عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - Dilawer Zengi

صفحات: [1]
1
الحلقة الثالثة والعشرون. اللوحة التاسعة عشرة. السلطان محمد الفاتح واستانبول.
الفن في لوحات كتاب الـ"شرف نامه"
المؤلف: عبدالرقيب يوسف الزفنكي.
ترجمة: دلاور زنكي.




السلطان محمد الفاتح واستانبول
وردت هذه اللوحة في الصفحة /190/ (190-191) في موضوع الاستيلاء على "استانبول" (عاصمة الدولة العثمانية)، في عام 857هـ الموافق لعام 1453م، هذا الاستيلاء الذي حققه السلطان "محمد الفاتح". في اللوحة مشهد لبحر "مرمره" يبدو فيها السلطان محمد الفاتح بلحية سوداء وعلى هامته "َسرْ كلاف" أبيض اللون ضخم انبوبي الشكل جالساً على أريكة في باحة دار. ويظهر إلى جانبه الأيسر رجل بيده "كتاب" ومن الواضح أنه وزيره ويدل على ذلك القلنسوة "سر كلاف" التي تتربع على رأسه. وعلى مسافة قريبة يجلس شخص وربما كان حاجب السلطان، أو بعبارة أخرى كبير الخدم والإماء لأن النقوش الشبيهة بزهرة السوسن تظهر على القلانس وهذه النقوش رموز خاصة بالجواري والخول لدى العثمانيين وقد نوّهنا بذلك آنفاً في حديثنا عن اللوحة السابعة عشرة. وفي اللوحة أربع خادمات أو أربع جوار على أزيائهن تلك الرموز والعلامات. ثلاث منهن قائمات في ميمنة السلطان، أما الرابعة فتطل برأسها من أحد الأبواب. ويوجد أشخاص مقابل السلطان، على رؤوسهم الطرابيش المطوّقة بغلالة من نسيج رقيق ذي خطوط، تتدلى منها "الشراشيب" الطويلة. وهذه الطرابيش خاصة بالجنود، لأنها تظهر على رؤوس العسكريين العثمانيين، وهذا الضرب من الطرابيش تبدو في لوحة "معركة جالديران".
في البحر يظهر منزل. كما يبدو أشخاص آخرون في اللوحة. على رأس أحدهم سدارة "قبعة عسكرية" كالسدارة التي يستخدمها الجنود العراقيون الخاصة بقوات "الدبابات".. وبين هؤلاء الناس شخص في ثياب تبدو عليها آثار الفقر، على رأسه قلنسوة صغيرة وهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها نوعان من القلانس في لوحات الـ"شرف نامه".
وفي اللوحة مشهد لمسجد على ساحل البحر تعلوه مئذنتان من الناحية الغربية. ويبدو أيضاً-في اللوحة- شخصان آخران من رجال الدين على رأس أحدهما قلنسوة، يرتدي جلابيب بيضاء وهو جالس إزاء نافذة. أما الآخر فذو قلنسوة وثياب زرقاء داكنة يقف أمام نافذة أخرى وهو أيضاً رجل دين ذو لحية بيضاء مفرطة الطول اتخذ مكانه خلف هذا المسجد في ناحية المئذنة الشرقية. وفي اللوحة فتى وفتاة موجودان في جهة المئذنة الغربية. الفتاة متلفعة الرأس بمنديل ذي الوان وقد عُصب هذا المنديل بمنديل آخر يطوق رأس الفتاة. الفتى واقف في العراء والفتاة تشرف عليه من نافذة دار ذات زخارف ونقوش يتبادلان النظرات. وتبدو إحدى النساء من خلال نافذة في بيت آخر خلف تلك الدار. والمنديل الذي تتلفع به شبيه بذاك الذي يغطي رأس الفتاة مع اختلاف في اللون وطريقة التلفع، وهذا الأسلوب الأخير تنفرد به المرأة إذا كانت نصفاً (في منتصف العمر).
بيوتهم
وبصدد الطراز المعماري نقول:
إن الدار التي يجلس السلطان محمد الفاتح في فسحتها السماوية مشيّدة من الأحجار البيضاء المكعبة كالرخام أو أن الرخام  بعينه يكسو جدرانها. إلا أن البناء مشيد من الحجر العادي تبدو القباب التي تعلو البيوت مربعة ومرتفعة، ولقد نفذ العثمانيون هذه الإشكال من القباب في دُورهم وبيوتهم اقتباساً من البيزنطيين، وتُتبع الآن هذه الطريقة في المنشآت العمرانية. ففي تلك الأيام كانت البيوت تسقف بالأجر "القرميد" كما تشاهد هذه البيوت في تركيا بأسقفها البيضوية. إلا أن الفن المعماري في المئذنتين يختلف عن الأسلوب البيزنطي اختلافاً بيّناً.


