شهد التحاق اعداد من المسلحين من مواطنيه ومن اصول اجنبية بصفوف ارهابي داعش. وارتباطا بحجم الجالية الاسلامية القليلة العدد ، حوالي عشرة الاف مسلم، فان التحاق خمسين مقاتلا، خصوصا من الاصول الصومالية ، مع قوات داعش في سوريا والعراق، جعل فنلندا تكون في صدارة البلدان الاوربية التي شهدت تجنيدا للمسلحين. وبمراجعة تقارير المخابرات الفنلندية التي نشرتها وسائل الاعلام الفنلندية نجد ان المعلومات تشير الى ان ست الى ثمانية اشخاص منهم قتلوا في مناطق القتال. وكانت وزيرة الداخلية الفنلندية بايفي رازانين (مواليد 1959) تحدثت لوسائل الاعلام بأن وزارتها  تبحث الاساليب لمنع هؤلاء المقاتلين من العودة الى البلاد كونهم يشكلون خطرا على سلام وأمن فنلندا، وانها طلبت من المسؤولين المعنيين النظر في تطبيق القيود على السفر والاقامة. واستشهدت بقرار مجلس الامن الدولي رقم 2178 الذي يطالب الدول الاعضاء بمعاقبة الذين يلتحقون بالجماعات الارهابية. وكانت المحاكم الفنلندية شهدت اول محاكمة في تأريخ البلاد بتهمة الارهاب التي وجهت لاربعة اشخاص في ايلول الماضي ، وقضت بادانتهم بالانتماء لمنظمة ارهابية وتمويلها انشطة أرهابية بطرق مختلفة، واصدرت عليهم احكاما بالسجن لفترات مختلفة .
 

369
الكلام المباح (79)
"التوازن" وعمود الكهرباء !
يوسف أبو الفوز
خلال زيارتي الدورية لصديقي الصدوق، أبو سكينة، كانت حزمة الصحف والمجلات التي جلبتها معي ثخينة هذه المرة. الصحافة وبنبرات مختلفة تتحدث عن ما يحيق بالوطن من مخاطر وتحديات. في مقدمتها النشاطات الارهابية للجماعة الارهابية التي تعمل تحت أسم "الدولة الاسلامية"، والاوضاع الصعبة للنازحين مع اقتراب موسم الشتاء، حيث شهد وطننا خلال الاشهر الماضية أكبر عملية نزوح في تأريخه بسبب الاعمال الارهابية.  كان ابو سكينة، يرمقني بحذر، وانا اتجادل بحماس مع جليل عن أخر التطورات في الاوضاع السياسية في بلادنا. كنت مسرورا بالانكسارات والخسائر البشرية والمادية في العديد من المواقع التي تلقاها تنظيم "الدولة الإسلامية" الارهابي، والاخبار عن تحرير بعض المناطق على ايدي قواتنا الامنية وقوات البيشمه ركه، وطرد المجرمين الارهابيين منها. وكنا نتابع بترقب الاخبار عن الاستعدادات الجارية للبدء بعمليات تطهير وتحرير كل مناطق التي اغتصبتها هذه الوحوش التي تنطق زورا بأسم الدين . ضمن حديثنا أشرت الى توجهات الحكومة العراقية، وبعض الاجراءات الايجابية التي اقدمت عليها، لاجل بناء القوات المسلحة واعادة الثقة بها، لمحاربة الفساد على صعيد الفرد والمؤسسة، التغييرات في هيكل ومنهاج وزارة الداخلية، والاتفاقات الاولية بين بغداد وحكومة اقليم كردستان حول بعض القضايا العالقة المتعلقة بالنفط والموازنة وغيرها. اسميت ذلك: "الشتلات الجديدة " في حياتنا السياسية !. قال جليل بأرتياب: وما هو موقف هذه "الشتلات" من الحقوق المشروعة للعمال الذين تظاهروا في العديد من المدن العراقية ؟ قلت بكل وضوح : ان الحكومة مطالبة بالاستجابة لمطالب العمال المشروعة لأجل أثبات ما تدعو اليه من تغيير في حياة البلاد !
ويبدو أن حرارة حديثنا أسترعى انتباه الاخرين، فأقتربت سكينة منا وقالت لي : كنت دائما تقول ان السبب الاساس لكل مشاكلنا هو المحاصصة الطائفية والاثنية، وهذه الان صار لها اسم جديد هو "التوازن" ، فهل تعتقد هناك تغيير قادم؟
سعل ابو سكينة، معلنا عن رغبته في المشاركة بالحديث. ونظر لي وهو يرمش بعيونه وقال : زين ممكن تقول لنا، شكد نسبة التفاؤل عندك، في ان تنمو هذه "الشتلات" و تثمر في اجواء لعبة الغميضة و"التوازن"، الذي يذكرني بالمثل الفرنسي عن عمود الكهرباء ؟
وكان أبو سكينة يقصد هنا ، مثلاً فرنسياً يقول : لا يمكن القفز فوق عمود النور لكن يمكن الالتفاف حوله !


 

370
منظمة ثقافية فنلندية تعرب عن تضامنها مع المثقفين العراقيين


هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
في اجتماعها الدوري الاخير، اصدرت الهيئة الادارية لمنظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين، المعروفة بأسم "كيّلا" رسالة تضامن مع المثقفين العراقيين ، اعربت فيها عن " تضامنها الكبير مع المثقفين العراقيين، الذين يبذلون قصارى جهدهم لممارسة انشطتهم الابداعية  للحفاظ على أرث الثقافة العراقية وبناء مجتمع مدني ديمقراطي، وسط اجواء العنف والجرائم الارهابية ضد كل شرائح المجتمع العراقي"، وبينت الرسالة " ونحن نقدر عاليا التحديات الهائلة، التي تواجه المثقفين العراقيين من أجل بناء السلام الاجتماعي الداخلي لخلق وحدة وطنية وإنتاج ثقافة مدنية بعيدا عن الأجندة طائفية. ونقدر صعوبة الظروف الاجتماعية والمعيشية، التي يواجهها المثقفين العراقيين ،وهم يؤدون واجباتهم في الابداع في الكتابة والرسم والابداع وغيرها " واكدت كذلك " نعلن تضامننا مع المثقفين العراقيين في سعيهم لاجل سن القوانين التي تنسجم مع مبادئ وأحكام الدستور العراقي والقوانين الدولية والأعراف المدنية من الاتفاقيات الدولية وتضمن حرية التعبير والتجمع والمظاهرات السلمية." وحيت الرسالة شهداء الثقافة العراقية، وحيت المثقفين العراقيين، داخل وخارج العراق " الذين يعملون بجد من أجل حياة أفضل، لبناء مجتمع مدني وديمقراطي، الذي يحمي الثقافة العراقية والمثقفين" .
ويذكر ان منظمة " كيّلا" تعتبر واحدة من اعرق المنظمات الثقافية الفنلندية، غير الحكومية ، وهي تجمع للكتاب والفنانين اليساريين، تأسست في عام 1936، وجاء تأسيسها بعد تحالف القيادة السياسية الفنلندية ذلك الوقت مع الحكومة الالمانية واغلاق الحدود الثقافية مع اوربا والعالم ، فأستعارت المنظمة اسمها من شقفة الخشب المثلثة الصغيرة ( في اللغة العربية الكلمة المناسبة ربما تكون جُذاذة)، التي تتواجد في كل بيت فنلندي لتحافظ على باب البيت مفتوحا دائما ، وليعمل اعضاء المنظمة، وعلى طول تأريخها، بهذا المعنى لتعزيز التبادل الثقافي مع كل بلدان اوربا ومع مختلف الثقافات الانسانية. تضم المنظمة حاليا أكثر من خمسمئة مئة عضوا من مختلف الانواع الابداعية، من كتاب نثر وشعراء وفنانين موسيقيين وتشكيليين، يشكلون عماد ثقافة البلد بنشاطاتهم وانتاجاتهم الابداعية. وسبق للمنظمة ان اعلنت عن تضامنها مع المثقفين العراقيين، عام 2004 ضد الاحتلال الامريكي وقوى والارهاب، كما وانها في ايار 2009، وبدعوة من وزارة الثقافة في اقليم كوردستان، وبدعم من الراحل الاستاذ فلك الدين كاكائي وزير ثقافة الاقليم حينها، نفذت برنامج (أيام الثقافة الفنلندية في كردستان)، حيث زار أربيل ولمدة اسبوع، وفد من المنظمة ، ضم تسعة من الفنانين والكتاب الفنلنديين ، وشهدت الايام برنامج ثقافي متنوع حوى عدة محاضرات بخصوص موضوعات ثقافية مختلفة، مها عن حرية الكلمة والعلاقة بين السينما والادب، فضلا عن عروض للسينما الفنلندية ومحاضرة عن افلام الصور المتحركة في فنلندا، وايضا افتتحت ورش تدريبية قصيرة موسيقية  وغنائية.


النص الكامل لرسالة التضامن :
رسالة تضامن مفتوحة مع المثقفين العراقيين
هلسنكي 16 /11/2014    
منظمة الكتاب والفنلنين الفنلنديين/ كيلا ( Kiila) تعلن تضامنها الكبير مع المثقفين العراقيين، الذين يبذلون قصارى جهدهم لممارسة انشطتهم الابداعية  للحفاظ على أرث الثقافة العراقية وبناء مجتمع مدني ديمقراطي، وسط اجواء العنف والجرائم الارهابية ضد كل شرائح المجتمع العراقي .
ونحن نقدر عاليا التحديات الهائلة، التي تواجه المثقفين العراقيين من أجل بناء السلام الاجتماعي الداخلي لخلق وحدة وطنية وإنتاج ثقافة مدنية بعيدا عن الأجندة طائفية.
ونقدر صعوبة الظروف الاجتماعية والمعيشية، التي يواجهها المثقفين العراقيين ،وهم يؤدون واجباتهم في الابداع في الكتابة والرسم والابداع وغيرها .
نعلن تضامننا مع المثقفين العراقيين في سعيهم لاجل سن القوانين التي تنسجم مع مبادئ وأحكام الدستور العراقي والقوانين الدولية والأعراف المدنية من الاتفاقيات الدولية وتضمن حرية التعبير والتجمع والمظاهرات السلمية .
نحيّ ذكرى الشهداء من المثقفين العراقيين .
 تحياتنا الصادقة لجميع المبدعين العراقيين أينما كانوا، داخل العراق أو خارجه، الذين يعملون بجد من أجل حياة أفضل، لبناء مجتمع مدني وديمقراطي، الذي يحمي الثقافة العراقية والمثقفين .
الهيئة الادارية
منظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين / كيلا

371
الكلام المباح (78)
مستهل !
يوسف أبو الفوز
أفرحتنا انتصارات قواتنا الأمنية والبيشمه ركه والحشد الشعبي، في مواقع معاركها ضد مجرمي ووحوش ما عرف بأسم "الدولة الاسلامية". زاد من فرحنا ان الانتصارات انعشت همم ابناء المنطقة الغربية فتزايد انضمامهم للجهد الوطني في مواجهة مرتزقة الظلام. فوجدها جليل فرصة ليقول: (هذا ليس كافيا، لابد ان يتعزز بأجراءات فعالة تعيد بناء القوات المسلحة، وتحسن أداء الجيش كقوة ضاربة. وان قوات الحشد الشعبي بحاجة لتطهير صفوفها من بعض المخربين والممارسات المخالفة للقانون ض ابناء الشعب).لم اعلق بشيء ، لاني أثرت الموضوع، حين تلوت لصديقي الصدوق، أبو سكينة، ما حملته الصحف عن التطورات الامنية في وطننا، خاصة في فترة ايام  عاشوراء.فبينما تنشغل القوات الامنية وفصائل الحشد الشعبي، في محاربة التنظيمات الارهابية على مختلف الجبهات، تبرز ظاهرة الخطف والابتزاز من قبل عصابات تعمل على استغلال الفراغ الامني في بعض المناطق والاحياء السكنية، ويستغل البعض ذكرى واقعة "الطف"واستشهاد الامام الحسين لتأجيج المشاعر الطائفية.
كان صديقي الصدوق ابو سكينة، يتمنى ان تمر ايام عاشوراء دون تحريك مطحنة التوتر الطائفي، فصاح : لا نريد مزيداً من الاحقاد المريضة على ايدي جهلة ومظللين لا يعرفون عمق رسالة الامام الحسين  ومعنى استشهاده لاجل الحق. كانت سكينة روت لنا، كيف ان زميلا في العمل، غضب وكاد يتهمها بالكفر لانها انتقدت  مظاهر المغالات في مراسيم العزاء، ودعت الى رفع راية الحسين بالمطالبة بالحقوق ورفع المظالم عن الناس بدل صرف الجهد في بدع لا تمت بصلة الى عمق رسالة الحسين الشهيد.
قال ابو سكينة:(زميلك هذا كل شيء ما يعرف، يجوز حتى ما يعرف شنو "المستهل"، يعرف بس"الجلخ").
والمستهل ـ عزيزي القاريء ـ هو الردة، التي يتلوها الناس، خلال مراسيم العزاء، ويعقبها اللطم على الصدور، اما " الجلخ " فتعبيرعن اللطم الشديد لحد احمرار الصدر ونزع الجلد.
وتعقيب ابو سكينة يعود بنا الى  ايام بعيدة، ومواكب العزاء في مدينة السماوة، حيث كانت تجتهد مواكب العزاء في منافسة بعضها في عرض مظالم الناس وهمومهم، واشهرها في تأريخ السماوة، "موكب الجمهور" الذي يسيره الشيوعيين واصدقاؤهم، ويستقطب شباب المدينة المتعلم، حيث يرددون الاشعار التي يكتبها عادة ابرز شعراء المدينة، وتحمل تطلعات الناس. من المواكب المعروفة، كان ايامها "موكب الحاج مجّلي" في الصوب الصغير، والحاج مجّلي شخصية محبة للخير والاحسان فكان موكبه يستقطب الفلاحين والكسبة من الناس. سوق السماوة المسقوف كان المكان الذي تسير وتستعرض فيه المواكب عادة، وعلى الجانبين يصطف الناس يتفرجون، جانب للنساء وجانب للرجال. ولكل دستة مستهل خاص، وهناك اماكن يجلس فيها وجهاء المدينة وبعض المسؤولين، وحين تصلها الدستات تصعد حمية الاصوات، فالمواكب شكل من التظاهرة للمطالبة بالحقوق أسوة برسالة الامام الشهيد. كان الحاج مجّلي كعادته مشغولا بضبط الدستات ومسيرها، وحين بلغت مواقع المسؤولين،عنّ له الالتحاق بأحد الدستات ليرفع صوته أمام المسؤولين، فسأل اقرب الرجال اليه عن نص المستهل، فأجابه الرجل، بما اصبح مثلا يردد بين اهل المدينة: شلك شغل بالمستهل، خذ جلخ يا مجّلي !


372
الكاتب يوسف أبو الفوز عن نشاط داعش بين الشباب في فنلندا
(اجرت الصحفية الفنلندية سونيا هوتونين لقاءا مع الكاتب العراقي يوسف ابو الفوز يوم الاحد  26 أكتوبر 2014 لصحيفة KESKI-UUSIMAA الفنلندية ، وهنا ترجمة معدة للقاريء العربي )
أجرى اللقاء : سونيا هوتونين           تصوير : أنطون سويني
ترجمة : صنوبر قادر             مراجعة وإعداد : مروان مصطفى





الكاتب العراقي ، يوسف أبو الفوز ، المقيم في مدينة كيرافا (ضواحي هلسنكي)، لا يوافق على بيان الاستخبارات الفنلندية الذي يفيد ان منظمة "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ــ داعش" ليس لها نشاط  ومجندين يعملون في فنلندا، ويتسائل ابو الفوز:
ــ اعلنت هيئة الاذاعة الفنلندية Yle ان اربعين شخصا التحقوا من فنلندا، بقوات داعش في سوريا، فمن اين أتت لهم الفكرة، ومن سهل لهم أمور السفر، ووفر بطاقات السفر والاتصالات، ان لم يكن هناك عمل منظم ؟
غادر يوسف ابو الفوز وطنه العراق عام 1979  بعد انقلاب صدام حسين، يعيش في كيرافا كل هذه الفترة، ويعمل في شؤون المهاجرين والانشطة الثقافية، وكتب وحاضر كثيرا عن تعدد الثقافات في اوربا . يتحدث لنا عن نشاط المتأسلمين، فيبدو ابو الفوز قلقا كثيرا على مصير الشباب :
ـ الشباب من اصول مهاجرة، يجدون انفسهم بين ثقافيتين . أن من ولدوا في فنلندا، هم فنلنديون، لكن لهم اصول اجنبية، والعاطلون عن العمل منهم لديهم اوقات فراغ كثيرة.
أحد القضايا التي تشغل ابو الفوز هو عدم وجود منهاج عام لدرس اللغة العربية (والدين) .
ــ لا توجد رقابة عامة لمحتوى دروس اللغة العربية والدين، ومعظم دروس الدين تضعنا في مأزق كبير، أن بعض مدرسي اللغة العربية والدين يمكن لهم بسهولة ان يوصلوا اشياء خاطئة لعقول الشباب .
ويعتقد يوسف ابو الفوز أن سلطات التعليم الفنلندية (وزارة التعليم) ينبغي أن تعالج هذا الامر في المقام الأول، وان تسعى لوضع منهاج وطني عام، وذلك من شأنه أن يجعل المعلمين غير  قادرين على تعليم ما يريدون .
- أن تدريس اللغة العربية يستغل بشكل سيئ أو في أسوأ حال يكون غسيلا للدماغ. ان الشباب يجب أن يفكروا في المستقبل،  والحال السيء أنه يتم تعليمهم التفكير في الماضي.
( القانون الفنلندي يضمن للطلاب الاجانب تعلم لغتهم الام ودينهم بساعات دراسية خاصة وغالبا ما يكون المدرسين هنا من ابناء البلد او من ذات الدين ورغم وجود خطط سنوية عامة فأن المعلم لديه حرية كبيرة للتصرف وفق ميوله الطائفية ـ ملاحظة من المعد م . م)
لا يعتقد ابو الفوز ان مقاتلين غادروا الى العراق وسوريا من منطقة أوسيما (ضواحي شرق شمال هلسنكي) المعلومات حاليا تشير الى منطقة هلسنكي وأيسبو (ضواحي غرب العاصمة).
- وسائل الإعلام الفنلندية أكدت أن المقاتلين المغادرين حوالي أربعين شخصا.
ان أجندة "الدولة الإسلامية" من وجهة نظر ابوالفوز، لا تقبل اي وجهة نظر اخرى، ويعتبرهم برابرة فهم يعرفون فقط قتل وتعذيب المدنيين :
ــ ان "الدولة الاسلامية" هي منظمة أرهابية لها أهداف وخطط سياسية، يتم تغطيتها بالخطاب الديني. الدين هنا ليس سوى وسيلة !
ويثير ابو الفوز الشكوك والاسئلة حول مستقبل  داعش :
ــ ماذا بعد، حين تنتهي الحرب في سوريا والعراق، وحين يعود المقاتلين الى فنلندا؟ ماذا سيحدث بعدها ؟


373
العراقيون يعانون أيضا من مشكلة أسمها: المقبرة الأسلامية في فنلندا !


يوسف أبو الفوز
 قد يثير الاستغراب، ان في بلد مثل فنلندا(حوالي 5.4 مليون شخص)، ولاكثر من ست سنوات،  تجد المسلمين في ضواحي العاصمة، هلسنكي، مستمرين في البحث عن قطعة ارض مناسبة لتكون لهم مقبرتهم الخاصة وقد قدموا لاجل ذلك العديد من الطلبات للجهات الرسمية، ولهذا السبب يجري دفن المسلمين في القسم الاسلامي ضمن اراضي مقابر الكنيسة اللوثرية !
 توجد هناك مقبرة للمسلمين، ولكنها خاصة للمسلمين الفنلنديين التتار، وهم اقدم اقلية مسلمة تعيش في فنلندا ودول إسكندنافيا كلها، ويبلغ عددهم في فنلندا عدة الاف ويعود تأريخ وجودهم الى نهاية القرن التاسع عشر، حين كانت فنلندا دوقية مستقلة تحت حكم القياصير الروسي، فتم جلبهم من قبل الجيش الروسي لبناء القلاع العسكرية في جزر خليج بوتاميا مقابل سواحل هلسنكي لحمايتها. وبعد استقلال البلاد ام 1917، وبالاستفادة من مبدأ حرية العقيدة ، والقوانين التي تحمي ذلك، فأن فنلندا تعتبر أول بلد اوربي أعترف رسميا بالمجمع الاسلامي الذي أسسه التتار في عام 1925 .
ومن تسعينات القرن الماضي شهدت فنلندا هجرة متزايدة من دول اسلامية عديدة فزاد عدد المسلمين في فنلندا ، ويبلغ عددهم حاليا أكثر من  ثلاثين الف مسلم، وابرز المجموعات جاءت من الصومال والعراق ودول اخرى.
المسلمون كما هو معروف لهم طقوسهم الخاصة عند الموت، فوفقا للدين الاسلامي يحرم حرق الميت لأي سبب، وينبغي دفن الميت في اقرب وقت ممكن عند الوفاة، وهذا يعني ان التخطيط للجنازة والاستعدادات تبدأ فورا لاتخاذ الترتيبات اللازمة لحضور الجنازة والدفن . والمسلمون عادة يفضلون ان يدفنوا الى جانب بعضهم  البعض خصوصا افراد العائلة الواحدة، وبسبب عدم توفر المقابر المناسبة فان الكثير من المسلمين يتم ارسال جثمانهم الى الوطن لدفنهم.
 العراقيون تمسهم هذه المشكلة أيضا،  فحسب المعلومات التي حصلنا عليها من السفارة العراقية، ان احد المساعدات التي توفرها السفارة للعراقيين المقيمين في فنلندا، والبلغ عددهم حوالي عشرة الاف عراقي، هو منحهم شهادة الوفاة الرسمية والمساعدة على نقل الميت الى العراق ليدفن هناك، وفي العام  2013  كانت هناك ثلاث وفيات وتم شحنهم الى العراق .ومع ذلك فأن العديد من العراقيين، ممن استقرت بهم الحياة في هذه البلاد يرغب بدفن موتاهم قريبا منهم ، ليمكن زيارته في المناسبات. السيدة "أم حنان"، التي طلبت منا عدم كشف هويتها لاسباب غير خافية على القاريء الفطن فاخترنا لها اسمها مستعارا ، اخبرتنا ان وفاة زوجها قبل عدة سنين، سببت لها مشكلة لم تكن تحسب لها حسابا، فهي تدرك ان ابناءها، خصوصا الذين نشأوا وتعلموا في فنلندا، صاروا ينتمون لهذا البلد بشكل ما، وهم يريدون ان يكونوا قبر والدهم قريبا منهم لزيارته في المناسبات، وبعد ان استطاعت اقناع اهل زوجها بدفنه في فنلندا وعدم شحنه الى العراق،  واجهتها مشكلة  العثور على قبر مناسب، فاضطرت لدفنه في مقبرة خارج العاصمة، في مدينة مجاورة، اضافة الى أن  تكاليف القبر وخدمات الدفن مكلفة جدا.  مصادر في المنظمات الاسلامية ، وهي عديدة هنا ، مثل السيدة بيا ياردي Pia Jardi، نائبة رئيس المجلس الاسلامي، وجهت عبر حديثها لهيئة الاذاعة الفنلندية في تموز الماضي، انتقادات للجهات الرسمية المعنية واتهمتها بالتعامل ببرود وجفاء مع هذا الامر.
 ويبدو ان انتظار المسلمين في فنلندا لبقعة مناسبة لتكون مقبرتهم الخاصة، سيطول !.
7 ايلول 2014
*  كتب المقال في بداية شهر ايلول الماضي، خصيصا للنشر  في احد الصحف العراقية وتأخر نشره كثيراااا ، فتم نشره على مواقع الانترنيت !

374
الكلام المباح (77)
حزن سنجار وبعض القطط !
يوسف أبو الفوز
مررت بوعكة صحية، لا أتمناها لمحب. وصلت أخبارها لكل الاصدقاء، وفي مقدمتهم صديقي الصدوق أبو سكينة ،الذي رغم اوضاعه الخاصة، لم يكتف بأطمئنانه على مشاكل الكلى بالهاتف، بل جاء بنفسه ومعه أبو جليل يتكئان على بعضهما البعض .
جليل، الذي جلبهما بسيارته، قال:" صديقة طبيبة اخبرتني مرة، أن حجم الالام التي يسببها خروج رمل او حصاة من الكلى، دون مساعدة طبية، تعادل آلام الولادة عند المرأة". ضحك أبو سكينة،وقال بصوته الاجش:"يعني قصدك، أن صاحبنا..." وقطع كلامه سعال مفاجيء لكننا فهمنا تلميحاته وشاركناه الضحك، على الاقل لنخرج من أجواء الحزن التي تخلفها بيننا نتائج التفجيرات المتكررة التي استهدفت المدن العراقية، وسقط جراءها شهداء وجرحى  بينهم معارف لنا. قالت سكينة : "أخبار جيدة من المنطقة الغربية، فطلعات طيران التحالف الدولي قتلت الكثير من مرتزقة داعش الذين يهرب بعضهم من مناطق القتال، ومدن كردية تصمد ببسالة أهلها". قال أبو جليل، وكان صامتا طول الوقت : "ما تقولين صحيح يا ابنتي، لكن  الذي يعذبني هو احوال النازحين، والشتاء قريب، الموضوع لا يسر. فلا هو حصاة وألمها الصعب ساعات ويزول، ولا المسؤولين يتحركون ويخففون الوجع . اوضاع النازحين حزن يفطر القلب".  كنت قرأت لهم كعادتي، بعض ما حملته الصحف من تقارير، بل وحكيت لهم عن ما كتبه احد الاخوة المناضلين على صفحات فيس بوك عن مأساة طفل، من سنجار، فقد افراد عائلته ويعيش مع أحد قريباته في ظروف صعبة. أثارت القصة السؤال عن حجم حزن أهالي سنجار؟ قال أبو سكينة:"شوف الفرق بين ما يكتبه مناضل بسبب أحساسه بالام الناس، وبين ما يكتبه عتوي مطابخ تعلم الوقوف على رجليه شلون ما تكون سقطته؟".
أبو سكينة، هنا يذكرنا بحكاية الذي أمتهن الصحافة، متلونا حسب ما تقتضي مصلحته، وبدل ان تكون مهنة خدمة الحقيقة والناس، وظفها لمسح الأكتاف حسب الحاجة. يزور الوقائع، يتعكز على نصف الحقائق فيخلطها بالاكاذيب ليكون مناضلا فذا، ويتباكى على الشهداء، لينال رضا ممن ينخدعون بأنشائه المعسول. مرة شبهنا هؤلاء بسلوك القط الذي يسقط دائما على قدميه، ويرجع الى وضعيته الاولى. ويومها أعجب أبو سكينة بما ذكرته دراسة علمية بينت أن الأطراف الخلفية للقط تعود إلى الخلف ليتمكن من السيطرة على نفسه في الهواء، تتبعها حركة مفاصل الكواحل ليسقط في النهاية على قدميه بعد أن ينفخ العمود الفقري مثل أي مظلة لتخفيف الصدمة. وقال: هؤلاء القطط من أسباب مصايبنا، لا يعرفون نبل احزان الناس، يعرفون فقط الدجل والكذب ومسح الجوخ، وبعد كل سقطة عندهم الوقاحة الكافية للوقوف وكأن شيئا لم يكن !

375
حوار مفتوح  في هلسنكي حول "داعش ما بين العراق وفنلندا"

هلسنكي ــ مروان مصطفى
في ضواحي العاصمة الفنلندية، هلسنكي، في كيرافا ، 30 كم شمال العاصمة، وفي يوم الاثنين 13 تشرين الاول، وضمن برنامجه الثابت "ندوة الاثنين"، أستضاف مركز النشاطات الثقافية للمدينة، الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز في حوار مفتوح بعنوان ( التنظيم الارهابي المسمى "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا ــ داعش " مابين بين العراق وفنلندا). رحب بجمهور الحاضرين وعرف بالضيف وقدم موجز من سيرته الشخصية ونشاطاته الروائية ريكا تاكالا ، وادار أعمال الندوة الاعلامي مارك هارت. كان الحضور متميزا بنوعيته وبحضور مسؤولين محليين من اجهزة الدولة، وممثلين محليين للاحزاب السياسية الفنلندية من اليسار واليمين، ومنظمات مجتمع مدني معنية بشؤون تعدد الثقافات والسلام، وكان للاعلام حضورا لتغطية الندوة والمساهمة في الحوار.  شملت محاور الحديث والنقاش الاوضاع الحالية في العراق وعموم منطقة الشرق الاوسط ، سياسة الولايات المتحدة والدولة الغربية في المنطق، من يقف خلف ظهور وتمويل داعش؟ هل يمكن للحرب ان تجلب السلام إلى العراق وسوريا؟ وأي وسائل يمكن ان توقف العنف في مناطق التوتر؟ كيف يمكن حماية المدنيين؟ ماذا تعلم الغرب من الأزمة في ليبيا وسوريا والعراق؟ ماذا يمكن للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفنلندا ان يفعلوا؟ ومن أهم القضايا التي نوقشت في الندوة  كانت اهداف الاعمال الاجرامية للمنظمة الارهابية التي تحمل اسم "الدولة الإسلامية "، والمجازر التي ارتكبتها بحق كل مكونات الشعب العراقي، وشعوب المنطقة، العربية والكردية، ومسؤوليات الجهات الرسمية الفنلندية، والمجتمع ومنظمات المجتمع المدني لمحاربة التطرف في الامور السياسية والدينية في المجتمع الفنلندي ونشاط الجماعات الداعمة للارهاب.
وقدم الكاتب الضيف افكاره المتعلقة بكل المحاور، وأكد ان قضية جرائم ونشاط برابرة ما عرف بأسم " الدولة الاسلامية" لم تعد قضية محلية تخص العراقيين او السوريين، انها قضية تهم كل المجتمع الدولي، حيثما توجد جماعة  متشددة تعمل تحت شعارات دينية تستهدف  الحياة الآمنة للشعوب. وتوقف الكاتب الضيف عند اهمية ان لا يكون الدعم المقدم للشعب العراقي عسكريا فقط ، وانما يجب ان يكون على عدة مستويات ، سياسية واقتصادية، ويساهم في مساعدة الشعب العراقي لبناء ديمقراطية حقيقية، في دولة مؤسسات مدنية، تفصل الدين عن الدولة، وتضمن المساواة والعدالة الاجتماعية على اساس المواطنة واحترام حقوق الانسان، ونبذ نهج تقاسم السلطة على اسس المحاصصة الطائفية والاثنية الذي سارت وفقه الحكومات العراقية ما بعد سقوط النظام الديكتاتوري الصدامي البعثي.
وحاول الكاتب يوسف أبو الفوز ان يعزز احاديثه ويقربها للجمهور بالامثلة المستقاة من الاعمال الادبية والفنية والوقائع التاريخية لفنلندا وعموم اوربا وقد راق ذلك للحاضرين وتجاوبوا معه. وطرح العديد من الحاضرين مداخلات مهمة أغنت الندوة، وبينت حسن المتابعة وروح التضامن مع معاناة  شعوب المنطقة. بعض الاسئلة والمداخلات عبرت عن المخاوف من امكانية انتقال الاعمال الارهابية لبلادهم، خصوصا حين شمل حديث الكاتب الضيف نقدا لتقصير الاجهزة الامنية الفنلندية وتهاونها مع الوقائع عن نشاط المتشددين والتكفيرين رغم التنبيهات اوالتحذيرات سواء بالكتابات اوالاحاديث الاعلامية من خلال الناشطين المدنيين او الاعلاميين والسياسيين. ونوقشت قضية الاجيال الجديدة من الشباب، المنحدرين من اصول اجنبية، وكيفية التعامل معهم وزرع روح الانتماء لديهم للمجتمع وتحصينهم ضد التبشير الديني التكفيري والمحافظ. وتوقفت الندوة عند اسئلة تناولت اسباب ظهور الطائفية في المجتمع العراقي الذي لم يعرفها سابقا ، فلعقود طويلة عرف العراق بروح التآخي والتسامح بين قومياته واديانه المتعددة . وفي ختام الندوة ، شكر الحاضرين الكاتب الضيف والتقطوا الصور التذكارية معه وتمنوا من ادارة مركز النشاطات الثقافية  تكرار مثل هذه اللقاءات .

376
الكلام المباح (76)
داعش وماعش وشرطة المرور !
يوسف أبو الفوز
وسط الاحداث العاصفة، التي يمر بها وطننا والمنطقة، وامام التحديات التي يفرضها النشاط الارهابي لمرتزقة ما عرف بأسم "الدولة الاسلامية" والجرائم المرتكبة  ضد الناس الابرياء في العراق وسوريا، قال صديقي الصدوق أبو سكينة انه لن يتبادل التهاني بمناسبة عيد الاضحى ولن يستقبل مهنئين بالعيد. الا اننا ومثلما اعتدنا وجدناها فرصة لنلتقي في بيته.
كنا وجليل بدأنا الحديث عن محاولات قوى اقليمية لاستغلال الاحداث وتشابكها للتدخل بشكل يهدد ما أنجز وناله الشعب الكردي في المنطقة من حقوق بنضالاته وتضحياته الجسيمة. ولكون زوجتي وسكينة شاهدتا نفس التقرير المصور على أحد مواقع الانترنيت عن بطولات المرأة الكردية، انغمرتا في الحديث عن بطولات المرأة الكردية في التصدي لمجرمي وبرابرة داعش، الذين يواصلون جرائمهم ضد الناس الابرياء في مناطق سوريا والعراق، مستخدمين في هجماتهم العدوانية على اهدافهم القذائف بالدبابات والمدفعية الثقيلة والهاون.
قال أبو جليل :"من اين لهؤلاء الهمج كل هذه الاسلحة والامكانيات؟" رد جليل : " يا والدي ، سبق وتحدثنا عن هذا، الى جانب الاموال والاسلحة التي تزودهم بها اطراف مستفيدة من وجودهم ونشاطهم، صاروا أغنى منظمة أرهابية في المنطقة رغم عمرهم القصير، فيوميا يقبضون ملايين الدولارات من بيع نفط المنطقة المهرب؟"
 أعتدل أبو جليل بجلسته : "أها ، هنا الرباط ... النفط ... اللي صار علينا نقمة بدل النعمة" !
سعل أبو سكينة بصوت عال، وتنحنح يجلو حنجرته، وابتسم لنا إذ لاحظ اننا كلنا التفتنا نحوه، فوجه كلامه للجميع : "صحيح جدا ، كلام أبو جليل ، النفط صار اكبر نقمة، لكن يا بعد عيوني ألم نتفق بأن داعش وماعش خلقها الذي يريد الاستفادة منها؟ الذي البارحة كان مع ماعش واليوم صار ضد داعش. آآآآخ ... أنا اللي مارد قلبي ومحيرني أن جماعة التحالف الدولي، الله يستر عليهم ، طياراتهم تزدحم بيها سماء المنطقة، وحتى يحتاج لهم شرطة مرور تدليهم على موقع الاهداف، لان كل يوم وثاني ونسمع عن قصف جوي بالخطأ وقتلى وجرحى بين العراقيين، أقول ... ليش ما يقدرون يعرفون ويشوفون منو يهرب وينقل ويبيع النفط ويقصفون عمره ؟




377
في هلسنكي اعتصام تضامني مع مدينة كوباني الباسلة

هلسنكي ــ مروان مصطفى
شارك نشطاء من منظمتي الحزب الشيوعي العراقي والشيوعي الكردستاني في فنلندا، في اعتصام تضامني مع مدينة كوباني الكردية الباسلة ، حيث نظم نشطاء من الجالية الكردية في فنلندا اعتصاما تضامنيا واحتجاجيا ضد جرائم برابرة ما يعرف عرف باسم " الدولة الاسلامية في العراق وسوريا". بدء الاعتصام اولا عند مبنى البرلمان الفنلندي، حيث تم تسليم مذكرة الى البرلمان الفنلندي، حملت مطالب المعتصمين بالعمل الجاد لوضع حد لجرائم الابادة ضد الشعب الكردي، وانقاذ مدينة كوباني الباسلة من  المصير المأساوي تحت ايدي مجرمي داعش، والعمل لايصال المساعدات الطبية والغذائية للنازحين العزل، ومكافحة منابع الارهاب الداعمة لجرائم برابرة داعش. وواصل الاعتصام وقفته في مركز المدينة عند بوابات الاسواق المركزية في منطقة كامبي، وتعالت الهتافات بمختلف اللغات وفي مخاطبة المواطنبين الفنلنديين وتحذيرهم من نشاطات داعش على الاراضي الفنلندية. وقد غطت وسائل الاعلام الفنلندية الفعالية وسجل الشباب حضورا طيبا في المساهمة في الاعتصام .

378
ما يطلبه المثقفون من وزير الثقافة الجديد !
يوسف ابو الفوز
قدم الاخ أحمد جبارغرب سؤالا لمجموعة من المثقفين، لاستطلاع نشرته صحيفة الزمان الاحد 28 ايلول ، وكان هذا جوابي الكامل :
أن وجود وزير جديد، من القومية الكردية، وكونه صحفي محسوب على  المثقفين عموما، يدفعني للتفاؤل قليلا ، فهو يفترض ان يكون وزيرا لكل العراقيين وليس وزيرا للشعب الكردي فقط، او لحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني، كما عرف عن سلوك معظم الوزراء خلال الحكومات السابقة وفق آليات المحاصصة، مما تدفع الوزراء للتحزب والتخندق الطائفي والقومي ، وان هذا الامر ربما يدفعه للاجتهاد وبذل المزيد من الجهود للنهوض بواقع الوزارة المتردي . واملي ان لا يعتبر وزارته وزارة هامشية، او غير سيادية ، فمع كل احترامي لشخصه فأن كان أهلا لمهمته وهي جسيمة، سيدرك ان ليس غير المثقف العراقي قادر على دعم الدولة لانجاز وبفعالية ومن جديد مهمة بناء العراقي الذي خربته سنوات ديكتاتورية صدام وما تبع من سنوات احتلال واحتراب طائفي، فيجب ان يعمل بروح سيادية معبرا عن كون الثقافة هي المفتاح الذهبي لابواب التطور ونهوض اي شعب. واملي ان يحارب وبنزاهة كبيرة الفساد المالي والاداري المستشري في وزارة الثقافة ومؤسساتها ، واذا كان قد صرح بأنه "لا يمكنه القيام بمعجزات "، فهو ان حارب الفساد فهذه ستكون معجزته وعصاه السحرية لينجز الكثير، وبدون ذلك ــ ومع الاحترام لشخصه ــ سيكون واحدا من قطع الدومينو التي سبقته في  لعبة السياسة . ان المثقف العراقي ليس بحاجة الى فتات الدعم المالي لاسكاته كرشوة، ان الوزارة بحاجة لانشاء مجلس للثقافة والفنون يأخذ على عاتقه تنفيذ مشاريع تكفل للمثقف احتراما وتقديرا لجهدة وابداع وشخصه. اضافة الى وضع خطط تحمي الثقافة العراقية وصروح الثقافة ، وتنشط وتشجع الفنون والاداب بكل الوانها وترصد لاجل ذلك ميزانيات انجازية وفق أليات شفافة لا يمكن سرقتها والتلاعب بها وفتح الباب للتعامل  والانفتاح على ثقافات الشعوب ، وبث روح التأخي بين مكونات الشعب العراقي من خلال النشاطات الثقافية المتنوعة المشتركة ، فالثقافة العراقية واحدة بلغات متعددة. وفي بلد مثل فلندا حيث اقيم من سنوات طويلة ، كل سنة في الاحتفال بيوم العيد الوطني للبلاد ، يستقبل رئيس الجمهورية  في القصر الرئاسي المبدعون والرياضيون واصحاب الانجازات الفكرية والعلمية والرياضية والاجتماعية وفي اخر الصف يدخل السياسيين . ان الدول المتحضرة تعرف برقيها من خلال احترامها للمثقف ، فالثقافة سلوك حياتي والمثقف جدير بخلق ذلك من خلال رعايته والاهتمام به وابداعه .


379
في هلسنكي ندوة حوارية عن الاوضاع في سوريا والعراق
الكاتب العراقي يوسف ابو الفوز :
"الدولة الاسلامية" منظمة أرهابية لها اهداف وخطط سياسية مشبوهة وتعمل تحت شعارات دينية تكفيرية، وزعت الموت والرعب على كل مكونات الشعب العراقي .


هلسنكي ــ مروان مصطفى
في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، 21 ايلول، وفي يوم السلام العالمي، الذي أعلنته الامم المتحدة منذ عام 1981، نظم أتحاد السلام الفنلندي ندوة حوار لمناقشة الأوضاع في العراق وسوريا، شارك فيها الكاتب العراقي يوسف أبو الفوز، والناشطة السورية مينا الخطيب، والناشط الكردي من ايران ولات نيهري ، والمدير التنفيذي لمنظمة اتحاد السلام السيدة  لاورا لودينيوس . كانت الاسئلة المطروحة امام الندوة: هل تحقق الحرب السلام في المنطقة ؟ وبأي اساليب يمكن ايقاف العنف هناك؟ كيف يمكن حماية المدنيين؟ ماذا تعلم الغرب من الازمات في ليبيا وسوريا والعراق؟ وما الذي يمكن للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفنلندا ان تفعله ؟
الكاتب يوسف ابو الفوز، بيّن في مداخلته الى ان فهم اي مشكلة في اي بلد تتطلب دراسة العوامل الخارجية والداخلية المتعلقة بظهور وتطور هذه المشكلة، ومحاولة البحث عن  اجابة لسؤال : من المستفيد من نتائج هذه المشكلة والظاهرة ؟ وارتباطا بالبحث عن السلام والامان في المنطقة ، ومنها العراق، اشار الى ان لا حوار مع مرتزقة وبرابرة "الدولة الاسلامية"، فهم لا يعرفون غير لغة قطع الرؤوس واستعباد الناس وابدة الاخر، وان الحشد الدولي، والدول الاوربية ، مطالبة بتقديم العون للشعب العراقي، ليس عسكريا فقط ، بل وأساسا لمساعدة هذه البلدان للنهوض لبناء ديمقراطية حقيقية وتحقيق العدالة الاجتماعية، وبناء دولة مدنية بعيدا عن المعادلات الطائفية والقومية لتحقيق الامن الاجتماعي والسياسي وتوفير الاسس لسلام دائم ، فلا سلام بدون عدالة اجتماعية . وبين ان  التنظيم الارهابي، الذي اعلن " الدولة الاسلامية" يذكره بشكل ما بفيلم " الصبي" لشارلي شابلن، حيث يكسر الصبي زجاج نوافذ االبيوت ، ثم يظهر شارلو فجأة ليقوم بأصلاحها، وقال ان مرتزقة الدولة الاسلامية يشبهون فعل هذا الصبي المشاكس، ظهروا خلال فترة قصيرة لتكون منظمتهم اغنى منظمة ارهابية عرفتها المنطقة، وتحضى بتسليح متميز وامكانيات دعائية، وتقوم بالتكسير والتخريب وثارة الفوضى في المنطقة بأنتظار ظهور المنقذ المستفيد من الاوضاع لمصالحه وخططه البعيدة الأمد !
واذ اعتبر احد المتداخلين، بأن تنظيم داعش ظهر لابادة الاكراد فقط ، بادر الكاتب يوسف ابو الفوز للاشارة الى أن ارهابيي "الدولة الاسلامية" ارتكبوا الفضائع والجرائم بحق كل ابناء الشعب العراقي، وهناك شواهد موثقة عن كل ذلك، فجرائمهم شملت السنة والمسيحيين من اهل الموصل وثم الأيزيدين الاكراد من اهل سهل نينوى، والشباب العزل من الشيعة في معسكر سبايكر ، فهذه المنظمة الارهابية لها اهداف وخطط سياسية مشبوهة وتعمل تحت شعارات دينية تكفيرية، ووزعت الموت والرعب على كل مكونات الشعب العراقي،  وبين ان حل القضية الكردية ونيل الشعب الكردي لحقوقه المشروعة سيكون احد المفاتيح الذهبية لاحلال السلام في المنطقة . الندوة ايضا شملت مداخلة للسيدة مانيا الخطيب عن الاوضاع في سوريا وتدخلات دول الجوار وانتفاضة الشعب السوري ، وظهور الجماعات التكفيرية التي اجهضت حراك الشعب السوري، ووضعتهم في حال لاختيار أهون الشرين . ومداخلة للسيد ولات نيهري الذي قدم عرضا تأريخيا للمشكلة الكردية في المنطقة . واتفق المتداخلين في الندوة على  أن الدعم الدولي العاجل يجب ان يتواصل لمساعدة النازحين عن بيوتهم  في المنطقة ، وان انواع الدعم يجب ان يتنوع وعلى مختلف المستويات . هذا وغطت القناة الثالثة في التلفزيون الفنلندي في نشرتها ، وهي الاساسية ، في الساعة العاشرة مساءا، مجريات الندوة كأحدى الفعاليات التي نظمت في يوم السلام العالمي ، ويذكر ان العاصمة هلسنكي شهدت العديد من الفعاليات بهذه المناسبة .


380
المنبر الحر / الحلاقة والأرهاب!
« في: 23:00 20/09/2014  »
الكلام المباح (75)
الحلاقة والأرهاب!
يوسف أبو الفوز
كنت وجليل نخوض نقاشا، تواصل بيننا لاكثر من لقاء. كان جليل قد ذكر بأن المجرم الهارب عزت الدوري تباهى عدة مرات بكون تعداد اعضاء حزب البعث العفلقي بلغ سبعة عشر مليونا، ولكن مصادر مراقبة ومطلعة قدرت عددهم باحدى عشر مليونا. فقد كان لحزب البعث قبل الاحتلال الامريكي وسقوط نظام صدام الديكتاتوري، أثنين وعشرين فرعا حزبيا تغطي كل محافظات العراق، وبغداد وحدها كانت تضم ثلاثة فروع. كنا نحاول في حديثنا ان لا نخلط الثمار بالسلة، نحاول ان نفصل بين من اضطر للانضمام شكلياً لحزب البعث حفاظا على حياته وسلامة عائلته، وبين المجرمين والمسعورين الناشطين في الاجهزة الامنية والمخابراتية ومنظمات الطلبة والنساء والشباب وغيرها. وهذه كلها كانت تقوم بمهام أمنية تحكم أنفاس المواطن العراقي وتنغص عليه حياته. كان التساؤل الذي تكرر في حديثنا، ورددته معنا زوجتي وسكينة : "أين ذهب كل هؤلاء؟". كنا قد توصلنا الى أن أعدادا ليست قليلة من البعثيين، خصوصا من المعروفين والمتورطين في قمع ابناء شعبنا العراقي، تركوا العراق ، وصار كثير منهم "لاجئين سياسيين" في دول الجوار والدول الاوربية ، ورفعوا رايات المعارضة للعملية السياسية في العراق. واتفقنا بأن البعثيين عموما لم يتبخروا من ارض العراق. نعم نزعت اعداد غير قليلة منهم الزيتوني ببراعة وأرتدوا اللباس المناسب والملائم وتسربوا الى مختلف الاحزاب والجمعيات العراقية ، وتحايلت بالف حجة وستار على قوانين الاجتثاث والمحاسبة. وعاد بعضهم للواجهة بغطاء قانوني بحراسة آليات نظام المحاصصة الطائفية والاثنية.  ومع تعدد الاستعصاءات في العملية السياسية، التي لم تنجح في تحقيق الأمن والمصالحة ولا تنفيذ الوعود للشعب بتوفير الخدمات الضرورية، وتراكم الاحتجاجات باشكالها المختلفة، تصاعد دور البعثيين من جديد، خصوصا في المناطق الغربية من البلاد، وصاروا يلعبون على المكشوف واعادوا تنظيم انفسهم لكسب التأييد وتطوير نشاطهم .
كان صديقي الصدوق، أبو سكينة، غير بعيد عنا، يستمع لحديثنا، وأسئلتنا المتقاطعة، وحين تحدثنا عن المعالجات التي يفترض بالحكومة العراقية أتباعها للحد من نشاط البعثيين ودعمهم لقوى الارهاب ومرتزقة "الدولة الاسلامية"، وما ان تكرر السؤال: أين ذهب البعثيين؟ ضحك ابو سكينة، مد رقبته، ثنى ساقه،واستند الى الحائط القريب، وضحك بخفوت وكأنه يسخر منا : "اسئلتكم ما ينراد لها نقاش طويل وحسبة طويلة، تريدون تعرفون وين صاروا اللي دمروا العراق وكانوا اسباب الخراب اللي نعيشه الان ؟ هم بكل بساطة أطلقوا لحاهم وقصروا ثيابهم، وصاروا يتحدثون بأسم الدين ويحللون ويحرمون على كيفهم ! واذا الحكومة الجديدة تريد تحارب الارهاب والدواعش، ما عليها الا ان تحلق للبعثيين لحاهم، وتبذل جهدا لفصل المجرمين عن المغرر بهم، وهؤلاء توظفهم وتسكنهم وتحل بقية مشاكلهم، وتخليهم يعيشون حسب القانون وروح المواطنة !"


381
العراق حاضرا في أمسية ثقافية مع الكاتب يوسف ابو الفوز في فنلندا
ادانة وفضح جرائم الدولة الاسلامية في العراق
مروان مصطفى
في مساء يوم 9 أيلول الممطر، في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، وفي المركز الثقافي الشرقي للعاصمة ، في منطقة أيتا كيسكوس (Itäkeskus , Cultural Centre Stoa) ، وبالتنسيق بين عدة منظمات ثقافية اوربية، وضمن مشروع ثقافي لاجل تبادل المعرفة والحوار بين مختلف الثقافات وحتى لا تعيش الجاليات في غيتوات غير مرئية، أقيمت امسية ثقافية متعددة اللغات، ساهم فيها مبدعون من مختلف البلدان، ومن المقيمين في فنلندا، حيث قدموا نصوصهم بلغاتهم الام مع قراءة الترجمة الى اللغة الفنلندية.
ساهم فيها من العراق، الكاتب يوسف ابو الفوز، حيث قدم قراءات باللغة العربية من مجموعته القصصية "طائر الدهشة " الصادرة عن دار المدى عام 1999 ، وباللغة الفنلندية عام 2000 عن دار Like  من ترجمة ماركو يونتنين، والتي تحكي عن هموم الهجرة والمنفى العراقي .
وقدم الكاتب وقرأ النصوص باللغة الفنلندية الفنانة "أوتي كورهنينين"، وثم قامت بمحاورة الكاتب بشكل مباشر، حيث سألته عن بداياته واول قصة كتبها، وعن اسباب مغادرته العراق، والاوضاع الثقافية والاجتماعية في زمن نظام صدام حسين الديكتاتوري، ومشوار رحلته الى فنلندا. وقدم ابو الفوز الاجوبة المناسبة، وفي سؤال عن اخر اعماله الابداعية تحدث عن روايته  "كوابيس هلسنكي" الصادرة خريف 2011 عن دار المدى، واشار الى ان الرواية تناولت موضوع نشاط الجماعات التكفيرية في اوربا ودعمها للارهاب في العراق، وبين ان الاعمال الادبية يمكنها استشراف المستقبل ، فروايته التي انهى كتابتها عام 2008 ، سلطت الضوء على نشاط الجماعات التي تتستر بالدين والتي تهدد الديمقراطية في البلدان الاوربية ، والتي تدعم الارهاب في العراق، وان ما يجري الان على ارض الواقع، كانت الرواية حذرت منه قبل وقوعه. وادان الكاتب جرائم "الدولة الاسلامية"   في الجزء الغربي من بلاده حيث تذبح والاطفال وتستبيح النساء وتضطهد كل مكونات الشعب العراقي بأسم الدين بكل وحشية ، وادان نشاطات بعض المنظمات في فنلندا واوربا التي تجمع التبرعات تحت حجج يتامى الاطفال والارامل وترسل المقاتلين الى العراق وسوريا، وبين ان ذلك يشكل خطرا على التجربة الديمقراطية للبلدان الاوربية وناشد الحضور بالتضامن مع الشعب العراقي في محنته . وجرى حوار مفتوح مع جمهور الحاضرين، الذي تميز بحضور بارز لمثقفين فنلنديين، وتناولت الاسئلة تجربة الكاتب في المنفى، والاوضاع الثقافية في العراق تحت ظل الاوضاع الحالية ومشاريع الكاتب القادمة.
 



382
الكلام المباح (74)
آمرلي ومالك الحزين!

يوسف أبو الفوز
كان جليل مصيبا، وهو يصب لعناته على من أسماهم تجار السياسة الطائفيين:"يدينون الطائفية قولا، وأفعالهم تصب البانزين في مجمرة الطائفية". وكنا نتابع حلقة نقاش تلفزيونية، امتلأت بالزعيق والصرخ والتنابز بين المتحدثين، وفاحت منها روائح الطائفية بشكل مقزز، رغم ان المتحدثين يغلفون كلامهم بالخوف على الوطن ومصلحة المواطن. صاح جليل:"هؤلاء أخطر من الدواعش، فهم بيننا، أنيقون وناعمون مثل أفعى وللاسف ان وسائل الاعلام تمنحهم الفرصة لبث سمومهم في عقول الناس". كان  صديقي الصدوق، أبو سكينة، يستمع لنا بأهتمام والحزن يغلف ملامح وجهه. في الايام الاخيرة، صار أبو سكينة محبا للصمت. يلفه الحزن وهو يتابع تفاصيل الاخبار عن جرائم وحوش "الدولة الاسلامية" بحق كل أبناء الاقليات في العراق، والرافضين لسلطتهم في المناطق الغربية من بلادنا، وأثار سخطه كثيرا الاعتداء على اعراض النساء المسيحيات والإيزيديات، وبيع بعضهن كسبايا بحفنة من الدولارات !
وجاءت وفاة "أبو سعاد"، أحد المقربين لأبي سكينة، اذ كان أبنا لرفيق طفولته وصباه، فأضافت له حزنا اخر. حكى لنا أبو سكينة عن الفقيد. كيف أنه ظل طول حياته أنسانا نظيفا، مسالما، متسامحا حتى مع الذين أذوه بتقاريرهم لسلطات البعث المقبورعن علاقته بأخوته الشيوعيين الذين اضطروا لمغادرة البلاد. حكى لنا كيف أن أحد ضباط الامن البعثيين، وكان جديدا في وظيفته، أستدعى ابو سعاد، وظل يبحث بين الملفات، فقال له ابو سعاد بهدوء:"اذا تبحث عن ملفي الخاص فذاك هو الأزرق الثخين!"، لم يستطع ضابط الامن الا ان يضحك.
وكنا في مجلس العزاء، وسط الحزن والدموع، حين وصلتنا أول الاخبار المفرحة من آمرلي، التي حوصرت لاكثر من شهرين، وتابع العالم، صمود أهلها الأبطال، رغم قلة الامدادات والامكانيات، وكيف لقنوا مرتزقة "الدولة الاسلامية" درسا لا ينسى في حق العراقيين بحياة بدون قيود التخلف والظلام، وفتحوا بابا للامل بأن لابد من ان تنصر ارادة الناس وان مستقبل العراق بين يدي أبناءه. كانت أخبار التطورات تنتقل طازجة عبر الهواتف من كل مكان، عن نجاح القوات المسلحة العراقية الاتحادية بالتعاون مع قوات البيشمه ركه والحشد الشعبي من فك الحصار، ودخولها المدينة وان المعارك مستمرة من اجل مطاردة فلول مجرمي داعش واخواتها.
تصاعدت اجواء الانشراح في المكان. بدا الامر غريبا، اذ تبادل الناس القبلات والتهاني في مجلس تعزية. وسالت دموع البعض، لا تعرف من الفرح أم الحزن. أبتسم ابو سكينة، وهو يمسح دمعة سالت رغما عنه وقال بصوت متهدج :"هذا هو العراق يا بعد شيبي،  ذولة هم العراقيين. بس الأمور تمشي شوية صح، بس يتعاونون، تكون افعالهم مغيضة للعدو، مثل الضوه يشق الظلام ولا يخاف من الخفافيش، مثل طائر مالك الحزين العجيب الذي يغني أجمل الحانه وهو ينزف".


383
المنبر الحر / شيء عن الحياة !
« في: 10:30 24/08/2014  »
الكلام المباح (73)
شيء عن الحياة !
يوسف أبو الفوز
كنت وجليل نتبادل أطراف الحديث عن ما جرى ويجري في بلدة آمرلي الصغيرة، وما تعرض له أخواننا التركمان على أيدي المجرمين الدواعش، وكيف أن الارهابيين ومن يدعمهم، لن يرحموا أيا من العراقيين، فمن بعد مآسي المسيحين والإيزيدين جاء دور التركمان، لينالوا حصتهم من الظلم والارهاب على أيدي المنادين بأسم الله زورا. وأنتقلنا في حديثنا الى الدور المشهود للكثير من المثقفين الغيارى، في توعية وتحشيد الناس ضد  الهجمة الارهابية الغادرة، التي تستهدف كل العراقيين ومستقبل البلاد. كنت سبق وتحدثت أيضا عن نوع أخر من المثقفين، ارتفع عندهم للأسف حسهم الطائفي والقومي، ونسوا كل ما كانوا ينادون به من روح التسامح والتآخي، فصاروا لا يرون من الاخر سوى طائفته وقوميته. قال جليل :"هؤلاء زبد يزول، لا يعبرون عن روح وجوهر الثقافة العراقية، المشكلة الحقيقية مع نوع صلف من الانتهازيين". وأندفع جليل يتحدث بحرقة : "هؤلاء لا يخجلول من سلوكهم، رغم أن روائح مواقفهم تزكم الانوف. بعضهم ردح وغنى للديكتاتورية والمجرم صدام حسين وكتب المعلقات الفارغة، وكفروا بالشعب لاجل فتات حزب البعث، وما أن سقط الصنم حتى نزعوا الزيتوني بسهولة فائقة، وأرتدوا اثواب الوطنية من كل لون واندسوا هنا وهناك. يردحون لكل مانح ويظنون ذاكرة الناس تموت بسرعة، وان كلاما معسولا ينثرون عليه بهارات الوطنية يمكن ان يخدع الناس ويعمي بصيرتهم". لاحظت ان أبو جليل زحف بهدوء، ليكون قريبا منا، ليسمع جيدا، وسرعان ما قال : "لا تستغربوا أمثال هؤلاء، تعرفون مايقال عن ذيل الكلب، اربعين يوما وضعوه بقصبة وما أستعدل. بهذا الزمان، أكو ناس بعد اربعين سنة ويرجعون ما يعرفون غير مسح الكتف والتذلل لكل من عنده نفوذ ويدفع بالاخضر".
ضحك صديقي الصدوق أبو سكينة، وقال لابي جليل: "سوالفك قديمة يا ابو جليل، قصبة وذيل كلب، أكو ناس تستهين بأي مباديء ولا تعرف معنى العفة في الموقف". والتفت لي: "بروح موتاك ما تتذكر لنا سالفة ترهم عن هؤلاء اللي يلطمون بكل عزاء ... مثلا سالفة الطالبة الروسية اللي ...؟"
وهذه حكاية سبق وان رويتها مرارا لأبي سكينة وتندرنا بها، وحدثت في السنوات الاولى بعد أنهيار الاتحاد السوفياتي، مع أنتشار النمط الامريكي من الحياة وظهور فنادق تعمل بالطرق والمفاهيم الاستهلاكية في روسيا، واثارت الكثير من التعليقات،عن طالبة روسية أمتنهت الدعارة في احد هذه الفنادق، وتحدثت للصحافة بأنها اوقفت دراستها لسنتين، حيث ... "خلال سنتين سأجمع مبلغا طيبا يساعدني على أكمال دراستي وثم يمكن العيش حياة شريفة "!


384
مسيحييون وأيزيديون ... نحن عبادك يا الله !!
يوسف أبو الفوز
نحن أبناءك يالله . نحن عبادك يا الله . مسيحيون وأيزيدون ومعنا أخوتنا من أديان اخرى . عشنا آلاف السنين على ارض الرافدين . أرضك التي باركتها  لأنها ارض الأنبياء . ورغم كل ما تعرضنا له على مر التأريخ من أضطهاد ومجازر بفعل فتاوى التكفير والخروج عن الدين، أحبننا هذا الوطن. أحببنا هذه الأرض وناسها وتمسكنا بها. ذقنا حلو الحياة ومرها وصبرنا . قدمنا الشهداء لأجل حريتها وسعادة سكانها. عرف أبنائنا سجون الطغاة وذلهم وعذابهم، وأعتلوا المشانق دون وجل، وساهموا في فصائل المقاومة وسكنوا الجبال وتحملوا ظروفا قاسية لاجل مستقبل أفضل لكل الناس. وفتحت عوائلنا بيوتها لكل المناضلين ضد الطغاة، اقتسمنا معهم كسرة الخبز والتحفنا معهم الارض ووسائدنا الحجر.  تعلقنا بهذه الارض، حرثناها وزرعناها وعمرناها ورويناها بعرقنا، وساهمنا بنهضتها وتطورها. غنينا لها، وكتبنا لها الحكايات، ودخل منا شخوص في أساطيرها كجزء من التأريخ .
 لِمَ تركتنا يالله حيناً لكواتم المليشيات وتهديداتهم، وبعدها لسيوف الدواعش المثلومة وهمجيتهم المفرطة ؟ لِمَ  تركتهم ينهبون اموالنا وبيوتنا، ويستبيحون أعراضنا ويسبون نسائنا بأسمك؟
 المسيحيون ثاني أكبر دياناتك في العراق. الأيزيدية من عبادك المخلصين، فأنت ربنا (لا تجري ماهيته في مقال، ولا تخطر كيفيته ببال، جل عن الأمثال والاشكال، صفاته قديمة كذاته، ليس كمثله شيء) . معترف بنا في دستور العراق الديمقراطي الفيدرالي، ومجلس النواب العراقي في آب 2012 أقر بتأسيس ديوان "اوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية" !
عبدناك بطرقنا وطقوسنا الخاصة التي حفظت جلالك ومهابتك. كنا ندعوا بالخير والسلام للبشرية جمعاء عامة، ومن ثم لأنفسنا. بشرنا ودعونا للسلام والتسامج بين الناس و"مَنْ لطمك على خدّك الأيمن فحوِّل لهُ الآخر أيضًا". أعرضنا عن الشر ومواجهته بالشر. رفعنا أسمك في مجالسنا وبيوتنا ودور عبادتك . نصوم  لاكثر من مرة في السنة ، ونطلب مغفرتك عن ذنوب ما.
فكيف تسلط علينا من يدعون بأسمك زورا ؟
 كيف تجعل ـ يا لله ـ بعض من عبادك من حولنا يغمضون أعينهم عن موت اطفالنا وعرض نساءنا للسبي والمهانة، وذبح رجالنا ؟ نموت على أيدي وحوش همج، فاحشون وداعرون، ضلاميون، لفظتهم بلدانهم ، يرفعون رايات بأسمك، أنت تدري من يمولهم ومن دربهم ومن يصدر الأوامر لهم بالهجوم والانسحاب. اجتاحوا أرض الموصل الحدباء، ودمروا دور عبادتك، واجتاحوا مناطق شنكال (سنجار) وقتلوا الاطفال وسبوا واستعبدوا النساء وقتلوا دون رحمة الرجال العزل.  عصابات معادية لجميع القوميات والأديان وللحياة تهتف وتكبر بأسمك زورا .
نحن ابناءك يالله . نحن عبادك يا الله . مسيحيون وأيزيدون فألتفت لنا . ألم يقولوا " الاستعانة بغير الله مذلة"، فلا تذلنا أكثر، نحن نستعين بك اذ  أغمض البعض اعينهم وسدوا اذانهم عن مأساتنا. هاهي "انفال" جديدة يجري تنفيذها تحت اسمك.  لا نريد طيورا أبابيل ، نريد في ظل هذه المحنة والمأسأة أن تهدي قلوب قادة القوى والأحزاب والكتل والمنظمات السياسية والاجتماعية في بلادنا ، وبشكل خاص القوى المتنفذة في السلطة على صعيد الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان والسلطات المحلية في المحافظات، لتوحيد مواقفها وجهودها في مواجهة قوى الارهاب وكل أعمالها المعادية للحياة والانسان لاجل استعادة المناطق المستباحة من قبل فلول داعش ومن يدعمها والقضاء عليهم، ونحن نعرف ان هذا لن يتم  دون أن تتضافر جهود الجميع، فأنفخ في قلوبهم ـ يا الله ـ حتى يسرعوا في تجاوز اي خلافات جديدة او قديمة، ويحققوا تعاونا وتنسيقا على الاصعدة السياسية والعسكرية لمواجهة الاخطار المحدقة بوطننا الذي كان أجمل وطن ، ليعود السلام وتعود لنا كرامتنا .
أننا نسألك أن تلتفت لنا، نحن ابناءك يالله . نحن عبادك يا الله . مسيحيون وأيزيدون !
 سماوة القطب ــ 17 أب 2014


385
الكلام المباح (72)

ما بين الموصل وغزة  !
يوسف أبو الفوز

الاخبارمن حولنا لا تسر أحداً، سوى أعداء شعبنا، الذي كثرت معاناته بين كماشة كواليس سياسات المحاصصة وما يجري من نتائج الهجمة الإرهابية للعصابات الاجرامية، خصوصا في المناطق الغربية من اراضي الوطن على يد المغول الجدد، الدواعش، اصحاب أخس ما عرفت المنطقة من سلوك دموي وفاحش. فهم يستبيحون كل شيء بأسم الدين. حياة الناس وآمنهم وأعراضهم، وينتهكون الحرمات ويصدرون فتاوى يعارضون فيها أبسط متطلبات حقوق الانسان وما نادت به الاديان السماوية. وحيث يتواصل مسلسل تهديم وتخريب الاثار العراقية وقبور الاولياء الصالحين واماكن العبادة للمسيحين وللايزيديين. ومن بعد تعرض مسيحيو المنطقة لعمليات التطهير، واجه ابناء شعبنا من الشبك والايزيدية حملات "أنفال" جديدة. ولا ينافس الدواعش في سلوكهم الدموي الهمجي سوى السلطات الصهيونية في اسرائيل، فهم يذبحون أبناء الشعب الفلسطيني ويمارسون سياسة العقاب الجماعي ضد شعب اعزل، فيبيدون بآلة دولتهم الحربية عوائل بكاملها، وكل يوم يسقط شهداء وجرحى غالبيتهم من صغار السن والنساء في مسلسل العدوان والحصار ضد غزة الباسلة دون الاستماع لاصوات الاحتجاج المتصاعدة في كل مكان، حتى من بين حلفائهم الغربيين.ان الموت الهمجي على يد قوى الارهاب له نتيجة واحدة وان تعددت وسائله.
في زيارتنا لبيت صديقي الصدوق، أبو سكينة، تواصل حواري مع جليل، حول جرائم  عصابات داعش ونشاطها الاعلامي فيما العملية السياسة في العراق تتخبط في أروقة المزايدات والصفقات، والخلافات بين القوى المتنفذة والمشاركة في السلطة.
 قالت زوجة جليل: ان عصابات داعش في استباحتها للمدن العراقية تحرص على تحطيم روؤس التماثيل، وتحز بوحشية رؤوس الضحايا، انهم يستهدفون الرأس، مكان العقل !
وساندها جليل فورا: وكم من "دابق" تنتشر هنا وهناك، تتستر بأردية الوطنية، تزعق بروح طائفية، تبرر العنف والقتل على الهوية؟  وفيهم ممن يتباكى على " ثوار" أنكشفت أوراقهم بتحالفهم مع " دولة الخلافة"!.
وجه أبو سكينة حديثه لي : لقد قرأت لنا قبل ايام مقتطفات من خطاب الخليفة الداعشي أبو الرولكس،  أذكرأنه قال  " ليعلم العالم اننا نعيش اليوم عصرا جديدا" ، وماذا قال ايضا يا صاحبي  ...
وفهمت ما يريده ابو سكينة لانه سبق وان تحدثنا عن ذلك، لكنه يريد أسماع الاخرين رأيه. ومن حزمة الصحف معي عرضت ملخصا لخطاب الخليفة الداعشي. ومن ضمن ما قلت : في خطابه بشر المسلمين وقال لهم " وارفعوا رؤوسكم عالية اذ اصبح لكم دولة خلافة و ..."
قاطعني ابو سكينة : هذا الذي كنت أريده تماما . حقا اننا نعيش عصرا جديدا، فهذا السفاح يطلب من الناس بكل صراحة ان ترفع رؤوسها حتى يسهل لمرتزقته حزّها وذبحها !


386
القاضي زهير كاظم عبود في فنلندا

هلسنكي ــ  كتابة : يوسف ابو الفوز
تصوير : جمال الخرسان

في العاصمة الفنلندية هلسنكي، مساء يوم الجمعة 8 آب 2014 ، وعلى قاعة مركز الثقافة العالمي "CAISA "، نظمت مجموعة من المثقفين ونشطاء العمل المدني في فنلندا، وتحت عنوان " الدستور العراقي والتطورات الراهنة في العراق "، أمسية حوارية للكاتب والقاضي زهير كاظم عبود، الذي حل ضيفا في فنلندا لايام قادما اليها من السويد محل اقامته. أدار الامسية الكاتب يوسف أبو الفوز، الذي رحب بالحاضرين وشكر قدومهم للمساهمة في اعمال  الامسية، واشار الى ان اللقاء يتم في الوقت الذي يتعرض به شعب العراق الى محنة كبيرة وهو يواجه هجمة ارهابية اجرامية، ورحب بالضيف ،الذي قال عنه انه لا يحتاج للتعريف فمؤلفاته التي تجاوزت الثلاثين عنوانا خير ما يعرف به، فهو واحد من ابرز الكتاب الذين كتبوا عن شؤون وحقوق مكونات الشعب العراقي ، مثل الشبك والايزيدية والكرد، معرفا بتأريخهم وهمومهم، والذي اغنى المكتبة العراقية بالكتابات القانونية بحكم خبرته وعمله لسنوات في القضاء العراقي، والمتميز بأسلوبه الذي ينشر الثقافة القانونية بين قراءه ومتابعيه .
الضيف القاضي زهير كاظم عبود ، وبعد ان شكر الجميع على الحفاوة وحسن الاستقبال ، وتحدث عن صعوبات الايام التي يعيشها ابناء شعبنا والمخاطر التي تواجهها العملية السياسية، أكد الحاجة للثقافة والوعي القانوني لعموم ابناء الشعب وخصوصا الفئة المتعلمة والمثقفة من الناس، فالمواطن عليه ان يعرف واجباته وحقوقه وعليه ان يعرف كيفية انتزاع حقوقه بالطرق القانونية، ومقاضاة الدولة لاجل ذلك، وعليه فأنه سيحرص على اثارة قضايا قانونية اكثر مما هي سياسية. وبين ان الدستور العراقي الحالي يعتبرا دستورا صعبا، اذ لا يمكن تغييره الا بأستفتاء شعبي، ولهذا فأن الثقافة القانونية مهمة لكل مواطن . واشار الى ان ثمة نقاط اساسية يود اثارتها في الامسية، فتحدث عن تشكيل مجلس الاتحاد، والمحكمة الاتحادية، والمادة 140 .
وبروح ودية وديمقراطية، قدمت العديد من المداخلات والاسئلة من جمهور الحاضرين، حملت استفسارات عما اثير في الجلسة، وايضا عن واقع ما يعانيه شعبنا الحالي ودور القضاء العراقي والنخب السياسية في ما يجري واثيرت اسئلة عن الهجمة الارهابية ومن يقف خلف عصابات داعش التي استباحت مناطق من وطننا، وانتهكت حرمات ابناء شعبنا من المسيحيين والايزيدين . وقدم الاستاذ زهير كاظم عبود اجوبة شافية واعلن تضامنه مع محنة ابناء شعبنا في غرب البلاد وبين ان ما يتعرض له الايزيدين حاليا هو جريمة بحق الانسانية، واتفق عموم الحاضرين مع ادانته لجرائم عصابات داعش الارهابية. وبأسم الحاضرين قدم الاستاذ منقذ القيسي باقة ورد والشكر للاستاذ الضيف الذي عبر عن سروره في الحضور واللقاء مع نخبة متميزة من ابناء ووجوه الجالية العراقية في فنلندا. يذكر ان الكاتب والقاضي زهير كاظم عبود من مواليد  السماوة عام 1946 وهو خريج كلية القانون والسياسة وعمل كاتبا ومعاونا قضائيا وكاتبا للعدل ومحققا عدليا ومحاميا ثم عين قاضيا وتدرج في مهمامه في القضاء العراقي حتى احيل الى التقاعد مؤخرا. وقد كتب المئات من المقالات التي سعى فيها لنشر الثقافة القانونية، الى جانب اصدارته التي تنوعت عنوانيها بين شؤون القضاء وهموم وتأريخ شرائح مهمة من ابناء شعبنا مثل الشبك والايزيدية ، وثمة اعمال قادمة قيد الاعداد للنشر .



387
رمضان وبرامج إسفاف بدون قيمة فنية " رامز قرش البحر " أنموجاً !
برنامج يكشف ضحالة الثقافة والوعي عند جمهرة ليست قليلة من الفنانين !
يوسف أبو الفوز
قبيل حلول شهر رمضان، وبدأ حمى متابعة المسلسلات العربية، يبحث الناس عادة عن ما يودون مشاهدته. أردت مثل غيري البحث أيضا عن شيء مناسب، فسألت الاصدقاء ــ من عشاق متابعة المسلسلات ــ عن برنامج منوعات خفيف، فلا يتوفر وقت ــ ولا مزاج ــ لمتابعة قصة تستمر على مدى شهر كامل، فنصحوني بعدة عناوين، وأخترت منها برنامج "رامز قرش البحر" من على قناة MBC مصر، لمتابعته على قناة اليوتوب في اليوم التالي لعرضه. وياليتني لم أفعل ولم أتابع !
 البرنامج من تقديم الفنان المصري رامز جلال (مواليد 1973)، والذي اشترك في العديد من المسلسلات والمسرحيات والافلام، ولكنه لم يجد النجاح والشهرة المناسبة الا في برامج المنوعات الاخيرة التي تحمل اسمه. "رامز قلب الأسد "2011، "رامز ثعلب الصحراء" 2012، "رامز عنخ آمون" 2013 واخيرا  "رامز قرش البحر" 2014. كنت رأيت على قناة اليوتوب حلقات متفرقة من برامجه السابقة وتولد لدي انطباع تعزز من خلال متابعة أولى الحلقات من البرنامج الاخير. ينتمي هذا البرنامج ــ مثل برامجه السابقةــ الى نوعية برامج "الكاميرا الخفية" التي تعتمد  على اعداد مقلب للضيوف وبالتالي متابعة ردود الفعل وما يصدر من تعليقات. ولابد من القول مباشرة، أني اشعر بالاسف للوقت الذي قضيته في متابعة بعض الحلقات من هذا البرنامج، ولكن اذ تولدت لدي فكرة  الكتابة عنه، فكان الدافع الوحيد لمواصلة مشاهدة حلقات من برنامج يتميز بالكثير من الاسفاف ، ويعبر بشكل واضح ومباشر عن الحال المزري الذي وصل اليه مستوى الاعمال الفنية في برامج التلفزيونات العربية. وعموما ان اغلب برامج الكاميرا الخفية في التلفزيونات العربية ــ للاسف ــ مبنية على نفس المبدأ : السخرية من الناس ، وبالمحصلة إهانتهم!
 برامج الكاميرا الخفية موجودة في اغلب تلفزيونات العالم، وهي تنتمي الى برامج تلفزيون الواقع وتعتمد على تصوير المشاركين في حالات غير عادية او طريفة  دون ان يعرفوا بأن هناك كاميرا تصورهم، وعادة لا يتم عرض ما تم تصويره دون موافقة الشخص المعني. ولبرامج الكاميرا الخفية في اوربا تأريخ طويل بدأ في اربعينات القرن الماضي، وتطور في فترة الستينات، حتى صار حاليا مادة اساسية في كل تلفزيونات العالم، لها شركاتها المتخصصة، ومعديها ومخرجيها ومقدميها الذين نالوا شهرة كبيرة، مثل برنامج الكاميرا الخفية الكندية "لمجرد الضحك" 'Just for Laughs' الذي بدأ انتاجه منذ عام 2000 ليعرض في اكثر من مئة بلد، وتميز بمشاركة الجمهور في اقتراح المقالب واحيانا المساهمة بتنفيذها، وهو برنامج صامت يعتمد على المفارقة التي تقدم على خلفية موسيقية، والتي تقدم لهم مادة ترفيهية بريئة ، تنتزع الضحكة من المشاهد وتزرع  عنده مشاعر حب الحياة ، وفي مقدمة البرنامج يقدم لك كيفية اجراء المزحة وتنفيذها وعند نهاية تنفيذ المزحة يتم الكشف عن مكان الكاميرا دون المس بكرامة الانسان  او الحط من قيمته. وثمة قنوات تلفزيونية تقدم كاميرا خفية للعائلة او للكبار فقط و هناك برامج فيها شيء من الاثارة والايروتيكا . أما برنامج رامز جلال ، فهو في في نتيجته مبني على الهزأ بشكل مهين من الضيوف، واقتناص ردود افعالهم الانسانية ازاء وضع محرج يجدون أنفسهم فيه. لابد من القول ان هناك جهدا عاليا وذكاءا كبيرا في أعداد سيناريو المقلب في هذا البرنامج ، وان جهة الانتاج كما يبدو (اموال فضائيات النفط ! ) خصصت ميزانية عالية لانتاج البرنامج ، ووفرت كل ما يحتاجه نجاح سيناريو المقلب، وبالتالي يعتبروه نجاح البرنامج . فمن احاديث مقدم البرنامج الفنان رامز جلال خلال تقديم الحلقات، ومن احاديث الضيوف الذين تسنى لنا مشاهدتهم، ومن خلال ما تسرب من تفاصيل الخلاف الذي حصل بين اسرة البرنامج و الفنانة المصرية "اثار الحكيم"،  أنه يتم استدعاء فنان معين من بلده،  مع تغطية تكاليف طيرانه على الدرجة الاولى ـ مع مرافقيه احيانا ـ ، وتتم المشاركة أساسا لقاء أجر مدفوع ــ بعض الضيوف أجره عال جدا كما حصل في أشارة مقدم البرنامج في حلقة استضافة الاعلامي جورج قرداحي ــ ، ويتم استضافة المشارك في فندق خاص ، خمس نجوم ، بخدمة عالية ومميزة، وثم يتم نقله الى منطقة تصوير البرنامج في منطقة الجونة بالغردقة ، حيث يتم استقباله على الساحل بشكل مبهر ليتم نقله بقارب الى يخت خاص لأجل تصوير برنامج سياحي يروج لمونديال كأس العالم لكرة القدم بالاتفاق مع قناة تلفزيونية برازيلية. ولاجل هذا الجزء من السيناريو تم اعداد فريق برنامج العمل الوهمي الذي يقوم بتسجيل اللقاء، ونتعرف على بعض الاسئلة التي تقدم للضيف المشارك مصحوبة بتعليقات الفنان رامز جلال عنها.
السيناريو محكم ومرسوم بدقة عالية، ويساهم في تنفيذه طاقم كبير من الكومبارس والفنيين، وبمعدات فنية عالية الكفاءة، من قوارب ويخوت وكاميرات تصوير تحت الماء، ففي طريق الذهاب الى اليخت الأساس يحدث عطل اولي، ويشير احد اعضاء الفريق الى خبر ظهور اسماك قرش في المنطقة، وكل هذا لاجل تهيئة الضيف ذهنيا للحدث القادم . في طريق العودة، يحصل عطل وهمي للقارب، ويتعرض للغرق ويحدث ان تغرق احد المذيعات ويفترسها سمك القرش، وتظهر الدماء على سطح المياه واشلاء من الجثة ، وتبدأ اسماك القرش بالاقتراب من القارب وركابه ، مترافقا مع دور المصور الذي يكون بصحبة الضيف المشارك ، فهو الى جانب الاستمرار بالتصوير من دون توقف، فأنه أيضا يؤدي دورا مهما  في توجيه الضيف وفق احداث السيناريو ورفع درجة الخوف والذعر والارتباك بطريقة الايحاء النفسي ،وفق كل خطوة في سيناريو المقلب المتقن في اعداده واخراجه.  مقدم البرنامج رامز جلال وفي تعليقاته على ردود افعال الضيوف المشاركين ، يتعمد اهانتهم بشكل مباشر، والهزأ منهم بشكل فج ، سواء من خلال الاشارة الى حجم الاموال المدفوعة لجلبهم للمشاركة في البرنامج، أو من خلال التعليق على سطحية اجوبتهم على الحوار الرياضي ، فاضحا خواء وجهل ضيوفه ــ احد الفنانات وافقت على معلومة أن "عيضه المنهالي" اشتراه نادي الزمالك  ــ . مادة البرنامج الاساسية مبنية بالاساس على السخرية والهزأ ، وبتعليقات فجة، من الضعف الانساني عند ضيوفه خلال مواجهتهم خطر الموت الوهمي غرقا او بأنياب اسماك القرش . وكأن البرنامج أعد خصيصا لأهانة الضيوف والهزأ منهم . ينسى معدو البرنامج أن كل انسان ، مهما كان ، تكون له ردود افعال معينة ، ذات طبيعة غريزية في موقف ما ، وليس بالضرورة ان يحافظ الانسان دائما على  هدوءه او تماسكه في كل المواقف ، والطبيعية البشرية ميالة لردود افعال غريزية عند الاحساس بالخطر او التعرض لموقف مفاجيء. فالبرنامج مبني أساسا على استغلال الضعف الانساني والهزأ  منه، اضافة الى استغلال الضيوف من خلال شراء موافقتهم على بهذلتهم وأهانتهم بشكل مباشر وواضح وامام انظار ملايين الناس بدفع مبالغ ليست قليلة ، وكما يبدو ان بعضهم بحاجة لها وسط تراجع النشاط الفني بسبب احداث المنطقة العربية . اضافة لكل هذا كان في البرنامج الكثير من الشتم والسباب ــ من غير الذي تم حذفه ــ وهذا له دور تربوي سيء على ملايين الاطفال والمراهقين ، ناهيك عن عموم المشاهدين . صحيح ان هناك بعض الضيوف من ابدى تماسكا أنسانيا جيدا ، بل وبعضهم ابدى جسارة مثل الفنان المصري احمد السقا في محاولته انقاذ المذيعة من الغرق الوهمي، الا ان كل الفنانين المشاركين، وبمجرد موافقتهم للظهور في برنامج بهذا القدر من الاسفاف ، فهم يتحملون مسؤلية مضاعفة ، لان  مجرد ظهورهم  دلالة على موافقتهم على الاسفاف الذي يحمله هذا البرنامج ، الذي يساهم  في تجهيل الناس دون أمتاعهم وتقديم مادة ترفيهية . أن أكثر ما احزنني وجعلني اشعر بالسخط  ودفعني لمتابعة بعض حلقات البرنامج لاجل الكتابة عنه ، هو ان  هذا البرنامج يكشف ضحالة الثقافة والوعي عند جمهرة ليست قليلة من الفنانين الذين يفترض ان يرتفعوا بعقل وذهنية المشاهدين، ولهذا فليس مستغربا ان تتسيد الساحة في المنطقة العربية جماعات متشددة تكفيرية مثل داعش ما دامت برامج من هذا النوع تدفع بعقول الكثير من الناس لتكون في اجازة !



388
هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
تهنئة بمناسبة العيد .. رغم الألام هناك أمل !
تتقدم "هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا "بأسم اعضاء احزابها ومؤازريها ، الى ابناء شعبنا العراقي، داخل وخارج الوطن، وكل الاخوة المسلمين، في كل مكان، وأهلنا في غزة الجريحة، بالتهنئة الخالصة بمناسبة عيد رمضان المبارك.
 أن تهنئتنا لكم، يا ابناء شعبنا العراقي المكابر، هذه المرة، تهنئة مرّة، فقوى الشر والموت، من قطعان الوحوش الكاسرة، من التكفيريين المجرمين، المتحالفين مع شراذم البعثيين، اطلقوا حقدهم الاسود على ابناء شعبنا بكل تلاوينه، من المسيحين والشبك والتركمان، وانتهكوا حرمات ابناء شعبنا في المناطق الغربية، حيث تعرض اخواننا المسيحيون في الموصل لعملية تطهير، هي اقسى عملية اضطهاد لهم في تأريخ العراق الحديث، ونحن وبكل حزم نضم أصواتنا بالاستنكار والتضامن، الى جانب كل القوى السياسية والمنظمات الدولية، التي تحذر من كون نشاط الارهابيين الدواعش يهدد ليس مستقبل العراق بل وكل المنطقة.
يا ابناء شعبنا العظيم ...
رغم اعداد الشهداء، ورغم الاف النازحين الذين يعيشون مصيرا مجهولا وبحاجة للمزيد من الاحتواء والدعم ، الا ان ثمة أمل في ان الامور لابد ان تتغير ولابد ان ينهزم المجرمين شر هزيمة . ان مهمة دعم قواتنا المسلحة والقوى الامنية، هي من المهمات الاساسية ، فهي الجهة المؤهلة حصرا لمقاتلة الارهاب كما شددت المراجع الدينية والسياسية. ان الواجب يحتم على القوى السياسية ان ترص صفوفها وتحشد ضد الارهاب والارهابيين. ان العملية السياسية لابد ان تشهد حراكا لتستكمل، انتخاب الرئاسات الثلاث. أننا نكرر ما سبق وقلناه في مناسبات سابقة، ان دحر قوى الظلام والموت من صداميين وتكفيرين، يتطلب صفوف موحدة تدعم القوات الامنية ومؤسسات الدولة .
في هذه الايام العصيبة ، نعض على حزننا وألمنا، وبأسم اعضاء ومناصري احزابنا المنضوية، في "هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا "، نقول لابناء شعبنا، داخل وخارج الوطن، كل عام وانتم بخير، متمنين ان يكلل بالنجاح سعي ابناء شعبنا وقواه المخلصة في العمل لبناء دولة المواطنة والقانون والإخاء القومي والرخاء، وان تتواصل المسيرة السياسية والديمقراطية الى امام، من اجل اعادة بناء الوطن واعماره، وتحقيق الخير والرفاه لابنائه ، في عراق ديمقراطي فيدرالي موحد.
أجمل الامنيات لكل ابناء شعبنا النجاح في جميع مجالات الحياة، مع موفور الصحة والسعادة.
عاش العراق ...
وندعو الباري عز وجل  أن يحفظ العراق وشعبه وان ينعم عليهم بالامن والاستقرار والتقدم .
هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
الحزب الشيوعي الكوردستاني ــ العراق /منظمة فنلندا
حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا
المجلس الاعلى الاسلامي العراقي / مكتب فنلندا
الاتحاد الوطني الكردستاني / منظمة فنلندا
الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا
الحزب الشیوعی العراقی / منظمه‌ فنلندا
الحركه‌ الدیمقراطیه‌ الاشوریه‌ / منظمه‌ فنلندا

هلسنكی فی 25/7/2014
لمزيد من المعلومات يمكن الاتصال بالسكرتير الدوري للهيئة، ممثل الحزب الشيوعي الكردستاني ـ العراق .

389
الكلام المباح (71)
غضَب !

يوسف أبو الفوز

الموعد الدوري لعمود "الكلام المباح " هو يوم الاحد ، بسبب عطلة العيد تقدم نشره ليوم الخميس !
***
أن نظرة تأريخية بسيطة يمكن أن تبين لنا أن معظم سكان العراق في القرن الاول الميلادي كانوا يعتنقون الميسيحية. وان أقدم كنيسة في العراق، ومن اقدم الكنائس في العالم، أثارها موجودة قرب بلدة عين تمر في محافظة كربلاء، أشارة الى ان المسيحية متجذرة في ثقافة وتاريخ وطننا. حين وصل المسلمون الى بلاد ما بين النهرين عام 637 م رحب بهم أهل البلاد، كان السبع ملايين عراقي حينها يعتنقون المسيحية واليهودية والمندائية، وكانوا يأملون ان الدولة الاسلامية الجديدة تخلصهم من  ظلم الدولة الفارسية والرومانية الذي أستمر مئات السنين. وعلى طول تأريخ العراق، كان المسيحيون العراقيون عماد النهضة والتحديث، مع أجتهادهم للحفاظ على خصوصيتهم الثقافية والدينية.ولكنهم دفعوا أثمان باهضة نتيجة لخصوصيتهم،خصوصا في العقود الاخيرة، والمواطن العراقي المسيحي يتعرض للمزيد من الاضطهاد بأشكال مختلفة، اذ صارت حياته تتعرض للمزيد من المضايقات والتجاوزات والانتهاكات، مما دفع أعداداً غفيرة متزايدة منهم للهجرة والنزوح عن موطن اجدادهم .
كان صديقي الصدوق، أبو سكينة، يرى ان رمضان هذا العام لم يكن كريما مع العراقيين. فعصابات "داعش" التكفيرية الظلامية فعلت في الموصل ما لم يفعله غزاة العراق في القرون المظلمة. كنا أجتمعنا في بيت أبو سكينة والغضب يغلي في عروقنا ونحن نتابع نشرات الاخبار التي تحمل المزيد من التفاصيل عما يتعرض له اهلنا في مناطق الموصل. وكان جليل يرتجف وهو يكرر السؤال:"أيعقل كل هذا الذي يحصل؟ أيريدون عراقا بدون مسيحيين؟". قال أبو سكينة :"هذه السنة، ما أريد أحد يجيب طاري العيد. أي عيد وأهلنا في الموصل يعيشون ايام رعب وكوابيس ليل نهار على يد الوحوش الكاسرة من بعثيين وظلاميين؟". وصاح جليل :"والمؤلم، ان كل هذا يحصل، والاحزاب المتنفذة لا تزال تعيش في اجواء صراعاتها بدل ان تسارع لتشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل وفق برنامج وطني شامل يتبنى اجراءات جادة تعزز جهد القوات المسلحة!". كان أبو جليل، بعيون نصف مغمضة يغمغم مع نفسه بقصيدة لعريان السيد خلف. صاح به أبو سكينة: أرفع صوتك!أنتبهنا جميعا ونظرنا الى أبو جليل، الذي فتح عينيه على سعتهما وردد بصوت واضح:
" طفح غيظ الشوارب ... بالفناجين
وخبط شطنه إعله كبره  الماي والطين
غضب وتنزرت كل ذرة تراب ... ونزع لونه العشب فوك الروازين
لون ليل الهوارف  رادنه نشيل ... نشيلهم جثث وأنتي التضلين  !"


390
يا جدنا غوديا .. هل نحن محظوظون إذ سرق الغرب أثارنا ؟؟
يوسف أبو الفوز
                 
الكاتب امام تمثال غوديا في متحف اللوفر          الكاتب بين  تماثيل غوديا مقطوعة الرأس في متحف اللوفر

بعد أستقراري، خارج الوطن، أتاحت لي فرص الحياة وعملي، التنقل والسفر في العديد من بلدان العالم،وكنت محظوظا أن شريكة حياتي تماثلني في حب السفر والتعرف على حياة وثقافة الشعوب. وعند كل زيارة لأي بلد كنا نحرص أن يشمل برنامجنا محطة أساسية هي زيارة أهم المتاحف في تلك البلدان. وخلال ذلك تولد عندنا شغف بالبحث عن أثار بلادنا، وأثار وادي الرافدين، والأطلاع عليها في أي متحف مهما كبر أو تواضع حجمه. والمعروف أن بعثات الأثار الاجنبية التي عملت في بلادنا في اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين،  وبالتواطؤ مع السلطات الاستعمارية وفساد الانظمة الحاكمة، هربت وسرقت أهم قطع الأثار التي عثرت عليها، كبوابة عشتار الموجودة حاليا في متحف برلين، مسلة حامورابي الموجودة في متحف اللوفر، الثيران المجنحة الموجودة في لندن وشيكاغو، وغيرها الكثيرمن قطع الاثار، التي يقدر عددها بالالاف من القطع، والتي تعد الاساس لافتتاح العديد من أهم الاجنحة في المتاحف العالمية واحد الاسباب لجلب الزورار والسياح.  ومن بين المتاحف التي توفرت لي زيارتها، ولاكثر من مرة، والتي انبهرت بحجم وسعة الاجنحة المخصصة المخصصة لأثار بلاد وادي الرافدين فيها، وعدد وأهمية ما حوت من أثار بلادنا، هي متحف اللوفر في باريس (أفتتح عام 1793) والمتحف البريطاني في لندن (تأسس عام 1753 )، متحف معهد الدراسات الشرقية في شيكاغو (أفتتح عام 1931) . في أول زيارة الى متحف اللوفر في منتصف ايلول عام 2008، فقدت السيطرة على نفسي وأنا أدور بين الأثار وروعتها وأهميتها، فرحت أخاطبها بصوت عال وسط دهشة الزوار من حولي، وشريكة حياتي تدعوني لخفض صوتي ، فالجميع يسيرون بصمت ويتحدثون بهمس. كنت مبهورا برؤية تمثال كامل لاشهر ملوك سومر الملك غوديا (حكم 2124 ــ 2144 ق م) الذي تعاظمت الدولة في عهده وقام بتطوير نظام الري والتجارة الخارجية مع لبنان وشبه الجزيرة العربية ومصر، فهو واحد من الشخصيات المحببة عندي، فهو لم يكن من مدينة لكش، الا انه نجح في صعود سلم المناصب والزواج من ابنة ملك لكش اوربابو ( 2144 - 2164 ق م ) . وتميز عصرغوديا بالاصلاحات الاجتماعية فقد سمح للنساء بتملك الارض، واهتم بالفنون والاداب، وسعى لتطبيق القوانين، فرحت أحييه واناديه : "انا هنا جدي  غوديا" ، وكانت هناك من حولي عدة تماثيل للملك غوديا مقطوعة الرأس. وفجأة سمعت من خلفي ضحكة وصوتا بالعربية، يقول:" أحمد ربك ان الاوربيين حموا رأس جدك قبل ان تكسره معاول المتشددين !". وكان ذلك سببا للقاء شخصية أكاديمية اعتز بالتعرف اليها، واتحفظ  هنا عن ذكر اسمها لاسباب غير خافية على القاريء النبيه. كان محدثي عراقي يعمل استاذا للتأريخ في واحدة من الجامعات في الدول العربية، لذا لم أستغرب سعة معلوماته، التي وبكرم عال تقاسمها وأيانا، ومنحنا من وقته الكثير ليكون دليلنا في جولتنا في متحف اللوفر، لكننا أختلفنا كثيرا حول مصير وواقع الأثار العراقية. فأستاذنا كان يشير الى أن التماثيل المقطوعة الرأس لم تكن بسبب سوء الحفريات كما يشاع في بعض المصادر، وانما تعود الى انها كسرت عمدا من قبل المسلمين المتشددين الذين يعتقدون ان التماثيل رمزا  للكفر والظلال ومن الكفر محاكاة الرب في الخلق، فهو يعتقد  ولأن الاصنام ظلت محرمة طويلا في الدين الاسلامي فلهذا السبب وصلت الينا الاف التماثيل مقطوعة الرأس وكان يشير الى عدة تماثيل تقف امامنا ، وعليه فهو يعتقد ان من الافضل ومن الحسنات ان الاوربيين قاموا بسرقة أثارنا ــ هكذا ! ـ لانهم بالنتيجة حفظوها لنا سليمة وبأحسن حال وعرفوا العالم بحضارتنا التي كان يمكن ان تزول أثارها بأيدينا وسوء تعاملنا معها!
كنت في حديثي متحمسا جدا لفكرة اهمية عودة الأثار والاعمال الفنية الى بلدانها الاصلية وفق القوانين الدولية التي لم تصدر جزافا ، وكان صديقنا الاستاذ يعتقد ان من حسن الحظ ان الحكومات العراقية المتعاقبة فشلت في استعادة هذه الأثاروفقا لبعض هذه القوانين ، وأحتد نقاشنا عند هذه النقطة وحاولت وقف النقاش، لنفترق بسلام خشية من دخول الحديث في منعطف كلانا لا نرغب فيه.
هكذا وجدت نفسي دائما استعيد تفاصيل هذا الحديث الساخن كلما ازور متحفا ، واقف عند أثار عراقية ، وأرى وألمس جيدا حسن الاهتمام والطرق الحضارية للمحافظة عليها ، والمستوى العالي من الرعاية التي تلاقيها على ايدي أهل البلاد "الكافرة" كما يقول بعض ابناء بلادي . ففي شيكاغو حين اقتربت اكثر من احد التماثيل مدققا لنقش على سطحه قفزت السيدة  الجالسة جانبا على كرسي وهي تخشى ان اقوم بشيء ما، ورفعت يدها محذرة وبيدها الثانية كانت تحمل  الجهاز المخصص للاتصال بأمن المتحف . وفي متحف لندن، سار جمع من طلبة التأريخ ، خلف رجل عجوز، عرفت انه بروفسيور متخصص، يجرر نفسه بصعوبة، وسمعت جزءا من حديثه وهو يقدم لهم شرحا تفصيليا ودقيقا عن طرق صيد الحيوانات في بلاد ما بين النهرين.
عانت الأثار العراقية كثيرا على أيدي اللصوص المحترفين ومهربي الأثار، وكانت فترة حكم النظام الديكتاتوري البعثي ، فرصة لظهور عصابات تهريب من داخل الطبقة المتسلطة الحاكمة وهناك الكثير من التفاصيل والقصص عنهذا الامر. وجاءت قوات الاحتلال الامريكي لتشهد أثارنا فصلا جديدا من السرقات التي شملت الاف القطع الأثارية من المتحف العراقي في بغداد الى جانب عشرات المواقع الأثارية وفقا لاحصاءات وزارة السياحة والأثار. وهانحن والبلاد تعيش حالة تخبط سياسي هائل، نكون وصلنا الى الفصل القاتم والمظلم ، فوكالات الانباء نقلت لنا، وبالصور، ما تقوم به عصابات داعش الارهابية، صنيعة اجهزة المخابرات العالمية،  من تحطيم وقح وفج للأثار العراقية في مدينة الموصل، اضافة للقبور الاثرية للاولياء الصالحين، مثل هدم قبر النبي يونس، وقبور رجالات الفكر والادب، مثل هدم قبري المؤرخ ابن الجزري، وابن الأثير صاحب كتاب "الكامل"، وتخريب الكنائس، مثل احراق كنيسة مار متى في الحي العربي بالموصل،  وتزيل معالم تراثية  حديثة مثل تمثال الشاعر ابو تمام وتمثال الملا عثمان الموصلي، وفي كل هذا يستندون الى كون النبي محمد حطم الاصنام عندما فتح مكة، وعليه فلا يمكن السماح بوجودها.  ان عصابات داعش لا تكتفي بتحطيم الأثار وتحطيم رؤوس التماثيل، انها تتحكم بحياة الناس وتقطع  بوحشية مفرطة رؤوس الناس، انهم يستهدفون الرأس، مكان العقل، فهل كان صديقي استاذ التأريخ محقا بكوننا محظوظين اذ سرق الغرب أثارنا ؟!
15 تموز 2014   سماوة القطب





391
المنبر الحر / الْمُفَاضَلَة !
« في: 23:56 12/07/2014  »
الكلام المباح (70)
الْمُفَاضَلَة !
يوسف أبو الفوز
لا يختلف أثنان في كون بلدنا العراق يمر بمرحلة غاية في التعقيد، نتيجة لتراكم كم هائل من العوامل أفرزتها المحاصصة الطائفية والاثنية، التي ولدت صراعا غير مبدئيا على الثروة والنفوذ بين أطراف العملية السياسية، ما ولد معارضات واحتجاجات وصراعات قادت المشهد السياسي ليكون سرياليا بتعقده، واضعا مستقبل العملية السياسية وعموم مستقبل البلاد أمام مخاطر، قليل بحقها القول أنها كارثية. وستكون اللوحة أعقد وتزداد المخاطرسوءا، أن لم يكن أهل السياسة ــ رجالا ونساء ــ بمستوى المسؤولية، ويعملون بعقلية جديدة يتجاوزون فيها حالات المناكفات وتبادل الاتهامات، التي الى جانب سوء الادارة للبلاد قادتنا الى ما نحن عليه !
ورغم ان الطبيب نصح صديقي الصدوق، أبو سكينة، بعدم الصوم هذا العام، الا أنه اصر على الصوم ورتب أوقات تناول أدويته  لتكون في فترة الافطار، مع الوعد بتناولها فوراً أن تطلبت الحاجة، مما جعل أم سكينة في قلق دائم.
قبيل موعد الافطار بنصف ساعة وصلنا بيت ابو سكينة تلبية لدعوته لنفطر معا. وكان جليل وزوجته قد سبقانا بقليل، وكانت العلاقة بينهما رجعت دهن ودبس، مما جعل زوجة جليل في مزاج طيب لتشاكس أبو سكينة كعادتها وهي تغالب ضحكة بروح تآمرية :
ـ عمي عرفت أنت صايم عن الشرب والطعام، بس يقولون ما صايم عن تضاريس المسلسلات العربية؟
وكانت  زوجة جليل تلمح لما قالته لها أم سكينة بأنه حريص على متابعة مسلسل عربي، ولا يفوت حلقة منه، حتى حلقات الاعادة، وبطلته فنانة معروف عنها في كل مشهد تغير من ثيابها أشكال وألوان وتحرص على أبراز تضاريس جسدها بشكل ملفت.
 تملل أبو سكينة في جلسته، ومط رقبته ونظر لجليل نظرة خاصة، وهز رأسه فضحكنا جميعا، أذ فهمنا أنه يريد يقول "الله يعينك على هاي المرأة"، ومسح جبينه بطرف منديله وقال لها: يا بنتي ، وانتي العاقلة والمتعلمة، دتشوفين أحوالنا شلون صارت. شلون المجرمين البعثيين متحالفين مع الارهابيين القتلة ضد مستقبل بلادنا، وفوكاها شدة الحر هم متحالفة وياهم، وأم سكينة فوق رأسي كل ساعة عبالها راح أموت لأني صايم ... مو أفضل لي اتفرج على هاي أم التضاريس أهون ما اتفرج على شكل الخليفة الداعشي أبو الساعة الرولكس، لو اتفرج على نوابنا اللي وثقت بيهم الناس وأنتخبتهم، وهم مشغولين بس يتنابزون عايزهم بس يتكافشون من الشعر؟

392
الكاتبة والناشطة النسوية الفنلندية مينا كانت... إبداع وشجاعة متميزة !



]يوسف أبو الفوز[/b]
قررت الخطوط الجوية النرويجية، مؤخرا اضافة اسم الكاتبة والناشطة النسوية الفنلندية "مينا كانت" Minna Canth (19 أذار 1844 ــ 12 ايار 1897) الى سلسلة الشخصيات الذين تزين بها اجنحة طائراتها لنقل المسافرين، وكانت حصتها، طائرة بوينغ 737- 800، وهي ثاني مواطنة فنلندية يتم اختيارها لهذا الشكل من التكريم ، بعد ان سبقها الى ذلك مواطنها الشاعر الشهير"يوهان لودفيغ رونيبيرغ" (5 شباط 1804ـــ 6 ايار 1877) صاحب النشيد الوطني الفنلندي، وتحمل أسمه جائزة سنوية في الادب، تعتبر من ارفع الجوائز في فنلندا وفي الشمال الاوربي. شركة الخطوط النرويجية دأبت في هذا الشكل من التكريم على أختيار أعلام من الشخصيات التأريخية ممن تركوا تاثيرا في تطور حياة شعوب بلدان الشمال الاوربي،
ويشمل ذلك حقول العلوم والفنون، والرياضة، والموسيقى، والقضايا الاجتماعية. وبغض النظر عن دوافع الشركة التي تريد  تسويق نفسها تجاريا ، وجلب المزيد من الزبائن الفنلنديين باعتبار فنلندا سوقا مهما لها، في مجال الطيران في اوربا والدول السكندنافية ــ كما صرح مسؤوليها في الصحافة ــ إلا ان الخطوة  جلبت الكثير من الاشادة من الجمعيات والمؤسسات الثقافية ، في جميع بلدان الشمال الاوربي، لما عرف عن "مينا كانت" كونها  اول امرأة فنلندية يرفع العلم في يوم ميلادها تكريما لها، اعتبارا من عام 2007، وذلك بترشيح واختيار من جامعة هلسنكي، وهو تقليد تتبعه الدولة الفنلندية حيث يرفع العلم الفنلندي كل عام، في كل المؤسسات والشوارع والاحياء السكنية أكراما وتحية لشخصية في يوم ميلادها، يتم أختيارها من قبل المؤسسات الثقافية والاكاديمية. ويوم ميلاد "مينا كانت"هو ايضا يوما للاحتفال بالمساواة بين افراد المجتمع في فنلندا، اعتبارا من يوم 2003، وذلك باقتراح من وزارة الداخلية الفنلندية، ارتباطا بكون الكاتبة كانت ناشطة اجتماعية لاجل حقوق المرأة والاسرة والقضايا المتعلقة بحقوق الحركة العمالية والعمال الرعاية الاجتماعية، وكانت من اوائل الصحفيات الفنلنديات، وكانت من دعاة التعليم المختلط  في المدارس الفنلندية. ويذكر ان الكاتبة تنتشر لها العديد من التماثيل الكاملة والنصفية في العديد من المتاحف والمؤسسات الثقافية والساحات العامة خصوصا في المدن التي عملت فيها  وشهدت نشاطاتها مثل كوبيو، تامبيري ويوفاسكولا، اضافة الى اصدار طابع بريدي حمل صورتها في الذكرة المؤية لميلادها.
مصادر متعددة تخبرنا ، أن "مينا كانت" ، التي ولدت في مدينة تامبرا Tamperee (178 كم شمال العاصمة هلسنكي) تحت أسم أولريكا ويلهلمينا جونسون ( Ulrika Wilhelmina Johnson )، انحدرت من اصول فقيرة ، اشتغل والدها في معامل القطن ، ثم عمل في متجر لتجارة القطن،  واصرت على اكمال تعليمها، لتكون معلمة مدرسة ابتدائية رغم ان الامر لم يكن متاحا للنساء في ذلك الحين، وكانت مهنة  القابلة هي الشائعة كمهنة للنساء .  في خريف عام 1863 كانت اولى الطالبات التي التحقت للدراسة كمعلم في مدينة يوفاسكولا في حلقة دراسية انشأت حديثا ، وهناك اعتمدت اسم "مينا جونسون". وخاضت غمار العمل المهني واشتركت في منظمات خيرية لمساعدة الفقراء من الناس . في خريف 1865 تزوجت من استاذ في العلوم وحملت لقبه ، واصدر زوجها عام 1871 مجلة في مدينة يوفاسكولا مما وفر لها فرصة لتكون من اوائل الصحفيات الفنلنديات حيث راحت تكتب في مختلف الشؤون الاجتماعية، تتناول فيها حقوق المراة والاسرة والعمال . بعد وفاة زوجها عام 1879 بعد معاناة طويلة من من المرض، انتقلت للعيش في مدينة تامبرا، الى جانب اخيها وامها  لتنضم اليهم في ادارة محل لتجارة الاقمشة ، ولتكون سيدة  اعمال ناجحة  في تجارة التجزئة . الى جانب ذلك كان زوجها ترك لها سبعة ابناء لاعالتهم وتربيتهم، اخرهم ولد قبيل وفاته بفترة قصيرة، وكانت حياتها صعبة كأرملة لها مسؤوليات عديدة ، منها كونها ناشطة في مجال حقوق المراة، والمنظمات المطالبة بحقوق العمال الرعاية الاجتماعية.  وما يزيد حياتها صعوبة كون افكارها كانت عموما متحررة جدا ، وتبدو متطرفة في ايامها، قياسا للاخلاق والعادات السائدة، وكثيرا ما اصطدمت بالكنيسة والمؤسسات المحافظة لأعتبارها الحرية الشخصية والروحية للمرأة من شروط تقدم المجتمع ، ففي كتاباتها كانت تدعو لتطوير مؤسسة الاسرة ، وما يسمى حاليا في اوربا "زواج التعايش" او  " الزواج المفتوح " او ما يعرف عندنا بالزواج العرفي .  ورغم النقد الشديد ، فأنها وبشجاعة نادرة ، واصلت نشاطاتها المتنوعة ، والكتابة لاجل كسر الكثير من التقليدي في حياة النساء مما اعتبر أيامها متناقضا مع السائد مما جعلها شخصية مثيرة للجدل والنقد بسبب افكارها المتحررة، خصوصا انها افتتحت خلال وجودها في مدينة كوبيو صالونا ادبيا ، تميز بالاجواء الليبرالية، تجتمع فيه النساء والناشطات للتداول في شؤون المرأة والمجتمع ، والى هناك صار يزورها الكثير من المثقفين والشخصيات ممن لعبوا دورا كبيرا في تأريخ فنلندا الثقافي والسياسي. اثار نشاط صالونها الادبي حنق وغضب الكنيسة والمؤسسات المحافظة، ففي صالونها مثلا تم الترويج لنظرية تشارلس دارون ومناقشة موضوع الحرية الجنسية قبل الزواج ، وحقوق العمال والكثير مما اعتبرته القوى المحافطة تحديا لها فراحت تحاربها بمختلف الوسائل وصارت الكنيسة ترسل لها التحذيرات .
في اعمالها الادبية، تعتبر "مينا كانت" من رواد الواقعية في الادب الفنلندي، واصدرت عشرين كتابا بين مجموعات القصص القصيرة والروايات والمسرحيات الى جانب كتاباتها الصحفية .  اول كتاب اصدرته عام 1878 وتحت اسم مستعار كان مجموعة قصصية. وتوالت اعمالها الادبية التي كانت تلاقي رواجا كبيرا، ومنها : في عام 1885 اصدرت واحدة من اشهر مسرحياتها ، مسرحية "زوجة العامل " ، في عام  1886  رواية "الفقراء " ، ومسرحية "آنا ليزا "  في عام 1895 و باقي الاعمال الادبية التي  صارت من كلاسيكيات الادب الفنلندي ، وأذذ كانت فنلندا دوقية ذاتية الحكم ضمن الإمبراطورية الروسية ، بعد ان كانت طويلا خاضعة للتاج السويدي، لإان اعمالها والمكتوبة باللغة الفنلندية ساهمت في ايقاظ الروح القومية عند الشعب الفنلندي .
في مسرحية "زوجة العامل " ، نجد جوانا المتزوجة من بريان المدمن على الكحول ، ومعانتها  مع زوجها الذي يبتزها ليبذر كل ما تجنيه من تعبها . ولا يمكن لجوانا الاعتراض والمانعة بسبب من القانون والتقاليد. كان عرض المسرحية مثل قنبلة او اعتبره البعض كالفضيحة، وعلى اثر ذلك وبعد ست شهور سن قانون خاص حول فصل الممتلكات بين الازواج ، كخطوة على طريق تحرير المرأة من التبعية الاقتصادية لزوجها. اما مسرحية "آنا ليزا"  فهي حول مأساة حول فتاة تبلغ من العمر خمسة عشر عاما تصبح حاملا بدون زواج، حاولت اخفاء الحمل، ولكن بعد ولادته ومن الذعر خنقته،  وبمساعدة صديقها ميكو اخفت  جثة الطفل في الغابة، ولكن بعد سنوات قليلة، عندما ارادت الزواج من  الشاب جون، الذي صار خطيبها، تتعرض  لابتزاز من قبل ميكو ووالدته، اللذين يهددانها بكشف سرها او الزواج من ميكو. رفضت آنا ليزا بقوة وقررت الاعتراف بما فعلت، وفضلت السجن على الخضوع للابتزاز، وحصلت على حكم مخفف ونالت  سلام الروح. وساهمت بعملها الفني هذا  من رفع مكانة المراة في المجتمع  والنظر لها بمنظار اخر.
 توفت "مينا كانت" فجأة اثر نوبة قلبية، عن عمر ثلاثة وخمسون عاما. فكم  من الاعمال الادبية والنشاطات كان بامكانها ان تنجز لو امتد بها العمر قليلا ؟!
 
             
تمثال في مدينة يوفاسكولا                                             طابع بريدي في الذكرى المؤية لميلاها




393
المنبر الحر / الأخطر من ذلك!
« في: 11:03 29/06/2014  »
الكلام المباح (69)
الأخطر من ذلك!

يوسف أبو الفوز

 نتابع بقلق معركة شعبنا وقواه المسلحة ضد قوى الارهاب والظلام، التي تحاول نشر سلطانها على أجزاء من ربوع وطننا لتحكم بقوانين العصور المظلمة، وتقتل الابرياء وتخرب المدن والتراث الحضاري لشعبنا بأسم الدين والدين منها براء، منفذة مخططات وأجندة اقليمية ودولية للسيطرة على عموم المنطقة من خلال أغراقها بالصراعات المذهبية والقومية. ونتابع تعليقات وتحليلات أهل العقل الداعين الى ضرورة عدم الركون فقط الى الحل العسكري لحسم المعركة ضد قوى الارهاب، مطالبين القوى السياسية بتفعيل دورها في إيجاد حلول سياسية للأزمة.
ولم يكن لأبي سكينة، في الايام الاخيرة، أي مزاج للحديث بأي موضوع أخر. لم أره بهذا المزاج العكر من فترة طويلة. كلما سمع خبرا عن سقوط ضحايا جدد وتقدم معين لقوى الظلام في منطقة ما، حتى تبدأ اصابعه ترتجف وهو يتحدث غاضبا، صابا جام غضبه على "البلاء الاكبر" في البلاد، مكررا بأن الاحتلال الامريكي زرعه في بلادنا وغذته دول اقليمية بتدخلاتها السافرة، وهو يقصد نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، الذي بنيت عليه العملية السياسية الحالية في العراق.
ورغم أننا حاولنا من خلال متابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم، ان نخلق اجواء أعتيادية في بيوتنا، الا اننا لم ننجح بذلك في بيت أبو سكينة. كان يجلس منطويا على نفسه، حزينا، مترقبا نشرات الاخبار،  وكان أبو جليل يشاركه الصمت والحزن، ويتبادلان النظرات بصمت وعيونهما تحكي لبعضهما البعض اشياء لم تغب عنا. وزاد من توتر الاجواء التشنج بين جليل وزوجته، الذي لمسه الحاضرون من خلال النقاش الحاد والاتهامات المتبادلة بينهما. حاولت سكينة ان تشيع جوا من التفاؤل بتعليقات ما، الا ان جليل قطع كلامها، بنبرة متشنجة :"لتخبرك صاحبتك لماذا أنا غاضب وزعلان، أساليها .. أيعقل ان سيدة مثلها، تجدين مطبخ بيتها يملأه النمل من كل لون؟ "
فصاحت زوجته محتجة :" عملت منها قصة وفضيحة، كل الامر أن الاطفال، تركوا علبة المربى مفتوحة، فتجمع النمل، هل هذا يستحق كل هذا التشنج والتنظيرات، وكان الأجدر ان تلوم نفسك لأن في فترة بعد الظهر تكون متابعة الاطفال من حصتك وأنا حصتي غسل الملابس؟"
وفجأة سعل ابو سكينة بصوت مفتعل، فسكت الجميع. أعتدل ابو جليل في جلسته. ووقفت أم سكينة في طريقها لدخول المطبخ ، لتصغي لما قاله أبو سكينة بغضب: " الدنيا وين وأنتم وين، الدنيا تحترق وأنتم اللي احسبكم متعلمين ومتحضرين، خصامكم حول هذا حصتي وهذا حصتك، أولا واخيرا أنتو اصحاب البيت وشركاء في الحياة فيه، ومسؤوليتكم مشتركة عن نظافة بيتكم وأدارة شؤونه، والله ... والله اذا بقى حالكم ، بهذا الشكل، كل واحد منكم يجر طول وعرض، فأبشروا راح بيتكم تكثر بيه الصراصير والفئران وحتى الجريذية !"


394
هل سيتم أغتيال نوري المالكي؟!

يوسف ابو الفوز
بعد ان تشعب الحديث ، ومر بعدة مسارات معقدة ، طرح محدثي عليّ السؤال المخيف بشكل مباغت ، وهو رجل محسوب على التيارات الاسلامية أساسا . واذ جعلت ذات السؤال عنوانا لحديثي هنا، فلست ادعو  شخصيا لهذا الفعل المدان أساسا، ولا اقف الى جانبه ابدا، واؤكد على ذلك تماما، فمهما اختلفت شخصيا مع اسلوب السيد نوري المالكي في ادارة شؤون البلاد، خلال توليه رئاسة الوزراء لدورتين متاليتين، لا يمكني كمؤمن بالعملية الديمقراطية وصندوق الانتخابات، استعياب وقبول اسلوب التصفيات السياسية الدموية كحل لاي ازمة، لكن يبدو ان هذا الامر صار  استنتاجا بدأ يتردد بصوت خافت في دوائر معينة، بعضها قريب الى السيد نوري المالكي نفسه، ويستند من يتحدثون بذلك الى ما يقال ويتسرب عن شدة وتعقيد الترتيبات الامنية حول الرجل، في تنقله وحركته ومنامه وفي مطبخ بيته.
من أين أتى مثل هذا الاستنتاج المخيف لمن يتحدث عن ذلك ؟
لقد استمر حكم صدام حسين طويلا، لاسباب عديدة، داخلية وخارجية، ودأبنا على تسميتها بالعوامل الذاتية والموضوعية. ودون الخوض في التفاصيل، يمكن القول ان من اهم اسباب صمود حكم الديكتاتور صدام حسين كان تبعثر جهد معارضيه على كثرتهم ، وعدم اتفاقهم ، لانهم غالبيتهم ـ حتى لا نظلم الجميع ـ كانوا مرتبطين أكثر بسياسات وطموحات "العوامل الخارجية"، لحد كانت تفوح من بعض الاطراف روائح التبعية المطلقة. استمر الديكتاتور صدام حسين يذيق العراقيين الذل والهوان طويلا ، ومعارضيه يواصلون عدم اتفاقهم ، حتى مل منه  أهم واقوى "العوامل الخارجية" فداست قوات الاحتلال اراض بغداد وازاحو "خنزيرهم" ــ على تعبير كبار مسؤوليهم ــ  الذي لم يعد نافعا لهم في المنطقة !
"العوامل الخارجية"، تتقاطع مصالحها كثيرا ، ولكنها ايضا كثيرا ما تلتقي في خطوط تكتيكية وسطية تضمن لها ابعاد خططها الاستراتجية الطويلة الامد ، فتشهد أكثر الازمات انفراجا وحلولا تحفظ فيها كرامة الاطراف المتنازعة ، وتزول فجأة كثيرا من العوائق الداخلية بطرق سحرية لا يدرك كنهها الا علام الغيوب .
تمسك السيد نوري المالكي بالولاية الثالثة لمقاليد السلطة في العراق اثارت الكثير من الحنق والغضب بين صفوف معارضيه ، الذين يتوزعون على كل الجبهات ــ  السنية والكردية اساسا ومعها اطراف من البيت الشيعي ــ وفقا لمعادلات المحاصصة الطائفية والاثنية البغيضة التي باركتها  "القوى الخارجية " بعد سقوط الصنم . المعارضون في داخل البلاد لتولي السيد نوري المالكي لولاية ثالثة، يتفقون على كثير من المشتركات في انتقاد سياسته التي اغرقت البلاد بالمزيد من الصعوبات الاقتصادية ، مع استمرار تعثر الخدمات وانقطاع الكهرباء، واقصاء الاخرين عن المشاركة في الحكم وصنع القرار والتفرد بمقاليد الحكم مما سبب توترات في غرب البلاد ، وزاد الطين بلده ما حققته العصابات الارهابية الظلامية من نجاحات على الارض حيث تمددت وزحفت واستولت على مناطق واسعة من اراض الوطن، وسط اجواء ملبدة بالتوجس والارباك وروح التخوين .
المعارضون للولاية الثالثة، ليسوا متفقين تماما، على خطة واضحة للخروج من المأزق الذي تعانيه البلاد، فالحلول المطروحة لا زالت تعبر عن حفظ مصالح كل  طرف، قبل ان تكون تفكيرا في حفظ مصالح مستقبل الوطن، مما يجعل المتابع يفهم تجاهل الفرقاء لدعوات جادة وجهتها قوى وطنية عراقية اصيلة في الدعوة لعقد مؤتمر وطني، في اقرب وقت ليعمل لاجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، واسعة التمثيل، تشارك فيها القوى الفاعلة في العملية السياسية، وتلك التي ساهمت في إسقاط الديكتاتورية، وبعيداً عن نظام المحاصصة الطائفية وتكون قادرة على انتشال البلاد من أزمتها الأمنية والسياسية ، تعمل على تبني برنامج سياسي واضح بسقف زمني محدد ، مدركين ان حكومة من هذا النوع ستحظى بدعم قطاعات واسعة من أبناء الشعب.
ومع بدأ تصاعد المزيد من الاصوات من جانب الحلفاء في "التحالف الوطني " الشيعي وتسرب تفاصيل سيناريوهات لتشكيل الحكومة القادمة وبروز اسماء مرشحين لتوليها، وكلها تعارض تسمية نوري المالكي لولاية ثالثة، صارت تتسرب الاخبار عن بعض الاسماء ومن داخل تحالف "دولة القانون " التي تتحدث بصوت خافت في اللقاءات والكواليس عن بدائل لنوري المالكي من داخل الدائرة المقربة اليه، لكن السيد نوري المالكي يبدو اكثر تشبثا بموقعه وسياسته، مما جعل الاصوات تتعالى بهمس مسموع ، ومعا الاستنتاجات المخيفة : هل يعمد البيت الشيعي، واقرب حلفاء نوري المالكي وبدعم وتفاهم مع "العوامل الخارجية " القريبة، وعلى غرار ما حدث في البعض من بلدان العالم،  ولاجل انقاذ ما يمكن انقاذه وحفظ المصالح في المنطقة، الى ازاحة السي نوري المالكي بطبخة مسمومة، او بكاتم صوت أو عبوة ناسفة، او سيارة مفخخة ينسب فعلها للمنظمات الارهابية، ولا ضير عند اصحاب هذا السيناريو المخيف بالطبع من تحويل الرجل الى شهيد واللطم عليه لبعض الشهور والسنوات ؟؟
26 حزيران 2014




395
في هلسنكي وقفة تضامن ضد الارهاب في العراق


هلسنكي ـ مراد ياسين
 
في العاصمة الفنلندية، هلسنكي ، في يوم 18 حزيران الجاري،ورغم الجو الممطر،  توافد ابناء الجالية العراقية، من هلسنكي وضواحيها، ومن مختلف المناطق في فنلندا، وبعضهم مدن بعيدة، للمساهمة في وقفة التضامن ضد الهجمة الغادرة التي يتعرض لها الوطن من قبل عصابات الارهاب الداعشية المتحالفة مع شرادم البعث . وقفة التضامن  نظمت بدعوة مفتوحة من قبل شخصيات مستقلة ومنظمات المجتمع المدني وبعض المراكز الدينية وبدعم من الأحزاب العراقية العاملة في فنلندا. وكان مكان الوقفة عند مقر مفوضية الاتحاد الاوربي، حيث وقف في الساحة المواطن الكردي الى جانب العربي ، والسني الى جانب الشيعي، معربين عن ثقتهم بمستقبل العراق ، حاملين الاعلام العراقية ومرددين الشعارات المنددة بقوى الارهاب والتي تحيّ الجيش العراقي ومساعيه لتنظيف اراض الوطن من الدخلاء والمأجورين لمخططات اقليمية تستهدف مسيرة الديمقراطية في الوطن، وتعالت الشعارات والهوسات المعادية الارهابية ولاجل السلام في العراق.
السيد رياض قاسم مثنى، سكرتير البيت العراقي في توركو ، الذي حضر من مدينة توركو (149 كم غرب العاصمة هلسنكي ) خصيصا للمساهمة في الفعالية قال لنا : "حالما علمت بالفعالية تركت كل شيء وحضرت للمساهمة، لانه ابسط شيء يمكن ان نقدمه لابناء شعبنا في هذه الاوقات العصيبة، هو ان نشعرهم انهم ليسوا وحدهم، واننا معهم في معاناتهم وجهودهم لاجل حماية الوطن".
السيدة شادمان علي فتاح، التي كانت ضمن الوفد الذي سلم رسالة خاصة لمفوضية الاتحاد الاوربي قالت لنا :"  انطلاقا من اهمية كسب الرأي العالمي الى جانب محنة شعبنا ووطننا، كانت مساهمتنا في ايصال الرسالة، التي حملت  موقف مجاميع من ابناء الجالية العراقية في فنلندا لتطلع عليها الدوائر الاوربية ذات الشأن " .
ومن الجدير بالذكر ان الرسالة التي قدمت الى مفوضية الاتحاد الاوربي اشارت في جانب منها الى  ان : "ألارهاب لا دين ولا طائفة له، وهو موجه  ضد الانسانية ككل. وما يجري الان على اراض وطننا العراق من هجوم ارهابي واسع وبدعم اقليمي، تعززه الوقائع، تنفذه جماعات متشددة تحت ستار ديني، يخالف عقيدة الاسلام الحقيقي وتعاليمه السماوية كدين للتسامح . وان العمليات الاجرامية التي نفذتها هذه الجماعات، ضد المدنيين العزل والاطفال والنساء وكبار السن من قتل وترويع وقطع الرؤوس وتخريب ممتلكات، لدليل واضح على وحشيتهم في استهداف كل انسان بدون استثناء . وان ارهابهم هذا ايها السادة لايستهدف العراق والمنطقة فحسب بل يستهدف العالم برمته" ، تجدر الاشارة الى أنه لبى الدعوة وحضر المكان بعض المثقفين الفنلنديين معربين عن تضامنهم مع شعبنا العراقي ، وغطت وسائل الاعلام الفنلندية الفعالية بحضور متميز . 
 


396
الكلام المباح (68)
 
السعادة بين الغرور والعمى!
يوسف أبو الفوز

في كل مرة، يؤكد عليّ صديقي الصدوق، أبو سكينة، أن لا أنسى حزمة الصحف خلال زياراتي الدورية لبيته. ورغم جلبها معي مثل كل مرة، إلا أني رميتها جانبا، عله ينساها ، فالاخبار الحزينة تحيطنا من كل صوب. أخبار الموت تتوارد من كل مكان. العنف يطغي على كل الاخبار. ماذا اقرأ له؟عن تقارير الموت في بغداد وسامراء والانبار والموصل والمدن العراقية الاخرى؟ عن نشاطات الارهابيين واختراقاتهم التي لا تتوقف؟عن أخبار النزوح المتواصل؟ أو عن ما تنقله الوكالات من أن اكثر من اربعة الاف عراقي قتلوا في أعمال عنف يومية منذ بداية هذا العام، وفقا لحصيلة أعدتها وكالة "فرانس برس" استنادا إلى مصادر رسمية؟ بينما تتواصل السجالات الحامية بين الكتل السياسية في ماراثون تشكيل الحكومة القادمة ؟!
كان أبو سكينة مشغولا يلاعب حفيده، أبن سكينة، وظننته نسيّ موضوع الصحف، حين صاح بي أبو جليل: يبين ما عندك مزاج اليوم تقرأ لنا الجرايد؟  أبتسم جليل لأني سبق وأخبرته عن ما يدور بخاطري، فقال لأبيه: سيقرأ لكم، لكن سيكون ذنبكم .
 التفت أبو سكينة لنا، وهو يواصل ملاعبة حفيده: أعرف ليش يخاف يقرأ الجرايد. وأطلق ضحكة، وواصل كلامه: بويه أحوالنا تعبانة، فأقرأ لنا مقالات على الخفيف، يعني اللي ما بيها موت ودم وأنفجارات. وكنت مضطرا لأفتح الصحف فواجهني مقال عن دراسة نشرها معهد "جالوب" لقياس الرأي العام، أفادت بأن العراق جاء ضمن البلدان الأتعس في العالم. حيث أعتمد الباحثون على استفتاء مواطنين في 138 بلدا في عام 2013، وسألوهم عن حالتهم النفسية وحالات الغضب، الحزن، القلق أو الالم الجسدي، وأوضحت الدراسة أن أعلى مؤشر للمشاعر السلبية وجدوه في العراق، أرتباطا بالمشاكل الامنية والسياسية والاقتصادية، ومنها البطالة والفقر وتواصل النزوح والهجرة، مما يجعل حياة المواطن في عدم استقرار وخطر دائم.
واصل أيو سكينة ضحكته، مد رقبته وقال: شنو تعتقدون راح نصير بلد سعيد بقرار وزاري؟ سالفة السعادة تحتاج شغل، حتى يمشي البلد على الطريق الصحيح، ونبني السلام ودولة القانون والمؤسسات بلا محاصصة وفساد!
تنحنح أبو جليل: بس هذا المسؤول اللي طلع بالتلفزيون قبل شويه قال ... !
قاطعه أبو سكينه:يا صاحبي، هذا المسؤول مثل الذي شاف روحه بالمرايه وقال لزوجته .. أشوف روحي مثل القمر، فلا تحسبين هذا غرورا؟ زوجته من ضيمها، هزت يدها وقالت له : هذا مو غرور، هذا عمى !


397
هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
كل الجهود الوطنية المخلصة لدحر قوى الارهاب الظلامية والبعثية

يعيش أبناء شعبنا العراقي، أياما عصيبة ، مع الخطر الداهم، الذي مثلته رايات الموت التي رفعتها عصابات "داعش" التكفيرية الظلامية بالتحالف مع شراذم البعث الصدامي، وشنها لهجمات شكلت اختراقات بالغة الخطورة للأوضاع الامنية في بلادنا، مهددة وفي مناطق واسعة حياة ابناء شعبنا، في الموصل وسامراء والمناطق القريبة، مما سبب حالات نزوح واسعة للمواطنين بحثا عن اماكن اكثر أمنا .
ان الارهاب عدو جميع ابناء شعبنا العراقي، وان الوطن الذي يتعرض لمخاطر جدية هو فوق الجميع، وله وحده يجب ان ننتمي في دفاعنا عن مستقبله ومستقبل الاجيال القادمة. ان الواجب يدعونا للتكاتف جميعا، احزاب ومنظمات مجتمع مدني وجماهير شعبية ، لدعم جيشنا الباسل في مهمة الدفاع عن مصير وطننا وبالتالي مصير العملية السياسية بأكملها. ان الواجب يدعونا للترفع فوق كل الصغائر وفوق المصالح الفئوية والتحزب الضيق، والتكاتف  والعمل الجاد بمستوى المسؤوليات لافشال مخططات شراذم الجريمة والقوى الخارجية الداعمة لها والتي تنوي شرا ببلادنا .
وليس سوى الجيش كمؤسسة مؤهلة للدفاع عن الوطن، لذا يحتاج للدعم المخلص والالتفاف حوله ، بعد اعادة هيكلته ووضعه تحت قيادات مخلصة بعيدة عن الولاءات الجانبية، اذ لا ولاء سوى لارض الوطن.  ولا يمكن لاي جيش في العالم ان يصمد ويخوض معاركه بنجاح ان لم يكن ظهره محميا بوحدة ابناء شعبه، بأنتمائهم للوطن.
حان الوقت للعمل الجاد لاجل افشال المخططات التي تنوي ابعاد شعبنا عن بناء مستقبل جديد، واغراقه بحرب طائفية تعززها نعرات قومية .
يعيش العراق  ..
المجد لكل الشهداء الذين سقطوا في معارك الايام الاخيرة .
 النصر لجيش العراق الباسل والتحية لكل ابناء القوات المسلحة والقوى الامنية .
سيروا يا ابناء جيشنا الباسل ونحن معكم لاجل  حماية الوطن ولاجل بناء العراق الديمقراطي الاتحادي الموحد  .
ويا ابناء شعبنا في كل مكان ... لنحشد كل الجهود وبروح وطنية مخلصة لدحر الإرهاب وقواه الظلامية .
هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
الحزب الشيوعي الكوردستاني ــ العراق /منظمة فنلندا
حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا
المجلس الاعلى الاسلامي العراقي / مكتب فنلندا
الاتحاد الوطني الكردستاني / منظمة فنلندا
الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا
الحزب الشیوعی العراقی / منظمه‌ فنلندا
الحركه‌ الدیمقراطیه‌ الاشوریه‌ / منظمه‌ فنلندا

هلسنكی فی 13/6/2014
لمزيد من المعلومات يمكن الاتصال بالسكرتير الدوري للهيئة، ممثل الحزب الشيوعي الكردستاني ـ العراق .

398
وجوه متميزة
فيّ الشمخاوي بطلة في لعبة التايكوندو



يوسف ابو الفوز
فيّ الشمخاوي، شابة جميلة وخجولة، تقول أمها، السيدة سعاد عزيز دحام عنها : "أنها في البيت مثل الحمامة وقليلة الكلام، ولا يصدق من يتعرف اليها انها تمارس رياضة مثل التايكوندو، فمظهرها لا يوحي بذلك تماما". عانت عائلة فيّ من عسف وظلم النظام الديكتاتوري المقبور، فاضطروا لمغادرة الوطن، فكانت ولادتها في دمشق عام 2001، ومن هناك انتقلت عائلتها الى النرويج، وحاليا يعيشون في مدينة  (Trondheim). هي طالبة مجتهدة في الصف السابع كما تقول اخواتها. التقيناها عبر وسائل التواصل الحديثة  لنقدم لها التهنئة بمناسبة نيلها الحزام الاخضر في لعبة التايكوندو، وبتردد راحت تجيب على اسئلتنا وبصعوبة انتزعنا منها الكلام، ولكن اجوبتها كانت واضحة جدا :
   لماذا هذه الرياضة بالذات، وهل تجدينها تتلائم مع الفتيات لممارستها؟
ـ أجدها رياضة مثل غيرها، وان كانت تتميز بالحركة والقوة، وقبل هذا لعبت لعدة سنوات كرة القدم، وأحببت التغيير، ووجدت ان رياضة التايكوندو تتطلب لياقة عالية ومرونة في حركة الجسد، وهي لا تعلم فقط الدفاع عن النفس، بل تعلم الانسان الجرأة وسرعة الرد وتتطلب الهدوء والتركيز، وهي تلائم الفتيات مثلما تلائم الفتيان.
   وكيف يسير برنامج التدريب؟ وكيف يمكن التوفيق مع برنامج المدرسة ؟
ـ برنامج التدريب صعب ومستمر لمدة خمس ايام في الاسبوع ، كل يوم ساعتين، ولدينا تدريبات مختلفة على الحركات وتطوير اللياقة، اضافة الى الركض. عائلتي ، خصوصا أمي، تدعمني وتشجعني، واخواتي يمارسن الالعاب الرياضية ايضا فيدعمني، وهم  جميعا يسهلون لي كثيرا التوفيق في توزيع وقتي ما بين المدرسة والرياضة والبيت، ويهمني جدا مدرستي  ودراستي .
   هل يمكن ان تحدثينا عن أهمية نيلك الحزام الاخضر وتسلسل الاحزمة ؟
ــ  الحزام الاخضر، هو الرابع في تسلسل الاحزمة في رياضة التايكوندو، يسبقه الابيض والاصفر والبرتقالي، ويليه الازرق والاحمر، ثم الاحمر بثلاث خطوط، وثم الاسود الذي يتدرج حتى عشرة خطوط. وهذا يعني انه مرحلة وسط للتقدم لاجل الافضل .

   وهل لديك النية للاستمرار ؟
ـ لن اتوقف حتى أحصل الحزام الاسود بعشرة خطوط !
   الا تخشين ان هذه الرياضة قد تعلمك العنف او الخشونة؟
ــ لا اعتقد ذلك، فأنا امارس هذه الرياضة منذ فترة ، وحصلت على الحزام الاخضر ولم يلاحظ أهلي اي تغيير من هذا النوع ، وعلاقتي مع اصدقائي وزملائي جيدة، بل صرت اكثر هدوءا، وجسمي صار اكثر مرونة ولياقة، فطولي 167 سم بينما وزني 57 كم ، وهذا جيد أرتباطا بعمري.
   ماذا تقولين للفتيات في عمرك ؟
 ــ اشجع كل فتاة على ممارسة الرياضة، اذ ان الفوائد كثيرة ، ليس فقط للصحة ولياقة الجسم ، بل  وتكسب الانسان المزيد من الصفات الايجابية والاصدقاء !



399
رغم المعاناة هو مزهر رغم الجراح !



  يوسف أبو الفوز
عن المركز الثقافي العراقي في السويد ودار نشر فيشون ميديا (Visionmedia ) السويدية صدر مؤخرا للكاتب والاعلامي مزهر بن مدلول كتاب "الدليل ـ تجربة ومعاناة"، وجاء الكتاب من 202 صفحة، من الورق الابيض، من القطع المتوسط وبغلاف من تصميم شاكر عبد جابر. ورغم الكتاب اغفل ذكر أسم المصور الذي التقط صورة الكاتب التي حملها الغلاف الاخير، فيسرني ان تكون الصورة بعدستي حين ألتقيت أبو هادي منتصف ايلول 2012  في كوبنهاغن .
الصفحات الاخيرة من الكتاب ضمت مجموعة من الشهادات لعدة كتاب ممن اطلعوا على المخطوط ، منهم كريم كطافة، نجم خطاوي، رشيد غويلب، ويشرفني أن يكون أسمي من بينهم ، وهذه شهادتي :
أعترف بأني منحاز لهذه النصوص، التي كتبها صديقي ابو هادي، سواء تلك التي تتكأ على حواف الحكاية، او تلك التي تسرق من الشعر سحره وموسيقاه.
لقد رافقت هذه النصوص وهي مازالت افكارا، من خلال لقاءاتنا المتواصلة عبر تكنولوجيا الاتصالات، فكانت تطوف في احاديثه حكاياتٌ ساحرة وتظهر كأنها حلقات  في مسلسل يومي!، فصرخت به يوما :
ـ لماذا لا تكتب ذلك ؟
ـ وهل انا بكاتب ؟
ـ لست انت من يحدد ذلك ، اكتب هذه الافكار ودعها تطير مثل العصافير وسنرى!.
فماذا رأينا حين بدأت صفحات المواقع الاليكترونية وصفحات "طريق الشعب" تنشر نصوصا متوالية للصديق ابو هادي؟.
يعجبني في الانسان تواضعه، ويسحرني في الكاتب صدقه مع نفسه ونصه، وعند ابو هادي اجد كل هذا، ربما لكونه لايكتب بفذلكه ادبية ولامحضورات نقدية فكانت روحه المفعمة بالمرح والنكته تجبره وتدفعه لان يفتح اقواسا في النص ليزرع فيها تعليقاته بالمحكي والفصحى مثل بذرة ترتوي بضحكة او دمعه لتزهر رغما عنك زهرة فواحه بالانتماء للنص وكاتبه!.
لم أنس ان ابو هادي اسمه (مزهر!)
الامر ليس لعبا بالكلمات، فتلك المشاهد من الكوميديا السوداء عن رحلته عبر الصحراء، لا تستدر ضحكاتنا بقدر عواءنا ونحن نراه يروي لنا بشكل ساخر كيف حشروه لساعة ونصف داخل محرك سيارة لاجل تهريبه الى الكويت!.
انها نصوص حياتية مفعمة بالمدهش والمحزن والمتعب، كما انها نصوص مفعمة بالامل رغم كل الجراح، ف"الدليل" لم يكن الا فجر يوم اخر يحمل فصلا جديدا من حكاية لم يتعب راويها من البحث عن يوم اجمل وعن ليلة سعيدة حيث يكون الحلم ممكنا!.
انه مزهر .. مزهر رغم الجراح!

400
هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
  بلاغ عن الاجتماع الدوري
عقدت هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا اجتماعها الدوري في يوم 24/5/2014 في العاصمة الفنلندية، هلسنكي، وبحضور ممثلي الاطراف السياسية المشتركة فيها. بدأ الاجتماع بقراءة سورة الفاتحة ودقيقة صمت على ارواح الشهداء من ابناء شعبنا، بعدها تسلم ممثل الحزب الشيوعي الكوردستاني ــ العراق /منظمة فنلندا في هيئة التنسيق  سكرتارية الهيئه وشكر وبأسم الهيئة السكرتير السابق للهيئة ممثل حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا، لجهوده المبذوله في ادارة عمل الهيئة للدورة السابقه.
تدارس الاجتماع بالتفصيل، موضوع انتخابات  مجلس النواب في العراق في 30 نيسان المنصرم ، وسجلوا التهنئة لابناء الشعب العراقي لانجاز مهمة حضارية، بغض النظر عن النتائج وتداعياتها، فالصندوق الانتخابي والتداول السلمي للسلطة هو من سيحدد مستقبل الاجيال القادمة. وتوقف الاجتماع عند أستجابة المفوضية المستقلة للانتخابات للاقتراح المقدم من هيئة التنسيق لافتتاح مركز انتخابي في فنلندا، وقد حظي الاقتراح بدعم من السفارة العراقية في فنلندا، التي قدمت تسهيلات عديدة، ومن ابناء الجالية العراقية الحريصين على مشاركتهم في اداء حقهم الانتخابي. وسجل الاجتماع امتنانه لكل الجهود التي تضافرت لتجاوز العراقيل التي برزت وكادت ان تعطل افتتاح المحطة، فقد تعاونت اطراف عديدة، من احزاب سياسية وسفارة، شخصيات مستقلة واكاديمية ودبلوماسية لاجل نجاح افتتاح المحطة الانتخابية. وعبر الاجتماع عن شعور الامتنان لكل من ساهم في انجاح التجربة التي ستكون اساسا للمستقبل ليكون لابناء الجالية مركزا انتخابيا مستقلا وليس تابعا. وتوجه الاجتماع بالشكروالتهنئة لكل ابناء الجالية ممن ساهموا بالانتخابات وممن تحملوا مشاق السفر من مدن بعيدة رغم كل الانشغالات والالتزامات، وعسى ان تشهد السنوات القادمة مشاركة اوسع. واتفق الاجتماع ان ابناء شعبنا يتطلعون لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة وفق الاستحقاقات الانتخابية، ويتمنون ان تكون حكومة عمل وانجازات، للنهوض بواقع بلدنا الذي اثختنه الاعمال الارهابية القذرة من القوى التكفيرية الظلامية وشراذم البعثيين الصداميين المتحالفين معهم، وان يتم النهوض بالواقع الخدمي والامني والمعيشي للمواطن .
وكون هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا يمثل جمهورها شريحه من ابناء الجالية العراقية، فقد ناقش الاجتماع العديد من الامور التي تخص اوضاع ابناء الجالية العراقية في فنلندا، واتفقوا على القيام بالزيارة الدورية الى السفارة  العراقية في فنلندا.   
ختاما توجه الحاضرون بالدعاء الى الباري عز وجل ان يحفظ العراق وشعبه وان ينعم عليهم بالامن والاستقرار والتقدم .
هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
الحزب الشيوعي الكوردستاني ــ العراق /منظمة فنلندا
حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا
المجلس الاعلى الاسلامي العراقي / مكتب فنلندا
الاتحاد الوطني الكردستاني / منظمة فنلندا
الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا
الحزب الشیوعی العراقی / منظمه‌ فنلندا
الحركه‌ الدیمقراطیه‌ الاشوریه‌ / منظمه‌ فنلندا
هلسنكی فی 24/5/2014
لمزيد من المعلومات يمكن الاتصال بالسكرتير الدوري للهيئة، ممثل الحزب الشيوعي الكردستاني ـ العراق .


401
متاحف جوجنهايم تصل الى فنلندا !

متحف جوجنهايم في بالبوا Bilbao في إسبانيا 
هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
  في شهر اّذار الماضي، ومن جديد راحت وسائل الاعلام الفنلندية ، تناقش وبحرارة ، ومن ومن وجهات نظر مختلفة ، موضوع المشروع الثقافي المثير للجدل للغاية، إلا وهو مشروع متحف جوجنهايم في هلسنكي  Guggenheim museum . وكانت مجلس بلدية هلسنكي عام 2011 رفض المقترح خلال التصويت، لكن المقترح اثير من جديد وفاز بالاصوات الكافية ولاقى القبول. الاخبار من مصادر عديدة مطلعة قالت ان مسابقة معمارية دولية مفتوحة لمتحف جوجنهايم في هلسنكي ستبدأ في حزيران / يونيو في العام الحالي. ويتوقع أن المسابقة ستقبل مساهمات المعماريين من داخل فنلندا ومن خارجها، وستكون هذه المسابقة الخطوة الثانية في مشروع مؤسسة جوجنهايم التي أستلمت الموافقة الأولية في سبتمبر / ايلول العام الماضي . ومن المتوقع أن تستمر المسابقة لمدة سنة كاملة ، وتنظمها مؤسسة جوجنهايم بالتعاون مع الجمعية الفنلندية للمهندسين المعماريين، ومدينة هلسنكي والحكومة الفنلندية ، وتم اختيار الموقع المحتمل للمتحف في الجانب الجنوبي من ميناء هلسنكي.
لم يتم بعد وضع اللمسات الأخيرة لتفاصيل المنافسة، بما في ذلك الجدول الزمني المحدد ، ولكن من المتوقع أن يتم الانتهاء منها خلال فصل الربيع . وتقدر الميزانية للمنافسة على مستوى مليونين ومئتين الف يورو  (2.2 مليون يورو) .  وان القرار النهائي حول  تحديد ما إذا سيتم إنشاء المتحف سيكون في وقت ما بعد الانتهاء من المسابقة.
المشروع أثار الكثير من الجدل و المعارضة في الاوساط الفنية، والاعتراضات بين اوساط المثقفين وهناك العديد من منظمات المجتمع المدني ايضا ، وخاصة بعض الفنانين الفنلنديين فانهم لا يريدون قيام المشروع ، ووقع اكثر من مئة فنان فنلندي على عريضة طالبوا بأن تصرف الاموال على ترميم وتجديد متحف هلسنكي الوطني بدلا من ذلك. الأسباب التي يستندون اليها ، هي ان مؤسسة جوجنهايم استخدمت أساسا سمعتها لجمع المال لنفسها ، وانها مؤسسة تجارية أكثر منها فنية، وأن بعض مشاريع متاحف جوجنهايم في جميع أنحاء العالم لاقت الكثير من الفشل ، وأيضا، يقول بعض النقاد، انه في هذا المشروع سيتم استبعاد الفن الفنلندي من المتحف الذي ستخصص في اقامة معارض للفن الحديث من مختلف ارجاء العالم، وان متاحف العاصمة لها برامجها الحيوية في اقامة المعارض التي ستتأثر بخطط المتحف الجديد ، وهناك العديد من المجموعات التي تعارض مشروع المتحف نظرا لتكاليفه الضخمة، التي سيكون جزء كبير منها عبأ على دافع الضرائب  الفنلندي ، تجدر الاشارة الى ان وزير الثقافة الفنلندي (من حزب اتحاد اليسار) وفي وقت سابق قبل استقالته في 25 اذار الماضي، احتجاجا عللى ميزانية الدولة الجديدة التي اقرتها الحكومة الفنلندية نفس يوم الاستقالة ، اشار وفي تعليقه على مساهمة وزارته في مشروع المتحف الى انه لا توجد في ميزانية الوزارة خطة للمساهمة في مشروع المتحف ، وأن وزارته لا تملك الموارد الكافية لانجاز العديد من المشاريع الوطنية واضطرت لتخفيض ميزانيات بعض المشاريع .
على الجانب الآخر، فأن مؤيدي المشروع يأملون أن هذا المتحف قد ينشط السياحة الى فنلندا، مثلما فعل متحف جوجنهايم في بالبوا Bilbao في إسبانيا في اقليم الباسك الذي افتتح للجمهور منذ عام 1997، ويقولون من الممكن أن يلاقى المتحف النجاح ، ويجعل من هلسنكي مقصد فني مشهور.
وتجدر الاشارة الى أن رجل الاعمال الامريكي الثري ، ومالك عدة حقول تعدين عن الذهب ، سولومون روبرت جوجنهايم (1861 ــ 1949) ، والمحب للفن ، ومن بعد نهاية الحرب العالمية الاولى ، اهتم بجمع الاعمال الفنية واسس مؤسسة بأسمه اهتمت بمواصلة جهوده ، وافتتح اول متحف له عام 1939 ، وثم أنشأت متحف سولومون جوجنهايم  في مدينة نيويورك، الولايات المتحدة ، الذي افتتح عام 1959 ، وصار المقر الدائم للمؤسسة ، وحاليا يشرف على ويديرعدة متاحف بأسم المؤسسة افتتحت في فترات لاحقة في العديد من دول العالم ، وتعتبر من المعالم المعمارية والفنية ، ومنها متاحف في فينيسيا ، برلين، لاس فيغاس وأبو ظبي ، وتنظم عادة معارض في الفن الحديث على مدار السنة .

 

402
الكلام المباح (66)
ما يلزم حمدان بروانة ؟!
يوسف أبو الفوز
حالما أنتهت أنتخابات مجلس النواب، حتى اشار المراقبون، الى ان ما هو مشترك عند الكثير من العراقيين، كان الذهاب الى الانتخابات بأعتبارها الحل السلمي والديمقراطي لتغيير الحال المزري الذي وصلت اليه البلاد، والذي خلق ظروفا غير طبيعية جرت فيها الانتخابات، فتركت تأثيرها الواضح على  التهيئة لها وعلى مجرياتها ، وبالتالي على نتائجها.
 كان صديقي الصدوق، ابو سكينة مستاء وهو يتابع ما قيل عن كون الاجهزة المعنية، من المفوضية الى الحكومة، كالت بمكيالين في تعاملها المباشر مع مجريات الاحداث، قبل وخلال اجراء الانتخابات.
ومن جانب أخر فان مجمل الاجواء السائدة، كانت عاملا مساعدا لمزيد من التدخلات الاقليمية والدولية في شؤون البلاد. تحدث جليل عن الدعايات الانتخابية التي لعب فيها المال السياسي الداخلي والخارجي، دورا بارزا في شراء ذمم  البعض، وجاء بأمثلة صارت معروفة للقاصي والداني. تحدثت سكينة عن نماذج من الخروقات الانتخابية التي سجلها مراقبون محايدون. رويت لهم كيف ان دبلوماسيا شارك في الانتخابات في دولة اوربية وحضر بمستمسكات مستنسخة وهو مخالف لتوجيهات مفوضية الانتخابات حيث تطالب بوثائق اصلية، والى جانب كون وثائقه صادرة من العاصمة بغداد، رغب بالتصويت لمرشحه في محافظة معينة، مما جعل مسؤولي المركز في حيص بيص من الحيرة ، فاضطروا لتغطية الامر وتمشيتة بالضد من رغباتهم والقوانين. ضحك ابو سكينة فالتفتنا اليه جميعا، واضاف: قصدك مثل سالفة حمدان بروانة ؟
وهذه حكاية طالما كررها ابو سكينة، حين جرى التنافس على مختارية قرية آل عودر، واذ شعر حمدان بروانه ان الفرصة ربما مؤاتيه له، وربما ينجح في ازاحة المختار القديم ، الذي شبعت الناس من وعوده وخططه، التي لم تنفذ لجلب الرخاء للقرية، وقف خطيبا باهل القرية، ووزع ماشاء له من الوعود، واخذه الحماس واهتاج، وطالب اهل القرية بالالتزام بالعدل والانصاف، وان يقدموا للمحتاجين من اهل القرية ما يفيض عن حاجتهم :(اذا كان عندك بطانية نوم زائدة قدمها لجارك المحتاج ، واذا عندك قدرين قدم احدهما لجارك الذي لا يملك واحدا. احتفظ لنفسك فقط بما تحتاج، حتى تريح ضميرك وترضى عنك الناس ويرضى عنك رب العالمين).
وبعد ان دار حمدان بروانه هنا وهناك وعاد الى بيته متأخرا، وجد ان زوجته قد وزعت للجيران واهل القرية نصف ما كان عنده في البيت، فصاح بها مصعوقا : ماذا فعلت يا أمرأة ؟ فاجابته بهدوء ورضا نفس، بأنها فعلت ما كان ينادي به ويطالب الناس بفعله ! فصاح غاضبا : هدمت لي بيتي ، نحن نطالب الناس بفعل ذلك ولا نلزم انفسنا به !


403
الأسطه علي فتاح درويش .. شيوعي لم يهب الموت !



يوسف أبو الفوز
تُعرف معاجم اللغة ، كلمة البُطولَةً ، بأنها الشجاعة والاقدام ، أو حين يستشهد المرء في ساحة المعركة دون تردد ، ويتفق الباحثون وعلماء النفس، في كون البطل انسانا مميزا ، يرى ما لا يراه الاخرون، ويتمتع بوعي عميق لما يقوم به ، ويؤمن بالتضحية وبكون رسالته ومبدأه أسمى من أي رغبات اخرى ، حتى حياته. والى كل ما تقدم ينتمي بطلنا المتميز، الكادح "اسطه علي "، وأسمه الكامل علي فتاح درويش ، مواليد عام  1936، في مدينة حلبجة. يشهد كل من عرفه ، كونه انسانا عصاميا. عاش في مدينة السليمانية ، واشتغل منذ صباه المبكر في مختلف المهن ليعيل نفسه ، ثم أستقر في العمل في ورشة تصليح الحاصدات الزراعية لمديرية الزراعة في مدينة السليمانية. حياة الكدح الشاق ، قادته للتعرف الى الشيوعيين، المناضلين لاجل حقوق الطبقة العاملة، فوجد طريقه بشكل مبكر للانضمام لصفوف الحزب الشيوعي العراقي، وتعرض بسبب ذلك للاعتقال.  اجتهد بشكل ملحوظ في تنمية وعيه ومعارفه بالقراءة المستمرة وتعليم نفسه بنفسه. عرفه أبناؤه أبا حنونا ، وحرص على  تربيتهم  بروح الانسانية والتمدن والاعتماد والثقة بالنفس. حين بدأت سلطات النظام الصدامي الديكتاتوري اواخر سبعينات القرن المنصرم، حملتها البوليسية المنظمة ، ضد الشيوعيين العراقيين في كل ارجاء العراق ، ناله من اجهزة النظام البوليسية  الكثير من المضايقات، اذ حرموه من بعثة الى روسيا رشح لها لشراء معدات احتياطية للمكائن الزراعية في مكان عمله، وحرموه من حقه في استلام بيت كان مقررا ان يستلمه من الدولة، كل ذلك بسبب انتماءه ونشاطه السياسي في الدفاع عن حقوق العمال والكادحين . وبسبب من حجم المضايقات وتنوعها وتواصلها ، اضطر لترك وظيفته في الدولة عام 1979 ، وعمل في القطاع الخاص، في قطاع تشييد البيوت، وصار الناس يعرفونه بأسم "اسطه علي"، ولا تزال في مدينة السليمانية ثمة بيوت قائمة من التي ساهم في بناءها تلك الايام.  
قالت لنا أبنته الرفيقة شادمان :
ــ  مع تواصل اجهزة النظام البعثي البوليسية في مضايقة والدي ، انتقلنا عام 1984 الى  مدينة حلبجة، واختار والدي حلبجة لانها قريبة الى الجبل، حيث حركة الانصار الشيوعيين الناشطة، وايضا تواجد كبير لاقربائه من ابناء عشيرته الجاف، وهذه العوامل مجتمعه تكسبه الحماية والقوة ، وهناك واصل نشاطه الحزبي ، وصار من الوجوه المعروفة في عمل ونشاط الحزب الشيوعي في المدينة .
الرفيق احمد رجب ( سيروان ) قال عن الشهيد :
ــ تعرفت على الصديق والرفيق علي فتاح من خلال العمل الحزبي في مدينة السليمانية في سبعينات القرن الماضي ، إنضّم الى هيئة حزبية قيادية وكنت مُنظّماً لها، وكانت الهيئة خاصة بعمال البناء والمشاريع ، وتشرف على عمل عدة خلايا فكان الرفيق علي فتاح لولبا في العمل. كان هاديء الطبع لا يتحدث كثيرا ولكنه يُصغي للآخرين بعمق ، ومن ثم يشرح لهم مهمات الحزب والعمل اليومي في ظروف سياسية صعبة للغاية، وتوثقت علاقتي معه أكثر عندما كنت من ضمن قوام المكتب العمالي الخاص، وفي كل لقاء او اجتماع نتابع معه اتصالاته الجيدة مع العمال، وكان يستلم منهم تبرعات ويهيأ و يُرشح بعضهم لعضوية الحزب.  
تعود أبنة الشهيد الرفيقة شادمان لتقول :
ـ كنت صغيرة، في المدرسة الابتدائية، ولا اجلب الانتباه من قبل رجالات السلطة، حين يرسلني والدي لزيارة عوائل من معارفنا واصدقائنا، وكان يضع  رسائل خاصة في مكان خاص في حقيبتي المدرسية، وعلمني ان لا اتحدث عنها لاحد سواه ، ولا لأي شخص حتى من افراد العائلة، وكان من ازورهم يستلمون الرسائل ويعطوني بعض الهدايا.
الرفيق احمد رجب يضيف :
ــ استطعنا، انا والرفيق علي ، توثيق علاقاتنا مع الاخ رحيم مسؤول نقابة عمال معمل السكر وهو من الحزب اليمقراطي الكردستاني حتى توصلنا معه إلى تنظيم إضراب عام بمشاركة الشيوعيين والبارتيين ضد شركتي كافي وسادي الاسبانيتين، ولعب الرفيق علي دورا متميزا في هذا الامر .
الرفيق نوزاد اسعد كاميشتبه ، علق على صورة الشهيد المنشورة في الفيس بوك ، وكتب :
ــ  اعرف الرفيق علي فتاح جيدا ، كان نشطا ومثابرا، ولطالما جلب البريد الحزبي الى تنظيم قريتنا في كاميشتبه ، التقيته اكثر من مرة  في بيتنا.
الرفيق احمد رجب يضيف في القول :
ـ تواصلت وتوطدت علاقتي مع الرفيق النقابي والشيوعي علي فتاح ، فهو اصبح صديق العائلة، كنا نتزاور ونلتقي في البيت أو مقر الحزب ،  وكان دائما يحمل اخبارا سارة ومعلومات تهم عمل الحزب ، وكان دائم النشاط .
الرفيقة شادمان، تواصل الحديث :
ــ في حلبجة ، كان من ضمن مهمات والدي، استقبال مفارز الانصار وتوفير اماكن لاختبائهم، وتوفير طلباتهم من المواد التموينية والادوية ، ولطالما قام بنفسه بأيصال مواد تموينية لهم الى نقاط محددة للقاء بهم في الجبل ، وكثيرا ما كنت اسهر الليل بأنتظار عودته حين يقوم بمثل هذه المهمات ، وكان يطلب مني ابلاغ رفيق معين لو تأخر عن موعد عودته .
الرفيق الدكتور والنصير فرهاد حسين ، يشاركنا الذكريات ، ويقول :
ــ الرفيق البطل علي فتاح درويش ، لم يبخل يوما في مساعدة مفارز الانصار، اذكر يوما كنا مختفين في احدى الغابات التي تقع بمحاذات مدينة حلبجة ، في غابات كولان، فمن بعد مسيرة طويلة من قرية شةشك ودخولنا المدينة واذا بنا نقع في احد الكمائن والتي كانت منصوبة من قبل المجرمين المرتزقة "الجحوش"، وتمكنا بالقتال من كسر الطوق من دون خسائر والانسحاب نحو غابات كولان والاختفاء فيها . طبعا بعد تلك المسيرة الطويلة والمعركة اخذت طاقاتنا تقل ساعة بعد الاخرى، وبسبب اضطرارنا للانسحاب السريع، لم نستطع ان ناخذ معنا بعض المؤمن اللازمة ، بدأ الجوع يستنزف طاقتنا ، وفي اليوم الثاني وعند الساعة الرابعة عصرا واذ يطل علينا الرفيق الشهيد كالملاك المنقذ حاملا معه (الخبز والتمن الاحمر)، وبقي معنا حتى الغروب  ثم ودعنا، وبدورنا انسحبنا الى وادي مؤردين .عرفت الرفيق الشهيد البطل  جيدا، فلم اجده بخل يوما بأي شيء في مساعدة رفاقه او تكاسل في اداء مهامه الحزبية، وكان يحمل قدرا عاليا من نكران الذات، لم يستطع الكثيرون الوصول لحدها.
الرفيق احمد رجب قال :
ــ  وقد اثبت شخصيته المتميزة وتفانيه العالي لاجل الشعب والوطن وحزبه الشيوعي العراقي عندما استشهد وسجل اسمه في صفحات المجد والخلود . كان بطلا نادرا .
تحدثنا ابنته شادمان عن يوم استشهاده :
ــ يوم 16 اذار 1988 ، المشؤوم ، مع اشتداد القصف من طائرات النظام المغيرة ،  ولم نعرف حينها انه قصف كيماوي، غادرت المدينة الكثير من العوائل ، وقال ابي انه سيرسلنا الى مكان اكثر امنا ، ولكن  عليه ان يقوم بمشوار قصير للاطمئنان على مجموعة من الرفاق كان مسؤولا عن مكان اختبائهم وايوائهم . حاولنا ثنيه عن الذهاب ، لكنا لم ننجح . كنا في ملجأ في منطقة "كاني عاشقان"، والرفاق مختبؤن في مركز المدينة حيث القصف ، غادر الملجأ حزينا ومهموما، لكنه عاد وشد على كتفي وقال لي " ان لم أرجع فأنت مسؤولة عن اخوتك " ،  ذهب ولم يلتفت .
كان المناضل الشيوعي ، علي فتاح درويش ، العامل " اسطه علي "، مدركا لحجم خطورة طيور الشر الحديدية الصدامية التي انتهكت سماء مدينة حلبجة الكردية الوادعة ، لترتكب واحدة من ابشع جرائم النظام البعثي ، لكن ضميره أملى عليه ان يقوم بواجبه حتى وان كان ثمن ذلك حياته. انه حقا بطل نادر !
ذهب ولم يلتفت . ذهب ولم يعد ، لكنه سجل اسمه في صفحات الخالدين .


404
أدب / قصة قصيرة علاقة ما !
« في: 22:00 25/04/2014  »



علاقة ما !

قصة قصيرة

يوسف أبو الفوز -


ينام صبي جميل ، يبدو مريضا ومتعبا ، بينه وبينها . مسحت للطفل ، بأطراف أصابعها الناحلة ، شعر رأسه،  بحنو يشع من عينيها المتألقتين.
 مد يده الى رأس الطفل فلامست أصابعه أصابعها المرتجفة، فشبكتهما ببعضهما البعض. ضغط على أصابعها بنعومة قليلا ... قليلا ، حركهما بخفة على ظاهر كفها وثم على طول ذراعها البض . من فوق صدر الصبي الغارق في نومه ، أدخل يده في فتحة ردن ثوبها الواسع، وتسللت أصابعه مثل أفعى لتمسك برمانة كتفها وراح يفركها برفق. أَسْبَلَتْ عينيها منتشية بما يفعل. فجأة سحبت نفسها بأناة لتنام على ظهرها، فشعر بها تبتعد عن مدى اصابعه، فأزاح الغطاء الصوفي وجلس في مكانه. السرير عريض يكفي لنوم عدة اشخاص.  ِلمَ لا تستدير لتنام الى جانبه ؟ مثل قط زحف على أربع متجنبا ايقاظ الطفل. سحبها من ذراعها فتبعته بحذر. تركا السرير معا. اختارا زاوية يقفان فيها ويكون ظهر الصبي باتجاههما. رفع ثوبها قليلا ... قليلا فبانت له ركبتي ساقيها، ثم بياض فخذيها وسروالها الاسود الصغير مكتنزا بما تحته. مد كف يده تحت سروالها فلامست أصابعه شعر عانتها. حكها لها فكتمت ضحكة. سحبها أليه وهصرها الى صدره، تحرك الصبي في مكانه، فابتعدا عن بعضهما البعض. أفاق في سريره وحيدا غارقا في العرق، فالمروحة توقفت لانقطاع الكهرباء. عاوده السؤال يقرع رأسه مثل مطرقة :
ـ أيمكن لحلم ان يتكرر مرارا بذات التفاصيل، مثيرا في الانسان احساسا بواقعيته؟!
حصل ذلك معه بعد ان قابل تلك المرأة الصامتة، الخجول، الغارقة في الاسود. كان وجهها أليفا كأغنية من "كوكب حمزة "، مما دفعه للأبتسام لها . وجه عراقي بأمتياز ، مترع بحزن متراكم وعيون تبرق بأسئلة الحيرة المُرة. أيكون سبق له وقابلها يوما ما ، في مكان ما ؟ أين ؟! كانت اصابعها المرتبكة، الخالية من طلاء الاضافر، تسحب فستانها العريض الاسود لتغطي به ركبتي ساقيها اللتين انكشفتا اثناء جلوسها على الكرسي الذي قدمه لها اذ لاحظ وقوفها الى جانبه مرتبكة وتعبة :
ـ  أنا في انتظار المدير !
قالت له ، رغم انه لم يسألها شيئا .
أحد العاملين في المديرية، والذي تعرف اليه عبر أحد اقربائه المقيمين في بغداد، جاءه بكأس ماء كان قد طلبه. كان يريد ان يتناول قرص أسبرين للخلاص من صداع لازمه منذ الصباح ، لكنه وجد نفسه يشير للمرأة فقدمه الشاب لها وهو يرمقه بنظرات استنكار غامضة. شربت المرأة كأس الماء دفعة واحدة فسقطت قطرات منه على فتحة ثوبها، فلمح هناك طرف المفرق بين نهديها المكتنزين . شكرت الشاب الذي انصرف، ومسحت بمنديل صغير بكفها الناعمة اطراف شفتيها. قالت له وكأنها تواصل كلاما انقطع بينهما :
ـ الحر لا يطاق !
لم يقل شيئا. هز رأسه موافقا وتحرك قليلا بأتجاه الجدار مفسحا الطريق لرجل  يهمهم محتجا بكلام لم يفهم منه سوى :
ــ  هذه ليست حياة !
هما في غرفة صغيرة خصصت لانتظار المراجعين. التقيا بفعل روتين قاتل للحصول على اوراق ثبوتية لوثائق مفقودة لاكمال انجاز معاملات رسمية. رماه الحظ الى هذه االمديرية ، واذ كان يظن انه سينجز معاملته بأيام، وجد نفسه ولاكثر من اسبوع يتحرك من باب الى باب دون جدوى، وقريبه في بغداد كلما يلتقيه يكرر نصيحته  :
ــ اترك المباديء جانبا وحرك يدك ، أدهن زردوم الموظفين وكل شيء سينتهي بسرعة.
فكر عدة مرات بأن يترك كل شيء ويعود الى مسقط رأسه ، الى مدينته الصغيرة ، لكن التزاماته تجاه عائلته تدعوه ليعود من جديد لطرق الأبواب في العاصمة. زوجته تواصل لومه :
ـ تماهلك وكسلك ، هما سبب ضياع حقوقنا !
ويكاد ينفجر :
ـ يا أبنة الناس، أية حقوق في مكاتب دولة لا تعرف غير اوراق الواسطة والمحسوبية والتزوير ؟!
 كانت المرأة الخجول تحمل بين يديها ملفا من الاوراق، راحت تقلب بين صفحاته، فسقطت من بين طياته صورة وحطت قرب قدميه ، فأنحنى ورفعها بأطراف اصابعه. هل يعرف هذا الرجل ذو الملامح الخشنة ، الذي رآه في الصورة، بشوارب كثة وذقن عريض، وبالكاد تنفرج شفتيه عن بقايا ابتسامة يحاول اخفاءها عن عدسة الكاميرا ؟ هل ألتقاه يوما في احد زنازين سجون الطاغية صدام حسين ، التي انتشرت في عرض البلاد وطولها ؟ أم كان مقاتلا معه في جبال كردستان ؟ هل كانا معا في معسكرات اللجوء الاوربية ؟  كم من ناس التقى في حياته ولا يتذكر اسماءهم؟ في الجبل كان للجميع اسماء مستعارة ، فقط بعد استشهاد أحد منهم يتعرفون الى أسمه الكامل الحقيقي . ايكونوا دائما بحاجة للمصيبة لأجل معرفة الحقيقة كاملة ؟ في أستراحة المفرزة الانصارية عند خاصرة جبل ، قال له "روبرت" * يوما :
ـ كم اشتاق لاحد ان يناديني الان بأسمي الصريح !
في معركة الانصارعند قرية "شيخكه" مع وحدة من الاستخبارات و"الجحوش" ** واذ حمى وطيس المعركة ولأسكات نيران موقع للعدو مستتر اندفع روبرت فتعرض الى نيران غادرة جانبيه كانت قاتلة، ويومها عرف ان اسمه "خليل ابراهيم اوراها " ...
قدم الصورة للمرأة التي لاحظت نظراته المتفحصة للوجه في الصورة .
ـ زوجي ... المرحوم !
بلع ريقه :
ـ الله يرحمه .
واصلت وهي  تتنفس بصعوبه :
ـ الاميركان ، الله لا ينطيهم ، اطلقوا النار على سيارته. قالوا انه اقترب من "الهمر" كثيرا .
هاجمه الصداع من جديد . في ايام الجبل نصحه فلاح كردي بربط رأسه بـالـ " جه مه داني"  ***  قوياً على صدغه وان يتجنب الشمس وينام في الظل . كان رفاقه الانصار يشعرون بالاسى له اذ يرون نوبات الصداع تهاجمه بأستمرار ، فيواسونه :
ـ سيزول نظام المجرم هدام ، ويمكنك ان تتقاعد وتنام في الظل كل ايام حياتك .
كان المجرم صدام حسين يظن ان اللعبة ستنتهي مع الامريكان مثلما حصل بعد مسرحية "خيمة صفوان"، لكنهم اذ وجدوه الاضعف في حلقات ديكتاتوريات المنطقة قرروا ان يبلعوه من اجل شرق اوسطهم الجديد ، ودفع العراقيون الثمن غاليا. داست أقدام قوات المارينز شوارع بغداد، وصارت دوائر البنتاغون تتحكم بمستقبل العراق وحياة الناس والاجيال القادمة ...
كان موعد خروج أبنه "كفاح" من المدرسة . تأخر كفاح قليلا مع اصحابه يمازحون زميلا لهم ، فأحتل تلميذ اخر مكانه في نهاية سيارة "الكيا" التي تنقل تلاميذ المدرسة، فكان ان أجلسوه مرغما الى جانب الباب معلنا تذمره . فراش المدرسة العجوز كان هناك وحكى كل شيء . شهد شجار التلاميذ الصغار قبل صعود السيارة وبعدها وسمع شتائم السائق الفاحشة. سارت السيارة عدة امتار حين اقترب الرتل العسكري الامريكي من الجهة المقابلة ، وأندفع تاكسي مركون جانبا يقوده رجل ملتح وهو يهتف بلكنة بلد مجاور :
ـ الله ينصر دين محمد ... الله واكبر !
انقلب الهمر الامريكي، كان الانفجار عاصفا . تقاقز الجنود الامريكان من بقية سيارات الرتل  دون ان يصاب احدهم بضرر، وهرع الناس الى سيارة الكيا حيث تلاميذ المدراس الصغار فوجدوا ان الحديد قد اختلط بعظام الكثير منهم، وتشوهت وجوه البعض ، وطارت اذرع وسيقان . كان صعبا على المسعفين توزيع اشلاء من قتل منهم . من بقي حيا كان اهله يتمنون لو انه مات مع زملائه . انهارت زوجته لشهور دون طعام وكلام . ترك العمل هائما من مكان لاخر. لم تنفعه الخمرة . جاره الطيب التقي ، ظل يواصل زيارتهم ليقرأ نيابه عنهم آيات من القرآن ، مرددا ذات الجملة :
ـ لتحل على البيت واهله السكينة والهدوء ، وعسى ان يهديك الله .
 ابن عمه ، الذي لسنوات كادت بدلة السفاري الزيتوني ان تكون جلدا ثانيا له، فجأة  ظهر في جبينه "ختم التعبد" ، قال لاحدهم ، فنقلها هذا اليه بدون حرج :
ـ الله يعاقبه لعدم صومه وصلاته !
أعتاد الجيران نوبات غضب زوجته التي تنفجر معهم بدون سبب . واعتاد زملاؤه صمته واكثاره التدخين . أعطى جهاز التلفزيون لاخته، لم يشأ ان يسمع وزوجته شيئا عن اخبار الانفجارات والقتل والضحايا الذين يموتون بدلا عن الامريكان المحصنين في سياراتهم ومعسكراتهم . صارت خطوط حياته قصيرة واهتماماته اقصر. طوال سنوات الجبل حلم بعائلة صغيرة . بزوجة تفهمه ويفهمها . ووجدها في بيت جيران خاله ، في يوم أعتبره الاسعد في حياته. نجح في العودة الى عمله بعد ان قضى شهورا يدور من مكان الى اخر، حتى تم الاعتراف به كمفصول سياسي . طول عمره لم يحلم بأكثر من سبورة وقالب طباشير وتلاميذ يعلمهم ان الحياة لا تزال امامهم مترعة بالاحلام والامل ، وان الناس يمكن ان يعيشوا بسلام ووئام ، لا يعيق ذلك الانتماء الديني او القومي او العشائري . الطفل الذي حلم به كل سنوات الجبل جاءه بعد عام ونصف من زواجه . فور سقوط الديكتاتور ، ترك الحياة في السويد وسط استنكار بعض اصحابه :
ـ الى اين تذهب ، الناس تغيرت . الحياة في العراق صار لها شكل اخر .
لم تكن له متطلبات كثيرة . كان يردد دائما :
ـ حالي من حال الناس !
وحين جاءه خبر مقتل أبنه ، دفن وجهه بين كفيه مرتعشا . لم يقل للمعزين اكثر مما قاله سابقا :
ـ حالي من حال الناس !
وحين حل في العاصمة ، نام في فندق من الدرجة الثالثة وربما الرابعة . يصاب بالغثيان بعد كل زيارة للتواليت من شدة قذارة المكان . اشياء كثيرة تبدو مقرفة من حوله . بغداد  تكاد تكون مكبا للنفايات وهي التي لطالما كانت عروس الدنيا ، لولا تكالب سنوات حروب الديكتاتور المجنونة والحصار الاقتصادي اللعين والاحتلال المذل وما بعدها من حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية ، مع بعضها لتستنزف العراقيين وتسرق بهاء مدنهم . لم يفكر ان يكون في ضيافة أحد من معارفه او من رفاق الجبل . احب ان يكون وحيدا مع نفسه واحزانه . يفكر كيف تقضي زوجته المحزونة ايامها بدونه ؟ طلب من أخته ان تكون عندها في غيابه . والمرأة الصامتة تزوره في الحلم لاكثر من ليلة. بصمتها وحزنها وفستانها الاسود ووجهها الناحل، تنام الى جانبه مستكينة وطفل بينهما . ما الذي تريد ان تقول له هذه المرأة ؟ فقدت زوجها  وسكنها الحزن . فقد أبنه وصارت زوجته على حافة الخبل . ما الذي يربط  بينهما ؟ في ايام كردستان ، في ليال الجبل ، كان دائما يفكر بوالده الشيخ يوم أسره بنيته الاختفاء وترك الوظيفة والصعود الى الجبل مع اصدقاء شيوعيين هربا من بطش نظام يريد تبعيث المجتمع ، فكل يوم وأخر يرمي به ضباع مديرية ألامن الى زنزانة نتنة ليحاسبوه على كلمة قالها أمام احدهم خُدع بنعومة كلماته ووثق به . قال له ابوه :
ـ لكنك لست شيوعيا !
فاجاب متألما خافيا غضبه :
ــ وحريتي يا أبي ؟ لا اريد ان أصير بعثيا رغما عني !
سحب والده حسره ، ودمعت عيناه :
ــ كنت احلم يا ولدي ان تضع لي حفيدي بين يدي قبل ان أموت !
في اليوم التالي حصل على الاوراق المطلوبة .  وقف عند باب غرفة انتظار المراجعين طويلا. لم تأت المرأة الصامتة، لتمر أمامه منتصبة القامة، مرفوعة الجبين رغم كل الحزن الذي يغلف ملامحها. ولو جاءت ماذا سيقول لها ؟ ايقول انه فرك لها رمانة كتفها ؟ ايقول انه في الحلم حك لها شعر عانتها وانها ضحكت لذلك؟ أيسألها عن أسم زوجها المغدور؟ أم عن اسمها وخططها للمستقبل المجهول؟ وما الذي يدعوه لانتظارها ؟ شيء ما يدفعه للتفكير بكل هذا !
تحرك الى كراج السيارات العام، مستعيدا ملامح المرأة، وعينيها المتقدتين بوهج الاسئلة، وفي باله ان يفرك لزوجته رمانة كتفها وان يفعل المستحيل ليجعلها تضحك وتضحك لتذوب بين ذراعيه  وتورق مثل شتلة ورد ، ليكون بينهما طفل جديد له سحر عيني أمه، فيمد ذراعه عبر جسده الصغير ليشبك اصابعه بأصابعها ويهمس لها شيئا عن أيام قادمة .


14/5/2012
بغداد



عن الكاتب

-القاص والروائي والاعلامي يوسف أبو الفوز، من مواليد السماوة 1956 ، غادر العراق لاسباب سياسية عام 1979 الى الكويت واليمن
 الديمقراطية ، وعاد الى الوطن والتحق بقوات الانصار الشيوعيين عام 1982 في كوردستان العراق ، وبقي هناك حتى احداث "الانفال"
صيف عام 1988،حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى ، واعتقل في بلد عربي بدون تهمة، وقضى عاما في السجون الاستونية لعدم أمتلاكه جواز سفر قانوني ، ومنذ مطلع 1995 مقيم في فنلندا. خلال مسيرته الادبية اصدر العديد من الكتب القصصية والروائية والادبية، ومتواصل في نشاطه الاعلامي والادبي، وفي عام 2000، في هلسنكي، صدرت مجموعته القصصية "طائر الدهشة" ، مترجمة الى اللغة الفنلندية ، كما أنه كتب واخرج للتلفزيون الفنلندي افلاما وثائقية عن العراق، اختير فيلمه " عند بقايا الذاكرة " 2006 لتمثيل فنلندا في مهرجان سينمائي في سويسرا ورشحت روايته "تحت سماء القطب " 2010 لجائزة البوكر العربية . وانتخب لاكثر من دورة عضو الهيئة الادارية لمنظمة الكتاب
 والفنانين الفنلنديين التي تأسست عام 1937.

   القصة من مخطوط "بعيداُ عن البنادق" معد للنشر ، يحاول فيه الكاتب تسليط الضوء على حياة الانصار ما بعد نهاية حركة الكفاح المسلح ، ورصد آمالهم وذكرياتهم وخيباتهم وطموحاتهم !



*  الشهيد النصير روبرت : خليل ابراهيم اوراها . مواليد 1959 مدينة البصرة . من انصار الفوج الاول ـ قاطع بهدنيان ، كان فنانا مسرحيا كتب ومثل واخرج العديد من المسرحيات . استشهد في 23 /7 /1987، في معركة شيخكه ، في سهل الموصل ، والتي كانت مقرا لقيادة استخبارات جحوش ــ مرتزقة النظام الديكتاتوري في سهل الموصل .

** الجحوش : جمع كلمة جحش ، وباللغة الكردية " جاش " وهذا تعبير ساخر يحمل أستهانة ابناء الشعب الكردي وعدم احترامهم لابناء قومهم الذين يشكلون قوام وحدات المرتزقة التي يديرها النظام الديكتاتوري المقبور تحت اسم "قوات الفرسان" ، التي بلغت 500 فوج بقيادة رؤساء العشائر وضمّت في صفوفها اكثر من 480 الف مرتزق (جحش ) وقد شارك هؤلاء الجحوش بفعالية مع العسكريين وقوات المغاوير والوية القوات الخاصة في قتل وحرق ونهب شعب كردستان قبل واثناء وبعد عمليات الإبادة جماعية المعروفة بأسم "الانفال " في عام 1988 .

*** جه مه داني : كلمه كردية تعني اليشماغ (الكوفية) ويلف في كردستان بطريقة خاصة كغطاء للرأس .

**** عن "الثقافة الجديدة  العدد 364 ــ 365 اذار 2014 / عدد خاص بمناسبة الذكرى الثمانين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي .




405
الكلام المباح (65)
مرحلة لابد أن تنتهي !
يوسف أبو الفوز
تتواصل الحملات الدعائية لانتخابات مجلس النواب. وتثير الحزن والغضب واحيانا الضحك، خروقات وتجاوزات بعض المرشحين بحق زملاء لهم مرشحين مثلهم. قالت زوجتي : يتفننون في تجاوزاتهم وكأن البلد بدون قانون. واضافت سكينة : المفارقة أن بعضهم يتحدث كثيرا عن القانون !. فعقب جليل : وماذا تقولون عن الاموال التي تصرف في الحملات الانتخابية؟ سعل ابو جليل ، وقال: "من لحم ثوره"! ضحكنا لاننا ادركنا انه يقصد من يستغل موقعه في الدولة لاستخدام المال العام في حملته الانتخابية. ذكرتهم بما اشار اليه قادة في التحالف المدني الديمقراطي، من كونهم لا يتلقون اي دعم مالي من اي جهة سياسية سواء داخل او خارج العراق، وان تمويلهم من تبرعات ابناء الشعب الحالمين بالتغيير والدولة المدنية الديمقراطية. قال جليل: تنشر الصحافة اخبار عجيبة غريبة عن الاموال القادمة من خارج الحدود!
كان صديقي الصدوق، ابو سكينة ، هادئا ينصت لحوارنا، وبلع ريقه اكثر من مرة، فأنتبه ابو جليل وقال له: يبين عندك سالفة احجيها شبيك بس تبلعم ؟ ضحك ابو سكينة واشار لي: كل السوالف عنده ، انا عندي بس المفاتيح! . وانتظرت منه ان يذكرنا بحكاية ما، فواصل حديثه مع جليل :  هذه الفلوس كلها فلوس مرحلة "الثو ... لّة" والسالفة عنده ! وأشار لي، فجعل الجميع ينظرون باتجاهي .
واطلقت رغما عني ضحكة، فهذه قصة قديمة جدا، لكن ذاكرة ابو سكينة لا تهملها. حكاها لنا معلم عراقي، عمل في احد دول الجوار، ايام النظام الديكتاتوري. ونظرا لتعلقه بحلم عراق ديمقراطي، كان لا يفوت اي ندوة سياسية لاي زعيم سياسي مهما تواضعت درجته، ومهما كان اتجاهه السياسي.
حضر يوما ندوة مفتوحة لاحد القادة ، ممن يقبضون من كل مانح ، مما جعل  الاشاعات تتحدث عن ارصدة في بنوك غربية، ساعد على ذلك طريقة الحياة التي يعيشها، البيوت الفارهة والسيارات الفاخرة والمدارس الخاصة لتعليم الابناء، لحد سخر أحدهم قائلا : ربما ان أميرا نفطيا اهداه بئر نفط خاصا يتصرف به على مزاجه. احد المواطنين العراقيين ممن اصيب بمرض انهك رئتيه، حضر الندوة بنصح من اصحاب له، وامام انظار الناس طلب من القائد المعارض ان يساعده في نفقات علاجه من اموال المساعدات للمعارضة. تململ القائد الهمام واجاب: (لا ننكر استلامنا مساعدات مالية، ونحن الان نعيش مرحلة "الثورة" ضد الديكتاتورية، وحين يسقط صدام سوف نحتاجها لبناء "الدولة"، وعندها سنمر بمرحلة انتقالية هي " الثورة ــ الدولة " وسنحتاج هذه الفلوس). المواطن المفجوع سأل بشكل بدا بريئا : وشكد راح تطول مرحلة "الثو ... لة"؟ 


406
أنتخبوا المستقبل !   
يوسف أبو الفوز
 في نهاية نيسان  سيكون لابناء شعبنا موعد مع تمرين انتخابي جديد لاختيار ممثليهم في مجلس النواب . ويشهد الشارع العراقي حالة من الاحباط الشديد من القوى السياسية التي تقود البلاد، بعد ان منحها ثقته واوصلها الى مواقع السلطة، في الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات، ولكنها لم تحقق وعودها المتكررة ، وبقى المواطن العراقي محروما من ابسط حقوقه في توفير الخدمات الاساسية. لم يحصد المواطن البسيط شيئا ملموسا من كل الوعود المعسولة. والحالة الامنية تزداد سوءا. المواطن العراقي صار يدرك جيدا ان الامان ليس فقط في عدد قوات الجيش والشرطة التي يتم زجها في المناطق الملتهبة. ان الامان الحقيقي يكون في توفير خدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الصحية وتوفير فرص العمل ومستلزمات الحياة الكريمة. تعبير المواطن العراقي كما يعتقد المراقبين عن حالة الاحباط ، أنها ستكون في كون العملية الانتخابية سوف لن تشهد اقبالا كبيرا من الناخبين كشكل من حالة يأس الناخب العراقي  !
لكن ، هل الامتناع عن المشاركة في الانتخابات سيساهم في تغيير الامور نحو الاحسن ؟
ان الامر بالحقيقية معكوسا، فان عدم المشاركة سوف يوفر الفرصة لاستمرار اختلال ميزان الاصوات لصالح من هو سبب في كل ما يعانيه المواطن، وويكون لغير صالح قوى التغيير التي يمكنها ان تحقق للمواطن العراقي حياة كريمة وايجاد حلول حقيقية لاهم احتياجاته .
لم يعد المواطن العراقي بحاجة الى وعود كاذبة لا توفر له حياة كريمة !
لم يعد المواطن العراقي بحاجة لا ن يقضي ايامه عاطلا عن العمل بينما ثروات البلاد تعبث بها ايدي فاسدة غير امينة .
لم يعد المواطن العراقي بحاجة الى حلول عبثية للحالة الامنية تورث وتنشأ مشاكلا امنية جديدة.
المواطن العراقي بحاجة الى خدمات نوعية لينشئ اطفاله بسلام ويوفر لهم احتياجاتهم الاساسية.
المواطن العراقي بحاجة لمن ياخذ بيده الى حياة يسودها القانون بعيدا عن نظام المحاصصة الطائفي ـ القومي .البغيض .
المواطن العراقي بحاجة الى مستقبل مشرق . أن امام الناخب العراقي الفرصة لان يساهم بتغيير حياته نحو الافضل . اما الابقاء على الحال كما هو، او الأتيان بممثليه الحقيقيين الذين يفون بالتزاماتهم ، ويتميزون بالنزاهة والتاريخ الوطني المشرف، ويؤمنون بالمستقبل المشرق، للخروج بالبلاد من حالها المزري .
آن الاوان للمواطن العراقي ان ينتفض على خيارات انتخابية امليت عليه بتاثيرات بعيدة عن روح المواطنة .
آن للمواطن العراقي ان يتفحص ذاكرته جيدا وينظر الى مستقبله .
آن للمواطن العراقي ان يميز جيدا بين البرامج وان يدقق في الاسماء وتأريخها وان يختار من يراه الامثل لتحمل المسؤولية .
أن المشاركة في الانتخابات حق. والمشاركة في الانتخابات قوة تغيير. ليكن هذا التغيير من اجل المستقبل الافضل. التحالف المدني الديمقراطي ، بتاريخ  القوى المشتركة فيه ، وبتأريخ وتجربة مرشحيه التي امتازت بالنزاهة والامانة ، وببرنامجه الواقعي العملي من اجل غد افضل، ينشط  في العمل الجاد المسؤول من اجل مستقبل زاهر للعراق .
أنتخبوا مرشحي التحالف المدني الديمقراطي . انتخبوا المستقبل!

 
 

407
النظارات السوداء  والديمقراطية !
يوسف أبو الفوز
ما أن القى المشير عبد الفتاح السيسي (مواليد 1954 )، وزير الدفاع والانتاج الحربي السابق في مصر، خطابًا للشعب المصري، أعلن فيه انتهاء خدماته كقائد للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع ، وكونها المرة الأخيرة التي يظهر فيها بزيه العسكري، ومعلنا اعتزامه الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية حسب طلبات قطاعات من ابناء الشعب ، حتى انهالت التحليلات والتعليقات الجادة والساخرة، ورسوم الكاريكاتير، متناولة كل شيء في الخطاب، بدأُ من الاشجار التي ظهرت في الخلفية، الى طريقة لفظ الكلمات، وأيضا كونه لم يرتد النظارة السوداء اثناء تقديم الخطاب !
من الطريف أن كتب التأريخ، تخبرنا ان النظارات السوداء ارتبطت دائما بالحكام، صحيح ان أول من اكتشفها وصنعها بشكل بدائي من العاج هم شعب الاسكيمو للحماية من اشعة الشمس، ولكن يُذكر ان القضاة الصينيون كان اول من سوّد الزجاج بالدخان واستخدموها اثناء استجواب الشهود والمتهمين وذلك لأخفاء تعابير وجوههم ، وهكذا ارتبطت برجال الحكم والدولة بدأ من نيرون ، ومرورا بسلسلة لا تنتهي من الجنرالات والضباط بمختلف الرتب ومن كل الجنسيات!

 ولابد من القول ، بأني فرحت جدا لموقف الجيش المصري اذ انحاز الى جانب الشعب وازاح الرئيس حسني مبارك (مواليد 1928)  ونظامه في 11 شباط/ فبراير 2011، أثر  اندلاع ثورة الشعب المصري في 25 يناير/ كانون الثاني من نفس العام، وفرحت اكثر حين عاود الجيش الاصطفاف الى جانب الشعب  في 3 تموز / يوليو  2013  بعد مظاهرات 30 حزيران / يونيو الحاشدة حيث تم عزل الزعيم الاخواني محمد مرسي (مواليد 1951)، الرئيس الخامس لجمهورية مصر العربية، والأول بعد ثورة 25 كانون الثاني / يناير ويعتبر أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وفق الاجراءات التي عرفت بخارطة الطريق والتي اعلنها الفريق الاول عبد الفتاح لسيسي، ردا على تمادى جماعة الاخوان في مساعيهم لاخونة مصر، والتضييق على الحريات وحصول الكثير من الانتكاسات في مسيرة الثورة 25 يناير. وبرز أسم القائد العسكري عبد الفتاح السيسي ليتحول الى بطل شعبي، واسطورة حية، وتقاطعت الاصوات في اعتبار ما قام به الجيش المصري، هل هو "انقلاب عسكري"  ام استمرارا للثورة واستجابة "للمطالب الشعبية" ؟ لكني كمتابع لم استطع اخفاء شعوري بالانقباض وانا ارى الصور الاولى لعبد الفتاح السيسي بزيه العسكري وهو يرتدي النظارة السوداء !
 أين رأيت مثل هذه الصورة ؟ أين ؟! وفورا برزت للذاكرة الصورة الشهيرة للجنرال الديكتاتور أوغستو بينوشيه (1915 ــ 2006)، الذي اغتصب وبأنقلاب عسكري دموي وبالتنسيق والتحريض مع المخابرات المركزية الامريكية (CAI) السلطة الشرعية للرئيس الاشتراكي المنتخب سلفادور اليندي ، الذي استشهد وهو يدافع عن شرعيته ، فقد صارت الصورة بوجه بينوشيه العبوس بالنظارات السوداء، وصف الجنرالات العسكريين المشتتي النظرات المصطفين خلفه مثل الطواويس رمزا للديكتاتورية العسكرية ، التي حاربت اي مظهر للديمقراطية .
هل تصح هذه المقارنة ؟ وهل النظارة السوداء كافية لاثارة المخاوف عند أنصار الدولة المدنية ، ام انها مجرد هوس لدى القادة العسكرين ضروري للكاريزما والمنظر الجاد والقاسي ؟

ان جزءا كبيرا وقطاعا واسعا من ابناء الشعب المصري ، الذين ابتلوا بحكم وسياسات الاخوان المسلمين، يتأملون في أن فوز عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية القادمة، سيفتح مجالا خصبا لتسير الحياة السياسية في مصر وفق اسس دستورية وطنية جاءت بها الثورة وتحقيق اهم شعاراتها " خبز .. حرية .. عدالة اجتماعية "، وان قطاعات من ابناء الشعب المصري ، وقوى ليبرالية عديدة ، تشعر بان عبد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية سيكونا حريصين على بناء دولة مدنية ، فهم اذ اطاحوا بحكم الاخوان المسلمين ، فأنهم قطعوا الطريق وبحزم أمام  المخطط الدولي، بزعامة الولايات المتحدة الامريكية، الرامي ، ومن خلال التدخل في اذكاء نيران واحداث "الربيع العربي" الى تأهيل جماعة الاخوان المسلمين ، لتتولى شؤون العالم الاسلامي والعربي ، معتبرين اياهم  وفق حساباتهم قوى اسلامية معتدلة، يمكن التفاهم معها بدلا من القوى التكفيرية المتشددة مثل طالبان والوهابيين !
 لقد هلل الشارع المصري كثيرا للقائد ــ المخلص ـ الجديد ، بغض النظر عن كون ما تزعمه هو أمتداد للثورة او انقلاب، وراحت تنتشر صوره ـ بنظارات ودون نظارات ـ والاغاني، وظهرت حتى سندويشات جاهزة تحمل اسمه من غير الحلي والاكسوارات ، بشكل جعل الامر يبدو محسوما له بالفوز في حال مشاركته في الانتخابات الرئاسية، اذا  لم تحمل الانتخابات مفاجأتها خصوصا مع ظهور مرشحين لا يستهان بهم مثل حمدين صباحي (مواليد 1954)  الناصري وذو التاريخ الحافل بمقارعة حكم السادات ومبارك والاخوان المسلمين ، والذي يحظى بتأييد عدة قوى يسارية وليبرالية . فهل استقالة المشير عبد الفتاح السيسي من موقعه العسكري ، وعدم لبسه النظارات السوداء يعني انه نزع معها العقلية العسكرية في ادأرة أمور البلاد لأرساء  حلم الثوار وشهداء الثورة ؟!
تجربة شعبنا العراقي، بينت ان قائدا عسكريا، وضابطا وطنيا في الجيش العراقي مثل الزعيم عبد الكريم قاسم (1914 - 1963)، أنزه حاكم عرفه العراق حتى الان بشهادة خصومه، لم اجد له يوما صورة يرتدي فيها النظارات السوداء ، واصبح رئيسا للوزراء، بعد ان قاد ورفاقه الضباط الاحرار صبيحة الرابع عشر من تموز/ يوليو 1958، تحركا عسكريا اطاح بالحكم الملكي صنيعة الاستعمار البريطاني، وتحولت  حركة الضباط الاحرار الى ثورة بمساندة الشعب وقواه الوطنية، وانحاز في اجراءته الفورية للطبقات الفقيرة، وانجز الكثير من الاصلاحات الجذرية في فترة قصيرة تركت تاثيرها على مستقبل العراق، لكنه سرعان ما تحول الى "الزعيم الاوحد" للبلاد، فبدلته العسكرية ، والروح العسكرية  والمنطق العسكري، لم تساعده عل فهم اهمية ادارة الدولة بروح ديمقراطية تحتمل المرونة ووفق الدستور وقوانين التعددية الحزبية، وبالتالي ادى به الانفراد بالحكم  الى استبعاد واضعاف مساهمات حتى حلفائه من قوى اليسار والديمقراطيين، وضيق عليهم ووجه لهم الضربات القاسية التي اضعفتهم، مما سهل للقوى المضادة للانقاض عليه في حركة غادرة، وجاءت بالتنسيق مع المخابرات المركزية الامريكية (CAI) وعبر مؤسسة الجيش التي حكم بواسطتها وعلى ايدي اقرب زملاءه ورفاقه في الجيش .
هل اختلفت الظروف والمعايير الان ؟ هل سيخضع رجل مثل عبد الفتاح السيسي ، تربى على المفاهيم والقيم العسكرية ، للدستور المصري ، ويراعي متطلبات وضرورات بناء دولة مدنية ؟ دولة المؤسسات والقانون الذي يكفل الحريات والتعددية ؟
التأريخ ، يقول لنا ، بأن الدبابة ومنطق البدلة العسكرية لا يمكنها ان  تبني الديمقراطية . هذه الحقيقة ترسخت يوما بعد اخر، من ادولف هتلر( 1889 - 1945) الذي وصل الحكم بانتخابات شعبية ، وببرنامج اصلاحي لاقى الدعم من  النقابات العمالية ، فحملوه الى سدة الحكم ، لكن سياسته في ايجاد المجال الحيوي لضمان رخاء المانيا ، قاده وحزبه النازي الى اقامة حكم ديكتاتوري فاشي دموي ، وأشعال نيران الحرب العالمية الثانية ،  وصارت معروفة جدا نتائجها الكارثية للعالم ، التي لا تزال بعض من اثارها مستمرة حتى الان . كان الفوهرر هتلر موهوبا ومغرما بالقاء الخطابات بالحشود لاثارة حماسها والتأييد الاعمى له ، وكانت مشهودا له في اساليبه في ترك تأثير سحري على الحشود ، وفي كل استعراضاته، لم ينس هتلر العناية ببدلته العكسرية ، ولكنه لم يعرف عنه استخدامه النظارات السوداء كمكمل للكاريزما المطلوبة للقائد ، التي مارسها قادة عسكريين ديكتاتوريين مثل المارشال الكوري كيم جونغ أون ( مواليد 1983)، الفيلد مارشال الاوغندي عيدي أمين دادا ( 1925 - - 2003) ، المشير السوداني عمر البشير ( مواليد 1944) ، واخرين !
الطريف ان ديكتاتورا دمويا، مثل صدام حسين (1937 - 2006) ، مجرم بحق شعبه وجيرانه، وان لم يكن متخرجا من اي مدرسة عسكرية ، لكنه ارتدى افخم الملابس العسكرية ، ومنح نفسه اعلى الرتب  والاوسمة ، خلال فترة حكمة الدموية للعراق ، لم يكن مولعا كثيرا بلبس النظارات الشمسية، وان لبسها فمن النوع ذات الزجاج الشفاف، ربما لكون المجرم صدام كان صادقا وواثقا مع نفسه كديكتاتور سفاح لدرجة لا يرى حاجة لحجب عيونه وتعبيراتها؟ اذ لطالما اعتبر علماء النفس عيني الانسان مفتاحا للشخصية ، وللادب صولات وجولات مع العيون ولغتها في الحب والغرام والعداوة والصدود ، وقالت العرب القدماء "إن العيون بها يعرف ما في القلوب وإن لم يتكلم صاحبها "، فهي مرآة الروح  ونوافذها ، ولغة العيون لا تكذب ، فتفضح انفعالات الانسان سلبا أو ايجابا وان لم يعبر عن ذلك لفظا ، فهي اداة هامة في التواصل الانساني غير اللفظي، لذا يلجأ الكثير من الناس لاخفاء افعالاتهم وردود افعالهم ، ولاضفاء شيء من الغموض والكاريزما على شخصيتهم بأرتداء النظارات السوداء. لم يكن المجرم صدام بحاجة لنظارات سوداء  فنرجسيته كحاكم مستبد كانت بمستو عال لا يأبه بها لاخفاء اي من مشاعره .
بالتأكيد أن المشير عبد الفتاح السيسي ليس هتلر، وليس بينوشيه، ولا صدام حسين،  فهو ربما يبدو اقرب الى نموذج شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، كضابط وطني حاول عبر اجتهاده وبمنطق العسكر بناء دولة وطنية ، تحقق ما يراه هو الرفاهية لابناء شعبه ، وان تطلب ذلك  مخالفة الدستور ووقوانين حقوق الانسان. المفارقة ان الشعب الشعب المصري يبدو لم يخطأ في حدسه بتشبيهه  المشير السيسي بالبكباشي (المقدم) جمال عبد الناصر (1918 -  1970)، الذي بدأ حكمه بوضع اول رئيس مصري بعد زوال النظام الملكي ،  اللواء الركن محمد نجيب (1901 - 1984) تحت الاقامة الجبرية ، وتولى رئاسة الجمهورية عام 1956 بأستفتاء شعبي، وحارب الاخوان المسلمين لحد انهم حاولوا اغتياله عام 1954 ، لكن أليس جمال عبد الناصر هو الذي فتح سجونه لمعارضيه من قوى اليسار والديمقراطية في مصر الى جانب الاخوان المسلمين ؟!
الكاتب الروائي والمناضل اليساري ابراهيم صنع الله (مواليد 1937) والدكتور رفعت السعيد (مواليد 1932)،وهو من سياسي مصري مخضرم ، عارض انطلاقا من موقعه الفكري والسياسي في قوى اليسار كل حكام مصر، وكلاهما نالا الكثير من العسف من الانظمة المصرية ، من سجن ومضايقات ، في كتبهم ومذكراتهم ،  يروون قصة اليسار مع سجون عبد الناصر والارهاب السياسي الذي تعرضت له قوى اليسار من قبل اجهزة نظام البطل الشعبي والقومي ، الذي اصدر قانون الاصلاح الزراعي وبنى السد العالي وامم قناة السويس وتحالف مع السوفيات ودول عدم الانحياز، لكنه لم يتقدم خطوة جدية واحدة بأتجاه الديمقراطية . يروي رفعت السعيد في مذكراته كيف كانت قوى اليسار المصري، وفي مفارقة عجيبة يغنون لبناء السد العالي وهم داخل في سجون عبد الناصر، الذي لم يتورع نظامه عن اغتيال شهدي عطية الشافعي (1913 ــ 1959) القائد المناضل والصحفي والاديب الشيوعي الذي يعتبر من  رواد الحركة اليسارية في مصر والمناضل نضد الحكم الملكي والاستعمار البريطاني لمصر  ! وسواء ان فاز المشير (السابق) عبد الفتاح السيسي بالانتخابات الرئاسية المصرية، او فاز مرشح غيره ، بسبب ظروف مستجدة ما ، فأن تجارب الشعوب تخبرنا بأن العسكر ـ بنظارة سوداء أو بدونها ـ غير مؤهلين لبناء الدولة الديمقراطية ، ومن هنا تبدو مخاوف الكثيرين مثلي، من  انصار الدولة المدنية ، مشروعة جدا !
8 نيسان 2014
   

408
هكذا حزب الشيوعيين   !
يوسف أبو الفوز

مساء 31 آذار 2014 ، تضاء ثمانون شمعة في "صواني" عيد الشيوعيين العراقيين   .
ثمانون   نجمة تتألق في سماء الوطن !
ثمانون  راية تخفق في وجه الريح  !
ثمانون   وردة تضوع بالشذى !
ومئات القامات تنهض لتصيح : ها نحن هنا ، كنا ولا نزال، جذورنا تمتد في أرض الوطن المعطاء ، بين جماهير كادحي شعبنا، حيث لم تستطع كل ماكنة الإرهاب والعسف ان تمسح من ذاكرة الناس أمجاد وعمق أصالة حزب فهد وسلام عادل والحيدري وسعدون    !
طويلا، حلم الديكتاتور المقبور، جنرال الحرب المزيف، بوضع نهاية لنشاط ونمو حزب الشيوعيين العراقيين، وايقاف نضاله من اجل الوطن الحر والشعب السعيد . وتناسى ان قبله وبعقود طويلة، حلمت إمبراطورية ، كانت الشمس لا تغيب عن أرضها ، بذات الحلم ، لكن التاريخ قال لهم قولته   .
سقط المئات من الشهداء الشيوعيين ، وجاء بعدهم مئات المناضلين يواصلون الدرب ، يرفعون الراية على ذات الطريق وبأسم ذات المبادئ، التي تريد الكرامة للناس ، الخبز للفقير، والعدالة للجميع    .
كان الخالد فهد واثقا من عدالة مبادئ حزبه وقضيته ، ففي يوم إعدامه قال لجلاديه : " نحن أجساد وأفكار فان دمرتم أجسادنا فلن تدمروا أفكارنا ". ومن على حبل المشنقة ، أطلق صرخته الشهيرة التي بيّن تاريخ شعبنا ووطننا مع كل الصعاب والنكسات ، قوة وصدق تلك الصرخة : "الشيوعية أقوى من الموت واعلى من أعواد المشانق " ! ولم يستطع قطعان الحرس القومي البعثي الفاشي، ان ينالوا من صلابة الشهيد الأسطورة سلام عادل، الذي أرعب جلاديه بصموده، رغم كل وحشية ما تعرض له من أساليب تعذيب بروح سادية ، كان يستمد صلابته من قناعته ان المسيرة ستستمر وسيستعيد حزب الكادحين قوته وستبنيه الأجيال الجديدة. وحين اتكأ النصير أبو أيار ( الفنان فؤاد يلدا ) على جراحه، وضغط الزناد مختارا الموت على الاستسلام لافراد العدو بعد أصابته في كردستان، كان يرى ذلك الأفق المشرق لشعبه الذي سيساهم في رسمه نضالات حزبه. وفقد الجلاد حسن المجيد (علي كيمياوي ) صبره وهو يحاول كسر صمود الشهيد البطل، عبد الحسين كحوش ( ابو كفاح ) قبل اعدامه ان يقر لهم ولو بأسمه الصريح، وكان قد اصر على أسمه  المستعار في اوراقه المستعارة يوم القوا القبض عليه بوشاية من خائن خلال اداءه مهامه الحزبية !
وكان الديكتاتور المقبور، يواصل حلمه العقيم ، من لحظة ان رفع راية القومية الشوفينية في بلادنا ، وراح ينثر الموت والخردل والجوع والحزن في كل ربوع الوطن ، كان يظن انه سيضع حدا لطموحات شعبنا في الحرية ووقف نضال حزب الشيوعيين العراقيين. كان الديكتاتور المخلوع ـ وجلاوزته ـ  يظن ان مقابره الجماعية ، وزنازين سجونه ، وأحواض الاسيد ، والإرهاب المنظم سيكون كافيا لغسل ذاكرة الشعب ، ولكن التاريخ عاد ليقول كلمته من جديد : لا يمكن لكابوس الظلم ان يستمر طويلا ، فشمس الشعب لابد ان تشرق ، لتتنفس الحياة الأمل بكل ما هو نضر وجديد   .
كان حزب الشيوعيين يتصلب كل يوم، وسنين النضال تمنحه افاقا جديدة، في العمل والطموحات والآمال، وتحت رماد سنين الصبر كان جمر الأمل ينتظر تلك الصباحات، التي لا اجمل منها، صباحات سقوط القتلة ، فاشتعلت ذاكرة العراقيين بالمحبة للحزب الذي عرفوه طيلة سنوات عمره المديدة ، مدافعا عن قضاياهم ومستقبل أجيالهم القادمة  .
يوم اضطررت لمغادرة الوطن، سرا، مشيا عبر الصحراء، صيف 1979، ولوداع أهلي واحبتي، كتبت لهم على الباب الداخلي لدولاب ملابس سطرا من الشعر للشاعر الروسي بوشكين يقول :
الضربات القوية تهشم الزجاج
لكنها تصقل الحديد    !
حين زرت وطني بعد سقوط الديكتاتور، من بعد غياب اكثر من ربع قرن ، وجدت ان أحبتي لا زالوا محتفظين ، وباعتزاز، بدولاب الملابس ذاته، وحريصين على الكلمات المكتوبة عليه ، فالأيام بينت لهم ولنا ولاعداء شعبنا ، ان الحديد صار فولاذا بالطرق المتواصل...
هكذا حزب الشيوعيين   !