2
الحلقة التاسعة عشرة: اللوحة الخامسة عشرة: مجلس شرف خان البدليسي
الفن في لوحات كتاب الـ"شرف نامه"
المؤلف: عبدالرقيب يوسف الزفنكي.
ترجمة: دلاور زنكي.





مجلس شرف خان البدليسي

اللوحة الخامسة عشرة على الصفحة "144". وموضوعها هو حاكمية شرف خان بن الأمير شمس الدين "أي جد المؤرخ شرف خان الذي لم يكن عالماً وحسب بل كان أميراً على بدليس قوي العزيمة شديد الهيمنة. وقد كان متضلعاً من علم الفلك عارفاً بالتنجيم. وفي عام 940هـ /1533-1534م قتل مع /700/سبعمائة جندي من جنوده في معركة دارت بينه وبين الجيش العثماني.
موضوع هذه اللوحة هو مجلس شرف خان.. وهو جالس على أريكة في وسط حديقة.. وقد أقام حوله رهط من رجاله وأهله.. يبدو في اللوحة عريض المنكبين فارغ الطول.. وليس ببعيد أن يكون شرف خان الكاتب قد سمع بأوصاف بنية جده عن أبيه.. يرتدي شرف خان حلل الإمارة.. وعلى رأسه عمامة كبيرة "قلنسوة" بيضاء تعلوها كرة "كبكوب" كبيرة جداً ولا نجد مثل هذا على حاكم آخر. ولا ندري هل هذا "الكبكوب" متخذٌ من ريش بعض الطيور أو أنه مصنوع من شيء آخر؟ ملامح شرف خان- في الصورة مطموسة إلى حد مّا. إلى جانبه الأيمن وضعت أوانٍ وكأنها خاصة للشراب وماء الورد.. وإلى الجانب الآخر امرأة وطفل في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر وهما واقفان على أقدامهما.. الطفل مائل إلى المرأة قليلاً.. ملابس المرأة ذات ألوان. أمامها ثوب نسائي سابغ وصدرية دون أكمام. قلنسوتها ضخمة كقلانس الرجال، مصنوعة من ذاك القماش المخطط نفسه الذي صُنعت منه غالبية القلانس الظاهرة في اللوحة. وليس ببعيد أن يكون قماش القلانس مصنوعاً من الحرير.. كما يبدو على كتفها "مجن" "ترس" حيث توجد حلقه كبيرة بينها وبين شرف خان مصنوعة من كرات الـ"كبكوب". وهذا يعني وجود علاقة أو رابطة بينهما وهذه هي الفكرة التي أراد الفنان أن ينقلها إلينا لأن هذه المرأة هي: خاتون شاه بك بنت علي بك ساسوني وهي زوجة "شرف خان" وجدة حفيدة "شرف خان" المؤرخ. هذه المرأة شيدت قبة عالية على ضريح زوجها في باحة مسجد "شرف خان" وهي أيضاً مدفونة هناك.
لدى زيارتي "بدليس حاولت الذهاب إلى هذا المسجد لتصوير المقبرة وقراءة الكتابة المدونة على الضريحين فلم أفلح في ذلك لأن الباب كان مغلقاً والبواب غائباً.
ولا نرتاب في أن تصوير هذا الزي النسائي الأميري قد نُقِل عن الواقع في زمن الانتهاء من كتابة الـ"شرف نامه". إن "أوليا جلبي" لم يشاهد نساء "بدليس" لأنهن كن محجبات.. على وجوههن البراقع.. وفي هذا الصدد يقول "أوليا جلبي": إن النساء في بدليس- كما أخبرني بعض الأصدقاء- يرتدين الملابس البيضاء. ويستعملن "الخمار". وطأس "القلنسوة" من الذهب أو الفضة والثياب مصنوعة من النسيج الحريري.(51)
ومن المفيد أن نقول: إن ثياب النساء اليزيديات كانت بيضاء وكانت قلانسهن بيضاء أيضاً ولا ندري هل تغيرت في هذه الأيام. وفي بعض الأوساط كانت المرأة البوتانية ترتدي كالمرأة اليزيدية. الثوب الأبيض من نسيج سميك قطني يصنع في قرى "بوتان" كما كان يصنع في أماكن أخرى في وسط "طوري" مثل مدينة "مدياتMîdiyat" و"كرجوسKercews" و "حسن كيفHesenkêf". وكانت الثياب المصنوعة في هذه المدن أكثر جودة ومتانة وتصدر إلى "بوتانBotan"... وحتى قبيل ثلاثين عاماً كان هذا الزي شائعاً في "طوري" أي في أوساط الشرق وشمال شرق مدينة "ماردين" وكانت السراويل بيضاء في أكثر مناطق كردستان إضافة إلى الملفع الأبيض "الكتانة" المصنوع من نبات الكتان. وكانت مآزر الرجال قصيرة تصل إلى الركبة أو إلى أسفلها قليلاً. وكانت تصنع من القطن أو من أقمشة... وكانت شديدة الشبه بالزي الهندي إلا أنها كانت أكثر جودة... وكان كثير من الناس يرتدون الثوب دون السراويل بسبب العوز والأحوال الاقتصادية العسيرة.