409
 يوسف أبو الفوز  : شباب العراق المتنور هم من سيكنس الافكار البالية والظلاميّة !
قال : المنفى ساعدني لأكتب ما أريد بلا قيود وتابوات
اجرت اللقاء : احلام يوسف طاهر
يوسف ابو الفوز ، كاتب وأعلامي ، اسمه الصريح "يوسف علي هدّاد " ، سيرته الذاتية تقول انه من مواليد مدينة السماوة 1956 ، ومقيم ويعمل في فنلندا منذ عام 1995 . سيرته بوصفة كاتباً وناشطاً سياسياً، تنوعت فيها المحطات والتجارب فشكلت شخصيته الانسانية والادبية بتميز وتفرد ، وتعددت اصداراته إذ بلغت احد عشر كتاباً بين الرواية  والقصة والمذكرات، وترجمت قصصه الى اللغة الفنلندية والكردية، ولدى مغادرته العراق أختار اسم "يوسف أبو الفوز " لحماية عائلته واقاربه داخل الوطن من عواقب ردود فعل الاجهزة الامنية الصدامية ، ليلتصق به هذا الاسم ويصبح كنية أدبية واسما في التعامل اليومي ، رافقه في كل المحطات المشرقة في حياته ، ومواقفه التي نتمنى ان تبقى واثقة وناجحة دائما :
 


   الحديث عن البدايات فيه الكثير من التفاصيل ، كيف تختصر لنا ذلك ؟

ــ  عدة عوامل تداخلت مع بعض اثرت بشكل ما على تكوين شخصيتي وبداياتي الادبية . اهمها اجواء العائلة ، فقد ولدت لعائلة عمالية فقيرة ، مرتبطة بنضال يسار الحركة الوطنية ، في مدينة السماوة التي عرفت باجواءها الثقافية وحراكها السياسي ، وفتحت عينيّ على المجلات والكتب والاحاديث في موضوعات كبيرة كالحرية والعدالة الاجتماعية وهموم فقراء الناس وفي اجواء تقدمية ومتسامحة، وكنت محظوظا بوجود بمجموعة رائعة من المعلمين والمدرسين الذين انتبهوا الى علاقتي المبكرة بالكتاب والكتابة وتعاملوا بمسؤولية كبيرة لاجل رعايتي وتوجيهي بالشكل الصحيح . ثم تلا ذلك الارتباط المبكر بالنضال السياسي الذي  ساهم في تطوير قدراتي المعرفية والحياتية مما ترك اثره على توجهاتي الادبية والفكرية .
   وعن اول القراءات ، ما طبيعتها ؟
ــ كنت في الصف الرابع الابتدائي حين عثر عليّ اخي الاكبر اقرأ في كتاب  "العبرات" للمنفلوطي ، وحاول توجيهي لقراءة المجلات والكتب التي تناسب عمري، سوبرمان وسمير وتهتة ، وغيرها، لكني كنت اصر على سرقة الكتب من صندوقه، وفي المدرسة وبتوجيه من  اساتذتي الرائعين ومثقفين من ابناء المدينة ، تعرفت في سنوات مبكرة من حياتي الى كتب التراث العربي، فقرأت مجلدات "العقد الفريد" لابن عبد ربه و"الاغاني" لابي فرج الاصفهاني، وسلسلة روايات جرجي زيدان وكتب المنفلوطي وجبران ونجيب محفوط وغيرها، وايضا كتب الادب الروسي والعالمي الكلاسيكية . كان لأمي مشكلة كوني اقرأ في كل مكان ووقت ، وبالتالي كتبي متناثرة في كل زوايا البيت ، هذه المشكلة انتقلت حاليا لـ " شادمان " شريكة حياتي.
   حدثنا عن أول قصة كتبتها ، وما موضوعتها وظروف كتابتها  ؟
ــ كتبت اول نص يمكن عده قصة وانا في عمر الثالثة عشر ، اذا كتب استاذ اللغة العربية  في درس " الانشاء " جملة " احمد رجل طيب ..." وطلب من طلاب الصف تخيل مشكلة لاحمد والبحث عن حل لها ، وان نكتب ما نريد وبالشكل الذي نريد بصفحة او صفحتين ، بعد اسبوع قادني استاذي ودار بي بين صفوف المدرسة معلنا عن ولادة كاتب عراقي ، كوني كتبت قصة قصيرة . كنت اخترت لاحمد مشكلة  تتعلق بموقفه المتخلف من زيارة زوجته لطبيب رجل وكشفه عليها ، وكتبت نصا  بتأثير كتابات جبران خليل جبران ومي زيادة . هذه القصة الميلودرامية الساذجة سرقت مني طفولتي ورمتني دفعة واحدة بين هموم وانشغالات كبيرة . وتجدر الاشارة انه في عام 2004 وخلال زيارتي مدينتي السماوة بعد غياب 27 عاما ، قدم لي أهلي ، وبوصفها أجمل هدية ، الدفتر المدرسي ، الذي احتفظوا به طوال سنين غيابي ، حيث قرأت من جديد " قصتي" الاولى .
   كونك نشطاً ثقافيا وسياسيا ، بل وغزير الانتاج : مجاميع قصصية ، روايات ، كتب مذكرات ، كتب ادبية مشتركة ، افلام وثائقية (سيناريو واخراج) ، واعمدة صحفية دورية في الصحافة العراقية، ومئات وربما الالاف من المقالات في السينما والادب والسياسة ، كيف يمكنك تحقيق كل هذا ؟
ــ الحياة علمتني ، بأن اشياء كثيرة يمكن تعويضها واستعادتها الا الوقت . فكل دقيقة تمر لا تعود ، ومن هنا ادركت بأن يومي 30 ساعة ، اذ  تعلمت وبشكل مبكر في حياتي تنظيم وقتي والاستفادة منه. تعلمت ان لا اضيع وقتا بأشياء غير ضرورية، ابذل جهدي ، واجتهد ، لتشخيص ما هو ثانوي وما هو رئيسي في عملي وللتميز بين الاهم والمهم في حياتي . حياتي في اوربا صقلت هذا الامر اكثر. يمكن القول ان شريكة حياتي " شادمان " ربما هي من النساء السعيدات في العالم لانها تعرف اين تجدني في اي لحظة ، كونها تعرف مسبقا برنامجي ولايام طويلة . ان جدول عملي دقيق، وفيه اكون صارما مع نفسي، واسعى دوما لوجود مساحة ضرورية  لعائلتي ولاصدقائي .
   كيف كانت حياتك قبل هجرتك من العراق وما اسباب  مغادرة البلاد ؟
 ـ في البدء، اود التصحيح، أميل دائما لاستخدام كلمة "المنفى" بدل "الهجرة"، فأنا لم اهاجر مختارا، بل وشأن الالاف من مثقفي وسياسي بلادي، غادرت وطني صيف 1979 مضطرا، برحلة مغامرة مع المهربين وعبر الصحراء السعودية وصولا الى الكويت، بعد سلسلة مضايقات متواصلة ومداهمات لبيت اهلي وتهديدات وثم محاولة اعتقال من قبل سلطات البعث الحاكم لاجباري للانتماء قسرا الى حزبهم الفاشي، وبدأت في اذار 1978، ضمن ما سمي ايامها بالحملة ضد قوى اليسار والديمقراطية ، فأضطررت للاختفاء لاكثر من سنة، وكنت مطاردا ومطلوبا ، وتنقلت تحت اسماء وهويات مستعارة، ودفع اهلي، خصوصا امي، ثمن اختفائي غاليا، فأضطررت لترك كل شيء لاجل الحفاط على حياتي وكرامتي. بعد أن قضيت فترة في الكويت واليمن اليمقراطي قررت في ربيع 1982 العودة الى الوطن، الى مناطق كردستان للمساهمة في  حركة الكفاح المسلح لمقاومة نظام صدام حسين ضمن  فصائل مقاتلي الحزب الشيوعي العراقي، وبعد حملات الانفال في صيف 1988غادرنا كردستان وبدأت رحلة المنفى الثانية التي وللاسف لم تتوقف حتى من بعد سقوط نظام المجرم صدام حسين .
   وما  تأثير "المنفى" على حياتك وخصوصا اختيار المواضيع وطريقة تناولها ؟
ـ المنفى اعطاني فضاءا واسعا من الحرية ، وجعلني اكتب ما اريد دون قيود وتابوات، ومنحني افقا اوسع للاجتهاد وفقا لمعايير الفن والتجربة المكتسبة. ان الاحتكاك بالاخر ، ثقافة وحياة وقوانين، يجعل الانسان يكتشف نفسه . والمنفى صار مرآة واسعة جعلتني كأنسان ارى بعضا من حواشي الرخوة  كما يقال، فكريا واجتماعيا ، فاجتهدت لتشذيبها من حياتي وعملي ككاتب وانسان .  مع الاستقرار في فنلندا توفرت لي الفرصة لانجاز اعمال روائية الى جانب مجاميع قصصية وكتب ادبية اخرى ، وصدر لي عدة اعمال قصصية وادبية ، ومنها رواية "تحت سماء القطب"  2010 و"كوابيس هلسنكي" 2011 . وبحكم سنوات المنفى وتجربتي في فنلندا ، حاولت تسليط الضوء على حياة العراقيين في المنفى واختيار موضوعات لها علاقة بحياتهم الجديدة وارتباطهم بهموم وطنهم ، فرواية "كوابيس هلسنكي " ، رغم ان العنوان يقود لعاصمة فنلندا الا انها رواية عراقية تتحدث عن الهم العراقي والقمع البوليس لنظام صدام حسين بحق كل معارضيه ، وعن نشاط الجماعات التكفيرية في اوربا ودورهم في تغذية  نشاط الارهابيين في العراق خلال وبعد سنوات الاحتلال الامريكي .
   أنت كاتب عراقي، لكنك ولاكثر من دورة تم انتخابك عضوا في الهيئة الادارية لمنظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين، كيف تتم الموازنة بين  هويتك العراقية والتزاماتك الفنلندية ؟
 ــ في عام 2006 تم انتخابي لاول مرة لعضوية الهيئة الادارية لمنظمة الكتاب والفنانين الفنلنديين، وهذه العضوية وايضا عضوية نادي القلم الفنلندي تأتي بسبب حاجتي في فنلندا لاطار ثقافي انشط من خلاله، خصوصا مع غياب أي اطار ثقافي عربي او عراقي في هذا البلد. انا كاتب عراقي قبل كل شيء ، وبهذه الصفة يشير لي الاعلام الفنلندي ، والعراق هو همي الدائم ، احاول قدر المستطاع ان  اضع قضايا العراق دائما تحت الضوء ضمن مجالات عملي . نشاطي هذا وفر لي فرصة الاحتكاك بالاخر ومحاولة الاستفادة من تجربته ووفر لي شبكة علاقات طيبة مع الوسط الثقافي الفنلندي ، وسعيت وبذلت جهدي المتواضع للتعريف بالثقافة العراقية وهموم المثقفين العراقيين، وهذه بالطبع مهمة عسيرة تحتاج الى جهود مؤسسات، لكني اجتهد في تقديم ما يتلائم مع سياسات هذه المنظمات الثقافية، ففي اجتماعاتها ونشاطاتها غالبا ما يكون وجود لقضايا تهم المثقف العربي والعراقي، فمن فنلندا صدر في اذار2004 اول برقية تضامن اوربية مع المثقفين العراقيين ضد اعمال الارهاب ومن اجل حرية الراي والتعبير، وفي عام 2009 نظم "اسبوع الثقافة الفنلندية في كردستان" بمشاركة عشرة من الفنانين والكتاب الفنلنديين، وكانت هذه النشاطات باقتراح مباشر مني . اكتب للصحافة العراقية والعربية والفنلندية عن شؤون بلادي ، وفي غالبية كتاباتي عن التجربة الاوربية وفنلندا على وجه الخصوص ، اسعى لنقل تجربة البلدان المتحضرة لابناء بلدي ، وعندي الان مشروع كتاب جديد قيد الاعداد عن التجربة الفنلندية . يا سيدتي المنفى يمكن ان يكون وطنا ثانيا ، وطنا جميلا، مسالما ،  يوفر فرصة لحياة هادئة بعيدا عن فوضى الموت في بلدانا ، ولكن لا يمكن ان يكون وطنا ثابتا . لان جذور الانسان الاولى هي المهمة والاساسية ، هي من تحدد هويته الثابتة. بالامكان ان تنمو لك جذورا جديدة ، لكنها لا تستطيع محو جذورك الاولى.
كيف لك نقل تجارب البلدان المتحضرة الى العراق ، وهل تعتقد  يمكن استيعاب  تجارب البلدان ألاخرى ؟
ــ لي مقال دوري ، بعنوان " عالم أخر " ينشر في جريدة الصباح البغدادية ، واخترت هذه الجريدة بالذات لانها توزع بشكل واسع في دوائر الدولة ، في هذا المقال سعيت واجتهدت لطرح التجربة الفنلندية في بناء دولة حضارية متقدمة. فنلندا في تاريخها القريب ، مجتمع زراعي ، لا يملكون ثروات كثيرة مثل النفط ، لديهم البحيرات والغابات ، وتعرضت فنلندا تقريبا لما تعرض له العراق ، احتلالات ، حروب ونزاعات اهلية ، ومجاعات ، وعقوبات اقتصادية وعسكرية ، لكنها ومن بعد الحرب العالمية الثانية ، نهضت لتكون بالشكل الذي جعلها دائما تحتل المراكزالاولى في مؤشرات النزاهة والديمقراطية والشفافية والتقدم والسلام وغيرها. كيف نجحوا في بناء بلدهم ؟ في هذه المقالات حاولت ان اتحدث عن البرامج التعليمية والصحية والثقافية والحياة الاجتماعية والتجربة البرلمانية والعلاقات مع الجيران وغيرها ، وفي بالي اضافة لاطلاع القراء ، اقول لعل مسؤولا تثيره تلك التجارب ويقرر البحث والاستفادة منها . هل يمكن استعياب تجارب الاخرين ؟ نعم ، وهذا ممكن ، ففنلندا ذاتها لم تبن تجربتها لو لا الاستفادة من تجارب الاخرين ، ومنها تجربة الاتحاد السوفياتي الاشتراكية وفقا لظروف بلدها الخاصة . التجارب لا تستنسخ ،  العقول النيرة المخلصة لوطنها ، يمكنها ان تتعلم بسهولة وان تبني ان امتلكت الاراداة الحقيقية والمخلصة بالاستفادة من تجارب الشعوب الاخرى . ساعمل على ضم هذه المقالات الى كتاب اعمل لانجازه حاليا ، ليعكس التجربة الفنلندية ،  وليكون بمتناول من يرغب بالاستفادة من تجارب الاخرين .
هل لك مساهمات في مهرجانات او زيارات دولية  رسمية ؟
ـ اسهاماتي بهذا الجانب تتداخل بها نشاطاتي ككاتب وكناشط سياسي او ناشط في منظمات المجتمع المدني . ككاتب ساهمت في زيارة العديد من الدول الاوربية  بدعوات من النوادي الثقافية للجاليات العراقية في السويد  والولايات المتحدة وكندا وهولندا ، للحديث عن تجربتي الادبية وواقع الحياة الثقافية في العراق . اما كناشط في منظمات المجتمع المدني فانا و للفترة 1998 ـ 2005 كنت عضوا منتخبا في سكرتارية منظمة اتحاد الشبيبة اليمقراطي العراقي ، ومسؤول مكتب العلاقات الخارجية فيها، ومهماتي تتطلب المساهمة وتمثيل المنظمة في مهرجانات وندوات في العديد من دول العالم . هذه النشاطات تنعكس بشكل كبير على خبرتي ككاتب  اذ توفر لي الفرصة للاحتكاك بنماذج بشرية مختلفة وايضا الاجتهاد في عكس الواقع الاجتماعي العراقي ونضالات الشعب العراقي .
كيف تنظر الى مستقبل العراق؟
ــ كنا نتأمل بعد سقوط النظام الديكتاتوري البعثي وخروج قوات الاحتلال ان يتم بناء عراق ديمقراطي اتحادي ، يعامل به الانسان على اساس المواطنة في دولة المؤسسات والقانون، ولكن للأسف ما موجود حاليا امر محزن، حيث توالت حكومات المحاصصة الطائفية والاثنية، التي تواصل خداع الشعب وتجهيله، ويبدو ان الامر سيأخذ وقتا ويحتاج الكثير من العمل، واساسا من وجهة نظري يحتاج الى اجيال جديدة تكنس كل ما موجود من افكار بالية وظلامية للتمكن من بناء عراق  متطور حلمنا به وعملنا لأجله ، وقدمنا له كل جهدنا وحياتنا، هذا العراق كدولة حضارية سوف لن نعيش لنراه ولكنه قادم  مستقبلا، هكذا تعلمنا تجارب الشعوب .
من تراه سيُسهم بكنس الافكار البالية والظلامية التي تتحدث عنها وهل سيكون للمثقفين دورا في هذه العملية ؟
ـ الاجيال الجديدة ، شباب البلد المتنور،  هي القوى الكفيلة بأنجاز هذه المهمة . ان سياسات نظام  البعث الديكتاتوري عادت بالعراق الى عهد ما قبل الصناعة ، وجاء الاحتلال الامريكي وحكومات المحاصصة ، فزادت الخراب خرابا . ان النهوض بالعراق يحتاج الى الكثير من العمل والجهد ،  ولا يمكن النهوض بالبلاد اذا لم يتم اقرار دستور علماني يفصل الدين عن الدولة ويكون عاملا في بناء دولة المؤسسات والقانون ، كل حديث عن دولة قانون وموسسات في ظل حكومات محاصصة وطائفية واثنية هم مجرد كلام ، وهذا يحتاج  لقوى جديدة مؤهلة لانجاز هذه المهمة . اما المثقفون فيفترض ان يكون لهم الدور الابرز ، فالبنى التحية والهياكل التي تبني المرافق الخدمية والاقتصادية فيمكن للراسمال المحلي والاجنبي ان يقوم ببنائها واعمارها ، لكن المثقف له دور اساس في اعمار الانسان العراقي ليكون منتجا وايجابيا وعاملا في بناء عراق جديد . من هنا تكون مهمة المثقف كبيرة واساسية ليس في العراق وحده بل وفي كل مكان .
  
الكاتب في ديترويت الامريكية  اب 2010 التوقيع على روايته " تحت سماء القطب "





410
معترضا على الموازنة العامة .. أتحاد اليسار الفنلندي يغادر الحكومة  !
بافو أرهينماكي  رئيس حزب اتحاد اليسار الفنلندي




يوسف أبو الفوز
في وقت متأخر ليلة الثلاثاء  25 من اذار الجاري، وفي خطوة لم تكن مفاجئة ، أعلن حزب اتحاد اليسار الفنلندي ، وهو من الاحزاب الاساسية والفاعلة في فنلندا ، تأسس عام 1990 ، عن مغادرته الحكومة الفنلندية، اثر عدم الموافقة على مقترحاته حول الميزانية العامة للاربع سنوات القادمة التي تم مناقشتها يومي الاثنين والثلاثاء خلال اجتماع مجلس الوزراء الدوري ووافقت عليها بقية الاحزاب المشتركة في الحكومة التي تضم تسعة عشر وزيرا من ستة احزاب، والتي تدعو في المجمل لترشيق نفقات الدولة متعللة بالازمة الاقتصادية العالمية وتواصل انخفاض الانتاج المحلي الاجمالي في العامين الاخيرين ، واعلن الحزب ان وزيراه سيقدمان الاستقالة الرسمية، في وقت لاحق حسب الاصول الرسمية، وسيعلن عن ذلك في مؤتمر صحفي خاص.
وكان اتحاد اليسار وافق دخول التحالف الحكومي، الذي قاده حزب ألأئتلاف الوطني (يمين تقليدي)  الفائز في  الانتخابات البرلمانية في ابريل / نيسان 2011، لحصوله على 44 مقعدا مما اهله لتشكيل الحكومة ، التي سماها الشارع الفنلندي (حكومة قوس قزح) لكونها ضمت ست احزاب من اليسار واليمين. ووافق حزب اتحاد اليسار على دخول الحكومة، وفق برنامج توافقي وتنازلات عديدة متبادلة من الأطراف المشتركة بعد مفاوضات طويلة شهدت تقديم وعود من قبل حزب حزب ألأئتلاف اليميني بعدم المساس  بأستحقاقات الضمان الاجتماعي وعدم رفع نسبة الضرائب والعمل على اجراءات للحد من االبطالة، والتصدي لنشاطات احزاب اليمين المتطرف التي راحت تتاجر بشعارات متطرفة وايضا بقضية الاجانب واللاجئين .
 ورغم انه في نتائج الانتخابات البرلمانية في 2011 كان لحزب اليسار 14 مقعدا من 200 مقعد ،  لكن الحزب نجح خلال المفاوضات بأستقطاب حزب الخضر ليكون الى جانبه والذي له 10 مقاعد، ضمن مسعى احياء تحالف "احمر ـ اخضر"، كما حضيّ بدعم جزئي من الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي كان له 42 مقعدا والمحسوب ضمن معسكر قوى اليسار، مما جعل موقف اتحاد اليسار قويا خلال المفاوضات التي تميزت بطولها، على غير المعتاد في تأريخ تشكيل الحكومات الفنلندية. كان حزب الائتلاف الوطني الفنلندي ميالا للتحالف ، مع جملة الاحزاب المذكورة ، ومعها حزب الشعب السويدي (9 مقاعد ـ يسار ) والحزب الديمقراطي المسيحي  ( 6 مقاعد ــ يمين وسط ) ، لاجل قطع الطريق على حزب " الفنلنديين الحقيقيين " اليميني المتطرف الذي نجح في الحصول على 39 مقعدا ، في سابقة خطيرة في تأريخ فنلندا رغم عمر الحزب القصير، حيث تأسس عام 1995 . 
واسباب خروج اتحاد اليسار من الحكومة تعود لموقفه الرافض لحزمة المقترحات، التي قدمها حزب الائتلاف الوطني اليميني، لايمانه بكونها ستصعب الحياة على الفقراء من ذوي الدخل المنخفض ، فهي تدعو لتجميد مؤشرات الخدمات الاساسية ، وتآكل منافع الضمان الاجتماعي الأساسية ، ومن ضمن ذلك مخصصات حماية الاسرة والطفولة ، وترفع من نسبة الضرائب، التي سيتضرر منها تحديدا ذوو الدخول المحدودة، وسترفع من الفجوات في الدخل ، وسترتفع اسعار الأدوية والمواد الغذاتية والمحروقات، وايضا حذر الحزب من مس منافع الطلبة والمتقاعدين واشار الى عدم فعالية الاجراءات المقترحة لمعالجة مشكلة التضخم.
وكان رئيس حزب اتحاد اليسار بافو أرهينماكي (عمره 37 سنة)  الذي يشغل في الحكومة وزارة الثقافة والرياضة، قد ابلغ رئيس الوزراء الفنلندي، وزعيم حزب الاتحاد الوطني الفنلندي يوركي كاتاينين (عمره 42 سنة ) بشكل مسبق بموقف حزبه.


411
يخدمُ مَنْ  الأساءة لأسم " الپێشمه‌رگه"؟!
يوسف أبو الفوز


أخي العربي
ياذا العينين السوداوين
مرُّ ا كان نصيبك
مُرّ ا كان نصيبي
قد جرعنا المرارة من كأس واحدة
فأضحت أخوتنا عسلا شهيّا !

(الشاعر الكوردي عبد الله كوران)
ما أن قام ضابط  أرعن من فوج رئاسة الجمهورية  بجريمته النكراء ، بسلب حياة ، التدريسي والاعلامي د.محمد بديوي، مدير مكتب إذاعة العراق الحر، حتى تحركت مختلف الاوساط والجهات والاحزاب والجماعات والدكاكين السياسية ووسائل التواصل الاجتماعي وعقلاء الناس لمتابعة الجريمة وملابساتها، وكل واحد من هؤلاء له غرضه الخاص ودوافعه ، إذ اثار الحدث استنكارا واسعا بطرق واساليب ودوافع مختلفة . لن اتوقف عند سلوك السيد صاحب كل المهام ــ بدون منازع ــ السيد نوري المالكي ، الذي يحمل من الالقاب في ادارة الدولة ما يفوق اي حاكم اخر في المنطقة، فهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ويدير بالوكالة وزارات، الدفاع والداخلية ومعها والى جانبها عدد لا يستهان به من مؤسسات الدولة ومنها مؤسسات امنية ! إذ لم يكن خافيا على عقلاء الناس الغرض من مسرحية الوصول الى مكان الجريمة بسرعة قياسية مدججا بالقوات والاسلحة والكاميرات وتصريحاته الرنانة ونحن على ابواب الانتخابات البرلمانية، هذه الهمة والسرعة  افتقدها السيد "صاحب الالف وظيفة "، حين تم اغتيال كامل شياع وهادي المهدي و محمد عباس وغيرهم  من الشهداء المغدورين ، رغم ان بعض القتلة صاروا معروفين ، وتم  التغطية على بعضهم لالف سبب وسبب ، ولن نذهب بعيدا، إذ  لم يمض زمنا طويلا على احداث جريمة بابل حيث استشهد الاف الأبرياء ، ومن ضمنهما اعلاميان من العاملين في الفضائية العراقية، التي تناست يومها وضع الشريط الاسود ، والان رفعته بأيعاز مكشوف الدوافع ، رغم ان  الشهيد المغدور محمد بديوي ليس من العاملين في الفضائية العراقية !
ما اريد اثارته هنا والحديث عنه ، هو زج اسم "الپێشمه‌رگه" في الحدث ، بقصد أو دون قصد، بنوايا سيئة وموقف مسبق عند البعض ، أو بدوافع ليس فيها وضوح فكري أو اطلاع على تفاصيل الكثير من الامور عند البعض الاخر !
ان كلمة پێشمه‌رگه الكردية ـ بدون أل التعريف العربي  وبالباء والكاف  المعجمتين ـ  مكونة من مقطعين ، " پێش " ــ تعني أمام ـ و"مه رگ"  ــ تعني "الموت"  وتعني حرفيا " قدام الموت" أو " تحدي الموت " ومرادفها في العربية كلمة الفدائي ، ـ استخدم الحزب الشيوعي العراقي مفردة "الانصار" لقواته  المقاتلة في كردستان ـ  والكلمة تطلق على المقاتلين الكرد الذين ناضلوا وعملوا بنكران ذات  ومضحين بحياتهم ومستقبل عوائلهم  لاجل قضية عادلة ، ورفعوا السلاح  ضد الانظمة الحاكمة دفاعا عن حقوق الشعب الكردي و قدموا الالاف من الشهداء والضحايا خلال مختلف العهود ، وربطوا نضالاتهم بنضالات الشعب العراقي من خلال الشعار العتيد الذي رفعته الحركة الوطنية ، الا وهو : " الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان ".
وظهرت الكلمة في اواخر سنوات الدولة العثمانية ، وهناك من يقول باقدمية ذلك ، لكن المؤكد انها متداولة حتى قبل ظهور الدولة العراقية المعاصرة ، وكانت شكل من الميلشيات العشائرية قبل ظهور الاحزاب السياسية. وليس غائبا عن بال المتابع الملابسات السياسة وظروف المنطقة التي دفعت القيادات السياسية للحركة الكردية في بعض الفترات الى ارتكاب اخطاء في تحالفاتها وعلاقاتها ، زجت فيها قوات "الپێشمه‌رگه" في صراعات ونزاعات ، اضرت بنضالات الشعب الكردي وبأسم  وتأريخ "الپێشمه‌رگه"،  واعترفت القيادات الكردية بذلك وانتقدت نفسها ، وفي البال الاقتتال الداخلي في كردستان والذي استمر سنوات عديدة ، والذي عرف في الادبيات السياسية بـ " اقتتال الإخوة " ــ بالكردية : شه رى برا كوژى ــ  حيث دفع ابناء الشعب الكردي ومنطقة كردستان الثمن غاليا قبل ان تنتبه القيادات السياسية الى ضرورة التصالح وتوحيد الجهود لاجل  القضايا الاهم . وبعد سقوط الصنم وزوال ديكتاتورية نظام البعث الفاشي على يد قوات الاحتلال الامريكي، اتخذات حكومة اقليم كردستان قرارها بتحويل قوات "الپێشمه‌رگه" الى قوات عكسرية ترتبط بالجيش العراقي، ولاغراض سياسية وعاطفية احتفظت حكومة الاقليم بأسم "الپێشمه‌رگه" للقوات الجديدة ، التي في حقيقية الامر لم تعد تحمل المواصفات التي عرفت بها قوات"الپێشمه‌رگه" تأريخيا ولا المهمات التي شكلت وناضلت لاجلها. فقيادات الاقليم ولاهداف مختلفة، فتحت الباب لابناء كردستان للانضمام لصفوف القوات المسلحة الجديدة ، بشكل كان تاثيره سلبيا جدا على الحياة  الاقتصاية والاجتماعية، فأعداد ليست قليلة من الشباب ، صاروا يعيشون البطالة المقنعة قانونيا، اذ صاروا حراس حدود وشرطة وجنودا ، وبقيت المزارع والمصانع فارغة ، بل حتى عمال التنظيف صار يتم استقدامهم من دول شرق آسيا، وصارت نسبة كبيرة من ميزانية الاقليم تذهب لسد الرواتب والمكافآت والتكاليف لهذه القوات التي صارت تتضخم يوما بعد اخر، والتي ترك فيه الباب مفتوحا بحيث سهل دخول اعداد ليست قليلة ممن خدموا سابقا في قوات النظام الديكتتاتوري في صفوف ما عرف بـ " قوات فرسان صلاح الدين " ، الذين اعطاهم الشعب الكردي تسمية "الجحوش " استهانة بهم وبدورهم ، فهم كانوا مرتزقة ادلاء لنظام المجرم صدام حسين تتلخص مهماتهم في ملاحقة المقاتلين الثوار من "الپێشمه‌رگه" ومعاقبة عوائلهم والمتعاطفين مع الحركة الكردية من ابناء شعب كردستان،  وايضا كان لهم دورا نذلا خلال عمليات الانفال 1988 ،  التي كانت عمليات ابادة جماعية ضد الشعب الكردي نفذها النظام البعثي الفاشي الشوفيني !  وهاهم في مفارقة تأريخية يصيرون جنودا وضباطا في في صفوف القوات المسلحة للاقليم ـ "الپێشمه‌رگه"! ـ وهم الذين كانوا ألد اعدائها !! فأي علاقة لاسم "الپێشمه‌رگه" المرتبط بالنضال لاجل الحقوق المشروعة، بما موجود الان من تشكيلات قوات مسلحة شكلت لاغراض واهداف سياسية مختلفة ؟!
أن ما قام به الضابط المجرم من فوج الحراسة الرئاسي ، فتح المجال للعديد من الشوفينين، من تربية نظام البعث المقبور ، والمظللّين،  ليصبوا غضبهم على الشعب الكردي وتأريخه ، وظهرت للاسف تعليقات على صفحات الفيس بوك ، يشعر المرء بالخجل لقراءتها ! والمحزن ، وتحت تأثير الحدث ، ان ينجر البعض لمحاولات اطراف معينة لتسيس القضية وتوظيفها في الدعاية الانتخابية ، وخلط الاوراق في الصراعات القائمة بين المركز وحكومة الاقليم ، واثارت النعرات القومية ، واحياء روح شوفينية ضد الشعب الكردي زرعها النظام البعث الصدامي في نفوس البعض ، والاساءة الى الاخوة العربية الكردية التي تعمدت بالتضحيات المشتركة والمعاناة والدم ، فما علاقة الشعب الكردي ، الذي عانى ما عاناه الشعب العربي في العراق ،  بسلوك ضابط ارعن ، دفعته مظاهر العنف المترسخة في  شخصية المواطن العراقي  بفعل كل هذه الحروب والصراعات واعمال العنف ، التي لا تفرق بين هوية العراقيين القومية والدينية ، تعززها مظاهر الفساد المستشرية في عموم اجهزة الدولة، الى نسيان مهمته في حفظ الامن ، وبرزت عنده في لحظة عنجهية نزعة العنف العدوانية بحيث تصرف بكل رعونة واستهتار واستهانة بحياة مواطن، بغض النظر عن ملابسات الحادث التي قيل فيها الكثير، ونتمنى ان يتم الكشف عنها بكل وضوح ؟
ولابد من القول أن الجهات الكردستانية المعنية ترتكب خطأ فادحا لو حاولت بأي شكل كان التستر على الجريمة ومحاولة تبريرها تحت أي مسمى . وعلى العقلاء ان يدركوا ان الذين تحركهم دوافع التربية البعثية الشوفينية ضد الشعب الكردي لن يتمكنوا من الاساءة لاسم "الپێشمه‌رگه"  الذي طالما وقف بوجه الظلم والطغاة وتحول الى رمزا للبطل الشعبي في ثقافة الشعب الكردي واغانيه واشعاره وفنونه ! وايضا لم تكن قوات "الپێشمه‌رگه" المناضلة كردية خالصة ، ففي سنوات النضال ضد ديكتاتورية العفالقة الصدامية ، صارت كردستان مكانا يشهد تشكيلات مقاومة مسلحة من "الپێشمه‌رگه" المقاتلين ، ممن ارخصوا حياتهم لاجل حرية الوطن وزوال الديكتاتورية ، وتضم بين صفوفها الكرد والعرب والتركمان والاكراد الفيلين والايزيدين والكلدان والاشوريين والصابئة المندائيين ، لاجل بناء العراق الجديد بروح الاخوة والتضامن والتسامح والسلام .
سماوة القطب .. كتب في 23 اذار 2014
 

412
آيات محمد رضا وعبق حارات العراق في فنلندا


الفنانة الشابة  ايات محمد رضا وسط لوحاتها
يوسف أبو الفوز
ضمن نشاطات جمعية البيت العراقي في فنلندا ( تأسس عام1996 )  خريف العام الماضي ، شاركت صبية عراقية بستة عشر لوحة تشكيلية مرسومة بالزيت والاكليريك، لفتت اهتمام الزوار واعجابهم واقبالهم ، وهي تنقل ، عبر لوحاتها الفنية، المرسومة بحرفية وموهبة عالية، عبق حارات العراق الى زوار المعرض الذين تعددت جنسياتهم ،  مما دفع المسؤولين الفنلنديين في بلدية المدينة لتمديد المعرض لايام اخرى . فنانتنا ، التي تدخل عامها الخامس عشر هذا العام ، من مواليد بغداد ، هدوئها يغلف جمالها العراقي ، ونظراتها الذكية تضيف لوجهها مزيدا من السحر . كان  لنا معها لقاء  للتعريف بتجربتها ، طلبنا منهه تقديم نفسها لقراء طريق الشعب :
 ـ أسمي الكامل آيات محمد رضا ، من العراق ، وصلت الى فنلندا مع اهلي عام 2009 ،  بعد ان غادرنا العراق عام 2006 ، وبقينا لمدة ثلاث سنوات في دمشق ، حاليا ادرس في الصف الثامن الموحد ، وبعد انهاء الدراسة الاعدادية انوي الدراسة في  المعاهد الفنية المتخصصة بالرسم .

   من أكتشف موهبتك ، واهتم بك ، وما اول نشاطاتك الفنية ؟
ــ كان اهلي ولا يزالون ، هم اول من اهتم بي ، وقدموا لي الرعاية الكبيرة لتطوير موهبتي بعد ان لاحظوا اهتمامي بالرسم ، فهم يشترون لي الالوان ومتطلبات الرسم ، وفي سوريا كان والدي يصحبني لاهم المعارض فتعرفت الى تجارب العديد من الفنانين العراقيين المقيمين في دمشق ايامها وزرت معارضهم، وهنا في فنلندا فأني حالما وصلت فنلندا وانتبهوا لموهبتي ارسلوني الى معهد خاص للفنون اضافة لمدرستي الاساسية ، وفي  معهد الفنون ولمدة سنتين اخذت دروس نظرية في الرسم والنحت ومزج الالوان والتاريخ الفني ومواد اخرى . وصرت ازور المعارض والمتاحف مع جولات المدرسة او بنفسي او مع افراد عائلتي .
   عرفنا ان موهبتك سببت لك اشكالات ما في طفولتك ؟
ــ في بالي العديد من الحكايات، من ايام المدرسة في العراق ، ولكني اتألم حين  اتذكر احد المعلمات كانت تضربني ولا تصدق اني اقوم بواجباتي بنفسي وكانت تتعجب من كون خطي متميز وفني رغم صغر سني ، وكانت تعتقد ان اهلي يقومون بالكتابة نيابه عني .
   هل تتذكرين اول مشاركاتك الفنية ؟
ــ حين وصلنا دمشق بدأت وبتشجيع من عائلتي اساهم في بعض المعارض لمنظمات المجتمع المدني ، ويوما شاركت في معرض انساني اقامته شركة حليب نيدو ونالت مساهمتي اهتمام الجمهور ومنحتني الشركة شهادة تقديرية خاصة .
   وما حكاية لوحة زوجة رئيس الجمهورية الفنلندي ؟
ـ خطر لي ان ارسم بورتريه السيدة زوجة رئيس الجمهورية الفنلندي الحالي ، وارسلتها لها بالبريد على عنوان القصر الرئاسي ، وصلتني منها رسالة شكر بتوقيعها وتحية وتشجيع للاستمرار في الرسم والنشاط الفني .
   وفي فنلندا ، هل تزورين معارض الفنانين العراقيين ؟
ــ تعرف ان هناك صعوبات فنية امام الفنانين التشكليينعموما في انجاز معارضهم باستمرار، وعلى قلة هذه المعارض فانها غالبا ما تكون في العاصمة هلسنكي، وبسبب من صعوبة النقل والبعد يمنعني فتفوتني الفرصة، ولكن المعارض التي تقام في مدينة توركو، محل اقامتي،  ازورها باستمرار، ولي  اطلاع على نشاطات التشكليين العراقيين المقيمين في فنلندا بطرق مختلفة .
   هل تتابعين الحركة الفنية في العراق  ؟
ــ متابعتي تتم عادة عن طريق الانترنيت ، ازور مواقع بعض الفنانين واطلع على اعمالهم ونشاطاتهم ، وبصراحة ان الالتزامات الدراسية احيانا تفوت علي بعض المتابعات في وقتها ، لكني ابذل جهودي للمتابعة .
   وكيف تنظرين الى الاوضاع في العراق بشكل عام ؟
ــ لست متابعة للشؤون السياسية كثيرا ، ولكن بحكم اهتمامات العائلة ، فأنا على اطلاع على واقع  معاناة الناس بسبب من عدم توفير الدولة للخدمات وفوضى الحكم بسبب الطائفية .
   وما هي امنياتك لوطنك العراق؟
ـ اتمنى ان الانتخابات القادمة يتحقق فوز الناس البعيدين عن الطائفية والفساد ويحقق التيار الديمقراطي وقائمتهم قائمة التحالف المدني نتيجة يتمناها الجميع .







من لوحات الفنانة آيات محمد رضا


413
نَفْخَة سَّحَريَّة !
يوسف أبو الفوز
تعددت وتعالت الانتقادات والادانات لما جرى للطائرة اللبنانية ، وعدم السماح لها بالهبوط في بغداد وعودتها من حيث اتت . البعض من المنتقدين وجدها فرصة لتصفية الحسابات واستغلالها في ماكنة الدعاية الانتخابية التي  تستغل كل ما يحدث ويجري ليدخل في مطحنتها ،  وحتى ما اشيع من كون وزير النقل السيد هادي العامري قدم استقالته من منصبه وأنه طالب بمحاسبة ابنه، على خلفية الحدث ــ وحتى لو حصل هذا بالفعل ــ ، فهو يمكن اعتباره جزءا من المناورات الانتخابية للظهور بمظهر السياسي النزيه ، اذ كيف يمكن لابنه ان يجرؤ ويقدم على هذا التصرف الارعن ، لو كان يعرف ان ابيه حقا أنسانا ملتزما بالقوانين ورجل دولة يحترم منصبه وسلطاته؟. أما انصار الدولة المدنية والمؤسسات والقانون ، فمن جانبهم ، وفي مواقع التواصل الاجتماعي ، وفي تصريحاتهم وتعليقاتهم ، فضحوا الحال الذي وصلته الدولة العراقية على يد قوى الاسلام السياسي التي حولت " العراق الجديد" الى دولة طوائف ، فكل وزارة صارت ملكا مشاعا للوزير وعائلته وحزبه وطائفته، بحيث ان ابن وزير يملك كل هذه السلطة ، وتكون ردة فعل غضبه ، بسبب اقلاع الطائرة بدونه ، فوق النظام والقانون  !ّ
ومع تسجيل الادانة الكاملة ، لما حصل ، لكني في هذه السطور اود الحديث عن جانب أخر من القضية ، الا وهي السرعة في تنفيذ طلب ابن الوزير المدلل !
فنقلا عن وكالة البي بي سي ، فأن السيد مروان صالحة ، القائم بأعمال رئيس شركة خطوط الشرق الأوسط للطيران، قال في تصريحات للصحافة، " إن الرحلة، التي كان من المقرر إقلاعها في الساعة 12:40، بحسب توقيت غرينتش، تأخرت ست دقائق بينما كان موظفوها يبحثون عن مهدي العامري وصديقه في استراحة رجال الأعمال." واضاف صالحة "اتخذنا الإجراءات الضرورية في ما يتعلق بالإعلان، والنداء على المسافرين وأقلعت الطائرة، ولكن تبين لنا أن ابن وزير عراقي، لم يتمكن من اللحاق بها". ويواصل صالحة " أن العامري ــ يقصد ابن الوزيرــ  كان غاضبا عندما وصل إلى البوابة، وقال "لن أسمح للطائرة بالهبوط في بغداد "!! .
ويبدو ان ابن الوزير  الغاضب اجرى  اتصالا هاتفيا لجهة ما في "بغداده" ــ فهي ملكا مشاعا له  كما يبدو ــ أذ بعد نحو عشرين دقيقة من إقلاع الطائرة، تلقت شركة خطوط الشرق الأوسط إبلاغا من مدير محطتها في مطار بغداد بأنه لا يوجد تصريح بهبوط الطائرة في مطار بغداد، وهذا بحسب ما قاله السيد مروان صالحة . عادت الطائرة إلى مطار رفيق الحريرى الدولى فى بيروت ، وأنزلت ركابها الواحد والسبعين وسط ذهول الجميع !.
ولو كان السيد نوري المالكي ، رئيس الوزراء العراقي ، جديا في توجيهه ، بطرد ومحاسبة من تثبت مسؤوليته عن عدم السماح للطائرة بالهبوط في مطار بغداد الدولي، ــ وهذه دعاية انتخابية  تليق برجل دولة ــ فليس أمامه سوى العثور على جواب سؤال : من يملك سلطة ارجاع طائرة وعودتها الى محل اقلاعها ؟ وعندها سيكتشف السيد رئيس الوزراء أيضا ان اجهزة دولته تعمل بكفاءة عالية، على عكس ما يشاع عنها ، من فساد وبيروقراطية وتخلف ، بحيث ان عشرين دقيقة فقط استغرق الحال لتنفيذ مكالمة ابن الوزير المدلل والغاضب !
دورتان انتخابيتان ، تولى الحكومة فيهما السيد نوري المالكي ، ومعه حلفاؤه من قوى الاسلام السياسي ــ والسعي قائم لدورة ثالثة ــ والدولة العراقية الحالية تشكو من التعثر في تنفيذ المشاريع الخدمية التي تعلن عنها الحكومة وتوعد بتفيذها ، لكن الوعود تبقى حبرا على ورق . والمواطن العادي لاجل انجاز شأن ما ،  معاملة بسيطة في دائرة ما من دوائر دولة الطوائف ، يبقى يدور اياما وشهورا وربما سنوات لانجاز  ما يريد ، يسفح عرق كرامته امام موظف فاسد او متعالي او بيروقراطي من طراز طائفي ، لكن طائرة من نوع آيرباص 320 ، برحلة رقم 322 ME  تقل واحد وسبعين راكبا تم اعادتها بنفخة واحدة ـ اقصد مكالمة ـ ! فأي كفاءة وسحر تملك هذه النفخة ، بحيث ركضت الاوامر عبر الخطوط والهواتف وتجاوزت المكاتب واحد بعد الاخر ليصدر الامر من الجهة المعنية بعدم جواز هبوط طائرة شركة خطوط الشرق الأوسط على مدرجات مطار بغداد مملكة السيد مهدي العامري ؟!
 
سماوة القطب    8 اذار 2014

 

414
المنبر الحر / لغة يفهمها الناس!
« في: 00:58 09/03/2014  »
الكلام المباح (62)
لغة يفهمها الناس!
يوسف أبو الفوز
نقترب من يوم الاستحقاق الدستوري، يوم  انتخابات مجلس النواب في 30 نيسان القادم، واجواء عدم الثقة والتجاذبات بين الكتل المتنفذة متواصلة، وملفات كثيرة عالقة في مجلس النواب، دون اجراءات حاسمة وفعلية، بل  ان العديد من الاجراءات  الحكومية والقرارات والتصريحات السياسية صارت تصعّد من اجواء التوتر، والمواطن العراقي يشعر ان الامور تدور في حلقة مفرغة مع تواصل الخروقات الامنية ونشاط "داعش" واخواتها.
كان صديقي الصدوق، أبو سكينة ، منتبها لكل كلمة اقولها وانا اعرض للحاضرين واقع الحال، وبعض ما تقوله التقارير الصحفية واقوال المراقبين للشأن العراقي. كان منتبها لتعليقات جليل التي بدت متفائلة رغم كل ذلك وهو يكرر:"الانتخابات ستكون تكون حدا فاصلا، الكثير من ابناء شعبنا ينوون اختيار عناصر مؤهلة،وجوها جديدة لا توجد حولها شبهات فساد،  وان الامل بالتغيير هو الذي يجعلني اتفاءل، ان الكثير من الناس بدأت تفهم الامور".
 ايدت سكينة كلام جليل فخلال مشاركتها في فعالية نسوية بمناسبة عيد المرأة لمست اصرارا عند جمهرة النساء بضرورة التغيير.
 فاجأني ابو سكينة:" بروح موتاك ذكرني بواحدة من تصريحات صاحبنه "أبو المحابس" في الانتخابات السابقة؟"
فهمت مزاجه المتفائل ، فأجبته:هل تقصد حديثه عن"الانبعاجات المجتمعية في التحولات الظاهرة " أم "الانبهار المتوالي في التحديات الراهنة ". ضحك ابو سكينة عاليا، قال :"افهم ان ابو المحابس وباعتباره من جماعة حطي لي واحط لك، يعني المحاططة، يمكنه ان يحكي بلغة "نحباني لالو" لان هو يعرف فقط الضحك على عقول الناس، لكن لماذا صاحبك المثقف المهندم يكتب مثله؟ احنا لازم نكتب حتى تفتهمنا الناس ونوعّيها، حتى تقف الى جانب الشرفاء في الانتخابات، لو نحيّرها ونكتب لها كلمات متقاطعة ؟!
وفهمت ان ابو سكينة يواصل حديثا سابقا ، حين طلب مني ان أفسر واشرح له نصا قرأته له ابنته سكينة ، ولم يفهم منه شيئا. كان كاتبنا الصديق، ويفترض انه يكتب لامثال ابو سكينة، يحلق في عوالم اللغة وانبعاجاتها وقواميسها، يكتب لنخبة يعرفها هو، فأستاء ابو سكينة من ذلك ، وصاح بي ساعتها : بروح موتاك ما تقول لصاحبك المهندم، على لساني ان على كيفه ويانا، ليترك"الأنبعاجات المجتمعية" و"صمت الضجيج" و ما اعرف شنو ،  لصاحبنه :" ابو المحابس" وامثاله ، وليحكي لنا عدل ، على قدر ما نفهم !


415
بطاقات أنصارية  لسيدة الثامن من اذار
يوسف أبو الفوز
دعوة الى الرسم
اغمسي أصابعك في غربتي ، وخطي على جلدي تضاريس أحزانك . لا تكترثي بالتفاصيل ، سيتشكل حزنك في مساماتي مدنا أليفة، ولا تبتئسي أن يعوزك الأحمر، سأفتح لك بوابات قلبي.
أغمسي أصابعك في شراييني، وارسمي على وجهي صورة للوطن، حاذري فقط عيني لتظلا شاهدتين على المجزرة .
أغمسي أصابعك في جلدي وانهمري مطرا أو حجرا لا يهم ، فشاهدة القبر كان يمكن أن تكون مقعد غرام في حديقة.
اغمسي أصابعك في صوتي وارسمي برائحة الأغاني في الرؤى زهرة ،
ليس مهما أن يكون صوتي صالحا للغناء ، المهم أن تصل أغنيتي للاخرين .
اغمسي أصابعك في أصابعي ، ولنشتعل باقة هواجس وأمنيات !
16 ـــ 17 / 12 / 1984
كردستان ــ جبل  سورين 
 
دعوة الى الرقص
سيدتي ، سيدة النرجس ، سيدة الفرح الآتي .
 هاتي يديك ، وامنحيني العشق يا غسق المرافئ .
نرقص سيدتي ...
غجريان ولدنا مع المساء ، وفي روحينا نمت كل الأماني .
تعالي ...  نرقص سيدتي ،
فالماء هو الماء ،
في الانهار ، وفي الاهوار ، وفي دفء الأغاني !
1986
كردستان ــ   كه لي ئه سب


416
الكباب أكلة غير ديمقراطية !
يوسف أبو الفوز
لم يكن الخبر مفاجأة في عهد "العراق الجديد" ، الذي صرنا نسمع فيه ، كل يوم اخبارا يبدو بعضها غير قابل للتصديق. هل اذكركم بتظاهرة اصحاب الشهادات الدراسية المزورة التي تطالب باعتبار شهاداتهم صحيحة واصدار قرار بالعفو عنهم ؟! لحد لحظة كتابة هذه السطور لا يمكني استيعاب هذا الحدث ، وقد ادرجه الكثيرون في باب "صدق او لا تصق "، أو في ابسط  الحسابات في باب " شر البلية ما يضحك " ! لكني هذه المرة ، فعلا اصبت بالحيرة : هل اضحك أم اشعر بالحزن؟ فالامر يبدو صار "بدون ملح" كما يقول أهلنا !
اخبار "العراق الجديد"، الديمقراطي الاتحادي ، تقول أن المفوضية العليا المستقلة ـ ! ـ اعلنت يوم الاربعاء 26 شباط انه " تم استبعاد رئيس حزب الامة العراقية، السيد مثال الالوسي من الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة" . وتضيف الاخبار بأن مجلس المفوضين اتخذ قراره باستبعاد الالوسي بناء على شكوى مدعمة بـ"قرص مدمج" يتهجم فيه الالوسي على مرشحين ومسؤولين كبار في الدولة بـ"نعوت غير صحيحة"!! و قد تم اعتبار حديثه في برنامج تلفزيوني مذاع دليلا على ذلك !! وكانت الاخبار قد ابلغتنا قبل ذلك بيوم ،  بأن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كانت  أعلنت ، استبعاد كل من النواب سامي العسكري وصباح الساعدي وعمار الشبلي وعالية جاسم من الترشيح للانتخابات البرلمانية المقبلة، وبينت أن القرار جاء لصدور قرارات سابقة من محكمة النشر والاعلام بشأنهم، اكدت ان من حقهم تقديم طعون لإعادتهم الى الترشح للانتخابات مجددا.
اذا أتفقنا على كون السلطات القضائية ، ومنها "محكمة النشر والاعلام " ،  تملك حقا قانونيا في منع مرشح ما من الاشتراك في الانتخابات وفقا لقرارات مصدقة قانونيا ويمكن استئنافها ، فما هي السلطة القانونية بهذا الجانب لمجلس المفوضين في الانتخابات؟ وهل حقا يملك الصلاحيات الدستورية  التي تؤهله لاصدار قرار بمنع مرشح ما من المشاركة  في الانتخابات لانه صرح وعبر عن رأيه بطريقة ما ؟ وهل الاعتراض هنا على مضمون التصريح ام اسلوبه ؟ وهل ...؟
أن الجواب الفاصل بالتأكيد سيكون عند الاخوة القانونيين المتخصصين، وأن مهمتنا هنا تتلخص في التنبيه الى ان مثل هذه القرارات سواء كانت شرعية أم لا شرعية  ، سواء كان لها غطاء قانوني ام لم يكن ، فأنها  قد تتحول الى سوط بيد من يملك تأثيرا على "المفوضية المستقلة للانتخابات " ـ ! ـ لاستخدامه حين يشاء لترويع المعارضين له ، وترويض بعض الجهات السياسية التي يجدها تهدد مستقبله السياسي ، اضافة الى انها ستكون اسلوبا جديدا لتكميم الافواه، فكل سياسي او مرشح للانتخابات سيحسب الف حساب حين يود تقديم رأيا ما في اي قضية معينة ، اذ ربما يعتبركلامه تهجما ونعتا غير صحيح ، لجهة ما متنفذة او غير متنفذة ،   فكما يبدو لايوجد ضوابط  محددة لتحديد  السقف المسموح به للحديث ولاعتبار هذا التصريح تهجما او نقدا او اعتراضا ، فالامور هنا هلامية ، وستكون خاضعة لمزاج واجتهادات جهات معينة لتحديد نوعية التجاوز والخرق والخ وتفسيرها بالشكل المناسب ، وربما تكييفها حسب الحاجة لتعتبر خرقا او قذفا !
خطر في بالي ايضا ، لكن أرتباطا بـ" شر البلية ما يضحك " : ماذا سنقول لو جاءنا احد ما واعتبر الكباب اكلة غير ديمقراطية ولا تتماشى مع المعايير الانتخابية المطلوبة خصوصا اذا اكلت مع الطماطه شوي ؟!  ربما هذا الاجتهاد الخاص يعتبر اكل الكباب فيه تجاوز ما على جهة سياسية ما ــ كيف ولماذا ؟ لا اعرف !! ، وبالتالي يمكن ان يكون سببا لمنع مرشح ما من الاشتراك في الانتخابات ، بأعتبار ان المرشحين ــ حسب عرف مجهول ــ يجب ان يكون فطورهم فقط بيضا بالدهن ؟ لست استخف بعقول القراء ولا اتجاوز على احد ما ، فدولة يقبل برلمانها اساسا مناقشة قانون للعفو عن المزورين ــ حتى وان تم رفضه ـ كل شيء ممكن ان يحصل فيها، حتى اعتبار الكباب اكلة غير ديمقراطية !!
سماوة القطب
 27 شباط 2014


417
 
دي كابيرو ولعنة سكورسيزي مع الاوسكار !



يوسف أبو الفوز
في عموده الدوري"كلاكيت"وعن الترشيحات النهائية لجائزة الاكاديمة (Academy Award)، المعروفة بأسم جائزة الأوسكار، التي تقدمها سنويا أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة الامريكية، التي ستعلن في حفل على الهواء في الثاني من اذار القادم، كتب الصديق الناقد السينمائي علاء المفرجي، وفي معرض حديثه عن فيلم "ذئب وول ستريت" المرشح لعدة جوائز اوسكار، وهو للمخرج الفذ مارتن سكورسيزي، عن الممثل ليناردو دي كابيريو الذي يلعب الدور الرئيس فيه: (...، الذي قدم حتى هذه اللحظة أدوارا جعلته  بين الصفوة من عمالقة الأداء السينمائي على مدى تاريخ السينما الأمريكية. وربما ستكون دورة هذا العام للأوسكار فاصلة في مسيرة هذا الممثل وهو الذي يحفظ للجائزة محاولاته المضنية السابقة في كسب ودها. وفي حال كانت أوسكار الممثل الأفضل من نصيبه أو لم تكن فإن ذلك بلاشك سيكون الحدث الأبرز في أوسكار هذا العام . خاصة مع الأداء المذهل الذي قدمه في هذا الفيلم).
 فهل سيحتضن ليناردو دي كابيرو العم اوسكار بين يديه أم ان لعنة مارتن سكورسيزي مع الاوسكار ستلاحقه ايضا ؟
اول مرة تعرفت شخصيا على ليناردو دي كابيرو (مواليد 1974) كممثل كانت في فيلم " ماذا يأكل جلبرت جريب ؟" (1993) للمخرج الامريكي ـ السويدي الاصل لاسي هالستروم ، الذي عرف باخراجه لكليبات الفيدو فرقة آبا الموسيقية السويدية الشهيرة واخراج افلام هوليودية عديدة. في الفيلم لعب دي كابيرو دور الصبي المعوق "أرني جريب" ، في دراما عائلية ، حيث يعاني الابن الأكبر "جلبرت جريب" (جوني ديب) من هموم رعاية  العائلة التي هرب منها الاب بشكل غامض وتركه مع اخت غير متزوجة واخ معوق وأم مفرطة السمنة، والتي يوم وفاتها تعذر نقلها فارادت السلطة المحلية ان تجلب رافعة خاصة لذلك، فقرر الابن حرق المنزل مع جثة والدته تحسبا للفضيحة. في هذا الفيلم، وهي اول مشاهدة لي لدي كايبرو وكنت حينها لا اعرف اسمه،  لم اصدق بان هذا الممثل الشاب الوسيم (19 عاما يومها) لم يكن معوقا حقيقا فقد تلبس الدور بشكل مذهل. بعد البحث عن الفيلم وما يتعلق به اطلعت كيف ان دي كابيرو لاجل الفيلم زار عدة مصحات نفسية وقابل العديد من المرضى راقبهم وتحدث معهم ليساعده ذلك في تقمص الدور. لم يكن "أرني جريب" في الفيلم شريرا بقدر ما كان مشاكسا ومتعبا لاخيه الاكبر، وقدمه دي كابيرو بأحتراف عال واقناع أهله حينها للترشيح لجائزة الاوسكار عن فئة افضل دور مساعد وليكون اصغر ممثل في تاريخ هوليود يترشح بهذا العمر. وتوالت الادوار التي لعبها دي كابيرو بعبقرية الممثل المجتهد الذي لا يكرر نفسه، ليكون واحدا من النجوم المرتفعين الاجر ــ عشرين مليونا عن فيلمه الاخيرــ ، ليس لأن مجلات الموضة والمجتمع المخملي اختارته كواحد من اجمل خمسين رجلا في العالم أو لأنه حمل الرقم 36 من بين 100 رجلا اكثر اثارة واغراء ، لكن لامكانياته التي صقلها ببدايات تلفزيونية ناجحة، وثم ادوارا سينمائية متواضعه، وثابر لتنمية قدراته التي اهلته للعمل مع مخرجين سينمائيين متميزين مثل جيمس كاميرون (تايتانيك 1997) ، وودي آلن (الشهرة 1998)، ستيفن سبيلبرغ (أمسكني لو استطعت 2002) كلينت إيستوود (جيه إدغار هوفر 2011)، وبالطبع اعماله المتميزة مع مارتن سكورسيزي، الذي اعتبره "روبرت دي نيرو جديد في عالم السينما". اول اعماله مع مارتن سكورسيزي كان فيلم عصابات نيويورك 2002، ثم توالت البقية : الطيار2004 ،المغادرون 2006،جزيرة المصراع 2011، هذه الافلام التي عززت العلاقة بين دي كايبيرو وسكورسيزي، والتي يبدو جعلت "لعنة الاوسكار" تنتقل من المخرج الى الممثل!
مارتن سكورسيزي (مواليد 1940 ) ظل منبوذا من قبل الهيئات المسؤولة عن جوائز الاوسكار لفترات طويلة، رغم تقديمه اهم الافلام للسينما العالمية ، خصوصا تلك الاعمال التي تعاون فيها مع الممثل روبرت دي نيرو، لكنه لم يتوقف في افلامه عن تعرية الحلم الامريكي من منطلقات فكرية ليبرالية، ففيلم "سائق التاكسي" 1976 ، بحث الاسباب التي دعت الشاب " ترافيس بيكل" (روبرت دي نيرو)، البسيط والمحدود التعليم لأن ينفجر بشكل عنيف ومدمر. فهذا الجندي العائد من حرب فيتنام وجد ان البلاد التي حارب لاجلها تسير الى الهاوية ويرى فساد السياسيين وانتشارالدعارة والمخدرات فيقرر التغيير على طريقته. وتوالت افلام مارتن سكورسيزي متأملا المجتمع الامريكي من الداخل  متناولا شخصيات متأزمة ، غير محبوبة، ففي فيلم "الثور الهائج"1980 (مع دي نيرو ايضا) قدم سيرة الملاكم "جيك لاموتا"،الذي امتاز بالعنف والوحشية والوسواس ودمر علاقته مع زوجته بسبب غيرته وعزل نفسه عن الاخرين، وحتى في افلامه التي تناولت قصص العصابات والجريمه سلط الضوء على الحياة الامريكية التي تنتهك أمنها الجريمة والفساد، وفي فيلمه "المغادرون" 2006،الذي اخيرا تنازلت هوليود ومنحته الاوسكار لاجله، من بعد خمسة ترشيحات كافضل مخرج وترشيحين لافضل سيناريو، تناول الفساد المستشري في اجهزة الشرطة التي يتطلب ان تكون حافظة للقانون. لم يكن  فيلم "المغادرون" افضل افلام  مارتن سكورسيزي، لكن هوليود شهدت الكثير من التغيرات منها ظهور تيار جديد من المخرجين والمنتجين الذين تمردوا على سيطرة الراسمال الهوليودي المتشدد المرتبط بسياسات الدولة ، وعملوا لانتاج افلاما تتمرد على الرقابة الحكومية واجهزتها البوليسية التي تدس انفها في كل مشهد وحوار، وتعالت الكثير من الاصوات الناقدة والناقمة لنزع "اللعنة" عن المخرج ، الذي يوم استلم الاوسكار لافضل مخرج سينمائي، كان قد بلغ عتيا من العمر وقدم سلسلة طويلة من الاعمال الفنية المهمة.
وهاهو دي كايبيرو يسير على خطى مخرجه وصديقه. تتكرر ترشيحاته لجائزة الاوسكار دون ان ينالها، فقد سبق ان كان له ترشيح كافضل ممثل مساعد وترشيحان كافضل ممثل رئيسي، يضاف لها ترشيحه الاخير كأفضل ممثل رئيس عن فيلم "ذئب وول ستريت".
لو تابعنا اسباب ما سميناه "اللعنة"، لنجد ان تواصل مواقف عدم الرضى في دوائر هوليود واللوبي السياسي اليميني من اعمال سكورسيزي، والتي جعلت من بعض النقاد يطلقون عليه لقب "المخرج المكروه في هوليود" بسبب افلامه الناقدة للمجتمع الراسمالي، هي السبب الاساس لهذه "اللعنة"،  فكيف سيكون الامر مع ديكابيرو الذي يصنف سياسيا كليبرالي ديمقراطي، وهذا يضعه في مواقع اليسار، فهو يجاهر بدعمه للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة، بيل كلينتون، ال غور، وفي مواجهة جون كيري مع جورج دبليو بوش عام 2004 تجول دي كايبيرو مع كيري في انحاء امريكا في 11 ولاية والقى عشرون خطابا ضد الحرب والسياسة الخارجية الامريكية، وفيما بعد جدد الدعم لباراك اوباما وساهم في حملات جمع التبرعات له وعمل لاجل فوزه. وليس خاف عن احد عمله ونشاطه في مجال البيئة اذ تبرع بالملايين من امواله الخاصة  لمشاريع وبرامج بيئوية حول العالم ، وانتج وساهم في الفيلم الوثائقي " الساعة الحادية عشر" الذي القى باللوم بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري على العصر الصناعي ومنها الشركات الامريكية وادان السياسة البيئية الامريكية التي لا تفعل ما يكفي لحماية بيئة الارض ومواجهة خطر انتشار الغازات وارتفاع حرارة الارض، ومعروف ان الولايات المتحدة لم توقع على العديد من الاتفاقيات البيئية العالمية وتنال النقد لاجل هذا كل يوم.
 فأذا كانت الاميرة ديانا ــ كما يقول البعض ــ فقدت حياتها لانها تورطت في برامج ادت الى خسائر كارثية للشركات المصنعة للالغام الارضية، فهل سترضى دوائر المال والرأسمال ومن يرتبط بها من السياسيين ، عن ديكايبرو، وتجعله يهنأ بالاضواء والاوسكار،وهي تراه يمول ويمثل فيلما  يفضح فيه الجشع الامريكي وحياة الفساد والخداع والمجون في عالم الراسمالية التي تبني حلما يتهاوى أمام ازماتها المستعصية ؟؟
لو فاز ليناردو دي كابيريو بالاوسكار هذا العام، عندها يمكن القول ان العمل المتفاني والاصرار للفنانين المبدعين نجح في تحدي وكسر "اللعنة" ، وان اشياء كثيرة في الحياة حقا تتغير !


418
المنبر الحر / الشيخ الحكيم !
« في: 01:23 23/02/2014  »
الكلام المباح (61)
الشيخ الحكيم !
يوسف أبو الفوز
الاوضاع في بلادنا ، الامنية والسياسية ، مستمرة في التعقيد . الحراك الشعبي أيضا مستمر ومنه ما يتعلق بقانون التقاعد الموحد الجديد والمادة 37 التي سببت غضب الناس، حيث انطلقت تظاهرات كبيرة في عشر محافظات  تطالب بإلغاء المادة المخصصة لتقاعد وامتيازات النواب والرئاسات الثلاث وكبار المسؤولين في الدولة .
عاد جليل من مساهمته في تظاهرة ساحة الفردوس، وفورا ومن كومبيوتره المحمول عرض لنا صورا للتظاهرة. كان صديقي الصدوق ابو سكينة يتابع الصور بشغف، وعيناه تلمعان اعجابا برؤية حماس الشباب المتظاهرين مذكرين أياه بحماس أيام شبابه، لكن صوته علا فجأة بسؤال حيرنا :" ما أسوا ما يمكن ان يحمله الانسان من صفات؟ "
تبادلنا النظرات. وتعددت اجوبتنا وتقاطعت ، فمد ساقه ومط رقبته وقال : (يحكى ان ملكا جبارا يعرف كل الحكم والحكايات ولكنه عجز عن معرفة جواب هذا السؤال، فالجواب يقوده لفتح الابواب المغلقة في  القصر المسحور. وبلغ الملك ان حكيما بلغ من العمر ثلاث مئة سنة يملك الجواب لكنه يسكن الصحراء البعيدة . اصطفى الملك حراسا واجتاز الفيافي والقفار حتى بلغه يحمل له سؤاله . ضحك الشيخ الحكيم وقال: "ان الجواب بسيط جدا ولكن له ثمنه لان بمعرفتك اياه ستكون ملك الملوك وستملك كنوز الدنيا".
 قال الملك :"مستعد لتقديم كل شئ " فاجاب الشيخ الحكيم :" لا أريد مالا ولا قصورا ولا جواريا، اريد شيء واحد ان تذهب خلف تلك الصخرة وتقضي حاجتك، وهاتني بطرف العود بشيء من فضلاتك !"
 استغرب الملك وتعجب لكنه فعلها بسرعة، ووقف مثل تلميذ امام الشيخ الحكيم ممسكا بالعود، فطلب منه الشيخ الحكيم ان يلحس طرف العود . غضب الملك ومد يده الى سيفه : ماذا سيقول عني جنودي ووزرائي وشعبي وكتب التأريخ ؟
قال الشيخ الحكيم : سيقولون انك قمت بذلك ثمنا للحكمة واسرارها والمجد. فكر الملك قليلا ، وسمع صوتا ناعما ، ملتويا، من داخله يقول له: وماذا في ذلك، هي مجرد لطعة، فكر بالقصر المسحور وابوابه المغلقة وخلفها الكنوز والجواري التي ستملكها كلها وتجعلك ملك الملوك .  وبسرعة لطع الملك فضلاته.
 ضحك الشيخ الحكيم وقال للملك : هذا هو الجواب،  فأن ملكا جبارا غنيا مثلك وبسبب الطمع لطع فضلاته بنفسه ودون اكراه ، دون ان يفكر بعواقب ذلك، وهذا أسوا ما في الحياة !.


419
ملف يوم الشهيد الشيوعي
شموس أنصارية مندائية
يوسف أبو الفوز
ايها الملاك برياويس .. اليردنا العظيم للماء الحي
طهرنا أيدينا بالحق ، وشفاهنا بالايمان
وتكلمنا بكلمات الضوء
والافكار استطابت بعقيدة النور

(دعاء مندائي)
الشعب المندائي ، شعب الرافدين الاول في ارض العراق، مثلما قدم لنا اسماء لامعة في عالم الفكر والثقافة والسياسة، قدم لنا اسماء لامعة في النضال والكفاح من اجل مستقبل مشرق للعراق. واذ نورد في كتاباتنا ونشاطاتنا اسماء بهية مثل العالم الفذ عبد الجبار عبد الله ، والمبدعة لميعة عباس عمارة ، والباحث عزيز سباهي ، والقائمة هنا تطول والاسماء هي مجرد امثلة ، فنحن لا يمكن الا ان نتوقف ونورد وبأعتزاز وفخر اسماء مثل المناضلين الشهداء ستار خضير و صبيح سباهي ، وحميد شلتاغ ، وهنا ايضا القائمة تطول ! فالشعب المندائي ساهم في رسم تاريخ هذا الوطن ، ومثلما عرفت ميادين الثقافة والفن والعلم اسماءا مندائية بارزة تركت بصماتها الاثيرة، عرفت سوح النضال ، ولا زالت ، اسماء بهية وعبقة ، نذرت جهدها وابداعها من اجل قضايا الانسان في السعي نحو الحرية والعدالة الاجتماعية ، وفيها عمد ابناء الشعب المندائي بدمائهم طريق المسير نحو عراق ديمقراطي فيدرالي .
ولو توفرت ارقام واحصاءات دقيقة عن شهداء الحركة الوطنية من ابناء الطائفة المندائية، لوجدنا انها نسبة عالية قياسا بعدد ابناء الطائفة المندائية ونسبتهم إلى بقية المكونات الاثنية والطوائف العراقية. ان الحديث عن المناضلين والشهداء من ابناء الشعب المندائي اراه شخصيا يحتاج الى جهد توثيقي واعلامي مؤسساتي، وان لا يكون اسير مبادرات فردية او نشاطات موسمية لهذه الجمعية او ذاك الكاتب ، وذلك لابرازهذا التأريخ المجيد وتقديمه بكل فخر ليطلع عليه كل ابناء الشعب العراقي. فالشهداء المندائيون هم شهداء الشعب والوطن ، وليعلم البعض ممن يحاول غمط حق الاخرين في العيش والعمل تحت سماء هذا الوطن المعطاء،بأن هذا الوطن له تاريخه الناصع، الذي لا يغفل الصفحات المشرقة للشهداء المندائيين، وليكون هذا التاريخ المكتوب والموثق سلاحا في التصدي لكل من يحاول عامدا أن يطمس ويتنكر لحقوق الصابئة المندائيين وليقصيهم بشكل ما عن تأريخ وحضارة وتراث العراق فهم كانوا وما زالوا ومن الاف السنين، أبناءه الأصليين،الذين يحملون راية النقاء والنور والمحبة والتسامح والسلام.
ان الحديث عن الشهداء فيه مشقة وفيه حزن ، اذ ان فيه جروحا تنكأ ، فعذرا عن ذلك ، ولكني هنا، سأختار شهداء من الاسماء التي عرفتها وعاشرتها عن قرب، وتركت بصماتها فى روحي. سأتوقف عندها كأمثلة لعطاءات الشعب المندائي، واورد شيئا عنها بحكم معرفتي الشخصية ، فهم من اصدقائي ورفاقي في النضال. بعد مغادرة الوطن اضطرارا جمعتنا سماء المنفى الاول، وساحات النضال المسلح في كوردستان الابية، وكان رحيلهم مؤثرا لكل من عرفهم ...

   الشهيدة عميدة عذبي حالوب الخميسي (أحلام)
الشهيدة احلام ،عميدة عذبي حالوب الخميسي . مواليد سوق الشيوخ 1954 ، تربت في عائلة معروفة ، وعاشت في منطقة الكرخ في بغداد في منطقة شعبية حيث كانت محل احترام معارفها، وعرفت بنشاطها الطلابي والنسوي حين كانت طالبة كلية الزراعة جامعة بغداد، واضطرت لقطع دراستها ومغادرة العراق مع الحملة الإرهابية 1978 والموجهة ضد القوى اليسارية والديمقراطية ، فتوجهت الى بلغاريا ، ومن هناك الى اليمن الديمقراطية (الجنوبية) ، وبعدها الى كوردستان حيث التحقت بفصائل الانصارللمشاركة في الكفاح المسلح ضد النظام الديكتاتوري البغيض.
من العراق احمل للشهيدة احلام ذكريات طيبة خلال لقاءاتنا في نشاطات طلابية، وبقي اسمها من ذلك الحين محفورا في بالي كأمراة متزنة ولبقة في الحديث وتذود بجرأة عن مبادئها وتفخر باصولها المندائية. في اليمن تعمقت معرفتي بها اكثر . كان زوجها صديقي وثم زميلي في دورة دراسية خاصة ضمن استعدادنا قبل الالتحاق بفصائل الانصار، وكنا نسكن غرفة واحدة ، فساهمت علاقتي مع زوج الشهيدة احلام بتعميق تعارفي اكثر مع الشهيدة التي تركت في روحي لمسات شفافة كأخت حنون . تركنا عدن في  نفس الايام من ربيع 1982 ، وفي الاوراق اليمنية التي حملناها، وفي لحظة عزيزة ، سميناها لحظة عبث ملأنا الاستمارات بمعلومات جعلتنا اقرباء ، ابن وابنة خالة  . وفي دمشق ، في طريقنا الى كوردستان ، ساعدتنا هذه "القرابة " في تجاوز اشكالات بيروقراطية امام  الاجهزة الامنية المعنية، وفي نفس الايام توجهنا الى كردستان، وكان التحاقنا بفصائل الانصار في يوم واحد وذلك في مطلع شهر ايار 1982 . استشهدت احلام في الاول من ايار 1983 في احداث  جريمة بشت اشان الغادرة .

   النصير الشهيد سلام عبد الرزاق الحيدر (أبو تانيا)
الدكتور الشهيد ابو تانيا رحل وفقدناه في 22 كانون الثاني في 2004 في المنفى، واقول هنا الشهيد لاكثر من سبب ، ومن ذلك ان الانصارالشيوعيين، من يرحل لهم من الرفاق الانصار في المنفى وتقديرا لتضحياته ونضاله وتاريخه ولما قدمه لشعبه وقضية الوطن، يسموه ويعتبروه شهيدا  .
والشهيد ابو تانيا الذي التقيته تحت سماء اليمن الديمقراطي عام 1980، في صحرائها، على اعتاب صحراء الربع الخالي، في منطقة "شبوة"، هناك حيث كان اهل البلاد يرفضون التطوع والعمل، ولكن مناضلين اشداء ، من ابناء العراق، مثل الدكتور ابو تانيا ، تحملوا كل قساوة الطبيعة ، وظروف الحياة الصعبة ، حيث شحة المياه ، والحرارة الشديدة وانعدام مظاهر المدنية واحيانا المخاطر الامنية ، وعملوا بكل نكران ذات لخدمة المجتمع اليمني الذي فتح لنا ذراعيه بعد اوجعنا النظام العفلقي الديكتاتوري في حملته الارهابية عام 1978 ، وعلى مشارف الربع الخالي، كان ابو تانيا يبذل قصارى جهده ، ومع رفاقه لخدمة تجربة اليمن الديمقراطي . وعرفه رفاقه بصبره وحنيته المتميزة ورعايته الطيبة لمن يصغره او يكبره من الرفاق، فمن خلال مسؤلياته الادارية ومتابعته لشؤنهم الصحية كانوا يلمسون فيه روح التواضع وصفات الانسان المحب للاخرين. لا اذكر ان ابو تانيا في تلك الفترة اختصم يوما مع احد وعلا صوته بشكل ما ، رغم تلك الظروف الصعبة التي تجعل الانسان يفقد توازنه احيانا . افترقنا وقد ترك ابو تانيا في قلوب رفاقه اثرا طيبا ، والتقينا ثانية في كوردستان ، وكان مكان عمله في واحد من اهم القواعد الانصارية، الا وهو موقع فصيل الاعلام المركزي ، والتقيته بالذات في موقع يسمى "دراو "، حيث كان مقرا لاستقبال وتسفير الانصارالمرضى والمجازين ومن لديهم مراجعات الى قيادة منظمة الانصار حول امور مختلفة . وكان الرفاق في فصيل مقر "دراو" عليهم التعامل بروح سمحة وديمقراطية وصبر عال في التعامل مع مختلف الامزجه . في شهر تموز 1985 ، كنت عائدا من رحلة علاج الى ايران حيث اجريت عملية جراحية لساقي ، فترة بقائي في المنطقة وفي الموقع حتى التحاقي بوحدتي الانصارية ، جعلتني اتابع وعن قرب جهود ونشاط العزيز ابو تانيا في رعاية المرضى وتخفيف حالات التوتر واحتواءها عند من لم يحصل على جواب ايجابي في الموافقة على رحلة علاج او اجازة . وكان يعمل بصمت وروح تواضع مثيرتين وتستحقان الاشادة بهما. ومن يطلع على مذكراته المنشورة على مواقع الانترنيت سيلمس أي روح رقيقة وشفافة ، واي محبة يحمل هذا الانسان لرفاقه واصدقائه ، ففي اوراقه تحدث باسهاب عن الجميع ولم يتحدث عن نفسه الا القليل . في الشهور الاخيرة ، التي سبقت رحيله المحزن ، كان مقررا ان ازوره الى محل اقامته في المانيا لنلتقي، وكنت اطمح لتسجيل شيئا من ذكرياته عن اسماء معينة عرفناها وعايشناها معا ، ولكن الموت الغادر سبقني  ... !


420
المنبر الحر / التغيير مطلوب!
« في: 23:13 09/02/2014  »
الكلام المباح (60)
التغيير مطلوب!
يوسف أبو الفوز
الاوضاع في محافظة الانبار لاتزال ملتهبة، مع استمرار التفجيرات والاغتيالات وأعمال التخريب في مناطق مختلفة من ارجاء الوطن . المعركة متواصلة ضد "داعش" وملحقاتها. ابناء العراق في ترقب دائم، فخلف كل هذا ثمة خارطة سياسية معقدة متشابكة دفعت  صديقي الصدوق ابوسكينة الى الصراخ :"بويه حتى  بان كي مون ، صاحب الامم المتحده من زارنا طلع لازمته السخونة وقال يا العراقيين سالفتكم سالفة!" قالت زوجتي: والادارة الامريكية كل يوم تصريح شكل ! سأل ابو جليل:"وانتم شتشوفون راح تنحل بالدبابات ؟" عندها تحول الحديث الى مسارات أكثر تفكراً. لم يكن احد بين الحاضرين يؤمن بأن  الاوضاع في العراق يمكن ان تحل بالطرق العسكرية ، فالاعمال العسكرية ستأجج مشاعر طائفية اكثر تشددا عند اطراف مختلفة. المعركة المشروعة ضد الارهاب تأخذ مسارات معقدة، ارتباطا بما يجري في سوريا، وارتباطا بتداخل القوى في مناطق الانبار.  تحدثنا انا وسكينة عن معاناة المدنيين والنزوح الكبير للمواطنين من مناطق الاحداث. صاح ابو جليل:" بوية الناس تعبت لان صارت كر وفر". قال جليل وهو يلوح بكومة من الجرائد:"قرأت اكثر من تعليق لمراقبين بأن هناك من يريد استمرار الحال مثلما هي حتى الانتخابات البرلمانية القريبة ليأجج المشاعر الطائفية ليستخدمها كورقة لاجل كسب مقاعد في البرلمان ؟" وبرزت عدة اسئلة في آن واحد بذات المعنى. ابو جليل : قال : وبعدين ؟ وزوجتي قالت: وما هو الحل ؟ وسكينة قالت: ماذا تعتقدون ؟ حاولت المساهمة ، قلت : ان الاوضاع صارت تخيف الناس اكثر، من ان تفلت الامور وتكون خارج السيطرة، فهناك حالة تشرذم وتشظي في واقع القوى السياسية وهذا سيترك تأثيره على تطورات الاحداث، ولاجل تحقيق نتائج انتخابية ستلجأ قوى عديدة لتحالفات وبمناورات مفاجئة، يكون اساسها طائفي  قبل كل شيء ، وهذا يعني بقاء  المحاصصة الطائفية ، الذي هو اساس كل مشاكل بلادنا . مد ابو سكينه ساقه واسند ظهره للخلف وقال: أها .. وصلنا الى ما أريد قوله لكم . لا خلاص من الذي نعيشه اذا لم تحصل تغيرات كبيرة يخلقها  صندوق الانتخابات . وانتخاب الناس المخلصين ، الاكفاء النزيهين احد الحلول . لازم الناس تعرف ، بدون الصوت العاقل والمسؤول والموضوعي والنزيه ، راح نبقى مثل ما احنه !   
 


421
السينما الفنلندية وجوائز الأوسكار
يوسف أبو الفوز
السينما الفنلندية لها تاريخ طويل وحافل بالانجازات ، ومرت بمراحل مختلفة ارتباطا بتاريخ البلاد السياسي والتغيرات الحاصلة فيه ، يذكر ان الفيلم الفنلندي الاول تم عرضه عام 1907 ، وفي العقود الاخيرة سجلت السينما الفنلندية نجاحات متوالية ، سواء بحضورها اللافت في المهرجانات السينمائية او بحصدها العديد من أهم الجوائز وارتبط ذلك مع بروز العديد من المخرجين الشباب الذين صاروا محطات مهمة في عالم السينما الفنلندية. وشأن كل  العاملين في السينما ، في العالم ، ظلت جائزة الأكاديمية (Academy Award)، المعروفة بأسم جائزة الأوسكار  التي تقدمها سنويا أكاديمية الفنون وعلوم الصور المتحركة الامريكية ، وتعد من أرفع الجوائز السينمائية في الولايات المتحدة ويعدها البعض أهم جائزة سينمائية في العالم، حلم كثير من العاملين في السينما في فنلندا. المخرج وكاتب السيناريو المعروف آكي كوريسماكي Aki Kaurismäki (مواليد 1957) ، الذي يعتبر من اشهر وانجح المخرجين السينمائيين الفنلندين، وبنفس الوقت الاكثر اثارة للجدل بمواقفه وتصريحاته ، كان  اول من ترشح لجائزة الاوسكار من فنلندا عام 2003 عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية ، وذلك عن فيلمه (رجل بدون ماض) " The Man Without a Past"  ومدته  97 دقيقة ، من انتاج 2002 ، والذي حصد الكثير من الجوائز في مهرجانات عالمية منها الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان كان 2002 وحصل على الكثير من الثناء من نقاد السينما ، ويعتبر جزء من ثلاثية سينمائية كتبها واخرجها آكي كوريسماكي ، وفي نفس المهرجان فازت ممثلة الفيلم  كاتي اوتينين Kati Outinen (مواليد 1961) بجائزة افضل ممثلة . الفيلم يحكي قصة رجل يصل محطة قطارات العاصمة الفنلندية، هلسنكي ، فيتعرض للضرب المبرح والسرقة وبسبب ذلك لم يعد قادرا على تذكر اسمه واي شيء عن حياته الماضية وعليه ان يبدأ من الصفر في كل شيء ، ومن خلال ذلك يتم عرض العديد من المفارقات التي يتعرض لها بكوميديا سوداء ناقدة للكثير من المشاكل التي تواجه الناس الهامشيين والفقراء. ومثلما حصل في مناسبات عديدة ، رفض وقاطع أكي كوريسماكي حضور حفل الاوسكار وكان سبب امتناعه كون الولايات المتحدة تخوض حربا وتغزو  بلدا اخر هو العراق، واعتبر مقاطعته المهرجان احتجاجا على السياسة الخارجية الامريكية، وتبع ذلك مقاطعته لمهرجان نيويورك السينمائي الاربعين تضامنا مع المخرج الإيراني عباس كياروستمي ، الذي لم تمنحه السلطات الامريكية تأشيرة تسمح بدخول الولايات المتحدة في الوقت المناسب لحضور المهرجان.
العام الحالي ، وللدورة الثامنة والستين لجوائز الاوسكار، التي ستعلن في الثاني من اذار القادم ،  ترشح عن فئة الفيلم القصير ، الفيلم  الفنلندي "هل يتوجب عليّ العناية بكل شيء ؟"Do I Have to Take Care of Everything?  "من انتاج عام 2012 للمخرجة سلمى فيلهونين  Selma Vilhunen (مواليد1967) وهو من سيناريو كريسكا ساري، وهو روائي قصير ، مدته سبعة دقائق . فيلم بعنوان طويل ،ودقائق قصيرة ، ولكن موضوعه عميق،  اذ يحكي عن هموم العائلة بشكل كوميدي وعن الأم التي تواجه يوما سيئا وعليها ان تهتم بكل شيء ، وتلعب الدور الممثلة الفنلندية يوانا هارتي Joanna Haartti  (مواليد 1979) التي برزت ونجحت في العديد من الافلام الروائية الفنلندية الطويلة . عرض الفيلم لاول مرة في مهرجان تامبرا السينمائي عام 2012 ، الذي يعتبر من اكبر واهم مهرجانات السينما في فنلندا ، وتبع ذلك مشاركته وعرضه في  عدة مهرجانات سينمائية عالمية ،  في اليابان واستراليا وهنغاريا وتركيا ، ونال الفيلم والمخرجة سلمى فيلهونين العديد من الثناء والجوائز التقديرية، ويتوقع له ان يحصد الاوسكار هذا العام .






422
المنبر الحر / الهروب الى الخلود !
« في: 23:36 22/01/2014  »
تعقيب على مقال  !
الهروب الى الخلود !
يوسف أبو الفوز
من خلال متابعتي لما يكتبه بعض الزملاء والأصدقاء ، تصادفني احيانا حالات ــ مقصودة او غير مقصودة  ــ  في استخدامها لمفاهيم وعبارات توصيفية ، تحمل عدم الدقة، فتساهم بشكل ما ، بتضليل القراء او توجيهم بأتجاه خاطيء ، وكتبت عن هذا الامر اكثر من مرة ، وان كنت احيانا اتجنب ذكر اسماء الكتاب مبتعدا عن شخصنة الحالة المذكورة ، لان ما يهمني هو  تسليط الضوء على الحالة قبل الكاتب المعني بها .
فالكلمة والمفهوم ، وبكل لغات العالم ، تحمل طاقة خاصة بها ولها دلالة مباشرة ، ولا يمكن استخدام ذلك جزافا، وكما هو معروف ان المفهوم كتصور ذهني ومجرد عن اشياء الواقع مرتبط بمشكلات المعنى والدلالة والإحالة ، فالاصرار على استخدام كلمة وتكرارها يعني ان مستخدمها يحمل موقفا يشير اليه هذا المفهوم او الكلمة . أجد كثيراً من هذه المفاهيم تمر في الصحافة العراقية ، ومواقع الانترنيت ، التي انتشرت بحيث لم يعد يكفي الوقت للحاق لمتابعة كل ما ينشر فيها ، لكني استغرب جدا اذا ارى ان بعض من هذه المفاهيم ، تتسرب ــ بقصد او دون قصد ـ الى المواقع الصديقة ، واجد بعض من كتاب "طريق الشعب" التي اتعجب اكثر كيف تمر على هيئة التحرير دون التوقف عندها ؟
أتابع بأستمرار وبمحبة، ما يكتبه الزميل ريسان الخزعلي  في عموده الدوري "بالعراقي " في الصفحة الاخيرة من "طريق الشعب"، وتلفت انتباهي سعة ذاكرته وحيوية متابعاته لموضوعات مختلفة ، وفي العدد 69 السنة 79 الثلاثاء 19 تشرين الثاني‏ 2013 كتب عن مجموعة شعرية صدرت في عام 1974 تحت عنوان "قصايد للوطن والناس "، ضمت ثلاثاً وثلاثين قصيدة شعر شعبي لشعراء شيوعيين وآخرين من اصدقاء الحزب ، ويستعرض الزميل ريسان الخزعلي اسماء الشعراء المساهمين ويكتب عن مصائرهم ، فيخبرنا عن الشهداء والراحلين و يضيف ايضا ( اما من تبقى من شعراء المجموعة، فكانوا على حالتين، حالة من هرب واستوطن المنافي، وحالة من بقى منفيا داخل وطنه وآثر الصمت احتراما لتكوينه وقناعاته الحياتية والابداعية، حتى وان ضمتهم السجون والمعتقلات "عريان السيد خلف ، اسماعيل محمد اسماعيل الذي هرب لاحقا، كاظم غيلان، ريسان الخزعلي" ). ــ التشديد من يوسف ابو الفوز ـ
لا اجد هنا ان استخدام  تعبير "هرب" وتكراره، موفقا في التعبير عما جرى في واقع الحال ، ولا اجده يعبر بشكل صحيح عن تأريخ ومواقف مشرفة لجمهرة معروفة من خيرة مثقفي العراق ، ــ ومعهم نشطاء وقادة سياسيون معروفون ــ  الذين رفضوا سياسة التبعيث والانتماء القسري لصفوف الحزب العفلقي ، وكان لهم موقف مشرف بالرفض والمواجهة ، فكان مصير كثير منهم الاعتقال والترهيب والمطاردة ، وبالتالي دفعهم كل ذلك مضطرين لمغادرة الوطن وترك كل شيء ، وطنهم ووظائفهم وعوائلهم مرتضين مرارة المنفى وقسوته ، وعابرين الحدود بمخاطرات ومغامرات كادت تؤدي بحياة البعض منهم . هل نذكر كمثال قصة "هروب" الفقيد الشاعر مهدي محمد علي والشاعر عبد الكريم كاصد ، عبر الصحراء بأتجاه الكويت  ثم اليمن وسوريا ؟
هناك فارق كبير بين من يهرب تاركا ساحة النضال منهزما متخليا عن سلاحه ، وبين من يضطر للانسحاب لتجميع قواه لمعاودة النضال والنشاط على ارض الوطن بطرق مختلفة . قبل عبورهم الحدود ، عاش العشرات من المثقفين والنشطاء السياسين حياة التخفي والمطاردات ، كانت فيها ضباع البعث تلاحقهم من شارع لشارع، مستهدفة حياتهم ، ودفعت عوائلهم واصدقائهم الثمن غاليا لمجرد مساعدتهم والتستر عليهم ، فكان لابد من المغادرة والانسحاب او التعفن في زنزانة والموت جسديا او فكريا . بعد عملية "الهروب" الذي شارك فيه المئات من المثقفين والسياسيين الديمقراطيين واليساريين ، عاد عشرات المثقفين العراقيين ، ومنهم اسماعيل محمد اسماعيل وكوكب حمزة وعواد ناصر وهاشم كوجاني ورفيق صابر ودلزار وقاسم الساعدي ــ والقائمة لا تنتهي فعذرا لاختياري عينة عشوائية ــ ، عادوا الى ارض الوطن ، الى مناطق كردستان  العراق ــ التي يصر البعض على تسميتها الشمال ــ وحملوا السلاح في صفوف قوات الانصار لمقاتلة النظام الديكتاتوري البغيض  رغم ادراكهم ان الكفاح المسلح لا يمكنه اسقاط الديكتاتورية  ، ولكنه يساهم وبشكل كبير في اضعاف وضعضعة نظامها الشوفيني .
ما يدفعني للكتابة هو الرغبة ، في ان تكون كتاباتنا دقيقة في توصيف وانصاف مواقف مثقفينا ، ممن اجبرتهم ضباع البعث على مغادرة الوطن حين لم تترك امامهم اي خيار اخر . لم "يهرب" مثقفونا بحثا عن النعيم ، بل انتقلوا الى خط مواجهة اخر ، وعليه اجد من الضرورة ان تحرص كتاباتنا على استخدام تعابير ومفاهيم تحفظ لاصحاب الموقف موقفهم وتشيد به ، فالعديد ممن اضطروا لمغادرة الوطن وعادوا الى ارضه ، في مناطق كردستان، تحملوا ظروفا نضالية قاسية، واستشهد العديد منهم في مواجهات مباشرة مع اجهزة النظام الديكتاتوري ، وقائمة الشهداء هنا طويلة ، من فنانين وشعراء وسينمائيين ، ــ وعينة عشوائية مرة اخرى  ــ منهم الرسام النصير الشهيد النصير ابو زهرة ( الشهيد معتصم عبد الكريم ) ، المخرج النصير ابو يحيى ( الشهيد شهيد عبد الرضا) ، الممثل المسرحي النصير روبرت ( الشهيد خليل ابراهيم اوراها )، الشاعر النصير ياسين ( الشهيد جماهير امين الخيون )،  النحات والتشكيلي النصير أبو آيار ( الشهيد فؤاد يلدا سلمان ) وغيرهم كثيرين ! ، فهولاء وغيرهم ، كلهم "هربوا" الى الخلود !
سماوة القطب  20/11/2013


423
ثلاثة تشكيلين عراقيين في هلسنكي


المحرر مع الفنانين في افتتاح معرضهم المشترك



يوسف ابو الفوز
في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، وعلى كاليرى مركز الثقافات العالمي (Caisa) ، في 10  كانون الثاني / يناير ، افتتح المعرض الفني التشكيلي بعنوان ( ثلاثة فنانين عراقيين ) والذي سيستمر لفترة ثلاثة اسابيع ، بمشاركة الفنانين أمير الخطيب، محسن العزاوي وقاسم الرماحي. القى الفنان الامير الخطيب كلمة الافتتاح، ورحب بالحضور المتميز واكد على ان هدف المعرض هو تعزيز الروابط الثقافية الفنية وعكس صورة ايجابية عن نشاط المثقفين العراقيين بعيدا عن وطنهم وارتباطهم بجذورهم والقضايا الانسانية عموما .

السيد تومي بوروفارا Tomi Purovaara مدير مركز الثقافات العالمي ، اشاد بتجربة الفنانين الثلاثة واعمالهم واكد على اهمية مثل هذه المعارض لانها  تنشط عملية الحوار الفكري والفني. من جانبه بين الفنان قاسم الرماحي سعادته للقاء  جمهور الحاضرين الذين سيكون حواره معهم حول الاعمال المعروضة تنشيطا  لعمله اللاحق .  الفنان امير الخطيب يساهم في المعرض بستة أعمال نحتية برونزية تعكس بمجملها موضاعات انسانية، الى جانب عمل تركيبي "انستليشن" سماه "سوريا" عن الاوضاع السورية واتساع موجه الهجرة في بسبب تدهور الاوضاع هناك ،  والفنان الخطيب من مواليد مدينة النجف عام 1961 وصل الى فنلندا عام 1990 واقام العديد من المعارض الفنية الشخصية والمشتركة في فنلندا والدول الاوربية ويرأس الهيئة الادارية لشبكة الفنانين المهاجرين التي تاسست عام 1997 في فنلندا . الفنان محسن العزاوي يساهم في المعرض بسبعة اعمال زيتية  تجريدية تحمل هما عراقيا وانسانيا في تشكيلات لونية لا يمكن اغفال تاثير التجربة العراقية عليها برموزها الواضحة سواء في الوجوه او الخطوط والزخارف . والفنان العزاوي من مواليد 1964 اقام العديد من المعارض الفنية داخل الوطن العراق وخارجه، وصل الى فنلندا مطلع عام 1995 ومن ذلك الحين وهو يجتهد للمشاركة في مختلف الفعاليات الفنية في فنلندا وخارجها ومن خلال مساهمته في نشاطات شبكة الفنانين المهاجرين ساهم في  العديد من المعارض الفنية  المشتركة في فنلندا، السويد، النمسا، روسيا، بولونيا و المملكة المتحدة . الفنان قاسم الرماحي ، اشترك في المعرض بسبعة اعمال فنية تجريدية رسم بالزيت تناولت موضوعات الشعور بالوحدة والهجرة ، تميزت بايقاعها اللوني المتقن والحرفية العالية في الرسم . والرماحي من مواليد الكوفة 1961 ، اقام معرضه الشخصي الاول في بغداد 1991 ، وثم  بعد احداث انتفاضة اذار 1991 كان من مهاجري مخيم الارطاوية  الذي شهد اشتراكه في معرض فني مع العديد من الفنانين العراقيين عام 1991. وبعد وصوله الى فنلندا عام 1992 ساهم في العديد من المعارض الفنية الشخصية والمشتركة  في العديد من المدن الفنلندية وكما ساهم مؤخرا في  ملتقى بغداد الفني . الفنان محسن العزاوي، اشار الى كون اقامة هذا المعرض فرصة للقاء الجمهور الفنلندي وايضا محبي الفن من ابناء الجاليات الاجنبية ، وهو فرصة طيبة بسبب الصعوبات التي يواجهها الفنانين الاجانب في ما يخص تمويل نشاطاتهم ومعارضهم لارتفاع اجور القاعات والمواد اللازمة للرسم .







لوحة  من المعرض عن الهجرة للفنان قاسم الرماحي






لوحة من اعمال الفنان محسن العزاوي







من الاعمال البرونزية للفنان عبد الامير الخطيب


جانب من زوار المعرض




424
مجلس الجالية الكردستانية في فنلندا ..  أهداف طموحة




يوسف أبو الفوز
 في فنلندا ، وحسب مركز الاحصاء الفنلندي المركزي  الرسمي ، ولغاية عام 2012 ، يبلغ عدد الاجانب اكثر من 183 الفا ، بينهم نسبة غير قليلة من المواطنين الكرد الذين وصلوا من دول تعاني من  اضطرابات سياسية واجتماعية مثل تركيا والعراق وسوريا وايران حيث  تقع مناطق كردستان الموزعة بين هذه الدول كما هو معروف . ومنذ حوالي عام بدأ يبرز في فنلندا اسم ( مجلس الجالية الكردستانية  في فنلندا ) وصار ينظم ويشرف على العديد من الفعاليات ،  وللتعرف على واقع هذه المنظمة واهدافها ونشاطها كان لنا لقاء مباشر مع ناشطيها ...
 السيد سالار صوفي ، فنان تشكيلي ،وناشط مدني ، مواليد مدينة كركوك ، يشغل حاليا مهمة رئيس مجلس الجالية ، حدثنا :


ـــ في اواخر عام 2012 وبعد عدة اجتماعات ونشاطات برزت فكرة تأسيس مجلس الجالية فعقد اجتماع خصيصا سمعت فيه كل الافكار وتم تأسيس لجنة تحضيرية اخذت عل عاتقها اعداد وثائق النظام الداخلي والبرنامج ، ولم يكن سهلا الوصول الى هذه النتيجة الحالية فقد استغرق منا عملا طويلا ، واجتماعات وسجالات حتى تم اقرار الوثائق في الاجتماع التأسيسي الذي عقد في 28 نيسان 2013  وفيه تم انتخاب الهيئة الادارية للمجلس. وحرصنا في الوثائق التي نوقشت باستفاضة من قبل الكثير من ابناء الجالية الكردستانية وشخصيات قانونية وثقافية ، صديقة لابناء كردستان، ان نغطي هموم كل شرائح ابناء الجالية في الجوانب الاجتماعية والثقافية ونسعى للعمل الجاد من ان يكون لنا صوتا متميزا من اجل عكس صورة ايجابية عن ثقافتنا وتاريخنا والتضامن مع ابناء كردستان . نطمح لهذا المجلس ان يكون منظمة مجتمع مدني حيوية ولا يكون مجرد رقما يضاف لعدد ارقام المنظمات المشكلة والتي لا نسمع لها نشاطا. هدف المنظمة هو تنسيق جهود ابناء الجالية الكردستانية من اجل توحيد كلمتهم في اطار المهمات التي تواجههم على الساحة الفنلندية.
   وماذا عن جولاتكم بين المدن الفنلندية ؟
ــ التقديرات تشير الى  ان مجمل الكرد من كل اجزاء كردستان ، المقيمين في فنلندا ،   يبلغ عددهم حوالي عشرة الاف مواطن كردي ، وينتشرون في مختلف المدن الفنلندية ، وتجمعهم الكثير من الهموم والافكار والامال ، ولاجل ضمان مساهمتهم  وتمثيلهم في مجلس الجالية وان يكون لهم  ممثلين عنهم  في الهيئة الادارية، فأن رئيس الهيئة الادارية ونائبه واعضاء اخرين، زاروا العديد من المدن  الفنلندية ، مثل تامبرا وتوركو ويوفاسكولا ، ولدينا زيارات قادمة الى مدن اخرى، واجتمعنا الى ابناء الجالية الكردستانية هناك ، لاجل تشكيل  لجان في المدن تنتخب وتختار ممثليها الى مجلس الجالية .
السيدة شادمان علي فتاح ، ناشطة سياسية ومدنية، من مواليد مدينة السليمانية ، والتي كانت عضوا في اللجنة التحضيرية، وفازت في الانتخابات بعضوية الهيئة الادارية واختيرت لمهمة نائبة الرئيس ، شاركت في العديد من الجولات بين المدن ، اضافت :
ــ تم انتخاب الهيئة الادارية للمجلس لمدة سنة واحدة، ضمت تسع اعضاء اصليين، بينهم ثلاثة نساء، واربع أعضاء احتياط، واكثرهم من العاصمة هلسنكي، غرض الجولات في المدن هو ضمان مساهمة الجميع في العمل. الهيئة الادارية ايضا شكلت لها لجان مختصة للمرأة والشباب وللاعلام والعلاقات، ونسعى في نشاطاتنا لتعزيز النشاط المدني المستقل، والتواصل مع هموم الجاليات الاجنبية في فنلندا، ومنها الجالية العراقية، التي تتشارك في الكثير من الهموم وتتعايش مع ابناء كردستان ويشتركون معهم في التاريخ والارض والهموم. ونحرص بشكل كبير لان يكون المجلس منظمة مجتمع مدني تتضامن مع مطاليب شعوب المنطقة وبالاخص منطقة كردستان اضافة الى كوننا معنيين اساسا بهموم ابناء الجالية الكردستانية في فنلندا ومتابعة ما تعيشه وعلاقة اندماجها مع المجتمع الفنلندي والتواصل الثقافي.



   وماذا عن علاقة المجلس بالاحزاب السياسية لابناء الجاليات الاجنبية في فنلندا ؟
ــ  لا يسعى مجلس الجالية الكردستانية ليكون بديلا عن اي حزب سياسي اجنبي عامل في فنلندا، ورغم وجود ناشطين سياسيين معروفين اعضاء في المجلس الا انهم يعملون في المجلس بكونهم مواطنين من كردستان يعيشون في فنلندا ، النظام الداخلي واضح وصريح وينص على ان العضوية تتم على اساس المواطنة، وأي مواطن من اي قومية ، قادم من مناطق كردستان له الحق بالانضمام والنشاط عبر مجلس الجالية ، بغض النظر عن انتمائه السياسي ، فبرنامجنا ذو طابع اجتماعي ثقافي ولكننا ايضا لا نغفل ما تواجهه المنطقة من تحديات ، فقضايا حقوق الانسان في المنطقة تتطلب منا المتابعة والتضامن وتحديد موقف واضح عندما يتم التجاوز عليها من اي حكومة من حكومات المنطقة .
سألنا السيد سالار صوفي عن النشاطات التي نفذها  مجالس الجالية ، والتي بدا بعضها ذو طابع سياسي :
ــ خلال الشهور الماضية انجزنا العديد من الفعاليات الناجحة والتي شهدت حضورا بارزا سواء من ابناء الجالية الكردستانية او من عموم ابناء الجاليات الاجنبية في فنلندا ، فقد اقمنا ندوة لتأبين الشاعر الراحل شيركو بيه كس ، وساهمنا مع مؤسسات فنلندية في انجاز ندوة عن مفاهيم وواقع حقوق الانسان، ونظمنا وقفة ادانة لاغتيال الصحفي كاوه كرمياني الذي اغتيل مؤخرا في مدينة كلار في اقليم كردستان في العراق ، وفي لقاءات مع وزارات ومنظمات فنلندية ودولية سجلنا  وقفات تضامن مع  ما يعانيه اللاجئين في سوريا ، وقدمنا مذكرة ضد الاعدامات لاسباب سياسية في ايران، نحن لا نتحرك ونعمل كحزب سياسي ، ان سقف حركتنا ونشاطنا هو حقوق الانسان ، ونحن مع كوننا معنيين بهموم الجالية الكردستانية  في فنلندا نجد من مهماتنا التضامن مع شعبنا في اوطاننا التي اتينا منها .
   ومن هي الجهات التي تدعم المنظمة لتنفيذ نشاطاتها ؟
ــ منذ تأسيس المنظمة لحد الان ، لا توجد اي جهة رسمية قدمت لنا اي دعم مالي ، نعمل بجهود ناشطين المنظمة ومبادارتهم ويصرفون على تذاكر سفرهم وتحركاتهم بانفسهم ، وحصلنا على دعم بعض الجهات الصديقة بتوفير قاعات للاجتماعات واللقاءات ونلاقي دعم معنوي من كثير من الشخصيات الثقافية والناشطين المدنيين ، نأمل في المستقبل ان تكون للمجلس ماليته الخاصة ليتمكن من انجاز فعاليات اكثر وبكفاءه اعلى .



425
لقاء سريع  مع الكاتب جمال الخرسان





يوسف أبو الفوز
جمال الخرسان كاتب عراقي مقيم في فنلندا منذ العام 2006 من مواليد ميسان عام 1982، مارس الكتابة والعمل الصحفي منذ العام 1998، ومنذ ذلك التاريخ منشغل بالنشاط الاعلامي ،  اضافة الى عمله بالتدريس. كتب في معظم الصحف العراقية داخل العراق بعد العام 2003 ، وقبلها كتب في بعض الصحف العراقية والعربية التي تصدر خارج العراق، له ايضا نشاطات اعلامية مع بعض المؤسسات الاعلامية الفنلندية، ويدير حاليا موقع "فينراك" الذي يهتم بالشأن العراقي الفنلندي.  لعدة سنوات نشر عمود شبه يومي في صحيفة "العالم"، حاليا له تعاون خاص مع صحيفة "العالم الجديد" من خلال ثلاثة اعمدة اسبوعية، بالإضافة الى نشر العديد من الحوارات والقصص الخبرية.
   ابو هديل هل ثمة مشروع يشغلك حاليا اضافة الى جهدك الاعلامي ؟
ــ منشغل حاليا بتأليف كتاب عن الاهوار، وهو تجربة تتحدث عن اهمية تلك المنطقة الجغرافية في ماضي وحاضر العراق، انه توثيق عفوي لتجارب عشتها  وشاهدتها عن قرب هناك، وقناعات ايضا تولدت نتيجة متابعة العديد مما كتب عن موضوع الاهوار.
   كيف ترى واقع الصحافة في العراق في الفترة الحالية ؟
ـــ فيما يتعلق بوضع الصحافة في العراق فإنه ومنذ العام 2003 لا يمكن لاحد ان ينكر حجم الحريات الاعلامية الموجودة في العراق تلك خطوة في الاتجاه الصحيح بكل تأكيد. لكن سقف الحريات المتاحة لا يعني غياب الطبائع الاستبدادية في رقابة الصحافة ذاتها، ان السواد الاعظم من المطبوعات في العراق لا تراهن على التعددية ونشر الرأي والرأي الآخر، بل اغلبها يتنفس برئة واحدة وينشد لونا واحدا، حتى تلك الصحف المستقلة ايضا تعاني الاشكالية ذاتها، ولكن بما ان التوجهات متعددة ووسائل الاعلام العراقية اكثر من ان تحصى فإنه في نهاية المطاف سوف يتشكل بالضرورة من جميع ذلك المشهد لوحة متنوعة، تلك النتيجة وان وفّرت للكاتب فرصة اللعب على تناقضات الصحافة الا ان ما نصبوا اليه هو ان تحمل كل صحيفة هواجس التعددية والاختلاف فتفسح المجال لمختلف التوجهات، ذلك ما يساهم في خلق اجواء حرّة ويساعد على تنضيج الوعي السياسي في العراق. وبشكل عام فالسلطة الرابعة ولحد هذه اللحظة لم ترتق في الساحة العراقية الى مستوى الطموح، رغم وجود سقف مرتفع من الحريات. 
   هل ترى كوة ضوء في العتمة التي تخيم على الوطن ومن أين يأتي الأمل برأيك ؟
ـــ المشهد العراقي يبدو بصورة قاتمة لا تسر عدوا ولا صديق، ولكن مع هذه العتمة دائما ما يبقى الامل معقودا فهناك ما يدعو لذلك، لكن كثرة الجوانب السلبية هي التي تغطي على بعض ما يدعو للتفاؤل. مضافا الى ذلك تلك التحركات الشعبية التي تصب في اطار جماعات الضغط الفاعلة والايجابية التي تسعى لتقويم وتعديل مسارات العملية السياسية بشكل تدريجي ومدروس بعيدا عن هوس الانقلابات واثمانها الباهظة، وحنين العودة الى الماضي.
   أخر كتاب قرأته ؟
 ــ  كتاب "الاساطير اليونانية والرومانية" للكاتب امين سلامه
   كيف ينظر الى تجربتك بعيدا عن الوطن؟
ــ   أعتقد الايام علمتني استثمار الظروف لصالحي حيثما كنت، والعمل والنشاط بما يتوفر من خيارات والسعي لتحقيق شيء ما حتى ان كان بسيطا، فأن تشعل شمعة خير من ان تلعن الظلام. التجربة في بلاد المهجر علّمتني بأن حبي للعراق بلدي الاول يدفعني لاحترام البلدان الاخرى التي لها الفضل في احتضاني، وبذلك احاول عكس صورة ايجابية عن العراق والشعب العراقي بشكل عام.


426
المنبر الحر / "الزمن الجميل" !
« في: 00:27 14/01/2014  »
"الزمن الجميل" !
يوسف ابو االفوز
دعوني أعلن مقدما بأني لطالما كتبت وتحدثت ضد ما يجري حاليا في بلادنا من تدهور شديد في الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، هذه الاوضاع المزرية التي يدفع المواطن العراقي، بغض النظر عن قوميته وطائفته ثمنا لها من دمه وبمعاناة عائلته وجيرانه، وكم من المرات رفعنا الصوت عاليا الى جانب القوى الديمقراطية والمدنية للاشارة الى السبب الاساس لكل هذا، إلا وهو طبيعة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية السائد، والذي تحرص القوى المتنفذة من احزاب الاسلام السياسي على إدامته وتغذيته بشتى السبل من المناورات والتحالفات والالاعيب السياسية البهلوانية !
وبحكم كون الفريق السياسي الذي يدير الامور حاليا، وبشكل مباشر، هو "تحالف دولة القانون"، وبزعامة السيد نوري المالكي وطاقمه، فهم يتحملون المسؤولية الاولى في كل ما يجري بحكم كونهم مصدر القرار ويملكون الامكانيات لتحقيق اي تغيير حتى ولو بمستوى الحد الادنى من الشعارات الانتخابية التي  فازوا تحت ظلها لفترة حكم ثانية. 
نقول كل هذا ، حتى لا يتصور احد وكأننا ندافع بشكل ما عما يجري حاليا حين نتحدث عن أسلوبية ومفاهيم بعض المنتقدين للاوضاع الحالية، فقد لفت نظري مرارا اصرار البعض ــ  قولا وكتابة ــ وهو ينتقد الواقع الحالي المزري ، بترحمه على زمن  العراق الجميل وهو يوميء بشكل مباشر او غير مباشر الى فترة حكم البعثيين للعراق منذ عام 1968 وحتى يوم احتلال العراق عام 2003 ، فأي جمال هذا  كان تحت ظل حكم البعثيين، العفالقة الصداميين ؟؟
لنفتح ملفات هذا "الزمن الجميل" ولسنتذكر معا، التصفيات الجسدية والسياسية المنظمة لمختلف القوى السياسية، من الشيوعيين والديمقراطيين والاسلاميين، وبما في ذلك أيضا كوادر بارزة في حزب البعث نفسه ومن اركان النظام، وفي البال مسرحية قاعة الخلد عام 1979 وكيف انتقى صدام التكريتي رفاق دربه واحدا بعد الاخر ليرسلهم الى الموت ــ على يد رفاقهم ــ ليتوج تفرده على كرسي الحكم ناهيا أمرا، ثم جاءت سنوات الحروب المجنونة وعسكرة المجتمع العراقي . حروب ضد الجيران وضد ابناء شعبنا ، حروب التهمت الاخضر واليابس من ثروات البلاد والارواح، وتبعا لمصادر حيادية فقد العراق في حرب نظام صدام مع ايران ما بين 150 ألف و375 ألف عسكري، بالإضافة إلى 100 ألف مدني عراقي (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة)، ورافق ذلك حروب ابادة جماعية ضد ابناء شعبنا من الكرد، ومأساة حلبجة عام 1988 شاخصة في البال كعلامة بارزة لحملات الانفال سيئة الصيت، التي من نتائجها تدمير الاف القرى وابادة اكثر من 182 الف مواطن بريء تم دفنهم في مقابر جماعية على طول البلاد وعرضها. وأيضا عمليات تجفيف الأهوار جنوب البلاد ومحاولة ابادة سكانها، ولا ننسى هنا سياسة تبعيث المجتمع وما رافقه من قمع سياسي وتسطيح لوعي الناس وتدجين لجمهرة غير قليلة من المثقفين الذين تحولوا الى طبالين ورداحين لـ "فارس الامة الضرورة" الذي تبينت حقيقته لاحقا في "يوم الحفرة" الشهير، 13 كانون الاول / ديسمبر 2003 ، يوم القت قوات الاحتلال الامريكي القبض عليه كجرذ مجذوم . وهل ننسى حملات التهجير لابناء شعبنا من الاكراد الفيليين ، وليس أخرا ما جرته سياسات المجرم الديكتاتور صدام التكريتي اثر غزوه الجارة الكويت ، وقرارات الامم المتحدة يوم 6 اب 1990 بفرض الحصار الاقتصادي وفق القرار 661 ، المصيبة التي تحملها أساسا شعبنا العراقي ودفع ثمنها بلدنا غاليا حيث تهدمت البنى التحتية للمجتع اقتصاديا واجتماعيا ، ليكون العراق واحدا من كثر بلدان المنطقة تخلفا، وعاد حسب تصريحات كبار المسؤولين الامريكان الى حقبة ما قبل الصناعة، ولم يتوقف النظام الديكتاتوري عن سياسته الرعناء، التي جلبت الخراب لبلدنا مما شجع حكومات الولايات المتحدة الامريكية لارسال جيوشها، لاحتلال العراق كمثابة لتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية في المنطقة.
وبعد ... ماذا نذكر من هذا "الزمن الجميل" ؟
تعالوا يا من تتباكون بغير حق على زمن أغبر  جعل ــ ولاول مرة في تأريخ العراق ـ ملايين العراقيين يختارون المنافي والمهاجر بديلا عن الوطن في بحثهم عن سقف آمن  يحفظ كرامتهم الانسانية . تعالوا لنتفق بأنه  في زمنكم كانت ثمة عدالة من نوع خاص ، متفردة ، هو العدالة في توزيع الموت والحزن والهموم وتوزيع الثياب السود على كل بيت في العراق بغض النظر عن الطائفة والقوميته والمنطقه. فكفوا ــ يرحمكم الله ــ من تصديع رؤوسنا بالحديث عن زمن نثر فيه  الديكتاتور المجرم صدام  حسين التكريتي ونظامه البعثي البؤس والخراب في وطننا وجاءت قوات الاحتلال ممثلة بحكومة بول بريمر لتسقي ذلك وترعاه ، ثم جاءت حكومات المحاصصة الطائفية لتزيد الخراب خرابا فنصل الى ما نحن عليه الان !



427
المنبر الحر / البطاطا والأرهاب
« في: 00:45 12/01/2014  »
الكلام المباح (59)
البطاطا والأرهاب
يوسف أبو الفوز
كان مزاج صديقي الصدوق أبو سكينة طيبا مع أطلالة العام الجديد، فهو متفائل بكون العام الجديد سيحمل معه في الانتخابات القادمة تغيرات في الخارطه السياسية للبلاد، وبالتالي ستقود معها الى أصلاحات في الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. كنا نتابع نشرات الاخبار التلفزيونية، وتطورات الاحداث في مدن محافظة الانبار، فظهر من يعلق على تصريح وزير العدل العراقي  بأن هروب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبي غريب والتاجي ببغداد في تموز من العام الماضي كان بتسهيل من رؤوس كبيرة في الدولة. وسرعان ما ظهر أحد المسؤولين على شاشة التلفزيون، ولم يترك احدا لم يوفره بأتهاماته عاكسا واقع تردي العلاقات السياسية بين القوى المتنفذه وتواصل عراكها على اقتسام المغانم بينما يتفشى الفساد الاداري والمالي والسياسي كمرض السرطان في جسد الدولة مما يوفر موضوعيا أفضل الخدمات لشبكات الإرهاب.
قال جليل ، صديقنا الذي كان جالسا معنا هو وابوه :" شوفوا شلون حتى بتصريحاتهم يقدمون خدمة لعصابات الارهاب؟" .
 ضحك أبو جليل وسأل أبنه: وهل هذا المتحدث من الرؤوس الكبيرة أو المتوسطة؟
 حاولت المشاركه فقلت: للاسف ان أمثال هذا المتحدث يتجاهلون واقع ان الاحداث لم يعد ينفعها الحجج والمبررات وان بلدنا بحاجة الى اجراءات جذرية، تنسجم مع امكانيات الارهابيين وهم ينفذون عملياتهم الاجرامية النوعية، في اغلب محافظات بلادنا .
 تنحنح أبو سكينة وقال موجها كلامه للجميع ومشيرا للمتحدث في التلفزيون: لكثرة ما وزع أتهامات أعتقد جاء للتلفزيون ومعه  حمل لوري بطاطا؟
وتبادلنا الابتسامات. كنت قبل أيام قرأت للجميع، وعن احد مواقع الانترنيت، حكاية "حبات البطاطا"، والتي تفيد بكون مربية أطفال طلبت من تلاميذها ان يلعبوا معها، ويجلبوا معهم كيسا يضعوا فيه حبات بطاطا بعدد واسماء الاشخاص الذين يكرهونهم. شرط اللعبة ان يحملوا الاكياس اينما ذهبوا ولمدة اسبوع. مع الايام تعفنت البطاطا وانزعج الاطفال من الروائح الكريهة، وكلما كان عدد البطاطا اكثر كان الكيس اكثر ثقلا واشد ازعاجا بالعفونة. بعد نهاية الاسبوع كان الاطفال يشكون للمربية المصاعب والاحباط لحملهم الكيس بثقله وعفونته اينما ذهبوا. وشرحت لهم المربية مغزى الدرس: لم تستطيعوا تحمل عفونة البطاطا وثقلها لاسبوع فكيف بعفن وثقل الكراهية اذا حملتها معك في قلبك العمر كله؟ أضاف ابو سكينه:هذا وأمثاله لابد من أزاحتهم، وهذا يتحقق بواسطة صندوق الانتخابات، لذا لابد ان نشد الهمة ما دمنا نحلم بدولة مدنية ديمقراطية اساسها مبدأ المواطنة والعدالة والحرية ويسودها السلام والتسامح!


428
المنبر الحر / عام التغيير !
« في: 15:38 29/12/2013  »
الكلام المباح (58)
عام التغيير !
يوسف أبو الفوز
يقترب العام 2013 من نهايته مثقلا بالهموم، تاركا لنا العاصمة بغداد ومدن بلادنا الاخرى مثقلة بالوحل والبرد، وبتبريرات المسؤولين لعجزهم عن توفير الخدمات للناس، التي ملت الوعود والشكوى، واستمرار التدهور في الوضع الامني. حيث عادت تلوح منغصات أشبه بما كانت عليه ايام الحرب الطائفية الشرسة في عام 2006، من نشاط المليشيات وجثث هنا وهناك واغتيالات للصحفيين محكمة التنفيذ.
البعض من الناس يعقد آماله على الانتخابات القادمة، عسى أن تحمل معها تغييرا نوعيا في اوضاع البلاد، وآخرون يعتقدون ان الامور لن تتغير وستبقى مثلما هي، وان ثمة صفقات تدار في الكواليس لتحالفات بين القوى المتنفذه للحفاظ على المواقع في السلطة وبالتالي على المصالح المشتركة. المتفائلون يعتقدون ان العام القادم سيحمل معه نجاحات للتحالف المدني الديمقراطي، وأبو جليل يردد: بركاتك ياعام الحصان!
أم سكينة كانت اول من لفت الانتباه للأمر، فمعروف  تعلقها بالابراج، وقد خطرت لها فكرة الاستعانة بزوجتي، للبحث عما يقوله التقويم الصيني عن العام الجديد. وكان علينا ان نطلب مساعدة «العم غوغل» الذي اخبرنا بأن عام 2014 هو «عام الحصان»، فتلقفها ابو جليل وصاح:بروح موتاكم شوفوا لنا بختنا؟
 ورحنا نقلب صفحات الانترنيت ونبحث عن ما يرضي مزاج ابو جليل. قرأت زوجتي:الحصان نشيط ونبه، محب للترحال وذو روح منطلقة. مواليد الحصان عشاق رومانسيون ونشطون ومحبون للحرية، ويفضل مواليد الحصان العمّل على مسار واحد والتركيز على هدف محدد لإعطاء كل خطوة حقها، مفضلين المعلوم على المجهول.
التفت صديقي الصدوق ابو سكينة لزوجتي وقال لها: يعني  في العام الجديد راح نشبع رومانسيات، بس بروح موتاكم شوفوا لنا شلون راح تكون علاقة الحصان بالمجاري؟
 ارتبكت زوجتي، والتفتت لي مستنجدة، فحاولت التدخل: انتم تعرفون بأننا لا نؤمن بالابراج، وما نقرأه لكم هو عبارة عن  ...
فقاطعني ابو سكينة: اعرف، وروح اجدادك اعرف انكما لا تؤمنان بالابراج، وكل هذا لخاطر ابو جليل وام سكينة. ولكن ما دمتم فتحتم باب الابراج والتنجيم، ربما تجدون لنا حلا مع مشاكل المجاري. يعني هذا حصان ابو جليل يجوز بيه الحيل وينطح لنا هاي الصخور اللي سدت المجاري وفاضت بغداد بسببها. والاهم عندي يجوز يصهل ويصحي بعض الناس ويشجعهم للذهاب الى صناديق الانتخابات وتنتخب لنا وجوه جديدة، ويتغير الواقع اللي ابتلينا بيه.
  وهذا يعني راح يكون عام تغيير، فيكون الحصان فعلا حصاناً اصيلاً وابن اصول!

429
في فنلندا أدانة لاغتيال الصحفي الشيوعي كاوه كرمياني




يوسف أبو الفوز


في يوم 9 كانون الاول الجاري ، ورغم درجات الحرارة المنخفضة والبرد الشديد ، في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ،  توافد بنات وابناء العراق الشرفاء ومن كل اجزاء مناطق كردستان، تلبية لدعوة مجلس الجالية الكردستانية في فنلندا ، لتجمع الاحتجاج والادانة الذي اقيم وسط المدينة . وتليت في التجمع كلمات الادانة من مختلف المتحدثين من مثقفين وناشطين سياسيين وشخصيات مستقلة ، والتي طالبت بمجملها الحكومة في اقليم كردستان بالكشف عن المجرمين ومن يقف وراءهم . السيد سالار صوفي رئيس مجلس الجالية الكردستانية في فنلندا قال لنا " ان هذا الحادث لم يكن الاول من نوعه ، في تعرض الصحفيين والمثقفين الى الاغتيال بسبب من اراءهم ومحاربتهم للفساد ، وان الجهات الحكومية في الاقليم مطالبة بحماية الصحفيين وحرية الكلمة والتعبير ، وان مجلس الجالية الكردستانية سيواصل نضاله في ادانة هكذا تجاوزات وجرائم وسيتبع اساليب اخرى للتعبير عن الاحتجاج والادانة . ومن الجدير بالذكر ان تجمع الادانة قرر ارسال رسالة مفتوحة للجهات الرسمية المعنية تحمل وجهات النظر التي توصل اليها التجمع في ادانة الجريمة ومنفذيها والجهات التي تقف خلفها والمطالبة بحماية حرية التعبير. يذكر ان مجلس الجالية الكردستانية في فنلندا كمنظمة مجتمع مدني تأسس في نيسان هذا العام وينشط لاجل اهداف ثقافية واجتماعية وينظم نشاطات تضامنية مع ما يتعلق بمجمل حقوق الانسان وحمايتها .




430
المنبر الحر / أم المزايدات !
« في: 14:46 08/12/2013  »
الكلام المباح (57)
أم المزايدات !
يوسف أبو الفوز
حالما أنهت احدى القنوات التلفزيونية، أستعراض تقرير صحفي عن كون العراق أحتل مكانا بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم، وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2013، الذي شمل التقرير177 دولة ... حتى أطلق أبو جليل ضحكة صاحبها سعال مكتوم . فقالت سكينه:"عمو هذا الخبر يبكي وما يضحك !" فقال محركا ذراعه :(عمو اصبري عليّ وافتهميني، هذا التلفزيون نفسه، كل يوم يعرض لنا قصص عن الفساد ، وملفات تفضح واخرى تختفي ، فيما يصر البعض على براءته مما ينسب اليه ويسجل الفساد ضد مجهول ويستمر الفرهود " . تنحنح صديقي الصدوق أبو سكينه مادا رقبته ومغمضا طرف عينه،وقال بهدوءه المعتاد:(يا صاحبي ورفيق العمر، صندوق الانتخابات هذه المرة لازم يقول كلمته، والناس الطيبة لازم تدعم المرشحين الشرفاء، والا راح كل يوم نشوف تقريرمشابه، وهاي الانتخابات اقتربت ولا تستغربون اذ راح تشوفون معارك في المزايدات والوطنية لا أول لها ولا أخر، ولا حتى "أم المزايدات" تصمد امامها).
"أم المزايدات" ــ عزيزي القاري ـ حكاية رواها لنا يوما أبو سكينة وتعود لايام النظام الديكتاتوري المقبور يوم تسربت معلومة مخابراتية دقيقة الى فارس الامة بأن اعضاء من مجلس قيادة الثورة يترددون الى ماخورمعين ، فثارت ثائرته وطلب من حرسه الخاص اقتحام المكان والقبض عليهم بالجرم المشهود. وبوقت قياسي عاد النشامى بالنصر ظافرين، وحين خرج أبن العوجه ليلقي نظرة ويرى كيف يبدو رجاله، وجد امامه نائبه وكل اعضاء مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء والمجلس الوطني والمدراء العامون وقادة الجيش والخ...الخ يصطفون امامه بملابس الشغل المترهلة والمتكرشه والمفصفصة، لكنهم مرفوعي الرؤوس وعلائم الفخر على وجوههم الباسمه، فصرخ بهم:(ماالذي يجري وعجل شعندكم كلكم هناك؟) فتقدم ناطق فصيح،وبثقة قال : سيدي القائد حين علمنا انك تزور هذا المكان مرة في الاسبوع، وعلمنا بمبادرة السيد نائبكم واقتدائه بكم وزيارته المكان مرتين في الاسبوع، فما كان من جميع المناضلين والموجودين امامك واقتداء بكم الا وجعلوا زياراتهم للمكان اكثر من مرتين في الأسبوع، بل وان بعض المناضلين وبجهادية عالية يزورون المكان كل ايام الاسبوع، وازيد في القول ان لدينا مناضلين افذاذ ، ولا اقصد الذين يزورون المكان اكثر من مرة في اليوم الواحد، لا بل اقصد اولئك الذين قرروا الاقامة هناك ليل نهار!)



431
المنبر الحر / حكاية الأمطار !
« في: 00:09 24/11/2013  »
الكلام المباح (56)
حكاية الأمطار !
يوسف أبو الفوز
رغم أن الايام التي غرقت فيها بغداد بمياه الأمطار، كانت عصيبة في حياة العراقيين ، خصوصا أهالي المناطق الشعبية، لكن يبدو ان عديدا منهم لم ينس " أن شر البلية ما يضحك". وقد  سمعت شخصيا الكثير مما يدفع للضحك في الوقت الذي تعصر فيه قلبك أصابع من حجر المعاناة والمآساة !
كانت زوجتي تريني صورا انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي لشباب محبين للنكتة وهو يمدون صناراتهم لصيد الاسماك عند عتبات بيوتهم مباشرة في الشوارع التي حولتها الامطار لانهار جارية. سكينة صاحت بالهاتف تبشر زوجتي، ان أشاعة انتشرت حول أحتمال صدور قرار بأن تتضمن الحصة التموينية لمجاذيف بأحجام مختلفة، ولكن على المواطن ان يدبر وسيلة التنقل بنفسه فيجد له طوافة او زورق. واضافت بأن زوجها خائف من ان مالك البيت ربما يرفع قيمة الايجار، بحجة أنه صار يطل على منظر نهري !  زوجة جليل اضافت، ان الجهات المعنية ستواجهها مسؤولية تحديد ارقام الزوجي والفردي للزوارق التي ستغزو شوارع العاصمة قريبا لو استمرت الامطار بالهطول.
 كان صديقي الصدوق أبو سكينة يتابع كل ذلك دون ان أراه يبتسم او أسمع منه تعليقا وكأننا نتحدث عن كوكب اخر وليس عن بلادنا التي كشفت فيها مياه الامطار كل عيوبنا وفضحت تخلف البنى التحتية في عاصمة البلاد وبقية المدن . كنت وصلت بيت ابو سكينة بصعوبة وكدت اندم على قرار الزيارة للحفاظ على تقليد زياراتي الدورية ، ولحسن الحظ  لم ترافقني زوجتي وظلت في بيتنا الى جانب الابناء المتذمرين .
 ذكرت أم سكينة لنا انها ألتقت زوجة جارهم "ابو المحابس" في طرف الشارع وانها كررت كون زوجها قال" شيريدون بعد الناس، عطلة وحصلوا عليها ؟ ". فسألتُ ابو سكينة، كونه متابعا ومطلعا على احوال منطقته السكنية : هل صحيح ان "أبو المحابس" ينوي الترشيح للانتخابات البرلمانية القادمة؟ نظر لي بهدوء، فرك يديه ببعضهما ومد رقبته وهمس : " كل شيء ممكن، ولكن هل تعتقد أن رب العالمين يكف عن رحمته وكرمه علينا و ..."، وفهمت فورا انه يذكرني بما قرأت له قبل أسابيع من ان احد الملوك خطب قائلا " ايها الناس اشكروا الله لأنه اذهب عنكم الطاعون لما ملكت عليكم " ، فقال له احد الحاضرين " أن الله اكرم من ان يجمع علينا وجودك والطاعون" !




432
يا نقادنا لو شئتم أشتومنا !
يوسف ابو الفوز
اتصل بي مؤخرا احد الاصدقاء، وهو روائي معروف ، تشهد له كتبه بأتقانه لصنعته، ويعرفه  اصدقائه بأرائه الواضحة وعدم المجاملة في ارائه النقدية ، اتحفظ على ذكر اسمه فقط لاجنبه اي نوع من الحرج ، واترك له خيار الاعلان عن ما اورده هنا على لسانه . اذ بجهوده الخاصة وبحثه حصل على رابط اليكتروني لروايتي "تحت سماء القطب " الصادرة عام 2010 عن دار موكرياني في اربيل ، وبعد اكمال قراءتها ، اسمعني على الهاتف كلاما طيبا عنها، اسكرني وزاد من اعتزازي بجهودي وعملي، وجعلني ادور لايام مغتبطا ودفعني لأكتب هذه السطور !
فاذا كانت حقا رواية " تحت سماء القطب " بهذه الجودة والاهمية، التي تحدث عنها صديقي الروائي وبأطراء كبير وصادق ، لم لم تنال حظها من الكتابة من قبل النقاد العراقيين والاخوة الكتاب الذين ارسلت لهم شخصيا بعض النسخ مباشرة او بواسطة اصدقاء ويشهد على ذلك الصديق الناشر مازن لطيف الذي حملته هذه المسؤولية وجعلت من ساعي بريد لي ؟!
عملت بجد وانشغلت لفترة اربع سنوات مع هذه الرواية ، وسبق ذلك فترة اعداد وبحث لتخرج بالشكل الذي اشاد به صديقي الروائي، والتي دفعت الصحفي الصديق جمال الخرسان ليكتب عنها عمودا صحفيا ويقول  فيه ( ولو كانت رسالة ابن فضلان تحظى باهمية كبيرة عند الباحثين لانها سجلت منذ قرابة الالف عام ووثقت طبيعة حياة الشعوب التي عاشت في اسكندنافيا او بالقرب منها فان رواية "تحت سماء القطب " تكتسب اهمية كبيرة هي الاخرى حاليا لانها تمثل مشروعا فريدا غير مسبوق في ذات الاتجاه، ومن الضروري ان يلتفت اليه النقاد المتخصصون لتسليط المزيد من الاضواء عليه ) ـــ الملحق الثقافي " اوراق " ـ المدى البغدادية العدد 1990 في 19.12.2010ــ


فهل انتبه احد من النقاد لذلك ؟
لا اريد التسويق لكتابي هنا ، بقدر مايؤلمني  كون انتاج الكاتب العراقي على العموم صار لا يحضى بالاهتمام الكافي من قبل العديد من نقادنا الذين يفترض ان يتعاملوا بموضوعية مع المنتج الابداعي ، وتحمل المسؤولية في التعريف به ومساعدة القراء في تلمس الطريق الى الاعمال التي يستوجب قراءتها والاطلاع عليها . فيا ترى هل الكاتب العراقي حقا بحاجة ــ كما يقول البعض ــ الى شبكة علاقات شخصية خاصة لتسويق كتاباته وافكاره ؟ أكنت ــ وكما همس لي احد المعارف ــ بحاجة الى عزيمة سمك مسقوف على نهر دجلة او حفلة في مطعم فاخر ليقتنع الناقد الفلاني بجودة عملي ليكتب عنه عدة مرات لا مرة واحدة ؟ هل يتطلب من الكاتب ان ان يطرق بنفسه ابواب النقاد ويتوسلهم بأشكال مختلفة ليكتبوا عن اعماله ؟ وهل وصل الحال بـ "أمة اقرأ " ان تكون المحاباة والاخوانيات عند بعض نقادنا على حساب جودة الابداع الادبي ؟
اؤمن من خلال تجربتي الادبية المتواضعة ، وقد صدرت لي عشرة كتب ادبية ، بين مجموعات قصصية ومذكرات وروايات، بأن اي كتاب ، حين يدفعه كاتبه للنشر لا يعود ملكا له . لا اتحدث هنا عن الحقوق المادية بالطبع ، على الرغم اني نادرا ما سمعت ان كاتبا في بلدان الشرق يعيش من موارد كتبه، وانما اقصد ما تتضمه صفحات الكتاب، فبألتاكيد ان الكاتب هو المسؤول الاول عن الافكار ورسالة كتابه ، لكن عوالم الكتاب وأفكاره ، والشخصيات والمعلومات ، تصبح ملك نفسها، وللنقاد العالميين المحترفين نظريات بهذه الخصوص ودونكم  كمثال حركة النقد البنيوية وابرزهم الفرنسي "رولان بارت " ( 1915ــ 1985 ) ونظريتة "موت المولف" ، التي تهدف ضمن ما تهدف اليه " إلى تحرير النص من سلطة الطرف المتمثل بالأب المهيمن أي المؤلف" ، وتقول ضمن ما تقول بأن " النص له ديمومة الحياة والمؤلف له ديمومة الموت" .
كنت اتمنى جدا ان نقادنا ، خصوصا في داخل الوطن ، وادبائنا على العموم ، أن يكتبون شيئا عن رواية "تحت سماء القطب "، حتى لو كان ضدها ! وان يقولوا كلمة موضوعية بحقها، خصوصا وانها رشحت لجائزة البوكر العربية لعام 2011 ، وقال الكاتب كاروان عبد الله مدير دار النشر يومها لوكالة «أصوات العراق»: "إن الأسباب التي دفعت المؤسسة إلى طباعة هذه الرواية هي ذاتها التي دفعتها إلى ترشيحها لجائزة البوكر للرواية العربية، مشيرًا إلى أن الكاتب في عمله هذا وعموم أعماله ينتمي إلى هموم الإنسان بشكل عام، ويحمل تقديرًا عاليًا للثقافات الأخرى غير العربية». وان هذه الرواية «تحاول أن تحكي، بنفس ملحمي، عن المجتمع العراقي بتكويناته القومية المختلفة عربًا وكردًا؛ إنها تتناول، تحديدًا، تأثير المنفى والدكتاتورية والحروب في الأسرة العراقية وأجيالها المختلفة، إلى جانب تناول موضوع التلاقح الحضاري من خلال مقاربات ميثولوجية، ومناقشة قضية الانتماء والجذور".
مرارا تحرجني شادمان ــ شريكة حياتي ــ بسؤال لا اجد له جوابا : " لديك كل هذا الكم من المعارف والاصدقاء المثقفين من كتاب وصحفيين، لم لا يكتبون عن رواياتك، خصوصا ان قراء عاديين يشيدون بها ويعبرون صادقين عن اعجابهم المتواصل ؟" كيف تكون اجابتي لها ؟ على من اضع المسؤولية ؟ على الناشر الذي لم يقم بتوزيع الكتاب بشكل جيد مما وفر للبعض حجة مقنعة للقول بأنه لم يطلع على الكتاب؟ على الصديق الكاتب الذي سلمته روايتي كهدية، فدفعني للتفكير لحظتها بسحبها منه فورا ، لولا  لحظة ضعف داهمتني وخوفي من احراجه امام الاخرين ، فمنعت نفسي من القيام بما فكرت به حين قال لي بشكل صادم "أوووه ، رواية من 500 صفحة ؟ اين نجد الوقت لنقرأ ذلك ؟! "!
 يوما وصلتني بالبريد هدية من الزميلة الكاتبة نادية الالوسي مجموعتها القصصية " رجل النهر"، أصدار خاص عام 2007 وتضم ست قصص قصيرة ، والتي كانت المفتاح لصداقة عائلية طيبة معها، حال انتهائي من قراءة الكتاب ، سجلت انطباعاتي عن قصص المجموعة ونشرتها معلنا فرحي بوجود كاتبه مثلها، ففي ظل ظروف العراق في العقود الاخيرة ، وسنوات حكم النظام البعثي الديكتاتوري وحروبه الخارجية والداخلية، وما تبعه من سنوات احتلال للعراق وعنف ذو صبغة طائفية وفي ظل حكومات محاصصة طائفية واثنية ، ومع التدهور والتراجع في العديد من قيم الحياة الاجتماعية والسياسية ، والذي تسلل الى الحياة الثقافية وسبب تراجعها في ميادين معينة ، فان كل ذلك اثر وبشكل كبير ومباشر على اوضاع المرأة العراقية، وشهد موقعها في المجتمع تراجعا كبيرا ، وعليه فحين اقرأ كتابا لكاتبة عراقية واجده بجودة عالية ، يمنحني ذلك المزيد من الامل والفرح والتفائل بأن نهر الحياة لن يتوقف وان الثقافة العراقية ستكون بخير على يد بنات وابناء العراق المخلصين . بعد نشر المقال المتواضع وهو قراءة في  كتاب "رجل النهر" في صحيفة الصباح البغدادية  في 10 /09/2011 ،  وفي حديث هاتفي مع احد الزملاء الصحفيين في بغداد سألني : "هل تعرف الكاتبة شخصيا؟ هل اوصاك بها احد ؟" استغربت لصيغة السؤال ، واخبرته الحقيقة بأني للكاد تعرفت عليها عبر صفحات فيس بوك ، واعتقد بأننا سنكون اصدقاء جيدين ، وهذا الذي حصل فعلا وافتخر به. الان يمكن استرجاع سؤال هذا الزميل الصحفي ، لاشعر بالندم الكبير لان اجابتي كانت ناقصة حينها، كان يفترض بي ان اجيب بأني لا اعرفها شخصيا جيدا لكني اعرف كتابها . ترى الا يكفي ان نتعرف على كتاب جيد لنفرح به او نكتب عنه حتى دون معرفة كاتبه ؟ اريد ان اصرخ، لماذا يظلمنا النقاد ولا ينصفون جهدنا وسنوات عمرنا التي نبذلها لاجل ان نكتب كتابا سيبقى بعد موت الكاتب ؟  في لقاءاتي مع العديد من الزملاء والاصدقاء الكتاب ، اكاد اسمع نفس الشكوى وبأشكال وتفاصيل مختلفة . ويخبرني اصدقاء كتاب بأنهم يسمعون الكثير من الاطراء والاشادة باعمالهم الادبية ، لكن لا ينتقل ذلك الكلام الى الورق ، ليكون شهادة مكتوبة تحفظ للاجيال القادمة وليتعرف القراء على مواطن ضعف او قوة كتاب ما . أرى ان الامر هنا لا يخص كاتبا فردا بعينه ، انه قضية عامة. وأكاد اسمع من يصيح نيابة عن كثير من الكتاب : يا نقادنا ، يا اصدقائنا الاعزاء اشتمونا ، نحن موافقون ، لكن فقط اتعبوا انفسكم قليلا واكتبوا شيئا !



433
مساهمة متميزة للبيت العراقي في فنلندا  في المهرجان الثقافي لمدينة توركو

يوسف ابو الفوز
في مدينة توركو الفنلندية ، العاصمة التأريخية للبلاد ، اقامت مؤخرا جمعية (لنعمل معا) ، وهي جمعية فنلندية غير حكومية، تأسست عام 1997 وتعني بشؤون الجاليات وتعدد الثقافات، مهرجانها الثقافي الدوري، بالتنسيق مع جمعيات وناشطين من الجاليات العراقية والفلسطينة والسورية. من العراق تميز بالاشتراك في غالبية فعاليات المهرجان جمعية البيت العراقي. واخبرنا السيد رياض قاسم مثنى سكرتير البيت العراقي : نحرص بأستمرار على المساهمات في كل الفعاليات المشتركة للجمعيات الثقافية ، اضافة الى برنامجنا الخاص، ايضا نحن تقريبا من اقدم الجمعيات الثقافية الاجنبية العاملة في فنلندا، حيث تم تأسيس البيت العراقي في عام 1996، ونحرص على عكس صورة مشرقة عن ثقافة شعبنا، والبيت العراقي جمعية ثقافية اجتماعية ديمقراطية بابها مفتوح لكل عراقي بغض النظر عن قوميته ودينه وطائفته ، ونشاطاتنا تسعى لعكس روح الانتماء للوطن وللثقافة العراقية بمختلف الوانها فالعراق حاضر دائما في نشاطاتنا ، وان نشاطات "جمعية لنعمل معا"  بدأت هذا العام من شهر ايلول وخصصت للجاليات من مناطق كردستان باجزائها المختلفة ، وشهر تشرين اول خصصت للجاليات العربية ، وسيكون شهر تشرين الثاني مخصصا للجاليات من  المناطق الالبانية كوسوفو وصربيا وغيرها .
في اليوم الثاني من تشرين اول خصص للمطبخ العربي، وساهم فيه البيت العراقي وباشراف  ميسون خليل تم تقديم اطباق عراقية مختلفة ليتذوقها الزوار، الى جانب مساهمات الجاليات العربية الاخرى وصاحب ذلك تقديم شروحات عن تقاليد المطبخ العراقي وارتباط بعض الاطباق بالاعياد والمناسبات.
وفي اليوم الثالث من تشرين اول كان مخصصا للتعريف بالفنون العربية ، وتم عرض اشرطة فلمية منوعة عرفت بالرقص والغناء من العراق وفلسطين وسوريا .
في يوم التاسع من تشرين اول كان هناك ندوة ثقافية للحديث عن  الثقافة العربية ودورها في المجتمعات العربية وساهم في الحديث في الندوة عن البيت العراقي السيد رياض مثنى وقيس زيا ، ومن سوريا الناشط ناصر مرشد ،  وحضر ممثلا عن منظمة "لنعمل معا " السيدة خديجة كوتك (تركية الاصل) ، ويذكر ان الندوة سبقها لقاء مطول مع وسائل الاعلام الفنلندية، حيث تحدث المشتركون عن  الهوية الوطنية لابناء الجاليات وارتباطهم بقضايا وطنهم وقضايا الاندماج  في المجتمع الفنلندي .
في يوم السبت الموافق الثاني عشر من تشرين اول كان يوم الحفل الثقافي الكبير حيث  كان هناك معرضا فلكوريا لابناء الجاليات المشتركة بالفعاليات، وقدمت فرقة اطفال عراقية ضمت الاخوة علي واحمد وزيد الحسيني عرضا موسيقيا بالعزف على مختلف الالات الموسيقية . وساهم الفنان والناشط في البيت العراقي السيد حيدر تقي بتقديم اغان ومعزوفات عراقية على الة العود نالت استحسان الحاضرين. وفي الاستراحة تم تقديم الشاي العراقي مع المعجنات العراقية للضيوف الذين تابعوا نشاطات المهرجان، وتخلل ذلك لقاء مباشر مع الجمهور ليقدم الناشطين في الجمعيات بتقديم الاجوبة على مختلف الاسئلة التي اتناولت الهم الثقافي والسياسي، والى جانب السيد رياض مثنى (البيت العراقي) والسيد ناصر مرشد (ناشط سوري ) ساهم من العراق السيد علي الخفاجي  ومن فلسطين السيد محمد بدوي . وقدم السيد ناصر مرشد فعالية متميزة عن شخصية الحكواتي السورية نالت استحسان ومتابعة الجمهور .
خاتمة النشاطات كان يوم السادس عشر من تشرين الاول حيث تم افتتاح معرض رسوم تشكيلية للفنانة العراقية الشابة آيات محمد رضا (14 سنة ) وضم المعرض ستة عشر لوحة زيتية على الجنفاص تناولت موضوع البيئة العراقية من خلال الذاكرة ، وكان الاقبال كبير على المعرض الذي نال اهتمام واعجاب الزوار مما دفع بالمسؤولين عن المهرجان الى تمديد ايام المعرض حتى نهاية الشهر مع الاتفاق على انتقاله الى مدن فنلندية اخرى .






         

434
المنبر الحر / المخضرمون الجدد !
« في: 00:47 10/11/2013  »
الكلام المباح (55)
المخضرمون الجدد !
يوسف أبو الفوز
مثل كل مرة ، كنت اقرأ لصديقي الصدوق ابو سكينة، ما ورد في الصحف خلال الايام الماضية، من احداث وتحليلات. طلب مني ان اعيد قراءة  ما كُتب عن تصاعد حدة الخطاب بين اطراف سياسية مشاركة في العملية السياسية، وتفاصيل عن معلومات استخبارية تفيد بوجود معسكرات للجماعات الإرهابية على الشريط الحدودي مع سوريا، وقادنا الامر للتوقف عند اقرار مجلس النواب العراقي لقانون الانتخابات التشريعية بعد سجالات طويلة من المداولات وصفها البعض بـ "صراع الحصول على المكاسب". واشرت الى زيادة عدد مقاعد البرلمان، فقال ابو سكينة :" مقاعد برلمانية اكثر يعني إجهاد اكثر لميزانية الدولة".
ضحك ابو جليل وقال وهو ينغم بصوته : "صاير دبلوماسي حيل عيوني ابو سكينه، قول لنا الوصف مثل ما تحجيه الناس ... إجهاد وما أعرف شنو؟ " ! ونحن نضحك عرض لنا جليل صورا قديمة منشورة لبعض السياسيين والمثقفين يتبخترون ببدلاتهم الزيتوني في حقبة النظام الديكتاتوري، والى جانبها صورهم الحديثة في مناسبات رسمية وهم يتحدثون عن الديمقراطية وبناء العراق الجديد ونضالاتهم المزعومة ضد الديكتاتورية . قال ابو جليل : "أستلم يا صاحبي، هذوله شراح تسميهم بقاموسك الدبلوماسي الجديد؟ "
قالت ام سكينة : قبل ايام وصفهم بأعضاء جماعة "منين ما ملتي غرفتي".  اعترض ابو سكينة ورفع يده: "ارجوكم، لا تصادرون صوتي وتحجون نيابه عني، هل تعتقدون أني أجامل هذه النماذج؟" والتفت لي واثقا من نفسه : قول لهم ، أشحجينا ؟
حكيت للحاضرين جوابي قبل ايام لأبي سكينة عن معنى كلمة "مخضرم" اذ سمعها تتردد في  حديث تلفزيوني، وكان يظن انها تعني الكبير في السن، ووجدت له معناها في مختار الصحاح بأنه "الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام "وفي القاموس المحيط " والمخضرم بفتح الراء،والماضي نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام أو من أدركهما"، وفي خزانة الأدب " ماء مخضرم كزبرج إذا تناهى في الكثرة والسعة فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مخضرما كأنه استوفى الأمرين".
فقال ابو سكينة: وهولاء اللذين ردحوا في الفترتين، بالزيتوني لقائد الامة وبعضهم كتب شعر لأم المهالك، والان لابسين ثوب الديمقراطية ويلمعّون بأسمائهم ويزورّون تأريخهم، ويعملون تحت شعار "بالروح بالدم نفديك يا هو اللي كان"، واستوفوا فلوس ومنافع المرحلتين، فلا تستغربوا ان تجدونهم ضمن قوائم المرشحين للانتخابات ،هولاء أسميهم  ... "المخضرمون الجدد" !




435
عالم اخر (19)
في فنلندا مهرجان للفرح له رائحة الثوم



هلسنكي ــ يوسف أبو الفوز
كيف ندخل الفرح الى قلوب الناس ؟ هل يكفي توفر الامان وحده ؟ كيف تعيش الشعوب المتحضرة التي بنت مجتمعات تؤمن للانسان حقوقه ؟ في بلد مثل فنلندا (5,4 ملايين نسمة ) نجح في بناء تجربة تكون الدولة هي المسؤولة عن القيام بالدور الأساس في حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي ويكون المواطن مساهما في تطوير المجتمع وخلق والسلام والامن الاجتماعي ، يواصل الفنلنديون وبكل الوسائل المختلفة البحث عن اسباب للفرح . مدينة كيرافا (Kerava ) الفنلندية ، الواقعة في ضواحي العاصمة هلسنكي ، ورغم ان سكانها يعتبرونها مدينة صغيرة ، إلا انها تمنح الإحساس كونها قرية كبيرة ، لما لأهلها من طيبة وود خصوصا في تعاملهم مع زوار المدينة ، وهم ايضا يجيدون التحايل مع الصيف لاقتناص الفرح،

فعندهم ثمة احتفال خاص لاستقبال الصيف واخر لوداعه، وفي كلا اليومين تزدهي المدينة بثياب العيد، وتنصب مدن العاب متحركة مكائنها واجهزتها في فضاءات مكشوفة ، ليس بعيدا عن الدور السكنية، ويقبل الزوار من كل مكان وخصوصا المدن المجاورة، فتتحرك روح المدينة والناس. وتشهد المدينة العديد من الأعياد والمهرجانات الموسيقية على طول العام، فيمكن القول انها مدينة ثقافية ونشاطات بشكل ما، فإضافة الى متحف المدينة الذي يعكس طبيعة الحياة الفنلندية في القرون الأخيرة ، يوجد  فيها معهد موسيقي ومعهد للرقص وقاعتا مسرح مغلقتان إضافة الى المسرح الصيفي المفتوح، وينظم فيها صيفا واحدا من أهم مهرجانات موسيقى الجاز، هذا من غير حفلات الموسيقى الكلاسيكية التي تكاد كنيسة المدينة تبز بها الاخرين، وفي المدينة يوجد 31 جمعية ثقافية مسجلة رسميا وتمارس نشاطاتها على مدار السنة. ألا ان من ابرز الأعياد في المدينة والذي جلب لها شهرة كبيرة هو مهرجان الثوم ! إذ كون المدينة  تضم واحد من معامل البيرة الشهيرة في البلاد والشمال الأوربي ، ومصنعاً للألبسة الجاهزة ، ومشاريع صناعية أخرى ، جعل رجال الأعمال فيها يستثمرون هذا الى جانب سمعة المدينة الثقافية من اجل ان تكون مدينتهم مركزا للسياحة الصيفية وتنشيط التسوق والعمل التجاري فيها. رجل أعمال ذكي انتبه الى كون مدير بلدية المدينة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، من المعجبين بالثوم ، وهو في كل مكان يتحدث عن فوائده الصحية وأهميته وتأريخه ، فخطرت لرجل الأعمال النبيه فكرة ان يبادر لاقتراح تنظيم مهرجان للثوم في المدينة، وكان له ما أراد وتأسست (جمعية أصدقاء الثوم )، التي تشير وثائقها انها تأسست في 1983 ،

ويبلغ عدد أعضائها ألان اكثر من 6000 عضو. دعت الجمعية الى تنظيم المهرجان، فكان المهرجان الأول في صيف عام 1986، ونجح بشكل كبير وصار ينظم سنويا . هذا المهرجان الذي شاعت فكرته وانتقلت أخباره الى كل أنحاء فنلندا، فصار الان ينظم في سبع  من المدن الفنلندية ، بل وانتقلت اخباره الى بلدان الجوار وبدأ تنظيم مهرجان مماثل للخيار في (بطرسبورغ) الروسية. في يوم مهرجان الثوم، الذي ينظم كل عام في يوم السبت والاحد الثالث من كل شهر آب تكتسي مدينة كيرافا الجميلة والوادعة بأحلى الحلل، يمنع في شوارعها الداخلية مرور أية سيارة عدا سيارات الإسعاف والشرطة، وفي كل زاوية منها تنصب الخيام وتفتح الأكشاك ، في مهرجان تجاري لبيع كل شئ ، لوحات واعمال فنية ، منتجات أعمال يدوية ، ملابس جاهزة وقديمة ، معدات منزلية وأثاث ، أدوات مطبخ وزينة ، أدوية ومستحضرات تجميل و أشرطة موسيقى وأفلام فيديو ، مواد غذائية ومعلبات منزلية، ... الخ . وتتميز الكثير من المبيعات بأنها بهذا الشكل أو ذاك لها علاقة بالثوم . الراغب بالمساهمة في سو ق المهرجان ، وقبل عدة شهور، عليه ان يحجز مكانا لينصب فيه خيمته أو طاولته ، بالطبع بعد ان يدفع رسوما محددة صارت ترتفع قيمتها يوما بعد أخر مع اشتداد الإقبال على المهرجان. في هذا اليوم الذي تنشط فيه حركة البيع والشراء ، لا تكون المبيعات خاضعة للضريبة العامة ، فلا أحد يطالب بفاتورة، ولذا تكون فيه الأسعار مناسبة فيقصده جمهور كبير من المدن المجاورة للتسوق ، وتكتظ ساحات وحدائق المدينة بالسياح والزوار، وأشارت الإحصاءات الى ان زوار المدينة في مهرجان العام الحالي بلغوا أكثر من 45 الف زائر، وهكذا في يوم عيد الثوم تسمع الضحكات والموسيقى في كل شارع وزاوية من المدينة وتجد البسمة على كل الوجوه . محلات الأطعمة من كل الجنسيات تنتشر في كل مكان ، وتجدها منظمات الأجانب والمهاجرين فرصة للتعريف بثقافة مطبخها الوطني والتعريف بنفسها ونشاطاتها وكسب بعض المال ، وكل خيمة تكون عبارة عن إذاعة وطنية تبث موسيقاها التي تريد. الفرق الفنية والموسيقية الشبابية ومدارس المدينة تجدها فرصة لتقديم عروضها الموسيقية والراقصة على خشبة مسرح المدينة الصيفي المفتوح ، الذي يتوسط مركز المدينة ، والذي يشهد عروضا موسيقية طوال الصيف. المهرجون والحواة والسحرة يجدونها فرصة لعرض فنونهم أمام الجمهور الذي لا يبخل عليهم بالهدايا. نوادي الطلبة والشباب تنظم عرضا تنافسيا طريفا لأفضل مصاص دماء (دراكولا) ارتباطا بأسطورة خوف مصاص الدماء من الثوم ، بالاضافة الى عرض افضل ملابس واكسسوار من وحي مهرجان الثوم . وفي هذا اليوم في مدينة كيرافا التي تطوف في سمائها سحابة من الثوم والفرح ، يمكنك ان تتذوق كل الأكلات والسلاطات التي يدخل في إعدادها الثوم ، إضافة الى أكلات ومشروبات غريبة لم تخطر في البال ، مثل بيرة بالثوم ، ايس كريم بالثوم ، هذا من غير بعض المعجنات الخاصة التي يتفنن في تقديمها المطبخ الفنلندي . انه مهرجان زاخر بالمحبة والبساطة ، يمنح الناس الفرصة للتعايش  والتقارب ، المعرفة والمتعة ، ويقول لنا ببساطة ان بإمكان الإنسان اقتناص المسرة والفرح بمختلف الاشكال حتى تلك التي تفوح منها رائحة الثوم  !






436
دعوة من اللجنة الثقافية لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين
الى كل النصيرات والانصار الشيوعيين واصدقائهم
في الاجتماع الاخير للجنة الثقافية لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين منتصف شهر تشرين اول / اكتوبر تم تشكيل هيئة تحرير لصفحة الانصار التي ستصدر بشكل دوري في صحيفة طريق الشعب، من اجل تعريف ابناء شعبنا بتجربة الانصار النضالية وحياتهم ونشاطاتهم السياسية والعسكرية وشهدائهم وبطولاتهم خلال  كفاحهم الطويل ضد الانظمة الديكتاتورية التي حكمت بلدنا، ونشر نتاجات الانصار الادبية والفنية ومتابعة اخبارهم ونشاطاتهم الحالية .
وعليه نهيب وندعو كل النصيرات والانصار والاصدقاء للتعاون مع هيئة التحرير وتقديم الاقتراحات والافكار، وتزويدهم بالكتابات الادبية من قصص قصيرة وحكايات وخواطر وقصائد وكتابات عن معارك او نشاطات سياسية او ثقافية او تعريف بسيرة الشهداء وبطولاتهم، او مواقف طريفه وحكايات انصارية ، ورسومات من تخطيطات فنية ورسم كاريكاتير وصور عن لوحات، وايضا صور شهداء او رسائل من شهداء او انتاجاتهم الادبية لنشرها او لاعادة نشرها .
ان من اهداف صفحة الانصار الدورية في طريق الشعب ان تكون وسيلة لجمع المواد المكتوبة والمعلومات عن الانصار وتجربتهم وارشفتها وبالتالي امكانية الاستفادة منها لاحقا باشكال مختلفة .
ونود ان نشير الى :
   .ان هيئة تحرير صفحة الانصار ستتعامل مع المواد المستلمة وفقا لاليات العمل الصحفي وبمهنية عالية، فلا يتم تغيير او اختصار للنص ان تطلب ذلك الا بالتشاور مع الكاتب وبموافقته .
   هيئة التحرير لها الحق بالاستفادة من النصوص المستلمة واعادة نشرها مستقبلا في كراسات او كتيبات كمجاميع قصصية او شعرية او البوم رسوم وغيرها.
   ان تكون النصوص النثرية بحدود 750 كلمة .
   يفضل ان ترفق المساهمات بصورة الكاتب وتعريف قصير عن نفسه كنصير .
   ترسل المواد للايميل التالي لهيئة تحرير صفحة الانصار :
media.cc@hotmail.com


مع تحيات
22 / 10/ 2013       اللجنة الثقافية لرابطة الانصار الشيوعيين العراقيين


 

437
المنبر الحر / درابين مسدودة
« في: 11:41 27/10/2013  »
الكلام المباح (54)
درابين مسدودة
يوسف أبو الفوز
في أيام الجبل، سنوات الكفاح المسلح ضد النظام الديكتاتوري المقبور، يستعيد الانصار دوما الجلسات حول مواقد النار، والاحاديث العذبة، حيث دفء الرفقة المتربة بالمجد. كان معهم نصير، لنسمه "ناجي" ، وهو نصير شجاع ومحبوب، لكن ما يميزه،انه وقبل ظهور"العم غوغول"، كان يتصدرالجلسات بطريقة يقود فيها مستمعية من حكاية الى حكاية، بحيث ينسى الحكاية الاولى تاركا مستمعيه في متاهة جعلت الانصار يستحدثون مصطلحا طريفا عنه : درابين ناجي !
تذكرنا ذلك في زيارتي الاخيرة الى صديقي الصدوق ابو سكينة، فبالرغم من أعتذاره أيام العيد عن استقبال المهنئين، لكن ولاجل الاطمئنان عليه قمت بزيارته مصطحبا معي كالعادة حزمة من الصحف حيث اعرف انه ينتظر مني ان اقرأ له اخر الاخبار والتقارير. كان ابو سكينة يتفق مع الاراء التي تقول أن بلادنا وشعبنا يتعرضان لحرب طاحنة من قبل قوى الارهاب المدعومة داخليا وخارجيا ، وان ما يفسح المجال لهذه القوى الشريرة لتغدر بشعبنا باستمرارهو الصراع المستمر بين القوى المتنفذة على السلطة والثروة، بينما غالبية ابناء شعبنا تعاني من شظف العيش واستمرار غياب الخدمات الاساسية. كان اكثر ما يؤلم ابو سكينه هو تصريحات بعض المسؤولين عن نجاحات وهمية في استتباب الامن والاستقرار، والواقع يقول غير ذلك، فأيام العيد تحولت الى ايام حزن وعزاء للكثير من العوائل العراقية التي فقدت احباءها في عمليات ارهابية غادرة والاحصائيات تشير الى أن اكثر من نصف مليون عراقي  كانوا ضحية الاعمال الارهابية والعنف منذ بداية السنة الحالية.
 سألني ابو سكينة: هل تابعت تصريحات فلان الفلاني عن اسعار الطماطه والفجل؟ لم افهم مقصده، رغم ان ابتسامته الماكرة تشير الى كونه يقصد شيئا اخر تماما. واذ لاحظ سكوتي واصل كلامه: فلان الفلاني وعلان العلاني وغيرهم من سياسيي هذا الزمان، يفتهمون بكل شيء، لهم تصريحات في جريدة عن اسعار الطماطه والفجل وفي جريدة اخرى تصريحات عن التعامل مع النفايات النووية، وفي فضائية يتحدثون عن استتباب الامن رغم فضيحة ارقام الاحصائيات ، وفي نفس اليوم في فضائية اخرى  يقدمون ادانة للعمليات الارهابية مستخدمين نفس الارقام !
وتلفت حواليه ليضمن ان الجميع يسمعون وقال لي: اذا كان صاحبكم الظريف ايام الجبل، ناجي ابو الدرابين، يوديكم بمتاهة بسوالفه، ومن رابط الى رابط ، فهؤلاء درابينهم كلها مسدودة وما تطلع والمصيبة بلا رابط !


438
المنبر الحر / الأجرام بالوراثة !
« في: 21:29 12/10/2013  »
الكلام المباح (53)
الأجرام بالوراثة !
يوسف أبو الفوز
تتواصل اعمال العنف الطائفي ونشاط الجماعات الارهابية، في وسط وجنوب العراق منذرة بعودة مآسي الاقتتال الطائفي، وتتداخل أجندة الارهابيين واعداء الديمقراطية في العراق فيما بينها وتلتقي على اختلاف هوياتهم . وجاءت التفجيرات الإرهابية التي استهدفت مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان مؤخرا، والتي راح ضحيتها العديد من الضحايا الأبرياء، لتعلن مرحلة جديدة من نشاط اعداء الديمقراطية. كان كل هذا محل اهتمام صديقي الصدوق ابو سكينة،ومحور حديثنا خلال زيارتي الاخيرة له . قال جليل: أن هذه التفجيرات لها مسعى خبيث لإشاعة الفوضى وتعطيل الحياة العامة في كافة أرجاء الوطن. وكنت ارى: ان العجز الأمني في الحفاظ على حياة المواطنين في مختلف مدن العراق شجع الارهابيين لتمتد اعمالهم الى مدينة اربيل للعبث بأمنها، فمدن كردستان عرفت بأستقرار الامن وهدوء الحياة فيها بحيث انتعشت السياحة. ذكرتنا زوجتي بكون توقيت تنفيذ العملية جاء بعد انجاز اقليم كردستان للانتخابات البرلمانية، ونجاحها بعض النظر عن نتائجها، واشارت الى اعلان بعض الجماعات الارهابية عن مسؤوليتها في تنفيذ العملية. راح الحاضرين يشتركون في رواية ما يعرفون من تفاصيل هذا الاختراق الأمني الذي يعتبر الابرز والأول من نوعه في كردستان منذ خمس سنوات. قال ابو جليل: يا سبحان الله ، شوفوا شلون الامور تتشابه ، أهل الخير يتبعون اهل الخير، واهل الشر واحدهم يتفل بفم الاخر، العفلقيين ، الحرس القومي، من هجموا على وزارة الدفاع بيوم 8 شباط الاسود رفعوا على الدبابات صور الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم لخداع الناس، واللي هاجموا مقر الامن (الاسايش) في اربيل رفعوا صور البارزاني وشعارات الحملة  الأنتخابية ، يا سبحان الله ، المجرمين يتوارثون خبرة القتل وحب سفك دماء الابرياء!
صفن ابو سكينة، ونظر لي متأملا وسأل: صاحبك كلكاميش بيا وقت عاش؟
فقلت له: استنادا الى الأساطير السومرية وخبراء الأثار والباحثين فأغلب الظن انه عاش في القرن 26 قبل الميلاد .
فواصل حديثه بنبرة اعلى: وهاي من يوم صاحبك كلكاميش، والحية السامة ، اللي سرقت منه عشبة الخلود، مستمرة تبدل جلدها كل مرة شكل ، في زمن الصداميين لبست زيتوني وردحت "منين تطلع الشمس ... تطلع من العوجه "، وأجانه زمن أدعت التدين والورع وصارت توزع مفاتيح الجنه والنار، وبهذا الزمن قصرت دشداشتها وحللت نكاح الجهاد، وبدون وجع قلب تفجر المفخخات الغادرة بالمدارس والاطفال الأبرياء!



439
تأبين الشاعر الراحل شيركو بيه كس في فنلندا



هلسنكي ـ مروان مصطفى
في العاصمة الفنلندية هلسنكي ، في يوم 14 أيلول الماضي ،  تقاطر العراقيون ، عربا وكردا ، وابناء الجالية الكردستانية في فنلندا ، الذين وصل بعضهم مدن اخرى ، للمشاركة في الامسية التأبينية لاربعينية الشاعر الراحل شيركو بيه كس التي دعى اليها مجلس الجالية الكردستانية في  فنلندا . بدأ الامسية الفنان التشكيلي والناشط المدني ، سالار صوفي ، الذي هو رئيس الهيئة الادارية لمجلس الجالية ، ورحب بالحضور واشاد بالشاعر الراحل ودوره البارز في مسيرة الشعر والثقافة الكردية والانسانية واشار الى كون الثقافة في كردستان والعراق والعالم فقدت مبدعا انتمى لقضية شعبه ووطنه والانسانية، ثم طلب من الحضور الوقوف دقيقة حداد على روح الشاعر الفقيد . بعد ذلك قدم المساهمون ، واولهم كان الكاتب لقمان زهرائي ليتحدث عن شعرية الفقيد ويؤكد على قدراته في خلق الصورة الشعرية وقرأ امثلة ومقاطع من قدراته اللغوية في خلق الصور المعبرة عن افق جمالي عال ، واشار الى مضامين شعره التي اهتمت بقضايا الوطن والحب والمراة ، ثم تحدث الناشط المدني لقمان ويسه واشاد بمكانة الفقيد الشاعر بين شعراء التجديد وعلاقته بالمدارس الحديثة العربية والعالمية وقرا نماذج من شعره  . واشترك الكاتب والصحفي يوسف ابو الفوز وتحدث عن ارتباط شيركو بيه كس بالشعر المقاوم للديكتاتورية كونه كان من المثقفين الذين رفضوا الانصياع لسلطات الانظمة الحاكمة وارتبط عميقا بنضال شعبه والمقاومة المسلحة واشار الى انتماء الشاعر الراحل من خلال قضيته القومية الى فضاء المعاناة الانسانية وارتباطه العميق بالثقافة العربية التي طالما ذكر في لقاءاته ، كون اللغة العربية كانت نافذته الى الثقافة العالمية بعد لغته الام التي يعتز بها وقرأ نماذج من شعره المترجم الى اللغة العربية . ثم قرأ الشعراء ئاراز شاد وتوميد احمد قصائد شعرية مساهمة في الامسية . وتحدث الاخ هردي فاتيح عن مكانة الراحل بين الشعوب الاخرى ومنها الشعوب العربية وضمن حديثه شهادات لمثقفين عن الشاعر الراحل .

 وجاء دور دور الفنان ريبوار عارف ليقدم بطريقة الموال وقراءة المقام قصيدة عن رحيل الشاعر ثم غنى واحدة من قصائد الشاعر المغناة عن الحب والحياة واشترك معه بالعزف على الاورك الموسيقي داود. ويذكر ان الامسية امتازت بحسن التنظيم والادارة وكان هناك حضور نسوي متميز وان غاب عن المساهمة في فقرات البرنامج . وقد شكر واشاد الكثير من الحضور بمبادرة مجلس الجالية الكردية لتنظيم الامسية ، وقال الاخ محمد كفريي : " ان الاحتفاء بالمثقفين في حياتهم او بعد رحيلهم هو واجب وطني لكل مؤسسات المجتمع المدني او موسسات الدولة ، والشاعر شيركو بيه كس ارتبط بنضالات شعبه  سيبقى خالدا في ضمائر الناس ، وكنت اتمنى ان يكون هناك المزيد من الشباب لحضور مثل هذه امسيات ليتعرفوا اكثر على رموز شعبهم الثقافية " . الفنان سالار صوفي ، رئيس الهيئة الادارية لمجلس الجالية الكردستانية في فنلندا ، اشار الى " ان فترة اقل من ست شهور لنشاط مجلس الجالية تتطلب المزيد من العمل للاعلان والوصول للناس ، ونسعى لاستخدام وسائل التواصل الجماهيري بالاضافة الى اننا كهيئة ادارية نتحرك الى مختلف المدن الفنلندية لنجري لقاءات مع ابناء الجالية الكردستانية لنعرفهم على برامجنا ونشاطنا واهدافنا وضمن ذلك نسعى الى جذب المزيد من الشباب والنساء لنشاطاتنا "
يذكر ان مجلس الجالية الكردستانية في  فنلندا منظمة مجتمع مدني ديمقراطية تشمل كل ابناء كردستان في اجزاءها المتفرقة في العراق وسوريا وتركيا وايران ، جرت انتخاباتها التأسيسية في اواخر نيسان الماضي ، وباشرت نشاطاتها في العديد من المناسبات الاجتماعية والثقافية ، وتواصل العمل لاستكمال بنيتها التنظيمية .





440
المنبر الحر / في إنتظار الأصلع!
« في: 13:46 30/09/2013  »
الكلام المباح (52)
في إنتظار الأصلع!
يوسف أبو الفوز
كان صديقي الصدوق ابو سكينة حزينا، من استمرار تدهور الوضع الامني، وتواصل الاعمال الارهابية التي تحصد ارواح الابرياء . أعتقد كثيرون ان هذا سبب عدم اهتمامه بمؤتمر السلم الاجتماعي، وانصرافه الى متابعة الطرائف والتعليقات حول خطابات وتصريحات بعض السياسيين . سألتهُ أبنته سكينة، قال لها : (عمرنا تكسر بالسياسة من العهد الملكي حد هذه الايام، وعمرها مؤتمرات بوس اللحى الحكومية ما وكلت الناس خبز . الناس تريد من يخلي بكيسها شوية طحين وليس ثريد الخطابات) . وكان أبو سكينة يثير استغراب ، كل من يزوره ، في الايام الاخيرة ، لحد ان ابو جليل، نفذ صبره وصاح به : ( خرفت هاي اشبيك؟ كلما يطلع مسؤول بالتلفزيون تلبس العوينات وتصيح " لا مو هذا ؟ هذا يبين حلو وشايل روحه" من تنتظر؟ على مَنْ تدور؟ اكو شيء تعرفه واحنا ما نعرف بيه ؟ عندك علوم واخبار سرية ؟ )
برطم ابو سكينه شفتيه، ومد عنقه وقال بكل بساطة : أنتظر الاصلع البشع !
في البداية خطرت لابي جليل النكتة المعروفة عن عبد السلام عارف ، اذ قيل انه سمع بأن الصلع يدل على الذكاء ، واذ افتقدوه وبحثوا عنه، وجدوه منزويا ينزع شعر مقدمة رأسه بالملقط ! لكن قضية "البشاعة" الى جانب "الصلع"، جعلت سكينة تنفي ظن ابو جليل وطلبت منهم انتظار عودتي شخصيا ، جازمة ومن متابعتها لطباع والدها ، كوني عارفا بالسبب، لأن بحث ابو سكينة عن هذا "الاصلع البشع" بدأ حال مغادرتي لهم في زيارتي الاخيرة . اتصل جليل هاتفيا ليروي كل ذلك ، وطلب اسراعي بزيارة بيت ابو سكينة والى هناك توجهت وزوجتي.
ما ان دارت استكانات الشاي، حتى همس لي ابو سكينة بصوت خافت لاكون جاهزا لمهمتي لأوقف التكهنات من حوله. رفع ابو سكينه صوته موجها كلامه لجميع الحاضرين: عراقنا اوضاعه من سيء الى اسوأ، والمصيبة ان بعض السياسين يعترفون بان سرطان الفساد دمر جسم الدولة وسبب شلل الحياة والتطور في مرافقها، واذا تريدون تعرفون ليش انتظر "الاصلع البشع"، راح نحكي لكم السبب؟ ... وأشار لي بيد مرتجفة وهو يحمل استكان الشاي . رويت لهم حكاية الخبر العلمي الذي نشرته الصحافة العالمية عن فأر بشع وربما يعد أبشع كائن على وجه الأرض ، وتقول الوكالات إنّه يعيش شرق أفريقيا وهو أصلع بالكامل وصغيرجدا لكنه مع ذلك يحمل أكثر ما يحلم به البشر: الأمل في علاج فعال ضد مرض السرطان يستخرج من خلايا حددها العلماء في جسم الفأر كفيلة بوقف أنتشار المرض!


441
اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي  فصيل مقدام وطليعي من فصائل الحركة الوطنية


يوسف أبو الفوز
في عام 1951 تأسس اتحاد الشبيبية الديمقراطي العراقي (أشدع) وجماهير الشعب العراق وفصائله الوطنية تخوض نضالاتها ضد الحكم الملكي المرتبط بالاحلاف العسكرية التي تدور في فلك الاستعمار، والشعب ينوء تحت ثقل مثلث الفقر والجهل والمرض ، فتنادت مجموعة من الشباب المتنور الحر من بينهم كوادر شيوعية ، الى تأسيس منظمة شبابية تاخذ على عاتقها تنوير الشباب ودعوتهم الى النضال من اجل حياة حرة كريمة والحريات الديمقراطية ومن اجل تمثيل الشبيبية العراقية في المحافل الدولية . ولم يأت التاسيس الا من الحاجة لمنظمة ديمقراطية شبابية لقيادة نضالات الشبيبة العراقية الديمقراطية وتمثيلها داخل وخارج العراق، ففي عام 1949 ومع اطلالة الذكرى الاولى لوثبة كانون الثاني / يناير التي حدثت في عام 1948 ، بادر مجموعة من الشباب الوطني لتشكيل هيئة مؤسسة لاتحاد الشبيبة العراقية ، الا انه تم اعتقال الهيئة باجمعهم من قبل السلطات البوليسية للنظام الملكي، ولم يتوقف العمل لاجل هذا الهدف النبيل، بل استمر بوسائل اخرى .
 في اوائل ايلول عام 1949 ساهم وفد يمثل الشبيبة العراقية، في المؤتمر الثاني لاتحاد الشبيبة الديمقراطي العالمي ، وهي المساهمة الاولى بأسم العراق في مثل هذا المحفل . وبعد العودة الى العراق تنادى العديد من المساهمين في هذه الفعالية وشبيبة اخرون الى تاسيس منظمة شبابية ديمقراطية . وفي اب 1951 شارك وفد متميز من 28 عضوا باسم الشبيبة العراقية في مهرجان برلين ، واثناء وجود الوفد في برلين صدر في بغداد البيان التاسيسي لاتحاد الشبيبية الديمقراطي العراقي وتم توزيع وثائفه النظام الداخلي والبرنامج تحضيرا للاجتماع التاسيسي . في تأريخ 15 تشرين اول 1951 في احد البيوت في بغداد انعقد اجتماع سري وجرى فيه اقرار النظام الداخلي والبرنامج وتم الاعلان عن ذلك بنشاطات متنوعة كيوم لتاسيس اشدع .
ومن اجل تحقيق اهدافه النبيلة واهداف الشعب العراقي في نضالاته قدم أشدع التضحيات الغالية ، فنضالاته جعلته فصيلا مقداما وطليعيا من فصائل الحركة الوطنية ، كانت له مشاركاته الباسلة في انتفاضات الشعب العراقي في 1925 و1956 ، وضد الاحلاف العسكرية والعدوان الثلاثي على مصر . واتسعت نشاطات اشدع ليكونفصيلا مقداما ومؤثرا مما دعا الحركة الوطنية للتنسيق مع قيادته ليساهموا في العمل ضمن قيادة جبهة الاتحاد الوطني ، وحين اندلعت حركة الضباط الاحرار صبيحة 14 تموز 1958 ، كان اشدع في طلائع المنظمات التي هبت لاسناد حركة التغيير وتحويل الحركة الى ثورة لم يكن لها ان تصمد لولا مساندة جماهير الشعب الذين وجدوا في الثورة مآلهم الذي سيحقق لهم طموحاتهم بحياة كريمة وقادته نضالاته الى انتزاع الاعتراف الرسمي بعمله ونشاطه في 29 اذار 1959 . ولكن ربيع ثورة 14 تموز لم يدم  طويلا، فسرعان ما انقض العفالقة بروح الغدر وبدعم مخابراتي امريكي لوأد ثورة 14 تموز وليغيب في دهاليز السجون المئات من اعضاء وعضوات اشدع وسقط منهم العشرات شهداءا تحت التعذيب او دفنوا احياءا ، وهم يعلنون تمسكهم بمبادئهم النبيلة وحلمهم بحياة حرة كريمة. ولم ينقطع اشدع عن مواصلة نضاله، فخلال ستينات القرن الماضي، اعاد اشدع بناء منظماته وليتطور نشاطه وبحكم خصوصيات اقليم كردستان تم تأسيس (اتحاد الشبيبية الديمقراطي في كردستان العراق) وعقد مؤتمره الاول عام 1972، واغاضت نضالات ونشاطات الشبيبة الديمقراطية العراقي واتحادها المناضل حكومة البعث الصدامية فاصدر قرارات اعتبرت بموجبها المنظمات الديمقراطية غير شرعية ويكونوا تحت طائلة القانون ومنح الشرعية بالعمل فقط للمنظمات الموالية للنظام ، مما اجبر قيادات المنظمات الديمقراطية (المراة والطلبة والشبيبة) وتحسبا من الاجراءات القمعية التي برزت مؤشراتها من قبل سلطة لا ديمقراطية ، اللجوء الى قرار تجميد عمل المنظمات دون الرجوع الى  القاعدة ورأيها ،  وبالرغم من صدور قرار التجميد الا ان سلطات البعث اعتقلت سكرتير الاتحاد واصدرت بحقه حكما بالاعدام تم تخفيفه واطلق سراحه بعد حملة تضامن عالمية . يمكن هنا الحديث طويلا عن قرار التجميد وشرعيته واثاره على عمل الشبيبية الديمقراطية ، الا ان الاوضاع السياسية في العراق سرعان ما توضحت اكثر حين كشف حزب البعث عن انيابه ومع فشل عملية التحالف وتجربة الجبهة الوطنية، عاود اشدع من جديد بناء منظماته وركائزه بمبادرة من كوادر شبابية ، وبدء العمل منذ النصف الثاني من عام 1979 ، وواصل اشدع عمله ونشاطه لينمد صلاته مع الشبيبة العراقية ، التي اكوت بنظام ديكتاتوري شوفيني ، وليحتل من جديد مكانه في المحافل الدولية وبين صفوف جماهير الشبيبة العراقية ولكن عمله ما زال تواجهه الكثير من المعوقات والعراقيل التي تتطلب الكثير من العمل لتجاوزها بأبتكار أساليب نضالية جديدة تتلائم مع تطورات الواقع الاجتماعي في العراقي والتغيرات الحاصلة في العالم من حولنا .

 

442
"طريق الشعب" في مهرجان "تيودنآنتيا" الفنلندية
الرفيق  يوها ــ بيكا فايسنين رئيس الحزب الشيوعي الفنلندي :
نتابع بأهتمام نضالات رفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها العراق .
رئيس تحرير صحيفة تيودنآنتايا  الكاتب والصحفي ماركو كورفيلا   :
سعداء بمشاركة طريق الشعب التضامنية في المهرجان وعسى ان تتوفر لنا الفرصة في المشاركة في نشاطات طريق الشعب في بغداد .


رئيس الحزب الشيوعي الفنلندي عند طاولة "طريق الشعب" ممسكا بعدد منها
توركو ــ  يوسف أبو الفوز
صحيفة تيودنآنتايا Tiedonantaja (المُبلغ) ، الاسبوعية السياسية ، التي ومنذ عام 1968 يصدرها الحزب الشيوعي الفنلندي الذي تأسس في أب 1918 ، درجت على تنظيم مهرجانها الدوري كل عامين ، وفي كل مرة في منطقة مختلفة من البلاد ، ففي المرتين الماضيتين ، وكان مهرجانها الاول والثاني ، أقيما تباعا في مدينة تامبرا الصناعية ، أما هذا العام ، فوقع الاختيار على مدينة توركو. تشتهر مدينة توركو بكونها ميناء اقتصادي ومدينة عمالية وخامس اكبر مدينة في فنلندا ، ومعروفة بتأريخها العريق حيث كانت العاصمة التأريخية للبلاد حتى عام 1812، اضافة لموقعها الجغرافي على الساحل الجنوبي الغربي ، المقابل للعاصمة السويدية استكهولم عبر بحر البلطيق، مما اهلها للاختيار عام 2011  لتكون عاصمة الثقافة الأوروبية جنبا الى جنب مع تالين عاصمة إستونيا .
المهرجان هذا العام، جرت أحداثه خلال الايام 20 ــ 22 ايلول الجاري، وفي ثلاث اماكن من المدينة . اليوم الاول ، الجمعة ، بدأ في ساحة السوق العام في وسط المدينة ، ومن الساعة التاسعة صباحا حتى الثانية من بعد الظهر تقاطر الكثير من الناس ، وفيهم الكثير من العمال المتقاعدين، الذين تم الاحتفاء بهم ، وجرت احاديث مفتوحة عن قانون التقاعد ، ثم نظمت للمتقاعدين ومن يرغب من الزوار، جولة  بين المعالم التأريخية للمدينة ، وفي المساء كان هناك احتفال غنائي موسيقي عزفت فيه فرق شبابية موسيقية .

اليوم الثاني ، يوم السبت ، وهو اليوم الاساسي والفعلي للمهرجان، حوى العديد من المحاضرات والندوات المفتوحة ، التي اشترك فيها كمتحدثين العديد من الناشطين السياسيين والاكاديمين ، وفي بيان اللجنة المنظمة للمهرجان تمت الاشارة الى ( ان المهرجان يتمحور حول الاحتفاء بالصحيفة الاسبوعية وما يصدر عنها ، على غرار الاحتفالات في اوربا الوسطى ، ونسعى لحشد قوى اليسار في مناقشات وسجالات من اجل السعي للتأثير على اتجاه السياسة في فنلندا وتغييره ) ، علما ان صحيفة تيودنآنتايا يصدر عنها العديد من الاصدارات التي تعني بالفكر الماركسي والمواضيع الاقتصادية والاجتماعية .
وفي يوم السبت ومن الساعة التاسعة صباحا حتى الثانية عشر بعد الظهر كان هناك عدة فعاليات ثقافية ، من ضمنها حوار مفتوح (برلمان الساحة) نظم في ساحة السوق العام في وسط المدينة، وجاء استكمالا لموضوعة اليوم السابق وادار الحوارات وعلق عليها النقابية والناشطة السياسية  بيريو ايمنوين رايها وشملت الاحاديث الواقع الصحي والخدمات للمتقاعدين على ضوء سياسة الحكومة اليمنية ومحاولة الانقضاض على مكتسبات وحقوق العمال. اما المكان الثاني لفعاليات المهرجان الاساسية فقد نظمت في واحد من اهم المباني التاريخية في المدينة، الا وهو مبنى الاحتفالات، ويعود لاتحاد الطلاب لجامعة توركو ، وتأسس اول مرة عام 1919 ، وبني في البداية من الخشب، وتعرض للحرق والتهديم خلال سنوات الحرب الاهلية والحرب العالمية الثانية ، وتم اعادة بناءه اكثر من مرة ، وبشكله الجديد بدأ البناء به عام 1946 واكتمل عام 1950 ، ومن ذلك اليوم هو مكان عام للاجتماعات والاحتفالات يحوي صالة مطعم وقاعات احتفال وندوات يمكن تأجيرها وايضا يشمل مساكن للطلبة، ويعتبر من اهم معالم المدينة العمرانية. وفي مبنى الاحتفالات نظمت العديد من موائد النقاش المستديرة والمحاضرات، التي تنوعت عناوينها واكملت بعضها البعض وكانت بمجملها تتعلق بالاوضاع الاجتماعية والسياسية للبلاد وسياسات الحكومة الحالية ومستقبل البلاد، وشهدت حضور ا جيدا من الشباب وطلاب الجامعة وايضا من عموم الناس . وفي ختام فعاليات يوم السبت كان هناك في نفس المبنى ، وعلى قاعة المسرح ، حفلا موسيقيا حضى بأقبال شديد ، واضافة الى فرقة "الانشاد العمالية" ، التي قدمت اغاني عمالية ثورية حيت نضالات الطبقة العاملة ، شارك مجموعة من فناني اليسار المعروفين ، في مقدمتهم الفنان الساخر ميكو بيركويلا (يعرفه قراء "طريق الشعب" من تقاريرنا السابقة حول مساهماته باعياد ونشاطات منظمة الحزب الشيوعي العراقي وتضامنه الدائم مع نضالات شعبنا ، وكنا سميناه " شيخ امام فنلندا " ) والفنان  بيكو كوكا والفنانة الشهيرة أنيلي ساولي . وفي اليوم الثالث ، الاحد ، تواصلت المحاضرات في مبنى الاحتفالات ،

وبعد الظهر اختتم المهرجان بلقاء عام في القاعة الرئيسة شكر فيه رئيس الحزب الرفيق  يوها ــ بيكا فايسنين  اللجنة المنظمة والمتطوعين العاملين والحاضرين وشكر الضيوف ومنها طريق الشعب ورفاق منظمة الحزب الشيوعي في فنلندا ، ثم اختتم المهرجان بالنشيد الاممي والعهد على مواصلة النضال .
طريق الشعب في المهرجان



 وشاركت طريق الشعب لاول مرة في هذا المهرجان ، والى جانب عشرة من منظمات المجتمع المدني، كان لها طاولة خاصة بها في الممر الى صالة الاحتفالات ، اشرف عليها مجموعة من ناشطي منظمة الحزب في فنلندا ومنهم مراسلي الجريدة . الرفيق رياض مثنى من ناشطي منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا، قال لطريق الشعب : (هذه مساهمتنا الاولى كمنظمة وكـ طريق الشعب ، المهرجان اساسا ذو طبيعة تربوية وتعليمية ، فهو يشمل سلسلسة غير قليلة من المحاضرات والندوات، هدف مشاركتنا هو اللقاء بزوارالمهرجان وتعريفهم بنضالات حزبنا ودور طريق الشعب وتسليط الضوء على ما يتعلق بنضالات حزبنا وشعبنا من خلال البيانات التي تم توزيعها او الاجوبة التي قدمها الرفاق المشرفين على الطاولة ومداخلات رفاقنا في بعض الندوات والمحاضرات التي استطعنا حضورها .) وعلى طاولة طريق الشعب وجدنا نماذج مختلفة من اعداد طريق الشعب الورقية، صدرت في فترات متباعدة قبل سقوط النظام الديكتاتوري وبعده ، بل وصور عن اعداد ارشيفية تعود الى ستينات القرن الماضي ، واعداد من مجلة الثقافة الجديدة الصادرة في العاميين الاخيرين ، اضافة الى ان الطاولة حوت العديد من مجسمات الاثار العراقية وعلقت في المكان صور عن مسيرة الاول من ايار الماضي في بغداد . واضاف الرفيق رياض مثنى : (جئنا بهذه المجسمات للاثار العراقية من بيوتنا ، فهي من مقتنيات الرفاق الشخصية لكنها تشد الزوار وتثير اهتمامهم وتدفعهم للتوقف عند طاولتنا وبالتالي نجد الفرصة للحوار معهم والتعرف اليهم وتويع بيانات ووائق الحزب التي اعددناها مسبقا ) . الرفيق  يوها ــ بيكا فايسنين Juha-Pekka Väisänen رئيس الحزب الشيوعي الفنلندي زار طاولة طريق الشعب اكثر من مرات ، والتقط الصور التذكارية مع الرفاق المشرفين على الطاولة وحيا مبادرة منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا ومساهمتها وقال لطريق الشعب : (احي بحرارة مساهمة طريق الشعب في مهرجان صحيفة تيودنآنتايا ونعتبرها تحية تضامن حارة من قبل الشيوعيين العراقيين مع نضالات حزبنا والصحيفة ونتمنى ان تستمر هذه المبادرات التضامنية ، ونحن نتابع بأهتمام نضالات رفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها العراق ) . رئيس تحرير صحيفة تيودنآنتايا  الكاتب والصحفي ماركو كورفيلا  Marko Korvela قال لنا ( اننا سعداء بمشاركة طريق الشعب التضامنية في المهرجان ، ولطالما اعتبرنا قضية التضامن الاممي من ثوابت عملنا في الحزب والجريدة ، ونتمنى ان تتطور علاقاتنا مستقبلا ، وعسى ان تتوفر لنا الفرصة في المشاركة في نشاطات طريق الشعب في بغداد ) .
من اهم المحاور والعناوين في الندوات والمحاضرات :
   دور الاعلام وعوامل الضغط حول حقوق الطبقة العاملة
   اشكال ولوائح التضامن
    الخروج من أغلال معاهدات الاتحاد الأوروبي، والخيارات المتاحة لتقليل وافقار تأثير سياسة الاتحاد الأوروبي .
    تحديات اليسار الجديد وطرق المقاومةو الخيارات من اجل رفع فعالية قوى اليسار .
   مستقبل حوض بناء السفن في توركو، ودورالحركة النقابية  ومواقفها المستقبلية في الصراع القائم بين قوى الراسمال
   الامن الاجتماعي والافضليات في النماذج الاجتماعية .
   كيف سيكون الاتجاه الجديد لإصلاح الحكم المحلي؟
   اقتراحات حول ميزانية الحكومة والبلديات
   نظام الخدمة الجديد - بديلا لإصلاحات السوق
   مجتمع الرفاه الجديد
   الضمان الاجتماعي والشباب والبلديات
   التغييرات في قانون خدمات المسنين 

 

443
الكلام المباح (51)
كيف يكون لون الورطة ؟
يوسف أبو الفوز
هذه المرة ــ عزيزي القاريء ـ  لن احكي عن السياسة، لا اريد ان اسمعك تعليقات صديقي الصدوق ابو سكينة، عن تطورات الاوضاع في العراق وغياب اسمه من قائمة الدول السعيدة، ولا رأيه في شتامّي الشعب العراقي، من النواب والسياسيين، هؤلاء الذين يدعون معرفة كل شيء ويعتقدون انهم مفتحين بالنفط ماداموا يشفطون من فلوسه ليل نهار، فوجد العراقيون انهم متورطون ــ وسكوب بالالوان ــ مع شتامين لهم بدون رحمة، سأحكي لكم كيف ان النوايا الحسنة اوصلت أبو سكينة الى ورطة بلا لون!
كان ابو جليل يقوم بزيارته الدورية لابي سكينة، وحين يجتمعان يتمشيان على مهلهما حول البيت، فالطبيب اوصى بذلك كعلاج لارتفاع السكر. يقول أبو جليل :(كنا في طرف المحلة، حين فتح احد معارف ابو سكينه باب بيته، فشاهدنا وسلم علينا، فما كان من ابي سكينة، الا وسحبني لنزورهم لان ام البيت رجعت من اربيل من المستشفى)، وابو جليل يعرف ان ام سكينة يطير عقلها من هذه المرأة حيث تنسب لابي سكينة قوله وهو يُلمّح لتضاريسها "لو هيج ربك يخلق نسوان لو لا". كلنا نعرف ان ابو سكينة رغم ان قلبه اخضر الا انه  يحترم جيرانه وناسه فلم يقل احد يوما ما ان عينه مالحة، لذا لم يفهم احد سبب غيض ام سكينة وادعائها ان ابو سكينة يتلفت بمجرد سماع اسم هذه المرأة.
 يواصل ابو جليل: سحبني ابو سكينة بحيوية غريبة فقلت له" بس يا ..." فقطاعني"بلا تبسبس الناس المرضى لها حق علينا؟".بسرعة صاروا داخل البيت واستقبلهم صاحبه بأرتباك، وابو جليل بالكاد يتنفس. قال ابو سكينة بصوت ممراح " : قلنا نطمأن عليكم" وزاد وجه ابو جليل امتقاعا. خرج صاحب البيت ليجلب شيئا، وبالكاد سحب ابو جليل نفسا وقال محشرجا:"شراح تقول للمرأة لو جاءت ، انت تعرف شنو مرضها؟" . وصفن ابو سكينة، تمنى ان يكون ابو جليل بعمر واحد من احفاده ليلسعه على ظهره بالعكازة، وصاح به:"لا تكون هي نفسها اللي ..." فهز ابو جليل رأسه بالايجاب. في لحظات صارا يتدافعان عند الباب للخروج، وتركا المكان دون ان ينتظرا عودة صاحب الدار.
قبل ايام حكت سكينة لأم جليل،ان هذه المرأة، تشكو من الام في صدرها وضيق في التنفس، وبعد الفحوصات ، نصحها الطبيب للقيام بعملية تصغير لثدييها كبيري الحجم !