النعال المْنمْنمة المزخرفة بالخرز
النعال المرسومة في اللوحات المنشورة في كتاب الـ"شرف نامه" ليست واضحة المعالم والملامح، لذلك لا نستطيع التوقف عندها لمعرفة تلك النعال والأحذية، التي وجدتْ في كردستان في تلك الأيام أو نلمّ بصفاتها وأنواعها.
إلا أننا في هذه اللوحة أمام فردة حذاء من أحذية السيدة: شاه بك خاتون وقد ظهرت بوضوح جيد. أما اللون فهو أبيض أو أن اللون قريب من لون القطن... المقدمة عريضة وليست مدببة.. وليست حافاتاتها منثنية نحو الداخل.. وفي فترة كانت هذه النعال معروفة في مدينة "السليمانية" يطلق عليها اسم "ذات الكعب العالي". والحذاء مرصع ببعض الحبات من الخرز- خرزات فردة الحذاء تبدو سوداء أو "زرقاء". وليس من نافلة القول أن نذكر أن "أوليا جلبي" تحدث عن أحذية "بدليس" المزينة أو المطعمة بالأصداف. في كتابه على الشكل التالي:" إن الخدم الذين كانوا يعملون في "حمام باغ" كانوا ينتعلون أحذية مزخرفة بالصدف وكانوا يقدمون للزبن المستحمين هذه الأحذية. وهكذا يتضح لنا أن الأحذية الصدفية كانت تصنع في "بدليس".
ذاك الفتى القائم قريباً من أحضان السيدة: شاه بك خاتون هو الأمير شمس الدين أبو "شرف خان" المؤرخ وهو ولده الوحيد. إنه في هذه اللوحة يرتدي قميصاً خالياً من الأزرار أصفر اللون لأنه مغلق من الأمام. وعلى عطفيه منديل وقد أُرخي طرفا المنديل من الأمام نحو الأسفل. وحتى عهد قريب كان إسدال المناديل على المناكب وارخاؤها نحو الأسفل عادة متبعة، ومازالت دارجة حتى الآن في كثير من أوساط كردستان تركيا. يحمل أحد الفتيان بإحدى مجنّاً "ترساً" وبالأخرى أداه أخرى كأنما هي نوع من الأسلحة الحربية. وفي اللوحة الثالثة عشرة/13/ ظهرت آلة كهذه الآلة.
يقف خلف "شرف خان" حشد من الرجال.. ثيابهم مختلفة ولكن قلانسهم متشابهة وأقمشتها من نسيج واحد.. وهذا يوحي إلى الأذهان أن القماش قد يكون من مصدر إيراني حيث لا يزال الأكراد حتى الآن يستخدمونه في إيران. ويقول "أوليا جلبي" متحدثاً عن أزياء الرجال في "بدليس": قلانسهم زرقاء وصفراء وسوداء وحمراء، وبيضاء فاقعة.. كثيرون من أناسي "بدليس من الزعماء والأثرياء يرتدون المعاطف المصنوعة من فراء حيوان "السمور". وفي أماكن أخرى أيضاً يتحدث عن فراء "السمور" عندما يذكر "ملاطيةMelatiyê " و "دياربكر". وقد كانت "الصين الرأسمالية" تصنع مثل هذه المعاطف من فراء "السمور". وقد أكد أن هذه الفراء كانت ذات قيمة عالية وشائعة جداً في كردستان. ويستأنف "أوليا جلبي" حديثه في هذا الموضوع كالتالي: "أما أولئك الأقل ثراء فيرتدون الـ"شياخ şeyax "  في مناطق "معدنMaden" و "شيروان Şêrwan ".(52)
و "شياخ" كلمة تركية وهذا الرداء يصنع من خيوط ملونة وقد يستخدم "جلة" للدواب. وهو يبلغ الركبة أو يتجاوزها أحياناً.. إنه ذو خطوط عريضة يلبس في أيام الشتاء فوق الملابس. أذكر أنها قبل قرابة /35/ خمس وثلاثين سنة كنا إذا شاهدنا أحد الغرباء يرتديه سخرنا منه. إنّ ذاك الفارس الذي ظهر في اللوحة السابعة متوجهاً نحو "حسنكيف" يلبس لباس الـ"شياخ" الطويلة، ويمر من نهر "دجلة". يقول: "أوليا جلبي" في هذا المعنى: "إن فقراء "بدليس" يلبسون الـ"بوغاص". وكلمة الـ"بوغاص" كلمة تركية تعني الغلالة أو "الشاش" أو القماش الرقيق.(53)