 

444
عن مفهوم "الاحزاب الصغيرة" وما الى ذلك !
يوسف أبو الفوز
في كل مجتمع تعتبر الاحزاب السياسية احد ظواهره الاساسية ، خصوصا المجتمعات الديمقراطية ، حيث يعتبر وجود الاحزاب وتعددها اساس العملية الديمقراطية ، واختلفت تعريفات مفهوم الحزب السياسي ، حسب المدارس والاتجاهات الفكرية ، فأذا تعتبر الماركسية ان لا وجود لحزب دون اساس طبقي فأن مدارس فكرية اخرى تجده تعبيرا عن ايمان جماعة بفكر معين ، وآخرون يرون في الحزب مجرد وسيلة للوصول الى السلطة، ولكن هذه المدارس جميعها لا تنكر اهمية الاحزاب السياسية ودورها في المجتمع . ولطالما توقفت متأملا، حين تصادفني في كتابات البعض من الصحفيين والكتاب العراقيين ــ وبعضهم من الاصدقاء ــ مصطلحات ومفاهيم تبدو مرتبكة لسبب ما ، وتحمل عدم الدقة في الاستخدام ، وربما تساهم في ارباك وتضليل بعض القراء ، مثل مصطلح "الاحزاب الصغيرة"، ومن خلال متابعة بسيطة نجد ان من يميل لاستخدام هذا المصطلح غالبيتهم من الكتاب الموالين بهذا الشكل أو ذاك لما يعتبرونه "الاحزاب الكبيرة ". وان كان البعض من الكتاب يستخدم هذا المصطلح كمفهوم دارج اعتادوا عليه، فأن البعض ــ ومع سبق الاصرارــ يستخدمونه بطريقة توحي بألاستخفاف والتقليل من شأن القوى السياسية الاخرى التي يظنون وحسب مواصفاتهم وحساباتهم انها "صغيرة"،  وبهذا فهم يحاولون نشر سياسة وفكر موال لاحزابهم والقوى التي يميلون لها ، والهدف من ذلك يكون التقليل من شأن الاطراف الاخرى .
أن الصغر والكبر هنا عند هؤلاء الكتاب ـ الحكوميين خاصة ـ يستند الى عدد المقاعد في البرلمان التي يشغلها هذا الحزب او ذاك ، او عدد الوزرات التي يشغلها حزبه أو الحزب الحليف ، متناسين ـ او جاهلين ! ـ ان من تعاريف السياسة كونها "كيفية توزيع القوة والنفوذ ضمن مجتمع ما أو نظام معين" (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) وبالتالي فأن عالم السياسة فيه مصطلحات ومفاهيم اخرى يمكن استخدامها لوصف الاحزاب السياسية ، ومنها  مفهوم "الاحزاب المتنفذة"، والنفوذ هنا لا يأتي دلالة على  عمق التيار الفكري في المجتمع لهذه القوى ، والايمان بمبادئ ورسالة الحزب المسيطر على دفة الحكم او من يملك النفوذ ، فلقد كان حزب البعث العفلقي "حزبا كبيرا" لانه ادار شؤون العراق لاكثر من ثلاثين عاما ، ومعروف جدا للقاصي والداني من اين كان يستمد البعث العفلقي كل هذا النفوذ الذي بموجبه ارتكب ابشع الجرائم بحق ابناء الشعب العراقي بعربه وكرده وانتماءاته القومية الاخرى .
يفوت على من يستخدم ــ وبألحاح ـ مصطلح " الاحزاب الصغيرة "، ان في عالم السياسة تكون المفاهيم عادة متحركة ، شأنها شأن اشياء كثيرة في الحياة ، ومن يكون "كبيرا" يوما ما ، يمكن ان يكون "صغيرا" عندما تتغير عوامل وظروف خلق هذا النفوذ ، بل وقد يتلاشى ليكون "مجهريا " فيسكن كتب التأريخ فقط ، فالحزب النازي الالماني بقيادة أدولف هتلر يمكن اعتباره من أكبر الاحزاب السياسية التي ظهرت في تأريخ اوربا ، فقد حكم ألمانيا في الفترة 1933 ـــ 1945، وثم من بعد غزو هتلر لبولندا في عام 1939 ، واندلاع الحرب العالمية الثانية، وحتى عام 1945 ، يخبرنا التأريخ ان هذا الحزب ــ الكبيرــ  حكم معظم قارة أوروبا ــ ما عدا بريطانيا ــ وأجزاء كبيرة من أفريقيا ودول شرق وجنوب شرق آسيا والدول المطلة على المحيط الهادي وثلث مساحة الاتحاد السوفياتي ، فأين هو الان ؟!
 لقد صار معروفا جيدا ان النفوذ السياسي في المجتمع في العراق ، الذي يحرك الكثير من الناس نحو صناديق الاقتراع ، ويجلب المزيد من المقاعد في مجلس النواب ومكاتب في وزارات سيادية ! ، يستند عند العديد من القوى السياسية الى عوامل طائفية وعشائرية واثنية ، يدعمها المال السياسي وايضا اساليب ملتوية من التضليل والترغيب والترهيب ، وكل هذا في عمر تأريخ الشعوب والسياسة يعتبر عوامل متحركة وزائلة . وان السياسة في تفاصيلها تحتمل الكثير من المفارقات التي يمكن التوقف عندها ، فلو اعتمدنا نسب التصويت في الانتخابات التي جرت في العراق ، خصوصا الاخيرة منها ، وبالطبع ضمن ذلك اقليم كردستان، لوجدنا ان نسبة لا يستهان بها من الناس لم تشترك في الانتخابات ــ في مصر يسمونهم حزب الكنبة ــ ، فتبعا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات فى العراق فأن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في عموم البلاد التي جرت في السابع من اذار 2010  بلغت 62.40 في المائة ، وهؤلاء المواطنون الذين لم يشتركوا في الانتخابات لاسباب مختلفة ، لا صوت لهم ، وهم عمليا يعتبرون من "الاحزاب الكبيرة " ، لكنهم غير متنفذين وليس لهم وزارة سيادية ولا مقعد برلماني بأسمهم . ايضا ان قوانين الانتخابات، التي شرعها البرلمان العراقي في الثامن من تشرين الثاني 2009 ، سمحت لنواب من قوى متنفذه بدخول قبة البرلمان وشغل مقاعد فيه رغم انهم حصلوا على بضع مئات من الاصوات الانتخابية ، لكن غيرهم من احزاب " صغيرة " حصد الاف الاصوات لكنه لم يتمكن من شغل مقعده ، لان قانون الانتخابات الذي فصلته القوى المتنفذه وفقا لمصالحها منعت الاحزاب الصغيرة من دخول قبة البرلمان خوفا ان تكبر ! . ولابد من الاشارة الى ان مروجي مفهوم " الاحزاب الصغيرة " يتناسون لاسباب تخصهم ان ثمة تيارات فكرية عريقة في وجودها ضمن بنية المجتمع العراقي الفكرية والطبقية ، لم تنجح في دخول ممثليها لقبة البرلمان وفقا لمعادلات الصراع السياسي الحالية وطبيعة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية والقوانين السائدة لكنها لم تزل راسخة في ضمير الناس لانها ولدت بينهم وعلى ارض العراق كحاجة فكرية وروحية ، وان تغيير العوامل ومعادلات العملية السياسية لابد ان يحرك الكثير من الناس ليقتربوا اكثر من هذه الاحزاب "الصغيرة" ليجعلوها أكبر وأكبر !
سماوة القطب /  8 أيلول 2013



445
هل أزاحة نوري المالكي تحلّ مشاكل العراق ؟
يوسف أبو الفوز
في الاونة الاخيرة بدأت تزداد الكتابات والدعوات لتنحية ـ البعض يقرأها أسقاط ـ نوري المالكي عن رئاسة الحكومة العراقية، والامر يتعلق بالاوضاع التي وصلها العراق، خلال فترة ادارته لمجلس الوزراء، في دورتين انتخابيتين للبرلمان، بدأها عام 2006، حيث تزداد الاوضاع الامنية تدهورا، فالدائرة الجغرافية للعمليات الارهابية اتسعت، واساليب الارهابين في تنفيذ اعمالهم، التي تحصد ارواح العراقيين بدون تمييز بالطائفة او القومية، تطورت، وكل ذلك مصحوب بسوء ادارة الدولة واستشراء الفساد الاداري والمالي في كل مفاصلها، يرافقه تخبط الحكومة وسياسة التسويف والتلكؤ في حل المشاكل والقضايا العالقة، ومعها يتفاقم الصراع السياسي بين الاطراف المتنفذة وتتعمق الهوة فيما بينها مما يغذي سياسة التصعيد الطائفي، في لعبة كر وفر لا تنتهي، بينما المواطن العراقي المهمش وذو الدخل المحدود، والضحية الاولى لنشاط الارهابيين، يعاني الويل من عدم توفير الخدمات وفي المقدمة منها الكهرباء، رغم كل الوعود المقدمة من المالكي، الذي يحمل من الالقاب في ادارة الدولة ما يفوق اي حاكم اخر في المنطقة، فهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ويدير بالوكالة وزارات، الدفاع والداخلية ومعها والى جانبها عدد لا يستهان به من مؤسسات الدولة ومنها مؤسسات امنية !
لا يمكن التغاضي أيضا عن انه وفي ظل التطورات الجارية في عموم المنطقة، والتداعيات في مجمل الاحداث، فأن هناك دعوات مكشوفة لاسقاط المالكي من قبل اطراف تستند الى دعم اقليمي هدفها الاساس اسقاط العملية السياسية في العراق ، هذه الدعوات صارت مكشوفة الى درجة ان اصحابها لا يملكون القدرة للتستر على انفسهم ودعمهم للجماعات الارهابية فصاروا حجة بيد نوري المالكي وانصاره ومبررا دائما لكل ما يجري في العراق، مما جعلهم لا يكلون من الحديث عن المؤامرة ، التي تهدف عبر عمليات ارهابية واشاعة عدم الاستقرار والفوضى، القيام بعمل انقلابي والعودة الى النظام السابق .
السؤال الذي يتكرر في البال، وتصدّر هذا الكلام : هل تنحي نوري المالكي عن مواقعه  الحالية يحل مشاكل العراق؟
ايام محاكمة الديكتاتور المقبور صدام حسين، دعيت شخصيا، الى جانب كثيرين، الى ألا تتم محاكمة المجرم صدام حسين كفرد، بل ان تتحول محاكمته الى محاكمة للنهج والفكر "القومانجي" الشوفيني ــ وهذا غير الفكر القومي ــ الذي انتج النظام الديكتاتوري، ووفر الفرصة لمجرم دموي سادي اسمه صدام حسين ان يكون على رأسه، فربما كان يمكن ووفقا لطبيعة الصراعات والتوازنات داخل حزب البعث العربي الاشتراكي الفاشي، ان يكون المجرم صالح مهدي عماش او المجرم ناظم كزار او اي من الاسماء المجرمة الاخرى، لان تتولى المراكز الاولى، فتسعى لتنفيذ سياسات هذا الفكر "القومانجي" الشوفيني الشمولي. ومن بعد التغيير في عام 2003 ، استبشر العراقيون واصدقائهم خيرا وأملوا مجيء نظام سياسي مختلف، يؤمن بالديمقراطية والتعددية والعدالة الاجتماعية ويبني دولة القانون والمؤسسات الدستورية، يضمن الفصل بين السلطات، تأمين استقلال القضاء، وتفعيل مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون وضمان تمتعهم بحقوقهم وحرياتهم العامة والخاصة، كما جاءت في الدستور ولائحة حقوق الإنسان الدولية ، لكن سلطات الاحتلال ، التي كان لها اليد العليا في أزاحة نظام الديكتاتور صدام حسين، زرعت وصنّعت لنا نظام على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية، الذي جاء ، ضمن ماجاء به ، بنوري المالكي الى سدة السلطة !
حين بدأت مسيرات الاحتجاج في البلدان العربية، وما عرف بـ "الربيع العربي" كان الشعار الاساس، الذي سرى كالنار في الهشيم، هو "الشعب يريد اسقاط النظام "، فالشعوب المقهورة ومن خبرتها التأريخية تدرك جيدا، أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك او اليمني علي عبد صالح وغيرهم ، لم يكونوا سوى رؤوس هرم لانظمة فاسدة، أستباحت كرامة الناس والبلاد وانتهكت القوانين السماوية والارضية. وفي العراق حين بدأ المسيرات الشعبية والشبابية الاحتجاجية، رفعت شعار "الشعب يريد اصلاح النظام"، اذ كان شباب العراق  يدركون جيدا ان ثمة خللا لابد من اصلاحه في العملية السياسية وهو ما ينتج كل مصائبهم، ومؤخرا نشر بعض المثقفين رسائل اعتذار من الشعب العراقي لخصها الكاتب عدنان حسين بقوله " أعترف بانني أخطأت إذ كتبت في الصحف والمجلات التي عملت فيها خارج الوطن، وإذ قلت في الندوات والمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية والاذاعية، ان النظام الذي تشكّل بعد 9 نيسان 2003 سيكون أحسن من نظام صدام ... أعترف بانني اخطأت في دفاعي المستميت عن هذه الفكرة، فيومها لم أكن أتخيل ان العراق سيشهد نظاماً سيئاً كنظام صدام" !
خلاصة القول، ان السيد نوري المالكي، جاء وفق صفقات معادلات المحاصصة الطائفية والاثنية، التي بني عليها نظام الحكم الجديد في العراق، وان تمت تنحيته او ازاحتة او اسقاطه ــ كما يريدها البعض ـ ، فأن من يخلفه ــ من اية جهة كانت ـــ ان جاء وفقا لنهج المحاصصات والتوظيف السياسي للدين، فأنه سوف لن يختلف كثيرا عنه، وان كان ففي بعض التفاصيل، وعندها ستستمر معاناة العراقيين ويستمر نشاط الارهابيين، ويتواصل ندم المثقفين  واعتذارهم .
ليس امام العراقيين، الحريصين على مستقبل العراق، والاجيال القادمة، سوى السعي والعمل بجد ومسؤولية لاجل احداث التغيير الحقيقي باتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، دولة القانون الحقيقي والمؤسسات الدستورية وفقاً لقواعد المواطنة والكفاءة والمهنية والنزاهة وتكريس الوحدة الوطنية، وبدون ذلك فكل كلام ، سيكون هواء في شبك !


446
أيام لا تنسى مع الشهيد صفاء الحافظ



اجرى اللقاء : يوسف ابو الفوز
في شهر أب هذا العام ، تمر الذكرى 90 لميلاد الشهيد الدكتور صفاء الحافظ، وكتب ونشر عنه بعض المقالات، التي حركت الذكريات عند الصديق الطبيب حميد حنف السماوي، الذي جمعته في معتقلات الامن العامة ايام صعبة لا تنسى مع الشهيد ، فكان لنا أن اجرينا هذه الحديث الاستذكاري :
   اولا لنعرف القراء على شخصك ؟
ـــ أسمي حميد حنف ، من مواليد 1957 في مدينة السماوة ، وفيها أكملت دراستي الاعدادية، والتحقت بكلية الطب في بغداد، وبعد التخرج، عملت كطبيب في بغداد حتى عام 1993،  وعملت في اليمن للفترة 1993 ــ 1995 ، وثم هاجرت للعمل في نيوزلندا منذ عام  1996.
   كيف كانت ظروف اعتقالك من قبل سلطات النظام المقبور ؟
ـــ  في عام 1979 تفاقمت الهجمة على الديمقراطيين والشيوعيين من قبل االاجهزة الامنية لنظام البعث، وكنت حينها طالبا في الكلية الطبية في المرحلة الرابعة، وكانت ايام امتحانات نهاية السنة، وكان لدينا الامتحان العملي لمدة الطب العدلي وكانت باشراف الدكتور ضياء الموسوي الذي تم اغتياله فيما بعد من قبل سلطات النظام بتسميمه بمادة السيانيد التي تم اضافتها لشرابه اثناء تقديمه  لمحاضرة في احدى الندوات. اتذكر ان يوم الامتحان كان في يوم من شهر ايار، حين اقتحم طلبة منظمة النظام وما يسمى بـ "الاتحاد الوطني لطلبة العراق" قاعة الامتحان وامام انظار الاستاذ والطلبة، اقتادوني بعنف، وامسك بي بقوة المدعو "ص . س" (يحتفظ المحرر بالاسم الكامل) وهو الان طبيب يعيش في بريطانيا، وسلموني الى مجموعة من رجال الامن كانوا ينتظرون في سيارة الامن التي توجهت بي من خلال جهة مستشفى العلوية الى منطقة القصر الابيض حيث توجد هناك ما يعرف بدور اليهود التي حولها النظام الى معتقلات للسياسيين، وعند اقترابنا من المكان عصبوا عيوني .
   كيف كان يومك الاول في المعتقل؟
ـــ ما ان وصلنا المكان، وانزلوني من السيارة، معصوب العينين، حتى انهالوا عليّ بالضرب الشديد ومن كل جانب وسط سيل من الشتائم القبيحة والمخجلة ، وخلال ذلك تعرضت الى ضربة مفاجئة بشيء صلب على جانب رأسي فأفقدتني الوعي. ولا اعرف كم مر من الوقت حين صحوت وفتحت عيني لاجد نفسي  في زنزانة مقفلة انام على ساق أحد المعتقلين.
   صف لنا هذه الزنزانة ؟
 ـــ كانت زنزانة ضيقة، طولها وعرضها حوالي ثلاثة امتار وسقفها منخفض، ارضها مكسوة بالكاشي بدون افرشة، وكانت باردة جدا.
   حدثنا عن الموجودين في الزنزانة من المعتقلين معك ؟
ــ كان هناك قبل وصولي، شخصان فقط ، اولهم انسان بشوش بوجه مبتسم، وهو الذي خلال فقداني للوعي وضع رأسي على ساقه وما ان وعيت وتمالكت نفسي حتى عرفني بنفسه بانه صفاء الحافظ وقدم لي رفيقه صباح الدرة الذي كان ببدلة لونها جوزي .
   كيف هي طبيعة الاحاديث التي تجري بينكم ؟
ــ بقينا نحن الثلاثة لفترة قصيرة معا، وكانت عيوننا معصوبة بقطع من القماش وممنوعا ازاحتها، ولكننا كنا نزيحها بين الحين والاخر ونعيدها فور سماعنا صوتا يقترب من الزنزانة ، وثم ازداد عدد سكان الزنزانة بحيث بلغ حوالي 12 معتقلا، وكلهم بتهم الشيوعية واغلبهم من الطلبة، عرفت بينهم طلبة من الجامعة التكنولوجية، وفي المجمل كان من الصعب تبادل الاحاديث الطويلة، فالاستدعاءات للاستجواب والتعذيب كانت مستمرة، وباب الزنزانة باستمرار يفتح من قبل الحراس والجلادين .
   ولكن توفرت فرصة لتبادل بعض الاحاديث القصيرة، ماذا كان يتحدث الشهيدان الحافظ والدرة ؟
ــ بقيت اثني عشر يوما في تلك الزنزانة ومع الشهيدين الحافظ والدرة، قبل ان يتم نقلي الى زنزازنة اخرى، وامضيت في الامن العامة في بغداد حوالي 36 يوما قبل نقلي الى امن مدينة السماوة. وخلال تلك الايام القصيرة في الزنزانة مع الحافظ والدرة ، اتيحت لي الفرصة للتعرف الى الشخصية المتميزة للشهيدين، خصوصا الشهيد صفاء الحافظ، الذي لم التق به سابقا، لكنه كان معروفا لي جيدا كقائد حزبي واكاديمي ومحامي، وكنت اتابع كتاباته ونشاطه، واخبرته بهذا فسر كثيرا. الشهيد الدرة كان متأثرا جدا بالحالة والاعتقال، وكنت اشعر بالاسى لان ملابسه كانت ممزقة بسبب جلسات التعذيب، كان بنطلونه ممزقا، اما الشهيد صفاء الحافظ ، فلم التق في فترات الاعتقال بأنسان متماسك مثله. كان متفائلا، يزرع البسمه بيننا ويشد من عزمنا . ابتسامته كانت تبث روح الامل فينا . كان يقول لنا اننا كشيوعيين واجهنا ظروفا اصعب واقسى من هذه. وان الجلادين جبناء يخشون صلابتكم، ولذا ترون انهم لا يعذبونكم الا بعد يشربون الخمر، وفعلا في غرف التعذيب كنا نشم رائحة الخمر تفوح من افواه الضباط .
   هل جرى بينك وبينه حديث خاص جدا ؟
ــ لاحظت انهم يستدعون كل سكان الزنزانة بالتناوب، وحتى الشهيد صباح الدرة لكنهم يتجاهلون الدكتور صفاء الحافظ ، فسألته عن ذلك . فأجابني ببساطة ، بانهم يستجوبنكم لمعرفة مسؤولياتكم ومهماتكم الحزبية، لكنهم يعرفون كل شيء عني، مركزي الحزبي ومهماتي، وايضا لفترة كنت مديرا للمعهد القضائي واغلب الضباط كانوا من طلابي وربما هذا له تأثير بشكل ما على عدم استدعائي . 
   كيف تتذكره الان ؟
ــ اتذكره دائما ، بطلا متميزا ، انسانا فذا ، ببسمة متميزة متفائلة ، هذه البسمة كانت احد اسباب تماسك الكثيرين منا ، وجعلتنا نشعر بتفاهة الجلادين ، كنا نتذكر كلماته ونحن نواجه الجلادين فلا نخشاهم !


447
المنبر الحر / الأسباب الحقيقية !
« في: 14:44 01/09/2013  »
الكلام المباح (50)
الأسباب الحقيقية !
يوسف أبو الفوز
ــ مثل الطيور، لا يمكن لومهم، حساسون مثل الطيور!
قالها صديقي الصدوق، أبو سكينة، فأتجهت اليه كل الانظار. أدرك جيدا انه لا يقصد فيلم الرعب الامريكي "الطيور" الذي اخرجه عام 1963المخرج الشهير ألفريد هيتشكوك (1899ــ 1980)، ولا المقصود بذلك برنامج ما عن عالم الطبيعة، فالامر يتعلق بما يفكر به أبو سكينة عن مجمل حديثنا الذي بدأ بعد ان حكى جليل ان نائبا او نائبة في مجلس النواب العراقي شكا من ان راتبه لا يكفيه لاخر الشهر! اطلقت عندها زوجة جليل ضحكة وهمست شيئا لزوجتي، لكن صوتها لم يكن خافتا جدا لأني سمعتها وهي تقول:
ـ أيدخل في ذلك تكاليف عمليات تجميل ؟
فضحكت زوجتي، وعلقت هي الاخرى بشيء لكني لم اسمعه. وكنا عندما وصلنا بيت ابو سكينة، دار الحديث كيف ان العراق يعتبر من البلدان الغنية بسبب موارده النفطية الا ان شعبه يعتبر من الشعوب الفقيرة، وان مستوى إنفاق الفرد العراقي يعتبر متدنيا مقارنة بالبلدان المجاورة. فحدثتهم عن تقارير حكومية تشير إحصائياتها ان عدد السكان الفقراء في العراق يبلغ (6.4) مليون نسمة ولا سيما بين سكان الريف. فأشارت سكينة الى غضب الناس المتزايد بسبب من الفساد المالي والاداري المستشري في البلاد المترافق مع تردي الوضع الامني والنقص في الخدمات، وحين يسمع الناس بالتفاصيل عن بذخ اعضاء مجلس النواب يتصاعد غضبهم ، وعندها صاح جليل ساخرا:
ـ مساكين ، أعضاء مجلس النواب مظلومون، هل شاهدتم تصريحاتهم وما يقولونه عن رواتبهم القليلة؟
وحينئذ اطلق ابوسكينة كلماته عن الطيورالتي بدت للحاضرين لغزا، لكنه ومثل كل مرة اشار لي لأفسرها لهم، والامرببساطة يتعلق بتقريرعلمي عن عالم الطيور، سبق وان قرأته لابي سكينة، يكشف ان هذه الكائنات الحساسة تجد نفسها مجبرة على التزود بالغذاء باستمرار حتى تتفادى أي هبوط مفاجئ لحرارتها الداخلية،  وان عدد كبير من الطيور كالقبرة والعصفور وغيرهما من نفس الحجوم الصغيرة بامكانها التهام غذاء تتراوح نسبته ما بين 25 و30 بالمائة من وزنها.
وحالما شرحت فكرة التقريرللحاضرين ، اردف ابو سكينة: قياسا بهذا فأن النائب العراقي مثلا بوزن 75 كيلوغراما، لابد ان يتناول يوميا 25 كيلوغراما من مختلف أنواع الأطعمة ليحافظ على حرارة جسمه وطاقته، اللتين يحتاجمها في المكافش والملاكمة والمصارعة في مجلس النواب، وهذا هو السبب الحقيقي لارتفاع رواتب النواب !


448
هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
بلاغ من هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا

في  يوم 25/8/2013 ، وفي العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، عقدت (هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا ) ، اجتماعها الدوري . بدأ الاجتماع بقراءة سورة الفاتحة ودقيقة صمت على ارواح الشهداء من ابناء شعبنا .
تدارس الاجتماع الاوضاع السياسية في البلاد بروح المسؤلية، وبروح ديمقراطية تم تبادل وجهات النظرالمتنوعة حول مختلف الموضوعات . توقف الاجتماع مطولا عند موضوع الوضع الامني والتدهور المستمر وتطور العمليات الارهابية من ناحية اتساعها وتطور نوعيتها ، واتفق المجتمعون  ان معالجة الوضع الامني لا تتم عسكريا فقط بل يحتاج الى اجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية . ورحب المجتمعون بالدعوات للحوار الوطني ، وفكرة التحالفات العابرة للطائفية لاجل بناء دولة ديمقراطية ، واشاروا الى ان استمرار الأزمة السياسية في البلاد  لها تاثير  على مجمل حياة الموطن العراقي .
وناقش الاجتماع باستفاضة العديد من الامور التي تخص اوضاع ابناء الجالية العراقية في فنلندا واقر توصيات بخصوصها ومن اجل تفعيل نشاط هيئة التنسيق ، وايضا اقتراحات حول برنامج هيئة التنسيق للفترة المقبلة ، كما اتفقوا على تلبية دعوة السفارة العراقية للقاء السيد السفير . وشكر المجتمعون دور وجهد الاخ السكرتير الدوري السابق الاخ ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني الذي قام بتسليم سكرتارية الدورة القادمة للاخ ممثل المجلس الاعلی الاسلامی العراقی .
وتمنى الاجتماع للعراق وشعبه الاستقرار والسلام ، وان يحفظ الله سبحانه العراق وشعبه من كل مكروه .
أيها المخلصون من ابناء الوطن ، الى العمل بتكاتف من اجل حماية الوطن والشعب ، ونتمنى ان يحفظ الله سبحانه العراق وشعبه من كل مكروه .
عاش العراق ...
لنرص الصفوف من اجل عراق ديمقراطي فيدرالي يسع الجميع ...
هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
المجلس الاعلی الاسلامی العراقی / مكتب فنلندا
الاتحاد الوطنی الكوردستانی / مكتب تنظیمات فنلندا
الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا
 الحزب الشیوعی العراقی / منظمه‌ فنلندا
 الحركه‌ الدیمقراطیه‌ الاشوریه‌ / منظمه‌ فنلندا
الحزب الشيوعي الكوردستاني/منظمة فنلندا
حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا
 هلسنكی 26 أب 2013
لمزيد من المعلومات يمكن الاتصال بسكرتير هيئة التنسيق للدورة الحالية / ممثل المجلس الاعلی الاسلامی العراقی / مكتب فنلندا ، الهاتف المحمول : 040182078

 





449
تبرير الموت دراميا ..."منبر الموتى" نموذجاً ... 1 ـــ 2


يوسف ابو الفوز
شهد شهر رمضان الماضي عرض العديد من المسلسلات العربية ، التي تنوعت بمواضيعها ومستواها، لكنها جميعها نجحت في شد المشاهدين الى شاشات التلفزيون، ومن هنا تأتي خطورة واهمية هذه المسلسلات في التأثير على وعي المشاهدين ، خصوصا اذا كانت تمرر للمشاهد قضية ما على طريقة دس السم بالعسل ! وبفضل اليوتوب ومواقع الانترنيت المختلفة ، وأذ صار ممكنا متابعة الكثير من البرامج والمسلسلات ، تسنى لي ومن بين جمهرة مسلسلات رمضان متابعة مسلسل واحد هو الجزء الثالث من المسلسل السوري "الولادة من الخاصرة " ، الذي حمل هذه المرة عنوان "منبر الموتى"، والسبب في اختياره لاننا في العائلة كنا شاهدنا الجزء الاول والثاني منه، فكان الاتفاق على متابعة الجزء الثالث ، وياليتنا لم نتابع !
المسلسل بأجزاءه الثلاث من تأليف الكاتب سامر رضوان،  وتدور احداث المسلسل باجزاءه الثلاث حول الفساد الاجتماعي والسياسي الذي يعانيه المجتمع السوري ، وحاول الجزء الثالث ان يقترب من مجريات الاحداث الاخيرة في سوريا وواقع الشارع السوري في ظل أحداث الثورة السورية. ولم تمنح الجهات السورية الموافقة بتصوير الجزء الثالث من المسلسل على اراضيها ، وطلبت التأجيل في ذلك ، ففهم من قبل الكثيرين بأنه اسلوب لمنع المسلسل ، فقرر صناع المسلسل التوجه الى لبنان .
واذ اخرجت الجزء الاول والثاني منه المخرجة رشا هشام شربتجي (مواليد 1975) لكنها انسحبت من اكمال اخراج الجزء الثالث بعد بدأ العمل فيه ، واسندت المهمة للمخرج سيف الدين سبيعي (مواليد 1973) لإتمام العمل ، واعلنت المخرجة للصحافة ان انسحابها جاء لاسباب انتاجية فهي توصلت إلى قناعة باستحالة تنفيذ العمل بإمكانيات إنتاجية أقل مما يفترض للخروج بمستوى فني لا يقل عن الجزءين الأول والثاني. ومهما تكن اسباب الانسحاب، تتعلق بالانتاج او الاختلاف في وجهات النظر، فأن الجزء الثالث لم يرتق الى مستوى الجزءين السابقين لاسباب عديدة ، ربما قد يكون احدها ظروف الانتاج فالمسلسل تم تصوير احداثه بالكامل في لبنان، في اماكن مشابهة للواقع السوري، مدعومة بحيل الديكور والاكسسوارات . ولكن اهم اسباب الهبوط في مستوى المسلسل هو انقطاع خيوط درامية سابقة عديدة وغياب مفاجيء لشخصيات مهمة عن احداث المسلسل وظهور شخصيات جديدة في احداث مفبركة بدون مبررات درامية مقنعة، فغاب عن المسلسل اهم مقوماته وهو أقناع المشاهد دراميا بهذا الغياب او الظهور للشخصيات ، مما قاد الى وجود احداث مفتعلة ومصادفات ونتائج واضحة يقررها صانعوا المسلسل لقول ما يدور في بالهم ، ولا يقود لها منطق الاحداث في المسلسل ، او التطور الطبيعي للشخصيات . أما جعل الشخصيات تنطق بافكار مسبقة جهزها صانعوا المسلسل لا تتناسب مع الفعل الدرامي للمسلسل ، فقد جعل الشخصيات تبدو غير منسجة مع واقعها ومسار تطورها الطبيعي وجعلها تبدو كاريكاتيرية أكثر منها درامية . ورغم ان المسلسل حاول تحميل طرفي الصراع مسؤولية الاحداث الحالية ، من خلال عكس شخصيات واحداث تتوزع على الطرفين ، الا انه لم يبتعد عن مغازلة الحكومة السورية، عبر مواقف وحوارات تنطق بها الشخصيات ، وتحمل افراد في مؤسسة الدولة مسؤولية الاحداث لعدم اتباعهم حلول واقعية واعتمادهم العنف كاسلوب للحل .
 في الجزء الثالث مثلا غابت شخصية عقيل (الممثل عبد المنعم العمايري ) وبالتالي غابت معها الكثير من الشخصيات التي كانت تدور حولها ، وان حاول الكاتب الابقاء على بعض من تلك الشخصيات فلم يكن لوجودها تأثير على مستوى تصعيد الاحداث دراميا وظلت مجرد ديكور هامشي. اما بعض الشخصيات الاساسية مثل العقيد رؤوف (الفنان عابد فهد ) ، فلم يأت في الجزء الثالث مقنعا بدور ضابط الامن الفاسد السادي الذي رايناه في الاجزاء الاولى ، مما كسب تعاطفا من الجمهور مع احداث المسلسل في اجزاءه السابقة اذ كان ثمة واقعية ومصداقية فيما يعرضه المسلسل من احداث تتعلق بهذه الشخصية . شخصية المقدم رؤوف في هذا الجزء ترك تأثيره على الممثل عابد فهد اذ فقد قدراته التمثيلية التي اعجبت الكثيرين وتابعناها في الاجزاء السابقة ، فكان اداءه في هذا الجزء باهتا ، اذ ظل على طول حلقات المسلسل يصرخ غاضبا ، متوترا، بدون اي عطاء درامي متميز . اما شخصية ابو اياد (الفنان عبد الحكيم قطيفان)، السياسي المتنفذ الفاسد  فقد تابعناه في الاجزاء السابقة كيف يستغل المقدم رؤوف والخارج على القانون ابو نبال (الفنان باسم ياخور) من اجل مصالحة الخاصة واستمرار نفوذه ومصالح شلته من المسؤولين الفاسدين ، لكننا في هذا الجزء صرنا نشاهد ترقيعا للاحداث المتعلقة بسلوكه وبشكل غير مبرر، وكأن الهدف تمرير وجهة نظر تجامل الحكومة السورية وتشير الى ان المسؤول الاساس عن الاحداث والتجاوزات بحق المواطنين هو بعض ضباط الامن الفاسدين والسياسيين ، وكأن الامر ليس متعلقا بمنظومة حكم تتحكم بحياة ومصائر الناس .
يتبع ...


 

450
وجهة نظر: هل ينفع العراقيين أعتذار شاعر سلطوي؟!
يوسف أبو الفوز
في البدء لابد من القول بأني لست ميالا لخلط أية ثمار في السلة، ففي الحياة كل شيء نسبي، وحتى الثمار يمكن معالجتها قبل ان تفسد تماما، اما المعطوبة التالفة فلا ينفع معها الا رميها في سلة المهملات . نحن هنا نتحدث عن سلة الثقافة، وعن ثمارها المختلفة اللون والرائحة والطعم، فهاهي الاصوات تعلو وتتقاطع، بين من يمنح عبد الرزاق عبد الواحد ، لقب الشاعر الكبير، وبين المتحدث بلبوس التسامح والدعوة بحق الرجل بالعودة الى وطنه ــ هكذا! ـ  ما دامه مريضا ، وهناك اصوات تطالب الشاعر بالاعتذار من الشعب العراقي  انطلاقا من روح التسامح والرغبة لتأسيس افاق جديدة للثقافة العراقية ، تتحلى بثقافة التسامح والاعتذار والتعاون.
تحدثنا كثيرا عن ثقافة الاعتذار، هذه الفاكهة التي لا وجود لها في اجندة اولئك المثقفين، ممن سوقوا للحروب والعسف وروجوا لصورة الطاغية المجرم، "ابو عيون الذهب" وصفقوا وردحوا له بأقتدار ــ على حد تعبير الطاغية صدام نفسه ــ و.."منين تطلع الشمس ؟ تطلع من العوجه "! .
والاعتذار لا يكون ممكنا وسهلا حين يكون المعتذر طرفا أساسيا في حكاية شجرة البلوط ، فشجرة البلوط الصغيرة شكت يوما الى امها ، شجرة البلوط الضخمة ، قائلة : " الا ترين يا امي ، كيف تنكّل هذه الفأس الحادة بنا، نحن الشجيرات، تنكّيلا ، وحشيا ، لا رحمة فيه؟"، فضجت شجرة البلوط بأغصانها الجبارة ، وقالت :"يا ابنتي ، هذا لان مقبض الفأس مصنوع من خشب البلوط !". فهناك مثقفون صاروا عصيّاً صلبة في فأس النظام المقبورالدموية التي نزلت تنكيلا بشعبنا وثقافته ومستقبله ، وكان لدورهم نتائج كارثية أخطر من حروب النظام الداخلية والخارجية، اذ افقروا شعبنا فكريا وساهموا في تسطيح وعي الناس، بحيث صار الواقع العراقي تربة هشة لنمو كل الافكار الضارة التي نواجهها هذه الايام في وطن ما بعد سقوط الديكتاتورية. هؤلاء لا ينفعنا اعتذارهم، فهم قادرون على استبدال سيدهم بسهولة ارتباطا بالمغانم والحواسم، وسهولة التباكي على الديمقراطية وروح الطائفة. لابد من القول بأن "ثقافة الاعتذار"، كسلوك مكتسب، لا يمكن ان ينمو الا بتوفر البيئة المناسبة من ظروف ديمقراطية حقيقية، سياسية واجتماعية، ناضجة ، تؤمن للانسان ممارسة هذا السلوك الحضاري بحرية ومسؤولية، فهو بحاجة الى سيادة القانون وسيادة دولة المؤسسات، حيث لن تكون هناك اجواء تخوين واسقاط واذلال، وربما استهداف حياة. وان المثقف قبل غيره بحاجة الى ادراك ان الاعتذار سيكون قوة للشخصية وليس تقليلا من شأنها، وانه لا يتم بدون نضج عال ومتميز في التفكير الذي يتطلب شجاعة نادرة في مواجهة الواقع، وأنه الفاكهة الاجمل في سلة الثقافة، والمطلب الأساس في العمل للنهوض بواقع الثقافة العراقية!
ارتباطا بما تقدم ، كيف سيكون اعتذار عبد الرزاق عبد الواحد، وبماذا سينفعنا ؟ وما قيمته ؟ أدرك جيدا ان هناك نوايا طيبة وحسنة عند البعض ممن دعوا عبد الرزاق عبد الواحد  للاعتذار، وان فيهم من يريد صادقا ان يقدم عبد الواحد " اعتذاراً عما ارتكب بحق العراقيين في تسويغ الفاشية الصدامية ومديحها، لكي لا يتساوى الضحايا من أمثالنا والجلادين من أمثالهم" ـ كما كتب الشاعر عواد ناصر في موقعه على فيس بوك ـ .
ان كل الاطراف المختلفة حول عبد الرزاق عبد الواحد لا تختلف بكونه بزَّ كثيرين غيره في التطبيل والتمجيد للمجرم صدام ونظامه وحتى بعد انكشاف كل جرائم الطاغية للعالم ، واصل التمجيد بحمد سيده  بدون كلل ، وفي لقاء قريب ــ متوفر على برنامج اليوتوب ــ مع الاعلامي تركي الدخيل اكد انه لن يندم يوما على علاقته مع صدام ويعشقه ويكتب له وان الامة العربية فقدته برحيله وليس العراق فقط  ورثاه بالدموع والشعر! ان اللغط المتعالي حاليا حول عبد الرزق عبد الواحد ، وفي جانب منه، يعيد للاذهان لغط سابق، حين توفي، واحدا من جندرمة ثقافة الديكتاتورية، الا وهو يوسف الصائغ، الذي تعدى دور الشاعر مساح الجوخ للطاغية ولعب ادوارا اخرى خلال سفراته الى الدول الاوربية محاولا( تجنيد بعض المثقفين الذين اضنتهم معاناة الغربة والبطالة والجوع للوقوع في فخ خدمة الطاغية عن طريق "مهرجان المربد" مقدما لهم الاغراءات المالية وواعدا اياهم بالمناصب العالية) ــ من شهادة منشورة للكاتب د. حكمت شبر عن يوسف الصائغ ــ  ويومها تعالت بعض الاصوات تنتقد اتحاد الأدباء العراقي كونه لم يرفع لافتة سوداء تنعى الشاعر الصائغ ، ورد على بعضهم الشاعر الفريد سمعان بكلمة عنوانها " قميص عثمان" اشار فيها الى ان (بعض المتحيزين للأقلام القذرة يحاولون ان يغطوا جانباً من الإساءات التي ارتكبوها هم أيضا في عهد الدكتاتورية ولا يعرفون كيف يتداركون ما فعلوه . فوجدوا في"قميص عثمان" يوسف الصائغ ملاذاً ومذبحاً يُصلّون فيه لغفران الذنوب وابعاد الشبهات عن تاريخهم النظيف جداً)، اورد هنا كلمة الفريد سمعان، لانه عاصرهم ويعرفهم جميعا، كل المثقفين الذين شهدوا حكم الطاغية وعانوا او انتفعوا منه، ويعرف جيدا من بقي امينا لنفسه ووطنتيه ولم يلوث نفسه بأدران النظام الديكاتوري، وجهد للحفاظ على نقاء نهر الثقافة العراقية ، ويعرف من استرزق وطبل وصار عصا صلبة في فأس نظام  الطاغية المقبور، وتجدر الاشارة الى ان الفريد سمعان هو نفسه الذي قال يوما في برنامج تلفزيوني بأن" لا تصدقوا احدا بأنه كتب للطاغية تحت الاكراه، فمن كتب كان بخياره "، وهذه الحقيقة اكدها المطرب كاظم الساهر وهو من الذين غنوا للطاغية وحروبه، فقد قال في لقاء مع الاعلامي نيشان ديرهاروتيونيان ــ متوفر على اليوتوب ــ بأن "من يقول لك كانوا يجبرونا قل له كذب"، وهكذا فأن جوقة المطبلين والرداحين لنظام البعث والمتسترين بحجج انهم موظفون في الدولة، او مجبرون ، يجدونها الان فرصة في رفع "قميص عبد الرزاق عبد الواحد " ــ الشاعر الكبير! ــ ليستروا به انفسهم قبل المتباكى عليه.
اتذكر تلك الظهيرة من آب من عام 1987، كنا مجموعة مقاتلين في الجبل ، نتحصن في خرائب قرية مهجرة قسرا، على مشارف مدينة دهوك ، بأنتظار حلول الظلام لنتحرك بأمان، بعد ان مرت طائرة هليكوبتر تفتش عن "المخربين" امثالنا ممن حملوا السلاح ضد نظام الطاغية ، وكنت اسمع في الراديو لقاءا مع الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد ، الذي تحدث كثيرا ، لكن ما ظل عالقا في بالي، هو ترديده لقول " نعم ، انا شاعر سلطوي ، شاعر يجد في سلطة القائد صدام حسين مستقبل العراق ". لم يكن مخطئا هذا الشاعر السلطوي ، فهاهو مستقبل العراق كما رسمه سيده المقبور، نرى خرائبه وجروحه التي لا تندمل والتي تركها لنا بكل اقتداره الذي تغنى به المداحون ومساحو الجوخ . فليبق هذا الشاعر سلطويا فلا اعتقد ان اعتذاره سيزيل المقابر الجماعية من خارطة العراق، او يمسح الخردل عن القرى والقصبات الشهيدة في كردستان او يعيد الحياة لضحايا الحروب المجنونة مع الجيران . وان اعتذار هذا الشاعر السلطوي لن يطفأ الغضب في عيون عوائل من ابادهم الطاغية غيلة في سجونه او حروبه المجنونة ، او يعيد شباب من شردهم في المنافي فصارت للعراقيين بفضل سيده مقابر في مختلف بلدان العالم .
 21 آب 2013


451
المنبر الحر / قصة العيد !
« في: 20:32 18/08/2013  »
الكلام المباح (49)
قصة العيد !
يوسف أبو الفوز
في اليوم الاخير من عيد الفطر توجهنا الى بيت أبو جليل  لنعايده وملبين دعوته للغداء، فقد ألزمته بيته وعكة صحية مفاجئة ، ولأجل ذلك هاتفتني سكينة مبدية رغبة والدها ، صديقي الصدوق، لمرافقته في سيارة جليل. خلال الطريق، لم يتوقف جليل عن التذمر، الذي بدأه من اولى لحظات لقائنا ، فكان يكرر: هذا عيد الحزن، الموت في شوارع مدن العراق، والمجرمون القتلة يتلذذون بموتنا ونشر الحزن في بيوتنا، والمسؤولون عن الامن مشغولون بأمور اخرى لا علاقة لها بحياة الناس !
كنت افهم جليل جيدا، فلقد اخبرني بأنه مر بأحد أماكن التفجيرات ، في ثالث أيام العيد ورأي بعينه الدماء في الشوارع لم تجف بعد ، وسمع عن قرب نواح الناس فلزم بيته ، لكن حاجتنا لسيارته أجبرته على الخروج. كان أبو سكينة هادئا، ساهما يراقب الشوارع من خلال نافذة السيارة، وكنا في بيته تداولنا في احوال العراقيين وعدم تمتعهم بالعيد مثل باقي الناس في كل الدول التي تحتفل بعيد الفطر. أخبرتهم بأن الاخبار تقول ان كثيرا من أهالي بغداد لزموا بيوتهم مجبرين بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية ، وان هناك بعضاً تجرأ وقام بزيارات للاقارب والاصحاب، وثمة القليل ممن شد الرحال الى مناطق كردستان ليتمتع بجمال الطبيعة ونعمة الامان. تحدثت سكينة وكانت محقة في تحديد جوانب من محنة العراقيين مع العيد : لا تنسوا حجم المخاوف والقلق التي يسببها الوضع الامني، واذا غضضنا النظر عن ذلك، كون العراقيين تعايشوا مع الموت ، فسيواجهون النقص في الاماكن الترفيهية، واذا تشجعت عائلة وغادرت بيتها فستنتظرها الزحامات المرورية !
ووجدها جليل فرصة ليعلق: والخوف من تفجير أرهابي غادر وانت في طريقك لتحتفل بالعيد مع من تحب، فالافضل ان تجلس في بيتك حالك حال أغلبية الناس !
قالت سكينة: ما يؤلمني هو أن بعض المسؤولين يستخفون بالناس اذ يتحدثون كل مرة عن خطط أمنية جديدة لكنها لا توقف المجرمين عن سلب حياة الناس !
عندها تململ أبو سكينة وقال : هؤلاء المسؤولين وخططهم وتبريراتهم تذكرني بقصة رواها جدي عن قافلة فيها ستون رجل قام بتسليبهم رجلان فقط ، فقالت لهم الناس ... شنو اللي صار، شلون غلبكم رجلان فقط وانتم ستون؟ فقال احدهم ، وماذا وكيف نعمل أحاط بنا واحد وسلّبنا الاخر؟!



452
صفحات مجيدة من نضال الشبيبة الانصارية


يوسف ابو الفوز
في عام 1975 ونتيجة للظروف السياسية البوليسية، لجأت قيادة اتحاد الشبيبية الديمقراطي العراقي (اشدع)، الى تجميد نشاط الاتحاد، وبعد انتقال غالبية القوى الوطنية الى معارضة النظام البعثي البوليسي، وانتهاء تجربة الجبهة الوطنية، بادرت الكوادر الشبابية الشيوعية في اشدع الى الدعوة لمعاودة نشاط اشدع، الذي ومنذ عام 1979 بدأ معاودة نشاطه وتشكيل هيئاته القيادية داخل وخارج الوطن، وبذلت جهود كبيرة لعودته كفصيل نضالي في الحركة الوطنية .
في تلك الفترة ، انتقل الحزب الشيوعي العراقي الى المعارضة المسلحة للنظام الديكتاتوري ، وتشكلت قوات الانصار التابعة له ، وكانت مناطق كردستان ساحة لنشاطها النضالي العسكري والسياسي . وضمت فصائل الانصار الكثير من الكوادر والاعضاء العاملين في صفوف اشدع . ومع بدء تشكيل اشدع لهيئاته القيادية داخل الوطن وخارجه ، تشكلت له هيئات قيادية في مناطق عمل الانصار، وكان ذلك في عام 1982 في قاطع السليمانية وكركوك وفي قاطع بهدينان . وفي ربيع عام 1983 عقد اشدع اجتماعا موسعا للشبيبة الانصارية ، تمت فيه دراسة واقع وعمل الشبيبة ، واقر الاتحاد مشاركتة في الكفاح المسلح لاسقاط النظام الديكتاتوري ،  وذلك بخوض العمليات العسكرية المشتركة مع فصائل الانصار للقوى الوطنية ، وخلال سنوات النضال المسلح للقوى الوطنية سقط العديد من كوادر واعضاء اتحاد الشبيبة شهداء في ساحات معارك الشرف . وفي عام 1984 كان اشدع عضوا فاعلا في تشكيل اللجنة العليا للتنسيق بين المنظمات الطلابية والشبابية الديمقراطية في كردستان وعموم العراق . وخلال الانتفاضات الجماهيرية التي حصلت في مختلف مدن كردستان كان اشدع  مشاركا  حيويا ، حيث ساهم اعضاؤه في الانتفاضات وقيادتها ورسم سياستها .  ومنذ  بدء النظام الديكتاتوري حربه العدوانية ضد الجارة ايران ، ومع تطوراتها اللاحقة ، بتحولها الى حرب عدوانية من الطرفين، وقف الاتحاد موقفا معارضا لها ، وطالب بوقفها الفوري وثقف جماهير الشبيبة بمخاطرها ، وفي كردستان عملت الشبيبة الانصارية بتفان لبث الوعي ضد الحرب بين صفوف الجنود الهاربين وشبيبية القرى والقصبات ، ونفذ الانصار عمليات نوعية ، كان لاعضاء اشدع مساهمة بارزة فيها ، ونظموا نشاطات  باستمرار ضد التنجيد القسري ، ورفع الانصار بأستمرار الى جانب الحركة الوطنية شعار ( الجنود اخواننا والنظام عدونا ) وقد لاقى قبولا عند قطاعات واسعة من الجنود الذين ابتلوا بنظام شوفيني حول شباب الوطن  الى وقود لمطامع ديكتاتور شوفيني حلمه ان يكون شرطيا للمنطقة . واقامت الشبيبة الانصارية الكثير من النشاطات الثقافية سواء في  المقرات الخلفية او المفارز المتحركة حين تكون الظروف مؤاتية، فقد شهدت العديد من القرى معارضا للرسوم والصور، وقدمت الكثير من المحاضرات التثقيفية.  وشهدت مناطق كردستان تحضيرات لمؤتمر الشبيبة والطلبة الذي اقيم في موسكو عام 1985 ، حيث اقام الانصار مهرجانا رياضيا كبيرا في منطقة بهدينان.


453
المنبر الحر / الوقائع !
« في: 19:53 04/08/2013  »
الكلام المباح (48)
الوقائع !
يوسف أبو الفوز
كان ابو جليل يهز رأسه ليعبر عن أهتمامه، وانا اتابع قراءة عناوين الاخبار من حزمة الجرائد التي احملها معي في كل مرة خلال زياراتي الدورية لبيت صديقي الصدوق ابو سكينة. كانت زوجتي تبتسم بتآمر وهي تراني أتعمد قراءة اخبار عن احداث بعيدة عن الشأن العراقي، اخبار فنية واجتماعية من انحاء العالم. كان الجميع ينصت بأهتمام لما اقرأ ألا ابو سكينة الذي بدا سارحا بعيدا عن الجميع.
عند وصولي كان التلفزيون يعرض من احدى الفضائيات تقريرا عن حالة التدهور الامني في البلاد، وموجة التفجيرات التي اجتاحت بغداد والعديد من المدن العراقية، وعلاقة ذلك بالازمة السياسية المتواصلة وتردي الخدمات الاساسية، وفي مقدمتها الكهرباء وعدم انتظام توزيع مفردات البطاقة التموينية وازدياد معاناة الناس تحت تأثير وضغوط كل هذه الأزمات والاخفاقات. حاولت لفت انتباه أبو سكينة برفع صوتي اثناء القراءة، وكان خبرا عن مشروع انتاج فيلم جديد يجمع بين شخصيتي سوبرمان والرجل الوطواط  معا لأول مرة، بعد أن ظلت كل شخصية منهما تظهر منفردة في مغامرات خاصة بها سواء في السينما أو في المجلات المصورة.
التفت لي ابو سكينة بهدوء مريب وقال لي:"يعني خلصت كل الاخبار وما بقى الا اخبار الوطواط، والله لو أن مرتك ما موجودة كان سمعت غير كلام ، بس انشاء الله رب العالمين يوطوطك ويخلصني منك"
ومع الضحكات التي تصاعدت أضاف "اعرف ان أختيارك لهذه الاخبار حتى ما نسألك عن عدد الشهداء والجرحى لهذا الشهر؟ عن عمليات أغلاق المقاهي بالقوة ؟ عمليات التهجير في ديالى واختلاط النزاعات العشائرية بالطائفية ؟ أخواننا التركمان في طوزخورماتو وشلون صفت بيهم الدنيا؟ الجديد عن مهاجمة سجنيّ التاجي وأبي غريب المحصنة، وهروب اكثر من 500 سجين، بينهم من الرؤوس الكبار للارهابين؟وماذا يقول المسؤولون عن كل هذا؟ أنا اعرف جيدا خوفك على صحتي، بس فعلك هذا، وانت تقرأ اخبار الوطواط، كأنك تتستر على فضائحهم لأن الوقائع يا أبني تختلف عن تصريحاتهم ووعودهم وهذا بالضبط مثل صاحبك المرشح الغربي، أتذكر ماذا قال للذين أنتخبوه؟"
وهذه كانت ـ يا عزيزي القاريء ـ حكاية عن سياسي غربي رشح نفسه لأعادة انتخابه فتحدث في أحد المحطات الانتخابية قائلا : "يصفني خصومي بالكذاب والمدعيّ، فارجو ان تطمئنوا بأني لم اكذب عليكم يوما ، المشكلة الوحيدة هي أن الوقائع على الارض لا تتطابق دائما مع ما اقوله ! "


454
حوار مع الاديب فلك الدين كاكائي / أعادة نشر
في صيف 2008 ، زار الفقيد فلك الدين كاكائي فلندا ، وشرفني بزيارة خاصة الى بيتي في هلسنكي واستثمرت الفرصة واجريت معه حوارا شاملا ، ونشر  في حينه في "طريق الشعب " العدد 23 ليوم 4/9/2008 ، وكان صريحا وحوى معلومات  تتعلق بسيرته ومواقفه . ونزولا عند اقتراح بعض الاصدقاء أعيد نشر الحوار تكريما واعتزازا للفقيد !




الفقيد فلك الدين كاكائي خلال زيارته بيتي في صيف 2008

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

* لدينا في العراق ثقافة واحدة بعدة لغات
 *  الصحافة والسياسة اخذتا كل وقتي
 * اذا حدث ورجعت نهائيا الى الرواية فسيكون ذلك منتهى سعادتي
 * عزيز شريف اول من كتب عن الفيدرالية عام 1952
  * اعتبروني الكاتب العراقي الوحيد الذي استطاع ان يمزج الافكار الشيوعية بالقومية بالتصوف
 * انا وزير ثقافة لاسباب سياسية اكثر منها ثقافية

* بدون وحدة المثقفين لا يمكن ان نفعل شيئا

كانت لفتة جميلة ، وتواضعا جما ، من السيد فلك الدين كاكائي ، الكاتب والصحفي ، وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ، خلال قيامه بجولة في بعض الدول الاوربية ، بصفته وزيرا للثقافة في اقليم كردستان ، ان يقوم بزيارة ولقاء العديد من المثقفين العراقين ، عربا واكرادا ، من المقيمين في المنافي بعيدا عن وطنهم للتعرف الى افكارهم وهمومهم . هكذا ، زارني الى منزلي ، في ضواحي العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، مطلع شهر اب الماضي، ولاستذكر لقاءاتي به التي تدرجت ، من ايام معرفتي باسمه لاول مرة ، ايام قراءاتي الاولى ، ايام الصبا ، حين قرأت له رواية " بطاقة يانصيب " (اصدار بغداد 1967) ، حيث ظل بطلها "خضر" عالقا في بالي رغم السنين والكتب ، ولتدور الايام لالتقيه في جبال كردستان ، في فترة الكفاح المسلح ضد النظام الديكتاتوري ، ولاتعرف اليه عن قرب ، قائدا سياسيا وانصاريا . وحين زرت اربيل ، صيف العام الماضي ، للمشاركة في مؤتمر الانصار الشيوعيين ، كان هو وزيرا للثقافة في حكومة اقليم كردستان . حين ولدت فكرة اجراء هذا الحوار الخاص لصحيفة طريق الشعب ، اردت من الحوار ان يأخذ طابع تدرج معرفتي به ، وان يقترب من الكاتب قبل السياسي او الوزير، فكانت هذه الحصيلة :
* لنبدأ من بطاقة يا نصيب . اين صار خضر الان ؟ كرواية واحلام بطل ؟
ـ  جميل ان تتذكر الرواية وبطلها ، واشكرك لان ذكرتني بها ، بصراحة افرح ان قارئا عربيا يتذكرها ويتذكر احداثها واسم بطلها . هذه كانت باكورة اعمالي الروائية ، صدرت في بغداد باللغة العربية عام 1967 ، حيث كان من الصعب النشر بالكردية فكتبتها باللغة العربية ، وللاسف بعدها توقفت عن كتابة الرواية . لكني كتبت قصصا واعمالا ادبية . الان وبعد 41 عاما ، ونزولا عند اقتراح والحاح بعض الزملاء قررت اعادة طبع "بطاقة يانصيب " باللغة العربية . ومن اجل الفائدة ، ارفقتها بمقدمة خاصة عن كيفية كتابتها وعن الادباء الاكراد الذين كتبوا باللغة العربية او لغات اخرى كالفارسية والتركية وابدعوا شعرا ومسرحيات وروايات ، مع فصل خاص بقلم الاستاذ الموصلي ، الدكتور عمر الطالب الذي اصدر كتابا عن الواقعية في الرواية العراقية عام 1972 طبعه في بيروت ، وخصص فيه فصل عن الادباء الاكراد الذين كتبوا باللغة العربية ، ومن ضمن ذلك تناول روايتي " بطاقة يانصيب " ، وروايات عبد المجيد لطفي وكاتبا اخر كرديا من بغداد هو كامل البصير . بحث الدكتور عمر الطالب مهم جدا لانه مكتوب من قبل كاتب عراقي ، وما تضمنه من معلومات مجهول لدى كثير من القراء العرب والاكراد ، وفيه تناول الجانب الميتافيزيقي في روايتي . اما خضر ، فهو في الرواية كما تعرف يبحث عن اهله ، وعن احلامه ، والبحث الانساني لا يتوقف أبدا .
* الا تفكر بمحاولة معاودة كتابة الرواية ؟
ـ حاولت . منذ 1967 الى الان وانا احاول . وانجزت رواية باللغة الكردية ، واتلفت في ظروف خاصة . ولا تزال محاولاتي مستمرة ، لكن الصحافة من جهة والسياسة من جهة اخرى اخذتا كل وقتي واستنزفتني . احاول الان التقاط الانفاس وانجاز ثلاث روايات بدأت بها من فترة . انجزت بعض الفصول منها ، وهي روايات ايضا فيها جانب ميتافيزيقي اسطوري . ففي نظري مهما كان الادب اسطوري فهو ادب واقعي لان ذلك جزء من الواقع المعاش .
* هل تجد ان الرواية او القصة هي مجال نشاطك الادبي الاساس ؟
ـ  بدأت اكتب اولا الشعر باللغة الكردية ، وبالطريقة الكلاسيكية القديمة ، وكتبت اكثر من ثلاثين قطعة اذيع قسم منها من القسم الكردي في اذاعة بغداد في فترة الستينات ، وقسم نشر في جرائد كردية متفرقة ، لكن رايت ان الشعر العمودي يقيدني ، فبدأت بالنثر الفني ، وانجزت قصصا قصيرة باللغة العربية والكردية . ثم اهتممت بالنثر الفني السريع المركز لانه يعطيني الحرية الكافية ، واسلوبي فيه يقترب بي من ما اسميه "الشطحات التصوفية " ، التأمل ، وهذه تعطيني فرصة كافية للانطلاق وللتحرر ولقول كل شئ بشكل حر ، سواء باللغة العربية او اللغة الكردية . منذ 1967 بعد كتابة روايتي الاولى صار هذا هو اسلوبي .
* وهل صدر لك كتاب او كتب بهذا الاسلوب ، الذي سميته النثر الفني السريع ؟
ـ تحت يدي الان مشروع ثلاث كتب باللغة العربية ، وهي مجموعة مقالات نشرت سابقا في صحيفة التآخي ، وكتبت كلها بهذا الاسلوب النثري المركز. ونشر لي باللغة الكردية جزئين من كتاب هو من ثلاث اجزاء وسيصدر جزءه الثالث لاحقا ، والكتاب باسم "الوجدان والحرية" ، والوجدان هنا بالمعنى التصوفي العميق عند الانسان ، فالانسان عندي هو الوجدان. ان تكامل الانسان هو تكامل الوجدان الانساني ، ووصوله الى اخر مراتب النقاء الفكري والصدق مع النفس . هذا الكتاب باسلوب النثر المركز وهو يجمع كل الانواع الادبية ، فلا يمكن اعتباره قصة او رواية او مسرحية ، ولا حتى شعرا اولا مقالة اعتيادية . هو في ظل كل هذه الالوان الادبية. هذا اللون هو الذي عرفت به .
* انت الان رجل سياسة ، ما الذي تريده من الكتابة ، وما هي طقوسك خلال عملية الكتابة ؟
ـ منذ عام 1997 صرت عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني ، ورغم اني حاولت ان لا اكون سياسيا ، ولكن الان هذه مشكلتي ، فبسبب دخولي الصحافة ، استغرقت في عمل السياسة ، رغم اني احب ان ابقى روائيا وقصصيا . ورغم مسؤلياتي الحزبية والادارية الا اني احاول ان لا اتصرف كسياسي بالمعنى المعروف عن رجال السياسة . احاول ان اظل كاتبا . لا ادري كيف سيسمح الوقت لي ، واذا حدث هذا ورجعت نهائيا الى الرواية فسيكون ذلك منتهى سعادتي . انا اكتب باستمرار . لكني لا اكتب من اجل النشر . اكتب كثيرا ، ولكني انشر قليلا جدا مما اكتب . لا احب التكلف في الكتابة . احب نشر النص مثلما اكتبه ، احيانا بدون مراجعة مثلما كتبته في المسودة . حتى التنقيح يكون داخل ورقة المسودة. انا اخاف من النشر ، ولا استسهله . فلست واثقا هل ما اكتبه هو الصحيح . تجدني دائما مترددا . هل هذه هي الحقيقة ؟ ادرك ان الحقيقة غير ممكنة الادراك وبعيدة عن الانسان . يوقفني سؤال اساسي : ماذا خدمت في كتاباتي ؟ هل هو مجرد تعبير عن افكار ؟ اشعر بمتعة خاصة اثناء لحظة الكتابة ، وبعد ذلك يصبح النص عندي قطعة باردة . حين اكتب مواضيع فنية لا افكر بالقارئ مباشرة وماذا سيقول . لاني لا اريد ان اكتب مسألة سياسية مباشرة . اكتب كما افكر وكما اشعر . الكتابة هي شكل من اشكال التعبير. واعمق اشكال التعبير هي الممارسة فكرية كاسمى وسائل الانسان . التعبير موجود عند كل كائن حي . الطائر حين يغرد هو تعبير . الشجرة حين تتحرك هو تعبير . كل الاحياء تعبر عن نفسها بشكل ما ، بحركة ، بصوت ، بالتفافة والانسان لا يخرج عن هذا . الحاجة الى التعبير هي من تحركني . حين ارى ان الكتابة تخدم غرض اجتماعي او سياسي يختلف الامر عندي . احاول ان اتقن المعلومات الصحيحة لان تكون مفيدة فاهتم كثيرا بذلك . انا ارى ان الاعلام مباشر وغير مباشر . انا مع الاعلام غير المباشر . ان توحي للانسان بدل ان تقول له اعمل كذا وكذا . عن طريقة الايحاء ، باشارة بتجربة ، بمثل ، وانا دائما اهتم بالمثل . المباشرة تؤدي الى شئ من الفجاجة . الفن تعبير غير مباشر عن الحياة . كل كاتب له طريقة في الكتابة ، ونمط اسلوبي . انا اكتب في كل وقت  في كل مكان ، في البيت ، في المقهى ، في مكتب العمل ، لا يهمني الوقت والمكان تهمني اللحظة . والتعبير شئ دائم سواء سلبي او ايجابي ، فعل او رد فعل . التعبير عن الجمال او الفرح او الحزن . التعبير يعبر عن نفسه . هو حاجة انسانية ومن هنا انطلق . الكتابة حاجة ما موجودة عندي دائما . تتمحور في اسلوب غالبا ما يكون صوفي تأملي حر ، في جانب من الشطحات . وفي الكتابة السياسية المباشرة، احيانا ازج فيها جملة او جملتين تأمل .
* في كردستان ايام الكفاح المسلح ، اذكر صدر لك وتحت اسم " أ. ب " نص ادبي في كراس عن رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين الانصار؟ ارى انك في حياتك الادبية تعاملت كثيرا مع الاسماء المستعارة ؟
ـ استخدام الاسماء المستعارة ، كان اضطرارا . بدأ منذ عام 1965 ، وكنت ايامها ، ومن بعيد اراسل جريدة "الثورة العربية" في بغداد وكان يحررها الاتجاه الناصري ، ومرة نشروا لي مقالا ورد فيه اسم كردستان وكان ذلك محرم قانونيا ، ولم اكن اعرف بامر القانون . كنت شاب متحمسا . مقالي خلق مشكلة للجريدة مع ديوان رئاسة الجمهورية ، وكان الرئيس حينذاك عبد السلام عارف . رئيس التحرير نصحني الانقطاع عن الكتابة حتى معالجة المشكلة . احد الزملاء في الجريدة اقترح ان اكتب باٍسم مستعار . وبدأت . اول اسم كان "ابو طليعة" نشرت به حوالي ستة مقالات ، وكنت ايامها اكتب عن الريف وعن الاقطاع ، عن احوال الفلاحين وضرورة الاصلاح الزراعي ، والمشاكل الاجتماعية في تلك الفترة ، وكانت كتاباتي بتأثيرات يسارية واضحة . وفي عام 1976 انتقلت الى جريدة التاخي وكنت صرت عضوا في الديمقراطي الكردستاني، وبدات الكتابة باسمي الصريح واستخدام احيانا اسماء مستعارة عند الضرورة . في هذه الفترة ، بدأت كتاباتي بروح صوفية وبأسم "الحلاج " ، وباسم " أ. برشنك " و"برشنك" هي ابنتي . وباسم "خضر رشو" . وفي اوائل الثمانينات كنت اكتب باسم ثلاثي "صابر علي احمد" ، لاوحي بحقيقته . وبهذا الاسم الاخير صدر لي كتاب باللغة العربية عن المسرح الكردي . ظهر اولا كمقال في مجلة البديل التي كانت تصدر عن " رابطة الكتاب والصحفيين والفنانينن الديمقراطيين العراقيين" ، وصدر لي كراس عن التعليم في كردستان ، وكراس عن الصحافة ، وكراريس عن الصحافة ، وكتاب سياسي عن القضية الكردية ، والان اعيد طبع هذا الكتاب مع مقدمة جديدة ، وهو عن المواقف المختلفة من القضية الكردية . اذ لاحظت ان بعض الزملاء والاخوة العرب معلوماتهم ناقصة عن القضية الكردية . حاولت ان اقدم في الكتاب تعريفا بالقضية الكردية للقارئ العربي عن التاريخ واللغة والاداب، وعرض التاييد العربي للقضية الكردية ، عرضت مواقف الحزب الشيوعي العراقي، موقف الجادرجي، موقف عزيز شريف ، الذي يسجل له انه اول من كتب عن الفيدرالية عام 1952 ، وايضا معلومات عامة عن الثورات الكردية والانتفاضات ، مع جزء يتناول مواقف الزعماء العرب ، ومنهم القذافي ، ولماذا ايدوا القضية الكردية .
* ماذا عن علاقتك بالحلاج الذي استعرت اسمه وتقمصت صوته ؟
ـ اعتبر الفترة من 1967 الى 1974 ، سبع سنوات كاملة ، فترة مهمة في حياتي وحياة العراق ، وتاريخ العراق السياسي . كتبت في هذه الفترة ، وسجلت هذه الاحداث باسلوب نثري رمزي وشطحات تصوف ، انا اسميها شطحات . و كتاباتي بشكل عام فيها لغة تصوف ولغة يسار. ولفتت انظار الدكتور مصطفى كامل الشيبي استاذ الفلسفة في كلية الشريعة في بغداد خريج جامعة اكسفورد . هذا الاستاذ البارع تابع كتاباتي في الصحف ، وتناول كتاباتي القصيرة في كتاب اكاديمي صدر 1976 ، ومن زاوية اعتبرني فيها الكاتب العراقي الوحيد الذي ادخل منهج الحلاج التصوفي في الصحافة. وهو يقول اني الوحيد الذي استطاع ان يمزج الافكار الشيوعية بالقومية بالتصوف ، لينتج من ذلك شئ جديد . وهو كما يبدو حصل على ببلوغرافيا دقيقة عن حياتي . للاسف توفى ولم تتوفر لي الفرصة اللقاء معه ، رغم اني بعد سقوط النظام الصدامي كنت افكر بتلبية رغبته باللقاء . كتاب الاستاذ الشيبي موضوعه الاساس هو الحلاج وتناول فيه الف عام الاخير ، منذ صلب الحلاج وقتله لحد زمننا الحالي ، واستعرض اسماء الكتاب الذين كتبوا عنه سواء في العراق او مصر او السودان ، او ليبيا ، في شمال افريقيا . من العراق تناول ثلاثة كتاب بالاضافة الى كتاباتي كتابات قيس لفتة مراد وزميل اخر للاسف يفوتني اسمه الان . من مصر اذكر انه تناول الشاعر صلاح عبد الصبور . تناول كل كاتب وكيف تناولوا الحلاج شعرا او نثرا . انا تناولت الحلاج بشكل نثري . ورغم اني كتبت عن الحلاج باسلوب نثري الا ان الاستاذ الشيبي يقدمني كشاعر وانا لا اقدم نفسي كشاعر ابدا . يبدو ان هناك بعض اللمحات الشعرية . تناولت الحلاج كموضوع وتقمصت شخصيته لانتقاد الانظمة ايامها ، وكان احيانا انتقاد حاد . اسلوب التصوف يساعدني كثيرا، فيه الشطحات التصوفية ، وهذه تجعلني انطلق واقول ما اريد . والان احاول ان اعيد طبع كل هذه الكتابات عن الحلاج باللغة العربية .
* ذكرت انك تكتب "بتأثير اليسار"، وذكرت انك انتقلت الى التأخي بعد ان " صرت عضوا في الحزب الديمقراطي الكردستاني " ،يحتاج ذلك الى توضيح ما للقارئ ؟
ـ  انا كنت في بداية حياتي السياسية منتمي الى الحزب الشيوعي العراقي . كنت طالبا ، وكان الاتجاه اليساري الشيوعي هو الغالب في مدينتي كركوك . كنت عضوا في اتحاد الطلبة . وفي عام 1957 انتميت الى اتحاد طلبة كردستان وكان موحدا ضمن اتفاق القيادات الطلابية بين الحزبين الديمقراطي والشيوعي . بعد 1958 انقسم الاتحاد ، صار قسم تابع الى الديمقراطي وقسم مرتبط بأتحاد الطلبة العام تابع الى الشيوعي . انا بقيت مع اتحاد الطلبة العام كان مسؤولي الطلابي شيوعي فبقيت معه . في عام 1961 تحت تأثير تنامي الشعور القومي الكردي ، انتقل البعض من تنظيم الحزب الشيوعي الى تنظيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل طبيعي بدون اشكالات وتقبل الحزبين الامر بدون اشكالات . كانت وثائق الديمقراطي مقاربة لوثائق الحزب الشيوعي، بل وكانت تنص على " الاهتداء بالماركسية اللينية ". وكان بين الحزبين تحالف كبير ، فعملية انتقالي كانت اشبه بالانتقال من فرع حزب الى فرع اخر . كانت هناك ايضا انتقالات بالعكس من الديمقراطي الى الشيوعي.
* لو تحركنا بالاسئلة باتجاه الوزير الكاتب ، ونقول انك وخلال توليك مسؤولية وزارة الثقافة في اقليم كردستان ، منذ منتصف 2006 ، ما هي المهام الاساسية التي وجدت انها ملحة امامك كوزير ثقافة ، وماذا تحقق منها بعد حوالي عامين ؟
ـ توليت مسؤولية وزارة الثقافة لاول مرة عام 1996 ، وذلك ضمن ادارة اربيل ، ثم بناء على طلبي تحولت الى وزارة ثانية فصرت وزيرا للدولة ، اي وزير اقليم ، لكن في 2006 اعادوني الى وزارة الثقافة ، نتيجة الاتفاق بين الكتلتين ، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني . انا وزير ثقافة لاسباب سياسية اكثر منها ثقافية. كان الهدف الاساس من التشكيلة الوزارية الاخيرة ، هو توحيد الادارتين ، واختياري لكوني ذو علاقة طيبة مع ادارة السليمانية والمثقفين عموما ، ولعملي في ادارة اربيل لفترة . الان يمكن القول ان هدف التوحيد انجز بشكل كبير . ربما لا تزال هناك بعض المشاكل الصغيرة . نجحنا في المزج بين المثقفين من مختلف المحافظات ، ونجحنا في تذويب الخلافات الحزبية الى درجة كبيرة بين المثقفين ، جعلنا الثقافة هي الاساس وليس الحزبية ، نحاول ان نؤسس الوزارة على اساس الثقافة وليس على اساس الحزبية . ولا زالت مشكلتنا في السعي لازالة هذا العائق ، ونجحنا مع الكثيرين ، ونعتبر ذلك من اهم الانجازات ، فالمشاركة في الحياة الثقافية يجب ان تكون بعيدة عن المحاصصة والحساسية الحزبية. يجب ان تكون على اساس الكفاءة . في جانب المشاريع الثقافية بدأنا بها متأخرين ، لان العام الاول من العمل انشغلنا بقضية توحيد الادارتين من الجوانب الادراية والمالية والنفسية . العام الاخير بدأنا ننتقل الى تنفيذ المشاريع . ونحن كوزارة ثقافة نشبه اي وزارة ثقافة في اي بلد اخر ولنا نفس القواسم المشتركة . الاهتمام بالتراث وباللغة ، بالحركة الثقافية ، من مسرح وسينما وكتابة و تشكيل وادب الاطفال وترجمة . بدأنا بوضع برنامج ونعمل لتنفيذه . وضعنا برنامج قصير المدى ، مثل اقامة مهرجانات ونشاطات محلية ، و برنامج بعيد المدى نسهر على تنفيذه . اهتممنا بالابداع مثل تنشيط الاعمال المسرحية ، والسينمائية والتشكيلية ، والموسيقية . في الموسيقى كانت هناك عدة مهرجانات مستركة انجزت مع فرق من بغداد وفرق اجنبية من النمسا وهولندا وفرنسا . نحاول ان نمد النشاط الثقافي جغرافيا في كردستان . ضمن المشاريع طويلة المدى ، وفي اربيل وزاخو ودهوك والسليمانية هناك مشاريع لبناء المكتبات العامة . امامنا مهمة بناء مكتبة عصرية واحدة في كل قضاء . الآن هناك حوالي 16 مكتبة عامة جديدة بنيت ، ونحن في مرحلة التأثيث وشراء الكتب . نسعى الى بناء قصور ثقافة في المدن الاساسية ، حيث تتوفر فيها قاعات للندوات وللعروض الفنية والمسرحية والموسيقية . ايضا امامنا مهمة بناء المكتبة الوطنية . لدينا الان 57 مكتبة عامة ، وقسم منها متقدم وقسم قديم ، و بعض الابنية بالايجار، وبناءا على طلب وزارة الثقافة وافقت رئاسة حكومة اقليم كردستان على بناء مكتبة وطنية على مساحة 6000 متر مربع ، ونريدها ان تكون مكتبة حديثة ومصانة تحفظ الوثاثق والكتب والافلام واللوحات وتحفظ التراث وتحافظ على الموجدودات من اي عوارض . ونحن نسعى الى بناء متحف كبير ، وضع تصميمه من قبل مهندس ايطالي ، وهو سيكون مشروعا ثقافيا مهما في الاقليم . ونحاول احياء طقوس السينما والمسرح التي خربها النظام السابق ، سواء ببناء دور عرض سينما ومسرح ، او بدعم الانتاج السينمائي والمسرحي . نحتاج الى جهود كبيرة لاعادة بناء البنية التحية للثقافة بشكل عام .
* كيف ترى دور المثقف في بناء العراق الجديد ، العراق الديمقراطي الفيدرالي ؟
ـ  دور المثقف كبير واساسي ، فخلال السنوات الماضية كان هناك قمع للعقل من قبل النظام السابق . لم يكن اي دور للمثقفين . كان يصعب على المثقفين حتى الاجتماع لاي غرض . الان هناك نشاطات ثقافية عامة ، وعلى المثقفين ان يعملوا بجد لاداء دورهم في بناء لعراق الفيدرالي . نحن من جانبنا كوزارة ثقافة في اقليم كردستان ، بدأنا بالتنسيق مع المركز في بغداد ، لاننا ندرك ان هذا التواصل ضروري ، وبدون وحدة المثقفين لا يمكن ان نفعل شيئا ، ونحن لا نتحدث هنا عن وحدة قسرية كما كان سائدا في عهد النظام السابق ، نسعى لان تكون هناك فعاليات ثقافية مشتركة دائمة .
* وهل ما تقدمه مؤسسات الدولة العراقية ، مركز واقليم ، بمستوى طموح هذه المسؤوليات بالنسبة للمثقف العراقي ؟ وما هي الاشياء الملموسة ؟
ـ  ارى ان الوزارتين ، في المركز والاقليم بحاجة لعمل الكثير في هذا الخصوص . علينا ان نهتم كثيرا بالمثقفين. بتحسين ظروفهم المادية وتسهيل ظروف الابداع . يجب ان نعمل بتحقيق الانجازات وليس بالشعارات فقط . اذا حصل استقرار في البلد يمكن ان ننجز الكثير . خصوصا على صعيد بناء المؤسسات . في بغداد لحد الان لم تتوفر الظروف المناسبة . لا يمكن ان نقول كل المؤسسات الثقافية تقدم خدمات وتنفذ واجباتها بنفس المستوى . في الاشهر الاخيرة هناك تحسن نسبي ، ولكن لا يزال دون المستوى . وزارة الثقافة العراقية بحاجة الى اعادة بناء . بحاجة الى تنظيم الادارة واعادة البناء كمؤسسات. وننتظر وزير الثقافة الجديد ان يعيد الحياة الى داخل الوزارة. واذا استقرت الوزارة يمكن ان نتعاون لتنشيط العمل . نحن في كردستان نقوم بما نستطيع . الوزارة ومع المنظمات الثقافية والجامعات والموسسات الاهلية كاتحاد الادباء والفنانين نقوم معا بنشاط جيد . ان تحسين حياة المثقفين هو من اول النقاط لدينا . لا نستطيع القول اننا هيأنا حياة كريمة للجميع ولكن وضع الصحفيين والادباء يمكن القول ان جيد واحسن الان مقارنة بالسنوات السابقة . ونحن مثلا نكفل لهم سفرات ورحلات ، ونرسل البعض ضمن وفود الى بعض دول العالم من اجل تنشيط الحياة الثقافية والاستفادة . وندعم النشاطات الثقافية حسب الامكانية . يمكن القول انه الان لا توجد مدينة كردستانية لم نقم وندعم فيها نشاطا ثقافيا ، سواء نشاطا ثقافيا كرديا او من الثقافات الاخرى من تكوينات كردستان .
* مع ذكر " تكوينات ثقافة كردستان " ، قلت مرة عن وشائج العلاقة بين الثقافة العربية والثقافة الكردية في العراق بأنها " ثقافة واحدة بلغتين " ، الا زالت تقول كذلك ؟
ـ ليس فقط عن الثقافة العربية والكردية وفي كردستان ، بل وعن ثقافات الشرق الاوسط بشكل عام ، اقول هي ثقافة واحدة . وبحكم اطلاعي على اللغات العربية والكردية والفارسية والتركية لحد ما ، والاداب الافغانية والهندية والباكستانية وغيرها ، نرى ان ثقافة هذه الشعوب متشابهة جدا ، بل هي ثقافة واحدة بلغات متعددة ، ان الاختلاف هو في اللغة نفسها ، او في بعض الموروثات العامة ، فبسبب المجاورة والدين والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية ، نرى هناك فرقا قليلا جدا بين الثقافة التركية والايرانية والكردية والعربية . هذه الشعوب متشابهة ، ولو ترجمت ادابها مثلا الى لغة واحدة لوجدنا انها تقول الاشياء نفسها . هكذا نحن في العراق لدينا ثقافة واحدة بعدة لغات .
* وكيف ترى طرق التواصل الابداعي والفني بين المثقف الكردي والعربي ومن باقي الاقليات ؟
ـ هناك اتصالات اسميها عفوية واجتماعية ، تتم بين المثقفين فيما بينهم لا يوجد فيها وسيط رسمي ، وهذه مهمة واساسية . فحين تتدخل السياسة تفسد العلاقات . وهناك الان تعاون مشترك مع كل مكونات الثقافة العراقية ، ونحن ندعم هذا. جاءت الى كردستان فرقة موسيقية بصرية ، حازت على اعجاب المواطن في كردستان واستقبلت بشكل ناجح ومثير . نحن نسعى الى تعزيز ذلك . لا نجد هناك مشكلة في التلقي الثقافي بين مكونات الشعب العراقي . ان اول فلم عرض في بغداد بعد سقوط صدام هو فلم كردي للفنان بهمن قبادي وهو مخرج كردي ، نظمنا العرض في قاعة السندباد ولاقى استحسانا كبيرا. في كردستان جاءت الاوركسترا العراقية . لدينا اعمال مشتركة على المستوى البعيد ، ولدينا خطط في هذا الاتجاه ، ولدينا لجنة تنسيق مع المركز في بغداد .
* لو تحدثنا عن زيارتك الى فنلندا . كيف جرت ونتائجها ؟
- الزيارة الى فنلندا ، جزء من جولة في اوربا ابتدأت من النمسا ، ثم النرويج ، وبرلين ، والسويد واخيرا فنلندا . كنت مدعوا من اواخر حزيران كوزير ثقافة لحضور مهرجان الموسيقى العالمي للشباب في النمسا ، وحضرت قبل اسبوع من المهرجان لاجراء فحوضات طبية دورية ، وحضرت المهرجان . ساهم في المهرجان وفد من كردستان حوالي 80 شابا وشابة ، وكانت العروض على مستو عالمي وفي ظل تنافس شديد ، ونالت فرقتنا المرتبة الثانية . ثم زرت النرويج لاسباب شخصية ، لكن الزيارة تحولت الى زيارة عمل ولقاء مسؤولين في الثقافة والدولة النرويجية ، وانتقلت الى برلين وحصل الشئ ذاته . الى فنلندا وصلت بناء على دعوة من منظمة ثقافية فنلندية للمساهمة في مهرجان لتعدد الثقافات تنظمة منظمة مهتمة بهذا الموضوع وصار الاتفاق على الاستفادة من تجربة المهرجان لنقله الى العراق في صيف العام القادم . وكان لنا بالاضافة الى المساهمة في اعمال المهرجان ، لقاءات سياسية مع احزاب فنلندية ، ولقاء مع ممثلي الاحزاب السياسية العراقية والكردية، ومع ابناء الجالية العراقية والكردستانية ، وايضا لقاءات مع مثقفين عراقيين وكردستانيين . وقمت بزيارة خاطفة الى السويد التقيت فيها بالسيد السفير العراقي هناك لاطلع على النشاط الثقافي للسفارة والجالية العراقية . استطعت خلال الجولة ان ابلور فكرة عن اهمية النشاطات الثقافية ومنها المتبادلة ، وامكانية انجازها بالتعاون بين السفارات العراقية وابناء الجالية .
* على ضوء توصلك الى اهمية النشاطات الثقافية خارج العراق ، اين تكمن اهيمتها ، وما اهمية ثقافة الاخر للثقافة العراقية ، بكل بتلاوينها العربية والكردية وغيرها ؟
ـ ان كل دولة لها تجارب مهمة ، والاوربيون شعوب متقدمة حضاريا ، ونحن ليس ادنى وهم ليسوا اعلى ، وعلينا ان لا نخجل من تقديم ثقافتنا للاخر كما هي ، ولكن في التبادل الثقافي ثمة غناء كبير ، والنشاط الثقافي في الخارج ينعكس ايجابيا على الوضع في داخل بلادنا . ربما هناك من يقول وما فائدة نشاط ثقافي في السويد او كندا او فنلندا ، لنعمل اولا من اجل رفع المعاناة عن الناس داخل البلد ؟ لا اتفق مع هذا الكلام ، لان جالياتنا في الخارج وهي كبيرة ، لها تاثير كبير على السياسات في دولها ، هذه الدول التي يمكن ان تساهم في اعادة اعمار العراق . ولدى جالياتنا امكانيات كبيرة. في السويد لاحظت انهم في ستكهولم خصصوا ساحة كبيرة للنشاط الثقافي القادم لابناء جالياتنا ، وهذا لا يأتي منفصلا عن تأثير الجالية العراقية في السويد . وارى ان وزارة الخارجية العراقية مطالبة بتنشيط الملاحق الثقافية وتعيين اشخاص مناسبين حسب الكفاءة ، والاستفادة من المثقفين العراقيين خارج الوطن وهم كثرين ، واستيعاب مساهماتهم وفعالياتهم . ان السفارات العراقية يمكن ان تقوم بنشاطات ثقافية حتى لو متواضعة لانها ستنمو ولمست ان الجاليات مستعدة . وهذا يمكن لو تم الاستفادة من طاقات وامكانيات المثقفين العراقيين الذين وفي كل البلدان التي زرتها لاحظت حجم امكانياتهم وسعة علاقاتهم الجيدة مع ابناء البلد المعني . لان ان هذه النشاطات الثقافية ستقدم الوجه الحقيقي لبلادنا وثقافتنا امام الاخر ، وايضا ستنعكس على طبيعة العلاقات بين مكونات الجالية العراقية وتلغي روح الانعزال عند البعض ، وقد اطلعت على بعض الخطط والنجاحات التي تحققت في هذا الجانب في السويد والنمسا .
* ككاتب وسياسي كيف تقرأ مستقبل العراق وكردستان ؟
ـ مع اقرار الدستور الدائم وتشكيل البرلمان والحكومة العراقية ، ارى اننا دخلنا طريق لا يمكن ولا يصح التراجع عنه ابدا . ليس لنا طريق اخر . سبق وجربنا كل الطرق السلبية ، ومنها التسلط من قبل حزب حاكم واحد ، او شخص واحد وهذا الذي جلب لنا الدمار والمصائب . ان التعايش السلمي بين المكونات الاساسية للشعب العراقي ، والاعتراف واحترام خصوصيات كل مكون هو الاساس . ارى ان الدستور شخّص بشكل جيد هذه المكونات ، وتبقى الممارسة مهمة لتحديد وتطببيق هذا الدستور. واذ ستستقر الامور بعد سنوات ، فان ليس امامنا سوى السير في طريق الفيدرالية ، وانتهاج الديمقراطية التوافقية . ولقد كتبت عن هذا كثيرا . فأرى ان نجاحنا القادم في اجراء الانتخابات سواء مجالس المحافظات او البرلمانية ، سيكون عاملا حاسما لمدى استقرار هذه التجربة ، وتعكس مدى نجاحنا . فالانتخابات ستكون اختبارا حاسما . وارى اننا سننجح ، وانا متفائل ، ارى ان هناك تفاهم بين القوى الاساسية ، بأن طريقنا هذا هو ، ولا تراجح عنه واننا سنسير فيه ، وهو تجربة جيدة على مستوى الشرق الاوسط . ومن خلال معرفتي واطلاعي فأن كل الاطراف تسعى لترسيخ التوافق وانجاح العراق الفيدرالي . بنفس الوقت لا يمكن القول ان كل شئ انتهى ، فهناك عراقيل وهناك مصاعب ، وهناك اراء مغلوطة ، وهناك قوة اجتماعية ضربت مصالحها لا تزال تقاوم بناء العراق الجديد . التفاؤل يأتي من كون هناك قناعة شعبية ، فالناس صاروا يثقون بانفسهم ، الناس استعادت الثقة بعد الارهاب والعنف . نحن قادرون على انجاز الانتخابات ، وقادرون على بناء الوطن وانجاز مشاريع الاعمار . وعن التجربة في كردستان ، حيث الحرية والامان ، فان ما انجز في كردستان ، رغم الفترة القصيرة ، يمكن انجازه في كل مكان من العراق . كل ما في الامر وفي تجربتنا هو انه كان لدينا استقرار نسبي ، وحاولنا استثمار امكانياتنا ، واعتقد الان ان وجه المدن عندنا تغير ، انا واثق ان ابناء العراق في المدن الاخرى قادرون ايضا على ذلك ، لان المستوى الاجتماعي لدينا متماثل ، المهم هنا هو وجود الارادة السياسية .
* كلمة اخيرة لقراء طريق الشعب ؟
ـ "طريق الشعب" كانت اولا اتحاد الشعب ، وكنت من القراء المواظبين لها . وهي كانت في مقدمة الصحف ، مثل الحضارة والانسانية ، و خبات وهيوا وغيرها . وكان ثمة كتاب في صلب اهتمامي ومتابعتي ، اذكر منهم الان الكاتب ابو سعيد (عبد الجبار وهبي) الذي استشهد بشكل وحشي على ايدي البعثيين 1963 ، وغيره من الكتاب مثل عامر عبد الله و زكي خيري . صحيفة اتحاد الشعب ، كفكر وصحافة كانت مدرسة كبيرة ، كانت في صلب اهتمام جيلنا. و "طريق الشعب" ايضا ، سواء في بغداد وثم في الجبل كانت صحيفة اساسية بالنسبة لنا ، وفي خلال عملنا المشترك في الجبهة الوطنية الديمقراطية . يفرحني انها تواصل الصدور ، ولها قراؤها المتميزين . بعض الصحف تخلق لها تاريخ وتقاليد ، وصحافة الحزب الشيوعي العراقي مثل اتحاد الشعب وطريق الشعب لها تقاليدها وتاريخها ولها قراءها . تحياتي لقارئات وقراء "طريق الشعب " التي لها تأريخ مشرف في الصحافة العراقية . وتحيات لكل الزميلات والزملاء المحررين ، وانا كصحفي اعرف ثمن استمرار صدور الجريدة رغم كل الصعوبات .
 


455
فلك الدين كاكائي وداعا !

الفقيد متحدثا في حفل توقيع روايتي " تحت سماء القطب " اربيل 18 اذار 2010

يوسف ابو الفوز
كنت صبيا ، تعرفت على أهمية الكتاب ، واتطلع للتزود بالمعرفة والاطلاع على ما هو جديد ، حين وقع بين يدي كتاب " بطاقة يا نصيب " ـ طبعة دار الساعة عام 1967 ـ  لمؤلفها فلك الدين كاكائي ، هذه الرواية التي اعتبرها الدكتور عمر الطالب جزءا من التراث الروائي العراقي ، وفيها تعرفت الى "خضر" ، الانسان الكادح، الذي تسرق الفئران فرصة العمر منه فتمزق بطاقة اليانصيب ، وظلت شخصيته عالقة في بالي رغم كل السنين والكتب مع اسم مؤلفها بايقاع حروفه الخاص، ولتدور الايام والتقي في منتصف ثمانيات القرن الماضي في جبال كردستان بمؤلف الرواية، وكان قائدا سياسيا  ومن الوجوه البارزة في النضال المسلح ضد نظام صدام حسين الديكتاتوري، وحين زرت كردستان صيف 2007 قابلته وزيرا للثقافة في حكومة اقليم كردستان ، وفي صيف 2008 شرفني بزيارة خاصة الى بيتي في محل اقامتي في فنلندا ، واستثمرت الوقت الممتع الذي قضيناه معا لاجري معه حوارا شاملا ، نشر في حينه ، وكررت عليه سؤالي عن "خضر"، اين صار كرواية واحلام بطل ؟ ليخبرني بأن خضر مازال يواصل البحث عن اهله وعن احلامه و"البحث الانساني لا يتوقف ابدأ " !
هل عثر فلك الدين ـ خضر على احلامه واهله ؟
ولد فلك الدين كاكائي عام 1943 في مدينة كركوك ، ووجد طريقه للنضال السياسي مبكرا ، في صفوف الحزب الشيوعي العراقي ، وحتى بعد ان انقسم اتحاد الطلبة يقول " صار قسم تابع الى الديمقراطي وقسم مرتبط بأتحاد الطلبة العام تابع الى الشيوعي . انا بقيت مع اتحاد الطلبة العام وكان مسؤولي الطلابي شيوعي فبقيت معه "، ومع تنامي الشعور القومي الكردي، وفي عام 1961  صار عضوا في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وعن ذلك قال ( في عام 1961 ، انتقل البعض من تنظيم الحزب الشيوعي الى تنظيم الحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل طبيعي بدون اشكالات وتقبل الحزبين الامر بدون اشكالات . كانت وثائق الديمقراطي مقاربة لوثائق الحزب الشيوعي، بل وكانت تنص على " الاهتداء بالماركسية اللينية ". وكان بين الحزبين تحالف كبير ، فعملية انتقالي كانت اشبه بالانتقال من فرع حزب الى فرع اخر. كانت هناك ايضا انتقالات بالعكس من الديمقراطي الى الشيوعي) . وظل فلك الدين كاكائي امينا لاحلام الكادحين واحلام خضر خلال عمله في الصحافة العربية في بغداد، وهذا الذي جلب عليه نقمة السلطات ، فكتب باسماء مستعارة عديدة ، لكن جوهره الانساني لم يتغير ، استزاد معرفة وحكمة من اجادته للغة العربية والفارسية والتركية والاطلاع على كتابها ، والترجمات من الادب العالمي الى هذه اللغات. كتب بالعربية عن قضايا الانسانية تحت اسم الحلاج مستعيرا صوته وتصوفه ، وفي لقائي معه اعتبر الفترة من 1967 الى 1974 ، سبع سنوات كاملة " فترة مهمة في حياتي وحياة العراق ، وتاريخ العراق السياسي " ففي هذه الفترة كتب بأسلوب نثري بروح التصوف واليسار، بل ان الدكتور مصطفى كامل الشبيبي اعتبره  الكاتب العراقي الوحيد الذي ادخل منهج الحلاج التصوفي في الصحافة، وقال عنه انه الوحيد الذي استطاع ان يمزج الافكار الشيوعية بالقومية بالتصوف ، لينتج من ذلك شئ جديد ومميز، هذا التميز ربما هو الذي دفع  احد التجمعات الادبية الكردية في اربيل عام 1998 لاستثناء وضع اسمه ضمن قوائم الادباء الاكراد ! ولم يكونوا على خطأ الى حد ما ، ففلك الدين كاكائي الكردي الفخور بقوميته والتي منحها جزءا كبيرا من حياته في العمل السياسي، لم يكن متعصبا ، ولم يكن الا مثقفا كونيا ، ينهل  من فضاء الانسانية ، وظف قدراته وامكانياته من اجل احلام الكادحين .
 لقد تدرجت معرفتي بفلك الدين كاكائي ككاتب ومناضل وقائد سياسي ثم وزير، ولكني دائما وجدته مثالا للانسان المتواضع ، المتعامل ببساطة مع الناس ، بافق انساني يواصل البحث عن احلامه واحلام الاخرين . كان لي شرف ان اخوض معه حوارات عميقة في الشأن الكردي والسياسي ، كان انسانا ذو افق ديمقراطي يتقبل الرأي الاخر بكل تحضر . كانت جهوده ودعمه من عوامل انجاز ونجاح " الاسبوع الثقافي الفنلندي في كردستان "، وسألني زملائي الفنلنديين المشاركين في الفعالية ، بعد ان التقوه أكثر من مرة ولمسوا تواضعه وادبه الجم وسعة اطلاعه :
ـ أكل رجال الدولة عندكم يشبهونه !
وكان علي ان اقول لهم بحق ، بأنه انسان متفرد ومن الصعوبة ان نقابل اديبا لم يسرق كرسي الوزارة منه روح التواضع . في حفل توقيع كتابي " تحت سماء القطب " ، في اذار 2010 ، حين منحتني وزارة الثقافة لاقليم كردستان درع الوزارة ، كان حاضرا وقال كلاما جميلا عن الرواية التي قرأها بتمعن معتبرا اياها رواية كردية ـ عربية، وتحدث عن ايمانه بدور المثقف في بناء مستقبل العراق الديمقراطي . كان يعتز بشكل كبير بالمناضلين العرب المشاركين في حركة الانصار الشيوعيين  ضد النظام الديكتاتوري المقبور ، يحرص على حضور غالبية فعالياتهم ، وقدم كوزير وسياسي واديب دعما ماديا ومعنويا متواصلا لنشاطاتهم .
 برحيله خسرت صديقا عزيزا ، وجميعا خسرنا انسانا فذا زاهدا ودمثا ومضحيا ، وكانت برقية تعزية الحزب الشيوعي العراقي دقيقة اذ تقول "برحيله خسرنا جمعياً علما من أعلام الثقافة الكردية والعراقية المتعددة، وإنساناً ارتبط وثيقا بقضايا الإنسانية وهمومها وتطلعاتها، ومشهود له بمواقفه الوطنية ونزوعه الديمقراطي وخياراته المدنية المتحضرة " .
وداعا ابا برشنك ، ان ذكراك ستظل عطرة في قلوبنا !

456
المنبر الحر / الصفعة الجبلية !
« في: 12:16 30/07/2013  »
الصفعة الجبلية !
يوسف ابو الفوز
انا لا اتحدث عن " شه پازله " ــ بالباء المفخمه ــ وهي الكلمة الكردية التي تعني لطمه او صفعة، لكني أود الحديث عن الصفعة ؟ هل هي حزورة ؟ أبدا !
لطالما نال منا الاصدقاء واسمعونا كلاما خشنا بشكل مباشر او موارب ، حول موقفنا من القيادة الكردية ومواقفها السياسية واسلوب قيادتها لشؤون الاقليم والتعامل مع القضايا السياسية التي تخص وطن اسمه العراق هم دستوريا جزء منه ويديرون فيه اقليما فيدراليا. شخصيا كنت ولا ازال ، ارى ان حركة التحرر الكردية في العراق هي حركة وطنية مناضلة، لها حقوقها المشروعة لشعب قدم الكثير واجتاز المآسي في نضاله من اجل الحرية والحياة الكريمة، وهذه الحقوق لا يمكن الحصول عليها كاملة الا في نظام ديمقراطي كامل يحقق العدالة الاجتماعية للجميع . وانطلاقا من هذا كنت اردد دائما، ان القوى الديمقراطية العراقية واذ تخوض صراعا شرسا من اجل ترسيخ بنية الدولة الديمقراطية في العراق، فأن القوى الكردية هي الحليف الاول في هذا الصراع، وهي ايضا من ضمانات الديمقراطية في العراق ارتباطا بنضالها المستمر لنيل حقوقها المشروعة . وفي غمار محاججة الاصدقاء ــ وغير الاصدقاء ــ ، نحاول ان نبرر للقيادات الكردية ما يحصل في مناطق كردستان من ملاحظات جادة عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وكثير من المظاهر السلبية التي تتناقض مع ما كنا نحلم به للشعب الكردي ، ومن ذلك التجاوزات بحق حرية التعبير، ونقول ان هذه تصرفات فردية وغير مسؤولة من بعض المؤسسات لا زالت قياداتها تعمل بعقلية عشائرية ولا ديمقراطية وهذا لا يعبر عن سياسة قوى التحالف الكردستاني وحكومة الاقليم . وكتبت شخصيا عدة مقالات، مخاطبا القيادات الكردية، منها العام الماضي حين اصطف نواب كتلة التحالف الكردستاني، الى جانب من صوّت على شرعنة الاستحواذ على اصوات الناخبين وفق  مقترح التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم "36" لسنة 2008 وتسائلنا حينها بصوت عال ، هل يتحرك نواب الكتلة الكردستانية يا ترى بدون تنسيق مع قياداتهم؟ هل هم مستقلون في قراراتهم ؟ واين مسؤولية القيادات في متابعة كل هذا ؟ وهل هذا الموقف يمنح المصداقية لاعتقادنا بكون الاحزاب الكردستانية ضمان للعملية الديمقراطية في العراق؟! وصرخت بحرقة " لا تخذلونا .. فحق تقرير المصير له طريق واحد هو : الديمقراطية ، فدعونا نعبد هذا الطريق الوعر معا ! "
الان ، يتكرر نفس الموقف ، واتصل بي احد الزملاء ، اياهم ممن ياما دافعت امامه ــ وبأيمان ــ عن الحركة الكردية، مرددا ان الوقوف الى جانب شعب وحقه في تقرير مصيره لا يعني دعم ومساندة حكّامه ، ليقول لي بشيء من شماتة ( كيف حالك مع هذا "البوري" ؟) و يقصد موقف التحالف الكردستاني الجديد  في كونها هي من دعت في مجلس النواب الى استبعاد طريقة "سانت ليغو" التي امنت شيء من العدالة النسبية خلال احتساب الأصوات في الانتخابات ودعت إلى اعتماد طريقة "هوندت" المعروف انها لا تحقق العدالة المطلوبة !
اذا اردت هنا ابدال كلمة "البوري" التي دخلت القاموس العراقي، الذي اخذ حصته ايضا من بركات الديكتاتورية المقبورة والاحتلال والمحاصصة البغيضة ، فظهرت فيه مصطلحات بليغة ، منها "العلاسة" ، "الحواسم" ، "القفاصة" ، "الصكاكه" ، وطبعا "البوري" وغيرها كثير،  والتفكير بكلمة عربية فصيحة فلن اجد افضل من "الصفعة" ــ بالكردي "شه بازله"ــ ، اذ يبدو ان قيادة الحركة الكردية لا تتوقف عن توجيه الصفعات لحلفائهم في النضال من اجل الديمقراطية ، انطلاقا من كونهم يضمنون وقوفهم الى جانبهم مهما كان ومهما حصل ، فمواقف التيار الديمقراطي نابعة أساسا عن ايمان بمباديء راسخة وليس من حسابات ربح وخسارة !
يبدو ان قيادات التحالف الكردستاني تعول على صبر قوى التيار الديمقراطي ، معتقدين انهم لا يعملون وفقا لافكار كارل ماركس او يوسف سلمان يوسف ـ فهد او كامل الجادرجي او محمد حديد وغيرهم  وانما وفقا لما علم به السيد المسيح تلامذته وهو على الجبل ــ أهي مفارقة ان يكون مكان الموعظة على الجبل ؟! ـ اذ قال لهم وفقا لانجيل متي 39 ، "مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضاً " !
أهناك  يا ترى " شه پازله" جبلية جديدة في الطريق ؟! وكيف ستكون ووفقا لأي حسابات ؟!
  




457
المنبر الحر / الطفيلي !
« في: 14:14 21/07/2013  »
الكلام المباح (47)
الطفيلي !
يوسف أبو الفوز
رغم انه قالها بصوت خافت ، الا ان جميع الحاضرين، سمعوا صديقي الصدوق أبو سكينة وهو يقول لي : (ها ... رجعنا لأمهات الجلد الثخين؟) وذلك حين رآني اتأبط واحدا من كتب التراث . فهو يعرف كتبي من اغلفتها الجلدية . احداث كثيرة مرت في الايام الماضية، وكنت افكر قبيل وصولي : أي منها ستنال اهتمام أبو سكينة ليطلب قراءة تفاصيل عنها من حزمة الصحف التي احملها له في زياراتي الدورية ؟
 أيكون ذلك احداث مصر وانتصار الشعب المصري على قوى الاستبداد والطائفية؟ أم عن الاحتفالات التي اقيمت داخل وخارج الوطن بمناسبة ذكرى ثورة 14 تموز المجيدة؟ او محاولات بعض الكتل السياسية المتنفذة تعديل النظام الانتخابي بشكل يحافظ على مواقعها بالرغم من مواقف المرجعية الدينية التي دعت الى اعتماد نموذج القائمة المفتوحة، وقرار المحكمة الاتحادية الذي قضى بلا دستورية استحواذ الكتل الفائزة على اصوات الناخبين الذين لم يصوتوا لها، وضرورة اختيارآلية عادلة لتوزيع المقاعد النيابية؟  أم التظاهرات في العديد من المدن العراقية احتجاجا على تردي الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء؟ أم  مسلسلات التلاسن وتبادل التهم بين هذا السياسي وذاك أوهذه الكتلة وتلك؟ أم اخبار الحملة المتواصلة للمطالبة بإلغاء الرواتب التقاعدية للنواب والوزراء واعضاء مجالس المحافظات والمجالس المحلية، التي تُحمّل الموازنة العامة للدولة سنويا مبالغا خيالية بملايين الدولات؟ أو...!
وكأن أبو سكينة قرأ ما يدور في بالي، إذ قال لي بصوت عال:" هذه المرة ، أسمعنا ما ترغب من كتابك الثخين"، فتحت لا على التعيين كتاب "معادن الجوهر" للمسعودي الجزء الثاني، ورحت اقرأ بصوت يسمعه الجميع :
 (... ، والطفيلي، وقيل انها منسوبه الى "طفيل" رجل كان يأتي الى الولائم دون ان يدعو اليها ، و... التطفل حرام ما لم يكون برضا صاحب المنزل و ... ، وقيل ان طفيل نقش على خاتمه عبارة "ما لكم لا تأكلون ؟"، و ...)
ضحك ابو سكينه، فتوجهت اليه انظار الجميع ، فقال محاولاً كتم ضحكته : أفتهمنا ان التطفل في الولائم حرام، زين التطفل بالسياسة مو حرام؟ وأشتعتقدون، طفيليي السياسة اللي كل يوم نصبح ونمسي بوجوهم ، الذين فرضوا انفسهم علينا، ماذا يتطلب أن ينقشوا على محابسهم؟ يجوز عبارة "ما لكم لا ...؟".
 أرتفعت ضحكته وتعالى سعاله فضاعت الكلمة الأخيرة بينهما !


458
حين يصنع الشعب ثورته !
يوسف أبو الفوز
ما الذي يجعل لثورة الرابع عشر من تموز 1958 هذه المكانة الرفيعة في قلوب عموم ابناء العراق  مكانة خاصة رغم محاولات البعض اعتبارها مجرد "انقلاب" فتح باب الانقلابات العسكرية في تاريخ العراق الحديث، ومحاولة تهميش دورها، كما ان البعض الاخر حاول الاساءة لسمعة الثورة وقادتها، بالضد من مشاعر وموقف عموم ابناء الشعب العراقي وقواه الوطنية، الذين ينظرون بتقييم عال لانطلاقتها ومسيرتها وربما بشيء من التقديس لرموزها!.
أين يقف التاريخ من هذه الثورة؟.
عند اندلاع ثورة الربع عشر من تموز، وفي اول عدد لها بعد الثورة، وصفت مجلة "تايم" الامريكية الثورة بانها "مؤامرة نفذتها حفنة فقط من الضباط في ساعة واحدة فقط فسقط العراق المعروف منذ عهد بعيد بانه امنع قلعة للغرب في الشرق الاوسط"، لكن المجلة لم تستطع سوى الاعتراف بان جماهير الشعب ايدت "المؤامرة" ورحبت بها!.
فلقد انطلقت جماهير الشعب، وفي ساعات قليلة لتحسم الامر، لتحول "الانقلاب" الى "ثورة"، فلم يكن ما قام به الضباط الأحرار معزولا عن معاناة الشعب العراقي ونضالاته، وعن التنسيق مع قواه الاساسية، الممثلة بـ "جبهة الاتحاد الوطني"، فالسرعة المذهلة التي حول بها الشعب العراقي حركة الجيش العراقي الى ثورة تعود لكون جماهير الشعب العراقي ومنذ سنين طويلة تخوض نضالا متواصلا، سجل فيه الشعب العراقي وطلائعه السياسية صفحات مجيدة في العديد من الهبات والانتفاضات، منذ الانتفاضة المسلحة عام 1936، ثم حركة مايس 1941 ضد الاستعمار البريطاني للعراق، ووثبة كانون المجيدة عام 1948 ضد معاهدة بورت سموث، والمعارك الوطنية عام 1952 و1956، وكان كل ذلك تمارين متواصلة لليوم المشهود، يوم الرابع عشر من تموز، حيث تمكن الشعب العراقي من تصفية حساباته مع حكامه المرتبطين بعجلة وخطط الاستعمار، لتسجل حقيقة انه ليس سوى الشعوب كقوة قادرة على تحويل التاريخ الى عبرة مجيدة، وهذا الذي جرى صبيحة الاثنين في الرابع عشر من تموز، فلم يمكن لحركة الضباط الأحرار ان تتمكن من النجاح لولا التفاف جماهير الشعب حولها، مجلة "الايكونوميست" التي تعتبر لسان دوائر المال والاعمال البريطانية الكبرى، والتي عرف عنها رصانتها في مواقفها السياسية، حيث وقفت ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، كان لها موقف مضاد لثورة 14 تموز بل واعتبرتها "أسوا لحظة" في التاريخ، لانها "ادت الى تدهور مركز الغرب"، ودعت بشكل واضح الى التدخل العسكري ضد الثورة، ورغم ان الاسطول السادس الامريكي وسلاح الجو البريطاني تحركا وانزلا فيالقهما في الاردن ولبنان لقمع الثورة ووأدها الا انهما لم ينجحا في فعل شيء لان شعبا باكمله، على كل مساحة العراق، عربا وكردا ومكونات، هب ونزل الى الشوارع ليدعم حركة "حفنة الضباط" ويحمي الثورة ويحتضنها، ولا ننس القول ان ذلك ترافق مع موقف الاتحاد السوفياتي وتحذيره من عدم ترك ثورة العراق لوحدها والمناورات الاستثنائية التي نفذها في المناطق السوفياتية قرب الحدود التركية!.
لا يختلف المراقبون والمؤرخون في ان التفاف جماهير الشعب حول ثورة الرابع عشر من تموز لم  يضمن حمايتها من تحركات ومؤامرات فلول النظام الملكي القديم، بل وانما اعطى الثورة مضمونا شعبيا، مع امال بفتح افاق تقدم لتحقيق انجازات تاريخية، وهذا الذي حصل في سنين الثورة القصيرة خصوصا الاولى منها، فثورة الرابع عشر من تموز 1958 جاءت بجمهورية ديمقراطية، لها سيادة وطنية، وحولت العراق من  قاعدة لحلف عدواني ــ هو حلف بغداد الذي انسحب منه العراق فور اندلاع الثورة ــ الى قاعدة للتحرر في المنطقة، رافق ذلك قرارات ستراتيجية لتحرير اقتصاد العراق من التبعية لمنطقة الاسترليني واسترجاع حقوق السيادة على الثروة النفطية، وثم صدور قانون الاصلاح الزراعي الذي صاغ العلاقات الاجتماعية في الريف على اسس جديدة، وما رافق ذلك من قرارات وقوانين تلبي حقوق العمال والمساواة في المجتمع ما بين المراة والرجل والسماح لمنظمات المجتمع المدني بالنشاط العلني والقانوني، والحق لبعض الاحزاب بالعمل العلني  واصدار صحفها الخاصة.
من جانب اخر فأن قوى الردة، من بعثيين وحلفائهم من جنرالات العهد الملكي المباد وشخصيات طامعة وقوى محلية انتكست بسبب انجازات الثورة، نجحوا جميعا في استثمار حالة التردد والتذبذب لدى قيادة الثورة وطبيعتها في الخوف من الديمقراطية وسياسات التراجع في بعض ممارساتها ثم جاء انفراط جبهة الاتحاد الوطني مترافقا مع الاخطاء التي ارتكبتها القوى الوطنية وقيادة الثورة، فنجح العفالقة وبدعم خارجي امريكي واقليمي من تنفيذ انقلاب 8 شباط 1963 الدموي الغادر الذي اعاد العراق الى عهود مظلمة وليكون انتقاما من الشعب الذي ساند الثورة وانجازاتها، لكن هل انطفأت شعلة الرابع عشر من تموز؟.
ان ذاكرة شعبنا العراقي حية، سواء بصور الجرائم التي نفذها اعداء ثورة 14 تموز في انقلابهم البغيض عام 1963 وما تبع في انقلاب العفالقة الثاني عام 1968، او بصور ايام ثورة 14 تموز 1958 المجيدة وما تحقق فيها من انجازات نوعية، والتي ستبقى راسخة في قلوب وذاكرة وضمير الاجيال من ابناء شعبنا العراقي، ان دروس ثورة 14 تموز وتجربتها الفريدة لا يمكن ان ترمى بعيدا في كتب التاريخ، بل ستظل شاخصة دوما في عمل ونشاط القوى السياسية المؤمنة بالديمقراطية وجماهير الشعب ومنظمات المجتمع المدن، وذلك بالترابط مع المتغيرات في الحياة والعالم والوطن، ان استيعاب اهمية وضرورة التحالف الوطني على اسس المتغيرات في العالم وتحديد الاوليات وتشخيص الثانوي والاساسي لكفيل بتفجير طاقات الشعب وتسييرها بالشكل الصحيح، لتوطيد واستكمال البناء الديمقراطي وترسيخه بما يضمن إقامة دولة القانون والمؤسسات الدستورية، فالشعوب قادرة على اجتراح المعجزات ولا يمكن ابدا الاستهانة بقدراتها  لصنع مستقبلها المشرق!.





459
عالم أخر (18)

كيف اصبح الانترنيت في فنلندا جزءا من البنية التحتية التي تكفلها الدولة ؟
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

ربما يعتقد بعض القراء انه من البطر ان نتحدث هنا عن خدمات الانترنيت في العراق ، والبلاد أساسا  لا تزال تعاني من مشاكل الكهرباء وما يرافق ذلك من سوء اوضاع البنى التحتية عموما ، ولكن الا تدفعنا تجارب الشعوب لتأملها والاستفادة منها ؟ الا يطمح المواطن العراقي بأن يتفرغ لنفسه وعائلته اكثر؟  فخدمات الانترنيت توفر له الكثير من الوقت ، حيث يمكنه انجاز الكثير من المهام وهو جالس في بيته عبر الضغط على ازرار الكومبيوتر ؟ ما الذي يعوزنا لنلحق بتجارب البلدان المتطورة التي استفادت من ثورة الاتصالات ؟
فنلندا ، التي تحدثنا مرار عنها في هذه الزاوية ، كانت بلدا زراعيا ، ولم تشترك في مشروع مارشال فيما بعد الحرب العالمية الثانية ، ارتباطا بجوارها للاتحاد السوفياتي ، اكبر غريم للولايات المتحدة الامريكية في حينها، وسعت لان تكون على الحياد في سياستها السياسية والاقتصادية.  وبالاستفادة من اخطاء حكوماتها المتعاقبة ، خصوصا خلال سنوات الحرب العالمية ،  وبالاستفادة من تجارب الجار السوفياتي بنت فنلندا حياتها الجديدة ،  فشهدت حركة اصلاحات اقتصادية وسياسية ، قامت بها حكومات قوى اليسار المتعاقبة ، مثل اقرار قوانين الضمان الاجتماعي، وتحولت في غضون عدة عقود الى بلد صناعي مصدر لاجود انواع الورق ولتكنولوجيا صناعتة، وصناعة السفن والاجهزة الاليكترونية، اضافة الى التطور الهائل في صناعة الاتصالات الذي جعل شركة مثل نوكيا تتحول من شركة صغيرة لصناعة الاطارات والجزم البلاستكية الى واحدة من اكبر الشركات المصدرة لاجهزة الاتصال الاليكترونية. وعليه لم يتفاجأ العالم حين اصبحت فنلندا ، ومنذ اليوم الاول من تموز عام 2010 ، البلد الاول في العالم ، الذي يمنح مواطنيه الحق القانوني في الحصول على خدمة الانترنيت فائقة السرعة ، وبحسب هذا القانون، الصادر عن وزارة النقل والاتصالات الفنلندية، تكون الشركات الفنلندية المتنافسة، التي توفر خدمات الانترنيت، ملزمة قانونيا بتوفيرها لكل مواطن فنلندي، في اي مكان في البلاد ، حتى لو كان بيتا منفردا وسط الغابات، وباختصار ان خدمات الانترنيت للمواطن الفنلندي ، اصبحت جزءا من خدمات البنية التحتية التي تكفلها الدولة ، شأنها شأن خدمات الكهرباء والماء والصحة.
قرار وزارة النقل والاتصالات الفنلندية بتوفير حق خدمات الأنترنيت، لم يأت مفاجأة فهو تنفيذ لخطة الحكومة الفنلندية التي بدأت بها منذ تشرين الاول (اكتوبر) عام 2009، والخطة الزمت الشركات بتنفيذ القرار من الاول من تموز (يوليو)2010 ، وهذا الامر جاء ضمن توجهات الاتحاد الاوربي للتعامل مع الانترنيت كبنية تحتية اساسية ، وحق اساسي من حقوق الانسان وليس ترفا ، وفي فنلندا قطع الامر خطوات كبيرة وسريعة في تطور مجال خدمات الانترنيت، فالاحصاءات الرسمية تشير الى ان 83% من المواطنيين الفنلنديين ، من اعمار 16 ــ 74 يستخدمون خدمات الانترنيت ، وهذا التطور ايضا لم يأت مفاجأة للمواطن الفنلندي ، فخدمات الانترنيت في فنلندا ومنذ عام 1980 شملت الجامعات الفنلندية ، حتى ان أكبر الخدمات شعبية في العالم، ونقصد بها خدمة الدردشة او المحادثة Chatting ولدت وتطورت أساسا في الجامعات الفنلندية ، ومنذ عام 1990 كان في مستطاع المستهلكين العموميين الاستفادة من خدمات الانترنيت ، وفي عام 2000 اطلقت في فنلندا شبكة عامة للخدمات بحيث اصبحت فنلندا دولة اليكترونية ، وصار بمقدور المواطن الفنلندي الحصول على الكثر من الخدمات بطرق غير تقليدية، فمثلا اصبح بمقدور المواطن الفنلندي تسديد مختلف الفواتير عبر خدمة الانترنيت، وصار بامكانه ان يتعامل مع خدمات المكتبات العامة لاستعارة وتجديد الاستعارة عبر الانترنيت ، وصار بامكانه حجز بطاقات السفر في مختلف وسائل النقل بواسطة الانترنيت ، وبامكانه حجز مواعيد االطبيب والمستشفى والتشاور مع طبيبه عبر الانترنيت ، وغير ذلك من الخدمات مثل المسرح والسينما ، التي تساعده في توفير الوقت للاهتمام بهواياته وتنمية قدراته وتخصيص المزيد من الوقت للشؤون العائلية والروحية ، انطلاقا من كون خدمة المواطن هو الهدف الاساس في نشاط اجهزة الدولة. ويمكن لنا هنا ان نتحدث عن دور خدمات الانترنيت في تطوير واحد من اهم المرافق الحيوية في الدولة ، الا وهو قطاع التعليم ، فالانترنيت اصبح جزءا متمما للعملية التعليمية ، ففي كل صف دراسي هناك جهاز كومبيوتر للاستخدام العام ، وفي كل مدرسة هناك قاعة للكومبيوترات شأنها شان قاعة الرياضة او الطعام او المسرح أو الرسم ، وبحكم كون الاسلوب التعليمي في فنلندا ، ومنذ الصفوف المبكرة يدفع الطالب للابتعاد عن اسلوب التلقين، ويعتمد اسلوب البحث العلمي فأن الانترنيت ، الى جانب الكتب المطبوعة كمصادر ، صار مصدرا مهما للطالب للبحث عن المعلومات لاعداد واجباته المدرسية ، اضافة الى ان الطلبة، وبعيدا عن صفوف الدراسة، يرتبطون اليكترونيا باساتذتهم ومدرستهم عبر الانترنيت ، في تلقي الواجبات والتوجيهات ، وارسال التقارير والمعلومات .
ولابد من التوضيح بأن هذه الخدمات لا تقدم مجانا ، كما يتصور البعض ربما ، فالقانون الفنلندي هنا يضمن حصول المواطن على خدمات الانترنيت وكحق وبنوعية عالية الكفاءة ، والنوعية تتعلق بالسرعة ، فالخدمات هي مدفوعة الثمن من قبل المواطن ، شانها شأن الخدمات الاخرى ، مثل الماء والكهرباء والصحة، والاسعار هنا رمزية، وتخضع للتنافس بين الشركات التي تقدمها ، وهي شركات عديدة ، ولكن تجدر الاشارة الى حالة كون ان المواطن عاطل عن العمل، او عاجز عن اعالة نفسه ، فان الدولة وعبر مؤسسات الضمان الاجتماعي مسؤولة عن توفير هذه الخدمة . ولا يفوتنا ان نذكر ايضا ان هناك خدمات انترنيت عامة تقدم في فنلندا مجانا للطلبة في الكليات والاقسام الداخلية والمجمعات السكنية للشباب، وفي دور الرعاية الصحية ، وايضا في الاسواق العامة الكبيرة والمقاهي العامة والبواخر والقطارات .
واذ نكتب كل هذا يبرز هنا سؤال يثير اللوعة في القلب : ترى متى يمكن لشعوبنا المغلوبة ان تتمتع بحقوقها الاساسية ؟؟



460
المنبر الحر / الرسالة !
« في: 13:19 07/07/2013  »
الكلام المباح (46)
الرسالة !
يوسف أبو الفوز
الايام الماضية كانت حافلة بالاحداث العالمية. تسمرّنا امام الشاشات نتابع المظاهرات الاحتجاجية في ساحات العالم . التقارير تتوالى ساخنة من شوارع اسطنبول، البرازيل ومن شوارع مصر. روى جليل لزوجتي كيف ان رئيسة البرازيل لم تحضر المباراة النهائية في بطولة كأس القارات خوفا من صيحات الاستهجان من الجماهير الغاضبة بسبب تفشي الفساد في البلاد. سكينة راحت تكرر اعجابها بالمشاركة الفاعلة للمرأة التركية التي تصدرت مشاهد المظاهرات الاحتجاجية القوية ضد الحكومة التركية في أنحاء البلاد . كنت منغمرا في متابعة ما يجري في ساحات مصر، أم الدنيا . اعبر عن حبي واحترامي لهذا الشعب المعطاء، وإصراره على التحرر من مختلف أنظمة الطغيان والاستبداد والأقصاء . فرحت احكي عن مساهمة المثقفين المصريين مع الشعب في ساحات الاحتجاج وكيف انهم لم يكونوا في موقع المتفرج . كان صديقي الصدوق ، ابو سكينة يصغي لكل هذا وفي عينيه بريق حزن . زفر، وسألني: أتذكر تلك الايام؟
ولم استطع تخمين اية ايام يقصد فهي كثيرة والاحداث التي يمكن ان يقصدها ابو سكينة لا عد لها ! أهو يحكي عن اوضاع  العراق التي تزداد ارباكا وتشابكا خصوصا مع تردي الاوضاع الامنية وتصاعد أعمال العنف والخطاب العنفي وبروز المليشيات المسلحة، وجرائم الإرهاب بالمفخخات وحالات الخطف والتصفية بكواتم الصوت، وأتساع نشاط الجريمة المنظمة ؟ أهو يلمح لايام التظاهرات الاحتجاجية في بغداد يوم أصر على المشاركة رغم  المطر الذي هطل فجأة والذي لم يمنع زحف مئات المتظاهرين حتى ساحة التحرير وكان هو واحدا منهم ؟ أم هو يقصد حدثا في احد بلدان "الربيع العربي" الذي اسقط انظمة الاستبداد والتفرد بالسلطة والفساد في تونس ومصر وليبيا واليمن، وراحت تتفاعل تأثيراته في بلدان عربية اخرى فظهرت لوحة سياسية جديدة وحراكاً وتبدلا في موازين القوى على صعيد كل بلد، وفي منطقة الشرق الأوسط ككل؟ واذ لاحظ حيرتي اضاف مخاطبا الجميع : اتذكرون أيام ظهر الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وقال للمحتجين "الرسالة وصلت"؟. بعده وبطرق مختلفة قالها عدة حكام ، بعضهم رحل وبعضهم ينتظر، فيا اعزائي معروف ان ساعي البريد وطبيعة خدمات البريد تختلف من بلد لأخر، اليوم اريد افهم عن قضية مقتل مدرب فريق نادي كربلاء الكروي، المغدور محمد عباس، يا ساعي بريد حمل رسالة استشهاده وبأي طريقة ومنو راح يستلم الرسالة ؟


461
المنبر الحر / أبو سكينة آيدل !
« في: 20:50 22/06/2013  »
الكلام المباح (45)
أبو سكينة آيدل ! 
يوسف أبو الفوز
وصلت متأخرا الى بيت صديقي الصدوق، ابو سكينة، ووجدت ان الحديث ساخنا بين زوجتي وسكينة وزوجة جليل، حول برنامج " Arab Idol "، البرنامج الغنائي الاستعراضي الذي سمّر كثيرا من الناس امام شاشات التلفزيون، بين معجب ورافض لصوت هذا المشترك المغني أو ذاك، وبين موافق ومعترض لاقوال وتصرفات من لجنة الحكام . لم يحضر ابو جليل بعد، فكان ابو سكينة مجبرا على سماع النقاش الحماسي، ونبرات الفرح لفوز هذا المتسابق بالتصويت أو الاحباط لخسارة متسابقة لم يحالفها الحظ بتصويت الجمهور. اعرف ان ابو سكينه ليس من المتابعين لمثل هذه البرامج، فهو عادة ينام مبكرا، وايضا هو من محبي الطرب القديم فلا تستهويه البرامج الاستعراضية الصاخبة بالاضواء والموسيقى والمصممة اساسا للدعاية لبعض المنتجات، لكنه يبدو قد اعجب بما سمع عن طريقة الفوز والخسارة في البرنامج. وبما ان الشغل الشاغل لابي سكينه هو الاوضاع السياسية في العراق، فقد راح يقيس الامور وفق منطقه الخاص : "أتعرفون ان فكرة هذا البرنامج أعجبتني جدا؟ صار سنين واحنا نطالب بحلول جذرية للمشاكل في العراق، وتروح انتخابات وتجي انتخابات ونفس الوجوه تتكرر علينا. ليش ما نسوي مثل هذا البرنامج الآيدل ؟".
دخل جليل يسند أباه، وبعد السلام والترحيب، واصل ابو سكينه حديثه : "هاي صار شكد من تمت المصادقة النهائية على نتائج انتخابات مجالس المحافظات، وصار كل شيء واضح، وكل الفائزين عندهم وقت كافي حتى يرتبون امورهم وتحالفاتهم، ولكن الجر والعر لاختيار المحافظين استمر وسط مزايدات سياسية وضغوط ومناورات ومناكدات، وتغليب  للمصالح الحزبية والفئوية الضيقة على مصلحة المواطن".
قلت لابي سكينه مناكدا: وما علاقة برنامج غنائي استعراضي بأختيار المحافظين؟
حدجني بنظرة متفحصة، وسعل بطريقة تقول انه زعل من مقاطعتي له، فالتفت اليه جميع الحاضرين، فحرك يديه وكأنه يصف مكاناً عالياً : "يا وليدي، هيه كلها أستعراض ، وبهذا البرنامج الايدل، مثل ما فهمت، المشاركين يغنون ويرقصون ، ويستعرضون تسريحات شعرهم ، ومجوهراتهم وملابسهم، سكينة تقول ان مشتركه بالبرنامج ما تصفق الا وهي واقفه حتى الكل يشوفون ملابسها وجواهرها، فأنا اقول لو تم صف المرشحين لمناصب المحافظين في برنامج آيدل مثل هذا، وخل يتنافسون بالبوزات والصوت العالي والتصريحات والوعود وتسريحات الشعر والبدلات السموكن والمحابس واللحى والسبح وسيكون لهم معجبوهم يصوتون لهم ويرفعون لافتات باسمائهم وصورهم ونختار منهم المحافظ الآيدل!"


462
أدب / قصة قصيرة روائح !
« في: 20:59 18/06/2013  »


 روائح !


يوسف أبو الفوز 


قصة قصيرة

لم يخطر له انه سيعود اكثر من ثلاثين عاما بمجرد اجتياز الباب ، لكن ذلك حصل ما ان جلس على الكرسي . وجودها كان مفاجأة له . قال له الموظف ان معاملته سحبت من مسؤول كبير للمراجعة والتدقيق واعطاه العنوان للمتابعة . لم تصافحه لكن ابتسامة عريضة افترشت وجهها . رغم امتلاء جسمها قليلا ، الا انها لا تزال جميلة كأنها ابنة العشرين يوم التقاها لاول مرة عند باب الكلية ، شعرها تنثره الريح ، وتحاول لف تنورتها الجامعية القصيرة على ساقيها البضتين . بدت له نظراتها الان صارمة كأنها اعتادتها بحكم عملها ، لاحظ انها لا تزال تهتم بحاجبيها فهما دقيقان كأنهما مرسومان بقلم ، وشفتاها نضرتان تحيطان باسنان ناصعة البياض ، ومكياجها خفيف يتناسب مع حجابها الزهري الذي يحيط بوجه ما زال يحتفظ بكثير من نضارته .
ـ لم تتوقع ان تلقاني هنا ؟!
لم يجب . من اين له ان يعرف انها تعمل هنا ؟ عرف من نبيل انه صار لها شأن ، وان لديها وظيفة رفيعة المستوى . استغرب ان يطلب منه مراجعة هذه الدائرة بالذات ، فما علاقة مستشار المدير العام لشؤون المبيعات بالاوراق التي قدمها كمفصول سياسي لأكمال سنته الدراسية الاخيرة ؟. ألح عليه أصدقاؤه ، وهمست له زوجته بجملة سمعتها ربما من اختها او اخرين :
ـ ان لم يكن لاجلنا فمن اجل أولادنا !
قيل له ان الكثيرين أنجزوا المعاملة وأنهوا دراستهم وباشروا العمل لفترة محدودة ثم طلبوا احالتهم على التقاعد، ما عليه الا توفير المستمسكات المطلوبة وليس من الصعوبة الحصول عليها . تردد كثيرا . لم يشأ ان يقف عند الابواب يستجدي احدا . لكن زوجته ظلت تطن برأسه حتى ترك لندن وسافر وظل يدور بين مدينته الصغيرة وبغداد والاوراق تكبر بين يديه :
ـ عرضا سمعت بوجودك ، من نبيل ، ابن عمي ، كان هنا قبل فترة ، طلب مساعدة في تمرير صفقة تجارية ،  وسألته عن غرض زيارتك ، وحين عرفت طلبت احالت ملفك الي . بصراحة لا علاقة لي مباشرة باجراءات معاملتك ، لكني وددت لقاءك ، لذا طلبت ان يرسلوك الى هنا !
لاحظ ملفه امامها على الطاولة ، ولاحظ مجموعة من الملفات الاخرى . هل طلبتهم لاغراض مشابهة ؟ اخبره نبيل بأن اغتيال زوجها الثاني قبل اربعة اعوام ضمن تصفيات العنف الطائفية ، دفع جهات متنفذة لاسناد وظيفة مهمة لها ، ساعدهم انها كانت مديرة قسم ناجحة في مدينتها الصغيرة فأستدعوها الى بغداد .
ـ هل معك الان صورة لها ؟
بعد كل هذه السنين ، ايعقل ان يكون هذا سؤالها الاول ، الذي تريد ان تعرف جوابه ؟ أستغلت نفوذها لتلتقيه لتوجه اليه هذا السؤال ؟ افتعل عدم الفهم . رغم أنه فهمها جيدا ، فأعادت السؤال مع ابتسامة حاولت ان تكون ودودة :
ـ زوجتك ؟ الديك صورة لها ؟
اخرج حافظة النقود ، واستل منها صورة صغيرة تجمع زوجته وابناءه ووضعها امامها . تأملتها جيدا واعادتها له :
ـ فعلا جميلة مثلما قالوا . قد تستغرب ان يكون هذا سؤالي الاول لك ، لكني اردت ان اعرف ذوقك ، كنت تغالي في ارائك حول صفات شريكة حياتك !
انها تعود به الى تلك السنوات التي لا تعود، حين كانوا طلبة  في الكلية . كانت طالبة مجتهدة . قليلة الاختلاط ، جمالها كان يدفع بعض الطلبة للتقرب اليها . فاجأته يوما في نادي الكلية :
ـ لم لا اسمع  قصصا عن غرامياتك ؟
لم يضحك ولم يندهش، سبقها أيشو واخبره بأنها الحت بالسؤال عنه :
ـ ايعقل ان صاحبك من دون علاقة عاطفية حتى  الان ؟
فقال لها أيشو :
ـ أساليه بنفسك !
يذكر انه يومها قال لها بانزعاج وان حاول ان يكون هادئا :
ـ لست ضد الحب او اقامة علاقة عاطفية ، فأنا بشر أيضا ، لكن اعتقد ان في حياتنا الان ثمة أشياء تستحق مني الاهتمام ألاكثر !
عرف بعلاقتها مع أيشو من ايامها الاولى. كان أيشو  مترددا معها، وحين تصارحا بعواطفهما قررا عدم افشاء علاقتهما إلا لمجموعة مقربة جدا من الاصدقاء :
ـ ان والدها متزمت اجتماعيا ودينيا ، وعلينا أنتظار اشهار العلاقة حتى التخرج من الكلية !
كان معجبا بجرأتها في التقرب الى أيشو، بطريقة لبسها وهدؤها وقلة كلامها . قال له أيشو ، بأنها سخّفت كثيرا من الاختلاف الديني بينهما ، همست له يوم تكشافا بعواطفهما :
ـ أيشو  ... ربنا واحد ونبيّ ونبيك يؤمنان به !
كان الصمت يسود الغرفة الوثيرة ورغم عمل المبردة الكهربائية كان الجو يبدو وخما. على الحائط خلفها ثمة لوحة بآيات قرانية ، وعلى يسارها صورة كبيرة لرجل دين ملتح .  لم يعرفه وخجل ان يسألها عنه. لم يكن من رجال الدين الذين يعرفهم ويرى صورهم في الصحف بأستمرار.  كان في باله ان يسأل نبيل ، كم سنة انتظرت للزواج بعد اغتيال زوجها الثاني ؟ اخبره أيشو أنها صاحت به يوما وهما يعبران الشارع من بين السيارات المسرعة :
ـ انتبه لنفسك ، لا تموت الان، سأرتبط بغيرك فورا، لا يمكن لي ان ابقى من دون رجل !
كان أيشو يخبره بكل ما يدور بينه وبينها . كان معجبا بقابليتها لصنع النكتة وان لم يبد عليها ذلك بين الاخرين . حين علمت بأن أيشو اطلعه على علاقتهما ، سألته يوما وهما يغادران الكلية معا :
ـ أحقا ، ايطلعك أيشو على كل شيء ؟
فقال لها بخبث :
ـ كل شيء !
فتورد وجهها . وهاهي امامه، صارمة الوجه، في عينيها الواسعتين يلوح شيء من حزن ربما لان وجوده اعادها  ووضعها مرة واحدة امام تفاصيل تلك الايام . سعلت قليلا كأنها تريده ان يعود بتفكيره اليها :
ـ ايمكن ان تحكي لي باختصار كيف مات ؟
كان صوتها حياديا ، استفزته صيغة السؤال . لم تذكر اسمه . لم تقل " كيف استشهد ؟ " . اراد ان يترك الغرفة حانقا ،  لكن ابتسامة أيشو  منعته من ذلك . يوما قال له :
ـ الشجاعة ليس في أنك لا تخاف ، بل في كتم وضبط خوفك وغضبك ومشاعرك !
وعليه الان ان يكتم غضبه واحساسه بكونه ليس في المكان المناسب . فرك يديه ببعضهما وقال لها :
ـ كان أيشو بطلا ، نصيرا شجاعا ، عمل ضمن مجموعة مقاتلين انصار شجعان مسؤولين عن نقل السلاح والبريد عبر نهر دجلة من جهة الحدود السورية ، وفي ليلة اثناء عبورهم وقعوا في كمين غادر فقاتلوا حد الاستشهاد . كان لخبر استشهاده وقع شديد على كل من عرفه !
لم يبد عليها وكأنها تسمع بالامر لاول مرة . بدا وكأنها تريد منه ان يكرر لها حكاية الواقعة . تنظر اليه وكأنها تحاول قراءة افكاره . بيدها تدّور قلما من الرصاص ، نظرت اليه :
ـ  كم سنة بقيت في كردستان مع المقاتلين ؟
تنفس براحة انها لم تقل "العصاة" أو "المخربين " ، كما اشاع النظام التسمية عن الثوار المعارضين . كان أبن عمه مفتونا بلقائه وراح يتباهى به أمام جيرانه :
ـ ابن عمي حارب ضد حكم صدام وقضى سنوات طويلة مع المخربين !
قال لها :
ـ بقيت حوالي ثمان سنوات !
ـ وأيشو  ؟!
ـ حتى يوم استشهاده  مر عليه خمس سنوات واربعة شهور !
فواصلت بصوت هاديء بالكاد كان يسمعها :
ـ تركت دراستك الجامعية وانت في الصف المنتهي ، غادرت العراق الى سوريا مع المهربين مخاطرا بحياتك، والتحقت بالمقاتلين لثمان سنوات لتعيش في ظروف قاسية ، ثم عشت سنينا طويلة في الغربة ومصاعبها ، وتركت خلفك اهلك واحبابك ، ثم ... ها انت تزور بلادك مثل سائح ، واخبرني نبيل انك بلا وظيفة ولا تملك بيتا ولا ... الا تشعر بالندم لـ ... ؟
لم تكمل  كلماتها . كانت منفعلة لحد تصور انها ستكسر القلم بيدها . تهدج صوتها عند بعض الكلمات . فهم بأنها لا تحاوره ، بل تحاول محاورة شخصا أخر من خلاله . لم يكن خيارهم سهلا بترك كل شيء . دراستهم والاهل وثم الوطن كله .  كثيرون اضطروا لقطع دراستهم الجامعية والتشرد في الوطن شهورا طويلة وضباع نظام صدام حسين تلاحقهم من شارع لشارع . هو وأيشو تركا الكلية في اسبوع واحد وتنقلا معا متخفين من مكان الى اخر . لحقت بأيشو الى بغداد وبحثت عنه حتى وجدته . حاولت اجباره على العودة الى دراسته في الكلية والتوقيع للجهات الامنية على تعهد خطي بالتخلي عن التزامه السياسي والفكري . فعلها نبيل وعاد الى كليته ليواصل دراسته، ومثله كثيرون. حاولت ان تصل اليه وتلتقيه لاعتقادها ان له تأثيرا لاقناع ايشو، فتهرب من لقائها . عرف انها زارت اهل أيشو في مدينة الموصل . أرسل لها أيشو رسالة اعتذار عن أمكانية لقائها بعد ذلك ، وانقطع عنها ليظهر بعد شهور في بيروت ، ومن هناك دعاها للالتحاق به ، لكن رسالة قصيرة منها وصلته تقول ان اهلها منعوها من التواصل معه وانها تعتقد ان كل شيء انتهى بينهما !
 كان ينظر اليها ، جالسة بفخامة خلف مكتبها ، وفي باله كل ماحكاه نبيل عنها وهو يتقصى منه اخبار من بقي من زملائهم ولم تاكله حروب او سجون نظام الديكتاتور صدام حسين . قتل زوجها الاول في اول سنوات الحرب مع ايران فقبضت التعويضات، البيت والسيارة . كان زوجها الاول احد زملائها في الكلية، خطبها قبل التخرج بشهور، وبعد مقتله بسنتين تزوجت من احد اقرباء امها،  بعد ان ارسلت طفلها الى اهل زوجها الاول . بعد اغتيال زوجها الثاني، بأقل من سنتين، ورغم معارضة ابنيها، قبلت ان تكون الزوجة الثانية لسياسي معروف من اصدقاء زوجها الثاني تعلق بها ، وساعدها على ان تتسلم موقعا مهما في الدولة . لديها حاليا بيت في مدينتها ، واخر اكبر في العاصمة ولديها شركة توريدات مواد غذائية من أيران، وابناء عمها يعملون عندها رجال حماية واداريون ومرافقون، وحين ظهرت في التلفزيون مرة كصاحبة شركة ، لم يصدق بأنها هي مريم عبد الله  زميلته التي كانت حبيبة اعز اصدقاءه ، وكانت تمازحه دوما :
ـ احبني صديقك لأن اسمي يذكره بأسم أم نبيهم !
عند ظهورها الاول في التلفزيون ، لم يعرفها أول الامر ، لانها غيرت من لقبها لتنتسب الى عشيرة زوجها، في أحاديثها التلفزيونية كانت دائما متفائلة بأن مستقبلا باهرا ينتظر المرأة العراقية ويضمن لها حقوقها. هاهي أمامه تجلس ، تحاول كتم انفعالها وهي تحك جروحها عبر حديثها معه.  فكر ان يقول لها بشكل هاديء :
 ـ يا اخت مريم ... كل انسان له خياراته الخاصة به ، فلم الندم مني او من غيري من امثالنا . لم يجبرنا احد على خياراتنا . هي مواقفنا ونحن مسؤولين عنها. أيشو قدم حياته ونحن قدمنا أجمل سنوات عمرنا من اجل قضية نؤمن بها .
لكنه فكر بأن كلامه سيبدو لها شعارات حماسية ودروسا ايدلوجية نظرية . حاول ان يكون اكثر هدوء اذ قال لها :
ـ باختصار لم ننتظر يوما ثمنا أو مكافأة لخياراتنا ومواقفنا . ان البيت والوظيفة وغيرها ، يمكن الحصول عليها باشكال مختلفة ، لكن الـ ...
بدا له انها احرجت ، اذ طافت بسمة قلقة على شفتيها. ارادت ان تقول شيئا لكنها ترددت، واطلقت ضحكة باهتة وقاطعت كلامه :
ـ يبدو انك ما زلت مثلما كان يقول عنك انك جريء ومباشر!
انتبه الا انها تعني أيشو بكلامها ولكنها طيلة وجوده معها لم تذكر اسمه. كأنها تخاف الأسم .  نهضت من خلف مكتبها فنهض ايضا :
ـ طلبت ملفك لاني وددت فقط لقاءك وارى ان كان يمكن مساعدتك ، ملفك  فيه نواقص كثيرة يجب استكمالها، اني هنا لست اريد لومك او ... !
عبر المكتب مدت يدها له بملفه، حين اقترب منها، شم عطرها النفاذ. في تلك الايام البعيدة ، كانت تكره العطور القوية وتلوم علنا البنات من معارفها. أيشو اخبره بأنها كانت تقول لهن مباشرة كلاما خشنا واحيانا فاحشا :
ـ أنت ذاهبة الى قاعة الدرس أم الى سرير النوم ؟
كان عطرها الهادىء الخفيف من الاشياء التي كانت تعجب أيشو فيها ، ولطالما تغزل بذلك . خشي ان تمد يدها لمصافحته ، لكنها لم تفعل ، فشعر بالارتياح ، قبل ان يغادر الغرفة التفت لها :
ـ كان أيشو  حتى الايام الاخيرة ، يذكرك بخير ويعتبرك حبه الكبير، حتى أنه لفترة في بيروت سمى نفسه "أبو مريم " !
أمتقع وجهها ، تهدل كتفيها وانهدت على كرسيها، كأن شيء ما دفعها بقوة . ارتجفت شفتيها وساحت دموعها غصبا عنها وسال معها الكحل الكثيف من عينيها الواسعتين. حين اغلق الباب خلفه خيل له انه سمع نشجيها. صار في الشارع ، مشي قليلا متفكرا بكل ما دار في اللقاء. قيل له يمكن ان يحصل على تاكسي في طرف الشارع .  عبر كوما هائلا من الأزبال، تنبعث منه روائح عفنة،  فتعجب كيف لا يتم ازالته وهو بهذا القرب من مكان موقع رسمي مهم؟ لاحظ ذيل قط ميت فعرف سبب الرائحة . شعر بالغثيان . لمح تاكسيا من بعيد فرفع يده ، قبل ان يتوجه الى التاكسي رمى بالملف الذي بين يديه الى حيث القط  الميت !  


29  تموز 2012
هلسنكي

*       النص من مخطوط "بعيداُ عن البنادق " معد للنشر  

463
الكلام المباح (44)
عجين راجحة!
يوسف أبو الفوز
ما ان ألتقيت مع جليل ، في بيت أبو سكينة ، صديقي الصدوق، وتبادلنا وجهات النظر وأستعرضنا ما يجري في البلاد ، وكان الاخرون يستمعون لنا بأهتمام ، ثم صاروا جزءا من حوارنا، حتى علت وارتفعت وتداخلت الاصوات ثم هدأت. اختلفنا واتفقنا، لكننا في الاخير اعترفنا بخطورة الاوضاع السياسية في البلاد، وهو الموضوع الاساس الشاغل لنا ولأبي سكينة، الذي سره وجودنا وسجالنا .
كنا جميعا نتابع بقلق الاحتقانات في الوضع السياسي للبلاد والتدهور في الوضع الامني، وتصاعد حمى الشعارات الطائفية من قبل بعض الاطراف والمطالب غير المشروعة لاخرين التي تزيد من اشعال نيران الازمة وتهدد في انفلات الامور بحيث لا ينفع فيها جلسات بوس اللحى ان لم تعالج الامور من اساسها الخاطيء ، وذلك بأيجاد معالجات جذرية لتجاوز نهج ونظام المحاصصة الطائفية الاثنية، الذي يمكن ان يؤدي الاستمرار فيه الى تكرار الازمات وانطلاقها من جديد بحيث تدفع البلاد نحو متاهات خطرة ، وتضعها في مواجهة احتمالات لا تحمد عقباها .
صاح ابو جليل : لن تهدأ الامور وتستقر ما دام الحل والربط  بيد بعض السياسيين الانتهازيين الذين من مصلحتهم ان يلعلع الرصاص وتسيل الدماء وتنتشر اجواء العسكرة والعنف !
قالت سكينة : بهذا فقط  يستطيعون حماية مصالحهم ، فصراعهم  في اساسه على المصالح، صراع من اجل  السلطة والثروة والنفوذ .
كان ابو سكينة يتفق بهزة من رأسه مع الاراء التي تطالب بتحرك القوى التي لم تتورط في صنع الأزمة، ثم تنحنح ، أستعدل في جلسته وقال : ننتظر من هذه القوى الوطنية المخلصة ان تطرح مبادرات مدروسة وبحلول جذرية، والا ــ يا جماعة الخيرــ  فأن اوضاعنا السياسية راح تصير فرجة ومثل عجين راجحة !
وابو سكينة هنا يذكرنا بحكاية راجحة الصبية بنت جيرانا ، ورفيقة طفولتي ، التي ارادت مساعدة أمها اثناء غيابها في السوق . فأرادت ان تحضر لها العجين، فوضعت كمية من الطحين وسكبت عليه ماء وعجنته بقوة لكنها وجدته لينا جدا فوضعت مزيدا من الطحين فصار صلبا فأضافت قليلا من الماء ، فعاد لينا ، فأضافت طحين فرجع صلبا فعادت وسكبت ماء ، وهكذا واصلت مهمتها بحماسة، وحين عادت الام وجدت ان ابنتها راجحة قد عجنت لها نصف كمية الطحين التي تكفيهم عادة لشهر كامل!



464
المنبر الحر / كانغرو السياسة !
« في: 12:37 26/05/2013  »
الكلام المباح (43)
كانغرو السياسة !
يوسف أبو الفوز
في لحظة غضب قلب أبو سكينة، صديقي الصدوق، الطاولة أمامه، وترك أم سكينة مذهولة، فاسرعت لتغلق التلفزيون وتتصل بنا، فنشرات الاخبار عن العنف المنفلت وتصريحات المسؤولين لطالما اثارت غضبه.
قال للجميع: اعتذر عن ازعاجكم، قلب الطاولة الحقيقي أتمنى ان يحصل في الانتخابات البرلمانية على رؤوس من يتحمل المسؤولية في جر البلاد الى صراعات عبثية مدمرة. تصوروا الدم في الشوارع وبعض السياسيين ينسون ان الكثيرين يعرفون عن املاكهم خارج العراق المسجلة بأسماء اقربائهم وبكل بساطة يتحدثون عن محاربة الفساد ويعتقدون ان تدهور الاوضاع الامنية،هو مسؤولية المواطن،وكأنهم غير فاهمين حقيقة ما يجري !
حاولت ان أروي شيئا يبعدنا عن اخبار دعوات الثأر والانتقام التي يطلقها بعض السياسيين، بينما اخرون يغضون النظر عن كل ما يدور كأنهم غير فاهمين ان التدهور الخطير قد يجر البلاد الى الحرب الاهلية الطائفية. فخطرت لي حكاية صديقي،الذي يعيش خارج الوطن، يوم سافر للمشاركة في مؤتمر علمي في استراليا، فكتب لي أيميل: "أي هدية تريد من هناك؟" فاجبته مازحا:"يقال ان الكنغر يلهو في شوارع استراليا، ارسل لنا واحدا!". وسريعا وصلني رده:"لم اجد أي كنغر في الشوارع، تنفيذا لطلبك قصدت حديقة الحيوان،انا موجود على يمين الصورة المرفقة". ضحك الجميع وقال أبو جليل:"حلوة هاي..انا يمين الصورة". فواصلت حديثي: "أتعرفون معنى كلمة كنغر؟" فتوجهت لي الانظار. ابتسمت زوجتي ومعها سكينة وجليل ، فسبق لهم أن سمعوا مني الحكاية ، لكنهم ابدوا جهلهم متفهمين مقصدي في أبعاد أبو سكينة عن اخبار السياسة والسياسين. برطم أبو سكينه صامتا وهي علامة عدم معرفته الجواب، ففرحت لذلك فواصلت عرض معلوماتي: ("يقال ان جيمس كوك،الرحالة البريطاني، مكتشف السواحل الشرقية لقارة استراليا، حين شاهد الكنغر لاول مرة، تعجب من شكله وحركاته، فسأل احد سكان البلاد الاصليين عن اسم هذا الحيوان فأجابه :"كانغرو"، فسجل ذلك الاسم وانتشر في كل العالم، وبعد عشرات السنين واذ تمت دراسة لغة السكان الأصليين في أستراليا أكتشف العالم أن كلمة "كانغرو" تعني:"لم افهم"). ثنى أبو سكينة ساقه قليلا، أستعدل في جلسته وضحك : محلولة، قضيتك محلولة، اقصد رغبتك بالحصول على كنغر. لا داعي لان تكلف اصدقائك وتتعبهم بطلباتك. هذا "الكانغرو ـ لم افهم" متوفر في العراق، وبكثرة ، واذا تريد اعطيك عنوان المكانات وستجده هناك بكل الاحجام والاصناف . حيث يمكنك ان تختار" كانغرو"مضبط ومعدل، ببدلة وربطة عنق وحراسات وحمايات و... حمل وشيل بلا حساب !


465
المخرج هادي ماهود يعود مع سائق الاسعاف !



يوسف أبو الفوز
الفنان العراقي ، المخرج السينمائي ، المجتهد والمثابر ، هادي ماهود (مواليد السماوة 1960) ، وفي يومه الاخير ، في بروكسل ، قبل عودته الى العراق ، حاملا معه فيلمه الاخير "سائق الاسعاف" ، بعد انتهاء عملية المونتاج ، وعبر برنامج "السكاي بي" كان لنا زيارة الى غرفة المونتاج في بروكسل ، لمتابعة نتائج العمل، فكان لنا معه حوارا شيقا شارك بجزء منه المونيتير ستار نعمه . وقد صار معروفا ان فيلم "سائق الاسعاف" تدور احداثه في  الايام الاولى للغزو الامريكي للعراق عام 2003 ، ويتناول تحديدا الحادث الذي تعرضت له المجندة الامريكية  "جيسيكا لانج" في مدينة الناصرية ، التي تجسد دورها في الفيلم الممثلة التونسية حياة حرزي ، ويقاسمها الأدوار الاساسية الفنانان جبار الجنابي وعلي ريسان ، وجرى تصوير الفيلم في مدينة السماوة ، محل اقامة المخرج ، وبتصوير عبد الخالق الجواري والماكياج صديقة محمد علي ومدير الانتاج فاضل ماهود . سألنا الفنان المخرج :


   كون الفيلم يستمد قصته من حدث معروف جيدا وتناولته مختلف وسائل الاعلام بشكل مستفيض ، هل تم التعامل معه في الفيلم بروح وثائقية ، والى اي مدى كمخرج اضفت للحدث تصوراتك الخاصة؟
ــ  في هذا الفيلم حاولت الاستفادة من حدث واقعي لاقدم رؤيتي الخاصة له ، بذلت جهدي لاقدم الحدث من جانب انساني، من وجهة نظر عراقية ، اقدم وجهة نظر عن الحرب والموقف منها . لم اتمسك بوثائقية الحدث، ففي الفيلم ستجد هناك حتى شيئا من الفنتازيا .
   هل يحمل الفيلم رسالة محددة ضد الحرب ، ضد الغزو أو ضد النظام الحاكم حينها ؟
ــ موقفي الرافض للنظام السابق معروف جيدا ، وكذلك عملي كفنان في صفوف المعارضة ، وانا منحاز الى جانب الشعب ضد الديكتاتورية وضد الحرب ، من هنا تجد في الفيلم اشارات لمعارضة النظام السابق ، الا ان كون وسائل الاعلام ايامها غطت قصة المجندة الامريكية بدون الاشارة الى جوانب انسانية عديدة فيها ، دفعني للعمل على ابراز هذا الجانب . في هذه الحرب كان هناك بشر ماتوا فيها ، في حادث المجندة كان هناك عراقيون تمسكوا بانسانيتهم وكانوا جزء من الحدث اغفل الاعلام الاشارة لهم .  وددت تقديم رسالة ، ضد الحرب والعنف ، وموجهة ايضا للاخر ليعرف بأننا هناك عراقيين يتمسكون بأنسانيتهم رغم كل الظروف وليسوا ميالين للعنف والارهاب .


   كيف جرت أعمال تصوير الفيلم ، والظروف المحيطة بذلك وهل أستخدمت اماكن خاصة للتصوير ؟
ــ عمليات تصوير الفيلم استغرقت سبعة ايام ، من غير ايام زيارة مواقع التصوير مع الممثلين ، لاجل التآلف معها ، وجرى تصوير المشاهد الخارجية في شوارع مدينة السماوة ، وبحكم كون ان المواطن العراقي لا يشهد مثل هذا الحدث باستمرار فقد شكل وجود المواطنين خلال عمليات التصوير عائقا ليس هينا ، وكنا نبذل جهدا لابعادهم عن مزاحمة الكاميرا وعن الدخول في كادر التصوير بحيث لا يشوش ويفسد اللقطات . وبحكم كوننا في العراق لا نملك بلاتوهات خاصة للتصوير ، فقد لجأت الى استثمار مخزن ، تعاونت معنا جامعة المثنى وسمحت بأستغلاله ، وحولناه الى بلاتوه لتصوير المشاهد الداخلية وقد وفر علينا كثير من المتاعب .
   لكن الفيلم واجه متاعبا في التمويل ليس قليلة  كما عرفنا من خلال متابعة أعمال التحضير ؟
ـ للاسف ، اجدني دائما أكرر ذات الكلام وبروح الشكوى والالم ، عن الواقع الذي تعيشه السينما العراقية ، ومنها ما يخص عملية التمويل المناسب والكافي لانتاج عمل سينمائي جيد فنيا ، فقد حصلنا على دعم من برنامج (إنجاز) لمهرجان الخليج السينمائي . عملنا في هذا الفيلم ــ بما في ذلك سفري الى بروكسل لاغراض المونتاج ــ بميزانية لا تصل الى راتب شهري لمدير عام يعمل في قطاع السينما العراقية كمشرف ، وكان عليّ ان استقطع من وقتي للعمل في الفيلم وقتا للتفكير لان اضع كل مبلغ في مكانه الصحيح والا فسيتوقف العمل عند اي تبذير او صرف في غير محله  ، فلاجل انجاز الفيلم استخدمنا عُدَّةُ هائلة ، فقد استاجرنا اجهزة انارة من السليمانية وكرين وكاميرا ولا تنس ايضا تعاونت معنا ممثلة تونسية. ولولا الدعم اللوجستي الذي حصلنا عليه من مديرية شرطة المثنى ولواء المشاة 39 ودائرة صحة المثنى وهيئة إستثمار المثنى، لما تمكنا من انجاز اعمال التصوير .
   ارتباطا بذلك هل كانت هناك اجور للممثلين والعاملين ؟
ـ كانت هناك اجور محددة ، استطيع القول ان الجميع كانوا راضين عنها ، فهم على اطلاع جيد على ظروف لعمل وشح التمويل ، لم يعترض احد ، لا بل حاول البعض عدم اخذ الاجور لكني اصررت على ان ياخذ كل شخص حقه المتوفر ، واود الاشارة هنا الى ان هذا جاء تتويجا لروح الصداقة التي نشات بين فريق العمل ، فقد بكى البعض عند نهاية اعمال التصوير، ومن جانبي بذلت جهدي لتكون اياما حيوية ودللت العاملين ، فشخصيا تعلمت الاهتمام بالممثل العامل معي ، فالسينما هي حياتي والممثلون جزء منها .

   لو تحدثنا عن الممثلين ، نجدك تعود مرة اخرى للتعاون مع ممثلين من خارج الوسط الفني ؟
ــ هذا صحيح ، فالفنانة حياة حرزي ممثلة معروفة في تونس ، والفنان علي ريسان له اعمال خارج العراق ، والفنان جبار الجنابي هو بالاساس فنان تشكيلي ، أميل دائما في اعمالي للتعاون مع وجوه لم تستهلك ، وجوه غير جاهزة ، لكنها تملك امكانيات للعطاء ، ففيلم "سائق الاسعاف" سيكون من عشرين دقيقة ، وكمخرج بحاجة لوجوه مؤثرة تقدم شيئا متميزا يبقى في ذاكرة المشاهد ويوصل رسالة الفيلم . اتحاشى التعاون مع ممثلين يتمسكون بادائهم المسرحي امام الشاشة ، فانا لا اريد اطلاق النار على فيلمي بسبب اداء الممثلين ، فالفنان علي ريسان تقريبا غير معروف في اعمال عراقية ، وهو فنان مقتدر وصل السماوة وهو معبأ بالشخصية ، والفنان التشكيلي جبار الجنابي اخترته بقرار سريع ، فهو مقيم في كندا وبمجرد معرفتي بوجوده في العراق اتصلت به واتفقنا على العمل ، وكنت واثق من ان لوجهه سيكون حضورا عى الشاشة ، وكونه تشكيليا كانت له مساهمة جيدة ليكون المدير الفني للفيلم !

   وعن الممثلة التونسية حياة حرزي ، سبق وان تم الاعلان ان دور المجندة الامريكية يكون لفنانة استرالية ، كيف تم استبدالها ولماذا فنانة غير عراقية ؟
ــ اولااود القولي اني اكن تقديرا لعمل الفنانات العراقيات ، لكن متطلبات الفيلم واسلوبي في العمل ،  وكما قلت يحتاج الى وجوه جديدة غير معروفة ، وكنت بحاجة لممثلة بمزايا محددة من ناحية الشكل والامكانيات تقنعني بشخصية المجندة الامريكية ، ايضا ان دور المجندة يحتاج الى ممثلة لا تخاف التابوات في العمل ولديها جرأة في الوقوف امام الكاميرا بالشكل الذي يتطلبه العمل .  في بداية الامر تم الاتفاق مع الفنانة الاسترالية سالي كرينلاند ، التي كنت تطالبني مرارا في اشراكها في احد اعمالي ، فوجدت الفرصة مناسبة مع البدء بكتابة سيناريو سائق الاسعاف ، واحبت الدور وهيأت نفسها ، لكن يبدو ان ما تسمعه عن الاوضاع الامنية في العراق جعلها تطالب بنظام حماية خاص ، وحارس اجنبي ، وهذا لا طاقة لميزانية الفيلم بتحمله ، فكان الاتفاق مع الفنانة حياة حرزي ، التي تحدت كل الظروف وجاءت لتشاركنا حياتنا والعمل وكانت ناجحة جدا في عملها . لها وجه مؤثر واداء ممتاز مقنع .
   يبدو ان اعمال المونتاج صاحبتها بعض العراقيل ؟
ـ في البدء اود القول ان العمل مع الفنان المونير ستار نعمه ، كان ممتعا ورائعا ، واذا تحدثنا عمل واجهنا اثناء اعمال المنوتاج من صعوبات ، فهذا يعود بنا للحديث عن محدودية التمويل ، الذي جعلنا نستخدم اثناء التصوير اجهزة صوت للاسف تبين انها لم تكن بالكفاءة المطلوبة ، لقد اكمتلت اعمال المونتاج الصوري ، ولكن للاسف النتيجة كانت نصف فيلم ، اذ يتوجب علينا الان معالجة مشكلة الصوت ، الذي سيجبرنا باللجوء الى عملية دبلجة للأصوات ، ولحسن الحظ ان الفيلم يجب ان يكون جاهزا للعرض الاول في مهرجان دبي السينمائي الدولي ، فلدينا الوقت لمحاولة حل مشكلة الصوت . ولو ان الجهات المعنية والمؤسسات الفنية تعاونت معنا بشكل ايجابي واستجابت لطلباتنا ، وحصلنا على اجهزة الصوت المناسبة لما كان النتيجة بهذا الشكل .
الفنان المونتير ستار نعمه ، شاركنا الحديث واضاف :
ــ لاسف ان يواجه مخرج متمكن مثل هادي ماهود هذا الموقف وهذا التعامل ، فامامنا عمل سيضيف للسينما العراقية ، ويرفع اسم البلد عاليا في اماكن عرضه ، فالمطلوب هو التعاون لانجاز العمل بافضل شكل .


   المعروف ان المونتير هو مخرج ثان ، كيف كانت تسير رؤيتكما للفيلم وايقاعه انت والمخرج ؟
ــ رؤية المخرج هو الاساس هنا في انجاز الفيلم ، وحاولت ان اكون ليس مجرد تقني ، وان تكون لي وجهة نظر في اماكن معينة ، والشيء الجميل اننا متشابهان في الموقف من رفض الحرب ، واعجبني طريقة هادي في تناول الحدث بشكل انساني ، كانت لنا وقفات ونقاشات وتوصلنا الى اراء مشتركة ، ولم نختلف كثيرا فالفيلم لا يوجد فيه بطل محدد يستلزم التركيز عليه وان تضع له ايقاع خاص ، هناك ايقاع عمومي لكل الشخصيات .
   بحكم كون الفيلم يدور في ايام الحرب ، هل لجأتم الى اضافة مؤثرات خاصة على بعض المشاهد ؟
ــ ان الامكانيات المحدودة للتمويل الفيلم انعكست على امكانية المخرج لاستخدام مؤثرات مباشرة في اماكن التصوير ، من هنا لجأنا اثناء المونتاج لاضافة بعض المؤثرات المطلوبة ، مثل الدخان ، طلقات رصاص ، الحرائق والدخان ، وهنا لابد من الاشارة الى ان السينما من اجل تطويرها في العراق تحتاج الى التأسيس ، مراكز تدريب لتخريج عاملين في مختلف احتياجات السينما ، فليكون لدينا صوت ناجح  في اي الفيلم بالاضافة الى الاجهزة الكفوءة نحن بحاجة الى مهندسي صوت ومساعدين ومصلحي اجهزة وعاملين اي فريق عمل كامل متدرب بشكل جيد ويتقن عمله تماما ، ولا ادري ماذا تنتظر الحكومة العراقية لاجل استقدام الخبرات العراقية الموجودة خارج الوطن ومنحها الفرصة للعمل !



466
عالم أخر (17)

  عن تكنولوجيا التعليم
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

ورث العراق تركة ثقيلة بسبب من سياسات النظام المقبور ، وكان قطاع التعليم واحدا من القطاعات التي انحدر مستواها وتهاوى كثيرا ، وللاسف رغم كل عائدات النفط التي تدخل خزينة البلاد لا زال قطاع التعليم عندنا يعاني من الكثير من المشاكل ، خصوصا ما يتعلق بالبنية التحية له . لقد اهدر النظام المقبور ثروات العراق على حروب عبثية لا ناقة ولا جمل للشعب بها ، وعلى بناء اجهزة امنية ستبقى ممارساتها الوحشية بحق الابرياء من العراقيين ، عارا في تاريخ من عمل وساهم فيها ، وبعد التغيير عام 2003 ، وللاسف ، لم تول الحكومات المتعاقبة ما يكفي من الجهد والتخطيط والاموال ، لقطاع التعليم ، وان نظرة سريعة على الواقع الذي تعانيه المدارس في العراق ، والظروف التي يتعلم في ظلها التلاميذ تقود بالمتابع للشعور بالحزن ، خصوصا اذا ما قارن ذلك بالواقع الذي تعيشه دول لا تملك الثروات والعوائد التي يملكها بلد مثل العراق . هذا اذا ما اشرنا الى الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة الذي يهدر التخصيصات المالية ويستولي عليها بغير وجه حق ، وكان من نتائج ذلك ان الطلبة العراقيين يدرسون في مدارس لاتتوفر فيها ظروف مناسبة للدراسة فهناك الالاف من المدارس التي هي بحاجة ماسة للترميم سواء كان جزئيا او كليا هذا من غير الازدحام في المدارس وعدم توفر مقاعد كافية للجلوس وطبيعة المناهج وطرق التدريس وكفاءة المعلمين والعديد من المشاكل التي تتعلق بالبنية التحتية لعملية التعليم .

تعالوا ـ اصدقائي الاعزاء ـ لنلقي نظره على قطاع التعليم في بلد مثل فنلندا ، حيث يعتبر نظام التعليم احد الاسرار لتطور هذا البلد الصغير(5,4 مليون نسمة ) ، والذي لا يملك ما عند العراق من ثروات وامكانيات بشرية ، لكنه استثمر قطاع التعليم  ليكون ما هو عليه الان ، فنظام التعليم  في فنلندا يحتل دائما مراكز متقدمة في جداول الهيئات المعنية بالرصد في الامم المتحدة ، ومن ذلك التطور الذي تعيشه  تكنولوجيا التعليم في فنلندا التي واصلت التطور يوما بعد اخر، لتكون جزءا يوميا من حياة  الطلبة ، خصوصا ما يتعلق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، وهذا يشمل ، شبكات البيانات، واتصالات البيانات، وتكنولوجيا العرض، وأجهزة الكمبيوتر، وألاقراص المدمجة ، وأجهزة القياس المختلفة، والهواتف الذكية ، والبرمجيات وايضا بقية المرافق التعليمية . فبحكم كون نظام التعليم الفنلندي يبتعد عن اساليب التلقين ويعتمد اساليب البحث والتجارب العملية حيث تتحول الدروس التطبيقية في المختبر الى اوقات للمتعة يقبل عليها الطلبة بحماس مع انتفاء اسلوب الامتحانات والمنافسة التقليدية ، فان تكنولوجيا المعلومات صارت ركيزة اساسية في عملية التعليم .
وفي السنوات الاخيرة بدات تكنولوجيا المعلومات تستخدم في الكثير من المدارس الفنلندية ، وبدأ الاهتمام بالبنية التحتية لتحقيق ذلك بحيث يمكن ان تجد ذلك في كل صف دراسي ، فالمسؤولون في المؤسسات التعليمية يعتقدون ان ذلك يوفر انطلاقة جديدة للتعليم في فنلندا ، مستثمرا التكنولوجيا خصوصا في التعليم الثانوي والمهني العالي  .ولو زرت اي مدرسة فنلندية لوجدت هناك قاعة خاصة للكومبيوتر، ومكتبة مدرسية تحوي ما يحتاجه الطلبة من كتب ومجلات واشرطة موسيقية وفلمية ، اضافة لكون كل صف دراسي مزود بجهاز كومبيوتر وشاشات واجهزة عرض ، وفي الكثير من المدارس بدأ الطلاب يتزودون باجهزة iPad لتحل محل الكتب والدفاتر ، وتكون مزودة ببرامج خاصة بالعملية التربوية ، وحين ينجز الطلاب بحثا او واجبا بيتيا يرسل تقريره مباشرة بالايميل الى حساب مدرسه الخاص . وجدير بالاشارة ان هناك اهتماما بالخبرة الفنلندية في مجال تكنولوديا المعلومات من قبل العديد من الدول  مثل روسيا والصين ومن الدول العربية هناك اهتمام كبير من قبل المملكة العربية السعودية وهناك الان اتفاقات وبرامج لتدريب المعلمين وبيع تكنولوجيا التعليم الى هذه الدول .
يمكن القول ان الطبيعة ايضا ستكون محظوظة مع تطور تكنولوجيا التعليم هنا فلا حاجة بعد للكتب والورق ولا للوح الاسود والطباشير مع وجود الــ iPad وشاشات العرض ، وبدأ الطلبة يتخلصون من احمال حقائبهم الدراسية الثقيلة.
اليس ممكنا لنا في العراق ، ان نستفيد من تجارب هذه الدول مثل غيرنا ونرسل الخبراء لنتعلم تجربتهم  في قطاع التعليم ؟ ان االرغبة لبناء عراق متطور حضاري لا يتم بالامنيات ، بل يتطلب التحلي بمسؤولية عالية ، والعمل بجد لضمان حق المواطن في حصوله وابناءه على حق التعليم المتطور وتوفير مستلزمات التعليم الناجح اسوة بالدول المتحضرة والمتطورة وبالاستفادة من تجاربها !



467
تأسيس مجلس الجالية الكردستانية في فنلندا


هلسنكي ـ  يوسف أبو الفوز
 
في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ،  ومن بعد سلسلة اجتماعات ولقاءات ، وفي اجتماع تأسيسي ، عقد في يوم الاحد 28 نيسان الماضي ، واستغرق الاعداد له وقتا طويلا وشهد سجالات عميقة ، تم اقرار العديد من الوثائق، شملت النظام الداخلي والبرنامج ،  وايضا انتخاب الهيئة الادارية لمجلس الجالية الكردستانية  في فنلندا، وضم الاجتماع ممثلين من جميع اجزاء كردستان . ضمت الهيئة الادارية المنتخبة تسعة اعضاء اصليين ، بينهم ثلاث نساء ، واربعة أعضاء احتياط .


الفنان والناشط السياسي السيد سالار صوفي والمعروف كشخصية ديمقراطية مستقلة ، تم انتخابه رئيسا للهيئة الادارية ، وكان لنا معه لقاء سريع بعد الاجتماع :
ـ  لم يكن سهلا الوصول الى هذه النتيجة فقد استغرق منا عملا طويلا ، نطمح  لهذا المجلس ان يكون منظمة مجتمع مدني حيوية ولا يكون مجرد رقما يضاف لعدد ارقام المنظمات المشكلة والتي لا نسمع لها نشاطا . هدف المنظمة هو تنسيق جهود ابناء الجالية الكردستانية من اجل توحيد كلمتهم في اطار المهمات التي تواجههم على الساحة الفنلندية ، وحرصنا في مسودات الوثائق التي نوقشت باستفاضة من قبل الكثير من ابناء الجالية الكردستانية وشخصيات قانونية وثقافية ، صديقة لابناء كردستان ، واقرت في الاجتماع الاخير ، ان نغطي هموم كل شرائح ابناء الجالية في الجوانب الاجتماعية والثقافية ونسعى للعمل الجاد من ان يكون لنا صوتا متميزا من اجل عكس صورة ايجابية عن ثقافتنا وتاريخنا والتضامن مع ابناء كردستان .

السيدة شادمان علي فتاح ، والتي كانت عضوا في اللجنة التحضيرية ، وفازت في الانتخابات بعضوية الهيئة الادارية ، اضافت :
ـ سيكون هناك اجتماع قريب للهيئة الادارية لتوزيع المهمات بين اعضائها ، وسنحرص على تنفيذ برنامج منفتح على كل ابناء الجاليات الاخرى ، ولا نسعى لان يكون مجلس جاليتنا منعزلا عن هموم بقية الجاليات الاجنبية في فنلندا ، خصوصا التي نشترك معها في الكثير من الهموم والتي تتعايش مع ابناء كردستان ويشتركون معهم في التاريخ والارض والهموم ، بالرغم من التميز الذي تملكه منطقة كردستان بهمومها وما تواجهه وما واجههته سابقا . ونحرص بشكل كبير الا ان يكون المجلس مجلس سياسا ، بقدر ما يكون منظمة مجتمع مدني تتضامن مع مطاليب شعوب المنطقة وبالاخص منطقة كردستان . نحن في المجلس هنا معنيين اساسا بهموم ابناء الجالية الكردستانية في فنلندا ومتابعة ما تعيشه وعلاقة اندماجها مع المجتمع الفنلندي والتواصل الثقافي .
السيد سالار صوفي يعود ليضيف :
ـ لا نسعى لان نكون بديلا عن اي حزب سياسي او منظمة سياسية عاملة في فنلندا ، فقد سمعنا بعض من الملاحظات ، فرغم وجود ناشطين سياسيين معروفين بانتمائهم السياسي ، وعاملين معنا في مجلس الجالية الا ان انضمامهم للمجلس لم يتم على هذا الاساس ، فالنظام الداخلي لمجلس الجالية الذي اقر من قبل الاجتماع التأسيسي ينص على ان العضوية تتم على اساس المواطنة ، وأي مواطن  من اي قومية ، يعيش في كردستان له الحق بالانضمام والنشاط عبر مجلس الجالية ، بغض النظر عن انتمائه السياسي ،  فبرنامجنا  ذو طابع اجتماعي ثقافي ولكننا ايضا لا نغفل ما تواجهه المنطقة من تحديات ، فقضايا حقوق الانسان في المنطقة تتطلب منا المتابعة والتضامن وتحديد موقف واضح عندما يتم التجاوز عليها من اي حكومة من حكومات المنطقة .


468
تداعيات في رحاب الأول من أيار
يوسف أبو الفوز
 يوما قال الفقيد هادي العلوي ان تحت كل نخلة عراقية يجلس شاعر عراقي . وربما لست مبالغا ، اذا قلت نادرا ان تقابل عراقيا لم يحاول في حياته كتابة الشعر ، حتى ولو لنفسه . هذه الرغبة ، أجدها تتسلل الى روح العراقيين مع غبار طلع النخيل ، وكنت واحدا من هؤلاء الذين استنشقوا الطلع ، وحاولت الاستظلال بسعفات نخلات الشعر . كنت في الثالثة عشر من العمر ، حين اعلن استاذي ، في اللغة العربية ، أبن الموصل الحدباء ، المربي الفاضل، عبد الامير عبد الوهاب ، عن كون ما كتبته في دفتر الانشاء كان "قصة قصيرة" ، ودفعه حماسه الى ان يدور بي يومها في كل صفوف المدرسة ليعلن عن ولادة كاتب عراقي ـ هكذا مرة واحدة ! ـ . هذا الاعلان جعلني اودع طفولتي باكرا، والنظر بجدية الى ما يعنيه لقب الكاتب ، فكان ان غرقت بالقراءة ورحت أسعى لأكون هذا المعلن عنه . ولعدة سنوات كنت مشتتا وكدت اضيع بين العديد من الانواع الادبية . كتبت للمسرح ، نصوصا متواضعة قدم بعضها في البيوت من قبل فرق اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ، وكتبت نصوصا حماسية للمسابقات المدرسية في الخطابة ، وواصلت كتابة القصص القصيرة الساذجة وبعضها بـتأثير الاحداث وما اقرأ ، وبالطبع، ومثل كل عراقي تعلم فك الحرف ، حاولت كتابة الشعر أيضا !

في سنوات دراستي الجامعية ، في البصرة ، عملت مراسلا لطريق الشعب . العمل الصحفي وبشيء من الاحتراف رسخ عندي القناعة بأن النثر والقصة تحديدا هي مجالي الارحب ، وهي بيتي المناسب ، فالصحافة علمتني الاحاطة بالتفاصيل وملاحقتها لتعزيز قدراتي في الكتابة . لكني لم اتوقف عن خربشت نصوصا اسميها شعرا ، فثمة افكار تداهمك وتظن انها بذاتها تختار شكل كتابتها، الامر هنا ربما مرهون بكيمياء الروح . ويوما ، في البصرة ، وكنت دون العشرين من العمر ، مترعا بالاحلام والامنيات والحيوية ، مثل كل صحبي ورفاقي نحلق عند حواف الحلم مع كل فجر يوم جديد ، وفي حفل طلابي ، كنت اجلس قريبا الى الباب حين التفت لارى في أطار الباب فاتنة توشك على الدخول . النور يغطيها فتبدو كملاك . فاتنة بثوب ازرق . وثمة من ناداها فالتفت ، تطاير شعرها ، فأهتز قلبي . عند تلك اللحظات الحميمة ولدت سطور عفوية ، فيها شيء من روح وشعر نزار قباني ، راح الاصدقاء المقربين مني يتخاطفوها . صار لها عنوان مباشر جدا : " ذات الفستان الازرق " ! . في النص ، المتواضع ، الذي ولد في لحظة الاعجاب الخالص ، كتبت عن فاتنة يسبقها الضوء على مدخل الباب فتبدو كأنها ملاك ، عن الازرق الذي ملأ المكان بهاءا ، عن شعرها الذي يتناثر فيجعل القلب يرتجف . ونشر النص في عدد من دورية "المرفأ" ، التي كانت تصدر كل اسبوعين في البصرة ، وأذكر أن رئيس تحرير المرفأ أشاد بالنص عند نشره . لدواع مختلفة ، كتمت عن أصحابي شخصية الفتاة المعنية في النص ، والذين راحوا يتبارون في التخمين ومحاولة معرفتها . راح اصدقائي ، وكثير منهم احياء ويتذكرون تلك الوقائع ، يقودهم الشهيد الغالي "وافي كريم مشتت" * ، يدفعون بي مرات عديدة في التجمعات الطلابية الى قراءة ذلك النص بالذات . كان ذلك يحدث بدوافع عديدة ، ربما منها الاعجاب بالنص ، ومنها المشاكسة ومحاولة احراجي ولمراقبة ردود فعلي لمعرفة هوية ذات الفستان الازرق!
ولكن ، هل يفهم البعثيون العفالقة وجلازوة منظمة الاتحاد الوطني كل هذا الذي تقدم ؟!
في يوم من أيار عام 1976 ، وبعد ايام من قراءة النص في سفرة طلابية ، جرجروني من نادي الكلية الصغير، الى غرفة منظمة البعث الطلابية ، المسماة الاتحاد الوطني . خلف الطاولة كان هناك وجوه لم تكن من طلبة الكلية ، وكان أحد كوادر الاتحاد الوطني ، الذي صار فيما بعد رئيسا له في كلية الادارة والاقتصاد (الاخبار تقول انه قتل في الحرب مع ايران ) يقرأ بعصبية في ورقة أمامه مجموعة من الاسئلة . كانوا يريدون ان يفهموا، ماذا اعني بقولي : " ذات الفستان الازرق " ؟ هل هذا يعني الطبقة العاملة وبدلتها الزرقاء ؟! وماذا يعني "لأنتفاضة شعرها يرتجف القلب " ؟! وتساءل بغضب احد الغرباء عن الكلية عن معنى : " نظراتها تحمل النور" ؟! كان يهتز وهو يتكلم ويريد أن يعرف أي نور أقصد ؟!
ولاكثر من ساعة ، والنقاش والتهديدات تدور في ذات المربع الاول . ولم ينقذني من كل هذا سوى قدوم احد جلاوزة منظمة الاتحاد الوطني مضطربا ليعلن بأن عدد الطلبة من اصدقائي ورفاقي صار يتكاثر عند باب الغرفة بأنتظار خروجي ، فتركوني وثمة من يهز يده تهديدا !
لكم كان الطغاة يخافون الوان الحياة ، وكم كانت البدلة الزرقاء بهية الافياء !
*            مساهمة في ملف الاول من أيار /  طريق الشعب العدد 175 ليوم الثلاثاء 30 نيسان  2013‏
  *  *        الشهيد وافي كريم مشتت :  مواليد مدينة الثورة 1956. طالب في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة من عام 1975 . ترك الدراسة عام 1978 واختفى في بغداد . اعتقل أوائل ثمانينات القرن الماضي . قال سجناء سابقون في سجن " أبو غريب " انه اعدم ولم تسلم جثته إلى أهله .
 *   *  *     الصورة المرفقة من  ايام الدراسة الجامعية منتصف سبعينات القرن الماضي ويبدو الشهيد وافي كريم مشتت في الصف الثاني ، في طرف الصورة بالقميص الابيض .
 


469
الكلام المباح (41)
الأنتخابات وذاكرة الفيل !
يوسف أبو الفوز
رغم الاجواء الودية التي سادت وقت زيارتنا الى بيت صديقي الصدوق، أبو سكينة ، الا ان مزاج ابو جليل ترك اثره في حماسة ابو سكينة تحديدا . كان ابو جليل غاضبا لأنه حرم من المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات اذ لم يعثروا على اسمه في سجل الناخبين . جليل شرح لنا كيف ان جاره "ابو المحابس" واصل الدعاية لقائمته خارج المركز الانتخابي .كنت متفائلا واعتبرت الانتخابات ممارسة ديمقراطية مهمة رغم كل ما سجل من خروقات ورغم الإقبال الضعيف للناخبين . سكينة كانت متشائمة فهي ترى ان الانتخابات اذ جرت في ظل عدم تكافؤ في الفرص والامكانيات المتاحة للقوائم المتنافسة فأن النتائج ستكون ليس بالشكل الذي يناسب جهود القوى الديمقراطية والمدنية. زوجتي قالت ان منظمات راقبت الانتخابات اوصت بإحصاء عام يثبت تعداد الناخبين ومناطق سكناهم، لضمان عدم حرمان أي مواطن من حقه الانتخابي نتيجة نواقص السجلات الانتخابية ، والاسراع في إصدار قانون الاحزاب الذي ينظم مصادر تمويلها ويلزمها التقيد بتعليمات المفوضية ، وبدون ذلك ستظل العملية الانتخابية عرجاء تعاني النواقص . عادت سكينة يساندها جليل ليشيرا الى ان تخلف اكثر من نصف الناخبين من المشاركة، يعبر عن موقف الناس وحالة الاحباط التي اصابتهم نتيجة حالة الاستعصاء السياسي، وضعف الاداء الحكومي، والعلاقات المتشنجة بين الكتل المتنفذة ، والازمة العامة التي تلف البلد ، والركود الاقتصادي وتردي الخدمات والبطالة ، ورغبة البعض في التهييج والتجييش الطائفيين .
تملل ابو سكينة في مكانه ، فتوجهت اليه الانظار، اعجبتي  كونه بدا متابعا جيدا لكل تصريحات المسؤولين، وراح يستذكر ـ بمساعدتي ـ تقريرا علميا قرأته له قبل فترة عن من يمتلكون ذاكرة قوية ممتدة إلى سنوات بعيدة ويوصفون بأن لهم "ذاكرة الفيل"، مقابل ممن لا يستطيعون تذكر ماذا فعلوا بالامس وما جرى قبل ايام، فالمختصون بعالم الفيل يعتبرون ذاكرة الفيل استثنائية فهو يتذكر ولفترات زمنية طويلة الاماكن الاكثر امانا ومنابع المياه وحتى مناطق الصيد والخطر التي يتوجب تفاديها .حاول ابو سكينة ان يطيب خاطرابو جليل : يا صاحبي ، انظر للمستقبل ،أعتبر انتخابات مجالس المحافظات ، تمرين للناس من اجل انتخابات البرلمان القادمة ، خصوصا الممتنعين عن التصويت احتجاجا ، ويا ريت  في المرة القادمة موقفهم يكون عند صناديق الاقتراع وليس الجلوس في البيت ، وان لا تكون ذاكرتهم مثل ذاكرة الفيل يتذكرون مصائب المقبورين البعيدة وينسون المصائب الحالية اليومية !



470
المنبر الحر / سياسة الهيك !
« في: 14:27 16/04/2013  »
الكلام المباح (40)
سياسة الهيك !
يوسف أبو الفوز
دخل علينا جليل مغتماً، كنت أتصوره تشاجر من جديد مع زوجته، لكن تبين لنا أنه دخل من جديد في حوار متعب مع جاره "أبو المحابس". ضحك صديقي الصدوق ، أبو سكينه ، بعد ان سمع التفاصيل، ومال على أبو جليل: (يبين أبنك حوصلته صغيره، مثلك؟)،فأعترض جليل:(المشكلة ليس في حجج "أبو المحابس" الواهية، بل كونه أيام النظام الديكتاتوري كان يلبس الزيتوني حتى وهو نايم، وكل يوم شاخطنا بتقرير أمني، وبعد سقوط الديكتاتور، بدل وليّ النعمة وأطال لحيته وببصلة حاميه ختم گـصته وصار يقدم لنا محاضرات عن الحلال والحرام والديمقراطية والنعيم في العراق الجديد، واليوم حين قابلته كان يوزع دعايات لأحد المرشحين في انتخابات مجالس المحافظات، والمشكلة ان المرشح معروف لكل الناس بتأريخه الفاسد). ضحك أبو سكينه : (خلي صبرك طويل يا وليدي، وهمتك عاليه والانتخابات شغلة كبيرة ولا تعتقد ان المفسدين والمتلاعبين بحقوق الناس يستسلمون بسهولة، وللاسف مثل "أبو المحابس" موجودين ، لكن المفرح انهم يوم بعد يوم تنكشف حقيقتهم للناس، هاك شوف حتى المراجع الدينيه اعلنت انها على على مسافة واحدة من جميع الكتل السياسية والمرشحين لانتخابات مجالس المحافظات، لان صارت مكشوفة قضية استغلال اسم الدين للاغراض الخاصة بعيدا عن خدمة الناس ومنفعتهم ، وصار معروف ان هؤلاء وفي كل زمان ومكان يتجاهلون مطالب الناس وينشغلون بالصراعات على المغانم والمناصب ويتبعون "سياسة الهيك ").
وأبو سكينه هنا، يقودنا ــ عزيزي القاريء ــ الى حكاية أحد معارفنا التي لطالما تندرنا بها، حين جاءني الرجل يومها غاضبا من نسيبه : يا أستاذ أريد منك تكون حكم بيني وبين نسيبي، البارحة كان عندي وقال لي هيك وهيك ، أنا بكل احترام قلت له ما يصير، وساعه كاملة بينت له أن الامور لازم تتغير وتصير هيك وهيك، تدخلت زوجتي ــ أخته ــ  فمنعها من الكلام، عاند وركب راسه، وقال الامور لازم تبقى هيك وهيك، أني ما اتحملت ، يعني بصراحه يا أستاذ صبرت كثير وكنت اداريه واجامله لخاطر أخته ــ زوجتي ــ ، بس ما دام الامور صارت هيك، وهو مصرعلى ان يقول هيك وهيك ، اني قلت له خلاص، لهنا وتوصل الامور حدها، لازم كلشي يتغير ويصير هيك وهيك، انت شتقول استاذ ، هل احسن ان تبقى الامور هيك لو تتغير وتصير هيك؟؟

471
عالم أخر (15)
حكاية "الورقة العراقية" مع النزاهة والقانون الفنلندي !
أهمية التزام القادة السياسيين بالقانون لكونهم شخصيات اعتبارية ولسلوكهم جانب تربوي لعموم الشعب
هلسنكي ـ يوسف ابو الفوز
في العراق تتواصل التحضيرات لانتخابات مجالس المحافظات ، وسط الكثير من التحديات ، ويواجه المواطن خيار التصويت للمرشح المناسب الذي يهتم بهمومه ومطالبه ، في ظل ما تعيشه الدولة العراقية والعملية السياسية من اختناقات متواصلة وضعف مؤسسات الدولة في تطبيق القوانين ، الذي يسهل للكثير من المفسدين النجاة بافعالهم فنجد المواطن العراقي يحلم بان يكون للقانون في بلده سلطة كتلك التي يسمع عنها في الدول المتحضرة . تعالوا نرى كيف ان خرق القانون اطاح برئيسة وزراء دولة اوربية ، الطريف ان القضية عرفت بأسم "الورقة العراقية " !
حصل الامر في فنلندا ، عام 2003 ، خلال الانتخابات البرلمانية ، التي اعلنت نتائجها في 16 اذار نفس العام حيث حقق حزب الوسط نجاحا بارزا اذ لعب قادته "الورقة العراقية " بدهاء فكانت سببا في ارتفاع نسب التصويت لصالح مرشحيه ، فحصد العدد الاكبر من مقاعد البرلمان التي سمحت لزعيمة الحزب السيدة "أنيلي ياتينماكي" (مواليد 1955) بتشكيل الحكومة الفنلندية .  النصر الذي حققه حزب الوسط جاء بفضل مناظرة تلفزيونية ، على الهواء مباشرة، خلال الحملات الانتخابية ، حيث فاجأت زعيمة حزب الوسط ، السيدة "أنيلي ياتينماكي"، رئيس الوزراء الاسبق وزعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي ، السيد " بافو ليبونين " ، بأنها تعرف الكثير عن اجتماعه مع الرئيس الأمريكي "جورج ديبليو بوش " ، الذي عقد في واشنطن في 9 /12/ 2002 . تحدثت زعيمة حزب الوسط عن ما سمته وعود بافو ليبونين للرئيس الأمريكي بضمان مساندة فنلندا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وأيضا حملتهم العسكرية على العراق ، واتهمته بتوريط فنلندا بالموافقة على سياسة الحرب الأمريكية ، وبشكل مخالف لسياسة فنلندا الخارجية السلمية ، وموقفها الذي يجب ان ينسجم مع سياسات الاتحاد الأوربي ، والداعي إلى حل الأزمة العراقية من خلال الأمم المتحدة وبالطرق السلمية . في الأيام التالية للمناظرة تسربت معلومات إلى الصحافة المحلية عن وثيقة رسمية سرية هو محضر اجتماع رئيس الوزراء بافو ليبونين مع الرئيس الأمريكي الذي كان يعقد لقاءات واجتماعات مع قادة العديد من الدول الأوربية في سعي من الولايات المتحدة الأمريكية لكسب اكبر عدد ممكن من الحلفاء لحربه المنتظرة ضد العراق . ذكرت التقارير الصحفية وطبقا للوثيقة السرية ان الرئيس الأمريكي مدح فنلندا كشريك جيد للولايات المتحدة في مواقفه من الحرب ضد العراق. في ذلك الوقت كانت فيه شوارع العواصم والمدن الأوربية ومنها العاصمة الفنلندية ، تلتهب تحت أقدام المتظاهرين ضد الحرب ، هذه المعلومات دفعت بالعديد من الأحزاب الفنلندية لمهاجمة السياسة الخارجية للحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبالتالي أدى إلى انفضاض الناخبين عنه ، وترك أثره على نتائج الانتخابات ، فحقق حزب الوسط فوزا مشهودا ، وكلفت السيدة "أنيلي ياتينماكي" بتشكيل الحكومة الجديدة ، لتكون اول أمرأة في تاريخ فنلندا تشغل منصب رئيس الوزراء . لم تنهنأ المنتصرة بمنصبها كثيرا ، فتبعا للاسس الديمقراطية والشفافية في المعلومات وحرية التعبير في الصحافة التي يكفلها القانون ، راحت الصحافة تتابع قضية الحصول على المعلومات السرية وتسرب وثائق الدولة للصحافة ، وتوظيفها للتلاعب بمشاعر الناخبين والتاثير على الراي العام واثبات ان هناك طرق غير قانونية اتبعت للحصول على وثائق سرية . وتواصل الحديث عن اهمية التزام القادة السياسيين بقوانين الدولة لكونهم شخصيات اعتبارية ولسلوكهم جانب تربوي لعموم الشعب  فخرق القانون امرا لا يغتفر . وسرعان ما كشفت الصحافة الفنلندية ان الوثائق الرسمية السرية تم تسريبها من ديوان رئاسة الجمهورية ووصلت إلى رئيسة حزب الوسط التي وظفتها في حملتها الانتخابية . وفور نشر هذه المعلومات تبنت الاحزاب المتضررة في الانتخابات دعوة البرلمان لمساءلة رئيسة الوزراء وأجراء التحقيقات الرسمية اللازمة من قبل الجهات المختصة. واستطاعت الجهات الرسمية بعد سلسلة من التحقيقات ان تحدد مصدر تسرب المعلومات ، وتبين انه مستشار رئيسة الجمهورية القانوني ، الذي اعترف للشرطة السياسية بفعلته ، فأقيل فورا من منصبه لعدم أمانته. في جلسة المسائلة في البرلمان حاولت رئيسة الوزراء أنيلي ياتينماكي التخفيف من الأمر كونها قدّمت وجهة نظر المعارضة ذلك الوقت، وان من حق المواطن معرفة كل المعلومات ، وأن خطر نشوب الحرب في العراق ترك تأثيره على مشاعر كل الفنلنديين ، وغرضها المحافظة على موقف الحياد الذي عرفت به فنلندا. لكن وأمام ثبوت الأدلة بحصولها على الوثائق بشكل غير شرعي، وفي
جلسة خاصة استمع البرلمان لاعترافها وقدمت اعتذارها لرئيسة الجمهورية، وحاولت المناورة بأن الوثائق وصلتها عن طريق الفاكس وانها لم تطلبها أو تسعى أليها. لم يكن تبريرها مقنعا للكتل البرلمانية ولا للشارع الفنلندي الذي تابع القضية وراح في استطلاعات الرأي يعبر عن غضبه ويتهمها بالكذب المباشر. وفي تعليق مباشر لرئيسة الجمهورية السيدة تاريا هالونين  أشارت إلى حق كل مرشح أثناء حملة الانتخابات في استخدام المعلومات المناسبة ولكن وفقا للطرق القانونية والشرعية ، وبينت ان سلوك رئيسة الوزراء كان مخالفة قانونية وسياسية واضحة ، وكان هذا تأييد مباشر للأصوات التي تطالب باستقالة رئيسة الوزراء ، بسبب خرقها للقوانين الفنلندية . وفي ساعة متأخرة من مساء 18 حزيران 2003، بعد شهرين من تشكيلها للحكومة ، قدمت أنيلي ياتينماكي ، رئيسة حزب الوسط ، استقالتها لرئيسة الجمهورية ، التي أعلنت نفس المساء عن قبولها . ولتفادي نشوب أزمة سياسية جرت حالا مفاوضات طاحنة خلف الكواليس وبقت التشكيلة الوزارية ذاتها وجيء بـ"ماتي  فانهانينين" وهو واحد من ابرز قادة حزب الوسط  ليشغل موقع رئيس الوزراء ، وحضي بموافقة رئيسة الجمهورية . ولم تنتهي مصاعب السيدة أنيلي ياتينماكي من جراء استخدامها "الورقة العراقية " ، إذ تصاعدت الأصوات داخل حزبها تنتقدها لما سببته من أزمة سياسية في البلاد وانحسار في شعبية الحزب ، وصارت مادة مفضلة لرسوم الكاريكاتير والبرامج الساخرة ، ولحد توقع بعض المحللين انها ستبادر للاعتزال السياسي، وقامت بجولة في المدن الفنلندية في محاولة لتلميع صورتها أمام أعضاء حزبها ، الذي وبطلب من قاعدته هيأ لعقد مؤتمر جديد . وفي  الخامس من تشرين الأول  2003 ، عقد المؤتمر وسط ترقب شديد من الشارع الفنلندي ، ورغم خطابها اللين الذي حاولت فيه استرضاء مندوبي الموتمر تم التصويت بالإجماع بعزلها عن قيادة الحزب وبنفس الوقت تم انتخاب وأيضا بالاجماع ماتي  فانهانينين  زعيما للحزب ، وفي خطاب الوداع  بدت فيه منكسرة على عكس ما عرف عنها من الظهور بمظهر المرأة الحديدية . وهكذا لم تكن نتيحة خرقها القانون واللعب بنار الورقة العراقية الاطاحة بها فقط من رئاسة الوزارة التي لم تهنأ بها ، بل واجهزت على مستقبلها السياسي !
يا ترى هل يتعظ البعض من ذلك ؟!


472
المنبر الحر / السعادة في زنزانة !
« في: 15:23 01/04/2013  »
عالم أخر (14)
السعادة في زنزانة !
سجن تأريخي في هلسنكي يتحول الى فندق سياحي فاخر
هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز
كيف سيكون شعور زوجتك وانت تجعلها تقضي ليلة ذكرى عيد ميلادها في زنزانة سجن ؟ هذا ما فعلته مع حبيبتي وشريكة حياتي شادمان التي عودتها على هدايا متميزة ومفاجأة بين الحين والاخر، وفي ليلة عيد ميلادها في عام 2011 ، كانت هديتي لها هو قضاء ليلة في زنزانة في سجن تأريخي ، وكانت بالنسبة لكلينا ليلة سعيدة جدا وصفتها شادمان بالمدهشة حيث تنام وحولك تطوف اشباح قصص حقيقية ووهمية !
 كيف يمكن ان يستقيم الامر ؟ !


السجن الذي قضينا ليلتنا السعيدة فيه، يقع في الطرف الجنوبي من العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، في منطقة كاتيانوكا (Katajanokka ) ، وهي جزيرة صغيرة ، حوت تأريخيا على ثكنات ومعسكرات للجيش ودخلت ضمن الخطط لتحصين العاصمة وترتبط بجسور مع بقية اطراف العاصمة. أكتمل بناء السجن في عام 1837، بأمر من القيصر الروسي نيقولا الاول (1825–1855) . في عام 1809 خسرت المملكة السويدية، صراعها المرير مع الامبراطورية الروسية، وتنازلت عن حكم فنلندا ، وبدأ الحكم الروسي القيصري بتحديث البلاد لتلائم طريقة واساليب  الحكم ، وكان من ضمن ذلك بناء سجون حديثة للثوار الفنلنديين والمتمردين الوطنيين على الاحتلال الروسي وايضا للمجرمين والخارجين على القانون . بدأ مشروع بناء السجن في عام 1832 واكتمل في عام 1837 . وقام الامبراطور الكسندر الثالث (1881–1894) ببناء المزيد من الزنازين وجاء القسم الجديد على غرار نموذج سجن امريكي بني في فيلادفيا عام 1800 ، كان في وقته حدثا معماريا ليس بأستخدام الخشب ، بل باستخدام الطابوق الاحمر في البناء ، وجاء من ثلاث طوابق تربطها سلالم حديدية ، بممرات طويلة ضيقة وزنازين على الجانبين ومزود بانارة كهربائية وتدفئة مركزية وفيما بعد شبكة للصرف الصحي . حوى السجن 164 زنزانة ، وكان معدل السجناء فيه يصل الى 200 سجينا ، وفيه زنازين مخصصة للنساء ، فيما بعد تحول السجن الى اشبه بسجن التسفيرات خاصة بعد استقلال فنلندا عام 1917 ، حيث يحال له السجناء بعد الحكم عليهم ، وينتظرون فيه حتى يتم توزيعهم وترحيلهم الى سجون اخرى في البلاد !


 منذ عام 1895 بدات تظهر في الجزيرة البيوت الفاخرة للعوائل الثرية ولرجالات الدولة،  وكانت كاتدرائية  اوزبنسكي (Uspenski) التابعة للطائفة الارثذوكسية  قد بنيت عام 1868 ، كواحدة من اجمل الكنائس في العالم ، وتعتبر حاليا اكبر كنيسة ارثوذكسية في أوروبا الغربية ، واغلب البناء جاء على الطراز القوطي المشابه لبناء مدينة بطرسبورغ الروسية ، هكذا حين بحث المخرج البريطاني  ديفيد لين (1908 ـ 1991) عن مواقع لتصوير فلم "ديكتور جيفاكو" 1965 ، الذي قام ببطولته الممثل عمر الشريف (مواليد 1932) ، عن القصة الملحمية للكاتب الروسي بوريس باسترناك (1890 ـ 1960) بنفس الاسم والتي تحكي في جانب منها قصة الحرب الاهلية بعد ثورة اكتوبر عام 1917 ، لم  يجد المخرج العبقري افضل من ساحات وشوارع منطقة كاتيانوكا  لتصوير الكثير من مشاهد الفيلم خصوصا الاحداث التي تجري في المدن الروسية ومنها بطرسبورغ .

 بعد  استقلال فنلندا شملت الخطط العمرانية منطقة كاتيانوكا لتحوي ميناءا وحوض سفن ومبان لوزارات والعديد من اهم دوائر الدولة الرسمية ، فالقسم الرئيس من مؤسسات وزارة الخارجية ومكتب وزير الخارجية الحالي لا يزال يقع في احدى مباني المنطقة ذات الموقع الساحر حيث البحر يحيط  بها من اكثر من جهة . ثم ظهرت خطوط التراموي والمخازن والمطاعم لتتحول المنطقة الى واحدة من اجمل مناطق العاصمة ، وصار يبرز السؤال يوما بعد اخر عن جدوى وجود سجن بهذا الحجم في وسط هذه المنطقة النامية ، وحيث بدات العديد من الشركات السياحية التي تملك اساطيل سفن بحرية تفتح لها مكاتب عمل  فتم اغلاق السجن عام 2001 ، وبرزت فكرة استثمار المكان وتحويل بناية السجن الى فندق سياحي فاخر، وتنافست العديد من الشركات حول المشروع ، الذي اكتمل عام 2007 ، حيث تم تحويل كل زنزانتين كل الى غرفة مزودة بكل التجهيزات وخدمات فندق من اربع نجوم ، وتحويل احدى قاعات السجن الى مطعم فاخر ، واخرى الى  كافتريا ، مع وجود خدمات انترنيت وصالة رياضة والحفاظ على كنيسة السجن كمكان عبادة ومتحف لتأريخ البناية . واذ تم المحافظة على المظهر الخارجي للسجن ليضفي وشكل باحاته الداخلية لاسباب سياحية  ، فمن اجل المزيد من الاثارة تم استخدام اكسوارات وديكورات تنتمي الى عالم السجن ، وتم الابقاء على بعض الاماكن مثلما هي حيث يمكن زيارتها ، فهناك زنزانة انفرادية يمكنك الجلوس فيها والتأمل والتقاط الصور ، وهناك معرض للصور عن حياة السجن الداخلية . الطريف ان العاملين في السجن في المطبخ وخلف البار وعمال النظافة والكهربائيين وغيرهم ، يرتدون ازياء تعود لحياة السجن ، ونقصد البدلات المخططة الشهيرة المزودة بارقام السجناء الكبيرة . يذكر ان السجن في فترات مختلفة ضم بين صفوفه سجناء مشهورين ومعروفين ليس في  البلاد فقط بل وفي العالم ، سواء من المجرمين سارقي البنوك او السياسيين ، وربما من اشهرهم رئيس الجمهورية الفنلندي ريستو روتي (1889 ـ 1956)  الذي ارسلته محاكم الحلفاء بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الى السجن كمجرم حرب ، لكونه مسؤولا عن تعاون فنلندا ايامها مع حكومة وخطط هتلر ضد الاتحاد السوفياتي والعالم فقضى السجين فترة عقوبته في زنزانة في سجن  كاتيانوكا حتى تم نقله الى المستشفى ليموت هناك ، وقد حاولت شخصيا  حجز هذه الغرفة  لكن الادارة اخبرتني ان طابور الانتظار لحجزها والنوم  فيها طويلا ويحتاج ربما عدة اسابيع للانتظار  !                  
 