 في اللوحة يبدو حزام أحد الحراس بشكل جيد. وقد لفت نظري أن هذا النطاق مخطط "ذو خطوط" متخذُ من نسيج ناعم وثمين، وهو الحزام الحريري الذي تحدث عنه "أوليا جلبي" يقول " "أوليا جلبي" كالآتي: كان الناس في كردستان يشدون على خصورهم الأحزمة الحريرية".
وقد تحدث "أوليا جلبي" عندما كان في "بدليس" عن "حمام باغ" بعد أن زاره فوصفه وصفاً مستفيضاً.. وتحدث عن الزخارف الزجاجية والمرايا والرخام والمرمر والسيراميك والألواح الحجرية التي فرشت بها الأرض إلى درجة أن السلطان مراد عندما زار هذا الحمام أعجبه كل الإعجاب وأخذ بلبه، فقال معبراً عن اندهاشه:"ماذا كان سيحدث لو أنَّ لي حماماً مثل هذا في استانبول" ويستمر أوليا جلبي في الحديث: "وكان الخدم القائمون على إدارة "الحمّام" من الجورجيين والشركس يدسّون خناجرهم المرصعة بالجواهر تحت أحزمتهم الحريرية". وكانت هذه الأحزمة تشد حول الخصور وتعقد عند الميسرة في الناحية اليمنى. أما الطرف فينسدل نحو الأسفل وقد انقرضت هذه العادة إلا في بعض أوساط قليلة من "كردستان".
في اللوحة لفيف من الموسيقيين أمام "شرف خان" موجودون.. في يسار اللوحة. تظهر آلة من غير أوتار في يد شخص.. الآلة طويلة.. صندوقها ضخم.. تشبه الآلة الموسيقية الغربية "جلو" وإلى جانبه شخص آخر قد يكون موسيقياً. وفي يمين اللوحة "بازيّ" على يده "قفازة" حطّ عليها "طائر قناص" وإلى جانبه شخصان آخران. وفي أعلى اللوحة من الجهة اليسرى رجل آخر يحمل طائراً قناصاً. وفي لوحات أخرى تظهر طيور الصيد و لاشك أن الصيد بالصقور والبزاة كان منتشراً في كردستان بين الطبقة المتميزة.
في الصفحة /122/ من كتاب "سياحة نامه" يتحدث أوليا جلبي عن خمسة عشر نوعاً من طيور الصيد لدى "عفدال خان- أمير بدليس" وذكر أسماءها مثل: " الباز-والشاهين-والقوش وبالبان أيضاً. وهو من صنف " شاهو" (مالك الحزين)(54). وكان الصيد بهما معروفاً في كردستان حتى عهد قريب. قبل وقوع الشيخ محمود الخالد في الأسر كانت في حوزته طيور يصطاد بها. وكان القائمون على شؤون هذه الطيور من السليمانية. من هؤلاء البارزين السيد :حامد بك بن مجيد بك جاف وكان في الخامسة والتسعين من العمر أو فوق ذلك يقول :" حتى أعوام 1950م كنت أقتني طيوراً للصيد".(55)
كان الصيد يتم عندنا بواسطة طائر الـ"هلو=Helo" والباز والشاهين والـ "ترونته=Tirunte "  والباشق. وبواسطة الشاهين والباز كان يصاد الأرانب البرية والإوز والبط. وكان الفتيان يصطادون اليمام، بواسطة الباشق و الـ"ترونته= "Tirunte"  وهو أصغر من الباشق يصطادون في البراري. في تلك الأيام كانت البزاة والصقور تصاد في جبال كردستان وكان الأثرياء من الخليج يحصلون عليها بأثمان باهظة، وحتى قبل عام كان الطائر يباع في منطقة "قرداغ" بخمسمائة دينار /500/ دينار.


3
المنبر الحر / الرواية والحياة
« في: 18:32 30/01/2012  »
الرواية والحياة

دلاور زنكي

الرواية والحياة كلمتان فيهما معاني العذوبة والطلاوة. وتتأتى عذوبة الرواية من أنها أو بالأحرى قراءتها جزء من حياة الإنسان. أو أنها تمنح الحياة النكهة والطعم والرفاهية والحبور فتجعلها أكثر رونقاً ولذةً. ولكل رواية عالم خاص وما مفتاح دخولها إلا القراءة، فإذا قرأها القارئون ولجوا عالمها فشاهدوا ما في أرجاء هذا العالم من عجائب وغرائب، ورأوا ما لم يروا وسمعوا ما لم تسمع به آذانهم من ذي قبل. والروايات إنما تكون أنماطاً وأصنافاً.. كالرواية التاريخية، أو الخيالية.. والرواية الغرامية أو كالرواية التي تعالج أمور الجاسوسية أو أحداثا شخصية. وكثيراً ما نقرأ روايات مدهشة. تشدنا إليها وتقسرنا على متابعة القراءة حتى الخاتمة، أو نقرأ روايات اجتماعية تضعنا أمام فيض من الأسئلة والاستفسارات وترغمنا على التفكير، أو روايات في الفلسفة تشحذ الأذهان، وروايات عن العالم وأحواله وأحلامه وتمنيات الناس ورغائبهم.
وللرواية لغتها الخاصة.. اللغة الأدبية.. إنها تحرك في أحاسيسنا وتوزع في مهجنا النشوة والمسرة.. حيث تكون هذه اللغة جسداً وروحاً ولا نشك أن لغة الرواية هي التي تجلب لللغة ثراءها وبلاغتها، ونعني بها اللغة الأدبية.
وقراءة الرواية سبيل طويل ورحلة بعيدة، أي أن المرء يسافر في الرواية عند قراءتها في عالم جديد حيث يرى ويجد أشياء لا تعد ولا تحصى يتعلم منها. وقد نطالع صفحات رواية خيالية فنثمل بها وتنتشي أرواحنا الظامئة وترتوي. لنفترض أو نقل جدلاً: إن حدثاً شديد الغرابة جرى في رقعة من الأرض وإن كاتباً من كتاب الرواية يرغب في التحدث عن ذلك الحدث الغريب وسوف يكون حديثه شائقاً وممتعاً لأن الحدث في ذاته ممتع وشائق ولكن هذا الروائي يستطيع أن يؤدي هذه الوظيفة بأسلوبه الخاص وطريقته التي تعتمد على التخيل وعندئذ ستكون الرواية أكثر إمتاعاً وتشويقاً وجاذبية.
وعلى صعيد الرواية توجد رواياتٌ محكمة السبك متينة البناء عن ثورة من الثورات اذا استرسلت في قراءتها حسبت نفسك أحد رجالها وأن الثوار هم رفاقك في حركاتهم وسكناتهم، غدوّهم و رواحهم. تتألم لألمهم وترتاح لفرحهم.


4
يوسف ملك
علم من أعلام الفكر والسياسة الكلدوآشوري
 (1899-1959م)