473
الكلام المباح (39)
 
يالرايح للحزب خذني !

يوسف أبو الفوز
الاحتفالات بذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي عند الكثيرين هي مناسبة ليس للفرح فقط ، بل ولاستذكار بطولات مناضلين وتضحيات شهداء من اجل قضية نبيلة في مسيرة طويلة . وكلما تحل علينا الذكرى، اصبح لدينا تقليد ، اضافة لحضور الاحتفالات الرسمية ، أقامة احتفال عائلي نحاول ان يكون تلقائيا وبسيطا. هذه المرة ، صار الرأي ان نحتفل في بيت ، صديقي الصدوق ، أبو سكينه . كانت فرصة لأن تجتمع عوائلنا بوجود اطفالنا وكنا سابقا نتحايل لعدم اصطحابهم حرصا على صحة ومزاج أبو سكينة وابو جليل فهما لا يطيقان الضوضاء ولغط الاصوات. ابو سكينة يقول : " كل عمرنا قضيناه بدوخة الراس خلونا آخر عمرنا شوية نعيش بهدوء ". يوم الحفل جئنا مبكرين ، كانت زوجتي اعدت بعض المعجنات ، كليجة بالتمر، بقلاوة ، وقالب كيك خصيصا لأبي سكينة وابو جليل . ابو سكينه يسميه "الكيك الطبي" لانه قليل السكر والدهن . وظلت عينا ابو جليل ترنوان الى البقلاوة بانزعاج لان الطبيب منعه من الاكثار من الحلويات . بادرت سكينة وأمها وزينتا البيت ليبدو بهيجا ، وما ان اكتمل وصول  الجميع ، حتى أخذ جليل زمام المبادرة ، أرتجل كلمة مؤثرة ، أبدى فخره بأن المجتمعين يحتفلون بذكرى حزب كلما تمر السنين تجعله التجارب اكثر شبابا . اشاد بتأريخ نضالات والده وابو سكينه كونهما كانا خير مثال له ولمن حوله، كمناضلين صلبين ، بتحملهما المصاعب ، حبهما للحياة وتواضعهما ، ثم راح يغني "يا حزب الابطال"، فشاركناه جميعا الغناء . قرأت مقاطعا من قصيدة للجواهري، غنت زوجتي وتبعناها جميعا "عمي يا بو الجاكوج". لاحظ أبو سكينة ان الاطفال سعداء باللقاء ويشاركون بالرقص والتصفيق ، لكنهم لا يجيدون كلمات كل الاغاني خاصة القديمة. فقال لي وهو يحرص ان لا يسمعني سواه : "بويه ، انت يا مثقفنا ، نقول اطفالنا هم المستقبل ، اذا ما يعرفون اغانينا شلون راح تتواصل الاجيال ؟ ". وجاء الرد من حيث لا يدري، اذ راحت سوزان الصبية ابنة جليل تغني وشاركها الجميع ، واخذ الحماس ابو سكينة وابو جليل فعلا صوتيهما وترقرت الدموع في عينيهما ، وفي بالي ان صور رفاقهم الشهداء تطوف في بالهما فلطالما اخبرونا بان هذه اغنيتهما الاحب خلال وجودهما في السجن . كان صوت سوزان الفتي ساحرا والجميع من حولها يغني ويدبك :
يل رايح للحزب خذني     وبنار المعركة ذبني
 برقبتي دين اريد أوفي   على أعوام المضت مني !



474
هل الكرد بحاجة لتحويل حلبجة الى كربلاء ثانية ؟
يوسف أبو الفوز
التساؤل بهذا الشكل الصارخ ، ليس اعتباطا يأتي من بعد متابعة للاحتفالات بمرور ربع قرن على جريمة حلبجة ، التي لم تكن الا نتيجة للسياسة الديكتاتورية ، لفكر شوفيني اعتقد ان بامكانه بأعتماد سياسة الابادة الجماعية ايقاف شعب واسكاته عن المطالبة بحقوقه المشروعة . حضرت مؤخرا في فنلندا حفلا نوعيا تميز بالحضور الكثيف ، ساهم في تنظيمه والدعوة اليه اثنان وعشرون من منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية العراقية والكردستانية وبالتنسيق مع ثلاث منظمات فنلندية ، وعلى حد تعبير احد الاخوة المنظمين ان عظمة المناسبة اجبرت الجميع على توحيد جهودهم لاستذكار الماسأة ، يأتي هذا التعليق من واقع ان السنوات التي مرت كانت تشهد تشتتا مثيرا للحزن للجهود ، حيث يعقد عادة  اكثر من حفل لذات المناسبة ، الامر الذي حدا بأحد الاصدقاء التوقف عن المساهمة في اي من هذه الاحتفالات ، لأنه يتلقى الدعوات من كل الجهات وحين يتوجه لحفل ما فأن الجهة الثانية تقاطعه بمختلف السبل. في الحفل النوعي الاخير اثار ارتياحي ، وهذا ما اشرت اليه في كلمتي المرتجلة حين دعوني للمسرح والمساهمة ككاتب عراقي ، هو ان الكثير من الكلمات تميزت بالوضوح في تحميل نظام صدام حسين الديكتاتوري المسؤولية عن الاحداث، وباتت تخبو بعض الاصوات التي كانت سابقا تحاول تحميل كل العراقيين مسؤولية الحدث والجريمة .  في كلمتي اشرت ايضا بوضوح الى أمنية ان لا نحول حلبجة الى كربلاء ثانية ! فخلال الحفل توقف احد الاخوة المتحدثين عن الكلام وهو يغص بالبكاء ، وناوله البعض مناديل لتكفيف دموعه ، وبعد لحظات صعدت احد شهود الجريمة وكانت طفلة يوم الحدث لتتحدث عن فقدانها ثمانية من افراد عائلتها ولتتوقف عن الكلام وهي تغص في البكاء فتترك المسرح دون اكمال شهادتها وشاركها بعض من في القاعة البكاء ، وكانت شاشة سينمائية تعرض على مدار ساعات الحفل الاربع  صور كل الشهداء الضحايا وهي منثورة في  شوارع المدينة القتيلة . كان الجو في القاعة مأساويا ومسح الكثيرين دون ارادتهم دموعهم ، وغادر البعض القاعة لانه لم يحتمل . وفي احاديث عبر الهاتف مع اصدقاء في اماكن مختلفة وانا انقل لهم ما جرى ، قيل لي ان المشهد تكرر عندهم وان بتفاصيل مختلفة ولكنه بذات المعنى في احتفالات مشابهة . لا احد يختلف هنا حول حجم ماساة مدينة حلبجة وحجم الخسارة البشرية ، وقد قدر لي كمقاتل في صفوف الانصار الشيوعيين ان اسجل شهادتي يومها في كتاب "اطفال الانفال" صدر عام 2004 في السليمانية عن وزارة الثقافة في اقليم كردستان ، لاعرض دموية وبشاعة النظام الديكتاتوري ، وسجلت الاحداث المأساوية مثلما شهدتها من من زاوية ما تعرض له الاطفال الاكراد ، وفي حلبجة الشهيدة فأن خمسة الاف شهيد وسبعة الاف جريح خلال ساعات ليس امرا هينا ، لكن الاسئلة والافكار المثارة هنا تستحق التوقف عندها .
ثمة من يقول ان القيادات الكردية ، في ظل الازمة المتوترة ما بين مركز الدولة الاتحادية واقليم كردستان بحاجة لتجميع الصفوف ولمها تحت راية القومية الكردية ، وليس افضل من راية حلبجة الشهيدة مثلما يرفع الشيعة سياسيا راية الحسين الشهيد ! وثمة من يقول ان تصاعد نشاط الحركات الاسلامية الكردية والتوقعات بتحقيقها فوز انتخابي قادم في المستقبل القريب سيقرر تغيير في موازين السلطة في كردستان ، يجعل القيادات القومية الكردية بحاجة لرمز قومي يحرك المشاعر القومية لتجميع اهالي كردستان أمام صناديق الاقتراع . بغض النظر عن هذا اجدني اتفاعل مع الرأي الذي  يقول ان جريمة مدينة حلبجة ونتائجها المأسوية المستمرة تدعوا الحكومة العراقية وجميع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حكومة الاقليم والمنظمات الدولية في ضرورة النظر الى المستقبل أولا ، حتى لا نحول مأساة حلبجة الى مناسبة للبكاء واللطم وشتم الطاغية المجرم فقط ، فأن لمدينة حلبجة واهلها مستقبل افضل يستحقونه ويجب العمل لاجل ذلك بتفان وتوحيد كل الجهود لاجل تحقيقه .  ويمكن هنا الحديث عن الواقع الصحي الحالي للمدينة واكتشاف تلوث التربة فيها ومسؤولية الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان والاحزاب في معالجة الاوضاع في المدينة . ان الاحاديث عن الفساد في الدولة العراقية ، التي سمعتها من اهالي مدينة حلبجة ، التي ازورها بأستمرار والتقي ناسها واهلها وبعض مثقفيها ،  تشمل فيما تشمل، المساعدات التي استلمتها جهات حكومية ومنظمات مجتمع مدني واحزاب بأسم مدينة حلبجة ، والسؤال هو : اين ذهبت كل هذه المساعدات ؟ اهالي مدينة حلبجة يتحدثون أن الكثير من عوائل المدينة استلمت اراضي واستلموا رواتب تقاعدية، لكن المدينة ستورث للاجيال القادمة اشياء خطيرة لا تنفع معها الرواتب والاراضي، ففي الفترة الاخيرة اعلن عن زيارة وفد بريطاني متخصص بالاسلحة الكيمياوية لمدينة حلبجة وقام بإجراء فحوصات لتربة المدينة التي تعرضت للقصف بخليط من الغازات السامة، كغاز الخردل وغاز الأعصاب (سارين) وغاز التابون وغاز (في أكس) تبين لهم بالفحص وجود لحد الان بقايا من غاز الخردل القاتل في عدد من الملاجئ وأقبية المنازل وطالبوا اصحاب تلك الملاجيء بعدم لمس التربة . ولقد كشف مؤخرا مدير بلدية حلبجة ، عن تسجيل نسب عالية من الاصابة بالامراض السرطانية نتيجة الاصابة بالاسلحة الكيمياوية ، وان اهل حلبجة لا يزالون يعانون من تبعات القصف الكيماوي رغم مرور السنوات ، ولايزال الكثير من أهالي المدينة والقرى القريبة يشعرون بأمراض في الاجهزة التفسية وامراض جلدية ومشاكل العقم وانواع من امراض الشلل ومشاكل في البصر وامراض اخرى مزمنة . ان تأمين مستقبل مدينة حلبجة ونظافة بيئتها والسلامة الصحية للاجيال القادمة هو المهمة الآنية التي يتطلب العمل لاجلها بتفان بدون هدر الوقت باللطم والبكاء ، وهو في حد ذاته رد على الديكتاتورية المجرمة عدوة الحياة .
هلسنكي 17 اذار 2013


 

475
الكلام المباح (38)
الأوسكار العراقي
يوسف أبو الفوز
كانت زوجتي،مثل الملايين من عشاق السينما، الذين يتابعون بأهتمام أحداثها ، تحرص كل عام على متابعة حفلة نتائج جائزة الاوسكار، كونها تعد من اشهر الجوائز السينمائية في امريكا والعالم. في زيارتنا الاخيرة الى بيت صديقي الصدوق ابو سكينة، ما أن  اشارت زوجتي الى ذلك ، حتى راح جليل يتحدث مغتاظا لان جائزة افضل فيلم نالها فيلم يمجد اعمال وكالة المخابرات المركزية الامريكية (CIA) ويحاول ان يقدمها كماكنة ذكاء لا تقهر ومؤسسة محبة للحياة، من جانبي حاولت لفت الانتباه الى ان حفل جوائز الاوسكار صار يبتعد عن كونه حفلا فنيا ثقافيا ليكون مجرد استعراض تجاري ودعائي للازياء وتسريحات الشعر والمجوهرات التي تنال القسط الاكبر من اضواء الكاميرات . كان ابو جليل لا يزال مهموما لما حصل قبل ايام من مأساة عند غرق عبارة المطعم على نهر دجلة وكان يكرر السؤال عن عدد الضحايا، وأذ كنت اعرف أن ابو سكينة يعاني من مغص مفاجىء ، فلم استغرب هدوءه متابعا الاحاديث تنتقل من موضوع الى اخر ، لكنه سألني فجأة :"رحمة لموتاك ، هل يوجد عندنا حفل اوسكار عراقي؟" حاولت ان امهد لجوابي بالقول ان السينما صناعة وتحتاج الى الكثير من المستلزمات للنهوض بها، قاطعني بحدة : "وروح جدك كل هذا سامع بيه ، كل مرة أنت من تقرأ لي الجرايد، تبحش عن موضوع يخص السينما حتى تبعدنا عن دوخة السياسة؟ اتذكر قولك شلون تتطور السينما في العراق وما عندنا دور عرض بيها خير؟ بس أكرر سؤالي :هل لدينا مهرجان او جائزة تشبه جائزة الاوسكار؟" فسارع  جليل وزوجته وسكينة وزوجتي للاجابة بدلا عني بعبارات اكدت ان لا وجود لمثل هذا المهرجان والجائزة. اتكأ ابو سكينه في مكانه ومد رقبته:"وشنو رايكم اذا وبمكان اكاديمية الفنون الامريكية ننظم مهرجان اوسكار عراقي وحالا؟". ملنا عليه جميعا ورحنا نترقب التالي من كلامه. أشار الى سكينة:"هاتي لنا اوراق واقلام حتى نسجل الترشيحات، لكن اريد منكم تساعدوني لأن وحدي لا يمكن ان ادبرها". رحنا ننظر احدنا بوجه الاخر، محاولين قراءة افكاره. لم يجعلنا ننتظر كثيرا، صاح بنا:" الا تتابعون عروض الافلام العراقية القصيرة والطويلة، الدرامية والكوميدية في مبنى البرلمان والحكومة والشوارع والبيوت والساحات والكواليس، وكيف ما زلنا ندور من ازمة الى اخرى ومن فضيحة فساد الى اخرى ومن تردي في احوال معيشة الناس الى اختراقات في الحالة الامنية، تعالوا نوزع جوائز اوسكار عراقية لصانعي هذه الافلام حسب الجدول الذي وزعت به جوائز الاوسكار في امريكا، لافضل منتج وافضل مخرج وافضل ممثل وافضل مكياج وافضل مونتاج وافضل تصوير وافضل حيل فنية وافضل ... !
 


476
ربع قرن على جريمة حلبجة
حلبجة ... مأساة ومستقبل !
شاهد على المجزرة الرفيقة شادمان علي فتاح :
من اجل ان لا نحول مأساة حلبجة الى مناسبة للبكاء واللطم وشتم الطاغية فقط !




يوسف أبو الفوز
المتابعون للصحافة العراقية ، يعرفون مصداقية كلامي اذ اقول اني من الكتاب العراقيين الذين كتبوا وتحدثوا باستمرار عن مأساة مدينة حلبجة ، فارتباطي بهذه المأساة له اكثر من سبب ، منها حجم الجريمة وبشاعتها وكون مرتكبها هو حاكم بحق ابناء شعبه ، حيث يوم 16 آذار 1988، وبتحد سافر لكل الأعراف والمواثيق والأخلاق الإنسانية ارسل الديكتاتور المجرم صدام حسين قوات طيرانه العسكري ومن اكثر من قاعدة عسكرية لتمطر مدينة حلبجة سموم الخردل والسيانيد ولتكون حصيلة ذلك موت حوالي خمسة آلاف مواطن وإصابة سبعة آلاف اخرين ، والغالبية كانت من الأطفال والنساء والشيوخ، لا لجريمة اقترفوها سوى انهم بشر ومواطنين عزل ، والى جانب ذلك معايشتي المباشرة لجانب من ممارسات النظام الديكتاتوري المقبور في حملات الابادة السيئة الصيت التي عرفت بأسم "الانفال"، فخلال وجودي ضمن فصائل انصار الحزب الشيوعي العراقي ، كنت شاهدا على معاناة ابناء شعبنا الكردي وهم عزل  في مواجهة همجية نظام فاشي كان يعتقد ان شوفينيتة الحاقدة قادرة على ابادة شعب عريق ، في حرب غير متكافئة القوى، حيث قامت  صيف عام 1988 فيالق النظام العسكرية المدججة بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة وفي مقدمتها الأسلحة الكيماوية، تدعمها قوى  قوات الجيش الشعبي وافواج مايسمى بأفواج وسرايا الدفاع الوطني ، المعروفة لدى ابناء الشعب الكردي بأسم قوات "الجحوش"، التي شكلها النظام صدام حسين من المرتزقة الكرد لمحاربة أبناء جلدتهم وبلغ عددهم حسب تقديرات المعارضة العراقية اكثر من 480 الف مرتزق (جحش) ، والذين لعبوا دورا مهما سهل لقوات النظام التحرك وتنفيذ عملياته العسكرية الواسعة ضد سكان المنطقة وضد قوى المعارضة ، حيث اجتاحت القوات كل القرى التابعة لاقضية زاخو والعمادية (محافظة دهوك) والشيخان وعقرة (محافظة الموصل ) ومناطق واسعة من محافظتي السليمانية واربيل ، ودمرت كل مظاهر الحياة بنسفها وإحراقها للقرى والبساتين والينابيع وباستخدامها البشع للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا ، وسجلت شهادتي يومها في كتاب " اطفال الانفال" صدر عام 2004  في السليمانية عن وزارة الثقافة في اقليم كردستان ، وسجلت فيه الاحداث من من زاوية ما تعرض له الاطفال الاكراد .  أيضا ما يدفعني للكتابة والحديث كل مرة هو الوفاء للشهداء والضحايا ، والابطال منهم الذين لا تفارق مخيلتي صورهم ومأثرهم البطولية . الى جانب كل ذلك استطيع القول ان مأساة حلبجة ببساطة صارت تسكن بيتي والتقيها كل يوم بأشكال مختلفة . فشادمان (مواليد 1970) شريكة حياتي ، ابنة كردستان ، المناضلة الشيوعية ، هي شاهد مباشر على الجريمة ، وعاشت المأساة بكل تفاصيلها وهي لا تزال صبية.  لكم ان تتصوروا حجم الألم الذي  حملته فتاة بعمرها وهي ترى أمامها مدينة كاملة تحرق والالاف من الناس عاشت بينهم ومعهم وعاشرتهم يذوون مثل التراب ؟ لم ينقذها من الموت سوى كونها تسكن منطقة "كاني عاشقان" المرتفعة نسبيا . لم يكن احد يعرف في البداية ان النظام يستخدم اسلحة محرمة دوليا. والدها المناضل، علي فتاح درويش (مواليد 1936) المعروف بين ابناء المنطقة بأسم "اسطه علي" احد كوادر الحزب الشيوعي في المدينة ، جاء هاربا بعائلته من مدينة السليمانية ،  إذ لم يتركه النظام الديكٌتاتوري يهنأ بحياته كموظف في الاصلاح الزراعي ، فترك الوظيفة والسليمانية ولجأ الى حلبجة ، يستقوي بعشيرته وبالجبال القريبة ، التي يعرف مسالكها ببراعة وأمتهن بناء البيوت لاعالة عائلته. كان يومها مسؤولا عن ايواء مفرزة من المقاتلين الانصار ، ووسط القصف الذي قامت به طائرات النظام مزهوة بنجوم علم الوحدة القومية ، كان الجميع يظنون انه قصف بقنابل تقليدية طالما اعتاد عليها ابناء كردستان ، كان عليه ان يطمأن على رفاقه ويشرف على انتقالهم الى مكان اكثر أمنا . قبل مغادرته الملجأ ، حيث ترك اطفاله ، عاد ليمسك بكتفي ابنته ، شادمان ، ليقول لها : "ان لم ارجع انت المسؤولة عن العائلة". تقول شادمان ذهب ولم يلتفت . كان مدركا لحجم الخطورة ، لكن ضميره يملي عليه ان يقوم بواجبه حتى وان كان ثمنه حياته. ذهب ولم يعد . لم يكن احد يعرف ان النظام المجرم استخدم قنابل كيماوية محرمة دوليا . كل مرة حين تروي شادمان ذلك ، يكاد ينفطر قلبي حزنا وغضبا ، فكيف بها وهي تعيش الالم كل مرة، وكيف بمن بقي من أهل المدينة وقد فقد بعضهم كل افراد عائلته . تتحدث شادمان عن بحثها عن ابيها فجر يوم 17 اذار ، وهي تدور بين جثث القتلى في ازقة مدينة حلبجة ومعها اخوها الاصغر منها ئالان (مواليد 1975) . تقول شادمان : " ان كل الصور التي نقلتها وكالات الانباء عن الشهداء شاهدتها وقبل ان يلفظ بعض الشهداء انفاسهم الاخيرة " . كانت شادمان تدور بين انين الضحايا ورائحة الموت والخردل ، تنتقل من زقاق لاخر تبحث عن ابيها ولتر بنفسها حجم المأساة التي رسخت صورها طويلا في بالها وظلت تعاودها كوابيسا لا تتوقف. هذه الكوابيس لا تلاحق  شادمان وحدها بل كل اهل مدينة حلبجة والقرى المحيطة . ومن بعد خمسة وعشرين عاما هذه الكوابيس صار لها اسما اخر ، لم تعد مجرد صورا وخيالات .  ففي الفترة الاخيرة صار معلوما ، وتناقلت وكالات الانباء ، خبر زيارة وفد بريطاني متخصص بالاسلحة الكيماوية لمدينة حلبجة واعلنت نتائج فحصه للتربة ، حيث تبين وجود بقايا من غاز الخردل القاتل في اماكن عديدة من المدينة خصوصا في الاقبية والسرديب التي كانت تستخدم كملاجيء . مدير بلدية المدينة من جانبه اعلن عن " تسجيل نسب عالية من الاصابة بالامراض السرطانية نتيجة الاصابة بالاسلحة الكيمياوية ورغم مرور السنوات  واهل حلبجة لا يزالون يعانون من تبعات القصف الكيماوي" المعلومات الطبية المتوفرة في كل مكان تشير الى معاناة اهالي المدينة من أعراض امراض مزمنة مثل الاضطرابات العصبية وامراض العيون ومشاكل العقم وامراض جلدية وغيرها كثير .


في متابعة منا لشادمان وهي تعد كلمتها للمشاركة في احتفال بمناسبة مرور ربع قرن على مأساة حلبجة ، كانت غاضبة الى جانب حزنها العميق ، فهي ترى " ان المجرم معروف جيدا ، والضحايا معروفين ، وتفاصيل الجريمة واضحة ، المطلوب الان ليس اللطم والبكاء وشق الجيوب ، ان افضل وفاء للشهداء وللمدينة هو العمل من اجل مستقبل المدينة واهلها ". وعند سؤالها عن التفاصيل تضيف شادمان :" ان عشرات الاسئلة ترد الى البال في ذكرى مأسأة حلبجة ، منها ما يتعلق بالشركات الغربية التي ساعدت الديكتاتور المجرم صدام حسين في امتلاك الاسلحة الكيماوية ، هذه تعتبر شريكا له في الجريمة ، فكم شركة منها تم تقديمها للمحاكمة ؟ أن الاخبار الرسمية من مدينة حلبجة تتحدث بالتفصيل عن تلوث مدينة حلبجة ، فما هي الاجراءات التي قامت بها حكومة الاقليم والاحزاب والمنظمات الدولية لمعالجة ذلك ؟ والاوضاع الصحية لاهالي المدينة واحتمالات انتقال الامراض وراثيا الا يتطلب منشأت صحية واجراءات خاصة للمدينة ؟ "
وتشدد شادمان في قولها: " ان جريمة مدينة حلبجة ونتائجها المأسوية المستمرة تدعوا جميع الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات حكومة الاقليم والمنظمات الدولية في ضرورة النظر الى المستقبل ، حتى لا نحول مأساة حلبجة الى مناسبة للبكاء واللطم وشتم الطاغية فقط ، ان لمدينة حلبجة واهلها مستقبل افضل يستحقونه يجب العمل لاجل ذلك بتفان وتوحيد كل الجهود لاجل تحقيقه ! " .
 مع شادمان نشعل شمعة لذكرى المدينة الشهيدة وذكرى اللشهداء الابطال ونعاهدها على مواصلة العمل من اجل المستقبل الافضل ونرنو الى المستقبل حيث لا حروب ولا طغاة ، حيث يعود العاشق ليغني لحبيبته كلمات الشاعر الشيوعي عبد الله كوران ابن المدينة وفخرها :
 تحت السماء الزرقاء
جنب القمم المكسوة بالثلوج
لم أر احد بمثل جمالك
انت وانت فقط !

هلسنكي   15 اذار 2013

477
في هلسنكي تنسيقية الاحزاب العراقية تحتفل بذكرى تأسيسها التاسعة


هلسنكي ـ مروان مصطفى
في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ،  في 23 شباط 2013 ، وبمناسبة الذكرى التاسعة لتأسيسها دعت " هيئة تنسيق الاحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا " ابناء الجالية العراقية الى حوار مفتوح  في لقاء مع ممثلي الاحزاب الاعضاء في الهيئة . ساهم  في اللقاء ممثلي جميع الاحزاب الممثلة في هيئة التنسيق وهي الاتحاد الوطنی الكوردستانی / مكتب تنظیمات فنلندا ، الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا ، الحزب الشیوعی العراقی / منظمه‌ فنلندا  ،  الحركه‌ الدیمقراطیه‌ الاشوریه‌ / منظمه‌ فنلندا ،  الحزب الشيوعي الكوردستاني/ منظمة فنلندا ،  المجلس الاعلی الاسلامی العراقی / مكتب فنلندا وحزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا . في بدء اللقاء رحب الاخ كارزان احمد ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني ، والسكرتير الدوري لهيئة التنسيق ، وباللغة العربية والكردية بالحضور من ابناء الجالية العراقية وممثل السفارة العراقية السكرتير الاول السيد سهيلان الجبوري ، الذين حضروا للمشاركة في الجلسة الاحتفالية وشكر لهم حضورهم ومساهمتهم ، ثم قدم كلمة بأسم هيئة التنسيق اشار فيها الى انه بعد سقوط النظام الديكتاتوري المقبور ، برزت مهمة تنشيط وتطوير العلاقات بين الاحزاب السياسية العراقية العاملة في فنلندا ، والتي كانت تدور قبل السقوط في اطارات العلاقات الثنائية ، وكان الاقتراح بتأسيس هيئة سياسية تأخذ على عاتقها تنسيق العمل والنشاطات وفق المشتركات في العمل الوطني ، وعقدت لاجل ذلك العديد من اللقاءات والاجتماعات ، وفي يوم 14 شباط 2004 عقد الاجتماع الاول في هلسنكي ، للهيئة التحضيرية بحضور ممثلي الاحزاب المجلس الاعلی الاسلامی العراقی / مكتب فنلندا ، ومنظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا ، الاتحاد الوطنی الكوردستانی / مكتب تنظیمات فنلندا ، الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا ، وايضا شخصية مستقلة كمراقب ، وتم اعداد افكار لائحة عمل داخلي تكون دستورا للهيئة تحدد  المهمات والاهداف واليات العمل ، وكلف الاخوة في منظمة الحزب الشيوعي العراقي باعداد المقترح الاولي لهذه اللائحة ، الذي نوقش في اكثر من اجتماع ، وتم تطويره وادخال العديد من الاضافات المهمة ، وتم اقرار تشكيل الهيئة لتكون  هيئة سياسية ، تضم منظمات الأحزاب والقوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا ، التي تؤمن بالعملية السياسية الجارية في العراق ، وتعمل على دعمها والتواصل معها من اجل عراق حر مستقل تعددي موحد  ، وكانت المهمة الاساسية لهيئة التنيسق كما ورد في دستورها ، هو وضع توجهات السياسة العامة ورعاية النشاطات السياسية والوطنية بين ابناء الجالية العراقية على الساحة الفنلندية بما يضمن دعم التطورات الديمقراطية الجارية داخل الوطن . واشارت كلمة هيئة التنسيق الى ان المسيرة التي مرت في عمل هيئة التنسيق  خلال السنوات التسع الماضية تميزت بالعديد من الملامح  منها استمرار عمل الهيئة وفق الضوابط المقرة في دستورها والتزام الاحزاب باليات العمل واحترامها  وحيث سادت روح احترام الراي والراي الاخر بين الاحزاب الاعضاء رغم الاختلاف في وجهات النظر في البعض من القضايا وتميزت العلاقة بالصراحة والاحترام والمسؤولية في العلاقة بين الاحزاب الاعضاء ومع السفارة العراقية ومع ابناء الجالية  وساهمت هيئة التنسيق وحضرت في العديد من النشاطات الاجتماعية لابناء الجالية سواء بشكل منفرد لاعضاءها او مجتمعة كهيئة  وكمااعلنت تضامنها الدائم مع قضية الوطن وتواصلها مع العملية السياسية ، وما يجري فيه  ونظمت بعض التظاهرات في العاصمة هلسنكي ، واصدرت العديد من بيانات التضامن مع ابناء شعبنا واستنكرت ما يتعرض له من اعتداءات مجرمة متكررة من قبل قوى الارهاب والظلام  ، اما ما عجزت عنه هيئة التنسيق، فهو تنفيذ برامج عامة مشتركة لابناء الجالية ، سياسية او ثقافية ، وتحاول الهيئة انجاز ذلك للفترات القادمة بالتعاون مع المخلصين من ابناء الجالية وسماع اقتراحاتهم وافكارهم ومحاولة تنفيذ الممكن منها.


ثم توالى على منصة الكلام ممثلي الاحزاب الاعضاء في الهيئة ليقدموا افكارهم عن نشاط الهيئة واسباب انضمامهم لعمل الهيئة ووجهات نظرهم في مستقبل عمل الهيئة والتي اتفقت جميعها على كون الهيئة هي اطار عمل سياسي وفق المشتركات بين الاحزاب ، واشارت السيدة شادمان علي فتاح ممثلة الحزب الشيوعي الكردستاني في هيئة التنسيق ، الى كون منظمة حزبها تابعت الاجتماعات التحضيرية لتشكيل الهيئة من الايام الاولى ، وبعد ان تم الاطلاع على مسودة دستورها المقترح تم تقديم الطلب للانضمام  والمساهمة في نشاطها ، وبينت في كلمتها ان العملية السياسية في العراق تتطلب المزيد من التضامن من ابناء الجالية العراقية في فنلندا ، وفي ظل غياب مجلس شعبي للجالية العراقية في فنلندا فان هيئة التنسيق تكون اطار عمل مناسب للتواصل بين ابناء الجالية وهموم الوطن . من جانبه اشار ممثل منظمة الحزب الشيوعي العراقي السيد يوسف ابو الفوز الى ان الغرض الاساسي لاقامة هذا الحوار المفتوح هو سماع ملاحظات ابناء الجالية ومقترحاتهم من اجل تطوير عمل الهيئة ليكون لها دور ملموس وفاعل في حياة الجالية العراقية وللمساهمة في تعميق الصلة بين ابناء الجالية وقضايا الوطن العراقي ، كما اشاد السيد محمد البصير ممثل المجلس الاعلی الاسلامی العراقی بالعلاقات الطيبة والاحترام الذي ساد طيلة سنوات عمل الهيئة ، وكون قضايا الوطن كانت احد المحاور الاساسية لعمل الهيئة ، وتحدث السيد دلوفان أيشايا ممثل الحركة الاشورية عن ان تجربة عمل الهيئة ضمنت  استقلالية الأحزاب المنضوية في الهيئة في نشاطها الحزبي والجماهيري والاعلامي ، واشار السيد عايد الحلو ممثل حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا الى اهمية تطوير عمل الهيئة والارتقاء بنشاطاتها لتلبي رغبة ابناء الجالية ، كما اشار السيد طارق  خالد ممثل الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا الى ان باب هيئة التنسيق وحسب دستورها مفتوح امام كل القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا التي تؤمن بالعراق الديمقراطي والفيدرالي الموحد ، وتؤمن بمسيرة العملية الديمقراطية الجارية في العراق وتنبذ الارهاب والتخريب وترعى حقوق المواطنة العراقية ، وليس لها علاقات او توجهات مع اي قوى تلطخت بدماء ابناء شعبنا او تدعو للعنف والارهاب ضد ابناء الشعب العراقي . وبعد الاستراحة كان للسيد سهيلان الجبوري السكرتير الاول في السفارة العراقية كلمة قصيرة ، حيا فيها ذكرى تاسيس هيئة التنسيق ، وبين ان السفارة العراقية تنظر بأرتياح لعمل ونشاط الهيئة وان السفارة هي بيت لكل العراقيين وتأمل من هيئة التنسيق استمرار التعاون من اجل مصالح ابناء الجالية في فنلندا. ثم ادار ممثل منظمة الحزب الشيوعي في فنلندا السيد يوسف ابو الفوز حوارا فاعلا ونشطا بين جميع ممثلي الاحزاب الاعضاء في الهيئة والحضور الذين أثنوا على عمل الهيئة وقدموا التهاني لذكرى تأسيسها ، وقدم الكثير منهم مداخلات واسئلة قيمة ومسؤولة  تضمنت اراء صريحة بنشاط الهيئة وأشاروا الى اخفاقاتها ومنها كون نشاطها سياسي بحت وتمنوا ضرورة  دراسة التجربة السابقة للاستفادة منها ، والامل بتحويلها الى هيئة اكثر فعالية ، وضرورة تنشيط عملها بين الهيئات الفنلندية لايصال صوت العراقيين وتنظيم فعاليات اجتماعية وثقافية الى جانب الفعاليات السياسية والعمل لدعم الجهود لتشكيل مجلس الجالية الفنلندية حيث انتقد بعض الحاضرين وبصراحة التقصير من قبل بعض الاحزاب الاعضاء في الهيئة وموقفها السلبي وكون هذه المواقف كانت عاملا في تأخير وعرقلة عمل اللجنة التحضيرية لتشكيل مجلس الجالية ، وجرى بروح ديمقراطية وودية سجال حول هذه النمقطة ، ثم  توصل الحاضرين الى ضرورة دعم عمل اللجنة التحضيرية لمجلس الجالية العراقية والتشاور معها من اجل تنشط دورها بهذا الخصوص ، واشار ممثلي الاحزاب الا ان هيئة التنسيق بمجموع اعضاءها اعلنت مرارا  رغم انها تمثل قطاع واسع من ابناء الجالية ، فانها تمثل فقط المنتمين الى تنظيمات الاحزاب الاعضاء فيها وعليه لا يمكن لاي طرف كان ، حزب او جمعية او جامع او مجموعة ان يملك الحق بالحديث والتصريح بأسم عموم الجالية العراقية في فنلندا او يحضر فعاليات باسم الجالية ، طالما ان الجهود لم تثمر عن تأسيس مجلس للجالية العراقية ، ومنتخب بشكل ديمقراطي ومخول بالحديث والتصريح باسم الجالية وعليه فان أي طرف يمكنه الحديث بأسمه فقط وبالاسماء الصريحة والمعلنة المعروفة وليس التستر بأسماء مستعارة .




                         

ممثلي الاحزاب مع ممثل السفارة العراقية                                                    جانب من سير اعمال الجلسة الاحتفائية



                                                         

                                              لقطة تذكارية لبعض الحضور مع ممثلي الاحزاب

478
أدب / قصة قصيرة حياة !
« في: 21:51 14/02/2013  »
قصة قصيرة
حياة !

القاص والروائي والاعلامي يوسف أبو الفوز، من مواليد السماوة 1956 ، غادر العراق لاسباب سياسية عام 1979 الى الكويت واليمن الديمقراطية ، وعاد الى الوطن والتحق بقوات الانصار الشيوعيين عام 1982 في كوردستان العراق ، وبقي هناك حتى احداث الانفال صيف عام 1988، حيث بدأت رحلته مع التشرد والمنفى ، وقضى منها عاما في السجون الاستونية لعدم أمتلاكه جواز سفر ، وثم استقر في فنلندا ، منذ مطلع 1995 ، وخلال مسيرته الادبية اصدر العديد من الكتب القصصية والروائية والادبية، ومتواصل في نشاطه الاعلامي والادبي، وفي عام 2000 ، في هلسنكي، صدرت مجموعته القصصية "طائر الدهشة" ، مترجمة الى اللغة الفنلندية من قبل الباحث والاستاذ في جامعة هلسنكي الدكتور ماركو يونتونين ، كما أنه كتب واخرج للتلفزيون الفنلندي افلاما وثائقية عن العراق ، اختير فيلمه " عند بقايا الذاكرة " 2006 لتمثيل فنلندا في مهرجان سينمائي في سويسرا  ورشحت روايته " عند سماء القطب " 2010 لجائزة البوكر العربية . القصة المنشورة من مخطوط " بعيداُ عن البنادق " معد للنشر ، يحاول فيه الكاتب تسليط الضوء على حياة الانصار ما بعد نهاية حركة الكفاح المسلح ، ورصد آمالهم وذكرياتهم وخيباتهم وطموحاتهم !

يوسف أبو الفوز

لا يتذكر مَن اقترح أسمه ، لكنه لم يعارض . وجد نفسه ضمن الوفد الذي تم أختياره والتصويت على أعضائه وتوجه بأسم المؤتمر لزيارة المناضل الكبير ، الذي بلغهم انه متوعك الصحة وتعذر عليه الحضور كضيف شرف ، فقرر المؤتمر، بغالبية الأصوات ، زيارته إلى بيته بوفد كثير العدد محملين بباقات الورد وتحايا الوفاء .
كانت أربيل تلتهب تحت درجات الحرارة التي بلغت الخمسين درجة ، في موجة حر تعم عموم البلاد.  الاقاويل تقول انها تجاوزت الخمسين بعدة درجات ، الشوارع فارغة ، السيارات في بعض الاماكن تطبع اثارها على الاسفلت ، المآذن تتبارى في إطلاق الادعية بمناسبة  حلول شهر رمضان الذي يقول الجميع انه سيكون ثقيلا هذا العام . اصحابه يتأففون ، يطلقون شتائم في كل الاتجاهات ويتصايحون :
ـ الله يكون في عون اهل البصرة والناصرية ...
ـ والسماوة ؟!
 ـ والسماوة يا بعد روحي ... أعرف لا كهرباء ولا خدمات عندكم مثلنا !
ـ المهم ان لدينا مجلس نواب مكيّفاً !
ـ أكتب على العراقيين ان يعيشوا في الجحيم قبل حلول يوم القيامة ؟
مسؤول الوفد لا يمل من التكرار ، وكأنه يرسل برقيات مثلما كان أيام الجبل :
ـ تذكروا ، لن نمكث هناك سوى القليل من الوقت . لن نتحدث كثيرا . هناك من سيتحدث بأسمنا . ننصرف بسرعة . لن نقبل الدعوة للبقاء اكثر. علينا مراعاة صحته ، مهمتنا ابلاغه بأننا لم ننساه واننا نقدر تضحياته ونضاله و ...
ـ لا تنسوا باقات الورد !
جلس في احدى السيارات صامتا عند النافذه الى جانب أحد اصحابه ، الذي بدا متبرما لكونهم نسوا شراء زجاجات الماء :
ـ هل حكم علينا بالعذاب في كل وقت !
عاد مسؤول الوفد يكرر من جديد وبدت تكتسي صوته بحة من كثرة الصراخ :
ـ يا اصحابي ارجوكم . فكرنا بكل شيء ، فقط اعطونا الفرصة . سنتوقف عند اقرب "سوبر ماركت" ونشتري لكم زجاجات الماء البارد . فقط اصبروا علينا !
ـ لولا صبرنا لما تحملنا  كل هذا العمر نتائج حسن تفكير وتدبير القيادات !
تحركت ثلاث سيارات ازدحمت بركابها ، مبتعدة عن الفندق تلاحقهم نظرات الانزعاج من البعض ممن لم يحالفهم الحظ  ليكونوا ضمن قوام الوفد . أراد احدهم ان يغني ، فأطلق اغنية سرعان ما ماتت حين لم يجد تجاوبا من الاخرين . في  السيارة التي تسبقهم لاحظ الاصابع ترتفع وتتشابك فعرف انهم يغنون ويدبكون على طريقتهم .  كانت السيارات تلتهم ارضية الشوارع العريضة النظيفة تحت شمس آب ، تترك اطراف المدينة ، حيث مكان الفندق الذي اقيم فيه المؤتمر وتقترب من الاحياء السكنية . مروا  ببيوت فارهة بأسيجة مرتفعة واشجار باسقة في حدائق عامرة ، فقال صاحبه القريب اليه :
ـ واضح انها بيوت مسؤولين مفسدين ؟
فصاح احدهم من مقدمة السيارة :
ـ وكيف عرفت أنهم مفسدون ؟
فضحك صاحبه وقال :
ـ من الخادمة التايوانية الواقفة عند الباب !
وانطلقت ضحكات خافتة وتعليقات من مقدمة السيارة لم يسمعها جيدا .  توقفت السيارات عند "سوبر ماركت" بأبواب أوتوماتيكية عريضة عالية ، تقف عندها  افيال واحصنة خشبية ، نظيفة لامعه ، مزينة بأشرطة ملونة كأنها في سيرك . وجدها المدخنون فرصة فتقافزوا من السيارات وراحوا يتبادلون السجائر والولاعات ويتقافزون بمرح مستعيدين شيئا من ايام فتوتهم الغاربة ، ايام كان صخر الجبل يأن تحت خطوات اقدامهم الواثقة ، فوجدها فرصة ليقلب الصحيفة التي تركها صاحبه في مكانه وراح يتابع تطورات موقف غلق ايران لنهر الوند ومخاطر حلول كارثة بيئية بسبب ذلك .  كان يتمنى لو ان المؤتمر استطاع ارسال وفد تضامني للوقوف ولو ساعات الى جانب المتظاهرين ، ممثلي منظمات المجتمع المدني ، الذين قطعوا الطريق المؤدي الى معبر المنذرية الحدودي في خانقين . بلاد مهددة بالجفاف . حكومة محاصصة طائفية واثنية تهادن الجيران وشعب بحت اصواته من الصراخ والشكوى . الصبر والجحيم والعذاب . جفاف ومعاناة وعطش . فجأة من لا مكان خرجت . مثل نبع جبلي ينبثق من بين الصخور . لمحها تتحرك عند باب "السوبر ماركت".  لم يكن متأكدا . أحقا هي ؟ بدأ بعض اصحابه بالصعود وثمة من راح يوزع قناني الماء المثلجة . أراد النزول لم يستطع . زاحمه الصاعدون . كان شعرها طويلا مثلما كانت ، مثل جناح سنونو حزين يداعب سمرة وجهها الاليف .  تخفي عينيها بنظارات شمسية عريضة على غير عادتها . من جاء بها الى هنا ؟ من جاء بها من البصرة الى اربيل ؟ يقول أصحابه :
ـ الاوضاع الامنية المتردية جنوب ووسط العراق جلبت الكثير من العوائل الى مدن كردستان !
فجاة ركضت طفلة . خمس او اربعة اعوام . عبر نافذة السائق المفتوحة ، سمعها تنادي خلفها . صوتها الخافت وصله كأنه السحر :
ـ حياة !
انقبض قلبه . كف حجرية عصرته . صوتها . هو ذاته . لم يتبدل . خافت وواضح كأنه خفقة جناح . كموجة في نهير بصريّ يتطامن عند سعفات نخلة استظلا بها في يوم ما . كان بالكاد يسمعها وهما يتحادثان . كان يبذل جهدا ليجعلها تقول كلمات غزل ما  بصوت مسموع :
ـ قولي ؟
ـ ماذا ؟
ـ قولي احبك ؟
في بدء معرفته لها كان يظنها لا تسمع نفسها حين تتكلم . هاهي التي يوما قالت له وعيناها تلتمعان بالصدق والدمع :
ـ انت وحدك من يستطيع ان يعرف مسالك قلبي !
لو تلتفت اليه . لو تنظر باتجاهه . اصحابه يواصلون الصعود وضجيج الضحكات يعلو على كل شيء. يحاول فتح زجاج النافذة القريبة ، لا يعرف كيف ؟ كيف يستطيع لفت أنتباهها ؟ من جاء بك ايتها الغالية بعد كل هذه السنين ؟ حين القوا القبض عليه ، قال لأمه التي زارته الى السجن :
ـ اخبريها ، بأنها أمراة حرة . لا اعرف لي مستقبلا مع سلطة غاشمة ، ولا اريد تقييد حياتها مع مصيري المجهول !
بعد ان غادر ابو غريب أثر العفو الرئاسي المفاجئ ، تسلل الى كردستان ومن هناك أخذه أحد معارفه من ايام الدراسية الجامعية الى قريب له الذي قاده ولعدة ليال ، عبر وديان ووهاد  ليجد نفسه وسط المقاتلين في الجبل ، ليكون واحدا منهم لسنوات طويلة . حين قابل اخته بعد سقوط النظام الديكتاتوري لم يتجرأ عن السؤال كثيرا عن المرأة التي لازمه طيفها كل سنوات الجبل يحلم بلقائها في يوم ما . فجأة في اربيل يجدها امامه  ومعها أبنة بعمر الورد وأيضا أسمها :
" حياة" ؟!
ـ لو اتاحت الحياة لنا الفرصة لان نعيش معا ، سأنجب لك ابنة أسميها ... حياة !
وها هي "حياة " تقفز أمامه . ايمكن ذلك ؟ الم يعترض زوجها على هذا الاسم ؟ ألم يخطر في باله سبب اختيارها لهذا الاسم بالذات ؟ أتكون ...
رأى رجلا مديد القامة ، وسيما ، بنظارات طبية وبدلة وربطة عنق رغم الحر القاتل ، يغادر السوبر ماركت ويقترب منها . كان يدفع أمامه عربة محملة باكياس وزجاجات ماء وعلب اغذية مغلفة . قال شيئا فضحكت له ، وألتفت . أرتجف قلبه . شعر وكأنها لمحته . اذ راحت تحدق طويلا بأتجاهه . رفع كتفيه ليستقيم ظهره . كانت تعيب عليه أن يسير محني الظهر :
ـ صاحباتي يقلن لي انك تسير كأنك أضعت شيئا وتبحث عنه !
طول عمره وهو يبحث عن اشياء اضاعها وفقدها . لم تتح له الحياة الحصول على ما كان يحلم به . ليس وحده . كل ابناء جيله الخائب . لم يستطع إكمال دراسته الجامعية . البعثيون وضعوه بين خيارين. الموت أو الحياة .  ان يهرب ويترك الجامعة وهو في سنته الاخيرة وبين ان يمسخ كل ما أمن به من قيم وأفكار ، فترك الجامعة لهم وتشرد وتخفى سنة كاملة في وطنه وضباع البعث تطارده من شارع لشارع حتى القوا القبض عليه يوما أثر وشاية ورموه في زنزانة رطبة من أبي غريب .  فقد حبيبته ، بسبب هذا البعد الذي راح يتوالد سنة بعد اخرى ، يدفع به من بلد غريب الى أخر ، من لغة الى اخرى ، حتى وجد نفسه يقيم عند حافات الارض . حين عاد الى العراق ، عرف ان لها حياتها الجديدة ، فلم يشأ ان يخدش لها ايامها بماض صار بعيدا . فما ادراه بطباع زوجها ؟ ربما يكون رجلا غيورا يحاسبها على ماضيها ، فلماذا يمنحه الفرصة لانفجار غضبه وغيرته ؟ ألا يهمه ان تكون سعيدة ؟ اذن فليروض قلبه وحنينه وليجعل الزمن يشفيه من ماضيه البعيد . لم يكرر زياراته لبيت خالته حتى لا يسأله او يذكره أحد بأبنة جيرانهم التي أحبها يوما وعاهدها على الزواج . فقد العديد من اصحابه واصدقائه ضحايا حروب مجنونة لنظام شوفيني أهوج اراد ان يبسط سيطرته على المنطقة ويبني إمبراطورية قومية فأنتهى بقائد النظام وفارسه في حفره جرجره منها جنود الاحتلال الامريكان مثل جرذ أجرب . حين عاد وجد نفسه يسير في شوارع لا تعرفه ولا يعرفها ، في وطن طارد لابنائه ، اضاع منه طفولته وصباه . بعد احداث الانفال في كردستان ، وقبل سقوط الطاغية ، تشرد وتجول طويلا في بلدان المنفى ، وحين عاد بعد سقوط الصنم الى البصرة  لزيارة ما تبقى من عائلته ، وجد كل شيء مختلفا . اقرب الناس اليه يتحدثون بلغة لا يفهمها . ابن خاله ، صديق طفولته ، راح لساعات يحكي له عن عذاب النار والحياة الدنيا الزائلة . بنت خالته بدت له بعباءتها وحجابها كخيال المآته ، وهي التي كانت تحرجه بتنانيرها القصيرة وشعرها الذي تحب ان يلاعبه الريح . أهذا وطن أم جامع ؟ اين حلم الناس بالحريات الشخصية، وهو يرى شيوخ وملالي مثل الفطر يتكاثرون في شاشات التلفزيون يكبرون ويبسملون ويحوقلون وهم يتحدثون عن فسق النساء السافرات !
ـ حياة !
صاح الرجل المتأنق وهو ينظر بأتجاه سيارتهم . رأى احد اصحابه يمازح الطفلة ويريها شيئا على غلاق كتاب يحمله . فهم سر نظراتها بأتجاهه . كانت الطفلة حياة هناك الى جانب السيارة تحجبها عنه اكتاف اصحابه يتزاحمون ويتسابقون الى سياراتهم .
مد مسؤول الوفد رأسه في سيارتهم وصرخ بصوت مبحوح :
ـ هل الجميع هنا ؟ لقد تأخرنا !
ـ طول عمرنا ونحن متأخرين !
ـ هذا نقد سياسي أو فلسفي ؟
وأنطلقت ضحكات مرحة . صاح احد اصحابه بلوعة :
ـ اغلقوا النوافذ رجاءا . الحر لا يطاق ، عزيزي ... سائقنا الورد رجاءا شغل التبريد !
صاح الرجل مديد القامة ، ذو النظارات الطبية والبدلة وربطة العنق بصوت أجش :
ـ حبيبتي "التفات" أرجوك ، هاتي أبنتك ودعينا نغادر !
التفت اليها . كانت تبتسم وهي تلوح بيدها لابنتها . لم يكن أسم حبيبته ألتفات .  لها اسما اخر !

كتبت لاول مرة في  اربيل  4 أب 2011


479
إلى الشهيدة رضية السعداوي  : لابد ان نلتقي !
يوسف أبو الفوز
(ملاحظة : كتب النص ونشر عام 2005 ويتم اعادة نشره وفقا لطلبات بعض الاصدقاء )
رضية … !
لم نتفق هكذا ؟!
لم نتفق ان نلتقي بهذا الشكل ؟!
الكثير من الرفاق والأصدقاء  يعرفون اتفاقنا ، وسيحتج عليكِ الكثيرون !
أنتِ نفسكِ لمتيني مرة حين تحدثتُ عن هذا الشكل من اللقاء ،  في رسالة حنين مفتوحة وجهتها للأصدقاء البعيدين ، فكيف تسمحين لنفسكِ بما كنتِ لا توافقيني عليه ؟!


كانت الدنيا لا تسع أحلامنا وحبنا للحياة ، وصار لنا موعدنا "التاريخي " المنتظر ، الذي طورناه ، بعد ان ابتدعه صديقنا العزيز"عدنان سرور"، في واحدة من تجلياته عام 1978، أيام كانت قطعان ذئاب البعث تطاردنا من مدينة الى مدينة، ومن شارع الى شارع ، لتسلبنا حياتنا وأفكارنا وأحلامنا، ولكن تمسكنا بالمستقبل كان اكبر من إرهابهم وزنازينهم وحقدهم على أصحاب رأي مغاير وكرههم للأفكار المتنورة الديمقراطية. كنا نفكر بالمستقبل والعراق الجديد ، ورغم ان الواحد منا كان أيامها لا يملك مكانا يأويه ، ليخفيه عن ذئاب عفالقة العراق ، كان يملك كل العالم بأمانيه . فهل يعقل ان تتخلفي عن الموعد ، وأنتِ التي ما ان عرفتي به حتى رحتي تبلغين الأصدقاء والرفاق للمشاركة ؟
ــ كل عام ، وفي ليلة راس السنة الجديدة ، الساعة الواحدة تماما ، أول ساعة من العام الجديد ، عند جدارية جواد سليم ، تعالوا انتم وأطفالكم ، سنلتقي هناك وسيكون لقاءا تاريخيا !
كان موقفا احترازيا منا ، من حفنة أصدقاء ، لمواجهة عوادي الزمن ، التي ستشتتنا وتبعدنا عن بعضنا الآخر. كان تمسكا بمُثل الرفقة والصداقة والاخوة. كان إعلان ثقة بالمستقبل والحياة الجديدة والمُثل الحية.
ـ في العراق الجديد ، الديمقراطي الحر ، عند جدارية جواد سليم ، كل عام ، وفي ليلة راس السنة ، الساعة …
ضحك منا البعض وقتها. قالوا اننا مجانين. التفكير بموعد بعد سنين طويلة لا يعرف أمدها ، صاحوا بنا :
ـ من منا سيضمن الحياة ليوم غد ؟
 ولكنكِ يا رضية يوم عرفت بذلك فرحت مثل طفلة ، ورحبتِ بالفكرة ، وتحمستِ لها جدا.
مرة ... وفي حديث عن الأصدقاء ، أشرتِ  إلى انكِ  تفهمين جيدا لماذا اختم رسائلي لأصدقائنا البعيدين دائما بعبارة  : سنلتقي ... لابد ان نلتقي  !
ومنذ لقائي الأول بكِ عرفتُ مدى حبكِ للحياة ، ولكن بنفس الوقت عرفتُ مدى استعدادكِ للعمل والكفاح من اجل ان يعيش فقراء الناس حياتهم بشكل افضل.
أول لقاء لي بكِ كان عام 1975. كان لنسمات شط العرب أيامها مذاق البمبر وسط دفء الأصدقاء والرفاق وفرحهم بالوجوه الجديدة القادمة من شتى أنحاء العراق الجميل . كنتُ لا ازال متلفعا بخجل الطالب الجامعي في أيامه الأولى ، وكنتِ في سنتكِ الدراسية الأخيرة ، في كلية الآداب. كان الصديق "خليل درويش " زميلا لي في الإدارة والاقتصاد ، في سنته الأخيرة ، وعلى ما اذكر، هو من قدمني لكِ في زحمة النادي الصغير لكلية الإدارة والاقتصاد . وكان حظنا ان كلية الإدارة والاقتصاد وكلية الآداب يشغلن بناية واحدة عند باب الزبير ليس بعيدا عن ساحة سعد . كانت لقاءاتنا شبه يومية ، ورحتُ انا الطالب المستجد ، البدوي ، كما تشاكسيني، القادم من السماوة ، لا ارحمكِ بأسئلتي ، ومنكِ وبتفهم كبير كنتُ اسمع أجوبة واضحة وصريحة وجريئة ، ولأتعلم منكِ الكثير، عن الحياة الجديدة ، وعن المجتمع الطلابي الجامعي ، وأسراره وتقاليده ، وعن صلف ازلام البعث وأساليبهم في إذلال الطلبة وسلبهم حقوقهم ، وعن الشجاعة في مواجهتهم والتصدي لهم. كانت جرأتكِ تغيض ليس البعثيين وحدهم ، بل كانت تثير حتى البعض من المعارف والأصدقاء . وهناك الكثير من التفاصيل والأمثلة يا رضية ، التي تعكس فهمكِ الناضج لطباع الناس وزيف الأقنعة، وكانت صراحتكِ في مواجهة ذلك تجلب لكِ حنق الكثيرين ، لكن روحكِ المتسامحة لم تعرف الحقد الإنساني المريض ، وكنتِ ترثين للبعض بقدر ما يكررون أخطائهم . كنتِ تكرهين الكذب وتقدرين الصدق والشجاعة عند الناس، وهذا حفظ لكِ الاحترام حتى عند من لا تروقهم جرأتك في سلوككِ الاجتماعي. وكانت ثقافتك المتميزة وسعيك الدائم للتزود بإسرار المعرفة تضفي على شخصيتكِ المزيد من الجدية ، رغم ما عرف عنكِ من حبك للمرح والحياة . كنتِ  بسلوكك اليومي تترجمين مقولة رامبو ( الحياة جميلة فلنعشها بجد ) حتى من دون ان تقوليها. وكنتِ تقدرين الصداقة حقها ، وهكذا حين تطلب منكِ في كردستان ، عند التحاقك بقوات الأنصار ، ان تستخدمي اسما مستعارا فورا استعرتِ اسم اقرب صديقاتك : " رجاء " ، ليعرفكِ به الأنصار طيلة أيام وجودكِ بينهم نصيرة مناضلة ، باسلة ، وامرأة عراقية شجاعة ،  تخلت من اجل شعبها وقضيتها عن العيش الرغيد ، وعن مستلزمات نسائية عادية ، وارتضت مشاركة رفاقها الأنصار شظف العيش ، وصعوبة حياتهم . الأنصار الذين أحبوك وعرفوك رفيقة شجاعة وأختا حنونه.
آه يا رجاء … كيف لكِ ان تخلفي موعدكِ معنا ألان ؟
في ليلة من شتاء الأنصار في ريف السليمانية، حين قرأت لكِ ما كتبته تحت تأثير الحنين لأصدقاء ، والذين تناثروا تحت سماوات عديدة ، بسبب سياسات النظام الديكتاتوري ، وانقطعت أخبارهم عنا ، وخاطبتُ بكلماتي صديقي مجهول المصير،  الغالي "وافي كريم مشتت " (1) بقولي ( سنلتقي … حتى ولو على أوراق النعي ) لمتيني على هذا ، وطلبتِ مني ان أتمسك بتفاؤلي ولا انس ان هناك موعدا تاريخيا ينتظرني والأصدقاء .
لماذا يا رجاْء تسمحين لنفسكِ ألان بان نلتقي على أوراق النعي ، وتخلفي موعدنا التأريخي ؟


على صفحات "طريق الشعب " قابلت صورتكِ  مع كوكبة بهية من شهيدات وشهداء الحزب  الشيوعي العراقي. كانت صوركم  منثورة  مثل حقل ورد على صفحات الجريدة . صورتك  قديمة يا رضية ، ربما تعود للسنوات الأولى من دراستكِ الجامعية . ظهرتِ فيها بدون ضفيرتكِ الافعوانية ، ولكن نظرتكِ الجادة ، الواثقة ، تبقى واضحة وتأسر الناظر وتحكي الكثير عنكِ ، عن روحكِ المترعة بالجمال وبالأمل والوفاء .
ليلتها وسط حزني وشهقاتي ودموعي ، أمام صورتكِ أشعلنا لكِ ـ أنا وزوجتي ــ شمعه ، مثل روحك التي ذوت من اجل الآخرين . ونثرت أوراقي وذكرياتي ، وكنت ضيفتنا الغالية ، وجليستنا طوال تلك الليلة الحزينة. حكيتُ لزوجتي عنكِ . عن المرأة الشيوعية الباسلة ، عن صداقتنا ، وعن شخصيتكِ الجذابة ، وقوة شخصيتكِ ، بل ونقاط ضعفكِ من وجهة نظري ، وعن خوف بعض زميلاتك الطالبات من جرأتكِ ، وعن آمالك وأحلامكِ ، عن طرائفك و شجاعتك وإقدامك. في صفحات " تضاريس الأيام في دفاتر نصير " (2)  بحثتُ عن ظلالكِ ، فوجدتُ انكِ هناك ، بل وموجودة من الصفحات الأولى . ففي مشهد عن الحياة اليومية للأنصار أشرت إلى ولعكِ بالحياكة وبشوارع مدينة عفك (3)، ولم تكن هذه سوى إشارة إلى وفاءك لأصدقاء أعزاء تربطنا بهم صداقة مشتركة. وعن بهاء المرأة الشيوعية العراقية ، ومساهمتها البارزة في الكفاح المسلح لمقارعة النظام الديكتاتوري ، وجدت اني اخترتك مثالا للحديث ، ونقلت شئ عن لقائنا في كردستان …
" … يوما ، مفرزة أنصارية قادمة من موقع ناوزنك إلى موقع بيتوش ، ومعهم  صديقتي الغالية (…) ، هاهي بابتسامتها العريضة ، وضفيرتها التي تلتف كأفعى هندية ، لا زالت علامة فارقة لأنوثتها ، على وسطها بدل الأحزمة الرفيعة الملونة التي اعتادت لبسها ، حزام عسكري يبرق عليه مسدس ميكاريوف ، ولشوقي احتضنها طويلا وسط دهشة الاخرين واستنكار الشيوخ ، نتبادل قبلات أخوية ، حارة ، على خدها أرى لؤلؤة تلتمع ، تقول لي :
ـ لم تتبدل كثيرا ، وكأننا افترقنا البارحة ، تبدو خشنا قليلا !
لم اتمالك نفسي أمام هذه العراقية البهية ، فرددت لها الدمعة باثنتين ." (4)
وعن حنانك كصديقة واخوتك الفياضة كتبت  :
لعيني رفيقة ،
ودعتني وهمست :
" كن حذرا ، يجب ان تعود لنا "
                  سأطلق نصف رصاصاتي . (5)
وكنت أعنيكِ يا رضية بهذه الكلمات ، ساعة عانقتيني  ومنحتيني شعور قلق الأم ، وحنو الأخت الكبرى وتوق الاثنتين لسلامة الابن والأخ ، يومها كنا مجموعة أنصارية متوجهين لعملية استطلاع مواقع النظام الديكتاتوري عند معسكر ماوت في أطراف السليمانية.
في جعبتي الكثير من الحكايات الطيبة عنكِ يا رضية . كنت أأمل ان  نستذكرها معا عند جدارية جواد سليم ، ولتكون أبهى بتعليقاتك الجريئة الساخرة . ولكنك يا رضية رغم اختيارك اللقاء على أوراق النعي ، فانك ستكونين دائما معنا ، وفي كل مكان وزمان . وهناك ، على ارض العراق الحبيب ، الذي وهبتيه روحك المعطاء وحياتك الزاهية ، وشبابك البهي ، ليس بعيدا عن دجلة الخير ، ليلة راس السنة الجديدة ، الساعة الواحدة تماما ، أول ساعة من العام الجديد عند جدارية جواد سليم ، ستكونين مع رفاقك يا رضية . من سيتذكر الموعد من رفاقنا وأصدقائنا المتناثرين في ارجاء المعمورة ؟ ومن سيكون سعيد الحظ وينجح في حضور اللقاء الأول ؟ ولكنك ستكونين من أول الحاضرين  لتلتقي من ستتوفر له الفرصة يومها للقدوم للموعد القادم التأريخي ، هذا العام أو بعده. سيتم هذا اللقاء يوما ما حتى لو تعثر في العام الأول أو الثاني . لابد ان نلتقي . وسيجدك رفاقك وأصدقائك هناك متألقة ، بهية ، أنيقة ، جميلة . سيكون الى جانبك مجللا ببهاء الشهادة والمجد وافي كريم مشتت ونجيب هرمز وجواد كاظم وزهير عمران وجبار شهد وناظم عبد الرزاق وعميدة عذبي حالوب وعبد الحسين كحوش وفؤاد يلدا وياسين حمه صالح ، و… انهم كثيرون يا رضية ممن عرفوا بالموعد وأعجبتهم الفكرة ووعدوا بالحضور والمشاركة ، فهم أوفياء لأصدقائهم ومُثلهم . أوفياء لموعدهم مع العراق الجديد ، فحصان جواد سليم ترجل أخيرا وملأ العراق صهيلا . انتهى كابوس البعث المظلم ، الذي جثم على قلوب العراقيين طويلا . حانت أيام العمل والبناء وأنت ستكونين حاضرة.  ويا أيها الأصدقاء والرفاق الأحبة يا من ستتوفر لكم الفرصة في حضور الموعد الأول لا تنسوا علامة اللقاء ... وردة في اليد اليسرى الى جهة القلب . اي وردة ... جوري ، رازقي ، نرجس ،  قرنفل ، وحتى سعفة  ،... المهم ان تكون حديقة الورد العراقي حاضرة ، وستكون رضية هناك مع من سيحضر ، مع رفاقها وأصدقائها ، بشجاعتها وإخلاصها لقضيتها وشعبها ووطنها وآمالها التي لا تسعها  السماء الفسيحة.
رضية … صديقتي الغالية ... أيتها العراقية البهية ... سنلتقي ... لابد ان نلتقي  !
  22    أيلول 2003    ــ   سماوة القطب
ملاحظات
 *    الشهيدة رضية ياس خضير عباس السعداوي. مواليد عام 1952 في كربلاء / الهندية . خريجة كلية الآداب ــ جامعة البصرة ،  قسم اللغة العربية . التحقت بقوات الأنصار عام 1983 قادمة من اليمن الديمقراطية. عملت بين كردستان والداخل . اعتقلت أواسط الثمانينات واختفت أخبارها ، وتأكد استشهادها بعد زوال النظام الديكتاتوري.
1 ـ   وافي كريم مشتت : الاسم الحركي " أبو فكرت ". مواليد مدينة الثورة 1956. طالب في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة من عام 1975 . ترك الدراسة عام 1978 واختفى في بغداد . اعتقل أوائل ثمانينات القرن الماضي . قال سجناء سابقون في سجن " أبو غريب " انه اعدم ولم تسلم جثته إلى أهله.
2 ـ   تضاريس الأيام في دفاتر نصير . يوسف أبو الفوز . إصدار دار المدى 2002  دمشق
3ـ المصدر السابق ص 24
4 ـ المصدر السابق ص 112
5 ـ المصدر السابق ص192

480
عالم أخر (13)
حين يكون دعم الدولة للثقافة أستثماراُ أجتماعياُ !
هلسنكي ـ يوسف ابو الفوز


يضمن الدستور الفنلندي ، لكافة المواطنين المقيمين بها ، مواطنين اصليين والأجانب أيضا ، ذات الحقوق الأساسية ، فهم متساوون امام القانون ، ومن ضمن ذلك ما يتعلق بالوضع المادي والإجتماعي والتربوي ، بما في ذلك حق الحصول على خدمات إجتماعية وصحية ليكونوا منتجين وفعالين في المجتمع .  السياسة الثقافية الرسمية في فنلندا تستهدف أساسا حيوية عملية الابداع ، لذلك فأن مؤسسات الدولة والمجتمع تدعم المبدعين وتساهم في توفير شبكة واسعة من الخدمات الثقافية ، تهتم بالثقافة الوطنية والتعددية الثقافية بشكل عام وتضمن تحقيق أهداف السياسة الثقافية للبلد عن طريق برامج ومشاريع مختلفة منها توفير الدعم المادي والمعنوي . المبدعون في الثقافة ، وفقا لسياسة الدولة المدنية التي تفسرها القوانين ، ينالون تقديرا متميزا من قبل المجتمع بشكل عام ، واهتماما خاصا من قبل مؤسسات الدولة المعنية ، التي تحرص وعبر مختلف مؤوسساتها الى تقديم الاشكال المتنوعة من الدعم للمثقفين ، من كتاب وفنانين وباحثين. يأتي العون المادي والمعنوي ، من قبل مختلف مؤسسات الدولة كأستثمار أجتماعي ، منسجما مع السياسة المعتمدة في دول الرفاه في شمال اوربا ، وفنلندا واحدة منها ، حيث  تكون الدولة هي المسؤولة عن القيام بالدور الأساسي في حماية وتوفير الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها، وتكون الثقافة في سياستها ليس بطرا او كماليات ، وانما حاجة اساسية للارتفاع بتفكير ووعي الناس ليحترموا الانظمة والقوانين وتحويلهم الى مواطنين منتجين ومبدعين، ومساهمين في تطوير المجتمع وخلق  والسلام والامن الاجتماعي .  ينال المثقفون سنويا دعما ماديا بميزانية خاصة تتجاوز عشرات الملايين باليورو ، ويقدم هذا الدعم على شكل منح مالية غير خاضعة للنظام الضريبي ، ينالها سنويا مئات المبدعين ، على مختلف اختصاصاتهم الفنية والادبية ، وفق نظام تقديم المعونة المالية ، الذي يحق لكل مبدع ، بشكل فردي او جماعات ، كالفرق المسرحية او الموسيقية او الجمعيات والاتحادات الثقافية ، للاستفادة منه . يتم ذلك بتقديم أستمارات خاصة تضم المعلومات عن السيرة الابداعية والانجازات السابقة، وفكرة المشروع الثقافي واهدافه، مع رسم الميزانية التقديرية المطلوبة لانجاز المشروع ، سواء كان معرض تشكيلي ، او تأليف كتاب ، او مسرحية، او عرض موسيقي وغيرها ، وبعدها تقوم اللجان المختصة ، بدراسة الاف المشاريع المقدمة ، وتقوم وفقا للمعايير الفنية والكفاءة والاهمية باختيار المئات منها والموافقة على تقديم المنح المادية لها كدعم مباشرللمساهمة في أنجازها، وتتابع وفق اليات خاصة التزام المبدع الذي نال المنحة في طريقة انفاقه لقيمة الدعم وفقا للشروط التي عليه الالتزام بها والاستفادة منها لانجاز المشروع ولا يدخل في عدادها التصرف بالمنحة لاغراض شخصية خارج اطار فكرة المشروع . أهم مصدر لتمويل الثقافة من قبل الحكومة المركزية هي وزارتي التربية والتعليم والثقافة ، حيث تتبع لهما مؤسسات مركزية ممولة من القطاع العام وتقدم الدعم للمتاحف والمسارح وللفرق الموسيقية ، والنشاطات الثقافية المحلية، وتدعم الأنشطة المدنية الفردية والجماعية، اضافة الى 17 صندوق دعم مالي منتشرة في اقاليم البلاد . سنويا تقدم مؤسسات الدولة في فنلندا ، ووفقا للاحصائيات الرسمية، الدعم المادي الى 52 مسرح و25 فرقة موسيقية .نتائج هذا الاستثمار تكون دائما باهرة ، ففي فنلندا ، التي يبلغ عدد سكانها ، 5,4 مليون نسمة ، الاحصائيات ايضا تقول لنا ان العدد السنوي لزوار المتاحف يبلغ خمسة ملايين مواطن ، والأوبرا الوطنية وفرق الأوركسترا الموسيقية يبلغ جمهورها السنوي أكثر من تسع مئة الف زائر ، وان العدد السنوي لرواد المسرح يصل الى اثنين ونصف مليون متفرج . ويكاد يكون مجلس الثقافة والفنون الفنلندي اكبر المؤسسات الثقافية الذي يقدم المعونات لمئات المثقفين سنويا ، هذا من غير ان العديد من الشركات مثل نوكيا للاتصالات ، كونيه للمصاعد والسلالم الكهربائية ، وشركات اليانصيب وغيرها ، تقدم منحا مالية  ودعما لوجستيا للعديد من النشاطات الثقافية ، وان كل بلدية تقريبا والمئات من منظمات المجتمع المدني تجد من واجبها رعاية النشاطات الثقافية وتقديم العون اللوجستي والمادي لانجازها. ومن ضمن اشكال الدعم للمبدعين توفير اماكن عمل وتدريب ، ستوديوهات وورش عمل ، وفقا لاجور رمزية بسيطة لا تثقل على ميزانية مؤجر المكان . مثال لهذا الدعم يقدمه  اكبر مركز ثقافي في العاصمة ، الذي يقع غرب المدينة ، ويشغل البنايات القديمة لمصنع الكيبلات الكهربائية الذي بني وعلى ثلاث مراحل في الاعوام 1939ـ 1954 . كان المصنع في حينه من اكبر البنايات في العاصمة، التي بنيت خارج المدينة على ساحل البحر ، وجاء من سبعة طوابق مكونا من ثلاث بنايات تصطف على شكل حرف U ، وخصص لانتاج الهواتف  والكابلات الكهربائية . في عام 1991 ، ومع توسع العاصمة ، تقرر نقل المصنع الى مكان اخر ، وتحويل المكان إلى مركز ثقافي مستقل تماما ، يهدف إلى توفير مساحة للانتاج الفني المتنوع ليساهم في خلق روابط بين الثقافات، وبقي المركز يعرف بأسم المصنع (Kaapeli) . تغطي بناية المصنع مساحة إجمالية قدرها 56 الف متر مربع، منها 35  الف متر مربع تكون معروضة للايجار على اساس الاجل الطويل بأسعار رمزية ، من قبل اكثر من 250 من الفنانين التشكيلين والفرق الموسيقية والفنية ، حيث تكون لهم اماكن عمل وتدريب ومكاتب، ففي البناية هناك  حوالي الف شخص يعمل يوميا ، ويضم المركز اضافة لذلك ثلاث متاحف و13 قاعة معارض ، اضافة الى المسارح لعروض الرقص والموسيقى ، وقاعات للاحتفالات الفنية يمكن تأجيرها .


481
تأريخ "الفقاعة" في السياسية العراقية !
يوسف أبو الفوز
بعد أن تمكن النظام الديكتاتوري المقبور ، من قمع انتفاضة اذار الشعبية في عام 1991 ، بقسوة مفرطة حيث كشفت الوثائق ان النظام وخلال 14 يوما وخلال عمليات اخماد الانتفاضة في جنوب العراق قتل بمعدل 20 الف انسان يوميا ، هذا من غير اعداد القتلى في مناطق كردستان ، وبعد ان ساد شعور السيطرة على الاوضاع عند قادة النظام الديكتاتوري ، وتحسباً لاندلاع هبّات جماهيرية جديدة وضمن خطط منهجية بدأت قوات النظام الامنية ، وخصوصا في العاصمة بغداد تجري تدريبات متواصلة لمواجهة هبّات جماهيرية محتملة قادمة ، لعلمها الاكيد ان الاسباب التي ادت لاندلاع انتفاضة اذار لا تزال كامنة مثل الجمر تحت رماد الاوضاع المأسوية التي يعيشها الشعب وبحكم استمرار وجود النظام واجهزته الامنية وقادته وعلى رأسهم المهيب الركن القائد الضرورة ! . في هذه التدريبات كانت قوات النظام الامنية تستخدم مصطلح "فقاعة" لوصف التحركات الجماهيرية المحتملة، وكانت الصحف الرسمية للنظام المقبور تنشر التقارير متفاخرة بهذه التدريبات والقضاء على "الفقاعات" المحتملة ! اذكر اني شخصيا ، وبعد اطلاعي على احد هذه التقارير، الذي كتبه احد ازلام عدي ، ولا يزال حيا يرزق ، وقد نزع الزيتوني ببساطة ولبس بدلا عنه بزة تناسب مصالحه مع احد القوى المتنفذه في الاوضاع السياسة الحالية ، في تقريره كان يصف بأعجاب سرعة الانجاز في "معالجة الفقاعة "! فكتبت عندها تعليقا ساخرا نشر في احد اعداد جريدة "المجرشة " التي كانت تصدر في لندن بادارة الفنان التشكيلي فيصل لعيبي ، وفي هذا التعليق تمنيت مجيء هذه "الفقاعة" المباركة ، وان تتكرر وتكبر لتكنس نظام حكم البعث ولتخلصنا من حكم الجزار الذي طغى وبغى كثيرا ، لكن ستراتيجيو البيت الابيض الامريكي كانوا الاشطر فاجتاحوا العراق واحتلوه وأطاحوا رأس النظام وتركوا لشعبنا إرثا ثقيلا من بقاياه .   
في التحركات الجماهيرية الاخيرة ، عادت كلمة "الفقاعة " من جديد لتظهر في خطابات بعض القادة السياسيين ومنهم السيد نوري المالكي ، رئيس الوزراء العراقي ، اذ شبَّه الحراك الجماهيري في شوارع العراق بأنها مجرد "فقاعات". ورغم انه تراجع عن كلمة "الفقاعات" وحاول ان يفسرها بأنه يقصد من يحاول تسلق التظاهرات ، فهو ظل يدور حول اطروحة بأن التحرك الجماهيري موحى به ضمن مؤامرة وأجندة خارجية تستهدف الحكم والعملية السياسية في العراق وهذه نغمة ايضا كان يعزفها قادة النظام الديكتاتوري المقبور !
وحتى قبل مناقشة الاسباب التي تدعو رجالات الحكومة العراقية ، ومنهم السيد نوري المالكي ، للاستهانة بهذا الشكل الفج بالحراك الجماهيري السلمي ومطالبه المشروعة، يبرز امامنا سؤال : كيف تسربت كلمة "الفقاعات" الى خطاب رئيس الوزراء ، وهي كلمة سبق للاجهزة الامنية في زمن الديكتاتور المجرم صدام حسين استخدامها بوفرة ؟ الا يقود الامر للاستنتاج الى كونها مصطلح أمني يتم تداوله حاليا في الاجتماعات مع القادة الامنيين والعسكريين الميدانيين عند دراسة تطورات الاوضاع في البلاد ؟ ومعروف جيدا ان عددا لا يستهان به من هؤلاء القادة الامنيين تولوا مناصبا قيادية في زمن الديكتاتور المقبور وتم استثنائهم من قانون المسائلة والعدالة لاسباب ليست بخافية على احد ولكنهم ــ كما يبدو ــ حافظوا على قاموس لغتهم ومصطلحاته الامنية في التعامل مع الشعب العراقي بحيث انتقلت مصطلحاتهم الامنية ذاتها الى لسان قادة العراق الجديد ! ان وراثة المصلحات لا يخيف كثيرا بقدر ما يخيف ابناء شعبنا ما سيصاحب هذه المصلحات من روح استهانة بحقوق الشعب وتطلعه للحرية والعدالة الاجتماعية ، وما يصاحب هذه المصلحات من اساليب "معالجة" تعرف اليها ابناء شعبنا ، خصوصا من الشباب المشاركين في تظاهرات ساحة التحرير ، حين تم التعامل معهم بتلك الاساليب ذاتها التي عرفها اباؤهم ، حيث الاماكن السرية الخاصة بالتعذيب بادوات ولغة فجة وسوقية ، كانت تعود بهم الى ايام كان الجميع يظنها زالت مع زوال الديكتاتور !

 


482
مكتبي في شيكاغو يقرأ ويكتب بثلاث لغات !



يوسف أبو الفوز
في نهار عاصف ، من نهارات شيكاغو مدينة العواصف ، خلال زيارتي لها في ايلول العام الماضي ، صحبتني بسيارتها الصديقة والكاتبة العراقية "ايلين قاصراني" الى محلة شعبية في المدينة التي كانت الريح تعصف بشوارعها ، وركنت سيارتها عند بناية متواضعة، هناك عرفت المفاجأة التي اخبرتني انها تعدها لي لذلك اليوم ، فها أنا وجها لوجه امام واجهة "مكتبة ألاتكال " لبيع الكتب العربية والاشورية وبالطبع الانكليزية ، واذا عرفنا ان هناك في المدينة عشرات ، بل ربما المئات من المطاعم التي يديرها عراقيون وعرب، فسنشعر بأهمية المكان اذا عرفنا انها المكتبة الوحيدة من نوعها في شيكاغو، بل وربما في امريكا ، بل أن باحثة من نيوزلندا تعتبرها في رسالة لها لصاحب المكتبة "الوحيدة في العالم في حجم توفيرها للكتب الاشورية" !. وتشكل احد الاماكن التي يزورها ويلتقي فيها بعض المثقفين العراقيين والعرب وتكون تكون محطة بريد لهم لتبادل الكتب والرسائل واخبار النشاطات . أستقبلنا بحرارة  وبوجه بشوش صاحب المكتبة العراقي الاشوري السيد "ابراهيم يلدو ابراهيم " ، من مواليد بغداد 1943 ، ومقيم في شيكاغو منذ عام 1980 . حين قدمته لي الصديقة "ايلين قاصراني" كمكتبي وشاعر ومترجم ، أحتج وبتواضع شديد ، ولكنه أقر لنا كونه يكتب الشعر لنفسه ، وهو مقل عموما في النشر بالعربية ، وحصل ان كتب ونشر مرة عن تجربة  الشاعر والصحفي أنور الغساني (1937 ــ 2009 ) ، لأنه من شهود تجربته وتجربة جماعة كركوك الأدبية ، وشعر ان التجربة تحتاج الى الاشادة بها ، وعرفنا أنه يقرأ ويكتب بحرية بثلاث لغات ، العربية والاشورية والانكليزية ، وانه ينشر في مختلف الدوريات بعض الترجمات الى الانكليزية فيما يخص البحوث عن الاشوريات .  ومع استكانات الشاي العراقي المهيل كانت لنا دردشة معه عن احوال المكتبة ، فعرفنا أنه أنشأها عام 2002 ، وأنه يشتري بنفسه الكتب خصيصا خلال رحلاته الى بعض البلدان العربية، ولا يوجد له تعامل مباشر مع دور النشر والتوزيع ، وهو يرى أنه في السنوات الاخيرة هناك أنحسارا شديدا في اقتناء الكتب بين عموم الناس ، وحين سألناه عن الاسباب قال لنا :
ـ انحسار اقتناء الكتاب عموما في مدينة شيكاغو من قبل ابناء الجالية العراقية ، له اسباب عديدة متداخلة ، منها انتشار الفضائيات والانترنيت ، وايضا انتشار الفكر الغيبي والطائفي أو ما يسمى عند البعض بالصحوة الدينية التي للاسف تحارب الكتاب ، فجبران خليل جبران صار يعد عند البعض كافرا فمن يشتري كتبه ؟ ويمكن القول ان السبب الاقتصادي قد يكون سببا اضافيا عند قطاع معين من الناس ، فأسعار الكتب بشكل عام من المنشا تكون مرتفعة ، هذا اذا ما اخذنا في الحسبان تكاليف النقل والشحن وهامش الربح رغم بساطته .   
   ومن هم أهم زبائنك في اقتناء الكتب ؟
ــ زبائني أساسا هم من النخبة ، من المثقفين والسياسيين والمتعلمين والبعض من الطلبة والباحثين سواء يكونوا عربا أو أمريكين ، وهناك بعض الناس ممن يحب الاطلاع والتزود بالمعرفة وتوسيع خزينه الثقافي .
   نلاحظ ان هناك قسما لبيع الاسطوانات الموسيقية و الاغاني ؟
ـ بسبب انحسار اقتناء الكتب لابد ان نجد مصدرا اضافيا للدخل ، فصرنا نبيع بعض الصحف العربية وبعض القرطاسية ، ثم انشانا قسم الموسيقى وهذا القسم له علاقة مباشرة بالثقافة ، فنحاول توفير أهم الاغاني والقطع الموسيقية التراثية والفلكلورية ، لفنانين من مختلف العالم ، وخصوصا الاغاني الجادة ،  وان كنت اعني كثيرا بالتراث العراقي عموما وخصوصا الاشوري .
   وماذا عن فكرة تأسيس مطبعة او دار نشر ؟
ــ الفكرة قائمة منذ سنين ، لكن المصاعب ليست قليلة ، وحتى لو توفر رأس المال اللازم بطريقة ما ، فأي كتب نطبع ولمن نطبع ؟ هناك صعوبات جمة ، مرات عديدة كنت افكر باغلاق المكتبة ، لكن ما حققته المكتبة من سمعة ايجابية ، واعتماد شريحة معينة من الناس عليها تجعلني اتوقف امام مسؤولية الاستمرار ، وهنا يلعب الجانب الاقتصادي  الدور الاهم في صمود قرار المواصلة ، فأذا عجزنا عن تسديد تكاليف المكتبة من ايجار وما يرافقها سأكون مضطرا للاغلاق .




483
عالم أخر (12)
أحوال بابا نوئيل في فنلندا
هلسنكي ـ يوسف ابو الفوز


أنسان تميز بإدخال الفرح في حياة كل الناس وخصوصا الأطفال ، مشهور بشكله الضاحك كرجل عجوز سمين بلحية بيضاء مثل الثلج وملابسه التي يطغي عليها اللون الاحمر . في اوربا يسمونه "بابا نوئيل " وفي امريكا اسمه "سانتا كلوز" ، وفي فنلندا يسمونه " يولوبوكي" ، وجاء الاسم من العادات الفنلندية القديمة عن رجل كبير السن يرتدي ثياب الماعز ويجمع الطعام بعد اعياد الميلاد ، ولكنه مع الزمن تداخلت وتماهت في الشكل مع الشخصية الامريكية. في كل الاسماء، هو شخصية ترتبط بعيد ميلاد السيد المسيح عند الشعوب التي تدين بالمسيحية،الذي يعتبر ثاني أهم الأعياد المسيحية بعد عيد القيامة، وذلك بدءًا من ليلة 24 كانون الاول / ديسمبر ونهار 25 كانون الاول / ديسمبر. الاساطير تقول لنا ان بابا نوئيل يعيش في القطب الشمالي مع زوجته ويساعده مجموعة من الاقزام لتحضير الهدايا التي يقدمها لاطفال العالم الذين يدور عليهم كلهم في ليلة ميلاد السيد المسيح بزلاجته الخشبية السحرية التي تقودها الايائل، ويضع لهم الهدايا تحت شجرة الميلاد التي تكون عادة من الصنوبر ، حقيقية او بلاستكية، والمعروف انه يدخل البيوت من المداخن او الشبابيك او الشقوق في المنزل ، واذ تحتفل العائلة وتجتمع الى المائدة التي تزدحم بمختلف المأكولات والمشروبات يفتح الاطفال الهدايا التي جلبها لهم بابا نوئيل ، والذي لا يمكنهم ان يشكون بحقيقة وجوده الا بعد ان يصلوا سن البلوغ ليعرفوا ان كل الهدايا كانت من افراد العائلة ولا وجود لبابا نوئيل الا في مخيلتهم والتراث الشعبي .


كتب التاريخ تقول لنا ان اصل هذه الشخصية الاسطورية ، يستند الى شخصية حقيقية هي الاسقف نيقولاس اليوناني عاش في القرن الخامس الميلادي في بلدة ميرا "Myra" القديمة (الان اسمها Demre) في منطقة ليشيا "Lycia" في الأناضول (تركيا الحالية) ، عرف كرجل صالح دافع عن الفقراء والمظلومين واحب الناس فأحبوه ، واهتم بالأيتام والفقراء والأطفال والأرامل وكان يقوم أثناء الليل بتوزيع الهدايا للفقراء والمال لعائلات المحتاجين دون أن تعلم هذه العائلات من هو الفاعل ، وصادف وأن توفي في شهر كانون الاول / ديسمبر ، فتعززت شهرته ليصبح من كبار القديسين وصار يعرف بالقديس نيقولاس . صورة وشكل بابا نوئيل ولدت على يد الشاعر الامريكي "كليمنت كلارك مور" ( 1779 ــ 1863) الذي كان استاذا للاداب اليونانية والشرقية في جامعة كولومبيا ، وكان ايضا استاذ تدريس الانجيل الكتاب المقدس ، حين كتب قصيدة  "زيارة من القديس نيقولاس" والتي صارت تعرف بعنوان "الليلة السابقة لعيد الميلاد" (The Night Before Christmas) ، التي نشرها لاول مرة عام 1823 دون ان يضع توقيعه عليها ، وصار يعاد نشرها باستمرار دون معرفة كاتبها ، وفقط في عام 1844 اعترف بكونه كاتب القصيدة اثر ضغوطات من عائلته . في هذه القصيدة رسم الشاعر الهيكل الاساسي لاسطورة باب نوئيل، الزلاجة السحرية وغزلان الرنة والجرس الرنان ، والدخول عبر المدخنة محملا بالهدايا للاطفال والفقراء وشكله المتميز "وجنتيه مثل الورود، وأنفه مثل الكرز" و" كان لديه وجه واسع وبطن مستديرة قليلا" و" ممتلئ الجسم وسمين " و" اللحية البيضاء مثل الثلج" ، وراحت هذه الصورة تنتشر عنه حتى بادرت شركة كوكا كولا ومن اجل ترويج شرابها في كل الفصول الى حملة اعلانية أبرزها صورة بائع ينتحل شخصية بابا نوئيل في متجر مع مجموعة من الأطفال ، ففي عام 1931 صمم فنان الاعلانات هادون سندبلوم ، وهو ابن لمهاجرين فنلنديين ، شكل بابا نوئيل ، مستفيدا من قصيدة "كليمنت كلارك مور"، ونجح الاعلان والشخصية التي عممت وشاعت وصارت معروفة في الرسوم والمسرحيات والافلام وبطاقات التهنئة . ورغم ان  الديانة المسيحية دخلت الى فنلندا في 1155 مع الحملة الصليبية التي قادها القديس ايريك ملك السويد الا ان فنلندا تتنازع مع بقية دول شمال اوربا ، خاصة مع الدانمارك ، حول موطن بابا نوئيل ، والتراث الفنلندي يعتبر موطن بابا نوئيل في اقليم لابلند ، الذي يقع في الدائرة القطبية الشمالية ، شمال فنلندا ، حيث تكسوه الثلوج كل ايام السنة ،  وتعتبر مدينة روفانيمي Rovaniemi ، عاصمة الاقليم ، هي مسقط رأس بابا نوئيل وهو يختلف عن نظيره الامريكي الذي يطير مع زلاجته الخشبية السحرية ويدخل عبر المداخن ، لكن الفنلندي ينزلق على الارض بزلاجته الخشبية تسحبها الايائل مطلقا اجراسه الرنانة ويطرق الابواب للقاء الناس. في مدينة روفانيمي هناك مكاتب خاصة ببريد بابا نوئيل لاستلام رسائل الاطفال حيث يقوم بالاجابة عليها بمساعدة زوجته والاقزام ، وتصل الى مكاتب بابا نوئيل في مدينة روفانيمي سنويا الاف الرسائل حيث يتم الاجابة عنها جميعا وفي عام 2006 استلم 600 الف رسالة من مختلف ارجاء العالم ، ولبابا نوئيل طوابع خاصة به يتعامل معها البريد الفنلندي ، وعادة  في ايام الاعياد يكتب الاطفال امنياتهم بالهدايا التي يرغبون، وعليهم حسب وصايا بابا نوئيل تسليم رسائل الامنيات الى والديهم الذين يقومون بأيصالها اليه ، حيث يبادر ليلة عيد الميلاد لتلبية المعقول من هذه الرغبات والاجابة على الرسائل .


 بابا نوئيل الفنلندي يمكن التراسل معه عبر البريد الاليكتروني او الفيس بوك ويمكن متابعته عبر التلفزيون ليلة عيد الميلاد حيث يجلس في الاستوديو مترديا زيه الاحمر وبلحيته البيضاء ليرد مباشرة على مكالمات الاطفال ويلعب معهم العاب تلفزيونية خاصة ، ويمكن زيارته الى مقر سكنه في قرية بابا نوئيل بالقرب من جبل كورفاتنتوري  Korvatunturi واللقاء به مباشرة ، وفي حال زيارته يمنحك شهادة خاصة توثق يوم زيارتك واللقاء به مع الصور ، وفي عام 2010 كان هناك اكثر من 120 الف زائر ، ويصل الزائرون من مختلف بلدان العالم وليس من فنلندا فقط ، وهو بنفس الوقت قادر على زيارة كل المدن الفنلندية، ويحضر الاحتفالات العامة والخاصة ، ففي ليلة عيد الميلاد وليلة رأس السنة حين تجتمع العوائل المحتفلة يحدث ان يطرق بابا نوئيل الباب ليدخل حاملا كيسه المتليء بالهدايا للاطفال والكبار حيث مكتوب اسم كل شخص على هديته. في ليلة عيد الميلاد ، في كل المدن الفنلندية ، هناك المئات من الرجال والنساء الذين يتطوعون مجانا او لقاء مبالغ رمزية للقيام بدور بابا نوئيل وزيارة البيوت حاملين الهدايا التي تكون العوائل قد جهزتها مسبقا للاطفال والاصدقاء .

 






484
الكلام المباح (34)
ما جرى في قرية آل عودر !
يوسف أبو الفوز
حين سمع صديقي الصدوق، أبو سكينة ، عن الاشتباك بالايدي واللكمات في قاعة مجلس النواب ، لطم على رأسه:" أويلي عليك يا عراق ، حسافة والف حسافة ، وصلت لهذا الحد؟ " كنا بالكاد نحاول جعله ينسى ما حل ببغداد التي غرقت بعد مطر أستمر ساعات ، وأستثمرنا أصداء فوز المنتخب العراقي بكرة القدم وكنا نردد مع كثيرين : " يا ريت يتعلم السياسيين من الرياضيين الذين وحدوا الفرح عند العراقيين! " . كان جليل يكرر منزعجا : "حتى الرياضة حاول البعض تلبيسها ثوب طائفي" ،  فعلق ابو جليل :" أريد اعرف هل هناك واحد من الذين يسكنون التلفزيون ليل نهار، وتصريح يناطح تصريح ، لا يؤمن بسلوكه وعمله بالسياسة الطائفية ؟ " لم يأت سؤال أبو جليل من فراغ ،  فخلال الايام الماضية تابعنا ما يتعلق بالتظاهرات في شوارع عدة محافظات وردود فعل الحكومة من مطالب المتظاهرين ، وتابعنا لعبة مقاطعة جلسات مجلس الوزراء ومجلس النواب ، وانتبهنا الى تصريحات السياسيين ، فوجدنا غالبيتهم ، يتحدثون عن أهمية ان تحل المشاكل العالقة بين مختلف الاطراف بالحوار ودون تعصب ، ولا ينس اي منهم انتقاد السلوك الطائفي عند الاخر، لكن ما يحزن الناس ان مجمل نشاط السياسيين يواصل تحريك طاحونة الطائفية البغيضة ، حيث التصريحات النارية والاتهامات والتشكيك بالاخر، متشبثين بما ثبت خطأه وفشله. قالت زوجتي:"ان هولاء السياسيين يذكرونا بنكتة اشتهرت عن سلوك الرئيس المصري السادات، تقول أنه حين يقود سيارته بنفسه يعطي اشارة ضوئية الى اليسار ولكنه ينحرف يمينا". أبو سكينة كعادته لم يفوت الفرصة ، فقال موجها كلامه للجميع : " سأحكي لكم عن ملا صالح وزيارته الى قرية آل عودر". أعرف من حكايات أبو سكينة ان ملا صالح رجل دين حكيم وزاهد ولا يسترزق من تديّنه وأعتاد زيارة القرى لوجه الله ، يصلي بهم الجماعة ويقرأ لهم القرأن ويشرح لهم مباديء الاسلام كما يعرفه، وسمعت عن قرية آل عودر، التي في أيام النظام المقبور صار أسمها "قرية العودة"، وبعد سقوط الصنم واحتلال العراق نزع كثير من رجالها الزيتوني وأطالوا لحاهم أو اطلقوها ، وبمساعدة بصلتين حاميتين صار لاغلبهم "ختم التعبد". واصل أبو سكينة حديثه قائلا : يعرف ملا صالح ، ان غالبية أهل قرية آل عودر معروفين بعدم الصدق ، ومدعين بالدين والتقوى، وبعضهم يحاول تغيير اسم القرية بحيث يتناسب مع الاحوال الجديدة، فأراد ان يعطيهم درس يمكن يتعلمون منه، فقال لهم بعد صلاة الجمعة :"اليوم اريد احكي لكم عن الكذابين، الذين يقولون ما لا يفعلون، الذين هم سبب كل الطلايب والمشاكل لانفسهم وللناس، فمن منكم يا بعد عيوني قرأ السورة 125؟". رفع جميع من في المجلس من اهالي قرية آل عودر أيديهم ، فقال لهم ملا صالح:" بالضبط هذا الذي أريده وتعالوا نتحدث بصراحة لأن عدد سور القرآن 114 سورة فقط " !


485
هل يشهد العراق فترة حكم "الديكتاتورية الطائفية " ؟!

يوسف أبو الفوز
أثر إقرار قانون الانتخابات في الثامن من  تشرين الثاني 2009 ، كتبتُ أتسائل " هل سيشهد العراق فترة حكم الديكتاتورية الطائفية ؟ "، وبعد مرور عدة سنوات وأمام ما يعيشه العراق حاليا من واقع سياسي مضطرب ميزته ازمات متوالدة مستعصية وفوضى وانفلات امني وسياسي ، أجدني أعود الى استرجاع ذات الافكار ومعها يعود ذات السؤال من جديد !!
تشير الادبيات السياسية ، الى أن الديكتاتورية هي شكل من أشكال الحكم ، تكون فيه السلطة مطلقة بيد حاكم فرد لا يتقيد بدستور او بقوانين ، وبل يكون هو القانون ، دون مراعاة أي عوامل سياسية أو اجتماعية ، لكن العلوم السياسية ايضا تشير ، وكبار المفكرين ، الى ان مفهوم الديكتاتورية لا يمكن ان يقف عند مفهوم الفرد الحاكم الديكتاتور، بل يمكن ان يمتد ليكون ديكتاتورية كتلة من الناس او فئة او طبقة ، والى هذا أشار فلاديمير لينين (1870 ـ 1924 ) في معرض نقاشه مع كارل كاوتسكي عام 1918 في كتابه حول الثورة البروليتارية. وقد وصفت الانظمة الشمولية عموما ، بأنها نظام الحزب الواحد، وأنها انظمة ديكتاتورية بدون جدال ، لأنها تحمل ممارسات النظام الديكتاتوري حيث تعبئة الجماهير بشكل ديماغوجي بايدلوجيا الحزب الواحد الحاكم ، وحيث يتم توجيه النشاط الاقتصادي والاجتماعي بشكل تعسفي بقوة الاجهزة الامنية لصالح النظام الحاكم. ويشير العديد من خبراء العلوم السياسية الى ان هذه الانظمة الشمولية الديكتاتورية، التي ظهر الكثير منها في مناطق العالم الثالث، ومن ضمنها العراق ، تتميز بعدم الاستقرار السياسي وتبرز فيها الانقلابات والاضطرابات والخلافات السياسية التي غالبا ما تكون ضد مصالح جماهير الشعب  .
يطرح المفكر الفرنسي ريمون آرون (1905 ـ 1983 ) الفيلسوف وعالم الاجتماع ، والمدافع عن الليبرالية ، في كتابه ( الديمقراطية والشمولية ) الصادر في باريس عام 1965 ، اهم مقومات وعناصر النظام الشمولي فيشير الى احتكار السلطة السياسية من قبل حزب واحد، يستند في نشاطه وعمله الى ايديولوجية تقود فعالياته ونشاطاته، ولاجل نشر هذه الايديولوجيا سوف تُسخر كل اجهزة الدولة، التي يكون تحت تصرفها كل وسائل الاتصالات من وسائل الاعلام ، وأيضا الوسائل الامنية القمعية  .
أثر نتائج انتخابات مجلس النواب العراقي التي تم إجرائها في 7 أذار/مارس 2010 ،  وفقا لقانون الانتخابات الذي رسمته القوى المتنفذة ليراعي مصالحها ، تم اقصاء العديد من مكونات الشعب العراقي ، فهذا القانون صار جدارا عازلا امام مشاركة وطنية حقيقية  لقوى سياسية يمكن ان تؤثر في القرارات السياسية . هذا الامر الذي كان من نتائجه الواقع السياسي الحالي المعاش الذي يمارس سياسيوه أسلوب العناد والتشبث بمواقفهم والاصرار على ما ثبت خطأه وفشله ، والعراق الحالي يبدو وكأنه يعيش حكما شموليا من نوع جديد ، له لبوس طائفية ، فمن يستحوذ على السلطة الحالية ويديرها هو فئة ذات طابع طائفي واحد ، جناح سياسي من مكون طائفي ، تعمل بأيدلوجية طائفية فكرية وسياسية واحدة ، نجحت في ان جعلت الحكومة تقضم الدولة وتشل عملها . ما يزيد الامر خطورة للايام القادمة هو ان الحديث عن الفوارق بين القوائم الانتخابية المتنفذة الحالية ، لمختلف الاجنحة لطائفة ما ، سيتلاشى أمام ذوبان الفوارق عند قيادات هذه القوائم حين تكون قضية الاستحواذ على السلطة واحكام السيطرة عليها المهمة الاساسية ، خصوصا مع تحول اماكن العبادة الى مراكز للدعاية الانتخابية ، على غرار رجل الدين المعمم الذي انتشر شريطه المصور في مواقع التواصل الاجتماعي وهو يدعو الى انتخاب الحرامي السارق نصرة للمذهب ، وبوجود عوامل مساعدة كثيرة ، خارجية وداخلية ، ستساعد على التقارب بين المكونات الطائفية . وعندها فان ما سيتعزز في العراق ، هو نظام حكم وفق سياقات ديكتاتورية ، يمكن الحديث عنه بما يمكن تسميته "الديكتاتورية الطائفية " . من هنا تبرز الحاجة الى ان يعي ابناء العراق ، الحريصون على مستقبله المدني الديمقراطي ، ضرورة العمل لتوفير متطلبات تضمن نزاهة الانتخابات القادمة وأهمها تشريعات تجري تغييرات على قانون الانتخابات البغيض وتقطع الطريق امام امكانية ظهور ديكتاتورية طائفية تقود البلاد الى كوارث جديدة .