بقلم: دلاور زنكي.
أن يحب المرء وطنه وشعبه، ويسعى في سبيل أمن بلاده ورخاء شعبه ورفاهيته ويذود عن حمى أرضه فتلك أمور بدهية لا غرابة فيها وليست بدعة من البدع. إنها فطرة في كل إنسان سويّ. وسجية من سجاياه أن يملأ عشق الوطن وحب الأهل قلبه وينعما فكره وإحساسه، وقد يطغى هذا العشق ويتفاقم هذا الحب فلا يبقى في نفسه ومجمل كيانه تعلّقٌ بغير قومه وأرضه وكل ما يمتُّ إليهما بصلة. ولكننا قد نعثر على سيرة إنسان في سفر من الأسفار أو نسمع باسم رجل اتسع قلبه ورَحُبَتْ نفسه فأحب البشرية جمعاء وحمل هموم الإنسانية فنافح عن البؤساء وكافح عن المضطهدين، وجاهد ودافع عن الحقوق المهضومة وانتصر للشعوب الرازحة تحت نير الطغاة الغاشمين. من هؤلاء العظماء الذين قلما تجود بمثلهم الأيام المفكر والسياسي الفذّ "يوسف ملك" الآشوري الكلداني الذي وصفه أحد الكتاب بقوله: "المناضل القومي والمدافع الحر، المستميت في الدفاع عن أبناء جلدته وحقوق جميع المظلومين... ليث بابل ونسر آشور ابن تلكيف البار". لقد كان هذا الرجل العظيم يحامي عن الشعب الكردي ويدافع عن حقوقه وينتصر له بقلمه الذي ينضح جرأة وبسالة ويكتب عشرات المقالات على صفحات الجرائد والمجلات ونبّوه بأحوال الأكراد ويشيد ببطولاتهم وحضاراتهم في المحافل والمؤتمرات العالمية في زمن غابت فيه كلمة الحق واستبدت الأنانية والأطماع والجشع بالميول والنزعات، في زمن لا يبالي أحد بغير منافعه ولا يأبه لآلام الآخرين الملهوفين.
في التاسع من شهر نيسان عام 1931م غادر مدينة بغداد متوجهاً إلى مدينة حلب ليكون شاخصاً في مؤتمر كردي-آشوري يتدارس فيه المؤتمرون أحوال الأكراد والآشوريين. إلا أنه لم يعد إلى بغداد بل توجّه إلى "بيروت" استتب به المقام واستقرت أحواله وبدأ يكتب عن كردستان والشعب الكردي في صحيفته "الوطن" التي أسسها. وفي بيروت كان على صلة دائمة مع آل بدرخان وهم: (جلادت وكامران وروشن) وخاصة الأمير: جلادت بدرخان الذي كان يقيم آنذاك في بيروت يتدارسان ويتداولان الشؤون الأدبية والفكرية والسياسية وكل شأن فيه صلاح الأمة الكردية. وكان يفيض في هذا الموضوع في مقالات باللغة الانكليزية والفرنسية والتركية في الصحف الأجنبية. وكان يجهر بالحقيقة دون تهيّب أو حذر وكان شعاره تغليب الحقيقة والحق على الأباطيل دون مبالاة بالعواقب. وظل يوسف ملك طوال حياته يدافع عن القضيتين الكردية والآشورية بتواز بينهما ويعتبرهما قضية كردستانية واحدة والمسؤول عن اضطهاد الشعبين وقتلهما هو الاستعمار البريطاني.
يقول: "وصلتنا رسائلكم مع الشكر وسننشرها. لا يضايقكم التأخير وأنتم تعلمون أن مجال الأكراد في النشر يأتي في مؤخرة جميع أمم الأرض، لا لأنها أفضل من أمتكم بل لأن غاصبي وطنكم لا يستغلونه لخيرهم إلا عن طريق جهلنا القهري.
يرجى من الأكراد الذين يراسلون رئيس التحرير ويطلبون إليه نشر رسائلهم ان يحذفوا كل مديح وشكر له، وهو يقدر لهم عواطفهم.
ان المديح لا يشجعه، ولا يزيد في عزمه. أنه يعمل لبلاده، وأن أمنيته القصوى هي تحرير كردستان. فإذا تحررت، وستحرر عاجلاً أم آجلاً، ويحكمها أبناؤها وتكون أمنيته الأخرى نقل جثمانه إلى أرض الوطن (أي كردستان).
والله لا يحتاج إلى شهود على صدق ما يقول."

كان المفكر والسياسي يوسف ملك قد نال ثلاث جوائز سنية (أوسمة) من الحكومة البريطانية وبعد أن استبان أن بريطانيا نكثت بوعودها ونقضت عهدها للشعوب المضطهدة في نصرتهم ومدّ يد العون إليهم للخلاص مما يلحقهم من ضيم وهضم لحقوقهم واغتصاب لأراضيهم أعاد الجوائز إلى الدولة البريطانية معتذراً بأنه غير ملزم بقبول جائزة ممن لا تقترن أقواله بأفعاله.

وهذه نص الرسالة:
نشرت هذه الوثيقة في جريدة الوجدان، عدد خاص 333/13 في 4 تشرين الأول عام 1956م.

الأوسمة المعادة
كان رئيس التحرير (يوسف ملك) قد أعاد أوسمته الثلاثة إلى الحكومة البريطانية لأن بعد أعمالها البربرية في قبرص لن تبقى صالحة لترمز إلى حقوق الإنسان أو كرامته وقد توالت إعادة أمثال هذه الأوسمة في أقطار كثيرة.
                                        بالبريد المضمون
20 آذار 1956م.
إلى سفير حكومة صاحبة الجلالة البريطانية في لبنان، بيروت.
يا صاحب السعادة،

أعيد مع هذا الكتاب الأوسمة الثلاثة الأتي ذكرها، الواحد منها يمثل " الحرب العظمى في سبيل المدنية 1914-1919" التي منحتني إياها حكومة صاحب الجلالة البريطانية الملك جورج الخامس. أما الأخرى فهي: وسام 1914-1918، وسام 1920.
أعيد هذه الأوسمة إلى مصدرها الأصلي تعبيراً عن احتجاجي على نفي صاحب الغبطة رئيس أساقفة قبرص، مكاريوس الثالث، وزملائه الثلاثة الآخرين لا لجريمة ارتكبوها بل من أجل دفاعهم عن حق مواطنيهم في تقرير المصير والحرية- هذا الحق الذي طالما نادت به انكلترا ذاتها ووقعت على عهود دولية بهذا الشأن كميثاق الأطلسي.
ان نفي المجاهدين الأحرار المناضلين لخير بلادهم ومواطنيهم لا يتفق قطعاً والمبدأ الذي منحت من أجله هذه الأوسمة، لذلك أردها تمسكاً مني بمبدأ حرية الشعوب في تقرير مصيرها وتقديراً لجهاد صاحب الغبطة مكاريوس وزملائه ومواطنيه في سبيل تحقيق هذا المبدأ.
واني يا صاحب السعادة خادمكم المطيع.
يوسف ملك


الجواب البريطاني
السفارة البريطانية: بيروت، 23 آذار 1956م.
(الرقم ميم ألف -101يو-11)
السيد يوسف ملك              ص.ب857 بيروت
سيدي،
أوعز إلي القائم بأعمال سفارة صاحبة الجلالة ان أعلمك باستلام كتابك المؤرخ في 20 آذار الذي أرفقته بثلاثة أوسمة بريطانية.
إننا ستعلم وزير حرب صاحبة الجلالة بقرارك لإعادة هذه الأوسمة وبالأسباب التي حملتك على هذا العمل، وإلى أن نتلقى تعليماته عن هذا الموضوع ستبقى الأوسمة أمانة.
واني سيدي خادمكم المطيع
(ا.جي. غراهام)
المقدم، الملحق العسكري
****

تقول الروائية الداغستانية: "لكثير من الناس أفضال علينا ولكننا قد ننسى أمرهم اذا طال الأمد بيننا وبينهم".
إن للمفكّر الآشوري الكلداني: يوسف ملك و للباحث التركي د. إسماعيل بشيكجي الذي أفنى زهرة شبابه وأمضى سنوات طويلة في السجون والزنزانات التركية وأمثالهما فضلاً ومنة في أعناق الأكراد قاطبة، وعرفاناً ببعض هذا الجميل وجب أن تحفظ ذكراهم في ذهن كل كردي وفكره. وتنقش أسماؤهم على كل الأفئدة وعلى كل ذكرة.

حياته:
ولد في بلدة " تل كيف / تل الحجر"  يوم 15 آذار 1899 . توفى والده ججو فرنسيس عطار وهو في السادسة من عمره فتكفله خواله آل كلوزي الذين دفعوه للتحصيل العلمي، فادخل مدرسة القديس يوسف في بغداد ودرس اللغات العربية والفرنسية والانكليزية والتركية ، ومن ثمّ مدرسة الرشيدية والأمريكان في البصرة حتى عام 1915 ، التحق بالجيش الانكليزي بصفة مترجم وهو في السادسة عشرة من عمره ، بعدها شغل منصب المعاون الشخصي للحاكم السياسي الانكليزي في سامراء وبغداد وأخيرا الموصل. أضطر الى مغادرة بغداد والتوجه الى حلب في سوريا حيث حضر مؤتمرا ( كرديا – آشوريا ) ، ثم ذهب الى بيروت، حيث تعرّف على بعض قياديي ومؤازري منظمة أيوكا التحررية لغرض التعاون وتنسيق الجهود ، خاصة وان هذه المنظمة كانت تقاوم الانكليز من اجل حرية واستقلال قبرص .
في ايلول 1933 رحل الى جنيف لتدويل القضية الآشورية أمام عصبة الأمم، عاد بعدها الى بيروت ليؤسس جريدته المشهورة ( آثرا ) أي الوطن، حيث أصدرها في 15 حزيران عام 1938. باللغات العربية والآشورية والانكليزية والفرنسية.
عندما تسلم حسني الزعيم (كردي الأصل) منصب رئيس الدولة السورية، زاره يوسف ملك بدمشق لتهنئته، فاستقبله رسمياً كاستقبال الرؤساء والملوك، وعرض عليه منصباً رفيعاً في حكومته، فرفضه بإباء كونه منشغلاً بقضية بني جلدته. وقد وعده الزعيم بإيجاد حل منصف لمشكلة الآشوريين الساكنين على ضفاف الخابور، غير إنّ المنية عاجلته اغتيالاً.
في أيار 1956 أتفق يوسف ملك مع صاحب جريدة "الوجدان" السيد: فؤاد البدوي المحتجبة على إصدار أعداد خاصة لنشر الآراء الحرة ومظالم الاستعمار،  فأصدر العدد الأول من جريدته السياسية الأسبوعية " الحرية " بتاريخ 18/كانون الثاني 1957م يدافع فيها عن حق شعبه وشعوب المنطقة المظلومة.
وأخيراً راودته المنية، فاسلم روحه الطاهرة لخالقها في مساء الجمعة الموافق 26 حزيران 1959م.  وأقام أصدقاء الفقيد ومعارفه حفلا ً تأبينيا ً ضم أركان السفارات العراقية والإيرانية واليونانية في بيروت وعدد كبير من الشخصيات اللبنانية الرسمية ومراسلي الصحف اللبنانية والأجنبية وقد افتتحت الحفل الأميرة الكردية روشن بدرخان ثم تعاقب الخطباء يحددون مناقب الفقيد الراحل يوسف مالك منهم المحامي جورج صالحي وابنة الزعيم الآشوري ملكور شليمو والدكتور اديب معوض والمحامي ناظم بطرس (ابن أخ الفقيد) و ريمون لوار نقيب مراسلي الصحف الأجنبية ويوسف كتو وعبد الله الحاج والأب أوغسطين صادق وغيرهم. وهكذا رحل صديق مخلص للشعب الكردي وابن بار للأمة الآشورية.