486
حلف الناتو لا يمكنه تجاوز الجغرافيا  بين روسيا وفنلندا !




يوسف أبو الفوز
أجرت القناة التلفزيونية الثالثة في التلفزيون الفنلندي ، مؤخرا ، استطلاعا عارض فيه حوالي سبعين بالمائة من الفنلنديين انضمام بلادهم الى حلف الناتو . وتناول الاستطلاع الاسباب  التي تدفع الفنلنديين الى ذلك منها انهم لا يريدون ارسال  ابنائهم وقودا  للحروب، وانهم يريدون ان يبقوا خارج الصراعات بين القوى الكبرى ، وهناك مخاوف من ارتفاع ميزانية الانفاق العسكري ، الدفاعي خصوصا ، وهذا سيترك تأثيره السلبي على الاوضاع الاقتصادية . واشار الاستطلاع الى ان نسبة غير قليلة من المشتركين فيه يرجعون معارضتهم الى منكلقات انسانية ، ويعود  هذا الامر  الامر الى كون الفنلنديين شعب  مسالم ومحب لعلاقات حسن الجوار ، خصوصا مع جارهم الاكبر ، روسيا ، الذي تمتد الحدود معها لأكثر من ألف وثلاث مئة كم عبر غابات وبحيرات متشابكة .
منذ تأسيس حلف الناتو عام 1949 ، كانت احدى اهدافه الستراتيجية هو تطويق الاتحاد السوفياتي ، ثم انتقل الهدف الى تطويق روسيا التي ورثت الترسانة النووية السوفياتية . نجح حلف الناتو في ان يضم الى صفوفه العديد من الدول التي كانت في سنوات ليست بعيدة حليفة للاتحاد السوفياتي ، ومنها دول جارة لفنلندا ولروسيا مثل استونيا ولاتفيا وليتوانيا حيث انضمت للحلف في عام 2004 . ومرت العلاقة بين روسيا وفنلندا بالعديد من المنعطفات الحادة وكانت هناك اكثر من معاهدة سلام ، الامر الذي دفع جوزيف ستالين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، حيث كانت فنلندا حليفا لالمانيا النازية التي خسرت الحرب ، ان يقول للفنلنديين خلال مباحثات السلام " لست مسؤولا عن الجغرافيا " ، وكان ستالين يطلب من فنلندا ان تحافظ على خيار الحياد في الصراع بين محاور الشرق والغرب . معروف تماما لكل الاطراف أن ما يدخل في اهداف حلف الناتو هو الثروات الهائلة التي تحويها منطقة القطب الشمالي من الغاز والبترول ، الامر الذي دفع روسيا لاتخاذ اجراءات احترازية عديدة وتعزيز وجودها العسكري في منطقة القطب  ، وما ان طرحت للنقاش الصيف الماضي فكرة نشر حلف الناتو لمنظومات صاروخية ضاربة في فنلندا حتى ارتفعت الاصوات الرافضة والناقدة داخل فنلندا اكثر مما في روسيا . ولا تجرؤ الحكومة الفنلندية الحالية ، التي يقودها حزب الائتلاف الوطني الفنلندي (يمين معتدل) منذ عام 2011 انطلاقا من ادراكها لموقف الشعب الفنلندي وقواه السياسية الاساسية ، على الحديث عن انضمام فنلندا الى عضوية حلف الناتو ، لكنها تعتمد في علاقتها مع الحلف سياسة تسميها " الباب المفتوح" التي تتلخص في عدم الدخول في عضوية حلف الناتو مباشرة كعضو اصيل ، ولكنها لا تغلق الباب امام التنسيق والتعاون معه . وعلى هذا الاساس اشتركت فنلندا في قوى السلام ضمن قوات حلف الناتو في افغانستان واجراء العديد من المناورات العسكرية والتدريبية التي اغضبت الجارة روسيا ، خصوصا فكرة نشر المنظومات صاروخية الضاربة . و زار فنلندا مؤخرا الامين العام لحلف الناتو وصرح بأن فنلندا شريك جيد للحلف في المنطقة ، مما اغضب القيادة الروسية وزعماء اليسار في فنلندا ، الرئيس الروسي  فلاديمير بوتين اشار في واحد من تعليقاته ، الى "ان مشاركة أية دولة كانت ، في التحالفات العسكرية يفقدها جزءا من استقلالها " في اشارة منه الى فنلندا . من جانبه ، جدد اليسار الفنلندي موقفه الرافض دوما دخول فنلندا في سياسة الاحلاف العسكرية ، وجددت مؤخرا الشخصية القيادية في الحزب  الاجتماعي الديمقراطي ، ورئيسة الجمهورية السابقة تاريا هالونين موقفها الرافض للعلاقة مع حلف الناتو خلال حفل توقيع كتابها " من أجل حياة أفضل " الذي يروي سيرتها الذاتية . ويريد الشعب الفنلندي ، وهو يحتفل في السادس من كانون الاول بعيد الاستقلال الخامس والتسعين دخول العام الجديد وهو مفعم بالشعور بأستقلال بلده ، وهو يدرك أنه بأمكانه ان يرمي تاريخ الحروب والصراعات جانبا ، لكنه لا يمكن تجاوز الجغرافيا ، لانها ترسم دائما واقعا لا سبيل للهروب منه في العلاقات بين الدول ، وللحفاظ على الانجازات الديمقراطية التي حققها الشعب الفنلندي ، فان السلام في المنطقة مطلوب وضروري . 



487
قراءة في ذاكرة النصير عبد اللطيف السعدي
حركة الانصار ماثرة نضالية من انصع المراحل التاريخية في سجل نضال الشيوعيين والحركة الوطنية



يوسف أبو الفوز
في اصدار خاص ، عن مطابع إيلاف في بغداد ، صدر مؤخرا للنصير والاعلامي عبد اللطيف السعدي (أبو اثير) كتابا بعنوان مزدوج ( في ذاكرة نصير ـ  نصوص من سيرة انصارية ) وجاء الكتاب في 80 صفحة من الحجم المتوسط ومن تصميم  حسين  مهدي . الغلاف الاخير حمل كلمة قصيرة للكاتب اشار فيها الى  كون مرحلة حياته في حركة انصار الحزب الشيوعي العراقي ، الذين خاضوا الكفاح المسلح ضد النظام الديكتاتوري المقبور للاعوام 1979 ـ 1988 ، كانت (... المرحلة الاغنى والاجمل في مسيرة حياتي) وبين ان نصوص الكتاب التي تأخر نشرها لاسباب مادية كتبت خلال فترة الكفاح المسلح ، وانها جاءت " لتأرخة محطات ولقطات من تلك التجربة الانسانية والنضالية الشريفة ولابراز جمالياتها الانسانية ". الكتاب حوى قسمين اساسيين ، الاول من  20 صفحة ، جاء تحت عنوان "محاولة للتقييم ، ادب الانصار : ملامح وكوابح"، وهي محاولة دراسة تجربة نشاط الانصار الثقافي ، وعلى ما اذكر سبق للكاتب ان نشر هذه المساهمة في صحيفة "ريكاي كوردستان / العربي " قبل سقوط النظام الديكتاتوري بسنوات طويلة ، وفيها حاول ان يسجل ملاحظات عن النشاط الثقافي لحركة الانصار التي اعتبرها " تجربة تأريخية ناصعة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي والشعب والوطن " ص 5 ، ويشير الى ان "الحياة الانصارية " ثمة مجموعة عوامل تفاعلت " لتشكل نمطا لحياة متميزة بتفاصيلها ومفرداتها " ص 5 ، منها الوجهة الفكرية والسياسية والتنظيمية ، الطبيعة الكردستانية وايضا المعايشة للحياة الاجتماعية لاهالي كردستان . وعن النشاطات الابداعية للانصار فأنه يقول " مع تطور التشكيلات الانصارية واتساعها  ، اتسعت الحاجة لتنظيم الحياة اليومية بكل جماعي باستثمار الملكات والقابليات الفردية " ص 8،  ويتحدث لنا عن النشاط الاعلامي والنشرات الحائطية في المقرات الثابتة والمجلات الدفترية الانصارية في الفصائل اوالسرايا المتحركة والمقرات ، والامسيات  الادبية والفكرية والسياسية وحيويتها . ويشير الكتاب الى  بروز لغة تخاطب متميزة عند الكتاب الانصار واستخدام مفردات "بايقاعاتها الخاصة ، لا يمكن استخدامها الا في اجواء الحياة الانصارية " ص 11 . ويؤشر الكتاب  اسماء العديد من المبدعين الانصار ممن كتبوا القصة والشعر وتواصلوا في النشر حتى من بعد نهاية حركة الانصار، ومنهم من كانت بداياته بتأثيرالتجربة الانصارية . وتحدث الكتاب ايضا عن النشاط الفني في التشكيل والكاريكاتير والمسرح وكيف " ان الفقر في توفر المستلزمات صار سببا للتنافس في التفنن والابداع في استخدام كا ما هو متوفر من ادوات بسيطة في الحياة واالطبيعة " ص 14 ، وعن العوامل المعيقة للنشاط الابداعي الانصاري فهو يشير الى ان عسكرة كل جوانب حياة الانصار من قبل بعض القادة والمسؤولين جعلت من المثقف عندهم "علة على الحركة " ص 17، لكنه من جانب اخر يشير الى ان انه كان هناك بعض القيادين المتميز بدعمه المثقف النصير و " استوعب تلك الاهمية وساهم بدعم ونتنشيط هذا الوجه الهام من اوجه النشاط " ص 18 ويشيد الكاتب بمثابرة وجهاد المثقفين الانصار " وان ما تحقق من نتاجات ونشاطات كان في الغالب نتاج لمثابرة وجهادية غير عاديين للمبدعين والمثقفين الانصار " ص 18 . ويرى الكتاب أيضا ان طابع التشكيلات الانصارية العسكرية وفهمها لمهمة الاعلام  " لم توفر المرونة الكافية والمناسبة لعمل الاعلاميين " ص 18 ، وتحدث عن تعرقل تشكيل رابطة الكتاب  والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين ـ الانصار ، " فبعض مكاتب الاعلام تعاملت  بحساسية عالية وبمنافسة غير مبررة لتحقيق هذا الانجاز المهم " ص 19 . ويشيد الكتاب بالمثقفين الانصار ومساهمتهم في جوانب العمل الانصاري ومنها الاعمال العسكرية ، وفي الختام يؤكد الكتاب "ان الحديث سيبدو مبتورا ان تركز على ايراد السلب وهو قطع في سلسلة من حلقات مهمة وايجابية وتأريخية في في مسيرتها وانجازاتها" ص 19 ، فيعود ليؤكد بأن حركة الانصار" ماثرة نضالية ستبقى اجيال الوطنيين الشرفاء والشيوعيين والجماهير الشعبية تتذكرها كواحدة من انصع المراحل التاريخية في سجل نضال الشيوعيين والحركة الوطنية " ص 20 .
الصفحات 23 ــ 64 حوت نصوصا تحت عنوان " نصوص من سيرة انصارية " أشار الكاتب الى أنها "ليست شعرا ، لكنها تلامس ايقاع الشعر وتستعير بعض بناه " ص 23 ، وهي " لا تدخل تحت خيمة النثر بالوانه المعروفة تماما، رغم انها تتسم بسمة المباشرة منه " ص 23 ، فهذه النصوص المكتوبة خلال تجربة الانصار اراد لها الكاتب " تسجيل  احداث ووقائع مسيرة " ص 23 :
قاعة طينية وسط الصخور
والحالمون فيها ،
يتقاسمون المشاق،
يتعاونون
توحدهم المصاعب . ص 39 "فصيل"
وهكذا اذ نمر على العناوين يمكن تلمس شيئا من ايقاع حياة الانصار وعواطفهم وامالهم واحلامهم :  " الخطوة الاولى " ، " في الطريق " ، " نحو اللقاء " ، " اللقاء " ، "  فجر اول" ، " الحراسة الاولى" ، " فصيل " ، " حطب" ، "  مخلص" ، " نصيرات " ، "  عملية " ، " انسان" ، " ساعة صمت " ، " الانصار " ، " ملحكتان في صورة واحدة " ، " نرنوه قرصا للشمس " ، " لقاء " ، "  شروع " ، " الختام " و " عن تلك الانحاء" . وثمة ستة نصوص افرد لها الكتاب عنوانا مشتركا " نصوص للهجرة الاضطرار " قال انها تنشد للشعر اكثر وهي تحاول تسليط الضوء معاناة هجرة ابناء الشعب الكوردي اثر عمليات الانفال وهذه النصوص كتبت في مخيمات اللجوء التركية :
لرجال مثقلين ...
بالسنين ... الجمر
لانصار ثبات...
لمن تاق الى الموت ...
وقوفا .
لكم مجد ... ،
رياض من الفخر
فضاءات اختيار  . ص 70 "لكم "
يذكر ان الكتاب حوى على سبعة  تخطيطات بالحبر للفنان والنصير ساطع هاشم "ابوغصون" تعود للسنوات 1980 ـ 1983اضفت حميمية لنصوص الكتاب . تحية لجهود الكاتب النصير عبد اللطيف السعدي ومحاولته في توثيق ايام بهية في حياة من عاشها ومفخرة لكل من جايلها !



488
"الرحيل من بغداد" فيلم عراقي مطلوب للمشاهدة في كل حين!



كتابة : يوسف أبو الفوز    
تصوير : شادمان عليّ فتّاح

اخيرا توفرت لي فرصة مشاهدة فيلم "الرحيل من بغداد" انتاج عام 2011 ، من سيناريو واخراج ،  المخرج والمصور السينمائي قتيبة الجنابي (مواليد 1960 بغداد ) ، فوجدت ان فناننا المبدع  قدم للسينما العربية عموما، وللسينما العراقية خاصة ، فلما سيعيش طويلا في الذاكرة ، فهو ليس فلما عن احداث عابرة ، اثر موجة ما موسمية ، انه فيلم لذاكرة وطن وشعب ، هو تأريخ وذاكرة الشعب العراقي ، الذي لا يختلف كثيرا عن الشعوب العربية التي قمعت طويلا من انظمتها الديكتاتورية بأشكال مختلفة . قصة الفيلم  تؤرخ  لمعاناة أجيال عانت كثيرا من الملاحقة والظلم البوليسي من قبل نظام حزب البعث في العراق طيلة اربع عقود ، منها جيل المخرج ذاته ، حيث تلامس قصة الفيلم خيوطا من معاناته  الشخصية . فقتيبة الجنابي اضطر لترك وطنه العراق لاسباب سياسية في سبعينات القرن الماضي، وظل كثيرا يعاني من ملاحقة سلطة النظام التي كان يمكنها ان تؤذي العراقيين المعارضين في كل مكان ، فأن " يد الثورة طويلة " على حد تعبير الديكتاتور صدام حسين. قال لنا قتيبة الجنابي : "حين أستلم الديكتاتور صدام حسين السلطة مباشرة في العراق ، وعد العراقيين بأن يكون في عقل كل مواطن عراقي شرطي أمن " ، هذه الحقيقية التي تحولت الى واقع فعلي حاول الفيلم رصدها على طول 86 دقيقة . فالشخصية المحورية في الفيلم ، المصور صادق ، الذي كان يعتاش على تصوير الاعراس والافراح قاده نجاحه في عمله لان يكون مصورا خاصا لعائلة الديكتاتور وحاشيته، ثم صار يكلف بتصوير ممارسات الاجهزة الامنية الصدامية من تعذيب الناس وقتلهم ، وفي نهاية الفيلم نكتشف أن المصور دل الاجهزة الامنية على أبنه الشيوعي المعارض للنظام، فأقتادوه للاعدام بطريقة وحشية وبشعة وكان الاب المصور يقف خلف الكاميرا يصور عملية القتل ، وتحت ألاحساس بتأنيب الضمير، يقرر الهرب من العراق مصطحبا معه بعض الاشرطة التي صورها عن ممارسات النظام القمعية ، فلم تسكت عن ذلك الاجهزة الامنية وبعثت من يتعقبه للانتقام منه .  الشعور بالمطاردة هو الجو الكابوسي الذي خيم على مشاهد الفيلم ، فنرى المصور صادق وهو يعاني في البحث عمن ينقله الى لندن حيث تقيم زوجته التي تخلت عنه كما يبدو لنا ، ولم نفهم كمشاهدين في بداية الفيلم تهربها من مساعدته بتوفير ما يحتاج من مال لازم ليدفع للمهربين ، الا في الدقائق الاخيرة من الفيلم حين نسمع اعترافه بتعاونه مع الاجهزة الامنية وتسليمه أبنه لهم ليضمن بقاءه في عمله وطمعا في عفو نظام  لا يرحم معارضيه ، وبعد هروبه وملاحقته يكون جزاءه شخصيا من اجهزة النظام طلقة قناص ترديه قتيلا في غابات هنغاريا الحدودية ، ليموت  بشكل غير مأسوف عليه لدوره في تسليم أبنه لوحشية النظام التي يعرفها وطالما صورها بنفسه . قصة الفيلم حوت شخصيات معدودة  فتعامل المخرج مع ممثلين محدودي العدد وغير محترفين ، ما عدا البعض منهم (الهنغاري أتيلا سوليموسي ادى دور المهرب ) ونجح المخرج في ادارتهم بنجاح ، فعلى قلة عدد شخصياته استطاع المخرج من خلال ممثليه ان يقدم حبكة معبرة ومقنعة واحداث مكتضة بالحياة وتفاصيلها ، فكانت تلقائية الممثلين ، خصوصا صادق  العطار في شخصية المصور ، عنصر قوة للفيلم ، اذ جاء اداءه عفويا مفعما بالصدق وقويا ومقنعا ببساطته ، اضافة الى كون المخرج استخدم في تصوير غالبية مشاهد الفيلم الكاميرا المحمولة بلقطات قريبة اعطت حيوية للحركة ورصدت الكثير من التوتر والخوف والاحساس بالمطاردة الذي شمل غالبية المشاهد . الفيلم استخدم ببراعة وذكاء بارز المادة الوثائقية الفيلمية ، التي غطت جزءا غير قليلا من مساحة الفيلم ، لكنها لم تكن مادة مقحمة او مفتعلة لترتيش الفيلم ودعمه ، بل كانت مادة اساسية من بناء الفيلم واحداثه ، وظفها السيناريو دراميا لتكون جزءا متكاملا من بناء النص وتساهم في تصاعد دراما الاحداث ، ساعد على ذلك كون الشخصية الاساسية ـ صادق ، تمتهن التصوير فجاءه استذكاره لما صوره ــ وغالبيته مواد وثائقية ـ  ليس مقحما على بناء النص ، ومن خلال هذه الاستذكارات الوثائقية تعرف المشاهد على جانب من وحشية نظام صدام حسين في التعامل مع الشعب العراقي ومعارضيه . ان استخدام هذه المواد الوثائقية بما حملت من قسوة وبشاعة فرضت تصنيف الفيلم ليكون للمشاهدين ممن بلغوا الثامنة عشر من العمر مما حرم الفيلم من مساحة عريضة من الجمهور على حد قول المخرج في حديثه معنا . هاجس تقديم الحقيقية في شهادة فنية عن واقع عاشه الشعب العراقي  ليكون هناك شيء يعيش طويلا ويعبر عن معاناة جيل ، عانى كثيرا من سياسات نظام صدام حسين القمعية، دفعت بالمخرج لاستخدام شخصية حقيقية ، فشخصية الابن الشهيد سمير، أستخدم لها أسم وصورة الشهيد الشيوعي سمير (سمير يوسف كامل أسمه الحركي عمار ) الذي كان مهندس اذاعة الحزب الشيوعي العراقي المعارضة لنظام صدام حسين وهو صديق شخصي للمخرج ، استشهد مع الانصار الشيوعيين في كردستان في مجزرة بشت أشان 1983 ، وكان ذلك استخداما ذكيا مما جعل شخصية الشهيد في الفيلم صوتا قويا يحرك الاحداث . الاب صادق المصور يكتب رسائلا لابنه سمير يلومه فيه لانه نغص عليه حياته في الاستفادة من هبات وعطايا حكومة الثورة والحاكم القائد ، ويلومه لانه التحق بالشيوعييين ، لكننا اخر الفيلم نتفاجأ بأعتراف الاب كونه من الذين نجح النظام الديكتاتوري في مسخ شخصياتهم وحولهم الى مخبرين وادوات تخدم ألته القمعية وارهابه السياسي ، فالمصور صادق كان ميتا بخطيئته قبل ان يموت برصاص القناص في غابة حدودية ! المخرج حاول في نهاية الفيلم وبذكاء ومن خلال لقطات قصيرة ان يترك المشاهد في حيرة من امره ، فبعد مقتل صادق وانكفاءه على وجهه نرى لقطه له في مكان اختبائه في البيت المهجور عند الحدود ونراه في مشهد عند ساحل البحر ثم صورة لباخرة تمخر البحر قبل ان ينتهي الفيلم ، فهل كانت هذه المشاهد تجري في عقل صادق القتيل أم ان المطاردة  وبحث القاتل عنه ومقتله بطلقة قناص ، هي مشاهد زرعها الخوف في عقل صادق الهارب والمطارد ؟!
ان كون مخرج الفيلم عاش حوالي خمسة عشر سنة في هنغاريا ، حيث اضطر لترك وطنه والعيش تحت هاجس المطاردة حتى سقوط النظام البعثي، جعلته عليما وخبيرا بتفاصيل حياة المطاردين والباحثين عن الامان بعيدا عن رجال امن النظام الديكتاتوري ، وجعلته ايضا عليما باماكن التصوير واليفا معها ، فهكذا كنا نلمس ان اللقطات كانت مرسومة بذكاء وفنية عالية دون اخطاء كثيرة ، وكان مونتاج الفيلم يقدم اللقطات بتوتر محسوب مع الموسيقى الجميلة من توم دونالد. هذا الفيلم الذي انجز بميزانية متواضعة وتطلب من المخرج تقريبا عامين لتنفيذه مع فريق العمل الذي صبر كثيرا ، يقول لنا ان السينما الجادة لا تحتاج الى بهارج كثيرة . ان نجاح الفيلم وفوزه بالعديد من الجوائز التي يستحقها ، والاستقبال الجيد من العديد من النقاد الاجانب والعرب ، والاوساط السينمائية في المهرجانات في اكثر من دولة ،  جعلت من الفيلم جواز مرور ناجح لمخرجه للتحرك نحو المهرجانات الدولية والتعامل مع شركات الانتاج وصناع السينما ، ومن جانب اخر فأننا نعتقد ان هذا النجاح يلقي مسؤولية كبيرة على المخرج المثابر والحيوي ، الذي قال لنا انه لا يريد ان يكون لفترة طويلة سجينا لفيلم "الرحيل من بغداد"، وها نحن معه ننتظر انجازا يليق بامكانياته خصوصا بعد الخبرات التي اكتسبها من انجاز هذا الفيلم وسلسلة الافلام القصيرة التي سبقته والتي كان تمرينا جادا لانجاز هذا الفيلم الذي جاء مكثفا بدون حشو وثرثرة وخطابات فائضة مما يجعله يبقى طويلا في الذاكرة ويظل مطلوبا للمشاهدة في كل حين !


489
هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
بلاغ عن الاجتماع الدوري
في صباح يوم 15 كانون الاول 2012 ، في العاصمة الفنلندية ، هلسنكي ، عقدت (هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا) ، اجتماعها الدوري ، بحضور ممثلي الاطراف السياسية المشتركة فيها . بدأ الاجتماع بقراءة سورة الفاتحة ودقيقة صمت على ارواح الشهداء من ابناء شعبنا، وكرر الاجتماع تقديم التعزية للاخوة في الاتحاد الوطني الكوردستاني في رحيل المناضل "عثمان علي الجاف"  أحد كوادر حزبهم النشطة في فنلندا .
 تدارس الاجتماع بأهتمام الاوضاع السياسية في البلاد ، وصعوبتها وتعقدها والمنحى الخطر الذي وصلت اليه التطورات خلال الشهور الأخيرة وتوالي الأزمات وتصاعد حدتها ، واعرب الاجتماع عن قلقه من الأزمة بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان، وما يرافقها من تراشق اعلامي يساهم فيه  أنصار الاطراف المتنازعة بطرق تذكي من سعير النار بدل محاولة اخمادها ، واعلن الاجتماع عن تأييده لكل المساعي الداعية  الى تهدئة الأجواء وتهيئة الأرضية لإطلاق حوار جاد بين القوى السياسية وأهمية تظافر جهود جميع القوى المؤسسة للعملية السياسية من أجل التعاون والعمل معا لتجاوز الاختناقات التي تعيق التقدم على طريق بناء الدولة واستقرارها وتقديم الخدمات المطلوبة لجماهير الشعب ، واشار الاجتماع الى ان المحاصصة هي من الاسباب الاساسية التي تعيق عمل الدولة العراقية واكد على حق المواطنين في التظاهر والتعبير عن مطاليبهم  المشروعة . وبروح ديمقراطية تم تبادل وجهات النظر المتنوعة حول مختلف الموضوعات ، وتوقف الاجتماع مطولا عند عمل الهيئة وانتظام اجتماعاتها وسبل تطوير عمل "هيئة التنسيق" واقر بعض المقترحات ورسم الالية لتنفيذها مع مطلع العام الجديد .
 وتدارس الاجتماع بروح المسؤولية ما يصدر وينشر احيانا في المواقع الالكيترونية من رسائل وبيانات ونشاطات تتحدث بأسم عموم الجالية العراقية في فنلندا، وأكد الاجتماع موقف هيئة التنسيق الثابت والمعروف بأن "هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا" حرصت على طول سنوات نشاطها ومنذ تأسيسها في شباط 2004 على الحرص للحديث دائما بأسم اعضاء ومناصري الاحزاب المنتظمة في عمل الهيئة ، وأكدت على أنه لا يمكن لاي طرف كان ، حزب او جمعية او جامع او مجموعة ان يملك الحق بالحديث والتصريح بأسم عموم الجالية العراقية في فنلندا ، وان أي طرف يمكنه الحديث بأسمه فقط وبالاسماء الصريحة والمعلنة المعروفة وليس التستر بأسماء مستعارة تكون نتائج عملها مسيئة الى أبناء الجالية العراقية أكثر مما تخدمهم ، وتحمل "هيئة التنسيق " أية جهة تدعم مثل هذه المساعي المسؤولية عن نتائجها.
وفي ختام الاجتماع وحسب اللوائح الداخلية لهيئة التنسيق تسلم ممثل (الاتحاد الوطنی الكوردستانی / مكتب تنظیمات فنلندا ) سكرتارية هيئة التنسيق للدورة القادمة ولمدة ثلاث شهور، وتقدم الاجتماع بالشكر الجزيل للاخ ممثل (حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا) لجهودة في الدورة السابقة .
وتمنى الاجتماع للعراق وشعبه الاستقرار والسلام ، وان يحفظ الله سبحانه العراق وشعبه من كل مكروه .
 عاش العراق الديمقراطي الفيدرالي الموحد
لنرص الصفوف من اجل عراق للجميع ...
هيئة تنسيق القوى السياسية العراقية العاملة في فنلندا
الاتحاد الوطنی الكوردستانی / مكتب تنظیمات فنلندا
الحزب الدیمقراطی الكوردستانی / منظمه‌ فنلندا
 الحزب الشیوعی العراقی / منظمه‌ فنلندا
 الحركه‌ الدیمقراطیه‌ الاشوریه‌ / منظمه‌ فنلندا
الحزب الشيوعي الكوردستاني/منظمة فنلندا
 المجلس الاعلی الاسلامی العراقی / مكتب فنلندا
حزب الدعوه‌ الاسلامیه‌ / منطقه‌ فنلندا
 هلسنكی 15 كانون الاول 2012
لمزيد من المعلومات يمكن الاتصال بسكرتير هيئة التنسيق للدورة الحالية / ممثل الاتحاد الوطنی الكوردستانی / مكتب تنظیمات فنلندا ، الهاتف المحمول : 0404497675


490
تعزية برحيل صديق الشعب العراقي الصحفي الفنلندي كالي كويتنين




تتقدم منظمتي الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني في فنلندا واصدقائهم بأحر التعازي لعائلة  واصدقاء الشخصية الاجتماعية الفنلندية والصحفي، صديق الشعب العراقي ، السيد كالي كويتنين ، الذي رحل عنا صباح يوم الجمعة 14 كانون الاول 2012 ، بعد صراع مع مرض عضال . عرف عن الفقيد تضامنه الدائم مع قضية الشعب العراقي في نضاله ضد الحكم الديكتاتوري المقبور من اجل الديمقراطية والحرية ، واستضاف في بيته العديد من القادة السياسين العراقيين الديمقراطيين وقدمهم للرأي العام الفنلندي عبر اجراء حوارات مطولة نشرت في أهم الصحف الفنلندية ، وظل باب بيته على الدوام مفتوحا لاستقبال اصدقاءه من ابناء الجالية العراقية في فنلندا، وكان حريصا على الدوام في المساهمة الفاعلة في نشاطات القوى الديمقراطية وتقديم العون الفني .
للراحل الذكر الطيب ولاهله الصبر والسلوان

منظمة الحزب الشيوعي العراقي في فنلندا
منظمة الحزب الشيوعي الكردستاني في فنلندا
هلسنكي 14 كانون الاول 2012

491
عالم أخر(10)
  نائبة فنلندية في مجلس بلدي : عملنا يدخل في باب الخدمة المدنية ولا نتقاضى عليه اجراً


هلسنكي ـ يوسف ابو الفوز
 في مقال سابق تحدثنا عن اهم آليات الانتخابات البلدية في فنلندا ، ووصلتنا رسالة من احد القراء الاعزاء يقترح علينا اللقاء مع بعض الفائزين في الانتخابات ليحدثونا عن تجربتهم ، ونزولا عن رغبة القاريء العزيز اخذنا اوراقنا وتوجهنا الى السيدة "مايلا هولتا Maila Hölttä " مواليد 1947 ، والتي فازت في الانتخابات البلدية كعضوة في المجلس البلدي لبلدية كيرافا وهي من ضواحي العاصمة الفنلندية هلسنكي ، تقع 30 كم شمال شرقي العاصمة ، ويبلغ عدد سكانها حوالي 35 الف نسمة . السيدة مايلا هولتا ناشطة في العمل السياسي من سبعينات القرن الماضي، وقيادية في حزب اتحاد اليسار الفنلندي ولها علاقات طيبة مع الاجانب المقيمبن في البلاد ومنهم ابناء الجالية العراقية في فنلندا ، وهي صحفية سابقة ومتقاعدة حاليا ، لكنها تواصل نشاطها السياسي كعضوة في العديد من منظمات المجتمع المدني ، وفازت لاكثر من مرة في انتخابات المجلس البلدي ، وحصلت في الانتخابات الاخيرة على نسبة عالية من الاصوات . سألناها عن عن عدد اعضاء المجلس البلدي للمدينة وبعض ميزات العمل والعلاقات بين الاحزاب :
ــ يبلغ عدد اعضاء المجلس البلدي في كيرافا 51 عضوا ويتوزعون على ثمانية من الاحزاب من اليمين واليسار ، وبينهم 28 رجلا و23 امرأة ، ومعدل العمر 46 سنة وبيننا ثلاثة من الشباب حديثي العمر بالعمل السياسي ، وتكاد الكفة تكون متوازنة بين مجمل احزاب اليسار واليمين ، وبالتأكيد ان القرارات تخضع هنا للكثير من الاعتبارات فليس دائما هناك جبهة يمين او يسار متماسكة ، التصويت يتم حسب قناعات واجندة الاحزاب واحتياجات المواطنين ، فنحن كحزب أتحد اليسار ربما نصوت هذا العام مثلا على رفع البعض من الضرائب المحلية من أجل دعم ميزانية البلدية  لتوفير خدمات في مجالات اخرى ، وبهذا الموقف نكون نحن واحزاب اليمين في صف واحد رغم اختلافنا في العديد من التفاصيل وتبنينا لمشاريع لا تلقى تجاوبا من احزاب اليمين !



   وهل تجدين ان عدد النساء والشباب كافيا في المجلس البلدي لهذا العام ؟
ـ تعلم ان فنلندا هو أول بلد اوربي منح المراة حق التصويت والترشيح في الانتخابات منذ عام 1906 ، (الثاني في العالم، بعد نيوزيلندا عام 1893 ) وللنساء دور كبير في تسيير شؤون المجتمع ، ولدينا في بلدية كيرافا ، العديد من النساء في مواقع مهمة في ادارة شؤون المدينة، هذا العام في المجلس البلدي لدينا اقل عددا من النساء قياسا بالدورات السابقة ، ولكن مع ذلك نعتبر النسبة جيدة ،  حصة النساء تكاد تكون النصف ، وغالبيهن من ذوات الخبرة بالعمل السياسي وواثقة انهن سيلعبن دورا مهما في ان تكون قرارات المجلس لصالح عموم الناخبين . اما  الشباب فلدينا هذا العام ثلاثة من الشباب ممن اعمارهم لا تتجاوز 35 عاما ، نعتقد ان وجودهم سيضيف حيوية على عمل المجلس البلدي وسينقلون بشكل ما مطالب الشباب من ناخبيهم .
   نعرف ان عملكم أساسا هو طوعي، كيف تسير برامج الاجتماعات والية عمل المجلس ؟
ـ المجلس البلدي لديه عادة 16  اجتماعا في العام الواحد ، لدراسات ملفات القضايا والقرارات والتوصيات عليها ، وهناك اجتماعات مشتركة مع المسؤولين في ادارة مفاصل الدولة ، فمحافظ المدينة ، وهو شخصية مستقلة ، حريص على علاقته الطيبة مع المجلس البلدي وهو ملزم بتنفيذ قرارات المجلس التي يكون قد ساهم بشكل ما في المناقشات الاولية لانضاجها . ومن ضمن عملنا هناك زيارات الى مواقع العمل والتجمعات السكانية من قبل اعضاء المجلس البلدي واللقاء مع الناخبين وعموم الناس ، ايضا هناك اجتماعات الاحزاب منفردة او مشتركة ، اقصد حزبنا منفردا او نعقد اجتماعا لدراسة موضوع معين مع حزب او اكثر يشاركنا الراي ومع مسؤولين من مفاصل ادارة مؤسسات الدولة اومع خبراء ومستشارين ، وكل ما تقدم  هو عملية مستمرة لانضاج الموقف قبل التصويت النهائي واتخاذ القرار ، وان اقرار مقترح ما يخضع هنا لالية التصويت الديمقراطية التي تتطلب عملا مضنيا ومكثفا لاقناع بقية اعضاء المجلس بصواب رأيك ليصوتوا معك ، وكل هذا هو عمل طوعي من قبل اعضاء المجلس البلدي فهو يدخل في باب الخدمة الاجتماعية ولا يوجد مقابله اي اجر مادي وهناك فقط  مكافأت رمزية فقط عند كل اجتماع وتكون خاضعة للنظام الضريبي بحيث المتبقي منها غالبا بعد استقطاع الضريبة لا يكفي لاجور النقل الى مكان الاجتماع .



   ما هي بعض من اهدافكم للدورة القادمة ؟
ـ كحزب اتحاد اليسار لدينا برامجنا المتشعبة، وكمجلس بلدي لدينا اهداف عديدة تكاد تتفق عليها غالبية الاحزاب . نحن في المجلس البلدي عموما نواصل دعم بناء مزيد من الشقق السكنية تكون مملوكة للبلدية ولتكون بأسعار ايجار مناسبة لذوي الدخل المحدود من العاملين والموظفين ، ونحن بصدد رفع الدعم للمكتبات العامة في المدينة وتخصيص مزيد من المبالغ لشراء كتب جديدة ، وهذا يدخل في الاهتمام بالشباب وعموم المواطنين . ايضا تنظيم المزيد من النشاطات الثقافية خاصة الموسيقية ، وتخصيص الدعم المالي الكافي لدعم نشاطات المعاهد الفنية الموسيقية والرقص في المدينة وايضا دعم متحف المدينة وكذلك قطاع الرياضة ، وحول النساء لدينا كحزب اتحاد يسار مشروع لدعم رواتب النساء خصوصا في القطاعات الخدمية فنسبة 80% من العاملين في قطاع التعليم والتمريض والخدمات الاجتماعية في كيرافا هم من النساء ويشكون من انخفاض في مستوى الاجور . وعلى صعيد الاجانب في مدينة كيرافا نسعى كحزب يسار الى تنشيط زجهم في الحياة الاجتماعية العامة من خلال برامج  ثقافية واجتماعية تحترم وتعزز التعددية الثقافية في المجتمع الفنلندي .


492
أسيل الخالدي ... صوت ساحر يشدو بمختلف اللغات !
الفنان كوكب حمزة : سأستعين بصوتها مستقبلاً




تصوير وحوار : يوسف أبو الفوز
في باريس ، العاصمة الفرنسية ، وللايام 14 ـ 16  ايلول ، من هذا العام ، عقد المهرجان السنوي لصحيفة اللومانتيه (ألانسانية)، صحيفة الحزب الشيوعي الفرنسي ، وكان لـ"طريق الشعب" ، الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العراقي ، مشاركة بارزة من خلال خيمتها ، التي تعتبر بحق خيمة كل العراقيين ، والتي احتفت هذا العام بالفنان الراحل محمود صبري . برنامج الخيمة الثقافي والسياسي الذي تساهم فيه منظمات الحزب خارج الوطن بالاشتراك مع منظمة الحزب في فرنسا ، كان متنوع الفقرات ، شمل معارض فوتغراف وبوسترات ونشاطات موسيقية وغنائية متنوعة. احد الوجوه البارزة التي اعتلت مسرح الخيمة لاكثر من يوم ، وادهشت واطربت جمهور المهرجان كانت فتاة في عمر الورد 16 عاما ، جاءت من الدانمارك ، وغنت بصوت عذب اغان بالانكليزية لاشهر المطربيين العالميين ، وشدت بالعربية أغاني لفيروز ، ثم عرجت على التراث العراقي وغنت بعض الاغاني ، التي جعلت جمهور الخيمة يتفاعل معها . كنت اتابع والدها ، النصير والنقابي رحمن الخالدي ، الذي بدا مزهوا بأبنته ، وهرع اليها وأخذها بالأحضان ما ان انهت مساهمتها وتركت خشبة المسرح ، " طريق الشعب " كانت هناك ودردشت معها :
   نرى انك تنالين دعما كبيرا من العائلة ؟
ــــ ابي وأمي كانا من أول المشجعين لي و لا يزالان وبدعمهما سأستمر لتحقيق نتائج افضل .
   متى بدأت تمارسين الغناء ؟
ـــ منذ كان عمري ست سنوات، كنت اغني في الحفلات العائلية ولقاءات الاصدقاء، وثم بدأت تتطور  مساهماتي خصوصا في الحفلات المدرسية .
   هل تغنين دائما بشكل منفرد ؟
ـــ في احيان كثيرة ، وايضا ضمن قوام فرقة غنائية، فمنذ عامين انا عضوة في فرقة (Missing Voice)  وهي فرقة مقرها الدانمارك وتنادي بحقوق المرأة في كل مكان ، وتنظم نشاطات تضامنية مع نساء العالم . فيها العديد من المغنين وحوالي عشرين عازفا واعضاء الفرقة جاءوا من مختلف الاصول الاجنبية .
   وهل لفرقتكم مساهمات خارج الدانمارك ؟
ـــ لدينا مساهمات عديدة وفاعلة داخل الدانمارك ، وكان لنا حفلات غنائية في المغرب وهولندا ، وهناك دعوات جديدة لمساهمات خارج الدانمارك واتمنى  يوما ان نزور العراق لتقديم حفلات غنائية .
   هل دخلت دورات موسيقية ؟
ـ اخذت دروس خاصة لتعليم العزف على العود والبيانو .
   مساهمتك اليوم تنوعت بين الغناء بالانكليزية واغان عربية وتراثية عراقية ، ايهما الاقرب اليك ؟
ــ أنا احب كل انواع الغناء بغض النظر عن جنسيته ولغته ، لكني اميل كثيرا لاغاني التراث بشكل عام، حيث اجد متعة كبيرة .
   حدثينا عن دراستك وامنياتك بهذا الجانب ، والا يؤثر نشاطك الفني  على دراستك ؟
ــ انا الان طالبة في الصف الخامس الاعدادي، ومدرستي فيها دروس متخصصة بالموسيقى والدراما، ولي مستقبلا رغبة بدراسة علم النفس ، والى جانب المدرسة والنشاط الفني انا ايضا اعمل في سوبر ماركت ، وتعلمت تنظيم الوقت والحرص عليه، لهذا لست قلقة على مستقبلي الدراسي .
   أخبرنا الفنان كوكب حمزة انه سيستعين بصوتك لتسجيل احد الحانه ؟
ـ هذا شرف كبير لي لا يمكن وصفه فيما لو تحقق ، المشروع قائم وانا بأنتظار تنفيذه ، وتم الاتفاق على أغنية " لولي يا ناقوط الماي".


493
الكلام المباح (30)     
أجناس غريبة !
يوسف أبو الفوز
من ايام ولا حديث لصديقي الصدوق أبو سكينه سوى ردود الأفعال ، خصوصا الجماهيرية ، على قرار مجلس الوزراء بالغاء نظام البطاقة التموينية وتعويض المواطنين بمبلغ مالي ..." لا يكفي لشراء سندويجة فلافل "كما سخر ابو جليل . اتصل بي ابو سكينة مرتين لاجلب معي كل الجرائد وكأن القنوات التلفزيونية لا تكفيه للمتابعة . أفهم جيدا لوعته ، فمفردات البطاقة التموينية على شحتها ورداءة نوعيتها ، مصدر عيش ملايين العوائل الفقيرة والعاطلين عن العمل . قال لي ابو جليل ان أم سكينة تخاف عليه من نكسة صحية جديدة ، فهو يتصرف كأنه المسؤول عن حياة ملايين الفقراء . كان يصرخ : "يا ويلي وصل الفساد للطحينات والشكرات؟ " . أتفقت مع زوجتي على اختلاق أي قصة لنبعد أبو سكينة عن مساحة التوتر . ما أن دخلنا بيتهم  حتى سمعناه يحاجج ابو جليل : "افتهمنا ان التموينية بدأت ايام الحروب الكشرة والحصار الاقتصادي الاغبر، يعني الان كل شيء بالعراق تمام ، والوقت مناسب حتى يبنون اقتصاد حقيقي؟؟" ما ان سأل عن الجرائد حتى بادرت زوجتي وفتحت جريدة نشرت تقريرا مطولا مصورا عن الاعصار "ساندي" الذي ضرب السواحل الشرقية الامريكية واعتبر الاعنف على مدى عقود حيث تسبب بالدمار وانقطاع الكهرباء وتوقف المواصلات والفيضانات واجلاء الاف الامريكيين وهلاك العشرات . اخذ ابو سكينة الجريدة وراح يتملى الصور بتمهل . التفت أليّ مشيرا الى صورة : "ما هذا؟" فقلت بشئ من المرح : " صورة جريذي" تملكه الاهتمام فسأل زوجتي : " يعني جريذي .. جريذي،هذا الذي سكينة ايام البكالوريا درسته وتون براسي ..." ــ ونعّم صوته مقلدا أبنته سكينة ــ  : " الجرذ جنس من القوارض يشمل خمسين نوعا واكثرها انتشارا الجرذ الاسود والجرذ الاسمر وهي تعيش بشكل أنتهازي يهدد غذاء الانسان ويسبب كثير من الامراض و..." . ضحكت أم سكينة ، زوجتي قالت : "هو بعينه"  فسأل : "وليش ناشرين صورة هذا الجريذي الانتهازي؟ " ردت زوجتي بكل براءة : " لان بسبب اعصارساندي فطست ملايين الجرذان في انفاق المترو في مدينة نيويورك حين دخلتها مياه الفيضان؟" صفن ابو سكينة . لمعت عيونه ولاحت ابتسامة على شفتيه . توقف ابو جليل عن تحريك مسبحته .  لم يتركنا ابو سكينة في حيرة التساؤل ، قال بحسره :  "طول عمري أتمنى الخير للناس ، وان يبعدهم رب العالمين عن الشر والكوارث ، بس أقول .. يعني اقول لو أن اعصار ساندي وصل للعراق .. صحيح أحنا ما عندنا مترو بس عندنا أجناس غريبة من الـقوارض ... أيابااااااااااه لو وصل ساندي عندنا أشكد أجناس غريبة راح تفطس بالفيضان ؟ تصوروا البارحة بعد العشاء في التلفزيون ، كان فد نمونة ملمع شعره بكيلو دهن ورباطه طوله متر ويمصمص ويمطق بشفافه عبالك متوحم على ليمون حامض . يا بوووووويه هذا لو فطس بالفيضان تشوفونه مطوّف وكرشه ما يفوت من أي باب ويحتاج كيلة بلدوزر حتى تشيله " !



494
الكلام المباح (29)    
صباح الخير أيها المواطن !
يوسف أبو الفوز
... ، غادرت البيت صباحاً عند رأس الساعة،اعرف أن موعد الباص بعد عشر دقائق. سائقة الباص، أستقبلتني بأبتسامة ، شجعتني لاقول :"صباح الخير" فردت عليّ : "صباح النور أيها المواطن". سار الباص في شوارع العاصمة النظيفة، العريضة ، وسط الاشجار على الجانبين، تختلط خضرتها مع الوان الورد في حدائق البيوت. كنت مستعجلا لذا اضطررت لترك الباص عند اول محطة مترو فمثل ما تعرفون هو ألاسرع . في المترو كان الناس في طريقهم للعمل مستعجلين غير عارفين بفرحي بهذا اليوم الخاص . بنات حلوات بشعر منثور وتنورات مدرسية ، مشغولات مع مجلة ازياء ، شباب  مثل الورد مشغولون بكتب ثخينة بين ايديهم ، ورجال كاشخون يقلبون صفحات الجرائد . كانت الجريدة الاقرب ألي، عنوانها العريض واضح جدا : "رئيسة الوزراء تعلن عن الأستعداد لاستقبال الالاف من اللاجئين الفنلنديين أثر الازمة ونقص الموارد هناك".غادرت المترو عند محطة مبنى البرلمان تماما ، امام حدائق الورد، أحترت الى أي جهة أتوجه، لم اجد شرطي واحد لأساله . سيارات أخر موديل تتوقف وينزل منها رجال ونساء لابسين حلو ، يركض لأستقبالهم عاملون في التشريفات . عند الباب أستقبلوني بابتسامات عريضة، ما ان عرضت هويتي حتى التف حولي مجموعة من الرجال والنساء ، حملوا عني عكازي والمعطف. حورية بشعر مثل الليل نادتني:"من هنا ايها المواطن" ، ادخلتني ممرا قصيرا يلمع من النظافة، واخذتني الى غرفة صغيرة، اجلسوني على كرسي وراح شباب يتضاحكون يرتبون لي بدلتي وشعري . أمراة عيونها مثل العسل ، قالت بهمس وبحب :"نحن سعداء بتكريمك هذا اليوم ايها المواطن ". كنت سجلت أعتراضي برسالة غاضبة على عدم شمول أبو جليل معي بنفس قائمة التكريم ، لكن مبعوثا خاصا من وزارة المتقاعدين زارني الى البيت ليقول لي بأن ابو جليل سيكون ضمن الوجبة التالية، وان هذا التكريم هو خاص بمجموعة المتقاعدين الذين سجنوا لاسباب سياسية لثلاث مرات، وابو جليل سجن لمرتين فقط ! حين صعدت خشبة المسرح بمساعدة شاب بعضلات رياضية، وقفت الى جانب العشرات ممن اعرفهم ولا اعرفهم من المتقاعدين، لاحظت كيف أن رئيسة الجمهورية الشابة، كانت شوية اكبر من أبنتي سكينة، تقدمت بخطوات واثقة الى المنصة لتقول: "نحن هنا اليوم وبكل فخر، ننفذ قرار مجلس النواب ، ويشرفني منح أوسمة المجد لكوكبة من الذين ساهموا في بناء وطننا العراق ونقول لهم ..." !
كان صديقي الصدوق ابو سكينة، يبدو ذاهلا وحزينا وهو يحدثني بصوت عميق : لكن ام سكينة حركت رجلها في الفراش ورفستني مع بدء كلمة رئيسة الجمهورية، فنهضت من النوم مقهورا ، وضاع عليّ الحلم ومعرفة بقية الحديث ومتابعة مراسيم الاحتفال ... !



495
اليمين المتطرف أكبر الخاسرين في الأنتخابات البلدية في فنلندا


هلسنكي ـ يوسف ابو الفوز
في 17 نيسان / ابريل 2011 جرت الانتخابات البرلمانية الفنلندية ، حيث على اثر نتائجها شكلت حكومة سماها الشارع الفنلندي (حكومة قوس قزح) لكونها تضم احزابا من اليمين واليسار وجاءت بقيادة حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) الذي حقق افضل النتائج ، وفي يناير / كانون الثاني وفبراير / شباط 2012 ، جرت الجولة الأولى والثانية في الانتخابات الرئاسية حيث باشر الرئيس الفائز مهامه من يوم الاول من اذار، مؤخرا وفي صباح الاثنين 29 تشرين الأول / اكتوبر ، اعلنت النتائج النهائية للانتخابات البلدية في فنلندا ، التي تجري مرة كل اربعة سنوات ، وقد تنافس  فيها 16 حزبا وقائمة على شغل 9674 مقعدا في عموم المجالس البلدية، البالغ عددها 320 بلدية في 16 مقاطعة. واشترك في الانتخابات 37125 مرشحا (رجال22703، نساء14422)،  ومتوسط العمر للمرشحين 48 سنة، وقد شهدت الانتخابات تنافسا شديدا بين الاحزاب الكبيرة التي تتقاسم مقاعد البرلمان ، فنتائج الانتخابات البلدية لها تأثيرها المباشر على نشاط الحكومة ، لأن السلطات المحلية وحسب القوانين الفنلندية لها صلاحيات واسعة لتوفير الخدمات الاساسية للمواطنين، وهي شريكة للحكومة في صنع القرار فيما يخص مواطنيها ، فمثلا لها الحق في فرض الضرائب المحلية ، وعقد اتفاقات جانبية مع بلديات مجاورة في خصوص القروض وانجاز المشاريع . وقد كانت نفقات عموم البلديات الفنلندية لعام 2011 لتوفير الخدمات فقط 40 مليارا يورو ، مع العلم ان العضو في المجالس المحلية يعتبر عمله تطوعيا ولا يستلم اي راتب مقابل عمله ونشاطه ، وانما يمنح مكافأة رمزية عند كل اجتماع، وهذه المكافأة تخضع للضريبة عادة ، والمتبقي منها لا يكفي لاجور نقل الى محل الاجتماع. كان التنافس شديدا بين الاحزاب الكبيرة المشتركة في الحكومة الحالية واستطاع حزب الاتحاد الوطني الفنلندي (يمين تقليدي) الحفاظ على  الموقع الاول بنسبة  21,9% رغم تراجعه قياسا بالأنتخابات السابقة عام 2008 حيث حصل انذاك على نسبة 23.5 ٪ . جاء بالمرتبة الثانية الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار) بنسبة 19,6% رغم تراجعه حيث كان سابقا بنسبة  21.2% ، وجاء بالمرتبة الثالثة وبنسبة 18,7% حزب الوسط (وسط ) ، وهو حزب معارضة ، وفي الانتخابات السابقة حصل 20.1%، وبهذه النتيجة استطاع حزب الوسط ان يزيح حزب الفنلنديين اليميني المتطرف عن موقعه، مما جعل المراقبين يعتبرون اليمين المتطرف الذي حصل نسبة 12,3 % اكبر الخاسرين في هذه الانتخابات ! وقد سخر الملعق السياسي لصحيفة "هلسنكي سانومات "وهي اكبر جريدة في البلد من "تومي سوني " زعيم اليمين المتطرف اثر سماعه النتائج النهائية وقال " لقد بدا وجهه على الشاشة وكأن كلبه مات للتو ! " ارتباطا بتعلق الزعيم اليميني بكلبه الذي طالما اصطحبه معه الى لقاءات عامة ! . ورغم ان حزب اتحاد اليسار حصل 8,0 % وحزب الخضر 8,5 % وبذلك حسنا من موقعيهما ، الا ان المراقبين يعتقدون ان النتائج كان يمكن ان تكون افضل فيما لو تم تفعيل تحالف (اخضر ـ احمر ) مثلما حصل في الانتخابات الرئاسية. تجدر الاشارة الى ان الانتخابات البلدية هذا العام شهدت انخفاضا في اقبال الناس على المشاركة في التصويت اذ بلغت نسبة  المصوتين 58,2%  بينما في الانتخابات السابقة عام 2008 كانت النسبة  61.3٪ ويعزي المراقبين ذلك الى ملل الناخب الفنلندي من تكرار الوعود اضافة الى عزوف الشباب عن النشاط السياسي اثر المعارك السياسية والازمات التي اثيرت في السنوات السابقة. ومثل كل انتخابات تشهدها البلاد ، فان موضوعة الهجرة والاجانب كانت ورقة انتخابية حاولت ان تستثمرها كل الاحزاب ، كل بطريقته وبرامجه ، فالحزب اليميني المتطرف واوساط من اليمين التقليدي وحتى في اوساط حزب الوسط واصلوا معارضتهم بنسب متفاوتة الحدة التعامل مع موضوعة الهجرة الاجتماعية ومنح حقوق كاملة للمهاجرين واللاجئين ، بينما واصلت احزاب اليسار ، مثل حزب الخضر وحزب اتحاد اليسار من دعمها لنيل المهاجرين واللاجئين كامل حقوقهم وبدون تمييز ، الشيء الذي يتطلب الاشارة االيه هو ان اغلب الاحزاب حاولت ان تضم الى صفوفها مرشحين من أصول اجنبية لغرض كسب اصوات المهاجرين واللاجئين ، فالقانون الفلندي يمنح المهاجرين المقيمين رسميا واللاجئين حق الاشتراك في الانتخابات البلدية والترشح للمجالس البلدية ، لذا كان هناك في عموم البلاد 770 مرشحا من خلفيات اجنبية ، من الجيل الاول والثاني من المهاجرين ، شكلوا سبة 2% من عموم عدد المرشحين ، فالاجانب صاروا ورقة انتخاببة مهمة فنشطت غالبية الاحزاب الفنلندية لكسب اصوات   155,705 الف اجنبي يعيش في البلاد يشكلون نسبة 2,9 % من عدد سكان فنلندا البالغ حوالي 5,4 مليون نسمة . ويأتي حرص غالبية الاحزاب على مشاركة مرشحين من خلفية اجنبية من كون فنلندا تتبع طريقة "فيكتور دي هوند" في نظام الانتخابات ، اذ ان دور الاصوات مهما كان عددها متواضعا يكون لها تأثير داخل ترتيب القائمة الانتخابية ، والامر الحاسم يكون في مجموع الاصوات التي تحصل عليها القائمة . وفي العاصمة الفنلندية ، هلسنكي، وضواحيها نجح بالوصول الى مقاعد مجالس البلدية خمسة من المرشحين من ذوي الاصول الاجنبية ، منهم ثلاث النساء ، مما يشكل نصرا لبرامج قوى اليسار التي فاز المرشحون عبر قوائمها !

                    
زعماء الاحزاب الكبيرة خلال اعلان النتائج النهائية للانتخابات          تيمو سوني  زعيم اليمين المتطرف




496
"طريق الشعب" تزور المناضل والكاتب عزيز سباهي



كتابة :   مروان مصطفى
تصوير : شادمان علي فتاح

في صباح دافيء ، حيث تزدحم سماء مدينة لندن / أونتاريو ، الكندية ، بغيوم محملة بالمطر، توجه وفد بأسم "طريق الشعب" ، ضم الزميلين، كمال يلدو ويوسف أبو الفوز ، محملين بالورد والشوق والمحبة والامنيات ، الى الشقة السكنية في طرف المدينة حيث يقيم المناضل والمؤرخ والفنان عزيز سباهي .
يقول الزميل ابو الفوز :
ــ قابلت الرفيق عزيز سباهي ـ ابو سعد مرارا ، لكني في كل مرة ، تتملكني مشاعر جياشة وخاصة، فأنت ستكون في حضرة مناضل ومعلم ومفكر وانسان يمتاز بالتواضع والحكمة . مناضل تنقل بين سجون نقرة السلمان وسجن بعقوبة وبدرة ، وافنى زهرة شبابه هناك ، اعتقل وعمره 24 عاما ليغادر السجون بعد عشر سنوات ، وعاش حياة نضالية حافلة ، التقى فيها وعمل مع مناضلين ابطال صارت سيرهم الشخصية أساطيرا لدى ابناء جيلي ، فعند لقائه ستكون في حضرة بهاء كل هذه الحكايات والخبرة والحكمة .
الزميل كمال يلدو يشاركنا الحديث ليضيف :
ـ ابو سعد مناضل من طراز خاص ، أتمنى ان تطلع الاجيال الجديدة من المناضلين على سيرته الشخصية ، فهو لم يتوقف عن البذل والعطاء في مختلف الظروف التي عاشها ، حين اضطر الى مغادرة العراق الى الجزائر في نهاية سبعينات القرن الماضي  عمل هناك في معهد العمل العربي ، ثم انتقل الى سوريا ليعمل في مجلة النهج لمدة عامين وأنتقل الى براغ ليكون ممثلا للحزب في مجلة قضاياالسلم و الاشتراكية ، ووصل الى كندا عام 1990 حيث عاش  لمدة عام في مدينة اوتاوا ثم انقل الى المدينة الحالية. وخلال هذه الفترة ورغم كل المعوقات والصعوبات عمل بدأب وانجز العديد من الكتب التي تعد الان مصادرا اساسية عن تأريخ العراق المعاصر، وربما ابرزها كتاب "عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي" بأجزائه الثلاث .


 كان سرور العزيز ابو سعد بوصول رفاقه محملين بالورد والحب كبيرا ، ناقلين أليه تحيات هيئة تحرير "طريق الشعب" والعاملين فيها ، والامنيات بالصحة الطيبة والاسئلة عن احواله، فأخذهم بالاحضان ، والعزيزة ام اسعد رفيقة حياته ومشواره ، الى جانبه تسنده ليقف جيدا على قدميه . ورغم ان حالته الصحية صارت لا تساعده لمغادرة الشقة كثيرا إلا لمشوار مشي قصير صار اجباريا حسب وصايا الطبيب ، الا انه بدا نشيطا وبذاكرة جيدة . تذكر جيدا تفاصيل من زيارة سابقة للرفيق كمال يلدو مع رفاق اخرين له في محل سكنه الحالي، وتذكر اول لقاء له مع الزميل يوسف ابو الفوز في هولندا عام 2001 في الاجتماع الموسع الاعلامي الذي نظمه الاعلام المركزي ، وراح يمازح الرفاق ويستمع مسرورا لكل ما يحكونه له وسأل بالاسماء عن العديد من الرفاق واخبارهم . وجرى حديث عن أهمية التوثيق في حياة كل مجتمع ، فكان له رأي واضح:
ـ يجب الاستفادة من منجزات العلم ، وثورة الاتصالات لتوثيق اي معلومة تساعد في الدراسة وكتابة الحقيقة، فهل يعقل ان العالم البارز عبد الجبار عبد الله  لا يوجد له سجل في جامعة بغداد وهو كان اول رئيس لها ؟ لقد فشل باحث في تاريخ هذه الشخصية من العثور على ذلك ، ولقد فقدت شخصيا عام 2001 الكثير من ارشيفي الشخصي في حادث سرقة عادية تعرضنا لها خلال انتقالنا من بيت الى بيت حيث استولى اللصوص على الشاحنة بما فيها من مصادر ووثائق وكنت حينها اواصل العمل في البحث لانجاز كتاب عقود في تاريخ الحزب الشيوعي ، فعانيت المر لأجمع ما احتاج من مصادر ضرورية ، وللاسف فقدت وثائق مهمة ، ان عدم وجود سياسة أرشيفية تهتم بالوثيقة وحفظها سيكون سببا في ضياع ونسيان واهمال جوانب كثيرة اساسية عند دراسة اي قضية .   


خلال الحديث عن اوضاع الوطن ، ابدى سروره لمشروع " انا عراقي انا اقرأ " وابدى اعجابه بهذا النشاط النوعي ، واعتبره صرخة بوجه الظلام ومحاولة تغييب وعي الناس . كانت الشقة النظيفة ، التي تحمل لمسات ام سعد في تنظيمها ، تزهو جدرانها بلوحات زيتية ، اغلبها عن طبيعة الاهوار ، وثمة عدة بوريتريهات شخصية لوجوه عراقية ، منها المناضل والشهيد صبيح سباهي (استشهد 1963) ، وثمة لوحات غرافيك وخط  انيقة ، وجميعها من اعمال المناضل  ابو سعد ، قال لنا:
ــ للاسف ان احوالي الصحية صارت لا تساعدني لانجاز المزيد من اعمال الرسم والخط ، وثمة اعمال غير مكتملة ، اجد صعوبة في اكمالها ، ولدي قريبا موعد عملية جراحية ، فعيني اليسرى صارت الرؤية بها صعبة جدا .
   ولكننا لمسنا انك تتابع الاحداث وبعض الكتابات ؟
ـ صرت اعتمد كثيرا على ام سعد ، فهي من تقرا لي بأستمرار وتبذل بهذا جهودا ليست قليلة ، ايضا اعتمد على القنوات الفضائية لمتابعة الندوات الفكرية والثقافية ، وهذه طبعا وللاسف  لا اجدها في القنوات العراقية  ، ولكن في قنوات تلفزيونية عربية واجنبية .
كان الزملاء شادمان علي فتاح وكمال يلدو يدوران في الشقة يلتقطان الصور للوحات والتخطيطات وللحاضرين، ويهرعان ليكونا قريبين الى جانب المناضل ابو سعد الذي كان منشرحا يجيب على الاسئلة ويتحدث عن دور الحفريات الاثارية في فك طلاسم الكثير من الاسئلة عند الباحثين الاركولوجيين . اشارت الزميلة شادمان :
ـ كدت انسى مهمتي في تصوير اللقاء وانا استمع لاحاديث الرفيق ابو سعد ، احاديثه وذكرياته شيقة وعذبة ، فهناك فرق بين ان تقرأ ذلك على الورق وبين ان تسمعه مباشرة من الذي عاصر الحدث وكان جزءا منه .
قبل المغادرة وتوديع المناضل عزيز سباهي وجه للزائرين سؤالا لم يملكوا جوابا عنه ، وتقرر نقله هنا الى الرفاق في بغداد :
ـ أهديت الى الرفاق في بغداد لوحة بالخط الفارسي لجملة الحسن البصري الشهيرة (افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ارجو ان يكونوا أهتموا بها واحتلت مكانا في مكاتب "طريق الشعب" او مكاتب الرفاق من قيادة الحزب ...

   *       طريق الشعب العدد 54 الأثنين 22 تشرين الأول‏ 2012




497
لماذا تأخرت فنلندا طويلا في التوقيع على معاهدة أوتاوا ؟!


يوسف أبو الفوز
حين تولى القيصر بطرس الاكبر (1682 ـ  1725م) حكم الامبراطورية الروسية سارع لبناء مدينة "سان بطرسبورغ" عام 1703 م على الساحل الشرقي للخليج الفنلندي في بحر البلطيق عند مصب نهر النيفا ، من أجل ضمان الممر المائي من روسيا الى اوروبا الغربية، وارادها لتكون نافذه روسيا الى اوربا ، وندا لمدينة هلسنكي التي كانت أيامها تحت الاحتلال السويدي، وكان قد بناها الملك السويدي غوستاف فاسا الاول (1496 ـ 1560 م) ، عام 1550م، على الجانب الغربي من بحر البلطيق . ويروى لنا التاريخ الكثير عن الصراعات والحروب التي شهدتها المنطقة والمدينتين حتى قابل جوزيف ستالين ( 1878 - 1953) مفاوضه الفنلندي بعد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، خلال مفاوضات السلام بين الاتحاد السوفياتي المنتصر، وفنلندا التي تحالفت حكومتها اليمينية مع حكومة هتلر الفاشية المندحرة، وكان ان خسرت فنلندا 12 % من اراضيها من ضمن التعويضات التي انتزعها ستالين ، كحزام واق لضمان أمن مدينة لينينغراد (سان بطرسبورغ) ، هذه الاراضي التي اصبحت جزءا من الاراضي الروسية حتى الان ، يومها قال ستالين  لمحاوره الفنلندي : " قد يكون لكم رأي اخر لكني لست مسؤولا عن الجغرافيا ". ولم يكن ستالين مخطئا فالجغرافيا ترسم دائما واقعا لا سبيل للهروب منه في العلاقات بين الدول . فنلندا لها حدود مع الاتحاد السوفياتي ووريثته روسيا تمتد لاكثر من 1300 كم عبر غابات وبحيرات متشابكة ، شهدت الكثير مما تحفظه كتب التأريخ من احداث تركت بصماتها على العلاقات بين الشعوب المتجاورة . من بعد نهاية الحرب الباردة ، واذ استقرت العلاقات بين البلدين ، روسيا وفنلندا ، ضمن معاهدات دولية ، فأن الحدود ظلت سببا لاثارة الكثير من المشاكل لحكومات البلدين ، في مقدمتها مشاكل التهريب ، الذي يشمل مختلف انواع البضائع الاقتصادية والبشر والمخدرات والسلاح ، وكل ما يخطر على البال في ظل الاختلاف في القوانين ومستوى المعيشة بين البلدين ، خصوصا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بمجمل بلدانه، فصارت الحدود الفنلندية معبرا اساسيا للهجرة باتجاه اوربا، مما دعى فنلندا لنشر المزيد من الالغام الارضية ومجموعات من الشرطة السيارة معززة بكلاب الحراسة ، واللجوء للاستعانة بخبرات الدول الاوربية لمساعدتها في ضبط حدودها التي صار عبرها  يتسلل الى اوربا كل ما هو ممنوع ومطلوب في اسواقها، بحيث صار التهريب حرفة لها رجالها وعصاباتها المستعدة لركب روح المخاطرة لاجل تحقيق المزيد من الارباح ، وسببا للفساد الاداري في اجهزة الدول المعنية بالحدود في كل هذه البلدان المتجاورة ولم تنفع معها مختلف الاجراءات لمعالجتها والتي كانت تعقد لاجل بحثها الكثير من اللقاءات والمؤتمرات. هذا كله كان احد الاسباب الرئيسية التي تشبثت بها فنلندا لرفض التوقيع على معاهدة اوتاوا، التي تسمى ايضا (اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد) حيث تحظر استعمال وتخزين وإنتاج وتطوير ونقل الألغام المضادة للأفراد ، وتقضي بتدمير هذه الألغام ، سواء أكانت مخزنة أم مزروعة في الأرض، وتم اعتمد المعاهدة عام 1997 ، وقد حصلت الحملة الدولية لحظر الألغام المضادة للأفراد ومنسقتها الاكاديمية الامريكية "جودي ويليامز " (مواليد 1950) على جائزة نوبل للسلام عام 1997 لجهودها في شن حملة من أجل حظر الألغام المضادة للأفراد . أقرت الاتفاقية في أوسلو في 18 سبتمبر/أيلول 1997، وفتح الباب للتوقيع عليها في مدينة أوتاوا الكندية في خلال يومي 3 و 4 ديسمبر/كانون الأول 1997 ، ثم دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في أول مارس/آذار 1999 بعد وصول عدد الدول المصدقة عليها إلى أربعين دولة . وجاءت الاتفاقية استنادا الى القانون الدولي الانساني الذي يهدف الى تخفيف معاناة المدنيين وحمايتهم في اوقات الحروب ، واضافة الى الزام الدول الموقعة بتدمير مخزونها من الالغام الارضية فهي تلزمهم ايضا ببرامج عمل شامل لمواجهة الآثار الإنسانية للألغام المضادة للأفراد حيث اعتبرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الألغام المضادة للأفراد قد خلفت ، من الناحية الطبية ،"وباءً " يتميز بانتشار خطير للإصابات والوفيات والمعاناة الشديدة نتيجة التشوهات . ومن تاريخ اعتماد الاتفاقية تعرضت فنلندا لانتقادات شديدة من المجتمع الدولي لتأخر توقيعها على اتفاقية اوتاوا ، اذ كانت الحكومات الفنلندية دائما تشهر وكحجة تقارير الدول الاوربية ذاتها عن النتائج المترتبة على نجاحات المهربين عبر الحدود الفنلندية الروسية ،


على صعيد تجارة الرقيق وانتشار المخدرات والاسلحة الخفيفة وموجات الهجرة الاسيوية والتي تتم عبر هذه الحدود . واخيرا قررت فنلندا تدمير مخزونها من الألغام الأرضية في موقع في منطقة لابلاند ـ شمال فنلندا ـ وذلك وفقا لمعاهدة أوتاوا، بعد امتناعها لفترة عن ذلك ، وتم استبدال الألغام الأرضية بطرق تكنولوجية متطورة لتأمين حماية ومراقبة الحدود . وبهذا تكون فنلندا اخر بلدان الاتحاد الاوربي (27 دولة) التي توقع على المعاهدة وتشرع في تنفيذ بنودها ، وقد جاء هذا القرار من بعد ضغوطات شنتها منظمات المجتمع المدني  الفنلندية ، وفي مقدمتها "منظمة السلام الفنلندية " التي لعموم قوى اليسار الفنلندي نفوذ بارز فيها، حيث كان ناشطوها يرددون ان "سياستنا حول الألغام يشكل بقعة داكنة في سمعة بلدنا الجيدة وسياساته التي تروج للسلام وحقوق الإنسان" وكانت الحكومة الفنلندية قد اعلنت عام 2001 وكمحاولة لامتصاص غضب الشارع انها تنوي الانضمام للمعاهدة، وزادت من مساعداتها لضحايا الالغام ، وفي خريف عام 2004 كررت نفس الرغبة، واعلنت انها ستوقع المعاهدة عام 2006 حين تكون جاهزة لتطبيق بنودها ، ولكن القرار تأخر حتى هذا العام، وقد اعلنت الجهات المعنية في وزارة الدفاع ان التخلي عن الالغام الارضية واستبدالها بتكنولوجيا متطورة لمراقبة الحدود سيكلف الدولة اكثر من مئتين مليون دولار كمرحلة اولى . يذكر أنه لم يوقع بعد على اتفاقية اوتاوا كل من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين وإسرائيل وإيران ومصر وليبيا والمغرب والصومال ! .

 

498
المسلسلات التلفزيونية وإعادة كتابة التأريخ ... "عمر" أنموذجا !
يوسف ابو الفوز
3 ــ 3


لقد ظهر لنا الامام علي مجرد صورة جميلة، حرص عليها فريق الماكياج الايراني كثيرا ، وبدا لنا الممثل ، وهو المخرج نفسه ، حريصا على ان يقدم الشخصية مجرد ظهور بدون اي جهد تمثيلي ـ تساوى هنا مع الممثل الذي جسد شخصية عمر ـ وكأنه يخشى افساد الماكياج بتمثيله، وبدا لنا الامام علي ، وهو المعروف عنه تواضعه في مأكله ولباسه ، حتى لقب " أبي تراب " ، ميسورا ، ارستقراطيا ، مثل بقية اغنياء قريش ، بحيث بدا لباس الصحابي عثمان بن عفان ، وهو من اغنياء قريش متواضعا الى جانب مظهر الامام علي . في المعارك  والمبارزات التي خاضها الامام علي بن أبي طالب ، كانت حركته مفتعلة ومبالغ فيها كثيرا ، صحيح تماما انه عرف عنه كونه فارس مغوار، لكن لا يمكن لأي فارس شجاع ان يتحرك بهذه الصورة المتكلفة التي بدا فيها وكأنه ليس في معركة ، وكأن الذي أمامه ليس عدوا  مقاتلا ويحمل  مثله سلاحا قاتلا !  من جانب اخر  الحّ المسلسل على ظهور الامام علي بن ابي طالب الى جانب الخليفة عمر بن الخطاب ، حتى وان كان بدون حوار او مشاركة ، مجرد صورة جميلة ملازمة لعمر بن الخطاب ، فبدا ظهوره مجرد ديكور ، في محاولة لتقديم رسالة ، تشير الى علاقة عمر الطيبة  مع علي بن ابي طالب، وكأن الخلافات الطائفية المترسخة تأريخيا يتم حلها بمشهد تلفزيوني ساذج ، اضافة الى كون قامة المخرج حاتم علي كممثل لم تكن مناسبة بأي شكل لتجسيد شخصية الامام علي ، الذي تذكر كتب التاريخ انه كان قصيرا مربوعا . وبسبب من غياب الحبكة الدرامية في المسلسل، وبحكم كونه يغطي فترة زمنية قاربت 35 عاما ، فاننا نجد حلقات المسلسل الاخيرة تجري الاحداث فيها، مع ايقاع حركة عمر السريعة في الاسواق ، فلكي يعرض لنا مواقف في شخصية عمر ، توضح لنا تسامحه وعدالته وعطفه على الفقراء واليتامي وتفقده الرعية ، راحت الكاميرا تجري خلف الخليفة عمر وهو يدور مسرعا غاضبا ومتشددا في الاسواق ليقدم لنا العديد من الحكايات المتوالية في اقل من نصف ساعة لاحداث كان الفارق الزمني بينها في الواقع شهورا وربما سنينا ! ومعركة اليرموك التي استمرت ستة ايام ، ابتسرها المسلسل في واقعة واحدة ، بدون توقف وعرض لنا فيها خالد بن الوليد ، وهو قائد عسكري عبقري وشجاع بقفزاته وصولاته وكأنه "أرنولد شوارزنيجر " يمثل لنا "ترميناتور الاسلام"(الحلقة الثالثة والعشرون)، واجزم أنه بهذا الاسلوب يمكن لحاتم علي تقديم فيلم تجاري عن خالد بن الوليد ، الذي منحه المسلسل مساحة جيدة ، يحصد به شباك التذاكر حتى في الدول الاوربية ! وارتباطا بالمساحة التي منحها المسلسل للعديد من الاحداث ، نجد انه قدم قراءة ناقصة للتأريخ في مواقع عديدة ، مثلا  تجاوزه لمعركة النبي محمد مع يهود بني قريضة ، ومن حق المشاهد ان يتسائل هنا : هل كان هذا تجاوزا للاشارة لدور الامام علي بن ابي طالب في معركة اقتحام حصن اليهود في خيبر؟ ام انه تجاوز لذكر"صفية بنت حيي بن اخطب " التي تذكر لنا الصادر ان النبي محمد تزوجها بعد ان اعتقها حيث كانت مع الاسرى واصطفاها لنفسه ناويا اكرامها وايجاد المصاهرة بينه وبين اليهود لاغراض سياسية وعله يخفف عدائهم ، لكن العديد من الروايات تذكر انها سبب وفاة النبي بكونها دست له السم انتقاما لمقتل زوجها وأبيها مع من قتل يوم خيبر من اليهود وهم عدد تجاوز أربعمائة رجل وفي رواية سبعمائة، بعد ان تم أسرهم وسبي نسائهم ؟ ام ان الجهات الممولة للمسلسل لا تريد اغاضة جهات سياسية يهودية او عربية باثارة صراع اليهود مع المسلمين ؟ ان ضياع الحبكة الدرامية الواضحة في المسلسل ، جعلته يقع في مطب كثرة الشخصيات التي تظهر ثم تختفي، وبعضها يختفي بسبب مقنع (وفاة ابو طالب ، مقتل الحمزة بن عبد المطلب) ، لكن العديد من الشخصيات التي ظهرت وما ان يتعرف عليها المشاهد، حتى سرعان ما تختفي ، حيث يتم تجاهلها بحكم غياب الحبكة الدرامية ، اضافة الى كون المسلسل اقصى عن الاحداث شخصيات لها ثقل في الدعوة الى الاسلام، ووقوفها الى جانب النبي والخلفاء الراشدين ، مثل ابو ذر الغفاري ومالك بن الحارث الأشتر واخرين ، فهل اختفائهم كان لاسباب فنية او طائفية؟ يضاف لذلك التناول السطحي لبعض الشخصيات المعادية للاسلام ، فلا يعقل ان يكون "مسلمة بن حبيب" أو كما يسمى "مسيلمة الكذاب" الذي حكم مساحة واسعة من شرق الجزيرة العربية في منطقة اليمامة ، وسجاح بنت الحارث، بهذه السطحية  وحتى الكاريكاتيرية، وهما اللذين ارتدا عن الاسلام ونجحا في جمع العديد من القبائل العربية حولهما لمواجهة الدعوة الاسلامية واقلقا مركز الخلافة ، فلم يكن مقنعا الشكل الذي ظهرا به اذا اردنا ان نقدم قراءة صحيحة وموضوعية للتأريخ !  رغم ان المسلسل حوى العديد من الشخصيات النسائية وبشكل ثانوي، واغلبها تظهر وتختفي بدون مبررات درامية ، وذكرت اسماء العديد من النساء اللواتي لم نر أي ظل لهن في احداث المسلسل، الا انه ظل جافا روحيا وخاليا من العواطف فلم نر ولو ابتسامة لامراة ،  دعك من كلام الحب ، وكأن المسلمين لم يعرفوا النساء والحب والمودة ، بينما التأريخ يذكر لنا بأن غالبية الصحابة كانوا متعددي الزوجات ، وان الخليفة عمر بن الخطاب وحده تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام، ونحن هنا لا نريد من كاميرا المسلسل ان تأخذنا الى اسرة النوم ، ولكن المسلسل كان يمكن ان يقدم لنا زوجات المسلمين بمشاهد تتجاوز اطار تقديم أكواب اللبن والوقوف كحاجب لفتح الابواب ، الا اذا كان القائمين على المسلسل يرون ان هذا هو فقط واجب المرأة !  وما دمنا في اطار الحديث عن الادوار النسائية ، فمن الطريف ان الممثلة السورية مي أسكاف (مواليد 1969) أدت دور هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بن حرب ، (الحلقة الثانية والثالثة والسابعة والثالثة عشر) وفي فمها يظهر جسر أسنان مصنوع بتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين (من يدري ربما صنع في عيادات ابي جهل !!) ،  واذا توقفنا عند اعادة كتابة التاريخ في المسلسل فهناك العديد من الاخطاء التأريخية التي حواها المسلسل والتي تقود لتسجيل العديد من الملاحظات ، منها مواعيد نزول بعض سور القرآن ففي حوار بين عمار بن ياسر وأبويه ، في وقت سرية الدعوة الى الاسلام ، قرأ عليهما سورة الضحى التي تشير المصادر الا انها لم تكن قد أنزلت فى ذلك الوقت (الحلقة الثانية) ، وايضا ان أبي سفيان بن حرب شهد معركة اليرموك (636 م) ضد الروم ، ولكنه لم يفقد عينه بسهم فيها كما بين لنا المسلسل خلال تلك المعركة (الحلقة الثالثة والعشرون )، وانما فقدها قبل خمس سنوات بسهم اصابه في حصار الطائف (631 م) وعلى يد سعيد بن عبيد الثقفي وكان مشركا يومها ، ويروي المؤرخون لنا ان ابي سفيان ساعتها قصد النبي محمد بن عبد الله قائلا : "هذه عيني أُصيبت في سبيل الله "، فقال له النبي : "إن شئت دعوت فردت عليك ، وإن شئت فالجنة" فقال : "الجنة"، فهل سعيد بن عبيد الثقفي يمت بصلة القرابة لاحد طاقم العمل في المسلسل لتنقل فعلته مع ابي سفيان الى الروم  في اعادة كتابة التأريخ تلفزيونيا ؟! واذ كان لابد والاشادة بالعديد من الممثلين ، الذي اعتمد عليهم المسلسل ، وكانوا من مختلف البلدان العربية ، سواء بأدوار اساسية او ثانوية، وكان بينهم اسماء لامعة في عالم الفن ،  فلا يمكن الا التوقف بأعجاب كبير عند الفنان العراقي جواد الشكرجي وحضوره الطاغي ، وهو يسرق الاضواء من حوله ، من كبار الممثلين العرب ، وذلك بتمثيله الفذ لشخصية ابي جهل عمرو بن هشام المخزومي ، وتقديمها بشكل مقنع، وصل به حدود التفرد في أداء شخصية لها ثقلها التاريخي اذ كان ابي جهل من الد اعداء النبي محمد والاسلام ، مما يدعونا لتأكيد كل ما قيل عن امكانيات الفنان العراقي ،  وعدم تمكن المخرج العراقي من استغلالها . يبقى اود ان اشير الى كون المسلسل حوى الكثير من العنف ، ومشاهد القتل والدماء ، ففي كل حلقة تقريبا كان هناك ثمة معارك ، وأجد بهذا انه لم يقم بدوره التربوي للاجيال القادمة على وجه حسن ،  فعرضه كان خلال شهر رمضان، ورغم ان المسلسل يسجل له سابقة في وضع اشارة " هذه الحلقة تحوي مشاهدا غير مناسبة للأطفال الصغار " ، الا ان الواقع يبين انها لم تكن نافعة كثيرا ، خصوصا وان اوقات عرض المسلسل كانت في اوقات اجتماع العائلة ، فأي عائلة عربية او شرقية  تبعد اطفالها عن التلفزيون في هذا الوقت ؟ 




499
  " شهداء الحزب ... شهداء الوطن" الجزء الثاني ... تاريخ وطن وشعب !



يوسف أبو الفوز
أصدر الحزب الشيوعي العراقي ، اوائل خريف هذا العام ، جزءا ثانيا من كتاب " شهداء الحزب ... شهداء الوطن" ، بطبعة أنيقة عن مطابع دار فيشون في السويد ، وجاء الكتاب بـ  520 صفحة من القطع المتوسط ، وضم الكتاب اسماء 573 شهيدا ، توزعوا على سنوات نضال الحزب من عام 1964 وحتى عام 1978 واستشهدوا في مختلف ساحات النضال على ايدي الانظمة القمعية الحاكمة وكان لحكومات حزب البعث حصة الاسد في ان تكون سببا لاستشهادهم ، وملحق بالكتاب ايضا أسماء 116 شهيدا ومعلومات عنهم ، لم يضمهم في حينها الجزء الاول الذي صدر 2001 وغطى السنوات 1943 وحتى نهاية 1963 ، لعدم توفر المعلومات حينها . ولاغناء الكتاب ، واضافة الحيوية عليه ، وامكانية استخدامه في البحث ، وضمان سرعة الوصول الى المعلومات المطلوبة ، حوى فهارس ذكية وعملية في اول وأخر الكتاب . الفهرس الاول جاء كدليل لمواقع واحداث  الاستشهاد ، وثمة جدول ثان حسب الحروف الابجدية بأسماء الشهداء الذين حواهم الكتاب ، يتبعه فهرس وفق تسلسل الاحداث . ضم الجزء الثاني من الكتاب شهداء من مختلف القوميات والانحدارات الطبقية ، وهذا العمل تطلب سنينا طويلة من البحث والمتابعة ، من رفاق سهروا الليالي ، زكرسوا جهدهم للبحث عن اي معلومة ، وسط غياب الوثائق وصعوبة الحصول عليها . بعد سقوط النظام الديكتاتوري ، قام مؤلفوا الكتاب بعمل ميداني متميز ، حيث زاروا اغلب المدن العراقية ، باحثين عن المعلومات الدقيقة من مصادرها ، ويتواصل العمل من اجل انجاز الاجزاء التالية ، ليكون الكتاب بمجمله وثيقة تغطي السِفر الخالد لنضال الشيوعيين العراقيين ، فشهداء الحزب الشيوعي العراقي هم شهداء هذا الوطن ، الذي روت ارضه دماء شهداء العراق من كل الطيف العراقي ، وتأريخ كل شهيد هو ملك تأريخ هذا الشعب والوطن وصفحة ناصعه ومجيدة في سجله الخالد . القائمون على العمل ، نخبة من كودار حزبية مخضرمة في العمل الحزبي والسياسي ، يشكلون قوام هيئة خاصة بأسم " لجنة مطبوع شهداء الحزب"، والمعروف انها لجنة حزبية مختصة تعمل بتوجيه من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي . غلاف الكتاب جاء من تصميم المبدع الفنان "عبد الواحد الموسوي"، وجاء معبرا ببساطته ، اذ طغى عليه اللون الابيض الناصع ، وتوسط الجزء الاعلى منه زهرتان حمراوان قانيتان يمتد عوداهما الأخضران برشاقة ليعتليا عنوان الكتاب ، وجاء هذا امتدادا لتصميم الجزء الاول حيث كانت هناك زهرة واحدة . تصدرت صفحات الكتاب كلمة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي اشارت الى : ( إننا اذ نكرس هذا السفر لشهداء حزبنا الشيوعي العراقي ، تكريما لبطولاتهم وتمجيدا لتضحيتهم ، فلأننا نريد صيانة ذكرى هولاء الاعزة وتذكير الاجيال الجديدة بمن ضحوا وقدموا حياتهم قربانا للمثل النبيلة) ص6 . الكتاب ، لم يأت مجرد سجل بأسماء شهداء الحزب ، بل حوى الى جانب المعلومات الشخصية عن كل شهيد ، معلومات عن حوادث الاستشهاد وظروفها ومكانها . وفي كل مرحلة تأريخية محددة ، اذا كان حادث الاستشهاد حصل خلال احدادث تأريخية بارزة ـ مثلا كوكبة شهداء أيار1978ـ يتقدم اسماء الشهداء شرح مكثف وموثق عن الحدث وتفاصيله وملابساته، وهكذا فأن المرور على مجموعة الحوادث التأريخية ومعها سجل الشهداء في هذا الكتاب ، ونصوص وصايا بعض الشهداء وبعض المواقف من مآثرهم النضالية سيعطي صورة ناصعة عن نضالات الشيوعيين من اجل وطنهم ، وحجم تضحياتهم ومواقفهم التي عمدوها بالدم الزكي. ان هذا الكتاب ليس سجلا لشهداء حزب عراقي فقط ، انه تاريخ وطن وشعب . انه كتاب يعبر عن موقف نبيل من حزب الشيوعيين في الوفاء لمن ساروا على درب الشهادة غير هيابين ، حالمين بوطن حر وشعب سعيد . وارتباطا بدعوة "لجنة مطبوع شهداء الحزب" : (نعرب عن يقيننا ان عملنا ومهما بذلنا فيه من جهد يظل بحاجة الى التقويم الذي ننتظره ممن تعز عليه مهمة توثيق سيرة شهداء الحزب والوطن) ص 7، فأن اي ملاحظة تقدم هنا عن هذا الكتاب ، فأنها لا يمكن ان تقلل من الجهد الجبار المبذول لانجاز الكتاب ولا من اهميته ككتاب لا يمكن الا التوقف عند انجازه بأنحياز وتقدير كبيرين، فهو من الكتب التي يمكن القول لابد لكل عراقي من الاطلاع عليها ، ان لم نقل اقتناؤها *. كتاب انجز بجهود جماعية وبدأب شديد وبأمكانيات مادية متواضعة ان لم نقل شحيحة، وكان لي شخصيا شرف متابعة هذا الكتاب منذ ان كان فكرة في ذهن احد المناضلين الشيوعيين ، في منظمة حزبية صغيرة ، الى ان صار مشروعا نبيلا يهم حزبا بكامله ، وبالتالي ليغدوا مشروعا نضاليا يهم الوطن . ان الملاحظات التي اود ايرادها هنا تطمح لان يكون المنجز في الطبعات والاجزاء اللاحقة افضل وأكثر كمالا . فالملاحظ ان التصميم  الجميل للجزء الاول، الذي صدر في لبنان عام 2001 ومن توزيع دار الكنوز الادبية ، والمستوحى من المفكرات المدرسية ، والذي تكرر في الطبعة  الثانية الصادرة عام 2010 عن "دار الرواد المزدهرة" في بغداد ، وايضا الطبعة الثالثة التي صدرت بعد عدة شهور في نفس العام عن  دار النشر السويدية " فيشون ميديا " ، تكرر هنا في الجزء الثاني الا انه جاء هذه المرة مرتبكا بشكل واضح ، وكأنه انجز على عجل ، رغم الفترة الزمنية الطويلة الممتدة بين صدور الجزء الاول بطبعاته الثلاث والطبعة الاولى من الجزء الثاني . فالكتاب مثلا حوى 25 صفحة بيضاء ، تناثرت بين الفصول، وكان يمكن استغلالها بوضع بعضا من التخطيطات او الاقتباسات التي تكدست وازدحمت بشكل بارز في الجزء الاول من صفحات الكتاب ، بينما خلت بقية صفحات الكتاب  من اي تخطيطات او اقتباسات شعرية . اضافة الى ان الاقتباسات الشعرية من 23 شاعرا عراقيا وعربيا وعالميا ( 13 بالفصحى 10 شعر شعبي) جاءت كلها لشعراء رجال دون وجود اي اقتباس لشاعرة امرأة سواء عراقية او عربية او عالمية ! . ولابد من القول ان الاقتباس عن الشاعر والمناضل الشيوعي الفلسطيني معين بسيسو لم يكن دقيقا اذ ورد (الحزب الشيوعي العراقي رئة من الشعر ) ص 332 والصحيح هو (الحزب الشيوعي العراقي رئة تتنفس الشعر) ، اما التخطيطات الفنية ، التي ذكرنا انها ازدحمت في جانب واختفت في جانب من الكتاب ، فالملاحظ انها كانت تخطيطات للعديد من الفنانين العراقيين منهم محمود صبري ، جواد سليم ، اياد صادق وملاك مظلوم وغيرهم اضافة الى العديد من البوسترات السياسية ، لكن الكتاب اورد في مقدمته فقط اسم الفنانة ملاك مظلوم، التي كان لها 14 تخطيطا من عموم تخطيطات الكتاب ، وكان الافضل هنا ، وارتباطا بالحقوق الفكرية ومهنية النشر، ان يتم ايراد اسماء كل الفنانين الذين تم استخدام تخطيطاتهم وربما ايراد عدد اعمالهم الى جانب أسم كل فنان . يلفت الانتباه أيضا ان الكتاب اذ حوى 689 أسما من الشهداء الابطال لكنه حوى فقط 239 صورة لهم ، اي تقريبا بنسبة الثلث من اسماء الشهداء ، وهذا من وجهة نظري لا يتحمل مسؤوليته معدي الكتاب والمشرفين على انجازه، وانما يتحمل مسؤوليته ذوو الشهداء ورفاقهم واصدقاؤهم والمنظمات الحزبية داخل وخارج الوطن ، فـ" لجنة مطبوع شهداء الحزب"، ومن بدء عملها لانجازهذا المشروع النبيل نشرت وفي كل صحافة الحزب ومواقع الانترنيت وكررت في الندوات والاجتماعات وباستمرار الدعوة والاعلان لتزويدها بالمعلومات والصور، وطالبت المساهمة بتدقيق المعلومات ، ومثلما ورد في طبعات الجزء الاول، حوت مقدمة الجزء الثاني من جديد دعوة "لجنة مطبوع شهداء الحزب"، للتعاون واشارت : (ونحن اذ نطمح الى تدقيق هذا الجزء ايضا من قبل ذوي الشهداء ورفاقهم ومعارفهم وتزويدنا بما تتوفر لديهم من معلومات موثقة وكذلك صور للشهداء الذين لم نحصل على صور لهم ، و من تتوفر لديه صور بنوعية افضل من التي نشرت في هذا الجزء وكذلك الجزء الاول ) . ومن هنا حرص معدو الكتاب ومن باب الوفاء والتوثيق على تثبيت قوائم باسماء الشهداء الذين جردت أسماؤهم ولم تتوفر عنهم اي معلومات وارفقوها بالدعوة لتزويدهم باي معلومات عنهم .
تحية لهذا الجهد النبيل وللجنود المجهولين الذين كرسوا وقتهم وعملوا بتفان شديد لاجل أنجاز هذا المشروع ونحن بانتظار الاجزاء التالية !
*  حسب  معلوماتنا ان الكتاب يمكن اقتناؤه بسهولة من خلال منظمات الحزب الشيوعي العراقي !




500
عالم آخر(8)
عن  الثقافة الجنسية للأطفال
التهرب من اجابة الطفل عن اسئلته في موضوعات الجنس تفقده الثقة بوالديه ومعلميه
هلسنكي ـ يوسف ابو الفوز

لابدأ معكم هذه المرة ، بنكتة عن الاب الذي سمع طفله الصغير يسأل أمه ، من اين جاء طفل الجيران الذي ولد مؤخرا؟ فقال له أبيه "جاء به اللقلق ليلا ووضعه فوق سطح دارهم "، فما كان من الطفل الا ان قال : "اذا جاء به القلق ، فما هي مهمة عمو فلان اذن ؟" ... هي نكتة لكنها تقودنا الى كون اطفالنا ، اطفال عصر الفضائيات والانترنيت والفيس بوك ، هم غير اطفال الاجيال السابقة، بأختصار وكما قالت لي احد الامهات "أن اطفالنا صاروا ربما يعرفون اكثر منا ". فهل يمكن تربيتهم عموما بالاساليب القديمة السابقة ؟ في مقدمة ذلك يأتي موضوع الجنس ، فهو لا زال في مجتمعاتنا يعتبر من اكبر المحرمات التي يخشى الخوض فيها ، سواء في البيت او المدرسة ، وحتى تناوله في الاعمال الادبية والفنية ، فالبعض لا يزال يعتقد ان مفهوم مثل "الثقافة الجنسية" يتعارض مع الدين اساسا وهو عامل مساعد لنشر الانفلات الاخلاقي والاباحية ، ونتيجة لذلك يبقى ابناؤنا في جهل تام بكل ما يتعلق بأجسادهم ووظائفها وبحياتهم المستقبلية كاباء وأمهات لاجيال قادمة ، مما يكون سببا في احيان كثيرة لاستغلالهم ببساطة من قبل من تسول له نفسه أستثمار جهلهم وعدم معرفتهم بالاولويات التي يمكن ضخها لهم بروية وحكمة .
ان "الثقافة الجنسية " وبالتالي "التربية الجنسية " في العالم المتمدن ، وفي عموم بلدان أوربا ، تعتبر جزءا مهما من الثقافة العامة والتربية العامة ، ومهمة بالنسبة للاطفال والشباب ، وتهدف الى جانب ما تهدف مكافحة الخرافات والمعلومات الخاطئة والاستناد الى العلم والبرامج التربوية المسؤولة والدقيقة من اجل اعداد اجيال واعية واثقة من نفسها وبالتالي تكون منتجة . بالتاكيد لا يمكن لنا ان نقارن ونساوي مجتمعاتنا المحافظة بالمجتمعات الاوربية التي قطعت اشواطا كبيرة في موضوع الحريات الشخصية، فلمجتمعاتنا خصوصيتها المرتبطة بالعادات والتقاليد واداب الحشمة ، ولكن هذا يجب ان لا يكون سببا لان نضع ساترا مظلما على ادمغة ابنائنا ، فالمواطن الاوربي تجاوز ومنذ اجيال عديدة مفهوم ان يكون الجسد عنده عيبا، فالعيب عنده هو الكذب والسرقة والغش والاحتيال وغيره من الصفات المذمومة في شخصية الانسان ، فللفرد ان يلبس ما يريد شرط ان لا يتجاوز على حريات الاخرين وان لا يهتك ويتجاوز السائد . وفي أوربا ومنذ الشهور الاولى لا يتم التعامل مع الطفل على اساس كونه ذكر او انثى ، فيتم التعامل مع الاطفال ، في البيت او المدرسة ، بمساواة تامة في الواجبات والحقوق ، فيستمتعون بوقت لهوهم معا ، في ساحات اللعب والمسابح وزيارات المعارض والمتاحف وفي قاعات الدرس ، زارعين في نفوسهم الثقة بالنفس والشعور بالمساواة والندية للتنافس مع الاخر بغض النظر عن جنسه ، سواء كان ذكرا ام انثى . وما ان يتفتح وعي الطفل حتى تبدأ المدرسة وبالتنسيق مع العائلة تعليم الطفل العناية بنفسه وجسده بجرعات بسيطة من المعلومات تتناسب مع وعيه ، فالامر عند الطفل يتعلق بميله الفطري وهو حتمي ، لاكتشاف نفسه والعالم من حوله ، وفي مرحلة معينة يبدأ الخوض في موضوع الجنس والتعامل معه ، سواء تدخلت او لم تتدخل المدرسة او الاسرة ، فالافضل ان يتم الامر برعاية ومتابعة من الكبار المسؤولين بشكل مباشر عن الطفل . الوالدان والمعلمون يتعاملون مع اسئلة الطفل في موضوع الجنس بمسؤولية أساسية دون التهرب منها ، مهما كانت ، والطفل أسئلته احيانا محرجة ومربكة للكبار ارتباطا بفضوله العالي وبراءته ، والاجابات هنا ، يحرص ان تكون مرتبطة بمفهوم الثقافة والتربية الجنسية وليس فقط الاعلام الجنسي، اي ليس مجرد التعريف بما يتناسب مع مدارك الطفل ، فهذه ربما يحصل عليها من المجلات ومواقع الانترنيت ،  لكن الاجابة يجب أن تكون متعلقة بالجانب الاخلاقي والصحي والنفسي ليتمكن الطفل من استيعابها جيدا ليتأسس لديه جانب من السلوك العام وبالتالي يساهم في بناء شخصيته الجادة .
فعدم التجاوب مع اسئلة الطفل اوالكذب عليه ، والميل الى ردعه والتهرب من اجابته، تفقده الثقة بوالديه ومعلميه ، وتخلق لديه شعور بأن الجنس شيئا رهيبا ومخيفا وأثما مما يترك اثرا على شخصيته ويخلق لديه حالة من الكبت ربما تنمي عدوانيته وحتى شذوذه ، وقد يساهم في تعطيل رغبته للمعرفة والابداع وبالتالي تكون شخصيته لا ابالية وغير  منتجة . وتحرص العائلة والمدرسة اساسا ان لا تكون التربية والثقافة الجنسية مقتصرة فقط على المعلومات الفيسولوجية والتشريحية ، لان فضول الطفل حين يبلغ مرحلة المراهقة ، يتعدى ذلك الى اكتشافه اللذة المرتبطة باعضاءه التناسلية ، فيكون بحاجة الى ان يعيش حياته بشكل سوي وأمين فيتم هنا تقديم المزيد من الدروس والنصائح، وتكون دروس البيولوجيا عادة ، والتي تقدم في المدرسة بالاستعانة بالاشرطة الفلمية والمجسمات من وسائل الايضاح ، أساسا مهما للمعلمين ليتوسعوا في ضخ المعلومات فيما يخص التربية الجنسية الى الاطفال ، مصحوبا كل ذلك بالتشاور مع العائلة والمشرف الاجتماعي واحيانا الطبيب النفسي ان كان للفتى او الفتاة مشاكل ما . وفي مرحلة المراهقة يتم عادة زج الفتيان والفتيات بعدد متزايد من النشاطات الفنية والرياضية التي تشغل وقتهم وتستهلك طاقاتهم بالابداع والانتاج ، مما يساهم في قدرة المدرسة والعائلة لتوجيه الابناء الوجهه الصحيحة . ان التعامل بروح الاحترام مع المراهق كشخص بالغ تخلق لديه الثقة بالمقابل فيندفع للمكاشفة بعواطفه وافكاره ، ويحرص المربي عادة على تجنب ذم العملية الجنسية او ما يتعلق بها اثناء احاديثه ، فالعائلة والمعلمون مثلا يتجنبون ذم فترة الدورة الشهرية عند النساء عموما ، حتى لا يترك ذلك اثرا سلبيا عند الفتيات في علاقتهم مع جسدهم حين تبدأ بوادر الدورة الشهرية عندهن ، فالمراهقين سيرتكبون اخطاءا فاحشة اذا بلغوا مرحلة النضج الجنسي دون متابعة ورعاية من العائلة والمدرسة . ومع تقدم الاولاد والبنات في العمر تتقدم الدروس لتتناول تفاصيلا عن عملية ممارسة الجنس والوقاية الصحية وبكل ما يتعلق بأن يكون المراهق والمراهقة انسانا ناضجا قادرا على ان يخوض حياته بثقة ودون خوف او وجل !


صفحات: [1] 2