من مؤلفاته :
1- (فواجع الانتداب البريطاني في العراق ).. باللغة العربية ، طبع في بيروت عام 1932 .
2- (الخيانة البريطانية للآشوريين) .. مجلد كبير باللغة الانكليزية طبع في الولايات المتحدة  عام 1935 ، يعد موسوعا ضخما ومرجعا سياسيا هاما باشر بتدوين مسوداته وهو منفي في قبرص ثمّ أكمل فصوله في جنيف، ترجمه إلى العربية الأستاذ يونان ايليا يونان عام 1981 .
3- (سميل مقبرة الجبابرة المغرر بهم) .. نشره باللغة الانكليزية عام 1938 وترجمت الى الفرنسية.
4- (كردستان او بلاد الأكراد) .. باللغة العربية صدر عام 1945 وهو بحث سياسي حول القضية الكردية وحقوقهم .
5- (خليفة إبليس) ..  باللغة العربية صدر عام 1945 يتناول فيه فريقا خطرا من الدجالين والمشعوذين بالمنطق بأسلوب لاذع .
6- (قبرص وبربرية الأتراك في القرن العشرين )... كتاب سياسي صدر عام 1955 تناول المؤلف فيه بالبحث المشكلة القبرصية والحوادث الدامية التي وقعت في استنبول وأزمير ليلة 6-7 أيلول 1955 .
7- (ذكرى الأمير جلادت بدرخان) .. وضعه بالاشتراك مع المحامي منصور شليطا في تموز 1952 تخليدا لذكرى مرور عام على فقدان صديقه الأمير الكردي الكبير (أمير بوتان) باعث النهضة الكردية القومية والسياسي المحنك واللغوي الضليع .
8- (في ذكرى الدكتور فيليب عبده مبارك) .. كراس خاص لتخليد صديقه .
9- (من هو عبد الله الحاج) .. كتاب يتناول تاريخ حياة وسيرة صديقه النائب الجرئ والخطيب المفوه عبد الله الحاج الذي رددت قاعة البرلمان اللبناني أصداء خطبه النارية .

المصادر:
-رواد من الشرق والغرب: يوسف ملك جندي مجهول تيه قومه/يوسف ناظر/ مجلة القيثارة العدد (107) لسنة 12/1997م.
-سمكو الجباري، جريدة الأهالي العدد الثالث، السنة الأولى، الاثنين 1 تموز 2002 م. وهي جريدة سياسية ليبرالية مستقلة تصدر عن منظمة أصدقاء الديمقراطية-العراق.
-فاروق كوركيس، يوسف ملك الكاتب والمفكر الكلدوآشوري (1899-1959).
- جريدة الوجدان، عدد خاص 333/13 في 4 تشرين الأول عام 1956م. صاحبها ورئيس تحريرها: فؤاد البدوي. المدير المسؤول: اسكندر البستاني. رئيس تحرير القسم الخاص: يوسف ملك. بيروت- لبنان.

صفحات: [1]